(5)
سلسلة انتفاضة الأقصى
المقاومة الفلسطينية
وإشكاليات التبني للعمليات العسكرية
تأليف
الأستاذ / أسامة عامر
الباحث المتخصص في شئون المقاومة الفلسطينية
الأستاذ / مؤمن بسيسو
الباحث المتخصص في شئون المقاومة الفلسطينية
رجب/1425هـ - سبتمبر/2004م
شكر وتقدير
يتقدم المركز العربي للبحوث والدراسات للأخوين الباحثين الفاضلين أ.أسامة عامر و أ.مؤمن بسيسو وللأخوة العاملين في المركز, ولبعض الأساتذة الكرام في الجامعات الفلسطينية, ولجميع الذين تعاونوا معنا, بجزيل الشكر والتقدير, على الجهود الطيبة التي بذلوها لإنجاح خروج دراسة (المقاومة الفلسطينية.. وإشكاليات التبني للعمليات العسكرية) إلى النور, سائلين المولى عز وجل أن ينفع بها كل المخلصين والغيورين والشرفاء من أبناء شعبنا المعطاء, وأن يوفق الله بين أبناء شعبنا الفلسطيني إلى ما فيه مصلحة ديننا وطننا وقضيتنا العادلة.
رئيس المركز
م.إسماعيل عبد اللطيف الأشقر
غزة – فلسطين
رجب/1425هـ- سبتمبر/2004م
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
... تشكل المقاومة الفلسطينية فجراً جديداً للأمة، وحالة من حالات الإسناد والاستنهاض لها، ونوعاً من اليقظة الحضارية التي تستهدف مواجهة أشكال الردة والتبعية الداخلية من جهة، والهيمنة والاستحواذ الخارجي من جهة أخرى.
لذا، فإن وقع آثار الفعل المقاوم في نطاقاته الجغرافية المحدودة بحدود فلسطين المحتلة، لا تقتصر فحسب على الداخل الفلسطيني أو الصهيوني، بل تتعداه إلى مديات أوسع ونطاقات أكبر، وتتجاوزه إلى حيث أبعاده الإقليمية، والعربية, والإسلامية، والدولية، لتشكل بذلك مشروعاً نهضوياً ذا صفة حضارية، ترتكز عليه آمال عراض لوقف عجلة التخلف السياسي والثقافي والاجتماعي في الأمة، وإصلاح شئونها، بما يؤهلها لمجابهة التحديات الخطيرة التي تستهدف طمس حضارتها، ومسخ كيانها، وإغراقها في دوامة الذل والتبعية إلى الأبد.(1/1)
ومن هنا فإن الإنجازات التي تحققها المقاومة الفلسطينية يوماً بعد يوم، تفرض نفسها بقوة في عمق السياسة المحلية والإقليمية، وتتفاعل في قلب المعترك السياسي الدولي، وتترك بصماتها هنا وهناك، كإحدى القضايا الأكثر سخونة وتأججاً في العالم.
وانسجاماً مع هذه الحقيقة فإن صفحة المقاومة الفلسطينية ينبغي أن تبقى ناصعة لا يشوبها غبش، أو يعتريها أي شكل من أشكال السواد، على طريق تهيئة مناخ صحيح وسليم، يمكّن من استثمار إنجازاتها وتطوير إيجابياتها، وتوظيفها في إطار خدمة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وحقوقه المشروعة.
ورغم ذلك، وللأسف الشديد، فإن بعضاً من السلبيات لا زالت تحتل مكانة واضحة على أجندة بعض فصائل المقاومة الفلسطينية، ولا تلقى الاهتمام المطلوب الذي يصب في اتجاه مكافحتها ومواجهتها والتقليل من آثارها ومساوئها ومضارها التي لا تطال الساحة الفلسطينية فحسب، بل تتجاوزها لتطال سمعة المقاومة الفلسطينية, وصورتها وشرفها، ومدى الزخم والتعاطف والتفهم الذي تحصده خارجياً.
ولا شك فإن إشكالية التبني المغلوط التي تتولى فيه إحدى أو بعض فصائل المقاومة تبني عمليات غيرها من الفصائل الأخرى، تشكل واحدة من أبرز الإشكاليات التي تغزو ساحة العمل الفلسطيني المقاوم، وتساهم في توتير الأجواء وتسميم العلاقات بين بعض فصائل المقاومة في العديد من الأحيان.
ورغم أن هذه الإشكالية صاحبت العمل العسكري الفلسطيني المقاوم منذ انطلاقته الأولى ضد الاحتلال الغاصب، واكتوت بنارها العديد من فصائل المقاومة، إلا أن جهداً حقيقياً وفعلاً ملموساً لم يبذل للقضاء على هذه الظاهرة، أو الحد منها وتقليل سلبياتها على أقل تقدير.(1/2)
ومن هنا تأتي هذه الدراسة التي تعتبر الدراسة الخامسة في إطار سلسلة تأريخ أحداث انتفاضة الأقصى، لتسلط الضوء على هذه الظاهرة، وتكشف أسبابها وبواعثها، وخلفياتها المتعددة التي برزت في إطارها, فألقت ظلالاً سلبية على العلاقة بين الفصائل الفلسطينية عامة.
وقد بذلنا قصارى جهدنا، واستفرغنا وسعنا، في سبيل تأمين معطيات دقيقة ومعلومات صحيحة، تكرس دقة هذه الدراسة وموضوعيتها، وتمنحها مزيداً من القبول على الساحة الوطنية، وتضفي عليها مستوى كافياً من المسئولية الوطنية في إطار معالجة بحثية لظاهرة من هذا القبيل، يتنزه بعض الناس عن ولوج دربها، وينأى بنفسه عن خوض ميدانها، الحافل بالأشواك والتشابكات والتعقيدات.
وكي تكون المعالجة سليمة، وتشخيص الظاهرة واضحاً لا لبس فيه، فقد اتخذنا من الصدق أداة ومنهاجاً، اهتدينا بإشعاعاته في سياق دراستنا، وألقينا بلغة المجاملات وراء ظهورنا، بعيداً عن أية حساسيات أو اعتبارات، لا مكان لها في صلب دراستنا وتفصيلاتها.
ومع ذلك، وما دامت الحقيقة عنواناً منشوداً لنا، وهدفاً نستحث الخطى لأجل تحقيقه والوصول إليه، فإن الالتزام بمقتضياتها يغدو جزءاً لا يتجزأ من الأمانة العلمية، وأمانة البحث والكلمة المسئولة، التي تضع يدها على مواطن الخلل، وتشير بالبنان إلي موقع الداء، وتحدد شكله وحجمه، وطبيعته وتفصيلاته، بما يفيد في إرساء خطة وطنية موحدة لمحاربة هذه الظاهرة، وتجاوز آثارها وتداعياتها ونتائجها، وضمان عدم استمرارها وتكرارها وتعكيرها للأجواء والعلاقات الوطنية.
إن هذه الدراسة لا تنحاز إلى أفكار مسبقة أو مواقف بذاتها، بل تنحاز إلى الحقيقة، والحقيقة فقط، ولن يضيرنا تقاطع فحوى ونتائج هذه الدراسة مع هذه الجهة أو تلك، أو توافقها مع هذا الموقف أو ذاك، فالحق أحق أن يتبع، والحق يعلو ولا يعلى عليه مهما كانت الظروف.(1/3)
ولئن بدا أن بعض جزيئات الدراسة قد حملت انتقاداً لممارسات وسياسات معينة، فإن المعطيات والمعلومات التي أوردتها الدراسة تغني عن كل تعريف أو بيان، وتبطل أية محاولة للتشكيك أو إساءة الظن والنوايا، وتضع الأمور في موضعها الصحيح.
إن الحقيقة الأهم التي ينبغي استيعابها، أن الدراسة ليست محاولة للمعايرة، أو تسجيل المواقف، وإنما تمثل شكلاً من أشكال المواجهة والتصادم بين الأفكار، بغرض استجلاء الحقائق، ودرء الإشكاليات والخلافات التي تؤرق الساحة الوطنية، وترهق بال كل الغيورين على المصلحة الوطنية, فهذا الموضوع، لأهميته وخطورته وحساسيته، ليس من المواضيع المقفلة على البحث، ولا من القضايا المقدسة على التمحيص والنقاش، فكل شئ قابل للأخذ والرد، والوضع على مشرحة النقد والتحليل العلمي، بعيداً عن أية مواقف أو اعتبارات جانبية.
إن هذه الدراسة بقدر ما تستهدف ملفاً من الملفات المستعصية، وكشف عيوب وسلبيات ظاهرة من أسوأ الظواهر في إطار العمل المقاوم، بقدر ما تستهدف وضع الخطوة الأولى في إطار مناهضة هذه الظاهرة المعضلة، وإرساء خطوة، ولو أولية، على طريق التحلل من مضارها ومساوئها، وإعادة رسم العلاقات الوطنية الداخلية على أسس صحيحة وقواعد سليمة.
هذا جهدنا، فإن أصبنا فمن الله عز وجل, وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان, وكل قول يؤخذ منه ويرد عليه, والحقيقة قصدنا, والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
والله نسأل أن يجنب شعبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن ييسر له سبل الوحدة والتفاهم والتوفيق، إنه على ما يشاء قدير.
الأستاذ الباحث/ مؤمن بسيسو ... ... ... الأستاذ الباحث/ أسامة عامر
غزة – فلسطين
رجب/1425هـ- سبتمبر/2004م
مدخل/
علاقات الفصائل الفلسطينية ميدانياً:(1/4)
أفرزت انتفاضة الأقصى واقعاً جديداً يختلف عن الواقع الذي ميز مرحلة أوسلو بسنيها العجاف، فقد أحيت المقاومة الفلسطينية سمت المجاهدين الأولين, والتقطت – من جديد- أنفاسها التي احتبست تحت ثقل الإجراءات والالتزامات الأمنية التي فرضتها اتفاقات أوسلو، وتشكلت قوى عسكرية، مثل كتائب شهداء الأقصى(1)، وسرايا القدس(2)، وكتائب أبو علي مصطفى(3)، وكتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية(4)، وألوية الناصر صلاح الدين(5)، لتنخرط في ميدان المقاومة ضد الاحتلال، وتشيّد معادلة فلسطينية صلبة، تقوم على استمرار المقاومة وتصعيد وتائرها بعيداً عن أحاديث التسوية والتفاوض، التي ديست تحت جنازير دبابات الاحتلال وصواريخه وطائراته ونيران آلته العسكرية المجرمة.
وقد تجلت العديد من الظواهر والممارسات في سياق العمل المقاوم، لتتشكل شيئاً فشيئاً منهجية محددة وتقاليد معينة تحكم العلاقات المتبادلة لفصائل المقاومة في جوانبها الإيجابية أحياناً والسلبية على حد سواء.
فالواقع الجغرافي الضيق، وكثرة الناس والسكان, وتشابك العلاقات والانتماءات السياسية داخل المجتمع الفلسطيني، عوامل مؤثرة في إرساء قواعد منهجية وبسط جسور علاقات ممتدة ومتداخلة بين أطر وفصائل المقاومة الفلسطينية.
__________
(1) قاتلت حركة فتح تحت اسم "الفهد الأسود" و"صقور الفتح" في الانتفاضة الأولى عام 1987م التي انتهت باتفاقية أوسلو.
(2) قاتلت حركة الجهاد الإسلامي في الانتفاضة الأولى عام 1987م تحت اسم القوى الإسلامية المجاهدة" قسم".
(3) قاتلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الانتفاضة الأولى عام 1987م تحت اسم "النسر الأحمر".
(4) قاتلت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في الانتفاضة الأولى عام 1987م تحت اسم "النجم الأحمر".
(5) تشكيل عسكري جديد ظهر مع بداية انتفاضة الأقصى المباركة, من المجاهدين والمقاتلين الذين تركوا حركة فتح واستقلوا بهذا الاسم.(1/5)
ويمكن الإشارة إلى الأسس والقواعد التي استندت إليها العلاقات المتبادلة لفصائل المقاومة إبان انتفاضة الأقصى في النقاط التالية:
أولاً: حرمة الدم وصيانة السلاح:
فقد حافظت فصائل المقاومة الفلسطينية على نقاء سلاحها، ولم تمتد أيدي عناصرها لتلوث سمعة وشرف السلاح المقاوم الذي بقي مشرعاً في وجه العدو الصهيوني، في ثابت وطني كرس حرمة الدم الفلسطيني، وتجريم إراقته أو التسبب في إسالته مهما كانت الظروف، ومهما بلغت الاختلافات والتباينات الفصائلية حيال المواقف والأحداث والقضايا المختلفة.
فلم يجر على انتفاضة الأقصى ما جرى للانتفاضة الأولى التي شهدت بعض الحوادث المؤسفة بين الأطر والحركات الفلسطينية، بل إن انتفاضة الأقصى وما حملته من فشل لمشروع التسوية وتعزيز لخيار المقاومة، قد كان لها فضل إرساء أسس وحدة ميدانية حقيقية أمكن تلمسها في سياق كثير من الأحداث والمواقف والقضايا، بحيث باتت مفاهيم وموجبات الوحدة أصلاً ثابتاً من أصول العلاقات والسياسات والمواقف الوطنية، وغدت نوازع الفرقة والانقسام أمراً منبوذاً وخارجاً عن سياق الفهم والتحرك والموقف الوطني الفلسطيني.
ثانياً: التنسيق المشترك:
وهي ظاهرة لم تنشأ أو تتبلور إلا في إطار انتفاضة الأقصى، فقد غاب التنسيق المشترك عموماً بين فصائل العمل الوطني والإسلامي إبان الانتفاضة الأولى، باستثناءات محدودة لم تتسع أو تتطور لتشكل ظاهرة أو قاعدة لعمل مشترك.
ويتوزع التنسيق المشترك الذي شهدته انتفاضة الأقصى على مستويين اثنين:(1/6)
المستوى الإعلامي: حيث كثرت البيانات المشتركة التي تصدر بشكل موحد عن فصائل المقاومة الفلسطينية، إن بشأن الإعلان عن عمليات عسكرية مشتركة ضد قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين أو داخل فلسطين المحتلة عام 1948، أو بشأن الإعلان عن مواقف محددة تجاه التطورات السياسية أو المستجدات الميدانية، وهو ما يمنحها قوة اعتبارية وميدانية كونها تعبر عن تقارب وتعاون بين فصائل المقاومة، أو تكرس مواقف تجمع عليها فصائل المقاومة أو الغالبية منها.
المستوى الميداني: ويتمثل في قيام فصائل المقاومة أو بعضها بالتخطيط لتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة، مما أثقل على العدو الصهيوني، وأبرز لحمة المقاومة وتكاتفها واستعدادها للتوافق على وحدة ميدانية دون الوحدة السياسية التي تعترض سبيلها عراقيل جمة.
ويعتبر التنسيق العملياتي الميداني أعلى صور التعاون والتنسيق التي ميزت العلاقات المتبادلة بين أجنحة المقاومة الفلسطينية.
ثالثاً: التنافس:
وهي صفة دائمة لازمت كافة مراحل النضال والكفاح الفلسطيني، ولا زالت تهيمن على سلوك الواقع الفصائلي داخل فلسطين وخارجها.
فالعمل العسكري ضد قوات وكيان الاحتلال، وإيقاع الخسائر الفادحة في صفوف الصهاينة، يشكل أملاً لجميع القوى والفصائل الفلسطينية الحية، وعامل استقطاب لجهودها وطاقاتها، وبؤرة تركيز لأهدافها وسياساتها، مما يجعل من أمر العمل العسكري أولوية متميزة، وذا شأن رفيع في سياق الجهد والسياسة الفصائلية، ويجعل جمع رصيد هام من العمليات العسكرية همّاً دائماً ومستمراً لفصائل المقاومة، يمنحها المزيد من المصداقية السياسية والوطنية في الدفاع عن الأرض والشعب والمقدسات، ويرفع من تأييدها الجماهيري الشعبي الذي يشكل السياج الواقي والقوة الدافعة لأي قوة سياسية أو جهادية فلسطينية.(1/7)
ومن هنا كان التنافس بين أطياف العمل الجهادي والثوري الفلسطيني في ميدان الجهاد والمقاومة السعي الحثيث لتنفيذ ما تيسر من أعمال المقاومة، والإعداد والتخطيط لتنفيذ أكبر عدد ممكن منها, سمة غالبة على انتفاضة الأقصى.
وينقسم التنافس الفصائلي إزاء أعمال المقاومة ضد الاحتلال إلى قسمين اثنين:
تنافس شريف ومشروع: وهو تنافس يدور في إطار العمل والتخطيط لإيذاء الاحتلال، بحيث يحرص كل فصيل على ترسيخ أقدامه في ميدان المقاومة، وتنفيذ ما يستطيع من العمليات العسكرية، ويتبنى – فقط- ما ينفذه منها دون أي علاقة بعمل وجهد الفصائل الأخرى.
... ولا شك أن هذا اللون من التنافس مشروع ومستحب، وموضع تشجيع وإسناد من الجميع، فهو يعزز من الخيار المقاوم للاحتلال، ويفتح المجال أمام منافسة شريفة تؤلم العدو وتذود عن حياض الوطن والمقدسات.
تنافس مذموم وغير مشروع: ويتمثل في قيام أحد أو بعض فصائل المقاومة بتبني العمليات الفدائية التي ينفذها فصيل آخر، ونسبتها إليها دون أن يكون لها أي علاقة حقيقية بها أو بتفاصيل التخطيط لها وتنفيذها.
وقد سادت بعض هذه الممارسات إبان الانتفاضة الأولى إلا أنها لم تتحول إلى ظاهرة تفرض نفسها في واقع العمل المقاوم آنذاك، وبقيت في إطارات وحجوم محددة، خلافاً لانتفاضة الأقصى التي غلب عليها العمل العسكري المقاوم، وباتت فيها العمليات العسكرية المسلحة العمود الفقري للانتفاضة وسمتها الرئيس.
وترجع أسباب نشوء هذه الظاهرة إبان الانتفاضة الراهنة إلى رغبة بعض الفصائل في إثبات ذاتها النضالية، في محاولة لرفع أسهمها الشعبية، واحتلال موقع متميز على الساحة الوطنية، وتثبيت نفسها كقوة فاعلة في المجتمع الفلسطيني.(1/8)
ويشير تحليل هذه الظاهرة إلى كونها ظاهرة مرضية خطيرة، مؤسسة على نوايا غير سويّة وأهداف غير مستقيمة، لا تتعلق بانحراف مؤقت عن جادة الحق والصواب، أو زيغ لحظي عن شرف الأصول والمبادئ التي تحكم الفعل المقاوم، بل تتعلق بظاهرة دائمة ومستمرة ومتنامية تشكل تهديداً واضحاً وخطراً كبيراً يمس العلاقات الوطنية في كثير من الأحيان، ويساهم في تغذية نوازع التوتر والاحتقان بين أطياف العمل الوطني والإسلامي.
ويمكن تلمس خطورة هذه الظاهرة وأثرها على العمل الوطني الفلسطيني من خلال:
استنزاف الساحة الفلسطينية الداخلية في معارك جانبية يتسبب في إثارتها الفصيل المتبني لعمليات الآخرين.
تأليب النفوس وإثارة التوتر والشحناء بين الفصائل الفلسطينية ذات العلاقة، وتكريس حالة من الاستياء والإحباط في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني قد تؤثر على حالته المعنوية والنفسية وتهز من استقراره، بما ينسجم مع مخططات الاحتلال الهادفة إلى تدمير معنويات الفلسطينيين، وبث اليأس والقنوط والإحباط في نفوسهم.
ج- الإسهام في تباعد أطر وفصائل المقاومة عن بعضها البعض، وإثارة النفور والتفرق فيما بينها، بدلاً من التقريب فيما بينها، وتعزيز أواصر الأخوة والانسجام والتكافل والتعاون بين الجميع.
د- تشويه صورة المقاومة الفلسطينية والجهاد الفلسطيني الناصعة، والإضرار بها في أعين العالم الخارجي، وإلباس المقاومة لبوساً سيئاً وأردية شوهاء، وإظهار الحيثيات المؤسفة المرافقة لعمليات التبني المغلوط، وردود الفعل الناجمة عنها، بمظهر بائس لا يليق بسمعة الشعب الفلسطيني ومسيرته الجهادية المشرقة.
و- الإخلال بأهم أسس وركائز العمل الفدائي والجهادي، والتعاطي معه بوصفه غنيمة تستلزم النهب والسلب، أو كعكة تستوجب الهيمنة والالتهام، قطعاً للطريق أمام الآخرين، أو مشروعاً تجارياً قابلاً لكافة أشكال النصب والاحتيال.(1/9)
وما من شك فإن، إشكالية قيام فصيل أو بعض فصائل بتبني عمليات الآخرين، تشكل أرقاً كبيراً لكافة الغيورين على مصلحة المقاومة الفلسطينية، والساعين لرصّ صفها، وتعزيز وحدتها وآفاق تعاونها، والتقريب فيما بينها، وتمثل عقدة هامة في سلسلة العلاقات المتبادلة بينها، وحاجزاً واضحاً أمام تطوير وتفعيل آليات الانسجام بين أفرادها، لما لهذه الإشكالية من آثار نفسية ومعنوية بالغة السوء تشي بنوايا غير حسنة لمن يقترفها، وتعبر عن تجاوز كبير وعدم التزام بالأصول الأخلاقية والوطنية والدينية التي تحرّم سلب حقوق الآخرين، وتنكر ادعاء جهة ما ملكية الفعل أو الحدث ونسبته إليها، بشكل يغمط حق الآخرين الذين بذلوا جهدهم واستوفوا طاقتهم لإنجاز هذا العمل، وبات من حقهم أن يستثمروا نتائجه دون مزاحمة أحد لهم.
ولأهمية هذه الإشكالية، وخطورة تداعياتها على الواقع الفلسطيني الداخلي، وتحولها إلى سلبية مقلقة في المجتمع الفلسطيني، كان لابد من تناولها بالشرح والتحليل، وتفنيد أسبابها وبواعثها، والخلفيات المختلفة لأصحابها والمبتلين بها.
الفصل الأول
الغايات والأهداف
لا شك أن ظاهرة التبني المغلوط لعمليات الآخرين لم تنشأ من فراغ، أو تتبلور من العدم، بل هي ظاهرة لها أهدافها وغاياتها، فالفصائل التي تجترح مثل هذا الصنيع، وتعتمد مثل هذه السلوكيات، تهدف – بلا ريب- إلى تحقيق عدة أهداف وغايات من ورائها، تتوزع ما بين الشأن الداخلي والشأن الخارجي، وتتناول جوانب وجزئيات مختلفة.
وقد تستهدف الفصائل في تبنيها لعمليات غيرها تحقيق هدف أو مجموعة أهداف في سياق الأهداف التي سنتناولها بشكل تفصيلي، والتي تتمثل فيما يلي:
أولاً: اكتساب التأييد الجماهيري:(1/10)
فالواضح تماماً أن العمل العسكري المقاوم يحظى باهتمام كبير في أوساط الجمهور الفلسطيني المتعطش للثأر والانتقام من الصهاينة المحتلين الذين ساموا الفلسطينيين سوء العذاب، وقتلوا من قتلوا، واغتالوا من اغتالوا، ودمروا ما دمروا، وشردوا من شردوا، وجرفوا ما جرفوا، وفرضوا الحصار والإغلاق والأطواق الأمنية، وأحالوا حياة الشعب الفلسطيني إلى جحيم لا يطاق.
وسط هذا كله لا شك أن أي عملية جهادية، وخاصة لو كانت كبيرة وموجعة، لن تقابل من الغالبية الساحقة من الفلسطينيين إلا بالهتاف والزغاريد، والتأييد والتشجيع والمطالبة بالمزيد، كونها تطفئ شيئاً من غلواء النار المحرقة التي تنهش كيانهم بسبب جرائم الاحتلال، وترسخ فيهم إرادة التحدي ومقارعة العدو الصهيوني حتى النهاية.
لذلك فلا عجب أن ترتقي فصائل المقاومة إلى مرتقيات واضحة في نفوس الفلسطينيين، وأن تنال إعجابهم ودعمهم وتأييدهم، وتحظى بمكانة خاصة لديهم.
وكلما كان الفصيل المقاوم أكثر انخراطاً في أعمال المقاومة، وأكثر تنفيذاً للعمليات الفدائية الموجعة، كلما كان أكثر تأييداً وشعبية، وأفضل مكانة وحضوراً في قلوب الفلسطينيين.
ومن هنا كان حرص بعض الفصائل على زيادة رصيدها الجهادي، ومحاولة جمع أكبر عدد ممكن من العمليات العسكرية إلى سجلها الكفاحي.
ولا شك أن هذا الهدف مشروع إن اقترن بالصدق وعدم التغول على حق الآخرين، إلا أنه يفقد مشروعيته ويصبح بلا معنى حين يتطاول فصيل ما أو فصائل بعينها لتحاول تسمين سجلاتها الكفاحية بأي ثمن، ودون أي مراعاة للأصول الوطنية أو القواعد الأخلاقية، عبر قيامها بتبني عمليات غيرها، وخوض المساجلات والنقاشات وإصدار البيانات المضللة التي تزعم نسبة هذه العملية أو تلك إليها، في مشهد بائس لا يمت إلى الدين أو الخلق أو الوطنية بصلة.(1/11)
ومع ذلك فإن الجمهور الفلسطيني التي تحاول فصائل التبني المغلوط استقطابه يبقى أكثر وعياً وفطنة من أولئك الذين يحاولون استغفاله وخداعه، وترويج الأكاذيب والأباطيل وألوان التضليل لضمان تأييده وولائه، وأكثر قدرة على تمييز الصالح من الطالح، والعامل المجدّ المخلص من المدعي المضلل الكاذب.
فلا خوف على الجمهور الفلسطيني الذي أنضجته المحن وصقلته الخطوب، ولا خشية على رجاحة عقله وتفكيره، فهو يدرك تماماً حقيقة الأمور، بل يرى بأم عينه المجاهدين الصادقين الذين يحملون أرواحهم على أكفهم، ويسيرون إلى حيث المنون ولقاء العدو، بخطى واثقة، ويثخنون فيه القتل والتجريح، ويرى في الوقت ذاته أولئك المدعين، وهم يتطاولون برؤوسهم أمام عدسات الكاميرات، ويشرعون ألسنتهم فحسب في وجه دبابات وجرافات الاحتلال، ويبتعدون عن بؤرة المواجهة الحقيقية، فيما المجاهدون الصادقون يرابطون على خطوط المواجه الأمامية، ويقارعون دبابات وجرافات وآليات وطائرات العدو بأجسامهم المجردة، وما تيسر لهم من أسلحة خفيفة وعبوات ناسفة وقذائف موجهة، ويبذلون دماءهم وأرواحهم رخيصة فداء لدينهم ووطنهم وقضيتهم.
وفي حقيقة الأمر فإن هذا الهدف لا يسير إلى حيث يرجى له أن يسير، بل ينقلب وبالاً على صاحبه، فصيل أو فصائل التبني المغلوط، من حيث اكتشاف أمرها أمام شعبها، وفشلها في تحقيق هدفها ومرادها.
ثانياً: تحقيق مكاسب سياسية واجتماعية:
لا شك أن الدفاع عن الشعب الفلسطيني، والذود عن حياض أرضه ومقدراته، يؤهل صاحبه لنيل مكانة واحترام كبيرين في أوساط الشعب الفلسطيني وطبقته السياسية وشرائحه الاجتماعية، ويحفر له موقعاً متميزاً في سياق منظومة العلاقات والأدوار السياسية والاجتماعية على الساحة الوطنية.(1/12)
فمن يدافع عن الأرض والشعب والمقدسات يحق له لعب دور هام وفاعل في بناء الوطن ومؤسساته، كما يحق له الإسهام في إبداء الرأي والمشورة، والإدلاء بالأفكار والمقترحات، وتقديم المواقف والسياسات التي تخدم الوطن، وتصب في صالح أبنائه، وتعزز قضيته، فضلاً عن المشاركة في صنع القرار السياسي وتقرير المصير الوطني.
وبلا ريب فإن هذه المكاسب السياسية والاجتماعية - لا شك- مكاسب مشروعة، وحق طبيعي لا يماري فيه أحد، أو يشكك فيه عاقل رزين أو منصف نزيه.
غير أن هذا الهدف يفقد مشروعيته، حين يتأسس على الكذب والباطل، وذلك حين يحاول فصيل أو بعض الفصائل ادعاء شرف الدفاع عن الشعب الفلسطيني من خلال تنفيذها لعملية جهادية أو أكثر، لتراكم – بالتالي- دوراً سياسياً واجتماعياً في المجتمع الفلسطيني، دون أن يكون لها أية علاقة بهذه العملية.
إن الحقيقة التي ينبغي أن ينتبه لها كل من تسول له نفسه السقوط في براثن هذه الظاهرة أن الشعب الفلسطيني طيب لا يقبل إلا طيباً، وأن الخبث لا مكان له في صفوفه وبين جوانحه، وأن احتضانه وولاءه لن يكون إلا للعاملين المخلصين، المجاهدين الصادقين، الذين ينشغلون بمقارعة الاحتلال والتخطيط لضربه، لا بسلب حقوق الغير، وحرمانهم عملهم وجهدهم، والتخطيط لخوض سجالات بائسة معهم لإثبات شئ لم يكن، وتأكيد أمر لم يقع أبداً.
ثالثاً: زيادة الرصيد المقاوم لأهداف إعلامية:
يبدو هذا الهدف ماثلاً بقوة، إذ أن غالبية من فصائل المقاومة تقع ضحية الشرك الإعلامي الدعائي، وتستهويها الرغبة في الظهور أمام الفضائيات، ليصبح الاستثمار الإعلامي هدفاً أساسياً من أهداف مقاومتها، وغاية رئيسية من غايات جهادها وكفاحها في مواجهة الاحتلال.(1/13)
وغالباً ما يعمي هذا السلوك بصيرة صاحبه، فيقع في مطبات ومنزلقات، ويعتقد – وسط النشوة والبريق- أنه قد بلغ القمة والذروة، وأنجز ما لم ينجزه الأولون وما لن ينجزه اللاحقون، معرجاً على هذا وذاك، بمنهجية خاطئة، ورؤية تفتقر إلى الدقة والتماسك في بعض أو كثير من جزئياتها، معتقداً أن الساحة الجهادية والكفاحية أضحت ملكاً له أو لفصيله، وأن الآخرين ما هم إلا ذوي أدوار محدودة في إطار المعادلة الكفاحية.
وكثيراً ما تبرز هذه الظاهرة على أرض الواقع، فما أن تقع عملية جهادية أو يحدث حادث مقاوم حتى ينبري هذا الفصيل أو ذاك، وبعفوية خاطئة وباستعجال مقصود، في الإعلان عن مسئوليته، دون أية مراعاة للاعتبارات الأمنية والمعايير الميدانية ولربما الظروف السياسية التي قد تفرض نوعاً من التروي والتأجيل في التبني، وقد تجد من الفصائل من يتبنى هذه العملية زوراً وتضليلاً، لكسب مجد لم يبلغه، وتسجيل رقم جديد في سجل العمليات الخاصة به، والتي قام بتنفيذ جزء منها بشكل فعلي وحقيقي، وادعى مسئوليته عن الجزء الآخر، وهي (أي العمليات) أبعد ما تكون عن تخطيطه وتنفيذه والعلاقة به.
وتكمن خطورة هذه الظاهرة التي تهيمن على بعض فصائل المقاومة في المسألتين التاليتين:
أنها تجعل من عمليات المقاومة هدفاً بذاته، وليست وسيلة لتحقيق هدف التحرر والاستقلال والحرية.
أنها تسيء إلى الشعب الفلسطيني وقضيته ومقاومته عبر اختزالها في نطاق إعلامي دعائي ضيق.
وما دام تنفيذ عمليات المقاومة لأهداف إعلامية بحتة، وللظهور بمظهر الأفضل فصائلياً، أمراً سيئاً بكل المقاييس، فكيف لو تعلق الأمر بقيام أحد أو بعض الفصائل بالتبني المغلوط لهذه العمليات خدمة لأهدافها الإعلامية.
لا شك أن الأمر سيكون أشد وأنكى، وأكثر سوءاً وامتعاضاً.(1/14)
إن الاستثمار الإعلامي لأعمال المقاومة حق طبيعي بل وواجب ملح ينبغي أن يصب في إطار الصالح العام، وأن يتجه لخدمة القضية الوطنية باعتباره وسيلة لا غاية، ودون أي تجيير للمنطق الحزبي الفصائلي الضيق.
ولا شك فإن هناك بوناً شاسعاً بين فصيل يتخذ من المقاومة وسيلة نبيلة لتحقيق غايات شعبه، ويحاول ما أمكن استثمارها لخدمة القضية وتعزيز مشروع المقاومة، وبين فصيل يتخذ منها هدفا لزيادة رصيده، بغرض التباهي بها أمام الناس ووسائل الإعلام، فيما بعضها (أي عمليات المقاومة) لا تمت له بصلة إلا توهماً وادعاءً.
رابعاً: إثبات المصداقية والذات النضالية:
وهو هدف تسعى كافة الفصائل المقاومة إلى تحقيقه والوصول إلى تجسيدات حقيقية له على أرض الواقع، فإثبات المصداقية وتأكيد القدرة الجهادية أمور بالغة الأهمية وقضايا شديدة الحساسية، لها مفاعيلها الواسعة وآثارها الكبيرة في ساحة العمل الفلسطيني المقاوم ضد الاحتلال.
فإثبات المصداقية هدف أساسي، فهو يتعلق بإثبات مصداقيته في الشأن السياسي، وتطبيق البرامج والأهداف التي يدعو لها، كي يحظى بثقة الناس والجماهير، وينال احترام وتقدير الشرائح السياسية والثقافية داخل المجتمع.
وكذلك فإن تأكيد قدرة الفصائل على تنفيذ العمل الجهادي جزء هام وأساسي في صلب الاستراتيجية الفصائلية.
وذلك كله لا يتحقق إلا بخوض غمار العمل العسكري ضد الاحتلال، وتنفيذ أكبر قدر ممكن من العمليات الجهادية والفدائية.
ورغم سمو هذا الهدف، وأحقية فصائل المقاومة بالسعي لتحقيقه، إلا أن هذه الأحقية سرعان ما تختفي، بتشوه الوسيلة المستخدمة لتحقيق هذه الغاية.
فالفصيل الذي يتبنى عمليات الآخرين لادعاء مصداقيته وتأكيد ذاته النضالية وقدرته الجهادية هو فصيل فاقد للمصداقية، مشكوك في قدراته، لا يتوقع له موقعاً أو مكانة أو تقديراًً داخل المجتمع وشرائحه وطبقاته المختلفة.
خامساً: الاستقطاب والتعبئة الداخلية:(1/15)
إن من أبجديات العمل التنظيمي وبديهيات العمل الوطني المنظم أن يحرص كل فصيل وتنظيم على زيادة أنصاره ومؤيديه، واحتواء واستيعاب ما أمكن منهم داخل أطره وهياكله التنظيمية، إذ أن فصيلاً أو تنظيماً يعيش على الفقر العددي والكمي، ولا يتكاثر عناصره وأنصاره ومؤيدوه، هو فصيل ضعيف، بينه وبين الفاعلية والتأثير في معادلة السياسة والواقع مفازة شاسعة، وقد تودي به نوائب الأيام، وتعصف به عاديات الأحداث ليأخذ طريقه نحو الضمور والاضمحلال.
لذلك كان حرص فصائل المقاومة على تكثير سوادها، وحشد المزيد من العناصر والأنصار إلى صفها، تمتيناً لصفها الداخلي، وتقوية لأطرها وهياكلها، وتوسيعاً لأنشطتها وفعالياتها، وضماناً لاستمراريتها وعدم تجاوزها أو القفز عنها من أي جهة كانت.
وإن كان للاستقطاب الخارجي موقع هام على أجندة الجهود الفصائلية فإن الحفاظ على العناصر والأفراد هدف آخر لا يقل أهمية عن سابقه، إذ تسعى فصائل المقاومة إلى ترسيخ انتماء عناصرها عبر تعبئة تنظيمية مركزة لا يعتريها الخور أو الفتور.
وما من شك فإن انتهاج أسلوب العمل العسكري، وتنفيذ العمليات الجهادية ضد الاحتلال معين خصب للحفاظ على وتيرة عالية من الاستقطاب الخارجي والتعبئة الداخلية، ومنبع لا يفتأ يمدّ هذا الفصيل المقاوم أو ذاك بروافد متجددة من العناصر والمؤيدين، المهيئين للتعبئة والإرشاد، والتمسك بفصيلهم والدفاع عنه، وخدمة أهدافه وبرامجه.
ولئن كان في ذلك هدف مشروع لا غبار عليه، إلا أن هذه المشروعية لا تلبث أن تتطاير على وقع الوسيلة المعوجة والمنحرفة التي تستخدم لتحقيق الهدف المشروع، فكيف يمكن الرضى والقبول بالسلوك القائم على قيام فصيل ما بتبني عمليات الآخرين بغرض استثمارها في مجال الاستقطاب والتعبئة؟! وهل يمكن تسويغ وسيلة مرفوضة من أجل تحقيق هدف نبيل؟!
سادساً: المناكفة في إطار التنافس الأيديولوجي:(1/16)
وهذا الهدف يقتصر على بعض فصائل المقاومة التي يجمعها رابط أيديولوجي واحد، ويمكن الإشارة إلى الرابط الأيديولوجي على الساحة الفلسطينية حصرياً في القوى الإسلامية واليسارية فحسب، مع استثناء القوى اليسارية في سياق الحديث عن هذا الهدف التي لم تشهد انتفاضة الأقصى أية مظاهر ملموسة لهذا الهدف في إطار سلوكياتها وممارساتها التي تتصل بالعمل المقاوم.
وترجع الأسباب الموضوعية لبروز هذه الظاهرة إلى رغبة جهة أو فصيل معين في مناكفة فصيل آخر يكبره حجماً، أو قوة وتأثيراً، ويحمل ذات المبنى والفكر الأيديولوجي من منطلق التنافس معه، أو محاولة الظهور بمظهر الندّ تجاهه.
وتزداد هذه المشكلة تعقيداً حين يكون هذا الفصيل محدود الحجم والمكانة قد خرج من رحم الفصيل الأكبر، منشقاً عنه لذرائع شتى، وهو ما واقع اليوم، وتعبئة عناصره على كراهية الفصيل الأكبر، تحت دوافع المناكفة البحتة، والشعور بعقدة النقص.
ويعزو البعض أحد بواعث هذه المناكفة إلى شعور الفصيل الأصغر بالعجز أمام الفصيل الأكبر، واعتقاده الخاطئ أن الفصيل الأكبر يشكل حجر عثرة أمام تقدمه وانتشاره.
وفي واقعنا الفلسطيني يبدو العمل المقاوم ساحة خصبة لتفعيل هذه المناكفة وإظهار تجلياتها، إذ تبدو العمليات العسكرية التي ينفذها الفصيل الأكبر فرصة لمناكفته فيها، عبر تبنيها وادعاء تنفيذها، بهدف حرمانه من استثمارها من جانب، والتنغيص عليه من جانب آخر.
ولا شك أن هذه المناكفة التي تدور في هذا الإطار، والتي تبرز إحدى تجلياتها في مجال العمل المقاوم، ذات وقع شديد الضرر، إذ أنها تثير الشحناء، وتعكر العلاقات وقد تدمرها، وتحرف الجهود والطاقات إلى معارك جانبية، وتضع شرخاً في جدار الوحدة، وتحرم الساحة الفلسطينية من إمكان تلاقي الجهود، وتوحيد الطاقات، وتكاتف الفعل من اجل يوم التحرير والخلاص.
سابعاً: إثارة البلبلة والتشويش في الصف المقاوم:(1/17)
وهذا الهدف خاضع لتصرف بعض المجموعات التي تسئ إلى شرف العمل المقاوم، والمرتبطة بأجندة سياسية وميدانية خاصة تتوافق مع هوى ومزاج أصحابها.
وفي التفاصيل فإن هذه المجموعات تنتسب إلى مجال المقاومة العام في إطار فصيل مقاوم يتألف من مجموعات متعددة لا تحكمها مرجعية واحدة، وتدور بينها رحى منافسة شديدة تبعاً للمرجعية التي تدور في فلكها وتحتكم إليها.
وفي إطار هذا التنافس الحزبي الداخلي المتداخل مع التنافس الحزبي الخارجي، تحمل الأحداث بين حين وآخر قيام بعض هذه الأجنحة المتصارعة بتبني عمليات الآخرين.
ويستهدف هذا التبني المغلوط، وبشكل أساسي، تسجيل المواقف أمام الأجنحة الأخرى في إطار الصراع والمنافسة القائمة، والرغبة في عدم إفساح المجال أمام الفصيل المنفذ في الهيمنة على ساحة العمل الفدائي المقاوم، أو قطف ثمار العمليات الجهادية، وخاصة لو كانت العملية التي نفذها ذات أثر، أو ذات إيلام وإثخان في كيان العدو.
ولا شك فإن هذه السلوكيات تشيع أجواء من البلبلة والاضطراب داخل المجتمع، وتثير نوعاً من التشويش والإرباك داخل الصف المقاوم.
ورغم أن هذا الهدف يسعى إليه البعض بكل قوة، ويستحثون الخطى من أجل تحقيقه والظفر به لأهداف خاصة وأسباب محددة، فإن المجتمع المقاوم بشكل خاص، والمجتمع الفلسطيني بشكل عام يدرك جيداً حقائق الأمور، ويعي الأهداف والمرامي وراء مثل هذه التصرفات والسلوكيات، ويستطيع بسهولة ودون كثير بحث تمييز خيوط الصدق والإخلاص القوية المتينة من خيوط الادعاء والافتراء الواهنة المتهالكة.
الفصل الثاني
إشكاليات التبني المغلوط ..
خلفيات أيديولوجية وسياسية وميدانية
مدخل /(1/18)
لا يمكن الحديث عن إشكاليات التبني المغلوط في إطار العمل الفلسطيني المقاوم دون التعريج، وبشيء من التفصيل، على الإطار والخلفيات التي ترعرعت في ظله هذه الإشكاليات، وبمعزل عن تشخيص وتحليل سياسات الفصائل الفلسطينية المختلفة التي تتولى كبر هذه الظاهرة، وتصر على اقترافها رغم النداءات والمناشدات التي صدرت عن كثير من الغيورين والمخلصين باحترام شرف العمل المقاوم، والتداعي لميثاق غليظ يحمي حقوق وأعمال المقاومين والفصائل التي ينتسبون إليها، وتتوافق عليه قوى المقاومة، وتلتزم بتنفيذه.
وحتى لا يتسم الحديث عن فصائل المقاومة بالعمومية، وكي نضع النقاط على الحروف، والأمور في موضعها السليم، وكي يتبين كل فصيل مواطن الخلل التي يقع فيها، كان لابد من الحديث التفصيلي المستفيض حيال هذا الموضوع، والإشارة إلى كل جهة باسمها كي يستبين الحق، ويسارع المخطئ إلى علاج أخطائه، وتصحيح ما بدر عنه من ممارسات وسلوكيات.
وبصدد الحديث عن الخلفيات التي أفرزت هذه الظاهرة في الواقع الفلسطيني المقاوم يمكن الحديث عن أنواع متعددة في إطار المباحث الثلاث التالية.
المبحث الأول
خلفية أيديولوجية وميدانية
وتتمثل في حركة الجهاد الإسلامي التي ثارت إشكالات مختلفة بينها وبين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" حيال تبني عدد من العمليات الجهادية، ويمكن تقسيمها إلى نوعين:
خلفية أيديولوجية: ويمكن فهمها في إطار:
1- أ/ ظروف النشأة والتأسيس:
حيث تتوافق حركة الجهاد مع حركة حماس أيديولوجياً، فهما حركتان إسلاميتان تنطلقان من مبادئ دينية إسلامية واحدة، مما يفترض مزيداً من التقارب والتعاون والتنسيق.(1/19)
غير أن واقع الحال قد سار عكس كل هذه التوقعات، إذ بدا أن خلفيات النشأة التي رافقت تأسيس حركة الجهاد من خلال خروج مؤسسيها من قلب حركة الإخوان المسلمين، قد تركت آثاراً على أسلوب تفكيرهم وسبل تعاطيهم مع الحركة الأم "حركة الإخوان المسلمين"، التي انبثق عنها فيما بعد حركة المقاومة الإسلامية حماس كجناح جهادي لمقاومة الاحتلال، والتصدي لمشاريعه الهادفة لتصفية وتدمير القضية الفلسطينية.
فقادة الحركة الذين يفاجأون بمن يسألهم عن سر عدم توحدهم مع حركة حماس في إطار واحد رغم خروجهم من رحم حركة الإخوان المسلمين لا زالت تصريحاتهم المتناقضة تضرب أطنابها في آذان المهتمين، فبعضهم يعترف بخروج مؤسسها الأول الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي – رحمه الله- من بين صفوف الإخوان نتيجة لعدم انخراط الإخوان آنذاك في أعمال المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، ودعوتها للتريث وتهيئة النشء وتربية الجيل وإعداده للمواجهة القادمة، مما دفع د.الشقاقي للقيام برفقة مجموعة من إخوانه لتأسيس حركة الجهاد, غير أن قيادة حركة الإخوان المسلمين تؤكد في مقابلات مع بعض شخصياتها بأن هناك أسباباً أخرى لا يرغبون في الإفصاح عنها تقف من وراء فصل هذه المجموعة من صفوف الجماعة، وقد أكد الدكتور محمد الهندي القيادي في الحركة لقيادة حركة حماس في غزة خلال اللقاءات بينهم, أنه والدكتور الشهيد فتحي الشقاقي وعبد العزيز عودة كانوا من الإخوان المسلمين.(1/20)
وفي هذا الصدد يكفي الإشارة إلى تصريحات الدكتور رمضان شلح أمين عام حركة الجهاد في حوار صحفي نشره موقع نداء القدس الإلكتروني التابع لحركة الجهاد بتاريخ 22/5/2004م، ففي بداية حديثه أكد د. شلح أن حركته تنظيم فلسطيني نشأ على خلفية اجتهاد وقناعة الطليعة المؤسسة لقتال المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، أي أنها ليست امتدادا لأي تنظيم خارج فلسطين، ثم عاد في موضع آخر في سياق الحديث ليؤكد أن الطليعة التي أسست الحركة، وعلى رأسها الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي، جاءوا من الإخوان المسلمين إلا أن صلتهم التنظيمية بالإخوان انقطعت بعد ذلك.
وفي سياق محاولات نفي الخروج عن الصف الإخواني، يتضح مدى رغبة قادة الحركة في بلورة كيان للحركة بعيداً عن أية صلة بحركة الإخوان، بهدف عدم إظهارهم وكأنهم تابع لغيرهم.
2- ب/ دعوات الوحدة والانصهار:
يرى بعض الباحثين أن وجود حركتين إسلاميتين تقاومان الاحتلال الصهيوني دون أي نزوع إلى إطار وحدوي بينهما، أمر سلبي في مواجهة المشروع الصهيوني.
ووفقاً لهذه الرؤية التي تنطلق من ورغبة حقيقية في الارتقاء النوعي، فإن المرحلة السابقة التي رافقت تأسيس حركة الجهاد، قد انتهت باندلاع الانتفاضة المباركة الأولى، وبروز حركة حماس كجناح جهادي لحركة الإخوان المسلمين، وأن التربة قد باتت خصبة لإعادة توحيد المسار الإسلامي عبر صهر الحركتين في بوتقة حركية واحدة.
ورغم ذلك فإن العنصر النفسي لم يكن مؤهلاً لتقبل هذه الفكرة في بداياتها الأولى، التي حالت بين حركة الجهاد وبين الشروع في حوار جدي للانخراط في هذا المشروع الكبير.(1/21)
ومع توقيع اتفاقيات أوسلو، وظهور السلطة الفلسطينية، وولوج مرحلة التسوية، ثارت محاولات عدة لطرح هذا الموضوع، تغذيها الوقائع الميدانية والأحداث السياسية، وما رافقها من تغول السلطة وأجهزتها الأمنية على الحركتين وإن كان بنسب متفاوتة، وسيرها في مسارات تسووية تهدد الحقوق الوطنية والمستقبل الفلسطيني، إلا أن الجهاد عزفت عن الاستجابة للتباحث حول هذا الموضوع.
وعقب اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة عادت طروحات الوحدة من جديد، تحت ضغط الواقع الجديد الذي شكل منعطفاً حاداً في تاريخ القضية الفلسطينية والكفاح الوطني الفلسطيني، فحركة المقاومة الإسلامية حماس التي استطاعت تجاوز المحنة التي عصفت بها قبل اندلاع الانتفاضة اقتحمت ساحة العمل الجهادي المقاوم من جديد بقوة كبيرة، وبات لها من الفاعلية والتأثير والمكانة والنفوذ الشيء الكثير مما لا يخفي على أحد، مما أثار تساؤلات كثيرة واستفسارات ملحة عن سر العزوف عن دخول حوارات جدية ومعمقة تقود الحركتين نحو تأليف وتشكيل جسم واحد وكيان موحد للحركة الإسلامية الفلسطينية، خاصة وأن المبررات العسكرية التي امتشقتها حركة الجهاد عنواناً لتأسيسها وانطلاقتها، لم يعد لها ما يسندها في ظل الزخم الجهادي الكبير الذي حازته حركة الإخوان عبر حركة حماس خلال الانتفاضتين: الأولى والراهنة، وتربعها على عرش العمل العسكري الفلسطيني، وتصدرها قائمة منفذي العمليات الجهادية ضد الاحتلال وفق كافة الإحصاءات والدراسات العلمية والبحثية والتوثيقية.(1/22)
ومع ذلك، فإن أطروحات الوحدة والاندماج لم تجد تفاعلاً يذكر، ولم تلق آذاناً صاغية لدى حركة الجهاد، الذين هالهم أن يتم النظر في مقترح قد يأخذ بحركتهم –حسب تفكيرهم وتصوراتهم- إلى الذوبان والانصهار في إطار الحركة الأكبر، ويضيع عليهم جهود النشأة والتأسيس، والعمل والتكوين، الذي لا تزال الحركة تسعى بكل طاقاتها وإمكاناتها للتركيز عليه وتطويره، مما يعني أن حركة الجهاد قد آثرت تغليب اعتباراتها الذاتية على المصلحة العامة للحركة الإسلامية الفلسطينية، والاعتبارات العامة التي تصب في صالح الوطن وقضيته المتأججة.
والملاحظ أن حركة الجهاد قد قطعت أية إمكانية فعلية لخوض حوارات حقيقية حيال هذه القضية، في ظل هاجس الذوبان الذي يتملك عليها فكرها ومشاعرها وكيانها، ولم يعد في أدبياتها وإصداراتها وأجندتها السياسية والفكرية أي مكان لطرح من هذا القبيل، أو أية فرصة عملية موضوعية للتحاور حول الخيار الوحدوي مع حركة حماس.
ومع ذلك، فإن الهواجس والتخوفات التي تغزو حركة الجهاد في إطار دعوات الوحدة والاندماج مع حركة حماس، كفيلة بالقفز عنها وتجاوزها في ظل إمكانية تعدد الخيارات، وجواز البحث عن آليات تنظيمية مناسبة، تحقق الوحدة المطلوبة، وتقلص الهواجس والتخوفات إلى حدها الأدنى.(1/23)
ورغم ذلك، فإن ملف الوحدة، بأي شكل كان، الذي تحرص حركة حماس - وفقا لتأكيدات قادتها- على إنجاحه ونقله إلى النور، وتذليل العقبات التي تعترض سبيله، قد أغلق تماماً لدى حركة الجهاد، في ظل التصريحات المتلاحقة التي أطلقها قادة الجهاد، وخاصة الدكتور رمضان شلح أمين عام الحركة الذي صرح في حواره الصحفي الذي نشره موقع نداء القدس سالف الذكر والتوثيق أن نشأة حركة الجهاد لم تكن مجرد ردة فعل على خلفية غياب الدور الجهادي لدى الآخرين (يقصد الإخوان المسلمين)، مغفلاً كافة أدبيات وأطروحات وأفكار ومواقف مؤسسي الحركة، وعلى رأسهم الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي، الذين أكدوا بشكل صريح أن نشأة حركة الجهاد قد جاءت نتيجة غياب الدور الجهادي والعمل العسكري لحركة الإخوان المسلمين في تلك الفترة, الأمر الذي تنفيه حركة الإخوان المسلمين.
فالدكتور شلح يؤكد أن حركة الجهاد ما زالت ضرورة وطنية، وضرورة إسلامية، وضرورة جهادية، وضرورة إنسانية إبداعية، في إطار الإبداع والتعددية السياسية التي تثري مسيرة النضال الفلسطيني، دون أن يشير إلى المصالح الكبيرة التي تتحقق جراء الوحدة والتلاحم، وخاصة إذا تعلق الأمر بحركتين إسلاميتين لهما أيديولوجية وأهداف ومنطلقات واحدة، إذ يرى الكثيرون أن من شأن انصهار الحركتين في كيان حركي واحد، وبأي شكل تنظيمي كان، أن يوحد الجسم الإسلامي الفلسطيني، وأن يقدم للشعب والأمة والعالم كله حركة إسلامية فلسطينية واحدة، تتمتع بوقع خاص، وأثر خاص، وجاذبية خاصة في نفوس الجميع.(1/24)
ورغم إغلاق ملف الوحدة حالياً، فستبقى الأسئلة والاستفسارات الحاسمة عن سر الانعزال عن تبني خيار الوحدة بين حركتي حماس والجهاد داهمة، لا تعرف التواري أو الانكفاء، وسيبقى فيض الأسئلة حيال مدى وطبيعة العلاقة بين الخلفية الأيديولوجية التي نشأت وترعرعت فيها حركة الجهاد، وبين التبني المتكرر للعديد من العمليات الجهادية لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، قائماً بكل قوة، حاضراً في كافة المحافل السياسية والبحثية والإعلامية.
ومع ذلك لا يمكن الإحاطة الشاملة بهذه العلاقة، وآثارها وتداعياتها، إلا في إطار تحليل الخطاب السياسي والإعلامي والداخلي لحركة الجهاد، وذلك على النحو التالي:
أولاً: الخطاب السياسي والإعلامي:
ويمكن تقييمه من خلال الاحتكام إلى المحددات التالية:
1- الحفاظ على التنسيق والوحدة الإسلامية:
... ويمكن تلمس هذا الجانب وتقييمه من خلال استعراض التصريحات والمواقف الصادرة عن قادة الحركة، وتنزيلها على أرض الواقع لفحص مدى مصداقيتها، ومدى اقترابها أم ابتعادها من الحقيقة والصواب.
فقد أكد د.شلح لقناة الجزيرة الفضائية بتاريخ 12/8/2000م أن العلاقة التي تربط حركته مع حركة حماس علاقة وثيقة، لها منطلقات كبيرة، وأن الحركتين متفقتان في المنطلقات العقائدية والأيديولوجية، وان لديهما رؤية سياسية موحدة في تقدير الموقف فيما يجري في المنطقة والعالم، مشيراً إلى أن الحركتين تعتبران نفسيهما جسماً واحداً يعبر عن الحركة الإسلامية في فلسطين.(1/25)
وفي حوار مع مجلة فلسطين المسلمة عدد شهر فبراير عام 2004م أكد د.شلح أن علاقة حركته بحركة حماس هي علاقة ممتازة بفضل الله، وأن التعاون والتنسيق بين الحركتين هو في أفضل حالاته في هذه المرحلة، موضحاً أن هناك أسباباً كثيرة لهذا التعاون، بينها ما يرجع إلى التقارب والانسجام الفكري والعقائدي بين الحركتين، ومنها ما تفرضه ميدانياً ضراوة المعركة مع العدو الصهيوني.
ورغم ذلك فإن تصريحات أخرى صادرة عن د.شلح تشي بالعكس والنقيض، حيث يؤكد د.شلح في ذات الحوار المنشور على موقع نداء القدس الإلكتروني أن الوحدة مع حماس هدف مثالي للجميع، لكن عندما يتعذر الوصول له لأسباب كثيرة يمكن تجزئة المسألة ليكون لدينا مستويات نأخذ منها ما استطعنا من الوحدة والتنسيق، على قاعدة ما لا يدرك كله لا يترك جله، مضيفاً أن حركة الجهاد تمد أيديها للجميع في كل الأحوال، وأن سرايا القدس مستعدة للدخول في غرفة عمليات مشتركة تضم كل الأجنحة العسكرية، وتعمل باسم واحد مثل "المقاومة الوطنية الإسلامية" أو أي صيغة يتفق عليها الجميع.
وفي موضوع آخر من ذات الحوار، وفي إجابة له عن تساؤل حول سبب عدم تنسيق سرايا القدس مع كتائب القسام وتنسيقها مع كتائب شهداء الأقصى بصدد قضية الأشلاء الخاصة بعملية الزيتون قال د.شلح أن الإنسان عادة ينسق مع من يمد يده له، لا من يدير ظهره ويعلن أنه غير معني بقضية الأشلاء كما تناقلت وسائل الإعلام.
وفي موضع ثالث من ذات الحوار أكد د.شلح أن التنسيق مع كتائب شهداء الأقصى قد بدأ في وقت مبكر من انتفاضة الأقصى، خاصة في جنين، وأن التركيز على التنسيق مع كتائب شهداء الأقصى يهدف إلى تعزيز الخط الكفاحي، ودعم خيار المقاومة لدى قواعد حركة فتح في مواجهة خيار آخر يريد أن يحول أبناء فتح وأبناء الشعب الفلسطيني إلى حراس لأمن "إسرائيل".(1/26)
وفي موضع رابع يوضح د.شلح أننا عندما نصل إلى درجة من الإخلاص ونكران الذات، ونقدم المصلحة العامة، مصلحة الوطن والقضية، على المصلحة الحزبية الضيقة، فإننا سنتفق على برنامج وطني واحد.
وفي موضع خامس يؤكد د.شلح أن تنسيق الجهود والمواقف مع حركة حماس يمكن أن يستمر وينمو إذا خلصت النوايا.
ومن خلال ما سبق يمكن طرح التساؤلات التالية:
هل يمكن اعتبار بعض التصريحات الصادرة عن حركة الجهاد، وخاصة د.شلح، والمؤكدة على حال التنسيق والوحدة مع حركة حماس، تصريحات جادة وحقيقية، لها تجسيداتها الواضحة على أرض الواقع، فيما تحمل تأكيدات الواقع وتطبيقاته نفياً لهذه التصريحات، وعزوفاً عن مضمونها؟!
لماذا يستنكف د.شلح عن بسط جسور التنسيق الفعلي مع حركة حماس، فيما ينفتح بكليته للتنسيق الدائم والمستمر مع كتائب شهداء الأقصى منذ مطلع انتفاضة الأقصى؟! وإذا كان هدف التنسيق مع شهداء الأقصى نبيلاً، فكيف يبرر د.شلح عزوفه وحركته عن التنسيق مع حماس التي يؤكد بشخصه قوة العلاقة والانسجام الكبير معها أيديولوجياً وسياسياً، من منطلق أن الأقرب أولى بالتعاون والتنسيق؟! وهل أدارت حماس ظهرها فعلاً لحركة الجهاد كما يقول د.شلح من خلال معلوماته التي استقاها من وسائل الإعلام؟! وهل يجوز اعتبار وسائل الإعلام مصدراً موثوقاً لاستقاء المعلومات الدقيقة والمعطيات الصحيحة، فيما كان بإمكانه الاتصال الفوري وبشكل سريع، بقادة حماس الذين يجاورونه، ولا يبعدون عنه سوى مسافة محدودة، لاستيضاح الموقف الحقيقي والصورة الصحيحة بدلاً من الاعتماد الكلي على وسائل الإعلام، التي كثيراً ما زيفت وحرفت وغالطت وافتعلت الإشكالات والتناقضات؟!
لماذا يتجاهل د.شلح الأسباب الحقيقية التي تحجز حركته عن ولوج ميدان الوحدة مع حركة حماس، وينزع فقط إلى الحديث عن مبررات وجود حركة الجهاد، وحاجة الساحة الفلسطينية إليها؟!(1/27)
ما الذي يقصده د.شلح حين يؤكد أن تنسيق الجهود والمواقف مع حركة حماس يمكن أن يستمر وينمو إذا خلصت النوايا، وأن الوصول إلى درجة من الإخلاص ونكران الذات، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الحزبية الضيقة كفيل بالاتفاق على برنامج وطني موحد؟! هل يقصد حركته أم حركة حماس بهذه الاتهامات؟! وحين تكون الإجابة حاسمة باستهداف حركة حماس من وراء هذه الاتهامات، يمكن أن نحيله إلى الأسئلة التالية:
لماذا يتناسى د.شلح أن حركة حماس لم تتهم حركة الجهاد يوماً ما، أو يصدر عنها ما يسيء إليها، أو يغمز ويلمز من قناتها، مما يدلل على حرصها وقناعتها وخطابها الوحدوي، فيما لا تتورع حركة الجهاد عن صب جام اتهاماتها تجاه حركة حماس بين حين وآخر؟!(1/28)
لماذا يتناسى د.شلح أن الإخلاص ونكران الذات الفصائلية والشخصية هي سمة أصيلة وخلق أصيل من سمات وأخلاق عناصر حركة حماس وكوادرها القيادية، بدليل العمليات الكثيرة التي نفذتها كتائب القسام، وترفعت عن تبنيها وإعلان اسم أو أسماء منفذيها أياماً طويلة، ثم اضطرت في كثير من الحالات إلى تبنيها والإفصاح عن أسماء منفذيها بسبب قيام فصيل أو أكثر بتبني هذه العمليات دون وجه حق، ومنها العديد من العمليات الاستشهادية التي وقعت في القدس ولم يعلن عنها شهوراً حتى قال عنها الطيب عبد الرحيم أمين عام الرئاسة في السلطة الفلسطينية أن منفذيها من عين الحلوة في لبنان, ثم تبين بعد حملات الاعتقالات التي قامت بها أجهزة أمن السلطة أنها لكتائب القسام, بل إن كثيراً من العمليات، وخاصة إبان الانتفاضة الأولى ومطلع انتفاضة الأقصى، لم يكشف العديد من تفاصيلها حتى اليوم، حتى أن العملية الاستشهادية التي نفذها المسلمان اللذان يحملان الجنسية البريطانية من أصل باكستاني (عاصف محمد حنيف, وعمر شريف خان) بتاريخ 30/4/2003م انتقاماً لاغتيال الشهيد المفكر الدكتور إبراهيم المقادمة لم يعلن عنها، ويكشف عن أسماء منفذيها بشكل رسمي، إلا بتاريخ 8/3/2004م، أي بعد عام تقريباً من تنفيذها؟! وأن العديد من عمليات إطلاق النار على المستوطنين والجنود في الضفة الغربية والتي تبناها الغير في حينه كشفت التحقيقات الصهيونية مع المقاومين الذين تم اعتقالهم فيما بعد أن حركة حماس هي التي تقف خلفها خاصة في منطقة رام الله(خلية قرية كوبر, خلية سلواد, خلية المزرعة الشرقية).(1/29)
لماذا يتناسى د.شلح أن حركة حماس تتحدث في عموم خطابها السياسي والإعلامي والعسكري عن حالة المقاومة كإنجاز للشعب الفلسطيني دون أن تتحدث بالتفصيل عن إنجازاتها الخاصة التي تتحدث عنها مختلف الإحصاءات البحثية والتوثيقية، فيما د.شلح لا يكاد يمر حوار من حواراته دون أن يتحدث عن أن حركته كانت أول من، وأول من، وأول من، رغم أن جزءاً معتبراً وليس هيناً من هذه المعلومات والمعطيات ليس صحيحاً، بينما كان بمقدور حماس أن تنهج ذات الأسلوب، وهي الحركة الكبيرة ذات الأعمال الكبيرة، إلا أنها تترفع عن ذلك، وتطمس ذاتها، خدمة للمقاومة، وللوطن والقضية؟!
كيف يمكن للدكتور شلح أن يدعو إلى عمل وصنيع لا يؤمن به، أو على الأقل لا يسعى للوصول إليه، إذ كيف يمكن فهم واستيعاب دعوة د.شلح لتشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة، تضم كافة الأجنحة والفصائل العسكرية لقوى المقاومة المختلفة تحت اسم واحد، فيما هو ذاته يتهرب من الإجابة عن أسئلة الوحدة مع حركة حماس الأكثر واقعية على الصعيد الإسلامي الفلسطيني، ويبرر التشتت وعدم الوحدة بأسباب غير موضوعية، ولا يخفي وجهته ووجهة حركته في عدم التنسيق العسكري مع حركة حماس، في ذات الوقت الذي يفاخر فيه بأقدمية وديمومة التنسيق مع كتائب شهداء الأقصى، فضلاً عن اللغة الحادة وبالغة العنف والقسوة التي تستخدمها سرايا القدس تجاه حركة حماس وجهازها العسكري "كتائب القسام"، وخصوصاً إبان عملية الزيتون الأخيرة، وما أفرزته من تهرّب المندوب العسكري لسرايا القدس من لجنة التنسيق العسكري الثلاثية، وانفراط العقد الثلاثي الذي يضم كتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس، والذي خطط لعدد من العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال؟!
2- الحفاظ على المصلحة والوحدة الوطنية:(1/30)
في حواره سالف الذكر المنشور على الصفحة الإلكترونية لموقع نداء القدس يؤكد د.شلح أن حركة الجهاد الإسلامي قد غدت أحد ثلاث قوى رئيسية على الساحة الفلسطينية، هي فتح وحماس والجهاد، وأن ذلك قد تأكد ليس فقط في مجال المقاومة، بل على صعيد الحركة السياسية والمواقف المسئولة التي اتخذتها الحركة في مفاصل محددة.
وفي بيان سرايا القدس المؤرخ بتاريخ 16/5/2004م، والذي يتحدث عن عملية الزيتون، تأكيد على أن حركة الجهاد تغلب المصلحة العامة، وتؤثر التجاوز والصبر على ظلم ذوي القربى، وأن أدبيات حركة حماس طافحة بما لا يطاق من تبني عمليات الجهاد، وهي موجودة وموثقة لديها؟!
ومن خلال ما سبق يمكن طرح التساؤلات التالية:
هل يمكن اعتبار أسلوب الاتهام الذي يميز الخطاب الإعلامي لحركة الجهاد الموجه ضد حركة حماس، دليلاً على النضوج السياسي، وبرهاناً على المواقف السياسية الوطنية المسئولة، خاصة أن حركة حماس، كما يظهر من خطابها السياسي وأدبياتها ومواقفها، لا تقابل الاتهام بالاتهام، أو الإساءة بالإساءة، وخاصة إثر عملية الزيتون، التي بلغت خلالها الدعاوى والاتهامات منحىً خطيراً وحدّاً بالغ الصعوبة؟!
لماذا تنحى حركة الجهاد منحىً متشدداً ومبالغاً فيه إزاء الكثير من التطورات والمستجدات والقضايا السياسية، ولا تمنح الدبلوماسية والنقاش الهادئ المتزن فسحة كافية، إذ أن التشدد كثيراً ما يعزل صاحبه عن محيطه السياسي والاجتماعي، ويباعد بينه وبين القوى السياسية المجتمعية الفاعلة، في ظل أوضاع حساسة وظروف متغيرة تستلزم كثيراًَ من الحصافة والذكاء والدهاء السياسي، وسلامة الخطاب السياسي والإعلامي من عوامل التشنج والمغالاة؟!
3- الحفاظ على وحدة الصف المقاوم:(1/31)
... وفيه يتجلى مدى الحرص على الصف المقاوم، ووحدة العمل المقاوم، وسنكتفي باستعراض بعض البيانات العسكرية الخاصة بحركتي حماس والجهاد، وإجراء المقارنة بينهما، مما يفيد في بلورة فكرة واضحة وتصور أكيد حول هذه القضية.
وفي هذا السياق يمكن إيراد نموذجين للغتين، ومستويين محددين من الخطاب الإعلامي لكتائب القسام وسرايا القدس بغرض تحقيق المقارنة بينهما:
- مقتطفات من بيان سرايا القدس حول عملية الخليل الصادر بتاريخ 18/11/2002م:
"العقل والمنطق لا يقبل من أحد الادعاء بأن الصدفة هي التي جمعت بين المجاهدين في هذا الكمين المزدوج النوعي(1)
__________
(1) في اليوم التالي لعملية الخليل عقد اجتماع في بيت الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، وحضره مجموعة من قيادات حركة الجهاد، منهم الدكتور محمد الهندي وخالد البطش وعبد الله الشامي وآخرون لتناول طعام الإفطار نظرا لأن العملية حدثت في شهر رمضان, وقد باركت قيادات حركة حماس لقادة حركة الجهاد هذا العمل البطولي, لعدم معرفتهم آنذاك بدور كتائب القسام في تنفيذ الكمين الأول الذي نفذه مجاهدان أحدهما الآن معتقل داخل سجون الاحتلال.
أما قول البيان "أن العقل والمنطق لا يقبل من أحد الادعاء بان الصدفة....الخ"، ففيه تعطيل لإرادة الله ومشيئته في حفظ من شاء من عباده, والدليل على ذلك أن العديد من المجاهدين ذهبوا لتنفيذ عمليات استشهادية, ولكنهم عادوا إلى قواعدهم سالمين بعد تنفيذهم للعملية على أكمل وجه.
كما أن تصادف التخطيط لتنفيذ أكثر من فصيل لنفس الهدف الصهيوني كثير جداً, فما معنى أن يعلن الدكتور شلح عن اسم الاستشهادي خطأ في عملية حماس بالقدس في مطعم "سبارو" التي نفذها الاستشهادي عز الدين المصري ، وهل للقدر أن يخطط المجاهدون لنفس المكان المستهدف؟(1/32)
(...) ولا يمكن لأي مجاهد يدخل هكذا معركة أن يفلت، أو أن يكتب له النجاح إذا كان يفكر في الانسحاب ولم يكن استشهادياً كما هو حال الاستشهاديين الثلاثة (...) كنا نتمنى أن لا نضطر لكل هذا الحديث حرصاً على العلاقة الأخوية الطيبة مع إخواننا وأشقائنا في حماس، لكنها أمانة دماء الشهداء التي لا نستطيع التفريط بها، وإذا قيل أن "السيف أصدق أنباء من الكتب" فإن دماء الاستشهاديين أبلغ من كل كلام".
- مقتطفات من بيان كتائب القسام حول عملية الخليل الصادر بتاريخ 17/11/2002م:
... "كما عودتكم كتائب الشهيد عز الدين القسام على المصداقية الكبيرة فإنها تضع بين أيديكم تفاصيل العملية البطولية الجريئة التي نفذها المجاهدون في مدينة خليل الرحمن (...) وسارع في تبنيها إخواننا في حركة الجهاد الإسلامي (...) إن تأكيدنا على تنفيذ كتائب القسام الكمين الأول من العملية التي استهدفت قادة وجنود العدو لا يلغي مشاركة إخواننا في سرايا القدس في الكمين الثاني من العملية (...) إن تأخر إعلان الحركة عن العملية كان لدواع أمنية، وأدبية مع الأخوة في حركة الجهاد الإسلامي حتى نوضح لهم الأمر(...) نبارك كل السواعد المقاتلة، ونحمد الله على إغاظة العدو في كل مكان من بلادنا".
وقد كان ملاحظاً أن كتائب القسام لم ترد على مسلسل البيانات التي أصدرتها حركة الجهاد لاحقاً، وطفحت بالكثير من الدعاوى والاتهامات.
- مقتطفات من بيان سرايا القدس حول عملية الزيتون الصادر بتاريخ 16/5/2004م:(1/33)
"يؤسفنا ويحزننا أن يلجأ الأخوة في حماس إلى إلصاق مواقفهم ورغباتهم بآخرين لا علاقة لهم بذلك، وبعضهم لم يسمعوا بما نسبته حماس لهم (...) وإذا كان هناك تحقيق فعلاً فأين هي وقائعه ومجرياته ومن هم أطرافه(1)؟! هل هي كتائب القسام التي هي الخصم والحكم في آن؟ أم سرايا القدس المحكوم عليها سلفاً وفي كل الأحوال؟! (...) إن ما حدث هو عملية استدراج كنا نتوقع أن لا ينزلق لمثلها من ينتمون لشرف الجهاد والمقاومة (...) ولم يخبرنا البيان (أي البيان المشترك لكتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى الذي أعلن أن لجنة تحقيق قد تشكلت وأثبتت صحة تنفيذ كتائب القسام لعملية الزيتون) من هي اللجنة التي تابعت التحقيق؟! لماذا لا يقولوها صراحة أنهم هم اللجنة، وأنهم بكل أسف يريدون أن يلبسوا الآخرين أشياء هم يفصلونها على مقاسهم .. إن أي عاقل يقرأ بيان الأخوة في حماس يدرك أنهم هم الخصم والحكم في آن!! (...) ثم لو إن الأخوة في كتائب القسام هم الذين صوروا هذا الجثث لحظة التفجير، فلماذا تركوها على الأرض، ولم يأخذوا أشلاء هامة منها كما فعلت سرايا القدس.. ولماذا عادت كتائب القسام التي صورت الجثث – حسب زعم البيان– ثم جمعت بعض فتات اللحم وعرضتها أمام عدسات التلفاز(2)؟! (...) إن ضراوة الحرب
__________
(1) وفقا للمعايير والمبادئ الأمنية السوية فإن وقائع ومجريات التحقيق الخاصة بالقضايا العسكرية السرية والحساسة لا تنشر في وسائل الإعلام, ومع ذلك فإن حركة الجهاد قد اعترفت بأن القادة الثلاثة من الفصائل هم الذين يخططون سوية للعمليات العسكرية المشتركة، لذلك ألا يصلحون لأن يكونوا لجنة تحكيم؟!
(2) الأشلاء التي عرضتها كتائب القسام على C.D هي ما يعادل جثة نصف جندي, لا زالت موجودة لديها حسب معطيات موثوقة، فضلا عن أن العرض أمام عدسات التلفاز هو الذي سبب التدمير الإضافي لحي الزيتون نتيجة للتهور والعرض غير المسئول حسب رأينا ورأي كثير من المراقبين.(1/34)
التي يشنها العدو المجرم بحق أبناء شعبنا يجب ألا تسمح لنا مطلقاً، بإضاعة الوقت وإهدار الطاقات في أية مهاترات أو مماحكات لإثبات الذات أو التفاخر بالعمليات، ويعلم الله أننا ما كنا نتمنى أن نضيع وقتاً في كتابة حرف واحد مما جاء في هذا البيان، لكن القصة مع الأخوة في حماس حول تبني العمليات قصة طويلة ومؤسفة ومؤلمة لأنها تعكس منهجاً معروفاً منذ معركة الشجاعية عام 1987 مروراً ببيت ليد(1)، وديزنغوف، وحيفا (راغب جرادات) وعملية الخليل البطولية الأسطورية التي نفذها ثلاثة استشهاديين من السرايا، وصولاً إلى عملية حي الزيتون".
- مقتطفات من بيان كتائب القسام حول عملية الزيتون الصادر بتاريخ 11/5/2004م:
"بعون الله تعالى وتوفيقه تمكنت كتائب الشهيد عز الدين القسام من التصدي للاجتياح الصهيوني الغاشم لحي الزيتون بمدينة غزة، والذي بدأ تقريباً في تمام الساعة 12:30 من صباح اليوم الثلاثاء (...) وبفضل الله تعالى تمكن المجاهدون من توثيق العملية بالتصوير وسينشر في أقرب وقت ممكن بإذن الله تعالى، حيث يظهر في التصوير عدد من جثث الصهاينة مشتتة الأعضاء. إننا في كتائب القسام وإذ نعلن مسؤوليتنا عن هذه العملية التي نسأل الله تعالى أن يتقبلها، لنرجو منه سبحانه أن يوفق مجاهدينا لما هو خير من ذلك".
__________
(1) العدو الصهيوني هو الذي صرح أن أصابع المهندس يحيى عياش تقف خلف العبوة, وتبين فيما بعد أن المجاهد عدنان الغول القائد القسامي المشهور، والذي لا زال حياً، قد أعطى عناصر من حركة الجهاد أربعة صواعق لهذه العملية, وهذا أمر طبيعي للذين يخوضون غمار المعركة سوياً مع العدو الصهيوني, ولم تذكر حركة حماس على الإطلاق أن عملية بيت ليد لها، بل تذكر دائما أن العملية لحركة الجهاد الإسلامي.
أما قصة الشجاعية والتي وقعت قبل الانتفاضة الأولى، فلم تكن حركة حماس كحركة جهادية قد ولدت في ذلك الوقت.(1/35)
- مقتطفات من البيان المشترك لكتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى الصادر بتاريخ 15/5/2004م:
... "بعد عملية حي الزيتون البطولية تداعت اللجنة المشتركة من كتائب الشهيد عز الدين القسام وكتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس والتي نسقت للكثير من العمليات الاستشهادية الكبيرة بينهم لصياغة ميثاق شرف حول العمليات وللتحقيق في تبني كل من كتائب القسام وسرايا القدس لعملية حي الزيتون البطولية وذلك حفاظاً على شرف وسمعة الجهاد الفلسطيني أمام العالم، وتم الاجتماع بين قادة كتائب القسام وشهداء الأقصى وسرايا القدس (...) وسرد الأخوة في كتائب القسام ما لديهم من تفاصيل وإثباتات حول العملية أمام اللجنة، وسرد الأخ القائد في سرايا القدس ما لديه حول الموضوع، ولم تكن حجته كافية فطلب مزيداً من الوقت، فحددت اللجنة الجلسة الثانية بعد صلاة عصر الجمعة من نفس اليوم لتكمل التحقيق بعد أن تم الاتفاق بأن تصدر الأجنحة العسكرية الثلاثة بياناً يظهر فيه نتائج التحقيق بعد اكتماله ويعلن فيه اسم الجهة المنفذة وفي الموعد المحدد للجلسة الثانية لم يحضر الأخ القائد من سرايا القدس فاتصلت به اللجنة ودعته للحضور حسب ما تم الاتفاق عليه سابقاً فرفض الحضور، عندها قررت اللجنة استمرار التحقيق وتوجهت إلى مكان العملية والتقت مع عدد من شهود العيان الذين تطابقت روايتهم جميعاً مع ما سردته كتائب القسام، وأكد شهود العيان أن كتائب القسام هي من كان يتواجد في المكان لحظة تفجير الناقلة كما أكد شهود آخرون أنهم شاهدوا منفذ العملية وهو أحد أعضاء كتائب القسام لحظة الحادث بأم أعينهم. ومن ثم توجهت اللجنة إلى المجموعة التي فجرت الناقلة وسردت روايتها التفصيلية التي تطابقت تطابقاً تاماً مع ما رواه شهود العيان وما أكدته كتائب القسام إضافة إلى تصوير كتائب القسام للجنود وهم قتلى أمام الناقلة لحظة تفجيرها وهو ما بثته وسائل الإعلام دون الإشارة إلى أن التصوير(1/36)
وصلهم من كتائب القسام (...) نبارك جهاد كل الأجنحة المجاهدة والمقاومة في كل الفصائل التي تصدت للعدو الصهيوني على حي الزيتون (...) تدعو اللجنة باقي فصائل المقاومة إلى احترام سمعة وشرف الجهاد الفلسطيني وعدم تشويهه أمام وسائل الإعلام".
وقد كان ملاحظاً أن كتائب القسام لم ترد على بيانات سرايا القدس التي تلت ذلك، وامتلأت بالكثير من التشكيك والاتهامات.
4- التنزه عن التشكيك والاتهام، ومدى الحفاظ على علاقة جيدة ومستقرة مع حركة حماس:
في الإطار النظري يؤكد د.شلح أن العلاقة بحركة حماس علاقة ممتازة وفقاً لما أدلى به من تصريحات لمجلة فلسطين المسلمة، عدد فبراير 2004م.
وفي ذات الإطار يؤكد د.شلح في حواره سالف الذكر المنشور على موقع نداء القدس أن المقارنة بين حركتي حماس والجهاد فيها ظلم كبير لحركة الجهاد، لأن الإخوان المسلمين الذين انبثقت عنهم حركة حماس موجودون في فلسطين منذ ثلاثينيات القرن العشرين، كما أن العمق العربي والإسلامي متوفر لحركة حماس من خلال الانتشار العالمي لحركة الإخوان المسلمين مما وفر إمكانات هائلة وأشكال مختلفة من الدعم غير المتوفر لحركة الجهاد الإسلامي.
وحين سئل د.شلح عن سبب غياب الوسائل الإعلامية الناطقة باسم حركة الجهاد، كصحيفة الاستقلال التابعة للجهاد المقفلة بأمر سلطوي في ظل وجود صحيفة الرسالة الناطقة باسم حركة حماس التي تصدر تحت غطاء حزب الخلاص الوطني الإسلامي، أو إذاعة محلية على غرار إذاعة صوت الأقصى التابعة لحماس حسب نص السؤال، يجيب د.شلح أن حركة الجهاد ليس لديها حزب سياسي يصدر صحيفة، ولا يظن أنها ستفكر في إنشاء حزب طالما أننا نعيش مرحلة تحرر وطني، فنحن حركة مقاتلة كما كان الشهيد الشقاقي يصر على تسميتها، والإمكانات كلها يجب أن تسخر لخدمة مشروع الجهاد والمقاومة حسب د.شلح.(1/37)
وفي بيانها المؤرخ بتاريخ 16/5/2004م حول عملية الزيتون البطولية شنت سرايا القدس هجوماً قاسياً على حركة حماس وكتائب القسام، واتهمتها بالكذب في قضية تشكيل اللجنة الفصائلية المشتركة الخاصة بالتحقيق والتثبت حيال تبني حركتي حماس والجهاد لعملية الزيتون، حيث أبدى البيان أسفه وحزنه جراء لجوء حركة حماس إلى إلصاق مواقفها ورغباتها بآخرين لا علاقة لهم بذلك، معدداً الكثير من التشكيكات والاتهامات ضد حركة حماس، مختتماً لهجته العنيفة بالقول أن ضراوة الحرب التي يشنها الصهاينة بحق شعبنا يجب أن لا تسمح لنا مطلقاً بإضاعة الوقت وإهدار الطاقات في أية مهاترات أو مماحكات لإثبات الذات أو التفاخر بالعمليات.
وهناك الكثير من الأمثلة والشواهد التي تتجلى فيها التوترات والإشكاليات مع حركة حماس، مما يستلزم الإشارة إلى الأسئلة التالية:(1/38)
لماذا يتحدث د.شلح عن الإمكانات المادية الهائلة لحركة حماس دون أن يتحدث عن الإمكانات المادية الهائلة - أيضاً- لحركة الجهاد، رغم أن كافة المؤشرات تشير إلى أن حركة حماس تمر بأزمة مالية خانقة اضطرتها للنزول إلى الشارع في أوسع حملة تبرعات وجهاد بالمال شهدتها الأراضي الفلسطينية؟! فحسب المعلومات الموثوقة التي حصلت عليها صحيفة الشرق الأوسط التي تصدر في لندن، ونشرت في تقرير مفصل بتاريخ 8/6/2002م، فإن الموازنة التي تتلقاها حركة الجهاد من إيران هي موازنة كبيرة وضخمة، مشيرة إلى قرار إيران رفع حجم مساعداتها المالية لحركة الجهاد بنسبة 70%، وذلك إثر اللقاءين اللذين جمعا بين د.شلح وبين المرشد الإيراني علي خامنئي، وتلقى خلالهما د.شلح وعوداً بفصل ميزانية حركته عن ميزانية حزب الله اللبناني، وأن تجري زيادتها بنسبة 70% لتلبية نفقات تعبئة الشبان الفلسطينيين المستعدين لتنفيذ العمليات الاستشهادية، فضلاً عن المساعدات المختلفة التي تتلقاها الحركة من مؤسسات دينية واقتصادية وحكومية إيرانية إلى جانب الميزانية السنوية وفقاً لتقرير الصحيفة.
وما سبق يثير مجدداً السؤال التالي:
لماذا تبدو حركة الجهاد على حال من الضعف على الصعيد الاجتماعي، والاهتمام بتلبية شئون عوائل الشهداء والجرحى، والأيتام والأرامل، وذوي العوز والحاجة من أبناء الشعب الفلسطيني المكلوم، ما دامت على هذه الشاكلة المالية الموسعة، وبهذه الصورة المادية الكبيرة، التي توازي أو تقارب الموازنة التي يحصل عليها حزب الله اللبناني حسب تقرير صحيفة الشرق الأوسط؟!(1/39)
ما الذي يقصده د.شلح حين يؤكد أن حركة الجهاد ليس لديها حزبا سياسيا يصدر صحيفة، وأنهم لن يفكروا في إنشاء حزب لأنهم حركة مقاتلة تعيش مرحلة تحرر وطني؟! وهل يحمل ذلك اتهاماً لحركة حماس بالانغماس في السياسة، ومعالجة شئون الواقع من خلال حزب الخلاص الوطني الإسلامي الذي أنشأته حماس حسب د.شلح؟! وهل هناك عيب في الاشتغال بالسياسة، الملتزمة بالقيم والأخلاق والثوابت، التي تهدف إلى تحقيق مصالح شعبنا وتطلعاته المشروعة أم أن د.شلح يقصد أن حماس قد سايرت الواقع وانفتحت بكليتها على عالم السياسة، وتركت شئون الجهاد ومقاومة الاحتلال من خلال تأسيسها لحزب سياسي؟! وهل حزب الخلاص الوطني الإسلامي الذي يقصده د.شلح حزب نشاز، عهد عليه التملق والوصولية، أم أن الجميع يشهد له بالمواقف الوطنية الخالدة التي لا تقل وطنية عن مواقف كل الشرفاء والغيورين على مصلحة الوطن والقضية؟! وهل الصحيفة التي يصدرها "الرسالة" التي تعرضت للقصف والعدوان الصهيوني مؤخراً هي صحيفة تناقض مسار وآمال وطموحات التحرر الوطني والكفاح ضد المحتل أم أنها- كما يراها الكثيرون- رسالة الحق النابض والحقيقة الساطعة، وميدان معالجة الهموم والمعاناة والمشكلات الفلسطينية، والدفاع عن الوطن والتشبث بحياضه المغتصبة ومقدساته الطاهرة؟! وهل من الممكن إبقاء القضية الفلسطينية حية في كافة المحافل السياسية والإنسانية، والترويج لعدالتها في شتى أنحاء المعمورة دون نشاط سياسي؟! وهل يمكن لأعمال الجهاد والمقاومة أن تؤتي أكلها وتحقق فوائدها المرجوة دون استثمار سياسي يحول دون تبخر الإنجازات الكفاحية الميدانية، ويضمن تحويلها إلى زخم حقيقي وعملية ديناميكية، تصب في صالح الشعب الفلسطيني وخدمة أهدافه وقضيته الوطنية؟!(1/40)
هل الاتهامات التي ترد في بيانات سرايا القدس تساهم في تعزيز العلاقات وتنقية الأجواء مع حركة حماس، أم أنها تساهم في زرع النفور والتباغض، والإعراض عن الوفاق والتفاهم والعمل المشترك؟!
5- الصدق والموضوعية والمنطق السليم، والتواضع وعدم المبالغة في تقدير الذات:
في إحدى تصريحاته التي نشرها موقع نداء القدس الإلكتروني بتاريخ 26/5/2004م عقب عملية الزيتون، أكد الشيخ عبد الله الشامي أن العمليات التي نفذتها سرايا القدس في الزيتون ورفح قلبت الأوضاع رأساً على عقب، وقلبت المشروع الصهيوني بالكامل.
وفي تصريحات أدلى بها لبرنامج "مشاعل على طريق القدس" الذي بثته قناة المنار الفضائية بتاريخ 6/7/2004م أكد الشيخ خالد البطش أحد قادة حركة الجهاد أن حركته يعود لها فضل السبق على كل الفصائل المقاومة في ابتداع الأشكال والأساليب والمعاني الجديدة في إطار المقاومة الفلسطينية.
وفي حواره مع قناة الجزيرة الفضائية في سياق برنامج "حوار مفتوح" بتاريخ 9/1/2003م أكد د.شلح أن حركته هي أول من فجر الانتفاضة الأولى، مشيراً إلى عملية 6/10/1987م التي استشهد فيها أربعة من عناصر الحركة في حي الشجاعية بمدينة غزة, على الرغم من تأكيدات العديد من المصادر بأن الشهداء الأربعة لا علاقة لهم بالجهاد الإسلامي جناح فتحي الشقاقي بل كانت علاقتهم بجناح آخر من أجنحة الجهاد في حينه، وان بعض عمليات الطعن التي تم تنفيذها قبل الانتفاضة الأولى باسم الجهاد, لم يكن لجناح الشقاقي أية علاقة بها.(1/41)
وفي حواره لموقع نداء القدس صرح د.شلح أن الإسلام هو هوية الشعب والأمة، وأن الذي ساعد على اكتشاف هذه الهوية والعودة إلى الذات الإسلامية هو الإسلام الحقيقي، الإسلام النضالي الذي يقول إن جواب الدين والإسلام على الاحتلال والاستعمار الأجنبي هو القتال والسلاح وليس بالمهادنة، وهذا ما طرحته حركة الجهاد وصقلت به وعي الحركة الإسلامية عملاً لا قولاً، هذا في طور النشأة الذي قاد إلى الانتفاضة الأولى.
وفي موضع آخر في ذات الحوار يؤكد د.شلح أن وجود حركة الجهاد الإسلامي، ومعها حماس وحزب الله في الأمة، هو الذي أنعش الأمل لدى جماهير الأمة الإسلامية وبشكل حسي وملموس عربياً وإسلامياً.
وفي موضع ثالث يشدد د.شلح على أن حركة الجهاد قد أثبتت في مختلف المراحل أنها قادرة على قيادة الظروف في المنعطفات الخطيرة للصراع مع الكيان الصهيوني.
وفي موضع رابع لا يتردد د.شلح في القول أن الأداء العسكري المميز لحركة الجهاد خلال انتفاضة الأقصى هو مرآة للوضع الداخلي الفلسطيني.
وفي موضع خامس يشير د.شلح إلى أن حركة الجهاد تشكل مشروعاً عقدياً، سياسياً، جهادياً هدفه تحرير فلسطين واستنهاض الأمة، مضيفاً أن حركته يجب أن تطرح نفسها برغم إمكاناتها المتواضعة على مستوى الأمة الإسلامية والعالم.(1/42)
وفي موضع سادس يؤكد د.شلح أنه يعتبر كل قائد من قادة سرايا القدس الذين استشهدوا في أوقات سابقة: الشهيد/ محمود طوالبة والشهيد/ إياد صوالحة والشهيد/ محمد سدر و الشهيد/ مقلد حميد، بألف مقاتل، قائلاً لمحاوره: أعطني أربعة قادة مثل هؤلاء وسجل علينا أربعة آلاف مقاتل في سرايا القدس، في إشارة واضحة مستوحاة من قصة الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه حينما كان والياً على مصر، وأرسل إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- طالباً مدداً قدره أربعة آلاف رجل، فلم يرسل له سيدنا عمر سوى أربعة من كبار الصحابة الأجلاء، مؤكداً أنه أرسل له أربعة، كل واحد منهم بألف رجل من المسلمين.
وبتاريخ 20/10/2003م صباحاً أقدمت طائرات العدو الصهيوني من طراز "إف16" على قصف منزل يعود للمجاهد عمار مشتهى أحد القادة الميدانيين لكتائب القسام، كان يستخدم كمصنع لتصنيع الأسلحة والمتفجرات الخاصة بكتائب القسام، إلا أن الجهاز الإعلامي لحركة الجهاد سرعان ما اتهم سلطات الاحتلال بمحاولة اغتيال الشيخ عبد الله الشامي، علماً بأن منزل الشيخ الشامي يبعد عن المنزل المستهدف ما يقارب 200 متراً، ورغم قيام الناطق العسكري لجيش الاحتلال الصهيوني بتوضيح ظروف العملية، وتأكيده بأن طائرات جيشه قد استهدفت منزلاً يحوي مصنعاً لحركة حماس إلا أن حركة الجهاد أصرت على أن المستهدف هو الشيخ عبد الله الشامي، وأن قصف منزل المجاهد مشتهى قد تم بطريق الخطأ، مهنأة بنجاته من عملية الاغتيال.
ولم يطل الانتظار كثيراً حتى عادت طائرات الاحتلال أدراجها ليلاً لتقصف ذات المنزل الخاص بعائلة مشتهى وتدمره بالكامل وتحيله أثراً بعد عين.(1/43)
وبتاريخ 15/5/2004م فجراً استهدفت مروحيات العدو الصهيوني مركزاً بحثياً قديماً تابعاً لحركة الجهاد، حيث انبرت حركة الجهاد للقول أن المستهدف كان الدكتور محمد الهندي، وأنه قد نجا من محاولة اغتيال، رغم أن هذا المركز البحثي قد أغلق منذ أكثر من عام حسب رواية أهل الحي، وأنه قد تم بيعه إلى إحدى المؤسسات الخاصة، ولم يعد تربطه بحركة الجهاد أية صلة من قريب أو من بعيد، ولم يقصف من قبل مروحيات الصهاينة إلا من باب كونه مؤسسة قديمة كانت تتبع في وقت سابق لحركة الجهاد, فضلاَ عن حدوث مثل هذا مع العديد من المؤسسات المغلقة في نفس الليلة، والتي لم تعد تابعة لأصحابها.
وفي سياق متصل، قامت حركة الجهاد بانتقاد الحوارات التي أجريت بين حركتي: حماس وفتح في القاهرة شهر أكتوبر عام 2002م، وشنت حملة تعبوية داخلية لأفرادها على قاعدة اعتبار هذه الحوارات تقريراً لمصير الفلسطينيين وقضيتهم من جانب فصيلين فلسطينيين، وتفريطاً في الحقوق والثوابت الفلسطينية من خلال التنازل عن حق المقاومة والتخلي عن العمليات الاستشهادية في العمق الصهيوني، وقد ورد ذلك في سياق بيان داخلي غير مؤرخ وزع على عناصر حركة الجهاد عقب عملية الخليل مباشرة التي وقعت بتاريخ 15/11/2002م، وحمل عنوان "شمس الحقيقة أنصع من محاولات الطمس القزمة"، وتوقيع اللجنة الثقافية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، فضلاً عن النداءات التي انطلقت من مكبرات الصوت وجابت بعض شوارع قطاع غزة.
وما لبثت حركة الجهاد أن التحقت بركب الحوارات في القاهرة، حين قامت مصر بدعوتها للمشاركة في الحوارات الموسعة، إذ لم تجد ما يمنعها من قبول هذه الدعوة، بل بدا واضحاً مدى تشوقها لحضور هذه الحوارات من خلال الاستجابة السريعة والتلبية الفورية للدعوة المصرية، رغماً عن التعبئة الداخلية المكثفة التي استهدفت حركة حماس تحديداً، وما حوته من دعاوى واتهامات.(1/44)
وبناء على ما سبق يمكن طرح التساؤلات التالية:
لماذا يبالغ الشيخ الشامي في الحديث عن عمليتي الزيتون ورفح، خاصة وقد ثبت عدم علاقة حركة الجهاد بعملية الزيتون، وكأن حركته قد فعلت ما لم يفعله الآخرون، أو أن المشروع الصهيوني على وشك الاضمحلال والانتهاء بفعل هذه العمليات؟!
لماذا تصر حركة الجهاد، مصداقاً لتصريحات الشيخ البطش ود.شلح، على وضع نفسها على رأس قوى المقاومة في كل شئ، من خلال التأكيد على أنها أول من ابتدع، وأول من فجر، وأول ...، وأول ...، علماً بأن المعلومات اليقينية والأدلة الكثيرة تشير إلى تواضع أدائها، بعيداً عن المبالغات والتهويلات التي تفتقر إلى أية صفة موضوعية؟!
لماذا ينسب د.شلح كل الفضل والوعي والجهد الذي قاد إلى اندلاع الانتفاضة المباركة الأولى لحركة الجهاد فحسب، وكأن حركة الجهاد قد حازت الساحة بأسرها، أو كأن أحداً من فصائل العمل الوطني والإسلامي لم يكن شيئاً مذكوراً؟!
هل يؤهل حجم ونفوذ ومكانة وعمل وجهد حركة الجهاد لاحتلال موقع الصدارة والتفوق والريادة على حركتي حماس وحزب الله، باعتبار أن د.شلح تحدث عن إنعاش حركة الجهاد للأمل في نفوس جماهير الأمة، ومعها، أي دونها أو أقل منها، حركة حماس وحزب الله؟!(1/45)
ألا تشكل تصريحات د.شلح حول إثبات حركته قدرتها في مختلف المراحل على قيادة الوضع الفلسطيني في المنعطفات الخطيرة للصراع مع الكيان الصهيوني، وكون أداء حركته المميز يشكل مرآة للوضع الداخلي الفلسطيني، نوعاً من المبالغة والتعظيم والانفراد بالفضل والعمل، الذي يتجاهل دور كل فصائل شعبنا الفلسطيني في سياق غير موضوعي، يتناسى الدور السياسي والاجتماعي المحدود لحركة الجهاد الذي لا يشكل رافعة أو ثقلاً هاماً في موازين السياسة الفلسطينية، فضلاً عن دورها العسكري الذي يعطى دوماً أبعاداً مهولة، فيما تشير الإحصائيات التوثيقية أن حركة الجهاد تحتل المركز الثالث، بعد حركة حماس وكتائب شهداء الأقصى، بنسبة لا تتجاوز 10% من إجمالي حصاد الجهاد والكفاح الفلسطيني، فضلاً عن نسبة تمثيلها شعبيا الذي لا يتجاوز 3 % في متوسط الاستطلاعات، وفقاً لأحدث استطلاعات الرأي الصادرة عن مراكز البحوث والدراسات الفلسطينية المعروفة؟!
هل يملك واقع وسياسات ومواقف حركة الجهاد التأهيل الكافي للعب أي دور خارجي، وفقاً لتصريحات د.شلح التي تشدد على ضرورة طرح حركة الجهاد لنفسها على مستوى الأمة الإسلامية والعالم، في ظل إمكانياتها المتواضعة التي يقر بها د. شلح، والإشكاليات الداخلية التي تمر بها، وفي ظل عدم تفهم ومراعاة أساليب وتقلبات وظروف اللعبة الدولية، وضعف الخطاب السياسي والإعلامي الموجه للعالم الخارجي؟!(1/46)
هل يمكن المقارنة والمساواة بين قادة سرايا القدس أو أي تنظيم عسكري فلسطيني، وبين كبار الصحابة الأجلاء، وما يحمله ذلك من تشبيه قسري لا مكان له في أدبياتنا ووعينا الإسلامي؟! وهل أضحى حال وإيمان واتصال قادتنا العسكريين بالله كحال كبار الصحابة الكرام، ليبلغوا مبلغهم، ويرتقوا رقيهم، وما دام قادة سرايا القدس على هذه الشاكلة التي ساواهم فيها د.شلح بكبار الصحابة، فكيف يكون حال الشيخ الإمام الشهيد أحمد ياسين وغيره من عمالقة الجهاد والمقاومة على أرض فلسطين؟!
لماذا تحاول حركة الجهاد منح قادتها مكانة مرموقة بطريقة غير مشروعة من خلال إظهار بعضهم بمظهر المستهدفين من قبل العدو الصهيوني، وإن كنا ندرك أن كل أبناء شعبنا الفلسطيني يقعون في دائرة الاستهداف الصهيونية, دون أن يكون لذلك نصيب من الحقيقة والواقع، كما في حال الشيخ الشامي ود.الهندي اللذين تم الادعاء باستهدافهما صهيونياً، بشكل يعتريه البعد عن المنطق والموضوعية؟!
لماذا عزلت وفصلت حركة الجهاد موقفها عن موقف حركة حماس بين يدي الحوارات التي جرت بين حركتي حماس وفتح في القاهرة تحت إشراف مصري شهر أكتوبر عام 2002م, وصبت مختلف أشكال نقدها واعتراضها تجاه هذه الخطوة، ودشنت حملة تعبوية داخلية في مواجهتها كونها تحمل كل المساوئ والسلبيات، لتعود – بعدها- وتقبل دعوة القاهرة لحضور هذه الحوارات، وتلحق بركب المتحاورين، مغيرة موقفها بين عشية وضحاها، وكأن شيئاً لم يكن؟!
ثانياً: الخطاب الداخلي:
ويمكن تقييمه من خلال الاحتكام إلى المحددات التالية:
1- مدى الصدق والموضوعية في الطرح والمعالجة:(1/47)
بتاريخ 24/4/2001م أصدرت حركة الجهاد بياناً بعنوان "أوراق داخلية - حماس وسياسة قلب الحقائق"(1) شنت فيها حملة على الشيخ إسماعيل هنية بعد قيامه بنشر مقال في صحيفة الرسالة الأسبوعية يعاتب فيه حركة الجهاد نتيجة بعض السلوكيات والتصرفات التي قامت بها في مواجهة حركة حماس، ومما جاء في هذا البيان:
__________
(1) عن هذا البيان فقد صرح أحد قيادات حركة حماس بأن الحركة قد عرفت من أسلوبه أنه قد كتب وصيغ من قبل القيادي في الجهاد خالد البطش, مؤكداً بأنه وقادة آخرين من حماس مازحوا البطش بصورة عتاب مضحك حول هذا الموضوع، ولم ينفِ ذلك.
وأكد مسئول حماس أن أحد اللقاءات قد جرت بين قادة من الحركتين بحضور د.الهندي وخالد البطش، وكان الشهيد الدكتور عبد العزيز موجوداً, حيث أخبر أحد قادة حماس د.الهندي أن آراءكم الداخلية موجودة عندنا, فأنكر معرفته بها.(1/48)
"في ظل حملة التصعيد المنهجي الذي يمارسه البعض من حركة حماس الإسلامية ضد أبناء حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين منذ بداية انتفاضة الأقصى المباركة، فقد تواصل هذه الأيام هذا المنهج التشويهي والتحريضي بورقة جديدة عنونها الأخ إسماعيل هنية بـ"همسة عتاب" نشرها في صحيفة الرسالة أولاً، وقام أفراد من حماس بتعليق تلك الهمسة على جدران المساجد (...) ويبدو أن الهدف من همسته محاولة غير نظيفة منه لتأليب الشارع ضد حركتنا وتشويه صورتها، خاصة بعد تصاعد عملياتها الجهادية ضد المحتلين الغزاة، وازدياد شعبيتها (...) كنا نعلم من تجربتنا الخاصة مع الأخوة في حماس بأنهم لا يقبلون أحد غيرهم على الساحة الإسلامية إن استطاعوا ... ولا يتعاملون مع القوى الإسلامية والوطنية إلا عندما يحتاجون إليها. إننا في ضوء ما سبق يجب أن نوضح الصورة المشوهة التي نشرها البعض من حماس، ولم تلق أي تعليق من قيادات حماس المعروفة، والتي كان يجب على هذه القيادات أن تمنع الأخ هنية من الكتابة التي لا تتحرى الصدق وتظلم الآخرين، وتوقفه للحساب الشديد عند الله يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم (...) قضية تبني العمليات العسكرية، والتي هي سبب مهم في توتر الأجواء، والاحتقان بين أبناء حماس والجهاد الإسلامي حين قال هنية بأنهم ليسوا في حاجة لتبني عمليات الآخرين، لأن لهم سجل ممتلئ بالعمليات، ألم يسمع الأخ إسماعيل ويشاهد بأن عمليات الجهاد الإسلامي النوعية مثل بيت ليد وهشام حمد وخالد الخطيب وغيرها كثير، أصبحت بقدرة قادر عمليات نفذتها كتائب القسام، والأخ هنية يشهد قبل غيره بأن هذه العمليات هي عمليات أبطال الجهاد الإسلامي (...) ومن ناحية أخرى يا أخ إسماعيل: ألم تشكو لكم حركة الجهاد الإسلامي من بيان كتائب القسام(1) الذي تبنى كل العمليات العسكرية التي تمت في
__________
(1) بعد التحري والتدقيق تبين عدم صدور مثل هذا البيان.(1/49)
الانتفاضة الحالية من اليوم الأول للانتفاضة (28/9/2000م)، سواء قامت بها فتح أو الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية أو غيرها (...) نحن هنا نؤكد مرة أخرى أننا سنصبر على اتهاماتكم وقلبكم للحقائق ونوصي إخواننا بوصية المؤمن التقي من أبناء آدم "لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك، إني أخاف الله رب العالمين"، وليكن واضحاً لدى إخواننا في حركة الجهاد الإسلامي أن لدينا استراتيجية ثابتة: وهي الانفتاح على كافة القوى الفلسطينية، وخاصة الأخوة في حركة حماس، ولن تتغير، وإننا حريصون جداً على وحدة العمل، ووحدة الموقف (...) وإن أيدينا ممدودة بالخير والتفاهم وعقولنا مفتوحة للتحاور مع الجميع، بما فيهم حركة حماس".
وبتاريخ 27/2/2001م أصدرت حركة الجهاد بياناً داخلياً بعنوان"أوراق داخلية - "إن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"، تمحور حول العمل الفني الذي عرضته فضائية المنار، وتناول سيرة حياة ومشوار جهاد الشهيد المهندس يحيى عياش، ومما جاء في هذا البيان:(1/50)
"مآخذنا على فضائية "المنار" التابعة لحزب الله أنها وقعت في فخ التضليل والتزوير الذي تصبه حركة حماس في الكتاب المسجل تحت عنوان الشهيد "يحيى عياش" والذي يحمل اسم المؤلف "محمد دوعر" وأشرف على توزيعه وطبعه "فلسطين المسلمة" والتابعة لحماس، فمهما حاولت حماس التنصل منه، فهي متهمة ومدانة والشريكة في التضليل والتزييف والسرقة، وهذا يتفق مع تاريخها الطويل القائم على هذه المرتكزات (...) لم يسع حركة حماس ولا ملفقها الكبير "دوعر" إلا بذل الجهد لمحاولة احتوائها ونسبتها إلى سجلها الجهادي، فكان لابد من الكذب الصريح والمفضوح من نسبة الشهيد عصام إلى الشهيد يحيى عياش، وأنه أحد تلامذته والعاملين تحت إمرته (...) حاول الملفق وأعوانه الذين أمدوه بالأضاليل والأكاذيب من الذين ينتسبون إلى دائرة العمل الإسلامي...(...) وبعد انقضاء حفل تأبين الشهيد هشام حمد، وفي يوم الجمعة التالي 18/11/1994م اتصلت حركة حماس بقيادة حركة الجهاد الإسلامي معربة عن نيتها بتسيير مسيرة تضامنية مع حركة الجهاد الإسلامي من مسجد فلسطين بغزة إلى بيت الشهيد هشام حمد، مما ترتب على هذه المسيرة ما عرف باسم "مجزرة مسجد فلسطين" حيث سقط يومها أكثر من 16 شهيد برصاص السلطة الفلسطينية، فإذا كانت حركة المقاومة الإسلامية أو كتائبها عز الدين القسام هي التي نفذت العملية، فلماذا تأتي للتضامن مع حركة الجهاد الإسلامي، وإنما الواجب يحتم على حركة الجهاد الإسلامي القيام بمسيرة الشكر لحركة حماس، ولكن هذا يعطينا دليلاً قوياً على التلفيق المقصود المبيت بتبني كل العمل النوعي الذي نفذته حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وذراعها العسكري "قسم" وإظهارها بمظهر العاجز الذي يتلقى الضربات فقط (...) يود الكاتب الدجال ومن خلفه من الدجالين أن يفرغوا حركة الجهاد الإسلامي من دورها، وأن يسلبوا منها عملياتها ليزيدوا رصيدهم، ويزيفوا على الناس، وخصوصاً في الخارج أنهم هم(1/51)
الوحيدون الموجودون على الساحة الجهادية ومن ثم ليستولوا على كل أموال الدعم، وللعلم إننا لا ننافسهم في ذلك (...) نحن نرحب بكل دور مشارك تقوم به كتائب القسام مع شقيقتها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، ولكن لا لتحتوي جهادها ولتلغي دورها، فهي قادرة دوماً على أن تكون في الريادة وفي طليعة المجاهدين، كما كانت على سبيل المثال طليعة المجاهدين في الانتفاضة الأولى، وكما كانت طليعة المجاهدين في انتفاضة الأقصى الحالية حين تقدم فارسها الشهيد نبيل العرعير بعمليته الاستشهادية وقت أن كانت كل الحركات الجهادية مشلولة اليد وتعيش حالة من الاتهام بالعجز والقصور (...) نوجه الاتهام بل نثبت الجريمة على يد الكاتب "محمد دوعر" الذي تعمد التلفيق والتزييف والتزوير والسرقة، وكذلك نثبت الجريمة على الجهة التي حاولت الاستفادة من هذا الإجرام الفاضح للدجال "دوعر"، حيث زودت الدجال بالبيانات المطلوبة، وزودته بالأموال اللازمة، كما قامت بطباعة ونشر هذه الجريمة الفاضحة... وليعلم هؤلاء بأن حركة الجهاد الإسلامي ليست عاجزة عن كشف زيفهم ودجلهم، ولكنها تؤثر دائماً أن تقلل من حجم التوتر الداخلي في المجتمع الفلسطيني، وتوجه كل جهادها ضد الاحتلال وأدواته".
ومن خلال ما سبق من نماذج واقتباسات، يمكن طرح الأسئلة التالية:
هل تنفذ حماس – حقاً- منهجاً تشويهياً وتحريضياً ضدهم؟! وأين هي فصوله وأماراته وتجلياته والدلائل المعبرة عنه؟! وهل يمكن اعتبار همسة الشيخ إسماعيل هنية التي عاتبهم فيها بأدب ورفق على بعض السلوكيات والتصرفات أمارة معبرة عن هذا المنهج التشويهي التحريضي؟! وهل يمكن الحديث عن الشيخ هنية صاحب النفس الوحدوي بمثل هذا الأسلوب التجريحي التشويهي الاتهامي؟!
هل صدر عن حركة حماس بيان خارجي أو داخلي يسئ إليهم، أو أي فصيل من فصائل العمل الوطني والإسلامي، ويشوه صورتها، ويستهدف تأليب الشارع الفلسطيني ضدها؟!(1/52)
ما ماهية التجربة الخاصة التي خاضوها مع حركة حماس، وجزموا إثرها بعدم قبول حماس لأحد غيرها على الساحة الإسلامية إن استطاعت؟!
هل قامت حركة حماس أو جناحها العسكري كتائب القسام بشكل رسمي بتبني عملياتهم كبيت ليد وهشام حمد وخالد الخطيب؟! وهل صحيح أن كتائب القسام – المشهود لها بالمصداقية العالية والنزاهة الكاملة- تبنت كل العمليات العسكرية التي تمت في الانتفاضة الحالية منذ اليوم الأول للانتفاضة، سواء التي قامت بها فتح أم الجهاد الإسلامي أم الجبهة الشعبية أم غيرها؟!
هل يقع استخدام الآية الكريمة "لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين" في معرض نصيحة الحركة لعناصرها، موقعاً سليماً وصحيحاً في سياق التعامل مع أبناء حركة حماس؟! وهل أشهرت حماس سيوفها وأسلحتها، وأعملت ضرباً وتقتيلاً فيهم كي تقوم بتوظيف هذه الآية بشكل مغلوط، وتدعو عناصرها للصبر على العدوان، والتريث في مواجهة الهجوم الحمساوي؟!
هل يشي هذا الهجوم الذي يمارسوه على حركة حماس بأي شكل من أشكال الانفتاح على حركة حماس كاستراتيجية ثابتة، تعتمد الحرص على وحدة العمل ووحدة الموقف معها، ومد اليد بالخير والتفاهم، وفتح العقل للتحاور معها؟!
هل من المنطق والموضوعية أن تؤخذ حركة حماس بأسرها بجريرة عمل فني اعتمد على مؤلّف أصدره أحد الكتاب دون الخوض في ماهية وتفاصيل المعلومات التي وردت فيه، والتي يتحمل صاحبها المسئولية الكاملة عن نشرها وترويجها؟! ولماذا يزج بحركة حماس في هذا السياق، وتطلق عليها ألواناً شتى من الاتهامات التي تتنافى مع الشعارات التي يتغنى بها الجهاد من وحدة العمل والموقف والانفتاح والتفاهم مع حماس؟!
هل يمكن اعتبار الألفاظ والتوصيفات التي أطلقتها حركتهم بحق حركة حماس وبحق المؤلف محمد دوعر، ألفاظاً وتوصيفات تنسجم مع الأدب والخلق والمبادئ الإسلامية القويمة؟!(1/53)
لماذا يتهم الجهاد حركة حماس ضمنياً بافتعال والمسئولية عن أحداث مجزرة فلسطين، من خلال تأكيدها أن المسيرة التضامنية التي عزمت على تسييرها تضامناً مع حركة الجهاد من مسجد فلسطين إلى بيت الشهيد هشام حمد(1) قد ترتب عليها مجزرة مسجد فلسطين؟! وهل يجازى من يبادر إلى التضامن والتكاتف والانفتاح بمثل هذا الاتهام الذي يسقط المسئولية الكاملة للسلطة الفلسطينية عن هذه المجزرة؟!
هل كانت حماس، والقوى الحية الأخرى – فعلاً- عاجزة مشلولة اليد، تعيش حالة من القصور ومواجهة الاتهام، بداية الانتفاضة الحالية، بدليل تفردهم بأول عملية استشهادية في الانتفاضة الحالية التي نفذها الشهيد نبيل العرعير رحمه الله؟!
2- مدى الحفاظ على علاقة جيدة مع حركة حماس:
في بيان داخلي غير مؤرخ وزع على عناصر الجهاد عقب عملية الخليل مباشرة التي وقعت بتاريخ 15/11/2002م، وحمل عنوان "شمس الحقيقة أنصع من محاولات الطمس القزمة"، وتوقيع اللجنة الثقافية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وردت الكثير من الاتهامات التي كيلت تجاه حركة حماس، وذلك على النحو التالي:
__________
(1) المسيرة جاءت بعد أن قامت الشرطة الفلسطينية بهدم السرادق في بيت العزاء المقام للشهيد هشام حمد, ولم تستطع حركة الجهاد أن تحرك ساكناً, فكان الهدف المنشود للمسيرة التوجه تضامنا مع حركة الجهاد, والقيام بإعادة السرادق في بيت الشهيد هشام حمد.(1/54)
"إن محاولات بعض الأخوة في حماس سرقة نضال أبناء سرايا القدس ونجاحهم الباهر في عملياتهم الاستشهادية الفذة والمعجزة ضد مستوطنة كريات أربع في الخليل لما تمثله هذه العملية من براعة وجرأة منقطعة النظير لأبطال السرايا وقبل ذلك توفيق من الله واصطحاب لمعيته جعلتها حديث القاصي والداني وأربكت العدو وأفقدته توازنه لما تمثله من اختراق وفي مقدمتهم مقتل قائد لواء الجيش الصهيوني في منطقة الخليل العميد "درور فاينبرغ"، هذه المحاولات بكل تأكيد هي محاولات رخيصة ومكشوفة لكل ذي عقل وبصيرة، يسعى المنغمسون والملوثون لألسنتهم وأيديهم وقبل ذلك إسلامهم من ورائها لتحقيق أهداف عدة منها:
سرقة الفرحة من أبناء حركة الجهاد الإسلامي والحيلولة دون التفاف الجماهير خاصة الشباب المجاهد والمناضل حول هذه الحركة بسبب إنجازاتها العسكرية على الأرض من خلال عملياتها الفذة كعملية الخليل.
الحيلولة دون انكشاف وتعرية الافتراء الذي يروجونه بأن العمليات الفذة والموجعة للكيان هي دوماً من أعمال شباب حماس وأن عمليات الآخرين خاصة الجهاد الإسلامي هي عمليات صغيرة وبسيطة.
التغطية على خلو الفترة الأخيرة من العمليات الاستشهادية التي تقوم بها حركة حماس.
التغطية على الأنباء التي تسربت من المحادثات التي تجرى في القاهرة بين حركة فتح وحركة حماس والتي تفيد بأن حركة حماس وافقت على إيقاف عملياتها العسكرية ضد الكيان الصهيوني لمدة ثلاث أشهر وباشتراط أن يكون الاتفاق حول هذه النقطة سرياً ولا يتم الإعلان عنه للصحافة والجماهير.(1/55)
إننا ومع تأكيدنا وتأكدنا بأن هذه المحاولات الرخيصة والمبتذلة تأتي ضمن سياق المنهج العام الذي يهدف لإثبات أن كل العمليات الفذة من إنجازاتهم وأنهم الأقوى والأجود لقيادة الشعب، وطمس حركة الجهاد الإسلامي وإنجازاتها، فإننا نتوجه لأبناء حركة الجهاد في كل المواقع أن يتحلوا بالصبر والحكمة وأن يبتعدوا عن ردود الأفعال والانفعال في الرد على هذه المحاولات التي لن تصمد طويلاً "فأما الزبد فيذهب جفاءً"، وأن يثبتوا على قول الحق والحقيقة والتقدم باتجاه وعد الله ووعد الآخرة ليستحقوا نصر الله ومعيته.
كما نتوجه لكل الذين يحاولون سرقة أعمال ونضالات غيرهم وينسبونها لأنفسهم لينالوا الحمد والشهرة في دنيا الناس، وينالوا الغنيمة المادية في زمن الحسابات الجارية أن يعودوا لرشدهم وعقولهم قبل أن تتضح الحقيقة في دنيا الناس فيلحقهم الأذى والفضيحة بدل الحمد والشهرة وينفر منهم الأتباع المخلصون... أن يعودوا لرشدهم وعقولهم قبل وضوح الحقيقة – وهذا أمر مؤكد– وانتشار الفضيحة على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، حيث لا تنفع في ذلك الموقف الاعتذارات الرسمية ولا الإنكارات المزيفة ولا الحجج الواهية التي قد تجدي نفعاً في دنيا الناس ... أن يعودوا لرشدهم وعقولهم قبل أن تطاردهم لعنة الحقوق المسروقة والنضالات المغتصبة وقبل أن يزدادوا بعداً من المولى عز وجل مصداقاً لقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في الصحيحين:(من ادعى دعوة كاذبة ليتكثر بها لم تزده من الله إلا بعداً)".
وفي بيان داخلي آخر حمل عنوان "تعميم للجان الإدارية – "فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"، بتاريخ 21/1/2003م، قام البيان بشن هجمة غير مسبوقة على الشيخ الإمام الشهيد أحمد ياسين، وذلك على النحو التالي:(1/56)
"في الوقت الذي تشتد فيه الخطوب، وتتعاظم فيه المؤامرات، وتتوالى جرائم الاحتلال بحق أبناء شعبنا، مما يفرض على الجميع التماسك والالتفاف حول بعض، لشد الأزر، ولإفشال المخططات العالمية الهادفة للنيل من إرادة شعبنا، يفاجئنا الشيخ أحمد ياسين بعكس ذلك تماماً، حين يتوجه إلى بيتي عزاء الشهيدين (كرم المغني ... وجمال أبو القمبز) وبدلاً من أن يواسي يفتح الجراح ويثير الأسى حين يقول لذوي الشهيد عن الشهيدين: (("راحوا ببلاش" ببعتوا أبناء الناس للموت))، والجميع يعلم أن الشهيدين توجها للقيام بعمليتهما بقرار ذاتي. ثم يواصل الشيخ / ياسين ليلته في منطقة الشجاعية متوجهاً إلى مسجد الصديقين بعد صلاة العشاء، ليلتقي بأتباعه في المسجد، ويجيب عن تساؤلاتهم، والتي كان في بعضها الحرص على وحدة الصف الإسلامي وخصوصاً بين حماس والجهاد، لكن الشيخ ياسين قابل هذا الحرص لدى الشباب بالتحريض وتأليب القلوب, وكذلك بكيل الاتهامات على حركة الجهاد الإسلامي وأعضائها، متهماً إياهم: بالنفاق وقلة التربية، وليس لهم إلا سب "حماس" وضرب أبنائها في المساجد، فكيف تكون الوحدة، هل هي "وحدة فقوس وخيار - وبطيخ وسنطروزة"!!! ثم يصدر الشيخ ياسين حكمه النهائي على حركة الجهاد الإسلامي وشهدائها: بأنهم طلاب دنيا وكراسي ومناصب، وأنهم فشلوا في خيارهم بعد أن انشقوا عن حماس، وطلبوا العودة إليها، فرد الإخوان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم قبوله لجيش المنافقين بقيادة عبد الله بن سلول بعد انشقاقه عن النبي صلى الله عليه وسلم في معركة أحد!!! هذا هو موقف ياسين(1) من حركة الجهاد الإسلامي، ونحن لا نستغرب ذلك منه، لكن أن يتحدث بذلك في المسجد، حيث عامة الناس، وكذلك أنصار
__________
(1) علمنا من بعض قادة حماس بمراجعة الشيخ الشهيد الأمام أحمد ياسين آنذاك من قبل حركة حماس فيما زعمته حركة الجهاد، فأنكر ذلك واستهجنه رغم علم الحركة بكذب هذا الزعم حسب حماس.(1/57)
وأبناء حركة الجهاد الإسلامي، فهذا هو المستغرب حين تغادره فطنته وذكاءه، فيفضي بمكنون صدره!!! (...) إننا نناشد إخواننا الأفاضل في حركة الجهاد الإسلامي أن لا ينشغلوا بهذه المهاترات التي تثار في وجوههم، وأن يتعالوا على هذه الصغائر التي يتفوه بها البعض، وأن ينشغلوا بقرآنهم وعبادتهم وبجهادهم ودعوتهم ليستثمروا انتصارات مجاهديهم الأبطال، ويقدموا الأنموذج الأمثل للمسلم الرسالي الحريص على شعبه وقضيته، وعلى عدم تشتت الجهد في ساحات الفشل وذهاب الريح".
وبناء على ذلك يمكن طرح التساؤلات التالية:
هل الالتزام بمنهج الحق، وقول الحقيقة، مهما كان شكلها ومضمونها وطبيعتها، يؤرق الجهاد، بحيث أن عملية كعملية الخليل، تشير التحليلات الميدانية الصهيونية قبل الفلسطينية إلى وجود أكثر من مجموعة مسلحة قامت بتنفيذها على هيئة كمين مزدوج، تثير هذا القدر من الهجوم والتحامل على حركة حماس؟! وهل من الصحة والعدل أن تتخلى حماس عن دور مجاهديها في تنفيذ جزء مهم من هذه العملية، ما دام الأمر واقعاً حقيقياً أرادت مشيئة الله خروجه على هذه الشاكلة المزدوجة؟! ولماذا رفضت الجهاد الاحتكام إلى لجنة تحقيق، تبحث القضية، وتضع خلاصة نتائجها وقراراتها أمام الجميع؟!
هل عهد على حركة حماس التغول على حقوق وجهود الآخرين في مجال العمل المقاوم بأن تبنت رسمياً عمليات الفصائل الأخرى؟! وإن كانت الجهاد مصرة على هذا الادعاء فهل تملك أمثلة بينة وأدلة قاطعة، من بيانات وتصريحات رسمية لحركة حماس وكتائب القسام، تثبت صحة دعواها، وتؤكد حقيقية اتهاماتها؟!(1/58)
هل يعتقد أحد أن عملية عسكرية واحدة، مهما كانت قوتها ودرجة نوعيتها، كافية لحصد الالتفاف الشعبي والجماهيري، أم أن الأمر يتعلق بمدى وطبيعة الخدمات التي ينبغي أن تقدم للجماهير، والمساعدات الإنسانية التي تسد رمق أهالي الشهداء والجرحى والثكالى والأرامل والأيتام، والقاعدة المؤسساتية التي تستهدف إعانة ودعم المحتاجين، والمواقف المسئولة التي تحافظ على الوطن وسلامته وسلامة العلاقات الوطنية بين أبنائه، ومدى الجهود الفكرية الثقافية والتربوية التي تبذل للارتقاء بأحواله، وتأهيلهم لحمل الأمانة وأداء الرسالة الوطنية والدينية؟!
هل يمكن القول أن الحمد البشري والشهرة الإعلامية والتبرعات المادية تتصدر أجندة ومواقف وسياسيات حركة حماس التي لا زال أبناؤها وقادتها يبذلون دماءهم وأرواحهم رخيصة فداء لدينهم وعقيدتهم ووطنهم وشعبهم ومقدساتهم، ويجعلون من أجسادهم أشلاءً متناثرة لقاء حرية وعزة وكرامة شعبهم وأمتهم؟!(1/59)
كيف يمكن لحركة الجهاد أن تجيز لنفسها الحديث عن شيخ فلسطين وشيخ المجاهدين وأحد أهم رموز الأمة العربية الإسلامية الشيخ الشهيد الإمام أحمد ياسين، بهذه الأوصاف والألفاظ والتعبيرات، البعيدة كل البعد عن أخلاقيات ديننا وأدبيات دعوتنا الإسلامية، والغريبة كل الغرابة عن منطق العقل والحكمة والموضوعية؟! وهل أصبح شيخ الجهاد والمقاومة والكفاح مفتتاً للوحدة، عاملاً على تهديم أواصر اللقاء والتلاحم معهم رغم كونه أشد الحريصين على حسن العلاقة معهم؟! وهل تملك هذه الاتهامات التي طالت رمزاً عظيماً وملهماً أية أرصدة حقيقية أو نصيب فعلي على أرض الواقع؟! وهل يمكن لأحد أن يصدق مثل هذه الدعاوى والاتهامات التي تحاول الإساءة إلى شيخ طاهر جليل باع نفسه وروحه وماله لله تعالى، شيخ كبير قعيد البدن غزته الأمراض من كل حدب وصوب، وداهمته المعاناة الصحية والجسدية من كل مكان، لكنه أبى إلا الانتفاض على الوهن، والاستعلاء على الوجع والمعاناة، ليمتلك همة لم يملكها أحد غيره، وعزماً عز نظيره، وروحاً واثقة بنصر الله هانت معها كل الآلام والجراح؟! ولماذا أقدم الجهاد على إصدار صور خاصة بالشيخ الشهيد عقب استشهاده، ووضعت صورته في مختلف ملصقاتها وإصداراتها، ما دام الشيخ على هذه الشاكلة التي تحدث عنها البيان الداخلي؟! وهل يعتقد أحد أن الحديث بهذه الشاكلة والكيفية عن الشيخ ياسين الذي يمثل قمة الهرم السياسي والروحي في حركة حماس، كفيل بتحقيق الوحدة والانفتاح معها، وتحسين العلاقات وتوطيد أواصر الأخوة مع أبنائها؟!
3- مدى الفهم الديني والشرعي:
في هذا الصدد يمكن الاكتفاء ببيان اللجنة الثقافية لحركة الجهاد، المشار إليه سابقاً، والذي يحمل عنوان "شمس الحقيقة أنصع من محاولات الطمس القزمة، والذي جاء فيه ما يلي:(1/60)
"ولا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم" آل عمران 188. يتحدث المولى عز و جل في هذه الآية المباركة عن تلك الفئة من الناس التي تفرح وتطرب لما تفعله من خير (إن كان في فعلها خير)، بل وأكثر من ذلك تحب أن يحمدها الآخرون ويشكرونها على أفعال لم تأت بها ولم تقوم بفعلها. ولأن منهج الإسلام والقرآن هو العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه فإنه يحارب تلك الصفة الذميمة متوعداً الذين يتصفون بها إن لم يراجعوا أنفسهم وقراراتهم ومواقفهم بالعذاب الأليم والعقوبة الشديدة مع التأكيد أن أحداً منهم لن ينجو من هذا العذاب "فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم"، وذلك لأن هذه الصفة الذميمة تؤدي بالإنسان إلى أن يقع في مجموعة من المحرمات التي نهى عنها الإسلام، فهي تدفع به أولاً للاتصاف بصفة النفاق حيث يقول ما لا يفعل "يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا"، وتدفع به ثانياً لخيانة الأمانة التي حملها الإنسان بقول الحقيقة والصدق فيها والدفاع عنها، حيث أنه سيتحدث بالكذب والزور لينسب إلى نفسه أعمالاً خيرية لم يقم بها من أجل أن يكال له المديح والثناء، وتدفع به ثالثاً لأن يقع في مستنقع الرياء الذي حذر منه الإسلام، وشدد المولى عز وجل العقوبة على من يسمح لنفسه أن تسبح وتغرق في هذا المستنقع الآسن، وفوق ذلك يكون هذا الرياء محبطاً لكل أعمال الخير التي يقوم بها الإنسان، والكل يعلم ويعرف قصة ذلك الرجل الذي احتج على دخوله النار وهو الذي قتل في المعركة ضد أعداء الله فيرد عليه المولى عز وجل ومكذباً إياه "... كذبت، لقد قاتلت حتى يقال عنك أنك شجاع وقد قيل". وإذا كان هذا جزاء الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فإن جزاء ومصير الذين يسرقون نضالات الآخرين لينالوا الحمد من الناس والشهرة بينهم سيكون أسوأ وعذابهم أشد، ذلك لأنهم يرتكبون بهذه السرقة كل الموبقات(1/61)
السابقة من الاتصاف بصفة الكذب والنفاق ومن خيانة أمانة الحقيقة وقول الحق والصدق ومن الغرق في مستنقع الرياء الآسن وفوق ذلك كله يرتكبون جريمة أكل حقوق الآخرين التي توعدها المولى عز وجل بأشد العقاب والعذاب وأخرجها من مشيئة العفو والمسامحة التي يتفضل بها الله عز وجل على عباده يوم القيامة وربطها بعفو وتنازل صاحب الحق فيها من الناس.
الأخوة أبناء الجهاد الإسلامي:
... إن محاولات الأخوة في حماس سرقة نضال أبناء سرايا القدس ونجاحهم الباهر في عمليتهم الاستشهادية الفذة والمعجزة ضد مستوطنة كريات أربع في الخليل لما تمثله هذه العملية من ... إلخ".
ومن خلال ما سبق يمكن الإشارة إلى الأسئلة التالية:
هل يمكن القول إن التفسير الديني للآية القرآنية الكريمة المذكورة في مطلع البيان الذي أصدره أعلى وأرفع مستوى ثقافي في الحركة يعبر عن التفسير الحقيقي والصحيح للآية المذكورة؟!
هل تستحق حركة حماس كل هذه الاتهامات التي ترتدي الثوب الديني منهم؟! وما الذي فعلته حماس من آثام ومنكرات حتى تستحق كل هذا الهجوم؟! وهل يجوز لهم اتخاذ بعض الإشكاليات المتصلة بعلاقتها مع حركة حماس، كمطية للتعبير عن مواقف مسبقة متشنجة، وكمبرر لتصفية الحسابات التي اتخذت أشكالاً دينية بالغة الحساسية؟!
هل يمكن لعالم من علماء الدين والفقه والدعوة، كائناً من كان، إقحام رؤى ومواقف سياسية ونفسية في عمق الدين والنص القرآني، أو إلباس بعض الإشكالات الميدانية لبوساً دينياً، بشكل قسري يخالف الدين والتفسير القرآني السليم، ويناقض الحق والحقيقة والواقع؟!(1/62)
هل تعبر هذه التأويلات الخاطئة عن تطرف أو نوع من التطرف الديني لدى الجهاد، الذي يعتمد على تأويل النصوص الشرعية بشكل خاطئ، وتحريف تفسيراتها ومدلولاتها ومقاصدها، كما هو حال الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تفهم الدين فهماً خاصاً بها، وتفسره تفسيرات خاصة في ضوء مواقفها وأهدافها وسياساتها، بعيداً عن أي توازن أو اعتدال، بشكل أساء إلى صورة المسلمين في العالم، ومنح القوى الصليبية والصهيونية المعادية الفرصة لغزو ديار المسلمين، ومحاربة الإسلام تحت ذريعة مكافحة الإرهاب الإسلامي، والتضييق على المسلمين في كل مكان؟!
ما حكم الإسلام في مثل هذه التأويلات الخاطئة والتفسيرات المنحرفة، وهل يجيز الإسلام لبعض أبنائه انتحال اسمه واتخاذه كغطاء لمهاجمة البعض الآخر، دون أي مبرر شرعي صحيح أو مرتكز ديني سليم؟!
هل يقتصر الفهم الديني والشرعي الخاطئ والمغلوط للجهاد على هذا الجانب، أم أنه يمتد إلى جوانب وزوايا أخرى؟!
هل يمكن أن يكون شكل الخطاب والتوصيف بين العاملين في الحقل الإسلامي، على هذه الشاكلة المحزنة، البعيدة عن كل مفردات الأخوة والحب في الله، وكل أخلاقيات الأدب والتعامل الإسلامي الرفيع؟!
هل يعتقد أحد أن التوفيق الإلهي سيكون حليفاً لمن يستسهل أو يجيز لنفسه مثل هذه التعديلات الفقهية الحساسة والاختراقات الشرعية الخطيرة؟!
خلفية ميدانية:
وتتعلق بالعمليات العسكرية الخاصة بكتائب القسام الجناح المسلح لحركة حماس التي قامت حركة الجهاد بتبنيها وإعلان المسئولية عنها.
ونظراً للحساسية التي تمس واقع العلاقة بين الحركتين، فإن من الأهمية بمكان الإحاطة بالخلفية الميدانية زمن الانتفاضة الراهنة والانتفاضة الأولى1987م، كي يتم استيضاح الصورة من جميع جوانبها، وتشبع القضية بحثاً وتوثيقاً، في إطار التعليق المنطقي والتحليل الموضوعي الدقيق، وذلك على النحو التالي:
العمليات والأحداث والشخصيات التي تبنتها(1/63)
حركة الجهاد منذ الانتفاضة الأولى عام 1987م،
مروراً بانتفاضة الأقصى، وحتى اليوم
2-1* عملية الطعن التي نفذها الشهيد طلال سليم الأعرج بتاريخ 19/3/1989م:
... اتخذت حركة حماس قراراً بالثأر للشهداء الذين سقطوا برصاص جنود البغي والعدوان في مسجد الرضوان بقطاع غزة يوم 18/3/1989م، وخطت حماس على الجدران: "حماس أقسمت على الثأر لدماء شهدائها الأبرار". وعلى الرغم من فرض الاحتلال لمنع التجول على كافة أنحاء قطاع غزة إثر الجريمة البشعة، إلا أن الثأر للشهداء لم يتأخر، فقد قام المجاهد طلال سليم الأعرج 26 عاماً أحد عناصر حركة حماس باستدراج دورية راجلة من حرس الحدود الصهيوني إلى أحد المنازل بعد أن رجمهم بالحجارة، ولما اقتحم أحد الجنود المنزل تلقى طعنة بسكين أردته قتيلاً، وعندما دخل الجندي الثاني تلقى هو الآخر طعنات قاتلة من المجاهد الأعرج، فصرخ طالباً النجدة، فدخل جندي ثالث لنجدته، ولكنه تلقى عدة طعنات في صدره، غير أنها لم تكن كافية لقتله حيث تمكن من إطلاق النار على المجاهد الذي أصيب برصاصتين قاتلتين في رأسه وصدره.
من جهته أعلنت الجهاد مسئوليتها عن تنفيذ العملية، وادعت انتماء الشهيد إلى صفوفها(1).
2-2* عملية "جاني طال" بتاريخ 30/1/ 1993م:
__________
(1) أنظر كتاب "نجوم فوق الجبين – الملف الوثائقي لشهداء حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين "الجزء الأول"، الصادر عن مركز يافا للدراسات والأبحاث: القاهرة، إعداد: رفعت سيد أحمد، ص 46، الطبعة الأولى 1999م".(1/64)
في الساعة الخامسة والنصف من صباح يوم السبت 30 كانون الثاني/ يناير 1993م، اخترق اثنان من مجاهدي كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس السياج الإلكتروني الذي يحيط بمستعمرة "جاني طال"، وكمنا في حفرة أمام بعض الشجيرات بانتظار مرور الدورية الصهيونية التي كانت تقوم بأعمال الحراسة داخل المستعمرة، وما أن أصبحت السيارة العسكرية على بعد خمسة أمتار من المجاهدين حتى أطلق المجاهدان النار باتجاه جنود الدورية الذين لم يتمكنوا من الرد. وقد انسحب المجاهدان بعد أن استوليا على رشاشين، واحد من نوع "جاليلي"، والثاني من نوع "إم 16" يعودان للجنديين القتيلين، في حين أصيب ضابط الدورية بجروح في ظهره قبل أن يلوذ بالفرار.
وقد أعلنت كتائب القسام مسئوليتها عن العملية. ولم تمض عدة ساعات إلا وأفادت الأنباء بتبني الجهاد من الأردن لهذه العملية(1)، ولم يقتصر الأمر علي الجهاد، إذ قامت مجموعات صقور فتح بالإعلان بدورها عن هذه العملية عبر بيان رسمي، وبشعارات غطت جدران قطاع غزة .
__________
(1) يمكن مراجعة جريدة القدس صباح ثاني يوم العملية التي ذكرت تبني حركة الجهاد الإسلامي لهذه العملية.(1/65)
ويشاء الله تعالى أن تتجلى الحقيقة كاملة، ويزول الغبش، وتتضح صورة الموقف حينما أوردت محطات التلفزة صوراً لقائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال الصهيوني الذي جاء لمكان العملية ليرى عن كثب الحفرة التي أحدثها عناصر كتائب القسام في السياج الإلكتروني، وليكشف أمام وسائل الإعلام عثور قوات الاحتلال على بندقية "كارل غوستاف"، إحدى البنادق التي استخدمت في تنفيذ العملية، وقد كتب علي حزامها العبارة التالية: "كتائب الشهيد عز الدين القسام، مخيم خانيونس"، وكان الاعتقاد السائد لدى جيش الاحتلال وكذلك المراقبين أن منفذي العملية قد تركوها كدليل على تنفيذ كتائب القسام للعملية، إلا أن كتائب القسام أعلنت في بيان لها بعد بث هذه الصور أن مجاهديها لم يتعمدوا ترك البندقية، بل سقطت منهم أثناء الانسحاب، وكان من الخطورة بمكان التوقف لجلبها، خصوصاً أن المجاهدين كانوا يحملون بنادق الجنود الصهاينة الذين قتلوا في العملية.
وأكدت كتائب القسام في بيانها أنها لم تكن لتترك هذه البندقية عن قصد في الوقت الذي يعيش فيه المجاهدون أمسّ الحاجة لكل قطعة سلاح، فمن المعروف أن الحصول علي السلاح كان صعب المنال في بدايات انطلاق العمل المقاوم أوائل التسعينيات، يوم كان عناصر كتائب القسام يعدون الرصاصات واحدة واحدة، فما بالك بقطع السلاح، قبل خروجهم لنصب كمين لدورية للعدو في شوارع وأزقة غزة أو جبال ووديان الضفة.
... وأوضحت كتائب القسام أنها تجنبت الإشارة إلى فقدان بندقية الـ "كارل غوستاف" أثناء إعلانها عن تنفيذ العملية علي أمل العودة والبحث عنها بعد انسحاب تعزيزات جيش الاحتلال التي انتشرت بكثافة عقب تنفيذ العملية، إلا أن إرادة الله اقتضت أن يعثر عليها جنود الاحتلال لتكون شاهداً من غير حسبان على ادعاءات ومزاعم ليس لها حساب منطقي أو رصيد حقيقي من الواقع, ويذكر أن أحد منفذي هذه العملية هو المجاهد الشهيد جميل وادي من مدينة خانيونس.(1/66)
2- 3 * عملية "الخضيرة" يوم الأرض بتاريخ 30/3/1993م:
خرجت الوحدة الخاصة التابعة لكتائب القسام في ساعات الفجر الأولى من يوم الثلاثاء 30 آذار/ مارس 1993 لاصطياد أفراد في الشرطة الصهيونية أو جنود الاحتلال أثناء انتظارهم على جانب الطريق القريب من وادي عارة ومدينة الخضيرة، إذ أن هذه الوحدة تخصصت في العمل ضد الأهداف العسكرية داخل المناطق المحتلة عام 1948. وفي الساعة الثانية وأربعين دقيقة وأثناء مرور سيارة الفورد البيضاء التي أقلت أفراد الوحدة على مفترق مستوطنة "تلمي أليعزر"، لوحظ اثنان من رجال الشرطة الصهيونية يستريحان داخل سيارة الدورية عند مدخل المستوطنة، وبعد أن توقفت سيارة المجاهدين بموازاة سيارة الشرطة، أطلق اثنان من المجاهدين النار عبر نافذة السيارة باتجاه الشرطيين الذين أصيبا بشكل مباشر في رأسيهما من مسافة قريبة جداً فقتلا على الفور، ثم قام أحد المجاهدين بالقفز داخل سيارة الشرطة وأخذ سلاح الشرطيين ووثائقهما، قبل أن يعود المجاهدون إلى قاعدتهم سالمين.
... وأعلنت كتائب القسام مسئوليتها عن العملية، إلا أن الجهاد، وعبر شعارات كتبت علي الجدران في مدينة غزة، وتحديداً في مخيم الشاطئ ومدرسة ابن سينا الثانوية، ادعت بأنها المسئولة عن تنفيذ العملية. وبعد مدة تم إلقاء القبض علي أفراد الوحدة الخاصة لكتائب القسام وعلي رأسهم مصطفى العكاوي قائد الوحدة، وجميعهم من مدينة القدس وأحدهم من سكان فلسطين المحتلة عام 1948، وتم العثور بحوزتهم علي وثائق مختلفة إضافة إلى أسلحة الشرطيين القتيلين.
2- 4* ادعاء انتماء الشهيد زكريا الشوربجي بطل معركة حي التفاح إلى الجهاد:(1/67)
إثر وشاية من أحد العملاء، قام المئات من جنود الاحتلال بمحاصرة حي التفاح بتاريخ 20/4/1993م، بهدف القبض على القائد المجاهد زكريا الشوربجي "أسد المقاومة" الذي كان متواجداً هناك. وفيما كان ضباط المخابرات الإسرائيلية يطالبون المجاهد بالاستسلام عبر مكبرات الصوت، أخذ "أسد المقاومة" الذي كان مسلحاً بمسدس عيار 14 ملم فقط بالقفز من منزل إلى آخر، وفيما هو كذلك، التقى مع أربعة من مطاردي صقور فتح يحملون رشاشات من نوع "كلاشنكوف" وكانوا ينوون تسليم أنفسهم، فطلب منهم إعطاءه السلاح، ليبدأ المعركة بثلاثة من رشاشات "الكلاشنكوف" ومسدس 14 ملم، ويخوض اشتباكاً ضارياً مع جنود العدو استمر سبع عشرة ساعة كاملة، أخرج خلالها المجاهد زكريا كل ما في جعبته من فنون العسكرية والمواجهة التي تشربها منذ لحظات الإشراق الأولى لحياته الحافلة بالجهاد والفدائية والتضحية. وبعد ساعات من القتال الضاري لجأ العدو إلى أسلوبه الهمجي المعروف بقصف المنازل وتدميرها بغية قتل المجاهد، وحينها ترجل الفارس والنجم العسكري الفذ بعد أن سطر اسمه على رأس الطليعة الاستشهادية، ونقش حروفه في سراديب التحقيق كعلم من أعلام التضحية، ورمز من رموز الفداء، ليستشهد أسد المقاومة إثر قصف المنزل الذي كان يتحصن به بالصواريخ المضادة للدبابات، ويرتقي إلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء، ويخرج من هذه المعركة أكثر فوزاً من كل معاركه السابقة، فقد نال فوزه الأخير، وحقق أمنيته الغالية باستشهاده العزيز بعد أن نال من أعداء الله والوطن والشعب.
... فقد سقط صريعاً رجل المخابرات الصهيونية المدعو "أبو عدنان"، إضافة إلى ثلاثة ضباط آخرين كما اعترف بذلك ضابط عسكري زار حي التفاح حيث مسرح الحدث إثر انقضاء المعركة، والتقى مختار المنطقة الذي شكا له بشاعة القصف الصهيوني، فقال له: "إن حي التفاح بكامله لا يعوض خسارتنا بفقدان "أبي عدنان" وثلاثة ضباط آخرين".(1/68)
كان الشهيد زكريا الشوربجي صاحب عقيدة إسلامية، وفكر إسلامي خالص، فقد التحق بصفوف المجاهدين لأداء واجبه ورسالته، وكان يرى أن الجهاد فرض عين، وحيثما سنحت الفرصة للعمل العسكري فلن يتردد في اقتناصها، ليعتقل ويقضي محكومية بلغت سبع سنوات بتهمة مقاومة الاحتلال، وكان منتمياً في البداية إلي حركة فتح، ثم تحول في السجن إلي صفوف الجهاد، وكان ذلك قبيل الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وظهور حركة حماس التي بدأت تشق طريقها كشعلة للمقاومة مع بداية هذه الانتفاضة، وفي داخل غرف سرايا سجن غزة المركزي تحول الشهيد زكريا عن حركة الجهاد، ملتزما بصفوف حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وبصفوف "جماعة الإخوان المسلمين"، ليباشر بعد خروجه من المعتقل العمل ضمن صفوف الجناح العسكري لحماس "كتائب القسام"، ويصبح من أبرز قادته ومن أخطر المطلوبين لدى قوات الاحتلال حتى نيله الشهادة.
كانت عملية التحاق الشهيد زكريا بالجناح العسكري لحركة حماس في غمرة فرحة آل الشوربجي بالإفراج عنه، إذ بادر المجاهد العملاق إلى البحث الجاد عن كتائب القسام، وفي الوقت ذاته كانت القيادة العسكرية للكتائب قد تحركت بخطوات جادة للاستفادة من الخبرات العسكرية للمجاهد المقدام، فقد كان المجاهد زكريا يملك كل مقومات الرجل العسكري، فاحتل فوراً موقعه المتقدم في خندق المواجهة الأمامي، وغدا من لحظته الأولى "قائداً" في كتائب القسام.(1/69)
... عناصر وقيادة الجهاد الذين لم يستوعبوا ترك كادر كبير بحجم ووزن الشهيد زكريا الشوربجي لصفوفهم والتوجه إلى حركة حماس وجناحها العسكري، لم يلبثوا أن رددوا كلاماً غريباً وعجيباً يسيء للشهيد زكريا، مؤداه أن الشهيد زكريا الشوربجي، وبعد خروجه من المعتقل كان في حاجة ماسة إلي النقود في الوقت الذي كانوا يمرون فيه بأزمة مالية حادة حسب وصفهم وادعائهم، وعليه لم يجد أمامه إلا حركة حماس التي دفعت له مقابل الالتزام بصفوفها، أي أن حماس ساومت الشهيد على تغيير قناعاته بمقابل مادي؟!، وترديدهم مقولة: " أن الشهيد زكريا الشوربجي استشهد اسماً حماس وفكراً جهاد".
وقد أثار هذا الموقف غير المفهوم أو المبرر من قبلهم استغراب كل من عرف أو سمع عن الشهيد، فهل يمكن للشهيد زكريا – رحمه الله، الذي قضي سني عمره في سجون الاحتلال أن يغير قناعاته بهذه البساطة، وبعملية شراء، كما حاول أن يصورها أعضاء "الجهاد"، حتى لا يقولوا أنه تركهم عن قناعة ولأسباب موضوعية؟! ثم هل من يرغب في المادة والنقود ومتع الحياة الدنيا ويشترى بهذا الشكل، الذي وصفوه، يبقى خياره العمل العسكري، وما يصاحبه من تبعات لا يقوى عليها إلا أولئك الربانيون اللذين طلقوا الدنيا ثلاثاً أمثال الشهيد زكريا؟! فالشهيد زكريا لم يمض على خروجه من المعتقل إلا شهراً ونيف حتى امتشق سلاحه ضمن صفوف كتائب القسام، ليصبح من أخطر المطلوبين لدى قوات الاحتلال الصهيوني، ويذيقهم الويلات، ويصبح سيفاً مسلطاً عليهم.(1/70)
كان الشهيد زكريا طوال حياته عاشقاً للبندقية، متمترساً خلف رصاصات المقاومة والاستشهاد، كان يصل ليله بنهاره بحثاً عن الثورة والثوار كي يلتحق بركبهم، ميمماً وجهه شطر بناء متكامل متين على أساس من العقيدة الإسلامية الصافية. كان همه الأول المقاومة، فكانت مرحلة عمله العسكري الأخير يقضيها متنقلاً في مدينة غزة بين المجاهدين الذين أحبوه واختاروه قائداً مميزاً، ليخطط وينفذ عدة أعمال جهادية في مناطق الشجاعية و الشاطئ والشيخ عجلين، فضلا عن المساهمة في التخطيط لعملية "جاني طال"، وخطة قتل المستوطنين في منطقة "ناحل عوز"، والمساهمة في عملية معسكر جباليا، كل ذلك من خلال عمله الدائب كضابط للوحدة الخاصة التابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام.(1/71)
لم يكن الشهيد زكريا يرى في نفسه أكثر من جندي مقاتل يأبى قيود النياشين، مقتدياً بالرسول القائد الذي تقدم جنوده دوماً، ولو كان الشهيد زكريا يريد الدنيا والمادة، ولو أن حماس ساومته علي أفكاره ومبادئه كارهاً تحت ضغط الحاجة الماسة، لاختار أن يعمل في ميادين أخرى لحماس، غير ميدان العمل المسلح، في الوقت الذي كان يملك فيه مقومات العمل في شتي الميادين. كان الشهيد دوماً في سباق نحو لحظة الخلود، يجهز أهله لهذا الرحيل الكريم، فطالما ردد على مسمع زوجه: "إذا تنامى إليك نبأ استشهادي فاستعيني بالله"، مردداً قوله تعالى: "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ..."، ودائماً يردد لإخوانه: " اسألوا الله تبارك وتعالى أن تروني شهيداً ولحيتي مخضبة بالدماء" وكم حث إخوانه ومعارفه على الدعاء له بأن ينال الشهادة. لقد اشترى الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن، لذلك ما هادن أو جبن أو تراجع أو ساوم، لذلك فإن من الخطأ المغلظ ترديد تلك المقولات التي تسيء للشهيد ولحركة حماس ابتغاء أهواء وأغراض مصلحية خاصة(1).
2- 5* ادعاء انتماء الشهيد جهاد عصفور إلى الجهاد:
... علي أرض خليل الرحمن، وفي اشتباك مسلح عنيف بتاريخ 22/5/1994م، ارتقى إلى العلا شهيداً الشهيد جهاد عصفور.
__________
(1) لا تزال حركة الجهاد الإسلامي في أدبياتها تعتبر الشهيد منتمياً إليها، أنظر: كتاب نجوم فوق الجبين – الملف الوثائقي لشهداء حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين "الجزء الأول"، مصدر سبق ذكره، ص 62.(1/72)
... الشهيد جهاد من سكان بلدة بني سهيلا قرب خانيونس، وكان قد ذهب للعمل في فلسطين المحتلة عام 1948، وبسبب ضلوعه في عمليات المقاومة أصبح مطلوباً لقوات الاحتلال الصهيوني، واتجه من هناك إلي مدينة خليل الرحمن، حيث اتصل بالمجموعات القسامية العاملة هناك، وعمل مع المجاهدين جهاد غلمة، وطاهر قفيشة، وأمجد شبانة قبل استشهادهم. وقد زفت كتائب القسام شهيدها، وأقامت له مهرجاناً تأبينياً حاشداً حضره أهله وذووه، ولم يتحدث أحد منهم عن انتماء الشهيد لحركة الجهاد حين استشهاده، وأكدوا على عمله ضمن صفوف القسام في مدينة خليل الرحمن، إلا أن الجهاد في أدبياته يصر على انتماء الشهيد جهاد إليها، وإن كان قد جاء في كتاب "نجوم فوق الجبين – الملف الوثائقي لشهداء حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين" سابق الذكر بأن الشهيد، ولشدة التزامه وحسن خلقه، تسابقت في تبنيه كلٌ من حركتي " حماس" و"الجهاد"، وذلك في إشارة خجولة لتبرير تبني حركة الجهاد للشهيد.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: هل كل الشهداء الذين استشهدوا وتبنتهم حماس أو "الجهاد" بشكل منفرد، ولم يتم التسابق علي تبنيهم لم يكونوا علي ذات حسن الخلق وشدة الالتزام؟ سؤال مشروع بحاجة إلى إجابة واضحة من أعضاء حركة الجهاد.(1/73)
قد يسأل سائل لماذا تصر الجهاد على تبنيها للشهيد، ولم تتبني شهداء آخرين لحركة حماس وهم كثر؟ ونقول من الممكن أن يكون الشهيد، وفي فترات زمنية سابقة، صاحب التزام في صفوف الجهاد، لكن المؤكد أنه، وحين استشهاده، كان قسامياً، حسب ما جاء في بيان كتائب القسام التي زفت الشهيد كأحد مجاهديها على أرض خليل الرحمن، وما كانت حماس وجناحها العسكري لتفعل لو لم يكن كذلك. وقد يكون من المفيد طرح السؤال بصورة معكوسة: لماذا لم تقم حركة حماس بتبني شهداء آخرين تابعين للجهاد وهم أيضاً كثر؟ والجواب واضح ومعروف، وهو أن حماس لم تكن لتتبنى شهيداً لم يعمل في صفوفها، لكن تبقى نظرة أبناء وأعضاء الجهاد للعناصر الذين يتركونهم وينضوون تحت إطار فصيل آخر، وما يرافق ذلك من إصرار على انتمائهم إليهم، كما في حالة الشهيد زكريا الشوربجي، وفي حالة الشهيد جهاد عصفور، وتبريرهم غير المقنع حيال تبنيه.
2- 6* الشهداء: عماد أبو أمونة، و عرفات أبو كويك، وحسين أبو النصر، وادعاء الجهاد انتماءهم إليه:(1/74)
... عملية التحول من صفوف "الجهاد" إلى حماس لم تقتصر علي الشهيدين زكريا وجهاد - هذا إذا كان الشهيد جهاد منتمياً من قبل للجهاد الإسلامي، ولا نستطيع الجزم بذلك - إذ أن هناك الشهيد عماد أبو أمونة والشهيد حسين أبو النصر، اللذان عرفا بانتمائهما المبكر لحركة الجهاد إلا أنهما تحولا إلى صفوف حماس، وقاما بتنفيذ عمليات استشهادية تحت راية كتائب القسام، إذ نفذ الشهيد أبو أمونة عمليته الاستشهادية بتاريخ 9 أبريل 1995م، حينما قاد سيارة ليفجرها بين مجموعة من السيارات العسكرية الصهيونية التي كانت تسير باتجاه مفترق الشهداء "نتساريم"، مما أدى إلى مقتل أحد الجنود الصهاينة وإصابة عشرة آخرين. أما الشهيد حسين أبو النصر فقام بتنفيذ عمليته في انتفاضة الأقصى بتاريخ 25 مايو 2001م، حيث قاد شاحنة مفخخة ممتلئة بمئات الكيلوجرامات بالمتفجرات في الموقع العسكري الصهيوني المقام علي مفترق الشهداء"نتساريم" جنوب مدينة غزة. وكان لافتاً أن الجهاد لم يستطع تبني عمليات هذين الشهيدين صراحة، رغم بعض الإشكالات التي قام بها بعض عناصره، حيث سلمت بالأمر علي مضض، لأن هذين الشهيدين ظهرا بصورتهما عبر أشرطة الفيديو يتلوان وصيتهما الأخيرة، ويؤكدان انتماءهما لكتائب القسام، إلا أن الأمر لم يخل من بعض الممارسات التي قام بها بعض عناصر الجهاد مثل محاولة منع عناصر حماس من إقامة بيت عزاء للشهيد حسين أبو النصر في مخيم جباليا، ومهاجمتهم لبيت العزاء بالعصي والسلاح الأبيض، واحتكاكهم بعناصر حماس، وإصرارهم على أن الشهيد أحد أفرادهم، وكاد الأمر أن يتطور حد الوصول إلى نزاع دام لولا استيعاب مناصري وأعضاء حماس لعناصر الجهاد، و تدخل بعض العقلاء في المنطقة. وجاءت هذه الأحداث لتؤكد عدم تقبل كوادر وعناصر الجهاد للأمر الذي يعتبرونه بمثابة الصدمة لهم، خصوصاً وان هذين الشهيدين "أبو أمونة وأبو النصر" لم يعرف عنهما التحول إلى حماس إلا حين استشهادهما،(1/75)
فقد كانوا حتى اللحظة الأخيرة يخفون الأمر على عناصر وأعضاء الجهاد.
ومع ذلك، لازالت حركة الجهاد تعتبر الشهيدين أبو النصر وأبو أمونة تابعين لها، إذ تضع أسماءهما ضمن قائمة شهدائها عبر مواقعها الإلكترونية، رغم شريط الفيديو المسجل الذي يعلن فيه كلٌ منهما انتماءه لكتائب القسام.
وفي ذات السياق ترد سيرة الشهيد المقاوم عرفات أبو كويك من مخيم الشاطئ، وأحد عناصر كتائب القسام، حيث عمل في إحدى مجموعاتها العسكرية، وكان استشهد في انتفاضة الأقصى الحالية بتاريخ 14مايو 2001م إثر إلقائه قنابل يدوية علي موقع عسكري صهيوني على أحد المواقع العسكرية المحيطة بمستوطنة "كفار داروم" وسط قطاع غزة، وقد تبنت حركة الجهاد الشهيد، وادعت أنه أحد عناصرها. ولأن الشهيد لم يترك وصية مصورة توضح انتماءه، إلا أن تبني كتائب القسام للشهيد يؤكد أنه عمل ضمن صفوفها،خاصة وانه عرف بانتمائه لحركة حماس من خلال نشاطه في المسجد الغربي في مخيم الشاطئ وذلك منذ بداية التزامه.
2- 7* ادعاء انتماء الشهيد عبد الرحيم أحمد فرج وجميل منير جاد الله خليفة، وجعفر المصري:
مضى القول عن الشهيد عبد الرحيم فرج أحد ناشطي كتائب القسام الذي استشهد إبان معركة جنين في فقرة سابقة من هذه الدراسة، إلا أن الموقع الإلكتروني الرسمي للجهاد المعروف باسم "نداء القدس" أصدر قائمة تضم كافة شهدائهم الذين استشهدوا منذ اندلاع انتفاضة الأقصى وحتى اليوم، وكانت المفاجأة جدّ كبيرة لدى تبين أن القائمة ضمت عدداً من الشهداء الذين لا ينتمون بحال إليهم، ومنهم بعض عناصر وناشطي كتائب القسام، الذين نذكر منهم الشهيد جميل منير جاد الله خليفة الذي اغتيل على أرض خليل الرحمن بتاريخ 31/10/2001م، والشهيد جعفر المصري الذي اغتيل على أرض مدينة نابلس برفقة عدد من قادة وكوادر كتائب شهداء الأقصى، وأحد ناشطي سرايا القدس بتاريخ 26/6/2004م.(1/76)
2- 8*عملية الشهيد معاوية أبو روكة بتاريخ 25/6/1995م:
على طريق تجمع مستوطنات "غوش قطيف" في قطاع غزة نفذ الشهيد معاوية أبو روكة من مخيم خانيونس الذي ينتمي إلى كتائب القسام عملية استشهادية من خلال تفجير عربة كارو محملة بالمتفجرات أمام قاعدة عسكرية صهيونية جنوب غزة، وأدت العملية إلي إصابة ثلاثة جنود صهاينة بجراح خطيرة.
وقد تبنت الجهاد العملية في اتصال هاتفي(1).
2-9*عملية مجمع "يد حروتسيم" بتاريخ 27/3/2001م:
العملية: تفجير سيارة مفخخة بعبوة شديدة الانفجار من خلال نظام التحكم عن بعد بالقرب من مجمع "يد حروتسيم" جنوب القدس 27/3/2001، والحصيلة: ثلاث إصابات في صفوف الصهاينة. وقد أعلنت كتائب القسام مسئوليتها عن العملية، كما تبنتها سرايا القدس سرية الشهيد "أنور حمران".
وقد أثبتت الأحداث المتلاحقة صحة تبني كتائب القسام للعملية، فقد اعتقلت قوات الاحتلال الخلية التي قامت بتنفيذ هذه العملية، وعمليات أخرى، والتي يقطن أفرادها شرقي القدس، وذلك بتاريخ 21/8/2002م، ومن جملة اعترافات أفراد هذه الخلية قيامهم بتنفيذ هذه العملية.
2- 10* عملية "الدولفيناريوم" التي نفذها الشهيد سعيد الحوتري بتاريخ 1/6/2001م:
... في يوم الجمعة 1 يونيو 2001م كان الصهاينة على موعد مع القدر القادم لهم من قلقيلية، عندما نفذ الاستشهادي سعيد الحوتري واحدة من كبرى العمليات الاستشهادية، وكان الهدف ملهى ليلي يسمى "الدولفيناريوم" في قلب "تل أبيب" داخل فلسطين المحتلة عام 48، وكانت حصيلة العملية 21 قتيلاً صهيونياً وإصابة 120 آخرين بجروح جراح خمسة منهم خطيرة.
__________
(1) أنظر جريدة الأهرام بتاريخ 26/6/1995م، وكذلك العدد 114 من كراسات إستراتيجية الصادرة عن مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام 2002م.(1/77)
... كتائب القسام، وبعد يوم من تنفيذ العملية، أعلنت مسئوليتها عنها، وكشفت اسم منفذها وهو الشهيد سعيد الحوتري، وأوضحت أنه يقطن مدينة قلقيلية، وقد قدم من الأردن منذ فترة، وهو ما تأكد من رواية أهل الشهيد، وقد نشرت كتائب القسام عبر موقعها الإلكتروني وصية الشهيد التي يشير فيها بانتمائه إلى كتائب القسام، وان كانت أسرته قد نفت علمها بانتمائه لأي تنظيم. إلى ذلك أشارت المصادر الأمنية الصهيونية أن الشهيد يحمل الجنسية الأردنية، ومعروف بتأييده لحركة حماس، وكانت تربطه علاقة صداقة مع الشهيد القسامي فادي عطا الله عامر منفذ العملية الاستشهادية في الحاجز العسكري الصهيوني على مدخل قلقيلية بتاريخ 28 مارس 2001م، أي قبل شهرين من تنفيذ عملية الحوتري، وأشارت ذات المصادر الأمنية الصهيونية إلى أن نوعية المتفجرات وطريقة تركيبها المستخدمة في عملية الشهيد الحوتري هي نفس نوعية المتفجرات المستخدمة في عملية الشهيد فادي عطا الله، وهي نفسها المستخدمة في عملية الشهيد القسامي محمود مرمش في "نتانيا" بتاريخ 18/5/2001م، علما بأن هذه النوعية من المتفجرات تمكن مهندسو كتائب القسام من تطويرها، حيث أسموها مادة "قسام 19" وفقا لما أورده موقعها على شبكة الإنترنت، مما يؤكد وقوف خلية قسامية واحدة خلف هذه العمليات الثلاثة.(1/78)
في حينه سارعت الجهاد، وعلى الفور من خلال الاتصال ببعض وكالات الأنباء، بالإعلان عن هذه العملية دون الكشف عن اسم الشهيد الذي نفذها، حيث رددت وسائل الإعلام هذا الإعلان من قبل الجهاد التي لم تصدر نفياً لذلك، والتزمت الصمت، وجاءت صحف اليوم التالي لتنسب العملية إليها(1).
2-11* عملية الشهيد إسماعيل المعصوابي بتاريخ 22/6/2001م:
__________
(1) أنظر مثلاً: صحف الحياة والقدس العربي الصادرتين في لندن، والأهرام والجمهورية والأخبار الصادرة في القاهرة، والعديد من الصحف الأخرى، وكذلك موقع b.b.c news الإلكتروني وكيف أنها نسبتها إلى حركة الجهاد بناءً علي إعلانها المتسرع ، حتى أن الباحثين خارج فلسطين عندما يقومون بعمل وإعداد دراسات وأبحاث عن القضية الفلسطينية وعن العمليات الاستشهادية ينسبون هذه العملية وغيرها من العمليات التي يكتنفها اللبس نتيجة تسرع بعض الفصائل - خصوصاً الجهاد- لتلك الفصائل، علما بأن الباحثين خارج فلسطين معذورون لأنهم يعتمدون على الصحف الصادرة في اليوم التالي للعملية، ونعتقد هنا بأن هذه هي أحد أهداف المتسرعين بالإعلان عبر الاتصالات الهاتفية لتحقيق هدف تكرار اسم جماعتهم عبر وسائل الإعلام، ومن ثم في الصحف الصادرة في اليوم التالي، ومن ثم دراسات الباحثين اللذين لا يتوخون الدقة غالباً برجوعهم لتلك الصحف كمصادر أساسية. أنظر مثلاً: دراسة العمليات الاستشهادية الفلسطينية- وصف وتقويم استراتيجي، للدكتور جهاد عودة والباحث علاء جمعة، والصادرة عن مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، ووقوعهما في العديد من الأخطاء التوثيقية نتيجة لاقتصار مصادرهما علي الصحف والمجلات، وهذا ما يجعلنا نرجح أن الإعلان من قبل الفصائل المختلفة، وتسابقها في تبني عمليات الغير منذ اللحظات الأولى، مستفيدين من تأخر إعلان كتائب القسام في بعض الأحيان لأسباب أمنية، يستهدف تحقيق هذا الهدف.(1/79)
بتاريخ 22/6/2001م قام استشهادي من كتائب القسام بتنفيذ عملية استشهادية جريئة، أدت إلى مقتل جنديين صهيونيين وجرح ثالث قرب مستوطنة "دوغيت" شمال قطاع غزة عبر تفجير جيب مفخخ يقوده الاستشهادي، وقد تبنت كتائب القسام العملية، وأكدت أن الشهيد إسماعيل بشير المعصوابي 27 عاما من مخيم الشاطئ هو منفذها.
... حركة الجهاد التي وقعت العملية أثناء تنظيمها لمهرجان في ساحة الشهيد أنور عزيز في مخيم جباليا قامت بالإعلان السريع عنها، حيث أعلن المتحدث الذي يلقي كلمته مسئولية حركته عن تنفيذ العملية، وبدأ عناصرهم بإطلاق الرصاص في الهواء ابتهاجاً بعملية غيرهم التي نسبوها لهم، وهم لا يعلمون أن فيها استشهادياً.
يذكر أن عناصر الجهاد قاموا يومها بإطلاق قذيفة هاون على منطقة ايرز مما أدى إلى مقتل عامل فلسطيني وإصابة آخرين من بيت حانون.
2- 12* عملية مطعم "سبارو" التي نفذها الشهيد عز الدين المصري بتاريخ 9/8/2001م:
... في التاسع من أغسطس لعام 2001م نفذت كتائب القسام عملية استشهادية استهدفت مطعم "سبارو" بالقدس الغربية، وكانت حصيلة العملية مقتل 15 صهيونياً غالبيتهم من الجنود الذين كانوا في إجازة وإصابة 130 آخرين. وكعادتها تأنت كتائب القسام في الإعلان عن العملية لتسارع الجهاد في الإعلان عن العملية منذ اللحظات الأولى، لكنها هذه المرة لم تكتف بالاتصال الهاتفي، بل أتبعت ذلك ببيان رسمي، وكشفت فيه اسم الشهيد المفترض في تنفيذ هذه العملية، علماً بأن الدكتور رمضان شلح الأمين العام للحركة هو الذي أعلن بنفسه عبر جميع الفضائيات العربية، وشاهده العالم آنذاك- عن اسم الاستشهادي المفترض, وقال بأن الشهيد عمر أبو ناعسة هو منفذ العملية، وبعد ذلك تبين أن هذا الشخص حي يرزق، ولم يغادر منزله بعد، ولم يتوجه لتنفيذ عمليته في نفس المكان الذي تمت فيه "مطعم سبارو"، ليتم اعتقاله من قبل سلطات الاحتلال بعد كشف اسمه، ويصيب أسرته أذى الاحتلال.(1/80)
... كتائب القسام أعلنت مسئوليتها عن هذه العملية بعد مضي 8 ساعات تقريباً، وكشفت اسم منفذها، وهو الشهيد عز الدين المصري من قرية عقابا قضاء جنين، بعد أن بقيت وسائل الإعلام تردد اسمهم علي أنها منفذة العملية طيلة تلك الساعات، خصوصاً بعد تأكيد تبني العملية لساعات طويلة من قبل الأمين العام الدكتور رمضان شلح الذي ظهر على الفضائيات العربية ليؤكد مسئولية تنظيمه عن العملية، ويعلن اسم الاستشهادي الذي تبين أنه كان يتناول الطعام مع أهله داخل بيته في ذلك الوقت.
وإن كان من الممكن تفهم إمكانية حدوث مثل هذا التضارب بسبب غياب التنسيق بين فصائل العمل العسكري الفلسطيني – وهذا شيء طبيعي نتيجة تعقيدات العمل العسكري في فلسطين في ظروف ما- وإمكانية أن تكون الحركة قد وضعت نفس الهدف "مطعم سبارو" الذي نفذت فيه حماس عمليتها على قائمة عملياتها المفترضة، ولكن خطأ ما قد حال دون وصول الاستشهادي المفترض"أبو ناعسة"، ولدى تنفيذ حماس للعملية في نفس المكان سارعت قيادة الجهاد لتبني العملية علي أساس أن الهدف مرصود ومتفق عليه لديها، إلا أن العبرة المستفادة من هذه الحادثة تكون بالتأني في الإعلان، ولو لبضع ساعات، وعدم الاستعجال كي لا تكون النتائج سلبية.(1/81)
وللأسف لم تكن هذه الحادثة كافية لأن تراجع بعض الفصائل من سياساتها، لتتكرر نفس الحادثة وبصورة طبق الأصل في العملية الاستشهادية التي وقعت قرب حشد للجنود الصهاينة علي مدخل مستوطنة "أرئيل" قرب نابلس بتاريخ 27 أكتوبر 2002م، والتي أدت إلي مقتل ثلاثة عسكريين صهاينة بينهم ضابطان وإصابة 20 آخرين، حينما سارعت كتائب شهداء الأقصى - هذه المرة – لتعلن مسئوليتها عن تنفيذ العملية، وتؤكد أن منفذها هو الشهيد محمد شقير، وبقيت وكالات الأنباء تردد اسمه ليوم كامل، وتم اعتقاله أيضاً من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، قبل أن تعلن كتائب القسام مسئوليتها عن العملية، وتكشف اسم منفذ العملية، وهو الاستشهادي محمد البسطامي من نابلس، الطالب في جامعة النجاح، وأحد ناشطي حركة حماس.
2-13* العملية المزدوجة في القدس التي نفذها الشهيدان أسامة بحر ونبيل أبو حلبية بتاريخ 1/12/2001م:
... في مساء يوم السبت الموافق 1/12/2001م قامت كتائب القسام بتنفيذ هجومهما الجريء والموجع في أحد أوكار العدو في مدينة القدس الغربية المحتلة، إذ نفذ استشهاديان فلسطينيان عمليتين فدائيتين متزامنتين - بفارق دقائق - أعقبهما انفجار سيارة مفخخة في منطقة مليئة بالمتاجر والمطاعم وسط القدس الغربية في سوق "محنيه يهودا"، مما أسفر عن مصرع اثني عشر صهيونياً وجرح حوالي 170 شخصا آخرين بينهم 11 في حالة خطرة، وقالت كتائب القسام في بيان لها أن منفذى العملية هما الشهيدان: نبيل محمود جميل حلبية وأسامة محمد عيد بحر من قرية أبو ديس قضاء القدس.(1/82)
... الجهاد، كما في عملية الشهيد سعيد الحوتري، أعلنت مسئوليتها عن هذه العملية فور وقوعها عبر اتصال هاتفي، وبعد مضي أكثر من 6 ساعات، وكعادتها في التأني بالإعلان، كشفت كتائب القسام أسماء الاستشهاديين، وأعلنت مسئوليتها عن العملية، إلا أن كثيراً من الصحف الصادرة صباح اليوم التالي نسبتها للجهاد بناءً علي إعلانها المتسرع وغير الصحيح(1).
2- 14* تفجير الدبابة في بيت لاهيا، وتبني الجهاد وشهداء الأقصى للعملية بشكل مشترك بتاريخ 15/2/2003م:
وجه مجاهدو كتائب القسام ضربة قاسية إلى القدرات العسكرية الصهيونية، عندما دمروا أعتى دبابة في العالم من طراز "ميركفاه" بعبوة ناسفة صغيرة صباح يوم 15 فبراير2003، قرب مستوطنة "دوغيت" شمال قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل جنود الدبابة الأربعة.
... كتائب القسام أعلنت مسئوليتها عن العملية، ووزعت شريطاً مصوراً للدبابة لحظة الانفجار وهي تحترق، وتحدثت الكتائب في بيان وزعته علي وسائل الإعلام عن حجم العبوة التي استخدمتها، وهي عبوة صغيرة تزن 25 كيلوا جراماً، وكان هذا أهم ما ميز هذه العملية، إذ أن عملية التفجير كانت نوعية بشكل كبير، ذلك أن معظم العمليات السابقة التي تم فيها تفجير وتدمير تلك الدبابة كانت تشطر الدبابة من النصف، وبعبوة ضخمة، تزن أكثر من 100 كلغ من المتفجرات، لكن العبوة هذه المرة كانت صغيرة الحجم، وأسلوب تفجيرها يختلف ويؤدي إلي تدمير الهدف الأساسي من تصنيع الدبابة التي قال مصممها الجنرال "إسرائيل تال" أنه يتمثل في حماية جنودها.
وفي أول رد فعل علي هذه العملية النوعية قامت قوات الاحتلال الصهيوني باجتياح مناطق شمال غزة، وقامت بنسف وتدمير منزل القائد القسامي أحمد الغندور، الذي حملته سلطات الاحتلال المسئولية عن تفجير هذه الدبابة.
__________
(1) أنظر صحف القاهرة، الأهرام، الأخبار، الجمهورية، وصحيفة الحياة اللندنية، والعديد من الصحف الأخرى، صباح ثاني يوم من العملية.(1/83)
وعقب إعلان كتائب القسام بساعات قامت كل ٌمن سرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى بالإعلان المشترك عن تبني هذه العملية.
2- 15* معركة مخيم جنين "2 - 10 أبريل 2002م" (ملاحظة: اجتياح المخيم بدأ بتاريخ 29/3 لكن بدء الملحمة الفعلية بدأ منذ فجر الثلاثاء الموافق 2/4 واستمر حتى مساء 10/4/2002م):
بعض قادة الجهاد، وفى مقدمتهم الدكتور رمضان شلح، يرددون دوما نحن ونحن، ونحن أول من، ونحن أول…الخ، رغم عدم إنكار أحد لدورهم الجهادي وفعلهم المقاوم.
مثال على هذه الممارسات ما صرح به الدكتور شلح نفسه، ويردده باقي أعضاء الجهاد، لقناة المنار الفضائية التابعة لحزب الله أثناء معركة مخيم جنين، وقوله: "أن معركة جنين هي معركة حركة الجهاد الإسلامي فقط(1)
__________
(1) "كان المخيم، وكان فيه محمود طوالبة، وكانت فيه سرايا القدس، كانت ملحمة السرايا، ملحمة طوالبة"، كلمات من مقدمة كتاب عن الشهيد طوالبة، منشور علي الموقع الإلكتروني للجهاد، والبيان الوحيد الذي رصدنا فيه اعترافاً خجولاً من قبلهم بدور فصائل المقاومة الأخرى كان بعنوان الجنرال «محمود طوالبة» قائد معركة جنين البطلة، وجاء فيه: "هذه هي معركة جنين... هذه هي حركة الجهاد الإسلامي وحماس وكتائب شهداء الأقصى وكل المقاومين الأبطال... هذا هو طريق الانتصار وطريق كسر قيود الذل والعار".(1/84)
"، وظل يردد ذلك في لقاءاته الصحفية المتعددة، متجاهلا ما رددته وسائل الإعلام، وتأكيدات كل فصائل المقاومة وشهادات سكان المخيم، عن تجليات أعظم وحدة ميدانية، في أعظم معركة اتحدت فيها فصائل المقاومة الفاعلة في مخيم جنين، خصوصا حماس وفتح والجهاد، في إغفال واضح من الدكتور شلح لدور القائد الشهيد "أبو جندل" يوسف كبها المدعو "أبي محمد"، والمعروف بكنيته "أبو جندل" قائد الفرقة الخاصة، والذي كان رمزاً للجميع في المخيم، والقائد الشهيد زياد العامر قائد كتائب شهداء الأقصى(1)
__________
(1) قائد من أربعة قادة قادوا معركة مخيم جنين، إذ كان قائدا لكتائب شهداء الأقصى فيها، وهذا القائد حكايته مع الاجتياحات المتكررة لمخيم جنين كانت مفعمة بالبطولة والشرف، وفي هذه المعركة لم يختلف دوره عن سابقاتها، ففي الفترة الممتدة بين الاجتياح السابق والاجتياح الأخير إبان حملة "السور الواقي"، والتي تصل إلى 15 يوما شارك زياد في الاجتماعات الدورية التي كانت تعقد لقيادة كتائب شهداء الأقصى وكتائب القسام وسرايا القدس للتجهيز للمعركة المقبلة، ومع بدء المعركة التقت تلك القيادة المشتركة وتعاهدت على الصمود في المخيم، فإما النصر أو الشهادة، حتى إن زيادا رفض أن يخرج أطفاله من المخيم وأمرهم وزوجته بالبقاء في منزلهم وأن يواجهوا ذات المصير الذي يواجهه الآخرون، وقال كلمته المعهودة لرفيق دربه الشهيد شادي النوباني: "اليوم يكشف عن رجال الفتح الحقيقيين".
وقد أوكلت إلى زياد مهمة قيادية في هذه المعركة فكان مشرفا على الثغور، يقوم بتفقدها متنقلا بين موقع وآخر، وقد حدث عنه رفاقه أنه كان مهتما جدا بتوفير المؤن الغذائية للبيوت الواقعة على خط المواجهة، فكان يتفقدها بيتا بيتا. أما عن قصة استشهاده، والذي كان يوم الأربعاء 3/4/2002م فقد حدث إخوانه في السلاح أنه كان يوجد حينها في منطقة تسمى خلة الصوحة، وهي منطقة مشرفة على خط المواجهة الأول مع الجنود الصهاينة، حيث توغلت وحدة خاصة من الجيش الصهيوني فأصر زياد على الخروج إليها، وقد نصحه إخوانه حينها ألا يخرج إليهم لأن المنطقة مكشوفة، إلا أنه كان مصرا على لقاء ربه، فخرج إلى الوحدة واشتبك معها، وأثناء عودته نالته رصاصة من قناص صهيوني، فلقي ربه شهيدا قابضا على سلاحه، وقد حدث عنه رفاقه أنه عندما استشهد ظل قابضا على سلاحه، ولا عجب فسلاحه كان مميزا، إذ كان يحمل رشاشا من نوع "ناتو"، يصل ثمنه إلى نحو 30 ألف شيكل، فقد رفض أن يفرط بسلاحه حتى بعد استشهاده ليلقن المتخاذلين درسا في شرف الجندية وشرف السلاح الذي يجب ألا يوجه إلا إلى صدور الصهاينة.(1/85)
، والقائد الشهيد محمود الحلوة قائد كتائب القسام، والشهيد أشرف أبو الهيجا أحد قادة كتائب القسام، والقائد الشهيد محمد النورسي وهو مسئول في جهاز المخابرات العامة، الذي اعتبر الجميع فقدانه خسارة كبيرة للمقاومة والمخيم علي السواء، وهؤلاء هم الذين قادوا معركة المخيم جنبا إلى جنب مع محمود طوالبة قائد سرايا القدس، ومتجاهلا – كذلك- أحد عشر شهيدا من خيرة أبناء كتائب القسام المعروفين لكل سكان المخيم الذين سقطوا في هذه الملحمة البطولية:
1 – الشهيد البطل محمود الحلوة، قائد كتائب القسام في المعركة علي مستوى مخيم جنين بأكمله.
2 – الشهيد القائد أشرف أبو الهيجا، من قادة كتائب القسام في المعركة.
3 - الشهيد البطل أمجد فايد، خبير متفجرات في كتائب القسام، وكان أحد أبرز فرسان المقاومة في معركة مخيم جنين في معركة نيسان، وقد استشهد خلال الكمين الذي قتل فيه 13 جنديا.
4- الشهيد البطل محمد فايد، مقاتل في كتائب القسام.
5 – الشهيد البطل نضال حسني أبو الهيجا، مقاتل في كتائب القسام، وقد استشهد وهو يحاصر عددا من الجنود الصهاينة داخل أحد منازل المخيم.(1/86)
6 – الشهيد البطل منير وشاحي، مقاتل في كتائب القسام(1)
__________
(1) حركة الجهاد الإسلامي تبنته دون وجه حق. أنظر صورة ملصق حمل اسم ثلة من شهداء سرايا القدس في معركة الدفاع عن مخيم جنين، في كتاب ( رفعت سيد أحمد: جنين ملحمة الدم والشهادة، مركز يافا للدراسات والأبحاث، القاهرة، 2002م)، والكتاب بحد ذاته ترديد لمقولات أعضاء الجهاد، حيث اختزل ملحمة جنين كلها فيهم، وفي شخص الشهيد القائد محمود طوالبة تحديداً، ونحن هنا لا ننكر دور الشهيد القائد محمود طوالبة في قيادة معركة جنين جنباً إلي جنب مع قادة كتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى، وعناصر الأمن الوطني، لكن لو كان اسم الكتاب: محمود طوالبة، ملحمة الدم والشهادة لما لامه أحد)، فضلا عن إعادة نشر المقابلات التي أجراها د.شلح مع بعض الصحف، وتجميع بعض ما كتبته الصحافة العالمية و"الإسرائيلية"، والتي جاءت جميعها لتخدم فصيل واحد، مع تقديم لمحة عن جغرافية جنين و سيرة منقوصة لشهدائها عبر التاريخ، وكذلك بعض الشهادات الدولية، لكن كل ذلك لم يحقق التوازن المفترض في الكتاب، أو يغطي على حزبيته الضيقة، لأن الكتاب جاء للحديث عن فصيل واحد، يدعي أنه هو، وهو فحسب، من قاوم في ملحمة جنين، وهذا بالتأكيد ما تدحضه الكثير من الكتابات والشهادات المغايرة، إذ أن هناك الكثير من الكتابات والشهادات أوردتها الصحف ووكالات الأنباء، ومواقع الشبكة الإلكترونية، غطت أحداث المعركة والمذبحة معاً، بل وبعض الكتب التي صدرت غداة الملحمة أو المذبحة، إذ أن هناك ملحمة، وهناك أيضاً مذبحة، مثال ذلك، كتاب ملحمة جنين، عبد القادر ياسين (محرراً)، الصادر عن مركز الإعلام العربي، القاهرة يونيو 2002م، والذي وثق فيه ثلاثة عشر باحثاً عربياً من أبناء مصر وفلسطين ملحمة مخيم جنين، والمذبحة التي نظمها القتلة الصهاينة، ومادة هذا الكتاب بالتأكيد تختلف جذريا عن محتوى كتاب الدكتور رفعت سيد أحمد، وكان بإمكان المؤلف الإطلاع عليها لو أراد، وهي في متناول اليد، وقد قام أحد معدي هذه الدراسة بمناقشته في محتوى كتابه، وأخبره (أي أخبر د.سيد أحمد) بأنه على استعداد لتزويده بأسماء الشهداء ووقائع أحداث المعركة التي تجلت فيها أعظم وحدة ميدانية بين فصائل المقاومة، خصوصاً كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية " حماس"، وكتائب شهداء الأقصى القريبة من حركة فتح، وعناصر من قوات الأمن الوطني الفلسطيني الذين ظلمهم ولم ينصفهم كتاب الدكتور سيد أحمد، والذين كان لهم جميعاً حضورهم المتميز في ملحمة جنين، جنباً إلي جنب مع سرايا القدس، وكلُ حسب الإمكانيات المتاحة. وبالعودة إلي الشهيد منير وشاحي، فإن الجهاد لم يقدم أي دليل علي انتماء الشهيد إليه، فالصورة المنشورة للشهيد في ملصق حركة الجهاد، صورة إثبات شخصية صغيرة، كذلك تم وضع اسمه على قائمة شهدائهم، المنشورة علي مواقعهم على الشبكة الإلكترونية، وغير ذلك لم يذكر الجهاد أي شيء عن الشهيد منير، بعكس كتائب القسام التي نشرت تقارير وافية عن جميع شهدائها في ملحمة جنين، ومنهم الشهيد منير).(1/87)
.
7 – الشهيد البطل عبد الرحيم علي فرج، مقاتل في كتائب القسام.
8 – الشهيد البطل محمد عطية، مقاتل في كتائب القسام.
9 – الشهيد البطل نضال محمد سويطات، مقاتل في كتائب القسام(1)
__________
(1) تبنته الجهاد دون وجه حق، ولم تقدم أية أدلة على انتمائه إليها، وكل ما نشرته عنه كان مطابقاً تماما للشهيد منير وشاحي (أنظر المصدر السابق)، وفي أحد تقاريرها عن الشهيد، والمنشور عبر موقعها الإلكتروني قالت كتائب القسام: " بأنه مع بدايات عام 2002م انضم الشهيد نضال سويطات لصفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام في مخيم جنين، حيث عمل من خلالها على المشاركة في كثير من النشاطات داخل المخيم، فكان يقوم بأعمال الحراسة ليلا حول المخيم وزرع العبوات وإعداد الكمائن، لقد رفض الشهيد نضال القيام بعملية استشهادية لأنه فضل دائما ملاقاة العدو وجها لوجه والاستشهاد بهذه الطريقة، لقد عرف عن الشهيد نضال الجرأة والإقدام، ففي أحد المرات التي حاولت قوات الاحتلال فيها دخول المخيم قام الشهيد نضال ومعه الشهيد محمد محمود طالب بمحاولة القفز على إحدى المدرعات الصهيونية ورمى عبوة ناسفة بداخلها مما أدهش لحظتها المتواجدين في المكان من شباب المقاومة والمخيم، وخلال معركة مخيم جنين قام الشهيد نضال سويطات بإعداد نفسه لملاقاة العدو كما تمنى دائما، حيث اشترى بمبلغ 250 دينار أردني كان يملكه رصاص لقطعة الـ "كلاشنكوف" التي كانت بحوزته، وتحضير عدد من العبوات الناسفة لاستخدامها ضد الدبابات الصهيونية، ومع بداية الهجوم على مخيم جنين تمركز الشهيد نضال مع رفاقه في المنطقة الغربية للمخيم والتي بدأت قوات الاحتلال الهجوم منها لصعوبة الدخول من المناطق الأخرى، وأثناء الحصار كان الشهيد نضال يتصل بوالده حيث كان يطمئنه على نفسه ويطلب منه أن يرضى عليه لأنه ربما لا يراه ثانية، فيرد الوالد قائلا له: "الله يرضى عليك يا نضال"، ومع اشتداد المعركة في اليوم الثالث للاقتحام 5/4/2002م اتجه الشهيد نضال مع أربعة من رفاقه المقاومين، منهم اثنين من قوات الأمن الوطني الفلسطيني كانا مصابين بجروح خطرة لمنزل المواطن خالد السعدي في منطقة الساحة، وهناك حاول الشهيد القسامي نضال والشهيد القسامي محمد محمود طالب بإسعاف رفاقهم أبناء الأمن الوطني، وفي تلك اللحظة كشفت مروحية "أباتشي" صهيونية مكان الخمسة فأطلقت ثلاث صواريخ باتجاه المنزل مما أدى إلي استشهاد الشهداء القساميين الثلاثة ( الشهيد نضال سويطات والشهيد محمد طالب والشهيد نزار مطاحن)، و عضوي الأمن الوطني( الشهيد فادي كمال قاسم والشهيد مصطفي الشلبي) على الفور، وبقيت جثث الشهداء الخمسة في المنزل مدة 12يوما حتى تحللت، ولم يستطع أحد انتشال الجثث حتى حضر الصليب الأحمر الدولي وقوات الاحتلال وقاموا بوضع الجثث في أكياس بيضاء، ونقلها لمستشفى جنين الحكومي، كما نشر موقع كتائب القسام الإلكتروني صوراً له وهو يحمل السلاح، متوشحاً بكلمة التوحيد وشعار كتائب القسام.(1/88)
.
10 – الشهيد البطل نزار محمد مطاحن، مقاتل في كتائب القسام.
11 – الشهيد البطل محمد محمود طالب، مقاتل في كتائب القسام.
هذا فضلاً عن شهداء حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، والذين لم يكونوا منخرطين في العمل العسكري مباشرة، لكنهم شكلوا دعماً لوجستياً للمقاومين، وقد عرف منهم:
1– الشهيد البطل مصطفى عبد الرحيم الشلبي.
2– الشهيد البطل وضاح عبد الرحيم الشلبي.
3– الشهيد البطل محمد عمر حواشين.
وكان قد سبق كل هؤلاء في الاجتياحات السابقة - قبل معركة وملحمة المخيم - كلاً من: الشهيد القسامي إبراهيم فايد، والشهيد القسامي مهند أبو الهيجا، تلاهم الشهداء: القسامي خالد نجم، والقسامي عبد الرازق استيتي.(1/89)
ولم تتجلى في ملحمة جنين وحدة البنادق فحسب، بل تجلت وحدة الدماء كذلك، باستشهاد القائد القسامي أشرف أبو الهيجا، والمجاهد القسامى عبد الرحيم فرج(1)
__________
(1) الشهيد القسامي أشرف أبو الهيجا، والشهيد القسامي عبد الرحيم فرج يعتبرهما قادة الجهاد من المحسوبين على حركتهم، كما جاء في حوار للدكتور شلح مع صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 30/4/2002م، إذ اعتبر أن الشهيدين من سرايا القدس ووصفهما بأنهما من مساعدي طوالبة بالمفهوم الحزبي الضيق، وليس مساعديه بمفهوم التوحد في ساحة المقاومة، أو في ملحمة جنين، لكن للأسف فقد ذكر د.شلح اسم الشهيد عبد الرحيم علي فرج خطأ، إذ لفظ اسمه على أنه الشهيد عبد الرحمن أحمد فرج، وبالنسبة للشهيد القسامي أشرف أبو الهيجا فلا نعرف على أي أساس أعتبره د.شلح منتمياً إليهم، إذ تناقلت كثير من التقارير الإخبارية والصحفية المحايدة اسمه باعتباره أحد قادة كتائب القسام في معركة جنين، كما أن اسمه لم يتم تضمينه في قائمة شهدائها المنشورة عبر الإنترنت، لا في قائمة الشهداء القادة، ولا في قائمة الشهداء العاديين، ولا مع من تم ذكرهم من شهداء حركة الجهاد في ملحمة جنين ( الشهيد محمود طوالبة والشهيد رياض بدير )، أما الشهيد القسامي عبد الرحيم فرج فظهوره مع الشهيد محمود طوالبة في بعض الصور الشخصية، لا تعني انتماءه لهم، خاصةً وأن هذه الصور بدون سلاح، أو أية شارات خاصة بهم، كما أنهم لم ينشروا أية معلومة عن الشهيد فرج تؤكد انتماءه إليهم، ولا تعرف عنه سوى هذه الصورة مع الشهيد محمود طوالبة، بعكس كتائب القسام التي نشرت تقريراً عن الشهيد جاء فيه: "ولد الشهيد القسامي عبد الرحيم احمد حسين فرج في مخيم جنين بتاريخ 15/10/1976م في أحضان عائلة فلسطينية قروية متدينة هجرت من أرضها عام 1948م، وتلقي الشهيد عبد الرحيم تعليمه الأساسي والإعدادي في مدرسة وكالة الغوث في مخيم جنين، وأكمل بعدها الدراسة الثانوية في مدرسة السلام الثانوية في مدينة جنين حيث حصل الشهيد على شهادة الثانوية العامة في الفرع الأدبي.
اعتقل الشهيد عبد الرحيم مرتين في انتفاضة عام 1987م، كانت المرة الأولى عام 1988م لمدة 4شهور بتهمة ضرب الحجارة والمشاركة في فعاليات الانتفاضة، أما المرة الثانية اعتقل لمدة 45 يوما قبع خلالها في التحقيق بتهمة العضوية في حركة فتح، خرج بعدها من السجن بنشاط وروح معنوية أكبر مس الثلاثاء الموافق 2/4/2002م حيث بدأ الجيش الصهيوني بحصار مخيم ومدينة جنين من جميع المداخل، في هذه الأثناء كان الشهيد البطل عبد الرحيم فرج مع رفاقه يعدون العدة ويوزعون المجموعات والمقاتلين حول مداخل المخيم الأربعة.
وهنا تقول والدة الشهيد: "جاء عبد الرحيم في يوم الأربعاء 3/4/2002م للبيت وقد كان مستعجلا جدا، قام بتقبيل يدي ويد والده وودع أخوته وأخواته البنات وأوصاهم بالعبادات والتركيز على الصلاة، ثم قال لي: (أدع الله لي أن أنول الشهادة في سبيل الله)، بعدها غادر المنزل حيث كان يحمل سلاح من نوع (إم 16) كانت له، ومع بدء المعركة التحق الشهيد البطل بمجموعة الشهيد القسامي محمود الحلوة والتي كانت متمركزة في حارة الحواشين، وفي تلك المنطقة وفي يوم الثلاثاء 9/4/2002م نصبت المجموعة التي كان فيها كل من الشهيد محمود الحلوة ومحمد الفايد وأمجد الفايد وعبد الرحيم فرج ونضال النوباني كمينا محكما لعدد من الجنود الصهاينة في أحد البيوت، وقتل خلال هذا الكمين أكثر من 13 جنديا جبانا، وبعد هذا الكمين انتقل الشهيد عبد الرحيم للعمل مع مجموعة الشهيد القائد محمود طوالبة رفيق درب الشهيد عبد الرحيم حيث كان عبد الرحيم من أعز رفاق الشهيد محمود.
وهنا يقول أحد شهود العيان (أحد المقاتلين) والذي يروي قصة استشهاد عبد الرحيم: ( قاتل عبد الرحيم إلى جانب الشهداء: محمود الطوالبة وأشرف أبو الهيجا وشادي النوباني، وفي آخر أيام المعركة وبالتحديد في يوم اشتداد القتال في منطقة حيث حوصر هؤلاء الأبطال في أحد المنازل في تلك المنطقة، قامت خلالها الطائرات الصهيونية بقصف المنزل بعدد كبير من القنابل الحارقة والصواريخ مما أدى لاستشهاد كل من محمود طوالبة وعبد الرحيم فرج وشادي النوباني وأشرف أبو الهيجا)، لقد اختلطت دماء هؤلاء الشهداء في الميدان لترسم لوحة الوحدة الوطنية والإسلامية في ملحمة بطولية لم يشهد لها تاريخ هذا الشعب مثيلا من قبل، هذا الشعب العربي المسلم الذي قدم أبناءه فداء لعيون القدس والأقصى رخيصة.
لقد أثبتت هذه التجربة الفريدة وهذه المعركة البطولية التي خاضها أبناء مخيم جنين البواسل أن الإسلام ما زال حاضر في الميدان، وأنه قادر على المواجهة في المعركة إن أتيح له ذلك، وما الشهيد عبد الرحيم فرج ابن كتائب القسام وابن حماس الأبية إلا نموذجا حيا وعظيما لما وصل له أبناء الشعب الفلسطيني من مجد وعزة، رحمك الله يا شهيدنا البطل عبد الرحيم، هنيئا لك الجنة وهنيئا لوالديك تاج الوقار، وهنيئا لفلسطين أبناء الإسلام العظيم من قساميين وجهاديين و شهداء من أجل الأقصى".
فضلا عن ذلك، فإن كتائب القسام نشرت صوراً للشهيد بزيه العسكري وبيديه المصحف، متوشحاً شعارها. وبالنسبة لصورة الشهيدين فرج وطوالبة معاً، فليس بالأمر المستهجن أو الغريب، إذ أن التقاط الصور لأفراد مختلفين تنظيمياً أصبح من البديهيات في انتفاضة الأقصى، فهم رفاق في الجهاد والمقاومة، خصوصا في مخيم جنين، التي أنجزت فيها أعظم وحدة ميدانية بين الفصائل المقاتلة، والتي استشهد فيها لاحقاً(ديسمبر 2002) القائد الجديد لكتائب القسام عماد نشرتي، جنباً إلي جنب مع قائد كتائب شهداء الأقصى علاء الصباغ حيث كانا في منزل واحد، وجميل أن نعرج هنا علي سيرة القائدين النشرتي والصباغ، ليرى الدكتور شلح كيف كانت تسير وتتفاعل المقاومة ميدانياً في مخيم جنين، وهي عكس ما تدار به إعلاميا. وبالمناسبة، وقبل الحديث عن الشهيدين النشرتي والصباغ، جميل أن نذكر بعضاً من شهادة القائد الأسير في سرايا القدس، المجاهد ثابت المرداوي، أحد قادة ملحمة جنين، فيما يتعلق بالعلاقات الحميمة بين المقاومين من الفصائل المختلفة، إذ يقول المرداوي في شهادته التي نشرتها ووزعها الجهاد في كتيب، وعبر موقعها الإلكتروني كذلك: "كان تشكيل المجموعات قائماً على أساس العلاقة الشخصية داخل التنظيم الواحد، أو بين أفراد أكثر من تنظيم، طبعاً برضى وموافقة تنظيماتهم. وهؤلاء الأفراد يتمتعون بدرجة عالية من الانسجام فيما بينهم تجعل كلاً منهم على استعداد كبير للتضحية والصمود إلى جانب رفيق سلاحه حتى الرمق الأخير"، فهل بعد هذا الكلام، والذي يأتي من أحد قادة سرايا القدس، تصبح صورة أحد الشهداء من فصيل ما مع شهيد آخر من فصيل آخر، دليلا علي انتماء أحدهما لفصيل الآخر؟!. وبالعودة لسيرة الشهيدين النشرتي و الصباغ، وهما مقاتلان شرسان شاركا ببسالة وتميز شهد لهما به الجميع في صد الاجتياحات المتكررة على مدينة جنين ولا سيما اجتياحي آذار ونيسان عام 2002م إبان حملة "السور الواقي" مع ثلة المقاومين الأخيار من كل الفصائل، كما تشهد لهما مدينة جنين ومخيمها بالاشتباكات العنيفة المباشرة، الليلية منها والنهارية، والتي كانا يخوضانها مع رفاقهما في أزقة جنين حتى أواخر أيامهما، وذلك ضمن ما اصطلح على تسميته بالعمليات المشتركة للخلية المشتركة، والتي ضمت مقاتلين من كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى، ومن ضمن عملياتها قتل جندي صهيوني وإصابة آخرين في كمين نصب لدورية في محيط دوار الشهيد يحيى عياش في المدينة في أواخر أيار عام 2002م، إضافة إلى العديد من العمليات الأخرى. لقد شكل القائد القسامي عماد النشرتي مع قائد كتائب شهداء الأقصى علاء الصباغ، مع القيادي في سرايا القدس عبد الله الوحش، والذي اعتقل قبل أقل من شهر من استشهاد البطلين نشرتي والصباغ وحدة متكاملة شكلت مثلث الرعب للصهاينة، وأعطت أنموذجا رائعا للوحدة الميدانية بين المجاهدين. فقبل نحو عام ونصف قام القسامي النشرتي مع الصباغ والقساميين الشهيدين عبد الرزاق استيتي وإبراهيم الفايد بقتل مستوطن في كمين على مداخل جنين، وما هذا إلا نموذجا من نماذج كثيرة لوحدة هؤلاء المجاهدين، كما شاركا ببسالة في معركة جنين شهر نيسان/ ابريل عام 2002م حيث كانت رعاية الله تحفهم مع إخوانهم المجاهدين، ففي أواخر أيام المعركة، وبينما كان الصهاينة يقومون بهدم المنازل بالجرافات ليفسحوا الطريق أمام دباباتهم لاقتحام المخيم هدم منزل كان يتواجد فيه الشهيدين نشرتي والصباغ مع تسعة آخرين من المقاتلين في حارة الحواشين في المخيم، إلا أن قدرة الله حمتهم بأن بقوا تحت أنقاض المنزل الذي بقي جزءا منه متماسكا مما حماهم من عمليات التمشيط التي قام بها الصهاينة ليخرجوا سالمين من تحت الأنقاض بعد انسحاب الصهاينة، ليعيدوا الكرة كُرارا في ساح الوغى، الشهيد عماد نشرتي غدا مطاردا قساميا منذ عام قبل استشهاده، وكان أعز أصدقائه الذين عرفهم في ساح القتال الشهيدين القساميين أشرف أبو الهيجا وعبد الرحيم فرج، حيث بقي شهيدنا محتفظا بقبعة تعود للمجاهد أشرف أبو الهيجا حتى يوم استشهاده. وقد حاول الصهاينة اعتقال القائد نشرتي عدة مرات في الماضي، ففي أحد الاجتياحات لمخيم جنين، والذي استهدف القيادي في سرايا القدس الشهيد إياد صوالحة، اقتحم الصهاينة منزل القائد نشرتي مرتين، وهددوا ذويه بأنهم سيتعرضون للخطر إن لم يقم بتسليم نفسه، كما تعرض ذووه جميعا للاعتقال من أجل الضغط عليه لتسليم نفسه، وهنا تتجلى وحدة الاستهداف ليؤكد لنا العدو بأنه لا يفرق عند استهدافه بين قادة الفصائل، فكل مقاوم مستهدف، أياً كان فصيله الذي ينتمي إليه.
عماد النشرتي قائد كتائب القسام لقي الله شهيدا في معركة بطولية خاضها مع قائد كتائب شهداء الأقصى علاء الصباغ، فكم معركة خاضاها معا، وكم من صفحة ناصعة سجلت لهما في سجلات الشرف في مخيم جنين، إلا أن مشيئة الله قدرت أنه آن لهما أن يلتحقا بركب طويل من رفاقهما المجاهدين، فهما ليسا من أهل هذه الدنيا، فمكانهما في حواصل طير خضر عند مليك مقتدر.
ويوم استشهاد القائدين النشرتي والصباغ سأل أحد الصحفيين الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي: ألا يبدو أنه من غير الطبيعي أن يتواجد عناصر شهداء الأقصى مع عناصر من كتائب القسام، فأجاب الشهيد الرنتيسي: " بل إن غير الطبيعي أن لا يكونان مع بعضهما البعض".(1/90)
جنباً إلى جنب وفي نفس اللحظة مع المجاهد محمود طوالبة، لكن يبدو أن هذه الوحدة التي تتجلى بين القادة الميدانيين لفصائل المقاومة، لم تنسحب على بعض السياسيين الذين تجاهلوا دور المقاومة الحقيقية مثل تجاهل حادثة محاصرة ستة من مقاتلي كتائب القسام، ثالث أيام الاجتياح "5/4/م2002" من قبل الوحدات الخاصة الصهيونية المعززة بقوات جيش الاحتلال، والذين استشهدوا بعد خوضهم اشتباكات ضارية في بلدة طوباس القريبة من المخيم، وهم الشهيد القائد: قيس عدوان أبو جبل(1)
__________
(1) الشهيد القائد قيس عدوان، وهو رئيس سابق لمجلس طلبة جامعة النجاح، كان قائداً لكتائب القسام على مستوى مدن شمال الضفة الغربية، والتي تضم بالإضافة إلى جنين، نابلس وقلقيلية وطولكرم، وهو الذي من بين يديه خرجت أشهر العمليات الاستشهادية في ظل انتفاضة الأقصى، ولا سيما العمليات التي تمت في "نتانيا" وحيفا أثناء فترات الاجتياح لمدينة جنين، قبل اجتياح المخيم الأخير والذي استشهد بعده، ويكفي أن نقول في حقه، والفضل ما شهدت به الأعداء، ما قاله رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الصهيوني: "لو لم ننجز من حملتنا في الضفة الغربية سوى قتل وتغييب قيس عدوان لكفانا".
قيس، وبشهادة أهالي مخيم جنين حوّل مخيم جنين إلى مركز متقدم لكتائب القسام وباقي فصائل المقاومة، ولم يبخل يوماً بمد المقاومين من الفصائل المختلفة بما كانت تنتجه العقول القسامية التي كانت تواصل الليل بالنهار في سبيل تطوير القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، والتي لم تكن كتائب القسام لتحتكرها يوما، وكان هناك شهداء في الكتائب قضوا بما يسمى " لعبة الموت" وهم يجرون تجربة تلو أخرى. كانت كتائب القسام تجعل من كل ظاهرة تصنعها حالة شعبية عامة، يسير في ركبها كل فصائل المقاومة فيما بعد، إذ لم تمح الذاكرة بعد التعاون الذي كان قائما بين الشهيد القائد محمود طوالبة، قائد سرايا القدس، والمهندسين القساميين نزيه أبو السباع وقيس عدوان في جنين، وذلك عندما كان القائد طوالبة يعمل على تحسين نوعية المتفجرات المستخدمة لدى السرايا، وكان يطلع الشهيد أبو السباع ويستشيره في صناعة المتفجرات، وكان أبو السباع يرشده إلى استخدام مواد معينة والابتعاد عن أخرى، كما لا ينسى التعاون الوثيق الذي قام فترة من الفترات بين القائد قيس عدوان وطوالبة حين طلب طوالبة من قيس تزويده بمادة متفجرة تستخدمها الكتائب ولم تتمكن السرايا من الحصول عليها، فزوده قيس بـ600 كلغ منها، كيف لا وهذا واجب من توحدوا في ساح القتال، ليضربوا أمثلة لمن سيجيء بعدهم كيف تكون أخلاق الرجال.
وقد تنوعت العمليات التي أشرف عليها المهندس قيس عدوان، بدءا بالعمليات الاستشهادية مرورا بعمليات صنع صواريخ القسام مع رفيق دربه سائد عواد الذي اتخذ من مخيم جنين موئلا له بعد أن اشتدت حملات الملاحقة بحقه، وهو الذي صارع المحتل في مخيم بلاطة في نابلس في الاقتحام الأول فأوقع فيهم الإصابات ولم ينسحب من المخيم إلى أن انسحبوا دون النيل منه ومن إخوانه المجاهدين، وبعدها انتقل إلى جنين ليتمترس هناك ويلاقي مهندس عمليات القسام في جنين القائد قيس عدوان ليكلفه القائد عدوان مشاركة خبير المتفجرات القسامي أمجد الفايد تصنيع العبوات الناسفة المطلوبة للمجاهدين للدفاع عن المخيم.
أما على صعيد التصدي للاجتياحات المتكررة لمخيم جنين، والتي بلغت سبعة اجتياحات، فقد شارك قيس وإخوانه في الإعداد والتخطيط لعمليات التصدي وعمليات زرع العبوات وتنظيم المجموعات، حيث عرفته شوارع المخيم وهو يمتشق سلاحه الرشاش من طراز "إم 16"، وتعتبر العمليات الاستشهادية الأخيرة التي نفذت في "نتانيا" وحيفا المعلم الأبرز في سلسلة عمليات قيس عدوان، إذ أن عملية "نتانيا" كانت أضخم العمليات الاستشهادية على الإطلاق، والتي قتل فيها 30 صهيونيا وكان العدد لا يزال في تزايد في حينه، لكثرة تزاحم الحالات الخطرة على الموت، وقد اعترف العدو الصهيوني عقب هاتين العمليتين أن مواد متفجرة جديدة قد تم استعمالها في هذه العمليات تختلف عن سابقاتها، حيث يسجل ذلك كإنجاز هام لقيس ورفاقه. لقد اعتاد قيس أن يوجه الضربات للصهاينة من حيث لم يحتسبوا، إذ أن شادي الطوباسي منفذ عملية حيفا أثناء الاجتياح كان يحمل الجنسية "الإسرائيلية" ويستطيع التنقل والحركة على الحواجز الصهيونية بكل حرية، وعليه فقد رسخ بعملياته حقيقة أن لا مكان آمن للصهاينة، وأن كتائب القسام والمقاومة قادرة على اختراقهم من حيث لم يحتسبوا.
وبما أن كل يوم في حياة هذا القائد كان يعني للصهاينة مزيدا من القتلى في صفوفهم، فإن مماته أيضا لم يكن سهلا كما اعتقد الصهاينة، إذ خاض ورفاقه اشتباكا مسلحا دام اكثر من سبع ساعات باغتوا فيه القوات الخاصة الصهيونية أكثر من مرة على أرض بلدة طوباس يوم الجمعة الموافق 5/4/2002م، حتى أن قوات الاحتلال لم تتجرأ على دخول الشقة التي كانوا يتواجدون بداخلها بعد استشهادهم.(1/91)
، والشهيد القائد سائد أبو عواد، والشهداء مجدي محمد سمير، ومحمد أحمد كميل، وأشرف حمدي ضراغمة، ومنقذ محمد صوافطة.
وفي هذا السياق نورد بعضاً من السطور التي نشرت علي موقع صابرون على شبكة الإنترنت، والتي تتحدث عن أحد قادة معركة جنين القساميين، الذي خاض معركته جنباً إلى جنب مع إخوانه من قادة الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة(1)
__________
(1) هو قائد كتائب القسام في معركة جنين الشهيد محمود الحلوة، الشهيد الذي تعالى على الجراح ورفض الالتفات إلى المتاع الزائل رغم يسر الحال.
هو مسئول وحدة الاشتباكات في كتائب القسام، حيث تم تفريغه لقيادة وتطوير عمل مجموعات الكتائب العاملة في التصدي للاجتياحات المتكررة للمخيم، وذلك نتيجة ما كان يبديه من ملامح قيادية وشجاعة مميزة على مدى عمره الحركي الممتد مع انطلاقة الانتفاضة الأولى وحتى استشهاده في معركة جنين الأخيرة. ويعتبر الشهيد الحلوة أحد أذرع الشهيد القائد قيس عدوان(أبو جبل)، القائد العام لكتائب القسام في شمال الضفة الغربية، ونتيجة مهمته تلك فقد كان محمود أحد القادة الأربعة لمعركة المخيم، محمود طوالبة قائدا لسرايا القدس، وزياد العامر لكتائب شهداء الأقصى، وأبو جندل لفرقته الخاصة، ومحمود الحلوة لكتائب القسام، فكثيرا ما اجتمعوا وخططوا ونسقوا جهودهم التي كان لها الأثر البالغ في التطوير الجمعي لعمل المقاومة وأساليبها، وخاصة على صعيد عمليات المواجهة المباشرة مع العدو، حيث غدا كل منهم ومن خلفهم جندهم المعلومين والمجهولين مدرسة في فن التعامل في آن واحد مع الدبابة على الأرض، والطائرة في الجو، والوحدات الخاصة الصهيونية من فرق مشاة البحرية إلى فرق المظليين ووحدات الدوفدفان، وقد اعترف أحد معتقلي كتائب القسام الذين تم اعتقالهم نتيجة نفاذ ذخيرتهم في الأيام الأخيرة للمعارك لدى التحقيق معه أنه عكف هو والقائد محمود الحلوة منذ نهاية الاجتياح السابق لحملة "السور الواقي"، والذي استمر ستة أيام من المعارك الضارية لم تتمكن خلالها القوات الصهيونية من اقتحام المخيم، على صناعة العبوات الناسفة ليل نهار وبشكل مكثف استعدادا لهذه المعركة، حتى أنهما صنعا في يوم واحد 150 عبوة ناسفة بأحجام مختلفة، فقد كانوا على يقين بأنهم في سباق مع الزمن وأن المعركة قريبة ومباغتة، أما عن دوره في المعركة، فقد كان يقود عمليات المقاومة في حارة السمران في المخيم، حيث أحد أهم المنافذ الخطرة التي يمكن للصهاينة أن ينفذوا منها إلى العمق المقاوم، حيث كان برفقته عدد من الأخوة القناصة وقد أخذوا مواقع مريحة لهم تمكنهم من السيطرة التامة على مجريات المعركة هناك، وقد كان لهم دور بارز في تلقين العدو دروسا قاسية في تلك المنطقة، ففي اليوم الرابع للمعارك كثفت الفرق الصهيونية من محاولات اقتحامها للمخيم من تلك المنطقة بشكل أكبر من الأيام الثلاث التي سبقته، حيث كان الجنود الصهاينة يهربون مع أول رصاصات تطلق عليهم هناك، ففي اليوم الرابع اعترف الناطق العسكري الصهيوني بمقتل جنديين وجرح ستة في حارة السمران نتيجة كمين نصبه لهم المقاتلون، حتى أن عددا من المقاومين خرجوا من مواقعهم لمطاردة فلول الوحدة المنهزمة، وإثر ذلك تركز قصف الطائرات بشكل عشوائي في تلك المنطقة وتم قصف المنزل الذي كان يتواجد فيه الحلوة ورفاقه لحظة خروجهم منه، وما أن دخلوا منزلا مجاورا حتى أصاب صاروخ اخترق سقف المنزل الغرفة التي كانوا يتواجدون بداخلها فأصيب أحد المقاتلين بشظايا في رأسه حتى ظن أن رقبته قد قطعت، فبدأ بالصراخ على محمود الحلوة بأن ينقذه وما أن أخرجه محمود من المنزل حتى سقطت عدة صواريخ على ذات المنزل فأتت عليه بالكامل، وما تلك إلا جولة واحدة من جولات عظيمة لهذا القائد. أما عن استشهاده فكان في اليوم السادس للمعارك، حينما حاول الانتقال من وسط المخيم إلى الجهة الشرقية له فأصابه قناص صهيوني برصاصة في الصدر أدت إلى استشهاده على الفور.
وكانت رحلة محمود مع المقاومة قد بدأت مبكراً، حيث كان مجدا في مشاركة أقرانه من شباب المساجد تحت لواء "السواعد الرامية" التابعة لحركة حماس في مواجهة القوات الصهيونية الراجلة والمحمولة بالجيبات العسكرية في فترة الانتفاضة الكبرى التي انطلقت عام 1987م، حيث أصابته رصاصة "دورانية" في البطن بتاريخ 19/8/1988م، وكان لطف الله الحائل الوحيد بينه وبين الشهادة الأمر الذي أدى إلى إصابة أحشائه الداخلية بأضرار بالغة أضاعت من عمره الدراسي سنة كاملة في العلاج قضاها في مستشفيات "هداسا عين كارم" في القدس والمقاصد في نابلس، حيث أجريت له أربع عمليات استؤصلت على إثرها نصف معدته وأجزاء من أمعائه والكبد والطحال، كما أصيبت يده اليمنى بجلطة، إلا أن كل مصابه لم يقعده عن الجهاد، ولم تكن تلك الحادثة آخر المطاف، حيث اعتقل بعد خروجه من المستشفى بشهرين في سجن النقب عدة شهور قبل أن يفرج عنه ويلتحق من جديد بدراسته إلى جانب خدمة دعوته، حيث كان من ابرز أعضاء الكتلة الإسلامية نشاطاً في المعهد ليتم انتخابه رئيسا للكتلة الإسلامية في الكلية في السنة الثانية، لذلك بقي ملاحقا من قبل القوات الصهيونية حيث كان يعاد مرارا وتكرارا إلى مراكز التحقيق الصهيونية أثناء دراسته ليبلغ مجموع ما اعتقل سبع مرات كان أطولها لمدة سنة، ويبلغ مجموع السنوات التي اعتقلها محمود أربع سنوات على مدار سني حياته. وبتاريخ 17/7/1997م قرر ذوو الشهيد محمود وبعد إلحاح كبير أن يزوجوه في عرس إسلامي كبير كان أشبه بما يكون مهرجانا إسلاميا، ليرزق بعدها بسنوات بابنتيه الصغيرتين، ضحى البالغة 3 سنوات و آية البالغة عاما ونصف لدى استشهاده، وكان ذووه قبيل استشهاده بانتظار مولود جديد إلا أن وقوع خبر استشهاده على مسامع زوجته أدى إلى إجهاضها.(1/92)
.
وقد يكون من الملائم – أيضاً- التذكير بالشهيد القائد نصر جرار الذي اغتالته قوات الاحتلال فيما بعد، وكان قد فقد إحدى ساقيه وإحدى ذراعيه في ملحمة جنين، والتذكير بأن حركة حماس كانت الوحيدة التي نشرت وثائق وبطاقات تخص بعضاً من الجنود الصهاينة الذين قتلوا أثناء معركة المخيم، والتي كان قد استولى عليها مقاتلوها، والتي عثر عليها مع الشهيد القسامي أمجد فايد بالإضافة إلى بعض العتاد لتكون ذكرى لمن يتذكر، وعبرة لمن يعتبر( الوثائق وبطاقات الجنود موجودة علي موقع كتائب القسام الإلكتروني، وموجودة في الأرشيف الخاص بكتائب القسام في جنين، والتي تم عرضها في أكثر من مناسبة وطنية خلدت ذكرى هذه الملحمة الأسطورية.
ومن المهم كذلك قراءة المذكرات التي كتبها وسجلها للتاريخ أحد قادة معركة جنين، القائد في سرايا القدس، الأسير ثابت مرداوي(1)، فقد ذكر الأسير ثابت في شهادته، علي جزء من المعركة، وهو المحور الذي كان مكلفاً من قبل قيادته بالمرابطة فيه "محور حارة الدمج"، أنه كان برفقة مجموعته أعضاء السرايا حيث كان هذا المحور تحت مسؤولية "سرايا القدس" بشكل عام، ورغم ذلك فقد شاركهم فيه أعضاء من فصائل أخرى، يقول المرداوي: "بالإضافة إلى مجموعتنا الرئيسية المكونة من اثني عشر مقاتلا كان هناك ثلاثة مقاتلين من كتائب عز الدين القسام ومقاتلان من كتائب الأقصى ومقاتل من أفراد الشرطة وهو من سكان المخيم أصلاً". وأضاف المرداوي في شهادته بأن معركة جنين لم يخطط لها، وأنها كانت عفوية وبتنسيق آني بين قوى المقاومة المسلحة علي أرض المخيم.
__________
(1) شهادة الأسير القائد ثابت مرداوي، نشرتها، ووزعتها، حركة الجهاد الإسلامي، في كتيب، وموجودة كذلك على الموقع الإلكتروني للحركة.(1/93)
وجاء في شهادته "بأن قيادة وإدارة المحاور والمعارك لم تكن قيادة بالمعنى التقليدي السائد في الجيوش، كما أن قراراتها وتعليماتها لم تأخذ طابع الأمر والإلزام، وإنما هي أقرب ما تكون إلى قرارات القيادة والمشاركة والمشاورة التي لا تأخذ أي قرار إلا برضى وقبول الجميع. وفي معظم الأحيان كان يطغى على هذه القرارات صفة الطلب وذلك لطبيعة العلاقة الشخصية ما بين هذه القيادات وعناصرها، وأشار إلى أن جميع من شاركوا في الدفاع عن المخيم، باستثناء قلة شاركت على خجل خوفا من أن يقال أنها انسحبت وفرت ـ كانت مشاركته تطوعية ذاتية أكثر منها التزام بقرارات تنظيمية"، وقوله: "لم يحدث في سرايا القدس أن كان لدينا تصور وسيناريو محدد"، وإن كان القائد مرداوي لم ينف بعض التجهيزات التي اتخذتها فصائل المقاومة، لمواجهة أي اجتياح في أية لحظة، وهي جزء من المعركة المفتوحة والمستمرة، وقوله كذلك: "وما إن تبدأ المعارك ويشتد القصف وتشعر تدريجيا بفقدان التوازن حتى تصبح تصرفاتك وقراراتك وليدة اللحظة واستجابة لمعطيات اللحظة الآتية… دونما تفكير كثير بما قد يستجد من معطيات اللحظة المقبلة". وهذا الكلام يناقض المقولات التي رددها الدكتور شلح ورفاقه، من قيادتهم للمعركة التي خططوا لها مسبقاً، واعتبارها معركتهم فحسب، من دمشق أو بيروت، إذ قال د.شلح وبالحرف الواحد في حوار هاتفي من دمشق مع صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 30/4/ 2002م أنه كان علي اتصال دائم مع قيادات وعناصر "الجهاد" في مخيم جنين، وقوله "أنه أخبرهم بضرورة تفخيخ الأبواب داخل المنازل، وحتى في الأثاث مثل الدواليب والكتب وغيرها من الأشياء التي أخبرنا بها بعض المجاهدين"، كما أنه اطلع علي تفاصيل الكمين الذي نصبه المقاومون بقيادة الشهيد محمود طوالبة، لدى دخول الجنود الإسرائيليين المنطقة المفخخة. وقدم وصفاً للكمين الذي قتل فيه ثلاثة عشر جندياً، وقال أن الذي روى قصة الكمين هو أحد(1/94)
مقاتلي سرايا القدس. وهكذا شطب د.شلح أي دور لباقي قوى المقاومة في ملحمة جنين، وفي مقدمتها كتائب القسام، الذي يعرف كل سكان المخيم، كما هم كل أهلنا في فلسطين قوة فعلها وحضورها، ودورها في تجهيز أكبر الكميات من العبوات الناسفة والمتفجرات التي استخدمت في ملحمة جنين، ولا زالت تستخدم في كل اجتياح لمدينة أو مخيم من مدن ومخيمات الضفة والقطاع.
ومن الملاحظ أن د. شلح يصر على ترديد قول أن شهداء معركة جنين من المقاتلين كانوا 48، 45 منهم كانوا بزي الجهاد الإسلامي، ولم يقل لنا د.شلح حتى اليوم أسماء هؤلاء الشهداء الـ45، في حين قال الشيخ بسام السعدي أحد قادة حركة الجهاد في جنين: "بأننا أدينا واجبنا علي أكمل وجه، وشاركنا بثلاثة أجنحة يقودها ثابت المرداوي، ونجح الاحتلال في اعتقاله، والشيخ رياض بدير وعثرنا علي جثته، ومحمود طوالبة الذي استشهد تحت الأنقاض(1)، فأين هم باقي الشهداء التابعين لحركة الجهاد الإسلامي؟!
__________
(1) أنظر: رفعت سيد أحمد، مرجع سبق ذكره، ص65.(1/95)
... ثم ما هو تفسير الدكتور شلح لقوله في معرض إجابته علي سؤال لأحد محاوريه في إحدى الحوارات(1)، لماذا تركزون من بداية الانتفاضة على التنسيق في العمليات مع كتائب شهداء الأقصى ولا تنسقون مع حماس؟: "هذا غير صحيح، فقد كان هناك تنسيق بيننا وبين الأخوة في حماس في أكثر من عملية جهادية.. لكن التنسيق مع كتائب شهداء الأقصى بدأ مبكراً في هذه الانتفاضة خاصة في جنين وفي ملحمتها البطولية التي قادها الشهيد محمود طوالبة والشهيد أبو جندل ومعهم إخوانهم المجاهدين من كل القوى المقاومة. أي أن الدكتور شلح عاد مجدداً في هذا الحديث - وبعد مرور سنتين ونيف علي ملحمة جنين - لنفي أي دور لكتائب القسام في هذه المعركة، فالتنسيق – المبكر- كان مع كتائب شهداء الأقصى منذ معركة جنين، لأن حماس وجناحها العسكري غير متواجدة ألبتة في هذه المدينة، وإلا كان د.شلح قد نسق معها مبكراً، ثم إنهم نسقوا مع كل القوى المقاومة في جنين حسب قوله، فمعنى هذا أن حماس ليست من هذه القوى المقاومة المتواجدة في جنين، ولذلك لم يتم التنسيق معها مبكراً؟!
ولعل في استحضار التاريخ القريب عظة وعبرة، ففي المحاولات السابقة لاقتحام جنين سطر مجاهدو كتائب القسام أروع صور البطولة و الفداء التي ارتقى فيها خيرة أبناء القسام شهداء، أمثال الشهيد إبراهيم فايد و مهند أبو الهيجا، تلاهم الشهيد خالد نجم و الشهيد عبد الرازق استيتي، حتى جاءت المعركة الأخيرة التي قام فيها مجاهدو القسام بجانب إخوانهم من جميع الفصائل الأخرى - بلا استثناء- بتلقين العدو الصهيوني دروساُ قاسية في الصمود و التحدي، و قهروا الجيش الذي يدعي أنه لا يقهر؟! وتوّجوا جهودهم بالكمين المفخخ الذي نصبوه، وصرعوا فيه ثلاثة عشر جندياً صهيونياً.
__________
(1) جزء من حوار علي الشبكة الإلكترونية، أجراه موقع نداء القدس، التابع لحركة الجهاد بالاشتراك مع موقع فلسطين اليوم مع الدكتور شلح، مايو 2004م.(1/96)
... تبقى نقطة أخيرة مرتبطة بملحمة جنين، وهي ترديد د.شلح واخوانه أن جنين خرج منها 24 استشهاديا، كان نصيب حركة الجهاد الإسلامي منهم 17 استشهاديا، مقابل 4 لحركة حماس، و2 لحركة فتح، على الرغم من أن د.شلح يعترف بأن العدو الصهيوني اعتقل 4 من ضمن الـ17 قبل تمكنهم من التنفيذ(1)، واعتبارهم أن ذلك يعكس قوة وحجم الفصائل في المدينة، وأن ذلك دليل على أن المقاومة في جنين حكر عليهم, وبالتالي يسوغ لهم أن يطلقوا عليها عاصمتهم، وفي هذا ابتعاد عن الحقيقة والموضوعية من قبلهم في سياق مخاطبة عقول كوادرهم وقواعدهم، خاصةً صغار السن، ومخاطبة عقول الجماهير الفلسطينية بشكل عام.
ومع ذلك، يمكن طرح التساؤل التالي: كم استشهاديا خرج لحركة الجهاد من المدن الأخرى في الضفة، وكم نسبة استشهاديي الجهاد، وخصوصا فيما يتعلق بالعمليات الناجحة؟
__________
(1) أنظر: رفعت سيد أحمد، مرجع سبق ذكره، ص 11، وأنظر كذلك حوار د.شلح مع صحيفة الحياة اللندنية، مرجع سبق ذكره.(1/97)
وللحقيقة، فإن هناك أكثر من 120عملية استشهادية نجد أن حركة حماس نفذت أكثر من 60 عملية منها. وبالرجوع إلي أرشيف العمليات نجد أن الـ13 استشهاديا التابعين لحركة الجهاد الذين خرجوا من جنين، ونفذوا عملياتهم من ضمن الـ17 استشهاديا كانت حصيلة عملياتهم 28 قتيلا، ثلاثة منهم من فلسطينيي الداخل، وإصابة 225 آخرين، علماً بأن إحدى هذه العمليات مشتركة مع كتائب شهداء الأقصى، وهو الهجوم المسلح في "العفولة" بتاريخ 27/11/2002م الذي أدى إلى مقتل صهيونيين وجرح 50 آخرين، ونفذه الشهيدان مصطفي أبو سرية من سرايا القدس، وعبد الله أبو ناعسة من كتائب شهداء الأقصى، في حين أن عمليات كتائب القسام الـ4 التي خرجت من جنين، أدت ثلاثة منها فقط إلي قتل 31 صهيونياً وإصابة 173آخرين، في حين أن الرابع لؤي استيتي استشهد وهو في طريقه لتنفيذ العملية بتاريخ 14/3/2004م، والحصيلة أن استشهاديي حركة حماس الثلاثة حصدت عملياتهم من الأرواح والخسائر أكثر من استشهاديي حركة الجهاد الـ13, والفضل يعود لله عز وجل أولا وآخرا.ً(1/98)
... من جهة أخرى، يمكن القول أن تركز العمل بحركة الجهاد في جنين يشير إلى عدم وجود قواعد أخرى للحركة في باقي مدن الضفة الغربية، ولذلك تركز معظم النشاط العسكري للجهاد في جنين، والذي لم يكن علي أية حال بحجم وقوة فعل وقاعدة حركتي حماس أو فتح في جنين، بدليل نتائج الانتخابات الطلابية التي جرت بعد الملحمة مباشرة في الجامعة الأمريكية في جنين، حيث حصلت كل من كتلة فتح وحماس على ما نسبته 95% من أصوات الناخبين، بينما لم تحصل كتلة الجهاد على أي مقعد, فقد حصلت كتلة فتح على 11 مقعداً من أصل 21 هي عدد مقاعد المجلس، وحصلت كتلة حماس على 8 مقاعد، وحصل اليسار على مقعدين، علماً بأن كتلة حماس عرضت على كتلة الجهاد الدخول في تحالف وائتلاف مشترك مقابل حصولها على نسبة 30% من التمثيل داخل المجلس في إطار النتائج التي سيحصل عليها الائتلاف، إلا أن كتلة الجهاد رفضت ذلك، فعرضت كتلة حماس عليها 40%، إلا أنها رفضت ذلك أيضاً، مشترطة حصولها على نسبة 50%، لتشارك في الانتخابات بشكل منفرد، وتفاجئ النتائج الجميع بعدم تمكن كتلة الجهاد من الحصول على أي مقعد(1).
__________
(1) نتائج الانتخابات الطلابية التي جرت في الجامعة الأمريكية في جنين عقب حملة "السور الواقي" 2002م، والتي نشرت في الصحف المحلية.(1/99)
ومن الواضح تماماً فإن حركتي حماس وفتح، ولوجود القاعدة العريضة لهما في كل مدن وقرى ومخيمات الضفة والقطاع، فقد توزعت نشاطات أجنحتهما العسكرية وتوازنت، ومنها أعداد الاستشهاديين، لتمتد على امتداد ساحات الوطن، علما بأن حركتي حماس أو فتح لو أرادتا أن تخرجا خمسين استشهاديا من جنين لفعلتا. وقد أدركت حركة الجهاد متأخراً جداً هذه الحقيقة، بعد حديث وسائل إعلام العدو بأن الحديث عنهم يدور عن تنظيم يتواجد في مدينة جنين وغزة فحسب، مما حدا بحركة الجهاد إلى القيام بمحاولات عدة لمدّ وتوسيع رقعة نشاطاتها إلي مناطق أخرى في الضفة الغربية، فقامت بالمشاركة في تنفيذ العملية النوعية في الخليل بتاريخ 15/11/2002م، والتي نفذت حركة حماس الكمين الأول منها، ثم نفذت عملية أخرى في المدينة، وقد اعترف الدكتور رمضان شلح بذلك، بعد مشاركة حركته في كمين الخليل، وقال: "رأينا أن نخفف الضغط عن مدينة جنين، فاتجهنا جنوباً هذه المرة".
2- 16* عملية الخليل بتاريخ 15/11/2002م "نظرة تحليلية ميدانية":
أصابت العملية الفدائية الكبيرة التي نفذها مقاومون من حركتي حماس والجهاد، مساء الجمعة 15 نوفمبر 2002م في المنطقة الفاصلة بين مستوطنة "كريات أربع" ومدينة الخليل، والتي أدت إلى مقتل اثني عشر ضابطا وجنديا ومستوطنا صهيونيا وجرح العشرات، المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية الصهيونية بحالة من الذهول والرعب وفقدان التوازن.
حماس والجهاد تعلنان مسئوليتهما:(1/100)
وقد أعلنت كلاً من كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وسرايا القدس الجناح المسلح لحركة الجهاد مسئوليتهما عن تنفيذ العملية. وكان إعلان "سرايا القدس" - والتي استشهد ثلاثة من أعضائها بعد محاصرتهم في منزل مهجور- عن العملية، سابقاً لإعلان كتائب القسام التي أعلنت بدورها عن تنفيذ إحدى مجموعاتها المقاتلة للهجوم الأول الذي استمر لمدة ساعتين، وذكر بيان كتائب القسام أنه بعد بداية الاشتباك بربع الساعة شعر أفراد المجموعة بوجود مجاهدين في المنطقة، وتبين فيما بعد أنهم من سرايا القدس، وأعلنت كتائب القسام عن انسحاب مجاهديها من المكان بعد ساعتين ونصف من الاشتباك، وأوضحت أن انسحابها كان بقدر الله الغالب، وأكدت إصابة أحد مجاهديها خلال تنفيذ هذا الكمين، وجاء في البيان أن تنفيذ كتائب القسام الكمين الأول من العملية التي استهدفت قادة وجنود العدو، لا يلغى مشاركة إخواننا في سرايا القدس في الكمين الثاني من العملية.
وأضاف البيان: "لقد أجرينا اتصالاتنا مع إخواننا من قيادات حركة الجهاد الإسلامي في الداخل والخارج، ووضعناهم في صورة التفاصيل الخاصة بالعملية، وأن تأخر إعلان الحركة عن العملية كان لدواع أمنية وأدبية مع الأخوة في الجهاد حتى نوضح لهم الأمر".
من جهتها قالت حركة الجهاد أنها وحدها التي نفذت العملية، واعترفت بأن حركة حماس أجرت معها اتصالات، واعترفت بعرض "حماس" الإعلان عن العملية في بيان مشترك.(1/101)
الجدير ذكره أنه، وأثناء سير العملية وإعلان الجهاد عنها، حيث كان إعلانهم ولمّا تنته العملية بعد(1)، كان الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي – رحمه الله- يستضيف في بيته ثاني يوم من تنفيذ العملية قادة الجهاد، على مأدبة إفطار - العملية تمت في شهر رمضان - وكان أن قدم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي التهنئة للشيخ عبد الله الشامي وقادة الجهاد علي هذه العملية، لاعتقاد الجميع حسب ما كان يتوارد عبر وكالات الأنباء من إعلانهم عن العملية، بأن العملية نفذتها مجموعة تابعة لهم، وهذه الرواية ذكرها الشيخ عبد الله الشامي بنفسه في مقال له نشره موقع حركة الجهاد علي الشبكة الإلكترونية غداة تنفيذ العملية، في معرض نفيه واستغرابه من إعلان كتائب القسام بعد ذلك عن العملية، مع أن هذه الرواية تعضد من سلامة رؤية حركة حماس وصفاء نية قادتها، وترد علي بعضهم الذي هاجموا الدكتور الرنتيسي بعد ذلك لتأكيده مسئولية كتائب القسام عن العملية، بعد أن اتضحت الصورة، وتبين دور كتائب القسام في العملية. حينها بلغ النقد مبلغه بهم، بقولهم بأن الدكتور الرنتيسي هو الذي أخذ على عاتقه نسبة هذا العملية لكتائب القسام بعد أن تملكته الغيرة الشديدة من نجاح هذه العملية بأيدي آخرين(2)
__________
(1) مجاهدو كتائب القسام هم الذين اجتهدوا في عدم الإعلان, وذلك لأن إعلان الدكتور شلح عن العملية قبل أن تنتهي قطع الطريق على كتائب القسام في الإعلان وجعلهم مترددين, وحينما اتضحت الصورة تم الاتصال من قبل حماس بالجهاد بغية وضعهم في صورة وتفاصيل ما حدث بشأن العملية، فرفضوا وأصروا على موقفهم بانفرادهم بالعملية، وحفاظا على حق المجاهدين من أبناء كتائب القسام تم الإعلان عن العملية.
(2) أنظر مثالا لذلك، مقالاً طويلا طافح بالاتهامات ضد حركة حماس، وضد الدكتور الرنتيسي تحديداً، نشر في جريدة القاهرة القاهرية بتاريخ 26/11/2002م، وقد كتبه أحد منظري الجهاد بعد أن انتحل اسماً وهمياً مركباً "أحمد الزهار أبو لحية"، وادعى بأنه أستاذ بالجامعة الإسلامية بغزة، وقد تحامل فيه بشدة على الدكتور الرنتيسي، وكنا قد رددنا عليه بدورنا في نفس الجريدة بتاريخ 17/12/2002م، وفندنا الكثير من اتهاماته ودعاويه التي نمت عن قصر رؤية وتدليس واضح.(1/102)
.
ولتفنيد هذه الاتهامات يمكن القول أن الدكتور الرنتيسي قدم تهانيه في البداية، وبصفاء نية، كما أوضح الشيخ الشامي في مقالته، ولكن بعد أن جاءته المعلومات من قيادة كتائب القسام في منطقة الخليل، وكان القائد وقتها الشهيد عبد الله القواسمي، والتي أكدت فيها لقيادتها السياسية مسئوليتها عن الكمين الأول، وكان ذلك قبل صدور بيان كتائب القسام، ووضعت القيادة السياسية للحركة في صورة مجرى من تفاصيل العملية، وطلب قيادة كتائب القسام من القيادة السياسية الاتصال بالجهاد ووضعهم في الصورة، بعد أن قامت القيادة العسكرية لكتائب القسام في الخليل بإجراء الاتصالات الميدانية مع القيادة العسكرية للجهاد في مدينة الخليل، وأطلعتها بنفسها علي المجاهد الجريح من كتائب القسام، وكانت هناك علاقة مميزة بين كلاً من الشهيدين باسل القواسمي ورائد مسك من مجاهدي كتائب القسام في خليل الرحمن مع الشهيد محمد أيوب سدر قائد سرايا القدس في الخليل، والذي اقتنع بصدق رواية كتائب القسام، وأبلغ إخوانه في كتائب القسام بأنه لابد من إجراء الاتصالات بين القيادة السياسية لكلا الحركتين- هنا تحرك الدكتور الرنتيسي، فقام بالاتصال بالدكتور محمد الهندي، وأبلغه بأن قيادة كتائب القسام قي الخليل تقول بأن إحدى مجموعاتها قامت بتنفيذ الكمين الأول، وأن أحد المنفذين أصيب في هذه العملية، وأن قيادة كتائب القسام الميدانية في الخليل أجرت بعض الاتصالات بالقيادة الميدانية للجهاد هناك، وأطلعتها على هذه الحقائق، وهنا طلب الهندي بعض الوقت لإجراء الاتصالات مع قيادة الحركة.(1/103)
وهنا واجهت قيادة حركة الجهاد عدة خيارات في مثل هذا الموضوع الحساس، فهم يتشبثون بتبني العمليات ولا يتنازلون عنها، كانت مثار إشكال أم لا، كما استعرضنا في العمليات السابقة، فما بالنا بعملية انضم فيها ثلاثة من مقاومي الجهاد وسقطوا شهداء، بعد أن خططوا لعملية في نفس المكان التي خططت فيه كتائب القسام لعمليتها، وكان الرفض هو سيد الموقف من قبلهم كما هو متوقع، حيث تجاهلت عن عمد وقصد تقارير قيادتها العسكرية في مدينة خليل الرحمن، مما دفع قيادة كتائب القسام للإعلان المنفرد عن العملية، وتبيان دورها وتنفيذها الكمين الأول من هذه العملية، وتأكيدها بأن تأخرها عن الإعلان قد جاء لدواع أمنية وأدبية مع حركة الجهاد، لحين الاتصال بهم، وتوضيح الصورة لهم.
حركة الجهاد، وبعد بيان القسام سارعت بالتأكيد علي مسئوليتها الكاملة عن العملية، وقالت بأنها لم تتم بمشاركة أي طرف أو فصيل، ولم ينسق معها أحد بهذا الخصوص، مما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول موقفهم، فمن واقع بيان كتائب القسام نجد بأن حركة حماس لم تقل أنها نسقت في التخطيط لهذه العملية معهم، أو أنها عملية مشتركة التخطيط والتنفيذ، حتى يتصاعد النقد بأنه لم يخطط أو ينسق أو يشارك أحد في تنفيذ العملية.(1/104)
حركة حماس من جهتها اعتبرت الأمر مجرد مصادفة، وكل ما في الأمر أن الجهاد خطط لتنفيذ عملية في نفس المكان الذي خططت فيه حماس لعمليتها، وهنا يمكن القول بأن اختيار هدف من قبل أكثر من فصيل شيء وارد وممكن، في ظل غياب التنسيق الميداني بينهما، كما حدث في العملية الاستشهادية في مطعم "سبارو"، واللبس الذي رافقها، وأيضاً في ظل سعي مجاميع مختلفة من القوى المقاومة إلي الجهاد والعمل المسلح في آن واحد. أما القول بأن العملية هي – فقط- لهم، والدليل سقوط الشهداء الثلاثة، رحمهم الله، وتشكيكهم برواية حركة حماس التي أكدت انسحاب مقاوميها، وقولهم بأنه لا يمكن لمن ذهب في عملية كهذه إلا أن يقاتل حتى الشهادة ... الخ، فهذا كلام ينفيه الواقع الميداني للعملية، لأن الشهداء الثلاثة لم يسقطوا مباشرة علي أرض المعركة، بل تمكنوا من الانسحاب، واللجوء إلى منزل مهجور، يبعد عدة كيلو مترات عن مكان العملية، بعد أن نفذت ذخيرتهم، وهو البيت الذي حاصرتهم فيه قوات الاحتلال، وتم قصفهم فيه بالطائرات، وهنا يمكن التساؤل- مع تسليمنا بقضاء الله وقدره في اصطفائهم شهداء، لكن الأخذ بالأسباب واجب- أنه لو كانت هناك سيارة إسناد، أو مجموعات تنتظر المجاهدين الثلاثة، أو أنهم خططوا للعودة، ألم يكن من الممكن العودة بسلام، كما حدث مع عنصري القسام؟ فكتائب القسام، كما يتضح من تخطيطها العملياتي، تضع دوماً احتمال النجاة والانسحاب، وهذا ما حدث في عمليتها بتاريخ 22 /11/2002م، أي بعد عملية الخليل بأيام، عندما ذهب أحد استشهادييها، وخاض اشتباكاً مسلحاً بالقرب من مستوطنة "كفار داروم"، وقتل أحد الجنود الصهاينة وأصاب اثنين آخرين، ثم انسحب وتمكن من العودة بعد أن كان قد كتب وصيته، وجهز له شريطا مصورا، حسبما أعلنت كتائب القسام في حينه، والتي لم تكشف عن اسم الاستشهادي الحي. فمقاتلوهم الثلاثة في هذه العملية، وكما يتبين من شريط الفيديو الذي وزع لهم، كانوا(1/105)
خارجين في عملية استشهادية، ولم يخططوا للعودة، فلا أحد كان يتوقع هذا النجاح الكبير للعملية، وعدم قدرة جنود العدو علي الرد علي المقاومين، لمدة تزيد عن الساعتين، مما يؤكد وجود مجموعة أخري كانت تطلق النار، وهي مجموعة كتائب القسام، وهذا ما أكدته مصادر صهيونية منذ البداية وقبل انتهاء العملية، بقولهم: "يتم الحديث عن كمين مزدوج، وأن هناك إطلاق نار من أكثر من اتجاه، وأن هناك أكثر من مجموعة تطلق الرصاص"، وكان ذلك قبل أن تتمكن قوات الاحتلال الصهيوني من محاصرة مجموعة الجهاد، وتقوم بقصفها بالصواريخ، وهذا ما يؤكد صدق رواية حركة حماس حول تفاصيل وكيفية سير العملية، ويعضد ذلك كله أرشيف عمليات حركة حماس، وهو موجود في أكثر من مركز بحثي، وعلي أكثر من موقع علي الشبكة الإلكترونية، ليتبين الجميع كيف استطاعت حركة حماس تنفيذ عمليات مشابهة لعملية الخليل - وهي عمليات بالعشرات- اختتمت بانسحاب مقاتليها أو استشهاد أحدهم وانسحاب الباقين، كما حدث - علي سبيل المثال لا الحصر - في عملية دير بلوط بتاريخ 6/8/1993م، حينما اقتربت سيارة من نوع "بيجو" تقل ثلاثة مجاهدين من كتائب القسام ببطء من موقع لجيش الاحتلال قرب مستوطنة "القاناة" القريبة من بلدة دير بلوط، حيث خرج اثنان منهم من السيارة مطلقين النار على الموقع، فقتل اثنان من جنود العدو، وأصيب ثالث بجروح خطيرة، وفيما كان المجاهدان يطلقان النار على أفراد الموقع تعرضا لرمي القنص من جندي كان يختبئ في نقطة مراقبة قريبة، مما أدى إلى استشهاد المجاهد عدنان عزيز مرعي، وإصابة المجاهد محمد ريان بجروح منعته من الحركة، وتمكن العدو من أسره، أما المجاهد الثالث فقد تمكن من التواري تماماً عن الأنظار على الرغم من اشتراك ما يقارب 500 جندي واثنتي عشر طائرة مروحية، بالإضافة إلى استخدام القنابل الضوئية بكثافة لإنارة القرى والجبال المحيطة بموقع العملية وكلاب الأثر للبحث عن المجاهد(1/106)
المتواري في البيارات والجبال.
وفي انتفاضة الأقصى بعض أمثلة، ومنها العمليتان النوعيتان قرب مستوطنة "عمانوئيل"، الأولى والثانية، حينما ارتقي شهيداً في الأولى المجاهد عاصم ريحان، فيما تمكن المقاومان الآخران من الانسحاب، والثانية ارتقاء الشهيد محمد أبو عصيدة بعد حصار المجموعة المنفذة للعملية ليوم كامل، فيما تمكن الباقون من الانسحاب والوصول إلي قواعدهم بسلام، كذلك عملية المجاهد محمود أبو هنود قبل أن تغتاله قوات الاحتلال، عندما تم محاصرته من قبل قوات الاحتلال في الموقعة الشهيرة بتاريخ 26/8/2000م في قرية عصيرة الشمالية، وتمكنه من قتل ثلاثة من الجنود الصهاينة، وانسحابه وهو مصاب، وقطعه مسافة 15 كيلو مترا سيراً علي الأقدام رغم الحصار الشديد، والكم الهائل من أرتال الجنود والطائرات والدبابات الذين حاصروه ولاحقوه، ولم يتمكنوا من النيل منه أو اعتقاله.(1/107)
ومن جملة الاتهامات التي وجهت لحركة حماس عقب العملية أنها أرادت من وراء تبنيها للعملية نسبة هذا الفعل المميز إليها، وهذا قول مردود عليه، لأن الجميع - الأعداء قبل الأصدقاء - يشهدون لحركة حماس بتنفيذها النصيب الأكبر من العمليات النوعية والمؤثرة، و يشهدون علي قدراتها المستمرة في الابتكار والتجديد، ومفاجأة العدو دوماً بقوة التخطيط وقوة الأداء بعد ادعاءاته المتكررة بشل قدراتها من خلال الضربات الموجعة التي وجهها إليها ( كبرى العمليات الاستشهادية، عمليات اقتحام ناجحة للمستوطنات، اختراقها لجهاز المخابرات الصهيوني "الشين بيت" في الانتفاضة الأولى وقتل اثنين من ضباطه الكبار: ضابط مدينة القدس حاييم نحماني على يد الشهيد ماهر أبو سرور، وضابط مدينة بيت لحم المدعو مجدي والملقب بكوهين، الوحيدة من بين الفصائل الفلسطينية التي قامت بخطف الضباط والجنود الصهاينة لمبادلتهم بالأسرى، على غرار ما يفعل حزب الله في لبنان "تسعة جنود وضابط في عمليات متفاوتة"، صناعتها وتطويرها صواريخ القسام، ثم تبعتها باقي فصائل المقاومة، ولن يكون أخيراً إبداعها في تخطيط وتنفيذ عملية التفجير في موقع محفوظة "أورحان" على حاجز المطاحن، حتى أن مراكز الأبحاث الفلسطينية، وتقارير صحافة العدو تعترف لحركة حماس بأنها نفذت لوحدها"منفردة" ما نسبته 47 % من إجمالي عدد القتلى والجرحى الصهاينة ضمن العمليات العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى، فيما نفذت حماس عمليات مشتركة مع بقية الفصائل المقاومة ما نسبته 20% أما النسبة المتبقية 33% فهي لباقي فصائل المقاومة مجتمعة بما فيها حركة الجهاد.(1)
__________
(1) كتاب العمليات العسكرية للمقاومة الفلسطينية (28/9/2000-28/9/2003) الصادر عن المركز العربي للبحوث والدراسات- سلسلة انتفاضة الأقصى، أكتوبر 2003م، ص27.(1/108)
فهل حركة حماس صاحبة هذا الرصيد النضالي المتميز بحاجة إلي الإعلان عن عملية، لو لم تكن بالفعل قد قامت أو شاركت فيها.
2-17* معركة حي الزيتون بتاريخ 11/05/2004م، وتدمير ناقلة الجند ومقتل الجنود الستة "نظرة تحليلية ميدانية":
الساعة: الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، عشرات الدبابات الحربية والآليات والجرافات العسكرية وجيبات "الهمر" تخرج من بؤرة الإرهاب في مستوطنة "نتساريم" الجاثمة على الأرض الفلسطينية جنوب غزة، و تقتحم حي الزيتون تحت غطاء كثيف من نيران الرشاشات الثقيلة، بمساندة مروحيات عسكرية صنعت في أمريكا.
وما هي إلا لحظات حتى كشفت مجموعات الرصد والرباط التابعة لكتائب القسام التحرك الاحتلالي، وأرسلت بإشاراتها إلى قيادة المقاومة في حي الزيتون المكتظ بالسكان، مؤكدة أن قوات من المستعربين الصهاينة المتنكرين بملابس فلسطينية وسيارات محلية تتقدم الهجوم العسكري الصهيوني.(1/109)
وأعلنت كتائب القسام أن مجموعاتها المجاهدة تمكنت من التصدي للاجتياح الصهيوني في حي الزيتون، و توالت البلاغات العسكرية الصادرة عن كتائب القسام من أرض المعركة، حيث تمكنت مجموعاتها العسكرية من تكبيد الصهاينة المحتلين خسائر فادحة في أرواح جنودهم ومعداتهم العسكرية منذ بداية الاجتياح الصهيوني للحي. ومنذ اللحظات الأولى تمكن مقاتلو كتائب القسام من تفجير وإعطاب أربع دبابات وثلاث جرافات عسكرية صهيونية فيما سقط خمسة شهداء، منهم الشهيد المجاهد القسامي عمار الجرجاوي أحد القادة الميدانيين للكتائب، والشهيد القسامي فادي نصار، والشهيد محمد مشتهى، وأحد المدنيين الشهيد حازم محمد ملكة 18 عاما، وطفل في العاشرة من عمره، ونحو 120 جريحا منهم 18 إصابة خطيرة، وجاء في البلاغات العسكرية التي كانت تصدر تباعا،ً وكان ينشرها الموقع الإلكتروني لكتائب القسام، تمكّن مجاهدو القسام من إعطاب ثلاث دبابات صهيونية أخرى، حيث تم تفجير عبوة شديدة الانفجار باتجاه إحدى الدبابات، وفي ذات الإطار تم تفجير دبابة بصاروخ "بتار" وإصابتها إصابة مباشرة أدى إلى إعطابها بصورة كبيرة وإشعال النار فيها، وأخرى أصابوها بقذيفة آر بي جي إصابة مباشرة.(1/110)
وأكدت بلاغات عسكرية أخرى صادرة عن كتائب القسام أن المجموعات القسامية تمكنت من تفجير عبوات ناسفة كبيرة الحجم في ثلاث جرافات عسكرية، وأوضح أحد البلاغات العسكرية أنه، وفي مهمة جهادية، تمكن مجاهدو كتائب القسام في تمام الساعة 03:10 صباحاً تقريباً من تفجير عبوة أرضية شديدة الانفجار تحت جرافة عسكرية صهيونية، وذلك بالقرب من مسجد الأبرار في حيّ الزيتون، وفي مهمة جهادية ثانية تمكن مجاهدو الكتائب في تمام الساعة 03:40 صباحاً، من تفجير عبوة شديدة الانفجار باتجاه جرافة عسكرية صهيونية ثانية، وذلك بالقرب من مسجد الأبرار في الحيّ، وقد أصابت العبوة الجرافة إصابة مباشرة جداً، مما أدى إلى إعطابها بشكل كبير وتوقفها في المكان. وفي ذات الإطار تمكن مجاهدو القسام من تفجير عبوة ناسفة في جرافة ثالثة في تمام الساعة 05:30 صباحاً، وقد أصاب التفجير الجرافة إصابة مباشرة أدى إلى إعطابها بشكل كبير وإشعال النار فيها.
وجاء علي موقع كتائب القسام الإلكتروني أن مجموعات مسلحة من أبناء كتائب القسام تخوض اشتباكات مسلحة مع القوات الصهيونية الخاصة التي تنتشر في منطقة حي الزيتون، حيث الاجتياح الصهيوني المفاجئ للحي، وأن المقاومين كبدوا الجنود الصهاينة خسائر غير محددة أدت إلى خسائر محققة في صفوفهم.
تدمير ناقلة الجند ومقتل الجنود الستة:(1/111)
... تم تفجير عبوة شديدة الانفجار باتجاه دبابة صهيونية، وذلك في تمام الساعة 06:20 صباحاً، وقد أصاب التفجير الدبابة إصابة مباشرة مما أدى إلى تقطيعها لعدة أجزاء، وجاء في بيان عسكري صادر عن كتائب القسام من أن مجاهديها تمكنوا من نصب كمين عسكري لناقلة جند صهيونية، حيث تم استدراج الناقلة لمنطقة زرعت بالعبوات شديدة الانفجار، ووجه صوبها صاروخ بتار، وما أن وصلت الناقلة حتى أطلق المجاهدون صاروخ البتار ومن ثم أتبعوه بتفجير العبوات من جميع الاتجاهات، واعترفت إذاعة العدو الصهيوني بمقتل ستة جنود صهاينة، وقد تمكن المجاهدون من الاحتفاظ بأجزاء منها انفصلت عنها، كذلك بعض الأشلاء وقاموا بتوثيقها بالتصوير، وأرسلت الصور لوسائل الإعلام التي بثت صوراً لمجاهدي القسام وهم بجانب تلك الأشلاء، وظهر من خلال التصوير وقوع قتلى في صفوف الجنود الصهاينة حيث أن جثة أحدهم ملقاة بجانب الدبابة وتظهر بوضوح، وفي ذات الإطار فقد تم إعطاب دبابتين ثالثة ورابعة، وذلك في تمام الساعة 06:40 صباحاً، فقد أصاب المجاهدون الثالثة بصاروخ بتار أدى إلى إصابتها إصابة مباشرة، وإعطابها بصورة كبيرة وإشعال النار فيها، أما الرابعة فقد أصيبت بقذيفة آر بي جي إصابة مباشرة.
سرايا القدس تتبنى العملية، وتتحدث عن وجود أشلاء لديها:(1/112)
بعد أن أذاعت الفضائيات ووكالات الأنباء مبكراً إعلان كتائب القسام مسئوليتها عن العملية، وعرضت محطات التلفزة في بعض لقطاتها اثنين من مجاهدي القسام وهما يعرضان بعض أشلاء الجنود الصهاينة، وبعض قطع حطام ناقلة الجند المدمرة، والتي استولي عليها مجاهدو القسام مبكراً من أرض المعركة، وبعد بدء انسحاب قوات الاحتلال من الحي في ساعات الظهيرة قامت سرايا القدس بإعلان مسئوليتها عن تفجير دبابة وقتل ستة من الجنود عبر تفجير عبوة ناسفة في دبابة صهيونية، وتأكيدها أن لديها أشلاء للجنود الصهاينة، وأنها ستقوم بإجراء مفاوضات ووضع شروط مقابل تسليم تلك الأشلاء لقوات الاحتلال.(1/113)
حركة الجهاد التي وقعت بأيديها بعض الأشلاء، وهي عبارة عن رأس لأحد الجنود الصهاينة استغلته بشكل كبير، واعتبرته دليلا دامغا على تفجيرها ناقلة الجند، رغم أن بيانهم تحدث عن تفجير دبابة وليست ناقلة جند كما هي بالفعل، وكما تم الإعلان عنها في بيان كتائب القسام، إذ قاموا بتصوير اثنين من عناصرهم مع ذلك الرأس، وقامت بإرساله إلى الفضائيات، وتم إقحام اسم كتائب شهداء الأقصى في الموضوع، لانتزاع بعض المصداقية المفقودة والاستقواء بهم على حركة حماس، وبعدها دخلت عملية الاجتياح مرحلة أخرى بعد عودة المحتلين الصهاينة الهجوم مجدداً لحي الزيتون، معلنين أنهم لن ينسحبوا إلا بعد حصولهم علي الأشلاء، وبدأت معركة الأشلاء المؤسفة، وتبارى قادتهم في التصريحات المختلفة، ووضعوا شروطاً عنترية - في البداية - مثل إطلاق سراح الأسرى، ومبادلة جثث الشهداء، ثم تقزمت المطالب أمام الضغوط وتدخل المصريين إلى تسليمهم الأشلاء دون أي مقابل، وإن حاول قادتهم مدارة فشلهم بقولهم أنهم حققوا إنجازا، يتمثل في انسحاب الصهاينة مدحورين من حي الزيتون، وكأنّ الصهاينة لم ينسحبوا قبل إعلانهم عن وجود أشلاء (الرأس) لديهم، وكأنّ الصهاينة في كل الاحتياجات السابقة لحي الزيتون أو لمناطق أخرى بقوا في المكان لأكثر من الساعات الأولى من طلوع الفجر، وفي حالات قليلة لساعات بعد طلوع الشمس كما حدث هذه المرة، أو كأنّ قادتهم يستطيعون منع المحتلين من العودة أو التفكير بالاجتياح بعد أخذهم للأشلاء؟!(1/114)
حركة حماس، من جانبها، ورغم إشارة وكالات الأنباء ومصادر العدو بوجود بعض الأشلاء لديها، ومنها تلك التي كانت قد عرضتها منذ البداية، رفضت الدخول في هذه الاستعراضات التي تفتقر إلى أي بعد منطقي موضوعي أو تخطيطي استراتيجي، وتركت البعض يتبارى لتسجيل المواقف. وفي وقت لاحق أكد موشيه يعلون رئيس هيئة الأركان الصهيوني لـ"ArabYnet" موقع صحيفة يديعوت احرونوت على شبكة الإنترنت ، أن حركة حماس، وليس حركة الجهاد الإسلامي، لا تزال تحتفظ بأشلاء جثث جنود إسرائيليين قتلوا في عملية حي الزيتون"، والذي أضاف في حديثه: "هذا ما اتضح لنا الآن".
لكن السؤال الذي قد يطرحه البعض، يتمثل في كيفية حصول أعضاء الجهاد على هذا الرأس؟
والإجابة واضحة لدى أهالي مدينة غزة عامة، وأهالي حي الزيتون خاصة، الذين يعرفون حق المعرفة من الذي كان يتواجد في الميدان منذ الساعات الأولى للمواجهة، ومن الذي يرابط كل يوم وليلة علي حدود الوطن الممتدة، ومن الذي قدم أول الشهداء وأول الجرحى في هذه المعركة من خيرة أبنائه ومجاهديه، في الوقت الذي كان فيه الآخرون يغطون في سبات عميق، أو بعيدون عن ساحة الحدث لحظة الاقتحام، وإن كان لا يمكن لأحد أن ينكر انتشار عشرات المجموعات المسلحة بعد بدء عملية الاجتياح في الحي، بعضهم يشرع بزرع العبوات الناسفة، والبعض بدأ باتخاذ سواتر لإطلاق النار، وآخرون ينصبون مواقع لإطلاق القذائف المضادة للدبابات، دون الانتقاص من دور أحد من فصائل المقاومة الباسلة، لكن لا يستطيع أحد، إحقاقا للحق والحقيقة، إغفال الصور الليلية التي بثتها تلفزة العدو، وتحديداً القناة الثانية أثناء الساعات الأولى للاجتياح، والتي لم تظهر سوي جند كتائب القسام في الميدان، وهو ما أكدته أسماء الشهداء والجرحى الذين سقطوا في الساعات الأولى من الاجتياح، وتوالت حتى انسحاب قوات الاحتلال أمام ضربات المجاهدين.(1/115)
أما حكاية الرأس والأشلاء فالمواطن يعرف بحدسه أصل الرواية، فما هو معلوم للجميع من أبناء شعبنا الفلسطيني، أن الأشلاء وصلت لبعض أعضاء الجهاد الإسلامي، بعد أن تطايرت بفعل قوة الانفجار في كل اتجاه وصوب، وعلى أسطح المنازل، حتى وصلت إلى بعض المواطنين وأفراد من الفصائل الأخرى، وهناك روايات عدة تناقلها المواطنون عن كيفية وصول الرأس لهم، منها أن أحد المواطنين وجدها علي سطح منزله بعد أن سمع صوتاً قوياً ارتطم بالقمر الصناعي "الستالايت" خاصته، ولم يكن يعلم ما إذا كانت لأحد الشهداء أم أنها لأحد الجنود الصهاينة، وعند نزوله الشارع، تصادف وجود بعض العناصر المسلحة من حركة الجهاد، والذين كانوا يجوبون - كغيرهم من باقي عناصر الفصائل المسلحة - الحي للوقوف علي حجم الدمار والخراب الذي خلّفه الاجتياح، فقام بتسليمهم الرأس، ولم يكن يهمّ هذا المواطن إلى أي فصيل ينتمون.(1/116)
وبعد إعلانهم عن قتل الجنود الستة بالطريقة المشار إليها، تسممت الأجواء والعلاقات في الساحة الفلسطينية، خصوصاً بين مناصري وأعضاء كلاً من حركتي حماس والجهاد، الأمر الذي أفسد فرحة الجماهير بطعم هذا الانتصار، وهذه الملحمة الرائعة، وأفسد كذلك العلاقات التي كانت قد وصلت لأعلي درجاتها من التنسيق والتخطيط والتنفيذ المشترك لأكثر من عملية ناجحة بين كلٍ من كتائب القسام وسرايا القدس، ومعهما كتائب شهداء الأقصى في عمليات أخرى، والتي كان قد فرح بها كل الغيورين علي مصلحة المقاومة، وعليه فقد تداعت اللجنة المشتركة من كتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس، والتي نسقت للكثير من العمليات الاستشهادية الكبيرة بينهم، لصياغة ميثاق شرف حول العمليات، وللتحقيق في تبني كلٍ من كتائب القسام وسرايا القدس للعملية. وجاء في بيان عسكري صادر عن كلٍ من كتائب شهداء الأقصى وكتائب القسام بتاريخ 15/5/2004 بأنه "تم الاجتماع بين قادة كتائب القسام وشهداء الأقصى وسرايا القدس في تمام الساعة الواحدة من صباح يوم الجمعة 25 ربيع الأول 1425هـ الموافق 14/5/2004م، وسرد الأخوة في كتائب القسام ما لديهم من تفاصيل وإثباتات حول العملية أمام اللجنة، وسرد الأخ القائد في سرايا القدس ما لديه حول الموضوع، ولم تكن حجته كافية فطلب مزيداً من الوقت، فحددت اللجنة الجلسة الثانية بعد صلاة عصر الجمعة من نفس اليوم لتكمل التحقيق بعد أن تم الاتفاق بأن تصدر الأجنحة العسكرية الثلاثة بياناً يظهر فيه نتائج التحقيق بعد اكتماله، ويعلن فيه اسم الجهة المنفذة، وفي الموعد المحدد للجلسة لم يحضر الأخ القائد في سرايا القدس، فاتصلت به اللجنة ودعته للحضور حسب ما تم الاتفاق عليه سابقاً، فرفض الحضور، عندها قررت اللجنة استمرار التحقيق وتوجهت إلى مكان العملية، والتقت مع عدد من شهود العيان الذين تطابقت روايتهم جميعاً مع ما سردته كتائب القسام، حيث أكد شهود(1/117)
العيان أن كتائب القسام هي من كان يتواجد في المكان لحظة تفجير الناقلة، كما أكد شهود آخرون أنهم شاهدوا منفذ العملية، وهو أحد أعضاء كتائب القسام لحظة الحادث بأم أعينهم.
ومن ثم توجهت اللجنة إلى المجموعة التي فجرت الناقلة، وسردت روايتها التفصيلية التي تطابقت تطابقاً تماماً مع ما رواه شهود العيان، وما أكدته كتائب القسام، إضافة إلى تصوير كتائب القسام للجنود وهم قتلى أمام الناقلة لحظة تفجيرها، وهو ما بثته وسائل الإعلام دون الإشارة إلى أن التصوير وصلهم من كتائب القسام".
وأضاف البيان بأن اللجنة خلصت بعد مباركتها لجهاد كل الأجنحة المجاهدة والمقاومة في كل الفصائل، التي تصدت للعدوان الصهيوني على حي الزيتون وكبدته خسائر فادحة، بأن عملية تفجير ناقلة الجند في حي الزيتون التي أدت إلى مقتل ستة من جنود العدو هي إحدى عمليات كتائب الشهيد عز الدين القسام. ودعت اللجنة باقي فصائل المقاومة إلى احترام سمعة وشرف الجهاد الفلسطيني وعدم تشويهه أمام وسائل الإعلام.(1/118)
... حركة الجهاد، ولشعورها بالحرج الكبير جراء بيان لجنة التحقيق المشتركة، ولحفظ ماء وجهها، سارعت بالاتصال ببعض قادة مجموعات كتائب الأقصى, وقامت بإصدار بيان مشترك في نفس اليوم 15/3 /2004م، لنفي البيان الصادر عن لجنة التحقيق المشتركة، والذي وزع على وسائل الإعلام في حينه، وقامت بتوزيعه مجموعات من شهداء الأقصى في مخيم الشاطئ وهي لا علاقة لها بالعملية. وجاء في بيان النفي الصادر سرايا القدس وبعض مجموعات كتائب شهداء الأقصى بأنه لم يتم تشكيل لجنة تحقيق مشتركة من أصله، كما لا توجد أي علاقة لهما بذلك البيان، لا من قريب ولا من بعيد، و تم التأكيد- في بيان النفي - علي ما جاء في المؤتمر الصحفي المشترك بين سرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى حول هذه العملية البطولية، وإجراء التفاوض على أشلاء الجنود الصهاينة رغم أنف قادة العدو مقابل الانسحاب الصهيوني من حي الزيتون، واسترجاع جثامين شهدائنا الأبطال المحجوزة لدى الكيان المسخ، كما جاء في البيان، وقد كان ملاحظاً التأكيد على الشرط الأخير الذي تم إيراده والتشديد عليه في هذا البيان، والذي لم يتحقق خلال المفاوضات!!
وقد يكون من الأفضل عدم التعليق علي هذا البيان - الذي جاء لحفظ ماء الوجه - والذي تم فيه إقحام اسم كتائب شهداء الأقصى، مثلما حاولوا إقحامها منذ البداية في قضية مفاوضات الأشلاء، وإلصاق مواقفهم ورغباتهم بآخرين لا علاقة لهم بذلك، وسيكون من المجدي ترك الأمر لبيان "الحقيقة كل الحقيقة"، المطول والمكون من أربع صفحات، لم يقل أي شكل من أشكال الحقيقة إلا من وجهة نظر كاتبيه، بل جاء طافحاً بالمغالطات، وخلط الأوراق المتعمد لكثير من القضايا، التي لن ندخر جهداً في تفنيدها والرد عليها.(1/119)
النقطة الأهم في هذا البيان المسمى: "الحقيقة كل الحقيقة"، أنه جاء ليكذب ما جاء في بيان سرايا القدس السابق الذي جاء مشتركا مع بعض مجموعات كتائب شهداء الأقصى، بيان النفي المشترك، الذي كان قد نفى وجود أي لجان تحقيق مشتركة، لتعترف حركة الجهاد في هذا البيان بحقيقة وجود مثل هذه اللجنة المشتركة، وإن حاولت الالتفاف على ذلك - ولحفظ ماء الوجه أيضاً - عبر الحديث عن مجرد حوارات غير ملزمة(؟!)، فقد جاء في بيان سرايا القدس قولها: بأن "كل ما جرى أن أحد الأخوة من كتائب الأقصى، اتصل بأحد الأخوة من قادة السرايا الذي اعتاد لقاءه مع أخوة آخرين من كتائب القسام للتباحث حول عمل مشترك وتعاون في مجال المقاومة، وطلب أن يراه دون أن يخبره بالموضوع"، وهنا يجب طرح سؤال حساس علي مسئولي "الجهاد"، لماذا باعتقادهم لم يخبر الأخ من كتائب الأقصى، الأخ من سرايا القدس بحقيقة الموضوع؟! هل لعلمه بأن قادة السرايا ومسئوليهم لن يأتوا إن علموا بحقيقة الأمر، لخشيتهم من المواجهة.(1/120)
ويضيف بيان الحقيقة كل الحقيقة: "لكن الأخ القائد من سرايا القدس عندما ذهب فوجئ بوجود أخوة آخرين من كتائب القسام من منطقة أخرى قالوا للأخ إن لدينا أخاً من كتائب القسام يقول إنه ضرب قذيفة آر بي جي، وفجّر المدرعة في حي الزيتون ومستعد لأن يقسم يميناً على ذلك! فكان رد الأخ القائد من سرايا القدس ونحن لدينا أخوة ثقات مستعدون لأن يقسموا بأنهم هم الذين فجروها بعبوة كما اعترف العدو وليس بقذيفة آر بي جي"(1)
__________
(1) الروايات الصهيونية تضاربت حول تفاصيل العملية البطولية النوعية، حيث تحدثت تارةً عن ضرب ناقلة الجند بقذائف صاروخية، وتارةً بتفجير العبوات الناسفة، وقد تبين لاحقاً في نتائج التحقيق في حادثتي تفجير المدرعتين في حي الزيتون ورفح، والتي عرضت نتائجها أمام رئيس هيئة الأركان الصهيوني، أن المدرعة قد أصيبت بصاروخ من نوع RBG وليس بعبوة ناسفة كما جاء في بيانات حركة الجهاد، حيث تحدث أليكس فيشمان عن نتائج التحقيق، وذلك في صحيفة يديعوت الصهيونية بتاريخ 25/8/2004م قائلا: "يتضح من التحقيقات أن القوات تجهزت لتهديد العبوات ولم تتجهز للصواريخ المضادة للدبابات. ويتضح من التحقيق أن القادة اخذوا بالحسبان إمكانية تشغيل عبوات ضد المدرعات, وكانت التقديرات أن هذا هو التهديد المركزي, وذلك في ظل الحقيقة انه في الماضي تم إطلاق صواريخ مضادة للدبابات باتجاه القوات الإسرائيلية ولكنها لم تنجح بإصابتهم. وكما يذكر في 11 مايو من هذا العام قتل 6 جنود من الجيش الإسرائيلي بسبب إطلاق صاروخ RBG باتجاه المدرعة التي أقلتهم أثناء نشاطاتهم في البحث عن وسائل قتالية في حي الزيتون في غزة. وبعد ذلك قتل 5 جنود بعد أن أصيبت مدرعتهم بصاروخ مضاد للدبابات على خط فيلادلفى". وهنا نرى تدخل المشيئة الإلهية، والتوفيق الكبير من الله عز وجل، فكم من عبوة وكم من قذيفة وجهت للدبابات وأصابتها في هذه المعركة وغيرها، ولم تحدث هذا الأثر، وكنا نتمنى، ومنذ البداية، على كل الفصائل صاحبة الحضور الفاعل في ميدان المواجهة أن تعتبر أي قتلى أو جرحى صهاينة أو أية دبابات وآليات صهيونية تنفجر أثناء الاجتياحات، التي يكون للجميع مشاركة و دور فيها، حتى لو كان هذا الدور صغيراً، أو مشاغلة للعدو، أن تعتبر ذلك نتاج جهدها جميعا، وهذا يتطلب الوصول إلي صيغة مشتركة تتوافق عليها فصائل المقاومة، في إدارة أي معركة أثناء الاجتياحات، إدارتها ميدانياً وإعلاميا، بصورة تحفظ للمقاومة وجهها المشرق المضيء، وذلك حفاظاً على شرف وسمعة الجهاد الفلسطيني أمام العالم.(1/121)
، علما بأن بيان كتائب القسام الذي تبنت فيه العملية تحدث عن تفجير عبوات جانبية بناقلة الجند بعد استدراجها وضربها بالقذيفة أولاً، ويكمل البيان: "بعدها تحدث الأخوة عن وجود شاهد عيان يعزز رواية الأخ من القسام فكان رد الأخ ونحن أيضاً لدينا شهود عيان يشهدون أن سرايا القدس هم الذين تواجدوا في المكان وهم الذين قاموا بالتفجير"، مؤكدا بأن هذا "كل ما حدث مع الأخوة في كتائب القسام ووصفوه في بيانهم بـ "تفاصيل وإثباتات حول العملية" في هذا اللقاء الذي أسموه (لجنة) وهم الذين خططوا له دون تنسيق مسبق، ودون اتفاق على موضوع النقاش مع سرايا القدس، مستغلين علاقة بعضهم الطيبة بهذا الأخ وبالأخ من كتائب شهداء الأقصى. وقد انفض اللقاء دون الاتفاق على شيء وبقي كل طرف مقتنع بروايته".
... المهم واللافت من خلال إيراد هذه الفقرات من بيان الحقيقة، الاعتراف بوجود مثل هذه اللجنة، حتى بهذه الصيغة التي أوردها البيان، مما يطرح تساؤلا بالغ الأهمية والحساسية حول ماهية وموقف وهدف الذين قاموا بصياغة هذا البيان: ماذا كانوا يريدون من لجنة تحقيق لفصائل عمل عسكري سرية، هل الإعلان المسبق وأمام وسائل الإعلام، وبأجندة متفق عليها، بعد إجراء جولات عدة من حوارات تمهيدية سابقة، للاتفاق علي جدول للأعمال، ومن ثم عرض النتائج بشكل مكشوف وعلى رؤوس الأشهاد دون أي اعتبارات أو معايير أمنية؟!
ويستمر البيان: "إن الأخوة الذين قالوا بأن لديهم أخ من كتائب القسام مستعد لأن يقسم اليمين بأنه فجر المدرعة بقذيفة (آر بي جي) نسوا أن بيان كتائب القسام قال بأن المدرعة دمرت "بصاروخ بتار" وليس بقذيفة (آر بي جي).. فأي الروايتين نصدق، رواية الآر بي جي أم رواية البتار، وكلاهما صادر عن كتائب القسام؟!".(1/122)
بالفعل فإن الروايتين صادرتين عن كتائب القسام، ولا ينكر ذلك أحد، ولكن ليرجعوا إلي بيان كتائب القسام مجدداً، ليروا بأن كتائب القسام لم تقل في بيانها بأنها دمرت المدرعة "بصاروخ البتار"، بل قالت وبالحرف الواحد: "تم استدراج الناقلة لمنطقة زرعت بالعبوات شديدة الانفجار، ووجه صوبها صاروخ بتار، وما أن وصلت الناقلة حتى أطلق المجاهدون صاروخ البتار ومن ثم أتبعوه بتفجير العبوات من جميع الاتجاهات".
وفي هذا المقام فإننا لسنا في معرض التبرير أو الدفاع عن كتائب القسام، فهي ليست محل اتهام أصلاً، غير أن الأمر لا يعدو كونه أمراً طبيعياً، أن يحدث مثل هذا التضارب في بعض البيانات، ومن كل الفصائل، أثناء معركة بحجم معركة الزيتون، حتى أن الروايات الصهيونية كانت تتضارب في بعض الأحيان، رغم أن الجهة التي تمتلك أكثر وسائط التكنولوجيا والاتصالات من المفترض أن تكون معفية أو بمنأى من الوقوع في مثل هذا التضارب، كما أن التضارب في روايتي كتائب القسام، مرده أن الأولى كانت في البيان الذي صدر من أرض المعركة، أما الثانية فكانت بعد انسحاب قوات الاحتلال، والتقاط المقاومين لأنفاسهم، واتضاح حقائق أخرى، مما يصبح حينها ليس عيباً التراجع عن رواية شابها خطأ ما نتيجة لظروف وتعقيدات الميدان الملتهبة، في سبيل قول الحقيقة، فالرواية الأولي ناتجة عن كثر الآليات والمدرعات التي تم استهدافها وإعطاب العديد منها خلال المواجهة ليلة المعركة، حيث كانت كتائب القسام تصدر بلاغات عسكرية حول عمليات التصدي وضربات المجاهدين أولاً بأول(1)
__________
(1) عن آلية إصدار هذه البلاغات يقول الشهيد القائد القسامي محمد صرصور "أبو منيب" أحد قادة معركة الزيتون في حديث مع جريدة الرسالة بتاريخ 20/5/2004م: "كان هناك تنسيقاً كاملاً بين المجاهدين في الميدان والوحدات الإعلامية، وكان يتم إبلاغنا أول بأول من قبل المجموعات في الميدان عن ضرباتها للعدو، فمثلاً يتم التبليغ عن تفجير العبوات وإطلاق القذائف المضادة للدروع ونوع السلاح الذي يستخدمه المجاهدون، بالإضافة إلى المكان والزمان والمجاهد الذي نفذ المهمة، وتباعاً تقوم الوحدة الإعلامية بإصدار البلاغات العسكرية حول ضربات المجاهدين الناجحة، ووصف طبيعة الخسائر التي تكبدها العدو، والتي يحاول المجاهدون تحديدها قدر الإمكان بناءً علي مشاهداتهم، ومع الخبرة أصبح لدى مجاهدينا قدرة علي تحديد خسائر العدو".
ويلاحظ دقة كلام القائد صرصور في نهاية هذه الفقرة، من أن المجاهدين يحاولون قدر الإمكان، تحديد الوصف وتقدير الخسائر، أي أن وقوع بعض الأخطاء أمر وارد.(1/123)
.
وبعد صدور نتائج التحقيقات التي أجرتها هيئة الأركان في جيش الاحتلال بشأن حادثتي تفجير المدرعتين في الزيتون ورفح، والتي أثبتت أن المدرعتين قد تم تفجيرهما بقذيفتين صاروخيتين من نوع RBG، وليس كما تدعي حركة الجهاد التي أكدت أنها فجرت الدبابة الصهيونية "المدرعة" في حي الزيتون بواسطة عبوة ناسفة، فإن ذلك ما يؤكد مصداقية كتائب القسام في صحة تبنيها المطلق للعملية.
أما حكاية الرواية الثالثة الغريبة والعجيبة والتي أغفلها بيان القسام، ولم يأت على ذكرها كما جاء في بيان الجهاد، الذي زعم بأن كتائب القسام لم تكتف بروايتي الآر بي جي وصاروخ البتار المتناقضتين، بل أضافت هذه الرواية الثالثة، فهي لا تستحق الرد، كونها لم ترد ولم نسمع عنها إلا في بيان حركة الجهاد.
ونبقى مع فقرات أخرى من هذا البيان: "يزعم البيان المنسوب لكتائب القسام وكتائب الأقصى أن كتائب القسام هي التي صورت الجنود الصهاينة "وهم قتلى أمام الناقلة لحظة تفجيرها" ثم يضيف أن وسائل الإعلام بثت هذه الصور "دون الإشارة إلى أن التصوير وصلهم من كتائب القسام". أي أن الأمر سقط سهواً ويؤسفنا أن نقول إن هذا الكلام فيه استخفاف بعقول الناس.. لأن كل عاقل يمكن أن يسأل إذا كانت كتائب القسام هي التي صورت هذا الشريط، وأن التصوير كما يقول بيان الأخوة تم "لحظة التفجير" فلماذا لم يتم تصوير الانفجار نفسه؟؟!! وانتهت القصة وفرغنا من كل هذا الجدل؟! ثم لو إن الأخوة في كتائب القسام هم الذين صوروا هذه الجثث لحظة التفجير، فلماذا تركوها على الأرض، ولم يأخذوا أشلاء هامة منها كما فعلت سرايا القدس.. ولماذا عادت كتائب القسام التي صورت الجثث ـ حسب زعم البيان ـ ثم جمعت بعض فتات اللحم وعرضتها أمام عدسات التلفاز؟!".(1/124)
ما سبق يستحضر ما عرضناه سابقاً عن كيفية وصول الأشلاء الهامة لعناصرهم، ومن هو الذي جمع هذا الفتات، ويستدعي الحديث مجدداً عن أول عرض للأشلاء وتصوير انفجار ناقلة الجند الذي عرضته الفضائيات، وهو الآن في متناول الأيدي علي اسطوانات ليزر تملأ الأسواق، فضلا عن حديث رئيس الأركان الصهيوني موشيه يعلون لصحيفة يديعوت أحرونوت السابق ذكره.
... أما حكاية كيفية التصوير، ولماذا لم يتم تصوير الانفجار نفسه، كما طالب البيان فهذا أمر خاضع للتطورات الميدانية، فالتصوير في خضم المعركة ليس نزهة أو أنه يتم بأريحية(1)، فالمهم أن هناك توثيقا للحدث من قبل كتائب القسام يؤكد المصداقية.
ويضيف البيان: "ورغم أن الأخوة يتابعون وسائل الإعلام جيداً ويهتمون بما يقوله الإعلام، إلا أنهم على ما يبدو لم يسمعوا هذه المرة ما قاله المعلقون والمحللون العسكريون والسياسيون، وبالذات في إعلام العدو، من "أن حماس التي وعدت بشريط لا تملك شريطاً مصوراً بالعملية"!! لأن الحديث عن شريط يعني أن العملية كانت مدبرة وأن الأخوة في حماس كانوا يعرفون أن الدبابة ستمر من هذه النقطة بالتحديد وأن الكاميرا في انتظارها.. وهذا يعني أن الكاميرات يجب أن تكون بعدد العبوات المزروعة في الأرض أو بعدد البنادق في أيدي المجاهدين".
__________
(1) كان الله في عون من يقومون بذلك، لسببين الأول: إعلامي ونفسي وموجه للعدو، إذ أن تصوير قتلاهم وفعل المقاومة فيهم يؤثر على معنويات جنودهم وقادتهم وساستهم، وتمتد أثاره إلى التجمع الصهيوني نفسه، في الوقت الذي يفرح فيه المكلومين والمقهورين من أبناء شعبنا بهذا النصر الموثق الذي تسجله فصائلهم المقاومة، والسبب الثاني: يتعلق بالاضطرار الحاصل تحت ضغوط بعض المتسلقين، ولحسم الجدل الذي يتوقع حدوثه من قبل البعض الذين لا يتوانون في تبني عمليات الآخرين.(1/125)
وبعيداً عن التعليق علي الجزئية الأخيرة من الفقرة، والتي تظهر الاستهزاء من فعل التوثيق الذي تقوم به كتائب القسام، والذي أحد أسبابه - كما تم ذكره في هامش الدراسة من قبل - التصرفات المؤسفة للبعض التي طالعناها في أكثر من موضع، والتي تدفع بهذا الاتجاه، يمكن مساءلة حركة الجهاد عن الدليل على التقوّل بأن الإعلام، وخصوصاً إعلام العدو، تحدث بأن حركة حماس لا تملك شريطاً مصوراً للعملية، أم أن الأمر مجرد إطلاق للحديث على عواهنه، يبتغى من وراء إطلاقه إضفاء أية مصداقية علي حديثها، لإقناع الجماهير بمواقف محددة، ولنفترض جدلاً أنه جاء في بعض البرامج، علي لسان بعض المحللين الصهاينة، والذين يرتبطون عادةً بالدوائر الأمنية، مثل هذا القول، لاستفزاز حركة حماس ودفعها لكي تعلن عمّا في جعبتها، خصوصاً وأنها - أي حماس - سببت إرباكاً للدوائر الأمنية الصهيونية، بنفيها وجود أية أشلاء لديها، وقولها بأن مفاوضات الأشلاء لا تعنيها من قريب أو بعيد، رغم عرضها لبعض الأشلاء في حينه، إذ أن هذه الدوائر على ثقة بأن حماس لا زالت تمتلك بعض الأشلاء، وهو ما اعترف به صراحة رئيس هيئة الأركان الصهيوني، في الحديث المشار إليه أنفاً مع يديعوت أحرونوت.
ويستطرد البيان قائلاً: "في الوقت الذي يقول الأخوة في كتائب القسام أن شريطهم، الذي لم يره أحد، قد سقط سهواً في الإعلام، وزعت سرايا القدس شريطاً عرضت فيه صور لأشلاء الجنود وحطام الدبابة التي أسرها أبطال السرايا. وقد منعت السلطة الصحفيين من عرض هذا الشريط على الفضائيات. لكن بعض الفضائيات عندما وصلها الشريط لم تستطع مقاومة إغراء "المادة الصحفية الدامغة" وقامت ببث لقطات من الشريط ليحسم الأمر، وليؤكد لكل من لديه أدنى شك أن أبطال السرايا هم من نفذوا عملية الزيتون"، كما اعتبر البيان أن "هذا التطور الإعلامي حسم المسألة بشكل نهائي".(1/126)
ولا نعتقد بأن هذا الفقرة بحاجة إلي تعليق، لداعي عدم تكرار الكلام عن عرض صور أشلاء الجنود وحطام الدبابة التي تم تفنيد المزاعم بشأنها آنفاً، إلا أنه يمكن القول هذه المرة بأنه إذا ما كان عرض الأشلاء، وعرض بعض حطام ناقلة الجند، دليل علي مسئولية أي من الفريقين عن العملية، فالفريقين عرضا أشلاءً وبعض الحطام - مع اختلاف آلية كل عرض - بل إن كتائب القسام ما قامت بعرضه من حطام المدرعة المدمرة، ما فاق أضعافاً مضاعفة بعض القطع التي قامت بعرضها سرايا القدس.
ولدى الوصول إلى هذا المنطق الجدلي المؤسف، فإن وقائع المعركة وسقوط الشهداء والجرحى، خاصةً في الساعات الأولى من الاجتياح، ومعرفة ومشاهدة جماهير غزة للذين يرابطون ويسهرون علي أمن الوطن - مع عدم انتقاص جهد وبخس جهاد الآخرين- فإن هذا هو القول الفصل الذي سيحسم الجدل في هذه المعركة الإعلامية، وعليه يترك الأمر لحدس وإحساس الجماهير التي تعلم جيداً أي الفريقين أصدق، دون أن يكون حسم المسألة بشكل نهائي، بناءً علي عرض الرأس كما جاء في بيان حركة الجهاد.
ويمضي البيان مجدداً: "فوجئنا ببيان ينتحل اسم سرايا القدس، ويزعم أنها تنفي مسئوليتها عن العملية وتؤكد مسؤولية الأخوة في حماس!! البيان وصل الفضائيات فتجاهلته، باستثناء فضائية واحدة، لم تدقق في الأمر، فأذاعته عدة مرات في ساعات فجر الأربعاء 12/5، لكن عندما أصدرت سرايا القدس بياناً نفت فيه هذا البيان الكاذب والمفبرك، سحبت الفضائية الخبر الكاذب وأذاعت تأكيد السرايا من جديد على مسئوليتها عن العملية. إننا حينها، ومن منطلق حسن الظن بإخواننا، ترفعنا عن اتهام الأخوة في حماس أن يكونوا وراء هذا البيان، حتى ولو من قبيل الفعل الطائش وغير المسؤول لبعض الشباب المتحمس.. لكن أي عاقل يسمع القصة ويدقق في المسألة لابد أن يسأل من هو الطرف صاحب المصلحة في نفي مسؤولية السرايا عن العملية وتأكيد مسؤولية الآخرين؟!(1/127)
إن الإجابة الأقرب إلى العقل والمنطق محزنة ومؤسفة ونتمنى حتى هذه اللحظة أن لا نصدقها".
ما سبق من كلمات تحمل اتهاما قاسيا في بيان رسمي، لا دليل عليه على الإطلاق، ويرتكز على قدر كبير من خلط الأمور وتفسير الأحداث تفسيرات قسرية أحادية، مع أن وقائع الأحداث، وحالة الاتهام الصارخ إثر عملية تفجير الناقلة، والعب على الوتر الإعلامي بمساعدة بعض الفضائيات، التي لا يهمها سوي تسجيل السبق لأي حدث، والتي لا يعنيها كثيراً حجم المصداقية، وجعل حركة الجهاد معركتها الأولى مع حركة حماس، وهي أن نكون أو لا نكون، والدليل بيان من أربع صفحات، لإثبات حق مزعوم في عملية - ذلك كله قد يدفع بعض الشباب المتحمس كما ذكر البيان- هذا إن سلّمنا بصحة هذا الاتهام تجاوزاً - والذين فاض بهم الكيل أمام ما يرونه من تغول على جهد حركتهم، لاعتبار كل وسيلة تحمي حق حركتهم مشروعة بعدما تفاقمت الأمور، ووصلت إلى ما وصلت إليه.
فضلاً عن ذلك، لماذا لم يضع البيان فرضية حدوث نفي حقيقي من قبل بعض الأطراف داخل الجهاد، ممن اعترضوا علي طريقة تفكير قيادتهم المتنفذة، وساءهم إدارتها لهذه المسألة، خصوصاً إذا ما علمنا أن المعلومات المؤكدة تشير إلى أن مسئول منطقة الزيتون في سرايا القدس – المنطقة التي وقعت فيها الأحداث – نفى، بشكل غير معلن، علمه بقيام أي من عناصره بتنفيذ عملية التفجير ضد ناقلة الجند الصهيونية، وأن الفضائية التي تحدثت عن النفي، وهي قناة العربية، لم تتحدث عن بيان رسمي، بل تحدثت عن مصدر مسئول في حركة الجهاد الإسلامي، نفى مسئولية الحركة عن العملية، ويمكن لمصدري البيان مراجعة فضائية العربية، لتكشف لهم عن هذا المصدر المسئول، بدل توزيع الاتهامات جزافاً، بحق إخوة لهم، كما جاء في بيانهم المطول.(1/128)
نأتي إلى الفقرة الأهم في بيان "الحقيقة كل الحقيقة"، والتي تكرر الادعاءات والاتهامات القديمة الجديدة، عن تبنٍ مزعوم من حماس لبعض عمليات "الجهاد"، حيث يقول البيان: "إن ضراوة الحرب التي يشنها العدو المجرم بحق شعبنا يجب أن لا تسمح لنا مطلقاً، بإضاعة الوقت وإهدار الطاقات في أية مهاترات أو مماحكات لإثبات الذات أو التفاخر بالعمليات، ويعلم الله أننا ما كنا نتمنى أن نضيع وقتنا في كتابة حرف واحد مما جاء في هذا البيان، لكن القصة مع الأخوة في حماس حول تبني العمليات قصة طويلة ومؤسفة ومؤلمة لأنها تعكس منهجاً معروفاً منذ معركة الشجاعية عام 1987 مروراً ببيت ليد، وديزنغوف، وحيفا (راغب جرادات) وعملية الخليل البطولية الأسطورية التي نفذها ثلاثة استشهاديين من السرايا، وصولاً إلى عملية حي الزيتون.
إننا لا نريد الخوض في تفاصيل محطات التبني، وما زلنا نغلب المصلحة العامة ونؤثر التجاوز والصبر على ظلم ذوي القربى، لكن أدبيات الأخوة في حماس للأسف طافحة بما لا يطاق من تبنى عمليات الجهاد، وهي موجودة وموثقة لدينا، لكننا لسنا في معركة المحاججة حول أعمال أصبح منفذوها بين يدي الله سبحانه وتعالى.. فالله وحده هو الذي يحكم بيننا، ويظهر الحقيقة، مهما علا ضجيج المفاخرة والمباهاة واستعراض القوة"، وكان بيان "الحقيقة كل الحقيقة" قد استهل بالقول: "في الوقت الذي تصب طائرات العدو جحيم نيرانها لاستهداف أبناء شعبنا ورموزه ومجاهديه، كم هو مؤسف ومؤلم أن نجد من يسعى لاستنزاف طاقاتنا وجهودنا في الرد على ادعاءات مختلقة وبيانات تنافي الحقيقة تصدر عن إخوة ورفاق لنا في خندق الجهاد والمقاومة".
وعموماً فقد أوضح لنا بعض المطلعين والعارفين لما بين السطور أن هذا البيان من صياغة الشيخ عبد الله الشامي.
ولدواعي المحاججة العقلانية لا بد من تفنيد الاتهامات واحداً واحداً، وإعطاء كل ادعاء ما يستحقه من البحث والتمحيص.(1/129)
نبدأ بمعركة الشجاعية عام 1987م، إذ لم يقدم البيان وصفاً لما يريد قوله بصدد هذا الموضوع، ولأنه لم يفعل، سنعرج على ما يمكن أن يكون مقصود البيان، ويتعلق بمعركة الشجاعية عام 1987م، معركة 6/10/1987م، واستشهاد المجاهدين: مصباح الصوري، زهدي قريقع، فايز الغرابلي، ومحمد الجمل"، حيث تتخذ الحركة من هذا التاريخ يوماً لبداية الانتفاضة الأولى، خلافاً لجميع الفصائل الفلسطينية التي توافقت على أن يكون تاريخ 9/12/1987م هو تاريخ تفجير الانتفاضة الأولى، وأن كل ما سبقه عبارة عن حلقات ممتدة في سلسلة مقاومة الشعب الفلسطيني، التي لم تنقطع منذ وطئت أقدام العصابات الصهيونية أرض فلسطين.
والمهم في القضية أن أحداً لا يعرف كيف وبأية صيغة تبنت حركة حماس هذه العملية، التي يؤرخون فيها وحدهم لبدء الانتفاضة، ولم يزاحمهم في ذلك أحد، إذ لم يشهد التاريخ الفلسطيني صدور أية بيانات، أو كتابات رسمية أو غير رسمية، تتحدث عن مسئولية حماس عن هذه العملية، أو انتماء هؤلاء الشهداء الأخيار إليها.
ويبدو أن كل ما في الأمر يتعلق ببعض المقولات، التي تصدر عن بعض عناصر حركة حماس أثناء بعض الحوارات والسجالات مع إخوانهم أعضاء حركة الجهاد – خصوصاً داخل السجون - حول انتماء هؤلاء الشهداء في حقبة زمنية سابقة لجماعة "الإخوان المسلمين"، والتزامهم ونشاطهم ضمن المجمع الإسلامي، واجهة الإخوان فترة السبعينيات، حيث تربوا وترعرعوا في مدرسة الإخوان، وهي حقيقة مؤكدة لا يماري فيها أحد.(1/130)
ومع ذلك، فإن البيان يتجاهل الحقائق التاريخية الدامغة، ويتجاهل – أيضاً- أن الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي الأمين العام المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي، هو ابن مدرسة الإخوان المسلمين(1)، وأحد الذين تتلمذوا وتربوا علي يد الشيخ الإمام الشهيد أحمد ياسين.
أما بصدد عملية بيت ليد، التي وقعت بتاريخ 22/1/1995م، والتي لم يذكر أيضاً بيان "الحقيقة كل الحقيقة" أية تفاصيل للقارئ بشأنها، ولم يحدثنا عن كيفية تبني حركة حماس لها.
__________
(1) لا نعتقد بأن أحداً من مسئولي وكوادر الجهاد، قارئ للتاريخ، ينكر هذه الحقيقة، ونقتبس هنا قول الدكتور رمضان شلح، في حوار ه مع موقع نداء القدس بالاشتراك مع موقع فلسطين اليوم، وهو مصدر سبق ذكره: "أشير لحركة الإخوان هنا لأن الطليعة التي أسست حركة الجهاد، بعضهم، وعلى رأسهم الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي جاءوا من الإخوان المسلمين".(1/131)
وما دام الأمر كذلك، قد يكون من المهم إعادة سرد بعض الوقائع عن هذه العملية، ولا ضير في ذلك بغرض التجلية والتوضيح. فعملية بيت ليد المزدوجة، نفذها الشهيدان أنور سكر وصلاح شاكر، وكانت عملية قوية ونوعية، والأولى التي تنفذها حركة الجهاد بهذا الحجم، وقد أدت هذه العملية المزدوجة إلى مقتل 22 صهيونياً معظمهم من الجنود، فضلاً عن إصابة العشرات، وقد أعلنت الحركة عبر جناحها العسكري آنذاك ( القوى الإسلامية المجاهدة، "لواء قسم"، لواء أسد الله الغالب) مسئوليتها عن تنفيذ العملية، ولم يزاحمها في ذلك أحد، سوى ترديد المصادر الأمنية الصهيونية، وصحافة العدو، ولفترة طويلة، بأن بصمات المهندس يحي عياش، خبير المتفجرات في حركة حماس، التي كانت هي أول من افتتح هذه السلسلة من العمليات التفجيرية في الانتفاضة الأولى(1)
__________
(1) بالمناسبة، تدعي حركة الجهاد بأنها هي أول من قامت بعملية استشهادية في الانتفاضة الأولى عام 1987م، فهم أصحاب أول رد وأول فعل كما يقولوا، وليت الأمر يقتصر على بعض الكوادر والأعضاء الذين تأخذهم الحمية، التي تعمل ساعتها علي تغييب العقول، بل إن الأمر يصل إلى أعلى قممهم القيادية الواعية والمثقفة، إلى الأمين العام الدكتور رمضان شلح ، الذي كرر بدوره مثل هذه الادعاءات عندما استضافه المحاور اللامع غسان شربل في حوار على خمس حلقات متتالية في جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 7-11/1/2003م، وكنا قد رددنا عليه في حينه في نفس الجريدة، بتاريخ 4/2/2003م، وقلنا في حينه بأن الدكتور شلح ورغم اختلافنا معه في طريقة طرحه لكثير من القضايا في هذا الحوار، إلا أنه يفرض علينا احترامه لما يتمتع به من ثقافة عالية وواسعة، وسرعة بديهة يحسد عليها، وحفظ واستظهار للأرقام والتواريخ عند الحاجة إليها، فضلا عما يتمتع به من حس وطني عال، وإن كان هذا الحس لا يخلو غالبا من الحزبية الضيقة ( رغم ما يبدو عليه حديثنا من تدقيق وتفنيد ولربما شدة من وجهة نظر بعض أفرادهم، إلا أننا لا نعتبر الأمر أكثر من صدام أفكار بغرض استجلاء الحقائق، وعرض لوجهة نظر نعتقد بأنها الصواب، مشفعين إياها بالأدلة العلمية والمنطقية والموضوعية، و ليعذرنا الدكتور شلح، فنحن نحترم شخصه وحركته، التي نجلها كحركة إسلامية لها دورها ومكانتها، إلا أن عملنا البحثي يفرض علينا الأمانة العلمية والموضوعية، طرحا ومعالجة، دون أية اعتبارات أخرى، وليعتبر الدكتور شلح أن الاختلاف لا يفسد للود قضية، وندعوه بأن يتمثل معنا قول الإمام الشافعي: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب")، وتتجلى هذه الحزبية بوضوح في قضية مهمة - وهى وإن لم تكن مهمة، إلا أن حديث الدكتور شلح هو الذي جعلها هامة، وهى قوله أن حركته هي دوما صاحبة أول رد، وهى المبادرة دوما بالعمل المقاوم، وأن حركة الجهاد هي أول من نفذ عملية استشهادية في انتفاضة الأقصى، وهي عملية الشهيد نبيل العرعير - وهذا صحيح - وأن حركة الجهاد أول من نفذت عملية داخل الخط الأخضر في هذه الانتفاضة، وأنها أول من نفذت عملية استشهادية مزدوجة في بيت ليد، وأول وأول ... إلخ، ولكن عند سؤال الدكتور شلح من نفذ أول عملية استشهادية في الانتفاضة الأولى 1987م، خانته ذاكرته - وهو الذي يستظهر التواريخ جيدا - وأجاب بسرعة يحسد عليها: حركة الجهاد الإسلامي -وهذا غير صحيح - واحضر الدليل، وهو عملية الشهيد أنور عزيز من مخيم جباليا بتاريخ 13/12/1993م، وعندما قال له المحاور: ولكن حماس هي من نفذت أول عملية استشهادية، أجاب أن حماس تقصد عملية رائد زكا رنة بتاريخ 6/4/1994م، ورغم أننا لم نسمع أن حماس أو أحدا من قادتها يردد أو يهتم بمثل هذه المقولات وهذه الشكليات، مثل أول رد وأول عملية، إلا أن الحقائق تقول أن حماس هي بالفعل، من نفذت أول عملية استشهادية في الانتفاضة الأولى، والحقيقة أن عملية رائد زكارنة، كانت أول وأسرع رد من حماس على مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل بتاريخ 25/2/1994م، ولم تكن أول عملية استشهادية تنفذها حماس كما ذكر الدكتور شلح، الذي أظهر أنه يحفظ حتى تواريخ عمليات حماس، وليس عمليات الجهاد الإسلامي فحسب، لكن للأسف الدكتور شلح يبدو أنه لا يريد أن يستظهر أو يحفظ كل العمليات، التي يحفظها سجل المجد القسامي، وهو معذور لأنها كثيرة، وتعمل زحام في الدماغ، ولكننا نحب أن نضيف لذاكرة الدكتور شلح، ست عمليات استشهادية نفذتها حماس، إضافة لزرع سيارة مفخخة تم تفجيرها عن بعد، قبل تاريخ عملية الشهيد أنور عزيز التي ذكرها الدكتور شلح كأول عملية استشهادية في الانتفاضة الأولى.
* العملية الأولى كانت بتاريخ 16/4/ 1993م، والتي نفذها الشهيد ساهر تمام من نابلس، والتي استهدفت مقهى يرتاده الجنود الصهاينة في مستوطنة "ميحولا" القريبة من مدينة بيسان، والتي أدت إلى مقتل وإصابة العديد من الجنود الصهاينة.
* العملية الثانية، هي عملية زرع السيارة المفخخة وتفجيرها عن بعد، تحت مبنى مركزي مكون من خمسة عشر طابقا وسط "تل أبيب" بتاريخ 16/5/1993م، وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات، لكن سلطات الاحتلال تكتمت عليها، وادعت أن أنابيب الغاز أسفل العمارة هي سبب الانفجار. نفس العملية تكررت بعد أقل من أسبوعين عند زرع سيارة أخرى تحت مبنى أخر، لكنها اكتشفت وتم اعتقال زاهر جبارين الذي كان يقودها، وكانت سببا في كشف ومطاردة خبير المتفجرات في حماس الشهيد المهندس يحيى عياش، الذي أصبح مطلوبا من تاريخها.
* العملية الثالثة، هي محاولة اختطاف الحافلة الصهيونية في التلة الفرنسية في القدس بتاريخ 1/7/1993م، للمساومة على إطلاق سراح الأسرى في السجون الصهيونية، وكانت المهمة استشهادية قام بها المجاهدون ماهر أبو سرور ومحمد الهندي وصلاح عثمان، وبعد فشل محاولة الاختطاف وإصابة المجاهد صلاح عثمان إصابات خطيرة أفقدته الوعي - وهو حتى هذه اللحظة نصف مشلول ويسمى الشهيد الحي- قام الهندي وأبو سرور باختطاف سيارة تقودها مستوطنة صهيونية، وكانت معهما حقائب المتفجرات، وفجرا نفسيهما والمستوطنة في حاجز لجنود العدو عند توقيفهما للتفتيش، موقعين العديد من القتلى والجرحى الصهاينة.
* العملية الرابعة، هي عملية الشهيد أيمن عطا الله من غزة بتاريخ 12/9/1993م، على الشارع الرئيسي لمستوطنة "نتساريم" جنوب مدينة غزة، والتي استهدفت سيارة عسكرية تابعة لمصلحة السجون الصهيونية، والتي تم تفجيرها واعتراف العدو بإصابة ضابط ومجندة في العملية.
* العملية الخامسة، هي عملية الشهيد بهاء النجار من مخيم الشاطئ في غزة، الذي اقتحم في عملية استشهادية مركز شرطة العدو في حي الرمال بغزة ظهر يوم الثلاثاء 14/9/1993م.
* العملية السادسة، هي عملية الشهيد أشرف مهدى من حي الشيخ رضوان بغزة على طريق الشيخ عجلين في المدينة المؤدي إلى مستوطنة "نتساريم" حيث كان ينوي تنفيذ عملية استشهادية فيها، وكانت بعد أيام من العملية السابقة.
* العملية السابعة، هي عملية الشهيد سليمان زيدان بتاريخ 4/10/1993م، التي استهدفت مقر القيادة الخاصة لجيش الاحتلال بالقرب من مستوطنة "بيت إيل" في الضفة الغربية، والتي اعترف العدو بإصابة ثلاثين من جنوده فيها، منكرا وقوع قتلى.
نقطة أخرى أخطأ فيها الدكتور شلح عند سؤاله من الذي فجر الانتفاضة الأولى عام 1987م، ورغم أنه أجاد في الإجابة في البداية عند قوله أن الذي فجرها هو الشعب الفلسطيني وليس من حق أي تنظيم أن يزعم أنه صاحب قرار تفجيرها - وهذا عين الصواب - إلا انه يتدارك ويعود ليقول، عند فتح باب التنافس فلدينا من الوثائق والأدبيات التي يعترف بها العدو، أننا أول من فجر هذه الانتفاضة، وأشار إلى عملية 6/10/1987م، والتي استشهد فيها أربعة من عناصر حركة الجهاد في حي الشجاعية بغزة، ورغم الفارق الزمني بين الحدثين ( شهرين)، ورغم أن عملية الشجاعية لا تعدو كونها حادثا منفصلا، لا علاقة لانتفاضة 87 به، فضلاً عن عدم علاقة جناح الشقاقي بالحادث ذاته, وهو كمثله من الحوادث والمواجهات التي سبقت انتفاضة عام 1987م، وعبر سنين طويلة، والتي كانت تتم في مناسبات متفرقة مثل يوم الأرض، أو في ذكرى المذابح الصهيونية ضد شعبنا، أو في إطار المقاومة الطبيعية والمستمرة لرفض احتلال فلسطين والتي ينفذها الشعب الفلسطيني منذ قيام دولة الكيان ومن قبل ذلك أيضا، ورغم أن انتفاضة عام 1987م الشعبية شيء آخر، إلا أن الدكتور شلح يعتبر أنهم أول من فجر الانتفاضة الأولى، بل لا يعترفون أصلا بتاريخ بدء الانتفاضة الأولى "8/12/1987م"، بل أرخوا لها في أدبياتهم من تاريخ 6/10/1987م ، خلافا لما اجمع عليه المؤرخون، وما أجمعت عليه كل فصائل شعبنا، وهذا ما يحمل تناقضا واضحا مع ما ذكره د.شلح في البداية من أن الشعب، وليس أي تنظيم هو من فجر الانتفاضة الأولى.
... أما لو قال لنا د.شلح أننا نقصد أننا كنا الإرهاصات الأولى لهذه الانتفاضة، فنقول إن الحياة التي كان يحياها شعبنا تحت الاحتلال وإدارته المدنية، والمواجهات التي كانت تتم على فترات متقطعة، كانا إرهاصات لهذه الانتفاضة، ثم لو سلمنا بهذا المنطق، فإنه يصبح من حق حماس أن تقول أنها كانت هي الأخرى تعد لهذه الانتفاضة، وأنها هي من فجرت الانتفاضة الأولى، خصوصا لو أشارت إلى المواجهات الملتهبة مع قوات الاحتلال التي اندلعت بين طلبة الجامعة الإسلامية التي تسيطر عليها حماس، والتي سبقت انتفاضة عام 1987م، وامتدت لمناطق أخرى من القطاع، كذلك تأسيسها لجهازها الأمني الذي سبق اندلاع الانتفاضة بسنوات، والذي اهتم بملاحقة وجمع المعلومات عن عملاء الاحتلال، ونفذ عمليات تصفية بحق أربعة من العملاء قبل انطلاق الانتفاضة، واعتقل العديد من قادته وعناصره، مثل المجاهد الأسير يحيى السنوار والمجاهد الأسير روحي مشتهى اللذين حكم عليهما بالسجن مدة أربعة مؤبدات لمسئوليتهما عن ذلك، إلى جانب إطلاق النار على بعض المواقع العسكرية للاحتلال الصهيوني وذلك قبل الانتفاضة الأولى, وأنها هي من أججت نار الانتفاضة عبر مشاركتها القوية والفاعلة فيها، وبروزها كتيار موازي للقيادة الوطنية الموحدة، مما أعطى للانتفاضة زخما وقوة، لأنه جعل التنافس على أشده بين القيادة الموحدة وحماس في سبيل تصعيد وتطوير الانتفاضة، ثم ليحدثنا د.شلح وبأمانة عن دور وإنجازات حركته في انتفاضة عام 1987م وحتى عام 1993م، عام توقيع اتفاق أوسلو، مع احترامنا لدورها مهما كان صغيرا، والذي كبر اليوم في انتفاضة الأقصى، كذلك يصبح من حق فتح أن تقول أيضا ما تقول في دورها في إشعال الانتفاضة، بل ومن حقها أن تقول أنها الرد الأول والحجر الأول والرصاصة الأولى، ومفجرة ليس انتفاضة عام 1987م وحسب، بل الثورة الفلسطينية بتاريخ 1/1/1965م، مع أن الدكتور شلح، وفى برنامج "حوار مفتوح" الذي يقدمه المذيع القدير غسان بن جدو في قناة الجزيرة الفضائية، وبتاريخ 9/1/2003م، وفي معرض رده على غسان بن جدو عندما أشار إلى هذه النقطة أجابه قائلا بأن الشعب الفلسطيني من أوائل القرن الماضي وهو يقاوم المشروع الصهيوني وليس من تاريخ 1/1/1965م، ومن هنا نتساءل: لماذا ينكر الدكتور شلح على الآخرين القول والادعاء بتفجير الانتفاضة، في حين يبيح لنفسه ولحركته ذلك؟!
...(1/132)
، موجودة وتفرض نفسها على هذه العملية، ومن يومها وحتى الآن لا زال البعض من عامة الناس، وليس من حركة حماس وحدها، بل هناك من حركة الجهاد، من يردد ذلك وهو على قناعة بأن المهندس "عياش" كان له دور في هذه العملية، وأنها تمت بالتنسيق بين حماس و"الجهاد"، وهو ما رجحته المصادر الأمنية الصهيونية، ولا أحد سواها، وعلى هذا الأساس، يوجه مصدري بيان "الحقيقة كل الحقيقة" اتهامهم لحركة حماس، بأنها تبنت العملية.
فهل يحمل اتهام البيان لحركة حماس بتبني عملية "بيت ليد" أي منطق؟! وكيف يمكن لبيان رسمي لحركة تحترم نفسها أن يتضمن مثل هذا الاتهام المغلوط؟!
أما بالنسبة لعملية "ديزنغوف"، والتي ذكرها البيان كإحدى العمليات التي تبنتها حركة حماس، فقد كان الخلط مقصوداً من قبل الجهاد، وأكثر بروزاً، خصوصاً مع عدم ذكرهم لتاريخ هذه العملية، أو تقديم أية تفاصيل للقارئ، ليتركوا المهمة إلينا أيضاً في التطوع لتقديم بعض التفاصيل عنها.
ويتجلى الخلط المقصود في هذا السياق، لأن لحركة حماس بالفعل عملية كبرى نفذتها في شارع ديزنغوف، وهي واحدة من أكثر العمليات الاستشهادية قوة وتأثيراً ونجاحاً، بعد قيام الشهيد صالح عبد الرحيم صوي بعملية تفجير بطولية في إحدى الحافلات في شارع ديزنغوف في قلب مدينة "تل أبيب" بتاريخ 10/10/1994م، مما أدى إلى مقتل 23 صهيونياً وإصابة ما يزيد عن 47 آخرين. وقد هز الانفجار الضخم المنطقة بأسرها، وأحال الحافلة إلى كومة من الحطام، وأسفر عن إلحاق خسائر مادية كبيرة في واجهات المحال والمنازل المجاورة لمكان الانفجار، إضافة إلى إحداث حالة من الإرباك وسط أركان أجهزة العدو الأمنية، وضجة واسعة في أوساط حكومة "رابين" العمالية، الذي قطع زيارته لبريطانيا فور سماعه الخبر، فيما قطع وزير الشرطة الصهيوني هو الآخر زيارة كان يقوم بها للولايات المتحدة.(1/133)
وقد سعى رابين فور عودته إلى عقد اجتماع طارئ لقادة الأجهزة الأمنية الصهيونية لبحث الإجراءات الواجب اتخاذها للرد على الهجوم، والحد من نشاط حركة حماس في الضفة الغربية والقطاع.
وقد جاءت العملية رداً على استشهاد خاطفي الجندي الصهيوني "نحشون فاكسمان".
وبالطبع لم يقصد البيان الذي نفنده هذه العملية، بل قصد عملية متجر "ديزنغوف" التي نفذها الشهيد رامز عبيد أحد عناصر الجهاد، وأدت لمقتل عشرة أشخاص وإصابة العشرات والتي لم تتبناها حركة حماس على الإطلاق، وكل ما في الأمر أن هذه العملية كانت رابع عملية استشهادية تتم في غضون أسبوع، إذ كانت العمليات الثلاثة الأولى قد نفذتها كتائب القسام، وأعلنت عنها تباعاً(1)، ضمن موجة العمليات الشهيرة التي اصطلح علي تسميتها "عمليات "الثأر المقدس"، والتي بدأت الأحد 5/2/ 1996م بعد خمسين يوماً من عملية الاغتيال الجبانة بحق القائد المهندس يحيى عياش قائد مجموعات الاستشهاديين في كتائب القسام، وانتهت يوم الأحد 3/3/1996م، وأسفرت عن قتل 46 صهيونياً، منهم 19 جندياً، فضلاً عن إصابة أكثر من 60 آخرين، منهم ضباط وكوادر جهاز "الشاباك" الذين كانوا في طريقهم إلى مقر عملهم، وكانت جروح 7 منهم بالغة الخطورة.
__________
(1) لم تكشف كتائب القسام أسماء الاستشهاديين المنفذين في حينه، بسبب ضراوة الوضع الأمني، والتنسيق الذي كان في أعلى مستوياته بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، والذين تم الكشف عن هويتهم بعد حملة الاعتقالات الشهيرة التي أعقبت تلك العمليات، وهم عل التوالي: الشهيد مجدي محمد أبو وردة، والشهيد إبراهيم حسن السراحنة، والشهيد رائد عبد الكريم الشغنوبي.(1/134)
... بعد هذه العمليات الثلاثة، جاءت عملية المجاهد "رامز عبيد" عصر يوم الاثنين 4/3/1996م، في متجر "ديزنغوف"، ويومها استنكفت حركة الجهاد – علي غير عادتها- الإعلان عنها رسمياً(1)، وإن كان مرجع ذلك للظروف الأمنية، حيث كانت تلوح في الأفق بوادر وإرهاصات حملة أمنية تشنها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ضد حركة حماس إثر العمليات الثلاثة الأولى، ورغم عدم إعلان كتائب القسام قطعياً عن هذه العملية آنذاك، لأنها لا تخصها وليست من تنفيذها، لا من قريب أو من بعيد، إلا أن الجميع توقع بأن تكون هذه العملية ضمن سلسلة ردود حماس علي اغتيال المهندس عياش، خصوصاً مع امتناع الحركة المنفذة عن تبني العملية بشكل رسمي، أو كشف اسم الشهيد، وإن كان قد تسرب إلى وسائل الإعلام في حينه، بأن حركة الجهاد هي من تقف خلف العملية الرابعة، وقد ترددت مثل هذه الأنباء، وأنباء أخرى تحدثت عن وقوف "الجهاد" خلف العملية بالتنسيق مع حماس، وهو ما لم يثبت صحته، وبقيت مجرد تقولات ترددها نشرات الأخبار.
ولعل من الأهمية بمكان الإطلاع على مذكرات الأسير القسامي حسن سلامة، العقل المدبر لعمليات "الثأر المقدس"، وفاءً للمهندس يحيي عياش، والذي تحدث فيها عن تفاصيل التفاصيل حول كيفية حدوث هذه العمليات، ولم يأت لا من قريب ولا من بعيد على ذكر عملية المجاهد رامز عبيد، ليس تقليلاً من شأنها، بل لأنها مذكرات خاصة بمهمته التي كلف بها، من قبل قيادة الجناح العسكري لحماس، ونجح فيها، وانتهت بانتهاء تنفيذ العملية الثالثة.
__________
(1) أعلنت عنها حركة الجهاد رسمياً بعد شهر تقريباً، وكشفت اسم الشهيد رامز عبيد، بعد حملة الاعتقالات التي وجهتها السلطة الفلسطينية لحركتي حماس والجهاد عقب هذه الموجة من العمليات.(1/135)
وهكذا فإن حركة حماس لا تتحمل أية مسئولية جراء التكهنات الإعلامية، مما يستوجب من البعض التدقيق والتمحيص في صحة دعاويه، والتحقق والتبصر من حقيقة الاتهامات التي يلقي بها دون أساس من كتاب منير.
أما بصدد عملية "حيفا"، عملية الشهيد راغب جرادات التي تمت بتاريخ 10/4/2002م، وأوقعت ثمانية قتلى واثنين وعشرين جريحاً صهيونياً، ونفذتها سرايا القدس، فهذه هي الحالة الوحيدة التي حدث فيها تبنٍ غير مقصود من قبل كتائب القسام، لم تلبث أن تراجعت عنه، وبكل مسئولية.(1/136)
وتفاصيل ذلك أنه فور حدوث هذه العملية، تناقلت وسائل الإعلام نبأ إعلان كتائب القسام مسئوليتها عن تنفيذ العملية، من خلال اتصال هاتفي تم نفيه بعد عدة ساعات، إثر تأكد كتائب القسام أن أيا من مجاهديها لم يقم بهذه العملية، وأن العملية تم تنفيذها بوساطة مجاهد تابع للجهاد، مما يؤكد أن هذا التبني كان غير مقصود على الإطلاق. ويمكن عزو هذا التبني غير المقصود إلى أن كتائب القسام خططت بالفعل لعملية في نفس المكان أو المنطقة التي تمت فيها عملية الشهيد راغب جرادات، وكان الاستشهادي قد انطلق للوصول إلي نفس الهدف، وهو نفس ما حدث مع حركة الجهاد، وإعلانها عن عملية حماس التي نفذها الشهيد عز الدين المصري في "مطعم سبارو" بالقدس، والتي عرضنا لها فيما سبق، والتي التمسنا فيها العذر لحركة الجهاد بسبب غياب التنسيق بين فصائل العمل العسكري الفلسطيني نتيجة طبيعة تعقيدات العمل العسكري في فلسطين في بعض الظروف، حيث يتحرك المجاهدون في حقول من الألغام، ورغم ذلك يبقى خطأ كتائب القسام في هذه العملية أقل وطأة، كون كتائب القسام لم تكشف عن اسم الاستشهادي المفترض(1)
__________
(1) كتائب القسام نفذت أكثر من عملية، ولم تكشف مباشرة عن أسماء استشهادييها المنفذين لدواع أمنية، وهذا تقليد كان يتم في بعض الأحيان وليس كلها، وهو تقليد ليس وليد انتفاضة الأقصى بل سابق لها، والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها عمليتي "رامات غان" بتاريخ 24/7/ 1995م، و"رامات أشكول" بتاريخ 12/8/1995م، ولم تكشف الكتائب عن اسمي منفذي العمليتين، وهما المجاهد لبيب قاسم، والمجاهد البطل سفيان جبارين، إلا بعد اكتشاف الخلية القسامية التي وقفت وراء هاتين العمليتين، واعتقال المجاهد عبد الناصر عيسي في مدينة نابلس، وذلك بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر علي هاتين العمليتين، كذلك ما تم واستعرضناه، في عمليات الثأر المقدس، حيث أعلنت كتائب القسام مسئوليتها عن العمليات، دون الكشف عن أسماء المنفذين، اللذين لم تعرف هويتهم، إلا بعد قيام أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بحملة الاعتقالات المعروفة، كذلك ما تم في انتفاضة الأقصى، عندما نفذت كتائب القسام عملية استشهادية بتاريخ 4/8/2002م بالقرب من مفترق "ميرون" قرب مدينة صفد داخل فلسطين المحتلة عام 48، وتحفظت علي اسم منفذها في حينه لأسباب أمنية، وقد دلت التحقيقات الصهيونية علي وقوف خلية من الجهاز العسكري لحركة حماس من شرقي القدس وراء هذه العملية، حيث تم اعتقال أفرادها علي مراحل، وأعلن عن ضبطها واكتشافها يوم الأربعاء 21/8/2002م، ومن جملة اعترافات أفراد الخلية قيامهم بهذه العملية التي نفذها الشهيد جهاد حمادة من مخيم جنين بمساعدة مجموعة من فلسطيني عام 1948م من عائلة البكري التي تقطن قرية البعنة. والإعلان عن العملية دون الكشف عن هوية منفذها يجعل مخابرات العدو تستنفذ طاقتها في محاولة تحديد هوية منفذ العملية، بدل تسهيل هذه المهمة، وتقديم هذه الخدمة المجانية للعدو في تحديد المنطقة التي انطلق منها الاستشهادي، والتي تندفع إليها الفصائل بسبب عمليات التبني الوهمية من قبل البعض، إذ يسارع التنظيم المنفذ بالإعلان عن العملية وهوية منفذها، حتى لا يتجرأ فصيل آخر علي تبني العملية، وهذا ما يتطلب ناظما وطنيا على شاكلة ميثاق شرف ملزم ينظم علاقات فصائل المقاومة لمعالجة هذه الإشكالية وغيرها من الإشكالات.(1/137)
.
ويبدو أن من المفيد إحالة مصدري بيان سرايا القدس إلى دراسة أصدرها الجهاز الإعلامي لحركتهم، وتتعلق بالعمليات التي نفذوها خلال عامين من عمر انتفاضة الأقصى (28 – 9 – 2000م حتى 28 – 9 – 2002م)، تشير فيها إلى هذه العملية في معرض ردها علي أحد مراكز البحث والتوثيق الذي نسب هذه العملية خطأ لكتائب القسام(1)، والقول "لم يصدر بيان رسمي على موقع كتائب القسام على شبكة الإنترنت يتبنى هذه العملية". وأضافت الدراسة "يشار في هذا الصدد إلى أن كتائب القسام قد تبنت العملية في اتصال هاتفي مع وكالات الأنباء بعد تنفيذ العملية بساعات، ومساء يوم العملية أصدرت سرايا القدس بياناً تبنت فيه العملية وأعلنت أن اسم منفذها هو الشهيد راغب أحمد عزت جرادات من جنين، وهذا ما ثبت لاحقاً، حيث أن كتائب القسام لم تؤكد مجدداً تبنيها للعملية ولم يصدر عنها أي بيان رسمي".
ويبقى السؤال المطروح أمام مصدري البيان محل النقاش، عن سر وسبب هذا الخلط المتعمد، والإصرار على اتهام حركة حماس بتبني العملية، رغم أن الدراسة التوثيقية الصادرة عن الجهاز الإعلامي لحركتهم، تعفي كتائب القسام من هذا الخطأ غير المقصود، ولا تحمّلها أية مسئوليات؟!
__________
(1) المقصود هنا الطبعة الأولى من الدراسة التوثيقية، التي تتحدث عن العمليات العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية خلال عامين من انتفاضة الأقصى، والتي قام بها الباحثان: إسماعيل الأشقر، ومؤمن بسيسو، والصادرة عن مركز النور للبحوث والدراسات بغزة شهر أكتوبر عام 2002م، حيث تم نسب هذه العملية لكتائب القسام، بناءً على لبس غير مقصود، ثم عدل الباحثان عن هذا الخطأ، وقاما بنسب العملية لحركة الجهاد في الطبعة الثانية من الدراسة التوثيقية التي وثقت عمليات المقاومة الفلسطينية بعد مرور ثلاثة أعوام علي الانتفاضة، والصادرة عن المركز العربي للبحوث والدراسات بغزة شهر أكتوبر عام 2003م.(1/138)
وقد يكون من المفيد – أيضاً- إيراد عملية أخرى يدعي بعض أنصار الجهاد أن كتائب القسام قد تبنتها، وهي عملية قتل اثنين من الجنود الصهاينة في معبر بيت حانون عام 1995 تقريباً، والتي أعلنت عنها ألوية قسم. ولم يقدم المدعون أية أدلة علي تبني حركة حماس لهذه العملية، سواء من خلال بيان أو اتصال هاتفي، ولم تورد الصحف الصادرة بعد تنفيذ العملية أية إشارة إلى تبني حماس لها.
وعلى ما يبدو فإن حجة أولئك المدعين لم يكن سوى أبيات من الزجل أنشدها رمضان الصيفي أحد المنشدين المقربين من حركة حماس، عندما قال: "وفي عيد الأضحى بجنديين على إيرز ضحينا"، وكان قوله هنا من قبيل أن "المقاومة" عموما وليست "حماس" خصوصاً، وكانت تسود آنذاك حالة من التوافق وتنسيق المواقف في مواجهة مخططات السلطة، خصوصاً بعد عملية اغتيال الشهيد هاني عابد، ومن هنا جاءت كلمات الزجال الصيفي، الذي لم يقل بأن حماس ضحت بجنديين علي حاجز إيرز، علما بأن الصيفي تغنى بهذه الكلمات كذلك في حفل تأبين أقيم للشهيدين أيمن الرزاينة وعمار الأعرج شهيدي الجهاد في حي اليرموك، وساعتها صفق وهلل الحضور من مناصري حركة الجهاد، لذلك كان من الغريب بعد ذلك أن يتحدثوا عن تبني حركة حماس لهذه العملية، معتبرين تغني الزجال أو العمل الفني العام موقفا رسميا لحركة حماس، رغم أن الزجال لم يرد في كلماته ما يشير إلى هذا التبني المزعوم!!
2- 18* ومع ذلك، ورغم انحصار الغالبية الساحقة من الإشكالات الخاصة بتبني العمليات العسكرية مع حركة حماس، فإن حركة الجهاد قد امتد تبنيها لعمليات الآخرين إلى فصائل فلسطينية أخرى، وذلك على النحو التالي:
** عملية الحافلة قرب الحدود مع مصر بتاريخ 7/10/2000م:
فقد قامت عناصر من ألوية الناصر صلاح الدين الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية باستهداف حافلة صهيونية قرب الحدود المصرية الفلسطينية، مما أدى إلى إصابة 9 من جنود الاحتلال بجروح.(1/139)
من جانبها ادعت القوى الإسلامية المجاهدة "قسم" مسئوليتها عن تنفيذ هذه العملية.
** عملية معبر صوفا بتاريخ 8/11/2000م:
فقد قامت عناصر من ألوية الناصر صلاح الدين بزرع عبوة ناسفة قرب معبر صوفا في رفح، مما أدى إلى مقتل جنديين صهيونيين وإصابة 3 آخرين بجروح.
بدورها ادعت سرايا القدس مسئوليتها عن تنفيذ العملية.
** عملية طولكرم بتاريخ 2/7/2001م:
فقد قامت عناصر من كتائب شهداء الأقصى بإطلاق النار على مستوطن صهيوني قرب طولكرم، مما أدى إلى مقتله.
بدورها ادعت سرايا القدس مسئوليتها عن تنفيذ العملية.
** عملية بيت لحم بتاريخ 25/2/2002م:
فقد قامت عناصر من كتائب شهداء الأقصى بعملية عسكرية، مما أدى إلى مقتل مستوطنين صهيونيين وإصابة اثنتين شرق بيت لحم.
من جانبها ادعت سرايا القدس مسئوليتها عن تنفيذ العملية.
** عملية مستوطنة "هارحوما" بتاريخ 1/4/2002م:
فقد قامت عناصر من كتائب شهداء الأقصى بقتل جندي صهيوني قرب مستوطنة "هارحوما" شمال بيت ساحور جنوب الضفة الغربية.
من جانبها ادعت سرايا القدس مسئوليتها عن تنفيذ العملية.
** العملية الاستشهادية التي نفذتها الشهيدة هبة دراغمة بتاريخ 19/5/2003م:
فقد قامت عناصر من كتائب شهداء الأقصى بتجنيد المجاهدة هبة دراغمة المحسوبة على الإطار الطلابي لحركة الجهاد، ودفعتها للعمل تحت رايتها، وتنفيذ عملية استشهادية في مدينة "العفولة" داخل فلسطين المحتلة عام 48، مما أدى إلى مقتل 3 صهاينة وإصابة 70 آخرين بجروح.
من جانبها ادعت سرايا القدس مسئوليتها عن تنفيذ العملية.
** ادعاء انتماء الشهيد نايف أبو شرخ قائد كتائب شهداء الأقصى، ورفاقه، وشهداء آخرين، إلى حركة الجهاد:(1/140)
ضمن القائمة التي أصدرتها الحركة على موقعها الإلكتروني الخاص بسرايا القدس، وذكرت فيها أسماء الشهداء المنتمين إلى صفوفها، ادعت الحركة أن الشهيد نايف أبو شرخ قائد كتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية، ورفاقه المناضلين الشهداء: سامر عكوب وعمر مسمار ووجدي القدومي ونضال الواوي الذين اغتيلوا على يد قوات الاحتلال الصهيوني بتاريخ 26/6/2004م، ينتمون إليهم، رغم أن الشك لا يمكن أن يخالج أحد بشأن حقيقة انتماء هؤلاء الشهداء، وعملهم في صفوف كتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية.
كما ادعت القائمة التي أصدرتها انتماء الشهيد علاء منذر خضيرية من نابلس الذي اغتيل بتاريخ 27/10/2002 م إليهم، علماً بأنه واضح الانتماء إلي كتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية.
المبحث الثاني
خلفية سياسية وميدانية
وتتمثل في كتائب شهداء الأقصى التي ثارت إشكاليات مختلفة بينها وبين حركة حماس حيال تبني العديد من العمليات الجهادية ضد الاحتلال.
فلا ريب أن الخلافات السياسية تضرب بقوة في عمق العلاقة التي تربط حركة حماس بحركة فتح التي انبثق عنها وخرج من رحمها كتائب شهداء الأقصى، فهي علاقة حساسة للغاية مبنية على إرث كبير وطويل من الخلاف السياسي والتناقض بين مشروعين سياسيين متناقضين، يحمل كلٌ منهما برامج ومبادئ تختلف في أجزاء ومفاصل أساسية عن الآخر.(1/141)
فحركة فتح حركة علمانية، تبنت رؤى وأفكاراً واتجاهات ومبادئ براغماتية إلى حد ما منذ انطلاقتها مطلع عام 1965م في ظل التمسك بخيار الكفاح المسلح الذي مارسته الحركة في سنواتها الأولى، إلى أن بدأ التناحر الحزبي والانقسام الفئوي يهيمن على ساحة العمل الفدائي، لتتقلص مساحة العمل الكفاحي الجاد في مواجهة الاحتلال الصهيوني، ويعلو المنحى البراغماتي الذي بدأ المساومة على خيار الكفاح المسلح، لصالح خيارات سلمية تسووية، أفرزت أجندة سياسية وميدانية جديدة، تراجع فيها العمل الفدائي، وارتفع العمل السياسي غير المرتكز على أية بنية ميدانية قوية، وظهرت بين الفينة والأخرى مشروعات سياسية، سمتها التراجع والانكفاء، مروراً بالخروج من لبنان والتشتت في البقاع والأمصار العربية، وذبول حركة الكفاح المسلح، وما تلا ذلك من اجتياز لمرحلة الانتفاضة الأولى التي توجت – قسراً- باتفاقات أوسلو ونشوء الكيان الفلسطيني السلطوي الجديد الذي قيد نفسه بالتزامات ومعاهدات أمنية بالغة السوء، منع فيها العمل المسلح، وزج بالمقاومين وراء القضبان، وصولاً إلى مرحلة انتفاضة الأقصى التي غيرت كثيراً من المعادلات والتوازنات، وأطلقت العمل المقاوم المسلح من سجنه المفروض، وأجبرت حركة فتح - العمود الفقري للسلطة الفلسطينية - على الانكفاء النسبي عن بعض مواقفها الاستراتيجية الثابتة التي تجلت إبان مرحلة أوسلو، لتتعامل تكتيكياً مع الظروف الميدانية الملتهبة، وتساير التطورات والمستجدات، لتحافظ على رصيدها الشعبي وتأييدها الجماهيري الذي تآكل لحساب قوى المقاومة، وخاصة الإسلامية منها، التي اقتحمت ساحة العمل المقاوم، دفاعاً عن الشعب الفلسطيني وحياضه المباركة، فكانت نشأة كتائب شهداء الأقصى، وبدء مسيرة الصعود للعمل العسكري لحركة فتح.(1/142)
في المقابل تتبنى حركة حماس فكراً اسلامياً صافياً واتجاهاً جهادياً واضحاً، لا يعتمد سوى خيار الجهاد والمقاومة كوسيلة لإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولا يؤمن بالتفاوض مع الاحتلال أو إبرام الاتفاقات والمعاهدات معه، ولا يرتكز إلى التعاطي مع المبادرات أو الطروحات التي لا تستهدف سوى الضغط على الفلسطينيين وابتزاز المزيد من التنازلات منهم.
وقد كان لافتاً مدى المعارضة التي أبدتها حركة حماس لخطوات التسوية التي قادتها حركة فتح منذ عام 1991م، وشدة الإصرار على مواصلة مسيرة المقاومة التي نذرت لها حماس خيرة قادتها وأبنائها، وهو ما تجسد في العمليات العسكرية المتميزة التي نفذتها كتائب القسام الجناح المسلح للحركة إبان الانتفاضة الأولى، التي تطورت بشكل كبير في المراحل الأولى لنشوء السلطة الفلسطينية، مما تسبب في سلسلة من الأزمات الحادة والعنيفة بينها وبين السلطة، إلى أن اندلعت انتفاضة الأقصى بما حملته من انفتاح على الفعل المقاوم، ودخول حماس على خط المواجهة الساخن مع الاحتلال عبر أمواج تترى من العمليات العسكرية، التي أرقت المحتل وأثقلت كاهل قواته وأجهزته الأمنية والاستخبارية، واحتلت بها الصدارة.(1/143)
ومع تقدم الفعل العسكري المطرد على الجبهة الميدانية، كان الفعل السياسي والاجتماعي للحركة موازياً، لا يقل قوة وتقدماً وأهمية، في إطار من البناء التنظيمي الجيد والعمل المنهجي المرسوم. فنبع العطاء الاجتماعي للحركة لم ينضب يوماً، وتحسّس عوائل الشهداء والجرحى والثكالى والأيتام والأرامل والمحتاجين لم يتوقف لحظة، فيما عجلة العمل السياسي، والتعاطي مع القضايا والأحداث، والتماس مع السلطة والقوى والفصائل الوطنية، والمبادرة بالطروحات الجدية التي تخدم المصلحة والقضية الوطنية، شهدت تقدماً ملحوظاً بوتائر متسارعة، راكم خبرة جيدة ونضجاً ملحوظاً، جعل منها لاعباً أساسياً في صلب المعادلة الداخلية الفلسطينية لا يمكن تجاوزه أو القفز عنه.
في هذا الإطار التنافسي، ووسط هذه التربة التي تحمل بذور التناقض بين المشروعين اللذين تتبناهما كلا الحركتين، ولدت أشكال التنافس العملي، وتجسدت صور الحساسية المفرطة، المرتكزة إلى الخلفية السياسية التي تؤرق حركة فتح، وما تحمله من هواجس وتوجسات بمزيد من القوة السياسية للخصم السياسي، التي قد تعني تبدلاً في موازين ومركبات الواقع الفلسطيني الداخلي، وهو ما انعكس على ساحة الفعل الكفاحي في بعض الأحيان على هيئة تنافس غير مشروع، لا يراعي حقوق أو جهود وأعمال الآخرين.
وكما كان للخلفية السياسية دور في إحداث وبروز ظاهرة التبني المغلوط لعمليات الغير، كان لتفاعلات الحدث الميداني وتطوراته الملتهبة، وما يتركه من أثر، وما يلعبه من دور على الساحة الشعبية الفلسطينية، وقعه الكبير وأصداؤه القوية في نفوس بعض قادة حركة فتح الذين رأوا بأم أعينهم تفلّت الساحة الكفاحية من تحت أيديهم، وانتقال زمام المبادرة وصدارة العمل فيها لصالح غيرهم، مما دفعهم إلى انتهاج هذا الأسلوب غير اللائق بمستوى دور وتاريخ حركة فتح في سياق العمل الوطني منذ انطلاقتها وحتى اليوم.(1/144)
فالحصاد الجهادي الكبير الذي أحرزته حماس، ضمن لها موقعاً متميزاً في نفوس أبناء الأمتين العربية والإسلامية، وكفل لها تأييداً شعبياً واسعاً بات موضع قلق وإزعاج لدى العديد من القوى الفلسطينية، ومن بينها حركة فتح التي باتت تستشعر خطورة صعود حركة حماس، سياسياً وميدانياً، وما يشكله ذلك من تقليص لمنسوب نفوذها الشعبي، ومستوى تأييدها الجماهيري، وقدرتها على إدارة الوضع الفلسطيني - كحزب حاكم- بحرية واضحة كيفما شاءت، وبالطريقة التي ترتئيها، وتنسجم مع أهدافها ومواقفها وأجندتها السياسية والميدانية والاجتماعية.
ورغم هيمنة هذه الظاهرة، وبروزها بشكل غير متوقع في الكثير من الأحيان، إلا أن عدداً معتبراً من قادة حركة فتح يبدون استياءً واضحاً جراء استمرار هذه الظاهرة، ولا يتفقون معها - شكلاً ومضموناً- بأي حال من الأحوال، انطلاقاً من أهمية الحفاظ على سمعة الحركة، ودورها الحالي والمستقبلي على الساحة الفلسطينية.
وتبدو المعضلة الأساسية التي تواجه حركة فتح حالياً في تشتتها، وتعدد محاور القوى ومراكز القرار فيها، مما حولها إلى تيارات متصارعة، مقطعة الأوصال، تختلف مرجعياتها التنظيمية والسياسية، دون أن تلتقي على هدف أو قيادة أو طريقة واحدة.
فما قد تمارسه فئة أو تيار داخل الحركة، لا ينسحب بالضرورة على الفئة أو التيار الآخر، مما يفسح المجال أمام سلوك تنظيمي مرتبك، وحالة داخلية تغزوها الفوضى والاضطراب، تشكل موئلاً لاختلاف التصرفات والممارسات، والرؤى والاجتهادات، التي قد تتعارض فيما بينها، وتناقض بعضها بعضاً في العديد من الأحيان.(1/145)
وقد انعكس ذلك كله على العمل الجهادي، فقد انقسمت فتح إلى تيارين رئيسيين، يتولى الأول رعاية ودعم كتائب شهداء الأقصى، فيما يحاول الآخر تدجينها وتقزيمها إن لم يكن نفيها أو تغييبها عن الساحة الوطنية رغم خدمتها لمصالح حركة فتح، إلا أن خروجها (أي كتائب شهداء الأقصى) عن الحدود المرسومة لها، وتجاوزها السقف الميداني المسموح لها من قبل قيادة الحركة، اضطر قيادة فتح - مراراً- لإعلان حلّها، والتنصل من أفعالها.
ومن هنا، فإن استمرار هذه الظاهرة والتصاقها بحركة فتح يعكس بشكل طبيعي حالة التشتت والصراع، وتعدد المرجعيات، التي تتناوش الحركة وتهدد دورها وكيانها، وحاضرها ومستقبلها.
وتأكيداً على حالة الحساسية التي تبديها حركة فتح تجاه حركة حماس، يمكن الاستناد إلى حال التنسيق المتكرر الذي يربط كتائب شهداء الأقصى بسرايا القدس الجناح المسلح لحركة الجهاد حيال العديد من العمليات العسكرية، فيما تنحصر عمليات التنسيق التي جمعتها بكتائب القسام في دائرة محدودة لا تتعدى عمليات قليلة.
فسرايا القدس لا تتصدر أجندة العمل العسكري الفلسطيني المقاوم، ولا تشكل حالة تنافس وخصام مع حركة فتح كما هو حال العلاقة مع حركة حماس، مما لا تبدو معه أية غضاضة فتحاوية في التنسيق معها، والتعاون سوياً في ميدان العمل العسكري دون أية حساسيات، بل إن كتائب شهداء الأقصى لم تتأخر في الإبراق برسالة تهنئة إلى سرايا القدس عقب تنفيذها لإحدى العمليات الجهادية مؤخراً، وهو أسلوب لم تعتد كتائب شهداء الأقصى اعتماده حصرياً إلا مع سرايا القدس، ولأهداف واضحة، دون أن تبادر لاتخاذه أو القيام به مع أي فصيل مقاوم آخر.(1/146)
وبموازاة العلاقة التنسيقية الحسنة التي تربط كتائب شهداء الأقصى بسرايا القدس، فإن علاقتها بكتائب القسام تتأرجح بين حين وآخر، إلا أن التوتر كان السمة الغالبة في الآونة الأخيرة إثر إقدام كتائب شهداء الأقصى على تبني العملية الاستراتيجية التي نفذتها كتائب القسام بتدمير موقع محفوظة "أورحان" الموقع العسكري الصهيوني قرب خانيونس، فقد أصدرت كتائب شهداء الأقصى بتاريخ 30/6/2004م بياناً قاسياً وصفت فيه بعض أقوال وتصريحات كتائب القسام بالكذب والافتراء، مؤكدة أن أسلوب كتائب القسام يسيء لوحدة الدم الفلسطيني، وأن ما صدر عن كتائب القسام لن يجلب لهم إلا الضعف والوهن.
ورغم الآمال التي عوّل عليها البعض في مزيد من التنسيق والشفافية والتكاتف بين فصائل العمل المقاوم، فإن الخلفية السياسية والميدانية لحركة فتح، وسواها، لا تزال تقف حجر عثرة في هذا الاتجاه، وكابحاً أساسياً في وجه مثل هذه الطموحات.
ويمكن حصر أهم العمليات العسكرية والشخصيات الخاصة بكتائب القسام التي تبنتها كتائب شهداء الأقصى في الانتفاضتين: الأولى والحالية، وذلك على النحو التالي:
1- عملية "جاني طال" بتاريخ 30/1/1993م:
سبق ذكرها في تبني حركة الجهاد وصقور فتح إبان الانتفاضة الأولى للعملية.
2- عملية حاجز "سردا" العسكري بتاريخ 2/11/2001م:
فقد قام مقاومون من كتائب القسام باستهداف الحاجز العسكري القريب من قرية شمال رام الله، مما أدى إلى مصرع جندي صهيوني.
من جانبها تبنت كتائب شهداء الأقصى هذه العملية.(1/147)
وبقي الأمر على هذا الحال حتى ألقت قوات الاحتلال الصهيوني القبض على أفراد خلية تابعة لكتائب القسام مكونة من 21 عضواً يقودها القائد المجاهد إبراهيم حامد، وتنقسم إلى ثلاث مجموعات، وسميت بـ"خلية كوبر وسلواد والمزرعة الشرقية" لانحدار معظم أفرادها من هذه المناطق الثلاث، وقد وجهت إلى أفراد الخلية اتهامات بالوقوف خلف العديد من العمليات النوعية، منها المسئولية عن هذه العملية.
3 - عملية "عمانوئيل" الأولى بتاريخ 12/12/2001م:
في عملية مزدوجة ونوعية نفذها ثلاثة من مجاهدي كتائب القسام علي حافلة للمستوطنين قرب مستوطنة "عمانوئيل" يوم الأربعاء 12 ديسمبر 2001م في منطقة نابلس، كانت عبوات المجاهدين بانتظار الحافلة التي تقل المستوطنين إلى المستوطنة قادمة من الأراضي المحتلة عام 48، وما أن وصلت الحافلة إلى بوابة المستوطنة حتى كانت العبوة لها بالمرصاد. وبعد دوي الانفجار هرعت إلى مكان الانفجار سيارات الأمن الصهيوني والإسعاف، وفي تلك اللحظة كان المجاهدون الثلاثة قد كمنوا في أحد الأماكن القريبة، ليفتحوا نيران أسلحتهم الرشاشة، ويلقوا سيلاً من القنابل اليدوية على الصهاينة الذين تجمهروا في المنطقة، الأمر الذي أدى إلى سقوط عشرة قتلى في صفوفهم وجرح أكثر من ثلاثين بجراح مختلفة، حيث وصفت جراح عشرة من الجرحى بأنها خطرة.
وقد اعترفت مصادر عبرية أن الحافلة الصهيونية وسيارة الإسعاف لم تكونا محصنتين ضد الرصاص، الأمر الذي يفسر عدد الإصابات الكبير، وقد نتج عن هذه العملية استشهاد أحد المجاهدين فيما انسحب الآخرين من الموقع بسلام.(1/148)
وقد تحولت المنطقة إلى ثكنة عسكرية ضخمة بعد أن احتشدت فيها عشرات سيارات الجيش والأفراد المشاة، بتغطية كبيرة من مروحيات "الأباتشي" وطائرات الـ"إف 16"، الذين عملوا على إطلاق كميات كبيرة من القنابل المضيئة التي حولت ليل المنطقة إلى نهار، لتقوم قوة كبيرة من الجنود بتمشيط المنطقة بدقة بحثا عن المجاهدين المنسحبين من المنطقة.
كتائب القسام تبنت العملية، وقالت أن المجاهد الذي ارتقى إلى العلا شهيداً، هو الشهيد القسامي البطل عاصم يوسف ريحان 22 عاما من قرية تل قضاء نابلس.
وكان قد سبق إعلان كتائب القسام، قيام كتائب شهداء الأقصى بإعلان مسئوليتها عن تنفيذ العملية عبر تسجيل تلفزيوني لأحد عناصرها، أوردته محطات التلفزة والفضائيات، حين كان الاعتقاد السائد أن العملية لم يكن فيها استشهادي، وبأنها نفذت بالأسلحة الرشاشة، مما يسهل تبنيها، إلا أن وجود شهيد في سياق تنفيذ العملية أحرج كتائب شهداء الأقصى التي التزمت الصمت بعد ذلك.
4 - عملية عين عريك بتاريخ 19/2/2002م:
في هجوم مسلح بتاريخ 19 فبراير 2002م على حاجز "عين عريك" العسكري غرب رام الله، تم قتل ستة من الجنود الصهاينة وإصابة سابع بجروح.
وقد أعلنت كتائب القسام مسئوليتها عن تنفيذ العملية، فيما أعلنت – كذلك- كتائب شهداء الأقصى مسئوليتها.(1/149)
وبقي الأمر عائماً على هذه الشاكلة، لا يوجد دليل لدى كل طرف على قيامه بتنفيذ العملية، إلى أن قامت قوات الاحتلال باعتقال مسئول المجموعة التي نفذت الهجوم، وهو المجاهد أكرم قاسم من مخيم جباليا، الذي كان يدرس آنذاك في مدينة رام الله، وينتمي في ذات الوقت إلى كتائب القسام، وقد وجهت إليه سلطات الاحتلال الاتهام بالوقوف خلف هذه العملية(1).
الجدير ذكره أن إحدى مجموعات كتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية قد أصدرت بيانا إثر حدوث إشكالية التبني، نفت فيه صلتها بتنفيذ العملية، وأكدت أحقية كتائب القسام في تبنيها، إلا أن مجموعة أخرى من كتائب شهداء الأقصى سارعت لتأكيد صلتها بتنفيذ العملية.
5- عملية مستوطنة "ريمونيم" بتاريخ 16/11/2002م:
فقد قام مقاومون من كتائب القسام بقتل مستوطنة وإصابة أربعة مستوطنين آخرين بجروح قرب مستوطنة "ريمونيم" شرق رام الله.
وقد تبنت كلٌ من كتائب شهداء الأقصى وكتائب الشهيد خالد عكر التابعة للجبهة الشعبية / القيادة العامة العملية بشكل مشترك.
وبقي الأمر على هذا الحال حتى ألقت قوات الاحتلال الصهيوني القبض علي أفراد خلية تابعة لكتائب القسام سميت بـ"خلية كوبر وسلواد والمزرعة الشرقية" لانحدار معظم أفرادها من هذه المناطق الثلاث، وقد وجهت إلى أفراد الخلية اتهامات بالوقوف خلف العديد من العمليات النوعية، منها المسئولية عن هذه العملية.
6- عملية عين يبرود بتاريخ 19/10/2003م:
__________
(1) ذكرت صحيفة معا ريف الصهيونية بتاريخ 25/7/2004 في مقال لعميت كوهين بعنوان: "المهندس الأخطر لدى حماس"، ويقصد هنا عبد الله البرغوثي قائلاً: "بعد عملية إطلاق النار ضد حاجز الجيش الإسرائيلي في عين عريك واغتنام عدد من سلاح الجنود الإسرائيليين ذهب عبد الله البرغوثي لمروان البرغوثي القائد المعروف في حركة فتح قائلا:إن كنتم معنيين بهذه العملية إذن فلتأخذوا السلاح كدليل".(1/150)
نفذت كتائب القسام مساء يوم الأحد 19/10/2003م عملية نوعية سميت بعملية "عين يبرود"، نسبة إلى قرية عين يبرود التي تقع شمال مدينة رام الله في الضفة الغربية.
لم تكن عملية" عين يبرود" بالعملية العادية، صحيح أنها اعتيادية جدا مقارنة بالمشوار المميز لبطولات كتائب القسام، لكن تبقى بصمات التميز واضحة جداً عليها، إذ تعلو فيها مدلولات عظيمة عن جرأة مقاتلي كتائب القسام وجبن الصهاينة، فقد تمكن مقاتلو كتائب القسام من إطلاق النار على جنود الدورية الأربعة من مسافة صفر تقريباً، فبعد أن أمعنوا فيهم قتلاً دون أن يطلق الجنود الذين تملكهم الرعب طلقة واحدة، اقترب عناصر القسام بكل رباطة جأش من الجنود القتلى، وصادروا ما بحوزتهم من سلاح، وهو عبارة عن أربعة قطع من نوع "إم 16" مطورة، رغم أن الجندي الرابع لم يكن قد فارق الحياة بعد، لتشكل بذلك أكبر إهانة لجنود الاحتلال الذين تملكهم الجبن الشديد, مما يبرز الفرق بين المقاتل المرتزق والمقاتل العقائدي(1)
__________
(1) لعل هذه العملية تعود بالذاكرة إلى عمليات قسامية أخرى كانت مقاربة لهذه العملية من حيث التخطيط ومن حيث القوة أيضا، منها علي سبيل المثال لا الحصر عملية عين عريك - والتي سبق ذكرها- والتي حدثت شهر آذار عام 2002م حين تمكن ثلاثة من مجاهدي كتائب القسام من اقتحام حاجز "عين عريك" قرب رام الله، وقتلوا ستة من الجنود الصهاينة من مسافة صفر، ثم غادروا المكان دون أن يجرؤ الجنود على إطلاق طلقة واحدة بعد أن تملكهم الخوف. كما تعود بنا الذاكرة كذلك إلى عام 1993م، وتحديداً إلى تاريخ 13/9 وكان يوماً مشهوداً يحمل مفارقات عجيبة، ففي الوقت الذي كان يتم فيه التوقيع علي اتفاقية أوسلو في حدائق البيت الأبيض، كان مجاهدو كتائب القسام بقيادة الشهيد عماد عقل قائد كتائب القسام آنذاك، والذي تصادف ذكرى استشهاده التاسعة يوم 24/11/2004م، ينفذون عملية نوعية في حي الزيتون في غزة، حينما أطلقوا نيران أسلحتهم الرشاشة علي دورية عسكرية مكونة من ثلاثة أفراد، وتمكنوا من الاستيلاء على أسلحتهم دون أن يطلق الجنود الصهاينة أيضاً أية طلقة، وقد وثقت كتائب القسام في حينه هذه العملية، ونشرت صور الجنود القتلى داخل سيارتهم العسكرية. كذلك لا ننسى عملية مستعمرة "جاني طال" في خانيونس شهر يناير 1993م، وعملية الخضيرة شهر مارس 1993م - السابق ذكرهما أيضاً-، وعملية عمارة العنبتاوي في نابلس شهر مايو 1993م، حيث تم قتل اثنين من الجنود في كل عملية والاستيلاء علي أسلحتهم بنفس الآلية، ناهيك عن عمليات خطف الجنود، إيلان سعدون، وآفي ساسبورتس، وآلون كرفاني، وفريدبرغ، ويهود روك، وإيلان ليفي، وفرنكتل، ونحشون فاكسمان، ونسيم توليدانو، وقتل ضابط المخابرات الصهيوني حاييم نحماني في عملية معقدة، والاستيلاء على أسلحتهم أيضاً. وسجل المقاومة الفلسطينية عموماً والسجل القسامي خصوصاً، حافل بمثل هذه العمليات النوعية التي هزت أركان الكيان المسخ نظرا لمستوى الإهانة التي وجهتها إلى هيبة الجندي الصهيوني.(1/151)
.
كتائب شهداء الأقصى تبنوا العملية وأعلنوا عن تنفيذهم لها بشكل مطلق, قبل أن تقوم كتائب القسام بإعلان الموثق عن هذه العملية بعد عرضها للبنادق الأربعة بأرقامها المسجلة عليها، وبعد مضي أشهر معدودات على تنفيذ العملية، ألقت قوات الاحتلال الصهيوني القبض علي أفراد الخلية القسامية التي نفذت العملية، وهي "خلية كوبر وسلواد والمزرعة الشرقية"، وقد وجهت إلى أفراد الخلية اتهامات بالوقوف خلف العديد من العمليات النوعية، منها المسئولية عن هذه العملية، وكان الدليل الأبرز علي وقوف كتائب القسام خلف هذه العملية التي تبنتها كتائب شهداء الأقصى دون وجه حق، هو عثور سلطات الاحتلال بحوزة أعضاء الخلية على بندقيتين من البنادق الأربعة التي كان قد استولى عليها مجاهدو القسام، وتم عرضها في الشريط المصور حين الإعلان عن العملية.
7- عملية تفجير الدبابة في بيت لاهيا بتاريخ 15/2/2003م:
وجه مجاهدو كتائب القسام ضربة قاسية إلى العسكرية الصهيونية، عندما دمروا أعتى دبابة في العالم من طراز "ميركفاه" بعبوة ناسفة صغيرة صباح يوم 15 فبراير 2003م، قرب مستوطنة "دوغيت" شمال قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل جنودها الأربعة.
كتائب القسام أعلنت مسئوليتها عن العملية، ووزعت شريطاً مصوراً للدبابة لحظة الاستهداف، وتحدثت الكتائب في بيان وزعته علي وسائل الإعلام عن حجم العبوة التي استخدمتها، وهي عبوة صغيرة تزن 25 كيلو جراماً من المتفجرات الحساسة، وكان هذا أهم ما ميز هذه العملية، إذ أن عملية التفجير كانت نوعية بشكل كبير، ذلك أن معظم العمليات السابقة التي تم فيها تفجير وتدمير تلك الدبابة كانت تشطر الدبابة من النصف، وبعبوة ضخمة، تزن أكثر من 100 كلغ من المتفجرات، لكن العبوة هذه المرة كانت صغيرة الحجم، وأسلوب تفجيرها يختلف، ويؤدي إلي تدمير الهدف الأساسي من تصنيع الدبابة التي قال مصممها الجنرال "إسرائيل تال" أنه يتمثل في حماية جنودها.(1/152)
وفي أول رد فعل علي هذه العملية النوعية أقدمت قوات الاحتلال الصهيوني على اجتياح مناطق شمال غزة، وقامت بنسف وتدمير منزل القائد القسامي المجاهد أحمد الغندور، الذي حملته سلطات الاحتلال المسئولية عن تفجير هذه الدبابة.
وبعد إعلان كتائب القسام بساعات قامت كل من كتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس بالإعلان المشترك عن تبني هذه العملية.
8- عملية مستوطنة "شوفات راحيل" بتاريخ 5/5/2003م:
فقد قام مقاومون من كتائب القسام باستهداف سيارة تابعة للمستوطنين الصهاينة قرب مستوطنة "شوفات راحيل" شمال شرقي رام الله، مما أدى إلى مقتل مستوطن وإصابة مستوطن وجندي آخرين بجروح بالغة.
وبقي الأمر على هذا الحال حتى قامت قوات الاحتلال باعتقال الخلية التابعة لكتائب القسام التي نفذت العملية، وهي "خلية كوبر وسلواد والمزرعة الشرقية"، وكان من جملة اعترافات أفراد الخلية قيامهم بتنفيذ العملية.
9- عملية مستوطنة "عوفرا" بتاريخ 11/5/2003م:
فقد قام مقاومون من كتائب القسام بقتل مستوطن صهيوني قرب مستوطنة "عوفرا" القريبة من رام الله.
وقد تبنت كلٌ من كتائب شهداء الأقصى وكتائب جهاد جبريل التابعة للجبهة الشعبية / القيادة العامة العملية بشكل مشترك.
وبقي الأمر على هذا الحال حتى قامت قوات الاحتلال باعتقال الخلية التابعة لكتائب القسام التي نفذت العملية، وهي "خلية كوبر وسلواد والمزرعة الشرقية"، وكان من جملة اعترافات أفراد هذه الخلية قيامهم بتنفيذ هذه العملية.
10- ادعاء انتماء الشهيد القسامي زكريا الصعيدي إلى كتائب شهداء الأقصى:(1/153)
داهمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال منطقة المغراقة جنوب مدينة غزة بتاريخ 27/6/2003م، حيث وقع اشتباك مسلح مع مجاهدين من عائلة الغول المجاهدة أدى إلى استشهاد اثنين ينتميان إلى كتائب القسام، وهما: عمران عمر الغول 27 عاماً نجل الأسير المجاهد عمر الغول، وابن عمه محمد عدنان الغول 21 عاماً نجل القائد القسامي عدنان الغول, ومقتل جندي صهيوني (توجد بقايا جثته لدى حركة حماس ) وإصابة عدد من الجنود الصهاينة بجروح إثر تفجير عبوات ناسفة شديدة الانفجار لدى اقتحامهم المنزل المتحصنين فيه.
... وإبان المعركة توافد مجاهدون من مناطق أخرى لنجدة إخوانهم المحاصرين، واشتبكوا مع قوات الاحتلال مما أدى إلى استشهاد المجاهد محمد فرج أبو عطايا، والمجاهد زكريا الصعيدي، وبينما أعلنت سرايا القدس أن الشهيد أبو عطايا أحد عناصرها، أعلنت كتائب شهداء الأقصى أن الشهيد الصعيدي ينتمي إلى صفوفها، علماً بأنه ينتمي إلى كتائب القسام، ويحتل موقعاً تربوياً برتبة "نقيب" في جماعة "الإخوان المسلمين".
11- عملية مستوطنة "ريمونيم" بتاريخ 29/8/2003م:
فقد قام مقاومون من كتائب القسام بإطلاق النار على سيارة تابعة للمستوطنين الصهاينة قرب مستوطنة "ريمونيم" شمال رام الله، مما أدى إلى مقتل مستوطن وإصابة زوجته بجروح خطيرة.
من جانبها أعلنت كتائب شهداء الأقصى مسئوليتها عن تنفيذ العملية. وبقي الأمر على هذا الحال حتى قامت قوات الاحتلال باعتقال الخلية التابعة كتائب القسام التي نفذت العملية، وهي "خلية كوبر وسلواد والمزرعة الشرقية"، وكان من جملة اعترافات أفراد الخلية قيامهم بتنفيذ هذه العملية.
12- عملية قرية المغير بتاريخ 29/8/2003م:
فقد فتح مقاومون من كتائب القسام النار على سيارة تابعة للمستوطنين الصهاينة في قرية المغير مما أدى إلى مقتل مستوطن وإصابة مستوطنة بجروح خطيرة.
من جانبها أعلنت كتائب شهداء الأقصى مسئوليتها عن تنفيذ العملية.(1/154)
وبقي الأمر على هذا الحال حتى قامت قوات الاحتلال باعتقال الخلية التابعة لكتائب القسام في منطقة رام الله التي نفذت العملية، وهي "خلية سلواد"، وكان من جملة اعترافات أفراد هذه الخلية قيامهم بتنفيذ هذه العملية.
13- عملية تفجير النفق النوعية، موقع "أورحان" العسكري في حاجز المطاحن جنوب قطاع غزة بتاريخ 27/6/2004م:
... في عملية نوعية جديدة، ومتميزة عن كل ما سبقها من عمليات للمقاومة الفلسطينية، أعلنت مصادر عسكرية صهيونية أن عددا من الجنود الصهاينة سقطوا ما بين قتيل وجريح في العملية النوعية التي نفذتها مجموعات مكافحة الإرهاب في كتائب القسام بتاريخ 27/6/2004م، حيث نسفت المجموعة القسامية الموقع العسكري الصهيوني الإستراتيجي الذي يقع على مفترق المطاحن، والملقب بموقع "محفوظة" شمالي منطقة القرارة، وهو موقع عسكري صهيوني استراتيجي مقام على الأراضي الفلسطينية يربط بين شمال قطاع غزة وجنوبها، ومحصن بالدبابات والآليات العسكرية، وممتلئ بالجنود على الدوام، لحماية مرور المستوطنين و الدوريات العسكرية الصهيونية، فيما يعتبره المواطنون الفلسطينيون مصيدة لهم، حيث تم اعتقال الكثير منهم عبر هذا الحاجز، بالإضافة إلى إذلالهم عليه يوميا.
وقد أكدت كتائب القسام مسئوليتها المطلقة عن العملية. وأضافت الكتائب في بيان لها بتاريخ 27/6/2004م أن "وحدة مكافحة الإرهاب" التابعة لكتائب القسام تعلن مسئوليتها الكاملة عن قيامها بنسف و تفجير الموقع العسكري الصهيوني الإستراتيجي الذي يقع على مفترق المطاحن، و الملقب بموقع "محفوظة" شمالي منطقة القرارة، و الذي يعتبر ثكنة عسكرية حصينة تشرف على حماية مرور المستوطنين و الدوريات العسكرية في المنطقة، و ذلك اليوم الأحد الموافق 27/6/2004م الساعة9:43 مساءً.(1/155)
وأوضح البيان أن أبطال كتائب القسام البواسل استطاعوا الوصول لعمق هذا الهدف، و قاموا بتفجيره بكمية ضخمة من المتفجرات ذات القوة التدميرية الهائلة، منوهاً إلى أن عملية التفجير مصورة.
وفي وقت لاحق أذاعت الشريط المصور معظم الفضائيات ومحطات التلفزة العالمية، وعليه ختم وشعار كتائب القسام.
وأشار بيان كتائب القسام "أن هذه العملية هي أحد الردود على جريمتي اغتيال الشيخ الشهيد أحمد ياسين والقائد الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، كما تأتي رداً على مجازر العدو الصهيوني المتواصلة بحق أبناء شعبنا، والتي أرتكبها مؤخراً في رفح و نابلس وباقي مدننا ومخيماتنا الفلسطينية، مؤكداً أن الردود القسامية قادمة لا محالة.
وأهدت كتائب القسام العملية إلى جميع أبناء شعبنا على أرض فلسطين المحتلة و الشتات، و إلى أهلنا الذين هدمت بيوتهم و شردوا منها ظلماً وعدواناً.
تبني كتائب شهداء الأقصى للعملية عبر بيان مشترك:
وفي سابقة هي الأولى من نوعها في عمليات التبني صدر بيان مفاجئ بتاريخ 27/6/2004م يعلن مسئولية كتائب شهداء الأقصى المشتركة مع كتائب القسام في تنفيذ هذه العملية، وجاء في البيان أن كتائب الشهيد عز الدين القسام وكتائب شهداء الأقصى تعلنان مسئوليتهما المشتركة عن عملية تفجير الموقع العسكري الصهيوني المسمى بموقع "محفوظة" الجاثم علي أرضنا المغتصبة، مضيفاً بأن العملية تأتي للرد علي عملية اغتيال الشيخ أحمد ياسين والشهيد القائد نايف أبو شرخ والشيخ الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وكل الشهداء الأبطال.
كتائب القسام تؤكد انفرادها في العملية، وتستهجن أسلوب اختلاس العمليات:(1/156)
ومن جديد أكدت كتائب القسام في بيان لها بتاريخ 29/6/2004م أن عملية تفجير الموقع العسكري الصهيوني "محفوظة" هي عملية تنفرد بها كتائب القسام دون الاشتراك مع أي من فصائل المقاومة في التخطيط لها والتنفيذ، وأن من أعلنوا أنهم شركاء في هذه العملية لم يشاركونا فيها سوى بالإعلان الكاذب، مؤكدة أنهم "لم يكونوا على علم بأي من تفاصيلها أو وقتها أو مكانها وزمانها".
وقالت كتائب القسام في بيانها أنه "بعد عملية تفجير الموقع الصهيوني العسكري المسمى موقع "محفوظة" جنوب قطاع غزة، هذه العملية النوعية التي بدأ مجاهدو كتائب الشهيد عز الدين القسام التخطيط والإعداد لها منذ استشهاد الشيخ الإمام أحمد ياسين مباشرة، وبعد أن وفق الله تعالى المجاهدين في تخطيطها وتنفيذها بنجاح، تفاجئنا بأن مجهولين يتصلون بوسائل الإعلام، ويبلغونهم أن العملية مشتركة بين كتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى، واعتبرنا الأمر في بدايته لا يتجاوز خللاً وقع به بعض أعضاء كتائب شهداء الأقصى، فأصدرنا بياننا حول العملية وأعلنا مسئوليتنا، ولكننا تفاجئنا مرة أخرى بعد ساعات من تنفيذ العملية بصدور بيان مشترك بين كتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى، وتذيعه بعض وسائل الإعلام، فبادرنا بالاتصال بالكثير من وسائل الإعلام ومراسليهم، وأكدنا لهم جميعاً أننا لم نصدر بياناً مع أحد، وإننا لم نرَ أو نسمع بالبيان إلا من وسائل الإعلام فقط، وبادرنا بالاتصال مع إخواننا في كتائب الأقصى وسألناهم عمن يقف خلف هذا البيان، وكيف يزج باسم كتائب القسام في بيان مشترك لا نعلم عنه شيئاً، فأكد جميع من اتصلنا بهم عدم معرفتهم بالبيان ومن يقف خلفه، واتصلنا ببعض عناصر شهداء الأقصى الذين ظهروا في بعض وسائل الإعلام وتبنوا العملية بشكل مشترك، وسألناهم من خولهم بتبني العملية عنا، وكيف تم ذلك؟ فأكدوا أنهم لا يعلمون شيئاً سوى أنهم تلقوا أمرا بالإعلان عن العملية بشكل مشترك".(1/157)
وتابع البيان قائلاً: "ولكن الغريب والأعجب أن يقوم هؤلاء وبعد أن وزعت كتائب القسام شريط الفيديو ـ الذي يصور المجاهدين وهم يجهزون النفق والعبوات الناسفة ويتلون بيان خاص بكتائب القسام ـ أن يقوم هؤلاء المدعين بأخذ الشريط من وكالة أحد القنوات، ويقوموا بحذف شعار القسام عنه ووضع شعار شهداء الأقصى بدلاً منه، وحذف بعض اللقطات من الشريط ليبدوا وكأنه شريط مختلف"، مشيرة إلى أن تلك القناة معروفة لدى كتائب القسام، وأنه سيتم مراجعتها في الوقت المناسب.
وأعربت كتائب القسام عن استهجانها الشديد من هذا الموقف الخطير من بعض مجموعات كتائب شهداء الأقصى التي وقفت خلف هذه البيانات المدسوسة، والتشويشات ذات الخطر على سير خط الجهاد والمقاومة.
وأكد البيان أن "هذه الأساليب التي مارستها بعض مجموعات المقاومة في الفترة الأخيرة تمثل خروجاً عن شرف العمل العسكري النظيف والتنافس الشريف، ونرى في ذلك تشويها لصورة جهادنا أمام شعوبنا العربية والإسلامية التي ترى في جهادنا ومقاومتنا أشرف ظاهرة في هذا الزمان الذي هانت فيه أمتنا".
وطالب البيان جميع المخلصين من هذه الفصائل بضرورة التداعي لوقف هذا التدهور في تبني العمل المقاوم، وتشكيل لجان تحقيق نزيهة ونظيفة، وإعلان الحقائق على رؤوس الأشهاد.
وأكدت كتائب القسام ترحيبها بالعمل المشترك مع فصائل المقاومة الفلسطينية، إلا أنها أكدت في الوقت ذاته رفضها واستهجانها أسلوب اختلاس وسرقة عمليات المقاومة، بل الإصرار على تزييف الحقيقة، منوهة إلى أنه "أمر تكرر في الآونة الأخيرة".
حماس تدعو الصحفيين إلى تحري الدقة والصدق، وعدم الاستجابة للضغوط والتهديدات:
بدورها دعت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وسائل الإعلام والصحفيين إلى تحري الدقة و المصداقية، وعدم الاستجابة للضغوط والتهديدات التي تهدف إلى البلبلة والإرباك والمس سياسيا بمصداقية مقاومة الشعب الفلسطيني.(1/158)
وقالت حماس في رسالة وزعتها على مراسلي الفضائيات بغزة، و نشرت في صحف فلسطينية بتاريخ 30/6/2004م إن الشعب الفلسطيني تابع العملية البطولية التي نفذتها كتائب الشهيد عز الدين القسام في مفترق مغتصبة "غوش قطيف"، وعاش الجميع لحظات العز والفخار بهذا العمل الجهادي المبارك، وهذه القدرة الراقية في التخطيط والتنفيذ، ولكن الذي آلمنا ما ظهر في بعض الفضائيات التي نحترمها من تشويه للحقائق، أو تقارير تغيرت وتبدلت ما بين الخلط ثم الصفاء ثم العودة إلى الخلط مرة أخرى.
وأعربت حماس عن استيائها الشديد لهذا الخلط والتشويه الإعلامي، من خلال التقارير المتضاربة التي يبثها مراسلوا بعض الفضائيات، بعد أن باتت الحقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار حول المسئولية عن عملية تدمير الموقع العسكري الصهيوني الأحد 27/6/2004م، موثقة بالصورة الحية، والتي تبنتها كتائب الشهيد عز الدين القسام بمفردها.
وطالبت حماس المراسلين بتحري الدقة والصدق، وعدم قلب الحقيقة، وعدم الاستجابة للضغوط والتهديدات التي تهدف إلى البلبلة والإرباك والمس سياسياً بمصداقية مقاومة الشعب الفلسطيني، مشيرة أن الإعلامي والصحفي الذي يواجه نيران الاحتلال بصدره أولى به أن يحافظ على مصداقيته وشرف المهنة التي ينتمي إليها.
ويعزو بعض المراقبين سبب تبني كتائب شهداء الأقصى هذه العملية لأنها عملية نوعية.
وقد تميزت هذه العملية الاستراتيجية وفقا لتوصيفات وتأكيدات العديد من الخبراء العسكريون بالتالي:
1- حفر نفق بطول 400 مترا بإمكانيات بدائية.
2- مدّ خط كهربائي في داخل النفق حتى يتمكنوا من الرؤية داخله.
3- التفريعة الهندسية في نهاية النفق لحرية الحركة وتثبيت المتفجرات.
4- دخول المصور التلفزيوني في عمق النفق بهذه الجرأة، والتصوير الدقيق بالرغم من ضيق المكان والحركة، ووصول المصور إلى نهاية النفق لإتمام عملية التصوير الناجحة التي لا تقل بحد ذاتها عن العملية نفسها.(1/159)
5- نجاح سلاح الهندسة لكتائب القسام في تنفيذ وإتمام العملية بنجاح.
6- سرية العملية وقوة التنفيذ.
7- الإصرار على تنفيذ العملية بالرغم من صعوبة وعقبات التنفيذ.
... فضلاً عن الهوس الأمني الصهيوني جراء هذه العملية الناجحة، والأعراض المرضية النفسية التي ألمت بالجنود الصهاينة إثر تنفيذها، كل ذلك يشكل أسبابا كافية لبعض الأطراف داخل حركة فتح وكتائب شهداء الأقصى، لمنع تسجيل هذا السبق لكتائب القسام وحدها، لذا كان لابد من إفساد فرحتها، لكن الجديد هذه المرة يتعلق بادعاء التبني المشترك مع كتائب القسام، لصعوبة أو استحالة التبني المنفرد، وما سيرافقه من ارتباكات سياسية وإعلامية وميدانية لانعدام أدلة شهداء الأقصى في تنفيذ العملية، فكان التبني المشترك أسلوبا التفافياً أريد منه تحقيق الهدف والغاية، لكنه فشل في ملامسة مراده لدواعي الوعي المرتفع الذي يميز الساحة الفلسطينية حالياً.
وهنا نود التأكيد أن عمليات التبني إنما كانت تتم من خلال أجنحة محددة داخل شهداء الأقصى, حيث شاركت كتائب القسام مع أجنحة أخرى في عمليات بطولية, وقامت العلاقة ومازالت بينها على أساس من الاحترام المتبادل والتعاون لما فيه مصلحة الشعب والقضية.
المبحث الثالث
خلفية ميدانية
وتتمثل - بشكل محدود للغاية- في الجبهة الديمقراطية التي ثارت بعض الإشكاليات بينها وبين حركة حماس حيال تبني عدد من العمليات العسكرية ضد الاحتلال.
ورغم أن أسلوب تبني عمليات الغير فيما يتعلق بالجبهة الديمقراطية لم يتجاوز عملية واحدة إبان انتفاضة الأقصى، إلا أن جذور هذه الظاهرة يمتد إلى زمن الانتفاضة الأولى، حيث تبنت عدداً من العمليات العسكرية التي نفذتها حركة حماس آنذاك.(1/160)
ومع ذلك، فإن هذا الأسلوب لم يتحول إلى ظاهرة في صلب سلوك الجبهة الديمقراطية إبان انتفاضة الأقصى، فباستثناء عملية عسكرية وحيدة لم يعهد على الجبهة الديمقراطية أو جناحها العسكري كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية أي تبنٍ لعمليات الآخرين، مما يعني أن الجبهة الديمقراطية شبه نظيفة من هذا الاتهام، لولا الخطأ الوحيد الذي سقطت فيه، والذي لم يكن بالإمكان تجاوزه أو التغاضي عنه انسجاماً مع متطلبات الدقة الموضوعية.
... ففي تاريخ 16/7/2002م نفذت كتائب القسام عملية عسكرية ضد حافلة للمستوطنين الصهاينة أدت إلى مقتل 9 مستوطنين صهاينة وإصابة 20 آخرين بجروح، جراح 6 منهم خطيرة، قرب مستوطنة "عمانوئيل" القريبة من نابلس، حيث تمكن مجاهدو القسام من الفرار والانسحاب بعد تنفيذ مهمتهم بسلام، وذلك في ذات المكان الذي نفذت فيه كتائب القسام عملية استشهادية أخرى قبل سبعة أشهر من هذه العملية، والتي نفذها الاستشهادي عاصم ريحان وأسفرت عن سقوط 10 قتلى في صفوف المستوطنين وإصابة 30 آخرين بجروح مختلفة.
ورغم تبني كتائب القسام للعملية في بيان عسكري إلا أن كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية الجناح المسلح للجبهة الديمقراطية قامت بدورها بتبني هذا الهجوم عبر بيان رسمي أيضاً لا زال موجوداً على موقع الجبهة الإلكتروني حتى اللحظة.
وإثر العملية قامت قوات الاحتلال الصهيوني بإعلان حالة الاستنفار، ونشر قواتها بكثافة، حيث مشطت المكان، ولاحقت منفذي الهجوم باستخدام المروحيات والآليات العسكرية المختلفة، حتى تمكنت من محاصرة ثلاثة من أفراد الخلية التي نفذت الهجوم، واشتبكت معهم بشكل عنيف، مما أدى إلى مقتل ضابط صهيوني وإصابة 3 جنود آخرين، واستشهاد مقاتل من كتائب القسام، هو الشهيد عاصم عصيدة 22 عاماً من قرية تل قضاء نابلس، فيما تمكن باقي أفراد المجموعة من العودة بسلام.(1/161)
... ورغم هذه الحقائق والوقائع لا زالت الجبهة الديمقراطية تصر على تبنيها للعملية من خلال بيانها الرسمي الذي يحويه موقعها الإلكتروني، وكأن شيئاً لم يكن؟!
انتهى
التوصيات
في ضوء ما سبق من عرض للأخطار والمحاذير التي هددت ولا تزال ساحة العمل الوطني الفلسطيني، وتحليل لما يتصل بهذه الظاهرة من أسباب وخلفيات، فإننا نضع بين يدي شعبنا هذه التوصيات، علّها تجد من، يلتفت إلى أهميتها، ويضع اللبنة الأولى في جدار معالجة وطنية حقيقية لهذه المعضلة وتأثيراتها البالغة على الكيان الفلسطيني، وعلاقاته الداخلية.
أولاً: التداعي لعقد حوار وطني، تشارك فيه كافة القوى والفصائل الوطنية والإسلامية المقاومة، للتباحث في كيفية القضاء على هذه الظاهرة، من خلال ميثاق شرف وطني عام، توقع عليه كافة القوى الفاعلة، ويكون ملزماً للموقعين عليه، بحيث يضع الحلول والمعالجات المطلوبة، والآليات اللازمة لتطبيقها، وذلك استناداً إلى أوراق عمل معدة بعناية، تحتكم إلى المنهجية العلمية والمصلحة الوطنية، وتشكيل لجان متابعة ذات صلاحيات منبثقة عن هذا الحوار، تختص بمراقبة ومتابعة أداء الفصائل الفلسطينية فيما يتعلق بالظاهرة، وحصر واحتواء أية إشكاليات قد تصدر عن هذا الفصيل أو ذاك، ودفنها في مهدها، واتخاذ ما يلزم من تدابير لإظهار الحقيقة، بشكل فاعل وقوي.
ثانياً: البدء في حملة توعية وطنية شاملة لكشف مخاطر هذه الظاهرة، وآثارها السلبية على جهاد الشعب الفلسطيني وعلاقاته الوطنية، من خلال تشكيل لجنة عامة تشمل كافة المؤسسات والقوى والشخصيات القادرة على القيام بهذه المهمة، وتتولى الإشراف على توعية الجمهور الفلسطيني وتحذيره من المخاطر التي تستهدف ساحته الجهادية والنضالية، ومن ضمنها هذه الظاهرة، على أن تلقى دعماً وطنياً، وأن تيسر لها سبل العمل والإنجاز.(1/162)
ثالثاً: قيام كل فصيل بالاحتكام إلى ضميره الشرعي والوطني، والانحياز إلى منطق الحق والعدالة والموضوعية، والمباشرة في حملة توعية داخلية، بغية طمس هذه الظاهرة، والعمل على تلقينهم مبادئ التسامح والانفتاح، والتحلي بالروح الجماعية واستيعاب الآخر الوطني، وتقبل رأي وجهود الآخرين.
رابعاً: ضرورة قناعة الجميع أن أي إنجاز لفصيل ما على الصعيد الجهادي الميداني هو إنجاز للشعب الفلسطيني, وقضيته العادلة, وأن الأمر لا يتعلق بسجال ومسارعة إلى تسجيل المواقف وتعبئة السجلات بهذا العدد أو ذاك من العمليات، بل يتعلق بأعمال جهادية شريفة، تستهدف خدمة الوطن وقضيته ومصالحه العليا العادلة أولاً وأخيراً.
ملاحق/
* بيان توضيحي..صادر عن كتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس
خاص ـ نداء القدس
نفت كتائب الأقصى في بيان مشترك مع سرايا القدس ظهر اليوم السبت ما تناقلة بيان وزع على وسائل الإعلام باسم كتائب القسام وكتائب الأقصى حول تشكيل لجنة تقصي حقائق حول ما حدث في حي الزيتون. ودعى البيان الأذرع العسكرية كافة الى التكاتف وإلى المزيد من الإبداع في تلقين العدو الصهيوني الضربات القاسية. وهذا نص البيان المشترك:
بسم الله الرحمن الرحيم
يا جماهير شعبنا المجاهد…
تحية لكم وأنتم تسطرون أروع معاني البطولة والفداء وتثبتون بصمودكم وإرادتكم الفولاذية بأنكم أهل الانتصار على آليات العدو المتطورة والهمجية..
يا أبناء الانتفاضة المجيدة…
نعلن نحن في كتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس استهجاننا واستغرابنا من بيان قد تم تعميمه على بعض المواقع باسم كتائب شهداء الأقصى وكتائب الشهيد عز الدين القسّام بتاريخ اليوم (السبت 15/5/2004م)، يوضح فيه بأنه تم تشكيل لجنة تقصي حقائق حول ما حدث في حي الزيتون الصامد وأن العملية البطولية التي أدت إلى قتل ستة جنود صهاينة في حي الزيتون هي من تنفيذ الأخوة في كتائب عز الدين القسّام، ومن هنا نوضح للجميع التالي:(1/163)
1ـ أنه لا توجد لنا أي علاقة في ذلك البيان لا من قريب ولا من بعيد.
2ـ تأكيدنا لما جاء في المؤتمر الصحفي المشترك بين سرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى حول هذه العملية البطولية، وإجراؤنا التفاوض على أشلاء الجنود الصهاينة رغم أنف قادة العدو مقابل الانسحاب الصهيوني من حي الزيتون واسترجاع جثامين شهدائنا الأبطال المحجوزة لدى الكيان المسخ.
3ـ أنه لم يتم تشكيل لجنة تحقيق مشتركة من أصله حول ذلك.
4ـ إننا في كتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس ندعو كافة الأذرع العسكرية للتكاتف ونأمل المزيد من الإبداع في تلقين العدو الصهيوني الضربات القاسية.
والله أكبر والنصر لشعبنا وأمتنا
سرايا القدس
الجناح العسكري لحرك الجهاد الإسلامي
كتائب شهداء الأقصى
الجناح العسكري لحركة فتح
15 أيار 2004م الموافق 26 ربيع الأول 1425 هـ
المصدر : خاص نداء القدس 15/5/2004، 19:50
* سرايا القدس تقلد أوسمة البطولة والشجاعة لمجاهديها في قطاع غزة
بسم الله الرحمن الرحيم
? فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ?
بيان عسكري صادر عن سرايا القدس
تعلن سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أن قيادة السرايا منحت الأوسمة التالية لمجاهديها الأبطال:
1 ـ وسام البطولة والشجاعة للمجاهد البطل الذي تمكن أول أمس من إصابة مدرعة صهيونية بقذيفة (أر.بي.جي) مما أدى إلى تفجير المدرعة التي كانت تحمل طناً من المتفجرات فانفجرت وأدت إلى تدمير كامل الرتل المدرع المكون بالإضافة إلى المدرعة، من دبابة وجرافة من سلاح الهندسة الصهيوني، وذلك على الشريط الحدودي في رفح أو ما يسمى «محور فيلادلفي» الذي سماه العدو «محور جهنم»، بعد هذه العملية البطولية التي اعترف فيها بمقتل خمسة من ضباطه وجنوده وإصابة ستة آخرين.(1/164)
والجدير بالذكر أنه بعد ليلة من التخبط من هول الصدمة، وتضارب الروايات الصهيونية حول تفاصيل العملية البطولية النوعية، عادت قيادة العدو وأكدت الصورة النهائية لما جرى والتي تطابقت مع ما جاء في بيان سرايا القدس التي عودت جماهيرها على الكلمة الصادقة والطلقة التي لا تخطئ الهدف.
2 ـ وسام البطولة والتضحية للشهيد البطل محمد فوزي المدهون، من سرية الشهيد البطل عزيز الشامي التي تمكنت من تفجير المدرعة الصهيونية في حي الزيتون، بعبوة تزن خمسين كيلوغراماً من المتفجرات، وقتل ستة جنود صهاينة كانوا على متنها.
وقد استشهد المجاهد البطل محمد المدهون في اليوم التالي للعملية البطولية أثناء تصديه مع مجاهدي شعبنا البواسل لقوات الاحتلال في حي الزيتون.
جهادنا مستمر وعملياتنا متواصلة بإذن الله، ?وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون?
سرايا القدس
الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي
25 ربيع الأول 1425هـ
الموافق 14-5-2004م
المصدر : خاص نداء القدس 14/5/2004، 16:24
* بيان صادر عن سرايا القدس الحقيقة كل الحقيقة عن عملية الزيتون البطولية
بسم الله الرحمن الرحيم
"إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص" صدق الله العظيم
بيان صادر عن سرايا القدس
الحقيقة كل الحقيقة عن عملية الزيتون البطولية
يا جماهير شعبنا وأمتنا
في الوقت الذي تصب طائرات العدو جحيم نيرانها لاستهداف أبناء شعبنا ورموزه ومجاهديه، كم هو مؤسف ومؤلم أن نجد من يسعى لاستنزاف طاقاتنا وجهودنا في الرد على ادعاءات مختلقة وبيانات تنافي الحقيقة تصدر عن إخوة ورفاق لنا في خندق الجهاد والمقاومة.
إننا في سرايا القدس إذ نعبر عن عظيم استهجاننا واستغرابنا لما جاء في البيان المنسوب لكتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى التي نفت علاقتها بالبيان وما جاء فيه، فإننا نود أن نضع الحقائق التالية أمام جماهير شعبنا وأمتنا حول ما جري إشاعته وترويجه في ذلك البيان!(1/165)
1 ـ إننا نؤكد مجدداً ما جاء في البيان المشترك لكتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس الذي صدر بالأمس 15/5/2004، أنه لم يتم تشكيل لجنة مشتركة للتحقيق في تبني عملية الزيتون، ولم تجتمع اللجنة المزعومة لصياغة "ميثاق شرف حول العمليات" كما يدعي البيان!
2 ـ إننا بعد نفي كتائب شهداء الأقصى لعلاقتها بهذا البيان من قريب أو بعيد، يؤسفنا ويحزننا أن يلجأ الأخوة في حماس إلى إلصاق مواقفهم ورغباتهم بآخرين لا علاقة لهم بذلك، وبعضهم لم يسمعوا بما نسبته حماس لهم. ففي البيان المزعوم وغيره من البيانات التي صدرت عن الأخوة في حماس قيل إن إعلان مسؤولية حماس عن عملية الزيتون البطولية يأتي "بعد تحقيق اشتركت فيه الأجنحة العسكرية"!! وحين نسأل عن الأجنحة العسكرية المزعومة فلا نجد سوى كتائب القسام وكتائب الأقصى التي نفت علاقتها بالبيان وبالتحقيق المزعوم والمفبرك!!
3 ـ وإذا كان هناك تحقيق فعلاً، فأين هي وقائعه ومجرياته ومن هم أطرافه؟! هل هي كتائب القسام التي هي الخصم والحكم في آن؟ أم سرايا القدس المحكوم ضدها سلفاً وفي كل الأحوال؟! أم كتائب شهداء الأقصى التي نفت رسمياً علاقتها بلجنة التحقيق المزعومة؟! فما هي حقيقة ما جرى؟!(1/166)
للأسف إن ما حدث هو عملية استدراج كنا نتوقع أن لا ينزلق لمثلها من ينتمون لشرف الجهاد والمقاومة. فكل ما جرى أن أحد الأخوة من كتائب الأقصى، اتصل بأحد الأخوة من قادة السرايا الذي اعتاد لقاءه مع أخوة آخرين من كتائب القسام للتباحث حول عمل مشترك وتعاون في مجال المقاومة، وطلب أن يراه دون أن يخبره بالموضوع. لكن الأخ القائد من سرايا القدس عندما ذهب فوجئ بوجود أخوة آخرين من كتائب القسام من منطقة أخرى قالوا للأخ إن لدينا أخاً من كتائب القسام يقول إنه ضرب قذيفة آر بي جي، وفجّر المدرعة في حي الزيتون ومستعد لأن يقسم يميناً على ذلك! فكان رد الأخ القائد من سرايا القدس ونحن لدينا أخوة ثقات مستعدون لأن يقسموا بأنهم هم الذين فجروها بعبوة كما اعترف العدو وليس بقذيفة آر بي جي.
بعدها تحدث الأخوة عن وجود شاهد عيان يعزز رواية الأخ من القسام فكان رد الأخ ونحن أيضاً لدينا شهود عيان يشهدون أن سرايا القدس هم الذين تواجدوا في المكان وهم الذين قاموا بالتفجير.
هذا كل ما حدث مع الأخوة في كتائب القسام ووصفوه في بيانهم بـ "تفاصيل وإثباتات حول العملية" في هذا اللقاء الذي أسموه (لجنة) وهم الذين خططوا له دون تنسيق مسبق، ودون اتفاق على موضوع النقاش مع سرايا القدس، مستغلين علاقة بعضهم الطيبة بهذا الأخ وبالأخ من كتائب شهداء الأقصى. وقد انفض اللقاء دون الاتفاق على شيء وبقي كل طرف مقتنع بروايته.
4 ـ إن الأخوة الذين قالوا بأن لديهم أخ من كتائب القسام مستعد لأن يقسم اليمين بأنه فجر المدرعة بقذيفة (آر بي جي) نسوا أن بيان كتائب القسام قال بأن المدرعة دمرت "بصاروخ بتار" وليس بقذيفة (آر بي جي).. فأي الروايتين نصدق، رواية الآر بي جي أم رواية البتار، وكلاهما صادر عن كتائب القسام؟!(1/167)
5 ـ عند التدقيق فيما نسب إلى الشاهد الذي ذكره الأخوة تبين أن الشاهد يقول إن الأخ من القسام ضرب قذيفة آر بي جي على دبابة لها مدفع، أي دبابة ميركافاه، وليست ناقلة جنود، ويؤكد الشاهد أن الشاب ضرب القذيفة عندما أدارت الدبابة مدفعها في الجهة المعاكسة للشاب وطبعاً لم يحدث شيئاً لدبابة الميركافاه! مما يؤكد أن رواية الشاهد تناقض رواية الأخ في كتائب القسام المستعد لحلف اليمين!
6 ـ يبدو أن الأخوة لهذا السبب حاولوا إلصاق الحديث عن الميركافاه بسرايا القدس حيث قالوا إن سرايا القدس قالت في بيانها أنها دمرت "دبابة ميركافاه"، وأي شخص يرجع لبيان السرايا يجد أنها لم تذكر مطلقاً كلمة "ميركافاه".. نعم قالت دبابة بالمعنى الدارج في وصف الدبابات والمدرعات بأنها بالعموم دبابات، والشارع كله حتى الآن يتحدث عن تدمير دبابة في حي الزيتون.
7 ـ لم يكتف الأخوة في كتائب القسام بروايتي الآر بي جي وصاروخ البتار المتناقضتين، بل أضافوا رواية ثالثة غريبة وعجيبة أغفلها بيانهم ولم يأت على ذكرها! وهي أن أحدهم قال في لقاء الاستدراج إن الدبابة "فجرها أحد إخواننا بعبوة ولكن من منزله ولا نريد أن نكشف هذا الأمر ونريد أن يبقى سراً"!!
نحن إذن أمام ثلاث روايات مختلفة، فأيها نصدق وكلها صادرة عن الأخوة في كتائب القسام؟!
8 ـ لماذا لم يعلن الأخوة الرواية الثالثة ويؤكدوا عليها إذا كانوا مقتنعين في الخفاء أنها هي الحقيقة وهي المطابقة لرواية سرايا القدس؟! طبعاً هذا غير ممكن لأن هناك روايتين تمنعان ذلك، الأولى معلنة في البيان (صاروخ البتار) والثانية الآر بي جي مدعومة بحلف اليمين!!(1/168)
9 ـ إن الرواية الحقيقية التي ينكرها الأخوة رغم تأكيد العدو الصهيوني لها، هي رواية سرايا القدس التي قالت إن التفجير تم بعبوة تزن 50 كيلو غراماً من المتفجرات، وليس بقذائف صاروخية.. وهي رواية أكدها شهود عيان، وتأكدت من صدقها قيادة كتائب شهداء الأقصى من خلال مقاتليها على الأرض في حي الزيتون.
10 ـ يزعم البيان أن اللجنة اتصلت بالأخ القائد من سرايا القدس ودعته لحضور لقاء ثانٍ فرفض، ثم يتابع البيان أن اللجنة قررت استمرار التحقيق، وتوجهت إلى مكان العملية والتقت مع عدد من شهود العيان الذين تطابقت رواياتهم جميعاً مع ما سردته كتائب القسام!!
لم يخبرنا البيان من هي اللجنة التي استدعت الأخ من البداية؟! ومن سماها لجنة! وينسى الأخوة أن الأخ الذي التقى بهم من السرايا قد أخبرهم أن متابعة هذا الموضوع ليس من اختصاصه في سرايا القدس لأنها ليست في منطقته، وحدد لهم اسم الأخ القائد في السرايا المعني بهذا الأمر إذا أرادوا ذلك، وينسون أكثر أنهم في الوقت الذي كانوا يتصلون فيه بالأخ وبمسؤول السرايا في منطقة الزيتون، ويطلبون منهم استمرار النقاش حول الموضوع كانت السيارات تطوف الشوارع بالميكرفونات وتعلن مسؤولية حماس عن العملية، فلماذا النقاش بعد ذلك؟! هل كان المطلوب استدراج آخر لتسجيل المواقف وتفصيل اللجان المزعومة؟!
ولم يخبرنا البيان من هي اللجنة التي تابعت التحقيق؟! لماذا لا يقولوها صراحة أنهم هم اللجنة، وأنهم بكل أسف يريدون أن يلبسوا الآخرين أشياء هم يفصلونها على مقاسهم.. إن أي عاقل يقرأ بيان الأخوة في حماس يدرك أنهم هم الخصم والحكم في آن!!
11 ـ يزعم البيان المنسوب لكتائب القسام وكتائب الأقصى أن كتائب القسام هي التي صورت الجنود الصهاينة "وهم قتلى أمام الناقلة لحظة تفجيرها" ثم يضيف أن وسائل الإعلام بثت هذه الصور "دون الإشارة إلى أن التصوير وصلهم من كتائب القسام". أي أن الأمر سقط سهواً!!(1/169)
ويؤسفنا أن نقول إن هذا الكلام فيه استخفاف بعقول الناس.. لأن كل عاقل يمكن أن يسأل إذا كانت كتائب القسام هي التي صورت هذا الشريط، وأن التصوير كما يقول بيان الأخوة تم "لحظة التفجير" فلماذا لم يتم تصوير الانفجار نفسه؟؟!! وانتهت القصة وفرغنا من كل هذا الجدل؟!
ثم لو إن الأخوة في كتائب القسام هم الذين صوروا هذه الجثث لحظة التفجير، فلماذا تركوها على الأرض، ولم يأخذوا أشلاء هامة منها كما فعلت سرايا القدس.. ولماذا عادت كتائب القسام التي صورت الجثث ـ حسب زعم البيان ـ ثم جمعت بعض فتات اللحم وعرضتها أمام عدسات التلفاز؟!
ورغم أن الأخوة يتابعون وسائل الإعلام جيداً ويهتمون بما يقوله الإعلام، إلا أنهم على ما يبدو لم يسمعوا هذه المرة ما قاله المعلقون والمحللون العسكريون والسياسيون، وبالذات في إعلام العدو، من "أن حماس التي وعدت بشريط لا تملك شريطاً مصوراً بالعملية"!! لأن الحديث عن شريط يعني أن العملية كانت مدبرة وأن الأخوة في حماس كانوا يعرفون أن الدبابة ستمر من هذه النقطة بالتحديد وأن الكاميرا في انتظارها.. وهذا يعني أن الكاميرات يجب أن تكون بعدد العبوات المزروعة في الأرض أو بعدد البنادق في أيدي المجاهدين!!
12 ـ في الوقت الذي يقول الأخوة في كتائب القسام أن شريطهم، الذي لم يره أحد، قد سقط سهواً في الإعلام، وزعت سرايا القدس شريطاً عرضت فيه صور لأشلاء الجنود وحطام الدبابة التي أسرها أبطال السرايا. وقد منعت السلطة الصحفيين من عرض هذا الشريط على الفضائيات. لكن بعض الفضائيات عندما وصلها الشريط لم تستطع مقاومة إغراء "المادة الصحفية الدامغة" وقامت ببث لقطات من الشريط ليحسم الأمر، وليؤكد لكل من لديه أدنى شك أن أبطال السرايا هم من نفذوا عملية الزيتون.(1/170)
13 ـ بعد هذا التطور الإعلامي الذي حسم المسألة بشكل نهائي، فوجئنا ببيان ينتحل اسم سرايا القدس، ويزعم أنها تنفي مسؤوليتها عن العملية وتؤكد مسؤولية الأخوة في حماس!! البيان وصل الفضائيات فتجاهلته، باستثناء فضائية واحدة، لم تدقق في الأمر، فأذاعته عدة مرات في ساعات فجر الأربعاء 12/5، لكن عندما أصدرت سرايا القدس بياناً نفت فيه هذا البيان الكاذب والمفبرك، سحبت الفضائية الخبر الكاذب وأذاعت تأكيد السرايا من جديد على مسؤوليتها عن العملية. إننا حينها، ومن منطلق حسن الظن بإخواننا، ترفعنا عن اتهام الأخوة في حماس أن يكونوا وراء هذا البيان، حتى ولو من قبيل الفعل الطائش وغير المسؤول لبعض الشباب المتحمس.. لكن أي عاقل يسمع القصة ويدقق في المسألة لابد أن يسأل من هو الطرف صاحب المصلحة في نفي مسؤولية السرايا عن العملية وتأكيد مسؤولية الآخرين؟!
إن الإجابة الأقرب إلى العقل والمنطق محزنة ومؤسفة ونتمنى حتى هذه اللحظة أن لا نصدقها!
14 ـ إذا كان الأخوة في حماس مصرون على أنهم فجروا دبابة أو مدرعة في حي الزيتون، فمن حقهم أن يقولوا ذلك، لكن هي ليست حتماً ذات الدبابة المدرعة التي فجرتها سرايا القدس. ربما تكون دبابة أخرى على غرار الدبابة التي تحدث عنها بيان صدر عن كتائب القسام يوم الأربعاء 12/5 وقال إنه فجر دبابة في شارع صلاح الدين، قرب مسجد البنا بحي الزيتون، وأن الدبابة بمن فيها دمرت بالكامل وتناثرت حطامها في كل مكان.. لكن للأسف لم يسمع أحد عن هذه الدبابة ولم يأت العدو على أي ذكر لها!!
يا جماهير شعبنا الصامد المنكوب..(1/171)
إن ضراوة الحرب التي يشنها العدو المجرم بحق شعبنا يجب أن لا تسمح لنا مطلقاً، بإضاعة الوقت وإهدار الطاقات في أية مهاترات أو مماحكات لإثبات الذات أو التفاخر بالعمليات، ويعلم الله أننا ما كنا نتمنى أن نضيع وقتنا في كتابة حرف واحد مما جاء في هذا البيان، لكن القصة مع الأخوة في حماس حول تبني العمليات قصة طويلة ومؤسفة ومؤلمة لأنها تعكس منهجاً معروفاً منذ معركة الشجاعية عام 1987 مروراً ببيت ليد، وديزنغوف، وحيفا (راغب جرادات) وعملية الخليل البطولية الأسطورية التي نفذها ثلاثة استشهاديين من السرايا، وصولاً إلى عملية حي الزيتون.
إننا لا نريد الخوض في تفاصيل محطات التبني، ومازلنا نغلب المصلحة العامة ونؤثر التجاوز والصبر على ظلم ذوي القربى، لكن أدبيات الأخوة في حماس للأسف طافحة بما لا يطاق من تبنى عمليات الجهاد، وهي موجودة وموثقة لدينا، لكننا لسنا في معركة المحاججة حول أعمال أصبح منفذوها بين يدي الله سبحانه وتعالى.. فالله وحده هو الذي يحكم بيننا، ويظهر الحقيقة، مهما علا ضجيج المفاخرة والمباهاة واستعراض القوة..
في الختام، وبخلاف الإعلان المزعوم والمنسوب للأجنحة العسكرية دون علمها به، فإننا في سرايا القدس نؤكد على ما يلي:
أولاً: نبارك ونحيي جهاد ومقاومة كل الأجنحة العسكرية من كل الفصائل لأننا مهما اختلفنا نبقى جميعاً أخوة الجهاد والنضال ورفاق السلاح.
ثانياً: نؤكد وبالأدلة الدامغة التي سقناها هنا على أن عملية تفجير الدبابة الصهيونية في حي الزيتون والتي أسفرت عن مقتل ستة من جنود العدو هي من تنفيذ أبطال سرايا القدس.(1/172)
ثالثاً: إننا ندعو كافة فصائل المقاومة وأجنحتها العسكرية إلى التداعي فعلاً لصياغة "ميثاق شرف مشترك" ينظم العلاقة بين الفصائل ويضبط سياسة تبني العمليات. ونحن مستعدون لأن تتوحد كل الجهود في غرفة عمليات تضم كافة الأجنحة العسكرية وتتبنى العمليات باسم واحد مثل "المقاومة الوطنية الإسلامية" أو أي اسم يتم التوافق عليه.
وفي كل حال، يجب أن لا ننسى بأننا جميعاً مستهدفون من عدو لا يرحم، وإن التنازع بيننا لأي سبب لن يخدم إلا عدونا، وسيقودنا جميعاً إلى الفشل وذهاب الريح. قال تعالى: "وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".
سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي
27/ربيع الأول/1425هـ ـ 16/5/2004م
* بيان عسكري صادر عن كتائب شهداء الأقصى وكتائب الشهيد عز الدين القسام حول عملية مقتل الجنود الستة في حي الزيتون بغزة
يا جماهير شعبنا الفلسطيني المجاهد/(1/173)
بعد عملية حي الزيتون البطولية تداعت اللجنة المشتركة من كتائب الشهيد عز الدين القسام وكتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس والتي نسقت للكثير من العمليات الاستشهادية الكبيرة بينهم لصياغة ميثاق شرف حول العمليات وللتحقيق في تبني كل من كتائب القسام وسرايا القدس لعملية حي الزيتون البطولية وذلك حفاظاً على شرف وسمعة الجهاد الفلسطيني أمام العالم، وتم الاجتماع بين قادة كتائب القسام وشهداء الأقصى وسرايا القدس في تمام الساعة الواحدة من صباح يوم الجمعة 25 ربيع الأول 1425هـ الموافق 14/5/2004م وسرد الاخوة في كتائب القسام ما لديهم من تفاصيل وإثباتات حول العملية أمام اللجنة، وسرد الأخ القائد في سرايا القدس ما لديه حول الموضوع، ولم تكن حجته كافية فطلب مزيداً من الوقت، فحددت اللجنة الجلسة الثانية بعد صلاة عصر الجمعة من نفس اليوم لتكمل التحقيق بعد أن تم الاتفاق بأن تصدر الأجنحة العسكرية الثلاثة بياناً يظهر فيه نتائج التحقيق بعد اكتماله ويعلن فيه اسم الجهة المنفذة وفي الموعد المحدد للجلسة لم يحضر الأخ القائد في سرايا القدس فاتصلت به اللجنة ودعته للحضور حسب ما تم الاتفاق عليه سابقاً فرفض الحضور، عندها قررت اللجنة استمرار التحقيق وتوجهت إلى مكان العملية والتقت مع عدد من شهود العيان الذين تطابقت روايتهم جميعاً مع ما سردته كتائب القسام، واكد شهود العيان ان كتائب القسام هي من كان يتواجد في المكان لحظة تفجير الناقلة كما اكد شهود آخرون انهم شاهدوا منفذ العملية وهو احد أعضاء كتائب القسام لحظة الحادث بأم أعينهم.(1/174)
ومن ثم توجهت اللجنة إلى المجموعة التي فجرت الناقلة وسردت روايتها التفصيلية التي تطابقت تطابقاً تاماً مع ما رواه شهود العيان وما اكدته كتائب القسام إضافة الى تصوير كتائب القسام للجنود وهم قتلى امام الناقلة لحظة تفجيرها وهو ما بثته وسائل الإعلام دون الإشارة إلى ان التصوير وصلهم من كتائب القسام، وعليه فان اللجنة خلصت الى التالي:
اولاً: نبارك جهاد كل الاجنحة المجاهدة والمقاومة في كل الفصائل التي تصدت للعدوان الصهيوني على حي الزيتون وكبدته خسائر فادحة.
ثانياً: التأكيد على ان عملية تفجير ناقلة الجند في حي الزيتون التي ادت الى مقتل ستة من جنود العدو هي احدى عمليات كتائب الشهيد عز الدين القسام.
ثالثاً: تدعو اللجنة باقي فصائل المقاومة الى احترام سمعة وشرف الجهاد الفلسطيني وعدم تشويهه امام وسائل الاعلام.
وانه لجهاد نصر او استشهاد
كتائب شهداء الاقصى كتائب الشهيد عز الدين القسام
السبت 25 ربيع الاول 1425هـ الموافق 15/5/2004م
* بيان عسكري صادر عن كتائب الشهيد عز الدين القسام مقتل ستة جنود صهاينة.. وكتائب القسام توثق العملية بالتصوير
(( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ))
يا جماهير أمتنا العربية والإسلامية.. يا جماهير شعبنا الفلسطيني المجاهد:
بعون الله تعالى وتوفيقه تمكنت كتائب الشهيد عز الدين القسام من التصدي للاجتياح الصهيوني الغاشم لحي الزيتون بمدينة غزة، والذي بدأ تقريباً في تمام الساعة 12:30 من صباح اليوم الثلاثاء 21 ربيع أول 1425هـ، 11/05/2004م.
فقد تمكن مجاهدونا الأبطال من نصب كمين عسكري لناقلة جند صهيونية، حيث تم استدراج الناقلة لمنطقة زرعت بالعبوات شديدة الانفجار، ووجه صوبها صاروخ بتار، وما أن وصلت الناقلة حتى أطلق المجاهدون صاروخ البتار ومن ثم أتبعوه بتفجير العبوات من جميع الاتجاهات.(1/175)
وعقب هذه العملية البطولية اعترفت إذاعة العدو الصهيوني بمقتل ستة جنود صهاينة.
وبفضل الله تعالى تمكن المجاهدون من توثيق العملية بالتصوير، وسينشر في أقرب وقت ممكن بإذن الله تعالى، حيث يظهر في التصوير عدد من جثث الصهاينة مشتتة الأعضاء.
إننا في كتائب القسام وإذن نعلن مسؤوليتنا عن هذه العملية التي نسأل الله تعالى أن يتقبلها، لنرجو منه سبحانه أن يوفق مجاهدينا لما هو خير من ذلك.
وإنه لجهاد؛ نصر أو استشهاد
كتائب الشهيد عز الدين القسام
الثلاثاء 21 ربيع أول 1425هـ، 11/05/2004م
* أليكس فيشمان - يديعوت أحر ونوت، بتاريخ 25/8/2004م ( نتائج التحقيق في حادثتي تفجير المدرعتين في الزيتون ورفح)
"يتضح من التحقيقات أن القوات تجهزت لتهديد العبوات ولم تتجهز للصواريخ المضادة للدبابات. ويتضح من التحقيق أن القادة اخذوا بالحسبان إمكانية تشغيل عبوات ضد المدرعات, وكانت التقديرات أن هذا هو التهديد المركزي, وذلك في ظل الحقيقة انه في الماضي تم إطلاق صواريخ مضادة للدبابات باتجاه القوات الإسرائيلية ولكنها لم تنجح بإصابتهم. وكما يذكر في 11 مايو من هذا العام قتل 6 جنود من الجيش الإسرائيلي بسبب إطلاق صاروخ RBG باتجاه المدرعة التي أقلتهم أثناء نشاطاتهم في البحث عن وسائل قتالية في حي الزيتون في غزة. وبعد ذلك قتل 5 جنود بعد أن أصيبت مدرعتهم بصاروخ مضاد للدبابات على خط فيلادلفى".
* اولويات الجهاد:التاكيد على استمرار المقاومة،الوحدة الوطنية،عدم المشاركة في سلطة اوسلو
خاص – مراسل نداء القدس
يسر موقع "فلسطين اليوم" وذلك بالتعاون مع موقع "نداء القدس" أن يقدم لجمهوره وقرائه الأعزاء إجابات الدكتور رمضان عبد الله شلّح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، على أسئلة واستفسارات الجمهور، حيث جمعت لدينا وأرسلت للدكتور رمضان وقد أجاب الدكتور عنها مشكوراً.(1/176)
فقد أكد د. رمضان عبد الله أن حركة الجهاد الإسلامي تشكلت الحركة من الأساس كمنظمة فلسطينية انبثقت من الواقع الفلسطيني وحددت لنفسها هدفاً محدداً في البداية بأن تؤسس لخط الكفاح المسلح إسلامياً على أرض فلسطين تحديداً، وأن تتحمل تكاليف هذه المبادرة وتبعاتها على كل المستويات.
وقال: ان حركة الجهاد عندما نشأت كانت ضرورة وطنية وضرورة إسلامية.. وكانت حاجة فلسطينية بالدرجة الأولى، أي أنها تنظيم فلسطيني نشأ على خلفية اجتهاد وقناعة الطليعة المؤسسة لقتال المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، أي أنها ليست امتداداً لأي تنظيم خارج فلسطين.
من جهة ثانية شدد د. شلّح على ان وجود حركة الجهاد الإسلامي، ومعها حماس، وحزب الله في الأمة، هو الذي أنعش الأمل لدى جماهير الأمة وبشكل حسي وملموس، وأكد أن أمتنا ليست ضعيفة وقادرة على الفعل والإنجاز، إذا وجد فيها من لديه الاستعداد للتضحية إلى حد أن يتحول الإنسان إلى قنبلة بشرية..
الى ذلك أوضح د. شلح "أننا لا نخوض حرباً ثأرية مع العدو. بل نخوض صراعاً مفتوحاً ومستمراً ومريراً مع العدو، ترتفع وتنخفض وتيرته ضمن معطيات وظروف الواقع الميدانية، وقد أصبح لدينا قدر من التجربة التي تتيح لنا أن لا نعمل وفقاً لردات الفعل، بل وفق استراتيجية تحفظ لنا القدرة على امتلاك زمام المبادرة ولو بالحد الأدنى لتوجيه ضربات في أوقات وأماكن تحقق أفضل نتائج لضرباتنا وتضمن استثمار هذه الضربات..
وأكد الدكتور رمضان أن هدف العدو من التصعيد العدواني الذي يشهده قطاع غزة في هذه الايام هو رفع معنويات الشارع "الإسرائيلي" ورد الاعتبار لجيشه الذي قيل أنه لا يقهر ومرغت المقاومة أنفه بالتراب، وأجبرته سرايا القدس أن يحبو على أربع في معبر (فيلادلفي) يبحث عن فتات اللحم اليهودي.(1/177)
وفي هذا السياق اكد من جهة ثانية اكد د.شلّح ان عمليات سرايا القدس النوعية الاخيرة في "كوسوفيم" والزيتون ورفح انما جاءت بتوفيق من الله عز وجل، مشددا على مواصلة سرايا القدس ضرباتها في كل الأمكنة التي يتواجد بها العدو الصهيوني في ارضنا الفلسطينية المحتلة.
وفيما يلي نص الاسئلة والإجابات عليها.
بداية أشد على أياديكم وأتمنى لكم وافر الصحة وأود سؤال حضرتك؟ ما هي أولويات عمل الحركة في قطاع غزة فيما لو انسحبت قوات الاحتلال من قطاع غزة؟ وهل سيشارك أفرادكم في مؤسسات السلطة؟
ـ أولويات الحركة ستكون منسجمة مع استراتيجيتها المعلنة التي تنطلق من وحدة القضية الفلسطينية أرضاً وشعباً. بمعنى أننا لن نقبل ولن نسمح بتجزئة هذه القضية إلى ضفة وغزة ومناطق 48، وخارج وداخل، وغيره. فهل يعقل إذا انسحب العدو من غزة أن تتوقف المقاومة منها ونترك الاحتلال يستفرد بأهلنا وشعبنا في الضفة؟! لا أظن أن هذا يوافق المصلحة الفلسطينية، فضلاً عن المبادئ والثوابت وأخلاقيات وشرف الجهاد والكفاح الفلسطيني. لذلك، فنحن حددنا ثلاثة ثوابت أساسية تشكل أولويات الحركة في هذه المرحلة هي: المحافظة على المقاومة واستمرارها؛ التمسك بالوحدة الوطنية والتأكيد على حرمة الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني، وعدم المشاركة في سلطة أوسلو أو أية مؤسسات أو هيئات منبثقة عنها. وهناك حقيقة يجب أن لا نغفل عنها وهي أن الانسحاب، إذا تحقق، فيجب أن يعزز تمسكنا بها ويزيد من إصرارنا على مواصلتها لأن المقاومة هي السبب الوحيد لهذا الانسحاب وليس اتفاقات أوسلو وملحقاتها.(1/178)
الأخ الدكتور رمضان عبدالله شلّح أتمنى أن تكون بخير.. وسؤالي هو: في ظل التصعيد الشاروني الخطير والمتمثل بتصعيد حرب الاغتيالات ضد قادة ورموز المقاومة الفلسطينية والتي كان آخرها وأخطرها اغتيال القادة الشيخ ياسين ود. الرنتيسي، ما هي استعداداتكم لمثل هذا التصعيد؟ وهل تتلقون مساعدات أمنية من قبل النظام السوري بما أنكم تقيمون في دمشق؟
ـ أشكرك يا أخي على هذا السؤال لأن سياسة الاغتيالات التي وصلت إلى تصفية الشهيدين، الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، هي من أهم التحديات التي تواجه المقاومة في هذه المرحلة. ومواجهة هذا التحدي يتطلب أمرين أساسيين: الأول حماية الرموز السياسية وكوادر المقاومة من الاغتيالات، وهذا يتطلب أخذ أعلى درجات الحيطة والحذر. وهذا الأمر منوط بالأشخاص المستهدفين أمنياً فيجب أن يتعاملوا مع الموضوع بأعلى درجات الجدية، وعدم الاستهتار أو الاستخفاف بقوة عدونا في هذا المجال.. وهذا لا يعني أن نصبح مشلولين فنسمح للعدو أن يغتالنا ونحن أحياء، لكن في المقابل يجب أن لا نسمح لأنفسنا بأن نكون صيداً سهلاً لهذا العدو. الأمر الثاني المطلوب هو حشد طاقات وإمكانات كل فصيل وكذلك التنسيق الفعال بين مختلف الفصائل للقيام بعمليات نوعية للرد على جرائم العدو البشعة ضد شعبنا، لخلق ميزان ردع حقيقي معه، صحيح أننا لسنا في معركة ثأرية لكن عدم الرد على جرائم العدو يجعله يطمع بشعبنا ويرتكب المزيد من الاغتيالات والاعتداءات التي تؤثر سلباً على معنويات شعبنا وأمتنا. والمعروف أن الروح المعنوية العالية لشعبنا هي سلاحنا الاستراتيجي الأمضى في ظل اختلال ميزان القوة المادي مع العدو، فيجب المحافظة على هذا السلاح، سلاح المعنويات العالية، وهذا لا يتم إلا بتوجيه ضربات موجعة لهذا العدو وأنا متأكد أنها قادمة بإذن الله.(1/179)
أما فيما يتعلق بالمساعدات الأمنية من قبل الجهات الرسمية في دمشق، فنحن نثمن دور سوريا في تحملها كل الضغوطات بسبب وجودنا، لكننا لدينا طرقنا الخاصة في توفير مستلزمات الأمن الخاص بنا.
الأخ العزيز د. رمضان عبدالله شلّح، كيف تقيّمون الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد أكثر من ثلاث سنوات من عمر الانتفاضة المباركة؟ هذا من جهة، ومن جهة ثانية كيف تقيمون أداء حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ وإلى أي مدى نجحت حركة الجهاد في تحقيق أهدافها واستراتيجياتها التي انطلقت بناء عليها؟ وأخيراً أرجو أن تقدم لنا إجابة وافية وصريحة عن الدور الذي لعبته الجهاد الإسلامي في إثراء الساحة السياسية الفلسطينية؟ مع خالص الشكر والتقدير؟(1/180)
لا شك أن الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة صعب جداً.. فشعبنا يتعرض لحرب شاملة على كل المستويات، والعدو لم يترك وسيلة إلا استخدمها في محاولة لكسر إرادة شعبنا ومجاهديه وتحطيم معنوياتهم وإشعارهم باليأس من نهج الكفاح والمقاومة. هذه هي النقطة التي يتمحور حولها التحدي بيننا وبينهم. وهم يقولون صراحة يجب ضرب المقاومة الفلسطينية بكل قسوة، وعدم تقديم أي تنازل للفلسطينيين كي يقتنعوا أنهم لن يحصلوا على شيء عن طريق القتال.. لكن في المقابل، هل هم على استعداد لإعطائنا شيئاً عن طريق المفاوضات والتسوية؟ لقد رأينا كيف تعاملوا بلا مبالاة مع اتفاق أوسلو من البداية ورفع رابين شعار لا مواعيد مقدسة، بل لا شيء مقدساً في عملية التسوية، وخلال سنوات الانتفاضة تعاملوا مع سلطة الحكم الذاتي بازدراء، وبذلوا جهداً في تحطيمها، وحاصروا رئيسها لأنه لم يستمر معهم في اللعبة إلى آخر الشوط المقرر لها، وهو تصفية القضية، وتخليص الدولة اليهودية من أعبائها وتبعاتها.. والآن يحاولون إعادة ترميم ما تبقى من الأجهزة الأمنية للسلطة للقيام مجدداً بدور قمعي للمجاهدين والمقاومة في مقبل الأيام، لكن هل يقبل أو يسمح شعبنا بذلك؟!(1/181)
أما عن الشق الثاني من السؤال، الذي يتصل بأداء حركة الجهاد الإسلامي، وإلى أي مدى نجحت في تحقيق أهدافها واستراتيجيتها، فهذه أسئلة كبيرة لا يمكن الخوض فيها وتقديم إجابات مقنعة، دون أن نبدو كما لو كنا نسوق بضاعتنا أو نزكي أنفسنا وحركتنا. لكن هذا لا يمنع من تسليط بعض الضوء حول دور حركة الجهاد الإسلامي في تاريخ النضال الفلسطيني على مرحلتين أساسيتين: مرحلة تبدأ من بدايات نشأة الحركة في بداية الثمانينات حتى انطلاق الانتفاضة الأولى، والمرحلة الثانية من بداية عملية التسوية أو اتفاق أوسلو إلى اليوم. في المرحلة الأولى كان للطليعة التي أسست حركة الجهاد الإسلامي دوراً رائداً تجاه التيارين الأساسيين في الشعب الفلسطيني، التيار الإسلامي التي تعتبر حركة الجهاد جزءاً منه، والتيار الوطني العلماني بكل أطيافه الإيديولوجية والسياسية..(1/182)
لا أحد ينكر أن نشأة حركة الجهاد الإسلامي عملت على استفزاز همّة التيارين لاستحضار الأبعاد الغائبة لديهما. في الحركة الإسلامية، أضاف نشوء حركة الجهاد البعد الكفاحي، وممارسة الكفاح المسلح من منظور إسلامي، وفي الحركة الوطنية لم تطرح حركة الجهاد نفسها بديلاً عن الخط الوطني، بل جاءت لتدعم نضاله وتضيف له البعد الإسلامي الذي إن لم يظهر في نهج القيادة وخطها السياسي، أصبح واضحاً في القواعد اليوم، وانظر إلى بيانات وخطاب كتائب شهداء الأقصى، وحتى التنظيمات اليسارية، الشهداء في وصاياهم يتحدثون بالقرآن ويرفعون المصاحف، فالإسلام هو هوية الشعب والأمة، لكن الذي ساعد على اكتشاف هذه الهوية والعودة إلى الذات الإسلامية، هو الإسلام الحقيقي، الإسلام النضالي الذي يقول إن جواب الدين والإسلام على الاحتلال والاستعمار الأجنبي هو القتال بالسلاح وليس بالمهادنة، وهذا ما طرحته حركة الجهاد وصقلت به وعي الحركة الإسلامية عملاً لا قولاً. هذا في طور النشأة الذي قاد إلى الانتفاضة الأولى التي شهد العدو والصديق بدور حركة الجهاد الإسلامي في إشعال شرارتها الأولى، لاسيما في معركة الشجاعية في 6/10/1987.(1/183)
المرحلة الثانية والتي لا تقل خطورة وهي مرحلة ما بعد أوسلو.. إن صمود حركتي الجهاد الإسلامي وحماس في تلك المرحلة هو الذي حفظ القضية الفلسطينية من الضياع. لقد كان هجوم خيار التسوية والاستسلام كاسحاً وتعرضت حركتا الجهاد وحماس لأذى كبير بعد أوسلو، لكن تمسكهما بخيار المقاومة وعدم انخراطهما في لعبة التسوية بأي شكل من الأشكال، هو الذي أمنّ للشعب الفلسطيني مخرجاً من ورطة التسوية، عندما وصلت إلى طريق مسدود في قمة كامب ديفيد الثانية، عشية الانتفاضة الراهنة. لولا وجود تيار في الشعب الفلسطيني رفع شعار "المقاومة هي الحل" لما استطاعت حركة فتح أن تجد لها منفذاً تخرج منه لتؤسس "كتائب شهداء الأقصى" وتعود إلى الكفاح المسلح كما لو كانت في الستينات.. صحيح أن الكفاح المسلح ليس هو الخيار الرسمي المعلن لفتح اليوم، لكن مجرد ممارسته والقول بمشروعيته بعد أوسلو تطور كبير لا يمكن إغفاله، بل عن تأسيس "كتائب شهداء الأقصى" والدور البطولي الذي قامت به في الكفاح المسلح ربما كان التطور الأهم في هذه الانتفاضة لأن فيه خلط للأوراق أربك من راهنوا أن تصبح فتح حزب سلطة وكفى! وخلال هذه الانتفاضة استطاعت حركتا حماس والجهاد ومعهما كتائب شهداء الأقصى وبقية قوى المقاومة تعميق خيار المقاومة وإنعاشه في مواجهة خيار التسوية الذي يقبع في ثلاجة الموتى، لكن أمريكا لا تسمح بدفنه حتى الآن، ومازال لديها أمل في إحيائه ليس من أجل إنصافنا، بل من أجل إعلان موتنا نحن وموت قضيتنا، وإحياء مشروع التسوية على جثة القضية الفلسطينية، والبوادر واضحة في وعد بلفور الأمريكي الذي قدمه بوش لشارون وشطب حق العودة وأكد على شرعية الاستيطان..(1/184)
على الصعيد العربي والإسلامي، فإن وجود حركة الجهاد الإسلامي، ومعها حماس، وحزب الله في الأمة، هو الذي أنعش الأمل لدى جماهير الأمة وبشكل حسي وملموس، وأكد أن أمتنا ليست ضعيفة وقادرة على الفعل والإنجاز، إذا وجد فيها من لديه الاستعداد للتضحية إلى حد أن يتحول الإنسان إلى قنبلة بشرية..
وعلى الصعيد العالمي، فلا أحد ينكر تأثير الانتفاضة التي تعد الحركة أحد فاعليها الأساسيين، ودورها في زيادة التعاطف والتجاوب العالمي مع الشعب الفلسطيني والاحترام المتزايد الذي اكتسبه شعبنا، والاحتقار المتزايد للكيان الإسرائيلي وهذا ما أكدته استطلاعات الرأي في أوروبا وحتى في الولايات المتحدة.
باختصار شديد يمكننا أن نقول إن حركة الجهاد الإسلامي، بفضل الله سبحانه وتوفيقه، قد غدت أحد ثلاث قوى رئيسية على الساحة الفلسطينية هي فتح وحماس والجهاد، وقد تأكد ذلك ليس فقط في مجال المقاومة والعمليات المسلحة النوعية التي قامت بها، آخرها بإذن الله، بل على صعيد الحركة السياسية والمواقف المسؤولة التي اتخذتها الحركة في مفاصل محددة وبرز هذا في حوارات القوى الفلسطينية في القاهرة وفي الداخل والخارج وفي مجمل الحركة السياسية الفلسطينية.
الأخ د. رمضان عبدالله شلّح، من خلال قراءتي لتاريخ حركتكم المشرف، تبين أنه كان لكم دوراً بارزاً وقيادياً في "أسلمة القضية الفلسطينية" و"أسلمة البندقية الفلسطينية" قبل أن يلحق بكم الآخرون، ولكن سؤالي لماذا لا نلحظ ذلك المد الجماهيري لحركتكم أسوة بحركة "حماس" وما هي أسباب ذلك؟ وهل توافق من يقولون بأن دور حركة الجهاد الإسلامي قد انتهى في ظل وجود حركة إسلامية ممتدة وذات قاعدة عريضة جداً تسير على ذات الخط الذي انتهجتموه، وأنه بات لزاماً عليكم الانخراط في بوتقة واحدة وتحت اسم فعلي واحد؟(1/185)
بداية أشكر الأخ السائل على ملاحظة الدور الريادي لحركة الجهاد الإسلامي، ليس فقط في أسلمة القضية أو البندقية الفلسطينية، بل في بلورة الأسس النظرية لتحديد موقع القضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة والحركة الإسلامية المعاصرة.
أما فيما يتعلق بالمد الجماهيري فقد تشكلت الحركة من الأساس كمنظمة فلسطينية انبثقت من الواقع الفلسطيني وحددت لنفسها هدفاً محدداً في البداية بأن تؤسس لخط الكفاح المسلح إسلامياً على أرض فلسطين تحديداً، وأن تتحمل تكاليف هذه المبادرة وتبعاتها على كل المستويات.. في تلك الفترة، لم تكن حماس كحركة مقاومة قد تأسست.. كان هناك الإخوان المسلمون كامتداد لحركة الإخوان العالمية، وأنا أشير لحركة الإخوان هنا لأن الطليعة التي أسست حركة الجهاد، بعضهم، وعلى رأسهم الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي جاءوا من الإخوان المسلمين، لكن صلتهم التنظيمية بالإخوان انقطعت منذ بدأ خطهم يتبلور كحالة مستقلة في الساحة الفلسطينية. لذلك إذا أردنا أن نتحدث عن المد الجماهيري فالمقارنة بين حماس والجهاد فيه ظلم كبير لحركة الجهاد ولا يلحظ الكثير من الفوارق. أولاً الأخوان المسلمون موجودون في فلسطين منذ ثلاثينات القرن العشرين. ثانياً العمق العربي والإسلامي المتوفر للأخوة في حركة حماس من خلال الانتشار العالمي لحركة الإخوان المسلمين وفر للأخوة في حماس إمكانات هائلة وأشكال مختلفة من الدعم غير المتوفر لحركة الجهاد الإسلامي. هذا لا يعني أن حركة الجهاد مقطوعة الصلة بجماهير الأمة، فالحمدلله علاقاتنا بالحركات الإسلامية بما في ذلك الإخوان المسلمون في مصر وغيرها علاقات طيبة لكن قنوات الدعم المتاحة لنا مازالت محدودة.. وهناك أسباب كثيرة لذلك لا أريد الخوض فيها هنا، لكن أقول إن كثيراً من العرب والمسلمين لم يكونوا على معرفة كافية بحركة الجهاد الإسلامي ولربما أضر بسمعتها في العالم الإسلامي التباسان: الأول، متعمد حيث سعت بعض(1/186)
الأطراف إلى ربط حركة الجهاد الإسلامي بالثورة الإسلامية في إيران وبالأخوة الشيعة عموماً، في محاولة لبناء حاجز نفسي ومادي بين الغالبية العظمى لجماهير المسلمين، وهم من أهل السنة، وحركة الجهاد الإسلامي، رغم أنها حركة إسلامية سنية وفلسطين أصلاً ليس فيها شيعة.. الالتباس الثاني، جاء من ربط اسم حركة الجهاد الإسلامي بجماعات حملت نفس الاسم مثل تنظيم الجهاد في مصر، ولاحقاً الجماعة الإسلامية، ومنظمة الجهاد في لبنان، أي الخط الذي اتسم بالتطرف وسلك طريق العنف في مواجهة الأنظمة.. لقد تم تصنيف الحركة، كما لو كانت تنتمي لهذا التيار، الذي لم يجد تعاطفاً كبيراً في الشارع العربي والإسلامي، مما ألقى بظله على التعاطف مع الحركة.
أما فيما يتصل بفكرة انتهاء دور الجهاد في ظل وجود حركة إسلامية ممتدة تسير على ذات الخط، والانخراط في بوتقة واحدة، فدعني بداية أؤكد حرصنا الشديد على الوحدة إلى درجة الانصهار في بوتقة واحدة، كما يقول الأخ، رغم أن التجربة القرآنية والتاريخية للحراك السياسي والاجتماعي والفكري في الأمة تفسح المجال أمام تعددية فكرية وسياسية تتعدد فيها الاجتهادات بتعدد العقول.. ولو لم يكن الأمر كذلك، لما كان هناك أحناف وحنابلة أو شافعية ومالكية أو أشاعرة وسلفية وغيرهم، وكان ينبغي الانصهار في بوتقة عقائدية أو فقهية أو فكرية أو سياسية واحدة..(1/187)
في الشأن الفلسطيني، قد يبدو الحديث عن الوحدة والانصهار في بوتقة واحدة فيه وجاهه لأول وهلة، لكن عند تفحص هذا الطرح نجد أنه يفقد وجاهته، لأن فيه تبسيط للأمور لا ينسجم والتعقيد الهائل الذي تشتمل عليه القضية الفلسطينية.. فالصراع على فلسطين جذب إلى ساحاته أفراداً وجماعات ومنظمات وشعوباً ودولاً من أطراف الأرض جميعاً.. هل هناك قوة فاعلة على وجه الأرض لم تؤثر في هذا الصراع أو لم تتأثر به؟ هذا الصراع اشتمل على مضامين وأبعاد متعددة استخدمت فيه كل أنواع الأسلحة، من أبسط الكلمات والأفكار والنظريات إلى أحدث الصواريخ والطائرات والراجمات.. فهذا التعقيد في الصراع على فلسطين سيظل يعزز اجتهادات متنوعة سواء في الساحة الفلسطينية أو في الأمة.. ولا يملك أي طرف في الساحة أن يمنع أو يصادر اجتهادات الآخرين.. وحركة الجهاد عندما نشأت كانت ضرورة وطنية وضرورة إسلامية.. وكانت حاجة فلسطينية بالدرجة الأولى، أي أنها تنظيم فلسطيني نشأ على خلفية اجتهاد وقناعة الطليعة المؤسسة لقتال المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، أي أنها ليست امتداداً لأي تنظيم خارج فلسطين، فهي لا تخضع لأية مؤثرات لها علاقة بالإطار الأوسع وبيئاته المتعددة.. كما أن نشأة حركة الجهاد لم تكن مجرد ردة فعل على خلفية غياب الدور الجهادي لدى الآخرين، أي أن هذا هو السبب الوحيد لوجودها وبزوال السبب يزول مبرر وجودها نتيجة صحوة الآخرين وقيامهم بدور جهادي.. المسألة ليست هكذا. نشأة الحركة كانت نتيجة وعي الطليعة المؤسسة بهذا الصراع وتاريخه وطبيعته ومضامينه وأدواته وحاضره ومستقبله، وهذا الصراع ليس جامداً عند نقطة معينة، بل إن تغيرات هائلة صاحبته في كل أبعاده، وقد أثبتت حركة الجهاد في مختلف المراحل أنها قادرة على قيادة الظروف في المنعطفات الخطيرة، والتأثير فيها وتوجيهها نحو التمسك بثوابت القضية، الأمر الذي ولد باستمرار مبررات جديدة تثبت أن حركة الجهاد(1/188)
مازالت، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة وطنية، وضرورة إسلامية، وضرورة جهادية، وضرورة إنسانية إبداعية تدلل على قدرة المجتمع الفلسطيني على الإبداع وإنتاج وإدارة تعددية سياسية تسهم في إثراء مسيرة النضال الفلسطيني التي لن تنته غداً أو بعد غد.
كيف تصورون علاقاتكم مع باقي فصائل المقاومة الفلسطينية، وتحديداً حركة "حماس"؟ وماذا عن علاقتكم بالسلطة الفلسطينية؟
علاقاتنا بكافة فصائل المقاومة الفلسطينية جيدة بما في ذلك العلاقة مع الأخوة في حماس. إنها علاقة ترتكز على وحدة الهدف والمصير بين أبناء شعبنا، فنحن جميعاً في خندق واحد ضد عدو واحد. أما العلاقة مع السلطة الفلسطينية فميزانها مدى قرب أو بعد السلطة عن أهداف وطموحات الشعب الفلسطيني. عناصر وقيادات السلطة هم في النهاية إخواننا وأبناء شعبنا وبعضهم له تاريخ نضالي مشرف، لكن المشكلة هي البرنامج والمشروع الذي تحمله السلطة، لذا فنحن نقترب أو نبتعد من السلطة بقدر اقتراب أو ابتعاد السلطة من ثوابت قضيتنا ومصلحة شعبنا.
لماذا لا تتجه حركة الجهاد الإسلامي نحو تأصيل فكرها ومنهجها بعد أن أوسعت كل هذا التوسع الكبير في هذه الانتفاضة؟ وما هو البعد الاستراتيجي الذي تعتمده الحركة بعد دخول عناصر جديدة إلى منظمة الجهاد العالمية، وأقصد تنظيم القاعدة وغيرهم كما في العراق؟(1/189)
سؤال التأصيل هذا يفتح ملف الحركة الإسلامية كلها في العالم ولا يقتصر على حركة الجهاد الإسلامي. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الحديث عن التأصيل يطرح بشكل سلبي من جهتين: الأولى، خصوم الحركة الإسلامية الذين يقولون بأن الإسلاميين لا يملكون منهجاً أو طرحاً نظرياً مقنعاً يجيب على أسئلة العصر وتعقيداته، والجهة الثانية هي بعض هي بعض الأصوات الإسلامية التي تتحدث بنفس الطريقة أمام ضغط الواقع واتهامات الآخرين. ورغم مشروعية السؤال التأصيل وأهميته لكن أعتقد أن الفريقين أو أصحاب هذه الأصوات عموماً لا يدركون بالضبط ماهية وطبيعة ودور الحركة الإسلامية في هذا العصر، والفرق بينها وبين المجتمع الإسلامي، أو الكيان السياسي الإسلامي، والإسلام ذاته.(1/190)
في السابق، وفي ظل حكم الإسلام، كانت الجماعات الإسلامية تنشأ للقيام بوظيفية محددة في المجتمع الإسلامي بمعنى أننا كنا نجد جماعة علمية مثل المذاهب الفقهية أو الكلامية. وهناك جماعات تربوية مثل الطرق الصوفية، وهناك الجند وأهل الثغور الذين يشاركون في الجهاد وغيره.. استمر هذا الوضع بالعموم إلى سقوط النظام السياسي الإسلامي، أو مؤسسة الخلافة الإسلامية في تركيا عام 1924. منذ ذلك التاريخ، وبعد تغييب الإسلام كنظام حياة وفرض العلمانية في الأمة على يد كمال أتاتورك وأمثاله، شعرت الحركة الإسلامية أن المطلوب منها أن تقدم نفسها كبديل شمولي يجب أن يقدم إجابات إسلامية على الجبهات، جبهة القتال في مواجهة الغزو الخارجي والجبهة الداخلية بأسلمة نظم المجتمع في السياسة والاقتصاد والاجتماع وغيره. إن مثل هذا الطرح، وإن فرضته الظروف، وفرضته شمولية الإسلام كمنهاج حياة، لكنه لا يمنع وجود نوع من التخصص أو توزيع الأدوار، بين الحركات الإسلامية، ضمن سلم أولويات يراعي التحديات الأكثر إلحاحاً أمام كل حركة إسلامية في ظل واقع التجزئة المفروض على الأمة.. وهذا التخصص موجود في تاريخ الحركة الإسلامية الحديثة حيث نجد أن كل حركة طبعت بطابع معين نتج عن اهتمامها وسلم أولوياتها. فهناك حركات وجماعات، سلكت طريق الجهاد، وقاتلت الاستعمار الأجنبي مثل السنوسية في ليبيا، وحركة عبد الكريم الخطابي في المغرب، وعبد القادر الجزائري في الجزائر، والقسام في فلسطين وغيرهم، وهناك الأفغاني ومحمد عبده، اللذين ركزا على نوعية الأمة ومحمد بن عبد الوهاب، الذي اهتم بمحاربة البدع، وحسن البنا الذي ركز على التربية، والنبهاني الذي ركز على تصحيح الفكر، والمودودي الذي ركز على الحاكمية وتحولت عند سيد قطب إلى دعوة انقلابية ترجمتها جماعات كالجهاد المصري والجماعة الإسلامية والسلفية الجزائرية إلى قتال الأنظمة...(1/191)
في هذا السياق كله يأتي موقع حركة الجهاد الإسلامي التي تعتبر نفسها جزءاً من هذه المسيرة وتتفق مع كل جماعات النهوض الإسلامي الحديث والمعاصر وتتفق معها بالعموم في هدف إعادة استئناف دور الإسلام في قيادة الحياة، لكنها اختارت لنفسها طريقاً محدداً لتحقيق هذا الهدف وهو طريق الجهاد ضد الاحتلال اليهودي لأرض فلسطين، بحكم أن هذا هو واجبها الشرعي وأنها مطالبة هي وكل مسلم على أرض فلسطين بأن يقدم الإجابة الإسلامية على المسألة الفلسطينية، والتي تتمثل في الجهاد. نعم هناك تقصير في عدم إبراز عمق المسألة الفلسطينية ومشروع الجهاد في المشروع الحضاري وحركة النهوض للأمة كلها.. لكن يجب أن لا نرتكب خطأ في النظر إلى حركة الجهاد أو أي حركة مقاومة إسلامية كحركات تحرر وطني فقط نشأت كردود فعل لمقاومة احتلال أجنبي.. نعم حركة الجهاد تحمل سمة حركة التحرر والمقاومة ضد غزو خارجي، لكن يجب أن لا ننسى موقع فلسطين وقضيتها في قلب الأمة بكل أبعادها الحضارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وهذا يجعل من حركة الجهاد مشروعاً عقدياً، سياسياً، جهادياً هدفه تحرير فلسطين واستنهاض الأمة، أي أنها يجب أن تطرح نفسها برغم إمكاناتها المتواضعة على مستوى الأمة الإسلامية والعالم، لكن هذا لا يعني أنها يجب أن تدخل المعركة التي يخوضها آخرون باسم الإسلام في أماكن كثيرة من العالم في المكان الخطأ والزمان الخطأ.. ليس مطلوباً من الحركة الإسلامية أن تعلن الحرب على العالم، وهي لا تستطيع ذلك ولا يحق لها، فليست هذه هي رسالة الإسلام للبشرية في هذا العالم. أما البلدان التي يتعرض أهلها للظلم أو غزو لفلسطين، والعراق، والشيشان، وكشمير فمن حقهم أن يجاهدوا لاسترداد حقوقهم ورفع الظلم عن أنفسهم.(1/192)
الأخ المجاهد الدكتور رمضان شلّح في البداية اسمح لنا أن نرسل إليكم خالص التحية ونشد على أياديكم في هذا الزمن العربي المهترئ وأنتم تتمترسون في الخندق الأول لتذودوا عن حياض الأمة بدمكم وفقركم وحرمانكم... وبعد سمعنا وإياكم عن مشروع فك الارتباط من جانب واحد الذي يطرحه شارون في هذه الأيام والذي نعتقد انه لن يكون من جانب واحد بل سيكون بتغطية من أمريكيا ومباركة أنظمة العرب الفاجرة والفاسدة حتى ترتاح من كابوس القضية الفلسطينية.. والسؤال الذي يراودنا هنا وأتمنى أن تصلنا إجابة بكل صراحة وليس إجابة سياسية كما قلتم في قناة الجزيرة في اللقاء الأخير أن لكل حدث حديث السؤال هو هل تمتلك حركة الجهاد مشروع يتناسب والمرحلة القادمة أعني مرحلة ما بعد الانسحاب والتي أكدتم في لقاء الجزيرة بان الانسحاب سيكون أم أن الصورة غير واضحة وهلامية لدى أبناء الجهاد بعد ؟؟ وهل أن كان هناك مشروع لدى حركة الجهاد هل لنا أن نقرأ ملامح هذا المشروع وخاصة أننا من المراهنين على حركة الجهاد كثيرا مع خالص تحياتنا واحترامنا لكم أخوكم في الله محب آل البيت؟(1/193)
- واضح أن بعض الأخوة لديهم هواجس ومخاوف كبيرة لمرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي لو تم من قطاع غزة. ينبغي لنا أن لا نصاب بالفزع أو الهلع مما هو قادم مهما كانت خطورته. القرآن الكريم يقول: "وما لنا أن لا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا". المجاهدون مأمورون بهذا التوكل أكثر من أي فريق في الأمة، لأن القرآن الكريم يقول أيضا "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا". هداية السبيل في الحالين تخص أهل الجهاد، ولذلك كان بعض العلماء يقولون إذا اختلفتم في شيء فاسألوا أهل الثغور، أي أهل الجهاد، فهم أهل الهداية، أو المهديون الراشدون من قوله تعالى: "لنهدينهم سبلنا". وهذا لا يعني أن نركن إلى الواقع ونتواكل وأن لا يكون لنا قراءتنا واستعداداتنا لمواجهة كل الاحتمالات.. فالتخطيط والاستعداد للمستقبل فريضة وضرورة لا يمكن العمل بدونها.. ولكن يجب أن يتم ذلك على أرضية من الثبات والثقة بالله سبحانه وتعالى والثقة بأنفسنا وبشعبنا وأمتنا، لأن المذعور في النهاية لا يمكنه التفكير بطريقة سليمة ومتوازنة.
أختكم في الله فدوى طالبة صحافية من المغرب تحية للأخ الدكتور المجاهد. سؤالي مركز حول تعاطي الشارع الإسلامي مع ما يحدث في فلسطين بشكل موسمي حماسي كلما حدث هناك تصعيد خطير كاغتيال الشيخ المجاهد أحمد ياسين ثم بعد لك تعود الأمور تدريجياً إلى ما كانت عليه من سلبية و خضوع. كيف السبيل للخروج من ها الوضع المتكرر انطلاقا من إيماننا بمركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للمسلمين. وكيف يمكن لمختلف الحركات الإسلامية في العالم أن تكون عنصراً فاعلاً في إبقاء القضية حية. ألا تحسون في حركة الجهاد وحماس أنها بالفعل مقصرة في حق القضية؟ وشكراً.(1/194)
أحيي الأخت العزيزة فدوى من المغرب، ومن خلالها أحيي شعبنا وأهلنا في المغرب الشقيق.. النقطة الأساسية في السؤال هي كيف السبيل للخروج من هذا الوضع انطلاقاً من إيمانناً بمركزية القضية الفلسطينية.. أنا أعتقد أن جوهر المشكلة يكمن في هذه المسألة.. فلو كان لدينا إيمان ووعي حقيقي بمركزية القضية الفلسطينية، بالنسبة لنا كعرب ومسلمين، لما كان حالنا على ما هو عليه. حتى الحركات الإسلامية التي تسأل الأخت العزيزة عن دورها، فأغلبها ـ والله أعلم ـ مشغول بأوضاعه الخاصة ولم تكتشف بالقدر الكافي بعد، محورية ومركزية القضية الفلسطينية وانعكاساتها على مجمل أوضاعها المحلية في بلادها.. أما جماهير الأمة فبرغم موسمية حماسها في التعاطف مع الحدث الفلسطيني، فحركتها العفوية والصادقة تعكس أن هناك وعياً عميقاً يتكون ويتراكم في الشارع يعكس درجة عالية من احتكار الجماهير للأنظمة المستسلمة والخائبة، وأيضاً كراهية متأصلة للكيان اليهودي.. فيجب أن لا تزعجنا الموسمية، وكل حركة وكل فعل في الأمة مهما قل شأنه، سيتراكم وسيتحول إلى مكاسب على المدى التاريخي لأن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء والوعي المتفجر في الأمة، وشراسة الهجوم الأميركي الصهيوني الكاسح ضد العرب والمسلمين سيضع هذا الصراع على سكته الصحيحة.
الأخ المجاهد الدكتور رمضان عبد الله شلّح، كيف تنظرون إلى خطة الفصل الشارونية؟ وما هي دوافع شارون وراء ذلك؟ وأين سيكون موقعكم في الخارطة المستقبلية للأراضي الفلسطينية خاصة (قطاع غزة)؟ وهل ستنخرطون في الانتخابات البلدية؟ وما هي استعداداتكم لما هو آت؟ وهل من تنسيق بينكم وبين فصائل المقاومة الأخرى؟(1/195)
خطة شارون، إذا قدر لها أن تطبق وحدث الانسحاب، فهو نتيجة ضربات المقاومة وثمرة من ثمارها. وشارون يحاول أن يخفف من مأزق الكيان الصهيوني المزدوج من غزة، عدا عن المشكلة الديمغرافية حيث يبعد مليون وربع مليون عن ما يسمى (إسرائيل اليهودية الديمقراطية) كما أنه يحاول إلهاء الفلسطينيين في غزة وفصلهم عما يجري في الضفة والقدس وباقي فلسطين. وطبعاً هذه التجزئة للقضية أرضاً وشعباً نحن نرفضها، وستبقى المقاومة هي الخيار حتى تحرير آخر شبر من أرضنا المحتلة. أما البلديات والانخراط فيها فهي ليست قضية سياسية ذات أولوية حتى يتم التطرق إليها باهتمام في هذه المرحلة..
وبخصوص التنسيق بيننا وبين الفصائل الفلسطينية فهو ركن أساسي في عملنا، ولكن على قاعدة المقاومة واستمرارها، وعدم الاقتتال الداخلي، وعدم التنازل عن ثوابت قضيتنا وما تحقق بيننا وبين بعض الفصائل من تنسيق في العمل الميداني، إضافة إلى قدرتنا على تخطي الكثير من مزالق الاحتكاك أو الاقتتال الداخلي، يعتبر إنجازاً لا بأس به لكنه لا يكفي.
بداية نبارك لكم خطواتكم في خدمة الإسلام والقضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين ونود أن نسألكم؟ هل تغير موقفكم من الأنظمة العربية؟ لأنكم كنتم تتهمون الأنظمة بأنها وجه آخر لإسرائيل؟ واليوم نسمع أنكم شاركتم في القمة العربية؟ وشكراً.(1/196)
إذا نظرنا إلى النظام العربي وليد حالة التجزئة التي فرضها الاستعمار، فإنه فعلاً يمثل الوجه الآخر لإسرائيل، ويجب أن يكون لدينا فهماً واضحاً لما يعنيه هذا الشعار.. فهو يعني في الأساس أن إسرائيل ككيان مغروس في قلب الأمة تعيش على حالة التجزئة والانقسام، وفي اللحظة التي تتوحد فيها الأمة فلن تبقى إسرائيل على الخريطة.. هذا من الناحية الأيديولوجية، أما من الناحية السياسية فمواقف الأنظمة العربية من الكيان الصهيوني ليست متطابقة، هناك بلدان عربية تعيش حالة خاصة في مواجهة الكيان الصهيوني توفر هامشاً لا يمكن إغفاله، بل لابد من الاستفادة منه. فنحن حركة جهادية لنا استراتيجية ترتكز على المقاومة والجهاد على أرض فلسطين، وتحريك القوى العربية والإسلامية وحشدها باتجاه قضيتها المركزية فلسطين. وتنزيل الاستراتيجية على أرض الواقع يفرض علينا استغلال أي فرصة أو أي هامش يتاح لنا في إطار خطنا الاستراتيجي وخدمة لقضيتنا. فإذا قررنا الذهاب إلى اجتماع الجامعة العربية، في ظرف معين، فهي خطوة في مواجهة أمريكا وإسرائيل وبعض الدول العربية المنسجمة معهما في توصيف حركتنا المجاهدة وبقية حركات المقاومة بالإرهابية، فعندما يعترف النظام العربي الراكع لأمريكا بشرعية حركات المقاومة، إلى حد حضور اجتماع للجامعة العربية، فهي ضربة للسياسة الأميركية والصهيونية التي تعمل على تشويه مقاومة الشعب الفلسطيني ووصمها بالإرهاب.(1/197)
ثم هناك مسألة أساسية يجب أن يعيها أبناء الجهاد الإسلامي وكافة أبناء الحركة الإسلامية وجماهير شعبنا، وهي أننا شعب منكوب، وأصحاب قضية بحاجة لدعم وتأييد كل العالم وكل العرب والمسلمين، ومهمتنا وواجبنا الشرعي والوني والأخلاقي أن نزيل الاحتلال من أرضنا، لا أن نزيل الأنظمة العربية الفاسدة والظالمة من سدة الحكم.. هذه مهمة الشعوب العربية بأن تحاسب حكامها، أما الفلسطيني غير القادر على إزالة حاجز إسرائيلي في الضفة أو غزة، فماذا يفيده لو نظم معلقات في هجاء الأنظمة العربية والحكام العرب.. صدقوني إنها لن تغني ولن تسمن من جوع. لذا، ليس أمامنا سوى العمل على دفع الجميع في الأمة أنظمة وشعوباً باتجاه مقاومة مشروع الهيمنة الأميركية الصهيونية في المنطقة.
نعم هناك أنظمة ميئوس منها، لكن إعلان الحرب عليها ولو على صعيد الخطاب السياسي يحول دون الوصول إلى الجماهير المسحوقة في ظل هذه الأنظمة، والتي لديها عاطفة كبيرة واستعداد للعمل من أجل دعم ونصرة فلسطين. فمن أجل الوصول إلى هؤلاء على المناضل الفلسطيني أن ينزع عن رأسه ريشة العداء غير المجدي لهذا النظام أو ذاك.. وأظن أننا لو درسنا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم جيداً لعرفنا كيف تكون السياسة الإسلامية في إدارة مشروع إسلامي يحارب على كل جبهات الشر في العالم. كما أننا لو تأملنا تجربة الحركات الإسلامية التي سلكت طريق العنف ضد الأنظمة وماذا كان حصادها ومآلها ففيها درس بليغ يغنينا عن أي إضافة.(1/198)
بسم الله والصلاة والسلام علي رسول الله أتوجه بالتحية لكم في البداية سؤالي: أين عمليات حركة الجهاد النوعية فمنذ اغتيال القائد العام للسرايا ومن بعده نحن ننتظر الرد ولكن لم يحدث حتى الآن سؤال آخر: لماذا الاعتماد فقط علي جنين في العمليات مع أنه نسمع وضع الحركة في بيت لحم ممتاز وأيضا طولكرم والخليل نتمنى كريات أربع أخرى كيف تتصور الوضع الداخلي لحركة الجهاد وهل من تغيير على أفكارها وأهدافها.؟
بالعموم فإن الجواب على السؤال الأول قد سطرته سرايا القدس والحمدلله في العمليات النوعية الأخيرة بالقطاع. أما موضوع المناطق فهو لا ينفصل عن السؤال الأول عن القادة.. فالمقاومة أو قدرة المجاهدين على تنفيذ عمليات يعتمد في الغالب على عاملين أساسيين: عامل ذاتي، وعامل موضوعي يتعلق بالظروف الميدانية، إذا كانت مؤاتية أم لا؟ لكن هذه الظروف وحدها لا تكفي لإنتاج مقاومة، فقد تكون الظروف الميدانية في صالح المقاومة وفرص تنفيذ العمليات متوفرة لكن لا يكون عمليات.. لماذا؟! لأن الشرط الذاتي غير متوفر.. والشرط الذاتي هنا يعني واقع الفصيل المقاوم وروحية عناصره واستعدادهم لأخذ زمام المبادرة والنهوض بواجب الجهاد والقتال.
لا أريد أن أخوض في تفاصيل هذا الموضوع والحديث عن المناطق، ولكن أشير إلى عنصر هام يتعلق بالمسألة، وبالجانب الذاتي، وهو وجود القادة.. عنصر القيادة المقاتلة ليس أمراً هيناً بل هام جداً، ووجود قادة عندهم ركب، كما يقولون، لا يعرف الخوف أو الحسابات الدنيوية إلى قلوبهم سبيلاً، ويحملون راية الجهاد والقتال بجدارة، عامل أساسي في المقاومة.(1/199)
عندما أرسل عمرو بن العاص وهو يقاتل جيش الروم في طلب النجدة والمدد من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ماذا أرسل إليه؟ تخيل أن جيشاً صغيراً بخبرة وإمكانات قتالية ضعيفة يقاتل جيش الإمبراطورية الرومانية ماذا تتوقع أن يرسل له الخليفة؟ المئات أو الآلاف من المقاتلين؟! لكن عمر رضي الله عنه لم يفعل ذلك، بل أرسل إليه أربعة أشخاص!! نعم، أربعة مقاتلين لكنهم قادة، وقال إنهم بأربعة آلاف مقاتل! هل يمكن أن تستوعب هذه المعادلة بسهولة؟ أربعة أشخاص يساوون أربعة آلاف مقاتل؟! لو طبقنا هذه المعادلة على واقعنا اليوم.. ماذا نجد؟! وأنا هنا أتحدث عن حركة الجهاد فقط، لدينا عشرات القادة في سرايا القدس الذين تنطبق عليهم هذه المعادلة والحمد لله، لكن أين هم الآن؟! معظمهم توزع بين سجين وشهيد.. وأنا لا أريد أن أتحدث عن الأحياء من قادة وأسود السرايا الذين يقضون أحكاماً بالعديد من المؤبدات في سجون الاحتلال، لكن دعني أتحدث عن الشهداء وأقول للأخ السائل إذا كان من حركة الجهاد أو أنصارها: أعطني أربعة قادة مثل محمود طوالبة، وإياد صوالحة، ومحمد سدر، ومقلد حميد وسجّل علينا أربعة آلاف مقاتل في سرايا القدس!
هذا لا يعني أنه لا يوجد مثل هؤلاء الأخوة أو أن نموذجهم لن يتكرر.. لا، فشعبنا معطاء ومسيرة جهادنا مباركة وولادة وسيأتي وقت يدرك فيه الجميع أن هؤلاء القادة لم يغيبوا وأن سرايا القدس بخير وأن كل أخ في حركة الجهاد في جنين محمود طوالبة وإياد صوالحة وكل أخ في الخليل محمد سدر، وكل أخ في غزة مقلد حميد..(1/200)
أما عن الوضع الداخلي في حركة الجهاد فيمكن قراءته في توفيق الله والأداء العسكري المميز لحركة الجهاد خلال هذه الانتفاضة الذي هو مرآة للوضع الداخلي.. لو لم يكن الجهاد تنظيماً قوياً متماسكاً والحمدلله، لما استطاع القيام بعمليات جهادية نوعية زلزلت الكيان الذي هزم كل الجيوش والعروش في المنطقة.. لكن هذا لا ينفي وجود بعض أوجه القصور هناك وهناك، فهذا أمر طبيعي لأن التنظيم أو الحركة تتكون في النهاية من جمع من البشر وليس من الملائكة.. والتنظيم الملائكي، والحركة الملائكية والدولة الملائكية، لم توجد في التاريخ ولن توجد.. هي موجودة فقط في عقول من يعيشون على الأوهام والخيالات التي لا علاقة لها بالواقع وتعقيدات الحياة.. بالنسبة لأفكارنا وأهدافنا سيجد الأخ السائل في الإجابة على بعض الأسئلة هنا كلاماً كثيراً يغطي هذا الجانب.(1/201)
د. رمضان عبدالله شلّح حفظكم الله ورعاكم نشدّ على أيديكم وأيدي كل إخواننا المجاهدين على ثرى فلسطين المقدّس ونسألكم عن الدور المنوط بحشود المثقفين العرب والمسلمين الملتزمين بقضية الأمة، أهو مقتصر بقراءة الأحداث أم بتلخيص تجارب الماضي أم العمل من أجل إعداد سياسات مستقبلية أو مخططات رادفة من المتوقع أن تستفيد منها حركات المقاومة الفلسطينية. وإذا تم هذا الأمر إلى أي مدى تستطيع حركات المقاومة بما فيها "حماس" و"الجهاد" التفاعل معها؟ بطريقة أخرى، هل أنتم في الجهاد الإسلامي تحاولون (مثلاً) الاستفادة من قراءات أو استشرافات العديد من المثقفين للأمور المفصلية التي تقفون عندها أحيانا كحركة مقاومة مثل أسلوب المقاومة العسكري أو الأمني أو الجوانب الاقتصادية الداعمة لصمود أكثر للمقاومة أو حتى مسألة الضغوط التي تمارس أو قد تمارس عليكم في مرحلة من المراحل. وأضرب مثلا هنا، إعلان الهدنة من طرفكم و"حماس"، كانت هناك جوانب كثيرة أصبا بها العديد من المتابعين لم نلاحظ أنكم أخذتموها بعين الاعتبار أثناء تغطيتكم لهذه الخطة إعلاميا. ولكم جزيل الشكر وحفظكم الله آمين؟(1/202)
أطمئن الأخ أننا نتابع ما يكتب حول قضيتنا، على الأقل بثلاث لغات، العربية، والإنجليزية والعبرية. وعبر الإنترنيت نستطيع الحصول على تحليلات وتقديرات لكبار المحللين والاستراتيجيين في العالم، لكن مسألة اتخاذ القرار في الحركة أعقد من ذلك.. فقرار الحركة يجب أن ينطلق من مبادئها وتطلعاتها وأهدافها التي تسعى لتحقيق أهداف وتطلعات شعبنا ومصالحه، إضافة إلى العديد من العناصر التي تسهم في صياغة القرار. كما أنني أود أن ألفت الانتباه إلى أن كثيراً من التحليلات التي يقدمها مثقفون ومحللون قد تكون موجهة ومرتبطة بطريقة أو بأخرى بمراكز قرار إقليمية ودولية.. فالمسألة في النهاية ليست مسألة أكاديمية، والمنظومة السياسية الفكرية الغربية قائمة على التحيز والكيل بمكاييل ومعايير مزدوجة، وتلامذتها من أصحاب الرأي والأقلام في منطقتنا للأسف يعملون وكلاء لترويج هذه الأفكار والآراء الموجهة.
لماذا تفتقر الساحة الفلسطينية إلى الرسالة الإعلامية الناطقة باسم حركتكم المجاهدة، على غرار صحيفة "الاستقلال" المحتجبة عن الصدور بقرار سلطوي منذ ما يزيد عن العامين، مع العلم أن صحيفة "الرسالة" المقربة من حركة "حماس" تحت غطاء (حزب الخلاص الوطني الإسلامي) عادت إلى الصدور منذ أكثر من عام؟!! أضف إلى ذلك (وهو معلوم لديكم) وجود العديد من الإذاعات المحلية في قطاع غزة بما فيها إذاعة لحركة "حماس" "صوت الأقصى" في حين سمعنا منذ عدة أشهر عن قرب افتتاح إذاعة لحركة الجهاد إلا أن شيئا من هذا القبيل لم ير النور حتى اللحظة؟ فلماذا هذا الغياب الغير مبرر؟!!!(1/203)
لماذا لا تبرزون عددا من الأخوة المتحدثين باسم حركتكم من الخارج ليكونوا مؤهلين لنقل موقف الحركة في حال طرأ أي طارئ، وان لا يقتصر الأمر عند شخصكم الكريم؟ وفي ذات السياق لماذا لا تقومون على إعداد كوادر ميدانية قيادية جديدة سياسية وأكاديمية بدل الاقتصار على الأخوة المشايخ، وذلك لما للفئة المثقفة والمتعلمة من اثر بارز في التأثير على الناس (المثقف أول من يقاوم وآخر من ينكسر) كما قال د. فتحي الشقاقي الأمين العام السابق لحركتكم المجاهدة؟
سأجيب عن السؤالين السابقين بشأن الإعلام معاً. بالنسبة لقرار إغلاق صحيفة "الاستقلال" فهو قرار جائر اتخذ بحقنا من قبل السلطة، ونحن ليس لدينا حزب سياسي يصدر صحيفة، ولا أظن أننا سنفكر في إنشاء حزب طالما أننا نعيش مرحلة تحرر وطني. نحن حركة مقاتلة كما كان الشهيد الشقاقي يصر على تسميتها، والإمكانات كلها يجب أن تسخر لخدمة مشروع الجهاد والمقاومة. نعم، لابد أن يكون هناك إعلام يخدم هذه المقاومة، لكن أعتقد أن السياسة الإعلامية لحركات المقاومة كلها بحاجة إلى مراجعة.. فأنا أظن أنه حصل نوع من الاستدراج للقيادات والرموز السياسية في الداخل للحديث على الفضائيات والإذاعات، بحيث غدا من الصعب المحافظة على معادلة الفصل بين السياسي والعسكري في الخطاب الإعلامي رغم وجودها عملياً على الأرض، فدفعنا ثمناً باهظاً باغتيال رموز سياسية كبيرة والملاحقة مستمرة والحبل على الجرار..
الخلاصة يجب أن لا نستدرج من الباب الإعلامي. الحركات السياسية عادة تعبر عن مواقفها في بيانات، والقادة يمكن أن يظهروا في مناسبات أو ظروف معينة، ولكن ليس بشكل يومي أو شبه يومي كما جرى خلال هذه الانتفاضة. وإذا دعت الضرورة، لابد من تصعيد وجوه إعلامية جديدة من النشطاء والكوادر الأقرب إلى القواعد والأكثر قدرة على الحركة. أما الخارج فهو يؤدي دوره في حدود إمكاناته وحدود الهامش المتاح له من حرية الحركة والتعبير.(1/204)
السلام عليكم، المجاهد الكبير الدكتور رمضان عبدالله شلّح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي أنا فتاة من الخليل أود أن أتطوع في حركة الجهاد الإسلامي وأفدي روحي في سبيل ديني ووطني.. رجاء ساعدوني في ذلك؟
ـ بارك الله بك وبكل فتاة من أمثالك. ونرجو أن تكوني خير مثال وقدوة لفتيات ونساء فلسطين والأمة، أما عن التطوع في الحركة فبإمكانك الاتصال بمن تعرفين من أبناء أو أنصار حركة الجهاد في منطقتكم للوصول إلى الأخوة المعنيين الذين يمكنهم مساعدتك على تحقيق أمنيتك وهدفك إن شاء الله.
تحية إلى القائد المظفر بعون الله وأدعو لك بالثبات والصبر وحسن الخاتمة وأريد أن أعرف منك عن موقف الحركة فيما يخص استراتيجيتها وطبيعة عملها بعد الاندحار الشاروني من غزة؟
ـ الاندحار الشاروني من غزة، لو تحقق، فهو مجرد خطوة في رحلة الألف ميل نحو تحرير كامل أرضنا واستعادة كامل حقوقنا. لذلك، فإن استراتيجية الحركة لن تتغير، سواء انسحب شارون أو لم ينسحب، وستكون المقاومة واستمرارها هي الاستراتيجية الثابتة والمتواصلة إن شاء الله.
في رأيكم ما هو الهدف وراء هذا التصعيد الصهيوني الأخير في رفح ؟
ـ هدف العدو من هذا التصعيد هو رفع معنويات الشارع الإسرائيلي ورد الاعتبار للجيش الذي قيل عنه بأنه لا يقهر ومرغت المقاومة أنفه بالتراب، وأجبرته سرايا القدس أن يحبو على أربع في معبر (فيلادلفي) يبحث عن فتات اللحم اليهودي.. وأيضاً الهدف هو تدمير بنية المقاومة، وبنية المجتمع الفلسطيني، وكسر إرادة الشعب الفلسطيني وإجباره على الإذعان والاستسلام، لكن هذا لن يحدث بإذن الله.
ما هو تفسيركم لعمليات الجهاد النوعية كوسوفيم.. الزيتون.. رفح..؟؟؟ هل هذا يعنى أنكم شكلتم جهاز جديد لسرايا القدس؟(1/205)
ـ التفسير الأهم لهذه العمليات النوعية هو توفيق الله سبحانه وتعالى لمجاهدينا الأبطال.. فما جرى لا يمكن فهمه إلا في سياق قول الله تعالى( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)عندما تفجر سرايا القدس عبوة زنتها 50 كيلو غراماً دبابة صهيونية في حي الزيتون كم من العبوات زرعت ولم تفعل شيئاً؟ وعندما يفجر أخ من السرايا مدرعة صهيونية بقذيفة آر بي جي، كم من القذائف ضربت ولم تصب هدفها؟! وهل كان الأخ يعرف أن رميته ستفجّر ألف كيلو غراماً من المتفجرات تحملها الدبابة؟ هذا كله ترتيب الله سبحانه، وهو القائل "ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً".
أما عن تشكيل جهاز جديد للسرايا فالمسألة ليست مسألة أجهزة.. هناك تطوير لإمكانات وأداء السرايا والحمدلله، برغم الضربات والملاحقات والخسائر، لكن الإرادة والعزيمة الموجودة لدى المجاهدين ستكسر صلف وغرور وكبرياء هذا العدو المتغطرس بإذن الله.
لطالما سمعنا بالوحدة وكل طرف يريد من الطرف الآخر المبادرة بالوحدة فهل للجهاد الإسلامي أن تبدأ بطرح الوحدة علي القوى وخاصة الإسلامية مثل حماس؟ وما المانع من التوحد تحت لواء واحد وقائد واحد والدرب هو واحد؟؟ أشكركم وبارك الله فيكم.
ـ الوحدة هدف مثالي للجميع، لكن عندما يتعذر الوصول له لأسباب كثيرة، يمكن تجزئة المسألة ليكون لدينا مستويات نأخذ منها ما استطعنا من الوحدة والتنسيق، على قاعدة ما لا يدرك كله لا يترك جله.. ونحن في كل الأحوال، نمد أيدينا للجميع، وسرايا القدس طرحت أنها مستعدة للدخول في غرفة عمليات مشتركة تضم كل الأجنحة العسكرية، وتعمل باسم واحد مثل "المقاومة الوطنية والإسلامية" أو أي صيغة يتفق عليها الجميع، لنبدأ بالمقاومة باعتبارها الأهم لنصل إلى المهم في بقية القضايا.(1/206)
يتهمكم البعض أنكم منذ تنفيذ عملية هنادي جرادات وعقبها تم ضرب سوريا لم تنفذوا أي عملية داخل الخط الأخضر... هل سوريا لها دور في ذلك ؟
ـ إسرائيل اغتالت الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي ولم تحدث عمليات داخل الخط الأخضر بعد هذه الجريمة، رغم أن كل الفصائل وعدت بالرد.. فهل عدم الرد على هذه الجرائم تم بطلب سوريا أيضاً؟! والآن عندما حدثت عمليات سرايا القدس في حي الزيتون ورفح أو حتى كوسوفيم هل هذه تمت بطلب من سوريا أيضاً؟! يجب أن نتحرر من التفكير بعقلية المؤامرة.. قرار المقاومة قرار مستقل ومرتبط بالدرجة الأولى بالظروف والتعقيدات الميدانية التي يواجهها المجاهدون على الأرض.
الحكومة الصهيونية قالت إنها ستقتل كل من له صلة بالتنكيل بأشلاء الجنود القتلى ما تعقيبكم على ذلك؟ وما موقفكم في حال تنفيذ ذلك؟
ـ نحن لم ننكل بأشلاء أحد من الصهاينة.. هم الذين ينكلون بأشلاء شهدائنا ويذبحوننا كل يوم بدم بارد.. وجرائم القتل والاغتيالات بحق مجاهدي شعبنا ورموزه لم تتوقف سواء كان هناك أشلاء أم لم يكن.
ما هي السيناريوهات الجديدة المتوقعة بعد خارطة الطريق وخطة فك الارتباط؟ كيف سيكون ردكم على مجزرة الزيتون ورفح؟ وما هي رسالتكم للقمة العربية الهزيلة المقبلة؟
ـ السيناريو الأهم، أن شارون إذا كان جاداً في الانسحاب من غزة، فإنه عازم على تدميرها قبل الخروج منها.. وما جرى في حي الزيتون، وما يجري في رفح دليل على ذلك.. وردنا على هذه المجازر هو استمرار المقاومة لأن الهدف النهائي لها هو كسر إرادة الشعب الفلسطيني وتيئيسه من جدوى المقاومة.. لذلك لابد من استمرار المقاومة وتطويرها. أما رسالتنا للقمة العربية فأنت أعفيتني من الإجابة في وصفك لها بالهزيلة.. ماذا تتوقع من الهزيل أن يفعل لك؟ لا شيء!
كيف تقيمون التعاطي الشعبي العربي الإسلامي مع الانتفاضة المباركة؟ وكذلك مع الأهل في العراق؟(1/207)
ـ الشعوب العربية والإسلامية عاطفتها وقلوبها مع أهل العراق وفلسطين، لكن سيوفهم وجيوبهم وهمتهم في الغالب مع رغيف الخبز الذي لا يكادون يجدوه في ظل الأنظمة الفاسدة والقمعية.
قطاع غزة مهدد للدمار الشامل ما موقف الجهاد الإسلامي من ذلك؟
ـ نيرون أحرق روما وجلس يتلذذ على منظرها وهي تحترق.. لكن نيرون مات وبقيت روما!! وهكذا هي قصتنا مع هذا العدو، مشكلته ليست مع الحجر والشجر في قطاع غزة أو فلسطين، مشكلته مع الشعب الفلسطيني..
غولدامائير كانت تقول إنها لا تعرف شيئاً اسمه الشعب الفلسطيني.. اليوم هذا الشعب جعل قادة العدو يقولون "إن حرب 48 لم تنته بعد"! جعلت ممثلاً "فنان" صهيونياً مثل "شلومو بشنسكي" الذي قتل ابنه في عملية حي الزيتون يبكي ويقول بالحرف الواحد "الزمن لا يعمل في صالحنا.. الزمن يعمل ضدنا.. في عام 1948 كان لنا حلم بإقامة دولة لكنه فشل". هل يصدق أحد أن مثقفاً أو فناناً صهيونياً لا يعتبر إسرائيل دولة؟! إنها فعلاً عصابة.. أو كيان يدار بعقلية العصابة.. لذلك لا يشعر ساكنها بالأمان. من الذي أوصلهم إلى هذا الوضع؟! إنه الشعب الفلسطيني، الإنسان الفلسطيني بصموده وإصراره على الكفاح لاسترداد أرضه وحقه، وهو سيتابع المسيرة حتى ينتصر بإذن الله.
في حالة تم الاتفاق عربياً ودولياً لحل شامل وقرب تسليم غزة ما إمكانية تعاطى الجهاد مع ذلك؟ وهل سيتوقف عملكم الجهادي؟ وهل ستشاركون في بناء مؤسسات الوطن؟ أم ستضعون السلم بالعرض؟(1/208)
ـ الحديث عن الأوطان وحقوق الشعوب المرتبطة بشرفها وكرامتها لا يتم بهذه الطريقة.. لا سلّم بالعرض ولا سلّم بالطول.. دلني على الوطن أولاً ثم حدثني عن مؤسساته. أنا أقدر غيرتك على هذا الوطن، وأقدر حجم المعاناة التي تعيشها يا أخي، لكن أيضاً أقدر أن غيرتك وشهامتك، إذا عرفت الحقيقة، لا يمكن أن تجعلك تقبل بالفرضيات المعروضة على شعبنا. فإذا خرج شارون من غزة من أجل توسيع وتثبيت الاستيطان في الضفة الغربية، هل هذا يعني أن الوطن قد تحرر وعلينا أن نوقف المقاومة؟! هل تقبل أن يدير أهل غزة ظهورهم لأهلهم وشعبهم في الضفة الغربية ونرجع لنعمل حراساً لأمن إسرائيل التي ستستفرد بالضفة الغربية؟! هل تقبل بشطب أربعة ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات، وبشطب القدس؟! هل تقبل بذلك؟! هل قدمنا كل هذه التضحيات، وهذا العدد من الشهداء، من أجل تحرير علبة السردين المسماة قطاع غزة؟! والآن يريدون بأن تتبرع لنا مصر بمساحة من الأرض لتوسيع علبة السردين.. أي أن يدفع المصريون ثمن إقامة دولة إسرائيل التي تهدد أول ما تهدد بعد فلسطين، مصر.. هل تقبل بكل هذا؟! لقد وعدونا مع بداية أوسلو بسنغافورة وهونكونغ الجديدة في غزة، وماذا كانت النتيجة؟! النتيجة مذابح جنين ورفح والقائمة طويلة والجريمة مستمرة.
لماذا أسرعتم في تسليم أشلاء الجنود القتلة في غزة؟ ولماذا نسقتم مع شهداء الأقصى ولم تنسقوا مع كتائب القسام؟
ـ لم نسرع في تسليم الأشلاء بل أسرعنا في تخفيف الضغط عن شعبنا في حي الزيتون وحمايته من مزيد من القتل والتدمير، ونحن والأخوة في كتائب الأقصى فرضنا شروطنا وأجبرنا العدو على الانسحاب. أما عن التنسيق، فالإنسان عادة ينسق مع من يمد يده له لا مع من يدير ظهره ويعلن أنه غير معني بقضية الأشلاء كما تناقلت وسائل الإعلام.
هل ضغط المصريون عليكم في مفاوضات تبادل الأشلاء ؟(1/209)
ـ أولاً المصريون لم يضغطوا علينا عند إعلان وقف إطلاق النار في السابق.. نحن فعلنا ما يمليه علينا واجبنا وقناعاتنا.. وهذا تأكد عندما فشل حوار القاهرة في المرة الثانية ورفضنا مع قوى أخرى وقف إطلاق النار..
وفي مفاوضات الأشلاء لم نكن لوحدنا كان معنا شركاء النضال "الأخوة في كتائب الأقصى" ونحن وإياهم فعلنا أيضاً ما تمليه علينا قناعاتنا وراعينا مصلحة شعبنا وحمايته
لماذا تركزون من بداية الانتفاضة على التنسيق في العمليات مع كتائب شهداء الأقصى ولا تنسقون مع حماس؟
ـ هذا غير صحيح، فقد كان هناك تنسيق بيننا وبين الأخوة في حماس في أكثر من عملية جهادية.. لكن التنسيق مع كتائب شهداء الأقصى بدأ مبكراً في هذه الانتفاضة خاصة في جنين وفي ملحمتها البطولية التي قادها الشهيد محمود طوالبة والشهيد أبو جندل ومعهم إخوانهم المجاهدين من كل القوى. أما تركيزنا على التنسيق مع "كتائب شهداء الأقصى" فهو لتعزيز الخط الكفاحي ودعم خيار المقاومة لدى قواعد حركة فتح في مواجهة خيار آخر يريد أن يحوّل أبناء فتح وأبناء الشعب الفلسطيني إلى حرّاس لأمن إسرائيل.. لكن شرفاء فتح وأبطال "كتائب شهداء الأقصى" من رفح حتى جنين مازالوا يؤكدون بعملياتهم البطولية وتضحياتهم الانحياز لفلسطين وللشعب ولدماء الشهداء، دماء أبوجهاد، وفتحي الشقاقي، وأحمد ياسين، وأبو علي مصطفى وكل الشهداء.
لماذا لم تستطع القوى الوطنية والإسلامية من صياغة اتفاق برنامج وطني إسلامي للعمل تحت مظلته؟ وما العائق الحقيقي؟ أم الكل يريد تنظيمه وحزبه فقط؟
ـ لقد أجبت يا أخ أبو تيسير عن السؤال في الشق الأخير منه.. عندما نصل إلى درجة من الإخلاص ونكران الذات، ونقدم المصلحة العامة، مصلحة القضية والوطن، على المصلحة الحزبية الضيقة، فإننا سنتفق على برنامج وطني كما تريد.
الرئيس بوش يطالب بقيادة جديدة ومختلفة للشعب الفلسطيني؟ ما موقف الجهاد من ذلك؟(1/210)
ـ الشعب الفلسطيني هو الذي يختار قيادته، والموقف الأمريكي مرفوض جملة وتفصيلاً. إذا كان هناك شعب على وجه الأرض بحاجة إلى قيادة جديدة فهو الشعب الأمريكي حتى يرتاح من هذه العصابة التي يتزعمها بوش. فليساعد بوش الشعب الأميركي في ذلك وليرح العالم كله من شره ويتنحى جانباً، وليترك الشعب الفلسطيني وشأنه.
هل تتوقعون أن توجه أمريكا ضربة لسوريا وما هي انعكاسات ذلك على حركتكم وعلى القضية الفلسطينية والمنطقة بشكل عام؟
ـ ضرب سوريا هو من حصة الكيان الإسرائيلي بغطاء وضوء أخضر أمريكي، وهو غير مستبعد في أي ظرف من الظروف، لكن هذا، إن حدث، فسيكون له تداعياته الخطيرة في المنطقة.
ما رؤية الجهاد الإسلامي للمطلب الوطني بالإصلاح داخل المؤسسات الرسمية والخاصة وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني في ظل التحديات التي تواجه شعبنا وقضيتنا الفلسطينية؟
ـ الإصلاح الوطني داخل المؤسسات هو مطلب وطني للجميع، لكنه يستخدم على قاعدة "كلام حق يراد به باطل" إذا كان الإصلاح من الشعب الفلسطيني أهلاً وسهلاً.. أما أن يكون الإصلاح عن طريق فرض أجندة أميركية علينا لإزاحة فلان وتثبيت علاّن، فهذا عبث، بل ارتهان للقرار الأميركي الصهيوني لا أظن أن أي فلسطيني يمكن أن يتورط فيه..
ما هو المطلوب من القمة العربية في تونس ؟
ـ أن تقنعنا وتقنع العالم أن الحكام العرب مازالوا على قيد الحياة وأنهم ليسوا في عداد الموتى، بل نهضوا من قبورهم أو قصورهم، وقالوا لا لسياسات وجرائم أمريكا وإسرائيل في العراق وفلسطين والمنطقة.
الصهاينة الأكثر فرحا بما يجرى في العراق ترى ما أهم المكاسب التي حققها الصهاينة جراء ذلك؟(1/211)
ـ كل ما تجنيه أمريكا من العراق هو مكسب لإسرائيل أيضاً.. وهذا يعني أننا يجب أن نحدد مكاسب أمريكاً أولاً.. الاحتلال المباشر للعراق، والسيطرة على النفط، ودعم إسرائيل، ومحاصرة إيران، وفرض الهيمنة على دول المنطقة، وإعادة رسم الخريطة بحيث تكون إسرائيل هي القوة المركزية المهيمنة في المنطقة وليس أي دولة أخرى.. كل هذه مكاسب حقيقية تجنيها إسرائيل. أضف إلى ذلك الحرب الأميركية المزعومة على الإرهاب واحتلالها للعراق فهو بنظر إسرائيل يعطي مشروعية للحرب الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة، ويعطي مشروعية للاحتلال الصهيوني.
ما هي رؤيتك للاهتمام الأمريكي الحالي بالقضية الفلسطينية؟
ـ الاهتمام الأمريكي الذي برز بطرح ما يسمى الرؤية الأميركية أو خارطة الطريق، هدفه تصفية القضية وليس إنصاف الشعب الفلسطيني. وهذا ما تأكد في وعد بوش الأخير، أو وعد بلفور الجديد، الذي شطب حق العودة وأقر الاستيطان، وقبل بالرؤية الإسرائيلية لخارطة الطريق مما يعني أن ليس هناك دولة ولا ما يحزنون.. هناك تصفية حقيقية للقضية بمباركة ورعاية أميركية.
العدو الصهيوني يخطط دائما للوصول إليكم، كيف شعوركم وأنتم تعلمون أنكم المستهدفون رقم واحد؟ وهل تتخذون احتياطات أمنية مختلفة عن تلك التي كنتم تتخذونها؟
ـ نحن ندرك أن بيننا وبين هذا العدو ثأر كبير وفاتورة حساب ليست بسيطة، لذلك هو لن يوفر أي هدف يقع له.. لكننا لسنا خائفين أو مذعورين.. نحن مؤمنون بالله سبحانه، ومؤمنون أن أعمارنا وآجالنا بيد الله عز وجل وليست بيد هذا العدو.. نحاول أن نأخذ احتياطاتنا في حدود إمكاناتنا المتاحة. لكنني وبهذه المناسبة أقول إذا كان الشهيد القائد فتحي الشقاقي رحمه الله يقول "لقد عشت أكثر مما توقعت!" فإنني أقول الآن "لقد تأخر استشهادي أكثر من اللازم" وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقني الشهاده في سبيله .(1/212)
ما هي خطتكم في حاله انسحاب العدو من غزة، وهل تفكرون في الانضمام للسلطة؟
ـ الموقف الدقيق لحالة ما بعد الانسحاب يتحدد بعد معرفة شكل وحجم وطبيعة الانسحاب.. وحتى نعرف ذلك، فإن موقفنا يقوم على ثلاثة مرتكزات: استمرار المقاومة، والحفاظ على الوحدة الوطنية وعدم الاقتتال الداخلي، وعدم المشاركة في سلطة أوسلو.
أتساءل في عمليات اللبس عند فصائل المقاومة عند تبني العمليات وخاصة عملية تفجير الدبابة في حي الزيتون بغزة. وشكرا؟
ـ أشكرك يا أخ إياد وأحيلك إلى البيانات التي صدرت عن الأطراف التي وقع بينها اللبس، وبالنسبة لبيانات سرايا القدس التي تؤكد مسؤوليتها عن عملية حي الزيتون فهي موجودة على مواقع حركة الجهاد مثل qudsway وpalestineway
مع تنامي حركة الجهاد الإسلامي وقوتها هل تقترب أكثر من الوحدة والتنسيق مع حركة حماس أم تقترب حماس من الحركة؟
ـ وحدة الصفوف وتنسيق الجهود والمواقف مرتكز أساسي من مرتكزات عملنا وناظم لعلاقاتنا مع الجميع.. وما تحقق خلال هذه الانتفاضة في هذا المجال كان جيداً والحمدلله، وإذا خلصت النوايا يمكن أن يستمر وينمو إن شاء الله.
يقال إن هناك وساطات إقليمية ومحلية لثنيكم عن تنفيذ عمليات قاسية ضد الاحتلال ؟هل توصلتم إلى حل مع هذه الوساطات؟ وكيف تتفاعلون مع دعوات عدد من المثقفين الفلسطينيين بالمقاومة السلمية؟
ـ ليس هناك أية وساطات إقليمية لثنينا عن القيام بواجبنا الجهادي.. إذا كان هناك من وساطة ولابد فالوسيط الوحيد هو العدو الصهيوني، الذي يستحثنا، كل يوم، بارتكابه المزيد من جرائم الحرب بحق شعبنا، للقيام بعمليات.. أي أن العدو هو الذي يتحمل مسؤولية أي عمل يقوم به شعبنا للدفاع عن نفسه.
هل ستشارك حركة الجهاد الإسلامي في مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية؟(1/213)
ـ لن نشارك في أية مؤسسات منبثقة عن سلطة أوسلو.. أما منظمة التحرير فقد تم إفراغها في سلطة أوسلو أيضاً.. إذا كان هناك مشاريع جدية وحقيقية يمكنها استعادة منظمة التحرير وفك الارتباط بينها وبين أوسلو والسلطة، وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية وعلى قاعدة المقاومة من جديد، فنحن مستعدون للنظر في دخولها.
المصدر : خاص نداء القدس 22/5/2004 ، 19:00
* أغلبية الناخبين الفلسطينيين سيصوتون لنواب حركة حماس في الانتخابات التشريعية المقبلة في حال دخلتها
رام الله -خاص
أشار استطلاع للرأي العام أجري في الأراضي الفلسطينية ونشرت نتائجه اليوم أن أغلبية الناخبين الفلسطينيين سيصوتون لمرشحي حركة المقاومة الإسلامية حماس إذا دخلت الانتخابات التشريعية المقبلة بواقع 30.3 بالمائة بينما سيصوت 29.5 بالمائة لمرشحين فتح، و30.3 بالمائة من الناخبين.
وأجرى الاستطلاع مؤسسة ألفا العالمية للأبحاث و المعلوماتية و استطلاعات الرأي هي مؤسسة متخصصة في مجال الأبحاث والدراسات الإحصائية، حاولت من خلاله دراسة حول توجهات الفلسطينيين حول الانتخابات العامة والمحلية.
التأييد و المشاركة في الانتخابات القادمة،
أظهرت النتائج التي شملت عينة مكونة من 2209 أسرة أن 31.6 بالمائة يؤيدون عقد الانتخابات فوراً وبدون أي شروط (32.7 بالمائة في غزة، 31.0 بالمائة في الضفة الغربية)، و29.2 بالمائة يؤيدون عقد الانتخابات بعد انسحاب قوات الاحتلال إلى حدود ما قبل انتفاضة الأقصى، و29.4 بالمائة يؤيدون عقد الانتخابات بعد انسحاب قوات الاحتلال إلى حدود 67، في حين أن 7.6 بالمائة لا يؤيدون عقد الانتخابات (9.0 بالمائة في الضفة الغربية، 5.1 بالمائة في قطاع غزة)، و 2.1 بالمائة كان لهم آراء أخرى جمعت تحت بند غير ذلك.(1/214)
وعلى صعيد المشاركة في الانتخابات العامة والمحلية في حال إجرائها خلال العام الحالي فقد أظهرت النتائج استعداداً عاليا للمشاركة من قبل أفراد المجتمع الفلسطيني، حيث أكد 86.4 بالمائة أنهم سيشاركون في الانتخابات العامة (89.6 بالمائة في غزة، و84.7 بالمائة في الضفة الغربية)، و81.2 بالمائة سيشاركون في الانتخابات المحلية (80.6 بالمائة في غزة، و81.5 بالمائة في الضفة الغربية). وفي حال إجراء انتخابات رئاسية فقط، دون إجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية فقد أبدى 74.6 بالمائة استعدادهم للمشاركة (79.8 بالمائة في غزة، و71.7 في الضفة الغربية). أما في حال إجراء الانتخابات برلمانية (المجلس التشريعي) فقط، فقد بينت النتائج أن 71.0 بالمائة سيشاركون في هذه الانتخابات (73.6 بالمائة في غزة، و69.6 في الضفة الغربية).
السجناء السياسيين في السجون الصهيونية والانتخابات،
أظهرت النتائج أن 59.6 بالمائة يؤيدون ترشيح السجناء السياسيين في السجون الصهيونية في الانتخابات الرئاسية (62.5 بالمائة في غزة، و57.4 بالمائة في الضفة الغربية)، كما أيد 70.5 بالمائة ترشيح السجناء السياسيين في السجون الصهيونية في الانتخابات البرلمانية (77.4 بالمائة في غزة، و66.8 بالمائة في الضفة الغربية)، و65.2 بالمائة يؤيدون ترشيح السجناء السياسيين في السجون الصهيونية في الانتخابات المحلية (73.3 بالمائة في غزة، و60.8 بالمائة في الضفة الغربية).
منصب رئيس الوزراء(1/215)
تناول هذا المحور استطلاع رأي الجمهور الفلسطيني حول تجربة استحداث منصب رئيس الوزراء، بالإضافة إلى استطلاع رأي الجمهور حول صلاحيات رئيس الوزراء بالمقارنة مع صلاحيات الرئيس ضمن الوضع السياسي الحالي. وقد جاءت النتائج حول استحداث منصب رئيس الوزراء كما يلي: 19.6 بالمائة جيد حداً، 52.1 بالمائة جيد، 12.9 بالمائة سيء، 6.8 بالمائة سيء جداً، 8.5 بالمائة لا اعرف. وعلى صعيد المنطقة كانت النتائج في قطاع غزة كما يلي: 23.5 بالمائة جيد حداً، 49.6 بالمائة جيد، 12.1 بالمائة سيء، 8.5 بالمائة سيء جداً، 6.4 بالمائة لا اعرف. أما في الضفة الغربية: 17.5 بالمائة جيد حداً، 53.5 بالمائة جيد، 13.4 بالمائة سيء، 5.9 بالمائة سيء جداً، 9.7 بالمائة لا اعرف.
وبخصوص صلاحيات رئيس الوزراء ضمن الوضع السياسي الحالي فقد أظهرت النتائج أن 67.9 بالمائة يرون أن صلاحيات رئيس الوزراء يجب أن تكون أقل من صلاحيات الرئيس (67.8 بالمائة في غزة، 68.0 بالمائة في الضفة الغربية)، 22.0 بالمائة يرون أن صلاحيات رئيس الوزراء يجب أن تكون أعلى من صلاحيات الرئيس، 2.7 بالمائة غير ذلك، و7.4 بالمائة لا رأي.
طبيعة النظام السياسي،
أظهرت النتائج أن 37.5 بالمائة يؤيدون قيام نظام رئاسي في فلسطين كنظام سياسي، 22.1 بالمائة يؤيدون قيام نظام برلماني، 35.6 بالمائة يؤيدون قيام نظام مختلط، و4.7 بالمائة لا أعرف. أما على مستوى قطاع غزة فقد جاءت النتائج كما يلي: 39.1 بالمائة يؤيدون قيام نظام رئاسي في فلسطين كنظام سياسي، 20.6 بالمائة يؤيدون قيام نظام برلماني، 34.8 بالمائة يؤيدون قيام نظام مختلط، و5.5 بالمائة لا أعرف. في حين على مستوى الضفة الغربية فقد جاءت النتائج كما يلي: 36.6 بالمائة يؤيدون قيام نظام رئاسي في فلسطين كنظام سياسي، 22.9 بالمائة يؤيدون قيام نظام برلماني، 36.1 بالمائة يؤيدون قيام نظام مختلط، و4.3 بالمائة لا أعرف.(1/216)
أما عن الآلية التي يجب أن يتم اختيار الرئيس بها فقد كانت النتائج كما يلي: 92.1 بالمائة الانتخاب المباشر من قبل الشعب، 6.9 بالمائة من قبل البرلمان، و1.0 بالمائة لا اعرف. وفيما يتعلق بعدد مرات انتخاب الرئيس أظهرت النتائج أن 44.1 بالمائة يرون أن الرئيس يجب أن ينتخب لمرة واحدة فقط، و47.3 بالمائة لمرتين متتاليتين كحد أقصى، و8.6 بالمائة غير ذلك.
وعلى صعيد التصويت لمرشحين الأحزاب السياسية كانت النتائج كما يلي: 30.3 بالمائة حماس، فتح 29.5 بالمائة، 2.4 بالمائة الجبهة الشعبية، 0.2 بالمائة فدا، 0.9 بالمائة الجبهة الديمقراطية، 0.5 بالمائة حزب الشعب، 2.8 بالمائة الجهاد الإسلامي، 18.9 بالمائة المستقلين، 14.4 بالمائة غير ذلك.
* العملية في عين يبرود - معاريف: 20/10/2003
الجيش الإسرائيلي: المسؤول عن العملية اختبأ في المقاطعة في الماضي../
كتائب شهداء الأقصى، الذراع العسكري لفتح، هي التي تقف خلف عملية إطلاق النار في عوفرا. ففي منشور وزع أمس في المناطق كُتب زعما أن "خلية باسم الشهيد محمد أبو حلاوة هاجمت دورية لجنود الاحتلال قرب مستوطنة عوفرا".
... وأبو حلاوة الذي صفاه الجيش الإسرائيلي قبل نحو عامين، هو أحد قادة التنظيم، ومن المقربين لمروان البرغوثي. وفي منطقة رام الله تعمل اليوم عدة خلايا للتنظيم، تنتمي إلى فتح. وأساس نشاطات هذه الخلايا يتركز بإطلاق النار على محاور حركة السير. قائد الخلايا هو كمال غانم، 29 سنة، يعد أحد المطلوبين الكبار لجهاز الأمن. وضمن أمور أخرى، غانم مسؤول عن النشاط في منطقة نابلس وطولكرم. أما أعمال الخلايا فتمولها إيران، والمال ينقل إلى المناطق عبر لبنان.
* باعتراف الصهاينة : خلايا حماس المعتقلة في رام الله تتميز بالخبرة الكبيرة والتخطيط العالي والتمرّس والسرية الكاملة
تقرير مركز الإعلام الفلسطيني /رام الله – خاص(1/217)
كشفت المعلومات القليلة التي سمحت الرقابة الصهيونية بنشرها حول اعتقال ثلاث خلايا تابعة لكتاب عز الدين القسام، الهيكلية والآلية المتطورة التي امتازت بها هذه الخلايا وجعلت من ملاحقتها وكشفها أمرا شاقا ومعقدا بالنسبة لأجهزة الأمن الصهيونية .
وعكست سلسلة العمليات الموجعة والنوعية التي نفذها المجاهدون التطور النوعي في عمل المقاومة الفلسطينية يقوم على أساس امتلاك المعلومات الاستخبارية الكاملة للعدو عبر رصده ومعرفة تحركاته ومن ثم مهاجمته بشكل مباغت دون إعطائه فرصة للرد وتمثل ذلك في عمليات سردا ودورا القرع وعين يبرود.
ويلاحظ أنه رغم عشرات العمليات التي استهدفت في غالبيتها جنودا مدججين بالأسلحة إلا أنه لم تقع أي خسائر في صفوف المجاهدين وتمكنوا دوما من الانسحاب بسلام من مكان الهجوم مما يعكس تخطيطا عاليا لكيفية الهجوم وكيفية الانسحاب.
واعترفت أجهزة الأمن الصهيونية أن : " معظم أعضاء الخليّة سُجِنُوا سابقًا ويتمتعون بالخبرة الكبيرة في العمل السري إضافة إلى أن هجماتهم مُيِّزَتْ بالاستعداد المحدّد متضمّنًا جمع المعلومات الاستخباراتيّة " معتبرين أن هناك بعض الخلايا التي نفذت عمليات أشد عنفا من تلك التي نفذتها الخلايا الثلاث لكن لا توجد هناك مجموعة تنافس هذه الخلايا بالمستوى العالي للتّخطيط والأداء التّشغيليّ والتّمرّس وأعمال الرصد ".
وبحسب هذه المصادر فقد تم تشكيل ثلاث خلايا في كل من قرية كوبر وقرية المزرعة الشرقية وقرية سلواد، وقسمت الخلية الواحدة إلى ثلاثة مجموعات ، مجموعة رصد العدو وتحركاته ، والمجموعة المهاجمة ، إضافة إلى مجموعة الانقاذ وهدفها مراقبة سير تنفيذ الهجمات والتدخل لدى حصول أي تعقيدات .(1/218)
وحسب مصادر مقربة من جهاز الشين بيت فإن أفراد الخلايا اتبعوا السرية الكاملة حتى في اتصالاتهم مع بعضهم البعض، فقد ذكر المعتقلون أنهم لم يلتقوا المجاهد إبراهيم حامد الذي تعتبره أجهزة الأمن الصهيونية أنه يقف على رأس الهرم القيادي لكتائب عز الدين القسام في وسط الضفة الغربية.
وأضافت هذه المصادر أن أفراد الخلايا الثلاث تلقوا تدريبات مكثفة على أيدي قياديين مجهولين من حركة حماس كانوا يضعون أقنعة على وجوههم ويستخدمون أسماء مستعارة خلال عمليات التدريب مشيرين أن أفراد الخلايا الثلاث لم يعرفوا بعضهم البعض وأن كل خلية عملت بمفردها بناء على أوامر من مسئولين مقربين من حامد.
وأكدت هذه المصادر أن الهجوم الواسع الذي نفذه المئات من أفراد الوحدات المختارة في الجيش الصهيوني والعشرات من أفراد الشين بيت في مدينتي رام الله والبيرة في بداية الشهر الجاري استهدف بالدرجة الأولى تصفية المجاهد إبراهيم حامد الذي كانوا متأكدين أنه يوجد داخل عمارة الكسواني في حي المصيون بمدينة رام الله .
وأصيب مسئولوا جهاز الشين بيت بخيبة أمل عندما تبين لهم بعد عدة أيام من العملية أن حامد ليس تحت انقاض عمارة الكسواني وأنه تمكن بطريقة ما من النجاة .
واعتبر مراقبون أن إسراع جهاز المخابرات الصهيوني في الكشف عن اعتقال الخلايا الثلاث جاء لإعادة الاعتبار لهم بعد أن فشلوا في تصفية حامد الذي يصفه جهاز الشين بين بأنه أحد أكثر المطلوبين ذكاء وحنكة في الضفة الغربية.
خلية قرية كوبر :
1- عمر صلاح البرغوثي 50 عاما من سكان قرية كوبر ومن الناشطين البارزين في حركة حماس في قرية كوبر وكان اعتقل عدة مرات وتتهمه سلطات الاحتلال بالمسئولية عن البنية التحتية للخلية حيث كان مسئولا عن توفير السلاح والذخيرة لأفراد الخلية.(1/219)
2- جاسر إسماعيل البرغوثي 30 عاما سجن في السابق بسبب نشاطه في حركة حماس وكان حلقة الوصل بين أفراد الخلية في كوبر وقيادة الخلية في مدينة رام الله.
3- زياد ناصر الصوص 37 عاما من قرية أبو شخيدم واعتقل سابقا لنشاطه في حركة حماس.
4- مراد وليد البرغوثي 30 عاما من قرية كوبر .
5- يونس علي محمد 28 عاما من بلدة طوباس ويسكن في كفر عقب جنوب رام الله وكان سابقا يعمل في جهاز الاستخبارات العسكرية التابع للسلطة الفلسطينية.
6- خلدون روحي البرغوثي 30 عاما من قرية كوبر وهو عائد من سوريا، وكان بمثابة الممول المالي لأنشطة الخلية
أهم الهجمات الفدائية التي نفذها أفراد خلية كوبر
1- 2 / 11 / 2001 هجوم فدائي استهدف الحاجز العسكري قرب قرية سردا شمال رام الله مما أسفر عن مصرع الجندي راز مينتز .
2- شباط 2002 هجومين بالأسلحة الرشاشة على حاجز سردا.
3- 15 شباط 2003 أطلق المجاهد القسامي زياد الصوص النار من مسدسه على جنود الحاجز العسكري في قرية سردا وقتل الجندي الصهيوني نحمان اكنيس.
خلية قرية سلواد :
1- أحمد مصطفى النجار 27 عااما من سكان سلواد ويحمل الجنسية الأمريكية ، جند في داخل السجن من قبل هاشم خضر.
2- خالد معز عمر 28 عاما من سلواد ، سجن سابقا لنشاطه في حركة حماس.
3- مؤيد شكري حامد 27 عاما من ساكن سلواد ، سجن سابقا لنشاطه في حركة حماس .
4- أحمد خالد حامد 28 عاما من سكان سلواد .
5- فرح أحمد حامد 27 عاما من سكان سلواد
أهم الهجمات التي نفذتها خلية سلواد :
1- أيلول 2000 – هجوم بالأسلحة الرشاشة استهدف دورية عسكرية قرب تل العاصور.
2- 18/ 9 / 2002 هجوم على سيارة تابعة للمستوطنين قتلت فيها مستوطنة.
3- 27 / 12 /2002 هجوم بالأسلحة الرشاشة استهدف حافلة تقل مستوطنين قرب مستوطنة عوفرا.
4- 29 / 1/ 2003 هجوم بالأسلحة الرشاشة استهدف سيارة تابعة للمستوطن قرب عوفرا أصيب خلالها مستوطنان بجروح.(1/220)
5- 20 / 6 / 2003 هجوم استهدف سيارة مستوطنين أسفر عن مصرع مستوطن وإصابة آرين بجروح.
6- 29 / 8 / 2003 – هجوم استهدف سيارة صهيونية قرب قرية المغير قتل فيه مستوطن وأصيبت مستوطنة بجروح بالغة.
خلية المزرعة الشرقية :
1- هاشم خضر 28 عاما من سكان المزرعة الشرقية اعتقل في السجون الصهيونية لنشاطه في حركة حماس.
2- نمر الزبن 26 عاما اعتقل في السابق لنشاطه في حركة حماس.
3- رافع خضر حميدة 26 عاما من سكان المزرعة الشرقية كان معتقلا في السجون الصهيونية.
4- محمود سعد 19 عاما من سكان المزرعة الشرقية.
5- مجدي محمد 27 عاما من سكان قرية المغير.
6- هيثم سيف رضوان 26 عاما من سكان قرية اللبن الغربية.
أهم الهجمات التي نفذتها خلية المزرعة الشرقية.
1- أيلول 2002 هجوم استهدف دورية عسكرية قرب تل العاصور.
2- نيسان 2003 – قتل أحد العملاء .
3- 5/ 5 /2003 – هجوم استهدف سيارة صهيونية قرب قرية المغير قتل فيها مستوطن وأصيب جندي ومستوطنة بجروح.
4- 6 / 10 / 2003 تفجير عبوة ناسفة وضعت على جانب الطريق بالقرب من قرية المغير مما أدى إلى إصابة جندي بجروح.
5- 19 / 10 / 2003 الهجوم الفدائي النوعي في قرية عين يبرود ومقتل ثلاثة جنود وإصابة رابع بجروح بالغة الخطورة.
** تفاصيل عملية عين يبرود
المصادر الصهيوينة كشف عن تفاصيل عملية عين يبرود إلى قتل خلها ثلاثة جنود صهاينة وأصيب رابع بجروح بالغة الخطورة.
وبحسب هذه المصادر فإن مجموعة الرصد التابعة لخلية المزرعة قدمت معلومات إلى قيادتها الموجودة داخل مدينة رام الله حول الدورية العسكرية التي يقوم بها الجنود الصهاينة في القرية بصورة يومية حيث وضعت خطة كاملة تهدف إلى تصفة أفراد الدورية واخذ سلاحهم وتم اختيار تاريخ 19 / 10 لتنفيذ الهجوم.(1/221)
وأضافت هذ المصادر أن أفراد المجموعة المهاجمة كمنت لأفراد الدورية العسكرية الصهيونية واطلقوا النار عليهم من مسافة قريبة وتأكد أفراد الخلية من مصرع الجنود عبر إطلاق النار على رؤوسهم، ثم أخذوا أسلحتهم ، وقامت سيارة بنقل أفراد الخلية إلى رام الله، في الوقت ذاته قامت سيارة اخرى بنقل الأسحلة إلى مخبأ سري أعده أفراد الخلية في قرية سلواد، مشيرة ان مجموعة أخرى كانت تراقب سير تنفيذ العملية المخطط لها بشكل محكم للتدخل في حال وصول تعزيزات عسكرية صهيونية إلى منطقة الهجوم .
خطف جنود من أجل مبادلتهم بأسرى فلسطينيين
بعد نجاح عملية عين يبرود وضع مجاهدو خلية المزرعة الشرقية خطة من أجل أسر جنود صهاينة أو قتلهم وخطف جثثهم وذلك أجل مبادلتهم مع أسرى فلسطينيين داخل السجون الصهيونية.
وبحسب المصادر الصهيونية فإن مجاهدي الخلية القسامية قرروا شراء شاحنة كبيرة كان سيقودها مجدي محمد من قرية المغير لصدم دورية عسكرية صهونية على طريق 60 القريب من قرية دورا القرع ومن ثم يهاجم بقية أفراد الخلية الدورية العسكرية ويقتلون من فيها.
وزعمت هذه المصارد أن أفراد الخلية قرروا أخذ جثث الجنود ووضعها في حفر سرية أعدت في عدة أماكن كما تم تجهيز المعدات الخاصة لعمليات اختطاف الجنود. إلا أن اعتقالهم في بداية الشهر الجاري لم يخرج الخطة إلى حيز التنفيذ.
* شمس الحقيقة أنصع من محاولات الطمس القزمة
"ولا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم" آل عمران 188
يتحدث المولى عز وجل في هذه الأية المباركة عن تلك الفئة من الناس التي تفرح وتطرب لما تفعله من خير(إن كان في فعلها خير)، بل وأكثر من ذلك تحب أن يحمدها الآخرون ويشكرونها على أفعال لم تأت بها ولم تقوم بفعلها.(1/222)
ولأن منهج الإسلام والقرآن هو العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه فإنه يحارب تلك الصفة الذميمة متوعداً الذين يتصفون بها إن لم يراجعوا أنفسهم وقراراتهم ومواقفهم بالعذاب الأليم والعقوبة الشديدة مع التأكيد أن أحداً منهم لن ينجوا من هذا العذاب "فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم" وذلك لأن هذه الصفة الذميمة تؤدي بالإنسان لأن يقع في مجموعة من المحرمات التي نهى عنها الإسلام، فهي تدفع به أولاً للاتصاف بصفة النفاق حيث يقول ما لا يفعل "يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا"، وتدفع به ثانياً لخيانة الأمانة التي حملها الإنسان ---- الحقيقة والصدق فيها والدفاع عنها، حيث أنه سيتحدث بالكذب والزور لينسب إلى نفسه أعمالاً خيرية لم يقم بها من أجل أن يكال له المديح والثناء، وتدفع به ثالثاً لأن يقع في مستنقع الآسن، وفوق ذلك يكون الرياء محيطاً لكل أعمال الخير التي يقوم بها الإنسان، والكل يعلم ويعرف قصة ذلك الرجل الذي احتج على دخوله النار وهو الذي قُتل في المعركة ضد أعداء الله فيرد عليه المولى عز وجل ومكذباً إياه"...كذبت، لقد قاتلت حتى يُقال عنك أنك شجاع وقد قيل".
وإذا كان هذا جزاء الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فإن جزاء ومصير الذين يسرقون نضالات الآخرين لينالوا الحمد من الناس والشهرة بينهم سيكون أسوأ وعذابهم أشد، ذلك لأنهم يرتكبون بهذه السرقة كل الموبقات السابقة من الاتصاف بصفة الكذب والنفاق ومن خيانة أمانة الحقيقة وقول الحق والصدق ومن الغرق في مستنقع الرياء والآسن وفوق ذلك كله يرتكبون جريمة أكل حقوق الآخرين التي توعدها المولى عز وجل بأشد العقاب والعذاب وأخرجها من مشيئة العفو والمسامحة التي يتفضل بها عز وجل على عباده يوم القيامة وربطها بعفو وتنازل صاحب الحق فيها من الناس.
الأخوة أبناء الجهاد الإسلامي:(1/223)
... إن محاولات بعض الأخوة في حماس سرقة نضال أبناء سرايا القدس ونجاحهم الباهر في عمليتهم الاستشهادية الفذة والمعجزة ضد مستوطنة كريات أربع في الخليل لما تمثله هذه العملية من براعة وجرأة منقطعة النظير لأبطال السرايا وقبل ذلك توفيق من الله واصطحاب امعيته جعلتها حديث القاصي والداني وأربكت العدو وأفقدته توازنه لما تمثله من اختراق لكل احتياطاته وإمكانياته الأمنية إضافة لجسامة وفداحة الخسائر التي تكبدها من القتلى والجرحى وفي مقدمتهم مقتل قائد لواء الجيش الصهيوني في منطقة الخليل العميد "درور فايبرغ"، هذه المحاولات بكل تأكيد هي محاولات رخيصة ومكشوفة لكل ذي عقل وبصيرة يسعى المنغمسون والملوثون لألسنتهم وأيديهم وقبل ذلك إسلامهم من ورائها لتحقيق أهداف عدة منها:
سرقة الفرحة من أبناء حركة الجهاد الإسلامي والحيلولة دون التفاف الجماهير خاصة الشباب المجاهد والمناضل حول هذه الحركة بسبب إنجازاتها العسكرية على الأرض من خلال عملياتها الفذة كعملية الخليل.
الحيلولة دون انكشاف وتعرية الافتراء الذي يروجونه بأن العمليات الفذة والموجعة للكيان هي دوماً من أعمال شباب حماس وأن عمليات الآخرين خاصة الجهاد الإسلامي هي عمليات صغيرة وبسيطة.
التغطية على الأنباء التي تسربت من المحادثات التي تجري في القاهرة بين حركة فتح وحركة حماس والتي تفيد بأن حركة حماس وافقت على إيقاف عملياتها العسكرية ضد الكيان الصهيوني لمدة ثلاثة أشهر وباشتراط أن يكون الاتفاق حول هذه النقطة سرياً ولا يتم الإعلان عنه للصحافة والجماهير.(1/224)
إننا ومع تأكيدنا وتأكدنا بأن هذه المحاولات الرخيصة والمبتذلة تأتي ضمن ساق المنهج العام الذي يهدف لإثبات أن كل العمليات الفذة من إنجازاتهم وأنهم الأقوى والأجود لقيادة الشعب، وطمس حركة الجهاد الإسلامي وإنجازاتها، فإننا نتوجه لأبناء حركة الجهاد في كل المواقع أن يتحلوا بالصبر والحكمة وأن يبتعدوا عن ردود الأفعال والانفعال في الرد على هذه المحاولات التي لن تصمد طويلاً "فأما الزبد فيذهب جفاء"، وأن يتثبتوا على قول الحق والحقيقة والتقدم باتجاه وعد الله ووعد الآخرة ليستحقوا نصر الله ومعيته.
كما نتوجه لكل الذين يحاولون سرقة أعمال ونضالات غيرهم وينسبوها لأنفسهم لينالوا الحمد والشهرة في دنيا الناس، وينالوا الغنيمة المادية في زمن الحسابات التجارية أن يعودوا لرشدهم وعقولهم قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه حمداً بشرياً ولا شهرة إعلامية ولا تبرعات نقدية... أن يعودوا لرشدهم وعقولهم قبل أن تتضح الحقيقة في دنيا الناس فيلحقهم الأذى والفضيحة بدل الحمد والشهرة وينفر منهم الأتباع المخلصون ... أن يعودوا لرشدهم وعقولهم قبل وضوح الحقيقة وهذا أمر مؤكد وانتشار الفضيحة على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، حيث لا تنفع في ذلك الموقف الاعتذارات الرسمية ولا الانكارات المزيفة ولا الحجج الواهية التي قد تجدي نفعاً في دنيا الناس... أن يعودوا لرشدهم وعقولهم قبل أن تطاردهم لعنة الحقوق المسروقة والنضالات المغتصبة وقبل أن يزدادوا بعداً من المولى عز وجل مصداقاً لقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في الصحيحين :"من ادعى دعوة كاذبة ليتكثر بها لم تزده من الله إلا بعداً".
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللجنة الثقافية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
* بيان داخلي للجهاد يتهجم فيه على الشيخ الإمام الشهيد احمد ياسين
بسم الله الرحمن الرحيم
"فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"(1/225)
في الوقت الذي تشتد فيه الخطوب، وتتعاظم فيه المؤامرات، وتتوالى جرائم الاحتلال بحق أبناء شعبنا، مما يفرض على الجميع التماسك والالتفاف حول بعض، لشد الأزر، ولإفشال المخططات العالمية الهادفة للنيل من إرادة شعبنا، يفاجئنا الشيخ أحمد ياسين بعكس ذلك تماماً، حين يتوجه الى بيتي عزاء الشهيدين(كرم المغني...وجمال أبو القمبز) وبدلاً من أن يواسي بفتح الجراح ويثير الأسى عن الشهيدين:(("راحو ببلاش" بيبعتوا أولاد الناس للموت))، والجميع يعلم أن الشهيدين توجها للقيام بعمليتهما بقرار ذاتي.
ثم يواصل الشيخ / ياسين ليلته في منطقة الشجاعية متوجهاً الى مسجد الصديقين بعد صلاة العشاء، ليلتقي بأتباعه في المسجد، ويجيب عن تساؤلاتهم، والتي كان في بعضها الحرص على وحدة الصف الاسلامي وخصوصاً بين حماس والجهاد، لكن الشيخ ياسين قابل هذا الحرص لدى الشباب بالتحريض وتأليب القلوب، وكذلك يكيل الاتهامات على حركة الجهاد الاسلامي وأعضائها، متهماً إياهم:بالنفاق وقلة التربية، وليس لهم إلا سب "حماس" وضرب أبنائها في المساجد، فكيف تكون الوحدة، بل هي "وحدة فقوس وخيار، وبطيخ وسنطروزة"!!! ثم يصدر الشيخ ياسين حكمه النهائي على حركة الجهاد الاسلامي وشهدائها: بأنهم طلاب دنيا وكراسي ومناصب، وأنهم فشلوا في خيارهم بعد أن انشقوا عن حماس، وطلبوا العودة إليها، فرفض الاخوان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم قبوله لجيش المنافقين بقيادة عبد الله بن أبي سلول بعد انشقاقه عن النبي صلى الله عليه وسلم في معركة أحد!!!
هذا هو وموقف ياسين من حركة الجهاد الإسلامي، ونحن لا نستغرب ذلك منه، لكن أن يتحدث بذلك في المسجد، حيث عامة الناس، وكذلك أنصار وأبناء الجهاد الإسلامي، فهذا هو المستغرب حين تغادره فطنته وذكاءه، فيفضي بمكنون صدره!!!(1/226)
هذا للأسف أوغر الصدور وحرك المشاعر وخصوصاً لأبناء حماس ضد إخوانهم وأشقائهم أبناء حركة الجهاد، مما أدى إلى حدوث مشكلة في مسجد الصديقين يوم الجمعة الماضي –17/1/2003م، حين ثارت ثائرة أبناء حماس ضد خطيب الجمعة لأنه من الجهاد الاسلامي، وعقب على تحريضات ياسين بطريق غير مباشر دون ذكر لأسماء أو حركات، بعكس ما فعل ياسين، لكن أبا أبناء "حماس" إلا أن يفسدوا على الناس صلاتهم، ويبطلوا صلاة الجمعة، حيث لم يؤد الناس صلاة الجمعة من الهرج والمرج الذي فجره أبناء ياسين، وعلى الأثر توجه وجهاء العائلات للشيخ أحمد ياسين، محتجين على هذا السلوك، ومحملين إياه مسؤولية الأحداث المؤسفة بناء على كلامه السابق في المسجد، وتوجه كبار السن والعقلاء من عائلات المنطقة معتذرين عن سلوك بعض أبنائهم المنتمين لحماس، معتذرين عن سلوك بعض أبنائهم المنتمين لحماس، معتذرين لـ (آل حجاج) و(آل الحرازين)، ورغم كل ما حدث فإننا نناشد إخواننا الأفاضل في حركة الجهاد الاسلامي أن لا ينشغلوا بهذه المهاترات التي تثار في وجوههم، وأن يتعالوا على هذه الصغائر التي يتفوه بها البعض، وان ينشغلوا بقرآنهم وعبادتهم وبجهادهم ودعوتهم ليستثمروا انتصارات مجاهديهم الأبطال، ويقدموا الأنموذج الأمثل للمسلم الرسالي الحريص على شعبه وقضيته، وعلى عدم تشتيت الجهد في ساحات الفشل وذهاب الريح.
حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين
الثلاثاء – 21/1/2003م
* أوراق داخلية/ "حماس" وسياسة قلب الحقائق
بسم الله الرحمن الرحيم
في ظل حملة التصعيد المنهجي الذي يمارسه البعض من حركة حماس الإسلامية ضد أبناء حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين منذ بداية انتفاضة الأقصى المباركة، فقد تواصل هذه الأيام هذا المنهج التشويهي والتحريضي بورقة جديدة عنونها الأخ إسماعيل هنية بـ"همسة عتاب" نشرها في جريدة الرسالة أولاً، وقام أفراد من حماس بتعليق تلك الهمسة على جدران المساجد.(1/227)
بداية كنا نود أن تكون أوراق الأخ إسماعيل هنية تخضع لتقوى الله في اتجاه الوحدة الإسلامية والوطنية، وتجميع القلوب ولا تفرقها وترص الصفوف ولا تمزقها، مثلما نسمع منهم كثيراً في المناسبات الإسلامية والوطنية التي يمثل فيها حماس، لقد كنا نتمنى من الأخ هنية إن كان يؤمن بما جاء في همسته أن يراجعنا مباشرة، وهو الذي يعرفنا ونعرفه، ونتلقى به ويلتقي بنا، ويعاتبنا وجهاً لوجه كما كنا نفعل معهم، لكنه يعرف كما يعرف أبناء شعبنا بأن ما كتب في همسته غير صحيح ومغاير للواقع، ويبدو بأن الهدف من همسته هو محاولة غير نظيفة من لتأليب الشارع ضد حركتنا وتشويه صورتها، خاصة بعد تصاعد عملياتها الجهادية ضد المحتلين الغزاة وازدياد شعبيتها، وإلا فإننا جاهزون لمناقشة ما ورد في همسته أمام لجنة محايدة تختارها حماس من التيارين الإسلامي والوطني، --- نعلم من تجربتنا الخاصة مع الأخوة في حماس بأنهم لا يقبلون أحد غيرهم على الساحة الإسلامية إن استطاعوا ... ولا يتعاملون مع القوى الإسلامية والوطنية إلا عندما يحتاجون إليها.
إننا في ضوء ما سبق يجب أن نوضح الصورة المشوهة التي نشرها البعض من حماس ولم تلق أي تعليق من قيادات حماس المعروفة، والتي كان يجب على هذه القيادات أن تمنع الأخ هنية من الكتابة التي لا تتحرى الصدق وتظلم الآخرين، وتوقفه للحساب الشديد عند الله يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وإذا ما أردنا أن نناقش ما جاء في همسة هنية، فإننا أول ما نجد فيها سياسة قلب الحقائق متمثلة في الآتي:(1/228)
أولاً: الاتهام الذي ردده هنية بأن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تقول عن كتائب القسام وعن حماس بأنهم عملاء... بداية : إن هذا بهتان عظيم سيسألون عنه بين يدي الله سبحانه، حيث تعتبر حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين كتائب القسام من أشرف الظواهر الجهادية في المنطقة، وقدمت شهداء عظام، وعلى رأسهم الشهيد يحيى عياش، وعبرت عن هذا الموقف في أكثر من مناسبة.
أن الذي ذكره البيان لـ حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في منطقة الزيتون ضد فئة مسلحة قطعت أمن المواطنين، ونصبت كمائن ليلية لمجموعة من أبناء الجهاد الإسلامي في فلسطين في شهر رمضان المبارك الماضي أثناء عودتهم من مشاركة في عرس شهيد، --- بضربهم بلا مبرر وبلا أخلاق، فقالت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين عن تلك المجموعة، ولا زالت تقول بأنها تخدم الاحتلال مهما كان الاسم الذي تحمله، فكيف يحور "هنية" الكلام، ويعممه إلا لتمرير هدف مبيت يسعى إلى تحقيقه.
ثانياً: يزعم هنية :بأن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تطلق النار على أبناء "حماس" في المساجد، وأصابت أحد أبناء "حماس"، وهذه الصورة مقلوبة تماماً أيضاً، حيث أن الذي أصيب في مسجد صلاح الدين هو ابن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وكل أهل المنطقة ورواد المسجد يعرفون ذلك، وبعد حادث الاعتداء بفترة تم اعتقال هذا الشاب على خلفية أعمال مقاومة في الانتفاضة لصالح حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وساهم رموز وكوادر في "حماس" في تشويه بعض أبناء حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وقاموا بانزال تقارير ملفقة على موقعهم في شبكة الإنترنت متهمة إياهم بالعمالة، وأشارت إلى أسمائهم بالرموز، وهم من الشرفاء في هذا الوطن، فالصورة باتت واضحة، وينطبق عليها المثل"رمتني بدائها وانسلت"، فهل يعقل أن أبناء الجهاد يطلقون النار على إخوانهم؟ والتقارير تشير إلى أن الذي أطلق النار من حركة حماس.(1/229)
ثالثاً:يتهم هنية حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بدهن صور الشهيد / عوض سلمي رحمه الله بالزيت المحروق، وفي هذا تجن وظلم كبيرين، حيث شاركت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في تأبين الشهيد عوض سلمي بكلمة لها في جنازته، وقامت صحيفة الاستقلال بعرض تقرير عن الشهيد عوض سلمي على صدر صفحتها الأولى، وكتبت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين شعارات تأبينية للشهيد بجانب بيت عزائه، وفوق كل ذلك عرضت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين على حماس إنزال بيان مشترك ضد أولئك الذين تجرءوا على صور الشهيد عوض سلمي ثم يأتي هنية ليقول، وصمتت"حماس"؟
رابعاً: حمل هنية حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين مسؤولية مشكلة عائلية في رفح لها جذور من الانتفاضة الأولى، تطورت إلى موقف سلبي في الانتفاضة المعاشة، أدانته حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بكل قوة، والمشكلة لا تزال تعالج عائلياً، فلماذا يصر هنية على تحميل حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين مسؤولية عمل لا علاقة لها به، وعملت على إدانته، إلا إذا كانت هناك نية مبيتة ليقول هنية فيما بعد وصمتت"حماس"؟
خامساً: يتحدث هنية عن مسح الشعارات، وينسى هنية كم مرة شكونا لهم من هذه الظاهرة المقلقة المتصاعدة منذ بداية انتفاضة الأقصى، وكذلك تمزيق الأوراق والإعلانات، حتى في الشوارع العامة ولوحات المساجد، وما يتعرض له إخواننا من اتهامات وتهديدات مستمرة، ثم يعلق هنية بقوله:"وصمتت حماس"؟(1/230)
سادساً: قضية تبني العمليات العسكرية والتي هي سبب مهم في توتر الأجواء، والاحتقان بين أبناء حماس والجهاد الإسلامي حين قال هنية بأنهم ليسوا في حاجة لتبني عمليات الآخرين، لأنهم لهم سجل ممتلئ بالعمليات، ألم يسمع الأخ إسماعيل ويشاهد بأن عمليات الجهاد الإسلامي النوعية مثل بيت ليد وهشام حمد وخالد الخطيب وغيرها كثيراً، أصبحث بقدرة قادرة عمليات نفذتها كتائب القسام، والأخ هنية يشهد قبل غيره بأن هذه العمليات هي عمليات أبطال الجهاد الإسلامي، ومنذ ثلاثة أشهر قد شكونا لحماس بأوراق رسمية أصدرتها الكتلة الإسلامية تتبنى فيها عملية بيت ليد، وأبدت حماس أسفها على ذلك. ومن ناحية أخرى يا أخ إسماعيل: ألم تشكو لكم حركة الجهاد الإسلامي على موقعكم على الإنترنت وبيانكم الذي نزل في الشارع، وتتبنى فيه كتائب القسام كل العمليات العسكرية التي تمت في الانتفاضة الحالية منذ اليوم الأول للانتفاضة "28/9/2000م"، سواء قامت بها فتح أو الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية أو غيرها، وحين شكونا لكم عن ذلك قلتم: إن الشيخ مستاء من ذلك، وتم بعدها سحب الموضوع عن موقع حماس أليس في ذلك تبني لعمليات الغير يا هنية، ثم تقول "وصمتت حماس"؟
أما التعرض بحركة الجهاد الإسلامي لاستعانتها بأحد أفراد الكتائب، فلا بأس على هنية، ونحب أن نذكره بأن كتائب القسام "محمد أبو شمالة-رائد العطار" قد استعانوا بالشهيد محمد عبد العال في إخراجهم من دائرة الملاحقة التي كانوا فيها قبل عامين. هناك قضايا عديدة جرى التعاون فيها بين كتائب القسام جرى التعاون فيها بين كتائب القسام والجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، لا داعي للخوض فيها، فالاستعانة بالآخر ليس عيباً ولا ضعفاً، ثم يأتي هنية ليقول:"وصمتت حماس"!!! ليبرهن أنه وحماس أصحاب حق، صبروا على ضيم وقساوة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ليتحقق المثل القائل"ضربني وبكى وسبقني واشتكى".(1/231)
يا إخواننا الأفاضل: حرصا منا في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين فيما مضى وفيما هو قائم رفضنا تعميم الظاهرة وإخراجها إلى السطح الإعلامي حرصاً على وحدة شعبنا، ورغبة في استمرار انتفاضته، ويوم أن نزلت قذائف هنية في همسته، اتصلت بنا عدة وكالات أنباء لطلب التعليق، فرفضنا التعليق، حرصا منا على عدم الدخول في مهاترات أو إثارة قضايا جزئية بعيداً عن الهدف الأساسي في صراع شعبنا مع العدو الصهيوني، حتى لا نفجع شعبنا في حركاته الإسلامية، حيث يبدوا همنا الذاتي أكبر من هم الشعب الفلسطيني وانتفاضته، ونحن هنا نؤكد مرة أخرى أننا سنصبر على اتهاماتكم وقلبكم للحقائق ونوصي إخواننا في حركة الجهاد الإسلامي أن لدينا استراتيجية ثابتة: وهي الانفتاح على كافة القوى الفلسطينية، وخاصة الأخوة في حركة "حماس" ولن تتغير، وإننا حريصون جداً على وحدة العمل، ووحدة الموقف، وكل ما بدر منا في هذا الاتجاه في الأوراق الداخلية ما هو إلا ردة فعل على مواقف تسئ لـ حركة الجهاد الإسلامي، وتصادر تاريخها، وكذلك دفع لتهم موجهة ضدها، وما هذه الورقة الداخلية إلا استمرار لهذه السياسة، وإن أيدينا ممدودة بالخير والتفاهم، وعقولنا مفتوحة للتحاور مع الجميع، بما فيهم حركة "حماس".
حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
30 محرم 1422هـ الموافق 24/4/2001م
* بيان داخلي للجهاد حول العمل الفني الذي عرضته فضائية المنار تحت عنوان "صقر فلسطين"
بسم الله الرحمن الرحيم
"إن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"
الأخوة الأطهار:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد،،،(1/232)
لقد تابعنا باهتمام العمل الفني الذي عرضته فضائية المنار تحت عنوان "صقر فلسطين" عن مشوار الشهيد يحي عياش الجهادي، الذي نكن له كل التقدير، لجهاده واستشهاده على أرض فلسطين، لكن كان مأخذنا على فضائية المنار التابعة لحزب الله أنها وقعت في فخ التضليل والتزوير الذي نصبته حركة حماس في الكتاب المسجل تحت عنوان الشهيد "يحي عياش" والذي يحمل اسم المؤلف "محمد دوعر"، وأشرفت على توزيعه وطبعه "فلسطين المسلمة" والتابعة لحماس، فمهما حاولت حماس التنصل منه، فهي متهمة ومدانة والشريكة في التضليل والتزييف والسرقة، وهذا يتفق مع تاريخها الطويل القائم على هذه المرتكزات.
وإليكم بعض من نقاط الإدانة للصوص المحترفين في السرقة :(1/233)
أولاً: إدعاء الكاتب ومن خلفه حركة حماس بأن الشهيد عصام براهمة ... هو أحد العناصر العاملة تحت إمرة الشهيد يحي عياش –القائد البارز في كتائب الشهيد عز الدين القسام- كما جاء ذلك في الحلقة الأولى من المسلسل، مع أن الجميع من أبناء الشعب الفلسطيني يعرف أن المجاهد الشهيد عصام براهمة يعمل ضمن صفوف حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وكان قائداً لتنظيمها العسكري في الضفة الغربية حتى استشهاده في العملية البطولية الرائعة بعد أن حاصرت قوات الاحتلال البيت الذي يختبئ فيه وقصفته بالصواريخ المضادة للدبابات وطائرات الهليوكبتر، واستمر الحصار مع القصف أكثر من تسع ساعات متواصلة، وحين ظنت دولة الاحتلال بأن الشهيد قد قتل، اقتحمت البيت فخرج إليهم الشهيد من بين الأنقاض مكبراً وأطلق عليهم الرصاص فقتل قائد العملية الصهيونية وأربعة من الجنود، وأصاب العديد منهم، وفر الباقون مذعورين، هذه العملية التي سطرت في تاريخ فلسطين بدم الشهيد وجرأته، وسجلت بحروف ناصعة في تاريخ حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، فلم يسع حركة حماس ولا ملفقها الكبير "دوعر" إلا بذل الجهد لمحاولة احتوائها ونسبتها إلى سجلها الجهادي، فكان لابد من الكذب الصريح والمفضوح من نسبة الشهيد عصام إلى الشهيد يحيى عياش، وأنه أحد تلامذته والعاملين تحت إمرته، ومما يزيد في الفضيحة أن الملفق الكبير "دوعر" لم يذكر شيئاً فيما بعد عن مصير الشهيد عصام براهمة، ولا عن كيفية استشهاده، كما فعل مع كل من ذكرهم من المجاهدين في كتائب القسام العاملين تحت إمرة يحيى عياش.(1/234)
ثانياً: نسبة الملفق "دوعر" في كتابه إلى الشهيد يحيى عياش عملية بيت ليد، وبطليها الشهيدين أنور سكر وصلاح شاكر، ونحن إذ نذكر الحقيقة لا ننتقص أبداً من مكانة الشهيد يحيى عياش لأن مكانته عالية ومنزلته رفيعة ولا يحتاج الى فعل الآخرين وجهادهم حتى يضخم سجله الجهادي، ولكن فضائية المنار لعلمها المسبق واليقيني بأن هذه العملية نفذتها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، لم تبث هذا التلفيق ولكنها وقعت في مطبات أخرى سنعرض لها في حينه.
ولأن الملفق الدجال "دوعر" ومن ورائه الجهة التي أشرفت وتبنت كتابه... يعرفون موقع عملية بيت ليد في تاريخ جهاد شعبنا الفلسطيني، والتي لم يكن لها مثيل حتى الآن، لما حققته من نجاح، خصوصاً أنها نفذت ضد العسكريين الصهاينة، وأوقعت أكثر من اثنين وعشرين منهم قتلى، وما يقارب الثمانين إصابة، فحاول الملفق وأعوانه الذين أمدوه بالأضاليل والأكاذيب من الذين ينتسبون إلى دائرة العمل الإسلامي أن يحتتوا هذه العملية وينسبونها قصراً للشهيد يحيى عياش، ومن ثم إلى كتائب عز الدين القسام، الأصل في هؤلاء أن لا يقعوا في هذا الموقع التضليلي، وأن يحاولوا اللحاق بهذا العمل والتخطيط لعمل مثيل له، بدلاً من سرقته لأن ذلك يعود عليهم هم أولاً ببالغ الضرر الأخلاقي.(1/235)
ثالثاً: في الحلقة الثانية للمسلسل ادعى الملفق "دوعر" ومن خلفه أن كتائب عز الدين القسام بقيادة الشهيد يحيى عياش هي التي انتقمت لاغتيال الشهيد "هاني عابد" القائد في حركة الجهاد الإسلامي، الذي اغتالته قوات الاحتلال في الثاني من تشرين الثاني 1994م، أثناء خروجه من كلية العلوم والتكنولوجيا التي كان يعمل بها، أي أنها هي التي جهزت الشهيد البطل / هشام حمد بدارجته الهوائية المفخخة، والتي أسفرت عن مقتل أربعة جنود صهاينة وإصابة عدد آخر... ولأن العملية أيضاً تندرج تحت العمل النوعي الذي تميزت به حركة الجهاد الإسلامي والتي جاءت سريعة للانتقام لدم الشهيد، حيث كانت حركة الجهاد تقيم حفل تأبين يوم الجمعة 11/11/1994م، وأثناء القيام بهذا العرس الاستشهادي تم تبني العملية من على منصة الحفل، تأكيداً على إصرار حركة الجهاد الإسلامي مواصلة دورها الجهادي وانتقامها لرموزها وقادتها، وبعد انقضاء حفل تأبين الشهيد هشام حمد، وفي يوم الجمعة التالي 18/11/1994م، اتصلت حركة حماس بقيادة حركة الجهاد معربة عن نيتها بتسيير مسيرة تضامنية مع حركة الجهاد الإسلامي من مسجد فلسطين بغزة إلى بيت الشهيد هشام حمد، مما ترتب على هذه المسيرة ما عرف باسم "مجزرة فلسطين"، حيث سقط أكثر من 16 شهيد برصاص السلطة الفلسطينية، فإذا كانت حركة المقاومة الإسلامية حماس أو كتائبها عز الدين القسام هي التي نفذت العملية، فلماذا تأتي للتضامن مع حركة الجهاد الإسلامي، وأنما الواجب يحتم على حركة الجهاد الإسلامي القيام بمسيرة الشكر لحركة حماس، ولكن هذا يعطينا دليلاً قوياً على التلفيق المقصود المبيت بتبني كل العمل النوعي الذي نفذته حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وذراعها العسكري "قسم" وإظهارها بمظهر العاجز الذي يتلقى الضربات فقط.(1/236)
رابعاً: حاول الدجال "دوعر" ومن خلفه أن يظهر حركة الجهاد الإسلامي بمظهر الضعيف العاجز الذي يتلقى ضربات الاحتلال وعملائه، الذين قاموا باغتيال الشهيد القائد هاني عابد، والشهيد القائد محمود الخواجا، قائد الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، حيث أظهر المسلسل الذي بثته فضائية المنار أن الذي انتقم للشهيدين "هاني ومحمود" هو الشهيد يحيى عياش وبمعنى آخر كتائب القسام. إن كان هذا الفعل من قبيل الحرص على الدور التكاملي، فنحن نشكر حركة حماس وجهازها العسكري، ولكن الحقيقة غير ذلك على الإطلاق، حيث يود الكاتب الدجال ومن خلفه من الدجالين، أن يفرغوا حركة الجهاد الإسلامي من دورها، وأن يسلبوا منها عملياتها ليزيدوا رصيدهم، ويزيفوا على الناس، وخصوصاً في الخارج أنهم هم الوحيدون الموجودون على الساحة الجهادية ومن ثم ليستولوا على كل أموال الدعم، وللعلم أننا لا ننافسهم في ذلك.
مرة أخرى نؤكد أن حركة الجهاد الإسلامي ليست عاجزة عن الانتقام لشهدائها كما وضح ذلك مرات عديدة سواء بالانتقام لدم الشهيد هاني عابد أو الشهيد الخواجا أو الشهيد الشقاقي أو الشهيد أنور حمران، ونحن نرحب بكل دور مشارك تقوم به كتائب القسام مع شقيقتها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، ولكن لا لتحوي جهادها ولتلغي دورها، فهي قادرة دوماً على أن تكون في الريادة وفي طليعة المجاهدين ، وكما كانت على سبيل المثال طليعة المجاهدين على أرض فلسطين منذ انطلاقتها في مطلع الثمانينات، وكما كانت طليعة المجاهدين في الانتفاضة الأولى، وكما كانت طليعة المجاهدين في انتفاضة الأقصى الحالية حين تقدم فارسها الشهيد نبيل العرعير بعمليته الاستشهادية، وقت أن كانت كل الحركات الجهادية مشلولة اليد وتعيش حالة من الاتهام بالعجز والقصور.(1/237)
ونحن في هذه الأوراق لا نوجه الاتهام إلى فضائية المنار، والتي نكن لها كل الاحترام والتقدير على دورها الجهادي الرائع، ونحن نثق في نواياها الحسنة، بارادتها أن تخدم القضية الفلسطينية بعرض عمل رائع يتعلق بالشهيد يحيى عياش، ولكننا نوجه الاتهام بل نثبت الجريمة على يد الكاتب "محمد دوعر" الذي تعمد التلفيق والتزييف والتزوير والسرقة، وكذلك نثبت الجريمة على الجهة التي حاولت الاستفادة من هذا الإجرام الفاضح للدجال "دوعر"، حيث زودت الدجال بالبيانات المطلوبة، وزودته بالأموال اللازمة، كما قامت بطباعة ونشر هذه الجريمة الفاضحة...
وليعلم هؤلاء بأن حركة الجهاد الإسلامي ليست عاجزة عن كشف زيفهم ودجلهم، ولكنها تؤثر دائماً أن تقلل من حجم التوتر الداخلي في المجتمع الفلسطيني، وتوجه كل جهادها ضد الاحتلال وأدواته، وهي من هذا الباب تناشد الجهة المعنية بالعمل على تصحيح الجرم الفاضح ورد الأمور إلى نصابها، والاستجابة لقول الله سبحانه:"ولا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب".
حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
27/2/2000م
المحتويات
- المقدمة ... 5
- مدخل / علاقات الفصائل الفلسطينية ميدانياً : ... 9
أولاً: حرمة الدم وصيانة السلاح ... 9
ثانياً: التنسيق المشترك ... 10
ثالثاً: التنافس: ... 10
- تنافس شريف ومشروع ... 11
- تنافس مذموم وغير مشروع ... 11
- الفصل الأول: الغايات والأهداف: ... 13
أولاً: اكتساب التأييد الجماهيري ... 14
ثانياً: تحقيق مكاسب سياسية واجتماعية ... 15
ثالثاً: زيادة الرصيد المقاوم لأهداف إعلامية ... 15
رابعاً: إثبات المصداقية والذات النضالية ... 16
خامساً: الاستقطاب والتعبئة الداخلية ... 17
سادساً: المناكفة في إطار التنافس الأيديولوجي ... 18
سابعاً: إثارة البلبلة والتشويش في الصف المقاوم ... 18(1/238)
- الفصل الثاني: إشكالات التبني المغلوط.. خلفيات أيديولوجية وسياسية وميدانية ... 20
المبحث الأول : خلفية أيديولوجية وميدانية: ... 22
- خلفية أيديولوجية: ... 22
- ظروف النشأة والتأسيس ... 22
- دعوات الوحدة والانصهار ... 23
- أولاً: الخطاب السياسي والإعلامي ... 25
الحفاظ على التنسيق والوحدة الإسلامية ... 25
الحفاظ على المصلحة والوحدة الوطنية ... 28
الحفاظ على وحدة الصف المقاوم ... 29
التنزه عن التشكيك والاتهام، ومدى الحفاظ على علاقة جيدة ومستقرة مع حركة حماس ... 32
الصدق والموضوعية والمنطق السليم، والتواضع وعدم المبالغة في تقدير الذات ... 34
- ثانياً: الخطاب الداخلي: ... 38
1- مدى الصدق والموضوعية في الطرح والمعالجة ... 38
2- مدى الحفاظ على علاقة جيدة مع حركة حماس ... 41
3- مدى الفهم الديني والشرعي ... 45
- خلفية ميدانية ... 47
- العمليات والأحداث والشخصيات التي تبنتها حركة الجهاد منذ الانتفاضة الأولى عام 1987م، مروراً بانتفاضة الأقصى، وحتى اليوم: ... 47
- عملية الطعن التي نفذها الشهيد طلال سليم الأعرج بتاريخ 19/3/1989م ... 47
- عملية "جاني طال" بتاريخ 30/1/ 1993م ... 48
- عملية "الخضيرة" يوم الأرض بتاريخ 30/3/1993م ... 49
- ادعاء انتماء الشهيد زكريا الشوربجي بطل معركة حي التفاح إلى الجهاد ... 49
- ادعاء انتماء الشهيد جهاد عصفور إلى الجهاد ... 52
- الشهداء: عماد أبو أمونة، و عرفات أبو كويك، وحسين أبو النصر، وادعاء الجهاد انتماءهم إليه ... 53
- ادعاء انتماء الشهيد عبد الرحيم أحمد فرج وجميل منير جاد الله خليفة، وجعفر المصري إليهم ... 54
- عملية الشهيد معاوية أبو روكة بتاريخ 25/6/1995م ... 54
- عملية مجمع "يد حروتسيم" بتاريخ 27/3/2001م ... 54
- عملية "الدولفيناريوم" التي نفذها الشهيد سعيد الحوتري بتاريخ 1/6/2001 ... 55
- عملية الشهيد إسماعيل المعصوابي بتاريخ 22/6/2001م ... 56(1/239)
- عملية مطعم "سبارو" التي نفذها الشهيد عز الدين المصري بتاريخ 9/8/2001م ... 56
- العملية المزدوجة في القدس التي نفذها الشهيدان أسامة بحر ونبيل أبو حلبية بتاريخ 1/12/2001م ... 57
- تفجير الدبابة في بيت لاهيا، وتبني الجهاد وشهداء الأقصى للعملية بشكل مشترك بتاريخ 15/2/2003م ... 58
- معركة مخيم جنين "2 - 10 أبريل 2002م" (ملاحظة: اجتياح المخيم بدأ بتاريخ 29/3 لكن بدء الملحمة الفعلية بدأ منذ فجر الثلاثاء الموافق 2/4 واستمر حتى مساء 10/4/2002م ... 58
- عملية الخليل بتاريخ 15/11/2002م "نظرة تحليلية ميدانية" ... 69
- معركة حي الزيتون بتاريخ 11/05/2004م، وتدمير ناقلة الجند ومقتل الجنود الستة "نظرة تحليلية ميدانية" ... 74
- عملية الحافلة قرب الحدود مع مصر بتاريخ 7/10/2000م ... 93
- عملية معبر صوفا بتاريخ 8/11/2000م ... 93
- عملية طولكرم بتاريخ 2/7/2001م ... 93
- عملية بيت لحم بتاريخ 25/2/2002م ... 93
- عملية مستوطنة "هارحوما" بتاريخ 1/4/2002م ... 93
- العملية الاستشهادية التي نفذتها الشهيدة هبة دراغمة بتاريخ 19/5/2003م ... 94
- ادعاء انتماء الشهيد نايف أبو شرخ قائد كتائب شهداء الأقصى، ورفاقه، وشهداء آخرين، إلى حركة الجهاد ... 94
- المبحث الثاني : خلفية سياسية وميدانية: ... 95
- عملية "جاني طال" بتاريخ 30/1/1993م ... 98
- عملية حاجز "سردا" العسكري بتاريخ 2/11/2001م ... 98
- عملية "عمانوئيل" الأولى بتاريخ 12/12/2001م ... 98
- عملية عين عريك بتاريخ 19/2/2002م ... 99
- عملية مستوطنة "ريمونيم" بتاريخ 16/11/2002م ... 100
- عملية عين يبرود بتاريخ 19/10/2003م ... 100
- عملية تفجير الدبابة في بيت لاهيا بتاريخ 15/2/2003م ... 101
- عملية مستوطنة "شوفات راحيل" بتاريخ 5/5/2003م ... 102
- عملية مستوطنة "عوفرا" بتاريخ 11/5/2003م ... 102(1/240)
- ادعاء انتماء الشهيد القسامي زكريا الصعيدي إلى كتائب شهداء الأقصى ... 102
- عملية مستوطنة "ريمونيم" بتاريخ 29/8/2003م ... 103
- عملية قرية المغير بتاريخ 29/8/2003م ... 103
- عملية تفجير النفق النوعية، موقع "أورحان" العسكري في حاجز المطاحن جنوب قطاع غزة بتاريخ 27/6/2004م ... 103
- المبحث الثالث : خلفية ميدانية ... 108
- التوصيات ... 109
- الملاحق ... 110
- الفهرس ... 140
رئيس المركز
م.إسماعيل عبد اللطيف الأشقر
المدير التنفيذي
أ.مؤمن محمد غازي بسيسو
للمراسلات
المركز العربي للبحوث والدراسات
غزة – فلسطين
ت: 00970-8-2854001
فاكس:00970-8-2854007
alarabicenter@hotmail.com(1/241)