المعاني السبعة
في ألفاظ القرآن
تأليف
فاروق البرزنجي
بغداد ـ 2006م
المقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي انزل القرآن. والصلاة والسلام على محمد النبي الأمي الذي أرسله الله بالقرآن بشيراً ونذيراًًًًٍُْ
أما بعد:
فقد قرأت مرة أن أكثر الخلاف يكون بسبب التقصير في تحديد معاني الألفاظ. إن اللفظ هو الأداة لإيصال المعنى إلى المخاطب لذلك فان التقصير في تحديد معنى اللفظ قد يؤدي إلى وصول الرسالة أي المعنى إلى المخاطب بشكل مغلوط
منذ عشر سنوات بدأت اشعر أن كثيرا من الألفاظ في القرآن الكريم تستعمل بمعان خاصة به هو، كنت أحيانا اعثر على بعض هذه المعاني في كتب التفسير ولكن لا أجد في المعاجم وكتب اللغة ما يعضد هذا التفسير وان كان سياق العبارة القرآنية يدل عليه.
بسبب هذا الشعور قمت بتخصيص ملف لكل لفظ من ألفاظ القرآن لا أجد له معنى مستقرا مطّردا في مواضعه المتعددة من القرآن. وجمعت في الملف نماذج من آيات القرآن التي تضمنت هذا اللفظ ومقتبسات في تفسيرها من كتب التفسير وكتب اللغة وقد أعانني على ذلك المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم الذي وضعه محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله.
وجدت أن لفظا واحدا يستعمل في القرآن بمعان كثيرة غير المعاني المبينة في كتب اللغة , انه اقرب ما يكون إلى مصطلحات خاصة بالتعبير القرآني.وبالمقابل وجدت أن معنى واحدا مثل معنى العلم يعبر عنه بألفاظ كثيرة غير لفظ العلم فقد يعبر عنه بلفظ الكتاب ,والكلمة ,والأمر,والقول, والذكر , بل قد يعبر عنه بلفظ الخير ، أو النعمة، أو الرحمة ، أو الفضل، أو غير ذلك مما سوف يتوضّح في فصول هذا الكتاب .(1/1)
لم اعثر على قانون أو نظام للتعبير في القرآن الكريم وقلت في نفسي لابد من ضابط ، ولكن أنى لي الوصول إليه؟ ولعل هذا التعب والنصب قد اختمر في ذهني حتى برقت لي بارقة من الأمل عندما تذكرت ما قرأته من أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف فراجعت هذه الأحاديث ووجدت أن بعضها يرد فيه لفظ الحرف ويفهم من سياقه انه بمعنى دلالة اللفظ فيكون معنى الحديث هو نزول القرآن بسبع دلالات والمقصود ألفاظ القرآن.
بعد ذلك إشتغلت في اكتشاف وتحديد هذه الدلالات السبع أو المعاني السبعة. بدأت أولا بجمع المعاني اليقينية لكل لفظ من الألفاظ التي جمعتها حتى إتضح لي أن سبعة من المعاني ترد في القرآن ويعبر عنها بألفاظ كثيرة ولا يوجد بين اللفظ وبين هذه المعاني علاقة لغوية مباشرة، ولا نعرف في غير التعبير القرآني استعمالا مشهوراً لهذه الألفاظ بهذه المعاني.(1/2)
لقد استطعت أن احدد هذه المعاني السبعة ثم دونتها في هذا الكتاب بحسب التسلسل المنطقي وأوردت عليها مثلا أو أكثر من القرآن.أما المعنى الأول من المعاني السبعة فهو معنى العلم ، فأن كل عمل يبدأ بالعلم، والعلم هو الشرط الأول فيه. وأما المعنى الثاني فهو الإرادة. وقد وضعت الإرادة بعد العلم لأن الإرادة والاختيار لا يكون إلا بعد العلم.أما المعنى الثالث فهو القوة وذلك لأن العلم والإرادة لا يكفيان لإنجاز أي عمل ما لم تتوفر القوة والقدرة، وبعد توفر هذه الشروط الثلاثة يمكن حصول العمل. لهذا كان العمل هو المعنى الرابع وذلك لأن أي عمل لابد له من أسباب ومقدمات وهي العلم والإرادة والقوة فهذه المعاني الثلاثة من لوازم أي عمل ولهذا كان العمل هو المعنى الرابع في التسلسل المنطقي أما المعنى الخامس والمعنى السادس فهو نظام العمل وذلك لأن كل عمل لابد له من نظام ومن هذا النظام ما يسمى نظام الخلق أو نظام عمل المخلوقات وهو ما يسمى بقوانين الطبيعة أو الشريعة الكونية ومنه ما يتعلق بالمخلوقات العاقلة وهو نظام التشريع لذلك جعلت نظام المخلوقات في التسلسل الخامس من المعاني السبعة أما نظام التشريع فهو المعنى السادس فيها ثم أني وجدت أن كل عمل لابد له من جزاء في الدنيا أو في الآخرة فكان معنى الجزاء هو المعنى السابع والأخير من المعاني السبعة لأن الجزاء هو نتيجة أي عمل فكل عمل لابد له من عاقبة أي نتيجة.
وهكذا وضعت المعاني السبعة بحسب التسلسل المنطقي وهو التسلسل السببي القائم على ارتباط السبب بالمسبب أي ارتباط العلة بالمعلول. فهذه المعاني السبعة متسلسلة ومتلازمة وبسبب ذلك نجد اللفظ الواحد في القرآن يستعمل في الدلالة على أي معنى من هذه المعاني السبعة إضافة إلى دلالاته اللغوية المذكورة في معاجم اللغة.(1/3)
إن هذا الكتاب لم يكن مقصودا منذ البداية ولم أضع خطته أولا ولكن البحث والتنقيب لغرض التعلم الشخصي هو الذي أخرجه فأن الحقائق لا تكتشف مرة واحدة ولكن بعضها يهدي إلى بعض. إن البناء العلمي لا ينفرد به احد، وكل احد يمكن أن يمهد السبيل لغيره. لذلك عمدت إلى نشر هذا الكتاب وتعميمه ليطلع عليه أهل العلم والاختصاص في اللغة والتفسير ويقوموا بتمحيصه فأن البحث جديد، وان الرأي محدث، ولعلي أجد يوما من ييسر له الباري عز وجل وضع كتاب في التفسير وفق النظام الذي سوف يتوضح في هذا الكتاب.
اسأل الله المعافاة من الزلل والتجاوز عما وقع منه انه واسع المغفرة وهو اللطيف الخبير.
... ... ... ... ... ... ... ...
التمهيد
نقل السيوطي في كتاب الإتقان اختلاف العلماء في معنى نزول القرآن على سبعة أحرف على خمسة وثلاثين قولا ً حيث قال( قال ابن حبان: فهذه خمسةً وثلاثون قولاً لأهل العلم واللغة في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف وهي أقاويل يشبه بعضها بعضاً وكلها محتملة ويحتمل غيرها ).
في الحقيقة إن موضوع نزول القرآن على سبعة أحرف من المواضيع الشائكة يدل على ذلك ما ذكره الأستاذ القطان إن ابن سعدان النحوي وهو القارئ الكوفي المعروف يرى إن الحديث مشكل ولا يدرى معناه.
لذلك أجزت لنفسي أن ابدي رأياً في الموضوع وهو أن عبارة نزول القرآن على سبعة أحرف لا يلزم أن تعني نزول القرآن على سبعة ألفاظ وان كان هذا احد معاني الحرف فان الحرف قد يستعمل في معنى اللفظ وقد يستعمل في دلالة اللفظ يدل على ذلك ما أخرجه ابن جرير وأبو يعلى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (نزل القرآن على سبعة أحرف، والمراء في القرآن كفر، ما عرفتم منه فأعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه )
أقول إن قوله ( ما عرفتم منه فأعملوا به) يعني ما فهمتم من دلالته ومعناه. أما قوله (وما جهلتم ) يعني ما لم تفهموه. إن سياق الحديث يدل على أن معنى الحرف هنا هو دلالة اللفظ.(1/4)
ومن هذا القبيل ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس انه قال (انزل القرآن على سبعة أحرف، حلال وحرام لا يعذر احد بالجهالة به . وتفسير تفسره العرب . وتفسير تفسره العلماء . ومتشابه لا يعلم تأويله إلا الله ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب ) إن ابن عباس استعمل لفظ الحرف هنا بمعنى الدلالة والمعنى لأنه ذكر عدة أنواع من التفسير أي عدة أنواع من الدلالة .
أما قوله تعالى ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ) الحج /11 فقد قيل أن معنى الحرف هنا هو الوجه وان المقصود من يعبد الله على وجه واحد هو وجه السراء دون الضراء ولهذا قيل في تفسير الآية انه الذي يعبد الله على طمع، إن معنى الحرف في هذه الآية هو قصد الانتفاع في الدنيا دون الآخرة وان تفسير الحرف بمعنى دلالة اللفظ يعني أيضا قصد المتكلم منه ويؤيد ذلك أن لفظ التحريف وهو مشتق من الحرف كما يستعمل في تغيير الألفاظ وتبديلها يستعمل أيضا في صرف الكلام أو اللفظ عن دلالته ومعناه فقوله تعالى ( يحرفون الكلم عن مواضعه) المائدة /13 يعني يصرفون الكلام عن دلالته ويفسرونه على غير وجهه المقصود . قال بذلك الراغب الاصفهاني في مفرداته ، مادة (كلم)
إن تفسير الحرف بمعنى الوجه ليس بعيداً عن معنى الدلالة أو القصد ومن ذلك قول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ( القرآن حمال أوجه ) .(1/5)
إن هذا البحث يقوم على هدف إثبات أن اللفظ القرآني يستعمل في الدلالة على سبعة معان وهي التي أوضحتها في المقدمة إضافة إلى المعاني اللغوية التي تختلف باختلاف الألفاظ. إن نظام الأحرف السبعة ليس فيه خروج على قواعد اللغة فقد كان من المعروف لدى العرب جواز استعمال اللفظ في ما وضع اللفظ له وكذلك في الدلالة على مقدماته وأسبابه وفي الدلالة على نتائجه وعواقبه وان المعاني السبعة لا تخرج عن ذلك . قال الراغب الاصفهاني في كتابه (المفردات في غريب القرآن) . مادة (وقى) . (والتقوى جعل النفس في وقاية مما يخاف ، هذا تحقيقه ، ثم يسمى الخوف تارةً تقوى ، والتقوى خوفاً حسب تسمية مقتضى الشئ بمقتضيه والمقتضي بمقتضاه ). أقول إن هذا التوسع في استعمال اللفظ كان معروفاً لدى العرب في بعض الألفاظ وبشكل جزئي إلا انه اخذ مداه الواسع في لغة القرآن لذلك لم يستطع العرب أن ينكروا ذلك لأنه كان وفق قانون التعبير لديهم وهم بنفس الوقت لم يستطيعوا مجاراته ومعارضته لأنهم لم يمارسوا هذا التوسع في الاستعمال فهذا النظام في التعبير القرآني من أهم مظاهر الإعجاز البلاغي والبياني .
إن خطة هذا الكتاب بسيطة فقد اخترت مجموعة من الألفاظ ووضعت لكل لفظ فصلاً خاصاً به ذكرت فيه المعاني المشهورة في الاستعمال وفي معاجم اللغة ثم ذكرت المعاني السبعة حسب تسلسلها المنطقي وجئت بمثال أو أكثر لهذا المعنى من القرآن الكريم وما قيل في تفسيره مما وقع في يدي من كتب التفسير وقد كنت اذكر كلام المفسر كلما كان مؤيداً أو مقارباً لما أراه فأن لم أجد ذكرت قوله وناقشته .(1/6)
ربما يرد تساؤل عن كيفية معرفة المعنى المقصود من اللفظ. والجواب إن معنى اللفظ يرجع فيه إلى المعاجم اللغوية فأن لم يكن المعنى مقبولاً لعدم انسجامه مع سياق العبارة أو لتناقضه مع نصوص أخرى فهو يعود إلى احد المعاني السبعة ويتحدد هذا المعنى بملاحظة حروف المعاني المقترنة باللفظ أو ملاحظة بناء اللفظ وصيغته فان لكل صيغة معنى أو أكثر وباختصار فان ملاحظة قرائن الحال والمقال تحدد المعنى المقصود كما هو معروف، وأخيرا فأن العقل والمنطق أساس في فهم معنى الخطاب فأن ملاحظة الترتيب المنطقي للمعاني تحدد المعنى المقصود من اللفظ .
الفصل الأول: في معنى الجعل
أولا : معاني الجعل في اللغة
1- جعل : بمعنى وضع وصيرّ
()فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ)(يوسف: من الآية70)
قال ابن كثير : أمر بعض فتيانه أن يضع السقاية وهي إناء من فضة في قول الأكثرين
2-جعل بمعنى عين وحدد
كما في قوله تعالى )وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدا) ً(الكهف:59 )
قال ابن كثير : جعلناه إلى مدة معلومة ووقت معين .
3- جعل بمعنى بدأ وشرع
)لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً )(النور: من ألآية 63)
قال السيوطي : بان تقولوا يا محمد بل قولوا يا نبي الله يا رسول الله.
ثانياً : المعاني السبعة في القرآن
1- معنى العلم
قال تعالى )قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً)(الجن:25)
قال ابن كثير : انه لاعلم له بوقت الساعة ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد .
قال السيوطي : (أمدا ) غايةً وأجلا لا يعلمه إلا هو
أقول : فالمعنى إذن أقريب ما توعدون أم يعلم له ربي أمدا .
2- معنى الإرادة
قال تعالى () ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(آل عمران: من الآية61)(1/7)
قال السيوطي : نضرع في الدعاء بان نقول اللهم العن الكاذب .
أقول : المعنى إذن ثم نبتهل فنطلب ونريد لعنة الله على الكاذبين
3- معنى القوة
قال تعالى () وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(النساء: من الآية141)
قال النسفي : عن ابن عباس (سبيلاً) حجةً. أي في القيامة بدليل أول الآية .
أقول: فالمعنى لن نعضد ولن نقوي للكافرين حجة .
4- معنى العمل
قال تعالى) فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً)(الكهف: من الآية95)
قال النسفي : (ردماً ) جدار أو حاجز
أقول : فالمعنى إذن اعمل واصنع بينكم وبينهم ردماً .
كذلك قوله تعالى ) وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)(الأنبياء: من الآية30)
قال صاحب التنوير : (جعلنا ) خلقنا . أي جعلنا مبدأ كل شيء حي من هذا الجنس أي جنس الماء وهو النطفة كما في قوله تعالى ( والله خلق كل دابة من ماء)
أقول : لما كان الجعل هنا بمعنى الخلق فأن الخلق بمعنى الصنع أي العمل .
5- معنى نظام المخلوقات
()تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً)(الفرقان:61))
قال النسفي : ( بروجاً) هي منازل الكواكب السيارة لكل كوكب بيتان يقوى حاله فيهما
أقول : معنى الجعل إذن الترتيب والتنظيم على مقتضى الحكمة وهو بمعنى وضع نظام الحركة لهذه الأجرام ومثل ذلك قوله تعالى()الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)(الأنعام: من الآية1)
6- معنى نظام التشريع
قال تعالى( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)(المائدة:103)
قال السيوطي : ( جعل ) شرع
وقال صاحب التنوير : أي ما شرع وما وضع وما سن ّ
7- معنى الجزاء(1/8)
قال تعالى ()أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)(صّ:28)) .
قال السيوطي : نزل لما قال كفار مكة للمؤمنين إنا نعطى في الآخرة مثلما تعطون .
أقول: فمعنى الجعل الجزاء في الآخرة آي الثواب والعقاب .
الفصل الثاني: في معنى الكتاب
أولا: معاني الكتاب في اللغة
1 - الكتاب بمعنى كل ما كتب عليه مثل القرطاس
وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت:48)
قال ابن كثير : قد لبثت في قومك يا محمد من قبل أن نأتي بهذا القرآن عمراً لاتقرأ كتاباً ولا تحسن الكتابة .
2 _ الكتاب بمعنى الكتابة آو المكاتبة
وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) (النور: من الآية33)
قال السيوطي : الكتاب بمعنى المكاتبة .
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً) (النبأ:29)
قال السيوطي: ضبطناه كتباً في اللوح المحفوظ
3 _ الكتاب بمعنى المدة آو الأجل
(وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ * مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ) (الحجر: 4-5 )
قال السيوطي : اجل معلوم محدود لإهلاكها
ثانياً : المعاني السبعة في القرآن
1 _ معنى العلم
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)
(الروم: 55-56 )
قال النسفي : لبثتم في علم الله المثبت في اللوح
قوله تعالى (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ)(الطور:41)(1/9)
قال صاحب التنوير: (الغيب) اللوح المحفوظ المثبت فيه الغيوب
وقال ابن كثير: أي لا يعلم من أهل السماوات والأرض الغيب إلا الله
أقول: إذن معنى (يكتبون) يعلمون
2 _ معنى الإرادة:
(قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:51)
قال ابن كثير: أي نحن تحت مشيئته وقدره
أقول: إذن (ما كتب الله لنا ) بمعنى ما شاء الله لنا وأراد ، علماً بأن مشيئة الله قديمة كما أن علمه قديم
3 _ معنى القوة و القدرة
(قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي)(النمل: من الآية40)
قال النسفي : ملك بيده كتاب المقادير أرسله الله تعالى عند قول العفريت ، آو جبريل عليه السلام والكتاب على هذا هو اللوح المحفوظ ، آو الخضر ، آو آصف بن برخيا كاتب سليمان وهو الأصح وعليه الجمهور وكان عنده اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وهو يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
أقول : إن سليمان عليه السلام آتاه الله من الملك ما لا ينبغي لأحد من بعده ولغرض هذا الملك سخر له بعض القوى كقوة الرياح وقوة الجن والعفاريت فأن القوة عماد الملك ، لذلك فالأقرب أن يكون لفظ العلم هنا بمعنى القوة وبهذا المعنى جاء قوله تعالى (قال إنما اوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد اهلك من قبله من هو اشد منه قوة وأكثر جمعاً ) ( القصص/78) . إن العلم هنا بمعنى القوة بقرينة قوله بعد ذلك ( من هو اشد منه قوة ) .(1/10)
وعلى ذلك يكون معنى قوله تعالى ( الذي عنده علم) الذي عنده قوة وقدرة أما معنى الكتاب هنا فهو قدرة الله عز وجل ويكون معنى ( عنده علم من الكتاب ) عنده قدرة من قدرة الله سواء كان جبريل عليه السلام آو ملكاً آخر أو أي مخلوق فان الله يودع من قدرته لدى من يشاء من خلقه )
4 _معنى العمل
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام:38)
الكتاب هنا بمعنى العمل وبالتحديد خلق المخلوقات فقوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب ) يعني ما قصّرنا في خلق المخلوقات بقرينة سياق الكلام وارتباطه بما قبله وبعده (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)(النساء: من الآية103)
قال السيوطي : ( كتاباً ) مكتوباً أي مفروضا .
أقول : إن فرضية الصلاة معروفة من نصوص أخرى وان قوله تعالى(كتاباً ) يعني عملاً أما قوله (موقوتاً) فهو صفة للكتاب، فيكون المعنى عملاً موقوتا.
5 _ معنى نظام المخلوقات
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) (التوبة: من الآية36)
قال صاحب التنوير : العدة مصدر بمعنى العدد أي عدد الشهور التي تتعلق بها الأحكام الشرعية وهي الشهور العربية القمرية.
أقول: إن عدد الأشهر يتحدد بحسب حركة الأجرام السماوية وسرعتها أي بحسب نظام هذه المخلوقات وهذا النظام حادث وليس بقديم وحدوثه كان يوم خلق الله السماوات والأرض، فالآية تخبر أن عدد الأشهر القمرية هو نفسه يوم خلق الله هذه الأجرام.
فقوله (في كتاب الله) أي في نظام مخلوقاته. وهو نظام محدث وليس بقديم.
6 _ معنى نظام التشريع أي الرسالة السماوية .
((1/11)
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ )(النساء: من الآية131)
قال السيوطي : أي الكتب
( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)(الزخرف 1-4)
قال النسفي : اقسم بالكتاب المبين وهو القرآن
7 _معنى الجزاء
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ )(لأعراف: من الآية37)
قال الشوكاني : (الكتاب) ما كتب لهم من خير وشر ، وقيل ينالهم من العذاب بقدر كفرهم .
أقول: إن العذاب هو المناسب لسياق العبارة فيكون معنى الكتاب هنا هو الجزاء.
اجتماع المعاني
(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ* وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُون ) (العنكبوت : 47-48)
1 _ الكتاب أولا بمعنى القرآن
2 _ و في الثانية يعني الرسالات السماوية السابقة
3 _ و في الثالثة بمعنى أي كتاب أو رسالة مكتوبة أو قرطاس
الفصل الثالث : في معنى الكلمة
أولا : معاني الكلمة في اللغة
1 _ الكلمة بمعنى اللفظة الواحدة
(وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً)(الكهف:4-5)
قال النسفي : (كلمة) قولهم اتخذ الله ولداً
أقول : إن موضع الإنكار على قولهم (ولداً)
2 _ الكلمة بمعنى الكلام المفيد لمعنى تام
((1/12)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)(إبراهيم:24)
قال صاحب التنوير :( كلمة طيبة) شهادة أن لا اله إلا الله ويدخل فيها كل كلمة حسنة
3 _ الكلمة أي المعنى القائم في النفس
(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون:99-100)
قال ابن كثير: ( هو قائلها ) أي لابد أن يقولها كل محتضر ظالم .
أقول: انه لا يلزم أن يقولها بلسانه فالكلمة هنا هي المعنى القائم بالنفس أما (قائلها) فبمعنى مريدها (راجع معنى القول) .
ثانياً : المعاني السبعة في القرآن
1 _ معنى العلم
(قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً)(الكهف:109)
قال صاحب التنوير: (لكلمات ربي ) يعني لمعلوماته وحِكًمه
2 _ معنى الإرادة
(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات:171-173)
قال ابن كثير: أي تقدم في الكتاب الأول
أقول : إن الكلمة هنا بمعنى إرادة الله ومشيئته وهي في الكتاب الأول لأن إرادة الله عز وجل قديمة كما أن علمه قديم .
(إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) (النساء: من الآية171)
قال ابن كثير : أي خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل عليه السلام إلى مريم فنفخ فيها من روحه بأذن ربه عز وجل فكان عيسى بأذن الله عز وجل
أقول : يفهم من ذلك أن الكلمة هنا بمعنى الإرادة
3 _ معنى القوة و القدرة
((1/13)
فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ* وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)(يونس:81-82)
أقول : إن الله عز وجل أبطل سحرهم وأحق الحق بمعجزات موسى عليه السلام فالكلمات هنا بمعنى المعجزات وهي من قوة الله وقدرته .
4 _ معنى العمل
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(آل عمران:64)
قال النسفي: (كلمة سواء) أي مستوية بيننا وبينكم لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل وتفسير الكلمة (ألا نعبد إلا الله ....)
أقول: الكلمة هنا إذن بمعنى العمل المتعلق بالعبادة
5 _معنى نظام المخلوقات
(كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(يونس:33)
قال صاحب التنوير : ( أنهم لا يؤمنون ) تعليل أي لأنهم لا يؤمنون فالكفر أداهم إلى العذاب فان كل نتيجة مبنية على المقدمات والأسباب .
أقول : إن هناك علاقة سببية بين الفسق الذي هو إتباع الشهوات وبين المصير إلى العذاب وعلاقة سببية بين الإيمان الذي هو إتباع العقل وبين النجاة من العذاب .فالكلمة هنا بمعنى نظام خلق الإنسان وقد حق ووجب على الذين فسقوا.
6 _معنى نظام التشريع / الكتب السماوية
((1/14)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (لأعراف:158)
أقول : معنى الكلمات هنا الرسالات السابقة
7 _ معنى الجزاء
(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ)(الزمر:19)
قال السيوطي : (كلمة العذاب) أي (لأملان جهنم)
أقول: إن الأقرب أن نفسر الكلمة بمعنى الجزاء فيكون معنى كلمة العذاب جزاء العذاب أي عقوبة النار.
الفصل الرابع: في معنى القول
أولا: معاني القول في اللغة
1 _ القول بمعنى الكلام
(وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي)(طه:27-28)
إن القول باللسان يأتي بأكثر من معنى حسب مضمون القول.لذلك يستعمل لفظ القول في القرآن بمعنى الخبر أو الوعد أو الشعر أو غير ذلك.
2 _ القول بمعنى الإشارة
(فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً)(مريم:26)
قال ابن كثير : المراد بهذا القول الإشارة إليه بذلك لا أن المراد القول اللفظي لئلا ينافي (فلن اكلم اليوم انسيا ).
3ـ القول بمعنى الرأي والاعتقاد
(وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ)(المجادلة: من الآية8)
قال ابن كثير : يقولون في أنفسهم لو كان هذا نبياً لعذبنا الله بما نقول له في الباطن لأن الله يعلم ما نسره.
أقول: إن قولهم(بما نقول) يعني الكلام الظاهر لفظاً أما الكلام الباطن فهو المقصود بقوله تعالى (ويقولون في أنفسهم) وهو بمعنى الرأي والاعتقاد
ثانياً : المعاني السبعة في القرآن
1 _ معنى العلم
((1/15)
أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ)(الرعد: من الآية33)
قال ابن كثير : عن مجاهد (بظاهر من القول) بظن من القول
أقول: إن تفسير الظاهر بالظن يستلزم أن نفسر لفظ القول بالعلم فيكون المعنى بظن من العلم لأن الظن درجة من العلم فقوله تعالى (آم بظاهر من القول) هو بمعنى ظاهر من العلم وليس علم الغيوب والبواطن وهذا يشبه قوله تعالى( يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ) (الروم/7)
2 _ معنى الإرادة
(فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ)(المؤمنون: من الآية27)
قال النسفي : (إلا من سبق عليه القول ) بإهلاكه وهو ابنه وإحدى زوجتيه .
أقول : انه لم يوضح معنى القول هنا لكن السياق يدل على أن القول هنا بمعنى المشيئة الإلهية قبل نفاذها أي بمعنى الإرادة السابقة .
3 _ معنى القوة
(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(يونس:62-65)
قال النسفي: والوقف لازم على (قولهم) لئلا يصير ( إن العزة )مقول الكفار
وقال السيوطي : (قولهم) لست مرسلاً وغيره
أقول: لا يوجد ما يشير إلى مضمون قولهم في سياق الكلام وان القول هنا بمعنى القوة أي لا تحزنك قوتهم بقرينة قوله بعد ذلك (إن العزة لله جميعاً )
(قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً)(الكهف:من الآية86)(1/16)
قال ابن كثير : إن الله تعالى مكّنه منهم وحكّمه فيهم وأظفره بهم
أقول: القول هنا إذن بمعنى التمكين و الإقدار فهو بمعنى القوة
4 _ معنى العمل
(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)(النساء:108)
قال النسفي (يبيتون) يدبرون وهو تدبير طعمة أن يرمي بالدرع في دار زيد ويحلف انه لم يسرقها .
أقول: القول هنا إذن بمعنى العمل بقرينة قوله تعالى بعد ذلك (وكان الله بما يعملون محيطا).
(إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(النحل:40)
قال النسفي:أي إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له أحدث فهو يحدث بلا توقف وهذه عبارة عن سرعة الإيجاد .
أقول: إذن معنى (قولنا) هنا خلقنا فهو إذن بمعنى العمل أي (عملنا لشيء إذا أردناه).
5 _ معنى نظام المخلوقات
(قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ* قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ)(لأعراف:24-25)
القول هنا بمعنى نظام حياة الإنسان فأن حياته وموته وبعثه يوم القيامة كل ذلك على الأرض.
6 _معنى نظام التشريع / الرسالة السماوية
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً)(المزمل:5)
قال السيوطي : (قولاً) قرآناً (ثقيلاً ) مهيباً أو شديداً
(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ)(المؤمنون:68)
قال السيوطي : (القول) القرآن
7 _ معنى الجزاء
(حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ)(النمل:84-85)
قال السيوطي : (القول) حق العذاب
((1/17)
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ)(الصافات:31)
قال السيوطي: وجب علينا قول ربنا بالعذاب وقال النسفي : ذائقون لعذابه لا محالة.
أقول : الأقرب أن نقول وجب علينا جزاء ربنا أي عذابه .
الفصل الخامس: في معنى الذكر
أولا: معاني الذكر في اللغة
1 _ الذكر بمعنى الثناء
(فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً)(البقرة: من الآية200)
قال السيوطي : فاذكروا الله بالتكبير والثناء
2 _ الذكر بمعنى الصيت والشرف
(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)(الشرح:4)
قال السيوطي : بان تذكر مع ذكري في الأذان والإقامة والتشهد والخطبة وغيرها .
3 _ الذكر بمعنى بمعنى التنبه
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)(القمر:17)
قال ابن كثير : سهلنا لفظه ويسرنا معناه
أقول: إن المعنى إذن سهلناه للفهم والتنبه
ثانياً : المعاني السبعة في القرآن
1 _ الذكر بمعنى العلم
(إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ)(يّس: من الآية11)
قال السيوطي: (إنما تنذر) ينفع إنذارك (من اتبع الذكر) القرآن.
أقول: إن إنذار الكافر قد ينفع و لكن بشرط أن يتبع العلم لا الهوى، فالذكر هنا بمعنى العلم كذلك قوله تعالى
(أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً)(مريم:67) فأن المعنى (أولا يعلم) أنّا خلقناه بخلق الإنسان الأول و لم يكن هو يومئذ شيئا.
2 _ معنى الإرادة
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ) (الحديد: من الآية16)
قال صاحب التنوير: أي تطمئن به و يسارعوا إلى طاعته بالامتثال لأوامره و الانتهاء عما نهوا عنه(1/18)
أقول: إن الامتثال و الطاعة لما نزل من الحق أي القرآن أما خشوع القلوب فهو خضوعها و اطمئنانها إلى مشيئة الله و قدره أي إرادته فالذكر هنا بمعنى الإرادة
(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي)(طه:42)
قال أبن كثير: عن ابن عباس (لا تنيا ) لا تبطئا و عنه أيضاً: لا تضعفا
قال النسفي: أو أريد بالذكر تبليغ الرسالة
أقول: لما كان تبليغ الرسالة بأمر و تكليف من الله عز و جل فمعنى الآية لا تضعفا في تنفيذ إرادتي أو مرادي.
3 _ معنى القوة
(لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(الأنبياء:10)
قال النسفي: (فيه ذكركم ) شرفكم إن عملتم به.
أقول: إن الشرف يعني السيادة و الملك و الرئاسة و إن أشراف الناس رؤساؤهم و المقدمون فيهم فالذكر هنا بمعنى القوة و مثل ذلك قوله تعالى:
(بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ)(المؤمنون: من الآية71)
4 _ معنى العمل
(إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )(الجمعة: من الآية9)
قال السيوطي: ( ذكر الله ) الصلاة
أقول: إن الصلاة شكل من أشكال العبادة و العمل فالذكر هنا بمعنى العمل.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28)
قال الشوكاني: كتلاوة القرآن و التسبيح و التحميد و التكبير و التوحيد أو سماع ذلك و قيل المراد بالذكر الطاعة و قيل بوعد الله و قيل بالحلف بالله فإذا حلف خصمه بالله سكن قلبه.
أقول: إن ادعى الأمور إلى اطمئنان القلب دعاء الله تعالى لما يتركه في القلب من مظنة الإجابة و الإغاثة و الفرج فذكر الله هنا بمعنى دعاء الله و هو من العمل.و قد ورد الذكر بمعنى الدعاء في قوله تعالى:
((1/19)
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)(الزمر:45)
5 _ معنى نظام المخلوقات
(وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً)(الكهف:100-101)
أقول: إن أساس الكفر و الجحود صرف الحواس عن فهم القوانين الكونية فأن ملاحظة هذه القوانين في النبات و الحيوان ترشد إلى معرفة الخالق و صفات الخالق كالعلم و القدرة فالذكر في هذه الآية بمعنى نظام المخلوقات بقرينة الكلام عن العين و السمع و هي الحواس التي يلاحظ بها هذا النظام ، و الكلام جاء عن يأجوج و مأجوج الذين خرجوا عن نظام الاجتماع البشري.
6 _معنى نظام التشريع / الرسالة السماوية
(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(النحل: من الآية44)
قال النسفي: (الذكر ) القرآن
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:43)
قال النسفي: (أهل الذكر) أهل الكتاب ليعلموكم أن الله لم يبعث إلى الأمم السابقة إلا بشراً
7 _معنى الجزاء
(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)(لنجم:29)
قال السيوطي: (ذكرنا) القرآن
أقول: إن سياق الكلام في الآية يدل على أن معنى الذكر هنا الجزاء الحسن و هو نعيم الآخرة بقرينة قوله بعد ذلك (و لم يرد إلا الحياة الدنيا).
(فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) (المؤمنون:110)
قال السيوطي: ( حتى أنسوكم ذكري ) فتركتموه لاشتغالكم بالاستهزاء.(1/20)
أقول: إن الخطاب هنا للكفار و لم يسبق منهم ذكر لكي ينسوه، و لم تسبق منهم طاعة أو عبادة أهملوها بسبب الخصومة مع المؤمنين لذلك فأن المناسب أن نقول أن هذه الخصومة أنستهم جزاء الله و عقابه لأن الدعوة دعوة الله و الجزاء جزاء الله و قد نسوا ذلك بسبب خصومتهم للمؤمنين.
اجتماع المعاني
(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ) (صّ:8)
قال ألنسفي: أأنزل عليه القرآن من بيننا ( بل هم في شك من ذكري) من القرآن
أقول: إن الذكر أولا بمعنى / الرسالة السماوية أي القرآن
أما الذكر ثانيا فهو بمعنى / الجزاء يوم القيامة أي العذاب و هم في شك منه لأنهم لا يؤمنون بالبعث.
الفصل السادس: في معنى الحق
أولاً: معاني الحق في اللغة
1 _ الحق بمعنى الحقيقة الواقعة
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)(الاحقاف:34)
قال صاحب التنوير: أليس هذا العذاب الذي ترونه حقاً و كنتم تكذبون به. و فيه تهكم بهم و توبيخ لهم على استهزائهم بوعد الله و وعيده.
2 _ الحق بمعنى الصدق
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ)(المائدة: من الآية27)
قال ألنسفي: نبأ ملتبساً بالصدق
أقول: الأقرب أن نفسر الحق هنا بمعنى الصدق بدل ملتبساً بالصدق
3 _ الحق بمعنى الواجب
(وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(السجدة: من الآية13)
قال ألنسفي: وجب القول مني
ثانياً: المعاني السبعة في القرآن
1 _ معنى العلم
((1/21)
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى* وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(لنجم:27-28)
قال السيوطي: (لا يغني من الحق ) عن العلم
(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)(قّ:19)
قال ابن كثير: أي كشفت لك عن اليقين الذي كنت تمتري فيه
2 _ معنى الإرادة
(قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ)(هود:79)
قال ابن كثير: إن نساءنا لا إرب لنا فيهن و لا نشتهيهن.
أقول: المعنى لا رغبة و لا إرادة لنا فيهن فالحق هنا بمعنى الإرادة بقرينة قوله ( و انك لتعلم ما نريد).
3 _معنى القوة
(وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كَانُوا يَفْتَرُونَ) (القصص:74-75)
قال السيوطي: فعلموا إن الحق في الالهيه لله
أقول: إن الحق في الإلهية بسبب انفراده عز وجل بالقوة فوق جميع الأقوياء و هو ما ينكشف يوم القيامة يوم يضل ما يفترون من الشركاء فقوله (فعلموا إن الحق لله ) أي القوة لله وحده
4 _ معنى العمل
(وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ )(الأنعام: من الآية73)
أقول: إن الحق هنا بمعنى التحقق أي إن العمل يتحقق بمجرد الأمر و القول
5 _ معنى نظام المخلوقات
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ)(الروم:8)(1/22)
قال صاحب التنوير:( بالحق ) بالحكمة و الوجه الصحيح الذي ينبغي أن يخلق عليه.
أقول: إن معنى العبارة بموجب نظام للمخلوقات فان المخلوقات كالأرض والسماء وما فيها من أجرام و ما بينهما أي ما على الأرض كل ذلك خلق بالحكمة أي بموجب نظام لتحقيق غرض معين و هذا مثل قوله تعالى (ألم تر أن الله خلق السماوات و الأرض بالحق ) إبراهيم /19
6 _ معنى نظام التشريع / الرسالة السماوية
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ)(سبأ:43-44)
قال السيوطي: ( الحق) القرآن
7 _ معنى الجزاء
(قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ* قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ* فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(المؤمنون:39-41)
قال ابن كثير: وكانوا يستحقون ذلك من الله بكفرهم و طغيانهم
أقول: نفهم من ذلك إن قوله( بكفرهم) يعني مقابل كفرهم أي جزاء كفرهم فيكون معنى قوله (بالحق) أي بالمقابلة و المجازاة فالحق هنا بمعنى الجزاء.
اجتماع المعاني
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ) (الأنعام: من الآية73)
1 _ الحق في الأولى بمعنى النظام أي نظام المخلوقات
2 _ الحق في الثانية بمعنى العمل و التحقق
الفصل السابع: في معنى العلم
أولا: معاني العلم في اللغة.
1 _ العلم بمعنى المعرفة
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ)(لأنفال: من الآية60)
قال النسفي: ( لا تعلمونهم ) لا تعرفونهم بأعيانهم.(1/23)
2 _ العلم بمعنى الفهم
(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(فصلت:3)
قال السيوطي: (يعلمون )أي يفهمون ذلك و هم العرب.
3- العلم بمعنى السابقة أي المثل
(وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (الزخرف:61)
قال صاحب التنوير: (و انه لعلمٌ للساعة ) شرط من اشراطها يعلم به قربها أو أن حدوثه بغير أب أو أحياءه الموتى دليل على صحة البعث
أقول: إن الرأي الثاني اقرب أي إن العلم هنا بمعنى السابقة و المثل على إحياء الموتى و قدرة الله على بعثهم يوم القيامة و بهذا المعنى قال تعالى (وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ) الزخرف 59
قال: السيوطي: جعلناه بوجوده من غير أب كالمثل لغرابته يستدل به على قدرة الله تعالى
أقول: قوله (لعلمٌ للساعة ) بمعنى السابقة و المثل الدال على أمر ما و لهذا قال بعدها ( فلا تمترن بها).
ثانياً : المعاني السبعة في القرآن
1_ العلم: بمعنى علم الغيب
(يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)(المائدة:109)
قال النسفي: لا علم لنا بإخلاص قومنا دليله ( انك أنت علام الغيوب ). أو بما أحدثوا بعدنا، دليله ( كنت أنت الرقيب عليهم).
أقول: معنى كلامه إن لفظ العلم هنا بمعنى علم الغيب.
2 _ معنى الإرادة
(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ )(لنجم: 29-30)
(وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ)(فاطر: من الآية11)
قال السيوطي: ( مبلغهم من العلم ) نهاية علمهم إن اثروا الدنيا على الآخرة.(1/24)
أقول: الأقرب أن أقول نهاية ما أرادوا إن اثروا الدنيا على الآخرة فالعلم هنا بمعنى الإرادة يدل عليه ( و لم يرد إلا الحياة الدنيا ) و مثل ذلك قوله تعالى ( و ما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ) فاطر /11
فان المعنى بإرادته و مشيئته دليله حرف الباء و هو يستعمل بمعنى السببيه.
3_ معنى القوة و القدرة
(إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(العنكبوت:42)
قال النسفي: ( ما ) بمعنى الذي و هو مفعول يعلم و قوله ( يدعون ) يعبدون.
أقول: إن ( يعلم ) هنا بعنى يملك و يغلب بقرينة قوله بعدها ( و هو العزيز الحكيم ) و لان العبادة و الطاعة مناسبة لهذا المعنى و هو معنى القوة و القدرة فالعلم هنا بمعنى القوة و القدرة.
(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(هود:14)
قال النسفي: (بعلم الله ) بما لا يعلمه إلا الله من نظم معجز للخلق و إخبار بغيوب لا سبيل لهم إليها.
أقول: إن هذا الإعجاز من مظاهر قدرة الله عز وجل فالأقرب أن نقول إنما انزل بقدرة الله فالعلم هنا بمعنى القدرة و القوة
4_ معنى العمل
(وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ) (البقرة: من الآية143)
قال النسفي: إي لنعلم كائنأً أو موجوداً ما قد علمناه انه يكون و يوجد. أو لنميز التابع من الناكص كما قال تعالى ( ليميز الله الخبيث من الطيب ).
أقول: المعنى إذن لنفرز هؤلاء من هؤلاء و الإفراز من معاني العمل فقوله ( لنعلم ) أي لنميز و نفصل.
((1/25)
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً)(الجن:26-28)
قال النسفي: أي ليعلم ذلك موجوداً كما كان يعلم ذلك قبل وجوده انه يوجد.
أقول: إن الغيب هنا بمعنى اللوح المحفوظ و هو مصدر الرسالات السماوية، و الرسول هنا جبريل عليه السلام فقوله تعالى في الآية ( ليعلم ) أي ليحقق تبليغ الرسالة و هو من معاني العمل .
5_ معنى نظام المخلوقات
(فَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ* قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(الزمر:49-50)
قال السيوطي: على علم من الله باني له أهل
أقول: المعنى انه على جدارة و أهلية للكسب و لهذا قال بعدها ( بل هي فتنة) بمعنى أنها عطية من الله ابتلاءً و اختباراً لعباده فلا ينبغي تفسير كل شيء بالسببية و قوانين المجتمع فان وراء ذلك مشيئة ربانية مطلقة متصرفة فالعلم هنا بمعنى نظام المخلوقات
6_ معنى نظام التشريع / الرسالة السماوية
(وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة: من الآية282)
قال النسفي: ( و يعلمكم الله ) شرائع دينه
أقول: و الأولى أن نقول و يشرع لكم الله فالتعليم هنا بمعنى التشريع
(ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ )(الاحقاف: من الآية4)
قال النسفي: ( من قبل هذا ) القرآن(1/26)
قال السيوطي: ( أو اثارة من علم ) أو بقية من علم تؤثر عن الأولين.
أقول: إن العلم هنا ينبغي أن يكون مصدره السماء فالمعنى بقية من رسالة أو كتاب سماوي.
و من هذا الوجه يطلق لفظ العلم على الإيمان و التصديق بالرسالات السماوية
(وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(الأنعام:37)
قال ابن كثير: قال السدي: هذا قول كفار العرب
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر:27-28)
قال النسفي: العلماء الذين علموه بصفاته فعظموه.
أقول: ومعنى ذلك المؤمنون به سواء كانوا من المتعلمين أو من غيرهم ممن لا يقرأ و يكتب لأن خشية الله منحصرة فيهم بدلالة حرف ( ما ) و هو أداة حصر فالعلم هنا بمعنى الإيمان.
7 _ معنى الجزاء
(قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(النور: من الآية63)
قال النسفي: ( لواذاً ) أن يلوذ هذا بذاك
قال صاحب التنوير:( لواذاً) أن يستتر بشيء مخافة من يراه.
أقول: إن العلم هنا بمعنى الجزاء و العقوبة في الدنيا و الآخرة فقوله( قد يعلم ) أي قد يعاقب و لهذا قال بعدها ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره).
((1/27)
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ)(الاحقاف:22-23)
قال النسفي: (إنما العلم عند الله) إنما العلم بوقت مجيئ العذاب.
أقول: إنهم لم يسألوا عن وقت مجيء العذاب و لكنهم اظهروا التحدي و طلبوا منه إنزال العذاب الذي يعدهم به فكان جوابه ( إنما العلم عند الله ) أي إن الجزاء و العذاب عند الله أي بيد الله.
الفصل الثامن: في معنى الأمر
أولاً: معاني الأمر في اللغة
1 _ الأمر بمعنى التكليف و الإلزام
(قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً)(الكهف:69)
قال السيوطي: أمرا تأمرني به
(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)(لأعراف: من الآية12)
2 _ الأمر بمعنى الحال و الشأن
(رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً)(الكهف: من الآية10)
3 _الأمر بمعنى الموعد أو الوقت
(فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ)(غافر: من الآية78)
أقول: ( أمر الله ) يوم القيامة.
ثانياً : المعاني السبعة في القرآن
1 _ معنى العلم
(وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)(الكهف: من الآية82)
قال صاحب التنوير: عن رأيي و اجتهادي
أقول: إن ذلك يعني عن علمي و معرفتي
2 _ معنى الإرادة
(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ)(الطلاق: من الآية3)
قال السيوطي: ( بالغ أمره ) مراده
3 _ معنى القوة و القدرة
(يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)(الانفطار:19)(1/28)
أقول: الأمر هنا بمعنى القوة وهي أساس الملك المشار إليه قبلاً
(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)(الاسراء:16)
قال ابن كثير: ( امرنا مترفيها ) أمرا قدرياً فأن الله لا يأمر بالفحشاء.
أقول: إن الأمر القدري يعني التمكين لهم و تهيئة الأسباب أي أن الأمر هنا بمعنى التقوية و التمكين و منه الحديث ( خير المال سكة مأبورة و مهرة مأمورة ) أي كثيرة النسل و التكاثر شكل من القوة.
4 _ معنى العمل
(قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ )(يوسف: من الآية18)
قال صاحب التنوير: ( سوّلت ) أي زينت و سهلت ( أمرا ) من الأمور أردتموه ففعلتموه
أقول: إن المعنى إذن سولت لكم عملاً.
(وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ)(لأنفال: من الآية43)
قال السيوطي: ( في الأمر ) أمر القتال
أقول: إن الأمر هنا بمعنى العمل الذي يتلبسون فيه و هو القتال.
5 _معنى نظام المخلوقات
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(لأعراف:54)
قال النسفي: لما ذكر انه خلقهن مسخرات بأمره قال ذلك. أي هو الذي خلق الأشياء و له الأمر
أقول : الأمر هنا يعني نظام عمل هذه الأجرام السماوية و يشير إلى ذلك قول النسفي ( بأمره ) أمر تكوين.
(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ )(إبراهيم: من الآية32)
قال صاحب التنوير: ( بأمره ) بإرادته إلى حيث توجهتم.(1/29)
أقول: الأمر هنا يعني نظام المخلوقات أي خواص الماء و الرياح و الخشب و ما يلزم لسير السفينة .
6 _ معنى نظام التشريع / الرسالة السماوية
(وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ)(القصص: من الآية44)
قال النسفي: أي كلمناه.
(لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدىً مُسْتَقِيمٍ)(الحج:67)
قال النسفي: ( في الأمر ) أمر الذبائح أو الدين
(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (الجاثية:18)
قال النسفي: طريقة و منهاج من أمر الدين.
7 _ معنى الجزاء
(لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ* لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)(آل عمران:127-128)
أقول: الأمر هنا بمعنى الجزاء أي العقاب و العذاب، يدل على ذلك ما بعده
(قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ)(هود: من الآية43)
قال السيوطي: (أمر الله ) عذابه.
اجتماع المعاني
(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً)(النساء:83)
الأمر في الأولى بمعنى العلم أو الخبر.
و في الثانية ( أولي الأمر ) أي الرؤساء أولي التكليف و الإلزام و لو ردوا الأمر إليهم لعرفه الذين يتحققونه منهم و يستخرجون حقيقته.
الفصل التاسع: في معنى الخير
أولا :معاني الخير في اللغة
1 _ الخير بمعنى الحسن لذاته
((1/30)
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(يونس:107)
(وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ)(البقرة: من الآية220)
2 _ الخير بمعنى الأفضل
(قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ )(البقرة: من الآية61)
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً )(البقرة: من الآية263)
3 _ الخير بمعنى المال
(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)(البقرة: من الآية272)
قال النسفي : ( خير ) مال
ثانياً : المعاني السبعة في القران
1 _ معنى العلم
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً )(البقرة: من الآية269)
قال ابن كثير : قال إبراهيم النخعي : الحكمة الفهم . وقال مجاهد : ليست بالنبوة ولكنه العلم والفقه والقرآن .
أقول : إذا كان معنى الحكمة هنا العلم أو جماع العلم فان الخير الكثير هنا يعني العلم الكثير
2 _ معنى الإرادة و القصد
(وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً)(الأحزاب:25)
قال السيوطي : ( خيراً ) مرادهم من الظفر بالمؤمنين .
3 _ معنى القوة
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(آل عمران:26)
قال النسفي : ( بيدك الخير ) أي الخير والشر فاكتفى بذكر احد الضدين من الآخر أو لأن الكلام وقع في الخير الذي يسوقه للمؤمنين(1/31)
قال الشوكاني : وقيل لأن كل شر من حيث كونه من قضائه سبحانه هو متضمن للخير فأفعاله كلها خير .
قال القشيري : ولم يذكر الشر حفظاً لآداب الخطاب وتفاؤلا بذكر الجميل وتطيراً من ذكر السوء .
أقول : إن الخير هنا بمعنى القوة والقدرة بقرينة قوله بعد ذلك ( انك على كل شيء قدير ) .
(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)(يوسف:39)
قال النسفي : أن تكون أرباب شتى يستعبدكما هذا ويستعبدكما هذا خير لكما أم أن يكون لكما رب واحد قهار لا يغالب ولا يشارك في الربوبية .
أقول : لاشك أن الرب الواحد القهار خير بمعنى أقوى لان تعدد الأرباب مدعاة للتنازع والضعف وفساد الكون لذلك كان تعدد الأرباب لهذا الكون مستبعداً فما قاله يوسف عليه السلام حجة عقلية على وحدانية الرب فقوله ( خير ) بمعنى أقوى وليس بمعنى خير لكما .
4 _معنى العمل
(وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ )(البقرة: من الآية197)
(وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)(البقرة: من الآية158)
قال السيوطي : ( خيراً) أي عمل ما لم يجب عليه من طواف وغيره
أقول: المعنى إذن ومن تطوع عملا ً
5 _ معنى نظام المخلوقات
(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ* قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(صّ:75-76)
قال صاحب التنوير : ( أنا خير منه ) أي أفضل من ادم ثم بين وجه الخير .
أقول : وجه الخير إذن في نظام الخلق ومنه مادة الخلق
6 _ معنى نظام التشريع / الكتاب السماوي
(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً )(النحل: من الآية30)
قال ابن كثير : أي رحمة وبركة لمن اتبعه وآمن به .(1/32)
أقول : يفهم من كلام ابن كثير أن (خيراً) يعني كتاباً أو رسالة من السماء .
7 _ معنى الجزاء
(وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً )(هود: من الآية31)
قال ابن كثير : ولا أقول عن هؤلاء الذين تحتقرونهم وتزدرونهم إنهم ليس لهم عند الله ثواب على أعمالهم .
أقول: الخير هنا إذن بمعنى الجزاء الحسن
اجتماع المعاني
(وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ) (المزمل: من الآية20)
1 _ الخير في الأولى بمعنى العمل الصالح
2 _ الخير في الثانية بمعنى ( حسنا لذاته )
الفصل العاشر: في معنى الرحمة
أولا: معاني الرحمة في اللغة
1 _ الرحمة بمعنى المال
(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ)(الإسراء: من الآية100)
قال السيوطي : من الرزق والمطر .
أقول : إن الرزق يعني الثروة والمال بقرينة ذكر الإنفاق .
2 _ الرحمة بمعنى النعمة
(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ)(هود:9)
قال صاحب التنوير : ( رحمة) أي أعطيناه نعمة من صحة وامن وغيرها
3 _ الرحمة بمعنى التعطف و الحلم
(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً)(الكهف:58)
أقول : الرحمة هنا بمعنى التعطف والحلم مراعاة لهم ويعرف ذلك من سياق الكلام .
ثانيا:المعاني السبعة في القرآن
1 _ معنى العلم
(وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(القصص:46)
قال النسفي : ولكن أعلمناك وأرسلناك للرحمة .(1/33)
أقول: إن النسفي لاحظ معنى الإعلام الذي يدل عليه سياق الكلام ولكنه تمسك بالمعنى المعروف للرحمة فقال وأرسلناك للرحمة ولا داعي لهذه الإضافة لو فسرنا الرحمة هنا بمعنى العلم فيكون معنى العبارة ولكن علماً من ربك .
2 _ معنى الإرادة
(وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ)(القصص: من الآية86)
قال النسفي : وما القي إليك الكتاب إلا رحمة من ربك . أو ( إلا ) بمعنى (لكن ) للاستدراك أي ولكن لرحمة من ربك القي إليك الكتاب .
أقول : صحيح أن (إلا) بمعنى (لكن) وهي للاستدراك و لكنها بمعنى إن إلقاء الكتاب والرسالة لم يكون بتوقع أو رغبة أو إرادة سابقة من النبي ولكنه حصل بإرادة الله عز وجل فالرحمة هنا بمعنى الإرادة والمشيئة .
3 _ معنى القوة / القدرة
(فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ)(هود:66)
أقول : إن الرحمة هنا بمعنى القوة والقدرة بقرينة قوله بعدها ( إن ربك هو القوي العزيز) ومثل ذلك قوله تعالى : (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(الروم:50) فان الرحمة هنا أيضا بمعنى القوة والقدرة بقرينة ما بعدها .
4 _ معنى العمل
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ)(لأعراف: من الآية57)
قال ابن كثير : بين يدي المطر
وقال السيوطي :قدام المطر
أقول : المعنى إذن انه عز وجل يرسل الرياح قبيل إنزال المطر وان تنزيل المطر عمل فالرحمة هنا بمعنى العمل
(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(لأعراف:56)(1/34)
و الرحمة هنا بمعنى إجابة الدعاء ، و الإجابة من أشكال العمل
5 _ معنى نظام المخلوقات
(وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(القصص:73)
أقول : إن تعاقب الليل والنهار من نظام عمل الأجرام السماوية وهو مناسب لخلق الإنسان وقد سمي هذا النظام رحمة لما يتضمنه من مناسبة ولطف بالإنسان .
6 _ معنى نظام التشريع / الكتاب السماوي / الرسالة
(وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ* أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف:31-32)
قال السيوطي : ( رحمة ربك ) النبوة
(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ)(هود:63) الرحمة هنا أيضا بمعنى الرسالة والنبوة .
(إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي)(يوسف: من الآية53)
قال السيوطي: ( إلا ما رحم ربي ) بمعنى من رحم ربي فعصمه .
أقول :( إلا) هنا للاستثناء من وصف السوء بمعنى إلا ما شرع ربي وأباح من مطالب النفس .فالرحمة هنا أيضا بمعنى نظام التشريع.
7 _ معنى الجزاء
(وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ* أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ)(لأعراف:48-49)(1/35)
قال النسفي : (لا ينالهم الله برحمة ) أي لا يدخلهم الجنة يحتقرونهم لفقرهم.
أقول : الرحمة هنا إذن بمعنى الجزاء الحسن
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(الحديد:28)
قال ابن كثير : ابن عباس حمل هذه الآية على مؤمني أهل الكتاب وإنهم يؤتون أجرهم مرتين .
أقول : الرحمة هنا أيضا بمعنى الجزاء الحسن أي الأجر.
الفصل الحادي عشر: في معنى النعمة
أولا : معاني النعمة في اللغة
1 _ النعمة بمعنى المال
(ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ )(الزمر: من الآية49)
أقول : إن لفظ التخويل يرد على ما يملكه الإنسان من مال وثروة .
2 _ النعمة بمعنى المنّة
(وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى)(الليل:19-21)
قال ابن كثير : ( نعمة ) منّة يحتاج إلى أن يكافئه بها .
3 _ النعمة بمعنى الحال الحسنة
(وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)(النحل:53)
قال ابن كثير : ما بالعباد من رزق ونعمة وعافية ونصر فمن فضله عليهم وإحسانه إليهم .
ثانيا: المعاني السبعة في القرآن
1 _ معنى العلم
(قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ)(القصص:17)
قال ابن كثير : بما جعلت لي من الجاه والعز والنعمة .
أقول : إن حال موسى عليه السلام كان حال الخائف المطلوب بدم القتيل من آل فرعون وقد دخل المدينة على حين غفلة من أهلها ولكنه كان على دين يعقوب غليه السلام في حينها قبل بعثته وهذا هو معنى النعمة التي ذكرها أي العلم الذي يرشد إلى تحري العدل وترك العصبية
((1/36)
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً)(المزّمل:10-11)
قال صاحب التنوير : ( أولي النعمة ) أرباب التنعم وهم صناديد قريش .
أقول: النعمة هنا بمعنى العلم بصدق الرسالة وهذا الوعيد القوي يناسب من يجحد الحق ويكذّب به وهو يعلم صحته فان النعمة بمعنى التنعم ليست ذات شان عند الله فهو يعطيها للمؤمن والكافر لذلك فان قوله تعالى ( والمكذبين أولي النعمة ) بمعنى الجاحدين للحق أولي العلم بصدق الرسالة .
2 _ معنى الإرادة
(إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)(آل عمران: من الآية103)
أقول : بمعنى أصبحتم بإرادته ومشيئته إخوانا يدل على ذلك حرف الباء الذي يفيد معنى السببية .
(فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ* وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)(الصافات:55-57)
قال النسفي : (نعمة ربي) وهي العصمة والتوفيق والاستمساك بعروة الإسلام .
أقول : النسفي لاحظ معنى الإرادة الإلهية في لفظ النعمة عندما ذكر العصمة والتوفيق . كقوله تعالى ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) فالنعمة هنا بمعنى الإرادة .
3 _ معنى القوة / القدرة
(وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ* لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)(الزخرف:12-13)
قال ابن كثير ( نعمة ربكم) في ما سخر لكم وقال ابن عباس ( مقرنين ) مطيقين .(1/37)
أقول : إن السياق يدل على أن النعمة هنا بمعنى القدرة الإلهية التي تجلت في تسخير هذه المخلوقات القوية الضخمة وتذليلها لخدمة الإنسان .
4 _ معنى العمل
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ)(القلم:48-49)
قال النسفي : لولا أن الله انعم عليه بإجابة دعائه وقبول عذره .
أقول إن إجابة الدعاء وإنقاذه من محنته يكون بعمل منه سبحانه وهذا العمل هو الذي تداركه وأنقذه فالنعمة هنا بمعنى العمل .
5 _ معنى نظام المخلوقات
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(لقمان:31)
قال ابن كثير : (بنعمة الله ) أي بأمره أي بلطفه وتسخيره فانه لولا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن لما جرت .
وقال النسفي : أو بالريح لأن الريح من نعم الله .
أقول : إن ما لاحظه ابن كثير من خاصية الماء وما لاحظه النسفي من قوة الريح يشير إلى أن معنى النعمة هنا هو نظام المخلوقات أي الخواص والقوى والنظام الذي تعمل بموجبه المخلوقات . وذلك لا يمنع القول أن ذلك بأمر الله وإرادته ولكن هذا الأمر ليس مرئياً كما يشير أول الآية وإنما المرئي هو نظام المخلوقات أو ما يسمى قوانين الطبيعة المخلوقة .
6 _ معنى نظام التشريع / الرسالة السماوية
(وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(البقرة: من الآية211)
أقول : نعمة الله هنا بمعنى الرسالة السماوية .
(نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)(القلم:1-2)
قال صاحب التنوير : ( بنعمة ربك ) ملتبساً بنعمة الله التي هي النبوة والرسالة .
((1/38)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(الضحى:11)
قال السيوطي : ( بنعمة ربك ) عليك بالنبوة وغيرها .
أقول : لا داعي للتمسك بالمعنى الأصلي للنعمة وإيضاحها بإضافة لفظ النبوة كما فعل السيوطي فان الأولى أن لا نفترض الحذف . و الأولى أن نفسر النعمة بمعنى النبوة أي الرسالة السماوية .
7 _ معنى الجزاء
(إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ)(القمر:34-35)
أقول : النعمة هنا بمعنى الجزاء الحسن يدل على ذلك ما بعده .
(يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)(آل عمران:171)
قال السيوطي : ثواب من الله والفضل زيادة عليه .
قال صاحب التنوير : النعمة هي ثواب أعمالهم والفضل الزيادة .
أقول : إن الثواب بمعنى الجزاء وهذا المعنى للنعمة يلاحظ من السياق وهو الإشارة إلى اجر المؤمنين
اجتماع المعاني
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً )(آل عمران: من الآية103)
1 _ النعمة أولا بمعنى المنة و الفضل
2 _ النعمة ثانيا بمعنى الإرادة
الفصل الثاني عشر: في معنى الفضل
أولا : معاني الفضل في اللغة
1 _ الفضل بمعنى الرزق والمال
(وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)(النور: 32-33)
2 _ الفضل بمعنى التقدم بالإحسان ابتداءً
((1/39)
وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)(البقرة: من الآية237)
(إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ)(البقرة: من الآية243)
3 _ الفضل بمعنى الزيادة
(فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)(آل عمران:174)
ثانياً : المعاني السبعة في القران
1 _ معنى العلم
(وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(النساء: من الآية32)
أقول : الفضل هنا بمعنى العلم بقرينة قوله بعد ذلك (بكل شيء عليما)
2- معنى ألإرادة
(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً)(النساء:83)
أقول : المعنى لولا إرادته أن يعصمكم من الزلل .
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يونس:107)
قال النسفي : ( فلا راد لفضله ) مراده . 3 _ معنى القوة
(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(سبأ:10-11)
أقول : (فضلاً) بمعنى قوة وقدرة بقرينة ما بعده
4 _ معنى العمل
((1/40)
وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ )(هود: من الآية3)
قال صاحب التنوير:( ذي فضل) في الأعمال. ( فضله) أي جزاء فضله .
أقول : الأقرب أن نقول يؤت كل ذي عمل صالح جزاءه الحسن .
5 _ معنى نظام المخلوقات
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ )(النساء: من الآية34)
أقول : إن معنى الآية إن قوامة الرجال كانت بسبب طبيعة الخلق ونظامه من حيث الاستعداد ألبدني والنفسي لحماية العائلة وتحصيل الرزق فالتفضيل هنا في نظام الخلق الذي هو سبب القوامة .
6 _ معنى نظام التشريع / الكتاب السماوي
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)(النساء:54)
قال الشوكاني : ( من فضله ) من النبوة والنصر وقهر الأعداء .
قال صاحب التنوير : يعني النبوة والكتاب .
(قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(آل عمران: من الآية73)
أقول : الفضل هنا أيضا بمعنى النبوة والكتاب
7 _ معنى الجزاء
(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً)(الأحزاب:47)
أقول : والمعنى هنا جزاءً كبيرا
(لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)(الشورى: من الآية22)
اجتماع المعاني
((1/41)
وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(النساء:32)
1 _ الفضل في الأولى بمعنى التقدم في نظام الخلق
2 _ الفضل في الثانية بمعنى العلم
الفصل الثالث عشر: في معنى الآية
أولاً: معاني الآية في اللغة
1 _ الآية بمعنى العلامة
(فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )(آل عمران: من الآية97)
قال النسفي : (آيات بينات) علامات واضحات.
قال السيوطي : فيه آيات بينات منها مقام إبراهيم أي الحجر الذي قام عليه عند بناء البيت فأثر قدماه فيه و بقي إلى الآن مع تطاول الزمن و تداول الأيدي عليه .
2 _ الآية بمعنى العبرة
(لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً )(الفرقان: من الآية37) قال السيوطي : ( آية ) عبرة
3 _ الآية بمعنى المعجزة
(وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (الإسراء:59)
قال النسفي : الآيات التي اقترحتها قريش .
(فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)(النمل:13)
قال النسفي : ( آياتنا ) معجزاتنا ( مبصرة ) ظاهرة بينة .
وقال صاحب التنوير : آياتنا التسع جاءهم موسى بها .
ثانياً : المعاني السبعة في القران
1 _ معنى العلم
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ )(لأعراف: 175-176)(1/42)
قال النسفي :هو عالم من علماء بني إسرائيل أوتي علم بعض كتب الله فخرج من الآيات بأن كفر بها و نبذها وراء ظهره .
2 _ معنى الإرادة
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً)(مريم:77-78)
قال السيوطي : العاص بن وائل قال لخباب بن الأرَتّ : لأوتينّ على تقدير البعث مالا وولداً فأقضيك
قال النسفي : ( أطّلع الغيب ) أي أنَظر في اللوح المحفوظ فرأى منيته .
أقول : قوله ( لأوتين مالاً وولداً ) و بصيغة التأكيد فيه كفر بإرادة الله و مشيئته النافذة مع جهله بما كتبه الله له في اللوح المحفوظ فمعنى الآية هنا إرادة الله .
3 _ معنى القوة
(وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً)(الفتح:20)
قال النسفي :( فعجل لكم هذه ) مغانم خيبر و كانت أرضا ذات عقار و أموال فقسمها عليهم ( و لتكون آية للمؤمنين ) عبرة يعرفون بها أنهم من الله عز وجل بمكان و انه ضامن نصرتهم و الفتح عليهم .
أقول : إن تفسير الآية هنا بمعنى العبرة ليس مناسباً كما أن قوله : و انه ضامن نصرتهم ، يعني تفسير الآية بمعنى البشارة أو العلامة و هو اقرب للقبول ولكن الأولى أن نفسر الآية هنا بمعنى القوة فهم بلا شك كانوا بحاجة إلى المال و المال قوة .
(لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ )(: من الآية15)
قال السيوطي : ( آية ) دالة على قدرة الله ( جنتان ) بدل
أقول : الآية هنا أيضا بمعنى الثروة و المال و هو قوة و ليس صحيحاً تفسيرها بمعنى العلامة الدالة
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً)(الكهف:9)(1/43)
أقول : الآيات هنا بمعنى العلامات الدالة على قدرة الله و إذا أردنا أن نتجنب الإضافة بافتراض الحذف يمكن أن نفسر الآيات بمعنى القدرات و القوى و مثل ذلك قوله تعالى
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ)(الروم:20)
(فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(البقرة:73)
4 _معنى العمل
(وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)(فصلت:37)
أقول : الآيات هنا بمعنى العمل و الخلق بشير إلى ذلك قوله (الذي خلقهن ) أي أنهن من مخلوقاته . فالمعنى ومن صنعه وخلقه الليل والنهار والشمس والقمر.
5 _معنى نظام المخلوقات
(وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ)(الانبياء:32)
قال السيوطي : ( عن آياتها ) من الشمس و القمر و النجوم .
أقول : أن الإعراض حاصل عن نظام خلقها و طريقة عملها و سيرها و ليس عنها فهي أجرام ملحوظة فالآيات هنا بمعنى نظام المخلوقات و مثل ذلك معنى الآية في قوله تعالى :
(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ)(يوسف:105)
6 _ معنى نظام التشريع / الرسالة السماوية
(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا )(لقمان: من الآية7)
قال السيوطي : ( آياتنا ) القرآن .
أقول : و كذلك معنى الآيات في قوله تعالى :
(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)(صّ:29)
(وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ )(القصص: من الآية87)(1/44)
7 _معنى الجزاء
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ)(لأعراف:133)
أقول : المعنى عقوبات متتابعات إلا أنهم غضبوا و استكبروا بدل أن يضرعوا إلى الله عز و جل.
الفصل الرابع عشر: في معنى الحكم
أولا : معاني الحكم في اللغة
1 _ الحكم بمعنى القضاء
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)(النساء: من الآية58)
قال النسفي : ( حكمتم ) قضيتم
2 _ الحكم بمعنى المنع
(قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) (الأنبياء:112)
قال ابن كثير : عن زيد ابن اسلم : كان رسول الله (ص) إذا شهد غزوة قال ( رب احكم بالحق )
أقول : الحكم هنا بمعنى المنعة أي النصرة بقرينة ما بعده
3 _ الحكم بمعنى الحكمة
(يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً)(مريم:12)
قال النسفي : ( الحكم ) الحكمة .
ثانياً : المعاني السبعة في القران
1 _معنى العلم
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (العنكبوت:4)
قال ابن كثير : ( ساء ما يحكمون ) بئس ما يظنون
أقول : إن الظن و هو المشار إليه بعبارة (أم حسب ) هو درجة من العلم فالحكم هنا بمعنى العلم . أي ساء ما يعلمون و يظنون
2 _ معنى الإرادة
(فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)(يوسف: من الآية80)
قال صاحب التنوير : ( أو يحكم الله لي) بخلاص أخي بسبب من الأسباب
أقول : الحكم هنا بمعنى الإرادة و الإذن دون تحديد المأذون به.
3 _ معنى القوة
((1/45)
وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (يوسف:67)
قال ابن كثير : أي إن هذا الاحتراز لا يرد قدر الله و قضاءه فأن الله إذا أراد شيئاً لا يخالف و لا يمانع
أقول : قوله ( إن الحكم إلا لله ) بمعنى ما الحول ولا القوة إلا لله و ليست لغيره و إن الحذر لا يغني من القدر فالحكم هنا بمعنى القوة بقرينة السياق .
4 _ معنى العمل
(أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)(النحل: من الآية59)
قال السيوطي : ( ما يحكمون ) حكمهم هذا حيث نسبوا لخالقهم البنات .
أقول : ما يحكمون هنا بمعنى ما يعملون و هو دس الأنثى في التراب
(فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)(التين:7-8)
قال السيوطي : ( بالدين ) بالجزاء المسبوق بالبعث والحساب ( احكم الحاكمين ) أقضى القاضين.
و قال صاحب التنوير : أليس الذي فعل ما ذكر بأحكم الحاكمين صنعاً و تدبيراً
أقول : إن عبارة صاحب التنوير تشير إلى أن احكم الحاكمين بمعنى احكم الفاعلين فالحكم إذن هنا بمعنى العمل أو الفعل و هو المشار إليه بخلق الإنسان في أحسن تقويم ثم رده أسفل سافلين.
5 _ معنى نظام المخلوقات
(وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ) القصص:70-71(1/46)
أقول : قوله (وله الحكم ) بمعنى انه الذي وضع نظام الأجرام السماوية و تعاقب الليل و النهار يدل على ذلك ما بعده . فالحكم هنا بمعنى نظام الخلق.
6 _ معنى نظام التشريع
(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(المائدة:50)
قال النسفي : يخاطب بني النضير في تفاضلهم على بني قريضة و قد قال لهم رسول الله (ص) القتلى سواء فقال بنو النضير نحن لا نرضى بذلك . فنزلت .
أقول : أن ذلك يعني أن الحكم هنا بمعنى نظام التشريع .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)(المائدة:1)
قال السيوطي : ( إن الله يحكم ما يريد ) من التحليل و غيره لا اعتراض عليه
قال النسفي : من الأحكام أو من التحليل و التحريم
أقول : المعنى إذن أن الله يشرع ما يريد .
7 _ معنى الجزاء
(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) (الأنعام:62)
قال النسفي : ردوا إلى حكمه و جزاءه
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)(الرعد:41)
قال النسفي : ( الأرض ) ارض الكفرة ( ننقصها من أطرافها ) بما نفتح على المسلمين من بلادهم.
أقول : الحكم هنا إذن بمعنى الجزاء و العقاب بقرينة قوله بعد ذلك ( وهو سريع الحساب )
اجتماع المعاني
(وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ* فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً )(الأنبياء: 78-79)(1/47)
قال النسفي : ( الحرث ) الزرع و الكرم ( نفشت ) دخلت ليلاً فأكلته و أفسدته ( وكنا لحكمهم ) أرادهما و المتحاكمين إليهما ( شاهدين ) بعلمنا و مرأى منا ( ففهمناها سليمان ) أي الحكومة أو الفتوى .
أقول : الحكم في الأولى بمعنى القضاء ( يحكمان في الحرث) أي يقضيان في قضية الزرع بين صاحب الزرع و بين القوم أصحاب الغنم .
الحكم في الثانية بمعنى العمل ( وكنا لحكمهم شاهدين) أي لعملهم عمل القوم أصحاب الغنم
الحكم في الثالثة بمعنى الحكمة ( و كلاً أتينا حكماً و علما ) أي داوود و سليمان آتيناهما الحكمة و آتيناهما العلم و العلم هنا بمعنى النبوة أو الرسالة . (راجع معاني العلم ) .
الفصل الخامس عشر: في معنى السلطان
أولا : معاني السلطان في اللغة
1 _ السلطان بمعنى الحجة و البرهان
(هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً)(الكهف:15)
2 _ السلطان بمعنى المعجزة الحسية
(وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ* فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ َجْنُونٌ) (الذاريات:38-39 )
قال صاح التنوير : ( سلطان مبين ) ما ظهر عليه من المعجزات الباهرة كالعصا و اليد البيضاء
3 _ السلطان بمعنى التحكم و التسلط
(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً) (الاسراء: من الآية33)
قال السيوطي : ( سلطاناً ) تسلطاً على القاتل
ثانياً :المعاني السبعة في القران
1 _ معنى العلم
(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ)(النمل:20-21)(1/48)
قال النسفي : ( سلطان ) حجة له فيها عذر ظاهر على غيبته
أقول : السلطان هنا بمعنى العلم والخبر و قد أتى الهدهد بذلك و هو خبر مملكة سبأ وذلك هو الذي دفع عنه العقوبة التي توعد بها سليمان و قد تحقق سليمان بعد ذلك من صدق الخبر
2 _معنى الإرادة و القصد
(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)(النحل:98-100)
قال النسفي : ( سلطان ) تسلط وولاية .
أقول : إن الشيطان ليس له سلطان بمعنى التسلط والولاية على جنس الإنسان، مؤمنهم وكافرهم و لكن هذه الآية نفت السلطان عن المؤمنين خصوصاً و في ذلك إشارة إلى أن السلطان هنا بمعنى التقصد و الاستهداف فلهذا كان الأمر بالاستعاذة لكي ينصرف الشيطان فالسلطان هنا بمعنى الإرادة.
( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ* يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ) (الرحمن33ـ35) أقول : السلطان هنا بمعنى الإرادة و الإذن الإلهي بقرينة ما بعده.
3 _معنى القوة
(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً)(الإسراء:80)
قال السيوطي : ( سلطاناً نصيرا) قوة تنصرني بها
4 _ معنى العمل
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)(الحج:71)
أقول : السلطان هنا بمعنى العمل ومن أشكاله الضرر و النفع .
5 _معنى نظام المخلوقات
((1/49)
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً)(الاسراء:65)
قال النسفي : ( سلطان ) يد بتبديل الأيمان و لكن بتسويل العصيان
قال السيوطي : ( سلطان ) تسلط و قوة
أقول : السلطان هنا بمعنى التسلط أي التفوق في نظام الخلق على جنس الإنسان.
6 _معنى نظام التشريع / الكتاب السماوي
(أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ* فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(الصافات:157)
أقول : السلطان هنا بمعنى الوحي السماوي أو الرسالة بدليل قوله ( فأتوا بكتابكم )
(أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ)(الروم:35)
قال السيوطي : ( سلطاناً ) حجة و كتاباً
أقول : الحجة من معاني السلطان في اللغة و لكن السلطان هنا بمعنى الكتاب السماوي.
7 _معنى الجزاء
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً)(النساء:144)
قال ابن كثير : ( سلطاناً مبيناً ) أي حجة بينة في عقوبته إياكم .
أقول : ما دام معنى العقوبة ملحوظاً في الآية فالأقرب أن نفسر السلطان هنا بمعنى العقوبة أي الجزاء أما لفظ المبين فهو من البين أي الموت فيكون المعنى أتريدون أن تجعلوا لله عليكم جزاءً مميتا.
الفصل السادس عشر: في معنى اللباس
أولا : معاني اللباس في اللغة
1 _ اللبس بمعنى الشك
(أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)(قّ:15)
قال السيوطي : ( لبس ) شك
2 _ اللبس بمعنى الخلط
(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة:42)
قال القرطبي : عن ابن عباس : لا تخلطوا الحق بالباطل و الصدق بالكذب
3 _ اللباس بمعنى الرداء و الغطاء
((1/50)
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ)(فاطر: من الآية33)
(وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ )(الأنبياء: من الآية80)
قال السيوطي : و هي الدرع لأنها تلبس.
ثانياُ : المعاني السبعة في القران
1 _معنى العلم
(يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا )(لأعراف: من الآية27)
قال صاحب التنوير : ( ينزع عنهما لباسهما ) عن ابن عباس : إن لباسهما كان من الظفر أي كان يشبه الظفر فأنه كان مخلوقاً عليهما خلقة الظفر .
أقول : اللباس هنا بمعنى العلم أي العلم بتحريم الشجرة عليهما يشير إلى هذا المعنى لفظ الفتنة في بداية الآية فمن معاني الفتنة إزالة العلم فالتحذير من فتنة الشيطان جاء لأن هذه الفتنة قد أصابت الإنسان الأول ادم عليه السلام و يمكن أن تصيب ذرّيته.
2 _ معنى الإرادة
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ )(البقرة: من الآية187)
قال النسفي : إذا كان بينكم و بينهن هذه المخالطة و الملابسة قل صبركم عنهن وصعب عليكم اجتنابهن فلذا رخص لكم في مباشرتهن .
أقول : فالمعنى إذن هن مراد لكم و انتم مراد لهن فاللباس هنا بمعنى الإرادة.
3 _ معنى القوة
(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)(الأنعام:65)(1/51)
قال النسفي : ( اويلبسكم شيعاً ) يخلطكم فرقاً مختلفين على أهواء شتى كل فرقة منكم مشايعة لإمام و معنى خلطهم أن ينشب القتال بينهم .
أقول : إن مجرد الخلط لا يستلزم القتال و كذلك الاختلاف فاللبس هنا بمعنى التقوية فأن القوة أساس البأس الذي أشارت إليه الآية .
4 _معنى العمل
(وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)(لأعراف: من الآية26)
قال السيوطي : ( لباس التقوى ) العمل الصالح.
5 _ معنى نظام المخلوقات
(أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً* وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً)(الفرقان:45-47)
قال النسفي : كاللباس يستركم بظلامه .
أقول : إن التخفّي بالظلام و التستر به ليس من المصالح المعروفة للعباد لكي يذكّر الإنسان بها و لكن جعل الليل لباساً بمعنى نظاماً دورياً يحقق مصلحة العباد و حاجتهم إلى النوم و الراحة هو موضع التذكير بالنعمة فاللباس هنا بمعنى نظام الخلق للكون والأجرام السماوية .
6 _ معنى نظام التشريع
(وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ* وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) (الأنعام:7-9)
قال الشوكاني : عن مجاهد : لخلطنا عليهم ما يخلطون . و عن السّدي : شبهنا عليهم ما يشبهون على أنفسهم .(1/52)
قال النسفي : إن المعنى لخلطنا و أشكلنا عليهم من أمره فأنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة الإنسان هذا إنسان و ليس بملك
قال السيوطي : شبهنا على أنفسهم بأن يقولوا ما هذا إلا بشر مثلكم .
قال ابن كثير : لألتبس عليهم الأمر كما يلبسون على أنفسهم في قبول رسالة البشري .
أقول : إن القرآن الكريم يوضح أن جميع الرسل كانوا رجالاً و في الحديث أن جبريل (ع) كان يأتي إلى الرسول (ص) في صورة رجل معروف فهل في ذلك مدعاة للبس والخلط أو سبب للشبهة ؟
إن الآية توضح انه لا جدوى من إجابة طلبهم بإرسال ملك إليهم و ليس رسولاً بشرياً منهم لأنه لو أراد الله أن يرسل إليهم ملكاً سيرسله بصورة رجل و ينزل عليه من الوحي ما ينبغي تبليغه إليهم و هو الرسالة نفسها و الكتاب نفسه الذي يعرفونه لذلك فان قوله تعالى ( وللبسنا عليهم ما يلبسون ) بمعنى لأنزلنا عليهم ما يعلمون و هو القرآن .فاللبس في الأولى بمعنى نظام التشريع و في الثانية بمعنى العلم
(وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)(الأنعام:137)
قال ابن كثير : (شركاؤهم ) شياطينهم يأمرونهم بأن يئدوا أولادهم .
و قال أيضا : و إنما كان ذلك كله من شرع الشيطان .
أقول : يفهم من هذه العبارة إن الضمير في ( دينهم ) يعود إلى الشياطين و ليس صحيحاً ما قاله النسفي أن دينهم هو ما كانوا عليه من دين إسماعيل حتى زلوا عنه إلى الشرك . و يترتب على ذلك أن قوله تعالى ( و ليلبسوا عليهم دينهم ) بمعنى ينزلوا عليهم و يشرعوا لهم شريعتهم الشيطانية فاللبس هنا أيضا بمعنى تنزيل الرسالة أي التشريع او الوحي.
7 _ معنى الجزاء
((1/53)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112)
أقول : اللباس هنا بمعنى الجزاء أي العقاب .
اجتماع المعاني
(يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (لأعراف:26-27)
1 _ اللباس في الأولى يعني الرداء للستر و الزينة
2 _ اللباس في الثانية بمعنى العمل الصالح
3 _ اللباس في الثالثة بمعنى العلم
الفصل السابع عشر: في معنى الاسم
أولا : معاني الاسم في اللغة
1 _ الاسم بمعنى لقب التعريف
(إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ )(آل عمران: من الآية45)
2 _ الاسم بمعنى الصفة
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(لأعراف:180)
قال السيوطي : الأسماء التسعة و التسعون الوارد بها الحديث .
قال ابن كثير : ( و ذروا الذين يلحدون في أسمائه ) اصل الإلحاد في كلام العرب العدول عن القصد ، و الميل و الجور و الانحراف و منه اللحد في القبر لانحرافه إلى جهة القبلة .
أقول : إن معنى الأسماء هنا إذن الصفات أما الإلحاد فيها فيكون بإنكارها أو الانحراف عنها
((1/54)
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ)(البقرة: من الآية31)
أي صفات الأشياء و خواصها
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ )(الرعد: من الآية33)
أي صفوهم هل يملكون من صفات الربوبية شيئا
3 _ الاسم بمعنى السمو و الرفعة
(وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً)(الحج: من الآية40)
ثانياً : المعاني السبعة في القران
1 _ معنى العلم
(إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ )(البقرة: من الآية282)
قال السيوطي : ( مسمى ) معلوم
2 _ معنى الإرادة
(وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا)(هود: من الآية41)
قال النسفي : و يجوز أن يكون ( بسم الله مجراها و مرساها ) جملة برأسها غير متعلقة بما قبلها و هي مبتدأ و خبر يعني أن نوحاً ( ع ) أمرهم بالركوب ثم اخبرهم أنّ مجراه و مرساها بذكر اسم الله .
أقول : انه اخبرهم أن مجراها و مرساها بإرادة الله (عز و جل ) فالاسم هنا بمعنى الإرادة و المشيئة.
3 _ معنى القوة و القدرة
(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى)(الأعلى:1-2)
قال السيوطي :( اسم ) زائدة ، و المعنى نزه ربك عما لا يليق به .
أقول : الاسم هنا بمعنى القوة و القدرة يشير إلى ذلك ما بعده من بيان مظاهر قدرته و قوته عز و جل فلا داعي للقول بأن لفظ الاسم هنا زائد .
4 _ معنى العمل
(وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ )(الحجرات: من الآية11)
قال النسفي : الاسم هنا بمعنى الذكر أي بئس الذكر أن تذكروا الرجل بالفسق(1/55)
أقول : أن الفسوق عمل يصدر عن النابز أي الطاعن فالاسم هنا بمعنى العمل أي( بئس العمل الفسوق بعد الإيمان) يؤيد ذلك قول السيوطي : ( الفسوق بعد الإيمان ) بدل من الاسم.
5 _معنى نظام المخلوقات
(أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ* فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)(الواقعة:68-74)
قال السيوطي : ( باسم ) زائدة . و المعنى نزه ربك العظيم
قال ابن كثير : أي الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة المتضادة
أقول : إن الآية فيها بيان لقدرة الخالق و لكن من مظاهر هذه القدرة النظام الذي بموجبه ينزل الماء عذباً من السماء تنبت به الأشجار ثم تتحول هذه الأشجار إلى حطب ووقود للنار فكان الماء سبباً في إيقاد النار فقوله تعالى ( فسبح باسم ربك العظيم) بمعنى قدس و نوّه بحكمة الخالق و النظام الذي وضعه لمخلوقاته .
6 _ معنى نظام التشريع
(أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(لأعراف: من الآية71)
قال النسفي : أسماء ليس تحتها مسميات لأنكم تسمون الأصنام آلهة و هي خالية من معنى الألوهية
قال السيوطي : ( أسماء سميتموها ) سميتم بها أصناما تعبدونها .
قال صاحب التنوير : ( سميتموها ) جعلتموها أسماء لا جعلتم لها أسماء . أي أسماء خالية من المسميات وضعتموها .(1/56)
أقول : يصعب تصور اسم لا يشير إلى مسمى معين و لو كان حجراً لا يضر و لا ينفع فلا يوجد اسم محض ليس تحته مسمى و أرى أن الاسم هنا بمعنى نظام التشريع فيكون المعنى : إن هي إلا شرائع واديان شرعتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان . والسلطان هنا بمعنى الكتاب السماوي (راجع معاني السلطان ) وهذا التفسير يناسب قوله بعد ذلك ( فانتظروا) أي انتظروا السؤال يوم القيامة من أين جئتم بهذه الشرائع والأديان ؟
7 _ معنى الجزاء
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)(الأعلى:14-15)
قال السيوطي : ( ذكر اسم ربه ) مكبراً وصلى الصلوات الخمس
أقول : الاسم هنا بمعنى الجزاء . أي ذكر جزاء ربه في الحياة الأخرى وهو الجنة بقرينة قوله بعد ذلك ( بل تؤثرون الحياة الدنيا . والآخرة خير وأبقى )
الخاتمة
وأخيرا فقد تبين بالبرهان الذي تضمن سبعة عشر لفظاً من ألفاظ القرآن الكريم ثبوت المعاني السبعة أي الدلالات السبعة لألفاظ القرآن وليس هناك حاجة إلى التوسع إلى ألفاظ أخرى قد تعادل هذا العدد أو تزيد فأن ما ذكرناه يكفي في البرهان والإثبات .
لقد راعيت في كتابة الدلالات السبعة للألفاظ المتقدمة التسلسل العقلي والمنطقي فأن أول كل عمل هو العلم ثم الإرادة ثانياً ثم القوة أو القدرة وهي ثلاثة مقدمات لأي عمل من الأعمال ثم أن هذا العمل يخضع لنظام في خلقه ونشاطه ثم أن كل عمل لابد له من نتيجة وعاقبة لهذا كان معنى الجزاء خاتمة المعاني فهذه المعان السبعة متلازمة مع كل عمل لهذا قد يكون في اللفظ الواحد وفي الموضع الواحد دلالة على أكثر من معنى من هذه المعاني للتلازم بينها وهو ما يسمى بالمعاني الثواني أو طبقات المعاني(1/57)
لقد توصلت إلى تحديد المعاني السبعة بعد استقراء اللفظ الواحد وتتبع موارده في القرآن الكريم وذلك لأن أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف أشارت إلى العدد فحسب وليس فيها تسمية لهذه الأحرف السبعة .
لما كانت هذه الأحرف أو الدلالات من مظاهر الإعجاز القرآني فأن بقاء معنى الأحرف مبهماً أو مجملاً في بعض الأحاديث الواردة لا يمنع أن ينكشف المعنى مع مرور الزمن ليتأكد أن هذا الكتاب الذي هو خاتم الرسالات السماوية قد انزل من فوق سبع سماوات بقدرة العلي القدير فالحمد لله على كل شيء وهو الموفق للصواب وهو المتجاوز بواسع مغفرته عن الخطأ والزلل .
مصادر الكتاب
... ... ... ... ... ...
1-تفسير الجلالين ... ... ... ... السيوطي
2-تفسير ابن كثير ... ... ... ... إسماعيل ابن كثير
3-لطائف الإشارات ... ... ... ... عبد الكريم القشيري
4-الجامع لأحكام القرآن ... ... ... القرطبي
5-فتح القدير ... ... ... ... ... الشوكاني
6-مدارك التنزيل و حقائق التأويل ... ... أبي البركات النسفي
7-تنوير الأذهان من تفسير روح البيان ... ... الشيخ اسماعيل حقي البروسوي ...
8-المفردات في غريب القرآن ... ... ... الراغب الاصفهاني
9-أساس البلاغة ... ... ... ... الزمخشري
10-نزول القرآن على سبعة أحرف ... ... مناع القطان
11-مختار الصحاح ... ... ... ... محمد ابن أبي بكر الرازي
12-المعجم الوسيط ... ... ... ... مجمع اللغة العربية-القاهرة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
الفهرست
الموضوع الصفحة
المقدمة ........................................................3-5
التمهيد ........................................................ 6-8
الفصل الأول / في معنى الجعل ....................................9-11
الفصل الثاني / في معنى الكتاب ...................................12-15
الفصل الثالث / في معنى الكلمة ...................................16-18
الفصل الرابع / في معنى القول ....................................19-21
الفصل الخامس / في معنى الذكر ..................................22-25(1/58)
الفصل السادس / في معنى الحق ..................................26-28
الفصل السابع / في معنى العلم ...................................29-33
الفصل الثامن / في معنى الأمر ..................................34-36
الفصل التاسع / في معنى الخير ..................................37-39
الفصل العاشر / في معنى الرحمة .................................40-43
الفصل الحادي عشر /في معنى النعمة .............................44-47
الفصل الثاني عشر / في معنى الفضل .............................48-50
الفصل الثالث عشر / في معنى الآية ...............................51-54
الفصل الرابع عشر / في معنى الحكم .............................55-58
الفصل الخامس عشر / في معنى السلطان ..........................59-61
الفصل السادس عشر / في معنى اللباس ...........................62-65
الفصل السابع عشر / في معنى الاسم .............................66-68
الخاتمة .............................................................69
مصادر الكتاب ... ... ... ... ...(1/59)