(1)
يزخر القرآن الكريم بالكثير من المظاهر الصوتية التي لها دلالتها في أدائه؛ مما يعين على فهم المراد منه بأيسر طريق وأوضحه، إذ يُعرِب القارئ عن المعنى بطريقة نُطقه، فيتلقّفه السامع مباشرة، من غير مشقة أو عُسر . ولعل هذا من أهم ميزات أن يُؤخذ القرآن الكريم مشافهةً، لا قراءة من المصاحف المكتوبة؛ إذ لا يمكننا في كثير من الأحيان أن نجد في المصاحف المعتمَدة علامات ترقيم تهدينا إلى معاني الأساليب المختلفة في القرآن الكريم، أو ترابط الكلمات والجمل وعلاقات بعضها ببعض، فتكون طريقة نطق الآيات وأدائها خير هاد إلى تلك المعاني وتلك العلاقات.
ويبدو أن هذا الجانب المهم قد أغفلته طائفة من الدراسات التي تناولت ترجمات معاني القرآن المختلفة بالتحليل والنقد؛ لاقتصار أغلبها - أي تلك الدراسات - على تتبع معاني المفردات، والنظر في قضية التعادل بين اللغة الأصلية واللغة الهدف في عملية الترجمة، أو صحة المعاني العامة وموافقتها لما عليه عقيدة المسلمين؛ ومن هنا جاءت هذه الدراسة لاستدراك بعض ذلك، وبيان اختلاف المفسرين في معنى الآية الواحدة بحسب طريقة أدائها، مما يؤثر - ولا شك - في طريقة ترجمتها . وليس لنا مع معاني المفردات شأن في هذه الدراسة، ولا هي منا بسبيل، إذ قد كفانا كثير من الدراسات مؤونة النظر فيها وفي اختلاف الترجمات حول الكلمة الواحدة في القرآن الكريم كما ذكرنا آنفاً. وقد اخترت هنا مجموعة من ترجمات معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية والإنجليزية المتوافرة لدي، والتي لها شأنها عند الدارسين، وهي ترجمات: جاك بيرك، والشيخ بوبكر حمزة، والصادق مازيغ، ومحمد حميد الله، وماسون، الفرنسية، وترجمة الهلالي وخان، الإنجليزية.
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
__________
(1) أستاذ اللغويات بقسم اللغة العربية وآدابها (جامعة الأغواط، الجزائر).(1/1)
تقوم المظاهر الصوتية في اللسانيات الحديثة بدور وظيفي لتحديد دلالات الكلمات وغيرها. ويمكن رصد بعض وظائفها فيما يلي:
1- ... الوظيفة الانفعالية: وهي أكثر الوظائف وضوحاً، إذ تعمل طريقة الأداء إلى جانب بعض السمات شبه اللسانية مثل الإشارات الجسمية (Kinesics) على تحديد جميع أنواع التعبيرات الانفعالية، مثل الفرح والحزن والرضا والغضب.
2- ... الوظيفة النحوية: تتمثل في قيام طريقة الأداء والنبر والوقف بدور هام في تحديد التباينات النحوية والصرفية، مثل: تحديد الاستفهام والإخبار والتعجب والإنكار، وتحديد دلالات الكلمات، سواء بالنسبة إلى المعنى الدلالي أو المعنى الصرفي.
3- ... الوظيفة المبينة للسمات الشخصية: يقصد بها ما تقوم به السمات فوق التركيبية لمساعدتنا على التعرف على شخصية المتكلم من جهة السن والجنس والموطن والطبقة الاجتماعية وغير ذلك(1).
وسنوضح فيما يلي بعضاً من هذه الوظائف التي تؤديها بعض المظاهر الصوتية التي سنعالجها في هذه المباحث.
ولا نعني بالمظاهر الصوتية هنا مايتعلق بالصوت المفرد وما قد يحمله من دلالات إيحائية خلال التركيب، وهو من الأمور المعروفة التي درسها القدماء والمحدثون، وإنما نعني بها تلك الأداءات التي تصاحب الكلام، فتفرز نوعاً من الدلالة التي لا يمكن أن تؤدَّى بدونها، ومن أخطرها طريقة الأداء التي تقوم في الكلام بوظيفة الترقيم في الكتابة، غير أن طريقة الأداء أوضح من الترقيم في الدلالة على المعنى الوظيفي للجملة، وربما كان ذلك لأن ما تستعمله طريقة الأداء من هيئات أكثر مما يستعمله الترقيم من علامات، كالنقطة، والفاصلة، والشرطة، وعلامة الاستفهام(2)، مما يعني عدم استطاعة الكتابة وقصورها أمام اللغة المنطوقة وتمثيلها أحسن تمثيل.
__________
(1) معجم اللسانيات الحديثة: ص/135.
(2) انظر: اللغة العربية معناها ومبناها: ص 226-227.(1/2)
وقد اخترت في هذا البحث بعضاً من المظاهر الصوتية التي استطعت أن أقف عليها وعلى أثرها في بيان مقاصد القرآن الكريم، فبدأت ببيان دورها في اللسانيات الحديثة من خلال الإشارة باقتضاب إلى أهم الوظائف المنوطة بها، ثم عرَّجْتُ على عدة مباحث تمثِّل صميم هذا البحث، وهي على النحو التالي:
المبحث الأول : طريقة الأداء في دلالات «ما» وبعض قضايا الاستفهام.
المبحث الثاني : بعض دلالات التنوين في القرآن الكريم.
المبحث الثالث : أثر ظاهرة الوقف في المعنى.
مع التركيز في كل مبحث من هذه المباحث على أثر هذه المظاهر الصوتية في بيان معاني القرآن الكريم، واختلاف المترجمين لها. وتجدر الإشارة إلى أني لم أستوعب في بحثي هذا المظاهر الصوتية، بل عرّجْتُ على نماذج منها.
المبحث الأول: طريقة الأداء في دلالات «ما» وبعض قضايا الاستفهام.
ينبغي أن نشير هنا إلى أن السمات الصوتية - أو المظاهر - خاصة باللغة المنطوقة، إذ يفهم السامع في طريقة نطق المتكلم وأدائه الصوتي للعبارة المعنى المراد. وهذا ما نجده ملموساً في بعض آيات القرآن الكريم الذي يُعتمد فيه على المشافهة، فلو نظرنا إليه بوصفه نصاً مكتوباً فإننا لانجد فيه علامات ترقيم تدل على معاني الاستفهام والتعجب والإنكار ، وغير ذلك من الأساليب التي قد لا تظهر إلا بطريقة الأداء وغيرها، ولذا كان لزاماً على المقرئ، أو القارئ المحقق أن يؤديها بطريقة توحي بالمعنى المطلوب.
وهذا الأمر ليس مقصوراً على القرآن الكريم، وإنما هو في كلام العرب شعراً ونثراً، ومصداق ذلك قول الشاعر: (1)
ثُمّ قالوا: تُحِبُّها . قلتُ: بَهْراً عَدَدَ النجمِ والحصى والترابِ
__________
(1) البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص97، وهو في كتاب سيبويه 1/311، وشرح المفصل لابن يعيش 1/297 . ويُروى: عَدَدَ الرمل والحصى والتراب، وبهراً: عجباً.(1/3)
إذ يُفهم من قوله ( تحبها ) معنيان: أحدهما الاستفهام، وذلك عند أدائه بطريقة الاستفهام، وثانيهما التقرير، وذلك عند أدائه بطريقة التقرير المختلفة تماماً عن طريقة الاستفهام(1) .
كما أن عبارة ( السلام عليكم ) تنطق بطريقة معيَّنة فتدل على التحية، وبطريقة ثانية فتدل على التهكم، وبطريقة ثالثة فتفصح عن شعور بالغضب أو الرضا؛ فتكون طريقة الأداء بذلك جزءاً من النظام النحوي للغة(2). وقديماً ذكر ابن جني(3) نصاً دقيقاً، يمثل الوعي العربي القديم بخطر الأداء المصاحب للكلام في إبراز المعنى، يقول ابن جني: «وقد حذفت الصفة ودلت الحال عليها، وذلك فيما حكاه صاحب «الكتاب» من قولهم: سِير عليه ليلٌ، وهم يريدون: ليل طويل(4).
__________
(1) انظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/20.
(2) انظر: علم اللغة بين القديم والحديث ص 121.
(3) هو أبو الفتح عثمان بن جني ( ولد قبل 330 هـ - ت 392 هـ )، من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف، وصنّف في ذلك كتباً منها: سرّ صناعة الإعراب، والخصائص، والمحتسب في تبيين شواذ القراءات والإيضاح عنها. انظر: معجم الأدباء 4/1585.
(4) انظر: الكتاب 1/226.(1/4)
وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دل من الحال على موضعها، وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل أو نحو ذلك، وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته، وذلك أن تكون في مدح إنسان والثناء عليه فتقول: كان والله رجلاً، فتزيد في قوة اللفظ بـ ( الله ) هذه الكلمة، وتتمكن في تمطيط اللام وإطالة الصوت بها وعليها، أي: رجلاً فاضلاً أو شجاعاً أو كريماً أو نحو ذلك . وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنساناً، وتُمَكِّن الصوت بـ ( إنسان ) وتفخمه، فتستغني بذلك عن وصفه بقولك: إنساناً سمحاً أو جواداً أو نحو ذلك . وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت: سألناه وكان إنساناً، وتزوي وجهك وتقطبه، فيغني ذلك عن قولك: إنساناً لئيماً أو لحَِزاً (1) أو مبخلاً أو نحو ذلك»(2).
هذا، وطريقة الأداء ظاهرة صوتية تتمتع بها جميع اللغات، فقد وجد أن معظم الأنماط من طرق الأداء في العربية هي في الإنجليزية أيضاً. ومن أمثلة ذلك أنك تستطيع أن تقرأ الجملة التالية بمعنيين مختلفين إذا استعملت نوعين من الأداء: لم أقرأ الكتاب ؛ لأنه كان صعباً، إذ في هذه الجملة تنغيمان نازلان في (الكتاب، وصعباً)، فنكون أمام وحدتين من المعلومات: الأولى، أنني لم أقرأ الكتاب. والثانية، أنه صعب، وهذه الجملة إخبارية بمعنى: لم أقرأ الكتاب لصعوبته. أما إذا قرأت الجملة بتنغيم واحد نازل صاعد، والتنغيم النازل الصاعد قد يعني التعجب، فهذه الجملة ليست إخبارية، بل تعجبية، وتعني أنني ما قرأت الكتاب، ولكن لا لأنه كان صعباً، بل لسبب آخر. والشيء نفسه يحصل في الإنجليزية:
1- I didn’t read the book because it was difficult.
2- I didn’t read the book because it was difficult.
__________
(1) اللَّحِز: الشحيح البخيل.
(2) الخصائص 2/370 -371 .(1/5)
فمعنى الجملة الأولى هو عكس معنى الجملة الثانية في كلتا اللغتين: العربية والإنجليزية(1)؛ لاختلاف طريقتي الأداء .
ومن أمثلة هذا النوع في القرآن الكريم تأدية بعض آياته بطريقة الاستفهام أو بطريقة النفي، فلا تترجح حينئذ دلالة الأداة وحدها، إلا بما يصاحبها من طريقة في الأداء، وذلك كالذي نجده من دلالة ( ما ) في قوله تعالى: ژک ک ک ک گ گژ [المسد: 2]، إذ يذكر النحاة أن ( ما ) الأولى تحتمل أن تكون استفهاماً، والتقدير: أيّ إغناء أغناه عنه ماله؟ وأن تكون نفياً، والتقدير: لم يُغْن عنه ماله(2)، وذلك أنها قد تُؤدَّى بطريقتين مختلفتين، فيستفاد من إحداهما الاستفهام، ومن الأخرى النفي، وإن كان الاستفهام هنا قد خرج إلى معنى النفي أيضاً، ولكن هناك فرق أسلوبي دقيق بين النفي الصريح والنفي المستفاد من الاستفهام . وقد ترجمت هذه الآية في الترجمات قيد الدراسة بـ:
Point ne lui servira sa fortune et tout ce qu’il a acquis.(3)
عند الأستاذ الصادق مازيغ، وبـ:
Sa fortune et ce qu’il a acquis ne lui serviront à rien.(4)
عند الشيخ بوبكر حمزة، وبـ:
Sa Fortune ne le met pas du tout à l’abri, ni ce qu’il s’acquiert.(5)
عند محمد حميد الله .
كما تُرجمت إلى الإنكليزية بـ:
His wealth and his children (etc.) will not benefit him!(6)
__________
(1) تطوير دراسة اللغة العربية من خلال مقابلتها باللغات الأخرى ص 163.
(2) انظر: التبيان في إعراب القرآن 2/515. ومغني اللبيب 1/414 .
(3) Le Coran, Sadok Mazigh. P 1165.
(4) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 2/709.
(5) Le Saint-Coran, p 603.
(6) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 972.(1/6)
عند كل من محمد محسن خان ومحمد تقي الدين الهلالي . وهي بذلك قد نُقلت إلى اللغة الهدف بمعنى النفي مباشرة، لا بمعنى الاستفهام الدال على النفي، وهذا يعني بدوره أن المترجمين قد أغفلوا تلك الشحنة الإبلاغية الكامنة في الآية من خلال تكثيف المعنى، إذ المبنى الواحد في العربية - وهو ( ما ) في الآية - قد يحتمل عدة وجوه، يمكن حَمْلُه عليها جميعاً من غير تعارض؛ مما يجعل بنية العربية أكثر ثراء، وهذا ما لم يمكن إبرازه في اللغة الهدف هنا؛ وذلك لأن المترجمين قد اختاروا وجهاً دلالياً واحداً، وكان يمكنهم وضع الوجه الثاني في الحاشية، أو إيراده في المتن وجهاً ثانياً؛ وفي هذه الحالة نكون أمام تفسير معاني القرآن بلغة أخرى، لا أمام ترجمته بمعنى نقله كما هو في لغة الأصل(1).
ونظير هذا ما وقع في قوله تعالى: ژ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھژ [الأعراف:48]، فقد ترجمها الصادق مازيغ بـ:
A quoi donc vous a servi d’avoir accumulé tant de bien et d’avoir été si arrogant? (2)
على معنى الاستفهام الإنكاري، وكذلك فعل الشيخ بوبكر حمزة، الذي ترجمها بـ:
... et leur diront: “Les richesses que vous aviez amassées et votre orgueil ne vous ont donc servi à rien?”(3)
على ما في هذه الترجمة الأخيرة من مزاوجة بين المعنيين (الاستفهام والنفي). وترجمها محمد حميد الله بـ:
Ni votre foule, ni l’orgueil dont vous étiez enflés ne vous ont mis à l’abri! (4)
__________
(1) يقول لونغفيلو(W.H. Longfellow) مثلاً: «إن مهمة المترجم هي نقل ما يقوله الكاتب وليس شرح ما يعنيه؛ فهذا عمل المعلّق. ما قاله الكاتب وكيف قاله؟ تلك مشكلة المترجم».
Bassnet-MacGuire, S. (1988) Translation Studies. London: Routledge.
(2) Le Coran, Sadok Mazigh. P 297 .
(3) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 1/189-190.
(4) Le Saint-Coran. P 156.(1/7)
على معنى النفي الصريح. الأمر الذي سارت عليه ماسون أيضاً، إذ ترجمتها بـ:
Ce que vous avez accumulé et ce qui faisait votre orgueil ne vous a nullement enrichis....(1)
أما الترجمة الإنجليزية فقد اعتمد صاحباها معنى الاستفهام الإنكاري، إذ جاء فيها:
Of what benefit to you were your great numbers (and hoards of wealth), and your arrogance against faith? (2)
ولا ينبغي أن نفهم هنا أنَّ مثل هذه الترجمات غير صحيحة، ولكننا نقول: إنها لا تمتلك - في أغلبها - تلك الشحنة الدلالية المكثفة التي نجدها في الآية من دلالة المبنى الواحد على عدة معان بحسب طريقة الأداء .
__________
(1) Essai d’interprétation du Coran Inimitable, D. Masson. P 201.
(2) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 240.(1/8)
وكذلك نجد أن ( ما ) يدور معناها بين الاستفهام والتعجب في قوله تعالى: ژک ک گ گ ژ[ عبس: 17]، يقول القرطبي: «ما أكفره: أيُّ شيء أكفره؟ وقيل: (ما) تعجب، وعادة العرب إذا تعجبوا من شيء قالوا: قاتله الله ما أحسنه! وأخزاه الله ما أظلمه! والمعنى: اعْجَبوا من كفر الإنسان لجميع ما ذكرنا بعد هذا، وقيل: ماأكفره بالله ونعَمه مع معرفته بكثرة إحسانه إليه، على التعجب أيضاً، قال ابن جريج: أي ما أشد كفره! وقيل: (ما) استفهام، أي: أيُّ شيء دعاه إلى الكفر؟ فهو استفهام توبيخ، و(ما) تحتمل التعجب، وتحتمل معنى أيّ؛ فتكون استفهاماً» (1)، وقال ابن كثير في المعنى: « قال ابن جرير: ما أكفره، أي ما أشدَّ كفره، وقال ابن جرير: ويحتمل أن يكون المراد: أيّ شيء جعله كافراً؟ أي ما حمله على التكذيب بالمعاد؟ وقد حكاه البغوي عن مقاتل والكلبي» (2). وهذا التباين بين المعنيين راجع إلى طريقة الأداء، إذ تحتمل الآية صيغة الاستفهام، كما تحتمل صيغة التعجب، وفرقٌ بين الصيغتين.
ولم يراع المترجمون المعنيين اللذين نص عليهما المفسرون - واللذين تحتملهما الآية صوتياً - بل قاموا بترجمة الآية بمعنى واحد، هو التعجب، إذ ترجمها الشيخ بوبكر حمزة بـ:
Périsse l’homme! Comme il est ingrat! (3)
وترجمها الأستاذ مازيغ بـ
Périsse l’homme. Quel ingrat! (4)
وكذلك فعل محمد حميد الله(5)، وماسون(6). وهو ما أخذت به ترجمة خان والهلالي، إذ جاء فيها:
Be cursed (the disbelieving) man! How ungrateful he is!(7)
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن 19/218.
(2) تفسير القرآن العظيم 4/472.
(3) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 2/605.
(4) Le Coran, Sadok Mazigh. P 1125.
(5) Le Saint-Coran. P 585.
(6) Essai d’interprétation du Coran Inimitable, p 793.
(7) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 932.(1/9)
وهذا قد يعني أن المترجمين جميعاً لم يجدوا تركيباً واحداً في اللغة الهدف يحمل المعنيين معاً، كما هو في العربية، أو أن أغلبهم لم ينتبه لما أشار إليه المفسرون من إمكان دلالة (ما) هنا على الاستفهام .
وقد يؤدي اختلاف المعنى الناجم عن اختلاف الأداء إلى أن يترجم بعضهم (ما) بمعنى، ويترجمها بعضهم الآخر بمعنى ثان، كالذي وقع في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ٹ ٹ ٹژ (1)، فقد اختلف المفسرون في دلالة (ما) هنا بين كونها نافية، أي: ولم ينزل الله عليهما السحر، أو موصولية، أي: والذي أُنزل على الملكين(2)، ولا شك أن طريقة أدائها في القراءة تختلف . وعلى هذا الاختلاف المعنوي جرى المترجمون أيضاً، فترجمها الشيخ بوبكر حمزة والأستاذ مازيغ ومحمد حميد الله وماسون بالمعنى الثاني، على تفاوت بينهم في أداء معنى الموصولية بدقة، فكانت ترجماتهم على النحو التالي:
- الشيخ بوبكر:
...ils enseignaient aux hommes la sorcellerie ainsi que les secrets confiés aux deux anges....(3)
- الصادق مازيغ:
Ce furent eux qui enseignèrent aux hommes les pratiques de sorcellerie, selon des rites remontant aux deux anges....(4)
- محمد حميد الله:
...ils enseignent aux gens la magie ainsi que ce qui a été révélé aux deux anges Hârout et Mârout, à Babylone. (5)
- ماسون:
__________
(1) سياق الآية: ژ ? ? ? ? ? پ پپ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹژ [ البقرة:102 ] .
(2) انظر: جامع البيان 1/452 وما بعدها، والجامع لأحكام القرآن 2/50 وما بعدها، تفسير القرآن العظيم 1/137 وما بعدها، وروح المعاني1/343، والتحرير والتنوير1/639-640.
(3) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 1/23.
(4) Le Coran, Sadok Mazigh. P 35.
(5) Le Saint-Coran, p 16.(1/10)
Ils enseignent aux hommes la magie, et ce qui, à Babil, avait été révélé aux deux anges Hârout et Mârout. (1)
بينما نجدها تُرجمت عند جاك بيرك مثلاً بمعنى النفي، وهذا نص ترجمته:
Rien n’est descendu sur les deux anges de Babel.... (2)
أما الترجمة الإنجليزية فقد اتفقت مع الترجمات الفرنسية السابقة على المعنى الثاني، إذ جاء فيها:
Teaching men magic and such things that came down at Babylon to the two angels, Hârût and Mârût....(3)
__________
(1) Essai d’interprétation du Coran Inimitable, p 21.
(2) Le Coran, Jacques Berque. P 39.
(3) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 22.(1/11)
ومن ذلك أيضاً ما وقع في قوله تعالى: ژ ں ? ? ? ? ?? ہ ہ ژ[ يس: 35] من صرف دلالة ( ما ) إلى معنى (الذي)، أو إلى معنى النفي؛ فتكون - على المعنى الأول - في موضع خفض على العطف على ژ ? ?ژ أي: ومما عملته أيديهم، ويكون المعنى - على الثاني -: ولم تعمله أيديهم، وهذا قول ابن عباس والضحاك ومقاتل(1)، يقول ابن كثير في ذلك: «وقوله جلَّ وعلا: ژ ? ? ? ژ أي: وما ذاك كله إلا من رحمة الله تعالى بهم، لا بسعيهم ولا كَدِّهم ولا بحولهم وقوتهم، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة، ولهذا قال تعالى: ژ ہ ہ ژ أي: فهلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى. واختار ابن جرير - بل جزم به ولم يحك غيره إلا احتمالاً - أن (ما) في قوله تعالى: ژ ? ? ?? ژ بمعنى الذي، تقديره: ليأكلوا من ثمره ومما عَمِلته أيديهم، أي: غرسوه ونصبوه، قال: وهي كذلك في قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ليأكلوا من ثمره ومما عملته أيديهم »(2) .
__________
(1) انظر: معاني القرآن للفراء 2/377، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/286-287، والتبيان في إعراب القرآن 2/341-342، والجامع لأحكام القرآن 15/25، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل 4/433، وفتح القدير 4/368 .
(2) تفسير القرآن العظيم 3/1-72، انظر: جامع البيان 23/04.(1/12)
ورجَّح الطاهر بن عاشور كونها نافية بقوله - بعد أن ذكر الوجه الأول-: «ويجوز أن تكون ( ما ) نافية، والضمير عائد إلى ما ذكر من الحَبِّ والنخيل والأعناب . والمعنى: أنَّ ذلك لم يخلقوه . وهذا أوفر في الامتنان وأنسب بسياق الآية مساق الاستدلال»(1). وعلى هذا يكون رجوع الضمير في ژ?ژ على ( ما ) إن كانت موصولة(2)، وعلى الثمر إن كانت نافية(3). وأجاز بعضهم عودته - في هذا الوجه الأخير - على التفجير المذكور في الآية التي قبلها، والمعنى: وما عملت التفجيرَ أيديهم، بل الله فجّر(4).
وقد نقل الشيخ بوبكر حمزة المعنى بدلالة النفي، مُرجعاً الضمير في ژ?ژ إلى الثمر، أي: إن هذا الثمرلم تعمله أيديهم، إذ جاء في ترجمته:
... pour que, de leurs fruits, ils se nourrissent, [fruits] qui ne sont pas l’œuvre de leurs mains. (5)
وبالدلالة نفسها نقلها الأستاذ الصادق مازيغ أيضاً، فجاءت ترجمته على النحو التالي:
Afin qu’ils en mangent les fruits; et ce n’est point l’œuvre de leurs mains. (6)
بينما نقل محمد حميد الله المعنى بدلالة العطف على الثمر، وجَعْلِ (ما) موصولية، أي: ليأكلوا من ثمره ومن الذي عملته أيديهم، وهذا نص ترجمته:
Afin qu’ils mangent de Ses fruits, et de ce que leurs mains fabriquent. (7)
__________
(1) التحرير والتنوير 23/14 .
(2) اختلف المفسرون أيضا في المقصود بـ ( ما ) إذا كانت موصولية، فذهب بعضهم إلى أن المقصود بها ما عملته أيدي الناس من العصير والدبس ونحوهما، وذهب آخرون إلى أن المقصود ما عملته أيديهم من الغرس والسقي والتلقيح وغير ذلك من الأعمال . انظر: تفسير النسفي 4/8 ، وأنوار التنزيل 4/433 ، وروح المعاني 23/8 .
(3) انظر: البحر المحيط 7/335 .
(4) انظر: التفسير الكبير 26/63 .
(5) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 2/190.
(6) Le Coran, Sadok Mazigh. P 829.
(7) Le Saint-Coran, p 442.(1/13)
مع الإشارة إلى أنه قد رجَّح أن يكون الضمير في ( ثمره ) عائداً على الله سبحانه وتعالى، لا إلى الجنات والنخيل والأعناب كما فعل الشيخ بوبكر، الأمر الذي سارت عليه ترجمة ماسون أيضاً، فقد جاء في ترجمتها ما نصه:
Afin qu’ils mangent les fruits donnés par Dieu, et les produits de leur travail. (1)
أما الترجمة الإنجليزية فقد اختار صاحباها دلالة النفي، وهذا نص ترجمتهما:
So that they may eat of the fruit thereof, and their hands made it not. (2)
ومما يحتمل وجهين بحسب الأداء أيضاً قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ?ژ[ ق: 30]، إذ يحتمل قولها - بحسب طريقة أداء معيّنة تشير إلى النهم وطلب المزيد - أنها لم تمتلئ، فهي تطلب المزيد، وهو ما ذكره بعض المفسرين، كما أنه يحتمل- بطريقة أخرى - أنها امتلأت فقالت حينئذ: هل بقي فيَّ مزيدٌ يسع شيئاً؟ وذلك حين لا يبقى فيها موضع يسع إبرة، وهو ما ذكره بعض المفسرين أيضاً(3).
وقد ترجمت هذه الآية عند الأستاذ مازيغ بـ:
Le jour où Nous dirons à l’Enfer: As-tu fait ton plein de damnés? L’Enfer répondra: “N’en pourrai-je avoir encore plus?” (4)
وعند محمد حميد الله بـ:
Le jour où Nous dirons à la Géhenne: » Es-tu remplie? « elle dira: “Y a-t-il quoi ajouter?” (5)
وذلك كلُّه بمعنى طلب الزيادة .
أما عند الشيخ حمزة فتُرجمت بـ:
Le jour où Nous demanderons à la Géhenne: Es-tu remplie? et qu’elle répondra: “Y en a-t-il encore?”(6)
__________
(1) Essai d’interprétation du Coran Inimitable, p 538..
(2) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 680.
(3) انظر: جامع البيان 26/169 وما بعدها، وتفسير القرآن العظيم 4/227 وما بعدها.
(4) Le Coran, Sadok Mazigh. P 987.
(5) Le Saint-Coran. P 519.
(6) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 2/437.(1/14)
وهذه الترجمة الأخيرة تبدو أقرب ترجمةً للوجهين اللذين تحتملهما الآية، غير
أن المعنيين في هذه الترجمة لا يظهران إلا من خلال أداء هذه الآية المترجمة بطريقتين مختلفتين أيضاً؛ إذ لا يظهر ذلك كتابةً، فيؤدي القارئ بالفرنسية المعنى الأول بطريقةٍ يُشعِر من خلالها طلب جهنم للمزيد، ويؤدي المعنى الثاني بطريقة مخالفة، يشعر من خلالها امتلاء جهنم، وأنه لم يبق فيها ما يسع المزيد.
غير أن الشيخ حمزة - بوضعه علامة الاستفهام - كأنه أراد هذا المعنى الذي تدل عليه تلك العلامة، ولو أنه وضع العلامتين ( الاستفهام والتعجب )، فتكون الترجمة هكذا: Y en a-t-il encore!? ، ربما كان ذلك أوفق، بمعنى تعجبها من كثرة الواردين عليها؛ بحيث إنها امتلأت حتى انزعجت - أو تعجبت - من كثرة ما ألقي فيها . أما عن الترجمتين السابقتين فإنهما لا تحتملان إلا المعنى الأول:
(N’en pourrai-je avoir encore plus?) و (Y a-t-il quoi ajouter? (
وذلك لأنهما ترجمتا المعنى بطلب المزيد، لا غير. وهو ما سارت عليه ماسون أيضاً، إذ نقلت المعنى بما نصه: Peut-on en ajouter encore?(1) واختارت الترجمة الإنجليزية هذا المعنى أيضاً، فقد جاء فيها:
Are there any more (to come)?(2)
ومن الأمثلة التي تظهر فيها دلالة طريقة الأداء ما نجده في الاستفهام بغير أداة، وله أمثلة كثيرة في كلام العرب، كقول الشاعر(3):
طَرِبتُ وما شوْقاً إلى البِيض أَطْرَبُ ولا لَعِباً منّي، وذو الشَّيْبِ يلعَبُ
__________
(1) Essai d’interprétation du Coran, p 691.
(2) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 807.
(3) البيت للكميت بن زيد، وهو في الخصائص 2/281، ومغني اللبيب 1/21.(1/15)
إذ المعنى: أَوَ ذو الشيب يلعب؟ (1)، وهو استفهام إنكاري . ومنه في القرآن الكريم قوله تعالى: ژ ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ?ژ [الشعراء: 22]، إذ المعنى: أَوَتلك نعمة تمنُّها عليَّ أن عبَّدتَّ بني إسرائيل؟ على الاستفهام الإنكاري أيضاً. وهناك من حملها على معنى الاعتراف من موسى بتربية فرعون له، فلا تكون استفهاماً(2) . وقد تُرجم هذا المعنى الذي - هو الاستفهام - في جميع الترجمات المعتمدة في هذه الدراسة، على الرغم من عدم ظهور أداة تدل عليه؛ مما قد يعني أن المترجمين قد عادوا إلى كتب التفسير لفهم هذا المعنى، الذي هو الاستفهام، ولا بأس أن نمثِّل لذلك ببعض من تلك الترجمات، فقد ترجمها الشيخ بوبكر بـ:
Serait-ce là un bienfait de ta part envers moi que d’avoir asservi les Fils d`Israël?(3)
وترجمها الأستاذ مازيغ بـ:
Est-ce là un bienfait que tu me reproches, alors que tu as asservi les Fils d`Israël? (4)
وهذا -كما ترى- وجه واحد مما دلت عليه الآية وفهمه المفسرون .
وعلى هذا المعنى جاءت الترجمة الإنجليزية أيضاً، إذ ورد فيها:
And this is the past favour with which you reproach me - that you have enslaved the Children of Israel. (5)
__________
(1) انظر: المصدرين السابقين.
(2) انظر: معاني القرآن للأخفش ص 25، والجامع لأحكام القرآن 5/285، 13/95 وما بعدها، والبحر المحيط 7/11-12.
(3) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 2/47.
(4) Le Coran, Sadok Mazigh. P 689.
(5) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 565.(1/16)
ومن ذلك أيضاً ما وقع في قوله تعالى على لسان سحرة فرعون: ژ? ? ? ? ہ ہ ہ ہژ[ الأعراف: 113]، فقد دار معناها عند المفسرين بين الإخبار والاستفهام، وفسَّر بعضهم الإخبار بأن المقصود منه إيجاب الأجر واشتراطه، كأنهم قالوا: بشرط أن تجعل لنا أجراً إنْ غلبنا، كما استدلوا على الاستفهام باطراد حذف أداته في كلام العرب، وبقراءة ابن عامر وغيره: (أئن) بإثبات الهمزة، وتوافُق القراءتين أولى من تخالُفهما(1) .
وقد فصَّل الطاهر بن عاشور في الأمر ودقق، فرأى أن قراءة مَنْ قرأ مِنْ غير همزة الاستفهام،كنافع وابن كثير وغيرهما، يجوز أن تكون قراءته على الخبرية؛ لأنهم وثقوا من حصول الأجر لهم حتى صيَّروه في حَيِّز المخبَر به عن فرعون، ويكون جواب فرعون بـ ( نعم ) تقريراً لما أخبروا به عنه، كما يجوز أن تكون قراءتهم على الاستفهام، كما هو ظاهر الجواب بـ ( نعم )، وهمزة الاستفهام محذوفة تخفيفاً . أما قراءة مَنْ قرأ بهمزة الاستفهام فلا تحتمل قراءته إلا الوجه الثاني، وهو الاستفهام(2)، وقد لَخَّص لنا كل ذلك في موضع آخر - عند حديثه عن جواب فرعون بـ ( نعم ) - فقال: «وقول فرعون ( نعم) إجابة عَمَّا استفهموا، أو تقرير لما توسَّموا، على الاحتمالين المذكورين في قوله: ژ? ? ?ژ آنفاً، فحرف ( نعم ) يقرر مضمون الكلام الذي يجاب به، فهو تصديق بعد خبر، وإعلام بعد استفهام بحصول الجانب المستفهم عنه، والمعنيان محتملان هنا على قراءة نافع ومن وافقه، وأمَّا على قراءة غيرهم فيتعين المعنى الثاني » (3) .
__________
(1) انظر: الحجّة في القراءات السبع لابن خالويه ص 88، وروح المعاني 9/24 .
(2) انظر: التحرير والتنوير 5/45.
(3) التحرير والتنوير 5/46.(1/17)
وذكر صاحب ( الحجة في القراءات السبع ) في هذه الآية ثلاث قراءات: الأولى بتحقيق الهمزتين، والثانية بتحقيق الهمزة الأولى وتليين الثانية، أما الثالثة فبطرح الهمزة الأولى وتحقيق الثانية(1) . والملاحظ أن القراءتين الأولى والثانية تعودان إلى معنى واحد، وهو الاستفهام، إلا أن الهمزة الثانية حُقِّقت في القراءة الأولى، ولُيّنت في القراءة الثانية . أما القراءة الثالثة -بحذف همزة الاستفهام- فتحتمل ما ذُكر آنفاً من الإخبار والاستفهام، وإن كان ابن خالويه لم يذكر في هذه القراءة إلا معنى الخبر .
هذا، وقد ذهبت الترجمات الفرنسية إلى معنى الاستفهام مباشرة، فترجم الأستاذ مازيغ الآية بـ:
Serons-nous, lui dirent-ils récompensés, si nous sortons vainqueurs de cette épreuve? (2)
وترجمها الشيخ بوبكر بـ:
Aurons-nous une récompense certaine si nous sommes vainqueurs ? demandèrent-ils. (3)
مع إضافته لمعنى التوكيد. كما ترجمها محمد حميد الله بـ:
Y aura-t-il vraiment un salaire pour nous si nous avons le dessus? (4)
ولعل في (vraiment) اقتراباً من معنى التوسم الذي ذكره الطاهر بن عاشور، أو التوكيد المفهوم من ( إنّ ) واللام. وهكذا فعلت ماسون أيضاً فترجمت الآية بـ:
Obtiendrons-nous, vraiment, une récompense, si nous sommes vainqueurs? (5)
وإذا أخذنا بعين التقدير أن المترجمين قد مالوا إلى ترجيح معنى الاستفهام دون الإخبار في قراءة من حذف همزة الاستفهام، وهو ما ذهب إليه بعض القدماء كأبي علي الفارسي(6)،
__________
(1) الحجة في القراءات السبع ص88.
(2) Le Coran, Sadok Mazigh. P 311.
(3) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 1/198.
(4) Le Saint-Coran, p 164.
(5) Essai d’interprétation du Coran Inimitable, p 211.
(6) الحجة للقراء السبعة 4/65.(1/18)
فإننا لا نجد في ترجمتهم تلك الشحنة الدلالية التي نلمسها في التعبير القرآني واتساع دلالته للاستفهام والإخبار في آن واحد بحسب طريقة الأداء؛ وهذا قد يعني بدوره أن المترجمين لم يجدوا تركيباً واحداً في اللغة الهدف يؤدي
المعنيين؛ فما كان عليهم إلا أن يختاروا وجهاً واحداً مما تحتمله الآية . والله أعلم .
أما الترجمة الإنجليزية، فقد ذهب صاحباها إلى معنى يقترب كثيراً مما ذكره المرجحون لمعنى الخبر، وهو معنى إيجاب الشرط واشتراطه، وهو ما يدل على وثوقهم من حصول الأجر، كما ذكرنا ذلك عن ابن عاشور، جاء في ترجمة الهلالي وخان:
They said: “Indeed there will be a (good) reward for us if we are the victors”. (1)
وشبيه بما سبق ما وقع في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ?ژ وهي من الآيات التي وقعت في عدد من سور القرآن بطرق مختلفة(2)، فقد روى أبوبكر بن مجاهد التميمي في مؤلفه ( كتاب السبعة في القراءات) - عند حديثه عن اجتماع استفهامين - أن القرَّاء اختلفوا في الاستفهامين المجتمعين، كما في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ?
? ? ? ? ? ? ? * ? ? ? ? ? ?
?? ? ? ? ?ژ [الأعراف: 80، 81]، فاستفهم بهما بعضهم، واكتفى بعضهم بالأول من الثاني. فمن استفهم بهما جميعاً (وهم: عبد الله بن كثير، وأبو عمرو،
وعاصم - في رواية أبي بكر – وحزة) فكانوا يقرؤون: ژ ? ?? ?
? ? ...... *? ? ژ وژ ? ? ? ? ? ? ?ژ
[
__________
(1) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 251.
(2) في الأعراف آ 81، والنمل آ 55، والعنكبوت آ 29 .(1/19)
الرعد: 5]، وما كان مثله في كل القرآن. غير أنهم اختلفوا في الهمز، فهمز عاصم همزتين، وكذلك حمزة، ولم يهمز ابن كثير وأبو عمرو إلا واحدة. وممن اكتفى بالاستفهام الأول من الثاني نافع والكسائي، فكانا يقرآن: ژ? ? ? ? ?? ?ژ، و ژ? ? ? ? ? ? ?ژ[ا لصافات 16، والواقعة 47]، وما كان مثله في القرآن كله . إلا أن الكسائي همز همزتين ، ونافع لم يهمز إلا واحدة . وخالف الكسائي نافعاً في قصة لوط فكان نافع يمضي على ما أصَّل، وكان الكسائي يقرأ بالاستفهامين جميعاً في قصة لوط في القرآن كله . واختلفا في قوله تعالى في العنكبوت: ژہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? * ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ژ[العنكبوت: 28، 29]، فكان الكسائي يستفهم بهما جميعاً، وكان نافع يستفهم بالثاني ولا يستفهم بالأول.
وروى حفص عن عاصم: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ في (الأعراف) مثل نافع، وكذلك قرأ مثل نافع في العنكبوت: ژ ھ ھ ے ژ ژ ? ? ? ژ (1) .
وسنكتفي في هذه الدراسة بما وقع في سورة الأعراف (80، 81)، في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? *? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ?ژ. فقد رأينا أن حفصاً ونافعاً قرآها: ( إنكم ) بهمزة واحدة، وقد اختلف المفسرون في دلالة هذه القراءة بين كونها خبراً ؛ لأنها جاءت بصيغة الخبر، سواء كان خبراً محضاً أو خبراً مستعملاً في التوبيخ، وبين كونها استفهاماً، وذلك بتقدير همزة استفهام حُذفت للتخفيف ولدلالة ما قبلها عليها. ويدل على صحة هذا التقدير ما جاء في القراءة الثانية - التي قرأ بها بعض القرّاء - ( أئنكم ) بهمزتين على صيغة الاستفهام(2) .
__________
(1) كتاب السبعة في القراءات ص 285-286 .
(2) انظر: التحرير والتنوير 5/231 .(1/20)
فكيف ترجم المترجمون ما جاءت عليه الآية في القراءة الأولى ؟ ولاسيما إذا علمنا أن المترجمين قد اعتمد بعضهم - وهو الأستاذ الصادق مازيغ خاصة - على رواية ورش عن نافع، واعتمد الآخرون، على رواية حفص عن عاصم، والقراءة عندهما معاً: (إنكم) بهمزة واحدة .
لقد ترجمها الشيخ بوبكر حمزة بـ:
Certes, vous assouvissez vos désirs charnels sur les hommes au lieu des femmes. Vous êtes vraiment des gens outranciers! (1)
وهي هنا ترجمة على معنى الخبر كما هي في الوجه الأول من وجوه هذه القراءة، وهي شبيهة بما ارتضاه محمد حميد الله من ترجمة لمعنى الآية، إذ ترجمها بـ:
Vraiment! Vous allez de désir aux hommes au lieu de femme! Vous êtes bien plutôt un peuple outrancier! (2)
مع ما في ترجمته من معنى التوبيخ والتقريع . وهو نفس المعنى -أي الخبر- الذي ارتضته ماسون، مع الفارق في التوكيد، فقد ترجمتها بـ:
Vous vous approchez des hommes de préférence aux femmes pour assouvir vos passions. Vous êtes un peuple pervers. (3)
بينما نجد الأستاذ الصادق مازيغ يترجمها بـ:
N’est-ce point sur des hommes, plutôt que sur des femmes, que vous consommez l’œuvre de chair, peuple pervers que vous êtes? (4)
على معنى الاستفهام، وهو الوجه الأخير من وجوه هذه القراءة التي رأيناها عند بعض المفسرين الذين خاضوا في دلالات هذه القراءة (إنكم ) بهمزة واحدة.
__________
(1) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 1/194.
(2) Le Saint-Coran, p 160.
(3) Essai d’interprétation du Coran Inimitable, p 206.
(4) Le Coran, Sadok Mazigh. P 303.(1/21)
ونحن إذ نثبت الفرق بين هذه الترجمات، لا ندَّعي صحة إحداها وخطأ الأخرى فيما نحن بصدده، إذ إن كل واحد من المترجمين قد اختار وجهاً مما أجازه المفسرون، ولكن ما نريد تأكيده هنا هو أن الآية - التي جاءت بلسان عربي مبين - احتملت في القراءة الواحدة الخبر والاستفهام، وذلك بحسب أدائها، فمَنْ أدَّاها بطريقة الإخبار كانت خبراً، ومن أدَّاها بطريقة الاستخبار كانت استفهاماً، فأين مثل هذه المرونة وهذه الكثافة الدلالية في الآية الواحدة فيما قدَّمه لنا المترجمون، إذ هي خبر عند الشيخ بوبكر ومَنْ نحا نحوه ولا تحتمل وجهاً آخر، واستفهام عند الأستاذ مازيغ ولا تحتمل الوجه الآخر أيضاً . وليس معنى هذا الكلام أن بين الوجهين تناقضاً؛ لأن القراءتين عند النظر تعودان إلى معنى واحد، وهو بيان ما سبق من الفاحشة، يقول الأستاذ الطاهر بن عاشور: «قرأ نافع والكسائي وحفص عن عاصم وأبو جعفر: ژ ? ژ - بهمزة واحدة مكسورة - بصيغة الخبر، فالبيان راجع إلى الشيء المنكر بهمزة الإنكار في ژ? ? ژ، وبه يعرف بيان الإنكار، ويجوز اعتباره خبراً مستعملاً في التوبيخ، ويجوز تقدير همزة استفهام حذفت للتخفيف ولدلالة ما قبلها عليها. وقرأه الباقون: ژ?ژ - بهمزتين على صيغة الاستفهام - فالبيان للإنكار، وبه يعرف بيان المنكر، فالقراءتان مستويتان» (1). وقال الشوكاني: «فعلى القراءة الأولى تكون هذه الجملة مبيِّنة لقوله: ژ ? ?ژ، وكذلك على القراءة الثانية مع مزيد الاستفهام وتكريره المفيد للمبالغة في التقريع والتوبيخ» (2).فإذا كانت القراءتان مستويتين، فكذلك الوجهان؛ لأن الوجه الأخير من القراءة الأولى ژ ? ژ هو ذاته وجه القراءة الثانية ژ ?ژ، وهو الاستفهام، ولكنه في الأولى يظهر من خلال طريقة الأداء، وفي الثانية بأداة الاستفهام .
__________
(1) التحرير والتنوير 5/231 .
(2) فتح القدير 2/222 .(1/22)
ولو اعتمد المترجمون القراءة الثانية ژ ? ژ لكان لدينا وجه واحد، هو الاستفهام، ولو ترجمها أحدهم على معنى الخبر لكان مخطئاً، على خلاف القراءة الأولى التي تحتمل المعنيين .
وقد نَحَتْ الترجمة الإنجليزية منحى الترجمات الفرنسية الأولى في الأخذ بمعنى الخبر ( مع التوكيد ) دون الاستفهام، إذ ترجمها الهلالي وخان بـ:
Verily, you practise your lusts on men instead of women. Nay, but you are a people transgressing beyond bounds (by committing great sins). (1)
ومما وقع في القرآن من هذا القبيل أيضاً ما جاء على لسان إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ?? ? ? ? چ چ چ ژ[ الأنعام: 76]، فقد اختلف المفسرون حول قوله تعالى: ژ ? ? ژ، فذهب فريق منهم إلى أن إبراهيم عليه السلام لما جنَّ عليه الليل رأى كوكباً قال: هذا ربي، فعبده حتى غاب، فلما غاب قال: لا أحب الآفلين، فلما رأى القمر بازغاً قال: هذا ربي، فعبده حتى غاب، فلما غاب قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فلما رأى الشمس بازغة قال: هذا ربي هذا أكبر، فعبدها حتى غابت، فلما غابت قال: يا قوم إني بريء مما تشركون(2) .
__________
(1) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 246.
(2) انظر: جامع البيان 7/248 .(1/23)
وذهب آخرون إلى أن هذا الكلام كان منه في مهلة النظر وحال الطفولية، وفي هذه الفترة لا يكون كفر ولا إيمان . ورُدَّ المذهبان بعدم جواز أن يكون لله تعالى رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله تعالى موحِّد وبه عارف؛ فكيف يصح أن يُتوهّم هذا على مَنْ عصمه الله وآتاه رشده من قبل(1) ؟ وقد استبعد الزجاج أن يكون الشكُّ دخل إبراهيم في أمر الله، وحمل الآية على معنى: تقولون هذا ربي، أي هذا يُدَبِّرني ؛ لأن قومه كانوا أصحاب نجوم، فاحتجَّ عليهم بأن الذي يزعمون أنه مدبِّر إنما يُرى فيه أثر مدبَّر لا غير(2)، وهو الأفول. وقيل: أراد قيام الحجة على قومه كالحاكي لما هو عندهم وما يعتقدونه لأجل إلزامهم(3)، وهذا منه عليه السلام على سبيل الفرض وإرخاء العنان، مجاراة مع أبيه وقومه الذين كانوا يعبدون الأصنام والكواكب، فإن المستدل على فساد قول يحكيه ثم يكرُّ عليه بالإبطال(4) . كما قيل هو على معنى الاستفهام والتوبيخ منكراً لفعلهم والمعنى: أهذا ربي، أي: ليس هذا ربي، أو مثل هذا يكون رباً؛ فحذف الهمزة، وهو كثير في كلام العرب(5) .
__________
(1) انظر: الجامع لأحكام القرآن 7/25 .
(2) معاني القرآن وإعرابه 2/267 .
(3) فتح القدير 2/133 .
(4) روح المعاني 7/198 .
(5) جامع البيان 7/250، والجامع لأحكام القرآن 7/26، وروح المعاني 7/199 .(1/24)
ومعنى ذلك كله أن مقالة إبراهيم عليه السلام قد حُملت على الإخبار مرة، وعلى حكاية قول قومه أخرى، وعلى الاستفهام الإنكاري مرة ثالثة، وقد قيل غير ذلك مما لا مجال لبَسْطه هنا . ومما لا شك فيه أن الأداء لإبراز أي معنى من هذه المعاني مختلف عن الأداء لإبراز غيره، فالخبر يُؤدَّى على هيئة الخبر، والاستفهام على هيئة الاستفهام؛ ليظهر المعنى المراد، ولذلك - كما ذكرنا في موضع آخر - يجب أن يُهتم بهذا الجانب الصوتي المهم في أداء القرآن، ولا سيما أنَّ القرآن انتقل إلينا - ولا يزال ينتقل - عن طريق المشافهة أكثر من أي طريق آخر، ولا بدّ والحالة هذه أن تكون أساليب الكلام فيه كالتعجب والاستفهام والإنكار، وغيرها واضحة في الأداء؛ لعدم وجود ما يدل عليها في كتابة المصحف من علامات ترقيم إذا غابت الحروف أو الأدوات الدالة عليها .
وإذا رجعنا إلى ترجمة معنى هذه الآية في الترجمات التي هي قيد الدراسة، فإننا لا نجد ما يوحي بمعنى الاستفهام الإنكاري على الإطلاق، وهو من المعاني التي تحتملها الآية الكريمة كما سبق بيانه، ولا وجه لاستبعاده، ولا شك أن المترجمين لم يستطيعوا أن يجدوا عبارة - في غير العربية - تحتمل كل المعاني المذكورة في تفسير الآية، فاكتفى كل واحد منهم بالمعنى الظاهر، فترجمها الشيخ بوبكر حمزة بـ :
Lorsque l’obscurité de la nuit l’enveloppa, il vit un astre et s’écria: “Voici mon Seigneur...”. (1)
وترجمها الأستاذ الصادق مازيغ بـ:
Comme la nuit tombait, il aperçut un astre brillant: “C’est là mon Seigneur!” fit-il. (2)
وترجمها محمد حميد الله بـ:
Lors donc que la nuit l’enveloppa, il observa une étoile, et dit: “Voila mon Seigneur!” (3)
كما ترجمها جاك بيرك بـ:
__________
(1) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 1/165.
(2) Le Coran, Sadok Mazigh. P 259.
(3) Le Saint-Coran, p 137.(1/25)
Donc, quand la nuit noire fut venue, il vit un astre, et dit: “C’est mon Seigneur!” (1)
وجاء في ترجمة الهلالي وخان الإنجليزية ما نصّه:
When the night covered him over with darkness he saw a star. He said: “This is my Lord”. (2)
وهذه الترجمات جميعاً تفيد أن إبراهيم عليه السلام قال هذا الكلام على وجه الحقيقة والنظر، لا على وجه المناظرة لقومه، وهو المعنى الذي رجّحه الطبري بقوله: «وفي خبر الله تعالى عن قيل إبراهيم حين أفل القمر: ژ ژ ژ ڑ ڑ ک ک کژ الدليل على خطأ هذه الأقوال التي قالها هؤلاء القوم، وأن الصواب من القول في ذلك الإقرار بخبر الله تعالى الذي أخبر به عنه والإعراض عما عداه» (3) . وبهذا المعنى فإننا لا ندَّعي أن هذه الترجمات خاطئة، ولكننا - مع احترامنا لما اختاره الطبري - نزعم أن الترجمة التي اعتمدها كل مترجم ممن سبق ذكرهم لم تف بما جاء به الأسلوب العربي المبين الذي يتسع بناؤه لأكثر من معنى، وتُصرف دلالته على أكثر من وجه؛ فيحتمل جميع ما قيل في هذه الآية . ولنا في ردّ ابن كثير مندوحة في عدم التقيد الحرفي بما اختاره الطبري، مما يفتح المجال أمام المعنيين اللذين أغفلتهما الترجمات السابقة، وهما المعنيان الدالان على مناظرة إبراهيم عليه السلام لقومه بمحاجته لهم أو بالإنكار عليهم، يقول ابن كثير: «وقد اختلف المفسرون في هذا المقام هل هو مقام نظر أو مناظرة؟ فروى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ما يقتضي أنه مقام نظر، واختاره ابن جرير مستدلاً بقوله: ژ ژ ژ ڑ ژ الآية .
__________
(1) Le Coran, Jacques Berque. P 149.
(2) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 210.
(3) جامع البيان 7/250 .(1/26)
والحق أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان في هذا المقام مناظراً لقومه مبيناً لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والأصنام، فبيَّن في المقام الأول مع أبيه خطأهم في عبادة الأصنام الأرضية التي هي على صور الملائكة السماوية؛ ليشفعوا لهم إلى الخالق العظيم الذين هم عند أنفسهم أحقر من أن يعبدوه، وإنما يتوسلون إليه بعبادة ملائكته ليشفعوا لهم عنده في الرزق والنصر وغير ذلك مما يحتاجون إليه، وبيَّن في هذا المقام خطأهم وضلالهم في عبادة الهياكل وهي الكواكب السيارة السبعة المتحيرة، وهي: القمر، وعطارد، والزهرة، والشمس، والمريخ، والمشتري، وزحل، وأشدهن إضاءة وأشرفهن عندهم الشمس ثم القمر ثم الزهرة، فبيَّن أولاً صلوات الله وسلامه عليه أن هذه الزهرة لا تصلح للإلهية، فإنها مسخرة مقدرة بسير معين لا تزيغ عنه يميناً ولا شمالاً، ولا تملك لنفسها تصرفاً، بل هي جرم من الأجرام خلقها الله منيرة لما له في ذلك من الحكم العظيمة، وهي تطلع من المشرق، ثم تسير فيما بينه وبين المغرب حتى تغيب عن الأبصار فيه، ثم تبدو في الليلة القابلة على هذا المنوال، ومثل هذه لا تصلح للإلهية، ثم انتقل إلى القمر فبيَّن فيه مثل ما بيَّن في النجم، ثم انتقل إلى الشمس كذلك، فلما انتفت الإلهية عن هذه الأجرام الثلاثة التي هي أنور ما تقع على الأبصار وتحقق ذلك بالدليل القاطع ژ ں ں ? ? ? ?ژ أي: أنا بريء من عبادتهن وموالاتهن، فإن كانت آلهة فكيدوني بها جميعاً ثم لا تنظرون
ژ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھھ ے ے ? ?ژ(1/27)
أي: إنما أعبد خالق هذه الأشياء ومخترعها ومسخِّرها ومقدِّرها ومدبِّرها الذي بيده ملكوت كل شيء وخالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه ...، وكيف يجوز أن يكون إبراهيم ناظراً في هذا المقام، وهو الذي قال الله في حقه: ژ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? * ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ژ الآيات[الأنبياء: 51-72]، وقال تعالى: ژ ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? * ? ?? ? ? ? ? ? * چ چ چ چ? ? ? ? ? ? * ? ? ? ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک ژ[النحل: 120-123 ] وقال تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھھ ھ ے ے ? ژ[الأنعام: 161] . وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل مولود يولد على الفطرة )، وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمارٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله إني خلقت عبادي حنفاء )، وقال الله في كتابه العزيز: ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ?ژ [الروم: 30 ] وقال تعالى: ژ ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ژ [ الأعراف: 172 ] ومعناه على أحد القولين كقوله تعالى: ژ? ? ? ? ? ?ژ كما سيأتي بيانه؛ فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله الله أُمَّة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين، ناظراً في هذا المقام؟ بل هو أولى الناس بالفطرة السليمة والسجية المستقيمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك ولا ريب»(1).
__________
(1) تفسير القرآن العظيم 2/152-153 .(1/28)
من خلال كل ما سبق نجد أن المعنى ينتقل من صورة إلى أخرى بحسب المعنى النحوي المراد من خلال طريقة الأداء التي يُؤدَّى بها الكلام، وذلك من غير تغيير في نظمه وترتيبه، الأمر الذي أشار إليه عبد القاهر الجرجاني(1)حينما تحدث عن شدة الحاجة إلى معرفة معاني النحو والدلالات الناجمة عن كل وجه من وجوهه التي يحتملها الكلام حتى وإن لم يتغير نظم ألفاظه فقال: «واعلم أن الفائدة تعظم في هذا الضرب من الكلام، إذا أنت أحسنت النظر فيما ذكرت لك من أنك تستطيع أن تنقل الكلام في معناه عن صورة إلى صورة من غير أن تغير من لفظه شيئاً، أو تحول كلمة عن مكانها إلى مكان آخر، وهو الذي وسَّع مجال التأويل والتفسير، حتى صاروا يتأولون في الكلام الواحد تأويلين أو أكثر، ويفسرون البيت الواحد عدة تفاسير، وهو على ذاك الطريق المزلة الذي ورَّط كثيراً من الناس في الهلكة، وهو مما يعلم به العاقل شدة الحاجة إلى هذا العلم، وينكشف معه عوار الجاهل به، ويفتضح عنده المُظهِر الغنى عنه؛ ذاك لأنه قد يدفع إلى الشيء لا يصح إلا بتقدير غير ما يريه الظاهر، ثم لا يكون له سبيل إلى معرفة ذلك التقدير إذا كان جاهلاً بهذا العلم، فيتسكع عند ذلك في العمى ويقع في الضلال» (2) . فالمعاني إذن قد يجوز فيها التغير من غير أن تتغير الألفاظ وتزول عن أماكنها؛ ولهذا كان لزاماً علينا عند قراءة القرآن - فضلاً عن ترجمة معانيه- مراعاة مثل هذه المظاهر الصوتية الدقيقة التي تغير المعنى من صورة إلى أخرى دون تغيير في مراتب الألفاظ .
__________
(1) هو عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني، أبو بكر (ت 471 هـ ): واضع أصول البلاغة، كان من أئمة اللغة والنحو، من أهل جرجان . ومن كتبه: ( أسرار البلاغة ) و( دلائل الإعجاز )، و( الجُمل)، و(المغني في شرح الإيضاح )، و(العوامل المئة ). انظر: الأعلام، 4/48-49 .
(2) دلائل الإعجاز ص 282 .(1/29)
ومما وقع فيه مثل هذا التأويل أيضاً - على غرار ما سبق بين الاستفهام والنفي- قوله تعالى: ژ ? ? ? ژ[ البلد:11]، إذ أورد المفسرون لهذه الآية معنيين: أحدهما النفي، أي: لم يركب العقبة فيقطعها ويجوزها، والآخر الاستفهام، أي: أفلا سلك الطريق التي فيها النجاة والخير؟ وسوَّغ بعضهم مجيئها للنفي هنا على الرغم من أن العرب - كما يقولون - لا تكاد تفردها في كلام في مثل هذا الموضع حتى يكرروها مع كلام آخر كما قال: ژ? ? ? ? ژ، ژ ? ? ? ٹ ٹ ٹژ، بأنه إنما فعل ذلك كذلك في هذا الموضع؛ استغناء بدلالة آخر الكلام على معناه من إعادتها مرة أخرى، وذلك قوله إذ فسر اقتحام العقبة فقال: ژ ھ ھ * ے ? ? ? ? ? * ? ? ? * ? ? ? ? * ? ? ? ? ?ژ، ففسر ذلك بأشياء ثلاثة، فكان كأنه في أول الكلام قال: فلا فعل ذا، ولا ذا، ولا ذا(1). ولكننا عندما نعود إلى الترجمات نجدها - أي الآية - قد تُرجم معناها بالنفي - لا بالاستفهام - عند كلٍ من مازيغ وبوبكر حمزةوماسون وجاك بيرك، جاء في ترجمة الأستاذ مازيغ ما نصه:
Mais il n’a pas gravé pour autant la voie ascendante. (2)
وجاء في ترجمة الشيخ أبي بكر حمزة:
Or il ne gravit pas la pente. (3)
وترجمتها ماسون بـ:
Mais il ne s’engage pas dans la voie ascendante! (4)
وترجمها جاك بيرك بـ:
Or il ne s’est pas lancé sur l’ascendante. (5)
__________
(1) انظر: جامع البيان 30/201 وما بعدها، وتفسير القرآن العظيم 4/514 .
(2) Le Coran, Sadok Mazigh. P 1145.
(3) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 2/636.
(4) Essai d’interprétation du Coran Inimitable, p 809.
(5) Le Coran, Jacques Berque. P 680.(1/30)
وهذا يعني أنهم قد اعتمدوا جميعاً في ترجماتهم على تأويل واحد - وهو النفي - وأغفلوا التأويل الثاني الذي تحتمله الآية، وهو الاستفهام، وإن كان هذا الاستفهام غير حقيقي أيضاً، وهو ما نقل به محمد حميد الله معنى الآية، إذ ترجمها بـ:
Ne s’engagera-t-il pas dans la Montée? (1)
أما الترجمة الإنجليزية فقد جاءت على معنى النفي أيضاً، إذ ورد فيها ما يلي:
But he has made no effort to pass on the path that is steep. (2)
وهذا يعني بدوره أن الآية بأسلوبها العربي أكثر ثراء في دلالتها - لاحتمالها في بنيتها الواحدة معنيين مختلفين - من الترجمات الفرنسية أو الإنجليزية؛ لأنها لم تعط جميعاً إلا وجهاً واحداً.
__________
(1) Le Saint-Coran, p 594.
(2) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 953.(1/31)
ومن أمثلة (ما)(1) أيضاً التي قد تكون استفهامية، ولكن المقصود بها التعجب وتفخيم الشيء وتعظيمه، كما في كثير من الآيات، ما جاء في قوله: ژ? * ? ? * ? ? ? ? ژ[ القارعة: 1-3]، وقوله: ژے * ? ? * ? ? ? ? ژ[ الحاقة: 1-3]، إذ ذكر المفسرون أن المعنى على التفخيم والتعجب، فقال القرطبي: «قوله تعالى: ژ ? ?ژ، استفهام، أي: أيُّ شيء هي القارعة. وكذا: ژ? ? ? ? ژ،كلمة استفهام على جهة التعظيم والتفخيم لشأنها، كما قال: ژ ے * ? ? * ? ? ? ? ژ» (2)، وقال الطبري في الحاقة: « وقوله: ژ ? ? ? ? ژ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأي شيء أدراك وعرفك أي شيء الحاقة»(3)، وشرح المقصود بـ ( أي شيء) في القارعة فقال: «وقوله: ژ ? ?ژ، يقول تعالى ذكره معظماً شأن القيامة والساعة التي يقرع العبادَ هَوْلُها: أي شيء القارعة، يعني بذلك أي شيء الساعة التي يقرع الخلق هولها، أي: ما أعظمها وأفظعها وأهولها، وقوله: ژ? ? ? ? ژ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أشعرك يا محمد أي شيء القارعة» (4) . فـ (ما ) هنا لم تدل على الاستفهام الحقيقي، ولعل العربي عندما يقرأ مثل هذه الآيات بطريقة غير طريقة الاستفهام الحقيقي، وهي طريقة في الأداء تشير إلى قوة المعنى بالتعجب من أمر الحاقة والقارعة وتفخيم أمرهما وتهويله، لن يكون بحاجة إلى وجود علامة التعجب أو غيرها في المصحف؛ لأن الأداء قد أغنى عنها. بينما لو رجعنا إلى الترجمات لوجدنا في ترجمة المعنى في ژ?ژ عند الصادق مازيغ:
__________
(1) تتعدد معاني (ما) فتكون صالحة للموصولية والنفي والتعجب والمصدرية والاستفهام، وغير ذلك من المعاني، وهذا ما يعرف بـ (تعدد المعنى الوظيفي للمبنى الواحد) انظر: أقسام الكلام العربي من حيث الشكل والوظيفة ص17-18.
(2) الجامع لأحكام القرآن 20/164 .
(3) جامع البيان 29/48 .
(4) جامع البيان 30/281 .(1/32)
Le choc terrifiant! Qu’est-ce donc que ce choc terrifiant? (1)
وعند بوبكر حمزة:
Celle qui assène! Qu’est-ce que celle qui assène? (2)
ما يوحي بمعنى الاستفهام فقط، وكذلك فعلت الترجمات الفرنسية الأخرى، مع اختلاف ظاهر في ترجمة معنى لفظ ژ?ژ. فالقارئ لمثل هاتين الترجمتين - ولغيرهما - إن لم يكن عالماً بالمعنى المراد من الاستفهام هنا، وهو التعظيم والتفخيم والتعجيب، فسيؤدي الكلام بطريقة الاستفهام الحقيقي الذي تدل عليه الأداة في المكتوب، وعلامة الاستفهام في الترقيم، وهو معنى غير مراد. وكان يمكن - اقتراباً من المعنى المراد - أن يجعل المترجمان علامة التعجب (!) بجانب علامة الاستفهام التي وضعاها، حتى يؤدَّى الكلام بطريقة تزاوج بين معنى الاستفهام والتعجب المقصود به التعظيم والتفخيم.
وما قيل عن الترجمات الفرنسية يقال عن نظيرتها الإنجليزية، إذ جاء فيها:
Al-Qari‘ah (the striking Hour, i.e. the Day of Resurrection) What is the striking (Hour)? (3)
ونحن لا نقول: إن معنى التعظيم والتفخيم والتعجيب غير مفهوم من هذه الترجمات، ولكننا نشير إلى ضرورة إبراز القارئ الفرنسي أو الإنجليزي لهذا المعنى في طريقة أدائه، أثناء قراءة مثل هذه الترجمات .
المبحث الثاني: بعض دلالات التنوين في القرآن الكريم
__________
(1) Le Coran, Sadok Mazigh. P 1157.
(2) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 2/668.
(3) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 964-965.(1/33)
من المسائل الصوتية أيضاً ما يتعلق بظاهرة التنوين ودلالتها في العربية، والتنوين كما هو معروف أنواع: تنوين التمكين، وتنوين التنكير، والعوض، والمقابلة ، وغير ذلك مما أسهب فيه القدماء والمتأخرون من النحاة . وما يهمنا هنا هو تنوين العوض، والمقصود به التنوين اللاحق عوضاً من حرف أصلي أو زائد، أو مضاف إليه مفرداً أو جملة(1)، وهذا الأخير الذي يأتي عوضاً عن مضاف إليه مفرداً أو جملة هو الذي يعنينا أمره، ولوضوح أمره لن نطيل في الحديث عنه، بل سنكتفي بمثالين أو ثلاثة في القرآن الكريم، ومدى موافقة الترجمة لمعانيها في ذلك الأصل .
جاء في تفسير قوله تعالى: ژ چ چ ? * ? ? ? ? ?ژ [ الحاقة: 15، 16 ]، فيومئذ: أي فحينئذ، على أن المراد باليوم مطلق الوقت، ها هنا متسع يقع فيه ما يقع، والتنوين عوض عن المضاف إليه، أي: فيوم إذ نفخ في الصور، وكان كيت وكيت وقعت الواقعة(2)، وعن انشقاق السماء: فهي في ذلك اليوم ضعيفة مسترخية(3)، مما يدل على أن التنوين هنا أيضاً عوض عن ذلك اليوم. وقد راعى الشيخ بوبكر هذا المعنى في التنوين فترجم معنى الآيتين على النحو التالي:
... Ce jour-là l’événement se produira! Le ciel se fendra - il sera, ce jour- là, lézardé. (4)
وكذلك فعل جاك بيرك إلا أنه أخّر الظرف ( يومئذ ) الثاني في ترجمته.
بينما أغفل الأستاذ مازيغ ترجمة الظرف - ومعنى التنوين فيه - في ترجمته فقال:
Alors se produira l’Evènement. Le ciel, se fendant, s’écoulera inconsistent. (5)
__________
(1) انظر مثلاً: مغني اللبيب 1/446 .
(2) روح المعاني 29/44 .
(3) فتح القدير 5/282 .
(4) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 2/539.
(5) Le Coran, Sadok Mazigh. P 1087.(1/34)
والملاحظ على ترجمته هذه أنه قد أضاف إلى سابقه معنى السببية - وهو معنى دقيق جدّاً يُحْمَد عليه - والذي عبَّرت عنه الفاء الواقعة في جواب الشرط، لأن الجواب مُسَبَّب عن الشرط ؛ وقد ترجم هذا المعنى بـ (Alors)، وربما يكون هذا المعنى هو الذي جعله يغفل التنوين ودلالته، فكأنه مضمَّن فيها . وقد جمع محمد حميد الله المعنيين فترجم معنى الآيتين بـ:
Ce jour-là, alors, l’échéant écherra, et le ciel se fendra. (1)
بينما أخَّرت ماسون الظرف ( يومئذ ) وما فيه من دلالة التنوين في ترجمتها، فجاءت ترجمتها على النحو التالي:
Celle qui est inéluctable surviendra ce jour-là; le ciel se fendra et sera béant ce jour-là. (2)
ونقلت الترجمة الإنجليزية أيضاً معنى التنوين، فجاءت على النحو التالي:
Then on that Day shall the (Great) Event befall, and the heaven will split asunder, for that Day it (the heaven) will be frail (weak), and torn up. (3)
__________
(1) Le Saint-Coran, p 567.
(2) Essai d’interprétation du Coran Inimitable, p 763.
(3) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 894-895.(1/35)
وما قيل في هذه الآية من دلالة التنوين على جملة محذوفة يفسرها ما قبلها من أحداث يقال في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? * ? ? ?ژ [الواقعة: 83 ،84 ]، إذ جاء في تفسيرها عن الزجاج: «وأنتم يا أهل الميت في تلك الحال ترون الميت قد صار إلى أن تخرج نفسه، والمعنى أنهم في تلك الحال لا يمكنهم الدفع عنه، ولا يستطيعون شيئاً ينفعه أو يخفف عنه ما هو فيه» (1)، كما جاء عن الآلوسي قوله: «وقوله تعالى: ژ ? ? ? ژ جملة حالية من فاعل (بلغت)، والجملة الاسمية المقترنة بالواو لا تحتاج في الربط للضمير لكفاية الواو، فلا حاجة إلى القول بأن العائد ما تضمنه حينئذ، لأن التنوين عوض عن جملة، أي: فلولا ترجعونها زمان بلوغها الحلقوم حال نظركم إليه وما يقاسيه من هول النزع، مع تعطفكم عليه وتوفركم على إنجائه من المهالك» (2).
وهذا المعنى هو مما لم تتوفر عليه الترجمتان إطلاقاً، إذ جاء في ترجمة الأستاذ مازيغ للآية ما نصُّه:(3) Et que cela se passe sous vos yeux، كما جاء في ترجمة الشيخ بوبكر ما نصه: (4) sous vos regards. فكأني بالمترجمين قد اكتفيا بدلالة الملابسة المتحققة بالحال، غير أن الآية قد عبّرت عن معنى الملابسة (في الحال) بالواو، وهذا يعني أن التنوين في الآية له معنى زائد على مجرد الملابسة. وقد اقترب كل من محمد حميد الله وماسون وجاك بيرك من المعنى، فترجمها الأول بـ:
... et qu’alors vous regardez. (5)
وترجمتها الثانية بـ:
... et qu’à ce moment-là, vous le regardez. (6)
وترجمها الثالث بـ:
... et qu’alors vous restez à regarder. (7)
__________
(1) فتح القدير 5/161 .
(2) روح المعاني 27/159 .
(3) Le Coran, Sadok Mazigh. P 1023.
(4) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 2/477.
(5) Le Saint-Coran, p 537.
(6) Essai d’interprétation du Coran Inimitable, p 718.
(7) Le Coran, Jacques Berque. P 592.(1/36)
وهو ما تطابق مع الترجمة الإنجليزية أيضاً، وهذا نصّها:
And you at the moment are looking on. (1)
ومن أمثلة هذا النوع من التنوين - بوصفه ظاهرة صوتية لها دلالتها- ما جاء في لفظ ( رسل ) من قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ژ [الأنعام: 10]، فقد ذكر الآلوسي أن في هذا الكلام تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من قومه، كالوليد بن المغيرة وأمية بن خلف وأبي جهل وأضرابهم، والمعنى أنك لست أول رسول استَهزأ به قومُه، فكم وكم من رسول جليل الشأن فُعل معه ذلك؛ فالتنوين للتفخيم والتكثير(2) .
ولم تشر إلى هذين المعنيين أي ترجمة من الترجمات الفرنسية التي هي قيد الدراسة، فقد اكتفى الجميع بنقل التنكير في الرسل دون ربطه بالتفخيم أو التكثير، ولا بأس أن نمثل ببعضها، فقد جاء في ترجمة جاك بيرك مثلاً ما نصه:
On s’était bien moqué des Envoyés d’avant toi....(3)
وجاء في ترجمة ماسون ما نصه أيضاً:
On s’est moqué des Prophètes venus avant toi. (4)
وذلك بخلاف ما نجده من إشارة واضحة إلى دلالة التكثير في الترجمة الإنكليزية، التي جاء فيها:
And indeed (many) Messengers were mocked before you. (5)
غير أن المترجمَيْن لم ينقلا معنى التفخيم.
المبحث الثالث: أثرظاهرة الوقف في المعنى
__________
(1) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 844.
(2) انظر: روح المعاني 7/101 .
(3) Le Coran, Jacques Berque. P 141.
(4) Essai d’interprétation du Coran Inimitable, p 164.
(5) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 197.(1/37)
لعل من أخطر المظاهر الصوتية وأهمها في الأداء القرآني، ظاهرة الوقف التي يتوقف عليها فهم المعنى في كثير من الآيات؛ مما دعا السلف إلى تعلّم الوقوف، جمع (وقف) والاعتناء بها . ولسنا هنا بحاجة إلى بسط القول في تعريفاته وأنواعه؛ إذ قد كفتنا كتب كثيرة متخصصة - في القديم والحديث - مؤونة ذلك، وبناء على ذلك سنحاول هنا رصد بعض الآيات القرآنية التي يؤدي الوقف فيها وظيفة دلالية لها خطرها العظيم في فهم الآية وتحوّل معناها بتحوّل موضعه . ولا بأس أن نورد قبل ذلك قول الأنباري(1) في أهمية الوقف في فهم كتاب الله، إذ يقول: «من تمام معرفة إعراب القرآن ومعانيه وغريبه معرفة الوقف والابتداء» (2). كما جاء عن السيوطي (3)- نقلا عن النّكزاوي (4)
__________
(1) هو محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، أبو بكر الأنباري (271-328هـ 884-940م): من أعلم أهل زمانه بالأدب واللغة وأوسعهم حفظاً، ولد في الأنبار (على الفرات) وتوفي ببغداد. وكان يتردد إلى أولاد الخليفة الراضي بالله، يعلمهم . من كتبه (الزاهر) في اللغة، و (إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل) و (غريب الحديث) . الأعلام 6/334 .
(2) إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عزّ وجل ص 109-110 .
(3) هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري السيوطي، جلال الدين(849-911هـ 1445-1505م): إمام حافظ مؤرخ أديب . له نحو (600) مصنف، نشأ في القاهرة يتيماً (مات والده وعمره خمس سنوات) ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس، فألَّف أكثر كتبه . من أشهر كتبه (الإتقان في علوم القرآن) . انظر: الأعلام 3/301-302 .
(4) هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمر النكزاوي، معين الدين، أبو محمد(614-683هـ 1217-1284م): مقرئ، من أهل الإسكندرية، له (الشامل) في القراءات السبع، و(الاقتداء في معرفة الوقف والابتداء). انظر: الأعلام 4/125 ..(1/38)
- قوله: «باب الوقف عظيم القدر، جليل الخطر، لأنه لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلا بمعرفة الفواصل» (1). ولذلك نجد ابن الجزري يذكر اشتراط كثير من أئمة الخلف على المجيز ألا يجيز أحداً إلا بعد معرفته الوقف والابتداء(2).
وأول هذه الآيات قوله تعالى: ژ گ گ گ ? ?? ? ? ? ?? ں ں ? ? ژ[ الممتحنة: 3 ]، فقد اختلف علماء التفسير ومعربو القرآن في متعلق الظرف ژ ? ? ژ، فذهب بعضهم إلى أنه متعلق بـ ژگژ ؛ وعلى هذا يكون الوقف على ژ?ژ، وذهب آخرون إلى أنه متعلق بـ ژ?ژ؛ فيكون الوقف على ژ?ژ لا على ژ ?ژ، وذهب غير هؤلاء وأولئك إلى أن الظرف يجوز أن يتعلق بهما معاً؛ لأنه من الوضوح بمكان أن عدم النفع مع الفصل يكونان يوم القيامة، وإليك أقوال بعضهم في ذلك:
قال أبو حيان: «و ژ ?ژ معمول لـ ژگ ژ أو لـ ژ?ژ»(3)، وهو ما ذكره العكبري أيضاً(4).
وقال ابن عطية: «ثم أخبر تعالى أن هذه الأرحام التي رغبتم في وصلها ليست بنافعة يوم القيامة، فالعامل في ژ?ژ قوله ژگژ، وقال بعض النحاة في كتاب الزهراوي: العامل فيه ژ ?ژ، وهو مما بعده لا مما قبله» (5)، وهو ما ذكره الرازي أيضا(6)، وكذلك أشار القيسي إلى جواز التعليقين، وربط ذلك بالوقف، فقال: «ژ?ژ ظرف العامل فيه ژگژ وتقف على ژ?ژ، وقيل: ژ ?ژ هو العامل في الظرف وتقف على ژ?ژ ولا تقف على ژ?ژ » (7) .
__________
(1) الإتقان في علوم القرآن1/284-285 .
(2) انظر: النشر في القراءات العشر 1/225 .
(3) البحر المحيط 8/253-254 .
(4) انظر: التبيان في إعراب القرآن 2/449 .
(5) المحرر الوجيز 5/294-295 .
(6) انظر: التفسير الكبير 29/285 .
(7) مشكل إعراب القرآن 2/728 .(1/39)
وقال الشوكاني: «وجملة ژ ? ? ? ? ژ مستأنفة لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد في ذلك اليوم، ومعنى ژ ? ? ژ يفرق بينكم، فيدخل أهل طاعته الجنة وأهل معصيته النار . وقيل المراد بالفصل بينهم أنه يفر كل منهم من الآخر من شدة الهول، كما في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ژ [عبس:34] الآية، قيل: ويجوز أن يتعلق يوم القيامة بما قبله، أي ژگ گ گ ? ?? ? ? ژ ؛ فيوقف عليه ويبتدأ بقوله: ژ? ?ژ، والأولى أن يتعلق بما بعده كما ذكرنا » (1) .
وقال الطاهر بن عاشور: «وژ ? ? ژ ظرف يتنازعه كل من فعل ژگ گ ژ وفعل ژ ? ? ژ؛ إذ لا يلزم تقدم العاملين على المعمول المتنازع فيه إذا كان ظرفاً؛ لأن الظروف تتقدم على عواملها، وإن أَبَيْتَ هذا التنازع فقل: هو ظرف ژگژ واجعل لـ ژ ? ?ژ ظرفاً محذوفاً دل عليه المذكور»(2) . ونحن نعتقد أن الأمر الذي دعاه إلى هذا القول هو وثوقه من أن الحدثين من عدم النفع والفصل بينهم واقعان يوم القيامة ؛ لأنه -بتعبير القرآن- اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، وهو يوم الفصل، ولعلنا نجد في تفسير الطبري ما نستأنس به في اعتماد هذا المعنى، إذ يقول: «وقوله: ژگ گ گ ? ?? ? ? ژ يقول تعالى ذكره: لا يَدْعُوَنَّكم أرحامكم وقراباتكم وأولادكم إلى الكفر بالله، واتخاذ أعدائه أولياء تلقون إليهم بالمودة، فإنه لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم عند الله يوم القيامة، فتدفع عنكم عذاب الله يومئذ إن أنتم عصيتموه في الدنيا وكفرتم به . وقوله: ژ ? ?ژ يقول جل ثناؤه: يفصل ربكم أيها المؤمنون بينكم يوم القيامة بأن يدخل أهل طاعته الجنة؛ وأهل معاصيه والكفر به النار »(3) . فقد علّق ژ ? ? ژ بـ ژگ ژ، وفهم أن الفصل أيضاً كائن ژ ? ? ژ فأشار إلى ذلك إشارة واضحة، وهذا ما يدعو إليه سياق الآية .
__________
(1) فتح القدير 5/210-211 .
(2) التحرير والتنوير 28/141 .
(3) جامع البيان 28/61 .(1/40)
إن هذا الاختلاف في تعليق ژ ? ? ژ، وجَعْل الوقف دليلاً على كل تعليق، وقرينة صوتية على المعنى المراد، قد ظهر أيما ظهور على الترجمات المختلفة لهذه الآية، وذلك أن بعض المترجمين جعل عدم النفع والفصل واقعين يوم القيامة، وجعل بعضهم الآخر عدم النفع وحده واقعاً يوم القيامة، واستأنف بـ ژ ? ?ژ. ومن أولئك الذين صاغوا ترجمتهم على المعنى الثاني الشيخ بوبكر حمزة، وجاك بيرك، وماسون، إذ ترجمها الأول بـ:
Ni vos proches ni vos enfants ne vous seront utiles le Jour de la Résurrection . [Dieu] vous départagera ... . (1)
وترجمها الثاني بـ:
De rien ne vous serviront parentée ni progéniture au Jour de la Résurrection, pour qu’il soit tranché entre vous: Dieu sur tout ce que vous faites est Clairvoyant.(2)
وترجمتها ماسون بـ:
Ni vos liens familiaux, ni vos enfants ne vous seront utiles le Jour de la Résurrection. Dieu tranchera entre vous. (3)
أما المعنى الأول فقد كادت الترجمات الأخرى تُجمع عليه، ولكن بدرجات متفاوتة بين التصريح والتلميح، فمن الذين صرَّحوا بهذا المعنى الأستاذ مازيغ، إذ ترجمها بـ:
Ni vos liens de famille ni vos enfants ne vous serviront de rien au Jour du Jugement dernier. Ce jour-là, vous serez départagés par Dieu.(4)
ومن الذين لمحوا إلى هذا المعنى - بترك المجال مفتوحاً لتعليق ژ ? ?ژ بالفعلين معاً- نجد محمد حميد الله الذي ترجمها بـ:
Ni vos parents, ni vos enfants ne vous sont utiles: au Jour de la Résurrection il décidera entre vous. (5)
__________
(1) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 2/500.
(2) Le Coran, Jacques Berque. P 607.
(3) Essai d’interprétation du Coran Inimitable, p 736.
(4) Le Coran, Sadok Mazigh. P 1049.
(5) Le Saint-Coran, p. 549.(1/41)
أما الترجمة الإنجليزية فقد ارتضى الهلالي وخان تعليق الظرف بـ ژ گ گژ، والابتداء بـ ژ? ?ژ، فجاءت ترجمتهما كما يلي:
Neither your relatives nor your children will benefit you on the Day of Resurrection (against Allah). He will judge between you. (1)
ومن أمثلة هذا النوع من المظاهر الصوتية - أعني ( الوقف ) - وجعله قرينة صوتية لها أهميتها في إدراك المعنى المقصود من آيات الذكر الحكيم، ما جاء في قوله تعالى: ژ ے ے ? ? ?? ? ? ?? ? ? ?ژ [يوسف: 92] من اختلاف بين المفسرين حول تعلق الظرف ژ?ژ، فقد ذهب بعضهم إلى جواز تعلقه - في الوجه الأول - بـ ژے ? ژ، والمعنى: لا أثربكم اليوم الذي هو مظنته، فما ظنكم بسائر الأيام؟ أو بقبوله، أو بالعامل المقدر في عليكم -وهو مستقر أو ثابت أو نحوهما- أي: لا تثريب مستقر أو ثابت عليكم. كما أجازوا تعلقه في الوجه الثاني بـ ژ?ژ، والمعنى على أن الغفران واقع في ذلك اليوم(2). وقد أوضح النسفي - في هذا الصدد - استقامة أن يُستخدم الفعل ژ ?ژ دالَّاً على المعنيين: الدعاء ( في الوجه الأول ) أو الإخبار ( في الوجه الثاني)، فقال: «فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم، يقال: غفر الله لك، ويغفر لك، على لفظ الماضي والمضارع، أو اليوم يغفر الله لكم بشارة بعاجل غفران الله»(3) .
__________
(1) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 864.
(2) انظر: أنوار التنزيل 3/307 ، وفتح القدير 3/52-53 .
(3) تفسير النسفي 2/203 .(1/42)
وذهب آخرون إلى ترجيح الوجه الأول دون الثاني كالقرطبي وابن كثير، قال القرطبي: «قوله تعالى: ژ ے ? ? ? ژ أي قال يوسف -وكان حليماً موفقاً- لا تثريب عليكم اليوم، وتم الكلام، ومعنى اليوم الوقت، والتثريب التعيير والتوبيخ، أي لاتعيير ولا توبيخ ولا لوم عليكم اليوم، قاله سفيان الثوري وغيره، ژ ? ? ?ژ مستقبل فيه معنى الدعاء، سأل الله أن يستر عليهم ويرحمهم، وأجاز الأخفش الوقف على ژ ? ژ. والأول هو المستعمل، فإن في الوقف على ژ ? ژ والابتداء بـ ژ ?? ? ? ?ژ جزماً بالمغفرة في اليوم، وذلك لا يكون إلا عن وحي، وهذا بيِّن» (1)، وقال ابن كثير: « قال: ? ے ? ? ? ?، يقول: أي لا تأنيب عليكم ولا عتب عليكم اليوم، ولا أعيد عليكم ذنبكم في حقي بعد اليوم، ثم زادهم الدعاء لهم بالمغفرة فقال: ?? ? ?? ? ? ? ?»(2) . وإلى مثل هذا القول ذهب ابن جرير الطبري(3). ورجَّحه الآلوسي - بعد طول نقاش - فقال: « وإلى حمل الكلام على الدعاء - يعني ژ ? ? ?ژ - ذهب غير واحد . وذهب جمع أيضاً إلى كونه خبراً والحكم بذلك مع أنه غيب. قيل: لأنه عليه السلام صفح عن جريمتهم حينئذ، وهم قد اعترفوا بها أيضاً، فلا محالة أنه سبحانه يغفر لهم ما يتعلق به تعالى وما يتعلق به عليه السلام بمقتضى وَعْده جلَّ شأنه بقبول توبة العباد، وقيل: لأنه عليه السلام قد أوحي إليه بذلك . وأنت تعلم أن أكثر القراء على الوقف على ژ ??ژ وهو ظاهر في عدم تعلقه بـ ژ? ژ، وهو اختيار الطبري وابن إسحاق وغيرهم، واختاروا كون الجملة بعد دعائية، وهو الذي يميل إليه الذوق. والله تعالى أعلم»(4).
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن 9/257-258 .
(2) تفسير القرآن العظيم 2/490 .
(3) انظر: جامع البيان 13/56 .
(4) روح المعاني 13/51 .(1/43)
وذهب الأستاذ الطاهر بن عاشور - من المحدَثين - إلى ترجيح المعنى الثاني، ونلمس في كلامه رداً على القرطبي الذي أشار إلى مسألة الوحي في هذا المقام، يقول الأستاذ الطاهر بن عاشور: «والظاهر أن منتهى الجملة هو قوله ژ ?ژ؛ لأن مثل هذا القول مما يجري مجرى المثل فيُبنى على الاختصار فيكتفى بـ ژ ے ? ژ مثل قولهم: لا بأس، وقوله تعالى: ژ ? ? ژ. وزيادة ژ?ژ للتأكيد مثل زيادة «لكَ» بعد ( سقياً ورعياً )، فلا يكون ژ??ژ من تمام الجملة، ولكنه متعلق بفعل ژ ? ? ?ژ. وأعقب ذلك بأنْ أعلمهم بأن الله يغفر لهم في تلك الساعة ؛ لأنها ساعة توبة، فالذنب مغفور لإخبار الله في شرائعه السالفة دون احتياج إلى وحي، سوى أن الوحي لمعرفة إخلاص توبتهم»(1). ويعضده ما ذكره أبو حيان من أن بعض القرّاء وقف على ژ?ژ، وابتدأ ژ?? ? ? ?ژ (2) .
وعلى ذكر الوقف نجد ابن عطية يرجِّحُ في هذا الجانب ما وقف عليه أكثر القرّاء - تأييداً منه لتأويل الطبري ومن نحا نحوه من المفسرين - بقوله: «ووقف بعض القرأة ژ ? ژ وابتدأ ژ ?? ? ? ?ژ ووقف أكثرهم ژ??ژ وابتدأ ژ? ? ?ژ على جهة الدعاء - وهو تأويل ابن إسحاق والطبري، وهو الصحيح - و ژ ??ژ ظرف، فعلى هذا فالعامل فيه ما يتعلق به ژ?ژ تقديره: لا تثريب ثابت أو مستقر عليكم اليوم. وهذا الوقف أرجح في المعنى، لأن الآخر فيه حكم على مغفرة الله، اللهم إلا أن يكون ذلك بوحي»(3). وقد رأينا قبل قليل رد الأستاذ ابن عاشور على مثل هذا الكلام الأخير.
__________
(1) التحرير والتنوير 13/50 .
(2) انظر: البحر المحيط 5/343 .
(3) المحرر الوجيز 3/278 .(1/44)
وإذا كان المفسرون قد اختلفوا في متعلق ژ ??ژ وفي موضع الوقف مثل هذا الاختلاف، فإن المترجمين لهذه الآية قد كادوا يُجمعون على تأويل الطبري وابن كثير وغيرهما ممن رأوا تعلق ژ ??ژ بـ ژ ے ?ژ أو بالاستقرار، وجعلهم جملة ژ ? ? ?ژ دعاء لا إخباراً، فنجد كلّا ً من جاك بيرك ومحمد حميد الله والشيخ بوبكر حمزة وماسون يترجمونها على النحو التالي:
ترجمها جاك بيرك بـ:
Point de blâme sur vous, dit-il, en ce jour, Dieu vous pardonne. (1)
وترجمها محمد حميد الله بـ:
Il dit: “Pas de récrimination contre vous, aujourd’hui! Que Dieu vous pardonne...”. (2)
وترجمها الشيخ بوبكر بـ:
Aujourd’hui vous n’essuierez aucune réprimande de ma part. Dieu vous pardonnera.... (3)
وترجمتها ماسون بـ:
Qu’aucun reproche ne vous soit fait aujourd’hui; que Dieu vous pardonne! (4)
وعلى هذا المعنى سارت الترجمة الإنجليزية أيضاً، فترجم الهلالي وخان الآية بـ:
He said: “No reproach on you this day, may Allah forgive you...”. (5)
هذا، ولم يتعرض الصادق مازيغ مطلقاً لترجمة الظرف ژ ??ژ ولا خاض في تعلقه، غير أنه نقل معنى ژ? ? ?ژ على معنى الدعاء؛ مما يوحي بأنه قد جعل هذه الجملة جملة مستقلة عما قبلها، جاء في ترجمته:
Joseph leur dit alors: “Soyez sans crainte. Vous n’aurez plus à encourir de reproches de ma part. Que Dieu vous pardonne!” (6)
__________
(1) Le Coran, Jacques Berque. P 255.
(2) Le Saint-Coran, p 246.
(3) Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. P 1/312-313.
(4) Essai d’interprétation du Coran Inimitable, p 318.
(5) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 367.
(6) Le Coran, Sadok Mazigh. P 459.(1/45)
ومن الأمثلة التي جُعل الوقف فيها قرينة على التعلق النحوي، ومن ثم على المعنى المراد تأديته، ما وقع في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ?? ? چ چ چ چ ?ژ[ الأنعام: 3 ]، إذ ساق بعض المفسرين في تفسيرها عدداً كبيراً من الآراء حول تعلق ژ ? ? ژ و ژ ??ژ، وموقع الوقف في كل حالة، وما يتولد عن ذلك من معان(1)، وقد لخّصها ابن كثير والشنقيطي في ثلاثة أقوال:
الأول: وهو أظهر الأقوال وأصحها عندهما، أنه المدعو الله في السموات وفي الأرض، أي: يعبده ويوحِّده ويقرُّ له بالألوهية من في السموات ومن في الأرض، ويسمونه الله، ويدعونه رغباً ورهباً إلا من كفر. ويعضد هذا المعنى ما جاء في قوله تعالى: ژ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھژ [ الزخرف: 84]. وعلى هذا الاعتبار من المعنى يكون ژ ? ? ? ?ژ متعلقين بلفظ الجلالة.
الثاني: أنه الله الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض من سر وجهر؛ فيكون ژ ? ? ? ?ژ متعلقين بـ ژ ? ژ، والتقدير: وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ژ ژژ [الفرقان: 6 ].
__________
(1) انظر: البحر المحيط 4/71 وما بعدها .(1/46)
الثالث: أنه هو الله في السموات، ويوقف على هذا المعنى وقفاً تاماً، ثم يستأنف بالخبر فيقرأ: ژ ? ?? چ چ ژ، ومعنى ذلك أن قوله ژ ? ?ژ متعلق بلفظ الجلالة، وژ ? ?ژ متعلق بـ ژ ? ژ. وقد ذكر ابن كثير والشوكاني والشنقيطي أن هذا القول هو اختيار ابن جرير الطبري(1). وضعّفه العكبري بقوله: « وقيل: قد تم الكلام على قوله ژ? ?ژ. و ژ? ?ژ يتعلق بـ ژ ?ژ، وهذا ضعيف؛ لأنه سبحانه معبود في السموات وفي الأرض، ويعلم ما في السموات والأرض؛ فلا اختصاص لإحدى الصفتين بأحد الظرفين»(2)، فكأنه يريد -والله أعلم- أن يعلق ژ? ? ? ?ژ بلفظ الجلالة وژ ? ژ في معنى عام واحد، والتقدير: وهو الله في السموات وفي الأرض، يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض. وقد يكون هذا المعنى هو الذي جعل الشوكاني يرى أن تكون جملة ژ ? چ چ ژ جملة مقررة لمعنى الجملة الأولى، أي: إنها من باب الفصل للتوكيد؛ لأن كونه سبحانه فى السماء والأرض يستلزم علمُه بأسرار عباده وجهرهم وعلمه بما يكسبونه من الخير والشر وجلب النفع ودفع الضرر(3) .
وإذا رَجَعْنا إلى ترجمة معنى هذه الآية في الترجمات التي هي بين أيدينا، وجدنا الصادق مازيغ مثلاً يجعل ژ ? ? ? ?ژ متعلقين بكونه سبحانه ربهما، أي: إنه إله السموات والأرض، ثم يبتدئ بمعنى: يعلم سِرَّكم وجهركم، يقول في ترجمته:
Il est Dieu, Souverain Maître des cieux et de la terre. Il connaît vos pensées intimes et celles clairement énoncées. (4)
ويجعل الشيخ بوبكر حمزة المعنى في ترجمته: ژ ? ? ? ? ? ?ژ ثم يبتدئ: ژ ? چ چ ژ، إذ ترجمها بـ:
__________
(1) انظر: تفسير القرآن العظيم 2/124، وفتح القدير 2/99، وأضواء البيان 2/181-182.
(2) التبيان في إعراب القرآن 1/357 .
(3) انظر: فتح القدير 2/99 .
(4) Le Coran, Sadok Mazigh. P 241.(1/47)
Il est Dieu dans les cieux et sur la terre; Il sait ce que vous cachez et ce que vous divulguez. (1)
وإلى هذا المعنى ذهب جاك بيرك أيضاً - مع اختلاف في بعض الجزئيات - فترجمها بـ:
C’est Lui, Dieu, aux cieux et sur la terre, qui sait de vous le secret et le publié. (2)
والأمر نفسه يقال عن ترجمة محمد حميد الله الذي ترجمها بقوله:
Et lui, Il est Dieu dans les cieux et sur la terre. Il connaît de vous le secret et le public. (3)
وكذلك فعلت ماسون .
أما عن الترجمة الإنجليزية فقد اتبع صاحباها هذا المعنى الأخير أيضاً؛ فعلَّقا ژ ? ? ? ?ژ بما قبلهما، لا بما بعدهما، فجاءت ترجمتهما على النحو التالي:
And He is Allah (to be worshipped Alone) in the heavens and on the earth, He knows what you conceal and what you reveal. (4)
ومما جاء الوقف فيه قرينةً صوتية دالّة أيضاً قولُه عز وجل: ژ ? ? ? ٹ ٹٹ ٹژ [ الرعد: 2 ]، ومثله قوله تعالى: ژ ھ ھ ھ ھ ےژ [ لقمان:10 ]. فقد ذكر الطبري وغيره - في الآية الأولى - أن المفسّرين اختلفوا في تأويلها، فذهب بعضهم إلى أن تأويل ذلك: الله الذي رفع السموات بعمد لا ترونها، وهو مما رواه قتادة عن ابن عباس أنه قال: بعمد ولكن لا ترونها، وذهب بعضهم الآخر إلى أن تأويل ذلك: مرفوعة بغير عمد. واحتج الطبري لأصحاب المذهب الأول بأنهم قصدوا مذهب تقديم العرب الجحد من آخر الكلام إلى أوله كقول الشاعر:
ولا أَراها تزال ظالمةً ... تُحْدِث لي نَكْبَة وتَنْكَؤُها(5)
__________
(1) Le Coran, Chekh Boubakeur Hamza. P 1/154.
(2) Le Coran, Jacques Berque. P 141.
(3) Le Saint-Coran, p 128.
(4) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 196 .
(5) البيت لإبراهيم بن هرمة، وهو في معاني القرآن للفراء 2/57، ومغني اللبيب 2/453. ونكأ القرحة: قشرها قبل أن تبرأ.(1/48)
يريد: أراها لا تزال ظالمة، فقدَّم الجحد عن موضعه من «تزال» .
وكما قال الآخر:
إذا أعجَبتْك الدهرَ حالٌ من امرئٍ ... فَدَعْه وواكِلْ حاله واللّياليا
يَجِئْن على ما كان مِن صالح به ... وإن كان فيما لا يرى الناسُ آلِيا(1)
يعني وإن كان فيما يرى الناس لا يألو . ثم قال الطبري: « وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى: ژ ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹژ، فهي مرفوعة بغير عمد نراها، كما قال ربنا جل ثناؤه، ولا خبر بغير ذلك، ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه »(2) .
ورجّح ابن كثير الرأي الثاني، وعَدَّه اللائق بالسياق، مستدلاً عليه بقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ٹژ ؛ وهكذا ژٹژ توكيد لنفي ذلك، أي: إنها مرفوعة بغير عمد كما ترونها، وهذا المعنى - عند ابن كثير دائماً - هو الأكمل في القدرة(3) .
وبهذا المعنى فإن من ذهب إلى القول الأول جعل ژ ٹژ في موضع خفض على النعت لـ ژ ٹ ژ، فالعمد موجودة ولكن لا تُرى، ومن ذهب إلى القول الثاني جعل ژ ٹژ في موضع نصب على الحال من السموات، ولا عمد هناك على الإطلاق، وأجاز بعضهم أن يكون ژ ٹژ كلاماً مستأنفاً؛ فلا عمد هناك أيضاً(4)، ومن اختار هذا الوجه وقف على ژ ٹژ لأنه التمام، ومن لم يختره وصل الكلام . وهكذا فإن الوقف يكون قرينة على هذا المعنى، وهو كون السموات مرفوعة بغير عمد، وأنتم ترونها كذلك . ويكون عدم الوقف دالاً على أحد أمرين:
- على وجود العمد ولكنها غير مرئية، على تقدير ژ ٹژ صفة لـ ژ ٹژ .
__________
(1) البيتان وردا بلا نسبة في معاني القرآن للفراء 2/57 . ونسبهما إميل بديع في «معجم شواهد اللغة العربية» 8/353 لأفنون التغلبي .
(2) جامع البيان 13/93-94، وانظر: ومعاني القرآن للفراء 2/57 .
(3) انظر: تفسير القرآن العظيم 2/500 .
(4) انظر: الجامع لأحكام القرآن 14/58، والتبيان في إعراب القرآن 2/70 .(1/49)
- وعلى عدم وجود عمد البتة، على تقدير ژ ٹژ حالاً من ژ ٹژ.وذهب الرازي إلى استبعاد الرأي الأول، وهو أن يكون للسموات عمد غير مرئية؛ لأن ذلك ليس فيه حجة على وجود الإله القادر، ومن ثم فإن ما يطمئن هو إليه أن العماد ما يُعتمَد عليه، وأن هذه الأجسام إنما بقيت واقفة في الجو العالي بقدرة الله تعالى، وحينئذ يكون عمدها هو قدرة الله تعالى؛ فيكون المعنى: إنه رفع السماء بغير عمد ترونها، أي: لها عمد في الحقيقة، إلا أن تلك العمد هي قدرة الله تعالى وحفظه وتدبيره وإبقاؤه إياها في الجو العالي، وأنهم لا يرون ذلك التدبير ولا يعرفون كيفية ذلك الإمساك(1) . وهو بذلك يجري لفظ (العمد) على غير ما قد نتصوره من أعمدة على الحقيقة؛ لأن العمد الذي تعتمد عليه السموات إنما هو قدرة الله تعالى، وقد يكون مصداق ذلك ما ذكره ابن كثير من قوله تعالى: ژ? ? ? ? ? ? ? ٹژ .
وإذا رجعنا إلى ترجمة هذه الآية في الترجمات المعتمَدة ألفينا الشيخ بوبكر يعتمد المعنى الأول، وذلك بجعل ژ ٹژ صفة للعمد، وهذا يعني أنها بعمد غير مرئية، فقد جاء في ترجمته ما نصه:
C’est Dieu qui a élevé les cieux sans piliers visibles pour vous.... (2)
مما يعني أن العمد موجودة ولكنها غير مرئية لنا.
وجاء في ترجمة الصادق مازيغ:
Dieu éleva les cieux sans le secours de piliers visibles. (3)
__________
(1) التفسير الكبير 18/192. وقال الزجاج قبله: «ويجوز أن تكون (ترونها) من نعت العمد، المعنى: بغير عمد مرئية، وعلى هذا تعمدها قدرة الله عز وجل» معاني القرآن وإعرابه 3/136.
(2) Le Coran, Chekh Boubakeur Hamza. P 1/318.
(3) Le Coran, Sadok Mazigh. P 465.(1/50)
أي: إن الله قد رفع السموات دون الاستعانة بعمد مرئية؛ مما يعني أنه قد تكون هناك عمد ولكنها غير مرئية، وهو ما تحتمله ترجمة ماسون أيضاً. كما جاء في ترجمة جاك بيرك أن الله رفع السموات بغير عمد تستطيعون رؤيتها؛ مما قد يعني أن هناك عمداً، ولكننا لا نراها، أو أن استطاعة الرؤية تعود على السموات، فتكون مرفوعة بغير عمد، وهذا نص ترجمته:
C’est Dieu qui a élevé les cieux sans piliers que vous puissiez voir. (1)
وإلى المعنى نفسه تقريباً ذهب محمد حميد الله بترجمته، وهذا نصها:
Dieu, c’est Lui qui a élevé bien haut les cieux, sans piliers que vous puissiez voir. (2)
كما نحت الترجمة الإنجليزية المنحى نفسه، إذ جاء فيها ما نصه:
Allah is He Who raised the heavens without any pillars that you can see. (3)
هذا، ومن أمثلة الوقف وعلاقته بالمعنى أيضاً في القرآن الكريم، ما ذكره المفسرون من اختلاف في تعليق ژ ? ?ژ من قوله تعالى: ژ ? ? ? ?? ? ?? چ چ چچ ? ? ? ? ?ژ [المائدة: 26]، إذ ذهب بعضهم إلى تعليقه بـ ژ ? ژ، فيكون المعنى: أن الأرض المقدسة حُرّمت عليهم أربعين سنة، فهو تحريم مؤقَّت، والقوم الذين حُرّمت عليهم هم الذين عصوه وخالفوا أمره من قوم موسى وأبَوا حرب الجبارين، فحرَّم الله عليهم دخول مدينتهم أربعين سنة، ثم فتحها عليهم وأُسكنوها، وأهلك الجبارين بعد حرب منهم لهم بعد أن قُضيت الأربعون سنة وخرجوا من التيه .
__________
(1) Le Coran, Jacques Berque. P 258.
(2) Le Saint-Coran, p 249.
(3) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 371.(1/51)
وذهب آخرون إلى تعليقه بـ ژ چژ ؛ فيكون المعنى: قال فإنها محرمة عليهم أبداً، يتيهون في الأرض أربعين سنة؛ ولذلك قيل إنه لم يدخل مدينة الجبارين أحد ممن قال: ژ ? ? ? پ پ پ پ? ? ? ? ? ? ? ? ژ[ المائدة: 24 ] ذلك أن الله عز ذكره حرمها عليهم . قالوا وإنما دخلها من أولئك القوم: يوشع وكلاب- اللذان قالا لهم ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون- وأولاد الذين حرم الله عليهم دخولها، فتيههم الله فلم يدخلها منهم أحد، وبهذا المعنى يكون التحريم مطلقاً، والتيه مؤقتاً(1) .
وقد ربط بعضهم بين هذين المعنيين و ظاهر الوقف، فذكروا - في المذهب الأول - أن الأربعين سنة ما دامت منصوبة بالتحريم فالوقف على هذا على ژ? ?ژ وعليه فإن من بقي منهم بعد أربعين سنة دخلوها . أما على المذهب الثاني فإن في قوله: قال ژ ? ? ?ژ وقفاً تاماً، وقوله: ژ? ?ژ منصوب بقوله ژ چ چ چژ، وعلى هذا فإنَّ أحداً منهم لم
يدخلها إنما دخلها أولادهم (2) .
__________
(1) انظر: جامع البيان 6/181-182، والتبيان في إعراب القرآن 1/324، والتفسير الكبير 11/172، والبحر المحيط 3/458، و أنوار التنزيل 2/313-314، وفتح القدير 2/28.
(2) انظر: معاني القرآن للنحاس 2/290-291، والجامع لأحكام القرآن 6/130، وتفسير القرآن العظيم 2/41.(1/52)
ورجَّح الطبري كون الأربعين منصوبة بالتحريم، فقال: « وأَولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: إن الأربعين منصوبة بالتحريم، وإن قوله ژ? ?? ? ?ژ معني به جميع قوم موسى لا بعض دون بعض منهم؛ لأن الله عز ذكره عمّ بذلك القوم، ولم يخصص منهم بعضاً دون بعض، وقد وفَّى الله بما وعدهم به من العقوبة، فتيههم أربعين سنة، وحَرَّم على جميعهم في الأربعين سنة التي مكثوا فيها تائهين دخول الأرض المقدسة»(1). ويُستشف من كلامه أنه وعلى الرغم من ذكره انتصاب الأربعين بالتحريم، قد جعل التيه أربعين سنة أيضاً؛ فالمدة التي حُرّم عليهم فيها دخول الأرض المقدسة هي نفسها مدة التيه . وهو ما يُستشفُّ أيضاً من قول ابن عطية: « وحرّم الله تعالى على جميع بني إسرائيل دخول تلك المدينة أربعين سنة، وتركهم خلالها يتيهون في الأرض، أي في أرض تلك النازلة »(2) .
وخطّأ الزجّاج ذلك، أي: أن يكون ژ? ?ژ منصوباً بالتحريم؛ لأن التفسير جاء بأنها محرَّمة عليهم أبداً، وهكذا يكون انتصابه بـ ژ چژ(3) . وردَّ ابن عطية هذه التخطئة، ووصف ما ذكره الزجاج بأنه تحامل منه(4) .
والأمر في ترجمات معاني القرآن يكاد يكون نفسه، فقد اختار بعضها، كترجمة الشيخ بوبكر حمزة والصادق مازيغ، أن يكون التحريم والتيه كلاهما دام أربعين سنة، أي: إن مدة التحريم هي نفسها مدة التيه، فقد ترجمها الأول بـ:
[L’accès de ] cette terre leur fut interdit quarante ans durant lesquels ils errèrent dans le désert. (5)
وترجمها الثاني بـ:
__________
(1) جامع البيان 6/184 .
(2) المحرر الوجيز 2/176 .
(3) انظر: معاني القرآن وإعرابه 2/165 .
(4) المحرر الوجيز 2/177 .
(5) Le Coran, Chekh Boubakeur Hamza. P 1/133.(1/53)
Le Seigneur répondit: “Cette terre sera interdite pour quarante ans aux Fils d’Israël. Durant tout ce temps, ils seront condamnés à errer”. (1)
على الرغم من أن الصادق مازيع اعتمد على مصحف برواية ورش، والوقف فيه على ژ ?ژ .
وإلى المعنى نفسه ذهبت ترجمة جاك بيرك، ومحمد حميد الله (2)، غير أن بعض الترجمات الأخرى مالت إلى جعل الأربعين سنة متعلقة بالتيه،كترجمة ماسون، التي جاء في ترجمتها ما نصّه:
Il dit: “Ce pays leur est interdit; ils erreront sur la terre durant quarante ans”. (3)
أو متعلقة بالتحريم دون التيه كترجمة كازيميرسكي التي جاء فيها:
Alors le Seigneur dit: “Cette terre leur sera interdite pendant quarante ans. Ils erreront dans le désert...”. (4)
... وكذلك فعلت الترجمة الإنجليزية، إذ جاء الظرف فيها معلَّقاً بالتحريم دون التيه، وهذا نصّها:
(Allah) said: “Therefore it (this holy land) is forbidden to them for forty years; in distraction they will wander through the land”. (5)
وهناك غير ما ذكرنا أمثلة كثيرة تتعلق بالمظاهر الصوتية ودلالاتها في القرآن الكريم تحتاج إلى بسط قول وتدقيق في الترجمات الكثيرة التي اتخذت من هذا الكتاب العظيم ميداناً لها . وما هذه الدراسة إلا محاولة مني للوقوف على أهمية الموضوع الذي تكاد الدراسات النقدية - المتوافرة في الساحة اليوم - تخلو منه، فأرجو أن أكون قد وُفّقت في هذا العمل، وألاَّ يبخل القارئ المتبصّر عليّ بما قد يلوح له من ملاحظات تستطيع أن ترقى بهذه الدراسة إلى ما هو أحسن.
__________
(1) Le Coran, Sadok Mazigh. P 211.
(2) Le Coran, Jacques Berque, p 125, et Le Saint-Coran, p 112.
(3) Essai d’interprétation du Coran Inimitable. P 142.
(4) Le Coran, Kasimirski. P 108.
(5) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân, p. 171.(1/54)
ولعلَّ أهم ملاحظة نخرج بها من هذا البحث أن لغة القرآن الكريم تزخر بالمعاني والدلالات بحسب طرق الأداء وما يصاحبها من مظاهر صوتية أخرى، لها شأنها في تجلية البيان القرآني، الذي تبقى أيّ محاولة لترجمته ونقله من لغة إلى أخرى عاجزة عن مماثلته.
وإني لشاكر للأستاذين: الطيب دبّه (أستاذ اللسانيات بجامعة الأغواط)، والسايح خلفة (أستاذ الإنجليزية بالجامعة نفسها) ما بذلا من جهد صادق في مراجعة هذه الدراسة، وإفادتي بالملاحظات الدقيقة القيّمة.
قائمة المصادر والمراجع
الكتب باللغة العربية:
- الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ت: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة ، (ط2) 2003م .
- إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب = معجم الأدباء.
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، الشنقيطي ،عالم الكتب، بيروت، دون ط .
- الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت. ( ط11)، 1995م.
- أقسام الكلام العربي من حيث الشكل والوظيفة، فاضل مصطفى الساقي، مكتبة الخانجي بالقاهرة . 1977م.
- أنوار التنزيل وأسرار التأويل، البيضاوي، ت: عبد القادر عرفات العشا حسونة، دار الفكر، بيروت. 1416هـ(1996م) .
- إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عزّ وجل، الأنباري ، ت: محيي الدين عبد الرحمن رمضان، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، (1971م ) .
- البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، (ط2) دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1411هـ(1990م) .- التبيان في إعراب القرآن، العكبري، دار الفكر،بيروت، 1421هـ(2001م) .
- التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر، تونس، والمؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984م.
- تطوير دراسة اللغة العربية من خلال مقابلتها باللغات الأخرى، يوسف الهليس، مجلة المعرفة ، العدد: (178)، دمشق، كانون الأول (1976م).
- تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار الفكر، بيروت، (1401 هـ ).(1/55)
- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، دار الفكر، بيروت، (1405 هـ).
- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ت: أحمد عبد العليم البردوني(ط2) دار الشعب، القاهرة، (1372 هـ) .
- الحجة في القراءات السبع، ابن خالويه، ت: أحمد فريد المزيدي (ط1)، دار الكتب العلمية، بيروت ، 1420 هـ (1999م) .
- حجة القراءات، ابن زنجلة، ت: سعيد الأفغاني ، (ط5)، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1422 هـ(2001م) .
- الخصائص، ابن جني، ت: محمد علي النجار، دون ط، عالم الكتب، بيروت .
- دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني ت: محمد التنجي، (ط1)، دار الكتاب العربي،بيروت، (1995م) .
- ديوان عمر بن أبي ربيعة، شرح: د. يوسف شكري فرحات، دار الجيل، بيروت .
- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الآلوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- علم اللغة بين القديم والحديث، عاطف مدكور، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الفجالة، (1986م) .
- كتاب السبعة في القراءات، أبو بكر بن مجاهد البغدادي. ت: شوقي ضيف (ط2) دار المعارف، القاهرة.1400هـ .
- اللغة العربية معناها ومبناها، تمام حسان، الهيئة المصرية العامة للكتاب،القاهرة، (1979م).
- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية. ت: عبد السلام عبد الشافي محمد (ط1) دار الكتب العلمية، بيروت، 1422هـ(2001م) .
- مشكل إعراب القرآن، مكي القيسي، ت: حاتم صالح الضامن ، مؤسسة الرسالة، بيروت (ط2) 1405هـ .
- معاني القرآن، الأخفش ، ت: إبراهيم شمس الدين ( ط1) دار الكتب العلمية، بيروت، 1423هـ(2002م) .
- معاني القرآن، الفراء، ت: محمد علي النجار، وأحمد يوسف نجاتي ، دون ت.ط ، دار السرور.
- معجم الأدباء ( إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب )، ياقوت الحموي ، ت: د. إحسان عبّاس، دار الغرب الإسلامي (ط1) (1993م).(1/56)
- معجم اللسانيات الحديثة، سامي عيّاد حنّا، وكريم زكي حسام الدين، ونجيب جريس، (ط1) مكتبة لبنان ناشرون، (1997م) .
- المعجم المفصّل في شواهد اللغة العربية، إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية، بيروت (ط1) 1417هـ(1996م) .
- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام الأنصاري، ت: مازن المبارك، ومحمد علي حمد الله (ط6) دار الفكر، بيروت،(1985م).
- النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ، ت: علي محمد الضبّاع ، دار الفكر ، دون ط.
- الكتب باللغة الفرنسية:
- Le Coran, Cheikh Boubakeur Hamza. ENAG/Edition, Alger, Algerie, 1989.
- Le Coran, Jacques Berque. Sindbad. Paris, 1990.
- Le Coran, Kasimirski. Garnier-Flammarion, Paris, 1970.
- Le Coran, Sadok Mazigh. Maison Tunisie de l’édition, 1399 H.
- Le Saint-Coran, Muhammad Hamidullah. Amana Corporation, Maryland, U.S.A, 1989.
- Essai d’interprétation du Coran Inimitable, D. Masson. Dar Al-Kitab Al-Masri et Dar Al-Kitab Allubnani, 1980.
- الكتب باللغة الإنجليزية:
- Muhammad Muhsin Khân, and Muhammad Taqi-ud-din Al-Hillâli (1994) Interpretation of the Meanings of the Noble Qur’ân. Riyadh: Maktabat Dar-us-Salam.
- Bassnet-MacGuire, S. (1988) Translation Studies. London: Routledge.
- ملخص البحث .......................................................................... - مقدمة ................................................................................... ... 1
- المبحث الأول: طريقة الأداء في دلالات «ما» وبعض قضايا الاستفهام....... ... 2
- المبحث الثاني: بعض دلالات التنوين في القرآن الكريم........................ ... 3
- المبحث الثالث: أثر ظاهرة الوقف في المعنى........................................ ... 32(1/57)
- قائمة المصادر والمراجع.............................................................. ... 36
- فهرس الموضوعات.................................................................... ... 54
56(1/58)