المسلمون
ودراسات المستقبل
محاضرة للعلامة الشيخ
سفر بن عبد الرحمن الحوالي
بسم الله الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى أهله وأصحابه أجمعين .
أما بعد أيها الإخوة الكرام :
فنحمد الله سبحانه وتعالى الذي جمعنا بكم هذه الليلة ، ونسأل الله عز وجل بمنه وجوده وكرمه أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يفقهنا في الدين ، وأن يجعلنا أئمة للمتقين إنه سميع مجيب .
الموضوع الذي نريد الحديث عنه الليلة ، موضوع كبير وخطير ومهم لكل من يدعون إلى الله تبارك وتعالى ومن يهمه أمر هذه الأمة ومستقبلها وشأنها ، ولن نستطيع بطبيعة الحال أن نوفي الموضوع حقه ، ولكن نرجو أن نوفق بإذن الله تعالى إلى أن نعطي كل أخ مسلم فكرة عنه بحيث يكون هذا دافعا له لمزيد من البحث والتحري والاهتمام ، فإن أول ما تظهر الأعمال العظيمة - وكل أمر هذه الأمة يحتاج أعمالا عظيمة - أول ما يكون ذلك هو الفكر ثم يأتي الاهتمام ثم يكون العمل بإذن الله وحده ، وهذا ما نرجو أن يكون وما ذلك على الله بعزيز .
أيها الإخوة الكرام :إن التطلع إلى المستقبل والتشوق إليه والتشوق إلى معرفته أمر مفطور في النفوس جميعا ، فليس من البشر أحد إلا وهو يتطلع ويشتاق إلى معرفة ماذا سيكون له أو لأمته أو لغيره ، وهذا أمر ركبه الله سبحانه وتعالى في النفوس وهو من حكمة الله عز وجل ولذلك نجد أن الناس تنوعت مصادرهم في هذا كما سنبين إن شاء الله أو تحسّر من تحسر على فقده كما كانت عادة العرب ، ظهر ذلك في شعر زهير بن أبي سلمى
وأعلم ما في اليوم والأمس قبلهم
ولكنني عن علم مافي غدٍعمي(1/1)
كلٌ مشتاق إلى ذلك .والله تبارك وتعالى قد بين لنا أصلا كليا عظيما من أصول هذا الدين ، التي يجب على كل مسلم أن يعتقدها ، وهو أنه لا يعلم الغيب إلا الله " قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله " ، "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين " فالغيب لله تعالى وحده ولكن فضل الله تبارك وتعالى عظيم ، فإنه يطلع بعض رسله ويطلع بعض أوليائه على شيء مما قد يحدث كما قال سبحانه وتعالى : " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا " وذلك من المبشرات وهي الرؤى الصالحة ، ومن ذلك ما أخبر به الأنبياء مما أطلعهم الله تبارك وتعالى عليه من أمور الغيب وما سيقع ، إلا أن هناك أمور اختص الله تبارك وتعالى بعلمها فهي من الغيب المطلق الذي لا يطلع الله تبارك وتعالى عليه أحد ، ومن ذلك : علم الساعة ، متى تقوم ؟ فهذه علمها عند الله لا يجليها لوقتها إلا هو تبارك وتعالى ، والناس اختلفوا في هذا اختلافا عظيما وتباينوا فيه فإن هذه الحاجة الفطرية في النفوس لمعرفة الغيب دفعت كل أحد إلى أن يسلك طريقا لمعرفته بحق أو بباطل فاختلط الحق بالباطل أو الحابل بالنابل كما يقال في قديم الدهر وحديثه .
وهذا شأن كل قضية من القضايا الاعتقادية كالإيمان بالله وملائكته والإيمان بالقدر وغيرها من الأمور التي ضلّ فيها الناس واختلفوا ، مع أن الحق فيها واضح قائما والحمد لله . ولذلك نستطيع أن نوجز تقسيم مصادر علم الغيب أو معرفة المستقبل الواقع لأنه لا حديث لنا عن الغيب الماضي ، الحديث عن الغيب الماضي وهو عن نشأة الكون وبداية الخلق لا شأن لنا به ، وإنما الكلام عن المستقبل .
فالناس تنقسم مصادرهم لمعرفة هذا إلى ثلاث مصادر بحسب الحق والباطل الذي فيها .
1. النوع الأول من المصادر :(1/2)
مصادر باطلة قطعا وما توصل إليه فهو باطل ، ومن ذلك ما تعودته كثيرا من الأمم في القديم والحديث من السحر معرفة الغيب أو ادعاء ذلك عن طريق الكهان والتنجيم والسحر ، عن طريق الشعوذة ،عن طريق خط الرمل ، عن طريق سر الحروف ، هذه الأنواع موجودة ومشهورة عند أهل الكتاب وغيرهم .
ومن ذلك ما تقرأون جميعا إذا قرأتم في أول تفسير الطبري وأشار إليه ابن كثير رحمه الله في أول التفسير عند قول الله تبارك وتعالى" الم . ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين" كيف ظن اليهود أن هذه الحروف المقطعة رمزا لملك هذه الأمة وأنها ستبقى كذا وكذا أعواما ، قدروها أول الأمر 250 عاما إلى 400 إلى 700 على اختلاف الروايات واختلاف الأمم في دلالة الرموز ، لأنها تختلف دلالة الرموز والحروف ، وهذه الدلالة القديمة موجودة في كتب أهل الكتاب ، كون الحروف رموزا إلى حقائق أو إلى علم الغيب كما يزعمون عند أهل الكتاب في كتبهم وهي موروثة عن قدماء الصابئة ، والأمم السابقة كالبابليين والكردينين وأمثالهم من الوثنيين ، فإنهم كانوا في شعوذتهم وتنجيمهم كانوا يستخدمون حروف الجمل ، مثل هذه الذي تكتب : أبجد هوز حطي كلمن .. ويرمزون بكل حرف برمز ، وفيها يقولون : إنها تحتوي على أسرار ما كان وما سيكون وما من مسلم والحمد لله إلا وكان يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " .(1/3)
ومع ذلك فإن هذا واقع وأشهر ما يذكر في هذا على سبيل التمثيل الموجز " القبالة اليهودية " التي قد تكتب " كبالة" باعتبار الحروف اللاتينية هذه الكبالة علم سريّ عند اليهود يعتمد على السحر وعلى الطلاسم ويزعمون أنهم به يكتشفون ما سيقع في المستقبل و يأولون رموزا موجودة في المزامير وفي الأسفار القديمة ،مثل سفر " دانيال" أو غيره وكذلك ورث هذا العلم وجزء منه يورثه النصارى وأضافوا إليه ما أضافوا مثل رؤيا "يوحنا" المشهورة وهي آخر ما يوجد في العهد الجديد أو الإنجيل من الرسائل ، موجودة لمن أراد أن يطلع عليها .(1/4)
والمقصود أن هذا العلم كما يسمونه : العلم الباطن ، والله سبحانه وتعالى قد سماه علما أو ذكر أنه علما ، وإن كان ليس حقا " وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر " ، فالمقصود إن هذا كان متفشيا في الأمم من قبل ، ثم ظهر وتفشى في الأمة الإسلامية مع الأسف الشديد أظهر ذلك الرافضة ، عندما ادعوا أن لديهم كتاب " الجفر والجامعة " وأن في الجفر يوجد خبر ما كان وما سيكون إلى قيام الساعة ، وأن هذا الجفر منسوب إلى جعفر الصادق ، كتب فيه الملاحم إلى قيام الساعة ، ويوجد لديهم بعض النسخ إلى الآن في بعض المكتبات ، يقال أن هذا الجفر بعضهم يفك رموزه ويحللها على أنها أحداث معينة وقعت أو ستقع ، وهو لا شك أن الرافضة والشيعة ، الذين كانوا مبتدأ الأمر كما تعلمون هو فكر عبد الله بن سبأ اليهودي ، أن هؤلاء تأثروا جدا باليهود وما عندهم وأخذوا منهم ، هذا من جملة ما أخذوا منهم مثل هذا الادعاء ، ويزعمون أن أهل البيت يعلمون الغيب وما كان وما سيكون ، وأن هذا العلم المخفي الخاص المضروب به على غير أهله الذي لا يطلع عليه سواهم وقد ادعى ذلك أيضا الصوفية : فإنهم زعموا أن أولياءهم وكبراءهم يعلمون ذلك بطريق كشفي أو بطريق كسبي ، ومن ذلك ما هو مشهور عن ابن عربي وابن سبعين وأمثالهم ممن كتبوا في هذا ، وقد عظمت الفتنة في ذلك ، ومن العجيب لعلكم تذكرون أنه عند بداية أزمة الخليج الماضية شاعت بين الناس أبياتا فيها نسبت لابن عربي لعلكم تذكرونها .(1/5)
وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وقف لهؤلاء جميعا بالمرصاد وبيّن باطلهم وزيّف كلامهم حتى أنه رحمه الله دعاهم إلى المباهلة فيما يدّعون من أخبار ويزعمون بما يقع في آخر الزمان وفي نهاية أمر هذه الأمة وشأن روادها وملوكها ، وهذا موجود في الجزء الرابع من مجموعة الفتاوى صفحة 83 وما بعدها . ومثلهم أيضا الرفاعية وأشباههم ، فانتشر هذا عند الصوفية كما انتشر عن الرافعية وانتشر هذا عند العامة و الخاصة كما قال ابن خلدون : أكثر وأول من يهتم بأخبار المستقبل وقيام الدول وسقوطها هم الملوك والحكام الذين طبعا ليسوا على عقيدة صحيحة يهتمون بأمر ملكهم كم سيبقى ؟ وكم سيأتي بعدهم من ملوك ؟ إلى آخر ذلك . لكن الأمر شاع وانتشر حتى أصبح أيضا بين العامة وتعجبون لو قرأتم كلام ابن خلدون عندما يقول : إنه يمر كهان أو منجمون جوّالون يتجولون في الأسواق ويستدعون الناس ويقولون نحن نخبركم بالأحداث التي تهمك ويأتيهم الناس يعطونهم النقود ويطلعون - بزعمهم - على ما سيقع لهم .
وهذا الذي أخبر عنه ابن خلدون تفشّى في معظم أنحاء العالم الإسلامي ، وهو في الحقيقة لا يزال إلى الآن متفشيا في أكثر العالم الإسلامي ، لا نقول بوادي ففي هذه البلاد هنا منتشر في البوادي لكن حتى لدى الخاصة أو الطبقة المثقفة في غير هذه البلاد منتشر وموجود بل إن هناك في بعض هذه الدول معاهد أو مدارس تسمى المعاهد الفلكية أو المدارس الفلكية مختصة في هذا النوع من الدجل والشعوذة والرجم بالغيب لإفساد عقائد الناس وابتزاز أموالهم وهذا لا شك ولا ريب أنه خدعة شيطانية يريد الشيطان أن يخرج الناس بها عن الاعتقاد الصحيح وأن يوقعهم في حظائر الشرك والمشركين ولهذا ينتج عن هذا النوع الذي هو الخرافات والأساطير والشعوذات أي النوع الذي هو المصدر الباطل ينتج عنه فساد العقيدة وهو أعظم فساد يقع في الأرض هذا النوع يعني بإيجاز :
2. النوع الثاني : هو المصادر الظنية :(1/6)
لا نقول أنها باطلة ولا نقول أنها يقينية لكن نقول ظنية لماذا ؟سنبين عندما نذكر أنواعها وتفصيلها .
? النوع الأول من المصادر الظنية لمعرفة ما سيقع بإذن الله تعالى هو : الرؤى والمنامات الحقة ، وليست أضغاث أحلام . فهذه الرؤى مبشرات كما أخبر النبي ولا يستطيع أحد أن ينجم بأن تأويلها كذا إلا إذا كان بوحي فرؤيا الأنبياء وحي لا شك في ذلك ولذلك تفسير الأنبياء وحي كما فسر يوسف عليه السلام فتفسيرهم الحق لكن ما عداهم مهما كان محدثا أو معبرا فإن كلامه يحتمل الخطأ والصواب ومن هنا فإن هذا يدخل في النوع المظنون ، ولكن من الناس ما يوفقه الله تعالى فيكون تأويله في الغالب صوابا ، ومنهم ما يكون دون ذلك ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كما تعلمون صحح تأويل أبو بكر وهو أفضل هذه الأمة بعد رسولها فلم يكن تأويله مطابقا 100 % بالدقة ، وهذا دليل على أنه لا يصح ولا يمكن لأحد بعده أن يدعي أن تأويلاته للرؤى صحيحة وسليمة 100 % .
? النوع الثاني : هو ما عند أهل الكتاب من أخبار مما لم يأت في ديننا ما يدل على بطلانه لأن ما عند أهل الكتاب من أخبار إما أن يأتي بشرع ودين مما يدل على أنه حق وصواب ، فإنه حق لأن ديننا دل على ذلك ، والآخر المسكوت عنه الذي لم يأت ما يؤيده وما يبطله ، فهذا يظل نوع من الظن لا نستطيع أن نأتي ببطلانه لأنه احتمال أن يكون من بقايا الحق الذي لديهم ولكن لا نثبته ، لأننا نعلم قطعا أنهم قد حرّفوا وبدّلوا ، وجائز أن يكون هذا مما أضافوه وكتبوه إما بألفاظه وإما بتأويله وهذا وارد وعلى هذا نقيس كل ما يقال عن كعب الأحبار وعن وهب بن منبه وعن أمثالهم من أخبار الملاحم والفتن التي تكون وتقع في آخر الزمان .(1/7)
? النوع الثالث : هو الدراسة العملية التي يمكن أن نسميها " الاستنباط العقلي " أو الاجتهاد بالنظر في سنن الله الكونية فإن الله تبارك وتعالى جعل سننه في هذا الكون لقيام الدول ولسقوطها ولحياتها ولنمائها.. لكل أمر من هذه الأمور فلله تبارك وتعالى أسرار وحكم ونواميس وسنن جعلها وبقدر ما يدركها الناس ويعرفونها يستطيعون أن يصلوا إلى الحق ، مثل ما كتب ابن خلدون فابن خلدون - رحمه الله - كتب باجتهاد فيما ظن من أحوال العالم عن قيام الدول والحضارات وعن سقوطها ، وهذا النوع توصل الغربيين - على ما سنشير إليه إن شاء الله - وكتبوا و أفاضوا فيما بعد ذلك و المقصود : إن هذا النوع لا يدخل في الغيب ولا في التنجيم ولا في الكهانة ولكن أيضا يقينيا وليس بوحي، و إنما هو استنباط من الحق أي من الوحي أو استنباط من الواقع فيتأملون أحوال الأمم لماذا افتقرت هذه الدولة مثلا ؟ ، لماذا تدمرت هذه الحضارة ؟ ،
لماذا قامت ؟ فيستنبطون يستنتجون ، وقد يصلون لشيء من الحق ومن الصواب بقدر ما يعطي الله تبارك وتبارك وتعالى المرء منهم من فهم لكتاب الله وسنة رسوله أو فهما في تحليل الواقع - واقع هذه الأمم - وكيف تعيش وكيف تتدمر . هذا أيضا نوع من أنواع المصادر الظنية التي تقبل الخطأ و تقبل الصواب لكن الغربيون ركزوا عليه وشددوا عليه تشديدا مطلقا كما سنبين إن شاء الله .
3. المصدر الحق : وهذا هو النوع الثالث من المصادر .(1/8)
المصدر الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ، ومن فضل الله عز وجل على هذه الأمة ، بل على العالم أجمعين أن بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - كما قال " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " فمن هذه الرحمة أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر هذه الأمة بما تحتاج إليه مما كان ومما سيكون ، فلم يقتصر تعليمه - صلى الله عليه وسلم - ورحمته بهذه الأمة على الإخبار عن الله تبارك وتعالى وعن اليوم الآخر وعن الإيمان وعن الشرائع والأحكام والحلال والحرام ، بل أيضا أخبرهم - صلى الله عليه وسلم - عن كل ما يصلحهم في أمور دنياهم ، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - بذلك بعضها تفصيلا وبعضها إجمالا أو إشارة وكل ذلك بحكمة كله حكمة بمقتضى الحكمة ومقتضى الرحمة فإن الفتن المضلة الكبيرة التي تعمي وتصم وتظهر أخبر عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفصيلا حتى لا يقع فيها أحد سواء كانت أحداثا تقع أو كانت بدعا مثلا فالأمثلة لا تخفى عليكم مثلا : فتنة المسيح الدجال فصّل النبي - صلى الله عليه وسلم - القول فيها لعظم شأنه لأنه كما قال النبي : " ما من نبي إلا وقد حذر أمته من فتنته " فصّل النبي كل ما تحتاج إليه الأمة من أين يخرج ؟ من الذين يتبعونه ؟ ما هي المخاريق التي يأتي بها ؟ وكيف تكون نهايته وقتله إلى غير ذلك .(1/9)
ومما هو معلوم ومما صح عن رسول الله من أحاديث الفتن أخبر - صلى الله عليه وسلم - مثلا عن فتنة الخوارج لأن الغلو أهلك من كان قبلنا كما أخبر النبي وهذه الأمة يمكن يقع ذلك فيها أيضا فأخبر النبي بالخوارج وصفاتهم وبفتنتهم فلما ظهروا كانوا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أن عليا رضي الله عنه أمر أصحابه بالبحث عن ذي الثدية - تصغير ثدي - فلم يجدوه فقال : والله ما كذبت ولا كُذِبت ، فبحثوا عنه حتى وجدوه في ساقية تحت القتلى فأخرجوه فإذا في عضده مثل الثدية فعلموا أنه هو الذي أخبر عنه الرسول ، انظر كيف كان على التفصيل بالحديث عنه .
أخبرهم - صلى الله عليه وسلم - بالافتراق والفتن ليحذرهم منها ولينذرهم وليلزمهم باتباع السنة ، اتباع الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا افتراق عنه ولا يجوز التفرق فيه فأخبرهم بذلك - صلى الله عليه وسلم -
أخبرهم - صلى الله عليه وسلم - أيضا بالتفصيل أنهم سيفتحون الأرض المعمورة وأن الروم سوف يقتلونهم في آخر الزمان وقد جاء ذلك أيضا بأحاديث كثيرة مبين فيها كيف ستكون المعركة والمدن التي تكون أين سينزلون وكيف تكون المعركة عند القسطنطينية أو عند روميا والأحداث المهمة في ذلك الزمان بيّنها رسول الله . أيضا لشدة حاجة الأمة إلى معرفة عداوة الروم لهذا الدين وأنهم سيظلون العدو اللدود الأبدي لأن الروم كما لا يخفى عليكم كان هرقل زعيمهم وملكهم ولما وفد إليه كتاب رسول الله بعد أن رأى الرؤيا وأخبر أن ملك الختان قد ظهر وهذا شاهد كما ذكرنا من علم الغيب ممكن أن يطلع عليه إذا أراد الله سبحانه وتعالى لحكمة منه فرأى رؤية أزعجته وعلم أن مُلك مَلِك الختان أو أمة الختان سيظهر ثم كان لقاؤه بأبي سفيان رضي الله تعالى عنه ودار بينهم ما دار من الحديث الطويل المشهور واشتمل على دليل عظيم من دلائل النبوة ومن ذلك الحين عندما أبوا الإسلام مع معرفتهم بأن رسول الله حق .(1/10)
وهؤلاء يظلون العدو الأبدي لهذا الدين لا يفصل بيننا وبينهم إلا نزول عيسى عليه السلام لأنه سوف يتبرأ منهم في الدنيا قبل الآخرة فهو الذي يقتلهم ويقتل خنزيرهم ويحطم صلبانهم ويضع الجزية ، أي : توثق الجزية فلا يقبلها منهم لأنهم كما ترون الآن وفي كل العصور ينتسبون إليه وباسمه يبيدون المسلمين في كل مكان ولشدة عداوتهم وعظيم ضررهم - من حكمة الله تبارك وتعالى - هو الذي يقاتلهم بعد أن يأتي مجددا ومتبعا لشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فيصلي خلف المهدي كما قال النبي في الحديث الصحيح : "وإمامكم منكم " ، ويصلي عيسى خلف المهدي من هذه الأمة ليعلم الناس جميعا أن عيسى تابع لشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
فأخبر النبي بهذا وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بما كان وبما هو كائن خبرا طويلا عظيما كما في البخاري ومسلم ورواه أحمد وغيرهم أنه - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس وفي رواية مسلم والمسند أنه صلى الفجر ثم خطب الناس حتى جاء وقت الظهر ثم نزل فصلى ثم خطب الناس حتى جاء وقت العصر ثم نزل ثم خطب فصلى حتى غابت الشمس فأخبرهم بما كان وما سيكون وفي بعض الروايات قال : حتى دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار .
سبحان الله انظروا هذا التفصيل العظيم العجيب ولهذا قال الصحابة فأعلمنا احفظنا . فحفظوا منه من حفظ وبعضهم لم يحفظ .(1/11)
المقصود أن هذا قد أخبر به - صلى الله عليه وسلم - ، فكل ما يحتاجون إليه بالتفصيل ذكره تفصيلا وما كان دون ذلك فهو بحسبه وما على الأمة إلا أن تتحرى وتجتهد معرفة وتمييز الصحيح من الضعيف أو الموضوع من هذه الأخبار ، فتتلقى الصحيح الثابت - عموما والحسن - تتلقاه بالقبول وتؤمن به وما عداه فإنها ترده ولا تقبله ، وهذا حق ، فهذا مصدر يقين وحق لأنه ممن لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم - إنما يظل الخلاف وهو موضع الاجتهاد في ماذا ؟ في تفسيره ؛ كيف نفسره ؟ وهذا له قواعد أحب أن ألفت نظر الإخوة إليها لتفسير ما ورد عن الرسول من أحاديث الفتن ، قواعد علمية لا يجوز للإنسان أن يغفل عنها وأن يفسرها بهواه وقد ضل كثير من الناس في القديم والحديث عندما يفسر ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فضلا عن المنامات أو الأحلام بمقتضى آرائهم أو أهوائهم من غير اعتماد على منهج صحيح من العلم من اللغة أو من كلام العلماء أو من دلائل الواقع .
الحقيقة كل ما تقدم هو مقدمة لنصل إلى صلب الموضوع وهو موقف الغرب من دراسات المستقبل وموقفنا نحن من هذا العلم أيضا . ماذا عمل الغرب وما هي مصادر هذا العدو اللدود - الغرب - ؟
1. الخرافات والأساطير بقيت عندهم ، المصدر القديم بقي عندهم لأنهم هم اليهود والنصارى وورثوا ميراث أولئك وزادوا عليه من الخرافات ، فهم يعتمدون على الكهان يعتمدون على التنجيم يعتمدون على الأساطير يعتمدون على كل الوسائل التي قد تخطر على بالكم وقد لا تخطر .
بهذه المناسبة ألتقط لكم مثالا حيا ، الليلة طبعا في أمريكا حدث كبير جدا ، الليلة انتخابات كل واحد من الطرفين لديه عدد كبير من المنجمين والمنجمات والساحرات يخططون لهم من شهور ويتنبأون بفوزه في الحملة الكلية أو في ولاية كذا دون كذا .(1/12)
وهذا معروف ومن لوازم البيت الأبيض الأساسية . الكواهن والكاهنات والسحرة وهذا نُشر وكُتب وموجود في كتب ، يعني لا ينكرون ذلك .
إنهم يعتمدون في التخطيط السياسي على الكهنة وعلى أخبار السحرة والمنجمين والمشعوذين بنفس الطريقة القديمة ، الطريقة التي يتحدث عنها العجائز أو من أثر فيهم المشعوذون : المطالع والقرانات وحركات الكواكب والأفلاك ، يعني أن هذا المصدر ما زال موجودا .
? مثلا : المذنبات وكون المذنب دليلا على حدث ضخم يقع في الأرض ويتأول الناس في كل ذلك ما يتأولون هذا موجود عندنا عند العجائز عند كبار السن وهو متداول من القديم إلى الآن .
أيضا الغربيون عندهم هذا الاعتقاد ، مذنب " هالي" مثلا لما ظهر كل مرة يظهر يعتقدون أنه يتلازم مع ظهوره وقوع أحداث دولية أو سياسية كبيرة - وهذا دليل على أن الخرافة واحدة - وإن كانت في ثوب عصري وبمكان عصري ولعل بعضكم ما زال يذكر بعض الكتب التي تقرأ ويقرأها العامة فيها الملاحم مثل ملحمة " التبع حسان " هذه الملحمة موجودة في كتاب ( الزبير سالم ) وهو من كتب الخرافات التي تقرأ فيها كيف سيأتي ملك بني أمية وكيف يظهر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي ملك بني أمية ثم بني العباس ثم إلى ظهور المهدي وظهور عيسى في آخر الزمان ، ومثل هذا كثير .
مثلا ابن خلدون مثّل لهذا أيضا بأنواع من الشعر كثيرة لديهم هنالك بالمغرب بنفس هذه الصورة من الدجل أو حق مشوب بالباطل وهذه الظنون والخرافات التي مصدرها ربما يكون كما هو معلوم أن هذه الأشعار والأخبار كتبت بعد الإسلام أصلا - لكن تفترض أنها كانت قبله - مثل ما حدث في " شق وسطيح " وغيرهم من الكهان ، نقول مثل هذا موجود عند الغرب بل في صورة أعمق وبطريقة أدق عندهم لأنهم كما تعلمون يهتمون بتحليل كل شيء حتى الخرافة .(1/13)
من ذلك أن رجلا غريبا ظهر قبل أكثر من مائتين سنة في أوربا وألمانيا وذهب إلى الكنيسة ودرس في الفاتيكان يسمونه " انوستردامث " هذا كتب كتاب يتنبأ فيه بأحداث وزعم أن ما يتنبأ به ليس مجرد أخبار وآراء أو تنجيم أو كهانة ، إنما فيه أيضا من نور النبوة فيه من الوحي ويحتمل أن يكون أخذ تفسيره عما عند أهل الكتاب بل يحتمل أيضا أن يكون اطلع على ما كتبه المسلمون في هذا مما هو مأخوذ من أحاديث الفتن والملاحم وغير ذلك .
فهذا الرجل هو الحديث والشغل الشاغل لكثير من الدارسين والمحللين الغربيين في أوربا وأمريكا وقد عملوا له فيلما ولعل الفيلم لعل بعضكم قد رآه وقد رأيته الحقيقة بنفسي فتتعجبون عندما ترون هؤلاء كيف يفكرون قال هذا الرجل مثلا : أن الثورة الفرنسية سوف تقوم ، إن نابليون سوف يظهر ، إن الدولة العثمانية حالها كذا ، إن أمريكا عالم جديد سيُكتشف أو أُكتشِف ، سيكون العالم الجديد ، سيكون فيه فلان الزعيم وفلان من الزعماء الذين قد يكونوا لم يظهروا في هذا الوقت إلى أن قالوا وذكر مقتل جون كيندي وأخبر في آخر الأمر بأن دمار أوربا سيكون على يد رجل يظهر من الشرق .
2. المصدر الثاني عندهم : ما في كتبهم المقدسة من نبوءات :(1/14)
قد أبرزوا ذلك حتى في رؤيا " يوحنا " أو رؤيا " دانيال " ظهر ذلك جليا في أثناء الحرب بينهم وبين العراق التي يسمونها حرب الخليج لكن حرب الخليج حربين ، كثرت الحروب - نسأل الله العافية - المقصود : الحرب الأخيرة هذه ظهر في الأساطير والنبوءات ظهر ظهورا عجيبا في تلك الأيام أظهروا فيها مكرهم ، عندما أظهروا كيدهم ومكرهم وما في أنفسهم من حقد وتولى ذلك الإنجيليون الأصوليون الذين يؤمنون بحرفية ما في هذه الكتب فقالوا هذا العالم الإسلامي هو الخطر وهو مصدر الشر كما قال هؤلاء وأن المسلمون هم الوثنيون الذين لابد أن يدمروا وأن هذه الحرب ستكون تمهيدا لنزول المسيح وإذا نزل يرفع المؤمنين به وهم النصارى إلى السحاب ولا يبقى إلا الوثنيين - يعني المسلمين - ثم يدمرون تدميرا كاملا .
وقالوا : إن ما ورد في رؤيا يوحنا من النار المتقدة بالكبريت تعني الحرب النووية التي سوف تستخدم في الحرب يعني أبرزوا هذا الكلام حتى قبل أن توشك الحرب وهيأوا أذهان الناس في أمريكا وغيرها لقبول خيار الحرب وأنه لابد من الحرب حتى ينسحب العراق ولابد من الحرب لتدمير هذه القوة وأن " بابل الزانية " والذي يكثر ذكر بابل الزانية في كتبهم أنها هي هذه بابل فالعراق لا بد أن تضرب ولا بد أن تدمر وغير ذلك الصهيونية واليهود يستخدمونهم ويسخرونهم لمآرب لهم تلتقي أهدافهم لكنهم أرادوا بهذا لا نقول تدمير العراق أو القضاء على العراق - هذا هدف مبدئي قريب - إنما يريدون أصلا تدمير العالم الإسلامي ويكون هذا نموذج له .
فالنموذج لديهم إما أن يكون الخميني : العنف والإرهاب والدموية ، هذا هو الإسلام ، وإما أن يكون ذاتي ، هذا هو الإسلام : الإرهاب واستاجار كارلوس ، هذا هو الدين هذا هو الإسلام .
وإما أن يكون صدام أو غير صدام فيقال هذا هو الإسلام وهذا هو الجهاد المقدس قد أعلنه صدام فيجب أن نقضي عليه .(1/15)
يعني : أي واحد يأتي ، فأي فرصة ينتهزونها لإبراز أن الإسلام هو العنف والدموية والإرهاب وسفك الدماء هو العدو الذي يجب أن يقضى عليه ، يستغلون أي شيء.
فعندما كان الخميني ، كان صدام بالنسبة لهم هو المُحِق المصيب أو المظلوم في هذه الحرب الذي يطالب بإيقافها من طرف واحد وهو عادل ومنصف واستجاب لمطالب الأمم المتحدة في هذا وهو مع الشرعية الدولية .
فلما أرادوا تحويله أصبح هو الديكتاتور والسفاح وصاحب بابل الزانية وكل لقب من الألقاب والوحش لأنهم عندهم رؤية من رؤى يوحنا الوحش هو النبي الكذاب إلى غير ذلك يعني أوّلوا كل التأويلات عليه .
إذاً عندنا نوع إنجيليون حمقى يؤمنون بهذا الكلام حرفيا ويتأولون بالأهواء وعندنا الساسة الخبثاء الذين يستغلون من النصوص وكلام الإنجيليين لأغراض وأهداف ، كل هذه تلتقي ( الأهداف ) في النهاية على تدمير هذه الأمة وتجميع القوى وتهيئة جميع الشعوب الغربية لتصدق أن هذه الأمة هي العدو الذي لابد أن يُقضى عليه قبل أي مشكلة من المشاكل التي يعاني منها الغرب ، هذا النوع الثاني .
3. النوع الثالث من أنواع الدراسات المستقبلية الغربية : هو الدراسات التي أشرنا إليها من قبل في النوع الظني ، وهي الدراسات المعتمدة على الاستنباط والاجتهاد والنظر في سنن الله الربانية ، يعني دراسات علمية .
هذا النوع ظهر أيضا في أوربا وكثر المتكلمون فيه من الفلاسفة الذين يسمونهم فلاسفة التاريخ ، يعني يتأملون كيف تجري أحداث التاريخ ، وكلهم تأثر من قريب أو من بعيد بابن خلدون كيف تكون أحداث التاريخ .
مثلا : هيجل المفكر الأوربي المشهور يقول إن العالم صراع النقائض فيما بينهم في النهاية ينتهي بقيام دولة بروسيا التي كان فيها فهي الدولة النهائية التي ينتهي عندها حلم البشرية لأنه كان يعيش في ظله .(1/16)
هذا الكلام أخذه " كارل ماركس " وجعله في صورة أخرى ، إن المتناقضات هي همّ الطبقة العاملة والطبقة الرأسمالية ، وأن الدولة التي ينتهي عندها التاريخ وتكون نهاية العالم هي الدولة الشيوعية .
الحمد لله قُضي عليها كلها وذهبت لكن هذا هو تفكير الأوربيين في دراسة التاريخ ، هؤلاء فلاسفة ، ظهر بعد ذلك باحثون ليسوا بفلاسفة لكنهم باحثون لا يعتمدون منهجا فلسفيا معينا لكن أكثر وأدق استنباطا في سنن الله أو في التاريخ .
أشهرهم هو المؤرخ البريطاني المشهور " أرنولد توبي " هذا درس الحضارات جميعا درسها وتأمل فيها واطلع على أحوالها وذكر كيف يمكن أن تسقط الحضارات وكيف يمكن أن تقوم وتنبأ فيما تنبأ بسقوط الحضارة الغربية ، وتنبأ فيما تنبأ بأن المسلمون سيكونون عدو المستقبل أيضا، وإن كان في كلامه بعض اعتراف بالحق لكن عندما ذكر أن الغرب سوف يسقط بسبب الخمر وبسبب الفواحش والانحطاط الأخلاقي وأن المسلمون سلموا من هذا يعني هذه أحد العوامل ولاشك بها يرث المسلمون الأرض بإذن الله تبارك وتعالى .
تونبي المعروف عند الناس أنه مؤرخ وعالم هذا المعروف ، لكن في الواقع كان المستشار لوزارة المستعمرات البريطانية ومن خلال ما يقرب من حقائق يستنتجها تخطط السياسة البريطانية فلما انتهى عصر الاستعمار البريطاني نقلت الملفات والخبرة والوسائل وكل شيء نقل إلى أمريكا و" كوبلنت " أشار إلى هذا في كتاب " لعبة الأمم " أن في عام 1968 نقلوا كل شيء إلى أمريكا ولذلك تذكرون عندما حدثت أحداث الخليج الأخيرة ظهرت وثائق وأظهرتها صحيفة اسمها الحياة كيف أن ما نفذ في عام 1990 كان سيقع عام 1960 لكن المنفذ ذاك اليوم كان بريطانيا ، يعني العملية واحدة ، كل منهم يبني على ما عند الآخر ويأخذ دراسته ويفيد منها ثم يضيف إليها ما حصل .(1/17)
أيضا : تخلى الإنجليز عن مصر عن القناة وعن العرب واليهود ورثته أمريكا بنفس الدور البريطاني ، فالآن المفاوضات هذه حول السلام تشرف عليها أمريكا ، من كان يشرف عليها من قبل ؟بريطانيا . نفس الشيء مؤتمرات كانت في لندن والإشراف عليها بريطاني ، فالعملية واحدة يعني الكل يستفيدون من خبرة ما سبقهم وبعضهم يحيل إلى بعض والجميع يشعر أنهم كيان واحد وأن العدو الذي يهدده واحد وهو هذا الدين .
4. ظهر نوع آخر لا بأس بالكلام عنه ،وهو الخيال العلمي ، نوع من أنواع معرفة المستقبل عند الغربيين ويعتمد على مجرد التخييل لكنه يستند إلى حقائق إما حقائق علمية بالنظر في الكون وإما حقائق علمية بمعنى نتائج أيضا تاريخية واستنتاجات أيضا من التاريخ واقعية عندهم الذي يسمونه نبي القرن العشرين من كبرهم وافترائهم هو " ولز " يسمونه نبي ، متنبئ تنبأ بأشياء كثيرة وله عدة كتب منها كتاب " رحلة في دنيا المستقبل " مترجم وهو من الناحية العلمية البحتة .
5. وله أيضا توقعات أخرى عن سقوط بريطانيا وانهيار الإمبراطورية وقيام امبراطورية أخرى وما أشبه ذلك هذا كان ممن اشتهر بهذا النوع من التنبؤات وكتب فيها طويلا .
6. ومنهم ممن درس دراسة بعيدة عن هذا الخيال العلمي ، إنما كانت خيال علمي أقرب للحقيقة وهو " جورد أولوي " ألف كتابا عنوانه " 1985 " وألفه قبل هذا بحوالي 80 سنة . قال عام 1985 سيكون العالم كذا وكذا وبيّن أشياء مما تخيل أنه سيكون عليها حال العالم .(1/18)
دراسات أخرى من نوع آخر قام به " شبنجلر" في كتابه : تدهور الحضارات الغربية وهو شبيه بعمل " تونبي " أنه جمع الحضارات جميعا وكيف تقوم وكيف تسقط وذكر أيضا أن الحضارة الغربية سوف تسقط وتنهار . ولكن أقول الخيال العلمي كثر جدا حتى تنبئوا بصعودهم إلى القمر مثلا تنبئوا بالسيطرة على الكواكب تنبئوا بحرب النجوم تنبئوا بأشياء كثيرة ليست من الغيب في شيء ، لكن فكروا أن العالم سيتطور فبتطور ما لديه تصبح هذه الأمور حقيقة وواقع وبعض هذه الأشياء يكونون قد اطلعوا عليه وهي في دور الفكرة دور المعمل فيفترضون أنها قد وقعت لهم وبعد سنين ينجح العلماء التجريبيون في الحصول عليها فيظهر ما قالوا من قبل فهي ليست تكهنا وإنما هي خيالات ورؤى تعتمد على بعض الأمور و الحقائق الصحيحة يمكن أن تسمى تكهنا من باب تنبأ الرجل بالغيب لكن ليست مصدرها الكاهن .
هذه الأربعة أنواع مع أنها موجودة ولها أثر كبير في الغرب لكنها لا تهمنا كثيرا مثلما يهمنا النوع الخامس والأخير والخطير .
5. وهو الدراسات العلمية المتخصصة في معرفة المستقبل وحتى لا أطيل عليكم من جهة وحتى أيضا نستوعب ما يقال .
هذه الدراسات التي تخطط أو التي تفكر لتعلم ما سيكون عليه الحال في المستقبل .
? مثلا : الآن في هذه الأيام ينشغل الناس أو يشتغل الغربيون بموضوع واحد : وحدة أوربا هل ستكون أو لا تكون ؟ ما أحد يعلم الغيب إلا الله ، لكن قبل أن يوقعوها - بغضّ النظر عن بعض الدول التي رفضتها - نحن نستطيع أن نقول بأن الغرب سوف يتوحد أن أوربا سوف تتوحد ، لماذا ؟ لماذا نفترض أنها سوف تتوحد ؟ الدلائل التاريخية والدلائل النصية .(1/19)
أما الدلائل التاريخية : فإن أوربا قد توحدت علينا أيام الحروب الصليبية في الحملات الكثيرة التي كانت تقوم بها ، توحدت جميعا وكانت تحت راية واحدة ملك ألمانيا وملك فرنسا وملك بريطانيا و دوق كذا وكذا من الدوقيات ، كلهم جاءوا تحت راية واحدة : الحرب ضد المسلمين،فلا يستغرب هذا عليهم مادام العدو هو الإسلام.
والأمر الآخر من النصوص أيضا: نفهم أن الروم يحاربوننا في آخر الزمان على أنها جهة واحدة ، طبعا لا يعني هذا أن الأحاديث تنطبق الآن هذه اللحظة لكن نقول تشير الدلائل إلى أن الغرب أقرب إلى أن يتوحد دائما إشارة فنحن نقول مثلا بهذا.
الغربيون عندما يقولون أو يحاولون تقرير هذا يدرسون دراسة تطبيقية تجريبية ، يقولون : هل يمكن أن نتوحد ؟ ولماذا نتوحد ؟ وما هو مستقبل العالم في القرن القادم إذا توحدت أوربا؟ .
بناء على هذا، يقولون : من الذي سيكون القوة العظمى في العالم؟.
وظهرت ثلاثة احتمالات ، وبعضهم يقول أربعة.
1.الاحتمال الأول : أن تظل أمريكا هي القوة العظمى في العالم ، وهذا ما يريده الإنجيليون والأصوليون والتدبيريون ، أن تظل أمريكا هي القوة التي تهيئ لمقدم المسيح ونزول المسيح ، لأن النصارى عندهم اعتقاد أنه سينزل عام2000 هكذا أرضينا أم لا ؟ هذا تفكيرهم ، فيريدون تجميع الناس ، إذا ما طلع عام 2000 ما يهم.
مثل ما كانت الحرب الأخيرة هذه ، التنبؤات طلعت كذب ، ما يضرلأن الشعوب لا عقل لها فما يقول أنت في سنوات قلت لي كذا ، والآن صارت كذا ، من يقول هذا ؟ المفكرون المثقفون هؤلاء قليل ، لكن أكثر الناس إذا جاء عام 2000 وما جاء المسيح ، أشغلهم بقضية ثانية ينسوا القضية الأولى وهكذا حال الشعوب عموماً .
المقصود الآن في هذه المرحلة يهيئون الناس إلى هذا الكلام ويقولون أنه سينزل ، إذا أمريكا هي القوة المحتملة .(1/20)
2-الاحتمال الثاني : هو أن يكون هناك قوة يابانية أو قوة شرق آسيا ، يعني تتوحد اليابان وكوريا والصين ، وتكون قوة عالمية .
3- الاحتمال الثالث : أن أوربا الموحدة هي القوة المحتملة .
4-الاحتمال الرابع : أن القوة القادمة هو الإسلام ،وهذا يصرح به من يصرح ويخفيه من يخفي ، (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) , ما الذي ينتج عن هذا عملياً ؟ .
? مثلا : إذا ترجح لديهم لأنهم دائماً يضعون ثلاثة أو أربعة احتمالات ،ويضعون على كل احتمال جوابه حتى لا يفاجئوا به .
? مثلا : احتمال أ ن الإسلام يكون القوة القادمة مالذي يترتب عليه ؟ يترتب عليه القضاء على المسلمين في أوربا ، كيف ؟ مثلا : المسلمون في البوسنة والهرسك هذه دولة مسلمة سكانها مسلمون أغلبيتهم مسلمون في داخل أوربا ، لا يصح أن تقوم في أوربا دولة إسلامية مهما صغرت وتكون مستقلة لأنها نواة للخطر القادم داخل أوربا ما يمكن .
يريدون القضاء على أي دولة وتفتيت العالم الإسلامي خارج أوربا كيف تكون داخل القارة ؟! الحرب على الملونين ضد الملونين والمقصود هم المسلمون ، وإلا فلو كانوا نصارى مهما كان لونه أو لونها جنسه لا يهم ، الحرب على المسلمين الذين يقيمون في أوربا أو في أمريكا أو يقدمون إليها لذلك ظهرت موضات غريبة عند الشباب منها حلق الرؤوس أو الرؤوس الملساء يعني شباب غربيون يحلقون شعورهم حلاقة كاملة وهم إرهابيون مهمتهم اقتناص الملونين في أي مكان في ألمانيا في فرنسا في بريطانيا في أي دولة يعني يتعبدون ويتقربون بقتل هؤلاء المسلمين الذين يرونهم في أوربا ، وقد قرأنا في أحد الدروس بعد شرح الطحاوية بعض كلامهم وقولهم : لا نريد المآذن ولا نريد الثياب ولا نريد هؤلاء أن يأتوا بدين غير ديننا وغير ذلك .(1/21)
فالمقصود في ظل هذا الخيار يظهر لنا لماذا هذا التخاذل وهذا التواطؤ الواضح المكشوف ؟ وفي داخل القارة يباد شعب أوربي دولة مستقلة اعترفت بها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي يباد وبهذه الوحشية المتناهية التي ما شاهدها التاريخ كما يكتبون هم لها نظيرا وفي القرن العشرين وفي ظل حقوق الإنسان والشرعية الدولية والعدالة التي رأيناها في أحداث الخليج عدالة عجيبة سريعة تقفز من مكان إلى مكان .
ونجد الخذلان المطلق الكامل في هذه القضية بينما ليس الصرب أقوى من روسيا ولا بأهم منها ، روسيا تدك جمهوريات البلطيق وتنسحب منها ويضغط عليها الغرب لتعطيها استقلالها وهي دويلات صغيرة في مواقع غير مهمة على الإطلاق من العالم ولا أحد يدري عنها أكثر الناس لا يدري ما هي البلطيق ولا أين تقع ليس لها أي أهمية . بخلاف البوسنة التي تقع على البحر الأبيض المتوسط وقريبة من إيطاليا ومن الشرق هذه مواقع مهمة جدا ومنطقة هي ومن حولها من أجمل بقاع العالم على الأقل الغربيون يعتقدون أنها أجمل بقاع العالم ومع ذلك تدمر انظر كيف المعايير تختلف ، لماذا ؟
لأن هناك حقد خفي للدين قد يظهرونه وقد لا يظهرونه لكن الدراسات الاستراتيجية المستقبلية تقول : يجب أن تقضوا على هذا الخطر لا بد أن تقضوا عليه وليس فقط مجرد أن رجال الدين ينادون بذلك ، رجال السياسة المستندون إلى هذه الدراسات ، والدراسات تستند إلى ما في الكتب المقدسة عندهم من تنبؤات هم الذين يخططون ويقررون هذا .
إذاً في ظل هذا يمكن أن نقول : إن مستقبل أوربا يراد له أن تكون أوربا هي القوة الوحيدة في القرن القادم ويراد أن أوربا تتطهر عرقيا أو دينيا وتصبح أمة نصرانية متماسكة .(1/22)
? مثلا : موضوع السكان وانفجار السكان يدرسون المستقبل بدراسة بسيطة جدا أيّ واحد منا يقدر يجريها أي واحد منا يعني يعرف أنه إذا كانت القرية الآن سكانها خمسة آلاف ويتزوج منهم مثلا 20% أو 30% وكل واحد يولد له في سنتين مولود فبعد عشر سنوات أو عشرين سنة يصبح عدد سكانها كذا ، ما هي صعبة أبدا بهذه الطريقة يتحدثون ويخططون تخطيطا دقيقا .
طبعا هذه طريقة سهلة ، لكن لابد من تخطيط عميق أقصد إشارة إلى الطريقة يخططون ويقولون أن الغرب في خطر خطر شديد جدا . كيف ؟
قالوا : إن العالم الإسلامي اليوم مليار ، ألف مليون وستمائة مليون ، المسلمون اليوم إذا استمروا في التكاثر والتناسل في مثل هذه النسبة سيصبحون بعد جيل أو جيلين أكثرية في الغرب ، يعني : الغرب يتناقص ، الوفيات في الغرب أكثر من المواليد فيصبح أقلية بخلاف ما كان في أول هذا القرن كان الغرب أغلبية ساحقة ، يعني كان سكان مصر خمسة ملايين وكان سكان بريطانيا خمسين مليون .
لكن عام 2000 أو 2010 يصبح سكان مصر مئة مليون ويصبح سكان بريطانيا ستين مليون تقريبا ، فكيف بعد مئة سنة أخرى ؟!! هذا خطير جدا .
واليهود من أقل الشعوب تناسلا معنى ذلك أنه في عام 2050 أو 2030 - تقديرات طبعا - اليهود يصبح عددهم 15 مليون لكن يصبح العرب التي حولهم 400 مليون ،وهذا رقم مخيف جدا وخاصة مع انتشار الأصولية ، لو لم يتدين الشعب كله لو تمسك منهم 10% بالدين صاروا 40 مليون فممكن أن يقضوا على 15 مليون يعني عدد هائل يهتموا جدا بذلك ، لذلك يجعلون من أولويات الدراسة عندهم بالغرب بحسابات دقيقة دراسة تفصيلية لمعرفة النمو السكاني ولذلك كثير من دول أوربا كل مولود يولد تعطي عليه منحة أو جائزة وتحاول بعض الدول أن تسكن أرضها حتى لو من غير الأوربيين تعبأ فيها بشرا ويتناسل مع الشعب الأوربي حتى لو كان هذا الجيل الجديد من الصومال يعبئون الآن من أي دولة .(1/23)
ما يهمهم سينسجمون معهم لأن أبناءهم سيكونوا نصارى ومن أبناء البلد المهم شعورهم بالفقر السكاني يخيفهم ويجعلهم يتناسون كثيرا مما يؤمنون به ويجعلهم يأتون بهؤلاء الناس يعطونهم جنسيات يسكنونهم ، يعني في ألمانيا حتى العمال تشملهم الزيادة العددية في السكان و المكافآت حتى يسكنوا فيها ويستقروا وتكون لغتهم الألمانية وسيكونوا مجندين في الجيش الألماني ، إذاً هم ألمان حتى وإن كانوا أتراك وهكذا .. مع أنهم يحقدون على الأتراك حقدا شديدا إنما يرون أن هذا ضروري . في فرنسا مثلا قل : لماذا يعطون الجزائريين والمغاربة مثلا جنسيات ؟ أيضا من نفس المنطق لأنهم يشعرون بالقلة العددية .
ويصدرون لنا كل يوم الانفجار السكاني خطر يهدد مصر ويهدد الدول العربية ولا يدرون كيف يأكلون ولا كيف يعيشون مع أنهم يعلمون وهم أعلم بنا من أنفسنا أن المساحة المزروعة في العالم العربي فضلا عن العالم الإسلامي لا تصل أبدا إلى 5% من أرضه ، أما هم يستغلون كل شبر في بلادهم بل يستغلون حتى البحر يستغلونه حتى في الزراعة واليابان وغيرها مثال على هذا .
إذاً يخوفوننا بهذا الانفجار وهم يخططون في الدراسات المستقبلية لأن يظلوا هم الأكثرية أو المسيطرين بشريا على العالم وهذا أحد الجوانب التي قلت مثال واضح للجميع عن تخطيطهم وخبايا تخطيطهم .
? مثال آخر : موضوع البيئة :
سمعتم عن مؤتمر الأرض وما جرى فيه والبيئة والاهتمام بالبيئة هذا علم يمكن التوصل إليه بالدراسة العادية جدا ونحن المسلمون في غفلة عنه مع الأسف الشديد ، يعني : كيف تتلوث البيئة مثلا ؟ أو خطر الأوزون مثلا الأوزون هذا كما يسمونه : ثقب في سقف الكون ما هو خطرها ؟ ماذا ينتج عنها ؟ المسلمون كانوا في غفلة من هذا ، أعلى نسبة تلوث في العالم الإسلامي القاهرة مثلا على هذا وغيرها من المدن .(1/24)
ما في تفكيرهم يفكرون في كيفية إيجاد البيئة الملائمة للإنسان والتخفيف والإقلال الشديد من الخطر البيئي ولذلك إنهم يعرفون أين يبنون المصانع ، كيف يحولونها ، أين يدفنون النفايات النووية . اكتشفت بواخر تدفن النفايات النووية ، تدفنها قرب سواحل بعض الدول الإسلامية بغرب إفريقيا ، بل قالوا : إنها ممكن أن تدفن في بعض الصحارى العربية حتى لا تتأثر بيئتهم بما فيها من إضرار وما فيها من أخطار لأنهم يريدون نظافة وسلامة ونقاوة البيئة .
? مثال آخر : البث المباشر :
قبل أن يسمح للبث المباشر على أوربا أُجّل الموضوع ثلاث سنوات ، ودرست آثار البث المباشر الأمريكي لو جاء على أوربا ، وماذا ستكون نتائجه ووضعت الترتيبات اللازمة ، ثم بعد ذلك بدأ بعضهم يستقبل من بعض ، وماذا سيكون النتائج الأخلاقية ، النتائج الاجتماعية ، النتائج السلوكية ، النتائج اللغوية ، كل هذا درسوه على أنه من الممكن أن يقع وخططوا له ، ثم بعد ذلك فيما بعد النتائج البعيدة كيف يمكن أن تكون إذا أصبح العالم فعلا قرية واحدة ، وما أثر هذا على القرار الديني أو القرار السياسي ، يعني مثلا بابا الفاتيكان دخلوا في هذا الجانب .
إذاً عام 2000 مثلا أو 2010 نستطيع أن نوصّل العالم كله بطريقة سهلة وهي طريقة التلفزيون ، بواسطة الغزو الفضائي هذا نتمكن من تنصير العالم كله .
? مثال آخر : موضوع المعادن :
كل المعادن إلى نفاد مهما قلنا فهي تقدر عن طريق الأقمار الصناعية ، يكتشفون المعادن وهذه أصبحت عملية سهلة بالتصوير الفضائي يعلمون ما في باطن هذه الأرض وقد يميزونه كونه ذهب أو نحاس أو فضة حتى ما في باطن وداخل البحر ، فيقدرون إذا استوردنا هذا كل سنة المخزون مثلا من 100 مليون طن إذا أنتج منه كل سنة 10 ملايين طن ، بعد كم سنة ينتهي ؟ عشر سنوات ، يقدرون هذا ويحسبونه .(1/25)
معنى هذا ؛ ما هو البديل بعد ذلك ؟ كيف سيكون وضعنا ؟ وكيف ستكون أمورنا ؟ وكيف و كيف إلى آخره .. وبلغ في أمريكا تخطيط هذا لأنهم نشروا أنهم قدروا حال الخام والمعادن الخام ومصادر الطاقة في العالم بعد 500 سنة يعني عام 2500 كيف ستكون مثلا يعني عام 2100 سيكون البترول قد نفد من الأرض ، البترول المكتشف حاليا ينفذ يعني ثلاثة أجيال مثلا تعيش على البترول ، وبعد ذلك !!
يعني أولاد أولادنا يمكن يشهدون هذه النهاية ، انتهى البترول .. ما في شيء ! هم الآن يعرفون كيف يخططون ، ومما يعملون الآن أنهم يحفرون حفرا بعيدة عميقة جدا ويسحبون البترول من جميع الدول المنتجة له ويودعونه في هذه المخازن الكبيرة جدا ، بالإضافة إلى مصادرهم الاحتياطية لهم بالإضافة إلى البترول الذي يدور في بلدهم أو الذي لا يكتشف ولم يُعلن عنه في دول مضمونة لهم ، في النهاية إفقار العالم ليترك ليموت لأنه ليس لديه مصدر ثروة أو مصدر طاقة ويتحكمون هم في مسيرهم .
أما نحن المسلمين لا نكاد نفكر في هذا ، المهم نبيع اليوم ونأكل ونشرب -والحمد لله - وما علينا المستقبل نقول بيد الله ، صح لا شك إنه بيد الله لكن فكر متى تنتهي بضاعتك ، وما البديل لديك ؟
ما نقول أنه ما في تفكير ، نعم يوجد تفكير نسمع ونقرأ عنه لكن هل هو في مثل مستوى الدراسات الجادة الغربية العميقة ، ثم يوجد شيء آخر : هل يرتبط هذا التفكير بعقيدة الولاء والبراء ، إن كان مجرد تخطيط بشري فلن ينجح أبدا . لماذا ؟ لأنه يقوم على افتراض أن العلاقات بيننا وبين الغرب حسنة وأننا وهم سوف نتفق على هذا وأن العملية متبادلة يحتاجون من المواد الخام ونحتاج منهم كذا فالعملية متبادلة إلى آخره .
إذا قامت الدراسات على أساس الولاء والبراء هذه العقيدة العظيمة وكل عقيدتنا هي قوة دافعة ، طاقة لا تملك أي أمة هذه الطاقة .(1/26)
فالواجب علينا - على هذه الأمة - أن يكون لديها دراسات مستقبلية جادة متخصصة وهي أقدر الأمم في العالم على ذلك . لماذا ؟ لماذا هي أقدر الأمم ؟ أظن ما أحتاج إلى أن أفسر لأن الواقع هو هكذا الناس والعالم في صراع فأنت إن لم تأكلهم أكلوك هذه قضية لاشك فيها فنحن مأكولون مأكولون إلا إذا رجعنا إلى الله سبحانه وتعالى وأخذنا بالأسباب ومنها هذا .
ونقول لماذا نحن أقدر الأمم على أن نضع دراسات مستقبلية مصيبة ودقيقة لأننا - كما ذكرنا في أنواع معرفة المستقبل - نحن لدينا المصدر الحق الوحيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ، نأخذ هذا المصدر ونبني عليه النظر في سنن الله الكونية ، وهذا ممكن أن نصل إليه بصورة أدق مما وصلوا إليه لأنهم مهما نظروا فيها يعتبرون الدين عاملا مؤثرا ، لكن ما هو الدين ؟ أي دين ؟ الدين .. التوحيد .. الشرك .. لا يعرفونه !!
فأيضا حتى دراسة الأوربيين الغربيين لموضوع السنن الربانية مهما أصابوا فيها فهم عرضة للخطأ أكثر منا ونحن إن شاء الله نُصيب لا شك أكثر منهم .
والسبب الثالث : أن من ديننا نحن أن ننازع القدر بالقدر أو كما قال عمر رضي الله عنه : " نحن نفر من قدر الله إلى قدر الله " .
وأضرب لكم مثلا : عندما نقرأ ونعلم أن هذه الكعبة هذا البيت الحرام المعظم سوف يهمه ذو السويقتين من الحبشة هذا من المستقبل مثلا لا يستطيع الغرب أن يتصوروه بدراسات السنن الربانية ولا عندهم فيه وحي هذا نحن نتفرد به ، إذاً سيُفعل هذا ، ما الواجب علينا في هذه الحالة ؟ نستسلم وندع الأحباش الوثنيين والنصارى مثلا ندعهم يقوون وكل ما يريدون أن يعملوه يعملوه ؟! ونقول قد أخبر النبي بهذا ما لنا حيلة ، لا بد أن يأتوا ولا بد أن يهدموا الكعبة .(1/27)
أبدا هذا ليس بصحيح ، وهذا خذلان واتكالية وجبرية ، لا .. الواجب أن نعمل جهدنا وطاقتنا لئلا يقوم أي حكم غير إسلامي في الحبشة ، في أثيوبيا ، في شرق إفريقيا كله ، نجتهد في هذا في جميع الأوقات . فإذا غلبنا ، الله أعلم متى سيكون هذا ، لكن سيكون قد وقع ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن نحن ندفع القدر بالقدر هذا قدر وأيضا واجب علينا أن نسعى وأن ندافع عن ذلك .
نحن نعلم أن الروم سيأتون مثلا وسينزلون في الأعماق في بلاد الشام ، هذا معناه أنهم سيجتاحون مثلا تركيا ويحتلون البحر ، ثم يكون لنا دول في أوربا سيجتاحونها ، نعم طبيعي لكن معنى ذلك نستسلم لهم ما نحاربهم في البوسنة مثلا أو تركيا أو في البلقان أو في قبرص ؟ بلى نحارب حتى إذا نزلوا في الأعماق يكون قد وقع ما أخبر به النبي وهكذا .
هذا اليقين الذي عندنا والحمد لله في أننا نتعبد الله بأن ندفع القدر بالقدر ، وأما هؤلاء المجرمون اليهود والنصارى فإنهم بمقتضى عقيدتهم في البداء بجواز البداء على الله ، تعالى الله عن ذلك ، والبداء معناه : أن أمرا ما كان خطأ فيغيره إلى الصواب ، هذه من عقيدتهم في التوراة وغيرها ، فهم مهما قرءوا في كتبهم أو في كتابنا وصدقوا أننا سنهزمهم يقولون : لا ، نحن إذا اجتهدنا وعملنا فيجوز أن نجعله يغير رأيه ، تعالى الله عن ذلك .
إذاً هم عقيدتهم غير عقيدتنا ، إيمانهم غير إيماننا ، فهم من منطلق إيمانهم بالماديات وبالأسباب يتحركون ، ونحن من منطلق آخر نعمل ويجب علينا أن نتحرك أقول : ما دمنا نحن الأمة الوحيدة التي تمتلك هذا الميراث العظيم مصدر اليقين ومصدر الحق في أحداث المستقبل فعلينا أن نجتهد في ذلك أن نجتهد بالدعوة إلى الله ، أن نقيم الدراسات لغزو أوربا وأمريكا بالإسلام .(1/28)
يعني لو قال قائل : لماذا لا نغزو كوريا واليابان ، عندها طاقات بشرية للدعوة ؟ لماذا لا نوجهها لليابان و كوريا ؟ قال الآخر : لا، يجب أن نوجهها إلى أوربا وأمريكا .
من الذي يقدم رأيه ؟ هذا يقول الغرب . لماذا ؟ هذا هو العدو الذي نحتاج أن ندخل في أعماقه أو أكثر عداوة وأولئك أعداء كفار مشركون لكن العدو الذي سوف يهاجمنا ويكون أخطر علينا هو هذا .
فأيضا تخطيطنا للدعوة ، تخطيطنا العسكري يكون ضد الغرب ، تخطيطنا الاقتصادي ، العلمي يكون ضد الغرب بالدرجة الأولى والكفار عموما . لماذا ؟ لأن عندنا يقين أنه سيكون هو العدو كما هم الآن يفعلون .
نحن نقابل الضرر بالضرر وعندنا يقين ، وعندهم خرافات وأساطير باطلة ، ثم إن هذا هو من قِبل العقول السليمة ، فالعاقل يفكر في كيف يفتح أي محل أي عمل تجاري كيف يفتح بيت كيف ؟ كل هذا قائم على ماذا ؟، على التخطيط و دراسة المستقبل ، صحيح أن المستقبل محدود سنتين أو ثلاث أو عشر مثلا ، إذا اشترى أحد عمارة مثلا هذه الأيام : لماذا اشتراها بمليون ؟ يقول : لأني فكرت أني أستطيع تأجيرها خلال 10 سنوات فيما يعادل مليون ونصف أو مليونين هكذا البشر يخططون بمقتضى العقول .
فالأمة يجب أن تخطط بالقرون وليس بالعشرات ، فإننا حتى بالعشرات لا نخطط إن كانت أمريكا تقول إن الحزب الشيوعي مما سوف يعجل بانهيار الاتحاد السوفيتي أن طاقم الحزب الشيوعي كلهم فوق الستين سنة بمعنى أنهم كما قالوا هذا صحيح ما هو علم غيب أن بعد عشر سنوات سيموتون كلهم أو أكثرهم الآن ، ما في حيّ باقي فعلا ، طبيعي ماتوا.
يعني الأشياء في مثل هذه الأمور نحن نحتاج أن نحييها في الأمة عامة وفي أنفسنا ، ويكون لدينا نظرة بعيدة للمستقبل ، للإسلام ومستقبل الدعوة ، ونبني عليه خططنا لهذه الحياة وإلا فلا مكان في هذه الحياة لفوضوي أو متخاذل أو متكاسل . علينا أن نبدأ والله سبحانه وتعالى هو الذي يحقق المساعي .(1/29)
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه(1/30)