الفهرس
فهرس الموضوعات ..........................................................1
تقديم فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ..................................2
مقدمة.......................................................................3
تعريف المساواة..............................................................5
الفرق بين المساواة والعدل ...................................................6
نشأة مصطلح المساواة.......................................................7
المساواة في القرارات الدولية .................................................8
صور من المساواة في الحضارة الغربية !!.................................... 10
اعترافات الغربيين بعدم عملية فكرة المساواة !!.............................12
الإسلام دين عدل وليس دين مساواة .......................................14
التفاضل بين المخلوقات سنة إلهية........................................... 16
مقياس التفاضل في الإسلام................................................. 17
الخاتمة....................................................................21
الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وسلم ما تعاقب الليل والنهار وعلى آله وأصحابه الأخيار والتابعين لهم بإحسان .
أما بعد(1/1)
فإن من المصطلحات المتداولة في وقتنا المعاصر مصطلح المساواة ويكتنف هذا المصطلح شيء من الغموض والمغالطات وربما جهل كثير من الناس بحقيقة هذا المفهم أو اعتقاد بعضهم أن المساواة من مرادفات العدل سيراً في قافلة المقلدين ؛ جعل كثيرا من الناس يتقبلون هذا المفهوم مع ما فيه من الخطأ والمخالفة الصريحة أحيانا لشرع الله تعالى .
ويشتد الأمر سواء عندما يروج له عبر وسائل الإعلام من أناس أشربت قلوبهم حبَّ مخالفة كل ما هو إسلامي ولو ظهر لهم الحق كالشمس في رابعة النهار كما قال الله تعالى {وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } [الأعراف : 146]
ولعلي في هذا البحث المختصر أبين شيئا من حقيقة هذا المفهوم ولا أزعم أنه خال من العيب والنقص ورحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي وقدم لي نصحا أو توضيحا.
ومن الله استمد العون والسداد فهو حسبي ونعم الوكيل .
موسى بن ذاكر الحربي
الدمام . بريد اكتروني :
mosa25@maktoob.com
في اللغة : يدور معنى المساواة على المماثلة والمعادلة يقول الراغب الأصفهاني المساواة المعادلة المعتبرة بالذرع والوزن والكيل يقال هذا الثوب مساوٍ لذلك الثوب وهذا الدرهم مساو لذلك الدرهم وقد يعتبر بالكيفية نحو هذا السواد مساوٍ لذلك السواد ...... واستوى يقال على وجهين :
أحدهما : يسند إليه فاعلان فصاعدا نحو استوى زيد وعمر في كذا أي تساويا قال تعالى [لا يستوون عند الله } [التوبة :19]
والثاني : أن يقال اعتدال الشيء في ذاته نحو { ذو مرة فاستوى} [ النجم :6]...... (1)
__________
(1) 1 مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني 439(1/2)
وقال : الخليل ساويت هذا بهذا، أي: رفعته حتّى بلغ قدرَهُ ومَبْلَغَه، كما قال الله عزّ وجلّ:{حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 69] (1)
وقال ابن فارس السين والواو والياء أصلٌ يدلُّ على استقامةٍ واعتدال بين شيئين. يقال هذا لا يساوي كذا، أي لا يعادله، وفلانٌ وفلانٌ على سَوِيّةٍ من هذا الأمر، أي سواءٍ (2) اهـ هذا هو مدلول هذه اللفظة في المعاجم اللغوية .
ومما تقدم من التعريف اللغوي يتبين لنا أن ثمة فرقا بين المساواة والعدل فالمساواة تعني رفع أحد الطرفين حتى يساوي الآخر أما العدل فهو إعطاء كل ذي حق حقه . وهناك من يخلط بين هذين المصطلحين ويظن أن معنى المساواة مرادف لمعنى العدل ! وهذا ليس صحيا إلا في حالة تماثل المتساويين من كل وجه – وهذا لا يكاد يوجد - أما مع وجود الفروق , سواء كانت هذه الفروق دينية , أو خَلْقية , فإن لمساواة بينهما تكون ضربا من ضروب الظلم لكنه ألبس شعار العدل والإنصاف ولو أخذنا على سبيل المثال - قضية مساواة المرأة بالرجل – لوجدنا أن هناك فروقا واضحة بين الذكر ولأنثى ولذلك يقول الله عز وجل {وليس الذكر كالأنثى} ودعاة المساواة تجاهلوا هذه الفروق وغصوا الطرف عنها ؛ فوقعوا في ظلم المرأة من حيث يدعون أنهم ينصفونها ؛ لأنهم كلفوها بما لا يناسب خلقتها وطبيعتها التي خلقت عليها . (3)
__________
(1) 2 العين للخليل بن احمد الفراهيدي ( باب الفيف من السين )
(2) معجم مقاييس اللغة لابن فارس كتاب السين باب السين والواو وما يثلثهما مادة (سوي)
(3) من الطرائف – أنه عقد مؤتمر نسائي عربي بالقاهرة وفي نهاية المؤتمر قدم اقتراح بواسطة رئيسته إلى المجمع اللغوي والمجامع العلمية العربية بأن يحذف نون النسوة من اللغة العربية !! ( مساواة بالذكور) : انظر- المؤامرة الكبرى على المرأة المسلمة 1/84(1/3)
إن كل مصطلح ينشأ لا بد أن له ظروفا أحاطت بنشأته , وبمعرفة هذه الظروف تتبين صورة المصطلح ويتضح المقصود منه, وإذا أردنا أن نفهم مصطلح المساواة بمفهومه المتداول , لا بد أن نعرف كيف نشأ هذا المصطلح وما الهدف منه . وكما قيل " إذا عرف السبب بطل العجب " وتتضح الصورة أكثر وتتبين الأهداف الخبيثة عندما نعرف أن من يقف وراء نشأة هذا المفهوم هم اليهود – أعداء البشرية. أهل الفساد والإفساد والتاريخ شاهد على جرائمهم وخبثهم يقول اليهودي أوسكار ليفي : ( نحن اليهود لسنا إلا سادة العالم ومفسديه. ومحركي الفتن فيه وجلاديه )
فاليهود أمة متكبرة متغطرسة ؛ وبسبب هذه الغطرسة والكبرياء أصبحوا شعبا منبوذا بين سائر الشعوب فأرادوا أن يكون لهم مكانة بين الشعوب فاتخذوا المكر وخديعة وسيلة لتحقيق مأربهم ؛ فجاءوا بمصطلح المساواة واستطاعوا بهذه العبارات البراقة استطاعوا استعطاف المغفلين من الناس وجلبهم إلى صفوفهم .
وقد جاء بروتوكولات حكماء صهيون . " كنا قديما أول من صاح في الناس الحرية والمساواة والإخاء كلمات ما انفكت ترددها من ذلك الحين ببغاوات جاهلة متجمهرة من كل مكان حول هذه الشعائر , وقد حرمت بترددها العالم من نجاحه , وقد حرمت الفرد من حريته الشخصية الحقيقية التي كانت من قبل في حمى يحفظها من أن يخنقها السفلة " (1)
__________
(1) بروتوكولات حكماء صهيون 38(1/4)
وجاء أيضا " إن صيحتنا الحرية والمساواة والإخاء قد جلبت إلى صفوفنا فرقا كاملة من زوايا العالم الأربع عن طريق وكلائنا المغفلين وقد حملت هذه الفرق ألويتنا في نشوة بينما كانت هذه الكلمات - مثل كثير الديدان- تلتهم سعادة المسيحيين وتحطم سلامهم واستقرارهم ووحدتهم مدمرة بذلك أسس الدول وقد جلب هذا العمل النصر لنا .... فإنه مكننا بين أشياء أخرى... وبتعبير آخر مكننا من سحق كيان الارستقراطية الأممية ( غير اليهودية ) التي كانت الحماية الوحيدة للبلاد ضدنا ) (1) اهـ
وبهذا يتبين لنا أن هذا المفهوم ليست إلا نبتة خبيثة غرستها أيدي اليهود بين شعوب الأرض لاستمالة البسطاء والمغفلين الذين يرددون الكلمات كالببغاوات دون تعمق في فهمها وأهدافها .
تنص القرارات الدولية – التي أملاها اليهود - على أن الناس متساوون أما القانون ومتساوون في اكتساب الحقوق وممارستها دون تفريق بينهم بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو اللغة – كلمات ظاهرها العدل وباطنها الكذب والدجل - لكن كثيرا ما يخدع الناس بالشعارات الزائفة . فهل يوجد دولة في العالم تساوي الأجانب بمواطنيها ؟! بل هل دول الحرية والمساواة المزعومة تساوي المسلمين بغيرهم من الديانات وإن كانوا جميعا مواطنين ؟! ذكرت صحيفة الصانداي تايمز البريطانية: إن الشرطة البريطانية تتجسّس على نائب مسلم في مجلس العموم، ما يعدّ مخالفة للقوانين التي تمنع التجسس على نواب البرلمان.!! (2) وجريمة هذا النائب أنه مسلم فربما يكون إرهابيا !!
__________
(1) بروتوكولات حكماء صهيون ص 39
(2) البشير للأخبار . وذكر الخبر في عدة صحف انظر جريدة الجزيرة : الأربعاء 29 محرم 1429هـ العدد 12914(1/5)
مع أن القوانين الدولة تنص على (أن الأفراد أمام القانون سواء دون تمييز بينهم بسبب الأصل أو الجنس أو الدين أو اللغة أو المركز الاجتماعي في اكتساب الحقوق وممارستها والتحمل بالالتزامات وأدائها ) (1)كما تنص على ذلك أيضا مواثيق الأمم المتحدة كما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948م في مادته الثانية ( إن لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات ،.... دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء!!....) (2) وأظن أن الذي يعيش الواقع لن يجد عناء في اكتشاف مساواة الشعوب الإسلامية بغيرها في ظل حماية الدول الكبرى خاصة الشعب الفلسطيني فالأمم المتحدة - خاصة في الجانب السياسي - لا تفرق بين الفلسطيني والإسرائيلي !! كما تنص على ذلك المواثيق آنفة الذكر !!
وهذه المساواة المزعومة في القرارات الدولية ليست مطلقة بل لها ضوابط كما يقولون فقد جاء في إعلان حقوق الإنسان الصادر في 1789م المادة الأولى " يولد الأفراد ويعيشون أحرارا ومتساوون أمام القانون ولا يقوم التفاوت الاجتماعي إلا للمصلحة العامة " اهـ (3) وتحت هذه المصلحة تنتهك الحقوق والحريات وتظهر العنصرية بأبشع صورها .
__________
(1) مبدأ المساواة في الإسلام د/ فؤاد عبدا لمنعم ص 17
(2) http://www.un.org/arabic/site_index/
(3) مبدأ المساواة في الاسلام ص 20(1/6)
كثيرا ما يصور المفتونون بالحضارة الغربية أن المجتمع الغربي مجتمع مثالي وأخلاقي لا يحمل العنصرية ولا الكراهية للآخر ولكن الدراسات والإحصائيات واعترافات القوم تكذب هذه الإدعاءات يقول : أندرو شايير عن السود ( إنهم هنا في أمريكا يعيشون كأفراد غرباء وأجانب على أرض ولدوا وترعرعوا فيها ولا يعرفون سواها .. يمكننا النظر إلى أمريكا على إنها دولة تتكون من شعبين : البيض وهم الأغلبية المسيطرة والسود وهم الأقلية المضطهدة ) ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريرا ذكرت فيه أن شرطيا من أصل أفريقي وصل إلى رتبة كابتن في مدينة سنسناتي فاعترض بعض البيض على هذه الترقية مما جعل السلطات القضائية تتدخل للنظر في القضية ويقول نيسكون بأن المحاكم الأمريكية حاولت فرض حصص تمييزية على أساس العرق في القبول في الجامعات والتوظيف والترقية وتغاضت عن التمييز في إشغال الوظائف العامة والقطاع الخاص وإبرام العقود مع الحكومة مما جعل الجامعات وبعض الوظائف تقبل بالأقل كفاءة لتغطية الحصص الخاصة بالأعراق ويحاول مأمون فندي تفسير أصول هذه العنصرية بقوله ( إن الرجل الأبيض ينظر باحتقار للإنسان الأسود ويبرر عنفه تجاهه من خلال منظومة ثقافية التي معها كان يقتل البيض إخوانهم السود ويعلقونهم في الأشجار في حفل عنف جماعي وكانوا يرون ذلك لأنفسهم من خلال كتابهم المقدس فاللون الأسود بالنسبة للمسيحي الجنوبي هو لون الشيطان ) (1)
ويبرر مونتسكيو هذه العنصرية بقوله " إن الله – جلت قدرته – لأحكم من أن يضع روحا طيبا في جسم حالك السواد "(2)
__________
(1) انظر الغرب من الداخل للدكتور مازن مطبقاني ص 72و74و 75
(2) مبدأ المساواة في الإسلام د/ فؤاد عبدا لمنعم احمد ص 231(1/7)
وأما المرأة :فلك أن تحدث ولا حرج عن الحقوق التي حصلت عليها في بلاد الحرية والمساواة !! جاء في تحقيق ميداني لمعهد الإحصاء الوطني الإيطالي (إيستات) حول العنف ضد المرأة في إيطاليا، أن "2.077.000 امرأة مضطهدة من قبل أزواجهن السابقين"، بالمعنى الواسع للكلمة، سواء أثناء عملية الانفصال أو بعده. وأنه في سنة 2006 سجلت 74 ألف عملية اغتصاب أو محاولة اغتصاب، لنساء تتراوح أعمارهن بين 16 و 70 سنة، حوالي 70 % منها من قبل الأزواج الحاليين أو السابقين. كما توضح الإحصائية أن مليون امرأة إيطالية قد تعرضت خلال حياتها لاغتصاب أو محاولة من هذا القبيل. ومجمل عدد النساء الإيطاليات اللاتي تعرضن لعنف جسماني أو جنسي أو نفسي يزيد عن 14 مليون امرأة، علما أن ما يزيد عن 90% من الحالات لم تتبعها دعوات قضائية !! (1) وكذلك أكدت ثلاث دراسات بأن النساء المصابات بأمراض القلب تحصلن على عناية أقل من الرجال من حيث الأدوية وفي الغالب يواجهن الموت أكثر من الرجال (2) وكم صاح عقلاء الغرب وبينوا من واقع تجربة خطر مساواة الإناث بالذكور لكن دعاة التغريب في البلاد الإسلامية صم لا يسمعون كما قيل :
أصم عن الأمر الذي لا أريده *** وأسمع خلق الله حين أريد
تقول جويس دافيسون زعيمة حركة نساء العالم ( هناك بعض النساء حطمن حياتهن الزوجية عن طريق إصرارهن على المساواة بالرجل , إن الرجل هو السيد المطاع ويجب على المرأة أن تعيش في بيت الزوجية وأن تنسى كل أفكارها حول المساواة !!) (3)
__________
(1) http://www.islamlight.net/index.php
(2) د / مازن مطبقاني الغرب من الداخل ص 75
(3) العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية فؤاد عبدالكريم 102(1/8)
تقول خبيرة أمريكية في شؤون الأسرة ( إن فكرة المساواة بين الرجل والمرأة غير عملية أو منطقية وأنها ألحقت أضرارا جسيمة بالأسرة والمجتمع !) (1) وتقول الممثلة الأمريكية كيت ونسلت ( إن هذه الطروحات – أي المساواة – تصيبها بالقرف ؛ لأنها تصر على تجاهل حتى الفروق البيلوجية بين الذكر والأنثى ) (2) - هذه اعترافات من المجتمع الأمريكي المتحضر !! نزفها إلى دعاة المساواة بين الجنسين في البلاد الإسلامية - . إذا كانت هذه الدعوات تصيب عقلاء الغرب بالقرف ! فهل يليق بأمة الإسلام أن تتابعهم في هذا القرف !!
أجرت مجلة ماري مكير الباريسية استفتاء على الفتيات الفرنسيات من جميع الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية شمل 5.2 مليون فتاة عن رأيهن في الزواج من العرب وكانت إجابتهن 90% منهن : نعم والأسباب كما أفادت نتيجة الاستفتاء هي :
- مللت المساواة بالرجل
- مللت حالة التوتر الدائم ليل نهار
- مللت الاستيقاظ عند الفجر والجري وراء المترو
- مللت الاستيقاظ للعمل حتى السادسة مساء في المكتب والمصنع
- مللت الحياة الزوجية التي لا يرى الزوج فيها زوجته إلا عند النوم
- مللت الحياة العائلية التي لا ترى فيها الأم فيها أطفالها إلا حول مائدة الطعام .(3)
مَنْ يُنْصِفُ الأنْثَى من الدَّاعي إلى طُرْقِ الضَّياعِ ومَنْهجِ الغَوْغَاءِ
مَن يُنْصِف الأنثَى من الرَّجل الذي يَقْتَاتُ من بَيعٍ لَها وشِرَاءِ؟
__________
(1) العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية فؤاد عبدالكريم 103
(2) المرجع السابق 103
(3) العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية فؤاد عبد الكريم ص 106(1/9)
الإسلام ليس دين مساواة لكنه دين عدل وإنصاف فالله عز وجل يأمرنا بالعدل حتى مع أعدائنا قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة : 8 ]
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في هذا الباب - حتى وإن كان الحكم ضد أحب الناس إليه - فقد أقسم لو أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سرقت لقطع يدها إن مثل هذا العدل تعجز عن تطبيقه كل القوانين الوضعية.
عن عائشةَ رضي اللهُ عنها : " أنَّ قريشاً أهمَّهم شأنُ المرأةِ المخزوميةِ التي سَرقَت، فقالوا: مَن يكلِّمُ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم , ومَن يَجترىء عليه إلا أسامةُ بنُ زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكلم ,رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : " أتَشفَعُ في حدٍ من حُدودِ الله ؟ ثم قام فخطَبَ ثم قال: " يا أيها الناس إنما ضل من قبلَكم أنهم كانوا إذا سرَقَ الشريفُ تَركوه، وإذا سرقَ الضعيفُ فيهم أقاموا عليهِ الحدَّ. وايمُ اللهِ لو أنَّ فاطمةَ بنت محمدٍ سَرقَت لقَطع محمد يدَها". متفق عليه (1)
__________
(1) أخرجه البخاري كتاب : الحدود , باب : كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان رقم (6788) ومسلم كتاب : الحدود باب : قطع السارق وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود رقم (1688)(1/10)
وما كان أئمة الإسلام يفضلون أنفسهم على سائر الناس ففي عام الرمادة لما حل القحط والجدب وجاع الناس قال عمر رضي الله عنه قولته المشهورة " بئس الوالي أنا إن شبعت والناس جياع " (1) وألزم نفسه لأن لا يأكل سمناً ولا سميناً حتى يُكشف ما بالناس، فكان في زمن الخصب يبث له الخبز باللبن والسمن ثم كان عام الرَّمادة يبث له بالزيت والخل، وكان يستمرىء الزيت. وكان لا يشبع مع ذلك. فاسود لونه رضي الله عنه وتغير جسمه حتى كاد يخشى عليه من الضعف. (2) وهذا ما يعجز عنه حكام العالم اليوم
ومن عدل الإسلام أنه لم يجعل التفاضل بين الناس فيما لا يستطاع ولا قدرة لهم على تغييره كالتفاضل بسبب العرق والعنصر وإنما جعل التفاضل فيما يكسبونه ويستطيعونه من الأعمال عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ : قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله - عز وجل- قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي والناس بنو آدم وآدم من تراب ,لينتهين أقوام فخرهم برجال أو ليكونن أهون عند الله من عدتهم من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن "(3)
__________
(1) البداية والنهاية المجلد الرابع الجزء السابع ص 145
(2) المرجع السابق ص 96
(3) رواه احمد في المسند من حديث أبي هريرة رقم 8721ط / بيت الأفكار الدولية(1/11)
وأوجب العدل مع جميع البشر بغض النظر عن معتقداتهم فضلا عن أجناسهم وألوانهم ؛ فقد أوجب الله على عباده المؤمنين أن يعدلوا في حكمهم على الناس دون النظر أيا كانوا حتى ولو كانوا ألد الأعداء قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة : 8 ] بل أوجب العدل وقول الحق ولو على النفس أو الوالدين والأقربين قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } [ لنساء : 135 ]
ينبغي على المسلم أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }[الأنبياء : 23 ] فليس لأحد حق الاعتراض على الله جل وعلا لماذا فضل جنس على آخر ؟ ! ولماذا المسلم أفضل من الكافر ؟! ولماذا جنس الرجال أفضل من جنس النساء ؟!....فإن الله تعالى يقول {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }[القصص : 68 ] ولا شك أن هذا التفاضل له حكم ولو أن كل المخلوقات متساوية من كل وجه لما أمكن العيش على هذا الكون يقول تعالى { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [الزخرف : 32 ](1/12)
وهذا التفاضل سنة من سنن الله الخالدة التي لا تتبدل ولا تتغير قال تعالى {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } [الإسراء : 21 ] وقال عز وجل { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } [الإسراء : 55] بل حتى الثمار جعل الله بينها تفاضلا قال تعالى { وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [الرعد : 4 ]
هذه سنة الله الخالدة{ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }[الأحزاب : 62 ].(1/13)
إن التمايز بسبب الجنس أو اللون أو اللغة غير مؤثر في شريعة الإسلام ولكنه آية من آيات الله. فبالنظر للإنسان من حيث هو إنسان نجد الإسلام لم يفرق بين الناس من أجل ألوانهم أو قبائلهم أو أجناسهم بل جعلهم سواء في الكرامة الإنسانية وسواء في التكاليف الشرعية (1) وسواء في الجزاء والحساب قال تعالى في تكريم بني آدم جميعا {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}[الإسراء : 70 ] وقال في تساويهم في الجزاء على الأعمال { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ }[آل عمران : 195 ] وقال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النحل : 97 ]
لكن نجد الإسلام يفرق بين الناس بحسب أعمالهم أو ما يصلح لهم.
__________
(1) هذا هو الأصل إلا ما دل الدليل على خلافه .(1/14)
فالناس يتفاوتون في الانقياد لأمر الله من حيث أصل الإسلام من عدمه ففرق بين المسلم والكافر وما يترتب على ذلك كالرق ونحوه أو من حيث كمال تمسكهم بالدين فالمسلمون ليسوا على درجة واحدة فمنهم الطائع ومنهم العاصي ومنهم الأمين ومنهم الخائن وهلم جرى قال تعالى {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }[القلم :35/ 36 ] وقال تعالى { ولاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [البقرة : 221 ] وكما أن الشرع قرر هذا التفاضل فإن العقل يقرره أيضا لأن كل مسلم سلمت فطرته من الانجراف وراء الشعارات البراقة والدعايات الزائفة يعلم إن من يوحد الله عز وجل ليس كمن ينسب له الصاحبة ولولد . وكل عاقل يدرك أن من يعبد الله تعالى ؛ ليس كمن يكفر به وأن من يطيع الله ليس كمن يعصيه فالتفاضل إذن بحسب قربهم من الله أو بعدهم عنه .
قال تعالى مبينا تفاضلهم من حيث كمال الانقياد ونقصانه { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات : 13 ] وقال تعالى { أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ }[الجاثية : 21 ](1/15)
وقال تعالى { لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } [النساء : 95 ] ففي هذه الآيات وأمثالها نجد أن التفاضل لا يكون بسبب لون الشخص أو جنسه وإنما من حيث إيمانه وكفره وطاعته ومعصيته ولهذا قال النبي صلى الله عليه سلم " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" رواه مسلم (1)
وقد يكون التفريق بين الناس بسبب ما يناسب كل جنس فكما إن الله فرق بين الذكر والأنثى في الخلقة وفضل بعضهم على بعض كما قال تعالى {ولَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى } [آل عمران : 36] وقوله { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ }[النساء : 34 ]
__________
(1) رواه مسلم في البر والصلة والآداب باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله 2564(1/16)
فمن العدل أن يكون لكل جنس خصائصه التي تليق به ويكلف بما يناسبه ومن الظلم أن يحمل فوق ما تحتمله خلقته التي خلق عليها { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} البقرة :286] فالمطالبون بمساواة المرأة بالرجل ظالمون لها ؛ لأنهم يكلفونها فوق طاقتها ؛ ولهذا نهى الله عز وجل عن هذه المطالب الظالمة قال تعالى{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }[النساء : 32 ] قال : ابن كثير – رحمه الله تعالى ( وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)– أي : في الأمور الدنيوية وكذا الدينية .(1)
وأخرج الترمذي عن أم سلمة أنها قالت يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله تبارك وتعالى { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } (2)
فما بال دعاة المساواة يعترضون على حكم الله وقضائه ! { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك:14]
بعد هذا العرض المختصر يتبين لنا أن السنة الإلهية هي المفاضَلة بين المخلوقات وليست المساواة ومن أرد أن يغير هذه السنن الإلهية فهو كالذي ينطح الصخر برأسه أو يحجب الشمس بكفه .
قال تعالى { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً } [فاطر : 43 ]
والله اعلم وأحكم وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________
(1) تفسير القرآن العظيم 4/8
(2) أخرجه الترمذي كتاب تفسير القرآن : باب ومن سورة النساء 3022 وصححه الألباني(1/17)