جامعة الأزهر
كلية اللغة العربية بالمنصورة
الدراسات العليا
قسم البلاغة والنقد
المَسَائِلُ الْبَلاَغِيَّةُ
بَيْنَ مَيْثَمِ الْبَحْرَانِىِّ وَابْنِ سِنَانِ الْخَفَاجِىِّ
رسالة مقدمة من الباحث
عبد المنعم السيد الشحات رزق
للحصول على درجة التخصص (الماجستير )
فى البلاغة والنقد
إشراف الأستاذ الدكتور
محمد إبراهيم عبد العزيز شادى
أستاذ ورئيس قسم البلاغة والنقد بالكلية
1421 هـ - 2000م(1/1)
مقدمة
... الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله ومن تبعه واهتدى بهديه واستن بسنته .
ـــ وبعد ـــ
... فإذا كانت اللغة العربية هى الماء المترقرق بين ثنايا الثغور ، وهى بارقة الأمل التى تسحق تخلف العقول ، فإن البلاغة يسرى فى دخائلها سحر يفعم القلب والعقل معًا .
... وقد طفت فى رياض بلاغتنا ، فإذا بعينى تقع على ثنائيات كثيرة ومناهج عديدة بينها شبه واضح .
... وقد مالت نفسى إلى اختيار إحدى هذه الثنائيات ، وانشغل الفكر بتحديدها وردم الهوة المتصورة بينها ، والموازنة بين طرق التناول والعرض والمنهج ، لنقيم منها بناءً شامخًا تنتفع منه البلاغة ، ويفيد منه البلاغيون .
ــ ولأن لكل موضوع أهمية من وراء البحث فيه ، وداعيًا إلى الغوص للبحث عن درره وأصدافه ، وتمييز غثه من ثمينه ، فإن أهمية هذا البحث تكمن فى الموازنة نفسها ، بين علمين من أعلام البلاغة ورائدين من روادها ، ناهيك عن التلذذ بالتعمق فى ثنايا كتابيهما ، والموازنة بين منهج وأسلوب كل منهما .
... أما الأول : فإنه العالم الناقد البلاغى الذى هضم ألوانًا من الثقافات ، والقارئ المتبحر الذى أتى على كل طارف وتليد فى العربية ، الأديب البلاغى ابن سنان الخفاجى ، الذى راض البلاغة رياضة الحاذق فدنا لها قصيُّها ، ودان له عصيُّها، وذلل أوابدها ، وملك فرائدها .
... أما الثانى : فهو شيخ الشيوخ ، وقدوة المتكلمين ، الشيخ ميثم البحرانى ، الذى جعل من نفسه مدافعاً عن بلاغة الإمام علىّ ، فنصب نفسه لإيضاح خبيئها ، وتوضيح غامضها ، بكل ما أوتى من علم غزير نفع به العربية بعامة، وأرباب الفصاحة بخاصة .
ــ وأهمية هذا البحث ـ بالإضافة إلى ما سبق ـ تأتى من وجوه :(1/1)
أما أولاً : فلأن البحث لم ينظم عقده قلم باحث بعد ، فدراسة المسائل البلاغية عند ميثم البحرانى لم يتناولها قلم أحد بالبحث والتحليل والنقد والتعليل ، ذلك البلاغى الذى سلبته الدنيا حقه ، حتى جهله الناس ، فلم تدو شهرته فى الآفاق كغيره ممن هم دونه شأنًا ، ولكنها الحياة تعطى أحيانًا بلا حدود .
... فكان للبحث أهمية فى كشف اللثام عنه ودراسة مؤلفه دراسة تفصيلية تبين قدره، وتبرز أثره فى حقل البلاغة .
وأما ثانيًا : فلأن البحث قد دخل بكل حواسه إلى عالم قد أسلمت له البلاغة أزمتها ، وأسلست له قيادتها فإذا هى بين أنامله لينةٌ مطواعٌ ، يصرفها كيفما شاء ، فالبحث إذن يجلّى إحدى الصفحات المشرقة فى كتاب له عظيم الأثر فى البلاغة العربية ، إنه " سر الفصاحة " لابن سنان الخفاجى .
ثالثاً : كما أن البحث يتناول بالتفصيل مسائل البلاغة بين هذين العالمين ؛ ليوازن ويدرس ، ويحلل وينقد ، حتى يصل بالبحث إلى كشف ما خفى من المسائل ، وإبرازها وإبراز كل قيمة لكل عالم منهما .
رابعاً : ولأن البحث يتناول عصرين من عصور البلاغة ؛ ليكشف عن أثرين من آثار البلاغة فيها ، القرن الخامس ، والقرن السابع الهجريين ، إذ بالموازنة بين العلمين تتضح سمات هذين العصرين ، وما أضافاه للبلاغة .
... وأهم من هذا كله .... فقد استشرقت نفسى إلى الموازنة بين هذين الرجلين ؛ نظرًا للتشابه الواضح بين بلاغة كل منهما ، وإن اختلفا فى العرض والمنهج ، إلا أنهما يلتقيان فى أمور كثيرة يجليها البحث .
... ولعل فى الموازنة بينهما إفادة للبلاغة ، وإبرازًا لما بذله قدماؤنا فى حقل الدراسات البلاغية .
وقد هيأ الله لهذه الدراسة أن تكون فى :
... مقدمة ، وتمهيد ، وأربعة فصول ، وخاتمة .
عرضت فى المقدمة :
... دوافع اختيارى للموضوع ، ومنهج البحث وعناصره ، ومصادر المعلومات التى اعتمدت عليها .
أما التمهيد :(1/2)
... فقد عرَّفتُ فيه بالخفاجى والبحرانى ، وأشرت إلى مؤلفاتهما ومصادرهما فى التأليف .
وفى الفصل الأول : تحدثت عن :
... ((مسائل المعانى بين ميثم البحرانى وابن سنان الخفاجى ))
... واخترت من هذه المسائل :
[ الفصاحة ، والنظم ، والتقديم والتأخير ، والإيجاز والإطناب ] كمباحث للموازنة بينهما .
أما الفصل الثانى :
فقد جعلته لـ ((مسائل البيان بين ميثم البحرانى وابن سنان الخفاجى)) بينت فيه رؤية كل منهما لألوان البيان ، وكيفية دراستها ، ومدى اتفاقهما واختلافهما وسبب ذلك .
ثم جاء الفصل الثالث :
الذى خصصته لـ (( مسائل البديع بين ميثم البحرانى وابن سنان الخفاجى )) تحدثت فيه عن المسائل البديعية التى اتفقا فيها ، ثم الألوان البديعية التى انفرد بها كل منهما .
وكان من الطبيعى أن يكون الفصل الرابع بعنوان :
(( بين البحرانى والخفاجى منهجًا وتأثيرًا ))
وقد قسمته قسمين :
تحدثت فى الأول عن (( المنهج البلاغى بينهما )) ويشمل : الأسلوب ، والموازنة بين المنهجين ، والآراء والإضافات ، والتشابه والاختلاف فى بعض الموضوعات البلاغية ، وبعض مآخذ النقاد والبلاغيين عليهما ، ومناقشة هذه المآخذ.
ثم القسم الثانى فى هذا الفصل وهو : (( الخفاجى والبحرانى بين التأثر والتأثير)) .
ثم تأتى الخاتمة :
... وقد بينت فيها نتائج البحث وبعض التوصيات المقترحة .
... وأتبعت ذلك كله بفهارس للقرآن الكريم ، والحديث النبوى ، والأمثال ، والشعر ، وثبت بالمصادر والمراجع ، ثم فهرس موضوعات البحث أو مواده المبثوثة بين صفحاته .
... وقد كانت طريقتى فى الموازنة بينهما ، هى شرح ما قالاه أولاً ، ثم عرض ذلك على مائدة البحث البلاغى ، مع محاولة التوفيق بينهما ـ إن أمكن ذلك ـ .
... وقد كنت أحياناً أميل لأحدهما دون الآخر ، وأحيانًا أخرى أخالفهما الرأى ، على أنى حاولت أن أكون محايدًا منصفًا قدر المستطاع .(1/3)
... وقد أخذت فى بحثى بمصادر ومراجع كثيرة ، أكتفى بذكرها فى هوامش الصفحات ، ثم جمعها ضمن الفهارس .
... ولقد قضيت ردحًا من الزمن فى إتمام هذا العمل ، اعتقدت فى بادئ الأمر أنه أمر هين ، لا يحتاج إلاّ إلى جمع السطور بجوار السطور ، ولكن بدا لى أن المهمة شاقة ؛ فقد إخترت الخفاجى والبحرانى عنوانًا لدراستى ، وإذا كان الأول منهما يعرفه الكثيرون ، فإن الثانى لم يأخذ حظه كاملا فى مجال الدراسات البلاغية؛ لهذا وجدت من هذه الموازنة فرصة لإبراز دور هذا الرجل كاملا .
... وإن المتأمل فى هذا البحث المتعمق فى أغواره لن يتردد فى نسبة ما فيه من جهد إلى أستاذى الذى ألفيته يعشق العلم والمعرفة ، تهتز نفسه حين يلمح بذهنه الصافى وقريحته الوقادة تهاونًا أو خطأً أو تعاليًا ، كنت أراه تحزن نفسه حين يرانا نتجرأ على نصوص القدماء بالتبديل أو التحريف ، وقد اقتربت منه فألفيته متواضعًا ينزعج ممن يتعالى على العلم ، إنه أستاذى الأستاذ الدكتور / مُحمدّ إبراهيم عبد العزيز شادى ، رئيس قسم البلاغة والنقد بالكلية ، فإذا كان لهذا البحث من فضل ، فلله أولاً ، ثم لسيادته ، وإن كان هناك تقصير ـ وهو لا شك موجود ـ فالتقصير منى.
... فإلى سيادته أقدم فائق احترامى ، على ما بذل من جهد وما أسدى من نصائح نفعتنى فى إتمام هذا العمل .
...
وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
الباحث
عبد المنعم السيد الشحات رزق(1/4)
التعريف بالرجلين :
... التعرف على الرجال النابهين فى اللغة والشعر والبلاغة من وظيفة كتب التراجم ، وقد نجد كتب الأدب تترجم لأديب من أدبائها مبرزة كل جوانب حياته السياسية والاجتماعية والعلمية موضحة الخلاف حول ولادته ووفاته والروايات التى تناقلتها الكتب حول اسمه .
... ولكن ثمة اختلاف فى البحوث البلاغية حيث أنها لا تسعى إلى الكشف عن جوانب حياته إلا بالقدر الذى يتناسب ويلائم الموضوع نفسه ؛ ولذلك فإن البحث يوجز التعريف بالرجلين إيجازاً ليس بالمخل للتعرف عليهما .
أ) التعريف بابن سنان الخفاجى :
نسبه ومولده وحياته ..
... تكاد تتفق الكتب التى ترجمت لابن سنان على أنه(1):
" الأمير الشاعر الناقد الأديب العالم أبو مُحَمَّد عبد الله بن محمد بن سعيد(2)بن يحى بن سنان الخفاجى الشيعى الحلبى "
__________
(1) راجع ترجمته فى :
... فوات الوفيات لابن شاكر الكتبى جـ 2 ص 222 ، معجم البلدان (حلب) ، بنوخفاجة وتاريخهم السياسى والأدبى د/ محمد عبد المنعم خفاجى جـ 2 ص 8 - 40 ، النجوم الزاهرة لابن تغرى بردى الأتابكى جـ 5 ص 96 ، قدماء ومعاصرون لسامى الدهان ص 67 ، الخفاجيون فى التاريخ د/خفاجى ص 101 ـ 124 ، زبدة الحلب لابن العديم جـ 2 ص 36 ، تاريخ آداب اللغة العربية لجورجى زيدان جـ 3 ص 139 ، ديوان ابن سنان دار الكتب بالقاهرة تحت رقم دذ / 1982م ، تاريخ الأدب العربى لكارل بروكلمان جـ 5 ص 46 .
(2) 2 زاد ناشر الديوان هنا محمد وأظنه سهو لأنى لم أجده لأحد غيره إذ يقول ص (1) "الشاعر المفلق الشهير والكاتب النحرير والخطيب المصقع البليغ الأمير أبى محمد عبد الله بن سعيد بن محمد المشهور بابن سنان الخفاجى" ويقول فى آخر صفحة من الديوان " تم طبع ديوان الأمير أبى محمد عبد الله بن سعيد بن محمد المشهور بابن سنان الخفاجى الحلبى "(1/1)
... كما اتفقت المصادر على كنيته "أبو محمد" ويعلل أحد الباحثين سبب ذلك بقوله " " ولعل تعصبه لوالده "محمد" هو الذى دفعه فى تعاطى هذه الكنية على عادة العرب الأقدمين"(1)وأظن أن هذا التعليل مقبول ، وابن سنان ينتمى إلى قبيلة "خفاجة"(2)من سلالة بنى حزن الخفاجيين الذى استقروا فى حلب وذاعت شهرتهم فيها. يقول ابن سنان :
ضلالُكَ ما نسبتَ إلى (سنان) ( وضربتْ خؤلكَ فى تميمِ(3)
... وقد ولد ابن سنان سنة 423 هـ نعرف ذلك من قصيدة له فى ديوانه نظمها عام 443 هـ يقول فيها :
وقُوراً إذا طَرقتنى الخطوبِ ( وَحلَّ من الخوفِ عقدُ النّهى
بعشرين أنْفَقْتُها فى الصدودِ ... ( وجُدْتُ بها فى زمانِ النّوى(4)
... فعمره عام 443 هـ كان عشرين عاماً ، وعلى هذا يكون مولده حوالى ، عام 423 هـ .
... ومما يدعم هذا الاستنباط “ رسالة كتبها ابن بطلان(5)إلى صديق له عام 440هـ يصف له فيها مدينة حلب ويقول :
... " إن فيها شاباً يُعرف بالخفاجى قد ناهز العشرين ، وعلا فى الشعر(6)طبقة المحنكين"(7).
... كذلك مما يقوى هذا الاستنتاج "قول ابن سنان فى قصيدته التى كتبها للهاشمى الشريف محمد سنة 440 هـ : يقول فيها :
سبقت وما بلغتُ عَشْراً كواملاً ( فكيفَ وقد جَاوَزْتُها بثمانِ
__________
(1) د/ عبد الحميد العبيسى ـ ابن سنان وأثره فى النقد والبلاغة دكتوراه تحت رقم 191 بكلية اللغة العربية بالقاهرة ص 60 .
(2) نسبة إلى خفاجة ابن عمرو بن عقيل فخفاجة من عقيل وهى عربية تنتمى الىعدنان ولا صحة لما ذهب إليه السمعانى فى الأنساب بأنها اسم امرأة ولد لها أولاد وكثرو . (انظر جمهرة انساب العرب تحقيق عبد السلام هارون ص 469) .
(3) ديوان ابن سنان ص 57 .
(4) السابق ص 5 ، 6
(5) لم أعثر على ترجمته .
(6) فى هذا الكلام دليل أيضاً على تبحره فى الشعر .
(7) أنظر الخفاجيون فى التاريخ د/ محمد عبد المنعم خفاجى ص 103 .(1/2)
... وعلى هذا يكون عمره عام 440 هـ ثمانية عشر عاماً فتكون ولادته سنة 442 هـ وهو قريب من التاريخ السابق(1).
... وعلى أى حال فإن ابن سنان الخفاجى ولد سنة 423 هـ تقريباً يعضّد ذلك ما سبق من شواهد .
... أما مكان ولادته :
" فهو طرف من أطراف حلب(2)التى مازالت تتحلى بالتقاليد العربية ؛ لأن فى شعره من مظاهر البداوة ما لا يخفى"(3)
... وهو من بنى خفاجة الذين كانوا يتولون أعمال حلب ، " وقد كان أبوه من أشرافها"(4).
... وعن أسرته فمن خلال شعره أستطيع القول بأن والده قد توفى وهو فى صباه، وهذا الرأى سجله أستاذنا الدكتور خفاجى(5).
... وقد كانت والدته " من أسرة مبارك التميمى أعز العرب من بنى تميم "(6).
... وقد تغنى ابن سنان فى ديوانه بأجداده كثيراً يقول :
وبالشَّهْباءِ من حَزْنِ بن عمرو ( بُيوت ما رفعن على لَئِيمِ(7)
... وحزن بن عمرو أجداد الخفاجيين الذين كثيراً ما تغنى بهم فى قَريضه . وما إن بلغ ابن سنان سن الرابعة والعشرين من عمره حتى توفيت والدته بعد عودتها من الحج فحزن عليها حزناً شديداً ورثاها بقصيدة مطلعها :
أبكيكِ لو نَهضَتْ بحبكِ أدمعُ ( وأقولُ لو أنَّ النوائبَ تسمعُ(8)
__________
(1) انظر ابن سنان الخفاجى وأثره فى النقد والبلاغة د/ العبيسى ص 61
(2) بقلعة تسمى قلعة عزار .
(3) انظر ابن سنان الخفاجى وأثره فى النقد والبلاغة د/ العبيسى ص 61 بتصرف .
(4) إعجاز القرآن البيانى د/ حفنى محمد شرف ص 86 .
(5) 4 أنظر الخفاجيون فى التاريخ ص 105 ويقول د/ العبيسى معلقاً على هذا الكلام " إن والد ابن سنان توفى وهو صغير وصار فى رعاية أمه التى وقفت على تربيته مُتحديةً الحياة بمطالبها .. ولابدع فى أن يتألم ابن سنان ويأسو فَقَدْ فَقَدَ أباه وهو حدث ... فدخل أتون الحياة يخوض غمارها ، يصارعها ، وتصارعه " د/ العبيسى ص 57 .
(6) 5 الخفاجيون فى التاريخ ص 102 .
(7) ديوان ابن سنان ص 25.
(8) السابق ص 39(1/3)
... "وما كاد يجنى دمعه على والدته حتى سارعت يد المنون على يد أستاذه أبى العلاء المعرى فاختطفته عام 449هـ فأثار حزنه الدفين وجود همسه(1)" فرثاه بقصيدته الرائية التى يقولُ فيها :
ومُقيماً على المعرّةِ تَطْوِيهِ ( اللَّيَالىِ وذِكْرُه مَنْشُورُ(2)
... " وقد كان ابن سنان يجوس خلال حلب ، ويلوذ بعلمائها وأدبائها ويأخذ عن شيوخها وأساطينها ... فأراد أن يكون خلَفاً لشيوخه فملأ صدره بالعلم والمعرفة(3)"
... وبهذا يتضح أن ابن سنان كان دائم التطلع شديد الإلحاح فى طلب العلم .
... وفى عام 453 هـ وابن سنان فى سن الحادية والثلاثين يسافر من حلب إلى القسطنطينية وفى الديوان قصائد كثيرة تشير إلى ذلك(4).
... ومما لا شك فيه أن تنقلاته بين حلب والمعرة والقسطنطينية أثرت أيّما تأثير فى حياته وفى نتاجه الأدبى .
__________
(1) ابن سنان وأثره فى النقد والبلاغة د/ عبد الحميد العبيسى ص 63 .
(2) ديوان ابن سنان ص 47
(3) الإيضاح جـ5 ص 249 بتعليق الدكتور / محمد عبد المنعم خفاجى نقلاً عن قدماء ومعاصرون للدكتور / سامى الدهان ص 78 ، 79.
(4) انظر تفصيل رحلته إلى القسطنطينية والشواهد على ذلك فى "كتاب الخفاجيون فى التاريخ" للدكتور خفاجى ص 104 وما بعدها ، وكتاب "شاعر وكتاب" لنفس المؤلف ص6 .(1/4)
... وابن سنان معتزلى ومرد ذلك كما يبدو من كتابه إلى تأثره بالكثير من أئمة المعتزلة أمثال بشر بن المعتمر(1)، والجاحظ(2)والقاضى عبد الجبار الأسد آبادى(3)، وأبى الهزيل العلاف(4).
... وعن عقيدته فقد اتفق المؤرخون الذين كتبوا عنه أنه كان مسلماً حفظ القرآن فى طفولته(5).
... وكان ابن سنان يميل إلى مذهب الشيعة على عكس أستاذه أبى العلاء المعرى.
... ثقافته ومصادرها :
إن لكل عالم أو أديب روافد يسترفد منها فكره وإبداعه وهذه الروافد هى التى تؤثر تأثيراً مباشراً على ذاك العالم أو ذلك الأديب ، فالبلاغى أو الأديب ليس نبتاً شيطانياً ولد هَمَلاً ، وإنما هو نتاج عصر غُذِّى بلبانه وعاش بين أحضانه ، وقد كان هناك عاملان وراء ثقافة ابن سنان الخفاجى :
__________
(1) من أئمة المعتزلة توفى سنة 210 هـ .
(2) هو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى الليثى ـ يعرف بالجاحظ لجحوظ عينه ، من أهل البصرة ، كان من فضلاء المعتزلة ، وله مؤلفات كثيرة أشهرها : البيان والتبيين ، والبخلاء ، والحيوان ، توفى سنة 255 بالبصرة ( تاريخ آداب اللغة العربية لجورجى زيدان حـ2 ص 170 )
(3) هو أبو الحسن عبد الجبار الأسد ، قاضى قضاة الدولة البويهية بإيران وأكبر أعلام المعتزلة فى عصره .
(4) أبو الهذيل محمد بن أبى الهذيل بن عبد الله العبدى العلاف ولد سنة 135 هـ (وفيات الأعيان لابن خلكان جـ 2 ص 277 ، ونشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام د/ على سامى النشار حـ1 ص 443 . كما أخذ الاعتزال عن عثمان الطويل تلميذ واصل بن عطاء توفى سنة 235 هـ .
(5) مما يُعَضّد ذلك أنه حين التقى بأبى العلاء لأول مرة "بالمعرة" سأله أبو العلاء عن صناعته ؟ فقال ابن سنان : أقرأ القرآن . ( أنظر د/ عبد الحميد العبيسى ص 96 بتصرف )(1/5)
... الأول : تتلمذه على علماء عصره فقد أخذ عنهم العلم والأدب وفى مقدمتهم شيخه أبى العلاء المعرى(1)شاعر المعرة وفيلسوفها العظيم(2)، وهذا واضح من ميل نفسه إلى الثورة والسخط والنقمة على أولى الأمر كأستاذه .
... كما أن هناك غير أبى العلاء الكثير ممن ترددت أسماؤهم فى كتابه وكان لهم كبير الأثر وعظيم النفع فيما كتب وألّف ومن هؤلاء : الجاحظ ، والرُّمانى ، والباقلانى ، والصولى ، والآمدى ، وابن جنى ، والقاضى الجرجانى ، وغيرهم ، ممن كانوا سبباً فى غزارة علمه .
... ولكن مع هذا الحشد الهائل من الأسماء اللامعة التى نقل عنها ابن سنان فشخصيته قوية واضحة بنقده لكل عبارة تستحق النقد ، وبطريقة عرضه وحسن تنسيقه ، وقوة شكيمته ، ورائع ذوقه فى التحليل ، فهو يأخذ ويرفض وينقد ويحلل .
__________
(1) هو خاتمة شعراء العصر العباسى الثالث ـ الشاعر الحكيم الفيلسوف أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد التنوخى ولد فى المعرة سنة 363 هـ وتوفى 449 هـ وله مؤلفات كثيرة أشهرها "رسالة الغفران" و "اللزوميات" و "سقط الزند" (انظر جورجى زيدان جـ2 ص 263) .
(2) يبدو أن أبا العلاء هو شيخ ابن سنان الوحيد الذى يعتز بتلمذته عليه يعضد ذلك الآتى : أ- أن سر الفصاحة على كثرة ما فيه من نقول لا تجد فيه كلمة من الخفاجى ينص فيها على أنه قرأ على فلان إلا المعرى .
ب- لا تراه يطلق كلمة الشيخ إلا على أبى العلاء (يقول : ذكر شيخنا أبى العلاء) (أنظر مجلة الأزهر سنة 1361 هـ أ/ كامل الفقى ص 461 )(1/6)
... والعامل الثانى : وراء ثقافة ابن سنان هو إطلاعه الواسع ، وقراءاته المتشعبة(1)فمن يطلع على فكره وأدبه يلمس بوضوح أثر ما قرأ من كتب ، فهو الأديب(2)، والناقد(3)، والشاعر(4)، والفيلسوف(5).
... ويبدو أن ابن سنان كان لا يعرف غير العربية حيث يقول : "لأنى لم أعرف لغة سوى العربية"(6).
... يقول بعض الباحثين(7):
" يعترف النقاد لابن سنان بسعة الاطلاع ، ودقة المعرفة ، وسلامة الذوق يعرض لآداء الفحول والقدماء من النقاد ، فيقف لهم ، ويبدى رأيه فيهم"
... صفاته :
إن الإنسان مزيج من الصفات الإيجابية والسلبية ، وحيث أن هذه الصفات تظهر فى ملامح شخصية الإنسان نفسه ، فليس الأمر ببعيد أن تظهر فى كل ما يكتب ويبدع ، ومن خلال ما كتب ابن سنان وأبدع ، ومن خلال ما وصلنا من أخبار أستطيع أن أبرز صفات عالمنا . ـ فمن أهم الصفات التى ظهرت فى شخصية ابن سنان ظهوراً ملموساً ذلك الثياب السميك من "المتواضع" ، حيث طرق كل طريق للتواضع فى كل ما كتب من جمل وألفاظ ، فهو حينما يتفق مع غيره فى الرأى يثنى على من يوافق ويحمد له صنيعه ، وحيثما كانت المخالفة فلا يحقر من شأن من يخالف ، بل يذهب ليلتمس له العذر.
__________
(1) يدلنا على ذلك ما نجده فى كتابه من ذكر الروايات الأدبية والمجالس والأحداث والشخصيات .
(2) يظهر ذلك من خلال مقدمة كتابه ونثره لبعض العبارات وشرحه للأبيات التى تعرض لشرحها .
(3) يتضح ذلك من نقده للصولى والآمدى ،ومسلم بن الوليد وسائر الأدباء والشعراء .
(4) فله ديوان شعر مطبوع يقع فى ستة عشر ومائة صفحة ، "ويكفى أن يجعله البارودى مصدراً لمختاراته فذكر له نحو 785 بيتاً " كما أنك لا تجد أحداً من المؤرخين معنوناً له إلا بالشاعر .
(5) يظهر ذلك من اعتزاله ونقله عن بعض المعتزلة كالجبائى .
(6) يرى د/ خفاجى : أن ابن سنان يعرف اللغة الرومية (أنظر شاعر وكتاب ص 57) .
(7) أ. سامى الدهان ـ قدماء ومعاصرون ص 78 ، 79 .(1/7)
... وتلك بحق صفة جليلة أن يحترم العالم آداء غيره ولا ينتقص من شأنهم فمثلاً يقول ابن سنان عن أستاذه أبى العلاء : " وأجاز لنا فى بعض الأيام شيخنا أبو العلاء ... "(1).
... ويقول عنده نقده لبيت مسلم : "ولولا أن هذا البيت مروى لمسلم ، وموجود فى ديوانه ، لكنت أقطع على أن قائله أبعد الناس ذهنا ، وأقلهم فهماً ... لكنى أخال خطوة من الوسواس عرضت له وقت نظم هذا البيت ، فليته لما عاد إلى صحة مزاجه ، وسلامة طبعه ، جحده فلم يعترف به ، ونفاه فلم ينسب إليه ..."(2)
... ومن أراد شاهداً على تواضعه الجم فليوازن بينه وبين أبى هلال العسكرى أو ابن الأثير .
... يقول أبو هلال العسكرى(3). معلقاً على شعر الهجاء :
" ... وليس فى هذا الباب أبلغ من هذا ، ولا أعرفنى سُبقت إليه..." بينما يقول ابن سنان مثلاً :
... " ولهذا لست أدعى السلامة من الخلل ولا العصمة من الذلل، وأعترف بالتقصير ، وأسأل من ينظر فى كتابى هذا بسط عذرى ، والصفح عما لعله يثيره على(4)"
... وإذا أردت مثالاً آخراً على تواضعه الجم وأدبه فى نقده وكتابته فالكتاب برمته خير شاهد على ذلك .
... يقول أحد الباحثين فى ذلك(5):
" كان الخفاجى عفَّا نزيهاً ، فلم يهج قائلاً ، أو يعنف ذا رأى ، ولم يكن على طول باعه ورصانة أسلوبه ، ورجاحة فكره بالمحدث عن نفسه ، أو المعلن عن بضاعته..."
... ومن الصفات التى تحلى بها ابن سنان "أمانته العلمية" ، فى كل ما ينقله عن غيره ، فلم ينتحل مذهباً ، ولم يدع لنفسه رأياً بل نراه ينسب الرأى لصاحبه(6)، ويذكر مصدره ، فهو حريص على أمانته العلمية ، صادق فى نسبة بعض الآراء لنفسه .
__________
(1) انظر سر الفصاحة ص 103 .
(2) السابق ص 104 .
(3) ديوان المعانى ـ أبو هلال العسكرى جـ 1 ص 216 .
(4) سر الفصاحة ص 85 .
(5) أ. كامل الفقى ـ بحث نشره فى مجلة الأزهر سنة 1361 هـ .
(6) هذا واضح فى كتابه فنراه يقول : عن شيخنا أبو العلاء .. عن قدامة .. عن الآمدى ...(1/8)
... إن ابن سنان الخفاجى قد قرأ التراث بشكل جيد وهضمه واستوعب أفكار سابقيه لكنه لم يقف عند هذا الحد بل راح " يتوخى فى تأليف كتابه منهجاً يكاد يكون متميزاً عن مناهج السابقين عنه والمعاصرين له ولعله كان يعمد إلى هذا التفرد ليكون له ذكر بين هؤلاء الأعلام(1)".
... ومما تميز به ابن سنان فى كتابه "حرية الرأى" " إذ كثيراً ما ينقد كلام غيره، ويختار غير اختياره معتمداً فى ذلك على فكره وعقله "(2)
... وهذا واضح فى كتابه فنراه يعتز بنفسه وبعلمه ، ويقول رأيه دون تجريح، كذلك تميز ابن سنان "بغيرته الشديدة على "اللغة العربية وعلى العرب" ، وله سطور فى كتابه عن الاعتزاز باللغة العربية والعرب(3)حرية أن تكتب بماء الذهب ، وحسبك به قمة شامخة فى البلاغة والنقد ، ولا غرو فى اعتزازه بالعرب وبالعربية " فالجاحظ قبله قرر أن البديع مقصور على العرب"(4)
__________
(1) انظر نشأة البلاغة وأصول علم المعانى لأستاذنا أ. د/ محمد إبراهيم شادى ص 124 ويعنى أستاذنا بقوله الأعلام : عبد القاهر واين رشيق وغيرهم .
(2) الصبغ البديعى د/ أحمد أبو موسى ص 302.ط دار الكتاب العربى سنة 1388 هـ .
(3) يبدو أن اعتزاز ابن سنان بعربيته لم يرق أ. كامل الفقى حيث قال : " وقد كان من الإنصاف لابن سنان ولغة العرب أن يذكر ما لغيرها من محامد " ويقول فى موضع آخر : " لقد كان ابن سنان مغالياً كل المغالاة فى وصف العرب بكل فضل ، وتشريفهم بكل موهبة " انظر مجلة الأزهر سنة 1361 هـ " وأرى أن ابن سنان ليس مغالياً ، بل هو معتز بعربيتة وعروبته ، مدافعاً عنها ، فليس فى كلامه مغالاة ، بل هى العروبة والانتماء الراسخ .
(4) البيان العربى د/ بدوى طبانه ص 172 .(1/9)
... وهو فوق ذلك كله "منصف فى حكمه" يعتمد على الحجة والدليل ، ويختبر كل شئ بميزان العقل والتفكير"(1)، ينهح الطريق السوى ، فتحلى بجميل الخصال ، فحين سأله أبو العلاء المعرى عن صناعته ؟ قال : أقرأ القرآن .
... وقد رزق ابن سنان رجاحة عقل ، وسديد رأى ، نتيجة نشأته واطلاعه الموسوعى .
كتاب سر الفصاحة..
... ألف ابن سنان كتابه سر الفصاحة "الذى يعد أثراً من أنفس الآثار البيانية التى خلفها القرن الخامس الهجرى ، لأنه خلاصة مركزة لكثير من وجوه النظر فى العربية وأصولها ، وفقه لغتها ، ودراسة منظمة لعناصر الجمال الأدبى ، مع آراء سديدة فى النقد والبلاغة(2)"
... وقد ألفت فى هذا القرن كتب كثيرة تبحث عن البلاغة وعن أسرارها غير أن كتاب ابن سنان يقف متميزاً بين هذا الركام الهائل من الكتب .
... " وقد استطاع ابن سنان بهذا الكتاب أن يحفر اسمه فى تاريخ البلاغة "(3)
يقول عنه ابن الأثير :
... " وما من تأليف إلا وقد تصفحت شينه وسينه وعلمت غثه وثمينه فلم أجد ما ينتفع به فى ذلك إلا كتاب "الموازنة" لأبى القاسم الحسن بن بشر الآمدى ، وكتاب "سر الفصاحة" لابن سنان الخفاجى(4)".
ويقول الأستاذ المراغى :
... " وله فى البلاغة كتاب (سر الفصاحة) وهو من أحسن ما ألف فيها "(5)يظهر من هذا الكلام تسابق العلماء قدامى ومحدثين فى بيان فضل ابن سنان ومؤلفه وتمييزه على غيره .
__________
(1) الإيضاح جـ 5 ص 253 تحقيق د/ محمد عبد المنعم خفاجى .
(2) البيان العربى د/ بدوى طبانة ص 169 .
(3) نشأة البلاغة وأصول عام المعانى لأستاذنا أ.د./ محمد إبراهيم شادى ص 123 .
(4) المثل السائر جـ 1 ص 33 ، 34
(5) تاريخ علوم البلاغة ـ أحمد مصطفى المراغى ص 98 .(1/10)
... وأنا أتساءل فى عجب مع أستاذنا الدكتور محمد أحمد البيومى، يقول : "ولا أدرى لماذا لم يشتهر ابن سنان الخفاجى شهرة عبد القاهر والسكاكى ، ولئن جاز أن يقرن به عبد القاهر أو يبزه فإنه أعظم من السكاكى دون جدال ... "(1)
ويقول فى موضع آخر :
... " ...هو كابن فارس قد سبق إلى تدوين أصول بلاغية ظلت تتردد حتى الآن فى كتب البلاغة(2)"
... ويؤيد هذا الرأى د/ طبانة حيث يقول مبيناً تفوق ابن سنان على الخطيب والسكاكى : " ... وان كان يفضل كل أولئك بأنه لم يسلك فى دراسة البيان ذلك المنهج القاعدى الجاف الذى ينفر من البلاغة ... وإنما سار الخفاجى بالبلاغة والنقد سيراً مزدوجاً فيه التعريف والتحديد ، وإلى جانبه النص والمثال وإلى جانبهما الرأى السديد فى الحكم بالإضافة أو سوء الاستعمال(3)"
... ويشير الأستاذ الخفاجى إلى مثل ذلك يقول :
" ... ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى أن مؤلف الخفاجى أعمق تفكيراً وأشمل فكرة وأوسع مدًى وأبلغ بياناً من كتابى الجرجانى : الأسرار والدلائل(4)"
... ولست هنا فى مجال المفاضلة بين عالم وعالم بل ذكرت هذا لأؤكد على ولع الباحثين قدامى ومحدثين بمؤلف ابن سنان الخفاجى، فضلاً عن إشادتهم بابن سنان الخفاجى نفسه .
... أما عن هدف(5)ابن سنان من كتابه فلندعه يتحدث بنفسه يقول: " ... فإنى لما رأيت الناس مختلفين فى مائية الفصاحة وحقيقتها ، أودعت كتابى هذا طرفاً من شأنها ، وجملة من بيانها "(6)
__________
(1) اأنظر تطور البحث البلاغى أ.د/ محمد رجب البيومى ص 35 .
(2) السابق ص 35
(3) البيان العربى د/ بدوى طبانة ص 169 .
(4) انظر مقدمة أسرار البلاغة . تحقيق د/ محمد عبد المنعم خفاجى جـ1 ص 59 .
(5) أشار الدكتور " طبانه إلى تشابه هدف ابن سنان مع أبى هلال العسكرى "البيان العربى ص 170".
(6) سر الفصاحة ص 13 .(1/11)
... لقد رسم ابن سنان لنفسه طريقاً لاحباً يترسم معالمه حاز فيه قصب السبق ، حيث يضم الكتاب بين دفتيه مسائل بلاغية ونقدية تدل على حس مرهف وذوق فنان مع الاحتشاد بالشواهد الكثيرة وهناك هدف آخر ذكره أستاذى الدكتور / محمد شادى يقول :
... " قد ألف ابن سنان كتابه ليخدم رأيه فى إعجاز القرآن الكريم إذ يرد الإعجاز إلى الصرفة(1)" ثم يقول : " ومنهج ابن سنان يخدم رأيه هذا إذ يمهد للحديث عن الفصاحة والبلاغة بذكر الأصوات والحروف(2)"
... وعن منهج ابن سنان “ فقد أقام كتابه على ثلاثة أقسام : الأول: يتناول شروط الفصاحة فى اللفظة الواحدة ، والثانى : يتناول شروط الفصاحة فى الألفاظ المنظوم بعضها مع بعض ، والثالث : يتناول المعانى مفردة "(3)
معاصروه :
... لقد عاصر ابن سنان الخفاجى اثنين من رجال البلاغة كان لهما عظيم الأثر فى بناء صرح البلاغة الشامخ هما : ابن رشيق(4)، وعبد القاهر(5)وقد عاش عبد القاهر فى جرجان ، وابن رشيق فى القيروان ، بينما عاش ابن سنان فى حلب ، ويبدو أن هذا البعد الشاسع بين الأماكن التى عاشوا فيها ، يجعل من البعيد أن يتأثر أحدهم بصاحبه ، وإذا كان هناك تشابه فى بعض الموضوعات التى طرقوها ، فليس ذلك إلا لأن طبيعة المنهج تدعو إليه(6).
__________
(1) نشأة البلاغة وأصول علم المعانى ص 124 لأستاذنا الأستاذ الدكتور / محمد شادى .
(2) السابق نفس الصفحة .
(3) السابق ص 126 .
(4) هو أبو العباس الحسن بن رشيق ، من أهل القيروان ، له مؤلفات كثيرة أشهرها كتاب "العمدة" وبه اشتهر ، توفى سنة 456 هـ (انظر معجم الأدباء جـ1 ص 137) .
(5) عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانىالنحوى المشهور له أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز توفى سنة 471 هـ .
(6) انظر أعلام العرب ـ عبد القاهر الجرجانى ـ تأليف أحمد أحمد بدوى ص 337 .(1/12)
... " لكن تباعد المسافات لا يلغى بالضرورة تبادل المعرفة والتأثر وقد استطاع ابن سنان أن يحفر اسمه فى تاريخ البلاغة بكتابه سر الفصاحة على الرغم من معاصرته لأعلام بارزين فى هذا العلم ، كابن رشيق القيروانى ، وعبد القاهر الجرجانى ، وذلك بتوخيه فى تأليف كتابه منهجاً يكاد يكون متميزاً عن مناهج السابقين عنه والمعاصرين له ولعله كان يعمد إلى هذا التفرد ؛ ليكون له ذكر بين هؤلاء الأعلام "(1).
مؤلفاته :
... ولابن سنان الخفاجى مؤلفات كثيرة أشهرها كتابه " سر الفصاحة " وقد ذكر صاحب فوات الوفيات هذه المؤلفات قال(2): "وللخفاجى من المصنفات كتاب "سر الفصاحة"(3)، وكتاب "الصرفة"(4)، وكتاب "الحكم بين النظم والنثر" ، وكتاب "عبادة المتكلمين فى أصول الدين" ، وكتاب "حكم منثورة " ، وكتاب "فى العروض" وله "ديوان شعر" متوسط الحجم(5).
وفاته :
... وبعد رحلة قوامها الجد والعناء وثمرتها الإفادة والعطاء ذلك العطاء الجم الممتد بلا حدود ، كان لابد من أن تتوقف أقدام هذا البلاغى العظيم ؛ ليلقى المصير المحتوم ، مصير كل حى وغايته . وقد كانت وفاته سنة 466 هـ بقلعة عزار .
ب) التعريف بميثم البحرانى :
نسبه ومولده وحياته ..
... هو كمال الدين ميثم بن على بن ميثم البحرانى(6)،
__________
(1) نشأة البلاغة أ. د/ محمد شادى ص 123 .
(2) انظر فوات الوفيات لابن شاكر الكتبى جـ 2 ص 222 .
(3) طبع أكثر من مرة وهو متداول وقد ألفه سنة 454 هـ .
(4) لم أعثر عليه وقد ذكره صاحب معجم الأدباء جـ 3 ص 139 .
(5) انظر تاريخ آداب اللغة العربية لجورجى زيدان جـ 3 ص 9 ، تاري الأدب العربى كارل بروكلمان جـ 5 ص 46 .
(6) رجعت فى ترجمته إلى الآتى :
... ... الأعلام للزركلى ، حـ 8 ص 293 ـ 294 ، معجم المؤلفين ـ عمر رضا كحاله ص 505 ، نهج البلاغة تقديم د/ عبد السلام هارون ص 19 ـ 61 ـ 289 ، أنوار البدرين فى تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين للشيخ / حسن البلادى البحرانى ص 62 : 69 ، شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم البحرانى جـ1 ص ج ، كشف الظنون لحاجى خليفة جـ 1 ص 351 ، شروح نهج البلاغة لسماحة العلامة الشيخ / حسين جمعه العاملى 86 ، هدية العارفين ـ اسماعيل البغدادى جـ 2 ص 486 دار الكتب تحت رقم ب غ هـ / 11، الذريعة إلى تصانيف الشيعة جـ 7 ص 179 .(1/13)
" العالم الربانى ، والعارف الصمدانى ، وقد أثنى عليه ملطان المحققين نصير الملة والدين ثناءً عظيماً "(1)وقد كان ميثم البحرانى عالماً بالأدب والكلام من فقهاء الإمامية ، من أهل البحرين(2).
... ومن الجدير بالذكر أن ميثم حيث وجد فهو بكسر الميم إلا مَيْثم البحرانى فإنه بفتحها(3).
... " ولد ميثم فى البحرين(4)، ولم يُعلَم فى أية بلدة أو قرية منها ، بل فى أى جزيرة من تلك الجزر(5)"
... عاش ميثم البحرانى فى القرن السابع الذى تضمن من الحوادث والمصائب ما يستعظمه السامع ولا يهون ذكره ، وهذه المصائب وإن عمت إلا أنه بلى المسلمون منها ما لم يبتل أحد من الأمم ...(6)"
... فما ظنك بمن هذا حال عصره الذى يعيش فيه ، لكن ميثم البحرانى رغم هذا وكل هذا تجده الأديب والبلاغى ، والفيلسوف والشيخ ، فقد جمع من صنوف العلم والمعرفة ما لم يجمعه غيره ، كل هذا فى ظل ظروف قاسية ترزح بنيران الحروب.
... رحل ميثم إلى بغداد يغترف العلم بكل أنواعه ، ولم تذكر المصادر ما إذا كان قد أقام ببغداد أم رحل عنها .
ثقافته ومصادرها :
... ولقد كانت هناك عدة موارد استقى منها ميثم البحرانى علمه وأدبه ومادة كتابته ...
... من هذه الأمور إطلاعه على كتب البلاغة التى سبقته وبخاصة الشيخ عبد القاهر الجرجانى الذى ظهر أثره على كتابة الشيخ ميثم فى مقدمته البلاغية .
__________
(1) انظر أنوار البدرين فى تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين للشيخ / حسن البلادى البحرانى ص 62 .
(2) الأعلام ـ الزركلى جـ 8 ص 293 .
(3) انظر كتب التراجم السابقة .
(4) البحرين اليوم اسم لمجموعة جزر بالقرب من الشاطئ الغربى للخليج الفارسى ، وقديماً كان يطلق على ناحية أوسع مما يطلق عليه اليوم وهى مجموعة المدن والقرى بين بصرة وعمان (شرح نهج البلاغة جـ 1 ص يد )
(5) السابق نفس الصفحة .
(6) انظر شرح نهج البلاغة جـ 1 ص - ع.(1/14)
... فمن الأمثلة على ذلك قول ميثم فى التشبيه الواقع فى الهيئات التى تقع عليها الحركات : "... أنه يقع على وجهين : الأول : أن تقترن الحركة بغيرها من الأوصاف كالشكل واللون ونحوهما ، والثانى : أن تجرد هيئة الحركة حتى لا يراد غيرها "(1).
... لنقرأ العبارات السابقة ونوازن بينها وبين كلام الشيخ عبد القاهر حين يقول : " اعلم أن مما يزداد به التشبيه دقة وسحراً أن يجئ فى الهيئات التى تقع عليها الحركات ، والهيئة المقصودة فى التشبيه على وجهين:
أحدهما : أن تقترن بغيرها من الأوصاف كالشكل واللون ونحوهما.
والثانى : أن تجرد هيئة الحركة حتى لا يراد غيرها(2).
... وخير شاهد على تأثر الشيخ ميثم بعبد القاهر واطلاعه على كتابيه ذِكرهُ فى كتابه يقول الشيخ ميثم :
" وهذا معنى قول عبد القاهر الجرجانى رحمه الله : النظم عبارة عن توخى معانى النحو فيما بين الكلم(3)"
... فمما لا شك فيه أن الشيخ ميثم قد هضم كلام الإمام عبد القاهر الجرجانى وتلميذه الرازى .
... وإذا كانت روح عبد القاهر تظهر فيما كتب ميثم فإنَّ شيئاً من ذلك نراه بالنسبة لابن سنان مما يجعلنى أرجح أنه اطلع على كتاب "سر الفصاحة" كما اطلع على كتابى عبد القاهر .
... ألمح هذا من قول ميثم فى حديثه عن الفصاحة والبلاغة :
__________
(1) انظر مقدمة شرح نهج البلاغة ـ للشيخ ميثم البحرانى ص 115 .
(2) أسرار البلاغة ص 164 ، 165 .
(3) انظر مقدمة شرح نهج البلاغة ص 87 ، ودلائل الإعجاز ص 276 ط دار المعرقة .(1/15)
" ومنهم من يجعل البلاغة فى المعانى ، والفصاحة فى الألفاظ "(1)وهذا الكلام منسوب لابن سنان الخفاجى(2).
... وإذا كان ميثم البحرانى قد اطلع على كتابى عبد القاهر كما اطلع على سر الفصاحة ـ إذا صح ذلك ـ فإنه بلا شك قد استفاد كثيراً مما كان له الأثر الواضح فى مؤلفاته.
صفاته :
... ومن خلال قراءتى لمقدمة شرح نهج البلاغة وللشرح نفسه أستطيع إيراد بعض الصفات التى اتسم بها ميثم البحرانى وكان لها أثر واضح على مادة كتابه .
... فمن أهم الصفات التى ظهرت فى كل ما كتب ميثم "تدينه"(3)
وسمو خلقه يظهر ذلك من إطلاقهم عليه (الشيخ ميثم البحرانى) ، ومن عكوفه على العلوم الشرعية ، ومن شرحه لمقدمة الإمام على، ومن طريقته فى الكتابه .
كتابه :
... كتاب "أصول البلاغة"(4)للشيخ ميثم البحرانى ، ألفه لمنصور محمد الجوينى بن علاء الدين محمد الجوينى ، صاحب ديوان الممالك ، يقول ميثم عن سبب تأليفه:
__________
(1) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 164 .
(2) وإن كان أبو هلال العسكرى أول من أشار إلى ذلك وقد نبه إلى هذا الكلام أستاذنا أ.د/محمد إبراهيم شادى وقد سها الدكتور / شوقى ضيق فنسب هذا لابن سنان " انظر نشأة البلاغة وأصول علم المعانى لأستاذنا أ.د/ محمد شادى ص 128 ، البلاغة تطور وتاريخ د/ شوقى ضيف ص 153"
(3) يبدو أن ميثم البحرانى كان يهتم بالعلوم الدينية أكثر من اهتمامه بالعلوم الأدبية .
(4) أصول البلاغة ص 7 .(1/16)
" ... وبعد فهذه أصول فى علم البلاغة جردتها من(1)الحشو المذموم ، وضبطتها بالحدود والرسوم ؛ ليسهل حفظها ، ويكثر نفعها ، وخدمت بها مجلس من خص بكمال الفضل النفسانى ، وزكاء(2)الأصل الإنسانى ، حتى لقد بذّ الأقران فى حلبة العلم ، ولم يبلغ سنه أوان الحلم وهو الأمير المعظم ... نظام الدين والدنيا أبو المظفر منصور بن الصاحب الأعظم ، دستور ممالك العالم ... علاء الحق والدين ... محمد الجوينى بلغة الله أقصى مراتب الكمال(3).
... أما عن منهج المؤلف فى كتابه ، فقد رتب الكتاب على مقدمة وجملتين : تناول فى المقدمة الحديث عن مفهوم الفصاحة والبلاغة وموضعهما وفى الجملة الأولى يتحدث عن الفصاحة فى المفردات ثم الفصاحة التى تتعلق بالكلمة الواحدة ثم الكلمات المركبة وهى لا تتميز عنده بالفصاحة إلا إذا توافرت فيها بعض ألوان البديع ، ثم يتناول فى الجمله الثانية الحديث عن النظم وعن حقيقته ، والفرق بين وجوه الكلام المختلفة . ومن خلال هذا المنهج يتعرض للحديث عن التشبيه والاستعارة ، والكناية ، وأكثر الموضوعات البلاغية.
__________
(1) شرح الشيخ ميثم كلام الإمام على فى كتابه "شرح نهج البلاغة " ضمن شروح كثيرة زادت على مائتى شرح ، وقد اشتمل شرحه هذا على مقدمة قسمها إلى ثلاثة قواعد ، وكانت القاعدة الأولى فى البلاغة ، والثانية فى الخطابة ، والثالثة فى فضائل الإمام على ثم ألف كتاباً تحدث فيه عن القاعدة الأولى وهى "فى البلاغة أطلق عليه "أصول البلاغة" وهو ما نقوم بدراسته .
(2) يرى المحقق أن عنوان الكتاب هو "تجريد البلاغة" . والزكاء فى اللغة معناه : الزيادة .
(3) انظر أصول البلاغة ص 33 ، 34 .(1/17)
... والشيخ ميثم كما هو واضح ـ " لم يتحدث عن علوم البلاغة مقلداً طريقة العلماء فى تقسيمها إلى علوم ثلاثة : معان وبيان وبديع ، وإنما سلك الطريق الأمثل والأنفع فى تكوين الجملة أو العبارة أو النص ، وما ينبغى أن يحتويه من سمات حتى يكون متلائماً ، فصيحاً تسيغه الأسماع ، ويقع موقعاً حسناً فى النفس والفؤاد(1)".
... يقول محقق الكتاب : " فالشيخ ميثم البحرانى يقدم إلينا أصول البلاغة وينابيعها فى رشفة واحدة عذبة المذاق ، دون أن نحس معها بالغصة ، أو نستشعر منها الملل أو الكلّ ..."(2).
... ومما لا شك فيه أن كتاب أصول البلاغة جمع من البحوث البلاغية القيمة، الكثير ، بالإضافة إلى عرضها عرضاً حسناً ، فى أسلوب بسيطٍ وسهل ليسهل تناولها .
مؤلفاته :
__________
(1) انظر السابق ص 27 .
(2) انظر السابق ص 29 .(1/18)
... ومثلما كان ميثم موسوعياً فى قراءاته كان موسوعياً فى مؤلفاته أيضاً فهو لم يتوقف عند علم بعينه يبحث ويدقق فيه ويدخل فى أغواره وكانت مؤلفاته تمتاز بالصياغة الرائعة التى لا تخلو من التدخل الكلامى والفلسفى فى بعض الأحيان . هذا وقد تنوعت مؤلفاته وكثرت مما يدل على تشعب قراءاته ونبوغه ، فله شرح نهج البلاغة(1).
... وشرح المائة(2)كلمة المنسوبة للإمام على ، وشرح الإشارات، وكتاب النجاة فى القيامة فى تحقيق أمر الإمامة(3)، وكتاب استقصاء النظر فى إمامة الأئمة الإثنى عشر ، والقواعد فى علم الكلام ، وكتاب الاستغاثة فى بدع الثلاثة(4)، والبحر الخضم، وآداب البحث ، وكتاب الدر المنثور ، وتجريد البلاغة ويسمى أصول البلاغة .
__________
(1) شرح الشيخ ميثم نهج البلاغة للإمام على ، ثلاث مرات : أـ الشرح الكبير .. قيل أن اسمه مصباح السالكين ، وقد ألفه للخواجه علاء الدين عطا ملك الجوينى الوزير الذى توفى سنة680 ، وصدر الكتاب باسمه واسم أخيه ... وهو كتاب ممتع مشحون بدقائق العلم والحكمة ، وقد طبع بطهران فى سنة 1276 فى خمسة أجزاء .. وقد اختصره العلامة الحلى ، والعلامة الجيلانى ، وسماه " أنوار الفصاحة" وقد فرغ منه سنة 677. ب ـ الشرح المتوسط .. صرح ميثم أنه استخرجه من شرحه الكبير لأحد أولاد الخواجه علاء الدين .. وقد فرغ منه سنة 681، وقال عنه الشيخ يوسف فى "لؤلؤة البحرين " : أنه كان عندى ، وذهب فيما وقع على كتبى وبقى عندى الشرح الكبير . جـ ـ الشرح الصغير .. وهو ملخص الشرح الكبير ، لخصه بإشارة علاء الدين المذكور لولديه نظام الدين أبى منصور محمد ومظفر الدين أبى العباس على ، وقد فرغ منه سنة 681 (انظر الأعلام للزركلى ، شرح نهج البلاغة جـ 1 ص ح ).
(2) شرح المئة كلمة ، هكذا كتبت فى (الأعلام للزركلى ، وفى هدية العارفين للبغداى )
(3) ذكره معجم المؤلفين لكحالة جـ13 ص 55 .
(4) قد دار خلاف حول نسبته للشيخ ميثم .(1/19)
... وقد كانت الغاية التى يسعى إليها ويدافع عنها هى "إعلاء كلمة الحق ونشر لواء العلم والحكمة"(1). وقد عاهد الله "أن لا ينصر مذهباً غير الحق ، ولا يرتكب هوىً لمراعاة أحد من الخلق ووفى بما عاهد"(2)
... والمتصفح لبعض مؤلفات ميثم يدرك من أول وهلة أنه قارئ موسوعى ، اطلع على كثير من صنوف المعرفة فكان لهذا الاطلاع أثره فى كل ما كتب وألف هذا بالإضافة إلى تتلمذه(3)على علماء عصره المشهود لهم بالعلم والنبوغ آنذاك . كما تتلمذ(4)عليه كثير من النابهين فى مجالات مختلفة ، وأصبح الشيخ ميثم إمامهم فى العلم وسبيلهم إلى المعرفة .
وفاته :
... هناك أمور كثيرة فى حياة الشيخ ميثم البحرانى لم يشر إليها أحد من قريب أو من بعيد ، وهى تاريخ ولادته ، وتاريخ سفره إلى بغداد ، وعدد أسفاره إليها ، وعدد أسفاره ، وسائر تقلباته ، ومعرفة حياته ، وبيئته ، ونشأته وأسرته .
... وهذا ما جعل أحد الباحثين يقول :
__________
(1) شرح نهج البلاغة جـ1 ص (ط) .
(2) السابق نفس الصفحة .
(3) تتلمذ الشيخ ميثم على كثير من علماء عصره وسأكتفى بالإشارة إلى ذلك فمنهم: أـ الشيخ سليمان البحرانى الماحوزى الذى انتهت إليه رئاسة بلاد البحرين فى وقته . ب ـ الشيخ نجم الدين أبو القاسم جعفر بن القاسم الهذلى المعروف بالمحقق ، جـ ـ الشيخ على بن سليمان البحرانى صاحب كتاب الإشارات الذى شرحه الشيخ ميثم . د ـ أبو السعادات بن أسعد الأصفهانى .
(4) أما عن تلاميذ الشيخ ميثم الذين تتلمذوا على يديه فهم كثيرون منهم / أ/ الشيخ محمد بن أحمد الصهيونى العاملى ب ـ الشيخ مفيد الدين محمد بن جهم الأسدى الحلى جـ ـ نصير الملة والدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسى د ـ الحسن بن يوسف على أبو منصور العلامة الحلى . : انظر شيوخه وتلاميذه بالتفصيل فى (شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم جـ1 ص ى ) وكتب التراجم الأخرى "(1/20)
" مما يحز فى النفس ويبعث الأسف أن المعتنين بضبط أحوال رجال العلم والفضل ، ما اعتنوا بحفظ دقائق تراجم الكثيرين منهم حق الرعاية والاعتناء ، واكتفوا بالجرح والتعديل(1)... وترى فى كثير من كتب التراجم الإهمال ، والإشارة بأقصر لفظ إلى أنه ثقة يُروى عنه ، وأهملوا فى ترجمته الكثير ... فلم يذكروا تلامذته والراوين عنه حتى لم يعلم منهم أكثر من ثلاثة أو أربعة مع أنه بحر خضم كثر عن مناهله الواردون والصادرون ، ولم يذكروا سائر أحواله ..."(2)
... أما وفاته فالصحيح أنه "توفى فى البحرين ، ودفن فى مقبرة جدّه المعلّى فى قرية هلتا"(3)وقد اختلف فى سنة وفاته والصحيح أنه توفى سنة 679هـ ، يُعضّد ذلك إجماع أكثر المترجمين له .
وبعد ..
... فقد طفت بين ابن سنان الخفاجى وميثم البحرانى وتعرفت على جوانب من حياتهما لأخلص إلى الآتى :
أولاً :
__________
(1) الجرح : هو الطعن فى الراوى وانتقاصه بما يترتب عليه عدم قبول روايته .
والتعديل : الحكم بعدالة الراوى ، وجعله موثوقاً به تقبل روايته . " انظر المهذب فى مصطلح الحديث ـ منشاوى عثمان عبود " .
(2) انظر شرح نهج البلاغة ص (بج)
(3) السابق ص (ى) (وهلتا) : إحدى القرى الثلاث من الماحوز ، والماحوز هى المنطقة التى عاش ودفن بها الشيخ ميثم وكانت الماحوز تضم ثلاث قرى : الدُّوبخ ، والقُريَفة ، وهلتا أو (هرتى) . "انظر أصول البلاغة ص 22 هامش ، وقد اختلفت الآراء حول وفاته ، فمن قائل أنه توفى سنة 699 ، ومن قائل أنه توفى سنة 681 وقيل 689 "انظر فى ذلك : معجم المؤلفين لكحالة جـ1 ص 72 ، الأعلام للزركلى جـ8 ص 293 - 294 ، وغيرها من الكتب التى ترجمت للشيخ ميثم وأشرتُ إليها فى نسبه".(1/21)
... عاش ابن سنان الخفاجى فى القرن الخامس الهجرى الذى شهد طفرةً بلاغية واضحة، وعاصر الكثير ممن لهم باع طويل فى البلاغة العربية من مثل الشيخ عبد القاهر الجرجانى ، وابن رشيق القيروانى ، فقد مُتع القرن الخامس بظهور أعلام نابهين أثْروا المكتبة البلاغية بالكثير من المؤلفات القيمة كان من بينهم ابن سنان الخفاجى الذى أدرك قيمة معاصريه فخرج لنا بكتاب متميز ومنهج متميز وسط هذا الركام الهائل من الكتب . بينما عاش الشيخ ميثم البحرانى فى القرن السابع الذى شهد تغيراً ملحوظاً فى القضايا البلاغية قبله حيث طغت الفلسفة على كل شئ ، ولكن الشيخ ميثم جرد كتابه من كل هذا ، أو من أكثره ، وظهر لنا بمقدمة بلاغية ضافيه تأثر فيها ـ إلى حد كبير ـ بالشيخ عبد القاهر الجرجانى ـ ولكنه كان صاحب رأى وذا شخصية واضحة فى كتابته .
ثانياً :
... نشأ ابن سنان فى بيت علم وشرف اذ كان أبوه من أشراف حلب بينما لم يصلنا شئ عن حياة الشيخ ميثم وإن كنت أرجح أنه قد نشأ هو الآخر فى بيت علم وأدب ، وذلك من خلال ما وصلنا عن تتلمذه على علماء عصره .
ثالثاً :
... عاش ابن سنان فى حلب وتنقل بينها وبين المعرة والقسطنطينية مما كان له أكبر الأثر على ثقافته .
... بينما عاش الشيخ ميثم فى البحرين ورحل عنها إلى بغداد ولم يصلنا شىء عن زمان عودته إلى البحرين أو عدد أسفاره .
رابعاً :
... تتلمذ ابن سنان على شيخ المعرة وشاعرها أبو العلاء المعرى، وإن استفاد من غيره إلا أن استفادته من أبى العلاء كانت أكثر من غيره .
... وقد تتلمذ الشيخ ميثم على علماء عصره واعترف من علمهم.
خامساً :
... انتفع ابن سنان بكتب الأدب والبلاغة قبله واعترف هو نفسه بذلك . بينما تأثر الشيخ ميثم بعبد القاهر الجرجانى، وكان تأثره به واضحاً .
سادساً :(1/22)
... ألف ابن سنان فى البلاغة وذاعت شهرته فيها بالموازنة بينه وبين الشيخ ميثم وله ديوان شعر منه نسخة بدار الكتب المصرية . بينما كانت أكثر مؤلفات الشيخ ميثم فى الكلام والفقه والأدب ولم يؤلف فى البلاغة ـ على حد علمى ـ سوى المقدمة التى كتبها فى أول شرحه لنهج البلاغة واختصرها فى كتابه "أصول البلاغة".
سابعاً :
... كان الهدف من تأليف "سر الفصاحة" ، البحث عن ماهية الفصاحة وبيان إعجاز القرآن . بينما كان الهدف من تأليف "أصول البلاغة" ، معرفة الفصاحة والبلاغة بالإضافة إلى فهم كلام الإمام على والمباحث التى قام ميثم بشرحها ، وقد أُهدى هذا الكتاب إلى منصور بن مُحَمَّد الجوينى .
وأخيراً :
... فلعل فى الموازنة بينهما استفادة كبيرة للبلاغة العربية وهذا ما أنشده فى بحثى .(1/23)
-1-
الفصاحة والبلاغة
أ - الفصاحة والبلاغة قبل القرن الخامس :
... إن المتتبع لمعنى الفصاحة والبلاغة فى اللغة يدرك أنهما بمعنى واحد ، وأن العرب قد استخدمت كلا منهما بمعنى الآخر ، " وإن كان لكل منهما جذر لغوى خاص، فإنهما فى النهاية يلتقيان"(1)
... * فالفصاحة : هى مصدر للفعل الثلاثى المضموم العين "فصُح" ، ويرى ابن فارس(2): أن أصل المادة يرجع إلى اللبن(3)، ومما يؤيد ذلك ما جاء فى لسان العرب فى قول نضلة السُّلَمِىّ(4):
... رَأَوْهُ فَازْدَرَوْهُ وَهْوَ خِرْقٌ ... ... وَيَنْفَعُ أَهْلَهُ الرَّجُلُ الْقَبِيحُ
... فَلَمْ يَخْشَوْا مَصَالَتَهُ عَلَيْهِم ... ... وَتَحْتَ الرَّغْوَة اللَّبَنُ الْفَصِيحُ(5)
... وقد استعملت المادة بمعنى الصفاء لغير اللبن ، يقول ابن منظور : "الفصاحة: البيان ... نقول : رجل فصيح وكلام فصيح : أى بليغ ، ولسان فصيح : أى طلق ... ، وأفصح الصبح : بدا ضوءُه واستبان ، ويوم مفصح : لا غيم فيه ، وكل ما وضح فقد أفصح "(6)
__________
(1) نشأة البلاغة وأصول علم المعانى ... لأستاذى ، أ.د/ مُحمّد إبراهيم عبد العزيز شادى ص 270 .
(2) أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ، كان إماماً فى علوم شتى وخصوصًا اللغة ، من أشهر مؤلفاته "الصاحبى" توفى سنة 390 هـ (معجم الأدباء 2/6 ، تاريخ آداب اللغة العربية لجورجى زيدان 310/2) .
(3) انظر : مقاييس اللغة .. لابن فارس مادة ( فَصُح) .
(4) هو : نضلة بن عبيد بن الحارث الأسلمى ، غلبت عليه كنيته واختلف فى اسمه ، كان حقيرًا دميمًا ، وكان ذا نجدة وبأس توفى سنة 65 هـ ( المزهر للسيوطى 184/1) ، ( العقد الفريد 242/5 ).
(5) انظر : لسان العرب لابن منظور مادة "فصُح" جـ 2 ص 544 ـ دار الفكر ،
والخرق : الظريف فى سماحة ونجدة ، المصالة : ما قطر من الجرة أو الخابية .
(6) انظر : لسان العرب 544/2 .(1/1)
... " ويقال : أفصح العجمى : تكلم العربية ، وفصُح : انطلق لسنه بها وخلصت لغته من اللكنة"(1)، "وفصح الرجل : انطلق لسانه بكلام صحيح واضح"(2)، قال تعالى: { وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أفْصَحُ مِنّى لِسانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِى رِدْءًا يُصَدِّقُنِى إِنّى أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُون }(3).
وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أنا أفصح العرب بيد أنى من قريش وأنى نشأت فى بنى سعد بن بكر "(4)، " وكان مسترضعا فيهم ، وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العلاء(5): أفصح العرب عُليا هوازن ، وسفلى تميم"(6).
... ظهر مما سبق أن الفصاحة كانت تطلق على اللبن حيث كانت مرتبطة بالحياة المادية ، وظل العرب يستعملون اللفظة حتى أصبحت بمعنى النطق السليم الخالى من اللكنة .
... * أما البلاغة : فتعنى الوصول والانتهاء "يقال بلغ الشىء يبلغ بلوغًا وبلاغًا : وصل وانتهى ... ومنه قول أبى قيس بن الأسلت السُّلَمى(7)
... قَالَتْ وَلَمْ تَقْصِد لِقيلِ الخنى ... ... مَهْلاَ ! فَقَدْ أَبْلَغْتَ أَسْمَاعِى
__________
(1) أساس البلاغة للزمخشرى مادة "فصُح" .
(2) المعجم الوسيط مادة "فصُح" 716/2 .
(3) سورة القصص ، آية : 34 .
(4) النهاية فى غريب الحديث والأثر ، لابن الجزرى 450/3 ، والمزهر 209/1 ، العقد الفريد 251/4 .
(5) هو : زبان بن العلاء بن عمار بن عبد الله التميمى المازنى ، أحد القراء السبعة ، كانت دفاتره إلى السقف ثم تنسك وأحرقها ، ولم يخلف أثرًا مكتوبًا (تاريخ آداب اللغة العربية لجورجى زيدان 100/2).
(6) المزهر للسيوطى جـ1 ص 210 / 211 .
(7) هو : عامر بن جشم ، من الأوس ، وهو سيدهم ، وهو من أصحاب المذهبات ، اُخْتُلِف فى اسمه وفى إسلامه (المفضليات رقم 75 ص 283 ، تهذيب الأغانى : واصل الحموى 1772/5 ، طبقات فحول الشعراء 226/1) ، ولم تقصد : أى لم تتوسط فى الأمور، والخنى: الكلام الردئ (المفضليات 284).(1/2)
... والبلاغة : الفصاحة ، ورجل بليغ : حسن الكلام فصيح يبلغ بعبارة لسانه كنه ما فى قلبه ... وقد بلُغ ـ بالضم ـ بلاغةً : أى صار بليغًا "(1)
... يظهر مما سبق أن أهل اللغة يستعملون البلاغة بمعنى الفصاحة ، والفصاحة بمعنى البلاغة "فعندهم كلام فصيح : أى بليغ ، والبلاغة الفصاحة".
... أما علماء البلاغة والنقد : فقد اختلف الأمر عندهم ، ولعل أول من أشار إلى معنى الفصاحة والبلاغة : "الجاحظ" فى كتابه "البيان والتبيين" ، وذلك عندما قال : " قلت للعتابى(2): ما البلاغة ؟ قال : كل من أفهمك حاجته من غير إعادة ، ولا حبسة، ولا استعانة فهو بليغ"(3).
" ويلاحظ أن العتابى يفسر البلاغة بالفصاحة ، كما أن الجاحظ لم يفرق بين مدلول كلمتى "بلاغة ، وفصاحة " ، مع أنه أول من استخدم كلمة "فصاحة" استخدامًا قريبًا من معناها الذى استقر أخيراً "(4)، وقد كان حديثه عن الفصاحة والبلاغة هو البذرة الأولى ، والتى انطلق منها البلاغيون بعده .
... والمطلع على "البيان والتبيين" للجاحظ يدرك لأول وهلة ، أنه كثيرًا ما يستعمل ألفاظ الفصاحة والبيان والبلاغة كمترادفات تدل على معنى واحد .
وما كتبه الرُّمانى عن "التلاؤم"(5)، هو الذى يدخل فى الفصاحة ، ويبدو تأثره بالجاحظ .
__________
(1) لسان العرب جـ 8 ص 419 ـ دار الفكر .
(2) كلثوم بن عمرو بن أيوب بن عبيد بن أوس بن عبد الله بن عمرو بن كلثوم بن عمرو ، الشاعر ، شاعر مسترسل ، وبليغ مطبوع ـ توفى سنة 220 هـ (تهذيب الأغانى 1426 / 4 ، مختصر الأعلام 482 ) .
(3) البيان والتبيين ـ الجاحظ ـ ت/ عبد السلام هارون ص 113 ط1 .
(4) البلاغة بين عبد القاهر وابن سنان د/ عبد العاطى غريب علام ـ مخطوط فى كلية اللغة العربية بالقاهرة تحت رقم 218 .
(5) النكت فى إعجاز القرآن ـ ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ـ ص 94 .(1/3)
أما الباقلانى(1): فلم يفرق ـ أيضاً ـ بين الفصاحة والبلاغة بل يخلط بينهما ، ويضيف اليهما "البراعة" ، " وهو كثيرًا ما يستخدم لفظة فصاحة ليدل بها على البلاغة ... ويستخدم البراعة فيما يقابل اللكنة ، وكلمة فصاحة فيما يقابل العىّ"(2).
ب- الفصاحة والبلاغة عند ابن سنان :
... " لقد كتب بعض السابقين كلماتٍ ونتفًا فى فصاحة الكلمة وبلاغة الكلام ، بعضها مأثور عن الأدباء والنقاد ، وبعضها شرحٌ لهذا المأثور"(3).
وواضح أن حديثهم هذا كان حديثًا غير منظم ، فلم يؤلف فيهما كتاب ، حتى طالعنا القرن الخامس بظهور الشيخ عبد القاهر وابن سنان الخفاجى .
... أما عبد القاهر ـ رحمه الله ـ فكان يستخدم الفصاحة والبلاغة بمعنى واحد ، متبعًا نهج السابقين فى ذلك ، فلم يفرق بين مدلوليهما بل أضاف إليهما البيان والبراعة، يقول :
" فصل فى تحقيق القول على البلاغة والفصاحة والبيان والبراعة وكل ما شاكل ذلك مما يعبر عن فضل بعض القائلين على بعض من حيث نطقوا وتكلموا ، وأخبروا السامعين عن الأغراض والمقاصد ، وراموا أن يعلموهم ما فى نفوسهم ، ويكشفوا لهم عن ضمائر قلوبهم"(4).
أما حديث ابن سنان عن الفصاحة والبلاغة ، فهذا ما سأوضحه فى الصفحات التالية...
* معنى الفصاحة والبلاغة عند ابن سنان :
__________
(1) هو : أبو بكر محمد بن عبد الطيب البصرى الباقلانى ، المتكلم الأشعرى ، قيل إنه كان يكتب فى كل ليلة بعد أن يقضى ورده خمسًا وثلاثين ورقة تصنيفًا من حفظه ، ومن أشهر مؤلفاته : إعجاز القرآن توفى فى بغداد سنة 403 هـ ( تاريخ الأدب العربى ـ كارل بروكلمان 50/4 ، وفيات الأعيان 580 ، الكشكول 1/274 )
(2) إعجاز القرآن للباقلانى ت/ السيد صقر ص 127 ، وعلم الفصاحة د/ محمد على رزق الخفاجى ص39.
(3) البيان العربى د/ بدوى طبانة ص 173 .
(4) ينظر دلائل الإعجاز ـ عبد القاهر الجرجانى ـ ص 35 ـ دار المعرفة .(1/4)
... يبدو أن حديث ابن سنان عن الفصاحة والبلاغة كان شغله الشاغل ، حتى أنه أطلق على كتابه "سر الفصاحة"(1)، وكانت الفصاحة هى الهدف من تأليف كتابه "فقد رأى الناس مختلفين فى مائيتها وحقيقتها"(2)وقد رأى ابن سنان أن للكلام عن الفصاحة والبلاغة تأثير فى العلوم الأدبية والكشف عن سر إعجاز القرآن وإن كان هو يرى أن سبب إعجازه يرجع إلى الصرفه(3).
... وقد بدأ ابن سنان حديثه بتعريف الفصاحة فى اللغة(4)، فهى عنده تعنى الظهور والبيان(5)، يقال : أفصح الصبح إذا بدا ضوءه ، وأفصح كل شيئ إذا وضح ، وفى الكتاب العزيز : { وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أفْصَحُ مِنّى لِسانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِى }(6).
__________
(1) لم يَرُقْ بعض الباحثين أن يسمى ابن سنان كتابه "سر الفصاحة" حيث قال : " وكتاب (سر الفصاحة) كان جديراً به أن يسمى (سر البلاغة) بناءً على أفكار صاحبه فيه ، وموضوعاته التى ضمنها إياه " (ينظر مناهج البحث البلاغىفى الدراسات العربية د/ عبد السلام عبد الحفيظ ص 244) . وأرى أن تسمية الكتاب بسر الفصاحة أجدى وأدق من تسميته "بسر البلاغة" ، وذلك لاهتمام مؤلفه بالحديث عن الأصوات والحروف والكلمات المفردة ، حيث شغل حديثه عنها قدرًا كبيرًا ،.
(2) سر الفصاحة ص 13 .
(3) يرى ابن سنان أن وجه الإعجاز فى القرآن صرف العرب عن المعارضة مع أن فصاحة القرآن كانت فى مقدورهم لولا الصرف ، وقد تأثر فى هذا الكلام بإبراهيم بن سيار المعروف بالنظام المتوفى سنة 221 ... (ينظر سر الفصاحة ص 14 ).
(4) سر الفصاحة ص 58 ط1 .
(5) يرى ابن الأثير أن الفصيح من الألفاظ هو الظاهر البين ، وإنما كان ظاهرًا بينًا ؛ لأنه مألوف الاستعمال ، وإنما كان مألوف الاستعمال لمكان حسنه ، وحسنه مدرك بالسمع ، (المثل السائر ص 92 ت : د/بدوى طبانه ، د/ أحمد الحوفى ) .
(6) سورة القصص ، آية : 34 .(1/5)
... ويقول عن الفصاحة بأنها : "عبارة عن حسن التأليف فى الموضوع المختار"(1)، والبلاغة عنده "عبارة عن حسن الألفاظ والمعانى "(2).
... وعلى هذا فقد عرف الفصاحة بما تدل عليه البلاغة .
" وقد تطرق ابن سنان إلى شرح فضل الفصاحة ... بمنطق خلاب وأسلوب أخاذ ... فكأنه فى بيانه العالى وأسلوبه الرفيع دليل على شرف الفصاحة وكرم منزلها من النفوس "(3).
* موقف ابن سنان من تعريف القدامى للفصاحة والبلاغة :
... لقد كان حديث القدامى عن الفصاحة والبلاغة دافعاً قويَّا لأن يؤلف ابن سنان كتابه "سر الفصاحة" ، فيقول عند حديثه عن الفصاحة : "إننى لم أرَ أقل من العارفين بهذه الصناعة ، والمطبوعين على فهمها ونقدها ، مع كثرة من يدعى ذلك ويتحلى به وينتسب إلى أهله ... ولما ذكرته رجوت الانتفاع به من هذا الكتاب"(4).
... ويقول ـ رحمه الله ـ عند تعريفه البلاغة : "وقد حدّ الناس البلاغة بحدود إذا حققت كانت كالرسوم والعلائم ، وليست بالحدود الصحيحة "(5). ويبدو انفعال ابن سنان فى كلامه السابق ، فهو غير راضٍ بهذه التعاريف التى عرّف الناس بها البلاغة ، ويرى أنه صفات وشروط للبلاغة والبليغ وليست بالحدود .
__________
(1) سر الفصاحة ص 25 ط 1 .
(2) السابق ص 234 .
(3) ينظر : مجلة الأزهر سنة 1362 هـ ص 88 بتصرف ، ويقول صاحب الطراز عن فضل الفصاحة والبلاغة :"اعلم أن هذا الباب من أجلّ علوم البيان وأعلاها، وأرسخ قواعده وأسماها ، وفيه تتفاوت القيم ، وتتفاضل الهمم " (ينظر الطراز ـ للعلوى ص 52 ـ ت / محمد عبد السلام شاهين ـ دار الكتب العلمية ).
(4) سر الفصاحة ص 63 .
(5) السابق ص 59 ، وراجع : خصائص التراكيب أ.د/ محمد أبو موسى ص 31.(1/6)
... وقد ذكر ابن سنان تعاريف للبلاغة(1)، أتبعها بالشرح والنقد(2).
* الفرق بين الفصاحة والبلاغة عند ابن سنان :
... قبل أن أبين موقف ابن سنان من الفصاحة والبلاغة ، كان لزامًا على أن أنقل عنه هذا النص حيث يقول :
" إن الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ والبلاغة لا تكون إلا وصفًا للألفاظ مع المعانى ، لا يقال فى كلمة واحدة لا تدل على معنى يفضل عن مثلها بليغة وإن قيل فيها فصيحة ، وكل كلام بليغ فصيح ، وليس كل فصيح بليغاً(3)، كالذى يقع فيه الإسهاب فى غير موضعه "(4).
__________
(1) تأثر ابن سنان فى هذه التعاريف بالجاحظ (راجع : البيان والتبيين 1/88 ).
(2) ذهب السبكى فيما بعد إلى ما ذهب إليه الخفاجى حيث قال : "والظاهر أن هذه التعاريف إنما قصدوا بها ذكر أوصاف البلاغة ، ولم يقصدوا حقيقة الحد والرسم" (ينظر : مجلة الأزهر سنة 61 هـ ـ مقال للأستاذ كامل الفقى ص 88 ، نقلا عن عروس الأفراح للسبكى ـ ضمن شروح التلخيص ـ 130/1)
(3) لقد تأثر ابن الأثير بابن سنان فى هذا ونقل عنه عبارته هذه (المثل السائر 1/94).
(4) سر الفصاحة ص 59 .(1/7)
... ويبدو أن هذا النص " جعل كثيرًا من الدارسين المحدثين(1)ينسبون لابن سنان خطأً قصر الفصاحة على اللفظ والبلاغة على اللفظ والمعنى ، فمع أن هذه هى عبارة ابن سنان حقًّا ، إلا أن تتبع مجموع كلامه يكشف عن حقيقة رأيه الذى يلتقى فيه مع سائر العلماء ، وهو أنه لا فرق بين الفصاحة والبلاغة والبيان والبراعة ، فالفصاحة عند ابن سنان " جزء البلاغة ... وهما خليط لا ينقسم"(2)بل إنه يعطف بينهما عطف التفسير بالمرادف ، كما هو واضح فى قوله : " إن الناس قد أكثروا من الدلالة على شرف الفصاحة ، وعظم قدر البيان والبلاغة "(3).
... فابن سنان لم يفرق ـ فى حقيقة الأمر ـ بين الفصاحة والبلاغة ، بل هو يلتقى مع سائر العلماء فى عدم التفرقة بينهما ، على خلاف ما ذهب إليه كثير من الدارسين المحدثين(4).
__________
(1) انظر على سبيل المثال : (البلاغة تطور وتاريخ د/ شوقى ضيف ص 153 ، والبيان العربى د/ بدوى طبانة ص 74 ، وفى البلاغة العربية د/ رجاء عيد ص 8 ، من سمات التراكيب د/ عبد الستار زموط ص 4 ، والإيضاح بتحقيق د/ خفاجى 5/203 ).
(2) سر الفصاحة ص 60 .
(3) انظر : نشأة البلاغة وأصول علم المعانى أ.د/ محمد شادى ، وسر الفصاحة ص 51 ويرى أستاذى أ.د/شادى : " أن الخطأ ذاته وقع مع أبى هلال عندما نسبوا إليه الحكم على البلاغة والفصاحة بالاختلاف ... مع أن هذا قول ينسبه أبو هلال إلى بعض العلماء ، ولا يمثل رأيه الشخصى ، أما رأيه الذاتى الذى يمكن أن ينسب إليه باطمئنان ، فهو أن الفصاحة والبلاغة متفقان وأنهما معًا يتعلقان بالإبانة عن المعنى " ( راجع : نشأة البلاغة وأصول علم المعانى ، لأستاذى : أ.د/ محمد شادى ص 271 والصناعتين لأبى هلال العسكرى ص 13 ).
(4) مفاد من أستاذى أ.د/ مُحمَّد شادى .(1/8)
... فمن تتبع مجموع كلام ابن سنان يجده يعرف الفصاحة بقوله : "هى عبارة عن حسن التأليف فى الموضوع(1)المختار" .
ويعرف البلاغة بأنها "عبارة عن حسن الألفاظ والمعانى " ، وهو بذلك يكون قد عرف الفصاحة بما تدل عليه البلاغة(2)، فلا فرق بينها ، فهو لا يميز بينهما إلا فى الموضع الذى يجب بيانه من الفرق بينهما بدليل أنه فى أكثر من موضع يقول : " ومن شروط الفصاحة والبلاغة ..."(3)، وهذا الذى وقع فيه المحدثين عندما نسبوا لابن سنان خطأً أنه فرق بين الفصاحة والبلاغة جعل أحدهم يقول : "يؤخذ على ابن سنان قوله : إن الفصاحة وصف للألفاظ(4)، والبلاغة لا تكون إلا وصفًا للألفاظ مع المعانى ، وهذا حق فى جانب البلاغة ، أما الفصاحة : فإذا كان معناها الظهور والبيان ـ كما ذكر ـ فإنها تكون وصفًا للفظة والتركيب"(5).
... وأستاذى الدكتور طبانه فى أنه إذا كان هذا الكلام صوابًا من ناحية معناه ، فإنه لا يصح نسبته إلى ابن سنان ، إلا بعد النظر فى مجموع كلامه .
... فالكلام على الفصاحة عند ابن سنان لا يتميز عن الكلام على البلاغة إلا فى موضع الفرق بينهما ، فأمَّا ما سوى ذلك فعام لا يختص وخليط لا ينقسم(6).
__________
(1) الموضوع عند ابن سنان هو الكلام المؤلف من الأصوات " سر الفصاحة ص 93 ".
(2) البلاغة العربية بين الناقدين الخالدين : عبد القاهر وابن سنان د/ عبد العاطى علام ص 50 .
(3) سر الفصاحة ص 205 ، 220 ، 229 .
(4) يرى أستاذى أ.د/ محمد شادى : "أن تخصيص الفصاحة بالألفاظ والبلاغة بالمعانى يغرى بالفصل بين شيئين لا ينفصلان أبدًا ويوحى بازدواجية اللفظ والمعنى مع أنهما شيئ واحد " ينظر : نشأة البلاغة أ.د/محمد شادى ص 274 ".
(5) د/ بدوى طبانه فى كتابه "البيان العربى " ص 174 .
(6) سر الفصاحة ص 60.(1/9)
... ولا أدرى كيف يحق للعلامة الخطيب القزوينى(1)ـ مع علمه وسعة إطلاعه ـ بعد ذلك أن يقول : " للناس فى تفسير الفصاحة والبلاغة أقوال مختلفة لم أجد فيما بلغنى منها ، ما يصلح لتعريفها به ولا ما يشير إلى الفرق بين كون الموصوف بهما الكلام ، وكون الموصوف بهما المتكلم "(2).
... ألم يطلع العلامة القزوينى على سر الفصاحة والصناعتين والمثل السائر ...(3).
ومن الغريب أن يعلق الشيخ الصعيدى على عبارة الإيضاح السابقة بقوله : " وقد قصد بعض العلماء بعد هذه الأقوال إلى حقيقة الحد والرسم ، فقاربوا ولم يصلوا إليهما ، ومنهم أبو هلال العسكرى فى الصناعتين.."(4).
... وكأنه بذلك يتجاهل أثر ابن سنان الخفاجى الذى ألف كتابه خصيصاً للتعرف على سر ماهية الفصاحة .
__________
(1) هو : أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عمر ، قاضى القضاة ، جلال الدين القزوينى الشافعى ، كان ذكيًّا فصيحًا ، ولد سنة 666 ، من مؤلفاته : تلخيص المفتاح ، إيضاح التلخيص ، توفى سنة 739 (تاريخ علوم البلاغة / للشيخ المراغى ص 134 ) .
(2) ينظر بغية الإيضاح للشيخ الصعيدى ، وانظر رد أستاذنا د/ خفاجى فى الإيضاح جـ 1 ص 18 ـ 19 .
(3) ويقول العلامة التفتازانى ـ رحمه الله ـ : "اعلم أن للناس فى تفسير الفصاحة والبلاغة أقوال شتى لافائدة فى إيرادها إلا الإطناب " (المطول ص 12 ط شوال 1289 هـ ).
(4) بغية الإيضاح للشيخ الصعيدى جـ1 ص 11 .(1/10)
... والأمر ذاته وقع فيه العلامة ابن الأثير حين قال : فى كتابه الموسوم بالمثل السائر : " ... فأما الفرق بين الفصاحة والبلاغة ، فقد أكثر الناس فيه ، وخلاصة ما ذكروه أن الفصاحة هى الظهور ... ثم يقفون عند هذا ولا يكشفون عن السر فيه "(1)ويعلق ابن أبى الحديد على عبارة ابن الأثير السابقة بقول : "... لا أعلم كيف يدعى هذا الرجل على الناس أنهم يقتصرون فى هذا البحث بتينك اللفظتين لا غير..."(2).
... وأيّما كان الأمر فإن ابن سنان يعد بحق أول من تحدث عن الفصاحة حديثًا مفصلاً وكل من أتى بعده إمَّا شارح له أو موضح ، أمَّا أن نجد إضافة لغيره قد سها عنها ابن سنان فهذا ما لا يكون ، كما أنه لم يفرق بين الفصاحة والبلاغة بل يلتقى معغيره فى كونهما بمعنى واحد(3).
* علاقة الفصاحة بالبلاغة عند ابن سنان :
__________
(1) المثل السائر جـ 1 ص 90 .
(2) الفلك الدائر على المثل السائر .. جـ 4 ص 87 .
(3) ربما قصد ابن سنان عندما وصف اللفظ بالفصاحة " أنه مصروف إلى الحالة التى إذا كان اللفظ عليها دل على المزية ، وهذه الحالة هى علاقته وروابطه بالكلم حوله ، وأن هذه العلاقات والروابط ، تميزت بالإصابة ، وشرف الموقع ، فراقتك الكلمة وأعجبتك ..." (انظر ... مدخل إلى كتابى عبد القاهر الجرجانى د/ محمد أبو موسى ص 86).(1/11)
... لقد تحدث القدامى(1)عن علاقة الفصاحة بالبلاغة ، ولولا مخافة أن أحيد عن المقصود لتتبعت ذلك محللاً وناقدًا ، ولكنى سأقتصر هنا على علاقة الفصاحة بالبلاغة عند ابن سنان ، وما قاله فى ذلك هو : إن العلاقة بين الفصاحة والبلاغة علاقة الكل والجزء(2)، فالفصاحة عنده شطر البلاغة وأحد جزءيها ... وهما خليط لا ينقسم ، وأرى أن هذا لا يتعارض مع ما سبق من أن ابن سنان يلتقى مع غيره فى عدم التفرقة بينهما إلا عندما يريد هو أن يميز بينهما بدليل أنه عرف الفصاحة بما تدل عليه البلاغة.
* صلة الفصاحة بالحديث عن الأصوات :
... إن من أهم الأسباب التى جعلتنى أفرد لهذا الموضوع عنوانًا خاصًا هو ما دار حوله من نقاش طويل بين القدامى والمحدثين(3)، وبعد متابعتى لما كتب حول هذا الموضوع أدركت أنه يدور حول نقطتين :
__________
(1) فمن القدامى من يرى أن اللفظين مترادفتان وهو اتجاه قديم قال به الجاحظ والرُّمانى والباقلانى ، ومن بعدهم عبد القاهر الجرجانى ، ومنهم من يرى أن الفصاحة شرط فى البلاغة وهى أكثر مجالاً منها وهو رأى الخطيب القزوينى ، والرأى الثالث : يرى أن بينهما عموم وخصوص وهو رأى ابن يعقوب المغربى ، وابن الأثير ، وحازم القرطاجنى .
(2) يلتقى السبكى مع ابن سنان فى كون العلاقة بين الفصاحة والبلاغة هى الكل والجزء ، وعبارته هى : "... وليس بين حقيقتى الفصاحة والبلاغة عموم وخصوص ، بل هما كل وجزء ، فالبلاغة كل ذو أجزاء مترتبة والفصاحة جزء غير محمول ..." (عروس الأفراح ـ السبكى ـ ضمن شروح التلخيص جـ1 ص74).
(3) فمن القدامى : ابن الأثير ومن المحدثين : أ/ درويش الجندى ، أ/ محمد زكى العشماوى ، أ/ كامل الفقى .(1/12)
... الأولى : ما علاقة الكلام عن الأصوات ومخارج الحروف وصفاتها مما هو خاص بعلم التجويد ، والأصوات بالكلام عن الفصاحة والبلاغة ؟! وما الداعى إلى إقحام(1)الحديث عنها هنا ؟!
... الثانية : إذا صح لابن سنان حديثه عن الأصوات والحروف ، فلماذا لم يربط بينهما ربطًا فعالا وبين الفصاحة والبلاغة ؟
... وقبل مناقشة هاتين النقطتين يجدر بى أن أذكر نصًا لابن سنان الخفاجى يقول فيه : "إن الموضوع هو الكلام المؤلف من الأصوات على ما قدمته ، وقد ذكرت فيه ما يقنع طالب هذا العلم ... ولهذا لست أدعى السلامة من الخلل ، ولا العصمة من الذلل ، وأعترف بالتقصير ، وأسأل من ينظر فى كتابى هذا بسط عذرى ، والصفح عما لعله يثيره علىّ ، فإنى سلكت فيه مسلكاً صعبًا ، وألفت فيه تأليفًا مقتضبا "(2).
... من هذا النص يبدو لى حس ابن سنان المرهف وكأنه كان يطلع على ما سيدور حول مؤلفه من جدل طويل فى هذه المسألة فراح يستعطف القارئ فى قبول العذر له .
والحقيقة أنه هذا النص يدل على تواضع ابن سنان ، وتقديره لعقلية القارئ واحترامه لها .
__________
(1) ير ى أ/ كامل الفقى : "أن إقحام هذه الموضوعات فى كتابه والإطالة منها قد أملّت القارئ واسأمت السامع ، ولم تعد بجدوى على بحثه الذى كان واجباً أن يتمخض بأسلوب بلاغى لمعرفة الفصاحة والبلاغة والوقوف على كنهها وأسرارها ..." (مجلة الأزهر سنة 61هـ ، بحث نشره أ/ كامل الفقى ص 87 ، ويرى الباحث أن الذى أملّ السامع وأسأم القارئ لم يكن مجرد حديثه عن الأصوات والحروف ، وإنما لأن حديثه هذا كان جافًا يفتقد للناحية الفنية .
(2) سر الفصاحة ص 93 .(1/13)
... والناظر فى كلامه يدرك أن ابن سنان ذكر هذا الكلام ليقنع طالب هذا العلم فقط، فلم يقصد من وراء ذلك إلا التمهيد للحديث عن الفصاحة والبلاغة "لأنه يرى أن حاجة الناظر فى علم الفصاحة والبلاغة لمعرفة مخارج الحروف وأوصافها أمر ضرورى ؛ لأن الكلام ينتظم منها ..."(1)
__________
(1) انظر مجلة كلية اللغة العربية سنة 1406 هـ ، 1986 م / بحث عنوانه "حول البلاغة الصوتية لأستاذى أ.د/ مُحمّد إبراهيم شادى ص 132 ، وانظر سر الفصاحة ص 21 .(1/14)
... ولكن يبدو أن هذا الكلام لم يرق ابن الأثير(1)، فقال : "وكتاب "سر الفصاحة" وإن نبَّه فيه على نكت منيرة ، فإنه قد أكثر مما قل به مقدار كتابه من ذكر الأصوات والحروف والكلام عليها ، ... مما لا حاجة إلى أكثره ، ومن الكلام فى مواضع شذ عنه الصواب فيها ..."(2).
__________
(1) هو : أبو الفتح نصر الله بن أبى الكرم الجزرى ، الملقب بابن الأثير ، وزير الملك الأفضل ، وشقيق عز الدين بن الأثير المؤرخ ، من مؤلفاته المثل السائر ، والجامع الكبير وغيرهما ، توفى سنة 637 هـ . (تاريخ آداب العرب لكارل بروكلمان 5/271 ، وجورجى زيدان 3/53، صبح الأعشى 2/446 ، ووفيات الأعيان 2/158).
(2) المثل السائر جـ1 ص 34 ، وقد ردّ الدكتور / بدوى طبانه على ابن الأثير قائلاً : "لا عبرة بهذا النقد لأن الخفاجى فى كلامه على الأصوات والحروف ذكر منها ما يؤلف ، وما لا يؤلف ، ولذلك من بعد الأثر فى وقع الكلام على السمع والذوق ، وتقديره عند أهل صناعة البيان ما لا يخفى " (السابق هامش ) ، على أن أ/ كامل الفقى يفسر حديث ابن سنان عن الأصوات والحروف " أنه من المتكلمين وأنه ميال إلى هذه النزعة فى البحث لمجاراة ميله وطبعه ، وتلبية لنداء الطبيعة الماثلة فيه ... وأنه حين جارى من سبقه من المتكلمين عن وجوه الإعجاز استتبع ذلك منه أن يلفت نظره إلى ما كان شائعًا بينهم عن مشكلة خلق القرآن ، وذلك اقتضى منه بالطبع أن يبحث فى الكلام والمتكلم والأصوات والحروف ..." ( مجلة الأزهر سنة 61 هـ ص 86 ، 87 ) ويرى أ/ درويش الجندى أن الخفاجى يرى ما يراه المعتزله من أن الكلام أى كلام لا يخرج عن الحروف والأصوات وقد طبق هذا المنهج فى تفسيره لسر الفصاحة تطبيقاً عنى فيه عناية فائقة بالحروف والأصوات ، نظرية النظم أ/ درويش الجندى ص 31.(1/15)
... والحقيقة أن العلامة ابن الأثير فى كلامه السابق قد سها عن الصواب ـ إن صح لى التعبير بذلك ـ لأنه بهذا ينفى قيمة الصوت وأثره على النظم والتركيب ، وهذا خلاف ما عليه أرباب البلاغة ، فالعلاقة وطيدة بين الحديث عن مخارج الحروف وصفاتها وبين الحديث عن الفصاحة والبلاغة ، فالتركيب عبارة عن مجموعة من الكلمات المترابطة ، والكلمة ما هى إلا مجموعة من الحروف المنسجمة ، وهكذا ... حتى نصل إلى الصوت .
... فابن سنان الخفاجى أدرك أن السبيل إلى الكشف عن سر ماهية الفصاحة والبلاغة يبدأ بالصوت ، فالحرف ، فالكلمة ؛ لأن الكلام ينتظم منها .
... أمّا ما يمكن أن يتوجه لابن سنان من نقد عند حديثه لمخارج الحروف وأوصافها ... فهو " عدم ربطه بين الصوت والمعنى وبين الصوت والانفعال "(1)
__________
(1) مفاد من أستاذى أ.د/ محمد شادى .(1/16)
" ... إذ كنا نتوقع منه وقد خاض فى الجانب الصوتى للألفاظ أن يعنى بالعلاقات الإيجابية بين أصوات اللغة ومعانيها ، وبين الصوت والانفعال ، وبين ما يكون فى مجموعة معينة من الأصوات من صفات خاصة تساعد على نقل الإحساس إلى القارئ أو السامع ..."(1)، " كما أنه لم يحاول أن يربط ربطًا فعالاً بين خصائص الأصوات والحروف ، وبين الفصاحة والبلاغة بما يبرر ذلك الاهتمام ..."(2)، هذا ما يمكن أن يؤخذ على ابن سنان ، أما أن يقال أنه معاب فى إقحامه لدراسة الأصوات ضمن حديثه عن الفصاحة والبلاغة مطلقا فهذا مردود .
* مسألة الوضوح والغموض فى الفصاحة :
... يرى ابن سنان أن " من شروط الفصاحة والبلاغة معًا أن يكون معنى الكلام واضحاً ظاهرًا جليًّا لا يحتاج إلى فكر فى استخراجه وتأمل لفهمه"(3)وبسبب هذا كره الألفاظ الغريبة ، والألفاظ المشتركة فى معانيها ، وفرط الإيجاز ، وحاجة الكلام إلى تفسير ، والإلغاز ، والتعمية .
... ويخاطب ابن سنان جماعة يتعمدون الإغراب والغموض بقوله : " إن سررتم بمعرفتكم وحشى اللغة ، فيجب أن تغتموا بسوء حظكم من البلاغة "(4).
__________
(1) قضايا النقد الأدبى بين القديم والحديث د/ محمد زكى العشماوى ص 275 ـ دار الشروق ط1 ـ ويرى الأستاذ العشماوى " أن ابن سنان لم يكن ليستطيع أن يتعمق فى دراسة الأصوات من جوانبها الإيجابية ، وذلك لأن مفهومه للغة كان مفهومًا محدودًا ، ومتأثرًا بالنظرة المنطقية الشكلية التى سادت تفكير النقاد العرب من قبله ..." السابق نفس الصفحة .
(2) ينظر حول البلاغة الصوتية لأستاذى أ.د/ مُحمَّد إبراهيم شادى ص 132 ، ويستثنى أستاذى الدكتور شادى من هذا " أن ابن سنان عند وضعه عدة شروط لفصاحة الكلمة المفردة ذكر منها أن تكون اللفظة من حروف متباعدة المخارج ، مع أن هذا الشرط غير مستقر فهو يخالف به الرُّمانى ..." السابق نفس الصفحة .
(3) سر الفصاحة ص 220 .
(4) سر الفصاحة ص 71 .(1/17)
... وابن سنان عند شرطه الوضوح(1)فإنه لا يقصد أن يكون الكلام سطحيًا ساذجًا وإنما أراد أن نتجنب تعقيد الكلام والتواء نظمه .
__________
(1) تحدث البلاغيون القدامى عن الوضوح والغموض فى البلاغة ، فقد ذهب الرّمانى ومن بعده الخطّابى والعسكرى إلى أن الغرض من الاستعارة هو الإبانة ، وقد رفض العسكرى المعنى الدقيق ؛ لأنه سبيل إلى التعمية ، وتعمية المعنى لُكْنَة ، وابن رشيق يحصر التشبيه فى تقريب المشبه من فهم السامع ، وإيضاحه له ، ولا يتم ذلك عنده إلا عن طريق إخراج الأغمض إلى الأوضح ، والنفس عند القاضى الجرجانى تألف ما جانسها وتتقبل الأقرب فالأقرب إليها ، ويرى عبد القاهر بأن أحق أصناف التعقيد بالذم ما يتعبك ثم لا يجدى عليك ... (النكت للرّمانى ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ص 96 ، وبيان إعجاز القرآن للخطّابى ص 44 ، والصناعتين لأبى هلال العسكرى ص 274 ، والعمدة لابن رشيق جـ1 ص 292 ، والوساطة للقاضى الجرجانى ص 29 ، وأسرار البلاغة لعبد القاهر ص 120 ).(1/18)
... ولهذا يجب رفض الوضوح الذى يعنى الإفهام فقط(1)، أما الوضوح الذى غايته البعد عن الغرابة ووحشى الكلام ، والذى يأتى على مجارى كلام العرب الفصحاء ، فهذا ما تقبله البلاغة ، "وهذا هو عين ما ذهب إليه ميثم البحرانى وإن كان تميز بتقديم هذا المعنى فى عبارة محددة دالة على مقصوده"(2)، " فالفصاحة عند أربابها ليست باستعمال الشوارد التى لا تفهم ، وإنما هى باستعمال ما يقرب فهمه ، ويعذب استماعه ، ويعجب ابتداعه"(3).
* شروط الفصاحة(4):
... نظراً لاهتمام ابن سنان بالفصاحة فقد ذكر شروطًا عدة لفصاحة الكلمة وأخرى لفصاحة الكلام .
__________
(1) يقول الرُّمانى : " وليست البلاغة إفهام المعنى ؛ لأنه قد يفهم المعنى متكلمان أحدهما بليغ ، والآخر عيى..." (النكت فى إعجاز القرآن ـ ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ـ ص 75 ).
(2) من توجيهات الأستاذ المشرف .
(3) ينظر مقدمة شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم البحرانى ص 63 ، ويقول بشر بن المعتمر : "فإن أمكنك أن تبلغ من بيان لسانك ، وبلاغة قلمك ، ولطف مداخلك ، واقتدارك على نفسك إلى أن تفهم أن تبلغ من بيان لسانك ، وبلاغة قلمك ، ولطف مداخلك ، واقتدارك على نفسك إلى أن تفهم العامة معانى الخاصة وتكسوها الألفاظ الواسطة التى لا تلطف عن الدهماء ولا تجفوا عن الأكفاء ، فأنت البليغ التام " (البيان والتبيين للجاحظ ـ تحقيق أ/ عبد السلام هارون ط4 جـ 1 ص 138 ).
(4) يرى أ/ كامل الفقى : أن حديث ابن سنان عن شروط الفصاحة والبلاغة مبهم معيب ، حيث لم يفصل بين نصيب كل منهما بل اكتفى بقوله : " ومن شروط الفصاحة والبلاغة كذا ..." ويرى أ/ الفقى أن ما فعله ابن الأثير كان أدنى من التحقيق وأقرب إلى التوضيح وإزالة اللبس " (ينظر مجلة الأزهر سنة 1364 هـ بحث نشرة الأستاذ/ كامل الفقى ص 368) .(1/19)
... أما فصاحة الكلمة فيرى ابن سنان أنه يجب أن يوجد فى اللفظة المفردة ثمانية عناصر : "أن يكون تأليف اللفظة من حروف متباعدة المخارج ، وأن يكون لتأليفها فى السمع حسن ومزية على غيرها ، وأن تكون الكلمة غير متوعرة وحشية ، وأن تكون غير ساقطة عامية ، وأن تكون جارية على العرف العربى الصحيح غير شاذة ، وألا تكون قد عُبِّر بها عن أمر آخر يكره ذكره ، وأن تكون الكلمة غير كثيرة الحروف ، وأن تكون مصغرة فى موضع عبر بها فيه عن شيئ لطيف أو خفى"(1).
... ويرى بعض المحدثين : " أن ابن سنان أول من فصل بين شروط فصاحة اللفظة المفردة ، والألفاظ المركبة على هذا الوجه المرتب المنظم ، حتى كان صنيعه أقرب الموارد للمتأخرين ، وأقوى الدعائم التى بنوا عليها مقدمة علوم البلاغة"(2).
... ولقد استفاد كل من أتى بعد ابن سنان بكتابه "سر الفصاحة" ـ أيما إفادة ـ فانكبوا على آرائه بين شارح لها وملخص .
... لكن بعض شروطه كانت موضع نقد من اللاحقين .
__________
(1) سر الفصاحة ص 63 إلى 89.
(2) الصبغ البديعى فى اللغة العربية د/ أحمد إبراهيم موسى ـ دار الكاتب العربى ص 208 .(1/20)
* ... فمن الشروط التى دار حولها جدل طويل مسألة " تباعد المخارج "(1)، فابن سنان يشترط فى اللفظة حتى تكون فصيحة أن تكون من حروف متباعدة المخارج وحجته فى ذلك : "أن الحروف التى هى أصوات تجرى من السمع مجرى الألوان من البصر ، ولا شك فى أن الألوان المتباينة إذا جمعت كانت فى المنظر أحسن من الألوان المتقاربة ، ولهذا كان البياض مع السواد أحسن منه مع الصفرة ..."(2)
... وقد اعترض ابن الأثير على ابن سنان من وجوه :
1- أن معظم ألفاظ اللغة العربية دائرة على ذلك فلا حاجة للنص عليه .
2- لو أراد المناظم أو الناثر أن يعتبر مخارج الحروف عند استعمال الألفاظ ... لطال الخطب فى ذلك وعثر ، ولما كان الشاعر ينظم قصيدًا ولا الكاتب يُنشئ كتابًا إلا فى مدة طويلة .
3- إذا سُئلت عن لفظة من الألفاظ وقيل لك : ما تقول فى هذه اللفظة أحسنة هى أم قبيحة ؟ فإنك تفتى على الفور بحسنها أو قبحها ... ولا تنتظر حتى تعتبر مخارج حروفها كما قال ابن سنان .
__________
(1) هنا يبدو تأثر ابن سنان بابن جنى ( انظر سر صناعة الإعراب جـ1 ص 75 ، الخصائص ت/ محمد على النجار جـ2 ـ ص 227 ) وابن سنان فى هذا يخالف فى رأيه الخليل والرُّمانى ، وقد وجدا أن التنافر يكون فى البعد كما يكون فى القرب ... ويلتقى مع ابن دريد (ت321 هـ ) ( انظر أثر النحاة فى البحث البلاغى د/ عبد القادر حسين ص 27 ، والمزهر للسيوطى جـ1 ص 191 ، 192 ، والجمهرة لابن دريد جـ1 ص9).
(2) وقد بين الطوفى أن توجيه الخفاجى مبنى على قاعدة لطيفة وهى أن الحواس الخمس بمنزلة الجواسيس للنفس ، وقد علمنا بالطبع أن النفس ترتاح للأخبار المستغربة وتمل وتمج الكلام المعاد ، ولا شك أن الحروف المتقاربة فى معنى المعادة ... (الإكسير فى علم التفسير ـ للطوفى البغدادى ص 73 ـ ت.د/ عبد القادر حسين .(1/21)
4- أن الأصل الذى غاب عن ابن سنان فى ذلك هو أن الحسن من الألفاظ يكون متباعد المخارج فحسن الألفاظ إذًا ليس معلومًا من تباعد المخارج وإنما علم قبل العلم بتباعدها ، وهذا راجع إلى حاسة السمع .
5- أن حسن الألفاظ المتباعدة المخارج قاعدة قد شذ عنها شواذٌ كثيرة ؛ لأنه قد يجئ فى المتقارب المخارج ما هو حسن رائقٌ مثل الحروف الشجرية كما فى "جيش" ، "شجى" .
... كما أنه قد يجئ فى المتباعد شيئ قبيح ، ولو كان المتباعد سببًا للحسن لما كان سببًا للقبح مثل "ملع"(1)مع أنها لو عكست لأصبحت "علم" فصارت حسنة.
__________
(1) يرد ابن أبى الحديد على ابن الأثير بقوله : "إن ابن سنان لم يدع الاضطراد المطلق ، وإنما قال بالأكثر والغالب ، والشاذ لا يعتد به ".
... (انظر الفلك الدائر على المثل السائر لابن أبى الحديد على كتاب المثل السائر لابن الأثير ، ت. د/ أحمد الحوفى ، ود/ بدوى طبانة جـ 4 ص 174).
... وراجع فى ذلك : النقد الأدبى الحديث د/ محمد غنيمى هلال ص 248 .(1/22)
... ويمكن الرد على حجج ابن الأثير(1)، ففى قوله : " إن معظم ألفاظ اللغة دائرة على ذلك " فهذا ما لا يغيب على ابن سنان ولا يتناقض مع النص عليه .
... وفى قوله : "لو اعتبر القائل مخارج الحروف لتعثر عليه الأمر ، ولم ينشئ ما يريده إلا فى مدة طويلة " ، فهذا لم يقصده ابن سنان ، والألفاظ الحسنة هى أكثر اللغة ويقع عليها القائل دون صعوبة .
... وقوله : " إن الحكم على الكلمة بالحسن أو القبح لا يتوقف على قرب المخارج : ، فهذا صحيح ؛ لأن ذلك يرجع إلى السمع والذوق ، ولكن عند السؤال عن سبب الثقل ، فسيكون الجواب : فى مخارج الحروف وصفاتها ، وقد بين ابن الأثير أن الثقل فى "مستشزرات" ناشئ من الشين التى قبلها تاء وبعدها زاى(2).
__________
(1) انظر مقاييس البلاغيين فى فصاحة الكلمة د/ الشحات أبو ستيت ص 52 ، 54 نقلاً عن المثل السائر جـ1 ص 172 وما بعدها . ولقد أفاد السبكى من رأى ابن الأثير فرأى "أن التنافر قد يكون فى القرب والبعد على سبيل الغلبة لا اللزوم ..." (السابق وانظر عروس الأفراح للسبكى ـ ضمن شروح التلخيص جـ1 ص 81) ، ويرى التفتازانى : أن التنافر مرجعه إلى الذوق وحده وعبارته هى : " أن كل ما يعده الذوق ثقيلامتعثر النطق به ، فهو متنافر سواءً كان من قرب المخارج أو بعدها أو غير ذلك ..." (شرح المختصر للتفتاذانى على تلخيص المفتاح للقزوينى جـ1 ص 14) ، ويرى الأستاذ / المراغى ، وأستاذنا/د/ محمد أبو موسى مثل ذلك فى كون الحكم فى هذه المسألة للذوق (ينظر علوم البلاغة ـ للشيخ أحمد مصطفى المراغى ص 15 ، وخصائص التراكيب د/ محمّد أبو موسى ص 32 ) ، وينفى العلوى بشدة ما ذهب إليه ابن سنان وغيره من أن حسن اللفظة وقبحها يرجع إلى تقارب الحروف أو بعدها (الطراز ص 54) .
(2) ينظر المثل السائر لابن الأثير ـ القسم الأول ص 205 ، 206.(1/23)
... وقوله : " إن حسن الألفاظ يعلم قبل العلم بتباعد مخارجها " ، قولٌ بدهى لكن لا يحتج به ؛ لأن ابن سنان " لم يجعل علة التنافر هى العمل بتباعد المخارج ، بل نفس التباعد ، وذلك مدرك لكل سامع "(1).
... وقوله : " إن حسن المتباعد ، وقبح المتقارب قاعدة قد شذ عنها شواذٌ كثيرة " ، لا يهدم ما ذكره ابن سنان ؛ لأنه لم يقل إن كل متباعد فى المخارج حسن ، وكل متقارب قبيح ، إنما هذه القاعدة مبنية على الأغلب والأعم ، "فالمدعى هو الغلبة ، كما هو شأن العلامات لا اللزوم"(2).
... وإذا كانت البلاغة تعنى مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، فما المانع أن يقتضى المقام أحيانا ثقل بعض الألفاظ ـ إن صح التعبير ـ وسواء أكان هذا الثقل ناشئًا عن تباعد المخارج ، أو قربها ، فإنى أرى أنّ المعول عليه فى ذلك هو الذوق وحده ، وهذا أمر عسير لا يؤتى لكل أحد ، بل يحتاج إلى الدربة والممارسة .
... فإذا اقتضى المقام أن تأتى الألفاظ ثقيلة بعض الشيئ ، وحكم الذوق بهذا الثقل ، فالكلمة ـ لا محالة ـ ثقيلة استدعاها الحال واقتضاها المقام ، ثم إن لحاسة السمع فى الحكم على الكلمة بالثقل أو بعدمه شأن أى شأن .
__________
(1) عروس الأفراح للسبكى ـ ضمن شروح التلخيص جـ1 ص 82 ، ويرى الأستاذ الدكتور / مُحمَّد شادى : " أن ابن سنان يسجل ملاحظة قيمة تذكر له ، عندما ذكر " أن لحروف الحلق مزية فى القبح ، إذا كان التأليف منها فقط " يعنى أن الألفاظ المكونة من حروف الحلق لا شك فى قبحها ، وهذا حكم مطرد لا سبيل إلى نقده ، وقد سجل ابن جنى هذه الملاحظة " (انظر نشأة البلاغة وأصول علم المعانى لأستاذى الدكتور / مُحمَّد إبراهيم شادى ص 291 ، 292 ).
(2) راجع : عروس الأفراح 281/1، ومقاييس البلاغيين فى فصاحة الكلمة د/ الشحات أبو ستيت ص 52-55 .(1/24)
... والواجب أن يكون هذا الحكم من خلال مكان الكلمة فى سياقها ، وما أضافته للمعنى بهذا الثقل ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، والقرآن الكريم كلام لا يعاد له كلام ، فإذا قرأت معى قول الله تعالى { تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى }(1)ربما دخل فى نفسك شك فى كون كلمة "ضيزى" كلمة غريبة ، وسألت نفسك : لماذا لم يأت القرآن بكلمة أوضح منها مثل " جائرة أو ظالمة " ؟ ولكنك مع التأمل وقراءة الآية من خلال سياقها واللفظة من خلال مكانها ، ونظرت فى الغرض من الآية ، وجدت أنها مناسبة فى موضعها ، وإذا أردت شاهداً على ذلك فحاول أن تحذف هذه اللفظة مستعيضًا عنها بلفظة فى معناها واقرأ مثلاً "تلك إذًا قسمة جائرة" ، ووازن بين الكلامين ستجد البون شاسعًا بين اللفظين .
... وهذا الكلام يمكن قياسه على كون الكلمة غريبة أو متباعدة المخارج ، فالحكم على اللفظة وإن تقاربت مخارجها أو جاءت غريبة ، يكون من خلال مكانها ، والحكم عليها من خلال جاراتها ونظمها مع أخواتها .
... يقول ابن الأثير فى ذلك معلقاً على قول الله تعالى { تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى } ،: " جاءت اللفظة على الحرف المسجوع الذى جاءت السورة جميعها عليه ، وغيرها لا يسد مسدها فى مكانها "(2)، ثم يقول : "... لو جئنا بلفظة فى معنى هذه اللفظة ، وقلنا : قسمة جائرة ... لم يكن النظم كالنظم الأول ، وصار الكلام كالشيئ المُعوذ الذى يحتاج إلى تمام ، وهذا لا يخفى على من له ذوق ومعرفة بنظم الكلام"(3).
__________
(1) سورة النجم ، آية : 22 .
(2) المثل السائر جـ 1 ص 177 .
(3) السابق .(1/25)
... ويفسر بعض المحدثين إيثار لفظة "ضيزى" بأنه " لما كان الغرض تهجين قولهم وتفنيد قسمتهم ، والتشنيع عليها ، اختيرت لها لفظة مناسبة للتهجين ، والتشنيع ، كأنما أشارت خساسة اللفظة إلى خساسة أفهامهم ، وهذا أعجب ما ورد فى القرآن الكريم من مطابقة الألفاظ لمقتضى الحال"(1).
... وهذا ما أميل إليه من أن الحكم على الكلمة وإن تقاربت حروفها أو جاءت غريبة وحشية يكون من خلال السياق ومقتضى الحال ، وما أضافته للمعنى والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى فى القرآن الكريم ، وقد أورد العلامة ابن الأثير(2)شيئًا من ذلك .
* ... ومن الشروط التى دار حولها نقاش " أن يكون لتأليف الكلمة فى السمع حسن ... ومزية "
وقد مثل ابن سنان لهذا الشرط بقول المتنبى(3):
... إذَا سَارَتِ الأَحْداجُ فوقَ نَباتِهِ ... ... تَفاوَحَ مِسْكُ الْغَانِيَاتِ وَرَنْدِهِ(4)
... فإن ـ تفاوح ـ كلمة فى غاية من الحسن.
ومثل لضده بقول المتنبى ـ أيضًا ـ :
__________
(1) إعراب القرآن الكريم لمحى الدين الدرويش جـ 9 ص 356 ، -دار اليمامة وابن كثير .
(2) المثل السائر جـ1 ص 172 وما بعدها .
(3) أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفى ، أشهر شعراء زمانه ، ولد سنة 303 هـ بالكوفة ، زعم أبو العلاء أنه أشعر المحدثين ، كان يحفظ كتب الأصمعى وتوفى سنة 354 . ( خزانة الأدب للبغدادى 1/382 ، تاريخ الأدب العربى ـ كارل بروكلمان 2/81 ، تاريخ آداب اللغة العربيةـ جورجى زيدان 2/248 ، وفيات الأعيان 1/120 ، الكشكول 1/270) .
(4) الأحداج : جمع حدج وهو مركب النساء ، والرند : نبت طيب الرائحة والبيت من قصيدة يمدح فيها كافورًا ، مطلعها : ... أود من الأيام مالا توده ... ( ... وأشكو إليها بيننا وهى جنده .
... ديوانه ص 453 ، والبيت مروى بـ ( سرت ) بدلاً من (سارت) .(1/26)
... مُبَارَكُ الاسْمِ أغَرُّ اللّقَبْ ... ... كَرِيمُ الَجِرِشّى شَرِيفُ النَّسَبْ(1)
... فإنك تجد فى ـ الجرشى ـ تأليفًا يكرهه السمع وينبوعنه.
فاستحسان السمع عند ابن سنان ، شرط فى قبول بعض الألفاظ دون بعض ، وإن تساوت فى كونها مؤلفة من حروف متباعدة المخارج .
... وأميل إلى أن جعل استحسان السمع أو ستهجانه شرطٌ لا محل له ؛ لأن ذلك متوقف على الشروط الأخرى ، فاستحسان السمع مثلاً متوقف على كون الكلمة متلائمة مألوفة ، واستهجانه متوقف على كونها غريبة وحشية وهكذا ... ، فلا يمكن جعل السمع وحده شرطًا منفردًا ، إذ أن الشروط الأخرى مجتمعة قد أغنت عنه .
* ومن شروط الفصاحة عند ابن سنان : " أن تكون الكلمة معتدلة غير كثيرة الحروف... فإنها متى زادت عن الأمثلة المعروفة المعتادة قبحت وخرجت عن وجه من وجوه الفصاحة ، ومن ذلك قول أبى تمام(2):
... فَلأَذْرِبِيجَانَ اختيالٌ بَعْدَمَا ... ... كَانت معرّسُ عبرةٍ ونَكاَلُ(3)
... فقوله ـ فلأذربيجان ـ كلمة رديئة لطولها وكثرة حروفها وهى غير عربية ... ونحو من هذا قول أبى الطيب المتنبى .
... إنّ الكريمَ بلا كرامٍ منهُمُ ... ... مثل القلوبِ بلا سُوَيْداواتِهَا(4)
__________
(1) الجرشى : النفس ، ديوانه ص 438 ، وسر الفصاحة ص 65 ، 66 . وراجع : الإشارات والتنبيهات ـ للجرجانى ص 8 ، 9 . وعلوم البلاغة للشيخ أحمد مصطفى المراغى ص 20 .
(2) ولد حبيب بن أوس الطائى سنة 188 فى قرية جاسم بين دمشق وطبرية ، قيل كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة عدا المقاطع الشعرية والقصائد توفى سنة 262 . (أعلام فى العصر العباسى ص 83 ، أخبار أبى تمام للصولى ص 17 ، وفيات الأعيان 1/334 ، جورجى زيدان 2/70 ، كارل بروكلمان 2/74 ، الأغانى 4/1738).
(3) البيت من قصيدة يمدح فيها المعتصم ويذكر فتح الخرّمية . (ديوان أبى تمام ص 8).
(4) سر الفصاحة ص 88 ، والبيت من قصيدة يمدح فيها أبا أيوب ابن عمران ومطلعها :
... سِرْبٌ مَحَاسِنُهُ حُرِمَتْ ذَوَاتِهَا ... ( ... دَانى الصِّفَاتِ بعيدُ مَوْصُوفَاتِهَا
... وسويداواتها : جمع سويداء ومعناها حبة القلب (ديوان المتنبى ص 185 ) .
... ويرى ابن الأثير أن قبح "سويداواتها " لم يكن بسبب طولها وإنما هو لأنها فى نفسها قبيحة (المثل السائر جـ1 ص 204 ).(1/27)
... وقد اعترض العلامة ابن الأثير(1)ـ مع سعة علمه ـ على هذا الشرط ، واستدل على أن الطول لا يوجب قبح اللفظة بما ورد فى القرآن الكريم كقوله تعالى : { فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ }(2)
__________
(1) وجه اعتراض ابن الأثير أننا لو أسقطنا من "سويداواتها" الهاء ، والألف ، وهما عوض عن الإضافة لبقى منها ثمانية أحرف ، ومع هذا فإنها قبيحة ، ولفظة "ليستخلفنهم" عشرة أحرف ، وهى أطول منها بحرفين ، ومع هذا فإنها حسنة رائعة ، ويرى أن ذلك يرجع إلى تأليف الحروف بعضها مع بعض ، (المثل السائر جـ1 ص 204) ، وموقف ابن الأثير هنا يتناقص معه فى كتابه الموسوم "بالجامع الكبير حيث أيَّد كلام الخفاجى ، وعلل طول الألفاظ القرآنية بأنها أكثر من كلمة جمعت فصارت فى كلمة واحدة ، وأنه لا توجد فى القرآن لفظة واحدة مثل "سويداواتها" (انظر الجامع الكبير لابن الأثير ص 57 ، 58) .
(2) سورة البقرة ، آية : 137 ، وقد ردذَ ابن أبى الحديد على ابن الأثير بقوله : " ... ألست قلت فى باب المعاظلة أنه مما وقع الإجماع على قبحه تكرير الحروف ... ومثلت لها بقول القائل "وقبر حرب بمكان قفر ... الخ" فلقائل أن يقول لك ، قد ورد فى القرآن مثل ذلك ، وهو قوله تعالى : { ... بسلام منا وبركات عليك ، وعلى أمم ممن معك ، وأمم سنمتعهم ، ثم يمسهم منا عذاب أليم } (سورة هود ، آية : 48) ، فهذه ميمات كثيرة يتلو بعضها بعضاً ، فإما أن يكون استعمالها فى القرآن غير مستحسن ، أو يكون مستحسنًا ، فإن لم يكن مستحسنًا مع أنها قد استعملت ، فاختر لابن سنان أن تكون الكلمة الطويلة كقولة تعالى : " ليستخلفنهم " غير مستحسنة ، وقد استعملت ، وإن كانت المعاظلة قبيحة إلا فى القرآن الكريم ، فاختر لابن سنان أن تكون كثرة حروف الكلمة قبيحة إلا فى القرآن الكريم ...." (المثل السائر جـ4 ص 177) ويرى الباحث أن هناك فرقًا شاسعًا بين نظم الآية القرآنية مع كثرة حروفها وميماتها وبين ثقل ألفاظ قول الشاعر السابق .(1/28)
ورأى ابن الأثير أن الأولَى أن نقول : " أن تكون الألفاظ مؤلفة من حروف يسهل النطق بها "(1).
... ويرى أستاذى الدكتور مُحمد شادى : "أن الحكم على الكلمة بالفصاحة أو بعدمها، إنما يكون عند استعمالها ، فإذا انسجمت فى تركيبها ، وتمكنت فى موقعها ، وأدت دورها المنوط بها ، كانت فصيحة وإن طالت وكثرت حروفها ، والذوق السليم هو المرجع فى الحكم على الكلمة بالفصاحة على كل حال"(2).
... ولا شك أن هذا يعنى ضرورة أن تحقق الكلمة الطويلة معنًى وإيحاءً يقتضيه السياق(3).
... ولهذا يعلق أستاذنا الدكتور / مُحمَّد أحمد البيومى ، على قول أبى تمام السابق(4)قائلاً : " ولأن أذربيجان كلمة ثقيلة أرى أن أبا تمام معذور فى استعمالها إذ ليس لها مرادف يغنى عنها حتى يترك ثقلها إلى خفة هذا المرادف ، وإنما يعاب الشاعر حين يجد المتسع الفسيح ثم لا يتجه إليه "(5).
... وبعد ...
فإن حديث ابن سنان عن الفصاحة حديث له قيمته ، وأثره على البلاغيين من بعده ... "فهو من أمتع البحوث البيانية بل أهم ما يأخذ بيد الناقد ويشحذ ملكته لإجادة النظر فى الأعمال الأدبية ، ويأخذ بيد الأدباء ويرشدهم إلى مواضع الإجادة ليحتذوها ، ومواطن الذلل ليتحاشوها "(6).
جـ ـ الفصاحة والبلاغة عند الشيخ ميثم البحرانى :
__________
(1) مقاييس البلاغيين فى فصاحة الكلمة د/ الشحات أبو ستيت ص 59 ، وانظر المثل السائر جـ1 ص 205.
(2) انظر نشأة البلاغة لأستاذى الدكتور / مُحمَّد إبراهيم شادى ص 92 .
(3) من توجيهات الأستاذ المشرف .
(4) وهو قوله : ... فلأذربيجان اختيال بعدما ( كانت معرس عبرة ونكال .
(5) تطور البحث البلاغى لأستاذنا الدكتور البيومى ص 35 ، ولابن جنى رأى فى طول الكلمة فى كتابه الموسوم بالخصائص تحت عنوان : "باب قوة اللفظ لقوة المعنى " الخصائص جـ 3 ص 264 .
(6) البيان العربى د/ بدوى طبانه ص 184 .(1/29)
* معنى الفصاحة(1)والبلاغة عند الشيخ ميثم :
... إذا كان ابن سنان الخفاجى قد أطلق على كتابه "سر الفصاحة" فإن الشيخ ميثم البحرانى قد وسم كتابه بـ "أصول البلاغة" وهذا يعنى اهتمام الشيخ ميثم وابن سنان بالحديث عن الفصاحة والبلاغة .
... وإذا كان ابن سنان الخفاجى قد تحدث عن مخارج الحروف ، وصفاتها ؛ لأن الكلام ـ من وجهة نظره ـ ينتظم منها ، فإن الشيخ ميثم قد تحدث عنها ؛ لأنها فى نظره من المحاسن العائدة إلى اللفظ ، وهذه المحاسن ـ فى نظره ـ " إما أن تعود إلى آحاد الحروف ، أو إلى حال تركيبها ، أو إلى الكلمة الواحدة ، أو إلى الكلمات الكثيرة"(2).
... وهو فى هذا المنهج(3)يلتقى مع ابن سنان فى وجوب الاهتمام بالصوت ، فالحرف ، فالكلمة ، حتى يحسن نظم الكلام وتأليفه ، فحتى يسلم التركيب من الخلل ، لابد من مراعاة صحة مفرداته ومخارج حروفه .
* ... وعن الفصاحة ، فقد عرفها الشيخ ميثم فى اللغة بقوله : "أصله من الفصيح وهو اللبن إذا أخذت رغوته وذهب لباؤه ، وفَصُح وأفصح إذا صار كذلك ، وأفصحت الشاة : فصح لبنها ، ثم قالوا أفصح العجمى فصاحة فهو فصيح ، إذا خلصت لغته عن اللكنة واللحن "(4).
... والشيخ ميثم هنا لا جديد عنده فقد سبقه ابن سنان فى هذا التعريف(5)ويبدو أنه ناقل عنه وعن غيره .
__________
(1) الشيخ ميثم يبحث الفصاحة فى القسم الخاص بالكيفيات التى تلحق الألفاظ بالنسبة إلى معانيها فتوجب لها الحسن والمزية .
(2) مقدمة شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم ص 164.
(3) ولهذا يرى محقق الكتاب أن الشيخ ميثم قد صنف الكتاب بعبارة سلسلة وهدف واضح ، بغية الوصول إلى الفصاحة والبلاغة متدرجًا من الحرف إلى الكلمة إلى العبارة إلى نظم الكلام فى سهولة ويسر ، وتلاحم قوى وارتباط شديد . (أصول البلاغة ص 25).
(4) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 63 ، واللباء : أول اللبن ، أو هو أول ما يحلب عند الولادة ـ اللسان مادة لبأ .
(5) سر الفصاحة ص 58 .(1/30)
... وقد عرف الفصاحة(1)فى الاصطلاح بقوله : " هى خلوص الكلام فى دلالته على معناه من التعقيد(2)الموجب لقرب فهمه ولذاذة استماعه"(3).
... وهذا التعريف ـ كما هو واضح ـ قاصر ، فالكلام لا يكون فصيحًا بخلوصه من التعقيد فقط ، إذ التعقيد عيبٌ واحدٌ من عيوب الفصاحة ، كما صرح بذلك غيره .
... وواضح ـ أيضًا ـ أن الشيخ ميثم يعتقد أن الخلوص من التعقيد وحده يعد سببًا كافيًا لقرب الفهم ولذاذة الاستماع ، كما يدرك قيمة حاسة السمع فى الحكم على الكلمة بالفصاحة من عدمه ..
__________
(1) عرف الرازى الفصاحة بقوله : "هى خلوص الكلام من التعقيد" ، وعرفها السكاكى من بعده بنفس التعريف ، وتناقل هذا التعريف ابن قيم الجوزية ، وبدر الدين بن مالك صاحب المصباح ، وشهاب الدين الحلبى ، ويحى بن حمزة العلوى صاحب الطراز ، (نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز ـ للعلامة الرازى ـ ت/ أحمد حجازى السقا ـ ص 62 ، مفتاح العلوم ـ للسكاكى ص 416 ، الفوائد المشوق ـ لابن قيم الجوزية ـ ص 9 ، المصباح فى المعانى والبيان والبديع ـ لابن مالك ت د/ حسنى عبد الجليل ـ مكتبة الآداب 1989م ـ ص 159 ، وحسن التوسل إلى صناعة الترسل ـ لشهاب الدين الحلبى ، ص 103 ـ ت/ أكرم عثمان ـ بغداد 1980 م، الطراز ـ ليحى بن حمزة العلوى ـ ت/ محمد عبد السلام شاهين جـ1 ص 104 ) "وبهذا يتبين شيوع هذا التعريف عن القدماء " ( من توجيهات الأستاذ المشرف ).
(2) يرى السكاكى أن تعقيد الكلام هو أن يعثر صاحبه فكرك فى متصرفه ، ويشيك طريقك إلى المعنى ،حتى يقسم فكرك ، ويشعب ظنك إلى أن لا تدرى من أين تتوصل ، وبأى طريق معناه يتحصل . (مفتاح العلوم ـ للسكاكى ـ ت/ نعيم زرزور ص 416)
(3) انظر مقدمة شرح نهج البلاغة ـ للشيخ ميثم ص 64 .(1/31)
... أما عن تعريف البلاغة فيرى الشيخ ميثم(1): "أنها مصدر قولك بلُغ الرجل إذا صار بليغًا ، وهو أن يبلغ بعبارته أقصى مراده باللفظ من غير إيجاز مخل ولا تطويل ممل "(2)
... ويمكن تقسيم التعريف إلى قسمين : الأول : قوله :" أن يبلغ بعبارته أقصى مراده " ، وهو بهذا قريبٌ من ماهية البلاغة ، والشق الثانى : قوله : " من غير إيجاز مخل ولاتطويل ممل" ، وهذا ليس مقصورًا على صناعة البلاغة وحدها ، بل يصلح لكل الصنائع كما رأى ابن سنان من قبل(3).
* الفرق بين الفصاحة والبلاغة عند الشيخ ميثم :
... لقد سبق وأن بينت موقف ابن سنان الخفاجى من الفصاحة والبلاغة ، وأشرت إلى أن البعض قد نسب إليه خطأ تفريقه بين الفصاحة والبلاغة ، ولكن الحقيقة هى أن الفصاحة والبلاغة عند ابن سنان بمعنى واحد وأنه لا يفرق بينهما ، بل يلتقى مع غيره فى كونهما بمعنى واحد ، بدليل أنه عرف الفصاحة بقوله " هى حسن التأليف فى الموضوع المختار" ، ويكون بذلك قد عرف الفصاحة بما تدل عليه البلاغة ، والفصاحة عنده "جزء البلاغة ، وهما خليط لا ينقسم ".
__________
(1) ويعرفها فى موضع آخر بقوله : "هى كون الكلام الفصيح موصلاً للمتكلم إلى أقصى مراده " (مقدمة شرح نهج البلاغة ص 64).
(2) السابق ص 63 ، وقد عرفها صاحب "الفوائد المشوق المتوفى سنة 751" ـ بعد ذلك ـ بقوله : "هى بلوغ الرجل بعبارته كنه ما فى قلبه ، مع الاحتراز عن الإيجاز المخل والتطويل الممل " (انظر الفوائد المشوق لابن قيم الجوزية ص 9).
(3) انظر كلام ابن سنان عن هذا فى كتابه ـ سر الفصاحة ـ ص 59 .(1/32)
... أما الشيخ ميثم فيرى : "أن أكثر الناس لا يكادون يميزون بين البلاغة والفصاحة بل يستعملونهما استعمال اللفظين المترادفين على معنى واحد(1)، ومنهم من يجعل البلاغة فى المعانى والفصاحة فى الألفاظ"(2).
... وهو يرى : " أن الأقرب أن الفصاحة سبب للبلاغة ، والبلاغة أعم منها لغة ؛ إذ قد يبلغ غير الفصيح بعبارته أقصى مراده ، وإن كانت مساوية لها فى عرف العلماء"(3).
... فالشيخ ميثم يفرق بين الفصاحة والبلاغة فى كون البلاغة أعم من الفصاحة ، فهما عنده مختلفان بدليل قوله : "موضوع علم الفصاحة الكلام الدال على معناه بإحدى الدلالات الثلاث ... وموضوع البلاغة : هو الكلام الفصيح ..."(4)
__________
(1) لأن البلاغة والفصاحة ترجعان إلى معنى واحد وإن اختلف أصلاهما ؛ لأن كل واحد منهما ، إنما هو الإبانة عن المعنى والإظهار له ( مقدمة شرح نهج البلاغة ص 64).
(2) لأن الفصاحة تمام آلة البيان فهى مقصورة على اللفظ ... والبلاغة إنما هى إنهاء المعنى إلى القلب فكأنها مقصورة على المعنى . (السابق ص 64 نقلاً عن الصناعتين ص 17)
(3) السابق نفس المكان .
(4) السابق ص 64 ، ويرى الرازى أن الفصاحة والبلاغة بمعنى واحد (نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز ـ للرازى ـ ص 64) .(1/33)
... فالواضح أن الفصاحة عنده شرط للبلاغة ، وأن بينهما عموم وخصوص ، وهو فى أكثر من موضع يرى أن الفصاحة عائدة إلى اللفظ(1)، يقول مشيرًا إلى جمال القرآن والسر فى ذلك(2)... " والذى يلوح من سر ذلك كثرة أسراره وغموضها التى لا يطلع عليها إلا الأفراد مع كونه فى غاية من فصاحة الألفاظ ، وعذوبة المسمع"(3).
... ويقول فى موضع آخر من شرحه : "والفصل فى غاية من الفصاحة والجزالة ، والحث على الاستعداد ليوم الميعاد"(4).
ولكنه يعود مرة أخرى ، فيعطف بينهما فى مواضع كثيرة(5)، وكأنهما بمعنى واحد .
فيقول مثلاً : "ولا شك أن تقديم الإجمال فى الذكر وتعقيبه بالتفصيل أولى فى الفصاحة والبلاغة فى الخطابة من العكس ..."(6)
... كما أنه يربط الفصاحة بالنظم فيقول : "للتركيب المفيد مراتب ، ولها طرفان ... أعلى وأدنى ... وبين هذين الطرفين مراتب واختيار أحسنها يقتضى الفصاحة فى النظم"(7).
__________
(1) وهذا يعنى أنها تختلف عن البلاغة ؛ لأن البلاغة تختص بالألفاظ مع المعانى ، وإن كان يصعب الفصل بين اللفظ والمعنى.
(2) فى هذا الكلام دليل على أن إعجاز القرآن عند الشيخ ميثم سببه الفصاحة ، وإن كان هو لم يفرد للحديث عن الإعجاز فصلاً فى كتابه، بل جاء تعليقه هذا فى شرح نهج البلاغة للإمام على . على أن الشيخ ميثم ذكر فى موضع آخر أن الطرف الأعلى وما يليه هو المعجز .(مقدمة شرح نهج البلاغة ص 67).
(3) شرح نهج البلاغة ـ للشيخ ميثم جـ 3 ص 265 .
(4) شرح نهج البلاغة ـ للشيخ ميثم جـ 4 ص 335 .
(5) يقول مثلاً : " اعلم أن هذه الخطبة من أفصح كلامه عليه السلام ، فمن عجب فصاحتها وبلاغتها ، أن كل كلمة منها تصلح لأن تفيد على سبيل الاستقلال ". (أنظر نهج البلاغة للإمام على شرح الشيخ ميثم جـ1 ص 271 ).
(6) السابق جـ1 ص 154 .
(7) مقدمة شرح نهج البلاغة ـ للشيخ ميثم ص 66 .(1/34)
... والذى أطمأن إليه بعد هذا كله أن الشيخ ميثم يفرق بين الفصاحة والبلاغة ، وإن جاء كلامه مضطربًا فى بعض المواضع ومغايرًا لهذا ، إلا أنه يرى أنهما شيئان مختلفان ، كما أن أكثر البلغاء لا يكادون يفرقون بينهما .
... والفصاحة عنده وسيلة إلى البلاغة ، والكلام الفصيح هو الذى يبلغ بالمتكلم أقصى مراه من التأثير والإقناع .
* علاقة الفصاحة بالبلاغة عند الشيخ ميثم :
... يلتقى الشيخ ميثم البحرانى مع ابن يعقوب المغربى(1)، وابن الأثير ، فى كون العلاقة بين الفصاحة والبلاغة هى علاقة العموم والخصوص(2)"فالأقرب عنده أن الفصاحة سبب للبلاغة ، والبلاغة أعم منها لغة ؛ إذ قد يبلغ غير الفصيح بعبارته أقصى مراده ..."(3)
... وهو بهذا يلتقى مع ابن سنان ، الذى يرى أن العلاقة بينهما هى علاقة الكل والجزء(4)، فالفصاحة عنده شطر البلاغة وأحد جزأيها . ورأى الشيخ ميثم هذا يوافق وجهة نظره فى التفرقة بين الفصاحة والبلاغة ، وأنهما شيئان مختلفان .
* البلاغة العائدة إلى النظم والتركيب :
__________
(1) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن يعقوب الولائى المغربى المتوفى سنة 1128 هـ من أهل مكناسة ببلاد الجزائر من علماء القرن الثانى عشر ، وقيل توفى سنة 1110 هـ .
... ( تاريخ علوم البلاغة / للشيخ / أحمد مصطفى المراغى ص 190)
(2) العام : هو كون اللفظ موضوعًا بالوضع الواحد لكثير ، غير محصور ، مستغرق جميع ما يحصل له .
... ( ينظر التعريفات للجرجانى ص 188) . والخاص : هو كل لفظ وضع لمعنى معلوم على الانفراد . (السابق ص 128).
(3) مقدمة شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم ص ص 64 .
(4) الكل : اسم لجملة مركبة من أجزاء محصورة . ( التعريفات ص 238) .
... الجزء : ما يتركب الشيئ منه ومن غيره . (السابق ص 102)(1/35)
... الكلام المنظوم عند الشيخ ميثم ـ لا محالة ـ مركب من المفردات ، والمفردات يمكن تركيبها على وجه لا يفيد المقصود ، وقد يمكن تركيبها على وجه يفيده ، ثم للتركيب المفيد مراتب كثيرة(1).
... وهو بهذا يدرك أن الكلام المنظوم يختلف باختلاف تركيبه ، فمنه المفيد ومنه غير المفيد ، وللمفيد مراتب متعددة .
... " وللبلاغة عنده طرفان ووسط ، فالطرف الأعلى : هو أن يقع ذلك التركيب على وجه يمتنع أن يوجد ما هو أشد تناسبًا واعتدالاً فى إفادة ذلك المعنى(2).
... والطرف الأدنى : هو أن يقع على وجه لو صار أقل تناسبًا منه لخرج عن كونه مفيدًا لذلك المعنى ، وبين هذين الطرفين مراتب واختيار أحسنها يقتضى الفصاحة فى النظم"(3).
... وعنده أن الطرف الأدنى ليس من البلاغة فى شيئ ، وأما سائر المراتب ؛ فإن كل واحد منها إذا اعتبرته بالنسبة إلى ما تحته يكون مستلزماً للبلاغة والفصاحة ، ... وأما الطرف الأعلى وما يليه فهو المعجز(4).
... وقد سبقه الرُّمانى(5)فى ذلك حين قال : "البلاغة على ثلاث طبقات : منها ما هو فى أعلى طبقة ، ومنها ما هو فى أدنى طبقة ، ومنها ما هو فى الوسائط بين أعلى طبقة وأدنى طبقة ، فما كان فى أعلاها فهو معجز"(6).
* موضوع الفصاحة والبلاغة عند الشيخ ميثم :
__________
(1) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 66 .
(2) وهذا يعنى أن النظم يعد من الطرف الأعلى للبلاغة عند الشيخ ميثم .
(3) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 67 .
(4) السابق نفس الصفحة .
(5) هو أبو الحسن على بن عيسى الرُّمانى ، وُلد ببغداد سنة 296هـ ، وتوفى بها سنة 386 ، قيل إن له أكثر من مائة كتاب ، ومن أشهر مؤلفاته "النكت فى إعجاز القرآن" (بغية الوعاة للسيوطى 344 ، الخانجى ، كارل بروكلمان 2/189 ، الأعلام 3/32 ، معجم الأدباء 5/280 ، تاريخ بغداد 11/16 ط السعادة ).
(6) النكت فى إعجاز القرآن للرُّمانى ـ ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ـ تحقيق د/ محمد خلف الله ود/محمد زغلول سلام ص 75 ط3 .(1/36)
... مع أن الشيخ البحرانى قد سار على نهج الشيخ عبد القاهر ومن تبعه كالرازى فى بعض المسائل البلاغية إلا أن موضوع علم الفصاحة يختلف عند الشيخ ميثم عمَّا ذكره الرازى طبقًا لوجهة كلٍّ منهما فى الحصول على المعنى ، فالبحرانى وجهة نظره على أن : "مفهوم الكلام هو إفادة المعنى ، وهذه الإفادة قد تكون وضعية صرفة ، وقد تكون بمشاركة من الوضع والعقل .
... وبناء على ذلك يرى أن موضوع علم الفصاحة : هو الكلام(1)الدال على معناه بإحدى الدلالات الثلاث من حيث هو حالة موجبة لقرب فهمه ولذاذة استماعه ، وموضوع البلاغة : هو الكلام الفصيح"(2).
... بينما يرى الرازى " أن الفصاحة والبلاغة إنما يكون موضوعهما الكلام من جهة دلالته بالالتزام ، وذلك لأن الإفادة الوضعية يستحيل تطرق الزيادة والنقصان إليها ... ويتبين من هذا أن الإيجاز والاختصار ، والحذف والإضمار ، يستحيل تطرقها إلى الدلالات الوضعية ... ولهذا كثر استعمال الدلالات الوضعية فى العلوم العقلية ... وأما دلالة التضمن فلأجل أن حاصلها يعود إلى انتقال الذهن من مفهوم اللفظ إلى ما يلازمه ... واللوازم كثيرة فلا جرم صح تأدية المعنى بطرق كثيرة"(3).
... ويرد الشيخ ميثم على الإمام الرازى "بأن الزيادة والنقصان مما يتطرقان إلى الدلالة الوضعية ... لأن بعض الحروف ألذ سماعاً وأفصح ـ كما سلم بذلك الرازى نفسه ـ ... ، وليس سبق العلم بالوضع قادحًا فيما ذكرناه ؛ لأن الإنسان قد يسبق علمه بوضع اللفظ ثم يذهل عنه ، فعند سماعه يجد فى نفسه مسارعة إلى قبول المعنى من الأفصح دون غيره"(4)
__________
(1) يرى محمد بن على الجرجانى أن الكلام هو موضوع العلوم العربية ماعدا علم التصريف (انظر الإشارات والتنبيهات . ت/ د/ عبد القادر حسين ص 15).
(2) انظر : أصول البلاغة للشيخ ميثم ص 36 .
(3) نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز ص 63 بتصرف .
(4) مقدمة شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم ص 66 بتصرف .(1/37)
... ويرى صاحب الإشارات والتنبيهات أن موضوع البلاغة عند ابن سنان هو الألفاظ، ويرد عليه بأن الألفاظ هى موضوعات العلوم العربية كلها(1).
... وأرى أنه ليس هناك كبير فائدة من وراء هذا الخلاف ، ولا داعى لإقحام مثل هذا الموضوع فى علم البلاغة بل هو إلى علم المنطق أقرب .
* شروط الفصاحة عند الشيخ ميثم :
... اهتم الشيخ ميثم بالحديث عن الفصاحة والبلاغة ، ولذا نجده يتحدث عن المحاسن العائدة إلى آحاد الحروف ومخارجها(2)، وما يتعلق بالكلمة الواحدة ، وفصاحة المفردات ، ثم يشرع فى الحديث عن فصاحة الكلمات المركبة.
... وهو يتبع فى ذلك نفس منهج ابن سنان الخفاجى .
ويرى الشيخ ميثم أن من المحاسن العائدة إلى آحاد الحروف : الحذف : وهو الاحتراز عن حرف أو حرفين فى الكلام إظهارًا للحذق فى تلك اللغة(3).
... والإعنات(4): وهو التزام حرف قبل الروى ، ومثل له بقول الله تعالى :
{ فأمَّا اليتيمَ فَلاَ تَقْهَر ، وأمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ }(5).
... أما ما يرجع إلى تركيب الحروف ، فالشرط عنده أن يكون معتدلاً ، غير متنافر، مثل قول الشاعر :
__________
(1) محمد بن على الجرجانى فى الإشارات والتنبيهات ص 14 .
(2) مخارج الحروف عنده ستة عشر مخرجًا ذكرها ابن سنان فى سر الفصاحة ، وذكرها الطوفى البغدادى متأثرًا بهما . (سر الفاصحة ص 29) ، ( الإكسير فى علم التفسير للطوفى البغدادى ص 71).
(3) مثل الشيخ ميثم للحذف بما كان يفعله واصل بن عطاء ، فقد كان ألثغ وكان يحترز عن الراء ، ومثل الأشعار التى حذف فيها الحريرى الحروف المنقوطة (أصول البلاغة ص 42 ، والبيان والتبيين جـ 1 ص14 .
(4) الإعنات هو نفسه لزوم ما لا يلزم عند البلاغيين ، وتسميته بالإعنات من ابن المعتز (انظر البديع لابن المعتز ت د/ خفاجى ص 175 ، والبديع تعليق كراتشكوفسكى ص 74 ) .
(5) سورة الضحى ، آية : 9 ، 10 .(1/38)
... وَقَبْرُ حَرْبِ بمكانٍ قَفْرٍ ... ... وَلَيْسَ قُرْبَ قَبْر حَرْبٍ قَبْر(1)
وألا يكون ثقيلاً مثل قول الشاعر :
... كريمٌ متى أمْدحُهُ ، أمْدحُهُ والوَرَى ... ... مَعِى وَمَتى لُمْته ، لُمْته وَحْدِى(2)
... كما اشترط لفصاحة المفردات شروطًا(3)عدة :
وهى : توسطها فى قلة الحروف وكثرتها(4)، وأعذبها الثلاثية لاشتمالها على المبدأ والوسط والنهاية ، والاعتدال فى حركاتها(5)، وأعدلها حركتان وساكن ، فإن أعوذ فثلاث حركات ، وأما توالى أربع حركات ففى غاية الثقل والخمس بالأولى .
__________
(1) البيت لا يعرف قائله وقد نسبوه لبعض الجن (انظر الحيوان جـ6 ص 207 ، وبغية الإيضاح جـ1 ص 9، وسر الفصاحة ص 98، والبيان والتبيين جـ1 ص 65 ) .
(2) البيت لأبى تمام حبيب بن أوس الطائى ، يمدح به موسى بن إبراهيم الرافقى ، والورى : الخلق ، ولا يخفى نبو الشطر الثانى عن المدح ، ولا سيما فى رواية "إذا" المفيدة للتحقيق ، وأخذ عليه أيضاً مقابلة المدح باللوم لا الهجاء . (ديوان أبى تمام جـ2 ص 116 شرح التبريزى ، ت/ محمد عبده عزام ، وبغية الإيضاح جـ1 ص 69 ، وسر الفصاحة ص 112 ، والإشارات والتنبيهات للجرجانى ص 10) ، وهذا البيت وما قبله مثل به البلاغيون لشروط فصاحة الكلام ، وجعلوا البيتين شرطًا للتنافر المتناهى وغيره ، لا شرطين كما فعل الشيخ ميثم .
(3) ذكر الشيخ ميثم فى كتابه "مقدمة شرح نهج البلاغة" ص 75 " وجهين فقط فيما يتعلق بفصاحة الكلمة الواحدة ، وهما الأول والثانى ، وذكر فى كتابه "أصول البلاغة ص 44 " خمسة أوجه .
(4) تأثر الشيخ ميثم فى هذا الشرط بالرازى ومن قبله ابن سنان كما تأثر بابن الأثير (نهاية الإيجاز ص 86 ، 87 ، وسر الفصاحة ص 287 ، والمثل السائر جـ1 ص 204)
(5) تأثر الشيخ ميثم فى هذا الشرط أيضاً بالرازى وابن الأثير ومن قبلهما ابن جنى (نهاية الإيجاز ص 86 ، 87 ، الجامع الكبير لابن الأثير ص 34 ، والخصائص لابن جنى جـ1 ص 75 ، 87).(1/39)
... وكونها عربية غير مولدة ، ولا صادرة عن خطأ العامة ، وأن يكون أجرى على مقاييس كلام العرب ، وألا تكون الكلمة غريبة وحشية ، ولذلك كانت فى الكلام العزيز نادرة(1).
... " وبعد أن يفرغ من ذلك يبدأ بالحديث عن الكلمات المركبة ، وهى لا تتميز عنده بالفصاحة إلا إذا توافرت فيها ألوان من البديع ، أو ما يسميه المتأخرون بالمحسنات اللفظية : كالجناس ، ورد العجز إلى الصدر ، والقلب اللفظى ، والسجع ، والازدواج ، والترصيع "(2).
__________
(1) ذكر ابن سنان الشرط الثالث والرابع والخامس ومن قبله الجاحظ (سر الفصاحة ص 66 ، والبيان والتبيين جـ1 ص 144 ، 161).
(2) انظر أصول البلاغة ـ مقدمة المحقق ص 26 .
... ويقول د/ عبد القادر حسين : "فشرط فصاحة الكلام عند المؤلف ، أن تتوافر فيه المحسنات اللفظية ، وهى ملاحظة جديرة بالتسجيل ، حيث خلت منها كتب البلاغة ، وأثر عن البلاغيين أن الكلام يكون فصيحًا إذا خلص من التنافر والتعقيد ، وضعف التأليف ، بالإضافة إلى فصاحة الكلمة دون أن يشير واحد منهم إلى اقتران الكلام بألوان من البديع حتى يكون فصيحًا (انظر السابق نفس المكان ) ، ولا أعلم ماذا يعنى سيادته بقوله : "خلت منها كتب البلاغة "، فهل يعنى أغلب كتب البلاغة ؟ أظن ذلك ؛ لأن الرازى قد سبق الشيخ ميثم إلى هذا والشيخ ميثم اختصر كلامه . (انظر نهاية الإيجاز ص 87) .(1/40)
... وعلى هذا فمنهج الشيخ ميثم منهج متكامل ، حيث بدأ بالحديث عن الصوت فالحرف ، فالكلمة المفردة ، فالكلمات المركبة ، ثم أتبع ذلك بالحديث عن التأليف والأسلوب ، إلا أنه فى بعض الأحايين يخلط بين شروط فصاحة الكلام ، وبين الحديث عن المحاسن العائدة إلى تركيب الحروف(1)، كما أنه عند حديثه عن فصاحة الكلام اشترط لذلك أن تتوافر فيها ألوان من البديع ، وهو بهذا يخالف السابقين له ، ومن أتى بعده ، وقد جعل البلاغيون جُلّ هذه الموضوعات داخلة فى علم البديع ، أما ما عدا ذلك ، فالشيخ ميثم سار على نهج من سبقه كالإمام عبد القاهر والرازى ، وابن سنان ، ومن قبلهم الجاحظ.
* خلاصة القول فى الفصاحة والبلاغة بين الشيخ ميثم وابن سنان :
أولاً :
... كان مدلول الفصاحة والبلاغة مضافًا إليهما البيان والبراعة قبل ابن سنان شيئًا واحدًا.
ثانيًا :
... اهتم ابن سنان بالحديث عن الفصاحة ، والبحث عن ماهيتها ولأجل هذا سمى كتابه "سر الفصاحة ".
... كما اهتم الشيخ ميثم بالحديث عن الفصاحة والبلاغة ، ولهذا أطلق على كتابه "أصول البلاغة ".
ثالثاً :
... جاء منهج ابن سنان فى كتابه خادمًا لغرضه ، حيث بدأ بالحديث عن الصوت ، فالحرف ، فالكلمة ، ثم الكلمات المركبة ؛ ليصل إلى الأسلوب والتأليف ، فهو منهج فنى متكامل .
... كما جاء منهج الشيخ ميثم متشابهًا إلى درجة كبيرة مع ابن سنان الخفاجى ، حيث صدر كتابه بالحديث عن الأصوات ومخارج الحروف ، وانتهى إلى النظم والتأليف .
رابعاً :
... جاء حديث الشيخ ميثم عن الأصوات ومخارج الحروف متأثرًا فيه بابن سنان إلا أنه يتسم بالإيجاز ، ولكنه مع هذا يلتقى أيضاً مع ابن سنان فى كون حديثه حديثًا مقتضبًا لم يربط فيه بين خصائص الأصوات ، وبين الفصاحة والبلاغة .
خامسًا :
__________
(1) انظر ما سبق فى بيتى أبى تمام ، والبيت المنسوب لبعض الجن ص 65 من هذا البحث .(1/41)
... يرى ابن سنان أن تعريفات القدامى للبلاغة ليست بالحدود والرسوم ، وإنما تصلح لكل العلوم ، والصحيح أنها صفات للبلاغة والبليغ ، وقد تأثر فى هذه التعريفات بالجاحظ .
... بينما عرف الشيخ ميثم الفصاحة والبلاغة متأثرًا فى ذلك بالرازى والسكاكى ، وتبعه فى هذا التعريف أناس كثيرون .
سادساً :
... إن العلاقة بين الفصاحة والبلاغة عند ابن سنان هى علاقة الكل والجزء ، فالفصاحة عنده شطر البلاغة وأحد جزأيها ، وقد تأثر به السكاكى .
... بينما العلاقة بينهما عند الشيخ ميثم هى علاقة العموم والخصوص ، وهذا هو رأى ابن الأثير ، وحازم القرطاجنّى ، وابن يعقوب المغربى .
سابعاً :
... يشترط ابن سنان فى الفصاحة والبلاغة، أن يكون معنى الكلام ظاهراً جليًّا واضحًا.
... كما يرى الشيخ ميثم أن الفصاحة ليست باستعمال الشوارد التى لا تفهم ، وإنما هى باستعمال ما يقرب فهمه .
... وأرى رأى الجاحظ فى كون الإفهام على مجارى كلام العرب الفصحاء .
ثامنًا :
... لاهتمام ابن سنان بالفصاحة ، ذكر شروطًا عدة لفصاحة الكلمة وأخرى لفصاحة الكلام ، تأثر بها كل من أتى بعده ، وقد تصدى ابن الأثير للاعتراض على بعضها .
... بينما تحدث الشيخ ميثم عن شروط فصاحة الكلمة ، متأثرًا فيها بابن سنان ومن قبله الجاحظ ، وفى حديثه عن شروط فصاحة الكلام ، أدرك أنه لابد أن تتوافر فيها ألوان من البديع ، وقد خلط بين شروط فصاحة الكلام ، وحديثه عن تركيب الحروف .
تاسعاً :
... جاء حديث ابن سنان والشيخ ميثم عن الفصاحة حديثًا متكاملاً ، وإن بدا تأثر الشيخ ميثم ـ كغيره ـ بابن سنان فى بعض المسائل إلا أن له رأيه الذى يخالف فيه غيره، وقد ظهرت شخصيته واضحة حتى فيما نقله عن غيره .
-2-
النظم
أ - النظم قبل ابن سنان :
... الحديث عن النظم(1)
__________
(1) النظم فى اللغة : جمع اللؤلؤ فى السلك
وفى الاصطلاح : تأليف الكلمات والجمل مترتبة المعانى متناسبة الدلالات على حسب ما يقتضيه العقل . "التعريفات للجرجانى ص310 ـ ت إبراهيم الإبيارى ـ دار الريان "(1/42)
حديث قديم ، فهناك إشارات منذ القرن الثانى الهجرى تفيد معنى النظم(1)، وإن كان أصحابها لم يطلقوا هذا المصطلح عليها .
... فسيبويه(2)(ت 180 هـ) ، يجعل مدار الكلام على تأليف العبارة ، وما فيها من حسن أو قبح ، أو استقامة أو إحالة ، والمعنى وما فيه من صدق أو كذب ... فهو يرى أن وضع الألفاظ غير موضعها دليل على قبح النظم وفساده(3).
__________
(1) النظم اصطلاح كان يشيع فى بيئة الأشاعرة ، إذ كانوا يعللون إعجاز القرآن بنظمه ... وحقًا إن الجاحظ أول من وضع هذا الاصطلاح وعلل به الإعجاز القرآنى ، ولكن يبدو أن الأشاعرة كان يتمسكون به ، بينما مضى المعتزلة منذ أبى هاشم الجبائى يضعون مكانه الفصاحة ، وقد ردها إلى حسن اللفظ وحسن المعنى ، بينما مضى عبد الجبار يفسرها تفسيراً أدق إذ نفى أن يكون مرجع الفصاحة إلى اللفظ أو إلى المعنى، أو إلى الصورة البيانية ، وإنما مرجعها إلى الأسلوب والأداء والصياغة النحوية للتعبير . "البلاغة تطور وتاريخ د/ شوقى ضيف ص 161 " ، ومنهج البحث البلاغى بين عبد القاهر والسكاكى د/ السيد حجاب ص 34.
(2) هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ، كفاه فخرًا أنه صاحب "الكتاب" ، ولد بفارس سنة 140 هـ ، وتوفى سنة 180 هـ .
... ( وفيات الأعيان 1/385 ، وجورجى زيدان 2/115 ، كارل بروكلمان 2/134 ، تاريخ بغداد 12/195، بغية الوعاة للسيوطى 366).
(3) البلاغة العربية بين عبد القاهر وابن سنان الخفاجى د/ عبد العاطى علام نقلاً عن الكتاب لسيبويه جـ 1 ص 8.(1/43)
... وفى صحيفة بشر بن المعتمر(1)ما يفيد معنى النظم يقول : "فإذا وجدت اللفظة لم تقع موقعها ولم تصر إلى قرارها وإلى حقها من أماكنها المقسومة لها ... ، فلا تكرهها على اغتصاب الأماكن والنزول فى غير أوطانها"(2).
... فبشر يهتم بوضع الألفاظ فى أماكنها ، وعلى الوجه الذى يظهر حسنها فيه ، وهذا ما يفيده النظم .
... ويرى الجاحظ(3)( ت 255) : " أن أجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء ، سهل المخارج ، فتلعلم بذلك أنه قد أفرغ إفراغاً واحدًا ، وسبك سبكًا واحدًا ، فهو يجرى على اللسان كما يجرى الدهان "(4).
... فالنظم عنده فى حسن السبك وفى تلاحم الألفاظ وارتباطها .
كما تكلم ابن قتيبة(5)(ت 276) عن عناصر النظم : الألفاظ والمعانى ، فيقول عن إعجاز القرآن : " ... وأبانه بعجيب النظم عن حيل المتكلفين"(6).
__________
(1) هو أبو سهل بشر بن المعتمر الهلالى ، استوطن بغداد ، ونظم تعاليم المعتزله فى شعر لكى تشيع بين الناس ... توفى سنة 210 هـ . (كارل بروكلمان 4/25 )
(2) البيان والتبيين جـ 1 ص 138 .
(3) هو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى ، كان من فضلاء المعتزلة ، لقب بالجاحظ لنتوء فى حدقيته ، ولد بالبصرة سنة 150 هـ وتوفى سنة 255 له مؤلفات كثيرة أشهرها "الحيوان" ، "البيان والتبيين" ( أعلام فى العصر العباسى ص 483 ، كارل بروكلمان 3/106 ، تاريخ بغداد 12/214 ، ابن خلكان 1/388) .
(4) البيان والتبيين جـ 1 ص 67 ، والعمدة لابن رشيق جـ 1 ص 257.
(5) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى ، ولد فى الكوفة سنة 213 ، وسكن بغداد ، ومن مؤلفاته : الشعر والشعراء ، وعيون الأخبار ، وأدب الكاتب ، وتأويل مشكل القرآن ، وغيرها توفى سنة 276 . (جورجى زيدان 3/173 ، كارل بروكلمان 2/221 ، تاريخ بغداد 10/17 ، بغية الوعاة 291).
(6) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 3 .(1/44)
... والرُّمانى (ت 386) عنون لباب فى كتابه سماه باب التلاؤم ... وقد أشار إلى النظم وإن لم ينطق به صراحة(1).
... ويقول الخطابى(2)(ت 388) "أما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر ؛ لأنها لجام الألفاظ ، وزمام المعانى ، وبه تنتظم أجزاء الكلام ، ويلتئم بعضه ببعض ، فتقوم له صورة فى النفس يتشكل بها البيان"(3).
... فالنظم ليس بالشئ الهين بل يحتاج إلى حذق ومهارة وقد وضع نظرية فى الكلام بأنه يقوم باشياء ثلاثة : "لفظ حامل ، ومعنى به قائم ورباط لهما ناظم"(4)
... وقد تحدث أبو هلال العسكرى(5)(ت 395 ) عن حسن التأليف ، وأنه يزيد المعنى وضوحًا ، وعقد بابًا فى الصناعتين عنوانه : "حسن النظم وجودة الرصف والسبك"(6).
__________
(1) النكت فى إعجاز القرآن للرُّمانى ـ ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ـ للرّمانى ص 94 وما بعدها ، ويرى د/ شوقى ضيف أنه يريد بالتلاؤم .. حسن النظم والرصف " انظر البلاغة تطور وتاريخ ص 105 ، ويرى د/ عبد العاطى علام أن الرّمانى لم ينطق صراحة بالنظم بحكم نزعته الاعتزالية ، وأنه أبان عن كثير من دقائقه الفنية التى استطاع بمهارته الكشف عنها "البلاغة بين عبد القاهر وابن سنان ص 58".
(2) هو الأديب اللغوى المحدث أبو سليمان حمْد بن محمد إبراهيم الخطابى البستى ، ولد سنة 319 هـ وتوفى سنة 388 هـ ، ومن أشهر مؤلفاته "بيان إعجاز القرآن" (وفيات الأعيان 1/153 ، الأعلام 2/308 ، بغية الوعاة للسيوطى 239 ، وثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ص 8 )
(3) بيان إعجاز القرآن للخطابى ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ص 36 .
(4) السابق ص 26.
(5) هو الحسن بن عبد الله سهل بن سعيد العسكرى الأديب اللغوى الشاعر العالم الفقيه ، كان تلميذ خاله أبى أحمد العسكرى ، من أشهر مؤلفاته : "الصناعتين ، وديوان المعانى "توفى سنة 352" (جورجى زيدان 2/286 ، كارل بروكلمان 2/252 ، بغية الوعاة 221 ).
(6) الصناعتين ص 179 .(1/45)
... ويبدو أن الثلاثة عنده بمعنى واحد .
... ويرى الباقلانى (ت 403) : أن من أوجه الإعجاز " النظم القرآنى" يقول عنه : " إنه بديع النظم ، عجيب التأليف ، متناهٍ فى البلاغة إلى الحد الذى يعلم عجز الخلق عنه ..."(1).
... والقاضى عبد الجبار الأسد آبادى ( ت 415 ) يعقب على كلام أستاذه أبى هاشم الجبائى(2)(ت 321 ) ـ الذى أغفل تركيب الكلام ـ فيقول :
" اعلم أن الفصاحة لا تظهر فى أفراد الكلام ، وإنما تظهر فى الكلام بالضم(3)على طريقة مخصوصة ، ولا بد مع الضم من أن يكون لكل كلمة صفة ، وقد يجوز فى هذه الصفة أن تكون بالمواضعة التى تتناول الضم ، وقد تكون بالإعراب الذى له مدخل فيه، وقد تكون بالموقع ، وليس لهذه الأقسام الثلاثة رابع ؛ لأنه إما أن تعتبر فيه الكلمة أو حركتها أو موقعها ، ولابد من هذا الاعتبار فى كل كلمة ، ثم لابد من اعتبار مثله فى الكلمات ، إذا انضم بعضها إلى بعض ؛ لأنه قد يكون له عند الانضمام صفة ، وكذلك لكيفية إعرابها وحركاتها وموقعها .
__________
(1) إعجاز القرآن للباقلانى ت/ السيد صقر ص 33 ط دار المعارف .
(2) هو ابو هاشم عبد السلام الجبائى ولد سنة 247 هـ ، كان أشهر من أبيه ، توفى سنة 321 ، من أشهر مؤلفاته "الجامع ، الأبواب" (كارل بروكلمان 4/32 ، النجوم الزاهرة 3/242 ).
(3) يقول د/ محمد أبو موسى : "كان عبد القاهر يحذر من أن يلتبس عندك كلام عبد الجبار بكلامه لأنك تجده فى بعض أطرافه يشبه كلام الإمام وذلك مثل قول القاضى " إن الفصاحة لا تظهر فى أفراد الكلام وإنما تظهر بالضم على طريقة مخصوصة" وهذا النص كما ترى يمكن أن يداخل نصوص عبد القاهر ووجه فساده أنهم يريدون ضم الألفاظ ونظم الألفاظ ، ولم يفطنوا إلى أن الضم ، ضم معان ، والنظم نظم معان ، ولم يحللوا المعانى ، ولم يبينوا أنها معانى النحو " (مدخل إلى كتابى عبد القاهر ص 16) .(1/46)
... فعلى هذا الوجه الذى ذكرنا إنما تظهر مزية الفصاحة بهذه الوجوه دون ما عداها ..."(1).
وعبد الجبار بتفسيره للفصاحة على هذا النحو يلتقى بالأشعرية فى قولهم بالنظم لا بالمعنى العام الذى فهمه الجبائى(2).
وهو بهذا الكلام يقترب من الشيخ عبد القاهر فى تفسيره للنظم .
... وعبد القاهر(3)يشرح نظرية النظم(4)،
__________
(1) البلاغة تطور وتاريخ د/ شوقى ضيف ص 116 ، وانظر المغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار جـ16 : إعجاز القرآن ص 129 ، نشر وزارة الثقافة والإرشاد القومى .
(2) البلاغة تطور وتاريخ ص 117.
(3) هو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانى ، فارسى الأصل ، جرجانى المولد ، من أطرف ما قيل عن علمه ، أنه فرد فى علمه الغزير ، بل هو العلم الفرد فى الأئمة المشاهير . توفى سنة 471 هـ من أشهر مؤلفاته "دلائل الإعجاز ، وأسرار البلاغة" (الكشكول 1/277 ، كارل بروكلمان 5/199).
(4) يرى د/ عبد القادر حسين "أن الطريق الذى سلكه الإمام عبد القاهر لم يكن موصدًا بحيث يتحتم عليه أن يطرقه ويفتحه ، ويبتكر نظرية النظم ابتكارًا فينشئها من العدم ، بل كان الطريق معبدًا مستهديًا فيه بآراء العلماء السابقين " (أثر النحاة فى البحث البلاغى ص 365 )
... ويرى بعض المحدثين " أن النظم الذى كتب عنه الشيخ فى دلائل الإعجاز إنما نبت أولاً فى بيئة النحاة ، وكان له من بحثهم نصيب غير قليل ، لكن ليس على أنه من فن البلاغة وإنما وقع لهم على أنه من النحو بحسب ما كانوا يتصورونه أولاً ..." (البلاغة بين عهدين د/ محمد نايل ص 98) .(1/47)
ويخصص لها كتابه "دلائل الإعجاز"(1)ويرى أن النظم هو أن تضع كلامك الوضع الذى يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله ...(2)كما نجده يبدئ ويعيد فى مواطن كثيرة من الدلائل فى إبطال أن يكون مرد الفصاحة إلى اللفظ أو المعنى ... إنما مردها إلى النظم(3).
... " فعبد القاهر صاحب فكرة آمن بها فتولى عرضها والدفاع عنها ، ورد الشبهات التى تعترضها ..."(4)، وهو صاحب الفضل بهذا النظم البلاغى بهذا الأسلوب الجديد(5).
ب- النظم عند ابن سنان الخفاجى :
... إذا كانت قضية النظم تعد من أهم القضايا التى ظهرت فى القرن الخامس بوضوح عند ـ العلامة ـ الشيخ عبد القاهر الجرجانى الذى ظل يبدئ ويعيد فى كتابيه وبخاصة دلائل الإعجاز ليثبت أن مرد الفصاحة عائد ـ لا محالة ـ إلى النظم ، فإن الأمر يختلف تمامًا عند معاصره ابن سنان الخفاجى ، فقد اختلف حديثه عن النظم عن حديث عبد القاهر ، حيث كان اهتمام ابن سنان منصبًا على الفصاحة ، وبين ماهيتها ، ولكنى مع ذلك وجدته قد أشار إلى النظم ، وإن كان حديثه متناثرًا إلا أنه يتفق مع منهجه الذى رسمه فى كتابه ، فجاءت قضية النظم عنده فى مواطن متفرقة من كتابه "سر الفصاحة" .
__________
(1) وفى كتابه أسرار البلاغة عرض فيه للمجاز والاستعارة والكناية والتشبيه ، ولكنه إنما جاء بها فى ثنايا تفسيره لنظرية النظم التى أدار عليها الكتاب . (البلاغة تطور وتاريخ ص 160 ).
(2) دلائل الإعجاز ص 63 .
(3) البلاغة تطور وتاريخ ص 161 ، ويقول د/ محمد شادى ، " ولاهتمام عبد القاهر بتوضيح فكرته عن النظم أدى ذلك إلى معاودة الدفاع عنها المرة بعد المرة " "منهج عبد القاهر وبلاغته فى التقديم والتمثيل ص 10"
(4) منهج عبد القاهر فى التقديم والتمثيل د/ محمد شادى ص 7 .
(5) انظر البلاغة بين عهدين ص 100 .(1/48)
... فحديث ابن سنان عن النظم لم يكن هدفًا فى ذاته ، حيث شغل نفسه بالحديث عن الفصاحة ، ومعرفة أسرارها ، ولكنه مع ذلك لم يهمل الحديث عن النظم .
... ويبدو أن حديث ابن سنان عن مخارج الحروف وأوصافها كان بغرض الوصول إلى نظم الكلام حيث يرى أن الكلام : ما انتظم منها .
... وقد اشترط ابن سنان لحسن الألفاظ المنظومة : " تجنب تكرار الحروف المتقاربة ، وأن تكون حسنة التأليف فى السمع بترداف الكلمات المختارة وتواترها"(1).
* معنى النظم عند ابن سنان :
... النظم عند ابن سنان هو طريقة الآاء ، واللون الذى تحدث عنه ، تحت عنوان "صحة النسق والنظم" ، وهو بشرح ذلك بقوله :
"صحة النسق والنظم ، هو أن يستمر فى المعنى الواحد ، وإذا أراد أن يستأنف معنى آخر أحسن التخلص إليه حتى يكون متعلقاً بالأول ، وغير منقطع عنه"(2).
__________
(1) نظرية النظم . أ/ درويش الجندى ص 32 . عن ابن سنان فى سر الفصاحة ص 64 وما بعدها .
(2) سر الفصاحة ص 268 ، وانظر: أعلام العرب ـ عبد القاهر ت د/ أحمد بدوى ـ ص 388 ، وهذا الذى تحدث عنه ابن سنان عُرف فيما بعد عند البلاغيين المتأخرين باسم "حسن التخلص" وهو : " أن يستطرد الشاعر المتمكن ، من معنى إلى معنى آخر يتعلق بممدوحه ، بتخلص سهل يختلسه اختلاسًا رشيقًا دقيق المعنى ..." (خزانة الأدب ـ ابن حجة الحموى ـ جـ1 ـ ص 329).(1/49)
... وقد استعمل ابن سنان النظم(1)فى مقامات أخرى ، وأراد منه التأليف ، وذلك ـ مثلاً ـ عند حديثه على الكلام المؤلف ، ويفهم هذا من قوله :" المعانى وتأليف الألفاظ هى صناعة هذا الصانع ـ مؤلف الكلام ـ التى أظهرها فى الموضوع ، والموضوع : الكلام المؤلف من الألفاظ المنظومة بعضها مع بعض ..."(2)
__________
(1) يشير د/ عبد الحميد محمد العبيسى إلى أن ابن سنان فى حديثه عن النظم ما هو إلا صورة للجاحظ ومن لفّ لفّه . (ابن سنان الخفاجى وأثره فى النقد والبلاغة ـ د/ عبد الحميد العبيسى ـ دكتوراه ـ كلية اللغة العربية بالقاهرة رقم 191) .
(2) سر الفصاحة ص 54 ، 84 .(1/50)
... فهو يرى أن مؤلف الكلام يحتاج إلى نظم كل لفظة مجاورة لأختها بينهما تلاؤم وارتباط متين . كما تحدث عن النظم عند مقارنته بين الصانع للكرسى(1)، ومؤلف الكلام حيث " جعل الصانع الماهر هو البصير بحذق صناعته(2)، ويقبل عذره إذا سلم إليه خشب ردئ ، فظهرت صناعته فيه ، فإنه عند ذلك يعاب لأجل الخشب ، فأما ناظم الكلام فقادرٌ على اختيار موضوعه ، غير محظور عليه تأليف ما يؤثر منها ، فمتى عدل عن ذلك جهلاً أو تسمحًا توجه الإنكار واللوم عليه ، وكان أهلاً له وجديرًا به ، على أن كلامنا فى الصورة نفسها ، ولا شبهة فى قبح صورة الكرسى المصنوع من ردئ الخشب ، وإن كان النجار قد أحكم عمله"(3).
... فمؤلف الكلام ـ فى نظر ابن سنان ـ يمتلك القدرة على اختيار ألفاظه ونظمها فى سلك واحد ، دون أن تكون هناك لفظة نابية ، اضطُر إلى وضعها ، بخلاف الصانع.
__________
(1) يرى بعض المحدثين : " أن هذه النظرية التى تجعل من الفن صناعة كسائر الصناعات ، وإن وردت على لسان كثير من النقاد العرب كابن سلام الجمحى ، وابن طباطبا ، وأبو هلال ، إلا أن أول من أشار إليها بوضوح قدامة بن جعفر فى كتابه " نقد الشعر" وتبعه ابن سنان الخفاجى . (انظر قضية الإعجاز القرآنى وأثرها فى تدوين البلاغة العربية ـ د/ عبد العزيز عبد المعطى عرفه ـ ص 470).
(2) ينسب د/ درويش الجندى للخفاجى تحيّزه للألفاظ فى جعلها موضوعًا للكلام ، يشكله المؤلف فى صورة الألفاظ ، فيجعل منها فصلاً منثورًا ، أو بيتًا منظومًا ، كما يشكل النجار الخشب فى صورة كرسى مثلاً.... ( نظرية النظم ص 33) ، ويرى صاحب الصبغ البديعى، أن ابن سنان كان عند حديثه عن الألفاظ لا ينسى ما للمعنى من أثر بالغ فى أصل الفصاحة ، وهذا واضح فى السجع والجناس . (د/ أحمد موسى ص 218) .
(3) البلاغة بين عبد القاهر وابن سنان د/ عبد العاطى علام ص 95 نقلاً عن سر الفصاحة ص 95 .(1/51)
... وقد ذكر ابن سنان شروطًا يجب أن توجد فى الكلام المؤلف(1)، وأدرك أن الصانع المؤلف هو الذى ينظم الكلام بعضه مع بعض ...(2)
... وشروط الفصاحة تنقسم عنده قسمين : " الأول منها يوجد فى اللفظة الواحدة على انفرادها من غير أن ينضم إليها شيئ من الألفاظ وتؤلف معه ، والثانى : يوجد فى الألفاظ المنظومة بعضها مع بعض "(3).
... وهو بعد ذلك يشير إلى حاجة مؤلف الكلام إلى المعرفة ، وتبحره فى كل العلوم، حتى يتسنى له صوغ الكلام صوغًا حسنًا يقول :
" إن مؤلف الكلام لو عرف حقيقة كل علم ، واطلع على كل صناعة لأثر ذلك فى تأليفه ومعاينة وألفاظه .."(4)
__________
(1) انظر سر الفصاحة ص 97 ، وقد جمع المتأخرون هذه الشروط فى قولهم " إن فصاحة الكلام تتحقق بخلوصه من ضعف التأليف، وتنافر الكلمات، والتعقيد، مع فصاحتها فى المفردات . (بغية الإيضاح جـ 1 ص17).
(2) سر الفصاحة ص 93 . يقول د/ حفنى شرف : "إن الموضوع عند ابن سنان فى المرتبة الأولى ، أما التأليف والنظم ، فليس إلا جمع هذه الألفاظ ، التى تحمل خصائص جمالية يطلق عليها الفصاحة " (إعجاز القرآن البيانى د/ حفنى محمد شرف ص 88).
(3) سر الفصاحة ص 63 .
(4) سر الفصاحة ص 290 .(1/52)
... كما يظهر حديث ابن سنان عن النظم(1)عند ذكره ما يختص بالتأليف من صفات وشروط وذلك حين يقول : " إن أحد الأصول فى حسن التأليف ، وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازًا لا ينكره الاستعمال ، ولا يبعد فهمه ... فمن وضع الألفاظ موضعها ، ألا يكون فى الكلام تقديم وتأخير(2)، حتى يؤدى ذلك إلى فساد معناه ، وإعرابه فى بعض المواضع ، أو سلوك الضرورات ، حتى يفصل فيه بين ما يقبح فصله فى لغة العرب ، كالصلة والموصول ، وما أشبههما ..."(3).
... فصحة النظم عنده تكمن فى تقديم ما حقه التقديم ، وتأخير ما حقه التأخير ، وتجنب الضرورات فى الفصل بين ما يقبح فصله ؛ لأن هذا وغيره يؤدى إلى فساد النظم .
__________
(1) يرى د/ محمد زغلول سلام " أن الخطابى وعبد القاهر أبرز من تكلموا فى النظم ، ولكن ضياء الدين ابن الأثير فى كلامه عنه ، لم يبد فيه تأثره بهما بقدر تأثره بالجاحظ ، وأبى هلال ، والرّمانى ، وابن سنان ..." (ضياء الدين ابن الأثير وجهوده فى النقد والبلاغة د/ محمد زغلول سلام ص 307).
(2) يقول أبو هلال العسكرى : عن حسن النظم وجودة الرصف والسبك : " وحسن التأليف يزيد المعنى وضوحًا وشرحًا ... وحسن الرصف أن توضع الألفاظ فى مواضعها ، وتمكن فى أماكنها ، ولا يستعمل فيها التقديم والتأخير والحذف والزيادة ، إلا حذفًا لا يفسد الكلام ، ولا يعمى المعنى ، ويضم كل لفظة منها إلى شكلها ، وتضاف إلى لفقها ، وسوء الرصف تقديم ما ينبغى تأخيره منها ، وصرفها عن وجوهها ، وتغيير صيغتها ، ومخالفة الاستعمال فى نظمها " (الصناعتين ص 179) .
(3) سر الفصاحة ص 111 .(1/53)
... ومن وضع الألفاظ موضعها ، : " ألا يستعمل فى الشعر المنظوم ، والكلام المنثور من الرسائل والخطب ، ألفاظ المتلكمين ، والنحويين والمهندسين ومعانيهم ، والألفاظ التى يختص بها أهل المهن والعلوم ؛ لأن الإنسان إذا خاض فى علم وتكلم فى صناعة ، وجب عليه أن يستعمل ألفاظ أهل ذلك العلم وكلام أصحاب تلك الصناعة، وبهذا شرف كلام أبى عثمان الجاحظ ، وذلك أنه إذا كاتب لم يعدل عن ألفاظ الكتاب ، وإذا صنف فى الكلام لم يخرج عن عبارات المتكلمين"(1).
ولذا عيب على أبى تمام قوله :
... مَوَدّةٌ ذَهَبٌ أثْمَارُهَا شِبَهٌ ... ... وَهِمَّةٌ جَوْهرٌ مَعْرُوفُهَا عَرَضُ(2)
... ؛ لأن الجوهر والعرض من ألفاظ أهل الكلام الخاصة بهم .
وقول أبى الطيب فى استخدامه لألفاظ النحويين فى شعره :
... إِذَا كانَ ما تَنْوِيهِ فِعْلاً مُضَارِعًا ... ... مَضَى قبْل أنْ تُلقَى عَلَيْهِ الجَوَازِمُ(3)
... فابن سنان يشترط اختيار الألفاظ المناسبة لكل فن وبحسب الموضوع .
ومن المواضع التى تحدث فيها ابن سنان عن النظم : تعليقه على بيت امرئ القيس(4):
... فإن تكتُموا الدَّاءَ لا نُخفْه ... ... وإن تقصدوا الذَّم لا نقصدِ(5)
__________
(1) سر الفصاحة ص 166 ـ واستثنى ابن الأثير من هذا صناعة المنظوم والمنثور؛ لأنها مستمدة من كل علم، فلا مانع من استعمال ما تدعو إليه الحاجة من معانى العلوم. (المثل السائر جـ1 ص 38 وما بعدها).
(2) البيت من قصيدة يعاتب فيها عياش بن لهيعة ومَروىٌّ هكذا : "مَوَدّةٌ ذَهَبت أثْمَارُهَا شُبَهٌ" ديوانه 4/446.
(3) البيت من قصيدة يمدح فيها سيف الدولة مطلعها : "علَى قَدْرِ أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِى الْعَزَائِمِ" ديوانه ص 386 .
(4) هو امروء القيس بن حجر بن عمرو الكندى ، قال عنه لبيد أشعر الناس ذو القروح ، يعنى : امرأ القيس توفى سنة 540 م. (تاريخ آداب العرب / مصطفى صاد الرافعى 1/170 ، جورجى زيدان 1/93 ، مهذب الأغانى 3/1001)
(5) ديوانه(1/54)
... يقول ابن سنان : "فإن كل لفظة تقتضى ما بعدها ... وهذا هو الكلام الذى يدل بعضه على بعض ويأخذ بعضه برقاب بعض ..."(1)
ألا يصلح هذا الكلام تعريفًا للنظم ؟
... كذلك اشترط لصحة النظم ... "ألا يكون فى الكلام المؤلف قلب(2)يفسد المعنى ويصرفه عن وجهه"(3)ومثل لذلك بقول عروة بن الورد العبسى(4):
... فَلَوْ أنّى شَهَدتُ أبا سُعَادٍ ... ... غَدَاةَ غَدا لمُهْجتِهِ يَفُوقُ
... فَدَيتُ بِنَفْسِهِ نَفْسِى وَمَالِى ... ... وَمَا آلوكَ إِلاَّ ما أَطِيقُ
... يريد أن يقول : فديت نفسه بنفسى .
... وهنا يظهر مدى اهتمام ابن سنان بنظم الكلام ، ومراعاة تجنب ما يفسد هذا النظم ، أو يكون سببًا فى إغلاق فهمه .
... كما يجعل النظم مما يحتاج مؤلف الكلام إلى معرفته ، ثم يحتكم إلى العرف والاستعمال عند العرب إذ يقول : "... فهذا وما يجرى مجراه فى جانب التأليف مذكور ، وفى شعبه معدود ، واتباع العرف فى إيراد الظاهر المعروف دون الشاذ النادر ، واجب لمن آثر مشاركتهم فى فصاحة النظر ، وسلامة النسج"(5).
* النظم ومعانى النحو عند ابن سنان :
... إن علاقة النظم بمعانى النحو ظهرت جلية عند العلامة ـ عبد القاهر الجرجانى .
والسؤال الذى يطرح نفسه هنا ... هل هناك علاقة بين النظم ومعانى النحو عند ابن سنان ؟ أو بتعبير آخر ... هل راعى ابن سنان النحو فى صحة النظم؟
__________
(1) سر الفصاحة ص 159 .
(2) القلب عند البلاغيين المتأخرين هو : أن يكون الكلام بحيث لو عكس كان الحاصل من عكسه هو ذلك الكلام بعينه . (بغية الإيضاح 4/85).
(3) سر الفصاحة ص 114.
(4) هو : عروة بن الورد بن زيد بن جابس العبسى ، من شعراء الجاهلية ، ويلقب عروة الصعاليك ، كاد يدرك الإسلام وهو شاعر بدوى قحٌّ. توفى سنة 596 م. (الأغانى 1/345 ، جورجى زيدان 1/143 ، الشعر والشعراء ص 425 ، كارل بروكلمان 1/119)
(5) سر الفصاحة ص 109 .(1/55)
... يبدو لنا هذا من كلام ابن سنان عند حديثه عن ما يختص بالتأليف يقول : "فمن وضع الألفاظ موضعها ألا يكون فى الكلام تقديم وتأخير حتى يؤدى ذلك إلى فساد معناه وإعرابه فى بعض المواضع ، أو سلوك الضرورات حتى يفصل فيه بين ما يقبح فصله فى لغة العرب كالصلة والموصول وما أشبههما"(1).
... فهذا يعنى أن فساد الإعراب عنده ـ لا محالة ـ مؤدى إلى فساد النظم ، ولهذا يُلحّ فى وضع الألفاظ موضعها فى تقديم ما حقه التقديم ، وتأخير ما حقه التأخير ، حتى لا يؤدى إلى فساد المعنى والخطأ فى الإعراب ، واتباع الضرورات ، فيفصل فيه بين ما يقبح فصله فى لغة العرب ، كالصلة والموصول .
... وهذا الكلام من صميم النظم الجيد .
فابن سنان يربط ربطًا فعالاً بين النحو والنظم ، وإن بدا حديثه خاطفًا سريعًا ، إلا أنه قد وضح أنه يراعى النحو فى صحة النظم .
... وقد ذكر ابن سنان فى نهاية كتابه ما يكشف عن اهتمامه بالنحو ، حيث أدرك أن " مؤلف الكلام يحتاج فى علم النحو إلى معرفة إعراب ما يقع له فى التأليف ، حتى لا يذكر لفظة إلا موضوعة حيث وضعتها العرب من إعرابٍ أو بناءٍ على حسب ما وردت عنهم"(2).
... فلعلم النحو ـ عند ابن سنان ـ أثر فى نظم الكلام ، ووضع كل لفظة الوضع اللائق بها .
* لماذا لم يفرد ابن سنان للنظم بحثًا مستقلاً ؟
... وبعد ... فإن ابن سنان لم يفرد للنظم بحثًا أو مجالاً فى منهجه يبرز فيه أثره ، بل أشار إليه فى عبارات متناثره ، وأماكن متفرقة لا يجمعها بحث ، والعذر له ... فمع معاصرته لشيخ البلاغيين عبد القاهر الجرجانى ، صاحب نظرية النظم والمدافع عنها ، إلا أن ابن سنان كان اهتمامه بالفصاحة والبحث عن ماهيتها هو ما شغل فكره وسيطر على عقله ، فجاء حديثه عن النظم يتفق مع منهجه فى البحث عن سر الفصاحة .
جـ ـ النظم عند الشيخ ميثم :
__________
(1) سر الفصاحة ص 111 .
(2) سر الفصاحة ص 289 .(1/56)
... إذا كان حديث ابن سنان عن النظم قد جاء متناثرًا فى مواضع متعددة لا يجمعها بحث مستقل أو فصل مخصص ، فإن الشيخ ميثم البحرانى قد خصص الجملة الثانية(1)لحديثه عن النظم .
... والنظم عند الشيخ ميثم يختلف عنه عند ابن سنان ، فابن سنان قد تحدث عن النظم عندما كان يقارن بين الصانع للكرسى والمؤلف وفى سطور قليلة ، كما أنه وضع شروطًا عدة للكلام المؤلف حتى يصح تركيبه ، وقد أراد من النظم التأليف الصحيح ، ووضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازًا ، بتقديم ما حقه التقديم وتأخير ما حقّهُ التأخير.
... وقد يعجب القارئ حين يعلم أن ابن سنان كان معاصرًا للشيخ عبد القاهر الجرجانى صاحب نظرية النظم والمدافع عنها ، ومع ذلك فإنه لم يهتم بالنظم والحديث عنه اهتمام العلامة عبد القاهر الذى جعل من كتابيه : "دلائل الإعجاز " ، وأسرار البلاغة " وعاءً لصب الأفكار التى تجعل من النظم نظرية هى محور كتابيه .
... ولا عجب فى ذلك ، فهدف ابن سنان من كتابه ظاهر جلى ، وهو البحث عن ماهية الفصاحة ، ولذلك " يبدأ بوضع ثمانية شروط لفصاحة اللفظة المفردة ، ثم فصاحة الكلام "الأسلوب" ، التى تعتمد على مبدأين : وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازًا ، وتحقيق التناسب بين الألفاظ من حيث الصيغة أو المعنى."(2)
... أما الشيخ ميثم البحرانى فقد كان امتدادًا للعلامة عبد القاهر الجرجانى ومن تبعه كالرازى(3)،
__________
(1) قسم الشيخ ميثم كتابه إلى مقدمة وجملتين ، فى المقدمة تحدث عن الفصاحة والبلاغة ، وتحدث فى الجملة الأولى عن "الفصاحة العائدة إلى المفردات " ، والثانية عن "النظم" .
(2) مدخل فى البلاغة العربية د/ محمد حسن عبد الله ص 55 ط1 .
(3) هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين ، ويعرف بابن الخطيب الفقيه الشافعى توفى سنة 606 هـ ، من أشهر مؤلفاته " نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز " ، كان مولده بالرى سنة 544 هـ .
... ( جورجى زيدان 3/102 ، الكشكول للبحرانى 3/4 ، تاريخ علوم البلاغة للمراغى ص 107 ) .(1/57)
ومن ينعم النظر فى كتابيه "مقدمة شرح نهج البلاغة" ، و"أصول البلاغة".
يرى أثر عبد القاهر والرازى واضحًا ، وليته تأثر بعبد القاهر فكرًا وأسلوبًا وعرضًا ، ولكنه مال إلى الناحية الفلسفية التى تعتمد على التحديد ، والتقسيم ، والتفريعات التى تقضى على روعة التحليل ، شأنه فى ذلك شأن عصره ، وخلت كتابته من الشرح والتحليل ، فقلما نجده يتتبع آية قرآنية أو بيتًا من الشعر ، ليبين الأسرار الكامنة بداخله، وذلك لأنه كان ينتمى إلى المدرسة الكلامية التى تهتم بالتحديد والتعريف ، واستخدام المصطلحات الفلسفية والمنطقية ، أما التحليل والشرح فلا يكاد يوجد إلا عند شرحه لكلام الإمام على فى كتابه "شرح نهج البلاغة "(1)، فالناظر فى هذا الشرح يجد فكر هذا الرجل واضحًا ، وبلاغته التطبيقية فى تناوله لكلام الإمام على بإظهار ما فيه من نظم جيد وتقديم وتأخير ، وتشبيه ، واستعارة ، وكناية ... وتناوله لبعض الآيات القرآنية وهذا ما سنجده واضحًا فى مكانه من كل فصل .
... وعلى العكس من ذلك نجد ابن سنان ينتمى إلى المدرسة الأدبية ، التى تهتم بالتحليل ، والإكثار من الشواهد الشعرية والنثرية والتعويل على الذوق فى كثير من الأحيان .
... أمَّا النظم عند الشيخ ميثم ، فهو ما سأبينه فى الصفحات التالية :
* حقيقة النظم ومدى ارتباطه بالنحو :
... يبدأ الشيخ ميثم حديثه عن النظم بتعريفه يقول :
__________
(1) شرح الشيخ ميثم كتاب نهج البلاغة للإمام على فى خمسة أجزاء ، فيها المصطلحات الفقهية واللغوبة والبلاغية ... وتحس حين تقرأ هذا الكتاب بأن الشيخ ميثم فقيه وفيلسوف ولغوى وبلاغى ...(1/58)
" إنه وضع الكلام على النهج الذى يقتضيه علم النحو ، والعمل فيه بقوانينه وأصوله"(1)وواضح أنه يدرك علاقة النحو بالنظم ، وهذا يعنى : "الدقة فى اختيار البدائل عند تكوين الأسلوب بحيث لا يختار لكل معنى إلا ما يناسبه من اللفظ الدقيق فيه ، ولا يختار من اللفظ إلا ما يتلاءم ويتناسب مع النظم حتى يكون النظم معرضًا جميلاً للمعنى، وصورة دقيقة لما فى النفس منه"(2)فنحن ندرك أن ليس معنى النحو صحة الأساليب فحسب ، بل يعنى أيضًا وضع الألفاظ موضعها ، وشدة ارتباطها وتلاحمها حتى تؤدى دورها المنوط بها ، وذلك عندما توائم المعانى النحوية ما فى أنفس المتلقين، وعلى هذا ، فإن "حظ الكلام من الجودة ، إنما هو بمقدار حظه من هذه المواءمة بين معانى النحو ومقاصد المتكلمين "(3)وهذا يعنى أيضًا ... " أن ربط المعانى النحوية بمقامات الكلام ومقاصد المتكلمين هو جوهر العلم الذى إليه ترجع جودة الكلام الجيد "(4)"والنتيجة المباشرة لذلك أنك لا ترى كلامًا وصف بصحة النظم أو فساده أو وصف بمزية وفضل فيه إلا وأنت تجد مرجع ذلك كله إلى معانى النحو وأحكامه"(5).
... واختيار البدائل عند تكوين الأسلوب قد عبر عنها الشيخ ميثم ـ ومن قبله الشيخ عبد القاهر ، والرازى(6)ـ بقوله :
__________
(1) أصول البلاغة للشيخ ميثم ص 76 ، وانظر دلائل الإعجاز للشيخ عبد القاهر ص 64 ـ السيد محمد رشيد رضا .
(2) البلاغة بين عبد القاهر وابن سنان د/ عبد العاطى علام ص 72 .
(3) مدخل إلى كتابى عبد القاهر الجرجانى د/ محمد أبو موسى ص 33 ط1 .
(4) السابق ص 31 .
(5) منهج عبد القاهر وبلاغته فى التقديم والتمثيل د/ محمد إبراهيم شادى ص 7 ط2 عن دلائل الإعجاز ص44 ط دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان .
(6) انظر دلائل الإعجاز ـ للعلامة عبد القاهر الجرجانى ـ ص 136 ، ونهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز للرازى ص 195 .(1/59)
" بيانه : أنك تنظر فى وجوه كل باب وفروقه ، فتنظر فى الفرق بين ما إذا كان خبرا لمبتدأ اسمًا مشتقًا أو صريحًا ، أو فعلاً ماضيًا أو مستقبلاً ......... وأن تعرف مواضع الفصل والوصل ، والتعريف والتنكير ، والتقديم والتأخير ، الحذف ، والتكرار ، والإضمار والإظهار ، فتضع كل شيئ فى مكانه اللائق به ..."(1)
... ومعنى هذا : أن الجملة تختلف فى معناها عند اختلاف تركيب ألفاظها ، ومن ثم لكى يتحقق النظم لابد من مراعاة التناسب بين تركيب هذه الألفاظ ، وموافقتها لمقتضى الحال .
... فالمقام قد يقتضى التعريف ، وقد يقتضى التنكير ، وقد يقتضى الفصل وقد يقتضى الوصل ...
... فالنظم عند الشيخ ميثم "إنما يحصل فى كلمات تضم بعضها إلى بعض ، وذلك النظم يعتبر فيه أحوال المفردات ، وأحوال انضمام بعضها إلى بعض "(2)
... وقد يريد من النظم الطريقة فى التأليف ، وذلك من خلال تعليقه على قول الإمام على : " ... وَأَهْبَطَهُ إلىَ دَارِ البَلِيَّةِ ، وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ "(3).
... يقول الشيخ ميثم معلِّقا على قول الإمام على السابق : "وقد ورد القرآن الكريم بهذا النظم فى سورة البقرة(4)وهو قوله : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطانُ عنْها فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كانَا فِيهِ وقُلْنَا اهْبِطُوا } "(5).
__________
(1) أصول البلاغة للشيخ ميثم ص 79 - 80 .
(2) مقدمة شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم ص 132 .
(3) شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم جـ1 ص 170 ، والنص من خطبة الإمام على الأولى التى يتحدث فيها عن "ابتداء خلق السماوات والأرض " ويذكر فيها "خلق آدم وكيفية ذلك " .
(4) آية 36 ، وتمامها : { ... بَعضُكمْ لِبَعْضٍ عدو ولَكُمْ فى الأَرْضِ مُسْتَقَرُّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ } .
(5) شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم جـ1 ص 196 .(1/60)
... " وشتان ما بين نظم القرآن ونظم الإمام على فليس الأمر كما قال البحرانى " ورد القرآن بهذا النظم ..." إلا إذا كان يقصد بالنظم هنا مضمونه ، وحتى هذه لا تسلم له ؛ لأن القرآن أغزر فى المعانى وأحكم فى الأداء "(1)
... وعند التطبيق يجيد الشيخ ميثم كما يبدو عند شرحه لقول الإمام على(2)فى خطبته
التى خطب بها بعد قتل طلحة والزبير(3)، يقول الإمام على فى ذلك : " بِنَا اهْتَدَيْتُم فِى الظَّلْمَاءِ ، وَتَسَنَّمْتُمْ الْعَلَيَاء ، وَبِنَا انْفَجَرْ تم عَنِ السَّرَارِ"(4).
__________
(1) من توجيهات المشرف .
(2) هو على بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأخو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمؤاخاة، وأحد السابقين إلى الإسلام استشهد فى رمضان سنة 40 هـ. (تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 113 ، الكشكول 1/277 ، زعماء الإسلام د/ حسن إبراهيم ـ الهيئة المصرية للكتاب ص 55 )
(3) طلحة : هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن كعب بن لؤى القرشى ، أحد العشرة السابقين إلى الإسلام ، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبى بكر وأحد الستة أصحاب الشورى توفى سنة 360 هـ . والزبير : هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب حوارى رسول الله وابن عمته وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة (زعماء الاسلام 139 ،145 ).
(4) شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم جـ1 ص 270 ، وتسنمتم : أى ركبتم سنامها ، وسنام كل شيئ أعلاه ، السرار : الليلة أو الليلتان يكون فى آخر الشهر يستتر فيها القمر ويخفى . (السابق) ، ( ونهج البلاغة للشيخ / محمد عبده ص 30 .(1/61)
... ويعلق الشيخ ميثم على هذا بقوله : "اعلم أن هذه الخطبة من أفصح كلامه عليه السلام ، وهى مع اشتمالها على كثرة المقاصد الواعظة المحركة للنفس فى غاية وجازة اللفظ ، ثم من عجيب فصاحتها وبلاغتها أن كل كلمة منها تصلح لأن تفيد على سبيل الاستقلال ، وهى على ما نذكره من حسن النظم وتركيب بعضها مع بعض "(1).
* مراتب النظم ومستوياته :
... الكلام إذا ضم بعضه إلى بعض عند ميثم البحرانى ليس فى مستوى واحد ، بل منه ما يأتى فى غاية الحسن ، وهذا هو النمط العالى من النظم ، ومنه ما يكون خلاف ذلك وهو النظم العادى ، ولذلك نجده يقول : " الجمل الكثيرة إذا نظمت نظمًا واحدًا(2)، فإما أن يتعلق بعضها بالبعض أو ليس ، فإن كان الثانى ، لم يحتج ذلك النظم إلى فكر فى استخراجه ، ... وإن كان الأول ، فكلما كانت أجزاء الكلام أشد ارتباطاً ، كان أدخل فى الفصاحة ، وليس له قانون يحفظ ..."(3)
__________
(1) السابق ص 271 .
(2) يقول د/ عبد القادر حسين محقق كتاب أصول البلاغة للشيخ ميثم : " ... ثم يتحدث ميثم عن الجمل إذا نظمت نظمًا واحدًا ، ومدى الصلة بين الجملة الثانية ، والجملة الأولى ن وهل هى متعلقة بها ، أو منفصلة عنها ، وقد نظن أنه عندئذ سوف يتحدث عن الفصل والوصل ، فيخلف هذا الظن ، ويبدد هذا التوقع حين يتحدث عن شيئ آخر بعيد عما ألفناه ودرسناه فى كتب البلاغة "مقدمة المحقق ص 27" وأستأذن سيادته فى التعليق على هذا الكلام بأن هذا الذى أشار إليه أستاذنا لم يكن غريبًا عما تعودناه وألفناه ، بل حديثه هذا هو بعينه أنماط النظم ومستوياته ومراتبه ، أما الفصل والوصل الذى أشار إليه سيادته فقد خصص له الشيخ ميثم بحثًا مستقلاً .
(3) أصول البلاغة ص 27 .(1/62)
... ويمثل الشيخ ميثم للنمط الأدنى من النظم الذى لا يحتاج إلى فكر وروية بقول الإمام على : "لاَ مَالَ أَعْوَذُ مِنَ الْعَقْلِ ، وَلاَ دَاءَ أَعْيَنُ مِنَ الْجَهْل ، وَلاَ كَرَمَ كَالتَّقْوىَ"(1).
... وأود أن أشير هنا إلى حقيقة هامة وهى أن هذا الذى أشار إليه الشيخ ميثم فى مراتب النظم ومستوياته ، قد سبقه إليه الشيخ عبد القاهر الجرجانى ، فهو متأثر به ، يقول الشيخ عبد القاهر عن النمط الأدنى من النظم :
" واعلم أن من الكلام ما أنت تعلم إذا تدبرته أن لم يحتج واضعه إلى فكر وروية حتى انتظم ، بل ترى سبيله فى ضم بعضه إلى بعض سبيل من عمد إلى لآلٍ فخرطها فى سلك لا يبغى أكثر من أن يمنعها التفرق ، وكمن نَضَد أشياء بعضها على بعض لا يريد فى نضده ذلك أن تجئ له منه هيئة أو صورة ، بل ليس إلا أن تكون مجموعة فى رأى العين ... كقول الجاحظ : " جنبك الله الشبهة ، وعصمك من الحيرة ، وجعل بينك وبين المعرفة نسبَا ، وبين الصدق سببا "(2).
... وقد عقد الشيخ عبد القاهر للمستوى العالى من النظم فصلاً عنوانه : " فى النظم يتحد فى الوضع ، ويدق فيه الصنع " ، يقول عنه : " واعلم أن مما هو أصل فى أن يدق النظر ، ويغمض المسلك فى توخى المعانى التى عرفت ، أن تتحد أجزاء الكلام ويدخل بعضها فى بعض ، ويشتد ارتباط ثان منها بأول ..."(3).
... وهذا هو نفسه ما أشار إليه الشيخ ميثم بعد ذلك بقوله :
" ... فإما أن يتعلق بعضها بالبعض أو ليس ... فإن كان الأول ، فكلما كانت أجزاء الكلام أشد ارتباطًا ، كان أدخل فى الفصاحة"(4).
__________
(1) هذا النص من خطبة للإمام على . (نهج البلاغة ص 380 طبعة الشعب ، وأصول البلاغة ص 81 ).
(2) الدلائل ص 76 ، ويرى الشيخ سليمان نوار أن الشيخ قد هضم هذا النظم حقه "البلاغة بين عهدين د/محمد نايل ص 113 نقلاً عن مذكرات فى البلاغة للشيخ سليمان نوار "النظم" ص 35 .
(3) الدلائل ص 73 .
(4) أصول البلاغة للشيخ ميثم ص 81 .(1/63)
... والسر فى تفاوت مستويات الكلام " أن كل إنسان يشعر شعورًا خاصًا به ، ويجئ كلامه معبرًا عن هذا الشعور ، فالعبارة تختلف باختلاف شعور الإنسان المعبر ، وباختلاف قدرته على التعبير ، وانفعالاته النفسية"(1).
... والشيخ ميثم بعد هذا يدرك " أن الكامل من النظم ما كانت النفس معه أسرع إلى قبول المعنى منه مع لذاذة به "(2).
... فالنظم الكامل ـ من وجهة نظره ـ هو ما كانت العلاقة فيه بين الألفاظ والمعانى واضحة ليس فيها كلفة ولا مشقة فى استخراجه فتسرع النفس إلى قبول معناه.
* النظم المتضمن ألوانًا من البديع :
... يشير الشيخ ميثم إلى تعلق الجمل بعضها ببعض بألوان من البديع ، "واعتبر هذا اللون الذى يأتى عفو الخاطر ... من النمط العالى"(3).
... وهذه الألوان أكثرها معدود من علم البديع ، وهى على الترتيب :، ( المطابقة ، والمقابلة ، والمزاوجة ، والاعتراض ، والالتفات ، والاقتباس ، والتلميح ، وإرسال المثلين ، واللف والنشر ، والتعديد ، وتنسيق الصفات ، والإيهام "التورية" ، مراعاة النظير ، المدح الموجه (الاستتباع) ، المحتمل للضدين ، تجاهل العارف ، السؤال والجواب ، الحذف ، التعجب ، والإغراق فى الصفة ، وحسن التعليل)(4).
... وقد عرض لتعريف كل منها ، ومثل لها ببعض الأمثلة ، وهى متفقة مع ما ذكره البلاغيون قبله .
... وسأعرض لهذه الألوان بالتفصيل فى مكانها من البحث فى الفصل الثالث.
__________
(1) البلاغة بين عبد القاهر وابن سنان د/ عبد العاطى علام ص 86 .
(2) أصول البلاغة ص 80 .
(3) السابق ص 28 .
(4) السابق ص 82 وما بعدها .(1/64)
... وقد تأثر الشيخ ميثم فى أكثر هذه الألوان بالرازى ، ويرى د/ شوقى ضيف " أن الرازى سرد طائفة من الألوان البديعية ، ومن يرجع إلى كتاب (حدائق السحر فى دقائق الشعر)(1)... يراه يجلب هذه الألوان منه ، ... ونرى الفخر الرازى ينقل عنه الأمثلة العربية مع الألوان البديعية التى تمثلها ، ومصطلحاتها الخاصة ، وكان الوطواط يتمثل أحيانًا فى تلك الألوان ببعض أشعاره العربية ، وساق الفخر بعض أبياته فى مواضعها من تلك الألوان "(2).
... وإذا كان الفخر الرازى قد تأثر بالوطواط إلى درجة أنه نقل عنه الأمثلة ، فإن الشيخ ميثم كانت له وجهتهُ الخاصة ، حيث مثل لبعض هذه الألوان بكلام الإمام على ، فمثلاً قوله فى مراعاة النظير : " وهو جمع الأفراد المتناسبة المتوازية(3)كقول على عليه السلام : ( الحمْدُ للّه غَيْر مَقْنوطٍ مِنْ رَحْمَتِه ، وَلاَ مخلوٍّ مِنْ نِعْمَتِه ، وَلاَ مَأْيُوسٍ من مَغْفِرَتِه )(4)".
__________
(1) كتاب (حدائق السحر فى دقائق الشعر) ، ألفه فى البلاغة الفارسية ، معاصر الرازى : رشيد الدين العمرى المعروف بالوطواط والمتوفى سنة 573 هـ : "البلاغة تطور وتاريخ د/ شوقى ضيف ص 275".
(2) السابق ص 275 ، 276 .
(3) مراعاة النظير عند الخطيب : " أن يجمع فى الكلام بين أمر وما يناسبه لا بالتضاد ، ويسمى التناسب والائتلاف كقوله تعالى : { الشمس والقمر بحسبان } (الرحمن ، آية : 5) ( بغية الإيضاح للصعيدى ـ جـ 4 ص 13 ط 7)
(4) نهج البلاغة ص 68 ، من خطبة له فى تعظيم الله ـ الشيخ / محمد عبده دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط1 ـ 1990 .(1/65)
... ويرى أستاذى الدكتور محمد شادى : " أن هذه الألوان استمدها الرازى من ابن سنان ، الذى جعل من أوصاف الكلام المؤلف ، "التناسب" وأدرج تحته ، ما هو أبين اتصالاً بالتناسب وأجدر بتحقيقه ... كالسجع والازدواج ... الخ بينما جعلها الرازى من النظم الذى يشتد اتصال أجزاؤه(1).
... وترى بعض الباحثات(2): " أن مما يؤخذ على الإمام البحرانى ، أنه قد عد أقسام النظم عشرين وجهًا ، وقد جعل البلاغيون جلّ هذه الموضوعات داخلة فى علم البديع".
... ويرى الباحث ـ وهو بصدد الرد على هذا ـ أن الشيخ عبد القاهر الجرجانى قد جعل بعض هذه الألوان من النمط العالى من النظم ، وقد مثل لذلك ببيت البحترى(3)فى المزاوجة(4):
... إذا ما نَهَى النَّاهِى فَلَجّ بِىَ الْهَوَى ... ... أَصَاخَتْ إِلَى الْوَاشِى فلج بِها الْهَجْرُ(5)
وبيته الآخر :
__________
(1) نشأة البلاغة وأصول علم المعانى أد/ محمد إبراهيم شادى ص 128 .
(2) د/ كريمة محمود أحمد أبو زيد ـ شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم البحرانى ـ تحقيق ودراسة ـ دكتوراة ـ تحت إشراف د/ عبد القادر حسين ـ رقم 51 ـ كلية الدراسات الاسلامية للبنات .
(3) هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائى ، اشتهر بالبحترى نسبة إلى أحد أجداده "بحتر"وهو عربى أصيل الجدين ، ولد سنة 206 بمنبج وهى مدينة سورية وتوفى سنة 284 (أعلام فى العصر العباسى ص 159 ، جورجى زيدان 2/162 ، كارل بروكلمان 2/48)
(4) المزاوجة : هى أن يزاوج بين معنيين فى الشرط والجزاء (البغية / للشيخ الصعيدى 4/22 ).
(5) البيت من قصيدة يمدح فيها الفتح بن خاقان ، ولج بمعنى ألح عليه واشتد ، وفى العبارة قلب والأصل : فلجت بالهوى ، ولجت بالهجر ، وأصاخت : استمعت . 0ديوانه بشرح العكبرى / لجنة التأليف 2/844، والبغية 4/22) .(1/66)
... إِذَا اجْتَرَبَتْ يَوْمًا فَفَاضَتْ دِمَاؤُهَا ... ... تَذَكَّرَتِ الْقُرْبَى فَفَاضَتْ دُمُوعُها(1)
... وأدرك بذوقه العالى ما يبديانه من جمال وحسن واتحاد الوضع والترتيب ما يملأ النفس إعجابًا وروعة(2).
* خلاصة القول فى النظم بين الشيخ ميثم وابن سنان :
أولاً :
... كثرت الإشارات الخاصة بالنظم منذ القرن الثانى حتى القرن الخامس حتى جاء شيخ البلاغيين عبد القاهر صاحب فكرة النظم ، والذى راح يدافع عنها ، فهو صاحب الفضل فى هذا النظم البلاغى بهذا الأسلوب الجديد .
ثانيًا :
... ظهر القرن الخامس وابن سنان مشغول بالحديث عن الفصاحة والبحث عن ماهيتها ، فجاء النظم عنده فى صفحات متناثرة لا يجمعها بحث مستقل ، فلم يكن كمعاصره الشيخ عبد القاهر الجرجانى .
... بينما اهتم الشيخ ميثم بالحديث عن النظم ، وخصص له الجملة الثانية من كتابه ، بل وربما يأخذنا العجب عندما نعلم أن الشيخ ميثم وهو ابن القرن السابع ، عصر حازم القرطاجنى والسكاكى والرازى ، أقول : ربما يأخذنا العجب عندما نعلم أنه قد تاثر فى حديثه عن النظم ، بالشيخ عبد القاهر الجرجانى ، ولكنه فى عرضه لمسائل النظم تأثر بمعاصره الرازى .
ثالثًا :
... معنى النظم عند ابن سنان هو طريقة الأداء ، وقد استعمله فى مقامات أخرى ، وأراد منه التأليف ، وأدرك ابن سنان أن مؤلف الكلام قادر على اختيار ألفاظه ، ونظم الكلام بعضه مع بعض ، بخلاف صانع الكرسى مثلاً ، فيُقبل عذره إذا سلم إليه خشب ردئ .
... بينما نجد النظم عند الشيخ ميثم "هو وضع الكلام على النهج الذى يقتضيه علم النحو " ، وهو متأثر فى هذا بالشيخ عبد القاهر الجرجانى .
رابعاً :
__________
(1) البيت من قصيدة له فى مدح المتوكل . واحتربت : حاربت ، فاضت : سالت . (انظر بغية الإيضاح للشيخ الصعيدى 4/22 ، ديوانه 2/1299) .
(2) دلائل الإعجاز ص 74 وما بعدها .(1/67)
... أشار ابن سنان إلى ارتباط النظم بالنحو بينما نجد الشيخ ميثم يهتم بذلك اهتمامًا بالغًا على طريقة الشيخ عبد القاهر الجرجانى ومن تبعه كالرازى ، فهو يرى أن النظم هو "وضع الكلام على النهج الذى يقتضيه علم النحو " ، وحاول أن يثبت أن هناك فروقاً كثيرة بين وجوه الكلام واختلاف معانيه باختلاف تركيبه ، من حيث التقديم والتأخير ، والتعريف والتنكير ، والفصل والوصل وهكذا ... ،
خامسًا :
... انفرد الشيخ ميثم عن ابن سنان فى حديثه عن النظم بذكره للنظم المتضمن ألوانًا من البديع ، وأُخذ عليه ذلك فى أن هذه الألوان خاصة بعلم البديع ، وقد تأثر فيها بالرازى الذى أخذها عن الوطواط صاحب كتاب "حدائق السحر فى دقائق الشعر ".
... بينما لم يذكر ابن سنان هذا اللون من النظم ، وإنما جعل من أوصاف الكلام المؤلف التناسب وأدرج تحته ما هو أبين اتصالاً بالتناسب وأجدر بتحقيقه سواءً كان لفظيًا أو معنويًا كالسجع والاذدواج والتصريع ... الخ ويرى أستاذى الدكتور محمد شادى أن الرازى استمد ذلك من ابن سنان وعلى هذا فالشيخ ميثم قد تأثر بالرازى وابن سنان فلم يكن مخترعاً لهذا النوع .
سادساً :
... كما انفرد الشيخ ميثم بذكره لمراتب النظم متأثرًا فيها بالشيخ عبد القاهر بينما لم يتحدث ابن سنان عن مراتب النظم ومستوياته ، ولم يقسمها تقسيم الشيخ ميثم لها .
-3-
التقديم والتأخير
* مدخل:
... إن من أهم المباحث التى شغلت البلاغيين قديمًا وحديثًا : مبحث " التقديم والتأخير" ، وربما كان سبب اهتمامهم هذا يرجع إلى أنه سبب من أسباب الإعجاز القرآنى .(1/68)
... وقد جعل ابن جنى(1)التقديم والتأخير من شجاعة العربية ، ويمكن تفسير ذلك بأن التقديم والتأخير يعتمد على الذوق وقرائن الأحوال ، وعلى هذا فإنه من الأبواب الشاقة التى تؤتى لكل أحد فهو من شجاعة العربية .
... ويقول عنه الشربينى(2): " اعلم أن هذا البحث كثيرًا ما تحيرت فيه أفكار الفضلاء فكن على بصيرة"(3).
... ويشير عبد القاهر إلى أهمية التقديم ودقة مسكله فى عبارته التى تناقلتها جلّ الكتب من بعده والتى يقول فيها :
" هو باب كثير الفوائد ، جم المحاسن ، واسع التصرف ن بعيد الغاية ، لا يزال يفتر لك عن بديعة ، ويفضى بك إلى لطيفة ، ولا تزال ترى شعرًا يروقك مسمعه ، ويلطف لديك موقعه ن ثم تنظر فتجد سبب أن راقك ولطف عندك أن قدم فيه شيئ وحول اللفظ عن مكان إلى مكان"(4).
... ومن قبل هؤلاء نجد عبارة سيبويه الشهيرة والتى نقلها عنه الشيخ عبد القاهر... يقول سيبويه :
" كأنهم إنما يقدمون الذى بيانه أهم لهم ، وهم ببيانه أعنى ، وإن كانا جميعًا يهمانهم"(5).
__________
(1) أبو الفتح عثمان بن جنى الموصلى ، أعظم علماء النحو فى عصره ، له مؤلفات كثيرة منها : الخصائص فى اللغة ، سر الصناعة فى النحو توفى 392 هـ . (جورجى زيدان 2/303 ، ابن خلكان 1/313 ، وكارل بروكلمان 2/242) .
(2) صاحب حاشية على المطول تسمى (فيض الفتاح) وراجع : قراءة فى الأدب القديم ـ د/ محمد أبو موسى ـ ص 8 دار الفكر العربى ـ ط1 سنة 1978 م.
(3) البلاغة بين عهدين ص 178 ، نقلاً عن فيض الفتاح جـ2 ص 397 .
(4) دلائل الإعجاز ص 83 ، ودلالات التراكيب ـ دراسة بلاغية ـ د/ محمد أبو موسى ص 171 .
(5) الكتاب ـ لسيبويه ـ جـ1 ـ ص 14 .(1/69)
... ويقول ابن خلدون(1)بعد ذلك فيما يشبه عبارة سيبويه :
" ألا ترة أن قولهم " زيد جاءنى " مغاير لقولهم "جاءنى زيد" من قبل أن المتقدم منهما هو الأهم عند المتكلم..."(2)
... ولست أسعى من وراء هذه النقولات سوى إبراز مدى اهتمام البلاغيين قديمًا وحديثًا بالكلام عن التقديم والتأخير ، ومدى انشغالهم ببيان تأثيره على الكلام .
... ومما يجب أن أنبه إليه أن التقديم والتأخير ليس يجئ لمجرد الاهتمام فحسب ، وإنما هناك دواع وأسرار بلاغية وراء كل لفظة قدمت عن موضعها ، فلا يمكن لنا فى كل موضع أن نقول فيه أن التقديم للاهتمام وهذا ما جعل العلامة عبد القاهر يرفض ذلك ... يقول :
" وقد وقع فى ظنون الناس أنه يكفى أن يقال إنه قدم للعناية ؛ ولأن ذكره أهم ، ولتخيلهم ذلك قد صغر أمر التقديم والتأخير فى نفوسهم ، وهوّنوا الخطب فيه ، حتى أنك لترى أكثرهم يرى تتبعه والنظر فيه ضربًا من التكلف ، ولم تر ظنًّاأزرى على صاحبه من هذا وشبهه "(3).
... والأهم من ذلك أن هذا الكلام لا يتعارض مع كلام سيبويه السابق ، فمراد سيبويه يتفق مع ما قاله الشيخ عبد القاهر ، ويمكن التوفيق بين الكلامين عند التأمل .
__________
(1) هو أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون ، ولى الدين التونسى الخصومى ، الأشبيلى المالكى، ولد فى تونس سنة 732 هـ ، وتوفى سنة 808 ، من أشهر مؤلفاته تاريخه الذى اشتهر بجزء منه وهو "مقدمة ابن خلدون" (جورجى زيدان 3/224) .
(2) مقدمة ابن خلدون ـ لابن خلدون ـ تصحيح : أبو عبد الله السعيد المندوه ـ جـ2 ص 254 ط1 .
(3) دلائل الإعجاز ـ للعلامة عبد القاهر ـ ص 85 ، وأقول : إنه يجب علينا معرفة سبب التقديم فإن قلنا إنه للاهتمام ، فما سبب هذا الإهتمام ... وبذلك يمكن تذوق المسائل البلاغية.(1/70)
... وذلك أن سيبويه أراد أن تقديم اللفظة عن موضعها يكون لاهتمام المتكلم بها ، ولذلك سارع بالنطق بها أولاً ، ولم يمنع سيبويه أن يكون هناك دافع نفسى ، وسر بلاغى من وراء هذا الاهتمام ، كذلك لم يمنع الشيخ عبد القاهر أن يكون التقديم للاهتمام ، بل منع أن يكون لمجرد الإهتمام فحسب ، فالاهتمام يعد سببًا عامًا للتقديم ، أما الأسباب الخاصة فهى كامنة فى نفس المتكلم إذ أن " ترتيب الكلمات فى العبارة يتبع أحوال النفس وما يثار فيها ، أو ما يمكن أن يثار فيها من معان وصور"(1).
... وهذا ما جعل د/ أحمد بدوى يقول : "إذا كان من الجائز أن يتقدم بعض أجزاء الجملة على بعض ، فقد حرصت الجملة فى القرآن ، على أن يكون هذا التقديم مشيرًا إلى مغزى دالاً على هدف ، حتى تصبح الآية بتكوينها ، تابعة لمنهج نفسى ، يتقدم عنده فيها ما تجد النفس تقديمه أفضل من التأخير ، فيقدم مثلاً بعض أجزاء الجملة حين يكون المحور الذى يدور حوله الحديث وحده ، فيكون هو المقصود والمعنىّ ، والنفس يتقدم عندها من يكون هذا شأنه ، فلا جرم أن يتقدم فى الجملة ، كما تقدم فى النفس "(2).
... وقد ذكر البلاغيون فى التقديم والتأخير أقوالاً عدة ، ولولا مخافة الإطالة لتتبعتُ ذلك ، ولكنى سأقطع حديثى هنا ، فهناك كتب متخصصة ، قد بحثتْ التقديم والتأخير(3)، وسأنتقل إلى حديث التقديم والتأخير بين ميثم البحرانى وابن سنان الخفاجى .
* التقديم والتأخير عند ابن سنان الخفاجى :
__________
(1) خصائص التراكيب د/ محمد أبو موسى ص 247.
(2) من بلاغة القرآن د/ أحمد أحمد بدوى ص 112.
(3) انظر على سبيل المثال : خصائص التراكيب د/ محمد أبو موسى ، ومنهج عبد القاهر فى بلاغة التقديم والتمثيل لأستاذى أ.د/ محمد شادى ، وأسرار التقديم والتأخير فى لغة القرآن الكريم للدكتور/ محمود السيد شيخون ، وغيرها كثير .(1/71)
... جاء حديث ابن سنان الخفاجى عن التقديم والتأخير ـ كعادته ـ متفقًا مع منهجه الذى رسمه وخطته التى ارتضاها .
... وقد ذكر ابن سنان التقديم التأخير عند حديثه عن الشروط التى تختص بالتأليف وتنفرد له يقول :
" إن أحد الأصول فى حسنه : وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازًا لا ينكره الاستعمال ولا يبعد فهمه ، ... فمن وضع الألفاظ موضعها ألا يكون فى الكلام تقديم وتأخير ، حتى يؤدى ذلك إلى فساد معناه وإعرابه فى بعض المواضع ، أو سلوك الضرورات حتى يفصل فيه بين ما يقبح فصله فى لغة العرب كالصلة والموصول وما أشبههما ..."(1)
... وكما هو واضح أن ابن سنان يرفض التقديم والتأخير الذى يؤدى إلى فساد المعنى والإعراب فى بعض المواضع ...
... وعند تأملنا لعبارته السابقة نلمح أنه لم يرفض التقديم والتأخير على الإطلاق بل ما أدى إلى غموض المعنى وسلوك الضرورات ، وقد أشار إلى أن ذلك يكون فى بعض المواضع دون بعض .
وقد مثل ابن سنان لذلك بقول الفرذدق(2):
... وما مِثْلُه فى النَّاسِ إلاَ مُمَلّكَاً ... ... أَبُو أُمِّهِ حَىٌّ أَبوهُ يُقَارِبُه(3)
... وعلق على ذلك بقوله : "ففى هذا البيت من التقديم والتأخير ما قد أحال معناه وأفسد إعرابه ؛ لأن مقصوده ـ وما مثله فى الناس حىّ يقاربه إلا مملكا أبو أمه وأبوه ـ يعنى هشامًا ؛ لأن أبا أمه أبو الممدوح ".
__________
(1) سر الفصاحة ص 111 .
(2) هو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة الملقب بالفرذدق ، من بنى دارم ن ولد بالبصرة سنة 20هـ فى أواخر خلافة عمر ، توفى سنة 110 هـ . ( جورجى زيدان 1/255 ، كارل بروكلمان 1/209 ، طبقات فحول الشعراء 2/299 ، الشعر والشعراء ص 289 ، الأغانى 3/1078).
(3) قيل إن هذا البيت ليس للفرذدق وإنما هو لأبى الأسود الدؤلى يهجو عدى بن حاتم ديوانه 108 ، وديوان الفرذدق . (بغية الإيضاح 1/20 ، الإشارات والتنبيهات ص 10) .(1/72)
... ويبدو لأول وهلة اختلاف معنى التقديم والتأخير عند ابن سنان عن غيره ممن سبقه إلى ذلك أو من عاصره .
... وظننت وأنا أبحث وأنقب فى كتاب ابن سنان "سر الفصاحة" عن حديثه عن التقديم والتأخير أنى سأجده متشابهًا مع عبد القاهر الجرجانى لا سيما وقد عاصره ، ولكنى وجدت الأمر غير ذلك ، فالتقديم والتأخير عند ابن سنان شيئ آخر ، ربما كان ذلك لأنه يبحث عن صحة الألفاظ ليصل إلى سر الفصاحة ، فهو يجعل جُلّ همه فى الحديث عن الألفاظ مفردة ومدى صحتها ثم فى الحديث عن الألفاظ مجتمعة .
... ولكن الملاحظ على ابن سنان من خلال كتابه أنه اهتم بالأساليب الفاسدة أكثر من اهتمامه بالأمثلة الصحيحة .
... وليس أدل على ذلك من حديثه هنا فقد عرض لحشد هائل من الأمثلة التى ينبو عنها الذوق بسبب ما فيها من تقديم وتأخير مفسد للمعنى .
... وقد ذكر البلاغيون هذه الأبيات فى "التعقيد" تارة وفى "المعاظلة" أخرى ، فقول الفرذدق السابق ، ذكره ابن الأثير تحت عنوان " المعاظلة المعنوية"(1)وذكره جلّ البلاغيين المتأخرين فى التعقيد اللفظى(2)الذى يخل بفصاحة الكلام.(3)
... كما مثل به عبد القاهر الجرجانى لبيان النظم الفاسد لعدم توخى معانى النحو فيما بين الكلم(4).
... وهذا دليل واضح على اهتمام ابن سنان بالحديث عن الأمثلة المخلة بالفصاحة أكثر من اهتمامه بالأمثلة الفصيحة ، وليته عرض لمثل هذا الكم الهائل بأمثلة أخرى فصيحة .
وقد مثل للتقديم والتأخير فى النظم الذى يفسد المعنى ـ أيضًا ـ يقول المتنبى :
__________
(1) المعاظلة المعنوية : هو أن يقدم الأولى به التأخير ؛ لأن المعنى يختل بذلك ويضطرب (المثل السائر 2/179) .
(2) التعقيد اللفظى : أن يختل نظم الكلام ، ولا يدرى السامع كيف يتوصل منه إلى معناه (بغية الإيضاح 1/20) .
(3) بغية الإيضاح 1/20 .
(4) دلائل الإعجاز ص 65 ، ومثل به أبو هلال لسوء النظم (الصناعتين ص 180).(1/73)
... وفَاؤُكُما كالرَّبْعِ أَشْجَاهُ طَاسِمُهِ ... ... بَأَنْ تَسْعَدَا والدَّمْعُ أَشفاهُ سَاجِمُهْ(1)
وذلك لأن تقديره : "وفاؤكما بأن تسعدا كالربع أشجاه طاسمه ، ففصل وقدم وأخر"(2).
... وهو ما مثل به الشيخ للنظم الفاسد بسبب سوء التأليف وعبارته هى : "وفى نظائر ذلك مما وصفوه بفساد النظم وعابوه من جهة سوء التأليف، أن الفساد والخلل كانا من أن تعاطى الشاعر ما تعاطاه من هذا الشأن على غير الصواب ، وضع فى تقديم أو تأخير أو حذف وإضمار أو غير ذلك ما ليس له أن يصنعه"(3).
... ومن أمثلة التقديم والتأخير فى النظم المفسد للمعنى عند ابن سنان قول المتنبى أيضًا :
... جَفَخْتُ وَهُمْ لاَ يَجْفَخُونَ بِهَابِهِمُ ... ... شيم عَلَى الْحَسَبِ الأَغّرِّ دَلِيلُ(4)
... يريد المتنبى "جفخت بهم وهم لا يجفخون بها ".
وقد ذكر أبو هلال العسكرى هذا البيت ، وجعله من ردئ الكلام وبارده وعلق عليه بقوله : "هو من وضع الشيئ فى غير موضعه ... وقد أشمت عدوه بنفسه"(5).
__________
(1) البيت مطلع قصيدة يمدح فيها سيف الدولة وأشجاه : تفضيل من شجاه الأمر إذا أحزنه ، وطاسمه : دارسة ، ساجمه: ساكبه . (ديوانه ص 256).
(2) سر الفصاحة ص 113.
(3) دلائل الإعجاز ص 66 - 67 .
(4) جفخت : فخرت وتكبرت . والبيت فى ديوانه هكذا :
شِيَمٌ عَلى الْحَسَبِ الأغَرِّ دَلاَئِلُ . ... ... راجع ديوانه ص 179 ـ ط/ المكتبة الثقافية ـ لبنان .
(5) الصناعتين ص 76.(1/74)
... وقد تعرض ابن سنان للحديث عن التقديم والتأخير مرة أخرى وذلك عند ذكره للشرط الثانى لصحة تأليف الكلام يقول : " ومن وضع الألفاظ موضعها ألا يكون الكلام مقلوبًا ، فيفسد المعنى ويصرفه عن وجهه "(1)
وقد مثل لذلك بأمثلة كثيرة منها : قول النابغة الجعدى(2):
... كانَتْ فِرَيَضةَ مَا تَقولُ كَمَا ... ... كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيضَةُ الرَّجْمِ(3)
ويرى ابن سنان أن الرجم فريضة الزناء لا العكس .
وعلى هذا حمل أبو القاسم الآمدى(4)قول الطائى الكبير(5):
... طَلَلُ الْجَمِيعِ لَقَدْ عَفَوْتَ حَمِيدًا ... وَكَفَى عَلَى رُزْئِى بِذَاكَ شَهِيدًا(6)
__________
(1) سر الفصاحة ص 114 ... والقلب يجيزه الفراء فى القرآن وفى الشعر على الضرورة ، وابن قتيبه يرفض القلب مطلقاً ، وابن فارس يجيزه فى القرآن وفى الشعر على حد سواء ، ويعتبره من سنن العرب وابن سنان ينتصر لابن قتيبه ، أما ابن جنى فحين يتناول القلب يبرز لنا أهميته البلاغية ، وأنه ليس فقط طريقًا للاتساع فى اللغة ، بل يأتى لغرض أسمى من ذلك وهو رفع الشك . (أثر النحاة فى البحث البلاغى د/ عبد القادر حسين ص 148 ، 149 ، 284 ، وانظر الصاحبى ص 172 ، 173 ، معانى القرآن للفراء جـ1 ص 99 دار الكتب ، تأويل مشكل القرآن ص 154 ).
(2) هو من جعده (قيس) مخضرم قال الشعر فى الجاهلية ، وهو قيس بن عبد الله ( الشعر والشعراء ص 158 ، طبقات فحول الشعراء / ص 123 )
(3) الزناء بالمد . أصله : الزنا بالقصر . ديوانه .
(4) الحسن بن بشر بن يحي الآمدى البصرى (أبو القاسم) نحوى أديب ، ناقد ، كاتب ، ولد بالبصرة ونشأ بها ، وقدم بغداد ، من أشهر مؤلفاته "الموازنة" توفى سنة 370 هـ (أعلام فى العصر العباسى ص 532)
(5) هو أبو تمام ، وصفه بالطائى الكبير لأنه أقدم من البحترى وهو من طئ أيضًا . سر الفصاحة ص 115.
(6) البيت مطلع قصيدة يمدح فيها خالد بن يزيد بن مزيد الشيبانى . (ديوانه 1/405).(1/75)
... قال : لأنه يقول : مضى حميدًا شاهدًا على أنى رزئت ، ووجه الكلام أن يقول : وكفى برزئى شاهدًا على أنه مضى حميدًا من الطلل قد مضى وليس بمشاهد معلوم ، ورزؤه بما أظهره من تفجعه مشاهد معلوم ، فلأن يكون الحاضر شاهدًا على الغائب أولى من أن يكون الغائب شاهدًا على الحاضر(1).
وحمل بعضهم ـ أيضًا ـ قول أبى الطيب :
... وَعَذَلْتُ أَهْلَ الْعِشْق حَتّى ذُقْتهُ ... ... فَعَجِبْتُ كَيفَ يَمُوتُ مَن لاَ يَعْشَقُ(2)
على المقلوب ، وتقديره عنده : كيف لا يموت من يعشق ؟ وقال غيره : إن الكلام جار على طريقته ، والمراد به : كيف تكون المنية غير العشق ؟ أى أن الأمر الذى يقدر فى النفوس أنه فى أعلى مراتب الشدة هو الموت ، ولما ذقت العشق فعرفت شدته عجبت كيف يكون هذا الأمر الصعب المتفق على شدته غير العشق ، وكيف يجوز ألا تعم علته حتى تكون منايا الناس كلهم به ، وكان هذا أشبه بمراد أبى الطيب من حمل الكلام على القلب(3).
... ويرى د/ عبد العزيز عبد المعطى " أنه يبدو من تمثيل الخفاجى للمقلوب أنه يقصد به ما قلب على سبيل الغلط ـ عند ابن قتيبة ـ أما المقلوب عند ابن قتيبة ويحتمل التأويل فيعتبره الخفاجى غير مقلوب"(4)
... ويرى الباحث أن هذا إن صح فى بعض الأمثلة فلا يصح فى جميعها .
ومما مثل به ابن سنان للمقلوب قول خداش بن زهير(5):
__________
(1) سر الفصاحة ص 115 ، والموازنة ـ للآمدى جـ1 ص 216 ط الخانجى .
(2) من قصيدة فى صباه يمدح فيها أبا المنتصر شجاع بن محمد بن أوس الرضى الأزدى . (ديوانه ص 28)
(3) سر الفصاحة ص 115 .
(4) قضية الإعجاز القرآنى د/ عبد العزيز عبد المعطى ص 475 ، وانظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 199 ت/ السيد صقر .
(5) هو خِدَاشُ بن زهير بن ربيعة ذى الشامة بن عمرو ، وهو فارس الضيحاء من شعراء قيس المجيدين فى الجاهلية (الشعر والشعراء ص 409 ، طبقات فحول الشعراء ص 144 ).(1/76)
... وَتَرْكَبُ خَيْلٌ لاَ هَوَادَةَ بَيْنَهَا ... ... وَتَشْقَى الرِّمَاحُ بالضَّيَاطِرَةَ الْحُمْر .
؛ لأن الضياطرة هى التى تشقى بالرماح .
... ويرى ابن سنان أن قول الله تعالى : { ما إنّ مفَاتِحَهُ لتنوءُ بالعُصْبَةِ أُولِى القُوّة }(1)ليس من هذا بشيئ وإنما المراد أن المفاتح تنوء بالعصبة أى تميلها من ثقلها(2).
... وقد جعل صاحب "البرهان فى علوم القرآن" هذه الآية من قلب الإسناد(3)، ويرفض ابن قتيبة القلب على سبيل الغلط فى القرآن ؛ لأن الله لا يغلط ولا يضطر ...، وأن الصحيح "تميلها من ثقلها"(4)، وابن سنان فى هذا يلتقى مع ابن قتيبة فى كون الآية ليست من القلب .
كما رفض ابن سنان أن يكون قول الله تعالى :
{
__________
(1) سورة القصص آية : 76 ، والمفاتح : جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به ، وقيل هى الخزائن ، وقيل : ناء به الحمل : إذا أثقله حتى أماله "الكشاف جـ3 ص 430" ، ويعلق صاحب إعراب القرآن الكريم على الآية بقوله : " فى هذا التعبير فن القلب ، وقد تقدم القول فيه ، والأصل لتنوء العصبة بالمفاتح : أى لتنهض بها بجهد " (الأستاذ : محيى الدين الدرويش جـ5 ـ اليمامة وابن كثير ط6 ).
(2) سر الفصاحة ص 116 .
(3) وقلب الإسناد عند الزركشى هو أن يشمل الإسناد إلى شيئ والمراد غيره (البرهان فى علوم القرآن جـ3 ص 288 ـ دار التراث) وعبارة الزركشى فى ذلك هى نفس عبارة ابن سنان .
(4) تأويل مشكل القرآن ص 203 .(1/77)
وإِنّهُ لِحُبّ الْخّيْر لَشَدِيد }(1)من المقلوب ، وأن ليس المقصود به ـ على من زعم ذلك ـ وإن حبه للخير لشديد ، بل المقصود به أنه لحب المال لبخيل ، والشدة : البخل ، أى من حبه للمال يبخل(2).
... ومن الضرورى أن أشير إلى أن هذا الذى أطلق عليه ابن سنان "القلب" جعله البلاغيون المتأخرون(3)من الحسنات البديعية اللفظية وإن اختلف معنى كلّ منهما.
وبعد ...
... فإنه يبدو من حديث ابن سنان عن التقديم والتأخير أنه يهتم بما يصلح التأليف والنظم ، حفاظًا على المعنى ، فهو يسعى من وراء ذلك إلى أن تكون العبارة ـ أيًّا كانت نظمًا أو نثرًا ـ فى غاية الفصاحة ، وأن تخلو من التعقيد الذى يؤدى إلى غموض المعنى ، وهو وإن عرض لذلك تحت مبحث التقديم والتأخير ، فقد نبه على ذلك من أول وهله بعبارته السابقة "ومن وضع الألفاظ موضعها" ، فابن سنان يبدئ ويعيد فى أن تكون اللفظة فى موضعها الذى يسهّل الحصول على المعنى ، ولذلك عرض لبعض الأبيات الشعرية فاسدة النظم والتأليف ، بسبب ما فيها من تعقيد ناتج عن سوء التقديم والتأخير .
__________
(1) سورة العاديات ، آية : 8 ، يقول الزمخشرى : " وإنه لأجل حب المال وأن إنفاقه يثقل عليه : لبخيل ممسك ، أو أراد بالشديد : القوى ، وإنه لحب المال وإيثار الدنيا وطلبها قوى مطبق ، وهو لحب عبادة الله وشكر نعمته ضعيف متقاعس . (الكشاف جـ4 ص 788).
(2) سر الفصاحة ص 116 .
(3) راجع : بغية الإيضاح 4/85 .(1/78)
... وابن سنان بهذا لا يقلل من قيمة التقديم والتأخير وأثره على المعنى ، كيف وهو من محاسن النظم ، إنه يقلل من قيمة التقديم والتأخير المفسد للمعنى ، ولهذا نجده يكثر من الأمثلة التى فسد النظم فيها ، ويخلط بين ما يسمى عند البلاغيين المتأخرين بالتعقيد والمعاظلة ، وبين التقديم والتأخير الذى تحدث عنه معاصره عبد القاهر ، وله العذر فى ذلك ، فقد شغل نفسه بتتبع المعيب حتى نتحاشاه ، وليته كما ذكر التقديم والتأخير المفسد للمعنى ، ذكر لنا التقديم والتأخير المحسن للنظم ، ولكن ذاك لم يكن .
* التقديم والتأخير عند الشيخ ميثم البحرانى :
... إذا كان ابن سنان قد تحدث عن التقديم والتأخير المفسد للنظم والمخل بالفصاحة ، فإن الأمر عند الشيخ ميثم على خلاف ذلك ، فلم يكن مهتمًا بالتقديم والتأخير الذى يؤدى إلى غموض المعنى وفساد النظم ، بل راح يعرض للتقديم والتأخير وأثره على النظم ، وقيمته التعبيريه ، وقد استغرق حديثه هذا صفحات طوال ، والشيخ ميثم فى صنيعه هذا يكون قد اقتفى أثر عبد القاهر ومن تبعه كالإمام الرازى ، وجل من أتى بعدهما ، إلا أن له رأيه الذى يخالف فيه سابقيه ، ويناقشهم بالحجة والدليل ، فهو وإن اختط أثر العلامة عبد القاهر فى بحثه للتقديم والتأخير نظريًّا ، فإن له تحليلات صائبة انفرد بها عند شرحه لكتاب "نهج البلاغة" للإمام على ، هذا بالإضافة إلى آرائه التى خالف فيها غيره .(1/79)
... والمقام هنا يتطلب منى أن أعرض للتقديم والتأخير عند الشيخ ميثم موازنًا بما عرضه ابن سنان ، ولذا فإننى سأعرض للتقديم والتأخير فى "الخبر المثبت" ؛ وذلك لأنه شبيه بما تحدث عنه ابن سنان(1)حتى تتحقق الغاية من هذا البحث ، وهى الموازنة بين ما تحدث عنه كل منهما ، أما حديث الشيخ ميثم عن غير ذلك ، كالتقديم والتأخير فى الاستفهام بأنواعه ، وفى النفى ، وغير ذلك مما عرض له الشيخ ، فلن أتعرض له، بل سأكتفى بالإشارة إلى ذلك .
* أنواع التقديم عند الشيخ ميثم :
... التقديم عند الشيخ ميثم إما أن يكون على نية التأخير أو لا يكون(2)وهو فى هذا لا يخالف غيره حيث يقول :
" إذا قدم اللفظ على غيره ، فإما أن يكون فى النية مؤخرًا ، كخبر المبتدأ إذا قدم عليه ، والمفعول على الفاعل ، وإما ألا يكون على نية التأخير ، ولكن على أن ينقل الشيئ من حكم إلى حكم آخر مثاله : أن تذكر اسمين كل واحد منهما يصلح أن يكون مبتدأ والآخر خبرًا فتقدم هذا تارة وذاك أخرى ، كقولك : زيد المنطلق وعكسه "(3)
... ثم يذكر عبارة سيبويه ـ الشهيرة ـ ويعقب عليها بالشرح ، وهو يدرج هذا الكلام تحت عنوان : " فائدة التقديم والتأخير ".
__________
(1) ذكر الدكتور / عبد العاطى علام أن حديث ابن سنان عن التقديم والتأخير شبيه بما ذكره الشيخ عبد القاهر عن الخبر المثبت . ( البلاغة بين عبد القاهر وابن سنان ص 131) ، وبعد قراءتى لما كتبه ابن سنان فى ذلك تأكدت من صحة هذه العبارة وإن اختلف الأمر قليلاً فى أن عبد القاهر اهتم بالتقديم وأثره على النظم ، بينما تحدث ابن سنان عن التقديم المخل بالفصاحة .
(2) قسم ابن جنى التقديم قسمين : الأول : ما يقبله القياس ، والقانى : ما يسهله الاضطرار ...
(الخصائص ـ جـ2 ص 382)
(3) أصول البلاغة ص 93 .(1/80)
... وإذا كان من فوائد التقديم والتأخير : الإهتمام ـ كما ذكر سيبويه ـ فهل يصح أن يكون من فوائدهما : أن يكون على نية التأخير أو لا يكون ؟أظن أن هذا سهو وقع فيه الشيخ ميثم وسبقه إليه الإمام الرازى . وكان الأولى أن يكون عنوان هذا الكلام : "أنواع التقديم وصوره".
... والتقديم على نية التأخير الذى ذكره الشيخ ميثم هو الجدير بالدراسة وهو الأهم ، وذلك : " ؛ لأن بقاء المقدم على حكمه وإعرابه دليل على التقديم بخلاف النوع الثانى، الذى لا دليل فيه على تقديم أو تأخير ، بعد تغيير حكم المقدم واتخاذه موقعًا جديدًا"(1).
توضيح ذلك :
... أننا لو قلنا مثلاً : "ضرب عليًا محمدٌ " ، فإن عليًّا سيظل كما كان من قبل مضروبًا ، ومحمدٌ هو الضارب ، بدليل نصب الأول ، ورفع الثانى ، وهنا يصح أن نقول بأن هذا تقديم على نية التأخير ، ويكون ذلك لسر بلاغى قصده المتكلم عند تقديمه.
* التقديم والتأخير فى الخبر المثبت :
... يرى الشيخ ميثم أن التقديم والتأخير فى الخبر المثبت الغرض منه أحد أمرين : الاختصاص ، أو التقوية والتوكيد(2)، الأول : مثل : أنا فعلت ذلك الأمر ، تريد أنك انفردت به ، والثانى : مثل : فلان يعطى الجزيل ، وعبارة الشيخ ميثم فى ذلك هى :
__________
(1) منهج عبد القاهر فى التقديم والتمثيل لأستاذى أ.د/ محمد إبراهيم شادى ص 26.
(2) يرى العلامة ابن الأثير أن التقديم فى الآيات القرآنية "لمراعاة حسن النظم السجعى " ، وللاختصاص ، وإن كان الأول أبلغ . (المثل السائر جـ2 ص 173 ، 174 ) ، ويعلق أستاذنا د/ محمد أبو موسى على كلام ابن الأثير قائلاً : " والذى نراه أنه لا تزاحم فى النكات والأسرار ، وأن التقديم فى الآيات القرآنية يفيد الفائدتين ..." (خصائص التراكيب ص 250).(1/81)
" إنك إذا قدمت الإسم فقلت : زيد فعل ، فهم أن القصد إلى الفاعل ، إمّا لتخصيص(1)الفعل به ، كقولك : أنا فعلت ذلك الأمر تريد أنك انفردت به ، وإما لأن تقديم الفاعل آكد فى إثبات ذلك الفعل ، كقولك : فلان يعطى الجزيل ، فلا يقصد الحصر ، بل يتحقق عند السامع أن دأبه إعطاء الجزيل"(2)
... ثم يعقب على ذلك بقوله فى موضع آخر :
" وإن قدمت الفعل ، كان هو المقصود بالذكر كقوله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ }(3)، وأن القصد هنا إلى ذكر القضاء"(4)
... وقد أوضح الشيخ ميثم السبب فى كون تقديم المسند إليه على الخبر الفعلى دالاً على تأكيد الإثبات بقوله :
" وبيانه : أن الإسم لا يعرى عن العوامل إلا لحديث قد نوى إسناده إليه ، فإذا أسندت إليه قبلته النفس قبول العاشق لمعشوقه ، فكان ذلك أبلغ "(5)
... والشيخ ميثم استمد هذا التعليل من الإمام عبد القاهر رحمه الله .
... ويرى السكاكى أن سبب التأكيد مرده إلى تكرار الإسناد حيث أسند الإسم إلى فعله مرتين ، مرة باعتباره فاعلاً ، وأخرى باعتباره مبتدأ ، كما يرى السعد والخطيب مثل ذلك(6).
* مواضع التقديم عند الشيخ ميثم :
__________
(1) يرى أستاذى أ.د/ محمد شادى " أن التقديم الذى للاختصاص لا يخلو بطبعه من التأكيد ، لاشتمال القصر على تقوية الحكم وتأكيده" . (منهج عبد القاهر وبلاغته فى التقديم والتمثيل ص 53).
(2) أصول البلاغة ص 96.
(3) سورة الإسراء ، آية : 23.
(4) اصول البلاغة ص 97 .
(5) أصول البلاغة ص 96 ، ودلائل الإعجاز ص 101 ـ ط دار المعرفة ـ لبنان .
(6) انظر المفتاح للسكاكى . ت: نعيم زرور ط2 ص 221 ـ دار الكتب العلمية ، والإيضاح ـ للقزوينى ص 35 ، والمطول ص 182 .(1/82)
... يذكر الشيخ ميثم مواضع يحسن فيها التقديم ويفضل فيها عن التأخير وهو بهذا يكون قد وضع يده على ما يجب تقديمه ؛ لأن الحسن فى البلاغة يعنى الواجب ، أو بتعبير أدق ـ يعنى الواجب البلاغى ـ إذا جازلى هذا التعبير ؛ لأن البلاغة تبحث عن الحسن والأحسن ، فكل ما احتاجت إليه العبارة وتطلبه السياق ، واقتضاه المقام ، فهو واجب بلاغى ، إذا أن البلاغة لا تبحث فى صحة العبارة من حيث الترتيب اللغوى فحسب ، بل تهتم بالأحسن والأفضل .
... ومن المواضع التى يحسن فيها التقديم عند الشيخ ميثم :
" أن تكون الحاجة إلى ذكره أتم ، والعلم به أهم "(1)
وهذا ما عبر به الشيخ عبد القاهر ـ رحمه الله ـ ، ومن قبله ـ العلامة ـ سيبويه بأن تقديم بعض الألفاظ على بعض يكون للاهتمام ، والشيخ ميثم يلح فى هذا الموضع على ربط التقديم بالمقام والسياق ، وأن يؤتى به لتمام العبارة ، ولتلبية حاجة المتكم والمتلقى معًا .
... وقد مثل الشيخ ميثم لهذا بقول الله تعالى : { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ }(2).
فإن تقديم الشركاء أولى ؛ لأجل أن المقصود التوبيخ على جعل مطلق الشريك ، بخلاف ما لو أُخّر(3)
... ويقول الشيخ ميثم عند شرحه لقول الإمام على :
__________
(1) مقدمة شرح نهج البلاغة ـ للشيخ البحرانى ص 146 .
(2) سورة الأنعام ، آية : 100 ، وتمام الآية : { ... وَخَلَقَهُمْ ، وَخَرَقُوْا لَهُ بَنيِنَ وَبَنَاتِ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَاَلَىَ عَمَّا يَصِفُونَ } ومعنى : وخرقوا : اختلقوا وائتفكوا وتخرصوا وكذبوا ، كما قال علماء السلف (انظر تفسير ابن كثير جـ2 ص 152 ـ دار الحديث ط7).
(3) يقول العلامة الزمخشرى معلّقًا على الآية : " ... فإن قلت : فما فائدة التقديم ؟ قلت : فائدته ، استعظام أن يتخذ لله شريك من كان ملكًا أو جنيًّا أو إنسيًّا ، أو غير ذلك ، ولذلك قدم اسم الله على الشركاء ..." (الكشاف جـ2 ص 52 ـ ط3 ـ دار الريان ).(1/83)
" الّذى لا يدْركُه بعْدُ الْهِمَمْ ، وَلاَ ينَاُله غوص الفِطَنْ "(1)
يقول : " التقدير : لا تناله الفطن الغائصة ، ولا تدركه الهمم البعيدة ، ووجه الحسن فى هذه الإضافة وتقديم الصفة ، أن المقصود لما كان هو المبالغة فى عدم إصابة ذاته تعالى بالفظنة من حيث هى ذات غوص ، وبالهمة من حيث هى بعيدة ، كانت تلك الحيثية مقصودة بالقصد الأول ، وقد بينّا أن البلاغة تقتضى الأهم ، والمقصود الأول على ما ليس كذلك"(2).
... ويقول فى موضع آخر تعليقًا على كلام الإمام على :
" وَوَتّدَ بِالصُّخُورِ مَيْدَانُ أَرْضِهِ "(3)
" االموتود فى الحقيقة إنما هو الأرض وقد جعل الموتود هو ميدان الأرض ... ؛ لأنه لما كان الميدان علة حاملة على إيجاد الجبال وإيثار الأرض بها ، كان الاهتمام به أشد، فلذلك قدمه "(4).
... والشيخ ميثم فى هذا كله يدرك صلة التقديم الوطيدة بصحة العبارة بلاغيًا ، ويرى أن التقديم يأتى تلبية لحاجة فى نفس المتكلم ، وقصدًا لربط ذلك بالمتلقى ، فإذا كان الاهتمام منصبًّا على الفاعل قُدِّم الفاعل ، وإذا كان منصبًّا على المفعول قُدّم المفعول .
... ومن مواضع التقديم عند الشيخ ميثم :
" أن يكون الأول أعرف من الثانى ، كتقديم المبتدأ على الخبر ، والصفة على الموصوف ، فينبغى أن تبتدئ فى قولك : "زيد قائم" بزيد ، لتتوصل النفس بذكر ما يعرف إلى الإخبار عنه بما لا يعرف فتقع الفائدة حينئذٍ على حدها وفى مرتبتها"(5)
__________
(1) من خطبة يذكر فيها ابتداء خلق السماوات والأرض . والفطن : جمع فطنة .
... (نهج البلاغة تحقيق محمد عبده ص 15 ).
(2) شرح نهج البلاغة ـ للشيخ ميثم جـ1 ص 114 .
(3) شرح نهج البلاغة 1/116 .
(4) شرح نهج البلاغة ـ للشيخ ميثم جـ1 ص 117 .
(5) مقدمة شرح نهج البلاغة ـ للشيخ ميثم ص 146 ، وراجع بقية المواضع فى ص 146 وما بعدها .(1/84)
... ويدخل الإمام الرازى الفعل فى هذا الموضع ، ويرى أن الكلام لا ينتقض بتقديمه " لأن الفعل لفظ دال على ثبوت معنى لموضوع معين فى زمان معين من الثلاثة ، والإسناد كالجزء الذاتى لمفهوم الفعل ..."(1)
... ولم يعجب الشيخ ميثم كلام الإمام الرازى فراح يقول :
" قد سبق أن الفعل إذا قدم فى الإخبار ، كان لأجل أن ذكره أهم ؛ لأن المقصود من ذكر الجملة الفعلية لا ذات الفعل ؛ بل ذكر الحدث المخصوص فى الزّمان المعين ، ونسبته إلى الفاعل ، وإذا كان كذلك ، جاز أن يقال : إن تقديم الأعرف يكون واجبًا ، إذا كانت الكلمتان متساويتان فى الاهتمام بذكرهما"(2).
... ومن مواضع التقديم عند الشيخ ميثم "تقديم الحروف التى لها صدر الكلام ، كحروف الاستفهام والنفى والنهى "(3)
... ويعلل الإمام الرازى سبب ذلك بأن "الاستفهام طلب فهم الشيئ ، وهو حالة إضافية إذا أدركها العقل انتقل منها إلى معروضها ، وإذا أوجب أن ينتقل منها إلى معروضها ، وجب أن يكون فى اللفظ كذلك ، فيقدم ما يدل على الإضافة ، فيلحق بما يدل على معروضها "(4).
... ولكن الشيخ ميثم يرى أنه يمكن " أن يكون تقديم هذه الحروف من باب ما كان أهم ؛ وذلك أن الاستفهام والنفى والنهى معانٍ معقولة ، وهى المطلوبة من الجملة الداخلة عليها بالذات ، فكانت أهم ، فكانت أولى بالتقديم"(5).
... وأرى أنه لا مشاحة فى ذلك فالنكات البلاغية لا تتزاحم .
وعلى هذا النهج سار الشيخ ميثم فى ذكر مواضع التقديم ومقاماته معضدًا كلامه بالحجة والدليل .
* أثر التقديم فى التعبير :
__________
(1) نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز للعلامة ـ الرازى ـ ص 224 .
(2) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 147 .
(3) مقدمة شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم نفس الصفحة .
(4) نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز ص 224 .
(5) مقدمة شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم ص 148 .(1/85)
... لتقديم بعض أجزاء الكلام على بعض أثر فى التعبير ، ولولا ذلك لذهبت المزية من التقديم ، ولكان أثر الاسم أو الفعل بالتقديم كأثره بدون ذلك .
... وإذا جاز لنا تفضيل بعض الكلام على بعض ، فذلك لأن لهذا الكلام فى موقعه أثر فى نفوسنا ، فضلاً عن تأثيره فى التعبير ذاته .
... وقد يدق الفرق بين تقديم الكلمة وتأخيرها ، فمعنى الكلام وتأثيره بالتقديم ليس هو نفس المعنى ونفس التأثير بالتأخير .
... ولأجل ذلك ظل الشيخ ميثم يبدئ ويعيد فى بيان أثر التقديم فى التعبير ، مستشهدًا لذلك بآى الذكر الحكيم.
... يقول : " اعلم أنه قد يختلف حال الكلام فى التقديم والتأخير اختلافًا كثيرًا ، وقد يدق الفرق بين تقديم الكلمة وتأخيرها ، كقوله تعالى : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاء الْجِنّ }(1)،
فبتقديم شركاء يفهم أنه ما كان ينبغى أن يكون له شريك ، لا من الجن ولا من غيرهم ، والذم إنما يتوجه إليهم لإثباتهم شركاء ، أما لو قدم الجن لم يفهم إلا أنهم عبدوا الجن ، وأما إنكار المعبود الثانى ، فغير مفهوم منه ، ويكون الذم إنما توجه إليهم لعبادة الجن دون غيرهم "(2).
... وهنا يبدو أثر تقديم "شركاء" على "الجن" فى التعبير ، ومما لا شك فيه أننا لو قلنا " وجعلوا لله الجن شركاء" لم يكن للآية القرآنية ما لها بنظمها الأول ، من تأثيرها على النفس ، فالآية القرآنية بديعة فى نظمها ، رائعة فى سياقها .
* خلاصة القول فى التقديم والتأخير بين الشيخ ميثم وابن سنان :
أولاً :
... للتقديم والتأخير جذور متأصلة عند أرباب اللغة ، فابن جنى مثلاً يجعله من شجاعة العربية ، وإن كان قد سبقه إليه غيره .
ثانيًا :
... عاش الشيخ ميثم فى القرن السابع ، ولكن حديثه عن التقديم والتأخير حديث من عاش فى القرن الخامس .
__________
(1) سورة الأنعام ، آية : 100 .
(2) مقدمة شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم ص 146.(1/86)
... بينما عاش ابن سنان فى عصر الشيخ عبد القاهر ، الذى ظل يردد فى ثنايا كتابه ، الكلام عن التقديم والتأخير ، باعتباره ركيزة أساسية من ركائز النظم ، ومع ذلك فإنه لا يوجد أى تشابه بين التقديم والتأخير عند الشيخ عبد القاهر ومن جاء بعده كالشيخ ميثم وبين التقديم والتأخير عند ابن سنان .
ثالثًا :
... اهتم الشيخ ميثم بالحديث عن التقديم والتأخير فى النظم الجيد ، وأفرد لذلك جزءًا كبيرًا من كتابه ، تأثر فيه بالشيخ عبد القاهر ومن لف لفه كالإمام الرازى ، ولكنه مع ذلك كانت له آراؤه التى خالف فيها الإمام الرازى ، وكان يعضد تلك الآراء بالدليل ، ويستشهد لذلك بآى من الذكر الحكيم.
... أما ابن سنان فجاء حديثه عن التقديم والتأخير عند ذكره للشروط التى تختص بالتأليف وتنفرد له ، وعلى العكس من الشيخ ميثم ، تحدث عن التقديم والتأخير فى النظم الفاسد ؛ ليناسب هذا منهجه الذى رسمه وخطته التى ارتضاها.
رابعاً :
... عند حديث الشيخ ميثم عن التقديم ذكر أنواعه ، ومقاماته ، ومواضعه التى يحسن فيها ثم بين أثره فى التعبير ، كل ذلك بعبارات منظمة ومرتبة ومعنونة.
... أما ابن سنان فلم أعثر عنده عن شيئ من ذلك ، بل جاء جلّ اهتمامه بالتقديم والتأخير فى النظم الفاسد دون أن يقسم أو يوزع ، وله العذر فى ذلك لأنه يبحث عن ماهية الفصاحة ، ولهذا ذكر حشدًا هائلاً من أمثلة التقديم والتأخير فى النظم الفاسد ، ليحترز الفصيح عن الوقوع فيها .
خامسًا :
... اهتم الشيخ ميثم بالناحية النظرية أكثر من اهتمامه بالناحية التطبيقية ، وإن كانت له تعليقات رائعة عن التقديم والتأخير عند شرحه لكلام الإمام على فى كتابه "شرح نهج البلاغة" .
... أما ابن سنان فكان جُلّ اهتمامه بالناحية التطبيقية ، ولهذا جاء كتابه زاخرًا بالشواهد الشعرية للتقديم والتأخير فى النظم الفاسد .
سادساً :(1/87)
... ومع هذا لم يستفد البلاغيون المتأخرون من الشيخ ميثم قدر استفادتهم من ابن سنان الخفاجى ، عند حديثهم عن فصاحة الكلام ، وأنها تعنى "خلوصه من ضعف التأليف ، وتنافر الكلمات ، والتعقيد ، مع فصاحتها ".
- 4 -
الإيجاز والإطناب والمساواة
أولاً : حديث القدامى عن الإيجاز والإطناب قبل ابن سنان :
... يبدو لأول وهلة أن هذا العنوان يحتاج إلى وقفة متأنية ، بل لا أكون مغاليًا إذا قلت إنه يحتاج إلى بحث خاص ، وذلك لما له من أهمية عند القدامى وكان لهم جهد مشكور فيه ، وقد ترددت كثيرًا قبل أن أكتب هذا العنوان ، خاصة وأنه قد قامت حوله دراسات كثيره(1)لم تترك لمثلى مجالاً للحديث عنه ، إذ سبقنى أستاذة وباحثون أعطوا الموضوع حقه بالدراسة والنقد والتحليل والتعليل ، ولكنى ـ وبعد طول تفكر ـ أدركت أنه لا مفر من طرق هذا الموضوع ، حتى يتسنى لى معرفة ما أضافه اللاحق للسابق ، ليظهر لى جهد ابن سنان والشيخ ميثم بالموازنة مع من سبقهما .
... ولذا فإننى لن أقف طويلاً مع القدامى وإنما سأكتفى بالإشارة إلى جهدهم فى إيجاز شديد ...
والحديث عن الإيجاز والإطناب والمساواة حديثٌ قديمٌ له جذوره وأصوله الممتدة ..
__________
(1) منها علىى سبيل المثال : " رؤية جديدة للإيجاز والإطناب " لأستاذنا أ.د/ عبد الغنى محمد سعد بركة، وحديث مهم لأستاذنا أ.د/ محمد إبراهيم شادى فى كتابيه " فصول من علم المعانى ص 100 " ، " مدخل القراءات القرآنية فى الإعجاز البلاغى ص 43 ـ عام 1987 " وغيرها من الكتب .(1/88)
فالعرب فى الجاهلية مالوا إلى الإيجاز ، وذلك لأنهم أرباب بلاغة وفكر ودراية واسعة ، وما الإيجاز إلا " قبله الفحول ، ودليل الاقتدار والتمكن ، فلا يستطيعه إلا من اكتملت فيه قوة الفكر ، وامتلك زمام البيان ، فهو الأصعب مرتقى ، والأبعد منالاً "(1).
... والروايات التى تناقلتها الكتب عن ميلهم إلى الإيجاز أكثر من أن تحصى ، والمقام هنا لا يسمح بسردها .
... ويفسر أستاذى الدكتور / شادى سبب ميل العرب إلىالإيجاز بقوله : " العرب إلى الإيجاز أميل لعامل نفسى هو أن استعداد الناس لطول التلقى متفاوت ، ولنشاط أكثرهم حد معين يؤدى ما زاد عنه إلى الاستثقال والملال "(2)؛ " لأن للكلام غاية ولنشاط السامعين نهاية "(3).
ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
... " عَليْكُمْ بِالإِْيجازِ فَإِن لَهُ إِفْهامًا ، وَلِلإِْطَالَةِ اسْتِبهاَمًا " .
__________
(1) أ.د/ عبد الغنى فى " رؤية جديدة للإيجاز والإطناب ص 15 " ويفسر د/ عبد العزيز عتيق سبب ميل العرب إلى الإيجاز بقوله : " والسر فى ذلك يرجع إلى ظروف مجتمعهم ، فقد كان مجتمعاً تشيع فيه الأمية ، وتندر الكتابة ، ولهذا كان عليهم أن يعتمدوا على ذاكرتهم من ناحية فى الإبقاء على أدبهم الذى يصور حياتهم " ( علم المعانى د/ عبد العزيز عتيق جـ 1 ص 188 ، أثر النحاة فى البحث البلاغى د/عبد القادر حسين ص 11 ، علم المعانى د/ درويش الجندى نهضة مصر ط 2 ص 165، الخصائص/ ابن جنى جـ 1 ص 83 ) ، وأرى أن هذا التفسير فيه تجنى على العرب ، فكأنهم قد قصدوا الإيجاز ، وتكلفوا فيه ، والحقيقة غير ذلك ، فقد كان فى طبعهم وفطرتهم ، والدليل على ذلك أنهم عرفوا الإطناب أيضا.
(2) أ.د/ محمد شادى فصول من علم المعانى ص 101 ، وانظر الصناعتين ص 181 .
(3) الصناعتين ص 181 .(1/89)
... وهذا لا يعنى أن العرب لم يعرفوا الإطناب ، بل عرفوه ، واستخدموه فى أحاديثهم ، ولكنهم كانوا إلىالإيجاز أميل ، وقد سبقنى إلى هذا الرأى أساتذتى(1).
... وجاء الإسلام بالقرآن الكريم ، كلام الله الذى لا يعادله كلام ، والذى يرى أكثر الباحثين أنه كله إيجاز ؛ " وذلك لعدم استطاعتنا الإحاطة بمراد الله من كلامه"(2)؛ "ولأنه فى كل مقاماته لا يجاوز سبيل القصد ، ولا يميل إلى الإسراف ميلاً "(3).
... وأحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تدل على ميله إلى الإيجاز ، وتفضيله حين يتطلبه السياق ، يقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) :
" إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلىَّ الثَّرثَارُون الْمتُفَيهقُون "(4).
... وصحابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يميلون إلى الإيجاز " فقد عشق أبو بكر الإيجاز وحث عليه "(5)، وصاحب نهج البلاغة الإمام على بن أبى طالب يقول: " مَارَأَيْتُ بَلِيغًا قَطّ إِلاّ وَلَهُ فِى القول إيجاز ، وفى المعَانى إِطَالَة "(6).
... وفى القرن الثانى الهجرى يظهر الجاحظ ، فيتلقف هذه العبارات ، ويحولها إلى موضوع له أسس وأصول ، اعتمد عليها كل من أتى بعد(7).
__________
(1) أ.د/ محمد شادى ، فصول من علم المعانى ص 101 ، ورؤية جديدة للإيجاز والإطناب د/ عبد الغنى بركة ص 6 .
(2) أ.د/ محمد شادى ، فصول من علم المعانى ص 103 .
(3) النبأ العظيم ، د/ محمد عبد الله دراز ص 129 .
(4) رؤية جديدة للإيجاز والإطناب ص 8 ، ويعلق د/ رجب البيومى على هذا قائلاً : " فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو إلى الإيجاز الصائب حين يحذر من الثرثرة والتفيهق " ( تطور البحث البلاغى ص 4). والحديث رواه أحمد وابن حبان وغيرهما عن ثعلبة " النبأ العظيم ص 130 " .
(5) تطور البحث البلاغى أ . د/ محمد أحمد البيومى ص 7 .
(6) السابق ص 8 .
(7) رؤية جديدة للإيجاز والإطناب د / عبد الغنى بركة ص 17 .(1/90)
... فيتحدث عن الإطناب ولم يفرق بينه وبين الإطالة ، ويعنى بالإيجاز المساواة كما أن له فضل السبق فى تسمية إيجاز القصر ، ويسميه أحياناً جوامع الكلم ، كما عنون لباب سماه من الكلام المحذوف ، ولم يرفض التكرار ، وإنما سماه فى القرآن (بالترداد )(1).
... وابن قتيبة : تحدث عن الحذف والتكرار واستشهد لهما(2)، وتحدث عن التفصيل بعد الإجمال ، ولم ينص على اسمه(3).
... وأما قدامة(4): فيربط الإيجاز والإطناب بالمقام ، ويتحدث عن مواضع الإيجاز والإطناب ثم يتحدث عن الحذف(5).
...
والخطابى : يتحدث عن الحذف ، ويرى أنه من أنواع البلاغة ويقسم التكرار إلى مذموم وغير مذموم(6).
... ويعرف الرُّمانى الإيجاز ويفرق بينه وبين التطويل ، كما بين مراتب الإيجاز، وقسمه إلى حذف وقصر ، وإن كان الجاحظ قد سبقه إلى ذلك(7).
أما أبو هلال العسكرى : فقد قرأ ما كُتب قبله ولخص آراء سابقيه ، وإن بدأ تاثره بالرُّمانى والجاحظ ، ويسمى إيجاز القصر بالإشارة ، وإن كان قد عرف إيجاز القصر، إلا أنه لا يوجد فرق بينهما للمتأمل ، وفى نظره أن الإشارة بالإيماء واللمحة ، والإيجاز باللفظ(8).
__________
(1) الحيوان ـ الجاحظ ـ تحقيق أ / عبد السلام هارون جـ 1 ص 91 .
(2) رؤية جديدة للإيجاز والإطناب ص 33 ، 37 ، وانظر تأويل مشكل القرآن ص 210ـ232 .
(3) السابق ص 39 ، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 241 .
(4) أبو الفرج قدامة بن جعفر بن زياد ، ولد حوالى سنة 265 ، ونشأ فى بغداد وتوفى سنة 337 ، له مؤلفات عديدة أشهرها فى البلاغة ( نقد الشعر ) [ جورجى زيدان 2/176] .
(5) روؤية جديدة للإيجازوالإطناب ص 42 ، نقد النثر ص 69 ، وأسس النقد الأدبى د / أحمد أحمد بدوى ص 494 .
(6) السابق ص 45 ،46 ، بيان إعجاز القرآن ص 51 ، 53 .
(7) رؤية جديدة للإيجاز والإطناب ص 49 ، النكت فى إعجاز القرآن ص 76 .
(8) السابق ص 60 ، الصناعتين ص 205 .(1/91)
... ويتحدث عن الحذف معتمدًا فى ذلك على تأويل مشكل القرآن ، ويرى أن منه ما هو ردئ ، واستشهد له بشواهد جعلها غيره من الحذف الجيد وسموا هذا النوع " الاحتباك"(1).
... كما تحدث أبو هلال عن الإطناب ، ومنها التكرير والمزاوجة ، والإيغال والتتميم ، والاعتراض ، وأدرجهما فى البديع ، كما تحدث عن مواضع الإطناب(2).
... و ابن رشيق : عقد بابًا نقل فيه عن الرُّمانى ، وجعل المساواة من ألوان الإيجاز، وسمى إيجاز الحذف بالاكتفاء ، ويتحدث عن الحشو ويقسمه إلى محمود ومذموم(3).
... والجديد عنده ، " حديثه عن التكرار ، حيث ذكر مواضع حسنه ، ومواضع قبحه، ثم قسمه من حيث اللفظ والمعنى "(4).
... هذا هو مجهود القدامى فى مبحث الإيجاز والإطناب والمساواة راعيت الإيجاز عند حديثى عنه .
... وأنا على يقين بأنى لم أضف جديدًا عند حديثى هذا ، فقد سبقتنى إليه دراسات كثيرة تناولت الموضوع بالتفصيل ، ولكنها الضرورة التى لا مفر منها ؛ حتى أستطيع الحكم على ابن سنان وما أضافه فى موضوع الإيجاز والإطناب والمساواة .
ثانيًا : الإيجاز والإطناب والمساواة عند ابن سنان :
... كان ابن سنان رائعًا فى تناوله لمبحث الإيجاز والإطناب والمساواة ، مما جعل أستاذى الدكتور عبد الغنى بركة يقول :
... " لم يكن ابن سنان الخفاجى فى معالجته لموضوع الإيجاز والإطناب ناقلاً عن غيره أو متابعًا لسابقيه ، وإنما كان صاحب شخصية متميزة تقبل وترفض ، وتجادل حول ما تراه صحيحًا "(5).
__________
(1) الصناعتين ص 206 ، ورؤية جديدة للإيجاز والإطناب ص 64 ، والإتقان جـ 2 ص 61 ، 62 . والاحتباك : هو أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره فى الثانى ، ومن الثانى ما أثبت نظيره فى الأول .
(2) الصناعتين ص 422 ، 441 .
(3) العمدة لابن رشيق جـ 1 ص 250 .
(4) رؤية جديدة للإيجاز والإطناب ص 80 ، والعمدة لابن رشيق جـ 2 ص 73 .
(5) رؤية جديدة للإيجاز والإطناب ص 84 .(1/92)
... ولكن كما نعلم أن لكل جواد كبوة ، فليس كل ما قاله ابن سنان يعد صحيحًا ـ على الأقل فى نظر البعض ـ ولا يخلو أحد من النقد ، حتى العلامة الجاحظ ، وشيخ البلاغيين عبد القاهر ، لم يفلتا من النقد ، وهذا يرجع إلى اختلاف العصور ، واختلاف الأذواق التى تحكم على هؤلاء الأعلام .
... ولذا كان علينا عند قراءتنا لكتب هؤلاء الأعلام ، أن نعلم جيدًا أن لكلٍ منهجه الخاص به ، وعصره الذى يسيطر على فكره .
... فليس من العدل أن نحكم بفكر القرن الخامس عشر الهجرى ، على أصحاب القرن الثانى أو الخامس الهجرى ، إلا بعد قراءة فاحصة متأنية للعصر الذى يعيش فيه كل علم من هؤلاء الأعلام(1).
... ولعل ما دفعنى إلى مثل هذا الكلام هو ما كان من بعض المحدثين الذين لا تخلو آراؤهم من تسرع فى الحكم على هؤلاء الأعلام بالخطأ والاضطراب فى مناهجهم .
...
... وسأذكر هذا فى مكانه من هذا البحث إن شاء الله ، وأشْهِدُ الله بأنى ما قصدت تهكمًا بأحد ، فهم أساتذة ، وأنا مازلت طالبًا أنقب عن العلم فى كل مكان ، ولكنها الأمانة العلمية التى دفعتنى إلى مثل هذا الكلام .
... ولعل من الأمانة العلمية ـ أيضًا ـ أن أذكر ما لابن سنان ، وما عليه ، فأقول وبالله التوفيق :
* مفهوم الإيجاز عند ابن سنان :
... جعل ابن سنان للحديث عن الإيجاز والإطناب والمساواة بحثًا خاصًا ، وأول ما نجده منه هو أن جعله من شروط الفصاحة والبلاغة(2)، وهو يرى أن هذا الباب
من أشهر دلائل الفصاحة وبلاغة الكلام عند الناس(3).
... والإيجاز عنده : " هو حذف فضول الكلام ، والتعبير عن المعانى الكثيرة بالألفاظ القليلة "(4).
__________
(1) وهذا فحوى ما ذهب إليه أساتذتى ـ راجع البحث البلاغى والنقدى بين النشأة والمنهج أ . د محمد شادى .
(2) مع أن الإيجاز والإطناب والمساواة من صميم علم المعانى ، ولكن هذا يخدم منهجه .
(3) سر الفصاحة ص 205 .
(4) السابق نفس الصفحة .(1/93)
... ويرى فى موضع آخر : أن الإيجاز يعنى : " أن يكون اللفظ القليل يدل على المعنى الكثير دلالة واضحة ظاهرة "(1).
... وابن سنان يلح على مسألة " الوضوح " فى الإيجاز يقول : " وأعنى بقولى زائدًا عليه ـ أن يكون اللفظ القليل يدل على المعنى الكثير دلالة واضحة ظاهرة لا أن تكون الألفاظ لفرط إيجازها قد ألبست المعنى وأغمضته حتى يحتاج فى استنباطه إلى طرف من التأمل ، ودقيق الفكر ، فإن هذا عندى عيب فى الكلام ونقص "(2).
ويقول فى موضع آخر :
... " الإيجاز المحمود : هو إيضاح المعنى بأقل ما يمكن من اللفظ "(3). " والكلام الموجز الذى لا يدل على معناه دلالة ظاهرة ، قبيح مذموم ، لا من حيث كان مختصراً، بل من حيث كان المعنى فيه خافيًا "(4).
... ومسألة " الوضوح " هذه جعلته يتحامل على ـ العلامة ـ الرُّمانى ويتهمه بعدم شرطه " الوضوح " فى " الإيجاز " يقول :
... " وهذا الحد أصح من حد أبى الحسن الرُّمانى بأنه العبارة عن المعنى بأقل ما يمكن من اللفظ ، وإنما كان حدنا أولى ، لأنا قد احترزنا بقولنا ـ إيضاح ـ من أن تكون العبارة عن المعنى وإن كانت موجزة غير موضحة له "(5).
... والحقيقة أن العلامة الرُّمانى لم يهمل شرط الوضوح فى الإيجاز ، بل صرح فى أكثر من موضع بذلك(6).
__________
(1) السابق ص 207 .
(2) السابق ص 207 ، 208 .
(3) سر الفصاحة ص 211 .
(4) السابق ص 206 .
(5) السابق ص 211 .
(6) انظر النكت فى إعجاز القرآن ـ للرُّمانى ـ ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ص 76 وما بعدها .(1/94)
... وهذا ما جعل أستاذى الدكتور محمد شادى يقول : " والغريب أن ابن سنان يقول: " هذا التعريف أصح من حد أبى الحسن الرُّمانى بأنه العبارة عن المعنى بأقل ما يمكن من اللفظ " ، والحق أن الرُّمانى لم يقل هذا بل نجده فى كل تعريف حرص على وضوح المعنى "(1)، يقول الرُّمانى ـ مثلاً ـ " الإيجاز تهذيب الكلام بما يحسن به البيان"(2).
ويفسر ابن سنان سبب تفضيله الإيجاز بقوله :
... " والأصل فى مدح الإيجاز والاختصار فى الكلام أن الألفاظ غير مقصودة فى أنفسها ، وإنما المقصود هو المعانى ، والأغراض التى احتيج إلى العبارة عنها بالكلام، فصار اللفظ بمنزلة الطريق إلى المعانى التى هى مقصودة "(3).
* نوعا الإيجاز :
... نص ابن سنان على متابعته للرُّمانى فى تقسيم الإيجاز إلى حذف وقصر(4)، واستشهد لذلك بأمثلة من القرآن الكريم ، وجيد النثر والشعر العربى .
__________
(1) فصول من علم المعانى ص 105 .
(2) راجع النكت فى إعجاز القرآن ص 80 .
(3) سر الفصاحة ص 214 .
(4) يرى د/ عبد القادر حسين أن المبرد وأبا عبيدة قد سبقا الرُّمانى فى إدراك معنى إيجاز القصر ، إلا أن الرُّمانى هو صاحب التسمية دون غيره ، أما إيجاز الحذف فقد كان اسمه معروفًا عند سيبويه . [أثر النحاة فى البحث البلاغى ص 245 ] ، وفن البلاغة لنفس المؤلف ص 180 .
... ويرى أستاذى الدكتور / عبد الغنى بركة بأن المتأخرين استوحوا تسمية إيجاز القصر من الجاحظ . [رؤية جديدة للإيجاز والإطناب ص 222 ، وانظر البيان والتبيين 2/7 ](1/95)
... ومن أهم الأمثلة التى ذكرها ابن سنان لإيجاز القصر ، قول الله تعالى " ولَكُمْ فِى الْقِصَاص حَيَاةٌ "(1)، وقد كثر الكلام قبل ابن سنان وبعده فى هذه الآية(2)، والموازنة بينها وبين قول العرب : " القتل أنفى للقتل " ويذكر ابن سنان سر تميُّز الآية القرآنية على المثل بما لا يخرج عما قاله سابقوه .
... ومما مثل به ابن سنان لإيجاز " القصر " قول الإمام على ـ رضى الله عنه ـ " قِيمَةُ كلّ امْرِئِ مَا يُحسنُ "(3)فإن هذه الألفاظ على غاية الوجازة وإيضاح المعنى ، وظهور حسنها يغنى عن وصفه(4).
... وهذا النص ذكره الشيخ ميثم عند حديثه عن الإيجاز ولم يعلق عليه بل اكتفى بذكره ضمن أمثلة أخرى(5).
... ومما مثل به ابن سنان لإيجاز " القصر " ، قول عمرو بن مسعده : " كِتاَبِى إِلَيْكَ كِتَابُ وَاثِقٍ بِمَن كَتَبْتَ إِلَيْهِ ، مَعْنِىّ بِمَنْ كَتَبْتَ لَهُ ، وَلَن يضِيعَ بْينَ الثِّقةِ والْعِنَايَةِ حَاملُه"(6).
ويستشهد لذلك بأمثلة من الشعر منها : قول امرئ القيس :
... عَلَى هَيْكَلٍ يُعْطِيكَ قَبلَ سُؤالِه ... ... أفَانِين جَرْىٍ غَيرُ كزٍّ ولاَ وَان(7)
__________
(1) البقرة ، أية : 179 .
(2) انظر على سبيل المثال / [ البيان والتبيين 2/223 ، البلاغة للمبرد ص 67 ، النكت للرُّمانى ص 77 ، والصناعتين ص 195 ، دلائل الإعجاز ص 298 ، تحرير التحبير ص 468 ، المفتاح للسكاكى ص 120 ، والإتقان للسيوطى 2/55 ]
(3) سر الفصاحة ص 211 ، نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبدة ص 416 ، البيان والتبين 1/83 ، والعقد الفريد 2/268 ، وقد ذكر ابن سنان هذا المثال تحت الإيجاز المحمود .
(4) سر الفصاحة ص 211 .
(5) شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم 5/281 ، ومقدمة شرح نهج البلاغة ص 155 .
(6) سر الفصاحة ص 212 ، والبغية 2/122 ، والإيضاح بتحقيق د/ خفاجى 3/184 .
(7) نقد الشعر ص 153 ، وأفانين جرى : ضروب من السير ، غير كزٍ : ليس بالمنقبض .(1/96)
لأنه جمع بقوله أفانين جرى ـ ما لو عُد كان كثيرًا(1).
... وعلى هذا فإن مفهوم إيجاز القصر عند ابن سنان لم يختلف عمن سبقه ، وليس له فضل إلا فى حشد الأمثلة ـ على اختلاف مستوياتها ـ والإكثار منها والتعليق عليها ببيان سر الإيجاز فيها ... وكفاه ذلك .
... أما إيجاز الحذف : فمعناه عنده : " إسقاط كلمة لدلالة فحوى الكلام عليها "(2)ومع أنه نسب هذا التعريف للرُّمانى إلا أنه يوافقه ، ويشترط لذلك أن يكون المعنى واضحًا .
... فإن أدى الحذف إلى استغلاق المعنى فهو حذف مرفوض .
... ومن أنواع الحذف عنده(3): " حذف الأجوبة لدلالة الكلام عليها " وذلك مثل قول الله تعالى : { وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سُيّرَتْ بِهِ الْجبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأْرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى }(4)كأنه يريد لكان هذا القرآن ولم يقل ذلك(5).
... كذلك يرى أن من أنواع الحذف " حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه بحيث يقع العلم ويزول اللبس " ، كقوله تبارك وتعالى : { وَاسْأَلِ الْقَرْيَة الَّتِى كُنَّا فِيَها وَالْعِيرَ الَّتِى أَقْبَلْنَا فِيها }(6)، والمعنى أهل القرية وأصحاب العير(7).
__________
(1) سر الفصاحة ص 213 .
(2) السابق ص 11 .
(3) ذكر العلامة عز الدين بن عبد السلام أنواع الحذف وأدلته [ الإشارة إلى الإيجاز فى بعض أنواع المجاز ص 3 ] .
(4) سورة الرعد ، آية : 31 .
(5) سر الفصاحة ص 210 .
(6) يوسف ، آية : 82 .
(7) سر الفصاحة 210 ، والبلاغة القرآنية فى تفسير الزمخشرى ص 153 .(1/97)
... ويعلق ابن سنان على هذه الشواهد وغيرها ، بما يبين موضع الحذف فيها ثم يشير إلى فائدة الحذف فى كل هذا بقوله : " وفى الحذف فى الكلام مع الدلالة على المراد فائدة ؛ لأن النفس تذهب فيه كل مذهب(1)، ولو ورد ظاهرًا فى الكلام لاقتصر به على البيان الذى تضمنه ، فكان حذف الجواب أبلغ لهذه العلة "(2).
... ولم يذكر ابن سنان لإيجاز الحذف أكثر من هذا ، لأنه كان يهمه أولاً وأخيرًا حشد الأمثلة وبيان مزيتها ، ليؤكد لنا أن الإيجاز شرط من شروط الفصاحة ، ولم يهتم بذكر أنواعه ، وذلك لأن هذه التفريعات لم تكن قد اكتملت بعد ولم تكن قد أخذت صورتها النهائية .
* الإيجاز المخل بالبلاغة عند ابن سنان :
... قلت قبل ذلك أن ابن سنان يلح على مسألة " الوضوح " فى الإيجاز ... وله الحق ، فإن فى هذا خدمة لمنهجه ، وغايته التى يسعى إليها وهى معرفة حقيقة الفصاحة، والفصاحة تعنى : الظهور والبيان ، ولأجل هذا فهو يهتم بمسألة الوضوح لئلا يقع فى الإيجاز إخلال بالمعنى ، وإشكال فيه " فإن تقارب اللفظان فى الإيجاز ، وكان أحدهما أشد إيضاحاً للمعنى ، كان بمنزلة تساوى الطريقين فى القرب ، وزيادة أحدهما بالسهولة "(3).
__________
(1) تأثر بن سنان فى فائدة الحذف بالرُّمانى ، وتأثر الرُّمانى بالخطابى ، ثم أخذ عنهم الخطيب القزوينى بعد ذلك [ النكت فى إعجاز القرآن ص 77 ، وبيان إعجاز القرآن للخطابى ص 52 ، وبغية الإيضاح 2/124 ] .
(2) يعلق أستاذى د / عبد الغنى بركة على عبارة ابن سنان فى فائدة الحذف بقوله : " إن الحذف قد أدى جزءًا من المعنى ، ولم يأت لمجرد الاختصار كما قال ابن سنان من قبل " [ وانظر رؤية جديدة للإيجاز والإطناب بتصرف ص 88 ] .
(3) سر الفصاحة ص 214 .(1/98)
... فمن الإيجاز المخل عنده ما أدى الحذف فيه إلى استغلاق المعنى ، وذلك مثل قول الشاعر(1):
... أعَاذِلُ عَاجِلُ مَا أَشْتَهِى ... ... أَحَبُّ مِنَ اْلأَكْثِرَ الرَّاِئِث(2)
... لأنه أراد عاجل ما أشتهى مع القلة أحب إلىّ من الأكثر البطئ ، فترك مع القلة وبه تمام المعنى(3).
ومنها قول عروة بن الورد :
... عَجِبْتُ لَهُم إِذْ يَقُتُلونَ نُفُوسَهُمْ ... ... وَمَقْتَلُهُم عِنْدَ الْوغَى كَانَ أَعْذَرَا(4)
كأنه أراد أن يقول : عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم فى السلم ، وقتلهم فى الحرب أعذر فترك ـ فى السلم ـ وبه يتم المعنى(5).
ومثله قول الحارث بن حلِّزة :
... وَالْعَيَشُ خَيْرٌ فِى ظِلاَل ... ... النُّوكِ مِمَّنْ عَاشَ كَدَّا(6)
فأراد أن يقول : والعيش الناعم فى ظلال النوك خير من العيش الشاق فى ظلال العقل، فأخل بأكثر المعنى(7).
... ويرى أستاذى الدكتور عبد الغنى : " أن هذا النوع من الحذف ليس معيبًا ، بل هو من الحذف الجيد الذى أشاد به المحدثون ، وأطلقوا عليه اسم الاحتباك(8).
وأستأذن سيادته فى أن أقول :
__________
(1) البيت منسوب لعبيد الله بن عبد الله بن مسعود الهذلى أحد الفقهاء السبعة بالمدينة توفى سنة 98 هـ. [نقد الشعر 219 ] والرائث : المبطئ .
(2) الرائث : المبطئ . سر الفصاحة ص 214 .
(3) سر الفصاحة ص 215 .
(4) ديوانه ص 41 ، والبيت فى الصناعتين ص 217 ، ونقد الشعر ص 206 .
(5) سر الفصاحة ص 216 .
(6) انظر البيت فى نقد الشعر ص 217 . والنوك : جمع الأنوك وهو الأحمق ، العاجز الجاهل ، كد : تعب
(7) سر الفصاحة ص 216 ، وقد جعل أبو هلال الأمثلة الثلاثة من الحذف الردئ ـ الصناعتين ص 206.
(8) الاحتباك : هو أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره فى الثانى والعكس [ الإتقان 2/61 ] .(1/99)
... إن هذا النوع من الحذف يمكن تطبيقه على ما جاء فى القرآن الكريم وهذا واضح من كلام العلامة السيوطى ، أما الشعر فلا شك أنه يستوقف القارئ طويلاً بما يكتنفه من غموض ، وفى تخريجه تكلف ومشقة ، ثم إن ابن سنان له العذر فى عدم فطنته لهذا النوع من الحذف ؛ لاهتمامه بالفصاحة أولاً ، ولأن هذا النوع من الحذف لم يكن معروفًا عند سابقيه ثانيًا .
* مقياس الموازنة بين النصوص :
... قاس ابن سنان الموازنة بين النصوص على أساس قصر الكلام وطوله(1)، وذلك فإن " لحمد الإيجاز فُضِّل أحد الشاعرين على صاحبه إذا كانا قد اشتركا فى معنى ، وأوجز أحدهما فى ألفاظه أكثر من الآخر ؛ ولهذا قدموا قول الشماخ بن ضرار(2):
إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَت لِمَجْد ... تَلَقّاَهَا عرابَة بالْيَمِين(3)
على قول بشر بن أبى خازم(4)
إِذَا مَا المُكْرَماَتُ رفعْنَ يَوْمَا ... وَقَصَّرَ مُبْتَغُوهَا عَن مَدَاهَا
وَضَاقَتْ أَذْرُع الْمْثَرِينَ عَنْها ... سَمَا أَوْسُ إِلَيْها فَاحْتَوَاهَا(5)
... وإذا كان ابن أبى خازم سبق الشماخ إلى المعنى ، إلا أنه جاء به فى بيتين ، واختصره الشماخ فأتى به فى بيت واحد(6).
... والحقيقة التى لا مفر منها أن المعانى تختلف باختلاف الأساليب ، فلا يمكن أن نوازن بين بيتين من الشعر ، ونفضل أحدهما على الآخر لمجرد قصر هذا وطول ذاك.
__________
(1) سبق الرُّمانى ، وأبو هلال العسكرى ابن سنان فى مثل هذا .
(2) هو الشماخ بن ضرار الذبيانى ، اشتهر بوصفه للحمير [ الشعر والشعراء ص 177 ، وتاريخ آداب اللغة العربية لجورجى زيدان 1/156 ، الأغانى 3/1028 ] .
(3) سر الفصاحة ص 217 . ويريد عرابة الأوس .
(4) هو بشر بن أبى خازم بن عمرو بن عوف ، شاعر فارس فحل جاهلى قديم ، شهد حرب أسد وطئ . [المفضليات ص 329 ، العقد الفريد 3/107 ، الشعر والشعراء ص 145 ] .
(5) يريد أوس بن حارثة بن لام الطائى . سر القصاحة ص 217 .
(6) سر الفصاحة ص 217 .(1/100)
... وقد تنبّه ـ العلامة ـ عبد القاهر لمثل هذا ، حيث أدرك " أنه لا سبيل إلى أن تجئ إلى معنى بيت من الشعر أو فصل من النثر فتؤديه بعينه وعلى خاصيته ، وصنعته بعبارة أخرى ، حتى يكون المفهوم من هذا هو المفهوم من تلك فى صفة ، ولا وجه ولا أمر من الأمور "(1).
فشيخ البلاغيين عبد القاهر الجرجانى يدرك أن المعنى يتعدد بتعدد التعبير .
...
... هذا وقد انتهى النقد الحديث " إلى أنه متى تغير الأسلوب تغير المعنى "(2).
وإن صح ذلك ، فالإيجاز ليس يعنى قلة عدد الحروف ، وليس يعنى حذف جملة أو عبارة ، بل هو " إيجاز موضوع " .
... وقد فطن لذلك أستاذنا الدكتور محمد أحمد البيومى ـ أطال الله فى عمره ـ حيث يقول :
... " أحب أن أنبه إلى شيئ غفل عنه الكثيرون من دارسى الإيجاز فى العربية ؛ إذ توهموا ـ والقدماء ألحوا فى ذلك ـ أن الإيجاز إيجاز جملة وعبارة ، مع أن الإيجاز فى صميمه إيجاز موضوع "(3).
... فمما لا شك فيه : أن الموازنة على أساس قصر الكلام وطوله موازنة عقيمة .
... وقد تنبه الجاحظ قبل ذلك إلى أن الإيجاز ليس يعنى قلة عدد الحروف والألفاظ(4).
... ولأستاذى الدكتور البيومى عبارات نادرة لا مفر من ذكرها هنا :
__________
(1) دلائل الإعجاز ص 201 .
(2) الفوائد الغياثية فى علوم القرآن ـ لعضد الدين الإيجى / ت / عاشق حسين ص 74 من مقدمة المحقق .
(3) انظر : أحمد حسن الزيات بين البلاغة والنقد ص 270 ، وانظر : البيان القرآنى لنفس المؤلف ص 105 .
(4) الحيوان للجاحظ 1/90 .(1/101)
يقول : " الإيجاز يتجه إلى الموضوع لا إلى الجملة فى العبارة ، وأكرر هذا المعنى وأعيده ؛ لأن أكثر كتب البلاغة القديمة ، قد اتجهت وجهة غير مقنعة حين أخذت فى باب الإيجاز تقتطع عبارة من جملة ، أو بيتاً من قصيدة ؛ لتقارن ما تقتطع بكلام فى معناه ، أو تجعل القصر وحده دليل الترجيح ، والطول دليل الهبوط ، حتى ليمدح الشاعر بأنه ذكر المعنى فى نصف بيت ، وغيره فى بيت كامل ، وكأننا أمام تعريفات علمية لا عبارات أدبية ، إذ قد يكون البيت أصدق تعبيراً وأكثر إشباعاً فى المعنى من نصف بيت يذكر هذا المعنى بعيداً عن نبضه وإيحائه وما يترك من الظلال فى نفس القارئ "(1).
* موقف ابن سنان من مراعاة أحوال المخاطبين :
... من الأمور البديهية فى البلاغة ، مراعاة أحوال المخاطبين وتحضرنى عبارة للجاحظ يقول فيها :
... " كلام الناس فى طبقات كما أن الناس أنفسهم فى طبقات ، فمن الكلام : الجزل والسخيف والمليح والحسن ، والخفيف والثقيل ، وكله عربى ، وبكل قد تكلموا، وبكل قد تمادحوا وتعايبوا ، ... إلا أنى أزعم أن سخيف الألفاظ مشاكل لسخيف المعانى ، وقد يحتاج إلى السخيف فى بعض المواضع "(2).
... ويكفى ما قاله بشر بن المعتمر فى صحيفته عن هذا الموضوع من أن "المعنى ليس يشرف بأن يكون من معانى الخاصة ، وكذلك ليس يتضع بأن يكون من معانى العامة ، وإنما مدار الشرف على الصواب ، وإحراز المنفعة ، مع موافقة الحال وما يجب لكل مقام من المقال "(3).
__________
(1) أحمد حسن الزيات بين البلاغة والنقد د / محمد رجب البيومى ص 271 .
(2) البيان والتبيين للجاحظ 1/144 .
(3) السابق 1/136 .(1/102)
... ومن العجيب أن يرفض ابن سنان هذه المسألة . فلقد راعنى منه رفضه(1)أن يكون للمخاطب شأن فى العملية الإبداعية الخاصة بالمتكلم .
... بتعبير أدق : لا يهتم ابن سنان بالمخاطب وحقه فى الكلام الذى يلقيه المتكلم من حيث الوضوح والغموض .
... وبتعبير البلاغيين : يرفض ابن سنان مراعاة المقام وأحوال المخاطبين .
... وقد اطلعت على ما قاله ابن سنان فى هذا الموضوع لعلى أجد له مخرجاً ينجيه من تلك الهوة السحيقة التى أوقع نفسه فيها ، ولعل من الخير الآن أن أنقل عنه بعض السطور التى تكون رأيه فى هذه المسألة ، وسأراعى الإيجاز قدر المستطاع.
يقول ابن سنان :
... " ومن الناس من يقول : إن من الكلام ما يحسن فيه الاختصار والإيجاز ، كأكثر المكاتبات والمخاطبات والأشعار ، ومنه ما يحسن فيه الإسهاب والإطالة ، كالخطب والكتب التى يحتاج أن يفهمها عوام الناس وأصحاب الأذهان البعيدة ، ....والذى عندى فى هذا الباب أنهم إن كانوا يريدون بالإطالة تكرار المعانى(2)والألفاظ الدالة عليها وخروجها فى معاريض مختلفة ووجوه متباينة ـ وإن كان الغرض فى الأصل واحد ـ فليس هذا مما نحن بسبيله ؛ لأنه بمنزلة إعادة كلام واحد مرارًا عدة ، فإن تلك الإعادة لا تؤثر فيه حسنًا ولا قبحًا .
__________
(1) يرى ابن الأثير والعلوى والطوفى البغدادى أيضاً ـ أن الإيجاز والإطناب والمساواة أوصاف ذاتية لا يصح الربط بينها وبين المقامات وأحوال المخاطبين . [ المثل السائر 2/211 ، والطراز ص 245 ، والإكسير فى علم التفسير ص 179 ] .
(2) يقول أ / كامل الفقى على ابن سنان لو أنعم النظر لوجد أن الإطناب لا يلزمه تكرار المعانى " [ مجلة الأزهر سنة 1364 هـ ـ شوال ـ مجلد 16 جـ 10 ص 455 ] .(1/103)
... وإن كانوا يريدون بالإطالة أن المعنى الذى يمكن أن يعبر عنه بألفاظ طويلة ، ليكون ذلك داعيًا لفهم العامى والبليد له ... فإنا لا نسلم ذلك ... وإن كان الكلام الموجز لا يدل على معناه دلالة ظاهرة فهو عندنا قبيح مذموم ، لا من حيث كان مختصرًا ، بل من حيث كان المعنى فيه خافيًا ، وإن كان يدل على معناه دلالة ظاهرة ، إلا أنها تخفى على البليد والبعيد الذهن ، ومن لا يسبق خاطره إلى تصور المعنى ، ولو كان الكلام طويلاً لجاز أن يقع لهم الفهم ، فليس هذا عندنا بموجب أن يكون الإسهاب فى موضع من المواضع أفضل من الإيجاز ، كما أن النقوش الغليظة فى كثير من الصناعات لا تكون أحسن من النقوش الدقيقة ؛ لأن تلك يدركها الضعيف البصر ، ويتعذر عليه إدراك هذه ، ولو اعتبرنا هذا فى الكلام وفهم البليد له لاعتبرنا هذا فى النقوش ، وإدراك الضعيف البصر لها ، وهذا فاسد .
... ويلزم من ذهب إلى اختيار العبارة عن المعنى بالألفاظ الكثير من حيث كان ذلك سببًا لفهم عوام الناس ... أن يختار الألفاظ العامية المبتذلة على الألفاظ الفصيحة ...
ولا خلاف أنهم إلى فهمها أقرب ... ، وهذا مما لا يذهب إليه أحد ولا التزمه ملتزم"(1).
...
... ولعل ما أدهشنى هو ما وقع فيه بعض المحدثين عندما أخطأ فى فهم كلام ابن سنان فراح يعلق على كلام ابن سنان قائلاً :
__________
(1) سر الفصاحة ص 205 ـ 207 .
... يقول الدكتور محمد شادى / " إن ابن سنان لا يرفض الإطناب والإسهاب مطلقاً ولكن يريد أن يقول إن الإيجاز أفضل من الإسهاب حتى ولو اضطررنا إلى الإطناب لقلة فهم المخاطب . بتعبير آخر إن الإسهاب لا يفضل أبداً على الإيجاز مهما كانت الحاجة إلى ذلك الإسهاب " [ من توجيهات المشرف ] .(1/104)
... " ويتضح من كلام ابن سنان أن هدفه هو أن يكون المعنى واضحاً غير مستغلق بحيث يفهمه الرجل العامى والبليد ، ومن لا يسبق خاطره إلى تصور المعنى ... ويفضل أن يكون الكلام طويلاً حتى يقع لهم الفهم ، ثم يعود فيفضل الكلام المختصر"(1).
... والحقيقة أن ابن سنان لم يقل ذلك ، وقد سبق نص كلامه ، وقد لاحظت فى كلامه السابق أنه يرفض التطويل بكل سبله ، كما أنه ـ كعادته ـ يلح على مسألة الوضوح فى الإيجاز .
... أما موضوع مراعاة أحوال المخاطبين : فإن كان ابن سنان قد أراد من كلامه رفض تعمد المتكلم إطالة الكلام وتكراره فهو معيب فى ذلك ؛ لأن مجرد تعمد الإطالة أو التكرار عيب .
... أما إن أراد ابن سنان أن يسلب المخاطب حقه ـ ايًّا كان نوع هذا المخاطب وجنسه ـ لمجرّد أنه عامىّ فهيهات له ذلك .
... وإن كانت البلاغة تهتم بالأساليب الجيدة ، إلا أنها عبارة عن كلام جيد ومتكلم ومخاطب ، فلا يحق تجاهل أى من الثلاثة .
... ولعل أكثر العلماء فهمًا لكلام ابن سنان وردًّا عليه : أستاذى الدكتور عبد الغنى إذ يقول :
... " ولنا أن نسأل ابن سنان : أليس قوله " إيضاح المعنى " يعنى أن هذا الإيضاح إنما يكون بالنسبة لمن يوجه له الكلام ؟ وإذا كان هذا مسلمًا ، فهل يتساوى المخاطبون بالكلام فى إدراكهم لمراميه ، وقدرتهم على فهم مفرداته ، وخصائص تراكيبه ؟ ... التعبير إذن ليست له قيمة ذاتية تلازمه فى كل مقام قيل فيه ، بل إن قيمته الحقيقية فى كونه جاء وفق حاجة المخاطب ، وما يقتضيه الموقف "(2).
* الإطناب كما يراه ابن سنان :
__________
(1) سر الفصاحة دراسة وتحليل ـ د / عبد الرازق أبو زيد ص 150 .
(2) رؤية جديدة للإيجاز والإطناب د/ عبد الغنى بركه ص 101 ، 102 .(1/105)
... راح كثير من الباحثين(1)ينسبون لابن سنان خطأً رفضه للإطناب ، وأنه يلحقه بالتطويل ، وقد كنت أعجب كل العجب حين أفتش فى صفحات سر الفصاحة فلا أجد شيئاً من ذلك .
... فربما تناول ابن سنان حديثه عن الإطناب تناولاً لم يألفه البلاغيون المتأخرون، ولكنه لم يرفض الإطناب بل على العكس من ذلك حمده وأشاد به .
... ولعل ما جعل بعض المحدثين يتوهمون أن ابن سنان يرفض الإطناب هو أنه قسم الكلام إلى إشارة ، ومساواة ، وتذييل(2).
... وكان يعنى بالإشارة " الإيجاز " ، وبالتذييل " التطويل " ، وقد عرف الإشارة بقوله : " هو أن يكون المعنى زائدًا على اللفظ أى أنه لفظ موجز يدل على معنى طويل على وجه الإشارة واللمحة "(3).
... والتذييل(4)عنده " هو أن يكون اللفظ زائدًا على المعنى وفاضلاً عنه "(5)، وينحصر عنده فى التطويل والحشو ، وكلاهما غير محمود عنده .
... أما الإطناب الذى يرى بعض البلاغيين أن ابن سنان يرفضه ، فقد أشاد به ، وهاك عباراته : يقول :
__________
(1) انظر على سبيل المثال بحث للأستاذ كامل الفقى نشره فى مجلة الأزهر ، وعبارته هى [ كان من الغريب أن ينكر ابن سنان على الفصحاء أن يجعلوا الإطناب من الفصاحة ، ويناقش الذين أفسحوا الفصاحة لهذا النوع ، ويصر على إخلاله بها ] مجلة الأزهر سنة 1364 ص 453 . ويرى الباحث أن ابن سنان لم يرفض الإطناب بل رفض التطويل . ، [ وانظر الصبغ البديعى ص 214 ، ومناهج البحث البلاغى د/ عبد السلام عبد الحفيظ ص 249 ] .
(2) سر الفصاحة ص 207 ، وانظر : الصبغ البديعى ص 214 .
(3) سر الفصاحة ص 207 .
(4) التذييل : وهو تعقيب الجملة بجملة تشتمل على معناها للتوكيد [ بغية الإيضاح 2/139 ] .
(5) سر الفصاحة ص 207 .(1/106)
... " وكان أبو الحسن على بن عيسى الرُّمانى(1)... يسمى العبارة عن المعنى بالكلام الكثير من أن القليل يكفى فيه ـ التطويل ـ ويسمى العبارة عن المعنى بالكلام الكثير الذى يستفاد منه إيضاح المعنى وتفصيله ـ الإطناب ـ ، ويجعل التطويل عيبًا وعيًّا ، والإطناب حسنًا ومحمودًا ، وهذا المذهب من أبى الحسن موافق لما اخترناه ؛ لأنه يذهب إلى حسن الإطناب الذى هو عنده طول الكلام فى فائدة وبيان ، وإخراج للمعنى فى معاريض مختلفة ، وتفصيل له ليتحققه السامع ، ويستقر عنده فهمه ، وهو الذى اخترناه "(2).
... فابن سنان لم يرفض الإطناب بل شرط له شروطًا عدة وهى " طول الكلام فى فائدة وبيان ، وإخراج للمعنى فى معاريض مختلفة ، وتفصيل له ؛ ليتحققه السامع ، ويستقر عنده فهمه "(3).
... ولا أدرى كيف يحق لبعض المحدثين ـ بعد ذلك ـ أن ينسب لابن سنان رفضه للإطناب بعد أن صرح هو نفسه باختياره .
* صور الإطناب عند ابن سنان :
... تحدث ابن سنان عن بعض صور الإطناب : كالاحتراس ، وسماه " التحرز مما يوجب الطعن "(4)، وعرفه بقوله : " هو أن يأتى بكلام لو استمر عليه لكان فيه طعن ، فيأتى مما يحترز به من ذلك الطعن "(5)وساق له أمثلة كثيرة منها قول طرفة(6):
فَسَقَى دَيارك ـ غَيْرَ مُفَسِدَها ـ ... صَوبُ الرَّبيعِ وَدِيِمَةٌ تهْمى(7)
__________
(1) النكت للرُّمانى ص 79 .
(2) سر الفصاحة ص 211 .
(3) سر الفصاحة نفس الصفحة .
(4) السابق ص 273 .
(5) السابق نفس الصفحة .
(6) هو أبو عمر وطرفة بن العبد بن بكر بن وائل من ربيعة ـ نبغ فى الشعر منذ حداثته ـ توفى سنة 500م. [جورجى زيدان فى كتابه : تاريخ آداب اللغة العربية 1/109 ] .
(7) هذا البيت من قصيدة له فى مدح قتادة بن مسلمة الحنفى ، وكان قد أصاب قومه جدب فبذل لهم ، وصوب الربيع : مطره ، والديمة : المطر الدائم [ سر الفصاحة ص 274 ] .(1/107)
فلو لم يقل ـ غير مفسدها ـ لظن به أنه يريد توالى المطر عليها ، وفى ذلك فساد للديار ومحو لرسومها(1).
... وهذا البيت من أمثلة التتميم عند قدامة ، ثم اقتبس من قدامة بعض الأمثلة التى تمثل العيب والقبح(2).
... كما تحدث عن الإيغال : وعرفه بقوله : أنه يوغل الشاعر بالقافية فى الوصف إن كان واصفًا ، وفى التشبيه إن كان مشبهًا ، واعتبره نوعًا من أنواع الحشو(3).
... كما ذكر من صور الإطناب التكرار(4)، وقسمه إلى حسن ومعيب ، وإن كان يرى أنه يقدح فى الفصاحة ويغض من طلاوتها .
... كل هذا ذكره ابن سنان دون أن ينص على أنه من صور الإطناب ؛ بل ذكره عند حديثه عن الكلام عن الألفاظ المؤلفة تارةً ، وعن الكلام عن المعانى مفردة تارةً أخرى .
* دراسة ابن سنان للحشو(5)ورأيه فيه :
... كان حديث ابن سنان عن الحشو أفضل ما كتب فى مبحث الإيجاز والإطناب ، وإن كان لم يحالفه التوفيق فى بعض المسائل ، إلا أنه عرضه بطريقة لم يسبق بها، فقد عرفه وقسمه إلى ثلاثة أقسام : حشو غير مؤثر ، وحشو مفسد للمعنى ، وحشو مفيد ، وساق لكل قسم أمثلة .
فمن أمثلة الحشو المفسد للمعنى قول المتنبى :
تَرَعْرَعَ الْمَلِكُ الأْسْتَاذُ مُكْتَهِلاً ... قَبْلَ اكْتِهالٍ أَدِيبًا قَبْلَ تَأْدِيب(6)
لأن قوله الأستاذ بعد الملك نقص له كبير .
ومثل قوله أيضاً :
فَلاَ فَضْلَ فيها للشَّجاعَةِ وَالنَّدَى ... وَصَبْرُ الْفَتَى لَوْلاَ لِقاءُ شُعُوبِ(7)
__________
(1) السابق نفس الصفحة .
(2) الصبغ البديعى ص 216 ، نقد الشعر لقدامه ت / كمال مصطفى ص 137 ، وسماه الجاحظ إصابة المقدار وابن رشيق بالتتميم ، وأبو هلال بالتكميل . [ البيان والتبيين 1/228 ، العمدة 2/50 ، الصناعتين ص 434 ] .
(3) سر الفصاحة ص 155 .
(4) سر الفصاحة ص 155 ، العمدة 257 ، ونقد الشعر 169 ، والصناعتين 432 .
(5) سر الفصاحة ص 106 وما بعدها .
(6) السابق ص 149 .
(7) الإيضاح بتحقيق د/ محمد عبد المنعم خفاجى 3/175 .(1/108)
... فإن الندى هنا حشو يفسد المعنى(1).
ومن الحشو غير المؤثر قول أبى تمام :
جذبتُ نَدَاهُ غدوةَ السّبْتِ جَذْبَةً ... فَخَرَّ صَرِيعًا بَيْنَ أَيْدى الْقَصَائِدِ(2)
... لأن قوله ـ غدوة السبت ـ حشو لا يحتاج إليه ولا تقع فائدة بذكره ، وأى فرق بين أن يقع عطاء الممدوح فى يوم السبت أو يوم الأحد(3)؟
أما الكلمة التى تقع حشوًا وتفيد معنى حسنًا فمثل قول المتنبى :
وَتَحِتَقِرُ الدُّنْيَا احتقارَ مجرّبٍ ... يَرَى كُل ما فيهَا ـ وَحَاشَاكَ ـ فَانِيَا(4)
... وأول ما نرصده هنا هو أن ابن سنان خلط بين الحشو والاعتراض ، فى بعض الأمثلة ، ويبدو أنه يطلق على الاعتراض مصطلح " الحشو المفيد " ، وإن كنت أرى أن مجرد ذكر لفظة " حشو " تجعلنا نتحفظ فى قبول ذلك من ابن سنان .
... وقد حدث بعض الاضطرب فى كلام ابن سنان عندما قال :
" وأصل الحشو أن يكون المقصد به إصلاح الوزن ، أو تناسب القوافى ، وحرف الروى إن كان منظومًا ، وقصد السجع وتأليف الفصول إن كان منثورًا ، من غير معنى يفيده أكثر من ذلك "(5).
... ثم عاد وقسمه كما رأينا إلى مفيد ، وغير مؤثر ، ومفسد للمعنى .
... وهذا ما جعل أستاذى الدكتور عبد الغنى يقول :
" ولا ندرى كيف غاب عنه ـ وهو الحصيف ـ هذا التناقض الواضح فى كلامه "(6).
... وأستأذن سيادته فى أن أقول :
بأن ابن سنان ربما قصد بقوله " وأصل الحشو " ، أى أكثر الحالات التى يكون عليها، إذ أنه بعد ذلك قد جعل منه المحمود ، والدليل على ذلك أن أكثر الأمثلة التى استشهد بها تفيد هذا المفهوم .
* المساواة عند ابن سنان :
... أدرك ابن سنان أن المساواة المحمودة هى " إيضاح المعنى باللفظ الذى لا يزيد عنه ولا ينقص "(7).
__________
(1) سر الفصاحة ص 150 .
(2) السابق ص 152 .
(3) سر الفصاحة ص 152 .
(4) السابق ص 147 .
(5) سر الفصاحة ص 146 .
(6) رؤية جديدة للإيجاز والإطناب ص 97 .
(7) سر الفصاحة ص 217 .(1/109)
... كما فرق بين الإيجاز والمساواة والإخلال والتذييل(1).
... وقد مثل للمساواة بأمثلة كثيرة لم يحالفه التوفيق فى بعضها . ومما مثل به قول المتنبى :
أتَى الزَّمَانَ بَنُوهُ فِى شَبِيبَتِه
فَسَرَّهمُ وَأَتَيْنَاهُ عَلى الِهرِم(2)
وهذا البيت يصلح شاهداً للحذف لا للمساواة ، فالمراد : وأتيناه على الهرم فساءنا(3).
... ومن أمثلة المساواة عند ابن سنان قول زهير(4):
وَمَهْمَا يَكُنْ عَنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ
وِإنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النّاسِ تعْلَم(5)
... وهذا يعد من جوامع الكلم(6).
... وغير ذلك من الأمثلة الكثير التى خلط فيها بين المساواة ، والإطناب والإيجاز .
وبعد ...
... فمع هذا أرى أن لابن سنان جهدًا واضحًا فى مبحث الإيجاز والإطناب والمساواة ، وبحثًا رائعًا فى الحشو لا يكاد يشاركه فيه غيره ، ومما يحمد له مناقشته لآراء من سبقوه ، وغزارة شواهده على اختلاف مستوياتها ، وإن كان لم يحالفه التوفيق فى بعض المسائل ، إلا أنه قد بذل جهدًا ملموسًا .
... ولكن يبدو أن هذا الجهد لم يرق بعض المحدثين ، فراحوا يسلبونه كل فضيلة ويتجاهلون جهده ، يقول أحدهم عند حديثة عن الرُّمانى : " وبذل صوَّر الرٌّمانى
الإيجاز تصويرًا نهائيًا بحيث لم يضف إليه البلاغيون شيئًا "(7).
__________
(1) السابق نفس الصفحة .
(2) السابق ص 218 .
(3) انظر : رؤية جديدة للإيجاز والإطناب د/ عبد الغنى بركة ص 93 .
(4) السابق نفس الصفحة . وزهير هو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء [ جورجى زيدان 1/88 ].
(5) السابق ص 218 .
(6) رؤية جديدة للإيجاز والإطناب د/ عبد الغنى بركه ص 93 .
(7) د/ عبد الرازق أبو زيد فى كتابه سر الفصاحة ـ دراسة وتحليل ص 146 ، وهذا الكلام بنصه فى البلاغة تطور وتاريخ د/ شوقى ضيف ص 104 .(1/110)
... ويقول د/ عبد القادر حسين : " وبذلك يكون الرُّمانى قد وضع الإيجاز والإطناب وأقسام كل منهما فى صورة نهائية ، فلم يضف المتأخرون شيئًا إلى هذا الباب ، وقد رأينا الباقلانى وابن سنان ينقلان عنه هذا الباب دون إضافة حقيقية تنسب إليهما "(1).
... وأسأل متعجبًا ... هل وقف الإيجاز والإطناب والمساواة عند الرُّمانى ؛ وإذا صح ذلك فأين جهود ابن سنان والباقلانى والعسكرى ؟
... ولا أعنى بذلك تقليل جهد الرُّمانى ، كيف وهو أول من تحدث عن الإيجاز والإطناب بشكله الذى عرف عند المتأخرين ، ولكنى أيضاً لا أودّ أن أهضم ابن سنان حقه .
وأخيراً أقول :
... إذا لم يكن لابن سنان من حديثه هنا سوى كلامه عن الحشو وتقسيمه ، واستشهاده له ولغيره بأمثلة كثيرة ، لكفاه ذلك .
...
...
...
ثالثًا : الإيجاز والإطناب عندَ الشيخ ميثم :
... إذا كان ابن سنان قد بذل جهدًا يحمد له فى حديثه عن الإيجاز ، حيث جعله من شروط الفصاحة ، فإنى كدت أقرر أن الشيخ ميثم ليس له أى مجهود فى هذا المبحث ، وكنت عزمت على أن أضع هذا المبحث فيما انفرد به ابن سنان ، لكنى ـ وبفضل الله أولاً ـ قرأت شرحه لنهج البلاغة فى خمسة أجزاء ، وقد استغرق منى وقت طويلاً فى قراءته ؛ لعلى أجد فيه شيئًا عن الإيجاز والإطناب ، وأدركت أخيراً أن له متفرقات تضم رأيه فى الإيجاز والإطناب ، فقد بذل جهدًا ملموسًا عند شرحه لكلام الإمام على ، فأقول وبالله التوفيق :
* أولاً : الإيجاز :
... عرف الشيخ ميثم الإيجاز بقوله : " هو التعبير عن الغرض بأقل ما يمكن من الحروف من غير إخلال "(2).
... وهذا التعريف يتفق مع تعريف ابن سنان ـ السابق ـ بل يكاد يكون هو ، فهما متفقان فى شرط " عدم الإخلال " ، الذى ذكره هنا الشيخ ميثم ، وألح عليه هناك ابن سنان.
__________
(1) فن البلاغة د/ عبد القادر حسين ص 181 .
(2) أصول البلاغة ص 109 .(1/111)
... كما يبدو هنا ـ ومن خلال تعريف الشيخ ميثم ـ إصرار الشيخ ميثم على قياس الإيجاز بقلة الحروف وكثرتها ، ولعله فى ذلك يوافق ابن سنان .
* نوعا الإيجاز :
... مثل الشيخ ميثم لنوعى الإيجاز دون أن ينص على تسمية لهما فقد استشهد للإيجاز بقوله تعالى " وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ " ووازن بينها وبين المثل العربى بما لا يخرج عما قاله السابقون له ، وخاصة ابن سنان ، وعبارته هى : " والترجيح للآية ظاهر من وجهين : أحدهما أنه أوجز ، فإن حروفها عشرة ، وحروف المثل أربعة عشر . والثانى : أن القتل قصاصًا لا ينفى القتل ظلماً من حيث أنه قتل ، بل من حيث أنه قصاص ، وهذه الجهة غير معتبرة فى كلامهم ، ولها ترجيحات أخر ، لا نطول بذكرها "(1).
... والآية والمثل ـ كما ذكرت قبل ذلك ـ أنهما من إيجاز القصر ، ولكن الشيخ ميثم لم ينص على ذلك .
... وقد استشهد لإيجاز القصر ـ أيضًا ـ ببعض كلام الإمام على : ومن ذلك قوله ـ كرم الله وجهه ـ :
... " قِيِمَةُ كُلُّ امْرِئٍ مَايُحْسِنُه "(2)، وقد ذكر هذا المثل ابن سنان وعلق عليه بقوله: " فإن هذه الألفاظ على غاية الوجازة ، ووضوح المعنى ، وظهور حسنها يغنى عن وصفه"(3).
... أما الشيخ ميثم هنا ، فلم يعلق عليه ، بل ذكره مع الآية والمثل العربى ضمن أمثلة أخرى دون أى تعليق أو شرح .
أما إيجاز الحذف : فقد عثرت على تعليقات له عند شرحه لنهج البلاغة تفيد ذلك.
... من ذلك تعليقه على قول الإمام على(4): " فَمخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ ، وَعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ "(5).
__________
(1) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 155 .
(2) شرح نهج البلاغة ـ للشيخ محمد عبده ـ ص 419 .
(3) سر الفصاحة ص 211 .
(4) من خطبة له يذكر فيها إبتداء خلق السماوات والأرض.
(5) شرح البلاغة للشيخ ميثم 1/131 . والمخض : التحريك ، والسقاء : وعاء اللبن والماء .(1/112)
... يقول الشيخ ميثم معلقاً على ذلك : " أى مثل مخض السقاء ، ومثل عصفها ، فحذف المضاف الذى هو صفة المصدر ، وأقام المضاف إليه مقامه ، فلذلك نصبه
نصب المصادر "(1).
... وهذا هو الإيجاز بحذف كلمة عند المتأخرين ، ونظير ذلك عندهم قوله تعالى: "وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ " وإن كان الشيخ ميثم لم ينص على ذلك إلا أن كلامه يفيد هذا .
... ومن الإيجاز بالحذف تعليقه على كلام ـ العلامة ـ الرضى(2): " أمَّا بَعْد "(3)يقول الشيخ ميثم :
... " قوله : أما بعد حمدًا لله ، هو الجزء الثانى من الكلام وتقدير الكلام مع الجزء الأول : أما قبل الشروع فى المطلوب فالحمد لله ، وأما بعد حمد الله فـ ... وإنما حذف الجزء الأول اختصارًا للكلام ، وإيجازًا له ثم استمر ذلك الحذف ، وحسن استعماله فى الكلمات الخطابية ، وغيرها ، حتى صار إظهار المحذوف هاهنا مستهجنًا بقدر ما يستحسن الحذف "(4).
... ويفهم من هذا عدم إمكان ظهور المحذوف ، وقد جعل البلاغيون المتأخرون هذا شرطًا من شروط الحذف .
... يقول أستاذى الدكتور شادى : " ومن شروط الحذف ألا يمكن ذكر المحذوف فلو أظهرناه فى الجملة افتراضًا لصارت إلى كلام مرذول ثقيل ، يعنى هذا أن تكون البلاغة مع الحذف لا مع الذكر "(5).
... ويقول ـ العلامة ـ عبد القاهر قبل ذلك : " ما من اسم حذف فى الحالة التى ينبغى أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره "(6).
... وقول ـ العلامة ـ عبد القاهر " إلا فى الحالة التى ينبغى أن يحذف فيها " المقصود بذلك السياق ومقتضى الحال .
__________
(1) السابق 1/140 .
(2) هو العلامة الشريف الرضى صاحب شرح نهج البلاغة أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى الشيعى توفى سنة 404 هـ . راجع [ الكشكول ص 274 ] .
(3) شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم 5/91 .
(4) السابق نفس الصفحة .
(5) فصول من علم المعانى ص 124 .
(6) دلائل الإعجاز ص 117 ، والإتقان 2/58 .(1/113)
... ولقد ذكر الشيخ ميثم فصلاً خاصًا بالحذف والإضمار تحدث فيه عن حذف المفعول والمبتدأ والخبر ، ودواعى الحذف ، تأثر فيه بالعلامة عبد القاهر ومن تبعه كالرازى .
... ومن أغراض الحذف عنده ، التعظيم والتفخيم ، وأن يحذف للعلم به ، كقول الإمام على عليه السلام :
... " إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَم ، وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَ تَقَحّمْ "(1).
* الإطناب عند الشيخ ميثم :
... لم يتحدث الشيخ ميثم عن الإطناب فى كتابيه [ الأصول ، والمقدمة ] ، بل لم ينص عليه ، إلا ما كان من إشارة إلى الاعتراض .
... أما شرحه لنهج البلاغة ، فقد عثرت فيه على تعليقات له رائعة تفيد دراسته الكاملة لصور الإطناب ، فيقول معلقًا على كلام الإمام على :
... " ولا شك أن تقديم الإجمال فى الذكر ، وتعقيبه بالتفصيل أولى فى الفصاحة والبلاغة فى الخطابة من العكس "(2).
... وهذا غرض من أغراض الإيضاح بعد الإبهام(3)، وهو من صور الإطناب عند المتأخرين .
... ومن صور الإطناب عنده الاعتراض(4)، وقد عرفه بقوله : " هو أن يدرج
فى الكلام ما يتم به الغرض دونه "(5).
... وهو بهذا التعريف قد جرد الاعتراض من كل فضيلة ، وذلك من خلال قوله: "ما يتم به الغرض دونه " ، والحقيقة أن الغرض لا يتم بدون الاعتراض ، وأن له أغراضًا كثيرة ، فلا يأتى إلا لنكتة بلاغية .
__________
(1) من خطبة الإمام على المعروفة بالشقشقية ، وتقحم : ألقى بنفسه فى التهلكة ، وأشنق البعير : كفه بزمامها ، وخرم : قطع ، وأسلس : أرخى . [ نهج البلاغة ص 27 ] .
(2) شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم ـ 1/54 ، من خطبة له يذكر فيها خلق السماوات والأرض .
(3) الإيضاح بتحقيق الدكتور / محمدعبد المنعم خفاجى 3/196 ، وبغية الإيضاح 2/123 .
(4) ذكره ضمن أقسام النظم وتعلق الجمل ببعض ألوان من البديع [ أصول البلاغة ص 83 ] .
(5) السابق . وانظر تعريفه فى بغية الإيضاح 2/147 .(1/114)
... وقد مثل للاعتراض بقول الله تعالى : " فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ ـ لَوْ تَعْلَمُونَ ـ عَظِيم "(1).
... وإذا صح كلام الشيخ ميثم فهل يمكن لأحد أن يدعى أن الغرض قد تم هنا بدون قوله تعالى " لو تعلمون " ، وهذه الآية كما يقول أرباب البلاغة بها اعتراض فى اعتراض(2)" . فالاعتراض الأساسى ـ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ـ للتفخيم من شأن المقسم به ـوهو ـ مواقع النجوم ـ وأما الاعتراض الثانى الذى وقع فى أثنائه ، فقوله ـ لو تعلمون ـ فهو من الإعجاز العلمى ؛ لأن القوم كانوا لا يعلمون أسرار مواقع النجوم، فما بالهم لو علموها ؛ إذا لأدركوا قيمة هذا القسم "(3).
... كيف يمكن لأحد بعد ذلك أن يدعى أن الغرض يتم بدون الاعتراض .
... وربما أراد الشيخ ميثم أن ترتيب الألفاظ يصلح بحذف الاعتراض ، وهذا صحيح إن أراد ذلك، ولكن الغرض منه سيفوت .
... " وهناك غرض عام تجده فى كل اعتراض ـ وقد نقله السيوطى عن الطيبى ـ يقول : [ ووجه حسن الاعتراض : حسن الإفادة مع أن مجيئه مجئ ما لا يترقب ، فيكون ألذ كالحسنة تأتيك من حيث لا تحتسب ] "(4).
... ومن صور الإطناب التى تحدث عنها الشيخ ميثم ـ دون أن ينص على ذلك صراحة ـ : التكرار .
... وقد عثرت له على ثلاثة نصوص مختلفة ، تكون رأيه فى التكرار . فيقول عند تعليقه على قول الإمام على : " " أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً، وَابْتَدأَهُ ابْتَدَاءً "(5). يقول : " لم أجد لأهل اللغة فرقًا بين الإنشاء والابتداء ، ... ، إلا أنه يمكن أن يفرق بينهما صونًا لكلامه عليه السلام عن التكرار "(6).
__________
(1) الواقعة ، آية : 75 ، 76 .
(2) الكشاف للزمخشرى ط الريان 4/469 .
(3) فصول من علم المعانى لأستاذى الدكتور محمد شادى ص 159 .
(4) السابق ص 158 وانظر الإتقان 2/75 ، والتبيان للطيبى تحقيق عبد الستار زموط ص 494 .
(5) شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم 1/131 .
(6) السابق ص 132 .(1/115)
... وكأنه بذلك يرفض التكرار ويرى أنه معيب ، وعاود النظر فى قوله [ صونًا لكلامه عليه السلام عن التكرار ] .
... ويقول فى موضع آخر ـ معلقًا على قوله عليه السلام ـ :
" وَإِيتَاء الزَّكَاةِ فَإِنَّها فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ "(1)[ ولأن الغرض والواجب بمعنى واحد ، فيكون قوله : فريضة واجبة . تكرار ](2).
... قال هذا ... دون أن يعلق على موقفه من هذا التكرار حسنٌ أم معيبٌ ؟
... أما النص الثالث : فيقول فيه ، معلقًا على قول الإمام على : " فَمخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ ، وَعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ "(3)، [ فمثل هذا التكرار ـ على حد قوله ـ جاز فى الكلام الفصيح كقوله تعالى : ( كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرّسُول )(4)] .
... وهنا يبدو إجازته للتكرار ، بدليل قوله " جاز فى الكلام الفصيح " .
... ولكن اللافت هنا أنه يطلق لفظة [ التكرار ] على ما جاء فى القرآن ، والحقيقة " أن القرآن الكريم لا تكرار فيه ، وأن ما ظاهره التكرار يدخل تحت ما يعرف بالترديد ، أو التعطف أو الترجيع "(5).
* دراسة الشيخ ميثم للحشو ورأيه فيه :
__________
(1) السابق 3/77 .
(2) السابق 3/77 .
(3) شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم جـ 1 ص 132 .
(4) السابق 1/140 ، والآية من المزمل 15 ، 16 .
(5) فصول من علم المعانى لأستاذى الدكتور محمد شادى ص 149 .
... والترديد : هو أن يعلق الثانى بغير ما يعلق به الأول ، والتعطف : مثل الترديد ، إلا أنه يشترط فى إعادة اللفظ أن يكون فى فقرة أخرى، والترجيع : أن يكون المعنى مهتمًا بشأنه ، فإذا شرح فى نوع من الكلام نظر إلى ما يتخلص إليه ، فإذا تمكن من إيراده كر إليه . [انظر شرح عقود الجمان فى علم المعانى والبيان/السيوطى/ مطبعة مصطفى البابى الحلبى ص 73 ، والإتقان 2/67 ، والتبيان للطيبى ص [47] .(1/116)
... أما عن الحشو فقد عثرت فى شرحه على تعريف له ، يقول : " الحشو هو الكلام الكثير الذى لا طائل تحته "(1).
... وهو يدرك أن الحشو لا فائدة منه ، وإنما هو حشو كما يدل مسماه .
... ولكنه عند التطبيق يخالف هذا الرأى ، بل ويخلط بينه وبين الاعتراض ، كما فعل ابن سنان من ذى قبل .
... يقول عند تعليقه على قول الإمام على : " فَوَالَّله لئِنْ جَاءَ يْومِى ـ وَلَيَأْتِينى ـ لَيُفرّقن بيْنِى وَبَيْنَكُمْ "(2)يقول الشيخ ميثم : " قوله ـ وليأتينى ـ حشوة لطيفة(3)، وأتى بها مؤكدة لأن إتيان الموت أمر محقق ، وكأنه ردّ بها ما يقتضيه " إنْ " من الشك ، فحسنت هذه الحشوة بعدها "(4)وكلامه هذا يفيد استحسانه للحشو .
والذى لا شك فيه أن هذا اعتراض وليس بحشو .
ــ وبعد ــ
فهذا كل ما عثرت عليه من نصوص للشيخ ميثم فى شرحه لنهج البلاغة عن الإيجاز والإطناب ، وهو بلا شك قد بذل جهدًا يحمد له ، وإن اختلط عليه الأمر فى بعض المسائل ، إلا أنه فى شرحه لكلام الإمام على كانت له بصمات واضحة ، لم يتأثر فيها بأحد .
* ما انفرد به كل منهما :
... كانت هذه هى المباحث التى تحدث عنها ابن سنان والشيخ ميثم فى " علم المعانى " ، اتفقا أو اختلفا ، ولكن هناك بعض المسائل التى انفرد بها كل منهما .
فمما انفرد به ابن سنان :
__________
(1) شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم ص 316 جـ 1 .
(2) شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم 3/375 .
(3) يسمى الطيبى الاعتراض أحيانا بالحشو المليح أيضا [ التبيان ص 495 ] .
(4) شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم 3/377 .(1/117)
... موقفه من قضية شغلت أكثر الباحثين(1)وهى قضية : [ إعجاز القرآن الكريم]، وقد تحدث ابن سنان عن هذه القضية فى موضعين :
... الأول : قوله : " وإذا عدنا إلى التحقيق وجدنا وجه إعجاز القرآن صرف العرب عن معارضته ، بأن سلبوا العلوم التى بها كانوا يتمكنون من المعارضة فى وقت مرامهم ذلك "(2).
... والنص الثانى : قوله : " الصحيح أن وجه الإعجاز فى القرآن هو صرف العرب عن معارضته ، وأن فصاحته كانت فى مقدورهم لولا الصرف "(3).
... ولقد راعنى أمر ابن سنان عندما عثرت على كلامه هذا ، فهو يرى أن وجه إعجاز القرآن الكريم هو " الصرفة "(4)، ولا يمكن لى الرد على هذا المذهب هنا ، لأن المقام لا يسمح ، وفساده ظاهر بين(5)، وهناك كتب كثيرة أقامت الأدلة على بطلانه(6).
__________
(1) انظر على سبيل المثال : بحوث بلاغية د/ أحمد مطلوب ص 8 ، مجموعات المجمع العلمى ـ بغداد 1417 هـ ـ 1996 م ، أثر القرآن فى تطور النقد العربى / د/ محمد زغلول سلام ص 71 ـ دار المعارف ، فكرة إعجاز القرآن منذ البعثة النبوية حتى عصرنا الحاضر ـ نعيم الحمصى ص 85 ، قضية الإعجاز القرآنى د/ عبد العزيز عبد المعطى عرفه ص 72 ، وإعجاز القرآن والبلاغة النبوية / لمصطفى صادق الرافعى ، ودراسات جديدة فى إعجاز القرآن د/ عبد العظيم المطعنى .
(2) سر الفصاحة ص 100 ، ويرى الدكتور محمد أبو موسى : أن عبارة ابن سنان توشك أن تكون عبارة الشريف المرتضى [ انظر الإعجاز البلاغى ص 370 ] .
(3) سر الفصاحة ص 225 .
(4) ذكر صاحب معجم الأدباء أن لابن سنان كتابًا فى الصرفة [ معجم الأدباء 3/139 ] وقد قال بالصرفة النظام ، والشريف المرتضى ، والرُّمانى ، وابن حزم ، وغيرهم .
(5) يقول العلامة الرافعى : " وهو عندنا رأى لو قال به صبية المكاتب ... لكان ذلك مذهبًا من تخاليطهم " [إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص 125 ] .
(6) منها على سبيل المثال االبرهان للزركشى ، ومن بلاغة القرآن للدكتور أحمد بدوى .(1/118)
... ولكنى أتساءل متعجبًا : لماذا قال ابن سنان بهذا الرأى ؟ وهو الحصيف العالم الناقد ، وهل خفى عليه أن القرآن معجز بسمو نظمه ؟! .
... لقد فتشت فى أكثر الكتب التى تحدثت عن مذهب الصرفة(1)، لعلى أجد سبباً لذلك فلم يحالفنى التوفيق .
... وأتساءل ثانيًا : هل قال ابن سنان بهذا الرأى لأنه معتزلى(2)، وأساس مذهب الصرفه قال به معتزلى(3)هو النظام(4)؟
... ويرد الدكتور / محمدأبو موسى " أن هذا غير معقول ... ؟ لأن هؤلاء العلماء لم يكونوا من ذوى العقول الضعيفة الصغيرة المقلدة ، وليسوا شخوصًا فى مذاهب تردده وتقوم به ، وقد رأينا الجاحظ وهو لسان المعتزلة يردّ مقالة أبى إسحاق ردَّا قاطعًا، لا مواربة فيه ، مع أننا لم نجد من أكبر أبا إسحاق كما أكبره الجاحظ"(5).
... ويقول أستاذى الدكتور عبد الغنى : " والعجيب فى أمر هذه الفرية ، أن القول بها ينسب إلى علماء لهم قدرهم الكبير فى الفكر والعلم والذكاء "(6).
__________
(1) منها إعجاز القرآن بين الأشاعر والمعتزلة د / منير سلطان .
(2) وأنه صادر عن عقيدته فى التوحيد والعدل الإلهى على مذهب المعتزلة ، ونفى صفات الله عن ذاته ، ومن ثم فلا كلام فى الشكل اللفظى المعهود من الخلق ، وإنما كلام الله وحى وإلقاء فى الروح . [ انظر أثر القرآن فى تطور النقد العربى / د/ محمد زغلول سلام ص 71 ط دار المعارف ] .
(3) وقد قيل إن هذا الرأى للبراهمة [ انظر المباحث البلاغية د/ العمرى ص 27 ]
(4) النظام هو رأس المعتزلة وأستاذ الجاحظ ، من القائلين بالصرفه ، كان قوى الحجة ، مدحه الجاحظ فى كتبه . [ نشأة الفكر الفلسفى د/ على سامى النشار 1/502 ] .
(5) الإعجاز البلاغى ص 366 .
(6) الإعجاز القرآنى ـ وجوهه وأسراره د/ عبد الغنى ص 52، 53 ، ط 1 مكتبة وهبة .(1/119)
... ولمّا لم أجد عند العلماء ما يفيد سبب قول ابن سنان بالصرفة(1)، عدتُ إلى نص كلامه ، وقرأت ما قبله وما بعده ، لعلى أعثر على شيئ يفيد سبب ذلك .
... وأحسست وأنا أقرأ كلام ابن سنان بأنه قد تورط فى القول بالصرفة ، وليس قوله كذلك لأجل أنه معتزلى ، وإنما كان يريد أن يثبت فى النص الأول ـ ردًّا على الرُّمانى ـ أن التأليف على ضربين متلائم ومتنافر ، لا كما قال الرُّمانى بأنه على ثلاثة أضرب " متنافر ، ومتلائم فى الطبقة الوسطى ، ومتلائم فى الطبقة العليا " ، وأن القرآن من المتلائم فى الطبقة العليا .
... وأرجح أن ابن سنان عندما وجد الرُّمانى قد جعل القرآن من المتلائم من الطبقة العليا ، أراد أن يثبت أنه لا يوجد ما يسمى بالمتلائم فى الطبقة العليا ، وإنما التأليف متنافر ومتلائم ، ولم يجد أمامه سوى أن ينفى أن يكون القرآن معجزًا بالتأليف ، وأنه معجز بالصرفة ؛ ليؤكد صحة رأيه فى التأليف ؛ ولذلك يقول : " وإذا كان الأمر على هذا فنحن بمعزل عن ادعاء ما ذهب إليه من أن بين تأليف حروف القرآن وبين غيره من كلام العرب كما بين المتنافر والمتلائم "(2).
__________
(1) يرى أ/ كامل الفقى أنها لوثة ورثها من مدرسة النظام [ مجلة الأزهر ص 367 سنة 1364 هـ شعبان مجلد 16 جـ 8 ] .
(2) سر الفصاحة ص 100 ، وراجع البحث البلاغى والنقدى بين النشأة والمنهج ، ونشأة البلاغة وأصول علم المعانى د / محمد شادى ص 125 .(1/120)
... أما فى النص الثانى فقد تورط ـ أيضاً ـ لأنه كان بصدد الرّد على القاضى الجرجانى(1)، والشيخ عبد القاهر ، عندما أراد أن يثبت أن بعض القرآن أفصح من بعض، وأن مما يُعترض به ، ما قاله الشيخان من أن قدر كل سورة من قصار سور المفصّل منه قد خرق العادة فى الفصاحة بفصاحته ، وكان معجزًا بعلوه فى الفصاحة ، وما كان خارقًا للعادة فى الفصاحة لا يكون غيره أفصح منه ، فقال ابن سنان ردًّا عليهما : " الجواب عن هذا ... أن الصحيح أن وجه الإعجاز فى القرآن ، هو صرف العرب عن معارضته ، وأن فصاحته كانت فى مقدورهم لولا الصرف"(2).
... ومما يؤيد أنه تورط فى الصرفة قوله : " ونعلم أن مسيلمه وغيره لم يأت بمعارضة على الحقيقة ؛ لأن الكلام الذى أورده خال من الفصاحة ، التى وقع التحدى بها فى الأسلوب المخصوص "(3)، والله أعلن بمراد ابن سنان .
* رأى ابن سنان فى فصاحة آيات القرآن :
... يرى ابن سنان أن بعض آى القرآن أفصح من بعض ، ويؤكد ذلك بأدلة قوية:
... منها: أن الناس مازالوا يفردون بعض مواضع من القرآن يعجبون منها فى البلاغة ، كقوله تعالى : " وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلعِى مَاءَكِ ، وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ الْماَءُ ، وَقُضِىَ الآمْرُ ، وَاسْتوَتْ عَلَى الْجودِىّ ، وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظّالِمِين "(4)، فلو كانوا يذهبون إلى تساويه فى الفصاحة لم يكن لإفرادهم هذه المواضع المعينة المخصوصة دون غيرها معنى .
__________
(1) هو القاضى على بن عبد العزيز الجرجانى صاحب الوساطة ولد بجرجان سنة 290 هـ وترعرع فيها ، اشتهر بالفقه وفسر القرآن الكريم [ تاريخ علوم البلاغة للشيخ المراغى ص 81 ] .
(2) سر الفصاحة ص 225 .
(3) السابق ص 14 .
(4) هود ، آية : 44 .(1/121)
... ومنها : أن القرآن فى لغته أفصح من التوراة فى لغتها ، والإنجيل فى لغته ، والزبور فى لغته ، والجميع كلام الله ، فما المانع أن يكون بعض كلامه الذى هو القرآن أفصح من بعض ؟ حتى تكون آية منه أفصح من آية ، والجميع كلام الله "(1).
... وتكاد ترتاح نفسى إلى عدم القول بتفاوته بلاغة القرآن ، فالصحيح أنه على درجة واحدة وفى مرتبة واحدة ، ولا عبرة برأى من قال بتفاوت مهما سطّر من أدلة.
... كان هذا هو رأى ابن سنان فى الإعجاز القرآنى ، أما الشيخ ميثم فلم يشر إلى ذلك لا من قريب ولا من بعيد ، وأرجح أن سبب ذلك هو أنه كان مشغولاَ بشرح كلام الإمام على .
... ومن الموضوعات التى انفرد بها الشيخ ميثم : الفصل والوصل ، والفروق فى الخبر ، ومزايا بعض الحروف مثل إن وإنّما(2).
... بينما لم يشر ابن سنان إلى شيئ من ذلك ، ولم تكتمل عنده مباحث " علم المعانى" ؛ لأنه كان يذكر منها ما يتفق مع غرضه من كتابه ، وهو البحث عن حقيقة الفصاحة .
* خلاصة القول فى الإيجاز والإطناب بين الشيخ ميثم وابن سنان:
أولاً :
... الحديث عن الإيجاز والإطناب حديث قديم له جذوره وأصوله .
ثانيًا :
... خصص ابن سنان للحديث عن الإيجاز والإطناب بحثًا فى كتابه " سر الفصاحة" وجعله من شروط الفصاحة .
... أما الشيخ ميثم ، فقد انحصر مجهوده فى شرحه لنهج البلاغة .
ثالثًا :
... عرف ابن سنان الإيجاز وقسمه إلى حذف وقصر ، واستشهد له من القرآن ، والشعر العربى .
... أما الشيخ ميثم ، فقد عرف الإيجاز ـ أيضا ـ بنفس تعريف ابن سنان ، لكنه لم يقسمه كما فعل ابن سنان ، وإنما مثل له بأمثله تفيد معرفته بهذا التقسيم .
رابعًا :
... اشترط ابن سنان فى الإيجاز الوضوح
... واشترط الشيخ ميثم فيه عدم الإخلال .
خامسًا :
__________
(1) سر الفصاحة ص 223 .
(2) أصول البلاغة ص 103 ، 111 .(1/122)
... اتفق الشيخ ميثم وابن سنان على قياس الإيجاز والإطناب على قلة الحروف وكثرتها ، ولكنى أميل إلى الرأى القائل بأن الإيجاز ، " إيجاز موضوع " ، ولا ينحصر فى الحروف والألفاظ .
سادسَا :
... تحدث ابن سنان عن الإطناب ولم يرفضه ـ كما ادعى البعض ـ ولكنه اشترط له شروطًا عدة ، وتحدث عن بعض صوره ؛ مستشهدًا لذلك كله بشواهد عديدة .
... بينما لم أعثر للشيخ ميثم على شيئ من ذلك فى كتابيه " الأصول ، والمقدمة " ، وإذا كان له من جهد فى حديثه عن الإطناب ، فهو ما تراه له عند شرحه لكلام الإمام على .
سابعًا :
... تحدث ابن سنان حديثًا رائعًا عن " الحشو " وقسمه إلى مفيد وغير مؤثر ، ومفسد للمعنى ، ومع ذلك يخلط أحيانًا بينه وبين " الاعتراض " .
... أما الشيخ ميثم فتارة يُشيد بالحشو ، وتارة أخرى يذمه وبرى أنه معيب .
ثامنًا :
... انفرد الشيخ ميثم بحديثه عن " الاعتراض " ، ولكنه عند تعريفه له جرده من كل فضيلة على غير عادة البلاغيين المتأخرين .
... أما ابن سنان فلم أعثر له إلا على أمثلة عدها من الحشو المفيد .
تاسعًا :
... خلط ابن سنان بين أمثلة المساواة والإيجاز ، بينما لم يتحدث الشيخ ميثم عن المساواة .
عاشرًا :
... انفرد ابن سنان بحديثه عن " إعجاز القرآن " ، ورأى أنه معجز " بالصرفة "، وقد بينت سبب ذلك ، كما رأى أن فى القرآن الفصيح والأفصح .
... بينما لم يشر الشيخ ميثم إلى موقفه من هذه القضية ؛ لأنه اهتم بشرحه لكلام الإمام على .
...(1/123)
-1-
التشبيه
... أولاً : التشبيه عند ابن سنان :
* مفهوم البيان عند ابن سنان :
... لم يستخدم ابن سنان "البيان" بمفهومه الذى استقر عند البلاغيين المتأخرين ، ولكنه استخدم "الفصاحة والبلاغة والبيان" بمعنى واحد ، فلم يُفرقْ بين "البيان" ، وبين "الفصاحة والبلاغة" ، ولكنه أطلق كلمة "بيان" وأراد منها الكشف والإيضاح ، واستخدمها ـ كغيرها من المصطلحات البلاغية ـ للكشف عن ماهية "الفصاحة" ، "فالفصاحة" عنده تعنى : الظهور والبيان .
... ومما يدل على استخدامه "البيان" مرادفاً "للفصاحة والبلاغة" قوله : "سُمّىَ الكلامُ الفصيحُ فصيحًا، كما أنهم سموه بياناً ؛ لإعرابه عما عبر عنه ؛ وإظهاره له إظهاراً جليًّا"(1).
... ويقول : " إن الناس قد أكثروا من الدلالة على شرف الفصاحة ، وعظم قدر البيان والبلاغة ... ، وقد قال عزّ اسمه : { الرّحْمنُ عَلّمَ القُرآنَ . خَلَقَ الإِنْسَانَ . عَلّمَهُ الْبَيَانَ }(2)، ولم يكن تعالى يذكر البيان ها هنا ، إلا وهو من عظيم النعم على عبيده "(3).
... ويقول فى موضع آخر : " والفضلُ اللائحُ إنما هو للإفصاحِ والبيانِ والبلاغةِ، وحسنِ النطقِ دونَ ما يُسمّى كلاماً"(4).
__________
(1) سر الفصاحة ص 58 .
(2) سورة الرحمن ، آية : 1-4 ، راجع تعليق الطاهر بن عاشور على الآية (التحرير والتنوير ص 232 حـ13) .
(3) سر الفصاحة ص 60 ، يقول الإمام عبد القاهر عن البيان . (لولاه لم تكن لتتعدى فوائد العلم عالمه ، ولا يصح من العاقل أن يفتق عن أزاهير العقل كمائمه) "أسرار البلاغة ت / د/ محمد عبد المنعم خفاجى 59/1 .
(4) السابق ص 61 . ويقول عند حديثه عن التشبيه : "ومما يحتاج إليه التشبيه أن يكون الأمر المشبه به واقعاً مشاهداً معروفاً غير مستنكر ؛ ليوافق ذلك المقصود بالتشبيه والتمثيل من الإيضاح والبيان" السابق ص 253 .(1/1)
... ولا عبرة بقول أحد المحدثين : "أخذت على ابن سنان خَلْطه بين الفصاحة والبلاغة ، وجَعْلهِما شامليْن لعلم البيان فنراه مثلاً يتكلم عن الاستعارةِ ويُلْحِقُها بالكلام على الفصاحة ، ثم يتكلم على التشبيه ، ويجعلُه من البلاغة ، وما الاستعارةُ إلا تشبيهٌ حُذف أحدُ طَرَفَيهْ ، فهما من وادٍ واحد"(1)
... أقول : لا عبرة بهذا النقد ؛ لأن ابن سنان ذكرَ مسائلَ علم البيان لأنها تعنى عنده : "حسن التأليف فى الموضوع المختار" ، وهو نفسه يعترف بذلك ، يقول : "ومع هذا البيان كله ، فالفصاحة عبارة عن حسن التأليف فى الموضوع المختار"(2).
... كما أن له العذرَ فى هذا الخلطِ ـ إن صح التعبيرُ بذلك ـ ؛ لأن مسائل البلاغة وتقسيماتها المعروفة ، لم تكن قد تحددت بعد .
... ثم إن ابن سنان لم يذكرْ هذه المسائلَ البلاغيةَ ، ولم يصنّفْها هكذا ، إلا خدمةً لغرضه من تأليفِ كتابه ، فلم يكن يعنيه أن تكونَ الاستعارةُ قبلَ التشبيهَ أو بعدَه(3)، ولكنه رسم منهجاً ارتضاه لنفسه ، الغرض منه البحث عن ماهية الفصاحة .
* ماذا يعنى التشبيهُ عند ابن سنان ؟ :
... جاءت دراسةُ ابن سنان للتشبيه فى معرضِ حديثه عن المعانى مفردة ، حيث اعتبرَ من صحةِ المعانى ، صحةُ التشبيه .
__________
(1) د/ حفنى محمد شرف فى كتابه "التصوير البيانى" ص 13 ، والغريب أنه يقول بعد ذلك "ولم يتعرض ابن سنان لمعنى مصطلح "بيان" ؛ لأنه لم يتحدد عنده بعد ، بل كان يرى تحقيقه فى الكشف والإيضاح عن تحقق الفصاحة والبلاغة بعد توفر شروطهما" (السابق نفس الصفحة) . أقول : أليس يكفى كلام الدكتور شرف ردًّا على ما أخذه هو نفسه على ابن سنان ؟!
(2) سر الفصاحة ص 93 .
(3) سأفسر سبب ذلك لاحقاً فى "الفصل الرابع" .(1/2)
... ومعنى التشبيه عنده : "أن يُقال إن أحدَ الشيئيْن مثلُ الآخر فى بعض المعانى والصفات ، ولن يجوز أن يكون أحدُ الشيئين مثل الآخر من جميع الوجوه ، حتى لا يُعقل بينهما تغير البتّة ؛ لأن هذا لو جاز ، لكان أحد الشيئين هو الآخر بعينه ، وذلك محال"(1).
... وابن سنان بهذا التعريف "يفيد الغيريةَ ، ولا يفيد العينيةَ أو الاتحاد ، فالحدود بين الطرفين قائمة وواضحة"(2). ومفهوم التشبيه على هذه الصورة يكاد يكون هو نفس مفهوم التشبيه عند الجاحظ(3)، وقدامة(4)، وأبى هلال(5)، وابن رشيق(6)، والسكاكى(7).
... ولكنى أُرجّحُ أن يكونَ ابن سنان قد تأثر بقدامةَ أكثر من غيره ، ويتضح ذلك عند الموازنة بين التعريفين : يقول قدامةُ : "إنه من الأمورِ المعلومةِ أن الشيئ لا يُشَبَّهُ بنفسه ولا بغيره من كل الجهات ، إذا كان الشيئان إذا تشابها من جميع الوجوه ولم يقع بينهما تغاير البتّه اتحدَا ، فصار الاثنان واحداً ، فبقى أن يكون التشبيهُ إنما يقع بين شيئين بينهما اشتراكٌ فى معانٍ تعمهما ، ويوصفان بها ، وافتراقٌ فى أشياءَ ينفرد كل واحد منهما عن صاحبه بصفتها"(8).
... ومن يقرأ التعريفين ، سيدركُ لأول وهلةٍ مدى تأثر ابن سنان بقدامةَ فى تعريفه للتشبيه ، وأن كل ما فعله ابن سنان هنا أنه اختصر كلام قدامةَ.
__________
(1) سر الفصاحة ص 246 .
(2) الصورة البيانية وتطورها د/ الوصيف هلال الوصيف ص 17 .
(3) السابق نقلاً عن الحيوان 2/128 تحقيق فوزى عطوى .
(4) نقد الشعر ص 109 تحقيق /كمال مصطفى .
(5) الصناعتين ص 262 .
(6) العمدة 1/286 .
(7) المفتاح ص 332 . والسكاكى : أبو يعقوب يوسف بن أبى بكر السكاكى الخوارزمى توفى سنة 626 هـ (تاريخ علوم البلاغة للشيخ المراغى /110)
(8) نقد الشعر / لقدامة / ص 109 ت/ كمال مصطفى .(1/3)
... وكنت أعتقدُ أن ابن سنان سيستشهد بنفس أمثلة قدامة ، ولكنى ـ وبعد التأمل ـ وجدتُ الأمر غير ذلك ، حيث إن ابن سنان عند التطبيق والاستشهاد قد تأثر إلى حدٍّ كبير بالرُّمانى.
... فقد مثّل ابن سنان للتشبيه بقول الله تعالى : { وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِى الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ }(1)، وقوله : { فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ }(2).
... ويعلق على الآيتين ـ كما يعلق على غيرهما ـ بقوله : " وهذه التشبيهاتُ كلُّها ما بيناه من تشبيه الخفى بالظاهر المحسوس والذى لا يُعتاد بالمعتاد ، لما فى ذلك من البيان ، إلا قوله تبارك وتعالى : { وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِى الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ } ؛ فإنه شبَّه الشيئَ بما هو أعظمُ منهُ على وجهِ المبالغةِ"(3).
... وهذه وغيرها هى نفس تشبيهات الرُّمانى ، إلا أن تعليق الرُّمانى يختلف عن تعليق ابن سنان ، فمثلاً يعلق الرُّمانى على قوله تعالى : { فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ } بقوله :
" فهذا تشبيهٌ قد أخرجَ ما لم تجرِ به عادة إلى ما قد جرت به ، وقد اجتمعا فى الحُمرةِ ، وفى لين الجواهرِ السَّيَّالةِ وفى ذلك الدلالة على عظيم الشأنِ ، ونفوذ السلطان ، لتنصرف الهممُ بالأمل إلى ما هناك"(4)
...
ومن التشبيه فى الشعر عند ابن سنان قول النابغة(5):
__________
(1) سورة الرحمن ، آية : 24 .
(2) سورة الرحمن ، آية : 37 .
(3) سر الفصاحة ص 247 .
(4) النكت فى إعجاز القرآن ـ ضمن ثلاث وسائل فى إعجاز القرآن ـ ص 83 .
(5) هو : زياد بن معاوية عاش فى النصف الأخير من القرن السابق على ظهور الاسلام وتوفى سنة 18 ق.هـ (راجع : تاريخ الأدب العربى / كارل بروكلمان 88/1 ، الشعر والشعراء ص 70-81 - دار صادر .(1/4)
... فَإِنّكَ كَاللّيلِ الَّذِى هُوَ مّدْرِكِى ... ... وَإِنْ خِلْتُ أّنَّ الْمُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ(1)
... ثم يقول : " وهذا التشبيهُ يجمع المقصوديْنِ من الظهورِ والمبالغةِ أما الظهورُ ؛ فلأن علمَ الناسِ بأن الليلَ لابد من إدراكه له ، أظهرُ من علمهم بأن النعمانَ لابدّ من إدراكه له ، وأما المبالغةُ فإن تشبيههُ بالليل الذى لا يصد دونه حائلٌ ، أعظمُ ، وأفخمُ وأبلغُ فى المدحِ"(2).
ومن التشبيه المختار عنده قول امرئ القيس :
... كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْباَ وَيَابِساً ... لَدَى وَكْرِهَا الْعُنَّابُ والْحَشفُ الْبَالىِ(3)
... وهذا من التشبيه المقصود به إيضاح الشيئ ؛ لأن مشاهدةَ العنابِ والحشفِ البالى أكثرُ من مشاهدةِ قلوبِ الطيرِ رطبةً ويابسةً(4).
... وعلى هذا ؛ فالأصل فى حسن التشبيه عنده أمران :
الأول : أن يمثل الغائب الخفى الذى لايُعتاد بالظاهر المحسوس المعتاد ، فيكون حسنُ هذا لأجل إيضاح المعنى وبيان المرادِ(5). وهو فى هذا يسير على نهج الرُّمانى، ويخطو خطاه(6).
... والأمر الثانى : أن يمثَل الشيئُ بما هو أعظمُ وأحسنُ وأبلغُ منه ، فيكون حسنُ ذلك لأجلِ الغلوِّ والمبالغةِ(7).
__________
(1) ديوانه ص 77 ، وأسرار البلاغة ص 27 ت رُيتر ، والصناعتين ص 271 .
(2) سر الفصاحة ص 247 .
(3) جعل ابن طباطبا العلوى البيت من تشبيه الشيئ بالشيئ صورة وهيئة (عيار الشعر / ت د/ عبد العزيز المانع ص 25 .
(4) سر الفصاحة ص 248 .
(5) السابق ص 246 .
(6) النكت ـ للرُّمانى ـ ص 81 .
(7) سر الفصاحة ص 246 . يقول د/ أحمد عبد السيد الصاوى : "وهكذا يحتكم ابن سنان فى بيان قيمة الصورة التشبيهية ووصفها "بالمبالغة" ، إلى الواقع الخارجى ، وإلى العادة والعرف اللذين يرتبطان ويندمجان مع هذا الواقع ، وهذا الفهم بدوره كفيل بأن يقف بالصورة عند حدود شكلية "مفهوم المبالغة فى الفكر النقدى والبلاغى ص 49" .(1/5)
... وهذه مسألة اختلفت وجهة نظر البلاغيين فيها ما بين مؤيد لها ، ومعارضٍ(1). ولولا خوف الإطالةِ ، لتتبعت مواقف العلماء ، ولكن ما يعنينى هنا هو موقف ابن سنان .
... وقد اتضح موقفُه بما لا يدع مجالاً للشك فيه ، وهو أنه من المؤيدين لمسألة : أن يكون المشبه به "أحسن وأظهر وأبلغ" فيكون حسن ذلك لأجل الغلو والمبالغة.
... ولكن هذا الكلام لم يَرُق ابن الأثير ـ كعادته ـ فى تتبع كلام ابن سنان ـ وإن لم يصرح باسمه هذه المرة .
يقول ابن الأثير :
" قيل إن من شرْطِ بلاغةِ التشبيه أن يُشبَّه الشيئُ بما هو أكبر منه وأعظم" ثم يقول بعد ذلك بقليل :
" والقولُ السديدُ فى بلاغةِ التشبيهِ هو ما أذكرُه ، وهو أن إطلاقِ من أطلق قوله فى أن من شرط بلاغة التشبيه أن يشبه الأصغر بالأكبر غير سديد ، فإن هذا قول غير حاصرٍ للغرض المقصود ؛ لأن التشبيه يأتى تارة فى معرض المدح ، وتارة فى معرض الذم ، وتارة فى غير معرض مدح ولا ذمِ ، وإنما يأتى قصداً للإبانة والإيضاح ، ولا يكون تشبيهَ أصغر بأكبر كما ذهب إليه من ذهب"(2).
... وأقول وأنا بصدد الرد على ابن الأثير :
إن ابن سنان منذ الصفحة الأولى فى كتابه وهو يلح على مسألة "الوضوح" ، وكيف لا يكون ذلك وهو يبحث عن ماهية "الفصاحة" وهى عنده تعنى : الظهور والبيان والإيضاح وعبارته السابقة التى يقول فيها :
" فيكون حسن هذا لأجل إيضاح المعنى وبيان المراد " تؤكد ذلك ، فهو لم يهمل "الوضوح" فى حسن التشبيه .
* موقف ابن سنان من التشبيه " المحذوف الوجه والأداة " :
... كنتُ قد عزمتُ على دراسة التشبيه "المحذوف الوجه والأداة " فى الاستعارة، ولكنى أدركت أنه من الصواب دراسته هنا ، وذلك لسببين :
__________
(1) من المؤيدين : الرُّمانى ، والعلوى ، وابن جحة الحموى ، والجرجانى . "النكت فى إعجاز القرآن ص 81 ، والطراز ص 127 ، والإشارات والتنبيهات ص 152 ، وخزانة الأدب 383/1"
(2) المثل السائر 100-102/2 .(1/6)
الأول : أن أكثر البلاغيين(1)اتفقت كلمتهم على عد هذا النوع من التشبيه وليس من الاستعارة .
الثانى : أن العنوان نفسه وهو "التشبيه المحذوف الوجه والأداة" يندرج تحت التشبيه(2).
... وقد اختلفت الآراء حول هذه المسألة اختلافاً كاد أن يؤثرَ على جمال البلاغة، لدرجة أن أُلّفت حولها بعضُ الكتب(3). وهو الأمر الذى جعل الخلافَ يصل بينهم إلى عشرةِ آراء وهذا ما جعل أستاذى الدكتور محمد شادى يقول :
" كدت أضرب الذكر صفحاً عن هذا الموضوع ، إذ لا يترتب فرق كبير على اعتبارنا نحو "العلم نور" تشبيهاً أو اعتباره استعارة ، كما لا يتحقق من المنفعة ما يوازى الجهد المبذول فى هذا الموضوع"(4).
ويقول د/ محمد نايل :
" فهذه الحيرةُ وذلك الاضطرابُ لم يكن إلا أثراً من آثار التحديد المنطقى والعمق النظرى ، ولو أنهم جانبوا ذلك قليلاً ، لخلصوا من هذا كله ، ولاسْتقام لهم أمرُ التطبيقِ والفهمِ فى سهولةٍ ويسرٍ ، وإلا فقل لى بربك : ما العذر فى أن يختلفوا فى نحو "زيد أسد" إلى خمسة آراء : تشبيه بليغ ، أو استعارة تصريحية ، أو مجاز مرسل ، أو مجاز بالحذف ، أو مجاز عقلى ؟؟"(5).
... والمهم هنا هو موقف ابن سنان من التشبيه "المحذوف الوجه والأداة ".
__________
(1) يقول الزمخشرى ، وهو بصدد تفسير قوله تعالى : { صم بكم عمى فهم لا يرجعون } البقرة، آية : 18 : "المحققون على تسميته تشبيهًا بليغياً لا استعارة" (الكشاف 76/1) .
(2) وإن كانت معرفة الفرق بينهما تأتى بعد معرفة مفهوم الاستعارة .
(3) انظر على سبيل المثال : "التشبيه البليغ : هل يرقى إلى درجة المجاز؟ ـ عرص ، ونقد" د/ عبد العظيم إبراهيم المطعنى.
(4) انظر : أساليب البيان والصورة القرآنية ص 238 .
(5) انظر : البلاغة بين عهدين ص 279 - 280 - دار الفكر .(1/7)
... ومن يتصفح "سر الفصاحة" يدرك أن ابن سنان ـ كأكثر البلاغيين ـ يدخل هذا النوع فى "التشبيه" ، وهذا واضح من قوله : "وقد يكون التشبيه بحرف ، وقد يكون بغير حرف على ظاهر المعنى ، ويستحسن ذلك لما فيه من الإيجاز"(1).
... ويقول عند حديثه عن الاستعارة : "فإن قال قائل ، فما الفرق بين الاستعارة والتشبيه إذا كان الأمر على ما ذكر تم ؟ قيل الفرق بينهما ما ذكره أبو الحسن(2)، وهو أن التشبيه على أصله لم يغير عنه فى الاستعمال ، وليس كذلك فى الاستعارة ؛ لأن مخرج الاستعارة مخرج ما ليست العبارةُ له فى اصل اللغة ، على أن الرُّمانى قال فى كلامه : إن التشبيه فى الكلام بأداة التشبيه ، ... ، وليس يقع الفرق عندى بين التشبيه والاستعارة بأداة التشبيه فقط ؛ لأن التشبيه قد يرد بغير الألفاظ الموضوعة له ، ويكون حسناً مختاراً ، ولا يعده أحد فى جملة الاستعارةِ لخلوه من آلة التشبيه ، ومن هذا قول الشاعر(3).
... سفرْنَ بُدُورًا وانْتَقَبْنَ أَهِلّةً ... ... ومِسْنَ غُصونًا والْتَفَتْن جَآَذِرَا(4)
وقول الآخر(5):
... وَأَسَبَلَتْ لُؤْلُؤًا مِنْ نَرْجِسٍ فَسَقَتْ ... وَرْدًا وَعَضَّتْ عَلى العُنّاب بالبَرَدِ(6)
__________
(1) سر الفصاحة ص 246 .
(2) يعنى : الرُّمانى.
(3) هو : لأبى القاسم الزاهى ، وإنما شبههن بالأهلة عند لبس النقاب لظهور حواجبهن مقوسات فوقه ، والجآذر أولاد البقر الوحشى (سر الفصاحة 119) .
(4) المصدر السابق نفس الصفحة .
(5) الوأ واء أبو الفرج الشاعر المعروف المشهور بالوأ واء الدمشقى .
(6) هذا البيت فيه خمس استعارات : استعارة اللؤلؤ للدمع ، والنرجس للعين ، والورد للخد ، والعناب للإصبع ، والبرد للأسنان "ينظر : المجاز فى اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع د/ عبد العظيم المطعنى 288/1" وقد خلط ابن سنان هنا بين التشبيه والاستعارة كما فعل أبو هلال وابن رشيق من ذى قبل "الصناعتين ص 273، العمدة 294/1"(1/8)
... وكلاهما تشبيه محض ، وليس باستعارة ، وإن لم يكن فيهما لفظ من ألفاظ التشبيه ، وإنما الفرق بين الاستعارة والتشبيه ما حكيناه أولا"(1).
... وصريحُ كلام ابن سنان يفيدُ أنَّ التشبيه "المحذوف الوجه والأداة" من التشبيهِ المحْضِ ، وليسَ من الاستعارةِ ، وهو فى هذا يقتفى أثرَ صاحب الوساطةِ(2).
... ولكن العلوى(3)كان له رأى آخر ، حين قالَ :
" المذهب الثانى : أن التشبيه "المحذوف الوجه والأداة" ، بحقيقة الاستعارة أشبه ، فقد قال به أبو هلال العسكرى ، والغانمى ، وأبو الحسن الآمدى ، وأبو محمد الخفاجى"(4).
... ولعل ما جعل العلوى ـ مع سعة علمه ـ ينسب هذا الرأى ـ خطأً ـ لابن سنان، هو نقله لعبارة ابن الأثير دون التحقق من صحتها .
... فابن الأثير هو أول من أثار هذه الشبهة حيث يقول :
__________
(1) يعنى ما حكاه عن الرُّمانى "ينظر : التصوير البيانى د/ محمد أبو موسى ص 187" .
(2) الوساطة بين المتنبى وخصومه ص 37 .
(3) هو : يحى بن حمزه بن على بن إبراهيم العلوى أمير المؤمنين ببلاد اليمن ، من أشهر مؤلفاته كتابه "الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز" ، توفى سنة 749 هـ .
(4) الطراز ص 100 ، يقول د/ المطعنى : "أما ابن سنان الخفاجى والذى نسب إليه صاحب الطراز أنه يفرق بين الاستعارة والتشبيه بحذف الأداة وذكرها ، فإن مذهبه فى التفرقة بينهما أكثر وضوحاً من أبى هلال" (التشبيه البليغ هل يرقى إلى درجة المجاز ص 51).(1/9)
" ولقد رأيت أبا محمد عبد الله بن سنان الخفاجى ـ رحمه الله ـ قد خلط الاستعارة بالتشبيه المضمر الأداة(1)، ولم يفرق بينهما ، وتأسى فى ذلك بغيره من علماء البيان ، كأبى هلال العسكرى ، والغانمى ، وأبى القاسم الحسن بن بشر الآمدى"(2).
... وقد سار العلوى ـ مع حرصه وذكائه ـ على نهج ابن الأثير ناقلاً عباراته دون التثبت من صحتها .
... والسبب فى هذه الحملة التى شنها ابن الأثير ـ كعادته ـ على ابن سنان ـ هو أن ابن سنان تابع الآمدى فى عد كلمة "صُلْبَهُ" استعارة ، وذلك فى قول امرئ القيس:
... فَقُلْتُ لَه لَمَّا تَمطىّ بِصُلْبِهِ ... ... وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ(3)
... " وابن الأثير يرى أن كلمة "صُلْبَهُ" تشبيه ، مدعيًا أن المشبه مذكور ، وهو الليل ، فعاب ابن سنان على هذا الخلط"(4).
... " والحق مع الآمدى وابن سنان فى جعل "صلبه" استعارة ؛ لأن الليل المذكور ليس هو المشبه ، بل المشبه وسطه وامتداده ، فلا ذكر للمشبه إذن ، وعلى فرض أن المشبه الليل ، وليس "صُلْبَهُ" محمولاً عليه حتى يُقال إنه تشبيه فلا حجة لابن الأثير عليهما"(5).
__________
(1) إن ما يؤخذ على أبى هلال وابن سنان ، إنما هو الخلط فى توجيه بعض النصوص ، لكن هذا الخلط لا يصلح أن يقام عليه رأى ماداما قد صرحا بمذهبيهما (السابق ص 52 ، 53) ، وعلى هذا فنسبة هذا الرأى لهما قول دعى منسوب إلى غير أبيه (السابق ص 58 ) .
(2) المثل السائر 87/2 .
(3) تمطى : تمدد ، الإرداف : الاتباع ، والأعجاز : المآخير ، الكلكل " الصدر (ديوانه ص 100).
(4) التشبيه البليغ د/ عبد العظيم المطعنى ص 53 ، والمثل السائر 88/2 .
(5) المصدر السابق ص 56 ، والقضية برمتها فى التصوير البيانى د/ محمد أبو موسى ص 186 .(1/10)
... ومن الغريب " أن هذا الرأى تسبب فى توريط بعض المحدثين ، حين استسمنوا ورم كلام صاحب الطراز فحسبوه حقيقة ، ولو أن صاحب الطراز محّص كلام ابن الأثير لم يقع فى ذلك الوهم ، ولكنه ـ سامحه الله ـ تعجل فورط نفسه ، وورّط غيره واتهم بريئًا"(1).
... ولعل مما يحز فى نفسى هو ما صنعه ابن الأثير عندما حاول أن يشيد بالآمدى ويتجاهل الخفاجى مع أنهما من وجهة نظره ـ قد وقعا فى خطأ يقول : " على أن أبا القاسم الحسن بن بشر الآمدى ، كان أثبت القوم قدمًا فى فن الفصاحة والبلاغة ، وكتابه المسمى "الموازنة بين شعر الطائيين" يشهد له بذلك ، وما أعلم كيف خفى عليه الفرق بين الاستعارة والتشبيه المضمر الأداة"(2)
... وأيما كان الأمر فرأى ابن سنان واضح فى هذه المسألة وهو عدُّ التشبيه "المحذوف الوجه والأداة" من التشبيه لا من الاستعارة. ولا عبرة بما قاله "العلوى وابن الأثير" فقد بان خطأ نسبة الرأى لابن سنان.
__________
(1) د/ المطعنى فى التشبيه البليغ ص57 ، ومن المحدثين : الشيخ عبد المتعال الصعيدى (بغية الإيضاح 97/3) ، د/ كريمه محمود فى "شرح نهج البلاغة لميثم "تحقيق" تحت إشراف د/ عبد القادر حسين ص 67، ود/ غبد الرازق أبو زيد ص 104.
(2) المثل السائر 88/2 .(1/11)
... أما ما أميل إليه وأرضاه فى الحكم على التشبيه "المحذوف الوجه والأداة" ، فهو ما قاله أستاذى الدكتور / محمد شادى وهو بصدد الحديث عن هذه المسألة ، يقول سياددته : " إن المقياس الصحيح الذى ينبغى أن نعول عليه فى الحكم على الأسلوب بالتشبيه أو الاستعارة ، إنما هو السياق ، فإذا وجدنا فى سياق الصورة ما ينميها وينحو بها منحى التخييل ، وادعاء اتحاد الطرفين وتناسى التشبيه ، فإنها من الاستعارة ، وإن ذكر الطرفان على وجه ما من وجوه الصياغة ، سواءً كان المشبه به خبراً أم حالاً ، وسواء كان الخبر معرفة أم نكرة ، فالكلام تشبيه ، وهنا نذكر قول عبد القاهر : " وهذا موضع لطيف جداً ، لا ننتصف منه إلا باستعانة الطبع عليه"(1)" .
... ولو حكمنا السياق فى كل ما يعن لنا من قضايا بلاغية ، لأرحنا واسترحنا ، ولكان ما نبذله من جهد بعيد عن الخلافات التى تذهب بحلاوة البلاغة وطلاوتها .
* رأى ابن سنان فى التشبيه والتمثيل :
... حين يُذكر التشبيه التمثيلى ، يُذكر مع ـ العلامة ـ عبد القاهر ، فله جهد واضح فى هذا البحث استغرق منه صفحات طوال ، عرَّف به ، وفرّق بينه وبين التشبيه ، فجعل التشبيه عامًا والتمثيلَ أخص منه(2)، وبين قيمته ومواقعه وتأثيره على النفوس .
... فرحم الله إمام البلاغة عبد القاهر ، كان بحق رائداً من روّادها دافع عنها بكل ما أوتى من علم .
... وكنت قد عزمت على عدم ذكره حتى لا أُتّهم بالتطويل ، ولكنى عندما أردت الخوض فى الحديث عن التشبيه التمثيلى لم يطاوعنى القلم فى تجاوزه .
... وإذا كان هذا هو موقف العلامة عبد القاهر ، فما هو رأى ابن سنان فى التشبيه والتمثيل ؟
__________
(1) أساليب البيان والصورة القرآنية ص 246 ، وانظر : أسرار البلاغة ت / رُيتر ص 308 .
(2) انظر : أسرار البلاغة تحقيق د/ محمد عبد المنعم الخفاجى 198/1 .(1/12)
... فى بادئ الأمر اعتقدت أنى سأجد عند ابن سنان حديثاً مشابهاً لما هو عند العلامة عبد القاهر ، خاصة وقد جمعهما عصر واحد .
... ولكن يبدو أن الأمر كان على خلاف ذلك ، فحين استطلعت "سر الفصاحة" وجدت لابن سنان وقفتين مع "التمثيل" : الأولى : عندما جعله من نعوت الفصاحة(1).
والثانية : حديثه عن "الاستدلال بالتمثيل" وجعله من شروط صحة المعانى(2).
... ومن يتأمل الموضعين يدرك أن ابن سنان أطلق "التمثيل" مرة و "الاستدلال بالتمثيل" مرة أخرى ، دون أن ينص ماذا يعنى بهما .
... ففى الموضع الأول يقول :
" ومن نعوت الفصاحة والبلاغة أن يراد معنى فيوضح بألفاظ تدل على معنى آخر ، وذلك المعنى مثال للمعنى المقصود ، وسبب حسن هذا مع ما يكون فيه من الإيجاز، أن تمثيل المعنى يوضحه ، ويخرجه إلى الحس والمشاهدة ، وهذه فائدة التمثيل فى جميع العلوم ؛ لأن المثال لابد أن يكون أظهر من الممثل ، فالغرض بإيراده إيضاح المعنى وبيانه(3)"
... وهذا هو مفهوم "الاستعارة التمثيلية"(4)، وتلك غايتها ، مما يجعلنى أميل إلى "أن استعارة المركبات المحسوسة لمعانٍ مركبة معقولة ... هو الجدير باسم التمثيل على حد الاستعارة أو الاستعارة التمثيلية"(5)
... وهذا ما عناه ابن سنان بقوله : "إن تمثيل المعنى يوضحه ويخرجه إلى الحس والمشاهدة".
وقد استشهد ابن سنان للتمثيل بقول الشاعر(6):
__________
(1) سر الفصاحة ص 232 .
(2) السابق ص 275 .
(3) سر الفصاحة ص 232 .
(4) أدرك أستاذى الدكتور محمد شادى أن الأولى أن تسمى هكذا "استعارة تمثيلية" وأن تسميتها "استعارة مركبة" قاصر ؛ لأنه يضيق مفهومها إذ يحصرها فى المركبات مع إمكان أن تقع فى المفردات ، ويجعلها تتناول كل المركبات الحسية . "أساليب البيان والصورة القرآنية بتصرف قليل ص 347".
(5) السابق ص 348 ، وانظر : بغية الإيضاح ، للشيخ/ الصعيدى 142/3 .
(6) البيت للرماح بن ميادة .(1/13)
... أَلَمْ تَكُ فِى يُمْنَى يَدَيْكَ جَعَلْتَنى ... فَلا تَجْعَلَنِّى بَعْدَها فِى شِمالِكَا
... فأراد : إن كنت عنك مقدماً فلا تؤخرنى ، ومقربًا فلا تبعدنى ، فعدل فى العبارة عن ذلك إلى "أنى كنت فى يمينك فلا تجعلنى فى شمالك ؛ لأن هذا المثال أظهر إلى الحس(1).
... ومن أمثلة ذلك فى النثر ما كتب به الوليد بن يزيد لما بُويع إلى مروان بن محمد ، وقد بلغه توقفه عن البيعة له : " أَمَّا بَعْدُ ، فإنّى أَرَاكَ تُقَدِّمُ رِجْلاً وَتُؤَخِّرُ أُخْرَى ، فَإِذَا أَتَاَكَ كِتَابِى هَذَا فَاعْتَمِدْ عَلى أيُّهُما شِئْتَ ، وَالسَّلاَمُ" ، فعبر عن مراده بمثال أوضحه وأوجزه(2).
... أما الموضع الثانى الذى تحدث فيه عن التمثيل ، فعند حديثه عن شروط صحة المعانى ، جعل منها "الاستدلال بالتمثيل"(3).
... ومعناه عنده : "أن يزيد فى الكلام معنى يدل على صحته ، بذكر مثال له ، نحو قول أبى تمام :
... أَخْرَ جْتُمُوهُ بِكُرْهٍ مِنْ سَجِيَّتِهِ ... وَالنَّارُ قَدْ تُنْتَضَى مِنْ نَاضِرِ السَّلَمِ(4)
ومثل قوله :
... وَإِذا أّرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ ... ... طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهاَ لِسَانَ حَسُود
... لَوْلاَ اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ ... ... مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبَ عُرْفِ الْعُود(5)
... والشاهد الثانى يصلح شاهداً للتشبيه الضمنى ، بل هو مما استشهد به الإمام عبد القاهر(6)لتأثير التمثيل على النفس .
__________
(1) سر الفصاحة ص 233 .
(2) سر الفصاحة ص 233 .
(3) راجع على سبيل المثال : الإيضاح : بتحقيق د/ محمد خفاجى 108/5 ، نظرات فى البيان أ د/ محمد عبد الرحمن الكردى ص 231.
(4) ديوانه 189/3 .
(5) ديوانه بشرح التبريزى 397/1
(6) راجع : أسرار البلاغة للإمام / عبد القاهر الجرجانى ، ت/ د/ محمد عبد المنعم خفاجى 229/1 ، والمراد هنا تمثيل هيئة الفضيلة مع الحسود بهيئة العود مع النار .(1/14)
... وفى موضع آخر من الكتاب يستشهد ابن سنان للتشبيه المختار بقول الله تعالى : { "مَثَلُ الّذِين حُمِّلوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَا }(1)
... وقوله جلّ شأنه : { إنَما مَثَلُ الحياةِ الدنْيا كماءٍ أنْزَلْنَاهُ من السّماءِ ، فاخْتلَطَ بهِ نباتُ الأرْضِ ممّا يأكُلُ الناسُ والأنعامُ ، حتّى إذا أخَذَت الأَرْضُ زُخْرُفَها وازّيّنَتْ، وظَنَّ أهْلُها أَنَّهُم قادرُون عَلَيْهاَ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا ، فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأن لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ }(2)
... ويعلق ابن سنان على الشواهد السابقة بقوله : " وهذه التشبيهات كلها ما بيناه من تشبيه الخفى بالظاهر المحسوس ، والذى لا يعتاد بالمعتاد ، لما فى ذلك من البيان"(3).
* أنواع التشبيه عند ابن سنان وكيفية دراسته لها :
... لقد أراح ابن سنان نفسه من الحديث عن أنواع التشبيه المختلفة ، ولم يكن ذلك لرفضه إياها ، أو أنه مقصِّرٌ فى سردها والتعريف بها ، ولكنها خطته التى ارتضاها ومنهجه الذى رسمه لنفسه ، ولذلك قسم التشبيه إلى :
1- التشبيه الحسن :
... وهو أن يكون أحد الشيئين يشبه الآخر فى أكثر صفاته ومعانيه .
2- التشبيه الردئ :
... وهو ما قلّ شبهه بالمشبه به(4).
... ثم يتناول أنواع التشبه المختلفة التى استقر مفهومها عند البلاغيين المتأخرين، ويدخلها فى التشبيه الحسن المختار ، ويعقب عليها بعبارات تكاد تكون مترادفة .
... فمن التشبيه الحسن عنده : قول الله تعالى : { وَالّذينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً }(5).
__________
(1) سورة الجمعة ، آية : 5 .
(2) سورة يونس ، آية : 24 ، راجع : شرح الفوائد الغياثية ، لطاشكبرى زادة ص 208 ، دار الطباعة العامرة بالأستانة .
(3) سر الفصاحة ص 247 .
(4) سر الفصاحة ص 246 .
(5) سورة النور ، آية : 39 .
... وراجع : التحرير والتنوير ـ للشيخ / الطاهر بن عاشور ص 251 حـ 9 وكتاب : دراسة فى البلاغة والشعر أ.د/ محمد محمد أبو موسى ص 26 .(1/15)
... وهذا ما عُرف عند المتأخرين بتشبيه المعقول بالمحسوس(1)وقوله تعالى : { مَثَلُ الذينَ حُمّلوا التَوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْملوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا }(2). وهذا من التشبيه المركب .
... على أن ابن سنان لم يُعرّف بهذه التشبيهات ولم ينص على نوعها ، بل يكتفى بتعليق عام يقول فيه : " وهذه التشبيهات كلها ما بيناه من تشبيه الخفى بالظاهر المحسوس ، والذى لا يعتاد بالمعتاد ، لما فى ذلك من البيان "(3)
ومن التشبيه المختار فى الشعر قول النابغة الذبيانى :
... فَإِنَّكَ كَالَّليْلِ الّذِى هُوَ مُدْرِكى ... وَإِنْ خِلْتُ أَنّ الْمُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ
... ويدرك ابن سنان ـ كعادته ـ أن هذا التشبيه يجع المقصودين من الظهور والمبالغة . وهذا البيت مما استشهد به المتأخرون للتشبيه المجمل(4)، ومن التشبيهات الجيدة التى يستحسنها ابن سنان قول امرئ القيس :
... كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا ... لَدى وَكْرِهَا الْعُنَّابُ وَالْحَشَفُ الْبَالِى(5)
... وهذا ما عرف عند المتأخرين بالتشبيه "الملفوف"(6)
... على أن ابن سنان يعلق على هذا البيت بقوله : " وهذا من التشبيه المقصود به إيضاح المعنى ؛ لأن مشاهدة العناب والحشف البالى ، أكثر من مشاهدة قلوب الطير رطبةً ويابسةً "(7)
__________
(1) راجع : بغية الإيضاح 30/3 ، ونظرات فى البيان د/ عبد الرحمن الكردى ص 46 .
(2) سورة الجمعة ، آية : 5 .
(3) سر الفصاحة ص 247 .
(4) بغية الإيضاح 55/3 .
(5) ديوان امرئ القيس ص 50 ، وسر الفصاحة ص 248 ، وعيار الشعر ص 26 .
(6) هو ما أتى فيه بالمشبهين ثم بالمشبه بهما. "راجع : بغية الإيضاح ـ للشيخ / عبد المتعال الصعيدى 50/3 ".
(7) سر الفصاحة ص 248 .(1/16)
... ويظل ابن سنان هكذا يذكر أنواعاً من التشبيهات(1)التى استقر مفهومها عند المتأخرين دون أن يُعرِّف بها .
والسؤال الآن ...
... ... ما تفسير ذلك من خلال ما كتبه ابن سنان ؟
الإجابة .. تكمن فى شدة اهتمام ابن سنان بما يوضح المعنى ويظهره فى ثوب قشيب، دون أن يكون هناك هدف آخر ، ولذلك ارتاحت نفسه إلى تقسيم التشبيه إلى حسن مختار ، وقبيح ردىء ، وظل يكثر من الشواهد ليؤكد حقيقة واحدة هى : أنه إذا اعتبر التشبيه من صحة المعانى ، فهذا يعنى أن يكون حسناً مختارَا ، وهذا لا يحصل ولا يكون ما لم يوضح المعنى ويبينه .
ثانياً : التشبيه عند الشيخ البحرانى :
... إذا كان ابن سنان قد درس التشبيه فى معرض حديثه عن المعانى مفردة ، حيث اعتبر من صحة المعانى : صحة التشبيه ، فإن البحرانى قد تحدث عن التشبيه فى الفصل الرابع من الجملة الأولى(2)، الخاصة بالفصاحة العائدة إلى المفردات.
* مفهوم البيان عند البحرانى :
... لقد اعتقدت فى بادئ الأمر أن مفهوم البيان عند البحرانى ، كما هو عند ابن سنان وهو الظهور والوضوح ، وأن الفصاحة والبلاغة والبيان بمعنى واحد فحسب ، خاصة وأن منهج البحرانى قد تشابه إلى حد كبير مع ابن سنان ، فقد بحث ابن سنان عن "سر الفصاحة" ، كما بحث البحرانى عن "أصول البلاغة" .
... ولكنى وجدت أن مفهوم البيان عند البحرانى يختلف عنه عند ابن سنان ، وذلك عندما عثرت على عبارات له فى شرحه لنهج البلاغة .
... يقول عند تعليقه على قول الإمام علىّ فى صفة الجنة :
__________
(1) انظر بيت بشار بن برد وتعليقه عليه فى سر الفصاحة ص 248 وراجع فى ذلك : البلاغة التطبيقية دعامة النقد السليم د/ أحمد موسى ص 63 ، 64 ـ دار (مطبعة المعرفة) .
(2) رتب المؤلف الكتاب على مقدمة وجملتين ، تحدث فى المقدمة عن مفهوم الفصاحة والبلاغة ، وفى الجملة الأولى : يتحدث عن الفصاحة المتعلقة بالمفرادات ، ثم يخصص الجملة الثانية للحديث عن النظم .(1/17)
" فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ ما يُوصَفُ لَكَ مِنْها لَغَرَفَتْ نَفْسُكَ مِنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إلى الدُّنيا مِنْ شَهوَاتِهاَ وَلَذَّاتِها وَزَخَارِف مَنَاظِرهَا وَلَذهِلْتَ بالفكرِ فى اصْطِفاقِ أشجارٍ غُيِّبَتْ عُرُوقُهَا فِى كُثْبانِ الْمِسْكِ عَلَى سَوَاحِلِ أنْهارِهَا " .
... يقول البحرانى معلقاً على ذلك : " وأنت بعد معرفتك بقواعد التأويل وحقايق ألفاظ العرب ومجازاتها وتشبيهاتها وتمثيلاتها وساير ما عددناه لك فى صدر الكتاب من قواعد علم البيان ، وكان لك مع ذلك ذوق طرف من العلم الإلهى ، أمكنك أن تجعل هذه الجنة المحسوسة سُلَّماً ومثالاً لتعقل الجنة المعقولة ومتاعها ، كتأويلك مثلاً أشجار الجنة استعارة للملائكة السماوية والاصطفاق وترشيح تلك الاستعارة"(1).
... ومع أن الشيخ ميثم لم يقسم كتابه إلى "معان وبيان وبديع" إلا أنه كان يعرف هذا التقسيم ، ولكنه اختط لنفسه خطة توافق غرضه ، ومع أن هذه الخطة ، وذاك المنهج قد تابع فيه الرازى إلى حد كبير ، إلا أن له آرَاءَهُ السديدة التى يخالف فيها غيره.
... إذن اختلف مفهوم البيان عند الشيخ ميثم عنه عند ابن سنان ولا غرو فى ذلك ، فالشيخ ميثم توفى فى نهاية القرن السابع سنة (679هـ) ، أى بعد وفاة السكاكى ـ الذى قسم البلاغة بتلك الكيفية ـ ، بحوالى ثلاث وخمسين سنة ، وهذا يفسر لنا سبب معرفته بهذا التقسيم .
... ومع هذا ، فإن الشيخ ميثم لم يتعرض لتعريف علم البيان ، بل لم أعثر له على ما يفيد معرفته به سوى النص المذكور .
* ماذا يعنى التشبيه عند الشيخ ميثم ؟
__________
(1) شرح نهج البلاغة للبحرانى 313/3 .(1/18)
... لم أعثر للشيخ ميثم فى كتابه "أصول البلاغة" ، " مقدمة شرح نهج البلاغة" ولا فى "شرحه الكبير" عن تعريف للتشبيه ولكنه مع ذلك ومن خلال المباحث البلاغية عنده ، يبدو أنه يسير على نهج من سبقه كالإمام عبد القاهر ومن تبعه كالرازى ، وأن مفهوم التشبيه عنده لا يختلف عنهما .
... وقد تحدث الشيخ ميثم عن بعض أركان التشبيه ، فتحدث عن المشبه وذكر أغراضه ، وتحدث عن المشبه به وذكر أغراضه(1)، بما لا يخرج عن سابقيه .
... كما تحدث عن وجه الشبه حينما قال :
" يجب مراعاة جهة المشابهة ولا يجوز تعديها وإلا وقع الخطأ ، مثاله : ما قيل : [النحو فى الكلام كالملح فى الطعام ](2)ثم يعلق عل المثال بما يؤكد وجهة نظره ، يقول :
" فإن جهة التشبيه ها هنا هى الإصلاح ، والمقصود أن الطعام كما لا يصلح إلا بالملح ، كذلك الكلام لا يصلح إلا بالنحو ، فأما ما ظنه بعضهم أن المقصود هو أن القليل من النحو مغنٍ والكثير مفسد ، كما أن القليل من الملح مغنٍ والكثير مفسد ، فهو ظنٌ فاسد ؛ لأن النحو علم بمجموع قوانين مضبوطة يمتنع تطرق الزيادة والنقصان إلى جريانها فى الكلام ..."(3).
... وقد نقل الخطيب القزوينى(4)هذا الكلام بنصه تقريباً ، دون إضافة تذكر ، كما أن الشيخ ميثم نفسه متأثر بالرازى الذى لخص بدوره كلام الإمام عبد القاهر(5).
__________
(1) انظر : أصول البلاغة ص 63 ، ومقدمة شرح نهج البلاغة ص 113 .
(2) مقدمة شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم ص 112 .
(3) السابق نفس الصفحة .
(4) راجع الإيضاح بتحقيق د/ خفاجى 36/4 ، والإشارات والتنبيهات لمحمد بن على الجرجانى ص 177 ، ومقدمة شرح نهج البلاغة للشيخ ميثم ، هامش المحقق ص 111 .
(5) راجع نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز ص 140 ، وأسرار البلاغة ت رُيتر ص 65 .(1/19)
... وإذا كان ابن سنان قد أوجب أن يكون المشبه به أعظم وأحسن وأبلغ ، فإن الشيخ ميثم أدرك جواز الأمرين حيث يقول : " قد يكون الغرض من التشبيه إلحاق الناقص بالزائد ، بمبالغة فى إثبات الحكم للناقص ، كتشبيه شيئ أسود بخافية الغراب"(1)، وهو هنا يتفق مع ابن سنان عندما قال : " الأصل فى حسن التشبيه ... أن يمثل الشيئ بما هو أعظم وأحسن وأبلغ منه ، فيكون حسن ذلك لأجل الغلو والمبالغة"(2).
... ولكن الشيخ ميثم بعد ذلك يعود فيقول :
" وقد يكون الغرض أبلغ من ذلك ، كما يقصد على طريق التخييل أن يوهم فى الشيئ القاصر عن نظيره أنه زائد عليه ، فيشبه الزائد بالناقص ، ويقصد تعظيم الناقص إلى حيث يصير أصلاً للكامل فى ذلك الأمر(3)، كقول الشاعر(4):
... وَبَدَا الصَّبَاحُ كأَنّ غُرَّتَهُ ... ... وجْهُ الْخَلِيفَةِ حِين يُمْتَدَحُ
... وقد ذكر الشيخ عبد القاهر هذا البيت "فيما يصح عكسه وما لا يصح"(5)وأدرك أنه مما يستقيم عكسه .
... كما ذكر ابن سنان نفس البيت(6)عند حديثه عن "صحة النسق والنظم" ، ولم يعلق عليه بل ذكره ضمن أبيات أخرى ، استشهد بها " لصحة النسق والنظم".
* موقف الشيخ البحرانى من "التشبيه المحذوف الوجه والأداة" :
__________
(1) انظر أصول البلاغة ص 64 ، والمطول للتفتازانى ص 332 ط أحمد كامل بتركيا .
(2) راجع كلام ابن سنان فى "سر الفصاحة" ص 246 .
(3) يقول الشيخ ميثم بعد ذلك : " وقد يكون الغرض الجمع بين الشيئين فى مطلق الصورة ، كتشبيه الصبح بغرة الفرس فى ظهور بياض قليل فى سواد كثير ، ومثل هذا يجوز عكسه " (راجع أصول البلاغة للشيخ ميثم ص 64 ، أسرار البلاغة ص 65 ، ونهاية الإيجاز فى دارية الإعجاز ص 140) .
(4) البيت لمحمد بن وهب الحميرى فى مدح الخليفة المأمون بن الرشيد ، والغرة : بياض فى الجبهة . والبيت فى : (أسرار البلاغة ت/ رُيتر ص 205 ، الإيضاح بتحقيق د/ خفاجى 75/4 ) .
(5) راجع أسرار البلاغة ت / رُيتر ص 205 .
(6) سر الفصاحة ص 269 .(1/20)
... إذا كان ابن سنان قد اتضح موقفه من "التشبيه المحذوف الوجه والأداة" ، وبان أنه يدرجه فى "التشبيه المحض" لا فى الاستعارة ، وذلك عند حديثه عن الفرق بين الاستعارة والتشبيه .
... فإن الشيخ ميثم ـ أيضاً ـ قد بين موقفه من "التشبيه المحذوف الوجه والأداة" ، عندما كان يفرق بين التشبيه والاستعارة وهاك عباراته :
" إن التشبيه حكم إضافى يستدعى مضافين ، وليس الاستعارة كذلك ، فإنك إذا قلت : رأيت أسداً ، لم يذكر شيئاً آخر حتى تشبهه بالأسد ، فلم يكن ذلك تشبيهاً ، بل أعطى المعنى لفظاً ليس له لأجل المشابهة بينه وبين معناه الأصلى ، وما هو لأجل شيئ آخر لا يكون نفس ذلك الشيئ . واعلم أنه متى قويت المشابهة بين الشيئين كان التصريح بالتشبيه قبيحاً ، وذلك لقرب الشبه من حقيقة المشبه به ، مثاله : إطلاق لفظ النور على العلم والإيمان ، والظلم على الكفر والجهل ، فلا يحسن ها هنا ـ لقوة المشابهة ـ أن يقول : العلم كالنور "(1)
... وكلام الشيخ ميثم يغنى عن توضيح مراده ، والذى يمكن تفسيره هو قوله : " واعلم أنه متى قويت المشابهة ، بين الشيئين كان التصريح بالتشبيه قبيحاً ، وذلك ...الخ" ، وهو يعنى بقوله "كان التصريح بالتشبيه" : أداة التشبيه ، فقد كانوا يطلقون التشبيه ـ أحياناً ـ ويريدون الأداة ، كما يطلقون ـ جهة المشابهة ـ ويعنون "الوجه" .
... وكنت قد سلمت برأى الشيخ ميثم كما ذكر هو صراحة ، حيث أدرك أن التشبيه "المحذوف الوجه والأداة" من التشبيه وأنه يختلف عن الاستعارة .
__________
(1) انظر : مقدمة شرح نهج البلاغة ـ للإمام البحرانى ص 120 ، ولم يذكر الشيخ البحرانى هذا الكلام فى كتابه "أصول البلاغة"(1/21)
... ولكنى عثرت فى "شرحه" على عدة نصوص تفيد غير ذلك ، فمن ذلك تعليقه على قول الإمام على : " وَكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ "(1)يقول : "بالغ فى تشبيه دموعهم بالكحل وصيره هو ، ووجه المشابهة أن الدموع لكثرته منهم وملازمته أجفانهم أشبه فى ذلك الأمر الكثير المعتاد لعيونهم وهو الكحل فلذلك استعار لفظ الكحل له"(2).
...
... صدر كلامه يوحى بأنه تشبيه ، وعجزه يفيد أنه استعارة ، والحقيقة أن هذا الشاهد من التشبيه ؛ لأن الطرفين موجودان ، كما ذكر الشيخ ميثم نفسه .
... ومن الشواهد على ذلك قول الإمام على : "المرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اللِّبْسَةِ "(3)
... يقول الإمام البحرانى معلقاً على ذلك :
" استعارة للمرأة لفظ العقرب بالوصف المذكور باعتبار أن من شأنها الأذى لكن أذاها مشوبٌ بما فيها من اللذة بها فلا يحس به ، وهو كأذى الجرب المشوب بلذته فى زيادة حكته"(4).
... وانى لأعجب لما قاله الإمام البحرانى ، فكيف يكون الطرفان موجودين والوجه ، ويكون الكلام من الاستعارة .
... وعلى هذا يمكن القول :
أن الإمام البحرانى فى كتابه " مقدمة شرح نهج البلاغة " يجعل التشبيه "المحذوف الوجه والأداة " من "التشبيه المحض" ، ويفرق بينه وبين الاستعارة .
... وفى "شرح نهج البلاغة" ، يدرج هذا النوع فى "الاستعارة" ، وذلك من خلال ما عثرت عليه من نصوص له تفيد ذلك .
... أما فى كتابه "أصول البلاغة" ، فلم يذكر رأيه فيه ، بل لم يشر من قريب أو بعيد إلى الفرق بينهما .
* رأى الإمام البحرانى فى "التشبيه والتمثيل" :
__________
(1) من خطبة له عليه السلام بعد انصرافه من صفين . "راجع شرح نهج البلاغة للإمام ميثم البحرانى 244/1 ".
(2) السباق نفس الصفحة .
(3) اللبسه للعقرب : لسعها ، والكلام من حكمه عليه السلام ومواعظه . "راجع السابق 272/5" .
(4) السابق نفس الصفحة .(1/22)
... يعرض البحرانى للتمثيل فى ذيل كلامه على التشبيه ، تحت عنوان : "البحث الرابع : فى التمثيل والمثل"(1).
... وقد بين موقفه من "التشبيه والتمثيل" منذ الوهلة الأولى ، حينما عرفه بقوله : "قد خص التشبيه المنتزع من اجتماع أمور يتقيد بعضها بالبعض باسم " التمثيل"(2).
... ويتضح من قوله السابق عموم وجه الشبه فى تشبيه التمثيل إذ لم يقيد يكونه حسيًّا أو عقليًا(3)، وهذه وجهة الإمام القزوينى من بعده فى قوله : "التمثيل ما وجهه وصف منتزع من متعدد أمرين أو أمور"(4)، وهو مذهب الجمهور من بعده ، وبذلك تختلف وجهة الإمامين عما قرره الإمام عبد القاهر الجرجانى ، الذى اشترط كون الوجه عقليًّا يقوم على التأويل إذ يقول :
" إن التشبيه الذى هو الأولى أن يسمى تمثيلاً لبعده عن التشبيه الظاهر الصريح ما تجده لا يحصل لك إلا من جملة من الكلام أو جملتين أو أكثر ، حتى إن التشبيه كلما كان أوغل فى كونه عقليًّا محضًا كانت الحاجة إلى الجملة أكثر"(5)
... وبعد تعريف الإمام البحرانى للتمثيل يقسمه إلى تشبيه تمثيلى ، وتمثيل على وجه الاستعارة ، وهذا مفهوم من قوله : "... وقد يكون ذلك على وجه الاستعارة ، .... وقد لا يكون كما إذا أبرزت ألفاظ التشبيه"(6)
__________
(1) أصول البلاغة ص 64 .
(2) السابق ، ومقدمة شرح نهج البلاغة ص 118 .
وراجع : علم البيان ـ دراسة تحليلية لمسائل البيان ـ د/ بسيونى عبد الفتاح فيود ص 76 .
(3) شرح نهج البلاغة للدكتورة كريمة أبو زيد ص 65 / دكتوراة تحت رقم 51 .
(4) الإيضاح ت د/ خفاجى 90/4 وبغية الإيضاح للشيخ الصعيدى 53/3 .
(5) أسرار البلاغة ص 96 ت رُيتر.
(6) مقدمة شرح نهج البلاغة للإمام البحرانى ص 118 .(1/23)
... وقد استشهد الإمام البحرانى للتشبيه التمثيلى بقول الله تعالى : { مَثَلُ الذينَ حُمّلوا التَوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْملوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا }(1). ولم يعلق على الآية بل اكتفى بالاستشهاد فحسب .
... أما الاستعارة التمثيلية ـ أو التمثيل على وجه الاستعارة ـ على حد قوله ـ ، فقد استشهد له بقول الوليد بن يزيد لما بويع ، إلى مروان بن محمد وقد بلغه توقفه عن البيعة : "أمَّا بَعْدُ ، فإنّى أَرَاكَ تُقَدِّمُ رِجْلاً وتُؤَخِّرُ أُخْرَى "(2)، ثم يعلق على هذا المثال بقوله: " تريد أنك فى ترددك كمن يقدم رجلا ويؤخر أخرى "(3)
... وهذا الشاهد هو ما ذكره ابن سنان قبل ذلك ضمن الاستعارة التمثيلية ـ أيضاًـ وإن كان ابن سنان لم ينص على أنه من الاستعارة التمثيلية صراحة ، بل فهم ذلك من كلامه .
... ثم يشرح الإمام البحرانى فى تعريف المثل بأنه : "تشبيه سائر ، أى يكثر استعماله على معنى أن الثانى بمنزلة الأول ، والأمثال كلها حكايات لا تغير .. كقولك لمن لم يسمع رأيك " لاَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْر"(4)، ألا ترى أنك تقول ذلك بالألفاظ التى قالها منشئ هذا المثل ، ولو غيرت هذه الألفاظ لم تسَّم مثلاً"(5).
... والذى يعنينى هنا : أن الشيخ البحرانى فرق بين التشبيه والتمثيل على عكس ابن سنان الذى لمْ يفرق بينهما .
__________
(1) سورة الجمعة ، آية : 5 ، انظر : التحرير والتنوير ـ للشيخ / الطاهر بن عاشور ص 214 حـ 13 .
(2) مقدمة شرح نهج البلاغة للبحرانى ص 118 ، ولم يذكر الشيخ ميثم فى كتابه الموسوم بـ "أصول البلاغة" ما يدل على معرفته بالاستعارة التمثيلية .
(3) مقدمة شرح نهج البلاغة للبحرانى ص 118 .
(4) المثل فى شرحه لنهج البلاغة 84/2 ، وفى نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده ص 60 ، وفى أصول البلاغة ص 65 ، نقلاً عن مجمع الأمثال للميدانى 233/1 ط الخيرية .
(5) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 118 .(1/24)
... كما أنه لم يخلط بين التشبيه التمثيلى والاستعارة التمثيلية كما فعل ابن سنان من ذى قبل بل فرق بينهما ومثل لكل منهما .
... وهذا ما ذكره فى كتابه "الأصول والمقدمة" ، أما فى شرحه كلام الإمام على، فالكتاب زاخر بالشواهد التى تؤكد صحة كلامه السابق .
... ولكن الملاحظ عليه أنه تارة ينص على نوع التمثيل ، وأخرى يكتفى بقوله : "هو تمثيل" ، وثالثة لا يذكر هذا ولا ذاك .
... وسأكتفى بثلاثة شواهد فقط أدلل بها على صحة هذا الكلام .
... فمن ذلك قوله ـ عند تعليقه على كلام الإمام علىّ ـ : " إنَّما مَثَلِى بَيْنَكُمْ مَثَلُ السِّرَاجِ فِى الظُّلْمَةِ لِيَسْتَضِىءَ بِهِ مَنْ وَلِجهَاَ"(1)
... يقول البحرانى : " مثل نفسه بينهم بالسراج فى الظلمة ، وأشار إلى وجه مشابهة للسراج بقوله : "فيستضئ به من ولجها" ، وتقديره أن الطالبين للهداية منه ـ عليه السلام ـ والمتبعين له يستضيئون بنور علومه وهدايته إلى الطريق الأرشد ، كما يهتدى السالكون فى الظلمة بالسراج ، وهذا التمثيل يستلزم تشبيه أحوالهم بالظلمة ونسبتهم بالمغمورين فيها ، لولا وجوده عليه السلام فيهم ، وقد علمت فى المقدمات حقيقة التمثيل"(2)
... واضح أنه نص على التشبيه التمثيلى هنا ، فلا داعى للتطويل فى بيان ذلك.
... وأما النص الثانى : فعند تعليقه على قول الإمام علىّ "فَامْدُدْ إِذَنْ يَدَكَ"(3)، يقول البحرانى : "هو تمثيل ، لا تكاد النفس السليمة عند سماعه أن تقف دون الانفعال عنه، والإذعان له "(4). فاكتفى البحرانى بقوله "هو تمثيل" ، دون النص على نوع التمثيل ، استعارة تمثيلية ، أو تشبيه تمثيلى .
__________
(1) شرح نهج البلاغة للإمام البحرانى 183/4 ، من خطبة له فى ذكر الملاحم.
(2) السابق نفس الصفحة .
(3) شرح نهج البلاغة للبحرانى 326/3 ، من كلام له عليه السلام يجرى مجرى الخطبة .
(4) السابق 327/3 .(1/25)
... أما النص الثالث : فهو تعليقه ـ أيضاً ـ على قول الإمام علىّ : " وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّىِ مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى ، يَنْحّدِرُ عّنِّى السَّيْلُ ، وَلاَ يَرْقَى إِلَىَّ الطَّيْرُ"(1)يقول البحرانى : " شبه محله من الخلافة بمحل القطب من الرحى"(2)فاكتفى بهذه العبارة دون أن ينص على أنه تمثيل.
... والحقيقة أن كلام الإمام على السابق "تمثيلٌ لسمُوِّ قدره ـ كرم الله وجهه ـ وقربه من مهبط الوحى ، وأن ما يصل إلى غيره من فيض الفضل ، فإنما يتدفق من حوضه ثم ينحدر عن مقامه العالى فيصيب منه من شاء الله "(3).
... وقد ظهر بما لا يدع مجالاً للشك موقف البحرانى من التشبيه والتمثيل .
* أنواع التشبيه عند البحرانى وكيفية دراسته لها :
... إذا كان ابن سنان لم يتعرض للتقسيمات المعروفة للتشبيه عند المتأخرين ، بل قسمه إلى حسن ، وردىء .
... فإن الأمر عند الإمام البحرانى جاء على خلاف ذلك ، فقد تعددت أنواع التشبيه عنده ، حيث سار على نهج العلامة عبد القاهر ومن تبعه .
... ولكنه مع متابعته للشيخ عبد القاهر ومن تبعه كالإمام الرازى ، إلا أن هذا لا ينفى أن له وقفاته التى يعارض فيها الإمامين ، مما يشير بوضوح إلى أنه لا يعد مجرد ناقل ، بل صاحب رأى ومنهج ارتضاه لنفسه ، حتى لو كان فيه مخالفة لمن هو متأثر به وتابع له .
... ومن ذلك حديثه عن الطرفين من حيث الحس والعقل : إما محسوسان ، أو معقولان ، أو المشبه به محسوس والمشبه معقول ، أو العكس .
... وهذا التقسيم قد تابع فيه الرازى ، ولكنه خالفه فى بعض الصور .
__________
(1) من خطبته المعروفة بـ "الشقشقية" ، وقطب الرحى : مسمارها الذى عليه تدور . راجع شرح البحرانى 254/1 .
(2) السابق 254/1 .
(3) نهج البلاغة للشيخ محمد عبده ص 26 ط1 ـ دار الكتب العلمية .(1/26)
... وقد استشهد البحرانى لتشبيه "المحسوس بالمحسوس" بقول علىّ ـ عليه السلام ـ لأهل البصرة : " كَأَنِّى بِمَسْجِدِكُمْ هَذَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ "(1).
وقوله عليه السلام فى وصف الأتراك :
... " كَأَنِّى أَرَاهُمْ قَوْماً كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطَرَّقَةُ "(2)
أما تشبيه المعقول بالمعقول فكقوله عليه السلام :
... " كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ ، والثِّيابُ الْمُتَدَاعِيَةُ "(3)
... فإن المتشابهين ها هنا هو مداراته ، ومداراة أهل البكار لها ، والمداراة معنى إضافى معقول ، وما به المشابهة هو الصعوبة ها هنا كالصعوبة هناك(4).
... وأما تشبيه المعقول بالمحسوس ، فكقوله عليه السلام فى حق مروان بن الحكم(5): " أَمَا إِنَّ لَهُ إمْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أًنْفَهُ "(6)
__________
(1) من كلام له عليه السلام فى ذم أهل البصرة ، من خطبة مطلعها ، "كنتم جند المرأة وأتباع البهيمة" ، والجؤجؤ : الصدر ، ويريد بالبهيمة موقعة الجمل (نهج البلاغة ص 35) للإمام محمد عبده .
(2) المطرقة : أى التى يطرق بعضها على بعض كالنعل المطرقة أى المخصوفة ، وهو عجز عن التعبير ، والأحسن أن يقال أى التى الزق بها الطراق ـ ككتاب ـ وهو جلد يقور على مقدار الترس ثم يلزق به "راجع نهج البلاغة شرح الشيخ/ محمد عبده ص 170"
(3) من كلام له عليه السلام فى ذم أصحابه ، والبكار ككتاب : جمع بكر ، الفتى من الإبل ، والعمدة بفتح فكسر : التى انفضح داخل سنامها من الركوب ، وظاهره سليم ، المتداعية : الخلقة المتخرقة ، ومداراتها : استعمالها بالوق التام (نهج البلاغة ص 82) .
(4) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 102 .
(5) أُخذ مروان بن الحكم أسيراً يوم الجمل ، فاستشفع الحسن والحسين عليهما السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فكلماه فيه فخلى سبيله (نهج البلاغة ص 86) .
(6) نهج البلاغة للشيخ محمد عبده ص 87 ، وأصول البلاغة للبحرانى ص 61 .(1/27)
... يقول البحرانى : "فإن الإمرة حالة معقولة أشبهت لعقة الكلب أنفه فى السرعة وهى أمر محسوس "(1).
... وقد اعترض صاحب الإكسير على البحرانى ، وعبارته هى : " وذكر البحرانى من أمثلة تشبيه المعقول بالمحسوس ، قول على لمروان : " أما إن له إمرة كعلقة الكلب أنفه ، وهو وهم ؛ إذ اللعقة حركة اللسان وليست محسوسة ، إنما المحسوس اللسان اللاعق ، والأنف الملعوق ، فهذا إذن من أمثلة المعقول "(2)
... تقول الدكتورة أمينة سليم :
" إنما الوهم ما وقع فيه الطوفى نفسه ؛ لأن هذا التشبيه ، من تشبيه "المعقول بالمحسوس" ، كما ذهب إلى ذلك البحرانى ؛ لأن اللعقة هى فعل وحركة صادرة عن عضو مشاهد بحاسة البصر ، كما أن الأنف ـ أيضًا ـ مشاهد ، وليس من تشبيه "المعقول بالمعقول" كما ذهب الطوفى"(3).
... ويرجح الباحث ما قالته الباحثة ، إذ لا عبرة بما قاله العلامة الطوفى ـ مع علو منزلته فى البلاغة ـ فأىُّ فرق بين أن يكون التشبيه فى حركة اللسان نفسها ، أو فى اللسان ، وما الداعى إلى تلك المماحكات اللفظية التى تذهب بجمال التشبيه .
... فالإمام على أراد أن يصف قِصَر مدة خلافة مروان بن الحكم فقد كانت "أربعة أشهر وعشرا"(4)، فشبه ذلك بلعقة الكلب لأنفه ، وما فى ذلك من السرعة .
... ثم لو سلمنا للعلامة الطوفى ما ذهب إليه من أن المشبه به هو حركة اللسان، لا اللسان اللاعق والأنف الملعوق ، أليست هذه الحركة مرئية ؟
__________
(1) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 103 .
(2) الإكسير فى علم التفسير ـ للطوفى ص 135 .
(3) الطوفى البغدادى وآراؤه البلاغية والنقدية فى كتابه الإكسير فى علم التفسير ـ د/ أمينة سليم ـ دكتوراه ـ إشراف د/ عبد القادر حسين ص 144 ـ تحت رقم 585.
(4) شرح نهج البلاغة للبحرانى ص 203/2 .(1/28)
... كما أن صورة التشبيه التى عناها الإمام على لا تكون إلا بالحالة التى عليها الكلب حين يحرك لسانه ؛ ليلعق أنفه . ولو لم يكن ذلك ، لضاع الغرض من التشبيه، وهو ذم مروان وتقبيحه ، ولذلك آثر الإمام على تشبيهه بالكلب ، ولو لم يكن ذلك ، لشبه قصر مدة خلافته بالبرق ـ مثلاً ـ ، ولكن الصورة التشبيهية تسعى إلى تقبيح المشبه به .
... ثم تورد الدكتورة أمينة سليم رأياً آخر فى عبارة الإمام علىّ السابقة ، حيث تقول : "،إلا إذا كان المقصود منها ، قصر مدة الخلافة ـ كما وردت عند البحرانى ـ، وفى هذه الحالة لا يكون تشبيهاً ، وإنما يكون من باب الكناية عن صفة السرعة وانقضاء حكمه "(1).
... ولا أدرى ماذا تعنى الباحثة بأنه ليس بتشبيه ، وكيف يصح ذلك مع وجود طرفى التشبيه والأداة ، وهل يتعارض ذلك مع كون العبارة كناية عن السرعة ...؟
... إن الصواب ما ذكره البحرانى نفسه بعد ذلك يقول : " نبه على قصر مدة مروان بن الحكم بالبصرة ، بتشبيهها بلعقة الكلب أنفه ، ووجه الشبه هو القصر ، وكانت مدة إمرته أربعة أشهر وعشراً ، وإنما خصه بلعقة الكلب ؛ لأنه فى معرض الذم "(2).
أما تشبيه المحسوس بالمعقول : فقد استشهد له البحرانى بقول الشاعر(3):
... كَأَنَّ ابْيضَاضَ الْبَدْرِ مِنْ تَحتِ غَيْمَةٍ ... ... نجاةٌ مِنَ الْبَأْسَاءِ بَعْدَ وُقُوعِ(4)
__________
(1) الطوفى البغدادى وآراؤه البلاغية والنقدية ـ د/ أمينة سليم ص 144 .
(2) شرح نهج البلاغة للبحرانى 203/2 .
(3) العلوى الأصفهانى .
(4) البيت مروىٌّ : "كأن انتضاء البدر ... نجاةٌ ... الخ " ، وانتضاء : انكشاف ، والنجاء : الخلاص ، والبأساء : الشدة "راجع الإيضاح ت د/ خفاجى 36/4 ، وأسرا البلاغة ت/ رُيتر 212 ، ونهاية الإيجاز للرازى ص 132 ، والبديع لابن المعتز ص 72"(1/29)
... وقد جعل ـ العلامة ـ الطوفى ، هذا البيت من تشبيه "المعقول بالمعقول" ، واعترض على ما قاله البحرانى ، وعبارته هى : " وجعل البحرانى قول الشاعر "كأن ابيضاض البدر ... البيت" ، مثالاً لتشبيه المحسوس بالمعقول ، وهو وهم ؛ لأن الابيضاض لا يحس ، وإنما يحس المبيض ، وهو البدر "(1)
... تقول الدكتورة أمينة سليم :
" وللإنصاف أقول : إننى لا أتفق مع الطوفى فيما ذهب إليه حيث أنه نظر إلى هذا التشبيه من زاوية فلسفية ، واعتبر البياض ، وليس المبيض الذى تلون بلون البياض وغاب عنه أن البدر محسوس بما يحمله من بياض ، مما يجعلنا نميل إلى أنه من قبيل "المحسوس بالمعقول" كما ذهب إلى ذلك البحرانى"(2)
... وأميل إلى رأى الباحثة حيث أيدت ما قاله البحرانى ، وذلك لأن معنى البيت "أنه لما رأى الخلاص من شدة أن يشبه بخروج البدر من تحت الغيم بانحساره ، قلب التشبيه ، ليرى أن صورة النجاء من البأساء ، لكونها مطلوبة فوق كل مطلوب ، أعرف من صورة انتضاء البدر ـ أو ابيضاضه من تحت غيمه "(3).
... ولا يلزم على هذا أن يكون المشبه هو الابيضاض ، أو المبيض ، وإنما التشبيه قائم فى صورة " ابيضاض البدر من تحت غيمه " مجتمعة .
... وقد رُوى البيت بـ " كأن انتضاء البدر" ، وعليه فلا مجال للاعتراض ، وإن قال العلامة الطوفى ؛ لأن الانكشاف لا يحس ، وإنما يحس المنكشف ، فقد بان الرد عليه .
__________
(1) الإكسير ـ للطوفى البغدادى ـ ص 135 .
(2) الطوفى البغدادى وآراؤه البلاغية والنقدية د/ أمينة سليم ص 143 .
(3) الإيضاح ت د/ خفاجى ص 36 حـ 4 .(1/30)
... وقد جعل العلامة عبد القاهر البيت بروايته الثانية(1)، من جعل الفرع أصلاً فى تشبيه المحسوس بالمعقول وعبارته هى "وذلك أن العادة أن يشبه المتخلص من البأساء بالبدر الذى ينحسر عنه الغمام ، والشبه بين البأساء والغمام و الظلماء من طريق العقل لا من طريق الحس"(2).
... وقد منع الإمام فخر الدين الرازى جواز "تشبيه المحسوس بالمعقول" " اعتماداً على أن العلوم العقلية مستفادة من الحواس ، فكأن المحسوس أصلاً للمعقول ، فتشبيهه به يقتضى جعل الأصل فرعاً والفرع أصلاً ، وهو محال"(3)
... وقد ردّ البحرانى على الرازى قوله حين علق على عبارته بقوله : " وهذا سهو ، فإن الحواس وإن كانت طرقاً للعلم ، إلا أنها ليست كل الطرق له ، ... ثم إن المعقول هنا فرع للمحسوس من جهة ما هو مستفاد عنه ، فيمتنع أن يكون أصلاً من تلك الجهة ، لكنه لا يمتنع أن يكون فرعاً له من تلك الجهة ، ومع ذلك يكون أصلاً له فى التشبيه والملاحظات الذهنية"(4)
... وتشبيه المحسوس بالمعقول جوَّزه بعض العلماء ، ومنعه بعضهم ، بما لا يتسع له هذا البحث(5).
... وقد قسم البحرانى التشبيه إلى قريب وبعيد ، ثم تحدث عن المفرد والمركب والمتعدد(6)، بما لا يخرج عما قاله الإمام عبد القاهر ومن تبعه كالعلامة الرازى.
* خُلاصةُ القولِ فى التَّشبيه بينَ البحرانى وابن سنان الخفاجى :
أولاً :
... لم يفرق ابن سنان بين مصطلحات البيان والبلاغة والفصاحة ؛ وذلك لأن المسائل البلاغية لم تكن قد تحددت بعد ، فالبيان عنده يعنى الكشف والظهور والإيضاح ، وهذا هو معنى الفصاحة التى يبحث عن حقيقتها .
__________
(1) وهى " كأن انتضاء البدر ... البيت".
(2) أسرار البلاغة ت/ رُيتر ص 212 .
(3) نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز ص 132 .
(4) مقدمة شرح نهج البلاغة للبحرانى ص 104 .
(5) راجع أساليب البيان د/ محمد شادى ص 83 .
(6) راجع مقدمة شرح نهج البلاغة للبحرانى ص 106 - 109 .(1/31)
... أما الإمام البحرانى ، فقد أفصح عن معرفته لعلم البيان ، وأدرك أنه يشمل "التشبيه والمجاز والكناية" ـ كما صرح هو ـ ولكنه مع ذلك لم يقسم كتابه هذا التقسيم الحادث عند المتأخرين ، بل رتبه على مقدمة وجملتين ، أدرج فى الجملة الأولى البيان بأنواعه .
ثانياً :
... تحدث ابن سنان عن "التشبيه" فى معرض حديثه عن المعانى مفردة ، حيث اعتبر من صحة المعانى صحة التشبيه .
... بينما تحدث عنه البحرانى فى الجملة الأولى فى "الفصاحة العائدة إلى المفردات".
ثالثاً :
... عرف ابن سنان "التشبيه" ، متأثراً بقدامة ، ومطبِّقًا على أكثر شواهد الرُّمانى . بينما لم أعثر للبحرانى على تعريف للتشبيه ، ومع ذلك فهو لم يختلف عمن سبقه.
رابعاً :
... استشهد ابن سنان للتشبيه بشواهد عديدة من القرآن والشعر ، وكانت الفكرة ووضوحها يسيطران عليه فى كل شاهد يذكره .
... كذلك كان البحرانى فى تناوله لأركان التشبيه وأغراضه .
خامساً :
... ذكر ابن سنان وجوب كون المشبه به أعظم وأبلغ من المشبه ، وقد تعقبه ابن الأثير فى ذلك ولم يصرح باسمه .
... أما البحرانى فقد أدرك جواز الأمرين ، وذكر لذلك عدة أبيات عدها الشيخ عبد القاهر ضمن ما يصح عكسه وما لا يصح .
سادساً :
... أدرك ابن سنان أن التشبيه "المحذوف الوجه والأداة" من التشبيه المحض ، وقد اعترض عليه العلامة العلوى نتيجة فهمه الخاطئ لكلام ابن الأثير الذى نص على خطأ ابن سنان والآمدى فى التعليق على جعل "صُلبَهُ" فى قول امرئ القيس من الاستعارة ، وقد بان خطأ ابن الأثير والعلوى .
... أما البحرانى فقد اختلط الأمر عنده ، فتارةً يرى أن التشبيه "المحذوف الوجه والأداة" من التشبيه المحض ، وذلك فى كتابيه "المقدمة والأصول" ، ولكنه عند التطبيق فى شرحه لنهج البلاغة يضطرب ويختلط عليه الأمر ويدخل هذا النوع فى الاستعارة .
سابعاً :(1/32)
... لم يفرق ابن سنان بين " التشبيه المحض" ، "والتشبيه التمثيلى" ، كما لم يفرق بين "التشبيه التمثيلى" ، و" الاستعارة التمثيلية" ؛ لأن هدفه الوحيد هو البحث عن الوضوح والبيان بغض النظر عن كون هذا تشبيهاً تمثيلياً ، أو استعارة تمثيلية .
... أما الشيخ البحرانى ، فقد جاء الأمر عنده على خلاف ذلك ، حيث فرق بين "التشبيه والتمثيل" ، كما أنه لم يخلط بين " الاستعارة التمثيلية" "والتشبيه التمثيلى" ، وهو عند التطبيق يذكر نوع التمثيل أحياناً ، ويكتفى بقوله "هو تمثيل" أحياناً ، وقد لا ينص على شيئ من ذلك .
ثامناً :
... قسم ابن سنان التشبيه إلى "حسن وردىء" ، ثم يذكر أنواع التشبيه المختلفة التى استقر مفهومها عند المتأخرين بعد ذلك ، ويدرجها فى التشبيه الحسن ، ويدرك أن السر فى حسنها هو الوضوح والبيان ، كل ذلك دون أن ينص عليها .
... بينما يتناول البحرانى التشبيه من جوانب عديدة ، فمن حيث طرفيه يقسمه إلى "حسى وعقلى" ، مستشهداً بنصوص كثيرة من كلام الإمام على ، مناقشاً اعتراضات الطوفى والرازى عليه ، كما يقسم التشبيه إلى "قريب وبعيد" ، "ومفرد ومركب ومتعدد" ، بما لا يخرج عن سابقيه .
-2-
المجاز
* مفهوم المجاز عند ابن سنان :
... عقد ابن سنان فصلاً فى "الكلام" ، عرّفه ، وقسمه إلى مهمل ومستعمل ، وقسم المستعمل إلى ماله معنى ولا يفيد وإلى مفيد ، وعند ذكره الكلام المفيد يشير إلى تعريف الحقيقة والمجاز فى سطرين دون أن يقف عند تفصيل ما أجملهُ .
... يقول : " والمفيد من الكلام ينقسم إلى قسمين : حقيقة ومجازاً ، فاللفظ الموصوف بأنه حقيقة هو ما أريد به ما وضع لإفادته ، والمجاز : هو اللفظ الذى أريد به ما لم يوضع لإفادته "(1).
__________
(1) سر الفصاحة ص 43 .(1/33)
... على أن ابن سنان قد تحدث عن الحقيقة والمجاز فى موضع آخر ، وذلك عند بيان " ما يخص بالتأليف " ، ومنها وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازاً ، لا ينكره الاستعمال وعبارته هى : "ونعود إلى ما يختص بالتأليف وينفرد له ، ونقول : إن أحد الأصول فى حسنه ، وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازاً ، لا ينكره الاستعمال ، ولا يبعد فهمه ، وهذه الجملة تحتاج إلى تفصيل نحن نذكره ونشرحه ونبين أمثلته ؛ ليقع فهمه والعم به "(1)
... ولعل من الخير الآن أن أقطع حديثى ، لأعرض للمجاز اللُّغوى بنوعيه (الاستعارة والمجاز المرسل) ، ثم المجاز العقلى عند ابن سنان موازناً بينه وبين الإمام البحرانى .
- أ -
الاسْتِعَارَةُ
أولاً : الاستعارة عند ابن سنان :
... تناول ابن سنان حديثه عن الاستعارة تناول الناقد الواعى البصير ، المتحرر من ربقة التقليد(2).
... وقد جاء كلامُه عنها ضمن حديثه عن ما يختص بالتأليف وينفرد له ، يقول :
" إن أحد الأصول فى حسنه ـ يعنى التأليف ـ وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازاً، لا ينكره الاستعمال ولا يبعد فهمه ، وهذه الجملة تحتاج إلى تفصيل نحن نذكره ونبين أمثلته ؛ ليقع فهمه والعلم به(3)... ، ومن وضع الألفاظ موضعها "حسن الاستعارة "(4).
* مفهوم الاستعارة عند ابن سنان :
__________
(1) المصدر السابق ص 11 ، يرى د/ عبد الرازق أبو زيد " أن تعريف ابن سنان هذا هو أدق تعريف وأوضحه بالنسبة لمن سبقهُ " (راجع : سر الفصاحة ـ دراسة وتحليل ص 101 ) .
(2) مفهوم الاستعارة د/ أحمد عبد السيد الصاوى ص 93 .
(3) سر الفصاحة ص 111 .
(4) المصدر السابق ص 118 .(1/34)
... الاستعارة عند ابن سنان تعنى " تعليق العبارة على غير ما وضعت له فى أصل اللغة على جهة النقل للإبانة"(1)وهذا هو تعريف الرُّمانى(2)، كما نص ابن سنان على ذلك .
... ولقد هُوجم هذا التعريف من بعض العلماء(3)، ولا يجب الوقوف على ما قالوه، فهو مبثوث فى ثنايا الكتب ، ولكن ما يجب الوقوف أمامه ، مسألة "النقل فى الاستعارة" ، التى قال بها الرُّمانى ، وارتضاها ابن سنان ، ومن قبلها صاحب الوساطة(4).
... على أنه يجب التنبيه على "أن الاستعارة ليست نقلا للاسم بعد تفريغه من معناه ؛ لأنه لا ينفك عن الالتفات لمعناه الأصلى ، وإن كان قد استعمل فى معنى آخر ، ولعل هذا ما قصده عبد القاهر من قوله " والاستعارة ليست نقلاً للاسم ، وإلا صارت مجرد تسمية ... ولكنها ادعاء ومعنى ، كأن تدعى للرجل بطش الأسد وقوته فى "رأيت أسداً " ثم يقول : "وإنما يعاد اللفظ من بعد أن يصار المعنى"(5)".
__________
(1) سر الفصاحة ص 118 .
(2) النكت فى إعجاز القرآن للرُّمانى ـ ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ص 85 ، وقد أدرك بعض المحدثين أن الرُّمانى متأثر فى هذا بالجاحظ وابن قتيبة . (راجع أثر القرآن فى تطور النقد العربى د/محمد زغلول سلام ص 239 ـ دار المعارف ط 3)
(3) انظر : أثر النحاة فى البحث البلاغى د/ عبد القادر حسين ص 251 ، ونهاية الإيجاز للرازى ص 161 ، بديع القرآن لابن ابى الاصبع ص 17 ، والطراز ص 96 .
(4) الوساطة ص 37 ت/ هاشم الشاذلى ، البلاغة العربية ـ قراءة أخرى ـ محمد عبد المطلب ـ الشركة المصرية العالمية للنشر ـ لونجمان .
(5) أساليب البيان أ.د/ محمد شادى ص 234 ، 235 .(1/35)
... وابن سنان ـ كما هو واضح ـ لم يضع للاستعارة تعريفاً ، إنما ارتضى تعريف الرُّمانى ، وَشَرَحَهُ(1)، وفرق بين الاستعارة والتشبيه ـ كما بينت فى مبحث التشبيه .
... ومما استشهد به ابن سنان للاستعارة قول الله تعالى: { وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباَ }(2)
ويعلق على الآية بقوله : " الآية ... استعارة ؛ لأن الاشتعال للنار ، ولم يوضع فى أصل اللغة للشيب ، فلما نقل إليه بان المعنى لما اكتسبه من التشبيه ؛ لأن الشيب لما كان يأخذ فى الرأس ويسعى فيه شيئًا فشيئًا ، حتى يحيله إلى غير لونه الأول ، كان بمنزلة النار التى تشتعل فى الخشب ، وتسرى حتى تحيله إلى غير حاله المتقدمة ، فهذا هو نقل العبارة عن الحقيقة فى الوضع للبيان"(3)
... وليس من شك فى أن الخفاجى قد تأثر فى شرحه للآية بالآمدى(4)والرُّمانى(5)وإن كان تأثره بالآمدى أقرب ، ومن يستطلع الموازنة يدرك ذلك لأول وهلة .
__________
(1) يقول أستاذى : أ.د/ عبد الغنى بركة : "ولعل الرُّمانى أول من عالج هذا الأسلوب بطريقة بوأته مكانته بين الأساليب ، وكان فى ذلك الرائد الذى نقل عنه اللاحقون ، أو تأثروا به ، كما فعل أبو هلال العسكرى ، وابن سنان ... وغيرهم". (مستتبعات التراكيب ص 132) .
(2) سورة مريم ، آية : 4 ، وانظر : التصوير الفنى فى القرآن ، وفى ظلال القرآن ، للأستاذ / سيد قطب ص 27 ، 2302/4 بالترتيب.
(3) سر الفصاحة ص 118 .
(4) راجع الموازنة 269/1 .
(5) راجع النكت فى إعجاز القرآن ـ للرُّمانى ـ ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ص 88 .(1/36)
... ويرى ابن سنان أن "الاستعارة لابد أن تكون أوضح من الحقيقة ؛ لأجل التشبيه العارض فيها ؛ لأن الحقيقة لو قامت مقامها كانت أولى ، لأنها الأصل والاستعارة الفرع ، وليس يخفى على المتأمل أن قوله عز اسمه : { وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباَ }(1)أبلغ من : كثُرِ شيب الرأس وهو حقيقة هذا المعنى"(2).
... ثم يقول ابن سنان :
" ولابد للاستعارة من حقيقة هى أصلها "(3)، وهذه العبارة لم ترق أحد المحدثين ، الذى راح يقول : " لكن الحقيقة المدعاة عند ابن سنان قد تختفى ولا تبين ، أمام البناء اللغوى فى حقيقة الجديدة"(4)
... وعبارة ابن سنان السابقة قد تأثر فيها بالرُّمانى ، وأبى هلال العسكرى(5).
... ثم يعقب ابن سنان على ذلك بقوله : " ولابد للاستعارة من حقيقة هى أصلها ، وهى : مستعار ومستعار منه ، ومستعار له"(6).
... وما ذكره ابن سنان هو ما عُرف عند البلاغيين المتأخرين "بأركان الاستعارة" وعلى هذا فابن سنان عند نقله عبارة الرُّمانى وأبى هلال لم يكن يعنى بها ، إلا أركان الاستعارة ـ بدليل قوله السابق ـ فلا مجال لنقده والاعتراض عليه .
... " وابن سنان فى حديثه عن المجاز لم يتنبَّه للقرينة على كثرة ما قال فيها وفى تعريفها ، وما أخذه على غيره فيها ، وما كان قد ارتضاه هو ، كما أنه لم يتحدث إلا عن الاستعارة بمعناها العام غير مفرق بين أضربها الدقيقة التى تكشفت لمن بعده"(7).
__________
(1) سورة مريم ، آية : 4.
(2) سر الفصاحة ص 118 ، 119 ، والنكت فى إعجاز القرآن للرُّمانى ص 86 ، والصناعتين 295 .
(3) سر الفصاحة ص 120 .
(4) انظر : فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور ـ د/ رجاء عيد ص 128 ـ منشأة المعارف بالاسكندرية .
(5) النكت فى إعجاز القرآن ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ـ ص 86 والصناعتين لأبى هلال العسكرى ص 298 .
(6) سر الفصاحة ص 120 .
(7) المجاز فى اللغة والقرآن د/ المطعنى ص 295/1 .(1/37)
... ولقد راح ـ بعد ذلك ـ يذكر ما للاستعارة من تأثير فى الفصاحة يقول : " ولها تأثير فى الفصاحة ظاهر ، وعلقة وكيده"(1)ولولا هذا التأثير ما أشار إليها ابن سنان ، ولا أفاض فى شرحها ، والاستشهاد لها ؛ لأنه يذكر من المباحث البلاغية ، ما يخدم غرضه ، ويحقق بغيته ، فما أثر فى الفصاحة ، أشار إليه ، وفصّل الكلام فيه ، وما لم يؤثر فيها نحاهُ وتجنبه ، ولعل هذا هو السبب فى تقسيمه الاستعارة إلى "قريب وبعيد" دون التعرض للتفريعات الكثيرة .
* أقسام الاستعارة عند ابن سنان وكيفية دراسته لها :
... كما ارتضى ابن سنان لمنهجه من ذى قبل ، أن يُقسَّم التشبيه إلى : (حسن وردىء) ، أدرك هنا أن الاستعارة على ضربين (قريب وبعيد) .
... وليس من شك فى أن ابن سنان يطبق منهجه دون خلل أو اضطراب ، فهو يسعى فى المقام الأول إلى البحث عن ماهية الفصاحة ، وهذا لا يتأتى إلا بعرض الاستعارة الفصيحة ، والمخلة بالفصاحة ، ليسهل الوقوف على سبب ذلك . فالاستعارة عنده "على ضربين : قريب مختار ، وبعيد مطرح"(2)
... ثم يشرع ابن سنان فى التعريف بكل منها ، ووضع المقاييس والشروط ـ من وجهة نظره ـ ومع أنه حالفه التوفيق فى بعضها ، ولم يحالفه فى بعضها الآخر ، إلا أننا يجب أن نحترم وجهة نظره ، وننصت إليه ؛ لنناقشه فى خطئه ـ إذا صح هذا التعبير ـ ونبارك له فى صوابه .
... يقول ابن سنان :
" فالقريب المختار : ما كان بينه وبين ما استعير له تناسب قوى وشبه واضح "(3)، وهذا القياس لا غبار عليه ، فشرط التناسب لازم فى حسن الاستعارة ، بل فى صحتها .
... وكنتُ أتوقع منه بالبديهى أن يقول : إن الاستعارة البعيدة : هى ما لم يكن بينها وبين ما استُعير له تناسب .
__________
(1) سر الفصاحة ص 120 .
(2) سر الفصاحة ص 120 .
(3) السابق نفس الصفحة .(1/38)
... ولكن على ما يبدو كان له رأى آخر يقول : " والبعيد المطرح : إما أن يكون لبعده مما استعير له فى الأصل أو لأجل أنه استعارة مبنية على استعارة ، فتضعف لذلك "(1)
... الشق الأول من كلام ابن سنان عن الاستعارة ، لا يرتاب أحد فى صحته ، أما الشق الثانى وهو قوله : "أو لأجل أنه استعارة ...الخ" فسأناقشه فيه لاحقًا .
... ولقد أدرك ابن سنان أن الاستعارة "قد أوردها المحدثون كثيرًا ، وإن كان المتقدمون بدؤوا بها ، وممن أكثر استعمالها أبو تمام حبيب بن أوس(2)"
... ومن الجدير بالذكر أن أشير إلى أن ابن سنان لم يتأثر هنا بقدامة وأبى هلال وابن رشيق ، كما يدعى بعض المحدثين(3)، ولكنه تأثر فى أكثر شواهد الاستعارة القريبة والبعيدة بالعلامة الآمدى(4)، والآمدى قد تأثر فى بعض هذه الشواهد بقدامة(5)، وفى بعضها الآخر بابن المعتز(6)، وهذا هو الصواب ، فابن سنان لم يتأثر بقدامة مباشرة ، ولعل من يراجع :" الموازنة بين الطائيين" ، و "نقد الشعر" ، "وسر الفصاحة" ، يدرك لأول وهلة مدى التأثر الصريح بين ابن سنان والآمدى ، وذلك فى فصل أورده الآمدى تحت عنوان : "باب ما جاء فى شعر أبى تمام من قبيح الاستعارات"(7).
__________
(1) السابق ، يقول د/ عبد المنعم خفاجى : إن ذلك مذهب أرسطو فى "الخطابة" ، احتذى حذوه قدامة فى "نقد الشعر" ، ثم احتذى الخفاجى . (الإيضاح 213/5 ، 232/3 )
(2) سر الفصاحة ص 120 .
(3) د/ أحمد عبد السيد الصاوى فى كتابه : "مفهوم الاستعارة" ص 98، ود/ عبد الرازق أبو زيد فى كتابه "علم البديع نشأته وتطوره" ص 352 .
(4) راجع الموازنة ص 261 وما بعدها جـ1 .
(5) راجع نقد الشعر ص 146 ت/ كمال مصطفى .
(6) البديع لابن المعتز ت د/ محمد عبد المنعم خفاجى ص 77 ، 82 ، 86.
(7) الموازنة 261/1 .(1/39)
... ومن الشواهد القرآنية التى اختارها ابن سنان للاستعارة القريبة قوله جلّ شأنه: { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِى الْجَارِيةِ }(1)؛ لأن حقيقة (طغى) علا ، والاستعارة أبلغ ؛ لأن طغى ـ علا قاهرًا .
... ومنها قوله تعالى : { وَآيَةٌ لَهُم اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارُ }(2)؛ لأن انسلاخ الشيئ عن الشيئ هو أن يتبرأ منه ويزول عنه حالاً فحالاً ، وكذلك انفصال النهار عن الليل ، والانسلاخ أبلغ من الانفصال لما فيه من زيادة البيان(3).
... وكان الرُّمانى قد شرح الاستعارات السابقة "ولكن شرح ابن سنان الخفاجى لها أفضل وأوضح "(4)
ومن الشعر قول طُفَيْل الْغَنَوِىّ(5):
... وَجَعَلْتُ كُورِى فَوْقَ نَاجِيَةٍ ... ... يَقْتَاتُ شَحْمَ سَنَامِهَا الرَّحْلُ(6)
... يقول ابن سنان :
" فإن استعارة هذا البيت مرضية عند جماعة العلماء بالشعر ؛ لأن الشحم لما كان من الأشياء التى تقتات ، وكان الرحل يتخونه ويذيبه ، كان ذلك بمنزلة من يقتانه ، وحسنت استعارة القوت للقرب والمناسبة والشبه الواضح"(7).
... يقول الدكتور عبد العظيم المطعنى :
__________
(1) سورة الحاقة ، آية : 11 .
(2) سورة يس ، آية : 37 .
(3) سر الفصاحة ص 121 .
(4) المجاز فى اللغة والقرآن د/ عبد العظيم المطعنى ص 286 .
(5) هو : طفيل بن عوف بن كعب ، من بنى غنى ، شاعر جاهلى فحل ، من الشجعان ، وهو أوصف العرب للخيل (راجع : نقد الشعر ص 179) .
(6) الكور : الرحل بأداته ، الناجية : الناقة الكريمة ، والشاعر يذكر سفره على ناقة كريمة قد أضناها السفر وأذاب شحم سنامها ملازمة الرحل لها فى الظعن والارتحال ، والبيت مروىٌّ فى "نقد الشعر" (وحملت) بدل (وجعلت) ، والثانية رواية الموازنة مما يؤكد تأثر ابن سنان بالآمدى لا بقدامة (الموازنة 267/1 ، ونقد الشعر 179).
(7) سر الفصاحة ص 121 ، الموازنة 267/1 .(1/40)
" واضح أن فى البيت استعارة كما قال ، ولكن تخريجه لها مضطرب بين الاستعارة المكنية والاستعارة التصريحية "(1).
... ويعلق الدكتور محمد شادى على البيت بقوله :
" هذا تشخيص يعكس إحساساً نفسيًّا بغيضًا للرحل الذى تحول فى خيال الشاعر إلى حيوان بشع نهم يلتهم شحم السنام كلما تحرك من حوله ، كما تعكس الصورة إحساس المشفق على ناقته من رحلها الذى يأخذ من شحمها من طول المسير فى الليالى الطوال "(2).
... ويقول ابن رشيق : " وهذه الاستعارة كأنها الحقيقة لقربها وتمكنها"(3)
... ولقد عقد ابن سنان موازنة بين استعارتين : أحدهما : محمودة والأخرى مذمومة ، أفصح فيها عن مذهبه ورأيه فى الاستعارة ، يقول : " وقد كنت مثلت فى بعض المواضع للاستعارة المحمودة والمذمومة ببيتين : أحدهما قول أبى نصر بن نُباته :
... حَتَّى إِذَا بَهَر الأَبَاطِح والرُّبا ... ... نَظَرَتْ إِلَيْكَ بِأَعْيُنِ النّوّارِ
... فنظر أعين النوار من أشبه الاستعارات وأليقها ؛ لأن النوار يشبه العيون ، وإذا كان مقابلاً لمن يجتاز فيه ويمر به كأنه ناظر إليه ، وهذه الاستعارة الصحيحة الواضحة التشبيه(4).
والبيت الثانى : قول أبى تمام :
... قَرَّت بِقُرَّانَ عَيْنُ الدِّينِ وَانْشَتَرَتْ ... بِالأَشْتَرَيْنِ عُيُونُ الشِّرْكِ فَاصْطُلِمَا(5)
__________
(1) راجع : المجاز فى اللغة والقرآن د/ المطعنى 290/1 ، وراجع : بغية الإيضاح 112/3 .
(2) انظر أساليب البيان والصورة القرآنية د/ محمد إبراهيم شادى ص 301 .
(3) العمدة لابن رشيق 274/1 .
(4) سر الفصاحة ص 124 .
(5) ديوان ابى تمام 169/3 ، والموازنة 285/1 ، وقران : علم والأشتران : علم تثنية للأشتر ، وانشترت : مطاوع شطر العين قلب جفنها وشتر الشيئ : قطعه ، واصطلم : استؤصل ، (السابق) .(1/41)
... وقرة عين الدّين وانشتار عيون الشرك من أقبح الاستعارات ؛ لعدم الوجه الذى لأجحله جعل للدِّين والشرك عيونا ، ومع تأمل هذين البيتين يفهم معنى الاستعارة؛ لأن النوار والشرك لا عيون لهما على الحقيقة ، وقد قبحت استعارة العيون لأحدهما وحسنت للآخر ، وبيان العلة فيه أن النوار يشبه العيون ، والدين والشرك ، ليس فيهما ما يشبهها ولا يقاربها ، وهذه طريقة متى سلكت ظهر المحمود فى هذا الباب من المذموم(1).
... وابن سنان ـ كما هو واضح ـ يلح على وجود التناسب والقرب والوضوح فى الاستعارة .
* مناقشات ابن سنان للعلماء فى الاستعارة :
... نظراً لمذهب ابن سنان فى الاستعارة البعيدة ، فقد دارت بينه وبين النقاد مناقشات خالفهم فى بعضها وأيدهم فى بعضها الآخر ، وذلك كله "بنفس طويل ، وذوق أدبى بارع غير جانح إلى التقليد ، ولا راغب فى مخالفة العلماء"(2).
... وسألقى الضوء على تلك المناقشات مبينًا رأيى فيها مراعياً الدقة والإيجاز ...
(1) بين ابن سنان والآمدى :
... سبق أن أشرتُ إلى مذهب ابن سنان فى الاستعارة البعيدة بقوله : "والبعيد المطرح : إما أن يكون لبعده مما استعير له فى الأصل ، أو لأجل أنه استعارة مبنية على استعارة فتضعف لذلك "(3).
وعلى هذا الأساس تعرض ابن سنان لبيت امرئ القيس :
... فَقُلْتُ لَهُ لمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ ... ... وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ(4)
__________
(1) سر الفصاحة ص 124 .
(2) قضية الإعجاز القرآنى وأثرها فى تدوين البلاغة العربية ، د/ عبد العزيز عبد المعطى عرفه . ص476 ط 1.
(3) سر الفصاحة ص 120 .
(4) ديوان امرئ القيس ط دار المعارف ص 18 . ت/ محمد أبو الفضل إبراهيم . ذخائر العرب ط 3 سنة 1969م ، (وانظر البيت والتعليق عليه فى فن الاستعارة د/ أحمد عبد السيد الصاوى ص 74 ، وفى مشكلة السرقات فى النقد العربى د/ محمد مصطفى هدارة ص 161) .(1/42)
... وأشار إلى موقف الآمدى من هذا البيت حيث قال : "وقد اختار أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدى قول امرئ القيس ـ السابق ـ وقال : إن هذه الاستعارة فى غاية الحسن والجودة والصحة"(1).
... ثم ذكر ابن سنان كلام الآمدى مع تغيير طفيف ، وسأذكر نص كلام الآمدى من "الموازنة" ، يقول عن سبب حسن البيت : " ؛ لأنه قصد وصف أحوال الليل الطويل ، فذكر امتداد وسطه ، وتثاقل صدره للذهاب والانبعاث ، وترادف أعجازه ، وأواخره شيئًا فشيئًا ، وهذا عندى منتظم لجميع نعوت الليل الطويل على هيأته ، وذلك أشد ما يكون على من يراعيه ، ويترقب تصرمه ، فلما جعل له وسطًا يمتد ، وأعجازًا مرادفة للوسط ، وصدرًا متثاقلاً فى نهوضه ، حسن أن يستعير للوسط اسم الصلب ، وجعله متمطيًا من أجل امتداده ؛ لأن تمطَّى وتمدَّد بمنزلة واحدة ، وصلح أن يستعير للصدر اسم الكلكل من أجل نهوضه . وهذه أقرب الاستعارات من الحقيقة، لشدة ملاءمة معناها ، لمعنى ما استعير له "(2).
__________
(1) سر الفصاحة ص 122 .
(2) الموازنة 266/1 ، وراجع الخصومات البلاغية والنقدية فى صنعة أبى تمام د/ عبد الفتاح لاشين ص 129 ـ ط/ دار المعارف .(1/43)
... وهذا الكلام لم يرق ابن سنان ، فراح يعلق عليه بقوله : " وهذا الذى قاله أبو القاسم لا ارضى به غاية الرضى ، ولو كنت أسكن إلى تقليد أحد من العلماء بهذه الصناعة ، أو أجنح إلى اتباع مذهبه من غير نظر وتأمل ، لم أعدل عما يقوله أبو القاسم ، لصحة فكرة وسلامة نظره ، وصفاء ذهنه وسعة علمه ، لكننى أغلب الحق عليه ، ولا أتبع الهوى فيما يذهب إليه ، وبيت امرئ القيس عندى ليس من جيد الاستعارة ولا من رديئها ، بل هو من الوسط بينهما ، وبيت الغنوى(1)أحمد فى الاستعارة ، وأشبه فى المذهب الصحيح منه ، وإنما قلت ذلك ؛ لأن أبا القاسم ، قد أفصح بأن امرأ القيس لما جعل لليل وسطا وعجزًا استعار له اسم الصلب ، وجعله متمطيًّا من أجل امتداده ، وذكر الكلكل من أجل نهوضه ، فكل هذا إنما يحسن بعضه لأجل بعض ، فذكر الصلب إنما حسن لأجل العجز ، والوسط والتمطى لأجل الصلب، والكلكل لمجموع ذلك ، وهذه الاستعارة المبينة على غيرها ، فلذلك لم أر أن أجعلها من أبلغ الاستعارات وأجدرها بالحمد والوصف ، وكانت استعارة طفيل أدق وأصح ؛ لأنها غنية بنفسها ، غير مفتقرة إلى مقدمة جلبتها(2)" .
... أول ما يلاحظ فى كلام ابن سنان ، تواضعه الذى لا يبارى فهو يسلك كل طريق فى التأدب مع غيره ، كما نلاحظ ـ أيضاً ـ منزلة ـ العلامة ـ الآمدى عند كل العلماء ، وبخاصة ـ ابن سنان .
__________
(1) انظر ص (195) من هذا الفصل وراجع البيت فى الموازنة 1/267 ، ونقد الشعر 179 .
(2) سر الفصاحة ص 122 ، 123 . وقد فهم د/ عبد الرازق أبو زيد كلام ابن سنان خطأ فراح يقول : " ؛ لأن البيت فى رأيه ـ يعنى ابن سنان ـ من باب التشبيه ، لا من باب الاستعارة " (سر الفصاحة دراسة وتحليل ص 106) ، والحقيقة أن هذا رأى ابن الأثير وليس ابن سنان (المثل السائر 88/2) .(1/44)
... أما ما نحن بصدده فأقول : إن الحق مع الآمدى ، فبيت امرئ القيس من جيد الاستعارات ، فقد أجمع النقاد والبلاغيون " على أن الاستعارة المرشحة ـ فى سياقها ـ أكثر جودة وحسنًا ، وأبلغ من نظيرتيها المطلقة والمجردة ، وابتناء استعارة على أخرى ، قد يكون منه ترشيح لكل منهما على رأى من يقول أن الترشيح قد يكون مجازاً ، ولو كان ما قاله ابن سنان صحيحاً ، لكانت بعض استعارات القرآن بعيدة مطرحة أو وسطًا ، كما يرى هو بمقتضى مذهبه المذكور .
... فماذا يصنع ابن سنان فى قوله تعالى : { يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّه مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ }(1)وقوله تعالى : { أُوْلَئكَ الَّذِينَ اشْتَرُوا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجارَتُهُمْ }(2)
... وكان يجب أن يعتبر جودة الاستعارة فى مراعاة التناسب ـ جرياً على مذهبه ـ ثم إذا صح لابن سنان نقده للآمدى ، كان يجب عليه عد البيت من الاستعارة البعيدة المطّرحه ، فإذا كانت الاستعارة المبنية على استعارة أخرى عنده بعيدة مطرحة فكيف جعلها وسطاً؟
... ولعل ابن سنان لما رأى ثناء الآمدى عليها منحها شيئاً من الفضل لمكانة الآمدى عنده ، كما نوه هو بها من قبل "(3)
... ولقد استغل ابن الأثير(4)تناقض ابن سنان الصريح فى عده الاستعارة من الوسط مع أن مذهبه أن تكون من البعيدة المطرحة ، فراح يوجه النقد لابن سنان من عدة وجوه :
الأول : تناقض ابن سنان فى كلامه السابق .
__________
(1) سورة البقرة ، آية : 27 .
(2) سورة البقرة ، آية : 16 ، والمجاز فى اللغة والقرآن د/ المطعنى 294/ 1.
(3) انظر المجاز فى اللغة والقرآن د/ عبد العظيم المطعنى 293/1.
(4) اعترض الطوفى ـ أيضاً ـ على كلام ابن سنان بقوله : "وهو وهم قبيح ، بل هو من الرتبة العليا ، وما ذكره ابن سنان فى توجيه دعواه ضعيف لا يستحق أن يذكر " (الإكسير فى علم التفسير ـ ص 117) .(1/45)
الثانى : أن ابن سنان عاب على الآمدى ما ليس بمعيب ؛ لأن حسن الاستعارة يرجع إلى مراعاة التناسب بين المستعار منه والمستعار له .
الثالث : أن مذهب ابن سنان يتنافى مع استعارات القرآن الكريم ، فقد وردت فيه استعارات مبنية على غيرها ، وهى مرضية حسنة ، لمراعاة التناسب مثل قوله تعالى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كًلِّ مَكَان ، فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللّه فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ }(1)، فهذه ثلاث استعارت يبنى بعضها على بعض:
... فالأولى : استعارة القرية للأهل .
... والثانية : استعارة الذوق للِّباس .
... والثالثة : استعارة اللباس للجوع والخوف .
... ... وهذه الاستعارات الثلاث من التناسب على ما لا خفاء به "(2).
... ومن الجدير بالذكر أن بيت امرئ القيس السابق فى نظر ابن الأثير من "التشبيه المضمر الأداة"، حيث قال : " وهذا الكلام الذى أوردته ها هنا هو اعتراض على ما ذكره ابن سنان الخفاجى فى الاستعارة ، فلا تظن أنى موافقهُ فى الأصل ؛ وإنما وافقته قصداً لتبيين وجه الخطأ فى كلامه، وكيف يسوغ لى موافقته ، وقد ثبت عندى بالدليل أن الاستعارة لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المستعار له وفيما قدمته من الكلام كفاية"(3).
... والحقيقة التى لا مراء فيها أن بيت امرئ القيس السابق من الاستعارة المكنية، ولا خلاف على ذلك(4).
... على أنه من الإنصاف أن أشير إلى أن نقد ابن الأثير للخفاجى حق وصدق ، ولا يرتاب فى صحته أحد .
__________
(1) سورة النحل ، آية : 112 .
(2) المثل السائر 88/2 .
(3) المصدر السابق 92/2 .
(4) انظر : التصوير البيانى د/ محمد أبو موسى ص 188 .(1/46)
ومن الشواهد التى ناقش فيها ابن سنان الآمدى قول زهير(1):
... صَحَا الْقَلْبُ عَنْ سَلْمَى وَأَقْصَرَ بَاطِلُهْ ... وَعُرِّى أَفْرَاسُ الصّبا وَرَوَاحِلُهْ(2)
وقول أبى ذُؤَيْبِ الْهُذَلِىُّ(3):
... وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لاَ تَنْفَعُ(4)
... وقد جعل الاستعارة فيهما من الاستعارة المتوسطة ؛ لأن الاستعارة مبنية على غيرها(5)، وقد سبق الرّد عليه.
(2) بين ابن سنان والقاضى الجرجانى :
... كما ناقش ابن سنان الآمدى ، ناقش القاضى الجرجانى ـ صاحب الوساطة ـ فى تحليلاته لاستعارت المتنبى(6)، ومنها قوله :
... مَسَّرَّةٌ فى قُلوبِ الطِّيبِ مَفْرِقُها ... وَحسْرَةٌ فى قُلوبِ البَيْض والْيَلَبِ(7)
وقوله :
__________
(1) زهير بن أبى سلمى ربيعة بن رياح المزنى ، قيل إنه لقى النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن مائة سنة ، والراجح أنه مات قبل ظهور النبى بزمن طويل . (كارل بروكلمان 95/1 ، والشعر والشعراء ص57 ) .
(2) الصحو : أصله خلاف السكر وأراد به السلو ، وأقصر : امتنع ، والتعرية : الإزالة (راجع فن الاستعارة ص 31 ) ، ويرى د/ محمد شادى : أن الأجدى للمعنى والصورة اعتبار الاستعارة : مكنية على تشبيه الصبا بجهة سفر فرغ منها القصد ، فتركت وسائلها وعريت أفراسها ورواحلها . (أساليب البيان د/ محمد شادى ص 320 ).
(3) أشعر شعراء هُذيل ـ مات بنوه الخمسة قبله بعام فى وباء حصل بمصر ( كارل بروكلمان 169/1) والشعر والشعر ص 413 ، والمفضليات ص 419.
(4) راجع حاشية الشهاب على تفسير البيضاوى 30/6 ، مطبعة بولاق ، وحديثه عن التخيل فى البيت . وراجع : دراسات بلاغية ونقدية د/ أحمد مطلوب ص 90 ط دار الحرية ـ بغداد سنة 1400 هـ ـ 1980 م .
(5) سر الفصاحة 123-125 ، الموازنة 267/1 .
(6) الوساطة 384 .
(7) اليلب : الدروع تتخذ من الجلود .(1/47)
... تَجمّعتْ فى فُؤادِه هِمَمٌ ... مِلْء فؤادِ الزَّمانِ إِحداهَا(1)
... وكان القاضى الجرجانى قد ذكر أن بعض أصحابه جعل البيتين من الاستعارة البعيدة ، فراح الجرجانى يدافع عن استعارات المتنبى بما ذكره من أدلة سأوجزها فى النقاط الآتية :
أولاً : اعتذار القاضى للمتنبى بأبيات أخرى تمثل نفس العيب مثل قول الكميت(2):
... وَلَمّا رَأَيْتُ الدَّهْرَ يَقْلِبُ ظَهْرَهُ ... عَلى بَطْنِه فِعْلَ الْمُمَعَّكِ بِالرَّمْلِ(3).
ثانياً : إنما يحمل ما جاء من ألفاظ المحدثين وكلام المولدين زائلاً عن السنن على وجوه تقربهم من الإصابة وتقيم لهم بعض العذر .
ثالثاً : إنه جعل للزمان فؤادًا ملأته هذه الهمة على مقابلة اللفظ باللفظ ، فلما افتتح البيت بقوله : " تجمعت فى فؤاده همم" ، ثم أراد أن يقول : إحداها تشغل الزمان وأهله ، ترخص بأن جعل له فؤادًا ، وأعانه على ذلك أن الهمة لا تحل إلا الفؤاد ، وسهله ما تقدم من تسامح الشعراء فى نعوت الدهر ، وتوسعهم فى استعارة الأوصاف له ـ كما قال أبو تمام : "يا دهر قوم من أخدعيك"(4).
... وقد ناقش ابن سنان القاضى الجرجانى فى أدلته ، حيث قال :
__________
(1) سر الفصاحة ص 127 والوساطة ص 384 .
(2) ولد الكميت بن زيد الأسدى سنة 60 وتوفى سنة 126 (كارل بروكلمان 242/1 ، الشعر والشعراء 368)
(3) الوساطة ص 385 ، والتمعك : التمرغ .
(4) سر الفصاحة ص 129 .(1/48)
" أولاً : أما اعتذار القاضى له بالأبيات التى ذكرها ، فإن قصد بذلك التنبيه على أن أبا الطيب غير مبتدع لهذا الزلل ولا مخترع ، بل هو مشارك فيه مماثل له ... فإن وجب اطراح شعر أبى الطيب لهذا السبب وجب اطراح الأشعار كلها ؛ لأن العلة واحدة فعلى هذا الوجه ، الكلام فى موضعه ، وإن كان القصد بذلك إقامة العذر للمتنبى ، وترك الإنكار عليه ، إذ كان النهج الذى سلك فيه مطروقاً ، فليس هذا الرأى من معتقده بصواب ؛ لأن القول فى استعارة أبى الطيب إذا كانت بعيدة غير مرضية كالقول فى كل استعارة كذلك ، سواء كانت لمتقدم أو لمتأخر ، وليس يتميز قبحها بإضافتها إلى رجل من الرجال ، ولا زمان من الأزمنة .
... ثانياً : أما إقامة العذر للمحدثين ، فلا يصح ذلك ، وكأنه بهذا القول يخص المحدثين من المتقدمين ، وليس بينهم من هذا الوجه فرق "(1)
... ثالثاً : إن مقابلة اللفظ باللفظ على ما أراده مجاز ، والمجاز لا يقاس عليه ، ولا يحسن بنا أن نقابل اللفظ باللفظ فى كل موضع من الكلام قياساً على مقابلة اللفظ باللفظ فى قوله تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا }(2).
... وقد ظل ابن سنان يفند أدلة القاضى الجرجانى "كل ذلك بنفس طويل ، وذوق أدبى بارع "(3)
... ثم يعقب على هذه الردود بقوله :
" فأعرض الآن عن هذا التعليل منك بالباطل جانباً ، فإنه غير لائق بك ، وبمن يجرى مجراك من أهل العلم بهذه الصناعة"(4)
* ابن سنان والصولى :
__________
(1) سر الفصاحة ص 132 ، وراجع الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 5 دار صادر .
(2) سورة الشورى ، آية : 40 ، وراجع التحرير والتنوير ـ للشيخ الطاهر ابن عاشور ص 115 .
(3) قضية الإعجاز القرآنى ص 476 .
(4) سر الفصاحة ص 134 .(1/49)
... ناقش ابن سنان أبا بكر الصولى(1)فى بعض تحليلاته لاستعارات أبى تمام فقال : " ومازال الناس ينكرون قول أبى تمام :
... لا تسْقِنِى مَاءَ المُلاَم فَإنَّنِى ... ... صَبٌّ قَد اسْتَعْذَبْتُ مَاءَ بُكَائِى(2)
... وفى أثناء ذلك ينقل ابن سنان دفاع الصولى عن هذا البيت حيث قال(3):" كيف يُعاب أبو تمام إذا قال ماء الملام ، وهم يقولون : كلام كثير الماء ... ، وماء الصبابة ، وماء الهوى ، ... ، وقد تحمل العرب اللفظ على اللفظ"(4).
... ويعقب ابن سنان على كلام الصولى بقوله :
" هذه جملة ما قاله أبو بكر ، وهى غير لائقة بمثله من أهل العلم بالشعر ؛ لأن قولهم كلام كثير الماء ، ... ، الخ ، إنما المراد به الرونق ، وأبو تمام بقوله ـ لا تسقنى ماء الملام ـ ذاهب عن الوجه على كل حال ، ثم لا يجوز أن يريد هنا بالماء الرونق ؛ لأن الملام لا يوصف بذلك ، وإنما يذم ويستقبح ، ولا يحمد ويستحسن "(5).
... وبعد ...
فإن أول ما يلاحظ على ابن سنان فى دراسته للاستعارة " أن الفكرة ووضوحها يسيطران عليه ، فوضع المقاييس واشترط الشروط لإيضاح هذه الفكرة ، فلم يقبل المبالغة التى تؤدى إلى غموض المعنى وإبهامه ، كما أنه لم يهمل جانب الصورة التى تعمل على تحسين المعنى وتزيينه"(6).
__________
(1) هو محمد بن يحى بن عبد الله ، ويعرف بالشطرنجى ، من أكابر علماء العرب (سر الفصاحة ص140) .
(2) من قصيدة يمدح فيها محمد بن حسان الضبى ـ ديوانه بشرح التبريزى 22/1 .
(3) المتكلم ابن سنان ، والقول قول الصولى .
(4) سر الفصاحة ص 140 .
(5) سر الفصاحة ص 141 ، 142 ، وقد استحسن العلامة الآمدى قول أبى تمام السابق وجعله من مقابلة اللفظ باللفظ . (الموازنة 277/1 ، والنقد المنهجى عند العرب د/ مندور ص 67 ) .
(6) مفهوم الاستعارة د/ أحمد عبد السيد الصاوى ص 98 ، والاستعارة : د/ شيخون ص 30 .(1/50)
... وهو فى مناقشته للنقاد لم يرغب فى مخالفتهم ، بل ناقشهم فى حيدة دون ما تعصب ضد أحد ، يقول ابن سنان :
" لم نذكر هذه الأبيات الذميمة ، وغرضنا الطعن على ناظميها ، وإنما قادتنا الحجة فى التمثيل إلى ذكر الجيد والردىء ، والفاسد والصحيح ، ... ، ومعاذ الله أن يخرجنا بغض التقليد وحب النظر من الطرف المذموم فى الاتباع والانقياد ، إلى الجانب الآخر فى التسرع إلى نقص الفضلاء ، والتفنيد لما لعله اشتبه على بعض العلماء، والرغبة فى الخلاف لهم ، وإيثار الطعن عليهم ، بل نتوسط إن شاء الله بين هاتين المنزلتين ، فننظر فى أقوالهم ... ، فما وجدناه موافقا للبرهان ، .... ، اعترفنا بفضيلة السبق فيه ... ، وما خالف ذلك وباينه اجتهدنا فى تأويله ، وإقامة المعاذير فيه ، وحملناه على أحسن وجوهه وأجمل سبله ، إيجاباً لحقهم الذى لا ينكر، وإذعانًا لفضلهم الذى لا يحمد "(1).
... ومن الغريب أن أحد الباحثين(2)ينسب لابن سنان تأثره بأستاذه أبى العلاء ، وترسم خطاه فى الاستعارة ، وقد ذكرت أن ابن سنان قد تأثر فى التعريف بالرُّمانى، وترسم خطى العلامة الآمدى فى الشواهد الشعرية .
__________
(1) سر الفصاحة ص 144 ، 145 .
(2) راجع الاستعارة بين النظرية والتطبيق حتى القرن الخامس الهجرى ، إعداد / فندى هزاع نصر ، إشراف أ.د/ مصطفى ناصف ـ عرض عبد القادر زيدان ـ رسائل جامعية (مجلة فصول ـ تراثنا النقدى جـ2 ـ المجلد الثالث ـ العدد الثانى ـ مارس 1986 م ـ ص 328 ) .(1/51)
... ومما يثير العجب ـ أيضاً ـ تجاهل بعض الباحثين لجهود البلاغيين فى الاستعارة بما فيهم ابن سنان ، يقول الدكتور عبد الغنى بركة : "إنه من غير الإنصاف أن يقول باحث : إن بحوث القدماء فى الحقيقة والمجاز ـ على الرغم من استفاضتها وحسن عرضها ـ قد تجاهلت أمراً هاماً ، هو أثرهما فى الفرد حين يسمع اللفظ أو يقرؤه ؛ لأن شرط المجاز أن يثير فى ذهن السامع أو القارئ دهشة أو غرابة أو طرافة "(1)
... ثم يقول سيادته : " كما أنه من غير الإنصاف أن يقول آخر فى سياق تقويمه لجهود البلاغيين : ( اقتصر البلاغيون بالنسبة للاستعارة على ذكر أنواعها ، من استعارة محسوس لمحسوس ... ، ومن استعارة محسوس لمعقول ... الخ ، ... وهم يذكرون هذه الألوان ويحصون ما ورد فى القرآن منها فحسب ، وبعضهم يزيد فيجرى الاستعارة ظاناً أنه بذلك قد أدى ما عليه من بيان الجمال الفنى فى هذا اللون من التصوير ، ولم أرَ ـ إلا ما ندر ـ من وقوف بعضهم يتأمل بعض هذه اللمحات الفنية المؤثرة "(2).
... والحقيقة التى لا مفر من ذكرها ، أن للبلاغيين فى هذا المجال جهوداً لا تنكر، فليس هناك داعٍ لهذا التعميم ، فأكثر البلاغيين ـ إن لم يكن كلهم ـ قد اهتموا بالقيمة الفنية والوضوح والتأثير ... ومن أراد شاهداً على ذلك فليقرأ للرُّمانى ، وعبد القاهر وابن سنان وغيرهم ... .
* الاستعارة عند الإمام البحرانى :
- مفهوم المجاز عند البحرانى :
... بحث الشيخ ميثم " الحقيقة والمجاز" فى الفصل الثالث من كتابه "أصول البلاغة" ، واستوعب الكلام فيه ، متحثثًا خطا الشيخ عبد القاهر والإمام الرازى ، وسأذكر من حديثه ما يمكن موازنته بابن سنان .
__________
(1) راجع : مستتبعات التراكيب ص 134 ، وانظر دلالة الألفاظ د/ إبراهيم أنيس ص 124 ، وراجع : أدعياء التجديد مبددون لا مجددون د/ على العمارى ص 49 .
(2) السابق ، وانظر من بلاغة القرآن د/ أحمد بدوى ص 217 ، نهضة مصر .(1/52)
... بدأ البحرانى كلامه بتعريف "الحقيقة والمجاز" ، فالحقيقة عنده "هى الكلمة التى أفيد بها ما وضعت له فى أصل الاصطلاح المتخاطب به ، وتشمل اللغوية والعرفية والشرعية"(1)
... وأما المجاز : " فهو ما أفيد به معنى غير ما اصطلح عليه ، وتشمل اللغوى والعرفى والشرعى ، ويشترط فيه النقل وإلا لبقى حقيقة ، والمناسبة ، وإلا لكان مرتجلاً فى الثانى "(2).
... وأول ما يلاحظ فى تعريف البحرانى للمجاز هو ما تضمنه من شرط "النقل والمناسبة " وهو فى هذا يتفق مع ابن سنان الخفاجى ، الذى راح يؤكد فى أكثر من موضع على مراعاة المناسبة والنقل فى المجاز ، والاستعارة على وجه الخصوص .
... وقد توقفت مع مصطلحى "النقل" ، "والمناسبة" من ذى قبل ، ومما يجب إضافته هنا ، والتنبيه عليه ، أننا لا يجب أن نبالغ فى عملية "المناسبة" وإلا لخرجت الاستعارة مبتذلة . " إذ أن شدة التناسب بين طرفى الاستعارة لا يعنى الاتفاق ، بل لابد من وجود قدر من الاختلاف ، وقدر من الائتلاف"(3).
__________
(1) أصول البلاغة ص 57 ، وراجع الإكسير للطوفى البغدادى ص 60 .
(2) أصول البلاغة نفس الصفحة .
(3) أساليب البيان أ.د/ محمد شادى ص 296 .(1/53)
... وقد راح البحرانى بعد ذلك يقسم المجاز إلى : مفرد ، ومركب ، وعبارته هى: "المجاز إما أن يقع فى اللفظ المفرد فقط ، وهو أن يستعمل كل واحد من المفردات فى معناه الأصلى ، لكن لا يطابق ذلك التركيب ما فى نفس الأمر ، كقوله تعالى : { وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا }(1)فالتركيب وإسناد الإخراج إلى الأرض مجاز ، إذ المخُرِج حقيقة هو الله تعالى ، أو فيهما كقولك لمن تحبه : أحيانى اكتحالى بطلعتك، فإن لفظى الاكتحال والإحياء استعملا فى غير موضعيهما ، ثم نسب الإحياء إلى الاكتحال "(2).
... واضح أن كلام البحرانى السابق مضطرب نتيجة لحذف بعض العبارات التى أخلت بالمعنى ، وهذا واضح من قوله : " ... إما أن يقع فى اللفظ المفرد ، وهو أن يستعمل كل واحد من المفردات فى معناه الأصلى " .
... فكيف يكون مجازاً فى المفرد ، ثم يستعمل كل واحد من المفردات فى معناه الأصلى؟
... الصحيح أن هنا حذفاً أفسد المعنى ، وتقدير المحذوف " ... إما أن يقع فى اللفظ المفرد فقط ، أو فى المركب ، أو فيهما معاً .. الخ " ، كما نص على ذلك فى كتابه الآخر(3).
... والمفهوم من كلام البحرانى أن المجاز فى الإفراد وفى الإسناد وفى التركيب، وهو ما أشار إليه الشيخ عبد القاهر ، بأن المجاز فى المثبت أو فى الإثبات أو فيهما معاً(4).
... وقد تحدث البحرانى عن القرينة وقسمها إلى حالية ، ومقالية(5)، بينما لم يتعرض لها ابن سنان ولم يشر إليها .
* مفهوم الاستعارة عند الإمام البحرانى :
__________
(1) سورة الزلزلة ، آية : 2 ، راجع د/ عائشة عبد الرحمن فى كتابها "التفسير البيانى" 84/1 ، وفى ظلال القرآن أ/ سيد قطب ـ دار الشروق ـ ط 11 سنة 1405 .
(2) أصول البلاغة ص 57 ، 58 .
(3) مقدمة شرح نهج البلاغة للبحرانى ص 94 .
(4) أسرار البلاغة ت د/ خفاجى 291/1 ، وتحقيق رُيتر 342 .
(5) أصول البلاغة ص 60 .(1/54)
... عرف البحرانى الاستعارة بقوله : "إنها استعمال اللفظ فى غير ما اصطلح عليه فى أصل المواضعة التى بها التخاطب لأجل المبالغة فى التشبيه "(1).
... والملاحظ أن البحرانى لم يشر إلى "النقل" فى الاستعارة ، كما نص على ذلك الرُّمانى ، والقاضى الجرجانى ، وابن سنان ، ومع أنه قد نص على شرط "النقل" فى تعريفه المجاز ، إلا أنه لم يتعرض له هنا ، وعبارته الأخيرة : "لأجل المبالغة فى التشبيه" هى نفس عبارة العلامة عبد القاهر .
... وإذا كان ابن سنان قد شرط فى الاستعارة القريبة المناسبة بين المستعار منه والمستعار له ، فإن البحرانى قد أدرك أن شرط حسن الاستعارة "المبالغة فى التشبيه مع الإيجاز"(2).
... ومما لا شك فيه أن حسن الاستعارة يكمن فى "تأديتها غرضاً لا تؤديه الحقيقة... ، والقبول النفسى ، والتناسب ... ، وجدة الصورة المستعارة"(3)
ومن أجل هذا عاب البحرانى قول أبى تمام :
... لاَ تسْقِنِى مَاءَ الملاَمِ فَإِنَّنِى ... ... صَبٌّ قَد اسْتَعْذَبْتُ مَاءَ بُكَائِى
؛ "لأن قوله "ماء الملام" ليس فيه لذاذة ، ولو أتى بالحقيقة ، فقال : لا تلمنى ، لكان أوجز"(4). والشيخ البحرانى فى ذمه استعارة أبى تمام يكاد يلتقى مع ابن سنان ، الذى ذكر دفاع الصولى عن أبى تمام وردّ عليه ، وقد استشهد البحرانى للاستعارة الحسنة بشواهد عديدة سأذكر بعضها لاحقًا .
* أقسام الاستعارة عند البحرانى وكيفية دراسته لها :
__________
(1) أصول البلاغة ص 66 .
(2) مقدمة شرح نهج البلاغة للبحرانى ص 123 ، وراجع د/ أمينة سليم فى كتابها "الطوفى البغدادى وآراؤه البلاغية والنقدية" ص 154 ، والإكسير ص 110 .
(3) ينظر أساليب البيان ص 259 وما بعدها .
(4) راجع بحث نشره الدكتور / السيد محمد الديب عنوانه : "الغموض فى شعر أبى تمام" ص 130- مجلة كلية اللغة العربية - 94 - سنة 1408هـ.(1/55)
... اختلفت تقسيمات الاستعارة عند البحرانى عنها عند ابن سنان ، ولا غرو ، فابن سنان يبحث عن حقيقة الفصاحة المتمثلة فى الاستعارة القريبة التى بين طرفيها تناسب قوى وشبه واضح .
... أما البحرانى فقد أدرك أن البلاغة إما أن تكون راجعة إلى مفردات الكلام وإما أن تكون راجعه إلى تأليفه وتركيبه ، وعليه رتب كتابه إلى مقدمة وجملتين ، بحث فى الأولى : البلاغة الخاصة بالمفردات ، وفى الثانية : النظم والتأليف ، وفى الجملة الأولى عرض للبيان بأنواعه .
... على أن ابن سنان لم يهتم بتقسيمات الاستعارة ، التى تحددت عند المتأخرين، لأنه يبحث عن الوضوح ، "فالفكرة ووضوحها يسيطران عليه"(1)، فضلاً عن أنه عاش فى عصر لم تتحدد فيه هذه التقسيمات بالصورة التى عرفت عند البلاغيين المتأخرين .
... أما الشيخ البحرانى ، فقد تحدث عن أصول البلاغة ، ولذلك عرض للاستعارة ، وقسمها تقسيمات الرازى ، والسكاكى ، ولا غرو ، فقد عاش معهما ، وغذى بلَبان عصرهما .
... ومن أجل ذلك فقد قسم الاستعارة عدة تقسيمات لن أذكر منها إلا ما يصلح للموازنة بينه وبين ابن سنان ؛ لتتحقق الغاية من هذا البحث .
- ذكر البحرانى فى البحث الثانى "ترشيح(2)الاستعارة وتجريدها ، واعتبر من الاستعارة المرشحة قول امرئ القيس :
... فَقُلْت لَهُ لمّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ ... ... وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ
... وعلق عليه بقوله : "لما جعل لليل صلباً تمطى به ، أردفه بما يقتضيه من الأعجاز والكلكل"(3).
__________
(1) مفهوم الاستعارة ص 98 .
(2) الترشيح هو أن يبرز المجاز فى صورة الحقيقة ، ثم يحكم عليه ببعض أوصاف الحقيقة ، فينضاف مجاز إلى مجاز (إعراب القرآن ـ محى الدين الدرويش 55/1).
(3) أصول البلاغة ص 67 .(1/56)
... وما يعنينى هنا أن رأى البحرانى فى بيت امرئ القيس يختلف عما قاله ابن سنان وناقش فيه الآمدى ، فالبحرانى يستحسن البيت ، بل ويجعله من الاستعارة المرشحة ، ولا يرتاب أحد فى أن البلاغيين قد اتفقت كلمتهم على أن الترشيح ـ فى سياقه ـ أفضل من الإطلاق والتجريد ، وإن كان لكل مقامه وسياقه .
... وإذا كان هذا هو موقف الشيخ البحرانى ، فإن ابن سنان قد جعل هذا البيت من الاستعارة المتوسطة ، المبنية على غيرها ، وقد ناقشته فى رأيه هذا فى موضعه من هذا الفصل .
... هذا وقد تأثر العلامة الطوفى(1)بالبحرانى فى كلامه عن الاستعارة المرشحة، فقد ذكر البيت وعلق عليه بنفس تعليق الشيخ البحرانى .
... ثم عرض البحرانى للاستعارة المكنية فى مبحث خاص وعرفها بما لا يخرج عن سابقيه ، وكل ما يمكن التعرض له فى حديثه عنها : استشهاده لها بقول أبى ذؤيب الهذلى :
... وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لاَ تَنْفَعُ
... يقول البحرانى : " فكأنه حاول استعارة الأسد للمنية ، لكنه لم يصرح به ، بل ذكر بعض لوازمه ، تنبيهًا على المقصود"(2).
... والشيخ البحرانى يلتقى مع الإمام عبد القاهر والرازى فى مفهوم الاستعارة المكنية ، والاستشهاد لها .
... ولكنه يختلف مع ابن سنان فى عد البيت من الاستعارة الحسنة ، مع أن ابن سنان قد جعل بيت أبى ذؤيب الهذلى السابق من الاستعارة المتوسطة المبنية على غيرها وناقش الآمدى فى استحسانه البيت .
__________
(1) الإكسير فى علم التفسير ص 111 .
(2) أصول البلاغة ص 68.(1/57)
... وقد قسم البحرانى الاستعارة ـ أيضاً ـ إلى : استعارة محسوس لمحسوس ، ومعقول لمعقول ، ومحسوس لمعقول ، ومعقول لمحسوس(1)، واستشهد لذلك بشواهد عديدة من الشعر العربى ، ومن كلام الإمام على ، ولم يأت بشاهد واحد من القرآن، ولعل السبب فى ذلك يعود إلى اهتمامه بشرح كلام الإمام على ، وإن كان يؤخذ عليه إهماله لشواهد القرآن ، مع أن القرآن زاخر بالشواهد العديدة التى تسفر عن القيمة الفنية للاستعارة .
... ومن الشواهد التى استشهد بها البحرانى لاستعارة لفظ المحسوس للمعقول قول على ـ عليه السلام ـ فى مدح القرآن : "فَإِنَّهُ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتيِن ، وَفِيهِ رَبِيعُ الْقُلُوبِ، وَيَنَابِيعُ العِلْمِ"(2)، فقد استعار لفظ الحبل والربيع والينابيع لمعانى القرآن(3).
... ومن أنواع الاستعارة التى أفاض البحرانى فى الكلام عليها : (الاستعارة التمثيلية) ، وذلك عند تعرضه "للتمثيل والمثل" ، وقد فصلت الكلام عن "الاستعارة التمثيلية" ، والفرق بينها وبين " التشبيه التمثيلى" فى مبحث "التشبيه" ، بما يغنى عن إعادته ، وتكراره ، ولكنى أذكر له عبارته عن "الاستعارة التمثيلية" التى يقول فيها : " قد خص التشبيه المنتزع من اجتماع أمور يتقيد بعضها بالبعض باسم التمثيل ، وقد يكون ذلك على وجه الاستعارة ، كقولك للمتردد فى الأمر " أَرَاكَ تُقَدِّمُ رِجْلاً وَتُؤَخِّرُ أُخْرَى" ، تريد أنك فى ترددك كمن يقدم رجلا ويؤخر أخرى"(4).
... فالبحرانى قد عرض للاستعارة التمثيلية ، واستشهد لها بشاهد معروف لدى المتأخرين ، وقد ذكرت نص كلامه ـ السابق ـ لسببين :
__________
(1) أصول البلاغة للبحرانى ص 70.
(2) شرح نهج البلاغة للبحرانى 164/3 ، من خطبة له خاطب بها أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم .
(3) أصول البلاغة ص 71.
(4) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 118 .(1/58)
... الأول : لأؤكد أن ابن سنان لم يتعرض للاستعارة التمثيلية ، ولم يفرق ، بينها وبين التشبيه التمثيلى ، كما حدث عند البحرانى ، ومع ذلك فقد استشهد لها بنفس الشاهد الذى ذكره البحرانى ، دون أن ينص عليها كمصطلح بلاغى .
... والسبب الثانى : أن إحدى الباحثات راحت تجرد الإمام البحرانى من تعرضه للاستعارة التمثيلية ، حين قالت : " لم يذكر الشيخ ميثم من الاستعارة سوى المكنية والتبعية ، ولم يتعرض للتمثيلية"(1)
... وهذا سهو واضح ، لا يفسره سوى أن الباحثة قد اطلعت على مبحث "الاستعارة" عند البحرانى ، فلم تعثر على نص كلامه عن الاستعارة التمثيلية ، فراحت تطلق حكماً تنقصه الدقة ، حيث لم تطلع على مجموع كلامه ؛ وذلك لأن البحرانى قد ذكر "الاستعارة التمثيلية" عندما وازن بينها وبين "التشبيه التمثيلى" فى "مبحث التشبيه".
وبعد ...
... فمن الملاحظ على الإمام البحرانى عند حديثة عن الاستعارة أنه أهمل الشواهد القرآنية ، وآثر الرؤية الفلسفية فى تناوله للمسائل البلاغية ، ثم الإقلال من الشواهد الأدبية التى هى الغاية والهدف من دراسة البلاغة . ومع هذا فقد بذل جهدًا لا بأس به ، عند شرحه كلام الإمام على فى "نهج البلاغة" .
- ب - المجاز المرسل
أولاً : المجاز المرسل عند ابن سنان :
... لم يفرد ابن سنان للمجاز المرسل فصلا فى كتابه بل لم يُعرِّفه ، أو بعدد علاقاته ، وسر بلاغته ، وكل ما عثرت عليه فى كتابه مجرد شواهد تُفيد أنه أحس به وعَرِفَهُ ، ولعل السبب فى إهمال ابن سنان له يرجع إلى أن "هذا النوع من المجاز لم يكن فى وضوح التصوير الاستعارى القائم على أساس التشبيه ، والتشبيه جارٍ معروف فى كلام العرب"(2)
__________
(1) شرح نهج البلاغة ـ كمال الدين ميثم البحرانى ـ تحقيق ودراسة ـ دكتوراه الطالبة / كريمة محمود أحمد أبو زيد ـ ص 67 ، تحت رقم 51 .
(2) أساليب البيان والصورة القرآنية أ.د/ محمد شادى ص 352 .(1/59)
... وإذا كان السر فى بلاغة المجاز المرسل يكمن فى " الاتساع ، والمبالغة والتوكيد ، وتعدد علاقاته ، بالإضافة إلى الأسرار الأخرى الخاصة وراء كل علاقة من علاقاته "(1).
... أقول : إذا صح ذلك ـ مع أنه مما لا يرتاب فى صحته ـ ، فإن المجاز المرسل لون خاص من ألوان التعبير ، له طعم خاص ، يختلف عن الاستعارة والتشبيه والكناية ، يحتاج إلى تأمل ؛ لأنه لا يحس به ولا يعرفه إلا من أوتى ذوقًا خاصًا يميزه عن غيره .
... لكل هذه الأمور ـ وغيرها ـ فإن المجاز المرسل ليس فى وضوح التشبيه والاستعارة ، ولذلك فابن سنان له الحق فى إهماله حيث يبحث عن "الوضوح" الذى هو أهم أسرار الفصاحة .
... وهذا لا يعنى تجريد " المجاز المرسل" من قيمته الفنية ... كيف وقد جاء فى القرآن الكريم ... ولكن منهج ابن سنان يحتم عليه إيثار بعض المسائل البلاغية على بعض ، وله العذر فى ذلك .
... ومن الشواهد التى ذكرها ابن سنان التى تفيد إحساسه بالمجاز المرسل ومعرفته له قول الله تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيَّئَةٌ مِثْلُهَا }(2). كان هذا وهو بصدد الرد على القاضى الجرجانى الذى جعل بيت المتنبى من مقابلة اللفظ باللفظ ، فقال ابن سنان : " إن مقابلة اللفظ باللفظ على ما أراده مجاز ، والمجاز لا يقاس عليه ، وليس يحسن بنا أن نقابل اللفظ باللفظ فى كل موضع من الكلام قياساً على مقابلة اللفظ باللفظ فى قوله تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيَّئَةٌ مِثْلُهَا } ، كما لا يجوز منا أن نحذف المضاف ونقيم المضاف إليه مقامه أبداً اتباعاً لقوله عز اسمه : { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا }(3)، والمراد أهل القرية "(4)
__________
(1) السابق بتصرف قليل ص 386 .
(2) سورة الشورى ، آية : 40 .
(3) سورة يوسف ، آية : 82 .
(4) سر الفصاحة ص 132 .(1/60)
... وقد جعل المتأخرون قول الله تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيَّئَةٌ مِثْلُهَا } من المجاز االمرسل بعلاقة السببية(1).
... كما جعل المتأخرون قوله جلّ شأنه { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ } من المجاز المرسل بعلاقة المحلية(2).
... كما استشهد بالآية الأولى للمشاكلة(3)، وبالآية الثانية لإيجاز الحذف(4).
ومن شواهد ابن سنان التى تفيد معرفته بالمجاز المرسل قوله تعالى : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }(5).
... هذا وقد جوز ـ العلامة ـ القزوينى ، أن يكون الكلام على حقيقته فى الآيات السابقة ، وعبارته هى : " فى قوله تعالى ـ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيَّئَةٌ مِثْلُهَا ـ تجوز بلفظ السيئة عن الاقتصاص ؛ لأنه مسبب عنها ، وقيل إن عبر بها عما ساء أى أحزن لم يكن مجازاً ؛ لأن الاقتصادص محزن فى الحقيقة كالجناية ، وكذا قوله تعالى ـ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ ـ ، تجوز بلفظ المكر عن عقوبته ؛ لأنه سببها ، قيل ويحتمل أن يكون مكر الله حقيقة ؛ لأن المكر ، التدبير فيما يضر الخصم ، وهذا محقق من الله تعالى استدراجه إياهم بنعمه مع ما أعد لهم من نقمة"(6)
... وقد اعترض ـ العلامة ـ السبكى على كلام القزوينى فى قوله بجواز أن يكون المعنى على حقيقته ، فقال معلقاً على كلامه السابق :
... " لا يصح ذلك ؛ لأن التدبير ـ أيضاً ـ يستحيل نسبة حقيقته إلى الله تعالى "(7)
__________
(1) معناها : ذكر السبب وإرادة المسبب (بغية الإيضاح 86/3)
(2) نظيره قوله تعالى { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } أى أهل نادية ـ سورة العلق ، آية : 17 .
(3) حيث أطلق لفظ سيئة الثانى على جزاء السيئة (بغية الإيضاح 19/4 )
(4) بغية الإيضاح 122/2 .
(5) سورة آل عمران ، آية : 54 .
(6) بغية الإيضاح 86/3 .
(7) عروس الأفراح ـ للسبكى ـ ضمن شروح التلخيص ، 38/4 .(1/61)
... على أن تفسير العلامة الزمخشرى للآية الكريمة يؤيد رأى القزوينى ـ وإن سبقه ـ حيث يقول : " وَمَكَرُواْ ـ الواو لكفار بنى إسرائيل الذين أحس منهم الكفر ، ومكرهم أنهم وكلوا به من يقتلهُ غيلة ، ( وَمَكَرَ اللَّهُ ) أن رفع عيسى إلى السماء ، وألقى شبهه على من أراد اغتياله ، حتى قتل ( واللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) أقواهم مكرًا وأنفذهم كيدًا وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب "(1)
... هذا وقد اعترض العلامة السبكى على ابن سنان عندما جعل قوله جلّ شأنه { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } من مجاز المقابلة ، يقول السبكى :
" اعلم أنه لا يشترط فى مجاز المقابلة أن تتقدم الكلمة الحقيقية ، ... وقد أغرب الخفاجى ، فقال فى (سر الفصاحة) ، أن قوله تعالى : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }(2)، من مجاز المقابلة ؛ لأنه لما ذكرت البشارة فى المؤمنين فى آية أخرى ذكرت فى الكافرين ، وهذا يقتضى أن مجاز المقابلة لا يشترط فيه ذكر الطرف الحقيقى لفظاً ، بل يسمى كل اسم ثبت لأحد المتقابلين حقيقة أطلق على مقابله مجازاً ، وفى هذه التسمية نظر ؛ لأنها مخالفة لاصطلاح الناس"(3).
... ومن الشواهد التى ذكرها ابن سنان للمجاز المرسل قوله : "إن العرب لشرف الكلام عندهم وأن القليل المفيد منه عندهم كثير يقولون : ( وقال فلان فى كلمته ) يريدون القصيدة"(4).
... وقد أدرج المتأخرون هذا الشاهد ضمن شواهد المجاز المرسل بعلاقة "الجزئية" ، نظيره "قول معد بن أوس المزنى فى ابن أخته :
... أُعَلِّمه الرِّمَايَةَ كُلّ يَوْمٍ ... ... فَلَمَّا اشتَدَّ سَاعِدُهُ رَمَانِى
__________
(1) الكشاف 366/1 .
(2) سورة آل عمران ، آية : 21 ، وانظر بغية الإيضاح 109/3 .
(3) عروس الأفراح للسبكى ص 44 حـ 4 ـ ضمن شروح التلخيص ، وانظر سر الفصاحة ص 141 .
(4) سر الفصاحة ص 36 .(1/62)
... وَكَمْ عَلَّمْتُهُ نَظْمَ الْقَوَافِى ... ... فَلَمَّا قَالَ قَافِيَةً هَجَانِى(1)
والمهم أن ابن سنان أحس بالمجاز المرسل واستشهد له بشواهد هى من صميمه .
* ثانياً المجاز المرسل عند الإمام البحرانى :
... إذا كان ابن سنان قد أحس بالمجاز المرسل عندما استشهد بشواهده ، فإن الإمام البحرانى قد ذكره وهو بصدد حديثه عن أصناف المجاز .
... وإذا كان ابن سنان لم يفرد للمجاز المرسل فصلاً خاصاً فى كتابه ، فإن الأمر عند البحرانى شبيه بذلك حيث عدد أصناف المجاز المختلفة ، ومنها
"المجاز المرسل" ، فلم يفرد له فصلاً ، ولم يعرّفهُ ، ولكنه نص على الكثير من علاقاته(2).
... ومن هذه العلاقات : "إطلاق السبب على المسبب والأسباب أربعة : الفاعلى كإطلاق اسم النظر الذى هو تقليب الحدقة نحو المرئى على الرؤية ، كقولك : نظرته : أى رأيته ، والثانى : الغائى كتسميتهم العنب بالخمر ، والثالث : الصورى ، كتسميتهم القدرة يداً ، والرابع : القابلى ، كقولهم : سال الوادى "(3)
... على أن فى كلام البحرانى تفصيلاً وتطويلاً لا يفيد، فمن الممكن إدراج بعض العلاقات فى بعض، فالسبب الغائى، والذى استشهد له البحرانى بتسميتهم العنب بالخمر، هو من تسمية الشيئ بما يؤول إليه، وقد اعترض العلامة السبكى على إفراد السبب الصورى وعده من علاقات المجاز المرسل ، وأدرك أن تسمية القدرة يدًا "يدخل فى إطلاق الشيئ على ما يؤول إليه ؛ لأن المادة تؤول إلى الصورة"(4).
__________
(1) أساليب البيان والصورة القرآنية د/ محمد شادى 378 .
(2) سار الطوفى على نهج البحرانى . (راجع الإكسير فى علم التفسير ص 66 ، والطوفى البغدادى وآراؤه البلاغية والنقدية د/ أمينة سليم 151 .
(3) مقدمة شرح نهج البلاغة للبحرانى ص 96 ، وراجع : الطوفى البغدادى وآراؤه البلاغية والنقدية د/أمينة سليم ص 149 ، الإكسير ص 62 .
(4) عروس الأفراح للسبكى ص 40/4 .(1/63)
... أما السبب القابلى الذى ذكره الإمام البحرانى ضمن إطلاق السبب على المسبب ، والذى استشهد له بقولهم سال الوادى ، "فهو مجاز فى الإسناد ، أى من المجاز العقلى ، والأمثلة السابقة واللاحقة تدخل فى المجاز اللغوى ، فالمؤلف جمع بين المجاز اللغوى والعقلى فى مضمار واحد"(1).
... ومن أصناف المجاز عند الإمام البحرانى تسمية الشيئ باسم ضده كتسمية العقاب بسبب الجريمة بالجزاء المختص بمقابلة الإحسان بمثله .
... وذلك مثل : سأجازيك على إهمالك ، أى سأعاقبك على إهمالك ، فعبر بالجزاء وأراد العقوبة ، ومن ذلك قوله تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيَّئَةٌ مِثْلُهَا }(2).
... والآية الكريمة من مقابلة اللفظ باللفظ عند ابن سنان(3)، والبلاغيون المتأخرون يدرجونها فى المجاز المرسل "بعلاقة السببية"(4).
... ومن أصناف المجاز عنده "المجاز بسبب النقصان والزيادة"(5)، وقد نقل الشيخ البحرانى كلام الرازى الذى يقول فيه : "وتحقيقه أن الكلمة كما أنها توصف بالمجاز لنقلها عن معناها ، فقد توصف بالمجاز لنقلها عن حكم كان لها إلى حكم ليس هى حقيقة فيه ، كقوله تعالى : { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ } أى اسأل أهل القرية ، والذى يستحقه فى الأصل الجر ، والنصب فيه مجاز "(6)
... وقد اعترض الشيخ ميثم على العلامة الرازى ، إذ يرى "أن الإعراب لا يراعى فيه صدق النسبة وكذبها ، والمطابقة وعدمها ... والحق أنه مجاز فى التركيب والنسبة ، فإن نسبة السؤال إلى أهل القرية حقيقة ، فيكون إليها مجازً"(7).
__________
(1) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 96 .
(2) السابق نفس الصفحة .
(3) سر الفصاحة ص 132 .
(4) بغية الإيضاح 86/3 .
(5) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 97 .
(6) السابق ص 98 ، ونهاية الإيجاز ص 127 .
(7) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 97.(1/64)
... والآية الكريمة استشهد بها ابن سنان(1)، وجعلها المتأخرون من المجاز المرسل بعلاقة المحلية(2).
... ثم يقول البحرانى : " وأما المجاز بسبب الزيادة فالحق أن الزيادة إن غيرت معنى الكلام الذى يتم بدونها ، ولا يحتاج فيه إليها ، كقوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْئٌ }(3). ، فالمجاز حاصل فى النسبة ؛ إذ كانت نسبة النفى إلى من ليس له وإن لم تغير ، كما فى قوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ }(4)، لم يتصور المجاز ها هنا "(5).
... وقد ذكر ابن الأثير(6)الآية الأخيرة وجعلها من الزيادة فى الكلام لغير فائدة ، والمعنى (فبرحمة) و( ما) ، زائدة لا معنى لها ، واعترض عليه الطوفى(7).
... " وقد منع بعض النحويين أن يكون فى القرآن زائد لا معنى له ؛ لأن ذلك عيب ، كما أدرك سيبويه ومن بعده ابن جنى أن الزيادة فى هذه الآية للتأكيد والاتساع ، كما منع الرافعى إطلاق الزيادة فى القرآن ، وقد تراجع ابن الأثير عن رأيه فى "المثل السائر" بعد أن ذكر ذلك فى كتابه "الجامع الكبير"(8).
__________
(1) سر الفصاحة ص 132 .
(2) بغية الإيضاح 89/3 ، 153/3 ، ومفتاح العلوم للسكاكى ص 392 ، وأسرار البلاغة ت د/ خفاجى 298/2 ، المثل السائر 58/2.
(3) سورة الشورى ، آية : 11 .
(4) سورة آل عمران ، آية : 159 .
(5) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 98 .
(6) الجامع الكبير ص 28 ، 29 .
(7) الإكسير ص 62 .
(8) راجع الطوفى البغدادى وآراؤه البلاغية والنقدية د/ أمينة سليم ص 149 ، 150 ، وانظر ذلك بالتفصيل فى : الكتاب لسيبوبه 308/2 ، الخصائص لابن جنى 442/2 ، إعجاز القرآن للرافعى ص 22 ، المثل السائر 94/2 ، الجامع الكبير ص 28 ، 29 ، والتصوير البيانى د/ حفنى شرف ص 98، وأثر النحاة فى البحث البلاغى ص 117 .(1/65)
... على أنه يجب التنبيه على أن الشيخ البحرانى يخلط بين المجاز المرسل ، والمجاز العقلى ، والاستعارة ، كما أنه آثر الرؤية الفلسفية فى تناوله لأصناف المجاز وأهمل الشواهد الأدبية ، فجاءت دراسته للمجاز المرسل دراسة جافة ، تسيطر عليها النزعة الفلسفية ، فقد كان يجتلب الشواهد اجتلاباً بعد وضع القاعدة ، وجاء تعليقه عليها مجرداً من الناحية الفنية ، اللهم إلا فى بعض المواضع من كتابيه (الأصول والمقدمة) .
... أما جهد الإمام البحرانى الحقيقى فهو ما نراه فى شرحه الكبير لنهج البلاغة(1)للإمام على ، فلقد تردد مصطلح "المجاز المرسل" عشرات المرات ، مبرزاً علاقته وأثره على المعنى وقيمته وسر بلاغته .
ـ جـ ـ المجاز العقلى
* المجاز العقلى بين الإمام البحرانى وابن سنان الخفاجى :
... لم أعثر على شاهد واحد للمجاز العقلى عند ابن سنان وعلى هذا يمكن القول أن ابن سنان لم يتحدث عن "المجاز العقلى " ، ولم يشر إليه .
... أما البحرانى فقد تحدث عنه وهو بصدد حديثه عن أقسام المجاز فقال : "المجاز إما أن يقع فى اللفظ المفرد فقط ، أو فى المركب فقط أو فيهما معاً"(2). ثم يقول : "وأما الثانى ـ يعنى المركب ـ فهو أن يستعمل كل واحد من الألفاظ المفردة فى موضعه الأصلى ، لكن التركيب لا يكون مطابقاً لما فى الوجود ، مثاله قوله تعالى : { وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَاَ }(3)، وقول الشاعر(4):
... أَشَابَ الصَّغِيرَ وَأَفْنَى الْكبِيرَ ... ... كَرُ الْغَدَاةِ وَمرُّ الْعَشِىِّ
__________
(1) انظر على سبيل المثال . شرح نهج البلاغة 75/4 ، 74/3 .
(2) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 94 .
(3) سورة الزلزلة ، آية : 2 ـ مجاز عقلى علاقته "السببية" .
(4) هو الصلتان العبدى (راجع الإيضاح ت د/ خفاجى 87/1).(1/66)
... وهذا : المجاز العقلى ؛ لأن نسبة الإخراج إلى الأرض ، والإشابة إلى كر الغداة ومر العشى ، حكم عقلى عُدل به عن الفاعل الحقيقى ، وهو الله سبحانه إلى غير من هو له ، وهو الأرض ، والغداة ، والعشى"(1)
... والواضح فى عبارات البحرانى السابقة شدة تأثره بالعلامة عبد القاهر الجرجانى(2)وترسم خطاه فى المجاز العقلى.
... وقد ذكر البحرانى "المجاز العقلى" فى موضع آخر من كتابه عندما عدد أصناف المجاز ، وجعل منها : إطلاق السبب على المسبب ، واستشهد له بقولهم : "سال الوادى"(3)، والصحيح أن المثال من المجاز العقلى.
... ومن شواهد المجاز العقلى عند البحرانى مما عثرت عليه فى شرحه لنهج البلاغة تعليقه على قول الإمام على : " حَتَّى أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سِحَابٍ ، تُحْىِ مَوَاتَهَا ، وَتسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا"(4)
... يقول الإمام البحرانى : "تجوز فى إسناد لفظ الإحياء والاستخراج إلى السحاب، إذ المخرج هو الله تعالى "(5).
... ومنها تعليقه على قول الإمام على : " وَتُخْرِجُ الأَرْضُ أَفَالِيَذ كَبدِهَا "(6)، أسند الإخراج إلى الأرض مجازًا ؛ لأن المخرج أهلها ، وأستبعد أن يكون الأرض بنفسها هى المخرجة لكنوزها ، ولأهل الظاهر أن يقولوا إن المخرج يكون هو الله تعالى(7). ومنها قوله : "وإسناد العمى إلى الاخبار ، والصمم إلى الديار مجاز كقولهم : نهاره صائم ، وليله قائم "(8).
__________
(1) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 95 .
(2) أسرار البلاغة ت د/ خفاجى 245،265/2 .
(3) انظر تعليق العلامة السبكى على المثال ورأيه فيه (عروس الأفراح 40/4) .
(4) من خطبة له فى صفة الأرض ودحوها على الماء 364/2 .
(5) شرح نهج البلاغة للإمام البحرانى 371/2 .
(6) من خطبة له فى ذكر الملاحم . وأفالبذ : جمع الجمع لفلذة ، وهى القطعة من الكبد وجمعها فلذ ، راجع شرحه السابق 169/3 .
(7) السابق 171/3 .
(8) السابق 62/4 ، والمثال من المجاز العقلى بعلاقة الزمانية .(1/67)
... والحقيقة التى لا شك فيها أن جهد الشيخ ميثم الحقيقى هو ما لَهُ من تعليقاتٍ رائعةٍ على شرحه لكلام الإمام على تفيد معرفته للمجاز العقلى(1)، وبيان قيمته الفنية ، وبعض علاقاته .
... والمهم أن الإمام البحرانى عَرِف المجاز العقلى ، واستشهد له بما لا يخرج عن سابقيه .
* خلاصة القول فى المجاز بين البحرانى والخفاجى :
أولاً :
... تعرض ابن سنان لتعريف الحقيقة والمجاز ، وهو بصدد تقسيم الكلام إلى مفيد وغير مفيد .
... بينما أفرد البحرانى للمجاز فصلاً : عرَّفه ومثَّلَ له وقسّمه ، وتناول القرينة ، والعلاقة أثناء حديثه .
ثانياً :
... تحدث ابن سنان عن "الاستعارة" ضمن حديثه ما يختص بالتأليف وينفرد له.
... أما البحرانى فقد تحدث عنها فى الجملة الأولى من كتابه الخاصة بالمفردات، وأفرد لها فصلاً فى كتابه .
ثالثاً :
... اختار ابن سنان تعريف الرُّمَّانى للاستعارة وشرح هذا التعريف ، واستشهد له بشواهد عديدة تأثر فى أكثرها بالآمدى ، وأبرز أثر الاستعارة فى الفصاحة .
... أما الشيخ ميثم فقد تأثر بتعريف الإمام عبد القاهر ومن تبعه كالرازى .
رابعاً :
... قسَّم ابن سنان الاستعارة إلى : قريبة ، وبعيدة وراح يستشهد لكلٍ من القرآن والشعر .
... أما البحرانى فقد عدّد أقسامها التى استقرت عند المتأخرين ، ولكنه عند الاستشهاد ، أهمل الشواهد القرآنية .
خامساً :
... نتيجة لتقسيمات الإمام البحرانى وابن سنان الخفاجى للاستعارة ، اختلفت آراؤهم فى الحكم على بعض الأبيات الشعرية .
سادساً:
... دارت مناقشات رائعة بين ابن سنان وبعض النقاد أمثال الآمدى والقاضى الجرجانى والصولى استغرقت صفحات عديدة من "سر الفصاحة" .
سابعاً :
__________
(1) انظر على سبيل المثال من شرحه لنهج البلاغة الآتى : 222/3 ، 56/4 ، 370/4 .(1/68)
... أحس ابن سنان بالمجاز المرسل ، وذلك من خلال شواهد ذكرها فى أماكن متعددة ، ومتفرقة ، أدرجها البلاغيون المتأخرون من بعده فيه ، فلم يفرد له فصلاً ولم ينص عليه صراحة .
... أما البحرانى فقد ذكره وهو بصدد حديثه عن أصناف المجاز وقد خلط بين المجاز المرسل والعقلى .
ثامناً :
... لم يشر ابن سنان إلى المجاز العقلى من قريب أو بعيد ولم أعثر له على شاهد واحد يفيد معرفته به .
...
... أما البحرانى فقد عرفه ، واستشهد له بما لا يخرج عن سابقيه .
-3-
الكناية
* أولاً : الكناية عند ابن سنان :
... تحدث ابن سنان الخفاجى عن الكناية فى موضعين من كتابه ، الأول : عند حديثه عن ما يختص بالتأليف وينفرد له ، وقد جعل من ذلك : وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازًا ، لا ينكره الاستعمال ولا يبعد فهمه ، ومن وضع الألفاظ موضعها "حسن الكناية"(1).
... أما الموضع الثانى : فكان ضمن حديثه عن نعوت البلاغة والفصاحة فقد جعل منها "الإرداف والتتبيع"(2).
... وسأعرض لذلك بشيئ من التفصيل موازنا بين موقف ابن سنان من الكناية وموقف الشيخ البحرانى .
* مفهوم الكناية عند ابن سنان :
... سبق أن أشرتُ أن ابن سنان قد ذكر الكناية فى كتابه مرتين : الأولى : باسم "الكناية" ، والثانية : باسم الإرداف و"التتبيع".
... ولعل أول ما يلفت الانتباه ، أن الكناية عند ابن سنان غير الإرداف بدليل دراسته لكل على حدة . وسأورد تفسيرًا لذلك بعد دراسة النوعين عند ابن سنان.
... أما الموضع الأول : فيجئ ضمن حديثه عن ما يختص بالتأليف وينفرد له ، ومنها وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازاً ، ومن وضع الألفاظ موضعها "حسن الكناية عن ما يجب أن يكنى عنه فى الموضع الذى لا يحسن فيه التصريح ، وذلك أصل من أصول الفصاحة وشرط من شروط البلاغة "(3).
__________
(1) سر الفصاحة ص 163 وراجع : من أسرار التعبير القرآنى ـ أ.د/ محمد أبو موسى ص 99 .
(2) السابق ص 230 .
(3) سر الفصاحة ص 163.(1/69)
... والكناية عند ابن سنان من وضع الألفاظ موضعها ، كما كانت الاستعارة من قبل . والكناية عنده أصل من أصول الفصاحة وشرط من شروط البلاغة . "وهى واجبه يؤدى العدول عنها إلى فقدان الأسلوب معنى البلاغة والفصاحة "(1).
... وهذا مفهوم من قوله : "وإنما قلنا فى الموضع الذى لا يحسن فيه التصريح ؛ لأن مواضع الهزل والمجون وإيراد النوادر يليق بها ذلك ، ولا تكون الكناية فيها مرضية ، فإن لكل مقام مقالاً ، ولكل غرض فنًّا وأسلوباً "(2)
... فالكناية بهذا المفهوم "وسيلة فنية لها سياقها الذى تحسن فيه"(3)وعلى ذلك فإن ابن سنان لا يستحسن الكناية فى كل وقت وحين ، وإنما يكون ذلك فى الموضع الذى لا يحسن فيه التصريح .
ولقد استشهد ابن سنان لذلك يقول امرئ القيس :
... فَصِرْنا إلى الحُسْنَى ودَقّ كلامُنا ... ... وَرضْت فَذُلتْ صعبة أىّ إِذلال(4)
؛ لأنه كنى عن المباضعة بأحسن ما يكون من العبارة . ومثل قول أبى الطيب المتنبى :
... تَدّعِى مَا ادَّعَيْتُ مِنْ أَلَمِ الشَّوْ ... ... قِ إِلَيْها والشَّوْقُ حَيْثُ النُّحولُ(5)
؛ لأنه كنى عن كذبها فيما ادعته من شوقها بأحسن كناية(6).
ومن قبيح الكنايات قول المتنبى :
... إِنّى عَلَى شَغَفِى بِمَا فِى خُمرها ... ... لأعِفُّ عَمّا فِى سَرَاوِيَلاتِهَا(7)
__________
(1) الكناية أساليبها ومواقعها الشعر الجاهلى . تأليف : محمد الحسن على الأمين ص 232 .
(2) سر الفصاحة ص 163 ، وراجع : مجمع الأمثال للميدانى جـ3 ص 126 .
(3) مجلة فصول ص 53 - ع 3 ، 4 ، مج 7 ـ سبتمبر 1987م ـ مفهوم الأسلوب فى التراث لمحمد عبد المطلب .
(4) اعترض ابن الأثير على استشهاد ابن سنان بهذا البيت للكناية ، ورأى أن فى هذا خلط لأن البيت من التعريض (المثل السائر 49/3)
(5) ديوان المتنبى ص 429 ، وهو مذكور برواية "تشتكى ما شتكيتُ" .
(6) سر الفصاحة ص 165 .
(7) ديوانه ص 185 بروايته (سرابيلاتها) .(1/70)
... لأنك إذا تأملت هذا البيت وجدته يجرى من بيت امرئ القيس مجرى الضد ، وذلك أن امرأ القيس عبر عما يجب أن يكنى عنه من المباضعة ، فكنى بأحسن كناية، وهذا عبر عما لا يجب أن يكنى عنه ، فأتى بألفاظ يجب أن يكنى عنها"(1)
... وهذا الكلام لم يرق أحد المحدثين فراح يقول : "والذى نلحظه عند ابن سنان أنه أوجبها فى المواضع التى يقبح ذكرها ، الأمر الذى جعله يعتبر استعمالها فى مواضع أخرى خروجاً عن حسنها ؛ لأنه كناية فيما لا كناية فيه ... ولو سلمنا له ذلك نكون قد حصرنا أسلوب الكناية فى ستر الأساليب التى يستقبح ذكرها فقط ، وأسلوب الكناية أكبر من ذلك وأرحب "(2).
... ومع يقينى أن أسلوب الكناية من الأساليب الرحبة المتسعة ، إلا أن ابن سنان لم يصرح بحصر الكناية فى ستر الأساليب ، ولم يفهم من كلامه ذلك ، ولكنه أدرك أن الكناية أسلوب له سياقه الخاص به ، ولذلك عده من وضع الألفاظ فى مواضعها وفصله عن "الإرداف والتتبيع" ، فالكناية عنده من الأساليب التى يجب أن توضع فيها الألفاظ فى مواضعها حتى تحقق الفصاحة والبلاغة ، وإلا فسد التعبير وخلا من كل جمال ، وأصبح ركيكاً مبتذلاً فيخرج عن الفصاحة والبلاغة .
... وهذا الكلام مما لا يرتاب فى صحته ، ويجب أن نقبله من ابن سنان دون تفكير ، ولا يجب أن نفسر كلامه تفسيراً آخر .
... كما أنه لا يشك أحدٌ فى أن بيت المتنبى السابق من الكنايات المعيبة ، فقد جعلها أبو هلال العسكرى من شنيع الكنايات(3).
ويقول عنها ابن الأثير :
__________
(1) سر الفصاحة ص 166 ، وقد نقل الطوفى وابن الأثير كناية المتنبى عن ابن سنان واتفقا معه فى قبحها (الإكسير ص 129 الجامع الكبير ص 166 ) .
(2) الكناية فى الشعر الجاهلى ص 33 .
(3) الصناعتين ص 410 ، يقول الصاحب بن عباد عن كناية المتنبى : "كثير من العهر أحسن عندى من هذا العفاف" (المثل السائر هامش 71/3).(1/71)
... " وهذه كناية عن العفة والنزاهة ، إلا أن الفجور أحسن منها"(1).
لأجل ذلك كله لا يجب التحامل على ابن سنان أو تحميل كلامه دلالات لا يقبلها ابن سنان نفسه .
... - وأما الموضع الثانى الذى تحدث فيه ابن سنان عن الكناية فجاء ذلك ضمن حديثه عن نعوت البلاغة والفصاحة ، يقول : "ومن نعوت البلاغة والفصاحة أن تراد الدلالة على المعنى ، فلا يستعمل اللفظ الخاص الموضوع له فى اللغة ، بل يؤتى بلفظ يتبع ذلك المعنى ضرورة ، فيكون فى ذكر التابع دلالة على المتبوع ، وهذا يسمى الإرداف والتتبيع"(2).
... والناظر فى كلام ابن سنان عن "الإرداف والتتبع" يدرك لأول وهلة شدة تأثره بقدامة ، وترسم خطاه ، فهذا النوع سماه قدامة "الإرداف"(3)، وعرّفه بنفس التعريف مما يدل على أن ابن سنان قد نهج نهجه.
... ومع هذا فلابن سنان قدرة غير مسبوق بها على تحليل النصوص " فقد كان عميقاً فى دراسته ، وكان حريصاً دائماً أن ينبه القارئ فى دراسته إلى قيمة الإرداف الجمالية فيقول " وهو موضع يجب فهمه " أو يقول : "وأتى بألفاظ تدل على ذلك أبلغ مما يدل عليه قوله كذا" إلى أن يختم دراسته للإرداف بقوله " فعلى هذا السبيل يحسن الإرداف" ، فالخفاجى حرص فى دراسته للإرداف ، أن يخضعه للمفهوم العام للكتاب "(4).
__________
(1) المثل السائر 71/3 .
(2) سر الفصاحة ص 230 ، وقد سماه قدامه "الإرداف والتوابع" (الصناعتين ص 385) ، وسماه ابن رشيق "التتبيع" (العمدة 313/2).
(3) نقد الشعر ص 155 ، يقول العلامة السيوطى : "قال بعضهم والفرق بين الكناية والإرداف أن الكناية انتقال من لازم إلى ملزوم ، والإرداف من مذكور إلى متروك (معترك الأقران 219/1).
(4) الكناية فى الشعر الجاهلى ص 35 .(1/72)
... ولا أدرى كيف يحق لأحد المحدثين أن يقول : " يؤخذ على ابن سنان أنه لم يضع تعريفاً للكناية ، كما أنه لم يكشف عن فائدتها ، وأثرها فى الأسلوب ، ولم يفرق بينها وبين التعريض ، شأنه فى ذلك شأن من سبقه من العلماء"(1)
... وأقول وأنا بصدد الرد على مثل ذلك :
أما التعريف فمفهوم الكناية عند ابن سنان لم يختلف عن سابقيه ، وأما بيان قيمة الكناية وأثرها فى الأسلوب ، فالخفاجى لم يترك شاهدًا واحدًا إلا وبين قيمة الكناية فيه وأثرها على الأسلوب ، والفرق بينها وبين التصريح ، وأما أنه لم يفرق بين الكناية وبين التعريض شأنه فى ذلك شأن من سبقه من العلماء ، فهذا مما لا يجب أن يؤخذ على ابن سنان ؛ لأنه ذكر من المباحث البلاغية ما يحقق له هدفه ، فليس بعيب أن يسبقه أحد فى إيراد بعض المسائل البلاغية ـ فالعلامة عبد القاهر مثلاً ، لم يفصّل القول فى الإيجاز والإطناب والمساواة(2)، كما فعل فى أكثر البحوث البلاغية ، وهذا لا يؤخذ عليه ؛ لأن له وجهة نظره التى يجب أن تحترم ، وخطته التى ارتضاها ، فيجب أن نبحث عن السر فى ذلك بدلاً من نقده .
... ويبدو أن الباحث قد أدرك ذلك فراح يقول بعد ذلك : " وهذه الدراسة التحليلية النقدية الفريدة ، إن دلت على شيئ ، فإنما تدل على ما يمتاز به الخفاجى من صفاء الذهن ، ورهافة الحس ، ودقة الشعور ، والخبرة الواسعة بأساليب اللغة ، والقدرة على تمييز جيد الكلام من رديئه وغثه من سمينه"(3).
* أقسام الكناية عند ابن سنان وكيفية دراسته لها :
... أولُ ما يُلاحَظ على ابن سنان أن منهجه كان دائماً نصب عينيه ، لم يغب عنه لحظة ، فلم يضطرب ، ولم يختل بل ظل يبحث عن حقيقة الفصاحة ويضع لذلك الشروط والأصول حتى آخر سطر من كتابه .
__________
(1) الأسلوب الكنائى ـ نشأته وتطوره وبلاغته د/ محمد شيخون ص 15 .
(2) لم يتحدث العلامة عبد القاهر إلا عن الحذف .
(3) الأسلوب الكنائى ـ نشأته ـ تطوره ـ بلاغته د/ محمود شيخون ص 15 .(1/73)
... فكما قسم التشبيه إلى حسن وردىء ، وقسم الاستعارة إلى قريبة وبعيدة ، نجده هنا يقسم الكناية إلى حسنة وقبيحة .
... وتفسير ذلك أنه يعرض للأساليب الجيدة ؛ لندرك السر فى جودتها وحسنها ، ويعرض الأساليب الرديئة ؛ لنبحث عن السبب فى قبحها ورداءتها فنتجنبها ونتحاشاها ، وعلى هذا جاء تقسيمه للأساليب البيانية(1).، وهذا يدل على " النزعة النقدية لدى ابن سنان"(2).
... ومع أن ابن سنان قد قسم الكناية إلى حسنة وقبيحة ، إلا أنه أحس بالتقسيمات التى استقر عليها البلاغيون المتأخرون " إلى صفة وموصوف ونسبة" فاستشهد بشواهد تدل على معرفته لها ولكنه لم ينص على ذلك .
فمن الكنايات الحسنة عند ابن سنان قول عمر بن أبى ربيعة(3):
... بَعيدَةُ مَهْوى الْقُرْط إمّا لنَوْفل ... ... أبوها وإمّا عبدُ شمسٍ وهاشمْ(4)
__________
(1) عبارة الأساليب البيانية مأخوذه من عنوان كتاب للأستاذ الدكتور محمد شادى ، الذى أدرك برهافة حسه وسلامة ذوقه ، أن التشبيه أسلوب ، والمجاز أسلوب ، والكناية أسلوب ، فالألوان البيانية ليست وسائل جمالية فحسب ، ولكنها طرق أداء مناسبة لسياق خاص ... إنها أساليب بيان تتعانق فيها الصياغة والفكرة والتعبير (راجع كتاب سيادته : أساليب البيان والصورة القرآنية).
(2) مفاد من حديث للدكتور محمد شادى .
(3) جعل أبو هلال العسكرى البيت من الإرداف والتوابع (الصناعتين ص 387)
(4) بعيدة مهوى القرط : طويلة العنق ، أسماء العلم : من أشراف بطون قريش (ديوان ص 348)(1/74)
... يقول ابن سنان : "فإنه إنما أراد أن يصف هذه المرأة بطول العنق ، فلو عبر عن ذلك باللفظ الموضوع له لقال ـ طويلة العنق ـ فعدل عن ذلك وأتى بلفظ يدل عليه وليس هو الموضوع له ، فقال ـ بعيدة مهوى القرط ـ فدل ببعد مهوى قرطها على طول الجيد ، وكان فى ذلك من المبالغة ما ليس فى قوله ـ طويلة العنق ـ ؛ لأن بُعد مهوى القرط يدل على طول أكثر من الطول الذى يدل عليه ـ طويلة العنق ـ ؛ لأن كل بعيدة مهوى القرط ، طويلة العنق لا العكس ، إذا كان الطول فى عنقها يسيراً وهذا موضع يجب فهمه"(1). وهذا البيت جعله البلاغيون المتأخرون من الكناية عن صفة "طول العنق" .
... ومن الكناية الحسنة التى ذكرها ابن سنان وأدرجها المتأخرون فى الكناية عن موصوف(2)قول أبى عبادة :
... فَأَوْجَرْتُهُ أخْرى فَأَضْلَلْتُ نَصْلَهُ ... بِحَيْثُ يكونُ اللُّبُّ وَالرُّعْبُ وَالْحِقْدُ(3)
... " ؛ لأنه أراد ـ القلب ـ فلم يعبر عنه باسمه الموضوع له ، وعدل إلى الكناية عنه ، بما يكون اللب والرعب ، الحقد فيه ، وكان ذلك أحسن ؛ لأنه إذا ذكره بهذه الكنايات ، كان قد دل على شرفه وتميزه عن جميع الجسد ، بكون هذه الأشياء فيه ، وأنه أصاب هذا المرمى فى أشرف موضع منه ، ولو قال : أصبته فى قلبه ، لم يكن فى ذلك دلالة على أن القلب أشرف أعضاء الجسد ، فعلى هذا السبيل يحسن الإرداف"(4).
ومنه قول عمرو بن معد يكرب :
... الضَّارِبين بِكُلِّ أبْيضَ مخْذمِ ... ... والَطّاعِنين مَجامِع الأْضَغْانِ(5)
__________
(1) سر الفصاحة ص 230 بتصرف قليل .
(2) لم أعثر لابن سنان فى كتابه على شاهد للكناية عن نسبة .
(3) البيت مروىّ برواية "فأتبعتها أخرى" راجع بغية الإيضاح 158/2 .
(4) سر الفصاحة ص 232 .
(5) راجع المطول ص 37 ط سنة 1298 ، وبغية الإيضاح 158/3 .(1/75)
... وقد أدرك ابن سنان أن قوله جلّ شأنه : { كَانَا يَأْكُلان الطَّعَام }(1)ليس كناية عن الحدث كما يذهب بعض المفسرين(2)، بل معنى الكلام على ظاهره ، لأنه كما لا يجوز أن يكون المعبود محدثاً كذلك لا يجوز أن يكون طاعمًا(3).
... ويظل ابن سنان هكذا يعرض لشواهد الكناية والإرداف محللا ومعللا بما يمتلكه من ذوق رفيع ، وعلم غزير .
... ولا أكون مغالياً إذا قلت " إن الدراسة التى حظى بها أسلوب الكناية بصفة عامة عند ابن سنان من حيث التحليل ، وإبانة القيم الجمالية ، والتعبيرية فيه ، لم نجدها عند أحد غيره ممن سبقه من الدارسين لها"(4).
... ولكن تُرى لماذا فصل ابن سنان بين الكناية والإرداف الذى هو معناها الاصطلاحى عند البلاغيين ؟!
__________
(1) سورة المائدة ، آية : 75 ، وانظر النهاية فى الكناية للثعالبى تحقيق فرج الحوار ص 89 .
(2) راجع على سبيل المثال : الجامع الكبير لأحكام القرآن ـ للقرطبى 250/6 مج 3 ، فى ظلال القرآن 945/2 ، تفسير الكشاف 665/1 ، وصفوة التفاسير للصابونى 358/1 ، وراجع : معترك الأقران ـ للسيوطى 217/1 ، بديع القرآن لابن أبى الإصبع ص 53 ، وإعراب القرآن لمحى الدين الدرويش 275/2 .
(3) سر الفصاحة ص 166 .
(4) الكناية فى الشعر الجاهلى ص 36 .(1/76)
... لقد حاول أحد الباحثين تفسير ذلك بقوله : " وهذا الاستفهام عن الفصل بين الكناية والإرداف يدفعنا إلى العودة للدراسة حتى يمكننا تلمس الحقيقة من داخل النصوص ، فالنصوص التى درسها الخفاجى فى موضع الكناية هى التى أكنى فيها أصحابها عن معان يقبح ذكرها ، فامروء القيس يكنى عن المباضعة بقوله : فصرنا إلى الحسنى ... " ، والمتنبى يكنى عن كذب حبيبته "بعدم نحو لها " ، ويكنى عن عفته "بترفعه عما فى سراويلاتها" ، فالأساليب الواردة كلها تكنية عن ألفاظ لا يحسن التصريح بها ، فالمعنى الكنائى إذا لغوى عند الخفاجى ... ، ولهذا جاءت دراسته لها فى كتابه مع المواضع التى يجب فيها وضع الألفاظ موضعها ، فالمواضع التى لا يحسن فيها التصريح تجب فيها الكناية .
... أما الأساليب التى درسها الخفاجى تحت موضوع "الإرداف" فهى جميعاً من النعوت ، ... فعُمَر ينعت محبوبته "ببعد مهوى القُرط" ، والبحترى يصف القلب بأنه مكمن اللب والرعب والحقد ... ولهذا درست مع المواضيع التى عدها من نعوت البلاغة والفصاحة"(1).
فابن سنان حين فصل بين الكناية والإرداف كان بدافع مسايرة منهجه وخطته .
* مزية الكناية عند ابن سنان :
... تظهر مزية الكناية عند ابن سنان الخفاجى عندما يقول : "والأصل فى حسن هذا أنه يقع فيه من المبالغة فى الوصف ما لا يكون فى نفس اللفظ المخصوص بذلك المعنى "(2). وقوله : " وأتى بألفاظ تدل على ذلك أبلغ مما يدل عليه غيره "(3).
" فالمزية عند الخفاجى تنحصر فى زيادة المعنى ، والقيمة الأدبية الجديدة عنده هى زيادة الصفة والمبالغة التى لم تكن تأتى لو عدل الشاعر من أسلوب الكناية إلى أسلوب التصريح"(4).
... وبعد ...
__________
(1) الكناية فى الشعر الجاهلى ص 36 .
(2) سر الفصاحة ص 230 .
(3) السابق نفس الصفحة .
(4) الكناية أساليبها ومواقعها فى الشعر الجاهلى تأليف/ محمد على الأمين ص 51 .(1/77)
فلقد تعمق ابن سنان فى دراسته للكناية والإرداف حيث " لم يكتف بإرسال الشواهد ، وبيان موضع الكناية فيها ، كما فعل غيره من العلماء السابقين ، بل تعدى هذا إلى النقد ، فكشف عن الحسن الجيد من الكناية ، وأماط اللثام عن الردىء القبيح منها ، مبيناً السبب فى ذلك"(1).
ثانياً : الكناية عند الإمام البحرانى :
... تحدث البحرانى عن الكناية فى الجملة الأولى الخاصة بالفصاحة العائدة إلى المفردات ، وأفرد لها الفصل السادس من كتابه ، بين فيه حقيقتها ، وأقسامها ، بإيجاز شديد .
* مفهوم الكناية عند البحرانى :
... عرف ميثم البحرانى الكناية بقوله :
" هى الكلمة التى أريد بها غير معناها مع إرادة معناها "(2)وقد اعترض الطوفى على هذا التعريف وعبارته هى : " التعريف فيه نظر من وجهين : أحدهما : أن الكناية ليست هى الكلمة ، بل استعمال الكلمة فى إرادة غير معناها . والثانى : أن لفظه مستهجن مستثقل ؛ لتكرار معناها فيه مرتين ، مع إمكان الاحتراز منه"(3).
... وقد عرفها البحرانى فى موضع آخر بقوله :
" اعلم أن اللفظة إذا أطلقت وأريد بها غير معناها ، فإما أن يراد بها مع ذلك معناها أو لا يراد ، فالأول هو الكناية "(4)والملاحظ أن التعريفين بمعنى واحد وإن اختلفت ألفاظهما بين الطول والقصر .
... والبحرانى ـ كما هو واضح ـ يعرف الكناية بتعريف العلامة عبد القاهر ومن تبعه كالرازى .
... وقد استشهد للكناية بشواهد عديدة ، عند شرحه لكلام الإمام على ، يقول عند تعليقه على قول الإمام على " بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءُ ظَهْرِهِ ، وَأَذْهَبْ ارْتِعَادُ فَرَائِصِهِ "(5).
__________
(1) الأسلوب الكنائى نشأته وتطوره وبلاغته د/ محمود السيد شيخون ص 15 .
(2) أصول البلاغة للبحرانى ص 73 .
(3) الإكسير فى علم التفسير للطوفى البغدادى ص 119 .
(4) مقدمة شرح نهج البلاغة للبحرانى ص 128 .
(5) شرح نهج البلاغة للإمام البحرانى 245/1 .(1/78)
... يقول البحرانى : " انحناء الظهر كناية عن الضعف ، .. وارتعاد الفرائص كناية عن الشيئ ببعض لوازمه"(1).
ومن هذه الشواهد قول الإمام على : "فَصَبَرْتُ وَفِى الْعَيْنِ قَذًى، وَفِى الْحَلْقِ شَجَى"(2).
... يقول البحرانى معلقاً على النص السابق وشارحا إياه : " الجملتان كنايتان عن شدة ما أضمره من التأذى والغبن ، بسبب سلبه ما يرى أنه أولى به من غيره"(3).
... ومما لا شك فيه أن أسلوب الكناية "أطوع للمواقف المؤلمة ... وأقدر على التقاط الصور الحقيقية العاكسة للمعانى الإنسانية"(4).
... ويقول البحرانى : "وكنى بمجالسة القرآن عن مجالسة حملته وقرائه ؛ لاستماعه منهم وتدبره عنهم"(5)
... وتكاد ترتاح نفسى إلى كون العبارة السابقة من المجاز المرسل بعلاقة المحلية، مثلها مثل قول الله جلّ شأنه : { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ }(6)، فالبحرانى قد خلط بين الكناية والمجاز المرسل .
... ولم يكن هذا هو الشاهد الوحيد ، بل إنه "فى تحليلاته لأقوال الإمام على كثيراً ما تداخلت ضروب الاستعارة مع الكناية دون تحديد واضح للصورة البلاغية ، فتارة يطلق الكناية على الاستعارة بالكناية ، أو يطلق الاستعارة والكناية فى آن واحد فى مثال واحد"(7).
__________
(1) شرح نهج البلاغة للبحرانى 245/1.
(2) السابق 256/1 .
(3) السابق 256/1 .
(4) أساليب البيان والصورة القرآنية أد/ محمد إبراهيم شادى ص 400 .
(5) شرح نهج البلاغة للبحرانى 355/3.
(6) سورة يوسف ، آية : 82 .
(7) شرح نهج البلاغة للبحرانى ـ تحقيق ودراسة ـ دكتوراه ـ د/ كريمة أبو زيد ـ ص 76 ـ كلية الدراسات الاسلامية بالقاهرة تحت رقم 51 .(1/79)
... والشواهد على ذلك عديدة ، وسأكتفى بذكر شاهد واحد ، فمن الشواهد التى تداخلت فيها ضروب الاستعارة مع الكناية تعليقه على قول الإمام على : " أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلاَنٌ "(1)يقول البحرانى : "لما بلغ عليه السلام فى تلبس أبى بكر بالخلافة استعار لها وصف القميص ، وكنى عن تلبسه بها بالتقمص"(2).
... هذا وقد فرق البحرانى بين الكناية والمجاز بقوله : " إن المعنى الأصلى فى الكناية مراد ، وإنما أفيد به معنى آخر على سبيل الالتزام ، ككونه جوادًا ، لكونه كثير رماد القدر ، بخلاف المجاز ، فإن معناه الأصلى غير مراد أصلاً "(3).
* أقسام الكناية عند البحرانى وكيفية دراسته لها :
... قسم الشيخ ميثم الكناية إلى قسمين :
أولاً : الكناية فى المفرد ، وأدرج فيها الكناية "عن صفة ، وعن موصوف ".
ثانياً : الكناية فى المركب(4)، ويعنى بها الكناية "عن نسبة" وعبارة البحرانى فى ذلك ... هى :
" الكناية كقولك ، فلان طويل النجاد ، كير رماد القدر ، فقولنا : طويل النجاد ليس الغرض الأصلى به معناه ؛ بل ما يلزمه من طول القامة ، وكذلك المثال الأخير، فإن المقصود منه ما يلزمه من إطعام الخلق ، والتكرم عليهم ، فهذه هى الكناية فى المفرد"(5).
... والشاهدان استشهد بهما المتأخرون للكناية عن صفة .
... ومع ذلك يقول الدكتور عبد القادر حُسين محقق الكتاب :
" لم يذكر المؤلف أمثلة للكناية عن المفرد أى الكناية عن الصفة والكناية عن الموصوف "(6).
__________
(1) تقمصها : لبسها كالقميص ، والنص من خطبته المعروفة بالشقشقية ، شرحه 76/3 .
(2) السابق 257/1.
(3) أصول البلاغة ص 74 ، وراجع المطول للتفتازانى ص 368ط 1289 .
(4) يقول العلامة ابن الأثير : "اعلم أن الكناية تشمل اللفظ المفرد والمركب معاً ، فتأتى على هذا تارة وعلى هذا أخرى" (المثل السائر 57/3) .
(5) أصول البلاغة ص 73 .
(6) أصول البلاغة ص 73 - هامش .(1/80)
... ولعل سيادته يعنى بذلك الشواهد القرآنية والشعرية ؛ لأن البحرانى ـ بالإضافة إلى ما سبق ـ قد ذكر شواهد عديدة من كلام الإمام على للكناية منها قول الإمام على :
... " وَسَيبتلى أَهْلُكَ بِالْمَوْتِ الأَحْمَرِ وَالْجُوعِ الأَغْبَرِ "(1).
... يقول البحرانى : " فالموت الأحمر إشارة إلى قتلهم بالسيف ... ووصفه بالحمرة كناية عن شدته ؛ وذلك لأن أشد الموت ما كان بسفك الدم"(2).
... وأما الكناية عن نسبة ، فقد أطلق عليها "الكناية فى المركب" ، وعبارته هى :
" وأما فى المركب فهى أن يحاول إثبات معنى من المعانى لشيئ ، فيترك التصريح بإثباته له ، ويثبته لمتعلقه"(3). وهذا هو مفهوم الكناية "عن نسبة" عند البلاغيين المتأخرين وإن اختلفت الألفاظ(4).
... ولقد أشار إلى ذلك العلامة عبد القاهر من قبل وأفاض فى شرحه ، يقول وهو بصدد حديثه عن الكناية :
" وتفسير هذه الجملة وشرحها أنهم يرومون وصف الرجل ومدحه ، وإثبات معنى من المعانى الشريفة له ، فيدعون التصريح بذلك ، ويكنون عن جعلها فيه ، بجعلها فى شيئ يشتمل عليه ، ويتلبس به ، ويتوصلون فى الجملة إلى ما أرادوا من الإثبات ، لا من الجهة الظاهرة المعروفة ، بل من طريق يخفى ومسلك يدق"(5).
ومما استشهد به البحرانى للكناية عن نسبة قول زياد الأعجم(6):
... إِنَّ الْمُرُوءَةَ وَالسَّمَاحَةَ وَالنَّدَى ... فِى قُبَّةٍ ضُرِبَتْ عَلَى ابْنِ الْحَشْرَجِ(7)
__________
(1) شرح نهج البلاغة للبحرانى 15/3.
(2) السابق نفس الصفحة .
(3) أصول البلاغة ص 73 .
(4) راجع بغية الإيضاح للشيخ الصعيدى 164/3.
(5) دلائل الإعجاز ص 237.
(6) هو زياد بن سليمان مولى عبد القيس ، ولقب بالأعجم ؛ لأنه كان ألكن (الشعر والشعراء ص 257) ، (طبقات فحول الشعراء ـ لابن سلام الجمحى 693/2).
(7) أصول البلاغة ص 74 ، ودلائل الإعجاز ص 237 ، والطراز ص 198 ، ومفتاح العلوم 407 .(1/81)
... يقول البحرانى : " لما أراد إثبات هذه المعانى للمدوح لم يصرح بها ، بل عدل إلى ما ترى من الكناية فجعلها فى قبة ضُربت عليه"(1).
... ومنه قولهم : المجد بين ثوبيه ، والكرم بين برديه(2). يقول العلامة عبد القاهر: "ومما هو إثبات للصفة على طريق الكناية والتعريض ، قولهم : المجد بين ثوبيه ، والكرم فى برديه ، وذلك أن قائل هذا يتوصل إلى إثبات المجد والكرم للممدوح بأن يجعلهما فى ثوبه الذى يلبسه ، كما توصل زياد إلى إثبات السماحة والمروءة والندى لابن الحشرج بأن جعلهما فى القبة التى هو جالس فيها"(3).
... والشواهد التى ذكرها البحرانى للكناية عن "نسبة" ، هى فى الإثبات ، أما الكناية عن نسبة فى جانب النفى ، فكقول الشنفرى(4)، يصف امرأة بالعفة :
... يَبِيتً بِمَنْجَاةٍ مِنَ اللَّوْمِ بَيْتُهَا ... ... إِذَا مَا بُيُوتٌ بِالْمَلاَمَةِ حُلَّتِ(5)
... يقول البحرانى : " فتوصل إلى نفى اللوم عنها بأن نفاه عن بيتها"(6). والبيت ـ كما هو معروف ـ " كناية عن نسبة العفة والشرف إليها من أبلغ طريق وأقواه ؛ لأن نجاة بيتها من اللوم ، دليل على طهارتها وعفتها"(7).
... يقول العلامة عبد القاهر عن الفرق بين بيت الشنفرى وبيت زياد السابق : "الفرق أن هذا ينفى وذاك يثبت ، وذلك فرق لا فى موضع الجمع فهو لا يمنع أن يكون من نصاب واحد "(8).
__________
(1) أصول البلاغة ص 74 .
(2) السابق نفس الصفحة .
(3) دلائل الإعجاز ص 239 .
(4) شاعر جاهلى من بنى الحرث بن ربيعة ، والشنفرى اسمه وقيل لقبه (المفضليات ص 108) .
(5) منجاة : مفعلة من النجوة : وهى الارتفاع . (المفضليات ص 109 ، والدلائل ص 239).
(6) أصول البلاغة 74 .
(7) أساليب البيان د/ محمد شادى ص 420 .
(8) دلائل الإعجاز ص 240 .(1/82)
... والمهم أن الإمام البحرانى ، قد عرف أنواع الكناية فقسمها إلى الكناية فى المفرد ، وأدرج فيها الكناية عن "صفة وعن موصوف" ، وكناية فى المركب ، ويعنى بها الكناية عن نسبة ، واستشهد لذلك بشواهد عديدة ، وذلك عند شرحه لنهج البلاغة للإمام على(1).
* مزية الكناية عند البحرانى :
... إذا كانت مزية الكناية عند ابن سنان الخفاجى تنحصر فى زيادة المعنى والمبالغة فيه . فإن الإمام البحرانى قد أدرك أن المزية من الكناية إنما هى فى إثبات المعنى .
... وهذا مفهوم من قوله عن الكناية فى المركب : " هى أن يحاول إثبات معنى من المعانى لشيئ فيترك التصريح بإثباته له ، ويثبته لمتعلقه"(2)
... وتعليقه على بيت زياد السابق بقوله : "لما أراد إثبات هذه المعانى للممدوح ، لم يصرح بها"(3).
... والبحرانى بهذا يلتقى مع العلامة عبد القاهر ، ويختلف مع ابن سنان الخفاجى.
... يقول العلامة عبد القاهر : " اعلم أن سبيلك أولاً أن تعلم أن ليست المزية التى تثبتها لهذه الأجناس على الكلام المتروك على ظاهره ، والمبالغة التى تدعى لها فى أنفس المعانى التى يقصد المتكلم إليها بخبره ، ولكنها فى طريق إثباته لها ، وتقريره إياها"(4)
... ويقول ابن سنان الخفاجى :
" والأصل فى حسن هذا ، أنه يقع فيه من المبالغة فى الوصف ما لا يكون فى نفس اللفظ المخصوص بذلك المعنى "(5)
__________
(1) انظر على سبيل المثال : شرح نهج البلاغة 256/1 ، 17/2 ، 62/2 ، 15/3 ، 457/3 ، 298/4 ، 366/4 .
(2) أصول البلاغة ص 73 .
(3) السابق نفس الصفحة .
(4) دلائل الإعجاز ص 56 .
(5) سر الفصاحة ص 230 .(1/83)
... والذى لا شك فيه أن الكناية لا تنحصر فى المبالغة أو الإثبات ؛ "لأن هذا يؤدى بنا إلى تجزئة الصورة الكاملة للنص ، ... فلا يحق لأحد أن يحصرها فى مزية واحدة دون أخرى ؛ لأن انفعال الشاعر أو التأثر بتجربته هو انفعال أراد به أن يعطى الصورة بها فى أبهى معانيها ، وأن يضعها فى صورتها المثالية "(1).
... فإذا قال الشاعر : " "بعيدة مهوى القُرط" ، فالمقصود بها المبالغة فى الصفة وإثباتها فى آن واحد ، ولا نستطيع أن نفصل بين هذين المعنيين ، فإن المبالغة فى الصفة تؤدى إلى تثبيتها وإقراراها فى النفس "(2).
... وعلى هذا يمكن التوفيق بين رأى ابن سنان ، ورأى الإمام البحرانى والشيخ عبد القاهر .
* خلاصة القول فى الكناية بين البحرانى وابن سنان الخفاجى:
أولاً :
... عرض ابن سنان للكناية فى موضعين : أطلق عليها فى الموضع الأول "مصطلح الكناية" ، وفى الموضع الثانى : "الإرداف والتتبيع" .
... أما البحرانى: فقد أفرد للكناية فصلا فى الجملة الأولى الخاصة بالفصاحة العائدة على المفردات .
ثانياً :
... قسم ابن سنان الكناية إلى حسنة وقبيحة ، إتباعاً لمنهجه .
... أما البحرانى فقد قسمها إلى : كناية فى المفرد ، وأدرج فيها كناية "الصفة والموصوف" ، وكناية فى المركب وهى الكناية عن نسبة .
ثالثاً :
... مفهوم الكناية عند ابن سنان لا يختلف عن مفهوم الكناية عند البحرانى ، وإن كان لكل واحد منهما تقسيمه الخاص وشواهده وتحليلاته التى تميزه عن غيره ، إلا أنهما فى النهاية يلتقيان .
رابعاً :
... اختلفت المزية من الكناية عند ابن سنان عنها عند البحرانى فابن سنان أدرك أنها المبالغة ، والبحرانى أدرك أنها الإثبات ، وقد أمكن التوفيق بينهما .
خامساً :
... جاءت شواهد ابن سنان متنوعة بين الحس والقبح ، مسايرة لمنهجه .
__________
(1) الكناية ـ أساليبها ومواقعها فى الشعر الجاهلى ـ د/ محمد الأمين ص 52 .
(2) السابق نفس الصفحة .(1/84)
... بينما اقتصر البحرانى على الشواهد الحسنة تبعاً لتقسيمه ، وقد بذل جهدًا واضحاً فى تحليله لكلام الإمام على ، واستخراج كناياته .(1/85)
البديع قبل ابن سنان :
... ظلَّ علمُ البديعِ حتى ابن سنان الخفاجىّ كغيره من علومِ البلاغةِ الأخرى عاماً يُطلَق أحياناً وَيُقْصَدُ بِه الاستعارةُ والتشبيهُ ، والجناسُ والسجعُ .
... ويُعدُّ العلامةُ الجاحظُ " أولَ من استعملَه استعمالاً بلاغياً نقديًّا "(1)وذلك فى كتابه "البيان والتبيين" ، كما يُعَدُّ ابن المعتز أولّ من ألّف فيه كتاباً سماه "البديع" ، وقد ظلّ هذا المصطلحُ عامًّا تتداخل معه المسائل البلاغية الأخرى ، والتى انحصرتْ فيما بعد وتوزعتْ بين (المعانى والبيان والبديع) .
... ولستُ أسعى إلى التأريخ لهذه العلوم ، أو التعريف بها فهذا ما عنيت به كتبُُ أخرى ، ولكنى أردتُ من هذا التقديم أن أبينَ أن ابنَ سنان لم تكنْ قد تحددتْ عندهُ المسائلُ البلاغيةُ ، وتوزعتْ على علومِها الثلاثة التى استقرتْ عند المتأخرين .
... ولا أدْرى ماذا يعنى أحدُ المحدثين بقوله : "لم يُفرِدْ ابن سنان للبديع باباً مستقلاً ، كما فعلَ سابقوه ، ولكنه تناولَ فنونه أثناء حديثه عن الفصاحة"(2).
... وهو يعنى بذلك "أبا هلال العسكرى" ، الذى عنون لباب فى كتابه "الصناعتين" أطلقَ عليه " بابُُ فى شرح البديع(3)".
... وإذا كان أبو هلال العسكرى قد خصّ البديع "بباب" ، فإنه تناول فيه المسائلَ البلاغيةَ الأخرى ، والتى تندرج تحت (البيان والمعانى) ، وذلك مثلُ : "الالتفات والاعتراض ، والإيغال ، والكناية ، والتعريض ، والاستعارة ، والمجاز ".
... وهذا لا يؤخذ على أبى هلال العسكرى ، لأنه يتفق مع خطته وغرضه من كتابه ، كما أن المسائلَ البلاغيةَ ، لم تكنْ قد توزعتْ على علوم البلاغةِ الثلاثة .
__________
(1) من وجوه تحسين الأساليب فى ضوء بديع القرآن أ.د/ محمد شادى ص 8.
(2) سر الفصاحة ـ دارسة وتحليل ـ د/ عبد الرازق أبو زيد ص 343 .
(3) الصناعتين ـ الباب التاسع ـ ص 291 .(1/1)
... وإذا صحّ هذا الكلامُ ، فإن ابن سنان كغيره ممن سبقَه قد تداخلتْ عنده مسائلُ البديعِ بالمعانى والبيان ، وكان تناولُه لها أثناءَ حديثه عن الفصاحةَ والبلاغةِ ، فقد ظلَّ يبحثُ عن حقيقةِ الفصاحةِ ويضعُ لها شروطاً ؛ ليتحققَ له غرضه من كتابِه.
موقف ابن سنان الخفاجىّ والبحرانىّ من علمِ البديعِ :
... ذكر ابن سنان أن من شروطِ الفصاحةِ "المناسبةُ" ، وهى تتنوعُ عندَه إلى : مناسبةٍ عن طريق الصيغةِ ، ومناسبةٍ من طريق المعنى(1)، وفى أثناءِ ذلكَ درسَ المحسناتِ البديعية َووزّعَها بين اللفظيةِ والمعنويةِ .
... " ولعلّ الإمام الرازىّ قد استمدَّ ذلكَ منهُ ، إذ جعلَ هذه الألوانَ جميعها من النظمِ الذى يشتدُّ اتصالُ أجزائِه(2)".
... ويُعَدُّ ابن سنان بهذا مكمِّلا "للبناءِ الذى أسَّسَهُ قدامه فى "نقد الشعر" من تنويعِ الأصباغِ البديعيةِ إلى لفظية ومعنوية ، فكان ثانى اثنين مهّدا الطريق للمتأخرين فى تقسيمها هذا التقسيم ، وإن كانت نظرة ابن سنان أسد وطريقته أعدل إذ جعل ذلك من شرائط الفصاحة والبلاغة ، وسلك فى شرحها الطريقَ الذى سلَكَهُ رجالُ هذه المدرسةِ من جعلها ذاتية وليست بالعرضيّة(3)".
... يقول أحد النقاد : " إن ابنَ سنان قد ساعدَ بكتابه فى وضع الأساس العلمى لاتجاه أصحاب البديع ، وكان من أقوى الدعائم التى ارتكز عليها المتأخرون فى التفرقة بين اللفظى والمعنوى من فنون البديع(4)
__________
(1) سر الفصاحة ص 169 .
(2) نشأة البلاغة وأصول علم المعانى أ.د/ محمد شادى ص 128.
(3) الصبغ البديعى ص 208 ، وفن البديع د/ عبد القادر حسين ص 37 ، بديع القرآن لابن أبى الاصبع ص 25.
(4) تاريخ النقد الأدبى من القرن الخامس إلى العاشر الهجرى ـ د/ محمد زغلول سلام ص 263.
ط / دار المعارف .(1/2)
" ، ويقول الدكتور شادى : " والحقُّ أنه لا وجْهَ لتقسيم الوجوهِ البديعية إلى لفظية ومعنوية(1)لأن ذلك يغرى بالتفريقِ بين اللفظ والمعنى مع أنهما متعانقان ، فإن أى لفظ لابد أن يكون حاملاً لمعنى ، والمعنى لا يدل عليه إلا بلفظ ، وما اللفظ والمعنى إلا كجناحى طائر ، لا ينهض بأحدهما دون الآخر(2)" ، ومع أن هذا الكلام مما لا يشك فى صحته " إلا أن الخفاجى كان يتدارك ـ إلى حد ما ـ ظاهر ما يوهمه هذا التقسيم والتحديد من استثناء اللفظ بما استقل به من غير شرك للمعنى فيه ، أو عكس ذلك من استئثار المعنى بدون اللفظ ، فنص على أن المناسبة التى هى من طريق الصيغة كالجناس والسجع وما إليها ، لابد أن ينصرها المعنى ويؤيدها(3)، فقال فى السجع بعد أن حكى الخلاف فيه : "والمذهب الصحيح أن السجع محمود إذا وقع سهلاً متيسراً بلا كلفة ولا مشقة ، وبحيث يظهر أنه لم يقصد فى نفسه ، ولا أحضره إلا صدق معناه ، دون موافقة لفظه(4)".
... والمهم أن دراسة ابن سنان للبديع(5)جاءت ضمن حديثه عن شروط الفصاحة(6).
__________
(1) أدرك أستاذى الدكتور عبد الغنى بركة : أن ما يميز المحسن اللفظى عن المعنى أن المعنوى لو غير فيه اللفظ بما يرادفه لبقى المحسن كما كان قبل التغيير بعكس اللفظى . "راجع ذلك بالتفصيل فى كتاب سيادته : دراسات فى فن البديع ص 24، ط سنة 1983م.
(2) من وجوه تحسين الأساليب ص 13 .
(3) البلاغة بين عهدين د/ محمد نايل ص 232 .
(4) سر الفصاحة ص 171 .
(5) راجع تأثر ابن أبى الإصبع فى تحرير التحبير ص 11.
(6) راجع اتجاهات النقد الأدبى فى القرن الخامس الهجرى د/ منصور عبد الرحمن ص 82 .(1/3)
... أما الإمام البحرانى : فقد درس فنون البديع فى موضعين من كتابه : الأول : فى الجملة الأولى "فى الفصاحة العائدة إلى المفردات ، وفى الفصل الثانى الخاص بما يتعلق بالكلمات المركبة(1)وفى هذا الموضع درس الشيخ ميثم بعض المحسنات اللفظية ، كالجناس ، ورد العجز على الصدر ، والسجع ، والترصيع .
... فشرط فصاحة الكلام عنده "أن تتوافر فيه المحسنات اللفظية(2)" ويعلق الدكتور عبد القادر حسين على ذلك بقوله :
... " وهى ملاحظة جديرة بالتسجيل حيث خلت منها كتب البلاغة ، فالذى نقرأهُ فى كتب البلاغة وأثر عن البلاغيين ، أن الكلام يكون فصيحاً ، إذا خلص من التنافر، والتعقيد ، وضعف التأليف ، بالإضافة إلى فصاحة الكلمة ، دون أن يشير واحد منهم إلى اقتران الكلام بألوان من البديع حتى يكون فصيحاً "(3).
... ولعل سيادته يعنى بذلك "أغلب كتب البلاغة" ؛ لأن البحرانى قد سبقه الرازى(4)فى ذلك .
... أما الموضع الثانى : الذى تحدث فيه البحرانى عن البديع ، ففى الجملة الثانية وهو بصدد حديثه عن النظم المتضمن ألواناً من البديع ، "واعتبر هذا اللون الذى يأتى عفو الخاطر من النمط العالى ، وفى أثناء ذلك أشار إلى تعلق الجمل بعضها ببعض بألوان من البديع ، عدها البلاغيون المتأخرون من المحسنات اللفظية ومنها المطابقة ، والمقابلة ، والمزاوجة ، ومراعاة النظير ، وتجاهل العارف ، والاستتباع، وحسن التعليل ، وغيرها من المحسنات اللفظية"(5).
__________
(1) راجع أصول البلاغة ص 45 .
(2) السابق ص 26 .
(3) مقدمة الأصول ص 26 .
(4) نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز ص 87 .
(5) أصول البلاغة ص 82 ، وراجع مقدمة المحقق ص 28 بتصرف .(1/4)
... وقد تأثر البحرانى فى أكثر هذه الألوان بالرازى ، الذى تأثر فيها بالوطواط فى كتابه "حدائق السحر فى دقائق الشعر" ، كما أدرك ذلك الدكتور شوقى ضيف(1).
... وإذا صح أن الفخر الرازى قد تأثر بالوطواط إلى درجة أنه نقل عنه الأمثلة، فإن البحرانى كانت له رؤية خاصة فى تناوله لبعض هذه الألوان حيث استعان بكلام الإمام على للتعريف بها ، واستعان بها لشرح كلامه عليه السلام .
... وقد أخذت بعض الباحثات على البحرانى "أنه قد عد أقسام النظم عشرين وجهاً ، وقد جعل البلاغيون جلّ هذه الموضوعات داخلة فى علم البديع"(2).
... ولست أرى داعياً لهذا النقد ، فالعلاّمة عبد القاهر قد جعل بعض هذه الألوان من النمط العالى من النظم(3).
... وستكون دراستى فى هذا الفصل للألوان البديعية التى اشترك فيها البحرانى مع الخفاجى وموقف كل منهما ، ثم الألوان البديعية التى انفرد بها كلُّ منهما .
... وسأبدأ بالمحسنات المعنوية على طريقة المتأخرين .
أولاً : الألوان البديعية التى اشترك فيها البحرانى مع الخفاجى :
* الطباق(4)والمقابلة :
__________
(1) راجع ذلك بالتفصيل فى " البلاغة تطور وتاريخ " ص 257 ط دار المعارف والوطواط هو رشيد الدين العمرى المتوفى سنة 573 ، وانظر : البلاغة عند السكاكى لأحمد مطلوب ص 243 ط بغداد ، ونهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز ص 201 .
(2) د/ كريمة محمود أحمد أبو زيد ـ شرح نهج البلاغة ـ تحقيق ـ دكتوراه ـ ص 81 .
(3) دلائل الإعجاز ص 74 .
(4) ويسمى المطابقة والتطبيق والتضاد والتكافؤ .(1/5)
... آثرت الجمع بينهما لما وجدته من اختلاف البلاغيين حولهما ، فبعضهم يرى عد كل واحد منهما على حدة(1)، و البعض الآخر أدرك أن المقابلة نوع من الطباق ؛ لأن مفهومها داخل فى مفهوم الطباق(2).
... وقد ذكر ابن سنان "المطابقة" فى كتابه "سر الفصاحة" عند حديثه عن شروط الفصاحة المتعلقة بالتناسب بين اللفظتين ، عندما تأتى المناسبة بينهما من طريق المعنى(3).
... ويقول ابن سنان : " فأما تناسب الألفاظ من طريق المعانى ، فإنها تتناسب على وجهين : أحدهما : أن يكون معنى اللفظتين متقارباً ، والثانى : أن يكون أحد المعنيين مضاداً للآخر ، أو قريباً من المضاد ، فأما إذا خرجت الألفاظ عن هذين القسمين فليست بمتناسبة "(4).
... وإذا كان ابن سنان قد جعل التضاد قسماً من أقسام التناسب بين المعانى ، فلا مشاحة فى ذلك حيث إنه فى صنيعه هذا يتفق مع "جمهور البلاغيين فيما اصطلحوا عليه من استعمال الطباق فى الجمع بين الشيئ وضده ؛ لأن الصلة قائمة بين هذا الاستعمال وبين المعنى اللغوى للطباق(5)، ... فما أن يذكر الشيئ حتى يكون ضده وارداً فى الفكر لاستدعائه ، ولهذا وجدنا النقاد والبلاغيين(6)يجعلون التضاد فسماً من أقسام التناسب بين المعانى"(7).
__________
(1) كالسكاكى ـ راجع المفتاح ص 424 ، وانظر دراسات فى البديع د/ عبد الغنى بركة ص 11 .
(2) البلاغة فنونها وأفنانها ـ علم البيان والبديع ـ د/ فضل حسن عباس ص 278 ، الخزانة للحموى 129/1 .
(3) سر الفصاحة ص 199 .
(4) السابق نفس الصفحة .
(5) يقول الخليل بن أحمد الفراهيدى ـ رحمه الله ـ طابقت بين الشيئين : إذا جمعتهما على حذو واحد راجع البديع لابن المعتز ت أ.د/ محمد خفاجى ص 124 .
(6) يعنى أستاذى بذلك ابن سنان وابن الأثير [ المثل السائر 143/3 ، وسر الفصاحة 129 .
(7) من وجوه تحسين الأساليب أ.د/ محمد شادى ص 20 .(1/6)
... والطباق عند ابن سنان معناه " مقابلة الشيئ بمثله الذى هو على قدره ، ويسمَّى المتضادين إذا تقابلا متطابقين"(1).
... وقد ذكر ابن سنان أن قدامة سمى المتضاد من معانى الألفاظ ـ المتكافئ ـ وأنكر ذلك عليه الآمدى وأبو الحسن الأخفش(2).
... ويبدو أن الذى أغرى قدامة بهذه التسمية ، ما أدركه من أنه " لا توجد صلة فى ظاهر الأمر بين الطباق بمعناه اللغوى وهو الموافقة ، ومعناه فى اصطلاح البلاغيين ، وهو الجمع بين الشيئ وضده ، ولهذا ... اتجه إلى تسمية الجمع بين المتضادين تكافؤا ، وأطلق الطباق على ما هو أبين مناسبة له يقول "فأما المطابق فهو ما يشترك فى لفظة واحة بعينها" "(3).
... ولكن يجب التنبيه إلى أمر مهم ، وهو أنه إذا كانت الصلة بين المفهوم اللغوى للطباق ، والمفهوم الاصطلاحى فى ظاهر الأمر منفكة ، فإن المتأمل سيدرك أن هناك تناسبا واضحاً " فكما يذكر الشيئ بمرادفه وموافقه يذكر أيضاً بضده ، فما أن يذكر الشيئ حتى يكون ضده وارداً فى الفكر لاستدعائه"(4).
__________
(1) سر الفصاحة ص 200 .
(2) السابق نفس الصفحة .
(3) من وجوه تحسين الأساليب أ.د/ محمد شادى ص 19 ، وانظر نقد الشعر ت/ كمال مصطفى ص162.
(4) من وجوه تحسين الأساليب ص 20 ، وراجع إعراب القرآن 88/1 .(1/7)
... والحقيقة التى لا يرتاب فى صحتها أحد أن ابن سنان كان يعرف "أنواع الطباق المختلفة" ، كما كان يعرف "المقابلة" التى استقرت عند البلاغيين المتأخرين ، ولكنه مع ذلك لم يكن يهتم بالمصطلحات بقدر اهتمامه بتحقيق التناسب يقول : "وقسم بعضهم التضاد ، فسمى ما كان فيهما لفظتان معناهما ضدان كالسواد والبياض ـ المطابق ـ وسمى تقابل المعانى والتوفيق بين بعضها وبعض حتى تأتى فى الموافق بما يوافق وفى المخالف بما يخالف على الصحة ـ المقابلة ـ وسمى ما فيه سلب وإيجاب ـ السلب والإيجاب ، ولم يجعله من المطابق .. فأما التسمية فلا حاجة بنا إلى المنازعة فيها ؛ لأن الغرض فهم هذه المناسبة دون الكلام فى أحق الأسماء بها ، على أن الذى أختاره تسمية الجميع بالمطابق"(1)
ومما استشهد به ابن سنان للطباق قول زهير بن أبى سلمى :
... لَيْثٌ بِعَثَّرَ يَصْطَادُ الرِّجالَ إذاَ ... ... ... ما اللّيَثُ كَذَّبَ عن أَقْرانِهِ صَدَقَا(2)
وقول بشار بن برد(3):
... إِذَا أَيْقَظَتْكَ حُرُوبُ الْعِدَا ... ... ... فَنَبِّهْ لَهاَ عَمْراً ثُمَّ نَمْ(4)
وابن سنان ـ كعادته ـ يذكر أمثلة تكشف عن جهتى الحسن والقبح ، فمن الشواهد التى رفضها ابن سنان لتكلفها قول حبيب بن أوس :
... لَعَمْرِى لَقَدْ حَرَّرْتَ يَوْم لَقِيتَهُ ... ... ... لَوْ أنّ الْقَضَاءَ وَحْدَهُ لَمْ يُبَرِّدِ(5)
__________
(1) سر الفصاحة ص 200 .
(2) عثَّر : اسم مكان توجد فيه الأسد ، والقرن : الصاحب فى القتال ، والبيت من قصيدة يمدح فيها هرم بن سنان . ( انظر ديوان زهير ص 54 ط الهيئة العامة للكتاب ) ، والبيت فى البديع لابن منقذ ص36 ، والموازنة للآمدى 17/1 ، 289/1 .
(3) ولد بشار أعمى جاحظ الحدقتين ، توفى سنة 167 هـ ( تاريخ آدب اللغة العربية 56/2) .
(4) البيت فى نقد الشعر ، جعله قدامة من التكافؤ . ( نقد الشعر ص 146 ) .
(5) ديوان 25/2 يقول : كنت قربت قتله غير أن القضاء نجاه (السابق ) .(1/8)
فهذا البيت من الطباق القبيح الذى لم يرد لحسن معناه وسلامة لفظه ، بل لتكون فى الشعر مطابقة فقط(1).
ومن شواهد الطباق عند ابن سنان قول الفرزدق :
... لَعَنَ الإِلَهُ بَنِى كُلَيْبٍ إِنَّهُمْ ... ... لاَ يَغْدِرُونَ وَلاَ يُفُون لِجَارِ
... يَسْتَيْقِظُونَ إِلى نَهِيقِ حمارِهمْ ... ... وَتنامُ أعيُنُهمْ عن الأَوْتَارِ(2)
وهذا الشاهد مما ممثل به المتأخرون للطباق الجيد ، فقد جعلوه من لطيف الطباق ، "ففى البيت الأول تكميل حسن ، إذ لو اقتصر على قوله " لا يغدرون " لاحتمل الكلام ضرباً من المدح ، إذ تجنب الغدر قد يكون عن عفة ، فقال " لا يفون" ؛ ليفيد أنه للعجز ، كما أن ترك الوفاء للؤم ، وحصل مع ذلك إيغال حسن ؛ لأنه لو اقتصر على قوله : " لا يغدرون ولا يفون " لتم المعنى الذى قصده ، ولكنه لما احتاج إلى القافية أفاد بها معنى زائداً حيث قال "لجار" ، لأن ترك الوفاء للجار ، أشد قبحاً من ترك الوفاء لغيره"(3).
ومن ذلك قول طفيل الغنوى :
... بِسَاهِمِ الْوَجْهِ لَمْ تُقْطَعْ أَبَاجِلُه ... ... يُصانُ وَهْوَ لِيَوْم الرَّوْعِ مَبْذُولُ(4)
ويبدو أن ابن سنان الخفاجى " يرفض التفرقة بين الطباق والمقابلة ، ولعله كان على صواب حين رفض تلك التفرقة فى قوله : " فأما تناسب الألفاظ من طريق المعانى... الخ "(5)
ومما يدل على ذلك أنه استشهد للطباق الحسن بقول المتنبى :
__________
(1) سر الفصاحة ص 201.
(2) البيت فى البديع لابن المعتر وفى المثل السائر وفى الطراز مروىٌّ برواية "قبح الإله بنى كليب" (راجع البديع ت د/ خفاجى ص 129 ، المثل السائر 146/3 ، الطراز للعلوى ص 385 ) .
(3) بغية الإيضاح 6/4 .
(4) ساهم الوجه : متغيره ، والأبجل : عرق غليظ فى الرجل أو فى اليد ، (راجع العمدة لابن رشيق 6/2، وبديع ابن منقذ ص 36 ، وبديع ابن المعتز 129)
(5) فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور د/ رجاء عيد ص 220 ، وسر الفصاحة ص 191 .(1/9)
... أَزُورُهُمْ وَسَوَادُ اللَّيْلِ يَشْفَعُ لِى ... وَأَنْثَنِى وَبَيَاضُ الصُّبْحِ يُغْرِى بى(1).
... فهذا البيت ، مع بعده من التكلف ، كل لفظة من ألفاظه ، مقابلة بلفظة هى لها من طريق المعنى بمنزلة الضد(2).
... وفى أثناء حديث ابن سنان عن الطباق تراه يعرض لما سماه قدامة "بالتبديل" ، ويجعله جارياً مجرى الطباق ، يقول :
... " ومما يجرى مجرى الطباق ، أن يقدم فى الكلام جزء ، ألفاظه منظومة نظاماً ، ويتلى بآخر ، يجعل فيه ما كان مقدماً فى الأول مؤخراً فى الثانى ، وما كان مؤخراً مقدماً(3)"
وقد استشهد الخفاجى لنوع من الطباق سماه "المخالف"(4)بقول أبى تمام :
... تَرَدَّى ثِيَابَ الْمَوْتِ حُمْراً فَمَا أَتَى ... لَهاَ اللَّيْلُ إِلاَّ وَهْىَ مِنْ سُنْدُسٍ خُضْرُ(5)
... فإن الحمر والخضر من المخالف ، وبعض الناس يجعل هذا من المطابق. وهذا مما استشهد به المتأخرون لطباق التدبيج(6).
ومن طباق السلب والإيجاب عند ابن سنان قول البحترى :
__________
(1) ديوانه ص 448 ، ويغرى بى : يحضهم على .
(2) سر الفصاحة ص 203 .
(3) السابق نفس الصفحة ، وراجع : الصورة البديعية بين النظرية والتطبيق ـ القسم الثانى ـ د/ حفنى محمد شرف ص 226 .
(4) تأثر القرطاجنى فى الطباق بالخفاجى واستشهد بأمثلته (منهاج البلغاء ص 51) .
(5) البيت من قصيدة فى رثاء محمد بن حميد ، وقوله : " تردى ثياب الموت " : اتخذها رداءً ، والمراد بثياب الموت : ما كان يلبسها وقت الحرب ، والسندس : رقيق الحرير ، وحمراً : كناية عن القتل ، وسندس : كنايه عن دخول الجنة ، والطباق فى قوله "حمراً ..وخضراً . (راجع ديوانه 81/4 ، وبغية الإيضاح 8/4) .
(6) هو أن يذكر فى معنى من المدح أو غيره ألوان بقصد الكناية أو التورية ـ والبيت من تدبيج الكناية (بغية الإيضاح 9/4 ) .(1/10)
... يُقَيَّضُ لى مِنْ حَيْثُ لاً أَعْلَمُ النَّوَى ... وَيَسْرِى إِلَىَّ الشَّوْقُ مِنْ حَيْثُ أَعْلَمُ(1)
وقول السموأل(2):
... وَنُنْكِرُ إِنْ شِئْنَا عَلَى النَّاسِ قَوْلَهُمْ ... ... وَلاَ يُنْكِرُونَ الْقَوْلَ حِينَ نَقُولُ(3)
... يقول ابن سنان : "فقوله : لا أعلم وأعلم ، وننكر ،ـ ولا ينكرون ، من السلب والإيجاب(4)"
... والملاحظ أن ابن سنان يطلق على هذا النوع من الطباق "السلب والإيجاب" ، والمتأخرون يطلقون عليه : "طباق السلب" فقط(5)، والمقصود واحد لكن الاختلاف فى التسمية ، فالخفاجى يراعى طرفى الطباق ، فالأول : "لا أعلم" سلب ، والثانى : "أعلم" إيجاب ، فهو من وجهة نظره "سلب وإيجاب" ، أما البلاغيون المتأخرون ، فينظرون إلى الطباق باعتبار طرفه الأول .
... وقد وسم الخفاجى الطباق المستحسن بأنه : " ما قلّ ووقع غير مقصود ولا متكلف ، فأما إن كان معنيا الكلمتين غير متناسبين لا على التقارب ولا على التضاد ، فإن ذلك يقبح " . ومنه ما أنكره نصيب على الكميت(6)فى قوله :
... أَمْ هَلْ ظَعَائِن بِالْعَلياءِ رَافِعَة ... ... ... وَإِنْ تَكَامَلَ فِيهَا الدِّلُ والشَّنَبُ(7)
... يقول الخفاجى مبيناً سبب قبح البيت السابق :
" فإن نصيب قال للكميت : أين الدل من الشنب ؟ إنما يكون الدلّ مع الغنج ونحوه، والشنب مع اللعس ، أو ما جرى مجراه من أوصاف الثغر والفم ، فكان الدلّ والشنب فى قول الكميت عيباً ، لأنهما لفظتان لا يتناسبان بتقارب معنييهما ولا بتضادهما"(8).
__________
(1) يقيض : يهيأ : الطراز ص 385 .
(2) من أشهر شعراء اليهود ، ويرى بعض الرواه أنه كان عربياً محضاً (كارل بروكلمان 121/1 ).
(3) بغية الإيضاح 7/4 ، 156/2 .
(4) سر الفصاحة ص 205 .
(5) بغية الإيضاح 7/4 ، ومنهاج البلغاء ص 50.
(6) نصيب بن رباح ، والكميت بن زيد الأسدى (كارل بروكلمان 242/1)
(7) الشنب : ماء ورقة وعذوبة وبرد فى الأسنان (المثل السائر154/3)
(8) سر الفصاحة ص 201 .(1/11)
... ومن الشواهد التى ذكرها ابن سنان وجعلها من الطباق المحض(1)ـ على حد قوله ـ قول دعبل الخزاعى :
... لاَ تَعْجَبِىَ يَا سَلْمُ مِنْ رَجُلٍ ... ... ضَحِكَ الْمَشِيبُ بِرَأْسِهِ فَبَكَى(2)
... والبيت ذكره البلاغيون المتأخرون فى "ما يلحق بالطباق" ، وأطلقوا عليه "إيهام التضاد"(3).
... أما المقابلة التى تحدث عنها ابن سنان ، فذلك عند بيان الأوصاف التى تطلب من المعانى ومنها "صحة المقابلة فى المعانى" وهى عنده : " أن يضع مؤلف الكلام معانٍ يريد التوفيق بين بعضها والمخالفة ، فيأتى فى الموافق بما يوافق وفى المخالف بما يخالف على الصحة ، والأصل فى هذه ، المناسبة ، فإن لها تأثيراً قوياًّ فى الحسن"(4).
ومن أمثلة ذك قول الشاعر :
... جَزَى اللَّهُ خَيْراً ذَاتَ بَعْلٍ تَصَدَّقَتْ ... ... عَلَى عَزَبٍ حَتّى يَكُونَ لَهُ أَهْلُ
... فَإِنَّا سَنَجْزِيهَا بِمِثْلِ فِعَالِهَا ... ... إِذَا مَا تَزَوَّجْنَا وَلَيْسَ لَهَا بَعْلُ(5)
... وهى مقابلة صحيحة ؛ لأنه جعل فى مقابلة أن تكون المرأة ذات بعل وهو لا زوج له ، أن يكون ذا زوج وهى لا بعل لها ، وقابل حاجته وهو عزب بحاجتها وهى عزبة(6).
__________
(1) تأثر القرطاجنى بالخفاجى وقسم الطباق إلى محض وغير محض ، واستشهد بنفس شواهد ابن سنان (منهاج البلغاء وسراج الأدباء ص 48)
(2) البيت فى بديع ابن منقذ برواية : "لا تضحكى يا سلم" ومنسوب لمسلم بن الوليد ، والصحيح ما ذكره ابن سنان (البديع لابن منقذ ص 37).
(3) بغية الإيضاح 10/4 ، وإيهام التضاد هو : أن يجمع بين معنيين غير متقابلين عبر عنهما بلفظين يتقابل معناهما الحقيقيان .
(4) سر الفصاحة ص 267 .
(5) البعل : الزوج ، والعزب : من لا أهل له ، والبيت مروىُّ برواية مختلفة (انظر نقد الشعر ص 135، وانظر: منهاج البلغاء ص 53).
(6) سر الفصاحة ص 267 .(1/12)
... ومما لا شك فى صحته أن ابن سنان فى "صحة المقابلة فى المعانى" تتبع أثر قدامة ، ومن يستطلع "نقد الشعر" يدرك ذلك دون شك ، فلقد تأثر به ابن سنان واستشهد بشواهده(1).
... بعد هذا العرض ظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن ابن سنان يعرف المطابقة بمفهومها وبأنواعها التى استعملت عند المتأخرين ، ولكنه مع هذا ، لم ينص على ذلك ، وإنما استشهد بشواهد تؤكد معرفته لها ، كما أنه لم يفرق بين المطابقة والمقابلة ، والسبب فى ذلك كله أن ابن سنان بحث الطباق والمقابلة بغرض تحقيق التناسب بين الألفاظ من جهة المعنى ، كما أشار هو فى أكثر من موضع على ذلك .
... أما الإمام البحرانى : فقد تحدث هو الآخر عن "الطباق والمقابلة" ، وذلك فى الجملة الثانية من كتابه الخاصة بالنظم وهو بصدد حديثه عن "النظم المتضمن ألواناً من البديع" ، وفى أثناء ذلك أشار إلى تعلق الجمل بعضها ببعض بألوان من البديع ، ومنها "الطباق والمقابلة" .
... وقد بدأ البحرانى حديثه بتعريف الطباق بقوله : " هو الجمع بين المتضادين فى الكلام مع مراعاة التقابل ، حتى لا يضم الاسم إلى الفعل "(2).
... ويبدو أن الشيخ ميثم لا يفرق بين الطباق والمقابلة ، فقد استشهد للطباق بقوله تعالى : { فَلْيَضْحَكُوا قَليِلاً وَلْيَبْكوا كَثِيراً }(3). والآية استشهد بها المتأخرون لمقابلة اثنين باثنين(4).
... والإمام البحرانى فى هذا يتفق مع ابن سنان فى عدم التفرقة بين الطباق والمقابلة ، فقد خلط الإثنان بين شواهدهما فى التطبيق .
__________
(1) نقد الشعر ص 133 ت/ كمال مصطفى .
(2) أصول البلاغة ص 82 ، ونهاية الإيجار فى دراية الإعجاز ص 201 وراجع الفوائد المشوق ص145 .
(3) سورة التوبة ، آية : 82 ، وراجع معترك الأقران 31/1 ، والطراز للعلوى ص 383 ، والفوائد المشوق لابن القيم ص 145 ، والبرهان للزركشى 455/3 .
(4) بغية الإيضاح 11/4 ، والمثل السائر 144/3 ، وخزانة ابن حجه الحموى 130/1 .(1/13)
... ومما استشهد به البحرانى للطباق قول الله تعالى : { تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ }(1).
... والآية استشهد بها المتأخرون للطباق بين فعلين(2).
... أما المقابلة : فقد عرفها البحرانى بقوله : " هى أن تجمع بين شيئين متوافقين وبين ضديهما ، ثم إذا شرطتهما بشرط وجب أن تشترط ضديهما بضد ذلك الشرط"(3).
... وقد عرف السكاكى ، والطيبى ، والإيجى ، والسيوطى ، المقابلة بنفس التعريف(4).
... وقد استشهد البحرانى للمقابلة بقوله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَأتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُه لِلْيُسْرَى ، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنَى ، وَكذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(5)} .
... يقول معلقاً على الآية : " فلما جعل التيسير مشتركاً بين الإعطاء والإتقاء والتصديق ، جعل ضده وهو التعسير ، مشتركا بين أضداد تلك الأمور وهى المنع والاستغناء والتكذيب"(6).
... هذا وقد وقف ـ العلامة ـ الطوفى البغدادى موقفاً وسطاً بين ابن سنان والبحرانى.
... فقد جعل المطابقة من "التناسب فى المعانى" جرياً على مذهب ابن سنان ومن تأثر به كابن الأثير ، ثم ذكر تعريف البحرانى وأمثلته .
... وإذا كان ابن سنان قد جعل المطابقة من التناسب فى المعانى ، فإن البحرانى قد جعلها من "النظم المتضمن ألواناً من البديع" .
__________
(1) سورة آل عمران ، آية : 26 .
(2) بغية الإيضاح 5/4 .
(3) أصول البلاغة ص 82 .
(4) مفتاح العلوم ص 424، والتبيان فى البيان ص 466، والفوائد الغياثية 163، ومعترك الأقران ص316
(5) سورة الليل ، آية : 5 - 10
(6) أصول البلاغة ص 82 ، وانظر خزانة ابن حجة الحموى 131/1 ، والفوائد المشوق ص 146 ، الطراز للعلوى ص 385 ، والبرهان للزركشى 455/3.(1/14)
... يقول العلامة الطوفى : "قال البحرانى: المطابقة هى : الجمع بين المتضادين فى الكلام مع مراعاة التقابل حتى لا يقابل الاسم بالفعل"(1)، واستشهد الطوفى بنفس أمثلة البحرانى .
...
... وكما تأثر ـ العلامة ـ الطوفى بالبحرانى فى المطابقة تأثر به ـ أيضاً ـ فى المقابلة(2)ونقل عنه التعريف والأمثلة ، كما جعلها كالمطابقة من "التناسب فى المعانى".
... والمهم أن دراسة ابن سنان للمطابقة والمقابلة كانت أعمق وأشمل وأجدى للبلاغة من البحرانى .
... فبينما اكتفى البحرانى بالتعريف والتمثيل على طريقة الفلاسفة والمناطقة ، نرى العلامة ابن سنان يعرف وينقد ويشرح ويحلل ويمثل ويعلل ، كل ذلك مع بيان القيمة الفنية والمزية البلاغية ، بعبارات رائعة ، وشواهد متنوعة ، اختارها لتكشف عن جهتى الحسن والقبح .
* الْمُبَالَغَةُ(3):
... تحدث ابن سنان عن المبالغة ضمن حديثه عن "الكلام فى المعانى المفردة"، وسأدعه يفصح عن منهجه فيها : يقول : " ... فإذا كان قد مضى الكلام فى الألفاظ على الانفراد والاشتراك فلنذكر الآن الكلام على المعانى مفردة من الألفاظ ؛ ليكون هذا الكتاب كافياً فى العلم بحقيقة البلاغة والفصاحة ..."(4)
__________
(1) الإكسير ص 259 .
(2) المصدر السابق نفس الصفحة .
(3) هى : أن يدعى لوصف بلوغه فى الشدة أو الضعف حدًّا مستحيلاً أو مستبعداً لئلا يُظن أنه غير متناهٍ فى الشدة أو الضعف . (بغية الإيضاح 40/4) .
(4) سر الفصاحة ص 234 .(1/15)
... ثم يقول " أما حصر المعانى بقوانين تستوعب أقسامها وفنونها على حسب ما ذكرناه فى الألفاظ فعسير متعب لا يليق بهذا الكتاب تكلفه ؛ لأنه ثمرة علم المنطق... ولسنا بذاهبين فى هذا الكتاب إلى تلك الأغراض والمطالب ، لكن نحتاج إلى أن نومئ إلى المعانى التى تستعمل فى صناعة تأليف الكلام المنظوم والمنثور ، ونبين كيف يقع الصحيح فيها والفاسد والتام والناقص ... وإنا فى هذا الموضوع إنما نتكلم على المعانى من حيث كانت موجودة فى الألفاظ التى تدل عليها ... ثم ليس نتكلم عليها من حيث وجدت فى جميع الألفاظ ، بل من حيث توجد فى الألفاظ المؤلفة المنظومة على طريقة الشعر والرسائل وما يجرى مجراهما فقط ، إذ كان ذلك هو مقصودنا فى هذا الكتاب ، وإذا بان هذا ، فإن الأوصاف التى تطلب من هذه المعانى هى الصحة والكمال والمبالغة ، ... الخ"(1)
... وكلام ابن سنان السابق والذى أفصح فيه عن غرضه ومنهجه ، واضح بما لا يجعلنى أعلق عليه أو أبين مراده ، وكل ما يمكن توضيحه هو أن المبالغة تعد من المسائل البلاغية التى تحقق لابن سنان هدفه وبغيته ، وتفسير ذلك : أن ابن سنان يبحث عن الفصاحة التى هى الإبانة والوضوح ، "والمبالغة تعد وسيلة من وسائل شرح المعنى وتوضيحه والإبانة عنه ، وعلى هذا فالصلة بين "المبالغة" والشرح والتوضيح أو الإبانة صلة وثيقة ؛ لأن الإبانى تعنى التعبير عن العنى بطريقة تقرب بعيدة ، وتصوره فى نفس المتلقى أبين تصوير ، والمبالغة تصبح وسيلة من وسائل تبيين المعنى وتوضيحه عندما يراد بها تمثيل المعنى ، أو التأكيد على بعض عناصره المهمة ، أو تضخيم وقعه فى النفوس"(2).
__________
(1) السابق ص 235 ، وقد سلك ابن سنان مسلك قدامة من جعل المبالغة والغلو لفظين مترادفين على معنى واحد ، ولم يفرق بينهما كما صنع أبو هلال وابن رشيق (الصبغ البديعى 216).
(2) مفهوم المبالغة فى الفكر النقدى والبلاغى د/ أحمد عبد السيد الصاوى ص 131 .(1/16)
... وقد بدأ ابن سنان حديثه بعرض آراء العلماء فى المبالغة والغلو ، فمنهم من يحمدها ، ومنهم من يذمها ، بما لا يخرج عمن سبقه ومن عاصره(1).
... والخلاف الذى دار بين العلماء حول حمد المبالغة أو ذمها "قائم حول القول بالحقيقة والقول بالمبالغة ، كما أن المسألة لا تتجاوز التفضيل ، " والعقل بعد على تفضيل القبيل الأول " ، وليست مسألة قبول أو منع وأخذ أو رد"(2)
... هذا وقد اختار ابن سنان المذهب الأول ، بشرط أن يستعمل فى ذلك كاد وما جرى فى معناها ليكون الكلام أقرب إلى حيز الصحة ، وهذا ما عبر عنه أحد المحدثين بمذهب الاعتدال والوسطية : يقول د/ حفنى شرف :
" ومذهب الاعتدال فى المبالغة وما تفرع عنها من نظرية الصدق والكذب ، هو مذهب الاعتدال الذى ارتضاه ابن سنان الخفاجى ، وابن الأثير ، والخطيب ، وصاحب المطول"(3).
وقد استشهد ابن سنان للمبالغة بشواهد عديدة منها قول البحترى :
... أَتَاكَ الرَّبِيعُ الطَّلْقُ يَخْتَالُ ضَاحِكاً ... ... مِنَ الْحُسْنِ حَتّى كَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَا(4)
يقول : فهذا البيت قد تضمن غلوًّا ، لكن لما جاءت فيه ـ كاد ـ قربته إلى الصحة.
... ولعل مما يجب أن ننتبه إليه وندركه " أن المعول عليه فى قبول المبالغة أمران : الأول : مدى تلبية المبالغة لحاجة المقام وغرض الكلام . والثانى : مدى صدق الشاعر مع نفسه"(5)
__________
(1) العمدة 53/2 ، والمثل السائر 191/3 .
(2) من وجوه تحسين الأساليب ص 89 ، وانظر أسرار البلاغة ص 313 ط الاستقامة ت أ/ أحمد المراغى .
(3) التصوير البيانى ص 362 ، ومن وجوه تحسين الأساليب أ.د/ شادى ص 89 ، 90 وتحرير التحيير ص 147 .
(4) سر الفصاحة ص 273 .
(5) من وجوه تحسين الأساليب أ.د/ مُحمد شادى ص 93 .(1/17)
ولقد توسع ابن سنان فى مفهوم المبالغة حتى أدخل فيها قول الشاعر(1):
... وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنّ سُيُوفَهُمْ ... ... بِهِنّ فُلُولٌ مِن قِراعِ الْكَتَائِبِ
... وإنما كان هذا الاستثناء من المبالغة فى المدح ؛ لأنه قد دل به على أنه لو كان فيهم عيب غيره لذكره ، وأنه لم يقصد إلى وصفهم بما فيهم على الحقيقة(2).
وقول النابغة الجعدى(3):
... فَتىً كَملَتْ أَخْلاَقُه غَيْرَ أَنَّهُ ... ... جَواَدٌ فَماَ يبْقى مِنَ الْمَالِ بَاقِيَا(4)
والبيتان استشهد بهما المتأخرون تحت ما يسمى بـ " تأكيد المدح بما يشبه الذم"(5)
... ومما لا شك فيه أن " تأكيد المدح بما يشبه الذم " ، يُعد من الكلام الذى يؤكد المعنى ويقويه ، عن طريق المبالغة فيه ، فابن سنان كان مصيباً عندما عده من المبالغة .
... ولعل السبب فى توسع ابن سنان وغيره فى مفهوم المبالغة يرجع إلى كونهم "يقصدون بها كل صورة أو أسلوب يؤدى إلى قوة المعنى وزيادته عن المطلوب الذى يؤدى أصل المعنى" .
... " فالرمانى يجعل من المبالغة زيادة المعنى لزيادة المبنى ، وابن رشيق يجعل منها التتميم ، وابن أبى الإصبع يجعل منها ما عرف بالمجاز العقلى"(6).
... على أن ابن سنان ظل يعدد الشواهد التى توافق غرضه من بحث المبالغة لتحقيق التأكيد والتوضيح باعتبارها من الأوصاف التى تطلب من المعانى .
أما الإمام البحرانى :
__________
(1) النابغة الذبيانى : هو زياد بن معاوية بين خباب الذبيانى الغطفانى المضرى شاعر جاهلى من الطبقة الأولى من أهل الحجاز ، توفى سنة 18 ق. هـ.
(2) سر الفصاحة ص 273 .
(3) أبو ليلى عبد الله بن قيس ، ولد فى الفلج جنوبى نجد وتوفى بأصبهان سنة 65 هـ .
(4) سر الفصاحة ص 173 .
(5) بغية الإيضاح 49/4 .
(6) راجع : من وجوه تحسين الأساليب أ.د/ محمد شادى ص 77 ، والنكت فى إعجاز القرآن ـ ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ـ ص 104 ، والعمدة 2/58 ، وبديع القرآن ص 54 .(1/18)
... فقد أطلق على المبالغة اسم "الإغراق فى الصفة "(1)، واستشهد لها بشاهدين دون أن يعرف بها ، أو يعلق على الشاهدين بأى شيئ ، ولم يشر إلى الأنواع الأخرى للمبالغة .
والشاهد الأول : قول المتنبى :
... كَفَى بِجِسْمِى نُحولاً أَنَّنِى رَجُلٌ ... ... لَوْلاَ مُخَاطَبَتِى إِيَّاكَ لَمْ تَرَنى(2)
... "وقد قالوا هنا لا يمتنع عقلا أن ينحل الشخص ، حتى يصير مثل الخلال ، ولا يستدل عليه إلا بالكلام ، إذ الشيئ الدقيق إذا كان بعيداً لا يرى بخلاف الصوت ، ولكن صيرورة الشخص فى النحول إلى مثل هذه الحال ممتنع عادة"(3).
أما الشاهد الثانى : الذى ذكره البحرانى للمبالغة فهو قول امرئ القيس :
... مِنَ الْقَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لَوْدَبَّ مُحْوِلٌ ... ... مِنَ الذَرِّ فَوْقَ الإِتْبِ مِنْهاَ لأَثَّرَ(4)
... أراد وصفها فى رقتها ونعومة جسمها بما ذكره .
على أنه يجب التنبيه على أن "كلا من الغلو والاغراق لا يعد من المحاسن إلا إذا اقترن بما يقربه إلى القبول، كقد للاحتمال ، ولولا للامتناع وكاد للمقاربه ، وما أشبه ذلك من أنواع التقريب"(5)
... وقد أدرك ذلك ابن سنان الخفاجى من قبل ونبه عليه فى أكثر من موضع ، واستشهد لذلك بشواهد عديدة .
... أما البحرانى فقد اكتفى بالاستشهاد دون التعليق على الشواهد ، وإن كان فى استشهاده يلتقى مع ابن سنان فى رأيه . والشيخ البحرانى متأثر فى ذلك بالإمام الرازى الذى اطلع على كتاب رشيد الدين الوطواط ونقل عنه أكثر الأمثلة ، كما نبه على ذلك الدكتور شوقى ضيف .
* الَّلفُّ والنشر :
__________
(1) سماها قبله ابن المعتز الإفراط فى الصفة ، (البديع لابن المعتز ت د/ خفاجى ص 41 ) .
(2) ديوانه ص 7 .
(3) خزانة الأدب ص 13 جـ 2 ، الطراز ص 460 ، وأصول البلاغة ص 90 .
(4) ديوانه ص 68 ـ ط/ دار المعارف ـ والإتب ثوب رقيق ، والمحول : الذى أتى عليه الحول " أصول البلاغة ص 91 هامش ".
(5) الطراز ص 460 ، والخزانة 12/2(1/19)
... درس ابن سنان "اللف والنشر" عند حديثه عن المناسبة بين الألفاظ من طريق الصيغة ، وسماه "حمل اللفظ على اللفظ فى الترتيب" يقول :
" ومن التناسب : حمل اللفظ على اللفظ فى الترتيب ؛ ليكون ما يرجع إلى المقدم مقدماً ، والى المؤخر مؤخراً"(1).
واستشهد لذلك بقول الشريف الرضى :
... قَلْبِى وطَرْفِى مِنْكَ هَذَا فِى حِمَى ... قَيْظٍ وَهَذَا فِى رِيَاضِ رَبِيعِ
... فإنه لما قدم ـ قلبى ـ وجب أن يقدم وصفه بأنه فى حمى قيظ ، فلو كان قال ـ طرفى وقلبى منك ـ لم يحسن فى الترتيب أن يؤخر قوله ـ فى رياض ربيع ـ والطرف مقدم(2).
... والمتأخرون أطلقوا "اللف والنشر" على معنى هذا الكلام .
أما الإمام البحرانى :
... فقد كانت دراسته لللف والنشر أعمق وأقرب لمفهومه عند المتأخرين من ابن سنان ، وقد أطلق البحرانى نفس المصطلح الذى استقر عند المتأخرين .
... وقد بدأ تعريفه بقوله : "اللف والنشر هو : أن تلف شيئين وتورد تفسيرهما جملة ، ثقة بأن السامع يميز ما لكل منهما(3)"
... وقد حصر البحرانى "اللف والنشر" فى "شيئين" ، يقول القزوينى عن اللف والنشر: "هو ذكر متعدد على جهة التفصيل أو الإجمال ، ثم ما لكل واحد من غير تعيين(4)"
... ومن شواهد البحرانى لللف والنشر قوله تعالى : { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّليْلَ وَ النَّهارَ ، لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ }(5)
... وقد استشهد أبو هلال العسكرى بالآية فى صحة التفسير ، وعلق عليها بقوله: " فجعل السكون لليل ، وابتغاء الفضل للنهار ، فهو فى غاية الحسن ، ونهاية التمام"(6).
__________
(1) سر الفصاحة ص 191.
(2) السابق ص 192 .
(3) أصول البلاغة ص 85 ، والكامل للمبرد 109/1
(4) بغية الإيضاح 29/4 .
(5) سورة القصص ، آية : 73 .
(6) الصناعتين ص 380 ، ومعترك الأقران 311/1 .(1/20)
... وجعل القزوينى الآية نفسها من النوع الأول لللف والنشر ، "وهو ما كان فيه النشر على ترتيب اللف"(1).
... أما الإمام البحرانى ، فاستشهد بالآية ولم يعلق عليها ، ولم يذكر أنواعاً لللف والنشر ، ولكنه اكتفى بقوله : " ويقرب منه : أن تذكر لفظا يتوهم أنه يحتاج إلى البيان ، فتقصده مع تفسيره مثل : قوله تعالى :
{ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِى النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفيرٌ وَشَهِيقٌ ، خالِدينَ فيها مادّامَتِ السَّماواتُ والأْرضُ إِلاَّ ما شَاءَ ربُّكَ إنَّ ربَّكَ فَعَّالٌ لما يُريدُ ، وأَمَّا الذينَ سُعِدُوْا ففى الجنّةِ خالدينَ فيها مادَامتِ السَّماواتُ والأرضُ إلاَّ مَا شَاءَ ربُّكَ عَطاءً غيرَ مَجْذُوذٍ }(2)
... وقد تأثر البحرانى فى هذا بالعلامة الرازى يقول : " ويقرب منه : أن يذكر لفظا يتوهم أنه يحتاج إلى البيان فيعيده مع تفسيره(3)" ، ويذكر الآية دون التعليق عليها.
... والآية الكريمة ذكرها المتأخرون تحت ما يعرف " بالجمع مع التفريق والتقسيم " ، أما الجمع ففى قوله "نفس" متعددة معنى ؛ لأن النكرة فى سياق النفى تعم، وأما التفريق ففى " فمنهم شقى وسعيد " وأما التقسيم ففى قوله "فأما الذين شقوا" إلى آخر الآية الثانية(4).
... وعلى هذا فالبحرانى قد خلط بين "اللف والنشر" ، و"الجمع والتقسيم" متبعاً فى ذلك طريقة الرازى ، ومع ذلك فإن دراسته "لللف والنشر" أقرب إلى موارد المتأخرين من ابن سنان .
* حُسْنُ التعليل :
__________
(1) بغية الإيضاح 29/4 ، الطراز ص 397 .
(2) سورة هود ، الآيات : 105 - 108 .
(3) نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز ـ ص 204.
(4) بغية الإيضاح 35/4 ، ومعترك الأقران 307/3 ، ومفتاح العلوم ص 426 .(1/21)
... ذكره ابن سنان عند حديثه عن المعانى مفردة ، وسماه "الاستدلال بالتعليل" ، ولم يعرفه أو يقسمه ، بل اكتفى بالاستشهاد له ، ومن هذه الشواهد قول الشاعر(1):
لَوْ لِمْ تَكُنْ رِيقَتُه خَمْرًا ... ... لَماَ تَثَنَّى عِطْفه وَهْو صَاحْ
... ومثل لذلك ـ أيضا ـ بقول الله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا }(2)، والآية الكريمة أدرجها المتأخرون ضمن ما يعرف " بالمذهب الكلامى"(3). ولقد أدرك بعض المحدثين أن ابن سنان "أول من عرض الحسن التعليل من المؤلفين فى البديع بعد أبى هلال ، الذى سماه "الاستشهاد والاحتجاج" ، ثم تلاهما عبد القاهر فسماه التخييل ونوعه إلى أنواعه المعروفه التى نقلها عنه صاحب التلخيص(4).
أما البحرانى :
... فحسن التعليل عنده معناه " أن يذكر وصفان : أحدهما علة للآخر ، والغرض منهما ذكرهما جميعاً "(5)
... وهو متأثر فى هذا التعريف بالرازى ، وقد استشهد لذلك بقول الإمام على فى ذم الدنيا : " هَانَتْ عَلى رَبِّهَا ، فَخَلَطَ حَلاَلَهَا بِحَرَامِهَا ، وَخَيْرَهَا بشّرها "(6)وكعادة البحرانى لم يعلق على الشاهد ، وإنما اكتفى بالنص عليه .
... ولعل البحرانى كان يعمد إلى ذلك ؛ لأنه أراد أن يعلمنا البلاغة بالتعرف على حدودها فحسب ، حتى نتمكن من الإلمام بها فى أقل وقت وبأقل مجهود .
* الجناس :
... الجناس لون من الألوان البديعية التى لاقت رواجاً لدى البلاغيين .
__________
(1) أبو الحسن التهامى ، سر الفصاحة ص 277 .
(2) سورة الأنبياء ، الآية : 22 وسر الفصاحة ص 277 .
(3) وهو أن يورد المتكلم حجة لما يدعيه على طريقة أهل الكلام. (بغية الإيضاح 43/4 )
(4) الصبغ البديعى ص 217 ، وبغية الإيضاح 52/4 ، وأسرار البلاغة ص 337، والصناعتين ص470.
(5) أصول البلاغة ص 91 .
(6) شرح نهج البلاغة ص 38 .(1/22)
... ولست أرغب فى تفصيل الكلام عليه ، من تعريفه ، والآراء فيه ، وبيان أهميته ، وتقسيماته المتعددة التى زادت على الأربعمائة نوع كما ذكر العلامة السيوطى(1)؛ لأن هناك من الكتب ما ألفت لذلك(2)؛ ولكنى سأتناول موقف ابن سنان والبحرانى فى إيجاز شديد .
... أما ابن سنان فقد أطلق عليه "المجانس" ، وقد جعل من شروط الفصاحة المناسبة بين اللفظ من طريق الصيغة ، ومنها الجناس يقول : "ومن التناسب بين الألفاظ المجانس"(3)، وقد عرفه بقوله : "هو أن يكون بعض الألفاظ مشتقاً من بعض إن كان معناهما واحداً ، أو بمنزلة المشتق إن كان معناهما مختلفاً ، أو تتوافق صيغتا اللفظتين مع اختلاف المعنى"(4)
... فجعله كما ترى شاملاً للمشتق وغيره على خلاف ما ذهب إليه أبو هلال(5).
... وقد ذكر ابن سنان أن الجناس قد استعمله العرب المتقدمون فى أشعارهم ، ثم جاء المحدثون ، فلهج به منهم مسلم بن الوليد الأنصارى ، وأكثر منه .. حتى قيل عنه إنه أول من أفسد الشعر ، وجاء أبو تمام حبيب بن أوس بعده فزاد على مسلم فى استعماله والإكثار منه ، حتى وقع له الجيد والردئ الذى لا غاية وراءه فى القبح(6).
__________
(1) جنى الجناس ـ للسيوطى ـ ت د/ محمد على رزق الخفاجى ص 71 .
(2) منها على سبيل المثال : كتاب أجناس التجنيس للثعالبى وجنان الجناس للصفدى ، وجنى الجناس للسيوطى ، وفن الجناس لعلى الجندى وغيرها .
(3) سر الفصاحة ص 193 ، فن الجناس لعلى الجندى ص 3،4 ، والصورة البديعية بين النظرية والتطبيق د/ حفنى شرف ص 5 .
(4) سر الفصاحة ص 193 .
(5) الصبغ البديعى ص 211 ، والصناعتين ص 353 ، والتصوير البيانى د/ حفنى شرف ص 259 ، وأبو هلال العسكرى ومقاييسه البلاغية والنقدية د/ بدوى طبانه ص 225 ـ ط 3 ـ دار الثقافة .
(6) سر الفصاحة ص 193 .(1/23)
... وابن سنان حين يجعل الجناس من شروط الفصاحة ، ومن التناسب ، لم يكن يعنى بذلك أى جناس ، وإنما خص نوعاً واحداً منه يقول : " وهذا إنما يحسن فى بعض المواضع إذا كان قليلاً غير متكلف ، ولا مقصود فى نفسه" .
... والجدير بالذكر هنا أن العلامة الأمدى ، تأثر عند حديثه عن الجناس بابن المعتز وقدامة بن جعفر ، وقد تأثر ابن سنان بالآمدى أكثر من تأثره بقدامة ، ويتضح ذلك عند قراءة الجناس عند ابن سنان ، فإن نص كلامه أقرب إلى الآمدى من قدامة وابن المعتز ، كما أن الشواهد التى استعان بها ابن سنان أكثرها من الموازنة(1).
ومن هذه الشواهد قول امرئ القيس :
... لَقَدْ طَمَحَ الطَّمَّاحُ مِنْ بُعْدِ أَرْضِهِ ... ... لِيُلْبِسَنِى مِنْ دَائِه مَا تَلَبَّسَا(2)
... والبيت استشهد به المتأخرون للجناس "التام المستوفى" ومن ذلك قول جرير بن عطية(3):
... وَمَازَالَ مَعْقُولاً عِقَالٌ عَنِ النَّدَى ... وَمَازَالَ مَحْبُوساً عَنِ الْخَيرِ حَابسُ(4)
... يقول العلامة ابن الأثير معلقاً على البيت :
" وربما ظُن أن هذا البيت وما يجرى مجراه تجنيس ، حيث قيل فيه معقول وعقال ومحبوس وحابس ، وليس الأمر كذلك ... ؛ لأن عقال ومعقول وحابس ومحبوس اللفظ فيهما واحد والمعنى أيضاً واحد ، فهذا مشتق من هذا أى قد شق منه(5)".
__________
(1) سر الفصاحة ص 193 ، والبديع ت د/ خفاجى ص 107 ، ونقد الشعر ص 163 والموازنة 282/1.
(2) الطماح : رجل من بنى أسد ، طمح : نظر إليه من بعد . ديوانه 142 ، وسر الفصاحة ص 194 ، والموازنة 16/1 ، والبديع 111.
(3) جرير بن عطية بن الخطفى من بنى كليب ولد بالعراق وتوفى سنة 110 هـ .
(4) عقال بن محمد ، جد الفرذوق ، وحابس بن عقال أبو الأقرع بن حابس (الموازنة 16/1، والصناعتين ص 360 ، وديوانه 326 ، والطراز ص 374 .
(5) المثل السائر 197/3.(1/24)
... وهو بهذا يخالف رأى ابن سنان الذى جعل البيت من الجناس ضمن أبيات أخرى . ولا غرو فمفهوم الجناس عند ابن سنان يشمل المشتق وغير المشتق .
... وذكر ابن سنان " أن بعض البغداديين يسمى تساوى اللفظتين فى الصفة مع اختلاف المعنى "المماثل"(1)، وذلك كقول زياد الأعجم(2):
... وُنِّبئْتُهُمْ يَسْتَنْصِرُونَ بِكَاهِلٍ ... ... وَلِلُّؤْمِ فِيهم كَاهِلٌ وَسَنَامُ(3)
وقول الأفوه الأودى(4):
... وَأَقْطَعُ الْهَوْجَلَ مُسْتَأْنِساً ... ... بِهَوْجَلٍ عَيْرَانَةٍ عَنْتَرِ يسْ(5)
... لأن لفظ الهوجل واحدة والمراد بالأولى الأرض البعيدة ، وبالثانية : الناقة العظيمة(6).
... ويستشهد ابن سنان للجناس بشواهد عديدة تتضمن أكثر أنواعه ، ولكنه لم ينص على ذلك ولم يصرح به ، بل اكتفى بذكر الشواهد والتعليق عليها تارة ، وعدم التعليق اعتماداً على ذهن المتلقى تارة أخرى ، وقد وزع هذه الشواهد ـ كعادته ـ بين الحسن والقبح ، فذكر عدة شواهد للجناس الحسن ، وأخرى للجناس المتكلف المعيب.
... فمن الجناس الحسن المختار ، قوله تعالى : { يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ(7)} .
__________
(1) الموازنة 292/1 .
(2) زياد بن سليمان الأعجم مولى بنى عبد القيس ، كانت فى لسانه عجمه توفى سنة 85 هـ (نقد الشعر94) .
(3) كاهل الأول اسم وقيل سند ومعتمد ، والثانى : أعلى الظهر مما يلى العنق ، والسنام : حدبة فى ظهر البعير ، ويقال: فلان سنام قومه : أى كبيرهم . (البيت فى نقد الشعر ص 162 ، والبديع ص 110 ، وإعجاز القرآن ص 123 ) .
(4) شاعر جاهلى قديم اسمهُ صلاءة بن عمرو بن مالك ، كان سيد قومه وقائدهم فى حروبهم ، وهو أحد حكماء الشعر فى عصره (راجع نقد الشعر ص 44).
(5) ديوانه ص 16 ، معترك الأقران ص 303 ، نقد الشعر ص 163 ، والعمدة 290/1.
(6) سر الفصاحاة ص 195 .
(7) سورة النور ، آية : 37 ، والآية جعلها الزركشى من الاقتضاب 452/3.(1/25)
... وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " عُصِيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ ، وَغَفَّارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهاَ، وَأَسْلُمٌ سَالمَهَاَ اللَّهُ "(1).
وقول أبى تمام :
... يَمُدُّونَ مِنْ أَيْدٍ عَوَاصٍ عَوَاصِمٍ ... ... تَطُولُ بِأَسْيَافٍ قَوَاضٍ قَوَاضِبِ(2)
... وهذا البيت ذكره المتأخرون ضمن أبيات أخرى تحت نوع من الجناس يسمى "الجناس الناقص"(3).
ومن ذلك قول أبى العلاء بن سليمان :
... وَ الْحُسْنَ يَظْهَرُ فِى شَيْئَيِن رَوْنقُهُ ... بَيْتٌ مِنَ الشِّعْرِ أَوْ بَيْتٌ مِنَ الشَّعْرِ(4)
والبيت أدرجه المتأخرون فى الجناس "المحرَّف"(5).
ومثل قول الشاعر :
... هَلْ لِماَ فَاتَ مِنْ تَلاَقٍ تَلاَفِ ... ... أوْ لِشَاكٍ مِنَ الصَّبَابَةِ شَافِ(6)
... وقد سمى قدامة بن جعفر هذا الفن من المجانس فى ـ تلاق وتلاف ـ المضارعة ، إذ كانت إحدى اللفظتين تماثل الأخرى بأكثر الحروف ولا تشابهها فى الجميع(7).
... ويقول ابن سنان : " ومن الجناس فن ورد فى شعر أبى العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان وسماه لنا ـ مجانس التركيب ـ ؛ لأنه يركب من الكلمتين ما يتجانس به الصيغتان كقوله :
... مَطَايَا مَطَايَا وَ جَدَكُنّ مَنَازِلُ ... ... مَنَى زلّ عَنْها لَيْس بمقلع(8)
... وما أحفظ لأحد من الشعراء شيئاً من قبيله ، وهو عندى غير حسن ولا مختار ، ولا داخل فى وصف من أوصاف الفصاحة والبلاغة"(9).
__________
(1) فتح البارى بشرح صحيح البخارى ـ كتاب المناقب ـ جـ 6 ص 626 ، وراجع البديع ص 108 ، والصناعتين 355 .
(2) البيت فى الطراز ص 375 ، الإشارات والتنبيهات 265 ، ومعترك الأقران ص 303 ، والصناعتين ص 366 وديوان جـ 1 ص 206 .
(3) بغية الإيضاح 69/4 .
(4) سر الفصاحة ص 198 ، وسقط الزند ص 57 .
(5) بغية الإيضاح 69/4 .
(6) الطراز ص 377 ، والصناعتين ص 377 .
(7) سر الفصاحة ص 198 .
(8) سر الفصاحة ص 198 ، وبغية الإيضاح 68/4 .
(9) سر الفصاحة ص 198.(1/26)
... والبيت استشهد به المتأخرون "لجناس التركيب المفروق"(1)، نظيره قول أبى الفتح البستى(2):
... ... كُلّكُمْ قَدْ أَخَذَ الْجَآمَ ... ... وَلاَ جَامَ لَناَ
... ... مَا الذى ضَرَّ مُديرَ الجَامِ ... ... لَوْ جَامَلَنَا(3)
ومن مجانس التصحيف عند ابن سنان قول أبى عبادة :
... وَلَمْ يَكُنْ الْمُغْترُّ بِاللّهِ إِذْ شَرَىِ ... ... ليعْجزَ والمعْتَزّ باللّهِ طالِبُه(4)
... ويرى أن هذا أقل طبقات المجانس ؛ لأنه مبنى على تجانس أشكال الحروف فى الخط ، وحسن الكلام وقبحه لا يستفاد من أشكال حروفه فى الكتابة ، إذ لا علقة بين صيغة اللفظ فى الحروف وشكله فى الخط(5).
أما الجناس القبيح : فكقول أبى تمام :
... قَرَّتْ بِقُرَان عَيْنُ الدِّينِ وَانْشَتَرتْ ... بِاْلأَشْتَرَيْنِ عُيُونُ الشِّرْكِ فَاصْطُلِمَا(6)
وخلاصة الجناس عند ابن سنان :
__________
(1) هو المركب من كلمتين أو أكثر واختلفا فى الخط (بغية الإيضاح 68/4 ، والفن ومذاهبه ص 402 .
(2) هو أبو الفتح على بن محمد البستى الكاتب الشاعر ، ولد سنة 360 هـ ، وتوفى ببخارى سنة 400 هـ ( جنى الجناس ص 80 ، نقلاً عن وفيات الأعيان 58/3 ).
(3) الجام : الكأس . مدير الجام : الساقى . جاملنا : عاملنا بالجميل فأداره علينا أيضاً ( راجع بغية الإيضاح 68/4 ، ومعاهد التنصيص 221/3 ، والإكسير 324 ، والإشارات والتنبيهات 264 ).
(4) المغتر (بالغين) : المستعين ، والمعتز بالله : الخليفة ، وشرى : غضب (ديوانه 18/1،الوساطة 42).
(5) سر الفصاحة ص 199 .
(6) يقول الأمدى "فإن انشتار عيون الشرك فى غاية الغثاثة والقباحة" (الموازنة 285/1 ، ديوانه 169/3، الصناعتين 367) .(1/27)
... أنه قد عرفه ، وجعله شاملاً للمشتق وغيره ، واستشهد له بشواهد عديدة ، وزعها بين الحسن والقبح ـ من وجهة نظره ـ وذكر أكثر أنواعه دون أن يصرح بها، ولكنه استشهد بشواهد تفيد ذلك ، وهو فى أكثر هذه الشواهد متأثر بالعلامة الآمدى فى موازنته ، فى فصل أطلق عليه "ما جاء فى شعر أبى تمام من قبيح الجناس" ، والآمدى نفسه متأثر فى بعض الشواهد بقدامة ، وفى بعضها الآخر بابن المعتز .
أما الإمام البحرانى :
... فقد تحدث عن الجناس عند ذكره شروط فصاحة الكلام ، فشرط فصاحة الكلام عنده ، أن تتوافر فيه المحسنات اللفظية ومنها "الجناس".
... وأول ما ألحظه فى دراسة البحرانى "للجناس" ، أنه سار على نهج الوطواط والرازى والسكاكى(1)فى تقسيماته للجناس ، وأن هذه التقسيمات أقرب إلى المتأخرين من ابن سنان .
... كما أن البحرانى قد تحدث عن الجناس فى فصل ، وأفرد للاشتقاق وما يشبهه فصلاً آخر ، وهو فى هذا يخالف ابن سنان الذى جمع بينهما حين جعل الجناس شاملاً للمشتق وغيره .
... هذا وقد ذكر البحرانى أنواع الجناس المختلفة التى استقرت عند المتأخرين بما لا يخرج عن سابقيه ، واستشهد لذلك بشواهد عديدة .
ومن هذه الشواهد قول أبى تمام السابق :
... يَمُدُّونَ مِنْ أَيْدٍ عَوَاصٍ عَوَاصِمَ ... تَصُولُ بِأَسْيافٍ قَوَاضٍ قَوَاضِبِ(2)
... وقد جعله البحرانى من الجناس "المذيل"(3)، بينما جعله ابن سنان من الجناس "المختار".
__________
(1) مفتاح العلوم ـ للسكاكى ص 429 ، ونهاية الإيجاز للرازى ص 87 وأصول البلاغة للبحرانى ص 45 ، ومقدمة شرح نهج البلاغة للبحرانى ص 76 .
(2) الإشارات والتنبيهات ص 265 ، وأصول البلاغة ص 46 .
(3) الجناس المذيل : هو أن تتساوى الكلمتان فى الحروف وفى الهيئة ، ثم يزيد فى إحداهما حرف ليس فى الأخرى . (أصول البلاغة ص 45) .(1/28)
... وظل البحرانى يذكر الشواهد العديدة التى اختارها لأنواع الجناس المختلفة من جناس تام ، وناقص ، ومضارع ، ومصحف ، وجناس بالإشارة ، ومركب وغيرها من الأنواع الأخرى التى لم يخالف فيها غيره .
... وقد ذكرتُ أكثر هذه الشواهد عند ابن سنان فلا داعى لتكرارها .
* السَّجْعُ :
... من الألوان البديعية التى دارت حولها دراسات كثيرة "السجع"(1)وما ذلك إلا لاختلاف الآراء حول "وجوده" فى القرآن أوْ "لا" .
... وقد اهتم البلاغيون من قديم الزمان بهذا الموضوع ، وألفوا حوله المؤلفات ، وابدوا رأيهم فى هذه المسألة .
... ولست أسعى فى تلك الصفحات القليلة التى خصصت لى بعرض الآراء ومناقشتها ، فهذا ما عنيت به بحوث أخرى ولكنى سأتناول كل ما قاله ابن سنان فى السجع موازِنًا بينه وبين الإمام البحرانى ، لعلى أصل إلى حل لهذه المسألة التى لاقت رواجاً كبيراً عند النقاد والبلاغيين .
أما ابن سنان :
... فقد عرض للسجع فى الأصل الثانى من الأصول والمقومات التى تختص بالتأليف وتنفرد له ، وهو المناسبة بين الألفاظ من طريق الصيغة ، وقد جعل ذلك من شروط الفصاحة .
__________
(1) راجع ذلك فى : النثر الفنى فى القرن الرابع / زكى مبارك 77 - 81/2 ، الباقلانى وكتابه إعجاز القرآن ـ عبد الرؤف مخلوف ص 209 ، 257 ، والإعجاز البلاغى د/ محمد محمد أبو موسى ص 195 - 203 ، مجلة الدارة ـ العدد الثانى ـ السنة 19 ـ أسلوب السجع ـ وموقف الباقلانى من السجع فى القرآن د/ أحمد محمد المعتوق ، فن الأسجاع للأستاذ / على الجندى .(1/29)
... وهو حين يعرض للسجع يحدّه بقوله : " إنه تماثل الحروف فى مقاطع الفصول"(1)، وهو يرى أن السجع والازدواج مترادفان يشهد لذلك قوله : " ومن المناسبة بين الألفاظ فى الصيغ السجع والازدواج " وقوله : " وبعض الناس يذهب إلى كراهة السجع والازدواج " ، ويقول عن السجع المتماثل فى القرآن : "وجميع هذه السور على هذا الازدواج"(2).
... وقد ميز المتأخرون بين السجع والازدواج واستشهدوا لكل .
... وبينما يتحدث ابن سنان عن السجع تطرق لموقف العلماء منه فى الكلام بعامة وحجة كل ، يقول : " وبعض الناس يذهب إلى كراهة السجع والازدواج فى الكلام ، وبعضهم يستحسنه ويقصده كثيراً ، وحجة من يكرهه أنه ربما وقع بتكلف وتعمل واستكراه ، فأذهب طلاوة الكلام وأزال ماءه ، وحجة من يختاره أنه مناسبة بين الألفاظ يحسنها ، ويظهر آثار الصنعة فيها ، ولولا ذلك لم يرد فى كلام الله تعالى ، وكلام النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ والفصيح من كلام العرب"(3)
وكعادة ابن سنان لا يترك المسألة البلاغية تمر هكذا دون أن يبدى رأيه فيها يقول : " والمذهب الصحيح أن السجع محمود إذا وقع سهلا متيسراً بلا كلفة ولا مشقة ، وبحيث يظهر أنه لم يقصد فى نفسه"(4).
... فقد حدد ابن سنان رأيه فى السجع بعامة ، وأدرك أنه مشروط بحسنه وسهولته وعدم تكلفه ، وأن لا يكون مقصوداً فى ذاته بل تطلبه المعنى والسياق والمقام .
... وقد حاول ابن سنان أن يوفق بين الرأيين ، رأْى من يرفض السجع ، ورأْى من يستحسنه فقال :
__________
(1) سر الفصاحة ص 171 .
(2) المصدر السابق ص 173 .
(3) المصدر السابق نفس الصفحة ، وفى هذا الكلام تصريح بموافقة ابن سنان على إطلاق السجع على القرآن .
(4) سر الفصاحة ص 171 ، وراجع مدخل إلى كتابَىْ عبد القاهر د/ محمد أبو موسى ص 125 .(1/30)
" فإنا متى حمدنا هذا الجنس من السجع كنا قد وافقنا دليل من كرهه وعملنا بموجبه؛ لأنه إنما دل على قبح ما يقع من السجع بتعمل وتكلف ، ونحن لم نستحسن ذلك النوع ، ووافقنا ـ أيضاً ـ دليل من اختاره ؛ لأنه إنما دل به على حسن ما ورد منه فى كتاب الله تعالى ، وكلام النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ والفصحاء من العرب ، وكان يحسن الكلام ويبين آثار الصناعة ، ويجرى مجرى القوافى المحمودة ، والذى يكون بهذه الصفات هو الذى حمدناه واخترناه ، وذكرنا أنه يكون سهلاً غير مستكره ولا متكلف"(1).
... معنى ذلك : أن ابن سنان يوافق من استحسن السجع ؛ لأنه أراد السجع السهل غير المقصود فى نفسه ولا متكلف ، ويوافق ـ أيضاً ـ من كره السجع ورفضه ؛ لأنهم يعنون السجع المتكلف الذى يذهب بطلاوة الكلام ، ويقصد لذاته . ويبدو أن هذا التمهيد من ابن سنان كان بغرض التعرض للسجع فى القرآن وموقف العلماء منه .
... وقبل التعرض لموقف ابن سنان من ذلك ، أود أن أُشير إلى عبارة هامة للدكتور محمد أبو موسى فى كتابه الموسوم بـ "الإعجاز البلاغى" ، أرجح أن يكون قد تلقفها من كلام ابن سنان السابق ـ يقول سيادته :
" إن السجع الذى ينكر الباقلانى(2)وقوعه فى القرآن ، هو بحق غير واقع فى القرآن؛ لأن السجع عند الباقلانى " ما كان متكلفاً يتبع المعنى فيه اللفظ" ، وهذا ليس فى القرآن منه شيئ ، وأيضاً ـ " ما كان مستجلباً لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى" ، وهذا ـ أيضاً ـ ليس فى القرآن منه شيئ "(3)
... ويرجح الباحث أن يكون الدكتور أبو موسى قد بنى كلامه على رأى ابن سنان السابق .
__________
(1) سر الفصاحة ص 171 ـ وراجع رأى ابن سنان فى رسالة دكتوراه عنوانها "المشاهد فى القرآن ـ دراسة تحليلية وصفية" د/ أحمد صادق قنيبى ص 277 .
(2) الإعجاز البلاغى د/ أبو موسى ص 195 ، وإعجاز القرآن للباقلانى ص 58 ، مجلة الدارة ع (2) السنة 19 ، ص 147 ، 148 .
(3) الإعجاز البلاغى د/ أبو موسى ص 195 .(1/31)
... كما أن نص سيادته يدل على أن مفهوم الباقلانى للسجع ضيق يعوزه التدقيق والتحقيق ، فهو يرى أن السجع " ما كان متكلفاً يتبع المعنى فيه اللفظ " ، وعلى هذا المفهوم فله الحق فى نفى السجع عن القرآن .
... على أنه يجب التنبيه إلى أمر هام ، ربما أخرجنا من تلك الهوة السحيقة التى أوقعنا فيها العلامة الباقلانى .
... وهو أن الباقلانى حين نفى السجع عن القرآن ، فقد عنى بذلك السجع المعيب المتكلف ـ كما أدرك ذلك ابن سنان ومن بعده د/ محمد أبو موسى ـ وقد تابع الباقلانى فى ذلك بعض البلاغيين(1)لمجرد المتابعة ، وقد كان الباقلانى متكلماً ذائع الصيت لا يُستهان برأيه ، ومما يدل على أن من سار على نهج الباقلانى قد تابعه فحسب ، أنهم لم يأتوا بجديد بل ردّدوا كلامه ، وحاولوا الدفاع عنه .
... كما أن من أثبت السجع فى القرآن(2)، أراد نوعاً واحداً من السجع وهو الذى لا يشوبه غموض أو تعمل ، ولم يقصد فى ذاته ، بل يأتى عفواً يتطلبه المعنى ، وبذلك يمكن التوفيق بين المؤيدين والمعارضين .
... أما موقف ابن سنان من السجع فى القرآن : فقد بدأ حديثه بعرض رأى الرُّمانى فى هذه المسألة يقول : "وقال على بن عيسى الرُّمانى : إن الفواصل بلاغة والسجع عيب ، وعلل ذلك بأن السجع تتبعه المعانى والفواصل تتبع المعانى ، وهذا غير صحيح "(3).
... ثم يقول ابن سنان وهو بصدد الردّ على الرُّمانى :
__________
(1) مثل (التفتازانى ، والسبكى ، (شرح التلخيص 451/4)).
(2) مثل الجاحظ ، وأبو هلال العسكرى ، وابن سنان ، وابن الأثير ، وحازم القرطاجنى ، والعلوى ، والزركشى (راجع البيان والتبيين 287/1 ، والصناعتين ص 286 ، وسر الفصاحة ص 171 ، والمثل السائر 1/210 ، ومنهاج البلغاء ص 388 ، والطراز ص 408 ، والبرهان فى وجوه البيان 53-60/1).
(3) سر الفصاحة ص 172 والنكت ص 97.(1/32)
" والذى يجب أن يحرر فى ذلك أن يقال : إن الأسجاع حروف متماثلة فى مقاطع الفصول على ما ذكرناه ، والفواصل على ضربين : ضرب يكون سجعاً وهو ما تماثلت حروفه فى المقاطع ، وضرب لا يكون سجعاً ، وهو ما تقاربت حروفه فى المقاطع ولم تتماثل"(1).
... وبناء على رأيه وتقسيمه هذا فقول الله تعالى { والطُّور ، وكتَابٍ مَسْطُور . فِى رقٍّ منْشُور . والْبَيْتِ الْمَعْمُور }(2)من السجع ؛ لأنه قد تماثلت حروفه .
ومثله قوله جلّ شأنه :
... { وَ الْعَادِيَاتِ ضَبْحاَ . قَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً . فَالْمُغيِرَاتِ صُبْحاَ }(3).
وقد استشهد المتأخرون بالآيتين للسجع "المتوازى"(4).
... وابن سنان قد أدرك أن القرآن لم يرد فيه إلا ما هو من السجع المحمود لعلوه فى الفصاحة .
... وأما قوله تعالى : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مَالِك يَوْمِ الدِّينِ }(5)فليس من السجع، وإنما من الفواصل فحسب ؛ لأن حروفه متقاربه ، وليست متماثلة .
... " وتطبيقا لرأيه فى الفرق بين الفواصل والأسجاع يرى أن الفواصل فى الآيات الأولى مثلاً هى الكلمات التى تقع فى نهاية هذه الآيات ـ مسطور ومنشور ومعمور ... الخ ، وأن الأسجاع هى الحروف المتماثلة فى مقاطع هذه الفواصل أى الواو ، والراء فى كل من هذه الكلمات ، وهو رأى لا بأس به لكنه يخالف الإجماع ، على أن السجع يكون بين كلمة وكلمة ، لا بين حرفين وحرفين أو حرف وحرف "(6).
... ثم يرد ابن سنان على الرُّمانى فى تسميته لسجع القرآن كله فواصل ونفيه السجع عن القرآن ، يقول :
__________
(1) سر الفصاحة نفس الصفحة .
(2) سورة الطور ، الآيات : 1،2،3 .
(3) سورة العاديات ، الآيات : 1-3 .
(4) بغية الإيضاح 79/4 .
(5) سورة الفاتحة ، الآيات : 2،3 .
(6) نشأة البلاغة وأصول علم المعانى أ.د/ مُحمد شادى ص 130 .(1/33)
" وأما قول الرُّمانى ـ إن السجع عيب ، والفواصل بلاغة على الإطلاق ، فغلط ؛ لأنه إن أراد بالسجع ما يكون تابعاً للمعنى ، وكأنه غير مقصود ، فذلك بلاغة والفواصل مثله ، وإن كان يريد بالسجع ما تقع المعانى تابعة له ، وهو مقصود متكلف ، فذلك عيب والفواصل مثله"(1).
... يقول الدكتور عبد القادر حسين :
" فالمعوّل عليه عند ابن سنان التكلف وعدم التكلف ، فإذا اتصف بالتكلف فهو عيب سواء سمى فاصله أو سجع ، وواضح أنه لا يرى فرقاً جوهرياً بين الفواصل والأسجاع كما ذهب الرُّمانى ، وإنما هو اختلاف لفظى فى الشكل دون الجوهر"(2)
... ولعل هذا سهو من سيادته ؛ لأنه إذا صح أن ابن سنان يقيس على التكلف وعدم التكلف ، فإنه قد فرق بين الفواصل والأسجاع وكلامه صريح فى ذلك وعد إلى عبارته التى يقول فيها : " والفواصل على ضربين : ضرب يكون سجعاً ، وهو ما تماثلت حروفه فى المقاطع ، وضرب لا يكون سجعاً وهو ما تقاربت حروفه فى المقاطع ولم تتماثل "(3).
... فالفواصل عنده أعم والسجع أخص ، فكل سجع فاصلة وليس بالضرورة أن تكون كل فاصلة سجع ، فكيف يمكن بعد ذلك أن يقول أحد أن ابن سنان لم يفرق بين السجع والفواصل ؟!
__________
(1) سر الفصاحة ص 173 ، وراجع فى ذلك : فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور د/ رجاء عيد ص 70 ، تاريخ النقد الأدبى عند العرب د/ إحسان عباس ص 343 ـ دار الثقافة ـ بيروت ـ ط 4 ، ومجلة فصول ـ تراثنا الشعرى ـ مجلد 4 ـ ع 2 ـ 1984 م ـ البديع فى تراثنا الشعرى د/ عاطف جودة نصر ص 74 .
(2) أثر النحاة فى البحث البلاغى ص 261 .
(3) سر الفصاحة ص 172 .(1/34)
... وكعادة ابن سنان عند مناقشته لغيره نجده متواضعًا ، يحاول بشتى السبل تقبل العذر لغيره ، يقول معلقاً على رأى الرُّمانى : " وأظن أن الذى دعا أصحابنا إلى تسمية كل ما فى القرآن فواصل ، ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعاً ، رغبةٌ فى تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروى عن الكهنة وغيرهم ، وهذا غرض فى التسمية قريب"(1)
... فالواضح أن ابن سنان عالم يقدر العلماء ، ويعترف بفضلهم ويدافع عنهم ، فإن خالفوه الرأى تقبل لهم العذر ، وتلك هى سمة العلماء الذين يقدرون العلم ، ويعملون ـ جاهدين ـ على أن ينتفع به غيرهم دون ما تجريح أو تعالٍ يذهب بروعة علمهم وتنوع ثقافاتهم .
... ويفصح ابن سنان عن دليل آخر لوجود السجع فى القرآن بقوله : " ؛ لأنه لا فرق بين مشاركة بعض القرآن لغيره من الكلام فى كونه مسجوعاً ، وبين مشاركة جميعه فى كونه عرضاً وصوتاً وحروفاً وكلاماً وعربياً ومؤلفاً ، وهذا مما لا يخفى فيحتاج إلى زيادة فى البيان"(2)
__________
(1) السابق ص 174 . إذا كان الباقلانى قد نفى السجع عن القرآن ، فإن ابن الأثير قد بالغ فى وجوده فى القرآن ، بأن جعل ما ورد من نظم القرآن غير مسجوع ؛ لإرادة الإيجاز والاختصار فحسب ( المثل السائر 214/1) ، وابن الأثير مغالٍ فى رأيه ، والصحيح قبول السجع باحتياطات أبى هلال وابن سنان (الصبغ البديعى ص 48).
(2) سر الفصاحة ص 174 ، والصور البديعية بين النظرية والتطبيق د/ حفنى شرف ص 307 ـ القسم الثانى ، وراجع : مجلة فصول ـ تراثنا النثرى ـ مجلد 12 ع 3-1993ـ السجع فى القرآن ـ بنيته وقواعده ـ ديفين استيوارت ـ ترجمة وتعقيب / محمد بربرى ص 8.(1/35)
... ومع تحفظنا لعبارات ابن سنان السابقة التى يومئ بها من طرف خفى إلى رأيه فى كون القرآن من المتلائم مخالفاً فى ذلك رأى الرُّمّانى الذى يرى أنه من المتلائم فى الطبقة العليا(1)ـ أقول مع تحفظنا لهذا الكلام إلا أن السجع موجود فى القرآن الكريم(2).
... وقد استشهد ابن سنان للسجع بشواهد عديدة ، منها ـ بالإضافة إلى ما سبق ـ قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين كان يعوذ الحسن والحسين عليهما السلام : "أُعيذُكمَا بكَلماتِ اللّه التامّة ، من كلِّ شيطانٍ وهَامّة ، ومن كلِّ عينٍ لامّة "(3).
... يقول ابن سنان : " ولم يقل ـ مُلمة ـ ؛ لأجل المناسبة "(4).
... ويظل ابن سنان يستشهد لأنواع السجع المختلفة التى استقرت عند المتأخرين بعده ، موزعا ذلك بين الحسن والقبح ـ كعادته ـ فقد ذكر حشداً هائلاً من الأسجاع التى تتبع المعانى الغير متكلفة ، وأخرى مستكرهة متكلفة منوعا فى شواهده الحسنه بين القرآن الكريم ، وكلام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكلام الفصحاء من العرب .
... ثم يفرد نوعاً من السجع يتحدث عنه ، ويعرفه ، وهو " الترصيع"(5)يقول : "ومن التناسب : الترصيع : وهو أن يعتمد تصيير مقاطع الأجزاء فى البيت المنظوم، أو الفصل من الكلام المنثور ، مسجوعة"(6)
__________
(1) النكت للرُّمانى ص 95.
(2) أدرك ابن سنان أن القرآن لم يرد كله مسجوعاً ؛ لأنه نزل بلغة العرب ، وعادتهم ، وكان الفصيح من كلامهم لا يكون كله مسجوعاً لما فى ذلك من أمارات التكلف والاستكراه والتصنع (سر الفصاحة ص 174) .
(3) أخرجه البخارى فى كتاب الأنبياء ، ومسلم فى كتاب الذكر جـ 17 ، 18 ص 30 ـ دار الكتب العلمية.
(4) سر الفصاحة ص 176.
(5) الترصيع : هو ما كان فى إحدى فقرتيه ما يقابله من الأخرى من الوزن والتقفية (بغية الإيضاح 79/4) .
(6) سر الفصاحة ص 190 .(1/36)
... وبين أنه لا يحسن إلا إذا وقع قليلاً ، غير نافر ، ولا متكلف ، والحقيقة أن تعريف ابن سنان للترصيع هو نفس تعريف قدامة بن جعفر(1)، فقد تابعه وتأثر به ، واستشهد بشواهده . ومنها قول الخنساء(2):
... حَامِى الْحقِيقية مَحمودُ الخَلِيقَة مهـ ... ... دىُّ الطَّريقة نفّاعُ وضَرارُ
... جَوّابُ قَاصيةِ جَزّارُ نَاصِيَةٍ ... ... عَقَّادُ أَلْوِيَةٍ لِلْخَيْلِ جَرَّارُ(3)
... ومن النثر قول أبى على البصير فى بعض كلامه : " حّتَّى عَادَ تَعْرِيضُكَ تَصْرِيحاً ، وَتَمْرِيضُكَ تَصْحِيحاً "(4).
... وهذا اللون الذى أطلق عليه ابن سنان "الترصيع" متابعة لقدامه ، هو نفسه ما سماه ـ العلامة ـ الجاحظ "السجع والازدواج"(5)، ويذكر الدكتور شوقى ضيف أن قدامة "قد استمد هذا اللون من أرسطو فى كتابه "الخطابة" ، وحديثه المفصل عن الجمل ذات الأجزاء المتقابلة "(6).
... وقد ذكر ابن سنان من أنواع السجع ـ "لزوم ما لا يلزم" ، وخصه بالشعر ، يقول : "وقد التزم بعض الشعراء فى القوافى إعادة ما لا يلزمه طلبا للزيادة فى التناسب ، والإغراق فى التماثل ، كقول الحطيئة(7):
... أَلاَ من لقبٍ عَارِمَ النَّظَرَاتِ ... ... يُقطَّعُ طُولَ اللًّيْلِ بالزَّفَّزَاتِ
... إِذَا مَا الُّثَريَّا آخر اللَّيْلِ أعتقتْ ... ... كَوَاكِبُها كَالجَزْع مُنْحَدِرَاتِ(8)
... فالتزم الراء فى جميعها قبل حرف الروى وهى غير لازمة(9).
__________
(1) نقد الشعر ص 40 ، والصبغ البديعى ص 211 ، وسر الفصاحة ص 190 .
(2) هى تماضر وهى من بنى سليم من العرب ، قتل أخواها معاوية وصخر فى الجاهلية .
(3) البيتان فى الإيضاح ت د/ خفاجى 110/6 والصناعتين ص 419 .
(4) سر الفصاحة ص 190 .
(5) البيان والتبيين للجاحظ 116/2.
(6) البلاغة تطور وتاريخ ص 83.
(7) هو : جرول بن أوس ولقب بالحطيئة لأنه قصير ، وكان من بنى عبس ويعد أهجى الشعراء القدامى (كارل بروكلمان 168، والشعر والشعراء ص 180 ) .
(8) سر الفصاحة ص 179 .
(9) سر الفصاحة ص 179 .(1/37)
... والناظر فى كلام ابن سنان يدرك أنه ينكر هذا النوع يقول : "وليس يغتفر للشاعر إذا نظم على هذا الفن لأجل ما ألزم نفسه ما لا يلزمه شيء من عيوب القوافى ؛ لأنه إنما فعل ذلك طوعاً واختياراً ، من غير إلجاء ولا إكراه ، ونحن نريد الكلام الحسن على أسهل الطرق وأقرب السبل ، وليس بنا حاجة إلى المتكلف المطرح ، وإن ادعى علينا قائله أن مشقة نالته وتعباً مرّ به فى نظمه"(1).
أما البحرانى :
... فإن دراسته للسجع كانت أقرب إلى موارد المتأخرين من ابن سنان ، وقد عرض للسجع فى الجملة الأولى حيث جعله من شروط فصاحة الكلام ، وهو هنا يلتقى مع ابن سنان الذى جعل هو الآخر السجع من شروط الفصاحة.
... وقد قسم البحرانى السجع إلى ثلاثة أقسام دون أن يعرف به يقول : "السجع على ثلاثة أقسام : الأول : “المتوازى” وهو أن تتساوى الكلمتان فى عدد الحروف ونوع الحرف الأخير ... والثانى : "المطرّف"(2)وهو أن يختلفا فى العدد ويتفقا فى الحرف الأخير ، والثالث : "المتوازن" ، وهو أن يتفقا فى عدد الحروف ولا يتفقا فى الحرف الأخير"(3).
... فالسجع عنده : متوازٍ ، ومطرّف ، ومتوازن ، والمتأخرون قسموا السجع إلى: مطرّف ، ومتوازٍ ، وترصيع(4).
... وقد استشهد البحرانى للسجع المتوازى بقول الإمام على : "كّثْرةُ الوِفَاقِ نِفَاقٌ، وَكَثْرَةُ الخِلاَفِ شِقَاقٌ"(5)
... وقوله ـ عليه السلام ـ فى أهل البصرة : " عَهْدُكُمْ شِقَاقٌ ، وَدِينُكُمْ نِفَاقٌ ، وَمَاؤُكُمْ زِعَاقٌ"(6)
... ولم يعلق البحرانى على الشاهدين ، بل اكتفى بالنص عليهما وإدراجهما ضمن السجع المتوازى .
__________
(1) السابق ص 180 - 181 .
(2) فى كتابه الموسوم "بشرح نهج البلاغة" "المطرّق" بالقاف ، وهذا تصحيف واضح (ص 84) .
(3) أصول البلاغة ص 54 ، وشرح نهج البلاغة 283/1 ، 211/2 .
(4) بغية الإيضاح 79/4 .
(5) أصول البلاغة ص 54 .
(6) أصول البلاغة ص 54 .(1/38)
... ومن السجع المطرّف : قوله تعالى : { وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ }(1)وقول علىّ ـ رضى الله عنه ـ : " لاَ حَمَ صُدُوعَ انْفِراجِها ، وَلاَءَمَ بَيْنَها وَبَيْن أَزْواجِهاَ"(2)
... أما السجع المتوازن : فكقوله ـ عليه السلام ـ " الحمدُ للّهِ غيرِ مفقودِ الإنعامِ ، وَلاَ مُكَافَإِ الإِفْضَالِ"(3)
... والبحرانى يذكر هذه الشواهد دون التعليق عليها ، وليس هذا تقصيرًا منه ، فقد أراد أن يعلمنا أصول البلاغة ؛ حتى تظل عالقة فى أذهاننا ، لا يشوبها تطويل ، أو خلافات تذهب بطلاوتها ، وقد بين ذلك منذ الصفحة الأولى من كتابه .
... وإذا كان ابن سنان ذكر "الازدواج" ، وجعله مرادفاً "للسجع"، فإن البحرانى قد أفرد "للازدواج" البحث الثانى من بحوث السجع ، وسماه " تضمين المزدوج" ، وعرفه بقوله :
... " هو أن يجمع المتكلم بعد رعاية السجع فى أثناء القرائن بين لفظتين متشابهتى الوزن والروى"(4).
واستشهد له بقوله تعالى : { وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ }(5).
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " المؤمنون هَيّنونَ ليّنون"(6).
وقول على ـ عليه السلام ـ " كَثْرةُ الْوِفَاقِ نِفَاق "(7).
وقد ذكر الإمام الرازى " تضمين المزدوج " قبل البحرانى ، وعرفه بنفس التعريف .
__________
(1) سورة المدثر ، الآية : 7 .
(2) من كلام له عليه السلام فى صفة السماء (مقدمة شرح نهج البلاغة ص 85).
(3) أصول البلاغة ص 55 ، والكلام من خطبة له ـ عليه السلام ـ عند مسيره إلى الشام (نهج البلاغة ـ شرح الإمام محمد عبده ص 69).
(4) ذكر العلامة ابن القيم تعريف البحرانى "لتضمين المزدوج" واستشهد ببعض شواهده (الفوائد المشوق ص 226).
(5) سورة النمل ، آية : 22 .
(6) أخرجه ابن المبارك عن مكحول مرسلاً ، والبيهقى عن ابن عمر كما فى الفتح الكبير (مقدمة شرح نهج البلاغة 85.
(7) أصول البلاغة ص 55 .(1/39)
... أما "الترصيع" فقد عرفه البحرانى بقوله :" أن تتساوى أوزان الألفاظ ، وتتفق أعجازها "(1).
وذلك كقول الله ـ جلّ شأنه ـ : { إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِى نَعِيم . وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لفِى جَحيم }(2)
وقول على ـ عليه السلام ـ فى صفة الدنيا : " أَوَّلُهاَ غَنَاءٌ وَآخِرُهَا فَنَاءٌ . فِى حِلاَلِهاَ حِسَابٌ ، وَفِى حَرَامِها عِقَابٌ "(3)
... وقد ذكر البحرانى نوعاً من الترصيع سماه "الترصيع الذى يجئ مع التجنيس"، واستشهد له بقول الإمام على ـ عليه السلام ـ فى كتاب الله : " بَيْتٌ لا تُهْدَمُ أرْكَانُه، وَعِزُّ لا تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ "(4)
... والترصيع عند ابن سنان غير خاص بالنثر فقط ، وإنما يأتى فى الشعر ـ ايضاً ـ كما سبق ، أما البحرانى فيبدو أن الترصيع عنده خاص بالنثر ، وهذا واضح من خلال شواهده .
... وكما عاب ابن سنان السجع المتكلف ورفضه ، كره البحرانى ذلك ـ أيضاً ـ ومجّه واستبشعهُ ، وبين علاماته التى يعرف بها يقول : " ويعرف المتكلف من السجع بأمرين : أحدهما : أن يحتاج إليه للتقفيه لا للمعنى ، والثانى : أن يترك معناه الأول لأجل التقفية "(5)
__________
(1) السابق نفس الصفحة .
(2) سورة الانفطار ، آية : 13 - 14 .
(3) نهج البلاغة ـ شرح الإمام / محمد عبده ص 91 ، وفى العبارة تصحيف والصحيح "أولها عناء " بعين مهملة .
(4) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 86 . وقد ذكر العلامة الطوفى هذا الشاهد وجعله من السجع الناقص ـ على حد قوله ـ (الإكسير ص 226) ، ونهج البلاغة ص 158 ط الشعب .
(5) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 85 ، وراجع الطراز ص 408 .(1/40)
... هذا وقد أشار البحرانى إلى ما يُعرف بـ "لزوم ما لا يلزم" ، وسماه "الإعنات" ، وعرفه بقوله : "وهو التزام حرف قبل حرف الروى أو الردف من غير أن يجب ذلك فى السجع"(1)، كقوله تعالى : { فَأَمَّا الْيَتيمَ فَلا تَقْهَرْ . وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ }(2). وقول علىّ ـ عليه السلام ـ ؛ فى مدح النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " بَلّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً ، وَنَصَحَ لأُمَّتِه مُبَذِّرًا"(3).
... وقد ذكر "الإعنات" عند حديثه عن المحاسن العائدة إلى آحاد الحروف وشروط تركيبها .
... وتسميته بـ " الإعنات " مأخوذة عن ابن المعتز الذى أطلق عليه " إعنات الشاعر نفسه " ، وقد عاب عليه أبو هلال تلك التسمية "(4).
... والبحرانى ـ كما هو واضح ـ لم يخص هذا النوع بالشعر ـ كما فعل ابن سنان ـ ، وإنما أدرك أنه يجرى فى الشعر وفى النظم .
... وخلاصة القول فى السجع بين البحرانى وابن سنان : ـ أن دراسة ابن سنان كانت أعمق وأجدى للبلاغة من البحرانى ، فقد عرف الأول السجع ، وبين آراء العلماء فيه ، وأبدى رأيه فى مسألة "السجع فى القرآن" ، وذكر بعض أنواع السجع ، وعرض "للترصيع" ، ولم يجعله خاصاً بالنثر ، كما فعل البحرانى ، بل استشهد له من الشعر ، وذكر للسجع شواهد عديدة ، من كلام الله عز وجل وكلام الرسول الكريم ، وكلام فصحاء العرب ، معلقاً على الشواهد ومحللاً ومبدياً رأيه ، لا يترك الشاهد يمر إلا وتظهر شخصيته فيه ، وقد وزع الشواهد بين الحسنة والقبيحة .
... أما البحرانى فلم تكن دراسته للسجع كدراسة ابن سنان ، فقد اكتفى بتقسيمه والاستشهاد له بشاهد أو شاهدين دون أى تعليق منه ، ولعله كان يعمد إلى ذلك .
__________
(1) أصول البلاغة ص 42 .
(2) سورة الضحى ، آية : 9-10 .
(3) من قوله فى ذهد الرسول (نهج البلاغة ص 162) ، ومقدمة شرح نهج البلاغة 73 .
(4) الإيضاح ت د/ خفاجى 115/6 .(1/41)
... وقد أفرد للازدواج بحثاً وأطلق عليه "تضمين المزدوج" مخالفاً بذلك ابن سنان الذى جعله مرادفاً للسجع ، وجعل الترصيع خاصاً بالنثر ، مخالفاً فى ذلك ابن سنان، كما تحدث عن "لزوم ما لا يلزم" وسماه "الإعنات" وجعله يجرى فى النظم والنثر عكس ابن سنان الذى خصه بالشعر .
... ـ كما أن دراسة ابن سنان تمتاز بالتحليل والتعليل ، والإكثار من الشواهد والتعليق عليها ، أما البحرانى فقد اهتم بالتقعيد متأثراً بالرازى والسكاكى ، فجاءت دراسته جافة خالية من جمال التحليل البلاغى وإيراد الشواهد والتعليق عليها .
وبعد ...
... فهذه هى الألوان البديعية التى اشترك فيها البحرانى مع ابن سنان مما عثرت عليه فى مؤلفاتهما سواءً نصّا على ذلك وأفردا له بحثاً أو جاء ذلك ضمن حديثهما عن موضوعات أخرى .
... وهناك بعض الموضوعات التى انفرد بها كل منهما ، سأتناولها فى الصفحات التالية ، مراعياً فى ذلك الإيجاز قدر المستطاع .
ثانياً : الألوان البديعية التى انفرد بها البحرانى والخفاجى :
... (أ) الألوان البديعية التى انفرد بها ابن سنان :
1- الإرصاد :
... تحدث عنه قدامة وسماه التوشيح ، وتأثر به ابن رشيق وأبو هلال(1). أما ابن سنان فقد عرَضَ لَهُ فى ذيلِ حديثهِ عن المعاظلة حيث جعل من وضع الألفاظ موضعها اللائق بها ، ألا يكون الكلام شديد المداخلة يركب بعضه بعضاً ، وهذه هى المعاظلة(2)، ثم ساق الشواهد المتعددة على استقباحها تمهيداً للحديث عن الإرصاد ، ثم فرق بين المعاظلة والإرصاد ؛ وأدرك أن الإرصاد : كلام يدل بعضه على بعض، ويأخذ بعضه برقاب بعض ، كل هذا دون أن ينص على مصطلح "الإرصاد"، وإنما استشهد بأمثلة تدل على ذلك نحو قول زهير :
__________
(1) نقد الشعر ص 168 ، والعمدة 31/2 ، والصناعتين 425.
(2) سر الفصاحة ص 157 .(1/42)
... سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الْحَيَاةِ وِمِنْ يَعِشْ ... ... ثَمَانِينَ حَوْلاً ـ لاَ أَبَا لَكَ ـ يَسْأَمِ(1)
... ؛ لأنه لما قال فى أول البيت ـ سئمت ـ وقال : ومن يعش ثمانين حولا ـ اقتضى أن يكون فى آخره ـ يسأم(2).
... ثم يقول : " فهذا هو الكلام الذى يدل بعضه على بعض ويأخذ بعضه برقاب بعض ، وإذا أنشدت صدر البيت علمت ما يأتى من عجزه"(3)
... وعبارة ابن سنان الأخيرة أوهمت بعض المحدثين(4)أنه يتحدث عن "رد العجز على الصدر" والحقيقة غير ذلك ، ويشهد لذلك قول ابن سنان نفسه : "وبعض الناس
يسمى هذا الفن من الشعر التوشيح ، وبعضهم يسميه التسهيم"(5)والتوشيح هى تسمية قدامة وأبى هلال والتسهيم تسمية ابن رشيق(6).
... ويدل على ذلك ـ أيضا ـ ما أورده ابن سنان من شواهد عدها المتأخرون من الإرصاد(7).
ومنها قول عمرو بن معد يكرب(8):
... إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ ... ... وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعْ(9)
وقول البحترى :
... أَبْكِيكُمَا دَمْعاً وَلَوْ أَنّى عَلَى ... ... قَدْرِ الْجَوَى أبِكى بَكَيْتُكُمَا دَمَا(10)
__________
(1) التكاليف / الأمور الشاقة (بغية الإيضاح 18/4)
(2) سر الفصاحة ص 159 .
(3) المصدر السابق نفس الصفحة .
(4) د/ شوقى ضيف فى كتابه "البلاغة تطور وتاريخ" ص 154 ، ونقل عنه د/ عبد الرازق فى كتابه "سر الفصاحة ـ دراسة وتحليل" ص 52،124 .
(5) سر الفصاحة ص 160 .
(6) نقد الشعر ص 168 ، والصناعتين 425 ، والعمدة 31/2 .
(7) بغية الإيضاح 18/4 .
(8) عمرو بن معد يكرب الزبيدى من الشعراء المشهورين يكنى أبا ثور وهو ابن خالة الزِّبْرِقان بن بدر التميمى . (الشعر والشعراء ص 219).
(9) البيت فى الإيضاح ت أ.د/ محمد خفاجى 25/6 .
(10) المصدر السابق نفس الصفحة .(1/43)
... والبيتان ذكرهما المتأخرون ضمن شواهد "الإرصاد"(1)ثم يقول ابن سنان معلقاً على الأبيات السابقة : " ؛ لأن هذه الأبيات كلها إذا سمع الإنسان صدورها ، وكان قد عرف الروى المقصود منها ، عرف الكلمة التى تكون قافية قبل الوصول إليها"(2).
... وهذا الكلام هو شرح لتعريف القزوينى السابق للإرصاد .
... والحقيقة التى لا مناص من ذكرها هنا هى أن ابن سنان قد تأثر إلى درجة كبيرة فى حديثه عن التسهيم بالعلامة الآمدى فى فصل ذكره الآمدى تحت عنوان "باب فى سوء نسج أبى تمام وتعقيد نظمه ووحشى ألفاظه"(3).
2- صحة التقسيم :
... يقول القزوينى : " قد يطلق التقسيم على أمرين : ... الثانى منهما : استيفاء أقسام الشيئ بالذكر"(4).
... هذا النوع هو ما أطلق عليه ابن سنان " صحة التقسيم " أو ـ على حد قوله ـ الصحة فى التقسيم ، متابعاً فيه قدامة بن جعفر ، مستشهداً بنفس شواهده ، كما فعل العسكرى وابن رشيق(5)، فالثلاثة تأثروا بقدامة فى هذا اللون .
... وأما ابن سنان فيبدأ بتعريفه قائلاً : " أما الصحة فى التقسيم ، فأن تكون الأقسام المذكورة لم يخلّ بشيئ منها ، ولا تكررت ، ولا دخل بعضها تحت بعض"(6). وهذا الكلام شرح لتعريف قدامة بن جعفر الذى يقول فيه : " هى أن يبتدئ الشاعر فيضع أقساماً فيستوفيها ، ولا يغادر قسماً منها "(7)
__________
(1) بغية الإيضاح 18/4 .
(2) سر الفصاحة ص 161 .
(3) الموازنة 296/1.
(4) الإيضاح ت د/ خفاجى 52/6 .
(5) نقد الشعر ص 131 . الصناعتين 375 . العمدة 20/2 .
(6) سر الفصاحة ص 235 ، والصناعتين ص 375 ، والمثل السائر 167/3 والبديع فى نقد الشعر لابن منقذ ت د/ أحمد بدوى ص 61 .
(7) نقد الشعر 131 ، سر الفصاحة 43 .(1/44)
... ثم ساق ابن سنان أمثلة من النظم والنثر "تمثل الصحة والفساد مشفوعة بتوجيهاته ، ثم عد من الصحة تجنب الاستحالة والتناقض ، متأثراً ـ أيضا ـ بقدامة فى نقد الشعر ، وإن كان لم يرتض بعض توجيهاته ، ومنها ألا يضع الجائز موضع الممتنع إلا على ضرب من الغلو والمبالغة "(1)
ومن الأمثلة التى ذكرها ابن سنان لصحة التقسيم قول نُصيب(2):
... فَقَالَ فَرِيقُ الْقَوْمِ : لاَ ، وَفَرِيقُهُمْ : ... ... نَعَمْ ، وَفَرِيقٌ قَالَ وَيْحَكَ مَانَدْرِى(3)
... يقول ابن سنان معلقاً على البيت :"فليس فى أقسام الإجابة عن مطلوب إذا سُئل عنه غير هذه الأقسام(4)" .
ومن شواهد الأقسام الفاسدة قول جرير(5):
... صَارَتْ حَنِيفَةُ أَثْلاَثاً فَثُلْثُهُم ... ... مِنَ الْعَبِيدِ وَثُلُثٌ مِنْ مَوَالِيهَا(6)
... فهذه قسمة فاسدة من طريق الإخلال ؛ لأنه قد أخل بقسم من الثلاثة ، وقيل إن بعض بنى حنيفة سُئل من أى الأثلاث هو من بيت جرير ؟ فقال هو من الثلث الملغى(7).
... ويظل ابن سنان هكذا يذكر الأمثلة التى تمثل الصحة والفساد ، معلقاً عليها بما يراه مناسباً ، متأثراً فى ذلك كله بقدامة بن جعفر ، ولقد أدرك صاحب الصبغ البديعى أن قدامة نفسه قد اقتبس التسمية من الجاحظ(8).
3- صحة التفسير :
__________
(1) الصبغ البديعى ص 215
(2) سبقت ترجمته .
(3) الخزانة 272/2 ، والكتاب لسيبويه 147/2 ، والعمدة 21/2 .
(4) سر الفصاحة ص 235 ، والصناعتين ص 376 .
(5) هو جرير بن حنيفة (راجع : الشعر والشعراء ص 283) .
(6) البيت فى نقد الشعر ص 201 ، والصناعتين ص 377 .
(7) سر الفصاحة ص 236.
(8) الصبغ البديعى ص 142 نقلا عن البيان والتبيين .(1/45)
... عرفه بتعريف قدامة ، وذكر شواهده ، ولم يزد فيها شيئًا عما قاله .يقول ابن سنان : " ومن الصحة : صحة التفسير ، وهو أن يذكر مؤلف الكلام معنى يحتاج إلى تفسير ، فيأتى به على الصحة من غير زيادة ولا نقص "(1). كقول الفرذدق:
... لَقَدْ جِئْتَ قَوْماً لَوْ لَجَأْتَ إِلَيْهِمُ ... ... طَرِيدَ دَمٍ أَوْ حَامِلاً ثِقْلَ مَغْرَمِ ... لأَ لْفَيْتَ فِيهِمْ مُعْطِياً وَمُطَاعِناً ... ... وَرَاءَكَ شَزْرًا بِالْوَشِيجِ الْمُقَوَّمِ(2)
ومن فساد التفسير ، قول بعضهم(3):
... فَيا أَيُّها الْحَيْرَانُ فِى ظُلَمِ الدُّجَى ... وَمَنْ خَافَ أَنْ تَلْقَاهُ بَغْىٌ مِنَ الْعِدَى
... تَعَالَ إِليْهِ تَلْقَ مِنْ نَورِ وَجْهِهِ ... ضِيَاءً وَمِنْ كَفَّيْهِ بَحْراً مِنَ النَّدَى(4)
... يقول ابن سنان :
" فإن هذا الشاعر لما قدم فى البيت الأول الظلم وبغى العدى كان الوجه فى التفسير أن يأتى فى البيت الثانى بما يليق به ، فأتى بالضياء بإزاء الظلم وذلك صواب ، وكان يجب أن يأتى بإزاء بغى العدى بالنصرة أو العظمة ، أو ما جرى مجرى ذلك، فلما جعل مكانه ذكر الندى كان التفسير فاسداً "(5).
... والحقيقة التى لا مراء فيها أن ابن سنان وابن رشيق وأبا هلال قد تأثروا فى هذا النوع البديعى بقدامة بن جعفر فى كتابه " نقد الشعر " ، وأرجح أن يكون ابن الأثير قد تأثر بابن سنان مباشرة .
__________
(1) سر الفصاحة ص 270 ، والعمدة 35/2 ، والصناعتين : 38 ، وبديع ابن منقذ 72 .
(2) فى نقد الشعر (خنت) بدل (جئت) ، (ومطمعًا) بدل (معطيا) ، ومعنى ألفيت : وجدت ، وتشزر الرجل: تهيأ للقتال ـ، والطعن الشزر : ما كان عن يمين وشمال ، والوشيج : شجر تصنع منه الرماح ، والمراد به هنا الرماح . ( نقد الشعر 136 ).
(3) لم أعثر على قائله .
(4) سر الفصاحة 270 ، ونقد الشعر 203 ، والصناعتين 382 ، والمثل السائر 177/3 .
(5) سر الفصاحة ص 271 ، نقد الشعر 203 ، والصناعتين 382 .(1/46)
4- التصريع(1):
عرف به واستشهد له بشواهد عديدة منها قول امرئ القيس :
... قِفَانَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ ... ... بِسِقطِ اللّوى بَيْن الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ(2)
... وأدرك ابن سنان أنه يحسن فى أول القصيدة ؛ ليميز بين الابتداء وغيره ، فأما إذا تكرر فى القصيدة ، فليس بمختار ، وهو عنده يجرى مجرى تكرر الترصيع والتجنيس والطباق ، وأنه يحسن إذا قل ، أما إذا تواتر وتكرر فليس عنده بمرضى(3).
... ومن الغريب أن يخلط أحد الباحثين بين "التصريع" و"الترصيع" ، فيجعل التصريع عند ابن سنان : "أن يعتمد تصيير مقاطع الأجزاء فى البيت المنظوم أو الفصل من الكلام المنثور مسجوعة"(4).
... والحقيقة أن هذا التعريف هو تعريف "الترصيع" عند ابن سنان ، وكنت أظن فى بادئ الأمر أن هذا تصحيف وقع من الناشر ، وأنه سهو ناتج عن سوء طباعة ، ولكننى ألفيته يتكرر فى أكثر من موضع من كتابه(5).
5- حسن الابتداء والتخلص :
... تحدث ابن سنان عن "حسن الابتداء" وأدرك أنه يحتاج إلى تحرز فيه ؛ حتى لا يستفتح بلفظ محتمل أو كلام يتطير منه ، وقد استشهد لذلك بقول ذى الرُّمة حين أنشد هشام بن عبد الملك قصيدته البائية ، فلما ابتدأ وقال :
... ما بَالُ عَيْنُكَ منْها الماءُ يَنْسَكِبُ ... ... كَأَنَّهُ مِن كِلى مَفّرية سَرِبُ(6)
قال هشام بل عينك(7).
__________
(1) هو جعل العروض مقفاه تقفية الضرب ( الإيضاح 11/6 ).
(2) سر الفصاحة ص 188.
(3) سر الفصاحة ص 189 .
(4) المصدر السابق ص 190 .
(5) البلاغة بين عبد القاهر وابن سنان د/ عبد العاطى علام ص 303 ، 391 ، 415/ دكتوراه .
(6) سر الفصاحة ص 183 .
(7) كانت عين هشام تدمع دائماً ، فظن أنه يعرّض به .(1/47)
... أما "حسن التخلص" فقد تحدث عنه ابن سنان تحت اسم "صحة النسق والنظم" وعرفه بقوله : "هو أن يستمر فى المعنى الواحد ، وإذا أراد أن يستأنف معنى آخر أحسن التخلص إليه ؛ حتى يكون متعلقاً بالأول ، وغير منقطع عنه"(1)
... وتكمن قيمة التخلص فى "أن السامع يكون مترقباً للانتقال من الافتتاح إلى المقصود كيف يكون ، وإذا كان حسناً متلائم الطرفين حرك من نشاط السامع ، وأعان على إصغاء ما بعده ، وإلا فبالعكس ، ثم يكون الانتهاء آخر ما يعيه السمع ويرتسم فى النفس ، فإن كان مختاراً حسناً تلقاه السمع واستلذه ... وإن كان بخلاف ذلك كان على العكس حتى ربما أنساه المحاسن المورده فيما سبق"(2)
... وقد أدرك ابن سنان أن المحدثين أجادوا التخلص حتى صار كلامهم فى النسيب متعلقاً بكلامهم فى المدح لا ينقطع ، فأما العرب المتقدمون فلم يكونوا يسلكون هذه الطريقة(3).
... على أنه "ينبغى أن نتريث عند الحكم على ابتداءات القدماء وتخلصاتهم وانتهاءاتهم ؛ لأن هذه مسألة يجب التعويل عند الحكم فيها على الظروف البيئية والزمنية ... ، فلسنا مع النقاد فى التعميم عندما قالوا بسذاجة ابتداءات الجاهليين"(4)
... وقد استشهد ابن سنان لحسن الخروج ـ على حد قوله ـ ببيتى أبى عبادة البحترى يصف الروض :
... شَقَائِقُ يَحْمِلْنَ النَّدَى فَكَأَنَّهُ ... ... دَمَوعُ التَّصَابِى فِى خُدُودِ الْخَرَائِدِ
__________
(1) سر الفصاحة ص 268 ، وراجع : ابن سنان الخفاجى وأثره فى النقد والبلاغة د/ عبد الحميد العبيسى ـ دكتوراه ـ مخطوط فى كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة . إشراف د/ كامل الخولى تحت رقم 191 ص 209 .
(2) من وجوه تحسين الأساليب أ.د/ محمد شادى 143 .
(3) سر الفصاحة ص 268 ، والصناعتين 515 .
(4) من وجوه تحسين الأساليب ص 146 .(1/48)
... كَأَنّ يَدَ الْفَتْحِ بْنِ خَاقَان أَرْفَلَتْ ... ... تَلِيَها بِتِلْك الْبَارِقَاتِ الرَّواَعِدِ(1)
... ثم يقول ابن سنان : "وأما إذا ابتدئ بالمديح أو بغيره من الأغراض فالأحسن أن يكون الابتداء دالاً على المعنى المقصود"(2).
... والذى يحز فى النفس أن البلاغيين المتأخرين "قد جعلوا حسن الابتداء والتخلص والانتهاء من أذيال البديع ، وقالوا لا بأس بذكرها فى خاتمته ، فلم يعطوها حظ "القلب" فى قول القائل(3):
... مَوَدَّتُهُ تَدُومُ لَكُلِّ هَوْلٍ ... ... ... وَهَلْ كُلُّ مَوَدَّتُهُ تَدُومُ(4)
... مع أن البلغاء والأدباء فى كل جبل وعصر على أن حسن الابتداء شعار التوفيق والبراعة ، وأمارة الاقتدار فى باب البلاغة ، وأن كثيراً من الشعر العالى قد أسقطه سوء الابتداء ... ، ثم حسن التخلص هل ذكروا أنه شعبة كريمة من شعب الفصل والوصل ، وأنه باب من ترابط المعانى وتآلفها ، وانسجام الصور وتناسقها "(5).
... وقد تهدأ ثورتنا عندما نعلم أن العلامة ابن المعتز قد عد "حسن الخروج والابتداء من محاسن الكلام والشعر ضمن مسائل بلاغية أخرى ، وقد سار على نهج أستاذه ثعلب(6)، كما أن العلامة الآمدى قد جعل "حسن الخروج" أساساً للموازنة بين أبى تمام والبحترى(7).
وبعد ...
__________
(1) من قصيدة له فى مدح إبراهيم بن الحسن بن سهل ، ديوانه 136/1 ، الصناعتين ص 517 وسر الفصاحة ص 268 .
(2) سر الفصاحة ص 270 .
(3) أحمد بن محمد بن الحسين المعروف بالقاضى الأرجانى .
(4) بغية الإيضاح 85/4 .
(5) البلاغة بين عهدين د/ محمد نايل ص 275 .
(6) راجع : البديع لابن المعتز ت أ.د/ خفاجى ص35، 155، 176. وانظر : قواعد الشعر لثعلب ص 23 .
(7) الموازنة 291/2 ، (باب خروج أبى تمام والبحترى من النسيب إلى المدح) .(1/49)
... فهذه هى الألوان البديعية التى انفرد بها ابن سنان ، ولم يشر إليها البحرانى ، وها أنا ذا فى الصفحات التالية أعرض لما انفرد به الإمام البحرانى ؛ حتى تكتمل الفائدة والغاية من هذا الفصل .
(ب) الألوان البديعية التى انفرد بها البحرانى :
... كما انفرد ابن سنان بألوان بديعية لم يشر إليها البحرانى ، انفرد البحرانى هو الآخر بألوان لم أعثر عليها فى "سر الفصاحة" . وهذه الألوان هى :
1- مراعاة النظير :
... لم ينص عليه ابن سنان صراحة وإن فُهم ذلك من كلامه ومن شواهده ، وذلك عند تعليقه على قول أبى تمام :
... مَهَا الْوَحْشِ إِلاَّ أَنَّ هَاتَا أَوَانِسُ ... ... قَنَا الْخَطّ إِلاَّ أَنَّ تِلْكَ ذَاوَبِلُ(1)
... يقول ابن سنان : " فناسب بين قنا ومها ، والوحش والخط "(2)ثم يقول : "فهذه هى المناسبة التى تؤثر فى الفصاحة والشعراء الحذاق والكتاب يعتمدونها"(3). وقد جعل ابن سنان "مراعاة النظير" من المناسبة بين الألفاظ من طريق الصياغة .
__________
(1) ديوانه 116/3.
(2) سر الفصاحة ص 170 .
(3) المصدر السابق نفس الصفحة .(1/50)
... أما البحرانى(1)فقد عرفه بقوله : " هو جمع الأمور المناسبة المتوازنة"(2)، واستشهد له بشاهد واحد من كلام الإمام على وهو قوله : " الحمدُ للّه غير مقْنُوطٍ من رحمته ، ولا مخلوٍّ من نعمته ، ولا مأيوس من مغفرته"(3)، ولم يعلق البحرانى على هذا الشاهد بأى تعليق ، ويبدو أنه يسير على نهج الرازى والسكاكى فى التعريف ، يقول القزوينى : " هو أن يجمع فى الكلام بين أمر وما يناسبه لا بالتضاد "(4)كقوله تعالى : { الشّمسُ والقمرُ بحُسْبانِ(5)} .
2- المزاوجة :
... هى عند البحرانى : " أن يزاوج بين معنيين فى الشرط والجزاء"(6)مثل قول البحترى :
... إِذَا مَا نَهىَ النَّاهِى فَلَجَّ بِىَ الْهَوَى ... أَصَاخَتْ إِلَى الْوَاشِى فَلَجَّ بِهَا الْهَجْرُ(7)
... يقول البحرانى : " زواج بين الناهى وإصاختها إلى الواشى الواقعين شرطاً وجزاءً فى أن رتب عليهما لجاج شيئ ، وإن كان فى الشرط لجاج الهوى وفى الجواب لجاج الهجر"(8).
... والبحرانى هنا يوافق الإمام عبد القاهر الجرجانى فى عد البيت من النمط العالى من النظم فى فصل عقده الجرجانى تحت عنوان "فى النظم يتحد فى الوضع ويدق فيه الصنع"(9).
... ولم يتحدث ابن سنان عن هذا النوع ، فلم أعثر له سوى على الازدواج ، الذى جعله مرادفاً للسجع ولم يعرّف به .
__________
(1) كلام البحرانى صريح فى "مراعاة النظير" ولذا جعلت هذا اللون مما ينفرد به دون ابن سنان الذى لم ينص عليه .
(2) أصول البلاغة ص 88، ومفتاح العلوم ص 424، والتبيان للطيبى ص 469، ونهاية الإيجاز ص206 .
(3) أصول البلاغة ص 88 ، ونهج البلاغة للإمام محمد عبده ص 75 .
(4) الإيضاح ت/د/ خفاجى 19/6 .
(5) سورة الرحمن ، آية : 5 .
(6) أصول البلاغة ص 83 .
(7) لجّ : استبدّ وألحّ واشتدّ ، والواشى : النمام ، وأصاخت / أنصتت . ( راجع : ديوانه 844 / 2 ، ومعاهد التنصيص 255/2 ، والتبيان ص 496 ، وبغية الإيضاح 22/4 ).
(8) الإيضاح ت د/ خفاجى 34/6
(9) الدلائل 74 .(1/51)
3- التورية :
... تحدث عنها البحرانى وسماها "الإيهام"(1)، قال عنه : " وهو أن يكون للفظ ظاهر وتأويل ، فيسبق إلى فهم السامع الظاهر مع أن المراد هو التأويل " كقوله تعالى: { وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَ السَّمَاَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }(2)، وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " اَنْصُرْ أَخَاكَ ظَالماً أوْ مَظْلُوماً "(3).
4- الاستتباع :
... سماه البحرانى "المدح الموجه" وعرفه بقوله : " هو أن يمدح بشيئ يقتضى المدح بشئ آخر"(4)، وأورد له شاهداً واحداً هو قول المتنبى :
... نَهَبْتَ مِنَ الأَعْمَارِ مَا لَوْ حَوَيْتَهُ ... ... لَهُنِّئَتِ الدُّنْيَا بِأَنَّكَ خَالِدُ(5)
... يقول البحرانى :" فأوله مدح بالشجاعة وآخره مدح بعلو الدرجة "(6)والشيخ البحرانى تتبع فى حديثه عن الاستتباع أثر الرازى والسكاكى(7).
... وقد عرّف القزوينى الاستتباع بقوله : " هو المدح بشيئ على وجه يستتبع المدح بشيئ آخر "(8)
... والمعنى يكاد يكون واحداً مع اختلاف الألفاظ قليلاً ، فليس للبحرانى سوى التسمية(9).
5- التوجيه :
... سماه البحرانى "المحتمل للضدين" وهو " أن يكون الكلام محتملاً للمدح والذم على السواء"(10)، كقوله بشار :
__________
(1) فى كتابه الآخر الموسوم بـ "مقدمة شرح نهج البلاغة" (الإبهام) بالباء وهو ظاهر التصحيف . ص138 ، ومفتاح العلوم ص 427 ، ونهاية الإيجاز ص 205 .
(2) سورة الزمر ، آية : 67 .
(3) راجع الحديث فى : فتح البارى بشرح صحيح البخارى " كتاب المظالم والغضب " الحديث رقم 2443 حـ 5 ص 117 - دار الريان .
(4) أصول البلاغة ص 88 .
(5) فى نهاية الإيجاز "جمعت" بدل "نهبت" ، والنهب : أخذ الشئ قهراً ، ( ديوان المتنبى ص321 ، والتبيان ص 497).
(6) أصول البلاغة ص 88 .
(7) نهاية الإيجاز ص 206 ، ومفتاح العلوم ص 428 .
(8) الإيضاح ت د/ خفاجى 78/6 .
(9) سماه الرازى "الموجَّه" . (نهاية الايجاز 206 )
(10) أصول البلاغة ص 89 .(1/52)
... ... خاَطَ لِى عَمْروٌ قِبَاءً ... ... لَيْتَ عَيْنَيْهِ سَوَاءُ(1)
... وقد أخذ ابن القيم(2)هذه التسمية وعرفه بنفس التعريف مع تغيير طفيف ، بينما سماه السكاكى(3)"التوجيه" واستشهد بنفس الشاهد .
6- تجاهل العارف :
... لم يعرفه البحرانى ، وإنما اكتفى بإيراد الشواهد له ، منها قوله تعالى : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلاَلٍ مُبِين }(4). وقول المتنبى :
... أَرِيقُكَ أَمْ ماءُالْغَمَامَةِ أَمْ خَمْرُ ... ... بِفِىَّ بُرُودٌ وَهْوَ فِى كَبِدِى خَمْرٌ(5)
... وقد تحدث السكاكى عن هذا النوع ، ورفض تلك التسمية واستعاض عنها بـ "سوق المعلوم مساق غيره" يقول : " ولا أحب تسميته بالتجاهل "(6).
7- رد العجز على الصدر :
... سار فيه على درب الرازى وعرفه بقوله : "هو كل كلام وجد فى نصفه الأخير لفظ يشبه لفظا موجوداً فى نصفه الأول"(7)وقسمه إلى أقسامه المعروفه عند المتأخرين مورداً شواهد لكل قسم ، من هذه الشواهد قول الخليع الدمشقى :
... سُكْرَانِ : سُكْرُ هَوًى وَسُكْرُ مَدَامَةٍ ... ... أَنّى يُفِيقُ فتًى بِهِ سُكْرَانِ(8)
... وجعله من النوع الذى يتفق لفظا الصدر والعجز صورة ومعنى ، ويكونان طرفين ، الأول فى أول الكلام والثانى فى آخره(9).
... والراجح أن "رد العجز على الصدر" اصطلاح جديد لابن المعتز لم يسبق إليه، وقد سار على دربه أبو هلال وابن رشيق الذى أطلق عليه "التصدير"(10).
__________
(1) ديوانه ص 12.
(2) الفوائد المشوق ص 165.
(3) مفتاح العلوم ص 427 .
(4) سورة سبأ ، آية : 24 .
(5) ديوانه ص 62 وأصول البلاغة ص 89 .
(6) مفتاح العلوم ص 427 .
(7) أصول البلاغة ص 48 .
(8) البيت فى الطراز من 390 ، والإيضاح ت د/ خفاجى 103/6 ، والإكسير ص 328 .
(9) أصول البلاغة ص 48 .
(10) الصناعتين ص 429 ، والعمدة 3/2 ، والبديع ت د/ خفاجى 140 .(1/53)
... يقول عنه أبو هلال : " لرد الأعجاز على الصدور موقعاً جليلاً من البلاغة ، وله فى المنظوم خاصة محلاً خطيراً"(1).
... ويقول عنه ابن رشيق : " ويكسب البيت الذى يكون فيه أبهة ، ويكسوه رونقاً وديباجة ، ويزيده مائية وطلاوة"(2).
... ويكفى أن ابن المعتز جعله من البديع وأشاد به وأورد له شواهد عديدة من القرآن الكريم ، وكلامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأشعار العرب(3).
... والبحرانى قد تأثر فيه بالرازى ، واستشهد بأكثر شواهده ، ونوعه إلى أنواع عديدة لا تخرج عما قاله سابقوه .
... أما ابن سنان الخفاجى ، فقد عثرت له على بيت ذكره المتأخرون ضمن شواهد "رد العجز على الصدر" ، وذلك عند حديث ابن سنان عن "الاستدلال بالتمثيل" واستشهاد بقول المعرى :
لَوِ اخْتصرْتُمْ مِنَ الإِحْسَانِ زُرْتُكُمُ ... ... وَالْعَذْبُ يهجرُ للإِفْراَطِ فِى الخصَر(4)
وعلى ما يبدو أن سنان لم يعرفه ، ولكنه استشهد به "للتمثيل" ضمن شواهد أخرى .
8- الاقتباس :
... عرفه البحرانى بقوله : " هو أن تدرج كلمة من القرآن أو آية منه فى الكلام، تزيناً لنظامه"(5)كقول ابن شمعون فى وعظه : " اصْبِرُوا عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَصَابِرُوا عَلَى الْمُفْتَرضاتِ . وَرَابِطُوا بِالْمُرَاقِبَاتِ . وَاتَّقُوا اللَّهَ فِى الْخَلَواتِ . تُرْفَعُ لَكُمُ الدَّرَجاتُ "(6).
__________
(1) الصناعتين ص 429 .
(2) العمدة 3/2 .
(3) البديع ص 140 .
(4) سر الفصاحة ص 275 وراجع شروح التلخيص 141/4 .
(5) أصول البلاغة ص 84 ، ألف الثعالبى فى الاقتباس كتاباً مطبوعاً وسمه بـ (الاقتباس من القرآن الكريم) . ت د/ ابتسام مرهون ، د/مجاهد مصطفى ـ ط1 .
(6) قول ابن شمعون مقتبس من قوله تعالى : { يَا أَيُّها الَذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا ورَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } (آل عمران ، آية : 200) أصول البلاغة ص 84 .(1/54)
... والواضح من تعريف البحرانى أنه يخرج غير القرآن ، مع أن الاقتباس يشمل القرآن والحديث النبوى ، يقول العلامة القزوينى : "الاقتباس هو أن يضمن الكلام شيئاً من القرآن أو الحديث لا على أنه منه"(1)
... وقد أدرك أستاذى الدكتور مُحمّد شادى أن "الاقتباس فن وُجد متأخراً عن غيره من الفنون ، لا لأنه اقتباس من القرآن أو الحديث فحسب ، ولكن أيضاً لأنه ظاهرة لا تنشأ إلا فى بيئة يسودها الفراغ ويقل فيها الورع ، ويغلب على أساليبها الصنعة التى لا تخلو فى الغالب من تكلف"(2)
وبعد ...
... فهذه هى الألوان البديعية التى انفرد بها البحرانى ، ولم أعثر عليها عند ابن سنان ، وقد راعيت فى عرضها الإيجاز ؛ اتباعاً لطريقة البحرانى نفسه فى كتابه .
خلاصة علم البديع بين البحرانى وابن سنان :
أولاً :
... ظل علم البديع حتى ابن سنان الخفاجى كغيره من علوم البلاغة الأخرى يطلق أحياناً ويقصد به الاستعارة والتشبيه والجناس والسجع حتى جعله بدر الدين بن مالك علماً مستقلاً .
ثانياً :
... جاء ابن سنان الخفاجى والألوان البديعية متداخلة مع علم المعانى والبيان ، فوزعها تبعًا لخطة ارتضاها هو .
ثالثاً :
... ذكر الخفاجى أن من شروط الفصاحة "المناسبة" ونوعها إلى : "مناسبة عن طريق الصيغة" ، و "مناسبة من طريق المعنى " ، وفى أثناء ذلك درس المحسنات البديعية ووزعها بين اللفظية والمعنوية .
... أما البحرانى فقد درس فنون البديع فى موضعين من كتابه : الأول : جعل من شروط فصاحة الكلام أن تتوافر فيه المحسنات اللفظية . والثانى : عند حديثه عن النظم جعل منه "النظم المتضمن ألواناً من البديع".
رابعاً :
__________
(1) معنى "لا على أنه منه" أى على وجه لا يشعر بأنه من القرآن أو الحديث بأن لا يقول : قال الله ، وقال الرسول . (الإيضاح ت د/ خفاجى 137/6).
(2) من وجوه تحسين الأساليب ص 196 .(1/55)
... تأثر الخفاجى فى البديع بطريقة قدامة ، كما تأثر فى بعض الألوان بالعلامة الآمدى ونقل عنه أكثر الشواهد من الموازنة .
... أما البحرانى فمع تأثره بالرازى إلا أن له رأيا خاصاً فى شواهده حيث شرح نهج البلاغة للإمام على ، واستشهد بكلامه ـ عليه السلام ـ مما خلا منه مؤلف الرازى.
خامساً :
... اختلفت طريقة ابن سنان فى دراسته لعلم البديع عن البحرانى ، فبينما نجد الخفاجى يُعرِّف ويشرح ، ويُكثر من الشواهد على اختلاف أنواعها ، ويذكر الآراء مؤيداً أو معارضاً ، نجد البحرانى يكتفى بذكر التعريف ، وإيراد الشواهد له دون أى تعليق اللهم إلا فى القليل النادر .
... ولعل السبب فى ذلك يعود إلى الهدف من دراسة كل منهما والمنهج الذى اتبعاه، كما سأبين ذلك فى الفصل القادم إن شاء الله .
سادساً :
... مع تفرقة ابن سنان بين اللفظ والمعنى إلا أنه يربط بينهما برباط متين ، فعند حديثه عن فصاحة الألفاظ لا ينسى ما للمعنى من أثر بالغ فى أصل الفصاحة.
... وأكبر شاهد على ذلك أنه عند حديثه عن الجناس والسجع ـ وقد جعلهما من المناسبة بين الألفاظ من طريق الصيغة ـ يقول عن السجع مثلاً : " والمذهب الصحيح أن السجع محمود إذا وقع سهلاً متيسراً بلا كلفة ولا مشقة ، وبحيث يظهر أنه لم يقصد فى نفسه ، ولا أحضره إلا صدق معناه دون موافقة لفظه "
... أما البحرانى فليس أقل من الخفاجى فى الاحتفال بالمعنى ويكفيه أن جعل بعض هذه الألوان من شروط فصاحة الكلام وبعضها من النمط العالى من النظم أو النظم المتضمن ألوانا من البديع على طريقة شيخ البلاغيين عبد القاهر.
سابعاً :
... رفض ابن سنان التفرقة بين الطباق والمقابلة ، فأدخل بعض شواهد المقابلة فى الطباق ، فلم يهتم بالمصطلحات قدر اهتمامه بتحقيق التناسب .
... أما البحرانى فمع تعريفه للطباق والمقابلة كل على حدة إلا أنه كابن سنان خلط بينهما عند التطبيق .
ثامناً :(1/56)
... ذكر ابن سنان "المبالغة" ، وآراء العلماء فيها ، واختار مذهب من يحمدها ويختارها بشرط أن يستعمل فى ذلك كاد وما جرى فى معناها ؛ ليكون الكلام أقرب إلى حيز الصحة ، وقد توسع فى مفهوم المبالغة حين أدخل فيها بعض شواهد "تأكيد المدح بما يشبه الذم" . ...
... أما البحرانى فقد ذكر نوعاً واحداً من أنواعها هو "الإغراق" وسماه "الإغراق فى الصفة".
تاسعاً :
... ذكر ابن سنان "السجع" وعرّفه ، وبين موقف العلماء منه ، وقسم "الفواصل" ، وعاب على رفض الرّمانى للسجع فى القرآن والاستعاضة عنه بمصطلح "الفواصل"؛ لأن السجع أخص من الفواصل ، فمن الفواصل ما يكون سجعاً ، ومنه ما لا يكون ، وقد حاول ابن سنان التوفيق بين المؤيدين والمعارضين لوجود السجع فى القرآن، ثم يذكر شواهد عديدة موزعة بين الحسن والقبح ، وهذه الشواهد تدل على معرفته بأنواع السجع المختلفة وإن لم ينص على ذلك .
... أما البحرانى : فقد قسم السجع بتقسيم المتأخرين ، واستشهد له ، وأفرد للترصيع حديثاً خاصاً ، معضداً ذلك بشواهد عديدة ، أكثرها من كلام الإمام على بالإضافة إلى بعض شواهد القرآن ، وكلام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وفصحاء العرب .
عاشراً :
... واضح من جعل الخفاجى الألوان البديعية من شروط الفصاحة ، أنه يجعل هذه الألوان ذاتية ـ ليست بالعرضية ـ كأكثر البلاغيين .
... كما نجد ذلك عند البحرانى الذى جعل بعضها مندرجاً تحت شروط فصاحة الكلام ، وبعضها الآخر من النظم .
أخيراً ...
... انفرد ابن سنان بالحديث عن بعض الألوان البديعية التى لم يشر إليها البحرانى كالإرصاد والترصيع ، وصحة التفسير والتقسيم ، وحسن الابتداء والتخلص .
... كما انفرد البحرانى هو الآخر ببعض الألوان التى لم أعثر عليها عند ابن سنان مثل مراعاة النظير ، والتورية ، وتجاهل العارف ، والاقتباس وغيرها من الألوان الأخرى .(1/57)
- 1 -
المنهج البلاغى بين البحرانى والخفاجى(1):
... يُعدُّ هذا الفصلُ خلاصة مركزة للبلاغة بين البحرانى والخفاجى حيث يميطُ اللثامَ عن جوانبَ عديدةٍ فى مؤلفاتِهما ، ويحاولُ الوقوفَ على طريقةِ كل منهما فى التأليف .
... ولذلك سأعرض فيه لنقاط ثلاث :
الأسلوب ... / ... والمنهج ... / ... والتأثر والتأثير
مع تفصيل لا مفرّ منه يكشف عن قيمةِ كل منهما وأثره فى الدرسِ البلاغىّ.
- أ - الأسلوب :
... حارتْ أقلامُ المحدثينَ الذين اعتَنَواْ بـ "سر الفصاحة" فى بيان نوعِ أسلوبِ ابن سنانِ فى كتابتهِ وتأليفهِ ، فبينما يرى بعضُهم أنه "أسلوبٌ أدبىٌّ علمىٌّ ممتازٌ لا يطغى فيه ذوقُ الأديبِ على ذوق العالمِ ، كما طغى فى أسلوب عبد القاهرِ ، ولا يطغى فيه ذوق العالمِ على ذوق الأديبِ كما طغى فى أسلوب السكاكىّ من بعده"(2).
... يرى آخرون أنه " عالمٌ يحكمُ عقلَه ، وليس ناقدًا يحكمُ ذوقَه"(3)كما أن هناك من صرّح بأن أسلوبَه "قريبٌ من أساليبِ المتكلمينَ"(4).
__________
(1) للدكتور عبد العاطى علام عُنوان شبيه بهذا وهو "المنهج البلاغى بين عبد القاهر وابن سنان" وقد أخذت هذا العنوان عنه ، وعناوين أخرى .. راجع البلاغة بين عبد القاهر وابن سنان ص311 .
(2) الشيخ عبد المتعال الصعيدى فى مقدمة "سر الفصاحة" ص (د) ـ و د/ خفاجى 250/5 من الإيضاح ـ و د/ حفنى شرف فى كتابه : إعجاز القرآن البيانى بين النظرية والتطبيق ص 86 ـ وأ د/ على العمارى فى "هدية مجلة الأزهر شوال 1419 ص 70 .
(3) د/ محمد زغلول سلام فى : النقد العربى من القرن الخامس إلى القرن العاشر الهجرى ص 263 ط/دار المعارف 1964 .
(4) د/ خفاجى 212/5 من الإيضاح ، وراجع : قضية اللفظ والمعنى وأثرها فى تدوين البلاغة العربية د/على العمارى ص 350 ـ مكتبة وهبة ـ ط1 .(1/1)
... ويقول د/ سامى الدهان " وأسلوبُ ابن سنان فى الكتابةِ هو أسلوبُ الفحولِ فى النثرِ ، ليس فيه سجعٌ ولا التزامٌ ، وإنما هو رقيقٌ فصيحٌ بليغٌ كأجملِ ما تكون الأساليبِ النثريةِ"(1).
... ويقول أ/ كامل الفقى "لم يكنْ الخفاجىُّ فى "سر الفصاحة" ، جافاً يذكر القواعدَ والأصولَ المجردةَ ، وإنما كان مجارياً من سبقَه من مؤلّفى ذلك العصر الذين لم يعكفوا على الأسلوب العلمىّ المحضِ ، بل دعَّموهُ بالتمثيلِ الأدبىَّ الرائعِ ، وإنك لتلمحُ هذه الظاهرةَ فى كتابِه ، فتراهُ يحملك على الإعجابِ به ، والتصديقِ لما ذهبَ إليه ، بارعًا فى تصويره ، محكمًا فى قياسِه"(2).
... ولعل هذا الخلافَ ناتجٌ عن تصفح بعض الكتاب دون بعض ، فمن يرى أن أسلوبَ ابن سنان "علمىٌّ أدبى"(3)، نظرَ نظرةً عامةً متعجلةً ينقصها التريثُ والتمهلُ قبلَ الحكمِ.
... ومن أدركَ أنه أسلوبٌ علمى فقد اطلع على أكثر الكتاب ، وغلّب الكثير فيه على القليل منه .
... أما من قال بأن أسلوبَه "فلسفىٌ" فقد حكمَ عليهِ من خلال القسمِ الأولِ من كتابِه والخاصّ بحديثِه عن الأصواتِ .
__________
(1) راجع د/ خفاجى الإيضاح 250/2 نقلا عن قدماء ومعاصرون د/ سامى الدهان ص 87 .
(2) مجلة الأزهر ص 189 (سنة 1362 هـ ـ مج 14 جـ 4 ـ ربيع ثان).
(3) ومنهم أيضاً د/ خفاجى فى كتابه "الخفاجيون فى التاريخ" ص 120 .
ود/ حامد صادق فى " المشاهد فى القرآن" ـ دكتوراه ص 532 .(1/2)
... وأيّما كان الأمر فأرجح أن يكون "أسلوبُ ابن سنان علمياً بحتاً لا أثر فيه لذوقِ الأديبِ إلاّ نادرًا ، إذ كان استخدامُ الألفاظِ عندَه بقدرِ الفكرةِ ، دون اتساعٍ ، وعندهُ قدرةٌ على تجريدِ الأفكارِ وصبِّها فى قالبِ لفظىِّ على قدِّها ، دونَ زيادةٍ أو فسحةٍ من التعبيرِ أو التصويرِ ، بل إن بعض فصولِ كتابِه ، كالفصلِ الذى عقَدهُ للأصوات ، وهو أوَّلُ الفصولِ ينزعُ فيه نزعةً فلسفيةً "(1).
... فأسلوبُ ابن سنانِ فى مجموعِه أسلوبٌ علمىٌّ ، وإن لَمْ يَخْلُ فى بعضِ النصوصِ من الصفاتِ الأدبيّة المعروفةِ .
... يقولُ ابن سنان : "الصوتُ معقولٌ ؛ لأنه يُدْرَكُ ، ولا خِلاَفَ بين العلماء فى وجود ما يدرك ، وهو عرضٌ وليس بجسمٍ ، ولا صفةَ لجسم ، والدليلُ على أنه ليس بجسمٍ ، أنه مُدْرَكٌ بحاسّةِ السمعِ ، والأجسام متماثلة ، والإدارك إنما يتعلق بأخصِّ صفات الذواتِ"(2).
... فأسلوبُ ابن سنان فى النص السابق علمىٌّ يميل فيه إلى طريقة الفلاسفة فنراه يُردد ألفاظ مثل "الجسم ، والإدراك ، والعرض" وهى من صَميم الدراسات الفلسفية . وفى قوله :
" إن من وضعِ الألفاظِ موضعها ألا يكونَ فى الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ حتى يؤدى ذلك إلى فسادِ معناه"(3)، تجد أن ألفاظه مستخدَمَةٌ لتؤدى الفكرةَ فحسب دون زيادةٍ أو فسحةٍ من التعبيرِ .
... وهذا ما جعل أحدُ الباحثين يقول : " ولذلك مالت مصطلحاتُهُ أو أكثرُها إلى التحديد ، واتجهت نماذجُه إلى التدقيقِ والجمع"(4).
__________
(1) أ. د/ محمد شادى فى كتابه "نشأة البلاغة وأصول علم المعانى" ص 130 .
(2) سر الفصاحة ص 16 ، وراجع الفصل الخاص بحديثه عن الأصوات .
(3) السابق ص 111 وأكثر الكتاب على ذلك .
(4) راجع : مناهج البحث البلاغى فى الدراسات العربية / د/ عبد السلام عبد الحفيظ ص 251 ط/ دار الفكر العربى عام 1978 .(1/3)
... أما المواضعُ التى يمكنُ إدراجُها تحت الأسلوبِ الأدبىّ وهى نادرةٌ فى كتابه ، ففى قولِه مثلاً عند تعليقه على استحسان الآمدىّ لاستعارةِ امرئ القيس:
" وهذا الذى قالَهُ أبو القاسمِ لا أَرْضَى به غايةَ الرّضَى ، ولو كنتُ أسكنُ إلى تقليدِ أحدٍ من العلماءِ بهذه الصناعةِ أو أجنحٌ إلى اتّباعِ مذهبه من غير نظرِ وتأمل لم أعدلْ عما يقولُه أبو القاسِم ؛ لصحةِ فكرِه وسلامةِ نظره ، وصفاءِ ذهنه ، وسعةِ علمه ، لكننى أغُلِّب الحقَّ عليه ، ولا أتَّبِعُ الهوى فيما يذهَب إليه"(1).
... ومنها قوله ـ أيضًا ـ يعلق على بيت مسلمِ بن الوليد :
" ولولا أن هذا البيتَ مروىٌ لمسلمٍ وموجودٌ فى ديوانِه ، لكنتُ أقطعُ على أن قائلَه أبعدُ الناسٍ ذهنًا ، وأقلُهم فهمًا ، وممن لا يُعد فى عقلاء العامة فضلاً عن عقلاءِ الخاصة ، لكنّى أخالُ خطرةً من الوسواس ، أو شعبة من البِرْسَام عرضت له وقتِ نظم هذا البيت ، فليته لما عاد إلى صحة مزاجه وسلامة طباعه جَحِدَهُ ، فلم يعترفْ به ، ونفاهُ فلم يُنْسَب إليه "(2).
... وهذه النصوص تكاد تكونُ نادرةً بالموازنةِ مع أسلوبِه العلمى الذى غلب على أكثر كتابه .
أما البحرانىُّ :
... فلا خلاف فى أن أسلوبَه ، أسلوبُ عصره الذى غُذّى بلَبَانِهِ فهو تلميذُ الرازىّ والسكاكىّ عميد الفلاسفة ، وهو وليد القرن السابع الذى خرّج لنا حازم القرطاجنى.
... فالبحرانىُّ غلب على كتابه الطابعُ الفلسفىُّ ، والطريقةُ العلميةُ البحتةُ ، ومع أنه يُؤلِّفُ فى البلاغةِ التى تُعنَى بالذوقَ ، إلا أنّهُ آثرَ الرؤيةَ الفلسفيةَ فى علاجهِ للمسائِل البلاغية ، فقد كان يضعُ القاعدةَ مجتلباً لها الشواهدَ على طريقة أهل اللغة والفلاسفةِ.
__________
(1) سر الفصاحة ص 122 .
(2) سر الفصاحة ص 104 ، والبِرْسام : ذات الجنب ، وهو التهاب فى الغشاء المحيط بالرئة . (راجع : لسان العرب ، والمعجم الوسيط).(1/4)
... ولذلك لا نجد فى أسلوبه تحليلاً أدبيًّا لآية قرآنيةٍ أو بيت من الشعرِ اللهم إلا عند شرحهِ لنهج البلاغةِ ، فقد أكثر فيه من الشرحِ والتحليلِ ومع ذلك ظلّ أسلوبه علميًّا غارقًا فى الفلسفةِ والجدلِ على طريقةِ عصرِه .
... تأثر بطريقةِ الرازىّ الرياضيةِ ـ عند تلخيصه لكتابى عبد القاهر ـ فراح يشعّب المسألة الواحدة إلى عدة مسائل تندرج تحتها ، فجاء أسلوبُه خاليًا من الناحية الفنية والأدبيةِ ، يشوبُه الغموضُ أحيانًا ، وليته تأثر بأسلوبِ نادرةِ العصر العلامة عبد القاهر .
... ولعل من الخير الآن أن أذكر بعض الأمثلة من كتابه تؤكد صحة ما ذهبت إليه ، يقول البحرانى فى أول سطر من كتابه :
" وبعد : فهذه أصول فى علم البلاغة جردتها من الحشو المذموم وضبطتها بالحدود والرسوم "(1).
... ويقول فى موضع آخر :
" موضوع علم الفصاحة هو الكلام الدال على معناه بإحدى الدلالات الثلاث "(2).
... ومن المواضع التى يغمض فيها أسلوبه وطريقة عرضه قوله :
" إذا عبر عن الشيئ باللفظ الدال عليه على سبيل الحقيقة حصل تمام العلم ، فلا تحصل اللذة القوية ، أما إذا عبر عنها بلوازمها الخارجية عرفت لا على سبيل الكلام، فتحصل الحالة المذكورة ، التى هى كالدغدغة النفسانية"(3).
... والمهم أن أسلوب ابن سنان فى مجموعه علمىٌّ إلا فى مواضع نادرة .
... أما البحرانى فأسلوبه فلسفى نحا فيه نحو علماء عصره ، وخاصة الرازى والسكاكى .
- ب - الموازنة بين المنهجين :
... فى بادئ الأمر أقول إن هناك أوجه اتفاق واختلاف بين منهج البحرانىِّ والخفاجىِّ بوجه عام .
__________
(1) أصول البلاغة ص 33 .
(2) المصدر السابق ص 36 .
(3) السابق ص (100) عند حديثه عن الداعى إلى التكلم بالمجاز .(1/5)
... ولكن يبدو أن هذا الكلام لا يمكن إطلاقه على عمومه بل من المهم الموازنة بينهما فى نقاط هامة ، تبرز طريقة كل منهما وغرضه من مؤلفه ، والمنهج الذى ارتضاه ، ثم موقف كل منهما من آراء غيره ، وأخيراً الناحية التطبيقية ، أو بعبارة أدق : الشواهد التى تعرض لها كلٌّ منهما وتنوعها ، واختلافها قلةً وكثرةً وسبب ذلك.
... أولاً : ابن سنان :
1- الهدف والمنهج :
... لقد رسم ابن سنان لنفسه طريقًا لاحبًا يترسم معالمه ، واتخذ لنفسه منهجًا متميزًا لم يشاركه فيه غيره ، ولم تكن تلك الطريقة وذاك التميز إلا وليد ثقافة ، غُذّيتْ بقراءات متشعبة ، فلقد كان نهمًا ، هضم ألوانًا من الثقافات وأتى على كل طارفٍ وتليد فى العربية ، فلم يترك مؤلفًّا إلا قرأه بل وهضمه واستوعبه ، فجاء بنتائج أفادت البلاغة والبلاغيين من بعده .
... وقد بدأ كتابه بعرض الهدف منه يقول : "فإنى لما رأيت الناس مختلفين فى مائية الفصاحة وحقيقتها ، أودعتُ كتابى هذا طرفًا من شأنها وجملة من بيانها"(1).
... لقد كان الخفاجى واضحاً فى تحقيق هدفه ، عانى كثيرًا حتى وصل إلى حقيقة الفصاحة .
__________
(1) سر الفصاحة ص 13 .(1/6)
... ولا عبرةَ بما قالهُ أحدُ الباحثينَ من أنَّ هذا المؤلَّفَ " كان جديرًا به أن يسمى "سرُ البلاغةِ" بناءً على أفكارِ صاحبهِ فيه ، وموضوعاتِه التى ضمَّنَها إياهُ"(1)؛ لأن الخفاجىَّ كان يُدركُ أن الفصاحةَ هى التى دارَ حوْلَها الخلافُ ملاحظًا ما شاعَ فى بيئة المعتزلة منذ القرنِ الرابعِ الهجرىِّ من تعليلِ إعجازِ القرآنِ بفصاحتِه(2)، كما أن ابن سنان "قد نوّهَ بفائدةِ الوقوفِ عليها فى معرفةِ نظم الكلامِ ونقدِه ، وتبيين خصائصِه الجيدةِ والرديئةِ وفى معرفةِ بلاغةِ القرآنِ ... ، سواءً لمن يرى أن القرآنَ خرق العادةَ بفصاحتهِ ، ومن يرى أن العربَ صُرفوا عن معارضتهِ ، أمَّا الأولونَ فيتبينونَ وجهَ إعجازهِ وأما الثانونَ فيتحققونَ مما يَزْعُمُونَ"(3).
... ولهذا كله جاء منهجُهُ خادمًا لغرضِه ، حيث مهَّدَ للحديثِ عن الفصاحةِ بعدةِ فصولٍ عن "الصوتِ والحرفِ والكلمةِ والكلامِ واللغةِ " ، وهو يَعْرِضُ ذلك فى سطورٍ قليلةٍ ، يقولُ :
" ونحن نذكُر قبل الكلامِ فى معنى الفصاحةِ نُبَذًا من أحكامِ الأصواتِ والتنبيهُ على حقيقتِها ، ثم نذكُر تقطَّعها على وجهٍ يكونُ حروفًا متميزةً ، ونشيرُ إلى طرفِ من أحوال الحروفِ فى مخارِجِها ، ثم ندلُّ على أن الكلامَ ما انتظمَ منها ، ثم نتبعُ ذلك بحالِ اللغةِ العربيةِ وما فيها من الحروفِ ، وكيف يقعُ المهمل فيها والمستعملُ ، وهل اللغة فى الأصلِ مواضعةٌ أو توقيفٌ ، ثم نبينُ بعدَ هذا كلِّه وأشباهه مائية الفصاحةِ"(4).
__________
(1) مناهج البحث البلاغى د/ عبد السلام عبد الحفيظ ص 224 .
(2) راجع البلاغة تطور وتاريخ د/ شوقى ضيف ص 152 ، والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل جـ 16 ـ إعجاز القرآن ـ نشر وزارة الثقافة والإرشاد القومى ص 197 .
(3) البلاغة تطور وتاريخ ص 152 ، وسر الفصاحة ص 14 ، ومقدمة أسرار البلاغة ت د/خفاجى 60/1.
(4) سر الفصاحة ص 14 .(1/7)
... والحقيقة التى لا مراءَ فيها أن ابنَ سنان قد وفَّى بوعده حيث ذكر ذلك منظمًا مرتبًا بدأه بالصوت فالحرف فالكلمة ... الخ ، ولعله بهذا يسيرُ فى الاتجاهِ الصحيحِ للبلاغةِ التى تهتمُّ بالنظم والتأليفِ.
... وكل ما يمكن أن يؤخذَ عليه فى التمهيد الذى عقدهُ للحديث عن الأصوات والحروف وما تبعَ ذلك هو " أنه لم يحاولْ أن يربطَ ربطًا فعالاً بين خصائص الأصواتِ والحروفِ وبين الفصاحة والبلاغة"(1)، فقد جاءت دراستُه جافةً أشبهُ بدراساتِ اللغويينَ والفلاسفةِ ، مما جعل الشقَّ الأولَ من الكتاب كأنه ليس منه ، فالأسلوبُ جافٌّ ، خالٍ من الجمال ، والعرضُ يَشوبُه التعقيدُ والالتواءُ أحياناً .
... ومع هذا فقد كانت لهذهِ الفصولِ أهميةٌ عظيمةٌ حيثُ مهدتْ للحديثِ عن الفصاحةِ التى تعنى عندهُ الظهورَ والبيانَ ، والتى هى الغايةُ من تأليف كتابِه.
... وقد عرَّفَ الفصاحة ، مُوردًا لها شواهدَ عديدة غير فارقٍ بينها وبين البلاغةِ والبيانِ ، كما ظن ذلك بعض البلاغيين(2)، الذين أمسكوا بطرف الكلام دون تتبع مجموعه ، حيث عرف الفصاحةَ بما تدلُّ عليه البلاغةُ ، مما هو مذكورٌ فى مكانِهِ من الفصل الأول من هذا البحث .
... ثم ينتقل من ذلك إلى الحديثِ عن الفصاحة فى اللفظة المفردة ، وقد وضع لذلك شروطا عدة(3)متى تكاملتْ فلا مزيدَ على فصاحة تلك الألفاظ ، وبحسب الموجود منها تأخذُ القسطَ من الوصف ، وبوجود أضدادها تستحق الإطراحَ والذمَّ(4).
__________
(1) البلاغة الصوتية فى القرآن الكريم أ.د/ محمد شادى ص 17.
(2) د/ شوقى ضيف فى كتابه " البلاغة تطور وتاريخ " ص 153 ، د/ رجاء عيد فى كتابه "فى البلاغة العربية ص 8 ، و د/ بدوى طبانة فى كتابه " البيان العربى" ص 174 ، وغيرهم .
(3) سر الفصاحة 64-92 .
(4) المصدر السابق نفس الصفحة .(1/8)
... ثم يتبع ذلك بالضرورة الكلامَ فى الألفاظ المؤلَّفة "فصاحة الكلام" ، وقد وضع لذلك شروطاً عدة ، وأدرك أن منها ما تشترك فيه الألفاظُ وهى " اجتنابُ تكرارِ الحروفِ المتقاربةِ ، وأن يكون التأليفُ جاريًا على العرفِ العربىِّ الصحيحِ ، وألا يكون التأليفُ قد عُبِّر به عن أمْرٍ آخرَ يُكْرَهُ ذكرُه" .
... ومن هذه الشروط ما يختصُ بالتأليف وحدَه وينفرد له ، فيرجع إلى الألفاظ وحدها أو مشتركٌ مع المعانى.
فما يختص بالتأليف(1)من الأصول والمقامات :
... وضع الألفاظِ موضعها حقيقة أو مجازًا ، ومن وضع الألفاظ موضعها : التقديمُ والتأخيرُ ، والاستعارةُ ، والحشوُ ، والمعاظلةُ ، والتسهيمُ ، وألا يعبر عن المدح بألفاظ الذم أو العكس ، وحسن الكناية ، وعدم استخدام الألفاظ العلمية والاصطلاحية .
... ومن شروط الفصاحة والبلاغة الخاصة بالتأليف : المناسبةُ بين الألفاظ(2)، وهى عنده : 1- مناسبةٌ بين الألفاظ من طريق الصيغة : ومنها : مراعاةُ النظير ، والسجع ولازدواج ، وحسن الابتداء ، والترصيع ، والتصريع ، واللف والنشر ، والجناس . 2- ومناسبةٌ بين الألفاظ من طريق المعنى(3)، ومنها الطباق والمقابلة .
... والشرط الثالثُ من شروط الفصاحة والبلاغة الخاصة بالتأليف : الإيجازُ وحذفُ فضول الكلام(4)، ويستلزمُ ذلك منه التعرضَ للإطنابِ ، ولم ينكرْه كما ادّعى البعض ، ولكنه قَبِلهُ بِشُروُطٍ(5).
__________
(1) سر الفصاحة ص 111 .
(2) السابق ص 169 .
(3) السابق ص 199 .
(4) السابق ص 205 .
(5) راجع ص : 132 من البحث .(1/9)
... ثم ينتقل ابن سنان إلى الشرط الرابع من شروط الفصاحة والبلاغة الخاصة التأليف : "وضوح المعنى"(1)، فيبين الأسباب التى لأجلها يغمضُ الكلامُ حتى نتجنَبها ، ثم يدركُ بذوقه العالى أن أكثرَ المسائلِ البلاغية تحقيقًا للإيضاح "الإرداف والتتبيع" ، "والتمثيل" ، فيجعلهما من نعوت الفصاحة والبلاغة ، بدليل قوله بعد الحديث عنهما "وهذا كلُّه إنما حَسُنَ لما فيه من الإيضاحِ والإيجازِ"(2).
... ثم يتحدثُ عن المعانى(3)من حيث توجدُ فى الألفاظ المؤلفة المنظومةِ على طريقة الشعرِ والرسائلِ ، وما يجرى مُجراهما ، وأدركَ أن هناك أوصافًا تُطْلبُ من هذه المعانى هى على الترتيب "الصحة والكمال ، والمبالغة ، والتحرز مما يوجب الطعن ، والاستدلال بالتمثيل والتعليل .
... ويذكر من الصحة : الصحة فى التقسيم ، والصحة فى التشبيه ، وصحة الأوصاف فى الأغراض من المدح وغيره ، وصحة المقابلة فى المعانى ، وصحة النسق والنظم "حسن التخلص" ، وصحة التفسير .
... وبعد هذا العرض تكاد ترتاح نفسى إلى أن منهج ابن سنان يمكن تقسيمه على النحو التالى حتى لا يتهمه أحدٌ بالخلل والاضطراب .
تمهيدٌ : الأصواتُ وما تفرّع منها حتى يصلَ إلى تعريفِ الفصاحةِ والبلاغةِ.
الفصل الأول : شروطُ الفصاحة فى اللفظة المفردةِ "فصاحة الكلمة" .
الفصل الثانى : شروط الفصاحة فى الألفاظ المؤلفة " فصاحة الكلام " .
... وهى تتضمن بعض شروط فصاحة الكلمة ، وشروط أخرى خاصة بالتأليف فقط وهى :
1- وضعُ الألفاظِ موضعها حقيقةً أو مجازًا .
2- المناسبةُ بين الألفاظِ ... وتتنوعُ إلى :
... أ - مناسبةٌ من طريق اللفظِ .
... ب- مناسبةٌ من طريق المعنى .
3- الإيجازُ وحذفُ فضول الكلامِ .
4- أن يكون معنى الكلام واضحًا ظاهرًا جليًّا .
الفصل الثالث : الأوصافُ التى تُطلب من المعانى من حيث توجدُ فى الألفاظ المؤلفة وهى :
__________
(1) السابق ص 220.
(2) السابق ص 234 .
(3) السابق نفس الصفحة .(1/10)
... الصحةُ / والكمالُ / والمبالغةُ / والتحرزُ مما يُوجبُ الطعنَ / والاستدلالُ بالتمثيل والتعليل .
خاتمة : وتنقسم إلى :
... 1- فصلُ فى ذكر الأقوال الفاسدةِ فى التفضيلِ بين المتقدمين والمحدثين .
... 2- فصلٌ فى ذكر الفروق بين الشعر والنثرِ وما يقال فى تفضيل أحدهما ... على الآخر .
... 3- فصلٌ فيما يحتاج مؤلفُ الكلامِ إلى معرفتهِ .
... والمهم أنَّ ابنَ سنان كان بارعًا فى منهجه براعةً جعلتْهُ ينتقل بخفة من المقدماتِ حتى يصل إلى النتائجِ ، كما أن هذَا المنهجَ جعلهُ من المتميزينَ المنفردين، فلم يقلّدَ فيه أحدًا ، ولم يُسْبَق بأحد ، ولا عبرةَ بما قالَهُ البعض من أنه قسم كتابَه تقسيم قدامة ، لأنّ الهدفَ عندهما مختلف تماماً ، أو أنه متهم بالتكرارِ وعدم الترتيبِ، فهذا سهو واضح وقع فيه من لم يتأمل منهجه جيدًا ، وسأناقش ذلك فى موضعِه من هذا الفصل(1).
... وأما عن علاقته بقدامة ، فليس من شكٍّ فى أنه تأثر به فى بعض المسائل البلاغية والتى سأذكرها لاحقًا(2)، كغيره من الكثيرين الذين اطلعوا على "نقد الشعرِ".
... إن ابن سنان بحق " استطاع أن يحفرَ اسمَهُ فى تاريخ البلاغةِ وذلك بتوخيه فى تأليف كتابهِ منهجًا يكادُ يكونُ متميزًا عن مناهج السابقين عَنْهُ والمعاصرينَ له.
... وقد أحَسَّ ابن سنان نفسه بهذا التفرد والتميز حين قال : فإذا أعان الله تعالى ويسَّر تمامَ كتابِنا هذا كان مُفْردًا بغير نظيرٍ من الكتب فى معناه"(3).
... نعم لابن سنان الحق أن يفتخرَ بذلك ـ وإن كانت هذه هى المرة الأولى التى يَذكُر فيها نفسه ، فقد تميزَ بالتواضع الشديدِ على عادة العلماء والعظماءِ ، ولكن له الحق أن يفتخر فى هذه المرة بمنهجه وكتابه .
__________
(1) تحت عنوان " ما يؤخذ عليه " .
(2) تحت عنوان "تأثر ابن سنان بمن قبله" .
(3) نشأة البلاغة وأصول علم المعانى أ.د/ محمد شادى ص 124 ، وانظر "سر الفصاحة" ص 15 .(1/11)
... وقد كان ابن سنان يتناولُ المسائلَ البلاغيةَ تناولَ الناقِد البصيرِ يأتى أحياناً بتعريف غيره فى المسألةِ البلاغية ثم يتناولُ هذا التعريف بالشرحِ والتحليلِ تارة أو النقد تارة أخرى ، يأخذ بيد القارئِ متجولاً فى رياض الشعر مكثرًا من الشواهد التى تؤكدُ فكرتَه .
... وقد ضمَّن الخفاجىُّ منهجه حشدًا هائلاً من آراء غيره التى وقفَ أمامَها مؤيداً أو معارِضًا ، كلُّ هذا " بنفس طويلِ وذوقٍ أدبىِّ بارعٍ غير جانح إلى التقليد ولا راغبٍ فى مخالفة العلماءِ"(1)، بل كان يعارضُ فى أدبَ جم وتواضع غير مسبوقٍ به ، تؤيده ثقافةٌ متنوعةٌ ، وعلمٌ غزيرٌ ، وإطلاعٌ واسعٌ حاز به قصب السبق فى مؤلَّفه .
... يقول أ/ كامل الفقى :
" كان ابنُ سنان قوىَّ الحجةِ فى منطقةِ ، يأتى بالدليلِ على ما رآه فيكون مُعجِزًا لا يرى الخصمُ مجالاً لنقدِه ، أو النفاذِ إليه"(2).
2- الجانب التطبيقى " الشواهد" :
... أكثرَ ابن سنان من إيراد الشواهدِ الحسنةِ والقبيحة ـ من وجهة نظره ـ لكل الفنون البلاغيةِ التى ذكرها ، " وأكثرها استقاه من النماذج الأدبيةِ التى عيبتْ أو استحسنتْ قبلَه ، ولكنه لم يقفْ منها موقفَ الناقلِ دائماً ، وإنما وافق على آراء سابقيهِ منها أحياناً ، وعدلَ فى نظرتهم إليها أحياناً أخرى ، وجعلَ نفسه مسئولاً عن كل استحسان لها أو استقباح"(3).
... وقد تنوعتْ عنده هذه الشواهدُ ، واختلفتْ قلةً وكثرةً . فقد ذكرَ الشواهدَ القرآنيةَ ، والأحاديثَ النبويةَ ، والأبياتَ الشعريةَ ، والعباراتِ النثريةَ مما هو مثبتٌ فى مكانه من هذا البحث .
__________
(1) قضية الإعجاز القرآنى د/ عبد العزيز عبد المعطى عرفة ص 476.
(2) مجلة الأزهر أ/ كامل الفقى ص 188 ـ (سنة 1362هـ ـ ربيع ثان مج 14 جـ 4 ) .
(3) مناهج البحث البلاغة د/ عبد السلام عبد الحفيظ ص 244 .(1/12)
... ولكن الملاحَظَ على مؤلَّفِه أن الشواهدَ القرآنيةَ فيه ليست بكثرة الأبياتِ الشعريةِ ، كما أن الأحاديثَ النبويةَ ليست بكثرة العبارات النثرية.
... ولعل السبب فى كثرة استشهاده بالمنظوم ـ مع أنهما يستويان عنده ـ يرجع إلى "كثرة المنظوم واستشهاره ، وأن الوزن يُحسِّن الشعر ويحصل للكلام به من الرونق ما لا يكون للكلام المنثور ويحدث عليه من الطرب فى إمكان التلحين والغناء به ، ما لا يكون للكلام المنثور ، ولهذه العلة ساغ حفظه أكثر من حفظ المنثور ، ... ثم إن الشعر يدخل فى جميع الأغراض كالنسيب والمدح والذم ... والنثر لا يدخل فى جميع ذلك ... وما صلُحَ لجميع ضروب الكلام وصنوفه أفضل مما اقتصر على بعضه"(1).
... أما السبب فى كثرة الشواهد الشعرية على الشواهد القرآنية والأحاديث النبوية، فأرجح أن يكون ذلك بسبب أن ابن سنان قد وزّع الشواهد بين الحسن والقبح خدمة لمنهجه ، والقرآن والحديث النبوى ليس فيهما إلا من النوع الحسن الراقى . أما الشعر والنثر فمختلفان باختلاف قائلهما ، فهناك أشعار حسنةٌ رائعةٌ ، وأخرى قبيحة معيبة ، وكذلك النثر .
... ولعل من الجدير بالذكر أن أذكر هنا أن ابن سنان :
- ذكر { 72 } شاهداَ من القرآن الكريم .
- وذكر { 10 } أحاديث من كلام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
- وذكر { 606 } مثالاً(2)من الشعر .
- وذكر { 72 } مثالاً نثرياً من كلام العرب .
-و ذكر { 1 } شاهداً واحداً من كلام الإمام على .
__________
(1) سر الفصاحة ص 288 .
(2) المثال : يشمل الاستشهاد بالبيت الواحد ، والأبيات المتعددة دفعة واحدة .(1/13)
... هذا وقد ذكر ابنُ سنان سببَ اعتمادِه على التمثيلِ بأشعارِ الفحول بقوله : " إلا أنى أعتمدُ على التمثيل بأشعارِ هؤلاء الفحولِ المتقدمين فى هذه الصناعةِ لأمور أولها : صيانةُ هذا الكتابِ عن تهجينِه بذكر غيرِهم ، وثانيها : أن اللفظةَ التى تُكرَه فى نظمِ هؤلاء الحذاقِ تقعُ فريدةً وحيدةً يظهرُ مباينَتُها لكلامهم ، فالعلم بها واضحٌ وكشفها جلىُّ ... وثالثها : إيثارى أن أعلمك أن مقدمى الفصاحة سامحوا نفوسهم وأصبحوا فى طاعة أهوائهم ليتحقق أن الزلل فى طباع البشر موجود ، والعصمة عن أكثرهم بائنة هذا على ما لى فى طلب ذلك من الكلفة والنضْبِ ، إذ كان قليلاً فى كلامهم ، مغمورًا بمحاسنهم ، وكنت أفتقر إلى تأمل الديوان الكامل حتى أظفر منه بالكلمات اليسيرة فأوردها مثالاً "(1).
... أما عن طريقة تناول ابن سنان للشواهد ، فقد اختلف الأمر عنده بعض الشيئ، فتارة نجده يعدد الشواهد دون التعليق عليها(2)،، وأحيانًا يعلق على مجموعة من الشواهد بتعليق واحد(3)، وأحيانا أخرى يعلق على الشاهد منفردًا ، محللا وناقد ، ومعللاً ، وهذه هى أكثر الطرق فى تناوله للشواهد التى اختارها .
ومنها قوله فى "صحة التشبيه" معلقًا على قول النابغة :
... فَإِنَّكَ كَاللَّيْلِ الّذِى هُوَ مُدْرِكِى ... ... وَإِنْ خِلْتُ أَنّ الْمُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ
__________
(1) سر الفصاحة ص 281 والشعراء الفحول مثل / امرؤ القيس ، والأعشى ، وأبو تمام ، والمتنبى ، وأبو نواس ، وطرفة بن العبد ، والفرزدق ، وعمرو بن كلثوم ، وعنترة ، وغيرهم كثير .
(2) راجع ص 218 من سر الفصاحة ، يعرض سبعة شواهد شعرية للمساواة دون أى تعليق منه عليها .
(3) راجع من ص 248 إلى 250 يورد تسعة شواهد شعرية ويعلق على الجميع بقوله : "وهذه تشبيهات صحاح" ، مكتفيًا بهذه العبارة ، معتمدًا على ذكاء القارئ وفطنته .(1/14)
... يقول : " وهذا التشبيه يجمع المقصودين من الظهور والمبالغة ، أما الظهور؛ فلأن علم الناس بأن الليل لابد من إدراكه له ، أظهر من علمهم بأن النعمان لابد من إدراكه له ، وأما المبالغة فإن تشبيهه بالليل الذى لا يصد دونه حائل أعظم وأفخم وأبلغ فى المدح"(1).
... وإن أردت شاهدًا آخر على ذلك ، فأكثر الكتاب على هذه الطريقة ، وخاصة عند مناقشته للآمدى(2)والجرجانى(3)والصولى(4)فى الاستعارة ، وقد ذكرْتُ هذه الشواهد فى مكانها من هذا البحث(5)بما يغنى عن تكرارها .
... ولقد اعتمد الخفاجى فى طريقة معالجته للنصوص على "الذوق" فى أكثر مواضع الكتاب ، وهو كما يبدو من اختياره لشواهده وتعليقه عليها ، رجل ذو ثقافة واسعة ، استغل اطلاعه أحسن استغلال ، فخلّف لنا كتابًا تفخر به المكتبة البلاغية .
ثانياً : الإمام البحرانى :
... عرضت فى الصفحات القليلة التى مضت منهج ابن سنان وهدفه من تأليف كتابه ، وطريقته التى سلكها فى تأليفه ، ثم أتبعت ذلك بالمنحى التطبيقى عنده ، وطريقة تناوله للشواهد التى استعان بها .
... وحتى تكتمل الغاية من هذا البحث ، فإنى سأتناول فى الصفحات التالية منهج البحرانى وطريقة عرضه ، والمنحى التطبيقى عنده موازنًا بابن سنان .
1- الهدف والمنهج :
... إذا كان ابن سنان قد ألف كتابه لتحديد ماهية الفصاحة .
فإن هدف البحرانى من كتابه "أصول البلاغة" ، يتحدد فى خدمة شرحه "نهج البلاغة" بمقدمة نظرية تشتمل على أصول البلاغة ، وهذا يعكس أهمية البلاغة فى رأيه لشرح كلام الإمام على .
__________
(1) سر الفصاحة ص 247 .
(2) المصدر السابق من ص 122 إلى 124 .
(3) المصدر السابق من ص 127 إلى 135 .
(4) المصدر السابق من ص 140 إلى 145 .
(5) انظر البحث ص 197 .(1/15)
... ومنهج البحرانى فى تتبع هذه الأصول متأثر بالرازى إذ يشتمل تأليفه على مقدمة وجملتين(1)، يعرض فى المقدمة للحديث عن الدلالة ، ثم يُعرِّف بالفصاحة والبلاغة مبينًا موضوع كل منهما ، ثم قسم كتابه(2)إلى جملتين :
الأولى : الفصاحة الخاصة بالمفردات .
الثانية : الفصاحة الخاصة بالنظم والتأليف .
... وهو فى هذا التقسيم يتفق مع ابن سنان الذى ذكر شروطًا لفصاحة المفردات، وأخرى لفصاحة الكلام .
... وفى الجملة الأولى(3)الخاصة بالفصاحة العائدة إلى المفردات يرتبها بطريقة رائعة بادئًا بالصوت فالحرف فالكلمة ، وقد استلزم ذلك منه تقسيم هذه الجملة إلى ستة فصول : ذكر فى الفصل الأول(4): المحاسن المتعلقة بآحاد الحروف وتركيبها ، ومن خلال ذلك يعرض للحديث عن مخارج الحروف وصفاتها ـ على طريقة ابن سنان ـ تمهيدًا للحديث عن فصاحة الكلمة ، فيورد عدة شروط لفصاحة(5)اللفظة أكثرها من الجاحظ وابن سنان(6).
وفى الفصل الثانى(7):
__________
(1) مفاد من أستاذى أ.د/ محمد إبراهيم شادى .
(2) كتاب البحرانى المعروف " بمقدمة شرح نهج البلاغة" موجود بنصه فى شرحه الكبير "لنهج البلاغة "، وهذا الشرح خمسة أجزاء فى أربع مجلدات ، اقتص البحرانى المقدمة من هذا الشرح وجعلها كتابًا أطلق عليه "مقدمة شرح نهج البلاغة" ، القاعدة الأولى من هذه المقدمة اختصرها البحرانى فى كتاب أطلق عليه "أصول البلاغة ".
(3) أصول البلاغة ص 37 .
(4) المصدر السابق نفس الصفحة .
(5) المصدر السابق ص 43 ، 44 .
(6) راجع البيان والتبيين ص 144 جـ 1 ، وسر الفصاحة ص 66 .
(7) أصول البلاغة ص 45 .(1/16)
... يذكر الفصاحة المتعلقة بالكلمات المركبة(1)(فصاحة الكلام) ، " وهى عنده لا تتميز بالفصاحة إلا إذا توافرت فيها ألوان من البديع ، أو ما يسميه المتأخرون بالمحسنات اللفظية ، كالجناس ، ورد العجز على الصدر ، والقلب اللفظى ، والسجع والازدواج ، والترصيع"(2)وقد ذكر محقق الكتاب أنها "ملاحظة جديرة بالتسجيل حيث خلت منها كتب البلاغة"(3)، والصحيح أن البحرانى مسبوق بالإمام الرازى فى هذا ، وقد أدرك الدكتور شوقى ضيف "أن الرازى نفسه متأثر بالوطواط(4)فى كتابه "حدائق السحر فى دقائق الشعر" ، حيث اجتلب منه أكثر الألوان البديعية"(5).
" ومنهج الوطواط العام : أنه يذكر المعنى اللُّغوى للفن أحياناً ، ثم يأتى بالمعنى الاصطلاحى ، ويذكر أمثلة من القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، وكلام البلغاء وعلى رأسهم الإمام على بن أبى طالب ـ كرم الله وجهه(6)ـ ".
... ومنهج الوطواط واستشهاده بكلام الإمام على ، يجعلنى أرجح أن يكون البحرانى قد اطلع على كتاب الوطواط هو الآخر .
وفى الفصل الثالث(7):
... يتحدث البحرانى عن الحقيقة والمجاز مميزاً بينهما ببعض البحوث .
ويفرد الفصل الرابع : للحديث عن التشبيه(8)بأنواعه المختلفة .
وفى الفصل الخامس: يتحدث عن الاستعارة(9)وأقسامها ،
__________
(1) المصدر السابق نفس الصفحة .
(2) أصول البلاغة ص 26 .
(3) مقدمة المحقق فى "أصول البلاغة" ص 26.
(4) هو محمد بن محمد بن عبد الجليل المعروف برشيد الدين الوطواط الذى ينتهى نسبه إلى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ ولذلك قيل له العمرى ، وُلد فى بلخ ومات فى خوارزم سنة 573 هـ (راجع : معجم الأدباء 91/7 ط مرغليوث ط2 سنة 1923).
(5) البلاغة تطور وتاريخ ص 275 .
(6) بحوث بلاغية د/ أحمد مطلوب ص 283 ـ بغداد 1417 - 1996.
(7) أصول البلاغة ص 57 .
(8) المصدر السابق ص 61 .
(9) المصدر السابق ص 66 .(1/17)
ثم يأتى فى الفصل السادس الذى يفرده للحديث عن الكناية(1)والفرق بينها وبين المجاز .
... فالجملة الأولى عند البحرانى ، تحدث فيها عن طائفة من المحسنات اللفظية ، والصور البيانية التى استقرت عند المتأخرين .
... أما الجملة الثانية ، فهى خاصة بالنظم والتأليف(2)، على طريقة ابن سنان والرازى ، وقد عرض فيها البحرانى لمجموعة القواعد الخاصة بالنظم كما صوره عبد القاهر حيث عرض للحديث عن ( التقديم والتأخير والفصل والوصل ، والحذف والإضمار ، والقصر).
... ثم عرض فى نفس الجملة لبعض المحسنات المعنوية ، وهو بصدد حديثه عن النظم المتضمن ألواناً من البديع ، حيث أشار إلى تعلق الجمل بعضها ببعض بألوان من البديع كالطباق والمقابلة والمزاوجة واللف والنشر(3)، وبعض المحسنات المعنوية الأخرى .
... وهو فى حديثه عن "النظم المتضمن ألوانًا من البديع" متأثرُ بالإمام الرازى ، ويرجح أستاذى الدكتور محمد شادى أن يكون الرازى نفسه قد تأثر بابن سنان ، يقول سيادته : "ويذكر لابن سنان أنه جعل من أوصاف الكلام المؤلف "التناسب" وأدرج تحته ما هو أبين اتصالاً بالتناسب وأجدر بتحقيقه سواءً كان لفظيًا أم معنويًا ، كالسجع والازدواج والتصريع والترصيع ، وحسن الترتيب والتجنيس والطباق ، والتبديل والمخالف ، ولعل الرازى استمد ذلك منه إذ جعل هذه الألوان جميعها من النظم الذى يشتد اتصال أجزاؤه"(4).
__________
(1) المصدر السابق ص 73 .
(2) أصول البلاغة ص 76 .
(3) تأثر البحرانى بالرازى وابن سنان وتأثر الرازى بالوطواط ، ويرى د/ أحمد مطلوب أن الوطواط نفسه متأثر بكتاب "ترجمان البلاغة" "راجع : بحوث بلاغية ص 280".
(4) نشأة البلاغة وأصول علم المعانى ص 128 .(1/18)
... وأيما كان الأمر ، فإن البحرانى قد تأثر بمن سبقه ـ سواء كان الرازى أم الوطواط أم ابن سنان ، وقد جاء منهجه قريبًا من منهج ابن سنان حيث بدأ بالحديث عن الصوت فالحرف فالكلمة ليصل إلى النظم والتأليف ، وفى أثناء ذلك عرض للمسائل البلاغية ، كما كان يفعل ابن سنان من قبل .
... وقد آثر البحرانى الرؤية الفلسفية فى علاج المسائل البلاغية ، فكان يجتلب الشواهد اجتلابًا بعد وضع القاعدة ، مما أثر على الجانب الجمالى والفنى فى كتابه ، ولعله كان يعمد إلى ذلك بدليل قوله :
" فهذه أصول فى علم البلاغة جردتها من الحشو المذموم وضبطتها بالحدود والرسوم "(1).
... ولكن على ما يبدو أن هذا التجريد والضبط بالحدود والرسوم ، كما أشار هو ، قد أذهب بحلاوة البلاغة وأفقدها جمالها ، فالكتاب خال من التحليلات البلاغية والآراء النقدية التى كنا نجدها عند ابن سنان(2)، اللهم إلا فى شرحه الكبير لنهج البلاغة حيث اعتنى بكلام الإمام على ، فراح يشرحه ويرصد الظواهر البلاغية فيه، وخاصة "الصور البيانية" ، ولكن يبقى الأسلوب وطريقة العرض حائلاً بينه وبين المتلقى.
__________
(1) أصول البلاغة ص 33 .
(2) يستثنى من ذلك مناقشات البحرانى للرازى فى الصور البيانية "مقدمة شرح نهج البلاغة" ص 104 .(1/19)
... والحقيقة أن البحرانى له العذر فى تأليف كتابه بتلك الطريقة ، فقد عاش فى بيئة الفلاسفة وتأثر بمن سبقه كالرازى والسكاكى ، ثم إنه رجل دين قبل أن يكون بلاغيًا ، فلم أعثر له فى البلاغة سوى مقدمته التى اختصرها فى كتابه المسمى "أصول البلاغة" ، وكانت هذه المقدمة البلاغية بغرض التمكن من شرح كلام الإمام على ، وحتى تكون عونًا لمن يستطلع شرحه الكبير ويعثر فيه على عبارات مثل "استعارة وكناية وتشبيه وتجنيس" ؛ لأن البحرانى قد اعتمد فى المقدمة على الناحية النظرية ، ثم طبق ذلك على كلام الإمام على ، حيث كان يسعى من وراء ذلك إلى الكشف عن النواحى الفنية والبلاغية واللغوية فى كلامه ـ رضى الله عنه ـ ولذلك نجده يتخذ البلاغة بعلومها الثلاثة وسيلة للكشف عن قيمة كلام الإمام على ، وأنه فى منزلة تعلو كلام الأدباء والعلماء .
... ومع هذا فالخفاجى فاق البحرانى فى العرض والتحليل ، ومناقشة الآراء ، ومع بعض القصور فى عرض ابن سنان وخاصة عند حديثه عن الأصوات ؛ إلا أن طريقته أجدى وأنفع للبلاغيين من البحرانى .
... ومع أن البحرانى قد حاول تطبيق بلاغته على كلام الإمام على ، إلا أن الأسلوب وطريقة العرض ظل حاجزاً بينه وبين المتلقى .
... ومع أن أسلوب ابن سنان علمى فى مجمله إلا القليل منه ، فإنه يفوق أسلوب البحرانى الذى تأثر بالرازى والسكاكى .
... وتبقى كلمة وهى أن البحرانى جاء صورة لعصره وبيئته التى عاش فيها وغُذّى بلَبانها .
2- المنحى التطبيقى " الشواهد " :
... إذا كان ابن سنان قد أكثر فى كتابه من الشواهد على اختلاف مستوياتها وأنواعها حيث وزعها بين الحسن والقبح خدمة لمنهجه الذى ارتضاه .
... فإن الأمر عند الإمام البحرانى جاء خلاف ذلك حيث كان يذكر القاعدة مستشهداً لها بمثال أو مثالين فقط ، دون التعليق على الشاهد فى أكثر المواضع .(1/20)
... وإذا كانت الشواهد عند الخفاجى موزعة بين الحسن والقبح طبقًا لمنهجه فإن البحرانى قد طبق منهجه ـ أيضاً ـ ولكن بطريقة غير طريقة ابن سنان ، فقد كانت البلاغة عنده قريبة من بلاغة المتأخرين ، ولمَ لا وقد عاش فى القرن السابع ، بعد أن توزعت البلاغة على علومها الثلاثة عند السكاكى ـ إن صح هذا ـ .
... وكما تنوعت الشواهد عند الخفاجى ، فقد تنوعت عند البحرانى إلى :
1- شواهد قرآنية ... ... ... وهى عنده (73) شاهداً .
2- أحاديث نبوية ... ... ... وهى عنده ( 6 ) أحاديث .
3- أبيات شعرية ... ... ... وهى عنده (66) بيتًا .
4- نصوص نثرية ... ... ... وهى عنده (30) نصًّا .
5- شواهد من كلام الإمام على ... وهى عنده (34) شاهداً .
... وقد كان للشواهد القرآنية نصيب الأسد فى مؤلف البحرانى ، تليها الشواهد الشعرية ثم كلام الإمام على ، وكلام فصحاء العرب ثم الحديث النبوى .
... وإذا كانت الشواهد الشعرية قد أخذت نصيب الأسد عند ابن سنان للأسباب التى ذكرها هو(1).
... فإن البحرانى قد انفرد عن ابن سنان بإكثاره من كلام الإمام على والاستشهاد به حيث أنه كان معنيًّا بذلك .
... ولم يذكر البحرانى أى تفسير للإكثار من الشواهد الشعرية ولعله نفس السبب الذى ذكره ابن سنان .
... وقد اعتمد البحرانى ـ كما فعل ابن سنان من ذى قبل ـ على الشعراء الفحول فى الاستشهاد بشعرهم .
... أما عن طريقة تناول البحرانى للشواهد :
ففى "مقدمته" كان يشرح النص مبرزًا وجهة نظره .
وفى "الأصول" اكتفى بإيراد الشواهد دون التعليق عليها إلا نادرًا .
... ولعل السر فى ذلك أنه أرجأ التطبيق عند شرحه لكلام الإمام على ، وحقًّا لم يترك شاردة ولا واردة فى كتابه "نهج البلاغة" إلا شرحها وبين ما فيها من مسائل بلاغية وبخاصة الصور البيانية التى اكتظ بها شرحه ، فلم تمر صفحة إلا ونعثر فيها على أكثر من صورة بيانية ، ولكن كل هذا بأسلوب عصره وطريقة شيوخه .
__________
(1) انظر ص 322 من هذا الفصل .(1/21)
... ومن المهم أن أذكر أن المقدمة التى صدَّر بها شرحه تأثر فيها ـ إلى حد كبيرـ بالإمام عبد القاهر ، والرازى ، والسكاكى وقبلهم ابن سنان ، مما سأذكره فى مكانه من هذا الفصل(1)لاحقًا .
... وقد بذل البحرانى جهدًا يحمد له فى شرحه كلام الإمام على وتحليله ، هذا الجهد البلاغى انفرد به ولم يشاركه فيه غيره ، فعند تحليله لكلام الإمام على تدرك أنه عالم لا بلاغى فحسب ، وإنما رجل ذو موهبة ثقلتها الثقافة والاطلاع الدائم على تنوعه ، فهو الفقيه والعالم والبلاغى والفيلسوف ولكنه مع هذا كله ليس أديبًا .
- جـ - التشابه والاختلاف فى بعض الموضوعات البلاغية :
... هناك من المسائل البلاغية ما اتفق فيه البحرانى مع الخفاجى كما أن هناك بعض المسائل التى اختلفت وجهة نظر كل منهما فيها .
أولاً : الموضوعات البلاغية التى اتفق فيها الرجلان :
... اتفق البحرانى وابن سنان فى المنهج بوجه عام ، فقد بدأ كل منهما بالحديث عن الأصوات والحروف كمقدمة للفصاحة ، وقد أورد كل منهما شروطًا عدة لفصاحة الكلمة ، وفصاحة الكلام ، ثم سار كل منهما فى الاتجاه الذى ارتضاه لنفسه.
... ولكن ما يجب ألا نغفل عنه أن البحرانى قد تأثر بابن سنان فى حديثه عن الفصاحة ، وأنه قد اتفق معه فى مواطن عديدة ، سأورد بعضها فيما يلى :
1- التفاوت فى بلاغة القرآن وفصاحته :
... ذكر ابن سنان أثناء حديثه عن " إعجاز القرآن" : أن بعض آيات القرآن أفصح من بعض ، وأكد كلامه بأدلة عديدة أُوجزها فى الآتى ، يقول : "أما زيادة بعض القرآن على بعض فى الفصاحة ، فالأمر فيه ظاهر لا يخفى على من علق بطرف من هذه الصناعة ، وشدا شيئًا يسيرًا "(2)، ثم بدأ يذكر الأدلة على صحة رأيه ، وهى :
__________
(1) تحت عنوان : "تأثر البحرانى بمن قبله" .
(2) سر الفصاحة ص 224 ، وراجع : قضية اللفظ والمعنى ... وأثرها فى تدوين البلاغة العربية د/ على العمارى ص 346 مكتبة وهبة ـ ط 1.(1/22)
أ ـ إفراد الناس بعض المواضع من القرآن يعجبون منها فى البلاغة وحسن التأليف.
ب ـ أى فرق بين أن يخلق الله وجهين أحدهما أحسن من الآخر وبين أن يحدث كلامين أحدهما أبلغ وأفصح من الآخر.
جـ ـ لم ينكر أحد أن القرآن فى لغته أفصح من التوراة فى لغتها والإنجيل والزبور فى لغته ، وإن كان الجميع كلام الله ، فما المانع أن يكون بعض كلامه الذى هو " القرآن" أفصح من بعض ، حتى تكون آية منه أفصح من آية والجميع كلام الله(1).
... وقد وافق البحرانى ابن سنان الخفاجى على رأيه ، يظهر هذا من قوله عن البلاغة العائدة إلى النظم والتركيب :
" وأما البلاغة العائدة إلى النظم والتركيب ، فتحقيق القول فيها : أن الكلام المنظوم لا محالة مركب من المفردات ، والمفردات يمكن تركيبها على وجه لا يفيد المقصود، وقد يمكن تركيبها على وجه يفيده ، ثم للتركيب المفيد مراتب كثيرة ، ولها طرفان ووسط : فالطرف الأعلى : هو أن يقع ذلك التركيب على وجه يمتنع أن يوجد ما هو أشد تناسبًا واعتدالاً منه فى إفادة ذلك المعنى .
والطرف الأدنى : هو أن يقع على وجه لو صار أقل تناسبًا منه لخرج عن كونه مفيدًا لذلك المعنى .
... وبين هذين الطرفين مراتب : واختيار أحسنها يقتضى الفصاحة فى النظم ، وهذا معنى قول عبد القاهر الجرجانى ـ رحمه الله ـ :
" النظم عبارة عن توخى معانى النحو فيما بين الكلم"(2)
... إذا ثبت هذا فنقول :
أما الطرف الأدنى ، فليس من البلاغة فى شيئ ، وأما سائر المراتب ، فإن كل واحد منها إذا اعتبرته بالنسبة إلى ما تحته يكون مستلزمًا للبلاغة والفصاحة .
__________
(1) سر الفصاحة ص 224 وما بعدها بتصرف قليل .
(2) دلائل الإعجاز ص 282 ط دار المعرفة ت / السيد محمد رشيد رضا .(1/23)
وأما الطرف الأعلى وما يليه ، فهو المعجز ، فهذا هو التحقيق فى البلاغة والفصاحة فى المفردات والمركبات"(1)انتهى كلام البحرانى .
والملاحظ فى عبارته الأخيرة التى يقول فيها : " وأما الطرف الأعلى وما يليه ، فهو المعجز" أن "الطرف الأعلى وما يقرب منه كلاهما حد الإعجاز فيترتب على هذا أن بعض القرآن أبلغ من بعض ، وإن كان الجميع معجزًا(2)".
... والحقيقة أن هذه المسألة اختلفت فيها وجهة نظر العلماء والبلاغيين ، وانقسموا إلى فريقين :
1- فريق(3)يرى رأى ابن سنان ، من أن بعض آيات القرآن أفصح من بعض ، وحجتهم : ظواهر الأحاديث .
2- بينما يرى آخرون(4)منع أن يكون بعض آيات القرآن أفصح من بعض ، وحجتهم: أن الجميع كلام الله ، وأن الأفضل يشعر بنقص المفضول(5).
__________
(1) هذا الكلام تأثر فيه البحرانى إلى حد كبير جدًا بالرازى حيث لخص رأيه ، انظر نهاية الإيجار فى دراية الإعجاز ص 63،64 ، ومقدمة شرح نهج البلاغة للبحرانى ص 66،67 .
(2) الإيضاح ت د/ محمد عبد المنعم خفاجى 1/46 .
(3) إسحاق بين راهويه والغزالى .
(4) أبو الحسن الأشعرى والباقلانى ، وقد توسط العز بن عبد السلام فقال : "كلام الله فى الله أفضل من كلام الله فى غيره" (راجع : الإشارة إلى الإيجاز فى بعض أنواع المجاز ص3، الإتقان للسيوطى 1/156 ، والبرهان 1/438).
(5) المصدر السابق .(1/24)
... وقد أيّد بعض المحدثين رأى ابن سنان فى القول بتفاوت آيات القرآن ، يقول الأستاذ : كامل الفقى معلقًا على كلام ابن سنان : " قد نرى هذا الرأى ونشعر به شعورًا لا يخالجه شك ... على أننا نحيل من يخالف القول بالتفاوت إلى نفسه حين تستمع إلى آيات من كلام الله متفاوتة الأغراض مختلفة الموضوع ليدلنا على تباين التأثير فى نفسه واختلاف الشعور مما سمعه ووعاه ، ونحن واثقون أنه سيقع تحت أنواع من الإحساس ، وأفانين من التأثير ، وذلك التأثير المتفاوت هو نتيجة البلاغة المتفاوتة ، أيًّا كان اختلاف الناس فى ماهيتها(1)"
... على أن بعض المحدثين يخالف هذا الرأى ويدرك أن " القرآن لا تتفاوت بلاغته وأن أسلوبه وسوره وآياته فى درجة واحدة من البلاغة"(2).
... ومع قول الخفاجى والبحرانى بتفاوت بلاغة القرآن ، إلا أن نفسى تكاد ترتاح إلى الرأى الآخر وهو القول بأن القرآن لا تتفاوت بلاغته ، وأن أسلوبه على درجة واحدة من البلاغة .
... على أن القول بتفاوت بلاغة القرآن التى قال بها الخفاجى والبحرانى ومن تبعهما يؤكد مقولة "الصَّرفة" ، فما دام بعض القرآن فصيح وبعضه أفصح ، فإن الفصيح منه كالفصيح من كلام البشر ، ويعد بهذا غير معجز ، وإذا سلمنا ذلك فإن بعض القرآن كان فى مقدور البشر لولا الصرف ، وهذا ما أراده ابن سنان وحاول الدفاع عنه عند مناقشته للرُّمانى الذى أدرك أن القرآن ينفرد عن كلام البشر فى نظمه بأنه من المتلائم فى الطبقة العليا(3).
... والحقيقة التى لا يرتاب فى صحتها أحد ، أن القرآن لا تتفاوت بلاغته ، وأنه من المتلائم فى الطبقة العليا ، كما أدرك ذلك العلامة الرُّمانى ، وأن ما قاله الخفاجى ومن تبعه كالبحرانى فإنه مردود .
2- الوضوح فى الفصاحة :
__________
(1) مجلة الأزهر ص 368 سنة 1364 مج 8 شعبان أ/ كامل الفقى .
(2) الإيضاح ت د/ خفاجى 1/48 .
(3) مفاد من كلام للدكتور / محمد إبراهيم شادى .(1/25)
... كما اتفق الرجلان فى كون بعض آيات القرآن أفصح من بعض ، ـ وإن خالفتهما الرأى ـ فقد اتفقا ـ أيضاً ـ على وضع شروط لفصاحة الكلمة وأخرى لفصاحة الكلام ، وترتب على هذا ، أن يكون من أهم شروط الفصاحة "الوضوح" .
... فقد أدرك ابن سنان أن من شروط الفصاحة والبلاغة " أن يكون معنى الكلام واضحًا جليًّا ، لا يحتاج إلى فكر فى استخراجه وتأمل لفهمه"(1).
... وقد اتفق معه البحرانى بعد ذلك حين قال : " إن الفصاحة عند أربابها ليست باستعمال الشوارد التى لا تفهم ، وإنما هى باستعمال ما يقرب فهمه ، ويعذب استماعه ، ويعجب ابتداعه"(2).
... وللإنصاف أقول : إن الصحيح ما ذكره العلامة الجاحظ حين علق على كلام العتّابى(3)بقوله : "وإنما عنى العتّابى(4)إفهامك العرب حاجتك على مجارى كلام العرب الفصحاء"(5).
__________
(1) سر الفصاحة ص 220 ، وأدعياء التجديد د/ على العمارى ص 68 .
(2) مقدمة شرح نهج البلاغة ـ للبحرانى ص 63 .
(3) عبارة العتابى هى : "كل من أفهمك حاجته من غير إعادة ولا حبسة ولا استعانة فهو بليغ " " راجع : البيان والتبيين 113/1".
(4) يقول د/ محمد أبو موسى " اعلم أن الإبانة لا يكون لها فضل تذكر به إلا إذا أبانت عن معنى فيه سخاء وفيه سعة ؛ لأنه لا يعتوره غموض وخفاء تمدح الإبانة معهما إلا إذا كان خصبًا متنوعًا غزيرًا جديدًا تتشارد بعض جهاته وتدق بعض نواحيه" (مدخل إلى كتابى عبد القاهر ص 55 ـ مكتبة وهبة) .
(5) راجع : البيان والتبيين 161/1 ، والصناعتين ص 20 .(1/26)
... ويقول الدكتور محمد أبو موسى ، وهو بصدد الحديث عن مثل ذلك : " كان عبد القاهر يسخر من العقول المسطحة التى تأخذ بظاهر الدلالة فى النص سواء كان هذا النص أدباً أو علمًا ، وقد وقف عند قولهم "خير الكلام ما كان معناه إلى قلبك أسرع من لفظه إلى سمعك ، وسخر من الذين يفهمونه على ظاهره ... ؛ لأن هذا الفهم يفضى إلى أن يكون كلام الباعة فى الأسواق ... هو عين القلادة وواسطة العقد... وهذا لا يسقط أقدار الكلام فحسب ، وإنما يسقط أيضًا أقدار السامعين ، وتفاوتهم فى الفهم والاستنباط ، أعنى يسقط التفوق وتسقط التضاريس وخريطة الهضاب فى دنيا الناس لتقوم مقامها الوهاد ، وتصير حياة الناس خالية من النبوغ ، وما أتفهها حين تكون كذلك"(1).
3- قياس الإيجاز والإطناب على قلة الحروف :
... اتفق الإمام البحرانى مع ابن سنان الخفاجى على قياس الإيجاز والإطناب على قلة الحروف وكثرتها ، وقد ظهر ذلك من قول الخفاجى :
" ولحمد الإيجاز فضل أحد الشاعرين على صاحبه ، إذا كانا قد اشتركا فى معنى وأوجز أحدهما فى ألفاظه أكثر من الآخر "(2).
... ثم فضل بيت الشماخ بن ضرار على بيتى بشر بن أبى خازم لكون المعنى واحدًا ـ من وجهة نظر الخفاجى ـ وقد ذكره الأول فى بيت واحد ، بينما ذكره الآخر فى بيتين .
هذا وقد وافق البحرانى ابن سنان على رأيه حين عرّف الإيجاز بقوله : " هو التعبير عن الغرض بأقل ما يمكن من الحروف من غير إخلال"(3).
... وللإنصاف أقول : إن الصحيح ما ذكره الجاحظ(4)، العلامة عبد القاهر(5)، وإدراكهما أن المعانى تختلف باختلاف الأساليب التى تعبر عنها .
__________
(1) مدخل إلى كتابى عبد القاهر الجرجانى ص 55 ، 56 .
(2) سر الفصاحة ص 217 .
(3) أصول البلاغة ص 109 .
(4) الحيوان 90/1.
(5) دلائل الإعجاز ص 201 .(1/27)
... كما أن الإيجاز ـ كما ذكر الدكتور البيومى ـ إيجاز موضوع وليس إيجاز جملة وعبارة(1).
4- إدراج الألوان البديعية فى النظم :
... ذكر البحرانى تعلق الجمل بعضها ببعض بألوان من البديع ، واعتبر هذا اللون الذى يأتى عفو الخاطر من النمط العالى(2)، ومن هذه الألوان : المطابقة والمزاوجة ، واللف والنشر والتورية ، وغيرها .
... وكما ذكرت قبل ذلك أن ميثم البحرانى قد أخذ هذه الألوان عن الرازى حين جعلها من النظم المتضمن ألوانًا من البديع والرازى نفسه قد تأثر فيها بابن سنان ، الذى جعلها من التناسب(3).
... والمهم أن البحرانى قد وافق ابن سنان فى عد بعض ألوان البديع من التناسب أو النظم .
ثانياً : الموضوعات البلاغية التى اختلف فيها الرجلان :
... ذكرت بعض الألوان البديعية التى اتفق فيها البحرانى مع الخفاجى ، وها أنا ذا أذكر بعض المسائل التى اختلفت وجهة نظر كل منهما فيها ، وأكثر هذه المسائل فى التشبيه والاستعارة والكناية .
... وقبل عرض هذه المسائل أقول :
إن الرجلين ـ وإن كانا قد اتفقا فى التدرج من الصوت إلى النظم والتأليف ـ إلا أنهما قد اختلفا بشكل واضح فى طريقة العرض والتحليل ـ كما بينت ذلك عند حديثى عن المنهج ـ ، فبينما يعتمد ابن سنان على إيراد الشواهد العديدة وتحليل أكثرها ، وعقد موازنات بين الشعراء فى المسألة الواحدة ، نجد الأمر مختلفًا تمامًا عند البحرانى ، حيث اعتمد على القاعدة والشاهد فى أكثر مقدمته إلا ما ندر ، ولم يعقد موازنات بين الشعراء والتفضيل بينهم كما فعل ابن سنان ، ولعل ذلك يرجع إلى منهج وعصر كل منهما .
... هذا هو الاختلاف بشكل عام ، وها أنا سأذكر بعض المسائل التى اختلفت آراؤهما فيها :
__________
(1) راجع كلام سيادته فى كتابيه : أحمد حسن الزيات بين البلاغة والنقد ص270، البيان القرآنى ص105 .
(2) أصول البلاغة للبحرانى ص 81 .
(3) ينظر نشأة البلاغة وأصول علم المعانى أد/ مُحمّد شادى ص 128 .(1/28)
1- بين المشبه والمشبه به قوة وضعفًا :
... اختلفت وجهة نظر الرجلين حول المشبه به :
" وهذا ليس اختلافًا فى الفكرة ، ولكنه اختلاف فى حصر الأغراض التى تتعلق بالمشبه به ، فابن سنان يقتصر على الأصل فى التشبيه عندما يشبه ناقص بكامل لتتحقق المبالغة .
... لكن البحرانى يضيف إلى هذا غرضا يتعلق بالمشبه عندما يقع موقع المشبه به على ادعاء أنه هو الأقوى"(1).
... يقول ابن سنان " إن الأصل فى حسن التشبيه أن يمثل الشيئ بما هو أعظم وأحسن وأبلغ منه ، فيكون حسن ذلك لأجل الغلو والمبالغة"(2).
... ويجيز البحرانى الأمرين فيقول : "قد يكون الغرض من التشبيه إلحاق الناقص بالزائد مبالغة فى إثبات الحكم للناقص ، كتشبيه شيئ أسود بخافية الغراب "(3). وهو فى هذا الكلام يتفق مع نص كلام ابن سنان السابق ، ولكنه يعود بعد ذلك ويقول : " وقد يكون الغرض من ذلك كمن يقصد على طريق التخييل أن يوهم فى الشيئ القاصر عن نظيره أنه زائد عليه فيشبه الزائد بالناقص ، ويقصد تعظيم الناقص إلى حيث يصير أصلاً للكامل فى ذلك الأمر ، كقول محمد بن وهب الحميرى فى مدح الخليفة المأمون بن الرشيد :
... وَبَدا الصَّباحُ كأنّ غُرّتَهُ ... ... وَجْهُ الخَليفةِ حينَ يُمتَدَحُ(4)
... وأميل على رأى البحرانى الذى تابع فيه الإمام عبد القاهر حيث جعل البيت مما يستقيم عكسه(5).
2- التشبيه " المحذوف الوجه والأداة " : ...
... ومن المسائل التى اختلفت فيها وجهة نظر الرجلين ، التشبيه "المحذوف الوجه والأداة" .
... فبينما يدرجه ابن سنان فى "التشبيه المحض" حيث يقول : " قد يكون التشبيه بحرف ، وقد يكون بغير حرف على ظاهر المعنى ، ويستحسن ذلك لما فيه من الإيجاز"(6).
__________
(1) من توجيهات الأستاذ المشرف .
(2) سر الفصاحة ص 246 .
(3) أصول البلاغة ص 64 .
(4) أصول البلاغة للبحرانى ص 264 ، وأسرار البلاغة ، رُيتر ص 205.
(5) الأسرار ت / رُيتر ص 205 .
(6) سر الفصاحة ص 246 .(1/29)
... ويقول وهو بصدد الرد على الرُّمانى : "وليس يقع الفرق عندى بين تشبيه والاستعارة بأداة التشبيه فقط ؛ لأن التشبيه قد يرد بغير الألفاظ الموضوعة له،
كون حسنًا مختارًا ، ولا يعدّه أحد فى جملة الاستعارة ؛ لخلوه من لة التشبيه "(1).
... وكلام ابن سنان صريح فى عد التشبيه " المحذوف الوجه والأداة" ، من التشبيه المحض .
ولكنه عند التطبيق يخلط بين شواهده وشواهد الاستعارة حيث عد من التشبيه قول الشاعر :
... وَأَسْبَلَتْ لُؤْلُؤًا مِنْ نَرْجِسٍ فَسَقَتْ ... ... وَرْدًا وَعَضَّتْ عَلَى الْعُنَّابِ بِالْبَرَدِ(2)
... وعلق على البيت بقوله : " وهو تشبيه محض وليس باستعارة وإن لم يكن فيه لفظ من ألفاظ التشبيه"(3).
... وإذا كان هذا هو رأى ابن سنان فإن الأمر مضطرب عند البحرانى ، فبينما نجده ينص على عده من "التشبيه المحض"(4)، نجده عند التطبيق أيضاً يخلط بينه وبين الاستعارة ، ويلح على ذلك فى أكثر من موضع ، حيث جعل من الاستعارة قول الإمام على : "وَكُحْلُهُم دُمُوعٌ"(5)، وقوله ـ عليه السلام ـ "الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ"(6).
... وإذا كان ابن سنان قد بالغ فى رأيه حين عد شاهد الاستعارة من التشبيه ، وكان ذلك سهوًا ، لم يكرره فى أى موضع آخر .
... إن البحرانى قد ذكر شواهد عديدة فى شرحه هى من التشبيه وعدها من الاستعارة بما يؤكد مخالفته لابن سنان فى رأيه .
... وأميل إلى رأى ابن سنان الذى تابع فيه صاحب الوساطة(7)، وإن كنت أفضل أن يكون الحكم للسياق ، كما أدرك ذلك أستاذى الدكتور محمد شادى من قبل(8).
__________
(1) المصدر السابق ص 119 وراجع : المباحث البيانية فى تفسير الفخر الرازى ـ دراسة بلاغية تفصيلية د/ أحمد هنداوى هلال ، مكتبة وهبه ص 171 ط 1 .
(2) سر الفصاحة ص 119 .
(3) المصدر السابق نفس الصفحة .
(4) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 120 .
(5) شرح نهج البلاغة للبحرانى 244/1 .
(6) المصدر السابق 272/5 .
(7) الوساطة ص 37 .
(8) أساليب البيان ص 246 .(1/30)
3- التشبيه التمثيلى والاستعارة التمثيلية :
... لم يفرق ابن سنان بين "التشبيه" و "التشبيه التمثيلى" ، كما لم يفرق بين "الاستعارة التمثيلية و "التشبيه التمثيلى" ؛ لأنه لم يهتم بالتقسيمات والتفريعات التى استقرت بعده بقدر اهتمامه بتحقيق الوضوح والبيان والتناسب .
... يقول ابن سنان : "ومن نعوت الفصاحة والبلاغة أن يراد معنى فيوضح بألفاظ تدل على معنى آخر ، وذلك المعنى مثال للمعنى المقصود ، وسبب حسن هذا مع ما يكون فيه من الإيجاز أن تمثيل المعنى يوضحه ويخرجه إلى الحس والمشاهدة ، وهذه فائدة التمثيل فى جميع العلوم ؛ لأن المثال لابد أن يكون أظهر من الممثل ، فالغرض بإيراده إيضاح المعنى وبيانه "(1).
... واستشهد ابن سنان بشواهد من الشعر والنثر تعد من الاستعارة التمثيلية(2).
... ولكنه ذكر " الاستدلال بالتمثيل " حيث جعله من الأوصاف التى تطلب لصحة المعانى وأدرج فيه شواهد التشبيه التمثيلى(3)فالظاهر أن ابن سنان أطلق "التمثيل" وأراد منه "التشبيه التمثيلى" مرة "والاستعارة التمثيلية" مرة أخرى ، فلم يحدهما بحدود تفصل بينهما .
... أما البحرانى فقد قسم التمثيل إلى "تشبيه تمثيلى" ، و "تمثيل على حد الاستعارة" وهذا مفهوم من قوله :
" قد خص التشبيه المنتزع من اجتماع أمور يتقيد بعضها بالبعض باسم "التمثيل" ، وقد يكون ذلك على وجه الاستعارة كقولك للمتردد فى الأمر : "أَرَاكَ تُقَدِّمُ رِجْلاً وَتُؤَخِّرُ أُخْرَىَ" ، تريد أنك فى ترددك كمن يقدم رجلاً ويؤخر أخرى ، وقد لا يكون كما إذا أبرزت ألفاظ التشبيه ، كقوله تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمْ لم يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ... }(4).
__________
(1) سر الفصاحة ص 232 .
(2) السابق ص 233 .
(3) المصدر السابق ص 257 .
(4) سورة الجمعة ، آية : 5 ، وانظر : مقدمة شرح نهج البلاغة ص 118 .(1/31)
... فبينما لم يفرق بينهما ابن سنان ، فرّق البحرانى ، واستشهد بشواهد عديدة ؛ "لأنه جاء بعد أن استقرت المصطلحات البلاغية واتضحت الفروق"(1).
4- المزِيَّةُ من الكِنايةِ :
... مزية الكناية عند ابن سنان تكمن فى "زيادة المعنى والمبالغة فيه " ، وهذا مفهوم من قوله : " والأصل فى حسن هذا أن يقع فيه من المبالغة فى الوصف ما لا يكون فى نفس اللفظ المخصوص بذلك المعنى"(2).
وقوله فى موضع آخر : " وأتى بألفاظ تدل على ذلك أبلغ مما يدل عليه غيره"(3).
أما البحرانى فإن المزيَّة من الكناية عنده تعنى " إثبات المعنى " لا المبالغة فيه .
... يقول عن الكناية فى المركب :
" هى أن يحاول إثبات معنى من المعانى لشيئ ، فيترك التصريح بإثباته له ويثبته لمتعلقة "(4)
... ولعل الأقرب إلى الصواب أن الكناية لا تنحصر فى "المبالغة" أو "الإثبات" فحسب ، كما أنه يجب إدراك أن المبالغة فى الصفة تؤدى إلى تثبيتها ، فلا يجب الفصل بينهما .
- د - بعض مآخذ العلماء على ابن سنان والبحرانى :
... يقول الأستاذ المنفلوطى :
"إن رأيت شاعرًا من الشعراء أو عالما من العلماء أو نبيلاً فى قومه ، أو داعيًا فى أمته ، قد انقسم الناس فى النظر إليه وفى تقدير منزلته انقسامًا عظيمًا ... فاعلم أنه رجل عظيم "(5).
... ويقول : "لا يعجبنّك أن يتفق الناس جميعًا على حبك ؛ لأنهم لا يتفقون إلا على حب الرجل الضعيف المهين ... "(6).
__________
(1) من توجيهات المشرف .
(2) سر الفصاحة ص 230 .
(3) المصدر السابق نفس الصفحة .
(4) أصول البلاغة ص 73 ، 74 .
(5) مؤلفات المنفلوطى "المؤلفات الموضوعة " ص 550 دار الجيل .
(6) المصدر السابق ص 554 .(1/32)
... والحقيقة التى لا مناص من ذكرها أنى حينما عنونت لهذا المبحث بـ "بعض المآخذ" ، لم أكن أعنى بذلك الهنات التى وقع فيها ابن سنان ، وإنما أردت ما يعد من وجهة نظر بعض النقاد والبلاغيين "مآخذ" ، ولذا فإنى سأذكر هذه المآخذ مؤيدًا أو معارضًا ـ ولا أعلم مقدار هذه اللفظة من الصحة ـ ومناقشًا هؤلاء العلماء والنقاد والمحدثين فيما اتهموا به ابن سنان ، وليس من الضرورى أن يكون كل ما قالوه مردودًا ، بل سأكون محايدًا فى الحكم له أو عليه مؤيدًا ذلك بالدليل ما أمكن .
... ومن الضرورى أن أذكر أنى ما تعمدت تجريح أحد من النقاد والبلاغيين ، كيف وهم أساتذة أَشْرُف بأخذ العلم عنهم مشافهة أو كتابة ، وأحترم آراءهم ، وعلماءٌ قد أعطوا العلم كل شيئ ، وإن استدركت عليهم شيئًا فهو سهو يمكن لأى إنسان أن يقع فيه ، وأنا فى نهاية الأمر طالب علم يجب علىّ تقدير العلم والعلماء ، واحترام كل ما قالوه ، ومناقشتهم دونما تعصب أو تجريح فأقول : إن بعض النقاد والمحدثين قد اختلفوا حول كتاب "سر الفصاحة" مما جعلهم يتهمون مؤلفه بالغموض والاضطراب فى منهجه ، كما كانت لهم بعض المآخذ حول مُؤَلَّف البحرانى ، ولكنها بالموازنة مع ما أخذوه على الخفاجى لا يعد شيئًا .
... ولعل تفسير ذلك يرجع إلى عدة أمور :
الأول : شهرة ابن سنان التى تفوق البحرانى بكثير .
الثانى : اطلاع كثير من النقاد والبلاغيين على مؤلفه "سر الفصاحة" بعكس البحرانى لم يعثر على كتابه إلا قلة .
الثالث : تقدُّم ابن سنان وظهوره فى القرن الخامس جعله مهوى الأفئدة بخلاف وجود البحرانى فى القرن السابع الذى تجمدت فيه البلاغة عند السكاكى .
الرابع : طريقة ابن سنان فى كتابه وإكثاره من الشواهد الأدبية ومناقشة العلماء جعلته معرضًا للنقد.
... بخلاف البحرانى الذى جاء كتابه موجزًا ، عارياً من المناقشات ومقلاً من الشواهد الأدبية .(1/33)
الخامس : تأثر البحرانى بعدد محدد من البلاغيين قبله ، بخلاف ابن سنان الذى كان واسع الإطلاع ، كثير القراءة مما جعله مرجعًا لمن أتى بعده .
... هذه الأمور ـ وغيرها كثير ـ جعلت ابن سنان مستهدفًا من بعض المحدثين والقدامى ، فراحوا يعددون بعض المآخذ عليه .
... وقبل الخوض فى مناقشة هذه المآخذ أذكر نصًّا للدكتور محمد أبو موسى يقول فيه : " إذا كان ظاهر كلام العلماء لا يلتئم مع ما استيقن الباحث من أفكار ، فلا يغريه ذلك برَدِّه ، وإنما عليه أن يراجعه ، وأن يفاتشه حتى يجد له مخرجًا غير الظاهر ، والمهم هو تجنب المسارعة إلى رفض الكلام الصادر عن أهل العلم ، وقد خالف كثيرٌ منا هذا الطريق وامتلأت الكتب باستفساد آراء العلماء من غير دراسة ، وبالألفاظ التى تقدح فى أفهامهم ، وتصرف عن علومهم ، وهذه الكتب يقرؤها صغار طلاب العلم الذين ليست لديهم الأدوات التى تعينهم على التمييز ، فتصرفهم عن مصادر العلم"(1).
أولاً : مَآخذُ العلماءِ على ابنِ سنانِ الخفاجىِّ :
... بداية لا مفر من ذكر حقيقة هامة : هى أن ابن سنان الخفاجى كان ناقدًا وشاعرا وبلاغيًّا ، مرهف الحس ، لمّاحًا ذكيًّا ، لا يترك المسألة البلاغية تمر دون أن يستوفيها حقّها بالنقد والشرح والتحليل والتعليل ، يضع نصب عينيه هدفًا ومنهجًا لم يغفل عنه لحظة ، فلم يضطرب ، ولم يضع شيئًا إلا فى مكانه الذى يناسبه .
... كان أمينًا ينسب الرأى لصاحبه ، متواضعًا فى تعامله مع خصمه ، لا تمر الصفحات إلا ويستعطف قارءه فى قبول العذر له ، لم يكن بالمحدّث عن نفسه أو المعلن عن بضاعته ، لم يهج قائلاً أو يتعصب ضد أحد ، ولكنى اقتربت منه فألفيته كريمًا عفًّا نزيهًا ، لا يذكر أحدًا باسمه ، وإنما نجده يقول : " ورأيت أبا الحسن ـ يعنى الرُّمانى ـ ، وألفيت أبا القاسم ـ يعنى الآمدى ـ " .
__________
(1) مدخل إلى كتابى عبد القاهر ص 68 ـ مكتبة وهبه .(1/34)
... كان على حذر من أن تُظَنّ به الظنون عند نقده لأحد ، من تعمد تجريحه أو التعصب ضده ، فكان يكرر اعتذاره بين آنٍ وآخر ، وهاك نموذجًا واحدًا ، وذلك عند إيراده لشواهد عديدة من قبيح الاستعارات ، يقول معقبًّا على ذلك :
"إننا لم نذكر هذه الأبيات الذميمة وغرضنا الطعن على ناظمها ، وإنما قادتنا الحجة فى التمثيل إلى ذكر الجيد والردئ ، والفاسد والصحيح ... ومعاذ الله أن يخرجنا بغض التقليد وحب النظر من الطرف المذموم فى الاتباع والانقياد إلى الجانب الآخر فى التسرع إلى نقص الفضلاء ، والتفنيد لما لعله اشتبه على بعض العلماء ، والرغبة فى الخلاف لهم ، وإيثار الطعن عليهم ، بل نتوسط ـ إن شاء الله ـ بين هاتين المنزلتين ، فننظر فى أقوالهم ، ونتأمل المأثور عنهم ، ونسلط عليه صافى الذهن ، ونرهف له ماضى الفكر فما وجدناه موافقًا للبرهان ، وسليمًا على السبر اعترفنا بفضيلة السبق فيه ، وأقررنا لهم بحسن النهج لسبيله ، وما خالف ذلك وباينه اجتهدنا فى تأويله وإقامة المعاذير فيه وحملناه على أحسن وجوهه وأجمل سبله ؛ إيجابًا لحقهم الذى لا ينكر ، وإذعانًا لفضلهم الذى لا يجحد"(1).
... إن هذه العبارات لحرية أن تكتب بماء الذهب ليطلع عليها كل النقاد والبلاغيين .
... ولقد استوقفتنى عبارة ابن سنان السابقة التى يقول فيها :
" ... إيجابًا لحقهم الذى لا ينكر ، وإذعانًا لفضلهم الذى لا يُجحد " فمع تواضعه الجم، وعدم تعصبه نلمح فيها اعترافه بمراجعته لمن قبله .
... وليست هذه هى المرة الوحيدة التى يعترف فيها باطلاعه على كتب غيره ، فالكتاب زاخر بأسماء لامعة فى النقد والبلاغة .
... ولقد تعمدت ذكر هذه السطور ؛ لأنى أدركت أن ابن سنان كان حينما يتحدث عن الجاحظ أو الآمدى مادحًا ، وكان يذكر مسلمًا أو أبا تمام ناقدًا ، لا تدرك كبير فرق بين تأييده ورفضه واستحسانه ونقده لغيره ، أما غيره فكان يتتبع سقطاته ويشن عليه الحملات .
__________
(1) سر الفصاحة ص 144 .(1/35)
... ويبدو أن ابن سنان كان يدرك جيدًا ما سيدور حول مؤلفه من نقد ، فراح يقول :
" ولهذا لست أدعى السلامة من الخلل ، ولا العصمة من الذلل ، وأعترف بالتقصير، وأسأل من ينظر فى كتابى هذا بسط عذرى ، والصفح عما لعله يثيره على ، فإنى سلكت فيه مسلكًا صعبًا ، وألفت فيه تأليفًا مقتضبًا ، يجب على المنصف الإعراض عما يجدنى أشير فيه إلى التجاوز عنه والتغمد له "(1).
... ابن سنان يعترف بالتقصير وهو لم يقصر ، وغيره يتهمه بالتقصير وهم أقرب إليه .
... ابن سنان يستعطف من يقرأ كتابه أن يتقبل عذره ، وليتهم فعلوا ذلك كما فعل هو مع خصومه ، ولكنهم جعلوا أصابعهم فى آذانهم وراحوا يتناقلون المآخذ من وجهة نظرهم دون أن يكلفهم ذلك أن يتأملوا منهجه ، ويتفهموا طريقته .
... ولعل من الخير الآن أن أعرض لهذه المآخذ ، وإن كنت أرجح أن سبب تورط أصحابها ـ إن صح هذا التعبير ـ لا يخلو من أمور :
1- إما عدم الاطلاع على كتاب الخفاجى جملة وتفصيلاً ، مما جعل الحكم عليه ينقصه البرهان فهو حكم عام ، لم يطلع صاحبه على مجموع كلام ابن سنان .
2- وإما خطأ فى فهم "نص كلامه" مما جعل بعضهم يبنى خطأ على خطأ .
3- وإما الحكم عليه بمفاهيم غير مناسبة لعصره الذى نشأ فيه .
4- وإما تعصب عليه لمجرد التعصب حبًّا فى الظهور والشهرة .
... وسأؤكد صحة هذه الاستنتاجات عند التعرض لكل مأخذ .
ومن المهم أن أذكر ما ألفيته من اتفاق بعض النقاد على مأخذ واحد وصيغة واحدة تقريبًا ، ولذا سأكتفى بنص واحد مشيرًا إلى الكتب الأخرى فى الهامش .
... كما أن بعض هذه المآخذ قد ذكرت أثناء البحث مما يجعلنى أميل فيها إلى الإيجاز ما أمكن .
... وقد قسمت هذه المآخذ إلى :
1- عامة : تشمل المنهج والأسلوب وتوزيع الموضوعات على الأبواب وغير ذلك.
2- وخاصة : تهتم بنقد المسائل البلاغية المبثوثة فى "سر الفصاحة.
أ - المآخذ العامة :
الأول :
__________
(1) المصدر السابق ص 93 ، والتغمد له : أى التغاضى عنه .(1/36)
... استدرك بعض المحدثين(1)على ابن سنان اضطرابه فى توزيع موضوعاته البلاغية على أبواب كتابه ، وخلو كتابه من التنسيق والتبويب وعدم وجود تفسير مقنع لذلك .
... يقول أحدهم(2):
" إن سر الفصاحة به عيب كبير فى الأساس الذى قام عليه ، وخلل ظاهر فى ترتيب أبوابه ، وخطأ ملموس فى توزيع موضوعاته على هذه الأبواب".
... ويقول آخر(3):
" يَذْكُرُ كتاب "سر الفصاحة " مسائل من صميم المعانى فيما هو من مباحث البيان ، ويقحم المسائل البديعية فى غيرها مما هى من موضوع البيان والمعانى ... وحين يقارن عمل ابن سنان بعبد القاهر ـ وكلاهما معاصر لصاحبه ـ نجد الثانى سبق الأول بأشواط بعيدة فى هذا المضمار ، وذلك أن الجرجانى قد استوفى أبحاثًا بلاغية فى كتابه مما خلا "سر الفصاحة " منها : "كالمجاز المرسل" و "المجاز العقلى" و "الفصل والفصل" .... وظهرت فى كتب عبد القاهر مميزات لم يتمتع بها "سر الفصاحة" من تخليص العلم من الأمور الأجنبية عنه ، ومن قربه إلى التحديد العلمى والتنسيق المنظم ، والاستيفاء الشامل .
__________
(1) د/ عبد الرازق أبو زيد فى " سر الفصاحة دراسة وتحليل" ص 58 ، والتصوير البيانى د/ حفنى شرف ص 3 ، والأستاذ كامل الفقى فى مجلة الأزهر (ص 452) ود/ عبد العاطى علام فى "البلاغة بين عبد القاهر وابن سنان ص 315 .
(2) د/ عبد الرازق ص 186 .
(3) أ ـ الفقى ـ مجلة الأزهر ( ص 452 سنة 1364 هـ ) .(1/37)
... على أن ابن سنان كان متأخراً فى الزمن عن أبى هلال العسكرى ... وكان ذلك شفيعًا لأبى هلال لو أن كتاب الصناعتين كان قد شابه شيئ من البعد عن التحديد والتبويب ، أو حوى خطأ بين مسائل غير وثيقة الاتصال بالبلاغة ، ولكن نظرة إلى الرجلين تعطيك عكس القضية وخلاف ما كان منتظرًا ... وما بالنا نذهب بعيداً وهذا هو عبد الله بن المعتز المتوفى سنة 296 هـ .. تراه منظما فى كتابه كامل التهذيب ... "(1)، ثم يقول الأستاذ / الفقى بعد سطور قليلة :
... " ونريد أن نخلص من هذا العرض إلى أن هؤلاء الذين سبقوا فى الزمن ابن سنان ظهر للتطور الزمنى والتدرج الطبعى أثر فى تأليفهم ، فمضى كل نحو الكمال شيئًا فشيئًا ، ... ، وكان من الطبعى لو أن هذه السنة انتظمت أن ترى أثر التطور فى مؤلف الخفاجى فيكون أبلغ من هذا تنسيقًا ، وأكمل منه تبويبًا ، وأوفى منه بحثًا"(2).
... وأقول : أما كلام الدكتور عبد الرازق الذى يبدؤه بقوله : "إن "سر الفصاحة" به عيب كبير فى الأساس الذى قام عليه ... الخ"(3).
... فهو نقد عام ينقصه الدقة والتحديد ، ولا أدرى ماذا يعنى الدكتور عبد الرازق بقوله : "به خلل ظاهر فى ترتيب أبوابه ، وخطأ ملموس فى توزيع موضوعاته على هذه الأبواب " ، أكان يعتقد أن ابن سنان سيرتب أبواب كتابه على طريقة السكاكى والقزوينى ؟!
... لقد رتب ابن سنان كتابه على طريقته الخاصة التى بوأته مكانة بين علماء عصره ، وجعلته منفردًا ، يقف كتابه شامخًا وسط هذا الركام الهائل من الكتب .
... فقد "استطاع الخفاجى أن يحفر اسمه فى تاريخ البلاغة بكتابه "سر الفصاحة"... وذلك بتوخيه فى تأليف كتابه منهجًا يكاد يكون متميزًا عن مناهج السابقين عنه والمعاصرين له(4)".
__________
(1) مجلة الأزهر ص 453 ( سنة 1364 هـ ـ شوال ـ مج 16 ـ جـ 10 )
(2) المصدر السابق نفس الصفحة .
(3) سر الفصاحة دراسة وتحليل ص 186 .
(4) نشأة البلاغة وأصول علم المعانى ص 123 ، 124 .(1/38)
... وأما الرد على كلام الأستاذ كامل الفقى السابق فأقول :
أما قوله : " إن كتاب سر الفصاحة يذكر مسائل من صميم المعانى فيما هو من مباحث البيان ... الخ " ، فليس ابن سنان وحده الذى انفرد بهذا ، بل اتسم بهذا كل المؤلفات التى سبقته ، حيث أن المسائل البيانية لم تكن قد فصلت عن المعانى والبديع حتى ابن سنان .
... وأما "موازنة ابن سنان بعبد القاهر ، وانفراد عبد القاهر بمسائل بلاغية لم يشر إليها ابن سنان كالمجاز المرسل" ، فليس هذا بنقد ؛ لأن ابن سنان لم يذكر من المسائل البلاغية إلا ما يخدم منهجه وغرضه ، كغيره من علماء عصره ، فليس من الضرورى أن يذكر ابن سنان كل ما ذكره عبد القاهر .
على أن عبد القاهر نفسه قد خلا مؤلفه من مسائل بلاغية ذكرها ابن سنان "كالإيجاز والإطناب والمساواة" ، فبينما لم يتحدث الشيخ عبد القاهر إلا عن "الحذف" ، أجاد ابن سنان فى الحديث عن "الإيجاز" بأنواعه ، والإطناب والمساواة.
... ومع هذا فلا يحق لأحد أن يتهم الجرجانى بالتقصير أو يعيب عليه صنيعه ؛ لأنه ذكر من المباحث البلاغية ما يخدم " قضية النظم " ، التى ظل يدافع عنها فى كتابيه .
... كما أنى أرجح أن يكون سبب إهمال عبد القاهر لمبحث "الإيجاز والإطناب والمساواة" ـ إن صح التعبير ـ أن يكون قد أدرك مدى اكتمال هذا المبحث على يد الرُّمانى وابن سنان .
... أما خلو "سر الفصاحة" من المجاز المرسل ـ مثلاً ، فلعل ذلك ؛ لأن المجاز المرسل ليس فى وضوح الاستعارة والتشبيه ، وابن سنان يهتم بالفصاحة التى تعنى الوضوح والبيان .
... وأما قول الأستاذ الفقى " بتفوق أبى هلال العسكرى على ابن سنان فى التحديد والتبويب ، مع أن العسكرى سبق ابن سنان فى الزمن ".(1/39)
... فابن سنان لا يقل عن أبى هلال تنظيمًا وتحديدًا وتبويبًا ، فقد ألف كتابه للبحث عن الفصاحة ، ولذلك بدأ بالصوت فالحرف فالكلمة حتى وصل إلى النظم والتأليف ، وقد استلزم ذلك التدرج منه ترابط فصول الكتاب وأبوابه بحيث لا يمكن فصل أى جزء منه عن الآخر ويستلزم من قراءة فصل فيه قراءة ما قبله وما بعده ، وهذا ما جعل البعض يتوهمون أن ابن سنان لم يرتب ولم يبوب كتابه .
... على أن أبا هلال الذى احتج به الأستاذ الفقى ، قد ذكر مسائل من علم البيان والمعانى "كالإرداف ، والكناية ، والاستعارة ، والمجاز ، والاعتراض" وأدرجها فى حديثه عن البديع ، ومع هذا فله خطته ومنهجه فلا لوم عليه .
... وأما موازنة ابن سنان بابن المعتز ، فقد أدرج ابن المعتز التشبيه والاستعارة والكناية فى كتابه "البديع" .
... ولا أدرى كيف يحق للأستاذ الفقى ـ مع تقديرى له ـ أن يجتهد فى إثبات اضطراب ابن سنان فى منهجه وهو يدرك جيداً ، أنه بكتابه "سر الفصاحة" قد وضع لبنة فى بنيان البلاغة الشامخ . ويبدو أنه أحس بذلك فراح يقول :
" ولكن لعل من الإنصاف أن نلتمس للخفاجى فى ذلك عذرًا ، فقد كان واليًا ، وللولاية من صاحبها شغل ، ولها عليه حقوق ... وقد كان شاعرًا ، وللشاعر نزعة هى وحى الإلهام وسبح الخاطر ... فحين يعمد إلى التأليف فى علم ، لا يواتيه لتحريره إلا ما لفه فى شعره من هذه المعانى الطليقة فيكون حرًّا مرسلا مجانبًا القيود، نافرًا من التقليد ..."(1).
... فالأستاذ الفقى قد حاول أن يبحث عن تفسير لاضطراب ابن سنان ـ من وجهة نظره ـ فى منهجه فالتمس لذلك عذرًا واهيًا .
... فإذا كان ابن سنان شاعرًا ... يجانب القيود وينفر من التقليد ... ، كما يقول الأستاذ الفقى ، فإن ابن المعتز كان شاعرًا بارعًا ، واحتج به الأستاذ الفقى لدقة التنظيم والتبويب .
__________
(1) مجلة الأزهر ص 453 - 1364 هـ ـ شوال ـ مج 16 جـ 10 .(1/40)
... والحقيقة التى لا مفر من ذكرها والتأكيد عليها أن ابن سنان كان بارعاً فى تنظيمه وتبويبه ، ومنهجه الذى جعله منفردًا بين علماء عصره .
... يقول أحد المحدثين(1)بعد عرضه لألوان البديع عند ابن سنان : " هذه صورة مصغرة عن كتاب "سر الفصاحة" ، تحس منها أبرز مميزات هذا الكتاب ، من حسن تنسيق وتبويب وإحكام بين مسائله جعلها متماسكة تماسكًا قويًّا ، مترتبًا بعضها على بعض آخر مما ينبئ عن مبلغ ما بذله ابن سنان من مجهود شاق وتعب مضن أثمر أحسن الثمر ، وأعقب أحمد النتائج" .
... تلك هى الحقيقة التى يجب أن يتنبه إليها كل من قرأ كتاب الخفاجى "سر الفصاحة " .
المأخذ الثانى :
... يرى بعض المحدثين(2)أن مما يؤخذ على ابن سنان ، تكراره لبعض المسائل البلاغية فى أكثر من موضع دونما داعٍ وتقديمه الفروع على الأصول .
... يقول الدكتور رجاء عيد :
" أما عطاء ابن سنان بعد ضيقة الفائت ، فمدعاة لتأففنا نحن منه ... ، فنتيجة لاضطرابه فى منهجه نراه يُلْحِق الاستعارة بالفصاحة ، ونراه يلحق التشبيه بالبلاغة، ولم يصل بعدُ إلى الطريق"(3).
... ويقول الدكتور عبد الرازق :
" ومما يؤخذ على ابن سنان تكرار الكلام عن موضوع واحد فى أماكن متعددة ، فمثلاً تكلم عن الكناية فى أكثر من مكان ، ثم عاد وكرر الكلام عنها فى أماكن أخرى"(4).
... وأقول : أمَّا ما قاله الدكتور / رجاء ، فمن الواضح أنه بنى كلامه على خطأ حيث أن ابن سنان لم يفرق بين الفصاحة والبلاغة ، كما ذكرت من قبل .
__________
(1) الدكتور أحمد موسى فى "الصبغ البديعى" ص 218 .
(2) د/ عبد الرازق أبو زيد فى " سر الفصاحة دراسة وتحليل" ص 58 ، والتصوير البيانى د/ حفنى شرف ص 13 ، ود/ عبد العاطى علام فى "البلاغة بين عبد القاهر وابن سنان ص 315 ، ود/ رجاء عيد فى فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور ص 13.
(3) فلسفة البلاغة ص 13 وسر الفصاحة دراسة وتحليل ص 58، والتصوير البيانى ص 13.
(4) سر الفصاحة دراسة وتحليل ص 58 .(1/41)
... وعندما عاودت النظر فى "سر الفصاحة" لم أجد لما قاله الدكتور رجاء شيئًا من الصحة ، فلم يلحق ابن سنان الاستعارة بالفصاحة ولا التشبيه بالبلاغة .
... ويبدو أن الذى أغرى سيادته بذلك اعتقاده بتفريق ابن سنان بين الفصاحة والبلاغة .
... أما موضع التشبيه والاستعارة فى "سر الفصاحة" ، وفصل ابن سنان بينهما وتقديمه للاستعارة على التشبيه ، فليس مما يؤخذ عليه ، ولا يحق لنا أن نعيبه فى صنيعه هذا ما لم نستطلع كتابه ونبحث عن تفسير لذلك بدلاً من نقده والتسرع فى الحكم عليه .
... ولعل ما يفسر ذلك "منهجه" ، فقد وضع شروطًا خاصة بالتأليف منفردة له ، من هذه الشروط " وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازًا" ، ثم بدأ يفصل ذلك فجعل من وضع الألفاظ موضعها : "ألا يكون فى الكلام تقديم وتأخير يفسد المعنى ، وألا يكون الكلام مقلوبًا فيفسد المعنى ويصرفه عن وجهه ، ومنه حسن الاستعارة ، وألا تقع الكلمة حشوًا ، وألا يكون الكلام شديد المداخلة ، وألا يعبّر عن المدح بالألفاظ المستعملة فى الذم وبالعكس ، وحسن الكناية عما يجب أن يكنى عنه فى الموضع الذى لا يحسن فيه التصريح ، ومنه ألا يستعمل فى الشعر والرسائل والخطب ألفاظ المتكلمين والنحويين ، وأشباههم "(1).
... فشرط فصاحة الكلام المؤلف :وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازًا " ومن وضع الألفاظ موضعها ما ذكره ابن سنان .
... ومع أن المسائل البلاغية التى ذكرها ابن سنان تحت وضع الألفاظ موضعها ومنها الاستعارة خليط من المعانى والبيان والبديع إلا أنه مع التأمل ندرك ما بينهما من صلة قوية ، فابن سنان قد أدرك أن هذه المواضع ليست أصلاً فى الأسلوب ، فالأصل فى الكلام عدم التقديم ، وعدم القلب والحقيقة لا الاستعارة ، وخلو الكلام من الحشو ، وتجنب المعاظلة فى الكلام وهكذا ...،
__________
(1) سر الفصاحة ص 110 إلى ص 169.(1/42)
... فإذا قدمنا بعض الكلام على بعض فيجب أن يوضع هذا التقديم فى موضعه المناسب حتى لا يفسد المعنى ، وإذا خرج الكلام من الحقيقة إلى الاستعارة ، فلابد من وضع هذه الاستعارة فى مكانها الملائم لها حتى تكون حسنة وهكذا ...
... ولذا نجده يقسم الاستعارة إلى حسنة قريبة "وضعت فى موضعها الملائم لها"، وقبيحة بعيدة " لم توضع فى موضعها ".
... ولو عاودنا النظر فى المسائل البلاغية " التى توضع فى مواضعها الملائم لها"؛ لألفينا أن بينها تماسكًا وتلاحمًا يجعلها وكأنها من واد واحد ، وهى نظرة دقيقة من ابن سنان غير مسبوق بها .
... وكان ابن سنان على صواب حينما لم يدرج "التشبيه" مع الاستعارة فى "وضع الألفاظ فى مواضعها" ؛ وذلك لأن التشبيه ليس فى غموض الاستعارة ، ولذا نجده يفسر بُعد الاستعارة بقوله : "والبعيد المطرح يكون لبعده مما استعير له فى الأصل"(1)
ويشترط فى الاستعارة الحسنة " أن تكون أوضح من الحقيقة"(2).
... لقد أدرك ابن سنان أن أسلوب الاستعارة أكثر غموضًا من التشبيه ؛ لأنه يعتمد على حذف أحد طرفى التشبيه ـ على الأقل من وجهة نظره ـ مما جعله يدرجها فى وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازًا .
... وعند دراسة ابن سنان للأوصاف التى تُطلب من المعانى من حيث توجد فى الألفاظ المؤلفة أدرك أن من هذه الأوصاف : الصحة ، والكمال ، والمبالغة ، والتحرز مما يوجب الطعن ، ومن الصحة "صحة التشبيه" ، و "صحة التفسير ، و "صحة التقسيم" .
... فمنهج ابن سنان يعنى وضع الألفاظ موضعها فى الاستعارة ؛ حتى لا تغمض وتبعد فتصبح قبيحة .
... وصحة المعنى فى التشبيه ، ولذا كان يعقب على الشواهد بقوله : "فيكون حسن هذا لأجل إيضاح المعنى وبيان المراد"(3).
... بتعبير آخر :
لما كانت الاستعارة لا تتحقق إلا بحذف أحد طرفى التشبيه كان لابد أن توضع الألفاظ فى الاستعارة موضعها حتى لا تبعد .
__________
(1) سر الفصاحة ص 120 .
(2) المصدر السابق ص 118 .
(3) سر الفصاحة ص 246 .(1/43)
أما التشبيه فطرفاه موجودان فلا يشترط فيه إلا صحة المعنى عند التشبيه.
ولذلك انفرد ابن سنان بهذه الطريقة البارعة فى منهجه .
أيحق لنا بعد هذا أن نتأفف منه ـ كما يقول د/ رجاء ـ ؟!
... لعل من الإنصاف أن نقول أن الدكتور رجاء هو الذى لم يصل إلى مغزى كلام ابن سنان .
... أما الرد على قول الدكتور عبد الرازق :
" مما يؤخذ على ابن سنان تكراره ... فقد تكلم عن الكناية فى موضع ثم عاد وكرر الكلام عنها فى موضع آخر".
... فأقول : أما الموضع الأول الذى ذكرت فيه الكناية فهو :
"وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازًا ... ومنه "حسن الكناية" ، والاستعارة كما ذكرت من قليل " .
... فلما كانت الكناية : "لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة معناه"(1)
... احتيج فيها أن توضع الألفاظ فى مواضعها ، ولذا نجد أن ابن سنان يقول عنها فى هذا الموضع : "ومن وضع الألفاظ فى مواضعها حسن الكناية عما يجب أن يكنى عنه فى الموضع الذى لا يحسن فيه التصريح"(2).
... وعد إلى عبارته : "فى الموضع الذى لا يحسن فيه التصريح ؛ لتدرك مرامه.
فإذا كانت الكناية فى موضع لا يحسن فيه التصريح فهى كناية حسنة ، وهى من وضع الألفاظ فى مواضعها .
... وأما الموضع الثانى : الذى تحدث فيه ابن سنان عن الكناية ، فذلك وهو بصدد الحديث عن شروط الفصاحة والبلاغة ـ أيضاً ـ ، حيث جعل من شروط فصاحة الكلام التى تختص بالتأليف وتنفرد له عن فصاحة الكلمة : "أن يكون معنى الكلام واضحًا ظاهرًا جليًّا "(3).
... واستلزم ذلك منه أن يذكر الأسباب التى لأجلها يغمض الكلام ، ويفصل الكلام فى ذلك ، وعاب أستاذه أبا العلاء لاستحسانه الإلغاز وإكثاره منه .
... ثم شرع فى الحديث عن الكناية تحت اسم "الإرداف والتوابع" ، وجعلها من نعوت الفصاحة والبلاغة التى تحقق له شرط الوضوح .
__________
(1) المصدر السابق ، والبغية 156/3 .
(2) سر الفصاحة ص 163 .
(3) المصدر السابق ص 220 .(1/44)
... وليس يعنى ذلك أن المسائل البلاغية الأخرى لا تحقق له "الإيضاح" .. كيف وقد أشار إلى ذلك فى أكثر كتابه ، ولكنه أدرك أن "الإرداف والتوابع" ، ـ كما أطلق عليه ـ و "التمثيل" يحققان له الوضوح والمبالغة بطريقة ظاهرة ، فهما من نعوت الفصاحة والبلاغة ، وليس من شروطها حتى لا يختلط هذا على البعض .
... ولعل مما يؤكد هذا أنه عرف "الإرداف والتوابع" بقوله :
" ومن نعوت البلاغة والفصاحة أن تراد الدلالة على المعنى ، فلا يستعمل اللفظ الخاص الموضوع له فى اللغة ، بل يؤتى بلفظ يتبع ذلك المعنى ضرورة ؛ فيكون فى ذكر التابع دلالة على المتبوع"(1)
... وبعد سطور قليلة يقول :
" ومن نعوت البلاغة والفصاحة : أن يراد معنى فيوضح بألفاظ تدل على معنى آخر ، وذلك المعنى مثال للمعنى المقصود "(2)، وهذا هو التمثيل .
... ثم يعلق عليهما بقوله : "فالغرض إيضاح المعنى وبيانه"(3).
وعلى هذا فابن سنان عندما ذكر الكناية فى الموضع الأول كان ذلك ؛ لأنه أدرك أن "من وضع الألفاظ موضعها حسن الكناية عما يجب أن يكنى عنه فى الموضع الذى لا يحسن فيه التصريح".
... وحين كرر الحديث عنها بذكر "الإرداف والتوابع" ، استشهد به لتحقيق الوضوح فى الفصاحة والبلاغة ، ولذلك ذكر معه التمثيل ، وهو أكثر المسائل البلاغية التى تحقق الوضوح .
... كما أن ابن سنان أدرك فى الموضع الأول أن المواضع التى لا يحسن فيها التصريح تجب فيها الكناية .
... أما الموضع الثانى : "فالإرداف والتوابع" عنده من النعوت ، فالبحترى يصف القلب بأنه مكمن اللب والرعب والحقد ... وهكذا .
__________
(1) سر الفصاحة ص 229 .
(2) المصدر السابق ص 232 .
(3) المصدر السابق نفس الصفحة .(1/45)
... ولو أن الدكتور / عبد الرازق استطلع "سر الفصاحة" ، وتأمل منهج صاحبه، لما كان هناك مجالاً للنقد وشن الحملات على بلاغى تهمته الوحيدة أنه حاول أن يأتى بمنهج منفرد وطريقة جديدة ، فكان ذلك سببًا لتصدى بعض النقاد له ، لا لشيئ وإنما لأنهم عجزوا عن فهم مرامه ، فراحوا يتبارون فى نقده .
المأخذ الثالث :
... جرّد بعض المحدثين(1)ابن سنان من كل فضيلة حين اتهمه بالتقليد الأعمى دون أن يكون له رأى فيما ينقله .
... يقول د/ حفنى شرف :
" إن ابن سنان الخفاجى كان كأستاذه فى حديثه عن البديع تحت اسم غير البديع ، كما أن البديع عنده شامل لأنواع البلاغة الثلاثة مثلُه ، ولكنه لم يقف أمره عند تقليد قدامه فى تقسيامته ، بل إنه كثيرًا ما ينقل من "نقد الشعر" عبارات بنصها ، ولعلى أكون بذلك قد أخرجته عما أثبته لنفسه من البعد عن التقليد ، والحرية فى الرأى الذى كثيرًا ما كان يتحدث عنهما ويتشدق بهما"(2).
وأقول : لقد هالنى كلام د/ شرف السابق ، إنه يجرد ابن سنان من حرية الرأى ، والبعد عن التقليد ، بل إنه يذهب إلى أبعد من هذا ، فيصمه بالغرور والتعالى.
... إن ابن سنان لم ينف تأثره بقدامة بن جعفر ، كيف وقد ذكر اسمه فى أكثر من موضع من كتابه وكانت تتردد فى "سر الفصاحة" عبارات مثل : "وقد ذهب أبو الفرج قدامة بن جعفر"(3)، " وقد أنكر أبو الفرج قدامة بن جعفر ما ذكرناه"(4)، " ورُوى عن أبى الفرج قدامه بن جعفر"(5).
__________
(1) د/ حفنى محمد شرف فى كتابه " ابن ابى الإصبع المضرى بين علماء البلاغة " ص 77 ، مكتبة نهضة مصر بالفجالة ط1 ـ دار الكتب ـــــــــــــــ .
(2) المصدر السابق نفس الصفحة .
(3) سر الفصاحة ص 94 .
(4) المصدر السابق ص 105 .
(5) المصدر السابق ص 112 ، وراجع الصفحات الآتية : "155 ، 157 ، 178 ، 200 ، 203 ، 216 ، 241 ، 265 " .(1/46)
... فابن سنان يعترف باطلاعه على ما كتبه قدامة بن جعفر ، وليس هذا الاطلاع مما يعاب به أو يؤخذ عليه ، فالسابق يؤثر فى اللاحق ، واللاحق يقرأ عن السابق.
... يقول د/ أحمد موسى :
" استعان ابن سنان فى كتابه بمؤلفات كثيرة أبرزها "نقد الشعر" ، ... وكثيراً ما يصرح بأسماء هذه المؤلفات حين ينقل عنها "(1)
... أما قول د/ شرف أن ابن سنان قد تأثر بقدامة وحده فى بديعه فهذا ما لا يسلم له أيضًا ؛ لأن تأثر ابن سنان فى بديعه لم يكن بقدامة فحسب كما يدعى الدكتور شرف ، وإنما بالآمدى أيضًا الذى تأثر به فى الجناس والطباق .
... وأما قول د/ شرف " ولعلى أكون بذلك قد أخرجته عما أثبته لنفسه من البعد عن التقليد والحرية فى الرأى " .
... فلعل ما أغرى سيادته بذلك هو قول ابن سنان فى موضع من كتابه عن الآمدى :
" وهذا الذى قاله أبو القاسم لا أرضى به غاية الرضى ، ولو كنت أسكن إلى تقليد أحد من العلماء بهذه الصناعة أو أجنح إلى اتباع مذهبه من غير نظر وتأمل لم أعدل عما يقوله أبو القاسم ، لصحة فكره ، وسلامة نظره ، وصفاء ذهنه وسعة علمه ، لكننى أغلب الحق عليه ، ولا أتبع الهوى فيما يذهب إليه "(2).
... وليت د/ شرف عاد إلى عبارة ابن سنان وتأمل قوله : "ولو كنت أسكن إلى تقليد أحد من العلماء ... من غير نظر وتأمل " ، فمعنى هذه العبارة ، أن ابن سنان ينفى عن نفسه التقليد ، ولكنه مع ذلك يعترف بالمراجعة والاطلاع ، وقد يؤيد غيره فيما يذهب إليه ، ولم يكن فى تأييده مقلدًا له ، ولكنه تأييد بعد نظر وتأمل فى كلام غيره.
... ومما لا شك فيه أن ابن سنان " امتاز فى كتابه بحرية الرأى والاعتداد بالنفس، والجنوح عن التقليد ، حتى فى أيسر المسائل وأهونها شأنًا "(3).
__________
(1) الصبغ البديعى ص 203 .
(2) سر الفصاحة ص 122 .
(3) الصبغ البديعى ص 203 ، وراجع قضية اللفظ والمعنى وأثرها فى تدوين البلاغة العربية د/ على محمد حسن العمارى ص 351 ـ مكتبة وهبة ـ ط1 .(1/47)
ب- المآخذ الخاصة :
... فى الصفحات السابقة عرضت لبعض المآخذ العامة ـ من وجهة نظر بعض النقاد والبلاغيين ـ وقد حاولت بكل حيدة أن أناقش هذه المآخذ دونما تعصب .
... وفى الصفحات التالية سأتناول بعض المآخذ الخاصة ببعض المسائل البلاغية المبثوثة فى "سر الفصاحة" ، والتى دار حولها جدل طويل .
... ولست أزعم أنى سأقول الكلمة الأخيرة ، ولكنى سأحاول ـ مجتهدًا ـ أن أدلى بدلوى بين الدلاء لعلى أقترب من الحقيقة .
المأخذ الأول(1): " الأصوات "
... أخذ بعض النقاد والبلاغيين(2)على ابن سنان إقحامه لمبحث الأصوات والحديث عنها بالفصاحة والبلاغة .
... ولعل أول من أثار هذا الكلام هو ابن الأثير فى مقدمة كتابه "المثل السائر" عندما ذكر أنه اعتمد فى تأليف كتابه على كتابين هما "الموازنة" للعلامة الآمدى ، و "سر الفصاحة" لابن سنان الخفاجى(3)، فراح يقول :
__________
(1) أول نقد خاص وجه لابن سنان حول عنوان كتابه ، حيث يرى بعض المحدثين أن كتابه كان جديرًا به أن يسمى "سر البلاغة" وقد سبق وأن ناقشت هذا النقد (مناهج البحث البلاغى د/ عبد السلام عبد الحفيظ ص 244 .
(2) د/ محمد زكى العشماوى فى كتابه "قضايا النقد الأدبى بين القديم والحديث ص 271 ، 276 والأستاذ كامل الفقى فى مجلة الأزهر ص 87 سنة 1362 هـ ـ صفر ـ مج 4 جـ 2 .
(3) أشرت إلى هذه المسالة فى الفصل الأول ولكنى لم أتناوله بالتفصيل .(1/48)
" وقد ألّف الناس فى علم البيان كتبًا ، وجلبوا ذهبًا ، وحطّبوا حطبا ، وما من تأليف إلا وقد تصفحت شينه وسينه ، وعلمت غثه وسمينه ، فلم أجد ما ينتفع به فى ذلك إلا كتاب "الموازنة" ، لأبى القاسم الحسن بن بشر الآمدى ، وكتاب " سر الفصاحة "، وإن نبه فيه على نكت منيرة ، فإنه قد أكثر مما قل به مقدار كتابه ، من ذكر الأصوات والحروف ، والكلام عليها ، ومن الكلام على اللفظة المفردة ، وصفاتها مما لا حاجة إلى أكثره ، ومن الكلام فى مواضع شذ عنه الصواب فيها "(1).
... أقول قبل مناقشة كلام ابن الأثير ـ السابق ـ إنه مع علمه الغزير وطريقته الأدبية الرائعة فى تناوله للمسائل البلاغية ، إلا أنى لست أعلم تفسيرًا لتحامله على ابن سنان الواضح .
... فكم من نصوص يذكر فيها ابن سنان مادحًا ثم يستتبع ذلك بنقد لاذع .
... وأرجح أن يكون سبب ذكره لسر الفصاحة فى أول كتابه ، ليس ميلاً لابن سنان وتقديرًا لمنزلته ـ كما يدعى ـ ولكنه لما علم أنه سيتعرض لنقده وشن الحملات عليه آثر أن يبدأ كتابه بمدحه ، والتستر وراء ذلك .
... وقد كان ابن الأثير ذكيًّا ، لا ينقد ابن سنان وحده ، وإنما يذكره ضمن آخرين حتى لا يُلام بعصبه ضده .
... ولست بهذا الكلام متحاملاً على ابن الأثير ، كيف وأنا أعلم منزلته العلمية وأثره على البلاغة والبلاغيين من بعده ، ولكنها محاولة لتوضيح سبب نقده لابن سنان.
... وليست هذه هى المرة الوحيدة التى يتصدى فيها ابن الأثير لابن سنان ، ولكن "المثل السائر"(2)زاخر بالنقد اللاذع على الرجل فمن ذلك قول ابن الأثير :
__________
(1) المثل السائر 34/1 ، ولاحظ عبارة ابن الأثير الأخيرة "ومن الكلام فى مواضع شذ عنه الصواب فيها"، تدرك أنه يمهد لنقد ابن سنان.
(2) راجع المثل السائر : 212/2 .(1/49)
" ولقد رأيت أبا محمد عبد الله بن سنان الخفاجى ـ رحمه الله ـ قد خلط الاستعارة بالتشبيه المضمر الأداة ، ولم يفرق بينهما ، وتأسى فى ذلك بغيره من علماء البيان كأبى هلال العسكرى ، والغانمى ، وأبى القاسم الحسن بن بشر الآمدى "(1).
... والحقيقة أن ابن سنان لم يخلط بين الاستعارة والتشبيه المضمر الأداة ، كما ادعى ابن الأثير ، وقد ذكرت ذلك فى فصل سابق(2).
... ثم يقول ابن الأثير بعد سطور قليلة :
"على أن أبا القاسم الحسن بن بشر الآمدى ، كان أثبت القوم قدمًا فى فن الفصاحة والبلاغة ، وكتابه المسمى "الموازنة" بين شعر الطائيين ، يشهد له بذلك ، وما أعلم كيف خفى عليه الفرق بين الاستعارة ، والتشبيه المضمر الأداة ؟!"(3).
... إن ابن الأثير يعجب من خلط الآمدى بين الاستعارة والتشبيه المضمر الأداة ، ويحاول تبرير ذلك ، أما ابن سنان فخلطه بين المسائل البلاغية أمر بديهى ولا يثير العجب عند ابن الأثير .
... على أن ابن سنان قد ألّف كتابه لأجل الفصاحة والبلاغة ، أما الآمدى ـ فمع تقديرى لعلمه الغزير ـ إلا أن البلاغة جاءت فى كتابه ضمنًا .
... كما أن العلامة الآمدى وابن سنان لم يخلطا بين الاستعارة ، والتشبيه المضمر الأداة كما ادعى ابن الأثير(4).
... ومن النصوص التى يظهر فيها تحامل ابن الأثير على ابن سنان قوله : "وقد ذكر ابن سنان الخفاجى ما يتعلق باللفظة الواحدة من الأوصاف ، وقسمها إلى عدة أقسام ... وفى الذى ذكره ما لا حاجة إليه"(5).
... وقوله فى موضع آخر(6):
__________
(1) المثل السائر 87/2.
(2) راجع فى الفصل الثانى من هذا البحث "موقف ابن سنان من التشبيه المحذوف الوجه والأداة".
(3) المثل السائر 88/2.
(4) راجع تفصيل ذلك فى الفصل الثانى .
(5) المثل السائر 172/1 .
(6) عند تعرضه لنقده فى التشبيه المضمر الأداة ، المثل السائر 92/2.(1/50)
" وهذا الكلام الذى أوردته ها هنا هو اعتراض على ما ذكره ابن سنان الخفاجى فى الاستعارة ؛ فلا تظن أنى موافقه فى الأصل ، وإنما وافقته قصدًا لتبيين وجه الخطأ فى كلامه"(1).
... ليس من شك فى أن هذه النصوص ـ وغيرها كثير ـ يظهر فيها تحامل ابن الأثير على ابن سنان .
... أما ما نحن بصدد الحديث عنه وهو "نقد ابن الأثير لابن سنان فى إقحامه مبحث الأصوات فى كتابه" فسأكتفى برد محقق الكتاب الدكتور بدوى طبانة يقول :
" لا عبرة بهذا النقد ؛ لأن الخفاجى فى كلامه على الأصوات وعلى الحروف ذكر منها ما يؤلف ، وما لا يؤلف ، ولذلك من بعد الأثر فى وقع الكلام على السمع والذوق وتقديره عند أهل صناعة البيان ما لا يخفى ، وكلام الخفاجى على اللفظة المفردة ، من أمتع الدراسات النقدية ، وهو أصل لما كتب البلاغيون فى فصاحة الكلمة وفصاحة الكلام فى مقدمات كتب البلاغة ، بل إن ابن الأثير نفسه قد درس الكلمة المفردة وصفاتها فى هذا الكتاب ، وأفاد كما أفاد غيره من تلك الدراسة المنظمة التى مهد سبيلها الخفاجى"(2).
... على أن ابن سنان قد ذكر تفسيرًا مقنعًا لحديثه عن الأصوات والحروف كمقدمة للحديث عن الفصاحة وذلك حين قال :
" لأن حاجة الناظر فى علم الفصاحة والبلاغة لمعرفة مخارج الحروف وأوصافها أمر ضرورى ؛ لأن الكلام ينتظم منها"(3).
... ولعل ما يمكن أن نوجهه لابن سنان ليس مجرد إقحامه للأصوات والحروف كمقدمة للفصاحة ـ كما يدعى البعض ـ ، ولكن "لأنه لم يحاول أن يربط ربطًا فعَّالاً بين خصائص الأصوات والحروف وبين الفصاحة والبلاغة بما يبرر ذلك الاهتمام"(4).
__________
(1) المثل السائر 92/2.
(2) المثل السائر 34/1 هامش .
(3) البلاغة الصوتية فى القرآن الكريم أ.د/ محمد شادى ص 16 .
(4) المصدر السابق نفس الصفحة .(1/51)
... يقول أحد الباحثين : "درس ابن سنان الخفاجى تلميذ أبى العلاء المعرى البلاغة على أساس فصاحة الأسلوب من جهة الخصائص الصوتية للألفاظ ، وبما تعكسه من المعانى والآثار فى نفوس السامعين ، وكان كتاب "سر الفصاحة" عمدة الباحثين فى هذا الموضوع "(1).
المأخذ الثانى : "تفريق ابن سنان بين الفصاحة والبلاغة"
... زعم كثير من الباحثين(2)أن ابن سنان قد فرق بين الفصاحة والبلاغة ، فراحو يتبارون فى نقده .
... يقول أحدهم(3):
"يؤخذ على ابن سنان قوله : إن الفصاحة وصف للألفاظ والبلاغة لا تكون إلا وصفًا للألفاظ مع المعانى ، وهذا حق فى جانب البلاغة ، أما الفصاحة ، فإذا كان معناها الظهور والبيان ـ كما ذكر ـ فإنها تكون وصفًا للفظة وللتركيب".
... فمع أن هذا هو كلام ابن سنان ، إلا أنهم لم يتتبعوا مجموع كلامه الذى يشير إلى حقيقة رأيه فى أنه يلتقى مع غيره فى عدم التفريق بين الفصاحة والبلاغة ، كما أدرك ذلك أستاذى الدكتور مُحمّد شادى(4).
__________
(1) البحث البلاغى والنقدى بين ابن الخطيب الرازى وابن حمزة العلوى ـ عرض وتحليل ـ موازنة ـ نقد دكتوراه ـ إشراف أ.د/ كامل الخولى، للباحث محمد حسنين إبراهيم الهايج ص 160 ـ تحت رقم (1482) بكلية اللغة العربية بالقاهرة .
(2) راجع على سبيل المثال :
د/ شوقى ضيف فى البلاغة تطور وتاريخ ص 153 ، ود/ رجاء عيد فى كتابه "فى البلاغة العربية" ص 8 ، ود/ بدوى طبانة فى "البيان العربى" ص 174 ، ود/ عبد العاطى علام فى "البلاغة بين عبد القاهر وابن سنان" ص 49، ود/ حفنى شرف فى "التصوير البيانى ص 88 ، أ/ كامل الفقى مجلة الأزهر ص 368 .
(3) د/ بدوى طبانة فى البيان العربى ص 174 .
(4) راجع تفصيل كلام سيادته فى كتابه "نشأة البلاغة وأصول علم المعانى" ص 271 .(1/52)
... ولعل مما يؤيد كلام سيادته قول ابن سنان عن البلاغة والفصاحة : "وهما خليط لا ينقسم"(1)، كما يعطف بينهما عطف التفسير بالمرادف فى قوله : "إن الناس قد أكثروا من الدلالة على شرف الفصاحة ، وعظم قدر البيان والبلاغة "(2)
... كما أن ابن سنان يعرف الفصاحة بما تدل عليه البلاغة ، وهذا مفهوم من قوله : "الفصاحة هى عبارة عن حسن التأليف فى الموضوع المختار"(3)، "والبلاغة عبارة عن حسن الألفاظ والمعانى"(4). وهو فى أكثر من موضع يقول : "ومن شروط الفصاحة والبلاغة ..."(5).
... مما جعل الأستاذ الفقى يقول :
" إن حديث ابن سنان عن شروط الفصاحة والبلاغة مبهم معيب حيث لم يفصل بين نصيب كل منهما بل اكتفى بقوله : " ومن شروط الفصاحة والبلاغة كذا ... " ثم يقول : "ومن وضع الألفاظ موضعها كذا ..." ولم يبين مراده من الفصاحة والبلاغة"(6).
... وما قاله الأستاذ كامل الفقى حق وصدق ، لا أنكره عليه ، ومع هذا فابن سنان لا يعاب فى أنه لم يفصل بين نصيب كل من البلاغة والفصاحة ؛ لأنه لم يفرق بينهما ، وقد أشار فى أكثر من موضع إلى أنه لن يفصل بينهما يقول :
" وكلامى عن الفصاحة غير متميز عن البلاغة إلا فى الموضع الذى يجب بيانه من الفرق بينهما ... فأما ما سوى ذلك فعام لا يختص ، وخليط لا ينقسم "(7).
المأخذ الثالث : "نقد شروط الفصاحة".
... دار جدل طويل حول الشروط التى وضعها ابن سنان لفصاحة المفرد ، وفصاحة الكلام .
__________
(1) السابق ، وسر الفصاحة ص 60 .
(2) السابق وسر الفصاحة ص 51 .
(3) سر الفصاحة ص 95 .
(4) سر الفصاحة ص 234 .
(5) سر الفصاحة ص 205 .
(6) مجلة الأزهر أ/ كامل الفقى ص 368 سنة 1364 هـ ـ شعبان ـ مج 16 جـ 8 .
(7) سر الفصاحة ص 60 .(1/53)
... وأول من أثار هذا الجدل ابن الأثير(1)الذى راح يناقش ابن سنان فى هذه الشروط ، على أنه رجع عن بعض نقده فى كتابه الموسوم بالجامع الكبير(2)، وقد ذكرت تفصيل هذا الخلاف فى الفصل الأول مما يجعلنى لا أعاود تكراره ، ولكنى أحيل الحكم فى هذه الشروط على الذوق ، وسياق الكلام .
المأخذ الرابع : " إنكار ابن سنان للإطناب "
... زعم الأستاذ كامل الفقى أن ابن سنان ينكر الإطناب ، يقول سيادته : "كان من الغريب أن ينكر ابن سنان على الفصحاء أن يجعلوا الإطناب من الفصاحة ، ويناقش الذين أفسحوا الفصاحة لهذا النوع ويصر على إخلاله بها ... ثم ينقل سيادته كلام ابن سنان(3)عن الإيجاز ، ويعقب على ذلك بقوله :
... " لا نكون مبالغين إذا قلنا إنه أخطأه التوفيق"(4)
... ويبدو أن الذى أخطأه التوفيق الأستاذ الفقى ؛ لأن ابن سنان لم يرفض الإطناب بل استحسنه ، وكيف يرفضه وهو القائل :
__________
(1) راجع المثل السائر 205/1 ، والجامع الكبير ص 35 ، 57 ، والإكسير ص 73 ، 74 ، وعروس الأفراح 82/1 ، والفلك الدائر على المثل السائر 174/4 ، والطراز ص 54 ، والتبيان للطيبى ص 556 ت د/ زموط ، والإشارات والتنبيهات ص 8 ، 9 .
(2) الجامع الكبير ص 35 ، يشكك الدكتور على العمارى فى نسبة هذا الكتاب إلى ابن الأثير "راجع : أدعياء التجديد ص 68".
(3) راجع : سر الفصاحة ص 205 .
(4) مجلة الأزهر ص 453 ـ سنة 1364 هـ ـ شوال ـ مج 16 جـ 10 .(1/54)
" وكان أبو الحسن على بن عيسى الرُّمانى ... يسمى العبارة عن المعنى بالكلام الكثير مع أن القليل يكفى فيه ـ التطويل ـ ، ويسمى العبارة عن المعنى بالكلام الكثير الذى يستفاد منه إيضاح المعنى وتفصيله ـ الإطناب ـ ويجعل التطويل عيبًا وعيًّا ، والإطناب حسنًا ومحمودًا ، وهذا المذهب من أبى الحسن موافق لما اخترناه ؛ لأنه يذهب إلى حسن الإطناب الذى هو عنده طول الكلام فى فائدة وبيان ، وإخراج للمعنى فى معاريض مختلفة ، وتفصيل له ليتحققه السامع ، ويستقر عنده فهمه ، وهذا هو الذى اخترناه"(1).
... إن ابن سنان يعترف باختياره للإطناب ، ولكنه يشترط لحسنه شروطًا عدة هى :
... 1- أن يكون طول الكلام لفائدة .
... 2- الوضوح والبيان .
... 3- أن يخرج المعنى فى معاريض مختلفة ، وتفصيل له ليتحققه السامع ... ويستقر عنده فهمه .
... أبعد ذلك يحقق لأحد أن يدعى رفض ابن سنان للإطناب ، ثم إن ابن سنان لا يبحث عن الجائز والممتنع ـ حتى يرفض الإطناب أو يقبله ـ ولكنه يبحث عن الفصيح والأفصح ، كما نص هو على ذلك حين قال :
" إذا قلنا من شروط الفصاحة ـ الإيجاز ـ ، لم يكن ذلك منعًا لجواز الاسهاب ، ولا رفضًا لاستعماله ، وإنما مقصودنا أن هذا النحو أحسن من هذا النحو ، وبهذا الوجه يستدل على الفصاحة أكثر من هذا الوجه ... ؛ لأنا لا نتكلم فى هذا الموضوع عن الجائز والممتنع ، وإنما كلامنا على الأفصح والأحسن"(2).
المأخذ الخامس : "وعدٌ بالكلام لمْ يُنَفَّذْ "
... يقول أحد المحدثين بعد نقله لكلام ابن سنان الذى يقول فيه : "إن من وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازًا لا ينكره الاستعمال ، ولا يبعد فهمه ، وهذه الجملة تحتاج إلى تفصيل نحن نذكره ونشرحه ، ونبين أمثلته ؛ ليقع فهمه والعلم به"(3).
... ثم يعلق على هذا الكلام ناقدًا إياه بقوله :
__________
(1) سر الفصاحة ص 211.
(2) سر الفصاحة ص 223 .
(3) سر الفصاحة ـ دراسة وتحليل ـ د/ عبد الرازق ص 101.(1/55)
" وعلى الرغم من أن ابن سنان صرح بأنه سيتناول الكلام بشيئ من التفصيل والشرح وذكر أمثلة للحقيقة والمجاز حتى يسهل فهمها إلا أنه لم يفعل ... ولم يتكلم عن الحقيقة والمجاز إلا بضعة سطور فى ص (40) ، وأربعة سطور فى ص (134) ، ذكر فيهما التعريف والفرق بين الحقيقة والمجاز"(1).
... ولقد هالنى من أمر الدكتور عبد الرازق أنه لم يستطع فهم كلام ابن سنان السابق ، فاتهم الرجل بتهمة هو برئ منها .
... إن ابن سنان لم يَعدِ بما قاله الناقد ، ولكن معنى كلامه : "إن أحد الأصول والمقومات والأسس فى حسن التأليف : وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازًا لا ينكره الاستعمال ولا يبعد فهمه " أى الوضع المذكور" ، ثم عقب ابن سنان على ذلك بقوله : "وهذه الجملة ـ يعنى وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازً ـ تحتاج إلى تفصيل نحن نذكره ونشرحه ونبين أمثلته ؛ ليقع فهمه والعلم به".
... وقد وفّى ابن سنان بما وعد فجعل من وضع الألفاظ موضعها "التقديم والتأخير الحسن ، وحسن الاستعارة ، وتجنب الحشو ، وحسن الكناية ".
... ويبدو أن الذى أغرى الدكتور عبد الرازق فجعله يتهم ابن سنان أمرين :
الأول : أنه ظن أن قول ابن سنان "وهذه الجملة تحتاج إلى تفصيل ..." معطوف على قوله : "حقيقة أو مجازًا" ، فيكون معنى الكلام عنده "والحقيقة والمجاز ، والكلام عنهما يحتاج إلى تفصيل ... الخ" ، وهذا ما لم يقل به ابن سنان .
الثانى : وهو الأهم أن الدكتور عبد الرازق ، نقل نص كلام ابن سنان خطأ ، ثم بنى خطأ على خطأ ، فقد نقل عنه كما ذكرت أنه قال "إن من وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازًا لا ينكره الاستعمال ولا يبعد فهمه " ، وليس هذا ما قاله ابن سنان وإنما عبارته هى : "ونعود إلى ما يختص بالتأليف وينفرد له ونقول : إن أحد الأصول فى حسنه وضع الألفاظ موضعها حقيقة أو مجازًا ، لا ينكره الاستعمال ولا يبعد فهمه ...الخ "(2).
__________
(1) السابق ص 101 ، 187 .
(2) سر الفصاحة ص 111 .(1/56)
... والفرق واضح بين ما نسبه الناقد لابن سنان خطأً ، وما قال ابن سنان حقيقة، ممل جعل الناقد يعيب على الرجل عدم التزامه بمنهجه ، مع أن هذا لم يحدث ، فابن سنان التزم فى منهجه ولم يقصر فى شيئ .
وبعد ...
... فهذه بعض المآخذ التى عاب النقاد والبلاغيين فيها ابن سنان ، التزمت فى مناقشتها الحيدة والموضوعية قدر المستطاع ، ولم أذكر كل ما قيل حوله من نقد ؛ لأنه كثير ليس مكانه هذه الصفحات ، ولأنى ذكرت أكثره أثناء فصول البحث مما جعلنى أستغنى بذلك عن تكراره ، فذكرت من هذه المآخذ أهمها .
... وها أنا الآن إتمامًا للفائدة أذكر ما قيل حول الإمام البحرانى .
* مآخذ العلماء على الإمام البحرانى :
... نظرًا للأسباب التى ذكرتها تفسيرًا لكثرة النقد حول ابن سنان ، فإن ما يؤخذ على البحرانى لا يعد شيئًا موازنًا بابن سنان .
... ولم يكن هذا تقصيرًا منى أو ميلاً لأحدهما دون الآخر ، ولكن لما ذكرته من قبل ، من شهرة ابن سنان ، واطلاع الكثير على مؤلفه ، وتقدمه فى الظهور عن البحرانى ، وطريقته فى كتابه ، ومناقشته لغيره ، وكثرة شواهده ، واطلاعه على أكثر ما ألف قبله ، مما خلا منه مؤلف البحرانى .
المأخذ الأول : "إدراج بعض ألوان البديع فى النظم "
... أخذت بعض الباحثات على البحرانى إدراجه بعض المسائل البلاغية ، ومنها الألوان البديعية فى أقسام النظم .
... تقول الدكتورة كريمة أبو زيد : "يؤخذ على الإمام البحرانى أنه قد عد أقسام النظم عشرين وجهًا ، وقد جعل البلاغيون جُلّ هذه الموضوعات داخلة فى علم البديع "(1).
__________
(1) شرح نهج البلاغة ـ كمال الدين ميثم بن على البحرانى ـ تحقيق ودراسة ـ دكتوراة ـ كريمة محمود أحمد أبو زيد ـ إشراف د/ عبد القادر حسين ص 81 تحت رقم 51 .(1/57)
... وأقول : لم تتنبه الدكتورة كريمة ، إلى أن منهج البحرانى قد فرض عليه ذلك، ولا أرى وجهًا لنقدها للإمام البحرانى ، فقد جعل إمام البلاغيين الشيخ عبد القاهر الجرجانى بعض هذه الألوان من النمط العالى من النظم(1).
... على أن البحرانى نفسه قد تأثر بالإمام الرازى ، والذى أرجح أن يكون أخذها عن ابن سنان الخفاجى ، كما أدرك ذلك أستاذى الدكتور مُحمّد شادى(2).
المأخذ الثانى : "خلطه بين التشبيهات الحسية والعقلية :
... يعلق العلامة الطوفى على قول الامام على :
" أَما إِنّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفَهُ "(3)، وقد اعتبره البحرانى من تشبيه المعقول بالمحسوس .
... ويعقب الطوفى على ما ذهب إليه البحرانى بقوله : "وهو وهم إذ اللعقة حركة اللسان ، وليست محسوسة ، إنما المحسوس اللسان اللاعق ، والأنف الملعوق فهو من تشبيه المعقول بالمعقول(4)".
... وتكاد ترتاح نفسى إلى ما قاله البحرانى حين جعل هذا التشبيه من تشبيه "المعقول بالمحسوس" ، وقد استوعبت الكلام على هذا فى فصل سابق(5).
... ولعل ما يؤكد ذلك قول الدكتورة أمينة سليم ، وهى بصدد الحديث عن آراء الطوفى البلاغية ، تقول بعد ذكرها لاعتراض الطوفى السابق على البحرانى :
" ونرد على الطوفى قوله ، ونقول إنما الوهم ما وقع فيه هو ؛ لأن هذا التشبيه من تشبيه "المعقول بالمحسوس" ، كما ذهب إلى ذلك البحرانى ؛ لأن اللعقة هى فعل وحركة صادرة عن عضو مشاهد بحاسة البصر ، كما أن الأنف ـ أيضًا ـ مشاهد ، وليس من تشبيه "المعقول بالمعقول" ، كما ذهب الطوفى"(6).
وبعد ...
__________
(1) راجع تفصيل ذلك فى : دلائل الإعجاز ص 74 .
(2) نشاة البلاغة وأصول علم المعانى ص 128 .
(3) نهج البلاغة ص 35 ، وأصول البلاغة 61 .
(4) الإكسير ص 135 بتصرف .
(5) أنواع التشبيه عند البحرانى .
(6) الطوفى البغدادى وآراؤه البلاغية والنقدية ـ دكتوراه د/ أمينة سليم ص 144 .(1/58)
... فهذا ما عثرت عليه من نقد ـ على قلته ـ إلا أنى لم أقصر فى تتبع ما قيل حول البحرانى ، وهناك بعض المآخذ ذكرتها أثناء حديثى عن المسائل البلاغية عنده، فى ثنايا البحث .
ــ هـ ــ الآراء والإضافات :
... هناك بعض الآراء والإضافات التى كان لها عظيم الأثر على البلاغة ، وقد تكون هذه الآراء والإضافات مما ينفرد به الرجلان "ابن سنان والبحرانى" ، وقد يكون أحدهما قد سُبق بها ، ولكنه قد بذل جهدًا فى تناوله لها أضفى عليها شيئًا من الظهور والخصوصية .
بتعبير آخر :
... هناك ما يميز البحرانى وابن سنان فى مؤلفاتهما ، وبسبب هذا التميُّز أصبح لمؤلفاتهما عظيم الأثر على البلاغه والبلاغيين .
أولاً : ابن سنان :
... سأورد فى السطور الآتية بعض ما يميز مؤلف ابن سنان عن غيره ، مما جعله يقف شامخًا بين الكتب الأخرى.
(1) يعد ابن سنان أول من فصل بين شروط فصاحة اللفظة المفردة ، والألفاظ المنظومة المركبة ، على هذا الوجه المرتب المنظم(1)،ولعله بهذه الطريقة يكون منفردًا متميزًا عن كل من سبقوه ، فلم يشر إلى الفصاحة فى ثنايا كتابه ، كما كان يفعل أكثرهم ، ولكنه ألف كتابه من أجل البحث عن حقيقتها ، فراح يتطلب ذلك منه جهدًا شاقًا .
... وقد عرض للفصاحة فى كتابه "بمنطق خلاب ، وأسلوب أخاذ ، فكان فى بيانه العالى وأسلوبه الرفيع ، دليلاً معجبًا على سمو البيان ، وبرهانًا ناطقًا على شرف الفصاحة ، وكرم منزلها من النفوس"(2).
... ولقد أشاد الدكتور خفاجى بمؤلف ابن سنان ، وأنه وضع الأساس الذى قامت عليه دراسات المتأخرين من بعده فى الفصاحة(3).
__________
(1) الصبغ البديعى د/ أحمد موسى ص 208 ، والبيان العربى د/ بدوى طبانة ص 173 ، مجلة الأزهر أ/ كامل الفقى ص 89.
(2) المصدر السابق ص 88 .
(3) مفاد من مناقشة جرت بينى وبين سيادة الدكتور محمد خفاجى فى مكتب عميد كلية اللغة العربية بالقاهرة .(1/59)
... ولعل ما يؤكد كلام سيادته ما قاله الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومى عن ابن سنان : يقول سيادته :
... " لقد كتب سابقوه شذورًا عن فصاحة الكلام وبلاغته ولكن ما قاله ابن سنان فى "سر الفصاحة" هو الأصل الذى قامت عليه مقدمة العلوم الثلاثة المتدرجة فى البحث البلاغى"(1).
(2) ومما يميز ابن سنان : تدرجه فى مؤلفه من الصوت حتى النظم والتركيب ، وإن كان ابن الأثير سيلومه فى هذا الصنيع إلا أن لابن سنان أثرًا واضحًا فيمن أتى بعده ، كالرازى والبحرانى .
... ولو أن ابن سنان اهتم بالفصل الذى وضعه للأصوات اهتمامه بباقى الكتاب لكان لصنيعه هذا شأن لايوازن بغيره ، ولكنه ألف فى هذا الفصل على طريقة المتكلمين ، واللغويين ، فشاب حديثه بعض الغموض ، والخلو من الناحية الفنية.
... ومهما يكن من شيئ فإنه متميزٌ فى صنيعه هذا ، وقد ألف فى الأصوات ؛ لأن الكلام ينتظم منها ، فهى الأساس الذى يبنى عليه حديثه عن الفصاحة ووضع شروط لها .
(3) ومن أهم ما تميز به ابن سنان ـ وقد غفل عنه بعض المحدثين فراحوا يتبارون فى نقده ـ منهجه القائم على وضع أصول ومقومات للفصاحة ، وتوزيعه للمباحث البلاغية بهذه الطريقة التى لم يسبق بها ، مما جعله يفصل بين حديثه عن الاستعارة وحديثه عن التشبيه ، وأن يدرس الكناية فى موضع والإرداف فى موضع آخر ، وقد لاقت هذه الطريقة من النقاد والمحدثين نقدًا لاذعًا ، ولو أنهم توصلوا إلى هدف ابن سنان ومنهجه ، ما كان منهم هذا ، بل لكان مدحًا لصنيع الرجل .
... ولكن أكثرهم راح ينكر على ابن سنان طريقته ، ويتهمه بالتكرار وسوء الترتيب، والتقليد وغير ذلك مما هو فى مكانه من هذا البحث.
(
__________
(1) تطور البحث البلاغى ص 35 .(1/60)
4) كما تميز ابن سنان بكثرة شواهده على اختلافها ، ومناقشته لآراء غيره ، دونما تعصب أو تجريح ، فلا تكاد تمر الصفحة إلا وتدرك أن ابن سنان قارئ جيد اطلع على أكثر الكتب التى ألفت قبله ، وقرأ أكثر دواوين الشعراء بل نخلها ليستخرج منها ما هو حسن وما هو ردئ ، فجاء مؤلفه زاخرًا بالشواهد والآراء التى جعلته فى طليعة النقاد والبلاغيين .
(5) ومن أهم الإضافات التى انفرد بها ابن سنان ، تقسيمه الصور البيانية إلى حسنة ورديئة أو قريبة وبعيدة ، وتوزيعه الشواهد بين هذا وذاك ، ولم يقف من هذه الشواهد موقف الناقل لها فحسب ، ولكنه كان يناقش ويحلل وينقد ويعلل ، وقد جعل نفسه مسئولاً عن كل استحسان لها أو استقباح .
... وليت الدراسات البلاغية قد سارت على طريقة ابن سنان فقسمت كل الصور البيانية إلى حسنة ورديئة أو قريبة وبعيدة ، ثم تناولت فى القسم الجيد الأنواع المختلفة للتشبيه أو الاستعارة أو الكناية بدلاً من التفريعات الكثيرة التى لا تميز بين الشواهد الجيدة وغيرها .
(6) ومن إضافات ابن سنان فى البديع " أنه جعل من أوصاف الكلام المؤلف : التناسب ، وأدرج تحته ما هو أبين اتصالاً بالتناسب ، وأجدر بتحقيقه ، سواء كان لفظيًّا أو معنويًّا ، كالسجع والازدواج ، والتصريع ... الخ"(1).
... ويبدو أن العلامة الرازى ومن بعده البحرانى قد تأثرا بطريقة ابن سنان ، فتحدثا عن ما يعرف عندهما "بالنظم المتضمن ألواناً من البديع" ، كما أدرك ذلك أستاذى الدكتور مُحمَّد شادى(2).
(7) ومن إضافاته فى علم البديع ـ أيضًا ـ أنه أول من عرض "لحسن التعليل " من المؤلفين فى البديع بعد أبى هلال العسكرى ، ثم تلاهما عبد القاهر الجرجانى ، فسماه "التخييل" ، ونوعه إلى أنواعه المعروفة التى نقلها عنه صاحب التلخيص(3).
__________
(1) راجع : نشأة البلاغة وأصول علم المعانى أ.د/ مُحمد شادى ص 128 .
(2) السابق نفس الصفحة .
(3) الصبغ البديعى ص 217 .(1/61)
... كما تحدث عن "اللف والنشر" وأطلق عليه اسم "حمل اللفظ على اللفظ فى الترتيب" .
ثانياً : الإمام البحرانى :
(1) لعل أهم ما يميز البحرانى فى كتابه "أصول البلاغة" ، "الإيجاز" فى عرضه للمسائل البلاغية بهذه الطريقة التى انفرد بها بين سائر الكتب البلاغية التى أُلّفت قبله يقول البحرانى عن مؤلفه : "هذه أصول فى علم البلاغة جردتها عن الحشو المذموم ، وضبطتها بالحدود والرسوم ؛ ليسهل حفظها ويكثر نفعها ..."(1)
... " والحقيقة أن الكتاب كما وصفه مؤلفه ليس فيه الحشو أو التطويل الذى لا يحتاج إليه من يريد أن يرشف ينابيع البلاغة ، ويتزود بفنونها ، ويلم بأطرافها دون أن يبذل فى تحصيلها الجهد الكبير أو العناء الشديد"(2)
...
... ولقد أدرك الدكتور عبد القادر حسين قيمة مؤلَّف البحرانى "أصول البلاغة" وأشاد به وبمؤلِّفه ؛ لأن البحرانى ـ كما يقول سيادته(3)ـ انفرد بهذه الطريقة المختصرة فى التأليف البلاغى .
(2) كما أن مما يميز البحرانى أنه اتبع طريقة ابن سنان فى تدرجه من الصوت إلى الحرف حتى وصل إلى النظم والتركيب ولذلك قسم كتابه إلى جملتين : الجملة الأولى : فى الفصاحة العائدة إلى المفردات ، والثانية فى النظم .
... والملاحظ أنه اتخذ طريقة الرازى وابن سنان فى دراسته للبلاغة والفصاحة ، ومع أنه مسبوق بها ، إلا أنه تميز فيها بالإيجاز والبعد عن التفريعات ، والخلافات التى قد تذهب بحلاوة البلاغة ـ من وجهة نظره ـ .
(
__________
(1) أصول البلاغة ص 24، 33 .
(2) المصدر السابق ص 25 (مقدمة المحقق ).
(3) مفاد من الدكتور عبد القادر حسين (محقق الكتاب) فى حديث لى مع سيادته فى بيته يوم 25/9/1997م الساعة السابعة مساءً (بمدينة نصر) .(1/62)
3) وللبحرانى الفضل العظيم فى شرح كلام الإمام على ، والكشف عن نواحى الجمال فيه ، وتعرضه لأكثر المسائل البلاغية من معان ولبان وبديع ، وشرْح ذلك كله وتحليله وبيان مزيته على الكلام ، وهو فى صنيعه هذا ينفرد بشرحه وسط شروح كثيرة لنهج البلاغة ، لم يكن لها ما للبحرانى من جهد ملموس ، كان له عظيم الأثر على البلاغة .
(4) كما سار البحرانى على طريقة الرازى وابن سنان فى إدراجه لألوان البديع فى النظم وذلك عند حديثه عن "النظم المتضمن ألوانًا من البديع" ، وإن كان حديثه قد امتاز عن الرازى ، بخلوه من الإغراب والتطويل .
ــ 2 ــ
البلاغيون بين الامام البحرانى وابن سنان الخفاجى :
ـ أ ـ الخفاجى بين التأثر والتأثير /
... لقد كان ابن سنان الخفاجى واسع الاطلاع ، يشهد لذلك ذكره الروايات الأدبية والأحداث والمجالس التى امتلأ بها كتابه ، ومناقشته لأعلام بارزين فى مجال البلاغة والنقد ، وذكره لأسماء عديدة سبقته فى مختلف المجالات ، وقد كان لتتلمذه على شيخه أبى العلاء المعرى عظيم الأثر على كتابه ، ولكنه مع هذا " لم يعرِّج على رأى سُبق به إلا نسبه لصاحبه ، ولم أره ـ وقد تتبعت ما كتبه فى سر الفصاحة ـ منتحلاً مذهبًا أو مدعيا رأيًا وهو لغيره ، بل تراه فى غير موضع يقول : " عن أبى الحسن الرُّمانى ، عن قدامة ، عن شيخنا المعرى ، عن فلان ، عن فلان ، وهكذا ، وقد لا تجد هذا المظهر متجليًا لأحد تجليه فيه(1)".
... وقد اعترف ابن سنان بمراجعته لمن كتبوا قبله فى البلاغة عندما قال : " وقد صنف قوم فى نقد الشعر رسائل ذكروا فيها أبواباً من الصناعة ، لا تخرج عما ذكرناه فى كتابنا هذا(2)" .
__________
(1) 1 مجلة الأزهر أ / كامل الفقى ص 528 سنة 1362 هـ ـ شوال ـ مج 14 حـ 10 .
(2) 2 سر الفصاحة ص 285 .(1/63)
... وها أنا سأذكر بعض المصادر التى اعتمد عليها ابن سنان ، ولكن لمَّا كانت هذه المصادر أو أكثرها قد أشرت إليها أثناء عرض المسائل البلاغية ، فإن ذلك سيستلزم منى أن أذكرها موجزة ، حتى أنتقل إلى الهدف من هذا المبحث وهو " أثر ابن سنان فى الدراسات البلاغية " .
أولاً : مصادر ابن سنان التى اعتمد عليها :
1ـ بعض اللغويين والنحاة " كأبى عبيدة معمر بن المثنى(1)، وأبو العباس أحمد بن يحى ( ثعلب )(2)، والسيرافى(3)، والخليل بن أحمد الفراهيدى(4)، وسيبويه(5)، وابن جنى(6)، والمبرد(7)، وغيرهم .
... فقد اعتمد ابن سنان على هؤلاء فى بعض النواحى اللغويه التى تخدم الدرس البلاغى ، وتكشف عن قيمته الفنية .
2ـ الجاحظ .. فقد احتذى ابن سنان حذوه فى كثير من الآراء البيانية والأدبية ، وذكر بعض تعريفاته للبلاغه .
... يقول ابن سنان ـ مثلاً ـ :
... " ومن شروط الفصاحة للمفرد ـ أن تكون الكلمة ـ كما قال أبو عثمان الجاحظ ـ وحشية(8)".
... ويقول فى موضع آخر من كتابه : " وفى المتقدمين من هو أشعر من جماعة من المحدثين ، وإلى هذا كان يذهب أبو عثمان الجاحظ ..(9)".
__________
(1) 1 سر الفصاحة ص 23 .
(2) 2 المصدر السابق ص 24 .
(3) 3 المصدر السابق ص 32 .
(4) 4 المصدر السابق ص 57 ، 193 ، 200
(5) 5 المصدر السابق ص 16 ، 29 .
(6) 6 المصدر السابق ص 25 ، 107 ، 116 .
(7) 7 المصدر السابق ص 91 ، 186 .
(8) 8 المصدر السابق ص 66 .
(9) 9 سر الفصاحة ص 279 ، والبيان والتبيين 144/1 ، 161/1 ،14/1 .(1/64)
... ويقول ابن سنان : " وأقول قبل كلامى فى الفصاحة وبيانها : إننى لم أرَ أقل من العارفين بهذه الصناعة ، والمطبوعين على فهمها ونقدها ، مع كثرة من يدعى ذلك ويتحلى به ، وينتسب إلى أهله ، .... وقد كنت أظن أن هذا شيئ مقصور على زماننا اليوم ... ، حتى وجدت هذا الداء قد أعيا أبا القاسم الحسن بن بشر الآمدى ، وأبا عثمان عمرو بن بحر الجاحظ قبله ، وأشكاهما حتى ذكراه فى كتبهما(1).." .
3ـ ومن مصادر ابن سنان التى اعتمد عليها " ابن قتيبة " ، حيث اعتمد على مقدمة كتابه " الشعر والشعراء " اعتماداً كبيراً(2).
4ـ وممن تأثر بهم وتقصى كثيرًا من رأيهم ومذهبهم : " قدامة بن جعفر " ، فاعتمد على كتابيه " نقد الشعر " و " نقد النثر " .
... يقول ابن سنان : " وقد سمى قدامة بن جعفر هذا الفن من المجانس فى ـ تلاق وتلاف ـ المضارعة(3)".
... ومن أطرف ما نقد به ابن سنان قدامة قوله : " وقد أنكر أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب ما ذكرناه من قبح تكرار حروف الرباطات ، وقال فى كتابه فى الخراج وصناعة الكتابة ـ : فأما ـ له منه ـ ، أو منه عليه ، أو به له ، أو ما جرى هذا المجرى ـ ففيه قبح ، وسبيل ذلك إذا وقع أن يحتال فى فصل ما بين الحرفين بكلمة ، مثل أن يأتى ما يحتاج إلى أن يُقال فيه : أقمت شهيدًا به عليه .. ثم قال(4)بعد أوراق يسيره : وبلغنى أن المأمون أمر عمرو بن مسعده يومًا أن يكتب لرجل له به عناية ، فأنسى(5)أبو الفرج ما قدمه ، وسها عما أنكره ، وقد كان يمكنه أن يعبر عما قاله أولاً فيقول : لرجل له عناية به(6)".
__________
(1) سر الفصاحة ص 63 .
(2) سر الفصاحة نفس الصفحة .
(3) هذا الفن هو " المضارعة " عند قدامة و " المجانس " عند ابن سنان . سر الفصاحة ص 198 ، ونقد الشعر ص 109 .
(4) يعنى قدامة .
(5) المتكلم ابن سنان .
(6) سر الفصاحة ص 105 .(1/65)
... تلمح فى النص السابق " دقة ملاحظة الخفاجى ، وقوة فطنته ، وتمام اليقظة فيما يمر به ، ... ولربما كان من الطرافة ودقة الفطنة ـ أيضًا ـ أن يجعل الخفاجى
... هذا الزلل من قدامة عذرًا فيما عساه أن يقع فيه من لفظة نهى عنها ثم قاربها ، أو عيب ذمه ثم انزلق إليه ، ولسنا مبالغين إذا قلنا إن تلك الدقة فى الملاحظة من أروع وأسمى ما يشرف به المؤلفون ، ومن ألزم ما يحرص عليه العلماء والمحققون(1)".
5ـ الآمدى :
... لعل الآمدى ـ من وجهة نظرى ـ يعد من أهم المصادر التى اعتمد عليها ابن سنان فى تأليف " سر الفصاحة " ، فليس كما يزعم بعض المحدثين(2)أنه اعتمد عليه فى نقده لأبيات أبى تمام فحسب، ولكنى استطلعت مؤلف الخفاجى وتأملت منهجه، فألفيته يعود كثيرًا إلى الآمدى، وما حسبه بعض المحدثين متأثرًا فيه بقدامة هو إلى الآمدى أقرب، والآمدى تأثر فى بعضه "بابن المعتز" وببعضه الآخر "بقدامة" ، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى أذكر واحدًا منها وأشير إلى غيرها.
... فمن المسائل البلاغية التى تأثر فيها ابن سنان بالعلامة الآمدى ونسبها بعض المحدثين لقدامة ، حديث ابن سنان عن " الجناس(3)" ، فإن من يراجع " الموازنة " و " سر الفصاحة " ، يدرك أن طريقة ابن سنان وشواهده وتحليله أقرب إلى الآمدى من قدامة .
... ومن المسائل البلاغية التى تأثر فيها ابن سنان بالآمدى ، ونسبها البعض إلى الرُّمانى(4)، حديث ابن سنان عن " الاستعارة(5)" ، فشواهده وتحليلاته تنطق بذلك .
__________
(1) مجلة الأزهر أ/ كامل الفقى ص 527 .
(2) الإيضاح ت د/محمد عبد المنعم خفاجى 311/5 .
(3) نقد الشعر ص 163 ، وسر الفصاحة ص 107 ، والموازنة 16/1 ، 29/1 .
(4) سر الفصاحة دراسة وتحليل د/ عبد الرازق ص 352 ، ومفهوم الاستعارة د/ أحمد عبد السيد .
(5) الموازنة 269/1 ، سر الفصاحة ص 188 .(1/66)
... وعلاوة على هذا كله ، فقد ناقش ابن سنان الآمدى فيما قاله أبو تمام فى الاستعاره مناقشة تؤكد اطلاع ابن سنان على مؤلف الآمدى .
6ـ الرُّمانى :
... فكثيرًا ما يذكر له رأيًا ومذهبًا ، ونجد ذلك شائعاً فى كتابه ، ومن ذلك قول ابن سنان " ومن وضع الألفاظ موضعها حسن الاستعارة ، وقد حدها أبو الحسن على بن عيسى الرُّمانى فقال : " تعليق العبارة على غير ما وضعت له فى أصل اللغة على جهة النقل للإبانة " ، ثم يأخذ فى تفسير هذه الجملة وشرح ما أريد بها(1).
7ـ القاضى الجرجانى :
... فقد تابعه ابن سنان فى القول بأن التشبيه " المحذوف فى الوجه والأداة " من التشبيه البليغ ، لا من الاستعارة(2)ونَقَدَهُ فى تحليلاته لاستعارات المتنبى(3) ... ، وغير ذلك .
8ـ الباقلانى :
... يظهر أثر كتابه " إعجاز القرآن " فى " سر الفصاحة " وخاصة عند حديث ابن سنان عن " السجع " ، ومناقشته لآراء من نفى وجود السجع فى القرآن ، يقول ابن سنان :
" وبعض الناس يذهب إلى كراهة السجع والازدواج فى الكلام ، وبعضهم يستحسنه ، ويقصده كثيرًا ، وحجة من يكرهه أنه ربما وقع بتكلف وتعمل واستكراه ...(4)".
ولعله يشير بذلك إلى الباقلانى(5)ومن تابعه .
9ـ بعض المتكلمين :
... مثل تأثره بأبى هاشم الجبائى فى الفصاحة ، والقاضى أبى الحسن عبد الجبار
الأسد آبادى ، قاضى قضاة الدولة البويهيه بإيران ، وأكبر أعلام المعتزلة فى عصره(6)، وأبى الهذيل بن العلاف عند كلامه عن الحكاية والمحكى وغيرهم .
وبعد ..
__________
(1) سر الفصاحة ص 118 ، والنكت فى إعجاز القرآن الكريم ـ ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ص 85 ، ومجلة الأزهر ص 121 .
(2) الوساطة ص 37 ، وسر الفصاحة ص 119 .
(3) الوساطة ص 37 ، وسر الفصاحة ص 127 .
(4) سر الفصاحة ص 171 .
(5) إعجاز القرآن ص 58 .
(6) راجع البلاغة تطور وتاريخ ص 116 ـ 117 ، 158 ، وسر الفصاحة ص 45 ، 47 ، 148 ، 149 .(1/67)
... فقد تأثر ابن سنان بهؤلاء الأعلام ونقل عنهم ، وناقشهم فيما ذهبوا إليه ، وهناك آخرون لم أذكرهم لقلة تأثيرهم فيه ، فقد ذكرت أهمهم ، حيث كان كثيراً ما ينتفع بآرائهم .
... ومما يجب التنبيه عليه " أن ابن سنان وإن كان كثيرًا ما ينقل عن هؤلاء الأعلام رأيهم ومذهبهم ، إلا أن توضيح ذلك والدقة فيه يحتاج إلى أن نبين أن الخفاجى كان ينقل الرأى لينفده ، ويوليه ما يستحقه من رفض أو قبول ، فليس متبعًا رأيهم لمجرد التأييد ، ولا ناقلاً مذهبهم لمحض التصديق ، ولكنه يزنه بميزان عقله وفكره ، فمن رجحت كفة رأيه أيده ، ومن شالت كفته خالفه وفنده ..(1)".
...
...
ثانيًا : أثر ابن سنان فى الدراسات البلاغية :
... لا أكون مغالياً إذا قلت أن ابن سنان بمؤلفه " سر الفصاحة " قد ظهر أثره فى كل كتب البلاغة ، فكان له عظيم النفع على البلاغة والبلاغيين ، ولعل ذلك يرجع إلى انفراده وتميزه بطريقته فى منهجه .
... يقول الدكتور محمد أحمد البيومى عن ابن سنان :
" هو كابن فارس قد سبق إلى تدوين أصول بلاغية ظلت تتردد حتى الآن فى كتب البلاغة ؛ لأن حديثه عن الفصاحة والبلاغة صار حديثًا للكاتبين من بعده(2)".
... ويقول سيادته فى موضع آخر :
" فمن قرأ ما جاء فى كتب المتأخرين عن فصاحة الكلمة والكلام وبلاغة القول ومقتضيات المقام ، فليعلم أنها أثر بارز من آثار ابن سنان تضاف إلى جهود حافلة نطق بها كتابه الثمين(3)" .
... إن ابن سنان بحق يعد من العلماء القليلين الذين أثْروا المكتبة البلاغية بمؤلف يعد من المؤلفات النادرة فى حقل البلاغة العربية ، فلم يأت بعده أحد إلا ونهل من كتابه ، ولذا سأوجز فى الصفحات التالية بعض من تأثروا بمؤلف الخفاجى .
__________
(1) مجلة الأزهر ص 123 للأستاذ/ كامل الفقى سنة 1363 هـ ـ صفر مج 15 حـ 12 .
(2) تطور البحث البلاغى ص 35 .
(3) السابق ص 38 .(1/68)
1ـ ابن سنان والرازى(1):
... لم يفلت الرازى(2)من التأثر بابن سنان ، مع أنه لم ينص على اسمه صراحة ، ومع أنه قد ألف كتابه لترتيب كتابى عبد القاهر " دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة " ، حيث يقول فى مقدمة كتابه : " ولكنه ـ رحمه الله ـ يعنى عبد القاهر ، لكونه مستخرجًا لأصول هذا العلم وأقسامه ، وشرائطه وأحكامه ، أهمل رعاية ترتيب الفصول ، والأبواب ، وأطنب فى الكلام كل الإطناب ... ولما وفقنى تعالى لمطالعة هذين الكتابين التقطت منهما معاقد فوائدهما ، ومقاصد فرائدهما ، وراعيت الترتيب مع التهذيب ، والتحرير مع التقرير ، وضبطت أوابد الإجمالات ، فى كل باب بالتقسيمات اليقينية ، وجمعت متفرقات الكلم فى الضوابط العقلية(3)" .
... هذا هو ما قاله الإمام الرازى ولكنى أرجح أن يكون قد اعتمد على " دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة " ، واعتمد على غيرها من الكتب الأخرى ، فلم يكن كتابه ترتيبًا للدلائل والأسرار فحسب ؛ بدليل ذكره لبعض الألوان البديعية التى خلا منها كتابَىْ عبد القاهر .
... فقد اعتمد فى كتابه على كتاب " حدائق السحر فى دقائق الشعر " للوطواط ، كما أدرك ذلك الدكتور شوقى ضيف(4).
__________
(1) سبقت ترجمته وهو صاحب كتاب " نهاية الإيجاز فى دارية الإعجاز " وتوفى سنة 606 هـ .
(2) بدأت بالرازى مع أنه أقل البلاغيين تأثراً بابن سنان ؛ لأنى راعيت الترتيب الزمنى ، فهو أقربهم إلى ابن سنان فى الزمن .
(3) نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز ص 50 .
(4) البلاغة تطور وتاريخ ص 275 ، البلاغة عند السكاكى د/ أحمد مطلوب ص 243 ط بغداد .(1/69)
... * وممن تأثر بهم الرازى غير عبد القاهر والوطواط ، العلامة ابن سنان ، فأرجح أن يكون الرازى قد تأثر به فى كون الفصاحة إما عائدة إلى مفردات الكلام ، أو إلى جملته ، ولهذا نجد الرازى يبدأ كتابه بالحديث عن الأصوات والحروف ، كما فعل ابن سنان من قبل واستلزم منه ذلك ترتيب كتابه على مقدمة وجملتين ، تحدث فى المقدمة عن شرف علم الفصاحة ثم جعل الجملة الأولى فى المفردات ، والثانية فى النظم .
... والرازى فى تدرجه من الصوت إلى الحرف والكلمة حتى النظم والتأليف ، يكاد يتشابه مع ابن سنان إلى درجة كبيرة .
... * ومن المواضع التى أرجح أن يكون الرازى قد تأثر فيها بابن سنان ، حديث الرازى فى فصل خاص عن الاستعارة(1)وتقسيمها إلى : أ ـ استعارة قبيحة ب ـ استعارة حسنة واستشهاده ببعض الشواهد التى استشهد بها ابن سنان من قبل .
... * ومن هذه المواضع حديث الإمام الرازى عن " النظم المتضمن ألواناً من البديع " .
... وقد سبق أن أشار أستاذى الدكتور / محمد شادى إلى أن الرازى فى حديثه عن النظم الذى يشتد اتصال أجزائه كان متأثرًا بابن سنان فى حديثه عن التناسب الذى يتحقق بالنظم المتضمن ألواناً من البديع(2).
2ـ ابن سنان والسكاكى(3)
... من يراجع حديث السكاكى فى كتابه " مفتاح العلوم " عن الفصاحة وشروطها، يدرك مدى التأثر الواضح بابن سنان فى شروطه وأمثلته .
يقول السكاكى :
__________
(1) الفصل الخامس عشر من " نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز " ص 178 " وراجع سر الفصاحة " ص 120 ، 140 .
(2) ينظر نشأة البلاغة وأصول علم المعانى ص 128
... و سر الفصاحة ص 169
... و نهاية الإغجاز ص 199 .
(3) سبقت ترجمته ، وهو مشهور بكتابه " مفتاح العلوم " ، توفى سنة 626 هـ .(1/70)
... " وأما الفصاحة فهى قسمان : راجع إلى المعنى ، وهو خلوص الكلام عن التعقيد ، وراجع إلى اللفظ ، وهو أن تكون الكلمة عربية أصلية ، وعلامة ذلك أن تكون على ألسنة الفصحاء من العرب ، الموثوق بعربيتهم أدْور ، واستعمالهم لها أكثر ، لا مما أحدثها المولدون ، ولا مما أخطأت فيه العامة ، وأن تكون أجرى على قوانين اللغة ، وأن تكون سليمة عن التنافر(1)".
... وهذا الكلام يعد تلخيصاً لعشرات الصفحات من كتاب " سر الفصاحة " لابن سنان(2).
... وقد أدرك ذلك الدكتور محمد أحمد البيومى فراح يتساءل فى عجب : " ... ما بال السكاكى يعترف بمقام عبد القاهر ويترك ابن سنان وقد أخذ منه كما أخذ من عبد القاهر(3)؟ " .
ويقول أ / كامل الفقى :
... " وقد نهل السكاكى من ورد ابن سنان كثيرًا ..(4)".
3ـ ابن سنان وابن الأثير(5)
... ليس من شك فى أن ابن الأثير يعد أكثر البلاغيين الذين تأثروا بابن سنان ، وأخذوا عنه ، ولولا دراستى لهم بحسب الترتيب الزمنى ، لكان ابن الأثير أول من تحدثت عنهم .
... فلست أتردد فى القول بأن ابن الأثير " قد نخل " سر الفصاحة " نخلاً وتشبع بكثير من أفكارها ، ولكنه جريًا على عادة كثير من مؤلفى العصر لا يفرد كل نقل إلى صاحبه ، ولو عزا ما أخذه من ابن سنان إليه ، لبان أثر صاحب " سر الفصاحة " صريحًا غير مستتر ، ولعله كان يكتفى بما أطراه به فى مقدمة الكتاب ، وفى ذكره أحيانًا بما يؤيد أو يعارض ، ولكن روح ابن سنان واضحة فى " المثل السائر " لا يغلفها نقاب(6)" .
__________
(1) مفتاح العلوم ص 416
(2) سر الفصاحة من ص 63/110 .
(3) تطور البحث البلاغى ص 35 .
(4) مجلة الأزهر ص 192 .
(5) سبقت ترجمته ومن أشهر مؤلفاته " المثل السائر " ، " الجامع الكبير " توفى سنة 637 هـ .
(6) التبيان فى البيان للطيبى ص 161 ت د/ عبد الستار حسين زموط
وانظر : قضية الإعجاز القرآنى د/ عبد العزيز عبد المعطى عرفه ص 741 .(1/71)
... وهذه حقيقة يجب أن لا نغفل عنها ، وإن ادعى ابن الأثير ـ كعادته ـ فى أكثر من موضع ، أنه غير مسبوق بهذا أو ذاك ، فلا عبرة بادعائه إن كان لغيره .
... ولعل ابن الأثير كان ذكيًا حين بدأ كتابه بمدح ابن سنان ضمن ما يمدح ؛ لأنه أدرك أنه سيتعرض له بالنقد فراح يمهد لذلك بمدح الرجل واختياره مع الآمدى ضمن أفضل رجلين أعجب بهما ولذلك راح يقول :
... " وقد ألف الناس فى علم البيان كتباً ، وجلبوا ذهبًا ، وحطّبوا حطباً ، وما من تأليف إلا وقد تصفحت شينه وسينه ، وعلمت غثه وسمينه ، فلم أجد ما ينتفع به فى ذلك إلا كتاب " الموازنة " لأبى القاسم الحسن بن بشر الآمدى ، وكتاب " سر الفصاحة " ، لأبى محمد عبد الله بن سنان الخفاجى(1)" .
... ولكن مع هذا المدح لم يستطع ابن الأثير أن يخفى رأيه الحقيقى فى ابن سنان وأبدى تحامله عليه دون أن يدرى ، فقال معقبًا على كلامه السابق : " غير أن كتاب " الموازنة " أجمع أصولاً ، وأجدى محصولاً ، وكتاب " سر الفصاحة " وإن نبه فيه على نكت منيرة ، فإنه قد أكثر مما قلّ به مقدار كتابه ، من ذكر الأصوات والحروف والكلام عليها ، ومن الكلام على اللفظة المفردة وصفاتها ، مما لا حاجة إلى أكثره ، ومن الكلام فى مواضع شذ عنه الصواب فيها(2)".
... إن ابن الأثير بنى كتابه على " سر الفصاحة " ، فلا تكاد تمر الصفحات القليلة إلا وتطالعنا روح ابن سنان ، ويظهر أثر مؤلفه واضحًا جليًا .
... ومع هذا فقد كان ابن الأثير متحاملاً على ابن سنان ، يقول أستاذى أ.د/ محمد شادى :
... " ولست أدرى إذا كان هذا هو موقف ابن الأثير من كتاب " سر الفصاحة " ، فلماذا اعتبره أحد كتابين لم ينتفع بغيرهما كما يزعم(3)"؟!
... ويقول العلامة الطوفى ، ويبدو أنه قد أدرك هو الآخر تحامل ابن الأثير على ابن سنان فى مسألة " تباعد المخارج " :
__________
(1) المثل السائر 34/1 .
(2) المثل السائر 34/1 .
(3) نشأة البلاغة وأصول علم المعانى ص 216 .(1/72)
... " وابن الأثير إما أنه لم يصل إلى مغزى كلام ابن سنان أو أنه عانده ليفسد قوله ، ويصحح قول نفسه والجور قبيح(1)".
... وإذا صح أن ابن الأثير قد نخل " سر الفصاحة " ، فليس من المعقول أن أذكر كل مظاهر التأثر والتأثير بينه وبين ابن سنان ؛ لأنه كثير ليس مكانه هذه الصفحات ، غير أنه إذا كان لابد من أمثلة أعرضها لاستجلاء هذه الحقيقة فيه ، فسأكتفى بذكر بعض النماذج :
... * لعل أول ما يطالعنا من مظاهر تأثر ابن الأثير بابن سنان منهج ابن الأثير، فقد أقام كتابه " على مقدمة فى البيان وأدواته بصفة عامة ، وعلى مقالتين : الأولى : فى الصنعة اللفظية ، والثانية : فى الصنعة المعنوية ، وهو فى هذا الكتاب يبدو متأثرًا بالهيكل الخماسى فى الصنعة والصناعة ، الذى ذكره ابن سنان فى كتابه وعزاه إلى الحكماء ونسبه إلى " أرسطو طاليس(2)".
... * ذكر ابن الأثير مقولة ابن سنان التى يقول فيها :
" الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ ، والبلاغة لا تكون إلا وصفًا للألفاظ مع المعانى(3)" ، ومع أن ابن سنان يتفق مع غيره فى عدم التفريق بين الفصاحة والبلاغة، إلا أن هذه عبارته ، وهذا نص كلامه ، نقله عنه ابن الأثير وأخذ به .
... * عقب ابن الأثير على أكثر شروط الفصاحة التى ذكرها ابن سنان ، ونقده فيها بما يؤكد تأثره " بسر الفصاحة " .
يقول ابن الأثير :
__________
(1) الإكسير فى علم التفسير ص 73 .
(2) دكتور عبد الحميد العبيسى ـ دكتوراه ـ " ابن سنان الخفاجى وأثره فى النقد والبلاغة ص 465 ،
(3) المثل السائر 94/1 ، وسر الفصاحة ص 59 .(1/73)
" وقد ذكر ابن سنان الخفاجى ما يتعلق باللفظة الواحدة من الأوصاف ، وقسمها إلى عدة أقسام ، كتباعد مخارج الحروف ، وأن تكون الكلمة جارية على العرف العربى غير شاذة ، وأن تكون مصغرة فى موضوع يعبر عن شيء لطيف أو خفى أو ما جرى مجراه ، وأن لا تكون مبتذلة بين العامة ، وغير ذلك من الأوصاف ، وفى الذى ذكره ما لا حاجة إليه(1)".
... ويبدأ ابن الأثير فى الرد على ابن سنان وشن الحملات عليه وقد ذكرت تفصيل ذلك فى موضعه من الفصل الأول(2).
... * حديث ابن الأثير عن النظم تأثر فيه بالجاحظ وأبى هلال والرُّمانى وابن سنان ، كما أدرك ذلك بعض المحدثين(3).
... * قسم ابن سنان الكناية إلى حسنة وقبيحة ، وتأثر به ابن الأثير فقسمها إلى ما يحسن استعماله وما يقبح استعماله(4).
... * ومن المواضع التى اقتفى فيها ابن الأثير أثر ابن سنان موقفه من الفرق بين " التشبيه المحذوف الوجه والأداة " ومن الاستعارة ، واتهامه لابن سنان بالقول بأنه يدخل هذا النوع ضمن الاستعارة ، ومع أن هذا ليس رأى ابن سنان كما بينت من قبل(5)، إلا أن ابن الأثير ظل يهاجم ابن سنان وينسب له قولاً هو برئ منه .
... * ومن المواضع التى تأثر فيها ابن الأثير بابن سنان حديثه عن " السجع " فقد تتبع أثر ابن سنان(6)وأخذ برأيه ، ولكنه بالغ فيه حتى قال : " فإن قيل : فإذا كان
__________
(1) المثل السائر 172/1 .
(2) عند حديثى عن " شروط الفصاحة " عند ابن سنان .
(3) د/ محمد زغلول سلام فى كتابه " ابن الأثير وجهوده فى النقد والبلاغة " ص 307 .
(4) المثل السائر 58/3 ، والجامع الكبير ص 156 ، وسر الفصاحة ص 171 .
(5) راجع تفصيل ذلك فى الفصل الثانى تحت عنوان " موقف ابن سنان من التشبية المحذوف الوجة والأداة " .
(6) سر الفصاحة ص 171 ، وراجع : قضية اللفظ والمعنى د/ على العمارى ص 352 .(1/74)
السجع أعلى درجات الكلام على ما ذهبت إليه فكان ينبغى أن يأتى القرآن كله مسجوعًا ، وليس الأمر كذلك ، بل منه المسجوع وغير المسجوع قلت فى الجواب : إن أكثر القرآن مسجوع ، حتى إن السورة لتأتى كلها مسجوعة ، وما منع أن يأتى القرآن كله مسجوعاً إلا أنه سلك به مسلك الإيجاز والاختصار ، والسجع لا يواتى فى كل موضع من الكلام على حد الإيجاز والاختصار ، فترك استعماله فى جميع القرآن لهذا السبب(1)" .
... ثم يذكر سببًا آخر فيقول :
" وها هنا وجه آخر هو أقوى من الأول ، ولذلك ثبت أن المسجوع من الكلام أفضل من غير المسجوع ، وإنما تضمن القرآن غير المسجوع ؛ لأن ورود غير المسجوع معجزًا ، أبلغ فى باب الإعجاز من ورود المسجوع ، ومن أجل ذلك تضمن القرآن القسمين جميعًا(2)".
... لقد ورَّط ابن الأثير نفسه بسؤاله الذى افترضه ، وبالغ فى الأخذ برأى ابن سنان فى القول بقبول السجع فى القرآن ، ولا أدرى وجهًا لتفسيره غير المسجوع فى القرآن بما ذكر .
... والحقيقة أن فى القرآن السجع وغير السجع ، ليس للأسباب التى ذكرها ابن الأثير ، ولكن ؛ لأن القرآن كلام الله المعجز الذى خرق العادة بفصاحته وبلاغته ، فلكل مقام عنده مقال ، يقول ابن سنان :
... " إن القرآن نزل بلغة العرب وعلى عرفهم وعاداتهم ، وكان الفصيح من كلامهم لا يكون كله مسجوعًا ، لما فى ذلك من آمارات التكلف والاستكراه والتصنع ، لا سيما فيما يطول من الكلام ، فلم يرد مسجوعًا جريًا به على عرفهم فى الطبقة العالية من كلامهم ، ولم يخل من السجع لأنه يحسن فى بعض الكلام على الصفة التى قدمناها ، وعليها ورد فى فصيح كلامهم ، فلم يجز أن يكون عالياً فى الفصاحة،
وقد أخلّ فيه بشرط من شروطها ، فهذا هو السبب فى ورود القرآن مسجوعًا وغير مسجوع(3)".
__________
(1) المثل السائر 214/1 .
(2) المصدر السابق نفس الصفحة .
(3) سر الفصاحة ص 174 ، والمشاهد فى القرآن الكريم د/ حامد قنيبى ص 277 .(1/75)
... * ختم ابن سنان كتابه فيما يحتاج مؤلف الكلام إلى معرفته وهذا ما أشار إليه ابن الأثير فيما بعد ، وعقد له بحثًا طويلاً فى مقدمة كتابيه " المثل السائر " ، " والجامع الكبير(1)".
لقد ظهر بما لا يدع مجالاً للشك تأثر ابن الأثير الواضح بالخفاجى ، وقد اكتفيت بذكر بعض النماذج ؛ حتى لا يمل القارئ من طول حديثى عن ابن الأثير .
... يقول الأستاذ كامل الفقى :
" تأثر ابن الأثير بالخفاجى ، تأثراً ينطق به غير موضع من كتابه ، ويهدى إليه أكثر من بحث فى مثله السائر(2)".
4ـ ابن سنان وابن أبى الإصبع المصرى(3)
... نهل ابن أبى الإصبع من " سر الفصاحة " كغيره من علماء عصره ، فقد ذكر أنه اعتمد فى تأليف كتابه على مؤلفات كثيرة ذكر منها " سر الفصاحة " لابن سنان الخفاجى(4).
... وقد ظهر أثر " سر الفصاحة " واضحًا جليًّا فى كتابيه " بديع القرآن " و "تحرير التحبير ".
...
... ومن المواضع التى تأثر فيه بابن سنان : " حديثه عن التصريع وحكمه فى الكثرة والقلة(5)".
وغير ذلك مما هو مثبت فى مكانه .
5 ـ ابن سنان وابن أبى الحديد(6):
... لما تم تصنيف المثل السائر ووصل إلى بغداد تصدى ابن أبى الحديد لتزييفه ونقده فى مواطن كثيرة ، وجمع ذلك فى كتاب سماه " الفلك الدائر على المثل السائر " فلما اطلع عليه أخوه موفق الدين أبو المعالى كتب إليه :
... المثَلُ السّائُر يا سَيّدى ... ... صَنّفْت فيه الفُلكَ الدائَرا
__________
(1) المقاييس البلاغية بين ضياء الدين بن الأثير والخطيب القزوينى ـ دكتوراه ـ محمد صالح عبدالله الجاسر إشراف أد/ كامل الخولى ص 287 .
(2) مجلة الأزهر ص 463 .
(3) هو أبو محمد بن عبد العظيم بن عبد الواحد توفى سنة 654 هـ .
(4) مقدمة كتابه " بديع القرآن " ص 4 .
(5) د/ عبد الحميد العبيسى ص 469 .
(6) هو أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن أبى الحديد عز الدين المدائتى المعتزلى ، من أشهر مؤلفاته " الفلك الدائر على المثل السائر " توفى سنة 655 هـ .(1/76)
... لكنّ هَذا فلكُُ دائرُُ ... ... أَصْبَحْتَ فيه الَمثلَ السائَرا(1)
... وكتاب " الفلك الدائر على المثل السائر " لابن أبى الحديد ، عرض فيه للرد على ابن الأثير فيما وجهه من نقد لابن سنان بما يؤكد اطلاع ابن أبى الحديد على "سر الفصاحة " وتأثره به .
... * فمن المواضع التى عاب فيها ابن الأثير على ابن سنان وتعقبه فيها ابن أبى الحديد قوله : " قال المصنف(2): " وقد ذكر ابن سنان الخفاجى فى كتابه أن من أوصاف الكلمة أن تكون مؤلفة من أقل الأوزان تركيبًا ، وأنها إذا طالت قبحت ، ... قال(3): ليس الأمر كذلك فإنها لو قبحت لطولها ، لقبح قوله تعالى : { فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ }(4)...
... أقول(5): ألست قلت فى باب المعاظلة(6)، إنه مما وقع الإجماع على قبحه تكرير الحروف ... فلقائل أن يقول لك ، قد ورد فى القرآن الكريم مثل ذلك وهو قوله تعالى : { بِسَلاَمٍ منَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَم ممنْ مَعَكَ ، وأُمَم سنُمتعُهم ، ثَم يَمسَّهم منَّا عذَابُُ أليمٌ }(7)
... فهذه ميمات كثيرة يتلو بعضها بعضاً ، فإما أن يكون استعمالها فى القرآن غير مستحسن ، أو يكون مستحسنًا ، فإن لم يكن مستحسنًا مع أنها قد استعملت ، فاختر لابن سنان ، أن تكون الكلمة الطويلة ... غير مستحسنة وقد استعملت ، وإن كانت المغالطة قبيحة إلا فى اقرآن الكريم ، فاختر لابن سنان أن يكون كثرة حروف الكلمة قبيحة إلا فى القرآن الكريم ، وبالجملة فإما أن يلزمك ما ألزمته أو تتخلص مما يتخلص به(8)" .
__________
(1) تاريخ علوم البلاغة للشيخ المراغى ص 127 .
(2) ابن الأثير .
(3) ابن الأثير أيضاً .
(4) سورة البقرة ، آية : 137 .
(5) ابن أبى الحديد
(6) راجع " المثل السائر " 309/1 .
(7) سورة هود ، آية : 48 وبدايتها " قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلاٍَم منَّا .. " .
(8) المثل السائر 176/4 .(1/77)
... وأيما كان الأمر فإن كتاب " الفلك الدائر على المثل السائر " ، لابن أبى الحديد قد تعرض للحديث عن " سر الفصاحة " لابن سنان ، بما يؤكد اطلاع ابن أبى الحديد عليه وتأثره به ، وهناك مواضع أخرى(1)يطول ذكرها .
6 ـ ابن سنان والبحرانى :
... لعل أكثر العلماء الذين تأثروا بابن سنان الخفاجى هو الشيخ ميثم البحرانى فى كتابيه " مقدمة شرح نهج البلاغة " ، " وأصول البلاغة " .
... * وأول مظاهر التأثر : منهج البحرانى فى تدرجه من الصوت إلى الحرف حتى النظم والتركيب ، ولذلك قسم كتابه إلى مقدمة وجملتين ، ذكر فى المقدمة تعريف الفصاحة والبلاغة وموضوع كلّ ، ثم تحدث فى الجملة الأولى عن "الفصاحة العائدة إلى المفردات " وخصص الجملة الثانية للحديث عن النظم ، وفى أثناء ذلك كله درس المسائل البلاغية .
... وكان هذا التدرج فى طريقة منهج البحرانى ، قوى الصلة بطريقة الإمام الرازى ، الذى تأثر فيها بابن سنان الخفاجى .
... * ومن مظاهر تأثر البحرانى بابن سنان الخفاجى : مسألة " الوضوح فى الفصاحة " ، فقد جعل ابن سنان من شروط الفصاحة والبلاغة : " أن يكون معنى الكلام واضحًا ظاهرًا جليًا(2)" ، وقدأخذ عنه ذلك البحرانى حين قال : " إن الفصاحة عند أربابها ليست باستعمال الشوارد التى لا تفهم ، وإنما هى باستعمال ما يقرب فهمه(3)".
... * ومن المواضع التى اقتفى فيها البحرانى أثر الخفاجى عند حديثه عن "النظم المتضمن ألوانًا من البديع " ، فقد تأثر فيه البحرانى والرازى بابن سنان عندما جعل الأخير بعض ألوان البديع من التناسب .
... * ومن يستطلع مؤلفات البحرانى يدرك أنه تأثر فيها بابن سنان وبخاصة عند حديثه عن الفصاحة وشروطها .
__________
(1) راجع مثلاً : المثل السائر 172/4 ، 174/4 .
(2) سر الفصاحة ص 220 .
(3) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 63 .(1/78)
7 ـ ابن سنان وحازم القَرْطَاجَنِّى(1):
... من الذين اطلعوا على " سر الفصاحة " ، صاحب كتاب " منهاج البلغاء وسراج الأدباء " فقد تردد اسم ابن سنان ومؤلفه كثيرًا عنده(2).
... * ومن أبرز مظاهر تأثر القرطاجنّى بابن سنان قوله : " وقال الخفاجى : ليس الأعجم هو الذى عدم الكلام جملة كالأخرس ، وإنما هو الذى يتكلم العجمة ، وإذا قيل فلان يتكلم وهو أعجم ، لم يكن متناقضًا(3)".
... * كما تأثر القرطاجنى فى تقسيم الطباق إلى محض وغير محض(4)واستشهد بنفس شواهده .
... * ومن ذلك قول حازم : " ولا يجوز وضع شيئ من الواجبات والممكنات وضع المستحيل ولا أن يوضع المستحيل وضع شيئ من ذلك ... وقد تكلم االخفاجى فى هذا ، وأغفل التفرقة بين الأقاويل التى ترد على الأنحاء المتقدمة(5)".
... * ويقول القرطاجنى : " وكان أبو الفرج قدامة يذهب إلى أن المدح بالحسن والجمال والذم بالقبح والدمامة ليس بمدح على الحقيقة ولا ذم على الصحة ، ويخطئ من يمدح بهذا ويذم بذلك ، ويستدل بإنكار عبد الملك بن مروان قول ابن قيس الرقيات :
... يَأْتَلِقُ التُّاجُ فَوْقَ مفْرَقِهِ ... ... عَلَى جَبِينٍ كَأَنَّهُ الذَّهَبُ
وقد رد عليه هذا الآمدى ، وتابع الخفاجى فى الرد عليه(6)" .
... ولعل من يقرأ مؤلف القرطاجنى(7)، يدرك مدى تأثره بابن سنان الخفاجى ونقله بعض آرائه .
__________
(1) أبو الحسن محمد بن حازم الأنصارى القرطبى ، من أشهر مؤلفاته " منهاج البلغاء فى سراج الأدباء " توفى سنة 684 هـ .
(2) راجع : منهاج البلغاء ص 53 ، 138 ، 182 ، 183 .
(3) المرجع السابق ص 140 .
(4) منهاج البلغاء وسراج الأدباء ص 48 .
(5) المصدر السابق ص 145 ، 146 . وسر الفصاحة ص 245 .
(6) منهاج البلغاء وسراج الأدباء ص 168 ، وسر الفصاحة ص 265 ، ونقد الشعر 189 .
(7) وراجع تأثره بابن سنان فى تسميته لنوع من الطباق بالمخالف ، منهاج البلغاء ص 51 .(1/79)
8 ـ ابن سنان والطوفى البغدادى(1):
... يعد الطوفى البغدادى صاحب كتاب " الإكسير فى علم التفسير " من أكثر البلاغيين الذين تأثروا بابن سنان ، وتلمح هذا واضًا جليًا منذ الصفحات الأولى فى كتابه .
...
... تقول إحدى الباحثات(2)
" لقد كان لابن سنان الخفاجى ، وكتابه " سر الفصاحة " ، أثر كبيرُُ فى بلاغة الطوفى خصوصًا فى باب " الفصاحة والبلاغة " ، فهذا الكتاب كان قبلة علماء البلاغة جميعًا وليس " الطوفى " وحده .
... فالطوفى قد أفاد كثيرًا من " سر الفصاحة " ، ولعله يلى ابن الأثير فى تأثره بابن سنان .
... * فقد اتفق " الطوفى " فى شروط الفصاحة والبلاغة مع ما جاء به ابن سنان، حيث ظهر أثر الخفاجى واضحًا فى هذه الشروط(3)
... فيقول الطوفى ـ مثلاً ـ عند حديثه عن تباعد المخارج :
" إن نسبة الأصوات إلى حاسة السمع ، كنسبة الألوان إلى حاسة البصر ، وكما أن الألوان كلما تباينت وتباعدت كيفيات بعضها عن بعض كانت أحسن كالسواد مع البياض ، أحسن منه مع الصفرة ، لتقاربهما ، فهكذا يقال فى الأصوات ، وهذا توجيه محمد بن سنان الخفاجى وهو حسن جميل(4)".
... * ومن مظاهر تأثر الطوفى بابن سنان قوله فى شروط فصاحة الكلمة " كونها جارية على العرف العربى الصحيح ، غير شاذة ، ذكره ابن سنان الخفاجى(5)".
... * ومن ذلك نقله عبارة ابن سنان الشهيرة " كل كلام بليغ فصيح ، وليس كل كلام فصيح بليغًا(6)".
__________
(1) سبقت ترجمته ، ومن أشهر مؤلفاته " الإكسير فى علم التفسير " توفى سنة 716 هـ .
(2) الدكتورة أمينة سليم فى " الطوفى البغدادى وآراؤه البلاغية والنقدية " ـ دكتوراة ـ ص 184 .
(3) الإكسير ص 74 ، سر الفصاحة ص 64 ، والطوفى البغدادى وآرؤه البلاغية والنقدية ص 40 .
(4) الإكسير ص 73 ، وسر الفصاحة ص 64 .
(5) الإكسير ص 90 ، وسر الفصاحة ص 77 .
(6) الإكسير ص 108 ، وسر الفصاحة ص 59 .(1/80)
... * ومن مظاهر ذلك التأثر قول الطوفى : " والحق أن مراتب الاستعارة : عليا، ووسطى ، وسفلى ... وجعل ابن سنان الخفاجى من جملة الوسطى بيت امرئ القيس:
... فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِه ... ... وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بَكَلكل
وقال ليس من الاستعارة الجيدة ولا الردئية بل هو من الوسط ، وهو وهم قبيح ، بل هو من الرتبة العليا ، وما ذكره ابن سنان فى توجيه دعواه ضعيف لا يستحق أن يذكر(1)".
... * وفى تقسيم الطوفى للاستعارة إلى جيد وردئ(2)والكناية إلى حسن وقبيح ، واستشهاده ببعض الشواهد وتعليقه عليها يظهر أثر ابن سنان واضحًا .
... وعلى هذا يمكن القول بأن الطوفى قد أفاد من ابن سنان أكثر من غيره من البلاغيين .
9 ـ ابن سنان ومحمد بن على الجرجانى(3):
... ذكر محمد بن على الجرجانى " صاحب الإرشارات والتنبيهات " ستة شروط لفصاحة المفردات حذا فيها حذو ابن سنان ، ونقل عنه الأمثلة والتعليق عليها ثم عقب على هذه الشروط بقوله : " وهم وتنبيه : زاد أبو محمد الخفاجى لفصاحة المفرد سبباً آخر ، وهو أن يكون له فى السمع حسن ومزية(4)".
... ثم خرَّج شواهد ابن سنان على طريقته ثم قال : " وأما نحو " عساليج الشوحط" ، " والجرشى " ، فكراهة السمع له للغرابة ، لا لما ذكره الخفاجى ، وقد ذكرت الغرابة، فلا تجعل كراهة السمع سببًا للغرابة(5)".
... وأيما كان الأمر فإن صاحب " الإشارات والتنبيهات " قد تأثر بابن سنان فى حديثه عن الفصاحة وشروطها .
10 ـ ابن سنان والخطيب القزوينى(6):
... ليس من شك أن الخطيب القزوينى تأثر إلى حد كبير بابن سنان فى المقدمة التى خصصها القزوينى للحديث عن الفصاحة .
__________
(1) الإكسير ص 117 ، وسر الفصاحة ص 122 .
(2) الإكسير ص 113 ، وسر الفصاحة ص 120 .
(3) سبقت ترجمته ومن أشهر مؤلفاته " الإشاردات والتنبيهات " توفى سنة 729 هـ .
(4) الإشارات والتنبيهات ص 8 .
(5) المصدر السابق ص 9 .
(6) توفى سنة 739 هـ .(1/81)
... يقول الدكتور عبد الحميد العبيسى : " والحق الذى لا زيف معه ، أن الخطيب تأثر إلى حد كبير بابن سنان فى تلك المقدمة التى يراها بعض علمائنا المحدثين أنها من صميم النقد الأدبى(1)" .
... ويقول الشيخ المراغى : " ومن العجيب أن يسمى القزوينى كتابه " تلخيص المفتاح " وهو ليس بالتلخيص له وحده ، بل أشبه بأن يكون تلخيصًا لكتابى " أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز " لعبد القاهر و " لسر افصاحة " لابن سنان الخفاجى ... وروح التلخيص من الكتاب الأخير واضح كل الوضوح فى مقدمته(2)".
... * لقد تأثر القزوينى عند حديثه عن فصاحة الكلمة وفصاحة الكلام بالخفاجى، يقول العلامة السبكى عن ذلك : " والمصنف ـ يعنى القزوينى ـ أفرد فصاحة المفرد عن فصاحة الكلام برسم ، وقد تقدمه لذلك الخفاجى فى كتابه " سر الفصاحة(3)" " .
... * ومن يراجع حديث القزوينى عن " الحشو "(4)يدرك تأثره الشديد بابن سنان، ونقله لأكثر شواهد " سر الفصاحة " .
11 ـ ابن سنان والعلوى(5):
... جاء فى مقدمة كتابه أنه اطلع على " المثل السائر " ، وقد تقدم لنا مدى تأثر ابن الأثير بابن سنان(6).
__________
(1) ابن سنان الخفاجى وأثره فى النقد والبلاغة ـ دكتوراه ـ ص 471 .
(2) الإيضاح ت د/خفاجى 12/1 ، 18/1 ، نقلاً عن بحوث وآراء فى علوم البلاغة للأستاذ المرحوم/ أحمد المراغى ص 62 ، 137 ، وانظر علوم البلاغة له ص 10 .
(3) الشروح ـ عروس الأفراح ـ 73/1 . وراجع : الفوائد الغياثية للإيجى ص 102 ، وقضية الإعجاز القرآنى د/ عبد العزيز عبد المعطى ص 736 .
(4) بغية الإيضاح 113/2 ، وسر الفصاحة ص 146 .
... يقول أ . د/ محمد رجب البيومى " والحق أن كثيرًا مما جاء به القزوينى له انتماء واضح ... إلى كتاب " سر الفصاحة " لابن سنان الخفاجى " ( راجع تطور البحث البلاغى ص 47 ، 35 ) .
(5) سبقت ترجمته وهو مشهور بكتابه " الطراز " توفى سنة 749 هـ .
(6) الطراز ص 4 ، ابن سنان الخفاجى وأثره فى النقد والبلاغة ص 473 .(1/82)
... * ومن أبرز مظاهر تأثر العلوى " بسر الفصاحة " ، حديثه عن شروط الفصاحة ، يقول : " اعلم أن الفصاحة فى الألفاظ المفردة ، يجب أن تكون مختصة بخصائص(1)" ، وذكر خمسة شروط للفصاحة أخذها عن ابن سنان .
... * وفى حديث العلوى عن " السجع " وشروطه(2)يتفق مع ما قرره ابن سنان من قبل .
... * وعندما تطرق صاحب الطراز للتشبيه المضمر الأداة ، نجده يقول : " وفيه مذهبان : المذهب الثانى : أنه بحقيقة الاستعارة أشبه ، وقد قال به أبو هلال العسكرى والغانمى ، وأبو الحسن الآمدى ، وأبو محمد الخفاجى(3)" وقد ظهر فيما سبق تورط العلوى فى نسبه هذا الرأى للآمدى وابن سنان .
12 ـ ابن سنان والسبكى(4):
... تردد اسم الخفاجى فى مؤلف السبكى " عروس الأفراح " كثيرًا ، مما يؤكد اعتماده على " سر الفصاحة " ، وأخذه برأى صاحبه ، وقد صرح الرجل نفسه أنه استعان " بمؤلف الخفاجى " ، يقول العلامة السبكى فى مقدمة كتابه : " اعلم أننى لم أضع هذا الشرح حتى استعنت عليه بنحو من ثلثمائة تصنيف ، ... فمن ذلك دلائل الإعجاز ... وسر الفصاحة لابن سنان الخفاجى..(5)" .
... * فمن المواضع التى تأثر فيها السبكى بابن سنان حديثه عن " تباعد المخارج " التى قال بها ابن سنان من قبل : يقول السبكى : " ... وقال الخفاجى إنه شرط للفصاحة ..(6)" .
... * ومن ذلك نقده لتعريفات البلاغة يقول : " والظاهر أن هذه التعاريف إنما قصدوا بها ذكر أوصاف البلاغة ، ولم يقصدوا حقيقة الحد والرسم(7)".
__________
(1) الطراز ص 56 ، 57 .
(2) راجع : مجلة الدارة عدد 2 ص 110 ، السنة 19 عام 1414 هـ .
(3) الطراز ص 100 .
(4) سبقت ترجمته وهو صاحب كتاب " عروس الأفراح " ضمن شروح التلخيص ، توفى سنة 773 هـ .
(5) عروس الأفراح ـ ضمن شروح التلخيص 28/1 .
(6) السابق 82/1 .
(7) المصدر السابق 130/1 ، ومجلة الأزهر ص 88 .(1/83)
... وهذه هى عبارة الخفاجى نقلها عنه السبكى ، يقول ابن سنان : " وقد حد الناس البلاغة بحدود إذا حققت كانت كالرسوم والعلائم وليست بالحدود الصحيحة(1)".
... وهناك مواضع عديدة اقتفى فيها السُبكى أثر بن سنان ، اكتفيت بذكر بعضها فى هامش الصفحة لمن يرجع إليها(2).
وبعد ..
... فقد ظهر بما لا يدع مجالاً للشك أثر ابن سنان فى الدراسات البلاغية بعده ، وقد اكتفيت فى الصفحات السابقة بأبرز المتأثرين بابن سنان ، وأكثرهم أخذًا عنه ، ونقلاً لآرائه ، ولم تكن تلك الأسماء اللامعة وحدها هى التى تأثرت بمؤلف الخفاجى،
كيف وقد ذكرت فى بداية حديثى أن أثر ابن سنان ممتد فى أكثر المؤلفات البلاغية بعده وحتى يومنا هذا .
... فقد تأثر به ـ أيضاً ـ شهاب الدين الحلبى فى " حسن التوسل "(3)، والطيبى فى " التبيان"(4)، والتنوخى فى " الأقصى القريب "(5)، وابن قيم الجوزية فى " الفوائد المشوق "(6)، وعضد الدين الإيجى فى " الفوائد الغياثية"(7)، والتفتازانى فى "المطول"(8)، والزركشى فى " البرهان "(9)، والأندلسى فى " المعيار "(10)، والأخضرى فى " الجوهر المكنون "(11)، وغيرهم .
... ولولا مخافة الإطالة لنسبت كل ما لابن سنان فى هذه الكتب ، يقول الدكتور البيومى :
__________
(1) سر الفصاحة ص 60 .
(2) راجع عروس الأفراح ـ ضمن شروح التلخيص جـ1 من ص 70 ـ حتى ص 137 .
(3) راجع حسن التوسل إلى صناعة الترسل ت / أكرم عثمان ـ ص 103 ـ بغداد 1980 .
(4) التبيان فى البيان ص 161 .
(5) الأقصى القريب فى علم البيان ص 33 وما بعدها ـ ط السعادة 1327 .
(6) الفوائد المشوق ص 9 ، 97 ، 99 .
(7) الفوائد الغياثية ص 95 ، 164 .
(8) المطول ص 12 وما بعدها .
(9) البرهان 291/3 ، 289/3 .
(10) نشأة البلاغة وأصول علم المعانى نقلاً عن المعيار فى نقد الأشعار ص 96 .
(11) الجوهر المكنون ص 26 .(1/84)
" وبعد فمن قرأ ما جاء فى كتب المتأخرين عن فصاحة الكلمة والكلام ، وبلاغة القول ومقتضيات المقام ، فليعلم أنها أثر بارز من آثار ابن سنان تضاف إلى جهود حافلة نطق بها كتابه الثمين "(1).
ب ـ البحرانى بين التأثر والتأثير :
... لقد ألف البحرانى مقدمته ليستعين بها على شرح كلام الإمام على ، واختصر المقدمة فى كتابه الموسوم بـ " أصول البلاغة " ؛ ليسهل حفظه ، ويكثر نفعه ، والاطلاع عليه .
... ولقد استلزم ذلك منه أن يزود بثقافة تمكنه من تأليف كتابيه ، ولذلك نلمح فى مؤلفات البحرانى البلاغية اعتماده على بعض الكتب التى سبقته .
أولاً : مصادر البحرانى التى اعتمد عليها :
1ـ تأثر البحرانى ببعض النحاة واللغويين ، كالخليل وسيبويه وابن جنى وغيرهم(2).
... يقول البحرانى عن التقديم : " قال سيبويه : والضابط أنهم يقدمون الذى شأنه أهم، وهم به أعنى ، وإن كان معًا مهمين(3)"
... وهذه عبارة سيبويه بها تغيير طفيف(4).
2ـ كما تأثر فى بعض مباحث كتابة ببعض المتكلمين .
... يقول عن جواز استعمال اللفظ المشترك فى معانيه على الجمع أولاً ... " جوز ذلك الشافعى ، وأبو بكر الباقلانى ، وأبو على الجبائى ، والقاضى عبد الجبار ، ومنع منه أبو هاشم الجبائى ، والحسن البصرى ، والكرخى(5)" .
3ـ ومن مصادر البحرانى التى اعتمد عليها : الجاحظ ، وابن المقفع فقد تأثر بهما عند حديثه عن البلاغة وفى مواضع أخرى من كتابه .
... ومما يدل على اطلاعه على مؤلفات الجاحظ قوله : " ونقل الجاحظ فى كتاب الحيوان أن الطاووسة قد تبيض من الريح ، بأن تكون فى سفالة الريح وفوقها
... الذكر فتحمل ريحه فتبيض منها ، قال وبيض الريح قل أن يفرخ(6)"
__________
(1) تطور البحث البلاغى ص 38 .
(2) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 57 .
(3) أصول البلاغة ص 93 .
(4) راجع الكتاب لسيبويه 14/1 .
(5) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 57 ، 58 .
(6) شرح نهج البلاغة للبحرانى 310/3 ، 134/4 .(1/85)
... ومن مظاهر تأثر البحرانى بالجاحظ واطلاعه على مؤلفاته ، قوله فى موضع آخر عن فصاحة الكلمة : " أن لا تكون غريبة وحشية ، وكونها عربية و ...(1)".
... وأصل هذا الكلام عند الجاحظ ، وقد تأثر به فى بعض الشروط ابن سنان ، ثم الرازى والبحرانى .
4ـ ولعل العلامة عبد القاهر ومن تبعه كالإمام الرازى من أبرز العلماء الذين تأثر بهم البحرانى :
... يقول البحرانى عن النظم : " وهذا معنى قول عبد القاهر الجرجانى ـ رحمه الله ـ النظم : عبارة عن توخى معانى النحو فيما بين الكلم(2)"
... وحديث البحرانى عن التقديم والتأخير ، تنطق به روح الجرجانى فقد اقتفى أثره ، وردد كلامه .
... ويتردد اسم العلامة الرزى فى أكثر من موضع من كتابه ، فقد تأثر به البحرانى فى مواضع كثيرة يطول ذكرها(3).
... فضلاً عن تأثره به فى الهيكل العام للكتاب .
5ـ ومن أبرز من أخذ عنهم الإمام البحرانى ، وارتضى آراءهم : ابن سنان الخفاجى.
... ومن أبرز مظاهر هذا التأثر ، منهج البحرانى الذى يبدؤه بالصوت ، وينتهى بالنظم والتأليف ، وحديث البحرانى عن النظم المتضمن ألوانًا من البديع ، والاهتمام بتحقيق التناسب والوضوح فى الفصاحة ، وقد ذكرت ذلك وغيره مفصلاً عند الحديث عن ابن سنان بما يغنى عن تفصيله هنا .
6ـ وممن أفاد منهم البحرانى وأخذ عنهم الإمام السكاكى ، فقد تأثر به عند حديثه عن تعريف الفصاحة ، كما أخذ عنه بعض المسائل البديعية ، وحديث البحرانى عن الصور البيانية وتفريعاته لها شبيه بحديث السكاكى عنها .
وبعد ...
__________
(1) أصول البلاغة ص 44 ، والبيان والتبيين 1/144 .
(2) مقدمة شرح نهج البلاغة ص 67 ، دلائل ص 276 ط المنار .
(3) راجع مثلاً : مقدمة شرح نهج البلاغة ص 97 ، 104 . ونهاية الإيجاز ص 114 .(1/86)
... فلعل ما ذكرته كافٍ فى بيان بعض مصادر البحرانى التى اعتمد عليها ، مما يدل على ثقافته وحسن اطلاعه ، فضلاً عن تأثره ببعض الشيوخ والفقهاء الكثيرين ، فهم الأصل الأول فى ثقافة الإمام البحرانى ، وقد اكتفيت بذكرهم فى التمهيد عند الحديث عن شيوخه .
... وقد ذكرت هنا أبرز من تأثر بهم البحرانى ممن هم ينتمون إلى البلاغة والنقد وما يخدم ذلك من النحاة والمتكلمين وغيرهم .
ثانيًا : أثر البحرانى فى الدراسات البلاغية :
... كان لمؤلفات البحرانى عظيم الأثر على بعض الدراسات البلاغية بعده ، ولكن هذا الأثر حينما يوازن بأثر العلامة ابن سنان الخفاجى لا يعد شيئًا .
... وللإمام البحرانى العذر فى ذلك ، فقد كان شيخًا فقيهًا يهتم بالدراسات الدينية ، ولكنه لما هم بشرح " نهج البلاغة " للإمام على ، أدرك أنه لا مفر من التعرض لبعض المسائل البلاغية ، التى يُحتاج إليها فى فهم كلامه ـ عليه السلام ـ ، وإظهاره فى ثوب قشيب ، فشمر عن ساعد الجد ، وألف مقدمة يستعين بها على شرح كلامه ـ رضى الله عنه ـ .
يقول الإمام البحرانى :
... " وقبل الخوض فى المطلوب لا بد من تقديم مقدمة يستعان بها على ما عسى أن أذكره من المباحث فى هذا الشرح إن شاء الله تعالى .
... أما المقدمة : فاعلم أن كلامه ـ عليه السلام ـ يشتمل على مباحث عظيمة تتشعب عن علوم جليلة ، يحتاج المتصدى للخوض فيه ، وفهم ما يشرح منه بعد جودة ذهنه ، وصفاء قريحته إلى تقديم أبحاث تعينه على الوصول إلى تلك المقاصد(1)".
1 ـ البحرانى والطوفى البغدادى(2):
... يعد الطوفى البغدادى أكثر الذين أخذوا عن الإمام البحرانى ، ونقلوا آراءه ، وناقشوها .
__________
(1) مقدمة شر نهج البلاغة ص 26 .
(2) توفى سنة 716 هـ .(1/87)
... ومن يطلع على " الإكسير فى علم التفسير " للطوفى ، يدرك أثر البحرانى فيه ظاهرًا جليًا ، وقد كان الطوفى يذكر اسم البحرانى تارة ، مويدًا أو معارضًا ، وكان يكتفى أحيانًا بالاعتماد على آرائه دون التصريح باسمه ، وقد أدرك ذلك أحد الأساتذة فراح يقول : " ودراسة الطوفى مفصلة جيدة ، وله فيها نظرات صائبة ، وقد اعتمد فى جلها على الخفاجى وابن الأثير ، كما اعتمد على ميثم البحرانى ونقل بعض آرائه وأسندها إليه(1)" .
... * فقد اتفق " الطوفى " فى شروط الفصاحة والبلاغة مع ما جاء به العلماء السابقون ... ومنهم الإمام البحرانى(2).
... * كما اتفق " الطوفى " فى الشواهد التى أوردها فى كتابه مع بعض العلماء والسابقين له ... ومنهم البحرانى(3).
... * اقتفى الطوفى أثر البحرانى فى تقسيمه للتشبيه ، ومن ذلك قول البحرانى أن من تشبيه المحسوس بالمعقول قول العلوى الأصفهانى :
... كَأَنَّ ابْيِضَاضَ الْبَدْرِ مِنْ تَحْتِ غَيْمِه ... ... نَجَاءُُ مِنَ الْبَأْسَاءِ بَعْدَ وُقُوِع(4)
... واعترض عيه الطوفى بقوله : " وجعل البحرانى البيت مثالاً لتشبيه المحسوس بالمعقول ، وهو وهم ؛ لأن الابيضاض لا يحس ، وإنما يحس المبيض وهو البدر(5).
وعلى هذا اعتبر الطوفى البيت من تشبيه المعقول بالمعقول .
... والصواب ـ من وجهة نظرى ـ ما قاله البحرانى ، وقد ذكرت سبب ذلك من قبل .
__________
(1) د / الشحات أبو ستيت فى كتابه " مقاييس البلاغيين فى فصاحة الكلمة " ص 96 ، والإكسير ص 90 ، وأصول البلاغة ص 43 ، 44 .
(2) أصول البلاغة ص 35 ، والإكسير ص 108 .
(3) أصول البلاغة ص 94 ، والإكسير ص 164 ، والطوفى البغدادى وآراؤه البلاغية والنقدية ص 91.
(4) أصول البلاغة ص 61 .
(5) الإكسير ص 165 .(1/88)
... تقول إحدى الباحثات وهى بصدد الرد على الطوفى البغدادى : " وللإنصاف أقول إننى لا أتفق مع الطوفى فيما ذهب إليه حيث أنه نظر إلى هذا التشبيه من زاوية فلسفية ، واعتبر البياض وليس المبيض الذى تلون بلون البياض ، وغاب عنه أن البدر محسوس بما يحمله من بياض ، مما يجعلنا نميل إلى أنه من قبيل "المحسوس بالمعقول " ، كما ذهب إلى ذلك البحرانى(1)" .
... * ومن أبرز مظاهر تأثر الطوفى بالبحرانى حديثه عن الكناية والفرق بينها وبين الاستعارة ، يقول الطوفى :
" وقال البحرانى : الكناية هى الكلمة التى أريد بها غير معناها مع إرادة معناها(2)" ويقول : " والفرق بين الكناية والمجاز على تعريف البحرانى أن المعنى الأصلى فى الكناية مراد ـ أيضًا ـ لكثرة رماد القدر فى المثال بخلاف المجاز حقيقة الأسدية فى قولنا : زيد أسد غير مرادة(3)".
... * ومما تأثر فيه الطوفى بالبحرانى عن الطباق : " وقال البحرانى : المطابقة : هى الجمع بين المتضادين فى الكلام مع مراعاة التقابل ، حتى لا يقابل الإسم بالفعل نحو { فَلْيَضحَكُوا قَلِيلاً ، وَلْيبْكُوا كَثِيرًا }(4).
... ويقول عن المقابلة : " وقال البحرانى : المقابلة : الجمع بين شيئين متوافقين وضديهما ، ثم إن شرطتهما بشرط وجب أن تشرط ضديهما بُعيد ذلك الشرط(5)".
ويظل الطوفى يستشهد ببعض الآيات القرآنية التى نقلها عن الإمام البحرانى .
... وإذا كان ابن الأثير قد نخل " سر الفصاحة " ، فإن الطوفى البغدادى هو الآخر قد نخل كتابى " البحرانى " وانتفع بآرائه .
__________
(1) الطوفى البغدادى وآراؤه البلاغية والنقدية د/ أمينة سليم ص 143 .
(2) الإكسير ص 119 ، وأصول البلاغة ص 73 .
(3) الإكسير ص 121 ، وأصول البلاغة ص 74 .
(4) سورة التوبة ، آية : 82 ، والإكسير ص 259 ، وأصول البلاغة ص 82 .
(5) الإكسير ص 259 ، 260 .(1/89)
2 ـ الإمام البحرانى وطاشكبرى زادة(1):
... عصام الدين الشهير بطاشكبرى زادة ، وشارح الفوائد الغياثية للعضد ، يُعَدُّ من أبرز المتأثرين بالإمام البحرانى ، فقد اعتبره شيخه الذى يأخذ عنه .
... وإن من يتصفح " شرح الفوائد الغياثية " لطاشكبرى زادة ، يدرك مبلغ اهتمامه بمؤلفات الإمام البحرانى ، وسأورد نصًا واحدًا من شرحه دليلاً على ذلك .
... * فعند حديثه عن " صلة التشبيه بعلم البيان " " يجعل الأصول أربعة :
1ـ التشبيه ... ... 2ـ المجاز ... ... 3ـ الاستعارة ... ... 4ـ الكناية ،
ثم حمل على أدلة السكاكى فى جعله التشبيه أصلاً ثالثًا فى البيان(2)فقال :
__________
(1) محمد بن أحمد بن مصطفى بن خليل أبو الخير عصام الدين ، الشهير بطاشكبرى زادة ، ولد سنة 901 ، من أشهر مؤلفاته شرحاه ، الكبير والمختصر على الفوائد الغياثية لعضد الدين الإيجى ، توفى سنة 968 (راجع : تاريخ علوم البلاغة .. للشيخ / أحمد مصطفى المراغى ص 182) .
(2) راجع مفتاح العلوم للسكاكى ص 331 .(1/90)
" إن ما قرره السكاكى يستدعى تقديم التشبيه على الاستعارة وجوبًا وعلى المجاز مطلقًا ، استحسانًا كيلا يقع الفصل به بين أنواع المجاز ، وأما أخذه أصلاً ثالثًا فلا يستدعيه أصلاً ، بل الواجب أن يجعل مقدمة خارجة عن مقاصد هذا الفن ، ويؤيده ما قيل من أن دلالة التشبيهات من حيث هى تشبيهات دلالة وضعية لا عقلية ، ثم لا يقبل طاشكبرى زادة تعليل السكاكى بأن التشبيه لكثرة مباحثه وقوة نفعه فى المطالب البيانية ، قد ارتقى عن أن يجعل مقدمة ، فلهذه الضرورة اتخذه أصلاً ادعائيًّا لا حقيقيًّا ، ولا يخفى عليك أنه فى جعل التشبيه أصلاً ثالثًا من البيان بهذا القدر من البيان تكلف ظاهر ، أراد السكاكى ترويجه بالمبالغة فى العبارة ، حيث قال ها هنا ، فلابد من أن نأخذ أصلاً ثالثًا مع أنه قال فى الأصلين الحقيقيين ، فلا علينا أن نتخذهما أصلين .ثم لا يترك المجال دون أن يحققه فيرى أن الصواب ما رآه أحد أشياخه ، وهو كمال الدين ميثم البحرانى .(1/91)
... وهو أن اللفظ إما أن يستعمل فى المعنى الموضوع له فهو الحقيقة ، أو فيما له علاقة بحيث ينتقل إلى الذهن عن الموضوع له إليه فى الجملة وهو المسمى عندهم باللازم ، فإما أن يكون علاقته المشابهة أو غيرها ، فعلى الأولى إن كان معه قرينة تنافى إرادة المعنى الموضوع له كان استعارة ، وإن لم يكن كان تشبيهًا ، وعلى الثانى ـ أيضاً ـ إن كان معه تلك القرينة المانعة كان مجازًا مرسلاً ، وإن لم تكن كان كناية ، فأصول علم البيان أربعة ، فإذا ضمت الاستعارة إلى المجاز المرسل للاشتراك فى مطلق المجاز صارت ثلاثة ، ويظهر من هذا أن التشبيه أصل حقيقى من أصول هذا الفن(1)" .
... وقد نقلت هذا الكلام ـ على طوله ـ ؛ لأن بعضه مرتبط ببعض ، على أنى لا يعنينى منه سوى تأثر عصام الدين بالبحرانى ، واعتباره شيخًا له ارتضى رأيه ، وخالف به السكاكى ، وردّ عليه رأيه .
وبعد ...
... فقد بان أثر البحرانى على الدراسات البلاغية بعده ، وقد ذكرت أبرز المتأثرين به ، الآخذين عنه ، وإن كانت ترتاح نفسى إلى أن هناك آخرين قد تأثروا به ، وإن لم يذكروا اسمه صريحًا مثل : حازم القرطاجنى فى " منهاج البلغاء وسراج الأدباء(2)" ، وابن قيم الجوزية فى " الفوائد المشوق(3)" ، عضد الدين الإيجى فى " الفوائد الغياثية(4)" وغيرهم .
* لماذا لم يشتهر ابن سنان الخفاجى :
__________
(1) راجع ذلك بالتفصيل فى : شرح الفوائد الغياثية من علم المعانى والبيان للمولى الفاضل/ طاشكبرى زادة ص 194 ، 195 تحت رقم 496 بلاغة بدار الكتب المصرية ، وانظر : نظرات فى البيان د/ محمد عبد الرحمن الكردى ص 20،21 ، ومقدمة شرح نهج البلاغة ص 32، 93، 102، 119 .
(2) منهاج البلغاء ص 378 ، وعروس الأفراح 94/1 .
(3) الفوائد المشوق لابن قيم ص 9 .
(4) الفوائد الغياثية للإيجى ص 163 .(1/92)
... سؤال طرحه أستاذى الدكتور محمد رجب البيومى فى كتابه " تطور البحث البلاغى " ، وقد اتصلت هاتفيًا بسيادته ، وسألته عن الدافع وراء هذا السؤال ؟ وما الداعى إليه إذا كان ابن سنان مشهورًا معروفًا لدى القدامى والمحدثين ، النقاد والبلاغيين .....؟!
...
... فما كان من سيادته إلا أن قال لى : " ليست هذه المكانة هى ما كان يجب أن يكون عليه ابن سنان ، ولكنه انفرد بمؤلف ثمين نهل منه كل من أتى بعده ، فكان يجب أن يكون مع عبد القاهر فى منزلةٍ واحداةٍ ، فابحث يا بنىّ عن السبب فى ذلك؟(1)" .
... وقد كانت كلمات أستاذى دافعًا قويًا جعلنى أفرد لهذا الموضوع عنوانًا أخذته من عبارات سيادته ، ولعل من الخير الآن أن أعرض لنص كلامه ، يقول سيادته :
... " لا أدرى لماذا لم يشتهر ابن سنان الخفاجى شهرة عبد القاهر والسكاكى ، ولئن جاز أن يقرن به عبد القاهر أو يبزّه فإنه أعظم من السكاكى دون جدال ، وهو كابن فارس ، قد سبق إلى تدوين أصول بلاغية ظلت تتردد حتى الآن فى كتب البلاغة ؛ لأن حديثه عن الفصاحة والبلاغة صار حديثًا للكاتبين من بعده(2)" .
... الحق كل الحق فيما قاله أستاذى الدكتور ، فسيادته يُعدّ من العلماء القليلين الذين حفظوا لابن سنان حقه ومكانته ، وأشادوا به ، وقدروا شخصيته ، وأدركوا منزلته .
ومن هؤلاء العلماء أستاذى الدكتور محمد شادى حينما قال :
... " استطاع ابن سنان الخفاجى أن يحفر اسمه فى تاريخ البلاغة بكتابه " سر الفصاحة" على الرغم من معاصرته لأعلام بارزين فى هذا العلم ، كابن رشيق القيروانى وعبد القاهر الجرجانى ، وذلك بتوخيه فى تأليف كتابه منهجًا يكاد يكون متميزًا عن مناهج السابقين عنه والمعاصرين له(3)".
ويقول أستاذى الدكتور عبد الغنى بركة :
__________
(1) مفاد من كلام لأستاذى الدكتور محمد رجب البيومى فى اتصال هاتفى .
(2) تطور البحث البلاغى د/ محمد رجب البيومى ص 35 .
(3) نشأة البلاغة وأصول علم المعانى ص 123 ـ 124 .(1/93)
... " كان ابن سنان الخفاجى صاحب شخصية متميزة تقبل وترفض ، وتجادل حول ما تراه صحيحاً ، أو تعتبره خطأً(1)".
... وإذا كان هذا هو موقف أرباب البلاغة وغيرهم كثيرون ، فلماذا لم يشتهر ابن سنان الخفاجى شهرة عبد القاهر أو الجاحظ مثلاً ؟!
... وقد حاولت البحث عن إجابة لهذا السؤال ، وارتاحت نفسى إلى بعض الأسباب لعلها تكون أقرب إلى الحقيقة :
... الأول : أن بعض من أخذوا عن ابن سنان ، وتأثروا بكتابه ـ وهم كثيرون ـ لم ينصوا على اسمه ، بل سطوا على آرائه ، وتنكروا له ، ومنهم من اكتفى بنسبة بعض الآراء له ، والاستيلاء على البعض الآخر ، ومن هؤلاء ابن الأثير يقول بعض المحدثين :
... " قد نخل ابن الأثير " سر الفصاحة " نخلاً ، وتشبع بكثير من أفكارها ، ولكنه جريًا على عادة كثير من مؤلفى العصر ، لا يفرد كل نقل إلى صاحبه ، ولو عزا ما أخذه من ابن سنان إليه لبان أثر صاحب " سر الفصاحة " صريحًا غير مستتر(2)".
... ويقول الدكتور البيومى : " ؛ لأن حديث ابن سنان عن الفصاحة والبلاغة صار حديثًا للكاتبين من بعده ، وفيهم من لم يعده من قريب أو بعيد ، بل فيهم من اكتفى بتلخيص آرائه وأمثلته على شح فى التوضيح ، وإن باحثًا يترك هذا الأثر القوى فى نفوس الدارسين من بعده لجدير أن يعد قمة فى موضوعه ، فما بال السكاكى والقزوينى والسعد قد سطوا على تعريفاته وأمثلته ثم لم يشر إليه فى قليل أو كثير ، وما بال السكاكى يعترف بمقام عبد القاهر ، ويترك ابن سنان وقد أخذ منه كما أخذ من عبد القاهر(3)".
__________
(1) رؤية جديدة للإيجاز والإطناب ص 84 .
(2) التبيان فى البيان للطيبى ص 161 ت د/ عبد الستار حسين زموط .
(3) تطور البحث البلاغى ص 35 .(1/94)
... الثانى : لم تكن مقدمة البلاغة المتأخرة صورة مماثلة لكلام ابن سنان عن الفصاحة ، كما أدرك ذلك بعض المحدثين ، إذ يختلف منهج التناول تمامًا بين ابن سنان والمتأخرين ، فابن سنان يتناول الأصوات والحروف كأساس لتجربته التى جعلها بناءً متكاملاً تتعانق فيه الفصاحة مع البلاغة على نهج علمى وبروح أدبية نقدية ، بينما يتناولها المتأخرون تناولاً يعزلها عن البلاغة ، ويجعل دارس البلاغة يمر بها دون أن يفطن لوجه تعلقها بالبلاغة ، فكان ذلك سببب عدم انتفاعهم بها كثيرًا ؛ لذلك لم ينل ابن سنان من الشهرة ، وذيوع الصيت ، ما ناله معاصره عبد القاهر(1).
... الثالث : أن ابن سنان قد استنفذ جزءًا كبيرًا من كتابه فى الحديث عن الفصاحة وشروطها ، وقد درس المسائل البلاغية ضمن هذه الشروط ، فلم تكن هدفًا أساسيًا عنده ، بعكس عبد القاهر والسكاكى .
__________
(1) راجع البلاغة بين عبد القاهر وابن سنان د/ عبد العاطى علام ص 372 ، والبلاغة تطور وتاريخ ص 135 ، والبيان العربى د/ بدوى طبانة ص 90 ، وابن سنان الخفاجى وأثره على البلاغة والنقد د/ عبد الحميد العبيسى ص 164 ، والصورة البيانية بين النظرية والتطبيق ص 36 ، 37 د/ حفنى شرف ط 1 ، المدخل إلى دراسة البلاغة د/ فتحى فريد ص 70 ، 71 ، ط / دار التوفيقية .(1/95)
... الرابع : أن منهج ابن سنان فى كتابه كل لا يتجزأ ، فلا يمكن فصل أى جزء منه وقراءته دون الإلمام بأوراق الكتاب مجتمعة ؛ لأنه يبحث عن ماهية الفصاحة ، فاستلزم ذلك منه أن يتدرج فى بحثه من الصوت حتى يصل إلى النظم والتركيب والتأليف ، ولذلك لم يهتم بالقاعدة والتعريفات والتقسيمات اهتمام السكاكى بها ، ولم يحلل بعض النصوص أو يبين مواطن الجمال فيها كما صنع عبد القاهر فى أكثر شواهده ؛ لأنه يضع نصب عينيه الوصول إلى حقيقة الفصاحة ، وقد كان له ذلك ، وقد حال ذلك دون شهرته ؛ لأن أكثر من تأثروا به وأخذوا عنه ، كان فى فصاحة الكلمة وشروطها وكذلك فصاحة الكلام ، ولم يهتم المتأخرون بذلك ، فجعلوا الفصاحة مقدمة لعلوم البلاغة الثلاثة ، ومنهم من وضعها فى ذيل البلاغة كالسكاكى.
... الخامس : ولعل من الأسباب الهامة التى حالت دون شهرة ابن سنان قوله " إن القرآن معجز بالصرفة " ، فكان أكثر من يأخذون عنه لا يصرحون باسمه لهذا السبب ، ظنًّا منهم أن هذا الرأى الذى برأته منه ربما يقلل من قيمة ما أخذوه وارتضوه .
... * أما السبب فى عدم شهرة الإمام البحرانى ، فلعل ذلك يرجع إلى أنه يهتم بالناحية الدينية قبل أن يكون بلاغيا ، فلم يكن له فى البلاغة سوى المقدمة التى مهد بها لشرح كلام الإمام على لذلك يقول محقق الكتاب :
... " كيف ينفرد بالإشارة إلى هذا الكتاب ، ونسبته إلى الشيخ ميثم البحرانى من ترجم له من غير البحرانيين ، فى حين أن أحدًا من البحرانيين لا يشير إلى الكتاب ولا نسبته للشيخ ميثم من قريب أو بعيد(1)" .
... فالبحرانى لم يكن معروفاً عند البلاغيين ، كمؤلف فى البلاغة ؛ لأن المسائل البلاغية عنده لم تكن هدفًا ، ولكنه استعان بها على شرح كلام الإمام على ، ولذلك جعلها مقدمة لشرحه على نهج البلاغة .
... ... ... ... ... ... ... ... ... والله أعلم .
__________
(1) أصول البلاغة ـ مقدمة المحقق ص 17 .(1/96)
الخاتمة
... لقد تابعت هذه الدراسة منذ أن كانت كلماتٍ مبعثرةً لا تفيد حتى أصبحت مسائل وموضوعات تنتظم فى عقد واحد .
... فقد تناول البحث بالشرح والتحليل والنقد والتعليل المسائل البلاغية عند الإمام البحرانى ، موازنًا بابن سنان الخفاجى .
... وقد حقق بعض النتائج التى حاوَلْتُ قدْرَ المستطاع أن تكون صحيحةً ، كما أوصى ببعض التوصيات لعلها تحقق الغاية المنشودة فى الرقى بالبلاغة العربية ، والدفاع عنها ضد من تسول له نفسه الزج بها فى مهاوى الهلاك .
أولاً :
... عاش الخفاجى فى القرن الخامس الذى مُتِّع بأعلام نابهين فى البلاغة والنقد، وكان تأثير هذه البيئة واضحًا فى مولَّفه .
... بينما عاش البحرانى فى القرن السابع ، حيث طغت الفلسفة على المباحث البلاغية ، ولكنه وعد بتجريد كتابه من هذه النزعة الفلسفية وقد وفّى بما وعد .
ثانيًا :
... أثار اهتمام ابن سنان بالأصوات والحديث عنها جدلاً طويلاً ، وإن كان هو يرى أن الكلام ينتظم منها ، ولعل ما يمكن أن نأخذه عليه أنه لم يربط فيه بين خصائص الأصوات وبين الفصاحة والبلاغة الربط الذى كان نأمله وننتظره منه .
ثالثًا :
... لم يفرق الخفاجى بين الفصاحة والبلاغة ، كما كان يزعم البعض ، ولكنه يلتقى مع غيره فى عدم التفريق بينهما وهذا واضح من مجموع كلامه .
رابعًا :
... يُعد ابن سنان الخفاجى أول من فصَل بين شروط فصاحة الكلمة والكلام على هذا الوجه المرتب المنظم .
خامساً :
... شروط الفصاحة التى وضعها الخفاجى للكلمة والكلام يجب أن تخضع للسياق والمقام ومقتضيات الأحوال ؛ لأنها لا تصح ولا تكون فى كل وقت وفى كل حين .
سادسًا :
... يجب إعادة النظر فى مؤلف الخفاجى ، ومحاولة الوقوف عند شروط الفصاحة فى النظم والتأليف عنده ، التى استغرقت منه جهدًا كبيرًا ووقتًا طويلاً ، ولم يستفد منها أحدٌ .
سابعًا :(1/1)
... اتفق البحرانى مع الخفاجى فى تحقيق شرط الوضوح فى الفصاحة، ولعل الجاحظ كان على حق عندما قيد هذا الوضوح بكونه على مجارى كلام العرب الفصحاء .
ثامنًا :
... لم يرفض ابن سنان التقديم والتأخير على عمومه ، ولكنه أدرك أن منه ما يخل بالمعنى ويفسد الإعراب فراح يشترط لتحقق الفصاحة والبلاغة خلو التركيب من هذا النوع .
تاسعًا :
... قاس كل من العالمين الإيجاز والإطناب على قلة الحروف والكلمات أو كثرتها ولكن لا مفر من الأخذ بمنهج الجاحظ والرُّمانى فى قياس الإيجاز والإطناب عند الموازنة بين النصوص على مراعاة أحوال النخاطبين ، وسياق الكلام ، فلا يجب التعويل على قلة الكلمات وكثرتها ؛ لأن الإيجاز فى أدق معانيه (( إيجاز موضوع )).
عاشرًا :
... لم يرفض ابن سنان الخفاجى الإطناب ، كما يزعم البعض ، ولكنه اشترط له شروطًا عدة متى تحققت وقع موقعًا حسنًا وهى الفائدة والبيان ، وإخراجه للمعنى فى معاريض مختلفة ، وتفصيل له ليتحققه السامع ويستقر عنده فهمه وإن اهتم بهذا نظريًا لا تطبيقيًا .
أحد عشر :
... وافق البحرانى الخفاجى فى أن آيات القرآن الكريم تتفاوت فى بلاغتها ، يشهد لذلك ظواهر الأحاديث النبوية ، وتباين التأثير فى نفس السامع عند سماع آيات القرآن ، واختلاف الشعور مما سمعه ووعاه ، والصحيح أن بلاغة القرآن لا تتفاوت، وأنها على درجة واحدة من الفصاحة .
ثان عشر :
... قسم الخفاجى الصور البيانية إلى حسنة ، ورديئة ، وأدرج فى القسم الحسن ، أساليب البيان على اختلاف أنواعها ، ووزع شواهد كتابه بين الحسن والقبح ، وجعل نفسه مسئولاً عن كل استحسان أو استقباح .
... ويقترح الباحث : أن نعود إلى تقسيم ابن سنان بدلاً من التفريعات التى قد تذهب بحلاوة البلاغة .
ثالث عشر :(1/2)
... يلتقى ابن سنان مع أكثر العلماء فى إدراج التشبيه (( المحذوف والوجه والأداة ))، فى التشبية المحض ، ولا عبرة بما قاله العلوى وابن الأثير فى أن ابن سنان يجعل هذا النوع من الاستعارة .
... ويرى البحث : أن نحكم المقام فى كل ما يعن لنا من قضايا .
رابع عشر :
... لم يتحدث الخفاجى عن (( المجاز المرسل ))، ولكنه أحس به من خلال ما عثرت عليه فى مؤلفه من الشواهد التى تفيد ذلك .
خامس عشر :
... أدرك ابن سنان أن المزية من الكناية هى المبالغة بينما حصرها البحرانى فى الإثبات .
... ويرى البحث أن الكناية لا تنحصر فى المبالغة أو الإثبات ، كما أن المبالغة فى الصفة تؤدى إلى تثبيتها .
سادس عشر :
... جعل الخفاجى من شروط الفصاحة (( المناسبة )) ، وهى عنده تتنوع إلى مناسبة عن طريق الصيغة ، ومناسبة من طريق المعنى ، وفى أثناء ذلك درس المحسنات البديعية ، ووزعها بين اللفظية والمعنوية .
... أما البحرانى فقد درس الفنون البديعية فى موضعين من كتابه ، حيث جعل من شروط فصاحة الكلام : أن تتوافر فيه المحسنات اللفظية ، ثم أدرج بعض الألوان الأخرى فى (( النظم المتضمن ألوانا من البديع )).
سابع عشر :
... واضح من جعل الخفاجى الألوان البديعية من (( شروط الفصاحة)) ومن ((التناسب))، ومن جعل البحرانى لأكثر هذه الألوان من ((النمط العالى من النظم ))، أن هذه الألوان عندهما ذاتية ليست بالعرضية كأكثر البلاغيين .
ثامن عشر :
... يعد لخفاجى أول من عرض (( لحسن التعليل )) من المؤلفين فى البديع بعد أبى هلال العسكرى ، ثم تلاهما عبد القاهر فسماه ((التخييل )) وقسمه إلى أنواعه المعروفة التى نقلها عنه (( صاحب التلخيص )) .
تاسع عشر :
... يجب إعادة النظر فى الاهتمام ببعض الألوان البديعية كالاقتباس ، والتضمين، وحسن الابتداء والتخلص ، بدلا من وضعها فى ذيل البلاغة .
عشرون :
... حاول الخفاجى أن يوازن بين الجانب النظرى والتطبيقى فى كتابه وقد تحقق له ذلك .(1/3)
... أما البحرانى فكان اهتمامه بالناحية النظرية أكثر ، حيث كان يكتفى بالتعريف والمثال على طريقة عصره .
واحد وعشرون :
... تورّط بعض البلاغيين فى نقد الخفاجى عندما نسبوا له بعض الآراء التى خلا منها مؤلفه ، والسبب فى ذلك ، عدم الإلمام بمجموع كلامه ، أو الخطأ فى نقل نصوص من مؤلفه .
اثنان وعشرون :
... اعتمد الخفاجى على مصادر عديدة ، أهمها ، قدامة ، والعلامة الآمدى.
... كما صار البحرانى على نهج الإمام عبد القاهر وابن سنان والرازى .
ثلاث وعشرون :
... ظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن البحرانى يتفق مع ابن سنان فى المنهج ويختلف معه فى العرض والأسلوب وطريقة التناول .
... فبينما نجد الخفاجى يشرح ويحلل ويكثر من الشواهد على اختلاف أنواعها ويناقش ويذكر الرأى والرأى الآخر .
... نجد البحرانى يكتفى بالتعريف وذكر مثال واحد أو مثالين سعيًا إلى تجريد البلاغة .
أربع وعشرون :
... انفرد البحرانى عن الخفاجى بالاهتمام بشرح كلام الإمام على ـ كرم الله وجهه ـ وبيان قيمته البلاغية ، ولقد استنفذ فى سبيل ذلك جهدًا كبيرًا .
خمس وعشرون :
... امتاز الخفاجى فى مؤلفه بالتواضع والموضوعية فى نقده ، والأمانة العلمية ، فلم يكن بالمحدث عن نفسه أو المعلن عن بضاعته .
... كما امتاز البحرانى بخلو كتابه من الحشو والتطويل والخلافات التى كانت تسيطر على مؤلفات عصره .
ست وعشرون :
... يُوصى البحث بمحاولة الانتفاع بكتاب (( أصول البلاغة )) للبحرانى ؛ لأنه يعد من المؤلفات القليلة التى تتسم بالإيجاز فى عرض المسائل البلاغية ، فليس فيه من الحشو والتطويل الذى لا يحتاج إليه من يريد أن يرشف من ينابيع البلاغة .
سبع وعشرون :
... كان للخفاجى عظيم الأثر فى الدراسات البلاغية فى تلك المقدمة لتى اهتم بها البلاغيون عن الفصاحة وشروطها .
ثمان وعشرون :(1/4)
... على الرغم من بروز أثر الخفاجى الواضح فى جلّ المؤلفات البلاغية بعده إلا أنه لم ينل من الشهرة والذيوع ما ناله عبد القاهر مثلاً ، ولعل ذلك يرجع إلى سطو البعض على آرائه دون التصريح باسمه ، وعزل البلاغيين الحديث عن الفصاحة وشروطها عن المسائل البلاغية وقوله بالصَّرفة وغير ذلك .
... ولعل مما يحز فى نفسى الآن أن أمسك عن الكتابة ، وأترك اللذة والنشوة التى كنت أشعر بها وأنا أعايش هذين العالمين أفتش فى حياتهما ، وأنقب عن فكرهما .
... ولأنى أعترف بالتقصير فى حقهما ، فأدعو الله ـ راجيًا ـ أن يغفر لى ذللى ، ولعل الأيام المقبلة تتيح لى فرصة استكمال هذا البناء .
... واللَّهَ أسْأَلُ أن ينال هذا العمل رضا النابهين والمهتمين بالدراسات البلاغية من الأساتذة والمدرسين الذين أخلصوا للعلم ، وأن يكون هذا البحث قطرة فى بحر البلاغة الخضم الذى لا ينفذ أبدًا ليضاف إلى جهود أخرى تتمم صرح البلاغة الشامخ .
... وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
... ... ... ... ... ... ...
الباحث
عبد المنعم السيد الشحات رزق(1/5)
الفهارس العلمية
الفهارس العلمية
م ... الفهرس ... الصفحة
1 ... فهرس الآيات القرآنية . ... 426
2 ... فهرس الأحاديث النبوية . ... 433
3 ... فهرس الأمثال العربية . ... 435
4 ... فهرس الشعر . ... 437
5 ... فهرس المراجع والمصادر . ... 451
6 ... فهرس المخطوطات . ... 467
7 ... فهرس الدوريات والمجلات . ... 469
8 ... فهرس الموضوعات . ... 471(1/1)
فهرس الآيات القرآنية
فهرس الآيات القرآنية
الآية ... السورة ... الصفحة
الفاتحة
2-3 ... { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مَالِك يَوْمِ الدِّينِ } ... 279
البقرة
16 ... { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } ... 199
27 ... { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الأَرْضِ أُوَلئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } ... 199
32 ... { قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكٍيم }
106 ... { مَا نَنْسخْ مِنْ آَيةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخْيرٍ مِنْهاَ أَوْ مِثْلها }
137 ... { فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ } ... 55/393
179 ... { وَلَكُم فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِى الأْلبْاب } ... 121/138
آل عمران
21 ... { ... فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ... 216
26 ... { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الملك تُؤتِى المُلكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُ مَن تِشَاءُ وَتُزِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِك الْخَيرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْئٍ قَديرٍ } ... 257
54 ... { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } ... 215
200 ... { يَا أَيُّها الَّذِيِنَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون. } ... 301
الآية ... السورة ... الصفحة
المائدة
75 ... { مَا الْمَسِيحُ ابْن مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِه الرَّسُلُ وَأمُّه صِدِّيقةٌ كَانَا يأكُلانِ الطَّعامَ } ... 232
الأنعام
100 ... { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ } ... 107/110
الأنفال
24 ... { يَآأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّه ولِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحييكُم واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَين المَرءِ وقَلْبِهِ وَأنّه إليهِ تُحشَرُونَ }
التوبة(1/1)
82 ... { فَلْيَضحَكُوا قَلِيلاً ، وَلْيبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوْا يَكْسِبُونَ } ... 257/
408
يونس
24 ... { إنَما مَثَلُ الحياةِ الدّنْيا كَمَاءٍ أنْزَلْنَاهُ من السَّماءِ ، فاخْتلَطَ بهِ نباتُ الأرْضِ ممّا يأكُلُ النّاسُ والأنْعامُ ، حتّى إذا أخَذَت الأَرْضُ زُخُرُفَها وازَّيّنَتْ، وظَنَّ أهْلُها أَنَّهُم قادرُون عَلَيْهاَ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا ، فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأن لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ، كَذَلِكَ نُفَّصِلُ الآيَاتِ لِقْومٍ يَتَفكَّرُون } ... 167
هود
44 ... { وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِى مَاءَكِ وَيا سَمَاءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ الماءُ وقُضِىَ الأمْرُ وَاستَوتْ عَلى الجُودِىِ وَقِيلَ بُعْداً لِلقَومٍ الظَّالمينَ } ... 148
الآية ... السورة ... الصفحة
48 ... { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِط بِسلاَمٍ مّنَّا وَبَرَكاتٍ عَليْكَ وَعَلى أُممٍ مّمَّن مَعَك ، وَأُممٌ سَنُمتِّعُهم ثُمَّ يَمسُّهُم مِنَّا عَذَابٌ أَليمٌ } ... 55/
394
107 : ... { خَالدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَاواتُ والأَرضُ إلاَّ مَا شَاءَ رَبُّك إِنَّ رَبّكَ فَعَّالٌ لِما يُريِدُ . وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدوُا فَفى الجَنّةٍ خَالدِينَ فِيها مَادَامتِ السَّماَواتُ والأَرْضُ إلاَّ مَا شَاءَ ربُّكَ عَطَاءً غَيرَ مَجْذُوذٍ } ... 266
108
يوسف
82 ... { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا } ... 123/124
الرعد
31 ... { وَلَوْ أنَّ قُرآناً سُيِّرتْ بِهِ الجِبَالُ أَوْ قُطِّعتْ بِهِ الأَرضُ أَوْكُلِّم بِهِ المَوتَى} ... 123
النحل
112 ... { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ } ... 200
الاسراء(1/2)
23،24 ... { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالوَالدَينِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَر أَحدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُما وَقُل لَّهُما قَوْلاً كَرِيماً . وَاخْفِضْ لَهُما جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمة وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَما رَبَّيانِى صَغِيراً } ... 106
الآية ... السورة ... الصفحة
مريم
4 ... { وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً } ... 190
الأنبياء
22 ... { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةُ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا } ... 267
النور
37 ... { رِجَالٌ لاَ تُلهِيهِمْ تِجارةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإقامِ الصَّلاةِ وَإيتاءِ الزَّكاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ } ... 271
39 ... { وَالّذينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } ... 168
النمل
22 ... { وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } ... 286
القصص
34 ... { وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أفْصَحُ مِنّى لِسانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِىَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِى إِنّى أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُون } ... 35/38
73 ... { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّليْلَ وَ النَّهارَ ، لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ } ... 265
76 ... { ما إنّ مفَاتِحَهُ لتنوءُ بالعُصْبَةِ أُولِى القُوّة } ... 102
سبأ
24 ... { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِنَ السَّمواتِ وَالأَرضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدَىً أَوْ فِى ضَلاَلٍ مُبِينٍ } ... 300
الآية ... السورة ... الصفحة
يس
37 ... { وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُم مُّظْلِمونَ } ... 194
الزمر
67 ... { وَمَا قَدَرُوْا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِةِ والأَرضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَومَ الْقِيامةِ وَالسَّمَاواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيمينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالَى عَمَّا يُشرِكُونَ } ... 298
الشورى(1/3)
40 ... { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } ... 203/215
الطور
1،2،3 ... { والطُّورِ . وكتَابٍ مَسْطُورٍ . فِىرَقٍّ منْشُورٍ } ... 279
النجم
22 ... { يِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى } ... 52
الرحمن
5 ... { الشّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } ... 90/297
24 ... { وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِى الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ } ... 156
37 ... { فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ } ... 156
الواقعة
75-76 ... { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ . وَإِنَّه لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } ... 142
الجمعة
5 ... { مَثَلُ الّذِينَ حُمِّلوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَا } ... 166/168
176/342
الآية ... السورة ... الصفحة
الحاقة
11 ... { إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِى الْجَارِيةِ } ... 194
المزمل
15-16 ... { كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى مِزْعَوْنَ رَسَولاً . فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} ... 143
المدثر
7 ... { وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } ... 285
الإنفطار
13،14 ... { إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ . وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لفِى جَحيمٍ } ... 268
الليل
5-10 ... { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتّقَى وَصَدّقَ بِالْحُسنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمّا مَنْ بَخِل وَاسْتَغْنَى .وَكَذّبَ بِالحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى. } ... 257
الضحى
9،10 ... { فأمَّا اليتيمَ فَلاَ تَقْهَرْ . وأمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } ... 65/287
الزلزلة
2 ... { وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَاَ } ... 208/221
العاديات
1،2،3 ... { وَ الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا . قَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا . فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا } ... 279
8 ... { وَإِنَّهُ لِحبِّ الْخَيرِ لَشَدِيدُُ} ... 102(1/4)
فهرس الأحاديث النبوية
فهرس الأحاديث النبوية
م ... الحديث ... الصفحة
1 ... أعيذكما بكلمات الله التامة . من كل شيطان وهامة . ومن كل عين لامة. ... 282
( أخرجه البخارى فى "كتاب الأنبياء" ط/ دار الريان ، ومسلم فى "كتاب الذكر" جـ 17 ص 30 ـ دار الكتب العلمية . وأخرجه أبو داود فى السنة (5/104) الحديث رقم (4737) ، والترمذى فى الطب (6/221) الحديث رقم (2138) وابن ماجه فى الطب (3525) ، وأحمد (1/236) )
2 ... أنا أفصح العرب بيد أنى من قريش . ... 35
( النهاية فى غريب الحديث والأثر 3/450 )
3 ... إن أبغضكم إلى الثرثارون المتفيقهون . ... 115/
( رواه أحمد وابن حبان وغيرهما عن ثعلبة ) ... 116
4 ... انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً . ... 298
( فتح البارى بشرح صحيح البخارى ـ كتاب المظالم والغضب ـ الحديث رقم 2443 - حـ5 - ص117 - ط/ دار الريان )
5 ... عصية عصت ا للَّه ، وغفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها ا لله. ... 271
( فتح البارى بشرح صحيح البخارى ـ كتاب المناقب ـ الحديث
رقم 3513 - جـ 6 ص 626 - ط / دار الريان )
6 ... المؤمنون هينون لينون . ... 286
( أخرجه أحمد (4/126) ، وابن ماجه (43) ، والحاكم (1/96) ، والبغوى فى شرح السنة (13/86) ، وصححه الشيخ الألبانى فى الصحيحة (937) وفى صحيح ابن ماجه برقم (41) )
فهرس الأمثال
م ... المثل ... الصفحة
1 ... القتل أنفى للقتل ... 121
2 ... قيمة كل امرئ ما يحسنه . ... 122/
139
3 ... لا يطاع لقصير أمر . ... 177
4 ... لكل مقام مقال . ... 128/
391(1/1)
فهرس الأشعار
فهرس الأشعار
م ... البيت ... قائله ... الصفحة
1 ... لا تسْقِنِى مَاءَ المُلاَم فَإنَّنِى ... أبو تمام ... 204/
صَبٌّ قَد اسْتَعْذَبْتُ مَاءَ بُكَائِى ... 209
2 ... خاَطَ لِى عَمْروٌ قِبَاءً ... ... بشار ... 299
لَيْتَ عَيْنَيْهِ سَوَاءُ
3 ... وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنّ سُيُوفَهُمْ ... ... ... النابغة الذبيانى ... 262
بِهِنّ فُلُولٌ مِن قِراعِ الْكَتَائِبِ
4 ... ما بَالُ عَيْنُكَ منْها الماءُ يَنْسَكبُ ... ... ... ذو الرّمة ... 294
كَأَنَّهُ مِن كِلى مَفّرية سَرِبُ
5 ... مُبَارَكُ الاسْمِ أغَرُّ اللّقَبْ ... ... ... المتنبى ... 53
كَرِيمُ الَجِرِشّى شَرِيفُ النَّسَبْ
6 ... يَمُدُّونَ مِنْ أَيْدٍ عَوَاصٍ عَوَاصِمَ ... ... ... أبو تمام ... 271/
تَطُولُ بِأَسْيَافٍ قَوَاضٍ قَوَاضِبِ ... 274
7 ... مَسَرَّةٌ فى قُلوبِ الطِّيبِ مَفْرِقُها ... ... المتنبى ... 201
وَحسْرَةٌ فى قُلوبِ البَيْض والْيَلَبِ
8 ... أَمْ هَلْ ظَعَائِن بِالْعَلياءِ رَافِعَة ... ... ... ... الكميت ... 254
وَإِنْ تَكَامَلَ فِيهَا الدِّلُ والشَّنَبُ
9 ... يَأْتَلِقُ التُّاجُ فَوْقَ مفْرَقِهِ ... ... ... ابن قيس الرقيات ... 396
عَلَى جَبِينٍ كَأَنَّهُ الذَّهَبُ
10 ... فَلاَ فَضْلَ فيها للشَّجاعَةِ وَالنَّدَى ... ... ... المتنبى ... 134
وَصَبْرُ الْفَتَى لَوْلاَ لِقاءُ شُعُوبِ
م ... البيت ... قائله ... الصفحة
11 ... تَرَعْرَعَ الْمَلِكُ الأْسْتَاذُ مُكْتَهِلاً ... ... ... المتنبى ... 134
قَبْلَ اكْتِهالٍ أَدِيبًا قَبْلَ تَأْدِيب
12 ... أَزُورُهُمْ وَسَوَادُ اللَّيْلِ يَشْفَعُ لِى ... ... المتنبى ... 252
وَأَنْثَنِى وَبَيَاضُ الصُّبْحِ يُغْرِى بى
13 ... أَلاَ من لقبٍ عَارِمِ النَّظَرَاتِ ... ... ... الحطيئة ... 283
يُقطَّعُ طُولَ اللًّيْلِ بالزَّفَّزَاتِ
إِذَا مَا الُّثَريَّا آخر اللَّيْلِ أعتقتْ ... ... ... الحطيئة ... 283
كَوَاكِبُها كَالجَزْع مُنْحَدِرَاتِ
14 ... يَبِيتُ بِمَنْجَاةٍ مِنَ اللَّوْمِ بَيْتُهَا ... ... ... السنفرى ... 238
إِذَا مَا بُيُوتٌ بِالْمَلاَمَةِ حُلَّتِ
15 ... أعَاذِلُ عَاجِلُ مَا أَشْتَهِى ... ... ... عبيد الله الهذلى ... 124
أَحَبُّ مِنَ اْلأَكْثِرِ الرَّائِث(1/1)
16 ... إِنَّ الْمُرُوءَةَ وَالسَّمَاحَةَ وَالنَّدَى ... ... زياد الأعجم ... 238
فِى قُبَّةٍ ضُرِبَتْ عَلَى ابْنِ الْحَشْرَجِ
17 ... لَوْ لِمْ تَكُنْ رِيقَتُه خَمْرًا ... ... ... أبو الحسن التهامى ... 267
لَماَ تَثَنَّى عِطْفه وَهْو صَاحْ
18 ... وَبَدَا الصَّبَاحُ كأَنّ غُرَّتَهُ ... ... ... محمد بن وهب الحميرى ... 173/
وجْهُ الْخَلِيفَةِ حِين يُمْتَدَحُ ... 239
19 ... رَأَوْهُ فَازْدَرَوْهُ وَهْوَ خِرْقٌ ... ... ... نضلة السلمى ... 34
وَيَنْفَعُ أَهْلَهُ الرَّجُلُ الْقَبِيحُ
م ... البيت ... قائله ... الصفحة
فَلَمْ يَخْشَوْا مَصَالَتَهُ عَلَيْهِم ... ... ... نضلة السلمى ... 34
وَتَحْتَ الرَّغْوَةِ اللَّبَنُ الْفَصِيحُ
20 ... جذبتُ نَدَاهُ غدوةَ السّبْتِ جَذْبَةً ... ... ... أبو تمام ... 134
فَخَرَّ صَرِيعًا بَيْنَ أَيْدى الْقَصَائِدِ
21 ... كريمٌ متى أمْدحُهُ ، أمْدحُهُ والوَرَى ... ... ... أبو تمام ... 66
مَعِى وَمَتى لُمْته ، لُمْته وَحْدِى
22 ... وَأَسْبَلَتْ لُؤْلُؤًا مِنْ نَرْجِسٍ فَسَقَتْ ... ... ... الوأواء الدمشقى ... 161/
وَرْدًا وَعَضَّتْ عَلَى الْعُنَّابِ بِالْبَرَدِ ... 340
23 ... لَعَمْرِى لَقَدْ حَرَّرْتَ يَوْم لَقِيتَهُ ... ... ... ... أبو تمام ... 251
لَوْ أنّ الْقَضَاءَ وَحْدَهُ لَمْ يُبَرِّدِ
24 ... فإن تكتُموا الدَّاءَ لا نُخْفه ... ... ... امروء القيس ... 80
وإن تقصدوا الذَّم لا نقصدِ
25 ... فَيا أَيُّها الْحَيْرَانُ فِى ظُلَمِ الدُّجَى ... ... 293
وَمَنْ خَافَ أَنْ تَلْقَاهُ بَغْىٌ مِنَ الْعِدَى
تَعَالَ إِليْهِ تَلْقَ مِنْ نَورِ وَجْهِهِ ... ... 293
ضِيَاءً وَمِنْ كَفَّيْهِ بَحْراً مِنَ النَّدَى
26 ... كَأَنّ يَدَ الْفَتْحِ بْنِ خَاقَان أَرْفَلَتْ ... ... ... البحترى ... 295
تَلِيَها بِتِلْك الْبَارِقَاتِ الرَّواَعِدِ
27 ... فَأَوْجَرْتُهُ أخْرى فَأَضْلَلْتُ نَصْلَهُ ... ... ... البحترى ... 231
بِحَيْثُ يكونُ اللُّبُّ وَالرُّعْبُ وَالْحِقْدُ
28 ... وَالْعَيْشُ خَيْرٌ فِى ظِلاَل ... ... ... الحارث بن حلّزة ... 125
النُّوكِ مِمَّنْ عَاشَ كَدَّا
29 ... نَهَبْتَ مِنَ الأَعْمَارِ مَا لَوْ حَوَيْتَهُ ... ... ... المتنبى ... 299(1/2)
لَهُنِّئَتِ الدُّنْيَا بِأَنَّكَ خَالِدُ
م ... البيت ... قائله ... الصفحة
30 ... وَإِذا أرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ ... ... ... أبو تمام ... 166
طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهاَ لِسَانَ حَسُود
لَوْلاَ اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ ... ... ... أبو تمام ... 166
مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبَ عُرْفِ الْعُود
31 ... طَلَلُ الْجَمِيعِ لَقَدْ عَفَوْتَ حَمِيدًا ... ... ... أبو تمام ... 100
وَكَفَى عَلَى رُزْئِى بِذَاكَ شَهِيدًا
32 ... المثَلُ السّائُر يا سَيّدى ... ... ... موفق الدين ... 393
صَنّفْت فيه الفُلكَ الدائَر
لكنّ هَذا فلكُُ دائرٌ ... ... ... موفق الدين ... 393
أَصْبَحْتَ فيه الَمثلَ السائَرا
33 ... لَعَنَ الإِلَهُ بَنِى كُلَيْبٍ إِنَّهُمْ ... ... ... الفرزدق ... 252
لاَ يَغْدِرُونَ وَلاَ يُفُون لِجَارِ
يَسْتَيْقِظُونَ إِلى نَهِيقِ حِمارِهمْ ... ... ... الفرزدق ... 252
وَتنامُ أعيُنُهمْ عن الأَوْتَارِ
34 ... حَامِى الْحقِيقية مَحمودُ الخَلِيقَة مهـ ... ... ... الخنساء ... 283
دىُّ الطَّريقة نفّاعُ وَضَرَّارُ
35 ... حَتَّى إِذَا بَهَر الأَبَاطِح والرُّبا ... ... ... أبو نصر بن نباته ... 196
نَظَرَتْ إِلَيْكَ بِأَعْيُنِ النّوّارِ
36 ... وَقَبْرُ حَرْبٍ بمَكَانٍ قَفْرٍ ... ... ... ... نسبوه لبعض الجن ... 65
وَلَيْسَ قُرْبَ قَبْر حَرْبٍ قَبْر
م ... البيت ... قائله ... الصفحة
37 ... مِنَ الْقَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لَوْدَبَّ مُحْوِلٌ ... ... ... امروء القيس ... 264
مِنَ الذَرِّ فَوْقَ الإِتْبِ مِنْهاَ لأَثَّرَ
38 ... إِذَا مَا نَهىَ النَّاهِى فَلَجَّ بِىَ الْهَوَى ... ... البحترى ... 91/
أَصَاخَتْ إِلَى الْوَاشِى فَلَجَّ بِهَا الْهَجْرُ ... 298
39 ... فَقَالَ فَرِيقُ الْقَوْمِ : لاَ ، وَفَرِيقُهُمْ : ... ... ... نصيب ... 291
نَعَمْ ، وَفَرِيقٌ قَالَ وَيْحَكَ مَانَدْرِى
40 ... سفرْنَ بُدُورًا وانْتَقَبْنَ أَهِلّةً ... ... ... أبو القاسم الزاهى ... 160
ومِسْنَ غُصونًا والْتَفَتْن جَآَذِرَا
41 ... عَجِبْتُ لَهُم إِذْ يَقُتُلونَ نُفوسَهُمْ ... ... ... ... عروة بن الورد ... 125
وَمَقْتَلُهُمُ عِنْدَ الْوغَىَ كَانَ أَعَذَرَا(1/3)
42 ... لَوِ اخْتصرْتُمْ مِنَ الإِحْسَانِ زُرْتُكُمُ ... ... ... أبو تمام ... 301
وَالْعَذْبُ يهجرُ للإِفْراَطِ فِى الخصر
43 ... تَرَدَّى ثِيَابَ الْمَوْتِ حُمْراً فَمَا أَتَى ... ... أبو العلاء المعرى ... 253
لَهاَ اللَّيْلُ إِلاَّ وَهْىَ مِنْ سُنْدُسٍ خُضْرُ
44 ... وَ الْحُسْنَ يَظْهَرُ فِى شَيْئَيْنِ رَوْنقُهُ ... ... أبو العلاء بن سليمان ... 271
بَيْتٌ مِنَ الشِّعْرِ أَوْ بَيْتٌ مِنَ الشَّعْرِ
45 ... أَرِيقُكَ أَمْ مَاءُالْغَمَامَةِ أَمْ خَمْرُ ... ... ... المتنبى ... 300
بِفِىَّ بُرُودٌ وَهْوَ فِى كَبِدِى جَمْرٌ
46 ... وَتَرْكَبُ خَيْلٌ لاَ هَوَادَةَ بَيْنَهَا ... خداش بن زهير ... 68
وَتَشْقَى الرِّمَاحُ بِالضَّياَطِرَةَ الَحُمْر
م ... البيت ... قائله ... الصفحة
47 ... ومقيمًا على المعرّة تَطْوِيه ... ابن سنان ... 13
اللَّيَالى وَذِكْرُه مَنْشُورُ
48 ... وَمَازَالَ مَعْقُولاً عِقَالٌ عَنِ النَّدَى ... ... جرير بن عطية ... 269
وَمَازَالَ مَحْبُوساً عَنِ الْخَيرِ حَابسُ
49 ... لَقَدْ طَمَحَ الطَّمَّاحُ مِنْ بُعْدِ أَرْضِهِ ... ... ... امرؤ القيس ... 269
لِيُلْبِسَنِى مِنْ دَائِه مَا تَلَبَّسَا
50 ... وَأَقْطَعُ الْهَوْجَلَ مُسْتَأْنِساً ... ... ... الأفوه الأودى ... 270
بِهَوْجَلٍ عَيْرَانَةٍ عَنْتَرِ يسْ
51 ... مَوَدّةٌ ذَهَبٌ أثْمَارُهَا شِبَهٌ ... ... ... ... أبو تمام ... 79
وَهِمَّةٌ جَوْهرٌ مَعْرُوفُهَا عَرَضُ
52 ... قَالَتْ وَلَمْ تَقْصِد لِقيلِ الخنى ... ... أبو قيس ... 35
مَهْلاَ ! فَقَدْ أَبْلَغْتَ أَسْمَاعِى ... بن الأسلت السلمى
53 ... فَإِنّكَ كَاللّيلِ الَّذِى هُوَ مُدْرِكِى ... ... ... النابغة الذبيانى ... 157/168
وَإِنْ خِلْتُ أنَّ الْمُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ ... 323
54 ... وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... ... أبو ذؤيب الهذلى ... 201/
أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لاَ تَنْفَعُ ... 211
55 ... مَطَايَا مَطَايَا وَ جَدَكُنّ مَنَازِلُ ... ... ... أبو العلاء المعرى ... 272
مَنَى زلّ عَنْها لَيْس بمقلع
56 ... أبكيكِ لو نَهضَتْ بحبُّكِ أَدْمُع ... ابن سنان ... 13
وَأَقُولُ لَوْ أَنّ النَّوائِبَ تَسْمَعُ(1/4)
57 ... كَأَنَّ ابْيضَاضَ الْبَدْرِ مِنْ تَحتِ غَيْمَةٍ ... ... ... العلوى الأصفهانى ... 182/
نجاةٌ مِنَ الْبَأْسَاءِ بَعْدَ وُقُوعِ ... 407
م ... البيت ... قائله ... الصفحة
58 ... قَلْبِىوطَرْفِى مِنْكَ هَذَا فِى حِمَى ... ... الشريف الرضى ... 365
قَيْظٍ وَهَذَا فِى رِيَاضِ رَبِيعِ
59 ... إِذَا لَمْ تسْتَطِعْ شَيْئَا فَدَعْهُ ... ... ... غمرو بن معد يكرب ... 290
وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعْ
60 ... هَلْ لِماَ فَاتَ مِنْ تَلاَقٍ تَلاَفِ ... ... ... 271
أوْ لِشَاكٍ مِنَ الصَّبَابَةِ شَافِ
61 ... لَيْثٌ بِعَثَّرَ يَصْطَادُ الرِّجالَ إذاَ ... ... ... ... زهير بن أبى سلمى ... 251
ما اللّيَثُ كَذَّبَ عن أَقْرانِهِ صَدَقَا
62 ... وَعَذَلْتُ أَهْلَ الْعِشْق حَتّى ذُقْتهُ ... ... ... المتنبى ... 101
فَعَجِبْتُ كَيفَ يَمُوتُ مَن لاَ يَعْشَقُ
63 ... فَلَوْ أنّى شَهَدتُ أبا سُعَاد ... ... ... عورة بن الورد ... 80
غَدَاةَ غَدا لمُهْجَتِهِ يَفُوقُ
64 ... فَدَيتُ بِنَفْسِهِ نَفْسِى وَمَالِى ... ... عورة بن الورد ... 80
وَمَا آلوكَ إِلاَّ ما أَطِيقُ
65 ... لاَ تَعْجَبِىَ يَا سَلْمُ مِنْ رَجُلٍ ... ... ... دعبل الخزاعى ... 255
ضَحِكَ الْمَشِيبُ بِرَأْسِهِ فَبَكَى
66 ... أَلَمْ تَكُ فِى يُمْنَى يَدَيْكَ جَعَلْتَنى ... ... ... الرماح بن ميادة ... 165
فَلا تَجْعَلَنِّى بَعْدَها فِى شِمالِكَا
67 ... كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْباَ وَيَابِساً ... ... ... امرؤ القيس ... 157/
لَدَى وَكْرِهَا الْعُنَّابُ والْحَشفُ الْبَالىِ ... 168
68 ... فَصِرْنَا إِلَى الْحُسْنَى وَدَقَّ كَلاَمُنَا ... امرؤ القيس ... 226
وَرُضْتُ فَذُلَّتْ صعبة أىّ إِذْلال
م ... البيت ... قائله ... الصفحة
69 ... فَلأَذْرِبِيجَانَ اختيالٌ بَعْدَمَا ... ... أبو تمام ... 54/
... كَانت معرّسُ عبرةٍ ونَكاَلُ ... 56
70 ... مَهَا الْوَحْشِ إِلاَّ أَنَّ هَاتَا أَوَانِسُ ... ... ... أبو تمام ... 397
قَنَا الْخطِّ إِلاَّ أَنَّ تِلْكَ ذَوَابِلُ
71 ... وَجَعَلْتُ كُورِى فَوْقَ نَاجِيَةٍ ... ... ... طفيل الغنوى ... 195
يَقْتَاتُ شَحْمَ سَنَامِهَا الرَّحْلُ
72 ... جَزَى اللَّهُ خَيْراً ذَاتَ بَعْلٍ تَصَدَّقَتْ ... ... ... 255(1/5)
عَلَى عَزَبٍ حَتّى يَكُونَ لَهُ أَهْلُ
فَإِنَّا سَنَجْزِيهَا بِمِثْلِ فِعَالِهَا ... ... ... 255
إِذَا مَا تَزَوَّجْنَا وَلَيْسَ لَهَا بَعْلُ
73 ... فَقُلْتُ لَهُ لمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ ... ... ... امروء القيس ... 162/197
وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ ... 210/398
74 ... وَلَمّا رَأَيْتُ الدَّهْرَ يَقْلِبُ ظَهْرَهُ ... ... الكميت بن زيد ... 202
عَلى بَطْنِه فِعْلُ الْمُمَعَّكِ بِالرَّمْلِ
75 ... قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ ... ... ... امروء القيس ... 293
بِسِقْطِ اللّوى بَيْن الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
76 ... تَدّعِى مَا ادَّعَيْتُ مِنْ أَلَمِ الشَّوْقِ ... المتنبى ... 226
إِلَيْها والشَّوْقُ حَيْثُ النُّحولُ
77 ... بِسَاهِمِ الْوَجْهِ لَمْ تُقْطَعْ أَبَاجِلُه ... ... ... طفيل الغنوى ... 252
يُصانُ وَهْوَ لِيَوْم الرَّوْعِ مَبْذُولُ
78 ... وَنُنْكِرُ إِنْ شِئْنَا عَلَى النَّاسِ قَوْلَهُمْ ... ... ... المسوأل ... 254
وَلاَ يُنْكِرُونَ الْقَوْلَ حِينَ نَقُولُ
م ... البيت ... قائله ... الصفحة
79 ... جَفَخْتُ وَهُمْ لاَ يَجْفَخُونَ بِهَابِهِمُ ... ... ... المتنبى ... 99
شِيَمٌ عَلَى الْحَسَبِ الأَغرِّ دَلِيلُ
80 ... سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الْحَيَاةِ وِمِنْ يَعِشْ ... ... ... زهير ... 289
ثَمَانِينَ حَوْلاً ـ لا أَبَا لَكَ ـ يَسْأَمِ
81 ... وَنُبِّئْتُهُمْ يَسْتَنْصِرُونَ بِكَاهِلٍ ... ... ... زياد الأعجم ... 270
وَلِلُّؤْمِ فِيهم كَاهِلٌ وَسَنَامُ
82 ... كانَتْ فَرِيضةَ مَا تَقولُ كَمَا ... ... ... النابغة الجعدى ... 100
كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيضَةُ الرَّجْمِ
83 ... أَبْكِيكُمَا دَمْعاً وَلَوْ أَنّى عَلَى ... ... ... البحترى ... 290
قَدْرِ الْجَوَى أبِكى بَكَيْتُكُمَا دَمَا
84 ... لَقَدْ جِئْتَ قَوْماً لَوْ لَجَأْتَ إِلَيْهِمُ ... ... ... الفرزدق ... 292
طَرِيدَ دَمٍ أَوْ حَامِلاً ثِقَلَ مَغْرَمِ
85 ... أتَى الزَّمَانَ بَنُوهُ فِى شَبِيبَتِهِ ... ... ... المتنبى ... 136
فَسَرَّهمُ وَأَتَيْنَاهُ عَلى الْهِرَمِ
86 ... إِذَا كانَ ما تَنْوِيهِ فِعْلاً مُضَارِعًا ... ... ... المتنبى ... 80(1/6)
مَضَى قبْل أنْ تُلقَى عَلَيْهِ الجَوَازِمُ
87 ... بَعيدَةُ مَهْوى الْقُرْط إمّا لنَوْفل ... ... ... عمر بن أبى ربيعة ... 230
أَبُوها وإمّا عبدُ شمسٍ وهاشمْ
88 ... أَخْرَجْتُمُوهُ بِكُرْهٍ مِنْ سَجِيَّتِهِ ... ... أبو تمام ... 166
وَالنَّارُ قَدْ تُنْتَضَى مِنْ نَاضِرِ السَّلَمِ
89 ... قَرَّتْ بِقُرَان عَيْنُ الدِّينِ وَانْشَتَرتْ ... ... أبو تمام ... 196/ 273
بِاْلأَشْتَرَيْنِ عُيُونُ الشِّرْكِ فَاصْطُلِمَا
م ... البيت ... قائله ... الصفحة
90 ... يُقَيَّضُ لى مِنْ حَيْثُ لا أَعْلَمُ النَّوَى ... ... البحترى ... 253
وَيَسْرِى إِلَىَّ الشَّوْقُ مِنْ حَيْثُ أَعْلَمُ
91 ... وَمَهْمَا يَكُنْ عَنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ ... ... ... زهير ... 136
وِإنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النّاسِ تعْلَم
92 ... أَتَاكَ الرَّبِيعُ الطَّلْقُ يَخْتَالُ ضَاحِكاً ... ... ... البحترى ... 262
مِنَ الْحُسْنِ حَتّى كَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَا
93 ... إِذَا أَيْقَظَتْكَ حُرُوبُ الْعِدَا ... بشار بن برد ... 251
فَنَبِّهْ لَهاَ عَمْراً ثُمَّ نَمْ
94 ... فَسَقَى دَيارك ـ غَيْرَ مُفَسِدَها ـ ... ... ... طرفه بن العبد ... 113
صَوبُ الرَّبيعِ وَدِيِمَةٌ تهْمى
95 ... مَوَدَّتَهُ تَدُومُ لَكُلّ هَوْلٍ ... ... ... ... القاضى الأرّجانى ... 296
وَهَلْ كُلُّ مَوَدَّتُهُ تَدُومُ
96 ... لأَلْفَيْتَ فِيهِمْ مُعْطِياً وَمُطَاعِناً ... ... ... الفرزدق ... 292
وَرَاءَكَ شَزْراً بِالْوَشِيحِ الْمُقَوَّمِ
97 ... وبِالشَّهْبَاءِ مِنْ حَزْنِ بن عَمْرو ... ابن سنان ... 13
بُيوت مَا رُفِعنَ على لئيمِ
98 ... ضَلالُك مانسبتَ إلى (سنان) ... ابن سنان ... 11
وضربتْ خؤلكَ فى تميمِ
99 ... أُعَلِّمه الرِّمَايَةَ كُلّ يَوْمٍ ... ... ... معد بن أوس ... 217
فَلَمَّا اشتَدَّ سَاعِدُهُ رَمَانِى
وَكَمْ عَلَّمْتُهُ نَظْمَ الْقَوَافِى ... ... ... معد بن أوس ... 217
فَلَمَّا قَالَ قَافِيَةً هَجَانِى
م ... البيت ... قائله ... الصفحة
100 ... سُكْرَانِ : سُكْرُ هَوًى وَسُكْرُ مُدَامَةٍ ... ... ... الخليع الدمشقى ... 300
أَنّى يُفِيقُ بِهِ سُكْرَانِ(1/7)
101 ... الضَّارِبينَ بِكُلِّ أبْيضَ مخْذمِ ... ... ... عمرو بن معد يكرب ... 231
والَطّاعِنين مَجامِع الأْضَغْانِ
102 ... سَبْقتُ وما بَلَغْتُ عشراً كواملاً ... ابن سنان ... 12
فكيف وقد جَاوَزْتُها بِثَمَان
103 ... عَلَى هَيْكَلٍ يُعْطِيكَ قَبلَ سُؤالِه ... ... ... امروء القيس ... 122
أفَانِين جَرْىٍ غَير كزٍّ ولاَ وَان
104 ... كَفَى بِجِسْمِى نُحولاً أَنَّنِى رَجُلٌ ... ... ... المتنبى ... 263
لَوْلاَ مُخَاطَبَتِى إِيَّاكَ لَمْ تَرَنى
105 ... كُلّكُمْ قَدْ أَخَذَ الْجَآمَ ... ... وَلاَ جَامَ لَناَ ... أبو الفتح البستى ... 272
ما الذى ضَرَّ مُديرَ الجَامِ ... ... لَوْ جَامَلَنَا ... 272
106 ... إذَا مَا رَايَةُ رُفِعَت لِمَجْد ... ... ... الشماخ بن ضرار ... 126
تَلَقّاَهَا عرابَة بالْيَمِين
107 ... تَجمّعتْ فى فُؤادِه هِمَمٌ ... ... المتنبى ... 202
مِلْء فؤادِ الزَّمانِ إِحداهَا
108 ... إِذَا مَا المُكْرِماَتُ رفعْنَ يَوْمَا ... ... ... بشر بن أبى خازم ... 126
وَقصّرَ مُبْتَغُوهَا عَن مَدَاهَا
وَضَاقَتْ أَذْرُع المثْرِينَ عَنْها ... ... بشر بن أبى خازم ... 126
سَمَا أَوْسُ إِلَيْهاَ فَاحْتَوَاهَا
109 ... وما مِثْلُه فى النَّاسِ إلاَ مُمَلّكَاً ... ... ... ... الفرزدق ... 97
أَبُو أُمِّهِ حَىٌّ أَبوهُ يُقَارِبُه
م ... البيت ... قائله ... الصفحة
110 ... وَلَمْ يَكُنِ الْمُغْترُّ بِاللّهِ إِذْ شَرَى ... ... ... البحترى ... 272
ليعْجزَ والُمعْتَزّ باللّهِ طالِبُه
111 ... سِرْبٌ محَاسِنُهُ حرمَتْ ذَوَاتِها ... المتنبى ... 54
دَانى الضِّفاتِ بَعِيد مَوْصُوفَاتِهَا
112 ... إِنّى عَلَى شَغَفِى بِمَا فِى خُمرها ... ... ... المتنبى ... 227
لأعِفُّ عَمّا فِى سَرَاوِيلاتِهَا
113 ... إنّ الكريمَ بلا كرامٍ منهُمُ ... ... ... المتنبى ... 54
مثل القلوبِ بلا سُوَيْداوَاتِهَا
114 ... أَوَدُّ مِنَ الأَيَّامِ مَا لاَ تَوَدُّه ... المتنبى ... 53
وَأَشْكُو إِلَيْهَا بَيْنَنَا وَهْىَ جُنْدُه
115 ... إِذَا احتربتْ يَوْمًا فَفَاضَتْ دِمَاؤُهَا ... ... ... البحترى ... 91
تَذَكَّرَتِ الْقُرْبَى فَفَاضَتْ دُمُوعُها(1/8)
116 ... صَحَا الْقَلْبُ عَنْ سَلْمَى وَأَقْصَرَ بَاطِلُهْ ... ... زهير بن أبى سلمى ... 201
وَعُرِّى أَفْرَاسُ الصّبا وَرَوَاحِلُهْ
117 ... وفَاؤُكُما كالرَّبْعِ أَشْجَاهُ طَاسِمُهِ ... ... ... المتنبى ... 99
بَأَنْ تَسْعَدَا والدَّمْعُ أَشفاهُ سَاجِمُهْ
118 ... صَارَتْ حَنِيفَةُ أَثْلاَثاً فَثُلْثهُمُ ... ... ... جرير بن حنيفة ... 292
مِنَ الْعَبِيدِ وَثُلُثٌ مِنْ مَوَالِيهَا
م ... البيت ... قائله ... الصفحة
119 ... وقوراً إذا طرقتنى الخطوب ... ابن سنان ... 11
وحلّ من الخوفِ عقدُ النّهى
بِعِشْرينَ أَنْفَقْتُها فى الصدورِ ... ابن سنان ... 11
وجُدْتَ بها فى زمانِ النَّوى
120 ... أَشَابَ الصَّغِيرَ وَأَفْنَى الْكبِيرَ ... ... ... المتنبى ... 221
كَرُ الْغَدَاةِ وَمرُّ الْعَشِىِّ
121 ... فَتىً كَملَتْ أَخْلاَقُه غَيْرَ أَنَّهُ ... ... ... النابغة الجعدى ... 262
جَواَدٌ فَماَ يبْقى مِنَ الْمَالِ بَاقِيَا
122 ... وَمحتَقِرُ الدُّنْيَا احتقارَ مجرّبٍ ... ... ... المتنبى ... 134
يَرَى كُل ما فيهَا ـ وَحَاشَاكَ ـ فَانِيَا(1/9)
فهرس المراجع
فهرس المراجع
م ... المراجع
1ـ أبو هلال العسكرى ومقاييسه البلاغية والنقدية ـ د/ بدوى طبانة ـ ط3 ـ دار الثقافة .
2ـ اتجاهات النقد الأدبى فى القرن الخامس الهجرى ـ د/ منصور عبد الرحمن ـ مكتبة الأنجلو المصرية.
3ـ الإتقان فى علوم القرآن ـ جلال الدين السيوطى الشافعى ـ دار الفكر .
4ـ أثر القرآن فى تطور النقد العربى ـ د/ محمد زغلول سلام ـ دار المعارف.
5ـ أثر النحاة فى البحث البلاغى ـ د/ عبد القادر حسين ـ نهضة مصر .
6ـ ابن الأثير وجهوده فى النقد والبلاغة ـ د/ محمد زغلول سلام .
7ـ أحمد حسن الزيات بين البلاغة والنقد ـ أ.د/ محمد رجب البيومى ـ ط التركى ـ طنطا .
8ـ إحياء علوم الدين ـ الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالى ـ ط3 ـ دار القلم ـ بيروت .
9ـ أدب الكاتب ـ تأليف / أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ـ شرح أ/ على فاعور ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت لبنان ـ ط 1.
10ـ أدعياء التجديد ـ مبددون لا مجددون ـ د/ على محمد حسن العمارى ـ مكتبة وهبه ـ ط1 ـ 1414 هـ . ...
11ـ أساس البلاغة ـ جار الله الزمخشرى ـ ط1 ـ ط الشعب .
12ـ أساليب البيان والصورة القرآنية ـ دراسة تحليلية لعلم البيان ـ أ.د/ محمد إبراهيم عبد العزيز شادى ـ دار والى الإسلامية ـ ط1 . ...
13ـ الاستعارة ـ نشأتها وتطورها ـ د/ محمود السيد شيخون ـ دار الهداية ـ طبعة 2. ...
14ـ أسرار البلاغة ـ الإمام عبد القاهر الجرجانى ـ ت أ/ أحمد المراغى ـ ط الاستقامة . ...
15ـ أسرار البلاغة ـ الإمام عبد القاهر ـ ت/ هـ. رُيتر ـ ط3 . ...
16ـ أسرار البلاغة ـ الإمام عبد القاهر ـ ت/ د/ محمد عبد المنعم خفاجى . ...
17ـ أسرار التقديم والتأخير فى لغة القرآن الكريم ـ د/ محمود السيد شيخون ـ دار الهداية . ...
18ـ أسس النقد الأدبى عند العرب ـد/ أحمد أحمد بدوى ـ نهضة مصر .
19ـ الأسلوب الكنائى نشأته ـ تطوره ـ بلاغته ـ د/ محمود السيد شيخون ـ دار الهداية ـ ط2. ...(1/1)
20ـ الإشارات والتنبيهات فى علم البلاغة ـ محمد بن على بن محمد الجرجانى ـ ت/ د/عبد القادر حسين ـ مكتبة الآداب . ...
21ـ الإشارة إلى الإيجاز فى بعض أنواع المجاز ـ للإمام العلامة أبى محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام الشافعى .دار الحديث ـ القاهرة. ...
22ـ ابن أبى الإصبع المصرى بين علماء البلاغة ـ د/ حفنى محمد شرف ـ مكتبة نهضة مصر بالفجالة ـ ط1 دار الكتب ــــــــــــــ
23ـ أصول البلاغة ـ لميثم البحرانى ـ ت/ د/ عبد القادر حسين ـ دار الثقافة ـ قطر . ...
24ـ الإعجاز البلاغى ـ دراسة تحليلية لتراث أهل العلم ـ أ.د/ محمد محمد أبو موسى ـ مكتبة وهبة ـ ط1.
25ـ اعجاز القرآن منذ البعثة النبوية حتى عصرنا الحاضر ـ نعيم الحمصى ...
26ـ إعجاز القرآن البيانى بين النظرية والتطبيق ـ د/ حفنى محمد شرف . ...
27ـ إعجاز القرآن ـ الباقلانى ـ ت/ السيد صقر ـ ط/ دار المعارف . ...
28ـ إعجاز القرآن بين الأشاعرة والمعتزلة ـ د/ منير سلطان. . ...
29ـ إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ـ تأليف أ/ مصطفى صادق الرافعى ـ ت/ عبد الله المنشاوى مكتبة الإيمان ـ ط1 . ...
30ـ الإعجاز القرآنى ـ وجوهه وأسراره ـ د/ عبد الغنى محمد سعد بركة ـ ط1 ـ مكتبة وهبة . ...
31ـ إعراب القرآن الكريم وبيانه ـ تأليف أ/ محى الدين الدرويش ـ اليمامة وابن كثير ـ ط6 . ...
32ـ الأعلام ـ لخير الدين الزركلى ـ دار العلم للملايين ـ بيروت ـ ط5 ـ 1980 .
33ـ أعلام فى العصر العباسى ـ د/ حسين الحاج حسن ـ ط1 ـ 1985 م. ...
34ـ الأغانى ـ لأبى الفرج الأصبهانى ـ هذبه : ابن واصل الحموى ـ شركة الإعلانات الشرقية . ...
35ـ الإقتباس من القرآن الكريم ـ لأبى منصور عبد الملك بن محمد الثعالبى ـ ت د/ ابتسام مرهون الصفار ، د/ مجاهد مصطفى بهجت ـ دار الوفاء ـ المنصورة ـ ط1 . ...
36ـ الأقصى القريب فى علم البيان ـ للتنوخى ـ ط/ السعادة ـ 1327 هـ . ...(1/2)
37ـ الإكسير فى علم التفسير ـ الطوفى سليمان عبد القوى بن عبد الكريم الصرصرى البغدادى ت/ د/ عبد القادر حسين ـ مكتبة الآداب . ...
38ـ أنوار البدرين فى تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين ـ الشيخ/ حسن البلادى البحرانى . ...
39ـ الإيضاح فى علوم البلاغة ـ الخطيب القزوينى ـ شرح د/ محمد عبد المنعم خفاجى دار الجيل ـ بيروت ـ ط3 . ...
40ـ الباقلانى وكتابه إعجاز القرآن ـ تأليف / عبد الرؤوف مخلوف . ...
41ـ البحث البلاغى والنقدى بين النشأة والمنهج ـ أ.د/ محمد إبراهيم شادى. ...
42ـ بحوث بلاغية ـ د/ أحمد مطلوب ـ مطبوعات المجمع العلمى ـ بغداد ـ 1417 هـ ـ 1996 م. ...
43ـ بحوث وآراء فى علوم البلاغة ـ للأستاذ المرحوم أحمد مصطفى المراغى . ...
44ـ البديع ـ لأبى العباس عبد الله بن المعتز ـ تقديم وشرح وتحقيق د/ محمد عبد المنعم خفاجى ـ دار الجيل ـ ط1 . ...
45ـ البديع ـ لأبى العباس عبد الله بن المعتز ـ اعتنى بنشره وتعليق المقدمة والفهارس/ أغناطيوس كراتشقوفسكى ـ دار المسيرة بيروت ـ ط3 . ...
46ـ البديع فى نقد الشعر ـ لأسامة بن منقذ ـ ت د/ أحمد أحمد بدوى ، د/ حامد عبد المجيد ومراجعة أ/ إبراهيم مصطفى ـ الجمهورية العربية المتحدة ـ وزارة الثقافة والإرشاد القومى ـ الإقليم الجنوبى ـ الإدارة العامة للثقافة ـ مطبعة مصطفى البابى الحلبى . ...
47ـ بديع القرآن ـ ابن أبى الإصبع المصرى ـ ط مصر 1957 م. ...
48ـ البرهان فى علوم القرآن ـ للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشى ـ ت/محمد أبو الفضل إبراهيم ـ مكتبة دار التراث. ...
49ـ بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح فى علوم البلاغة ـ ت/ الشيخ / عبد المتعال الصعيدى ـ مكتبة الآداب. ...
50ـ بغية الوعاة ـ جلال الدين السيوطى الشافعى ـ مطبعة عيسى البابى الحلبى ـ ط1 1384 هـ. ...
51ـ البلاغة بين عهدين ـ فى ظلال الذوق الأدبى وتحت سلطان العلم النظرى د/ محمد نايل أحمد ـ دار الفكر العربى سنة 1994 م. ...(1/3)
52ـ البلاغة التطبيقية دعامة النقد الأدبى السليم . د/ أحمد موسى ـ مطبعة المعرفة . ...
53ـ البلاغة تطور وتاريخ ـ د/ شوقى ضيف ـ دار المعارف ـ ط8 . ...
54ـ البلاغة الصوتية فى القرآن الكريم ـ أ.د/ محمد إبراهيم عبد العزيز شادى ـ الرسالة ـ ط1 سنة 1409 هـ ـ 1988 م. ...
55ـ البلاغة العربية ـ د/ رجاء عيد . ...
56ـ البلاغة العربية بين الناقدين الخالدين ـ عبد القاهر الجرجانى وابن سنان الخفاجى د/عبد العاطى غريب علام ـ دار الجيل ـ بيروت ـ ط1 . ...
57ـ البلاغة العربية ـ قراءة أخرى ـ د/ محمد عبد المطلب ـ الشركة المصرية العالمية للنشر ـ لونجمان . ...
58ـ البلاغة عند السكاكى ـ د/ أحمد مطلوب ـ ط بغداد ...
59ـ البلاغة فنونها وأفنانها ـ علم البيان والبديع .د/ فضل حسن عباس دار الفرقان للنشر والتوزيع ط3 . ...
60ـ البلاغة القرآنية فى تفسير الزمخشرى ، وأثرها فى الدراسات البلاغية ـ أد/ محمد محمد أبو موسى ـ مكتبة وهبة ـ ط2 . ...
61ـ بنو خفاجة وتاريخهم السياسى ـد/ محمد عبد المنعم خفاجى ـ سنة 1949م. ...
62ـ بيان إعجاز القرآن ـ ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ـ لأبى سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابى ـ ت/ محمد خلف الله و د/ محمد زغلول سلام ـ ط 3 ـ دار المعارف . ...
63ـ بيان التشبيه ـ دراسة تاريخية فنية ـد/ عبد الحميد العيسوى ـ ط1 ـ 1408 هـ ـ 1987م. ...
64ـ البيان العربى ـ دراسة فى تطور الفكرة البلاغية عند العرب ومناهجها ومصادرها الكبرى ـ تأليف د/ بدوى طبانة ـ دار المنارة ـ جدة ـ دار الرّفاعى الرياضى . ط 7 . ...
65ـ البيان القرآنى ـ أ.د/ محمد رجب البيومى . ...
66ـ البيان والتبيين ـ لأبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ـ ت وشرح أ/ عبد السلام هارون ـ ط4 سنة 1395 هـ ـ مكتبة الخانجى . ...
67ـ تاريخ آداب اللغة العربية ـ جورجى زيدان ـ تعليق د/ شوقى ضيف ـ دار الهلال . ...(1/4)
68ـ تاريخ الأدب العربى ـ كارل بروكلمان ـ نقله إلى العربية : د/ عبد الحليم النجار دار المعارف ـ ط 5 . ...
69ـ تاريخ آداب العرب ـ تأليف أ/ مصطفى صادق الرافعى . راجعه وضبطه / عبد الله المنشاوى ـ مهدى البحقيرى ـ مكتبة الإيمان ـ ط1. ...
70ـ تاريخ بغداد ـ للخطيب البغدادى ـ ط السعادة . ...
71ـ تاريخ الخلفاء وأمراء المؤمنين والقائمين بأمر الله ـلجلال الدين السيوطى ـ مكتبة الثقافة الدينية . ...
72ـ تاريخ علوم البلاغة والتعريف برجالها ـ تأليف / أحمد مصطفى المراغى ـ ط1 ـ مطبعة مصطفى البابى الحلبى . ...
73ـ تاريخ النقد العربى عند العرب ـ د/ إحسان عباس ـ دار الثقافة ـ بيروت ـ ط4. ...
74ـ تاريخ النقد الأدبى من القرن الخامس إلى العاشر الهجرى د/ محمد زغلول سلام ـ ط دار المعارف . ...
75ـ تأويل مشكل القرآن ـ لأبى محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ـ ت/ السيد أحمد صقر ـ دار التراث ـ ط2 . ...
76ـ التبيان فى البيان ـ للإمام الطيبى ـ ت/ عبد الستار حسين زموط ـ دار الجيل بيروت ـ ط1 . ...
77ـ تحرير التحبير فى صناعة الشعر والنثر ـ لابن أبى الإصبع المصرى ـ ت/ د/ حفنى محمد شرف سنة 1995 م. ـ المجلس الأعلى للشئون الإسلامية . ...
78ـ التحرير والتنوير ـ للشيخ / محمد الطاهر ابن عاشور ـ دار سحنون للنشر والتوزيع تونس . ...
79ـ التشبيه البليغ ـ هل يرقى إلى درجة المجاز ؟ عرض ونقد ـ د/ عبد العظيم المطعنى ـ دار الأنصار ـ دار الرائد للطباعة . ...
80ـ التصوير البيانى ـ د/حفنى محمد شرف . ...
81ـ التصوير البيانى ـ دراسة تحليلية لمسائل البيان ـ د/ محمد أبو موسى ـ مكتبة وهبة ـ ط2 . ...
82ـ التصوير الفنى فى القرآن ـ أ/ سيد قطب . ...
83ـ تطور البحث البلاغى ـ أد/ محمد رجب البيومى ـ ط التركى . ...
84ـ التعريفات ـ على بن محمد بن على الجرجانى ـ ت/ إبراهيم الإبيارى ـ دار الريان للتراث . ...(1/5)
85ـ التفسير البيانى للقرآن الكريم ـ د/ عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ـ دار المعارف ـ ط5 . ...
86ـ تفسير القرآن العظيم ـ ابن كثير ـ دار الحديث ـ ط7 . ...
87ـ تفسير القرآن العظيم ـ ابن كثير ـ مكتبة حقانية باكستان . ...
88ـ الجامع الكبير ـ ابن الأثير ضياء الدين ـ بغداد سنة 1956م. ...
89ـ الجامع لأحكام القرآن ـ لأبى عبد الله بن محمد بن أحمد الأنصارى القرطبى مكتبة الغزالى ـ دمشق ـ مؤسسات مناهل العرفان ـ بيروت . ...
90ـ جمهرة أنساب العرب ـ ت/ عبد السلام هارون ـ دار المعارف . ...
91ـ جنى الجناس ـ جلال الدين السيوطى ـ ت د/ محمد على رزق الخفاجى ـ الدار الفنية للطباعة والنشر . ...
92ـ الجوهر المكنون ـ الأخضرى ـ عيسى البابى الحلبى. ...
93ـ حاشية الشهاب على تفسير البيضاوى ـ مطبعة بولاق . ...
94ـ حدائق السحر فى دقائق الشعر ـ رشيد الدين الوطواط ـ مصر سنة 1945م. ...
95ـ حسن التوسل إلى صناعة الترسل ـ تأليف /شهاب الدين الحلبى ـ ت/ أكرم عثمان ـ بغداد ـ 1980 م. ...
96ـ حول إعجاز القرآن الكريم ـ د/ على العمارى ـ هدية مجلة الأزهر ـ شوال 1419 هـ . ...
97ـ الحيوان ـ الجاحظ ـ ت أ/ عبد السلام محمد هارون ـ دار الجيل ـ بيروت . ...
98ـ خزانة الأدب وغاية الأرب ـ الشيخ / تقى الدين بن حجة الحموى ـ شرح/ عصام شعيتو ـ مكتبة الهلال ـ بيروت ـ ط1 . ...
99ـ الخصائص ـ لأبى الفتح عثمان بن جنى ـ ت/ محمد على النجار ـ المكتبة العلمية . ...
100ـ خصائص التراكيب ـ دراسة تحليلية لمسائل علم المعانى ـ د/ محمد أبو موسىـ مكتبة وهبه ـ ط3 . ...
101ـ الخصومات البلاغية والنقدية فى صنعة أبى تمام ـ د/ عبد الفتاح لاشين ـ دار المعارف . ...
102ـ الخفاجيون فى التاريخ ـ أ.د/ محمد عبد المنعم خفاجى ـ دار الطباعة المحمدية للأزهر . ...
103ـ دراسات بلاغية ونقدية د/ أحمد مطلوب ـ ط دار الحرية ـ بغداد ـ سنة 1400 هـ ـ 1980 م. ...(1/6)
104ـ دراسات جديدة فى إعجاز القرآن ـ مناهج تطبيقية فى " توظيف اللغة " ـ د/ عبد العظيم إبراهيم محمد المطعنى ـ مكتبة وهبة ـ ط1 سنة 1417 هـ. ...
105ـ دراسة فى البلاغة والشعر ـ أ.د/ محمد محمد أبو موسى ـ ط1 ـ مكتبة وهبة سنة 1411هـ. ...
106ـ دراسات فى فن البديع ـ أ.د/ عبد الغنى محمد سعد بركة ـ ط سنة 1983م. ...
107ـ دلائل الإعجاز ـ الإمام عبد القاهر الجرجانى ـ ت / السيد محمد رشيد رضا . دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان . ...
108ـ دلائل اإعجاز ـ الإمام عبد القاهر الجرجانى ـ ت/ د/ محمد عبد المنعم خفاجى طبعة مكتبة القاهرة . ...
109ـ دلائل الإعجاز ـ الإمام عبد القاهر ـ ت/ أ/ محمود شاكر ...
110ـ دلالة الألفاظ ـ د/ إبراهيم أنيس . ...
111ـ دلالات التراكيب ـ دراسة بلاغية ـ د/ محمود أبو موسى ـ مكتبة وهبة ـ ط2 .
112ـ ديوان امرئ القيس ـ ت/ محمد أبو الفضل إبراهيم ـ ط دار المعارف ـ ذخائر العرب ط3 سنة 1969م ...
113ـ ديوان أبى تمام ـ بشرح الخطيب التبريزى ـ ت/ محمد عبده عزام ـ دار المعارف ـ ذخائر العرب ـ ط 5 . ...
114ـ ديوان زهير ـ ط الهيئة العامة للكتاب . ...
115ـ ديوان ابن سنان الخفاجى ـ 510 أدب ـ تحت رقم (ز 11951). ...
116ـ ديوان أبى عبادة البحترى ـ شرح العكبرىـ لجنة التأليف . ...
117ـ ديوان المتنبى ـ المكتبة الثقافة ـ بيروت ـ لبنان . ...
118ـ ديوان المعانىـ لأبى هلال العسكرى ـ دار الأضواء ط1 ـ سنة 1410 هـ. ـ 1989 م. ...
119ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ـ أغابزرك الطهرانى ـ ط1 . ...
120ـ رؤية جديدة للإيجاز والإطناب ـ د/ عبد الغنى محمد سعد بركة ـ ط1 ـ سنة 1983 م. ...
121ـ رجال حول الرسول ـ خالد محمد خالد ـ دار الريان للتراث ـ دار ثابت ـ ط1 ـ 1404 هـ . ...
122ـ زبدة الحلب من تاريخ حلب ـ ابن العديم ـ دار الكتب (ح 32836) ...
123ـ زعماء الإسلام د/ حسن إبراهيم ـ الهيئة المصرية للكتاب . ...(1/7)
124ـ سر صناعة الإعراب ـ ابن جنى ـ ط د/ حسن هنداوى ـ ط2 ـ 1413 هـ ـ دار القلم . ...
125ـ سر الفصاحة ـ ابن سنان الخفاجى ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط1 . ...
126ـ سر الفصاحة ـ دراسة وتحليل ـ د/ عبد الرازق أبو زيد زايد . ...
127ـ سقط الزند ـ أبو العلاء المعرى . ...
128ـ السلسلة الصحيحة ـ الألبانى ـ مكتبة المعارف بالرياض .
129ـ ابن سناء الملك ومشكلة العقم والابتكار فى الشعر ـ ط ونشر مكتبة الأنجلو المصرية ـ سنة 1962 م. دار الجيل للطباعة .
130ـ سنن ابن ماجه ـ ط المكتبة العلمية .
131ـ شاعر وكتاب ـ د/ محمد عبد المنعم خفاجى ـ دار الكتب (ز 19982 ) المطبعة الفاروقية الحديثة ط 1369 هـ ـ 1950 م. ...
132ـ شرح عقود الجمان فى علم المعانى والبيان ـ للعلامة السيوطى ـ مطبعة مصطفى البابى الحلبى . ...
133ـ شرح الفوائد الغياثية ـ طاشكبرى زادة ـ ت/ حسين زموط ـ دار الطباعة العامرية بالأستانة ـ ودار الكتب تحت رقم 496 بلاغة . ...
134ـ شرح المختصر ـ لسعد الدين التفتازانى على تلخيص المفتاح للخطيب القزوينى فى المعانى والبيان والبديع ـ المطبعة المحمودية التجارية بالأزهر . ص.ب 505 مصر . ...
135ـ شرح نهج البلاغة ـ للشيخ ميثم البحرانى
136ـ مؤسسة النصر ـ مركز انتشارات استا . ...
137ـ شروح التلخيص ـ للشراح الخمسة ـ دار السرور ـ بيروت ـ لبنان .
...
138ـ شروح نهج البلاغة 210 شروح ـ الشيخ / حسين جمعه العاملى ـ مطبعة وزنكوغراف الفكر ـ خندق الغميق ـ بيروت ـ لبنان . ...
139ـ الشعر والشعراء ـ ابن قتيبة ـ دار صادر ـ مطبعة بريل . ...
140ـ الصبغ البديعى فى اللغة العربية . د/ أحمد إبراهيم موسى ـ دار الكاتب العربى للطباعة والنشر بالقاهرة ـ الجمهورية العربية المتحدة ـ وزارة الثقافة .
141ـ صحيح ابن ماجه ـ الألبانى ـ مكتب التربية العربى لدول الخليج .
142ـ صحيح مسلم ـ بشرح الإمام النووى ـ دار الكتب العلمية ـ ط1 .(1/8)
143ـ صحيح مسلم ـ بشرح الإمام النووى ـ دار المعرفة ط 5 ـ 1998 م. ...
144ـ صفوة التفاسير ـ محمد على الصابونى ـ دار الصابونى للطباعة والنشر ـ ط9 . ...
145ـ الصناعتين ـ الكتابة والشعر ـ لأبى هلال الحسن العسكرى ـ دار الكتب العلمية ـ ط2 . ...
146ـ الصورة البديعية بين النظرية والتطبيق . د/ حفنى محمد شرف ـ القسم الثانى . ...
147ـ الصورة البيانية بين النظرية والتطبيق ـ د/ حفنى محمد شرف ط1 . ...
148ـ الصورة البيانية وتطورها ـ د/ الوصيف هلال الوصيف .
149ـ ضياء الدين بن الأثير وجهوده فى النقد والبلاغة . د/ محمد زغلول سلام .
150ـ طبقات فحول الشعراء ـ تأليف/ محمد بن سلام الجمحى ـ الناشر دار المدنى بجدة . ...
151ـ الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز ـ للعلوى . مراجعة / محمد عبد السلام شاهين ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط1 . ...
152ـ الطوفى البغدادى وآراؤه البلاغية والنقدية ـ دكتوراه / د/ أمينة سليم ـ مكتبة وهبة ـ ط1 . وفى كلية اللغة العربية بالقاهرة تحت رقم (585) . ...
153ـ العقد الفريد ـ ابن عبد ربه الأندلسى . شرحه/ أحمد أمين ، أحمد الزين ، إبراهيم الإبيارى ط2/ لجنة التأليف والترجمة والنشر . ...
154ـ علم البديع ـ نشأته وتطوره من ابن المعتز حتى أسامة بن منقذ ـ د/ عبد الرازق أبو زيد زايد ـ دار الأصدقاء . ...
155ـ علم البيان ـ دراسة تحليلية لمسائل البيان ـ د/بسيونىعبد الفتاح فيود ـ دار المعالم الثقافية ـ مؤسسة المختار ـ ط2 ـ 1998 م. ...
156ـ علم المعانى ـ د/ درويش الجندى ـ ط2 ـ نهضة مصر . ...
157ـ علم المعانى ـ د/ عبد العزيز عتيق . ...
158ـ علم الفصاحة ـ د/ محمد على رزق الخفاجى. ...
159ـ علوم البلاغة ـ تأليف/ أحمد مصطفى المراغى ـ ط6 ـ المكتبة المحمودية التجارية . ...
160ـ العمدة فىمحاسن الشعر وآدابه ونقده ـ ابن رشيق القيروانى الأزدى ـ ت/ محمد محى الدين عبد الحميد ـ دار الجيل ـ بيروت ـ ط5 . ...(1/9)
161ـ عيار الشعر ـ ابن طباطبا العلوى ـ ت.د/ عبد العزيز المانع دار العلوم للطباعة والنشر سنة 1985م ـ 1405 هـ. ...
162ـ فتح البارى بشرح صحيح البخارى ـ للإمام/ لحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلانى. راجعه/ قصى محب الدين الخطيب ـ دار الريان للتراث ـ ط1 .
163ـ فصول من علم المعانى ـ أ.د/ محمد إبراهيم شادى. ...
164ـ فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور ـ د/ رجاء عيد ـ منشأة المعارف بالإسكندرية ـ تحت رقم 3538 بكلية اللغة العربية بالمنصورة . ...
165ـ فن الاستعارة ـ د/ أحمد عبد السيد الصاوى . ...
166ـ فن البديع ـ د/ عبد القادر حسين ـ شركة الطوبجى للطباعة والنشر . ...
167ـ فن البلاغة ـ د/ عبد القادر حسين ـ دار المنار ـ ط2 ـ 1405 هـ . ...
168ـ فن التشبيه ـ أ/ على الجندىـ ط دار نهضة مصر. ...
169ـ فن الجناس ـ أ/ علىالجندى ـ سنة 1954 م. ...
170ـ الفن ومذاهبه فى الشعر العربى ـ د/ شوقى ضيف ـ ط12 ـ دار المعارف .
171ـ الفوائد الغياثية فى علوم البلاغة ـ العلامة / عضد الدين الإيجى ـ ت/ عاشق حسين ـ دار الكتاب المصرى ـ دار الكتاب اللبنانى ـ ط1 . ...
172ـ الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ـ تأليف/ ابن قيم الجوزية ـ مكتبة المتنبى. ...
173ـ فوات الوفيات ـ محمد بن شاكر الكتبى ـ ط دار الثقافة ـ ت/ إحسان عباس رقم عام 969 ـ مكتبة كلية اللغة العربية بالمنصورة . ...
174ـ فى البلاغة العربية ـ د/ رجاء عيد . ...
175ـ فى ظلال القرآن ـ أ/ سيد قطب ـ دار الشروق ـ ط11 ـ سنة 1405 هـ. ...
176ـ قدماء ومعاصرون ـ أ/ سامى الدهان ـ دار المعارف ـ عام 61 . ...
177ـ قراءة فى الأدب القديم ـ د/ محمد أبو موسى ـ دار الفكر العربى ط1 ـ 1978 م.
178ـ قضايا النقد الأدبى بين القديم والحديث ـ د/ محمد زكى العشماوى ـ ط1 ـ دار الشروق .
179ـ قضية الإعجاز القرآنى وأثرها فى تدوين البلاغة العربية ـ د/ عبد العزيز عبد المعطى عرفه .(1/10)
180ـ قضية اللفظ والمعنى وأثرها فى تدوين البلاغة العربية ـ د/ علىالعمارى ـ مكتبة وهبة ط1 .
181ـ قواعد الشعر ـ ثعلب ـ مصر ـ 1949 م.
182ـ الكامل فى اللغة والأدب ـ لأبى العباس المبرد ـت/ تغاريد بيضون ، نعيم زرزور دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط2 .
183ـ الكتاب ـ سيبويه ـ ت/ عبد السلام هارون الهيئة العامة للكتاب 1397 هـ ـ 1977م.
184ـ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل . للإمام / محمود بن عمر الزمخشرى ـ دار الريان ـ ط3 .
185ـ كشف الظنون فى أسامى الكتب والفنون ـ حاجى خليفة ـ مكتبة اتلمثنى ـ بيروت .
186ـ الكناية أساليبها ومواقعها فى الشعر الجاهلى ـ تأليف محمد الحسن على الأمين .
187ـ الكشكول / تأليف/ الشيخ يوسف البحرانى/ مكتبة الهلال ـ بيروت ـ لبنان ـ ط1 سنة 1986 .
188ـ لسان العرب ـ ابن منظور ـ دار الفكر .
189ـ مؤلفات المنفلوطى الكاملة ـ دار الجيل ـ بيروت .
190ـ المباحث البلاغية ـ د/ أحمد جمال العمرى .
191ـ المباحث البيانية فى تفسير الفخر الرازى . د/ أحمد هنداوى هلال ـ مكتبة وهبة ـ ط1 .
192ـ المثل السائر فى أدب الكاتب والشاعر ـ ضياء الدين بن الأثير ـ تقديم د/ أحمد الحوفى ، د/ بدوى طبانة ـ نهضة مصر .
193ـ المجاز فى اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع عرض وتحليل ونقد ـ د/ عبد العظيم المطعنى ـ مكتبة وهبه ـ ط2.
194ـ مجمع الأمثال ـ للميدانى ـ ت/ محمد ابو الفضل إبراهيم ـ ط عيسى البابىالحلبى .
195ـ المدخل إلى دراسة البلاغة د/ فتحى فريد ط دار التوفيقية .
196ـ مدخل إلى كتابى عبد القاهر الجرجانى ـ د/ محمد أبو موسى ـ مكتبة وهبة ـ ط1 .
197ـ مدخل فى البلاغة العربية ـ د/ محمد حسن عبد الله ـ مكتبة وهبة ـ ط1 .
198ـ مدخل القراءات القرآنية فى الإعجاز البلاغى ـ
199ـ محمد إبراهيم عبد العزيز شادى ـ مطبعة السعادة سنة 1408 هـ ـ 1987 م.(1/11)
200ـ المزهر فى علوم اللغة وأنواعها ـ للعلامة / عبد الرحمن جلال الدين السيوطى ـ شرح / محمد أحمد جاد المولى بك ، محمد أبو الفضل إبراهيم ، على محمد البجاوى ـ دار التراث ـ ط3 .
201ـ مستتباعات التراكيب بين البلاغة القديمة والنقد الحديث ـ د/ عبد الغنى محمد بركة ط1 ـ دار الطباعة المحمدية .
202ـ المستدرك / الحاكم / ط دار المعرفة .
203ـ مسند أحمد بفهارس الألبانى ـ ط مؤسسة قرطبة .
204ـ مسند أحمد ـ ت / أحمد شاكر ـ ط / مكتبة الحرمين .
205ـ المشاهد فى القرآن الكريم ـ دراسة تحليلية وصفية ـ د/ حامد صادق قنيبى ـ مكتبة المنار ـ الأردن ـ الزرقاء ـ ط1 .
206ـ المصباح فى المعانى والبيان والبديع ـ بدر الدين بن مالك ـ ت/ حسنى عبد الجليل ـ مكتبة الآداب سنة 1989 .
207ـ المطول على التلخيص ـ سعد الدين التفتازانى ـ ط شوال ـ 1289 هـ .
208ـ معانى القرآن ـ للفراء ـ دار الكتب .
209ـ معاهد التنصيص على شواهد التلخيص للعباسى ـ عالم الكتب بيروت .
210ـ معترك الأقران ـ السيوطى ـ دار الكتب العلمية ـ سنة 1988م ـ ط1.
211ـ معجم الأدباء ـ ياقوت الحموى ـ ط مرغليوث ـ سنة 1623م.
212ـ معجم المؤلفين ـ عمر رضا كحالة .
213ـ المعجم الوسيط ـ ط3 ـ مجمع اللغة العربية ـ ط3 سنة 1985 م.
214ـ المعجم الوسيط ـ ط دار الدعوة ـ استانبول ـ تركية .
215ـ المغنى فى ابواب التوحيد والعدل ـ القاضى عبد الجبار ـ جـ16 ـ إعجاز القرآن ـ نشر وزارة الثقافة والإرشاد القومى .
216ـ مفتاح العلوم ـ للإمام أبى يعقوب يوسف السكاكى ـ علّق عليه / نعيم زرزور ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان ـ ط2 .
217ـ المفضليات ـ ديوان العرب ـ المفضل بن محمد بن يعلى الضبّى .ت/ أحمد محمد شاكر ، عبد السلام محمد هارون ـ دار المعارف .
218ـ مفهوم الاستعارة ـ د/ أحمد عبد السيد الصاوى.
219ـ مفهوم الإعجاز القرآنى حتى القرن السادس الهجرى ـ د/ أحمد جمال العمرى .(1/12)
220ـ مفهوم المبالغة فى الفكر النقدى والبلاغىـ دراسة تحليلية تطبيقية ـ د/ أحمد عبد السيد الصاوى ـ دار بورسعيد للطباعة .
221ـ مقاييس البلاغيين فى فصاحة الكلمة ـ
222ـ الشحات محمد أبو ستيت ـ ط1 سنة 1411 هـ ـ 1991م ـ مطبعة الأمانة ـ كلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر ت مكتبة الكلية رقم عام 13315.
223ـ مقاييس اللغة ـ ابن فارس ـ ت/ أ/ عبد السلام هارون ـ مكتبة مصطفى البابى الحلبى.
224ـ مقدمة ابن خلدون ـعبد الرحمن بن محمد بن خلدون تصحيح/ أبو عبد الله السعيد المندوه ـ مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت ـ لبنان ـ المكتبة التجارية ـ مكة المكرمة ـ ط1 .
225ـ مقدمة شرح نهج البلاغة ـ للشيخ / كمال الدين ميثم البحرانى ـ ت د/ عبد القادر حسين ـ دار الشروق ـ ط1 .
226ـ من أعلام العرب ـ عبد القاهر الجرجانى ـ أحمد أحمد بدوى .
227ـ من أسرار التعبير القرآنى ـ دراسة تحليلية لسورة الأحزاب ـ أ. د/ محمد أبو موسى ـ ط2 ـ وهبة .
228ـ مناهج البحث البلاغة فى الدراسات العربية ـ عبد السلام عبد الحفيظ ـ ط دار الفكر العربى عام 1978 م.
229ـ من بلاغة القرآن ـ أحمد أحمد بدوى ـ دار نهضة مصر للطبع والنشر ـ الفجالة ـ القاهرة .
230ـ من سمات التراكيب ـ د/ عبد الستار زموط ـ ط1 ـ مطبعة الحسين .
231ـ منهاج البلغاء وسراج الأدباء ـ حازم القرطاجنى ـ ت/ محمد الحبيب ابن الخوجة ـ دار الكتب الشرقية
232ـ منهج عبد القاهر وبلاغته فى التقديم والتمثيل ـ أ.د/ محمد إبراهيم شادى ـ ط2 .
233ـ من وجوه تحسين الأساليب فى ضوء بديع القرآن ـ أ.د/ محمد إبراهيم شادى ـ 1408 هـ ـ مطبعة السعادة .
234ـ الموازنة بين شعر أبى تمام والبحترى ـ لأبىالقاسم الحسن بن بشر الآمدى ـ دراسة وتحقيق / د/ السيد أحمد صقر ، د/ عبد الله حمد محارب . مكتبة الخانجى بالقاهرة ـ ط1 .
235ـ النبأ العظيم ـ نظرات جديدة فى القرآن ـ محمد عبد الله دراز ـ دار القلم ـ ط2 .(1/13)
236ـ النثر الفنى فى القرن الرابع ـ زكى مبارك .
237ـ النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة ـ لجمال الدين أبى المحاسن يوسف بن تغرى بردى الأتابكى ـ القاهرة ـ دار الكتب ـ سنة 1949 م.
238ـ نشأة البلاغة وأصول علم المعانى ـ محمد إبراهيم شادى ـ سنة 1417 هـ ـ 1997م.
239ـ نشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام ـ على سامى النشار ـ دار المعارف ـ ط7 ـ 1997م
240ـ نظرية عبد القاهر فى النظم ـ د/ درويش الجندىـ رقم عام 1126 ، نهضمة مصر 1960 م.
241ـ نظرات فى البيان ـ د/ محمد عبد الرحمن الكردى سنة 1400 هـ 1980م ـ مطبعة السعادة .
242ـ النقد الأدبى الحديث ـ د/ محمد غنيمى هلال ـ نهضة مصر 1996م.
243ـ نقد الشعر ـ لأبى الفرج قدامة بن جعفر ـ ت/ كمال مصطفى ـ مكتبة الخانجى ـ ط3 ـ 1979م
244ـ النقد المنهجى عند العرب ـ ومنهج البحث فى الأدب واللغة ـ د/ محمد مندور ـ دار نهضة مصر .
245ـ النكت فى إعجاز القرآن ـ ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن ـ لأبى الحسن على بن عيسى الرُّمانى ـ ت/ محمد خلف الله ، د/ محمد زغلول سلام ـ ط3 ـ دار المعارف بمصر .
246ـ نهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز ـ تأليف : شيخ الإسلام / الإمام/ فخر الدين الرازى محمد بن عمر ـ ت/ أحمد حجازىالسقا ـ المكتب الثقافى للنشر والتوزيع ـ ط1 ـ 1989م. ...
247ـ النهاية فى الكناية ـ المعروف بالكناية والتعريض ـ لأبى منصور اسماعيل الثعالبى ـ تحقيق/ فرج الحوار ـ دار المعارف للطباعة والنشر ـ سوسة يونس ـ ط1. ...
248ـ نهج البلاغة ـ ت/ د/ صبرى إبراهيم ـ جامعة قطر ـ تقديم / عبد السلام هارون . ...
249ـ نهج البلاغة ـ شرح الأستاذ الإمام / الشيخ / محمد عبده ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان ـ ط1 ت سنة 1410 هـ ـ 1990 . ...
250ـ هدية العارفين ـ اسماعيل البغدادى ـ دار الكتب تحت رقم ـ ب هـ غ / 11 ـ ط المثنى ـ بغداد . ...
251ـ هدية مجلة الأزهر ـ حول إعجاز القرآن ـ د/ على حسن العمارى ت شوال 1419 هـ . ...(1/14)
252ـ أبو هلال العسكرى ومقاييسه البلاغية والنقدية د/ بدوى طبانة ـ ط3 ـ دار الثقافة .
253ـ وفيات الأعيان ـ لابن خلكان ـ تحقيق إحسان عباس ـ دار صادر ـ بيروت . ...
254ـ الوساطة بين المتنبى وخصومه ـ للقاضى على بن عبد العزيز الجرجانى تحقيق/ هاشم الشاذلى ـ دار إحياء الكتب العربية ـ فيصل عيسى البابىالحلبى ... .(1/15)
فهرس المخطوطات
المخطوطات
1ـ البحث البلاغى والنقدى بين ابن الخطيب الرازى وابن حمزة العلوى ـ عرض وتحليل وموازنة ونقد ـ إشراف أ.د/كامل الخولى ـ عميد كلية اللغة العربية ورئيس قسم البلاغة والنقد بها ـ دكتوراه ـ الباحث/ محمد حسنين إبراهيم الهايج ـ تحت رقم 1482 .
2ـ البلاغة بين عبد القاهر الجرجانى وابن سنان الخفاجىـ تأليف د/ عبد العاطى غريب علام ـ كلية اللغة العربية بالقاهرة ـ جامعة الأزهر ـ تحت رقم 2180 .
3ـ ابن سنان الخفاجى وأثره فى النقد والبلاغة ـ د/عبد الحميد محمد حسن العبيسى ـ دكتوراة ـ إشراف د/ كامل الخولى ـ تحت رقم 191 .
4ـ شرح نهج البلاغة ـ كمال الدين ميثم بن على البحرانى ـ تحقيق ودراسة ـ دكتوراه ـ الطالبة / كريمة محمود أحمد أبو زيد . إشراف د/ عبد القادر حسين 1405 هـ 1985م. ـ تحت رقم 51 .
5ـ الطوفى البغدادى وآراؤه البلاغية والنقدية فى كتابه الإكسير فى علم التفسير ـ أمينة محمد عبده سليم ـ دكتوراه ـ إشراف د/ عبد القادر حسين ـ تحت رقم 585 ـ سنة 1990.
6ـ المقاييس البلاغية بين ضياء الدين بن الأثير والخطيب القزوينى ـ دكتوراه ـ بلاغة ونقد ـ محمد صالح عبد الله الجاسر ـ إشراف أ.د/ كامل الخولى.
7ـ منهج البحث البلاغى بين عبد القاهر والسكاكى ـ للدكتور السيد حجاب ـ دكتوراه ـ كلية اللغة العربية بالقاهرة ـ جامعة الأزهر ـ تحت رقم 761 .(1/1)
فهرس الدوريات والمجلات
الدوريات والمجلات
1ـ أسلوب السجع ـ وموقف الباقلانى من السجع فى القرآن ـ دراسة نظرية تحليلية ورؤية نقدية ـ د/ أحمد محمد المعتوق ـ مجلة الدارة ـ العدد الثانى ـ السنة 19 ـ سنة 1414 هـ.
2ـ الاستعارة بين النظرية والتطبيق حتى القرن الخامس الهجرى ـ إعداد / فندى هراع نصر ـ إشراف أ.د/ مصطفى ناصف . عرض/ عبد القادر زيدان ـ رسائل جامعية ـ مجلة فصول ـ تراثنا النقدى جـ2 ـ المجلد السادس ـ العدد الثانى ـ مارس 1986 م.
3ـ البديع فى تراثنا الشعرى ـ د/ عاطف جودت نصر ـ مجلة فصول ـ تراثنا الشعرى ـ المجلد الرابع ـ العدد الرابع سنة 1984 م.
4ـ حول إعجاز القرآن ـ أ.د/ على العمارى ـ هدية مجلة الأزهر ـ شوال سنة 1419 هـ .
5ـ حول البلاغة الصوتية ـ أ.د/ محمد شادى ـ مجلة كلية اللغة العربية ـ سنة 1406 هـ ـ 1986 م.
6ـ السجع فى القرآن ـ بنيته وقواعده ـ ديفين استيوارت ـ ترجمة وتعقيب/ محمد بربرى ـ مجلة فصول ـ تراثنا النثرى المجلد الثانى عشر ـ العدد الثالث ـ 1993م.
7ـ الغموض فى شعر أبى تمام ـ بحث نشره د/ السيد محمد الديب ـ مجلة كلية اللغة العربية ـ العدد التاسع ـ سنة 1408 هـ ـ 1988 م.
8ـ مجموعة مقالات ـ للأستاذ / كامل الفقى عن ابن سنان ـ مجلة الأزهر ـ من سنة 1361 هـ إلى سنة 1364 هـ .
9ـ مفهوم الأسلوب فى التراث ـ لمحمد عبد المطلب ـ مجلة فصول ـ العدد الثالث والرابع ـ المجلد السابع ـ سبتمبر سنة 1987 م.(1/1)
فهرس الموضوعات
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
قرآن كريم ................................................................................... ... أ
شكر وتقدير ............................................................................... ... ب
إهداء ................................................................................ ... جـ
- مقدمة ............................................................................. ... 1 - 7
- تمهيد .. ويحتوى على : ......................................... ... 8 - 31
التعريف بالرجلين : ............................................................ ... 10
أ- التعريف بابن سنان الخفاجى : .................................... ... 10
* نسبه ومولده وحياته . ....................................................... ... 10
* ثقافته ومصادرها . ....................................................... ... 14
* صفاته . .................................................................... ... 16
* كتاب سر الفصاحة . ........................................................ ... 19
* معاصروه . ...................................................................... ... 21
* مؤلفاته . ....................................................................... ... 22
* وفاته . ........................................................................ ... 22
ب- التعريف بالشيخ ميثم البحرانى : ............................ ... 23
* نسبه ومولده وحياته . ....................................................... ... 23
* ثقافته ومصادرها . ....................................................... ... 24
* صفاته . .................................................................... ... 25
الموضوع ... الصفحة(1/1)
* كتابه . ....................................................................... ... 26
* مؤلفاته . ....................................................................... ... 27
* وفاته . ........................................................................ ... 29
- خلاصة القول بين تعريف كل منهما : .......................... ... 30
الفصل الأول : "مسائل المعانى بين البحرانى والخفاجى" ... 32-150
(1) الفصاحة والبلاغة . ............................................................. ... 34
أ ـ الفصاحة والبلاغة قبل القرن الخامس . ............................ ... 34
ب ـ الفصاحة والبلاغة عند ابن سنان : ................................ ... 37
* معنى الفصاحة والبلاغة عند ابن سنان . ........................... ... 37
* موقف ابن سنان من تعريف القدامى للبلاغة والفصاحة . ... ... 39
* الفرق بين الفصاحة والبلاغة عند ابن سنان . .................. ... 39
* علاقة الفصاحة بالبلاغة عند ابن سنان . ........................... ... 43
* صلة الفصاحة بالحديث عن الأصوات . .................................. ... 43
* مسألة الوضوح والغموض فى الفصاحة . ............................... ... 46
* شروط الفصاحة ومناقشتها . ............................................. ... 48
جـ ـ الفصاحة والبلاغة عند البحرانى : ................................. ... 57
* معنى الفصاحة والبلاغة عند البحرانى . .......................... ... 57
* الفرق بين الفصاحة والبلاغة عند الشيخ ميثم . .............. ... 59
* علاقة الفصاحة بالبلاغة عند الشيخ ميثم . ....................... ... 62
* البلاغة العائدة إلى النظم والتركيب . ............................. ... 62
* موضوع الفصاحة والبلاغة عند الشيخ ميثم . .................... ... 63
* شروط الفصاحة عند البحرانى . .......................................... ... 65(1/2)
- خلاصة القول فى الفصاحة والبلاغة بين البحرانى والخفاجى. ... 68
الموضوع ... الصفحة
(2) النظم . ........................................................................ ... 71
أ ـ النظم قبل ابن سنان . ................................................. ... 71
ب ـ النظم عند ابن سنان الخفاجى : .................................. ... 76
* معنى النظم عند ابن سنان . .......................................... ... 76
* النظم ومعانى النحو . ..................................................... ... 81
* لماذا لم يفرد ابن سنان للنظم بحثًا مستقلاً ؟!.................. ... 82
جـ ـ النظم عند ميثم البحرانى : ......................................... ... 83
* حقيقة النظم ومدى ارتباطه بالنحو . ............................... ... 84
*مراتب النظم ومستوياته. ................................................. ... 87
* النظم المتضمن ألوانًا من البديع . .................................... ... 89
- خلاصة القول فى النظم بين البحرانى والخفاجى. ... ... 92
(3) التقديم والتأخير . ......................................................... ... 94
* مدخل . .......................................................................... ... 94
أ ـ التقديم والتأخير عند ابن سنان . .............................. ... 97
ب ـ التقديم والتأخير عند البحرانى : ................................ ... 104
* أنواع التقديم عند الشيخ ميثم . ................................... ... 105
* التقديم والتأخير فى الخبر المثبت . ................................ ... 106
* مواضع التقديم عند الشيخ ميثم . ................................... ... 107
* أثر التقديم فى التعبير . ................................................. ... 110
- خلاصة القول فى التقديم والتأخير بين البحرانى والخفاجى. ... 112
الموضوع ... الصفحة
((1/3)
4) الإيجاز والإطناب والمساواة . ........................................ ... 114
أ ـ حديث القدامى عن الإيجاز والإطناب والمساواة قبل ابن سنان ... 114
ب ـ الإيجاز والإطناب والمساواة عند ابن سنان : .............. ... 118
1- الإيجاز . ....................................................................... ... 119
* مفهوم الإيجاز . ............................................................... ... 119
* نوعا الإيجاز . ............................................................... ... 121
* الإيجاز المخل بالبلاغة عند الخفاجى . ................................. ... 124
* مقياس الموازنة بين النصوص . ........................................ ... 126
* موقف ابن سنان من مراعاة أحوال المخاطبين ................... ... 128
2- الإطناب . ...................................................................... ... 131
* الإطناب كما يراه ابن سنان . ........................................... ... 131
* صور الإطناب عند ابن سنان . ............................................ ... 133
* دراسة ابن سنان للحشو ورأيه فيه . ................................. ... 134
3- المساواة . ....................................................................... ... 136
* المساواة عند الخفاجى . .................................................... ... 136
جـ ـ الإيجاز والإطناب عند البحرانى : .................................... ... 138
1- الإيجاز . ....................................................................... ... 138
* مفهوم الإيجاز . ................................................................ ... 138
* نوعا الإيجاز . ................................................................ ... 138(1/4)
2- الإطناب . ....................................................................... ... 141
* رأيه فيه ودراسته له . .................................................... ... 141
* صور الإطناب عند ابن البحرانى . ....................................... ... 141
* دراسة البحرانى للحشو ورأيه فيه . ................................... ... 144
الموضوع ... الصفحة
(5) ما انفرد به كل منهما . ................................................ ... 145
أولاً : ما أنفرد به ابن سنان . ............................................ ... 145
1- إعجاز القرآن . ............................................................. ... 145
* القول بالصرفة . ............................................................... ... 145
* تبرير قول ابن سنان بالصرفة . ....................................... ... 147
* رأى ابن سنان فى فصاحة آيات القرآن . .............................. ... 148
ثانياً : ما انفرد به الشيخ ميثم . ..................................... ... 148
1- الفصل والوصل . .......................................................... ... 148
2- مزايا بعض الحروف . .................................................. ... 148
الفصل الثانى : "مسائل البيان بين البحرانى والخفاجى" ... 151-241
(1) التشبيه . ............................................................................ ... 153
أولاً : التشبيه عند ابن سنان . ......................................... ... 153
* مفهوم البيان عند ابن سنان . ................................... ... 153
* ماذا يعنى التشبيه عند ابن سنان ؟ .......................... ... 155
* موقف ابن سنان من التشبيه "المحذوف الوجه والأداة”. ... 159
* رأى ابن سنان فى التشبيه والتمثيل . ....................... ... 164
*أنواع التشبيه عند ابن سنان وكيفية دراسته لها.. ... 167(1/5)
ثانياً : التشبيه عند الإمام البحرانى . ............................ ... 170
* مفهوم البيان عند الشيخ ميثم . ............................... ... 170
* ماذا يعنى التشبيه عند الشيخ ميثم ؟ ...................... ... 171
* موقف البحرانى من التشبيه "المحذوف الوجه والأداة”... ... 173
* رأى البحرانى فى التشبيه والتمثيل . .......................... ... 175
*أنواع التشبيه عند البحرانى وكيفية دراسته لها .... ... 179
- خلاصة القول فى التشبيه بين البحرانى والخفاجى. . ... 185
الموضوع ... الصفحة
(2) المجاز . ............................................................................. ... 188
* مفهوم المجاز عند ابن سنان . ...................................... ... 188
أـ الاستعارة . ................................................................ ... 189
أولاً : الاستعارة عند ابن سنان . ........................................ ... 189
* مفهوم الاستعارة عند ابن سنان . ............................... ... 189
* أقسام الاستعارة عند الخفاجى وكيفية دراسته لها . ... ... 193
* مناقشات الخفاجى للعلماء فى الاستعارة . ...................... ... 197
1- بين ابن سنان والآمدى . .............................................. ... 197
2- بين ابن سنان وصاحب الوساطة . ................................. ... 202
3- بين ابن سنان والصولى . ............................................ ... 204
ثانياً : الاستعارة عند الإمام البحرانى . ............................. ... 207
* مفهوم المجاز عند البحرانى . ....................................... ... 207
* مفهوم الاستعارة عند البحرانى . ................................. ... 209
* أقسام الاستعارة عند البحرانى وكيفية دراسته لها ... ... 210
ب- المجاز المرسل . ............................................................ ... 214(1/6)
أولاً : عند ابن سنان الخفاجى . ............................................ ... 214
ثانياً : عند الإمام البحرانى . ............................................. ... 217
جـ- المجاز العقلى بين البحرانى والخفاجى . .................... ... 221
- خلاصة القول فى المجاز بين البحرانى والخفاجى. ... ... 223
(3) الكناية . ........................................................................... ... 225
أولاً : الكناية عند ابن سنان : .......................................... ... 225
* مفهوم الكناية عند ابن سنان . ................................. ... 225
* أقسام الكناية عند ابن سنان وكيفية دراسته لها .. ... 230
* مزية الكناية. .............................................................. ... 233
الموضوع ... الصفحة
ثانيًا : الكناية عند البحرانى : ......................................... ... 234
* مفهوم الكناية عند البحرانى . .................................... ... 234
* أقسام الكناية عند البحرانى وكيفية دراسته لها . .. ... 236
* مزية الكناية. .............................................................. ... 239
- خلاصة القول فى الكناية بين البحرانى والخفاجى. .. ... 241
الفصل الثالث : "مسائل البديع بين البحرانى والخفاجى" ... 242-306
* البديع قبل ابن سنان الخفاجى. ..................................... ... 244
* موقف البحرانى و ابن سنان من علم البديع. ............ ... 245
أولاً : الألوان البديعية التى اشترك فيها البحرانى والخفاجى. ... 249
* الطباق والمقابلة . ........................................................... ... 249
* المبالغة . .......................................................... ... 260
* اللف والنشر . ............................................................ ... 264
* حسن التعليل . ........................................................... ... 267(1/7)
* الجناس . .......................................................... ... 268
* السجع . .......................................................... ... 275
ثانيًا : الألوان البديعية التى انفرد بها كل منهما. .......... ... 289
أ- الألوان البديعية التى انفرد بها ابن سنان . ................ ... 289
1- الإرصاد . ........................................................... ... 289
2- صحة التقسيم . .......................................................... ... 291
3- صحة التفسير . .......................................................... ... 292
4- التصريع . ........................................................... ... 293
5- حسن التخلص . ............................................................ ... 294
الموضوع ... الصفحة
ب- الألوان البديعية التى انفرد بها البحرانى . ................ ... 297
1- مراعاة النظير . ........................................................... ... 297
2- المزاوجة . .......................................................... ... 298
3- التورية . .......................................................... ... 298
4- الاستتباع . ........................................................... ... 299
5- التوجيه . ........................................................... ... 299
6- تجاهل العارف . ............................................................ ... 300
7- رد العجز على الصدر . .................................................... ... 300
8- الاقتباس . ......................................................... ... 301
- خلاصة القول فى البديع بين البحرانى والخفاجى. .... ... 303
الفصل الرابع : "بين البحرانى والخفاجى منهجًا وتأثيرًا" ... 307-414
(1) المنهج البلاغى بين البحرانى والخفاجى ويشمل :.. ... 309(1/8)
أ - الأسلوب . ..................................................................... ... 309
1- ابن سنان الخفاجى . ....................................................... ... 309
2- الإمام البحرانى . ....................................................... ... 312
ب - الموازنة بين المنهجين : .......................................... ... 314
أولاً : ابن سنان . ............................................................. ... 314
* الهدف والمنهج . ................................................ ... 214
* الجانب التطبيقى (الشواهد) . ............................. ... 321
ثانيًا : الإمام البحرانى . ................................................. ... 324
* الهدف والمنهج . ................................................. ... 324
* الجانب التطبيقى (الشواهد) . ............................. ... 329
جـ - التشابه والاختلاف فى بعض الموضوعات البلاغية : ... 331
أولاً : الموضوعات البلاغية التى اتفق فيها الرجلان . ....... ... 331
1- التفاوت فى بلاغة القرآن وفصاحته . .................. ... 331
الموضوع ... الصفحة
2- الوضوح فى الفصاحة . ......................................... ... 334
3- قياس الإيجاز والإطناب على قلة الحروف . .......... ... 336
4- إدراج الألوان البديعية فى النظم . .................... ... 336
ثانياً : الموضوعات البلاغية التى اختلف فيها الرجلان . ... ... 338
1- بين المشبه والمشبه به قوة وضعفا . ............... ... 338
2- التشبيه "المحذوف الوجه والأداة" ..................... ... 339
3- التشبيه التمثيلى والاستعارة التمثيلية . ....... ... 341
4- المزية من الكناية . .......................................... ... 342
د - بعض مآخذ العلماء على الخفاجى والبحرانى : ............. ... 343
* تفاوت المآخذ بين البحرانى والخفاجى وتفسير ذلك . ... ... 344(1/9)
أولاً : مآخذ العلماء على الخفاجى : .................................... ... 345
* أسباب تورط البلاغيين فى نقد ابن سنان . ............. ... 347
* تقسيم المآخذ إلى : 1- عامة 2- خاصة . ............ ... 347
أ- المآخذ العامة : .................................................. ... 348
الأول : اضطراب ابن سنان فى منهجحه وخلوه من التنسيق والتfويب......... ... 348
الثانى : التكرار ، وتقديمه الفروع على الأصول ....................................... ... 352
الثالث : التقليد ، وخلو كتابه من حرية الرأى. ......................................... ... 358
ب- المآخذ الخاصة : .......................................... ... 361
المأخذ الأول : الأصوات وإقحامها فى الفصاحة.............................................. ... 361
المأخذ الثانى : تفريق ابن سنان بين الفصاحة والبلاغة............................. ... 365
المأخذ الثالث : نقد شروط الفصاحة ........................................................ ... 367
المأخذ الرابع : إنكار ابن سنان للإطناب................................................ ... 367
المأخذ الخامس : وعد بالكلام لم يُنفذ ................................................... ... 369
ثانيًا : مآخذ العلماء على البحرانى : ............................. ... 371
1- إدراج البحرانى بعض مسائل البديع فى النظم ....... ... 371
2- خلط البحرانى بين التشبيهات الحسية والعقلية . ... 372
الموضوع ... الصفحة
هـ - الآراء والإضافات : ............................................................ ... 373
أولاً : ابن سنان . .............................................................. ... 373
ثانياً : الإمام البحرانى . .................................................. ... 376
(2) البلاغيون بين الإمام البحرانى وابن سنان الخفاجى. ... 378(1/10)
أ - الخفاجى بين التأثر والتأثير : ................................... ... 378
أولاً: مصادر ابن سنان التى اعتمد عليها. .......................... ... 379
1- بعض النحاة . ............................................................ ... 379
2- الجاحظ (ت 255 هـ ) ............................................ ... 379
3- ابن قتيبه (ت 276 هـ ) ............................................ ... 380
4- قدامة ( ت 337 هـ ) ........................................... ... 380
5- القاضى الجرجانى ( ت 366 هـ ) ..................................... ... 381
6- الآمدى ( ت 371 هـ ) ................................................ ... 382
7- الرّمانى (ت 386 هـ ) ................................................ ... 382
8- الباقلانى ( ت 403 هـ ) ................................................ ... 382
9- بعض المتكلمين . ...................................................... ... 382
ثانياً: أثر ابن سنان فى الدراسات البلاغية. ..................... ... 384
1- الرازى ( ت 606 هـ ) . ..................................................... ... 384
2- السكاكى (ت 626 هـ ) . .............................................. ... 386
3- ابن الأثير (ت 637 هـ ) ...................................... ... 387
4- ابن أبى الإصبع ( ت 654 هـ ) ...................................... ... 392
5- ابن أبى الحديد ( ت 655 هـ ) ...................................... ... 393
6- الإمام البحرانى ( ت 679 هـ ) ...................................... ... 394
7- حازم القرطاجنى ( ت 684 هـ ) ...................................... ... 395
8- الطوفى البغدادى ( ت 716 هـ ) ...................................... ... 397
9- محمد بن على الجرجانى ( ت 729 هـ ) .............................. ... 398(1/11)
10- الخطيب القزوينى ( ت 739 هـ) ................................ ... 399
الموضوع ... الصفحة
11- العلوى ( ت 749 هـ ) ................................................ ... 400
12- السبكى ( ت 773 هـ ) ................................................ ... 401
ب - البحرانى بين التأثر والتأثير : ....................................... ... 403
أولاً: مصادر الإمام البحرانى التى اعتمد عليها. .................. ... 403
1- بعض النحاة و اللغويين . ............................................ ... 403
2- بعض المتكلمين . ............................................... ... 403
3- الجاحظ وابن المقفع . ................................................ ... 403
4- عبد القاهر والرازى . ................................................ ... 404
5- ابن سنان الخفاجى . ................................................ ... 404
6- السكاكى . ................................................ ... 405
ثانياً: أثر الإمام البحرانى فى الدراسات البلاغية............. ... 405
1-الطوفى البغدادى . ...................................................... ... 406
2- طا شكبرى زاده ( ت 968 هـ) . ..................................... ... 408
* لماذا لم يشتهر ابن سنان الخفاجى ؟............................................ ... 410
- الخاتمة .......................................................................... ... 415
- الفهارس العلمية ........................................................... ... 424-482
1- فهرس الآيات القرآنية ................................................... ... 426
2- فهرس الأحاديث النبوية ................................................... ... 433
3- فهرس الأمثال العربية ................................................... ... 435(1/12)
4- فهرس الشعر ................................................... ... 437
5- فهرس المصادر والمراجع ................................................... ... 451
6- فهرس المخطوطات ................................................... ... 467
7- فهرس الدوريات والمجلات ................................................... ... 469
8- فهرس الموضوعات ................................................... ... 471(1/13)