(4)
سلسلة انتفاضة الأقصى
المرأة الفلسطينية في دائرة الاستهداف الصهيوني
إعداد وتأليف
م.إسماعيل عبد اللطيف الأشقر أ.مؤمن محمد غازي بسيسو
تدقيق لغوي
أ.منير إقطيفان
ربيع الأول/1425هـ - مايو/2004م
بسم الله الرحمن الرحيم
"إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً" 35 الأحزاب
شكر وتقدير
يتقدم المركز العربي للبحوث والدراسات, للأخوة العاملين فيه, بجزيل الشكر والتقدير, على الجهود الطيبة التي بذلوها لإنجاح خروج كتاب المرأة الفلسطينية في دائرة الاستهداف الصهيوني إلى النور, سائلين المولى عز وجل أن يجعل ذلك في ميزان حسناتنا جميعاً.
المركز العربي للبحوث والدراسات
غزة - فلسطين
ربيع الأول/1425هـ - مايو/2004م
الإهداء
إلى الأحياء من الشهداء والشهيدات والاستشهاديين والاستشهاديات البررة من أمتنا العربية والإسلامية, وعلى رأسهم الإمام المرشد الملهم الشيخ أحمد ياسين, وأسد فلسطين القائد الفذ الدكتور عبد العزيز الرنتيسي, وجميع الشهداء من قادة ورموز شعبنا الفلسطيني.
إلى الأمهات الماجدات خنساوات العصر اللواتي ضحين بأنفسهن وأبنائهن وأموالهن رخيصة في سبيل الله، للنيل من الصهاينة اليهود أعداء الله والإنسانية، ودفاعاً عن دينهن ووطنهن ومقدساتهن.
إلى أمهات وبنات وأخوات وزوجات القادة الميامين الذين رفعوا هامات شعبنا، وردّوا الاعتبار لأبنائه، عبر عملياتهم الجهادية الموجعة التي زلزلت أركان الكيان المصطنع.(1/1)
إلى الأسيرات الفلسطينيات القابضات على الجمر اللواتي ما زلن يقبعن خلف أسوار السجون والمعتقلات الصهيونية الحاقدة.
إلى الأمهات والزوجات والبنات والأخوات اللواتي تحملن المعاناة والمشقة والوجع الفلسطيني لغياب ألاف الأبناء والآباء من الأسود الرابضة خلف أسوار الحقد الصهيوني, وأكملن مسيرة الجهاد والمقاومة والعطاء الذي لا ينضب.
إلي المقاومة الفلسطينية الماجدة المجاهدة، التي رفضت الذل والهوان، واختارت المقاومة طريقاً وحيداً لها.
إلى كل المخلصين والمخلصات, والمجاهدين والمجاهدات, والمناضلين والمناضلات, والشرفاء والشريفات من هذه الأمة المجاهدة.
المقدمة/
على مدار تاريخ القضية الفلسطينية المؤسس على المآسي والنكسات والنكبات، كانت المرأة الفلسطينية وفية لأهلها وشعبها وقضيتها، تشاطرهم الوجع والألم، وتشاركهم الأتراح والأحزان، وتخوض معهم ركب الصعاب والتحديات، دون أن تلين لها قناة، أو يتسلل إليها يأس أو وهن أو قنوط.(1/2)
ففي عام النكبة الأولى 1948م كانت حاضنة لزوجها وأطفالها وأهلها، وحافظاً لهم من مسببات الإحباط والانهيار، وفي عام النكسة 1967م بدت مذهولة، غير أن ذهولها لم يدم طويلاً، فقد تجاسرت على نفسها، واخترقت جدر التقاليد السائدة، التي لم تكن تمنح المرأة سوى دوراً أسرياً اجتماعياً، وتحشرها في أركان وزوايا البيت، وشرعت في البحث عن كل ما يشد عضد أهلها وأبناء شعبها، ويخفف عنهم وقع الألم والهزيمة، حتى اهتدت إلى وجوب النزول إلى الميدان، وانتهاج آليات العمل العنيفة التي انتهجها الرجل، فقد بدا لها أن مهامها التقليدية كربة بيت، أو محضن لتفريخ ورعاية القيم التربوية والأخلاقية، ليست كافية لرد العدوان، والدفاع عن الوطن والمقدسات، وأن حجم وثقل وشراسة الهجمة الصهيونية تستلزم استنهاض جميع الطاقات الوطنية، وتستدعي تفعيل مختلف الشرائح الشعبية للمشاركة في معركة الوجود والمصير، فكانت فصائل المقاومة الفلسطينية موئلاً ومستقراً لجموع من المجاهدات والمناضلات اللاتي مارسن العمل المسلح، وأثبتن حضوراً واضحاً ونشاطاً متميزاً على الساحة الكفاحية.
ورغم محدودية المشاركة النسوية في العمل الوطني المقاوم آنذاك، إلا أن تلك التجربة كانت فاتحة لعهد جديد من الانخراط النسوي في العمل المقاوم, وتمهيداً لمزيد من الاهتمام والتفاعل الإيجابي من قبل المرأة الفلسطينية مع هموم وقضايا شعبها.(1/3)
ومع اندلاع الانتفاضة المباركة الأولى عام 1987م طغت الأساليب الشعبية الجماهيرية على أجندة وبرامج المرأة، واحتلت حيزاً كبيراً ضمن أولويات أنشطتها وفعالياتها في إطار التصدي للاحتلال الصهيوني وممارساته البشعة، غير أن ذلك لم يمنع عدداً من المجاهدات والمناضلات من البحث عن خيارات أخرى، واعتماد وسائل مقاومة أشد عنفاً وأكثر إيلاماً للصهاينة، إلا أن ضعف تجربة المرأة وضحالة خبرتها الأمنية والعسكرية شكل العامل الأهم وراء ذبول وانزواء هذا النهج، الذي كان غالباً ما ينتهي بفشل محاولة التنفيذ أو باعتقال منفذتها.
وبقيت الأمور على حالها، مروراً بسني أوسلو العجاف، إلى أن أكرم الله الشعب الفلسطيني بانتفاضة الأقصى عام 2000م، وما شهدته من إحياء لروح ومفاهيم الجهاد والمقاومة والاستشهاد، وبدء مقاومة فلسطينية منظمة استقطبت عدداً كبيراً من المجاهدين والمناضلين الفلسطينيين، وجوبهت – صهيونياً- بأبشع صور القمع الدامي وألوان الإرهاب الأعمى، لتدور رحى المواجهة الباسلة، وتسيل الدماء، وتتصاعد التضحيات، وتتعاظم العطاءات، ويشتد الإرهاب الصهيوني سطوة وشراسة، مما وضع الشعب الفلسطيني بأسره أمام تحديات جسيمة، ومسئوليات خطيرة، اضطرت معها المرأة للتشمير عن ساعد الجهاد والمقاومة، والوقوف جنبا إلى جنب مع الرجل في مواجهة الهجمة الصهيونية، لتتناقل الألسن وتتداول وسائل الإعلام أسماء وسير نماذج مضيئة لمجاهدات ومناضلات ارتفعن إلى مستوى المرحلة، وبلغن قمة التضحية والفداء، عبر مختلف أشكال العمل المقاوم، بدءاً بالسكين، مروراً باستخدام القنابل والإسهام في تنفيذ العمليات الجهادية المختلفة، وانتهاءً بمحاولات اقتحام المستوطنات وتنفيذ العمليات الاستشهادية.(1/4)
ومع هذا التطور النوعي الذي بلغته المرأة الفلسطينية إبان الانتفاضة الراهنة تكون المرأة قد بذلت واجبها، وأدت دورها كاملاً غير منقوص، فالجهاد القتالي والميداني الذي خاضته بكل بسالة واقتدار جاء متوجاً للجهاد التربوي والأخلاقي الذي اضطلعت به ُمذّ وطأت أقدام الاحتلال أرضنا المباركة، ودنست مقدساتنا، فإعداد النشء، وتربية الأجيال على أسس من الفضيلة والأخلاق والصلاح، وتغذيتها بالقيم والمفاهيم الجهادية، وزرع حب الوطن وحتمية التضحية والعطاء لأجل حريته، وبذل المال والروح في سبيل إنجاز تحريره واستقلاله، كلها مهام جليلة وأدوار عظيمة لم تتوانى المرأة الفلسطينية في إنفاذها وتولى إنجاحها، دون أي ملل أو تهاون أو تقصير.
ولإدراك حقيقة الدور التربوي والأخلاقي للمرأة الفلسطينية إبان سني انتفاضة الأقصى وما قبلها، يمكن الإشارة إلى الأعداد الهائلة من الشباب المتدين الملتزم، الطامح للجهاد والشهادة، المنافح عن الأرض والعرض والمقدسات، المبادر للتضحية والفداء، الجاهز للمقاومة والتصدي، المرتفع دوماً إلى مستوى التحدي، الذي لم يبخل على دينه ووطنه بدمه وروحه وخلاصة عيشه وقوت أطفاله، ولا يزال على عهده مع الله، ووعده مع شعبه وأمته، إيماناً وثباتاً، رسوخاً ويقيناً.(1/5)
ولا ريب أن هذا الدور المحوري الذي أسهم في صناعة الشهداء الأبطال والرجال العظماء، لم يكن إلا نتيجة منطقية، وخلاصة موضوعية للدور بالغ الأهمية والتميز الذي لعبه الإسلام العظيم في التأثير على المرأة الفلسطينية، وصياغة شخصيتها، والإسهام في تشييد بنيانها الفكري والنفسي والتربوي والاجتماعي، ودفعها لأداء رسالتها التي أرادها الإسلام لها، وجعل منها كياناً أصيلاً، عظيماً، منتجاً، ومستودعاً لتقويم وإيقاظ واستنهاض الأمة، وسبباً أساسياً من أسباب الاستقامة والصلاح، كونها تمثل، ليس نصف المجتمع، بل المجتمع كله، فبصلاحها يصلح المجتمع، ويعلو شأنه، ويرتفع ذكره، ويشق طريقه، بعزة وشموخ وإباء، بين الأمم والشعوب.
ولعل ما شهده قطاع غزة مؤخراً قبيل حادثة اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي من حملة التبرعات أو الجهاد بالمال التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وتميزت بكثافة المشاركة النسوية، خير دليل وأعظم برهان على حال العطاء المتعاظم والتضحية غير المسبوقة الذي بلغته المرأة الفلسطينية، فمنهن من أنفقت صداقها كاملاً في سبيل الله، ومنهن من قدمت حليّها وجواهرها ومصاغها الخاص دعماً للمجاهدين، ومنهن من أنفقت من المال ما يكفل تجهيز أحد الاستشهاديين، وغير ذلك، في مشاهد فريدة تفوق الوصف، ومظاهر رائعة تبهر الألباب.(1/6)
لقد حطم التطور الهائل الذي بلغته المرأة إبان الانتفاضة آمال وطموحات الكثيرين الذين اعتقدوا يوماً أن الفلسطينيات بتن قاب قوسين أو أدنى من خلع رداء العفة والفضيلة، والتخلي عن موجبات الإيمان والصلاح، وأن مناطق الحكم الذاتي في ظل السلطة الفلسطينية قد بدأت الاحتذاء بالنموذج الغربي، وتقليد المرأة الغربية، حتى أن رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق شمعون بيرس أعرب لدى زيارته قطاع غزة ذات مرة عن افتخاره بثمار اتفاقات أوسلو التي دفعت بالكثير من النساء الفلسطينيات إلى خلع الحجاب والتشبه بالمرأة الأجنبية، فكان تمسك المرأة الفلسطينية بدينها، وتشبثها بعقيدتها، وإصرارها على ارتداء حجابها ورمز عفتها وطهارتها وكرامتها بشكل مذهل إبان الانتفاضة، عامل إحباط لكثير من المخططات السوداء التي استهدفت سلخها عن دينها وعرضها وشرفها وكرامتها، وعزلها عن محيطها العربي والإسلامي، وإلحاقها بالفساد الأخلاقي للحضارة الغربية.
وفي هذا السياق يأتي الكتاب الرابع ضمن سلسلة تأريخ أحداث انتفاضة الأقصى، موثقاً لدور المرأة الفلسطينية المتميز إبان الانتفاضة، مشيداً بإنجازاتها وتضحياتها وعطاءاتها التي بذلتها من دمائها وعرقها وجهدها وزهرة شبابها، مستعرضاً سير أبرز المجاهدات الطاهرات والمناضلات الشريفات اللاتي استشهدن أو اعتقلن في غمرة أداء الأمانة والواجب والرسالة، كنماذج حية، أصيلة، مشرقة، على عظم الدور الذي اضطلعت به المرأة إبان الانتفاضة، وسعة الجهود والتضحيات التي خضبت طريقها المجبول بالألم والصبر والمعاناة.
ولم يفت الكتاب التعريج على دور المرأة في صناعة الرجال، وتشكيل شخصياتهم الجهادية، ومبناهم التربوي والدعوي والأخلاقي، بما يمكّن من حماية مشروع المقاومة، وتحمل تبعات ومغارم المرحلة الراهنة وتحدياتها الخطيرة، فضلاً عن استعراض بعض الإحصاءات والمعطيات المتصلة بالشهيدات والأسيرات زمن انتفاضة الأقصى المباركة.(1/7)
وكي لا تختلط الأمور، وتوضيحاً للعديد من نقاط الالتباس، ووضعاً للأمور في نصابها السليم وسياقها الصحيح، كرّس الكتاب أحد فصوله للحديث عن الرؤية الشرعية حيال مسألة إشراك المرأة في العمل المقاوم، ودور الإسلام في صياغة شخصية المرأة الفلسطينية، في ظل تقييم هادئ ومتوازن وموضوعي، ورؤية تحليلية لدور المرأة الفلسطينية الكفاحي، يجبّ رؤى وأفكار وادعاءات المتباكين على حرية المرأة، ويردّ الاتهامات التي توجه سهامها صوب قوى وفصائل المقاومة الإسلامية، بتهميش دور المرأة، واستصغار دورها وقدرها ومكانتها.
لقد حرص الكتاب على توثيق سير أبرز الخنساوات، وصانعات الرجال، مرتكزاً على ما توفر من معلومات ومعطيات، على قلتها وشحتها، رغم اعتقادنا الجازم بوجود عدد آخر، قليلاً كان أم كبيراً، من الخنساوات اللاتي عملن كجنديات مجهولات بعيداً عن الأضواء ووسائل الإعلام، ولم يعرف فضلهن وجهدهن أحد، مما حرمنا من إمكان الوصول إليهن، والاستنارة بتوثيق سير جهادهن، وعطاءهن، وتضحياتهن، كما يجدر الإشارة إلى الكثير من الأسر الفلسطينية المجاهدة التي هدمت منازلها، وجرفت مزارعها، ودمرت مقدراتها، واستشهد أو اعتقل أحد أو عدد من أبنائها، ولم نتمكن من إدراج سيرها، فهذا الكتاب يسجل ويوثق – بإيجاز واختصار- لأبرز النماذج المضيئة والأمثلة الناصعة، دون أي قدرة على الإطالة أو التوسع في الطرح والمعالجة والتوثيق، إلا أن ذلك لا يعني إهداراً لمكانة هذه الأسر العظيمة، أو بخساً لحقها وجهادها وتضحياتها، التي تستلزم عرضاً وتوثيقاً في مباحث أخرى أكثر اتساعاً.
هذا الكتاب يشكل محاولة جادة لإثبات جدية وحراك وحيوية المرأة الفلسطينية كفاحياً، والبرهنة على عودتها لاحتلال موقعها الأصيل ومكانها المرموق الذي رسمته لها مبادئ الإسلام السامية، وحرفتها عنه مبادئ البشر وأفكارهم الوضعية، يداً بيد إلى جانب الرجل، دون أي احتكار أو تمييز.(1/8)
والله نسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يتم نوره علينا جميعاً وعلى نساء الأمة قاطبة، ويوفقهن لما فيه خير دينهن ودنياهن وأوطانهن وديارهن، إنه على ما يشاء قدير.
م. إسماعيل عبد اللطيف الأشقر أ. مؤمن محمد غازي بسيسو
الخميس 24 ربيع الأول 1425هـ، الموافق 13/5/2004م
غزة - فلسطين
الفصل الأول
المرأة الفلسطينية والعمل المقاوم..
نظرة تحليلية ورؤية فقهية
مدخل/
أثارت العمليات الاستشهادية التي نفذتها مجاهدات ومناضلات فلسطينيات – في مراحلها الأولى- شيئاً من الإرباك، ونوعاً من الالتباس لدى بعض القطاعات والشرائح الجماهيرية على الساحة الفلسطينية، فالعمليات الاستشهادية التي زلزلت كيان الاحتلال، وأرقت مضجعه، كانت حتى عهد قريب حكراً على الشبان والرجال فحسب، ولم تطاول الفتيات أو النساء على الاطلاق، مما أثار عدداً من الاستفسارات والنقاشات الساخنة في بعض الأوساط الشعبية الفلسطينية.
فخروج الفتاة أو المرأة من بيتها دون إذن أهلها وزوجها، وانطلاقها الى ميدان التنفيذ، وخاصة داخل فلسطين المحتلة عام 48، وما قد يستلزم ذلك من كشف للشعر وأجزاء من الجسد بغرض التمويه، يثير قدراً لا بأس به من التوجس والحساسية وعدم الارتياح لدى العديد من الأوساط الفلسطينية المحافظة، التي استبدت بها الحيرة حيال التعامل مع هذا التطور النوعي الذي أصاب الحياة الكفاحية الفلسطينية.(1/9)
ولم يدم الأمر طويلاً، فقد انجلت الحيرة إثر الفتاوى الواضحة التي أصدرها عدد كبير من العلماء المسلمين، وتناولت التأصيل الشرعي لعمل المرأة المقاوم، وحكم الشرع في الحيثيات والتفاصيل والآليات الفنية والعملية المتصلة بتنفيذ المرأة للعمليات الاستشهادية داخل فلسطين المحتلة عام 48، أو في أي مكان داخل الأرض الفلسطينية، والتي أباحت للمرأة حرية كاملة في هذا المضمار، وأجازت لها الترخّص والتساهل في قضايا اللباس وستر الجسم تحت وطأة القاعدة الشرعية "الضرورات تبيح المحظورات".
وجاءت التصريحات الواضحة والمواقف البيّنة التي تبنتها الحركة الإسلامية الفلسطينية وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" لتدعم هذا الاتجاه، وتزيل آثار القلق والالتباس، وتضع حداً لمظاهر الجدل التي تولاها البعض دون فكر واضح أو كتاب منير، وتضرب الأمثلة النوعية على دور الإسلام في صياغة شخصية المرأة الفلسطينية، وتشكيل بناها الفكرية والنفسية والتربوية والاجتماعية، وتهيئة التربة الخصبة أمام انخراطها في مسيرة العمل الجهادي المقاوم، وحملها على التضحية في أوسع مدياتها، ومشاركة الرجل أعباء وتكاليف المواجهة الدامية مع الاحتلال.
ومع ذلك فإن قوى المقاومة الفلسطينية، وخاصة الحركة الإسلامية، لم تسلم من ألسنة وأقلام بعض المغرضين، المتباكين على حرية وحقوق المرأة، الذين اتهموها - بداية- بتهميش المرأة، والحطّ من دورها وقدرها ومكانتها، ثم هالهم أمر العملية الاستشهادية التي نفذتها المجاهدة ريم صالح الرياشي، لينطقوا كفراً، ويلغوا في عرض الحركة، متهمين إياها بإهدار حقوق الأمومة ومشاعرها الإنسانية المقدسة.
وفي طيّ هذا الفصل رد على هذه الاتهامات المغرضة، وتفنيد لتفاصيلها، وتبيان لزيفها وتفاهتها، وإبراز لدور الإسلام العظيم في بناء وتشكيل شخصية المرأة الفلسطينية، في إطار من التأصيل الشرعي لدور المرأة في إطار العمل المقاوم.
المبحث الأول(1/10)
المرأة الفلسطينية والعمل المقاوم .. نظرة تحليلية
... لم تكن قضية إشراك المرأة الفلسطينية في العمل الجهادي المقاوم، بكافة أشكاله وأساليبه وأطواره، مثار جدل أو إشكال حاد في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، فالمعاناة الفلسطينية الهائلة التي ولدها الاحتلال، وطالت كافة أوجه الحياة، وجعلت منها جحيماً لا يطاق، لم تترك مساحة لأي جدل بيزنطي أو نقاش سفسطائي، ولم تدع خياراً لأحد، رجالاً ونساءً، شيباً وشباناً وأطفالاً، في امتشاق المقاومة، ومحاولة رد العدوان وكف الأذى بمختلف الوسائل الممكنة والإمكانات المتاحة.
فالمرأة كما الرجل، تشربت الألم، وتذوقت المعاناة، وعانت المصائب، ونالت نصيبها من المكابدة والمجاهدة غير منقوص، ولم يراع الاحتلال لها حرمة، أو يحفظ لها شرف، أو يوقّر لها أمومة، وهي الأم أو الأخت أو الزوجة أو الابنة، الضعيفة، مهيضة الجناح، بحكم تركيبتها النفسية والجسدية التي لا تقوى على تجرع الصدمات وموجات المعاناة، وتحتاج دوماً إلى الرعاية والمتابعة والاحتضان.
وحتى وقت قريب، وتحديداً لدى اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة، لم يكن موضوع المرأة ومشاركتها في العمل المقاوم يستأهل أي طرح أو نقاش استثنائي، نظراً لمحدودية النشاط المقاوم السابق لاندلاع الانتفاضة، وضعفه الكمي والنوعي جراء الحصار المشدد والضربات القاسية التي وجهتها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية لبنى وخلايا المقاومة، وما آلت إليه من بعثرة وتشتت وتفكيك.(1/11)
ولعل الجديد الذي حملته انتفاضة الأقصى في عامها الثاني وشكل منعطفاً واضحاً فيها هو الدور الكفاحي للمرأة الفلسطينية، ومدى إسهامها المباشر في خدمة القضية الفلسطينية، فقد باتت على خط المواجهة الساخن مع قوات الاحتلال، تبادله النار بالنار، والدم بالدم، والقتل بالقتل، دون أي تردد أو نكوص، عبر العمليات الاستشهادية التي افتتحتها الشهيدة وفاء إدريس، وما تلاها من عمليات أخرى لفتيات ونساء استشهاديات، فمع أول عملية استشهادية ثار شيئ من اللغط والأقاويل والاستفسارات بين بعض أجزاء وشرائح المجتمع الفلسطيني يمكن تصنيفها فيما يلي:
القسم الأول: يضم فريقاً من العلمانيين الذين لم يألوا جهداً في استغلال الوضع الجديد لشن هجمة إعلامية على الإسلاميين، واتهامهم بإهدار حقوق المرأة وعدم مساواتها بالرجل، والنظر إليها كرقم هامشي في معادلة الصراع الدائر مع الاحتلال، باعتبار أن الإسلاميين وضعوا المرأة بمنأى عن العمليات الاستشهادية التي ينفذونها، مما يؤشر لخلل في الفهم والرؤية والتصور حيال التعامل مع قضايا المرأة وحقوقها حسب زعمهم.
القسم الثاني: يشمل جزءاً من الفئات المحافظة داخل المجتمع الفلسطيني التي لازالت تتوجس من ارتقاء المرأة إلى ذروة العمل المقاوم، بحكم العادات والتقاليد التي جبلت عليها وتربت على أساسها، إذ ترى هذه الفئة أن الرجل قادر على القيام بمختلف الأدوار الكفاحية العنيفة، وأن المرأة غير مجبرة على اقتحام ميادين المقاومة العنيفة التي يخشى فيها من تعرضها للتماس المباشر مع الاحتلال، وما يمكن أن يجره ذلك من انتهاك لحرمتها أو هتك لشرفها أو غير ذلك من ألوان المعاناة التي يستدعيها ولوج المرأة لهذا الطريق الشائك حسب رؤيتهم.(1/12)
القسم الثالث: يتألف من جزء من الإسلاميين الذين أخضعوا هذا التطور النوعي للميزان الشرعي، وتوجهوا بأسئلتهم واستفساراتهم حيال الحكم والموقف الشرعي إزاء تفاصيل الموضوع، فالأمر – من وجهة نظرهم – لا يتعلق بعادات أو تقاليد محافظة بقدر ما يتعلق بموقف الشرع حيال آلية التنفيذ التي قد تستلزم في أحيان كثيرة خروج المرأة بمفردها خارج مدينتها أو قريتها أو مخيمها بعيداً عن أهلها إلى داخل الكيان الصهيوني، وتخليها عن حجابها وزيها الشرعي الذي يصعب – إلى درجة التعقيد– أداء العمل الاستشهادي المقاوم مع الاحتفاظ و الالتزام به.
وما لبث الأمر طويلاً حتى انقشعت سحابة التساؤلات والاستفسارات إلى حد كبير، وباتت الساحة الفلسطينية أقل تداولاً لهذه القضية تحت ثقل عاملين رئيسيين:
العامل الأول: اقتحام الفتيات والنساء الفلسطينيات لميدان العمل الاستشهادي بقوة، وظهور عدد من الاستشهاديات اللاتي نفذن عمليات استشهادية جريئة داخل العمق الصهيوني خلال أشهر معدودات، كالشهيدة دارين أبو عيشة، والشهيدة آيات الأخرس، والشهيدة عندليب طقاطقة، والشهيدة هبة دراغمة، مما كرس هذا الواقع الجديد بشكل كبير، وفرضه كأمر واقع تستلزمه ضرورات المواجهة وتطورها المطرد، فبات الناس أكثر تقبلاً لمشاركة المرأة في مختلف الأدوار والمهام الكفاحية، وعلى رأسها العمليات الاستشهادية، وأكثر تفهماً للمسئوليات الوطنية التي استدعت انخراط العنصر النسائي بزخم متزايد في قلب المعركة الكفاحية مع العدو الصهيوني.(1/13)
العامل الثاني: ظهور العديد من الفتاوى الشرعية الهامة، وعلى رأسها فتوى العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، التي تبيح للمرأة الفلسطينية الانخراط في مختلف ضروب الجهاد ومقاومة الاحتلال، باعتبار ذلك فريضة شرعية، وتجيز لها تنفيذ العمليات الاستشهادية، وما يستلزمها من ضرورات كالخروج منفردة إلى ديار العدو، ورفع الحجاب والتخلي عن الزي الشرعي، واستخدام كافة وسائل التمويه على العدو.
وقد فعلت هذه الفتاوى فعلها، وتركت آثارها على الجمهور الفلسطيني، الذي بات أكثر راحة وطمأنينة لمبدأ توغل المرأة في ميادين المقاومة، وساحات الفداء والعطاء.
وجاءت العملية الاستشهادية التي نفذتها المجاهدة ريم الرياشي في معبر بيت حانون "ايرز" مطلع العام 2004م لتنهي ما تبقى من آثار وتداعيات لحالة الجدل والاستفسار حيال مشاركة المرأة في العمل المقاوم بشكل عام، والعمليات الاستشهادية بشكل خاص، وتقطع دابر الاتهامات التي وجهت للحركة الإسلامية بتهميش المرأة كفاحياً، وحصر دورها في إطار الرعاية المنزلية والتنشئة الاجتماعية.
فالمجاهدة ريم ضربت مثلاً رائعاً، وقدمت نموذجاً فريداً، أنصف المرأة، وأثبت كفاءتها وقدرتها وأهليتها، لتحقق بذلك حزمة أهداف بضربة واحدة:
أولاً: ريم كربة بيت، أدت واجبها وحفظت بيتها دون أي تقصير، ووازنت بين متطلباتها البيئية المعيشية وأعبائها الجهادية.
ثانياً: ريم كأم، ضربت مثلاً رائعاً في التضحية والاستعلاء على كافة المشاعر والأحاسيس الإنسانية، وأثبتت أن الأمومة لا تتعارض مع الإيغال في فنون التضحية في سبيل العقيدة والمبدأ والوطن والمقدسات، بل وأن المبادئ قد تتجاوز حاجز الأمومة المنيع، ليس ضعفاً أو تقصيراً، بل نتاج تفاعلات نفسية ومشاعر قلبية وسمو روحي يتغلب على أية أحاسيس أو مشاعر أخرى مهما كانت.(1/14)
ثالثاً: ريم كامرأة متدينة مجاهدة، دفعت كل التهم الباطلة التي كيلت جزافاً للحركة الإسلامية، وصبت مختلف صنوف التشويه والتشكيك بحقها إزاء موقفها من قضايا المرأة، ومن ضمنها مشاركة المرأة في العمل المقاوم.
جملة القول، فإن هذا الملف قد حسمت فصوله وأغلقت مباحثه وطويت صفحاته، ولم يعد مثار إشكال أو اهتمام استثنائي ذا بال على الساحة الفلسطينية، أو موطئ جدل واستفسار بين الفلسطينيين، فلا تجد اليوم في صفوف معظم الفلسطينيين من يحمل رأياً أو رؤية تعارض إشراك المرأة في غمار العمل المقاوم، أو تحرمها حقها في العمل لخدمة وطنها بالوسائل التي تراها مناسبة، مهما كان ثقلها أو درجة عنفها.
ورغم اتفاق غالبية الفلسطينيين على شرعية هذه القضية وأهميتها من حيث المبدأ، فإن هناك تبايناً في زاوية النظر إلى التفاصيل، إذ أن قطاعاً معتبراً من الفلسطينيين يعتقد بضرورة وجود ضوابط عملية فنية تنفيذية تحكم مسار الفعل الاستشهادي للفتاة أو المرأة الفلسطينية، رغبة في صيانة كرامتها وحفظ شرفها وعرضها، والنأي بها عن التورط في عمليات تفتقر إلى الدراسة الجيدة والتخطيط اللازم، قد تكون أقرب إلى المغامرة والتهور غير المحسوب، إمعاناً في تقليل الخسائر إلى أقل مدى، وخاصة في الجانب النسائي، لأهميته العظمى وحساسيته البالغة لدى الفلسطينيين.
فهناك من يرى أن الأخذ بكافة الأسباب الموضوعية والفنية لضمان نجاح العملية شرط لازم للحفاظ على المرأة وصيانة شرفها وكرامتها، وعدم التفريط بها تحت تأثير التدبير السطحي والتخطيط غير المتقن، الذي قد يودي بها دون نتائج حقيقية، أو يقدمها فريسة وراء قضبان الاحتلال، مما يحرم المجتمع الفلسطيني من إتمام وإبراز نماذج متكاملة في هذا المجال، ويجعل من تكرار هذه الأعمال، القريبة من عشوائية التخطيط والتنفيذ، عامل تصدع واهتزاز للروح المعنوية في الشارع الفلسطيني.(1/15)
لذا فإن كثيرين يرون في العملية الاستشهادية التي نفذتها المجاهدة ريم الرياشي نموذجاً راقياً متكاملاً يمكن أن يحتذى، ويشكل عامل اقتداء لدى كافة الفتيات والنساء الفلسطينيات اللاتي يفكرن في خوض غمار العمل الاستشهادي.
فالعملية جرت في معبر بيت حانون "ايرز"، أي أن مكان تنفيذ العملية لا يبعد سوى كيلومترات معدودة عن مكان سكن الشهيدة ريم، وبالتالي فهي ليست بحاجة إلى الابتعاد كثيراً والخروج منفردة بعيداً عن أهلها وأبناء شعبها.
ومن جهة أخرى، فإن تنفيذ العملية قد تم بنجاح دون أن تضطر ريم إلى خلع حجابها وزيها الشرعي، أو كشف أي جزء من عورتها.
ومن جهة ثالثة فإن العملية كانت من دقة التخطيط وإتقان التدبير وفاعلية التنفيذ بمكان، بحيث شكل نجاحها الباهر صفعة للصهاينة، واستهزاءً بنظريتهم الأمنية وإجراءاتهم العسكرية.
ولئن كان في التخلي عن الحجاب الشرعي رخصة شرعية في ثنايا السعي لتنفيذ العملية، فإن عملية الشهيدة ريم كانت نموذجاً متكاملا، لا يضيره فقد أو ترك عنصر من عناصره وقت الحاجة والضرورة التي تحددها ظروف الزمان والمكان والحال.
ولعل أكثر المفارقات إثارة للدهشة والاستغراب ما تنبري بعض المؤسسات النسوية ذات الاتجاهات العلمانية واللادينية ذات التمويل الأجنبي، واضح الأغراض والأهداف، لتسويقه من اتهامات جاهزة وأفكار مختلقة بحق التيار الإسلامي الفلسطيني تحديداً، تتصل بموقفه من حرية المرأة وحقوقها الأساسية وانخراطها في الحياة العامة.
اللافت تماماً أن تلك الاتهامات والأقاويل لم تنقطع يوماً، ولم يكل أو يمل أصحابها من كثرة الترديد والتسويق، إلا أن وتيرتها لم تكن موحدة في مختلف الظروف والأوقات، فقد كانت تنشط بين حين وآخر، وفترة وأخرى، استناداً إلى بعض الأحداث والوقائع التي قد تستغل بعض جزئياتها أو سياقاتها، كمدخل لتجديد التهم وبعث لأزمات الطعن والتشكيك من جديد.(1/16)
قد يظن البعض أن الاتهامات والطروحات التي درجت تلك المؤسسات على إطلاقها تستهدف التيار الإسلامي فحسب، كونه السد المنيع والحاجز الصلب وحجر العثرة الضخم أمام إنفاذ مخططاتها وأهدافها وأفكارها، وتحويلها إلى تطبيقات حية على أرض الواقع، وما دري كثيرون أن الهدف الأساسي الذي يتربع على فكر وهمّ ونشاط هذه المؤسسات والجمعيات ينصب على المجتمع بأسره، وتغيير الكثير من الأنماط السائدة فيه لجهة أنماط جديدة مستوردة من الخارج، لا تراعي الجذور التاريخية أو التقاليد المجتمعية أو المبادئ الدينية الإسلامية.
ومن الملاحظ أن الفترة الزمنية التي أعقبت نشأة السلطة الفلسطينية وعودة جزء من أهلها إلى أرض الوطن قد شهدت العصر الذهبي لهذه المؤسسات والجمعيات، فقد استثمرت التضييق الكبير والحصار المشدد الذي فرض – آنذاك- على الحركة الإسلامية، والدعم والانفتاح الذي تلقته من قبل السلطة الفلسطينية، بموازاة الموازنات المالية الكبيرة التي ضخت إليها من خلال المؤسسات والاتحادات الأجنبية، لتأسيس مخططات واسعة، والمباشرة في تنفيذ حملات كبيرة طالت الكثير من القضايا الاجتماعية الحساسة، ومست بالكثير من الثوابت الدينية والمسلمات الاجتماعية.(1/17)
وجاءت انتفاضة الأقصى لتشكل معول هدم للبناء الهش الذي شيدته تلك المؤسسات والجمعيات، وعنصر إحباط للمخططات والأهداف التي بدأ بعضها في الظهور، واحتلال حيز كبير في خانة الفعل والوجود، حتى أن بعضها أحدث ضجة واسعة وجدلاً حاداً، فكانت الانتفاضة كابحة لجماحها، مفرملة لاندفاعتها، موقفة لانطلاقتها، مهددة لأنشطتها، بل يمكن القول، وبكل موضوعية، أن الانتفاضة شكلت تهديداً لأسس وقواعد وجودها، فما بات أحد يلتفت إلى أفكار وطروحات تجاوزتها الأحداث، وعفى عليها الزمن، ولم تعد ذا بال أو مثار اهتمام لصالح التطورات والتغيرات التي حملتها الانتفاضة، وما أفرزته من تعزيز للقيم الاجتماعية وترسيخ للمبادئ والثوابت الدينية الإسلامية، لتعود كل جهة إلى حجمها الطبيعي، وتنكفئ تلك المؤسسات والجمعيات على نفسها، تحيط بها القلة القليلة من أفرادها وموظفيها والمنتفعين منها دون أية فاعلية أو تأثير.
المبحث الثاني
الإسلام والمرأة الفلسطينية
كثيراً ما حاولت جهات ومحافل ومؤسسات، داخلية وخارجية، عزو بواعث اندلاع الانتفاضات الفلسطينية المختلفة، ومن ضمنها الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى، إلى أسباب مادية أو اقتصادية بحتة، إما جهلاً بحقيقة تفجرها واندلاعها، وهو احتمال ضعيف لا يؤخذ على محمل الجدّ، وإما رغبة في تشويه دوافعها والتشكيك بأهدافها، وهو الاحتمال الأقوى والأكثر رجحاناً.
فلا يخفى على أحد أن أي ثورة أو هبة أو انتفاضة فلسطينية تحمل في طياتها بذور انقلاب على جملة من الأوضاع والظروف والوقائع التي تناقض مصلحة الشعب الفلسطيني، وتعاكس سيره الواثق المطرد نحو الحرية والاستقلال، مما يعني – عملياً– إعادة تشكيل لحقائق ومعطيات وظروف الواقع المعاش بما يتناسب مع آفاق السعي نحو الحرية والخلاص والاستقلال، وينسجم مع التطور النفسي والقيمي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في ظل الوضع الجديد.(1/18)
ولا يخفى على أحد – أيضاً– أن تلك التطورات، وما تحمله من تغيرات وإفرازات، تقف موقفاً مناقضاً للعديد من الأجندة والبرامج والمخططات لبعض القوى والجهات والأطراف، الأجنبية تحديداً، التي ترى فيها تهديداً لمصالحها ومخططاتها وأهدافها المرسومة.
ومن هنا تبدو حملة التشويه والتشكيك التي ترافق أية ثورة أو انتفاضة فلسطينية مفهومة الأسباب والدوافع، واضحة الغايات والأهداف.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى الراهنة جاهرت بعض الأطراف بمواقفها المشككة إزاء أسباب ودوافع ومنطلقات تفجر الانتفاضة، أملاً في إضعاف التعاطف العربي والدولي مع الشعب الفلسطيني المنتفض، وعزل الفلسطينيين عن عمقهم الاستراتيجي ودوائر دعمهم وإسنادهم، وحصرهم في أضيق نطاق ممكن، تمهيداً للاستفراد بهم والتغول عليهم دون أي داعم أو نصير.
وكما فشلت في السابق، فان سياسات الحرب النفسية والمعنوية والإعلامية ذات الطبيعة العدوانية قد آلت وستؤول إلى الفشل والإخفاق تحت مطارق الوعي المستفيض والفهم المستنير الذي بلغه الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية وغيرها من الشعوب الحرة في العالم، فقد بات الجميع على إدراك تام وإلمام كامل بحقيقة الصراع مع الصهاينة المحتلين، وأسبابه ودوافعه، وغاياته وأهدافه، وقواعده ومنطلقاته، والجهات والفئات المؤثرة فيه، ومن يعمل لصالح الوطن والقضية ممن يجترح العكس والنقيض.
واليوم، لا تجد طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً، يجهل حقيقة الأمور، وماهية الأسباب والدوافع التي أشعلت أوار الانتفاضة، ودور الإسلام العظيم في غرس بذرتها منذ البداية، وإروائها وتعهدها وإذكاء نيرانها وتصعيد لهيبها حتى غدت ثورة عارمة أربكت قوى الشر والتغطرس، وأرهبت الاحتلال وجيشه وحكوماته المجرمة، وباتت أكثر اقتراباً من تحقيق أهدافها المنشودة في ظل التنازل الصهيوني الواضح، المتمثل في الاستعداد للهرب من قطاع غزة وإخلاء مستوطناته.(1/19)
ولا شك أن نظرة متفحصة، متأملة، للمشهد الفلسطيني المقاوم الراهن في ظل الانتفاضة كافية لتسليط الضوء على الآثار والتفاعلات والنتائج التي خلفها الإسلام ومبادئه القويمة وقيمه الناصعة ونهجه المستقيم على الإنسان الفلسطيني المقاوم، وما يعيشه اليوم من تحدّ متعاظم وصمود أسطوري واستعداد بالغ للمقاومة والجهاد حتى الشهادة والرمق الأخير.
ولا ريب أن الفتاة والمرأة الفلسطينية التي تشكل شطر المجتمع الفلسطيني قد نالت حظها الكبير وقسطها الوافر في إطار التعبئة الإيمانية والتربية العقائدية التي نشطت الحركة الإسلامية لتكريسها في أوساط الفلسطينيين، وأثمرت نماذج نسوية مشرفة، تلتصق بعقيدتها، وتحافظ على شرفها، وتعتني بزوجها وبيتها وأطفالها، وتمارس في الوقت ذاته دورها في الدفاع عن وطنها والرد على الجرائم الصهيونية المرتكبة بحقه، بعيداً عن دعاوى التحرر وانفتاح المرأة الزائفة التي باتت هزيلة، مهترئة، أكثر من أي وقت مضى.
ويمكن ملاحظة العديد من المظاهر والمؤشرات ذات الصبغة الإسلامية الواضحة التي ميّزت طبيعة دور ومشاركة المرأة إبان الانتفاضة الراهنة، يمكن إجمالها فيما يلي:
أولاً: الالتزام بالزي الشرعي الإسلامي الذي طفحت به شوارع الوطن، وانحسار مظاهر التبرج والسفور.
ثانياً: عصبات الرأس وأوشحة الصدر المزينة بكلمة التوحيد والشعارات الإسلامية، التي تكثر الفتيات والنساء من التحلي بها وتقلدها في المناسبات الوطنية والإسلامية المختلفة.
وقد لوحظ أن عدداً من الاستشهاديات قد تقلدنها، والتقطن الصور التذكارية بها، قبل الانطلاق إلى عملياتهن الاستشهادية.
ثالثاً: حمل المصاحف الشريفة في مختلف المهرجانات والمناسبات الوطنية والإسلامية، ورفعها عالياً، كدلالة على الرغبة في تحكيم كتاب الله في حياة الناس، والارتضاء بمنهجه – سبحانه- دون المناهج الوضعية البالية.(1/20)
وقد لوحظ أن عدداً من الاستشهاديات قد حملن المصاحف في صور تذكارية، وأثناء إلقائهن وصاياهن قبل الانطلاق لتنفيذ عملياتهن.
رابعاً: الوصايا الرائعة ذات الصبغة الدينية الإسلامية التي ألقتها الغالبية الساحقة من الاستشهاديات، وما تضمنته من ألفاظ وعبارات دينية صريحة، وما يعنيه ذلك من دور فاعل للإسلام في صياغة شخصية الفتاة أو المرأة الاستشهادية، ودفعها للمقاومة والاستشهاد.
خامساً: التزام عدد كبير من الاستشهاديات بالتهجد وقيام الليل ليلة التنفيذ، والتزام البعض بالصيام يوم تنفيذ العملية.
سادساً: حسن الخلق، وبر الوالدين الذي ميز الاستشهاديات، وحسن معاملة الأهل والأسرة والعائلة والمحيط الاجتماعي كدلالة على عمق اتصالهن بالمعاني والأخلاق والقيم الإسلامية.
سابعاً: العلو في مدارج السالكين نحو الله تعالى، والارتقاء إلى درجات عالية رفيعة في مستوى حب الله تعالى، كما في الشهيدة البطلة ريم الرياشي بوجه خاص، التي أكدت مصادر فلسطينية وثيقة الاطلاع أنها قد أعدت وصيتين مصورتين متتابعتين قبل استشهادها، وأن قيادة كتائب القسام اعتذرت عن اعتمادهما الواحدة تلو الأخرى، لما تحويانه من كلمات وعبارات عميقة جداً، وبالغة الإيغال في حب الله تعالى، بما يصعب فهمه واستيعابه على كثير من الفلسطينيين، فكانت الوصية المصورة الثالثة أقل حدة، وأخف درجة، وأوضح كلاماً، حسب طلب قيادة المقاومة، تلك الوصية التي حملت كلماتها العزيزة الشهيرة: أحب طفليّ جداً، فهما أحب وأغلى ما أملكه في حياتي، ولكن حبي لله تعالى أكبر من حبي لهما.(1/21)
ما سبق تناوله من مظاهر ومؤشرات يجزم – بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل- بمدى تأثر وانصباغ والتزام المرأة الفلسطينية بمبادئ وتعاليم الإسلام، وهي حقيقة واقعة كبرى أحبطت الكثير من المخططات المبيتة التي استهدفت سلخ المرأة الفلسطينية عن دينها وهويتها الإسلامية، وعزلها عن المعين الإسلامي الذي لا ينضب قيماً وأخلاقاً وتعاليماً وأحكاماً ومعاملات، وحصر علاقتها به، وتعاملها معه، في أضيق نطاق ممكن، وفي زاوية تعبدية هامشية لا تعادي المشاريع النسوية المستوردة التي تجمّل نفسها وتستر قبحها وعوراتها بعبارات الحضارة والمدنية والتحرر والانعتاق من التشدد والرجعية.
وإن شئت النماذج الدالة على ارتفاع بنيان المنهج الإسلامي، وأثره في تربية وصقل النفوس، وحثها على البر والتقوى والأخلاق الحميدة، وتغذيتها بروح الجهاد والثورة والمقاومة والتضحية في سبيل المبدأ والعقيدة والوطن والمقدسات، فهي لا شك كثيرة في مجتمعنا الفلسطيني، لا مجال لحصرها وعدها، ممتدة امتداد حدود الوطن وأرضه الطيبة الحبيبة، ما بين شهيدة أو أسيرة أو مقاتلة مجاهدة أو خنساء كريمة، لكننا سنكتفي بالإشارة إلى دور الإسلام في صياغة شخصية ثلاثة من الاستشهاديات كنماذج مباركة تؤكد عمق وامتداد الصحوة الإسلامية العارمة في ربوع فلسطين:
أولاً: الشهيدة ريم الرياشي:
... بدون مبالغات، يمكن القول أن الشهيدة ريم الرياشي أقرب ما تكون إلى الزاهدة المتصوفة المتعبدة، التي بلغت مراتب تعبدية عليا وتركت متاع الدنيا وطيبها وزينتها وراء ظهرها، وسيّرت حياتها وفقاً للمنهج الذي ارتضته وللأهداف التي اختطها لنفسها، ولم يكن هذا المنهج إلا منهج الإسلام، ولم تكن هذه الأهداف إلا أهدافاً دينية إسلامية بحتة ليس للدنيا فيها أي نصيب.(1/22)
فمن يتأمل سيرتها الذاتية، ويطالع تفاصيل حياتها، يدرك أنه أمام امرأة متميزة في كل شيئ، امرأة من أولياء الله وعباده المقربين، في حياتها الأولى، وفي مراحل دراستها، والتزامها بالمسجد وتشربها للمفاهيم الإسلامية وعطائها الدعوى، واختيارها للزوج الصالح، وتربيتها لطفليها، ومشوارها التعبدي، ورحلتها الجهادية، ومن يدقق في الكلمات النورانية التي حملتها وصيتها الخالدة يدرك تمام الإدراك أن تلك المرأة قد جمعت مزايا التفرد في شخصها؛ لتسمو بها على كافة بنات جنسها، وترتفع على جميع أقرانها، وتصبح بحق سيدة الاستشهاديات.
ثانياً: الشهيدة دارين أبو عيشة:
كانت شديدة التدين والالتزام، تزن تصرفاتها وسلوكياتها ومواقفها بميزان الإسلام، حتى غدت نموذجاً لغيرها من الفتيات سواء في جامعة النجاح التي تدرس فيها أم في المنطقة التي تقطنها.
ونتيجة لفهمها العميق لتعاليم دينها، ووعيها الإسلامي اللافت، فقد جعلت من نفسها شعلة متقدة في سبيل فكرتها ومبادئها الإسلامية، تدعو إلى الحق وتنصره وتنافح عنه، وتناصب الباطل العداء وتقاومه وتتصدى له، دون أي وجل أو حساب للمغارم والتضحيات التي يمكن أن تبذلها في سبيل أفكارها ومبادئها.
ولم تكتف الشهيدة دارين بواجب الدعوة، بل حملت إلى جواره الجهاد والفداء في سبيل الله، ولم تيأس حين أوصدت بعض الأبواب في وجهها، وظلت على سعيها الدؤوب وجهدها الحثيث لتوفير أدوات وآلية الجهاد حتى يسر الله لها سبل النجاح والتوفيق، فانطلقت تفدي مبادئها وعقيدتها، وترد الظلم والأذى عن أهلها وأبناء شعبها، دون أن تلتفت للمظلة التي وفرت لها الأدوات المادية والفنية لنجاح العمل، ففهمها وهمّها وأهدافها وطموحها أكبر شأناً وأوسع مدى وأفسح مجالاً من تلك الوسائل والآليات.
ثالثاً: الشهيدة هنادي جرادات:
حافظت على عهدها مع ربها، وأوفت بما نذرت حياتها من أجله، ولم يغب عنها هدفها الكبير حتى اللحظة الأخيرة.(1/23)
تنقلت هنا وهناك، وفتحت لها أبواب الدنيا للعمل والتوسع في الطيبات والمباحات، لكنها لم تنس عهدها، فبقيت عينها ترنو نحو الآخرة.
وفي ليلة التنفيذ كانت الشهيدة هنادي مثالاً رائعاً للفتاة المؤمنة الملتزمة شديدة التدين والتقرب إلى الله، فقد أمضت ليلتها في صلاة وقيام ودعاء و تضرع إلى الله تعالى، وحين أشرقت أنوار الصباح عليها خرجت صائمة، مسرعة إلى حيث هدفها الذي انتظرته طويلاًَ، لتعبر الطريق نحو الآخرة، بكل شجاعة وإقدام وإباء ويقين.
كان ذلك غيض مقل من فيض العطاء النسوي الكبير الذي حملته انتفاضة الأقصى، وما تركه الإسلام من آثار عميقة وبصمات غائرة صقلت شخصية المرأة الفلسطينية، وأعادت تشكيلها وبناءها عقب سني أوسلو العجاف التي حاولت وأد طابعها الإسلامي، وإلحاقها بالشخصية الغربية التي لا تمت لقيم الخلق والفضيلة والإنسانية بصلة، ولا يسد لهاثها إلا المادة، أو يطفئ غلواءها إلا الشهوات.
المبحث الثالث
المرأة الفلسطينية والعمل المقاوم.. رؤية فقهية
... الإسلام عظيم في كل شيئ، فكما هو عظيم في آدابه وأخلاقه فهو عظيم في أحكامه ومعاملاته، وكما هو عظيم في تنظيم عباداته وشئونه الدينية فهو عظيم في رسم وتنظيم كافة الشئون الحياتية، على أساس من العدل والقسطاس المستقيم.
فلا فرق ولا تمييز بين أحد وأحد، فالحدود واضحة، والواجبات مفهومة، والحقوق محفوظة، وكل شيئ عنده- سبحانه وتعالى- بقدر ومقدار.
وقد نالت المرأة في الإسلام نصيبها وحقها كاملاً غير منقوص، فلم يجر عليها ما جرى للأمم السابقة التي اضطهدت المرأة، واعتبرتها كماً مهملاً، أو نوعاً من سقط المتاع، ولم يجر عليها – أيضاً– ما يجري على المرأة في الدول والأمم الأجنبية التي تدعي الحضارة والرقي والتقدم، فيما المرأة – في تصورها– لحم وجسد ومتعة وزينة وأضواء فحسب دون أية مقومات إنسانية أو أخلاقية.(1/24)
وخلافاً لكل حملات التشكيك والاتهام الغربية التي روجت ولا زالت الكثير من الأباطيل بحق قضايا المرأة وموقف الإسلام منها، فإن كبار الفقهاء والعلماء المسلمين قد أخذوا على عاتقهم تفنيد كافة الادعاءات والرد على جميع الأباطيل التي حاولت تشويه المرأة المسلمة، وإلحاقها بقطار التخلف والرجعية.
وحين انبرى بعض المشككين والجهال لإثارة التساؤلات المغرضة إثر العمليات الاستشهادية التي نفذتها فتيات وسيدات فلسطينيات، انبرى كبار العلماء - بالمقابل- لتوضيح الصورة وجلي الموقف ووضع الأمور في نصابها الصحيح، إن بشأن طبيعة مشاركة المرأة ذاتها في العمليات الاستشهادية، أم بشأن اضطرار المرأة للسفر وقطع الأميال تجاه ديار وكيان العدو دون محرم، أم بشأن اضطرار المرأة لكشف العورة أو جزء منها أو التخلي عن حجابها في طريقها لتنفيذ مرادها.
وفي هذا السياق يقول العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:"أجمع الفقهاء على أن العدو إذا دخل داراً من ديار المسلمين فإن الجهاد يكون فرض عين على الجميع، فتخرج المرأة دون إذن زوجها والولد دون إذن أبيه، وعلى هذا فمشاركة المرأة في فلسطين في العمليات الاستشهادية بعد أن اغتصب اليهود الأرض واستباحوا الحرمات ودنسوا المقدسات قربة من أعظم القربات، وموت المرأة في هذه العمليات شهادة في سبيل الله ولها ثواب المجاهدين إن شاء الله، وعمل هؤلاء الأخوات الاستشهاديات عمل مشروع يباركه الدين ويؤيده، وهو من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله، لأنه يرعب أعداء الله ويغيظ الكفار".(1/25)
ففي الحديث الشريف:"إنما النساء شقائق الرجال"، وفي كتاب الله الكريم يقول الله تعالى" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (71 التوبة)، حيث تدل الآية على أن المؤمنات بجوار المؤمنين جنباً إلى جنب في الفرائض الدينية والاجتماعية العامة، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الفرائض الأخرى مثل الصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله حتى يستحق الجميع رحمة الله تعالى".
ويتابع القرضاوي: "يقول تعالى تعقيبا على دعوات أولي الألباب من أهل الإيمان: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى، بعضكم من بعض، فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله، والله عنده حسن الثواب). (195 آل عمران)
فبينت هذه الآية الرائعة: أن الله لا يضيع أجر عامل عمل عملا فأحسن من الجنسين: ذكر أو أنثى، ثم قررت حقيقة في غاية الأهمية، وهي: أن الرجل والمرأة بعضهم من بعض. أي أن الرجل من المرأة، والمرأة من الرجل، هو يكملها، وهي تكمله لا يستغني عنها، ولا تستغني عنه، فهناك تكامل بينهما لا تعارض ولا تضاد.
ثم قررت الآية ألواناً من الأعمال يثيب الله عليها من الجنسين: من الهجرة واحتمال الأذى، والقتال والقتل في سبيل الله، (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا … ) وهذا يشمل كل من عمله من ذكر أو أنثى كما نصَّت الآية.(1/26)
وفي صحيح البخاري (باب غزو النساء وقتالهن) وذكر فيه ما قامت به أمهات المؤمنين ونساء الصحابة من مباشرة القتال حينا، ومساعدة المقاتلين أحيانا، في غزوة أحد وغيرها من الغزوات، كما ذكر حديث أم حرام بنت ملحان، حين نام الرسول الكريم عندها، فرأى رؤيا سرته، وأخبرها بها، قال: رأيت أناسا من أمتي يغزون البحر ملوكا على الأسِرَّة، أو كالملوك على الأسِرَّة، فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم! فقال: أنت منهم.
فانظر إلى طموح المرأة المسلمة إلى أن تركب البحر، وتكون مع الغزاة في سبيل الله، وتشجيع الرسول لهما".
ويمضي الشيخ العلامة يوسف القرضاوي قائلاً:"وقد قرر الفقهاء أن "جهاد الدفع" أي جهاد المقاومة للغزاة تشارك فيه المرأة مع الرجل جنباً إلى جنب دون حاجة إلى إذن الرجل، بخلاف "جهاد الطلب" الذي يكون فيه الأعداء في ديارهم ونحن الذين نغزوهم ونطلبهم من باب ما يسمونه "الحرب الوقائية"، فهذا الجهاد جهاد اضطرار لا جهاد اختيار، إذ لا يسع الأمة أن تدع كافراً غازياً يحتل أرضها ويذل أهلها وهي ساكتة تتفرج، ولهذا أجمع الفقهاء من جميع المذاهب والمدارس الإسلامية أن الجهاد في هذه الحالة فرض عين على أهل البلد المغزو جميعاً، وأن مقاومة الغازي بكل ما يقدرون عليه فريضة دينية، وأن الحقوق الفردية هنا تسقط أمام حق الجماعة في الذود عن كيانها والدفاع عن حرماتها، لهذا قال الفقهاء : تخرج المرأة لدفع العدو بغير إذن زوجها، والولد بغير إذن أبيه، والخادم بغير إذن سيده، والمرؤوس بغير إذن رئيسه، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".(1/27)
ويضيف العلامة القرضاوي:" ومن هنا نرى أن المرأة في جهاد الدفع والمقاومة، أي حين يكون الجهاد فرض عين، يجب أن تسهم مع الرجل بما تقدر عليه، فهي شقيقته في السراء والضراء وفي السلم والحرب، ولا جناح عليها أن تخلع خمارها في البرهة الأخيرة قبل العملية تضليلاً للأعداء وحتى لا تلفت نظرهم إليها، فهذا من أحكام الضرورات التي رعتها الشريعة الإسلامية، لأنها شريعة تراعي الواقع، وتنزل على حكم الضرورة، ولا تحلق في أجواء الخيال " فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "(173 البقرة)
ومن القواعد المقررة: أن ما حرم بذاته يباح للضرورة، وما حرم لسد الذريعة يباح للحاجة التي ينزلها الفقهاء منزلة الضرورة.
وتحريم كشف الرأس ونزع الخمار ونحوهما هو من باب تحريم سد الذريعة إلى كبيرة الزنا، فهو الذي حرم لذاته، ولهذا أجاز الفقهاء كشف المرأة لعورتها أمام الطبيب المداوي لحاجتها إلى التداوي ولو في الأمراض النسائية المعروفة، فلا حرج إذن على المسلمة الاستشهادية إذا اضطرت لكشف حجابها من أجل المهمة الكبيرة التي كلفت بأدائها".
ويوضح القرضاوي أنه:"من المقرر كذلك في فقه تعارض المصالح أنه إذا تعارضت مصلحة ضرورية، ومصلحة حاجية أو تحسينية قدمت المصلحة الضرورية، والدفاع عن الوطن وحرماته في مواجهة الأعداء الغزاة من المصالح الضرورية ولا شك، في مقابلة مصلحة ستر رأس المرأة وهي مصلحة تحسينية، أو حتى حاجية على أقصى تقدير، كما أنها مصلحة جزئية في مقابلة مصلحة كلية، ومصلحة فردية خاصة، في مقابلة مصلحة جماعية عامة".
ويتناول الشيخ القرضاوي قضية "المحرم" فيقول:" أما قضية المحرم فنحن نقول إن المرأة تسافر إلى الحج مع نساء ثقات وبدون محرم ما دام الطريق آمناً، فلم تعد المرأة تسافر في البراري والصحاري بحيث يخشى عليها، فهي تسافر في القطار أو الطائرة".(1/28)
ويوضح الدكتور القرضاوي:"من حيث أصل الحكم الشرعي في جهاد المرأة في فلسطين فلا إشكال فيه لدى الحركة الإسلامية في فلسطين، بل هو واجب، ولكن هنالك اعتبارات عملية وميدانية لابد من مراعاتها لأداء هذا الواجب على أحسن وجه وبأقل الخسائر المعنوية والمادية، مثل الخشية من وقوع المرأة في أسر العدو، وهذا ما يجعل المجاهدين يعطون الأولوية للشباب من أجل عدم تعريض النساء لأذى العدو، ولكن إذا كان الواجب أو نجاح العملية الجهادية والنكاية بالعدو يتطلب أن يكون المنفذ فتاة فلا مانع لدى الحركة الإسلامية في فلسطين في ذلك، فالمرأة في تاريخ الإسلام ومنذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم شاركت في القتال والمعارك، بل قاتلت بالسيف إلى جانب الرجل".
ومن جهته يؤكد الشيخ على أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف أنه "يجب أن يعلم الجميع في مشارق الأرض ومغاربها أنه إذا وطئ العدو أرضا من أراضى المسلمين ولو شبرًا واحدًا لاحتلاله واغتصابه، أصبح الجهاد فرض عين على الرجل والمرأة والعبد والسيد، فتخرج هنا المرأة بدون إذن زوجها والعبد بدون إذن سيده، حتى المدين يخرج بدون إذن دائنه"، مشدداً على أن العمليات الاستشهادية النسائية عمل مشروع، ولا خلاف فيها بما أوجبه الإسلام على المرأة وتوافرت فيه شروط فرضيته بالنسبة للمرأة أو الرجل على السواء، فموت المرأة في المعركة شهادة في سبيل الله، وتنال ثواب المجاهدين الشهداء من الرجال.(1/29)
ويتساءل الشيخ أبو الحسن:"إذا انتهكت الأعراض وسلبت الأرض فماذا تنتظر المرأة؟! هل تسكت، لكي يأتي عليها الدور في الانتهاك؟، فنساء المسلمين في العهود الأولى كن يجاهدن في الأمور التي تسند إليهن مثل التمريض وتقديم العون للرجال في الحرب وأحيانًا كن يقمن بالجهاد مثل الرجل، فعمة الرسول صلى الله عليه وسلم نزلت من حصنها وقاتلت رجلاً من الكافرين كان قد تسلق حصن النساء وقتلته لكنها التزمت بآداب الإسلام في عدم الكشف عن الرجل، وتعريته ونزع سلاحه وطلبت من حسان بن ثابت أن يذهب وينزع سلاح هذا الكافر.
وأسماء بنت يزيدبن السكن شاركت في إحدى المعارك ضد الروم، وقتلت بعمود خيمتها رجالاً من الروم .
فهذه نماذج نقدمها مع الشهيدات الفلسطينيات للعالم أجمع وللفتيات المسلمات، ليعلموا أن المرأة المسلمة دورها هام وكبير في مسألة الجهاد ضد المعتدين المغتصبين".
ويقول الشيخ السيد وفا الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف:"إذا داهم الأعداء بلادنا وجب الجهاد على الرجال والنساء، وتخرج المرأة بدون إذن وليها وهذا عذر عام للمرأة أن تخرج فيه للجهاد دون إذن أحد".
ويوضح الشيخ وفا أن التاريخ الإسلامي سجل مواقف مجيدة لكثير من النساء المسلمات المجاهدات،مشيراً إلى أن جهاد المرأة قد يكون ماديًا وقد يكون معنويًا، ونفسيًا، بل لقد اشتركت بعض النساء المسلمات في ميدان المعارك المسلحة أمثال : السيدة عائشة زوجة الرسول وأم سليم والربيع بنت معوذ وأم عطية الأنصارية ونسيبة بنت كعب.
فقد ورد عن أنس (رضى الله عنه) لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد رأيت عائشة بنت أبى بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانها في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم.(1/30)
وتقول أم عطية الأنصارية "غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى.
ويؤكد الشيخ وفا أن ما قامت به بعض الفتيات الفلسطينيات المجاهدات من عمل استشهادي يعد رسالة خطيرة وجديدة للإسرائيليين بأن المسلمين مستمرون في جهادهم حتى استرداد الأرض حتى لو قتل الرجال فسوف تقوم النساء بما يقوم به أعتى الرجال.
في ذات السياق يشدد الشيخ محمد الجزار عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف على أن "هناك صفحات ناصعة من تاريخ الجهاد النسائي تبرهن على مدى مشروعية الأعمال البطولية التي قامت بها الفتيات الفلسطينيات.
فعن الربيع بنت معوذ قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسقى القوم ونخدمهم ونداوي الجرحى والقتلى إلى المدينة.
ووقفت نسيبة بنت كعب بجانب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهى تحمل السلاح وتحارب الأعداء حين انهزم المسلمون بسبب مخالفتهم الخطة التي رسمها الرسول وكان لصمود الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعدد من المسلمين ونسيبة الفضل في عودة المسلمين إلى ميدان المعركة.
ومن قبل قامت أسماء بنت أبى بكر بدور الفدائية والبطولة فقد كانت تراقب الكفار أثناء هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم يرافقه أبوها، وقد شقت خمارها نصفين ، فكانت تضع في أحد النصفين الطعام للرسول ولأبيها وتقوم بتوصيله لهما ولذلك سميت بذات النطاقين.(1/31)
وقامت خولة بنت الأزور بأدوار بطولية فدائية تحت قيادة خالد بن الوليد في حرب الروم. فقد قامت بعمل فدائي رائع حينما أنقذت شقيقها (ضرار) من أسر الروم، ومما يؤثر عنها أنها حاربت في إحدى المعارك وهى ملثمة وأبلت بلاءً حسنًا في القتال، فأعجب خالد بشجاعتها وبعد انتهاء المعركة طلبها وهو يعتقد أنها رجل وأخذ يسأله من يكون فأنكرت ولما رفع اللثام عن وجهها عرف أنها امرأة. وهذا يؤكد أن خولة كانت تجاهد في سبيل الله ولنصرة المسلمين، وإعزاز الإسلام لا طلبًا للشهرة والفخر ولا الوصول إلى مراكز القيادة، ولا للحصول على الأوسمة والنياشين".
ويضيف الشيخ الجزار:"نذكر عنصرًا جديدًا من عناصر الجهاد النسائي وهى زوجة سيف الدين قطز سلطان مصر، حيث ذهبت معه لملاقاة العدو، وكانت تحرس زوجها بقلبها وعقلها وعينيها، وبينما كان زوجها يقاتل الأعداء في شجاعة وبسالة أدركت بحسها وبذكائها أن التتار يدبرون مؤامرة لقتل زوجها فقذفت بنفسها أمام زوجها لتحميه ممن يشدون عليه لقتله شخصيًا كي يضعف عزيمة المسلمين بقتل قائدهم الشجاع فأصابتها الطعنات فسقطت وهى تسبح في دمائها وماتت شهيدة وقد أفدت زوجها والجيش الإسلامي بحياتها".
ويؤكد الشيخ الجزار أن ما سبق"يعتبر نماذج حية من جهاد المسلمات ضد أعداء الإسلام والمغتصبين لأرض المسلمين وأننا بدورنا ندعو كل بيت في فلسطين أن يفتخر بهؤلاء الشهيدات اللاتي تحدين قوى الطغيان في العالم، فالحمد لله، أن دماء المسلمين مازالت دفاقة، والإسلام مازال يغذي الروح والحمية في نفوس شباب وفتيات الأمة".
ويرى الشيخ المستشار فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء أنه"من حيث الأصل ليس هناك فارق في وجوب الجهاد على الرجال والنساء في مثل حالة المسلمين في فلسطين المحتلة؛ لأن الصهاينة احتلوا بلادهم، وفي هذه الحالة يصبح الجهاد فرض عين على الجميع حتى أن المرأة تخرج للجهاد بدون إذن زوجها".(1/32)
ويعتقد الشيخ مولوي أن "العمليات الاستشهادية نوع من أنواع هذا الجهاد، وهو النوع الميسور؛ نظرًا لعدم التكافؤ في السلاح بين الفلسطينيين والصهاينة، فإذا أرادت المرأة المسلمة أن تشارك في عملية استشهادية جاز لها ذلك كما يجوز للرجل سواء بسواء".
وبصدد تعارض مسألة خروج المرأة لتنفيذ العملية الاستشهادية مع التزامها بحجابها الشرعي يوضح المستشار مولوي أن" هذه المسألة تحمل تعارضاً واضحاً بين واجبين:
الأول: واجب المرأة في الجهاد والإثخان في العدو.
الثاني: واجب المرأة في التزام الحجاب الشرعي والاحتشام في العلاقات مع الرجال.
ويتزاحم الواجبان بحيث إنها من أجل النجاح في القيام بواجبها الجهادي، والدخول بين الصهاينة دون لفت نظر إلى أنها امرأة مسلمة، فهي مضطرة إلى خلع الحجاب والالتزام بالملابس المعتادة في الأعراف اليهودية، وإذا لم تفعل ذلك فسيكتشف أمرها، وقد لا تتقدم أصلاً إلى مثل هذه العمليات؛ لأن أمرها سينكشف بلا جدال، والقاعدة عند الفقهاء المحققين أنه إذا تزاحم واجبان شرعيان قدم الأهم على المهم، فالواجب الجهادي يتعلق بحفظ الدين، وحفظ النفس، وهي من الضروريات في سلم الأحكام الشرعية.
أما واجب الحجاب والاحتشام فهو يدخل فيما يسميه الفقهاء التحسينيات، وعند الموازنة يرجح الأول على الثاني".
ويخلص الشيخ مولوي إلى القول أنه "إذا كانت المرأة المسلمة تريد القيام بعملية استشهادية للتنكيل بالصهاينة المعتدين، ونيتها في ذلك خالصة لله عز وجل، فإنه يجوز لها أن تخفف من حجابها واحتشامها بمقدار ما تدعو الضرورة إلى ذلك، والقاعدة الفقهية أن الضرورة تقدّر بقدرها، وما زاد عن ذلك عاد حرامًا كما هو الأصل".
المبحث الرابع
المرأة الفلسطينية والعمل المقاوم.. رؤية سياسية(1/33)
رغم الاتفاق الفلسطيني العام، ووحدة الرؤية السياسية الفصائلية لمبدأ إشراك المرأة الفلسطينية في العمل المقاوم، إلا أن هناك اختلافاً واضحاًَ وتبايناً ملحوظاً بصدد المنطلقات الناظمة لهذه القضية.
فالحركة الإسلامية التي تضم حركتي حماس والجهاد الإسلامي تنطلق في فهمها لعمل المرأة المقاوم من منطلقات إسلامية، فيما تنطلق فصائل العمل الوطني، العلمانية واليسارية، من منطلقات وطنية بحتة دون أي ارتباطات دينية.
ومع الإقرار بانتفاء البعد الديني في إطار منظومة الأفكار والمواقف والسياسات لفصائل العمل الوطني، العلمانية واليسارية، يجدر التأكيد على طبيعة التأثر والارتباط بالقيم والمفاهيم الدينية بشكل شخصي للعديد من عناصر الفصائل الوطنية غير الإسلامية التي تمارس العمل الاستشهادي، ومن بينها الاستشهاديات.
ومن جملة الدلالات التي تفرزها هذه الظاهرة الماثلة في المجتمع الفلسطيني أن الأفكار والمبادئ الدينية الإسلامية قد غدت أكثر هيمنة وذيوعاً وانتشاراً من ذي قبل، وأشد عمقاً وتأثيراً في مجرى الحياة الكفاحية والمسار الجهادي للشعب الفلسطيني، فلم تعد الشعارات المرفوعة للفصائل الوطنية ذا صبغة وطنية بحتة فحسب، بل تجاوزت هذا الحد لتصطبغ بالشعارات الدينية الإسلامية التي ترفعها وتنادي بها الحركة الإسلامية، وباتت اللغة واللهجة المستخدمة أكثر اقتراباً والتصاقاً بالقيم والمفاهيم الدينية الإسلامية، فالبيانات – في غالبيتها- تتصدرها آيات القرآن الكريم التي تحض على الجهاد والتضحية، وتحث على الاستبسال والمقاومة والفداء، والتصريحات التي تطلق في المناسبات المختلفة تحاول الاقتراب من نبض الشارع الفلسطيني المتدين، والعزف على وتر ارتياحه وانسجامه مع الأفكار والقيم والمبادئ الإسلامية.(1/34)
ولئن ابتعدت هذه المظاهر، من شعارات وتصريحات وغيرها، عن جوهر القناعة والالتزام الفكري والمنهجي للفصائل الوطنية، واقتصار التعامل معها على الشكل الشخصي والحضور الآني اللحظي، إلا أنها تشكل مؤشراً واضحاً واعترافاً صريحاً بالدور الكبير والمتعاظم الذي يلعبه الإسلام في صياغة الشخصية الفلسطينية المقاومة، ودفعها للتضحية والفداء والعطاء، وتحليتها بصفات الإباء والعزة والشمائل الحميدة.
ومع القفزات النوعية التي شهدتها انتفاضة الأقصى، واشتداد أوارها، وتعاظم لهيبها، عبر تدافع الفتيات والنساء الفلسطينيات على الخطوط الأمامية للمواجهة مع الكيان الصهيوني من خلال العمليات الاستشهادية، بدأ العديد من المتربصين بحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بشن حملة إعلامية واسعة ضد الحركة إثر تأخرها في إرسال فتيات ونساء لتنفيذ عمليات استشهادية، متهمين إياها بحرمان المرأة من حقها في المشاركة في العمل المقاوم، بل وبلغ بهم الأمر حد الادعاء بتهميش دور المرأة، وتفضيل الرجل عليها، وقصر مجالات دورها وأنشطتها على الرعاية الاجتماعية والصحية والتنشئة التربوية الأخلاقية.
كانت تلك هي الصورة الشائعة التي سادت الكثير من العقول والأفهام تحت تأثير الحملات الإعلامية المغرضة التي استهدفت تشويه مواقفها والإساءة إلى صورتها، ووضعها موضع التناقض مع المرأة وحقوقها ومكانتها في سياق النضال الوطني الفلسطيني، وما يصاحب ذلك من عبارات وتوصيفات بالغة السوء، مثل التخلف والرجعية وغيرها من الاتهامات والافتراءات التي تعشش – فقط- في عقول مطلقيها، وتسيطر على نفوسهم المريضة بتلك الأدواء المهلكة التي يسقطونها على الآخرين ويستسهلون رمي غيرهم بها.(1/35)
وقد شملت هذه الحملات اتهامات مباشرة وغير مباشرة، مواقف حادة وأخرى مواربة، وتحليلات سطحية وهامشية، تغذيها أفكار ومواقف مسبقة مشوهة ومشبوهة، وتسعفها – أحياناً– بعض التصريحات التي تصدر عن قيادة حركة حماس، ليتلقفها هؤلاء بعد أن يساء فهمها، ويتم تحويرها عن سياقها الذي جاءت في إطاره، وعن مضامينها التي تعبر عنها، لتلاقي هوى في نفوس هؤلاء، وأماني يتمنونها لأنفسهم بغية تشويه المقاومة عموماً وحركة حماس على وجه الخصوص.
ولم تهدأ وتيرة الاتهام والافتراء إلا بظهور البرهان الساطع والدليل القاطع الذي دحض سائر المزاعم والاتهامات والافتراءات، وألقى بها في سلة المهملات، مقتلعاً إياها من جذورها الهشة، وما هي بجذور حقيقية، بل خيوط عنكبوتية مهترئة، لا تقوم على أساس، ولا تستند إلى أية حقيقة واقعة أو مشهد ملموس.
فالعملية الاستشهادية التي نفذتها المجاهدة ريم الرياشي، الأم لطفلين، مطلع عام 2004، كانت كافية لهز المشاعر الإنسانية، وبث اللين والرقة في أقسى القلوب وأعتى النفوس البشرية، وتحقيق التأثير الإيجابي البالغ الذي يرفد المقاومة بنماذج رفيعة المستوى، عظيمة الهمة، عالية العطاء، شديدة الإيمان، راسخة العزم، واثقة النفس، عميقة الحب للدين والوطن والقضية، وكانت كافية – أيضاً- لإخراس كافة الألسنة وإخماد سائر الأقلام التي أوغلت في مواقف وأفكار ومبادئ وسياسات وتوجهات حركة حماس، نهشاً وطعناً وتجريحاً.(1/36)
ومع ذلك أبت بعض الأقلام الشاذة ذات المداد المسموم إلا أن تجدد اتهاماتها وتبعث حملاتها المشبوهة من جديد، لتتخذ – في ذلك– سبيلين متناقضين، يعنى الأول بالتأكيد على حدوث تغيير استراتيجي بشأن نظرة حماس للمرأة، وما يشكله ذلك من اعتراف متأخر بدورها ومشاركتها للرجل في إطار العمل المقاوم، فضلاً عن بقية أنواع النشاطات والفعاليات، ويشدد الثاني الهجوم على التطور النوعي الجديد الذي تقدمت به الحركة الإسلامية، كونه مسخاً للإنسانية، وإهداراً لحقوق ومشاعر الأمومة.
كانت بداية انطلاق مسلسل الادعاءات والاتهامات مطلع عام 2002 إثر العملية الاستشهادية التي نفذتها الشهيدة وفاء إدريس، فقد ثارت في ذلك الحين تساؤلات واتهامات مختلفة تتعلق بموقف حركة حماس من تنفيذ الفتيات والنساء للعمليات الاستشهادية! ومتى سترسل حماس فتاة أو امرأة لتنفيذ عملية استشهادية؟
في ذلك الوقت سادت حالة من الإرباك جموع المواطنين الفلسطينيين بسبب طبيعة المجتمع الفلسطيني المحافظ، إلا أن قادة حركة حماس وقيادة العمل النسائي في الحركة الإسلامية الفلسطينية لم يتأخروا عن توضيح موقف الحركة إزاء مشاركة المرأة في عمليات المقاومة خصوصاً، ومشاركتها في العمل العام على وجه العموم، ليضعوا حدا لكافة الأسئلة والاستفسارات بتأكيدهم على جواز الأمر من الناحية الشرعية الدينية.
فقد انبرى الشيخ حسن يوسف قائد حماس البارز في الضفة الغربية – المعتقل حالياً في سجون الاحتلال – للرد على كافة التساؤلات المثارة، مؤكداً أن حركته تحتكم إلى ما يمليه عليها دينها، وليس ما يمليه عليها البشر، في إشارة واضحة إلى تأييد حماس لمشاركة المرأة في أعمال المقاومة وتنفيذها للعمليات الاستشهادية.(1/37)
حينها شدد الشيخ حسن يوسف على أحقية المرأة الفلسطينية في الجهاد ومقاومة الاحتلال، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجرى القرعة على نسائه اللواتي يرغبن في الخروج معه في غزواته وحملاته الجهادية، مشيراً إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكد دوماً على حق المرأة في الخروج إلى الجهاد في سبيل الله.
وفي ذات السياق أكدت الأستاذة جميلة الشنطي مسئولة العمل النسائي في الحركة الإسلامية أن قضية الاستشهاد مقبولة على مستوى عالٍ، والى درجة كبيرة جداً في المجتمع الفلسطيني، فلا خلاف بين استشهاد الفتيات والنساء واستشهاد الشباب والرجال، لأن العدو –أصلاً – لا يفرق في توجيه رصاصاته إلى الرجال أو النساء، مشيرة إلى أن المجتمع الفلسطيني لا يعارض فكرة تنفيذ المرأة لعمليات المقاومة، كونه مجتمعاً مسلماً، ومرجعيته وشرعته في الأساس هي الإسلام.
وحول موقف الشرع من هذه القضية قالت الشنطي:"إذا رجعنا إلى تأصيل هذه القضية نجد أن الإسلام لا يحظر على المرأة أن تقدم نفسها شهيدة في سبيل الله، ومدافعة عن أرضها وشرفها، وهي التي اعتدي عليها، فمن حقها الدفاع عن نفسها بأي وسيلة كانت".
وتابعت الشنطي:"ليس غريباً أن تقوم الأخوات الفلسطينيات بعمليات بطولية داخل فلسطين المحتلة عام 48، لأن الغريب ألا تقوم المرأة الفلسطينية بذلك والجهاد فرض عين، فلا يستطيع أحد أن يمنعها من ذلك شرط توفر السبل والإمكانيات وتجنب الفتنة"، مشيرة إلى أن "الفتنة في العمليات الاستشهادية غير واردة لكونها ذاهبة للموت".(1/38)
وكان أكثر ما تلقفه المتربصون آنذاك هو تصريحات منسوبة للشيخ الشهيد المرشد الملهم أحمد ياسين – رحمه الله– يؤكد فيها أن دور المرأة في هذه المرحلة يجب أن يكون الحفاظ على الأسرة، وتربية النشء التربية الجهادية الصحيحة، مشيراً إلى أن تنفيذ مثل هذه العمليات داخل فلسطين المحتلة عام 48 يمر في ظروف معقدة تتطلب مبيت المنفذ لأيام وليالي قد تمتد لأسابيع قبل تنفيذه للعملية، الأمر الذي يشكل صعوبة بالنسبة للفتيات مما يستلزم وجود محرم إلى جانب الفتاة.
فقد اقتبس هؤلاء كلمة "المحرم" ليبنوا عليها مواقفهم حيال معارضة حماس لعمل المرأة المقاوم رغم أن الشيخ الشهيد ياسين وقيادة حركة حماس أكدت - في حينه- تأييدها لمشاركة المرأة في أعمال المقاومة، كما أن الشيخ الشهيد ياسين أصدر تصريحات توضيحية أعرب فيها عن أسفه لما بدر من قيام بعض وسائل الإعلام بإساءة فهم تصريحاته، مجدداً تأييده لمشاركة المرأة في العمل المقاوم، وجواز ذلك من الناحية الشرعية، وأن ما قصده من تصريحاته الأولى حيال قضية "المحرم" لا يتعلق بالناحية الشرعية قدر تعلقه بالأفضلية العملية والتنفيذية، وأن تلك التصريحات استهدفت طمأنة الشارع الفلسطيني والمجتمع الفلسطيني المحافظ الذي تململت بعض شرائحه إزاء تنفيذ فتيات لعمليات من هذا النوع مع ما يتطلبه ذلك من مبيت لأيام داخل فلسطين المحتلة عام 48.(1/39)
ومما يبدو فإن سعة أفق الشيخ الشهيد أحمد ياسين وبعد نظره قد تجاوز ظواهر الأمور، رغبة منه في عدم إعادة الشائعات والمقولات التي صاحبت مسيرة المناضلين والثوار الفلسطينيين في حقبتي السبعينات والثمانينات، وما رافقها من اختراقات أخلاقية، وتجاوزات سلوكية خطيرة، وتعديات قهرية على حقوق المواطنين الفلسطينيين، فكانت تصريحات الشيخ الشهيد بمثابة البلسم الشافي لنفوس الفلسطينيين، فهو يؤكد حق المرأة في المقاومة بكافة أشكالها، وجواز ذلك شرعاً، دون أن يحق لأحد منعها من ذلك، وهو – وفي الوقت ذاته- يضع الضوابط ويرسم الحدود العملية والأخلاقية التي تكفل سلامة الحياة الجهادية والكفاحية للشعب الفلسطيني، وتنأى بها عن أية مخاطر أخلاقية أو تجاوزات سلوكية، بما يحفظ للبيوت والأسر الفلسطينية هيبتها وشرفها وإبائها، ويشجعها على دعم المقاومة، ورفدها بطاقات أبنائها وبناتها، ورجالها ونسائها، في مضمار التضحية والفداء والعطاء، دون أي خوف أو تردد.
ومما هو واضح، فإن الشيخ الشهيد كان بالغ الالتصاق بنبض الشارع والمجتمع الفلسطيني، والالتحام بهمومه ومعاناته وآماله وأفكاره ومشاعره وأحاسيسه وهواجسه على حد سواء، فلم يكن يتأخر عن تقديم رأي، أو تبيان قضية، أو توضيح موقف يمس حاجة ومصالح الشعب الفلسطيني، ليهدي لنا نموذج القيادة الرشيدة الحكيمة التي تواكب آلام وآمال شعبها، وليست القيادة المنعزلة التي تتمترس في أبراجها العاجية، وتسعى في طلب مصالحها الذاتية، ولا تدرك لمصالح واحتياجات شعبها سبيلاً.(1/40)
وقد كان لافتاً حرص حماس على تكريس ضوابط محددة لتنظيم العمل الاستشهادي النسوي، منعاً لأي خطأ أو انفلات، وسداً لأي شبهة قد تثار هنا أو هناك، فاختيار الحركة للهدف الذي نفذت فيه أولى استشهادياتها "ريم الرياشي" عمليتها كان دقيقاً، فالأمر لم يكن يتطلب المبيت ولا لنصف يوم، إذ أنه هدف داخل الأراضي المحتلة عام 67، فضلاً عن قربه من بيت منفذة العملية التي اتجهت مباشرة إلى مكان تنفيذ العملية دون عناء.
ورغم ذلك ثارت مقولات وتساؤلات حيال كيفية انضمام الشهيدة ريم إلى صفوف حماس وجناحها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام، وماهية الإعداد والتدريب الذي تلقته؟ وكيفية حدوث ذلك في ظل غياب علم أسرتها؟ مما دفع المحللين الصهاينة للقول أن زوجها زياد عضو نشط في حركة حماس، وأنه كان يشاركها التخطيط والتنفيذ.
ما سبق، من دقة اختيار هدف العملية وسهولة الوصول إليه دون اضطرار المبيت، يؤيد تصريحات الشيخ الشهيد أحمد ياسين، ويبعد القضية برمتها عن القيل والقال، رغم التسليم بأن من يذهب للشهادة وييمم وجهه شطر الآخرة أصفى وأنقى وأطهر منا جميعاً، إلا أن العادات والتقاليد المجتمعية المحافظة لا زالت تستنكف عن قبول انضمام الفتيات والنساء للعمل والتدريب العسكري السري.(1/41)
ورغم العملية الاستشهادية البطولية التي نفذتها المجاهدة ريم الرياشي، وما أكدته من دور مركزي للمرأة في البرنامج الاستراتيجي لحركة حماس إلا أن الحركة لم تسلم من انتقادات المتباكين على حرية المرأة، ولم تسلم من مهاترات بعض من يصفون أنفسهم بالمحللين، الذين يعدون أنفسهم مبشرين لقيم الاستنارة، والرحمة، والأخلاق، والإنسانية، ويعتبرون أنفسهم أوصياء على مستقبل القضية الفلسطينية، حيث أنهم طالبوا حماس بالاعتذار للأمومة وللإنسانية جمعاء، بعد إرسالها للاستشهادية ريم الرياشي، الأم لطفلين، إذ يقول أحدهم في جريدة الحياة اللندنية ( 25/1/2004م): " لذلك يبدو من مفارقات التراجيديا الفلسطينية أن تشارك "حماس" بالذات في دحض الأمومة وخرق حرمتها. فـ"حماس" طرف "تقليدي", وقف تاريخياً ضد أي دور للمرأة باسم "فطرتها" نفسها, والتي لا تعني غير غريزة الأمومة من إنجاب وحضْن وتنشئة، فإن تتبنى "حماس" أول "شهيدة أم" لأطفال رضع, يعني أن العهد الجديد يبطن معاني جديدة لديها.
فقد عبثت "حماس" بـ"الفطرة" التي رفعتها دائماً في وجه كل توجه نسائي نحو شيئ آخر غير البيت والإنجاب, وتصرفت في الآن عينه بشعار, مجرد شعار, آتٍ من سيئات "حداثوية", والذي لا يحفل بالأمومة وبـ"وظائفها البيولوجية". فناقضت "حماس" نفسها وناقضت الفطرة, أساس نظريتها الإسلامية تجاه المرأة.
ثم استجابت ضمناً للنداء الدولي إلى المجتمعات العربية بأن تبرز نساءها: تريدون نساء؟ هاكم نساؤنا! فقدمت أوراق اعتمادها على طريقتها, التي اختلطت فيها "الحداثة" بـ"التقليد" خلطا غريبا, بدا الموت داخله هو الخيط الرابط الوحيد لتناقضاته, وارتَدتْ فيها الأم ثيابه السوداء, ثم اختفت عن عيون أطفالها التائهة.(1/42)
فبهذا الانتهاك لآخر معاقل الحياة, تقف "حماس" ضد الأشياء الأساسية التي توقف الحروب عند حدود الإبادة الشاملة. إنها لا تقف ضد الطبيعة فحسب, بل ضد العائلة والأبناء. وتقف ضد الدين الذي تحتمي خلفه رافعة شعار "الجهاد". وهذا وجه من وجوه "حماس" ذات الشخصية الإسلامية. فهي تبدو هنا أشد "زمنية" من منافسيها العلمانيين".
وقد جاء الرد على هؤلاء الكتاب العابثين من حيث لم يحتسبوا، على يد بعض أصحاب الأقلام الطاهرة العفيفة التي لا تنضح إلا خيراً، إذ قالت الدكتورة نصرة البستكي، في مقال لها نشرته صحيفة أخبار الخليج البحرينية، بتاريخ 27/1/2004 م، موجهة خطابها إلى أصحاب الأقلام المسمومة:" ريم أيها البُلَهاء أم فلسطينية مثل هنادي جرادات الاستشهادية التي سبقتها بالشهادة، ومثل كل من يعطي حياته ثمناً لأرضه وعرضه وقرباناً لله الذي يحيي ويميت. والمصيبة أن هؤلاء المفضوحين لا يجدون ورقة توت تستر عورتهم لأنهم يقعون في أكثر من تناقض، يجعلهم عرايا من أي منطق.
التناقض الأول: أن هؤلاء المتباكين على أطفال ريم، لم نسمعهم يوماً يبكون على الرضيعة إيمان حجو أول طفلة شهيدة في الانتفاضة ولم تنفطر قلوبهم لجنازات الشهداء من الرجال والأطفال والنساء كل يوم، لكن بعضهم بالغ في إبداء حزنه على ما يسمى بالمدنيين الإسرائيليين الذين يذهبون ضحية للعمليات الفدائية في فلسطين.
التناقض الثاني: أن هؤلاء الرافضين لاستشهاد المرأة الفلسطينية هم أكثر الناس الذين يتحدثون عن مساواة المرأة ودور المرأة وتمكين المرأة ومشاركة المرأة، حتى إذا شاركت المرأة بجد، يتراجعون عن رأيهم، ربما لأنهم لا يريدونها إلا شريكة في ليالي الأنس أو مشاركة في مملكة المساواة. أما ريم والتي شاركت بالروح فهي آثمة عند هؤلاء، لأنها تملك - في رأيهم - ما هو أثمن من الروح لتعطيه!.(1/43)
التناقض الثالث: ( وهي تشير هنا إلي ما ذكرناه آنفا من اتهامات وجهت إلى حركة " حماس" والشيخ ياسين تحديداً ) لقد كتب البعض منتقداً بحدة تصريحات صدرت عن الشيخ أحمد ياسين زعيم حماس الفلسطيني، لأنه لم يكن متحمساً لمشاركة المرأة في العمليات الاستشهادية، لكنهم حينما أقدمت امرأة من حماس لتسجل أول مشاركة بالدم، اعترض هؤلاء على حماس وقالوا: "ما أكثر الرجال"، وكأن رجال حماس لا يموتون أيضاَ، ولا يقدمون أرواحهم رخيصة صوناً للكرامة وتعجيلاً ليوم التحرير الآتي لا ريب فيه. وكأن هؤلاء بانتقادهم لخطوة حماس كانوا مع استشهاديات سرايا القدس وكتائب الأقصى.
التناقض الرابع: إذا كانت القضية قضية يُتم وأيتام فهل أبناء الشهداء الرجال ليسوا أيتاماً أو أقل يُتماً، وهل أبناؤكم أنتم ليسوا بأيتام رغم أن آباءهم وأمهاتهم أحياء؟ لكنها حياة العجز والهوان. أطفال الأرض المحتلة يحملون في حقائبهم الأكفان وإلى جنبها يحملون أمانة المقاومة حتى النفس الأخير أما أطفالكم فماذا يحملون سوى خيبتنا وخيبتكم؟.
التناقض الخامس: إذا كان هؤلاء المشفقون على الأيتام جادين في مشاعرهم فماذا قدموا لهم؟ وهل فكر أحدهم في تأسيس جمعية لكفالة الطفل الفلسطيني اليتيم، أم أن المسألة مجرد ذرف دموع رخيصة.(1/44)
التناقض السادس: لقد قدم الاستشهاديون رؤيتهم لحل قضية الصراع مع العدو الإسرائيلي، ربما أصابوا أو أخطئوا لكنهم اجتهدوا، فما هي رؤيتكم الآن؟. إذا كنتم مع المقاومة بكافة الوسائل لاستعادة الأرض، فالاستشهاد أهم وأخطر هذه الوسائل، والتي جعلت قادة العصابة الصهيونية يعتبرون قنبلة الاستشهاد سلاح دمار شامل يمتلكه الضعفاء في الأرض المحتلة، ولا يمكن مراقبة هذا السلاح أو التفتيش عنه. هكذا تحدث جنرالاتهم فما هو حديثكم؟ ألا تخجلون؟. وإذا كنتم مع ما يسمى بالمسيرة السلمية والتي بدأتها منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1981 في مؤتمر الجزائر، وقبلها فعلها السادات في نوفمبر 1977م بمبادرته زيارة القدس وما أعقبها من اتفاقيات، فهل رأيتم سلاماً ليتحقق منذ ربع قرن؟، وهل التزمت حكومة الكيان العنصري بأي اتفاق سلام أو هدنة أو خطة طريق أو تفاهمات أو لجان رباعية وثلاثية؟ وهل عكرت ريم وأخواتها صفو هذا السلام المزعوم؟، وهل لو انتهت العمليات الاستشهادية ومعها كل صنوف المقاومة وسلمت الفصائل كافة أسلحتها هل يتحقق السلام؟، وهل من مجيب، أم سوف تختفي الإجابات خلف الجدار الفاصل الذي بناه شارون؟.
التناقض السابع: إذا كان البعض يعتبر أن القضية الفلسطينية لا تخص إلا أصحابها فلماذا تشغلون بالكم بامرأة ترى نفسها صاحبة القضية، بعد أن تحدثت أدبياتكم عن المشكلة الفلسطينية ولعبة التسوية وعملية السلام، ويتحدث البعض بحياد بارد عن ما يسمى بالجانبين ويقصد أو يساوي بين الفلسطيني الأعزل صاحب الحق والصهيوني المدجج بالسلاح النووي وهو المعتدى على الحقوق.(1/45)
التناقض الثامن: هل أنتم أكثر رحمة بأبناء ريم من أمهم ومن أهلهم؟ الإجابة معروفة ولا تحتاج دليلاً، هل رأيتم زفة الشهداء بالورد والزغاريد في الأرض المحتلة، فهل أنتم بهذه الدرجة من رهافة المشاعر التي تزيد على مشاعر أهل الشهيد؟، وأتساءل أيضاَ، إذا كانت الحقيقة الإيمانية تقول: إنه ليس أرحم من الأم على وليدها إلا الله، فهل أردتم أن تنافسوا الله الرحمة؟، "... كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاّ كَذِبًا".الكهف(5)
التناقض التاسع: إذا كان الجهاد أنواعاً من جهاد النفس إلى جهاد الدم، فهل اختار أحدكم أيسر الجهاد بالكلمة، أم تستخدمون الكلمة لتثبيط عزم المجاهدين بالروح والجسد؟، وإذا كنتم لا تؤمنون بحق الجهاد ضد الظلم والعسف والقتل والحصار فبأي جهاد تؤمنون؟. والغريب أن أقلاماً كثيرة كانت تشيد بالمقاتلين في فيتنام وشيلي والأرجنتين والإكوادور وتمجد الساموراي الياباني، وترى نيرودا وجيفارا ولومومبا أنصاف آلهة، فلماذا تضنون على بني جلدتكم الذين ضربوا أروع الأمثلة في الفداء وكسروا غرور الآلة العسكرية الصهيونية؟!. التناقض لا يجعل موقف هؤلاء يمشي على قدمين، فرؤيتهم عرجاء لأنها بلا منطق، ودموعهم هباء لأنها دموع تماسيح تتحفز للضحية".
واختتمت السيدة البستكي مقالها، مخاطبة هؤلاء الكتاب العابثين:
"لا نريدكم أن تدعو للمقاومة أو تترحموا على الشهداء، نريدكم فقط أن تصمتوا، فصمتكم ستر وزينة".
الفصل الثاني
المرأة الفلسطينية..
شهيدة
مدخل /(1/46)
... لم تعد المرأة الفلسطينية تقنع بأدوار ثانوية، أو تضطلع بمهام لا تمس عمق المواجهة مع الاحتلال، فهي وإن كانت محضناً للتربية الجهادية والأخلاقية، ومستودعاً لصناعة الشهداء الأبطال والرجال العظماء، ومنطلقاً للتنشئة الاجتماعية السوية التي تستهدف حفظ وصيانة المجتمع، وبناءه على أسس وطنية وأخلاقية صحيحة، وعنصراً داعماً ومساعداً لإسناد المقاومة وحماية أبنائها، إلا أنها آثرت بذل كل ما لديها، وتفريغ ما في جعبتها، وتفجير ما تختزنه طاقتها في مواجهة العدو المغتصب الذي لا يفرق بين رجل وامرأة، ولا يميز بين فتاة وشاب، أو يراعي حرمة لسيدة ضعيفة، أو امرأة مريضة أو طفلة صغيرة لم يشتد عودها.
فالجرائم الصهيونية التي بلغت مبلغاً خطيراً، وارتقت مرتقاً صعباً إبان انتفاضة الأقصى، استبيحت خلالها المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وهدمت المنازل، وجرفت الأراضي، ودمرت المقدرات، وأريقت الدماء مدراراً، لم تدع لأي فلسطيني، ذكراً كان أم أنثى، مجالاً للصمت، أو فسحة للتقاعس عن نصرة الوطن، والتصدي لأذى وقمع وإرهاب الاحتلال.
وعلى عكس التوقعات الصهيونية التي أملت هزيمة نفسية واندحاراً ميدانياً يتجرعه الفلسطينيون، فإن الشعب الفلسطيني قد انخرط بكافة فئاته وشرائحه في إطار مقاومة الاحتلال، وتصاعدت مقاومته حدة وقوة، بشكل طردي مع كل جريمة جديدة، أو تصعيد عسكري صهيوني جديد.(1/47)
وفي هذا السياق برزت، في مرحلة مبكرة من عمر انتفاضة الأقصى، محاولات جادة أقدمت عليها فتيات وسيدات فلسطينيات لتنفيذ عمليات عسكرية، بدأت بمحاولات تنفيذ عمليات طعن للجنود أو المستوطنين الصهاينة على الحواجز أو قرب المستوطنات والمواقع العسكرية، أو نقل العبوات الناسفة إلى داخل العمق الصهيوني، وسرعان ما تطورت بشكل نوعي لتصل حد المشاركة في محاولات اقتحام المستوطنات والمواقع العسكرية ضمن وحدات "كوماندوز" مختارة، مما يؤشر على تعاظم الدور الكفاحي للمرأة الفلسطينية، ورغبتها في بسط جسور المواجهة مع الاحتلال، والإيغال في مقارعته والتصدي لإرهابه بلغة التضحيات.
... وفي طيّ هذا الفصل جداول إحصائية تشمل معلومات ومعطيات وأرقام ونتائج تفصيلية حيال الشهيدات الفلسطينيات اللاتي ارتقين إلى العلا إبان انتفاضة الأقصى، واستعراض لنماذج رائدة لمجاهدات ومناضلات فلسطينيات، رفضن الذل والعبودية، وتمردن على واقع الاحتلال، واندفعن في مسار المواجهة، غير آبهات بالعواقب والتكاليف، يحملن ما استطاعت أيديهن حمله من سكين أو قنبلة أو رشاش، في ملاحم بطولية خالدة، ووقائع عزّ وشرف وفخار على جبين الأمة وتاريخها الحافل بالمجد والشمم والإباء.
المبحث الأول
جداول وأرقام إحصائية
يتألف هذا المبحث من عدد من الجداول الإحصائية المبوبة التي تتناول عرض وتحليل كافة المعلومات والمعطيات المتوفرة إزاء الشهيدات الفلسطينيات اللاتي استشهدن حتى نهاية شهر أبريل / نيسان عام 2004م من عمر انتفاضة الأقصى، وذلك على النحو التالي:
جدول رقم (1) يوضح التوزيع الجغرافي للشهيدات الفلسطينيات في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة خلال انتفاضة الأقصى من تاريخ (28/9/2000م- 30/4/2004م)
جدول رقم (1)
الرقم ... المنطقة ... العدد ... النسبة %
1 ... قطاع غزة ... 88 ... 42.3%
2 ... الضفة الغربية ... 118 ... 56.7%
3 ... القدس المحتلة ... 2 ... 1.0%(1/48)
... المجموع ... 208 ... 100%
جدول رقم (2) يوضح نسبة الشهيدات في محافظات الوطن (رفح، خانيونس، الوسطى، غزة، شمال غزة)،(القدس، بيت لحم، الخليل، رام الله والبيرة، جنين، طولكرم، قلقيلية، نابلس) خلال انتفاضة الأقصى من تاريخ (28/9/2000م-30/4/2004م)
جدول رقم (2)
الرقم ... اسم المحافظة ... عدد الشهيدات ... النسبة %
1 ... رفح ... 27 ... 13.0%
2 ... خانيونس ... 15 ... 7.2%
3 ... الوسطى ... 17 ... 8.2%
4 ... غزة ... 20 ... 9.6%
5 ... شمال غزة ... 9 ... 4.3%
6 ... القدس ... 2 ... 1.0%
7 ... بيت لحم ... 13 ... 6.3%
8 ... الخليل ... 15 ... 7.2%
9 ... رام الله والبيرة ... 18 ... 8.7%
10 ... جنين ... 30 ... 14.4%
11 ... طولكرم ... 9 ... 4.3%
12 ... قلقيلية ... 5 ... 2.4%
13 ... نابلس ... 28 ... 13.5%
المجموع ... 208 ... 100%
جدول رقم (3) يوضح نسبة الفئات العمرية المختلفة لشهيدات انتفاضة الأقصى من تاريخ (28/9/2000م-30/4/2004م)
جدول رقم (3)
الرقم ... الفئات العمرية المختلفة ... عدد الشهيدات ... النسبة %
1 ... من اليوم الأول إلى 18 سنة ... 74 ... 35.6%
2 ... من 18 سنة إلى 50 ... 99 ... 47.6%
3 ... من 50 سنة فما فوق ... 35 ... 16.8%
... المجموع ... 208 ... 100%
جدول رقم (4) يوضح طبيعة الاستشهاد لشهيدات انتفاضة الأقصى من تاريخ (28/9/2000م- 30/4/2004م)
الرقم ... طبيعة الاستشهاد ... العدد ... النسبة %
1 ... إطلاق رصاص ... 73 ... 35.1%
2 ... ألغام من مخلفات الاحتلال ... 6 ... 2.9%
3 ... قصف بطائرات إف 16 ... 8 ... 3.8%
4 ... قصف بطائرات الأباتشي ... 24 ... 11.5%
5 ... قصف بقذائف الدبابات ... 28 ... 13.5%
6 ... دهس متعمد من سيارات المستوطنين ... 1 ... 0.5%
7 ... قصف وتفجير المنزل فوق ساكنيه ... 10 ... 4.8%
8 ... إنفجار عبوة ناسفة ... 5 ... 2.4%
9 ... استشهادية ... 8 ... 3.8%(1/49)
10 ... إعتداء بالضرب المبرح ... 1 ... 0.5%
11 ... اختناق بالغاز السام ... 7 ... 3.4%
12 ... هلع وخوف ... 11 ... 5.3%
13 ... حواجز ومعابر (عدم الوصول للمشافي) ... 26 ... 12.5%
... المجموع ... 208 ... 100%
جدول رقم (4)
جدول رقم (5) يوضح نسبة الشهيدات الفلسطينيات خلال سنوات انتفاضة الأقصى من تاريخ (28/9/2000م-30/4/2004م)
جدول رقم (5)
الرقم ... سنوات الانتفاضة ... العدد ... النسبة %
1 ... السنة الأولى ... 42 ... 20.2%
2 ... السنة الثانية ... 111 ... 53.4%
3 ... السنة الثالثة حتى30/4/2004 ... 55 ... 26.4%
... المجموع ... 208 ... 100%
جدول رقم (6) يوضح أماكن إصابة الشهيدات الفلسطينيات خلال سنوات انتفاضة الأقصى من تاريخ (28/9/2000- 30/4/2004م)
جدول رقم (6)
الرقم ... أماكن الإستشهاد ... العدد ... النسبة %
1 ... منازل وأماكن سكن ... 113 ... 54.3%
2 ... مرافق عامة(مدارس - محلات - مزارع) ... 15 ... 7.2%
3 ... في الطرقات ... 16 ... 7.7%
4 ... على الحواجز والمعابر ... 30 ... 14.4%
5 ... في السيارات ووسائل النقل ... 26 ... 12.5%
6 ... بالقرب من مواقع عسكرية ... 1 ... 0.5%
7 ... أراضي فلسطين المحتلة عام 1948 ... 7 ... 3.4%
... المجموع ... 208 ... 100%
جدول تفصيلي يوضح المعلومات والمعطيات الأساسية للشهيدات الفلسطينيات خلال انتفاضة الأقصى من تاريخ (28/9/2000م- 30/4/2004م)
الرقم ... الاسم ... تاريخ الاستشهاد ... العمر ... المهنة ... مكان الإقامة ... مكان الاعتداء ... منطقة الإصابة
سارة عبد العظيم حسن ... 1/10/2000 ... 1.5 ... طفلة ... نابلس / محافظة نابلس ... نابلس / محافظة نابلس ... استشهدت إثر إصابتها بالرصاص في رأسها بعد إطلاق النار على سيارة والدها من قبل المستوطنين.(1/50)
خضرة أحمد أبو سلامة ... 3/10/2000 ... 57 ... ربة بيت ... جنين / محافظة جنين ... القدس / محافظة القدس ... استنشاق الغاز أثناء اقتحام المنطقة وإطلاق قنابل الغاز على المنازل.
آلاء عبد العزيز ... 14/10/2000 ... 10 ... طفلة ... قرية الساوية / نابلس ... قرية الساوية / نابلس ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى لتلقي العلاج من آلام حادة في المعدة.
ندى سعد سروجي ... 23/10/2000 ... 52 ... عاملة وأم لتسعة أطفال ... طولكرم / محافظة طولكرم ... طولكرم / محافظة طولكرم ... نوبة قلبية إثر مطاردة الجنود لها على حاجز طولكرم.
هند نضال أبو قويدر ... 3/11/2000 ... 23 يوما ... رضيعة ... مدينة الخليل ... مدينة الخليل ... استشهدت جراء اختناقها بالغاز الذي أطلقته قوات الاحتلال على الحي الذي تسكنه وهي داخل منزلها.
عزيزة دنون جبران ... 9/11/2000 ... 52 ... ربة بيت ... بيت ساحور / محافظة بيت لحم ... بيت ساحور / محافظة بيت لحم ... أنحاء مختلفة من الجسم نتيجة قصف مروحيات الاحتلال لسيارة الشهيد حسين عبيات.
رحمة رشيد شعيبات ... 9/11/2000 ... 50 ... ربة بيت ... بيت ساحور / محافظة بيت لحم ... بيت ساحور / محافظة بيت لحم ... أنحاء مختلفة من الجسم نتيجة قصف مروحيات الاحتلال لسيارة الشهيد حسين عبيات.
مرام عماد حسونة ... 23/11/2000 ... 3 ... طفلة ... البالوع / محافظة رام الله ... رام الله / محافظة رام الله ... استشهدت جراء استنشاقها للغاز الذي أطلقه الجنود الصهاينة على الحي الذي تسكنه.
أريج صابر الجبالي ... 5/1/2001 ... 19 ... طالبة ... الخليل / محافظة الخليل ... الخليل / محافظة الخليل ... أصيبت بالرصاص الصهيوني في ظهرها أثناء تواجدها على سطح منزلها.(1/51)
فاطمة جلال أبو جيش ... 7/1/2001 ... 21 ... موظفة استقبال في مستشفى ... بيت دجن / محافظة نابلس ... نابلس / محافظة نابلس ... أصيبت بالرصاص في صدرها وهي تستقل سيارة أثناء عودتها من عملها.
عائشة عبد الكريم نصار ... 24/1/2001 ... 28 ... ربة بيت وأم لخمسة أطفال ... مدينة
رام الله ... مدينة
رام الله ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى لتلقي العلاج إثر أزمة قلبية.
حسين سليمان ضراغمة ... 27/1/2001 ... 66 ... قرية اللبن / نابلس ... حوارة / نابلس ... لدى انتظارها على الحاجز العسكري المقام على مدخل حوارة قضاء نابلس.
خضرة رجاء اشتيوي ... 5/2/2001 ... 65 ... ربة بيت ... كفر قدوم / قلقيلية ... كفر قدوم / قلقيلية ... نوبة قلبية حادة حال الحاجز دون وصولها إلى المستشفى في الوقت المناسب.
براء كامل أبو سمرة ... 10/2/2001 ... 2 ... طفلة ... مدينة البيرة ... مدينة البيرة ... إنفجار دماغي أصابها نتيجة الخوف والهلع الذي أصابها إثر قصف منزلها من مغتصبة "بسجوت" القريبة من مدينة البيرة.
ندى أسعد حنني ... 26/2/2001 ... 45 ... بيت فوريك / نابلس ... بيت فوريك / نابلس ... أصيب بجلطة وأعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى لتلقي العلاج.
عايدة داوود فتيحة ... 3/3/2001 ... 42 ... البيرة / محافظة رام الله ... رام الله / محافظة رام الله ... أصيبت بعيار ناري في الظهر إثر إطلاق قوات الاحتلال النار على منازل المدينة.
أميرة نصر أبو سيف ... 14/3/2001 ... 50 ... فقوعة/ جنين ... فقوعة / جنين ... مصابة بالسكر و أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى لتلقي العلاج عبر حاجز الجلمة.(1/52)
إسراء بركات سالم أحمد ... 26/3/2001 ... 11 ... طالبة ... قرية الساوية / نابلس ... قرية الساوية / نابلس ... كانت تعاني من تشنجات وارتفاع في درجة الحرارة، تم تأخير السيارة التي تستقلها على حاجز حوارة حيث وصلت المستشفى الوطني وفارقت الحياة.
خيرية قاسم فشافشة ... 27/3/2001 ... 70 ... جبع / محافظة جنين ... جنين / محافظة جنين ... استنشاق الغاز أثناء اقتحام المنطقة وإطلاق قنابل الغاز على منازل المواطنين.
سعاد الشيخ خليل ... 29/3/2001 ... 45 ... بيتونيا / محافظة رام الله ... رام الله / محافظة رام الله ... أصيبت بعيار ناري في الرأس أطلقته قوات الاحتلال أثناء قيادتها لسيارتها في طريق العودة إلى منزلها.
ملاك جمال بركات ... 30/4/2001 ... 5 ... طفلة ... رام الله ... رام الله ... أنحاء مختلفة في الجسم إثر تفجير البناية التي تقطن فيها من قبل قوات الاحتلال.
إيمان محمد حجو ... 7/5/2001 ... 0.3 ... دير البلح / محافظة الوسطى ... خان يونس / محافظة خان يونس ... أصيبت بشظية في الظهر إثر إطلاق قذائف الدبابات على منازل المواطنين.
سليمة عمر غانم الملالحة ... 9/6/2001 ... 37 ... تاجرة ... المغراقة / محافظة الوسطى ... المغراقة / محافظة الوسطى ... أنحاء مختلفة من الجسم إثر قصف منزلها بقذيفة دبابة.
حكمت عطا الله الملالحة ... 9/6/2001 ... 17 ... ربة بيت ... المغراقة / محافظة الوسطى ... المغراقة / محافظة الوسطى ... أنحاء مختلفة من الجسم إثر قصف منزلها بقذيفة دبابة.
نصرة سالم الملالحة ... 10/6/2001 ... 65 ... ربة بيت ... المغراقة / محافظة الوسطى ... المغراقة / محافظة الوسطى ... أنحاء مختلفة من الجسم إثر قصف منزلها بقذيفة دبابة.(1/53)
فاطمة عليان أبو فروة ... 19/6/2001 ... 71 ... قلقيلية / محافظة قلقيلية ... مستوطنة "ألفيه منشة" / محافظة قلقيلية ... أنحاء مختلفة من الجسم إثر دهسها من قبل سيارة مستوطنين بشكل متعمد.
فاطمة حسن الشرافي ... 30/6/2001 ... 64 ... مخيم جباليا ... معبر رفح الحدودي/رفح ... استشهدت بعد رحلة عذاب على "معبر رفح" أثناء عودتها إلى غزة قادمة من مصر بعد تلقيها العلاج ولم تسمح لها سلطات الاحتلال بالعبور وأجبرتها على المبيت في المعبر في ظروف قاسية وغير صحية.
مريم إبراهيم التميمي ... 2/7/2001 ... 55 ... النبي صالح/رام الله ... حاجز النبي صالح /رام الله ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى لتلقي العلاج من ذبحة صدرية أصابتها.
جميلة سالم أبو شهاب ... 3/7/2001 ... 39 ... قلقيلية ... حاجز/
قلقيلية ... استشهدت اثر إطلاق الرصاص عليها أثناء مطادرة قوات الاحتلال لها أثناء توجهها إلى عملها.
رسمية جودة صبيح جبارين ... 11/7/2001 ... 38 ... عاملة ... الظاهرية / محافظة الخليل ... طريق الظاهرية- بئر السبع ... أصيبت في الرأس إثر إطلاق الرصاص على السيارة التي تستقلها.
صابرين عبد الكريم أبو اسنينة ... 9/8/2001 ... 9 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... الخليل / محافظة الخليل ... الخليل / محافظة الخليل ... أصيبت في الرأس أثناء مواجهات في الخليل وهي في منزلها حيث أطلقت قوات الاحتلال الرصاص باتجاه منازل المواطنين.
وضحة أبو ميلا ... 9/8/2001 ... 60 ... الخليل / محافظة الخليل ... الخليل / محافظة الخليل ... أصيبت بنوبة قلبية عند سماع نبأ استشهاد حفيدتها صابرين أبو سنينة.
أزهار سعيد أبو شلوف ... 11/8/2001 ... 2 ... طفلة ... رفح ... رفح ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى لتلقي العلاج حيث كانت تعاني من التهاب رئوي مما أدى إلى استشهادها.(1/54)
إيناس سمير أبو زيد ... 19/8/2001 ... 7 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... رفح ... رفح ... استشهدت إثر قصف منزل والدها بثلاث صواريخ واغتيال والدها وأخيها.
نهاد عبد الجبار جابر ... 23/8/2001 ... 64 ... الخليل ... البلدة القديمة /الخليل ... توفيت على الحاجز العسكري الصهيوني في منطقة جابر بالبلدة القديمة بالخليل اثر نوبة قلبية حادة.
خيرية عبد الحليم وزوز ... 24/8/2001 ... 70 ... حي أبو سنينة/ الخليل ... حي أبو سنينة/ الخليل ... أصيبت بنوبة قلبية نتيجة القصف الصهيوني الكثيف للحي الذي تسكنه.
شمس إبراهيم عطا بشارات ... 25/8/2001 ... 1 ... طفلة ... قرية جبع / شمال القدس ... قرية جبع / شمال القدس ... توفيت على الحاجز العسكري الصهيوني قرب جسر جبع بعد منعها لفترة طويلة من متابعة السفر لتلقي العلاج.
عبير حمدان ... 31/8/2001 ... 27 ... نابلس ... طريق نابلس طولكرم ... استشهدت بانفجار السيارة التي تقلها على طريق نابلس طولكرم أثناء نقلها عبوة ناسفة.
بلقيس محمد العارضة ... 12/9/2001 ... 14 ... طالبة في المرحلة الإعدادية ... عرابة / محافظة جنين ... عرابة / محافظة جنين ... أصيبت في الرأس نتيجة قصف طائرات الأباتشي منزل والدها بالصواريخ.
رجاء صالح سليط فريحات ... 13/9/2001 ... 24 ... أم ... جنين / محافظة جنين ... جنين / محافظة جنين ... أصيبت في الصدر جراء سقوط قذيفة دبابة على منزلها في حي الصومة.
سعدية البكري ... 16/9/2001 ... 70 ... أم الشرايط/ رام الله ... رام الله ... أصيبت بأزمة عصبية نتيجة الهجوم الصهيوني حيث أعاقت قوات الاحتلال وصولها للمشفى.
أمية حمدان عمران ... 24/9/2001 ... 25 ... بلدة عزون / قلقيلية ... بلدة عزون / قلقيلية ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى حيث أصيبت بنزيف حاد مما أدى إلى استشهادها.(1/55)
ريهام نبيل أبو الورد ... 18/10/2001 ... 10 ... طالب في المرحلة الابتدائية ... جنين / محافظة جنين ... جنين / محافظة جنين ... استشهدت جراء تعرض المدرسة الإبراهيمية لقذائف الاحتلال خلال عدوانها على جنين.
مريم سليمان صبيح ... 19/10/2001 ... 38 ... أم ... الخضر / محافظة بيت لحم ... بيت لحم / محافظة بيت لحم ... استشهدت برصاص الاحتلال الذي أصابها في البطن خلال اجتياح مدينة بيت لحم.
رحاب نوفل ... 19/10/2001 ... 30 ... أم ... حوسان / بيت لحم ... حوسان / بيت لحم ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلي المستشفى وهي في حالة ولادة مما أدى إلى استشهادها.
عائشة محمود عودة ... 20/10/2001 ... 39 ... القدس / محافظة القدس ... مخيم عايدة / محافظة بيت لحم ... استشهدت اثر إصابتها في الرأس وأنحاء مختلفة من الجسم خلال قصف المنزل المقيمة فيه بالرشاشات الثقيلة.
رانية نصري خاروفة ... 20/10/2001 ... 24 ... بيت جالا / محافظة بيت لحم ... بيت جالا / محافظة بيت لحم ... استشهدت اثر إصابتها في الرأس أثناء تواجدها في محل تجاري بالقرب من منزلها خلال قصف المكان بالرشاشات الثقيلة.
غادة محمود عيسة ... 21/10/2001 ... 20 ... مزارعة في قطف
الزيتون ... صانور / محافظة جنين ... صانور / محافظة جنين ... رصاص حي أصاب الرأس أطلق عليها من موقع عسكري على جبل ناصور أثناء قطفها الزيتون مع أسرتها.
وفاء محمد عودة(ناصيف) ... 13/11/2001 ... 34 ... ربة بيت وأم لخمسة أطفال ... أرتاح / محافظة طولكرم ... طولكرم / محافظة طولكرم ... استشهدت اثر إصابتها في الصدر جراء إطلاق قوات الاحتلال الرصاص على منزلها.
حياة أسعد الهيثم ... 13/12/2001 ... 44 ... غزة / محافظة غزة ... غزة / محافظة غزة ... استشهدت اثر صدمة عصبية أصابتها بعد قصف طائرات العدو لعدة مواقع في غزة.(1/56)
داليا سفيان خليل غندور ... 27/12/2001 ... 2.5 ... طفلة ... مدينة نابلس ... مدينة نابلس ... استشهدت نتيجة إصابتها بالهلع والخوف نتيجة سماعها لصوت الانفجارات إثر اغتيال أحد الفلسطينيين أمام منزلها.
نجود غنيم ... 29/12/2001 ... 25 ... الخضر / بيت لحم ... الخضر / بيت لحم ... استشهدت اثر الاعتداء عليها بالضرب أثناء اعتقال أخيها.
وفاء علي إدريس ... 27/1/2002 ... 27 ... متطوعة في الهلال الأحمر ... مخيم الأمعري / رام الله ... القدس ... استشهادية
خاتمة محمد عليان ... 8/2/2002 ... 70 ... كفر جمال/ طولكرم ... كفر جمال/ طولكرم ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى حيث أصيبت بنوبة قلبية.
نعيمة عبد الرحمن الشيخ خليل ... 9/2/2002 ... 42 ... غزة ... غزة ... أصيبت بصدمة عصبية جراء إطلاق قوات الاحتلال النار بشكل كثيف أثناء تواجدها في منزلها.
إيمان عمر الدجاني ... 11/2/2002 ... 24 ... نابلس ... نابلس ... أصيبت بسكتة قلبية بعد اقتحام الجيش الصهيوني لمنزلهم وإطلاق النار بشكل كثيف.
مريم عواد البحابصة ... 18/2/2002 ... 36 ... قيزان النجار / محافظة خان يونس ... قيزان النجار / محافظة خان يونس ... استشهدت أثر قصف قوات الاحتلال منزلها بقذائف الدبابات.
منى سامي عطايا البحابصة ... 18/2/2002 ... 10 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... قيزان النجار / محافظة خان يونس ... قيزان النجار / محافظة خان يونس ... استشهدت أثر قصف قوات الاحتلال منزلها بقذائف الدبابات.
ليلى كمال القطاوي ... 19/2/2002 ... 25 ... معلمة ... مخيم بلاطة / محافظة نابلس ... مخيم بلاطة / محافظة نابلس ... استشهدت أثر إصابتها في الصدر من قبل قوات الاحتلال أثناء تواجدها على سطح منزلها.(1/57)
نورا جمال محمد شلهوب ... 25/2/2002 ... 15 ... طالبة في المرحلة الإعدادية ... طولكرم / محافظة طولكرم ... طولكرم / محافظة طولكرم ... قضت على حاجز «الطيبة» عندما حاولت طعن أحد الجنود الصهاينة على الحاجز فأرداها شهيدة برصاصات أصابت صدرها البريء.
دارين محمد أبو عيشة ... 27/2/2002 ... 22 ... طالبة في جامعة النجاح ... بلدة وزن/ قضاء نابلس ... حاجز قرب القدس ... استشهادية
جميلة عبد الحافظ الصفدي ... 28/2/2002 ... 7 ... قرية عوريف/ الخليل ... قرية عوريف/ الخليل ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى على حاجز حوارة.
هدى غسان الصفدي ... 28/2/2002 ... 5 ... قرية عوريف/الخليل ... قرية عوريف/الخليل ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلي المستشفى على حاجز حوارة.
ماريا عبد الغني أبو سرية ... 1/3/2002 ... 9 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... مخيم جنين / محافظة جنين ... جنين / محافظة جنين ... استشهدت اثر إصابتها بعيار ناري ثقيل من طائرة الأباتشي.
إيناس إبراهيم عيسى صلاح ... 2/3/2002 ... 9 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... مخيم جباليا / محافظة الشمال ... مخيم جباليا / محافظة الشمال ... استشهدت نتيجة قصف مروحي لمكتب تابع لحركة حماس في مخيم جباليا.
شيماء عز الدين إبراهيم المصري ... 4/3/2002 ... 7 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... رام الله / محافظة رام الله ... رام الله / محافظة رام الله ... استشهدت نتيجة قصف سيارة حسين أبو كويك بقذيفة دبابة.
بشرى النمر أبو كويك ... 4/3/2002 ... 38 ... أم ... م.الأمعري / محافظة رام الله ... رام الله / محافظة رام الله ... استشهدت نتيجة قصف السيارة التي تقودها بقذيفة دبابة وهي زوجة حسين أبو كويك .(1/58)
عزيزة حسين أبو كويك ... 4/3/2002 ... 17 ... طالبة في المرحلة الثانوية ... ميخم الأمعري / محافظة رام الله ... رام الله / محافظة رام الله ... استشهدت نتيجة قصف سيارة والدها حسين أبو كويك بقذيفة دبابة.
سميرة محمد زبيدة ... 4/3/2002 ... 55 ... مخيم جنين / محافظة جنين ... جنين / محافظة جنين ... استشهدت نتيجة قصف طائرات الاباتشي المنازل خلال اقتحام المخيم.
أسماء الرزي ... 4/3/2002 ... 17 ... مخيم جنين ... مخيم جنين ... استشهدت نتيجة قصف طائرات الاباتشي المنازل خلال اقتحام المخيم.
مفيدة محمد خضير أبو دقة ... 6/3/2002 ... 47 ... بلدة عبسان الكبيرة / محافظة خان يونس ... عبسان الكبيرة / محافظة خان يونس ... أطلقت قوات الاحتلال النار عليها بشكل متعمد داخل منزلها وتركتها تنزف حتى استشهدت.
هدي إسماعيل الخواجا ... 8/3/2002 ... 35 ... مخيم عايدة / محافظة بيت لحم ... بيت لحم / محافظة بيت لحم ... أطلقت قوات الاحتلال النار عليها بدم بارد أمام زوجها في منزلها.
هيجر فرج ... 8/3/2002 ... 70 ... مخيم نور شمس/طولكرم ... مخيم نور شمس/طولكرم ... أثناء عملية توغل في مخيم طولكرم أطلقت قوات الاحتلال النار عليها أثناء سيرها في الشارع ومنعت سيارات الإسعاف من إسعافها.
نداء سليمان العزة ... 9/3/2002 ... 15 ... طالبة في المرحلة الإعدادية ... مخيم العزة / محافظة بيت لحم ... بيت لحم / محافظة بيت لحم ... أصيبت بعدة شظايا في خاصرتها أمام منزلها في عملية قصف للمخيم.
رنا الجيوسي ... 9/3/2002 ... 21 ... أم وربة بيت ... بلدة كور / طولكرم ... بلدة كور / طولكرم ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى وهي تنزف بعد وضعها لمولودها مما أسفر عن استشهادها ووليدها.(1/59)
روان عبد القادر إسماعيل الجبريني ... 12/3/2002 ... 16 ... طالبة في المرحلة الثانوية ... الخليل / محافظة الخليل ... الخليل / محافظة الخليل ... أصيبت بشظايا في الرقبة والصدر خلال قصف قوات الاحتلال لمنطقة رأس الجورة.
زينب سليمان العواودة ... 15/3/2002 ... 43 ... مخيم البريج ... مخيم البريج ... انفجار لغم أرضي من مخلفات الاحتلال بعربة كارو كانت تستقلها الأم وأولادها.
تهاني العواودة ... 15/3/2002 ... 18 ... مخيم البريج ... مخيم البريج ... انفجار لغم أرضي من مخلفات الاحتلال بعربة كارو كانت تستقلها.
أماني العواودة ... 15/3/2002 ... 16 ... مخيم البريج ... مخيم البريج ... انفجار لغم أرضي من مخلفات الاحتلال بعربة كارو كانت تستقلها.
شيماء سعيد عبد الرحيم حمد ... 17/3/2002 ... 12 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... مخيم رفح / محافظة رفح ... مخيم رفح / محافظة رفح ... متأثرة بجراح أصيبت بها خلال توغل قوات الاحتلال لمخيم رفح قبل يومين.
ريهام حسام مصطفى أبو طه ... 22/3/2002 ... 5 ... طفلة ... رفح / محافظة رفح ... رفح / محافظة رفح ... متأثرة بإصابتها بعيار ناري في الرأس خلال توغل قوات الاحتلال لمخيم رفح وهي تلعب وتلهو أمام منزلها.
آيات محمد الأخرس ... 29/3/2002 ... 18 ... طالبة ثانوية عامة ... مخيم الدهيشة/ بيت لحم ... القدس ... استشهادية
سريدة فرحان أبو غربية ... 29/3/2002 ... 24 ... عين مصباح / محافظة رام الله ... رام الله / محافظة رام الله ... متأثرة بإصابتها في الرأس خلال توغل قوات الاحتلال لمنطقة عين المصباح.
نهى زياد كتيع ... 30/3/2002 ... 7 ... طفلة ... غزة ... غزة ... عيار ناري في الرأس.(1/60)
وداد حامد نمر صفران ... 2/4/2002 ... 45 ... مخيم قدورة / محافظة رام الله ... رام الله / محافظة رام الله ... استشهدت إثر اصابتها في الصدر أمام مستشفى رام الله الحكومي أثناء توجهها إليه لازالة الجبس عن قدمها.
صديقة أحمد عكاشة ... 3/4/2002 ... 56 ... نابلس / محافظة نابلس ... نابلس / محافظة نابلس ... استشهدت أثر إصابتها بشظايا قذيفة دبابة أطلقت على منزلها.
زها فايز فريتخ ... 3/4/2002 ... 37 ... نابلس / محافظة نابلس ... نابلس / محافظة نابلس ... استشهدت إثر قصف منزلها بقذائف الدبابات وانهيار المنزل المكون من ثلاث طوابق على ساكنيه.
رشا فايز فريتخ ... 3/4/2002 ... 49 ... نابلس / محافظة نابلس ... نابلس / محافظة نابلس ... استشهدت إثر قصف منزلها بقذائف الدبابات وانهيار المنزل المكون من ثلاث طوابق على ساكنيه.
نبيلة عبد الرؤوف غانم(زوجة سمير الشعبي) ... 3/4/2002 ... 40 ... حامل في شهرها السابع ... نابلس / محافظة نابلس ... نابلس / محافظة نابلس ... قصف منزل واشتشهاد عائلة سمير الشعبي من ضمنهم زوجته نبيله وأطفالها الثلاثة وشقيقتيه ووالده وشقيقه وهدم المنزل فوق رؤوس ساكنيه.
فاطمة عمر أحمد الشعبي ... 3/4/2002 ... 55 ... نابلس / محافظة نابلس ... نابلس / محافظة نابلس ... قصف منزل واشتشهاد عائلة سمير الشعبي من ضمنهم زوجته نبيله وأطفالها الثلاثة وشقيقتيه فاطمة وعبير ووالده وشقيقه وهدم المنزل فوق رؤوس ساكنيه.
عبير عمر أحمد الشعبي ... 3/4/2002 ... 37 ... نابلس / محافظة نابلس ... نابلس / محافظة نابلس ... قصف منزل واشتشهاد عائلة سمير الشعبي من ضمنهم زوجته نبيلة وأطفالها الثلاثة وشقيقتيه فاطمة وعبير ووالده وشقيقه وهدم المنزل فوق رؤوس ساكنيه.(1/61)
فدوى فتحي عبد الله جمال ... 3/4/2002 ... 27 ... ممرضة متطوعة ... نور شمس / طولكرم ... نور شمس/ طولكرم ... أطلق الرصاص عليها بعد عودتها إلى منزل أختها بعد إسعاف أحد الجرحى.
سمية حسين عابدة ... 4/4/2002 ... 60 ... بيت لحم / محافظة بيت لحم ... بيت لحم / محافظة بيت لحم ... استشهدت إثر إصابتها في أنحاء مختلفة من الجسم نتيجة قذيفة دبابة ألقيت على منزلها.
ديما قاسم صوافطة ... 5/4/2002 ... 13 ... طالبة في المرحلة الإعدادية ... طوباس / محافظة جنين ... طوباس / محافظة جنين ... أصيبت في الصدر بعد قصف لمنزلها بالرشاشات الثقيلة.
سلوى خالد دهليز ... 6/4/2002 ... 10 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... رفح / محافظة رفح ... رفح / محافظة رفح ... أصيبت في الرأس بعد القصف العشوائي لحي لتل السلطان.
سمية ناجح عبد الهادي حسان ... 6/4/2002 ... 6 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... رفح / محافظة رفح ... رفح / محافظة رفح ... أصيبت في الرأس وهي برفقة عمها في سيارته وهو متوجه إلي إحدى المدارس لتسجيله لدخول المدرسة.
عفاف (الهام) علي الدسوقي ... 6/4/2002 ... 42 ... مخيم جنين / محافظة جنين ... مخيم جنين / محافظة جنين ... استشهدت إثر انفجار عبوة وضعت على باب منزلها من قبل قوات الاحتلال.
عفاف علي دسوقي ... 5/4/2002 ... 28 ... ربة بيت ... مخيم جنين / محافظة جنين ... مخيم جنين / محافظة جنين ... استشهدت إثر انفجار عبوة ناسفة زرعها جنود الاحتلال أمام منزلهم.
سونا محفوظ محمد صبرة ... 7/4/2002 ... 26 ... نابلس ... نابلس ... أصيبت بجروح بينما كانت تُغلق باب منزلها. واستدعت العائلة سيارة إسعاف، لكنها لم تستطع الوصول إليهم، وأخيراً وصلت سيارة إسعاف بعد يومين، عقب تدهور حالتها الصحية بشكل خطير. ومنذ ذلك الحين أجريت لها خمس عمليات جراحية ثم استشهدت.(1/62)
جميلة عبد الغفور صادق حردان (زوجة محمد نافع حردان) ... 10/4/2002 ... 34 ... جنين / محافظة جنين ... جنين / محافظة جنين ... أعدمت بالرصاص بعد أن القي القبض عليها بعد عودتها وزوجها وزوجته الثانية من مزرعتهما من قبل قوات خاصة صهيونية.
أمل حردان(زوجة محمد نافع حردان) ... 10/4/2002 ... 33 ... أم وحامل في الشهر السابع ... جنين / محافظة جنين ... جنين / محافظة جنين ... أعدمت بالرصاص بعد أن القي القبض عليها بعد عودتها وزوجها وزوجته الثانية من مزرعتهما من قبل قوات خاصة صهيونية.
منال سامي إبراهيم ... 10/4/2002 ... 28 ... رام الله / محافظة رام الله ... رام الله / محافظة رام الله ... استشهدت إثر إصابتها برصاصة في الصدر أطلقها قناص صهيوني أثناء تواجدها في شرفة المنزل.
بسمة موسى قيسية ... 11/4/2002 ... 38 ... أم لاربعة أطفال ... الخليل / محافظة الخليل ... الخليل / محافظة الخليل ... استشهدت إثر إطلاق الرصاص عليها من قبل قناص صهيوني وهي تسير في الشارع. وتركت تنزف حتى الموت.
إيناس حسني ملحم ... 12/4/2002 ... طولكرم ... طولكرم ... استشهدت إثر إطلاق نار بشكل عشوائي على المنازل.
زهرة أبو سعدي ... 12/4/2002 ... 70 ... بيت ساحور/بيت لحم ... بيت ساحور/بيت لحم ... أصيبت بنوبة قلبية نتيجة توغل الجيش الصهيوني في المنطقة.
عندليب خليل طقاطقة ... 13/4/2002 ... 20 ... عاملة في مصنع نسيج ... بيت فجار/ الخليل ... سوق "محنى يهودا" القدس ... استشهادية
رنا سعدي الكرجة ... 15/4/2002 ... 24 ... محاميه ... بيت جالا / محافظة بيت لحم ... بلدة الدوحة / محافظة بيت لحم ... أصيبت في الرأس أثناء وقوفها على باب شقتها داخل منزلها.
لينا عبد اللطيف ... 16/4/2002 ... 50 ... جنين ... جنين ... عثر على جثمانها تحت أنقاض منزلها في مخيم جنين أثناء اقتحام المخيم.(1/63)
مريم عيسى وشاحي ... 17/4/2002 ... 48 ... ربة بيت ... مخيم جنين / محافظة جنين ... مخيم جنين / محافظة جنين ... أصيبت في أنحاء مختلفة من الجسم أثناء قصف المخيم بالقذائف.
يسرى أبو خرج ... 17/4/2002 ... 65 ... مخيم جنين ... مخيم جنين ... أصيبت بعدة شظايا قذيفة مدفعية بعد إطلاقها على منزلها.
تبارك جبر ... 19/4/2002 ... 2 ... طفلة ... دير الحطب / نابلس ... دير الحطب / نابلس ... قصف البلدة بالرشاشات والمدفعية أثناء الاجتياح واستشهدت أثناء نقلها على الحواجز.
دينة ناصر اشتية ... 20/4/2002 ... 4 أيام ... رضيعة ... قرية سالم نابلس ... نابلس ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى لتلقي العلاج .
إيمان محمد أبو خوصة ... 26/4/2002 ... 17 ... طالبة ... مخيم جباليا ... تل السلطان/ رفح ... أصيبت بنيران قوات الاحتلال التي أطلقت على منازل المواطنين في تل السلطان في رفح.
سعدة عبد اللطيف محمد نجم ... 28/4/2002 ... 55 ... ربة بيت ... مخيم جنين / محافظة جنين ... مخيم جنين / محافظة جنين ... أصيبت بعد إطلاق النار الكثيف على منازل المواطنين.
هدى محمد مسعد شلوف ... 30/4/2002 ... 2 ... طفلة ... رفح / محافظة رفح ... رفح / محافظة رفح ... أصيبت في الرأس اثر قصف الدبابات الصهيونية العشوائي لمنازل المواطنين في رفح.
صبحة أنور غانم ... 2/5/2002 ... 48 ... ربة بيت ... رفح / محافظة رفح ... الشريط الحدودي / محافظة رفح ... أصيبت في الصدر أثر قصف الدبابات الصهيونية العشوائي لمنازل المواطنين في رفح.
فاطمة إبراهيم تركمان زكارنة ... 5/5/2002 ... 30 ... ربة بيت ... قباطية / محافظة جنين ... قباطية / محافظة جنين ... أصيبت في الظهر إثر إطلاق النار عليها واستشهادها وطفليها باسل وعبير أثناء توجدهما في مزرعتهما.(1/64)
عبير محمد يوسف زكارنة ... 5/5/2002 ... 3 ... طفلة ... قباطية / محافظة جنين ... قباطية / محافظة جنين ... استشهدت ووالدتها وأخاها إثر إطلاق النار عليهم أثناء تواجدهم في مزرعتهم.
وليدة المواطنة رحمة مرعي ... 5/5/2002 ... يوم ... وليدة ... قرية عانين/جنين ... قرية عانين/جنين ... منع جنود الاحتلال على حاجز عانين المواطنة رحمة مرعي من التوجه إلى المستشفى وهي في حالة ولادة، فوضعت في السيارة التي تستقلها على الحاجز مما أدى إلى استشهاد وليدتها.
فايزة عبد الجواد أبو لبدة ... 16/5/2002 ... 36 ... ربة بيت ... رفح / محافظة رفح ... مخيم رفح / محافظة رفح ... أصيبت في أنحاء مختلفة من الجسم جراء قذيفة دبابة صهيونية أطلقت على منزلها.
سمية زيدان ... 17/5/2002 ... 47 ... قرية يمة / المثلث ... طولكرم ... أصيبت بإطلاق الرصاص من قوات الاحتلال عندما كانت برفقة والدتها في زيارة لأختها في طولكرم أثناء تواجدها في سيارة .
هبة عازم ضراغمة ... 19/5/2002 ... 19 ... طالبة جامعة القدس ... مدينة طوباس/ جنين ... مجمع همكيم التجاري/ مدينة العفولة ... استشهادية
عائشة علي حسن ... 22/5/2002 ... 21 ... قرية قبيا / رام الله ... قرية قبيا / رام الله ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى لإجراء غسيل كلى.
أنوار عليان أبو سعيد ... 25/5/2002 ... 12 ... طالبة في المرحلة الإعدادية ... جحر الديك / محافظة الوسطى ... الشريط الحدودي / محافظة الوسطى ... أصيبت في أنحاء مختلفة من الجسم بشظايا قذيفة مدفعية أصابت مزرعتهم.
كاملة صالح سلمان أبو سعيد ... 25/5/2002 ... 40 ... مزارعة ... جحر الديك / محافظة الوسطى ... الشريط الحدودي / محافظة الوسطى ... أصيبت في أنحاء مختلفة من الجسم بشظايا قذيفة مدفعية أصابت مزرعتهم.(1/65)
غالية أحمد شلح ... 29/5/2002 ... 65 ... رفح ... حاجز أبو هولي/ دير البلح ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى عند حاجز أبو هولي.
إيمان يوسف أبو شرخ ... 10/6/2002 ... 18 ... مخيم جباليا/ غزة ... مخيم جباليا/ غزة ... أنحاء مختلفة من الجسم إثر انفجار غامض في المنزل الذي تقيم فيه.
بهجة ذيب السعدي ... 19/6/2002 ... 70 ... مخيم جنين ... مخيم جنين ... أصيبت بحالة من الذعر عند مداهمة قوات الاحتلال لمنزلها.
سحر محمود الهندي ... 20/6/2002 ... 26 ... ربة بيت حامل في الشهر السابع ... قلقيلية / محافظة قلقيلية ... مدينة قلقيلية ... أصيبت في الصدر برصاص الجيش الصهيوني أثناء تواجده في منزلها.
سجود أحمد تركي فحماوي ... 21/6/2002 ... 6 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... جنين / محافظة جنين ... جنين / محافظة جنين ... أصيبت في الصدر والذراع الأيسر جراء إطلاق قوات الاحتلال النار على رواد سوق جنين.
آمنة مصلح اللوح ... 29/6/2002 ... 31 ... دير البلح. ... دير البلح ... أطلقت قوات الاحتلال النار على منزلها مما أدى إلى استشهادها وإصابة زوجها.
عطاف سالم أبو عمرة ... 2/7/2002 ... 29 ... رفح ... رفح ... متأثرة بجراح أصيبت بها قبل عدة أيام جراء انفجار جسم مشبوه في منزلها.
أنوار محمد كامل الهندي ... 6/7/2002 ... 2 ... خان يونس/ محافظة خان يونس ... الشيخ عجلين / محافظة غزة ... أصيبت في الرقبة جراء إطلاق قوات الاحتلال النار من مغتصبة نتساريم على سيارتهم واستشهادها وأمها رندة.
رندة خالد إسماعيل الهندي ... 6/7/2002 ... 44 ... ربة بيت ... خان يونس / محافظة خان يونس ... الشيخ عجلين / محافظة غزة ... أصيبت في الرأس جراء إطلاق قوات الاحتلال النار من مغتصبة نتساريم على سيارتهم واستشهادها وبنتها أنوار.(1/66)
ليلى صفيرة زوجة ( الشهيد صلاح شحادة ) ... 22/7/2002 ... 45 ... ربة بيت ... غزة / محافظة غزة ... غزة / محافظة غزة ... بقايا أشلاء جراء قصف منزل زوجها الشيخ صلاح شحادة في حي الدرج بطائرات إف 16 الصهيونية.
إيمان صلاح شحادة ... 22/7/2002 ... 15 ... طالبة ... غزة / محافظة غزة ... غزة / محافظة غزة ... بقايا أشلاء جراء قصف منزل والدها الشيخ صلاح شحادة في حي الدرج بطائرات إف 16 الصهيونية.
منى فهمي الحويطي ... 22/7/2002 ... 30 ... غزة / محافظة غزة ... غزة / محافظة غزة ... أصيبت في جميع أنحاء الجسم جراء قصف حي الدرج بطائرات إف 16 الصهيونية.
إيمان حسن مطر ... 22/7/2002 ... 27 ... غزة / محافظة غزة ... غزة / محافظة غزة ... أصيبت في جميع أنحاء الجسم جراء قصف حي الدرج بطائرات إف 16 الصهيونية.
آلاء محمد مطر ... 22/7/2002 ... 11 ... غزة / محافظة غزة ... غزة / محافظة غزة ... أصيبت في جميع أنحاء الجسم جراء قصف حي الدرج بطائرات إف 16 الصهيونية.
ديانا رامي مطر ... 22/7/2002 ... 0.2 ... غزة / محافظة غزة ... غزة / محافظة غزة ... أصيبت في جميع أنحاء الجسم جراء قصف حي الدرج بطائرات إف 16 الصهيونية.
داليا رائد مطر ... 22/7/2002 ... 5 ... غزة / محافظة غزة ... غزة / محافظة غزة ... أصيبت في جميع أنحاء الجسم جراء قصف حي الدرج بطائرات إف 16 الصهيونية.
مريم محمد إبراهيم مطر ... 22/7/2002 ... 75 ... غزة / محافظة غزة ... غزة / محافظة غزة ... أصيبت في جميع أنحاء الجسم جراء قصف حي الدرج بطائرات إف 16 الصهيونية.
نفين عوض موسى جمجوم ... 28/7/2002 ... 14 ... طالبة في المرحلة الإعدادية ... الخليل / محافظة الخليل ... الخليل / محافظة الخليل ... أصيبت في العين اليمنى جراء إطلاق النار عليها من قبل المستوطنين قرب الحرم الإبراهيمي.(1/67)
مادلين مدين نصاصرة ... 30/7/2002 ... 9أشهر ... رضيعة ... نابلس ... حاجز/ نابلس ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلى المستشفى لتلقي العلاج إثر وعكة صحية.
أسماء تحسين أحمد ... 1/8/2002 ... 9 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... بلدة القرارة / محافظة خانيونس ... القرارة / محافظة خانيونس ... عيار ناري في الظهر إثر قصف قوات الاحتلال لمنازل المواطنين في خانيونس.
نفين جهاد سلمي ... 1/8/2002 ... 3 ... طفلة ... غزة/ حي الزيتون ... غزة/ حي الزيتون ... استشهدت متأثرة بإصابتها بشظايا في رأسها أثناء قصف المنطقة بقذائف الدبابات خلال توغل قوات الاحتلال في المنطقة .
فاطمة عبد الله أبو ظاهر ... 2/8/2002 ... 85 ... وادي السلقا / محافظة الوسطى ... وادي السلقا / محافظة الوسطى ... أصيبت في الخصر والأطراف إثر قصف قوات الاحتلال منازل المواطنين في طولكرم.
أمينة ادريس ... 22/8/2002 ... 45 ... صيدا / طولكرم ... صيدا / طولكرم ... استشهدت جراء انفجار عبوة ناسفة زرعتها قوات الاحتلال أمام منزلها.
رويدة عبد الله إبراهيم الهجين ... 29/8/2002 ... 42 ... ربة بيت ... جباليا / محافظة الشمال ... حي الشيخ عجلين/غزة ... أصيبت في جميع أنحاء الجسم إثر قصف منزلهم بقذائف الدبابات حيث استشهدت وثلاثة من أفراد عائلتها.
بهيرة برهان أبو الزيت ... 31/8/2002 ... 7 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... طوباس / محافظة جنين ... طوباس / محافظة جنين ... أصيبت بشظايا صاروخ أطلقته طائرات العدو الصهيوني على سيارة أحد المقاومين.
سميرة محمد خميس الدهدار ... 19/9/2002 ... 25 ... شرطية ... حي التفاح/ محافظة غزة ... حي التفاح/ محافظة غزة ... أصيبت بعيار ناري في الرأس وهي على شرفة منزلها أثناء اجتياح حي الشجاعية والتفاح بغزة.(1/68)
روان مراد حريزان ... 23/9/2002 ... 3أيام ... الخليل ... الخليل ... أعاقت قوات الاحتلال وصولها إلي المستشفى لتلقي العلاج إثر وعكة صحية.
غرام محمد إبراهيم مناع ... 26/9/2002 ... 1 ... بلدة الظاهرية / محافظة الخليل ... الخليل / محافظة الخليل ... استنشاق غاز أطلقته قوات الاحتلال عندما كانت برفقة والدتها في موقف للسيارات في الخليل.
هنادي تيسير جرادات ... 4/10/2002 ... 29 ... محامية ... مدينة جنين ... مطعم مكسيم/ شاطئ حيفا ... استشهادية
رحيمة حسن علي سلامة ... 6/10/2002 ... 50 ... ربة بيت ... حي الأمل / محافظة خان يونس ... خان يونس / محافظة خان يونس ... استشهدت إثر إطلاق القوات الخاصة الصهيونية النار عليها عند اقتحام منزلها حيث كانت تستهدف ابنها رافع سلامة الناشط في حماس.
ميساء عبيد زنون ... 8/10/2002 ... 13 ... طالبة في المرحلة الإعدادية ... الشريط الحدودي / محافظة رفح ... الشريط الحدودي / محافظة رفح ... استشهدت إثر إصابتها بعيار ناري في الصدر من قبل دبابات الاحتلال المتمركزة على بوابة صلاح الدين عندما كانت تقف أمام منزلها.
فتحية عبد الله جمعة الصوفي ... 11/10/2002 ... 43 ... ممرضة ... تل السلطان / محافظة رفح ... تل السلطان / محافظة رفح ... استشهدت إثر إصابتها بقذيفة دبابة صهيونية وهي داخل منزلها أثناء إعداد الطعام لأطفالها.
شادن عبد القادر الصالح أبو حجلة ... 12/10/2002 ... 60 ... ضاحية رفيديا / محافظة نابلس ... ضاحية رفيديا / محافظة نابلس ... استشهدت إثر إصابتها بعيار ناري في القلب وهي في منزلها جراء قصف قوات الاحتلال لمنازل المواطنين وأصيب زوجها في القصف.
يسرى عبد الرحمن صوالحة ... 13/10/2002 ... 45 ... كفر الراعي / محافظة جنين ... كفر الراعي / محافظة جنين ... استشهدت إثر إصابتها بعدة أعير نارية أطلقتها قوات الاحتلال على السيارة التي كانت تستقلها.(1/69)
شيماء كمال أبو شمالة ... 17/10/2002 ... 9 ... طالبة ... مخيم رفح / محافظة رفح ... مخيم رفح / محافظة رفح ... استشهدت إثر قصف منازل المواطنين بالطائرات والدبابات أثناء عملية توغل في مدينة رفح.
فاطمة أحمد أبو جزر ... 17/10/2002 ... 70 ... مخيم رفح / محافظة رفح ... مخيم رفح / محافظة رفح ... استشهدت إثر قصف منازل المواطنين بالطائرات والدبابات أثناء عملية توغل في مدينة رفح.
سميرة محمد أبو جزر ... 17/10/2002 ... 30 ... مخيم رفح / محافظة رفح ... مخيم رفح / محافظة رفح ... استشهدت إثر قصف منازل المواطنين بالطائرات والدبابات أثناء عملية توغل في مدينة رفح.
سمر محمود شرعب ... 16/11/2002 ... 21 ... نابلس / محافظة نابلس ... نابلس / محافظة نابلس ... استشهدت إثر قصف منازل المواطنين أثناء عملية توغل في مدينة نابلس.
فاطمة محمد عيد الحراحشة ... 3/12/2002 ... 95 ... مسنة ... قرية عطارة / محافظة رام الله ... البيرة / محافظة رام الله ... استشهدت إثر إصابتها بعيار ناري في القلب عندما كانت تستقل سيارة تعرضت للقصف بالقرب من حاجز عسكري صهيوني.
أحلام رزق قنديل(الواوي) ... 6/12/2002 ... 32 ... مدرسة وأم ... مخيم البريج / محافظة الوسطى ... مخيم البريج / محافظة الوسطى ... استشهدت إثر قصف منازل المواطنين بالرشاشات والقذائف في عملية توغل في مخيم البريج.
نهلة عبد الرحمن عقل ... 8/12/2002 ... 40 ... ربة بيت ... تل السلطان / محافظة رفح ... تل السلطان / محافظة رفح ... استشهدت أثر إصابتها في قصف عشوائي بالرشاشات أثناء قطعهم الشارع الرئيس بين مغتصبة رفيح يام وحي تل السلطان حيث أصيب أطفالها الثلاثة.(1/70)
ريحانة زيد الكيلاني ... 9/12/2002 ... 23 ... ربة بيت ... مخيم عسكر القديم / محافظة نابلس ... نابلس / محافظة نابلس ... استشهدت إثر إصابتها في حادثة إطلاق نار على السيارة التي كانت تستقلها برفقة زوجها ووالدته حيث أصيبا في الحادث.
ندى كمال محمد ماضي ... 19/12/2002 ... 11 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... رفح / محافظة رفح ... رفح / محافظة رفح ... استشهدت إثر إصابتها بعيار ناري في الصدر أطلقه قناص صهيوني من برج مراقبة عند بوابة صلاح الدين أثناء تواجدها أمام منزلها.
صديقة عطية محمد أبو سحلول ... 20/12/2002 ... 42 ... ربة بيت ... حي السلام / محافظة رفح ... حي السلام / محافظة رفح ... استشهدت متأثرة بإصابتها قبل عدة أشهر جراء قصف منازل المواطنين بالرشاشات الثقيلة.
حنين سعود حرب أبو ستة ... 21/12/2002 ... 12 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... مصبح / محافظة رفح ... حي الزهور/ محافظة رفح ... استشهدت إثر إصابتها بعيار ناري في خاصرتها خلال قصف قوات الاحتلال لمنازل المواطنين بالرشاشات.
حنين عبد القادر صالح أبو سليمان ... 28/12/2002 ... 8 ... طالبة في المرحلة الابتدائية ... خان يونس / محافظة خان يونس ... المشروع النمساوي / محافظة خان يونس ... استشهدت إثر إصابتها بعيار ناري في الرأس أطلقته قوات الاحتلال من مستوطنة نفيه ديكاليم.
سعاد حسين مسعود صنوبر ... 24/1/2003 ... 46 ... ربة بيت ... نابلس / محافظة نابلس ... نابلس / محافظة نابلس ... استشهادية
صابرين محمد سلامة شاهين ... 28/1/2003 ... 13 ... عباد الرحمن/
غزة ... عباد الرحمن/
غزة ... أنحاء مختلفة من الجسم إثر انفجار في المنزل الذي تقيم فيه
سعاد محمود حسن حامد ... 8/2/2003 ... 65 ... ربة بيت ... مخيم خان يونس / محافظة خان يونس ... مخيم خان يونس / محافظة خان يونس ... استشهدت إثر إصابتها بنوبة قلبية جراء سقوط قذيفة دبابة بالقرب من منزلها.(1/71)
عزيزة ذيب علي القصير ... 2/3/2003 ... 50 ... ربة بيت ... حي السلام / محافظة رفح ... حي السلام / محافظة رفح ... استشهدت متأثرة باصابتها حيث كانت تعاني من شلل أصابها جراء هدم منزلها عليها من قبل قوات الاحتلال.
نهى صبري المقادمة(سويدان) ... 3/3/2003 ... 40 ... ربة بيت وأم لعشرة أطفال ... مخيم البريج / محافظة الوسطى ... مخيم البريج / محافظة الوسطى ... استشهدت أثر دفنها تحت ركام منزلها نتيجة نسف المنزل المجاور الذي يعود للشيخ أبو أيمن طه
خيرية محمود أحمد فشاشة ... 6/3/2003 ... 48 ... أم لـ 11 طفل ... بلدة جبع / محافظة جنين ... بلدة جبع / محافظة جنين ... استشهدت جراء إصابتها بشظايا القذائف التي أطلقت على منازل المواطنين.
إلهام زياد حسن العصار ... 17/3/2003 ... 4 ... النصيرات / محافظة الوسطى ... النصيرات / محافظة الوسطى ... استشهد إثر إصابتها في القدم والبطن نتيجة إطلاق النار عليها من قبل قوات خاصة صهيونية متوغلة في المنطقة وإصابة والدتها.
كريستين جورج أنطون سعادة ... 25/3/2003 ... 10 ... طالبة ... بيت لحم / محافظة بيت لحم ... بيت لحم / محافظة بيت لحم ... استشهدت إثر إصابتها بأعيرة نارية في الرأس والصدر أطلقت من قبل قوات خاصة صهيونية على سيارة والدها وأصيب والدها وشقيقها في الحادث.
صبحية مسلم أبو عطيوي ... 30/4/2003 ... 55 ... رفح ... رفح ... استشهدت نتيجة إطلاق النار عليها من قبل قناص صهيوني أثناء تواجدها في منزلها.
إكرام برهم سلمان قديح ... 8/5/2003 ... 23 ... خزاعة / محافظة خان يونس ... خزاعة / محافظة خان يونس ... متأثرة بجراح أصيبت بها قبل أسبوعين حيث كانت أمام منزلها.
رسمية حمد الله عرار ... 21/5/2003 ... 38 ... رام الله / محافظة رام الله ... رام الله / محافظة رام الله ... استشهدت إثر إصابتها بعيارات نارية أطلقتها قوات الاحتلال على منازل الموطنين.(1/72)
خضرة يوسف أبو حمادة ... 10/6/2003 ... 30 ... أبراج الكرامة / محافظة غزة ... غزة / محافظة غزة ... استشهدت إثر شظايا القصف الصاروخي الذي استهدف الدكتور عبد العزيز الرنتيسي
مريم رجب عبد ربه ... 10/6/2003 ... 35 ... بلدة جباليا ... بلدة جباليا ... استشهدت إثر إصابتها بشظايا صواريخ أطلقتها مروحيات الاحتلال على سيارة الشهيد هاني أبو سخيلة .
ماجدة محمود محمد دلول ... 11/6/2003 ... 20 ... الشجاعية / محافظة غزة ... الشجاعية / محافظة غزة ... استشهدت إثر شظايا القصف الصاروخي المروحي الذي استهدف سيارة الشهيدين تيتو مسعود و سهيل أبو نحل.
سامية محمود محمد دلول ... 11/6/2003 ... 55 ... الشجاعية / محافظة غزة ... الشجاعية / محافظة غزة ... استشهدت إثر شظايا القصف الصاروخي المروحي الذي استهدف سيارة الشهيدين تيتو مسعود و سهيل أبو نحل.
إسلام سعيد إسماعيل عبد الله ... 12/6/2003 ... 22 ... مخيم البريج / محافظة الوسطى ... غزة / محافظة غزة ... استشهدت نتيجة القصف الصاروخي المروحي الذي استهدف سيارة زوجها الشهيد ياسر طه واستهدت طفلتهما أفنان ياسر طه.
أفنان ياسر محمد طه ... 12/6/2003 ... 1 ... مخيم البريج / محافظة الوسطى ... غزة / محافظة غزة ... استشهدت نتيجة القصف الصاروخي المروحي الذي استهدف سيارة والدها الشهيد ياسر طه واستشهدت إسلام سعيد الجراح.
أمل نمر سالم الجاروشة ... 15/6/2003 ... 8 ... طالبة ... الرمال / محافظة غزة ... غزة / محافظة غزة ... استشهدت إثر شظايا القصف الصاروخي المروحي الذي استهدف الدكتور عبد العزيز الرنتيسي.
سعاد عبد العزيز اشتيوي البهداري ... 21/6/2003 ... 27 ... مخيم الشابورة / محافظة رفح ... مفترق موراغ الغربي / محافظة رفح ... استشهدت إثر إصابتها في الرأس والبطن والحوض نتيجة لإطلاق جنود الاحتلال النار عليها بشكل متعمد أثناء مرورها بالقرب من مغتصبة موراج.(1/73)
نيفين أحمد عبد المالك أبو رجيلة ... 25/6/2003 ... 19 ... طالبة جامعية ... خزاعة / محافظة خان يونس ... عبسان الكبيرة / محافظة خان يونس ... استشهدت إثر شظايا القصف الصاروخي المروحي الذي استهدف سيارتين مدنيتين كان يستقل إحداها المجاهد محمد صيام.
صابرة سالم حمدية ... 28/8/2003 ... 70 ... ربة بيت ... غزة / محافظة غزة ... غزة / محافظة غزة ... استشهدت إثر شظايا القصف الصاروخي المروحي الذي استهدف الشهيد المهندس إسماعيل أبو شنب.
آيه محمود نعمان فياض ... 30/8/2003 ... 9 ... طالبة ... الحي النمساوي / محافظة خان يونس ... الحي النمساوي / محافظة خان يونس ... استشهدت إثر إصابتها في الصدر جراء القصف العشوائي بالرشاشات من قوات الاحتلال لمنازل المواطنين.
سناء جميل الداعور ... 2/9/2003 ... 9 ... طالبة ... جباليا / محافظة الشمال ... جباليا / محافظة الشمال ... استشهدت إثر شظايا القصف الصاروخي المروحي الذي استهدف الشهيد خالد مسعود وهي في سيارة مع عائلتها بالقرب من مكان القصف.
لينا حسن عيسى ... 25/9/2003 ... 3 ... مخيم البريج / محافظة الوسطى ... مخيم البريج / محافظة الوسطى ... استشهدت نتيجة إصابتها بصدمة عصبية إثر القصف العشوائي لمخيم البريج في عملية توغل للمخيم.
وداد كامل العجرمي ... 18/10/2003 ... 33 ... ربة بيت ... البرازيل / محافظة رفح ... البرازيل / محافظة رفح ... استشهدت إثر إصابتها بعيارات نارية من قبل قوات الاحتلال أثناء محاولتها إسعاف أحد الجرحى.
امتياز عباس صالح أبو راس ... 6/11/2003 ... 40 ... نابلس / محافظة نابلس ... نابلس / محافظة نابلس ... استشهدت إثر إصابتها بعيارات نارية من قبل قوات الاحتلال أثناء توغل قوات الاحتلال في المدينة(1/74)
كاملة محمد أحمد الشولي ... 13/12/2003 ... 21 ... طالبة جامعية ... عصيرة الشمالية / محافظة نابلس ... نابلس / محافظة نابلس ... استشهدت إثر إصابتها في الصدر والعنق جراء إطلاق النار على السيارة التي كانت تستقلها في طريقها إلى جامعة النجاح.
ريم صالح رياشي ... 14/1/2004 ... 22 ... ربة بيت ... مدينة غزة ... حاجز ايرز ... استشهادية
منى فايز أحمد إسماعيل ... 20/1/2004 ... 31 ... ربة بيت ... البرازيل / محافظة رفح ... البرازيل / محافظة رفح ... إستشهدت إثر إصابتها في الرأس خلال قصف منزلها بقذائف الدبابات.
اعتماد محمود كلاب ... 9/3/2004 ... 34 ... ربة بيت ... رفح ... رفح ... أنحاء مختلفة من الجسم إثر انفجار في المنزل الذي تقيم فيه.
دلال الصباغ ... 9/3/2004 ... 22 ... جنين ... جنين ... استشهدت جراء إصابتها بعيار ناري في الرأس من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، في الحي الشرقي في مدينة جنين.
فاطمة الجلاد ... 20/3/2004 ... 7 ... طفلة ... خانيونس ... السطر الغربي/ خانيونس ... استشهدت إثر إصابتها بعيارات نارية أطلقتها قوات الاحتلال من مغتصبة جاني طال باتجاه منازل المواطنين أثناء تواجدها أمام منزلها.
سناء عبد الهادي قديح ... 21/3/2004 ... 34 ... أم لسبعة أطفال ... عبسان الكبيرة / خانيونس ... عبسان الكبيرة / خانيونس ... استشهدت هي وزوجها باسم قديح إثر اقتحام القوات الخاصة لمنزلهم وتفجيره عليهم.
إيمان محمد طلبة ... 10/4/2004 ... 12 ... طفلة ... مخيم خانيونس ... مخيم خانيونس ... استشهدت إثر عيار ناري في الرأس أصيبت به عندما كانت تلهو أمام منزلها أطلقه عليها جنود الاحتلال من مستوطنة جاني طال.
منى شحدة أبو طبق ... 22/4/2004 ... 10 ... طفلة ... أبراج الندى / بيت لاهيا ... أبراج الندى / بيت لاهيا ... استشهدت اثر إصابتها بعيار ناري أثناء توجهها من بيتها في أبراج الندى لشراء بعض الحاجيات من محل مجاور.(1/75)
أسماء أبو قليق ... 22/4/2004 ... 4 ... طفلة ... القرية البدوية "أم النصر" / بيت لاهيا ... القرية البدوية "أم النصر" / بيت لاهيا ... اسشتهدت اثر استنشاقها للغاز المسيل للدموع الذي أطلقته قوات الاحتلال على منازل المواطنين في القرية.
صبحية أبو لبادة ... 29/4/2004 ... 50 ... ربة بيت ... مخيم الفارعة / نابلس ... مخيم الفارعة / نابلس ... استشهدت إثر استنشاق الغاز السام الذي أطلقته قوات الاحتلال على منازل المواطنين.
المبحث الثاني
من أبرز شهيدات انتفاضة الأقصى..
نماذج مشرقة في تاريخ الإنسانية
الشهيدة / نورا جمال شلهوب
نموذج رفيع للفتاة الفلسطينية المسلمة، المؤمنة، المجاهدة، التي امتشقت الصعب المعقد، ورنت ببصرها نحو الذرى والعلياء، وتجسيد رائع لشلالات الحب المتدفقة وفيضانات التضحية المتواصلة التي اجتاحت القلب الصغير، الوضيء، المفعم بالخير والنور والحب والضياء، ومثال ناصع للمسار الصادق السليم والشرعة المستقيمة التي تنبت في أعماق النفس ثقة بالغة والتزاماً أصيلاً وإيماناً بلا حدود .. تلك كانت الجوانب المشرقة التي أنارت كيان الشهيدة نورا شلهوب، ووسمت شخصيتها، وصبغت مسيرتها الكريمة رغم حال المراهقة التي تمر بها، وما تسببه من بلبلة واضطراب قد تجرف البعض إلى الزيغ والانحراف.
ضربت نورا، ذات الـ16 ربيعاً، ابنة مدينة طولكرم، خير مثال للفتاة الفلسطينية ذات التفاعل الحميم والتواصل الحار مع قضية وطنها وآمال وهموم شعبها، الفتاة التي نبذت ما انحازت إليه قريناتها في مثل تلك السن المائجة بالتغيرات والتقلبات، وتركت كل ما يشدّ إلى نوازع المتعة والزينة والبهرج واللباس، وقيدت تفكيرها واهتماماتها بكل ما يتصل بهموم وآلام ومعاناة شعبها، وما يخفف عنه بطش وجبروت وقمع الاحتلال.(1/76)
كانت نورا تسير في شوارع مدينتها "طولكرم"، ترتدي زي المدرسة الأخضر، والحجاب الأبيض يلف وجهها البريء، تحمل أدواتها المدرسية ودفتر أشعارها الصغير، وفي طريقها إلى المدرسة الذي تسلكه كل يوم، جيئة وذهاباً، كانت تراهم دوماً يمرون في شوارع المدينة بزيهم المميز وأسلحتهم المستعدة للقتل في أي لحظة، وخاصة عند حاجز "الطيبة" جنوب غرب المدينة.
كانت نورا دائماً ترهف السمع لأنباء القتل البشع الذي تمارسه قوات الاحتلال، "جنود الاحتلال قتلوا فواز بدران"، "عامر الحضيري اغتيل بقصف مروحي صهيوني"، "اغتيال رائد الكرمي على يد قوات الاحتلال"، "استشهاد فراس الجابر"،...وكثيرون غيرهم كانت تعرف بعضهم، ولم تكن تعرف آخرين، إلا أنهم كلهم كانوا أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل المقاوم، الذي رفض الذل والهوان وامتشق إرادته الصلبة وما توفر من إمكانات متواضعة وأدوات محدودة، في مواجهة آلة الحرب الصهيونية المدججة بكافة أشكال العتاد العسكري الذي خصص للفتك بأجساد الفلسطينيين والولوغ في دمائهم.
فاض الكيل بالصغيرة، وأصبح الصمت على ما يحدث مستحيلاً والخواطر الوطنية التي نجحت في نشرها ببعض الصحف المحلية لم تعد كافية، والاجتهاد في الدراسة لم يعد كافياً أيضاً.(1/77)
لم يكفها فيض مشاعرها الملتهبة تجاه جرائم الاحتلال، وما كانت تقوم به من جمع لصور الشهداء مثل فواز بدران وعامر الحضيري ومحمود مرمش وأحمد عليان ومؤيد صلاح الدين واحتفاظها بوصاياهم، وما تعايشه من استحضار لذكريات المجد والبطولة التي تفوح من سيرة العمليات الجهادية الرائعة التي كان ينفذها أبطال كتائب القسام، والتضحيات الجمة التي يبذلها عمالقة المقاومة كالشهيد المجاهد القائد محمود أبو الهنود وغيره من قيادات شهداء المقاومة، ولم يكفها تنمية وعيها السياسي والثقافي والديني وحفظها لأجزاء من القرآن الكريم، وإدراكها للأحداث ومعايشتها للتطورات والمستجدات على الساحة الفلسطينية والإقليمية والدولية، وما يحاك للشعب الفلسطيني وقضيته من مخططات ومؤامرات، فكان قرارها الحاسم القاطع الذي لا رجعة عنه ولا فكاك من تنفيذه والالتزام به.
وعشية التنفيذ أدت نورا صلاة العشاء يوم الأحد 24/2/2002 وقبلّت والدتها ووالدها وداعبت أشقاءها الخمسة الصغار، ودخلت إلى غرفتها حيث اعتقد الجميع أنها ستنام ككل ليلة، لكن تلك الليلة كانت مختلفة.
وقفت نورا أمام ملصق معلق في غرفتها لأحد القادة الشهداء، ثم جلست على مكتبها وكتبت رسالة إلى أهلها وكل أبناء وطنها فلسطين.
كتبت الصغيرة "إن الاحتلال تمادى في عدوانه وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني بكافة الأشكال، وآن الأوان لتلقينه رسالة واضحة ليعلم أنه لا أمن له في أرضنا".
وأوصت زميلاتها في المدرسة خيراً بالوطن، وأوصت المدرسات بتربية الطالبات والطلبة على حب الوطن.
وفي ختام وصيتها أكدت نورا أنها تهدي ما قررت أن تفعله لعدد من الشهداء منهم: فواز بدران وعامر الحضيري ورائد الكرمي وفراس الجابر ود.ثابت ثابت، وجميعهم تم اغتيالهم على يد جيش الاحتلال، كما أهدتها إلى كافة الشهداء والجرحى.(1/78)
وفي منتصف تلك الليلة خرجت نورا من منزلها، وهي تحمل شيئاً لامعاً معها، متسللة بخفة وهدوء لتستقل سيارة أجرة إلى قرية فرعون المجاورة، ومن هناك سارت مشياً على الأقدام بين الحقول إلى أن وصلت حاجز "الطيبة" العسكري على بعد حوالي كيلومترين حيث يتمركز جنود الاحتلال، وما أن اقتربت حتى استجمعت كل ما تملك من شجاعة وإقدام وإباء، واستلت سكينها الحاد ذا النصل اللامع محاولة طعن أحد الجنود الصهاينة، إلا أن بقية الجنود سارعوا لفتح نيران أسلحتهم الرشاشة على جسدها الصغير فور أن وقعت أنظارهم عليها لترتقي إلى العلا، شهيدة، كريمة، أبية.
وقد صرح الناطق العسكري الصهيوني، تعقيباً على قتل الشهيدة نورا، أن الجنود المتمركزون على حاجز "الطيبة" شاهدوا في حوالي الساعة الثانية من فجر الاثنين 25/2/2002م فتاة فلسطينية كانت تشهر سكيناً في يدها وتتجه نحو الحاجز، زاعماً أن الجنود أطلقوا أعيرة تحذيرية، وعندما لم تنصع الفتاة أطلق أحدهم النار باتجاهها وأرداها قتيلة، فيما لم يتوفر أي شهود عيان فلسطينيين على هذه الحادثة التي تثبت أن الجنود الصهاينة لم يتورعوا عن استخدام القوة الأشد فتكاً ضد الطفلة الشهيدة نورا، في حين كان بإمكانهم إلقاء القبض عليها بدل قتلها وإطلاق النار - بكل حقد وبغضاء- عليها.
وفي ذلك الصباح من يوم الاثنين 25/2/2002 فوجئ الأب بنبأ استشهاد ابنته من أحد أصدقائه العاملين في أحد أجهزة السلطة الفلسطينية، ولدى بحثه في غرفتها وجد الرسالة "الوصية" التي تركتها.
ورغم الألم الذي عصف به إلا أن والدها الدكتور جمال شلهوب أكد أنه فخور بها وأنه يرفع رأسه عاليا بما حاولت أن تقدمه "نورا" من نموذج حي للإنسان الفلسطيني، مشيراً إلى أن مشاعر الناس لا تستطيع أن تتحكم فيها المدافع والطائرات التي لا ترهبهم بل تجعلهم أكثر إيمانا بضرورة المقاومة والجهاد حتى إنهاء الاحتلال وتحرير الأرض والمقدسات.(1/79)
وكان آخر ما نطق الأب من كلمات تفسيراً لصنيع ابنته قوله أنها "كانت طفلة متفوقة وجميلة ومرهفة الإحساس، وربما لأنها كانت كذلك فعلت ما فعلته ورحلت .. كانت تتمنى الشهادة حتى نالتها".
أما والدة الشهيدة فقد رفعت وصية ابنتها بيدها، وعيناها تذرفان الدمع المدرار، وشرعت في قراءة ما كتبته ابنتها الصغيرة التي حولها الاحتلال – كما تقول- من طالبة بريئة تلبس زي المدرسة الأخضر إلى مقاومة صغيرة حاولت أن تقتص من جنود الاحتلال الذين حولوا أحلامها الوردية إلى كوابيس.
ومضت الأم قائلة: "كانت نورا رقيقة المشاعر، تفرح لفرحي وتحزن لحزني وتغضب لغضبي، ولا تتركني حتى تمسح الحزن والغضب عني، لذا سأذكرها ما حييت".
أما زميلات الشهيدة في المدرسة فقد قمن بعد ظهر الثلاثاء 26/2/2002م بمسيرة رمزية حملن فيها أكاليل الزهور، وتوجهن إلى بيت نورا لتقديم واجب العزاء.
وقد نعت فصائل المقاومة الفلسطينية، الإسلامية والوطنية، الشهيدة نورا، مؤكدة أن استمرار الاحتلال وجرائمه لن يزيد الشعب الفلسطيني بكل فئاته إلا تماسكاً وإصرارا على المقاومة والكفاح من أجل الكرامة والحرية، مقدرين للروح الجهادية العالية التي تحلت بها الشهيدة وما أقدمت عليه من فعل مقاوم يشكل رسالة هامة إلى أبناء شعبها وللاحتلال الصهيوني.
وحتى اليوم لا يستطيع والدها وأسرتها تخيل أن ابنتهم الصغيرة المدللة قامت بكل هذا العمل الذي يتطلب جرأة استثنائية، حيث يؤكد والدها أنه لم يخطر بباله لحظة واحدة أن تفكر نورا الصغيرة الجميلة الوديعة بكل هذا، مشيراً إلى أنها كانت متفوقة في دراستها، ولكونها أكبر أخواتها فقد كانت تحمل الكثير من أعباء الاهتمام بهم ومتابعتهم وخصوصاً في مجال الدراسة، وأن حياتها اليومية لم تدل على أي مؤشر يفصح عن نواياها تجاه المقاومة والتصدي للاحتلال.(1/80)
تلك كانت نورا.. مظهر خارجي يتسم بالرقة والوداعة والهدوء والحنان، إلا أنه لا يعكس - بحال- حقيقة العمق الداخلي الذي يلتهب شوقاً للشهادة، ويموج ببراكين الحقد المتأججة تجاه الاحتلال وممارساته الإجرامية، التي أثمرت فعلاً جهادياً مقاوماً وآلية عمل تنفيذية رغم بساطتها ومحدوديتها، بعيداً عن أولئك الذين يملئون الأرض جعجعة وضجيجاً دون أن يتطرق إلى تفكيرهم أي شيئ عملي أو فعل تنفيذي.
الشهيدة / سعاد صنوبر جود الله
تاريخ الأم الفلسطينية حافل بالبذل والتضحيات، ومجبول بالعطاء والإنجازات، فمن رعاية الأسرة وتنشئة الجيل على أساس من الخير والفضيلة والأخلاق الحميدة وحب الأرض والوطن والمقدسات، إلى تحمل مسئوليات الأسرة والتربية كاملة لدى استشهاد الزوج أو الأخ أو الابن المعيل، إلى إسناد المقاومة ورجالها الأبطال، بالتحريض على الإقدام والفداء، والتشجيع على مواصلة الدرب والمسيرة، وشحذ الهمم ورفع المعنويات، وتقديم الخدمات والمساعدات المختلفة في إطار العمل الكفاحي المقاوم.
ورغم التطور النوعي والارتقاء الكبير الذي بلغته الفلسطينيات في مجال المقاومة عبر اقتحامه من أوسع أبوابه من خلال العمليات الاستشهادية، إلا أن الأم الفلسطينية لم يكن لها أي حظ أو نصيب في ملامسة ذرى العمل المقاوم المتصل بالمواجهة العسكرية المباشرة التي تأخذ شكل الاشتباك المسلح حتى قرابة أربعين شهراً من عمر انتفاضة الأقصى المباركة، عندما امتشقت الشهيدة سعاد جود الله سلاحها، وخطت لنفسها وللمرأة الفلسطينية درب العزة والكرامة المؤسس على الصبر والثبات والصمود الذي سيذكره لها تاريخ جهاد الشعب الفلسطيني طويلاً.
وبكل المقاييس تعد مشاركة امرأة في وحدة "كوماندو" فلسطينية تقتحم المستوطنات سابقة هي الأولى من نوعها في العقود الأخيرة، ليس من حيث طبيعة المشاركة فحسب بل لكون هذه المرأة أماً من جهة وذات سن كبير يناهز 46 عاماً من جهة أخرى.(1/81)
لم تكن سعاد امرأة عادية بالمعايير المعروفة اجتماعياً، تنزع إلى ميولها الأنثوية ومشاعر الحنان والأمومة التي تتملكها كما الكثير من الأمهات والنساء الفلسطينيات، وتقصر على ذلك اهتماماتها وتفكيرها وتصوراتها، بل شكلت نموذجاً فريداً للتوازن الرائع الذي جمعت به بين اهتمامين ثقيلين: اهتمام الأسرة والأمومة بما يحمله من متاعب ومشاق ومغارم وأعباء مترامية، واهتمام الوطن والجهاد لأجل الدفاع عنه، والنضال للذود عن حياضه، والكفاح لنصرة قضيته العادلة.
من هنا كان العبء ثقيلاً على سعاد ثقل هموم الوطن والمجتمع ومعاناته الممتدة المتصاعدة جراء قمع وعدوان الاحتلال، إلا أن صدرها كان فسيحاً، وقلبها كان كبيراً يتسع لكل تلك الأعباء والهموم، وكان مستوى تحملها للمسئولية الوطنية عظيماً بعظم الدور الجليل الذي كانت تخطط لأدائه وتنتظر الفرصة السانحة لتنفيذه.
ففي حياتها الحافلة بالعمل والعطاء، كانت سعاد امرأة متدينة ملتزمة ذات خلق عال، وذات قدرة كبيرة على الصبر والاحتمال، لتكتسب محبة واحترام كل من حولها وتحوز على تقديرهم وإعجابهم.
وقد استقرت تفاصيل حكاية سعاد في أذهان الجمهور الفلسطيني يوم الجمعة 24/1/2003 حينما أعلنت مصادر صهيونية أن "سعاداً" وشاباً آخر "أيمن رشيد حلمي حناوي" الذي ينتمي إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام استشهدا إثر هجوم بالقنابل اليدوية على موقع لجيش الاحتلال شمال الضفة الغربية، مضيفة أن الشهيدين كانا في عداد مجموعة "كوماندو" تتألف من 4 مقاتلين ألقت قنابل يدوية وفتحت النار على موقع للجيش الصهيوني شمال نابلس، وبالتحديد على الطريق المؤدي إلى مستوطنة "شافيه شمرون" شمال المدينة، مما أدى إلى استشهاد عضوين من المجموعة – كانت سعاد أحدهما- فيما أصيب نجلها عبد الله بإصابات خطيرة قبل أن يختطفه ويعتقله جنود الاحتلال.(1/82)
بيت سعاد الواقع على شارع "زواتا" على المدخل الغربي لمدينة نابلس أضحى أحد المعالم البارزة في المنطقة عقب العملية، فسيرة الشهيدة وعمليتها ا لبطولية الفريدة من نوعها كانت على كل لسان لكبار وصغار الحي الذي تقطنه، فضلاً عن جحافل الصحفيين والمعزين الذين أموا بيتها طيلة أيام العزاء إثر استشهادها.
وفي بيتها المتواضع، كانت كل زاوية فيه تذكر أفراد العائلة، الذين اعتادوا التجمع في قاعة الضيوف داخل المنزل، بوجود سعاد، ففي إحدى الزوايا كانت صورتها مع أبنائها الخمسة وزوجها محمود، وفي زاوية أخرى روى أفراد العائلة كيف قامت سعاد بعد استشهاد ابنها أحمد بتعليق صورته ووضع إشارة سوداء عليها.
"اغتيال أحمد كان نقطة فاصلة في حياة شقيقتي سعاد - رحمها الله- فقد ازداد حديثها عن الشهادة، وأصبح الحزن لا يفارق محياها، لكنها كانت صابرة".
هكذا افتتحت لينا شقيقة الشهيدة سعاد حديثها عن سعاد التي كانت أحد أركان عائلتها ومهجة فؤاد أسرتها، مؤكدة أن سعاد نالت الشهادة كما كانت تتمنى وأنهم يحمدون الله على هذا المصير رغم أن بعض جوانب عملية استشهاد شقيقتها لا زالت غامضة لم تتضح بعد.
الجدير ذكره أن أحمد نجل سعاد البكر 24 عاماً وهو ناشط في حركة الجهاد الإسلامي قد استشهد مع مقاتل آخر أثناء اشتباك مسلح مع جيش الاحتلال شهر أكتوبر عام 2002 عقب مطاردة استمرت ثلاثة أعوام.
ونتيجة لحساسية الموضوع بالنسبة للعائلة، وقلة المعلومات المتوفرة فقد آثرت عائلتها تجنب الحديث عن دور سعاد في اقتحام المستوطنة وزرع العبوات الناسفة حولها، وخاصة أن الشاهد الوحيد (نجلها عبد الله) قد اختطف أثناء العملية ليتطرق الحديث إلى سعاد الأم والإنسانة.(1/83)
فقد أكد محمود جود الله زوج الشهيدة أن سعاد كانت نعم الزوجة الصابرة والمكافحة في بيتها، مضيفاً أن زوجته الشهيدة أصرت على مشاركته الحلوة والمرة والسراء والضراء رغم أحواله المادية الصعبة، وأنها كانت تساعده بكل ما تستطيع لتزيد دخل الأسرة رغم المسئولية الملقاة على عاتقها برعاية بيت يتألف من خمسة أبناء كلهم من الذكور.
وتابع الزوج: "لقد كانت نعم الأم لأبنائي، فقد ربتهم على الدين والأخلاق الحميدة حتى أحبهم كل من تعامل معهم، إننا جميعاً سنفتقد غيابها عنا، لكنها ستبقى حاضرة في أذهاننا، فسعاد موجودة في كل تفاصيل حياتنا"، معبراً عن فخره لكون زوجته قضت شهيدة كما كانت تتمنى بعد استشهاد نجلها أحمد.
وللشهيدة خمسة أبناء، أكبرهم محمد 25 عاماً، والثاني أحمد 22 عاماً، الذي استشهد عام 2002، وعبد الله 20 عاماً الذي اعتقل بعد إصابته أثناء عملية الهجوم على المستوطنة برفقة والدته وأحد المجاهدين، وياسر 17 عاماً، وأصغرهم أنس الذي يبلغ 13 عاماً.
ويصف ياسر نجل الشهيدة علاقته وعلاقة أسرته بالأم الشهيدة قائلاً:"كانت أمي حنونة تخاف علينا من كل شيئ، لكن ظلم الاحتلال وجبروته هو الذي دفع بها للتضحية بنفسها، ليس من أجلنا فقط، بل من أجل كل أم فقدت ابنها شهيداً أو جريحاً أو أسيراً، إنها كانت دائماً تفكر بالجميع".
ويمضي قائلاً :" لابد أن شخصية أخي أحمد المجاهدة الذي رافقته أمي في سنوات المطاردة التي تعرض لها لأكثر من 3 سنوات قد أثرت عليها، لقد كانت قبل استشهاده تحضر له الملابس والطعام يومياً في المكان الذي كان يختبئ فيه".
وفي الوقت نفسه تؤكد حنين منصور ابنة عم الشهيدة أن سعاد كانت تتحمل مسئولية كبيرة كأم وكربة بيت، إلا أن ذلك لم يمنعها من المشاركة في الحياة العامة والنشاطات الدينية والاجتماعية المثمرة، وحضور حلقات الدين، وقراءة القرآن وحفظ القرآن الكريم الذي كانت تحفظ منه أجزاء كثيرة".(1/84)
وتشير حنين إلى أن كل من تعامل مع سعاد يعلم مدى تدينها منذ سنوات عديدة، ومدى الاحترام الذي يكنه الجميع لها، ولذلك لم يكن مفاجئاً لأحد أن يعلم أن الوجه الآخر لسعاد المقاومة والرفض لظلم وقهر الاحتلال.
وفي نابلس الصمود والمقاومة، نعت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الشهيدة سعاد، وتوعدت بالانتقام لها ولدماء الشهداء، ووسط حضور جماهيري كبير تدفق آلاف المواطنين على بيت عزاء الشهيدة سعاد والشهيد الحناوي ، حيث ازدانت المنطقة بالأعلام الفلسطينية والرايات الخضراء واللافتات المنددة بجرائم الاحتلال، وأقيمت عدة مسيرات وعروض مسلحة صوب بيتي العزاء شارك فيه مسلحون من كتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى حيث ألقيت الكلمات التأبينية التي تؤكد على مواصلة درب المقاومة والاسشتهاد.
كانت تلك بعض جوانب من حياة الشهيدة سعاد جود الله، المضيئة بالحب والحنان والوفاء، والمشرقة بالتضحية والفداء، المجللة بالخير والإيمان والخلق الرفيع الذي وسم حياتها كنموذج فريد متميز على الحيوية الهائلة والالتزام الوطني الخالص للمرأة الفلسطينية التي تخشى ربها وتؤدي واجباتها تجاه خالقها ودينها وشعبها، وتدرك حدود حقوقها وواجباتها، ومتطلبات انتمائها لهذا الوطن الجريح الذي يئن تحت ثقل قمع وإرهاب الاحتلال.
الشهيدة / عبير حمدان(1/85)
مع اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة، وانطلاق قطار الجهاد والكفاح الفلسطيني في وجه الاحتلال الصهيوني، عاش الشعب الفلسطيني أوضاعاً إنسانية صعبة، وأجواءً بالغة القسوة والألم والبؤس والمعاناة، فالاحتلال الذي فوجئ بقوة وعمق وكثافة واتساع الانتفاضة، وما أفرزته لاحقاً من ظواهر مسلحة وتطور نوعي متدرج في العمل العسكري المقاوم، لم يدخر وسعاً في محاولة سحق الانتفاضة والقضاء عليها بالحديد والنار، فانطلقت آلته الحربية القمعية الإجرامية تعيث في الأرض فساداً، وتدمر الأخضر واليابس، وتحيل كل ما يواجهها إلى خراب، بكافة وسائل الإرهاب الحديثة بدءاً بالآلية والدبابة وانتهاءً بالمروحية والطائرة، ليسقط الشهداء بالآلاف، والجرحى بعشرات الآلاف، وتنهمر الدماء الفلسطينية العزيزة لتصنع ملحمة البطولة الخالدة، وترسم سبيل النصر والخلاص، وتعيد القضية إلى جذورها الصحيحة وأصولها الحقيقية، وتعيد صياغة الواقع الفلسطيني الذي كاد أن يهترئ في ظلال اتفاقات أوسلو البائدة، وتذكر الجميع بحقائق الصراع الخالدة التي حاول البعض طمسها ومحوها لقاء فتات لا يسمن ولا يغني من جوع.
وسط هذه الأجواء المشحونة بالغضب والحقد تجاه الاحتلال وممارساته العدوانية كانت فتاة من فتيات فلسطين الطيبات الطاهرات تشحذ همتها وتستجمع عزمها وتستدعي مكامن إصرارها، وتقسم على الثأر لدماء الشهداء والجرحى وآهات المعذبين والثكلى.
لم تكن هذه الفتاة إلا عبير حمدان 27 عاماً ابنة مدينة نابلس التي شرعت في خطوات عملية للبر بقسمها وإنجاز ما حاكته في رأسها ولم تواجه في سبيل تحقيق ذلك أدنى مشكلة، أو تعترضها أية عقبة، فقد كانت مخطوبة لأحد ناشطي كتائب شهداء الأقصى الذي رحب وسعد برغبة خطيبته في مشاركته الهم الوطني المقاوم في وجه الاحتلال.(1/86)
وهكذا انطلقت عبير، بكل حبور وارتياح، في أداء مهامها الكفاحية الجديدة، وكلها شعور بأنها قد سددت قسطاً من الواجب الملقى على عاتقها لخدمة الوطن ونصرة قضيته والدفاع عن أهله الذين أثخنهم الاحتلال الصهيوني قتلاً وبطشاً وإرهابا وجراحاً.
وقد تركزت مهمتها – بداية- في نقل العبوات الناسفة إلى داخل فلسطين المحتلة عام 48، ووضعها في أماكن مختارة للاستفادة منها، عبر تفجيرها عن بعد أو تسليمها لاستشهادي كي يقتحم بها موقعاً من مواقع الصهاينة المجرمين، ويذيقهم شيئاً مما يذيقونه يومياً لشعبنا الفلسطيني الصامد.
ويبدو أن قدر الله أراد لها موتة شريفة، وأهلها لنيل الشهادة التي يتمناها كل مخلص شريف، ففي تاريخ 31/8/2002، وبينما كانت عبير تنقل إحدى العبوات الناسفة في سيارة عمومية بين طولكرم ونابلس على طريق نقلها إلى مدينة الخضيرة داخل فلسطين المحتلة عام 48، وإذ بانفجار كبير يهز السيارة، وما أن انقشع الغبار حتى تبين أن العبوة التي كانت تحملها عبير قد انفجرت، لتنتقل عبير شهيدة، وتلتحق بالرفيق الأعلى.
ويبدو أن خللاً قد طرأ على العبوة التي كانت تنقلها عبير، فانفجرت بشكل عرضي دون قصد، قبل أن تصل غايتها وتحقق هدفها.
ومع انفجار العبوة طويت صفحة جديدة من صفحات المقاومة المشرفة لهذه الفتاة المناضلة المجاهدة التي أخلصت وجهتها وانتماءها لأرضها ووطنها وشعبها وقضيتها، فدفعت الثمن من دفق دمها وزهرة حياتها وجوهر وجودها، وأدت ضريبة العزة والكرامة والحرية كاملة غير منقوصة.
الفصل الثالث
المرأة الفلسطينية..
أسيرة في المعتقلات
والسجون الصهيونية
مدخل/
... أثبتت المرأة الفلسطينية جدارتها، وتمكنت من إسداء خدمات جليلة للمقاومة الفلسطينية، وتجييش قطاعات واسعة من العنصر النسائي في إطار العمل المقاوم.(1/87)
فلم تعد مشاركة المرأة الفلسطينية في أعمال المقاومة قاصرة على الفعل التقليدي، بل امتدت إلى أشكال إبداعية أكثر تأثيراً في مسار المواجهة مع الاحتلال، ليشهد العالم ولادة العمليات العسكرية النوعية التي نفذتها، أو ساهمت في تنفيذها وإنجازها فلسطينيات، عبر العمل الاستشهادي المباشر، أو إيصال الاستشهاديين أو نقل العبوات الناسفة إلى داخل العمق الصهيوني، مما شكل نقلة هامة بالغة التميز في دور المرأة الكفاحي وعطائها المقاوم الذي بلغ ذروته وقمة إنتاجه، ليتكامل مع دور الرجل، ويتآلفا في حلة زاهية بديعة من الجهاد والثبات والتضحية والفداء.
وانسجاماً مع الدور المطرد الذي لعبته المرأة إبان انتفاضة الأقصى، ودخولها على خط المقاومة الساخن، فقد رأت سلطات الاحتلال في ذلك خطراً كبيراً يتهددها ويتربص بمستقبلها، ويوسع من نطاق المواجهة التي تستهدفها، ويضاعف من أعبائها الأمنية ومشكلاتها الاقتصادية التي تشتد تفاقماً يوماً بعد يوم.
وفي هذا الإطار بدأت سلطات الاحتلال حملة واسعة لاستهداف المجاهدات والمناضلات الفلسطينيات، أسراً واعتقالاً، ولم تقدر لهم أمومة، أو تراعي لهم ضعفاً، بل زجت بهن في غياهب السجون والمعتقلات، ومارست بحقهن أبشع ألوان وصور التعذيب، وحرمتهن من حقوقهن الأساسية، وتعاملت معهن بشكل وضيع دون أية اعتبارات إنسانية.
ولا زالت سجون الاحتلال تحتوي وراء أسوارها وقضبانها عشرات الأسيرات الفلسطينيات اللاتي يقبضن على جمرتي الدين والوطن، ويترنمن بألحان المقاومة والصمود، ويواجهن بصبر وكبرياء آلام القيد ووجع الاعتقال.(1/88)
وفي طيّ هذا الفصل عدد من الجداول الإحصائية المبوبة التي تشمل معلومات ومعطيات وأرقام ونتائج تفصيلية إزاء الأسيرات الفلسطينيات اللاتي يقبعن في سجون الاحتلال الصهيوني، واستعرض للسير الكفاحية لأبرز المجاهدات والمناضلات الفلسطينيات اللاتي وقعن فريسة الأسر الصهيوني، كنماذج مشرقة تدل على عمق الولاء والارتباط بالوطن والقضية، ومدى حراك وحيوية وإنجازات المرأة الفلسطينية كفاحياً.
المبحث الأول
جداول وأرقام إحصائية
يتألف هذا المبحث من عدد من الجداول الإحصائية المبوبة التي تتناول عرض وتحليل كافة المعلومات والمعطيات المتوفرة إزاء الأسيرات الفلسطينيات اللاتي يرزحن داخل السجون الصهيونية النازية حتى نهاية شهر أبريل / نيسان عام 2004م من عمر انتفاضة الأقصى، وذلك على النحو التالي:
جدول رقم (1) يوضح التوزيع الجغرافي لأماكن إقامة الأسيرات الفلسطينيات في المدن الفلسطينية، والشتات الفلسطيني إبان انتفاضة الأقصى من تاريخ (28/9/2000م- 30/3/2004م)
جدول رقم(1)
الرقم ... مكان الإقامة ... العدد ... النسبة %
1 ... غزة ... 1 ... % 1.3
2 ... نابلس ... 14 ... % 18.2
3 ... جنين ... 13 ... % 16.9
4 ... طولكرم ... 11 ... % 14.3
5 ... قلقيلية ... 2 ... % 2.6
6 ... بيت لحم ... 8 ... % 10.4
7 ... رام الله ... 9 ... % 11.7
8 ... الخليل ... 12 ... % 15.6
9 ... القدس المحتلة ... 4 ... % 5.2
10 ... فلسطين المحتلة عام "48" ... 2 ... % 2.6
11 ... سوريا ... 1 ... % 1.3
المجموع ... 77 ... % 100
جدول رقم (2) يوضح التوزيع الجغرافي لأماكن إقامة الأسيرات الفلسطينيات في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وفلسطين المحتلة عام 48 وخارج فلسطين إبان انتفاضة الأقصى من تاريخ (28/9/2000م- 30/3/2004م)
جدول رقم(2)
الرقم ... محافظات فلسطين والشتات ... العدد ... النسبة %
1 ... محافظات غزة ... 1 ... % 1.3(1/89)
2 ... محافظات الضفة الغربية ... 69 ... % 89.6
3 ... محافظة القدس المحتلة ... 4 ... % 5.2
4 ... فلسطين المحتلة عام 48 ... 2 ... % 2.6
5 ... الشتات الفلسطيني ... 1 ... % 1.3
المجموع ... 77 ... % 100
جدول رقم (3) يوضح الحالة الاجتماعية للأسيرات الفلسطينيات إبان انتفاضة الأقصى من تاريخ (28/9/2000م- 30/3/20004م)
جدول رقم (3)
الرقم ... الحالة الاجتماعية ... العدد ... النسبة %
1 ... متزوجة ... 10 ... % 13.0
2 ... عزباء ... 67 ... % 87.0
المجموع ... 77 ... % 100
جدول رقم (4) يوضح حالة الاعتقال الخاصة بالأسيرات الفلسطينيات إبان انتفاضة الأقصى وما قبلها من تاريخ (28/9/2000م- 30/3/2004م)
جدول رقم (4)
الرقم ... الحالة ... العدد ... النسبة %
1 ... موقوف ... 38 ... % 49.4
2 ... محكوم ... 28 ... % 36.4
3 ... اعتقال اداري ... 5 ... % 6.5
4 ... محرر ... 6 ... % 7.8
المجموع ... 77 ... % 100
جدول رقم (5) يجري مقارنة بين أعداد الأسيرات الفلسطينيات إبان سنوات انتفاضة الأقصى وما قبلها من تاريخ (28/9/2000م- 30/3/2004م)
جدول رقم (5)
الرقم ... السنوات ... العدد ... النسبة %
1 ... ما قبل الانتفاضة ... 7 ... % 9.1
2 ... السنة الأولى ... 6 ... % 7.8
3 ... السنة الثانية ... 31 ... % 40.3
4 ... السنة الثالثة ... 33 ... % 42.9
المجموع ... 77 ... % 100
جدول رقم (6) يوضح أماكن اعتقال الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الصهيونية خلال انتفاضة الاقصى من تاريخ (28/9/2000م- 30/3/2004م)
جدول رقم (6)
الرقم ... السجون الصهيونية ... العدد ... النسبة %
1 ... نفية ترست ... 58 ... % 75.3
2 ... مجدّو ... 1 ... % 1.3
3 ... عوفر ... 1 ... % 1.3
4 ... المسكوبية ... 1 ... % 1.3
5 ... هداريم ... 1 ... % 1.3
6 ... غير محدد ... 15 ... % 19.5
المجموع ... 77 ... % 100(1/90)
جدول تفصيلي يشمل المعطيات والمعلومات الأساسية الخاصة بالأسيرات الفلسطينيات خلال انتفاضة الأقصى وما قبلها من تاريخ (28/9/2000م- 24/9/2003م)
الرقم ... الاسم ... تاريخ الميلاد ... الحالة الاجتماعية ... السجن ... محل الإقامة ... تاريخ الاعتقال ... طبيعة الحكم ... شهر ... سنة
نادية محمد يوسف محاميد ... 1919 ... عزباء ... غير محدد ... طولكرم ... 14/08/1990 ... محررة ... 0 ... 0
عائشة عيسى حسن أبو حامد ... 1972 ... عزباء ... غير محدد ... طولكرم ... 08/01/1995 ... محررة ... 0 ... 0
سونة محمود محمد راعي ... 1968 ... متزوجة ... نفية ترست ... قلقيلية ... 13/04/1997 ... محكومة ... 0 ... 12
نسرين يعقوب عبد طه ... 1972 ... عزباء ... نفية ترست ... نابلس ... 24/03/1998 ... محررة ... 0 ... 4
سعاد حلمي عبد الفتاح غزال ... 1983 ... عزباء ... نفية ترست ... نابلس ... 13/12/1998 ... محكومة ... 6 ... 6
عبير عيسى عاطف عيسى ... 1981 ... عزباء ... نفية ترست ... الخليل ... 08/12/1999 ... محكومة ... 0 ... 20
مها إبراهيم محمد العك ... 1978 ... عزباء ... نفية ترست ... بيت لحم ... 08/02/2000 ... محكومة ... 0 ... 6
عطاف عطية عبد الله نعسان ... 1982 ... عزباء ... مجدو ... رام الله ... 15/10/2000 ... موقوفة ... 0 ... 0
آمنة جواد علي منى ... 1976 ... عزباء ... نفية ترست ... القدس ... 02/01/2001 ... محكومة ... 0 ... 999
رابعة محمد أحمد حمايل ... 1976 ... عزباء ... نفية ترست ... نابلس ... 29/05/2001 ... موقوفة ... 0 ... 0
إيمان محمد حسن غزاوي ... 1975 ... متزوجة ... نفية ترست ... طولكرم ... 03/08/2001 ... محكومة ... 0 ... 13
سوسن داوود محمود أبو تركي ... 1978 ... عزباء ... نفية ترست ... الخليل ... 06/09/2001 ... محكومة ... 0 ... 20(1/91)
أحلام عارف أحمد التميمي ... 1980 ... عزباء ... نفية ترست ... رام الله ... 14/09/2001 ... محكومة ... 0 ... 1584
ابتسام عبد فايز العيساوي ... 1966 ... متزوجة ... نفية ترست ... بيت لحم ... 04/11/2001 ... محكومة ... 0 ... 15
نسرين عاطف حسن أبو زينة ... 1984 ... عزباء ... نفية ترست ... طولكرم ... 12/02/2002 ... محكومة ... 6 ... 5
أمل مصطفى قاسم محمود ... 0 ... عزباء ... نفية ترست ... سورية ... 16/02/2002 ... محكومة ... 0 ... 12
فداء اسحق ابراهيم غنام ... 1986 ... عزباء ... نفية ترست ... الخليل ... 18/02/2002 ... محكومة ... 0 ... 3
شفاء عدنان أمين القدس ... 1956 ... عزباء ... نفية ترست ... طولكرم ... 11/04/2002 ... محكومة ... 0 ... 7
لينا أحمد نصار جربوني ... 1974 ... عزباء ... نفية ترست ... رام الله ... 11/04/2002 ... محكومة ... 0 ... 99
كفاح علي سعيد كعابنة ... 1979 ... عزباء ... نفية ترست ... رام الله ... 13/04/2002 ... موقوفة ... 8 ... 1
أريج عاطف صبحي شحبري ... 1978 ... عزباء ... نفية ترست ... جنين ... 17/04/2002 ... محكومة ... 0 ... 5
إيمان محمد عبد الرحمن أبو خوصة ... 1981 ... عزباء ... نفية ترست ... جباليا ... 26/04/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
ثورية مرشد شلاشي حمور ... 1976 ... عزباء ... نفية ترست ... جنين ... 01/05/2002 ... محكومة ... 0 ... 6
عائشة محمد أحمد عوض عبيات ... 1986 ... عزباء ... غير محدد ... بيت لحم ... 03/05/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
قاهرة سعيد علي السعدي ... 1976 ... متزوجة ... نفية ترست ... جنين ... 08/05/2002 ... موقوفة ... 0 ... 99
اريانا بولي شوك سراحنة ... 0 ... متزوجة ... نفية ترست ... رام الله ... 23/05/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
سناء محمد حسين شحادة ... 1975 ... متزوجة ... نفية ترست ... القدس ... 24/05/2002 ... محكومة ... 0 ... 99(1/92)
عرين عوض حسين أحمد ... 1982 ... عزباء ... نفية ترست ... بيت لحم ... 29/05/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
ميرفت محمود يوسف طه ... 1983 ... متزوجة ... نفية ترست ... القدس ... 29/05/2002 ... محكومة ... 0 ... 2
ديمة أحمد محمد كلباني ... 1983 ... عزباء ... نفية ترست ... رام الله ... 02/06/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
نور خالد حمد الله أبو حجلة ... 1981 ... عزباء ... نفية ترست ... نابلس ... 02/06/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
عبيدة عبد الرحمن محمد خليل ... 1981 ... عزباء ... نفية ترست ... نابلس ... 02/06/2002 ... محكومة ... 0 ... 5
دعاء زياد جميل جيوسي ... 1979 ... عزباء ... نفية ترست ... طولكرم ... 07/06/2002 ... موقوفة ... 0 ... 999
زكية عبد جياد عويصي ... 1957 ... عزباء ... غير محدد ... قلقيلية ... 17/06/2002 ... إداري ... 6 ... 0
ليلى محمد حسين صالح بخاري ... 1976 ... عزباء ... نفية ترست ... نابلس ... 28/06/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
خولة محمد دخل الله حجاجة ... 0 ... عزباء ... نفية ترست ... بيت لحم ... 03/07/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
هالة حسني جابر جبر ... 1975 ... عزباء ... نفية ترست ... جنين ... 16/07/2002 ... محررة ... 8 ... 1
أمية محمد أسعد دمج ... 1978 ... عزباء ... نفية ترست ... جنين ... 24/07/2002 ... محكومة ... 0 ... 4
سعاد نايف إبراهيم أبو حمد ... 1977 ... عزباء ... نفية ترست ... جنين ... 06/08/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
سميرة خضر محمد جنازرة ... 1978 ... عزباء ... نفية ترست ... الخليل ... 08/08/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
أمل محمد جمعة أبو عامرية ... 1981 ... أعزب ... نفية ترست ... بيت لحم ... 08/08/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
غادة أحمد موسى الطيطي ... 1978 ... عزباء ... نفية ترست ... الخليل ... 08/08/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0(1/93)
ملكة خالد محمد بكري ... 1959 ... عزباء ... غير محدد ... جنين ... 18/08/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
أسماء محمود إبراهيم حسين ... 1985 ... عزباء ... نفية ترست ... طولكرم ... 03/09/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
سناء عيسى عاطف عمرو ... 1986 ... عزباء ... نفية ترست ... الخليل ... 09/10/2002 ... موقوفة ... 0 ... 12
وردة عباس بكراوي ... 0 ... عزباء ... المسكوبية ... الخط الأخضر ... 16/10/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
حسنة يوسف حسين عمران ... 1978 ... عزباء ... نفية ترست ... الخليل ... 05/11/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
منى رمضان محمد عمايرة ... 1980 ... عزباء ... نفية ترست ... الخليل ... 10/11/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
وصيفة محمود إبراهيم المصري ... 1985 ... عزباء ... نفية ترست ... بيت لحم ... 02/12/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
مغيرة محمود أحمد زكارنة ... 1976 ... متزوجة ... عوفر ... جنين ... 17/12/2002 ... موقوفة ... 0 ... 0
عطاف داوود حسن عليان ... 1962 ... عزباء ... نفية ترست ... بيت لحم ... 03/01/2003 ... محررة ... 0 ... 0
صابرين أحمد محمود القاق ... 1983 ... عزباء ... نفية ترست ... القدس ... 14/01/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
إيمان أبو فرح ... 0 ... عزباء ... نفية ترست ... جنين ... 20/1/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
إيمان ابراهيم عبد القادر أبو فارة ... 1978 ... عزباء ... نفية ترست ... الخليل ... 20/01/2003 ... موقوفة ... 4 ... 0
فاطمة ابراهيم محمود زايد ... 1979 ... عزباء ... نفية ترست ... جنين ... 20/01/2003 ... محكومة ... 2 ... 2
ابتهال يوسف ديب بيتللو ... 1982 ... عزباء ... نفية ترست ... رام الله ... 21/01/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
أسماء عبد الرازق عبد الجليل صالح ... 0 ... عزباء ... غير محدد ... رام الله ... 02/02/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0(1/94)
أسماء محمد سليمان سباغنة ... 1964 ... متزوجة ... نفية ترست ... جنين ... 11/02/2003 ... إداري ... 0 ... 0
أسماء أبو الهيجا ... 0 ... عزباء ... نفية ترست ... جنين ... 01/03/2003 ... إداري ... 6 ... 0
ريم عواد محمد حمدان ... 1985 ... أعزب ... غير محدد ... نابلس ... 10/04/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
عبير محمد رشدي ندى ... 1984 ... عزباء ... نفة ترست ... نابلس ... 10/04/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
خولة عبد الله سليمان حشاش ... 1984 ... عزباء ... نفية ترست ... نابلس ... 14/04/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
إيمان عطية زياد أبو طبو ... 1984 ... عزباء ... نفية ترست ... نابلس ... 14/04/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
أريج شحابري ... 0 ... عزباء ... نفية ترست ... الخط الأخضر ... 17/4/2003 ... محكومة ... 0 ... 5
منال إبراهيم عبد الرحمن عبد الرازق ... 1975 ... عزباء ... نفية ترست ... طولكرم ... 17/04/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
رائدة محمد مصطفى جاد الله ... 1981 ... عزباء ... غير محدد ... نابلس ... 19/04/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
فادية غازي كامل أبو الحيات ... 1981 ... عزباء ... غير محدد ... نابلس ... 20/04/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
فيروز أحمد محمد مراحيل ... 1984 ... عزباء ... نفية ترست ... نابلس ... 24/04/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
نجاح موسى حماد جبارين ... 1985 ... عزباء ... غير محدد ... الخليل ... 07/05/2003 ... محررة ... 0 ... 0
إسلام خضر قاسم صويص ... 1969 ... عزباء ... نفية ترست ... طولكرم ... 13/05/2003 ... محكومة ... 0 ... 0
زهور عبد أبو غياض حمدان ... 1962 ... عزباء ... نفية ترست ... نابلس ... 15/05/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
راوية أسعد محمد الشيخ ... 1984 ... عزباء ... هداريم ... طولكرم ... 26/05/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0(1/95)
اسال بشير توفيق بدران ... 1983 ... عزباء ... غير محدد ... طولكرم ... 06/06/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
أريج مصطفى محمد عروق ... 1980 ... عزباء ... غير محدد ... جنين ... 27/07/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
اعتراف باجس أحمد حجاج ... 1976 ... عزباء ... غير محدد ... رام الله ... 08/09/2003 ... إداري ... 4 ... 0
مي إسماعيل محمد بدير ... 1981 ... عزباء ... غير محدد ... الخليل ... 14/09/2003 ... إداري ... 3 ... 0
لينا عبد الحليم أحمد فرج الله ... 1981 ... متزوجة ... غير محدد ... الخليل ... 24/09/2003 ... موقوفة ... 0 ... 0
المبحث الثاني
أمثلة مضيئة.. وعطاء بلا حدود
نماذج من أبرز أسيرات انتفاضة الأقصى..
الأسيرة / أحلام عارف التميمي
ابتسامة هادئة، واثقة، ساخرة، ارتسمت على شفتيها وهي تتلقى النبأ الأشد قسوة والأكثر صعوبة وتعقيداً في حياتها، النبأ الذي شكل منعطفاً بالغ الحدة في تاريخها، ونقلها إلى عالم آخر وأجواء أخرى بعيدة عن عالمها الذي ترعرعت فيه وعاشت في كنفه ونشأت في ظلاله.
لم ترتعب أو ترتعد، ولم ترتبك أو تضطرب، ولم تجزع أو تخف للكلمات الجافة الملبدة بالحقد والقسوة والكراهية التي انطلقت من فم كريه شرير بهدف تدمير حياتها وتحطيم نفسيتها وسحق معنوياتها وإلقائها خارج حدود الحياة والبشرية.(1/96)
كانت الكلمات الحاقدة المتشفية الموجهة ضدها أشبه بالصواريخ والرصاص الذي يقتل يومياً الأبرياء من أبناء شعبنا، وفي أحيان كثيرة كانت تلك الكلمات "الصواريخ" كافية لانهيار أشد الرجال قوة وصلابة، فكيف لو تعلق الأمر بفتاة لم تتجاوز الـ23 ربيعاً من عمرها المديد في حينه، فلا شك أن الأمر سيكون أشد وطأة وأكثر ثقلاً، ومدعاة إلى مزيد من الانهيار بالنظر إلى طبيعة المرأة وحقيقة تركيبتها النفسية والعاطفية التي لا تحتمل الصدمات والفواجع والملمات، إلا أن تلك الفتاة - مثار حديثنا- كانت فتاة متميزة، لم تكن كبقية الفتيات، حباها الله شخصية فريدة، قوية، صلبة، متماسكة، تشكلت على أسس من الإيمان والأخلاق والالتزام، واصطبغت بمضامين القيم الإسلامية الأصيلة التي تمنح الإنسان استقامة رائعة وهيبة كبيرة وثقة عظيمة وثباتاً راسخاً وحصانة واضحة من أشكال الاعوجاج والانحراف الذي انزلق فيها الكثيرون هذه الأيام تحت تأثير إغراءات الهجمة المادية وما يسمى بالمدينة الحديثة.
عمرها 23 ربيعاً لكنها فتاة فوق العادة، وجه إنساني من لون آخر، دلقت قارورة عطرها الأنثوي فوق رمال الصحراء العربية التي يقتلها الظمأ للرجولة، تركت نخوتها تتعانق مع متع الدنيا وحطامها فامتطت صهوة المقاومة في الأفق المقدسي الذي بارك الله في مسجده وفي ما حوله. لم تحلم كبقية الصبايا بفارس الأحلام الذي سيمتطي الفرس البيضاء سابحاً في فضاء الخيال ليختطفها لجزيرة الأحلام، وبدلاً من إصبع أحمر الشفاه حملت إصبع الديناميت، لأن وجه حيفا المغتصب يحتاج لمجاهدة وليس لمن تتقلب على فراش السرير.(1/97)
لم تكن تلك الشابة اليافعة إلا المجاهدة أحلام التميمي إحدى عناصر كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس التي اعتقلتها قوات الاحتلال الصهيوني بتهمة الانخراط في كتائب القسام والمشاركة في تنفيذ عملية استشهادية أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الصهاينة في القدس الغربية من خلال نقلها الاستشهادي الذي فجر نفسه في أحد المطاعم هناك، والعديد من التهم التي تتعلق بالأنشطة العسكرية التي مارستها أحلام إبان انتمائها لكتائب القسام وعملها في صفوفها، وهو ما حدا بالمحكمة العسكرية الصهيونية إلى الحكم عليها بالسجن 16 مؤبداً أي ما يعادل 1584 عاماً، حيث جاء في نص الحكم الذي تلاه أحد "القضاة" الصهاينة "أن المتهمة كانت شريكة في عملية أسفرت عن مقتل 16 إسرائيلياً، بل إنها بادرت إلى اتخاذ خطوات فعالة في العملية، وأنها خرجت بعد معرفة النتائج القاسية التي أسفرت عنها العملية، وأنها تصرفت بوعي تام ناجم عن رغبة شديدة في سفك دماء الإسرائيليين، ليس لشيئ وإنما لكونهم إسرائيليين فقط، وهذا دليل آخر على انزلاقها إلى أدنى المستويات الإنسانية".(1/98)
واجهت أحلام ذلك الحكم الجائر بابتسامتها الهائلة الهادئة التي تعبر عن الراحة النفسية الكاملة ورباطة الجأش وعدم الندم، والواثقة التي تؤشر على مدى عمق الإيمان والثقة بنصر الله، والساخرة التي تشي بمدى استخفافها بجلاديها وحكومتهم وجيشهم ودولتهم اللقيطة واستهزائها بقوتهم الغاشمة وإرهابهم الحاقد، وما أن فرغ الجلاد من النطق بالحكم حتى وقفت أحلام بكل كبرياء وشموخ لتكرس الموقف الوطني الخالد الذي ينبغي أن ينتصب في مواجهة الاحتلال قائلة:"إن 16 قتيلاً صهيونياً هو عدد قليل نسبياً مقارنة بالعدد الكبير ممن قتلتموهم من شعبي، وسأشاهدكم وأنتم في جهنم، ولن تزول الابتسامة المرسومة على وجهي بإذن الله، فأنا لا أعترف بشرعية محكمتكم التي تصدر أحكامها الجائرة على المجاهدين والمناضلين الفلسطينيين".
وكانت قوات الاحتلال قد أقدمت على اعتقال أحلام بتاريخ 14/9/2001، وقدمت للمحاكمة بتاريخ 23/10/2003 حيث طالبت النيابة المحكمة برفع توصية إلي قيادة جيش الاحتلال بعدم إدراجها في أية صفقة لتبادل الأسرى في المستقبل، وطالبت بإبقائها داخل السجن حتى الموت!(1/99)
وقد وصف محمد شقيق أحلام تفاصيل ما دار في محاكمة شقيقته قائلاً:"وقفت أحلام بعد أن سمح لها بالحديث لتقرأ آية قرآنية تحث على الجهاد في سبيل الله، وقالت لهيئة المحكمة: أنا لا أريد أن أعرفكم على نفسي باسمي أو عمري أو حلمي، أنا أريد أن أعرفكم على نفسي بأفعالي التي تعرفونها جيداً في هذه المحكمة، وأنا أرى في عيون كل الجالسين بالمحكمة الغضب وأنا مبسوطة، ليش؟"، مضيفة بلهجة فلسطينية عامية:"الغضب اللي في وجوهكم وعيونكم هو نفس الغضب اللي في قلبي وفي قلب كل الشعب الفلسطيني، وهو أكبر من غضبكم، 16 قتيلاً و122 جريحاً، هذا رقم قليل مقابل الأعداد اللي قتلوا بسببكم، وإذا أنتم تقولون ما عندي قلب وإحساس فمن إذن عنده قلب؟ أنتم؟ إذا بتحكوا ما عندي قلب ولا إحساس وين كان قلبكم لما قتلوا الأطفال والنساء في جنين ورفح ورام الله والحرم الإبراهيمي، وين القلب، وين الإحساس".
وتابعت أحلام قائلة:" وإذا عقابي في جهنم مثل ما تقول أيها المدعي فلن نلتقي هناك، أنا سأنظر إليكم وأنتم في جهنم بأفعالي التي عشتموها ولمستموها في حياتكم، أفعالي التي حرقت قلوبكم وذهبت بكم إلى الجحيم".
وأضافت:"أنا اسمي أحلام، وسأبقى كذلك حتى أحقق حلم شعبي الفلسطيني في التخلص منكم على هذه الأرض إن شاء الله، وسأبقى في السجن لأحرق قلوبكم، وعندما أموت سأذهب إلى الجنة، أما أنتم فستذهبون إلى النار، وسأراكم وأنتم تحترقون فيها".
ولدت الأسيرة أحلام بتاريخ 20/10/1980 في مدينة الزرقاء الأردنية لعائلة فلسطينية كبيرة تعود جذورها لقرية النبي صالح قضاء رام الله.
رغم ولادتها في مدينة الزرقاء الأردنية إلا أن الريح الغربية كانت تحمل لها رسائل من هناك مشحونة بأنفاس القدس وروابيها المباركة والمختلطة بأزاهير دفتي النهر. وظلت الريح تحدثها بقصة الحنين وخضرة حقول الزيتون حتى عادت لأحضان الوطن المبارك.(1/100)
عادت ولكن ليس لتأكل برتقال الساحل أو زيتون الجبال أو لتعيش كما تعيش النساء في بيوت الرجال. عادت لشيئ آخر يعرفه الرجال القلائل وقليل من قلائل النساء.
تلقت أحلام تعليمها الابتدائي في مدرسة بلقيس بالزرقاء، والإعدادي والثانوي بمدرسة الأميرة رحمة الثانوية للبنات في المدينة ذاتها، واشتهرت بتفوقها الكبير حيث كانت معدلاتها الدراسية لا تقل عن الـ 90% وعقب إتمامها للدراسة الثانوية عادت أحلام لأرض الوطن، والتحقت بجامعة بير زيت قضاء رام الله لتدرس الصحافة والإعلام، حيث درست فيها ثلاثة أعوام ونصف، وبقي لتخرجها 21 ساعة دراسية معتمدة.
ومع انطلاق انتفاضة الأقصى نهاية سبتمبر 2000، شاركت أحلام في الانتفاضة من خلال عملها في الصحافة، حيث كانت تُعِدّ وتقدم برنامجًا إخباريًّا بتلفزيون محلي خاص برام الله يدعى (الاستقلال) اسمه "حصاد الأسبوع" كانت تحاول من خلاله فضح جرائم الاحتلال، ودفع الشعب الفلسطيني لتصعيد المقاومة.
ولم تكتفِ أحلام بذلك حيث اشتهرت برشق جنود الاحتلال بالحجارة على حواجز الاحتلال مع طلاب الجامعة، وكثيرًا ما كان الصحافيون يخبرون شقيقها (محمد) بذلك، الذي كان يحاول بدوره ثنيها عن ذلك من باب خوفه عليها، إلا أنها كانت ترفض -دائماً- الاستجابة لطلبه.
ومع تصاعد جرائم الاحتلال الوحشية بحق الشعب الفلسطيني، وقتله للمئات من الأبرياء والأطفال، وإهلاكه للحرث والنسل.. قررت أحلام أن تضاعف جهدها المقاوم، وأن تبحث عن وسيلة أخرى أكثر نجاعة في إيلام العدو المغتصب.
في هذه الأثناء التقت أحلام بزميلها في قسم الصحافة "وائل دغلس" العضو في كتائب القسام الذي وجد فيها شخصية مناسبة تتمتع بكل الصفات التي تؤهلها للعمل في الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وبعد أن استشار "وائل" قادته في الجهاز، قام بتنظيمها لتكون بذلك أول فتاة تلتحق بكتائب القسام.(1/101)
ويؤكد شقيقها "محمد" أن التحاق شقيقته بحماس كان مفاجئاً له، منوهاً في ذات الوقت أن أحلام كانت منذ صغرها تتمنى العودة لفلسطين؛ من أجل النضال في سبيل قضيتها الوطنية، مضيفاً: "كانت دائماً تردد: أريد أن أرجع إلى فلسطين وأستشهد هناك".
وعقب التحاقها بكتائب القسام تفجرت "رجولتها" الكامنة في غلاف أنثوي فريد، كانت المهمة الرئيسية لأحلام هي توصيل الاستشهاديين إلى داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وقد قامت بأول عملية لها بتاريخ 27-7-2001، حينما تجولت بالقدس الغربية من أجل العثور على مكان مناسب لوضع قنبلة فيه، وزارت لهذا الأمر "سوبر ماركت يدعى "كو أوب" في شارع كنج جورج الشهير بالقدس الغربية.
وقام نشيطا كتائب القسام "عبد الله وبلال البرغوثي" بتزويدها بقنبلة وضعت داخل علبة (بيرة) بتاريح 30-7-2001، وفي نفس اليوم توجهت أحلام إلى السوبر ماركت وفي حقيبتها العبوة، وفي الداخل وضعتها على رف عبوات العصير، وحوالي الساعة الواحدة ظهرًا انفجرت العبوة وأسفرت عن إلحاق أضرار مادية دون إصابات.
وبعد عملية السوبر ماركت خطّط المهندس "عبد الله البرغوثي" أحد قادة كتائب القسام في الضفة الغربية لتنفيذ عملية استشهادية كبرى بمساعدة أحلام، وقام بتجهيز عبوة كبيرة زرعها داخل "جيتارة" وضعت داخل حقيبة أحلام التميمي.(1/102)
وتقرر أن يكون الاستشهادي الشاب "عز الدين سهيل المصري" من مدينة نابلس هو فارس العملية، وبتاريخ 8-8-2001 خرجت أحلام في جولة إلى القدس لتحديد موقع مناسب للعملية في سيارتها، وخلال جولتها اقتنعت أحلام بأن بالإمكان إخراج الاستشهادي من رام الله إلى القدس وتنفيذ العملية. بتاريخ 9/8/2001م تألّقت "أحلام" أكثر ، و تسربلت بشجاعة فريدة لا يعرفها الكثير من الرجال ، إذ جاءها القائد القسامي المهندس "عبدالله البرغوثي" الذي اعتقل لاحقاً لدى سلطات الاحتلال و طلب منها أن تحمل الاستشهادي " المصري" إلى قلب القدس ليفجّر نفسه هناك بين قطعان الصهاينة. ولم تتردد لحظة واحدة لأن حجم الثأر و القهر المتّقدين في قلبها الصغير أعظم بكثير من خوفها الفطري، وكان لها شرف الوصل بين "العزّين" في مسيرة المقاومة المباركة.. بين عز الدين القسام وعز الدين المصري؛ إذ حملت الأخير في سيارتها عابرة الحواجز الأمنية حول القدس ومقتحمة طوابير العساكر و رجال الأمن الصهاينة؛ وهناك عند مفترق الملك جورج في شارع يافا أنزلته مع "جيتارته" المحشوة بالبارود و طلبت منه أن يفجّر الجيتارة الملغمة على هذا المفترق الذي يعجّ بقطعان من علوج الصهاينة، لكنها وفق تعليمات الكتائب كانت مرنة معه فتركت له الخيار في تحديد الهدف في ذات المنطقة.
كان الشهيد "عز الدين المصري" موفّقاً فاختار مطعم "سبارو للبيتزا" على نفس المفترق.. لم يكن في عجلة من أمره، بل كان هادىء الأعصاب مما مكّنه من أن يتغلغل داخل المطعم.. و هناك في جنباته فجّر جيتارته ليصعد شهيداً بمشيئة الله تعالى و ليحترق الصهاينة قتلة أطفالنا و شيوخنا و لتتناثر أشلاؤهم على صدر الأرض المغلوبة لتتنفس أنفاس الثأر المقدس.(1/103)
عادت "أحلام" إلى منزلها في رام الله بعد أن صنعت ملحمة قسامية فريدة والابتسامة تعلو وجهها.. و ما أعظم الملاحم حينما تصنعها النساء في موسم بيات الرجولة، وعادت ومعها المجد الذي غاب طويلاً عن الأفق العربي المستكين. ومنذ اعتقالها بداية عام 2002 تعرضت أحلام لقمع شديد من قبل سلطات السجون "الإسرائيلية" دفعها إلى الإضراب عن الطعام في معتقل المسكوبية لمدة تزيد عن الشهر، وذلك في شهر 8-2002 في المسكوبية.
وكان قد فرض عليها عقاب بالعزل في معتقل المسكوبية بعد نقلها من معتقل الرملة للنساء إثر شروع الأسيرات في إضراب عن الطعام بعد حالة قمع واسعة جرت بحقهن.
وقالت أحلام وقتها للمحامين إنها تطالب بإخراجها من زنزانتها وإعادتها إلى السجن بعد تدهور وضعها الصحي حيث هبطت نسبة السكري لديها إلى 35 درجة، وتعاني من خدران في أصابع يديها وقدميها و آلام الحرارة، وشكت بأن طبيب المعتقل لا يقدم لها العلاج، هددها طبيب معتقل المسكوبية إذا لم تتوقف عن الإضراب فسيتم إجبارها بالقوة على تناول الطعام.
ورغم انقضاء ما يزيد عن عامين ونصف على اعتقالها داخل سجون الاحتلال النازية، ورغم الهجوم الوحشي الذي حاول به الصهاينة قهر كبريائها وتدمير معنوياتها وحملها على الندم على خدماتها الجليلة للمقاومة الفلسطينية، ورغم ألوان المرارة والقمع والعذاب الذي يصب على رأسها داخل الزنازين الفاشية، لا زالت أحلام قمة في الصمود، قمة في الصبر والجلد والثبات على آلام السجن والاعتقال، قمة في الوفاء للوطن والتشبث بالعهد على الانتماء له والعيش لقضيته والعطاء لأهله بشتى السبل المتاحة حتى يأذن الله بالفرج والخلاص ويقضي أمراً كان مفعولاً.
هذه حكاية أحلام القسامية، وليت الأرحام في عواصمنا التي تغفو في خدر العصر الأمريكي الصهيوني تلد لنا "أحلاماً" عربية أخرى مثل "أحلام" الفلسطينية في زمن عز فيه الرجال الرجال.
الأسيرة / آمنة جواد علي منى(1/104)
شاحبة الوجه، مقيدة اليدين والرجلين، آثار الضرب والتعذيب بادية على جميع أنحاء جسدها الهزيل، ورغم هذا حاولت أن تنسى جراحها الدامية لتطمئن على أخبار زميلاتها في الأسر اللواتي قاسمنها الأذى الصهيوني".
هذا هو حال الأسيرة الفلسطينية آمنة منى في أول زيارة سمح لذويها بزيارتها بعد عزل دام قرابة شهر ونصف، وما زال مستمراً في سجن "أبو كبير" للجنائيات، ولا زالت تتعرض وزميلاتها للضرب المبرح من قبل إدارة السجن مما جعل حياتهن دوماً في خطر ومحل تهديد.
اعتقلت آمنة 28 عاماً القاطنة في بلدة بير نبالا قرب القدس بتاريخ 20/1/2001م وأودعت العزل مرات عديدة، وقيدت يداها ورجلاها ورشت بالغاز وحرمت من النوم أحياناً كثيرة ناهيك عن التهديدات بالقتل التي لا تفتأ إدارة السجن تطلقها بحقها، مما ساهم في تدهور وضعها الصحي الذي عززته إدارة السجن برفض علاجها من الالتهابات الحادة التي عانت منها في يديها جراء التعذيب الشديد الذي تعرضت له، ومحاولة جنود الاحتلال اقتلاع أظافرها.
آمنة هي واحدة من ضمن قافلة من الفتيات والنساء اللاتي ألقين المتع والطيبات وبهارج الدنيا وراء ظهورهن، وسلكن مساراً مناقضاً لمسار الكثير من الفتيات والنساء اللاتي ملكت الدنيا عليهن حياتهن فبتن أسارى لها، تسيرهم كيفما أرادت، وتحركهم كيفما تشاء.(1/105)
إنهن فئة طاهرة وشريفة من فئات وشرائح شعبنا، أردن الخير لشعبهم، والحرية لوطنهم فجعلن من أجسادهن وأعمارهن وقوداً دافعاً لثورة الجهاد والمقاومة والاستشهاد على أرض فلسطين المقدسة بقدر استطاعتهن، وأيقن أن مهر الحرية والعزة والكرامة والاستقلال شلالات من الدماء والعطاءات والتضحيات، بمختلف الأشكال والوسائل والأساليب، وأن السعادة الحقيقية في حرية حقيقة وكرامة وطنية مصونة لا في انكفاء على المتع والملذات وسفاسف الأمور، أو الانحصار في مواقع العجز مع الغافلين العاجزين، أو الاكتفاء بالمراقبة عن بعد فيما آلة حرب الاحتلال تحصد الأرواح وتدمر الحجر والبشر وتسحق الوجود والمقدرات.
وقد كانت آمنة واحدة ضمن هؤلاء، فمنذ نعومة أظفارها تفتحت عيناها على قمع وبطش وإرهاب الاحتلال، ووعى عقلها شيئاً فشيئاً حقيقة المخططات والسياسات التي تستهدف الوجود الفلسطيني والقضية الفلسطينية، حتى كبرت واشتد عودها فقررت أن تلتحم بقضية وطنها وتعايش آمال وهموم شعبها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وما أن أنهت دراستها الثانوية حتى أصرت على الالتحاق بقسم علم النفس في جامعة بيرزيت لتقترب أكثر من أبناء شعبها الذين يعانون مشكلات نفسية جراء العدوان الصهيوني، وعقب تخرجها من الجامعة سعت للعمل في المجال الإعلامي من خلال نشرة "الصنوبر" التي عبرت فيها عما يجول بخاطرها من هموم شعبها، كما تطوعت للعمل في المجال الإعلامي في إحدى جمعيات حقوق الطفل في مدينة رام الله، أملاً في إخراج أطفال الانتفاضة من الأزمات النفسية التي خلفتها الاعتداءات الصهيونية.(1/106)
وإبان عملها في أحد المكاتب الإعلامية تمكنت آمنة من فتح خط اتصال عبر شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" مع شاب يهودي، وقامت بنسج علاقة معه من خلال الاتصال إلى أن تمكنت من استدراجه والاتفاق معه على القدوم إلى مدينة رام الله، وفي الوقت المحدد يوم 17/1/2001 كان الشاب اليهودي يقترب من منيته كفريسة سهلة المنال ليحط رحاله في رام الله، وهناك تلقفه المقاوم حسين القاضي من كتائب شهداء الأقصى -الذي استشهد فيما بعد- بعد أن نسقت معه آمنة وأخبرته بطبيعة الأمر، وأرسله إلى حتفه كجزء من الرد عل الجرائم الصهيونية التي ترتكب يومياً بحق شعبنا الفلسطيني المنكوب.
ومع التطور التقني الكبير والقدرات الفنية الصهيونية الواسعة تمكنت أجهزة الاستخبارات الصهيونية بعد عدة أيام من الوصول إلى الشرك الذي نصب للشاب اليهودي، واتخذت قراراً فورياً باعتقال المناضلة آمنة التي وقفت وراء العملية.
وما أن جن الليل وأرخى سدوله في ذلك اليوم المبارك، يوم الجمعة 19/1/2001 حتى بدأ خفافيش الظلام يعدون العدة للانقضاض على آمنة وتغييبها خلف القضبان، حيث تصف والدة آمنة لحظات ما قبل وأثناء وما بعد الاعتقال قائلة :"بعد ظهر يوم الجمعة 19/1/2001 اتصلت آمنة بي تخبرني أنه تعاني من حمى وهزال شديدين، فطلبت منها أن تعود للمنزل لأشرف على وضعها الصحي، وبعد منتصف الليل حاصر بيتنا ما يزيد عن 200 جندي من جنود الاحتلال وطلبوا تفتيش المنزل، وأخرجونا من المنزل لكنهم خربوا ودمروا جميع أثاثه، فلم يتركوا شيئاً سالماً من عدوانهم، واصطحبوا آمنة إلى بناية قيد الإنشاء قريبة من منزلنا، ومنعوا جميع أفراد العائلة من دخول المنزل حتى الثالثة صباحاً، لنجده وقد تحول إلى كومة خراب.(1/107)
وتستطرد قائلة :"لم يخطر يوماً ببالي أن آمنة قد تتهم بقتل يهودي، خاصة أنها هادئة جداً، فقد اعتقدت في البداية أن أمر اعتقالها سيستمر يوماً أو يومين مثل الاعتقالات السابقة، فقد سبق أن اعتقلت 4 مرات قبل أن تكمل الثامنة عشر من عمرها، لكنني فوجئت بأنها متهمة بأمر كبير".
وتبدي الوالدة تأييداً مطلقاً لما أقدمت عليه ابنتها قائلة:" لا أنكر أن العدوان الإسرائيلي هو الذي دفعها للانتقام، وأنها كانت حريصة على أن تخوض غمار النضال دون أن تستطيع أية قوة في الأرض منعها، لذا فإن النضال سيظل يسري في دمها ما دامت تعاني من العدوان الإسرائيلي".
وخلف أسوار السجون والمعتقلات وقفت آمنة بكل شموخ وإباء تتحدى قيد وعذاب الاحتلال، واختيرت من قبل الأسيرات في سجن "أبو كبير" لتمثيلهن لدى إدارة السجن، حيث أشارت والدتها إلي أن شخصيتها القوية وذكاءها وإصرارها على الحق وعدم خضوعها للذل والهوان قد دفع أخواتها الأسيرات لاختيارها ممثلة عنهن، لتسعى جاهدة للمطالبة بحقهن، خاصة وأن أغلبهن قاصرات، ويعانين من ظروف اعتقال سيئة، مما دفع إدارة السجن للانتقام منها بعد أن أدركت أنها تمثل رأس الحربة وتشكل قائدة للأسيرات في محاولة لكسر عزيمتها عن المطالبة بحق زميلاتها، إلا أن ذلك لم يزد آمنة إلا ثباتاً وإصراراً".
ورغم عزلها الانفرادي الذي نقلت إليه أحياناً كثيرة لم تجزع آمنة، ولم تهن أو تلين، بل كانت توصي والدتها أثناء زيارتها بطمأنة الأسيرات عليها، حيث توضح والدتها أن آمنة ذات الشخصية الهادئة جداً قبل الاعتقال قد استحالت إلى فتاة ذات عزيمة صارمة وإرادة صلبة وأكثر إدراكاً لمسئوليتها.(1/108)
وحتى اليوم، لا زالت آمنة ترسف في أغلالها بعد أن أصدرت المحكمة حكمها الجائر عليها بالسجن المؤبد، تعاني العديد من الأمراض وتتعرض للكثير من التعذيب والإهانات برفقة زميلاتها الأسيرات، إلا أنها رغم ذلك بقيت صامدة في وجه جلاديها، صحيحة العزم والارداة، عصية على الخنوع والانكسار.
الأسيرة / دعاء زياد جميل الجيوسي
هي واحدة ضمن قافلة الأسيرات اللاتي غيبهن الاحتلال الصهيوني وراء أسوار السجون والمعتقلات، محاولاً كسر عزيمتهن وسحق إرادتهن وإيمانهن بقضية شعبهم والعمل لها والتضحية في سبيلها.
إنها الأسيرة المناضلة دعاء الجيوسي من طولكرم التي أصدرت محكمة صهيونية حكماً بسجنها المؤبد 3 مرات و30 عاماً مع وقف التنفيذ بعد أن اتهمت بنقل أحد الاستشهاديين التابعين للجبهة الشعبية إلى القدس لتنفيذ عملية استشهادية بتاريخ 19/5/2002 مما أدى إلى مقتل ثلاثة صهاينة وإصابة 59 آخرين بجروح.
تبلغ الأسيرة دعاء اليوم من العمر 24 عاماً، ولم تجتز ال22 عاماً لحظة اعتقالها، وهي إحدى طالبات جامعة النجاح الوطنية، التي التحقت فيها بتخصص علم الاجتماع رغبة منها في التقرب من مجتمعها وفهمه ومعرفة كيفية إفادة الناس من جهودها، حيث كانت متفوقة ومتميزة في دراستها.
دعاء هي الابنة الوحيدة لعائلتها، وليس لها من الأشقاء إلا واحد يصغرها بعدة أعوام، فيما يعمل والدها في سلك الوظائف الحكومية، ووالدتها ربة بيت.(1/109)
وتصف عائلة الجيوسي ظروف اعتقال ابنتهم بالقول أن قوة صهيونية كبيرة حضرت إلى المنزل خلال الليل بتاريخ 7/6/2002، وطلبت من جميع أفراد العائلة إحضار بطاقات هوياتهم بحجة التفتيش، فذهب الوالد لإيقاظ دعاء التي رفضت إعطاء الجندي بطاقة هويتها، وأبلغتهم أن بطاقة هويتها موجودة داخل مبنى سكن الطالبات في مدينة نابلس، فانهال الجنود عليها بالشتائم وحاول أحدهم الاعتداء عليها بالضرب غير أن والدها منعهم من ذلك قبل أن يبلغه الجنود أن حضورهم إلى المنزل بهدف اعتقالها.
وتضيف الأسرة أن قوات الاحتلال منعت ابنتهم من تبديل ثيابها عند الاعتقال أو حتى مجرد ارتداء الحذاء قبل أن يقتادوها إلى مكتب الارتباط غربي طولكرم حيث المعاملة المذلة والمهينة من قبل جنود الاحتلال للأسرى والأسيرات الفلسطينيين، وفي مكتب الارتباط العسكري مكثت دعاء مدة 12 ساعة قبل أن تنقل إلى سجن الجلمة، حيث قضت شهرين في الزنازين المعتمة القذرة بعيداً عن كل الظروف الإنسانية لتمكث فيها مدة شهرين قبل أن يتم نقلها إلى غرف خاصة في المعتقل، حيث لم تكن ظروف تلك الغرف بأفضل حالاً من ظروف الزنازين، فقد كانوا يسمحون لها بالاستحمام مرة واحدة أسبوعيا وبحضور مجندة دون أن يسمح لها بإدخال الملابس من خلال أهلها حيث بقيت بملابس النوم التي اعتقلت بها ودون أي حذاء.
وفي إفادة لها عبر أحد المحامين أكدت دعاء أن ساعات التحقيق كانت تستمر معها 12 ساعة يومياً حتى نقلت إلى سجن الرملة الذي لم يكن أفضل حالاً، حيث الطعام القذر الذي يقدم للأسيرات مما جعل وزنها ينقص قرابة 10 كيلوجرامات وهو ما ساهم بدوره في تدهور وضعها الصحي الذي أفسح المجال لإصابتها بالعديد من الأمراض، ومنها فقر الدم الحاد، والهبوط الدائم في ضغط الدم، فضلاً عن عدم تقديم العلاج اللازم لها، ومنعها من زيارة الأهل والعائلة.(1/110)
وفي بيتها المتواضع بكت "أم جميل" والدة دعاء طويلاً وهي تسترجع ذكرياتها وتستعيد مراحل حياة ابنتها الوحيدة القابعة في سجون الاحتلال الصهيوني، بعد أن سرق الاحتلال فرحتها الكبرى بالتخرج واستلام شهادتها الجامعية في علم الاجتماع، حيث أكدت "أم جميل" أن الحكم القاسي بسجن ابنتها دعاء هذه المدة الطويلة هو حكم جائر يندرج في إطار سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني، خاصة الشبان، للقضاء على آمالهم وتطلعاتهم نحو مستقبل مشرق لبناء وطنهم فلسطين.
وأضافت أنه كان من المفترض أن تتخرج ابنتها من الجامعة بعد شهرين من اعتقالها في ذلك اليوم المشئوم، فقد كانت من المتفوقات زمن المدرسة، حيث كانت تنال شهادة تقدير كل عام، فضلاً عما كانت تكتبه وتلقيه من الشعر والخطابة كما لو كانت شاعرة مخضرمة.
ولم تستطع الوالدة نسيان لحظة اعتقال ابنتها فقالت وقد بدت على وجهها ملامح الحزن المصحوب بالدموع المنسابة من عينيها :"لم يسمحوا لها حتى بتغيير ملابسها فأخذوها بملابس النوم، دون مراعاة لأدنى مشاعر الإنسانية والحياة"، مؤكدة أن ما حل بعائلتها بعد اعتقال ابنتها يعتبر كارثة حيث أصيبت هي وزوجها (الوالد والوالدة) بوعكات صحية جعلتهما يعيشان على المهدئات ويعانون وضعاً نفسياً سيئاً للغاية بسبب انشغالهما الدائم بأخبار ابنتهما الوحيدة، حيث أصبح الأب غير قادر على العمل، إضافة إلى ابنيهما الوحيد الذي أصيب بجروح بالغة بعد إطلاق قوات الاحتلال النار على المواطنين بشكل عشوائي لحظة اغتيال الشاب جاسر العليمي.
وأشارت الوالدة أن الآمال جميعها كانت معقودة على دعاء عندما تتخرج من الجامعة وتعمل في وظيفة جيدة تعيل بها أسرتها الصغيرة، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني جراء الحصار والإغلاق، خاصة وأن والدها عاطل عن العمل، وأخاها المصاب لا يستطيع العمل-أيضاً- بسبب إصابته.(1/111)
ونوهت "أم جميل" أنها تعد الأيام والساعات والدقائق وأنها تتضرع إلى الله أن يفرج كرب ابنتها دعاء كي تتمكن من احتضانها بين ذراعيها كما لو كانت طفلة صغيرة بحاجة إلى حضن الأم وحنانها.
وقد تفاقمت معاناة "أم جميل" وأسرتها مع استمرار انتهاج سلطات الاحتلال وإدارة السجون سياسية العقاب الجماعي بحق الأسيرات في سجن الرملة بعد أن أقدمت على إقامة سياج وزجاج يحجب رؤية الأسيرات لذويهن عند الزيارة، ليعلن بعدها الإضراب عن الزيارات حتى إشعار آخر لتعيش الأم لحظات صعبة في انتظار رؤية ابنتها والاطمئنان عليها في حلقة من حلقات المأساة التي تعيشها الأسرة الفلسطينية التي يرزح أبناؤها داخل سجون الاحتلال الصهيوني.
الأسيرة /إيمان محمد عبد الرحمن أبو خوصة
لم تعش لنفسها كما عاشت لوطنها، ولم تأبه لاحتياجات النفس ومتطلبات مرحلتها العمرية كما أبهت لاحتياجات وطنها ومتطلبات قضيتها، ولم تعمل عقلها وتفكيرها في مصلحتها، كما أعملته في مصلحة شعبها، ولم تصغ لنداء وسط النداءات الصاخبة التي تعج بها الساحة هذه الأيام كما أصغت لنداء الحق والشعور بالأمانة والواجب والمسؤولية، ولم تلتفت لمغارم قد تحل بها أو مكروه قد يحيق بنفسها وبمستقبلها قدر التفاتها إلى معاناة شعبها وآلامه المتصاعدة وسبل التخفيف عنها والرد على متسببيها.
إنها الفتاة المسلمة، المؤمنة، المجاهدة، الأسيرة إيمان أبو خوصة 23 عاماً التي فاجأت المجتمع الفلسطيني الغزي بمحاولتها تنفيذ عملية استشهادية عبر اقتحامها لمستوطنة "رفيح يام" جنوب قطاع غزة بتاريخ 25/4/2002.(1/112)
إيمان التي لم تتجاوز عتبة الـ21 عاماً لدى امتشاقها ما تيسر لها من متفجرات صوب المستوطنة الجاثمة على صدرها وصدر شعبها، لم تتأخر في أن تكون الأنموذج الصحيح للفتاة الفلسطينية التي شيدت شخصيتها على مبادئ الإسلام، وتشربت تعاليمه واستقامت على نهجه واهتدت بأنواره، ليشكل لها معلماً وحيداً في طريق حياتها ودافعاً أساسياً للالتصاق بالهم الوطني الفلسطيني الذي ازداد حدة وكثافة عقب اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة، فكان هم الوطن هو همها وآمال الشعب هي آمالها تحس بنبضه، وتشعر بمشاعره كيف لا وقد نشأت في أحضانه، وترعرت في ظلاله، واستوى بنيانها في كنفه ليتساوى في نظرها -الموت والحياة-، ويغدو البحث عن الشهادة الحقة والأمل بلقاء الله هدفها المنشود وغايتها السامية التي لا تعدلها غاية ولا يضاهيها شيئ.
"لم أكن أتوقع أنه سيأتي اليوم الذي لا أتمكن فيه من عناق ابنتي، وعندما جاء لم أكن أصدق أنني وابنتي واقفين قبالة بعضنا البعض دون أن نتمكن حتى من المصافحة بسبب تلك القضبان التي تفصلنا عن بعضنا البعض، كنت أحسب أنني أحلم واستمر الحال كذلك ولم أستفق إلا بعد أن أدخلت أصابعي من بين فتحات القضبان المتواجدة في شباك الزيارة علها تلامس أصابع يدها وتشعرها بالأمان والحنان الذي سلبهما الاحتلال، شعرت برعشة تسري في جميع أنحاء جسدي وتأكدت من أن إيمان تلك الفتاة المرحة هي الآن خلف قضبان الأسر".
بهذه الكلمات الحزينة والتي تعبر عن عظم المأساة التي تعيشها بدأت أم عادل أبو خوصة (65 عاماً) من مخيم جباليا حديثها عن ابنتها "إيمان" المعتقلة في سجون الاحتلال وسط تساؤل يلازمها إلى متى ستظل حياتنا هكذا؟ وألا تكفي السنوات الطويلة من العمر التي نعيش فيها تحت وطأة الاحتلال وسجنه الكبير والممتد على امتداد الوطن الفلسطيني؟(1/113)
وتروي أم عادل معاناة ابنتها إيمان قائلة: "معاناة إيمان تزداد يوماً بعد يوم ولا تستطيع أن ترى أحداً من أفراد العائلة غيري وذلك بسبب رفض قوات الاحتلال السماح لوالدها وأشقائها وشقيقاتها بزيارتها".
وأضافت:"شقيقاتها يتلهفن إلى رؤيتها بدون جدوى لهذا تزداد معاناتها، لكن ما يخفف عنها بعضاً من هذه المعاناة تواجدها مع ستة من زميلاتها المعتقلات من الضفة الغربية في نفس الغرفة، يذكر أن إيمان هي المعتقلة الوحيدة في سجون الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة من بين 80 معتقلة يعشن ظروفاً صعبة في سجن نفي ترتسا قرب الرملة".
وتقول أم عادل:"في كل موعد زيارة لإيمان تبدأ معاناة تكاد لا تنتهي سواء في وقت الزيارة الذي لا يتجاوز الـ40 دقيقة في أحسن الأحوال أو في رحلة السفر الطويلة التي تبدأ مع ساعات الفجر الأولى وتستمر حتى ساعات متأخرة من الليل".
وتابعت:"ما تكاد الزيارة تنتهي حتى نبدأ بالاستعداد من جديد لموعد الزيارة القادم بعد أسبوعين والذي لا نعلم إن كانت ستتم بفعل الإجراءات والاغلاقات المتكررة".
ولم تستطع والدة إيمان إكمال حديثها فقد اغرورقت عيناها بالدموع وأشاحت بوجهها في محاولة لاخفاء السيول العزيزة التي انسكبت مرارة وحسرة على فلذة كبدها التي عانت الأمرين، لكنها تجاسرت على نفسها وواصلت الحديث عن معاناتها ووصف اللحظة التي غابت فيها ابنتها عن نظرها قائلة:"في صباح ذلك اليوم نهضت إيمان كعادتها لتأدية صلاة الصبح وخرجت من المنزل دون أن يشعر بها أحد، وقد ظننا بادئ الأمر أنها خرجت إلى المسجد الذي يجاورنا لتعليم الفتيات الصغار قراءة القرآن، وعندما طالت غيبتها، بدأ الشك يساورنا".(1/114)
وتابعت:"لم تكن في المسجد وحاولنا التخفيف عن أنفسنا وقلنا ربما تكون عند إحدى صديقاتها وعند مغيب الشمس بدأت رحلة البحث عن إيمان وسط تلاشي كل فرضياتنا بدءاً من المسجد وصولاً إلى منازل كل صديقاتها أو تلك الأماكن التي ربما تكون قد ذهبت إليها، ولكن لم نعثر على شيئ ولم يؤكد لنا أحد أنه رآها".
ومضت قائلة:"عدنا إلى المنزل وبتنا ليلتنا وسط حالة من الخوف والقلق على إيمان ومصيرها الذي لا نعرفه وبدأنا في وضع كافة الاحتمالات الحسنة منها والسيئة وإن كانت السيئة أكثر بكثير من الحسنة وبقينا ننتظر بزوغ الفجر وصباح اليوم التالي حتى نواصل السعي فيما بدأناه، وفي الصباح سمعنا خبراً عن استشهاد فتاة فلسطينية على أيدي الجنود الاحتلال بعد محاولتها تنفيذ عملية عسكرية ضد المستوطنين خلال اقتحامها لمستوطنة "رفيح يام" جنوب قطاع غزة، هكذا سردت إذاعة الاحتلال باللغة العربية الخبر وفيما بعد تناولت وسائل الإعلام الاسم بالكامل، حينها هب أشقاء إيمان ووالدها المسن وسارعوا الى الاتصال بكافة الجهات المعنية والمختصة ومؤسسات حقوق الإنسان للضغط لاستلام الجثة لدفنها بعد أن علموا أنها قد استشهدت واستسلم الجميع لقضاء الله وقدره وإرادته التي لا ترد".(1/115)
وأضافت:"مضت خمسة أيام على هذا الخبر وفي اليوم السادس رن جرس الهاتف وابلغنا النائبان العربيان في الكنيست الإسرائيلي طلب الصانع وأحمد الطيبي أن إيمان لا زالت على قيد الحياة وتعالج في مستشفى داخل ما يسمى الخط الأخضر اثر إصابتها بعيار ناري في كتفها، فسررنا بهذا الخبر وعدنا إلى طرق كافة الأبواب على أمل رؤية إيمان وزيارتها في المستشفى كي نطمئن عليها لكن دون جدوى، وبقي الأمر كذلك حوالي أربعة أشهر شعرنا خلالها وكأنها الدهر كله، وبعد أربعة أشهر أخبرونا بأن هناك زيارة لإيمان فأعددنا أنفسنا لها جيداً ولكن فوجئنا برفض قوات الاحتلال السماح لوالدها وأشقائها بزيارتها، وكان ذلك بعد تحويلها من سجن المجدل الذي مكثت فيه نحو ثلاثة أشهر خضعت خلالها للتحقيق المكثف والعزل الانفرادي إلى سجن الرملة".
وتقول الوالدة أم عادل :"بعد سبعة أشهر من اعتقال إيمان في التاسع من شهر تشرين ثاني من عام حكم عليها بالسجن الفعلي مدة عامين، لكن هذا الحكم لم يرق لما يسمى بالنيابة العسكرية الصهيونية التي استأنفت الحكم من جديد ليضاف لها عام ونصف العام مجدداً لتصبح مدة الاعتقال ثلاث سنوات ونصف السنة".
وتؤكد الوالدة أن إيمان تعيش حالة نفسية صعبة بسبب منع سلطات الاحتلال لذويها كافة باستثنائي من زيارتها، مشيرة إلى أن ذلك الأمر ازداد سوءاً عندما قمت بالسفر إلى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك الحج فانقطعت عن زيارتها ولم يزرها بالتالي أي شخص غيري مرتين متتاليتين، مضيفة أن والدها ورغم كبر سنه لم ييأس لحظة واحدة ولم يفقد الأمل في رؤيتها وتكحيل عينه بها ومن ثم مفارقة الحياة بعدها موضحة أنه دائم القلق عليها.(1/116)
وكما البقية فان شقيق المعتقلة إيمان والذي يكبرها بعام لم يتمكن من زيارتها، ولم يتمكن أيضاً من كتم غيظه المحتقن لينفجر في وجه جنود الاحتلال الذين منعوه وكافة اخوته ووالده من زيارة أخته المعتقلة صارخاً أنهم من زرعوا الحقد والكراهية في نفوس الأطفال والشباب والشيوخ والنساء من خلال ممارساتهم الإجرامية واستخدامهم لأبشع أساليب القهر والعدوان وارتكابهم المجزرة تلو الأخرى.
وأضاف:"أنهم يواصلون حرمان إيمان من تناول الحقنة الخاصة التي اعتادت على تناولها شهرياً كونها تعاني من التهاب مزمن في الحلق اثر عملية جراحية لاستئصال اللوزتين كما يمنعون والدتها من إدخال هذه الحقنة لها".
حالة الأسيرة المعتقلة إيمان أبو خوصة ليست الوحيدة، فهناك الكثير من الأسيرات القابعات في سجون الاحتلال اللاتي يذقن الأمرين بفعل الممارسات الاحتلالية بحقهن، كيف لا وهو الذي لا يملك إلا وجهاً واحداً هو ذلك الوجه البشع والقبيح رغم كل محاولات التجميل التي يحاول البعض إظهاره بها، فالجرائم الإرهابية والممارسات النازية التي يقترفها الاحتلال، ومن بينها اعتقال الأسرى، لا يمكن أن تغيب عن الذاكرة الفلسطينية، ولا يمكن أن تستحيل إلى شيئ قابل للهضم والاستساغة في منطقتنا العربية والإسلامية.
ولا زالت إيمان وقف السجن والاعتقال بانتظار حكم الجلاد الصهيوني بحقها.
الأسيرة /سناء محمد حسين شحادة(1/117)
سناء شحادة، فتاة فلسطينية وطالبة جامعية في كلية سخنين التكنولوجية، غلت النار في قلبها على وقع جرائم الاحتلال المتصاعدة بحق أبناء شعبها، فقررت أن تنتقم، وأن تقدم شيئاً لشعبها المضطهد الواقع تحت مطارق الهجمة الصهيونية غير المسبوقة، فاختارت الانخراط في أطر الإسناد التابعة للمقاومة الفلسطينية عبر المساعدة في نقل الاستشهاديين لتنفيذ عملياتهم الاستشهادية الجريئة داخل العمق الصهيوني. ففي تاريخ 21/3/2002م كانت سناء مع زميلتها قاهرة السعدي برفقة الاستشهادي محمد حشايكة حيث انطلقوا صوب حاجز الرام العسكري ليتجاوزوه سيراً على الأقدام، ويصعدوا إلى أحد سيارات الأجرة، حيث أخبرت سناء السائق أنهم لا يحملون هويات "إسرائيلية" وأنهم يريدون شراء هدايا عيد الأم من شارع يافا في القدس الغربية، وبالتالي فان عليه تفادي الحواجز الصهيونية، إلا أنهم في الحقيقة لم يكونوا ذاهبين لشراء الهدايا بل لتنفيذ عملية استشهادية في قلب القدس. هذا ما تشير إليه لائحة الاتهام التي قدمتها النيابة العسكرية الصهيونية في محكمة "بيت إيل" ضد سناء محمد شحادة 29 عاماً من سكان مخيم قلنديا قرب رام الله والتي اعتقلت بتاريخ 24/5/2002، حيث أدانتها المحكمة بالاشتراك في عملية قتل وإدخال استشهادي بغرض القيام بالعملية.(1/118)
وفي التفاصيل، فقد تعرفت سناء على المناضل ناصر الشاويش أحد ناشطي كتائب شهداء الأقصى من خلال عبيدة إحدى قريباته، حيث طلبت منه المساعدة في إدخال الاستشهاديين إلى داخل فلسطين المحتلة عام 48، وبعد أن سلمت سناء رقم هاتفها لعبيدة، تحدث معها الشاويش ثم التقيا وطرح عليها المساعدة في إدخال شبان إلى القدس بغرض تنفيذ عمليات استشهادية. وبتاريخ 20/3/2002 طلب ناصر من سناء إدخال شاب إلى القدس الغربية برفقة شابة تساعدها بهدف تنفيذ عملية، وبتاريخ 21/3/2002 التقى ناصر الشاويش وعبد الكريم عويس (أحد كبار القادة في كتائب شهداء الأقصى) مع الاستشهادي محمد حشايكة في فندق الحجل برام الله، وأخبراه بطبيعة العملية التي وافق على تنفيذها، قام بعدها حشايكة بالصعود مع الشاويش إلى غرفته حيث ألبسه الحزام الناسف.
بعد ذلك، توجهت سناء وعويس والشاويش وحشايكة إلى منزل أبو مجاهد فقيه، والتقوا هناك مع خضر ربايعة، وبطلب من الشاويش حضر أيضاً مجيد صوافطة، ليشرحوا لحشايكة أن عليه تفجير نفسه حال اكتشافه من قبل جنود الاحتلال، وأن على سناء أن تحاول الفرار حال حدوث أي طارئ أو وقوع أي خلل على الخطة الموضوعة للتنفيذ.
وقد خشي عويس من عدم نجاح العملية بسبب إصرار سناء على التمسك بحجابها (غطاء الرأس) وعدم خلعه، فاتصل بقاهرة السعدي وطلب منها الحضور بسرعة، وبعد ذلك مباشرة توجه الجميع إلى مستشفى أبو ريا حيث التقى عويس بقاهرة وطلب منها أن تصعد إلى السيارة بعد أ ن أعلمها أن فيها استشهادياً وأن عليها المساعدة في إدخاله إلى القدس الغربية.(1/119)
جلست سناء في المقعد الأمامي وكان السائق هو ناصر الشاويش، وجلست في المقعد الخلفي قاهرة ومحمد حشايكة الاستشهادي المفترض، وسارت السيارة حتى مسافة 150متراً من حاجز قلنديا، وهناك تعانق الشاويش مع حشايكة وسلمته سناء مصحف صغير، ثم نزلوا من السيارة وتجاوزا الحاجز، وبعدها صعد ثلاثتهم في سيارة متجهين إلى حاجز الرام حيث تجاوزوه أيضاً سيراً على الأقدام، ثم استقلوا سيارة أجرة حيث طلبت سناء من السائق أن يقلهم إلى شارع يافا في القدس الغربية، وأن يحرص على اتباع طريق تخلوا من الحواجز الصهيونية بسب عدم حملهم هويات "إسرائيلية" لأنهم يريدون شراء هدايا لأمهاتهم بمناسبة عيد الأم.
وبعد وصولهم إلى شارع يافا في قلب القدس الغربية خرجوا سيراً على الأقدام بحثاً عن هدف مناسب، وأثناء ذلك طلبت قاهرة من سناء أن تسير في الخلف حتى لا تلفت الانتباه إليهم بسبب حجابها (غطاء رأسها)، وبعد فترة قصيرة اتفقت سناء وقاهرة على أن يقوم حشايكة بتفجير نفسه قرب محلات مكتظة بالزبائن, وبعد أن فارقتاه فجر حشايكة حزامه الناسف وسط شارع "كنج جورج" مما أدى إلى مقتل ثلاثة صهاينة وإصابة 81 آخرين بجروح والتسبب بأضرار جسيمة في الممتلكات وبعد ذلك توجهت سناء إلى رام الله وأخبرت الشاويش بنجاح العملية، فيما عادت قاهرة وأخبرت عويس بذلك، والذي أكد لها بدوره أن سناء عادت بسلام أيضاً.
وقد أصدرت محكمة صهيونية حكمها الجائر بالسجن المؤبد بحق سناء، لترزح تحت نير القيد الصهيوني، وتعاني كافة أشكال الإذلال والتعذيب الصهيوني الذي تمارسه إدارة السجن دون أي مراعاة للطبيعة الأنثوية الخاصة وما تستلزمه من احتياجات إنسانية خاصة بعيداً عن القسوة والبطش والإرهاب.
الأسيرة/ قاهرة سعيد علي السعدي(1/120)
ارتبط اسمها باسم رفيقتها سناء شحادة، فقد عملتا معاً، واعتقلتا وضمهما السجن معاً، فقد تخصصت مع سناء في نقل الاستشهاديين إلى داخل العمق الصهيوني قبل أن يضرب الإرهابي المجرم أرائيل شارون ضربته، ويجتاح مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية في إطار حملة السور الواقي الصهيونية التي أدت إلى تكشف الكثير من الخيوط التنظيمية لفصائل المقاومة الفلسطينية، واعتقال المئات من عناصر وكوادر المقاومة. وقد كانت قاهرة إحدى هؤلاء الذين طالتهم يد الاعتقال الصهيوني، لم يثقل على قاهرة ذات ال28 ربيعاً التي تقطن بلدة الرام قرب القدس كونها متزوجة وأم لأربعة أطفال أداء دورها الوطني وممارسة الواجب كأي فلسطيني غيور يتوق للحرية والخلاص من ربقة الاحتلال.
وفي هذا السياق ارتبطت بعلاقة مع المناضل عبد الكريم عويس أحد كبار القادة في كتائب شهداء الأقصى، حيث حدد دورها بنقل الاستشهاديين إلى العمق الصهيوني، وخاصة مدينة القدس، وفي شطرها الغربي تحديداً بغية تنفيذ سلسلة من العمليات الاستشهادية انتقاماً للمجازر البشعة التي ارتكبتها حكومة الاحتلال وجيشها المجرم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
ولم تتأخر قاهرة عن أداء الواجب وبذل الجهد نصرة للوطن وفداءً للقضية، فقامت مع زميلتها سناء شحادة بنقل الاستشهادي محمد حشايكة إلى القدس الغربية، والذي نفذ عمليته الاستشهادية بتوفيق من الله، موقعاً 3 قتلى و71 مصاباً في صفوف الصهاينة.(1/121)
وعقب تنفيذ العملية بنجاح تداول الجميع بشأن تنفيذ عملية استشهادية جديدة، حيث اتفق عبد الكريم عويس مع قاهرة على إدخال استشهادي آخر إلى عمق المدينة المقدسة في أقرب وقت، إلا أن دبابات ومروحيات المجرم شارون وجيشه الغاشم لم تتح للمخطط الجديد أن يرى النور ويلامس النجاح، فقد اقتحم المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية نهاية آذار 2002 وشن أبشع حملة اغتيالات وتدمير واعتقال صهيوني، ليودع المواطن عويس رهن الاعتقال، وتتوالى التحقيقات وتكشف دور قاهرة السعدي وسناء شحادة في تسهيل تنفيذ العملية الاستشهادية، وإدخال الاستشهادي إلى القدس الغربية رغماً عن كافة الحواجز الأمنية لتعتقل قاهرة بتاريخ 8/5/2002 وتضمهما معاً جدران السجن الصهيوني حتى اليوم.
وكما حال الأسيرة سناء فقد أصدرت محكمة صهيونية حكمها الجائر بالسجن المؤبد بحق قاهرة لتبقى شاهدة على ظلم الاحتلال ودليلاً على بشاعة همجيته ضد الفلسطينيين.
الأسيرة / سوسن داوود أبو تركي
لم تتجاوز سن الرابعة عشر عاماً حين اعتقالها، ولم تجعل أكبر همها في الحياة كتبها ودراستها وأسرتها، فقد تربع الوطن على صدرها الصغير الذي يحوي بين أضلعه قلباً صغيراً مفعماً بالحب والوفاء والعطاء والخير والإيمان، مائجاً بالغضب والحقد والكراهية ونذر الانفجار. حب للوطن، وفاء لأهله الطيبين، وخير لشعبه الذي تشربت منه روح الولاء والانتماء، وإيمان بالله القوي القادر المتين ثم بعدالة القضية التي تكالب عليها الشرق والغرب، وباتت مطية للممتطين وشيئاً يتمحك به المتمحكون الذين لا يجيدون سوى فن إلقاء الخطابات وترديد عبارات الشجب والاستنكار، والتي غابت هذه الأيام لتستبدل بكلمات الغزل والعبارات المعسولة تجاه القاتل الجلاد، وكلمات الحدة وعبارات الضغط تجاه الضحية ذات الدم الغزير المهراق.(1/122)
وغضب مزدوج على أولئك الفلسطينيين الذين يبرئون ساحة الاحتلال، ويرمون بالكرة في ملعب شعبهم وفصائله المقاومة، ويدينون أعمال الجهاد والمقاومة داعين إلى أسلوب من التظاهر السلمي الذي لا يفهمه العالم ومن قبله الاحتلال بدليل الأيام الأولى من انتفاضة الأقصى المباركة التي شهدت هبة جماهيرية سلمية سقط فيها مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمعاقين دون أن يتحرك للعالم شعور أو يطرف له جفن، وأولئك العرب والمسلمون الذين هم في غيهم سادرون، وفي غفلتهم يعمهون، وفي نومهم غارقون، بعيداً عن نصرة فلسطين وأهلها وأرضها ومقدساتها، وحقد وكراهية لمرأى الجرائم الصهيونية التي تتوالى تترى بحق شعبنا، جرائم لم يسلم منها الإنسان ولا الحجر ولا الشجر في مشاهد لم تشهد البشرية لها مثيلاً، ولم يرى العالم لها نظيراً، لا في عهود النازية الهتلرية أو الفاشية أو غيرها من عهود القمع والبطش والإبادة. ذلك كله أشعل ألسنة النار المحرقة في قلب الصغيرة سوسن، وولد في كيانها نذر الانفجار، فكان لابد من فعل جاد وعمل حقيقي يفرغ شحنات الغضب المستعرة الملتهبة في القلب الصغير الذي لم يعد يطيق الصبر أو يحتمل الانتظار، لكن الواقع لم يكن ليحمل للصغيرة أية بشرى لانفاذ هدفها وإشفاء غليلها، ولم يشفع لها سنها الصغير في البحث عن أداة مناسبة لمباشرة خطة انتقامها من أولئك الغزاة المحتلين الذين يمارسون بغيهم وجرائمهم ليلاً ونهاراً دون حسيب أو رقيب.(1/123)
وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير لتقضي على أي محاولة لاثناء سوسن عن إمضاء خطتها التي تبلورت في رأسها، ففي أثناء عودة سوسن من عيادة أختها في المستشفى الأهلية في مدينة الخليل التي تقطنها بتاريخ 5/7/2001 استوقفها ثلاثة جنود صهاينة على أحد الحواجز العسكرية، وبعد برهة سمح لها اثنان منهم بالمرور فيما رفض الثالث، فما كان من سوسن إلا أن قامت بالمرور إثر موافقة الجنديين، فما كان من الجندي الثالث إلا أن استغل هذا الموقف كذريعة ليتلذذ بإيذائها،لينهال عليها بالضرب على رأسها بمؤخرة سلاحه حتى سقطت على الأرض مغشياً عليها، وإثر ذلك مكثت خمسة أيام فاقدة للوعي في المستشفى مما أثر على وضعها النفسي، وسبب لها اضطرابات نفسية.
وعقب تماثلها للشفاء لم تنتظر سوسن طويلاً، فقد كانت نزعة الثأر ورغبة الانتقام أقوى من أي نداء للتروي والتريث، أو شعور بضرورة الصبر والتخطيط والانتظار، فلم تجد إلا السكين وسيلة لها في مواجهة أعداء الله والدين والإنسانية، لتستلها من غمدها، وتسكنها صميم القلوب الصلبة القاسية المتحجرة التي تمارس القتل العمد بدم بارد ودون أي وازع أخلاقي أو أنساني.
وفي اليوم الموعود امتشقت الطفلة سوسن سكينها، وانطلقت بها صوب النازيين الجدد، محاولة أن تقدم شيئاً لشعبها وتثأر لكرامتها وكرامة وطنها، إلا أن طفولتها وسنها الصغير وانعدام خبرتها لم يؤهلاها لإتمام عمليتها التي اكتشفها الجنود الصهاينة لتعتقل من فورها، وتغيب وراء أسوار السجون والمعتقلات. وهناك داخل أروقة السجن الظالم وقفت سوسن الطفلة الأسيرة تخاطب والدها الذي سمح له الصهاينة بزيارتها قائلة:" احضر لي ملابس وكتب الدراسة"، وكأنها تحاول أن تبدأ من جديد، وأن تقدم من جديد شيئاً عقب اعتقالها ولو في المجال العلمي التعليمي، فقد اعتقل قبلت أن تذوق الفرحة ببدء عامها الدراسي الجديد والتحاقها بالصف التاسع في مدرسة الزهراء الجديدة.(1/124)
ويصف والد سوسن الأيام الأخيرة التي سبقت اعتقال ابنته ووضعها داخل السجن قائلاً:" ذهبت سوسن كعادتها إلى المدرسة مع بدء العام الدراسي الجديد فرحة به، لأنها متفوقة جداً في دراستها، ولكن فوجئت مع ظهر ثالث أيام الدراسة بأن ابنتي معتقلة لمحاولتها طعن جندي صهيوني، وكان الخبر طعنة في قلبي، فابنتي سوسن صغيرة وما زالت في عيني وفي نظر القانون طفلة، فكيف تقدم على هذه الفعلة؟ ومن أين أحضرت السكينة؟ وكيف حملتها يدها الصغير لتطعن جندياً مدججاً بالسلاح؟".
وقد أصدرت محكمة صهيونية حكمها الجائر بالسجن لمدة عشرين عاماً بحق سوسن دون أي مراعاة لطفولتها وصغر سنها أو القوانين الدولية التي تحرم اعتقال واحتجاز القاصرين.
ولا زالت سوسن التي تناهز اليوم 17 عاماً تعاني من اضطرابات عصبية جراء الاعتداء الذي تعرضت له في السابق، وسبب لها رضوضاً في رأسها، وآلاماً في رقبتها مع دوخة، وما أدى إليه ذلك من وجود اضطرابات في الرؤية في الآونة الأخيرة، مما سبب لها اضطرابات نفسية.
الأسيرة / ليلى محمد حسين بخاري
ضمن قافلة العاملين للوطن، المناضلين في سبيله، والمكافحين لنصرته، والمضحين لأجل رفعته وعزته وكرامته كانت ليلى بخاري. ليلى بخاري ذات الـ 28 عاماً أدركت مبكراً حقيقة الانتماء للوطن ومستلزمات الافتخار بالهوية الفلسطينية التي سقط دفاعاً عنها الآلاف وغيب لأجل صيانتها خلف أسوار السجون عشرات الآلاف وأصيب وعانى وذاق العذابات نصرة لشعبها مئات الآلاف، فكانت مثلاً للفتاة الفلسطينية الغيورة على أرضها ووطنها وشعبها ومقدساتها، المتحرقة شوقاً للانتقام من أولئك الغزاة الذين سلبوا حق شعبها وقتلوا نسائه وشيوخه وأطفاله ونهبوا ثروته وخيراته ومقدراته.(1/125)
لم تكتف ليلى ببدء مشاعر الاستياء أو الاقتصار على النوح والبكاء على الأطلال، أو حصرت نفسها في احتياجات الأنثى ورغبتها الإنسانية وطموحاتها الطبيعية دون ملامة من أحد بل كان الوطن يغلي في قلبها وينبض داخل كيانها، فكان القرار الحاسم للعمل الجاد المثمر الذي يحقق الفائدة ويصيب من العدو الصهيوني مقتلة، ويؤذي كيانه أيما إيذاء.
ولم تجد ليلى أدنى صعوبة في مشروعها الجديد الذي ارتضته لنفسها خياراً أصيلاً ومسئولاً، فشقت طريقها نحو المناضل ناصر الشاويش أحد كوادر كتائب شهداء الأقصى، وارتبطت معه بصلة تنظيمية، وكان اتفاقهما المشترك بتجهيز الاستشهاديين الذين يفجرون أجسامهم ويحولونها إلى أشلاء فداءً لدينهم ووطنهم وقضيتهم.
وبالفعل، فقد مضت ليلى في طريقها التي اختطته لنفسها وتوغلت في غمار الإسناد للعمل المقاوم وأبلت بلاءً حسناً إلى أن دنت ساعة القدر التي شهدت فرملة الجهد الوطني المتصاعد للمقاومة فاعتقلت بتاريخ 28/6/2002 وأودعت رهن السجن والاعتقال، بعد أن وردت اعترافات بحقها عقب الاعتقالات التي طالت نشطاء كتائب شهداء الأقصى والمقاومة الفلسطينية إبان حملة "السور الواقي" الصهيونية نهاية آذار 2002. وقد تبين أثناء التحقيق أن المناضل ناصر الشاويش قد اعترف بصلته التنظيمية معها وأدلى بمعلومات عن دورها في مساعدة المقاومين، ومن بينها إلباس الحزام الناسف للاستشهادية المجاهدة دارين أبو عيشة التي فجرت نفسها في حاجز عسكري صهيوني بعد توقيفها مما أدى إلى إصابة ثلاثة من رجال الشرطة الصهيونية بجروح.
ولا زالت الأسيرة ليلى تعاني الأمرين في غياهب السجن الصهيوني، وتنتظر حكم الجلاد الصهيوني بحقها، بكل ثبات ويقين، ودون أي ندم أو تراجع أو انكفاء.
الأسيرة / شفاء عدنان أمين القدسي(1/126)
هي واحدة من النساء القلائل اللاتي ملك حب الشهادة كيانهن، واستولى على نفوسهن، وخالطت بشاشته قلوبهن، فاسترخصن الحياة، وامتدت أعينهن نحو الدار الآخرة، وارتضين ما عند الله على ما عند الناس، ولم يعد في حياتهن مكان للعبث واللهو، وموقع للهوى والانحدار وراء متع وإغراءات العصر كما هو حال فتيات ونساء عصرنا اللاتي جعلن الزينة والمتع والطيبات وسفاسف الأمور أكبر همهن، ومبلغ علمهن، ومنتهى تفكيرهن وآمالهن وطموحاتهن.
إنها المجاهدة شفاء القدسي ذات ال27 ربيعاً ، وهي مطلقة وأم لطفلة، التي اعتقلت من قبل جنود الاحتلال بتاريخ 11/4/2002 بعد يوم واحد من انسحاب قوات الاحتلال من مدينة طولكرم في إطار حملة "السور الواقي"، بين يدي تجهيز نفسها للقيام بعملية استشهادية، حيث اعترفت أنها كانت تنوي تنفيذ عملية استشهادية مزدوجة مع ناشط آخر في كتائب شهداء الأقصى، وتقضي الخطة بأن يفجر الشاب نفسه، ثم تفجر هي نفسها بعد ذلك بعدة دقائق، ثم يتم تفجير عبوة ناسفة يتم وضعها مسبقاً في المكان لزيادة عدد القتلى والجرحى الصهاينة. لم تلتفت شفاء إلى حجم التضحيات التي يمكن أن تبذلها، أو تفكر في إعالة طفلتها حال استشهادها، ولم تسأل نفسها الأسئلة المثبطة التي اعتاد عشاق الحياة توجيهها وترديدها، فقد كانت تعلم علم اليقين أ ن الله سينظر إليها بعين رحمة، وأنه – سبحانه وتعالى- سيتولى رعاية وكفالة طفلتها، ولن يخيب رجاءها وتضرعها إليه بعد أن توكلت عليه والتجأت لكنفه واحتمت بجنابه.(1/127)
لم تلتفت شفاء إلى التفكير في آفاق المستقبل، وما يمكن أن يحدث، فقد كانت تدرك –يقيناً- أن وساوس الشيطان لن تنفك انقطاعاً عنها ولن تبرح غزو مخيلتها في محاولة لثني عزمها عن الالتحاق بركب الجهاد وقافلة الاستشهاديين، كما لم تعر انتباهاً أو تبد أي نوع من الإصغاء للأصوات النشاز التي تملأ الدنيا صخباً وضجيجاً، وتحفل بها الصحف والمجلات والفضائيات ووسائل الإعلام، مطالبة بالكف عن استهداف ما يسمى بالمدنيين "الإسرائيليين"، والتوقف عن سفك دماء "الأبرياء" حسب زعمهم، وانتهاج سياسة الانتفاضة السلمية وأساليب الاحتجاج الجماهيري، فيما العدو المجرم لا يرى في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا ينحرف ببوصلة قتله وإرهابه عن استهداف الأطفال الفلسطينيين الأبرياء الذين يحملون الحجر الأصم ويلقون به في وجه الدبابات الصهيونية الأكثر تحصنناً في العالم دون أن يشكل أي منهم، في أي وقت، أي تهديد لآلة القمع والبطش والإرهاب الصهيوني.
لم تلتفت شفاء – أيضاً- إلى ما يمكن أن يثيره المرجفون، أو يخرج به صغار القوم، أو يفتعله المفسدون عقب تنفيذها لعمليتها الاستشهادية، فالعقبى – في نظرها- هي تحصيل رضى الله تعالى عنها، والتنعم بفضله الكبير، ونعيمه المقيم الذي يفيض به على عباده المتقين الموحدين الذين باعوا أنفسهم رخيصة في سبيله، وابتغاء رفعة دينه وعقيدته، وتحرير أرضه ومقدساته، أما الخوف من الألسنة الحداد التي يمكن أن يسلقها بها كل وضيع ارتضى أن يبيع نفسه للشيطان، وضميره لأعداء الأمة، وجعل منها جسراً لغزو الأمة في دينها وثقافتها وحضارتها وكرامتها فلم تفكر فيه، ولم يكن يخطر لها على بال.(1/128)
قد تنطلق الأبواق المنافقة في وجهها، نقداً عليها، واستخفافاً بعملها، وإنكارا لفعلها، تحت ستار نفي الأمومة وغمطها حقها أولاً، واستهداف ما يسمى بالمدنيين الإسرائيليين ثانياً، والتخريب على أية فرصة لإنعاش جهود التسوية ثالثاً، ومنح الذريعة لشارون وجنوده وفتح شهيته لمزيد من العدوان رابعاً، وغير ذلك من حجج شيطانية ومبررات نفاقية وأقاويل سفيهة لكل أولئك المرجفين، وصرف نظرها عن هؤلاء المنافقين، وما يثيرونه – دوماً – من أقاويل وحجج واتهامات وأباطيل، أثبتت شفاء وعياً أعمق من وعي أصحاب الفهم البالي والثقافة السطحية، وإلماما أكبر بحقيقة المخاطر والتحديات التي تجابه القضية الوطنية الفلسطينية وسبل مواجهتها من أولئك الذين يدعون عبقرية الفهم والثقافة والتحليل ولا يتورعون عن رمي الآخرين بالجهالة السياسية وعدم إدراك حقائق الوقائع.(1/129)
بكل المقاييس حققت شفاء استعلاءً على الموازين الأرضية والأفكار الهشة والتصورات المهترئة التي يجعجع بها أصحابها بصوت عال وصاخب، انسجاماً مع رغبات أعداء الأمة الذين يستهدفون سلخها عن مقومات نهوضها وعزها وكرامتها، وإلحاقها بقطار التبعية المطلقة للغرب الصليبي، وتذويب شخصيتها وكياناتها الحضارية، وتحويلها إلى عبيد طائعين وخدم سذج للمشروع الغربي في المنطقة العربية والإسلامية. أثبتت شفاء أن حب الله ثم حب الوطن يعلو أي حب، ويتقدم أي رابطة، ويتجاوز كل شعور، لأجل ذلك عزمت على رد الأمانة إلى أصحابها، وإرجاع الوديعة إلى بارئها، والانطلاق في فضاءات الحق دون أية قيود أو معوقات أرضية مهما كانت، وعزمت على ترك طفلتها في رعاية الله وحفظه، وتجسيد آيات محبتها لله تعالى وتضحيتها في سبيله، وفدائها لوطنها الغالي ومقدساتها الحبيبة التي تدنس صباح مساء. أعدت شفاء عدتها، وتوكلت على ربها، واستعدت لتنفيذ خطتها، واقتربت ساعة الصفر، وبدأت الساعات والدقائق تمر بتثاقل، حتى حدث ما لم يكن بالحسبان، وجاءت الاعترافات على شفاء من حيث لم تحتسب، لتعتقل وتضمها أسوار السجون والمعتقلات الصهيونية.
وقد أصدرت محكمة صهيونية حكمها الجائر بحق شفاء بالسجن لمدة سبع سنوات، ولا زالت تعاني وجع القيد وظلم السجان، وحسبها أنها قد أدت واجبها وبذلت مستطاعها تجاه ربها ودينها ووطنها وشعبها دون أي تهاون أو تقصير.
الأسيرة/إيمان محمد حسن غزاوي "عيشة"
تشكل الأسيرة إيمان عيشة 29 عاماً نموذجاً للمرأة الفلسطينية المحافظة على زوجها وأسرتها وعائلتها، التي لا تتورع عن القيام بواجب الدعم والإسناد والبذل والتضحية لتكريس شرف الانتماء لهذا الوطن، واستحقاقها للعيش فيه كمواطنة، وأسرة صالحة، وعناصر شريفة نظيفة، تصون شرفه، وتحفظ أرضه، وتمنع الإساءة إليه، وتحول دون اختراقه وتخريبه، وتحجر العبث بمقدراته أو الإفساد في أرجائه.(1/130)
فلم تطق إيمان ابنة مدينة نابلس جبل النار رؤية المنكر، أو السماح بالعار أن يلطخها ويلطخ شرف زوجها وأسرتها، فعملت ما بوسعها لإصلاح الخلل وتصحيح المسار وإزالة العار والعودة إلى حضن الشعب الدافئ الذي لا يرد ابناً عاقاً ارتد عن ظلمه، أو ابناً مخطئاً عاد عن غيه، ونبذ خصومة وطنه، وأراد الصفح والسلامة والغفران.
وتتلخص قصة إيمان في زوجها الذي ارتبط بالعمالة مع قوات الاحتلال، ومضي في خدمة أسياده الصهاينة فترة من الزمن، إلا أن ضميره ما لبث أن استيقظ تحت تأثير فطرة الخير الكامنة فيه، وما بذلته معه زوجته إيمان من جهود ونصح وإرشاد.
وحتى تكون توبته صادقة، وأوبته إلى شعبه تامة لا رجعة فيها، وفكاكه من العار أبدياً لا تراجع عنه، فقد أراد أن يطهر نفسه وشرفه، ويثبت صدقه وولاءه لشعبه وقضيته، وينقي سمعته وصورته التي تلطخت بالعار وطفت بالسوء والإفساد، فلم يجد بداً من القيام بعمل من أعمال المقاومة كتعبير أصيل عن توبته، وتجسيد كامل لرغبته في الالتحام مع شعبه الذي يعاني الأمرين جراء قمع وإرهاب الاحتلال، ونفض ماضيه القريب المجلل بالسواد.
ولدى اتخاذ قراره هذا، لم يصغ السمع إلى أي نداء آخر، فلا نداءات التخويف من التضحية، ولا وساوس التحذير من العواقب التي زينها الشيطان له، أملاً في كسر همته وثني إرادته، نجحت في التأثير عليه ودفعه للتراجع والانكفاء، فقد تمثل أمامه هدف جليل، وانتصبت أمامه غاية كبرى، كان لابد من بلوغها مهما كانت التضحيات.
وبدأ الزوج يعد العدة، تسانده زوجته إيمان التي أخذت على عاتقها دعمه والوقوف إلى جواره حتى النهاية، حتى تمكن الزوج من إحضار عبوة ناسفة، واتفق مع زوجته على زرعها داخل فلسطين المحتلة عام 48.(1/131)
ولم يبدر من إيمان أي تقصير أو يعتريها أي نكوص، فقد تولت أمر العبوة الناسفة، ووضعتها داخل حقيبة، ويممت وجهها بتاريخ 3/8/2001 شطر مدينة "تل أبيب" داخل فلسطين المحتلة عام 48 برفقة زوجها، ولدى اقترابهما من المحطة المركزية للحافلات داخل "تل أبيب" طلب منها زوجها وضع العبوة على مدخل المحطة فيما بقي بعيداً ولدى محاولتهما وضع الحقيبة التي تخفي داخلها العبوة الناسفة شديدة الانفجار، لاحظها بعض الصهاينة ورجال الشرطة، لتعتقل في اللحظة الأخيرة قبل أن تتم إنجاز مهمتها وتبلغ هدفها.
ولم تلبث قوات الاحتلال أن ألقت القبض على زوجها لتضمهما معاً جدران السجون والمعتقلات الصهيونية، تباعد بينهما وبين طفليها اللذين حرما من حنان الأمومة وعطفها لمدة 13 عاماً هي مدة الحكم الجائر الذي أصدرته محكمة صهيونية بحقها.
اعتقلت إيمان وبوعد بينها وبين زوجها وطفليها، لكنها سجلت نموذجاً خالداً للانتصار على النفس حينما تزيغ عن الحق، وتبتعد عن النور والإيمان، وترتكب الأخطاء والمنكرات.
ورغم أنها لم ترتكب إثماً أو تقترف منكراً، وأن زوجها هو عين القضية، إلا أنها استطاعت من خلال تعهدها لزوجها ورعايته، وداوم نصحه وإرشاده، نقله من حال إلى حال، وإعادته إلى صف وطنه وحضن شعبه بعد أن تمكن منه الشيطان، وأعمت بصيرته، المغريات، لتشكل بذلك قدوة لأولئك الذين حادوا عن جادة الحق والصواب، وخانوا شعبهم ووطنهم، أن لا يأس من الصلاح والإصلاح، فباب التوبة لا زال مفتوحاً، مشرعاً على مصراعيه، لكل تائب صادق، وعائد مخلص أواب.
الأسيرة / لينا أحمد نصار جربوني(1/132)
مع اندلاع انتفاضة الأقصى، وتفجر الغضب الشعبي الفلسطيني العارم في وجه الاحتلال الصهيوني، وما تلاه من قمع هائل وإرهاب صهيوني غير مسبوق في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقفت الجماهير الفلسطينية داخل فلسطين المحتلة عام 48 موقفاً مشرفاً أكدت من خلاله تضامنها المطلق مع إخوانها في الضفة الغربية والقطاع، وتعاطفها الكبير مع مطالبهم العادلة في مواجهة الاحتلال الصهيوني البغيض، مما استنفر الصهاينة وأثار ثائرتهم، وهم الذين اعتقدوا أن ترغيبهم وترهيبهم قد سلخهم عن بني جلدتهم، ودمر الانتماء الوطني الأصيل في عروقهم، وتمكن من تذويبهم وتمييع هويتهم داخل المجتمع الصهيوني، ففوجئوا بالعكس وذهلوا للنقيض، ليصبوا جام غضبهم عليهم، ويطلقوا العنان لشرطتهم في فتح النار وإطلاق الرصاص على التظاهرات السلمية الحاشدة التي انطلقت في مختلف أماكن وأرجاء الداخل الفلسطيني، ليرتفع ثلاثة عشر شهيداًَ ويصاب العشرات، في مشهد بشع يستحضر الوحشية النازية بل يتفوق عليها، ويطأطئ الرأس خجلاً أمامها.
وإذ ذاك احتقنت نفوس فلسطينيي الداخل، واشتعل الغضب في صدورهم، إلا أن ظروفهم الاستثنائية وواقعهم الخاص الذي يعيشون فيه حال دون تحول نيران الغضب المضطرمة في قلوبهم ونفوسهم وكيانهم إلى ترجمات عملية مباشرة أسوة بإخوانهم في الضفة والقطاع، إلا أنهم بقوا على أسنة المواجهة والتصدي لسياسات الاحتلال الصهيوني بالوسائل المناسبة والإمكانات المتاحة.
ذلك كله، دفع الكثير من فلسطينيي الداخل إلى محاولة فعل شيئ، نصرة لأهلهم وإخوانهم في الضفة والقطاع، ومن هنا فقد حاول بعضهم الاتصال بنشطاء المقاومة الفلسطينية داخل الضفة والقطاع، وإبداء استعداده لبذل الممكن وتقديم المستطاع لتمكين المقاومة من إيذاء كيان الاحتلال، والمساهمة في الرد على جرائمه الحاقدة بحق الشعب الفلسطيني.(1/133)
وفي هذا الإطار برزت الشابة المجاهدة لينا جربوني 30 عاماً ابنة بلدة عرابة في الخليل كإحدى فلسطينيي الداخل الذين يتحرقون شوقاً لخدمة المقاومة الفلسطينية، والانتقام من سبب بلائهم ومصابهم ونكباتهم.
فقد تمكنت لينا من فتح خط اتصال مباشر مع بعض نشطاء سرايا القدس في جنين، وخاصة المجاهد ثابت مرداوي (الذي اعتقل لاحقاً)، لتتولى تقديم المساعدة لهم، وتسهيل تنفيذهم للعمليات الاستشهادية داخل العمق الصهيوني، عبر توفير بطاقات هوية "إسرائيلية" لبعض المجاهدين، وتوفير مأوى لهم داخل فلسطين المحتلة عام 48، وفتح حسابات بنكية لهم، والمساعدة في تنفيذ عمليات عسكرية استشهادية ضد كيان الاحتلال الغاصب.
وعقب حملة "السور الواقي" الصهيونية نهاية آذار 2002، وما أسفرت عنه من اغتيالات واعتقالات ودمار وخراب، تمكنت قوات الاحتلال من اعتقال المجاهد ثابت مرداوي ورفاقه، مما أسهم بدوره في كشف علاقتهم بالمجاهدة لينا، وطبيعة دورها في مقاومة الاحتلال.
وبتاريخ 18/4/2002 قامت أجهزة الأمن الصهيونية باعتقال لينا من منزلها ونكلوا بها وعاملوها بوحشية أمام أسرتها، إثر مراقبة بيتها ورصد تحركاتها لفترة طويلة حسب الناطق بلسان الجيش الصهيوني، حيث خضعت لتحقيق وحشي، ونسبت إليها العديد من التهم، من بينها تسهيل دخول الاستشهاديين إلى فلسطين المحتلة عام 48، والتآمر لتنفيذ عمليات ضد أهداف صهيونية.
وبينما طالبت النيابة العامة بالحكم عليها بالسجن المؤبد خلال جلسة محاكمتها أمام المحكمة المركزية في مدينة حيفا، أصدر القضاة الجلادين حكمهم الجائر بسجنها لمدة 17 عاماً لا زالت تقضيهم وتعيش أيامهم داخل السجن الصهيوني لتكون شاهداً على عنف وبشاعة ونازية وإرهاب الاحتلال.
الأسيرتين الشقيقتين/ تغريد وبهيسة السعدي(1/134)
اندلعت انتفاضة الأقصى، واندلعت تظاهرات فلسطينيي الداخل، وخلفت وراءها عشرات الشهداء والجرحى، وفيضاً هائلاً من الحقد والكراهية والبغضاء، التي أعادت رسم خارطة الوجود للفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة عام 48، وأعادت صياغة العلاقة بينهم وبين كيان الاحتلال كمحتلين منتهكي الحقوق وكيان ظالم لا يتورع عن استهدافهم والإساءة إليهم وإهدار حقوقهم.
ونتيجة لذلك تأججت عوامل الحقد والرغبة في الانتقام في صدور الكثير منهم، وباتوا يسعون إلى تنفيس جزء من بركانهم المستعر داخل صدورهم، وتمكن البعض منهم من الوصول إلى نشطاء المقاومة الفلسطينية وبسط أواصر العلاقة معهم، ملتقين على هدف مشترك هو مقاومة الاحتلال وتجريعه كأس المذلة والهوان.
ومن بين أولئك كانت الشقيقتان: تغريد 22 عاماً، وبهيسة السعدي 27 عاماً، من بلدة سخنين اللتان ارتبطتا بعلاقة مع بعض نشطاء كتائب شهداء الأقصى الذين يحاولون تنفيذ عمليات استشهادية داخل العمق الصهيوني.
وقد تركزت مهمة الشقيقتين في تسهيل نقل الاستشهاديين إلى أهدافهم، حيث نجحتا في القيام بالمهمة الأولى لهما بكل نجاح، وتتمثل في إيصال الاستشهادية البطلة عندليب طقاطقة إلى القدس الغربية حيث فجرت نفسها بتاريخ 12/4/2002 موقعة في صفوف الصهاينة 4 قتلى و 104 مصاباً.
ولم تبلغ آمال تغريد وبهيسة مداها، ولم تصل منتهاها، فقد حملت الرياح أنباء القمع الصهيوني الواسع في إطار حملة "السور الواقي" الصهيونية نهاية آذار 2002، وما أدى إليه من اغتيالات واعتقالات واسعة بحق المجاهدين والمناضلين، الذين كشف بعضهم أسرار العلاقة مع الشقيقتين اللتين لم تتأخر قوات الاحتلال في اعتقالهما بتاريخ 15/5/2002.(1/135)
وقد أصدرت محكمة صهيونية قرارها الجائر بالسجن المؤبد بحق الشقيقتين، اللتين لا زالتا ترسفان في القيود والأغلال الصهيونية، بعد أن أبلتا البلاء الحسن، وأدتا الواجب، أو جزءاً منه على الأقل، تجاه وطنهما وأهلهما الذين يكتوون يومياً بنيران قمع الاحتلال الصهيوني الغاشم.
الفصل الرابع
المرأة الفلسطينية..
استشهادية
مدخل/
... مع مطلع عام 2002م شهدت المقاومة الفلسطينية منعطفاً كبيراً وانعطافة حادة في مسيرتها المباركة التي تخضبت على مدى أيام انتفاضة الأقصى بشلالات غزيرة من الدماء القانية العزيزة، وركام هائل من أطلال البيوت المدمرة والأراضي المجرفة، ومخزون لا ينضب من الحقد والكراهية والبغضاء تجاه الاحتلال الصهيوني وإرهابه الغاشم.
فلم يعد بوسع أحد احتمال حجم وطبيعة الجرائم الصهيونية المقترفة، التي أخذت أشكالاً بالغة القسوة والتدمير، فكان لا مفر من الانفجار الذي تطايرت حممه وشظاياه لتصيب العدو الصهيوني وتذيقه شيئاً من العذابات والمرارات التي اعتاد الشعب الفلسطيني تجرعها منذ النكبة الأولى وحتى اليوم.
وكان بروز دور المرأة كفاحياً، وصعودها اللافت في مراتب العمل العسكري المقاوم، وتدرجها في مسار المقاومة ضد الاحتلال، أحد المعالم البارزة لهذا الانفجار، فلم تعد هناك خطوط فاصلة بين دور الرجل ودور المرأة على الساحة الجهادية، ولم تعد أشكال المقاومة العنيفة حكراً على الرجل، بل تساوى في ذلك الرجل والمرأة، الفتاة والشاب، وأضحى الشعب الفلسطيني قاطبة، بجناحيه المذكر والمؤنث، يداً ضاربة واحدة في مواجهة الاحتلال المتغطرس، دون أي تمييز أو فروقات.(1/136)
ولئن كانت البدايات الأولى لعمل المرأة المقاوم متواضعة نسبياً، فإن الأيام، ما انفكت تزيدها قوة وصقلاً وإصراراً، وتستحثها بذلاً وتضحية وتطويراً وتدفعها قدماً في ميادين المواجهة والتصعيد، إلى أن حفرت لنفسها أخاديد المجد وسط صخور المقاومة والشهادة، وشقت لبني جنسها المكانة اللائقة في صميم مسيرة التحرير والاستقلال لهذا الشعب المنتفض، المتأجج بالثورة، والكفاح والإقدام، فكانت العمليات الاستشهادية الموجعة التي نفذتها مجاهدات ومناضلات فلسطينيات شاهداً مباركاً على المنحى التاريخي الذي ولجته المرأة الفلسطينية، والإسهامات الجليلة التي أسدتها للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة وقضيته العادلة.
وفي طيّ هذا الفصل استعراض للسير الذاتية للاستشهاديات الفلسطينيات المجاهدات اللاتي اقتحمن التاريخ الفلسطيني من أوسع أبوابه، وامتشقن ذرى المقاومة والكفاح، وأذهلن العالم بتضحياتهن الرائعة وعطائهن العظيم، وضربن أعظم ملاحم التفاني والفداء، وأروع أمثلة التأسي والاقتداء، في مرحلة هي الأكثر حساسية والأشد خطورة في حياة الشعب الفلسطيني على الإطلاق.
الاستشهادية / وفاء علي إدريس(1/137)
لم يكد عام 2002م، يخطو بأيامه الأولى المعبدة بقمع الاحتلال الصهيوني وقسوته وإرهابه وجبروته ، ولم تكد صفحة الشهر الأول منه توشك على الرحيل كحلقة في سلسلة الدورة الزمنية التي عايش الشعب الفلسطيني في ظلها أبشع ألوان الظلم والمعاناة، حتى كان الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية والعالم بأسره على موعد بارز مع القدر الفلسطيني النافذ، ومع ميقات مميز تلألأ أثيره مخترقاً جدر الصمت المطبق الرهيب، وحلكة الليل العربي والإسلامي البهيم التي أحاطت بالقضية الفلسطينية، وحاولت طمس تجلياتها وتفاعلاتها وملفاتها وقضاياها، وعزل تأثيراتها عن الواقع الراهن، وإحالتها إلى رقم هامشي في المعادلة العربية والإسلامية القائمة، المرتكزة إلى الانبطاح والخنوع والاستسلام.
ففي السابع والعشرين من شهر يناير لذلك العام ازدادت الجبهة الفلسطينية –الصهيونية اشتعالاً فوق اشتعالها، وسخونة على سخونتها، إيذاناً بولوج مرحلة جديدة من مراحل الكفاح الفلسطيني المستعر ضد الاحتلال الصهيوني للأرض والإنسان والمقدسات الفلسطينية.
فقد تولت الفلسطينية وفاء علي إدريس زمام المبادرة، ممتشقة عبوتها الناسفة شديدة الانفجار، ميممة وجهها شطر الركن الآخر الأكبر من الوطن السليب، حيث القدس ويافا وحيفا وعكا وعسقلان وسائر المدن الفلسطينية المحتلة عام 48، وحيث الإجراءات الأمنية والأسوار والقيود والحواجز والدوريات العسكرية الصهيونية على أشدها؛ منعاً للغرباء؛ طالبي الحرية والعزة والاستقلال من اقتناص أي ثغرة أو فرصة للدخول من أو استنشاق نسيم الأرض المغتصبة المكبلة بقيود الاحتلال، أو تسديد جزء يسير من فاتورة الحساب الدامي المجللة بالقمع والدمار والدماء والمجازر والأشلاء والإرهاب.(1/138)
هناك على أرض القدس الطاهرة، وشطرها الغربي تحديداً، وفي شارع يافا على وجه الخصوص، كانت وفاء إدريس على موعد مع لحظة من أروع لحظات حياتها، فقد أمسكت بعبوتها الناسفة التي احتوتها إحدى حقائبها ودخلت إلى إحدى المحال التجارية الصهيونية بكل هدوء وسكينة وإصرار ورباطة جأش؛ ليدوي –بعدها- الانفجار الذي هزّ المنطقة بأسرها، وحوّل حياة الصهاينة إلى هلع كبير وجحيم لا يطاق.
لم يكن أحد يدري، بل لم يكن يتوقع أحد أن يختلط لحمها بعظمها وأن يتحول جسدها إلى محرقة للطغاة الغاصبين، وتتناثر أشلاؤها هنا وهناك بعيداً عن أهلها وديارها وعملها وأصدقائها.
وقد زاد الأمر إرباكاً ما تلا العملية الاستشهادية من غموض وإبهام كبيرين اكتنفا اسم وحقيقة منفذة العملية، والجهة التي تقف خلفها، والتي امتنعت لمدة ثلاثة أيام متواصلة عن الإشارة إلى أي دور لها حيال تنفيذ هذه العملية.(1/139)
ورغم تأكيد مصادر فلسطينية وصهيونية على حد سواء أن نية "وفاء" لم تكن تتمحور حول تفجير نفسها والقيام بعملية استشهادية، والشكوك التي أبداها محققو الشرطة الصهيونية حيال كون العملية عملية فدائية، وأن نيتها كانت تتجه –فحسب- إلى وضع العبوة التي كانت تحملها في المكان المحدد والمغادرة، والتفسيرات التي تم تداولها بهذا الشأن من حيث انفجار العبوة التي كانت تحملها "وفاء" بعد تأخرها في الوصول إلى الهدف المحدد لسبب غير معروف، أو وقوع خلل فني في جهاز توقيت العبوة، ما أدى إلى انفجارها، أو قيامها دون قصد بتشغيل صاعق تفجير العبوة شديد الحساسية التي رجح نيتها في تسليمها إلى رجل ليخبئها أو يفجر نفسه بها فضلاً عن عدم تركها أية وثيقة مكتوبة أو مصورة تعلن فيها عزمها على تفجير نفسها، وهو ما يفعله الاستشهاديون عادة، وما أكده أقاربها من أنها لم توح إليهم مطلقاً، أو تترك فيهم أي انطباع بأنها لن تراهم بعد ذلك أبداً، واستبعاد أحد مسئولي حركة فتح في رام الله الذي كان على علاقة مع الشهيدة أن تكون قد نوت تفجير نفسها، فإن ذلك كله لا ينقص من طبيعة الدور الذي لعبته الشهيدة وفاء، ولا يلغي – بحال- محصلة الجهد النضالي الذي بذلته، والنتائج المتمخضة عنه.
وما هي إلا لحظات حتى كانت أرقام قتلى وجرحى الصهاينة جراء العملية تتصاعد، معلنة مصرع صهيوني وإصابة ما يزيد عن 100 آخرين بجروح.
ومن هنا نجحت وفاء إدريس رغم كل ما قيل في أن تحمل فضل السبق، وأن تسطر اسمها بأحرف من نور في تاريخ النضال الفلسطيني كأول فتاة تفتح بوابات الاستشهاد النسائي، وتتجاوز بعملها بطولات سجلتها نساء أخريات في معارك كانت الشهادة فيها احتمالاً قائماً وليس حتمياً، بينما ذهبت هي في رحلة لها نهاية حتمية واحدة.(1/140)
لم تكن وفاء ابنة الـ26 ربيعاً التي تقطن مخيم الأمعري قضاء رام الله حالة استثنائية أو مميزة في صفوف الفلسطينيين بشكل عام، والنساء منهم بشكل خاص، إذ أن المعاناة التي يكتوون – يومياً- بنيرانها المحرقة وشظاياها القاتلة، لم تدع لهم خيارات كثيرة، بل وضعتهم أمام خيار وحيد، إلا أنها كانت السباقة لريادة أرتال من الفتيات والنساء اللاتي يتحرقن شوقاً لخوض مضمار الجهاد والكفاح المسلح، وحجز عضوية أكيدة في نادي الاستشهاديات.
تلقت الشهيدة تعليمها الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس المخيم، وواصلت تعليمها الجامعي في كلية التمريض بجامعة النجاح الوطنية في نابلس؛ لتعمل-إثر ذلك- متطوعة في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني كضابط إسعاف؛ لإنقاذ ومداواة الجرحى الفلسطينيين الذين يتعرضون يومياً لأبشع أشكال القمع والبطش والإرهاب الصهيوني.
هناك في ثنايا عملها الذي لا يتوقف أو ينقطع، لم تعد وفاء تحتمل ما كان يمر تحت عينيها وتلامسه يداها من عشرات الإصابات القاتلة والأشلاء الممزقة، ولم يكفيها كفكفة الدموع عن عيون الأطفال وتقديم الإسعافات للعجائز، فانفجرت داخلها مشاعر الغضب المر، وأبت إلا أن يكون الانفجار مدوياً يزلزل الأرض تحت أقدام الصهاينة الغاصبين.
لم تعد وفاء ابنة جيل المحنة تحتمل حجم واتساع وشمول التغول الصهيوني على أرضها وشعبها ومقدراته فقررت ولوج درب المقاومة، وبذل وسعها؛ للذود عن قضيتها والثأر لأبناء شعبها الذين يتساقطون تترى بفعل العدوان الصهيوني المتواصل، وتتحول إلى كرة من اللهب المتوهج تتطاير في وجه الصهاينة وتذيقهم كأس المنون الذي جرعوه – طويلاً- لشعبها الفلسطيني الصابر المحتسب.(1/141)
وفي اليوم الموعود الذي تقرر فيه تنفيذ العملية غادرت وفاء مقر عملها في جمعية الهلال الأحمر بعدما أقنعت الطبيب المناوب بالسماح لها بقضاء غرض شخصي لها، وشقت طريقها مشياً على الأقدام إلى شارع القدس بجانب دوار المنارة في رام الله، حيث استقلت سيارة أجرة متوجهة إلى القدس المحتلة عبر مداخل المدينة، لتصل إلى شارع يافا أكثر الشوارع ازدحاماً باليهود في القدس الغربية، حيث موعدها مع الشهادة والارتقاء إلى العلا.
ورغم غياب وفاء عن بيتها للمرة الأولى في حياتها، بالرغم من ظروف عملها كضابطة إسعاف في طواقم الهلال الأحمر إلا أن أشقاءها رفضوا إبلاغ أجهزة الأمن الفلسطينية بأمر تغيب واختفاء شقيقتهم، ظناً منهم أنها ستعود خلال الساعات القليلة القادمة، إلا أن هذا الحال استمر ثلاثة أيام دون أن تظهر للعائلة أي بارقة أمل في العثور على ابنتهم، إلى أن قرر شقيقها الأكبر خليل، وبحكم عمله في أحد الأجهزة الأمنية الفلسطينية، إبلاغ مسئوليه بأمر اختفاء شقيقته دون أن يكون على علم بعلاقتها بالعملية الاستشهادية أو أي نشاط عسكري كفاحي آخر، حيث أخذت عينات من دم الأشقاء ونقلت إلى داخل الكيان الصهيوني للفحص والتحليل.
ومساء يوم الأربعاء 30/1/2002م، اجتمع الأشقاء الأربعة في بيتهم تتوسطهم والدتهم التي خرجت لتوها من المستشفى إثر وعكة صحية ألمت، بها والتي لم تنقطع عن البكاء لاختفاء ابنتها، قبل أن يدق الجرس المنزل، وتنزل الحقيقة كالصاعقة على رؤوس أفراد العائلة، إذ تيقن المحققون الصهاينة أن الاستشهادية الفلسطينية هي وفاء إدريس عقب مقارنة عينات دم أشقائها بالعينات التي أخذت من جسدها الذي تحول إلى أشلاء بفعل الانفجار.
خيم الصمت في كافة أرجاء المنزل وسط حالة من المفاجأة والذهول التي ألمت بأفراد العائلة، ولم يقطع سكوته سوى صوت بكاء الأم وهي تنادي وحيدتها لتعود إليها.(1/142)
... ورغم حالة المفاجأة والذهول التي استبدت بالأسرة، إلا سرعان ما تمالكت نفسها وبدت رابطة الجأش فخورة بما أقدمت عليه ابنتها إذ أعربت والدة الشهيدة عن فخرها بابنتها، وما قامت به في مواجهة الاحتلال، مشيرة إلى أن أقرباء وجيران الأسرة يعيشون الآن مرفوعي الرأس، فخورين بما قامت به الشهيدة وفاء.
قد تبنت كتائب شهداء الأقصى العملية، إلا أن عائلة الشهيدة وبعضاً من جيرانها أكدوا أن وفاء لم تكن – حسب علمهم- تنتمي إلى أي حركة فلسطينية، فيما علقت اعتماد أبو لبدة 32 عاماً أقرب صديقات وفاء التي لازمتها في نشاطات لجنة المرأة بمخيم الأمعري منذ ما يزيد على 14 عاماً، بصوت يكتنفه الذهول "هذا آخر أمر كنت أتوقعه، كانت تخاطبني منذ فترة قائلة (ليتهم يقدمونني للوطن) دون أن أفهم مغزى قولها، وازداد تكرارها لهذه العبارة أكثر فأكثر في الأيام التي سبقت العملية".
ما من شك فإن انتفاء علم أقرب المقربين بنوايا ومخططات وفاء يعكس حالة متميزة من الالتزام بالسرية والكتمان، وبمعزل عن الجدل الذي أعقب العملية، وطبيعة نية الشهيدة وفاء في تفجير نفسها أم لا، فان العملية أرخت لعهد جديد في مسيرة المقاومة الفلسطينية، وشكلت تطوراً نوعياً لافتاً في إطار جهود المقاومة الفلسطينية؛ لتحسين أدائها ورفع كفاءتها وتجاوز العقبات والعراقيل المستحدثة صهيونياً لمواجهتها وكبح اندفاعها، وهو تطور كان له ما بعده، آثاراً وتداعيات ونتائج، وكان له من الفضل ما كان، اتباعاً وتأسيساً واقتداءً.
الاستشهادية / دارين محمد أبو عيشة(1/143)
هي نموذج فريد للفتاة المؤمنة المسلمة المجاهدة التي باعت نفسها لله، وارتضت أن تجعل من جسدها جسراً لمواكب الشهداء، ووقوداً دافعاً للمقاومة الفلسطينية المتصاعدة، وناراً ملتهبةً؛ للانتقام من أعداء الله والدين والإنسانية الذين بلغ منهم التطاول والعجرفة والاستكبار كل مبلغ، فاستباحوا الحرمات، وانتهكوا الأعراض، واحتلوا البلاد، ودمروا المقدرات، ونهبوا الثروات، ودنسوا المقدسات.
هي حالة متميزة من التفاعل الأصيل بين الدين والعقيدة من جهة والجهاد والمقاومة والكفاح من جهة أخرى.
هي مثال أصيل للأمل المتدفق من قلب اليأس المستحكم، للإصرار الفتيّ الذي لا يعرف الخور أو الانكسار، للإرادة الصلبة التي لا تعرف الهزيمة أو الانحناء، للعزم الوثاب الذي لا يتقن سوى التقدم والاندفاع.
هي تجسيدٌ صادقٌ للعهد القاطع، والبيعة الخالصة مع الله تعالى، والانتماء الكامل الواضح لدينها ودعوتها وعقيدتها التي نذرت حياتها وقفاً لها وتضحية في سبيلها.
إنها الشهيدة المجاهدة دارين أبو عيشة 22 عاماً التي قطنت بلدة بيت وزن قضاء نابلس لأسرة كبيرة مؤلفة من الأب والأم وثمان إناث وذكرين، والتحقت بكلية الآداب – قسم اللغة الإنجليزية- بجامعة النجاح الوطنية حتى السنة الأخيرة من دراستها التي شهدت استشهادها ونهاية حياتها بالبذل والعطاء قبل أن تنال مرادها بالحصول عل شهادتها الجامعية.
مثلها مثل كل مؤمنٍ حرٍ صادقٍ في إخلاص وجهه لله كانت نشأة دارين، تدين كبير والتزام كامل بمبادئ وشريعة الإسلام في كافة مناحي الحياة، وخلق رفيع أهلها لتتبوأ مكانة مرموقة في نفوس أهلها وأصدقائها وجيرانها ومعارفها، فكانت محبوبة من الجميع، ذات قبول واسع منهم دون استثناء.(1/144)
ومنذ أن التزمت مقاعد الدراسة في جامعتها الأبية "النجاح" بنابلس التي خرجت الكثير من المجاهدين والمناضلين والاستشهاديين، كانت دارين شعلة من النشاط والعمل والعطاء داخل الكتلة الإسلامية، وعنصراً فاعلاً في تنفيذ الكثير من الأنشطة والفعاليات فيها، مما أكسبها التماس مباشر بالقضايا الوطنية، والاحتكاك المتواصل بهموم ومعاناة شعبها الفلسطيني الذي أرهقته سنون أوسلو الطويلة، وجعلت منها بركاناً من الغضب المكتوم الذي يتحين الفرصة للتفجر حمماً ولهيباً في وجه الصهاينة والمحتلين.
مع اندلاع انتفاضة الأقصى، وما شهدته من سيل الدم الطاهر المتدفق، وأشكال القمع والألم والقتل والدمار والمعاناة، أدركت دارين أن اللحظة الحاسمة والفرصة الغائبة التي طالما بحثت عنها وانتظرتها ملياً قد أزف ميقاتها، للتعبير بشكل جليّ عما في قلبها من كوامن الحقد والثأر والانتقام لجرائم وممارسات الاحتلال، ونوازع الرغبة في الشهادة والجهاد الحق في سبيل الله .
ويوماً إثر يوم كانت رغبة دارين تزداد كبراً بحجم كبر قلبها الذي وسع نور الحق والعدل والحرية، واحتوى ثقل الألم والبؤس والمعاناة التي يعايشها شعبها، ولم تعد بها أي طاقة لمزيد من الانتظار على رصيف المراقبة والتأمل لبلدوزرات الاحتلال التي تطحن يومياً عظام أبناء شعبها، وتسحق حياتهم، وتدمر أحلامهم وآمالهم واستقرارهم، وتستهدف محو تشبثهم بخارطة وطنهم، وإجبارهم على الخنوع لها والاستسلام لأمر مخططاتها وسياساتها ومشاريعها أو الرحيل عن أرضهم ووطنهم وديارهم.(1/145)
وسط ذلك كله، قررت دارين أن تمتشق إرادتها الصلبة التي لا تنكسر، وعزمها الفتيّ الذي لا يفلّ، وأن تبادر بفعل شيئ إيجابي خدمةً ونصرةً لأبناء شعبها المقهورين في مواجهة حملة الإبادة التي تستهدف ضرب وجودهم وتصفية قضيتهم، بدلاً من الاستسلام للانتظار بأن تجد من يمد لها يد العون والإسناد، أو ترك الساحة الجهادية الكفاحية في شكلها العنيف المباشر للرجال، والقناعة بأدوار أدنى خطورة تنسجم مع التقاليد التي ارتضاها واعتاد عليها المجتمع الفلسطيني المحافظ حتى ذلك الحين.
كان لدارين رخصةً واضحةً في قبول أدوار محددة للقطاع النسائي في سياق خدمة الوطن والقضية، كالتنشئة الاجتماعية السوية المؤسسة على أسس الانتماء الوطني الخالص، وممارسة خط الدفاع الأول عن المجتمع المقاوم، وصيانة الأسرة حال استشهاد أو اعتقال الزوج أو الأخ أو الأب، وتقديم أشكال المساعدة الممكنة في سياق العمل العسكري دون الولوج المباشر في سياقاته العملية السافرة، وغير ذلك من أدوارٍ مهمةٍ ومهامٍ جليلةٍ، إلا أنها كانت أعلى همةً وإرادةً، وأكثر طموحاً وتطلعاً، وأشد رغبةً وإصراراً على نيل المنى وبلوغ المعالي، فعقدت عزمها واتخذت قرارها باختراق جدر المفاهيم والتقاليد السائدة، والانتقال إلى الخطوة العملية الأهم في حياتها التي شكلت محور طموحها وتطلعها، ومثار أملها ورغبتها.(1/146)
ومع هذا التطور الذي جاوز بدارين خط الرجعة الأخير نسيت دارين كافة أحلامها، وتجاهلت سائر اهتماماتها، فلم تعد تفكر كثيراً بدراستها وحلم تخرجها (رغم كونها في عامها الجامعي الأخير، ورغم عدم تقصيرها في دراستها)، فقد باتت تحلم بشيئ آخر، وتسعى لنيل هدف آخر، ولا تتورع عن القيام بكل ما يقربها من تحقيق هذا الهدف، فكانت دائبة الزيارة لأهالي وعائلات الشهداء، وتشاركهم همومهم وتشاطرهم أحزانهم، وكانت كثيرة المشاركة في تشييع جثامين الشهداء، فضلاً عن لسانها الذي لم ينقطع عن ذكر الشهادة والشهداء.
ولم تتأخر دارين لحظة واحدة، سعياً وراء إنفاذ حلمها وأمل حياتها، وذات مرة توجهت إلى الشيخ جمال منصور أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الذي اغتالته قوات الاحتلال الصهيوني نهاية يوليو/تموز2001، وطلبت منه الانضمام إلى كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، معربة عن عزمها القيام بعملية استشهادية، إلا أنها واجهت اعتذاراً من الشيخ منصور عن قبول طلبها وتلبية مرادها.
لم يقنع رد الشيخ جمال منصور دارين، فطفقت على عهدها، لا تكل ولا تمل، بحثاً عمن يأخذ بيدها إلى حيث هدفها السامي، وغايتها المنشودة.(1/147)
ويرجح المحللون السياسيون المقربون من حماس سبب اعتذار الشيخ منصور عن قبول مطلب دارين، كونه عضواً في المكتب السياسي لحركة حماس، الذي لا يرتبط بصلاتٍ مباشرةٍ مع الجناح العسكري للحركة، الذي يختص بتنفيذ العمليات العسكرية الجهادية والاستشهادية، ويعنى بتجنيد الاستشهاديين في صفوفه، دون أن يشكل ذلك موقفاً سياسياً أو دينياً من تجنيد الاستشهاديات. ومع انقضاء العام الأول من الانتفاضة، ودخول المواجهة الفلسطينية –الصهيونية عاماً جديداً، كانت دارين على حالها، دائبة البحث عن طوق الغوث والنجاة، الذي يأخذ بيدها إلى أمانيها وأحلامها، إلى أن نقلت الأنباء خبر العملية الاستشهادية الأولى التي تنفذها امرأةٌ فلسطينيةٌ، عندما نفذت الشهيدة وفاء إدريس عمليتها في قلب القدس الغربية بتاريخ 27/1/2002م، مما زاد الرغبة العارمة داخل دارين جموحاً واشتعالاً، حيث أيقنت – حينها- أن حلمها بات أكثر قرباً من أي وقت مضى، وأن الطريق باتت ممهدةً لعناق أمنيتها التي ظلت حبيسة أضلاعها طيلة أيام وليالي انتفاضة الأقصى. بالفعل، فقد تخلت دارين عن محاولة إقناع قادة وناشطي حركة حماس التي تنتمي إليها، وحركة الجهاد الإسلامي بالموافقة على إرسالها؛ لتنفيذ عملية استشهادية، بعدما وجدت ضالتها في كتائب شهداء الأقصى التي وافقت على قيام دارين بتنفيذ العملية وتجهيزها بالمتفجرات والأدوات اللازمة لإتمام الأمر.
وكما كانت عملية الشهيدة وفاء إدريس بتاريخ 27/1/2002 فقد تم الاتفاق على أن تكون عملية دارين بنفس التاريخ للشهر التالي، أي 27/2/2002، وأن تتم داخل أحد مراكز الشرطة الصهيونية في مدينة يافا داخل فلسطين المحتلة عام 48.(1/148)
مع اكتمال الأدوات والتجهيزات اللازمة لتنفيذ العملية، من الحزام الناسف المتفجر إلى الأشخاص الذين سيتولون نقل دارين إلى مكان تنفيذ العملية داخل الكيان الصهيوني، اقتربت ساعة الصفر، ودخلت دارين في مرحلة جديدة لم يكن لها أي نظير طيلة حياتها.
يمكن وصف هذه المرحلة بالقول أنها مرحلة حياة مع الله بعيداً عن كل متاع وطيبات وملهيات وشوائب الدنيا، وهو ما بدا واضحاً في ملاحظات والدة دارين، التي أكدت أن ابنتها أكثرت من قيام الليل وقراءة القرآن ليلة استشهادها، وبقيت كذلك حتى بزوغ الفجر، مشيرةً إلى أن دارين زادت في تلك الليلة التي سبقت استشهادها من صلاتها وذكرها وعبادتها، رغم أنها كانت متدينةً جداً ولا تنقطع عن الصيام وقراءة القرآن وقيام الليل.
وفي ذلك الصباح الوردي الجميل الذي رأت فيه أجمل صباح خرجت دارين من بيتها، وتمنطقت بحزامها الناسف شديد الانفجار، مستقلةً السيارة التي ستقودها إلى مكان تنفيذ العملية برفقة اثنين من المناضلين من فلسطينيي الداخل، وبينما مسافة الطريق تتقلص تدريجياً باتجاه الهدف المنشود إذ بالإجراءات الصهيونية تزداد كثافة، وحواجزهم العسكرية تنتشر في كل مكان، على المحاور والطرقات لتبدو المهمة أمام دارين ورفيقيها صعبة للغاية وشبه مستحيلة، وكأن إنذاراً قد بلغ أجهزة الأمن الصهيونية إزاء إقدام إحدى فصائل المقاومة على تنفيذ عملية استشهادية في ذلك اليوم.(1/149)
وبدا أن لا مناص من إكمال المسير، فقد غدت دارين في منتصف الطريق، تحاصرها الدوريات والحواجز الصهيونية من كل اتجاه، وفيما الأفكار والهواجس سيدة الموقف حيال هذا المستجد الطارئ الذي يهدد بإفشال الخطة برمتها، وصلت سيارة دارين ورفيقيها إلى حاجز "مكابيم" بين القدس و "تل أبيب" حيث أصر الجنود الصهاينة على تفتيش السيارة والتدقيق في هويات ركابها، فقام رفيقيها :حافظ مقبل وموسى حسونة من اللد بالنزول من السيارة وتقديم هويتهما للجنود، وإخبارهم أن الفتاة الموجودة داخل السيارة هي شقيقتهم، وأنهم في طريق العودة إلى المنزل، فأصر الجنود على تفتيشها والتدقيق في هويتها، وهنا ترجلت دارين من السيارة وتوجهت ناحية الجنود، وكأنها تهمّ بالاستجابة لأمرهم وابراز بطاقة هويتها، وما أن اقتربت منهم حتى أطلقت العنان ليدها في الضغط على مفتاح التفجير، لينفجر حزامها الناسف، وترتقي إلى العلا شهيدة، ويصاب رفيقيها بجروح ويعتقلا، فيما اعترف جيش الاحتلال بإصابة ثلاثة جنود صهاينة بجروح.
وتصف والدة دارين وفيقة أبو عيشة اللحظات الأخيرة التي قضتها مع ابنتها قائلة:" لقد ذهبت ولم تودعني، لكني لم ألاحظ عليها أي تصرف غير عادي، وإن كل ما أذكره منها أنها عندما دخلت البيت ظهر يوم الأربعاء (يوم استشهادها) قالت: الله يا أمي ما أحلى طبيخك وما أطيب رائحته، ولم تأكل منه شيئاً؛ لأنها كانت صائمة".
وقالت والدتها وهي تستقبل المعزيات في بيتها:" لقد كانت دارين شديدة التأثر بما يجري حولها، وعندما سمعت نبأ إطلاق النار على النساء الحوامل وهن في طريقهن إلى مستشفى الولادة مؤخراً أخذت تبكي وتمنت لو كان لديها قوة؛ لتنتقم لهؤلاء المسكينات".(1/150)
وأضافت الأم بأنها أحست أن ابنتها كانت في طريقها لعمل شيئ عندما اتصلت بأهلها قبل ساعات من وقوع العملية وأخبرتهم أنها في مكان يصعب عليها الخروج منه بسبب تعرضه للحصار والإغلاق، مؤكدةً أن قلب الأم لا يكذب، وأن معرفتي بابنتي أكدت لي أن صبرها قد نفذ، وأنها لم تعد تعير الحياة أي اهتمام طالما كانت على هذا النحو.
وتوضح شقيقتها ابتسام تفاصيل اللحظة الأخيرة التي اكتحلت فيها عيناها برؤية شقيقتها دارين بقولها :"عندما خرجت دارين من البيت قالت :أنا ذاهبة لشراء كتاب، ثم عادت بعد عدة ساعات، وبعدها خرجت ولم نعرف إلى أين، إلى أن اتصلت بناا في الساعة العاشرة مساء الأربعاء عبر الهاتف وقالت :لا تقلقوا عليّ سأعود إن شاء الله، لا تخافوا وتوكلوا على الله، وفي الصباح سأكون عندكم، وكانت تلك آخر كلمات سمعتها وسمعتها والدتي أيضاً بنفسها".
وتشير ابتسام إلى أن شقيقتها تعهدت بتقطيع الجنود الصهاينة، وتمزيقهم إرباً مقسمةً على تنفيذ عمليةٍ استشهاديةٍ في الصهاينة الذين أطلقوا النار على الفلسطينيات الحوامل، مضيفة أنه عندما استشهد شابٌ من قرية زواتا القريبة، قبل بضعة أيام من استشهادها زارت دارين عائلة الشاب وغمرت منديلها بدمه وأقسمت على الانتقام.
وتمض ابتسام قائلةً:"لم تكن دارين عضواً في حركة فتح أو كتائب شهداء الأقصى، فقد كانت من أنشط طالبات الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس في جامعة النجاح، إلا أنها بعدما واجهت اعتذاراً من حماس، ونتيجة لشغفها الهائل بالاستشهاد، وجدت في كتائب شهداء الأقصى من يلبي رغبتها، فقاموا بإعدادها لعملية استشهادية.
وقد وزعت أسرة دارين صورةً لابنتهم وهي تلف حول نفسها وشاحاً أخضراً يحتوي على شعار لحركة حماس، وتمسك بيدها سكيناً، في مشهد مشابه لمشهد الاستشهاديين الذكور قبل استشهادهم.(1/151)
وتجلت علامات الفخر، وأمارات العزة والشموخ بوضوحٍ على محيا أفراد عائلة أبو عيشة، فهذه العائلة من العائلات المعروفة بأصالتها وعمق انتمائها لدينها وعقيدتها وكفاحها في سبيل الوطن والقضية،إذ قام اثنين منها بعمليات استشهادية مماثلة.
ففي الخامس والعشرين من كانون الثاني /يناير 2002م نفذ صفوت أبو عيشة ابن خال دارين عمليةً استشهاديةً في محطة الباصات القديمة داخل "تل أبيب"، موقعاً العديد من القتلى والجرحى في صفوف الصهاينة.
وبعدها بأيام نفذ عمر حافظ ابن خالة الشهيد صفوت عمليةً استشهاديةً مماثلة قرب مستوطنة "ميحولا" في منطقة الأغوار، مثخناً للجراح في قلوب وأجساد الصهاينة.
تلك كانت دارين، وتلك حياتها وسيرتها العطرة التي وهبتها لله تعالى، مسترخصة روحها في سبيل دينها وعقيدتها ووطنها، لتثبت بجدارة أن ساحة الفعل الصادق والعمل المخلص لا تقتصر على الذكور أو الرجال فحسب، وأن الإناث والنساء قادرات على فعل الكثير الكثير.
ولئن أضافت الأرقام والإحصائيات الشهيدة دارين كثاني الاستشهاديات الفلسطينيات في إطار انتفاضة الأقصى فإن الواقع الناصع الوضئ لدارين يشهد بأسبقيتها في السعي لنيل الشهادة والخلود، واستفراغ الوسع أملاً في إشباع طموحها الجهادي وتلبية أمنيتها الاستشهادية منذ مطلع انتفاضة الأقصى.
إنها دارين أبو عيشة، لازالت روحها حية تعيش بيننا في أفئدتنا، من بلدة بيت وزن، وهي للحق تزن كالجبال في ثقل أدبها وأخلاقها وعلو همتها وعمق إخلاصها ومدى نصرتها لقضايا شعبها،إنها فتاة، لكنها بألف رجل بل بآلاف الرجال أو يزيد.
وصية الاستشهادية دارين أبو عيشة
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المجاهدين سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم أما بعد:(1/152)
قال تعالى: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ"
ولأن دور المرأة المسلمة الفلسطينية لا يقل في شأنه مكانة عن دور إخواننا المجاهدين، قررت أن أكون ثاني استشهادية تُكمل الدرب والطريق الذي بدأت به الشهيدة وفاء الإدريسي فأهب نفسي رخيصة في سبيل الله سبحانه وتعالى انتقاماً لأشلاء إخواننا الشهداء، وانتقاماً لحرمة ديننا ومساجدنا، وانتقاماً لحرمة المسجد الأقصى وبيوت الله التي حولت إلى بارات يُمَارسُ فيها ما حرّم الله نكايةً في ديننا وإهانةً لرسالةِ نبينا(1/153)
ولأن الجسد والروح كل ما نملك، فإني أهبهما في سبيل الله لنكون قنابل تحرق الصهاينة، وتدمر أسطورة شعب الله المختار، ولأن المرأة المسلمة الفلسطينية كانت وما زالت تحتفظ في مكان الصدارة في مسيرة الجهاد ضد الظلم، فإني أدعو جميع أخواتي للمضي على هذا الدرب، ولأن هذا الدرب درب جميع الأحرار والشرفاء، فإني أدعو كل من يحتفظ بشيئ من ماء وجه العزة والشرف، للمضي في هذا الطريق، لكي يعلم كل جبابرة الصهاينة أنهم لا يساوون شيئاً أمام عظمة وعزة إصرارنا وجهادنا، وليعلم الجبان شارون بأن كل امرأة فلسطينية ستنجب جيشاً من الاستشهاديين، وإن حاول وأدهم في بطون أمهاتهم على حواجز الموت، وإن دور المرأة الفلسطينية لم يعد مقتصراً على بكاء الزوج والأخ والأب، بل أننا سنتحول بأجسادنا إلى قنابل بشرية تنتشر هنا وهناك، لتدمر وهم الأمن للشعب (الإسرائيلي)، وفي الختام أتوجه إلى كل مسلم ومناضل عشق الحرية والشهادة أن يبقى على هذا الدرب المشرف، درب الشهادة والحرية.
ابنتكم الشهيدة الحية : دارين محمد توفيق أبو عيشة
الاستشهادية / آيات محمد الأخرس
امتزجت الزغاريد بالبكاء؛ فاليوم عرسها، وإن لم تلبس الفستان الأبيض وتُزف إلى عريسها الذي انتظر يوم زفافه ما يزيد على عام ونصف!! وارتدت بدلا منه بدلة الجندية والكوفية الفلسطينية، وتزينت بدمها الأحمر الحر لتحوله إلى عرس فلسطيني يدخل البهجة والفرح على قلب أم كل شهيد وجريح.
ففي شهر يوليو 2002 كان المتوقع أن تقيم آيات محمد الأخرس حفل زفافها كأي فتاة في العالم، ولكنها أبت إلا أن تُزف ببدلة الدم التي لا يُزف بها إلا مثلها؛ لتصنع مجد شعبها الفلسطيني بنجاحها في قتل وإصابة عشرات المحتلين الصهاينة في عملية بطولية ناجحة نفذتها فتاة في قلب الكيان الصهيوني.(1/154)
وفي بيت متواضع في مخيم الدهيشة أقيم عزاء الشهيدة آيات الأخرس، حيث انتظر البعض سماع صوت العويل والصراخ على العروس التي لم تكتمل فرحتها، ولكن الجميع فوجئ بصوت الزغاريد والغناء تطرب له الآذان على بُعد أمتار من المنزل، فيما كانت والدة الشهيدة الصابرة المحتسبة تستقبل المهنئات لها، وتصف اللحظات الأخيرة التي سبقت خروج ابنتها وفلذة كبدها "آيات" من المنزل، فقالت: "استيقظت آيات مبكرة على غير عادتها، وإن لم تكن عينها قد عرفت النوم في هذه الليلة، وصلّت صلاة الصبح، وجلست تقرأ ما تيسر لها من كتاب الله، وارتدت ملابسها المدرسية، وأخبرتني أنها ذاهبة للمدرسة لتحضر ما فاتها من دروس، فاستوقفتها؛ فاليوم الجمعة عطلة رسمية في جميع مدارس الوطن! ولكنها أخبرتني أنه أهم أيام حياتها، فدعوت الله أن يوفقها ويرضى عنها".
وتكمل الأم: "وما كدت أكمل هذه الجملة حتى لاحظت بريق عينيها وكأني دفعت بها الأمل، ووهبتها النجاح في هذه الكلمات، فنظرت إليّ بابتسامتها المشرقة، وقالت: هذا كل ما أريده منك يا أمي، وخرجت مسرعة تصاحبها شقيقتها سماح إلى المدرسة".
وتستطرد والدة الشهيدة بعد أن سقطت دمعة من عينها أبت إلا السقوط: "وعادت شقيقتها سماح مع تمام الساعة العاشرة بدونها؛ فخفت وبدأت دقات قلبي تتصارع؛ فالأوضاع الأمنية صعبة جدا، والمخيم يمكن أن يتعرض للاقتحام في أية لحظة، وغرقت في هاجس الخوف ووابل الأسئلة التي لا تنتهي: أين ذهبت؟ وهل يعقل أن تكون قد نفذت ما تحلم به من الاستشهاد؟ ولكن كيف؟ وخطيبها؟ وملابس الفرح التي أعدتها؟ وأحلامها؟(1/155)
وبينما الأم في صراعها بين صوت عقلها الذي ينفي، ودقات قلبها التي تؤكد قيامها بعملية استشهادية، وإذ بوسائل الإعلام تعلن عن تنفيذ عملية استشهادية في نتانيا، وأن منفذها فتاة، حيث تابعت الأم وقد اختنقت عبراتها بدموعها: "عندها أيقنت أن آيات ذهبت ولن تعود، وأصبحت عروس فلسطين؛ فقد كانت مصممة على أن تنتقم لكل من الشهيدين "عيسى فرح" و"سائد عيد" اللذين استشهدا إثر قصف صاروخي لمنزلهما المجاور لنا".
الشهيدة آيات الأخرس من مواليد 20-2-1985م، طالبة في الصف الثالث الثانوي الذي شهد استشهادها، والرابعة بين أخواتها السبع وإخوانها الثلاثة، عُرفت بتفوقها الدراسي؛ حيث حصلت على تقدير امتياز في الفصل الأول لعام 2003م، ورغم معرفتها بموعد استشهادها فإنها واصلت مذاكرة دروسها، وقضت طوال ساعات آخر ليلة تذاكر دروسها، وذهبت إلى مدرستها لتحضر آخر درس تعليمي لتؤكد لزميلاتها أهمية العلم الذي أوصتهم به.
وحول ذلك تؤكد زميلتها في مقعد الدراسة "هيفاء" أنها أوصتها وزميلاتها بضرورة الاهتمام بالدراسة، والحرص على إكمال مشوارهن التعليمي مهما ألمَّ بهن من ظروف وأخطار.
وتضيف هيفاء التي لم تصدق خبر استشهاد آيات: "منذ أسبوع تحتفظ آيات بكافة صور الشهداء في مقعدها الدراسي الذي كتبت عليه العديد من الشعارات التي تبين فضل الشهادة والشهداء، ولكن لم يدُر بخلدي أنها تنوي أن تلحق بهم؛ فهي حريصة على تجميع صور الشهداء منذ مطلع الانتفاضة، وهي أشد حرصا على أن تحصد أعلى الدرجات في المدرسة".(1/156)
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى كانت الشهيدة آيات حريصة على أن تحتفظ بكافة أسماء وصور الشهداء، وخاصة الاستشهاديين الذين كانت تحلم بأن تصبح مثلهم، ولكن طبيعتها الأنثوية كانت أكبر عائق أمامها، فقضت أيامها شاردة الذهن، غارقة في أحلام الشهادة حتى نجحت الشهيدة وفاء إدريس بتنفيذ أول عملية استشهادية تنفذها فتاة فلسطينية، فزادت رغبتها في تعقب خطاهم، وحطمت كافة القيود الأمنية، واستطاعت أن تصل إلى ناشطي العمل العسكري، ليتم تجنيدها في كتائب شهداء الأقصى رغم رفضها السابق اتباع أي تنظيم سياسي أو المشاركة في الأنشطة الطلابية.
وفي ظلال عشقها للشهادة والشهداء كانت آيات ثكثر من مقولتها "ما فائدة الحياة إذا كان الموت يلاحقنا من كل جانب؟ سنذهب له قبل أن يأتينا، وننتقم لأنفسنا قبل أن نموت"، الا أنها كانت تجاهد نفسها لتغطي حقيقة رغبتها بالشهادة، وتفتعل من التمويهات ما تحاول به ستر مشاعرها الجامحة وأحاسيسها المتوهجة شوقاً نحو الشهادة.
أما شقيقتها سماح الطالبة في الصف العاشر، وصديقتها المقربة، وحافظة سرها، فقد فقدت وعيها فور سماعها نبأ استشهاد شقيقتها آيات رغم علمها المسبق بنيتها تنفيذ عمليتها البطولية، حيث وصفت لحظات وداعها الأخير لشقيقتها بصوت مخنوق بدموعها الحبيسة: "رأيت النور يتلألأ في وجهها ويتهلل فرحا لم أعهده من قبل، وهي تعطيني بعض حبات الشوكولاته، وتقول لي بصوت حنون: صلي واسألي الله لي التوفيق، وقبل أن أسألها: على ماذا؟ قالت لي: اليوم ستبشرين بأحلى بشارة؛ فاليوم أحلى أيام عمري الذي انتظرته طويلا، هل تودين أن أسلم لك على أحد؟ فرددت عليها باستهزاء: سلمي لي على الشهيد محمود والشهيد سائد؛ لأني على يقين أنها لن تجرؤ على تنفيذ عملية بطولية، فحلم الاستشهاد يراود كل فتاة وشاب، وقليل جدا من ينجح منهم، ثم سلمت عليّ سلاما حارا وغادرتني بسرعة لتذهب إلى فصلها".(1/157)
وسكتت سماح برهة لتمسح دموعها التي أبت إلا أن تشاطرها أحزانها، وتابعت بقولها: "شعرت أن نظراتها غير طبيعية، وكأنها تودع كل ما حولها، لكني كنت أكذب أحاسيسي، فأي جرأة ستمتلكها لكي تنفذ عملية استشهادية؟ ومن سيجندها، وهي ترفض الانضمام إلى منظمة الشبيبة الطلابية؟" ولكنها سرعان ما استدركت قائلة:"هنيئا لها الشهادة؛ فهي تستحقها لجرأتها، وأعاهدها أن أمشي على طريق الشهادة؛ فجميعنا مشروع شهادة".
أما "شادي أبو لبن" زوج آيات المنتظر، فقد كان يرافق خطيبته ويحلق معها في فضاء أحلام حياتهما الزوجية، وذلك قبل ساعات قليلة من استشهادها. كان يحلم كثيراً بالمولود البكر الذي اتفقا على تسميته "عدي" بعد مناقشات عديدة، وكيف سيربيانه ليصبح بطلاً يحرر الأقصى من قيد الاحتلال، وكان يحدّث نفسه بدفعة جديدة من الجلد والصبر الذي كاد أن ينفد بعد أن امتدت خطبتهما لأكثر من عام ونصف.
ولكن فجأة وبدون مقدمات سقط شادي من فضاء حلمه على كابوس الاحتلال؛ ففتاة أحلامه زُفَّت إلى غيره، وأصبحت عروس فلسطين، بعدما فجرت نفسها في قلب الكيان الصهيوني.
وما كاد شادي يتلقى السؤال عن خطيبته آيات التي أحبها بعد أن عرفها لعلاقته باخوتها، وطرق باب أهلها طالبا يدها أول سبتمبر من العام 2000م حتى سقطت دمعة عينيه الحبيسة، ليقول بعبارات امتزجت بالدموع: "خططنا أن يتم الفرح بعد إنهائها لامتحانات الثانوية العامة هذا العام، لكن يبدو أن الله تعالى خطط لنا شيئا آخر، لعلنا نلتقي في الجنة، كما كتبت لي في رسالتها الأخيرة".(1/158)
وصمت شادي قليلا ليشخص بصره في "آيات" التي ما زال طيفها ماثلا أمامه مكملا: "كانت أحب إليّ من نفسي، عرفتها قوية الشخصية، شديدة العزيمة، ذكية، تعشق الوطن، محبة للحياة، تحلم بالأمان لأطفالها؛ لذلك كان كثيرا ما يقلقها العدوان الصهيوني"، مردفاً: "كلما حلمت بالمستقبل قطع حلمها الاستشهاد؛ فتسرقني من أحلام الزوجية إلى التحليق في العمليات الاستشهادية، وصور القتلى من العدو ودماؤنا التي سنزف بها معا إلى الجنة؛ فنتواعد بتنفيذها معا".
واستطرد شادي -وقد أشرقت ابتسامة على وجهه المفعم بالحزن- قائلاً: "لقد كانت آيات في زيارتي الأخيرة أكثر إلحاحا علي بأن أبقى بجوارها، وكلما هممت بالمغادرة كانت تطلب مني أن أبقى وألا أذهب، وكأنها تودعني، أو بالأحرى تريد لعيني أن تكتحل للمرة الأخيرة بنظراتها المشبعة بالحب لتبقى آخر عهدي بها".
ورغم الحزن البالغ والمصاب الأليم الذي ملك على شادي كيانه ونفسه وجوارحه لفراقه خطيبته إلا أن كلماته الأخيرة أظهرت إخلاصاً لا يوصف للقضية الوطنية التي فاق حبها والرغبة في العمل لها كافة المشاعر والأحاسيس الأخرى، فخرجت قوية كالفولاذ، متوهجة كالبركان، مندفعة كالصواريخ:" كنت أتمنى أن أرافقها بطولتها، ونستشهد معا، فهنيئا لها الشهادة، وأسأل الله أن يلحقني بها قريباً، قريباً".
وستبقى عروس فلسطين آيات الأخرس مثلا وقدوة لكل فتاة وشاب فلسطيني ينقب عن الأمن بين ركام مذابح المجرم شارون ويدفع دمه ومستقبله ثمنا له.
الاستشهادية / عندليب خليل طقاطقة
"سيأتي اليوم أناسٌ لخطبتي، فأحسني استقبالهم" .. كانت هذه آخر كلماتٍ نطقت بها الشهيدة عندليب طقاطقة لوالدتها قبل أن تغادر منزلها لتنفذ عمليتها الاستشهادية، في قلب القدس الغربية يوم الجمعة 12/4/2002م.(1/159)
غادرت عندليب بيتها ميممة وجهها شطر هدفها المنشود، وصيدها الثمين الذي تنتظره بفارغ الصبر، فيما كانت الدنيا تشتعل من حولها، والحمم تتطاير في كل الاتجاهات، والدماء تسيل مدراراً كالسيل الجارف، والبيوت والمقدرات تتهاوى على رؤوس أصحابها، كما الزلزال الذي يجرف الأخضر واليابس، ففي تلك الأثناء كان جيش الاحتلال في ذروة هجمته الغاشمة على مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، في إطار حملة "السور الواقي" الشهيرة، وكانت دباباته وبلدوزراته وطائراته تدك مخيم جنين، وتسويّ بيوته بالتراب، وترتكب المجازر بحق أبنائه دون أية قيود، أو اعتبارات إنسانية أو أخلاقية، ودن أي اهتمام أو اعتراض إقليمي أو دولي، وتمارس خطة إبادة شاملة بحق أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية.
لم تهن عندليب أو ترتدع أو يتسرب الخوف إلى نفسها لمرأى جرائم ومجازر الاحتلال التي لم تترك ركناً أو زاويةً أو بيتاً فلسطينياً إلا وتركت فيه أثراً دامياً، فقد حباها الله إرادةً فولاذية، وقلباً نابضاً بحب شعبها، ومنحها عزيمة راسخة استعلت بها على كافة نوازع الخوف والانكسار.
لم تكن عندليب فتاة مثقفة كما بقية المثقفات اللاتي يلكن الكلام ويمضغن الفلسفة ، ولم تكن فتاة هامشية، ارتضت لنفسها أن تصبح رقماً مجرداً في إطار الأرقام والإحصائيات السكانية الفلسطينية، ولم تكن فتاة سلبية تؤثر مصالحها الشخصية، وتنحاز إلى همومها ومشاكلها الذاتية، وتفضل العيش في أجواء ومتطلبات أنوثتها التي تتأجج بداية فترة الشباب، والبحث عن آخر صرعات الموضة والزينة واللباس، وأشكال الفحش والفجور التي ملكت على بعض الفتيات والنساء حياتهن، فأصبحن لا يرين إلا أنفسهن، ولا يعرفن إلا مصالحهن، بعيداً عن التفكير في الوطن وقضاياه، والناس ومعاناتهم، والاحتلال وجرائمه.(1/160)
لقد كانت عندليب- حقاً- نموذجاً للبساطة وقلة البضاعة العلمية، لكنها رغماً عن ذلك كانت بحراً من الالتحام مع معاناة شعبها ومعايشة همومه وأحزانه؛ لتتفوق بذلك على كل أولئك اللواتي ادعين الثقافة ونظرن للتحرر على ضحالةٍ في الخلق والدين والالتزام والوطنية.
ورغم سن الزواج الذي عاشته عندليب قبل استشهادها، وما يجمله من أفكار وهموم وتغيرات، إلا أن عندليب (20عاماً) لم تلتفت إلى نفسها، وتركن للبحث في شئونها الأنثوية الخاصة، بل وضعت كل ذلك جانباً، وألقت به وراء ظهرها، لتغوص – بكليتها- في عهد جديد، وتستقبل سمات مرحلة جديدة، وتعايش ظروفاً وهموماً ومعاناة أخرى، رأت فيها أصدق تعبير عن مكنونات نفسها وأعماق إحساسها.
ولدت الشهيدة عندليب طقاطقة في قرية بيت فجار قضاء بيت لحم، وهناك نشأت وترعرعت حتى أصبحت فتاة يافعة، وفي مدارس البلدة تلقت دراستها الابتدائية، ثم البدايات الأولى لدراستها الإعدادية، إلا أن ضيق ذات اليد، وصعوبة الأحوال الاقتصادية، والمعيشية لأسرتها دفعتها لتترك مقاعد الدراسة في الصف السابع لتشارك في إعالة أسرتها المكونة من ثمانية أخوة وأخوات، حيث يعاني أكبر الذكور من مرض مزمن في عموده الفقري، بينما تعاني شقيقتها الوسطى من مرض في القلب.
وقبل استشهادها بعامين تقريباً عملت عندليب في أحد مصانع النسيج في مدينة بيت لحم، تخفيفاً عن أسرتها، وإعانة لها على توفير مستلزمات العيش ومتطلبات الحياة، وبقيت تعمل فيه حتى استشهادها.
وتصف عبير أقرب شقيقات عندليب إلى قلبها حقيقة الشهيدة فتقول:"كانت شخصية عندليب قوية، تحوز على قبول الجميع، فقد تمتعت بعلاقات طيبة وواسعة مع الأقارب والجيران".(1/161)
وتضيف:" أعتقد أن أكثر ما أثر في شخصية شقيقتي هو استشهاد الطفلة الرضيعة إيمان حجو، فقد لاحظت عليها علامات التأثر الشديد، حيث بدأت تتابع نشرات الأخبار،مشيرة إلى أن المجازر التي ارتكبت في مخيم جنين، والعالم عامة والعرب خاصة يتفرجون، حسم خيارات عندليب التي اقتنعت بأنه لابد من الرد بعد تخاذل العرب عن نصرة الفلسطينيين كما ورد في وصيتها".
ومن هذا المنطلق لم يكن غريباً أن تنطلق عندليب إلى هدفها المنشود؛ لتروي بدمها الندي الطاهر ثرى فلسطين المقدسة، وتصنع بدمها المتدفق ملحمة البطولة والتضحية، والعزة والفداء، وتضئ بدفقاته الحارة آيات الحرية وقناديل الانتصار؛ ليكون يوم الجمعة 12/4/2002م الميقات المعلوم، وتكون القدس الغربية المكان المحدد وفق المخطط المرسوم الذي أذل ناصية الصهاينة، وحطم أسوار طغيانهم، وأثبت أن نظريتهم الأمنية وكافة إجراءاتهم الحديدية، ما هي إلا محاولات هشة تذروها رياح الانتقام الفلسطيني، وتتلاعب بها إرادة الاستشهاديين.
وهناك على أرض القدس الغربية كان الحدث الأهم! الذي استحوذ على اهتمام وألباب الجميع ذلك اليوم، فقد ارتقت عندليب إلى العلا شهيدة، بعد أن فجرت جسدها الطاهر في جمعٍ من الصهاينة داخل سوق "محني يهودا"، مخلفة فيهم أربعة قتلى ومائة وأربعة جرحى؛ لتبرئ ذمتها أمام الله تعالى، وتقيم الحجة على جميع القاعدين والناكصين الذين استمرءوا الهوان، والركون إلى الدعة والراحة، والخلود إلى الطيبات والملذات.(1/162)
وتستذكر عبير شقيقة عندليب الأيام التي سبقت استشهاد شقيقتها فتقول:"ولدت طفلة وتم وضعها في المستشفى بقسم الأطفال عدم كاملي النمو، وفجأة بدأت عندليب تلح علينا بأن نجلب الطفلة، فقلنا لها إن الطفلة سيتم إخراجها من حضانة المستشفى يوم السبت(أي بعد موعد عملية عندليب بيومين) فكانت تجيب: لا يوجد وقت للسبت، ولم نكن نعرف عن ماذا تتحدث، وأنها ستنفذ عمليتها يوم الجمعة، وذهبت هي أي عندليب وأمي رغم الحواجز والحصار وجلبوا الطفلة، وفي الطريق قالت عندليب لأمي: نريد أن نلعب بأعصاب عبير، فما رأيك لو قلنا لها إن جيش الاحتلال قتل الطفلة برصاصة، وعندما وصلوا البلدة حاولت عندليب أن تلعب بأعصابي، إلا أن كل ذلك أصبح الآن من الذكريات المحببة إلى نفسي".
وتستدرك عبير قائلة:"كان ذلك يوم الخميس قبل يوم واحد من استشهادها، حيث أصرت عندليب على حمل الطفلة طوال الطريق من الخليل إلى بلدتنا"، مشيرة إلى أن عندليب قالت لها قبل استشهادها: لماذا لا تغيرين اسم ابنتك وتسميها عندليب؟ فأجابتها بأن اسم (إيمان) جميل ، فقالت لها عندليب: ولكن اسم عندليب أجمل.
لم تكن تدري عبير – حينها- أن عندليب تودعها وتودع أسرتها، وبالفعل فقد التزمت عبير بنصيحة ورغبة عندليب وغيرت اسم ابنتها من إيمان إلى عندليب لتصبح أم عندليب، وتقوم بدور الأم والأب معاً بعد اعتقال زوجها والحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة مقاومة الاحتلال عقب إلقاء القبض عليه بعد فترة قصيرة من استشهاد عندليب.
وقد فوجئت أسرة عندليب أن ابنتهم الاستشهادية قد تركت لشقيقتها عبير مفاجأة، فقد اكتشف الأهل أنها وضعت هدية للطفلة الجديدة داخل خزانتها، وهي عبارة عن طقم ملابس للصغيرة وآية الكرسي وبنطال لعبير مع بطاقة تهنئة تحمل تمنياتها للطفلة الصغيرة بالعيش في وطن حر.(1/163)
وتتحدث عبير مثل غيرها وكأن عندليب حاضرة، أو أنها قد ذهبت لقضاء غرض ما وستعود حالاً، فتقول:"قبل أيام من استشهادها طلبت مني عندليب أن أصنع لها حلوى محلية، وقد صنعت لها ذلك كما طلبت، وبقي بعض من مواد هذه الحلوى لم أصنعه، وأحتفظ به كذكرى حتى الآن".
وكما عبير يحتفظ أصدقاء وأقارب عندليب بأشياء تخص عزيزتهم الراحلة تذكرهم برائحتها العطرة ، مثل نظاراتها ، قميصها ، صورتها، عقودها وحاجات أخرى .
ويصف أحمد شقيق عندليب الساعات الأخيرة التي سبقت استشهاد شقيقته قائلاً: الساعة السادسة والنصف من صباح يوم الجمعة 12/4/2002م استيقظت عندليب وأدت صلاة الفجر وكان كل من في البيت نائماً بعد سهر ليلة طويلة من ليالي شهر نيسان، الذي شن فيه مجرم الحرب شارون أوسع عملية ضد الشعب الفلسطيني وعرفت إعلاميا باسم السور الواقي، وكانت بلدتنا بيت فجار مطوقهً مثل باقي القرى والبلدات ، في مثل هذه الأجواء استيقظت عندليب، وصنعت شاياً وقدمت كأساً منه لي حيث كنت قد بدأت أتململ في فراشي ويستذكر أحمد تلك اللحظات الانفعالية كأن كل شيئ عادياً، جلبت لي عندليب الشاي وخرجت إلى باحة البيت لتشرب هي أيضاً كأساً من الشاي، قبل أن تصنع من جديد لوالدتها، وتخبرها أن أناساً سيأتون اليوم لخطبتها موصيةً إياها بحسن استقبالهم، مؤكدةً لأمها التي استفسرت منها عن ماهية هؤلاء بأنها ستعرفهم وستفرح بهم عندما يأتون؛ لأنهم سيحققون أمنيتها، وفي اللحظات التالية ألقت عندليب نظرة الوداع على أهلها وأخبرتهم نيتها النزول إلى حديقة المنزل للترويح عن نفسها شيئاً قليلاً.(1/164)
وقد ذهبت عندليب إلى حيث قدرها ومبتغاها، خرجت صباحاً حسب شقيقها أحمد الذي أوضح قائلاً:"استشعرنا غيابها وجاء الظهر ثم العصر واعتقدنا أنها في زيارة لإحدى شقيقاتها المتزوجات في القرية، أو في منزل أحد الجيران أوالأقارب، ولم يخالجنا خوف عليها رغم تقدم النهار وعدم عودتها، وحتى عندما تواردت الأنباء عن هجوم استشهادي في القدس الغربية لم يخطر ببال أي ممن في البيت أن عندليب التي لم تكن تبدي اهتماماً استثنائياً بالسياسية يمكن أن تكون هي نفسها بطلة ذلك الهجوم الذي شكل صفعة قوية ومدوية للجنرال شارون، الذي يحاصر مدننا وقرانا ومخيماتنا، ومرتكب المجاز ضدنا، ثم جاء المغرب ثم العشاء، وأيقنا أنها تأخرت وأنها غابت لسبب قاهر، وفي منتصف الليل داهمت قوة احتلالية كبيرة منزلنا وتم اعتقال العديد منا، وأرونا صورة لعندليب وهي ملقاة على الأرض وشعرها منفوش، فتأكدنا بأن شقيقتنا عندليب الهادئة الوادعة صاحبت القلب الكبير التي خرجت صباحاً، وأثارت قلقنا بغيابها هي التي انتقمت لشلال الدماء النازف من شعبنا".
ورغم تبني كتائب شهداء الأقصى للعملية، إلا أن أهلها يصرون على أن هذه الفتاة ليس لها أي انتماء سياسي، إذ يؤكد شقيقها محمد أن شقيقته لم يسبق لها أن تحدثت عن السياسية أو تنظيمات المقاومة الفلسطينية ولكنها كانت تكره الاحتلال وجرائمه، مشيراً إلى أن عندليب قضت معظم ساعات الليلة التي سبقت استشهادها مع أفراد أسرتها، وتبادلت معهم أطراف الحديث والابتسامة تعلوا شفتيها دون أن تثير في أهلها أي انطباع بأنها ستتركهم وتفارقهم عما قريب أو أنها ستتوجه في غدها؛ لتنفيذ عملية استشهادية.(1/165)
من المثير حقاً أن يدرك العالم بأسره أن يوم الأحد 14/4/2002 (أي بعد استشهادها بيومين) يشكل الذكرى السنوية لميلاد عندليب، وهي الذكرى التي تنافح فتيات اليوم ونساؤه احتفالاً بها، ويقيمون الدنيا ويقعدونها عند اقترابها، ويقيمون من التجهيزات ما يقيمون، وينفقون من الأموال ما ينفقون، كل عام من أجلها، إلا أن عندليب لم تنتظر – كغيرها- الاحتفال بذكرى ميلادها؛ لأنها آثرت أن تحتفل به في مكان آخر، وبشكل آخر، فقد استبدت بها العجلة، واشتعلت فيها نار الرغبة في الانتقام من الصهاينة، التي أطفأتها في شوارع القدس الغربية، وبدلاً من إطفاء شمعتها العشرين في منزل والدها المتواضع، أوقدت للعالم مليون شمعة، وقد كانت من معاني البذل والتضحية والفداء والعطاء والدة عندليب على العهد مع ابنتها، فقد بقيت تنتظر طيلة ساعات نهار الجمعة 12/4/2002م قدوم من يخطبون ابنتها ولكن دون جدوى، حتى قدم آخرون إلى البيت، إلا أنهم هذه المرة لم يكونوا خطاباً أو يحملوا رسائل حب وسلام، بل كانوا العشرات من جنود الاحتلال الذين تشبعوا بأبشع معاني الحقد والبغض والكراهية، واقتحموا المنزل بعد منتصف الليل وعاثوا فيه خراباً وفساداً.
تلك كانت عندليب، وتلكم كانت بساطتها وأخلاقها، وعنفوانها وتضحيتها، وعمق وطنيتها وانتمائها، تلك المعاني الأصيلة والمفاهيم الخالدة التي لا زالت تعاني بعضاً أو لربما كثيراً من الغربة لدى فتيات ونساء هذا الزمان.
الاستشهادية / هبة عازم ضراغمة(1/166)
ككّل التواقين للحرية، الظامئين للمجد التليد، المتشوقين لتنسم عبير الاستقلال الحقّ، الباحثين عن كل ما يشبع كرامة الوطن ويعلي شأن أهله الصامدين، المنتمين إلى أصالة هذه الأمة وعراقة تاريخها وحضارتها، المرابطين على ثرى الوطن دون كلل أو ملل، ودون وجل أو نصب، حتى يأذن الله بفجر الحرية والخلاص، الصابرين على الأذى والألم والمعاناة، واللأواء والتقتيل والإذلال، الموقنين بوعد الله والواثقين بحتمية نصره لعباده المؤمنين، كانت هبة ضراغمة..
بين يدي الحديث عن هبة، وجميع الاستشهاديات، تتراءى أمام ناظريك أطواد شامخات عزّ نظيرهن هذه الأيام، وتستبد بك مشاعر بالغة الرهفة، عميقة الأثر، حيال النماذج اللاتي آثرن ركوب المشقة والعنت والعناء، وقررن خوض طريق ذات الشوكة من أوسع أبوابه، وامتشاق ذراه، وبلوغ عليائه عبر أسلوب العمليات الاستشهادية الذي يمثل ذروة العطاء، وقمة التضحية بالنفس في سبيل الدين والعقيدة والوطن والمبدأ.
ورغم السمت العام الذي يميز جميع الاستشهاديات، واللاتي استحققن به الفخر المديد والدرجة الرفيعة، إلا أن كل استشهادية تحمل في ركن من أركانها، أو زاوية من زوايا حياتها المضيئة، ما يميزها عن غيرها، ويمنحها نوعاً من الخصوصية التي تطبع شخصيتها وتحيطها بشيئ من التفرد. وقد تجلى سمت هبة الخالص في إيثارها الشهادة الأخروية على الشهادة الدنيوية، فقد آثرت ما عند الله على ما عند الناس، فتبدلت لأجل ذلك موازين حياتها، وأشكال اهتماماتها وتفاعلاتها، وباتت الشهادة الجامعية في نظرها – رغم أهميتها وثقلها في مواجهة ظروف الحياة، ومتطلبات الأعمال البشرية- شيئاً عادياً، بل وربما رقماً هامشيا في حياتها بجوار الشهادة الأخرى، التي رأت فيها الشهادة الحقيقية التي ستنقلها من أدران المادة ولوثات الدنيا إلى نور الآخرة وجوار الرحمن وموئل السعادة الحقة والراحة الأبدية.(1/167)
ولدت هبة ضراغمة 19 عاماً التي ارتدت النقاب منذ فترة في بلدة طوباس قضاء جنين، لأسرة ميسورة الحال، بحيث تقع هي الأصغر بين شقيقاتها الثلاثة إلى جوار أربعة من أشقائها الذكور، وكما هو الحال فقد التحقت هبة بمقاعد الدراسة في مدارس البلدة؛ لتنهي المرحلة الابتدائية، والإعدادية، والثانوية، وتلتحق بقسم اللغة الإنجليزية التابع لكلية الآداب بجامعة القدس المفتوحة – فرع جنين.
ولم تكد هبة توشك على إتمام مرحلة دراستها الثانوية قبل التحاقها بالجامعة، حتى مرت حياتها بمنعطف هام وحساس ترك من البصمات والأثر والتداعيات على شخصية هبة الشيئ الكثير، فقد حزم شقيقها بكر – آنذاك- أمره وعقد عزمه على تنفيذ عملية استشهادية في عمق الكيان الصهيوني، واتخذ تجهيزاته واحتياطاته لهذا الغرض، إلا أن قدر الله أبى لهذه العملية أن ترى النور وتتكلل بالنجاح؛ ليعتقل بكر وتضمه أقبية السجون والمعتقلات الصهيونية.
وقد فعلت هذه المحاولة الاستشهادية فعلها في نفس وكيان هبة التي تفتحت عينيها على كثير من الحقائق، واستنار فكرها ووعيها بطبيعة الصراع مع الصهاينة، وخلفيات المؤامرة التي تحاك للنيل من القضية الوطنية، والمخاطر التي تستهدف الوجود الفلسطيني، مما شكل قفزة نوعية، وتطوراً كبيراً في مسار حياة هبة وتطلعاتها المستقبلية.
ومع بدء مسيرتها الجامعية عاشت هبة أجواء جديدة في ظل آفاق تفكير جديدة، فلم تغب عن عينيها ثمار التحولات والتغيرات التي طالت حياتها، لينبري في ذهنها هدف وحيد أقسمت هبة على تنفيذه والوفاء به مهما كان الأمر ومهما طال الزمن.(1/168)
بقي هذا الهدف أشبه بإشارة حمراء ضوئية تشع في عقل وفكر هبة، إلا أنه استحال إلى ناقوس يقرع عقلها وفكرها وكيانها عقب اقتحام الاستشهاديات ساحة الفعل الفلسطيني المقاوم، بدءاً بالشهيدة وفاء إدريس، مروراً بالشهيدة دارين أبو عيشة، والشهيدة آيات الأخرس، وصولاً إلى الشهيدة عندليب طقاطقة التي كانت آخر الاستشهاديات حتى ذلك الوقت، إلا أن آمال هبة ورغبتها الجامحة اصطدمت بعقبة عدم توفر آلية الفعل والتنفيذ التي ستحقق لها حلم حياتها، وذلك إثر الضربات القاسية والحملات الشرسة التي شنها جيش الاحتلال ضد فصائل المقاومة في كافة مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، وما نجم عن ذلك من غياب الكثير من الخلايا المقاومة عن ساحة العمل الجهادي المسلح عقب استشهاد واعتقال الكثير من أفرادها وعناصرها.
ومع ذلك لم يدخل اليأس قلب هبة، أو ينجح في فرض إملاءاته على مسار حياتها ومحددات تفكيرها وتصوراتها، فظلت على العهد والأمل، إلى أن قيض الله لفصائل المقاومة بعد أشهر قليلة القدرة على ترميم نفسها وإعادة بناها وهياكلها وخلاياها؛ ليبدأ العمل العسكري الجاد في احتلال دوره الطبيعي من جديد على الساحة الوطنية، لتوقن هبة أن الفرصة باتت سانحة أكثر من أي وقت مضى، وأن هدفها الذي نذرت نفسها له منذ فترة قد بات قاب قوسين أو أدنى لرؤية النور وملامسة النجاح.
ولم يطل الأمر كثيراً بهبة، فقد أثمرت جهودها الدائبة واتصالاتها الحثيثة بفصائل المقاومة عن موعد مؤكد لرحلة العمر، ولقاء الله الذي انتظرته بفارغ الصبر، وتشوقت لحدوثه أيما شوق.
وفي اليوم الموعود الاثنين 19/5/2003 ألقت هبة نظرة الوداع الأخيرة على أهلها وجيرانها، وتزينت بحزامها الناسف شديد الانفجار، منطلقة صوب الهدف المحدد حسب الخطة الموضوعة.(1/169)
وهناك على أرض مدينة العفولة داخل فلسطين المحتلة عام 48 دارت ملحمة من ملاحم البطولة والفداء، فقد اقتحمت هبة المدخل الشرقي لمجمع "هكعيم" التجاري في المدينة، وفجرت نفسها في حشد من الصهاينة، مخلفة فيهم 3 قتلى و70 مصاباً، كان من الممكن أن يزداد عددهم لولا اشتباه حارس المجمع بها ومنعها من الدخول إلى السوق، الأمر الذي اضطرها إلى تفجير نفسها قرب المدخل.
وما أن انتشر خبر العملية وترامى لمسامع الناس اسم منفذتها حتى خيم الذهول على أفراد أسرتها الذين لم يصدقوا نبأ وقوف ابنتهم وراء العملية، لأنهم كانوا يعتقدون أن هبة غادرت المنزل في ساعات الظهر قاصدة جامعة القدس المفتوحة؛ لتلقي دروسها العلمية دون أن يبدر بذهنهم أشياء أخرى.
وتصف ميساء الطوباسي جارة هبة حال والد هبة إثر سماعه نبأ قيام ابنته بتنفيذ عملية استشهادية قائلة:"عندما سمع والد هبة من الناس في الشارع عن تنفيذ ابنته لعملية استشهادية ذهب مسرعاً لمنزله فلم يجدها هناك، وبعدها ذهب لمنازل شقيقاتها الثلاث المتزوجات فلم تكن هناك -أيضاً- بالنظر إلى أنها شوهدت آخر مرة عند الساعة الواحدة بعد الظهر عندما مرت عليه قاصدة جامعتها كما أخبرت أهلها، فأيقن صحة الأنباء التي يتناقلها أهالي القرية".
كما تصف ميساء حال أهالي بلدة طوباس إثر ذيوع نبأ قيام هبة بتنفيذ العملية قائلةً:"الذهول والاستغراب خيم على القرية بأكملها عندما علموا بنبأ قيام هبة بعملية استشهادية، فلم يكن أحد من أهل القرية يتوقع أن تنفذ هبة التي عرفها المقربون منها بالوداعة والهدوء، عملية استشهادية".
وقد تضاربت الأنباء بشأن الجهة المنفذة التي وقفت وراء تنفيذ العملية، فقد أعلنت كل من كتائب شهداء الأقصى، وسرايا القدس، بشكل منفصل مسئوليتهما عن تنفيذ العملية.(1/170)
وحسب مصادر مقربة من عائلة الشهيدة فإن هبة لم يكن لها علاقات تنظيمية أو يعرف عنها انتماء سياسي واضح، فيما تشير مصادر أخرى إلى أن الشهيدة كانت إحدى ناشطات الجماعة الإسلامية الإطار الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي في جامعة القدس المفتوحة - فرع جنين.
وقد شوهد عدد من أنصار حركة الجهاد الإسلامي في جنين، وهم يوزعون ملصقات تحمل صورة الاستشهادية هبة، حيث يظهر خلفها شعار حركة الجهاد الإسلامي، في ذات الوقت الذي كانت فيه على رأسها عصبة تزينها كلمة التوحيد "لا اله إلا الله".
ومهما يكن من أمر حيال طبيعة الجهة التي تقف وراء تنفيذ العملية، وما إذا كانت كتائب شهداء الأقصى قد أرسلت الاستشهادية هبة التي تنتمي سياسياً إلى حركة الجهاد الإسلامي كما في حال الشهيدة دارين أبو عيشة ابنة الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس، أم أن سرايا القدس تقف وراء العملية، فإن الشهيدة هبة قد ضربت أروع الأمثلة في التضحية والفداء، وسجلت بدمها الفياض شهادتها الخالدة التي ستلقى بها وجه الله تعالى، وتثبت من خلالها معاني التأسي والاقتداء.
الاستشهادية / هنادي تيسير جرادات
لم ترغب أن تكون كباقي المحامين في الدفاع عن حقها في ساحة المحكمة، التي تنعدم فيها الديمقراطية، بل لجأت إلى أسلوب آخر يرغم الجميع على سماع صوتها، والإصغاء لندائها وإدراك ما يموج في صدرها.
إنها الشهيدة المحامية هنادي جرادات، منفذة العملية الاستشهادية في مطعم "مكسيم" بمدينة حيفا داخل فلسطين المحتلة عام48 بتاريخ 4/10/2003 التي انتقمت بها لدماء الشهداء الأبرار الذين لم يفتأ الإرهاب الصهيوني استهدافهم بشكل يومي ينم عن سعار جنوني بشع يفقد أدنى الضوابط الأخلاقية والمعايير الإنسانية.(1/171)
إنها هنادي جرادات، نموذج الفتاة المسلمة المؤمنة المتدينة التي عرفت حق ربها وحق دينها وحق شعبها عليها، فنذرت حياتها وفاءً لهذا الحق دون أي تردد أو نكوص، الفتاة الملتزمة التي ألقت متع الحياة وزينتها وراء ظهرها، واتجهت بقلبها وروحها وكيانها إلى ربها، تطلب رضاه وجنته، وتخشى غضبه وعذابه، فلم تنقطع عن قراءة القرآن الكريم، ولم يفتر عزمها عن الإكثار من الصلاة والعبادات التي تقربها من الله، وتمنحها طمأنينة القلب وسكينة النفس وراحة البال وحلاوة الحياة.
إنها النموذج الحي المضاد للنماذج التافهة الوضيعة، التي أدارت الغرب المنحل أن يصدرها إلينا ويزرعها داخل مجتمعاتنا، ويكرسها كحالة حضارية لا راد لها للتقدم والرقي والانفتاح على كل المستويات، النموذج الأصيل الذي حمل المشروع النسوي الإسلامي الأصيل في مواجهة المشروعات النسوية الرديئة التي تتولى كبرها جمعيات ومؤسسات نسوية ذات أنشطة مشبوهة تسعى لتحقيق أهداف مشبوهة وأغراض غير سلمية، تمس عفة المجتمع وطهارة نسائه ونقاء أفكاره، وتجعل منه مجتمعاً مائعاً منحرفاً زائغاً نحو الضلال والانحراف، وتحيله إلى ساحة تضاد وتنافر، بل تعارك وصراع بين الرجال والنساء في إطار معركة مفتعلة وخطة مبيتة؛ لسلخ الشعب والمجتمع والأمة عن موروثها الحضاري الناصع ورصيدها الأخلاقي الأصيل، والتزامها بالقيم الطيبة والمبادئ القويمة، التي عصمتها من الزلل، وحمتها من الذوبان في طوفان المادة وآفات العصر.(1/172)
إنها هنادي التي لم تخش الموت، أو تهاب المعاناة، ولم تقف وجلة وهي ترى أشلاء من سبقتها من استشهاديات في هذا العالم الفسيح، ولم يردها عن هدفها شيئ، فلم تشأ أن تمر ذكرى تدنيس المسجد الأقصى على يد النازي شارون ودخول الانتفاضة عامها الرابع دون أن تشفي شيئاً مما في قلبها الذي يموج حقداً على الصهاينة المحتلين، ولم تعد ترى مستقبلاً لعملها في مجال الحقوق؛ لأنها رأت كيف تنهب الحقوق على مرأى ومسمع من العالم بأسره، لذا لم تشأ أن تنهي تدريبها في مجال المحاماة في مكتب، وإنما أرادت التطبيق على أرض الواقع، في المحكمة الفسيحة التي شهدت اغتيال الطفولة، وانتهاك العفة، وتمرغ فيها محمد الدرة مضرجاً بدمائه في أحضان والده دون أن يرفع قاضي الأرض كفاً لينطق بالحق ويردع الظالم، فاتصلت برب الكون والسماوات الذي لا يسع عدله شيئ ولا يظلم عنده أحد، لتخط بدمها القاني المتدفق أسطورة التضحية وملحمة الفداء والعطاء.
ولدت هنادي جرادات بتاريخ 22/9/1975م في الحي الشرقي لمدينة جنين، لعائلة مكونة من 12 فرداً ثمانية بنات وولدين هما فادي 20 عاماً الذي استشهد قبل ما يقارب أربعة أشهر من استشهادها، وثائر 12 عاماً الذي يدرس في إحدى مدارس المدينة.
تلقت تعليمها الإعدادي والثانوي في مدرسة الزهراء، ثم انتقلت إلى الأردن لإكمال دراستها الجامعية فالتحقت بجامعة جرش الأهلية، لتدرس الحقوق علّها تتمكن من رفع صوت الحق في وجه الغاصبين وتدافع عن المناضلين والسجناء والمعتقلين، لتتخرج منها عام1999م وتحصل على شهادة البكالوريوس، لتلتحق في عام 2001م بدورة تدريب على مهنة المحاماة للدفاع عن المظلومين من أبناء شعبها، لتستمر في مجال التدريب حتى أيامها الأخيرة، حيث كان في نيتها الاتجاه صوب افتتاح مكتب خاص بها كمحامية مستقلة.(1/173)
ومنذ الجريمة البشعة التي استهدف فيها الصهاينة المجرمين شقيقها فادي بتاريخ 14/6/2003 عندما أقدم جيش الاحتلال على اقتحام منزل العائلة وتصفيته مع ابن عمه صالح بدم بارد أمام أعين أفراد العائلة، وهنادي تعيش على أمل الثأر والانتقام لدماء شقيقها وابن عمها، فقد تركت تلك الجريمة بصماتها الواضحة وآثارها الغائرة على نفسيتها، وزرع فيها الأرضية الخصبة لإنبات حالة من الانتقام العاصف الذي لا يمكن أن يوقفه حد ّ أو يسيطر عليه شيئ.
وتصف فادية شقيقة هنادي حال شقيقتها عقب استشهاد فادي قائلة:"منذ استشهاد أخي فادي اختلفت طباع هنادي كثيراًُ، أصبحت تجلس لوحدها كثيراً، وتحب العزلة، تستمع للأشرطة الدينية كثيراً، زاد قربها من الله تعالى، تقرأ القرآن، ومنذ استشهاد فادي أصبحت لا تجلس كثيراً مع الناس، ولا تضحك كما كانت سابقاً".
وتتابع فادية بغضب:"لم يكن استشهاد فادي هو الدافع الوحيد نحو قيام هنادي بتنفيذ عمليتها الاستشهادية، لكنه كان الدافع الأهم الذي أجج نيران الحقد والغضب والانتقام في صدرها، فما يحدث في مجتمعنا الفلسطيني يؤثر على الجميع من أبناء شعبنا، المذابح والمجازر وهدم البيوت والاعتقالات، ليس فقط من أجل فادي أو صالح (ابن عمها وخطيبها) نفذت العملية، إذ أن ما يشاهد عبر شاشات التلفاز من مشاهد كافية لأن تجعل من أي فلسطيني قنبلة موقوتة".
وتستطرد فادية في وصف سجايا شقيقتها الشهيدة فتؤكد أن شجاعة هنادي غير المعهودة في الفتيات كانت من أكثر صفاتها بروزاً، حيث أنها كانت لا تخشى شيئاً، فشخصيتها قوية زيادة عن اللزوم، ولا أحد يستطيع أن يغير قراراتها، مشيرة إلى أن شقيقتها كانت اجتماعية جداً، تحب الناس والكل يحبها حباً شديداً، إذ عرف عنها ميلها لحب الخير، فحينما كانت ترى فقيراً تطلب منا أن نطعمه قائلة لنا: سوف يكتب لكم ربكم ثواباً عظيماً، ويجب أن تحسنوا إليه حتى لو أساء إليكم.(1/174)
وتشدد فادية في حديثها على قيام هنادي برفض ونبذ الأغاني والموسيقى، حيث تؤكد أن شقيقتها زادت من وتيرة تدينها عقب عودتها من الأردن، وحصولها على شهادتها الجامعية الأولى في مجال الحقوق، وزادت من تقربها إلى الله تعالى، مبتعدة بشكل كامل عن سماع الأغاني والموسيقى التي كانت كثيراً ما تردد بأنها حرام.
ويوما بعد يوم كانت بذور الانتقام تكبر شيئاً فشيئاً، في قلب هنادي، ترويها المشاهد المروعة لجرائم الاحتلال التي لا تتوقف لحظة واحدة، حتى غدت البذرة نبتة يافعة، قد استطال ساقها وامتدت أغصانها وكبرت أوراقها، وباتت من النضج ما لا يمكن معه القبول بمزيد من التريث والانتظار، فكان البحث الدؤوب عن آلية الفعل التي وجدتها لدى سرايا القدس، ثم انتظار موعد التنفيذ التي تنتظره بفارغ الصبر لإشفاء غليلها وإطفاء نار الحقد والانتقام المضرمة في أحشائها.
وما أن اقترب اليوم الموعود، حتى دخلت هنادي حالة من الصفاء الإيماني المميز استعداداً للقاء الله، فقد التزمت الصيام اليومي المتواصل قبل أسبوعين من ميقات عمليتها، والإكثار من قراءة القرآن وقيام الليل، إذ كان أهلها كثيراً ما يستيقظون ليلاً ليجدوها واقفة بين يدي الله تعالى، في انكسار وخشوع، تدعوه بالقبول والسداد والتوفيق لما عقدت عليه نيتها وعزمها وإرادتها.
وفي ليلة التنفيذ كانت هنادي مثالاً صادقاً وأميناً للعلاقة الحسنة والصلة الوثيقة بربها، تستمد منه آيات النصر والتوفيق، وتستلهم منه كل معاني الشجاعة والإباء والإقدام، فقد تواصلت مع كتاب ربها، تلاوة وتدبراً، حتى أشفق عليها والدها من طول سهرها قائلاً لها: يا بنيتي أخلدي للنوم، فأجابته برقة ملؤها الإصرار ليس قبل أن أتم قراءة الجزء الأخير من القرآن، ولم تنم تلك الليلة، فقد قضتها في الصلاة وقراءة القرآن والتضرع إلى الله ليوفقها فيما تخطط له وما ترجو تحقيقه.(1/175)
وفي ذلك الصباح من يوم السبت 4/10/2003 م خرجت هنادي من بيتها الساعة السابعة والنصف صباحاً، لم تودع أحداً، ولم يبد عليها أنها عازمة على فعل شيئ ما، إذ ظن الجميع أنها ذاهبة إلى المكتب الذي تعمل به، خرجت صائمة مستبشرة بالفوز بتوفيق الله، نحو وجهتها التي حددت لها سلفاً، هناك .. نحو فلسطين المحتلة عام 48، بالتحديد حيفا، وعلى وجه أدق مطعم "مكسيم" بالمدينة الذي سيشهد الحدث المدوي الذي انتظرته هنادي طويلاً.
وعلى أرض حيفا حطت هنادي رحالها، لتدخل المطعم المنشود بكل ثقة وهدوء، وتطلب إحدى الوجبات الغذائية وتتناولها بشكل طبيعي، ومن ثم تدفع الحساب دون أي بادرة من بوادر التوتر أو علامة من علامات الارتباك، لتطلق – إثر ذلك- العنان لغضبها العارم وحقدها المتأجج، أن يخترق قمقمه ويعلن تجسيداته العملية التي تركت آثارها الواضحة على المطعم الصهيوني ودولة الكيان الصهيوني برمتها، فقد انفجر الحزام الناسف الذي لفته هنادي حول خاصرتها، وانفجرت معه هنادي، وانفجر المطعم بأسره، مخلفة 22 قتيلاً صهيونياً وعشرات الجرحى.
وقد صعقت الشرطة وجهات التحقيق الصهيونية حين اكتشفوا أن الاستشهادية هنادي جرادات قد فعلت فعلها بعد أن تناولت طعامها الأخير في المطعم ودفعت الحساب ببرود أعصاب، حيث رفض محققو الشرطة الصهيونية وجهاز الأمن العام "الشاباك" تصديق الأمر في البداية إلا أنهم وجدوا الدليل في صندوق المطعم، فقد كان ثمن الوجبة التي تناولتها 90 شيكلاً (ما يعادل 20 دولاً) قبل أن تفجر نفسها وتنتقل إلى جوار بها.
وفي بيتها البسيط استقبل الأهل خبر عملية ابنتهم بكل رباطة جأش، فالأب الذي يعاني من مرض تليف الكبد استقبل نبأ استشهاد ابنته بالحمد والثناء على النعمة التي أولاها الله له قائلاً: أنا لا أستقبل المعزين بل أستقبل المهنئين باستشهاد ابنتي، معرباً عن افتخاره بصنيعها.(1/176)
أما والدة هنادي فلم تكن أقل فخراً من زوجها، مؤكدة اعتزازها بابنتها وما قامت به انتقاماً لشهداء فلسطين.
رحلت هنادي، لكن روحها لم ترحل، فلا تزال في أزقة مخيماتنا وعلى أسوار مدننا وقرانا، تراقب مسار فعلنا وتصرفاتنا، إن كنا أحسنا وأدرجنا أنفسنا ضمن الفائزين، أم تكاسلنا وتقاعسنا فكتب علينا العيش مع الغافلين. رحلت هنادي، إلا أن ذكراها ستبقى ماثلة في عقول وقلوب كل الفلسطينيين والعرب والمسلمين، كمثال حي ونموذج رائع للالتزام الصادق والتدين الرفيع والشجاعة البالغة والإباء الكبير. وصية الاستشهادية هنادي جرادات
بسم الله الرحمن الرحيم
بقوة الله وعزيمته قررت أن أكون الاستشهادية السادسة التي تجعل من جسدها شظايا تتفجر لتقتل الصهاينة وتدمر كل مستوطن وصهيوني. ولأننا لسنا وحدنا من يجب أن يبقى ندفع الثمن ونحصد ثمن جرائمهم, وحتى لا تبقى أمهاتنا تدفع ثمن الإجرام الصهيوني, وحتى لا تبقى أمهاتنا تبكي وتصرخ على أطفالها وأبنائها بل يجب أن نجعل أمهاتهم يبكون فقد قررت بعد الاتكال على الله أن أجعل الموت الذي يحيطوننا به يحيط بهم وأن أجعل أمهاتهم تبكي دمعاً وندماً ودعوتي لله أن يجعلنا نحن معمرون في الجنة وجعلهم من الخالدين في النار.
ابنتكم
الاستشهادية هنادي تيسير جرادات
3/10/2003م
الأم الاستشهادية/ ريم صالح الرياشي
لم يكن يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر يناير/ كانون الثاني عام 2004م يوماً عابراً في تاريخ الشعب الفلسطيني ومسيرة المقاومة الفلسطينية، إذ سيذكر الجميع أن أماً استشهادية اسمها ريم صالح الرياشي 22 عاماً كانت أولى استشهاديات حركة حماس، والتي تبوأت رأس قائمة استشهاديات قطاع غزة أيضاً.(1/177)
فرغم أنها كانت سابع استشهادية فلسطينية تنفذ عملية استشهادية ضد الاحتلال الصهيوني، إلا أن عمليتها تميزت عن سائر العمليات السابقة كونها الاستشهادية الأولى التي خلفت وراءها زوجاً وطفلين لم يتجاوز أصغرهما عاماً ونصف العام، فضلاً عن تميزها بكونها الاستشهادية الأولى من كتائب الشهيد عز الدين القسام، والاستشهادية الأولى من قطاع غزة أيضاً.
وقد احتلت الشهيدة الرياشي مرتبة الصدارة في قائمة الاستشهاديات، تلك الظاهرة التي ارتبطت بانتفاضة الأقصى، وضمت كلاً من : وفاء إدريس، ودارين أبو عيشة، وآيات الأخرس، وعندليب طقاطقة، وهبة ضراغمة، وهنادي جرادات.
وكما تميزت هي، وحركتها، ومنطقتها، كانت متميزة- أيضا- في زمان ومكان عمليتها، فجاء الزمان مجدداً لروح المقاومة مطلع عام جديد، فيما كان المكان- بجدارة- من أكثر حصون الاحتلال وثكناته مناعة من الهجمات، لتبرهن المقاومة واستشهادياتها - مجدداً- على قدرتها الرائعة على تحطيم أساطير التفوق الأمني الصهيوني.
إنها ريم الرياشي، عنوان عزّ وفخار، ورمز شرف وإباء لهذه الأمة، التي تعطشت لمثل هذا النموذج الرائع، مسهب العطاء والإتقان، وتاقت لارتشاف شيئ من لبان الأمل والثقة وسط صحاري اليأس والإحباط والاستسلام، فكان هذا النموذج المبارك شافياً لغليلها، مشبعاً لنهمها، مشعلاً لمناراتها، مضيئاً لمشاعلها، مفجراً لكثير من حواجز الخوف والعجز والخنوع التي انتصبت في طريقها، وحالت بينها وبين تبوأ موقعها الريادي، وامتشاق سلاح الحق في مقارعة الباطل ومراغمة الطواغيت.
إنها ريم الرياشي، التي جمعت بين قوة الإيمان، ورسوخ العقيدة، وصلابة الإرادة، وعمق التضحية، واشتعال عاطفة الأمومة، فكانت قمة في التميز والإبداع، وشكلاً من أعظم أشكال الانتصار، التي سحقت الكبرياء الصهيوني في العصر الحديث.(1/178)
ريم الرياشي، أم كبقية الأمهات، لكنها أم لم تعش لنفسها وأطفالها قدر ما عاشت لدينها ووطنها، وأحبت دينها ووطنها أكثر ما أحبت نفسها وأطفالها، فاستحقت - بحق- أن تكون أعظم الاستشهاديات، ورائدة جهاد وكفاح المرأة الفلسطينية على أرض فلسطين.
بحثت منذ زمن طويل عن دروب ومسارات الشهادة، ولم تيأس، ولم ينضب أملها، حتى أكرمها الله بشهادة مباركة عظيمة، شكلت فتحاً لجهاد شعبها وحركتها، ونكسة لإرهاب عدوها والمتربصين بشعبها وأمتها، وشحنة معنوية هائلة ثبتت أقدام أهلها وشعبها، ونزلت على قلوبهم برداً وسلاماً، فيما نزلت على قلوب الصهاينة ناراً وبركاناً.
كانت تعتقد أن الإيمان يصنع المعجزات، وأن الاتصال بالله، واستمداد العون والنصرة منه سبحانه، كفيل بتذليل كل الصعاب، وتجسير سائر العراقيل والعقبات، فسارت بين جموع الصهاينة غير مبالية، موقنة أن الله لن يضيعها، وأنها ما دامت تسير في كنفه، وتلتجئ إلى جنابه الحصين، فلن تحصد سوى السداد والنجاح.
لم تكن أمومتها يوماً على حساب دينها وعقيدتها، أو على أنقاض وطنها وشعبها وقضيتها، كما هو حال جزء من نسوة هذا الزمان، ولم تكن أمومتها في موقع النقيض مع مسلّمات الحق والخير، وثوابت النور والإيمان والعدالة، لذا فقد كانت على أهبة الاستعداد مع أول صيحة، وعلى أتم الجاهزية عند أول نداء، يتقدمها إيمانها بالله، وحبها له سبحانه، وإخلاصها لدينها، دون أن يخالط قلبها أية شوائب دنيوية، أو نوازع عاطفية، فالأمانة قد عادت إلى صاحبها سبحانه، فالكل في حفظ الله ورعايته، ولن يضيع الله عباده المؤمنين.(1/179)
هي ريم الرياشي، أم عملاقة، وقدوة رائعة لكل الفتيات والنساء والأمهات، ونموذج مبدع خلاق، يشع بالقيم والمعاني، ويفيض بالأنوار والبركات، ويعج بصور التأسي والإقتداء، ويبث الخير والأمل والرجاء في كل الأرجاء والآفاق، فيعيد للأمة إشراقها وحيويتها وعزتها وكرامتها، ويستنهض قواها ومكامن بأسها، ويجدد ثقتها بتجاوز تحدياتها ومشكلاتها والتغلب على أعدائها والمتربصين بها.
ولدت ريم الرياشي في مدينة غزة كما غيرها من أبناء الشعب الفلسطيني الصابر الذين ذاقوا الأمرين تحت الاحتلال، ولم تتوان في اللحاق بركب العلم والتعليم فدرست المراحل التعليمية الثلاث : الابتدائية والإعدادية والثانوية، وتجاوزتها بكفاءة ونجاح، وكانت تحلم بدراسة الهندسة إلا أن زواجها حال دون ذلك.
نشأت ريم في عائلة ميسورة الحال حيث كان والدها – الذي توفي قبل عامين- يعمل تاجراً ووكيلاً لأحد أنواع بطاريات السيارات الألمانية، وتتكون أسرتها من ستة شباب أكبرهم لا يتجاوز الثلاثين من عمره، وأربع بنات هي الثالثة بينهم.
وكما نشأة الصالحين الأخيار كانت نشأة ريم، تديّن منذ الصغر، والتزام بأحكام وتعاليم الإسلام في كافة مناحي الحياة، لتشق طريق حياتها على طاعة الله وحب رسوله ودينه والمؤمنين، والتصاق بالمسجد، مسجد المصطفى الواقع على شاطئ البحر، الذي نهلت منه القيم وتشربت الأفكار والمبادئ التي كفلت لها الحياة الطيبة المستقيمة البعيدة عن الإسراف والشذوذ والانحرافات، وانضواء تحت راية الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إبان دراستها.
وشيئاً فشيئاً كانت القيم والأفكار الإسلامية تكبر في نفس ريم ويكبر معها حبها لدينها وانتماؤها لوطنها وتغدو مؤهلة للالتحاق بصفوف الحركة الإسلامية "حماس" التي برزت فيها كإحدى أبرز ناشطاتها في المنطقة القاطنة بها.(1/180)
وفضلاً عن ترددها على المساجد فإن ريم كانت تواظب على قراءة الكتب الدينية على وجه الخصوص، وكانت كثيرة الطاعات التعبدية كالصيام وصلاة النوافل، لتصل حد إعطاء الدروس الدينية للنساء في مسجد المصطفى.
ومع بلوغها سن الزواج تقدم لخطبتها الكثير من الشبان الذين أعجبوا بالتزامها وأخلاقها وتدينها وأصالتها، إلا أن ريم لم تكن فتاة عادية تستهويها متع الحياة كما غيرها من بقية الفتيات، بل كانت فتاة ترنو ببصرها نحو الأفق البعيد، نحو عالم آخر يتجاوز عالم الواقع والغناء الراهن، فلم تقبل ما قبلته بقية الفتيات، ولم يغرها المال أو النسب أو الوسامة أو غيرها من الصفات التي حملها العديد من الشبان الخاطبين.
لقد حملت ريم إلى خاطبيها شرطاً يبدو لأول وهلة غريباً جداً في هذا الزمن العصيب الذي انتفخ فيه الباطل وعلت قيمه الزائفة قسراً، تمثل في عدم الاعتراض على انخراطها في العمل الجهادي ومن ضمنه تنفيذ عملية استشهادية.
إلا أن الشرط كان صعب الفهم والتقبل على بعض النفوس، غير أنه كان سهلاً ميسوراً على البعض الآخر، إذ استقبل الشاب زياد عواد 28 عاماً هذا الشرط بكل تفهم ورحابة صدر، ليعقد قرانه على ريم وينتقلا سوياً إلى عش الزوجية الذي تحفه رعاية الله تعالى، ويستقرا في حي الزيتون شرق مدينة غزة.
وقد أكرم الله تعالى ريم وزوجها بطفلين هما الآن في عمر الزهور: الطفلة ضحى التي تبلغ من العمر عامان ونصف، والطفل محمد الذي لا يتجاوز العام وثلاثة أشهر.(1/181)
ويوماً بعد يوم كان الشوق يعصف بكيان ريم، ويفعل فعله في حياتها، فقد أدركت أن حياتها قد طالت كثيراً وأن موعدها مع الشهادة قد تأخر، إذ كانت تتوق لتنفيذ عملية مذ كانت في الصف الثاني الإعدادي، ووقتها رفعت طلبها هذا إلى من تتوسم فيه إجابة طلبها وإشفاء غليلها، وطال بحثها سنوات وسنوات، متمنية أن ييسر لها الله تعالى أمر تنفيذ عملية استشهادية داخل فلسطين المحتلة عام 48 إلا أنها لم تنجح، وبدا أن مساعيها المبذولة لن تر النور، إلا أنها لم تكل ولم تملّ، ولم يتسلل اليأس والإحباط إلى قلبها، وشرعت في البحث المتواصل عمن يحقق لها هدفها النبيل ليرفع اسمها إلى قيادة كتائب القسام التي لم توافق على الاستجابة لطلبها في ظل الظروف التي كانت سائدة آنذاك.
وظلت ريم تعيش على أمل لقاء الله، والجهاد في سبيله حتى اشتد أوار انتفاضة الأقصى، لتنتعش - بالتالي- آمال ريم في تنفيذ مرادها بتفجير نفسها في وجه أعداء الله والإنسانية، وخاصة في ظل قيام بعض المجاهدات بتنفيذ عمليات استشهادية في الضفة الغربية.
ولم يحل زواج ريم وإنجابها لطفلين دون مواصلة جهودها وإصرارها على نيل مرادها، ليفعل الإصرار الصادر عنها فعله في قيادة كتائب القسام التي اقتنعت وترددت في البداية، لأن ريم أماً وزوجة، إلا أن إصرارها غير العادي، وعناصر الجرأة والإيمان التي تحلت بها كانت عاملاً رئيسياً في موافقة كتائب القسام على اختيارها لتنفيذ أول عملية استشهادية تبادر بها استشهادية من الكتائب رغم وجود عشرات وربما مئات الفتيات اللاتي يتمنين ويطلبن الشهادة على هذه الشاكلة.(1/182)
ولم يكن اتخاذ القرار الخاص باختيار المجاهدة ريم لتنفيذ عملية استشهادية سهلاً في قيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام، فقد تم مناقشة اختيارها للعملية، ورغم صعوبة اتخاذ القرار إلا أن قبول مبدأ مشاركة النساء في العمل العسكري والجهادي، وظروف العملية واعتماد نجاحها – بعد توفيق الله تعالى- على قيام فتاة بتنفيذها حسم الأمر بشكل نهائي، ليتم الاتصال بريم وإعدادها للعملية حسب الخطة التي وضعت لتنفيذ العملية، ولم يكن الأمر بحاجة إلى أكثر من التدرب على ارتداء وتشغيل الحزام الناسف، حيث ساهم قوة إيمان ريم وإرادتها الصلبة واشتياقها للشهادة في تسهيل المهمة على المجاهدين.
وقد تطلبت الخطة قيام ريم بزيارة مسرح تنفيذ العملية، وهي معبر "ايرز" بيت حانون للاطلاع على المكان عن قرب، ومعرفة آليات عمل جنود الاحتلال على المعبر خلال قيامهم بمهام التفتيش وإذلال المواطنين، حيث تم إجراء تعديلات على الخطة الخاصة بالعملية بعد أن أصبحت ريم جزءاً مشاركاً فيها وذات ملاحظات عليها.
وبتوفيق من الله اكتملت معالم الخطة الخاصة بالعملية، وباتت تنتظر موعد التنفيذ وإشارة البدء التي ستحول حياة الصهاينة إلى أشلاء وجحيم.
وقد كشفت حركة المقاومة الإسلامية حماس عن بعض الحيثيات التي رافقت اتخاذ القرار بالموافقة على تنفيذ العملية، فقد صرح أسامة حمدان ممثل حركة حماس في لبنان أن الشهيدة ريم كانت من أوائل المجاهدات اللواتي طلبن تسجيل أسمائهن، لتنفيذ عملية استشهادية حيث طلبت منذ ثلاث سنوات من الحركة، وبإلحاح كبير أن تتم الموافقة على مشاركتها في إحدى العمليات الاستشهادية، لكن المسؤولين عن العمل العسكري في الحركة لم يتجاوبوا معها، مشيراً إلى أنه قبل عدة أشهر وبعد أن اتخذت قيادة كتائب القسام قراراً بإشراك المجاهدات في العمليات العسكرية جرت الموافقة على أن تقوم ريم بأول عملية استشهادية بعد أن حصلت على موافقة زوجها.(1/183)
وأوضح حمدان أنه من الناحية الشرعية لم يكن لدى حماس مشكلة بأن تنفذ المرأة عملية استشهادية، إذ نحن مقتنعون أنه من الناحية الشرعية إذا اعتدى أي عدو على أرض الوطن يصبح الجهاد فرض عين على كل إنسان سواء كان رجلا أو امرأة، لكن القرار كان مرتبطاً بقيادة العمل العسكري لجهة إشراك النساء أو عدم إشراكهن بالعمليات العسكرية أو الاستشهادية، مؤكداً أن القرار أوكل لقيادة كتائب القسام التي وافقت بأن تنفذ هذه العملية إحدى الأخوات في ظل عدد من المعطيات الميدانية والتكتيكية، بل إن هذه العملية جاءت بدلالة إيجابية كبيرة مفادها أن إشراك المرأة في العمليات العسكرية أصبح متفقاً عليه لدى كل فصائل المقاومة (حماس، الجهاد، فتح..) وهذه رسالة تدل على أن الشعب الفلسطيني بأسره أصبح يرى بأن خياره الوحيد هو خيار المقاومة.
وقد حدد موعد تنفيذ العملية في سياق الخطة الموضوعة الخاصة بالعملية ليكون يوم الأربعاء الرابع عشر من يناير- كانون الثاني/2004م؛ لأن يوم الأربعاء يخصص عادة للنساء، فكان ذلك اليوم فريداً في حياة الفلسطينيين والصهاينة على حد سواء، الفلسطينيون الذين نزل خبر العملية على قلوبهم برداً وسلاماً، والصهاينة الذين كان وقع الخبر عليهم كالصاعقة التي زلزلت أركانهم وتركتهم في حيرتهم يعمهون.
لم يكن تنفيذ العملية سهلاً، بل كان صعباً للغاية يعتمد على أدق التفاصيل، وقبل كل ذلك، على رعاية الله تعالى وتوفيقه، فحاجز بيت حانون "إيرز" يعتبر قلعة عسكرية داخل منطقة عسكرية صهيونية محكمة الإغلاق يتواجد فيها مئات الجنود الصهاينة المتأهبين لقتل كل من تبدر منه حركة غريبة أو ذات شبهة.
وفي صباح ذلك اليوم المشهود ارتدت الاستشهادية ريم حزاماً ناسفاً و"منطقته" حول ساقها ووسطها ومشت على عكازين وانطلقت إلى حيث مبتغاها الأصيل وهدفها المنشود.(1/184)
وكما بقية النساء سارت ريم في طريقها الذي تحفه الكثير من الإجراءات الأمنية الصهيونية، وبالفعل فما أن مرت على جهاز الفحص الإلكتروني حتى أعطى إشارته بوجود أشياء معدنية مع المجاهدة ريم، وهنا تبدت جرأتها الفائقة وشجاعتها التي فاقت الحدود، فقالت للجنود بكل ثقة ودون أي ارتباك أن قطعة من البلاتين مزروعة في ساقها هي التي تسبب حدوث الإشارة الإلكترونية إلى وجود معادن بحوزتها، وهنا أخذها الجنود باتجاه غرفة تفتيش خاصة؛ لإجراء فحص أمني خاص بها حيث سارت وسطهم بشكل طبيعي دون أن يبدر عنها أي علامة من علامات الاهتزاز أو الاضطراب، وبينما هي كذلك رأت وفرة من الجنود الصهاينة حولها، واعتقدت أن هذه هي الفرصة السانحة لإنجاز مهمتها، فضربت ضربتها وضغطت على الزناد، معطية الإشارة المطلوبة للحزام الناسف الذي حول جسدها إلى أشلاء متناثرة في سبيل الله، وأحال حياة الصهاينة إلى جحيم، موقعاً في صفوفهم أربعة من الجنود القتلى وعشرة آخرين من الجرحى، وتدميراً كبيراً حطم معه النظرية الأمنية الصهيونية لواحد من أهم وأخطر قلاع ومواقع الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة.
ويعتبر معبر بيت حانون "إيرز" الذي يربط قطاع غزة بفلسطين المحتلة عام 48 منطقة عسكرية يصعب إلى درجة الاستحالة على غير العمال الذين يحملون تصاريح خاصة عبوره أو حتى الاقتراب منه، إلا أن ريم اخترقت كل الحواجز ونقاط التفتيش وتمكنت من تضليل جيش الاحتلال، فدخلت هذه الثكنة العسكرية الحصينة وهي تحمل عبوة ناسفة كبيرة وفجرتها وسط جنود الاحتلال الذين لم تتح لهم حتى الفرصة للمفاجأة بعد أن حولهم الانفجار إلى قتلى وجرحى، يتجرعون كأس الموت الذي جرعوه دهراً لأبناء شعبنا الفلسطيني.(1/185)
وفيما كان الصهاينة يلملمون أشلاءهم وينظفون آثار الحطام والدمار الذي خلفته العملية، اعترف قائد قوات الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة الجنرال غادي شمني أن منفذة العملية تمكنت من تضليل الجنود داخل الحاجز قبل تنفيذها العملية.
ونقلت الإذاعة الصهيونية عن شمني قوله أن الفلسطينية منفذة العملية ادعت خلال التفتيش الأمني الذي مرت به أن قطعة من البلاتين مزروعة في ساقها.
وأضاف أن منفذة العملية استغلت فرصة انشغال الجنود في الاستعداد لإجراء فحص أمني خاص بها حيث تقدمت نحوهم فجأة وقامت بتفجير نفسها.
وادعى الجنرال الصهيوني أن منفذة العملية استغلت ما أسماه التسهيلات التي منحت للفلسطينيين في قطاع غزة لتنفيذ العملية.
وأمام ثلاجة حفظ الموتى بمستشفى دار الشفاء بمدينة غزة وقف الشاب الملتحي الوسيم صاحب البشرة البيضاء المتوسط القامة زياد عواد 28 عاماً زوج الاستشهادية الفلسطينية ريم، فيما حملت إحدى فتيات العائلة الطفلة ضحى وهي تبكي بحرارة، بينما حملت أم فلسطينية ثانية الطفل محمد المفطوم حديثاً عن الرضاعة.
الجميع كان يبكي، وقد انشغل الزوج وأقارب الشهيدة بتجهيز تابوت يسجى فيه جثمان الشهيدة المقطع لأشلاء، حيث لفّ بعلم أخضر مزين بكلمة التوحيد "لا اله إلا الله محمد رسول الله".
وكان ذكر الله أول ما نطق به الزوج زياد وهو يعبر عن فخره واعتزازه بالعمل الذي قامت به زوجته ريم بقوله: "حسبنا الله، كانت ريم مثالاً للزوجة الصالحة التقية المطيعة، كم حلمت بأن يكبر طفليّ محمد وضحى، كانت المجازر الصهيونية التي ترتكب بحق أبناء شعبنا الدافع لتنفيذها العملية البطولية".(1/186)
ويضيف الزوج الذي بدا متماسكاً بعض الشيئ:"تركت طفليها؛ لتلتحق بموكب شهداء فلسطين، مع النبيين والصديقين والشهداء، كانت وفية، طيبة السمعة، نعم الزوجة ريم، ستبقى ذكراها تعيش في نفس كل مواطن فلسطيني يسعى لنيل الحرية، لقد كانت زوجتي "أم محمد" أما عظيمة بفكرها، بتعاملها، اختارت أن تكون إلى جوار ربها".
ويتابع الزوج: "كم كانت تعتصر ألماً عند مشاهدتها لجرائم ومجازر الاحتلال، الاغتيالات، أشلاء الشهداء، البيوت المدمرة في رفح وجنين والشجاعية والزيتون وجباليا، والآثار الفلسطينية المسواة بالأرض في مدينة نابلس، كانت تتحسر على حال المسجد الأقصى المبارك، لقد نشأت وترعرعت في بيت مليء بالإيمان، لقد نالت الشهادة وعادت إلينا بالفخار، كانت تستحق الشهادة".
ويضيف عواد الذي يعمل في بلدية غزة كمنقذ على شاطئ بحر غزة: "ما قامت به زوجتي هو عمل يشرفنا ويشرف الأمة الإسلامية ويرفع رؤوسنا ورؤوس الدول العربية والإسلامية، الحمد لله رب العالمين، هذه هي كرامة من الله عز وجل والحمد لله على هذه العملية البطولية"، مؤكداً تأييده المطلق لما قامت به زوجته تطبيقاً لأمر الجهاد الذي أصبح فرض عين على كل مسلم ومسلمة في فلسطين.
وحول إسهامات زوجته ريم في العمل الجهادي قال عواد إن الشهيدة كانت تساهم بأي مجهود جهادي تستطيعه ولو كان متواضعاً، فكانت دائما تقدم الطعام للمجاهدين وخاصة المرابطين الذين يقومون بأعمال الرصد والحراسات في المنطقة، وكانت آخر مساهمة لها قبل تنفيذها العملية بيوم وذلك بتقديم الشاي والكعك للمجاهدين.(1/187)
وحول طريقة تعرف زياد واختياره للزوجة الشهيدة قال :"كانت طريقة عادية تقليدية على طريقة العادات المتبعة لدينا في غزة، ولكنها كانت مميزة في أنها كانت تعد قائمة شروط لكل من يتقدم لخطبتها، ومن هذه الشروط أن لا يمنعها من صيام التطوع أو قيام الليل متى شاءت وان تلبس الحجاب الشرعي على الجميع عدا محارمها، وكان من بين شروطها أيضا أن لا يمنعها من الجهاد في سبيل الله إن أمكن، فكل شروطها كانت في العبادة والطاعة".
وكشف زياد أن الشهيدة ريم تدربت في حركة حماس على استخدام السلاح، مشيرا إلى أن هذه التدريبات كانت من إرهاصات حبها للشهادة، وأنها بسبب منعها من القيام بأي عمل جهادي كانت تتمنى لو كانت رجلا لتجاهد في سبيل الله حيث أحبت السلاح والتدرب على إطلاق النار.
وأضاف: "منذ أن كانت في المرحلة الإعدادية وهي تعشق الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، فلطالما زارت بيوت الشهداء والمجاهدين، ولطالما طلبت أن تشارك في تنفيذ عمل جهادي فكانت تقابل بالرفض، وظلت منذ ذلك اليوم وهي تلح حتى لبى الله لها مرادها، فكان أسعد يوم في حياتها يوم أبلغت بأنها مرشحة لتنفيذ العملية.
وحول كيفية اختيارها لتنفيذ العملية الاستشهادية أشار عواد إلى أن الاختيار وقع عليها بعد أن وصل لقيادة كتائب القسام أنها تلح بشكل كبير وأنها تريد وجه الله من وراء ذلك، إلا أن الزوج أكد أنه لم تكن للشهيدة مشاركة في خطة العملية سوى التنفيذ.
وأضاف: "منذ ذلك اليوم وهي في قمة السعادة حيث أكثرت - رحمها الله- من الصلاة والصيام والقيام والعبادة والطاعة، منذ أن تم قبولها لتنفيذ العملية وتحديد موعدها، إذ قررت الصيام كل أيامها الأخيرة حتى يوم العملية ولاقت ربها وهي صائمة، لتضرب المثل الأروع والنموذج الأمثل على مدى صدقها وإخلاصها مع الله، وتفانيها في خدمة دينها وعقيدتها، ونصرة وطنها وشعبها ومقدساتها.(1/188)
ويذكر زياد موقفا لها يوم العملية، فيه من القوة والجرأة ما فاجأ الجميع، وهو عندما جيء بالحزام الناسف وكان وزنه 10 كيلو جرامات اعترضت ريم، لأنها أرادت حزاما اكبر حجما لتقتل عدداً أكبر من الجنود الصهاينة.
وحول علاقاتها الاجتماعية وآخر لحظاتها مع طفليها يشير زوج الشهيدة إلى أن علاقاتها الاجتماعية كانت طبيعية جداً وأن علاقتها بطفليها كانت مميزة جداً، لكنها يوم العملية أظهرت جرأة وقوة لا يمكن تصورها أو تخيلها، فقد اكتفت بالمصافحة وتقبيل أولادها والطلب بالدعاء لها وكأنها ذاهبة إلى رحلة.
وأضاف: "لقد أوصت أن يربى أبناؤها تربية إسلامية وأن يحفّظوا القرآن ، وأوصت بثمن مصاغها الذي كانت قد باعته قبل استشهادها بألف دولار للبناء في المسجد ليكون صدقة جارية عنها وعن زوجها، كما أوصت بألف وأربعمائة دينار ليخرج رجل ليحج عنها وسلمت النقود للقائمين على هذا العمل، أما بالنسبة لتركتها لدى أهلها، وهي تقارب الثلاثين ألف دينار أردنيـ، فقد أوصت بإنفاق خمسة آلاف منها صدقة عن روح والدها المتوفى، والباقي يبنى به مسجد ليبقى صدقة جارية عن روحها الطاهرة".
ويتذكر زياد آخر أقوالها ويذكر منها أنها كانت تطلب السماح والإكثار من الدعاء لها كما أوصت في آخر لحظة، قبل خروجها للعملية، وسجلت بصوتها قراءة لبعض آيات الذكر الحكيم، وأوصت بتوزيع الحلوى في عرس الشهادة.
وعن آخر حوار جمعه معها قبل استشهادها قال زياد: "قالت لي سامحني إذا أنا غلبتك أو ضايقتك أو قصرت معك في أي حاجة، فقلت لها: لماذا تقولي ذلك؟، فقالت لي :أنا أريد أن تسامحني، فقلت لها: الله بسامح الكل، وسامحتها".(1/189)
وخاطب زياد طفليه قائلاً: "أقول لابنتي ضحى وأقول لابني محمد، أمكم قامت بعملية استشهادية، والحمد لله رب العالمين أنه أكرمها بأربع جنود قتلى وعشرة جرحى، وأن لا يقلقوا، وأن الله تعالى سيرعاهم ويرزقهم الصبر والسلوان، متمنياً لهم حياة سعيدة في المستقبل، وأن يتربوا على طاعة الله الذي سيعينهم على حفظ القرآن الكريم".
ونفى زياد – وقد بدت عليه علامات الغرابة- الحديث الذي تناقلته بعض وسائل الإعلام حول خلاف بينه وبين زوجته قائلاً: هذا كلام غير صحيح، فالحمد لله كانت حياتنا في البيت طيبة وهنيئة، مضيفاً أن زوجته ريم كانت تقول له: أحلى الأيام عشتها معك، فكان يجيبها بالقول: على قدر نيتك ربنا أعطاك.
وقد أعربت عائلة ريم من جهتها عن فخرها بما قامت به ابنتهم "ريم" رغم تأكيد العائلة أنها لم تكن على علم مسبق بما كانت ابنتهم تنوي القيام به.
وأوضح أيمن الرياشي شقيق الشهيدة أن ما قامت به شقيقتهم ريم عمل يشرف ويرفع رأس قطاع غزة وجميع أبناء الشعب الفلسطيني.
وأكد أن حب الإسلام وفلسطين هو الذي دفع ريم للقيام بالعملية ضد قوات الاحتلال الصهيوني، نافياً أي علم لدى عائلته بنية ريم القيام بالعملية، مشيرا إلى أن ريم لم يصدر عنها أي تلميحات تشير إلى نيتها القيام بمثل هذه العملية، وأن آخر مرة رأت فيها العائلة ريم لم تلاحظ عليها أي تغيير.
ولم يكن شقيقها سيف أقل استغراباً حين قال: "لم أشعر لحظة واحدة أن أختي ريم الهادئة الوديعة يمكن أن تحمل في صدرها كل هذا الغضب أو أن تترك أولادها بهذه الطريقة، ولكنني كلما أفكر في كلماتها التي قالتها خلال وصيتها المصورة أشعر بالفخر وأحمد الله عز وجل".(1/190)
وعلى ذات النسق كان أهالي المنطقة يعبرون عن اعتزازهم بالشهيدة ريم وما أقدمت عليه من عمل جهادي رائع ضد قوات الاحتلال الصهيوني، فقد أكد محمد عرابي 21 عاماً أحد أهالي المنطقة التي تقطن بها الشهيدة ريم أن منطقة "تل الهوا" عاشت وتعيش عرساًَ كبيراً كون الاستشهادية الفلسطينية الأولى من قطاع غزة تنحدر منها.
وعقب تنفيذ العملية برز سؤال أثاره كثيرون : أين ذهب شعور الأمومة من الاستشهادية "ريم الرياشي" عندما تركت طفليها وذهبت لتفجر نفسها في عملية استشهادية عند معبر بيت حانون "إيرز" شمال قطاع غزة ؟! هل فقدت هذا الشعور ؟! أم أن هناك شعوراً آخر تغلب على عاطفة الأمومة؟!
من المؤكد أن هناك شعوراً آخر تغلب على عاطفة الأمومة التي يقول علماء النفس أنه أقوى شعور إنساني، إنه الإيمان الذي يبعث في نفوس المسلمين التضحية بكل ما هو غال وثمين من دفع الظلم وتحرير الأرض ونيل رضوان الله عز وجل.
لقد أكد المحللون والخبراء صعوبة تنفيذ هذه العملية الاستشهادية التي قامت بها ريم رياشي، نظراً لخطورة المكان المستهدف، وشدة الإجراءات الأمنية فيه، وما تتطلبه العملية من مشاعر خاصة كلها إصرار وشجاعة وقوة وإرادة وتحدي جعلت منها لا تبالي أثناء تقدمها وسيرها وسط الجنود وهي تضغط على زناد التفجير لتتحول وتحول من حولها إلى أشلاء متناثرة في مشهد امتلأ بالصراخ والعويل والذعر والفزع وتطاير الزجاج وانتشار الدخان عدا عن الدماء التي لطخت الأرض والجدران، ورائحة الموت التي انتشرت في كافة أرجاء المكان.(1/191)
لا شك أن الأمومة أقوى المشاعر الإنسانية على وجه الأرض، ولا يوجد شعور إنساني آخر يضاهيها، إلا أن ما هو واضح أن ما أقدمت عليه ريم يمثل قمة هذا الشعور الإنساني على عكس ما يبدو، لأن الناس عادة ما تنظر لمشاعر الأمومة على أنها مشاعر رقيقة بها كثير من الخوف على الأبناء، خاصة الصغار منهم، ولكن ريم باستشهادها وتركها طفلين في عمر الزهور منحها شعوراً إيمانيا قوياً وحناناً غير قاصر على طفليها، بل نحو كل أطفال الأمة، نابعاً من إيمانها وعقيدتها "عقيدة الإسلام"، متناسباً مع قدر وحجم التضحية التي قدمتها للأمة، وبذلك يصبح هذان الصغيران ابنين لكل أمهات الإسلام مما يوافق قول الله عز وجل" وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا" آية 9 النساء
أم ذات ولدين لها من العمر اثنان وعشرون عاماً، مقاتلة شجاعة، شعرت بواجبها تجاه دينها ووطنها ومقدساتها، فقررت أن تزور ذلك المعبر المحصن "معبر ايرز" لتلقن العالم درساً في حب الله وحب الوطن وحب المقدسات، ولتؤكد للجميع أن حب الله ودينه وعقيدته مقدم على أي حب آخر أو عاطفة أخرى، قررت أن تقول لدعاة المساواة يكفي ولسنا بحاجة إلى من يعلمنا الحرية والديمقراطية على الطريقة الغربية.
إنها ريم الرياشي .. شهيدة في زمن قلت فيه الشهادة، لا بل لن تجد امرأة في هذا الزمن الذي يعج بالإسراف والابتذال والانحرافات قادرة على الاستغناء عن هاتفها المحمول لمدة يوم واحد، فكيف بمن تترك طفليها وزوجها وأهلها بلا رجعة ؟
إنها قمة التضحية والفداء.. وذروة العطاء لهذا الدين والوطن والمقدسات.
وصية ريم صالح رياشي لنساء وأطفال الأمة(1/192)
إخوتي الأحبة نساء وأطفال الأمة العربية السليبة, اسمحوا لي أن أخاطبكم الخطاب الأخير قبل العملية التي أنوي تنفيذها راجية الله أن يتقبل مني شهادتي وأن يعينني على قتل أكبر عدد من جنود الصهاينة المحتلين.
أتوجه إليكم من دون الرجال لأنني لم أعد أرى رجالا في أمتنا سوى بقايا منهم في فلسطين والعراق, فأنتم الأمل الباقي لهذه الأمة بعد أن خلت من الرجال , وأنتم المسؤولون عن قيادة هذه الأمة إلى النصر وإلى العزة والكرامة بعد أن أوصلها أشباه الرجال إلى هذا الذل والعار الذي يجللها من مشرقها إلى مغربها , أنتم الذين ستحملون راية هذه الأمة وترفعونها خفاقة بين رايات الأمم التي تعيش فوق كوكبنا هذا بعد أن نكس راياتها أشباه الرجال من الحكام والعلماء والمثقفين ومن يسمون أنفسهم النخب . من أرحامكن يا نساء الأمة سيخرج الأطفال الذين سيعيدون مجد هذه الأمة يكتبونه بدمائهم وأشلائهم, من أطفال هذه الأمة سيخرج من تربى على رمي الحجارة ومواجهة الدبابات بصدره العاري ليخلص هذه الأمة أولا من حكامها ثم من المخذلين والمنافقين والمرائين والمعوقين وأخيراً ليخلصها من اليهود المغتصبين, ! وليعيد لها مكانتها أمام الحاقدين من الغربيين والشرقيين، أما أشباه الرجال فأوصيهم بأن يتخلوا عن الكلام الذي لم يعد يسمن ولا يغني من جوع وعن المداراة والنفاق والدعاء للحكام بالصلاح والتوفيق, وأن يعتزلوا منابرهم التي يقفون عليها فهم ليسوا أهلا ً لها," وأوصيهم بإلحاق نون النسوة بصفاتهن وأسمائهن وتاء التأنيث بأفعالهن , فهن أحق بها وأهلها".(1/193)
أدعو الله لي يا أخواتي أن يتقبلني شهيدة غداً , فأنا أتمنى لقاءه , وأتشوق للشهادة أمامه على أمتي وعصري وزماني , أتحرق للشهادة على حكام الذل والخيانة . أريد أن أشهد أمامه سبحانه على كل حاكم تخلى عن قدسنا وفلسطيننا وعن أهلنا, أشهد أمامه سبحانه على كل من قطع المعونات البائسة الشحيحة عن أطفالنا طاعة لمولاه في البيت الأبيض, أشهد أمامه سبحانه على كل من مد يده ليهود وقطعها عن إخوانه من المسلمين, أشهد أمامه سبحانه على كل من حارب شعبه وترك حرب أعدائه, أشهد أمامه سبحانه على كل من عاش لعرشه بدل شعبه وكل من باع وطنه مقابل حكمه, أشهد أمامه سبحانه على كل من شرد الشرفاء من أمته ورعيته واستبدل بهم المطبلين والمزمرين والمسبحين بحمده ليستتب الأمر لليهود ومن والاهم, أشهد أمامه سبحانه على كل من يتحجج بعدم القدرة وهو يصفي الأمة من القادرين على التغيير خوفا! أن يطاله التغيير, أشهد أمامه سبحانه على كل من سرق أموال الأمة وحولها لحسابه الخاص وحساب أسرته وأقربائه وأعوانه وترك شعبه يلهث وراء الفتات حتى لا يستطيع أن يفكر في المصائب التي تنهال على رأس هذه الأمة.(1/194)
أتوق لأن أصل إلى ربي شهيدة على علماء هذه الأمة الذين شغلتهم فتاوى الزواج والطلاق عن طلقات المدافع والصواريخ التي تهطل علينا كالمطر, وشغلتهم فتاوى الربا وتحليله عن تحليل اليهود لدمائنا وأعراضنا وبيوتنا وأشجارنا, وشغلتهم فتاوى طاعة الحاكم وعدم الخروج عليه والدعاء له بالصلاح عن خروج الأمر من يد الأمة وعن طاعة الحاكم وولايته للعدو. أريد أن أشهد عليهم بأنهم شياطين خرس لا يقولون إلا ما يديم عليهم مناصبهم ويديم عليهم رزقهم ويديم عليهم عافيتهم, يتأولون ما لم يعد فيه مجال للتأول, ويسكتون عن الحق حيث لا مجال للسكوت, ويدرؤون الفتنة بزعمهم حيث لم يعد هناك فتنة بل وصلنا إلى الكارثة وهم نيام ينظرون, ويحاربون بعضهم بعضا يكفرون ويفسقون ويبدعون ويضللون من شاءوا من إخوانهم في العقيدة ثم يسكتون عن الحاكم وآثامه البغيضة ويأمرون الناس بالسمع والطاعة ويصرخون في وجوه المنتقدين: هذا أهون الشرين.
أريد أن أشهد شهادة خاصة بشيخ الأزهر طنطاوي عبد المبارك لن أطلعكم عليها لأنها سر بيني وبين خالقي.
أريد أن أشهد على من يسمون مثقفي هذه الأمة ونخبها, الذين تقوم قيامتهم ولا تقعد عندما يشير الحاكم بإصبعه فتنطلق ألسنتهم كألسنة العضاة يصل طولها إلى ثلاث أمثال طول جسمها ينهشون في لحوم المخلصين من أبناء الوطن الذين سولت لهم أنفسهم ذكر كلب الحاكم بسوء, ثم تعود ألسنتهم إلى حلوقهم ليبتلعوها إذا أشار الحاكم إشارة أخرى. النخب التي ضاعت بين مداراة الحاكم وقول الحق, بين حفظ النفس وحفظ الكرامة.(1/195)
بعد استشهادي غدا بإذن الله, ستسمعون كلاماً كثيراً عن أنني ألقيت نفسي في التهلكة, وقد يخرج من يقول عني منتحرة, وقد يخرج من يقول عني حمقاء تركت أبناءها ولم ترع حرمة زوجها وأهلها ولهؤلاء أقول: دعوكم من لحمي المسموم ويكفيكم الفتات الذي يلقي به الحاكم إليكم لتأكلوه والنفايات التي تربون عليها أولادكم, أما أنا فمؤمنة بأن رازقي ورازق أولادي من بعدي هو ربي الذي رباني وسيتولى تربية أولادي من بعدي, أما أنتم فتعتقدون أن صاحب الجريدة التي تكتبون فيها هو الرزاق, وأن صاحب المحطة التي تتكلمون منها هو الرزاق, وأن وزير الأوقاف الذي عينكم هو الرزاق , وأن الحاكم الذي يدير مزرعة العبيد التي تعيشون فيها هو الرزاق , فهنيئا لكم عقيدتكم هذه وهنيئا لكم إيمانكم هذا وستعرفون يوما ما من هو الرزاق الحقيقي ومن هو الرب الحقيقي ومن بيده ملكوت كل شيئ وهو يجير ولا يجار عليه.
أخيراً أقول لشيراك الذي يريد منع الحجاب في فرنسا على المسلمات: أرجو منك بعد منع المسلمات من الحجاب أن تفرضه على رجال المسلمين, بدءاً بحكامهم, وأن تفرض عليهم أيضا أن يغطوا وجوههم الذليلة لأنها أصبحت عورات لا يجوز أن يراها أحد لا في المشرق ولا في المغرب.
في الختام أرجو منكم دعوة صالحة في ظهر الغيب وأوصيكم بفلسطين وبالأقصى وبالعراق وببلاد المسلمين كلها فهي أمانة في أعناقكم جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة من الله وبركاته
الفصل الخامس
المرأة الفلسطينية..
خنساء العصر وصانعة الرجال العظماء
مدخل/
"وراء كل رجل عظيم امرأة"، عبارة تترد كثيراً في معرض الإشادة بالرجال العظماء الذين أسهموا في صياغة أحداث تاريخية معينة، وتركوا بصماتهم الأصيلة على مسار شعب من الشعوب أو أمة من الأمم، أو لعبوا دوراً مفصلياً في نصرة قضية من القضايا ذات الأثر والمكانة والاهتمام، ولا سيما قضايا التحرر والاستقلال التي تقف القضية الفلسطينية في طليعتها.(1/196)
وفي واقعنا الفلسطيني المبارك يمكن القول أن وراء كل شهيد عظيم امرأة، فقد حفل التاريخ الفلسطيني الحديث في إطار انتفاضة الأقصى بالعديد من النماذج الرائعة للأمهات الفلسطينيات اللائي أسهمن في صناعة الشهداء الأبطال، وصياغة أسس وملامح الشخصية الجهادية الفلسطينية القادرة على بعث وحماية مشروع المقاومة، والمؤهلة لتحمل تبعات ومغارم المرحلة الراهنة وتحدياتها الخطيرة.
فقد كان وراء الرجال العظماء الذين أنجبهم الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية زوجات عظيمات، سهرن على راحة أزواجهن، وشددن من أزرهم، ووقفن الى جوارهم زمن المحن والأزمات التي تواجههم، وأبدين تكاتفهن وتعاطفهن معهم في جميع أحوالهم وظروفهم، وجددن في نفوسهم روح العمل والثبات والتضحية والعطاء، مما مهد لهم أرضية ثابتة ومنطلقاً مريحاً لعمل مخلص، وجهود جبارة، وابداعات خلاقة وتضحيات ليس لها نظير.
وكان وراء عدد من الشهداء الأبطال أمهات عظيمات، أرضعن أولادهن لبن الجهاد والمقاومة والوفاء للدين والوطن والأرض والمقدسات، وغرسن في نفوسهم منذ نعومة أظفارهم المبادئ النبيلة والأخلاق السامية، وزرعن في كيانهم قيم الثبات والإخلاص والتضحية والعطاء، فكانت تربيتهن لأولادهن وفلذات أكبادهن تربية جهادية وأخلاقية قويمة ذات أبعاد شمولية، وكانت صياغتهن لشخصياتهم صياغة رفيعة بالغة الأصالة والإبداع، أثمرت نماذج مجاهدة بطلة، استرخصت نفسها في سبيل الله، وعاشت لدينها ووطنها وقضيتها، وانطلقت بكل إباء وشموخ وعنفوان، تقتحم حصون الموت، و تدك عروش المحتل، وتعيد للشعب المكلوم شيئاً من الأمجاد الغابرة التي أراد البعض طمسها، وحرص على عدم استنساخها وتكرار مشاهدها ونماذجها، تحت ثقل الأفكار البائسة والاتفاقات المهترئة التي أريد لها احتلال عقول وقلوب الفلسطينيين.(1/197)
وفي طيّ هذا الفصل عرض وتحليل لسيرة عدد من الأمهات الفلسطينيات الماجدات اللاتي استحقت كل واحدة منهن بجدارة لقب "خنساء العصر"، فالتربية الجهادية والتنشئة الأخلاقية وصياغة الشخصية على أسس متينة وإرسال الأغلى والأحب إلى قلوبهم إلى حيث الردى والمنون بنفس راضية، وروح مطمئنة، كلها سمات عز وشموخ تزين جباه هؤلاء الأمهات الفاضلات، عنوان الثبات والصمود، ومفخرة الشعب والأمة.
وفي طيّ هذا الفصل –أيضاً- استعراض للدور المتميز الذي لعبته زوجات بعض القادة الشهداء من الرجال العظماء الذين أحبتهم الأرض الفلسطينية، والقضية الفلسطينية، وشهدت لهم بالصدق والثبات والدفاء والإخلاص والتضحية، بعد أن أسهموا في صياغة تاريخ شعب مضهد، وأحيوا قضيته من جديد، وبعثوا فيها روح المقاومة والتحدي، إثر مرحلة كادت تذوي فيها القيم، وتنحل فيها المبادئ، وتضيع فيها الأرض والحقوق والمقدسات.
المبحث الأول
خنساوات العصر
نماذج لأبرز أمهات الشهداء الأبطال
أم نضال فرحات
"والدة الاستشهادي محمد والشهيد نضال
والمعتقل وسام فتحي فرحات"
... قمة سامقة في الشموخ والإباء، ذروة سامية في البذل والعطاء، جبل أشم في الصلابة والجسارة وقوة الحق والإصرار على مواجهة الباطل، بحر هادر في الثورة والغضب والحقد والكراهية للاحتلال، سهل فسيح تنبت فيه أزهار الحب المتدفق و ورود الحنان المستفيض ورياحين العطف اللامتناهي، ومرج عامر يحتضن كافة المشاعر والأحاسيس والروابط الإنسانية، وقلب مرهف يخفق بحب الله ورسوله ويستعلي به عمن سواهما، في تشكيلة إبداعية خلاقة للشخصية المسلمة التي أرادها الله تعالى لعباده الصالحين، وارتضاها لمن تشوقوا لنيل رضاه وتنسم عبير جنانه.(1/198)
ومع ذلك، فعندما تسمع عنها دون أن تراها وتعايش كلماتها ومشاعرها يخيل إليك أنها أتت من زمان غير زماننا، أو أن عاطفة الأمومة قد نزعت من قلبها، وغرس بدلاً منها حب الجهاد والتضحية للوطن والمقدسات، إلا أن تلك التكهنات لا تلبث أن تتحطم خيوطها وتتكسر ملامحها على صخرة الرؤية المباشرة واللقاء المباشر لها وجهاً لوجه.
قد لا يفهمها الذين قضوا حياتهم لاهين مترفين، بعيداً عن حياة الجهاد والكفاح والتضحية، وقد لا يستوعب صنيعها الذين جهلوا حقائق ديننا ومبادئ إسلامنا، واعتقدوا أن الحياة مادة وشهوات، وغوص في الملذات والطيبات، وقد لا يفهم سمو كلماتها ورفعة عملها الذين اعتنقوا قيم الدنيا عوضاً عن قيم الآخرة، وارتضوا لأنفسهم أفكاراً وضيعة ومبادئ أرضية ومسار حياة يناقض مسار الحق والدين والعقيدة والشريعة، وحملوا في قلوبهم الولاء لنظم ومفاهيم بالية دون الولاء لله ورسوله والمؤمنين، فتكدس الران على قلوبهم وعقولهم، وبات نور الحق عنها بعيداً، لا يعرفون لكثير من الظواهر الواضحة البينة سبباً، ولا يدركون لها تفسيراً، وهم أدرى بما يبن جنباتهم لو ادكروا واتعظوا، ونفضوا عنهم غبار الجاهلية ومبادئها المهترئة.
لكن صفاتها وأخلاقها وسلوكياتها وأفكارها، ليست بغريبة على أهلنا وأبناء شعبنا، الذين تجرعوا مرارة الاحتلال، واكتووا بنار المعاناة تحت نير قمعه وإرهابه، وخبروا حياة الجهاد والكفاح، حياة التضحية والفداء، حياة العزة والكرامة والإباء.
إنها ملامح ومكونات الشخصية الرفيعة النبيلة للخنساء أم نضال فرحات، والدة الاستشهادي محمد أحد ناشطي كتائب القسام الذي اقتحم على الصهاينة حصونهم المنيعة في مستوطنة "عتصمونا" بتاريخ 7/3/2002م ، وقتل منهم خمسة وأصاب ثلاثاً وعشرين على الأقل من طلاب أحد المعاهد الدينية الذين كانوا يتلقون تدريبات عسكرية للمشاركة في قمع الشعب الفلسطيني وانتفاضته المباركة ومقاومته الباسلة.(1/199)
كما هي – أيضاً- والدة الشهيد نضال أحد قادة كتائب القسام البارزين الذي اغتالته سلطات الاحتلال الصهيوني وخمسة من إخوانه المجاهدين عبر طائرة شراعية مفخخة بتاريخ 16/2/2003م كان قد تلقاها لتوه من أحد فلسطينيي الداخل استعداداً لتفخيخها وتوجيهها آلياً بوساطة جهاز التحكم عن بعد "الريموت كنترول" لتفجيرها داخل إحدى المستوطنات أو أحد المواقع العسكرية الصهيونية الحصينة.
لم يكن الشعب الفلسطيني، وشعوب العالم بأسره، حين رأت مشاهد الوداع المؤثرة لأم نضال لابنها وفلذة كبدها "محمد" قبل مغادرته وانطلاقه لتنفيذ العملية الاستشهادية الجريئة، أن تلك المشاهد كانت جزءاً بسيطاً وحلقة صغيرة في إطار المسلسل الجهادي والكفاحي الذي عمر حياة أم نضال، واستولى على روحها، وملك عليها كيانها، وشغل فكرها واهتماماتها.
فتلك المرأة حازت تاريخاً حافلاً بصور التضحية والعطاء في كافة المجالات، التربوية والاجتماعية والجهادية، يندر أن تتكرر نظائره في المجتمعات العربية والإسلامية رغم ارتفاع مستوى الوعي والاستعداد للتضحية في أوساط النساء العربيات والمسلمات.
وسيذكر التاريخ لأم نضال أنها كانت الحاضنة والأم للشهيد القائد عماد عقل سنوات طويلة إبان الانتفاضة المباركة الأولى، فقد ترعرع عماد – رحمه الله- في بيت أم نضال حيناً من الدهر، متخفياً عن أعين الاحتلال وأدواته وعملائه، يعيش وسط الأسرة كأحد أبنائها، حتى أدركته الشهادة عقب مسيرة جهادية، طويلة ومريرة, استفرغ فيه وسعه، وبذل كامل جهده، فداءً للدين والعقيدة، ونصرة للوطن والقضية.(1/200)
آنذاك وجد الشهيد عقل في أم نضال أمه الثانية، وفي عائلة أم نضال عائلته التي لم تتمايز عن عائلته الأصلية، فكان فرداً من أفراد الأسرة، يعيش عيشها، ويحيا حياتها، يسعد لسعادتها، ويتألم لألمها، وكانت بالنسبة له الضالة المنشودة التي احتاجها بشدة فترة المطاردة والملاحقة الصهيونية، والملجأ الحصين الذي قضى فيه جزءاً عزيزاً من حياته مغموراً بالحماية والتغطية والإسناد، والمحضن الوفي الكريم الذي أفاض عليه من العطف والرعاية والحنان الشيئ الكثير.
وتصف أم نضال بنفسها تلك الفترة من حياتها فتقول:"كنت كثيراً ما أسمع عن وضع الشباب المطاردين من قبل جيش الاحتلال، وكيف لا يشعرون بالأمن في بيوت مستضيفيهم، فصممت أن أفوز بشرف إيوائهم، فاقترحت على ابني الأكبر نضال أن نحفر خندقاً خلف المنزل تحت حظيرة الحمام ليصبح مأوى للشباب المطاردين، وفعلاً لاقت هذه الفكرة ترحيباً من زوجي وابني فأعددنا الخندق، وتم عرض الأمر على شباب المقاومة والمجاهدين الذين كان يعرفهم نضال ليكرمنا الله بشرف خدمة المجاهد عماد عقل".
وتمضي أم نضال قائلة:"كنت أشعر بقمة السعادة وأنا أشرف على خدمة عماد، وأتمنى أن يمكث أكبر قدر من الوقت في المنزل، لكن في بعض اللحظات كانت تساورني بعض الوساوس وتشعرني بالقلق، لأن وجود عماد في المنزل يشكل خطراً على أبنائي، ففي أي لحظة يمكن أن يتعرض المنزل للاقتحام، وبالتالي ربما أفقد أبنائي الستة، إلا أنني كنت سرعان ما أهذب نفسي وأنهرها، وأنفض عنها هذه الوساوس، فان كان عماد – رحمه الله- حمل روحه على كفه ليقاوم جيش الاحتلال ويصرع جنوده، ويشكل بؤرة خطر على أعدائه، فنحن كذلك على استعداد أن نضحي بأرواحنا من أجل أن نحميه ونحمي أوطاننا".(1/201)
وكما كانت أم نضال وعائلتها للشهيد عماد عقل مثالاً ناصعاً للوفاء اللامتناهي، والتضحية الواسعة والعطاء غير المحدود، فإن الشهيد عماد عقل - رحمه الله- قد ترك بصمات عميقة وآثاراً غائرة في صميم أسرة أم نضال وبنيانها النفسي والمعنوي.
فقوة الإرادة، وصلابة الشخصية، وثبات الموقف، وعمق التضحية، والإيغال في الجرأة والشجاعة، والانتصار للحق في مختلف الظروف مهما كان الثمن ومهما بلغت التحديات، كلها صفات ومزايا وشمائل تحلى بها الشهيد عماد، وانتقلت – توريثاً وتعليماً – إلى أسرة أم نضال التي ملكت أسس وبذور التدين والإباء منذ نشأتها، فكانت صفات الشهيد عماد عقل عنصر تعزيز لقيمها ومفاهيمها، وعامل إسناد لمبادئها وأفكارها.
لم تبخل أم نضال يوماً على الشهيد عماد بأي جهد، ولم تدخر أي وسع، نصرة له وخدمة لنشاطه وأعماله، فجعلت من نفسها ومن أبنائها وقوداً له في جهاده وتضحيته، يؤازرونه ويساعدونه ويحمونه وييسرون أموره ويمدون له يد العون في مختلف المجالات.
وما أن استشهد عماد في قلب دارها، حتى بدأت مرحلة جديدة في حياتها، فلم تكتف أم نضال بما قدمته للشهيد عماد، ولم تأنس بما بذلته من جهد وتضحية خدمة له ولحركته وجهاده، بل أرست نواة همة جديدة وعزم جديد، عاهدت الله من خلالها على الثبات على طريق الحق، والسير على درب الشهيد عماد وكافة إخوانه الشهداء المجاهدين، مهما كلفها الأمر من عطاء وصبر وتضحيات.
وهكذا وجدت أم نضال في أبنائها خير من يفي بالوعد، ويبر بالقسم، ويشفي الغليل، ويمضي على الطريق، فنذرت نفسها وأبناءها لله تعالى، وشرعت في تعميق انتماءاتهم الدينية، وترسيخ صلاتهم بالله، وتعظيم حبهم للوطن وضرورة الجهاد والتضحية في سبيل الله.(1/202)
وكان السجن والاعتقال بداية سلسلة التضحيات التي دفع فاتورتها أبناء أم نضال، فقد ضمت غياهب السجون اثنين من أبنائها لعدة سنوات ولا زال أحدهم "وسام" يرزح وراء قضبانها حتى اليوم، أمضوها بأنفة وشموخ، وعزة وكبرياء، دون أن تلين لهم قناة، أو تفتر لهم همة أو عزيمة على مواجهة المحتل الغاشم والتصدي لباطله المتجبر الحقود.
في تلك الأثناء كانت السلطة الفلسطينية قد أخذت طريق عودتها إلى أرض الوطن، واستقرت في ربوع منطقة الحكم الإداري الذاتي وفقاً للاتفاقيات السياسية الموقعة مع الكيان الصهيوني.
حينها أدركت أم نضال أن عقبة كأداء قد انتصبت في وجه مسيرة الجهاد والمقاومة، فرجالات السلطة الذين قدموا من تونس وغيرها محملين بالامتيازات والمناصب بدا عليهم التصميم القاطع على إنجاح اتفاقاتهم مع الصهاينة، وما تحويه من التزامات أمنية، تمنع مقاومة الاحتلال، وتحرس مستوطناته، وتتيح زج المجاهدين والمناضلين الذين يعارضون هذه الاتفاقات والالتزامات في السجون وتغييبهم وراء القضبان.
وكما توقعت أم نضال، فقد بات تنفيذ العمل الجهادي المقاوم أمراً صعباً، فخلايا المقاومة قد أصابها الضرب والتفكيك والاعتقال، والتنسيق الأمني مع الاحتلال بلغ مداه، وأوهام التسوية كانت تعشعش في عقول ونفوس أرباب السلطة الفلسطينية ورجالاتها، والمفاوضات والاتصالات واللقاءات تجري تباعاً، وتدور هنا وهناك، وكأن حل القضية الفلسطينية بات قاب قوسين أو أدنى، وكأن الدولة الفلسطينية باتت على مرمى حجر، وكأن المفاوضات فحسب هي الأسلوب الوحيد الذي يكفل إنجازها وتحقيقها على أرض الواقع.(1/203)
ولم تنخدع أم نضال بكل ذلك، فكانت على قناعة تامة أن زخرف مرحلة أوسلو وصولجانها وانتفاضتها لن يدوم طويلاً، وأن مآل التسوية إلى تداع وانهيار، فكانت عيناها ترنوا إلى ذلك اليوم الذي تنطلق فيه مسيرة الجهاد والمقاومة من جديد، محطمة الأسوار والقيود، لتحقيق أحلامها وأهدافها، وتلتحم من جديد مع أواصر عهدها مع الله تعالى، وتبث أشواق ذكرياتها العطرة التي خلّفها الشهيد عماد عقل، رائد الجهاد والمقاومة، وعملاق التضحية والصمود.
ويشاء الله تعالى أن تنقشع غمامة أوسلو، وتنزاح أثقالها وكوارثها، ليبدأ فصل جديد من فصول التحدي في إطار المواجهة التاريخية مع المشروع الغربي الصليبي الذي زرع الكيان الصهيوني في جسد أمتنا العربية، وليرتفع صوت الحق الصداح من خلال انتفاضة الأقصى المباركة، وتستأنف مسيرة الجهاد والمقاومة فاعليتها في مواجهة الاحتلال الغاصب، ومستوطنيه ومستوطناته، ومواطنيه الذين يزعم – زوراً وبهتاناً- بأنهم مدنيون، وهم في الحقيقة جنود احتياط متأهبون للنزول إلى ميدان المعركة وقتال الفلسطينيين في أية لحظة.
ففي هذه الانتفاضة المجيدة المستمرة بفضل الله وجدت أم نضال هويتها وذاتها وكيانها، فجددت عهدها مع الله، وأطلقت أبناءها من جديد، بخطوات واثقة على درب المجاهدين، لتشهد سوح الفداء وميادين المقاومة على بسالتهم وشجاعتهم وقوة إيمانهم وصلابة إرادتهم، فمنهم الشهيد المجاهد نضال الذي ارتقى إلى أعلى المراتب الجهادية، وأضحى قائداً كبيراً يشار عليه بالبنان، وهو الذي أشرف على تقنية تصنيع وتطوير صواريخ "القسام" التي أنتجتها كتائب الشهيد عز الدين القسام، حتى باتت صواريخ القسام "1" و"2" أداة رعب وترهيب للعدو المحتل، تدك صروح مستوطناته وقلاع مواقعه العسكرية التي شيدت فراراً من نيران المقاومة، فأتتها المقاومة من حيث لا تحتسب، بصواريخ لاهبة تنشر الموت والخراب في شوارعهم وبيوتهم ومنشآتهم.(1/204)
إنه نضال الشهيد، الذي أبلى بلاءً حسناً، فكان دائم التفكير والتخطيط، تطويراً للعمل الجهادي، وارتقاءً به في سلّم النوعية، إلى أن احتضنته الشهادة، الشهادة الحقة التي أعقبت إخلاصاً دقيقاً وجهاداً كبيراً وتضحية فائقة، لدى قيامه وثلة من إخوانه بتطوير نموذج طائرة صغيرة توجه عبر جهاز التحكم عن بعد "الريموت كنترول"، فقد كان في مخطط نضال وإخوانه أن يتم تفخيخ الطائرة الصغيرة، وتوجيهها إلى حيث إحدى المستوطنات أو المواقع العسكرية الصهيونية المؤثرة، ومن ثم تفجيرها وإلحاق خسائر فادحة في صفوف الصهاينة، إلا أن إرادة الله شاءت لمخطط الصهاينة أن ينجح عبر قيامهم بتفخيخ الطائرة التي انفجرت فور قيام نضال بتسلمها برفقة خمسة من إخوانه، ليرتقوا إلى العلا شهداء، وتتناثر أشلاؤهم في سبيل الله، شاهدةَ على علو الهمة ونبل الغاية وشدة العزم وعمق التضحية.
ومنهم – أيضاً- الأسير المجاهد وسام الذي اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني عقب التوقيع على اتفاقات أوسلو عام 1993، لدى محاولته تفجير شاحنة مفخخة في مدينة بئر السبع داخل فلسطين المحتلة عام 48، ولا زال مغيباً وراء قضبان الأسر الاحتلالية، تتملكه الحسرة على ما ألم به من عجز عن مشاركة شعبه جهادهم وتضحياتهم في إطار انتفاضة الأقصى المتواصلة، منتظراً يوم الفرج والحرية والخلاص الذي ينعتق فيه من أسر الاحتلال ليستأنف دوره الجهادي المشرف على ثرى الوطن الطاهر المقدس.
ومنهم – أيضاً- الابن الثالث مؤمن الذي لم يكل ولم يمل، تفانياً في سبيل نصرة دينه وعقيدته، مجاهداً من أجل إعلاء راية الجهاد في الأرض في إطار كتائب القسام التي عمل – ولا زال- في إطارها جندياً، مطيعاً، ناشطاً لا يعرف الكسل أو الارتخاء إليه سبيلاً.(1/205)
ومنهم أيضاً الشهيد المجاهد محمد، ذلك الفتى الصغير اليافع الذي لم يتجاوز السابعة عشر عاماً لحظة استشهاده، ضارباً أروع الأمثلة في الإقدام على التضحية والاستبسال في الفداء حين أقدم على اقتحام مستوطنة "عتصمونا" الحصينة بتاريخ 7/3/2002م وفق خطة أعدتها قيادة كتائب القسام وفتح نيران رصاصه وقنابله باتجاه مجموعة من طلبة المعاهد الدينية الذين تلقوا تدريبات عسكرية خاصة، ويستعدون لممارسة الخدمة العسكرية في قطاع غزة، فقتل خمسة منهم وأصاب ثلاثة وعشرين آخرين، وخاض معركة بطولية مع الجنود الصهاينة سمتها الرجولة والشرف والنزال حتى الرمق الأخير، قبل أن يلقى الله شهيداً.
وتصف أم نضال تفاصيل المرحلة السابقة لاستشهاد محمد قائلة:"منذ الصغير كان يواجه المستوطنين بالحجارة، وبعد أن نمت الجرأة في قلبه قلت له: أريدك أن تقاتل بالسلاح لا بالحجر، لذلك سرعان ما فكر في البحث عن عمل ليدخر منه ثمن السلاح الذي لا تستطيع الأسرة أن توفره له، ومكثت ألح عليه وأحثه على العمل والكد حتى يستطيع أن يملك السلاح ويحافظ عليه لأنه عرف مدى صعوبة الحصول عليه، وكان من أجمل أيام حياتي عندما امتلك محمد السلاح وأحضره لي ليسعد قلبي به، ويؤكد لي أنه أصبح رجلاً يمكن أن يسير في طريق الجهاد".(1/206)
وتتابع أم نضال :"لقد علمته منذ البداية أن يكون صادقاً معي، ولا يخفي عني سر جهاده حتى أشجعه وأقويه، ومع حلول شهر رمضان (نهاية عام 2001) بشرني بالتحاقه بكتائب الشهيد عز الدين القسام، وأنه يستعد لخوض عملية استشهادية قريباً"، مضيفة"لا أنكر أني جزعت في البداية لأنني أيقنت أني أعد الأيام الأخيرة لولدي الحبيب، وما كان يزيد من قلقي أن يفشل في المعركة أو يتم إلقاء القبض عليه قبل أن ينفذها كما حدث مع أخيه وسام من قبل عندما كان يستعد لتنفيذ عملية استشهادية في مدينة بئر السبع عام 1993، ورغم ذلك نجحت بإيمان وعزيمة في كبح جماح مشاعر الأمومة بداخلي، فمن أراد طريق الله والفوز بالجنان فلا بد من أن يدفع أغلى ما يملك، وابني محمد أغلى ما أملكه، ولن أبخل به".
وتمضي أم نضال قائلة:"جاءني محمد ذات يوم وأخبرني أن موعد تنفيذ العملية قد تحدد، وعندها لم أستطع أن أتمالك دموعي وغلبتني عاطفة الأمومة، إلا أنني سرعان ما قلت له :إياك أن تصدق دموعي فإنها دموع أم تزف ابنها إلى الحور العين، فأطع ربك وجاهد، واثبت حتى تلقى ربك، وعندما حان موعد تنفيذ العملية ودعته، حيث خرج إلى جنوب مدينة غزة بعد أن ودع جميع إخوانه وقلبي يدعو له بالسداد، وكان آخر عهدنا به".
وتستأنف أم نضال حديثها:"وبعد أن ودعته بدأت أخوض الامتحان الحقيقي الذي هو صراع بين المبادئ وعاطفة الأمومة، ومكثت ست ساعات كأنها دهر طويل أعد خلالها أنفاس أحب أبنائي إلى قلبي كأم تشاهد الموت البطيء لابنها وقلبي يخفق حتى أوشك على التوقف لشدة خوفي أن يتم القبض عليه، وأخذت أدعو الله أن ينعم عليه بالشهادة ويسدد رميته، وجاء فرج الله بخبر نجاح العملية وفوزه بالجنان، فهنأت نفسي وتنفست الصعداء".(1/207)
وكما عهد أم نضال، المربية الواثقة، الثائرة، المتأججة، فإنها لم تقنع بإرسال ابنها محمد في عمق مستوطنات العدو بشكل مجرد، بل أرادت – بحكمتها وفهمها وثاقب نظرتها وبعد فكرها- أن تلعب دوراً إعلامياً ونفسياً في دعم المقاومة ورفع معنويات أبناء الشعب الفلسطيني، وتخذيل العدو الصهيوني وإحباط معنويات جنوده ومستوطنيه و"مواطنيه" عبر إرسال رسالة إعلامية مصاغة جيداً، تستطيع فيها أن تفعل وتؤدي دورها وهدفها وغايتها.
فكانت المشاهد المؤثرة واللقطات الرائعة التي سجلت عبر شريط فيديو، وكانت الكلمات الصادقة القوية التي تفيض حناناً وعاطفة وأمومة، وعزماً وإرادة وتصميماً في آن معاً، وتنبعث من صميم فؤاد أم نضال التي تجاوز ابنها وفلذة كبدها "محمد"، وتحتضنه بين ذراعيها قبل أن يمضي إلى ربه شهيداً.
وما أن بلغ نبأ العملية الاستشهادية المسلحة التي نفذها الشهيد محمد، حتى تلقت وكالات الأنباء ووسائل الإعلام نسخاً عن شريط الفيديو الذي يحمل الرسالة الإعلامية الهادفة، لتنشر في غضون ساعات مشاهد من الوداع المبهر لأم نضال ونجلها الشهيد على شاشة الفضائيات ومحطات التلفزة والصحف المختلفة، وتترك أعظم الأثر في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية وكافة الأحرار والمنصفين في العالم، وتنعكس عليهم إيجابية وقوة وشموخاً، ورفعة وعنفواناً، فيما باء العدو الصهيوني وحلفاؤه والدائرين في فلكه بأسوأ الآثار والنتائج التي انعكست عليهم بشكل سلبي، رداءة وخوراً وتخذيلاً.(1/208)
ما أروع أم نضال، تلك الأم الفلسطينية المجاهدة، وهي تبدو شامخة يجللها الوقار وعظمة الروح وشجاعة لا تتوفر لدى أعظم الفرسان وكبار القادة العظام، تقف إلى جوار نجلها محمد، تملأ روحه بكلماتها الندية الرقراقة، تذكره بالجنة والآخرة، تذكره أنه تربى على ثرى فلسطين، وأكل من طعامها وثمرها، وشرب من مائها العذب الزلال، وأن عليه اليوم أن يدفع ضريبة الوطن والحرية، وأن يقدم نفسه وجسده الطاهر هدية لهذا الوطن المقدس الذي مشى على ثراه الأنبياء والصالحون والعظماء.
ومحمد الذي يقف إلى جوار أمه شامخاً كالطود، ذلك الفتى اليافع والشبل الرائع، كان هو الآخر شامخاً عظيماً، كانت البسمة تملأ وجهه، هادئ البال بشكل غريب، لا يصدق من يراه – أبداً- أنه سيقدم بعد سويعات قليلة على الموت، وأنه سيركب سفينة الردى، وأنه سيذهب وحده في ظلام الليل، في رحلة يعرف – يقيناً- أن نهايتها الشهادة، ما أعظم هذا الشبل، وما أثبت جنانه، وما أهون الموت أمام ناظريه.
من علمه كل هذا الثبات؟ كيف تمالك نفسه وهو يقدم على الموت؟ يسير إليه بقدميه، يطلبه بنفسه، يسعى إليه سعياً، لا يمكن أن يكون هذا الشبل الرائع شبلاً عادياً، فأي دافع هذا الذي يدفع شاباً سليماً، وسيماً، فاره الطول، وضيئاً، لأن يركب بمفرده بحر الموت والردى، يقتحم مستوطنة هي أقرب إلى معسكر مدجج بالقتلة وأدوات القتل، يخوض مع جنودها المتحصنين معركة بطولة وإباء نادرين، يذيق المحتلين شيئاً من الهوان الذي أذاقوه لشعبه، ثم يستسلم لشهادة، ينزف خلالها دمه الطاهر ليروي ثرى فلسطين، وتخرج – أخيراً- روحه الطاهرة، عائدة إلى بارئها بعد أن أدت رسالتها، شهدت على الظلم، بل قاومته بكل ثبات وبطولة وشجاعة، يستسلم للنهاية التي سينتهي إليها كل كائن حي، ولكن بعد أن أدى ما عليه من واجب.(1/209)
إنها أم نضال، كانت تضع إلى جانبها بندقية ابنها، وما أن سمعت بنبأ استشهاده وتنفيذه للعملية حتى أطلقت منها زخات من الرصاص في الهواء، وفي صباح اليوم التالي كانت تجلس بكل شموخ وكبرياء في حفل عرس ابنها، معصبة رأسها بعصابة خضراء مزينة بشعار التوحيد"لا إله إلا الله محمد رسول الله"، لتستقبل المهنئين والمهنئات باستشهاد نجلها، وتخاطب الجميع بكلماتها الصادقة المخلصة:"عشت أنا وولدي أياماً جميلة قبل استشهاده، فعلى الرغم من الألم الذي كان يعتصر قلبي فقد غطت عليه فرحته الشديدة، لم تفارق الابتسامة وجهه طيلة تلك الأيام وكان فرحاً جداً، وكنا جميعاً على نفس الشعور فرحين لأننا مقدمون على تقديم شيئ ثمين نوعاً ما لمرضاة الله عز وجل ثم لأجل الوطن، كان محمد يسرح في فكره إلى مستوطنات "غوش قطيف" ويقول :هل معقول يا أمي أنني سأنفذ العملية وأقتل يهوداً، وأستشهد وأفوز، وكثيراً ما كنت أمضي الليل وأنا أبكي، فإذا كان النهار أهرب من غرفة إلى أخرى حتى لا يراني أحد، وفي اليوم الثالث قبل تنفيذ العملية أتاني وقال لي: والله أنا فرحان ولست فرحان بهذه العملية، فقلت له لماذا؟ فقال: لأني سأذهب وحدي ودون محمد حلس، وكان الشهيد محمد حلس أعز عليه من اخوته، وكانا يريدان أن يذهبا معاً للشهادة، حيث رجع محمد حلس يبكي لعدم إتاحة الفرصة له، فقد كانت ظروف العملية لا تحتمل إلا واحداً، ورجع ابني محمد حزيناً أيضاً، حتى أنه قال لي من شدة حبه لأخيه الشهيد حلس: ما رأيك يا أمي أن أمنحه عمليتي وبعدين يرزقنا الله بغيرها".(1/210)
وتؤكد أم نضال أن الاحتفاظ بالأسرار يبقى درجات، لأنه توجد أسرار خطيرة، وتوجد أسرار يومية عادية، فسر مثل العملية العسكرية هو سر أمني بحت ولا يمكن البوح به لأنه يشكل خطراً كبيراً علينا وعلى الشهيد نفسه، وإذا بحت بهذا السر أعرف جيداً أنه ستكون النتائج عكسية، ويمكن أن تصل المعلومات إلى العدو، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى فشل العملية".
وتضيف:"كان إيواؤنا للشهيد عماد عقل امتحاناً لي ولأبنائي في الاحتفاظ بالسر، حيث كان عماد يدخل ويخرج من بيتنا دون أن يشك بأمره الجيران، ولم يعرفوا أنه عماد عقل إلا بعد استشهاده، لذلك لم يظهر على ملامحي أي شيئ، وخصوصاً أنني احتفظت بسر هذه العملية لمدة أربعة أشهر، وعندما حددت الكتائب موعد العملية وأبلغوا ولدي محمد الذي أبلغني، وكان ذلك قبل شهر من موعد تنفيذ العملية، كنت أتصرف بشكل اعتيادي، ولم تظهر عليّ أي بوادر بأن هناك أمراً خطيراً أحتفظ به، فكنت أتصرف بكل تلقائية".
ولم تنقطع جموع الصحفيين والصحفيات عن ارتياد منزل أم نضال عقب العملية، مذهولين لجسارتها، مندهشين لقوة إرادتها وثبات فؤادها، مستغربين عملها وصنيعها الذي يبدو كالعملة نادرة الوجود هذه الأيام، إلا أنها تواجههم بلطف، وتستقبل أسئلتهم بثقة وهدوء قائلة:" لقد شرفنا الله بالعيش في هذه الأرض المباركة، أرض الرباط والمقاومة، فكيف لا نرابط ولا نقاوم، هكذا ربيت أبنائي وهكذا هم".(1/211)
وتضيف :"أنا أحب ابني محمد كثيراً، فهو قريب جداً إلى قلبي، وعندما أتذكره أشعر بحاجة إلى البكاء، ولكنني أعزي نفسي بأنه ذهب عند من هم أفضل مني، فأنا قدمته من أجل الله، لأن الله غالٍ ويستحق منا أن نقدم له كل ما هو غالٍ ونفيس، وأنا لم أكن لأقدم ابني إلا نتيجة لإيماني بالله، فقد كنت أشجعه، وأقوي قلبه، وأحكي له القصص، وأزوده بالروحانيات والمواقف الإيمانية، حتى تشكلت لديه عزيمة عالية، وكانت أمنيته الوحيدة أن يستشهد في سبيل الله، وقد قلت له عندما ودعته في شريط الفيديو: "يا بني، أنت فلذة كبدي، وأغلى ما أملك في حياتي، وليس من السهل على الأم أن تفرط بفلذة كبدها بسهولة إلا لشيئ عظيم، وليس هناك أغلى من الدين والوطن لتدافع عنهما وتستشهد، وها أنا أهبك اليوم لتنتقل من هذه الحياة إلى حياة أفضل في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء، وأفعل ذلك لأني أحبك، وأريد لك الخير، يا بني اذهب على بركة الله، واجعل دماء الأطفال محمد الدرة، وإيمان حجو، وغيرهم، ماثلة أمام عينيك، انتقم لهم ولشعبك الذبيح".
وتوضح أم نضال أنها كانت آخر من تحدث معه ابنها قبل استشهاده، حيث اتصل بها من داخل المستوطنة التي اقتحمها، وأخبرها أنه نجح بالدخول بعد أن قص السياج، وطلب منها الدعاء له، حيث تقول:"لقد أغلق محمد الهاتف، بعدها شعرت وكأن شيئاً قد اقتلع من جسدي، فتمالكت نفسي، ودعوت الله أن يمكنني من رؤية جثمانه الطاهر، وبعد 18 ساعة من استشهاده عاد الجثمان، واستجاب الله لدعائي، وكحلت عيوني برؤيته، لقد كان الجثمان سليماً، ولم يحدث له أي شيئ سوى بعض الطلقات في الرأس، وكان وجهه يشع نوراً، وظل دمه ينزف رغم مرور 18 ساعة على استشهاده حتى روى الثرى".(1/212)
وذات مرة هاتفتها قناة الجزيرة الفضائية في برنامج حوار مفتوح، حيث سألها المذيع غسان بن جدو عن كيفية إرسالها ابنها لتنفيذ عملية استشهادية وعلمها بالعملية، وتوديعها لابنها قبل التنفيذ، وإطلاقها الزغاريد وإقامتها الاحتفالات عقب استشهاده، مؤكداً لها أنه لا يستطيع أن يدفع ابنه يوماً ما لتنفيذ عملية، ولا يعتقد أن زوجته ستحذو حذوها وتسمح لابنها بذلك، ولا يعتقد أن عدداً من العالم العربي و الإسلامي سيقومون بهذا العمل، داعياً إياها لتفسير صنيعها، فأجابته قائلة: "يا سيدي، إن أولادنا أغلى من أرواحنا، ولكن نحن نتصور أنهم أغلى شيئ في حياتنا، إن الله – سبحانه وتعالى- هو أغلى منهم، فهو يعني أنه إذا لم تكن حياتنا لله عز وجل فما قيمتها يا أخي؟ أؤكد لك أن ابني أغلى من نفسي، ولكني أقدم له الخير، وأنا أضحي به، وأعلم أن الخير كل الخير في هذه التضحية، قدمته وهو غالٍ عليّ، ولكن لأجل الأغلى، لأجل الأسمى، إن هناك أرضاً محتلة، هناك أعداء، هناك همجية، وهناك الكفر الذي يحمله العالم الغربي ليطغى على الإسلام، ويريد أن يدمر الإسلام، ونحن ساكتون متخاذلون، ماذا ننتظر يا أخي؟ إن ابني ليس أغلى من الإسلام، إني أقدمه هدية وقرباناً لله عز وجل ولدينه القويم ليحمي هذا الدين، ولترتفع راية "لا اله إلا الله محمد رسول الله" على ربوع فلسطين وكل ربوع العالم، وإذا لم نجاهد يا أخي فسيطغى الكفر على العالم، من لهذا الدين إذا أنا بخلت بابني وغيري بخلت بابنها، فمن يدافع عن هذا الدين؟ ومن يدافع عن هذا الوطن؟ وقد ظلمنا ومورست علينا كل أنواع الظلم في هذا الوطن الغالي، فكيف نسكت ونتخاذل؟ هل نبيع أوطاننا كما باعها الآخرون، لا والله لا ولن نرضى بذلك".(1/213)
وكأن مقدم البرنامج لم يفهم بعد حقيقة السر الذي دفع امرأة كأم نضال لتقديم فلذة كبدها مع كل ما يعتمل فيها من مشاعر الأمومة، فأعاد عليها السؤال مجدداً فأجابته – أيضاً- بإصرار :"والله يا أخي أنني عندما ودعته بعلم كامل عن العملية، لم يكن ذلك جهلاً مني بحقيقة الموت والحياة، فنحن ليس هدفنا - فقط- أن نعيش، فهدفنا أن نرضى الله عز وجل، هو غايتنا الأولى والأخيرة في هذه الحياة، لقد ودعت ابني وهو غالٍ عليّ أشد ما يكون، ولا يتصور أحد من الناس أن ابني كان رخيصاً عليّ لهذه الدرجة، فأنا أبكي عليه ليل نهار، لكن ولله الحمد فأنا غير نادمة وغير جازعة، وأنا لست ممن فقدوا الأمل فدفعوا أبناءهم للموت، لا فأنا تمنيت لابني الحياة الأفضل، ومن يقول بهذه الدعاوى يجهلون حقيقة الإيمان وحقيقة الدين الإسلامي، فحقيقة الإيمان تدعونا إلى التضحية في سبيل الله، فالتضحية في سبيل الله هي الحياة الحقيقية التي تجلب السعادة الحقيقية لنا في الدنيا والآخرة، ووالله ليست لنا حياة سعيدة بغير جهاد، فالجهاد هو حياتنا، وإذا لم تكن هناك حياة جهادية في أنفسنا وفي أرواحنا فوالله لا نكون أحياء، عندها نكون أمواتاً، فأي حياة لنا ودين الله ينتهك، وحرماتنا تستباح ليل نهار، وأرضنا محتلة، والظلم يمارس علينا بكل أنواعه؟ فهل هذه هي الحياة؟ أنها ليست بحياة، ومن هنا فقد دفعت ابني للتضحية في سبيل الله، وقد كان مندفعاً بشكل جنوني للتضحية في سبيل الله، والله لو ترى يا أخي أشبال فلسطين وشباب فلسطين يبكون تحرقاً وشوقاً للجهاد في سبيل الله والعمليات الاستشهادية، ليس يأساً من الحياة كما يقول البعض، وإنما لأنهم ينتظرون حياة أفضل من حياتهم، ويدفعون بحياتهم لأجل حياة الآخرين، ففي موت أبنائنا حياة للآخرين، وحياة للإسلام، وعزة للإسلام".(1/214)
وحينها سألها سائل عن التغيير الذي طرأ على حياتها عقب استشهاد نجلها البكر نضال، لتصبح أماً لشهيدين :محمد ونضال، أجابته قائلة:"أبداً، لم يتغير أي شيئ، فقط ازددت عزة وكرامة وشرفاً، لا يهمني أن يكون عندي شهيدان أو ثلاثة وحتى لو استشهد جميع أبنائي، المهم أن نعمل بما يرضى الله عز و جل، وأن نجاهد في سبيل هذا الوطن، فهذه نعمة من الله، ونحن في خدمة الدين والوطن، لذا فإني أعتبر نفسي أماً لكل الشهداء وليس فقط لمحمد ونضال".
ولا تبخل أم نضال على أخواتها النساء الفلسطينيات، فتحنو عليهم بكلماتها الرقيقة الوديعة قائلة:" ابني الشهيد هو خير من يبرني، فهو الذي سيشفع لي بشهادته يوم القيامة، ومن كانت تحب ولدها فلتحذو حذوي، ولتعطه أغلى ما تستطيع، وأغلى ما يمكن أن تقدمه هو الجنة".
وحين زعمت ملكة السويد أن الأمهات الفلسطينيات يرسلن أبناءهن إلى الموت، انبرت أم نضال لتفنيد مزاعمها وتقول بلسان الواثقة المطمئنة إلى نبل الوسيلة والهدف والرسالة:" إن هؤلاء لا يفهمون الإسلام، ولا يعرفون أننا نتطلع إلى حياة أفضل من الدنيا، وكما قيل أطلب الموت توهب لك الحياة، إن هؤلاء لا يفهمون أن الإسلام ليس صلاة وعبادة وشعائر دينية فقط، وإنما هو صلاة وعبادة وأداء شعائر وجهاد وقتال ضد الكفرة والمعتدين والمحتلين، وما أصابنا اليوم من ذل وهوان هو بسبب تركنا للجهاد، وقد ربيت أبنائي جميعاً على حب المقاومة والجهاد في سبيل الله وعدم الخوف من الشهادة، بل وطلبها، وأتمنى لكل امرأة فلسطينية مسلمة أن تعرف دورها وواجبها نحو الله سبحانه وتعالى، ونحو وطنها وشعبها، فالمرأة الفلسطينية مطلوب منها أن تحمل الأمانة وتؤديها، وأمانتها هي تربية الأجيال للدفاع عن الوطن والمقدسات، فهي أساس الصبر، وهي التي تزرع روح الجهاد والتضحية والمثابرة في نفوس أبنائها، وإن لم تفعل المرأة ذلك فلن يتحقق لنا النصر".(1/215)
ولم تتأخر أم نضال عن إبراق رسالة إلى الشعب الفلسطيني قائلة:"أقول لشعبي آية قرآنية واحدة (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)، فنحن لا نحتاج إلا إلى مزيد من الصبر والثبات والتضحية، ورغم عظم التضحيات فلا بد من الاستمرار في التضحية، لأننا إن لم نضح من أجل التحرر من الاحتلال فلن يأت أحد من الخارج ليضحي عنا ويحرر لنا وطننا".
كما لم تتأخر أم نضال عن إبراق رسالة لجميع المسلمين قائلة:" أناشد كل المسلمين أن يستيقظوا، كفاهم نوماً، فلينهضوا من سباتهم العميق لينصروا دينهم، فوالله لو تمسك المسلمون بدينهم فلن تهزمهم قوة في العالم، فالحق دائماً أقوى من الباطل، مهما علا الباطل أو انتفخ، أو بلغت قوته واستكباره، أو كثر أتباعه ومؤيدوه".
تلك هي أم نضال، وتلك هي قصتها، وكلماتها، وأفكارها. هي أم في حقيقتها، لكنها أمة في أم، وأم تجسد أمة، أمة بكل عظمتها وقوتها وعراقتها، أمة بكل شموخها ورسوخها وثباتها، أمة هي رحم للبطولة والفداء والجهاد، وأم هي محضن للرجولة والبذل والاستشهاد، هي أم لكنها أمة في جسد أم. هي – في حقيقتها- مدرسة شاملة، كاملة، متكاملة، مدرسة في القيم والأخلاق، مدرسة في غرس صنوف التضحية والاستشهاد، مدرسة في الثبات على المبدأ، والانتصار للحق، وبذل الغالي والنفيس في سبيله، مدرسة في حب الله، والعمل لدينه، واستفراغ الوسع لأجل رفع رايته، مدرسة في كل شيئ.
فماذا تنتظر فتيات ونساء وأمهات فلسطين والعرب والمسلمين، إذا كانت أم نضال واحدة من أمهاتنا، وواحدة من رموز عزة وشموخ أمتنا بعد أن سقطت كل الرموز وتداعت سائر الأنظمة، ماذا ينتظرون بعد أن سمعوا ورأوا وعايشوا حياة المجاهدة الكبيرة أم نضال فرحات؟ وهل بقي بعد ذلك مكان للصمت أو التكاسل، أو متسع للعجز أو الانتظار؟(1/216)
وكما كانت أبية شامخة قبل استشهاد فلذة كبدها محمد، فإن أم نضال بقيت عقب استشهاده بل زادت نفسها إشراقاً، وروحها عظمة، وكيانها حماسة وعنفواناً، فآثرت أن تخط بيديها رسالة جليلة، خاطبت فيها أطرافاً عديدة، وبثت من خلالها أفكاراً عديدة، وهدفت من ورائها إلى تحقيق أهداف عديدة، وهي كما يلي:
نص رسالة أم نضال فرحات
بسم الله الرحمن الرحيم
?ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ?
الحمد لله رب العالمين ناصر المؤمنين وهازم الكافرين والصلاة والسلام على إمام المجاهدين نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
بداية أوجه تحياتي وإكباري لأبناء شعبي العظيم شعب البطولة والفداء شعب العطاء والتضحيات. أقدم تحياتي وإجلالي لوطني الحبيب الذي ترعرع وشب على أرضه وترابه الطاهر محمد البطل الذي أظله بسمائه وأطعمه من طعامه وسقاه من مائه.
إلى الشعب الفلسطيني؟؟(1/217)
يا شعبي الذبيح يا شعبي السجين يا شعبي المحاصر يا شعبي الصابر على أقبح ألوان الظلم. أناشدكم بالله رجالاً ونساء وشيوخاً وأطفالاً ألا تيأسوا من نصر الله الذي وعده لعباده المؤمنين فالنصر والتمكين للمسلمين آت بإذن الله لا محالة ولكن طريق النصر هذه مفروشة بالتضحيات الجسام، لا تسأموا الجهاد، لا تملوا الصبر فهو والله سبيلنا الوحيد إلى نيل حقوقنا المغتصبة فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ووالله لأنتم الأعلون بإسلامكم وإيمانكم بالله رب العالمين ناصر المؤمنين.. فإني أشد على أياديكم يا أبناء شعبي البطل أن تواصلوا العطاء، وتتحملوا التضحيات، فتضحياتنا هذه والله لهي ثمن النصر والتمكين وثمن الجنة من بعد ذلك، فشتان بين ما نريد وما يريدون، فهي بالنسبة لنا إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة . فوالله لقد سطر شباب فلسطين المغاوير أسطورة المقاومة لجهاد الشعوب وكفاحها ضد الظلم والعدوان، فليتعلم العالم منا هذا الكفاح وهذا الصبر من أجل أن ترتفع راية الإسلام فوق ربوع وطننا السليب كما كانت، وترجع الحقوق إلى أهلها الحقيقيين وإني من على هذا المنبر الأبي أناشد أخواتي الفلسطينيات أن يقفن من وراء أبنائهن وأزواجهن وإخوانهن وآبائهن يشاركنهم الجهاد بالصبر والثبات وتربية الأبناء على موائد القرآن ليس حفظاً فقط ولكن تطبيقا وعملا وزرع الإيمان في قلوبهم، هذا الإيمان الذي سيدفعهم حتما إلى مقارعة أعداء الله فإذا غرسنا بذرة الخير في الطفل فسوف يعرف ما له وما عليه وسيعرف كل معاني الخير ويتعلق بها وليس لنا خير في هذه الدنيا سوى ديننا الذي هو عصمة أمرنا كله وبعد ذلك لا يصعب عليه شيئ وسيحمل سلاحه ويحمي هذا الدين.
أيتها الأخت المسلمة..(1/218)
بالله عليك أن تربي ابنك على حب الله وطاعته، واغرسي بذرة التقوى في قلبه غرسا جيدا، ربيه يا أختي على حب الجهاد والاستشهاد في سبيل الله،،، فالوطن المغتصب بحاجة ماسة لمن يذود عنه، عن هذا الشعب المسلم المظلوم وقد تخلى عنه الجميع، فهل ننتظر حتى يأتينا المدد من خارج فلسطين ... والله الذي لا إله إلا هو لنحن قادرون.. قادرون على أن نسترد حقوقنا كاملة، وننتزعها انتزاعا من بين أنياب هذا العدو الغاشم، ووالله لن ترهبنا دباباتهم وطائراتهم وصواريخهم فهي أوهن من بيت العنكبوت إذا تمسكنا بديننا، وتقوينا بسلاح الإيمان الذي يفوق كل أسلحة التكنولوجيا المتطورة، إن السلاح ليس بذاته ولكن بالذي يحمله.. أناشدكم يا أخواتي يا نساء فلسطين الصابرات الصامدات ألا تبخلن على الله بفلذات أكبادكن، فوالذي نفسي بيده لهو أرحم منا عليهم . فلا تبخلن على أبنائكن بالجنة التي وعدها الله للشهداء والمجاهدين، فهذه فرحتنا نحن وأبناؤنا وإخواننا وأزواجنا وآباؤنا أن نفوز بإحدى الحسنيين.
إلى الحقير شارون؟؟(1/219)
وأوجه كلمتي إلى الحقير شارون وأقول له، يا شارون الجبان المتحصن هو وجنوده وشعبه وقطعان مستوطنيه بكل الحصون، لماذا هزمك ابني محمد؟ وجندل جنودك الذين قهروا تحت ضربات مجاهدينا الأبطال.. وعلمك يا شارون أن وراء محمد آلاف مثله ينتظرون بفارغ الصبر، يريدون أن ينقضوا على جنودك، ليطحنوهم بأسنانهم ويمزقوهم بأظافرهم، لقد اخترق محمد بسلاحه البسيط كل الجدر المحصنة، ونفذ إلى عقر دارك وما هي بدارك، وقارع جيشا بأكمله، وهزمهم شر هزيمة، هؤلاء الفتية الذين لم تتجاوز أعمارهم أعمار الزهور، يتحرقون شوقا للجهاد في سبيل الله، والله أعلم أن الواحد منهم ليبكي أشد البكاء لعدم إتاحة الفرصة له بالجهاد، فماذا تنتظر وماذا ينتظر الصهاينة المحتلون نقول لهؤلاء ارحلوا عن أرضنا قبل أن يأتي جند الله يحرقون الأرض من تحت أقدامكم، عودوا إلى أماكنكم التي جئتم منها فلن يطيب لكم عيش بعد اليوم على هذه الأرض حتى لو قتلنا جميعا، وشتان بين قتل وقتل فقتلانا في الجنة إن شاء الله وقتلاكم في النار.
لأبي عمار وأجهزة السلطة؟؟
وأوجه كلمتي الأخيرة للأخ أبو عمار والأخوة في كافة أجهزة السلطة، وأقول لا تحتقروا كلام امرأة بسيطة من شعب مقهور، وأقول لكم اختاروا خيار شعبكم، خيار المقاومة فوالله لهو الخيار الحق، وأشرف سبيل توصلنا إلى نيل حقوقنا، فعدونا متغطرس لا يعرف إلا لغة القوة فقط.
إخواني أخواتي أبناء شعبي البطل أتقدم إليكم بالشكر العظيم لهذه الحفاوة البالغة بابنكم البطل محمد فتحي فرحات فهو ابنكم جميعا وليس ابني فقط.
وفقكم الله لما فيه خير أمتنا ورفع بكم راية الإسلام خفاقة عالية فوق ربوع فلسطين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختكم / أم نضال فرحات
والدة الاستشهادي محمد فتحي فرحات
الأحد 10/3/2002م
أم أحمد العابد
"والدة الاستشهادي محمود حسن العابد"(1/220)
... عرف الرجال بقوتهم، وصلابتهم، وشجاعتهم، ورباطة جأشهم، وثباتهم في مواطن الشدائد، وتماسكهم في وجه نوائب الأيام وفواجع الدهر، كما عرف النساء بضعفهن، ورقتهن، وخوفهن، واهتزازهن لحظات الألم والشدة، بل وانهيارهن أوقات الفواجع والمصائب والأزمات.
تلك قاعدة عامة أرستها تجربة الحياة، وحاكت ملامحها الفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها، والتي شيدت في نفوس النساء عاطفة قوية جياشة تلازمها على الدوام، ونزوعاً إلى الرقة والحنان، لاعتبارات تتعلق بطبيعة دور ووظائف واحتياجات الأنثى، مما يجعلها أقوى ميولاً إلى الشئون العاطفية منها إلى الشئون العقلية في أحيان كثيرة في سياق الحكم على الأشياء، والتعامل مع واقع وحقائق الحياة، إلا أن تلك القاعدة لم تكن – دوماً- لازمة ثابتة ليس للاستثناء إليها سبيل، بل شهدت هذه القاعدة الكثير من الاختراقات على مدار التاريخ الإنساني، ومع ذلك لم تتطور هذه الاختراقات إلى ما يشبه الحالة أو الظاهرة التي تكسر احتكار وتفرد القاعدة، وبقيت استثناءات مجردة قد ترتفع أو تنخفض – أرقاماً وإحصاءً- ما بين جيل وآخر، وقد تتفاوت لحظة تاريخية وأختها، وفقاً لمدى التطور والارتقاء الفكري والعلمي والإنساني الذي تعيشه المجتمعات البشرية.
ومما يبدو فإن هذه القاعدة قد فقدت بريقها، وخبا وهجها، لصالح موجات من الاختراقات والاستثناءات التي قد تتطور –لاحقاً- إلى ظاهرة حقيقية، تجعل من تفرد القاعدة وعمومية هيمنتها أمراً منسياً.
فقد شهدت انتفاضة الأقصى المباركة نماذج رائعة من النسوة اللاتي نفضن عن أنفسهن رياح الخوف والضعف والرقة، وامتشقن زمام القوة والصلابة والشجاعة والإباء في مشاهد يعجز عنها، ولا يملك القيام بها والمبادرة بشأنها، الكثير الكثير من الرجال، أولي القوة الظاهرة، وذوي البأس الشديد.(1/221)
ولا يعني تصدر هؤلاء النسوة أن البقية ليست على ذات النهج والطريق، أو أن قلة الخنساوات اللاتي تبرزهن الكاميرات، ويظهرن على شاشة الفضائيات، تعني محدودية لهذه الفئة، أو قصراً لها على عدد قليل من النسوة دون الأخريات.
فالواقع أن انتفاضة الأقصى أحدثت نقلة نوعية هائلة في الفكر والنفسية الفلسطينية، أعلت من قيم الجهاد والمقاومة والثورة، وأججت روح التحدي والبسالة والإقدام، ورفعت من شأن الشرفاء والمخلصين الذين عضوا على الثوابت، وتشبثوا بالحقوق، واسترخصوا دماءهم وأموالهم نصرة للحق، وذوداً عن حياض الوطن والقضية، فيما خفضت من شأن المطبعين، والمساومين، والمتنازلين، وأذلت ناصيتهم، وكشفت سوءاتهم، وفضحت حقيقة مواقفهم وتهافتهم أمام شعبهم.
وفي هذا الإطار المفعم بعظمة الروح الجهادية، الملتهب بنيران المقاومة والكفاح، كانت المرأة الفلسطينية تشق طريقها لتتبوأ مكانتها الرائدة كمكون أساسي من مكونات الانتفاضة، وداعم رئيسي لفعالياتها وأنشطتها، ومكافح دائب لاستمرارها وتواصلها، لتمارس كافة أشكال العمل المقاوم، بدءاً بالإسناد المعنوي واللوجستي، مروراً بالمساعدة الفعلية وتوفير سبل وأدوات الدعم للمقاومين، وصولاً إلى الممارسة الميدانية العملية التي بلغت ذراها بحمل السلاح وتنفيذ العمليات الاستشهادية.
وكانت رعاية الأبناء، وتربيتهم التربية الجهادية الحقة، وإرسالهم إلى سوح الوغى، وميادين القتال مع العدو الصهيوني، أحد الأدوار البارزة التي لعبتها المرأة الفلسطينية إبان الانتفاضة الراهنة.
فكم من أم احتضنت ابنها، ورعت جهاده، وباركت سعيه، ووقفت تودعه، بكل عظمة وجرأة وشموخ وإباء، على أعتاب تنفيذ عملية، دون أن يبدر عنها أي تردد، أو يخالجها تراجع أو نكوص.(1/222)
وكم من أم نذرت أبناءها في سبيل الله تعالى، وجعلت منهم وقفاً لمسيرة الجهاد والمقاومة والاستشهاد، يبذلون جهدهم، ويباشرون جهادهم، حتى إذا كانت الشهادة حليفهم، عقب إثخان في العدو أو اغتيال غادر من قواته، تلقفت الخبر بروح راضية، واثقة، مطمئنة، تشعّ رضى وقناعة وحمداً لله على فضله ونعمائه.
وكم من أم لا تزال على موعد مع ارتقاء أبنائها المجاهدين أو زوجها إلى العلا، وحيازة كرم الشهادة وفضلها العظيم، إلا أن إرادة الله لم تشأ لهم – بعد- الانتقال إلى جواره الطاهر، وصفوته المختارة من الشهداء البررة، فلا تزال تنتظر، وتنتظر، حتى يفوز زوجها أو أبناؤها أو أي منهم بنور وعبق الشهادة أو يعييها الترقب والانتظار!
كل هؤلاء وهؤلاء كثير، لا تعرف الكاميرا إليهن طريقاً، ولا يدرك الصحافيون من مراسلي وسائل الإعلام إليهم سبيلاً، إما لأنهم يرجون تجارة رابحة لن تبور مع الله تعالى، وهم في سبيل ذلك لا يتوخون الظهور وكشف المستور خشية من الرياء وخدش الإيمان والعقيدة، وإما لأن حال البساطة التي نشأوا عليها، وترعرعوا في ظلالها، تحول بينهم وبين أضواء الفلاشات والكاميرات، وما يتطلبه ذلك من حوارات ولقاءات قد تشكل نوعاً من التعقيد لا تحبذه كثير من الأسر الفلسطينية.
ومن هنا فإن الأمهات اللائي عرف العالم سيرتهن، وتناقلت الفضائيات ووسائل الإعلام حكايتهن ودورهن في إذكاء روح الجهاد، ورفد مسيرة الاستشهاد بفلذات أكبادهن، ما هن إلا غيض من فيض الأمهات اللاتي عملن – بصمت- في الخفاء، ومارسن هذا الدور البطولي المشرف بكل جدارة واقتدار، وأدين رسالتهن السامية دون أن يشعر بهن أحد، أو يعرف بحقيقة أمرهن وطبيعة فعلهن أحد.(1/223)
وقد كانت المجاهدة نعيمة العابد "أم أحمد" والدة الاستشهادي محمود العابد إحدى الأمهات الماجدات اللاتي آثرن إبراز دورهن والمكاشفة بصنيعهن، رفعاً للروح المعنوية للشعب الفلسطيني، وتحفيزاً لكثير من الأمهات على سلوك ذات الدرب، وممارسة ذات الدور والصنيع، تأسيساً واقتداءً.
أم أحمد العابد، تاريخ ناصع معبد بالكفاح والتربية، وسيرة عطرة حافلة بالتضحية والعطاء، سطرت فصولها بالجد والاجتهاد والعرق والنحت في الصخر، فكانت أماً مثالية تلقفت أبناءها ُمذ فتحوا أعينهم على نور الحياة فتعهدتهم بالرعاية، وغرست فيهم بذور الإيمان والأخوة والتضحية والعطاء، وزرعت في نفوسهم العقيدة الراسخة والإرادة الصلبة والعزيمة الفتية، حتى أينع غرسها، واستوى على سوقه، وحانت لحظة القطاف، وجني الثمار، وأضحى أبناؤها شباباً يافعين، مؤهلين لرفع الراية، وحمل الأمانة، وأداء الرسالة، قادرين عل البذل من جهدهم وعرقهم ما تقر به عيون شعبهم ووطنهم.
كان محمود أحد هؤلاء الأبناء، نتاج الغرس الطيب الصالح للأم الطيبة الصالحة، وثمرة التربية الإيمانية والاستقامة الأخلاقية التي ما فتئت أم أحمد تزرعها في نفسه، حتى تشبعت بها خلاياه، وامتلأ بها كيانه، فبات ينتظر بشغف لحظة السعادة الموعودة التي ستحقق أهدافه وتلبي طموحاته، وتشيع في قلبه سكينة الحق واليقين، وطمأنينة الإفضاء إلى الله، هادئ النفس، مرتاح البال، وقد أدى واجباته، واستكمل فرائضه، وأنهى التزاماته، دون أي تخاذل أو تقاعس أو تقصير.(1/224)
وفي غمار شوقه للشهادة، وحنينه للقاء الله، مقبلاً غير مدبر، مثخناً في العدو جراحاً وتقتيلاً، كانت والدته أم أحمد ترقب مسيرته، وترصد تفاصيل حياته، لتضمن له الثبات على المبدأ، والشجاعة عند اللقاء، ودوام التحلي بالقيم والأخلاقيات، والاستقامة على نهج الأخيار وطريق الصالحين، وكأنها لا تريد لحياته الناصعة وما اكتنفته من جدّ واجتهاد، وتربية وعطاء، أن يشوبها شائبة، أو يعكر صفوها نقطة سوء طارئة، أو تجاوز محتمل، أو هفوة عارضة، فهديتها إلى الله ينبغي أن تكون على أفضل وجه، وأحسن حال.
وقد استمرت أم أحمد على هذه الشاكلة، وكم كانت فرحتها عظيمة وسعادتها بالغة حين أنبأها ابنها محمود بخبر التحاقه بكتائب القسام، وانضمامه إلى صفوف إحدى الوحدات الهجومية المختارة فيها، داعياً إياها إلى الشدّ من أزره، ودوام دعمه ونصرته، وتكثيف الدعاء له، والتضرع إلى الله أن يسدد رميته، ويصيب هدفه، ويخلص وجهته.
وفي كل يوم جهادي من أيام جهاد نجلها محمود كانت أم أحمد تدرك أن ساعات البقاء قد بدأت في النفاذ، وأن لحظة الفراق آتية لا ريب فيها، وأن مآل جهاد وتضحية ابنها سيكون ارتقاءً وشهادة، وأن عمله وكفاحه سيثمر عزّاً ورفعة وكرامة على هامها، وهام أسرتها، وهام شعبها.
لم تجزع أم أحمد لهذه المستجدات التي طرأت على حياتها، وصبغتها بألوان غير تقليدية، عمادها التضحية والصبر والثبات، ولم يهن قلبها المشحون بحب محمود من جهة، والمحمل ببغض الاحتلال من جهة أخرى، حيث وطدت نفسها على احتمال الشدائد والملمات، وجعلت من كيانها مستودعاً للصبر الجميل والعزم الأكيد.(1/225)
ومع كل غدوة جهادية أو روحة يروحها محمود في سبيل الله، ابتغاء إيلام القوم، والظفر بهم في مقتل، كانت أم أحمد تشعر أن قلبها يكاد ينخلع من بين جوانبها، وأنه يرحل مع محمود في كل غدوة ورواح، إلا أن إيمانها الفتي، وعزمها الوثاب، وإصرارها الراسخ سرعان ما يطغى على مشاعرها ويستبيح كيانها ويخفف عنها وهج فؤادها المستعر، ولظى المصاب المنتظر.
كانت أم أحمد تقضي الساعات الطوال، ما بين تفكر وشوق لابنها، وتضرع ملحاح إلى الله تعالى أن يحقق أمانيه، وينصره وإخوانه المجاهدين، ويتقبله في عداد الشهداء المؤمنين الصالحين.
كانت تنتظر بين لحظة وأخرى أن يأتيها الناعي بخبر الشهادة، ويبشرها بالفوز المبين الذي ظفر به نجلها الميمون، إلا أن الانتظار قد طال، والموعد مع الشهادة لا زال غير قريب، حتى كان ذلك اليوم الذي أسبلت فيه جفنيها، وأغمضت عينيها، صباحاً، لترى رؤية جميلة أثلجت صدرها، وأزاحت عبء الانتظار عن كاهلها، أدركت معها أن الموعد قد اقترب كثيراً، وأن الشهادة باتت قاب قوسين أو أدنى، وأن ساعة رحيل ابنها وانتقاله إلى الرفيق الأعلى قد أزفت، فبدأت تعد الثواني والدقائق والساعات، وتخالها دهراً كاملاً، وزمناً غريباً يمر ببطء وتثاقل، حتى إذا حلّ المساء وغابت الشمس عن السماء، وتسللت العتمة الداكنة إلى الأجواء، أتاها البشير بالخبر اليقين، وزف إليها النبأ الذي انتظرته طويلاً بفارغ الصبر، لتصبح أم الشهيد، وتندرج في عداد الخنساوات العظيمات اللائي بذلن من آيات التضحية والجلد والمصابرة ما لم ينقل عن كثير من نساء الأولين.
استقبلت أم أحمد الخبر ببشر وحبور كبيرين، فهذه هي اللحظة التي طالما تمنت وقوعها، وأطلقت العنان لذاكرتها في الاسترسال، مستعرضةً مراحل ومفاصل وتفاصيل ودقائق حياة نجلها، واللحظات الأخيرة التي سبقت استشهاده.(1/226)
تذكرت طفولته وصباه وشبابه، تذكرت كلماته لها حينما كان يشاهد عملية استشهادية على التلفاز قائلاً:"هل ستفرحي لي يا أمي إذا نفذت عملية استشهادية كما أنت سعيدة الآن بنبأ هذه العملية"، وتذكرت حينما جاءها قبل استشهاده بفترة، وأخبرها أنه ينوي تنفيذ عملية جهادية ذات صبغة استشهادية، وكيف شجعته على ذلك، وحثته على إعلاء الهمة وتوطيد العزم، ودعت له بالسداد والتوفيق، وكيف كانت ملامح وجهه التي تبدو عليها سيماء الشهادة.
تذكرت مجيئه إليها يوم استشهاد الشهيد محمد فرحات، ودعوته لها بالذهاب لتهنئة والدة الشهيد محمد، وكيف ردت عليه بالإيجاب، إلا أن انشغالها ببعض أمور البيت قد حال بينها وبين الذهاب، وكيف عاد إليها مجدداً في اليوم الرابع لعرس الشهادة، وسألها:"ألم تذهبي يا والدتي إلى بيت الشهيد فرحات؟ وكيف ردت عليه قائلة:"اليوم هو رابع يوم للاستشهاد وسأذهب إن شاء الله"، وكيف عقب على قولها :"هذا فرح بالشهادة وليس عزاءً يا أمي، فاذهبي لتهنئة والدة الشهيد فرحات".
تذكرت يوم وداعه قائلة:"جاءني ولدي، وقال لي سأخرج لتنفيذ عملية ولن أعود، فقلت له: توكل على الله يا بني، فطلب مني أن أدعو الله له، كما طلب مني أن أرافقه أثناء تصوير شريط الفيديو الذي تبثه محطات التلفزة، والتقط معي صوراً تذكارية، وقرأ لي نص وصيته فأعجبتني، وقلت له: إنها جيدة ومعبرة".(1/227)
تذكرت كيف بدا محمود هادئاً على شريط الفيديو أثناء التصوير، وقد ارتدى زياً عسكرياً مموهاً، ورفع بندقيته، وتلا بياناً وصف فيه مهمته، وكيف جلس إلى جوارها، مؤكداً أنه سيقوم بعملية بالغة الأهمية، وأن الله معه ويوفقه وأن والده ووالدته يؤازرانه ويقفون إلى جواره لأنه يدافع عن حقوق بلاده وما أكدت عليه والدته من أنها لن تفقده لأن مصيره الجنة، قبل أن يهب واقفاً ويقبلها على جبهتها، ويضع عصابة رأسه الخضراء على جبينها ويسلمها بندقية، ثم تجمع بينهما اللقطة الأخيرة التي وقفا فيها متشابكي الأيدي، فيما أمسك كل واحد منهما ببندقية، والابتسامة تعلو ملامحها، وتزين ثغرها، وترتسم على قسمات وجهها.
تذكرت صنيعها عقب استشهاده، وقتله ثلاثة جنود صهاينة وجرحه اثنين آخرين إبان الاشتباك المسلح قرب مستوطنة "دوغيت" شمال قطاع غزة مساء السبت 15/6/2002م، وكيف أن الابتسامة لم تفارق وجهها، والعصابة الخضراء التي منحها إياها محمود لم تفارق جبهتها، في الوقت الذي وقفت فيه تستقبل المهنئين في عرس ابنها الشهيد بحي الشيخ رضوان، وتشحنهم بعباراتها القوية الجريئة:"رأيت ابني قبل تنفيذه العملية، وجلست معه ساعات، وقلت له لا ترتعد أمام العدو، ولا تهدر الرصاص"، موجهة في الوقت ذاته، رسالة إلى الصهاينة المجرمين قائلة:"هذه أرض فلسطينية، وأبناء الشعب الفلسطيني ليسوا أغلى من أرضهم، ورسالة أخرى إلى الأمهات الصهيونيات قائلة:"رسالتي للأمهات الصهيونيات:لا ترسلن أبناءكن للموت في معركة خاسرة سوف ينتصر فيها الحق على الباطل".(1/228)
لم ترتبك أم أحمد أو يخالجها الاضطراب وهي تستقبل جموع المهنئات التي تقاطرت لتهنئتها باستشهاد ولدها، ولم يتسلل إليها أي يأس أو وهن وهي تروي للجموع الغفيرة حكاية الإقدام وقصة الشهادة، وتثبت فيها روح الثبات والإقدام والتضحية قائلة:"لم تعرف عين ابني النوم قبل أسبوع تقريباً من تنفيذ العملية في انتظار هذه اللحظة، ولم تكن هي محاولته الأولى لتنفيذ عملية، إذ خرج مرتين لتنفيذ عملية استشهادية قبل ذلك، لكنه غاب يومين عن المنزل دون أن نسمع عنه خبراً، وكنت أراقب الأخبار على الفضائيات في انتظار سماع نبأ استشهاده، لكنني فوجئت به يعود إلى المنزل، ولا أنكر أنني فرحت كثيراً بعودته وقبلته وحضنته، وحمدت الله أنه عاد لي، ولكني سرعان ما عاتبت نفسي وحاسبتها، وقد تكرر هذا الأمر معي كثيراً".
وهنا تذرف الأم دمعة حبيسة في مقلتيها وهي تقول:"ليس هناك من يهون عليها ولدها، ولكن تلك هي إرادة الله الذي جعل الجهاد في سبيله طريقنا، وليس ابني بغال على الله"، مضيفة "قبل أن يخرج محمود من عندي آخر مرة كان نائماً، وكنت أجلس بجواره أسترق النظر إلى وجهه، وشعرت للحظة بأن هناك نوراً يخرج من وجهه، فدعوت ربي بقلب خالص أن يرزقه الشهادة، وما هي إلا لحظات حتى استيقظ على صوت الهاتف المحمول ليخرج من أمامي كأنه طيف يمر بعد أن قبل يدي ورأسي، بينما قلبي يدعو له بالشهادة،".
ولم تتوان أم أحمد في ضرب المثل والقدوة لجميع الحاضرات حين أكدت أنها وافقت على الظهور على شريط مصور إلى جوار ولدها كي تقول أن شعباً احتلت أرضه، وانتهكت أعراضه لابد له من ثورة على المحتل حتى يخرجه بكل الوسائل الممكنة، ومنها حث أبناء الشعب الفلسطيني على الجهاد والاستشهاد.(1/229)
وتابعت بكل ثقة وكبرياء وشموخ:"والله ولدت محموداً وأنا أضحك (حيث لم تتألم أثناء وضعه)، وودعته إلى الدار الآخرة وأنا أضحك أيضاً، وفي آخر مرة ودعته فيها قلت له :لا تودعني بعد الآن يا محمود، اذهب إلى عمليتك مباشرة عندما تسنح الفرصة لك".
تذكرت أم أحمد كل ذلك، واستعرضت سائر مشاهد العزّ والفخر والإباء كشريط مصور متحرك يمر بين تعريجات ودروب ذاكرتها المحملة بهموم وشجون شعبها، وجراح ومآسي وطنها، وحمدت الله تعالى كثيراً أن وفقها لتقديم ابنها في سبيل الله، وقيض لها من قوة الإرادة وصلابة العزيمة والشكيمة وعظمة الروح والفؤاد ما أنزلها منازل الجهاد والرباط، وحشرها في زمرة الخنساوات الصالحات، وجعل من حياتها وقفاً لمسيرة الحق والإيمان، ووقوداً لقافلة الجهاد والمقاومة، وركبها الظافر الميمون الذي يشق طريقه نحتاً في الصخر، وحفراً في الأخاديد، ابتغاء إعلاء كلمة الله، ورفع شأن الشعب والأمة، وحفظ المقدرات والمكتسبات، وصيانة الحقوق والثوابت والمقدسات.
ما أعظمك من أم مجاهدة يا أم أحمد، ما أعظمك من خنساء ماجدة أصيلة، ما أعظم الروح التي تحمليها بين أضلعك، والإيمان الذي يشتعل في أعماقك، والتضحية التي في كيانك، في زمن بات فيه الخنوع سمتاً، والاستسلام مقصداً، والتخاذل طبعاً، والوداعة مفخرة، والخيانة وجهة نظر، والنكوص عن الواجب خياراً معتمداً، والتقاعس عن النصرة والتضحية والدفاع عن الأوطان لازمة ثابتة، لا تجد للجبناء عنها بديلاً، ولا يستطيعون عنها فكاكاً.(1/230)
وبكل صدق ووفاء، وسكينة واطمئنان، تخالج القلب المرهف الحنون العامر بالإيمان والإخلاص للدين والعقيدة وحب الوطن والتضحية في سبيله، قررت أم أحمد أن تمتطي صهوة قلمها لتخط بمداده ملامح ومعالم ومفاصل حياتها وحياة نجلها الشهيد، وتصوغ من سويداء قلبها وعمق موجات فكرها أحرفاً وكلمات، علها تشكل منارة لكل فلسطيني غيور، ولكل مخلص شريف أدرك الحقيقة فانحاز إليها، وأدرك الحق فعاش له، ونذر حياته دفاعاً عنه، وفيما يلي نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
- إلى كل أم عرفت الله حق معرفته وأخلصت النية في تربية أولادها وتنشئتهم تنشئة إسلامية.
- إلى كل شاب نشأ في حب الله والتزم بتعاليم الكتاب والسنة وأخلص في ذلك.
- إلى كل من أخذ محمود بيدهم وعرفهم طريق المسجد والجلسات ودروس الأحكام وحلق الذكر وهداهم الله ونور قلوبهم.
- إلى كل زهراتنا وأشبالنا الذي أحبوا كتاب الله وحافظوا على الصحبة الصالحة ومشوا في مرضاة الله.
- إلى كل المجاهدين في سبيل الله من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة الحق.
إلى كل الأمهات الصالحات الصابرات المحتسبات فلذات أكبادهن عند الله جل في علاه لتبقى راية لا إله إلا الله عالية خفاقة دائماً وأبداً. ..... أهدي هذه الرسالة.
أم أحمد العابد
بادئ ذي بدئ أردت أن أبدأ هذه الرسالة بهذه الكلمات نقلتها عن كراسة محمود وكانت بخط يده ولسان حاله يقول.....
بسم الله الرحمن الرحيم : " إنّا فتحنا لك فتحاً مبينا " صدق الله العظيم
اللهم افتح لي أبواب رحمتك......
ضع في يدي القيد ألهب أضلعي بالسوط ضع عنقي على السكينِ
لن تستطيع حصار فكري ساعة أونزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربي وربي ناصري ومعيني
نسأل الله الثبات على الحق وحسبنا الله ونعم الوكيل
محمود حسن العابد
ولدي ومهجة قلبي الشهيد محمود حسن العابد:
إني احتسبك شهيداً عند الله.(1/231)
كبر محمود وترعرع وتربى مع إخوته تربية إسلامية، وقد حرصت منذ صغر أطفالي أن أربيهم تربية إسلامية فأول ما غرست في نفوسهم عدم الكذب فتربوا على ذلك وعلى حب الخير والعطاء ومساعدة الآخرين، لأن الطفل إذا تربى تربية صحيحة ينشأ منشأً سليماً، محمود في أحد الليالي وقبل استشهاده بحوالي شهرين رجع إلى البيت في ساعة متأخرة جداً ولما سأله والده لماذا تأخرت قال له " باشتغل مع الكتائب " وطلع إلى غرفته " أبوه ظنه قالها مازحاً، قلنا ما شاء الله !!! مرة واحدة في الكتائب !!!! وتبينت بعدها أن محمود ما أحب أن يكذب على والده !!!! وطبعاً ما صدقناه لأنه دايماً مرح وفكاهي وأيضاً حرصت على تعليم أولادي حبهم لبعضهم البعض وأن يبتعدوا عن حب الذات، وعند الأكل بسم الله، لما تشبع الحمد لله، عند دخول الحمام " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ".
الحمد لله لما صاروا يحضروا جلسات وهم أطفال كان الشيخ يعلمهم هذا كله وكان أولادي يعرفونه مني قبل أن يعرفوه من المسجد. فأنا أتوجه إلى الأمهات المسلمات أن يغرسن في أولادهن كل هذه الصفات الحسنة ويراعين الله حق رعايته في تربية أولادهن لأنهن مسئولات يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة أمام الله. طبعاً في هذا الجو المسلم كبر محمود وترعرع وأصبح من أشبال المساجد، لقد كان شعلة من الإيمان وكان هادئاً خجولاً جداً كباقي إخوته منذ الصغر وكان من الأوائل في الفصل.(1/232)
عن نشاطه في مسجد الأمان: محمود كان من مؤسسي مسجد الأمان وشارك في العمل أثناء بنائه ونقل الأحجار والأسمنت والرمل وعمل فيه مع باقي الشباب والأشبال بجد وإخلاص، ففي البداية كان يذهب مع إخوته برفقة جار لنا وهو شاب إلى مسجد الرضوان كان يصطحب أولادي معه في كل صلاة لأنهم كانوا صغارا ومسجد الرضوان بعيد عن بيتنا.وبعد ذلك في مسجد التقوى وهو قريب ومن ثم لما تأسس مسجد الأمان وشارك في تأسيسه التزم فيه محمود وأصبح من رواده وأخذ يعمل جاهداً على البدء في تنظيم الجلسات وحلق الذكر ويحث الأشبال على أن ينتقوا أشبال آخرين ويحثونهم على الصلاة وحضور الجلسات, وكان محمود يهتم جداً بالأشبال حتى بالشباب الذين هم أكبر منه سناً ومتزوجين وعندهم أطفال كان يحثهم على الصلاة وعلى حضور الجلسات وحلق الأحكام والذكر، فالحمد لله محمود كان دائماً يردد:
أنا الداعي بإيماني أنا الإسلام رباني
سأعلي رايتي دوماً وأحمي صف إخواني(1/233)
وأيضاً حاول جاهداً أن يجعل من المسجد البيت الثاني لرواده وخاصة في شهر رمضان وليالي الاعتكاف فكان يبذل كل ما وسعه كي يحتضن الشباب ممن يريدون الهداية والصلاة ويأخذ بيدهم. فالحمد لله استطاع محمود وبتوفيق من الله أن يبني جيلاً قبل استشهاده.. وأيضاً سعى جاهداً مع الشباب على بناء مطبخ في داخل المسجد وجهزوه من كل شيئ فكان يأخذ من بيتنا بعض أشياء تلزم هذا المطبخ مثل العلب التي يوضع فيها الشاي والسكر والمرمية والقهوة فهذه أخذها من بيتنا وكان يشتري أغرضاً أخري حتى يتشجع الأشبال والشباب على الاعتكاف في ليالي رمضان وغيره وأيضا جهزوه بطاولة تنس للترفيه عن النفس وتنشيط أجسام الشباب, فالحمد لله هذا المسجد كان قريباً مجهزاً لا ينقصه شيئ بفضل الله... والله لقد أصبح من التائبين من الشباب والأشبال والمصلين والصائمين أكثر من ذي قبل بعد استشهاد محمود..... فمحمود كان مدرسة والحمد لله ، أيضا محمود كان في فريق كرة القدم منذ الصغر في المدرسة ونمت هذه الهواية عنده في المساجد ، فكان الأشبال بعد الجلسات يمارسون لعبة الطائرة وكرة القدم والتنس من باب تقوية الأجسام والترفيه عن النفس .
فمحمود ولدي تعلم في المساجد على موائد الإخوان المسلمين وكان قارئاً ممتازاً للقرآن صوته يشرح الصدر وكان محافظاً على صلاة الفجر باستمرار وصيام اثنين وخميس وازداد إيمانه هذا عنده أكثر فأكثر في الأشهر الأخيرة من حياته.(1/234)
محمود كان مدرباً في فريق كرة القدم في مسجد الأمان وإلى جانب ذلك كان يعطي جلسات للثانوية، وكان يزين المسجد في أيام العيد مع أصحابه وإخوانه من المجاهدين ، وبمناسبة ذكر العيد : آه بأي حالٍ ستأتي يا عيد . وأنا أقلب في مكتبة محمود وأفتح في كراساته وجدت هذه العبارة عن العيد يظهر أنه كتبها في ذكرى استشهاد صديقه وحبيبه " الشهيد مسلمة الأعرج " لأنه ما كان ينام إلا وصورة مسلمة أمام عينيه على الخزانة وكان يحب تعليق صور الشهداء في غرفته ، تقول هذه الآبيات :
جاء العيد بحلله القشيبة وثيابه البهيجة ليهيج الأحزان ويعيد الذكرى ذكرى الشهداء
يرحمك الله يا ولدي يا حبيبي وصبِرنا يا الله.
محمود في السنة الماضية 2001م وفي العطلة الصيفية عمل مدرس فقه " من كتاب فقه السنة " في مخيم الجمعية الإسلامية لمدة شهر وكان أيضاَ يعطي فترة ترفيه للأشبال الكشافة.
إنني الآن لوحدي في البيت لآخذ راحتي في البكاء وأنا أنظر إلى صورته التي أمامي.
اللهم أطفئ النار بالنور
اللهم أطفئ النار بالنور
اللهم أطفئ النار بالنور
الله يرضى عليك يا مهجة قلبي
الله يرضى عليك يا فلذة كبدي
الله يرضى عليك يا حبيبي
اللهم اجعل في قبره نوراً واجعله روضة من رياض الجنة، اللهم اغفر لمحمود ولدي.
وارفع درجته في المهديين
واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره ونور له فيه.
اللهم تقبله مع الشهداء واجمعنا معه في الفردوس الأعلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه والصديقين والأبرار.............آمين آمين يا رب العالمين.(1/235)
محمود كان دائماً يردد أمامي: " يامه كوني كالخنساء قدمت أربع شهداء " وكثيراً ما كان يناديني وأنا في المطبخ بأعلى صوته المرح... يُما !!! أحسبه يريد مني شيئاً أقول نعم يا محمود... فكان يكمل: يُما يُما لا تبكي البكا ما يفيد.... يما يما لا تبكي ابنك والله شهيد.... آه آه آه يا مه الوطن أمانة بيعه أكبر خيانة واللي باعه يا يما في النار يلقى المهانة. وأيضاَ وأنا أقلب في مكتبته وجدت الكثير الكثير بخط يده أبيات أخذت منها ولسان حاله يقول:
فالنور كيف ظهوره إن لم يكن دمنا الوقود
والقدس كيف نعيدها إن لم نكن نحن الجنود
وأيضاً وجدت بخط يده قصيدة كبيرة جداً أخذت منها هذه الأبيات بعنوان:
صرخة شهيد
يا أمتي إن الجهاد وبالذين ترينهم أمر محال
فجميعهم أبطال جعجعة أرانب في النزال
وعلى صدورهم نياشين القتال ولا قتال
رتب وتيجان لمن خاضوا المعارك في الخيال
هذا العميد وذا العقيد وذا اللوا والمارشال
والله إني لا أبالي أو أشاهر أو أغال
لو ينطق التاريخ في أيامنا هذي لقال
فليلبس القواد والضباط فستاناً وشال
وليخلعوا تلك النجوم ويدفنوها في الرمال
ولتركبوهم في الشوارع كالحمير والبغال
وأيضاً وجدت قصيدة كبيرة جداً بخط يد محمود وهي من شريط قوافل الشهداء
يا راحلين عن الحياة
أمشي على جسر المخاطر حافياً
وتثور أشواقي فأكتم ماضياً
من أجل ديني قد هجرت دياريا
وتركت أهلي في البلاد بواكيا
حب الجهاد سرى بكل جوارحي
أرخصت في درب الجهاد دمائيا
أماه إن عز اللقاء تصبري
ما كان قلبي يا حبيبة قاسيا
لكن مثلي لا يقر قراره
والجرح في جسد العقيدة داميا
أماه دمعي قد تحدر جاريا
لا تحسبي أني تركتك جافيا(1/236)
محمود كان فاكهة الدار كنت دائماً أقول له أنت يا محمود فاكهة الدار إياك أن تنقطع من البيت، فالحمد لله على كل حال، محمود ما انقطع من البيت أبداً لقد ذهب ملبياً نداء ربه من قول الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " الله يرضى عليك يا محمود والله إنك لم تمت فأنت حي ترزق عند الله فهذا يومك عند الله الذي وعد به الشهداء فاليوم في الجنة لا شغل ولاعمل ولا تعب بل هو يوم الجائزة والمكافأة والترف والنعيم وهدوء البال والسريرة مع الحور العين فهنيئاً لك يا حبيبي ، هنيئاً يا قرة عيني ، هنيئاً يا أغلى من نفسي .
محمود عندما كان يصوم يومي الاثنين والخميس، وكان يحب أن يأكل من أفراح الشهداء، دخل البيت مرة وكانت الساعة الثانية ظهراً وقلت له أحضر لك الغداء يا محمود فقال لي اتغديت في عرس الشهيد فلان فقلت له يومها: "العاقبة لك إن شاء الله " انبسط جداً واستبشر وقال: " إن شاء الله "وقال بصوت عالٍ: " الله كريم ".(1/237)
الحياة الجهادية وألم الفراق المر: حياة محمود الجهادية لا أعلم الكثير عنها إلا أنه جاءني قبل فترة وحدثني عن نيته بالالتحاق في ركب الشهداء والشهادة ووجهه مستبشر والفرحة تغمره وهو يقول ادع لي يا أمي فقلت: الله يرضى عليك ويسهل أمورك خير يا أمي !! فقال لي بكل فرحة : شهادة شهادة " والله قالها وهو فرحان جداً وما أذكر في حياتي أن رأيت محمود بهذه الفرحة العارمة والنور في وجهه والله على ما أقول شهيد ، قالها لي وهو في قمة السعادة على أنه قٌبل ووقع الاختيار عليه وخرج وهو مسرور مبتهج وهو يردد " شهادة شهادة " فطلبت منه أن يسجل لي شريط قرآن بصوته الله يرضى عنه فسجل لي سورة يس لوحدها ، الحمد لله خير وبركة ، والله كنت أريد أن يسجل لي شريطاً كاملاً من القرآن على الوجهين ، فأخذت أدعو له من كل قلبي بالتوفيق حتى أنني اعتقدت أنه خارج وقتها لملاقاة العدو ،وأخذت أدعو له : ربنا يشرح صدره وييسر أمره ويسهل دربه ، فرجع محمود إلى البيت بعد ذلك وطلب منى أن أصور معه شريط فيديو فرفضت رفضاَ شديداً خوفاً من الرياء ، فأخبرني محمود أنه أيضاً رفض التصوير إلا أن مسئوليه أخبروه بأن هذا سيكون دفعة قوية للشباب والنساء إن شاء الله ويقوي قلوب الأمهات وعلى هذا الأساس وافقت على أن يكون هذا العمل خالصاً لوجه الله تعالى .(1/238)
وفي اليوم الثاني في حوالي الساعة 10.5 صباحاً ودعني وقبل يدي وقبل رأسي وقال لي أهم شيئ دعاؤك ورضاك . فخرج وأحسست بالألم يعتصر قلبي ونظرت إليه وهو خارج فوالله ما إن ترك يدي وخرج تهيأ لي كما لو كان محمود طائراً !!! قدماه ما كانت على الأرض هكذا رأيته وخرج مسرعاً وقال السلام عليكم ومر عليَ اليوم وكأنه سنة وأنا أترقب وثاني يوم بعد صلاة المغرب وبعد ما انتهيت من الصلاة بحوالي نصف ساعة وأنا جالسة على سجادة الصلاة وأدعو له بالنصر والثبات وإذا بمحمود يقول السلام عليكم...فرحت جداً لسماعي صوته وجاء إليَ وسألته فقال لي : ذهبنا إلى المكان ورأينا العروس وأهلها وغداً إن شاء الله سنذهب لدفع المهر !!!! فسألت ماذا حصل ؟ قال لم نجد يهوداً ؟ وثاني يوم أيضاً ودعني للمرة الثانية وقال لي: أنا خارج ولن أرجع فنزلت الدموع من عيني ورآني محمود فأدار بوجهه مسرعاً ولم يلتفت.. يا إلهي ما أصعب الوداع إلى الأبد !!! وبقيت أترقب طوال اليوم وفي الساعة 1.5 صباحاً عاد محمود إلى البيت ووجدني جالسة في الصالون ففرحت لرجوعه، وسألته ما الخبر ؟ قال لم يأت يهود وقبل أن يذهب إلى غرفته لينام قلت له الله يرضى عليك يا محمود بعد الآن ما تودعني أنا ليل نهار أدعو لك وأي وقت يكون هناك مجال للعملية اذهب بصمت بدون وداع، الله يرضى عليك ويوفقك في قتل أكبر عدد ممكن من اليهود ويبعد عنكم شر العملاء والجواسيس ويعمي عنكم أولاد الحرام ويعمي عنكم اليهود ويدب الرعب في قلوب اليهود ويرتعبوا منك وأنت شهيد، يا رب لا تجعل اليهود يقدرون على المجاهدين ولا يقتربون منهم والحمد لله وأدعو يا رب ما تتركهم لوحدهم يا رب ملائكة من عندك يا الله تظلل عليهم وتحميهم بقدرتك يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله... والحمد لله وقلت له يا محمود انتبه وتفقد سلاحك وأحذر وأنت تطلق الرصاص أطلق طلقة طلقة وما ترتبك حتى تبقى الذخيرة معك للآخر وقِو قلبك وربنا إن شاء(1/239)
الله يكون معك أنت ورفاقك وأكثر من الاستغفار وقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، طبعاً أقول له هذا الكلام وأنا على علم بأنه يعرف أكثر مني في هذه الأمور الدينية لكن سبحان الله لما يكون هذا الوعظ من الأم يكون أكبر دفعة ويكون ذا صدى في قلبه أثناء مواجهته للأعداء ويطمئن قلبه ويذهب وهو مرتاح ومبسوط لأن في قتل اليهود شفاء لصدور المؤمنين، كان الشهيد عماد عقل يقول: " إن قتل اليهود عبادة نتقرب بها إلى الله "، وأخذت بالصلاة والدعاء وأطيل في السجود وأنا أدعو الله بنجاح هذه العملية وأن ينصره الله هو ومن معه ويرزقه الشهادة في سبيله وأدعو لكل قيادات حماس والكتائب ولكل المجاهدين المسلمين في العالم بالنصر والثبات، فنحن أمهات فلسطين نستمد الصبر والثبات أولاً وأخيراً من الله سبحانه وتعالى فبعدما زرت أم نضال فرحات وأم محمد حلس وبعد ذلك بأكثر من شهر زرت أم أدهم أبو شوقه في استشهاد ابنها الشبل " هيثم أسعد أبو شوقه " بتاريخ 18-4-2002م ورأيت ما رأيت من قوة الصبر والجلد.
والله إني كنت أسألها حتى أتعلم من هؤلاء الصبر والثبات لأننا كلنا معرضون حتماً لهذه المواقف وأنا أستمع لأم أدهم وأعجب بهذا الصبر والثبات، فهذا من رضى الله سبحانه وتعالى علينا بأنه لا إله إلا هو نسأله أن يتقبل أولادنا وفلذات أكبادنا شهداء... فعندما استشهد ولدي محمود وقدرت أن اقتدي بهؤلاء الصابرات وأن لا أذهب إلى المستشفى وأيضاً أن لا اتبع جنازة ابني... اللهم اجمعنا بهم في الجنة.
آخر لقاء ( اللقاء الأخير ):(1/240)
يوم الجمعة وقبل العملية بيوم دخل محمود البيت بعد صلاة الجمعة وجلس في الصالون في انتظار عودة إخوته من الصلاة ليتناول معهم آخر وجبة غداء وأحضرت أخته له كوباً من عصير البرتقال وأثناء جلوسه على الكرسي كان يعبث في حبيبات في وجهه فلقد كانت بارزة بشكل واضح جداً أكثر من ذي قبل... فقلت له يا محمود يا حبيبي لا داعي للعب في وجهك، لقد كانت بارزة وتؤلمه وهو يقول ليس مهماً ؟ سبحان الله يوم استشهاده كانت بشرته ناعمة ووجهه صافياً جداً وما فيه أي أثر لحب الشباب الذي كان يملأ وجهه والحمد لله كان وجهه مشرقاً ومنوراً وعندما حضر باقي أولادي واجتمعنا سويةً ووضعنا السفرة وتناول محمود الغداء مع إخوته وأخواته وبعدها شربنا الشاي معاً وجلسنا طويلاً وكنت أنظر إلى أولادي بكل فرح ولكن بداخلي ألم وأنا أنظر إلى محمود، لكن لا أحد يشعر بي إلا محمود والحمد لله على كل حال, وبعد ذلك خرج أولادي إلى صلاة العصر وذهبت أنا إلى عقد قران أخي ورجعت في المساء وكالعادة بدأنا نجهز أنفسنا لصلاة العشاء ومن ثم تناول وجبة العشاء وكل ذهب إلى فراشه لينام ومحمود لم ينم في البيت هذه الليلة وصباح السبت صحوت من نومي على رؤيا في الصباح.. لقد رأيت في منامي شيخاً وسيماً مرتب الثياب يجلس أمامي ويقول لي إقرأي قرآن... فقلت: له: ماذا أقرأ ؟
قال : إقرأي ما شئت ؟ قلت: سأقرأ من سورة يس. ثم قلت: لا سأقرأ من سورة الملك.
فقال لي : حيثما شئت إقرأي .فبدأت أقرأ هكذا
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم(1/241)
" تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيئ قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم آيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور.. الذي خلق سبع سماوات طباقا ـ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير، وصحوت من نومي وأنا أكمل... ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح... فقلت ما شاء الله الحمد لله أنا أقرأ القرآن.. وكان وقتها الساعة السابعة إلا الربع فحكيت هذه الرؤيا لابنتي المتزوجة وقلنا اللهم اجعله خيرا وبعد ذلك بثلاث ساعات وفي الساعة العاشرة إلا الربع دخل محمود البيت قائلاً السلام عليكم، وعليكم السلام، فسألته أحضر لك فطوراً يا محمود قال لي أفطرنا كثير كثير أكثر مرة أكلنا فيها ووضع جوَاله على ظهر البوفيه في الصالون ونام محل فراش أخته وكان محمود في هذه المرة متعباً جداً وكأنه لم ينم منذ زمن ولم يأكل منذ فترة وكان النعاس في عينيه شديداً جداً فأشفقت عليه من هذا العناء وهذا السهر، فدعوت له من كل قلبي وأنا أنظر إليه وهو نائم وأنا أقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله، يسلم لي ها الطول يا محمود يا حبيبي، وقلت والله أعلم أن هذه آخر نومة لمحمود !!! وتوجهت إلى ربي بالدعاء وأنا أنظر إليه وهو نائم وأخذت أدعو: يا رب محمود تعب وفقه، يا الله بعملية ناجحة وفقه يا رب، يا إلهي إذا خرج لعملية في هذه المرة وفقه في قتل يهود أكبر عدد ممكن وارزقه الشهادة في سبيلك، وكنت أدعو له من كل جوارحي ومن كل قلبي وبصدق أن ينام نومة أبدية مع الحور العين في جنات النعيم وارزقه الفردوس الأعلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم مثلما كنت تتمنى يا محمود وأدعو وأقول يا الله يا الله يا الله وبكل إخلاص كل هذا الدعاء والتوسل إلى الله وأنا أنظر إلى محمود وهو نائم وبعد ذلك دخلت المطبخ أجهز الفطور لأطفال ابنتي بينما كانت هي مع صغارها في الحمام وفجأة وبعد 10دقائق فقط من نوم محمود رن(1/242)
الجوال فأسرعت لأقفله حتى لا يصحو من نومه إلا أنه نهض مسرعاً مع أن نومه ثقيل جداً لكنه في الأيام الأخيرة له أصبح نومه خفيفاً ويصحو بسرعة. وأخذ الجوال وذهب إلى غرفته مسرعاً ثم خرج وهو خارج من غرفته كانت ابنتي وهي طالبة في الجامعة أصول دين كانت تكوي نقابها في الصالون فوق لتذهب إلى الجامعة فسألت محمود وهو خارج من غرفته ما هو المقرر مع جزء الأحقاف ؟ ( مقاصد أي سورة ) فقال لها مقاصد سورة الأحزاب . كأنه كان هذا أخر كلام لمحمود مع أخته وقال لها السلام عليكم وخرج مسرعاً، هي لم تنتبه ولم تكن تعلم أن خروج أخيها هذا سيكون آخر مرة دون أن يعود. لكنها رأت وجهه مستبشراً فرحاً، فلما سمعت نبأ استشهاده لاحقاً عرفت أن هذا الإشراق الذي رأته في وجه أخيها غير عادي فهو خارج لملاقاة الحور العين . وبقيت أنا طوال النهار وأنا أدعو الله له بالتوفيق والشهادة ، لقد كان عندي إحساس شديد بأن هذا اليوم هو يوم الفراق الأليم وأخذت أشغل نفسي مع صغار ابنتي تارة وتارة أخرى أجلس لوحدي وأدعو لمحمود بالنصر والشهادة ، فيا سبحان الله كل مرة لما كان محمود يودعني قبل خروجه للعملية كنت أصعد إلى غرفته وافتح الباب وأقف داخل الغرفة وأنظر فيها !! وعلى فكرة محمود لما كان في غرفته كانت سجادته دائماً مفروشة محلها على الأرض ما كان يرفعها أبداً. كل ما أدخل غرفته من أجل أن أنظفها كنت أترك السجادة في محلها حتى يوم استشهاده كانت لي رغبة شديدة أن أطلع فوق على غرفة محمود وأصلي ركعتين شكر لله على سجادة محمود إلا أن بناتي لما تأكدن من خبر استشهاد محمود بعد منتصف الليل ذهبن إلى غرفته وغيرن معالمها خوفاً عليَ فنقلن المكتبة إلى الجهة الثانية ونقلن خزانة محمود أيضاً وغيرن مكانها ورفعن السجادة عن الأرض ورتبن ملابس محمود التي كانت على الكرسي والمهم غيرن نظام ترتيب الغرفة بالكامل، وأنا لا أعلم . فالحمد لله تلقينا نبأ استشهاد محمود بكل فخر(1/243)
واعتزاز وصبر وثبات وفرحة عارمة لأنه نال ما تمناه وهو الفوز بالجنة وبالحور العين، طبعاً هذه الفرحة ممزوجة بألم الفراق المرير، وفي حوالي الساعة الثالثة إلا الثلث صباح يوم الأحد أخذ الشباب يكبرون في الشوارع ومن ثم المساجد بأن الشهيد هو محمود حسن العابد، فالحمد لله وإنا لله وإنا إليه راجعون، قلتها أنا وبناتي وأولادي وبكت بناتي بكاءً ممزوجاً بالفرحة بشهادته تارة وتارة نبكي لألم الفراق ولما صحا والده تلقى الخبر بالصبر والثبات.
رحمك الله يا محمود يا حبيب قلبي يا فلذة كبدي، والله إنك غالٍ جداً علينا يا محمود يا حبيبي أغلى عندي من عمري يا عمري وفراقك آلمني... عظم الله ساعة الفراق.
لكن هذا هو قدرنا فوالله إن الذي يشد من عزمنا وصبرنا وثباتنا هو أنك يا ولدي حي ترزق عند الله بإذنه تعالى في جنات الخلد مع الحور العين.. وربنا يجمعنا معك أنا وأخوتك وأخواتك وجدتك وأخوالك المحبين لك وكل أحبائك وأصدقائك وكل من عرفوا طريق المساجد وأصحاب حلق الذكر والجلسات الذين اهتدوا بفضل الله ورحمته على يديك يا حبيب قلبي... ربنا يجمعنا سوياً معك ومع كل هؤلاء في جنات الخلد مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع الصديقين والصالحين والشهداء والأبرار هناك حيث لا فراق... اللهم أمين. فنم قرير العين يا ولدي
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أم أحمد العابد
والدة الشهيد محمود العابد
أم نبيل حلس
"والدة الاستشهادي محمد أحمد حلس"(1/244)
... هي واحدة ضمن قافلة الخنساوات اللاتي بذلن مهج قلوبهن، وقدمن فلذات أكبادهن، رخيصة في سبيل الله، نصرة للحق، وأداء للواجب، وتسديداً لفاتورة الانتماء الحقّ للوطن المغتصب والشعب الذبيح، ونذرن أبناءهن وأولادهن جسراً للعبور إلى النصر المؤزر والمجد التليد، وسراجاً وقاداً ينير قناديل البسالة والتضحية والعنفوان والإباء في الأمة، ويضئ مشاعل العزة والكرامة والحرية في نفوس ملايين المسلمين، التواقين لانتصار الخير، واستعلاء الإيمان، وهزيمة الشر، واندحار الظلم والطغيان والعدوان.
حين قالت له وداعاً لم تبك، طبعت على جبينه قبلة حارة، وقبلت سلاحه، وانزوت في غرفتها تدعو له بالتوفيق والسداد، وحين جاءها خبر استشهاده أطلقت زغرودة عطرة، وتحدثت عنه بفخر منقطع النظير.
إنها أم نبيل والدة الشهيد محمد أحمد حلس، 20عاماً، من أبناء حي الشجاعية بمدينة غزة الذي استشهد لدى محاولته اقتحام مستوطنة "نتساريم" جنوب غزة، واشتباكه مع أحد مواقع الحراسة الكبرى على مدخل المستوطنة برفقة الشهيد بلال شحادة بتاريخ 12/3/2002م.
وفي عرس شهادته وقفت أم نبيل، بكل ثبات وشموخ، تستقبل المهنئات باستشهاد فلذة كبدها، ولسان حالها يقول أن المرأة التي لا تودع ابنها إلى الشهادة أو الزنازين بالزغاريد لا هي حملت ولا ولدت، ولا قاربت للعز معنى، أو شارفت للكرامة أثراً وموضعاً.
لم تنزو أم نبيل في ثياب الحداد، ولم تلطم الخدود وتشق الجيوب، بل وقفت تزغرد قائلة:"أحتسبه شهيداً عند الله"، وتدعو الله له بقولها:"اللهم اجعل هذا العمل في ميزان حسناته، يا رب أنت أعلم وأدرى بالحال، ولكن الموت في ظل المقاومة أفضل ألف مرة من الموت على فراش المرض".(1/245)
حال أم نبيل والدة الشهيد محمد حلس المكلل بالأنفة والثبات والاحتساب لم يكن طارئاً أو معزولاً، فقد جاء في سياق طاهر، عزيز، أصيل، فهي الخنساء الثالثة في فلسطين بعد الخنساء الأولى "أم بلال" والدة الشهيد إبراهيم نزار ريان التي ودعت ابنها قبل اقتحامه مستوطنة "ايلي سيناي" شمال قطاع غزة، والخنساء الثانية "أم نضال" والدة الشهيد محمد فتحي فرحات التي ودعت ابنها بحرارة قبل مهاجمته لمستوطنة "عتصمونا" ليدك حصون الأعداء، ويوقع فيهم القتل والتدمير.
كانت أم نبيل تدرك – منذ البداية- أن الإيمان لا يستقيم إلا بالعمل الجاد، وأن الانتماء العقدي لا يصح إلا بالمجاهدة، والكفاح ومراغمة الباطل، وأن الوفاء للوطن يستلزم الإخلاص لقضيته، والتضحية بالأرواح والأموال فداءً له، وذوداً عن حياضه المباركة، فلم تتأخر عن أداء هذه الاستحقاقات، واستفراغ الوسع لأجل إنفاذها والوفاء بمتطلباتها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
كانت بداية الطريق، وأولى خطوات الوفاء للدين والوطن، هي أهم وأخطر الخطوات على الإطلاق، فقد كانت بمثابة القواعد التي سيستوي عليها البنيان، والأسس التي سترتكز عليها مسيرة الحياة الطويلة، ولم تكن هذه البداية سوى التربية، تربية النفس وتزكيتها، وصقلها وتهذيبها، وتهيئتها للتعايش مع مشاق الجهاد، وتحمل مكاره وتبعات المقاومة والقتال، تلك التربية الإيمانية الجهادية التي أخذت أم نبيل على نفسها صبغ شخصية أبنائها بها، واقتحام دروب ومسالك، الحياة الوعرة على أساسها، حتى غدوا نماذج إيمانية راقية، عرفت حقها، وأدت واجبها، وفهمت دورها، ووعت أبعاد انتمائها ومقتضيات التزامها.
وسط هذه البيئة الطاهرة الملتزمة نشأ محمد، ونبت جسده، واستطال بنيانه، ليترعرع على مبادئ التقوى والاستقامة والالتزام، وأخلاق الإيمان والأخوة والمحبة والطاعة والصدق والإخلاص والوفاء، وينشغل بالعمل الإسلامي المثمر الصالح، وينخرط في ما هو نافع مفيد.(1/246)
كان شبلاً من أشبال مسجد الإصلاح قبل أن يشتد بنيانه، ويقوى عوده، ويحتل موقعه بين الرجال والشباب المجاهدين، عنصراً فاعلاً، وعضواً مؤثراً له إسهاماته البارزة وبصماته الواضحة في مختلف المواقع والميادين.
وفي المسجد كان محمد يؤدي الفرائض جميعها دون انقطاع، ويداوم على الانتظام في حلقات الذكر ومجالس العلم، مصغياً لما يفيد في أمور دينه ودنياه، ملبياً دعوة الحق والنور، آخذاً بمضامينها الكريمة وتوجيهاتها المضيئة، وما تشيعه فيه من استواء على الدرب، والتحام بالقيم والمبادئ والمفاهيم الأخلاقية والدعوية والتربوية، وما تضمنته من حياة ملؤها العفة والطهارة والرجولة والنزاهة، بعيداً عن نوازع الزيغ وجواذب الانحراف.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى تقاطعت التربية الجهادية التي طالما تشربها محمد، نظرية وفكراً، مع غراس الانتفاضة والمقاومة اليانعة، لتشكلا معاً قاعدة انطلاق، وتتيحا آلية عمل وأدوات تنفيذ، أحالت النظرية إلى تطبيق، والأفكار المجردة إلى واقع ينبض بالحياة والتواصل والاستمرار، فكان الانطلاق، وكان الالتحاق بكتائب القسام وصفوفها المجاهدة، جندياً مخلصاً مطيعاً، مستعداً للعمل، متأهباً للتنفيذ.
وفي غمرة تفاعل محمد مع قضايا وأحداث الحياة، وتطوره تربوياً ودعوياً وجهادياً، كانت عين والدته لا تبرح مسيرته، تتابعه، تراقبه، تساعده، تقوم حاله، تصلح شأنه، وتبث فيه المزيد المزيد من معاني الخير، وتضيف إليه في كل يوم نصيحة هامة، أو اقترحاً رشيداً، أو رأياً نوعياً جديداً، أو فكرة حسنة سديدة.(1/247)
كانت أم نبيل تؤمن إيماناً قاطعاً، وتعتقد اعتقاداً جازماً، أن ابنها محمد هو أمانة كبرى أودعها الله في كنفها، واسترعاها إياها، ولا مناص من التخاذل عن أداء حقها، أو التقصير في حملها وحفظها وصيانتها من عوارض التلف والضعف والانكسار أمام مغريات وعراقيل الحياة، لذلك كانت نعم الأم المثالية التي احتضنت، وربت، وضحت، وتابعت، حتى أثمرت جهودها وفعالها المباركة نموذجاً إسلامياً متميزاً، له في ميدان الجهاد والمقاومة حظ ونصيب.
بيد أن عمق التربية التي تشربها محمد لم تقنعه بالمشاركة التقليدية في أعمال وفعاليات المقاومة كما هو حال عدد كبير من المجاهدين، بل أراد أن يكون متميزاً في كل شيئ، وأن يرتقي مرتقىً نوعياً في مساره المقاوم، يحقق له أمانيه، ويشبع له رغباته، ويقرب بينه وبين أغلى طموحاته، الشهادة، التي وضعها نصب عينيه هدفاً أولاً وأخيراً، ولم يقبل لها تحويلاً، أو يرضى سواها بديلاً.
وما أن اتخذ قراره، وحسم شأنه وخياره، حتى بادر بالتخاطب مع إخوانه المسئولين، وطالباً لهم، وبكل إلحاح، السماح له بتنفيذ عملية استشهادية، وعدم حرمانه شرف لقاء الله بدم مهراق، وجسد أثقلته الطعان، بعد أن أثخن في الصهاينة جراحاً وتقتيلاً، وأذاقهم شيئاً من طعم العلقم وكئوس المنون التي يذيقونها يومياً لشعبنا الفلسطيني الصامد.(1/248)
لم يكن محمد بحاجة إلى جهد كبير وعناء لاقناع مسئوليه، فسيرته المشرفة، وجهوده الدؤوبة، وعطاؤه الفياض، كان كافياً لاحتلال موقع متقدم في أجندة التخطيط والإعداد للعمليات الجهادية القادمة، وكان لمحمد ما أراد وتمنى، إذ لم يمض وقت طويل حتى رشح لتنفيذ عملية عسكرية ذات صبغة استشهادية داخل إحدى مستوطنات مجمع "غوش قطيف" الصهيوني داخل قطاع، ليبدأ رحلة الإعداد والتجهيز لميقات التنفيذ، ويبدأ يعدّ الأيام والليالي المتبقية التي تفصله عن موعده مع الشهادة، وموعد مع لقاء الله تعالى، ولقاء الأحبة الكرام من النبيين والشهداء والصالحين والأخيار وحسن أولئك رفيقاً.
غير أن محمد شعر أن رياح الشوق إلى الجنة التي تنسم عبيرها قد أوشكت على الابتعاد قليلاً حينما أبلغه مسئولوه أن العملية التي أعدت خصيصاً له قد تم إسناد تنفيذها إلى المجاهد محمد فرحات، وأنهم بصدد الإعداد والتجهيز لعملية أخرى قريبة له، مما أحزنه أشد الحزن، وآلمه أشد الألم، فشوقه إلى البذل والعطاء والتضحية، وشغفه بلقاء الله، كان أكبر من أن يوصف، وأعظم من أن يحتمل التأجيل، فألح على إخوانه في الإسراع والاستعجال، فوعدوه وعداً قاطعاً بالخروج في أول عملية قادمة، وطمأنوه أن التأخير والانتظار لن يدوم طويلاً.
ورغم أن وقع خبر الاستبدال والتأجيل نزل على محمد كالصاعقة، إلا أن إسناد العملية إلى المجاهد محمد فرحات خفف جزءاً كبيراً من آلامه وأحزانه، إذ تربطه بالمجاهد فرحات علاقة محبة وأخوة في الله وثيقة للغاية، إذ كان دوماً على اتصال ولقاء وتزاور واجتماع، وقليلاً ما يفترقان، وكان كلاً منهما يحب لنفسه ما يحب للآخر، ويؤثره على نفسه ولو كان به خصاصة.(1/249)
وفي ثنايا هذه التطورات كان محمد يطلع والدته أم نبيل على كافة التفاصيل، ويضعها في صورة المستجدات الحاصلة، فكانت تشجعه وتأخذ بيده، وتشحذ همته، وتعلي من عزمه، وتشد من أزره، وتبقي على درجة حماسته وتفاعله وثباته عالية دون نقصان.
وما هي إلا أيام قليلات حتى كان التخطيط للعملية الجديدة قد استكمل مداه، واستجمع تفاصيله، ليبدأ العد التنازلي للتنفيذ، ويبدأ محمد مرحلة جديدة في حياته، مرحلة ملؤها الفرح والسرور، ملؤها الشوق للشهادة واستقبال الآخرة، بروح شفافة، ونفس مطمئنة، وقلب عامر بالإيمان، والثقة بنصر الله.
وكم بدأ محمد مرحلته الجديدة، بدأت أم نبيل مرحلة جديدة في حياتها أيضاً، إذ لم يعد يفصلها عن استشهاد ابنها ومحبوبها وفلذة كبدها، ومفارقته، سوى أيام بل ساعات معدودات، مع ما يعنيه كل ذلك للأم وما تختزنه في قلبها من حب وحنان، وما تملكه نين جوانحها من عاطفة أمومة جامحة لا تضاهيها أي عاطفة إنسانية على الإطلاق.
ومع ذلك، عضت أم نبيل على آلامها وأحزانها، وتجاسرت على مشاعرها وعواطفها، موكلة أمرها إلى الله تعالى، محتسبة كل ما قد يصيبها عنده سبحانه، موقنة أن حب الله يجب أن يعلو أي حب آخر، وأن التضحية في سبيل الله تقتضي بذل الأغلى، وتقديم الأحب، وعدم البخل على الله بأي شيئ كان، مهما كان جليلاً، أو بلغت درجة كبره وعظمته، ومستوى أهميته وحساسيته.
وعندما اقتربت ساعة الانطلاق، كان مشهد الوداع بين محمد ووالدته في سياق شريط فيديو مصور، ظهرت فيه أم نبيل تمتشق البندقية، وتزين جبهتها بعصابة خضراء موشحة بكلمة التوحيد "لا اله إلا الله محمد رسول الله"، إلى جوار زوجها "أبو نبيل"، وتهمس لولدها محمد بكلمات حثته فيها على الثبات والجلد في مواجهة الأعداء، ودعت له بالتوفيق والسداد.(1/250)
وفي اليوم المنتظر بتاريخ 12/3/2002م شق المجاهد محمد طريقه إلى حيث مستوطنة "نتساريم" برفقة المجاهد بلال شحادة، وهناك دارت رحى المعركة الشرسة مع أحد المواقع العسكرية الصهيونية، تلك المعركة التي أبلى فيها المجاهدان حلس وشحادة بلاءً حسناً، وقاتلا قتال الأبطال حتى نفذت ذخيرتهما بعد أن أعملا في الجنود الصهاينة ضرباً وتقتيلاً، وأفضيا روحيهما إلى الله تعالى، مقبلين غير مدبرين.
وفي عرس الشهادة الذي أقيم تكريماً للشهيد محمد وقفت والدته أم نبيل تستعرض أمام مهنئيها شريط ذكرياتها مع نجلها، وأبرز المحطات والمواقف المفصلية في حياته قبل أن يرتقي إلى العلا شهيداً.
تقول أم نبيل:"كان محمد شاباً مؤدباً ومتديناً نشأ على تعاليم الإسلام وحب المساجد، يصوم بشكل مستمر وخاصة يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، ويحرص على الصلاة داخل مسجد الاصلاح بالحي، وكان دائم الابتسامة، مطيعاً هادئاً الطباع، عطوفاً حنونا"ً.
وأوضحت أم نبيل أنها لمست لدى ابنها رغبة شديدة في نيل الشهادة منذ فترة طويلة، فقد اختار أن يكون مجاهداً في سبيل الله، مشيرة إلى أن الاحتلال وأساليبه المجرمة ضد أبناء شعبنا، بالإضافة إلى قيامه بسجن عدد كبير من أفراد العائلة وفي مقدمتهم والد الشهيد، قد كان أحد الدوافع التي أججت ثورة ابنها، ودفعته لسلوك طريق الجهاد والاستشهاد.
وأشارت إلى أن محمد عندما كان يشاهد المجازر المروعة وعمليات القتل الإجرامية الصهيونية على شاشات التلفاز، ويشارك في تشييع الشهداء، كان يزداد إصرار على مقاومة الاحتلال، ويمتلئ رغبة شديدة أن ينال الشهادة مثلهم.
وأكدت أم نبيل أن ابنها قام بمصارحتها عن نيته تنفيذ عملية جهادية ضد قوات الاحتلال، وضيفة أنها شجعته ودعت له بالتوفيق، وأن ينفذ عمليته بنجاح، وينال الشهادة التي تمناها.(1/251)
ومضت قائلة:"قلت له:إذهب على بركة الله، وعد اليّ شهيداً كما تمنيت، واطلب من الله ألا تصاب بجروح وتقع أسيراً بيد الاحتلال، بل عد الىّ شهيداً، وها هو قد عاد الينا شهيداً كما تمنينا له".
... وتابعت:"كنت أعلم بموعد تنفيذ العملية بالضبط، وقبل أن يخرج من المنزل عصراً يتوجه الى مستوطنة "نتساريم" يوم 12/3/2002م احضنته وقبلته بحرارة ودعوت له بالتوفيق، وقلت له:ها هو الموعد قد أزف، وأنا أنتظر أن تعود اليّ شهيداً، وأوصيته:كن صامداً وصبوراً وصابراً، ووجه سلاحك بدقة في وجه الأعداء".
وتضيف:"قلت له:خذ أمتعتك ولا تترك للأعداء الفرصة لقتلك قبل أن تثأر منهم لأبناء شعبك وأهلك، وبعد خروجه من المنزل وتوجهه الى المستوطنة بقيت أصلي طيلة الوقت، وانتظرت الخبر السعيد، خبر استشهاده".
وتصف والدة الشهيد اللحظات الأخيرة التي سبقت تلقيها نبأ استشهاده قائلة:"كانت فترة عصبية جداً كنت فيها على أعصابي، أدعو وأصلي لله، وقد صليت صلاة الاستخارة بأن يعود اليّ ابني محمد شهيداً، وقد نفذ عمليته بنجاح، صليت حوالي أربع مرات طيلة الليل، ولم أذق طعماً للنوم، والحمد لله نلنا ما تمنيناه".
وإثر تلقيها نبأ استشهاده تؤكد أم نبيل أن فرحتها كانت لا توصف، وانها شكرت الله تعالى على تشريفها باستشهاد ابنها، متمنية على الله أن تلتقي به في مستقر رحمته يوم القيامة.
وتمضي والدة الشهيد في حديثها الصريح وقد رسمت ابتسامة فخر على شفتيها:"كنت قد اشتريت الحلوى وأعددتها قبل خروج محمد من المنزل، ولم يعلم بذلك أحد، وما أن تلقيت نبأ استشهاده حتى قمت بتوزيعها على الجيران وأطلقت زغرودة".(1/252)
وحول واقعة استبدال محمد في العملية التي نفذها الشهيد محمد فرحات قالت أم نبيل :"لم أر محمداً حزيناً بهذا الشكل طيلة حياتي، فقد جاءني وقلبه مملوء بالحزن والحسرة، متمنياً أن يكون هو المنفذ، فقلت له سيأتي عليك يوم قريب وتنفذ عملية أخرى في قلب الأعداء، وها هي الفرصة قد جاءته ليقوم بالعملية في مستوطنة "نتساريم"، وينال الشهادة التي أحبها وتمناها".
وتؤكد أم نبيل أن ابنها الشهيد خلف وراءه ذكريات عطرة لا يمكن أن تنساها، فقد كان دائم الابتسام والمداعبة مع اخوته وأصحابه في المنطقة، وكانت أعماله كلها جيدة، مشيرة الى أن محمد سيظل عالقاً في أذهان أهله الى أن تقوم الساعة، وأنها ستبقى تذكر خطواته عند عودته في وقت متأخر من الليل، وعند عودته من المسجد.
وتسترسل أم نبيل في حديثها عن نجلها الشهيد، موضحة أن محمد استشهد وما زال الرصاص داخل جسمه، مشيرة الى اصابته ثلاث مرات منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، حيث كان دائم المشاركة في المواجهات في العديد من الأماكن، حيث شارك في المواجهات قرب مستوطنة "نتساريم" ومعبر بيت حانون ومعبر المنطار، وأصيب ثلاث مرات بجروح مختلفة، ولا زالت رصاصة صهيونية تجثم في قدمه اليسرى لدى اصابته برصاص الاحتلال في مسيرة المليون التي شارك فيها الآلاف من أبناء شعبنا قبل اندلاع الانتفاضة.(1/253)
وتضيف أم نبيل وقد غلبت عيناها الدموع:"لو لم يذهب ابني للاستشهاد يوما، لكان قد توفي في فراشه، فهذا قدره، وقد علمني بصبره وإيمانه كيف أباركه حتى اللحظات الأخيرة من توجهه الى المستوطنة. ولدى سؤالها عن رأيها في قول الكاتب الأمريكي الجنسية، اليهودي الأصل "توماس فريدمان" أن الشعب الفلسطيني يفجر نفسه لأنه لم يعد يعرف قيمة الحياة، ردت أم نبيل وهي تضحك:"الغريب أن الأجانب لهم مثل يقول:إما أن تعيش بحرية أو تموت، وهذا ما فعله محمد مع فارق أن ابني يبتغي من ذلك وجه الله وحده، متسائلة:كيف يريدوننا أن نسكت ونحن نتعفن تحت الأنقاض؟".
وأكدت أم نبيل أن الدين الاسلامي هو دين سلام وسماحة ورحمة للانسانية والبشرية جمعاء، الا أنه دين جهاد وموت في سبيل الله إذا تعلق الأمر بالعدوان على الدين والحقوق والأعراض والمقدسات.
ولم يفت أم نبيل كوالدة لأحد الاستشهاديين أن تبرق برسالة للأم الفلسطينية التي سطرت بمشاعرها أروع معاني البطولة والشجاعة خلال الانتفاضة، داعية اياها الى غرس حب المقاومة والكفا في نفوس أبنائها لمقاومة الاحتلال حت دحره ورحيله عن أرض الوطن، مشددة على أن الشهادة تعيد الى الأمة والوطن الفلسطيني كرامته.
ووجهت أم نبيل نداء الى العالمين العربي والاسلامي للوقوف وقفة جادة الى جانب أبناء شعبنا، والعمل على بذل كافة الجهود المخلصة لاسترجاع الحقوق المسلوبة لشعبنا.
كانت تلك إحدى الخنساوات اللائي خرجتهن حركة المقاومة الفلسطينية عبر التربية القرآنية والاعداد النفسي والجهادي المتواصل، والأيام حبلى بنساء جدد وخنساوات جدد سيذهلن العدو الصهيوني ويربكن مسيرة قمعه وجبروته وارهابه، فالشهادة والمقاومة باتت الثقافة السائدة للمجتمع الفلسطيني، ونمط الحياة الذي تآلفت عليه الغالبية الساحقة من الفلسطينيين.
أم بلال ريان والدة الاستشهادي إبراهيم نزار ريان(1/254)
وشقيقة الاستشهادي صهيب عبد الرحمن تمراز وزوجة العالم المجاهد الدكتور نزار ريان
"والله لو لم يستشهد ابني إبراهيم لخجلت أن أقابل أهل أي شهيد".
بهذه الكلمات عميقة المعاني والدلالات، عظيمة المقاصد والأهداف، افتتحت أم بلال ريان والدة الاستشهادي إبراهيم ريان حديثها عن مسيرة حياتها الحافلة بشتى صور التضحية والعطاء، والألم والمعاناة، وتحمل المشاق والمكاره، والصبرعلى المحن والابتلاءات.
قد لا يعلم الكثيرون أن أم بلال هي أول خنساء في فلسطين، وأول من ارتدت النقاب في قطاع غزة نهاية السبعينات، فأم بلال سيدة مجاهدة من الطراز الأول، تهوى الصمت، ولا تكترث بالأضواء والظهور في مواجهة كاميرات الصحفيين ووسائل الإعلام، رغم أهمية الدور الإعلامي في خدمة المقاومة وإسناد أهدافها والتحريض على إنتهاجها، لذا فقد كانت كثيراً من أحداث ومواقف حياتها المكللة بالجلد والمصابرة، وروح الجهاد والثورة والتحدي، صفحة مطوية لا يعرفها أو يدرك علو شأنها الكثيرون.
ولا شك أن الحدث الأبرز والموقف الأهم الذي شكل مفصلاً حقيقياً ومنعطفاً واضحاً، لم يكن إلا تهيئة وتجهيز وإرسال ابنها إبراهيم إلى أرض المعركة لمقارعة أعداء الله والدين والوطن والإنسانية، حيث شهدت الأرض الفلسطينية المباركة الجاثم على صدرها مستوطنة "إيلي سيناي" شمال قطاع غزة فصول هذه المعركة حامية الوطيس التي دارت رحاها مساء يوم الثلاثاء 2/10/2001م، وخلفت قتيلين وخمسة عشر جريحاً في صفوف المستوطنين الصهاينة، وارتقاء الشهيد إبراهيم ريان برفقة أخيه المجاهد عبد الله شعبان إلى العلا شهيدين مباركين تحفهما ملائكة الرحمن.(1/255)
مر هذا الحدث سريعاً، ومر دور أم بلال دون أن يفطن له أحد، فقد أدت واجبها وقامت بدورها كاملاً، بصمت تام وسرية مطبقة، مما حال بينها وبين التغطية الصحفية وذيوع الصيت الإعلامي، إلى أن تكشفت الأنباء فيما بعد عن حقيقة الدور العظيم الذي لعبته في صياغة شخصية ابنها، وتكوينه التربوي والنفسي، وإمداده بكل المقومات اللازمة والمؤهلات الضرورية لخوض غمار مرحلة الجهاد والشهادة التي جاءت على شكل عملية جهادية عسكرية ذات صبغة استشهادية، حطمت هيبة الاحتلال، وكسرت غروره، ودمرت كبرياءه، ومرغت أنف سمعته وإجراءاته الأمنية في التراب.
نشأت أم بلال في إطار عائلة متدينة وملتزمة، هي عائلة تمراز، فهي ابنة الشيخ المجاهد عبد الرحمن تمراز أحد مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة الشمالية لقطاع غزة، ورفيق درب الشيخ أحمد ياسين، وأحد أعضاء الجهاز العسكري للإخوان المسلمون الذي أسسه الشيخ أحمد ياسين وتم اكتشافه عام 1984، ليتم اعتقاله ضمن حملة الاعتقالات التي طالت عناصر هذا الجهاز، ويحكم عليه بالسجن لمدة أحد عشر عاماً.
وكما والدهم كان الأبناء، أشقاء أم بلال، على ذات الدرب والطريق، حتى أن هذه الأسرة قد مرت عليها أيام عصيبة زمن الانتفاضة المباركة الأولى، حرمتها من وجود ورعاية الوالد والأبناء الذين غيبتهم سلطات الاحتلال خلف القضبان.(1/256)
كما هي – أيضاً – شقيقة الاستشهادي المجاهد صهيب الذي نفذ عملية استشهادية في سيارة عسكرية صهيونية ترافق باصاً يقل مستوطنين صهاينة قرب مستوطنة "غوش قطيف" في قطاع غزة بتاريخ 29/10/1998م، ولم تستطع أسرته أن تقيم له عرس استشهاد نتيجة لتغول السلطة الفلسطينية آنذاك على حركة حماس، واعتقال عدد كبير من قادتها وعناصرها وزجهم في غياهب السجون والمعتقلات، وفرض الإجراءات التعسفية القاسية بحقها، ومن ضمنها وضع الشهيد الشيخ أحمد ياسين قيد الإقامة الجبرية، ومنع أي مظهر من مظاهر المقاومة أو التعبيرات المجسدة لها كأعراس الشهداء داخل القطاع والمناطق الخاضعة لنفوذ السلطة.
تزوجت أم بلال من المجاهد الدكتور نزار ريان، وعانت معه الغربة إبان مراحله الدراسية المختلفة، في سوريا والأردن والسودان والسعودية، لتختتم جولتها العربية برفقة زوجها بالعودة الى أرض الوطن، عازمة عزماً أكيداً على عدم مفارقتها أو الخروج منها مرة أخرى مهما كانت الأسباب والمبررات.
وقد بلغ حبها لفلسطين مبلغاً، فعندما أقدم مجرم صهيوني على اقتراف مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل شهر فبراير عام 1994، وكانت أم بلال آنذاك في السودان، أخذت تبكي بكاء شديداً أدمى عيونها، حتى أبكت ابنتها الطفلة ولاء ذات الـ3 أعوام، مما يشير إلى عمق الرابطة التي تجمعها بهذه الأرض الطيبة، وحجم المحبة والولاء والانتماء المختزن في قلبها تجاه أهلها وأبناء شعبها وقضيتها.
زوجها أبو بلال " د.نزار ريان" أستاذ مشارك في علم الحديث الشريف في كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة، وعضو القيادة السياسية لحركة حماس، وأحد الخطباء المفوهين والمحرضين على الجهاد في سبيل الله لتحرير الوطن واستعادة الكرامة والمقدسات، وأحد تلاميذ الشيخ عبد الله عزام قائد المجاهدين في أفغانستان.(1/257)
في ظل هذه الظروف والأحداث ترعرعت أم بلال، واشتد عضدها، وامتلكت أسباب القوة الإيمانية والنفسية والمعنوية لمواجهة تقلبات ونوائب وعوارض الحياة، موقنة أن الوطن جزء من العقيدة، وأن فلسطين آية من الكتاب "القرآن الكريم"، وأن التضحية لنصرة الدين، وإنقاذ الوطن من براثن الطاغوت المحتل، أمر حتمي لابد منه، ولا مجال للتقاعس عن أدائه، أو النكوص عن الوفاء باستحقاقاته مهما بلغت العقبات والتحديات.
أم بلال، امرأة عظيمة، تشعر بتميزها وسمو منزلتها منذ اللحظة الأولى لمجالستها والاستماع إلى حديثها، وتدرك - فوراً- أن الشعب الفلسطيني الذي أنجب مثل هذه المرأة، وسواها من الخنساوات، هو شعب عظيم، يستحق الحياة الحرة الكريمة ويستأهل النصر العزيز المظفر والاستقلال الكامل غير المنقوص.
تتحدث أم بلال عن الأسباب والدوافع التي دفعتها لتقديم ابنها شهيداً في سبيل الله، فتقول :"إن الذي دفعني لذلك، أولاً: هو تأثري الشديد برسالة الدكتوراة لزوجي التي كانت تتحدث عن الشهادة والشهداء، وثانياً: تأثري بقول الرسول صلى الله عليه وسلم حينما كان يقول لأحد أصحابه :(منا شهيد فهل منكم شهيد؟)"، فقد حمسني هذا القول حماساً شديداً، مما دفعني للقسم بأن أهب وأقدم أبنائي الستة شهداء في سبيل الله، وثالثاً: مشاهدتي ومتابعتي للمجازر المتكررة التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني الأعزل، وقتل الأطفال والنساء والرجال بدم بارد وتدمير البيوت فوق رؤوس أهلها، وتجريف الأراضي واقتلاع الأشجار، واغتيال القادة الفلسطينيين، مما أحرق قلبي وأشعل صدري بنيران الغضب والانتقام من بني صهيون".
وتستطرد قائلة:"امتلاكي لسلاح الإيمان، وشعوري بقوة العقيدة، وصدق انتمائي، وحبي الشديد لهذا الدين دفعني لكي أقدم ابني إبراهيم شهيداً في سبيل الله دون أي تردد أو تفكير".(1/258)
وترجمة لحال الإيمان والعطاء والفداء الذي أسر كيانها وملأ عليها حياتها فقد بدأت أم بلال في سلوك طريق منهجي يتفرع إلى شعبتين، بغية الوفاء بقسمها والبرّ بالعهد الذي قطعته على نفسها، وتمثل ذلك الطريق في البدء بإعداد نجلها إبراهيم للمعركة المنشودة، لينقسم الإعداد إلى قسمين:
الأول: الإعداد المعنوي، فقد كانت تشجعه على المحافظة على أداء جميع الصلوات في المسجد، وتحثه على قيام الليل وأداء صلاة الفجر في المسجد، وصيام النوافل، وتربيه على حب الجهاد والاستشهاد، وحسن الخلق والتعامل مع الناس، حتى أنها كانت تدعو له دائماً بالشهادة والفوز برضى الله تعالى، وكانت تكثر من ترديد دعاء(اللهم اجعل من ذريتي الشهداء والعلماء وحفظة القرآن) في كل سجود.
أما القسم الثاني فهو الإعداد المادي، حيث بادرت أم بلال إلى تجهيز ابنها إبراهيم مادياً، فهي التي اشترت من مالها الخاص سلاحه الشخصي، وعتاده وزيه العسكري، ولم تبخل عليه بأي شيئ، حتى غدا مقاتلاً، كامل العدة والعتاد، مهيئاً لخوض أي معركة أو اشتباك مسلح مع الصهاينة في أي وقت كان.
ولم تقتصر أم بلال في دعائها لأهلها وذريتها، بل طال دعاؤها – أيضاً- الشهيدين: سهيل زيادة وصلاح شحادة، لأنهما كانا سبب انخراط إبراهيم في صفوف كتائب القسام، فكانت لمسة وفاء غالية أن ترفع يديها بأكف الضراعة إلى الله أن يرحم ويكرم ويتقبل هذين الشهيدين صاحبا الفضل بعد الله تعالى في تقريب وتيسير سبل تحقيق أمنيتها وأمنية ابنها، ورعايته جهادياً حتى أكرمه الله بالشهادة الخالدة.(1/259)
وتروي أم بلال جانباً من الحياة النفسية والعاطفية لابنها إبراهيم، مؤكدة أنه تأثر تأثراً ليس له مثيل، بحادثة استشهاد الطفلة إيمان حجو والشهيد بلال الغول، حيث أقسم أن ينتقم لهما، وقدم وعداً لوالدة الشهيد بلال أن ينتقم لابنها، وأن يقتل مستوطناً صهيونياً لقاء ابنها الشهيد، مشيرة إلى أنه كان يدعو الله دائماً أن يجعله مثخناً في الأعداء، مقبلاً غير مدبر، وأن الله تعالى استجاب دعاءه، ويسر له الوفاء بعهده والبر بقسمه، فكانت عملية الاقتحام التي نفذها برفقة الشهيد عبد الله شعبان لمستوطنة "ايلي سيناي" عملية مميزة بكل المقاييس، أثخنت في العدو، وزلزلت قواته التي اضطرت لاستقدام فرقة "كوماندو" خاصة لمواجهة إبراهيم وأخيه عبد الله، حتى تمكنت بشق الأنفس من السيطرة عليهما وقتلهما.
وبلغ من شغف أم بلال بالجهاد، وشوقها لبذل ابنها في سبيل الله أنها ذهبت، ذات يوم الى غرفة إبراهيم، وتفقدتها، وقبلت حذاؤه العسكري.
... وحين أزفت ساعة الفراق، ودق جرس الرحيل، ودعت أم بلال فلذة كبدها إبراهيم وداع الأبطال، وداعاً يتميز بالثبات والثقة والصبر والاحتساب، ويتسم بالقوة والصلابة والعزم والإصرار، لينطلق إبراهيم ورفيقه عبد الله إلى حيث ميدان المعركة، وتنتقل أم بلال إلى منطقة حي الصالحين"بئر النعجة" حيث اعتلت سطح منزل أحد أقربائها، لتراقب وتشاهد وتتابع سير ومسار العملية عن كثب، ولدى بدء الاشتباك المسلح بين المجاهدين وقوات الاحتلال داخل المستوطنة شرعت أم بلال في الصلاة، وأخذت في الدعاء لابنها ورفيقه، وقرأت سورة ياسين كاملة، وأهدت ثوابها إلى روح ابنها.(1/260)
وكما استقبلت نبأ استشهاد شقيقها صهيب في الماضي، فإن أم بلال استقبلت نبأ استشهاد ابنها بالذكر، والتكبير، والتهليل، فرحة مطمئنة، مستبشرة سعيدة، غير جزعة ولا وهنة لما أصابها في سبيل الله، ولدى استقبالها جثمان ابنها الشهيد لم تتوقف أم بلال عن إطلاق الزغاريد، واطلاق التكبيرات، وحمد الله تعالى على كرمه الفياض وما منحه لابنها من نعمة الشهادة، وما أكرمها به بحيث أصبحت والدة لأحد الاستشهاديين.
وتروي أم بلال أنها قبل أن تذهب لزيارة قبر ابنها إبراهيم عقب الفراغ والانتهاء من دفنه، رأت إبراهيم في منامها، نضر الوجه في منظر جميل جداً، حيث أخبرها بأن جنرالات العدو قد تفاوضوا معهما بغرض التسليم، وأنه ورفيقه رفضا العرض الصهيوني، وقاتلا حتى النهاية، وقد أكدت مصادر عسكرية صهيونية حقيقة العرض الصهيوني.
كانت أم بلال شديدة التعلق بالشهادة والشهداء، فكانت دائمة التردد على أعراس الشهداء، وكثيرة الزيارة لبيوت الشهداء، تغبط كل أسرة ارتفع لها شهيد، حتى أنها زارت ذات مرة منزل عائلة نصار التي ارتفع لها ثلاثة عشر شهيداً، وقالت لهم: أنتم ستأخذون الجنة على حسابكم، وذلك من كثرة ما قدموا من شهداء.
وفي عرس شهادة ابنها وقفت أم بلال بكل عزة وشموخ تحرض على الجهاد والمقاومة والشهادة، مؤكدة أنها تقدس كل من يدافع عن القضية الفلسطينية، ويجاهد من أجلها، وأن على الجميع أن يهب للتضحية فداءً للدين والعقيدة، والأرض والوطن والمقدسات.
إنها أم بلال ريان، أولى خنساوات فلسطين، وذلك صبرها وجلدها وتضحيتها، فما أروعك أم بلال، وما أروع عطاءك، ولسان حالك يقول:
ذاك الشهيد الذي أعلى كرامتنا ... ... ... ... فداؤه كل طلاب الزعامات.
أم أحمد جودة
والدة الاستشهادي / أحمدعصام جودة(1/261)
"أجزم وأزعم أنه ما من أم على وجه الأرض أحبت ولدها كما أحببت أحمد، وأزعم أيضاً أنه ما من أم سهرت على ولدها ودللته ورعته وربته كما سهرت ودللت ورعيت أحمد، وأجزم وأزعم أنه ما من ولد حظي لدى أهله بما حظي أحمد، لكننا على الرغم من كل ذلك قدمناه لله بقلوب مؤمنة بما أعده الله لعباده المجاهدين وذويهم الصابرين، وبنفوس راضية مطمئنة، ولتخرس كل الألسنة التي تدعي غير ذلك، فهي الحياة الأبدية الخالدة أيها الناس ندفع أبناءنا إليها، والثمن هو مغادرة هذه الدنيا الغرورة الخداعة ولقاء الله شهداء".
بهذه الكلمات النورانية المضيئة افتتحت السيدة سهام جودة والدة الشهيد المجاهد أحمد جودة حديثها عن ابنها أحمد، وحياته الجهادية، وملامح العلاقة التي جمعت بينهما في إطار العمل المقاوم الذي ما انفك الشهيد أحمد خوضاً له، وسعياً في إطاره، حتى أكرمه الله بالشهادة والارتقاء إلى العلا، وبلوغ مدارج الصادقين.
بين يدي هذا الحديث الذي يتناول دور الخنساوات الفلسطينيات المجاهدات تنويه لازم، فمع كل إطلالة جديدة مع خنساء جديدة يقف المرء مذهولاً، مشدوهاً، قد غلبته حيرة يشوبها التعجب، لأولئك النساء والأمهات العظيمات اللواتي اخترقن كل القواعد، وتجاوزن حدود المألوف، وكسرن حواجز التقليد والنمطية في منظومة العلاقات الأسرية، حتى باتت كل واحدة منهن مدرسة قائمة بذاتها، نستمد منها كافة معاني الإلهام والتوجيه والإرشاد، ومختلف صور الثبات والتضحية والعطاء.(1/262)
ولم تكن أم أحمد إلا إحدى هؤلاء الخنساوات العظيمات، رغم أن عاطفتها لم تسعفها للظهور برفقة ابنها في الشريط المصور الذي ألقى فيه وصيته، وحرمانها - بالتالي- من الظهور الإعلامي، وما يقدمه من فوائد إعلامية وعوائد معنوية للشعب الفلسطيني، لكن ذلك لا يحجب –بحال- حقيقة السلوك وطبيعة الدور الذي اضطلعت به في تربية ابنها وتغذيته بحب الجهاد والمقاومة والشهادة، مروراً بخدمته وتقديم كافة أشكال العون والمساعدة له ولإخوانه المجاهدين، وصولاً إلى وهبه في سبيل الله، وإرساله إلى سوح الوغى والفداء حيث مكمن الشهادة والاصطفاء، ومواطن الطعان والنزال، والقرب من رضى وجنة الرحمن.
وكي ندرك مدى عظمة هذه الخنساء، لابد من العودة إلى ذلك التاريخ 25/11/1985م حيث ولد أحمد، المولود البكر من الذكور، وكيف أن أم أحمد وزوجها وهباه - منذ ولادته- لله تعالى ولنصرة دينه القويم، وبدآ غرس المفاهيم الإسلامية والقيم التربوية في نفسه، حتى غدا فتى يافعاً، يضرب به المثل في الانضباط والخلق الحسن، وأضحى عنواناً للنشاط والحراك والفاعلية ضمن الأنشطة الطلابية في إطار الكتلة الإسلامية إبان المرحلة الثانوية، والتي توجت عام 2002م بانضمامه إلى صفوف كتائب القسام، والانخراط كجندي مطيع فاعل ضمن تشكيلاتها العسكرية.(1/263)
وكنتاج طبيعي للتربية الحقة الأصيلة التي بثتها أم أحمد في نفس وكيان ابنها، كانت الترجمة الناصعة لهذه الجهود الحثيثة ماثلة في واقع حياة أحمد، فلم يكن ينقطع عن مسجده، مسجد العمري، الذي خرّج كثيراً من الاستشهاديين الأبطال، أمثال حسن حمودة ونافذ النذر، ولم يكن ينقطع عن قيام الليل، وصيام الاثنين والخميس من كل أسبوع وكثيراً ما كانت والدته تسمع نحيبه وصوت بكائه أثناء صلاته، وترى الدموع تنسكب من عينيه، وهو يلح على الله تعالى في طلب الشهادة، ويتوسل إليه تعالى أن يرضى عنه، ويحقق أمنيته، وكثيراً ما كان يردد أمام أهله وصحبه بأن هذه الدنيا فانية إلى زوال، وأنها ليست مقامي، وليست سكني.
وتستذكر أم أحمد البداية الأولى لانضمام نجلها إلى كتائب القسام قائلة:"في مطلع عام 2002م تم اختيار ولدي ليكون أحد مجاهدي واستشهاديي كتائب القسام، وقد عمل في صفوف الكتائب، وتلقى تدريبات عسكرية، وأنهى تلك التدريبات في فترة وجيزة، فامتاز بدقة إصابته للهدف، ليصبح أحد قناصي كتائب القسام، ويلقب من قبل إخوانه بـ"الشبل والقناص والزغنون"، حيث كان أصغر فتى ينضوي تحت لواء كتائب القسام في سنه. وفي مطلع عام 2003م أصبح ولدي أحد أبناء جماعة الإخوان المسلمين التي بايعها على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة عليه، وبايعها على العمل لخدمة الدعوة، وخدمة مسيرة الجهاد والمقاومة حتى النصر أو الشهادة".(1/264)
كانت أم أحمد مستودع أسرار ابنها، فلم تكن تعلم بطبيعة نشاطاته وتشجعه عليها فحسب، بل كانت تشرف على إنجاحها، وتساعد على إنجازها، فكم جهزت الطعام للمجاهدين المرابطين على الثغور الحدودية، وكم أسهمت في نقل العتاد العسكري، وخاصة العبوات الناسفة، برفقة ابنها، وكم كانت تعلي همته، وتذكي عزمه، وترفع معنوياته، وتشد من أزره قبل وبعد الخروج للرباط في سبيل الله على مشارف بلدتي جباليا وبيت حانون، أو قصف مستوطنات ومواقع العدو الصهيوني بقاذئف الهاون وصواريخ القسام، أو نصب الكمائن لدوريات الاحتلال الراجلة في المنطقة الحدودية شرق بيت حانون.
علاوة على ذلك، فقد عززت أم أحمد المسيرة الجهادية لابنها، ودفعته حثيثاً نحو مزيد من البسالة والإقدام والمواجهة حيث أقدمت على تجهيزه عسكرياً من خلال توفير سلاحه وعتاده العسكري من مالها الخاص، آملة أن يتقبل الله صنيعها، وأن يجعله ذخراً في ميزان حسناتها وصحيفة أعمالها يوم القيامة.
وتستعرض أم أحمد شريط ذكرياتها السعيدة، وملف الحياة الجهادية التي عاشها أحمد، وتستذكر أبرز المواقف البطولية التي ميزت الفترة الزمنية التي قضاها عاملاً في صفوف كتائب القسام، فتشير الى أن أحمد اختير لتنفيذ عملية استشهادية مشتركة برفقة الشهيد كرم أبو عبيد قرب مستوطنة "دوغيت"، إلا أن قدر الله شاء أن يتزامن تنفيذ العملية مع اجتياح الدبابات الصهيونية لمنطقة بيت لاهيا، مما اضطر المجاهدين للانسحاب من المكان، حيث بقي أحمد صابراً محتسباً، ينتظر بفارغ الصبر يوم الشهادة، إلى أن قرر أولو الأمر في كتائب القسام تنفيذ العملية بواسطة استشهادي واحد فحسب، فتم الاقتراع بين المجاهدين:أحمد جودة وكرم أبو عبيد، فاختار الله الشهيد كرم، وبقي أحمد على أمل الشهادة حتى نالها.(1/265)
وضمن قافلة المواقف التي ترويها أم أحمد ما كان من عودة ابنها ذات يوم لدى اجتياح قوات الاحتلال لبلدة بيت حانون، حيث أقبل إليها مبتسماً، سعيداً، على الرغم من أن ملابسه التي كان يرتديها كانت ممزقة، وفي حالة يرثى لها، شاهدةً على أثار الزحف الطويل، فسألته والدته عن سبب تبسمه وسر ملابسه الممزقة، فأجابها: باركي لي يا أماه، اليوم فجرت دبابة صهيونية، وقد شاهدت النيران تشتعل فيها قرب الضابطة الجمركية، ولم يكن سعيداً طيلة فترة جهاده قدر سعادته بتفجير الدبابة التي دمرت من المقدرات ما دمرت، وقتلت من الناس ما قتلت، وحولت حياة المواطنين الفلسطينين إلى جحيم.
وفي إطار مهماته الجهادية كان الشهيد أحمد يخرج إلى المناطق الحدودية المتاخمة لفلسطين المحتلة عام48، لتصوير الأهداف الصهيونية، وتقديمها لقيادة المجاهدين في كتائب القسام، بغية الاستفادة منها في تحديد مكان وخط سير وتوقيت تحرك هذه الأهداف تمهيداً لضربها وتنفيذ عمليات عسكرية ضدها.
وتروي أم أحمد أن ابنها قد جاء إلى المنزل ذات يوم بعد صلاة العشاء، وقد غسلت ملابسه العسكرية، وبدأ يجهز نفسه للخروج مع إخوانه المجاهدين إلا أنه فقد قناعه ولم يجده، فغضب غضباً شديداً، فأحضرت له الكوفية ووضعتها على رأسه ولثمته بها، حيث كان –رحمه الله- شديد الاهتمام بزيه وسلاحه وعتاده العسكري أكثر من أي شيئ آخر.
وذات يوم فقدته أسرته أثناء انغماسها في حفل زفاف شقيته "أم إسماعيل"، فقد كان مقرراً أن يكون أحد الحاضرين ضمن الحفل الإسلامي الذي أقيم بهذه المناسبة، وعندما عاد إلى البيت في الصباح سئل عن سبب تغيبه وعدم حضوره حفل زفاف شقيقته أجاب بأن الوضع الميداني كان يشوبه التوتر، وأن مسئوليه في الكتائب قد استنفروه وإخوانه المجاهدين للخروج مرابطين خشية حدوث أي طارئ.(1/266)
وتستذكر والدته أنها كانت –أحياناً- ترى ملامح الحزن والأسى في عينيه، فتسأله من فورها عن سبب ذلك، فيجيبها قائلاً:"يا أماه، في اليوم الذي لا أخرج فيه إلى القتال وقصف المستوطنات أكون تعيساً، وأشعر بأني أتعس مخلوق في هذه الدنيا".
وحين تثمر التربية وتزهر، وتحصد الأم وزوجها ما زرعوه بالأمس، ليس بغريب أن تبدو النتائج خارقة للواقع، وخارجة عن المألوف، فالزواج هو سنة الحياة، وفطرة الله التي فطر الناس عليها، إلا أن القلب حين يملك عليه حب خاص، ويستهويه هوى خاص، ويقتحم سويدائه هم خاص وهدف خاص، وأمنية خاصة، تتراجع كثير من تقاليد الحياة، انحيازاً لذلك الحب، والهوى، والهمّ، والهدف، والأمنية، الذي لم يكن في شيئ قدر كينونته في الشهادة، ولقاء الرحمن.
وفي هذا السياق تؤكد أم أحمد أنها وزوجها كانا يعدان أحمد للزواج، ويجهزان له بيت الزوجية، إلا أن هذا البيت لم يمنعه من مواصلة الجهاد والمقاومة، فكان يخاطبها قائلاً:"يا أماه أريد أن أستبدل هذا البيت بقصر في الجنة، وأعلم أنك تحلمين بأن أكون عريساً، ولكنها الجنة يا أمي، فيها القصور، وفيها الحور العين، إنها الجنة يا أماه، فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
وفي شهر رمضان المبارك حيث تعودت الأسرة جميعها على الخروج لصلاة التراويح كان أحمد يلح على أمه أن تدعو له بأن يصطفيه الله شهيداً بأقصى سرعة، فكانت تجيبه بأن الفراق صعب جداً عليها، فكان يرد عليها طالباً منها أن تدعو له بالتوفيق وأن يمنحه الله ما يتمناه، فكانت ترجوه وتستحلفه بالله أن يدعو الله في سجوده أن يصبرها عند سماع خبر استشهاده.(1/267)
... وإمعاناً في الانتصار للحق والفكرة وإيغالاً في حب الله ورسوله، وتفضيلهما عما سواهما، توضح أم أحمد أنه عندما كانوا يجلسون في البيت، وتنظر إليه بإمعان، وتتقرب إليه، وتبدأ في مداعبته وملاطفته، كان يهرب –أحياناً- من أمامها حتى لا تأخذه العاطفة، ويقعد أو يجبن، إذ كان يعلم ويعرف أن والدته تحبه حباً جماً لو وزع على الدنيا لوسعها بأكملها ومن فيها.
وتمضي أم أحمد في حديثها، مؤكدة أنهم كانوا يتحدثون ذات يوم في أمر زواج أحمد إن أمد الله في عمره وأبقاه حياً، وحينها انبرى أحمد قائلاً لأمه:"يا أمي أنا لا أفكر في الزواج الآن، فأنا لا أفكر إلا في الزواج من اثنتين وسبعين حورية في ليلة واحدة إن شاء الله، ولن أكلفكم أي شيئ إلا أن تحتسبوني عند الله شهيداً، وتصبروا على فراقي، أما تكاليف الزواج فأريدك أن تتبرعي به للمجاهدين، وأن تنفقي في سبيل الله كل ما قد يأتي من مساعدات بعد استشهادي".
وتذكر أم أحمد أن ابنها قال لها ذات ليلة: يا أمي أنا أحببت، وقلبي تعلق بمن أحب، فقلت له: من هي؟ فقال لي: سأعطيك أوصافها وعليك معرفتها، فقلت له: موافقة، فقال لي: هي طويلة، فقلت له: وأنت طويل فهي مناسبة لك، فقال لي: وهي سمراء، فقلت له: وأنت أبيض فهي مناسبة، فقال لي: هي بنت 16، فقلت له: وأنت في نفس السن فهي مناسبة، فقال لي:هي بعين واحدة يا أمي وضربتها قوية، عندها أدركت والدته أنه يقصد سلاحه الرشاش من طراز"أم16"، وأنه لن يرده عن هدف الشهادة والاستشهاد شيئ.(1/268)
وتستطرد أم أحمد في سرد ذكرياتها مع ولدها، مشيرة إلى أنهم عندما كانوا يتحدثون عن المجازر التي يرتكبها شارون بحق الأطفال والأبرياء والقادة كان أحمد دائماً يقول لها:لا تحزني يا أمي، والله سأرفع رأسك وأشرف عائلتي وحركتي وبلدتي ووطني، وأنتقم من بني يهود، مؤكدة أن أحمد عاهد الله عز وجل إبان مسيرة تشييع الشهيد القائد صلاح شحادة أن يكون في طليعة المنتقمين لدمه الطاهر، فقد كان قلبه متعلقاً بحب الشهيد صلاح شحادة، الذي كان يتخذه قدوة وأسوة ونموذجاً راقياً في الأخلاق والجهاد والدعوة والعطاء.
وتتابع قائلة:"قمنا أنا و زوجي أبو أحمد بتقديم ولدنا أحمد هدية للشيخ صلاح بمناسبة زفافه الثاني(قبل استشهاده)، وأذكر مما كتبناه في رسالة التهنئة للشهيد الشيخ صلاح شحادة: علمنا بخبر زواجك يا شيخنا، فبارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينك وبين عروسك على خير، وقد علمنا أنك تتمنى الولد الذكر ليشارك في الجهاد في سبيل الله، ولا يسعنا هنا إلا أن نقدم لك هديتنا المتواضعة، ولدنا أحمد، كهدية زواجك، نقدمه لك ونحن نتمنى أن ترعاه كأحد استشهادي "كتائب القسام"، مشيرة إلى أن أحمد عندما سمع بذلك فرح فرحاً كبيراً.
وتستحضر أم أحمد الحوارات الأولى التي دارت بينها وبين زوجها في البدايات الأولى لعمل أحمد العسكري مع المجاهدين تحت راية كتائب القسام، إذ تشير إلى أنها قالت لزوجها ذات مرة أن أحمد لا زال صغيراً ولا يستطيع الجهاد، فضلاً عن أنه الولد البكر عندنا، ونريد أن نفرح به، ونلحقه بالجامعة، ونزوجه، فكان أبو أحمد دائماً يقول لها: يا أم أحمد، هذه رغبة أحمد، ولم يجبره أحد عليها، ثم إن الجنة غالية وعزيزة، وعلينا أن نضحي، وأن نقدم إليها أغلى وأعز وأثمن ما نملك، مصداقاً لقوله تعالى "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".(1/269)
وتستذكر والدته أنه عندما أراد تسجيل وصية على شريط فيديو أخبرها برغبته في التصوير معها، والجلوس إلى جوارها، فاعتذرت، مؤكدة أنها أخبرته أنها تخشى أن تبكي أثناء التصوير، ويستبد بها التأثر العاطفي، فتصور منفرداً.
وتصف أم أحمد اللحظات الأخيرة في حياة ابنها يوم استشهاده 7/5/2003م قائلة:"صلى أحمد الفجر جماعة في المسجد، وعاد وأخلد للنوم، وكان في شقته بعض إخوانه المجاهدين، وفي تمام الساعة السابعة صباحاً قمت بتجهيز طعام الإفطار لهم، وبعد انتهائه من تناول طعام الإفطار جهز نفسه وأخذ الكاميرا الخاصة به، وقال لي: يا أمي أنا ذاهب إلى بيت حانون لتصوير بعض الأهداف، ولن أتأخر، وسأحضر لتناول طعام الغداء سوية، فدعوت الله له بالتوفيق إلى ضيافة الرحمن جل وعلا، وتناول غدائه مع الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، طعاماً ليس كطعام بيتنا، فهو أفضل وأشهى، وليس بصحبتنا، فهو بصحبة من هم أفضل منا جميعاً".
وتمضي قائلة:"جاءني خبر استشهاده عندما كنت في الركعة الثانية من صلاة العصر، فأكملت الصلاة، وبعدها سجدت لله عز و جل، وحمدت الله على أن تقبل ولدي شهيداً وبعدها ذهبت إلى المستشفى وودعته، ثم عدت إلى البيت، واستقبلت المهنئين، وطلبت من بناتي أن يصلين ولا يفعلن ما يغضب الله، فهذا اليوم هو يوم زفاف ولدي إلى عروسته، ولكن عروسته ليست من "الحور الطين" وإنما من الحور العين إن شاء الله، وفي اليوم التالي الخميس تم تشييع الجثمان، واستقبلت جنازته بالزغاريد كما أوصاني، وكبرت وهللت وحمدت الله، وإنني أحمد الله تعالى أنني لم أفعل شيئاً يغضب الله، ولكنه الفراق، فراق الأحبة، فراق أعز ما أملك في هذه الدنيا، إن الأمر عظيم تتفطر له القلوب، فبأي قلب أودعك يا أحمد، وبأي دموع أبكيك يا ولدي الحبيب؟".(1/270)
وكما كان أحمد عامل خير وبركة قبل استشهاده، فإن استشهاده أفاض من الخيرات والبركات على أهله ما لم يخطرلهم على بال، إذ تؤكد والدته أنهم يشعرون بأن الملائكة تعيش معهم في البيت، وأن المحبة والألفة قد زادت بين أفراد الأسرة، وأن الأمور الحياتية قد تيسرت، وذلك بفضل الله أولاً، ثم ببركة دم أحمد رحمه الله، مشددة على أنها وزوجها على استعداد لتقديم المزيد، فداءً لله ورسوله، ونصرة لدينه، وإسهاماً في تحرير فلسطين من دنس الغاصبين.
وتشير أم أحمد إلى عدد من الكرامات التي أكرم الله بها ولدها أحمد بعد استشهاده مباشرة، فجبهته ووجهه كانا يتصببان عرقاً بشكل لافت للنظر، كما أن رائحة دمه العطر كانت تفوح وتملأ المكان بغزارة، مضيفة أنها كانت فتحت خزانته بعد أربعة أيام من استشهاده بغية ترتيبها، فإذا برائحة مسك تنبعث منها وتملأ أرجاء الغرفة، فقامت بتفتيشها وإذ بها تجد إحدى القنابل الخاصة به، والتي كان يحملها يوم استشهاده، وعليها بقع وآثار دمه الزكي، داخلها.
ولم تكتف أم أحمد بتربية ابنها تربية جهادية وأخلاقية صالحة، وبذله في سبيل الله، وإعداده مادياً ومعنوياً، بل عبرت عن تواصلها مع ربها، وترجمتها لمدى ولائها وانتمائها لدينها وعقيدتها ووطنها وقضيتها، حيث قامت بالتبرع بالتكاليف المادية المخصصة لزواج أحمد في سبيل الله، وبتجهيز استشهادي في سبيل الله تجهيزاً كاملاً من خلال التبرع بمبلغ 3300 دولار في إطار حملة التبرعات والجهاد بالمال، التي بادرت إليها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وجناحها العسكري "كتائب القسام" شهر إبريل الماضي، لا تبتغي من وراء ذلك إلا مرضاة الله تعالى، ونصرة الحق، وأداء الواجب الشرعي والوطني المقدس.(1/271)
ولم تنس أم أحمد أن تسجل رسالة عزّ وشرف للأمهات الفلسطينيات تحثهن فيها على التضحية والعطاء، وعدم البخل على الله بأي غالٍ، فهو مالك الملك الذي استخلفنا في هذه الأرض، واستودعنا أبناءنا وأهلينا، ولا أقل من البذل والتضحية في سبيل الله، ورد ولو جزء من هذه الأمانات الى صاحبها وبارئها وخالقها، إذ توصي الأمهات بأن على الفلسطينيات أن يدفعن أولادهن الى ساحات القتال، مؤكدة أن الجنة مهرها غالٍ وثمين، وأنها لا تقبل إلا أغلى ما تملك الأمهات من الأولاد، فلم البكاء، ولم العزاء، وهذه الدنيا فانية لا خلود فيها لأحد.
وخاطبت أم أحمد الأم الفلسطينية قائلة:"أيتها الأم الفلسطينية، يا من سيخلدك التاريخ بأسره:هبي وانذري مهجة عينك وحبيب قلبك لله عز وجل، واعلمي أن المرء لا يموت إلا موتة واحدة فلتكن موتة مشرفة وأصابعنا على الزناد في مقدمة الصفوف، فوالله إن فلسطين لن ترجع إلا بالدم الطاهر، دم فلذات أكبادنا، فلم التقاعس عن الجهاد، والجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وفلسطين لن ترجع إلا بدم الشهداء حتى نستعيد عزتنا وكرامتنا، فشهداؤنا دفعوا ضريبة العزة والكرامة، وعلينا نحن من بعدهم أن ندفع تلك الضريبة ونسير على ذات الطريق والنهج الذي ساروا عليه".
وتمضي أم أحمد قائلة:"أقول لجميع الأمهات إن أعظم جهاد للمرأة أن تقوم بتربية أولادها التربية الجهادية الصحيحة، وأن تغرس في نفوسهم حب الجهاد والاستشهاد، وأن تدفع بهم إلى ميادينه، وأن ترضعهم لبن العز والفخار منذ نشأتهم، فاذا بخلنا نحن الأمهات على فلسطين والأقصى بأبنائنا فمن سيجود من أجلهما، والله إن فلسطين، أرض الأنبياء والرسالات، لن تعود الا بالجهاد والاستشهاد، ولن يستمر الجهاد إلا بدفع أبنائنا إليه، وحثهم على تبنيه خياراً واحداً وأصيلاً في حياتهم كي ينالوا رضى الله تعالى، ويكونوا أداة مباركة لتحرير وطنهم وإنقاذ شعبهم وقضيتهم".(1/272)
وتتابع:"أقول لأمهات الشهداء، هنيئاً لكن استشهاد أولادكن، ولا نقول فيكن الا ما يرضي الله عز وجل، فأنتن اللواتي ضربتن أروع الأمثلة في الجهاد والعطاء، وأنتن من ستتوجن بتاج الوقار يوم تبعث الخلائق يوم القيامة، وأنتن أول من يشفع له يوم القيامة، حين يأتيكن مهجات قلوبكن الذين طالما انتظرتموهن بفارغ الصبر ليأخذوا بأيديكن، ويدخلوكن الجنة آمنات مطمئنات إن شاء الله".
ولم تنس أم أحمد – أيضاً- أن تتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان للمجاهدين أبناء كتائب القسام الذين جعلوا من ابنها أحمد بحق بطلاً من أبطال فلسطين، وأشرفوا على تدريبه وتجهيزه وتعليمه فنون الرماية والقتال، وصنعوا منه بطلاً مقداماً شجاعاً لا يهاب الموت، متمنية أن تشملهم شفاعة ولدها أحمد، وأن يحفظهم الله من كل مكروه وسوء، ويسدد رميتهم، ويبارك جهادهم في مواجهة الاحتلال الغاصب.
نعم، هي أم أحمد، خنساء شامخة، ومجاهدة عظيمة، وروح وثابة ملتهبة بالتضحية الواسعة والعطاء المستفيض، ونفس جهادي أصيل يشع بالثبات لشعبنا، ويلفح بالنار عدونا، نعم هي امرأة بأمة، ومخزون لا ينضب من الصبر والصمود والفداء.
المبحث الثاني
نماذج لأبرز زوجات الرجال العظماء
أم حسن زوجة القائد المجاهد الشهيد/ المهندس
إسماعيل حسن أبو شنب
... كثيراً ما تردد أن الزوجة غالباً ما تترك بصماتها على حياة زوجها، وقد تغيّر مسار حياته، سلباً أو إيجاباً، وقد تحيله الى شخص جديد وانساناً آخر في أحيان أخرى.
فللزوجة دور محوري وأثر خطير في تكوين بني وتشكيل اتجاهات الحياة الزوجية، فإن صلحت الزوجة صلحت الحياة الزوجية عموما، وإن فسدت أو داخلها شيئ من الفساد والتهاون والتقصير، ارتكست الحياة الزوجية، بقدر عكسي مضاد، وخطت لنفسها طريق التراجع والانحدار.(1/273)
ولا شك أن زوجات القادة العاملين في إطار الحركة الإسلامية، المنشغلين بهموم وتجليات وتطورات القضية الفلسطينية، يلعبن أدواراً بالغة الأهمية والتأثير، إذ يملكن ميزات دفع وتشجيع أو تثبيط وتخذيل أزواجهن، ويَِِِِِِحُزن ملكات التأثير في مجرى حياتهم، شاؤا أم أبوا، إلا أن العناية الإلهية قد جعلت من هؤلاء الزوجات عناصر خير وبركة، وإسناد وتثبيت، وأدوات مباركة لتعزيز خطى أزواجهم، وترسيخ نهجهم، وإعلاء شأنهم، ورفع هممهم ومكانتهم.
وقد كانت أم حسن زوجة الشهيد القائد إسماعيل أبو شنب إحدى هؤلاء النسوة اللاتي بارك الله فيهن، وسخرهن من أجل خدمة أزواجهن، وحثهم على المضي في طريق الجهاد والدعوة، والايغال فيه حتى النهاية.
أم حسن زوجة واعية، صامدة، صابرة، لا تعرف الكلل أو الملل، فما فتئت تساند زوجها، وتتحمل معه نوائب الحياة المريرة، وتقلبات الأيام الصعبة، الحافلة بالبطش والأذى والمطاردة والتربص والاعتقال والاغتيال، وتذكره بأخلاق الثبات والتضحية، وقيم العطاء والفداء، وتحفظه في أبنائه وبيته وأسرته، وتشكل له الصدرالحاني والسند المعين.
وللدلالة على الدور الأصيل والمتميز الذي أدته أم حسن لخدمة ودعم واسناد زوجها، يمكن تصفح سيرتها التي جمعتها بزوجها، واستدعاء الأحداث والمواقف الهامة في حياتهما، بما يمكّن من استحضار القدوة في هذا السياق، وتأسيس حالة نموذجية ملهمة لجموع النساء الفلسطينيات اللاتي آمن بذات الفكرة والنهج، أو أردن سلوك درب العزة والفخار.
وفي هذا الإطار تبدو حياة أم حسن كتلة من الالتزام الديني والأخلاقي، والاستقامة التربوية والنفسية، التي أهلتها، لاحتلال موقع الزوجة لأحد أبرز قادة الحركة الإسلامية في فلسطين، وأحد مفكريها السياسيين، ورجالها العظماء.(1/274)
بدأت أم حسن حكايتها بالعودة بذاكرتها سبعة وعشرين عاماً الى الوراء، حيث فترة الشباب وانتظار فارس الاحلام قائلة:"في تلك الأيام كان معظم الشباب يقلدون المطربين والممثلين، حيث أتذكر تماماً تقليدهم الأعمى لصيحات الموضة في الشعر والأحذية العالية والبنطالات الواسعة، وكان والدي يشترط على كل من يطلب يدي أن يكون شخصاً متديناً، مستقيماً، لا يدخن على الاطلاق، الا أن تلك الصفات كان من النادر وجودها وتحققها آنذاك، وكان عمري آنذاك 19 ربيعاً، حتى تقدم ابن عمي اسماعيل لخطبتي والزواج مني، فقد كان ولله الحمد متديناً كما نريد، وكنت أرى فيه اختلافاً عن بقية الشبان من حيث الطبع والسلوك، وعلى الرغم من أنه كان متديناً الا أنه كان مرحاً وسلساً في معاملته".
وتستمر أم حسن في سرد قصتها مع رفيق دربها وعمرها قائلة:" كان أول شيئ اتفقنا عليه حينما تزوجنا أن نداوم على طاعة الله، وكان زوجي في تلك الأثناء يأمل في إكمال دراسته العليا في تخصص الهندسة، وكانت علاقتي به علاقة متميزة، ولم نكن يوماً بعيدين عن بعضنا البعض، حتى تلك الفترة التي سجن فيها كان لا يغيب عن عيناي، وكان دوماً أمام ناظري، لا يغيب أبداً عن فكري ومخيلتي".
وتستطرد أم حسن في حديثها، متطرقة الى رحلتها مع زوجها في جهاده الطويل حيثما كان يعمل في مجال الدعوة والتربية مع جماعة الاخوان المسلمين قائلةً:"كنت أحرص دائماً على تقدير ظروفه، ولم أكن أشكل عليه عبئاً من الناحية الأسرية، ورغم ضيق وقته وانشغاله بشئون الدعوة ومجالاتها التربوية فقد كنت له سنداً وعوناً، فالزوجة الذكية يجب أن تفهم زوجها تماماً، فكلما كنت أنظر في وجهه كنت أقرأ ما في داخله، ورغم أن أبا الحسن كان من النوع الكتوم الا أنني كنت أعايشه همومه، وأشعر بما يجول في خاطره، مع أنه كان بالغ الحرص على ألا يشعر أحداً من أهل بيته بأي من همومه، حتى لا يثقل على أي منهم".(1/275)
وتمضي أم حسن متطرقة الى الواقع والظروف الأمنية التي كان يعيشها زوجها طيلة حياته قائلة:" كان رحمه الله لا يشعرني بحال بأنه مطلوب لقوات الاحتلال، وحين كنت أسأله عن ذلك يجيبني: ليس لأحد عندي شيئ، بل إنه لم يخبرني عن رغبته في الاستشهاد حرصاً على مشاعري حتى لا أفجع عليه، ومما دلّ على ذلك عمله في منتهى الصمت والهدوء حتى لا يثير حوله أي نوع من أنواع البلبة والثرثرة، وأذكر أحد المواقف التي كنت فيها صامدة قوية رغم ما ألم به من ألم وحزن، فعندما اعتقلوا أبو الحسن في سجن الرملة، وقمت يومئذ بزيارته، ورأيته وقد تناقض وزنه عشرون كيلو جراماً تقريباً، حينها كادت عيوني تقفز من مقلتي، إلا أنني تماسكت حتى لا أثقل بدموعي عليه، فأترك أثراً في نفسه، وكانت أكثر المواقف التي تأثرت بها يوم اغتياله حينما جاؤا بجثمانه لأودعه، فأثارتني هيئته، وخاصة احتراق الجزء العلوي من جسده الطاهر، وأحزنتني حزناً كبيراً".
لم تكن أم حسن تتمنى أو تفكر لحظة واحدة أن لو كان زوجها انساناً عادياً كي تحيا حياة رغدة، ملؤها الحنان والاستقرار، فقد آثرت الحياة الآخرة على الحياة الدنيا، الحياة مع زوجها المتفاني في عمله ودعوته وحركته على الحياة المترفة الكريمة، وكانت كثيراً ما تردد وتؤكد أنها الى جوار زوجها ما دام يعمل للحق وفي سبيل الحق مهما كانت الظروف.
وتتحدث أم حسن عن الأوقات الصعبة التي قضتها لدى اعتقال زوجها في سجون الاحتلال، قائلة:" لا أنسى أن أبا الحسن قد عودني الاعتماد على النفس، وحسن التصرف، وكيفية التعامل مع تقلبات الزمن، وحادثات الحياة، المريرة، وكانت أصعب الأوقات التي واجهتها عندما كان –رحمه الله- قيد الاعتقال، حينما ولدت ابني محمد ووالده داخل السجن، حيث تعرف على أبيه عبر القضبان، ليخرج بعد سبع سنوات، ويجد فلذة كبده طفلاً في السابعة من عمره".(1/276)
وتستفيض أم حسن في الاشادة بزوجها وذكر بعض مناقبه قائلة:"أبو حسن كان يعني لى الدنيا وما فيها، كنت دوماً أراه عملاقاً لأنه كان مميزاً عن غيره في كل شيئ، ويسعى دوماً نحو الارتقاء، ولعل أكبر درس تعلمته من زوجي هو تربية النفس ومجاهدتها، فقد علمني أن الانسان يجب أن يسلك الطريق الصحيح، ويفعل الأشياء والأمور الصحيحة، بغض النظر عن أهوائه، وأن الدنيا يجب أن نمسك بها ونمتلكها في أيدينا تمسك بنا هي وتمتلك قلوبنا".
وتروي أم حسن قصة خوفها على زوجها، وتوجسها حيال التهديدات التي كان يمكن أن تطاله قائلة:"كنت أخاف عليه كثيراً عندما يخرج من البيت، وخاصة حينما كان يخرج في الليل ليدلي بتصريحاته على الفضائيات، حتى أني ذات مرة أصررت عليه، وقلت له: لن تخرج الا إذا ذهبت معك حتى إذا حدث لك شيئ ما أكون معك".(1/277)
ولا تتوانى أم حسن أن تجعل من تجربتها مع زوجها نموذجاً يحتذى للمرأة الفلسطينية، وحالة من تورث، ووصايا هامة تشكل نبراساً لكل الزوجات المخلصات قائلة:" أؤكد على حقيقة يجب أن تعيشها كل إمرأة فلسطينية تشارك زوجها في جهاده ودعوته، وهي أنه لابد للزوجة ألا تشكل عبئاً على زوجها، وألا تشغله بمشاغل الأبناء والحياة الأسرية، ويجب أن تفهم القضية وتبعاتها بحيث لا تكون هي في واد وزوجها في واد آخر، وأشدد على الأخوة المجاهدين بأن يرضوا زوجاتهن ويحملونهم على الاعتماد على النفس، ومقارعة الحياة ونوائبها، فالزوجة يجب أن تشارك زوجها في اهتماماته وأمور حياته، وعليها أن تتحلى بصفة الصبر والثبات على بعض الأمور الصغيرة التي يجب مراعاتها، لأن قيام الزوجة بحل مشاكل البيت بنفسها أو جزء كبير منها له دور كبير في الشد من أزر زوجها، وأذكر أنه حينما كان زوجي يعمل محاضراً في جامعة النجاح بنابلس، ويعد لرسالة الماجستير في الولايات المتحدة الأمريكية، كان يمكث حتى ساعات متأخرة من الليل لتصحيح امتحانات الطلبة، وللاعداد لرسالة الماجستير، فكنت أسهر معه، وأترك النوم مخافة احتياجه لشيئ ما، وأؤكد أن القاسم المشترك بيني وبين أبو الحسن أن كلاً منا كان يساند نصفه الآخر دون أن ينتظر من الآخر مقابلاً، فعلى الزوجة الصالحة ألا تنتظر من زوجها كلاماً جميلاً كمقابل لها، لأن ما تؤديه هو رسالة بحد ذاته، وإن كانت تحتاج فيه الى دفعة تدفعها الى الأمام، فابتسامة أبو الحسن كانت تكفيني".
وتشير أم حسن إلى أنها رأت زوجها في المنام عقب استشهاده في مظهر جميل، فكانت هذه الرؤية بمثابة بشرى لها وعنصر أمان واطمئنان لقلبها المكلوم.
وتقر أم حسن أن غياب زوجها عن البيت قد ترك أثراً كبيراً وفجوة واضحة، إلا أنها تؤكد في الوقت ذاته أن نيله الشهادة قد جعلها تشعر أنه إنسان عظيم عند الله تعالى، وأنه بذلك قد نال أرقى مراتب الشهادة.(1/278)
وتختتم أم حسن حديثها عن رحلتها الطويلة مع زوجها بالتأكيد أنها لم تشعر يوماً بأن معنوياته على ضعف، حتى في أحلك الظروف، بل إنها كانت -في العديد من الأحيان- تستمد القوة والثبات من معينه الذي لا ينضب، مشددة على أن فلسطين لن تتحرر إلا بالدماء، وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وأن عملية التسوية ما هي إلا أداة للتخدير، ولتمكين الجسم اليهودي السرطاني في المنطقة العربية والإسلامية.
على تلك الخطى المباركة، والمبادئ المنيرة، والقيم الساطعة، سارت أم حسن، واهتدت إلى سواء السبيل، لتتمكن من رعاية واحتضان إحدى الشخصيات الكبرى التي تمثل قمة من القمم السامقة، ومدرسة من مدارس الوحدة والتآلف والتجميع تحت راية المصلحة والهدف والتحدي المشترك، ويشكلا معاً الثنائي المثالي المكافح والزوجة المؤازرة، ذلك النموذج الثنائي القادر على صناعة الأحداث العظيمة، وصياغة التاريخ بمداد من نور وأحرف من ضياء.
وتوريثاً لتجربتها الناصعة قررت أم حسن عصر ذهنها وأفكارها، ورسم رسالة خالصة للأم الفلسطينية، تعج بالنصح والإرشاد، وهذا نص الرسالة:
رسالة أم حسن.. للمرأة الفلسطينية
بسم الله الرحمن الرحيم
أختاه أيها المجاهدة يا ابنة الإسلام العظيم، يا حفيدة خديجة والخنساء، يا صانعة الرجال ومربية الأبطال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/279)
أختاه: أعزنا الله وأكرمنا بأن جعلنا من أهل الرباط في سواحل الشام فالحمد لله، ولهذه الكرامة ضريبة لابد أن يدفعها شعبنا في أرض فلسطين من دماء شهدائه الأبرار من الأزواج والأبناء والأخوة والآباء والأحفاد فنريدك أختي أن تكوني عوناً لهؤلاء جميعاً ترعيهم وتشجعيهم وتتحملي الأمانة والمسئولية بعد استشهادهم نريدك قوية عزيزة بالإسلام وبإقامة الشعائر وتطبيق الأحكام، نريدك قرآناً يمشي على الأرض بأخلاقك الإسلامية وصلابتك في الحق من غير تعنت، نريدك الزوجة التي تعين زوجها في أموره كلها، تشجع جهاده وتقف إلى جانبه وتطبق قول المصطفى صلى الله عليه وسلم"الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك".
فنحن نريدك تلك الزوجة بما يحمله حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من البساطة في الكلمات ولكنها أمانة الإسلام كله، نريدك صابرة محتسبة تنتظرين أجر الرحمن وثوابه لا نريدك راهبة في صومعة ولكن نريدك أن تخوضي الحياة وتعيشيها ولكن بما يحب الله ويرضى، فالمرأة كما يقولون نصف المجتمع ونصف المجتمع الآخر يتربى ويعيش تحت كنفها ورعايتها، فنريدك أن تتقي الله في نصف المجتمع المسئولة عنه والمتحملة لأمانته نريدك قوية عزيزة بالإيمان والإسلام.
نريد عملك خالصاً ومخلصاً لوجه الله تعالى حينها يسهل الله لك كل أمر عسير ويجعل لك الله من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجاً.
أختاه أيتها الأم، يا من ضربت أروع الأمثلة في التضحية والفداء، نريدك أن تبقي على هذا العزم وهذه الهمة فالله الله في أبنائك وليكن تقديمك فلذات الأكباد عوناً لك ولأسرتك على المضي في طريق الجهاد والمقاومة.(1/280)
يا ابنة الإسلام، ويا حفيدة خديجة وعائشة والخنساء، يا صانعة الرجال حفظك الله ورعاك وسدد خطاك، أسطر لك هذه الكلمات في زمن تكالبت فيه كل قوى الشر والحقد والكفر على الإسلام وأهله ولا نقول المسلمين منهم عامة وإن كانوا لا يستثنون أحداً، ولكن نعنى بأهل الإسلام عامة ومن يسيرون على نهج القرآن ويقتدون بالرسول ويطبقون سنته، هؤلاء الناس تحاربهم الدنيا عن قوس واحد ليس لأنهم يملكون القوة المادية ولكن لأنهم عرفوا منهج الله فطبقوه في أنفسهم وأهليهم وبدءوا يؤثرون على مجتمعاتهم ليسيروا بها نحو الرقي الحقيقي والتقدم المحمود الذي لا يراعي المادة على حساب الإنسانية والأخلاق، ولأن هؤلاء الإسلاميين فهموا الدين حقاً فأقاموا سنة نبيهم بالجهاد، فقامت ضدهم الدنيا ولم تقعد وأصابوا هدفاً لليهود والأمريكان ومن يدور في فلكهم.
هذه المقدمة كلها لأصل إلى بيت القصيد من رسالتي هذه إليك فأنت تحملين أمانة عظيمة في عنقك فأريدك أن تحملي بصدق وأمانة فتعملي على إقامة الإسلام في نفسك وفي من تكونين مسئولة عنهم من زوج وأبناء وبنات أو اخوة وأخوات أو طالبات في المدارس والجامعات أو زميلات دراسة أو عمل، ولا أعني بإقامة الإسلام تطبيق الشعائر من صلاة وصوم وزكاة وحج ولبس الحجاب ولكن الإسلام الكامل بكل ما تشتمل عليه هذه الكلمات من أخلاق ومعاملات فتكونين قرآناً يمشي على الأرض.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أم محمد زوجة الشهيد القائد المجاهد الدكتور/
عبد العزيز علي الرنتيسي
... هن زوجات لسن ككل الزوجات، ونساء لسن ككل النساء، صفاتاً وسجايا وشمائل وأخلاق.(1/281)
فلئن كانت العديد من نساء وزوجات اليوم يركبن قطار الدنيا، وينغمسن في متع الحياة، ويستطبن العيش الرغيد، والحياة الزوجية الهانئة، البعيدة عن كل المنغصات والمشقات، فإن زوجات القادة الكبار والرجال العظماء الذين أسهموا في صياغة تاريخ شعوبهم، والتأثير في مسار حياتها ومجرى قضاياها، لا يستطبن مثل هذه الحياة المرفهة التي تستهوي الصغار، وذوي الآفاق الضيقة، والرغبات البالية، ولا يقدرن العيش الا في ظلال العمل الجاد، والبذل المسهب، والعطاء الكبير.
وقد كانت أم محمد زوجة الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي إحدى الزوجات اللاتي أدركن مبكراً حدود مسئولياتهن، وطبيعة الواجبات الملقاة على عاتقهن، فلم يكن لها من متاع الحياة وطيباتها نصيب الا بقدر، ولم يكن لها من التوسع في المباحات الشيئ الكثير، فقد كانت حياتها، في أغلب أجزائها وفتراتها، انعكاساً لحياة زوجها، وظلاً للكثير من أعماله ونشاطاته وهمومه وانشغالاته، مما جعل منها أكثر التحاماً به، وشعوراً بعواطفه ومكنوناته، وقراءة لأفكاره وتصرفاته.
وحكاية أم محمد مع زوجها حكاية مفعمة بالبطولة والشهادة، وحافلة بالصبر والثبات، فهي التي حملت المرارات، وتجرعت المصائب، وكابدت ما كابدت، وعانت ما عانت، وصبرت ما صبرت، في إطار مسيرة الأذى التي لحقت بزوجها، مطاردة واعتقالاً، بل كانت عامل اسناد وتشجيع، وعنصر تثبيت وإنهاض له في مواجهة ألوان العنت والعسف التي تصب عليه من قبل الأعداء المجرمين، ومن لفّ لفَهم من المنافقين والمتخاذلين.(1/282)
كانت حكاية أم محمد تنطق بمعاناة لا لبس فيها، وبآلام لا حصر لها، إلا أنها ارتدت ثوب الصبر والثبات، وتزينت بحلل الصمود والتحدي، فكانت راعية لأبنائها، مربية لنشئها، حافظة لبيتها، معتنية بزوجها، ترفع من همته، وتشد من أزره، وتشاطره همومه وأحزانه، وتواسيه في آلامه وكرباته، وتضخ في شرايينه شحنات العز والاباء والشموخ والثبات، وتقطع عليه أي فرصة للتراجع أو ثغرة للرحيل عن الانشغال بهموم الوطن، والالتحام بقضاياه.
كانت أم محمد زوجة صابرة، ثابتة الجنان، راسخة النفس، قوية العزم والارادة، بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى، فقد صبرت صبراً طويلاً لا مثيل له إبان مرات الاعتقال العديدة التي تعرض لها زوجها، والتي توزعت بين سجون الاحتلال تارة، وبين سجون السلطة الفلسطينية تارة أخرى، بل صبرت صبر الأبطال يوم ابعاد زوجها الى مرج الزهور بجنوب لبنان، واستقبلت أمواج المعاناة وأفواج الألم بالصبر الجميل، والإيمان الراسخ، واليقين الكبير، والرضى التام بقضاء الله وقدره.
ولربما لم يكن يعرف الكثيرون أن أم محمد كانت تؤدي إلى جانب أدوارها وواجباتها الزوجية والبيتية والاجتماعية، أدواراً دعوية وتربوية في إطار الحركة النسائية الإسلامية، وتتولى زمام الدعوة والإرشاد والتوجيه من خلال إلقاء الندوات وإعداد اللقاءات والنشرات الدعوية الهادفة، والمشاركة في تربية الفتيات وتدريسهن أصول المنهج الإسلامي الأصيل، في إطار دقيق من التوازن الرائع بين عملها الحركي وواجباتها الزوجية والمنزلية والاجتماعية.(1/283)
وفي أوقات السجن والاعتقال التي غاب فيها الزوج، وغابت رعايته ومتابعته وعواطفه ولمساته وبصماته، كانت أم محمد نعم الزوجة الحاضنة لأطفالها وأولادها، تبث فيهم روح الجهاد والبطولة، وتغرس في نفوسهم الإيمان والثبات، وتزرع في أفئدتهم وكيانهم قيم التضحية والإخلاص والوفاء للدين والعقيدة، للأرض والوطن والمقدسات، حتى غدا أبناؤها شباباً يافعين، يحملون الراية التي حملها والدهم، ويرفعون اللواء الذي طالما رفعه وذاد عنه، بدمه وروحه وكيانه.
وفي اللحظة الأخطر وأكثر حساسية في حياتها لم ترتعد أم محمد، ولم تجزع، أو تندب حظها وتلطم خدها، فما أن سمعت بنبأ اغتيال زوجها حتى حمدت الله تعالى، وهرعت إلى الصلاة، تناجي ربها وخالقها، وتتضرع إليه أن يتقبل شهادة زوجها، وأن يخلفهم من بعده خيراً، وأن يلهم أبناءه وأحباءه جميل الصبر والعزاء.
ورغم ثقل وصعوبة تلك اللحظة التي تنزل كالصاعقة على رؤوس أعتى الرجال، فكيف بالنساء، نزل الخبر برداً وسلاماً على قلب أم محمد، حيث تصف أم بلال والدة الاستشهادي إبراهيم ريان حال أم محمد صديقتها المقربة عقب استشهاد زوجها قائلة:" حينما سمعت نبأ اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ذهبت فوراً إلى بيته لأواسي زوجته أم محمد، فوجدتها حينئذ تبتسم وتحمد الله على استشهاد زوجها، فرفعت من معنوياتي ومعنويات باقي الأخوات، وقد كنا جئنا لرفع معنوياتها، فرفعت هي من معنوياتنا، فبارك الله فيها، وتقبل شهادة زوجها، وخلفنا من بعده خيراً".
وحين هدأت وتيرة الحدث الجلل، وجلست أم محمد تستقبل مهنئيها باستشهاد زوجها، لم تكن سيماء الحزن أو علامات الألم والانزعاج تبدو على وجهها، بل كان وجهها يشع بالبشر والنضارة، وينطق بالرضى والقناعة، ويحثّ على العزم والثبات.(1/284)
وعندما سئلت عن اللحظات الأخيرة في حياة زوجها قالت:"كان سعيداً جداً غير عادته، وطوال جلسته معنا دقائق من اغتياله كان يردد الأنشودة التي تقول:أن تدخلني ربي الجنة، هذا أقصى ما أتمنى، وحدثنا عن شوقه ورغبته في لقاء الشهداء، وكانت ترتسم على وجهه علامات فرح غريبة، ثم غادر، مما جعلني أوقن أن القصف الذي حدث بعد خروجه مباشرة نال منه، أيقنا بعده أنه استشهد قبل أن يذاع الخبر وتؤكده وسائل الإعلام".
وتؤكد أم محمد أن زوجها الراحل كان مصدر قوة لحركة حماس، لكن حين يكتب الله نهاية أجله فإن الله لن يضيّع حماس، مضيفة أنها كانت تتوقع اغتيال زوجها، مثلما كان هو –رحمه الله- يتوقع ذلك في كل لحظة، مشددة على أن استشهاده لم يفاجئها أو يفاجئ أبناءها لأنه هيأهم ليوم استشهاده، وكان يضعهم في صورة ظروف الاستهدافات والاعتداءات الصهيونية التي حاولت النيل منه دائماً.
وحين تسأل أم محمد عن سبب تشدد زوجها تنفي ذلك، مؤكدة أن زوجها لم يكن متشدداً، وأنه لا يمكن القول بأن من يدافع وطنه ويصر على صيانته من الضياع والاستسلام يعتبر متشدداً، فهذا حق طبيعي وهو أصل الاعتدال.
وحول ظروف لقائه بأهله رغم محاولات استهدافه المتكررة أوضحت أم محمد أن زوجها كان دائماً مع أسرته رغم حذره الشديد من محاولات النيل منه، فقد كان يتوقع أن تطاله صواريخ الاحتلال في أي وقت، مؤكدة أن رحيل زوجها عبد العزيز وقبله الشيخ أحمد ياسين لن يضعف المقاومة بل سيزيدها قوة وثباتاً.
وعبرت أم محمد عن فخرها واعتزازها باستشهاد زوجها، وما ناله من شرف الشهادة، مشيرة الى أنها تقف موقف عز وفخار، وأنها تحمد الله على منح زوجها الشهادة التي كان يتمناها دوماً، متمنية على الله أن يلحقها بزوجها في القريب.(1/285)
ولم تملك أم محمد، وقد ارتسمت على وجهها علامات التأثر على فراق زوجها، سوى استدعاء وترديد المقولة التي أطلقها الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند وفاة ابنه إبراهيم قائلة:" إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا أبا محمد لمحزونون"، داعية المولى عز وجل أن يلهمها وأولادها وبناتها وكل الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والمسلمة الصبر والثبات، وأن يرزق الله حركة حماس قائداً مثله أو خيراً منه.
ولم تنس أم محمد أن توجه حديثها الى المجرم شارون قائلة:"إفرح قليلاً، وفرحتك لن تكتمل، وستبكي كثيراً أنت وشعبك، حينما ينقض عليك الشعب الفلسطيني بأكمله، وليس القساميون وحسب، ليثأر لدماء الياسين والرنتيسي".
وبكل همة وعزم ومضاء اشتهر بها زوجها الراحل امتشقت أم محمد زمام كلماتها، مؤكدة أن المقاومة هي الخيار الوحيد أمام الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه، مشددة على أن دماء الشهيدين الياسين والرنتيسي قد زرعت في نفوس شعبنا آلاف الياسين والرنتيسي".
وأضافت أم محمد أن استشهاد زوجها وخروج مئات الآلاف من المواطنين في جنازته يؤكد أن شعبنا مصمم على خيار المقاومة، موضحة أن شهادته ستكون بإذن الله بداية النصر والتمكين.
تلك أم محمد، وذلك هو جهادها وكفاحها، وتلك هي تضحياتها وعطاءاتها، وجبال صبرها وصمودها وثباتها، وأدوارها التربوية ومهامها الدعوية ووظائفها الحركية، فلا أقل من وقفة إجلال وإكبار لهذا النفس الطاهر الذي وقف خلف الرجل العظيم، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وساهم في اعانته وتثبيته وإشعال فتيل عزمه وإرادته، ليغدوا القائد الملهم، والشخصية الفذة، والقدوة الحسنة، الذي تهتف باسمه وتنطق بجهاده وموافقة الملايين من أبناء هذه الأمة الماجدة.
وقد كان لأم محمد رسالة طيبة خطتها بريشتها ومدادها لأختها المرأة الفلسطينية على النحو التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم(1/286)
... الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم المرسلين، وسيد الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على دربه، واتبع هداه بإحسان الى يوم لدين وبعد:
الحق تبارك وتعالى قال في كتابه العزيز:"إن الله لا يضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض"، ليبين دور المرأة في العمل لدين الله فالعمل ليس منوط بالرجل فقط، ثم حينما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"كلكم راع ٍ وكلكم مسئول عن رعيته.."، ثم المرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، وهذه المسئولية ليست هينة، فالمرأة هي التي تغرس في أولادها حب الله ورسوله، هي التي تغرس فيهم الأخلاق الحسنة، وما ذلك الا من خلال الاسلام، فالمرأة صانعة الرجال، وأي رجال، فالمرأة ليست نصف المجتمع كما يقول البعض، وانما المرأة كل المجتمع فإذا صلحت المرأة وعرفت رسالتها حق المعرفة صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع، والمرأة المسلمة الملتزمة باسلامها أثبتت جدارتها في كل المجالات وليس في البيت فقط، فالمرأة أثبتت جدارتها في الجامعات، في المدارس، في النقابات، في المساجد، في المستشفيات.... وفي كل مكان، ولا يتنافى كل ذلك مع التزامها بدينها، وحجابها.
فهذه هي المرأة في الاسلام ومن خلال فهمها للاسلام وتطبيقه في كل أمور حياتها فهمت أن الجهاد جزء من الاسلام، بل وجزء مهم، ولا اسلام بدون جهاد.
إذن من الطبيعي جداً أن تؤيد المرأة جهاد زوجها، وتدعمه بكل الوسائل، أما تفاعل المرأة مع جهاد زوجها فهو في توفير كل سبل الراحة له في البيت، وتحمل أعباء تربية الأولاد، هذا من خلال رسالتها الأساسية.(1/287)
وإيمان المرأة المسلمة بالقدر خيره وشره، وأن ما أصاب أي انسان ما كان ليخطئه، وما أخطأه ما كان ليصيبه، تجعلها دائماً على استعداد لتلقي أي شيئ، ولن تؤثر عليها التهديدات فكيف تؤثر وهي تعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوها بشئ لن ينفعوها الا بشئ قد كتبه الله لها، ولو اجتمعوا على أَن يضروها لن يضروها الا بشئ قد كتبه الله عليها، هذا ما قاله رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
أما صفات البذل والتضحية والعطاء، وقوة الارادة وصلابة الشخصية والاباء، فهذه أخلاق الاسلام أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده، وهم الذين كانوا قرآناً يمشي على الأرض، سير الإخوان وزوجاتهم، فهذا كله مثل القدوة الحسنة حيث جسدت هذه الأخلاق في أشخاص يطبقونها ولم تقتصر على أمثلة تقرأ في الكتب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحتويات
شكر وتقدير ... 5
الإهداء ... 7
المقدمة ... 9
الفصل الأول ... المرأة الفلسطينية والعمل المقاوم.. نظرة تحليلية ورؤية فقهية ... 15
مدخل ... 16
المبحث الأول ... المرأة الفلسطينية والعمل المقاوم .. نظرة تحليلية ... 17
المبحث الثاني ... الإسلام والمرأة الفلسطينية ... 22
المبحث الثالث ... المرأة الفلسطينية والعمل المقاوم .. رؤية فقهية ... 26
المبحث الرابع ... المرأة الفلسطينية والعمل المقاوم .. رؤية سياسية ... 32
الفصل الثاني ... المرأة الفلسطينية شهيدة ... 41
المبحث الأول ... جداول وأرقام إحصائية ... 43
جدول رقم(1) ... يوضح التوزيع الجغرافي للشهيدات الفلسطينيات في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة خلال انتفاضة الأقصى من 28/9/2000م-30/4/2004م ... 43
جدول رقم(2) ... يوضح نسبة الشهيدات في محافظات الوطن (رفح، خانيونس، الوسطى، غزة، شمال غزة)،(القدس، بيت لحم، الخليل، رام الله والبيرة، جنين، طولكرم، قلقيلية، نابلس) خلال انتفاضة الأقصى من 28/9/2000م-30/4/2004م ... 44(1/288)
جدول رقم(3) ... يوضح نسب الفئات العمرية المختلفة من شهيدات انتفاضة الأقصى من 28/9/2000م-30/4/2004م ... 46
جدول رقم(4) ... يوضح طبيعة الاستشهاد لشهيدات انتفاضة الأقصى من 28/9/2000م- 30/4/2004م ... 47
جدول رقم(5) ... يوضح نسبة الشهيدات الفلسطينيات خلال سنوات انتفاضة الأقصى من 28/9/2000م-30/4/2004م ... 49
جدول رقم(6) ... يوضح أماكن إصابة الشهيدات الفلسطينيات خلال سنوات انتفاضة الأقصى من 28/9/2000م- 30/4/2004م ... 50
جدول تفصيلي يوضح عدد وأسماء الشهيدات الفلسطينيات خلال انتفاضة الأقصى 28/9/2000م- 30/4/2004م ... 51
المبحث الثاني ... أبرز شهيدات انتفاضة الأقصى.. نماذج مشرقة في تاريخ الإنسانية ... 72
الشهيدة / نورا جمال شلهوب ... 73
الشهيدة / سعاد صنوبر جود الله ... 77
الشهيدة / عبير حمدان ... 81
الفصل الثالث ... المرأة الفلسطينية..أسيرة في المعتقلات والسجون الصهيونية ... 83
مدخل ... 84
المبحث الأول ... جداول وأرقام إحصائية ... 85
جدول رقم(1) ... يوضح التوزيع الجغرافي لأماكن إقامة الأسيرات الفلسطينيات في المدن الفلسطينية وفي الشتات الفلسطيني خلال انتفاضة الأقصى 28/9/2000م-30/3/2004م ... 85
جدول رقم(2) ... يوضح التوزيع الجغرافي لأماكن إقامة الأسيرات الفلسطينيات في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وفلسطين المحتلة عام 48 وخارج فلسطين خلال انتفاضة الأقصى 28/9/2000م- 30/3/2004م ... 87
جدول رقم(3) ... يوضح الحالة الاجتماعية للأسيرات الفلسطينيات خلال انتفاضة الأقصى 28/9/2000م- 30/3/20004م ... 88
جدول رقم(4) ... يوضح المدة الزمنية الصادرة بحق الأسيرات الفلسطينيات خلال انتفاضة الأقصى وما قبلها 28/9/2000م-30/3/2004م ... 89
جدول رقم(5) ... أعداد الأسيرات الفلسطينيات خلال سنوات انتفاضة الأقصى 28/9/2000م- 30/3/20004م ما قبلها ... 90(1/289)
جدول رقم(6) ... يوضح أماكن اعتقال الأسيرات الفلسطينيات في السجون الصهيونية خلال انتفاضة الاقصى28/9/2000م- 30/3/2004م ... 91
جدول تفصيلي بأسماء الأسيرات الفلسطينيات خلال انتفاضة الأقصى
28/9/2000م- 30/3/2004م وما قبلها ... 92
المبحث الثاني ... نماذج مضيئة.. عطاء بلا حدود
أبرز أسيرات انتفاضة الأقصى ... 96
الأسيرة / أحلام عارف التميمي ... 97
الأسيرة / آمنة جواد علي منى ... 103
الأسيرة / دعاء زياد جميل الجيوسي ... 106
الأسيرة /إيمان محمد عبد الرحمن أبو خوصة ... 109
الأسيرة /سناء محمد حسين شحادة ... 113
الأسيرة/ قاهرة سعيد علي السعدي ... 115
الأسيرة / سوسن داوود أبو تركي ... 116
الأسيرة / ليلى محمد حسين بخاري ... 118
الأسيرة / شفاء عدنان أمين القدسي ... 119
الأسيرة/إيمان محمد حسن غزاوي "عيشة" ... 121
الأسيرة / لينا أحمد نصار جربوني ... 123
الأسيرتين الشقيقتين/ تغريد وبهيسة السعدي ... 125
الفصل الرابع ... المرأة الفلسطينية.. استشهادية ... 126
مدخل ... 127
الاستشهادية / وفاء علي إدريس ... 128
الاستشهادية / دارين محمد أبو عيشة ... 133
الاستشهادية / آيات محمد الأخرس ... 141
الاستشهادية / عندليب خليل طقاطقة ... 146
الاستشهادية / هبة عازم ضراغمة ... 152
الاستشهادية / هنادي تيسير جرادات ... 156
الأم الاستشهادية/ ريم صالح الرياشي ... 161
الفصل الخامس ... المرأة الفلسطينية.. خنساء العصر وصانعة الرجال العظماء ... 177
مدخل ... 178
المبحث الأول ... نماذج لأبرز أمهات الشهداء الأبطال ... 179
أم نضال فرحات "والدة الاستشهادي/ محمد فرحات" ... 180
أم أحمد العابد "والدة الاستشهادي / محمود العابد" ... 196
أم نبيل حلس "والدة الاستشهادي / محمد حلس" ... 214
أم بلال ريان "والدة الاستشهادي / إبراهيم ريان" ... 222
أم أحمد جودة "والدة الاستشهادي / أحمد جودة" ... 228(1/290)
المبحث الثاني ... نماذج لأبرز زوجات الرجال العظماء ... 237
أم حسن زوجة الشهيد القائد المهندس: اسماعيل حسن أبو شنب ... 238
أم محمد زوجة الشهيد القائد الدكتور: عبد العزيز علي الرنتيسي ... 245
المحتويات ... 251
رئيس المركز العربي للبحوث والدراسات
م.إسماعيل عبد اللطيف الأشقر
للمراسلات
المركز العربي للبحوث والدراسات
غزة – فلسطين
00970-8-2854001 ت:
00970-8-2854007 فاكس:
Email: alarabicenter@hotmail.com
حقوق الطبع والنشر محفوظة(1/291)