| بسم الله الرحمن الرحيم | وبه نستعين | | الحمد لله حمداً يوافي جزيلَ نعمائه ، ويكافئ مزيدَ آلائه . . والصلاة | والسلام على سيدنا محمدٍ خاتم أَنبيائه ، وعلى آله وصحبه وأوليائه . أما بعدُ : | فهذا مختصَر في سيرة سيّدنا محمدٍ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] جمعتُه من كتبٍ في | المغازي والسِيَر ، واعتمدتُ فيما فيه من التصحيح وتأريخ المغازي على | الحافظ الناقد الحجّة ، محدِّث الإِسلام شرف الدين أبي محمد عبد المؤمن | الدمياطيّ . واقتصرتُ في كثيرٍ ممّا فيه خلافٌ على ما حَرَّره ، لاعتنائه بالسِيَر ، | وطول ممارستِه لها - رحِمَه الله تعالى ، ونفعَ بما جمعتُه من ذلك ، وسلكَ بنا | في سُبل رضاه أحسنَ المسالك - آمين . | نَسَبُ رسولِ الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأَسماؤُه | | هو أبو القاسم محمَّد بن عبد الله بن عبد المطَّلب - واسمه شَيْبةُ |
____________________
(1/15)
| الحَمد ، بن هاشم - واسمه عَمْرو العُلا - بن عبد مَنَاف - واسمه المُغيرة | - بن قُصَيّ - واسمه زَيْد ويُدعى مُجمّعاً - بن كِلاب بن مُرَّةَ بن كَعْب بن | لُؤَيّ بن غالِب بن فِهْر ، وهو قريش على الصحيح ، ابن مالِك بن النَّضْر | - واسمه قيس ، وقيل : إنه قريش - بن كِنَانَة بن خُزَيْمة بن مُدْرِكة : واسمه | عامر ، وقيل : عمرو بن إلْيَاس بن مُضَر بن نِزَار بن مَعَدّ بن عَدنان . إلى هنا | إجماع الأمّة . |
____________________
(1/16)
| | وفيما بعد عدنان إلى آدم خِلافٌ كثير ، وعَدنان - بلا شك - من وَلَد | إسماعيل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] والذي اختاره بعض النسّابين في نسب عدنان أنَّه ابن | أُدّ بن أُدَد بن اليَسَع بن الهَميْسَع بن سَلامان بن نبت بن حَمَل بن قَيذار بن | الذبيح إسماعيل بن الخليل إبراهيم بن تارح ، وهو آزر ، بن ناحور بن | ساروع بن أرغو بن فالغ بن عابر ، وهو هود النبيّ / 1 ظ . [ صلى الله عليه وسلم ] - وهو جماع | قيس ويَمن ، ابن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لَمك بن | متُّوشلخ بن أخنوخ ، وهو إدريس النبيّ - عليه السلام - بن يارد بن | مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث ، وهو هبة الله ، ابن آدم أبي محمد | عليهما الصلاة والسلام . | قال الحافظ شرف الدين الدمياطيّ : هكذا ساقه أبو علي محمد بن |
____________________
(1/17)
| أسعد بن عليّ النسّابة الجوّاني . وقال : وهذه أصحّ الطرق وأحسنها | وأوضحها ، وهي رواية شيوخنا في النَسب . قلتُ : وما ذكره من أنَّ الذَّبيح | إسماعيل هو الذي صحّحه جماعة من محققي العلماء . وأكثرهم على أنه | إسحاق [ صلى الله عليه وسلم ] . | | ومن أسمائه [ صلى الله عليه وسلم ] أحمدُ ، والمَاحي ، والحَاشر ، والعَاقبُ ، والمُقَفِّي ، | ونبيُّ التَّوبَة ، ونبيُّ الرَّحْمة ، ونبيُّ المَلْحَمة والفاتحُ ، وعبدُ الله ، والمبشِّر ، | والنَّذيرُ ، والأمين ، والمصطفى ، والمتوكِّل ، وطه ويَس . | قال ابن دِحيَة في كتابه ( المستوفي في أسماء المصطفى ) إنه إذا فُحص |
____________________
(1/18)
| عن جملتها من الكتب المتقدِّمة ، والقرآن الكريم والحديث النبوي بلغت | الثلاثمائة . | أمّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] | | هي آمنةُ بنتُ وَهْبٍ بن عبد مَنَاف بن زُهْرَةَ بن كِلاب بن مُرَّة . [ وأُمُّها بَرَّة | بنتُ عبد العُزّى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب ، وأمُّها أمُّ حَبيب | بنت أَسَد بن عبد العُزّي بن قُصيّ بن كِلاب ] وأمُّها برّة بنت عَوْف بن عَبيد بن | عَوِيج بن عَدِّيّ بن كعب . وأُمّ وهْب بن عبد مَناف قَيْلَة بنت أبي كَبْشَة وَجْز بن | غالب بن الحارث بن عمرو بن مِلكان بن أَفصى بن حَارثة مِن خُزاعة . وأبو | كبشة هذا هو الذي نُسب إليه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في قول أبي سُفيان بن حُرب | حين خرج من عند هِرْقَل : لقد أمِرَ أمْرُ ابن أبي كبشة ، إنه ليخافُه مَلِكُ بني | الأصفر . وعَبَدَ / 2 و . أبو كَبْشَة هذا الشِّعْرَى ، وخالف العربَ ، فلذلك كانت | قريشُ تَنسُبُ رسولَ الله [ صلى الله عليه وسلم ] إليه لمخالفته لهم ، كما خالفَهم أبو كبْشة . | | وروي أنّ آمنة بنت وهْب بن عبد مَنَاف كانت في حِجْر عمَّها وهُيب بن |
____________________
(1/19)
| عبد مَنَاف ، فمشى إليه عبد المطْلب بن هاشم بابنه عبد الله ، فخطب آمنةَ ، | فزوّجها إيّاه ، وخطب إليه عبد المطلب في مجلسه ذلك ابنتَه هالةَ بنتُ وهُيب | على نفسه ، فزوَّجه إياها . فقال الناس : فَلَجَ عبدُ الله على أَبيه ، لأنَّ وهباً كان | من أشرف قريش . وقيل : إن الذي زوّج آمنة أبوها ، فدخل عبدُ الله على آمنة | حين تزوَّجها فوقعَ عليها ، فحملت برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في شِعْب أبي طالب عند | الجَمْرَة الكُبرى ، وقيل : الوسطى . | | ورويَ عنها أنها كانت تقول : ما شعرتُ أني حملتُ به ، ولا وجدتُ له | ثِقْلاً كما تجدُ النساءُ ، إلا أني أنكرتُ رفع حَيضَتي ، وربّما كانت ترفعني وتعودُ | وأتاني أتٍ وأنا بين النائم واليقظان ، فقال : هل شعرت أنك حَملتِ ؟ فكأني | أقول : ما أَدري . فقال : إنكِ قد حَملتِ سيِّدَ هذه الأُمَّة ونَبيَّها . وذلك يوم | الاثنين . قالت : فكان ذلك ممّا يَقَّنَ عندي الحَملَ . ثم أَمهلَني حتى إذا دَنَتْ | ولادتي أتاني ذلك الآتي فقال : قُولي أُعيذه بالواحدِ من شرِّ كلِّ حاسِد . | قالت : فكنتُ أقول ذلك . | | ويُروى أنّ الله تعالى لمّا أراد خَلقَ نَبيِّه [ صلى الله عليه وسلم ] في بطن أمِّه آمنة في ليلة رَجب | ليلة الجمعة أمر في تلك الليلة رضوانَ خازنَ الجِنانِ أنْ يفتح أبواب الفردوس ، | ونودي في السموات والأرض ، بأنّ النور المكنون المخزون الذي يكون منه | النبيُّ الهادي في هذه الليلة يَستقرُّ في بطن أُمِّه الذي فيه يتمّ خَلْفُه ، ويخرجُ إلى |
____________________
(1/20)
| الناس بشيراً ونذيراً . | | وقيل : حَملتْ برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] - في أيّام / 2 ظ . التَّشريق . واختُلف في | زمان حَملِها برسول الله - [ صلى الله عليه وسلم ] - فقيل : تسعة أشهر ، وقيل : عشرة ، وقيل : | ثمانية ، وقيل : سبعة ، وقيل : ستّة . وقيل غير ذلك . وتوفيّ عبدُ الله والدُ رسول | الله [ صلى الله عليه وسلم ] بدار النابغة بالمدينة ، عند أخوالِه بني عَديّ بن النَجَّار . هذا هو | المشهور . | | وأغربَ عبد الغني فحكى قولا أنه توفي بالأبواء بين مكة والمدينة . وتوفي | عبد الله ، ورسولُ الله [ صلى الله عليه وسلم ] حَمْلٌ على الصحيح . قيل : قبل ولادته بشهرين ، | وقيل : توفي وله شهران ، وقيل : سبعة أَشهرٍ ، وقيل : ثمانية وعشرون شهراً . | | ولعبد الله يوم توفي خمسٌ وعشرون سنة ، وقيل : ثمانٍ وعشرون . وقيل : | ثلاثون ، وقيل : ثمان عشرة . وترك أُمَّ أيمن ، وخمسةَ أَجمالٍ ، وقِطعةَ غَنمٍ ، | وسيفاً ، وهو مأثور ، فورِثَ ذلك رسولُ الله [ صلى الله عليه وسلم ] . |
____________________
(1/21)
| مَولِدُ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] | | المشهور أنّ سيّدنا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ولِدَ بمكّةَ عام الفيل ، وقيل : بعده | بثلاثين عاماً . وقيل بأربعين ، في شهر ربيعٍ الأول ، يوم الاثنين . قيل : لعشرةٍ | خَلَت منه ، حين طلع الفجرُ ، وقيل : ثانية ، وقيل : ثالثة ، وقيل : ثامنه ، وقيل : | ثاني عشره . ولم يذكر ابن إسحاق غيره . | | وقيل : في صَفَر ، وقيل : في الثاني عشر من شهر رمضان ، وقيل : في شهر | ربيع الآخر . والصحيح الأوَّل . | | وكان قدومُ أصحاب الفيل قبل ذلك في المحرَّم . وليلةَ ميلاده انشقَّ إيوان | كِسرى حتى سُمع صوتُهَ ، وسقط منه أربع عشرة شُرفةً ، وخمدت نارُ فارس ، | ولم تَخمد قبل ذلك بأَلفِ عامٍ ، وغاضت بُحيرة ساوة . ورأت أمُّه آمنةُ حين . | وضعته كأنّه خرج منها نورٌ أضاءت منه قصورُ الشام . | | ووُلدَ [ صلى الله عليه وسلم ] / 3 و . مختوناً مَسْرُوراً ، مقبوضةً أصابعُ يديه ، مشيراً بالسَّبَّابة | كالمسبِّح بها ، وروي أَنّ عبد المطلب خَتَنَه يومَ سابِعه ، وجعل له مأدُبةً ، وسمّاه |
____________________
(1/22)
| محمداً . وروي أنَّ جبريل عليه السلام خَتنه حين طهَّر قلبَه [ صلى الله عليه وسلم ] وكان إبليس | يخرق السموات السبعَ ، فلما وُلد عيسى [ صلى الله عليه وسلم ] حُجب من ثلاث سموات ، وكان | يصل إلى أَربَعٍ ، فلما وُلدَ محمد [ صلى الله عليه وسلم ] حُجب من السبع ، ورُميت الشياطين | بالشُّهب الثواقب . وروي أنّ إبليس رنَّ أربعَ رنّات ، رنَّةً حين لُعنَ ، ورنّةً حين | أُهبط ، ورنّةً حين ولُد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ورنّةً حين نزلت فاتحة الكتاب . | مَنْ أَرضَعَه وحَضَنه [ صلى الله عليه وسلم ] | | لمّا ولَدتْه [ صلى الله عليه وسلم ] أُمُّه أرضَعته سبعة أَيَّام ، ثم أَرضعته ثُوَيْبَةُ الأَسلمية مولاة أبي | لَهَبٍ أيّاماً ، وأرضعت معه أبا سَلمة عبد الله بن عبد الأَسَد المخزوميّ بلَبن | ابنها مَسْرُوح ، وهي أمُّ عمِّه حمزةَ من الرَضَاعة . | | وكان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يَصِلُها وهي بمكة . وكانت خديجةُ تُكرمها ، وقيل : | إنها سألت أبا لَهَبٍ في أنْ تبتاعها منه لتِعتقِها فلم يفعل ، فلمّا هاجر رسول الله | [ صلى الله عليه وسلم ] إلى المدينة أَعتقها أبو لَهَبٍ وقيل : أعتقها أبو لَهَبٍ حين بشَّرتْه بولادة رسول | الله [ صلى الله عليه وسلم ] وكان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يبعث إليها من المدينة بصِلةٍ وكِسوةٍ ، حَتّى جاءه | خبرُها أنها قد توفيت مَرجِعَه من خيبَر ، فقال : ما فعل ابنُها مَسْروح ؟ فقيل : مات |
____________________
(1/23)
| قبلها . ولم يبقَ من قرابتها أَحدٌ . واختُلف في إسلامها ، ورأى أبا لَهَب بعضُ | أهلهِ في النوم / 3 ظ . بِشَرِّ حَيْبَةٍ ، فقال : ماذا لقيتَ ؟ قال أبو لَهَب : لم نَذقْ | بَعدَكم رخاءً ، غير أني سُقيتُ في هذه بعتاقتي ثُويبة . وأشار إلى النُقرة التي بين | الإِبهام والتي تليها من الأصابع . | | ثم أَرضعته [ صلى الله عليه وسلم ] أُمُّ كَبشةَ ، حليمةُ بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث | السَّعْديّة ، فروي عنها أنها قالت : لما وضعتهُ في حِجْري أقبل عليه ثَديايَ | بما شاء من اللَّبن ، فشرب حتى روي ، وشرب معه أخوه حتى روي ، وناما ، | وما كان أخوه ينام قبل ذلك ، وما كان في ثَدييّ ما يرويه ، ولا في شارفِنا ما | يُغذِّيه ، وقام زوجي إلى شارفنا ، فنظر إليها فإذا هي حافلٌ ، فحلَب منها ما | شرب ، وشربت حتى انتهينا ريا وشبعاً . فبتنا بخير ليلة ، ولما رجعنا - تعني إلى | بلدها - ركبت أتاني ، وحملتُه عليها ، فوالله لَقَطعتْ بالرَّكب ما يقدر عليها شيءٌ | من حُمُرهم ، حتى إنَّ صَواحبي لَيقلْنَ لي : ويحكِ يا بنت أبي ذُؤيب ، ارْبَعي | علينا ، أليس هذه أتانُك التي كنتِ خرجتِ عليها ؟ فأقول لهنّ : بلى والله ، إنها | لهيَ . فيقلن : والله إنّ لها لَشأناً . وكانت قبل ذلك قد أضرّ بالرّكبِ انقطاعُها | عنهم لِضعفها وهزالها . قالت حليمة فقدِمنا منازلَنا ، وما أعلمُ أرضاً من | أرضِ الله أَجدَبَ منها ، وكانت غَنمي تروح عليّ حين قَدِمْنا به معنا شِباعاً ، |
____________________
(1/24)
| فنحلُب ونشربُ ، وما يحلُب إنسانٌ قَطْرة لبنٍ ، وما يجدها في ضَرع ، حتى كان | الحاضرُ من قَوْمنا يقولون لرعاتهم : ويْلَكم اسرَحوا حيثً يَسرَحُ راعي بنت | أبي ذُؤَيب [ فتروح أغنامهم جياعاً ما تَبِضّ بقطرة لبنٍ ، وتروح غنمي شِباعاً | لبناً ] . | | وأرضعتْ معه [ صلى الله عليه وسلم ] ابنَ عمِّه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بلبَن | ابنها / 4 و . عبد الله أخي أُنيَسةَ ، وقيل : حُذَافة وهي الشَّيماء ، أولاد | الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي . وقد قيل : إنه أسلم ، والشَّيماء هي | التي كانت تَحضُنُ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] مع أُمِّها وتُوَرّكه ، وهي التي قدِمتْ عليه في | وفد هَوازن . | | وكان حَمزةُ عمُّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] مُستَرضَعاً له في بَني سَعْد بن بَكْر ، فأرضعت | أمُّه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يوماً وهو عند أُمِّه حليمة ، وكان حمزةُ رضيعَ النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] من | وجهين ، من جهة ثُويْبَة ، ومن جهة السَّعْديّة . | | وعند حليمة شُقَّ صدره [ صلى الله عليه وسلم ] . ومُلئ حكمةَ وإيماناً ، وروي عنها أنها | قالت : كان يشبُّ في اليوم شبابَ الصبيِّ في شهرٍ ، فلما شبّ ردّته إلى أمِّه وهو | ابن خمس سنين وشهرٍ ، وقيل : أربع سنين ، وقيل : سنتين وشهرٍ . | | وقدمت حليمةُ على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] مكةَ وقد تزوجّ خديجةَ ، فشكَتْ إليه
____________________
(1/25)
جَدْبَ البلاد ، فكلّم لها خديجة فأعطتها أربعين رأساً من الغنم ، وبعيراً مُوقَّعاً | للظعينة ، أي مذلَّلاً ، فانصرفت إلى أهلها . | | قال الشيخ شرف الدين الدمياطي رحمه الله : ولا يُعرف لها صُحبة ولا | إسلام قال : وقد وَهلَ فيها غير واحدٍ ، فذكروها في الصحابة ، وليس | بشيء ، وحَضنَته [ صلى الله عليه وسلم ] أُمُّ أَيْمَن بَرَكةُ الحَبشيّة مع أمِّه ، وبعد موتِها ، وكان وَرِثها | من أبيهِ ، وكانت دايتَه . وقالت : ما رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] شكا جَوعاً قطّ ، ولا | عَطَشاً ، وكان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماءِ زَمْزَم شربةً ، فربّما عَرضتُ عليه | الغذاء فيقول : أنا شَبعان . | وفاة آمنة أمّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] / 4 ظ | | وروي أنَّ آمنة خرجت برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو ابن ست سنين إلى أخواله بني | عَديّ بن النجّار بالمدينة تزورهم به ، ومعها أُمُّ أَيْمَن تحضُنه ، وهم على | بعيرين ، فنزلت به في دار النابغة ، فأقامت به عندهم شهراً ، فكان رسول الله |
____________________
(1/26)
| [ صلى الله عليه وسلم ] يذكر أموراً كانت في مقامه ذلك ، ونظر إلى الدار حين هاجر إلى المدينة | فقال : ها هنا نزلت بي أمي ، وفي هذه الدار قُبِر أبي عبد الله ، وأحسنتُ العومَ | في بئر بني عَديّ بن النجار . | | وكان قومٌ يختلفون ينظرون إليه ، فقالت أُمُّ أَيْمن : فسمعتُ أحدَهم يقول : | هو نبيُّ هذه الأُمّة ، وهذه دار هجرته ، فوَعيْتُ ذلك كلَّه من كلامه . ثُمَّ رجعَتْ | به أمُّه إلى مكّة ، فلمّا كانوا بالأَبْواء تُوفِّيت آمنة بنت وهب ، ودُفنت هناك ، | فرجعتْ به أُمُّ أَيمن على البعيرَيْن اللذيْن قدمِوا عليهما إلى مكّة . فلما مرَّ | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في عُمرة الحُدَيْبيّة بالأَبْواء قال : إنّ الله قد أذِنَ لمحمدٍ في زيارة | قبر أمّه ، فأتاه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأصلحه ، وبكى عنده ، وبكى المسلمون لبكاء | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقيل له ، فقال : أدركَتْني رحمتُها فبكيتُ . | | وقيل : تُوفّيت آمنةُ أُمُّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بمكة ، ودُفنت في شِعبٍ من شِعاب | الحَجون بمكَّةَ . حكاه ابن الأثير قال : وهناك حطَّ النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] على ابن مسعود | ليلة الجِنِّ . وقيل : توفيت وله - [ صلى الله عليه وسلم ] - ثمان سنين ، وقيل : سبعٌ ، وقيل : أربعٌ . | والمشهورُ ما حكيناه أولا من أنها توفيت بالأَبْواء ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ابن ستِ سنين ، | وبذلك جزم ابن سعد وابن فارس والشيخ شرف الدين الدمياطيّ ، | وغيرهم ، رحمهم الله تعالى . |
____________________
(1/27)
| ضَمُّ عبد المطلب ثم أبي طالب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] / 5 و | | روي أنّ عبد المطلب ضمَّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إليه بعد وفاة أمّه ، ورقّ عليه رِقّةً | لم يرقَّها على وَلَدِه ، وكان يقرِّبه منه ويُدْنيه ، ويَدخل عليه إذا خَلاَ وإذا نامَ ، | وكان يَجلس على فراشه فيأخذه أعمامُه ليؤخِّروه عنه ، فيقول عبد المطلب إذا | رأى ذلك : دَعُوا ابني ، إنه لَيؤنِسُ مُلْكاً . وفي رواية : دَعوا ابني فوالله إنَّ له | لَشأناً . وقال عبد المطلب لأمّ أَيْمن ، وكانت تحضنُ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : يا بَرَكة لا | تغفلي عن ابني فإنّي وجدتُه مع غلمانٍ قريباً من السِّدْرة ، وإنّ أهل الكتاب | يزعمون أنّ ابني نبيُّ هذه الأمّة . | | وكان عبد المطلب لا يأكل طعاماً إلا قال : عليَّ بابني . فيُؤتى به إليه . ولمّا | حضرته الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . وحِياطته . ومات فدُفن | بالحَجون ، وهو يومئذ ابن اثنتين وثمانين سنةً ، وقيل : خمس وتسعين ، | وقيل : مائةٍ وعشرٍ ، وقيل : مائةٍ وعشرين ، وقيل : مائةٍ وأربعين سنة . | | سُئل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أَتذْكر موتَ عبد المطلب ؟ قال : نعم ، أنا يومئذ ابن | ثمان سنين . قاله الشيخ شرف الدين الدمياطي ، وجزم به ، وهو المشهور ، | وقيل : تُوفِّي عبد المطَّلب ، ولرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ستُ سنين ، وقيل : عشرٌ ، وقيل : |
____________________
(1/28)
| ثلاثٌ ، وهو أبعد الأقوال . ثم كفله عمُّه أبو طالب بعد وفاة عبد المطَّلب ، | وكان به رفيقاً ، وكان يُحبّه حُبَّاً شديداً لا يُحبّه وَلَدَه ، وكان لا ينام إلاّ إلى جَنبه ، | ويخرجُ فيخرج معه ، وكان يَخصّه بالطعام ، وكان إذا أكل عِيالُ أبي طالب فُرادى | أو جميعاً لم يَشبعوا ، وإذا أكل معهم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] شبِعوا ، فكان إذا أراد أن | يُغدِّيهم أو / 5 ظ . يُعشِّيهم يقول : كما أنتم حتى يأتي ابني ، فيأتي رسول الله | [ صلى الله عليه وسلم ] فيأكل معهم . فيَفصِلون من طعامهم ، وكان الصبيان يصبحون شعثاً | رُمْصَاً ، ويَصبح رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] دَهيناً كحيلاً ، وطهّره الله من دَنَس الجاهلية ، ومن كل عَيبٍ ، فلم يعظّم لهم صَنَماً قطُّ ، ولم يحضر مَشهداً من مَشاهد | كفرِهم ، وكانوا يطلبونه لذلك فيمتنع ويعصمه الله تعالى من ذلك . وكان يُعرَفُ | في قومه بالأَمين ، لِما شاهدوه من أَمانته وصِدْق طهارته ، وصفاته العَليّة [ صلى الله عليه وسلم ] | خروج النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] إلى الشام ثم شهودُه بُنْيَانَ الكعبة | | لمّا بلغ النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام ، وقيل : تسعَ | سنين . خرج مع عمّه أبي طالب إلى الشام حتى بلغ بُصْرى فرآه بَحيري | الرَّاهبُ فعرفه بصفتِه فجاءَ وأخذَ بيده ، وقال : هذا سيّد العالمين ، هذا رسول
____________________
(1/29)
| ربّ العالمين ، هذاَيبعثُه اللهُ رَحمةً للعالمين . فقالوا له : من أينَ علمتَ هذا ؟ | قال : إنكم حين أقبلتم من العَقَبة لم يبقَ حَجَرٌ ولا شجرٌ إلاّ خَرَّ ساجداً ، ولا | يسجد إلا لنبيٍّ ، وإنا نجده في كُتبنا . وقال لأبي طالب : لئن قدمتَ به الشام | لَتقتلنَّه اليهودُ . وسأله أَنْ يردَّه خوفاً من اليهود فردّه . | | ثم خرج [ صلى الله عليه وسلم ] مرّة ثانيةً إلى الشام مع مَيْسَرة غلام خَدِيجة رضي الله عنها في | تجارة لها قبل أنْ يتزوّجها ، فلما قدمَ الشامَ نزل تحت ظلِّ شجرةٍ قريباً من | صَوْمعة لنَسْطُور الرَّاهب ، فقال : ما نزلَ تحت هذه الشجرةِ قطُّ إلا نبيٌّ . ثم قال | لمَيْسَرة : أفي عَينيه حُمرَةٌ ؟ قال : نعم لا تُفارقه . قال : هو نبيٌّ ، وهو آخرِ | الأنبياء / 6 و . | | ثم باع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] سِلْعتَه ، فوقع بينه وبين رجل تَلاحٍ ، فقال : احلِفْ | باللات والعُزَّى . فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ما حلفتُ بهما قطُّ ، إني لأمرُّ فأُعْرِض | عنهما . فقال الرجل : القولُ قولُك : ثم قال لِمَيْسَرةَ : هذا - واللهِ - نَبيٌّ تَجدُه | أحبارُنا مَنعوتاً في كتبهم . وكان مَيْسَرةَ إذا كانت الهاجرة واشتدَّ الحَرُّ يَرى مَلَكين | يُظلِّلان رسولَ الله [ صلى الله عليه وسلم ] من الشمس ، فوعى ذلك كلَّه مَيْسَرةَ . وكان قد ألقى الله | عليه المحبَّة من مَيْسَرة ، وكان كأنّه عبدٌ له . وباعوا تجارتهم وربحوا ضعفَ ما | كانوا يربحون ، فلمّا رجعوا ودخل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] مكة رأته خديجةُ وهو على | بعيره ، ومَلَكان يُظلاَّنه ، فأَرتْه نِساءها فعجبنَ لذلك ، ودخل عليها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] | فأخبرها بما ربحوا في وجههم ذلك ، فسُرَّت به ، فلما دخل مَيْسَرةُ عليها أخبرته | بما رأتْ . فقال مَيْسَرةُ : قد رأيت هذا منذُ خروجنا من الشام . وأخبرها بما قال | نَسطور الراهبُ ، وبما قال الآخرُ . |
____________________
(1/30)
| | ولما بلغ النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] خمساً وثلاثين سنةً ، وقيل : خمساً وعشرين ، اجتمعت | قريشُ لِبُنيان الكعبةِ ، والذي حَملهم على ذلك أنّ بابَ الكعبة كان بالأرض ، | وكان السَّيلُ يدخل من أعلى مكة حتى يدخل البيت ، فانصدع ، وسرق طِيبَ | الكعبةِ ، فخافوا أنْ ينهدم البيت . وروي أنّ سبب انهدامِها أَنّ امرأةً جاءت | بِمجمرة تجمِّر الكعبة ، سقطتْ منها شرارةٌ فتعلّقت بكسوة الكعبة فاحترقت ، | ولما أجمعوا على هدمها قال بعضهم : لا تُدخلوا في بنائها من كَسْبكم إلاّ | طيِّباً ما لم تَقطعوا فيه رَحِماً / 6 ظ . ولم تَظلِموا فيه أحداً . فبدأ الوليد بن المُغيرة | بهَدْمها ، وأخذ المِعْولَ ، ثم قام عليها يطرح الحجارة وهو يقول : اللَّهمَّ لم | تُرَعْ إنما نريدُ الخير . فهدَم وهَدمتْ قريشٌ . | | ثم أخذوا في بنائها ، فلمّا انتهوا إلى حيث يُوضَع الركنُ من البيت قالت | كلُّ قبيلة : نحن أحقُّ بوضعه . واختلفوا حتى همّوا بالقتال ، وقرَّبت بنو عبد الدار | جَفْنةً مملوءةً دَمَاً ، ثم تعاقدوا هم وبنو عَديّ على الموت ، وأدخلوا أيديَهم في | ذلك الدم في تلك الجَفْنة ، فسُمُّوا ' لَعَقة الدم ' ثم اتّفقوا على أنْ يجعلوا بينهم | أَوّل مَنْ يدخل من باب بني شَيبةَ ، يقضي بينهم ، فكان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أوَّلَ مَنْ |
____________________
(1/31)
| دخل من باب بني شيبة ، فلما رأوه قالوا : هذا الأمينُ ، قد رَضينا بما يقضي | بيننا ، ثم أخبروه الخبرَ ، فوضعَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] رداءه ، وبَسَطَه في الأرض ، ثم | وضَع الركن فيه ، ثم قال : ' لِتأخذْ كلُّ قبيلةٍ بناحيةٍ من الثَّوب ، ثُمَّ ارفعوه جميعاً ' | ففعلوا ، حتى إذا بلغوا به موضعَه ، وضَعَه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بيده الطاهرة ، ثم بَنوا | عليه ، حتى انتهوا إلى موضع الخُشب ، فكان خمسة عشر جَائزاً سقفوا البيت | عليه ، وبنوه على ستّة أَعمدةٍ ، وأخرجوا الحَجر من البيت . وحُكي أنّ ارتفاع | الكعبة كان من عهد إسماعيل تسعة أَذرعٍ ، ولم يكن لها سَقفٌ ، فلما بنتها | قريشٌ زادوا فيها تسعة أَذرعٍ ، ورفعوا بابَها عن الأرض ، ليدخلوا مَنْ شاؤوا | ويَمنَعوا مَنْ شَاؤُوا . | مَبعثُ النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] | | كان أول ما بُدئ به رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من الوَحْي الرُّؤيا الصالحة في النوم ، | فكان لا يَرى رؤيا إلاّ جاءت 7 / و . مثلَ فَلَق الصُّبح ، ثم حُبِّبَ إليه الخَلاء ، | فكان يخلو بغارِ حِرَاء فيتعبَّد فيه الليالي ذات العَدَد قبل أنْ يَنزِع إلى أهله ، | ويتزوَّد لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزوَّد لمثلها ، حتى جاءه الحقُّ وهو في | غار حِرَاء ، فجاءه المَلكُ فقال : اقرأْ . قال : فقلتُ : ما أَنا بقارئ . قال : | فأَخذني فغطَّني حتى بلغَ مِنّي الجَهْدَ ، ثم أَرسلني ، فقال : اقرأْ . فقلتُ : ما |
____________________
(1/32)
| أَنا بقارئ . قال : فأَخذ في الثانيةَ فَغطَّني حى بلغ مني الجَهْدَ ، ثم أرسلني ، | فقال : اقرأْ . فقلتُ : ما أَنا بقارئ . قال : فأَخذني فغطَّني الثالثة حتى بلغ منّي | الجَهْدَ . ثم أرسلني فقال : ! 2 < اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم > 2 ! | فرجع بها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يَرْجُف فؤادُه ، فدخل على خديجة بنت خوَيلد . | فقال : زمِّلوني زمَّلوني . فزمّلوه حتى ذهبَ عنه الرَّوع . فقال لخديجة ، | وأخبرها الخبرَ : ' لقد خَشِيتُ على نفسي ' . فقالت خديجةُ : كَلاّ ، والله ما | يُخزِيكَ اللهُ أبداً ، إنَّك لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وتَحمِلُ الكلَّ ، وتَكسِبُ المعْدُومَ ، | وتَقْرِي الضَّيفَ ، وتُعين على نوائب الحقِّ . | | فانطلقتْ به خديجةُ حتى أَتت به ورَقَةَ بن نوفَل بن أسَد بن عبد العُزَّى ، | ابن عمِّ خديجة ، وكان امرءاً تنصَّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العِبرانيّ ، | فيكتب من الإِنجيل بالعِبرانيّة ما شاء الله أنْ يكتب . وكان شيخاً كبيراً قد | عَمِيَ . فقالت له خديجة : يا بنَ عَمَّ ، اسْمَعْ من ابن أخيكَ . فقال له ورقة : يا | ابنَ أخي ، ماذا ترى ؟ فأخبره خبرَ ما رأى . فقال له ورَقَةُ : هذا النامُوسُ الذي | أُنزِلَ على مُوسى [ صلى الله عليه وسلم ] يا لَيتني فيها جَذَعٌ . يا ليتني أَكونُ حَيَّاً إذ يُخرجُكَ قومُك | فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أَوَ مُخرِجيَّ هُمْ ؟ قال : نعم ، لم يأتِ رجل قطُّ بمثل ما |
____________________
(1/33)
| جئت إلا عودي . وإن يدركني يومُك أنصرك نصراً مؤزراً ثم لم يَنْشَبْ | ورَقَةُ / 7 ظ . أنْ تُوفِّيَ ، وفتَرَ الوحي . | | قال الزُّهْري : وأخبرني أبو سَلَمة بن عبد الرحمن : أنّ جابر بن عبد الله | الأنصاريّ قال وهو يحدِّث عن فترة الوحي ، فقال في حديثٍ : ' بينما أَنا | أَمشي إذْ سمعتُ صوتاً من السماءِ ، فرفعتُ بَصَري ، فإذا المَلَكُ الذي جاءَني | بِحِرَاء جالسٌ على كُرسيٍّ بين السماءِ والأرض ، فَرُعِبتُ منه . فقلتُ : زَمِّلوني . | فأنزل الله عزَّ وجل ! 2 < يا أيها المدثر > 2 ! إلى قوله ! 2 < فاهجر > 2 ! فحميَ الوحيُ | وتتابعَ ' . | | وسأل الحارثُ بن هشام رسولَ الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : يا رسول الله ! كيف يأْتيكَ | الوحيُ ؟ فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' أحياناً يأتيني مثلَ صَلْصَلة الجَرْس ، وهو أَشَدُّه | عليّ ، فيُفْصَم عَنِّي وقد وَعَيْتُ عنه ما قال ، وأحياناً يتمثَّلُ لي المَلَكُ رَجُلاً | فأَعِي ما يقولُ ' | | قالت عائشة - رضي الله عنها - : ' ولقد رأيتُه يَنزِلُ عليه الوحيُ في اليوم |
____________________
(1/34)
| الشديدِ البردِ فيفصِم عنه ، وإن جبينه يتفصَّد عرقاً ' . وكان مَبدأ النبوّة | فيما قيل يوم الإِثنين ثامن شهر ربيعٍ الأوّل . وقيل في شهر رمضان . وقيل : في | شهر رَجَب ، وسِنُّه [ صلى الله عليه وسلم ] أربعون سَنة . وقيل : أربعون وعشرة أيام . وقيل : أربعون | وشهران . وقيل : ثلاثٌ وأربعون . | | وروى ابنُ إسحاق وغيرُه : أنّ جبريل [ صلى الله عليه وسلم ] أتى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أوّلَ ما أُوحيَ | إليه فعلَّمه الوضوءَ وصلّى به . فأتى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] خديجة فعلَّمها الوضوءَ وصلّى بها | كما فعل جبريل عليه السلام . | | وعن مُقاتل بن سُليمان : أنّ الصلاة فُرضت في أول الإِسلام رَكعتين | بالغَداة ورَكعتين بالعَشِيِّ ، ثم فُرض الخَمسُ ليلةَ المِعراج . وأقام الرسول | [ صلى الله عليه وسلم ] بمكة بعد البعثة ثلاثَ سنين يدعو إلى اللهِ مُستخفياً ، ثم نَزل عليه في السنة | الرابعة قوله تعالى / 8 و . ! 2 < فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين > 2 ! وقوله | تعالى : ! 2 < وأنذر عشيرتك الأقربين > 2 ! فأعلن الدعاء إلى الإِسلام . وكفّار | قريش غير مُنكرين لِما يقول ، فكان إذا مرَّ بهم في مجالسهم يُشيرون إليه : إنّ |
____________________
(1/35)
| غلام بني عبد المطلب ليُكلَّم من السماء . فكان ذلك حتى عابَ آلهتَهم ، وذكرَ | آباءهم الذين ماتوا على الكفر ، فانتصبوا لعداوته وعداوة مَنْ آمنَ به ، يُعذِّبون | مَنْ لا مَنَعةَ عنده أشدَّ العذاب ، ويُؤذون من لا يقدرونَ على عَذابه . | | وكان أوّلَ مَنْ آمن به خديجةُ ، وعليٌّ ، وأبو بكر ، وزيد بن حارثة ، ثم | عثمان بن عفَّان ، والزُّبير ، وعبد الرحمن بن عوْف ، وسعد بن أَبي وقَّاص ، | وطلحة بن عُبيد الله ، بدُعاء أبي بكر إيّاهم إلى الإسلام ، رضي الله عنهم . | ذِكُر الهجرتين إلى الحَبشة | لمّا كثر المؤمنون ، واشتدَّ عليهم أذى المشركين أذِنَ الله تعالى لهم في | الهجرة إلى أرض الحبشة ، فهاجر إليها اثنا عشَرَ رجلاً ، وأربعُ نسوةٍ : عُثمان بن | عفَّان ، وهو أَوّل مَنْ خرج فارّاً بدِينه . ومعه زوجته رقية بنت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأبو حُذيفة بن عُتْبة ، وزوجته سَهْلة بنت سُهَيل ، وأبو سَلَمة بن عبد الأسد ، وامرأته أمّ سَلَمة ، والزُّبير بن العَوَّام ، ومُصْعب بن عُمَير ، وعبد الرحمن بن عَوْف ، | وعثمان بن مَظْعون ، وعامر بن رَبيعة ، وامرأته ليلى بنت أبي حَثْمةَ ، وأبو | سَبْرة بن أبي رُهْم ، وحاطِب بن عمرو العامريّان ، وسُهَيل بن وَهْب . | وعبد الله بن مسعود وكان مخرجُهم في شهر رَجَبٍ من السنة الخامسة من | النبوّة . |
____________________
(1/36)
| | وخرجت قريش في آثارهم ، فلم يُدركوا منهم أَحداً . وأقاموا بالحَبَشة في | أحسن جِوَارٍ ، فبلَغهم أنّ أهل مكة / 8 ظ . أسلموا فرجعوا إلى مكة ، حتى إذا | كانوا دون مكة بساعةٍ لَقوا رَكْباً من كِنانة ، فسألوهم عن قريشٍ ، وعن حالهم ، | فذكروا ما هُم عليه مِن الشرِّ ، فائتمر القوم في الرجوع إلى أرض الحبشة [ ثم ] | قالوا : قد بَلغْنا مكةَ ، ندخلُ فننظر ما فيه قريشٌ ، ويُحدث عهداً مَنْ أرادَ بأهله ، | ثم يَرجع . فدخلوا مكةَ ، ولم يدخل أحدٌ منهم إلا بجوَارٍ أو مُستخفيا ، إلا ابن | مسعود فإنه مكث يسيراً ثم رجع إلى أرض الحبشة ، ولم يدخل مكة . وكان | قدومهم مكة في شوّال سنة خمسٍ من النبوّة ، فلقوا من قريش تَعنيفاً شديداً ، | ونالوهم بالأذى الشديد ، وسَطَت بهم عشائرهم ، فأذِن لهم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في | الخروج إلى أرض الحبشة مرَّةً ثانية . فقال عثمان : يا رسولَ اللهِ ، فهجرتُنا | الأولى وهذه إلى النجاشيّ ، ولستَ معنا . فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' أنتم | مهاجرون إلى الله وإليّ . لكم هاتان الهجرتان جميعاً ' | فقال عثمان : فحسبُنا يا رسول الله . وهاجروا إلى الحبشة وكان عِدَّةُ مَنْ | هاجرَ من الرجال ثلاثةً وثمانين - إنْ كان فيهم عمّار فإنه يُشكُّ فيه - قال ابن | إسحاق : ومن النساء إحدى عشرة قرشيّة وسبعُ غرائب . وأقاموا بأرض الحبشة | عند النجاشيّ على أحسن حالٍ . |
____________________
(1/37)
| حصر قريش رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في الشِعّب | | لما بلغ قريشاً بمكة إكرامُ النجاشيّ للمسلمين كبُر ذلك عليهم ، وغَضِبُوا | على رسولِ الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه ، وكتبوا كتاباً على بني هاشم : أنْ لا تُناكحوهم | ولا تُبايعوهم ولا تخالطوهم . وكان الذي كتب الصحيفة / 9 و . بَغيِض بن | عامر بن هاشم بن عبد مَناف بن عبد الدار بن قصيّ ، فشُلَّت يدُه ، وعَلَّقوا | الصحيفةَ في جَوف الكعبة ، وحصروا بني هاشم في شِعْب أبي طالب ليلة هلال | المحرَّم سنة سبعٍ من النبوّة ، وانحاز بنو المطلب بن عبد مَناف إلى أبي | طالب في شِعْبه مع بني هاشم ، وخرج أَبو لَهَبٍ إلى قريش يُظاهرهم على بني | هاشم ، وبني المطّلب ، وقطعوا عنهم المِيَرة والمادّةَ ، فكانوا لا يخرجون إلا | من مَوسِمٍ إلى مَوسِمٍ ، حتى بلغهم الجَهْدُ ، وسُمعت أصوات صِبيانهم من | وراء الشِّعْب ، فمِن قريشٍ مَنْ سَرَّه ذلك ، ومِنهم مَنْ ساءه . وقالوا : انظروا ما | أصاب بَغْيضَ بن عامر . |
____________________
(1/38)
| | فأقاموا في الشِّعْب ثلاث سنين ، ثم أَطلَع اللهُ رسولَه على أمرِ صحيفتهم ، | وأنّ الأرَضَة أَكلت ما كان فيها من ظُلْمٍ وجَوْر ، وبقي ما كان فيها من ذِكر الله . | فأخبرهم أبو طالب . فأرسلوا إلى الصحيفة فوجدوها كما قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . | وتلاوم رجالٌ من قريشٍ ، فلبسوا السلاحَ ، ثم خرجوا إلى بني هاشم وبني | المطَّلب ، فأمروهم بالخروج إلى مساكنهم ، ففعلوا . وكان خروجُهم من | الشِّعْب في السنة العاشرة ، وقيل : مكثوا في الشِّعْب سَنتين . | موت أبي طالب وخديجة ثم خروج النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] إلى الطائف ثم رجوعه إلى مكة | | مات أبو طالب في السنة العاشرة من البَعْث ، وقيل : في التاسعة بعد | الخروج من الشِّعْب ، وله سبعٌ وثمانون سنة . | | وماتت خديجة ، فنالت قريشٌ من النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] ما لم تكن تَنال في حياة أبي | طالب . فخرج إلى الطائف ، هو وزيد بن حارثة ، وذلك في ليالٍ بقين من شوال | سنة عشرٍ / 9 ظ . من النبوَّة ، وقيل : غير ذلك . فأقام بالطائف لا يَدَعُ أحداً | من أشرافهم إلاّ جاءه وكلَّمه ، فلم يُجيبوه ، وخافوا على أحداثهم ، وقالوا : يا |
____________________
(1/39)
| محمد أُخرج من بَلدنا . وأَغروا به سفهاءهم ، فجعلوا يَرمونه بالحجارة ، حتى | إنَّ رِجْلَيْ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لَتدْمَيَان ، وزيد بن حارثة يَقيهِ بنفسه . حتى لقد شُجَّ في | رأسه شِجاجاً . فانصرف رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من الطائف راجعاً إلى مكة وهو | محزونٌ . فلما نزل نَخلَةَ قام يصلِّي من الليل فصُرِف إليه نفرٌ من الجِنِّ | سبعةٌ من أهل نَصِيبِين فاستمعوا القرآن وهو يقرأُ سورة الجِنِّ ، ولم يَشعر بهم | رسولُ الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى نزل عليه ! 2 < وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن > 2 ! وأسْلَموا . | | وأقام بنخلَة أيّاماً ثم أراد الرجوع إلى مكةَ ، فقال له زيد بن حارثة : كيف | تدخُل عليهم وهم أَخرجوك ؟ فقال : ' يا زيد ، إنَّ الله جاعلٌ لِما ترى فَرَجَاً | ومَخْرَجاً ، وإنَّ الله ناصرُ دينه ، ومُظهر نبيّه ' ثم سار إلى حِراء فأرسل رجلاً | من خُزَاعة إلى مُطْعِم بن عَديّ : أَدخُلُ في جوارك ؟ فقال : نعم ، ودعا بَنيهِ | وقومَه ، وقال : البسوا السلاحَ ، وكونوا عند أركان البيت ، فإني قد أَجرْتُ | محمَّداً . فدخل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد | الحرام ، فقام مُطعم بن عَديّ على راحلته فنادى : يا معشرَ قريشٍ ، إني قد | أَجرتُ محمّداً فلا يَهِجْه أَحدٌ منكم . فانتهى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى الركن فاستلمه ، | وصلَّى ركعتين وانصرف إلى بيته ، ومُطِعم بن عَديّ وولده مُطيفون به . |
____________________
(1/40)
الإسراء والمعراج | | ثم أُسريَ بجَسَد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] المكَرَّم ، من المسجد الحرام إلى المسجد | الأقصى ، ثم عُرِجَ به إلى السماء العُليا ، إلى سِدْرَة المُنتهى ، إلى مستوىً سمِعَ | فيه صَريفَ الأقلام ، وفُرض عليه وعلى أُمَّته الصلوات الخمس ، وذلك ليلة سبع | عشرة / 10 و . من شهر ربيعٍ الأوّل ، وقيل : غير ذلك في تأريخه ، والأوَّل هو | المرويُّ عن عائشةَ وأُمِّ سَلَمة وأُمِّ هانئ ، وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن | عباس رضي الله عنهم . وسِنُّه [ صلى الله عليه وسلم ] حين الإِسراء اثنتان وخمسون سَنة ، وقيل | غير ذلك . | | واختلف العلماء في الإسراء والمعراج ، هل كانا في ليلة واحدة ، أَوْ لا . | وأيّهما كان قبل الآخر . وهل كان ذلك كلُّه في اليقظة أو في المنام . أو بعضه | في اليقظة ، وبعضه في المنام . والقول أنه كان في المنام ضعيف عند أهل | العلم . | | وفي صبيحة ليلة المعراج كان نزول جبريل عليه السلام وإمامتُه بالنبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] | ليُريَه أوقات الصلوات الخمس . |
____________________
(1/41)
| | ولما أَخبر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قريشاً بالإِسراء استهزؤوا به ، فجلّى الله له بيتَ | المقْدِس ، فوصفَه لهم وهو ينظر إليه . وقالوا : أَخبِرْنا عن عِيْرنا . فقال : | ' مررتُ على عير بني فلان بالروحاء قد أضلوا ناقة لهم ، وانطلقوا في طلبها | فمررت فانتهيتُ إلى رِحالهم ، وليس بها منهم أَحدٌ ، فإذا قَدحٌ من ماءٍ فشربتُ | منه فسَلوهم عن ذلك . ثم انتهيت إلى عِيْر بني فلانٍ بالأَبواء ، يقدُمها جَملٌ | أوْرقُ ها هي تَطلع عليكم من الثَنيَّة ، وفيها فلانٌ وفلانٌ ، وعِدّتُها كذا | وكذا ، وأَحمالُها كذا وكذا ' فانطَلَقوا فوجدوا الأمرَ كما قال [ صلى الله عليه وسلم ] فرموه بالسِّحر ، | ولَجُّوا في طُغيانهم يَعمهُون . | بدءُ إسلام الأنصار | | أقام رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ما أقام بمكّةَ يدعو القبائل إلى الله ، ويَعرض نفسَه | عليهم كلَّ سنةٍ في المواسم أنْ يؤوه ، حتى يبلِّغ رسالة : 10 / ؟ . ربّه ولهم الجَنَّة ، وليست قبيلةَ من العرب تستجيبُ له ، حتى أراد الله إظهارَ دينه ، ونصر | نبيّه وإنجازَ ما وَعَدَه ، فساقه إلى هذا الحيِّ من الأنصار ، لِما يريد اللهُ بهم | الكرَامة ، فانتهى إلى نفر منهم ثمانيةٍ عند العَقبة في الموسم ، وهم يَحلِقون |
____________________
(1/42)
| رؤوسَهم ، فجلس إليهمً ، فدعاهم إلى الله - عزَّ وجلَّ - وقرأ عليهم القرآن ، | فقال بعضهم لبعضٍ : إنّه النبيّ الذي تُوعِدُكم به يهود ، فلا يَسبِقُنَّكم إليه ، | فاستجابوا لله ولرسوله ، فآمنوا به ، وصدّقوا ، وهم أَسعد بن زُرَارة ، ومَعَاذ بن | عفراء ، ورَافع بن مالك ، وذَكْوان بن عبد قيس ، وعُبَادة بن الصَّامت ، وأبو | عبد الرحمن يَزيد بن ثَعلبةَ من بَلِيٍّ حليفٌ لهم ، وأبو الهَيثم بن التَّيْهان حليفٌ | لهم ، وعُوَيم بن سَاعدة . وقيل : بل كانوا ستَّةً ، أسعد بن زُرَارة ، وعَوْف بن | الحارِث ، ورَافع بن مالك ، وقُطْبة بن عمرو بن نابي ، وجابر بن عبد الله ، لم | يكن قبلهم أحدٌ ، قال الواقدي : هذا عندنا أثبتُ ما سمعنا فيهم ، وهو | المُجْتَمع عليه . | | وقدموا المدينة فدَعَوْا إلى الإسلام حتى فَشَا فيها ، ولم يَبقَ دارٌ من دُور | الأنصار إلاّ وفيها ذِكرٌ من رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . فأوّل مسجدٍ قُرئ فيه القرآن مسجد | بني زُرَيق ، ثم في العام القابل لقيه اثنا عشر رجلاً من الأنصار عند العقبة ، | أسعَد بن زرَارة ، وعَوْف ومُعاذ ابنا عَفْراء ، وذَكْوان بن عبد قيس ، ورَافع بن | مالك ، وقُطْبة بن عامر ، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثَعلبة من بَلِيٍّ حليف ، | وعُبَادةَ بن الصَّامت ، وعبّاس بن عُبَادة بن نَضْلة ، وعُقْبة بن عامر بن نابي ، | فهؤلاء عشرة من الخزرج . | | ومن الأوس رجلان ، عُوَيم بن سَاعدة وأبو / 11 و . الهَيثم بن التَّيْهان من |
____________________
(1/43)
| بَلِيٍّ حليف بني الأشهل ، كذا قال الدمياطيّ - رحمه الله تعالى - وذكر ابن | حزم أنَّه من بَني عبد الأَشْهل ، ولم يقل إنه حليف . فأسلموا وبايعوا على | بَيْعَة النِّساء ، على أنْ لا نُشْركَ بالله شيئاً ، ولا نَسرق ، ولا نَزني ، ولا نقتل | أولادنا ، ولا نأتي ببُهْتانٍ نَفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نَعْصِيهِ في مَعروف ، فَمنْ | وفّى فلَهُ الجنَّة ، ومن عَشيَ عن ذلك شيئاً فإنّ أمره إلى الله ، إنْ شاءَ عذَّبه ، | وإنْ شاءَ عفا عنه . | | ولم يكن فُرض القتالُ بعدُ . ثم انصرفوا إلى المدينة . وأظهر الله الإِسلام ، | وبعث معهم رسولُ الله [ صلى الله عليه وسلم ] ابنَ أمِّ مكتوم ، كما قال ابن حزم . ومُصعب بن | عُميْر يُعلّم مَنْ أسلم ، ويدعو إلى الله مَنْ لم يُسلم ، فنزل بالمدينة على | أسعد بن زُرارة ، فكان يُقرئهم القرآن ويعلّمهم شرائع الإِسلام ، فقيل إنّه جمَّع | بهم أول جُمعةٍ جُمِّعت في الإِسلام ، في هَزْم حَرَّة بني بَيَاضَة ، في نَقيع يُقال | له : نَقيع الخَضِمات ، وهم أربعون رجلاً ، وبهذا جزم ابن حزم . وعند ابن | إسحاق : أنّ أوّل مَنْ جمّع بهم أسعد بن زُرارة . |
____________________
(1/44)
| | وأقام ذَكْوان بن عبد قيس بمكَّةَ مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، فهو مُهاجريٌّ | أنصاريّ ، قُتل يوم أُحُد . قاله ابن حزم ، وأسلم على يَديْ مُصعبٍ خلْقٌ كثير | من الأنصار ، منهم أُسَيْد بن حُضَيْر ثم سعد بن مُعاذ في يوم واحد . وقال سعدٌ | لقومه بني عبد الأشهل في اليوم الذي أسلم فيه : كلامُ رِجالِكم ونسائِكم عليَّ | حرامٌ إنْ لم تؤمنوا بالله ورسوله . فآمنوا كلُّهم ، الرجالُ والنساءُ ، في ذلك اليوم ، | خلا عَمرو بن ثابت بن وَقْش ، فإنه تأخَّر إسلامُه إلى يوم أُحد ، فأسلم | واستُشْهد ، ولم يكن سجدَ لله سجَدةً / 11 ظ . قطُّ ، فأَخبرَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أنه | من أهل الجنة . ولم يكن في بني عبد الأشهل منافق ولا منافقة ، كانوا كلّهم | مخلصين ، رضوان الله عليهم . قاله ابن حزم . | | ولما حضرو زمانُ الحَجّ مشى أصحاب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] الذين أسلموا | بالمدينة ، بعضُهم إلى بعض ، وتواعدوا المسيرَ إلى الحجّ ، وموافاةَ رسول | الله [ صلى الله عليه وسلم ] والإِسلام يومئذٍ فاشٍ بالمدينة . فخرجوا ومعهم مُصعب بن عُميرْ حتى | قدموا على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] مكَّةَ ، فسلَّموا عليه ، فواعدهم مِنىً وسط أيّام | التشريق ، ليلة النَفْر الأَول ، إذا هدأت الرِجْل أنْ يوافوه في الشِّعْب الأَيمن إذا | انحدروا من مِنىً أسفل العَقَبة حيث المسجد اليوم ، وأَمَرهم أنْ لا ينبهِّوا نائماً ، | ولا ينتظروا غائباً . فوافى رسولُ الله [ صلى الله عليه وسلم ] في المكان المذكور ، ومعه عمُّه العبّاسُ |
____________________
(1/45)
| مُتَوثَّقاً له ، فبايعوا رسولَ الله [ صلى الله عليه وسلم ] على أنْ يَمنعوا منه ما يَمنعون منه نساءَهم | وأبناءهم وأنفسهم . فقيل : أوّل مَنْ بايعَ البَراء بن مَعْرور ، وقيل : الهيثم بن | التَّيْهان ، وقيل : أسعد بن زُرارة ، وكان عِدَّتهم ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين . | | وقال لهم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إنّ موسى أخذ من بني إسرائيل اثني عشَرَ نقيباً ، | فلا يَجِدنَّ أحدٌ منكم في نفسه أنْ يُؤخَذ غيرُه ، فإنّما يختارُ لي جبريل . . ' فلما | تخيَّرهم قال للنقباء : ' أنتم كُفَلاء على غيركم ، كَكَفالة الحواريِّين لعيسى بن | مَرْيم ، وأنا كفيلٌ على قومي ؟ ' قالوا : نعم . وانصرفوا إلى رِحالهم ، وقد طابت | نفس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذ جعل اللهُ له مَنَعةً وقوماً أهلَ / 12 و . حَربٍ وعُدَّةٍ ونَجدةٍ | هِجرةُ المسلمين ثم هِجرةُ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى المدينة | | لمّا رجع الأنصار إلى المدينة جعل البلاءُ يشتدّ على المسلمين من | المشركين لِما يَعلمون من الخروج ، فضيَّقوا عليهم ، ونالوا منهم ما لم يكونوا | ينالون من الشَّتم والأَذى ، فشَكَا ذلك أصحابُ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إليه ، واستأذَنوه | في الهِجرة إلى المدينة ، فأَذِن لهم ، فخرجوا أرْسالاً مختفين ، وقدموا على |
____________________
(1/46)
| الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم ، وواسوهم . | | قال ابن حزم : فقيل : أولُ مَنْ خرج أبو سَلَمة بن عبد الأسد | المَخزوميّ ، وقيل : إنه هاجر قبلَ بيعة العقبة بسَنة ، وحال بنو المُغيرة بينَه وبين | إمرأته ، ابنةِ عمِّهم ، وهي أُمُّ سَلَمة أمّ المؤمنين ، فأُمسكت بمكةَ نحو سنة ، ثم | أُذِن لها في اللَّحاقِ بزوجها فلحقت به . | | وقال غير ابن حزم : أوّل مَنْ هاجر مُصعب بن عُميرْ . وكان سالم مَولى | أبي حُذَيفة يَؤمُّ المهاجرين بقُباء قبل أنْ يَقدم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . ولم يَبقَ بمكَّة | إلاّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأبو بكرٍ وعليُّ ، أو مفتونٌ مَحبوسٌ ، أو مريضٌ ، أو ضعيفٌ | عن الخروج . ورأى المشركون ذلك فخافوا خروجَ رسولِ الله [ صلى الله عليه وسلم ] فاجتمعوا في | دار النَّدوَة ، ولم يتخلَّف أحدٌ من أهل الرأي والحِجَا منهم ، لِيتشاوروا في أمرِ | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . | | ويُسمَّى اليوم الذي اجتمعوا فيه يوم ( الزَّحمة ) وحضرهم إبليس - لَعنة الله | عليه - في صورة شيخٍ كبيرٍ من أهل نَجدٍ ، فتذاكروا / 12 ظ . أمرَ رسول الله |
____________________
(1/47)
| [ صلى الله عليه وسلم ] فأشار بعضُهم بحبسه وأشار بعضُهم بنفْيه فردَّ ذلك إبليس وقال : | ليس هذا برأيٍّ . فقال أبو جهل : أرى أنْ نأخذَ من كل قبيلةٍ من قريش غلاماً | نَهْداً جَلداً ، ثمّ نُعطيه سيفاً صارِماً ، فيضربونَه ضربةَ رجلٍ واحدٍ ، فيتفرَّق دَمُه | في القبائل ، فلا يَدري بنو عبد مناف بعد ذلك ما يَصنعون . فقال إبليس : الله | دَرُّ الفتى ، هذا الرأيُّ وإلاّ فلا . فتفرّقوا على ذلك ، وأجمعوا عليه . | | فأتى جبريلُ النبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] فأَعلمه بذلك ، وأَمره أنْ لا ينامَ في مضجعِه تلك | الليلة ، وأمرَ رسولُ الله [ صلى الله عليه وسلم ] عَليّاً أنْ يبيتَ في مَضجعه تلك الليلةَ ، فبات فيه | عليٌّ ، وتغشّى بُرْداً أحمرَ حَضْرميّاً ، كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يَنام فيه . واجتمع النفرُ | من قريشٍ يتطلّعون من صِير الباب ، ويَرصُدونه يُريدون بياته ، ويأتمرون | أيّهم يحمل عليه . فخرج رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهم جُلوسٌ على الباب ، فأخذ حَفْنةً | من ترابٍ ، فجعل يَذرّه على رؤوسهم ، ويتلو ! 2 < يس والقرآن الحكيم > 2 ! حتى | بلغ ! 2 < وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون > 2 ! ومضى رسول الله | [ صلى الله عليه وسلم ] فأتاهم آتٍ ممّن لم يكن معهم . فقال : ما تَنتظرونَ ها هُنا ؟ قالوا : محمداً . | قال خِبتُم وخسِرْتُم . قدْ - وللهِ - مرَّ بكم ، ما تركَ منكم رجلاً إلى وضعَ على رأسِه | تُراباً ، وانطلقَ لحاجتِه . أَفلا ترونَ ما بكمْ ؟ قالوا : والله ما أبصرناهُ ، وقاموا | يَنْفُضون الترابَ عن رؤوسِهم ، ثم جعلوا ينظرون فيَروْنَ عليّاً على الفراشِ | مُلتحِفاً بِبُرْدِ رسولِ الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيقولون : واللهِ إنّ هذا لمحمدٌ نائماً ، عليه بُردُهُ | فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا . فقامَ عليٌّ / 13 و . عن الفراشِ فقالوا : واللهِ |
____________________
(1/48)
| لقد صَدَقَنا الذي كان حَدَّثنا . وسألوا عليّاً عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : لا عِلمَ لي | به . | | وكان مما أَنزل الله - تعالى - في ذلك ! 2 < وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين > 2 ! وصار | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى منزل أبي بكرٍ - رضي الله عنه - ظُهرَاً ، فقال : ' أَخرِجْ مَنْ | عندكَ ' فقال : يا رسول الله ، إنما هما ابنتايَ . فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إنَ الله قد | أَذنَ لي في الهجرة ' فقال أبو بكر : الصَّحَابةَ يا رسول الله . فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' نعم ' قال أبو بكر : فخذْ بأَبي أنتَ وأُمِّي إحدى راحلَتيّ هاتين . فقال | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : بالثَّمن . وكان أبو بكر اشتراهما بثمانِ مائة [ درهم ] من نَعَمِ | بني قُشَير . فأعطى النبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] إحداهما بالثَّمنِ ، وهي القَصْواء . | | ثم خرج هو وأبو بكرٍ ، فمضيا إلى غارِ ثَوْرٍ فدخلاه . فأمر اللهُ شجرةً فنبتت | في فمِ الغار ، فسترتْ وجهَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأمرَ اللهُ العنكبوتَ فنسجتْ على فمِ | الغار ، وأمرَ حَمامتين وحشيَّتين فوقفتا بفمِ الغارِ ، وأَقبل فِتيانُ قريشٍ فرأوا ذلك | فانصرفوا ، ومكثَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأبو بكر في الغَار ثلاثَ ليالٍ يَبيتُ عندهما | عبد الله بن أبي بكر الصدِّيق يتسَمّع الأخبار بالنهار ، ويُخبرهما بما سَمِعَ . | وذكر ابن حزم : أنّ أسماءَ كانت تأتيهما بالطعام ، وكانت لأبي بكر مِنْحةُ | غنم يرعاها عامرُ بن فُهيْرة . وكان يأتيهم بها ليلاً فيحتلبون . فإذا كان السّحَر |
____________________
(1/49)
| سَرَح مع / 13 ظ . الناس . قالت عائشةُ : وجهّزنَاهما أحبَّ الجِهاز ، وصَنعْنا لهم | سُفْرة في جِرَاب ، فقَطعتْ أسماءُ بنت أبي بكر قِطعةً من نطاقها فأوكَت به | الجرابَ ، وقَطعتْ أخرى فصيَّرته عِصاماً لفم القِرْبة ، فبذلك سُمِّيت بذات | النِّطَاقين . | | واستأجرَ أبو بكر هادياً خِرِّيتاً من بني الدِّيِل ، يقال له : عبد الله بن | أُريقِط ، على دِين الكُفر ، ولكنّهما أَمِناه . | | وقال ابن حزم : إنّ النبي وأبا بكر خرجا من بابٍ واسع في جانب | الغار ، فتَحه اللهُ لهما في الوقت في صَخرة صَمَّاءَ لا تؤثّر فيها المعاولُ ، فأَمالَها | اللهُ - عز وجل - بقُدرته . وأتاهما عبد الله بن أُريْقط براحلتيهما صُبح الليلة | الثالثةِ ، وأَتتهما أسماءُ بالسُّفْرة ، وعلَّقتها ، فركبا الرَّاحلتين ، وأردف أبو بكر مولاه | عامرَ بن فُهَيْرة ، ومعهم دليلُهم عبد الله بن الأُرَيِقط . | | وكانت هِجرته [ صلى الله عليه وسلم ] يوم الإِثنين في شهر ربيعٍ الأول . وقيل : في صَفَر . | وسِنُّه [ صلى الله عليه وسلم ] ثلاث وخمسون على الصحيح ، وقيل : خمس وخمسون ، وقيل : | خمسون . وعرض للنبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] سُرَاقَةُ بن مالك بن جُعْشُم ، وهو على فَرس ، فدعا | عليه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فساخت قوائم فرسه . فقال : يا محمّد ، ادعُ الله لي أنْ يُطلقَ | فَرسي وأرجع عنك ، وأرُدَّ مَنْ ورائي . ففعل . فأُطلق ، ورجع ، فوجد الناس | يلتمسون رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : ارجعوا فقد استبرأتُ لكم ما ها هُنا ، وقد عَلِمتم | بَصَري بالأَثَر . فرجعوا عنه . ومرَّ النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] بخيْمَتي أمِّ مَعْبَدٍ عاتكة بنت |
____________________
(1/50)
| خالد ، أخت خُنيس بن خالد الصحابيّ . وكان منزلها القُدَيد ، فنظر النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] | إلى شاةٍ في كِسر الخيمة ، فقال : ' ما هذه الشاة يا أُمَّ مَعْبَد ؟ ' قالت : شاة / 14 و . خلفها الجهد عن الغنم . قال : بها من لبن ؟ قالت : هي | أَجهَدُ من ذلك . قال : ' أتأذنينَ لي أنْ أَحلبَها ؟ ' قالت : نَعمْ بأَبي وأُمي ، إن | رأيتَ بها حَلَباً فاحلِبها . فمسحَ بيدِه الطاهرة ضَرْعَها ، وسمّى الله تعالى ، | وقال : اللهمَّ بارِكْ لها في شاتِها ' فتفاجَّتْ عليه ، ودَرَّت واجترَّت ، فدعا بإناءٍ | لها يَريضُ الرَّهطَ . فحلبَ فيهِ ثجّاً حتى علاه البهاءُ ، فسقاها فشربت | حتى رَويَتْ ، وسقى أَصحابَه حتى رَوُوا . وشربَ آخِرَهم . وقال : ' ساقي القومِ | آخرُهم ' ثم حلبَ في الإِناء ثانياً حتّى ملأَه ، ثم غادره عندها . وارتحلوا عنها ، | وأصبحَ صوتٌ بمكّةَ عالياً بين السماء والأرض ، يسمعون الصوتَ ولا يرون مَنْ | يقوله ، وهو يقول :
____________________
(1/51)
| % ( جَزَى اللهُ ربُّ الناس خير جَزائهِ % رفيقين قالا خَيمتَيْ أُّمِّ مَعبدِ ) % | % ( هُما نزلا بالهَدْيِ واهتديا بهِ % فقد فازَ مَنْ أَمسى رَفيقَ محمَّدِ ) % | % ( فيا لِقُصَيٍّ ما زَوَى اللهُ عنكمُ % بهِ مِنْ فَعالٍ لا تَجارَى وسُؤْدَد ) % | % ( لِيهن بني كعبٍ مكانُ فتاتِهم % ومقعدُها للمؤمنين بَمرْصَد ) % | % ( سَلُوا أُختكمْ عنْ شاتِها وإِنائها % فإنكمُ إنْ تسْأَلوا الشَّاةَ تَشْهدِ ) % | % ( دَعاها بشَاةٍ حائلٍ فتحلَّبتْ % عليه صَريحاً ضَرَّهُ الشاةِ مُزْبِدِ ) % | % ( فغادَرَه رَهْناً لديها لحالِبٍ % يُردّدها في مَصْدرٍ ثُمَّ مَوْرِد ) % | | وانتهى النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] إلى بني عمرو بن عوف بِقُبَاء . فجلس فيهم ، وقام أبو | بكر يُذكِّر الناسَ ، وجاء المسلمون يُسلِّمون على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . ونزل رسول | الله [ صلى الله عليه وسلم ] على كُلْثُوم بن الهِدْم ، وقيل : سعْد بن خَيْثَمة . وقال الشيخ شرف الدين | الدمياطي : إنّ الثبْت أنه نزل على كُلْثُوم بن الهِدْم . قال : ولكنّه كان | يتحدًّث / 14 ظ . مع أصحابه في منزل سعْد بن خَيْثَمة ، فلذلك قيل : نزل | على سعْد بن خَيْثَمة . |
____________________
(1/52)
| | وتأخّر عليّ - رضي الله عنه - بمكّةَ ثلاثةَ أيامٍ حتى أدّى ودائع كانت عند | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] للناس . ثم لَحق بالنبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] بقُبَاء . وأقام رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في بني | عمرو بن عَوْف أربع عشرة ليلة . وقيل : أربعاً . وخرج يومَ الجُمعة . فجمَّع في | بني سالم بمَن كان معه من المسلمين ، وهم مائة . هكذا ذكر الحافظ شرف | الدين الدمياطي - رحمه الله - ولا يصحّ خروجُه يوم الجمعة على القول بأنه | أقام ببني عمرو بن عوف أربع عشرة مع جزمه بأنه قدم يوم الاثنين لاثنتي عشرة | ليلةً خلت من ربيعٍ الأول . ويُتصوَّر ذلك على قول بعضهم : أنه خرج من الغار | ليلة الاثنين أوّلَ شهر ربيعٍ الأول ، وقدم المدينة يومَ الجمعة لاثنتي عشرة | مضت منه . ولهذا - والله أعلم - عدل ابن حزم عن تعيين مدة المقام ، وذكر أنه | أقام بِقُبَاء أيّاماً ، وأَسَّس مسجدَها . لأنه جَزَم بأنَّه قِدم يوم الاثنين ، ثاني عشر | من ربيعٍ الأول ، والله أعلم . وقيل : قدِم المدينةَ يوم الاثنين لثمانٍ خلت من | ربيعٍ الأول . وقيل : يوم الاثنين مُستهلَّه . وقيل غير ذلك . | | وجعل الناس يُكلِّمون رسولَ الله [ صلى الله عليه وسلم ] في النزول عليهم عند رحيلهِ بعدما | جَمَّع في بني سالم ، ويأخذون بِخطَام ناقتِه . فيقول : ' خَلُّوا سبيلَها فإنها | مأمورةٌ ' فبَرَكت عند موضع مسجد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو يومئذٍ يُصلِّي فيه رجالٌ من | المسلمين ؛ وهو مِرْبد لسَهْلٍ وسُهَيلٍ غلامين من بني مالك بن النجَّار . |
____________________
(1/53)
| وبقي النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] على ظهر الناقة لم ينزل / 15 و ، فقامت ومشَت غيرَ بعيدٍ ، | ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لا يَثْنيها ، ثم التفتَتْ خلفَها ، فرجعتْ إلى مكانها الذي بَرَكت | فيه ، فبَركت ثانية واستقرَّتْ . | | وقد قيل : إنَّ جَبَّار بن صَخْر من بني سَلِمة - من صالحي المسلمين - جَعَل | يَنخَسُ ناقةَ النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] لِتقوم ، منافسةً لبني النجَّار أنْ ينزلَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عِندهم | فلم تَقُم ، ونزلَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عنها ، فحمل أبو أيوب رَحْلَ النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] فأدخله | دارهَ . وكلَّمَ الناسُ رسولَ الله [ صلى الله عليه وسلم ] ثانياً في النزول عليهم . فقال : ' المرءُ مع | رَحْلِه ' ونزل دارَ أبي أَيّوب ، وجاء أسْعد بن زُرَارة فأخذ بزِمَام راحلتِه ، فكانت | عنده . | | قال زيد بن ثابت : فأوّلُ هديّة دخلتْ على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في منزل أبي | أيوب هديّة دخلتُ أنا بها قَصْعةُ مَثْرود ، فيها خُبزٌ وسَمْنٌ ولَبَن . فقلتُ : أرسلتْ | بهذه القَصْعة أُمّي . فقال : ' باركَ اللهُ فيكَ ' ودعا أصحابه فأكلوا . فلم أَرمَّ | البابَ حتى جاءت قَصْعةُ سَعد بن عُبادة ثَريدٌ وعُرَاقٌ . وما كان من ليلةٍ إلا | وعلى باب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] الثلاثة والأربعة ، يحملون الطعام ، يتناوبون ذلك ، | حتى تحوّلَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من منزل أبي أيوب ، وكان مقامُه فيه سبعة أشهرِ . | | وسأل [ صلى الله عليه وسلم ] عن المِرْبَد الذي بَركت الناقة فيه . فأُخبر خَبرُه . فقيل : اشتراه |
____________________
(1/54)
| رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعشرة دنانير ، وفي الصحيح أنّ بني النجَّار امتنعوا من بَيعه ، | وبَذَلوه لله - عزَّ وجلَّ - وأَمَرَ [ صلى الله عليه وسلم ] ببناء المسجد فبُني باللَّبِن . وجُعلت عِضَادَتاه | وسَواريه جُذُوعَ النخل ، وسَقفُه الجريد / 15 ظ . وجُعل طولُه ممّا يلِي القِبلةَ | إلى مؤخره مائة ذراعٍ . وفي الجانبين الآخرين مثل ذلك ، فهو مربَّعٌ . ويقال : | كان أقلَّ من المائة . وجُعل الأساسُ قريباً من ثلاثة أَذرع على الأرض | بالحِجارة . ثم بَنوه بالِلَّبن . وبَناه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابُه . وكان يَنقل معهم | الحِجارَة ويقول : | % ( اللهمَّ لا عيشَ إلا عَيشُ الآخِرة % فاغفرِ للأنصارِ والمُهاجرة ) % |
____________________
(1/55)
| | وجعل يقول : | % ( هذا الحِمالُ لا حِمالُ خَيبرْ % هذا أَبَرُّ رَبَّنا وأَطْهرْ ) % | | ثم بَنى النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] مساكنَه إلى جانب المسجد باللَّبن ، وسقَّفها بِجذوع | النَخل والجَرِيد . | | وآخى [ صلى الله عليه وسلم ] بين المهاجرين والأنصار على الحقّ والمواساة فكانوا يَتَوَارثون | بذلكَ . حتىَّ نزل قولُه تعالى : ^ ( وأُولُوا الأَرْحامِ بَعضُهُم أَولى بِبَعْضٍ في | كِتابِ اللهِ ) ^ فَنُسخَ ذلك بعد وقعة بَدْر . | | كانت هذه المؤاخاة بعد بِناء المسجد . وقيل : والمسجدُ يُبنى . وقال أبو | عمر بن عبد البر : بعدَ قدومه المدينة بخمسة أشهر . وقيل : ثمانية أشهر . | | وكان النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] قبل الهجرة آخى بين المهاجرين . وبلغ أصحابَ النبيِّ | [ صلى الله عليه وسلم ] بالحَبشة مهاجَرُه إلى المدينة ، فرجع منهم ثلاثةٌ وثلاثون رجلاً ، ومن النساء | ثمان نِسْوةٍ ، فمات منهم رجلان بمكة ، وحُبسَ بمكّةَ سَبْعة نَفَرٍ ، وانتهى البقيّةُ | إلى النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] بالمدينة . | | وكتب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى النَّجاشيّ سنة سَبعٍ من الهجرة : أنْ يبعث مَنْ |
____________________
(1/56)
| بقيَ عنده من أصحابه . ففعلَ ، وقَدموا المدينةَ فوجدوا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بخَيْبَر . | فشخصوا إليه ، فوجدوه قد فتح خَيْبَر . فكلَّمَ النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] المسلمين أنْ يُدخلوهم | في سُهْمَانِهم ، ففعلوا . وأقام / 16 و . رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بالمدينة بعد الهجرة عشرَ | سنين بِلا خِلاف . | ذكرُ غَزْوَاتِه [ صلى الله عليه وسلم ] في هذه المدَّة وبعض الحوادث | | ففي السنة الأُولى غزوة الأَبْوَاء ، وهي غَزوة وَدَّان في صَفَر . وفي هذه | السنة جُعلت الصلاةُ الحَضَر أربعَ ركعات ، وكانت رَكعتين بعد مَقْدمِه [ صلى الله عليه وسلم ] | المدينة بشهرٍ . كذا قال ابن إسحاق وغيرُه . وهو قول عائشة - رضي الله عنها - | وقيل : إنها فُرضت أربعاً إلاّ المَغرب ، فإنها فُرضت ثلاثاً ، والصُبح فُرضت | ركعتين . وقيل غير ذلك . والله أعلم . | | وفيها شُرِع الأَذان ، وأَسلم عبد الله بن سَلاَم ، وفي السنة الثانية غزوةُ | بُوَاطٍ في شهر ربيعٍ الأول . ثم غزوة بدر الأولى يطلب كُرْزَ بن جابر في الشهر |
____________________
(1/57)
| المذكور . ثم غزوة ذي العُشَيْرة في جُمادى الآخرة ، ثم غزوة بدرٍ | الكبرى ، وهي البَطْشَةُ التي أعزّ الله بها الإِسلام ، وأهلكَ بها رؤوس الكَفَرة | يوم الجُمعَة لسبعَ عشرة خلونَ من شهر رمضان ، حضرَها من المهاجرين أربعة | وسبعون رجلاً ، ومن الأنصار مائتان وواحدٌ وثلاثون رجلاً . ولم يكن [ صلى الله عليه وسلم ] غزا | بأَحدٍ من الأنصار قبل ذلك . فجميع مَنْ حضرها من المسلمين ثلاثمائة وخمسة | رجالٍ ، هكذا ذكر عددَهم شيخنا الحافظ شرف الدين الدمياطي - رحمه الله - . | | ثم قال : وقيل ثلاثمائة وبِضْعَة عَشَر . وفي صحيح مسلم من حديث | عكرمة بن عمّار عن سِمَاك الحنفيّ عن ابن عبّاس عن عمر بن الخطاب - رضي | الله عنه - : أنهم كانوا ثلاثمائة وسبعة عشر رجلاً . وجزم ابن عبد البرّ في كتابه | ( الدُّرر في اختصار المغازي / 16 ظ . والسِّيَر ) ، بأنَّ المسلمين كانوا يوم بدرٍ |
____________________
(1/58)
| ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً ، عدد المهاجرين ، ومَنْ ضربَ له رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] | بسهمه وأجازه ثلاثة وثمانون رجلاً ، ومن الأوس أحد وستون رجلاً ، ومن | الخزرج مائة وسبعون رجلاً . | | وفي صحيح البخاري : إنّ البَرَاء بن عازب قال : استُصغرتُ أنا | و [ ابن ] عُمر يوم بَدرٍ . وكان المهاجرونَ يومَ بدرٍ نَيِّفاً على الستِّين ، والأنصار | نَيِّفاً وأربعين [ ومائتين ] . انتهى . | [ واستشْهد منهم أربعة عشَرَ رجلاً . وكان المشركون بين تسع المائة | والألف . وقُتل منهم سبعون رجلاً ] . وجزم ابن عبد البرّ بأنهم كانوا يوم بدرٍ | تسعمائة وخمسين رجلاً . | | وفي صحيح مُسلم من حديث عكرمة عن سِمَاكٍ عن ابن عبّاس عن |
____________________
(1/59)
| عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنهم أَلفٌ . ثم غزوة بني قَيْنُقاع في | شَوَّال : ثم غزوة السَّوِيق في ذي الحجة ، ثم غزوة قَرْقَرة الكُدْر في | المحرّم . | | وفي هذه السنة صُرِفت القبلةُ يوم الاثنين ، النصف من رَجَب ، وقيل يوم | الثلاثاء النصف من شعبان . وفيها فُرض صومُ شهر رَمَضان في شعبان . وفيها | فُرضت زكاة الفِطْر قبل العيد بيومين قبلَ أن تُفرض الزكاة في الأموال كما قال | ابن سعد . وقال بعضهم : إنّ الزكاة فُرضت في هذه السَّنَة . وقيل : | فُرضت قبل الهجرة بمكةَ . وفيها أمرَ النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] بالأُضْحية . وفيها أعرس عليٌّ | بفاطمة - رضي الله عنها - بعد وقعة بَدْرٍ . | | وفي السنة الثالثة من غزوة غَطَفَان إلى نَجْدٍ ، وهي غزوة أَنمار ، وهي ذو |
____________________
(1/60)
| أَمَر في شهر ربيعٍ الأول . ثم غزوة بني سُلَيْم ببُحران في جُمادَى الآخرة . | ثم غَزوة أُحُد يوم السبت لسبعٍ خلت من شوّال ، تَعبّأَ فيها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] | للقتال ، وهو في سبعمائة رجلٍ ، والمشركون ثلاثة آلاف رجلٍ ، فيهم سبعمائة | دارعٍ ، ومعهم مائتا فرَس ، وثلاثة آلاف بَعيرٍ . وقيل : كان مع المسلمين | خمسون فَرَساً . واستُشهد فيها من المسلمين / 17 و . سبعون - رضي الله | عنهم - وقيل : من الكفّار اثنان وعشرون رجلاً . ثم غزوة حمراء الأَسَد في | شوّال أيضاً . وفي هذه السنة وُلِد الحَسن بن عليّ - رضي الله عنهما - وفيها |
____________________
(1/61)
| حُرِّمت الخَمرُ . وقيل : في السنة الرابعة . | | وفي السنة الرابعة غزوة بَني النَّضِير في ربيع الأول ، ثم غزوة بدرٍ | الصغرى في ذي القعدة ، ثم غزوة ذات الرّقاع في المحرَّم . وفي هذه | الغزاة صلّى سول الله [ صلى الله عليه وسلم ] صلاة الخَوف . وفي هذه السَّنة قُصِرَت الصلاةُ ، | ونَزلت آيةُ الحِجاب . وولِد الحُسين بن عليّ - رضي الله عنهما - وكان بينه |
____________________
(1/62)
| وبين أخيه الحَسَن طُهرٌ واحدٌ | | وفي السنة الخامسة غزوة دُوْمَة الجَنْدل في ربيعٍ الأول ، ثم غزوة | المُرَيْسِيع ، وهي غزوة بني المُصْطَلِق في شعبان ، ثم غزوة الخَنْدق ، وهي | غزوة الأحزاب . ثم عقبها غزوة بني قُرَيْظة ، كلتاهما في ذي القعدة ، وقيل : | كلتاهما في شوّال . |
____________________
(1/63)
| | قال ابن حزم : والثابت أَنَّها - يعني غزوة الخَنْدَق - في الرابعةِ ، لحديثِ | ابن عمر : عُرِضْتُ على النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] يوم أُحُد ، وأنا ابنُ أربعَ عشرةَ ، فردّني ، ثم | عُرضتُ يوم الخندق وأنا ابنُ خمسَ عشرةَ فأجازني ، فصحَّ أنه لم يكن بينهما | إلاَّ سَنَة واحدة فقط ، فإنها قبلَ دُوْمَة الجَنْدل . وقيل : إن الحجّ فُرضَ في هذه | السَنة . وقيل : سنة ستٍ ، وقيل : سنة سبعٍ . وقيل : سنة ثمانٍ ، وقيل : سنة | تسعٍ . ورجّحه بعض العلماء . وقيل غير ذلك . | | وفي هذه السنة قصة الإِفْك في غزوة المُريْسِيع ، وقيل إنها في السنة | السادسة . ونزلت آية التَيَمُّم في هذه السنة بعد قصة الإِفك ، وقيل : نزلت | آية التَيمُّم في السنة الرابعة . وفي هذه السنة صلّى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] صلاة الخوف | على قولٍ . | | وفي السنة السادسة غزوة بني لِحْيانَ في ربيع الأول ، ثم غزوة الغابة ، |
____________________
(1/64)
| وهي ذو قَرَد ، في ذي القِعْدة ، ثم غزوة الحُدَيْبيَة في ذي القعْدة أيضاً . وفي | هذه السنة قحطَ الناس ، فاستسقى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] / 17 ظ . بالناس في شهر | رمضان فسُقُوا . | | وفي السنة السابعةِ غزوة خَيْبَر ، في جُمَادَى الأُولى ، وقيل : في المحرِّم . | وفي هذه السنة أسلم أبو هريرة وعمران بن حُصين - رضي الله عنهما - . | | وفي السنة الثامنة غزوة الفَتْح في شهر رمضان ، ثم غزوة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] | حُنَيْناً في شوّال ، في اثني عشر ألفاً من المسلمين ، عشرة آلاف من أهل |
____________________
(1/65)
| المدينة ، وألفين من أهل مكة . وكانت سِيما الملائكةِ يوم حُنَين عمائمَ حُمْراً قد | أَرْخَوها بين أكتافهم - . ثم غزوةُ الطَّائف في شَوّال أيضاً . | | وفي هذه السنة قيل : قدم خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة وعمرو بن | العاص إلى المدينة فأسلموا . وقيل : إن خالداً وعَمراً أسلما قبل ذلك ، | وشهِدا خَيْبَر ، وهو الصحيح . وفيها عُمِلَ مِنبرُ النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] وخطبَ عليه ، وحنّ إليه | الجذَعُ الذي كان يخطب عنده ، وهو أول مِنبر عُمل في الإسلام . وكان من أَثل | الغابة ، عملَه غلام لامرأة من الأنصار اسمه مينا ، وقيل : إبراهيم . وقيل غير | ذلك ، وكان درجتين ومجلساً . |
____________________
(1/66)
| | وفي السنة التاسعة غزو تَبُوك في ثلاثين ألفاً ، معهم عَشرة آلاف فرسٍ ، | وَهي آخرُ غزواتِه [ صلى الله عليه وسلم ] وعددُها سبعٌ وعشرون ، كما ذكرنا ، وبذلك جزم الشيخ | الحافظ شرف الدين الدمياطيّ ، وهو قول موسى بن عقبة وابن إسحاق كما | حكى عنهما ابن سعد ، وقول الواقدي . وقيل : كانت غزواته [ صلى الله عليه وسلم ] خمساً | وعشرين . وقيل : تسع عشرة . وقيل : إحدى وعشرين ، وقيل : ستاً وعشرين ، | وقيل : أربعاً وعشرين . قاتل [ صلى الله عليه وسلم ] فيها في تسعٍ : بَدرٌ ، وأُحُد ، والخَنْدَق ، | وقُرَيظة ، والمُصْطَلِق ، وخَيْبر / 18 و . والفَتْح ، وحُنَيْن ، والطائف : وقيل : قاتل | في بني النَضير والغابة ووداي القُرى من أعمال خَيبر . وتُسمّى هذه السنة سنة | الوفود لكثرة مَنْ وفد فيها على النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] وفيها آلى النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] من نسائه . | وفيها هُدم مسجد الضِّرار ، وفيها لاعَن [ صلى الله عليه وسلم ] بين عُوَيمِر العَجلانيّ وبين امرأته |
____________________
(1/67)
| في مسجده بعد العصر في شعبان ، وفيها مات النّجاشيُّ أَصْحَمة . | | وفي السنة العاشرة قدِمَ جَريرُ بن عبد الله البَجَلِيُّ على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] | فأَسلمَ في شهر رمضان . وفيها نزلَ قوله تعالى : ! 2 < يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم > 2 ! الآية . وكانوا لا يفعلونه قبل ذلك . وفيها ارتدّ مُسيلمةُ الكَذَّاب ، وادّعى النبوّة ، وفيها حَجَّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حَجَّةَ الوَدَاع . | ونزل عليه [ صلى الله عليه وسلم ] بعَرَفَةَ ^ ( اليومَ أَكملتُ لكُمْ دِينَكم وأَتمممتُ عليكم نِعمَتي ، | ورَضِيتُ لكُمُ الإِسلامَ دينا ) ^ ووقف معه [ صلى الله عليه وسلم ] مائةُ ألفٍ وعشرون ألفاً . | وسُمِّيت حَجَّة الوَدَاع لأنّ النبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] خطب الناس فيها ، وأوصاهم ، وقال : |
____________________
(1/68)
| ' لَعلْكم لا تَرَوني بعد عامِي هذا ' وودَّعهم . | | ولم يحجّ [ صلى الله عليه وسلم ] بعد الهجرة غيرها . وقال ابن سعد : إن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] لم يحجَّ | منذُ تَنبَّأَ غيرَ حَجّة الوَدَاع . وقيل : حَجّ بمكّةَ بعد النبوّة حَجَّةً أُخرى . وقيل : | حَجّتين أُخرَيَين ، وقال ابن حزم : حَجّ [ صلى الله عليه وسلم ] واعتمرَ قبل النبوّة وبعدها قبل | الهجرة ، حِجَجاً وعُمَراً لا يُعرَفُ عددُها . واعتمر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعد الهجرة أربعَ | عُمَرٍ ، كلّها في ذي القِعْدة ، عُمرة الحُدَيْبيَة ، وعُمرة القَضَاء ، من قابلٍ ، | وعُمرة الجِعْرانة والعُمْرَة 18 / ظ . التي جَمع مع حَجَّته . | | وكانت سَراياه [ صلى الله عليه وسلم ] سِتّاً وخمسين كما ذكر الشيخ شرف الدين الدمياطيّ | - رحمه الله - وقيل : كانت سِتّاً وأَربعين ، وقيل : ثمانياً وأربعين ، وقيل : سِتّاً | وثلاثين . |
____________________
(1/69)
| ذِكْرُ صِفتهِ [ صلى الله عليه وسلم ] | | كان [ صلى الله عليه وسلم ] ليس بالطويل البائن ، ولا القصير المتردّد ، ولا بالأبيض | الأَمْهَق ، ولا الآدم ، ولا الجَعْد القَطَط ، ولا السَّبْط ، رَجْلَ الشعر ، | أزهرَ اللون ، مُشْرَباً بحُمرَة في بياضٍ ساطعٍ ، كأنّ وجهَه القمرُ ليلةَ البدر ، | حَسَنَ العُنق ، كأنه جِيد دُمْيَة في صفاء الفِضَّة ، ضخمَ الكَرَاديس ، أوْطَفَ | الأشفار ، أَدْعَج العينين ، حَسَنَ الثَغْرِ ، أزجَّ الحواجِب في غير قرَنٍ ، | واسعَ الجبين ، سَهْلَ الخدَّين ، ضلِيعَ الفم ، أَشنبَ مُفَلّج الأسنان ، | حَسَن الأنف . |
____________________
(1/70)
| | إذا مشى يَتَكفَّأ كأنّما يَنحطُّ من صَبَبٍ ، إذا التَفَتَ التَفتَ بجميعهِ ، | ضَخْمَ اليدين لَيِّنهما ، كثَّ اللحيّة واسعها ، أسودَ الشعرِ ، بادناً متماسكاً ، سواءَ | البطن والصدرِ ، عريض الصدْر بعيدَ ما بين المَنْكبين ، أنورَ المتجرِّد ، موصولَ | ما بين اللبَّة والسُّرَّة بشَعرٍ يجري كالخيط ، أَشعرَ الذراعين والمنكبين وأعالي | الصدر ، عاريَ الثديَين والبطن ممّا سوى ذلك . | | إذا طوَّل شعرَه فإلى شحمةِ أذنيه ومع كتفيه ، وإذا قَصَّره فإلى أنصاف | أُذنيه ، لم يبلغ شيبُ رأسِه ولحيته عشرين شعرةً ، ليس لِرجليه أَخمص ، | قليلَ لحم العَقِبيْن ، إنْ صَمتَ فِعليهِ الوقَارُ ، وإنْ تكلّم سما وعلاه البهاءُ ، أجملَ | الناس وأبهاه من بعيدٍ ، وأحسنَه وأحلاه من قريبٍ ، حلوَ المنطق ، بين كتفيه | خاتَمُ النبوّة مثل بيضةِ حمامة . وقيل : على نُغْضِ كتفه الأيسر ، لون | جسده ، عليه خِيْلان . | | يقول / 119 و . واصفه : لم أرَ قبلَه ولا بعدَه مِثلَه [ صلى الله عليه وسلم ] . وقال البراء بن | عازب - رضي الله عنه - : رأيتُ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في حُلَّة حمراء ، لم أرَ شيئاً |
____________________
(1/71)
| قَطُّ أحسنَ منه . وقال أنس - رضي الله عنه - : ما مَسستُ دِيباجاً ولا حريراً | ألينَ من كفِّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، ولا شَممتُ رائحةً قطُّ كانت أطيبَ من رائحة | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . وكان أبو بكر - رضي الله عنه - إذا رأى النبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : | % ( أَمينٌ مُصطفى بالخير يدعو % لِضوءِ البدرِ زَايلَه الظلام ) % | | وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ينشد قول زهير بن أبي سُلْمى في | هَرِم بن سنان : | % ( لو كنتَ من شيءٍ سوى بَشَرٍ % كنتَ المضيَّ لليلةِ البدر ) % | | ثم يقول عمر وجلساؤه : كذلك كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ولم يكنْ كذلكَ غيرُه . | وفيه يقول عَمُّه أبو طالب : | % ( وأَبيضُ يُستسقى الغَمامُ بوَجْهِه % رَبيعُ اليتَامى عِصْمةٌ للأرامل ) % | % ( يطيف به الهلال من آل هاشمٍ % فهُمْ عنده في نعْمةٍ وفوَاضل ) % | % ( وميزانُ حقٍّ لا يُخِسُّ شعيرةً % ووزَّان عدلٍ وزنُه غير عائل ) % |
____________________
(1/72)
| | [ صلى الله عليه وسلم ] ، [ صلى الله عليه وسلم ] وعلى آله وصحبه وسلم . اللهم صلِّ | وسلم عليه . | ذِكرُ أَخلاقِه [ صلى الله عليه وسلم ] | | كان على خُلُقٍ عظيم ، كما وصفه رَبّه - تعالى - وقالت عائشةُ - رضي الله | عنها : كان خُلقُه القرآن ، يَغضب لغضبه ، ويرضى لرضاه . وكان أحلمَ | الناس ، قيل له : يا رسولَ اللهِ ألا تدعو على المشركين ؟ قال : ' إنَّما بُعثتُ | رحمةً ، ولم أُبعثْ عَذاباً ' وكان أشجعَ الناس . قال عليٌّ : كنا إذا حميَ | البأسُ ، ولقي القومَ القوم اتقينا برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . وكان أعدلَ الناس ، القريبُ | والبعيدُ والضعيفُ والقويُّ عنده في الحقّ سواءٌ . | | وكان / 19 ظ . أعفَّ الناس ، وأسخى الناس ، لا يُسأل شيئاً إلاّ أعطاه ، | لا يَبيتُ عنده دينارٌ ولا دِرهمٌ ، فإنْ فَضَلَ ، ولم يَجد مَنْ يُعطيه وفجأَه الليلُ ، لم | يأوِ إلى منزله حتى يتبرَّأ منه إلى مَنْ يحتاجُ إليه . لا يأخذ مما أعطاه الله إلا قُوتَ | عامهِ فقط ، فيُؤثرُ منه . |
____________________
(1/73)
| | وكان أشدَّ حياءً من العَذْراء في خِدْرها ، لا يُثْبتُ بَصَرَه في وجه أحدٍ ، وكان | أكثر الناس تواضعاً ، يَخْصِفُ النَّعْل ، ويَرْقَع الثوبَ ، ويفلِّيه ويخيطه ، ويَخْدُم | في مِهْنة أَهله ، ويقطع اللحمَ معهنَّ ، ويجُيب دعوةَ الحرِّ والعبد ، ويَقْبل | الهدايا وإنْ قلَّت ، ويُكافِئُ عَليها ويأكلها ، ولا يَأكل الصَدَقة ، تَستتبعهُ الأَمَةُ | والمسكينُ ، فيتبعهما حيثُ دَعواه ، ويُحبُّ الفقراءَ والمساكينَ ، ويُجالسهم | ويؤاكلهم . | | وكان أصدقَ الناس لهجةً ، وأوفاهم ذِمّةً ، وألينَهم عَريكةً ، وأكرمَهم عِشْرةَ ، | خافضَ الطَرْف ، نَظَرُه إلى الأرض أطولُ مِن نَظره إلى السماء . جُلُّ نظرهِ | الملاحظة . وكان أرحمَ الناسِ ، يُصغي الإِناءَ للهِرَّة فما يرفعه حتى تروى | رحمةً لها . | | وكان أشدّ الناس إكراماً لأصحابه ، لا يَمدُّ رِجلَيه بينهم ، ويوسّع عليهم إذا | ضاق المجلس ، ويتفقّدهم ، ويسألُ عنهم . مَنْ مرضَ عادَه ، ومَنْ غاب دعا له ، | ومَنْ مات استرجع وأتبع ذلك بالدعاء له ، ومَنْ كان يتخوَّف أنْ يكونَ وَجدَ في | نفسه شيئاً انطلق حتى يأتيه في منزله ، ويخرج إلى بساتين أصحابه ، ويأكل | ضيافتهم ، ولا يطوي بِشْرَه عن أحدٍ ، ولا يَدعُ أحداً يمشي خلفه ، ويقول : | خلّوا ظهري للملائكة . ولا يَدعُ أحداً يمشي وهو راكبٌ حتى يحمله ، فإن أبى | قال : تقدّمني إلى المكان الذي تريد . يخدمُ مَنْ خدَمَه . ما ضرب خادمَه ولا | امرأة ولا شيئاً قطُّ ، إلا أن يجاهد في سبيل الله . | | قال أنس : خَدمتُه / 20 وعَشْرَ سنينَ ، فما قال لي : أُفٍّ . قطُّ ، ولا قال |
____________________
(1/74)
| لشيء فعلتُه : لِمَ فعلتَ كذا ؟ ولا لشيءٍ لم أفعله : أَلا فعلتَ كذا . وكان يعودُ | المرضى ، ويشهد الجنائز . وكان أَسْكَتَ الناس في غير كِبْرٍ ، وأبلَغهم في غير | تطويلٍ . وكان أكثر الناس تَبسُّماً ، وأحسنهم بِشْراً . لا يهولُه شيءٌ من أمورِ | الدنيا . ويَلبس ما وَجَد من المُباحٍ . يُرْدِف خلفَه عبدَه أو غيرَه . يركب ما أمكن ، | فمرّةً فَرَسَاً ، ومرّةً بَعيراً ، ومرّةً بغلةً ، ومرّةً حماراً ، يمسحُ وجه فَرسِه بطَرَفِ كُمِّه | أو بطَرَف ردائِه . يحبُّ الطِّيبَ ، ويكره الريحَ الرديَّة . ويُكرم أهلَ الفضل في | أخلاقهم ، ويستألِفُ أهل الشرف بالبِرِّ لهم . | | يصِل ذَوي رَحمِه ، ولا يجفو على أحدٍ . يَقبل معذرةَ المُعتذِر . يمزحُ ولا | يقول إلا حقّاً . جُلُّ ضحكِه التبسُّم . يرى اللعَب المباحَ فلا يُنكره ، ويسابقُ | أهلَه . لا يَمضي له وقتٌ في غير عملٍ لله تعالى ، أو فيما لا بدَّ منه من صَلاح | نفسِه . يَبدأ مَنْ لَقيه بالسلام ، لا يجلسُ ولا يقوم إلا على ذِكْرٍ ، وإذا انتهى إلى | قومٍ جَلسَ حيثُ ينتهي به المجلسُ ، ويأمرُ بذلك ، ويُعطي كلَّ جلسائه نصيبَه | لا يَحسبُ جليسُه أحداً أكرمَ عليه منه ، وإذا جلسَ إليه أحدُهم لم يَقمْ [ صلى الله عليه وسلم ] حتى | يقوم الذي جلسَ إليه إلا أنْ يَتعجَّلَه أمرٌ فيستأذنه ، ولا يقابلُ أحداً بما يكره . | | ليس بفاحشٍ ولا مفحشٍ ، ولا يجزي بالسيّئة السيّئة ، ولكنْ يعفو | ويصفح ، ولا يَحْقِرُ فقيراً لِفَقره ، ولا يَهابُ مَلِكاً لمُلكه . يُعظِّم النعمَة ، وإنْ | قَلَّت . لا يَذمُّ منها شيئاً . ما عابَ طعاماً قطُّ ، إنْ اشتهاه أَكله ، وإلاّ تَركَه . | | وكان يحفظُ جارَه ، ويُكرمُ ضيفَه . وما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أَيسرهما ما | لم يكن إثماً أو قَطيعَة رَحِمٍ ، فيكون أبعدَ الناس منه . | | وكان أكثرُ جلوسِه مستقبل / 20 ظ . القِبلةِ . وكان يُكثُر الذكِرَ ، يستغفُر في |
____________________
(1/75)
| المجلس الواحد مائَةَ مرّةٍ . كان يُسمَع لصدرِه أزيزٌ كأزيز المِرْجَل من البكاء ، | وآتاه اللهُ مفاتيحَ خزائن الأرض فلم يقبلها واختار الآخرة . | | وكان يَعصِب الحَجر على بطنه من الجوع ، ويَبيتُ هو وأهلُه اللياليَ | طاوينَ ، ولم يشبع من خُبز بُرٍّ ثلاثاً تِباعاً حتى لقيَ الله - عزّ وجلّ - إيثاراً على | نفسِه ، لا فَقْراً ، ولا بُخلاً . | | وكان يأتي على آله الشهرُ والشهران لا يُوقَد في بيتٍ من بيوتهِ نارٌ ، وكان لا | يأكل متَّكئاً ، ولا على مائدةٍ . وفراشُه من أَدمٍ حَشوه لِيفٌ ، وكانت معاتبته | تَعريضاً ، ويَأمر بالرِفق وينهى عن العُنْف ، ويحثُّ على العفوِ والصفحِ ومكارمِ | الأخلاق . مَجلسُه مجلسُ عِلم وحَياءٍ وعَفافٍ وأمانةٍ وصيانةٍ وصبرٍ وسكينةٍ ، لا | يُرفع فيه الأصوات ، ولا تُؤْبَنُ فيه الحُرَمُ ، أي لا تذكر فيه النساء . يتعاطفون | فيه بالتقوى ، ويتواضَعون ، ويُوقَّرُ الكبارُ ، ويُرحَم الصغارُ ، ويؤثرون المحتاجَ ، | ويحفَظون الغريبَ ، ويخرجون أَدلَّةً على الخير . | | وقد جمع الله له [ صلى الله عليه وسلم ] كمالَ الأخلاق ومحاسنَ الشِيمَ والسياسة التامّة ، وآتاه | عِلمَ الأوَّلين والآخِرين ، وما فيه النجاةُ والفوزُ في الآخرة ، والغِبطةُ والخَلاصُ | في الدنيا . وهو أُمّيٌ لا يقرأُ ولا يَكتبُ ، ولا مُعلِّمَ له من البَشرِ واختاره على جميع | العالمين . |
____________________
(1/76)
| ذِكرُ مُعجزاته [ صلى الله عليه وسلم ] | | فمنها القرآنُ الذي أًعجزَ الفُصَحاءَ وأعياهم أنْ يأتوا بسورةٍ مِثلِه ، ولو | استعانوا بجميع الخَلْق . وانشقاقُ القَمر له بمكّةَ إذْ سألتْه قريشٌ آيةً . ونبَعَ الماء | بين أصابعه الطاهرة ، فشرب منه أهل العسْكر كلهم ، وهم عِطَاشٌ ، | وتوضَّؤُوا ، كلُّ / 21 و . ذلك من قَدَح صغيرٍ ضَاقَ أنْ تبسُط يدُه المكرَّمةً فيه . | وأَهراق من وَضُوئه في عَيْن تَبوك ، ولا ماءَ بها ، ومرَّةً أخرى في بئر الحُديْبيَة ، | فجاشَتا بالماء ، فشرب من عَين تَبوك أَهلُ الجيش كلُّهم ، وهم ألوفٌ ، حتى رَوُوا | كلُّهم ، وفاضتْ إلى اليوم ، وشربَ من بئر الحُدَيْبيَة ألفٌ وأربعمائة ، حتى رَوُوا ، | ولم يكن فيها قبل ذلك ماءٌ . وأطعمَ الجيشَ ، وهم تسعمائة ، من تَمْرٍ أتتْ به | ابنةُ بَشِير بن سعد في يدها ، فأكلوا كلُّهم منه حتى شَبِعوا ، وفَضَلَتُ منه فَضْلَةٌ . | ورَمَى جيشَ الكفّار بقُبْضَة من تُرابٍ ، فعَمِيَتْ عيونُهم ، ونزل بذلك القرآنُ في | قول الله تعالى : ^ ( وَمَا رَمَيْتَ إذا رميت ولكنَّ الله رَمَى ) ^ . | | وحَنّ إليه الجِذْعُ الذي كان يخطُبُ إليه ، إذ عُمِل له المِنْبر ، حتى سمع | منه جميعُ الحاضرين مِثلَ صوت الإِبِل ، فضمّه إليه ، فسَكن . وكلَّمهُ ذِراعُ | الشاة المسمومةِ بأنه مَسمومٌ . وأَخبرَ بالغيُوب ، فأنذَر بأنَّ عمَّاراً تقتله الفِئةُ | الباغية ، وأنَّ عثمان تُصيبُه بَلْوى بعدها الجَنَّةُ ، وأنّ الحسنَ بن عليٍّ - رضي الله |
____________________
(1/77)
| عنهما - سَيّدٌ يُصْلح اللهُ - عز وجل - به [ بين ] فئتين عظيمتين من المسلمين ، | وكان كل ذلك . | | وأَخبرَ عن رجلٍ قاتَل في سبيل الله - عزَّ وجلَّ - بأنَّه من أهلِ النار ، فظهر | ذلك ، بأنّ ذلك الرجل قَتَل نفْسَه . وأخبرَ بقتْل الأَسْود العَنْسِيّ الكذَّاب ليلةَ | قَتْلِه ، وهو بصَنْعاء اليَمن ، وأخبرَ بمَنْ قَتله . | | وأخبر بموتِ النَّجاشِيّ بالحبشة ، وخرج هو وجميع أصحابه إلى البَقيع ، | فصلَّوا عليه ، فَوُجِد قد مات ذلك اليوم . وخرج من بيتهِ على مائةِ رجلٍ من | قريشٍ ينتظرونه ليقتُلوه بزَعْمهم ، فوضع التُّرابَ على رُؤوسهم ، فلم يَروْه . | | وشكا إليه البعيرُ بحضْرة أصحابه وتذلَّل له . وقال لنفَرٍ من أصحابه | مجتمعين : أَحدُكم في النار / 21 ظ . ضِرْسُهُ مثلُ أُحُدٍ ، فماتوا كلُّهم على | الإِسلام ، وَارتدّ منهم واحد : وهو الرَّحَّال الحَنَفيّ ، فَقُتلَ مرَتدَّاً مع مُسَيْلمة ، | لعنهما الله . وقال لآخرين : آخرُكم موتاً في النَّار ، فسقط آخرُهم مَوْتاً في نارٍ ، | فاحترق فماتَ . ودعا شجرتين فأتتاهُ جميعاً ، ثم أمرهما فافترقتا . | | وأخبر أنه يَقْتُل أُبيَّ بن خَلَف الجُمحَي ، فَخَدشَه يومَ أُحُد خَدْشاً لطيفاً ، | فكانت مَنيَّتهُ منها . وأخبر أصحابَه يوم بَدْرٍ بمصَارع صناديد قريش ، ووَقَفهَم | على مصارعهم رجلاً رجلاً ، فلم يتعدَّ منهم واحدٌ ذلك الموضع . وزُوِيَتْ له | الأرضُ ، فأُرِيَ مشارقَها ومغاربَها ، وأَخبرَ ببلوغ أُمّته ما زُوِيَ له منها ، وكان | ذلك ، فبلغ مُلْكُهم من أوّل المشرقِ إلى آخر المغرب ، ولم يَتَّسعوا في الجنوب |
____________________
(1/78)
| والشمال كلَّ الاتِّساع ، كما أخبر سواءً بسواء . | | ومَسَح ضَرْعَ شاة لم يَنز عليها الفحلُ فدرَّت . ونَدَرَتْ عَينُ قَتَادة بن | النعمان ، فَسَقطتْ ، فردَّها [ صلى الله عليه وسلم ] بيدِه المباركة المكرَّمة ، فكانت أصحَّ عينيه | وأحسنهَما وأجدَّهما . وكانوا يَسمَعُونَ تَسبيحَ الطَّعام بين يديه . ومعجزاتُه [ صلى الله عليه وسلم ] | أكثرُ من أنْ تُحصى . | ذِكرُ أولاده [ صلى الله عليه وسلم ] | | أوّلُهم القاسم ، وبه كان يُكْنَى ، وُلدَ بمكَّةَ قبل النبوّة ، وعاش أَيّاماً يسيرةً ، | كما قال ابن حزم ، وقيل : عاش سنين . وقيل : عاشَ إلى أنْ ركب | على الدابّة ، وسار على النَجيبة . ثم وُلد له زَيْنَب قبل النبوّة ، وقيل : كانت | أسنَّ من القاسم ، تزوَّجه أبو العاصي ، واسمه القاسم بن الرَّبيع بن عبد | العُزَّى بن عبد شمس ، وهو ابن خالتها هالة بنت خُويلد ، فولَدت له عليّاً ، أردفه | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يومَ الفَتحِ على راحلتهِ ، ومات صغيراً / 22 و . وأُمامَةَ التي | حملها النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] في الصلاة ، وبلغت حتى تَزوَّجها عليٌّ - رضي الله عنه - بعد |
____________________
(1/79)
| موت فاطمة - عليهم السلام - ولم تَلِدْ له ، ثم تزوجَّها بعد موت عليٍّ المُغيرةُ بن | نَوْفَل بن الحارث بن عبد المطَّلب ، فولدت له يحيى ، وبه يُكْنى ، وماتت عند | المغيرة ؛ وقيل : إنها لم تلِدْ له . | | وماتت زَينب سنة ثمانٍ . ثم وُلد له [ صلى الله عليه وسلم ] قبل النبوّة رُقَيَّة ، وفاطمة ، وأمُّ | كلثوم ، وقيل في كلِّ واحدة منهنَّ أنَّها أسنُّ من أُختها . والذي روى هشام بن | الكلبيّ عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عبّاس : أنّ أسَنَّ الثلاث رُقيّة ، | فتزوَّجها عُثمان بن عفّانِ - رضي الله عنه - وهاجر بها إلى الحبشة الهجرتين ، | وولَدت له عبد الله ، مات صغيراً ، وتُوفيت رُقيّة يوم قدوم زيد بن حارثة بشيراً | بقتلى بدرٍ . ثم تزوَّج عثمانُ أُمَّ كُلثوم ، ودخل بها في جُمادى الآخرة سنة ثلاثٍ | من الهجرة ، وماتت في شعبان سنة تسعٍ ، وبهما سُمِّي عُثمان ( ذا النورين ) . | | وأما فاطمة - رضي الله عنها - فتزوَّجها عليٌ - رضي الله عنه - ودخل بها | مرجعَهم من بَدْرٍ ، فولدت له حَسناً وحسيناً ومُحَسِّناً ، مات صغيراً ، وأمَّ كلثوم | وزينبَ . وتزوَّج زينبَ عبدُ الله بن جعفر بن أبي طالب ، فولَدت له عليّاً ، له | عَقِبٌ ، وماتت فاطمة - رضي الله عنها - بعد النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] بستةِ أَشهرٍ . وقيل : | بثمانية ، وقيل : بثلاثةٍ أو دونها . والقول الأول اختيارُ عبد الغني وجماعةٍ من | العلماء . | | ثم وُلِدَ له عبد الله بعد النبوّةِ ، على الصحيح . ويُسمّى الطيِّب / 22 ظ . | والطاهرُ على الصحيح . وقيل : الطِّيبُ والطاهرُ اثنان سِواه . وقيل : كان له |
____________________
(1/80)
| الطاهرُ والمطهَّر وُلِدا في بَطنٍ . وقيل : كان له الطيِّب والمطيِّبَ وُلِداً أيضاً في | بَطْنٍ . وقيل : إنَّهم كلَّهم ماتوا قبل النبوّة ، مات عبدُ الله بمكّةَ طفلا ، فقال | العاص بن وائل السهميّ : قد انقطع وَلَده ، فهو أبتر ، فأنزل الله - تعالى - : | ! 2 < إن شانئك هو الأبتر > 2 ! | | ثم وُلِدَ له [ صلى الله عليه وسلم ] إبراهيم بالمدينة في ذي الحِجَّة سنةَ ثمانٍ ، وكانت قابِلَتُه | سلمى مولاة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فخرجت إلى زوجها أبي رافع مولى النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] | عُقَيب ولادة إبراهيم فأَعْلَمْته ، فجاء إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فبشَّره به ، فوهب له | عَبداً ، وكنّاه به جبريل [ صلى الله عليه وسلم ] فسُرَّ بذلك ، وعقَّ عنه [ صلى الله عليه وسلم ] بكبْشٍ يومَ سابعه ، | وحَلَقَ رأسَه ، حَلَقُه أبو هند ، فتصدَّقَ زِنَةَ شعرهِ فِضَّةً ، وأَمَرَ بشعره فدُفن ، | وسمّاه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ليلةَ مولِده . | | وقال الزبير : إنه سمّاه يوم سابعه . مات إبراهيم - عليه السلام - طفلاً في |
____________________
(1/81)
| شهر ربيعٍ الأول ، في السنة العاشرةَ من الهجرة عند ظِئْرهِ أمّ بُردة خولة بنت | المنذر بن زيد بن لَبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عَدي بن النجّار ، بنت | عمِّ أُمِّ عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد . وقد وهم ابن الأمين في كتابه | ( الاستدراك علي أبي عمرو بن عبد البرّ ) فقال : إنها أرضعت النبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] وتبعه | بعضُ العصريين فحكوا ذلك عنه من غير تَعقُّب . | | وصلَّى النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] على ابنه إبراهيم - على الصحيح - وقال : ' لأنّ له ظِئْراً | تُتم رَضاعَه في الجنَّة ' وقال : ' لو عاش / 23 و . إبراهيم لَوضعتُ الجِزيَةَ عن | كلِّ قبطيٍّ ' وقال أيضاً : ' لو عاش إبراهيم ما رقّ له خالٌ ' ومات ابن سبعين | ليلةً ، وقيل : ابن سبعة أشهرِ ، وقيل : ثمانية عشر شهراً ، وكلُّ أولاده [ صلى الله عليه وسلم ] من | خديجة إلا إبراهيم فإنه من مارِيَة بنت شَمْعون القِبْطيَّة . وكانت خديجة تَعقُّ عن |
____________________
(1/82)
| كل غلامٍ بِشاتين ، وعَن الجارية بشاةٍ . وكانت تَسترضع لهم ، وتُعدّ ذلك قبل | ولادِها . | ذِكر أعمامِه وعمّاتِه [ صلى الله عليه وسلم ] | | أبو طالب ، واسمه عبد مَنَاف ، والزُّبَيْر ، وعَبْدَ الكَعبة ، وأمّ حَكيم البَيْضاء ، | وعاتِكةُ ، وبَرَّة ، وأَرْوى ، وأُمَيْمة بنو عبد المطلب ، أُمُّهم فاطمة بنت عمرو بن | عائِذ بن عمران بن مَخزوم ، وهي أمّ عبد الله والد سيّدنا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] | | فأمّا أبو طالب فله من الوَلَد طالِبٌ ، وهو أكبر وَلَده ، مات كافراً ، وعَقِيلٌ | وجَعفرٌ وعليٌّ وأُمُّ هانئ وجُمَانة ، لهم صحبة . | | فأما الزُّبير فكان من أشراف قريشٍ ، وكان شاعراً ، ولم يدرك الإِسلامِ ، | وإليه أوصى عبد المطلب . ولَدُه عبد الله ، شهدَ مع النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] حُنيناً وثبتَ | يومئذٍ ، واستُشهد بأَجْنَاديْن بعد أنْ قَتلَ سبعةً . | | وأَخواتُه ضُباعةُ وأمُّ الحكم ويقال : أمّ حَكيم ، وأمّ الزُّبير بناتُ الزُّبير ، لهنَّ | صحبةُ ، وأما عبد الكعبة فلم يُدرك الإِسلام ، وأمّا أُمّ حكيم البيضاء فهي التي |
____________________
(1/83)
| تقول : والله إني لحَصَانٌ فلا أُكلَّمُ ، وصَنَاعٌ فلا أُعلَّم . وهي تَوْأمةُ عبد الله ، | والد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهي جَدَّةُ عثمان ، أمُّ أَروى بنت كُرَيز بن ربيعة بن حَبيب بن | عبد شمس . | | وأما عاتِكةُ فاختُلف في إسلامها ، وهي صاحبة الرؤيا في بدر ، وهي | أُمّ عبد الله وزهير وقُريْبَة الكبرى ، إِخوة / 23 ظ . أُمّ سَلَمة لأبيها . أسلم عبد الله | وشهدَ فتحَ مكة وحُنيناً والطائف ، ورُميَ الطائف بسهمٍ فقُتل . وذكر بعضهم | قُرَيْبة في الصَحابيات . | | وأما برّة فولدت أبا سَلَمة عبد الله بن عبد الأسد بن هِلال بن عبد الله بن | عمر بن مخزوم ، أخا النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] من الرضاع ، ثم أبا سَبْرة بن أبي رُهْم بن عبد | العُزّى بن أبي قَيس بن عبد وُدّ بن نصْر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لُؤَيّ ، | وهما قديما الإِسلام . |
____________________
(1/84)
| | وأما أروى فاختُلف في إسلامها ، والصحيح أنها أَسلمت ، وولدت | طُلَيْب بن عُمَيْر بن وَهَب بن عَبْد بن قُصَيّ ، كان من المهاجرين الأوّلين ، شهد | بدراً واستُشهد بأَجنادين ، ليس له عَقِبٌ . | | وأما أُمَيْمةُ فولَدت عبدَ الله المُجدَّع في الله ، استُشهد بأُحُد ، وأبا أحمد | الشاعر الأعمى ، واسمه عبد . وزَينبَ أمَّ المؤمنين ، وأُمَّ حَبيب حَبيبة ، وحَمْنَةَ | - رضي الله عنهم - وعُبيدَ الله الذي تنصَّر بالحبشة ، أولاد جَحْش بن رِئاب . | كذا ذكر الدمياطي أولاد جَحْش . فعَدَّ البنات ثلاثاً . وقال : أُمّ حَبيب حبيبة . | وقال بعضهم : أُمّ حَبيب . ولم يُسمِّها ، وفرّق بينها وبين حَمْنَة . والأكثرون كما | قال أبو عُمر : قالوا أُمّ حَبيب بغير هاء . | وقال ابن عساكر : أُمُّ حَبيبة واسمها حَمْنَة ، فلم يفرِّق بينهما . وقال | السُّهيليّ : كانت زينب تحت زيد بن حارثة ، وأُم حَبيب تحت عبد الرحمن بن |
____________________
(1/85)
| عوف ، وحَمْنَة تحت مصعب بن عُمير . وقال : وقع في الموطّأ وهْمٌ أنّ زيَنب | كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، ولم يقله أَحدٌ ، والغَلَطُ لا يَسلم منه بشر . | غير أنّ شيخنا أبا عبد الله محمد بن نجاح أخبرنا / 24 و . أنّ أُمَّ حبيب كان | اسمها زينب ، فهما زَينبان ، غَلبت على إحداهما الكُنية ، فعلى هذا لا يكون | في حديث الموطّأ وهمٌ . والله أعلم . | | وحَمْزةُ ، والمُقَوَّم ، والمُغيرة ، ولقبُه جَحْل ، بتقديم الجيم المفتوحة على | الحاء المهملة الساكنة . ومعناه السِقَاء الضَخْم وقيل : بتقديم الحاء ، ومعناه | القَيْد والخَلْخَال ، وصَفيّةُ . وزاد بعضهم العَوَّام ، بنو عبد المطلب ، وأُمُّهم | هَالة بنت وُهَيب بن عبد مَنَاف بنت عم آمنة أُمّ النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] . | | فأمّا حَمزةُ فهو أَسدُ الله وأَسَدُ رسولِه ، وأخوه من الرَضاعة ، أَسلمَ قديماً | في السنة الثانية من النبوّة ، وقيل : في السنة السادسة قبل إسلام عُمر ، وكان |
____________________
(1/86)
| أسنَّ من رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بأربع سنين ، وقيل : سنتين . وكان يقاتل بين يَديْ رسول | الله [ صلى الله عليه وسلم ] بسيفين ، ويقول : أنا أسدُ الله ، استُشهد بأُحد بعد أنْ قتل جماعة من | الكفّار . وقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' حَمزةُ سيّد الشهداء ' . وقال : ' أيْ عم ، لقد | كنتَ وَصُولاً للرحم ، فَعولاً لِلخير ' . ولَدَ جماعةً من الذكور والإِناث ، وانقطع | عَقِبُه - رضي الله عنه - . | | وأما المقوَّم فقال بعض العلماء : إنّه وعبد الكعبة واحدٌ . وفرّق بينهما | آخرون . وبذلك جزم الدمياطي . وأمّا المُغيرة فلَم يُدرك الإِسلام . . وأمّا صَفيّةُ | فتزوَّجها في الجاهلية الحارث بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس ، فولَدت له | صيفيَّ بن الحارث ، فمات عنها فتزوَّجها العوّام بن خويلد ، فولدت له الزُّبيرَ | والسائب قُتل يوم اليمامة ، وأُمَّ حَبيب . أسلمت صَفيّةُ وهاجرت ، وماتت سنة | عشرين ، وسِنُّها ثلاثٌ وسبعون سَنة ، ودُفنت بالبقيع ، والعَبَّاسُ / 24 ظ . | وضِرَارُ ابنا عبد المطلب ، أُمُّهما نَتلة ، ويقال : نُتْيلة بنت جَناب بن كَلب بن | النَّمر بن قاسط . | | فأمّا العَبّاسُ فكان أصغرَ الأعمام سِنّاً ، وكان أسنَّ من النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] بثلاث | سنين ، وقيل : كان أسنَّ منه بسنتين أو ثلاثٍ . وروي أنه أَسلمَ قبل بَدرٍ ، ولكنَّه | كان يَكتمُ إسلامه ، وقيل : أَسلم قبل وقعة خيبر . وشهد فتحَ مكّة وحُنيناً | والطائفَ ، وثبتَ يوم حُنين . |
____________________
(1/87)
| | وكان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يجلّه ويعظّمه . وكان أَيسرَ بني هاشم . أعتقَ قبل موته | سبعين مملوكاً ، وكان له عشرةُ بَنينَ وثلاثُ بناتٍ : الفَضْل ، وبه كان يُكنى ، | وكان أكبرَ ولده ، وعبدُ الله ، وعُبَيْد الله ، وقُثَم ، وعبدُ الرَّحمن ، ومَعْبَد ، وعَوْن ، | وكُثَيّر ، والحارثُ ، وتَمَّام ، وكان أصغرهم ، وآمنة وأُمّ حبيب وصفيّة . تُوفي | العبّاس - رضي الله عنه - في شهر رجَب ، وقيل : في شهر رمضان سنة اثنتين | وثلاثين ، وقيل : سنة أربعٍ وثلاثين . وقد قارب التسعين . | | وأمّا ضِرَارُ فمات أَيَّامَ أُوحي إلى النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] وكان جميلاً سخيّاً . والحارث | وقُثَم ابنا عبد المطلب أمُّهما صَفية ، وقيل : سَمْراء بنت جُنْدب بن جُحَير بن | رِئاب بن حبيب بن سُوَاءة . | | فأما الحارِثُ فكان أكبرَ وَلَد عبد المطلب ، وبه كان يُكنى ، ومات في حياة | أَبيه ، مِن وَلَدِه وولده ولَدِه جَماعةٌ لهم صُحبة . | | وأما قُثَم فمات صغيراً ، ولم يُدرك الإِسلام . وقد قيل : إنّ الحارث لا شقيقَ | له ، وقُثَم شقيق العبّاس . والأول هو الذي جزم به الدِّمياطي وغيره . وأبو لَهَب | عبد العُزَّى بن عَبد المطلب ، وأُمّه لُبْنى بنت هَاجِر الخُزاعيّة ، من وَلَدِه عُتْبَة | ومُعَتِّب ، أسلما وثَبتا يومَ حُنْين / 25 و . ودُرَّة لَها صُحبة ، وعُتَيْبَةُ مات كافراً ، |
____________________
(1/88)
| قَتلَه الأسدُ بالزَّرْقاء بدعوة النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] وغلَطَ بعضهم كما أفاد ابن الجوزي وغيرُه | فقال : إنّ الذي قتله الأسد عُتبة . | | مات أبو لَهَب مِيتةً شَنيعةً بعد بَدْرٍ بتسعةِ أيام . والغيْدَاق واسمه مُصعب ، | وقيل : نَوْفَل بن عبد المطلب ، وأُمُّه مُمنَّعة بنت عمرو الخُزاعية ، لُقِّب الغَيْدَاق | لأنه كان أَجود قريش . وأخوه لأُمِّه عَوْف بن عبد عَوْف بن عبد بن الحارث بن | زُهْرة بن كِلاب أبو عبد الرحمن بن عَوْف ، أَحد العشرة . وزعمَ بعضُهم أنّ | الغَيْدَاق ، وحَجْلاً المتقدِّم واحد . والذي جزم به جماعة منهم الدمياطي | أنهما اثنان كما بَيَّنا . | | قال ابن سعد : والعقِب من بني عَبد المطّلب للعبّاس وأبي طالب | والحارِث وأَبي لَهب . قال : وقد كان لحمزةَ والمقوِّم وحَجْل والزُّبير بني عبد | المطلب أولاد لأصلابهم ، فهلكوا ، والباقون لم يُعْقبِوا . وأسلم منهم حَمزةُ | والعبّاسُ وصَفيّةُ ، واختُلف في إسلام عاتكة وأَروى كما بَيَّنا . |
____________________
(1/89)
| ذكرُ زوجاتِه [ صلى الله عليه وسلم ] | | عن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ما | تزوَّجتُ شيئاً من نسائي ، ولا زوَّجتُ شيئاً من بناتي إلا بوحي جاءني به جبريل | عن ربي - عز وجل - ' وأولاهنَّ أمّ هند خَديجةُ الطاهرة بنت خُوَيْلد بن أَسَد بن | عبد العُزَّى بن قُصَيّ القُرشيّة الأَسَديّة ، كُنيت بولدها من أبي هَالة ، وكانت قبلَه | عند عَتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، فولَدت له جاريةً تُدعى | هِند ، ثم خَلَف عليها أبو هالة مالك بن النبَّاش بن زُرَارة / 25 ظ . بن | وقدان بن حبيب بن سلامة بن عديّ بن جروة بن أسيد بن عاصم بن تميم ، | فولدت له كما قال ابن حزم ولَدين ذكَرَين ، وهما هند والحارث ، وابنةً اسمها |
____________________
(1/90)
| زينب ، وقيل : إن عتيقاً خَلَف عليها بعد أبي هالة ، ثم تزوجّها رسولُ الله [ صلى الله عليه وسلم ] | لما رجع من سفره الثاني من الشام ، وهو ابن خمسٍ وعشرين سنةً على | الصحيح . وقيل : إحدى وعشرين ، وقيل : ثلاثين . وكان سنُّها أربعين سنةً ، | وقيل : خمساً وأربعين . وقيل : ثلاثين ، وقيل : ثمانياً وعشرين . أنكحها منه | أَبوها ، وقيل : عمُّها عَمرو بن أَسد ، وقيل : أخوها عمرو بن خويلد . والقول | الأول قول ابن إسحاق ، والثاني اختيار الواقدي . | | وروي أنّ النبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] أصدقها اثنتي عشرة أوقية ذهب . وكانت أولَ مَنْ | صدّق بالنبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] وآمنَ به ، ولم يتزوَّجْ في حياتها غيَرها . وقال جبريل للنبيّ | [ صلى الله عليه وسلم ] : إقرأ عليها السلامَ من ربَّي ومنِّي ، وبَشَّرها ببيتٍ في الجِنَّة من قصَبٍ ، | لا صَخَبَ فيه ولا نَصَب . | | وماتت خديجة بمكةَ لعشرٍ خَلت من شهر رمضان قبل الهجرة بثلاث سنين | على الأصحّ . وقيل : بخمس سنين ، وقيل : بأربعٍ ، بعد وفاة أبي طالب بثلاثة | أيام . وقيل : ماتت في حياة أبي طالب . والمشهور أنها ماتت بعده . ودُفِنت
____________________
(1/91)
| بالحَجُون ، ونزلَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في قبرها ثمَّ تزوَّجَ أمَّ الأسود سَوْدة بنت | زَمْعَة بن قيس بن عبد شمس بن عبد وُدّ بن نَصر بن مالك بن حِسْل بن | عامر بن لُؤَيّ بن غالب بن فِهر القرشيّة العامريّة . | | وكانت قبل النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] عند السَّكْران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد وُدّ ، | أخي سَهل وسُهيل وسَليط وحاطِب ، وكلُّهم أسلم وصحبَ النبيَّ / 26 و . [ صلى الله عليه وسلم ] | هاجر بها السَّكران إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ، ثم رجع بها إلى مكة ، | فمات بها . وقيل : مات بالحبشة . فلما حَلَّت تزوَّجها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في شهر | رمضان بعد موت خديجة بأيام قبل عائشة - رضي الله عنها - وقيل : تزوَّجها بعد | موت خديجة بسنةٍ قبل الهجرة بأربع سنين ، وقيل : تزوّجها بعد عائشة وأصدقها | أربعمائة درهم ، وكبرت عند النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] فأراد طلاقها في السنة الثامنة من | الهجرة ، فوهبت يومها لعائشة وقالت : لا حاجَة لي في الرجال ، وإنما أُريد أَنْ | أُحسَبَ في زوجاتك . فأمسكَها وقيل : إنه طلَّقها وراجعها . والصحيح | الأول . ماتت آخر خلافة عمر بن الخطاب . وقيل : ماتت في شوّال سنة أربع | وخمسين . | | وقال الواقدي : إنه الثَبْت . والأولُ قولُ الأكثرين . ثم تزوَّج رسول الله |
____________________
(1/92)
| [ صلى الله عليه وسلم ] بعد سَوْدة بشهرٍ أُمَّ عبد الله عائشة بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قُحافة | عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم بن مُرَّة بن كعب بن لُؤَيّ بن | غالب بن فِهر ، تَزوَّجها قبل الهجرة بسنتين ، وقيل : بثلاثٍ ، وهي ابنة ست | سنين ، وقيل : سبع سنين . | | قال عبد الغني : والأوّل أَصحّ . وبنى بها في شوّال على رأس ثمانية | أشهر من مُهاجره على الصحيح . وقيل : على رأس سبعة أشهرٍ . وقيل : على | رأس ثمانية عشر شهراً . وهي ابنة تِسعٍ . ولم يتزوَّجِ بكراً غيَرها . وُلدت سنة | أربع من النبوّة ، وماتت ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلونَ من شهور رمضان سنة | ثمانٍ وخمسين ، وصلّى عليها أبو هريرة ، ودُفنت بالبَقِيع ، وقيل في تأريخ وفاتها | غير ذلك / 26 ظ . وقيل : إنها أَسقطت من النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] جَنيناً يُسمّى عبد الله ، | فكنِّيتْ به . ولم يصحَّ ذلك . | | وفي سُنن أبي داود : أنّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كنّاها بابن أختها عبد الله بن |
____________________
(1/93)
| الزبير - رضي الله عنهم - ثم تزوَّج رسولَ الله [ صلى الله عليه وسلم ] حَفصةَ بنت عُمَر بن | الخطّاب بن نُفيل بن عَبد العُزَّى بن رياح بن عبد الله بن قُرط بن رزاح بن | عَديّ بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر - رضي الله عنه - وكانت قبلَه | عند خُنَيس بن حُذَافة بن قَيس بن عَديّ بن سعد أخي سُعَيْد ابني سَهْمٍ أخي | جمح ابني عمرو بن هُصَيْص بن كعب بن لُؤيّ ، فمات عنها بالمدينةً بعد | رجوعه من بدرٍ على رأس خمسة عشر شهراً من الهجرة ، ولم يشهد بدراً | سَهْميٌ غيرهُ ، ثم تزوَّجها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في شعبان على رأس ثلاثين شهراً من | الهجرة قبل أُحد بشهرين . وقيل : تزوَّجها في السنة الثانية من الهجرة . | | وقال ابن عبد البر : إن خُنَيْساً شهد أُحداً ونالته جراحاتٌ مات بها | بالمدينة . قال : فعلى هذا يكون تزوّجها بعد أُحد ، لأنهم أجمعوا على أنها | تأيّمت من خُنَيْس . والقول الأول هو الذي جزم به الشيخ شرف الدين | الدمياطيّ - رحمة الله تعالى - وروي أنَّ الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] طلّقها ، فأتاه جبريل | [ صلى الله عليه وسلم ] وقال : إنّ الله يأمركَ أَنْ تراجعَ حَفصةَ ، فإنها صوَّامة قوَّامة ، وإنها زوجتك | في الجنّة ، فراجَعها . وُلِدتْ حفصةُ قبل النبوّة بخمس سنين ، وتُوفّيت في | شَعبان سنة خمسٍ وأربعين . وقيل غير ذلك . ثم تزوّج زينبَ بنت خُزَيمة بن |
____________________
(1/94)
| الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مَنَاف بن هِلال بن عامر بن / 27 و . | صَعْصَعة بن معاوية أخي سعد . رضيعا النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ابني بَكْر بن هَوَازِن بن | منصور بن عِكرمة بن خَصَفة بن قيس بن عَيلان القيسيّة ، في شهر رمضان في | السنة الثالثة من الهجرة ، وهي أُمُّ المساكين ، كُنِّيتْ بذلك في الجاهلية ، لرأفتها | بهم ورحمتها وإحسانها إليهم ، ولمَّا خطبها رسولُ الله [ صلى الله عليه وسلم ] جَعلت أَمرَها إليهِ ، | فتزوَّجها وأصدقها اثنتي عشرة أوقيةً ونشّاً . والنشُّ النصف ، وذلك خمسمائة | درهمٍ . لأنّ الأوقية أربعون درهماً . وكانت قبله عند الطُّفيل بن الحارث بن | المطَّلب بن عبد مَنَاف بن قُصيّ ، فطلّقها ، فتزوّجها أخوه عُبيدة بن الحارث ، | فقُتل عنها يوم بدرٍ شهيداً ، فخلَفَ عليها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وبهذا جزم | الدمياطيّ . | | وقيل : كانت تحت عبد الله بن جَحْش ، قُتل عنها يوم أُحد ، فتزوّجها | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . قاله ابن عبد البر ، وحكاه عن ابن شهاب ، وصحّحه عبد | الغني . ومكثتْ عند النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] ثمانية أشهرٍ ، وماتت في آخر شهر ربيعٍ الآخر | من السنة الرابعة من الهجرة ، وصلى عليها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ودفنها بالبَقيع ، وقد | بلغت ثلاثين سنة أو نحوها ، وقيل : إنها مكثت عند النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] شهرين أو ثلاثةً . |
____________________
(1/95)
| وبه جزم عبد الغني - رحمه الله - وبالأول جزم الدمياطي - رحمه الله تعالى - | ولم يَمتْ من أزواجه [ صلى الله عليه وسلم ] في حياته غيرُها وغير خديجة . | | وفي ريحانَة خلافٌ كما سيأتي بيانُه . وحكى ابن عبد البر عن أبي الحسن | علي بن عبد العزيز الجرجانيّ : أنَّ زينب هذه أخت ميمونة بنت الحارث | لأمّها . وقال : إنه لم يرَ ذلك لغيره . ثم تزوّج أُمَّ سَلَمة ، واسمها هند ، | وقيل : رَملة بنت أبي أُميّة / 27 ظ . حُذَيفة ، وقيل : سُهيل ، وهو زاد | الراكب بن المغيرة بن عبد الله بن عُمر بن مَخزوم بن يَقَظة بن مُرَّة بن | كعب بن لُؤيّ بن غالب بن فِهر . وكانت قبله عند أبي سَلَمة عبد الله بن عبد | الأسَد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن برّة عَمّة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . | | وهاجر أبو سَلَمة - رضي الله عنه - إلى أرض الحبشة بزوجته أُمِّ سَلَمة | الهجرتين ، فولدت له هناك بَرّة ، فسمّاها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] زينب . ووَلدت له بعدها | سَلَمة ودُرّة . | | استخلفه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على المدينة حين خرج إلى غزوة العُشيرة ، ثم |
____________________
(1/96)
| شهد معه بدراً وأُحداً ورُمي يومئذ بسهمٍ في عَضُده فمكث شهراً يداوي جُرحَه ، | ثم بَرأ الجُرح ، وبعثه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في هلال المحرَّم ، على رأس خمسةٍ | وثلاثين شهراً من مُهاجره ، وبعث معه مائة وخمسين رجلاً من المهاجرين | والأنصار إلى قَطَن بناحية فَيْد ، به ماء لبني أسَد بن خُزيمة ، فغاب تسعاً | وعشرين ليلة ، ثم رجع إلى المدينة فانتقض جُرحُه فمات منه ، لثمانٍ خَلت من | جمادى الآخرة سنة أربعٍ من الهجرة ، فاعتدَّت أُمُّ سَلمة وحَلَّت لعشرٍ بقين من | شهر شوّال سنة أربع ، وتزوّجها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لليالٍ بقينَ منه ، وبنى بها فيه . | | وذكر ابن عبد البر : أنّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] تزوّج أُمَّ سَلَمة سنة اثنتين بعد وقعة | بدرٍ ، عقدَ عليها في شوّال ، وابتنى بها في شوّال . وبالأول جزم الدمياطيّ | - رحمه الله - وغيرُه . وماتت أم سَلَمة في شوّال سنة اثنتين وستين في ولاية | يزيد بن معاوية ، وقيل : سنة تسعٍ وخمسين ، في ذي القعدة . والأول / 28 و . | هو الصحيح ، لأن في ( صحيح مسلم ) أنّ الحارث بن عبد الله بن أبي | ربيعة ، وعبد الله بن صَفوان دخلا على أُمّ سَلَمة فسألاها عن الجيش الذي | يُخسفُ به . وكان ذلك في أيام ابن الزُّبير ويزيد بن معاوية . وكانت ولاية |
____________________
(1/97)
| يزيد بن معاوية يوم الخميس لثمانٍ بقين من رجب سنة ستين ، وهو اليوم الذي مات فيه معاوية . ومات يزيد في رجب سنة أربعٍ وستين . | | ثم تزوّج النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أُمَّ الحكم زَينب بنت جَحْش بن رِئاب بن يَعْمُر بن | صَبِرة بن مُرّة بن كَبير بن غَنْم بن دُوْدَان بن أَسد بن خُزيمة بن مُدركة لِهلالِ ذي | القعدة سنة أربعٍ على الصحيح ، وهي يومئذٍ بنت خمسٍ وثلاثين . وقيل : | تزوَّجها سنة ثلاثٍ ، وقيل : سنة خمسٍ ، وهي ابنة عمَّته أُميمةً ، وكان اسمها برَّة | فسمَّاها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] زينب . وكانت كثيرة الخير والصَّدَقة . تدبغ وتَخرز | وتتصدَّق . وفيها نزل قوله تعالى : ! 2 < فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها > 2 ! الآية | | وكانت تفخر على نساء النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] وتقول : زوَّجني الله من السماء . وفيها | نزلت آية الحِجاب . وفي صحيح مسلم من حديث عائشة قالت : قال | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' أسرعكُنَّ لحوقاً بي أطولكنّ يداً ' وكانت قصيرة اليدين . فلما | تُوفِّيت علمنا أنما أراد بطول اليد الصدقة . ماتت سنة عشرين ، فكانت أسرعَ |
____________________
(1/98)
| نساءٍ النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] لحوقاً به . كما أخبر [ صلى الله عليه وسلم ] وقيل : هي أول امرأة حُملت على | نَعشٍ مُغطَّىً ، أشارت به أسماء بنت عُميس وكانت رأته في الحَبشة . والذي | ذكر أبو عمر بن عبد البر : أن أوّل إمرأة حُملت على / 28 ظ . نَعْشٍ مغطى | بإشارة أسماء ، فاطمة بنت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ثم زينب بنت جَحش . | | ثم تزوّج [ صلى الله عليه وسلم ] جُوَيْريَةَ بنت الحارث بن أبي ضِرار بن حبيب بن عائذ بن | جَذيمة ، وهو المُصطَلِق بن سعد بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن | عمرو مُزيقياء بن عامر بن ماء السماء الأزْديّة الخُزاعيّة المُصطلِقية ، سُبيت يوم | المُرَيسيع فوقعت في سَهم ثابت بن قيس بن شَمَّاس ، فكاتبها على تسعِ | أواقي ، فأدّى [ صلى الله عليه وسلم ] عنها كتابتها وتزوّجها في سنة ستٍ من الهجرة ، وهي ابنة | عشرين سنة ، وكانت تحت مُسافِع بن سَرْح بن مالك بن جَذيمة . فقُتل يوم | المُرَيسيع . | | وقال الشَّعْبيّ : كانت جُوَيرية مِن مِلكِ اليمين فأعتقها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] | وتزوَّجها . وقال الحسن : مَنَّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على جُوَيرية وتزوّجها . وقيل : |
____________________
(1/99)
| جاء أبوها فافتداها ثم أَنكحها رسولَ الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعد ذلك . وقيل : إن أباها قدِم | على النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] يَفْدي ابنته فأَسلم وأَسلم معه ابنان له وأناسٌ من قومه . والله | أعلم . وكان اسمها بَرَّة فحولّه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وسمّاها جُوَيْرية ، كرِه أنْ يقال : | خرج من عند بَرَّة . تُوفّيت في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين . وقيل : | سنة خمسين . | | ثم تزوّج [ صلى الله عليه وسلم ] رَيحانَةَ بنت زيد بن عمرو بن خُناقة بن شمعون بن زيد ، | من بني النَّضير ، وكانت متزوجةً رجلاً من بني قُرَيْظَة يُقال له : الحكَم . فنسبها | بعض الرواة إلى بني قُرَيظة لذلك . قاله الدمياطي . | | وقال ابن عبد البر : الأكثر أنها من بني قُرَيظة . وكانت امرأة جميلةً | وسيمةً / 29 و . وقعت في السَّبي يوم بني قُرَيظة ، فكانت صَفِيَّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] | فخيَّرها بين الإِسلام ودينها ، فاختارت الإِسلام ، فأعتقها وتزوّجها ، وأصدقها | اثنتي عشرة أوقية ونَشاً ، وأعرس بها في المحرَّم سنة ستٍ من الهجرة ، وغارتْ | عليه غيرةً شديدةً ، فطلَّقها تطليقةً ، فأكثرت البكاء ، فدخل عليها وهي على | تلك الحال فراجعها . وماتت مرجِعَ النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] من حجَّة الوداع ، ودفنها | بالبقيع ، وقيل : إنه لم يتزوّجها ، وكان يَطأُها مِلك اليمين ، وإنه خيّرها بين أنْ |
____________________
(1/100)
| يتزوّجها وبين أنْ تكون في مِلكه فاختارت أنْ تكون في مِلكه حتى تُوفِّي عنها ، | قال الدمياطي - رحمه الله - والقول الأول أثبت الأقاويل عند محمد بن | عمر ، وهو الأَمرُ عند أهل العلم . | | ثم تزوّج [ صلى الله عليه وسلم ] أُمَّ حَبِيبة رَمْلَةَ ، وقيل : هند بنت أبي سُفْيان صَخر بن | حرب بن أُميّة بن عبد شَمس بن عبد مَناف بن قُصي القرشيّة الأمويّة ، وأخوها | لأبويها حَنظلة بن أبي سفيان ، قتله عليٌّ يوم بدرٍ كافراً ، أُمُّهما صَفيَّة بنت أبي | العاص بن أُميّة ، عمّة عثمان بن عفان بن أبي العاص . هاجرت أُمُّ حَبيبة مع | زوجها عُبيد الله بن جَحْش إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ، فولدت له | هناك حَبِيبة ، فكُنيت بها ، وتنصَّر زوجها عُبيد الله ، وارتدّ عن الإِسلام ، ومات | على ذلك ، وثبتت أُمُّ حَبيبة على الإِسلام . | | وذكر موسى بن عُقْبة فيمن هاجر إلى أرض الحبشة حَبيبة بنت | عُبيد الله بن جَحْش في باب حَبيبة بنت أبي سفيان . وذكر في ترجمة أمّها أنها | وَلدت لزوجها حَبيبة بأرض الحبشة . وبعث النبي [ صلى الله عليه وسلم ] عمرو بن أميّة الضمري | إلى النَجاشيّ في المحرّم على الأصحّ . وقيل : في ربيعٍ الأول / 29 ظ . سنة |
____________________
(1/101)
| سبعٍ من الهجرة ، فزوّجه إيّاها . وكان الذي أنكحها وعقد عليها خالد بن | سعيد بن العاص بن أُميّة على الأصحّ . وقيل : عُثمان بن عفّان . وأصدق | النجاشيُّ عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أربعمائة دينار على الأصحّ ، وقيل : أربعة آلاف | درهم ، وبعث بها مع شُرحبيل بن حَسنة ، وجهّزها من عنده ، وذلك في سنة | سبعٍ ، وقيل : في سنة ستٍ ، وقيل تزوّجها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعد رجوعها من أرض | الحبشة . والمشهور أنه تزوّجها وهي بأرض الحبشة . | | وفي صحيح مسلم : أَن أبا سفيان طلبَ من النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] أنْ يتزوّجها ، فأجابه | إلى ذلك ، وقد عُدّ هذا من أوهام مسلم رحمه الله ، ماتت سنة أربع وأربعين ، | وقيل غير ذلك ، ودُفِنت بالمدينة ، وقيل : بدمشق . ثم تزوّجَ [ صلى الله عليه وسلم ] صَفيَّة بنت | حُيَيّ بن أخْطَب ، من بني النّضير ، من أولاد هارون بن عِمران أخي موسى | - عليهما الصلاة والسلام - كانت عند سلاّم بن مِشْكم القُرظي الشاعر ففارقها ، | فخلف عليها كِنانة بن الرَّبيع بن أبي الحُقَيق النَّضري الشاعر ، فقُتل عنها يوم | خَيبر ، ولم تَلد لأحدٍ منهما شيئاً . فاصطفاها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لنفسه فأعتقها | وتزوّجها ، وجعل عِتقها صداقَها ، ولم تبلغ سبعَ عشرة سنةً ، وماتت في شهر | رمضان سنة خمسين ، وقيل : سنة اثنتين وخمسين ، وقيل : سنة ستٍ وثلاثين . | ودُفنت بالبَقيع . |
____________________
(1/102)
| ثم تزوّج [ صلى الله عليه وسلم ] ميمونةَ بنت الحارث بن حَزْن بن البُجَير بن الهُزَم بن | رُوَيْبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صَعْصَعة العامريّة ، وكان اسمها بَرّة | فسمّاها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] / 30 و . مَيمونة ، زوّجة إياها العبّاس بن عبد | المطَّلب ، وكان يلي أَمرها ، في شوّال سنة سبعٍ . وكانت خالة خالد بن الوليد ، | وعبد الله بن عبّاس ، وكانت في الجاهلية عند مسعود بن عمرو بن عُمير | الثقفيّ ففارقها ، وخَلَف عليها أبو رُهْم أخو حُوَيْطب ابنا عبد العُزَّى . فتوفِّي | عنها فتزوّجها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . | | وقيل : كانت عند فَروة بن عبد العُزَّى . وقيل : عند سَخْبَرة بن أبي رُهْم . | وقيل : عند حُوَيْطب بن عبد العُزَّى أخي أبي رُهْم . ماتت بسَرِف سنة | إحدى وخمسين على الأصحّ . وقد بلغت ثمانين سنة . وقيل : سنة ثلاثٍ | وستين ، وقيل : سنة ستٍ وستين . وهذان القولان باطلان . لأن في الصحيح | أنها توفِّيت في حياة عائشة . هؤلاء نساؤه المدخول بهنّ ثنتا عشرة امرأة . |
____________________
(1/103)
| ومات عن تسعٍ منهنّ كما بيّنا . وما ذكرناه من ترتيبهنّ هو المشهور كما ذكره | الحافظ أبو محمد عبد العظيم المنذريّ ، وبه جزم تلميذه الشيخ شرف الدين | الدمياطي - رحمهما الله تعالى - وفي ترتيب بعضهنّ خلاف ، نبَّهتُ عليه فيما | سبق . وأما مَنْ لم يدخل بهنّ ، ومَنْ وهبت له ، ومَنْ خَطبها ، ولم يتَّفق تزويجها | فثلاثون امرأة ، على اختلافٍ كثيرٍ في بعضِهنّ ، تركنا ذكرهنَّ اختصاراً . | ذِكر سَرارية [ صلى الله عليه وسلم ] | | مارِيَة بنت / 30 ظ . شمْعون القُبْطيّة ، أُمّ ولَده إبراهيم . وكانت في حَفْن | من كُورة أَنْصِنَا من صَعيد [ مِصر ] أهداها له المُقَوْقَس . تُوفِّيت في سنة | عشرة ، وقيل : خمس عشرة ، وصَلّى عليها عُمر ، ودُفنت بالبَقِيع . رَيْحانةُ بنت |
____________________
(1/104)
| زيد النَّضْريّة . | | وقال البغوي : استسرها ثم أعتقها فلحقت بأهلها ، وليس بصحيح . | جُوَيريَة بنت الحارِث على قول : وقد سبقَ ذكرها وذكر ريحانة في الزوجات . | وقال أبو عبيدة : كان له أربعٌ : مارِيَةُ ، ورَيْحانة ، وأُخرى جَميلة أصابها في | السَّبي ، وأُخرى وهبتها له زَينبُ بنتَ جَحْش . وقال قَتادة : كان للنبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] | وليدتان ، مارِيَة ، وبعضهم يقول : رُبَيحة القُرظيّة . | ذكرُ خَدَمِه [ صلى الله عليه وسلم ] | | فمن الرجال أبو حمزة أَنَس بن مالك الأنصاريّ ، وهِند وأَسماءُ ابنا حارثة | الأَسلميّان ، ورَبيعة بن كعب الأَسْلَمي ، وعبد الله بن مسعود ، وكان صاحب | نَعليه ، إذا قام أَلبسه إيّاهما ، وإذا جلس جعلهما في ذِراعه حتّى يقوم ، | وعُقْبة بن عامر الجُهَني ، وكان صاحبَ بَغلته يقود به في الأَسفار ، وأَسْلَع بن | شَريك بن عَوف ، وكان صاحب راحلَتِه ، وبلال بن رَبَاح المؤذِّن ، وسعد مَوْليا |
____________________
(1/105)
| أبي بكر الصدِّيق ، وأبو الحمراء هلال بن الحارث ، وقيل : ابن ظَفر ، وذو | مِخْمَر ويقال : مِخبَر ، ابن أخي النجاشيّ ، ويقال : أخته . وبُكير ويقال | بكر بن شدّاخ اللَّيثي ، وأبو ذَرِّ الغفاري ، ومُهاجر مولى أُمّ سَلَمة ، وأَرْبَد ، | والأسود بن مالك الأسديّ اليمانيّ ، وابن أخيه حُرَيز بن الحِدرجان بن | مالك ، وأَيمن بن عُبَيْد ، وكان على مَطهرة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتعاطيه حاجته ، | وثَعلبة بن عبد الرحمن الأنصاريّ ، ومات خوفاً من الله - تعالى - في حياة النبيّ | [ صلى الله عليه وسلم ] / 31 و . وأبو سلّام الهاشميّ ، واسمه سالم ، وقيس بن سعد بن | عُبادة ، ونُعيم بن ربيعة بن كعب الأسلمي ، وأبو السَّمْح ، ويقال : إن اسمه | إياد ، وسابق ، ويقال : إنه أبو سلام الهاشمي المتقدِّم . وفي الصحيح : أنّ أَنساً |
____________________
(1/106)
| وغلاماً نحوه من الأنصار كانا يحملان أداوة من ماءٍ وعَنزَة للنبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] . | | ومن النساءِ رَزينة روت عن النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] وردت عنها بنتها ، ذكرها ابن سعد ، | وعدّها بعضهم في مواليه [ صلى الله عليه وسلم ] وقيل : لمّا أعتق [ صلى الله عليه وسلم ] صَفيّة أَصدقها رَزينة هذه . | وابنتها أَمَة الله التي روت عنها ، عدّها بعضهم في خَدمِه [ صلى الله عليه وسلم ] وأمّ أَيْمن ، | وسلْمى أمّ رافع ، ومَيمونة بنت سعد ، وأمّ عيّاش ، وكانت توضئه [ صلى الله عليه وسلم ] وهنّ من | الموالي . وقيل : إن أمّ عيّاش مولاة ابنته رقيّة . وصفيّة روت عنها أَمَة الله بنت | رَزينة السابق ذكرها ، وخَولة جَدّة حفص بن سعيد ، ومارِيَة جدّة المثنى بن | صالح ، وأمّ الرَّبَاب مارِيَة ، ذكرهما أبو عُمر في الثانية : لا أدري أهي التي | قبلها أم لا . |
____________________
(1/107)
| ذكر مَوالِيه [ صلى الله عليه وسلم ] | | فمن الرجال زيد بن حارثة بن شَرَاحيل ، وابنه أُسامة ، وأخو أسامة لأُمّة | أَيمن بن عُبيد بن أُمّ أَيمن ، استُشهد يوم حُنين وسبق ذكره في الخدَم . | وأَسْلم بن عُبَيْد ، وأبو رافع واسمه أَسْلَم وقيل : إبراهيم ، وقيل غير ذلك ، كان | للعبّاس فوهبه للنبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] فلمّا اسلمَ العبَّاسُ بَشَّرَ رسولَ الله [ صلى الله عليه وسلم ] بإسلامه ، ففرح | بذلك وأَعتقه ، وزوَّجه مولاته سلْمى ، وكان على ثَقَلِ النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] وهو أبو رافع | والد البهيّ وقيل : : هما اثنان . والأوّل قول البخاريّ ومصعب الزُّبيريّ | وجماعة . وأبو / 32 و . الحمرَاء ، وهو الذي تقدم في الخَدَم ، وأبو أُثْيلَة ، وأبو | كَبْشة واسمه سُلَيم ، شهد بدراً ، وأَنَسة ويكنى أبا مُسرّح ، وثَوْبان بن بُحْدُدْ | ويكنى أبا عبد الله ، وشُقْران واسمه صالح ، ورَبَاح أسود ، ويَسَار نُوبيٌّ قتلَه |
____________________
(1/108)
| العُرَنيون ، وفَضَالة يمانيٌّ ، وأبو السَّمْح وقد سبق ذكره في الخدم ، وأبو | مُوَيْهبَة ، ورافع أبو البَهِيّ كان لسعيد بن العاص ، فورثه ولده فأعتقه بعضُهم ، | ووهب مَنْ لم يُعتق نصيبَه لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأعتقه ، ومأبور الخصيّ ، وأَفلح ، | ومِدْعَم أَسود . | | وقيل : مات عبداً ، وكِرْكِرة وكان على ثَقَله [ صلى الله عليه وسلم ] . وكان يُمسك دابَّتَه عند | القتال يوم خَيبر . وفي صحيح البخاري في كتاب الجهاد أنه غَلَّ عَباءةً ، وفي | ( الموطأ ) وكتاب المغازي من ( صحيح البخاري ) أن مِدْعَماً غَلَّها في ذلك | اليوم ، وكلاهما قُتل بخيبر ، وزيد جدّ بِلال بن يَسَار بن زيد ، وعُبيد غير | منسوب في مسند أحمد . | | وذكر ابن الجوزي في الموالي عُبيد بن عبد الغَفّار ، وطَهْمان أو كَيْسَان | أو ذَكْوان أو مَهران أو مَروان . وذكر بعضهم أنه يقال فيه أيضاً : ميمون . وقيل : | باذامِ ، وقيل : هُرمز . وواقد أو أبو واقد ، وسَندر ، وهشام ، وحُنين . وقيل : إنّ | النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] وهبه للعبّاس فأعتقه ، وهو جد إبراهيم بن عبيد الله بن حُنين ، |
____________________
(1/109)
| وسعيد بن زيد ، وأبو عَسيب واسمه أحمر ، وقيل : مُرّة ، وأبو لبابة ، وأبو لقيط | حبشيّ ، وقيل نوبيّ ، وسفينة واسمه مهران بن فروخ وقيل : اسمه أحمر ، وقيل : | رومان ، وقيل : عُمير ، وقيل : عبسي ، وقيل غير ذلك . | | قال أبو حاتم : اشتراه النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] فأعتقه . وقال غيره : أعتقته أُمُّ سَلَمة . | وأَبو عُبيد سعد ، وأَنْجَشة الحادي / 32 و . وأبو ضُميرة حِميريّ من آل ذي | يَزن ، واسمه سَعد ، وقيل : رَوح ، وهو جدّ الحسين بن عبد الله بن ضَميرة بن | أبي ضُميرة ، وابنه ضُميرة ، وبدر ، وحاتِم ، ودَوس ، وزيد بن بَولاَ ، وسابِق ، | وأبو سلام الهاشميّ ، وتقدّم ذكرهما في الخدَم ، وسعيد أبو كِندير ، وسلمان | الفارسيّ ، وشَمعون والد رَيحانة سُرية النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] وعُبيد الله بن أسلم ، وعُمر | يُعرف بعمرور ، وعيلان ، وقفيز ، وكريب ، ومحمد بن عبد الرحمن ، ومحمد ، | ومكحول ، ونافع أبو السائب ، ونبيه ، ونُفيع بن الحارث أبو بكرة ، وأبو كيسان | هُرمز ، ووردان ، وأبو البشير ، وأبو سلمى ، ويقال : أبو سلام ، واسمه حُريث ، | راعي نبيِّ الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأبو سُلمى . | | قال ابن عبد البر : لا أدري أهو الراعي أم لا . وأبو هند ، وأبو اليسير ،
____________________
(1/110)
| وأبو عُبَيد قال ابن عبد البر : قيل : خادم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وقيل : مولاه . وقال : | إنه لم يقف على اسمه . | | ومن النساء أُمُّ أَيْمن بَرَكة الحبشيّة ، أُم أُسامة وأَيمن ، ومارِيَةُ ، وأختها | قَيْسر ، ورَيحانة ، ومَيمونة بنت سعد ، وَسَلمى أُم رافع ، وأُمُّ عيّاش ، وأُمُّ | الرَّبَاب مارِيَة ، ومارِيَة جدَّة المثنى بن صالح ، ورُبيحة ، وقد سبق ذكرهنّ ، | وخَضِرَة ، ورَضْوَى ، وميمونة بنت أبي عَسِيب ، وأُمّ ضُميرة ، وأُميمة . | ذِكر كُتَّابِه [ صلى الله عليه وسلم ] | | أبو بكر ، وعُمر ، وعثمان ، وعليّ ، وكان الكاتبَ لعهوده إذا عهد ، وصُلحه | إذا صالح ، وطَلحة ، والزُّبير ، وعامر بن فُهيرة ، وخالد وأَبان وسعيد بنو | العاصي . وقيل : إن خالداً أولُ مَنْ كتب لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وقيل : إنه أولُ مَنْ | كتبَ : بسم الله الرحمن الرحيم . وعبدُ الله بن الأَرْقَم الزُّهريّ ، وحَنْظَلة بن |
____________________
(1/111)
| الرَّبيع الأُسَيْديّ : وكان خليفةَ كلِّ كاتبٍ غابَ عن عمله ، وأُبيّ بن | كعب / 32 ظ . | | وهو أَوّلُ مَنْ كتب لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من الأنصار ، وثابت بن قيس بن | شمّاس ، وزَيد بن ثابت ، وشُرَحْبيل بن حَسَنَة ، ومُعاوية بن أَبي سُفيان ، وأخوه | يَزيد ، والمُغيرة بن شُعْبة ، وعبد الله بن زيد بن عبد ربّه ، وجُهَيْم بن | الصَّلْت ، وخالد بن الوليد ، والعلاء بن الحَضْرمي ، وعَمرو بن العاص ، | وعبد الله بن رَوَاحة ، ومحمّد بن مَسْلَمة ، وعبد الله بن عبد الله بن أُبي ، | ومُعيْقيب بن أبي فاطمة ، وأبو أَيُّوب الأَنصاريّ ، وجُهَيْم بن سَعد ، | والأَرْقَم بن أبي الأَرْقَم ، وحُذَيْفَة بن اليَمَان وكان يكتب خَرْصَ ثَمرِ الحِجاز ، | وعبد الله بن سعد بن أبي سَرْح . | | وقال الواقدي : إنه أَوّل مَن كتب له من قريش ثم ارتدَّ ورجع إلى مكة ، ثم |
____________________
(1/112)
| أسلم ، وأبو سَلَمة بن عبد الأَسَد ، وحُويطب بن عَبد العُزَّى ، وأبو سَبْرة بن | حَرب ، وحاطب بن عمرو . | | وفي سنن أبي داود من حديث أبي الجوزاء عن ابن عبّاس - رضي الله | عنهما - قال : السِّجلُّ كاتب كان لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأنكر ذلك ابن حَزم قال : | كان معاوية وزيد بن ثابت دون غيرهما . يُلازمان للكتابة بين يديه [ صلى الله عليه وسلم ] في الوحي | وغيره ، لا عمل لهما غير ذلك . | | لمّا رجع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من الحُدَيبية كتب إلى الروم ، فقيل له : إنّ كتابك | لا يُقرأ إلا أنْ يكون مختوماً - فاتّخذ خاتماً من فِضَّة ، ونقش عليه ثلاثة أَسطُر : | محمد سَطر ، ورسول سَطر ، والله سَطر . وختم به كُتبَه ، وبعثَ ستِّة نفرٍ في يوم | واحد ، وذلك في المحرَّم سنةَ سبعٍ . فأوّلهم عَمرو بن أُميَّة الضَّمْري ، بعثه | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى النَّجَاشي ، واسمه أَصْحَمة بن أَبجر ، وتفسير / 33 و . | أَصْحَمة بالعربيّة عَطية . وكتب إليه كتابين ، يدعوه في أحدهما إلى الإِسلام ، | ويتلو عليه القرآن ، فأخذه النَّجاشي ووضعه على عَينيه ، ونزل عن سريره ، | فجلس على الأرض ، ثم أسلَم وشهد شهادةَ الحقّ وقال : لو كنتُ أستطيع أَنْ | آتيه لأَتيْتُه . وفي الكتاب الآخر يزوّجه أُمَّ حَبيبة ، وأَمره أنْ يبعث إليه بمَن قِبلَه |
____________________
(1/113)
| من أصحابه ويحملهم ، ففعل . ودعا بُحقٍّ من عاجٍ ، فجعل فيه كتابَي النبيّ | [ صلى الله عليه وسلم ] وقال : لن تزال الحبشَةُ بخيرٍ ما كان هذا الكتابان بين أَظْهرها . | | وكان النجاشيُّ أَصْحَمة كما قال الواقدي : من أَعلم الناس بالإِنجيل . | وكان هِرَقْل يرسل إليه بشمامِسَةٍ يتعلَّمون منه ويقرؤون عليه ، فإذا حَذقوا | انصرفوا إليه ووجّه إليه آخرين ، وصَلّى عليه النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] بالمدينة يوم مات | بالحبشة . | | ويُروى أنه كان لا يزال يُرى النورُ على قبره - رضي الله عنه - وفي صحيح | مسلم من طريق قَتادة عن أَنس قال : كتبَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى كسرى وإلى | قَيْصَر وإلى النجاشيّ ، وإلى كل جبّارٍ يدعوهم إلى الله ، وليس بالنجاشيّ الذي | صلّى عليه النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] . | | وقال ابن حَزم : إنّ النجاشي الذي ذهب إليه عَمرو بن أُميّة الضَّمْري لم |
____________________
(1/114)
| يُسلم . قال : وهو غير الذي هاجر إليه أصحاب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] والأول هو | المشهور ، وبه جزم ابن سعد وغيرُه . وبعث دِحْيَة بن خَليفة الكلبيّ ، وهو | أحد الستة إلى قَيْصَر ملك الروم ، واسمه هِرْقَل ، ويدعوه النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] إلى الإِسلام ، | فقرأ الكتاب ، وهَمَّ بالإِسلام فلم يوافقه الروم ، فخافهم على مُلكه فأمسكَ . | وبعثَ [ صلى الله عليه وسلم ] أبا حُذَافة عبد الله بن حُذَافة السَّهمي ، وهو أحد الستة إلى كِسرى | ملِك فارس / 33 ظ . واسمه أَبَرْويز بن هُرْمُز بن ملك الفرس أَنو شروان ، يدعوه | إلى الإِسلام ، وكتب إليه كتاباً ، فمزَّقَ كتابَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] : | مزّق اللهُ مُلكَه . فمزَّقَ اللهُ مُلكَه ومُلكَ قومه . | | وروي أنه بعث إلى النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] بترابٍ . فقال : بعث إليَّ بترابٍ ، أَما إنكم | سَتملكون أَرضَه . وبعث [ صلى الله عليه وسلم ] حاطِب بن أبي بَلْتعة اللَّخْميّ ، وهو أَحد الستة ، | إلى المُقَوْقِس ، واسمه جريج بن ميناء ، ملك الإِسكندرية ومِصر ، عظيم | القبط . فقال خيراً ، وقاربَ الأَمرَ ولم يُسْلم ، وأَهدى للنبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] مارِيَة فاتّخذها | سُرية ، وشيرين فوهبها لحسّان بن ثابت ، فولدت له عبد الرحمن ، وقيل : إنه | أهدى إليه جاريتين أيضاً ، إحداهما أخت مارِية ، واسمها قَيْسَر ، فوهبها | لجَهْم بن قيس العَبدي ، فهي أُمّ زكريا بن جَهْم الذي كان خليفة عمرو بن | العاص على مِصر . |
____________________
(1/115)
| | وأهدى إليه أيضاً ألف مثقال ذهباً ، وعشرين ثوباً من قباطيّ مصر ، وطُرَفاً | من طُرفهم ، وبغلةً شَهباء هي دُلْدُل ، وحماراً أشهب هو عُفَير ، وخَصِيّاً يقال له : | مأبور : قيل : إنه ابن عمّ مارِيَة ، وفرساً وهو اللِّزَاز ، وقدَحاً من قوارير ، وعسَلاً من | عَسل ' بَنْها ' فقال النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] : ' ضَنَّ الخبيثُ بمُلْكِه ، ولا بقاءَ لمُلكه ' | وأَعجب النبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] العسَلُ ، ودعا فيه بالبركة . | | وبعث [ صلى الله عليه وسلم ] شُجاع بن وَهْب الأسَديّ ، وهو أحد الستة إلى الحارِث بن أبي | شَمِرِ الغَسَّاني ، ملِك البلْقاء من أرض الشام ، فانتهى إليه ، وهو بغوطة | دمشق ، فقرأ الكتاب ثم رمى به ، وقال : أنا سائرٌ إليه . وعزم على ذلك ، فمنعه | قَيصر . قاله الواقدي وابن إسحاق وغيرهما . | | قال ابن هشام : إنما توجّه لجَبَلة بن الأَيْهم . وقال ابن عبد البرّ : لهما | معاً . وقال ابن عساكر : إنه تَوجَّه لهرقل مع دِحْية والله أعلم / 34 و . وبعث |
____________________
(1/116)
| [ صلى الله عليه وسلم ] سَلِيط بن عمرو العامريَّ ، وهو أحد الستة ، إلى هَوْذَة بن عليّ الحنفيّ | باليمامة ، فأكرمه ، وبعث إلى النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] : ما أحسنَ ما تدعو إليه وأجمله ، وأنا | خطيب قومي وشاعرهم ، فاجعل لي بعض الأمر . فأبى النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] ذلك . فلم | يُسلم هَوْذَة ، ومات زمن الفتح . | | وذكر ابن حزم : أنّ النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] بعث سَليط بن عمرو إلى هَوْذة ، وإلى | ثُمَامَة بن أُثَال . وأسلم ثُمامَة بعد ذلك وبعث [ صلى الله عليه وسلم ] عمرو بن العاص في ذي | القعدة سنة ثمان إلى جَيْفَرٍ وعبد ، وقيل : عِياذ ابني الجُلَنْدَى ، وهما من الأَزْد | بُعمان والملِك منهما جَيْفر ، يدعوهما إلى الإِسلام ، وأسلما وصدَّقا وخلَّيا بين | عمرو وبين الصَدقة ، والحكم فيما بينهم ، ولم يزل بينهم حتى بلغته وفاة النبيّ | [ صلى الله عليه وسلم ] . | | وذكر ابن فتحون في التذييل . أنّ النبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] بعث عمرو بن العاص إلى | الجُلَنْدَى والد جَيْفَر وعبد ، يدعوه إلى الإِسلام ، فلما قدم عليه عمرو ودعاه | إلى الإِسلام قال الجُلَنْدَى : والله لقد دلَّني على صدق هذا النبيِّ الأميِّ أنه لا | يأمر بخيرٍ إلاّ كان أوَّلَ آخذٍ به ، ولا ينهى عن شَرٍّ إلا كان أوّلَ تاركٍ له ، وأنه يَغلبُ |
____________________
(1/117)
| فلا يبْطَر ، ويُغَلب فلا يضجر ، وأنه يَفي بالعهد ، وينُجز الموعد ، أشهد أنّه | نبيٌّ . ثم أنشد أبياتاً ، ذكرها ابن فتحون / 34 ظ . | | وبعثَ [ صلى الله عليه وسلم ] العَلاء بن الحَضْرَميَّ إلى المنذر بن سَاوى بن الأَخنس | العَبديّ ، ملك البحرين ، مُنصَرفَه من الجِعْرَانَة ، وقيل : قبل الفتح ، فأَسلم | وصدَّق . وبعث المُهاجِر بن أَبي أُميّة المخزوميّ إلى الحارث بن عبد كَلال | الحِمْيَريّ باليَمَن ، فأجابه بأنه سينظر في أمره . وبعث أبا موسى الأشعري | ومعاذ بن جَبل إلى اليمن عند انصرافه من تبوك ، وقيل : في شهر ربيعٍ الآخر | سنة عشر داعيَين إلى الإِسلام ، فأَسلم عامةُ أهلها ، ملوكهم وسُوقتهم ، طَوْعاً | من غير قتال . | | وبعث جَرير بن عبد الله البَجَليّ بعد خَثْعَم إلى ذي الكُلاع وذي عَمرو | يدعوهما إلى الإِسلام ، وأسلما . وتُوفِّي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وجَرير عندهم . |
____________________
(1/118)
| | وبعث عمرو بن أُميّة إلى مُسيلمة الكذّاب بكتابٍ ، وكتب إليه بكتابٍ آخر ، | وبعثَه مع السَّائب بن العَوَّام ، أخي الزُّبير بن العَوّام . وبعث إلى فَروة بن | عمرو الجُذاميّ يدعوه إلى الإِسلام . وقيل : لم يبعث إليه ، وكان عاملا | لقيصر بمُعانٍ ، فأسلَمَ ، وكتب بإسلامه ، وبعث هديّةً مع مسعود بن سعد ، وهي | بَغلة شَهباء ، يُقال لها : فِضَّة ، وفَرس يقال له الضَّرب وحِمار يقال له : | يَعفور ، وأثواب ، وقَباء سُنْدُس مُخوَّص بالذهب . فقرأ النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] كتابَه ، وقِبل | هديته ، وفرّق الأثواب في نسائه ، وأعطى القَباء مخرَمَة بن نوفل . | | وأجاز مَسعود بن سعد اثنتي عشرة أوقيّة ونشا . وبلغ ملِكَ الروم ذلك ؛ | فأرسَل إلى فَروة يُخوّفُه فلم يرجع عن الإسلام . فحَبسَه / 35 و . ومات في | الحَبس . وقيل : صَلبه بفِلَسطين . وبعث عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ | بكتاب إلى الحارث ومَسروح ونُعيم بني عَبْد كَلَال من حِمْيَر يدعوهم إلى | الإِسلام ، فقبلوا . وبعث محمد بن بُدَيل بن وَرْقاء الخُزاعي وأخاه عبد الله إلى | أهل اليمن . وقُتلا بصِفِّين ، رضي الله عنهما . |
____________________
(1/119)
| ذِكرُ مؤذِّنيه [ صلى الله عليه وسلم ] | | كان له أربعة مَؤذِّنين ، اثنان بالمدينة ، بِلال بن رَباح مولى أبي بكر | الصدّيق ، وهو أوّل من أذّن لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، وعَمرو بن أُمّ مَكتوم القرشيّ | العامريّ الأعمى ، وأبو مَحذورة أوس بن مِعْيَر الجُمحَي بمكَّة . وسعد | القرظ بن عائذ مولى عمّار بن ياسر بقُباء . | ذِكر أُمرائه [ صلى الله عليه وسلم ] | | باذَانُ ، ويقال : باذَام بن سَاسَان بن بلاش بن الملك جاما ساف بن الملك | فيروز بن الملك يزدجُرد بن الملك بهرام جُور الفارسيّ ، أَمَّره رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعد | موت كسرى ، على اليَمن كلّها ، فهو أول أميرٍ في الإِسلام على اليمن ، وأَول | مَن أسلم مِن ملوك العَجَم ، ومات في حياة النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] فولّى ابنه شهْر بن باذان |
____________________
(1/120)
| صَنعاء وأَعمالها فقط . | | وولّى المهاجرَ بن / 35 ظ . أَبي أميّة المخزوميّ كِنْدة والصَّدِف ، فتوفِّي | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ولم يَسِر إليها ، فبعثه أبو بكر - رضي الله عنه - إلى قتال ناسٍ من | المرتدين . وولّى زياد بن لَبيد البياضيّ الأنصاريّ حَضْرَمَوْت ، وولّى أبا موسى | الأَشعريَّ زَبيدَ وعَدَن ورِمَع والساحِل . وولَّى مُعاذ بن جَبَل الجَنَد . | | وأمّر عتَّاب بن أَسيد على مكّة ، وإقامةِ المَوسم والحجِّ بالمسلمين سنة | ثمانٍ ، وهو دون العشرين سنة في سِنِّه ، وقيل : ابن إحدى وعشرين سنة . وأمّر | أبا سُفيان صَخْر بن حَرب بن أُميّة بن عبد شمس على نَجْران ، وأمّر ابنه يزيد بن | أبي سُفيان على تَيْماء . | | وأمّر خالد بن سعيد بن العاص بن أُميّة بن عبد شمس على صَنعاء بعد | قتل شهر بن باذان ، قتله الأسودُ العَنسيّ الكذّاب . وأمّر أخاه عمرو بن سعيد بن | العاص على وادي القرى ، وأمّر أخاهماالحكم بن سعيد بن العاص على قُرى | عُرَيْنة ، وهي فَدَك وغيرهما . وأمّر أخاهم أَبان بن سعيد على مدينَة الخَطّ | بالبحرَين ، وهي التي تُنسب إليها الرماح الخطيّة / 36 و . وأمّر العلاء بن | الحَضْرَمي على القَطِيف بالبحرين . |
____________________
(1/121)
| | وأمّر عمرو بن العاص على عُمان وأعمالها . وأمّر عثمان بن أبي العاص | الثقفي على الطائف . وأمّر مَحْمِيَة بن جَزْء بن عبد يغوث بن عُوَيْج بن عمرو بن | زُبَيد الزُّبيدي على الأخماس التي تختصُّ به [ صلى الله عليه وسلم ] . وأمّر علي بن أبي طالب | على الأخماس باليمن ، وولاّه القضاءَ بها . وأمّر عَديَّ بن حاتِم على صَدقات | بني أَسد وطيء . وأمّر جماعةً كثيرةً على الصدقات ، لأنه كان على كل قبيلة | والٍ يقبض صدقاتها ، وأمّر أبا بكر الصدِّيق على إقامة موسم الحجّ سنة تسعٍ ، | وبعث على إثْره عليّاً يقرأ علىَ الناس سورة براءة . | فصْل : | | كان عَمرو بن عَبَسَة السُّلميّ صديق رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قبل النبوّة . قاله ابن | حزم ، وفي صحيح مسلم ما يقتضي خلاف ذلك . وحرَسَه [ صلى الله عليه وسلم ] يوم بدرٍ |
____________________
(1/122)
| حين نام في العَريش سعد بن مُعاذ ، وحرسَه يوم أُحد محمد بن مَسْلمة ، ويوم | الخندق الزُّبير بن العوّام ، وليلة بني بصفيَّة أبو أَيوب ، وبوادي القُرى بلالٌ ، | وحرسَه سعد بن أبي وقّاص وذَكْوان بن عبد قيس ، وكان على حَرسِه عَبّاد بن | بِشر ، فلما نزل قوله تعالى : ! 2 < والله يعصمك من الناس > 2 ! تركَ الحرسَ . | والذين كانوا يضربون الأَعناق بين يديهِ [ صلى الله عليه وسلم ] عليٌّ بن أبي طالب ، والزُّبير بن | العوّام ، والمقداد بن عمرو ومحمد بن مَسْلمة وعاصم بن ثابت بن أبي | الأَقْلح ، والضّحاك بن سُفيان الكلابي . | | وكان قيس بن سعد بن عُبادة منه [ صلى الله عليه وسلم ] بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير . | ووقف المُغيرة بن شُعْبة على رأسه بالسيف يوم الحُديبيّة . وكان بِلال المؤذِّن | على نفقاته ، ومُعيقيب بن أبي فاطمة الدَّوسيّ على خاتمه ، وكان ذُؤَيب بن | حَلْحَلَة بن / 36 ظ . عَمرو الخُزاعيّ ، والد الفقيه قَبيصَة بن ذؤيب صاحبَ بُدْن | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] التي أَهدى ، والناظرَ عليها . وقد أَذِنَ عليه رَباحٌ الأسود وأنَسَة | مولياه ، وأبو موسى الأَشعري . وكان شعراؤه الذين يَذبُّون عن الإِسلام | بألسنتهم : كعب بن مالك السَّلِمي ، وعبد الله بن رَوَاحة ، وحسَّان بن ثابت | الأنصاريَّين ، وخطيبهُ [ صلى الله عليه وسلم ] ثابت بن قيس بن شَمَّاس ، وفارسُه أبو قَتَادة | الأنصاري . | ذكرُ سِلاحِه [ صلى الله عليه وسلم ] | | كان لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] تسعة أسيافٍ : مأثور ، وهو أوّل سيف مَلكه ، ورِثه من |
____________________
(1/123)
| أبيه ، والعَضْب ، وذو الفَقَار ، من غنائم بدرٍ ، وهو الذي رأى فيه رسول الله | [ صلى الله عليه وسلم ] الرؤيّا ، فإنّه [ صلى الله عليه وسلم ] رأى كأنَّ في ذُباب سيفه ثُلْمةٌ ، فأوّلها هزيمةً ، فكانت يوم | أُحُد . وقيل : أهداه له الحَجَّاج بن عِلاَط ، وكان لا يفارِق النبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] . | | وكانت قائمتهُ وقَبِيعَتُه وحَلْقَته وذُؤَابته وبَكَرَاته ونَصْله من فِضَّة . وثلاثة | أسياف أصابها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من سلاح بني قَيْنُقَاع : القَلْعِيّ والبَتَّار والحَتْفُ . | وكان عنده [ صلى الله عليه وسلم ] بعد ذلك الرَّسُوب والمِخذَم والقَضيب . | | وكانت له [ صلى الله عليه وسلم ] سبع أَدراع ، ذات الفُضُول ، سُمِّيَت بذلك لطولها ، وهي |
____________________
(1/124)
| التي رهنها عند أبي الشَّحْم اليّهوديِّ على شَعِيرٍ لعياله . وذاتُ الوِشَاح ، | وذاتُ الحَواشِي ، والسَّغْدِيَّةْ ، وقيلَ : إنها كانت درعَ داود - عليه السلام - | التي لبِسَها حين قَتلَ جالوتَ . وفِضّة والبَتْراء ، سُمِّيت بذلك لِقصرها . | والخِرْنق . | | وكان عليه يومَ أُحُد دِرعان ، ذاتُ الفُضُول وفِضَّة ، وكان عليه يومَ خَيْبَر ذاتَ | الفُضُول والسَّعْديّة . كانت له [ صلى الله عليه وسلم ] / 37 و . ست قِسيّ ، الزَّوراء والرَّوحاء | والصَفراء من نبعٍ ، والبيضاء من شَوْحَطٍ ، وقَوسٌ من نَبْعٍ أيضاً تُدعى | الكَتُوم ، لانخفاض صوتها إذا رمى بها ، كُسِرَت يوم أُحُد فأخذها قَتادة بن | النعمان الظَّفَريُّ ، وقوس من نَبْعٍ أيضاً تُدعى السَّداد . |
____________________
(1/125)
| | وكانت له جَعْبة تُسمّى الجَمع ، وتُسمّى الكافور . ومِنْطَقة من أًدِيم | مَبشور ، فيها ثلاث حَلَق من فِضّة ، والإِبْزِيم من فِضَّة ، والطَرْف من فِضَّة . | | وكان له تُرْسٌ يقال له : الزَّلوق يزلقُ عنه السلاح ، وتُرسٌ يقال له : | الفُتق . وأُهدي له تُرسٌ فيه تمثال عُقاب أو كَبشٍ ، فوضع [ صلى الله عليه وسلم ] يده عليها ، | فأذهب الله ذلك التمثال . وكان له ثلاثة أرماحٍ أصابها من سلاح بني قَيْنُقَاع | ورُمح يقال له : المُثْوِيّ . من الثوي ، أَي أن المطعون به يُقيم مكانه ، ورُمحٌ | يقال : المتَثنِّي ، وكانت له حَربة يقال لها النَّبْعَة ، وحربة كبيرة اسمها | البيضاء ، وحَربة صغيرة دون الرُّمْح شِبه العُكّاز يقال لها : العَنَزَة ، وكان يَدْعَم | عليها ويمشي بها وهي في يده ، وكانت تُحمل بين يديه في العِيد ، حتى تُركَزَ |
____________________
(1/126)
| أَمامه فيتَّخذَها سُتْرةً ويُصلّي إليها ، وقيل : إنه أَخذها من الزُّبير بن العوَّام ، | وأخذها الزُّبير من النَجاشيّ . | | وكانت له عَنَزَة أخرى ، وكان مِغْفَرٌ من حديد ، يقال له : الموشّح ، | وُشِّحَ بشِبَهٍ ، ومِغْفَر آخر يقال له : المسْبوغ أو ذو السُّبُوغ ، وهو الذي كان | على رأسه المكرَّم حين دخل مكّة يوم الفتح . وكانت له ثلاث جُباب يلبَسُها | في الحرب ، فيها جُبَّة سُنْدس أخضر . | | وكان له مِحْجَن قدْرَ ذِراع ، أو أكثر يمشي ويركبُ به ، ويُعلِّقُه بين يديهِ | على بعيرِه . وكانت له مِخْصَرة تُسمَّى العُرْجُون ، وقضَيبٌ من الشوْحَط يُسمَّى | المَمشُوق . | | وقال القاضي عياض في فضل أسمائه [ صلى الله عليه وسلم ] : صاحِب القَضيب أي | السيفِ ، وقعَ ذلك مفسَّراً في الإِنجيل . قال : معه قَضيبٌ من حديدٍ يُقاتل به ، | وأُمّته كذِلك . قال : وقد يُحمَل على أنه القضيبُ الممشوُق الذي كان يُمسكه ، | وهو الآن عندَ الخلفاء ، وكانت / 37 ظ . له هِراوَة ، وهي العَصَا ، ولها ذكرٌ |
____________________
(1/127)
| في حديث الحَوْض ، يذود بها عنه ، وكان له رايةٌ سَوداء ، مُرَّبعة من نَمِرة | مُخْمَلة ، يقال لها العُقَاب . | | وفي سنن أبي داود من حديث سِمَاك بن حَرب عن رجل من قومه عن آخر | منهم قال : رأيتُ راية رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] صَفْرَاء . وكانت ألويتُه بِيضاً وربما جعل | فيها الأَسود ، وربَّما كانت من خُمُر بعض نسائه - رضي الله عنهن - وكان له لواء | أَغْبَر . وروى أبو الشيخ بن حبّان من حديث ابن عبّاس قال : مكتوبٌ على | راياتِه [ صلى الله عليه وسلم ] لا إله إلا الله محمد رسول الله . | ذِكرُ ملابسِه [ صلى الله عليه وسلم ] | | كانت له عمامةٌ تُسمّى السَّحاب ، كساها عليَّاً - رضي الله عنه - وكان [ صلى الله عليه وسلم ] | يلبس تحتها القَلانِس الّلاطِيَة ، وكان يلْبس القَلانِس بغير العَمائم ، ويلبس |
____________________
(1/128)
| العَمائم بغير القَلانِس . وكان يلبس القَلانِس البيض والمزرورات ، وذوات | الآذانَ . وكان له رداءٌ يُسمَّى الفُتح ، ودخل مكّةَ يوم الفَتح وعلى رأسه عِمامة | سَوداء ، قاله جعفر بن عمرو بن حُريث عن أبيه ، وكان إذا اعتمَّ يُرخِي عِمامته | بين كَتفيه وكان يُديرها ويفرزها وراءه . | | وعن أنس قال : كان قميصُ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قُطْناً ، قصيرَ الطول ، قصيرَ | الكُمَّين . وعند بُدَيل قال : كان كُمُّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى الرُسْغ . وعن عُروة : | أنّ ثوب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] الذي كان يَخرج فيه إلى الوفْد رَدَاء حَضرميّ ، طوله أربعة | أَذرع ، وعَرضُه ذراعان وشِبر . | | وعن الواقدي : أنّ بُردَة النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] كانت يمانيةً طول ستة أذرعٍ في ثلاثةٍ | وشِبرٍ ، وإزارهُ من نَسْج عُمان طوله أربعة أذرعٍ وشِبر في عَرْض ذراعين وشِبر ، | كان يَلبسهما يوم الجُمعَة والعيدين ، ثم يُطويان . |
____________________
(1/129)
| | وعن جابر : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يَلبس بُرْدَه الأحمر في العيدين | والجُمعة . وعن عِكرمة قال : رأيتُ ابن عبّاس إذا / 38 و . أتَّزر أَرْخى مقدَّم | إزاره حتى تقع حاشيتاه على ظهر قَدَميْه ، ويرفع الإِزار ممّا وراءه ، فقلتُ له : لِمَ | تأَتزرُ هكذا ؟ فقال : رأيتُ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يَأتزِر هذه الإِزْرَة . وكانت له [ صلى الله عليه وسلم ] خرقةٌ | إذا توضَّأ مسحَ بها وَجهَه ، ورُبَّما يَمسحه بطَرَف ردائه . وكان له [ صلى الله عليه وسلم ] بُرْدان | أخضران ، وكساءٌ أَسود ، وكِساءٌ أحمرُ مُلبَّد . وفي الصحيح : أنّ عائشة | أخرجت كِساءً مُلبّداً وإزاراً غَليظاً ، فقالت : نُزع روحُ النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] في هذا . | | وقال ابن فارس - رحمه الله تعالى - : ويُقال : تَرك رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ثوبيْ | حِبَرَة ، وإزاراً عُمانيّاً ، وثوبين صُحاريَين ، وقميصاً سَحُوليّاً ، وقميصاً | صُحاريا ، وجُبَّة يَمَنِّية ، وخَمِيصة ، وكِساءً أبيض ، وقَلانِس صِغاراً لا طية | ثلاثاً أو أربعاً ، وإزاراً طوله خمسة أشبارٍ ، ومِلْحفةً مُوَرَّسَة . |
____________________
(1/130)
| | وكان أحبَّ الثياب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] القميص والبياض والحِبَرة ، وهي | ضَربٌ من البرود فيه حُمرة ، ولَبِسَ [ صلى الله عليه وسلم ] في وقتٍ جُبَّةً شاميّةً ضيِّقة الكُمَّين ، وفي | وقتٍ قباء . | | واتّخذ [ صلى الله عليه وسلم ] خاتَماً من ذَهَب ، وتختَّم به ، فصنع الناس خواتيمَ من ذَهب ، | فنزعَه [ صلى الله عليه وسلم ] ورمى به ، فنبذَ الناسُ خواتيمَهم . ونهى النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] عن التَختُّم | بالذهَب . ثم اتّخذ خاتَماً من فِضَّة فَصُّه منه ، نَقشُه ' محمدٌ رسولُ الله ' وهو | الذي تختَّم به بعده أبو بكر ثم عُمر ثم عثمان ، ثم سقط في بِئْر أَرِيسٍ ، ولم | يُقدَر عليه . وكان له خاتَم من حديد مَلْويّ ، عليه فِضَّة ، نَقشُه ' محمد رسول | الله ' وقيل : كان له خاتم من وَرِق فَصُّه حَبشيٌّ ، بَعث به إليه مُعاذ بن جَبل | من اليمن . | | وكان [ صلى الله عليه وسلم ] يَتختَّم في خِنْصِره الأيمن ، وربّما في الأَيسر ، ويجعل الفَصَّ | مِمّا يلي باطن كفّه . وكان إذا دخل الخلاءَ نزعَ خاتَمَه ، ونهى علياً عن التختُّم | في السَّبَّابة والوسطى . | | وروي في الترمذي : أنَّ رجلاً جاءه وعليه خاتَم من حديد ، فقال : ما |
____________________
(1/131)
| لي أرى عليك / 38 ظ . حِليةَ أهلِ النار . ثم جاءه وعليه خاتَمٌ من صُفْر ، فقال : | ما لي أجدُ منكَ رِيحَ الأصنام . ثم جاءه وعليه خاتمٌ من ذَهب ، فقال : إرم | عنك حِليَة أهلِ الجنّة . قال : من أَيِّ شيء أَتِّخذُه ؟ قال : من وَرِقٍ ولا تُتمَّهُ | مثقالاً . وأَهدى له النجاشيّ خُفَّين أسودين ساذَجَيْن ، فلبسهما ومسحَ | عليهما . وكان له أربعة أزواجٍ من الخُفاف أيضاً ، أصَابها من خَيْبر . وكانت | له نَعلان سِبْتّيتان مخصُوفتان ذواتا قِبالين ، وقيل : إنها كانت صفراء | فصل : | | كان له [ صلى الله عليه وسلم ] فُسطاط يسمى الكِنّ ، وكان له قَدَحٌ يُسمّى الريّان ، وقدَحُ آخر | يُسمَّى مُغيثاً ، وقَدَحٌ مُضبَّبٌ بقدر أكثر من نصف المُدّ ، وأقلّ من المدّ وفيه | ثلاث ضبّات من فِضّة وحَلْقَة يُعلَّق بها القَدَح . | | وفي صحيح البخاري من حديث أَنس : أنَّ قَدَحَ النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] انكسر فاتخذ | مكان الشعب ضَبباً من فِضّة . وكان له قَدَحٌ من زجاج ، وقَدَحٌ من عِيدان ، يُوضَع |
____________________
(1/132)
| تحت سريره ، يتبولُ فيه من الليل . وكان له تَوْرٌ من حِجارة يقال له | المخضب يتوضّأ منه كثيراً . وكان له مخضَب من شَبَه يكون في الحنّاء ، وكان | له قعب يسمى السَّفة ، وكان له رَكوة تُسمّى الصّادرة ، ومُغْتَسلٌ من صُفْر ، | ومُدِهن . | | وكانت له [ صلى الله عليه وسلم ] رَبعة إسكندرانية أهداها له المُقَوقِس مع مارِيَة ، فكان [ صلى الله عليه وسلم ] | يجعل فيها المِرآةَ ، وكان ينظرُ فيها ، ومُشْطاً من عاجٍ ، قيل : إنه الذُبْل . | والمِكْحَلة ، وكان يكتحل من إثْمِد فيها عند النوم ثلاثاً في كل عين ، وفي | رواية : في اليُمنى ثلاث مرّات ، وفي اليسرى مرتين . ويجعل في الرَّبْعة أيضاً | المِقراضين والسِّواك ، وكانت له قَصْعة تُسمَّى الغرّاء ، يحملها أربعةُ رجالٍ ، | لها أربعُ حَلَقٍ ، وصَاعٌ يُخرجُ به زكاةَ الفِطر / 39 و . ومُدٌ ، وسَريرٌ قوائمه من | سَاجٍ ، بعث به أَسعد بن زُرارة إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لمّا قدم المدينة في دار أبي | أيوب ، فكان ينام عليه حتى تُوفِّي ، فَوُضِع عليه ، وَصُلِّي عليه . وكان الناس |
____________________
(1/133)
| يحملون عليه موتاهم يطلبون بركَته . وحُمل عليه أبو بكر وعمر - رضي الله | عنهما - . | | وكانت له قَطِيفةٌ ، وكان له فِراشٌ من أَدَمٍ حَشْوُه لِيفٌ ، وسُئَلت | حَفصة : ما كان فراشُ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : قالت : مِسْحٌ يَثنيهِ ثَنْيَتَين فينام عليه | [ صلى الله عليه وسلم ] . | ذكرُ دَوابِّه [ صلى الله عليه وسلم ] | | فمن الخيل السَّكْبُ ، وهو أوّل فَرَس مَلكَه ، اشتراه من أعرابيّ بعشرِ | أَواقٍ . وكان اسمه عند الأَعرابيّ الضَّرس . أَوّل ما غزا عليه أُحُدَ ، لم يكن مع | المسلمين فرسٌ غيره ، وغير فرسٍ لأبي بُرْدة بن نِيَار ؛ يقال له : المُلاوح . |
____________________
(1/134)
| وكان أغرَّ مُحجَّلاً طَلْق اليَمين كُميتاً . وقال ابن الأثير : وكان أدهم . | | وكذا قد روي عن ابن عبّاس قال : كان لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فرسٌ أدْهَمُ | يُسمّى السَّكْب . والمُرْتَجِز وكان أشهبَ ، وهو الذي شهد له فيه خُزيمة بن | ثابت ، فجعل شهادتَه شهادة رجلين . وقيل هو الطِّرْف ، وقيل : هو | النجيب . واللُّحَيْف ، أهداه له ربيعةُ بن أبي البراء ، وقيل : فَروة بن عَمرو | الجذامي . واللِّزاز ، أهداه له المقوقِس . والظّرب ، أهداه له فَروة بن عَمرو |
____________________
(1/135)
| الجذامي ، فأعطاه أبا أُسيد الساعديّ ، وسَبْحَة ، وهو الذي سابقَ عليه | فسبَق ، ففرِح به . والوَرْدُ ، أهداه له تَميمٌ الداريُّ ، فأعطاه عُمرَ - رضي الله | عنه - فحمل عليه في سبيل الله تعالى . | | فهذه سبعة أفراسٍ مُتَّفق عليها . وقد جمعها سيّدي والدي : 39 ظ . | - تغمَّده الله برحمته ، فأسكنه بَحبوحة جَنَّته - في بيتٍ نظمه فقال : | % ( والخيلَ سَكْبٌ لُحيفٌ سَبْحَةٌ ظرِبٌ % لِزازُ مرتَجِزٌ ورْدٌ لها أسرار ) % | | وأنشدنيه غير مرَّة ، والذي كان يمتطي عليه ويركب السَّكب . وقيل كانت | له أفراسٌ أُخَر ، وهي الأَبلق حمل عليه بعض أصحابه ، وذو العُقال ، وذو | اللُّمة ، والمرتجل ، والمراوح . ويقال : المرواح ، والسِّرحان ، | واليعسوب ، واليعبوب ، والبحر ، وهو كميت ، والأدهم ، وقيل : هما |
____________________
(1/136)
| واحد . والسحاء ، والسِجْل ، قال ابن الأثير : وأخاف أن يكون السجل | مصحّفاً من الشحاء أو العكس . وملاوح ، والطرف ، والنجيب . وهذه خمس | عشرة فرساً مختلفٌ فيها . | | ومن البِغال دُلْدُل ، وكانت شهباء ، أهداها له المقَوقِس ، وهي أول بَغلة | رُكبت في الإِسلام ، وعاشت بعده [ صلى الله عليه وسلم ] حتى كبُرت وذهبت أسنانها وعَميت ، | وكان يُجشُّ لها الشَّعيرُ ، ووقعت في قفيز فماتت بيِنْبُع . وفي تاريخ دمشق | لابن عساكر : أنها عاشت حتى قاتل عليها عليٌّ - رضي الله عنه - الخوارج . | ويقال : إنها ماتت في ولاية معاوية بن أبي سفيان . وفِضّة أهداها له فروة | الجُذامي ، فوهبها النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وبغلة | شَهباء أهداها له صاحب أَيْلَة يُحنَّة بن رُؤْبة . | | وبعث صاحب دُوْمَة الجَنْدَل إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بَغلةً ، وجُبَّةً من سُنْدُس ، |
____________________
(1/137)
| فجعل أصحابُ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يتعجّبون من حُسن الجبّة . فقال رسول الله | [ صلى الله عليه وسلم ] : لمَناديلُ سعد بن مُعاذ في الجَنّة أحسنُ . يعني من هذا / 40 و . | | وروى الثعالبي في تفسير سورة الأنعام بإسنادٍ ضعيف إلى ابن عباس : | أن كسرى أهدى النبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] بغلةً فركبها بحُلٍّ من شَعَرٍ ، ثم أردفه خلفه . وهذا | بعيدٌ - كما ذكر الحافظ الدمياطي رحمه الله - لأَنَّ كسرى مزَّق كتابَ النبيِّ | [ صلى الله عليه وسلم ] وأمرَ عامله باليمن بادان بقتله ، وبَعثِ رأسِه إليه ، فأهلكه الله بطغيانه وكفره . | وأَخبر رسولُ الله [ صلى الله عليه وسلم ] رسولَ عامِله باليمن بقتله ليلةَ قُتل . | | وفي كتاب ( أخلاق النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] ) لأبي الشيخ بن حيَّان : أن النجاشي | أهدى لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بغلةً ، وكان يركبها . وكان سَرج النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] دفّتاه من لِيفٍ . | ومن الحَمير عُفَيْر ، وكَان أَشهبَ ، أهداه له المُقوقِس . ويَعفور أهداه له فَروة بن | عمرو الجُذاميّ . ويقال : إنّ حمار المقوقِس يَعفور وحِمار فروةَ عُفير ، ونفقَ |
____________________
(1/138)
| يَعفور مُنصرفَ النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] من حَجّة الوداع . وقيل : طرحَ نفسَه في بِئرٍ يومَ ماتَ | النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] فمات . | | وروي أنَّ النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] لما فتح خيبر أصاب حِماراً أَسودَ ، وكان يركبه ، وكلَّم | النبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] ولم يثبت ذلك . وفي كتاب ( أَسامي مَنْ أَردفه النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] ) أنه [ صلى الله عليه وسلم ] | أتى دار سعد بن عبادة فسلّم ثلاثاً ، وهو يُجيبُه سِرَّاً ، فانصرف راجعاً . فخرج | سعد فقال : ما مَنعني أنْ أَردَّ - يعني جَهْراً - إلاّ لتِكثرَ علينا السلام . فدخل ، | فلما أراد أنْ يرجع أتى بحمارٍ عليه قَطيفةٌ ، فأرسل معه ابنه لِيردَّ الحِمارَ . فقال : | احمله بين يَديّ . فقال سعد : سبحان / 40 ظ . الله ، نعم هو أحقّ بصَدْر | حماره . قال : هو لكَ يا رسول الله . قال : احمله إذاً خَلفي . | | وفي الحديث أنه بينما رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يمشي إذ جاء رجل معه حمارٌ ، فقال | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' أنت أَحقّ بصْدْر دابتك إلاّ أنْ تجعله لي ' . قال : قد جعلتُه | لكَ . فركب . رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حديث صحيح حسن . | | ومن النَّعَم الناقةُ التي هاجر عليها من مكّة إلى المدينة ، وتُسمَّى | العَضْباء ، ولم يكن يحمله إذا نزلَ عليه الوحيُ غيرُها . كما قال الحافظ محب | الدين الطبريّ - رحمه الله - اشتراها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من أبي بكر الصديق | بأربعمائة درهمٍ ، وهي القَصْوَاء والجَدْعَاء ، ولم يكن بها عَضَبٌ ولا جدَعٌ ، |
____________________
(1/139)
| وإنما سُمِّيت بذلك . وقيل : كان بأذنها شيء فسُمِّيت به . وكانت شَهباء | وقيل : هُنّ ثلاثُ ، وهي التي سُبِقَت ، فشَقَّ على المسلمين . فقال رسول الله | [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إنّ حقّاً على الله أنْ لا يرتفع شيءٌّ من هذه الدنيا إلاّ وَضعَه ' . وقيل | المسبوق غيرها . | | وعن قُدَامة بن عبد الله قال : رأيتُ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في حجّته يَرمي على | ناقة صَهْبَاء ، والصَهْباء الشقراء . ووقف رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعَرَفَةَ في حجّة الوداع | على جمَلٍ أَحمر وكان له [ صلى الله عليه وسلم ] جمل يقال له الثَّعْلَب ، بعث عليه رسول الله | [ صلى الله عليه وسلم ] خِراشَ بن أُميَّةِ إلى قريش بمكّة يوم الحُديبية لِيُبلّغهم ما جاء له ، فعَقروا | الجَمل ، وأرادوا قتل خِرَاش ، فمنعته الأَحابيش . وهو الذي حَلَق رأسَ رسول | الله [ صلى الله عليه وسلم ] يوم الحُدَيْبيّة ، وغنِمَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يومَ بدرٍ / 41 و . جَملاً مَهْريّاً | لأبي جَهْل ، في أنفه بُرَّةٌ من فِضَّة ، أهداه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يوم الحُديبية ليَغيظ |
____________________
(1/140)
| بذلك المشركين ، وكانت له عشرون نَعْجَةً بالغَابة ، والغَابة على بَريدٍ من | المدينة طريق الشام . يُراح إليه [ صلى الله عليه وسلم ] كلَّ ليلةٍ بِقْرَبتينِ عظيمتين من ألبانها . | | وكانت له لِقْحة تُدعى بُرْدة ، أهداها له الضحَّاك بن سفيان ، كانت تَحلِبُ | كما تحلب لِقحتان غَزيرَتان ، وكانت له خمس عشرةَ لِقْحةً غِزاراً ، كان يرعاها | يَسَارٌ مولى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بذي الجَدْر ناحيةَ قُباءٍ قريباً من عَيْرٍ ، على ستّة أميالٍ | من المدينة ، فاستاقها العُرَنيُّون وقتلوا يَسَاراً ، وقطعوا يَده ورِجلَه ، وغَرزوا الشَّوكَ | في لسانه وعَيْنيه حتى مات . وباقي قِصّتهم مشهورة في الصحيح . وكان له | بذي الجَدْر أيضاً سبعُ لَقائح ، وكانت له لِقْحة تُسمّى الحفدة ، ومعنى | الحَفْد السُّرعة . وكانت له لِقْحة اسمها مروة ، وكانت له مَهْريّة أرسل بها سَعد بن | عُبادة من نَعْم بني عُقَيْل . | | وكانت له مائة شاة لا يُريد أَنْ تَزيد ، كلَّما ولد الراعي بهيمةً ذبحَ مكانها | شاةً ، وكانت له شاة تُدعى غَوْثة وقيل : غيثة ، وشاةٌ تُسمّى قَمَراً ، وعَنْز تُسمّى | اليُمن . |
____________________
(1/141)
| | وعن ابن عباس : كانت لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] سبع أَعْنُزٍ منائحَ تَرعاهنَّ أُمُّ | أَيمن . وكان لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] دِيكٌ أَبيض . | ذِكرُ وفاتِه [ صلى الله عليه وسلم ] | | ابتدأ به [ صلى الله عليه وسلم ] مرضُه الذي مات فيه ، وهو وجَعُ الرأس ، في بيت مَيْمُونة أُمِّ | المؤمنين ، وقيل : في بيت زَينب بنت جَحْش ، وقيل : في بيت رَيْحانة ، | وهو ضعيفٌ لأن الصحيح أنّ ريحانة ماتت / 41 ظ . في حياته [ صلى الله عليه وسلم ] كما | قدّمنا . | | ويروى أنّ النبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] خرج يوم الخميس وقد شدّ رأسَه بعصابةٍ دَسْماء ، | وكان قد لبسَ عمامةً دسماء ، فرقي المنبرَ فجلسَ عليه ، ثم دعا بلالاً فأمره أنْ | ينادي في الناس : أن اجتمعوا لوصيِّة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فإنها آخر وصيّته لكم . | فنادى بلالٌ فاجتمعوا ، صغيرهم وكبيرهم ، وتركوا أَبواب بيوِتهم مُفتَّحةً ، | وأسواقَهم على حالها ، حتى خرج العَذارى من البيوت ليسمعوا وصيّة رسول الله |
____________________
(1/142)
| [ صلى الله عليه وسلم ] حتى غصَّ المسجد بأهله ، والنبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : أَوسعوا لِمن وراءَكم . ثم قام | فخطبهم خطبةً بليغةً طويلةً ، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب . ثم | استأذن نساءه في أنْ يُمرَّضَ في بيت عائشة ، فأَذِنَّ له في ذلك ، فدخل على | عائشة ، وهي تقول : وارأساه . فقال : ' لو كان ذلك وأنا حيٌّ فأستغفر لك وأدعو | لكِ ، وأُكفّنكِ وأَدفنكِ ' . فقالت واثَكَلاه . والله إنّكَ لَتحبّ موتي ، ولو كان ذلك | لظَللْتَ يومَك مُعرِّساً ببعض نسائك . فقال النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] : ' بل أنا وارأساه ، لقد | هممتُ أو أردت أنْ أُرسِل إلى أبيكِ وإلى أخيكِ فأمضي أمري وأعهَدُ عهدي ، | فلا يطمع في الأمر طامعٌ ، ولا يقول القائلون أَوْ يَتَمنَّى المتمنّون ' . | | ثمّ قال : ' كَلَّا يأبى الله ، ويدفع المؤمنون إلاّ أبا بكر ' وصلّى النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] وراء | أبي بكر في الصَّفَّ صلاةً تامَّةً ، قاله ابن حزم . وصلّى أبو بكر بالناس تلك | الأيامَ ، بعهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إليه في ذلك ، وخرجَ [ صلى الله عليه وسلم ] في بعض تلك الأيام وهو | مُتوكِّئٌ على عليٍّ والعبَّاس ، وقد أخذ أبو بكر في الصلاة بالناس / 42 و . ، | فقعد [ صلى الله عليه وسلم ] عن يَسار أبي بكرٍ ، وأبو بكرٍ في موضع الإِمام ، وصار أبو بكر واقفاً عن | يَمينه [ صلى الله عليه وسلم ] في موضع المأموم يُسمِعُ الناسَ تكبيرَ رسولِ الله [ صلى الله عليه وسلم ] فصلَّى النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] | بالناس ، يَؤُمُّهم قاعداً وهُمْ خَلْفَه قيامٌ ، وهي آخر صلاةٍ صلّاها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] | بالناس . | | واشتدّ به وجَعُهُ ، وقال : ' إني أوعَكُ كما يوعَكُ رجلان منكم ' وذلك |
____________________
(1/143)
| لعظيم أجره [ صلى الله عليه وسلم ] . ولمّا حضرته الوفاة كان عنده قَدَحٌ فيه ماء ، فجعل يُدْخل | يدَه المكرَّمةَ فيه ويمسحُ وجهه ويقول : ' اللهمَّ أَعِنِّي على سَكَرات الموت ' . | | وقالت أُمُّ سَلَمة - رضي الله عنها - : عامُّةُ وصيّة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عند | الموت : الصلاةَ وما مَلكت أَيْمانُكم ، وخيّره اللهُ فاختار لقاءَه . وقال : ' اللهمَّ | الرفيقَ الأَعلى ' . وقُبضَ [ صلى الله عليه وسلم ] مُستنداً إلى صدر عائشة - رضي الله عنها - وهو | ابن ثلاثٍ وستين سنةً على الصحيح . وقيل : خمسٍ وستين . وقيل : ستين . | وقيل غير ذلك . | | فعظُم الخطْبُ ، ودُهش جماعةٌ من الصحابة ، ولم يكن فيهم أثبتُ من | العبّاس وأبي بكر . وخطب أبو بكر الناسَ ، وتلا عليهم قوله تعالى : ^ ( إِنَّكَ |
____________________
(1/144)
| مَيِّتٌ وإنَّهمْ مَيِّتُونَ ) ^ فثابَتْ عقولهم . وسُجِّيَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بِبُرْدِ حِبَرةٍ | وقيل : إنَّ الملائكة سَجَّته . | | وجاءت التعزِيَة ، يَسمعون الصوتَ ولا يرونَ الشخْص السلامُ عليكم | أَهلَ البيت ورحمةُ الله وبركاته ، ^ ( كُلُّ نَفْسٌ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّما تُوفَّوفَ أُجوركم | يومَ القِيامةِ ) ^ إنَّ في اللهِ عَزَاءً عن كلِّ مُصيبةٍ ، وخَلَفاً من كلِّ هالكٍ / 42 ظ . | ودَرَكاً مِن كلِّ ما فات ، فبالله فَثِقُوا ، وإيّاه فارْجُوا ، فإنّ المُصابَ مَنْ حُرِم | الثوابَ . والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته . وكانوا يَرونَ أنَّ هذه التَعزية من | الخَضِر عليه السلام . | | ويروى أنه سمِعَ الناسُ من باب الحُجرة حين ذكروا غُسلَه : لا تَغسلوه فإنه | طاهرٌ مُطهَّرٌ . ثم سمعوا صوتاً بعده : اغسلوه فإنّ ذلك إبليس ، وأنا الخَضِر . | واختلفوا في غُسله . هل يكون وهو نائمٌ في ثيابه ، أَو مُجرَّدٌ عنها . فألقى الله | تعالى عليهم النومَ . فقال قائل لا يعرفون مَنْ هو : اغسلوه في ثيابه ففعلوا |
____________________
(1/145)
| ذلك . وغُسِل في قميصه الذي مات فيه من بئرٍ يُقال لها : الغَرْس . بوصيّةٍ منه . | وكانت هذه البِئر لِسعْد بن خَيْثمة بقُبَاء . وكان النبيُّ [ صلى الله عليه وسلم ] يشربُ منها . ووَلِيَ | غَسله [ صلى الله عليه وسلم ] عليٌّ . وكانت على يده خِرْقة يُغسّلُه بها من تحت القميص . | | وكان العبّاس وابناه الفضل وقُثَم يقلّبونه مع عليٍّ . وكان أسامةُ وشُقْران | مولياه [ صلى الله عليه وسلم ] يصبّان الماء . وقيل : كان الفضلُ يصبُّ الماءَ . وحَضرهم أَوْس بن | خَوْليّ الأنصاري لم يلِ شيئاً . وقيل : كان يحملُ الماء . وقيل : كان العبّاسُ | بالباب لم يحضر غُسْلَه . والمشهور أنه كان حاضراً . وكُفِّنَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في | ثلاثة أثوابٍ بيضٍ سَحُولِيّة ، ليس فيها قميصٌ ، ولا عِمامة . أُدْرِج فيها | إدْرَاجاً . وقيل : نُزع قميصُه الذي غُسِل فيه . وقيل : لم يُنزَع . وقيل : كان في | حَنوطِه المِسْكُ . | | وصلّى عليه المسلمون أفذاذاً لم يَؤُمّهم أَحدٌ . وقد روى البزار والحاكم | في المستدرك بإسنادٍ ضعيف : أنَّ النبيَّ [ صلى الله عليه وسلم ] أوصى بذلك . فأوّل مَنْ صلّى |
____________________
(1/146)
| عليه العبّاس ، ثم بنو هاشم ، ثم المهاجرون ، ثم الأنصار ، ثم سائرُ الناس . | ودخل الصبيان ثم النساء . وقيل : إنهم اختلفوا في مكان الدفن / 43 و . | فقيل : في مُصلاّه ، وقيل : بالبَقِيع . فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : سَمِعتُ | رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ما دُفن نبيٌّ قطُّ إلاّ في المكان الذي تُوفي فيه . واختلفوا | أيُلْحَد له أم يُضرَح . وكان بالمدينة حَفَّاران أَحدهما يَلْحدُ ، وهو أبو طلحة | الأنصاريّ ، والآخر يَضْرح وهو أَبو عُبيدة بن الجرّاح ، فاتفقوا على أنّ مَنْ جاء | منهما أولاً عمل عَملَه . فجاء أبو طلحة أولاً فحفرَ له قبراً ، ولُحِد في جانبه ، | ودُفن [ صلى الله عليه وسلم ] في الموضع الذي توفّاه الله فيه تحت فراشِه ، في بيت عائشة - رضي | الله عنها - وفُرش تحته في القبر قَطيفةٌ له حَمراءُ ، كان يفترشها . ودخل قبرَه | العبّاسُ وعليٌ والفضلُ وقُثَمُ ، ابنا العبّاس ، وشُقْران مولاه ، ويقال : كان | أُسامةُ وأوس بن خَوليّ معهم . | | ويقال : إنَّ المُغيرة بن شُعْبَة نزل قبره ، ولا يصحّ . قاله الحاكم أبو |
____________________
(1/147)
| أحمد . وأُطبق على لَحده تسع لبنات ، ثم هِيل عليه الترابُ [ صلى الله عليه وسلم ] ثم دُفن بعده | بالبيت أبو بكر ثم عمر - رضي الله عنهما - . واختَلفوا في مدّة مرضه [ صلى الله عليه وسلم ] وتأريخ | وفاته ودفنه . فقيل : اشتكى يوم الأربعاء لإِحدى عشرة ليلةً بقيت من صَفَر سنة | إحدى عشرة من الهِجرة ، فاشتكى ثلاثَ عشرةَ ليلةً . وقيل : اثنتي عشرة ليلةً . | | وتوفي يوم الإِثنين لِليلتين مَضَتا من شهر ربيعٍ الأول . وقيل : اشتكى يوم | السبت لاثنتين وعشرين خَلونَ من صَفَر ، وتوفي يوم الاثنين لاثنتي عشرة | مضت من ربيعٍ الأول . ولا يصحُّ أنه اشتكى يوم الأربعاء لِليلة بقيت من | صَفَر ، لأن ذلك يقتضي أن مُستهل صَفَر يوم الأربعاء ، وذلك لا يُتصوَّر ، لأن | أول ذي الحجّة كان يوم الخميس . وقيل : توفِّي يوم الاثنين لثمانٍ خلت من | ربيع الأول . وهو الراجح عند ابن حزم وجماعة . وقيل : توفي يوم الاثنين | مُستَهَل ربيعٍ الأول . والراجح عند الجمهور أنه تُوفي / 43 ظ . يوم الاثنين | لاثنتي عشرة مضت من ربيعٍ الأول . ولا يصحّ كما قال السُّهيليُ ثم أبو | الربيع بن سالم لأنَّ وقفته [ صلى الله عليه وسلم ] بعرفةَ في حجّة الوَدَاع كانت يوم الجمعة ، ولا |
____________________
(1/148)
| يُتصوَّر مع ذلك أَنْ يكون الاثنين ، الثاني عشر من شهرِ ربيعٍ الأول . | | والمنقول عن الأكثرين أنه توفي حين اشتدّ الضحى من يوم الاثنين . وبه | حزم عبد الغني . وقيلَ : حين زاغت الشمس . وفي صحيح البخاريّ : أنه | توُفي آخر ذلك اليوم . وصحّح الحاكم في الإِكليل أنه توفي حين زاغت | الشمس في يوم الاثنين . ودُفن تلك الساعة . وقال : إنه أثبت الأقاويل . | وقيل : دُفن ليلة الثلاثاء . وقيل : يوم الثلاثاء . وقيل : ليلة الأربعاء . وهو | المُرجَّح . وقيل : يوم الأربعاء . | | صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه وسَلَّم تسليماً كثيراً دائماً . | | تم المختصر بحمد الله وعونه ومَنَّه وكرمه وحسبنا الله ونعم الوكيل . | ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم . اللهمَّ صَلَّ على سيِّدنا محمد النبيِّ | الأميِّ وعلى آله وأصحابه وسَلِّمْ تسليماً كثيراً . | | | | |
____________________
(1/149)