اللآلىء الحسان في كلام العلوان
جمعته فاعلة خير ترجو منكم الدعاء
ذو الحجة 1427هـ
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..
أما بعد..
حقٌّ على كل غيور وغيورة الذب عن عرض الشيخ العلامة والفهامة عالم زمانه الشيخ سليمان بن ناصر العلوان ومناصرته وذلك بنشر كتبه وفتاويه وعلمه ...
ومن هذا المنطلق جمعت ما تيسر من فتاوى الشيخ ..
وهذا وقد ألحقت المقال الشهير الذي كتبه الشيخ علي الخضير بعنوان (أصول الصحوة الجديدة ) لأهميته ..
فاسأل الله أن يجعل ما قُمنا به خالصاً لوجه الكريم إنه ولي ذلك والقادر عليه..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد..
*(1) سمعتٌ في الإذاعة حديث( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم) فبحثت عنه فلم أجده !! أين مصدره؟
الجواب:
لا أعلم هذا حديثاً ولا أظن له أصلاً وقد كره أهل العلم تعلم رطانة الأعاجم والمخاطبة بها بدون حاجة وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال ( لا تعلموا رطانة الأعاجم ) رواه عبد الرزاق في المصنف ( 1609 ) والبيهقي في السنن ( 9 / 234(.
وقد بُلي المسلمون في هذا العصر بالرطانة الأعجمية وأصبح تعلمُ بعض اللغات الأجنبية ضرورة ملحة في كثير من المهن والأعمال وهذا جائز لأهل الحاجات والمصالح ولا سيما مصالح المسلمين العامة .(1/1)
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم اللغة السُّرْيانية رواه أحمد ( 5 / 182 ) من طريق الأعمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت ورواه الترمذي ( 2715 ) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلَّم له كلمات من كتاب يهود قال ( إني والله ما آمن يهود على كتاب ) قال : فما مرّ بي نصف شهر حتى تعلمته له قال : فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم ) . ورواه أحمد و أبو داود والحاكم وغيرهم وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وخالفه غيره فتكلم في ابن أبي الزناد فقد ضعفه يحي بن معين وأحمد وجماعة ووثقه مالك وغيره ولا بأس به إذا لم يتفرد بالحديث وقد اعتبر بحديثه غير واحد والخبر محفوظ وقد علقه البخاري في صحيحه ( 95 / 7 ) جازماً بصحته .
وهو دليل على جواز تعلم اللغة الأجنبية للمصلحة والحاجة وهذا لا ينازع فيه أهل العلم .
وأما تعلم هذه اللغة لغير حاجة وجعلها فرضاً في مناهج التعليم في أكثر المستويات فهذا دليل على الإعجاب بالغرب والتأثر بهم وهو مذموم شرعاً وأقبح منه إقرار مزاحمة اللغات الأجنبية للغة القرآن ولغة الإسلام .
ومثل هذا لابدّ أن وراءَه أيد أثيمة ومؤامرات مدروسة لعزل المسلمين عن فهم القرآن وفقه السنة فإن فهم القرآن والسنة واجب ولا يمكن ذلك إلا بفهم اللغة العربية .
فإذا اعتاد الناس في بيوتهم وبلادهم التخاطب باللغة الأجنبية صارت اللغة العربية مهجورة لدى الكثير وعزّ عليهم فهم القرآن والإسلام وحينها ترقَّب الفساد والميل إلى علوم الغربيين واعتناق سبيل المجرمين وهذا ما صنعته بلاد الاستعمار في الدول العربية فالله المستعان .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
29/4/1421هـ
,,,,,,
*(2) رسالة في أحكام قيام الليل.
بسم الله الرحمن الرحيم(1/2)
خص الله بعض عباده بخير عظيم وعمل كبير، وفتح لهم من أبواب الخير والطاعة ما زكت به قلوبهم وعزّت نفوسهم واستنارت صدورهم وطابت حياتهم وأنسهم ونعيمهم . وبصّرهم بطريق الحق ويسّر لهم أسباب السعادة ومنّ عليهم بلذة العبادة ومناجاة الله في أسحارهم وخلواتهم .
قومٌ إذا جن الظلام عليهم ... باتوا هنالك سجّداً وقياماً
خمصُ البطونِ من التعفف ضمرا ... لا يعرفون سوى الحلال طعاماً
قال ثابت البناني رحمه الله (ما شئ أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل ) وقال سفيان رحمه الله ( إذا جاء الليل فرحت وإذا جاء النهار حزنت) (1) وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله (لأهل الطاعة بليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا )) (2)
فسبحان من تفضل على عباده بهذا النعيم قبل لقائه فحباهم من الخير والفضل ما فضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً فحازوا أسباب السعادة واستمسكوا بطريق النجاة فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم . قال بعضهم ( مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها ؟ قيل وما أطيب ما فيها قال محبة الله تعالى ومعرفته وذكره) (3) .
وقال آخر ( إنه لتمر بي أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب) وقال شيخ الإسلام رحمه الله ( إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة ) (4) .
والحديث عن هذه المقاصد العظيمة والمطالب العالية المتعلقة بفضل قيام الليل وشأنه في حياة القلوب وعز النفوس وانشراح الصدور ونعيم الأرواح ومجاهدة النفس والهوى ودفع الأعداء أمرٌ يطول ذكره .
__________
(1) مقدمة الجرح والتعديل [ 1 / 85 – 86 ] للإمام أبي حاتم .
(2) حلية الأولياء [ 9 / 275 ] .
(3) الوابل الصيب ( 58 ) للإمام ابن القيم .
(4) الوابل الصيب ( 57 ) للإمام ابن القيم .(1/3)
وليس القصد من هذه الرسالة الحديث عن ذلك فأذ كرمن أدلة الكتاب والسنة وهدي أئمة السلف ما فيه صلاح الدارين والفوز بالحسنيين وإنما القصد تقييد بعض المسائل في أحكام قيام الليل وذكر أدلتها وبيان صحيحها من سقيمها واستنباط الأحكام منها فلا تطيب الحياة إلا بهذا. ولا يعظم العلم ويثمر إلا بالفقه الصحيح والعودة إلى الدليل وفهم مقاصد الشريعة وأسرارها وتسخير الجهود في ربط الوسائل بالمقاصد والغايات وتحرير الأفهام والأفكار من وهَدِ التقليد . وتغشمُر التعصب .
فالرأي المجرد عن البرهان حجر على العقول وغلق لباب الاجتهاد وسدّ لطريقه وتضييق على المسلمين وتجهيل لفهومهم وعقولهم وهذا لا يدل عليه شرع ولا يقره عقل وصاحبه بمعزل عن العلم ولا يسمى عالماً وقد ذكر الإمام ابن عبد البر وغيره الاتفاق على أن المقلد ليس معدوداً من أهل العلم . وأن العلم معرفة الحق بدليله (1) وهذا حق لم يختلف فيه الناس . فلا يزال الأئمة في كل عصر ينعون على المقلد الأعمى ويذمونه ويبيّنون للناس ضرره وسوء فعله وشذوذ فتاويه فياويله إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وقد أفتى وقضى بما يخالف الكتاب والسنة ورضى للناس رأيه ورأي إمامه ولم يرض لهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
تالله إنها فتنة عظيمة ومصيبة كبيرة هجر من أجلها القرآن وتركت السنة وظهرت الآراء والأهواء فالله المستعان.
وهذه المسألة كبيرة ولها أبعاد ومرامي وتحتاج إلى بسط وشرح وهذا المقام لا يمكن فيه ذلك ولكن هذه لطائف وإشارات دعت إليها الحاجة فإنّ ما لا يدرك كله لا يترك كله .
__________
(1) انظر جامع بيان العلم وفضله [ 2 / 109 – 120 ] وإعلام الموقعين [ 1 / 7 ] [ 2 / 239 ] وكتاب الروح [ 390 – 391 ] والسيل الجرار [ 1 / 4- ] .(1/4)
هذا وقد ذكرتُ في هذا الكتاب مذاهب أهل العلم ولا سيّما الأئمة الأربعة ورجحت من أقوالهم ما يقتضي الدليل ترجيحه ونبهت على مسائل يكثر الجهل بها وأخرى ليس عليها دليل صحيح وكل هذا على وجه الاختصار وإليك البيان .
المسألة الأولى :
اعلم أن الأفضل في صلاة الليل الثلث الأخير لأنه وقت نزول الرب جل وعلا ، والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وجاء في صحيح الإمام مسلم (1) من طريق حفص وأبي معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله ، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر بالليل مشهودة وذلك أفضل )) وقال أبو معاوية محضورة .
ومن قام أول الليل أو أوسطه فلا مانع من ذلك وفي كل خير غيرَ أن آخر الليل أفضل لأنه الأمر الذي استقر عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء في الصحيحين (2) وغيرهما من طريق مسلم عن مسروق عن عائشة قالت :( من كل الليل قد أوتر رسول الله فانتهى وتره إلى السحر ) وفي رواية لمسلم من طريق يحي بن وثّاب عن مسروق عن عائشة قالت : ( من كل الليل قد أوتر رسول الله من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر ) وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الوتر من بعد صلاة العشاء ، سواء جمعت جمع تقديم مع المغرب ، أو أخرت إلى منتصف الليل ، وأما قبل صلاة العشاء فلا يصح (3) على الراجح.
__________
(1) رقم ( 755 ) .
(2) البخاري ( 966 ) ومسلم ( 745 ) .
(3) نقل ابن عبد البر في الاستذكار ( 5 / 287 ) . والقرطبي في المفهم ( 2 / 382 ) . الاتفاق على هذا وفيه نظر فقد ذكر فقهاء الأحناف أنه يؤدى في وقت العشاء . وانظر البناية ( 2 / 575 ) .(1/5)
وقد جاء في مسند الإمام أحمد (1) من طريق ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني رضي الله عنه أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم جمعة فقال : إن أبا بصرة حدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله زادكم صلاة ، وهي الوتر ، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر .....) إسناده صحيح . وقال عنه ابن رجب في فتح الباري (9/ 146 ) إسناده جيد.
ومن نام عن وتره أو نسيه ، فله صلاته بعد طلوع الفجر ، قبل صلاة الصبح . فقد روى أبو داود بسند قوي والحاكم [ 1 / 302 ] وقال صحيح على شرط الشيخين من طريق محمد بن مطرف المدني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره ) .
وهذا القول مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين ، وهو قول الإمام مالك ، وقول للشافعي وأحمد (2) رحمهم الله تعالى.
وأما إذا فاته الوتر حتى طلعت عليه الشمس فقد قال بعض أهل العلم : يقضيه شفعاً . واستدلوا بما رواه مسلم في صحيحه ( 746 ) من طريق قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة رضى الله عنها قالت : كان رسول الله إذا غلبه النوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ) .
والقول الثاني في المسألة :
__________
(1) ج 4 / 279 ، الفتح الرباني ) .
(2) انظر الاستذكار ( 5 / 288 ) . وعون المعبود ( 4 / 309 ) . وشرح مسلم للنووي ( 6 / 24 ) . والمبدع في شرح المقنع [ 2 / 4 ] .(1/6)
أنه يقضيه وتراً قاله طاووس ومجاهد والشعبي وغيرهم ، وحجتهم في ذلك حديث أبي سعيد ، وقد سبق ذكره ، ولفظه ( من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره ) فهذا الخبر يدل على مشروعية قضاء الوتر بعد طلوع الشمس لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا ذكره ) وقد قال الأوزاعي : ( يقضيه نهاراً وبالليل مالم يدخل وقت الوتر بصلاة العشاء الآخرة ، ولا يقضيه بعد ذلك لئلا يجتمع وتران في ليلة (1). وأما خبر عائشة السابق فقد قيل ليس فيه نفي الوتر ، فلعله أوتر أول الليل مقتصراً على أقل العدد لغلبة النوم أو الوجع ، فلما أصبح صلى قيام الليل . وفي هذا التوجيه نظر . ويبعد حمل حديث عائشة على أنه أوتر أول الليل فإن هذا الأمر لو حدث لبينت ذلك عائشة فإن هذا الحكم من الأهمية بمكان .
والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لم يوتر .. وقول عائشة رضي الله عنها (( صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة )) يدل على ذلك فإنه لو أوتر أول الليل لصلى من النهار عشر ركعات فقد قالت عائشة رضي الله عنها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة )) متفق عليه .
ويجاب عن حديث أبي سعيد بأنه لم يقل بعمومه أحد من الصحابة والمنقول عن بعضهم الوتر بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح فيحمل الحديث على قضاء الوتر في هذا الوقت فإنه لا تعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم وفعله والله أعلم .
__________
(1) فتح الباري لابن رجب ( 9 / 160 ) وانظر الأوسط لابن المنذر ( 5 / 194 ) .(1/7)
وأما من ترك الوتر متعمداً حتى طلع الفجر ، فالحق أنه قد فاته ، وليس له حق القضاء . ففي حديث أبي سعيد وقد تقدم تقييدُ الأمر بالقضاء فيمن نام عن وتره أو نسيه ، فدل مفهوم الخبر أن العامد بخلاف ذلك . وقد روى ابن خزيمة في صحيحه ( 1092 ) من طريق أبي داود الطيالسي عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له ) وأصل الحديث في صحيح مسلم ( 754 ) بدون هذا اللفظ وهو محمول على التعمد دون النوم والنسيان في أصح أقاويل أهل العلم والله أعلم .
المسألة الثانية : ( في عدد ركعات قيام الليل ) .
ثبتت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه لا يزيد في قيام الليل لا في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة .
فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه أخبره أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : ( ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلى أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى ثلاثاً..... ) (1)
قال ابن عبد البر رحمه الله : ( وأكثر الآثار على أن صلاته كانت إحدى عشرة ركعة ) (2)
وروى مالك في الموطأ بسند صحيح عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة....) (3)
وما جاء أن الناس كانوا يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة. فلا يصح . رواه مالك (4) وغيره بسند منقطع .
__________
(1) البخاري ( 1147 ) ومسلم ( 738 ) .
(2) الاستذكار . ( 5 / 236 ) .
(3) الموطأ بشرح الزرقاني ( 1 / 238 ) .
(4) الموطأ بشرح الزرقاني ( 1 / 239 ) .(1/8)
وجاء عند عبد الرزاق (1) عن داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أن عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة .....) .
وهذا الخبر غير محفوظ . ورواية مالك عن محمد بن يوسف بإحدى عشرة ركعة أصح من رواية داود . وأهل العلم بالحديث يقدمون مثل مالك على من دونه بالحفظ فتقرر بهذا أن السنة عدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة ، لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي داوم عليه ولم يذكر عنه خلافه وعليه جرى العمل في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ووافقه عليه الصحابة ولم يأت عن أحد منهم شيء صحيح يخالف هذا وغاية ما يحتج به القائلون بسنية ثلاث وعشرين ركعة عمومات صحّ تقييدها ، واجتماع الناس في عهد عمر على ذلك وهذا لا يصح والمحفوظ أنّه جمعهم على إحدى عشرة ركعة وقد تقدم على أن ترجيح هذا القول لا يجعل القول الآخر بدعة أو ضلالة فالمسألة اجتهادية والخلاف فيها محفوظ .
وقد قال أكثر أهل العلم بالزيادة ورأوا أن من صلى عشرين ركعة أو ثلاثاً وعشرين أو أكثر أنه مصيب ومأجور.
وذكر الإمام ابن عبد البر رحمه الله إجماع العلماء على هذا فقال ( وقد أجمع العلماء على أن لاحدّ ولاشيء مقدراً في صلاة الليل وأنها نافلة فمن شاء أطال فيها القيام وقلت ركعاته ومن شاء أكثر الركوع والسجود ) (2) .
__________
(1) المصنف [ 4 / 260 - ) .
(2) الاستذكار [ 5 / 244 ] .(1/9)
غير أن البحث عن الراجح والعمل بالأفضل مطلب من مطالب الشريعة ، وقد بينت السنة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي داوم عليه حتى فارق الحياة وجرى عليه عمل أصحابه من بعده أن قيام الليل إحدى عشرة ركعة في رمضان وغيره . ولم يصح عن أحد منهم التفريق في رمضان بين أول الشهر وآخره على عادة الناس اليوم بل كانوا يقومون بهذا العدد طِوال حياتهم ويجتهدون في العشر الأواخر في الكيفية دون الكمية ، فيطيلون القيام والركوع والسجود متلذذين بتدبر القرآن فهو حياة قلوبهم ومتنعمين بالوقوف بين يدي رب العالمين، ولم تكن همة أحدهم مصروفة إلى هَذّ القراءة ابتغاء بدعة يؤدونها آخر الشهر(1) أو تكثير عدد الركعات والإخلال بالطمأنينة بحيث لا يمكن للمأموم متابعة إمامه إلا بمشقة وعناء نسأل الله العافية .
المسألة الثالثة : ( في كيفية صلاة الليل ):
__________
(1) وقد كتبت في ذلك رسالة تحمل عنوان (( البيان في حكم دعاء ختم القرآن )) أوضحت في ثناياها عدم مشروعية دعاء الختمة داخل الصلاة وأنه لم يثبت بذلك خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة وأن القول به هتك لسياج قاعدة التوقيف في العبادات وبالتالي خرق للإجماع قال الإمام مالك رحمه الله (( ما سمعتُ أنه يدعو عند ختم القرآن وما هو من عمل الناس )) المعيار المعرب [ 11 / 114 ] والمدخل لابن الحاج [ 2 / 299 ] وقد تقرر في قواعد أهل العلم أن ما وجد سببه ومقتضاه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر صحابته ولم يقع منهم فعل لذلك مع عدم المانع من فعله ففعله بدعة .(1/10)
ذهب الإمام مالك (1) والشافعي (2) وأحمد (3) وطائفة من السلف إلى أن صلاة الليل مثنى مثنى إلاّ ركعة الوتر ، على خلاف بينهم هل هذا على الوجوب أم على الاستحباب . وحجتهم في هذا ما جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ) وقوله : ( مثنى مثنى ) معدول عن اثنين اثنين ، والمراد أن تسلم في كل ركعتين قيل وجوباً وقيل استحباباً . قال في المبدع (4) : فإن زاد على ذلك فاختار ابن شهاب والمؤلف أنه لا يصح ، قال أحمد فيمن قام في التراويح إلى ثالثة : يرجع وإن قرأ ، لأن عليه تسليماً ، ولابد . للخبر . وعنه يصح مع الكراهة . ذكره جماعة ، وهو المشهور، سواء علم العدد أو نسيه ) وعنه لا يكره (5) وهو مذهب أبي حنيفة قال رحمه الله في صلاة الليل ( إن شئت ركعتين وإن شئت أربعاً وإن شئت ستاً وثمانياً لا تسلم إلا في آخرهن ) (6) والأفضل في مذهبه صلاة أربع بسلام واحد لخبر عائشة في الصحيحين حين سألها أبو سلمة بن عبدالرحمن عن كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل قالت : يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً ) .
__________
(1) الاستذكار ( 5 / 237 – 249 – 255 ) .
(2) المجموع ( 4 / 49 – 51 ) .
(3) مسائل الإمام أحمد [ 2 / 296 ] رواية ابنه عبد الله ومسائل أبي داود [ ص 72 ] .
(4) 2 / 21 ) .
(5) الإنصاف ( 2 / 187 ) .
(6) البناية في شرح الهداية ( 2 / 613 ) . وانظر الاستذكار ( 5 / 237 ) .(1/11)
وهذا الحديث مجمل ليس فيه التصريح بصلاة أربع بسلام واحد والاحتمال فيه وارد وإن كنت استظهر فيه الأربع بسلام واحد جرياً على الأخذ بالظاهر حتى يرد لفظ صريح يخرجه عن ذلك . وحديث ابن عمر (( صلاة الليل مثنى مثنى )) لا يدل على وجوب التسليم في كل ركعتين ولفظه لا يساعد على ذلك فيحمل على الاستحباب وأنه الأكثر استعمالاً. وغيره من الأحاديث تحمل على السنية في بعض الأحيان ، والعبادات الواردة على وجوه متنوعة يعمل بها كلها وهذا أفضل من المداومة على نوع وهجر غيره فإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم عمل الأمرين على أن المداومة على نوع مراعاة للمصلحة ودرءاً للمفسدة قد تكون أفضل في وقت دون آخر كما أن المفضول يكون فاضلاً وهذا أمر عام في كل العبادات الواردة على هذا الوجه والقول الجامع فيها مراعاة المصالح وهذا يختلف باختلاف الأحوال والبلاد والأشخاص والله أعلم .
وهل يتشهد في الركعتين أم يصلي الأربع بتشهد واحد ، لا أ علم في ذلك دليلاً والأظهر فيها التخيير . إن شاء صلى أربعاً بتشهد واحد ، وإن شاء تشهد تشهدين ، ولا يسلم إلاّ في آخرهن.
وأما الوتر : فله أن يوتر بركعة . لحديث ابن عمرالسابق ( فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة ...) متفق عليه. وعند مسلم من طريق شعبة عن قتادة عن أبي مجلز قال : سمعت ابن عمر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الوتر ركعة من آخرالليل ) وإن صلى قبلها شفعاً فهذا أفضل .
وله أيضاً الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع إلاّ أنه إذا أوتر بثلاث لا يتشهد تشهدين ، بل يقتصر على التشهد في آخر الصلاة . والسنة أيضاً لمن صلى تسع ركعات أن لا يجلس فيها إلاّ في الثامنة فيجلس ويذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض بدون سلام ثم يصلى التاسعة ثم يسلم . والحديث في صحيح مسلم (1) من حديث عائشة وجاء في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعدما سلم وهو قاعد .
__________
(1) مسلم بشرح النووي . ( 6 / 27 ) .(1/12)
والتنويع في هذه الصيغ أفضل محافظة على السنة واتباعاً للنصوص الواردة في هذا الباب .
والكل سنة بما في ذلك قيام الليل والوتر إلاّ أنه سنة متأكدة ، كما هو قول جماهير العلماء من الصحابة والتابعين . وهو قول مالك والشافعي وأحمد ، والأخبار في هذا متكاثرة .
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى وجوبه (1) وقال غيره : واجب على أهل القرآن . والراجح قول الجمهور ، وأنه سنة على عامة المسلمين .
وقد روى أبو داود في سننه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبدالله بن الصُنابِحِيّ قال : زعم أبو محمد أن الوتر واجب . فقال عبادة بن الصامت : كذب أبو محمد . أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( خمس صلوات افترضهن الله عز وجل من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ) (2) سنده صحيح .
و رواه أبو داود أيضاً من طريق محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أن رجلاً من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلاً بالشام يدعى أبا محمد يقول : إن الوتر واجب ....)
وأما حديث أبي أيوب الأنصاري مرفوعاً ( الوتر حق على كل مسلم) فلا يصح إلاّ موقوفاً . قاله أبو حاتم والذهلي والدارقطني وغيرهم . قال ابن حجر : وهو الصواب (3) .
__________
(1) البناية في شرح الهداية . ( 2 / 565 ) . حاشية رد المختار [ 2 / 3 ، 4 ] .
(2) سنن أبي داود مع عون المعبود . ( 2 / 93 ) و ( 4 / 294 ) .
(3) انظر التلخيص . ( 2 / 13 ) .(1/13)
وأما حديث بريدة مرفوعاً ( الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا ) الحديث رواه أبو داود وغيره . فإنه خبر لا يصح . في إسناده عبيد الله بن عبدالله العتكي ، قال عنه البخاري عنده مناكير ، وقال العقيلي لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلاّ به (1) . وقال ابن حبان يجب مجانبة ما ينفرد به (2) .
وأما حديث علي مرفوعاً ( يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر ) ففي صحته نظر فقد رواه أبو داود من طريق زكريا وأبو داود والنسائي وابن ماجه من طريق أبي بكر بن عياش كلاهما عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي به ورواه سفيان الثوري وغيره عند الترمذي والنسائي عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه قال ( الوتر ليس بحتم كهيئة الصلاة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وهذا هو المحفوظ فإن سفيان أحفظ وأضبط من كل من رواه عن أبي إسحق قال الترمذي ( 2/317 ) في جامعه وهذا أصح من حديث أبي بكر بن عياش .
فترجح من هذا قول الجمهور أن الوتر سنة وليس بواجب على أنه لو صح ليس نصاً في المسألة فقد دلت أحاديث أخرى على عدم الوجوب فيحمل هذا الخبر على تأكد السنية والله أعلم .
المسألة الرابعة : (فيما يقرأ في الوتر ):
السنة لمن أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة ( سبح اسم ربك الأعلى ) وفي الثانية ( قل يا أيها الكافرون ) وفي الثالثة ( قل هو الله أحد ) . لحديث سعيد بن عبدالرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ) رواه أحمد (3) وأبو داود (4) والنسائي (5) وغيرهم .
__________
(1) انظر الضعفاء . ( 3 / 121 ) .
(2) كتاب المجروحين . ( 2 / 64 ) .
(3) المسند [ 5 / 123 ] .
(4) رقم ( 1423 ) .
(5) السنن [ 3 / 244 ] .(1/14)
واستحب الإمامان مالك والشافعي رحمهما الله قراءة المعوذتين بعد الإخلاص . وذلك لما روى أبو داود (1) والترمذي (2) وابن ماجه (3)من طريق خصيف عن عبدالعزيز بن جريج عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين .
وروى ابن حبان في صحيحه والطحاوي والحاكم وغيرهم من طريق يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة به . وصححه الحاكم ولم يتعقبه الذهبي بشيء ، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار (4) . وفي هذا نظر فلم يثبت في الحديث زيادة المعوذتين ولا تشرع قراءَ تهما بعد الإخلاص وقد أنكر الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين زيادة المعوذتين وإليك البيان :
*خبر عائشة الأول فيه انقطاع ، فإن ابن جريج لم يسمع من عائشة قاله الإمام أحمد وابن حبان وجماعة (5) وقال البخاري في التاريخ الكبير (6/23) عبد العزيز بن جريج عن عائشة لا يتابع في الحديث . والراوي عنه خصيف بن عبدالرحمن سيء الحفظ . وضعفه أحمد وابن خزيمة وقال يحيى بن سعيد القطان ( كنا تلك الأيام نجتنب حديث خصيف ) (6) .
__________
(1) رقم ( 1424 ) .
(2) رقم ( 463 ) .
(3) رقم ( 1173 ) .
(4) وانظر التلخيص [ 2 / 18 – 19 ] .
(5) كتاب المراسيل ( 112 ) لابن أبي حاتم ومشاهير علماء الأمصار ( 145 ) لابن حبان .
(6) انظر المجروحين لابن حبان [ 1 / 283 ] .(1/15)
وأما الحديث الثاني فلا يصح . وتفرد يحيى بن أيوب لا يحتمل . قال الأثرم : سمعت أبا عبدالله يسأل عن يحيى بن أيوب المصري فقال: كان يحدث من حفظه ، وكان لا بأس به ، وكان كثير الوهم في حفظه فذكرت له من حديثه عن يحيى عن عمرة عن عائشة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر ....الحديث . فقال : ها ، من يحتمل هذا ، وقال مرة : كم قد روى هذا عن عائشة من الناس ليس فيه هذا ، وأنكر حديث يحيى خاصة ) (1) .
وقال العقيلي (( أما المعوذتين فلا يصح )) وحينئذٍ لا تشرع قراءتهما بعد الإخلاص لضعف الخبر في هذا فيقرأ المصلي بالوارد من صحيح الأخبار ( سبح اسم ربك الأعلى ) في الأولى وفي الثانية ( قل يا أيها الكافرون ) وفي الثالثة ( قل هو الله أحد ) ولا يزيد على هذا . وبعض أهل العلم لا يرى استحباب تقصد قراءة هذه السور الثلاث (2) وفيه نظر . وحديث أبي بن كعب يرده. وقال بعض أهل العلم لا يداوم على قراءة هذه السور في الوتر لأنه يفضي إلى اعتقاد أنها واجبة (3) . وفي هذا القول قوة لأنّ المداومة لم تثبت ، وأما التعليل ففيه نظر لأنه ينسحب على جميع السنن ، وهذا غير صحيح .
__________
(1) الضعفاء للعقيلي [ 4 / 391 – 000 ] و ( تنقيح التحقيق [ 2 / 1061 ] .
(2) انظر مختصر قيام الليل ص ( 303 - .. ) . والبناية ( 2 / 585 – 586 ) .
(3) انظر حاشية الروض المربع . ( 2 / 188 ) .(1/16)
واعلم أنه يستحب إذا سلم من وتره أن يقول سبحان الملك القدوس ثلاثاً لحديث أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر ....الحديث ) وفيه فإذا سلم قال : سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ) رواه النسائي (1) . وفي حديث عبد الرحمن ابن أبزى وهو صحابي صغير ( ويرفع بسبحان الملك القدوس صوته بالثالثة ). رواه أحمد والنسائي . وزاد الدارقطني (2) من حديث أبي ابن كعب ( رب الملائكة والروح ) ولا تصح هذه الزيادة والمحفوظ ما تقدم .
المسألة الخامسة : في القنوت:
القنوت في الوتر لم يثبت فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله . قال الإمام أحمد : لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء....) (3) .
وقال الإمام ابن خزيمة رحمه الله : ( ولست أحفظ خبراً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر ...) (4) . غير أنه ثبت عن بعض الصحابة رضى الله عنهم كما قال عطاء حين سئل عن القنوت قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعلونه (5) . وجاء عن بعض الصحابة أنه لا يقنت إلاّ في النصف من رمضان . صح هذا عن ابن عمر . رواه أبو بكر بن أبي شيبة (6) عن ابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر .
__________
(1) ج ( 3 / 244 ) . وانظر المسند ( 3 / 406 ) .
(2) ج 2 / 31 ) .
(3) التلخيص لابن حجر . ( 2 / 18 ) .
(4) صحيح ابن خزيمة . ( 2 / 151 ) .
(5) مختصر قيام الليل . ص ( 66 ) .
(6) المصنف . ( 2 / 98- ) .(1/17)
وقال الإمام الزهري رحمه الله : ( لا قنوت في السنة كلها إلاّ في النصف الآخر من رمضان ) . رواه عبد الرزاق في المصنف (1) ، بسند صحيح . وقال الإمام أبو داود قلت لأحمد : القنوت في الوتر السنة كلها ؟ قال : إن شئت ، قلت : فما تختار ؟ قال : أما أنا فلا أقنت إلاّ في النصف الباقي ، إلاّ أن أصلي خلف الإمام فيقنت فأقنت معه (2) .
وذكر ابن وهب عن مالك في القنوت في رمضان أنه قال إنما يكون في النصف الآخر من الشهر(3) . وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله (4) . وفي وجه عنده يستحب القنوت في الوتر بالسنة كلها وهذه آخر الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله (5) . قال النووي رحمه الله : وهذا الوجه قوي في الدليل لحديث الحسن بن علي رضي الله عنهما (6) .
أقول : وفي هذا نظر من وجهين :
الوجه الأول : أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في هذا الباب قاله أحمد وغيره ، واستحباب المواظبة على أمر لم يثبت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه نظر . وقد جاءت أحاديث كثيرة تصف وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في شيء منها أنه قنت في الوتر ، ولاسيما أن هذه الأحاديث من رواية الملازمين له كعائشة رضي الله عنها . فلو كان يقنت كل السنة أو معظمها أو علم أحداًَ هذا لنقل ذلك إلينا .
__________
(1) ج / 3 / 121 .
(2) كتاب مسائل الإمام أحمد لأبي داود . ص ( 66 ) .
(3) الاستذكار . ( 5 / 166 ) .
(4) المجموع للنووي . ( 4 / 15 ) .
(5) انظر مسائل أحمد [ 1 / 99 ] رواية اسحاق بن إبراهيم . والإنصاف ( 2 / 170 ) .
(6) المجموع . ( 4 / 15 ) .(1/18)
الوجه الثاني : أن عمدة القائلين باستحباب القنوت في السنة كلها هو حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر ( اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت ) رواه أحمد (1) وأهل السنن (2) من طريق أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن به . ورواه أحمد (3) من طريق يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء بمثله . و إسناده جيد ، إلاّ أن زيادة ( قنوت الوتر ) شاذة . فقد رواه أحمد في مسنده (4) عن يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني بريد بن أبي مريم بلفظ ( كان يعلمنا هذا الدعاء ، اللهم اهدني فيمن هديت ...) وهذا هو المحفوظ لأن شعبة أوثق من كل من رواه عن بريد فتقدم روايته على غيره ومَن قَبل تفرّد الثقة عن أقرانه الذين هم أوثق منه بدون قيود ولا ضوابط فقد غلط ، ومن أدّعى قبول زيادة الثقة إذا لم تخالف روايته ما رواه الآخرون فقد أخطأ. فأئمة الحديث العالمون بعلله وغوامضه لا يقبلون الزيادة مطلقاً كقول الأصوليين وأكثر الفقهاء ولا يردونها بدون قيد ولا ضابط بل يحكمون على كل زيادة بما يقتضيه المقام وهذا الصواب في هذه المسألة (5) وبيان وجهه له مكان آخرفالمقصود هنا ترجيح رواية شعبة على روايتي أبي اسحاق ويونس.
__________
(1) المسند [ 1 / 200 ] .
(2) أبو داود ( 1425 ) والترمذي ( 464 ) والنسائي ( 3 / 248) وابن ماجة ( 1178 ) .
(3) 1 / 199 ] .
(4) 1 / 200 ] .
(5) انظر نظم الفرائد ( 376 ) للحافظ العلائي ، والنكت على كتاب ابن الصلاح [ 2 / 604 – 687 ] للحافظ ابن حجر .(1/19)
وبعد تحرير هذا وقفت على كلام لابن خزيمة رحمه الله يؤيد ما ذهبت إليه ، قال: ( وهذا الخبر رواه شعبة بن الحجاج عن بريد بن أبي مريم في قصة الدعاء ، ولم يذكر القنوت ولا الوتر . قال: وشعبة أحفظ من عدد مثل يونس بن أبي إسحاق ، وأبو إسحاق لا يعلم أسمع هذا الخبر من بريد أو دلسه عنه . اللهم إلاّ أن يكون كما يدعي بعض علمائنا أن كل ما رواه يونس عن من روى عنه أبوه أبو إسحاق هو مما سمعه يونس مع أبيه ممن روى عنه . ولو ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالقنوت في الوتر أو قنت في الوتر لم يجز عندي مخالفة خبر النبي صلى الله عليه وسلم ولست أعلمه ثابتاً ) (1) .
__________
(1) صحيح ابن خزيمة . ( 2 / 152 - ) .(1/20)
وقد تقدم قول الإمام أحمد ( لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ) ولكن ثبت القنوت عن الصحابة (1) رضي الله عنهم على خلاف بينهم ، هل يقنت في السنة كلها أم لا ، والحق فيه أنه مستحب في بعض الأحيان ، والأولى أن يكون الترك أكثر من الفعل ، وما يفعله بعض الأئمة من المثابرة عليه فغلط مخالف للسنة. وإذا ثبت ضعف لفظة القنوت في خير الحسن . فاعلم أن القنوت يشرع بأي دعاء ليس فيه اعتداء ولا سجع مكلف وتلحين مطرب ونحو ذلك مما اخترعه المتأخرون مما لا أصل له في الكتاب ولا في السنة ولا جرى به عمل للأئمة . غاية ما في الأمر اجتهادات فردية ممن لا يملك حق الاجتهاد ، أدّت إلى ترك المشروع وتتبع الآراء وتحكيم الأهواء ، وقد جرّ هذا الأمر المغلوط إلى ملحوظات أخرى من إطالة الدعاء والمبالغة فيه بما يشق على المأمومين ويجعلهم في ملل وتألم وبغض للحال .
__________
(1) وأهل العلم مختلفون في محل القنوت فقال قوم بعد الركوع وقال آخرون قبل الركوع وسبب اختلافهم أنه لم يثبت في هذا الباب شئ وقاسه أهل العلم على قنوت النوازل والصحيح في المسألة جواز الأمرين .قال الإمام أحمد : وبعد الركوع أحب إلي . انظر مسائل أحمد رواية إسحاق بن إبراهيم . ( 1 / 100 ) .(1/21)
هذا والأفضل في دعاء القنوت أن يبدأ الداعي أولاً بحمد الله تعالى والثناء عليه ويُثَنّي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو فإن هذا أقرب إلى الإجابة من دعاء مجرد من الحمد والثناء (1) . لما روى الترمذي (2) في جامعه وأبو داود (3) وغيرهما عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عجل هذا ثم دعاه فقال له ولغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ليدع بعد بما شاء ) قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .
__________
(1) هذا الحكم في قنوت الوتر ويختلف الحكم بالنسبة لدعاء قنوت النوازل فإن المستحب في هذا البدأ بالدعاء على الظلمة المعتدين والدعاء للمستضعفين من المؤمنين لظواهر الأدلة في هذا الباب كَحديث ابن عمر في البخاري [ 4069 ] .
(2) رقم ( 3477 ) .
(3) رقم ( 1481 ) .(1/22)
وحديث تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لسبطه الحسن بن علي أن يقول في قنوت الوتر ( اللهم اهدني فيمن هديت ) صحيح بدون ذكر القنوت ... وقد تقدم بيان ذلك ، وحينئذٍ لا يصح الاستدلال به على استفتاح دعاء القنوت بغير الحمد ، قال ابن القيم رحمه الله ( المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله والثناء عليه بين يدي حاجته ثم يسأل حاجته كما في حديث فضالة بن عبيد ) (1) وقد دل هذا الحديث على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب إجابة الدعاء ومن هنا كان أبيُ بن كعب يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في قنوته بالصحابة رواه ابن خزيمة في صحيحه (2/155/156) وقال الإمام إسماعيل القاضي في كتابه فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ( ص/86) : حدثنا محمد بن المثنى قال ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن عبد الله بن الحارث أن أبا حليمة معاذاً كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت ) . وهذا سند صحيح إلى أبي حليمة معاذ بن الحارث الأنصاري وهو مختلف في صحبته .وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين ، وهو ممن أقامه عمر بن الخطاب يصلى التراويح بالناس في شهر رمضان (2) .
*رفع اليدين في القنوت :
وأما رفع اليدين في القنوت فقد منعه الإمام الأوزعي وجماعة من أهل العلم (3) . حتى قال الإمام الزهري ( لم تكن ترفع الأيدي في الوتر في رمضان) رواه عبد الرزاق ( 3 / 122) بسند صحيح .
__________
(1) الوابل الصيب ( 110 ) .
(2) انظر تهذيب الكمال . ( ج 28 / 117 ) .
(3) انظر مختصر قيام الليل . ( ج / 320 ) .(1/23)
وذهبت طائفة من أهل العلم وهم الجمهور إلى استحبابه لأن الأصل في الدعاء رفع اليدين . وقد قاسه جماعة من الفقهاء وأهل الحديث على قنوت النوازل . فقد سئل الإمام أحمد عن القنوت في الوتر قبل الركوع أم بعده وهل ترفع الأيدي في الدعاء في الوتر ؟ فقال : القنوت بعد الركوع . ويرفع يديه . وذلك على قياس فعل النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الغداة (1) .
وقال أبو داود : سمعت أحمد سئل ، يرفع يديه في القنوت ؟ قال: نعم يعجبني . قال أبو داود : فرأيت أحمد يرفع يديه في القنوت (2) . وذكر البخاري في جزء رفع اليدين (3) . من طريق أبي عثمان قال : كان عمر يرفع يديه في القنوت .
وذكر عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ في آخر ركعة من الوتر قل هو الله أحد ثم يرفع يديه فيقنت قبل الركعة .
قلت : هذا الأثر في إسناده ليث بن أبي سلِم ، ضعيف الحديث وقد قال البخاري رحمه الله بعد ذكر أثر ابن مسعود : ( وهذه الأحاديث كلها صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يخالف بعضها بعضاً....) .
وقال البيهقي رحمه الله : ( إن عدداً من الصحابة رضي الله عنهم رفعوا أيديهم في القنوت مع ما رويناه عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ) (4) .
__________
(1) مختصر قيام الليل . ( ص / 318 ) .
(2) كتاب مسائل الإمام أحمد لأبي داود . ( ص / 66 ) .
(3) ص ( 68 ) .
(4) السنن الكبرى . ( 2 / 211 ) .(1/24)
* وأما مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء فلم يثبت فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يصح عن الصحابة رضي الله عنهم لا في القنوت ولا في غيره ، لا داخل الصلاة و لا خارجها . وقد اعتاد بعض العامة فعل ذلك وهذا غلط . واعتاد آخرون رفع الأيدي عقب النوافل ومسح الوجه بها بدون دعاء وهذا أقبح من الأول والسّنة ترك المسح مطلقاً في الصلاة وغيرها . قال الإمام أبو داود في مسائله (1) : سمعت أحمد سئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ ، قال : لم أسمع به . وقال مرة : لم أسمع فيه بشيء . قال : ورأيت أحمد لا يفعله . وسئل مالك رحمه الله عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء ؟ فأنكر ذلك وقال : ما علمت ) (2) .
وقال الحافظ البيهقي رحمه الله : ( لست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت ، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم (3) ، خارج الصلاة ، وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة . وبالله التوفيق ) (4) .
تمت الرسالة
على يد الفقير إلى الله
سليمان بن ناصر العلوان
في مدينة بريدة 2/2/1418هـ
والحمد لله رب العالمين
**هذه مجموعة من الأسئلة وجهت للشيخ سليمان بن ناصر العلوان في إحدى جلساته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة عليها مسجلة وبعد ذلك فرغت من الأشرطة وعرضت على الشيخ فأجاز نشرها . بتاريخ 24 / 5/ 1421 هـ:
*(3) هل يوجد في الأربعين النووية أحاديث ضعيفة ؟
الجواب :
نعم فيه بعض الأحاديث الضعيفة مثل:
__________
(1) ص ( 71 ) .
(2) مختصر قيام الليل . ( 327 ) .
(3) والحق ترك العمل به لأنه خبر لاتقوم به حجة .
(4) السنن الكبرى . ( 2 / 212 ) .(1/25)
1- الحديث الثاني عشر ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه . رواه الترمذي وغيره من طريق قرة بن عبد الرحمن المعافري عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يصح قرة بن عبد الرحمن سيء الحفظ وقد رواه مالك وغيره عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً .
وصحح إرساله أحمد بن حنبل والبخاري والدار قطني وغيرهم .
2- وفيه الحديث التاسع والعشرون حديث معاذ بن جبل قلتُ [ يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعد ني عن النار ... ) الحديث رواه الترمذي من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ .
ورواه أحمد في مسنده من طريق حماد بن سلمة عن عاصم عن شهر بن حوشب عن معاذ .
وهذا أصح من الأول وشهر بن حوشب ضعيف الحديث .
3- ومن ذلك الحديث الثلاثون حديث أبي ثعلبة الخشني ( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ..) الحديث فيه انقطاع بيد أن له شاهداً حسناً رواه الحاكم من حديث أبي الدرداء .
4- ومن ذلك الحديث الحادي والثلاثون حديث سهل بن سعد الساعدي قال ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دُلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ... ) الحديث ولا يصح بوجه من الوجوه وإن كان معناه صحيحاً .
5- ومن ذلك الحديث الثاني والثلاثون حديث لا ضرر ولا ضرار لا يصح إلا مرسلاً قاله ابن عبد البر وغيره وقد عده أبو داود من الأحاديث التي يدور الفقه عليها .
6- ومن ذلك الحديث التاسع والثلاثون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) . أنكره الإمام أحمد ومعنى الحديث صحيح فيه ما يدل عليه من الكتاب والسنة .(1/26)
7- ومن ذلك الحديث الحادي والأربعون حديث (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) مداره على نعيم بن حماد الخزاعي ولا يصح حديثه ضعفه أبو داود والنسائي وجماعة .
8- ومن ذلك الحديث الثاني والأربعون حديث أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ( يا ابن آدم إنك ... ) فيه لين وقد تفرد به الترمذي من هذا الوجه وقال حسن غريب وقد صح آخره من حديث أبي ذر رواه مسلم في صحيحه .
,,,,,,
*(4) هل الكحل يفطر الصائم ؟
الجواب :
الكحل لا يفطر الصائم وليس به بأس في الصيام سواء كان نفلاً أو فرضاً .
وقد قال الإمام الأعمش . ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم . رواه أبو داود في سننه .
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى كراهيته للصائم لحديث ليتقه الصائم . رواه أبو داود وغيره وفيه نكارة قال أبو داود قال لي يحي بن معين هو حديث منكر . وحينئذ لا يصح هذا الحديث حجة على منع الصائم من الكحل والله أعلم .
,,,,,,
*(5) البنت البكر إذا ثاب منها لبن فأرضعت به هل تكون أماً للطفل ؟
الجواب :
لا خلاف بين العلماء أن البكر التي لم تنكح إذا نزل منها لبن وأرضعت به فإنه ينشر المحرمية فيكون المرتضع ابنها وليس له أب وقد أشار إلى هذه المسألة ابن المنذر في الإجماع وابن قدامة في المغني وغيرهما .
*(6) ما حكم الاستمناء باليد ؟
الجواب :
في ذلك ثلاثة مذاهب لأهل العلم:
الأول : الجواز مطلقاً لأنه لم يثبت في منعه دليل وقد كتب الشوكاني رسالة في ذلك ونصر هذا القول.
الثاني : المنع مطلقاً سواء خشي العنت أو لم يخش بدليل ظاهر قوله تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) } .(1/27)
الثالث : يباح لمن خشي الزنا أو الفاحشة وما عدا ذلك فيحرم وهذا قول الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام رحمه الله .
,,,,,,
*(7) ما صحة حديث ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم )؟
الجواب :
هذا الخبر منكر سنداً ومتناً . قال عنه الإمام مالك هذا كذب ذكره عنه أبو داود في سننه .
وقال الأوزاعي . مازلت له كاتماً حتى رأيته انتشر يعني حديث ابن بسر هذا في صوم يوم السبت .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم . لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده . متفق عليه من حديث أبي هريرة وهو دليل على صوم يوم السبت والأحاديث في ذلك كثيرة والله أعلم .
,,,,,,
*(8) هل يجوز للمحادة أن تتصل بالهاتف ؟
الجواب :
ليس في ذلك حرج ولا أعلم أحداً من العلماء كره ذلك .
وقد ورد منع المحادة من التزين والطيب والكحل والخروج من المنزل بدون عذر ودون هذه الأمور أقوال وآراء لا دليل عليها والله أعلم .
*(9) ما هو القول الصحيح في الأقراء هل هي الحيض أم الأطهار ؟
الجواب :
في ذلك خلاف مشهور بين الفقهاء . فقال قوم هي الحيض وهذا مروي عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وأكابر الصحابة وهو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد في آخر القولين عنه .
وقال آخرون . الأقراء الأطهار وهذا مروي عن ابن عمر وعائشة وهو مذهب مالك والشافعي .
والأول أصح وحينئذٍ لا تنقضي عدتها حتى تنقضي الحيضة الثالثة والله أعلم .
,,,,,,
*(10) امرأة طهرت من الحيض في صيام رمضان فهل يجب عليها الإمساك بقية يومها ؟
الجواب :
قال بذلك الإمام أبو حنيفة وأحمد بن حنبل في رواية .
وقال مالك لا تمسك إذا طهرت وقال في الذي يقدم من سفره وهو مفطر وامرأته مفطرة حين طهرت من حيضها في رمضان أن لزوجها أن يصيبها إن شاء .(1/28)
وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله في الرواية الثانية وهو الصحيح وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من أكل أول النهار فليأكل آخره . رواه ابن أبي شيبة في المصنف عن وكيع عن ابن عون عن ابن محيريز قال قال ابن مسعود والله أعلم .
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر .
وكانت الإجابة مسجلة بصوته وقد تم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 27 / 5 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
*(11) ما صحة حديث ( عند كل ختمة دعوة مستجابة ... )؟
الجواب :
هذا الحديث موضوع رواه أبو نعيم في الحلية وغيره وفي إسناده يحي بن هاشم السمسار .
قال عنه الإمام النسائي : متروك الحديث .
وقال يحيى بن معين : كذاب .
وقال ابن عدي : كان يضع الحديث ويسرقه .
والدعاء عند ختم القرآن له حالتان :
الأولى : في الصلاة فهذا بدعة فإن العبادات مبناها على الشرع والاتباع وليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه الله أو سنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ودون ذلك ابتداع في الدين قال صلى الله عليه وسلم (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد . متفق عليه من حديث عائشة .
وقد ذكر الشاطبي في الاعتصام وشيخ الإسلام في الاقتضاء قاعدة عظيمة المنفعة في التفريق بين البدعة وغيرها ، وهي أن ما وجد سببه وقام مقتضاه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة ولم يقع منهم فعل لذلك مع عدم المانع من الفعل فإنه بدعة كالأذان للعيدين والاستسقاء ونحو ذلك .
ودعاء الختمة في الصلاة من ذلك فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يقومون في رمضان ليلاً طويلاً ويتكئون على العصي من طول القيام فهم في هذه الحالة يختمون القرآن أكثر من مرة ولم ينقل عن أحد منهم دعاء بعد الختمة .
وقد قال الإمام مالك رحمه الله : ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن وما هو من عمل الناس . ذكر ذلك عنه ابن الحاج في المدخل .(1/29)
الحالة الثانية : الدعاء عقيب الختمة في غير الصلاة وهذا منقول عن أنس بن مالك بسند صحيح .
ومأثور عن جماعة من أهل العلم ولا أعلم في المرفوع شيئاً ثابتاً والله أعلم.
,,,,,,
*(12) ورد في صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من وسط الناس سفعاء الخدين ... الحديث .
نريد صحة الزيادة ( سفعاء الخدين ) حيث يحتج بها القائلون بكشف المرأة وجهها عند الأجانب ؟.
الجواب :
هذه الرواية جاءت في صحيح الإمام مسلم من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر بن عبد الله .
ورواه البخاري ومسلم من طريق ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله وليس فيه هذه الزيادة .
وابن جريج في عطاء أوثق من عبد الملك بن أبي سليمان .
قال الإمام أحمد رحمه الله : عبد الملك من الحفاظ إلا أنه كان يخالف ابنَ جريج في إسناد أحاديث وابن جريج أثبت منه عندنا .
والقول بأن الزيادة من ثقة فيجب قبولها دعوى غير صحيحة فإن أكابر المحدثين لا يحكمون على الزيادات بحكم كلي يعم كل الأحاديث .
بل يعتبرون القرائن ويحكمون على كل زيادة بما يترجح عندهم .
وحين نعلم أن ابن جريج أوثق من عبد الملك في عطاء فإننا نقدم روايته ونحكم على رواية عبد الملك بالشذوذ والله أعلم .
,,,,,,
*(13) ما تقولون في نجاسة القيء ؟
الجواب :
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن القيء نجس مطلقاً .
وذهب فقهاء المالكية إلى أن القيء النجس هو ما شابه أحد أوصاف العذرة .
وأما ما كان على هيئة الطعام لم يتغير فإنه طاهر .
والصحيح أنه طاهر مطلقاً والاستقذار والاستحالة إلى روائح كريهة لا يعني النجاسة .
والأصل الجامع في هذا الباب طهارة كل الأعيان حتى يثبت الدليل على النجاسة والقيء لم يثبت دليل على نجاسته فهو طاهر .
وحديث (( العائد في هبته كالعائد في قيئه )) متفق عليه من حديث ابن عباس .(1/30)
ليس صريحاً في نجاسة القيء فإن العود في القيء منهي عنه للضرر وشبهه وليس للنجاسة .
وقد تقرر في القواعد الأصولية أنه ليس كل محرم نجساً والله أعلم .
,,,,,,
*(14) هل يعتبر موت الإنسان دماغياً موتاً حقيقياً ؟
الجواب :
في هذه المسألة قولان للعلماء المتأخرين حيث أن هذه المسألة من مستجدات العصر بسبب التطور الطبي والتقدم في ذلك .
القول الأول : أنه لا يعتبر موت الإنسان دماغياً موتاً حقيقياً ولا يحكم بموته حتى يتوقف قلبه عن النبض و حينئذ لا يجوز نزع الأجهزة عنه ما لم يأت من هو أحوج منه إليها .
الثاني : يعتبر موت الدماغ دون القلب موتاً حقيقياً حيث أن الأعضاء لا تستجيب لتصرفات الروح . والحياة المستقرة المعتبرة هي أن تكون الروح في الجسد ومعها الحركة الاختيارية دوه غيرها وفيه نظر .
فإن فقد الإحساس والشعور والحركات الاختيارية ليس كافياً في الحكم عليه بالموت .
والفرض في ذلك التحري والتريث إلى أن يحصل اليقين بموته .
ولأن الأصل الحكم بحياة المريض فلا تخرج عن اليقين بمجرد الشك وهذا معلوم في قواعد الفقهاء والأصوليين والله أعلم .
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 3 \ 6 \ 1421 هـ فأذن بنشرها .
*(15) ما الحكم في اللقيط هل يعتبر عبداً أم حراً ؟
الجواب :
اللقيط بمعنى ملقوط وهو الطفل المنبوذ الذي لا يعرف نسبه .(1/31)
والأصل فيه أنه حر في جميع الأحكام فقد جاء في موطأ مالك عن ابن شهاب عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم . أنه وجد منبوذاً في زمان عمر بن الخطاب قال فجئت به إلى عمر بن الخطاب فقال : ما حملك على أخذ هذه النسمة ؟ فقال وجدتها ضائعة فأخذتها . فقال له عريفه : يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح ، فقال له عمر أكذلك ؟ قال نعم . فقال عمر بن الخطاب إذهب فهو حُرّ ولك ولاؤه وعلينا نفقته .
قال ابن المنذر رحمه الله في كتاب الإجماع . وأجمعوا أن اللقيط حر وقال ابن قدامة رحمه الله اللقيط حرّ في قول عامة أهل العلم إلا النخعي .
,,,,,,
*(16) ما حكم الوضوء في المسجد ؟
الجواب :
لا بأس بذلك فقد رخص فيه أئمة السلف وأهل العلم وحكى ابن المنذر في الأوسط الإجماع على ذلك وقال ليس للمنع من ذلك معنى ظاهر لأنه ماء طاهر يلاقي ها هنا طاهراً ولا يزيده بذلك إلا نظافة غير أنا نكره أن يتوضأ في موضع مصلى الناس لئلا يتأذى بهذا الطهور مسلم .
وقد ثبت عن ابن عباس أنه قال لا بأس بهذا رواه ابن المنذر في الأوسط .
وروى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتوضأ في المسجد .
ولا يدخل في الوضوء قضاء الحاجة فإن قضاء الحاجة من بول وغائط في أماكن المصلين محرم بالإجماع .
*(17) فضيلة الشيخ هل يكفر ساب الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد السب أم يشترط في ذلك الاستحلال ؟
الجواب :
أجمع الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم من أهل السنة أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر دون تقييد ذلك بالاستحلال .
واتفق أهل العلم على أن الكفر قد يكون بالجحد أو التكذيب أو الإعراض .
وقد يكون بالقول كسب الله وسب رسوله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء بالدين وأحكامه ويكون بالفعل كالسجود للأصنام والطواف على القبور والذبح للجن والأوثان .(1/32)
وقد يكون بالترك كترك جنس العمل مطلقاً وحكى إسحاق بن راهويه وغيره إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة عمداً وقد جاء في صحيح مسلم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير المكي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة) .
والكفر المعرف بالألف واللام يدل على الكفر الأكبر غير أنه قد جاء في كفر تارك الصلاة خلاف بين أئمة المذاهب فقالت طائفة لا يكفر مطلقاً مالم يجحد وجوبها .
وقالت طائفة يكفر كفراً أكبر لإجماع الصحابة على ذلك على خلاف بينهم في القدر الذي يكفر بتركه فقالت طائفة يكفر بترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها وقالت أخرى لا يكفر إلا بالترك الكلي .
وبالجملة فأهل السنة لا يكفرون بمطلق الذنوب ولا بكل ذنب كما تفعل الخوارج والمعتزلة حيث يكفرون بكبائر الذنوب ويعتقدون ذنباً ماليس بذنب ويرتبون عليه أحكام الكفر وتارة يأخذون الناس بلازم أقوالهم وهذا كثير في المتأخرين ولا يفرقون في إطلاق الأحكام بين النوع والعين ولا بين مسألة وأخرى وقد يكفّرون من لا يوافقهم على هذه الإنحرافات وقد جاء نعتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ) . رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد .
فأهل السنة وسط بين الخوارج والمرجئة فلا يكفرون أهل الكبائر مالم يستحلوا ذلك ولا يقولون بقول المرجئة لا يضر مع الإيمان ذنب أو لا يكفر من أتى بمكفر حتى يستحل فهذا باطل بالكتاب والسنة والإجماع فمن سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كفر دون تقييد ذلك بالاستحلال وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد قال إسحاق بن راهويه . وقد أجمع العلماء على أن من سب الله عز وجل أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئاً أنزله الله أو قتل نبياً من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر .
,,,,,,
*(18) ما حكم جلسة الاستراحة في الصلاة ؟
الجواب :(1/33)
جلسة الاستراحة سنة من سنن الصلاة في أصح قولي العلماء وقد جاء في صحيح البخاري من طريق خالد الحذّاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً .
وموضعها في القيام من الأولى للثانية ومن الثالثة للرابعة . والمرأة في ذلك كالرجل .
وقد استحب فعلها إسحاق و الإمام الشافعي وكان الإمام أحمد رحمه الله لا يقول بذلك فرجع عن قوله وقال بما دل عليه حديث مالك بن الحويرث .
وقال النووي رحمه الله في المجموع : اعلم أنه ينبغي لكل أحد أن يُواظب على هذه الجلسة لصحة الأحاديث فيها وعدم المعارض الصحيح لها ولا تغتر بكثرة المتساهلين بتركها .
والقول الثاني في المسألة أنه لا يصح فعلها لغير حاجة وهذا قول أكثر العلماء وقالوا إنها لم ترد في أكثر الأحاديث وإنما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مالك للحاجة .
ويجاب عن هذا بأنه لم يثبت دليل على أنه صلى الله عليه وسلم فعلها للحاجة وراويها هو راوي حديث ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) . رواه البخاري . وذكره بعض أهل العلم في المتفق عليه ولا يصح .
,,,,,,
*(19) ما حكم رفع اليدين بعد الصلوات المكتوبة ؟
الجواب :
تخصيص رفع اليدين للدعاء بعد الفرائض غير مشروع وليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا أفتى به أحد من التابعين .
والأصل في العبادات المنع حتى يثبت دليل وكل من نقل صفة صلاته صلى الله عليه وسلم لم يذكر عنه أنه رفع يديه ودعا بعد الفريضة .
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) .
ولكن إذا عرض للمصلي عارض يقتضي الدعاء فدعا بعد الصلاة ورفع يديه ولم يقصد تخصيص هذا الوقت فهذا لا بأس به .(1/34)
وقد جاء في الصحيحين من طريق مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي للناس فأقيم ؟ قال نعم فصلى أبو بكر فجاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صافاً فأشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمكث مكانك فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ... ) . الحديث وفيه دليل على الدعاء ورفع اليدين في مثل هذه الحالات فقد فعل ذلك أبو بكر اجتهاداً وأقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم فكان هذا مؤكداً للحكم سواء كان داخل الصلاة أو خارجها والله أعلم .
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 7 / 6 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
*(20) ما صحة حديث الصدقة تطفئُ غضب الرب ..؟
الجواب :
هذا الحديث رواه الترمذي في جامعه وابن حبان في صحيحه من طريق عبد الله بن عيسى الخزّاز عن يونس بن عُبيد عن الحسن البصري عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الصدقة لتطفىء غضب الرب وتدفع ميتة السوء ) .
وهذا الإسناد منكر .
عبد الله الخزاز منكر الحديث قاله أبو زرعة .
وقال النسائي ليس بثقة .
وقال ابن عدي . هو مضطرب الحديث وليس ممن يحتج به وقال العقيلي . لا يتابع على أكثر حديثه .
وجاء هذا الخبر بلفظ . إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين ميتة من السوء . رواه القضاعي في مسنده من طريق يزيد الرقاشي عن أنس ولا يصح .
,,,,,,(1/35)
*(21) فضيلة الشيخ . ما تقولون في حديث ابن عمر قال . كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام ؟
الجواب :
هذا الحديث معلول وقد رواه أحمد و الترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه كلهم من طريق حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر .
وظاهر هذا الإسناد الصحة وقد صححه أبو عيسى الترمذي وابن حبان وآخرون .
وفي ذلك نظر ولا يصح الاعتماد على ظاهر الإسناد وقد قال أبو عيسى الترمذي في كتابه العلل سألت محمداً عن هذا فقال هذا حديث فيه نظر .
وقال الإمام يحيى بن معين رحمه الله . لم يحدث بهذا الحديث أحد إلا حفص وما أراه إلا وهم فيه وأراه سمع حديث عمران بن حُدير فغلط بهذا .
وقد اختلف الفقهاء في حكم الشرب قائماً .
فقيل محرم ويجوز لعذر يمنع من القعود وهذا اختيار الإمام ابن القيم لحديث أنس في صحيح الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائماً .
وفي رواية . نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب الرجل قائماً .
ورواه من حديث أبي سعيد الخدري .
وقيل هذا النهي منسوخ لحديث ابن عباس قال . سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم . رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما .
وفي صحيح البخاري من طريق عبد الملك بن ميسرة عن النزال قال : أتى عليّ رضي الله عنه على باب الرحبة فشرب قائماً فقال :( إن ناساً يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم وإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت ) . وقيل تحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه وهذا قول الطبري والخطابي والحافظ ابن حجر .
وقيل بجواز الأمرين دون كراهة والشرب قاعداً أفضل لأنه الأكثر في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الصحيح . والله أعلم .
,,,,,,
*(22) هل يجوز للأب أن يجبر ابنه العاقل على الزواج بفتاة لا يريدها؟
الجواب :(1/36)
ليس لأحد الأبوين أن يلزم الإبن على نكاح من لا يريد ولايحب لأن نتيجة هذا الزواج قد تكون الطلاق أو تصبح حياتهما ضرباً من النكد .
ولا يجب على الإبن طاعتهما في ذلك ولا يعتبر حينئذٍ عاقاً .
ولكن الواجب على الإبن أن يتلطف بالرفض ولا يرفع صوته عليهما ولا يُسمعهما قولاً سيئاً .
*(23) هل تجوز حضانة الكافر على المسلم ؟
الجواب :
لا تصح على الصحيح وهو قول أكثر أهل العلم وذلك لأمور :
الأول : أنّ الطفل ينشأ في حضن الكافر فلا يؤمن أن يهوَّده أو ينصره أو يمجسه وهذا ضرر محض يجب اجتنابه وتفادي خطره .
الثاني : أن الحضانة من أقوى أسباب الموالاة بين الطفل وحاضنه والله تعالى قد قطع الموالاة بين عدوه ووليه فالكفار بعضهم من بعض والمؤمنون بعضهم أولياء بعض فلا تصح حينئذٍ حضانة عدو الله للطفل المسلم .
الثالث : قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً } فقد نفى الله السبيل للكافر على المسلم .
وإذا وجد شيء من ذلك في دنيا الواقع فهو بخلاف الشرع ولا يجوز إقراره
الرابع : أن احتجاج بعض الفقهاء بحضانة الكافرة للولد المسلم بحديث رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ابنتي وهي فطيم أو شبهه وقال رافع ابنتي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( اقعد ناحية ) وقال لها(اقعدي ناحية).
وأقعد الصبية بينهما ثم قال ( ادعواها ) فمالت الصبية إلى أمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اهدها فمالت الصبية إلى أبيها فأخذها .
فهذا الخبر رواه أبو داود من طريق عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان ورواه النسائي من طريق عبد الحميد بن سلمة الأنصاري عن أبيه عن جده .
وفيه نظر وقد أعله غير واحد بالاضطراب .(1/37)
وقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله . إن هذا الحديث قد يُحتج به على صحة مذهب من اشترط الإسلام فإن الصبية لما مالت إلى أمها دعا النبي صلى الله عليه وسلم لها بالهداية فمالت إلى أبيها وهذا يدل على أن كونها مع الكفار خلافُ هُدى الله الذي أراده من عباده ولو استقر جعلها مع أمها لكان فيه حجة بل أبطله الله بدعوة رسوله .
*(24) فضيلة الشيخ ما تقولون في الحديث الوارد في دعاء الخروج من الخلاء . الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ؟
الجواب :
هذا الحديث لا يثبت فقد رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن وقتادة عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله ... الخ .
وإسماعيل بن مسلم متفق على تضعيفه وجاء نحوه من حديث أبي ذر مرفوعاً وموقوفاً وفيه اختلاف ولا يصح .
وفي الباب حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال . غفرانك . رواه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد من طريق مالك بن إسماعيل عن إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة وإسناده حسن .
ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجه من طريق يحيى بن أبي بكير .
وأبو داود من طريق هاشم بن القاسم كلاهما عن إسرائيل بلفظ كان إذا خرج من الغائط قال غفرانك .
,,,,,,,
*(25) ما درجة حديث ( ماء زمزم لما شرب له ) ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه أحمد في مسنده وابن ماجة من طريق عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وفيه ضعف فإن عبد الله بن المؤمل ضعيف الحديث قال الإمام أحمد رحمه الله . أحاديثه مناكير .
وقال أبو داود . منكر الحديث .
وقال ابن عدي . أحاديثه عليها الضعف بيّن .
وقال العقيلي في الضعفاء حين ذكر له هذا الخبر . لا يتابع عليه .(1/38)
وروى الفاكهي في أخبار مكة عن معاوية رضي الله عنه قال . زمزم شفاء هي لما شرب له وقد حسنه الحافظ ابن حجر في جزء جمعه حول هذا الحديث .
وفي إسناده عند الفاكهي محمد بن إسحاق الصيني شيخ الفاكهي وهو كذاب قاله ابن أبي حاتم .
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمزم . إنها مباركة إنها طعام طُعم .
وروى عبد الرزاق في المصنف عن الثوري عن ابن خُثَيم أو عن العلاء شك أبو بكر عن أبي الطفيل عن ابن عباس قال كنا نسميها شُباعة يعني زمزم .
وكنا نجدها نعم العون على العيال .
ورواه ابن أبي شيبة والأزرقي والفاكهي في أخبار مكة .
وروى عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه قال : زمزم طعام طعم وشفاء سقم .
وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن خُثَيم أن مجاهداً كان يقول . هي لما شربت له يقول تنفع لما شربت له .
هذه مجموعة من الأسئلة المقسمة على علم الحديث والفقه والعقيدة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان ابن ناصر العلوان في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 11 / 6 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
*(26) ما هو القول الصحيح في الحديث الوارد في الصلاة بعد الإشراق ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك و أبو أمامة وابن عمر وعائشة وغيرهم ولا يصح من ذلك شيء .
فحديث أنس رواه الترمذي في جامعه من طريق عبد العزيز بن مسلم حدثنا أبو ظلال عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ) قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب أي ضعيف .
وأبو ظلال ليس بشيء قاله يحيى بن معين وضعفه أبو دواد والنسائي وابن عدي وغيرهم .(1/39)
وحديث أبي أمامة رواه الطبراني في المعجم الكبير من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن موسى بن علي عن يحي بن الحارث عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة مرفوعاً .
وعثمان بن عبد الرحمن الحراني متكلم فيه بسبب روايته عن الضعفاء والمجاهيل .
وموسى بن علي ليس بمعروف .
والقاسم مختلف فيه وقد ضعفه جماعة بسبب الرواة عنه قال أبو حاتم : حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به وإنما ينكر عنه الضعفاء .
وتكلم فيه الإمام أحمد وضعفه الغلابي والعقيلي وابن حبان وقال يروي عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم المعضلات ويأتي عن الثقات بالأشياء المقلوبة حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها .
وحديث ابن عمر ذكره ابن حبان في كتابه المجروحين من طريق الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن ابن عمر مرفوعاً والأحوص ضعيف قاله أحمد بن حنبل وابن المديني ويحيى بن معين .
وحديث عائشة رواه أبو يعلى في مسنده وفيه جهالة ونكارة .
ولا أعلم حديثاً صحيحاً في الباب ولا ثبت عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا عن الأئمة المتبوعين من الأئمة الأربعة أن من جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس وصلى ركعتين حضي بأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة .
ومثل هذا تتوافر الهمم والدواعي على نقله فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجلسون في المصلى حتى ترتفع الشمس ثم يقومون رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي خيثمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة .
وحين لا يذكرون الصلاة ولا الأجر المترتب على ذلك وهو من الأهمية بمكان ... فيه دليل على أنه لا أصل للأحاديث الواردة في الباب .
وروى ابن أبي شيبة في المصنف من طريق منصور عن مجاهد أن عائشة كانت إذا طلعت الشمس نامت نومة الضحى . وهذا إسناده صحيح وليس فيه ذكر للصلاة بعد الجلوس وكأن الأمر غير معروف في ذاك الجيل العظيم .(1/40)
وذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الوليد بن مسلم قال رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ويخبرنا عن السلف أن ذلك كان هديهم فإذا طلعت الشمس قام بعضهم إلى بعض فأفاضوا في ذكر الله والتفقه في دينه .
والمنقول عن السلف في مثل هذا كثير مما هو دال ومؤكد على أن هذه الصلاة المذكورة بعد الشمس والأجر المترتب على ذلك ليس له أصل .
وهذا لا ينفي أن الصلاة بعد ارتفاع الشمس مشهودة محضورة والخبر في مسلم من حديث عمرو بن عبسة فهذا شيء وما نحن فيه شيء آخر والله أعلم .
*(27) ما حكم الصلاة على الميت الغائب ؟
الجواب :
الخلاف في هذه المسألة مشهور وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي حين توفي صلاة الغائب وخرج بأصحابه إلى المصلى فصفَّ بهم وكبر عليه أربعاً .
والحديث في البخاري ومسلم من طريق مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة .
فقالت طائفة يُصلَّى على كل ميت غائب وهذا مذهب الإمام الشافعي وأحمد في رواية واختار ذلك أبو محمد بن حزم رحمه الله .
وقالت طائفة أخرى . لا تصح الصلاة على الميت الغائب مطلقاً . وحديث أبي هريرة في صلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي خاص به وليس لأحد أن يفعل مثل ما فعل وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ورواية عن الإمام أحمد .
وقالت طائفة ثالثة . إذا مات الرجل الصالح صُلَّي عليه لصلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي وهذا منسوب للإمام أحمد رحمه الله ذكره عنه شيخ الإسلام كما في الاختيارات الفقهية وهو قول جماعة من متأخري العلماء .(1/41)
والقول الرابع : أن الغائب إذا مات ببلد لم يُصلَّ عليه صُلي عليه صلاة الغائب كما هو الحال في صلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي لأنه مات بين الكفار ولم يثبت أن صُلي عليه هناك ومثله الغريق والمفقود تحت هدم ونحوهما وإن صُلي عليه حيث مات لم تشرع صلاة الغائب عليه وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله في رواية واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وهو الصواب .
فقد توفي خلق كثير من أصحاب رسول لله صلى الله عليه وسلم . وهم غياب ولم يُصَلَّ عليهم .
وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم _ وأصحابه متفرقون في البلدان _ ولم يثبت عن أحد منهم الصلاة عليه .
وتوفي الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون ولم يذكر عن أحد من الصحابة والتابعين الغُيّب صلاة عليهم ومن القواعد المهمة في هذا الباب أن ما تركه رسول الله صلى الله وسلم وأصحابه من العبادات مع وجود المقتضي للفعل وزوال المانع فإنه واجب الترك وفعله بدعة .
وضبط هذه القاعدة يجلَّي كثيراً من البدع .
وقد كتبت في هذه المسألة رسالة بأطول من تلك وبينت واقع بعض المسلمين اليوم من التوسع في الصلاة على الغائب ولا سيما أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم من العلمانيين وأئمة الضلال ودعاة الفساد فإنا لله وإنا إليه راجعون .
,,,,,,
*(28) ما صحة الحديث الوارد في افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة؟
الجواب :
هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء من غير وجه وعن أكثر من صحابي .
وقد تكلم فيه بعض المتأخرين وأثار حوله بعض الإشكالات وليس هذا بشيء .
فالحديث محفوظ رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ) .(1/42)
وهذا سند صحيح وقد صححه الترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم .
وصح من حديث معاوية وفيه ( وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين . ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة) . رواه أبو داود في سننه .
وفي الباب عن عوف بن مالك رواه ابن ماجه .
وعبد الله بن عمرو بن العاص رواه الترمذي بسند ضعيف .
وأنس بن مالك رواه ابن ماجه وابن أبي عاصم في السنة .
وأبي أمامة رواه محمد بن نصر في السنة وابن أبي عاصم .
فهذه الأحاديث الثابتة تقتضي حتمية افتراق الأمة وأنه واقع لا محالة ولا ينجو من هذه الثلاث والسبعين فرقة غير واحدة وهي الجماعة فلا تزال منصورة ظاهرة حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى .
,,,,,,
*(29) ما تقولون في الحديث الوارد في لحوم البقر بأنها داء؟
الجواب :
هذا الخبر جاء بأسانيد منكرة عند الطبراني في المعجم الكبير والحاكم في المستدرك .
ورواه أبو داود في المراسيل من طريق زهير بن معاوية حدثتني امرأة من أهلي عن مليكة بنت عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا مرسل ضعيف .
ولم يثبت في النهي عن لحم البقر شيء .
وقد أحل الله لعباده لحم البقر وامتن به عليهم فمن المحال أن يمتن الله على عباده بما هو داء وضرر عليهم قال تعالى { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين } .
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن( النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر ) .
ولو كان لحمها داء لما جاز التقرب به لله فالذي يجب القطع به أن هذا الأثر باطل وليس لتصحيحه وجه معتبر وقد أجاد ابن الجوزي في قوله ( فكل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره ) .
,,,,,,
*(30) ما تقولون في تقسيم الشرك إلى ثلاثة أقسام أكبر وأصغر وخفي ؟
الجواب :
هذا التقسيم قاله طائفة من أهل العلم وفيه نظر والصحيح أن الشرك قسمان:
... ... ... ... 1- أكبر ... 2- وأصغر . ...(1/43)
والشرك الخفي منه ما هو أكبر كالنفاق الأكبر فإن المنافقين يظهرون الإسلام ويبطنون الشرك .
ومنه ما هو شرك أصغر وهذا مراتب متفاوتة وقد قرأت لبعض المتأخرين حين قسَّم الشرك إلى ثلاثة أقسام قال والشرك الخفي دون الأصغر .
وهذا الإطلاق بدون قيد غير صحيح وقد تقدم أن الشرك الخفي منه ما هو شرك أكبر وصاحبه لا تناله شفاعة الشافعين ولا رحمة أرحم الراحمين .
وقد كتب الله عليه الخلود في السعير قال تعالى { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } .
وقال تعالى { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البريّة } .
والشرك الأكبر هو تسوية غير الله بالله في شيء من خصائص الله .
والشرك الأصغر هو ما جاء في الأدلة الشرعية تسميته شركاً ولم يصل إلى الأكبر .
وقد قيل إن هذا الشرك لا يغفر فلا بدَّ أن يُعذّب صاحبه ولكنه لا يخلد في النار ذكر ذلك ابن مفلح في الفروع عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقد أشار إلى هذه المسألة في رده على البكري .
والقول الثاني : أن صاحب هذا الشرك تحت المشيئة وهو قول عامة العلماء وهو الصحيح .
فإن الله تعالى يقول { إن الله لا يغفر أن يشرك به } أي الشرك الأكبر{ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } يدخل فيه الشرك الأصغر . والله أعلم .
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 14 / 6 / 1421 هـ فأذن بنشرها .
*(31) ما حكم بدأ اليهود والنصارى بالسلام ؟
الجواب :
هذه المسألة محل اختلاف بين أهل العلم وقد قال الإمام الأوزاعي رحمه الله . إن سلّمت فقد سلّم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون .(1/44)
وقد جاء في صحيح مسلم من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . لا تَبدَؤا اليهود ولا النصارى بالسلام . فإذا لقيتم أحدَهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه .
وهذا دليل على النهي عن بدأ أهل الكتاب بالسلام وإليه ذهب أكثر أهل العلم.
وروى عن ابن عباس وأبي أمامة جواز ذلك وتأول بعض أهل العلم النهي الوارد في ذلك على أن معناه ليس عليكم أن تبدؤهم .
وفيه نظر فالأصل عدم الإضمار .
والحديث قوي الدلالة على تحريم بدأ اليهود والنصارى بالسلام .
فإن السلام اسم من أسماء الله تعالى وصفته فلا يحيى به غير المسلم .
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بدَأ اليهود والنصارى بالسلام وقد كان يكتب إلى ملوكهم . سلام على من اتبع الهدى .
ولا مانع من تكنية الكافر ومخاطبته بكلام غير السلام مع الحذر من الألفاظ الدالة على رضاه بدينه كقول بعض الجهّال متعك الله بدينك .
*(32) هل تجوز عيادة أهل الكتاب ؟
الجواب :
في هذه المسألة اختلاف بين الفقهاء فقيل تجوز مطلقاً وقيل تحرم وقيل تجوز العيادة بقصد دعوته وعرض الإسلام عليه .
وهذا توسط في المسألة فلا يصح المنع مطلقاً لأنه لم يرد في ذلك دليل بل هو خلاف الأدلة الصحيحة .
والقول بالجواز مطلقاً فيه شيء من النظر فلم يبق إلا جواز عيادته إذا كان يعرض عليه الإسلام أو يرتجيه .
وقد جاء في صحيح البخاري من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال . كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمَرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له . أسلم . فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم . فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول . الحمدلله الذي أنقذه من النار .
وهذا الحديث فيه فوائد:
الأولى : حُسنُ خُلقه صلى الله عليه وسلم .(1/45)
الثانية : حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية الخلق .
الثالثة : أن اليهود إذا مات على يهوديته كافر مخلد في النار وهذا لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم قال النبي صلى الله عليه وسلم . والذي نفسي بيده لاَ يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار .رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة.
الرابعة : عيادة اليهودي إذا رجيت المصلحة . قال أبو داود رحمه الله سمعت الإمام أحمد سئل عن عيادة اليهودي والنصراني ؟ قال إن كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام فنعم .
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءَه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قال رسول الله صلى لله عليه وسلم لأبي طالب ياعم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . أما والله لأستغفرنّ لك مالم أُنه عنك فأنزل الله تعالى فيه{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى .. } .
والحديث فيه دليل على عيادة القريب المشرك إذا رُجي إسلامه قال الفضل بن زياد سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الرجل المسلم يعود أحداً من المشركين ، قال : إن كان يرى أنه إذا عاده يعرض عليه الإسلام يقبل منه فليعده كما عاد النبي صلى الله عليه وسلم الغلام اليهودي فعرض عليه الإسلام .
,,,,,,
*(33) ما هو القول الصحيح في حكم الساحر ؟
الجواب :
السحر بكل أنواعه محرم في كل الشرائع ومجمع على تحريمه وتحريم تعلمه .(1/46)
وهو يخالف ما جاءَت به الرسل ويعارض ما أنزلت من أجله الكتب .
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الساحر كافر يجب على وليّ الأمر قتله .
قال تعالى { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر...}.
وقال { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } أي بعمل السحر فثبت أن هذا كفر .
وذهب أكثر فقهاء الشافعية إلى أن الساحر لا يكفر إلا إذا اعتقد إباحة السحر أو اعتقد مثل ما يعتقده أهل بابل من التقرب للكواكب السبعة .
وفيه نظر ولا دليل على اشتراط الاعتقاد .
والصحيح أن الساحر كافر سواء اعتقد تحريمه أو لم يعتقد فمجرد عمل السحر كفر وهذا ظاهر الأدلة وليس في النصوص الأخرى ما يعارضها .
وحين يثبت وصف السحر على شخص ما فإنه يقتل وجوباً فقد ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة ولكن ليس لآحاد الناس إقامة الحدود دون أمر السلطان أو من يقوم مقامه لأنه يترتب على إقامة الحدود دون ولاة الأمور فساد وزعزعة للأمن وذهاب هيبة السلطان .
,,,,,,
*(34) ما الحكم فيمن حلف أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً ؟
الجواب :
من حلف أن يفعل كذا وكذا فنسيه أو حلف أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً أو جاهلاً بأنه المحلوف عليه فلا حنث عليه ويمينه باقية .
وقيل إن حلف على نفسه أو غيره يقصد منعه أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً أو جاهلاً حنث في الطلاق والعتاق دون اليمين بالله تعالى .
وفيه نظر ولا دليل على هذا الاستثناء .
والصحيح القول الأول وأنه لا يحنث بالجهل والنسيان ويمينه باقية قال تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } .
وإن حلف بالله إن فعلت كذا وكذا فامرأتي طالق أو فعليّ صيام شهر أو عليّ الحج ، فهذه الأيمان فيها للعلماء مذاهب:
1- قيل إذا حنث لزمه ما حلف به .
2- وقيل لا يلزمه شيء .(1/47)
3- والقول الثالث تجزئه كفارة يمين وهذا أقرب الأقوال إلى الدليل واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية لأن الله يقول { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } .
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إني واللهِ إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ) .
*(35) هل صح قتل الوزغ باليد ؟ وهل ثبت في قتله أجر ؟
الجواب :
قتل الوزغ مشروع بأدلة كثيرة وذلك بألة ونحوها وليس في شيء من الروايات تخصيص اليد أو الندب إلى قتله باليد المباشرة ولا أظن ذلك صحيحاً ولا وارداً فمثل هذا بعيد عن هدي الإسلام ومعالي الأخلاق .
وفي الصحيحين وغيرهما من طريق سعيد بن المسيب أن أم شريك أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ وفي رواية البخاري قال ( كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام ).
وفي صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسمّاه فويسقاً .
وقتل الوزغ في أول ضربة أكثر أجراً وثواباً من قتله في المرة الثانية جاء هذا في صحيح مسلم من طريق خالد بن عبد الله عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قتل وزَغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة . ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة لدون الأولى وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية ) .
هذه مجموعة من الأسئلة في الحديث والفقه أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 1 / 3 / 1422 هـ فأذن بنشرها .(1/48)
*(36) فضيلة الشيخ ما هو القول الراجح في كيفية صلاة الاستسقاء هل تقدم الخطبة على الصلاة كهيئة صلاة الجمعة أم تقدم الصلاة على الخطبة كهيئة صلاة العيدين ؟
الجواب :
اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين:
الأول : تقديم الصلاة على الخطبة وهذا مذهب مالك ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في رواية عنه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا وحوّل وجهه نحو القبلة رافعاً يديه ثم قلب رداءَه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن . رواه ابن ماجة وابن خزيمة وغيرهما من طريق النعمان بن راشد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وسنده ضعيف وقد أخطأ في هذا الحديث النعمان وذكره عن الزهري على غير وجهه .
وقد قال الإمام ابن خزيمة في صحيحه ( في القلب من النعمان بن راشد فإن في حديثه عن الزهري تخليطاً كثيراً .
واحتج أصحاب هذا القول بروايات أخرى بعضها صحيح ولكنه غير صريح الدلالة على تقديم الصلاة على الخطبة ، والبقية أحاديث ضعيفة لا يصح الاحتجاج بشيء منها .
القول الثاني : تقديم الخطبة على الصلاة كالجمعة وهو عمل أهل المدينة في القديم ، وقال به الليث بن سعد وأحمد في رواية عنه والإمام بن حزم وهو ظاهر الأدلة الصحيحة قال عبد الله بن زيد رضي الله عنه . خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي ، فتوجه إلى القبلة يدعو وحوّل رداءَه ثم صلى ركعتين جهر بهما في القراءَة . رواه البخاري ومسلم وقد ترجم له النسائي في سننه ( باب الصلاة بعد الدعاء ) وترجم له ابن خزيمة في صحيحه (باب الخطبة قبل صلاة الاستسقاء ) .(1/49)
وروى أبو داود في سننه من طريق يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت . شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه . قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال : إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه ، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم . ثم قال : الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين ، لا إله إلا الله يفعل ما يريد . اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين . ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ، ثم حوّل إلى الناس ظهره وقلب رداءَه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين .... الحديث . قال عنه أبو داود هذا حديث غريب إسناده جيد وأهل المدينة يقرؤون ( ملك يوم الدين ) وهذا الحديث حجة لهم ) .
والحديث فيه دلالة على تقديم الخطبة على الصلاة خلاف المعمول به في هذه العصور من تقديم الصلاة على الخطبة .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز التقديم والتأخير بلا أولوية . وفيه نظر فقد دلت السنة الصحيحة على أنه صلى الله عليه وسلم يقدم الاستغفار والدعاء على الصلاة فالعمل بذلك أتبع وأقرب إلى الحق .
,,,,,,
*(37) هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد يوم للخروج إلى صلاة الإستسقاء؟
الجواب :(1/50)
جاء في سنن أبي داود بسند لا بأس به من حديث عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوماً يخرجون فيه قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس .. الحديث ودلالته ظاهرة على تحديد يوم للخروج إلى صلاة الاستسقاء ... غير أنه لم يثبت تسمية هذا اليوم وقد استحب غير واحد من أهل العلم تحديد يوميّ الإثنين والخميس لأن الأعمال تعرض فيهما على الله تعالى ولأنهما وقت فضيلة للصيام فيجمع المسلمون بين الصيام والاستسقاء فيكون الدعاء حينئذٍ أقرب للإجابة .
ويحتمل عدم مشروعية تقصد هذين اليومين دون بقية الأيام لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة وهذا هو الصواب فلا يشرع تقصد يوم دون آخر بدون نص فالمشروع هو تحديد يوم يخرجون فيه فقد يوافق يوم الإثنين وقد يوافق يوماً آخر مراعاة لمصالح الناس وحاجاتهم .
,,,,,,
*(38) ما حد الغيبة وما حكمها ؟
الجواب:
الغيبة هي أن يذكر الإنسان عيب أخيه المسلم في غيبته بما يكرهه لو بلغه من غير حاجة لذلك.
فقولي : أن يذكر عيب أخيه: هذا يخرج الحديث عن الغير بالمدح والثناء .
وقولي : المسلم : يخرج بذلك الكافر فلا غيبة له .
وقولي: في غيبته : أخرج بذلك الحاضر فالحديث عنه لا يسمى غيبة في أصح قولي العلماء .
وقولي : بما يكرهه لو بلغه: خرج بذلك ما رضي به .
وقولي : من غير حاجة لذلك : خرج بذلك ما كان لمصلحة شرعية كالتحذير من المبتدع لتتقى بدعته .
ويجب في ذلك مراعاة أمور:
الأول : الإخلاص لله تعالى وإرادة وجهه .
الثاني : مراعاة المصلحة في ذلك .
الثالث : أن يكون الحديث مقصوراً على موضع الزلل دون تجاوزه إلى غيره بدون فائدة .(1/51)
وقد اتفق العلماء على تحريم الغيبة بدون مصلحة وجزم أكثرهم على أنها من الكبائر وهي مراتب متفاوتة بعضها أشد من بعض فمن اغتاب عالماً ليس كمن اغتاب جاهلاً قال تعالى { ... وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) } .
وفي صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال( ذكرك أخاك بما يكره )قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) .
وروى أبو داود في سننه من طريق نوفل بن مساحق عن سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( إن دماءَكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه ) .متفق عليه من حديث أبي بكرة.
ومن أقبح أمور الغيبة وأشدّها حرمة تنقص المسلم واحتقاره وازدراؤه وبذل الجهد في إهانته وإسقاط حرمته والنيل من عرضه . فهذا الخلق الذميم والداء العظيم كبيرة من كبائر الذنوب وصاحبه معرض للوعيد والبطش الشديد .
,,,,,,
*(39) توفي رجل عن زوجة حامل فوضعت قبل أن يُغسَّل فهل يجوز للمرأة أن تليه في الغسل ؟
الجواب :
حين وضعت المرأة أصبحت أجنبية عن الزوج فيحرم عليها تغسيله .
فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم أن تغسل المرأة زوجها ما دامت في عصمته كأن يموت عنها حاملاً وغسلته قبل الوضع أو لم تكن حاملاً فتغسله ما دامت في العدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام وأما حين وضعت قبل أن تغسله فيحرم عليها تغسيله فقد أصبحت أجنبية وحلّت للخطاب باتفاق أهل العلم .(1/52)
قال تعالى { وَأُولاَتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وحكى ابن المنذر الإجماع على أن عدة الحامل أن تضع حملها ... وحينئذٍ يسقط الإحداد عنها فلها أن تتزوج وتتجمل بما شاءَت .
*(40) ما تقولون في حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن السني في عمل اليوم والليلة والطبراني في الكبير وغيرهم من طريق محمد بن حمير عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وإسناده لا بأس به وقد صححه ابن حبان في كتاب الصلاة والمنذري وابن عبد الهادي وابن كثير .
وقد بالغ ابن الجوزي فأورده في كتابه الموضوعات ولا يوافق على ذلك .
والحديث تفرد به محمد بن حمير عن الألهاني .
وهذا يحتمل التعليل ولا سيما أن الفسوي رحمه الله قال . محمد بن حمير ليس بالقوي .
وخالفه ابن معين فقال ثقة وقال الإمام أحمد . ما علمت إلا خيراً . وقال النسائي ليس به بأس .
والحديث جيد الإسناد وليس من صحاح الأخبار ومثله يقبل وذلك لأمور:
الأول : أن الإمام النسائي رحمه الله رواه ولم يعله وأورده في المختارة وصححه .
الثاني : أن الحديث ليس من أصول الأحكام .
الثالث : أن تفرد الصدوق بالحديث يقبل إذا دلت قرينة على ضبطه وتفرد محمد بن حمير من هذا ، وقد جاء للحديث شواهد من حديث المغيرة ابن شعبة وأبي مسعود وعلى بن أبي طالب ولا يصح من ذلك شيء والله أعلم .
,,,,,,
*(41) فضيلة الشيخ سمعت من بعض العامة أنّ أم الأولاد لا تطلق فهل يصح هذا وهل قال به أحد من أهل العلم ؟
الجواب :(1/53)
هذا الكلام من الهذيان وليس له أصل في الشرع ولا أظن عالماً أو طالب علم يفتي بمثل هذا الباطل وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على أن الرجل إذا طلق زوجته صغيرة أو متوسطة العمر أو من القواعد في طهر لم يمسها فيه أو حاملاً قد تبين حملها أنها تطلق قال تعالى في المطلقات ذوات الحيض{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } .
وقال تعالى في المطلقات اللاتي انقطع عنهن الحيض { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ... } وقال بعد ذلك في المطلقات ذوات الحمل{ وَأُولاَتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ...} .
فإن كانت الطلقة الثالثة فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، وإن كانت الأولى أو الثانية فيشهد شاهدين ويراجعها وقد روى أبو داود في سننه من طريق يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله أن عمران بن حصين . سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال : طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة . أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تَعُدْ .
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته وقد تم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 11 / 3 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
*(42) شخص طلق زوجته طلاقاً رجعياً وقبل أن تنقضي عدتها أراد مراجعتها فهل يجب رضاها بذلك ؟
الجواب :
لا يلزم رضاها فالزوج يملك رجعتها ما دامت في العدة رضيت أو لم ترض ولا أعلم في ذلك خلافاً .
وقد ذكر ابن المنذر رحمه الله في كتابه الإجماع أن العلماء متفقون على أن الرجعة إلى الرجل ما دامت في العدة وإن كرهت ذلك المرأة .(1/54)
غير أنه يحرم على الزوج أن يرتجعها ليضرَّ بها أو كي تفتدي منه بعوض قال تعالى { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ } وقال تعالى { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } .
وكما أن هذا الإضرار محرم على الرجال هو أيضاً محرم على النساء فمن المحرمات أن تؤذي المرأة زوجها وتسيء معاملته وتمنع منه نفسها كي يطلقها بدون عوض فلا يشاق أحدهما الآخر .
فإذا أبغض الرجل زوجته فليمسكها بالمعروف أو يطلقها بإحسان وإذا كرهت المرأة زوجها وأبغضته ولم تقم بحقه ولم تقدر على معاشرته فلها أن تفتدي منه بما أعطاها دون أذيته وتوليد العداوات .
وقد جاء في صحيح البخاري من طريق خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله . ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلُق ولا دين ولكنّي أكرهُ الكفرَ في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته . قالت نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل الحديقة وطلقها تطليقة .
وفي رواية أيوب عن عكرمة عن ابن عباس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تردين عليه حديقته فقالت نعم فردّت عليه وأمره ففارقها .
وأصح قولي العلماء أن الخلع فسخ وليس بطلاق فتعتد المرأة بحيضة واحدة . وهذا قول أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وابن عمر وابن عباس وقال به إسحاق وأحمد في رواية واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .
,,,,,,
*(43) ما حكم الوضوء من لحوم الإبل ؟
الجواب :(1/55)
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالوضوء من لحوم الإبل وجاء هذا في صحيح مسلم من طريق جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ . قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم ، فتوضأ من لحوم الإبل .
وجاء نحوه من حديث البراء بن عازب رواه أحمد وأبو دواد والترمذي وابن ماجة وابن الجارود وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن المنذر .
وهذا مذهب ابن عمر وأفتى به محمد بن إسحاق وإسحاق والإمام أحمد وقال . فيه حديثان صحيحان حديث البراء وحديث جابر بن سمرة .
وقال بذلك الإمام ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم .
بينما ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الوضوء من لحوم الإبل غير واجب وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وذكره ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سويد بن غفلة وعطاء وطاووس ومجاهد .
وذكره بعض أهل العلم عن الخلفاء الراشدين وهذا فيه نظر فلا يصح عن أحد منهم أنه أسقط الوضوء من لحوم الإبل .
وقد احتج أهل هذا المذهب بما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق شعيب بن أبي حمزة عن محمد ابن المنكدر عن جابر بن عبد لله قال : كان آخرُ الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء ممّا مست النار .
وهذا الخبر لا يصح الاحتجاج به على الرخصة في ترك الوضوء من لحوم الإبل وذلك لوجهين :
الأول : أنه عام ويمكن تخصيصه بحديثي البراء وجابر بن سمرة ولا سيما إذا عُلم أن الوضوء مما مست النار كان واجباً .
الثاني : أن هذا الخبر معلول ولا يصح متنه وهذا قول أهل هذا الشأن قال الإمام أبو حاتم رحمه الله : هذا حديث مضطرب المتن إنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ولم يتوضأ كذا رواه الثقات عن محمد بن المنكدر عن جابر ويحتمل أن يكون شعيب حدّث به من حفظه فوهم فيه .(1/56)
وقال الإمام أبو داود رحمه الله في سننه وهذا اختصار من الأول يعني حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل خبزاً ولحماً ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ .
وذكر نحو هذا الإمام ابن حبان رحمه الله .
,,,,,,
*(44) ما حكم لبس خاتم الذهب للرجال ؟
الجواب :
خاتم الذهب محرم على الرجال في قول أكثر أهل العلم وقد جاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب .
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال : يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده . فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ خاتمك انتفع به قال : لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإذا كان الخاتم يلبس للخطوبة فهو أشد إثماً وأعظم ضلالاً فإن اللابس يجمع بين ذنبين كبيرين :
الأول : ارتكاب النهي الصريح الصحيح في نهي الرجال عن لبس الذهب وتحليهم به .
الثاني : التشبه بالنصارى والمشابهة في الظاهر تورث المودة في الباطن وهذا بلاء عظيم وداء قبيح .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال .من تشبه بقوم فهو منهم رواه أحمد من حديث ابن عمر .
وقد بلغني عن مجموعة من الجهّال أنهم يلبسون الخاتم دفعاً للعين واعتقاداً أنه يؤلف بين الزوجين ويكفيهما عين كل حاسد وهذا جهل بالدين وبتوحيد رب العالمين قال تعالى { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .(1/57)
وقال تعالى { قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } .
وكل من جعل من الأشياء سبباً لجلب نفع أو دفع ضر ولم يدل على ذلك دليل شرعي ولا قدري فقد أشرك بالله وهذا الشرك قد يكون أكبر وقد يكون أصغر على حسب قصد لا بسها نسأل الله السلامة والعافية .
,,,,,,
*(45) فضيلة الشيخ ما هي الفوائد المستفادة من قوله صلى الله عليه وسلم ( غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث قال كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك)؟
الجواب :
هذا الحديث متفق على صحته من حديث أبي هريرة وفيه دروس وعبر ومعاني وعلوم وإليك أهم المهمات من المعاني والفوائد :
1- سعة رحمة الله تعالى قال تعالى { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } .
2- فيه معنى قوله تعالى { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } .
3- فيه الرد على الخوارج المكفرين بمطلق الذنوب .
4- فيه إثبات صفة المغفرة لله تعالى والرد على المعطلة .
5- فيه مشروعية الإحسان إلى الدواب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ..) الحديث رواه مسلم في صحيحه من حديث شداد ابن أوس رضي الله عنه .
6- فيه أن قليل الخير يحصل به كثير الأجر وقد جاء في صحيح البخاري من طريق مالك عن سُمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( بينما رجل يمشي بطريق وجد غُصن شوك على الطريق فأخذه فشكر الله له فغفر له ).
7- فيه عدم اليأس من رحمة الله وعفوه فقد سبقت رحمة الله غضبه صح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم .. رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة .(1/58)
8- فيه قبح الزنا وعظيم حرمته وقد قال تعالى { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } .
9- فيه أن الله يرحم من عباده الرحماء وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) .
10- فيه مشروعية إبهام اسم الزانية والزاني حيث قال صلى الله عليه وسلم ( غفر لامرأة ) فلم يذكر اسمها ولا قبيلتها حيث لا فائدة من ذلك .
,,,,,,
*(46) ما هي آخر مدة النفاس ؟
الجواب :
في ذلك خلاف بين أهل العلم:
1- فقال أكثر أهل العلم إن أكثر النفاس أربعون يوماً فإذا تجاوز الدم ذلك فهو استحاضة إلا إذا صادف عادة حيضها وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية وهي المشهورة من مذهبه وحكاه الترمذي في جامعه عن سفيان وابن المبارك وإسحاق وأكثر أهل العلم .
2- وقال مالك والشافعي وأحمد في رواية أكثره ستون يوماً .
3- وقال الحسن البصري تجلس أربعين يوماً إلى خمسين فإن زاد فهي استحاضة .
4- وقيل غير ذلك من الأقوال وهي اجتهادات ليس على شيء منها دليل صحيح إلا القول الأول فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال . النفساء تنتظر نحواً من أربعين يوماً . رواه ابن الجارود في المنتقى .
وقد روى أحمد و أبو داود والترمذي وابن ماجة من طريق مسة الأزدية عن أم سلمة قالت : كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف .
وهذا الإسناد مختلف فيه وقد ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام والإمام ابن حزم . وصححه الحاكم وحسنه النووي وغيره .(1/59)
قال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار ليس في مسألة أكثر النفاس موضع للاتباع والتقليد إلا من قال بالأربعين فإنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخالف لهم منهم . وسائر الأقوال جاءَت عن غيرهم ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم والنفس تسكن إليهم فأين المهرب عنهم دون سنة ولا أصل . وهذا القول هو الصواب وذلك لأمور :
الأول : أنه قول الصحابة ولا مخالف لهم .
الثاني : أنه لا بد في المسألة من تحديد أيام تجلس فيها النفساء ولا يمكن تجاوز قول الصحابة إلى غيرهم .
الثالث : أنه قول الأطباء وهم من أهل الاختصاص في معرفة الدم فاتفق قولهم مع رأي ابن عباس وقول أكثر أهل العلم .
وأما أقل النفاس فلا حدَّ له في قول أكثر أهل العلم فإذا رأت النفساء الطهر وهو انقطاع الدم وجب عليها أن تغتسل وتصلي .
وقد ذكر الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله في جامعه إجماع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَنْ بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي .
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 30/1/1422 هـ فأذن بنشرها .
...
*(47) فيه رجل يريد أن يتزوج ابنته من الزنا فما حكم ذلك ؟
الجواب :
هذا محرم ومنكر من الفعل وقد أنكره أكثر أهل العلم وشدّد فيه الإمام أحمد رحمه الله وقال في الرجل يزني بامرأة فتلد منه ابنة فيتزوجها فاستعظم ذلك وقال يتزوج ابنته !!! عليه القتل .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :( مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز التزوج بها وهو الصواب المقطوع به .. ) .(1/60)
وقال ابن القيم رحمه لله في زاد المعاد ( وقد دل التحريم بلبن الفحل على تحريم المخلوقة من ماءِ الزاني دلالة الأولى والأحرى ، لأنه إذا حرم عليه أن ينكح من قد تغذّت بلبن ثارَ بوطئه ، كيف يحل له أن ينكح من قد خُلق من نفس مائه بوطئه !! وكيف يحرّم الشارع بنته من الرضاع لما فيها من لبن كان وطء الرجل سبباً فيه ثم يبيح له نكاح من خلقت بنفس وطئه ومائه !! . هذا من المستحيل فإن البعضية التي بينه وبين المخلوقة من مائه أكمل وأتم من البعضية التي بينه وبين من تغذت بلبنه فإن بنت الرضاع فيها جزء ما من البعضية .
والمخلوقة من مائه كاسمها مخلوقة من مائه فنصفها أو أكثرها بعضه قطعاً ، والشطر الآخر للأم . وهذا قول جمهور المسلمين ولا يعرف في الصحابة من أباحها ... ) .
وقد جاء عن بعض أهل العلم جواز نكاح البنت من الزنا باعتبار أنها ليست بنتاً في الشرع ودليل ذلك أنهما لا يتوارثان . وهذا ضعيف فإن النسب تتبعض أحكامه وأمثلته كثيرة .
وكونهما لا يتوارثان لا يعني جواز النكاح بينهما بدليل البنت من الرضاع لا يجوز نكاحها بالإجماع وهما لا يتوارثان بالإجماع .
وقد قال تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } والآية عامة في كل من شمله لفظ البنت .
ولم يثبت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة نقل هذا العموم عن عمومه فشمل كل بنت من نكاح أو زنا .
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على تحريم الأم على ابنها من الزنا فأيّ فرق بين هذه الصورة وبين البنت مع والدها فالبنت بعضها من الأب والإبن كذلك بعضه من الأم فلا فرق بين المسألتين .
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة جريج حين استنطق الولد المخلوق بماء حرام فقال من أبوك قال :( راعي الغنم ) .(1/61)
وهذا فيه دلالة صريحة على نسبة ابن الزنا لأبيه وأما حديث ( لا يحرم الحرام إنما يحرم ما كان بنكاح حلال ) فهو حديث منكر رواه ابن عدي في الكامل والدار قطني والبيهقي وغيرهم وقد تفرد به عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك الحديث وقد نقل عن ابن معين أنه كذّبه وقال الإمام أبو حاتم رحمه الله . هذا حديث باطل .
,,,,,,
*(48) ما تقولون في مسافر يصلي خلف مقيم ؟
الجواب :
لا مانع من كون المسافر يصلي خلف المقيم سواء اختلفت هيئة الصلاة أم لا . واختلاف النية غير مؤثر غير أن المسافر إذا أدرك مع الإمام دون الركعة فإنه يصلي قصراً .مثال ذلك : مسافر أدرك مع الإمام التشهد الأخير من صلاة الظهر فحينئذٍ يصلي الظهر ركعتين ، فهذه صلاته إذا لم يدرك ركعة فأكثر .
وأما إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة فأكثر فإنه يتم وجوباً وهذا مذهب أكثر أهل العلم وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما .
وفي صحيح مسلم من طريق شعبة عن قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي قال سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أُصل مع الإمام فقال ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .
وفي صحيح مسلم من طريق نافع قال كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً وإذا صلاّها وحده صلى ركعتين .
وروى البيهقي في السنن من طريق سليمان التميمي عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر : المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم يعني المقيمين أتجزيه الركعتان أو يصلي بصلاتهم ؟ قال فضحك وقال يصلي بصلاتهم .
وإذا اختلفت هيئة الصلاة كأن يصلي المسافر صلاة المغرب خلف مقيم يصلي العشاء فإنه حينئذٍ يجلس بعد الثالثة .
وهل يكمل صلاته وينصرف أم ينتظر الإمام حتى يتم صلاته ويتشهد معه ويسلم ؟
لكل من هذين القولين احتمال والأقرب في نظري الاحتمال الثاني وهو الانتظار .(1/62)
وإذا كان العكس كأن يصلي المسافر صلاة العشاء خلف مقيم يصلي المغرب ، فالذي يظهر لي في هذه المسألة أنه يصلي ركعتين ويجلس حتى يتم الإمام صلاته ويتشهد ويسلم معه والله أعلم .
... ... ,,,,,,
*(49) ما الحكم في رجل دخل عليه وقت صلاة الظهر وسافر فهل له القصر؟
الجواب :
إذا دخل عليه وقت الصلاة وخرج من البلد فإنه يصلي صلاة مسافر وهو قول الجمهور كأبي حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد ، لأن الحكم للمكان لا للزمان .
وقيل ليس له القصر لأنها وجبت عليه في الحضر فلزمه إتمامها وهذا أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وهذا القول فيه ضعف وينتقض بما لو دخل عليه الوقت في السفر ولم يصل حتى رجع إلى بلده فإنه يصلي صلاة مقيم عند الحنابلة وغيرهم فبان أن الحكم للمكان لا للزمان فحيثما صلى اعتبر مكانه فإن صلى في السفر فإنه يصلي صلاة مسافر وإن صلى في الحضر صلى صلاة مقيم .
,,,,,,
*(50) ما تقولون في رجل عدم الماء فتيمم وصلى وحين فرغ من صلاته وجد الماء ؟
الجواب :
الصحيح في هذه المسألة أن الصلاة مجزئة وهو قول أكثر أهل العلم و إليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد .
وذهب ابن سيرين والزهري وغيرهما إلى أنه يعيد الصلاة ما دام في الوقت.
والصحيح مذهب الجمهور فقد سقط الفرض بالتيمم حين العجز عن الماء وقد اتقى المصلي ربه وعمل بالبدل حين تعذر الأصل وهذا المشروع في حقه ولا يلزم إعادة الصلاة مرة ثانية لأن هذا غير مشروع وقد ورد النهي عن ذلك فروى أبو داود من طريق عمرو بن شعيب عن سليمان مولى ميمونة عن ابن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ) .(1/63)
وروى البيهقي في السنن الكبرى عن أبي الزناد قال كان من أدركت من فقهائنا الذين يُنتهى إلى قولهم منهم سعيد بن المسيب فذكر الفقهاء السبعة من المدينة وذكر أشياء من أقاويلهم وفيها وكانوا يقولون (من تيمم فصلى ثم وجد الماء وهو في وقت أو في غير وقت فلا إعادة عليه ويتوضأ لما يستقبل من الصلوات ... ) .
وروى أبو داود في سننه من طريق عبد الله بن نافع عن الليث بن سعد عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمّما صعيداً طيباً فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يُعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يُعد : أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للذي توضأ وأعاد : لك الأجر مرتين .
قال أبو داود رحمه الله . وغير ابن نافع يرويه عن الليث عن عميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ هو مرسل .
*(51) فضيلة الشيخ إذا صلت المرأة صلاة الجمعة خلف الإمام في المسجد فهل تصلي ركعتين كصلاة الإمام أم أنها تتم أربعاً بعد سلام الإمام ؟
الجواب :
ذكر الإمام ابن المنذر في كتابه الإجماع أن العلماء مجمعون على أن النساء إذا حضرن الإمام فصلين معه أن ذلك يجزئ عنهن .
وإذا أدركت من صلاة الجمعة ركعة فلتصل إليها أخرى وتصح صلاتها وإذا لم تدرك ركعة أو صلت في بيتها فلتصل أربعاً .
وقد جاء عن عبد الله بن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا إذا أدركتَ من الجمعة ركعة فأضف أخرى وإن أدركتهم جلوساً فصل أربعاً .
وحكى ابن المنذر الإجماع على أن من فاتته الجمعة من المقيمين أنهم يصلون أربعاً .(1/64)
وجاء عن أبي حنيفة وجماعة من أهل العلم أنه إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام فإنه يصلي ركعتين وإذا لم يدرك الإمام في صلاته فإنه يصلي أربعاً باتفاقهم .
,,,,,,
*(52) ما حكم السجود للسهو وما هي مواضعه ؟
الجواب :
السجود للسهو في نقص أو زيادة أو شك واجب في أصح قولي العلماء فقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به .
والأصل في الأمر أن يكون للإجاب مالم يصرفه صارف .
وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم تارة قبل السلام وتارة بعده .
فقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله السجود كله بعد السلام .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله كله قبل السلام .
وفصّل في ذلك الإمام مالك فقال إذا كان السهو عن نقص في الصلاة فيسجد قبل السلام وإذا كان عن زيادة في الصلاة فيسجد بعد السلام ولا خلاف في مذهب مالك أنه لو جعل السجود كله قبل السلام أو كله بعد السلام لم يكن عليه شيء وهذا مذهب أكثر أهل العلم .
وأما مذهب الإمام أحمد رحمه الله فقد اختلفت الروايات عنه فقيل قبل السلام كمذهب الشافعي وعنه بعد السلام كمذهب الإمام مالك .
وعنه يسجد قبل السلام في كل شيء إلا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد بعد السلام وقال لولا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد بعد السلام لرأيت السجود كله قبل السلام لأنه من شأن الصلاة فيقضيه قبل السلام وهذا مذهب قوي لأنه مبني على الأصل غير أنه لا بأس بالسجود قبل السلام في سهو محله بعد السلام ويمتنع العكس لأنه لا يخرج عن الصلاة قبل أن يقضي ما عليه فإن فعل صحت صلاته على الصحيح .
ومواطن سجوده صلى الله عليه وسلم بعد السلام ثلاثة :
1- سجد بعد السلام حين خرج من الصلاة قبل إتمامها وحديث هذه المسألة في الصحيحين من رواية أبي هريرة في قصة ذي اليدين .
2- وسجد صلى الله عليه وسلم بعد السلام حين زاد ركعة ولم يعلم بها حتى سلم من صلاته جاء هذا في حديث ابن مسعود في الصحيحين .(1/65)
3- وقال صلى الله عليه وسلم . إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم ثم يسلم ثم يسجد . جاء هذا في الصحيحين من حديث ابن مسعود .
ولا تنافي بين هذا وبين حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم .
فهذا محمول على من بنى على اليقين وحديث ابن مسعود فيمن تحرى وبنى على غلبة الظن .
فالإمام يبني على غلبة الظن ويسجد بعد السلام .
والمنفرد يبني على اليقين ويسجد قبل السلام .
والفرق بينهما أن الإمام يجد من ينبهه ويرشده إلى الصواب وحينئذٍ فالأفضل في حقه أن يبني على غلبة الظن . بخلاف المنفرد فيبني على اليقين وهو الأقل حتى يخرج من الصلاة بيقين والله أعلم .
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتمّ تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 2 / 4 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
*(53) ما حكم النوم بعد صلاة العصر وما درجة الحديث الوارد في النهي عن ذلك ؟
الجواب :
لا بأس بالنوم بعد صلاة العصر ولا حرج في ذلك فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نهي عن ذلك والأصل الإباحة .
ولا حرام إلا ما حرّمه الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن حكم على أمر ما بالتحريم أو الإيجاب بدون دليل فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله .
والحديث المشهور ( من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومنّ إلا نفسه ) ليس له سند ثابت .
وقد رواه أبو يعلى وغيره من حديث عائشة وروي من حديث عبد الله بن عمرو وأورده ابن الجوزي في الموضوعات .
وقد قيل لليث بن سعد . تنام بعد العصر وقد روى ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . فذكر الخبر .(1/66)
فقال الليث : لا أدع ما ينفعني لحديث ابن لهيعة .
,,,,,,
*(54) ما صحة حديث : لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه أبو داود في سننه من طريق سليمان بن معاذ التميمي عن ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله .
وهذا إسناد ضعيف . فيه سليمان بن قرم بن معاذ تكلم فيه الأئمة . فقال ابن معين : ضعيف .
وقال أبو زرعة : ليس بذاك .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
وروى الطبراني في معجمه الكبير عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سُئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجراً ) .
وهذا لا يصح أيضاً وقد ضعفه ابن منده في كتابه الرد على الجهمية ، وقال: وذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل بوجه الله واستعاذ بوجه الله وأمر من يُسْأل بوجه الله أن يُعطي .. من وجوه مشهورة بأسانيد جياد ورواها الأئمة عن عمار بن ياسر وزيد بن ثابت وأبي أسامة وعبد الله بن جعفر وغيرهم .
وهذا هو الصواب والأصل جواز السؤال بوجه الله الجنة وغيرها ولا يصح الخروج عن هذا الأصل إلا بدليل صحيح والله أعلم .
,,,,,,
*(55) فضيلة الشيخ : ما تقولون في الحدود هل هي كفارات أم لا ؟
الجواب :
الصحيح أن الحدود كفارات وهو مذهب الشافعي وأحمد وجماهير العلماء وقد دل على ذلك حديث عبادة المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( با يعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ) .
وفي رواية لمسلم ( ومن أتى منكم حداً فأقيم عليه فهو كفارته ) وهذا صريح في أن الحدود كفارات .(1/67)
فإن قيل جاء في مستدرك الحاكم من طريق عبد الرازق عن معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . ما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا .
فيقال هذا الخبر لا يصح وقد أعله البخاري والدارقطني والصحيح إرساله .والعمل عند أكثر أهل العلم على حديث عبادة .
وظاهره أن الحدود كفارات ولو لم يتب من الذنوب .
فإن الحد مطهر للذنب وهذا قول جماعة من العلماء وقد روى عن جماعة من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين وهو مذهب الشافعي وأحمد وابن جرير الطبري .
وقال جماعة من العلماء . الحدود ليست كفارة ما لم تقترن بالتوبة والأول أصح .
وقد استثنى بعض العلماء حق المقتول فقال إنه لا يسقط باستيفاء الوارث لأن المقتول لم يصل إليه حقه .
وقال ابن القيم في الجواب الكافي . التحقيق في المسألة . أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق:
حق الله وحق للمظلوم المقتول وحق للولي . فإذا سلم القاتل نفسه طوعاً واختياراً إلى الولي ندماً على ما فعله وخوفاً من الله وتوبة نصوحاً يسقط حق الله بالتوبة وحق الولي بالإستيفاء أو الصلح أو العفو ، وبقي حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن ويصلح بينه وبينه فلا يبطل حق هذا ولا تبطل توبة هذا .
وقد يجاب عن هذا فيقال :
إن المقتول ظلماً تكفر عنه ذنوبه بالقتل فهذا حقه وإذا أقيم الحدّ على الجاني فهو كفارته ولا يلحقه المقتول بشيء وهذا ظاهر حديث عبادة فقد جاء في الحديث ( ولا تقتلوا أولادكم ) وفي آخره قال ( ومن أصاب من ذلك شيئاً أي القتل والسرقة والزنا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ) .
والتفريق بين الأمرين أي بين من عوقب وبين من ستره الله صريح الدلالة على أن الحدود كفارات .
وإذا اقترن بذلك توبة وندم كان أفضل وأتقى لله باتفاق العلماء والله أعلم .(1/68)
*(56) ما صحة حديث ( من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى والترمذي وغيرهم من طريق حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله .
وهذا إسناد لا يصح ولم يثبت لأبي تميمة سماع من أبي هريرة .
والخبر ضعفه البخاري والترمذي وغيرهما .
وقد ثبت بالكتاب والسنة تحريم وطء الحائض .
وثبت عن جماعة من الصحابة تحريم إتيان المرأة في دبرها .
قال أبو الدرداء رضي الله عنه . وهل يفعل ذلك إلا كافر !! رواه الإمام أحمد بسند صحيح .
وسئل ابن عباس عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ؟ فقال : ذلك الكفر . رواه النسائي في الكبرى من طريق معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه قال سئل ابن عباس وهذا سند صحيح .
وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال . أوَيعمل هذا مسلم !!! رواه النسائي في السنن الكبرى .
وقد جاء في الباب أحاديث مرفوعة عن جمع من الصحابة .
وأهل العلم مختلفون في صحتها وقد جزم ابن حبان وجماعة بصحة كثير منها وعليه العمل عند أكثر أهل العلم .
وأما سؤال الكهان والعرافين فهو محرم بالإتفاق وهو مراتب منه ما هو كفر أكبر ومنه ما هو دون ذلك وقد جاء في صحيح مسلم من طريق يحي بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أتى عرّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة .
وروى الحاكم في مستدركه بسند صحيح من طريق عوف عن خلاس ومحمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أتى عرّافاً أو كاهناً فصدّقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
*(57) ما تقولون في حديث ( إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس )؟
الجواب :(1/69)
ذكرت غير مرة في الدروس والإجابات أن هذا الحديث ضعيف وأنه لا يصح في فضل سورة يس حديث وقد شاعت في بلادنا وأكثر البلاد الأخرى فضائل هذه السورة الكريمة حتى فاقت شهرتها شهرة الأحاديث الصحيحة المتفق على ثبوتها وتلقيها بالقبول .
وقد جاء حديث ( إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس ) عن جماعة من الصحابة :
1 - أنس بن مالك رواه الترمذي واستغربه .
2- وعبد الله بن عباس رواه ابن مردويه .
3- وأبيّ بن كعب رواه القضاعي في الشهاب وذكره ابن لجوزي في الموضوعات .
4- وأبو هريرة رضي الله عنه رواه البزار وغيره .
ولا يصح من هذه الأحاديث شيء وقد أبان عن نكارتها غير واحد من الحفاظ .
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 9 / 4 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
*(58) فضيلة الشيخ ما هو تعريف الإيمان عند أهل السنة ؟ وما هي نواقضه ؟
الجواب :
الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الإيمان قول وعمل قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح يزيد وينقص وهذا الذي اتفق عليه الصحابة والتابعون وأهل السنة .
والمقصود من قول القلب هو اعتقاده ، وعمل القلب هو نيته وإخلاصه .
وقد حكى الإمام الشافعي إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر .
وقال البغوي رحمه الله . اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان وقالوا : إن الإيمان قول وعمل وعقيدة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية على ما نطق به القرآن في الزيادة وجاء في الحديث بالنقصان في وصف النساء .
وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن تارك جنس العمل مطلقاً كافر والمراد بجنس العمل أعمال الجوارح فلا يجزئ التصديق بالقلب والنطق باللسان حتى يكون عمل الجوارح .(1/70)
وقال الآجري رحمه الله في كتابه الشريعة . اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقاً ولا يجزئ معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمناً دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين .
وقال رحمه الله ( فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان فمن لم يصدق الإيمان بعمله بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمناً ولم تنفعه المعرفة والقول وكان تركه للعمل تكذيباً لإيمانه وكان العمل بما ذكرناه تصديقاً منه لإيمانه .. ) .
وقد حكى إسحاق بن راهويه . إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة قال تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } وقال :بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ، رواه مسلم من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ومن طريق ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير عن جابر .
وقال سفيان بن عينية : المرجئة سموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم ، وليسا سواء لأن ركوب المحارم متعمداً من غير استحلال معصية .
وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر وبيان ذلك في أمر آدم و إبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه .
وقال إسحاق . غلت المرجئة حتى صار من قولهم إن قوماً يقولون : من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره يرجى أمره إلى الله بعد إذ هو مقر . فهؤلاء الذين لا شك فيهم أنهم مرجئة .(1/71)
وذكر الخلال في السنة عن الإمام الحميدي عبد الله بن الزبير أنه قال . أخبرت أن قوماً يقولون . إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت أو يصلي مسند ظهره مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن مالم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه إذا كان يقر بالفروض واستقبال القبلة . فقلت هذا الكفر بالله الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل المسلمين قال الله عز وجل { حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } . قال حنبل قال أبو عبد الله أحمد أو سمعته يقول من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به .
وهذا قول كل أهل السنة والجماعة فهم متفقون على ما جاء في الكتاب والسنة أن تارك أعمال الجوارح مطلقاً كافر بالله خارج عن الإسلام . قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في آخر رسالته كشف الشبهات :( ولا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً .. ) .
وخالف في ذلك غلاة الجهمية والمرجئة فزعموا أنه لا يكفر تارك جنس العمل مطلقاً وقد تقدم بيان فساده ومخالفته للكتاب والسنة والإجماع .
وزعموا أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح لا يكفر حتى يجحد أو يستحل . و هذا باطل ليس عليه أثارة من علم .
فمناط الكفر هو مجرد القول الذي تكلموا به وقال تعالى { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ } وقد دل الكتاب والسنة على فساد هذا القول فقال تعالى { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكمَ }.
وقد أجمع أهل العلم على أن سب الرسول كفر دون اشتراط البغض أو الاستحلال .(1/72)
وأجمع العلماء أن السجود للأصنام أو الطواف على القبور كفر دون ربط ذلك بالاستحلال .
وأجمع العلماء على أن تعمد إلقاء المصحف بالقاذورات كفر دون اشتراط الاستحلال .
وهذا كله ينقض أصول الجهمية والمرجئة ويبطل قولهم في مسألة الإيمان .
وقد جاء في سؤال الأخ طلب بيان نواقض أصل الإيمان وهي كثيرة وقد تقدمت الإشارة إلى شيء منها :-
*كترك جنس العمل مطلقاً
*وترك الصلاة بالكلية
*والطواف على القبور والسجود للأصنام
*وإلقاء المصحف في القاذورات
*ودعاء غير الله
*والتقرب بالذبح لغير الله
*والنذر للأولياء.
*و سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم
*والاستهزاء بالدين .
*و تبديل شرع الله ووضع القوانين الوضعية وإقامتها مقام حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } .
فمناط الكفر في هذه الآية هو ترك حكم الله والإعراض عنه وسبب نزول الآية يقضي بكفر من ترك حكم الله واعتاض عنه بغيره من أحكام البشر .
والكفر إذا عرف باللام فيراد به الكفر الأكبر .وما روي عن ابن عباس من كونه كفراً دون كفر فلا يثبت عنه وقد بينت نكارته في غير موضع وأبنت أن المحفوظ عنه إطلاق الكفر على من حكم بغير ما أنزل الله ، وقد سئل ابن مسعود عن الرشوة فقال من السحت فقيل له أفي الحكم قال ذاك الكفر ثم تلا هذه الآية { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } وهذا أثر صحيح رواه ابن جرير في تفسيره ورواه أبو يعلى في مسنده و البيهقي و وكيع في أخبار القضاة .(1/73)
فمن حكم بهذه القوانين الوضعية والتشريعات الجاهلية أو قننها أو شارك في تشريعها أو فرضها على العباد وألزم بالتحاكم إليها وأعرض عن شرع الله والتحاكم إليه أو استخف بمن ينادي بتحكيم الكتاب والسنة فإنه كافر بالله العظيم وأي كفر أكبر من الإعراض عن شرع الله والصد عنه ومحاكمة من دعا إليه ولمزه بالرجعية والتخلف عن الحضارة والمناداة عليه بالجهل وسوء الفهم .
ومن عظيم نفاق هؤلاء المشرّعين أنهم إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم أعرضوا عن ذلك وصدّوا واستكبروا استكباراً وقد صرح أحدهم بأن حكم الله غير مناسب لمثل عصرنا فنحن في عصر التطور والحضارة ومجاراة الدول الأوربية بينما تحكيمُ الشريعة يعود بنا إلى الوراء والتخلف ، وهذا لسان حال الجميع من محكمي القوانين وإن لم يتكلم به أكثرهم والأفعال شاهدة على القلوب والأقوال ولا أدل من ذلك محاربتهم للناصحين وإقصاؤهم شرع رب العالمين .
وإعطاؤهم المخلوق حق التشريع بحيث تعرض الأحكام الشرعية القطعية على البرلمان فما أجازه فهو نظام الدولة وما حضره فهو ممنوع .
وهذا الصنيع إعتداء كبير على التشريع الإلهي وتطاول على الأحكام القطعية ولا ريب أن هذا منازعة لله في حكمه وحكمته وإلاهيته .
وتقييد الكفر بالجحود أو الاستحلال لا أصل له فإن الجحود أو الاستحلال كفر ولو لم يكن معه تحكيم القوانين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثالث من الفتاوى : متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في ترجمة جنكيز خان . من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل هذا كفر بإجماع المسلمين .(1/74)
قال تعالى { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } وقال تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً } .
فإن قيل إن الحاكم بغير ما انزل الله لا يفضل القانون على حكم الله بل يعتقد أنه باطل ، فيقال :
هذا ليس بشيء ولا يغير من الحكم شيئاً فان عابد الوثن مشرك ومرتد عن الدين وإن زعم أنه يعتقد أن الشرك باطل ولكنه يفعله من أجل مصالح دنيوية قال تعالى { وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } .
والاعتذار عن هؤلاء المشرعين المعرضين عن الدين بأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
يقال عنه : بأنّ المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار يشهدون الشهادتين ويصلون ويصومون ويحجون وليس هذا بنافع لهم .
والذين يطوفون حول القبور ولها يصلون وينذرون ويذبحون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقد قال تعالى { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }.
والذين قالوا ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه ونزل القرآن ببيان كفرهم . كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويصومون ويجاهدون .
والرافضة الإثنا عشرية الذين يسبون الصحابة ويزعمون ردة أبي بكر وعمر وعثمان ويقذفون عائشة بالإفك يتكلمون بالشهادتين .
والسحرة والكهان والمنجمون يلفظون بالشهادتين .(1/75)
وبنوعبيد القداح كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويبنون المساجد وقد أجمعت الأمة على كفرهم وردتهم عن الإسلام .
وهذا أمر يعرفه صغار طلبة العلم ناهيك عن كبارهم وقد صنف أهل العلم كتباً كثيرة في الردة و نوا قض الإسلام يمكن مراجعتها في مضانها .
وأهل العلم والسنة يفرقون بين ذنب ينافي أصل الإيمان وبين ذنب ينافي كماله الواجب فلا يكفرون بكل ذنب .
وقد أجمعوا على أنه لا يكفر صاحب الكبيرة ما لم يستحلها فلا يكفر المسلم بفعل الزنا وشرب الخمر وأكل الربا لأنه هذه المحرمات لا تنافي أصل الإيمان .
والحديث عن هذه المسألة يطول ذكره وقد تحدثت عن هذه القضية في غير موضع وبينت كفر تارك أعمال الجوارح مطلقاً وردة المبدّلين لشرع الله المعرضين عمّا جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم . بيد أني أقول إن الحديث عن هذه المسألة وغيرها من النواقض هو حديث عن النوع دون العين بمعنى أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر وهذا ليس بلازم منه تكفير المعين ، لأنه لا يحكم على العين بالكفر حتى تقام عليه الحجة وتنتفي عنه الشبهة لاحتمال أن يكون جاهلاً جهلاً معتبراً أو متأولاً تأويلاً سائغاً أو مكرهاً . وحين تقوم عليه الحجة وتنتفي عنه موانع التكفير يصبح حينئذ مرتداً عن الدين ويجب على ولىّ أمر المسلمين تطبيق حكم الله فيه . ويمتنع على آحاد الناس إقامة الحدود والأحكام دون السلطان فان هذا يسبب فوضى في المجتمع ولا يحقق المصلحة المطلوبة .
وللحديث بقية لعلي أتحدث عنه في جلسة أخرى .
وأشير إلى أسباب الضلال في هذا الباب ومواطن الزلل في كلام كثير من المعاصرين .
فقد زلّ في هذه المسألة الكبيرة طائفتان :-
1- الخوارج حيث أخرجوا عصاه الموحدين من الإسلام وجعلوا ذنباً ما ليس بذنب ورتبوا على ذلك أحكام الكفر ولم يراعوا في ذلك الأحكام الشرعية ولا المطلق من المقيد ولا موانع التكفير .(1/76)
2- وقابلهم في هذا الضلال أهل الإرجاء حيث زعموا أنه لا يكفر أحد بذنب مهما كان ذنبه حتى يستحل أو يجحد .
وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على فساد هذين المذهبين وعلى ضلال تلك الطائفتين .
وأختم بمسألة مهمة وأنبه على أنه ليس كل من شابه المرجئة بقول أصبح مرجئاً ولا كل من دان بقول من أراء الخوارج صار خارجياً فلا يحكم على الرجل بالإرجاء المطلق ولا أنه من الخوارج حتى تكون أصوله هي أصول المرجئة أو أصول الخوارج .
وقد يقال عن الرجل فيه شيء من الإرجاء في هذه المسألة وذاك فيه شيء من مذاهب الخوارج .
وحذار حذار من الظلم والبغي حين الحديث عن الآخرين من العلماء والدعاة والمصلحين وغيرهم . فالعدل في القول والفعل من صفات المؤمنين وهو مما يحبه الله ويأمر به قال تعالى { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا } ، وقال تعالى { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان } .
وقد اتفق الخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم إنسهم وجنهم على حب العدل .
واتفق الناس كلهم على بغض الظلم وذمه وبغض أهله وذمهم ومهما كانت منزلة عدوك من الانحراف والضلال فهذا لا يسّوغ لك ظلمه وبهته . فكن من خير الناس للناس ولا تتحدث عن الآخرين إلا بعلم وعدل واجعل قصدك نصرة الحق والنصيحة للآخرين . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت . متفق عليه من حديث أبي هريرة .
*(59) فضيلة الشيخ من لم ير كفر تارك الصلاة هل يعتبر من أهل الإرجاء ؟
الجواب :
نقل عبد الله بن شقيق العقيلي إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة رواه عنه الترمذي بسند صحيح ، وحكى إسحاق بن راهويه إجماع أهل العلم على ذلك وكونه إجماعاً للصحابة فهذا ظاهر فلا يعلم عن أحد من الصحابة خلاف في هذا .(1/77)
وأما كونه إجماعاً لأهل العلم ففيه نظر فقد ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أن تارك الصلاة بالكلية لا يكفر مالم يجحد وجوبها . وهؤلاء أئمة هدى ومصابيح دجى فمن رماهم جميعاً بالإرجاء فقد أساء وظلم . فان هؤلاء الأئمة يمتنعون من تكفير تارك الصلاة بسبب ما توفر لهم من الأدلة وما استبان لهم من النصوص ولعله لم يبلغهم إجماع الصحابة أو لم يثبت عندهم وإلا لما تجاوزوه إلى اجتهادهم ورأيهم .
ومأخذ هؤلاء الأئمة من منع تكفير تارك الصلاة ليس هو مأخذ المرجئة من كون الصلاة عملاً وشتان ما بين المذهبين .
فمن ظهرت له الأدلة بعدم كفر تارك الصلاة فهو مجتهد يجب حفظ مكانته وصيانة عرضه من الوقيعة .
ومن قال أنا لا أكفر تارك الصلاة لأن الصلاة عمل ولا يكفر أحد بترك العمل مهما كان أمره فهذا مخطئ ضال وهو مذهب غلاة المرجئة .
,,,,,,
*(60) فضيلة الشيخ :روي عن عمر أنه قال : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . ماهي درجته ؟ ومن رواه ؟
الجواب :
هذا الأثر صحيح رواه عبد الرزاق عن الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن سليمان بن يسار عن المسور بن مخرمة قال دخلت أنا وابن عباس على عمر حين طعن فقلنا الصلاة فقال : إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة فصلى وجرحه يثعب دماً .
ورواه من طريق معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال سمعت عمر يقول . لا حظ في الإسلام لأحد ترك الصلاة .
ورواه المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة من طريق عبد الرزاق .
ورواه مالك في الموطأ من طريق هشام عن أبيه عن المسور بن مخرمة بدون ذكر سليمان بن يسار وقد رجح الدار قطني في العلل رواية الجماعة عن هشام وحكم على رواية مالك عن هشام بالوهم .
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 18 / 4 / 1422 هـ .(1/78)
*(61) هل يستحب مسح الوجه باليدين بعد رفعهما للدعاء ؟
الجواب :
ليس هذا بمستحب ولا جائز وقد ورد فيه حديث ابن عباس رواه أبو داود وضعفه .
وحديث عمر بن الخطاب رواه الترمذي في جامعه وقال غريب يعني بذلك أنه ضعيف .
فقد تفرد به حماد بن عيسى الجهني وهو ضعيف الحديث وفي الباب غير ذلك ولا يصح منها شيء .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى مسح الوّجه باليدين بعد رفعهما للدعاء وهذا مروي عن الحسن البصري وإسحاق وقول للإمام أحمد . وعنه لا يشرع وهو الصحيح فلم يثبت في ذلك حديث يصلح حجة في هذا الباب .
وقد ذكر الإمام المروزي رحمه الله في كتاب الوتر عن الإمام مالك أنه أنكر المسح وقال ما علمت .
وهذا قول عبد الله بن المبارك والبيهقي والعز بن عبد السلام فقد قال ( لا يمسح وجهه إلا جاهل ) .
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
,,,,,,
*(62) ما هو القول الصحيح في وقوع الطلاق بالثلاث ؟
الجواب :
الطلاق على نوعين حلال وحرام :
فالحلال : أن يطلق امرأته في طهر لم يمسها فيه أو يطلقها حاملاً قد تبين حملها .
الطلاق البدعي الحرام : أن يطلقها في حيض أو يطلقها في طُهر جامع فيه أو يطلقها بالثلاث مجموعة بكلمة واحدة .
وهذا الحكم بالنسبة للمدخول بها . وغيرُ المدخول بها يجوز طلاقها حائضاً وطاهراً غير أنه لا يجوز تطليقها بالثلاث مجموعة في أصح قولي العلماء .
وقد اختلف أهل العلم في وقوع الطلاق بالثلاث مجموعة .
فذهب الأئمة الأربعة وأكثر أهل العلم إلى أن الطلاق نافذ فلا تحل له الزوجة حتى تنكح زوجاً غيره .
وحكاه بعض أهل العلم إجماعاً . وهذا غلط من قائله فالخلاف ثابت بين المتقدمين والمتأخرين .
وقد ذهب الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله إلى أن هذا الطلاق لا يقع مطلقاً لا واحدة ولا غيرها وهذا القول ضعيف وليس عليه دليل ولا نظر صحيح .(1/79)
القول الثالث في المسألة أن طلاق الثلاث يقع به واحدة رجعية وهذا مذهب ابن عباس وطاووس وعكرمة ومحمد بن إسحاق واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم وهو المختار فقد روى مسلم في صحيحه من طريق عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة .... ) .
ورواه من طريق ابن جُريج قال أخبرني عبد الله بن طاووس عن أبيه أنّ أبا الصهباء قال لابن عباس : أتَعلَمُ أنها كانت الثلاث تُجعَلُ واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر ؟ فقال ابن عباس : نعم .
ورواه من طريق إبراهيم بن ميسرة عن طاووس أن أبا الصهباء قال لابن عباس .. الحديث وإسناده إلى ابن عباس صحيح وهو أقوى دليل في هذا الباب .
ومحاولة تضعيفه بتفرد طاووس فيه نظر . فطاووس ثقة ثبت وتفردُ مثله إذا لم يخالف لا يضر وأهل العلم بالحديث لا يقبلون كل تفرد ولا يردونه فهم يعتبرون في ذلك القرائن ويحكمون على كل حديث بما يترجح لديهم .
وحديث ابن عباس صححه الإمام مسلم وأورده في صحيحه وطعن فيه الإمام أحمد رحمه الله والصحيح في ذلك قول الإمام مسلم ومن تابعه والله أعلم .
وقد جاء في مسند الإمام أحمد من طريق محمد بن إسحاق حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال ( طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني عبد المطلب امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً قال فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها قال طلقتها ثلاثاً قال فقال في مجلس واحد قال نعم قال فإنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت قال فراجعها فكان ابن عباس : يرى إنما الطلاق عند كل طهر ) .
وهذا الإسناد معلول . داود بن الحصين عن عكرمة فيه نظر قال الإمام علي بن المديني : ما روى عن عكرمة فمنكر الحديث .(1/80)
وقال أبو داود . أحاديثه عن عكرمة مناكير .
وقد قوى هذا الإسناد جماعة من أهل العلم ونقلوا توثيق داود عن جماعة من الأئمة ترى هذا مذكوراً في زاد المعاد المجلد الخامس والله أعلم .
,,,,,,
*(63) فضيلة الشيخ . هل يفرق في الطلاق الثلاث بين قول الرجل أنت طالق البتة وبين قوله أنت طالق بالثلاث ؟
الجواب :
الصحيح في ذلك أن طلاق الثلاث لا يقع منه إلا واحدة سواء كان بلفظ أنت طالق طالق طالق أو بلفظ أنت طالق وطالق وطالق أو بلفظ أنت طالق بالثلاث أو أنت طالق البتّة .
فكل هذه الصيغ لا تغيّر من الحكم شيئاً فإن جَمْعَ الثلاث محرم ولا يصح منه إلا واحدة وهذا الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم والأمر النافذ في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
فإذا قال الرجل لزوجته أنت طالق طلقتين أو ثلاثاً لم يكن قد طلقها إلا مرة واحدة .
ومثله لو قيل للرجل سبح ثلاث مرات فقال سبحان الله ثلاثاً لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة .
والطلاق الشرعي أن يطلق الرجل امرأته في العدة التي أمر الله بها طلقة واحدة فلا يخرج عن ذلك إلا جاهل والجاهل يرد إلى السنة ولا تمضى عليه البدعة .
*(64) فضيلة الشيخ ما تقولون فيمن يلزم الناس بطلاق الثلاث ويكره المفتين والمجتهدين على هذا القول ؟
الجواب :
أهل العلم مختلفون في وقوع طلاق الثلاث وتبلغ الأقوال فيها إلى أربعة وقد ذهب إلى كل قول إمام من الأئمة واحتج كل فريق بأدلة من النقل والعقل .
فحمل الناس على أحد هذه المذاهب وإلزام المفتين بذلك حجر على العقول وتضييق على المسلمين وتجهيل لعلومهم وهذا لا يقول به عالم .
فإن العلماء الراسخين لا يلزمون الناس بما يقولونه من مسائل الاجتهاد ولا يكرهون أحداً على ذلك ولا ترى هذا المسلك إلا فيمن قل علمه وكثر جهله فإنه هو الذي يحمل الناس على رأيه ويوجب العقوبة على مخالفه .(1/81)
وأما العلماء الراسخون والفقهاء المجتهدون الذين اتسعت معارفهم وتنوعت علومهم فهم أبعد الناس عن ذلك .
قال الإمام أحمد رحمه الله . ما ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشدّد عليهم .
ومثل هذا منقول عن الإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الرد على الطوائف الملحدة ( أن أئمة أهل السنة والجماعة لا يلزمون الناس بما يقولونه من موارد الاجتهاد ولا يكرهون أحداً عليه ) .
وأرى أنه من الضروري على القضاة والمفتين اتباع الكتاب والسنة ومعرفة الحق بدليله والتعرف على أحكام الشريعة وأسرارها وما تضمنته من المصالح الدينية والدنيوية وتوسيع المدارك بجرد المطولات من الكتب الحديثية والفقهية ولا سيما كتب الأئمة المجتهدين أمثال ابن تيمية وابن القيم والشوكاني فهذا يبعث على معرفة الحق واتباع ذلك .
واعتقاد بعضهم براءَة ذمته بمجرد التقليد للمذهب المنتسب إليه وأن الأمر خرج عن عهدته هذا غير صحيح فهو مأمور بالبحث عن الدليل ما دام له قدرة على ذلك لأن المستفتي إنما يسأل عن حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم لا يسأل عن قول المذهب .
ولا وجه لكون القضاة والمفتين يتهيبون العامة وأقاويل الأكثرية فالهيبة المحمودة هيبة مخالفة الدليل والفتوى بالتقليد .
وإذا جبن القاضي أو المفتي عن الصدع بذلك فلا أقل من كونه يسكت عن الباطل ولا يفتي بدون علم فإن المتكلم بالباطل شيطان ناطق والساكت عن الحق شيطان أخرس .
,,,,,,
*(65) ما هي عدة المطلقة ثلاثاً ؟
الجواب :
الذي عليه أكثر أهل العلم والأئمة الأربعة وغيرهم أن عدتها ثلاثة قروء كالمطلقة الرجعية .
والقروء الحيض في أصح قولي العلماء وحينئذٍ إذا انقضت الحيضة الثالثة فقد خرجت من العدة .(1/82)
وقيل عدة المطلقة ثلاثاً حيضة واحدة إذ لا رجعة للزوج والعدة إنما وجبت ليتمكن الزوج من المراجعة فإذا لم تكن له رجعة لم يكن عليها عدة بل استبراء بحيضة واحدة كالمختلعة والمسبية والزانية إذا أرادت أن تنكح والمهاجرة .
وهذا القول منسوب لأبي الحسين بن اللبان وعلق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول به على أن لا يكون الإجماع على خلافه وقال . ليس في ظاهر القرآن إلا ما يوافق هذا القول لا يخالفه .
وذكر نحو هذا القول الإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين .
وقد زعم بعض المتأخرين شذوذ هذا القول وأن القرآن على خلافه وهذه دعوى ليس عليها بينة فليس في القرآن ما يخالف هذا .
وقوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } . ظاهر الآية في الرجعية وليست في البائنة بدليل قوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً ... }. والمطلقة ثلاثاً لا رجعة لها فكان معلوماً أن الآية في الرجعية . والله أعلم .
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 30 / 4 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
*(66) فضيلة الشيخ : ما صحة حديث الدعاء مخ العبادة ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه أبو عيسى الترمذي من طريق الوليد بن مسلم عن عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن أبان بن صالح عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدعاء مخ العبادة .
قال الترمذي . هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة .(1/83)
وابن لهيعة ضعيف الحديث مطلقاً قاله البخاري ويحى بن معين وأبو حاتم وغيرهم وهذا المشهور عن أئمة السلف وأكابر المحدثين فلا يفرقون بين رواية العبادلةعن ابن لهيعة وبين رواية غيرهم وإن كانت رواية العبادلة عنه أعدل وأقوى من غيرها غير أن هذا لا يعني تصحيح مروياتهم فابن لهيعة سيء الحفظ في رواية العبادلة عنه وفي رواية غيرهم والكل ضعيف وأقوى هذا الضعيف ما رواه القدامى عنه والله أعلم .
وقال الترمذي رحمه الله في أوائل جامعه في الحديث عن استقبال القبلة بغائط وبول . وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره .
وقد صح الخبر بلفظ . الدعاء هو العبادة رواه أحمد في مسنده و أبو داود والترمذي وابن ماجه كلهم من طريق ذرّ عن يُسيع الكندي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { وقال ربكم ادعوني استجب لكم } قال ( الدعاء هو العبادة ) وقرأ { وقال ربكم ادعوني استجب لكم } إلى قوله { داخرين } .
قال ابو عيسى الترمذي هذا حديث حسن صحيح .
*(67) هل في القيء وضوء ؟
الجواب :
في ذلك خلاف بين أهل العلم :
فقال الإمام مالك رحمه الله لا وضوء عليه ولكن ليتمضمض وليغسل فاه وهذا مذهب الإمام الشافعي ورواية عن الإمام أحمد .
وقال أبو حنيفة بوجوب الوضوء وهذا قول الإمام أحمد في رواية لحديث ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ . رواه أحمد والترمذي عن أبي الدرداء .
وروى ابن ماجة من طريق إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلنيصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم) .
وهذا حديث ضعيف جداً . وإسماعيل بن عياش ليس بشيء عن غير أهل بلده .
والصحيح في المسألة أنه لا يجب الوضوء من القيء .(1/84)
وحديث ثوبان مختلف في صحته وإن صح فمحمول على الاستحباب لأنه الأصل في الفعل المجرد وقد قال الإمام ابن عبد البر في الاستذكار على حديث أبي الدرداء . وهذا حديث لا يثبت عند أهل العلم بالحديث ولا في معناه ما يوجب حكماً .. والنظر يوجب أن الوضوء المجتمع عليه لا ينتقض إلا بسنة ثابتة لا مدفع فيها أو إجماع ممن الحجة بهم ولم يأمر الله تعالى بإيجاب الوضوء من القيء ولا ثبت سنة عن رسول الله ولا اتفق الجميع عليه .
,,,,,,
*(68) فضيلة الشيخ : رجل فاته الركوع الثاني من صلاة الجمعة كيف يقضي الصلاة ؟
الجواب :
يصليها ظهراً أربع ركعات في أصح قولي العلماء قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( إذا أدركت ركعة من الجمعة فأضف إليها أُخرى فإذا فاتك الركوع فصل أربعاً ) . رواه ابن أبي شيبة والبيهقي في السنن من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله وسنده صحيح .
وهذا قول عبد الله بن عمر رواه البيهقي .
وعبدالله بن الزبير رواه ابن أبي شيبة ، ولا يعلم لهم من الصحابة مخالف وقال الترمذي رحمه الله في جامعه ( والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قالوا : من أدرك ركعة من الجمعة صلى إليها أُخرى ومن أدركهم جلوساً صلى أربعاً) وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق .
وقال أبو حنيفة وداود وابن حزم إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام صلى ركعتين لقول صلى الله عليه وسلم :( إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة .
قالوا وظاهر هذا الحديث أن من أدرك جزءاً من الصلاة قبل سلام الإمام فهو مأمور بالدخول فيها مع الإمام وبعد ذلك يقضي ما فاته وذلك ركعتان لا أربع .(1/85)
وفيه نظر والثابت في الأحاديث الصحاح أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة جاء هذا في الصحيحين وغيرهما ومفهومه أن من لم يدرك ركعة ففد فاتته الصلاة فيصلي الجمعة ظهراً وذلك أربع ركعات لا ركعتان لقول عامة الصحابة .
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على أن من لم يدرك من صلاة الجمعة جزءاً قبل السلام فقد لزمه أربع ركعات وإدراك ما دون ركعة حكمه حكم من لم يدرك شيئاً والله أعلم .
,,,,,,
*(69) ما حكم اللعب بالشطرنج ؟
الجواب :
اللعب بالشطرنج على حالتين:
الأولى : أن يكون اللعب عن عوض فهذا محرم ولا يجوز بالإتفاق وهو من الميسر المذموم والقمار المتفق على تحريمه سواء كان العوض من أحدهما أو من كليهما أو من طرف ثالث .
الثانية : أن يكون اللعب بغير عوض فهذا فيه خلاف قيل مكروه وليس بمحرم .
وقيل مباح لأن الله تعالى إنما حرم الميسر لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل فإذا خلا اللعب بالشطرنج عن الرهن والعوض لم يكن حراماً .
وقيل اللعب بالشطرنج حرام مطلقاً وهو بالعوض أشد تحريماً وأعظم ذنباً .
وهذا مذهب أكثر أهل العلم ونصره ابن القيم رحمه الله في كتابه الفروسية .
وقد جاء في صحيح الإمام مسلم من طريق سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه ) والنردشير هو مايسمى في هذا العصر بلعبة الطاولة وهي صندوق وحجارة لها أوجه ستة ولكل وجه من الأوجه الستة نقاط مرتبة من الواحد إلى الستة .
والنردشير غير الشطرنج فإن الشطرنج أعظم مفسدة من النردشير واكثر ضرراً .
وحين زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن النردشير ولو بدون عوض اقتضى النظر والقياس الصحيح إلحاق الشطرنج به والتفريق بينهما في الحكم تفريق بين المتماثلين بدون حق .(1/86)
والقول بأن التحريم مقصور على وجود العوض فإذا خلا اللعب عن العوض أبيح فهذا غير صحيح فإن التحريم واقع بوجود العوض وواقع بدونه بسبب ما يحصل باللعب من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتضييع الأوقات وإيقاع العداوة والبغضاء بين اللاعبين وغير ذلك من المفاسد المعلومة .
,,,,,,
*(70) فضيلة الشيخ : ما تقولون في حديث ( لا يقطع الصلاة شيء وادرأوا ما استطعتم ... )؟
الجواب :
هذا الحديث لا يصح وليس بشيء فقد تفرد به مجالد بن سعيد عن أبي الودّاك عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود في سننه ومجالد بن سعيد تكلم فيه الأئمة .
قال الإمام أحمد : ليس بشيء .
وقال ابن معين : ضعيف واهي الحديث .
وقال ابن حبان : كان رديء الحفظ يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل لا يجوز الاحتجاج به .
وقال الدارقطني : ليس بقوي .
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله فيما يقطع الصلاة فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يقطع الصلاة شيء .
بدليل ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها حين ذُكر عندها ما يقطع الصلاة ، الكلب والحمار والمرأة فقالت : شبهتمونا بالحمر والكلاب !! والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي النبي صلى الله عليه وسلم فأنسل من عند رجليه .
وفي البخاري ومسلم من طريق مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس قال( أقبلت راكباً على حمار أتان وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي بمنى إلى غير جدار فمررتُ بين يدي بعض الصف وأرسلتُ الأتان ترتع فدخلتُ في الصف فلم يُنكر ذلك عليّ ) .
وروى مالك بلاغاً عن علي بن أبي طالب قال : لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي . ورواه عبد الرزاق من طريق أبي إسحاق عن الحارث عن علي والحارث ضعيف .(1/87)
وروى بسند صحيح عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي .
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله في جامعه . والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين قالوا : لايقطع الصلاة شيء وبه يقول سفيان والشافعي .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقطع الصلاة الحمارُ والمرأة والكلب الأسود .
لقوله صلى الله عليه وسلم . إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود . رواه مسلم في صحيحه من طريق حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر .
وفي صحيح مسلم من طريق عبيد الله بن الأصم عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يقطعُ الصلاة المرأة والحمار والكلب .. ) وهذا قول ابن عباس وأنس بن مالك وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله في رواية اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وعنه قال ، الذي لا أشك فيه أن الكلب الأسود يقطع الصلاة وفي نفسي من الحمار والمرأة شيء .
وقال إسحاق ، لا يقطعها شيء إلا الكلب الأسود .
والمتوجه في هذه المسألة هو قطع الصلاة بمرور المرأة والحمار والكلب الأسود .
ويجاب عن حديث عائشة المتفق عليه بأنه يفرق بين المار واللابث وقد كانت عائشة قارة ولم تكن مارة وقد أشار إلى هذا الإمام ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه .
ويجاب عن حديث ابن عباس بأن الإمام سترة لمن خلفه والقول بأن المقصود بالقطع في حديثي أبي ذر وأبي هريرة هو الخشوع لا حقيقة الصلاة فيه نظر .(1/88)
وهو من صرف الألفاظ عن حقائقها بدون حجة وقد جاء حديث أبي ذر بلفظ . تعاد الصلاة من ممر الحمار والمرأة والكلب الأسود . رواه ابن خزيمة في صحيحه وهذا صريح في بيان معنى القطع بيد أن في صحته نظراً والمحفوظ بغير هذا اللفظ والعلم عند الله .
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 10 / 5 / 1422 هـ فأذن بنشرها .
*(71) ما حكم المني إذا انتقل ولم يخرج ؟
الجواب :
ذهب الإمام أحمد رحمه الله في إحدى الروايتين إلى إيجاب الغسل على من انتقل منه المني ولم يخرج واختار ذلك القاضي وابن عقيل وجماعة من فقهاء الحنابلة .
ورتبوا على ذلك أن المرأة إذا أحست بانتقال الدم من محله فإنها تدع الصوم والصلاة ولو لم يخرج إلا بعد فترة . وفيه نظر . فالأدلة الصحيحة والنظر الصحيح على خلاف هذا وقد ذهب الإمام أحمد في رواية وأكثر أهل العلم من الفقهاء والمحدثين إلى أنه لا يجب الغسل على من انتقل منه المني حتى يخرج وذلك لما روى البخاري ومسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت . جاءَت أم سُليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق . هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نعم إذا رأت الماء ) .
فهذا الخبر صريح في أن الغسل لا يشرع ولا يجب بالانتقال لأن النبي صلى الله الله عليه وسلم لم يوجب ذلك إلا برؤية الماء وهكذا المرأة إذا أحست بانتقال الدم لا تدع الصوم ولا الصلاة حتى يخرج الدم فهو الذي تترتب عليه الأحكام والله أعلم.
,,,,,,
*(72) ما حكم الجمع في الحضر بين الظهر والعصر ؟
الجواب :(1/89)
يشرع الجمع بين الظهرين والعشاءَين في البرد الشديد والرياح الشديدة والمطر ونحو ذلك وهذا من يسر الشريعة وسماحتها ونفي الحرج عن هذه الأمة .
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس .
ويجوز الجمع في مصالح المسلمين العامة ولو لم يكن في ذلك برد ولا مطر ولا خوف فقد جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن شقيق قال . خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة . قال فجاءَه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال ابن عباس . أتعلمني بالسنة لا أم لك ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء . قال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدّق مقالته .
فهذا ابن عباس رضي الله عنهما جمع بين الصلاتين ولم يكن في سفر وليس هناك خوف ولا مطر ولكنهُ في خطبة يحتاج إليها المسلمون فلعله رضي الله عنه يخشى إن قطع الخطبة أن يتفرق الناس وتفوت المصلحة .
وقد قال بعض العلماء يجوز الجمع بين العشاءَين في أوقات العذر ومنع ذلك بين الظهرين وفيه نظر والصحيح الترخيص في الأمرين والأدلة صحت فيهما جميعاً وصحت الأدلة أيضاً في التخلف عن الجماعة والصلاة في البيوت في البرد الشديد والمطر والريح الشديدة فقد جاء في الصحيحين من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح فقال أَلا صلوا في الرحال ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول : ألا صلوا في الرحال .(1/90)
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حيّ على الصلاة قل : صلوا في بيوتكم . فكأن الناس استنكروا قال : فعله من هو خير مني إن الجمعة عزمة ، وإني كرهتُ أن أُحرجكم فتمشون في الطين والدحض . رواه البخاري ومسلم .
*(73) ما حكم النية للجمع بين الصلاتين ؟
الجواب :
ذهب الجمهور إلى أن الجمع بين الصلاتين لا يفتقر إلى نية وهذا الذي دلت عليه السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر ولم ينقل عنه أنه نوى الجمع أو أمر بذلك أو علم أحداً من أصحابه وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
وذهب بعض فقهاء الشافعية والحنابلة إلى أن النية شرط لصحة الجمع لأن الجمع عمل فيحتاج إلى نية وقد قال صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ) متفق عليه من حديث عمر .
والصحيح رأي الجمهور لأن النية لو كانت مشروعة ناهيك عن وجوبها لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .
,,,,,,
*(74) ما حكم بيع العربان ؟
الجواب :
العربان هو أن يشتري السلعة بثمن معلوم ويدفع شيئاً من الثمن على أنه إن أمضى البيع حُسب من الثمن وإلا كان للبائع وليس للمشتري المطالبة به .
وقد اختلف الفقهاء في حكمه.
فقال مالك والشافعي ببطلانه لما فيه من الشرط والغرر وأكل أموال الناس بالباطل .
وقد روى مالك في الموطأ عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العُربان .
وهذا الخبر لا يثبت لأن الواسطة بين مالك وعمرو بن شعيب غير معروفة وحينئذٍ لا يصح الاحتجاج به على تحريم بيع العربان .(1/91)
وهذا البيع ليس فيه محذور واضح فالبائع وكذا المشتري كلاهما قد تحصّلا على نفع وقد ثبت عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إجازته فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف والإمام أحمد في مسائل ابنه عبد الله أن نافع بن عبد الحارث اشترى داراً للسجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم فإن رضي عمر فالبيع له و إن لم يرض فأربعمائة لصفوان .
ورواه الإمام البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم .
ورُوي جوازه عن ابن عمر ومحمد بن سيرين وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد ويقويه الحديث المشهور ( المسلمون على شروطهم ) رواه البخاري معلقاً في باب أجر السمسرة ووصله الترمذي من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وسنده ضعيف وله طريق أخرى عند أبي داود من حديث أبي هريرة والله أعلم .
,,,,,,
*(75) من هو المسترسل وهل يثبت له الخيار ؟
الجواب :
المسترسل هو الذي لا يماكس ويجهل قيمة المبيع فإذا غبن هذا المشتري غبناً يخرج عن العادة فإنه يثبت له الخيار وهو مخير بين ثلاثة أمور:
الأول : أن يمضي البيع ويفوض أمره إلى الله .
الثاني : أن يرد المبيع ويأخذ قيمته .
الثالث : أن يأخذ قدر ما غبن به .
و أما الغبن اليسير الذي لا يخرج عن العادة فإنه يتسامح فيه ويصح معه البيع ولا يفسخ والله أعلم .
هذه مجموعة من الأسئلة وجهت للشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في إحدى جلساته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة عليها مسجلة بصوته وبعد ذلك فرغت من الأشرطة وعرضت على الشيخ بتاريخ 20 / 5 / 1422 هـ فأجاز نشرها .
*(76) ما حكم تولية المرأة للقضاء والوزارة وجعلها أحد أعضاء مجلس الشورى ؟
الجواب :
نحن نعلم من قواعد الفقهاء والأصوليين أن كل أمر انعقد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو عصر الصحابة ولم يفعلوه مع إمكانية فعله فإنه بدعة ولا يجوز عمله ولا إقراره .(1/92)
ولا أعلم أحداً من الصحابة ولا التابعين رخص للمرأة أن تكون ملكة أو أميرة على الرجال أو وزيرة أو قاضية أو عضواً في مجلس الشورى .
بل الأمر بعكس ذلك كانوا ينهون عن ذلك ولا يرون للمرأة شأناً في مثل هذه المسائل التي هي من خصائص الرجال .
وقد كان في عصر الصحابة مجلس شورى ولم يكن من بينهم امرأة على رجحان عقول كثير منهن ولا سيما أمهات المؤمنين .
وفي صحيح البخاري من طريق عوف عن الحسن عن أبي بكرة قال . لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعدما كدتُ أن الحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة .
فهذا دليل على منع المرأة من تولي الولايات العامة والقول بأن الحديث خاص بالإمامة العظمى غير صحيح فقد ذكر الأصوليون بأن الحكم الواقع على العام واقع على كل فرد من أفراده .
وهذا الذي فهمه الصحابة حين منعوا المرأة من الولايات العامة .
والمتأمل في طبيعة المرأة ونقص غريزة عقلها والفروق الكثيرة بين الرجال والنساء وخصائص كل منهما عن الآخر لا ينازع في منع المرأة من الولايات العامة وهذا رأي أكثر أهل العلم وذكره جماعة من العلماء اتفاقاً .
ولأبي حنيفة وبعض فقهاء المالكية رأي في تولية المرأة للقضاء فيما تجوز فيه شهادتها .
وذهب ابن حزم إلى جواز ولايتها القضاء مطلقاً وفيه نظر ورأي الجمهور أقوى دليلاً وتعليلاً والله أعلم .
,,,,,,,
*(77) ما الحكم في المساجد المبنية على القبور ؟
الجواب :
بناء المساجد على القبور أو اتخاذ القبور على المساجد محرم بالكتاب والسنة واتفاق الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة .
وهذا العمل معدود عند طائفة من الفقهاء من كبائر الذنوب .(1/93)
فالواجب حينئذٍ هدمُ المساجد المبنية على القبور ونبش الأموات إذا دفنوا في المساجد فلا يجتمع في دين المسلمين مسجد وقبر كما تفعله اليهود والنصارى وفي صحيح البخاري ومسلم من طريق الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عائشة وابن عباس قالا لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يحذر ماصنعوا .
وفي صحيح مسلم من طريق زيد بن أبي أُنسية عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث النجراني عن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد . ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك ) .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي الهيّاج الأسدي قال قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه . ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته .
والأدلة على تحريم بناء المساجد على القبور متواترة ولا ينازع في ذلك أحد من أهل العلم .
بيد أنك ترى بعض العامة والأغبياء في كثير من المجتمعات الإسلامية يتسابقون لفعل الصلاة في مسجد فيه قبر رجاء بركة الميت أو غير ذلك .
وهذه الصلاة في مثل هذه المساجد محرمة وفي إجزائها قولان للفقهاء:
الأول : أنها تصح مع الإثم وهذا قول الأكثر .
الثاني : أنها لا تجزي بل يجب إعادتها وهذا مذهب أحمد بن حنبل واختاره أبو محمد بن حزم رحمه الله .
,,,,,,,
*(78) فضيلة الشيخ . إذا كان المسجد بُني على القبر ولم يمكن إزالة المسجد وأمكن إزالة القبر فما الحكم ؟
الجواب :(1/94)
يجوز على الصحيح نبش القبر وإزالته وإن كان الأسبق إذا تعذر إزالة الطارئ . والضابط في ذلك مراعاة المصلحة وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : أنه إذا كان المسجد بُني بعد القبر فإما أن يزال المسجد وإما تزال صورة القبر .
وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب إزالة المتأخر وهذا صحيح مع القدرة وانتفاء المفسدة والله أعلم .
*(79) ما هو المعنى الصحيح للعلمانية ؟
الجواب :
المعنى الصحيح للعلمانية هو اللادينية وذلك فصل الدين عن الحياة بحيث تقوم الحياة على غير دين الله وعلى غير شرعه .
فيبقى الإسلام معزولاً عن الحياة العملية معزولاً عن سياسة الحكم فلا يتدخل في الشئون الاقتصادية ولا الشئون الإدارية ولا يعالج مشكلات الحياة .
هذا ما يقوله المتشائمون من هذا الدين الجاهلون بأحكامه وتشريعاته فهم يُقصون الدين عن الحياة ويجعلون الحكم للشعب لا لله.
والأمر المحزن هو أن ترى هذا الفكر الساذج قد حضي بهالة إعلامية في بلاد المسلمين ولقي رواجاً وتقبُّلاً من أكثر الحكومات العربية وهذا بلاء عظيم نسأل الله السلامة والعافية .
,,,,,,
*(80) ماهي عقيدة السلف في ترك جنس العمل ؟
الجواب :
إن تارك جنس العمل أي أعمال الجوارح مطلقاً كافر باتفاق المسلمين ولا ينفعه حينئذٍ قوله ولا اعتقاده فإن ذلك لا يصح بدون عمل .
وترى هذا مبيناً بطولٍ في الشريعة للآجري والإبانة لابن بطة وكتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية وأوائل المجلد الأول من فتح الباري للحافظ ابن رجب .
وليس هذا بلازم لتكفير أصحاب الكبائر كما يقوله أهل الإرجاء فإن السلف متفقون على أن من الأعمال أركاناً للإيمان يكفر تاركها ومنها واجبات لا يكفر تاركها .
وفي فتح الباري لابن رجب قال سفيان بن عيينة : المرجئة سمّوا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم ، وليسا سواء ، لأن ركوب المحارم متعمداً من غير استحلال معصية وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر .(1/95)
وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود الذين أقرّوا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه .
ونقل حرب عن إسحاق قال . غلت المرجئة حتى صار من قولهم إن قوماً يقولون من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره ، يُرْجى أمرُه إلى الله بعد ، إذ هو مُقر . فهؤلاء الذين لا شك فيهم يعني أنهم مرجئة ... ) .
ومن دعاوى أهل الإرجاء أنه لا يكفر أحد بالفعل مالم يستحل أو يكذب أو يعاند الحق ويبغضه ويستكبر عنه .
وهذا قول غلاة الجهمية وهو خلاف الكتاب والسنة والإجماع فإن ساب الرسول صلى الله عليه وسلم كافرُ بالاتفاق دون اشتراط البغض أو الاستحلال .
وأجمع العلماء على كفر المستهزئ بالدين دون ربط ذلك بالاعتقاد بل يكفر بمجرد الاستهزاء الصريح ولو كان هازلاً أو مازحاً قال تعالى { قل أبا الله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } فمناط الكفر هو مجرد القول .
وكذلك أجمع العلماء على كفر الحاكم المبدل لشرع الله الذي يضع القوانين الوضعية ويجعلها قائمة مقام حكم الله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتاب البداية والنهاية في ترجمة جنكيز خان ، قال رحمه الله : من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل هذا كفر بإجماع المسلمين.
وقول ابن عباس في قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } كفر دون كفر . لايصح عنه رواه الحاكم في مستدركه من طريق هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس وهشام بن حجير ضعيف الحديث قاله الأئمة يحي بن معين وأحمد بن حنبل والعقيلي وغيرهم وقال الإمام سفيان بن عيينة . لم نكن نأخذ عن هشام بن حجير مالا نجده عند غيره .(1/96)
والمحفوظ عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال ( هي كفر ) رواه عبد الرزاق في تفسيره من طريق عبد الله عن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وسنده صحيح .
وهذا المنقول عن أكابر الصحابة .ولا أعلم عن أحد منهم خلافاً في ذلك .
فأصحاب القوانين الوضعية والأنظمة الجاهلية والتشريعات المخالفة لحكم الله كفار :
1 - بترك الحكم بما أنزل الله .
2- وكفار بتبديل شرع الله .
3- وكفار في حكمهم بهذا التشريع الجاهلي ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثالث من الفتاوى : والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرّم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء .
والاعتذار عن هؤلاء المشرّعين بأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .... يقال عنه .
* بأن المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار يشهدون هذه الشهادة ويصومون ويصلون وليس هذا بنافع لهم .
* والذين قالوا ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء . يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونزل القرآن بكفرهم ، كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويصومون ويجاهدون
* والذين يطوفون حول القبور ولها يصلون وينذرون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
* والرافضة الإثنا عشرية يتكلمون بالشهادتين .
* والسحرة والكهان والمنجمون يلفظون بهما .
* وبنو عبيد القداح كانوا يتكلمون بالشهادتين ويصلون ويبنون المساجد . وقد أجمعت الأمة على كفرهم وردتهم عن الإسلام .
وهذا أمر يعرفه صغار طلبة العلم ناهيك عن كبارهم .
فالاعتذار عن تكفير المبدّلين لشرع الله من أجل التكلم بالشهادتين مجرد تلبيس وتعمية للحقائق ومساهمة في استمرار الشرك في الأرض ونفوذ سلطان البشر مكان شرع الله .(1/97)
وقد اعتذر عنهم آخرون بأنهم لا يفضلون القانون على الشرع ويعتقدون أنه باطل !! وهذا ليس بشيء ولا أثر له على الحكم فعابد الوثن مشرك ومرتد عن الدين وإن قال أنا أعتقد أن الشرك باطل .
,,,,,,
*(81) فضيلة الشيخ هل يعذرون بالجهل ؟
الجواب :
الذي منشأ ضلاله وكفره الإعراض عن العلم والعلماء والصدود عن الحق والتفريط الواضح في البحث عن سبيل الأنبياء والمرسلين فهذا غير معذور قال تعالى { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } وقال تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون } .
والذي منشأ ضلاله وتلبسه بالشرك أو الكفر الجهل المعتبّر مثل عدم بلوغ العلم أو التأويل الذي له وجه في العلم ونحو ذلك فإنه لا يُكفَّر حتى تقوم عليه الحجة .
وذلك أنَّ الجهل نوعان :
الأول مقبول : وهذا مانع من ثبوت الأحكام الشرعية فإن الحكم لا يترتب إلا على من توفرت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع .
الثاني غير مقبول : وقد بينت ذلك في غير موضع وفصلت في المسألة وذكرت الأدلة على ذلك ومذاهب أهل العلم والله أعلم .
*(82) أحرمت امرأة بالعمرة ولبست النقاب ولم تعلم بحرمة ذلك إلا بعد مدة من الزمن فهل عليها شيء أم تعذر بجهلها ؟
الجواب:
النقاب للمرأة من محظورات الإحرام . فيحرم عليها لبسه ولا تلبس القفازين ولا الثياب المعطرة ولا شيء عليها فيما عدا ذلك من الملابس والحُلي والأصباغ .(1/98)
وفي البخاري ( 1838 ) من طريق الليث بن سعد حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القُفازين ... ) . ورواه مالك في الموطأ ( 1 / 268 ) عن نافع عن ابن عمر موقوفاً . وقالت عائشة رضي الله عنها . المحرمة تلبس من الثياب ما شاءَت إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تلثم .... )) رواه البخاري في صحيحه معلقاً ووصله البيهقي في السنن ( 5/ 47 ) من طريق شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة .
فالمرأة المحرمة مأمورة بستر وجهها عن الأجانب من جهة ، ومنهية عن تغطيته بالنقاب من جهة أخرى .
فإذا كشفت وجهها للأجانب أثمت وإذا غطت وجهها بالنقاب فذلك محظور من محظورات الإحرام .
فيه الفدية عند طائفة من العلماء وهي على التخيير إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو صيام ثلاثة أيام أو ذبح شاة .
والصحيح أنه لا فدية عليها ، غير أنها تأثم إن كانت عالمة ، ولا إثم ولا فدية على الناسية والجاهلة فقد رفع الله الحرج عن هذه الأمة وعفا عن الخطأ والنسيان قال تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } .
وفي صحيح مسلم من طريق سعيد بن جبير يحدّث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى { قد فعلتُ } .
وقال عطاء . إذا تطيب أو لبس جاهلاً أو ناسياً فلا كفارة عليه علقه البخاري في صحيحه .
وهذا الذي دلت عليه السنة الصحيحة من غير وجه وهو مذهب إسحاق والشافعي واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
7 / 5 / 1421 هـ
,,,,,,
*(83) مادرجة الحديث الوارد في الأذان بأذن المولود ، فقد ورد على مسامعنا أن فضيلتكم يضعفه ؟
وما هي السنن الثابتة في أحكام المولود يوم سابعه ؟
الجواب:
الحديث الوارد في الآذان في أُذن المولود لا يثبت .(1/99)
رواه أبو داود في سننه ( 5105 ) والترمذي ( 1514 ) من طريق عاصم بن عبيد الله عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال :( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة) .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وفيه نظر فقد تفرد به عاصم عن عبيد الله وأكثر أهل العلم على تضعيفه .
قال ابن عيينه ( كان الأشياخ يتقون حديث عاصم بن عبيد الله ) .
وقال على بن المديني سمعت عبد الرحمن بن مهدي ينكر حديث عاصم بن عبيد الله أشد الإنكار .
وقال أبو حاتم ( منكر الحديث مضطرب الحديث ليس له حديث يعتمد عليه).
وقال النسائي ( لا نعلم مالكاً روى عن إنسان ضعيف مشهور بالضعف إلا عاصم بن عبيد الله فإنه روى عنه حديثاً ) .
وتصحيحُ الترمذي للحديث اجتهادُُُ ُ لم يوافقه عليه كبير أحد ، فأئمة هذا الشأن وأهل العلم المعنيّون بمعرفة الرواة والأسانيد يطعنون في عاصم ولا يصححون له.
وقد ورد الحديث عن ابن عباس
رواه البيهقي في الشعب ] 6\390 [من طريق الحسن بن عمرو بن سيف عن القاسم بن مطيب عن منصور بن صفية عن أبي معبد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى ) .
وهذا الإسناد أشد ضعفاً من سابقه ، فالحسن بن عمرو كذبه البخاري وقال الحاكم أبو أحمد متروك الحديث .
ولا يصح في الباب شيء فيصبح الأذان في أذن المولود غير مستحب .
والأحكام الشرعية من واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات لا تقوم إلا على أدلة صحيحة وأخبار ثابتة .
وقد طلب السائل بيان السنن الثابتة في أحكام المولود يوم سابعه .
وأصح شيء في ذلك العقيقة وحلق الرأس صح هذا عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( كُلّ غُلام مرتهنُُ ُ بعقيقته تُذبح عنه يومَ سابعه ويُحْلَقُ رأسُه ويُسمَّى ) . رواه أحمد وأهل السنن من طريق قتادة عن الحسن البصري عن سمرة وسنده صحيح .(1/100)
وقد سمع الحسن هذا الخبر من سمرة .
قال البخاري في صحيحه ( كتاب العقيقة ) (باب إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة ) (حدثني عبد الله بن أبي الأسود حدثنا قريش بن أنس عن حبيب الشهيد قال أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن : ممن سمع حديث العقيقة ؟ فسألته فقال : من سمرة بن جندب ) .
وأكثرُ أهل العلم على أنه يُعَقُ عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحدة .
وقد ذكر يوسف بن ماهَك أنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن فسألوها عن العقيقة فأخبرتهم أن عائشة أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ) رواه الترمذي
( 1513 ) وقال حديث حسن صحيح .
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن العقيقة تذبح في اليوم السابع فإن لم يتهيأ ففي اليوم الرابع عشر فإن لم يتهيأ ففي اليوم الحادي والعشرين .
وقد ورد في ذلك أثر عن عائشة رضي الله عنها رواه الحاكم في مستدركه ( 4 \ 238 ) وفي صحته نظر .
وقد قال الإمام الباجي في المنتقى ( 3 \101 ) روى ابن حبيب عن ابن وهب عن مالك ( من ترك أن يَعُقَّ عن ابنه في سابعه فإنه يَعُقُ عنه في السابع الثاني فإن ترك ذلك ففي الثالث فإن جاوز ذلك فقد فات وقتُ العقيقة ) .
وروى ابن حبيب عن مالك . لا يُجاوز بالعقيقة اليوم السابع وهذا أصح من الأول فإن العقيقة مقيدة باليوم السابع فلا يصح تقديمها عليه ولا تأخيرها أشبه ما تكون براتبة الصلاة فإن فاتت لعذر شُرع قضاؤها وإذا تركت تفريطاً حتى فات وقتها سقط حكمها والقول في تقديم العقيقة عن اليوم السابع كالقول في تأخيرها وكذلك لو مات الصبي قبل اليوم السابع لم تكن له عقيقة . والله أعلم .
,,,,,,
*(84) أنا رجل مصري أسكن حالياً في السعودية وقد قلت لزوجتي وهي في مصر إن خرجت من بيتي فأنت طالق وقد خرجت من البيت بدون عذر فما الحكم في ذلك نفع الله بكم المسلمين ؟
الجواب:
الطلاق المعلق بشرط نوعان:(1/101)
الأول : أن يقصد الطلاق إذا وقع الشرط فهذا تعليق لازم فإذا خرجت من المنزل غير ناسية فإنها تطلق طلقة واحدة فيراجعها حيث شاء ما لم تنته العدة وما لم تكن هذه الطلقة آخر ثلاث تطليقات .
وهذا لا ينازع فيه أحد من أهل العلم إلا منْ يمنع وقوع الطلاق المعلق بشرط وفيه نظر .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ) متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وقال نافع : طَّلق رجل امرأتَه البتَّة إنْ خرجَتْ فقال ابن عمر :( إن خَرجتْ بُتت منه وإن لم تخرج فليس بشيء ) رواه البخاري في صحيحه معلقاً تحت ( باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون ... الخ ) .
وروى البيهقي في السنن ( 7 / 356 ) من طريق سفيان عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن ابن مسعود رضي الله عنه .( في رجل قال لامرأته إن فعلت كذا وكذا فهي طالق فتفعله قال هي واحدة وهو أحق بها ) .
الثاني : أن يقصد التهديد كي تمتنع المرأة من الخروج وهو يكره وقوع الجزاء عند الشرط فهذا لا يقع به طلاق البتَّة لأنه لم ينو والأعمال بالنيات .
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما ( الطلاق عن وطَرَ ) رواه البخاري في صحيحه معلقاً .
والوطر بفتحتين الحاجة قاله أهل اللغة ومنه قوله تعالى ( فلما قضى زيد منها وطر زوجناكها ) . والذي يعلق الطلاق على الشرط وهو يكره ذلك لا وطَرَله ولا يترتب عليه حكم واعتبار المقاصد مطلب من مطالب الشريعة فالألفاظ تترتب عليها موجباتها بالمقاصد فإذا قصد الطلاق حُسبت عليه تطليقة وإذا قصد التهديد لم يؤاخذ فيكون بمنزلة اللغو في اليمين لم يؤاخذ لأنه لا قصد له واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم عليهما رحمة الله .(1/102)
وقال بعض أهل العلم تَطْلُقُ إذا وُجد الشرط ولا اعتبار لنيته وقصده وهذا ضعيف فمن الضروري اعتبار النيات والمقاصد في الألفاظ يدل على ذلك قوله تعالى ( لا يؤخذ كم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) .
فقد رفع الله المؤاخذة على لفظ اللسان حيث لم يقصده القلب .
ومثل هذا طلاق المجنون والمكره والسكران والغضبان الذي اشتد غضبه فتكلم بما لم يكن في خياره لا يقع شيء منه حيث لم يوجد الغرض من المطلق في وقوعه والله سبحانه وتعالى أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
13/3/1421 هـ
,,,,,,
*(85) هل يجوز شرعاً البول قائماً ؟ فقد حصل في هذه المسألة نزاع بين قوم مجتمعين فقال بعضهم بالجواز وقال آخرون بالمنع وقد وافق الجميع على رفع هذا السؤال لفضيلتكم لمعرفة الصواب في ذلك؟
الجواب:
أصح الأقوال في هذه المسألة جواز البول قياماً من غير كراهة .
قال حذيفة رضي الله عنه (أتى النبي صلى الله عليه وسلم سُباطة قوم فبال قائماً ، ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ ) . رواه البخاري ( 224 ) من طريق شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة ورواه مسلم ( 273 ) من طريق أبي خيثمة عن الأعمش وترجم له البخاري ( باب البول قائماً وقاعداً ) .
وهذا شأن العرب الأول كانوا يبولون قياماً وأقرَّ ذلك الإسلام فبال النبي صلى الله عليه وسلم قائماً لبيان الجواز وترخص في ذلك جماعة من أصحابه وابن سيرين وعروة بن الزبير من التابعين .
وقد اعتذر بعض أهل العلم عن العمل بحديث حذيفة بأنه منسوخ وهذا غلط.
وقالت طائفة إنما بال قائماً لجرح كان في مأبضه وفي ذلك حديث ولا يصح.
وقالت طائفة أخرى إنما بال قائماً لأنه لم يجد مكاناً للقعود .
وقد قالت عائشة رضي الله عنها ( من حّدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً فلا تصدّقوه ما كان يبول إلا قاعداً ).(1/103)
رواه الترمذي ( 12 ) من طريق شريك عن المقَْدام بن شُريح عن أبيه عن عائشة وفيه شريك سيئ الحفظ وقد تابعه سفيان رواه أحمد وغيره .
وليس في الخبر دلالة على كراهية البول قائماً فإن عائشة تخبر عن علمها وقد حفظ غيرها ما خفي عليها .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائماً فقال يا عمر لا تبل قائماً فما بلت قائماً بعد هذا ) . وهذا متفق على ضعفه ولا يصح في النهي عن البول قائماً حديث مرفوع .
والصحيح جواز ذلك فقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وعمل به جماعة من أصحابه غير أن البول قعوداً أفضل لأنه الأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والأسلم من رشاش البول . والله أعلم .
كتبه
سليمان بن ناصر العلوان.
,,,,,,,
*(86) ما حكم الترحم والاستغفار على الميت المبتدع ؟
الجواب:
الميت المبتدع الذي لا تخرجه بدعته عن الإسلام حكمه حكم عامة المسلمين تشرع الصلاة عليه ولا تجب على كل أحد ويُدعى له بالمغفرة والرحمة والرضوان .
ولا أعلم أحداً من أهل السنة قال بمنع الترحم والاستغفار على أهل البدع مطلقاً فهذا قول الخوارج المارقين وأهل الضلال المنحرفين عن الحق.
والأصل الجامع في ذلك أن كل من قال لا إله إلا الله وشهد أن محمداً رسول الله ولم نعلم عنه كفراً ظاهراً فإنه يُصلى عليه ويستغفر له فإن الله تعالى حين منع من الاستغفار للمشركين في قوله { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى .. } كان هذا دليلاً على جواز الاستغفار على أهل البدع والمعاصي المعدودين في أهل القبلة .
وقد ظن بعض الناس أن امتناع بعض أئمة السلف من الصلاة عليهم دليل على منع الترحم عليهم وهذا من الظن الكاذب المخالف للكتاب والسنة والإجماع .
فما زال المسلمون في المشرق والمغرب يصلون على كل من أظهر الإسلام ما لم يُعْلَم عنه نفاق أو ردة . فمن علم منه ذلك فتحرم الصلاة عليه .(1/104)
ومن لم يعلم منه ذلك فلا يجوز التقرب لله بترك الصلاة عليه إذا لم يكن في ذلك مصلحة ظاهرة .
فقد كان بعض أئمة السلف يمتنعون من الصلاة على أهل الأهواء والمجاهرين بالمعاصي لينتهي أهل البدع عن بدعهم وأهل المعاصي عن شهواتهم فهو من باب إنكار المنكرات وتحصيل المصالح العامة للمسلمين وهذا العمل سائغ للمصلحة وله نظائر في الشرع.
فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه رواه مسلم في صحيحه ( 978 ) .
وترك الصلاة على الذي عليه دين ولم يترك وفاءً وقال للمسلمين (صلوا على صاحبكم ) رواه البخاري ( 2298 ) ومسلم ( 1619 ) .
وترك الصلاة على الغال رواه أحمد ( 4 / 286 ) وأبو داود
( 2710 ) والنسائي ( 4 / 64 ) وابن ماجة ( 2848 ) وفي إسناده اختلاف .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ( 24 / 286 ) وكل من لم يعلم منه النفاق وهو مسلم يجوز الاستغفار له والصلاة عليه بل يشرع ذلك ويؤمر به كما قال تعالى { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} . وقال في منهاج السنة ( 5 / 235 )( فكل مسلم لم يعلم أنه منافق جاز الاستغفار له والصلاة عليه وإن كان فيه بدعة أو فسق لكن لا يجب على كل أحد أن يصلي عليه . وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة والمظهر للفجور مصلحة من جهة انزجار الناس فالكف عن الصلاة كان مشروعاً لمن كان يؤثر ترك صلاته في الزجر بأن لا يصلى عليه ... ) .
وبالجملة فالاستغفار للمشركين والكفار محرم شرعاً وأدلته كثيرة وهذا من المجمع عليه .
والاستغفار على من دون هؤلاء من أهل القبلة مشروع بالاتفاق ولم يخالف في ذلك غير الخوارج والمعتزلة فإن الخوارج أول من كفر أهل القبلة بالذنوب ويعتقدون ذنباً ما ليس بذنب ويستحلون دماء المسلمين وقد نعتهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ) رواه البخاري ( 3344 ) ومسلم ( 1064 ) من حديث أبي سعيد .(1/105)
والمعتزلة يوافقون الخوارج على تخليد أهل الكبائر وتحريم الاستغفار لهم والترحم عليهم .
ويخالفونهم في الحكم عليهم في الدنيا . فهم بمنزلة بين منزلتين فلا هم مؤمنون يشرع الاستغفار لهم ولا هم كفار مبعدون وهذا باطل بأدلة كثيرة قال تعالى { وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون } فقد فرق الله بين الكفر والفسوق والعصيان وجعلها ثلاث مراتب :
الأولى : الكفر .
الثانية : الفسوق وليست بكفر .
الثالثة : العصيان وهي مرتبة دون الفسق فهو عاص وليس بفاسق والخوارج لا تفقه هذه الحقيقة وتجعل الفسق كفراً .
وقال تعالى { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) } .
فقد وصف الله الطائفتين المقتتلتين بالإيمان والأخوة وأمر بالإصلاح بينهما وهذه الآية من أحسن ما يحتج به على الخوارج والمكفرين بالذنوب .
وقال تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فجعل الله تعالى ما دون الشرك معلقاً بمشيئته فليس هو بكافر كما تقوله الخوارج .
وأحاديث الشفاعة وإخراج عصاة الموحدين من النار متواترة وهي قاضية على مذهب الخوارج وأهل الإرجاء .
وفي صحيح مسلم ( 116 ) من طريق حماد بن زيد عن حجاج الصواف عن أبي الزبير عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله : هل لك في حِصْن حَصينْ ومنعة ؟
((1/106)
قال حصن كان لدوس في الجاهلية ) فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها أوداجه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئتُه حسنة ورآه مغطياً يدَيْهِ فقال له ما صنع بك ربُك فقال غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال مالي أراك مغطياً يديك قال قيل لي لن نُصلح منك ما أفسدتَ فقصَّها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر ) .
وهذا الحديث الصحيح من أجود ما يحتج به على الخوارج المكفرين بالكبائر والمرجئة القائلين بأن المعاصي لا تضر . والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان ... ... ... ... 11/ 6 / 1421هـ
,,,,,,
*(87) ماحكم التسمية على الذبيحة ؟
الجواب:
الصحيح من أقاويل أهل العلم التفرقة بين المتعمد لترك التسمية فلا تحل ذبيحته وبين من نسي فتحل وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه ولا أعلم له مخالفاً من الصحابة غير قول نُسب لابن عمر ولا يصح . وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والمشهور عن الإمام أحمد .
وقال الشافعي التسمية مستحبة وليست واجبة بدليل حديث عائشة رضي الله عنها أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : (إن قوماً يأتوننا بلحم لا ندري أَذٌكر اسم الله عليه أم لا فقال : سموا عليه أنتم وكلوه . قالت وكانوا حديثي عهد بالكفر). رواه البخاري ( 5507 ) من طريق أسامة عن حفص المدني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة .
ورواه الدراوردي وأبو خالد سليمان بن حبان ومحمد بن عبد الله الطفاوي عن هشام بن عروة بنحو رواية أسامة .
ورواه مالك وابن عيينه وحماد بن زيد وجماعة عن هشام عن أبيه مرسلاً .(1/107)
قال الخطابي في المعالم ( 4 / 122 ) فيه دليل على أن التسمية غير واجبة عند الذبح لأن البهيمة أصلها على التحريم حتى يتيقن وقوع الذكاة فهي لا تستباح بالأمر المشكوك فيه فلو كانت التسمية من شرط الذكاة لم يجز أن يحمل الأمر فيها على حسن الظن بهم فيستباح أكلها كما لو عرض الشك في نفس الذبح فلم يعلم هل وقعت الذكاة أم لا فلم يجز أن تؤكل .. ) .
وقوّاه الحافظ ابن حجر في الفتح ( 9 / 635 ) وقال : هذا هو المتبادر من سياق الحديث حيث وقع الجواب فيه ( فسمّوا أنتم وكلوا ) كأنه قيل لا تهتمون بذلك بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا وهذا من أسلوبه الحكيم كما نبه عليه الطيبي ومما يدل على عدم الاشتراط قوله تعالى ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) فأباح الأكل من ذبائحهم مع وجود الشك في أنهم سموا أم لا .. ) . وقال المهلب .( هذا الحديث أصل في أن التسمية على الذبيحة لا تجب إذ لو كانت واجبة لاشترطت على كل حال...).
وفيه نظر . والحديث ليس صريحاً في نفي الوجوب وظاهره يدل على حمل أمر المسلمين على الصحة فإذا وجد المسلم لحماً قد ذبحه غيره ولم يستيقن أنه لم يسم جاز له الأكل لأن الذابح مسلم والأصل فيه أنه سمى .
والقول الثالث في المسألة : أن التسمية شرط مطلقاً فلا تؤكل الذبيحة بدونها قاله الإمام أحمد رحمه الله في رواية واختاره شيخ الإسلام في الفتاوى ( 35 / 239 ) وقال هذا أظهر الأقوال فإن الكتاب والسنة قد علق الحل بذكر اسم الله في غير موضع كقوله ( فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ) .
وقوله( فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) وقوله ( ومالكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) وقوله ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) .
وفي الصحيحين أنه قال ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ) .
وقد أُجيب عن هذه الأدلة بأنه لم يذهب إلى القول بظاهرها أحد من الصحابة وقد أفتى ابن عباس بخلافها .(1/108)
وحملها بعض أهل العلم على تعمد ترك التسمية والصحيح أن النهي عن أكل مالم يذكر اسم الله عليه مراد به ما ذبح لغير الله وما أُهل باسم الآلهة والأصنام أو المسيح . ونحو ذلك قال البخاري في صحيحه ( وقال ابن عباس من نسي التسمية فلا بأس ..) وقال الله تعالى ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) والناسي لا يسمى فاسقاً .
وقول ابن عباس وصله سعيد بن منصور والدار قطني وإسناده صحيح وروى عبد الرزاق في المصنف ( 8538 ) عن معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال ( ... إذا نسي أحدكم أن يُسمي على الذبيحة فليُسم وليأكل ) .
وقال الحافظ ابن جرير رحمه الله في تفسيره ( 8 / 20 ) على قوله تعالى ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) . والصواب من القول في ذلك أن يقال إن الله عنى بذلك ما ذبح للأصنام والآلهة وما مات أو ذبحه من لاتحل ذبيحته .
وأمّا من قال : عنى بذلك ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم الله فقول بعيد من الصواب لشذوذه وخروجه عما عليه الجماعة من تحليله وكفى بذلك شاهداً على فساده .
وقال ابن العربي في أحكام القرآن ( 2 / 750 ) وأما الناسي للتسمية على الذبيحة فإنها لم تُحرّم عليه لأن الله تعالى قال ( وإنه لفسق ) وليس الناسي فاسقاً بإجماع فلا تحرم عليه .
وقال ابن قدامة في المغني ( 11 / 33 ) نحو هذا .
واعتبر التسمية واجبة في الصيد فلا تسقط مطلقاً بخلاف الذبيحة والصحيح أنه لا فرق بين الصيد والذبيحة فيعذر الناسي في ذلك دون العامد والدلالات على ذلك كثيرة والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
10 / 4 / 1420 هـ
,,,,,,
*(88) نسمع من العامة أحاديث ولا نعرف صحتها فرأينا الكتابة و لجنا بكم لتوافونا بدرجتها:
- يس لما قرأت له
- تكبيرة الإحرام خير من الدنيا وما فيها
- إنّ الله لا ينظر إلى الصف الأعوج
- جنبوا مساجدكم صبيانكم ؟
الجواب:(1/109)
هذه الأخبار ماعدا الأخير ليس لها أصل والجزم بنسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قول بلا علم وأهل العلم متفقون على تحريم رواية الأحاديث المنكرة والباطلة ومتفقون على تحريم القول على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بلا علم مثلُ أن يروي عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحاديث منكرة ويجزم بصحتها وهو لا يعلم وقد روى البخاري في صحيحه ( 3509 ) عن علي بن عياش حدثنا حَريز قال حدثني عبد الواحد بن عبد الله النصري قال سمعتُ واثلة بن الأسقع يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من أعظم الفِرى أن يدَّعي الرجل إلى غير أبيه أو يُري عينه مالم تر أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم مالم يقل ) .
وحديث ( جنبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم ... ) رواه ابن ماجه في سننه ( 750 ) من طريق الحارث بن نبهان حدثنا عتبة بن يقظان عن أبي سعيد عن مكحول عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم به وهذا الحديث منكر .
الحارث بن نبهان متروك الحديث قاله أبو حاتم والنسائي .
وقال البخاري منكر الحديث .
وقد روى له الترمذي ( 1775 ) حديث أبي هريرة قال( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل وهو قائم ) . وقال لا يصح عند أهل الحديث والحارث بن نبهان ليس عندهم بالحافظ .
ورُوي الحديث من طريق أبي نُعيم النخعي ثنا العلاء بن كثير عن مكحول عن أبي الدرداء وعن واثلة وعن أبي أمامة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( جنبوا مساجدكم ... ) رواه البيهقي في السنن ( 10 / 103 ) وقال – العلاء بن كثير هذا شامي منكر الحديث .. )
وقال الإمام العقيلي في الضعفاء ( 3 / 347 ) حدثني آدم بن موسى قال سمعت البخاري قال : العلاء بن كثير عن مكحول : منكر الحديث .
وأسند العقيلي حديثه هذا وقال عَقِبه (الرواية فيها لين ) .(1/110)
ورواه ابن عدي في الكامل ( 4 / 1435 ) من طريق عبد الله بن مُحَرَّر عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جنبوا مساجدكم .... الحديث وفيه نكارة .
عبد الله بن محرر متروك الحديث قاله النسائي وغيره وقال ابن عدي رواياته غير محفوظة .
وتفرده عن أقرانه بالرواية عن يزيد غير محتمل فالحديث منكر ولا يصح في الباب شيء .
وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للصبيان بدخول المساجد وفعل ذلك بنفسه حين صلى بالمسلمين وهو حامل أُمامة بنت زينب . رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة ... غير أنه يُتقى أذاهم للمصلين وكثرة اللغط والعبث الباعث على التشويش على الراكعين الساجدين والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
6 / 3 / 1421 هـ
*(89) لدي أرض ثمينة فيها زروع وثمار سطا عليها بعض أهل الظلم فلم استطع استخلاصها منه وقد رفعت أمره إلى أهل الشأن فلم يقوموا بالمطلوب وقد سمعت أنهم يقبلون الرشوة فهل يجوز أن أدفع الرشوة لآخذ حقي من هذا الظالم المعتدي ؟
الجواب:
من أسباب خراب البلاد وفساد العباد انتشارُ الرشوة في المجتمع فهي من الظلم المتفق على تحريمه ومن الأمراض الموروثة عن المفسدين في الأرض وقد( لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي ) صححه الترمذي ( 1337 ) من حديث الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما .
والراشي من يُعطي المال لإبطال حق أو إحقاق باطل والمرتشي الآخذ وقد شمله اللعن لأنه شريك للراشي ومعين على الظلم والفساد .(1/111)
ومن كان له حق من عقار وغيره لا يستطيع أخذه ولا الوصول إليه إلا بدفع الرشوة فلا بأس بذلك للراشي دون المرتشي فقد رخص فيه جماعة من السلف قال ابن الأثير رحمه الله في كتابه النهاية ( 2 / 226 ) فأمّا ما يُعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه ... وروى عن جماعة من أئمة التابعين قالوا : (لابأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم ) .
وقال الخطابي رحمه الله في المعالم (5 / 207 )( إذا أَعطى ليتوصل به إلى حقه أو يدفع عن نفسه ظلماً فإنه غير داخل في هذا الوعيد .. )
وهذا الأمر مما عمت به البلوى في بعض البلاد فلا يقدرون على أخذ حقوقهم وقضاء حوائجهم إلا بشيء من الرشوة ويعتبر ذلك من باب الضرورة فيجوز للدافع ويحرم على الآخذ .
يدل على ذلك حديث أبي سعيد رواه أحمد في مسنده ( 3 / 4 ) من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال قال عمر( يا رسول الله لقد سمعت فلاناً وفلاناً يحسنان الثناء يذكران أنك أعطيتهما دينارين قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكن والله فلاناً ما هو كذلك لقد أعطيته من عشرة إلى مائة فما يقول ذاك أما والله إن أحدكم ليخرج مسألته من عندي يتأبطها يعني تكون تحت إبطه يعني ناراً قال فقال عمر يا رسول الله لِمَ تعطيها إياهم قال فما أصنع يأبون إلا ذاك ويأبى الله لي البخل ) وصححه ابن حبان والحاكم والحديث في صحيح مسلم
( 1056 ) بغير هذا اللفظ رواه من طريق جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن سلمان بن ربيعة قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً فقلت والله يارسول الله لغيرُ هؤلاء كان أحقَّ به منهم قال ( إنهم خيّروني أن يسألوني بالفحش أو يبخلوني فلستُ بباخل ) وهذا أصح .(1/112)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ( 31 / 187 ) (ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الكبار ... ) .
وهذا من دقائق فقه السلف وعظيم علمهم فهذا الباب فيه حاجة من جهة وصعوبة الاجتناب من جهة أخرى فاستدعى النظر تجويز ذلك مراعاة لمصالح العباد ودفع الضرر عنهم والصبر في مثل هذه المسائل فيه خير كثير وفضل عظيم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
15 / 3 / 1421 هـ
,,,,,,
*(90) هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الغناء ينبت النفاق بالقلب كما يُنبتُ الماءُ البقل ) ؟
الجواب:
هذا الحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان ( 4 / 279 ) من طريق محمد بن صالح الأشج أنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي روّاد حدثنا إبراهيم من طهمان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وهذا إسناده منكر تفرد به عبد الله بن عبد العزيز وأحاديثه منكرة قاله أبو حاتم وغيره .
وقال ابن الجنيد . لا يُساوي شيئاً يحدّث بأحاديث كذب .
ورواه ابن عدي في الكامل ( 1590 ) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري عن أبيه سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
وهذا إسناده ضعيف جداً . وقد اتفق الحفاظ على تضعيف عبد الرحمن بن عبد الله العُمري .
قال الإمام أحمد رحمه الله . ليس بشيء .
وقال النسائي متروك الحديث .
ورواه أبو داود في سننه ( 4927 ) من طريق سلاّم بن مسكين عن شيخ شهد أبا وائل في وليمة فجعلوا يلعبون . يتلعبون يغنون فحلَّ أبو وائل حُبْوته وقال سمعت عبد الله يقول . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول ( إن الغناء ينبت النفاق في القلب ) .
وهذا إسناده ضعيف مداره على الشيخ المجهول ولا يحتج به .(1/113)
وقد ورد موقوفاً على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رواه البيهقي في السنن الكبرى ( 10 / 223 ) من طريق غندر عن شعبة عن الحكم عن حماد عن إبراهيم قال قال عبد الله بن مسعود فذكره .
ورواته ثقات ولا يضر الانقطاع بين إبراهيم وعبد الله فقد صح عن الأعمش أنه قال قلت لإبراهيم أسند لي عن ابن مسعود ؟
فقال إبراهيم . إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت وإذا قلت : قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله و رواه أبو زرعة في تاريخ دمشق وابن سعد في الطبقات .
قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان ( 1 / 248 ) هو صحيح عن ابن مسعود من قوله .
وهذا الأثر ليس هو الدليل الوحيد على تحريم الأغاني والموسيقى .
فهناك أدلة كثيرة من المرفوع والموقوف تفيد تحريم الغناء المقرون بالمعازف والمزامير وقد اتفق أكثر أهل العلم على ذلك .
وبالغ القاضي عياض فزعم الإجماع على كفر مستحله وفيه نظر. بيد أن فتاوى الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة على التحريم وقد عدّه غير واحد من أهل العلم كبيرة من الكبائر .
وقال الإمام مالك رحمه الله ( إنما يفعله عندنا الفساق ..) .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في الإغاثة ( 1 / 228 ) (ولا ينبغي لمن شمَّ رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك . فأقل ما فيه أنه من شعار الفساق وشاربي الخمور ... ) .(1/114)
وفي هذه الأزمنة امتد أمر الغناء وأدخلت عليه محسنات كثيرة فغمر المجالس والمحافل وازداد عشاقه فصار تجارة الفساق وأصبح ظاهرة في كثير من البلاد يشترك فيه الرجال والنساء فيقفون أمام الملأ في المسارح والأندية الرياضية والصالات المغلقة يغنون بالفحش والخنا ويدعون للفسوق والانحراف والرذيلة والخلاعة وأمثال ذلك من العظائم المعلوم قبحها بالفطر السليمة والعقول الصحيحة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ليكوننّ من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف . ولينزلنَّ أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم – يعني الفقير- لحاجة فيقولون ارجع إلينا غداً فيبيتُهُمُ الله ويضع العلمَ ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة ) .
ذكره البخاري في صحيحه ( 5590 ) عن هشام بن عمّار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثنا عبد الرحمن بن عَنْم الأشعري قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول .
ورواه ابن حبان في صحيحه ( 6754 ) عن الحسين بن عبد الله القطان قال حدثنا هشام بن عمار فذكره دون آخره .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تغليق التعليق ( 5 / 22 )( وهذا حديث صحيح لا علة له ولا مطعن له وقد أعله أبو محمد بن حزم بالانقطاع بين البخاري وصدقة بن خالد ، وبالاختلاف في اسم أبي مالك وهذا كما تراه قد سقته من رواية تسعة عن هشام متصلاً فيهم مثل الحسن بن سفيان وعبدان وجعفر الفريابي وهؤلاء حفاظ أثبات وأما الاختلاف في كنية الصحابي فالصحابة كلهم عدول ... ) .
وقال الحافظ ابن رجب في نزهة الأسماع ص ( 45 )( فالحديث صحيح محفوظ عن هشام بن عمار .. ) .
وفي الباب غير ذلك .
والمعازف هي آلات اللهو من عود وغيره والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
21 / 5 / 1421 هـ
,,,,,,(1/115)
*(91) أنا رجل لي هواية في الصيد وأحتاج إلى كلب معلم فهل يجوز لي شراؤه ؟
الجواب:
ثمن الكب محرم ولا يصح بيعه مطلقاً ، فقد( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحُلوان الكاهن ) رواه البخاري
( 2237 ) ومسلم ( 1567 ) من طريق مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه . وظاهر النهي تحريم بيعه وهو عام في كل الكلاب المعلمة وغيرها ويدل على ذلك حديث جابر بن عبد الله قال ( زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور ) رواه مسلم ( 1569 ) من حديث معقل عن أبي الزبير عن جابر .
ورواه النسائي ( 4300 ) من طريق حجاج بن محمد عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بزيادة ( إلا كلب صيد ) وهذه الزيادة شاذة قال النسائي رحمه الله حديث حجاج عن حماد بن سلمة ليس هو بصحيح . وضعف هذه الزيادة ابن حزم والبيهقي وجماعة .
وروى أبو داود في سننه ( 3482 ) من طريق عبد الكريم عن قيس بن حبتر عن عبد الله بن عباس قال : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثَمن الكلب وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفّه تُراباً ) .
قال ابن حجر في الفتح ( 4 / 426 ) إسناده صحيح .
وتحريم ثمن الكلب هو قول جماهير العلماء .
وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز بيعه وعن مالك قول يجوز بيع ما أُذن في اتخاذه وحَملَ أحاديث النهي على ما حرم اتخاذه وفيه نظر . والأحاديث عامة لم يخص منها شيء ولا يجوز التخصيص بدون دليل .
بيد أنه يجوز دفع الثمن في كلب الصيد والحراسة إذا تعذر الحصول عليهما بدون ثمن والإثم على البائع دون المشتري لأنه محتاج إليهما وقد رخص له الشرع بالانتفاع بهما واتخاذهما للحاجة فإذا تعذر عليه أخذهما بدون ثمن جاز له ابتياعهما .(1/116)
ومثله عَسْبُ الفحل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعه رواه البخاري ( 2284 ) من حديث ابن عمر وفي صحيح مسلم ( 1565 ) من طريق روح بن عبادة حدثنا ابن جريج اخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل) .
فيحرم الثمن على آخذ الأجرة والبائع ولا يحرم على المعطي لأنه محتاج إلى ذلك والله أعلم.
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
4 / 4 / 1421 هـ
*(92) قرأت في أحد كتب الشيخ الألباني رحمه الله أنه صحح حديث عائشة ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء).
وقد سمعت من بعض العلماء أن هذا الحديث لا يصح فأحببت أن أرفع هذا السؤال لفضيلتكم لمعرفة الصحيح من ذلك؟
الجواب:
هذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي ( 1397 ) وأحمد في مسنده (6 /43 ) وأبو داود ( 228 ) والترمذي ( 118 ) وابن ماجة ( 581 ) وغيرهم من طريق أبي إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة قالت .( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء ) .
وهو معلول أخطأ فيه أبو إسحاق واضطرب فيه ولم يأت به على وجهه الصحيح وقد رواه غير واحد عن الأسود عن عائشة بلفظ آخر فقد خرّج مسلم في صحيحه من طريق إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنباً أراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءَه للصلاة ) وهذا هو المحفوظ .
وقد ذكر أبو داود في سننه ( 228 ) عن يزيد بن هارون أنه قال هذا الحديث وهم يعني حديث أبي إسحاق . وقال الإمام أحمد ( ليس صحيحاً ) وقال أبو عيسى الترمذي في جامعه ( وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق ) .
وهذا لا خلاف فيه بين أئمة الحديث حكى اتفاقهم غير واحد .(1/117)
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في الفتح ( 1 / 362 ) وهذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق منهم إسماعيل بن أبي خالد وشعبة ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة ومسلم بن الحجاج وأبو بكر الأثرم والجوزجاني والترمذي والدارقطني .
وقال أحمد بن صالح المصري الحافظ : لا يحل أن يُروى هذا الحديث – يعني أنه خطأ مقطوع به فلا تحل روايته دون بيان علته .
وأما الفقهاء المتأخرون : فكثير منهم نظر إلى ثقة رجاله فظن صحته .
وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواه ثقة فهو صحيح ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث . ووافقهم طائفة من المحدثين كالطحاوي والحاكم والبيهقي.. )
وتبعهم على ذلك بعض أهل عصرنا وجزموا بصحة الخبر معتمدين على ظاهر إسناده وثقة رواته وهذه غفلة عن دقائق علم العلل ومخالفة لصنيع أئمة هذا الشأن الذين أطبقوا على خطأ أبي إسحاق واضطرابه في ذلك وتفرده عن الثقات والله أعلم .
*(93) ماحكم صلاة المتلبس بالنجاسة ناسياً ؟
الجواب:
من حكم الشريعة ومصالحها رفع الحرج والمشقة عن الجاهل والناسي والتخفيف عنهما فحين يتعذر على المصلي إزالة النجاسة من ثوبه أو بدنه ولا يعلم بالنجاسة أو يجهل حكمها فإنه لا إعادة عليه في أصح قولي العلماء وهو قول الإمام أحمد في رواية عنه .(1/118)
وذهب إليه طائفة من فقهاء الأحناف واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ( 21 / 477 ) وقال ( أصح قولي العلماء أنه إذا صلى بالنجاسة جاهلاً أو ناسياً فلا إعادة عليه كما هو مذهب مالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة للأذى الذي كان فيهما ولم يستأنف الصلاة وكذلك في الحديث الآخر لما وجد في ثوبه نجاسة أمرهم بغسله ولم يعد الصلاة وذلك لأن من كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله العبد ناسياً أو مخطئاً فلا إثم عليه كما دل عليه الكتاب والسنة قال تعالى { وليس علكم جناح فيما أخطأتم به }وقال تعالى{ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال تعالى ( قد فعلت ) رواه مسلم في صحيحه .......... ) .
وحين يعلم بالنجاسة في أثناء الصلاة ويقدر على إزالتها فإنه يتحتم حينئذٍ إزالتها فإذا لم يقدر وصلى صحت صلاته على الصحيح فالمشقة جالبة للتيسير قال تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } ولا سيما أن إزالة النجاسة من الثوب والبدن ليست بشرط على الصحيح وهو قول جماعة من فقهاء المالكية وهو مروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وطاووس وغيرهم لأنه لم يثبت في ذلك دليل تقوم به حجة .
وقوله تعالى { وثيابك فطهر } أمرٌ بالتطهير وهو يفيد وجوب إزالة النجاسة من الثوب ولا يقتضي الشرطية ولا يصار إلى القول بالشرطية بدون عبارة تفيد نفي الصحة مثل . لا صلاة ،إلا بثوب طاهر ونحو ذلك أو الإجماع الصحيح والله أعلم.
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
26 / 4 / 1421هـ
*(94) لدي سؤالان أرجو الإجابة عليهما ولو بعبارات مختصرة أعرف من خلالها رأيكم في تلكما المسألتين:
الأولى: قراءة القرآن للحائض ؟
الثانية: حكم امرأة حاضت قبل الإفاضة ورفض رفقتها انتظارها؟
الجواب:(1/119)
ذهب الإمام مالك وأحمد في إحدى الروايتين والطبري وابن المنذر وابن القيم وأئمة آخرون إلى جواز قراءَة الحائض للقرآن وهو المختار فلم يثبت دليل بالمنع والأصل الجواز وعدم شغل الذمة بدون دليل صحيح .
ونحن نعلم أن النساء تحيض ونعلم أن قراءَة القرآن من أفضل القربات وأعلى المقامات وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أمته على قراءَة القرآن وعلى استذكاره وتعاهده ولا نعلمه صلى الله عليه وسلم استثنى الحائض من ذلك.
وحديث ( لا تقرإ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن ) ضعيف بالاتفاق رواه الترمذي ( 131 ) وابن ماجه ( 595 ) من طريق إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
وإسماعيل بن عياش ضعيف الحديث عن أهل الحجاز والعراق وقد روى هذا الحديث عن موسى بن عقبة وهو مدني .
قال الإمام البخاري رحمه الله ( إذا حدّث إسماعيل عن أهل بلده فصحيح وإذا حدّث عن غيرهم ففيه نظر) .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد سألت أبي عن هذا الحديث فقال :( هذا باطل أنكره على إسماعيل ابن عياش .. )
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى ( 21/ 460 ) (هو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث ) .
وقد ذهب إليه بعض الفقهاء فمنعوا الحائض من قراءة القرآن .
وقالت طائفة يجوز للحاجة .
والصحيح الجواز مطلقاً غير أنها لا تمس القرآن بدون حائل والله أعلم .
وأما المسألة الثانية : في حكم المرأة التي حاضت قبل طواف الإفاضة ورفض رفقتها انتظارها .
فقيل تنتظر حتى تطهر ولا يصح طوافها والحالة هذه بحال .
وهذا مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد وهؤلاء جعلوا الحيض منافياً للطواف كمنافاته للصلاة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) رواه البخاري
( 305 ) ومسلم ( 1211 ) من طريق عبد العزيز بن سلمة الماجشون عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة .(1/120)
وقيل الطهارة واجبة وليست بشرط فيصح طواف الحائض وتجبر ذلك بدم وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد .
وقيل الطهارة سنة من الحدث الأصغر ، ومن الحيض والجنابة شرط حيث الاستطاعة فإذا لم يمكن المرأة البقاءُ حتى الطهر وهي غير قادرة على العودة في زمن لاحرج عليها فيه فإنها تستثفر بثوب ونحوه وتطوف بالبيت ولا شيء عليها فقد رفع الله الحرج عن هذه الأمة .
قال تعالى ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) فأتت هذه الآية على نفي كل أنواع الحرج فإن النكرة في قوله ( حرج ) جاءَت في سياق النفي وقد سُبقت بمن فاستلزمت العموم المقتضي لرفع كل مافيه حرج على البشر .
وقال تعالى ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما ستطعتم ) رواه البخاري ( 7288 ) ومسلم ( 1337 ) من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه .
ومن تذوق أسرار الشريعة وحكمها وفهم المقصد الأعم للشريعة تجاوب مع هذا القول .
فإنه لا يمكن أن تُفتى هذه المرأة بأن تقيم في مكة بدون محرم ففي ذلك فساد عظيم .
ولا يمكن أن تٌفتى بالرجوع وهي غير قادرة على العودة فتبقى حينئذٍ محرمة ممنوعة من الزوج محرومة من النسل حتى تطوف بالبيت أو تموت على ذلك . فمثل هذا يرفضه الشرع والعقل .
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله . (إن الرجل إذا طاف جنباً ناسياً صحّ طوافه ولا دم عليه ) وعنه (عليه دم وقد تقدم وعذر المرأة بالحيض أولى من عذر هذا الرجل بالنسيان) .
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وكتب في ذلك رسالة .
ونصره الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين ( 3/25-41 ) والله سبحانه وتعالى أعلم.
قاله
سليمان ناصر العلوان
11/3/1421هـ
... ... ,,,,,,
*(95) ماحكم طلاق السكران ؟
الجواب:(1/121)
الطلاق المعتبر ما كان عن وَطَر أي عن غرض من المطلق في وقوعه والذي لا يعلم ما يقول وليس له قصد في الطلاق لا يصح طلاقه ولا يترتب على قوله شيء وفي الصحيحين من حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .... ) .
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه ( ليس لمجنون ولا لسكران طلاق ) رواه البخاري في صحيحه معلقاً ووصله ابن أبي شيبة وإسناده صحيح .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما ( طلاق السكران والمستكره ليس بجائز ) علقه البخاري بصيغة الجزم وقد وصله ابن أبي شيبة وغيره .
وقال ابن عباس أيضاً .( الطلاق عن وَطَر ) علقه البخاري مجزوماً بصحته .
والوَطَر بفتحتين الحاجة إلى الشيء والسكران لا وطَرَله وهذا مذهب الليث بن سعد وإسحاق وأحمد بن حنبل في آخر الروايات عنه ونصره أهل الظاهر وابن تيمية وابن القيم وآخرون .
وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة وفتاوى الصحابة فإن السكر يذهب العقل ولا يدري حينئذٍ ما يقول وقد ذكر ابن حزم في المحلى في أحكام الطلاق( أن عمر بن عبد العزيز أُتي بسكران طلق امرأته - فاستحلفه بالذي لا إله إلا هو لقد طلقها وهو لا يعقل فحلف – فرد إليه امرأته وضربه الحد ... ) .
وقد جعل الله سبحانه قوله غير معتبر فقال ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) .
ولم يؤاخذ النبي صلى الله عليه وسلم حمزة على قوله حيث ثمل
( وهل أنتم إلا عبيد لأبي ... ) رواه البخاري ( 4003 ) ومسلم
( 1979 ) من طريق على بن الحسين أن حسين بن علي أخبره عن علي رضي الله عنه .
ومن قواعد الشريعة رفع المؤاخذة بالنسيان وخطأ اللسان والإكراه واللفظ الذي يجري على اللسان بدون قصد له .
قال تعالى ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) .(1/122)
وفي صحيح مسلم (2747 ) من حديث أنس في قصة الرجل الذي انفلتت راحلته بأرض فلاة وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فقال حين رآها قائمة عنده ( اللهم أنت عبدي وأناربك ) أخطأ من شدة الفرح .
ورواه البخاري ( 6309 ) ومسلم ( 2747 ) من طريق أُخرى بدون آخره .
وفي المسألة قول ثاني يقتضي نفوذ طلاق السكران وهو مروي عن معاوية وسعيد بن المسيب والزهري والشافعي في أحد قوليه ومالك وآخرين . ولهم على ذلك أدلة .
أقواها أنه يؤخذ بجناياته فكذلك الطلاق وهذا لا يصح فإن الأقوال تختلف عن الأفعال . فإذا قيل لا يصح طلاق السكران لا يلزم منه إسقاط القصاص عنه فالعفو عن القصاص والحدود نشر للفساد وذريعة لتعطيل الحدود والأحكام بخلاف الطلاق فإنه لا يتضمن شيئاً من ذلك .
ومن هنا فرق أكابر الصحابة بين الأمرين فألزموا بالحدود والقصاص دون الطلاق والله أعلم .
كتبه
سليمان بن ناصر العلوان
9 / 5 / 1421 هـ
*(96) ما صحة حديث ( من توضأ على طُهر كتب الله له به عشر حسنات ) ؟
الجواب
هذا الحديث لا يثبت رواه أبو داود ( 62 ) وابن ماجة ( 512 ) وعبد بن حميد ( 859 ) وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي عن أبي غُطيف الهذلي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله ( 59 ) وهو إسناد ضعيف ) وروى العقيلي في الضعفاء( 2 / 332 ) من طريق علي بن المديني قال سمعتُ يحيى قال حدثتُ هشام بن عروة بحديث عن الإفريقي عن ابن عمر في الوضوء فقال هذا حديث مشرقي وضعف يحيى بن سعيد .. الإفريقي .
وقال الترمذي في جامعه ( 199 )( والإفريقي ضعيف عند أهل الحديث ... ) .
وقال الإمام أحمد . ليس بشيء
وعنه قال . منكر الحديث .
وقال علي بن المديني .( كان أصحابنا يضعفونه وأنكر أصحابنا عليه أحاديث تفرد بها لا تُعرف ) ولم يرد هذا الحديث فيما أعلم من غير رواية الإفريقي ولا يحتج بشيء من حديثه .(1/123)
وتحقيق القول في تجديد الوضوء أنه لا يندب على الإطلاق ولا يشرع تكراره بدون سبب .
ويستحب اتفاقاً عند كل صلاة .
وقد روى البخاري في صحيحه ( 214 ) من طريق سفيان قال حدثني عمرو بن عامر عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة قلتُ كيف كنتم تصنعون ؟ قال : يجزئُ أحدنا الوضوء ما لم يُحدث .
وقد ترجم له البخاري بقوله ( باب الوضوء من غير حدث ) والمراد تجديد الوضوء وقد كان الوضوء لكل صلاة واجباً ثم نسخ وبقي الاستحباب والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
15 / 6 / 1421 هـ
*(97) ما حكم من تطيب أو لبس مخيطاً في الإحرام ناسياً أو جاهلاً؟
الجواب: ...
قاعدة الشريعة أن من فعل محظوراً ناسياً أو مخطئاً فلا إثم عليه ولا فدية قال تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وقد استجاب الله تعالى هذا الدعاء وقال ( قد فعلت ) رواه مسلم في صحيحه ( 2 / 146 – نووي ) من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وروى البخاري ( 1789 ) ومسلم ( 8 / 76 – نووي ) من حديث عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه رضي الله عنه قال(( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة عليه جبّة وعليها خلوق أو قال أثر صفرة فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي قال وأُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي فسُتر بثوب وكان يعلى يقول وددت أني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد نزل عليه الوحي قال فقال أيسرك أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أُنزل عليه الوحي قال فرفع عمر طَرَفَ الثوب فنظرت إليه له غطيط قال أو أحسبه قال
((1/124)
كغطيط البكر ) قال فلما سُري عنه قال (أين السائل عن العمرة اغسل عنك أثر الصفرة أو قال أثر الخلوق واخلع عنك جبتك واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك ) وهذا ظاهر في العفو عن الجاهل والناسي فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بفدية وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وهذا قول عطاء وإسحاق والشافعي وغيرهم .
وقال البغوي رحمه الله في شرح السنة ( 7 / 248 ) (وفيه دليل على أن المحرم إذا لبس أو تطيب ناسياً أو جاهلاً فلا فدية عليه ... ) .
وكذلك من حلق رأسه أو قلَّم أظفاره ناسياً أو جاهلاً فلا فدية عليه ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ( 20 / 570 ) وتلميذه الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين ( 2 / 30 ) .
وكذلك من جامع ناسياً فإنه لا يبطل إحرامه في أصح قولي العلماء .
وذهب آخرون من العلماء والفقهاء إلى أنه لا فرق بين العامد والناسي في شيء من المحظورات فمن تطيب أو لبس أو قلَّم أظفاره ناسياً أو جاهلاً فإنه يفدي . وفيه نظر .
والصحيح أنه لاشيء عليه دليلاً وقياساً فإن القياس يقتضي أن من فعل شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً لا فدية عليه .
وأختم جوابي بنصيحة الحجاج والمعتمرين بتعلم الأحكام الشرعية والتفقه في الدين وبذل شيء من الوقت في فهم مقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه . فطلب العلم الشرعي فرض كفاية إلا فيما يتعين فعله في خاصة نفسه فإنه فرض عين . والنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها والله أعلم .
كتبه
سليمان بن ناصر العلوان
4 / 5 / 1421هـ
,,,,,,
*(98) قد أشكل علىّ أمر العقيقة هل يشترط فيها ما يشترط في الأضحية أم أنه يجوز العق بما تيسَّر ؟
الجواب:
قد جاءت بعض الأحاديث في بيان ما يجزئ في الأضحية ومالا يجزئ .
وأمّا العقيقة فلم يرد فيها سوى ذكر شاتين مكافئتين في حق الغلام وشاة واحدة في حق الأنثى .(1/125)
ولم يرد ذكر أوصافها وما يلزم في ذلك وما يمتنع فذهب جمهور العلماء إلى إلحاق العقيقة في الأضحية فيما يجوز وفيما يحرم .
فاشترطوا سلامة العقيقة من العيوب كاشتراطهم سلامة الأضحية على ماجاءَ في الأحاديث الصحيحة .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية فيجوز ذبح المعيبة وذبح ما دون ثنية المعز ونحو ذلك . لأن الأضحية ذبيحة شرعت في وقت محدود لا يخرج عنه وجاءَت فيها نصوص تبين ما يجوز ومالا يجوز بخلاف العقيقة فإن الشارع ذكر ما يهراق عن الغلام وعن الجارية ولم يزد على ذلك فدل على أنه لا يشترط فيها ما يشترط في الأضحية .
ولأنها شرعت عند تجدد نعمة فأشبه ما تكون بسائر الولائم .
قال في الرعاية الكبرى كما في الإنصاف ( 4\114 ) (والتفرقة أشهر وأظهر ) . يدل لهذا القول أن الذين قاسوا العقيقة على الأضحية لم يأخذوا بجميع أوجه الاشتراك وجميع أوجه المنع .
فبعض من يرى أن حكم العقيقة حكم الأضحية قال ولا يجوز فيها شرك في بدنة ولا بقرة وبعضهم يجوَّز ذلك .
وقد قال ابن سيرين في العقيقة . اصنع بلحمها كيف شئت .
وسئل أحمد بن حنبل رحمه الله عن ذلك فذكر قول ابن سيرين قال في الشرح الكبير وهذا يدل على أنه ذهب إليه وسئل هل يأكلها كلها ؟
قال ألم أقل يأكلها كلها ولا يتصدق منها بشيئ .
وهذا كله يدل على أن العقيقة لا تشبه الأضحية في مصرفها فكذلك لا تشبه الأضحية في سنَّها وصفتها وشروطها . والله أعلم.
,,,,,,
*(99) ما تقولون فيمن يقلل من شأن الصحابة ويقدح في عدالتهم ؟
الجواب
إن الصحابة رضي الله عنهم أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً وأقومها هدياً وأحسنها حالاً .(1/126)
قوم سمحت نفوسهم بالنفس والمال والأهل والدار ففارقوا الأوطان وهجروا الأباء والإخوان وبذلوا النفوس صابرين وأنفقوا الأموال محتسبين وناصبوا من ناوأهم متوكلين فآثروا رضاء الله على الغناء والذل على العز والغربة على الوطن (1) وقد اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه فأخرجوا من شاء الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور أهل الطغيان إلى عدل الإسلام.
وقد أثنى الله على جميع الصحابة ومدحهم ووصفهم بالفوز العظيم فقال { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } .
والمراد بالذين اتبعوهم بإحسان بقية الصحابة الذين تأخر إسلامهم عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فشملت الآية حينئذٍ جميع الصحابة كما أن قوله تعالى { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ...} إلى آخر الآية . عامة لكل الصحابة فإن كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ولو ساعة من الزمن ومات على ذلك فقد عمّه لفظ الصحبة وشمله المدح والثناء والرضى عنه يؤيد هذا قوله تعالى في سورة الحديد { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى } أي الجنة .
والشهادة لهم بالجنة دليل على عدالتهم وهي الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة فهم حملة الشريعة وأنصار الدين ووزراء رسول رب العالمين .
__________
(1) انضر كتاب الإمامة والرد على الرافضة ص ( 209 ) لأبي نعيم الأصبهاني .(1/127)
فمن تزبَّع ونصب نفسه حكماً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجه المطاعن إلى أحد منهم وسلبهم العدالة وجعلهم كسائر الناس لهم ما لهم وعليهم ما عليهم أو ادعى أن العدالة لا تثبت إلا للمهاجرين والأنصار ومن عداهم يتطرق إليه الطعن والنقد ولا تثبت عدالته إلا بما تثبت به عدالة من جاء بعدهم من التابعين . فهذا قد تعرض لأمر عظيم . وفتحَ الباب للزنادقةِ و الملاحدةِ من الرافضة وغيرهم في الطعن في حقائق الشريعة ومسلَّماتها أو التشكيك في معالمها وسننها .
وقد ذكر غيرُ واحد من أهل العلم الإجماع على عدالة الصحابة من حيث الجملة والتعيين وليس هذا بلازم لعصمة الواحد منهم أو استحالة حدوث المعصية منه كما تدَّعيه الرافضة في أهل البيت .
فالذنب يصدر من الواحد منهم عن تأويل سائغ واجتهاد وغير ذلك وليس بقادح في عدالته فقد رضي الله عنهم وأثنى عليهم مع علمه بما سيقع منهم وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وجود الفتنة ووقوع القتال بين أصحابه ولم يكن هذا مانعاً من عدالتهم فإن هذه الأمور والوقائع الحادثة بينهم كانت عن اجتهاد وتأويل فللمصيب منهم أجران وللمخطئ أجر واحد وخطؤه مغفورله لأنه متأوّل فيما فعل مجتهد فيما أقدم عليه وهذا مما لا نزاع فيه وأدلته كثيرة .
وقد خالفت في ذلك الخوارج والمعتزلة وأشباههم وألحقوا بأهل الاجتهاد والأعذار أدلة الوعيد على التعيين ، وهذا القول فاسد وليس له وجه. فأدلة الوعيد لا تلحق أحداً من أهل العلم المجتهدين ولا سيَّما الصحابة رضي الله عنهم فليس فيهم من يُعتقد فيه أو يظن أنه يتعمد مخالفة الأدلة .
فظهر بهذا القطعُ بعدالةِ الصحابة كلهم وإحسان الظن في جميعهم .(1/128)
فمن بسط لسانه في التقليل من شأنهم أو القدح في عدالتهم فقد خالف المتواتر المقطوع به وتكلم في هذا الباب بجهل وظلم لا بعلم وعدل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه ) . متفق عليه من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وروى الإمام أحمد في فضائل الصحابة ( 1 / 57 ) وابن ماجه ( 162 ) بسند صحيح من طريق سفيان عن نُسير بن ذعلوق عن ابن عمر رضي الله عنه قال ( لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره ) .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
26 / 5 / 1421 هـ
,,,,,,
*(100) فيه شخص جامع في نهار رمضان فما حكمه ؟ وماذا عليه؟
الجواب:
الجماع في نهار رمضان من الاعتداء على حرمات الله وهو محرم با الكتاب والسنة والإجماع .
وتجب على المجامع كفارة وهي عتق رقبة فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً بدليل ما رواه البخاري ( 1936 ) ومسلم ( 1111 ) من طريق الزهري قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن أنّ أبا هريرة رضي الله عنه قال . بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءَه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال ( ما أهلكك) قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(هل تجد رقبة تعتقها ) قال لا . قال ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين) قال لا . فقال ( فهل تجد إطعام ستين مسكيناً )قال لا قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيها تمر والعَرَقُ المكتل – قال أين السائل فقال أنا قال( خذها فتصدق به ) فقال الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيت أفقرُ من أهل بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال ( أطعمه أهلك ) .(1/129)
وهذا الحكم بالنسبة للعامد العالم على الصحيح من أقاويل أهل العلم .
فإن الناسي والجاهل بالحكم والمكره لا قضاءَ عليهم ولا كفارة فقد رفع الله الحرج عن هذه الأمة وعفا عن الخطأ والنسيان قال تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وفي صحيح مسلم ( 126 ) عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى ( قد فعلتُ ) .
وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي في الناسي وقال إسحاق وأحمد في رواية بعذر الناسي والجاهل واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .
وقال مالك والليث بن سعد وجماعة . عليه القضاء دون الكفارة وقال أحمد بن حنبل في المشهور من مذهبه عليه القضاء والكفارة سواء وطيء ناسياً أو جاهلاً واختاره أهل الظاهر .
وفيه نظر فإن الجماع بمنزلة الأكل والشرب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ) رواه البخاري ( 1933 ) ومسلم ( 1155 ) من طريق هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وروى عبد الرزاق في المصنف ( 7375 ) بسند صحيح عن مجاهد قال ( لو وطيءَ رجل امرأته وهو صائم ناسياً في رمضان لم يكن عليه فيه شيء ) ورواه البخاري في صحيحه معلقاً .
وروى عبد الرزاق ( 7377 ) عن الثوري عن رجل عن الحسن قال : (هو بمنزلة من أكل أو شرب ناسياً ) . وعلقه البخاري في صحيحه والله أعلم.
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
16 / 5 / 1421هـ
,,,,,,
*(101) ما هو الذكر الصحيح الوارد بعد الأذان ؟
الجواب:(1/130)
السنةُ لمن سمع المؤذنَ يُنادي للصلاة أن يقول مثلَ ما يقول إلا في الحيعلتين فيقول لا حول ولا قوة إلا بالله . فإذا فرغ من متابعته سُنّ له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى مسلم في صحيحه ( 348 ) من طريق كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جُبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى اللهُ عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو . فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ).
وقد روى البخاري في صحيحه صفة الدعاء بعد النداء قال حدثنا على بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماًَ محموداً الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة).
ورواه على بن المديني وأحمد في مسنده ( 3 / 354 ) ومحمد بن سهل البغدادي وإبراهيم بن يعقوب وجماعة عن علي بن عياش بنحو رواية البخاري ورواه محمد بن عوف عن علي بن عياش وزاد في آخره ( إنك لا تخلف الميعاد ) خرجه البيهقي في السنن ( 1 / 410) . وهذه الزيادة شاذة .
فقد اتفق الحفاظ علي بن المديني وأحمد والبخاري وجماعة على روايته عن علي بن عياش دون هذه الزيادة .
وتفرد محمد بن عوف عن علي غير مقبول .
وأين تقع روايته من رواية هؤلاء الحفاظ .
وتصحيح بعض المتأخرين للحديث بزيادته مرفوض ودعوى أنها زيادة من ثقة وزيادة الثقة مقبولة ليس بصحيح فأئمة الحديث المعنيون بعلل الأخبار المتخصصون بذلك لا يقبلون زيادة الثقة مطلقاًَ ولا يحكمون على هذه المسألة بحكم كلي يعم كل الأحاديث بل يحكمون بالقرائن ويحكمون على كل زيادة بما تستحق .(1/131)
وحين يتفق علي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم على رواية الحديث عن علي بن عياش بدون الزيادة لا ريب أنهم يقدّمون على محمد بن عوف وأمثاله والله أعلم.
كتبه
سليمان بن ناصر العلوان
9 / 4 / 1421 هـ
,,,,,,
*(102) قرأت في كثير من الكتب النهي عن تخصيص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمثل كرم الله وجهه ، فلم أفهم وجه المنع ولا دليله ؟
الجواب:
قولي في سؤالكم أدام الله فضلكم أن تخصيص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بوصف ( كرم الله وجهه ) ليس له مسَوَّغ شرعي ولا جرى به عمل أئمة الهدى وأهل العلم المعنيين بالسنة وحراستها .
وقد شاع هذا اللفظ في المتأخرين وغلب في عبارات الرافضة والجهّال .
ومعنى ذلك أنه ما سجد لصنم قط وهذا لا يختص به علي رضي الله عنه دون غيره ، فزيد بن عمرو بن نفيل حنيفي موحد لم يثبت عنه أنه سجد لوثن قط وقد مات قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقصته مشهورة في البخاري ( 3826 ) وغيره ، وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم
( يأتي يوم القيامة أمة وحده ) رواه أبو يعلى (2 / 260 ) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد وإسناده جيّد .
وجماعة ممن أسلم من الصحابة لم يثبت عنهم أنهم سجدوا للأصنام ، والصحابة الذين ولدوا في الإسلام كابن الزبير والنعمان بن بشير وجماعة لم يسجدوا إلى صنم قط .
فتخصيص علي رضي الله عنه بذلك دون غيره من الصحابة لغو من القول وابتداع في الدين .
وأعتقد أن هذا التخصيص من همزات الرافضة كيداً للخلفاء الراشدين الثلاثة فهم في نظرهم عبدة أوثان وأصنام لا يُعَدّون في عداد المسلمين !!.
قال الرضوي الرافضي ( إن مما لا يختلف فيه اثنان ممن على وجه الأرض أن الثلاثة الذين هم في طليعة الصحابة _ يعني أبا بكر وعمر وعثمان _ كانوا عبدة أوثان حتى لفظوا آخر أنفاسهم في الحياة ) كتاب كذبوا على الشيعة ( ص 223 ) .(1/132)
وقالوا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( كان يصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والصنم معلق في عنقه يسجد له ) .
وقالوا عن الفاروق عمر رضي الله عنه ( إن كفره مساو لكفر إبليس إن لم يكن أشد) .
وقالوا عن عثمان رضي الله عنه ( كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ممن أظهر الإسلام وأبطن النفاق ).
وهذا شيء يسير من اعتقاد الرافضة في أئمة الصحابة وطليعة الأكابر وحينها تدرك السر في تخصيصهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه
بـ ( كرم الله وجهه ) .
وتعلم دأب أهل الأهواء والضلال على ترويج بدعهم وضلالاتهم وبث الشبه و البليات بين أهل السنة ، فقد جعلت الرافضة من مدح أمير المؤمنين علي رضي الله عنه سُلَّماً لنبز الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين .
وقد تضخّمت هذه البدعة فيما بعد وسرت في كثير من التآليف . والأصل تسوية الصحابة في ذلك وعدم تخصيص بعضهم دون بعض .
وكلُ وصفٍ يُشعر بتعظيم على رضي الله عنه فأبو بكر وعمر وعثمان أولى بذلك منه .
فهم أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا أجمع أهل السنة .
وقد روى البخاري في صحيحه ( 3655 ) (من طريق يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا نُخيّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم ) .
ورواه ( 3697 ) بلفظ آخر من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ( كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم ) .
وقد تواتر النقل عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بأن( أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ) انظر صحيح البخاري ( 3671 ) وفضائل الصحابة للإمام أحمد
( ص 300 إلى ص 313 ) .(1/133)
قال الحافظ بن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه فتح الباري ( 7 / 34 ) (قد سبق بيان الاختلاف في أيّ الرجلين أفضل بعد أبي بكر وعمر : عثمان أو علي وأن الإجماع انعقد بآخره بين أهل السنة أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة رضي الله عنهم أجمعين ) .
والله سبحانه وتعالى أعلم.
كتبه
سليمان بن ناصر العلوان
25 / 3 / 1421 هـ
,,,,,,,
*(103) حديث ( المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء ) هل يثبت؟
الجواب:
هذا الكلام ليس بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا هو بمعروف عن الصحابة رضي الله عنهم .
وقد عُزي إلى الحارث بن كلدة طبيب العرب .
ترى هذا في زاد المعاد ( 4 / 104 ) والمقاصد الحسنة ( 1035 ) وجامع العلوم والحكم ( 2 / 334 ) .
وأسنى المطالب ( 1590 ) وذكر أبو حامد الغزالي في الإحياء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( البطنة أصل الداء والحمية أصل الدواء وعوّدوا كل جسد ما اعتاد ) .
وهذا لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد روي عن عائشة مرفوعاً ( الأزْم دواء والمعدة بيت الداء وعودوا بدناًَ ما اعتاد ... ) . ولا يصح .
والأطباء متفقون على أن الحمية من أنفع الأدوية قبل الداء فتمنع حصوله وبعد الداء فتخففه وتمنع انتشاره .
قال وهب بن منبه رحمه الله ( أجمعت الأطباء أن رأس الطب الحمية ، وأجمعت الحكماء أن رأس الحكمة الصمت ) .رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت رقم ( 619 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ( 4 / 103 ) (الدواء كله شيئان : حمية وحفظ صحة . فإذا وقع التخليط احتيج إلى الاستفراغ الموافق ، وكذلك مدار الطب كله على هذه القواعد الثلاثة .
والحمية حميتان : حمية عما يجلب المرض ، وحمية عما يزيده ، فيقف على حاله ، فالأول : حمية الأصحاء . والثانية حمية المرضى فإن المريض إذا احتمى وقف مرضه عن التزايد ، وأخذت القوى في دفعه .. ) والله أعلم.
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
18 / 5 / 1421 هـ(1/134)
... ... ,,,,,,
*(104) قرأت في بعض الكتب أن المؤذن . إذا قال في آذان الفجر
( الصلاة خير من النوم ) يقول من يتابعه ( صدقت وبررت ) .
هل على هذا دليل ؟
الجواب
اعلم أن العبادات مبناها على التوقيف فلا يشرع منها شيء إلا ما شرعه الله ورسوله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه من حديث عائشة .
والمشروع للمسلم إذا قال المؤذن الصلاة خير من النوم أن يقول مثله لقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن ) متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري .
وهذا الحديث عام لم يخص منه شيء إلا في الحيعلتين فيقول من يتابع المؤذن ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) لحديث عمر في صحيح مسلم .
وأما بقية ألفاظ الأذان فيقول مثله فإذا قال المؤذن الصلاة خير من النوم لم يشرع لأحد أن يقول خلاف ما يقول المؤذن لا صدقت ولا بررت ( 1 ) ولا غيرها من الألفاظ التي لم ترد في الشرع وشر الأمور محدثاتها .
وأما قول السائل قرأت في بعض الكتب الخ .
فهذا صحيح ذكر ذلك بعض الفقهاء ولكنهم لم يذكروا دليلاً على ذلك إنما هو استحسان من بعضهم فظن من أتى بعدهم أن قولها مشروع ولا شرع إلا ما شرعه الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم .
فعلى المسلم أن يقتدي ويتبع ولا يبتدع وليس كل ما ذكره الفقهاء أو بعضهم يكون صحيحاً مشروعاً فبعضهم يذكر ما وقف عليه وبعضهم يذكر ما قاله إمام مذهبه والمسلم يأخذ ما قام عليه الدليل والله أعلم .
,,,,,,
*(105) ما حكم قراءة الجنب للقرآن؟
الجواب:(1/135)
إن تصنيف الأجزاء الحديثة والفقهية واللغوية وغيرها في سائر العلوم والفنون لها ثمار كبيرة وفيها فوائد جليلة يستطيع المؤلف من خلالها الإلمام بمعظم مسائل الباب إن لم تكن كلها، ويستطيع أن يورد الأدلة ما لا يستطيعه في غيرها لأن الأجزاء أو الجزء لم يصنف إلا لتناول هذه المسألة ولم شعث أطرافها وعرض أدلة المختلين فيها- إن كان ثم اختلاف- ثم ترجيح ما يقتضي الدليل ترجيحه.
ولما ألمسه من الفائدة من قراءة بعض هذه الأجزاء ومطالعتها رأيت أن أفرد بحوثاًَ مستقلة في مسائل متنوعة يكثر السؤال عنها، مبتدئا بمسألة مهمة وهي حكم قراءة الجنب للقرآن، فقد وقع في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم ما بين مبيح وحاظر، والأكثر من أهل العلم على المنع.
وإن كان المعروف عند أهل المعرفة والتحقيق أنه لا تلازم بين قول الجمهور وبين الحق والصواب؛ فقد يكون الحق معهم- وهذه الأكثر في المسائل العلمية- وقد يكون الحق في جانب غيرهم.
والمنصف دائماًَ يبحث عن الدليل؛ فما نصره الدليل اتبعه، وإن كان القائل به قليلا، وما لم يرد فيه الدليل أو كان دليله ضعيفاً تركه، وإن كان الأكثرون على القول به.
وصاحب الحق الذي يبحث عنه ويتحراه لا يخلو من الأجر والأجرين؛ فإن أصاب الحق حاز الأخرين وإلا فله أجر واحد، بخلاف غيره ممن له مقاصد سيئة أو له تعصب لمذهب من ينتمي إليه؛ فإنه وإن أصاب الحق فإنه على خطر فكيف إذا كان الحق بخلاف قوله، والموافق من وفقه الله وهداه إلى صراط المستقيم.
الإجماع على جواز الذكر غير القرآن للمحدث(1/136)
أعلم- وفقك الله تعالى لما يحب ويرضى- أن ذكر الله تعالى بما سوى القرآن مجمع على جوازه للجنب والحائض، فضلاًَ عن غيرهما، وأدلة ذلك من الكتاب والسنة كثيرة مشهورة؛ قال النووي رحمه الله: (( أجمع المسلمون على جواز التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأذكار وما سوى القرآن- للجنب والحائض- ودلائله مع الإجماع في الأحاديث الصحيحة مشهورة(1).
جواز قراءة المحدث حدثاً أصغر للقرآن من غير مس له
أجمع أهل العلم على جواز قراءة القرآن للمحدث حدثاً أصغر(2)؛ وأدلة ذلك كثيرة.
منها حديث ابن عباس قال: ( بت ليلة عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي). الحديث متفق عليه(3).
وقد بوب عليه الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله (باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره).
وقد روى مالك في الموطأ بسند منقطع من طريق محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب كان في قوم وهم يقرؤون القرآن فذهب لحاجته ثم رجع وهو يقرأ القرآن. فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، أتقرأ القرآن ولست على وضوء؟ فقال له عمر: من أفتاك بهذا؟ أمسيلمة؟ (4)
__________
(1) المجوع: 2/164. أنظر شرح السنة: 2/ 44.
(2) أنظر الاستذكا: 8/14،المجموع للنووي: 2/163.
(3) البخاري: 1/278-فتح. مسلم: 6/45- 46- نووي.
(4) الموطأ: 2/8- شرح الزرقاني، ومحمد بن سيرين لم يسمع من عمر.(1/137)
قال ابن عبد الرحمن رحمه الله: ( وفي الحدث جواز قراءة القرآن طاهرا في غير المصحف لمن ليس على وضوء إن لم يكن جنبا وعلى هذه جماعة أهل العلم لا يختلفون فيه إلا من شذ عن جماعتهم ممن هو محجوج بهم، وحسبك بعمر في جماعة الصحابة وهم السلف الصالح)(1) .
والأفضل للمسلم أن يتطهر لذكر الله تعالى؛ لما روى أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وغيرهم بسند صحيح عن المهاجر بن قنفذ، أنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: ( إني كرهت أن أذكر الله تعالى ذكره إلا على طهر).
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي الجهيم قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام.
أقوال أهل العلم في حكم قراءة الجنب للقرآن:
اعلم أن أهل العلم اختلفوا في قراءة الجنب للقرآن على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يجوز قراءة شئ من القرآن مطلقاً.
القول الثاني: يجوز قراءة القرآن مطلقاً.
القول الثالث: يجوز قراءة الآية والآيتين والشيء اليسير ويحرم الكثير. وقد قال بكل قول من هذه الأقوال جماعة من أهل العلم.
فأما القول الأول فإنه قول لبعض الصحابة وطائفة من أهل العلم ممن بعدهم. منهم الشافعية، فقد قال النووي رحمه الله: ( مذهبنا أنه يحرم على الجنب والحائض قراءة القرآن قليلها وكثيرها، حتى بعض آية، بهذا قال أكثر العلماء. كذا حكاه الخطابي وغيره عن الأكثرين....) (2).
أقول: قول الخطابي ذكره في معالم السنن(3) ، ولفظه ( وأكثر العلماء على تحريمه).
وعبارة الخطابي عامة يستفاد منها أن الجمهور يمنعون الجنب من قراءة القرآن، ولكن لا تدل عبارته على أن الجمهور يمنعون الآية فضلا عن بعضها.
__________
(1) الاستذكار: 8/14.
(2) المجموع: 2/ 158.أنظر الحاوي الكبير: 1/ 147.
(3) 1/156.(1/138)
ونقله أيضاًَ عن الجمهور الإمام الترمذي رحمه الله في جامعه(1/ 236). ولكنه نقل عنهم استثناء طرف الآية والحرف ونحو ذلك. وقال شيخ الإسلام في الفتاوى( 36/ 190): ( الجنب ممنوع من قراءة القرآن) وقال رحمه الله في ( 21/ 268): ( والأربعة أيضاًَ وتنازعوا في قراءة الحائض وفي قراءة الشيء اليسير.......). أقول: والمنع مطلقا رواية عن الإمام أحمد ذكرها طائفة من فقهاء مذهبه وهو مذهب أبي حنيفة، كما (1). في الهداية
(1/ 644- البناية) وبه قال جماعة من التابعين كإبراهيم النخعي ومجاهد وغيرهما.
واحتج أصحاب هذا القول بأدلة:
1- منها ما رواه أحمد ( 1/84)، وأبو داود(1/381- عون المعبود) والنسائي ( 1/144)، والترمذي (1/273)، وابن ماجة ( 594)، وغيرهم من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة، قال: أتيت على علي- رضي الله عنه – أنا رجلان فقال: كان رسول الله يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ولا يحجزه من القرآن شئ ليس الجنابة، قال الترمذي رحمه الله: حديث علي حديث صحيح، وصححه الحاكم في مستدركه( 1/152)، وقال الشوكاني في السيل الجرار.
2- ( 1/ 107): قد صححه جماعة من الحفاظ ولم يأت من تكلم عليه بشئ يصلح لأدني قدح....، وفيه نظر؛ فإن مدار الحديث على عبد الله بن سلمة. قال يحيي: وكان شعبة يقول في هذا الحديث: نعرف وننكر؛ يعني أن عبد الله بن سلمة كان كبر حيث أدركه عمرو(2). ، وهذه علة تمنع ثبوت الحديث.
ولذلك قال البخاري رحمه الله في التاريخ الكبير(285)، في ترجمة عبد الله بن سلمة: لا يتابع في حديثه، والحديث ضعفه الشافعي والنووي(3).
وقال الخطابي رحمه الله في معالم.السنن(4) وكان أحمد بن حنبل يوهن حديث على هذا ويضعف أمر عبد الله بن سلمة.
__________
(1) انظر: المنع في شرح مختصرالخرقي:1/208، والمبدع: 1/188.
(2) انظر: المنتقي لابن الجارود: 1/98.
(3) انظر المجموع: 2/159.
(4) انظر المعالم: 1/156.(1/139)
وقال ابن المنذر في الأوسط( 2/100): وحديث علي لا يثبت إسناده.
أقول: ولو صح حديث علي فليس فيه تحريم قراءة الجنب للقرآن لأن الامتناع لا يدل على التحريم، ولو كان ترك النبي صلى الله عليه وسلم للقراءة تحريماً لبينه بياناً عاماً لأن الحاجة داعية إلي البيان والناس رجالا ونساء يبتلون بذلك، وقد في القواعد الأصولية أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
قال ابن المنذر في الأوسط(2/100): ولو ثبت خبر علي لم يجب الامتناع من القراءة من أجله لأنه لم ينهه عن القراءة فيكون الجنب ممنوعاً منه: وقال ابن حزم رحمه الله في المحلى( 1/95) على حديث علي:(وهذا لا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه نهي عن أن يقرأ الجنب القرآن، وإنما هو فعل منه عليه السلام لا يلزم، ولا بين عليه السلام أنه إنما يمتنع من قراءة القرآن من أجل الجنابة، وقد يتفق له عليه السلام ترك القراءة في تلك الحال ليس من أجل الجنابة).
2- واحتجوا أيضاً بما رواه أحمد في مسنده ( 1/110): عن عائذ بن حبيب، حدثني عامر بن السمط عن أبي العريف قال: ( أتي علي- رضي الله عنه – بوضوء فمضمض واستنشق ثلاثاً وغسل وجهه ثلاثاً وغسل يديه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً ثم مسح برأسه غسل رجليه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ. ثم قرأ شيئاً من القرآن ثم قال: هذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية)، وهذا الحديث صريح في منع الجنب من قراءة القرآن وأنه لا يرخص له في قراءة الآية الواحدة فكيف بما زاد ولكن الحديث معلول. والراجح وقفه. فقد رواه الإمام الدارقطني في سننه.
(1/118) من طريق يزيد بن هارون حدثنا عامر بن السمط حدثنا أبو الغريف الهمداني فذكره عن علي موقوفاًَ.
وهذا صحيح؛ لأن يزيد بن هارون أوثق من عائذ فوجب تقديم روايته على رواية عائذ.
وقد صححه موقوفاً الإمام الدارقطني رحمه الله في سننه (1/118) فقال هو صحيح عن علي.(1/140)
أقول:الراوي عن علي أبو الغريف، واسمه عبيد الله بن خليفة الهمداني. قال ابن سعد: كان قليل الحديث (1) . وذكره ابن حبان رحمه الله في الثقات(2) وذكره الإمام الفسوي في المعرفة والتاريخ
( 3/199).وقال عنه ( وهو ثقة).
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم كما في الجرح والتعديل (5/313):
( سئل أبي عنه. فقال: كان على شرطة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وليس بالمشهور. قلت: هو أحب إليك أو الحارث الأعور، قال الحارث أشهر وهذا قد تكلموا فيه، وهو شيخ من نظراء أصبغ بن نباتة).
قال الإمام ابن عبد الهادي رحمه الله: ( ولم يبين أبو حاتم من تكلم فيه لأبين الجرح ما هو) (3) . أقول: تبين الجرح لا يشترط مطلقاً في حق الأئمة الكبار الذين لا يعلم منهم الجرح بما لا يجرح كأبي حاتم والبخاري ونحوهما، وأما من علم منه الجرح بمجرد البدعة مثلا فهذا لا يقبل جرحه المجمل بل لا بد أن يبين جرحه وسببه، حتى ينظر فيه هل يؤثر أم لا(4) .
ثم اعلم أن جرح أبي حاتم لعبيد الله بن خليفة هو في الحقيقة جرح مفسر؛ لأنه جعله من نظراء أصبغ بن نباتة التميمي. وأصبغ كذبه أبو بكر ابن عباس(5) . وقال يحيي ليس حديثه بشئ. قال النسائي متروك الحديث. وقال الدارقطني منكر الحديث.
وقيل فيه غير ذلك مما يدل على ضعفه وعدم اعتباره(6) . والذي يظهر من كلام الأئمة في أبي الغريف، أنه حسن الحديث. وأما قول الألباني في الإرواء (2/243): وتمام المنة (117)، ( لم يوثقه غير ابن حبان وهو مشهور بالتساهل في التوثيق). فقد تقدم ما ينقضه لأن الإمام الفسوي وثقه أيضاً.
__________
(1) طبقات ابن سعد: 6/240.
(2) 5/ 68-69.
(3) تنقيح التحقيق: 1/ 528.
(4) وفي المسألة تفضيل للأئمة لا يتسع له هذا الموطن.
(5) انظر تهذيب الكمال: 3/309.
(6) انظر ترجمته في تهذيب الكمال: 3/308-311.(1/141)
ودعوى الألباني أن ابن حبان متساهل هكذا أطلق ولم يفصل دعوى بلا برهان لأن ابن حبان رحمه الله غاية ما عيب توثيقه للراوي الذي لم يرو عنه سوى راو واحد(1) . ولم يوثقه أحد، وأما ما عدا ذلك فلم يعب عليه أحد من أهل العلم المعول عليهم في هذا الشأن بل إن الحافظين الذهبي وابن حجر قد رمياه بالتشدد في نقد الرجال في كتابه للمجروحين، وهذا ظاهر لمن قرأ كتابه المذكور، حتى أنه تكلم في محمد بن الفضل السدوسي الإمام الثقة والله أعلم.
والحاصل أن أثر علي بن أبي طالب موقوف حسن قد صححه الدارقطني ( 1/118)، وأما رفعه فضعيف.
ومن الأدلة أيضاً لأصحاب هذا القول.
3- ما رواه الترمذي (1/236) وابن ماجه(595) وغيرهما من طريق إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) وهذا الحديث ظاهر الدلالة في تحريم قراءة الجنب للقرآن لصيغة النهي في قوله (لا تقرأ) والنهي يقتضي التحريم؛ إلا لصارف. ولكن لا يتم الاستدلال بهذا الحديث على المطلوب حتى يثبت سنده، ولكن أني له الثبوت وهو من رواية إسماعيل بن عياش عن غير أهل بلده، وبلده الشام.
والأئمة الكبار يضعفون إسماعيل إذا روى عن غير أهل الشام.
قال الإمام الترمذي رحمه الله في جامعه: ( وسمعت محمد بن إسماعيل يقول إن إسماعيل بن عياش يروى عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير؛ كأنه ضعف روايته عنهم فيما ينفرد به. وقال إنما حديث إسماعيل عن أهل الشام) (2) .
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3) . ( سمعت أبي يقول: سألت أحمد بن حنبل عن إسماعيل بن عياش فقال: في روايته عن أهل العراق وأهل الحجاز بعض الشيء، وروايته عن أهل الشام كأنه أثبت وأصح).
__________
(1) أيضاً لا أسلم برميه بالتساهل المطلق في هذه المسألة وبيان ذلك له موضع آخر إن شاء الله.
(2) جامع الترمذي: 1/237.
(3) 2/192.(1/142)
وقال أبو زرعة ( غلط في حديث الحجازيين والعراقيين) (1) .
وقال البخاري: ( إذا حدث عن أهل بلده فصحيح وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر) (2) .
وكلامه الأئمة في تضعيف إسماعيل عن غير أهل بلده كثير، وما تقدم نقله عن البخاري وأحمد وأبي زرعة كاف في بيان حاله وعدم اعتباره في روايته عن أهل العراق والحجاز.
وروايته في هذا الحديث عن موسى بن عقبة، وهو حجازي، وقد قال الإمام أحمد- رحمه الله – على حديثه هذا بعد ما سئل عنه: ( هذا باطل(3) )، وقال شيخ الإسلام: ( وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث) (4) .
وأما قول الشوكاني في السيل الجرار (1/108): ( وتضعيفه بإسماعيل بن عياش مندفع لوروده من طريق غيره، وهو أيضاً لم يقدم فيه بما يوجب عدم صلاحية حديثه للاحتجاج به). ففيه نظر.
فقد تقدم نقل بعض كلام الأئمة الكبار الذين عليهم المعول في هذا الشأن في تضعيف إسماعيل وأنه لا تقوم به حجة في روايته عن أهل الحجاز والعراق، وأما قوله ( لوروده من طريق غيره ). فجوابه أن جميع الطرق فيها ضعف ونكارة؛ فقد رواه الدارقطني في سننه (1/117) من طريق عبد الملك بن مسلمة حدثني المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً به. وهذا سند منكر لحال عبد الملك. قال عنه ابن يونس: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: هو مضطرب الحديث ليس بقوي. وقال أبو زرعة. ليس بالقوي منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي مناكير كثيرة(5) .
وله طريق آخر عند الدارقطني (1/118) من طريق رجل عن أبي معشر عن موسى بن عقبة به.
وهذا سند لا تقوم بمثله حجة- للإبهام وضعف أبي معشر- فقد قال عنه يحيي بن معين: ( كان أميا ليس بشيء).
وقال أحمد بن حنبل: ( حديثه عندي مضطرب لا يقيم الإسناد ولكن أكتب حديثه اعتبر به ).
__________
(1) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 2/192.
(2) السير: 8/318.
(3) انظر ميزان الاعتدال: 1/142.
(4) 21/460- الفتاوي.
(5) انظر المجموع: 2/159.(1/143)
وقال البخاري: ( لا أروي عنه شيئاً)(1) . فهذا ما أشار إليه الشوكاني في قوله ( من طريق غيره).
وليس فيها ما يصلح متابعا لطريق ابن عياش، فالأمر كما قال أحمد رحمه الله ( هذا حديث باطل).
4- واحتج أصحاب هذا القول أيضاً بقصة عبد الله بن رواحة مع زوجته وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك. وهي قصة مشهورة مذكورة في كتب السير وبعض كتب العقائد، كرد الدارمي على الجهمية، وإثبات صفة العلو لابن قدامة. وقد جاءت القصة بألفاظ مختلفة ملخصها أن عبد الله بن رواحة مشى ليلة إلي أمة له فواقعها فلامته امرأته في ذلك فأنكر. وكانت قد رأت جماعه لها؛ على ما ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب(2) . ـ فقالت له: إن كنت صادقا فاقرأ القرآن فالجنب لا يقرأ القرآن، فقال:
شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرين
وأن العرش فوق الماء حق ... وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة غلاظ ... ملائكة الإله مسومينا
فقالت امرأته: صدق الله وكذبت عيني، وكانت لا تحفظ القرآن ولا تقرؤه، وفي بعض طرق هذه القصة جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فضحك ولم يقل شيئاً.
وقد قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله على هذه القصة: ( رويناها من وجوه صحاح ) (3) .
وفي هذه القصة دليل على أنه متقرر بين الصحابة أن الجنب لا يقرأ القرآن، وأن هذا الأمر كان معلوما عند النساء والرجال. هذا على تسليم ثبوت هذه القصة. لكن الراجح عند أهل الحديث أن القصة ضعيفة السند وليس لها طريق صحيح عند جميع من رواها.
وقول ابن عبد البر: ( رويناها من وجوه صحاح) فيه نظر؛ فقد جاءت القصة عند الدرامي في الرد على الجهمية، وغيره من طريق قدامة بن إبراهيم ابن محمد بن حاطب أن عبد الله بن رواحة وقع بجارية له، فذكر القصة.
قال الذهبي في العلو( 42) ( منقطع) أقول: وذلك بين قدامة وابن رواحة.
__________
(1) انظر المجموع: 2/159.
(2) 3/900.
(3) الاستيعاب:3/900.(1/144)
قال النووي ـ رحمه الله ـ: ( إسناد هذه القصة ضعيف ومنقطع ) (1) .
والأمر كما قال؛ فليس لهذه القصة سند يثبت، والله أعلم.
5- وقد روي الدارقطني رحمه الله في سننه (1/120) عن عبد الله بن رواحة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرأ القرآن وهو جنب) وسنده ضعيف فيه زمعة بن صالح، والراوي عنه إسماعيل بن عياش. وقد تقدم أن روايته عن غير أهل بلده ضعيفة وهذا منها. وفي السند علل أخرى لا نطيل بذكرها ما دام تبين ضعفه وعدم قيام الحجة به.
ومن الأدلة أيضا لأصحاب هذا القول:
6- ما رواه الإمام عبد الرزاق رحمه الله تعالى في مصنفه (1/337) عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن عبيدة السلماني قال: كان عمر بن الخطاب يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب. وهذا سند صحيح إلى عمر رضي الله عنه.
ورواه البيهقي رحمه الله في السنن الكبرى (1/89) من طريق أيوب بن سويد ثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل أن عمر رضي الله عنه، فذكره.
قال ورواه غيره عن الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن عبيدة عن عمر، وهو الصحيح.
أقول: ورواية أيوب معلولة لوجهين: الأول: أن عبد الرزاق أوثق من أيوب وعند الاختلاف يقدم الثقة. والثاني: أن أيوب بن سويد قد ضعفه بعض أهل الحديث مطلقاً، منهم أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والنسائي وغيرهم، وهذا يشكك في روايته إذا تفرد فكيف إذا خالف، ومنه يتبين أن رواية عبد الرزاق أصح. وبهذا يظهر أن الأثر إلى عمر صحيح، لأنه ممن يرى كراهية قراءة الجنب للقرآن، والكراهة في هذا الأثر يراد بها التحريم، وهذا الغالب في اصطلاح السلف الصالح. وترد الكراهة ويراد بها التنزيه.
والاحتمالان موجودان في هذا الأثر إلا أن الأقرب للصواب عندي كراهة التحريم, وهذه الأدلة هي أقوى أدلة المانعين من قراءة القرآن للجنب مطلقاً، لا آية ولا بعض آية.
__________
(1) المجموع: 2/159.(1/145)
وقد تبين مما سبق، أنه لا يصح في الباب شئ مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن قد قال بعض أهل العلم: إن الأحاديث بمنع الجنب من قراءة القرآن، وإن لم تصح بمفردها، فإنها ترتقي بمجموعها إلى درجة الحسن لغيره. وهذا فيه نظر؛ بل الصحيح أنها لا تنتهض بمجموعها إلى درجة الحسن لغيره، لأن التحسين بالشواهد بابه ضيف عند الأئمة المتقدمين: كأحمد وإسحاق وابن معين والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي ومن جاء بعدهم: كالدارقطني، فلا يحسنون إلا ما ظهرت قوته ولم يعارضه خبر صحيح، وقد وقع فيما بعد ذلك التساهل في تحسين بعض الأحاديث بالشواهد حتى مع وجود الخبر الصحيح المعارض لها، والله أعلم.
وأقول: وقد صح في هذا الباب أثران موقوفان:
الأول: أثر علي رضي الله عنه.
الثاني: أثر عمر رضي الله عنه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ..) الحديث، رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم عن العرباص بن سارية، وهو حديث صحيح.
وفي صحيح الإمام مسلم (5/187 – نووي) قال صلى الله عليه وسلم (فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا ..).
وعند الترمذي (5/569) عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ذلك الترمذي رحمه الله.
وأما القول الثاني: وهو قول من قال: يجوز للجنب قراءة القرآن مطلقاً، فقد ذهب إليه جماعة من أهل العلم منهم حَبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنه. فقد ذكره عنه البخاري رحمه الله في صحيحه تعليقاً مجزوماً بصحته فقال: "ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأساً".
وروى ابن المنذر في الأوسط (2/98) من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس: "أنه كان يقرأ ورده وهو جنب".
وروى عن أبي مجلز قال: دخلت على ابن عباس فقلت له: أيقرأ الجنب القرآن؟. قال دخلتَ علىّ وقد قرأت سُبع القرآن وأنا جنب.(1/146)
وروى عن ابن حزم في المحلى (1/96) عن نصر الباهلي قال: "كان ابن عباس يقرأ البقرة وهو جنب"، وسنده ضعيف لأن الراوي عن الباهلي يوسف السمتي وهو ضعيف بل كذبه يحيى بن معين(1).
والقول بالجواز مطلقاً جاء أيضاً عن جماعة من التابعين، منهم سعيد بن المسيب، فقد روى عبد الرزاق في المصنف(2) بسند صحيح عن محمد بن طارق قال: سألت ابن المسيب: أيقرأ الجنب شيئاً من القرآن؟ قال: نعم.
وروى ابن حزم في المحلى (1/96) عن حماد قال سألت سعيد بن المسيب عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ فقال: كيف لا يقرؤه وهو في جوفه. وفيه يوسف بن خالد السمتي لا يحتج بخبره.
ومنهم سعيد بن جبير، فقد روى عنه ابن حزم في المحلى (1/96) من طريق شعبة عن حماد بن أبي سليمان قال: سألت سعيد بن جبير عن الجنب يقرأ؟ فلم ير به بأساً وقال: أليس في جوفه القرآن؟ وحماد بن أبي سليمان فيه كلام لأئمة الجرح والتعديل(3). قال عنه شعبة: كان صدوق اللسان. وقال النسائي: ثقة. وضعفه ابن سعد وغيره، والكلام فيه يطول، وهو صدوق اللسان، وقد يهم، ومثله حسن الحديث إلا أن يخالف.
والقول بجواز قراءة الجنب للقرآن مطلقاً رجحه طائفة من المحققين. وهو مذهب داود والطبري، ورجحه ابن حزم(4) وابن المنذر، كما في الأوسط (2/100)، وروى هذا القول عن مالك(5)، وهو ظاهر تبويب البخاري في صحيحه(6). فإنه قال: "باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت"، وقال إبراهيم: لا بأس أن تقرأ الآية، ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأساً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه. وقالت أم عطية: كنا نؤمر أن يخرج الحيض فيكبرون بتكبيرهم ويدعون.
__________
(1) انظر تهذيب الكمال: 32/422.
(2) 1/337.
(3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال: 7/269.
(4) انظر المحلى: 1/94. والفتح: 1/408.
(5) ذكره عنه الحافظ ابن حجر في الفتح: 1/408.
(6) الفتح: 1/407.(1/147)
وقال ابن عباس: أخبرني أبو سفيان أن هرقل دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ } ... الآية).
وقال عطاء عن جابر: حاضت عائشة فنسكت المناسك غير الطواف بالبيت ولا تصلي.
وقال الحكم: إني لأذبح وأنا جنب. وقال الله تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } (الأنعام: 121).
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/407) مبيناً مراد البخاري من هذه الترجمة: "والأحسن ما قاله ابن رشيد تبعا لابن بطال وغيره" إن مراده الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة رضي الله عنها لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف، وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة. وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء ولم تمنع الحائض من شئ من ذلك، فكذلك الجنب، لأن حدثها أغلظ من حدثه.
ومنع القراءة إن كان لكونه ذكراً لله فلا فرق بينه وبين ما ذكر، وإن كان تعبداً فيحتاج إلى دليل خاص. ولم يصح عند المصنف شئ من الأحاديث الواردة في ذلك, وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره ولكن أكثرهم قابل للتأويل كما سنشير إليه. ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز غيره كالطبري وابن المنذر وداود، بعموم حديث "كان يذكر الله على كل أحيانه" لأن الذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره. وإنما فرق بين الذكر والتلاوة بالعرف.. .(1/148)
أقول: وما قرره الحافظ رحمه الله هنا في مراد البخاري هو الظاهر لمن أمعن في صنيع البخاري رحمه الله في كثير من تراجمه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري). فيه دلالة ظاهرة على جواز قراءة الحائض للقرآن لأن من شأن الحاج قراءة القرآن، ولم يرد في منع الحائض من قراءة القرآن شئ صحيح، فيؤخذ بعموم الخبر المتقدم حتى يرد ما يخصصه من صحيح الأخبار.
1- كما أن قول عائشة – والحديث مخرج في صحيح مسلم من طريق البهي عن عروة عن عائشة – قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه)(1)، فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحجزه شئ عن قراءة القرآن، لا جنابة ولا غيرها، لأن كلمة "أحيان" نكرة أضيفت إلى معرفة فتفيد العموم، كما ذكر ذلك جماعة من أهل الأصول. وقد قال صاحب مراقي السعود في باب العام ذاكراً ما يفيد العموم:
وما معرفا بأل قد وجدا ... أو بإضافة إلى معرف
إذا تحقق الخصوص قد نفى(2)
والعام يجب الأخذ به حتى يرد ما يخصصه، فإن كان ثم مخصص عن الشارع، وإلا فيستصحب عموم النص. والأحاديث المرفوعة في منع الجنب من قراءة القرآن كلها معلومة كما تقدم بيان ذلك. فلذلك لا تصلح لتخصيص حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه). وقول الصحابي لا يخصص المرفوع. فلذلك لا يصح أن يقال إن قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنهما يخصصان حديث عائشة.
وهذا لو لم يوجد لهما مخالف، فكيف وقد خالفهما ابن عباس وجوز ما منعاه. وأما لو لم يكن في الباب شئ من المرفوع يدل على الجواز، ولم يوجد مخالف لعمر وعلي لوجب الأخذ بقولهما، وعلى ذك تدل الأحاديث الصحاح، وقد سبق ذكر بعضها والله أعلم.
__________
(1) مسلم: 4/68 – نووي.
(2) انظر: المراقي: 1/208 – نشر البنود.(1/149)
2- ويحتج .. أيضاً لمن جوز قراءة القرآن للجنب(1) بحديث ابن عمر في الصحيحين قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفق آناء الليل وآناء النهار)(2). قوله "آناء الليل وآناء النهار" فيه دلالة على عدم منع الجنب من قراءة القرآن لأن النبي صلى الله عليه وسلم مدحه بالقيام به آناء الليل وآناء النهار، ولم يستثن صلى الله عليه وسلم حالة من حالة أو وقتاً من وقت مع احتمال كونه جنباً.
وقد جاءت الأخبار الصحاح بالنهي عن قراءة القرآن بالركوع والسجود فخص ذلك من عموم الحديث عند أهل العلم، ولم يأت أخبار صحاح تقوم بها حجة على تخصيص الجنب بالمنع، فلو كان الجنب ممنوعاً من قراءة القرآن لنقل ذلك إلينا بأحاديث صحاح يعرفها العام والخاص، لأن الجنابة مما لا مناص لبني آدم عنها، ويحتاج الناس لبيان ما يجوز فيها وما لا يجوز، فلما لم يقع هذا الأمر ولم يرد حديث صحيح في منع الجنب من القراء ة مع بيان ما هو دون ذلك في الابتلاء.
3- وجب علينا استصحاب البراءة الأصلية والأخذ بالأدلة العامة الدالة على مشروعية المداومة على الذكر في الليل والنهار، ومن جملة الذكر قراءة القرآن والله أعلم.
__________
(1) انظر: الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي: 1/147.
(2) البخاري: 9/73 – فتح، ومسل: 6/97 – نووي، واللفظ له.(1/150)
4- ومما يحتج به أيضاً لهذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض الأحيان ينام وهو جنب ولا يزيد على أن يتوضأ. ففي صحيح الإمام مسلم (3/216 – نووي) عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة). وفيه أيضاً عن عبد الله بن أبي قيس قال: "سألت عائشة عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث. قلت: كيف كان يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام.
وعن أبي سلمة قال: سألت عائشة: "أكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقد وهو جنب؟ قالت: نعم، ويتوضأ" رواه البخاري (1/392 - فتح)، وفي الباب غير ذلك.
فإذا علم أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام بعض الأحيان وهو جنب، فليعلم أنه كان لا يدع قراءة قل هو الله أحد والمعوذتين وذلك كل ليلة.(1/151)
ففي الصحيحين، واللفظ للبخاري (9/62 - الفتح) عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة(1) جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما (قل هو الله أحد) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات) ففي الحديث دلالة – وإن لم تكن قوية – على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن بعض الأحيان وهو جنب. وأن الجنابة لا تمنعه من قراءة القرآن، لما أفادته عائشة رضي الله عنها في قولها "كل ليلة". وقد أخبرت فيما تقدم من الأخبار الصحاح أنه كان يرقد وهو جنب إذا توضأ. فإذا ضمت دلالة هذا الحديث مع الأحاديث المتقدمة، مع استصحاب البراءة الأصلية، وأنه لا يمنع من قراءة القرآن في سائر الأحوال مانع إلا ما قام الخبر الصحيح على منعه – وهو متعذر هنا- أفاد ذلك قوة القول بقراءة الجنب للقرآن، وأن أهل هذا القول أسعد بالدليل من المانعين والله أعلم.
القول الثالث في المسألة قول من قول يجوز قراءة الآية والآيتين ونحوهما.
وأصحاب هذا القول يوافقون أصحاب القول الأول في المنع من استدامة القراءة للجنب، وأدلتهم هي أدلة أصحاب القول الأول في الجملة.
وقد وقع بين أصحاب هذا القول خلاف فيما يجوز قراءته، فبعضهم لم يرخص إلا بعض آية كما هو قول لأحمد(2).
__________
(1) وقد رد الحافظ رحمه الله في الفتح: 10/210، على من زعم أن المحفوظ في هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك إذا اشتكى، ويبين أنه لا منافاة بين الروايتين. ولذلك قال يونس: كنت أرى ابن شهاب – وهو أحد رواة السند – يصنع ذلك إذا أتى إلى فراشه، وانظر: الفتح: 9/62، و 10/209.
(2) المبدع: 1/188.(1/152)
قال الطحاوي: فبذلك نأخذ، فنكره للجنب والحائض قراءة الآية تامة(1)، وجاء هذا القول عن بعض التابعين(2). ورخص مالك وطائفة من أهل العلم في قراءة الآية والآيتين(3).
وجاء عن الأوزاعي أنه قال لا يقرأ الجنب شيئاً من القرآن إلا آية الركوب إذا ركب قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } إلى قوله: { وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } [الزخرف: 13- 14]، وآية النزول: { وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ } (4) [المؤمنون:29].
أقول: التخصيص في هذين الموطنين لا دليل عليه وليس له وجه من النظر. وأما من جوز قراءة الآية أو الآيتين –ومنع ما عدا ذلك- فلا يستقيم هذا القول على أصله، لأنه قد أخذ بأدلة المنع، وهي أدلة عامة ليس فيها تخصيص للآية ولا لبعض آية.
إلا إذا كان لا يقصد القراءة، كأن يقصد بذلك الدعاء، فهذا جائز ولا شئ فيه سواء أقرأ قليلاً أم كثيراً. قال الإمام ابن حزم رحمه الله في المحلى (1/95): "وأما من قال يقرأ الجنب الآية أو نحوها، أو قال لا يتم الآية، أو أباح للحائض ومنع الجنب – فأقوال فاسدة، لأنها دعاوى لا يعضدها دليل لا من قرآن، ومن من سُنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من إجماع، ولا من قول صاحب، ولا من قياس، ولا من رأي سديد، لأن بعض الآية والآية قرآن بلا شك، ولا فرق بين أن يباح له آية أو أن يباح له أخرى، أو بين أن يمنع من آية أو يمنع من أخرى .. ".
أقول: قد احتج بعض أهل العلم بتخصيص الآية والآيتين بحديث ابن عباس عن أبي سفيان، أن هرقل دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه:
__________
(1) شرح معاني الآثار: 1/90، وانظر المجموع: 2/158 للنووي.
(2) انظر مصنف ابن أبي شيبة: 1/97- 98.
(3) انظر المحلى: 1/95، والإنصاف: 1/243.
(4) انظر الأوسط لابن المنذر: 2/99.(1/153)
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى.
أما بعد .. فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } (1) أقول: والاستدلال بهذا الحديث على جواز قراءة الآية والآيتين فيه نظر من وجوه:
الوجه الأول: أنه قد قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب هذا الكتاب إلى هرقل قبل نزول آية آل عمران {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ... } [آل عمران:64].
أي فلم تكن حينئذ من القرآن، لأن نزول الآية قيل إنه في قصة وفد نجران، وقصة أبي سفيان وقعت قبل ذلك بثلاث سنين، فعليه لا يتم الاستدلال بهذا الحديث.
الوجه الثاني: أننا لو فرضنا أن الآية نزلت متأخرة، وقصة أبي سفيان وقعت بعد نزول الآية أو أن الآية نزلت مرتين، فليس في الحديث دليل ظاهر على أنه قصد التلاوة وإذا لم يقصد التلاوة فليس هناك شئ يمنع من ذلك.
الوجه الثالث: لو فرضنا أنه قصد التلاوة، فهذا من باب الحاجة، فلا يمكن دعوتهم إلا بذلك، فلا يكون دليل على تخصيص الجواز بالآية أو الآيتين إنما يقيد بالحاجة. وعلى جميع هذه الأوجه الثلاث لا يتم المطلوب لمن رخص في قراءة الآية أو الآيتين مطلقاً ومنع ما عدا ذلك والله أعلم.
والحاصل: أن القول الثالث ليس عليه دليل، والتخصيص بغير مخصص لا يقبل، فيبقى تردد الخلاف في القوة في قولين، إما الجواز مطلقاً، وإما المنع مطلقاً. والذي يظهر من الأدلة الجواز مطلقاً، وذلك لوجوه:
__________
(1) انظر فتح الباري: 1/39. وتفسير ابن كثير: 1/379 – على قوله تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ).(1/154)
الوجه الأول: استصحاب الأصل، وأن المسلم لا يمنع من قراءة القرآن إلا بدليل صحيح، وهذا متعذر هنا.
الوجه الثاني: عموم حديث عائشة المخرج في مسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه). ولا مخصص له، والذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو غيره.
الوجه الثالث: ضعف جميع الأحاديث المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منع الجنب من قراءة القرآن، على أن الدليل الأول – وهو أقواها عند المانعين – لو صح لم يكن فيه حجة على تحريم القراءة على الجنب كما سبق بيانه.
وهذا آخر الجزء في حكم قراءة، الجنب للقرآن، وأما الحائض، فإنها من باب أولى ألا تمنع من قراءة كما هو مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين، واختاره الطبري وابن المنذر وابن القيم رحمهم الله(1). والأصل عدم شغل الذمة إلا بدليل صحيح، والدليل الصحيح على منعها من قراءة القرآن غير موجود، كما تعذر وجوده في الجنب، ولا نحرم إلا ما ظهر برهانه لأنه الله يقول: { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (2).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "فلو منعت [يعني الحائض] من القراءة لفاتت عليها مصلحتها، وربما نسيت ما حفظته زمن طهرها، وهذا مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي الشافعي.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض من قراءة القرآن، وحديث: (لا تقرأ الحائض والجنب شيئاً من القرآن) لم يصح، فإنه حديث معلول باتفاق أهل العلم بالحديث ..." (3).
أقول: وقد تقدم بيان علته وبيان عدم صلاحيته للحجة.
والحمد لله رب العالمين.
*(106) نود من فضيلتكم التعريف بدرجة حديث ( لا يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة( ؟
الجواب
__________
(1) انظر أعلام الموقعين: 3/34.
(2) البقرة: 111.
(3) أعلام الموقعين: 3/24.(1/155)
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن وهب بن جرير ( 1 / 294 ) وأبو داود ( 2611 ) والترمذي ( 1555 ) وابن خزيمة ( 2538 ) وابن حبان ( 4717 ) وغيرهم من طرق عن وهب بن جرير عن أبيه عن يونس بن يزيد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعة مئة وخير الجيوش أربعة آلاف ولا يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة(
ورواه أحمد ( 1 / 299 ) عن يونس ثنا حبان بن علي حدثنا عقيل بن خالد عن الزهري بذلك .
وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه وقال على شرط الشيخين والضياء المقدسي وابن القطان وغيرهم .... وفيه نظر .
قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله لا يسنده كبير أحد غيرُ جرير بن حازم وإنما رُوي هذا الحديث عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ..
وقال أبو داود في سننه ( الصحيح أنه مرسل (
وقد رواه في المراسيل ( 313 ) عن سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن المبارك عن حيوة عن عقيل عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ورواه ( 314 ) عن مخلد بن خالد حدثنا عثمان يعني ابن عمر أخبرنا يونس عن عقيل عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه.
قال أبو داود قد أُسند هذا ولا يصح أسنده جرير بن حازم وهو خطأ .
وأخطأ فيه حبان بن علي فرواه عن عقيل موصولاً والصحيح عن عقيل مرسلا رواه حيوة ويونس والليث ابن سعد .
ورواه عبد الرزاق في المصنف ( 9699 ) عن معمر عن الزهري مرسلاً
قال الإمام أبو حاتم في العلل ( 1 / 347 ) المرسل أشبه لا يحتمل هذا الكلام أن يكون كلام النبي صلى الله عليه وسلم ..
وقد جزم بعض المتأخرين بخطأ هذا القول وصوّب رفعه وقال جرير بن حازم ثقة محتج به في الصحيحين وقد وصله والوصل زيادة واجب قبولها من ثقة ..
وهذا ليس بشيء فجرير لا يمكن مقارنته أو مساواته بمن أرسله فهم أجل وأحفظ وأضبط منه .(1/156)
وقد ذكر الإمام ابن حبان جرير بن حازم وقال كان يخطئ لأنه أكثر ما كان
يحدث من حفظه.
وقال زكريا الساجي صدوق حدّث بأحاديث وهم فيها.
وقد وثقه أكثر الحفاظ وانتقدوا عليه أحاديث يرويها عن قتادة وتفردات يخالف فيها غيره والله أعلم .
وقوله ( والوصل زيادة واجب قبولها من الثقة (
وهذا قول الخطيب وتبعه على ذلك كثير من الفقهاء والأصوليين وجماعة من المتأخرين ، وفيه نظر كثير .
فأئمة هذا الشأن العارفون بعلل الأحاديث المتخصصون بذلك أمثال ابن مهدي والقطان وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي لا يقولون بذلك .
ولا يحكمون على هذه المسألة بحكم مستقل . بل يعتبرون القرائن ويحكمون على كل حديث بما يترجح عندهم .
وتأمل في صنيعهم والمنقول عنهم ترى وضوح هذا المنهج .
قال الحافظ ابن حجر في النكت ( 2 / 687 ) والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد بل يرجحون بالقرائن كما قدّمناه في مسألة تعارض الوصل والإرسال ..
ونحو هذا قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح علل الترمذي ( 2 / 630- 643.(
وقال الحافظ العلائي في نظم الفرائد ص ( 376 ) وأما أئمة الحديث فالمتقدمون منهم كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومن بعدهما كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وهذه الطبقة وكذلك من بعدهم كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة الرازي ومسلم والنسائي والترمذي وأمثالهم ثم الدارقطني والخليلي كل هؤلاء يقتضي تصرفهم من الزيادة قبولاً ورداً الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند الواحد منهم في كل حديث ولا يحكمون في المسألة بحكم كلي يعم جميع الأحاديث وهذا هو الحق الصواب ...
وكلام الأئمة في مثل هذا كثير ، وحاصل كلامهم أن وصل الثقة وزيادته تقبل في موضع وترد في موضع آخر على حسب القرائن المحتفة بذلك .(1/157)
فإذا تفرد الثقة بوصل حديث أو زيادة لفظة فيه وخالف غيره فيحكم للثقة الضابط ، وإذا اختلف ثقاة حفاظ متقاربون في ذلك قدم الأكثر .
فإذا كان لأحدهم اختصاص بمرويات شيخه قدم على غيره .
ومن القرائن المرجحة اتفاق الحفاظ الناقدين على تصحيح وصل أو ترجيح إرسال .
مثال ذلك روى أحمد في مسنده ( 2 / 8- ) وأبو داود ( 3179 ) والترمذي ( 1007 ) والنسائي ( 4 / 56 ( وغيرهم من طرق عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال (( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر يمشون أمام الجنازة )) ورفعه خطأ والصواب أنه مرسل قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله حديث ابن عمر هكذا رواه ابن جريج وزياد بن سعد وغير واحد عن الزهري عن سالم عن أبيه نحو حديث ابن عيينة .
وروى معمر ويونس بن يزيد ومالك وغيرهم من الحفاظ عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي أمام الجنازة .
وأهل الحديث كلهم يَرَوْن أن الحديث المرسل في ذلك أصح .
وسمعت يحيى بن موسى يقول : سمعت عبد الرزاق يقول : قال ابن المبارك : حديث الزهري في هذا مرسل ، أصح من حديث ابن عيينة.
وقال الإمام النسائي والصواب مرسل .
فأنت ترى اتفاق المحدثين على تصحيح إرساله وقد خالف في ذلك بعض أهل العلم فصحح رفعه وهذا غلط .
ولا أرى لتصحيحه وجهاً معتبراً فأوثق الناس في الزهري ماعدا ابن عيينة يروونه مرسلاًَ واتفاق أكابر الحفاظ على تصحيح إرساله قرينة مرجحة لذلك والله أعلم.
كتبه
سليمان بن ناصر العلوان
6/3/1421هـ
*(107) فضيلة الشيخ : سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى :
تعلمون ما يحصل للفلسطينيين في هذا الوقت من الإجرام اليهودي والسكوت العربي المخزي ، فهل في العمليات الفدائية ضد اليهود مخالفة شرعية ؟
الجواب
اليهود المرذولون مجمع النقائص والعيوب ومرتع الرذائل والشرور وهم أشد أعداء الله على الإسلام وأهله .(1/158)
قال تعالى { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ....} المائدة .
وقد أوجب الله قتالهم وجهادهم لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى .
وهذا حين يقبع أعداء الله في ديارهم ولا ينقضون العهد والميثاق ولا يسلبون أموال المسلمين و يغتصبون ديارهم قال تعالى { قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآْخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (29( التوبة.
فأما حين يضع أعداء الله سيوفهم في نحور المسلمين ويرعبون الصغير والكبير ويغتصبون الديار وينتهكون الأعراض ففرض على أهل القدرة من المسلمين قتالهم وسفك دمائهم والجهاد الدائم حتى التحرير الشامل لفلسطين وعامة بلاد المسلمين .
ولا يجوز شرعاً التنازل لليهود عن أيّ جزء من أراضي المسلمين ولا الصلح معهم فهم أهل خديعة ومكر ونقض للعهود .
وأرى في وقت تخاذل المسلمين عن قتال اليهود والتنكيل بهم وإخراجهم عن الأرض المقدسة أن خير علاج وأفضل دواء نداوي به إخوان القردة والخنازير القيام بالعمليات الاستشهادية وتقديم النفس فداءً لدوافع إيمانية وغايات محمودة من زرع الرعب في قلوب الذين كفروا وإلحاق الأضرار بأبدانهم والخسائر في أموالهم .
وأدلة جواز هذه العمليات الاستشهادية كثيرة وقد ذكرت في غير هذا الموضع بضعة عشر دليلاً علىمشروعية الإقدام على هذه العمليات وذكرت ثمارها والإيجابيات في تطبيقها .
قال تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (207( البقرة .(1/159)
وفي المنقول عن الصحابة وأئمة التابعين في معنى هذه الآية دليل قوي على أن من باع نفسه لله وانغمس في صفوف العدو مقبلاً غير مدبر ولو تيقن أنهم سيقتلونه أنه محسن في ذلك مدرك أجر ربه في الصابرين والشهداء المحتسبين .
وفي صحيح مسلم ( 3005 ) من طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ( الملك والساحر والراهب والغلام ... الحديث وفيه فقال الغلام الموّحد للملك الكافر "إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به" , قال : "وماهو ؟" . قال : "تجمع الناس في صعيد واحد , وتصلبني على جذع , ثم خذ سهماً من كنانتي , ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني" . فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال : "باسم الله رب الغلام" , ثم رماه فوقع السهم في صُدْغه فوضع يده في صُدْغه في موضع السهم فمات . فقال الناس : "آمنا برب الغلام , آمنا برب الغلام , آمنا برب الغلام " .
فأتي الملك فقيل له : "أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد والله نزل بك حذرُك . قد آمن الناس" .
فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخُدّت وأضرم النيران وقال : "من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا" .. حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام : "يا أمه اصبري فإنك على الحق"( .
ففي هذا دليل على صحة هذه العمليات الاستشهادية اللتي يقوم بها المجاهدون في سبيل الله القائمون على حرب اليهود والنصارى والمفسدين في الأرض .
فإن الغلام قد دل الملك على كيفية قتله حين عجز الملك عن ذلك بعد المحاولات والاستعانة بالجنود والأعوان .(1/160)
ففعلُ الغلام فيه تسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك , والجامع بين عمل الغلام والعمليات الاستشهادية واضح فإن التسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك حكمه حكم المباشرة لقتلها .
والغاية من الأمرين ظهور الحق ونصرته والنكاية باليهود والنصارى والمشركين وأعوانهم وإضعاف قوتهم وزرع الخوف في نفوسهم .
والمصلحة تقتضي تضحية المسلمين المجاهدين برجل منهم أو رجالات في سبيل النكاية في الكفار وإرهابهم وإضعاف قوتهم قال تعالى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ...} الأنفال .
وقد رخص أكثر أهل العلم أن ينغمس المسلم في صفوف الكفار ولو تيقن أنهم يقتلونه والأدلة على ذلك كثيرة .
وأجاز أكثر العلماء قتل أسارى المسلمين إذا تترس بهم العدو الكافر ولم يندفع شر الكفرة وضررهم إلا بقتل الأسارى المسلمين فيصبح القاتل مجاهداً مأجوراً والمقتول شهيداً .
والله أعلم .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
10/7/1421
,,,,,,
*(108) ماحكم المعونة للكفار .. ؟
الجواب(1/161)
المعونة حرام بالإجماع ، أن تعين كافر على مسلم وهي تقتضي محبة ومودة حتى لو أدعى فلا يعزل المعونة عن المحبة بنص القرآن ، يعني من أعان كافراً على مسلماً فقد ودّه وأحبه قال جلّ وعلا في فعل حاطب : ( تلقون إليهم بالمودة ) وهل حاطب يحبهم ؟ هو تبرأ من الكفار وكان في صفّ النبي صلى الله عليه وسلم .. وقال الذي صدقكم صدقه وأطبعه الله على قلبه وقال الله عن فعله ومعونته مودّه ، إذاً المعونة موده فرق بين المحبّة الطبيعية التي هي أنجذاب كفري في القلب وبين المعونة والمناصرة كذلك من أعان كافر على مسلم فهو مرتد على دين الله بإجماع المسلمين كما قال ابن حزم لا يختلف في ذلك اثنان من المسلمين وكما قال ان تيمية رحمه الله تعالى من وقف في عسكر التتار وقاتل المسلمين : فإنه مرتد عن دين الله جلّ وعلا سواء إدعى أنه لا يحب الكفار فهو لا يغني ذلك شيئاً فبمجرد المعونة تعتبر مودّة ومحبة بنص القرآن : (تلقون إليهم بالمودة ) .. مرد الأمر أنه كان في صف النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في صف بوش ولم يكن في صف التحالف الصليبي في غزو البلاد وقتل المسلمين ..
وأنصح الإخوة بطباعة الكتب والنشرات والكتيبات وتوزيع الأشرطة المتعلقة بذات الولاء والبراء ، لأن الغرب يريد إحلال الديموقراطية بمعنى : أن يعيش الناس في بلد واحد مسلمين وكافرين لا يعادي بعضهم بعضاً تحت غطاء هيئة الأمم ومجلس الكفر الدولي وهذا هم الذين يردونه ، نعيش بلادين بلامهمّة والله عزوجل يقول : ( وماخلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون(..
قال : سليمان بن ناصر العلوان
* الفتوى كانت صوتيه في موضوع الولاء والبراء
,,,,,,
*(109) ماحكم من يسلم المجاهدين في سبيل الله إلى الكفرة .. ؟
الجواب
الذي يسلم المجاهدين في سبيل الله إلى الكفرة أو إلى رأس الكفر العالمي أمريكا ، هذا ليس بمؤمن وماهو بمسلم لأنه قد ظاهر الكفار على المسلمون..(1/162)
ومن أسلم مسلماً إلى كافر ليفتنه عن دينه أو يقتله فماهو بمسلم ماهو بمسلم ماهو بمسلم ..
قال الله جلّ وعلا : ( بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا(
وقال تعالى : ( ولو كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(
وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم (
مناط الحكم هو التولي ..
قاله : سليمان بن ناصر العلوان - فك الله أسره -
* هذه الفتوى من شريط صوتي للشيخ ، وضعتُ له سؤالاً ..
,,,,,,
*(110) قرأت في أحد الكتب حديث حذيفة (( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس وسط الحلقة (( ..
فتعاظمت هذا الوعيد في مثل هذا العمل اليسير فقلت أكتب لفضيلتكم تبينون درجته فإن صح عندكم فما معناه ؟ .
الجواب
هذا الحديث رواه أبو داود في سننه ( 4826 ) حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا قتادة حدثني أبو مجلز عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من جلس وسط الحلقة .
ورواه أحمد ( 5 / 384 ) والترمذي ( 2753 ) والحاكم ( 4 / 281( من طريق شعبة عن قتادة نحوه .
وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وصححه الحاكم وفيه نظر .
فالحديث رواته ثقات غير أنَّ أبا مجلز لا حق بن حميد لم يسمع من حذيفة قاله يحيى بن معين.
وقال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا حجاج بن محمد قال قال شعبة لم يدرك أبو مجلز حذيفة ( العلل رقم 788(.
فأصبح الحديث ضعيفاً وهو ليس على ظاهره اتفاقاً .
وقد تأوله قوم على الرجل السفيه الذي يقيم نفسه مقام السخرية ليكون ضحكة بين الناس .(1/163)
وتأوله آخرون على من يأتي حلقة قوم فيتخطى رقابهم ويقعد وسطها ولا يقعد حيث انتهى به المجلس فلعن للأذى .
وتأولته طائفة ثالثة بتأويل آخر .
ولا يصح من هذه التأويلات شيء وقد علمتَ أن الحديث معلول فلا يؤخذ منه حكم .
,,,,,,
*(111) أنا أقرأ في كتب الفقهاء فأرى كثيراً منهم يستحب أن يُقال في لفظ الإقامة أقامها الله وأدامها . ويذكرون في ذلك حديثاً وهو معروف لدى فضيلتكم فما صحته ؟
الجواب
أخي السائل اعلم أن الاستحباب حكم شرعي ، والأحكام الشرعية من واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات لا تقوم إلا على أدلة صحيحة فلا يمكن اثبات حكم بدون دليل محفوظ .
وقد اعتاد الفقهاء التساهل في ذلك فيثبتون الاستحباب بحديث ضعيف والكراهية بمثل ذلك وأشد .
وقد تفاقم الأمر في العصور المتأخرة فترى الأحاديث الضعيفة والمنكرة والأخبار الواهية في كتب العقائد والتفاسير وأحكام الحلال والحرام . وأعظمُ من ذلك الجزم بنسبة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا خطر عظيم وذنب كبير .
وقولكم [ ويذكرون في ذلك حديثاً ] هذا الحديث ضعيف رواه أبو داود (528(من طريق محمد بن ثابت العبدي حدثني رجل من أهل الشام عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالاً أخذ في الإقامة فلما أن قال : قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم (( أقامها الله وأدامها )) وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان .
وفي هذا الحديث ثلاثُ علل :
أولها : محمد بن ثابت العبدي قال عنه النسائي ليس بالقوي وقال أبو داود ليس بشيء .
الثانية : الإبهام فلم يسم العبدي شيخه في الإسناد .
الثالثة : شهر بن حوشب مختلف فيه وقد قال ابن عون إن شهراً نزكوه . أي طعنوا فيه وقال النسائي ليس بالقوي .
وقال الترمذي عن البخاري . شهر حسن الحديث وقال الإمام أحمد . لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب .(1/164)
وقال الدار قطني . يخرّج من حديثه ما روى عنه عبد الحميد بن بهرام .
والناظر في أحاديث شهر لا يشك أنه سيء الحفظ يضطرب في الأحاديث والله أعلم .
والحديث ضعفه النووي في المجموع ( 3 / 122 ) وابن حجر في التلخيص ( 1 / 211 (.
بيد أن النووي رحمه الله قال ( لكن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال باتفاق العلماء ... (
وهذا غير صحيح وليس في المسألة اتفاق . فظاهر كلام الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أنّ أحاديث الفضائل لا تُروى إلا عمّن تُروى عنه أحاديث الأحكام .
وهذا ظاهر كلام ابن حبان في مقدمة كتابه المجروحين ورجحه الإمام بن حزم رحمه الله .
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (1 ) (250( ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليس صحيحة ولا حسنة لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوّزوا أن يُروى في فضائل الأعمال مالم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي ورُوي حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ومن قال هذا فقد خالف الإجماع وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي ولكن إذا عُلم تحريمه ورُوي حديث في وعيد الفاعل له ولم يعلم أنه كذب جاز أن يرويه ، فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أن كذب ولكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله .
وهذا كالإسرائيليات يجوز أن يُروى منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا فأما أن يثبت شرعاً لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم ولا كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الإئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة . ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه .(1/165)
والمنقول عن أهل العلم من الخلاف في هذه المسألة أكثر من ذلك .
ودعوى النووي رحمه الله من الاتفاق على العمل بالأحاديث الضعيفة في الفضائل غير صحيحة والخلاف محفوظ .
والمنقول عن الصحابة والتابعين عدم التفريق فالكل شرع من الله فلا تصح المغايرة بدون دليل ولا أعلم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه تساهل في المرويات بالفضائل أو الترهيب دون ماعداها .
وقد روى البخاري ( 2062 ) ومسلم ( 14 / 130 – شرح النووي ) من طريق عبيد بن عمير أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يؤذن له ، وكأنه كان مشغولاً فرجع أبو موسى ففرغ عمر فقال : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ؟ ائذنوا له . قيل قد رجع فدعاه ، فقال : كنا نؤمر بذلك فقال : تأتيني على ذلك بالبينة . فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم ، فقالوا : لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري .
فذهب بأبي سعيد الخدري فقال عمر : أخفي عليَّ هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم ألهاني الصفق بالأسواق ( يعني الخروج للتجارة( .
وقد كان قصد عمر رضي الله عنه بطلب البينة التثبت لئلا يتسارع الناس إلى رواية الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون ضبط ولا تحري وفي بعض رواياته في صحيح مسلم إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثَبت .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
6/5/1421هـ
,,,,,,,
*(112) سبعون فائدة من حديث ( لأعطين الراية)...
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد(1/166)
فقد ألقى فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان بتاريخ 29/1/1422هـ كلمة حول أهمية تدبر وفهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الفهم الصحيح والتي بها يتوصل الإنسان الى معرفة حدود ما أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم إذ هي الغاية التي يجب المصير إليها ثم العمل بمقتضى ذلك ثم ذكر فضيلته حديثا في الصحيحين ـ على سبيل المثال مبينا ما حوته أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من المعاني العظيمة والفوائد الجمة والمعاني الغزيرة ـ واستنبط منه أكثر من سبعين فائدة فقال حفظه الله تعالى :(1/167)
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق عبد العزيز بن أبي حازم وعبد الرحمن بن يعقوب كليهما عن أبي حازم سلمة بن دينار ـ واللفظ لعبد العزيز ـ قال :) أخبرني سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه ، يُحِبُّ اللهَ ورسولَهُ ويحبُّهُ اللهُ ورسُولُهُ . قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يُعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل : هو يشتكي عينيه . قال فأرسلوا إليه فأتى به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية . فقال علي : يا رسول الله ، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا . فقال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمْر النعم( . وأخرجه مسلم أيضا من طريق يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه بمعناه وفيه ) قال عمر بن الخطاب ما أحببت الإمارة إلا يومئذ قال فتساورت لها رجاء أن أدعى لها قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياها وقال امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك قال فسار عليٌّ شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس قال قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ( ورواه مسلم أيضا من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه مختصرا .
فوائد الحديث :
1- فيه حرص الصحابة على تبليغ هذا الدين .
2- فيه عقد الإمام لألوية الجهاد .
3- فيه أن الأمر المشترك لا تشبه فيه فالألوية والرايات كانت معروفة من قبل .(1/168)
4- فيه أن الإمارة خاصة بالرجال دون النساء .
5- التبشير بالفتح علم من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام .
6- فيه إثبات صفة المحبة لله والرد على الجهمية .
7- فيه أن الله تعالى يُحب ويُحَبُّ .
8- فيه إثبات الأخذ بالأسباب وذلك من قوله يفتح الله على يديه .
9- فيه حرص الصحابة على الخير والبحث عمّا يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
10- إبهام الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل هو من رحمته بالمؤمنين فقد حصل بذلك من تمنيهم لذلك الفضل العظيم والتطلع إليه من زيادة الإيمان ما الله تعالى به عليم .
11- فيه الرد على المرجئة وأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان .
12- فيه جواز السهر والسمر في أمور الخير ومصالح المسلمين .
13- فيه مسارعة الصحابة إلى الخيرات وذلك في قوله ) فلما أصبحوا غدوا( .
14- فيه أن الرجاء إنما يكون في الأمور المتوقعة الحدوث وذلك بخلاف التمني .
15- فيه الرد على الصوفية ومن شاكلهم ممن يدَّعون أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب المطلق في حياته وبعد مماته وذلك من قوله : ) أين عليٌّ ؟ ( .
16- فيه أن المحبة النافعة هي محبة الله ورسوله ومن والاهما .
17- فيه الرد على اليهود والنصارى في قولهم ) نحن أبناء الله وأحباؤه ( .
18- فيه معنى قوله تعالى ) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم( إذ حصل الفضل لمن لم يحضره وامتنع ممن تعرض له .
19- فيه وجوب الإيمان بالقضاء والقدر وعظيم إيمان الصحابة بالقدر وكمال استسلامهم له .
20- فيه الرد على القدرية القائلين بخلق أفعال العباد .
21- فيه الرد على النواصب الذين يناصبون عليا رضي الله عنه العداء .
22- فيه الرد على الخوارج الذين يكفرون علياً ويفسقونه .
23- فيه أن محبة علي رضي الله عنه من الإيمان .
24- فيه الرد على الروافض الذين يزعمون تخصصهم في محبة علي رضي الله عنه .
25- فيه الرد على غلاة الرافضة الذين يؤلهون عليا وذلك من قوله
( رجلا).(1/169)
26- فيه جواز الشكوى وذكر المرض ما لم يكن ثمة تسخط على أقدار الله جل وعلا .
27- فيه بركة بصاق النبي صلى الله عليه وسلم .
28- فيه أن دعا الأنبياء مستجاب غالبا .
29- فيه أن الأمام يبعث من هو الأصلح والأفضل للمهمة ولا يراعي في ذلك القرابة ولا الوجاهة ولا النسب وليس معنى ذلك أن عليا أفضل من أبي بكر وعمر وعثمانy بل لأن المقام اقتضى رجلا كعلي رضي الله عنه .
30- فيه فضيلة عمر رضي الله عنه وعلو همته .
31- فيه جواز طلب الإمامة في الدين .
32- فيه شجاعة علي وحرصه على الجهاد في سبيل الله .
33- فيه معنى قوله تعالى ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ( وأن الجهاد ماض إلى قيام الساعة .
34- فيه جواز ذكر محاسن الشخص عند أمن الفتنة وسلامته من الكبر والعجب .
35- فيه طهارة الريق .
36- فيه وضع الإمام المحفزات لشحذ الهمم إلى معالي الأمور ومكارم الأخلاق .
37- جواز الرقية بالنفث وأنها لا تنافي التوكل وذلك على القول بأن نفثه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كان رقية والراجح أن ذلك من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم .
38- فيه الأمر بالرفق وعدم العجلة والطيش والتأني في الأمور ودراستها قبل الإقدام عليها .
39- فيه أن الدعوة إلى الإسلام تأتي أولا وقبل كل شيء .
40- فيه فقه التدرج في الدعوة إلى الله من الأهم إلى المهم .
41- فيه أن الدعوة العامة لابد فيها من العلم والفقه والدراية والحنكة وحسن السياسة في التعامل مع الناس والأحداث فالجاهل بهذه الأمور يفسد ولا يصلح .
42- فيه قرن الدعوة إلى الشهادتين ببيان معناهما ومقتضياتهما ولا سيما في القرون المتأخرة حيث كثر الجهل بمعنى لا إله إلا الله وما تدل عليه من النفي والإثبات .
43- فيه فضل الهداية وعظيم أمرها .
44- فيه العمل على إقامة الحجة على العباد .
45- فيه دليل على وجوب بيان الحجة وتفهيمها للمدعو وإزالة ما يعرض من شبه وإشكالات وتساؤلات .(1/170)
46- فيه أن الفضل المترتب على هداية الناس عام للرجال والنساء وإنما خرج الضمير مخرج الغالب .
47- فيه أنه لا مقارنة بين الدنيا والآخرة .
48 - فيه أن حب الدنيا ليس بمذموم إذا كان العبد قائما بأمر الله فيها .
49- فيه مشروعيه تقريب الأمر إلى الأفهام بالأمور الحسية المعلومة .
50 - فيه أن الهداية نوعان هداية الدلالة والإرشاد وهي دور الأنبياء والمرسلين والدعاة والمصلحين وهداية التوفيق والإلهام وهي خاصة بالله الواحد القهار .
51- فيه جواز الحلف من غير استحلاف .
52- فيه حرص النبي صلى الله عليه وسلم الشديد على هداية العباد .
53- فيه أن هداية الناس أولى عند الشارع من قتالهم .
54- فيه الرد على من قال بأن المسلمين لا همة لهم سوى إراقة الدماء ، فإن الدعوة قبل القتال فإن كانوا قد بلغتهم الدعوة فيجوز حينئذٍ قتالهم ابتدآءً فقد جاء هذا في الصحيحين حين أغار النبي صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون .
55- فيه فضل الجهاد في سبيل الله والصبر عليه .
56- فيه أن من أحبه الله فلا يضره بعد ذلك من أبغضه أو غلا في حبه .
57- فيه وجوب بغض من أبغض عليا رضي الله عنه وأن حبه من الإيمان.
58- فيه فقه علي رضي الله عنه وسعة علمه وذلك من قوله ( وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه) .
59- فيه أن الرجل ينسب لأبيه وإن كان كافرا .
60- فيه تأدُّب علي رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يناده باسمه ولا بقرابته منه .
61- فيه أن لله على عباده حقا عظيما لابد من أدائه والقيام به وإلا كان من أهل النار ألا وهو إفراده تعالى بالعبودية وإفراد نبيه صلى الله عليه وسلم بالاتباع .
62- فيه أن على العبد إذا جاءه الأمر من الله تعالى أو من رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يتلكأ ولا يتردد بل يبادر إلى الامتثال والتطبيق والعمل .
63- فيه إثبات البعث والجزاء والحساب .
64- فيه معنى اسم الله الحسيب .(1/171)
65- فيه أن على العباد أن يقبلوا من الناس ظواهرهم وأن يكلوا سرائرهم إلى الله تعالى مالم يأت من القول أو العمل ما ينافي دين الإسلام .
66- جواز رفع الصوت عند أهل الفضل للحاجة .
67- فيه وجوب الاستفصال عند وجود الإشكال .
68- فيه معنى قوله تعالى( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) .
69- فيه أنه لا اجتهاد مع وجود النص أو ما يقوم مقامه كحضور المشرع صلى الله عليه وسلم كما هو الحال هنا .
70- فيه أن أعظم أمر وأشرف عمل ينبغي للعبد أن يقوم به وأن يفرغ فيه وسعه هو الدعوة إلى الله والحرص على هداية العباد .
71- فيه الرد على التكفيريين الذين يشتغلون بإصدار الأحكام على العباد من التكفير والتفسيق دون دعوتهم إلى التوحيد والسنة وبيان حقيقة ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب .
72- فيه تفقد الصحابة بعضهم بعضا .
73- فيه أن النطق بالشهادتين لا يعصم دم العبد وماله إلا أن يأتي بحقها وإلا لم تنفعه عند الله تعالى.
74- فيه أن إقامة الحدود من شأن السلطان أو من ينوب عنه .
75- فيه حرمة دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم إلا بالحق .
76- فيه طهارة قلوب الصحابة إذ لم يحسدوا عليا على ذلك بالاعتراض وتمني زوال النعمة والفضل عنه .
والله تعالى أعلم
والحمد لله رب العالمين .
سليمان بن ناصر العلوان
2/2/ 1422هـ
,,,,,,,
*(113) الفوائد والمعاني المستنبطة من الأحاديث الصحيحة
قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تغضب )...
بسم الله الرحمن الرحيم
مواصلة في بيان ما حوته السنة النبوية المطهرة من المعاني العظيمة والفوائد الغزيرة التي ينبغي على العلماء وطلبة العلم التصدي لها لاستخراج كنوزها وبث فوائدها وبيان أسرارها البديعة الصادرة من المشكاة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم .(1/172)
فقد ألقى فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان كلمة بتاريخ 1/2/1422هـ عن حديث من أحاديث الرسول الكريم التي جمعت بين البلاغة والإيجاز وعظيم النفع وكبير الفائدة واستنبط منه أكثر من خمسين فائدة فقال حفظه الله تعالى :-
أخرج البخاري والترمذي من طريق أبي حصين عثمان بن عاصم عن أبي صالح ذكوان السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني قال : ( لا تغضب فردد مراراً قال : لا تغضب ) وروى هذا الحديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد وفيه نظر والمحفوظ ما رواه أبو حصين ولذلك روى البخاري الحديث من إسناده وأعرض عن إسناد الأعمش لكثرة اختلافه على أبي صالح في هذا الخبر كما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة وغيره .
الفوائد:
1- المقصود من ترك الغضب هو اجتناب أسبابه والأمور المفضية إليه .
2- فيه الأمر بالأخذ بالأسباب .
3- فيه الرد على الجبرية والقدرية .
4- فيه قاعدة سد الذرائع وأن الوقاية خير من العلاج .
5- فيه أهمية جمع المفتي بين العلم والعقل فيعطي كل مسألة حقها وكل سائل ما ينفعه .
6- التأدب في السؤال وطلب العلم .
7- فيه عدم جواز كتم العلم عمن طلبه إلا لمصلحة راجحة .
8- فيه أن الغضب يمنع العدل في القول والعمل .
9- فيه أن الذي لا يغضب منضبط الأفعال والأقوال حال رضاه وغضبه .
10- فيه الحث على حسن الخلق .
11- فيه الحث على الرضا بالقضاء والقدر .
12- فيه أن عدم الغضب دليل على وفور العقل وكماله .
13- فيه معنى قوله تعالى ( وإثمهما أكبر من نفعهما )وتقرير مبدأ المقارنة بين المصالح والمفاسد .
14- فيه أن هذا من محاسن الشريعة وكمالها .
15- حرص الصحابة على التفقه في الدين .
16- فيه معنى قوله صلى الله عليه وسلم اكلفوا من العمل ما تطيقون .
17- أن الشر كله في الغضب .
18- أن الغضب منه المحمود ومنه المذموم .(1/173)
19- عظم فقه الصحابة حيث لم يفهموا العموم من هذا الخبر بل غضبوا الغضب المحمود وتركوا المذموم على ما علمهم الرسول صلى الله عليه وسلم .
20- أن الغضب من الأسباب المفضية إلى الكفر .
21- وجوب بذل النصح للمسلمين .
22- أهمية النصيحة وأثرها في المجتمعات .
23- فيه أن المرء قليل بنفسه كثير بأصحابه فإن المؤمن مرآة أخيه المؤمن فالمرء لا يرى عيوب نفسه غالباً .
24- أن العبرة بفائدة الكلام ونفعه لا بكثرته وسجعه .
25- جواز مراجعة العالم في المسألة مع الأدب وحسن الخلق .
26- أن ترك الغضب والتحكم فيه خلق مكتسب .
27- مدافعة السنة الكونية القدرية بالسنة القدرية الشرعية .
28- أن الغضب من الشيطان .
29- أن القوي هو الذي يملك نفسه عند الغضب .
30- فضيلة الصبر والحلم .
31- مشروعية النصيحة بلفظ موجز جامع مانع .
32- فيه معنى ( أوتيت جوامع الكلم ) .
33- إنزال الناس منازلهم في النصيحة .
34- فيه أن النهي عن الشيء أمر بضده أي عليك بالحلم والصبر .
35- الإخلاص في إسداء النصيحة .
36- طلب النصيحة إنما يكون من ذوي العقل والرأي والدين .
37- أن لازم القول في الكتاب والسنة متوجه بخلاف كلام الناس فإنهم لا يؤخذون بلازم قولهم .
38- فيه أن طلب الوصية والنصيحة رفعة للعبد لا منقصة ولا مذمة فيها .
39- أن قبول النصيحة من كمال الإيمان .
40- فيه قياس الناس بأخلاقهم لا بهيئاتهم .
41- فيه جواز تكرار النصح والوعظ ما لم يبلغ حد السآمة .
42- فيه معني قوله ( أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ) .
43- أن النهي عن الشيء نهي عن أسبابه ومقدماته من باب أولى .
44- أن من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه فمن ترك الغضب عوض بالحلم .
45- بيان فضل كظم الغيظ .
46- الحث على العفو والنصح .
47- اتساع صدر العالم للمسائل والمراجعات .
48- تواضع النبي وسعة حلمه وحسن خلقه .
49- أن الترك يعتبر عملاً .
50- أن العمل من مسمى الإيمان .(1/174)
51- أن العبد يؤجر على أفعال التروك .
52- أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في حديثه على ثلاث .
53- فيه ثبات العالم على أقواله ومبادئه طالما أنه على الحق مهما ألح عليه الناس أو ضغط عليه الواقع . والله أعلم.
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
10 / 2 / 1422 هـ
*(114) ماحكم الإسلام فيمن استهزأ بآيات الله ولحن الآيات القرآنية وغنّاها .
فقد ذكرت جريدة النخبة الخليجية في عددها ( 128 ) وعددها
( 133 ) عن مجموعة من الفنانين أنهم يفتتحون الأغنية بموّال يبدأ بغناء آيات من القرآن وقد استنكرت هذه الجريدة ما يقوم به شياطين الإنس من هذه الأعمال الشيطانية والناس من العامة والخاصة يناشدونكم البيان في حكم الاستهزاء بالله وآياته ولا سيما أن هذا الأمر أصبح مألوفاً لدى كثير من الفنانين والممثلين والله المسئول أن يحفظكم ويبارك في علمكم ؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الإنسان بفطرته التي ولد عليها يدرك عظيم هذا الفعل وكبير هذا الذنب وشناعة هذا الإجرام ولا يتجاوب مع هذه الممارسات الشيطانية سليم الفطرة نقي التوحيد .
فالمسلمون كلهم مجمعون على وجوب احترام كلام الله وتعظيمه وصيانته عن العيوب والنقائص .
فالقرآن كلام الله وهو صفة من صفاته والله لم يزل متكلماً إذا شاء ، هذا الذي دل عليه الكتاب والسنة وقاله أئمة الإسلام .
فالاستهزاء بكلام الله أو بكتابه أو محاولة إسقاط حرمته ومهابته كفر صريح لا ينازع فيه أحد ، قال الله تعالى { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ..... } .(1/175)
وهذه الآية نص في كفر من استهزأ بالله وآياته ورسوله سواء استحل ذلك أو لم يستحل فمجرد الاستهزاء بالمذكورات ردة عن الدين بإجماع المسلمين ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء كأن يكون مازحاً أو هازلاً .
وقد كفر الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء ، روى ذلك ابن جرير في تفسيره ( 10 / 172 ) بسند جيد من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال قال رجل في غزوة تبوك في مجلس . ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس : كذبت ولكنك منافق لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر فأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) .
وظاهر الآية أنهم كانوا من قبل مؤمنين فكفروا بالاستهزاء الذي يعلمون حرمته ولكن لم يظنوه كفراً .
ومن ذلك الذين يفتتحون أغانيهم بموّال يبدأ بغناء أيات من القرآن فهؤلاء قد اتخذوا آيات القرآن الكريم للغناء والطرب واللعب وهذا من أعظم أنواع الاستخفاف بالقرآن والاستهانة بحرمته .(1/176)
وقد أجمعت الأمة على كفر من استخف أو هزل بالقرآن أو بشيء منه . قال تعالى { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) } فكل من اتخذ شيئاً من آيات القرآن للهزل والغناء والرقص والطرب فقد اتخذها هزواً ولعباً وقد توعد الله هؤلاء بالعذاب المهين فقال تعالى { وإذا علم من ءاياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين (9) } وقال { وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)} .
قال القاضي عياض رحمه الله ( شرح الشفاء ( 2 / 549 ) واعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحده أو حرفاً منه أو آية أو كذب به أو بشيء منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع قال الله تعالى { وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42) } .
وقال الشيخ العلامة أبو بكر محمد الحُسيني الحُصني الشافعي في كتابه كفاية الأخيار ( 494 ) (وأما الكفر بالفعل فكالسجود للصنم والشمس والقمر وإلقاء المصحف في القاذورات والسحر الذي فيه عبادة الشمس وكذا الذبح للأصنام والسخرية بأسم من أسماء الله تعالى أو بأمره أو وعيده أو قراءَة القرآن على ضرب الدف ... ) .
واتخاذ آيات القرآن للغناء والعزف عليها بالموسيقى أشد كفراً وأكبر ذنباً من قراءَة القرآن على ضرب الدف .(1/177)
وقال العلامة الشيخ البهوتي الحنبلي رحمه الله في كتابه الروض المربع شرح زاد المستقنع ( ص 682 ) تحت باب حكم المرتد ( أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين أو امتهن القرآن أو أسقط حرمته ... ) .
وقال العلامة ابن فرحون المالكي رحمه الله في كتابه تبصرة الحكام ( 2 / 214 ) (ومن استخف بالقرآن أو بشيء منه أو جحده أو حرفاً منه أو كذب بشيء منه أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهذا كافر بإجماع أهل العلم ) .
والراضي بكفرهم واستخفافهم بكلام الله وكتابه كافر مثلهم قال تعالى { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) } .
وحذار حذار من أمرين عظيمين :
الأول : عقوبة الله وانتقامه ممن استهزأ أو استخف بكلامه وقد جاء في صحيح البخاري ( 3617 ) من طريق عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه قال . كان رجل نصرانياً فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانياً فكان يقول : ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لمّا هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه ، فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمدٍ وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لمّا هرب منهم فألقوه ، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح قد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه )) . ورواه مسلم في صحيحه ( 2781 ) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس قال . كان منا رجل من بني النجار ... فذكره وفي آخره فتركوه منبوذاً .(1/178)
الثاني : تمرير هذا الإجرام بدون عقوبة فالقرآن كلام الله له قدره ومكانته في قلوب المسلمين فالاستخفاف بحرمته والاستهزاء بشيء منه جرم كبير وذنب عظيم .
فحين يأتي أراذل البشرية في القرن العشرين ويستخفّون بحرمة كلام الله وصفة من صفاته ويجعلونه كسائر كلام البشر وسقط الناس ويتخذونه للغناء والطرب واللعب وَيَسْلَمون من العقوبة والردع وإقامة حكم الله فيهم ، فهذا يفتح باب التلاعب بالشريعة والطعن في الذات الإلهية وصفاته والاستهانة بأعظم شيء يفتخر به المسلمون .
وإذا كانت العقوبة الدنيوية من السجن وغيره تطبق على من سب حاكماً أو أميراً بحق وبغيره ولا تتناول المستهزئ بكتاب رب العالمين وبصفة من صفاته فهذا من أعظم المحرمات وأكبر الكبائر .
وإني لأخشى بغض الطرف عن هؤلاء المستهزئين بآيات الله أن تصل الأمور بالحكومات العصرية إلى حد قول الشاعر :
يقاد للسجن من سب الزعيم ومن سب الإله فإن الناس أحرار
وحينئذٍ فلا تفرح بالعيش في ظل الفساد وتفلت الأمور وخروجها عن طورها .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
27 / 12 / 1421 هـ
القصيم . بريدة
,,,,,,
*(115) ما تقولون في رجل تزوج امرأة ودفع لها المهر وقبل أن يدخل بها توفي فهل ترثه أم لا وهل عليها العدة أم لا ؟
الجواب:
إذا تزوج الرجل المرأة وعقد عليها وتوفي قبل أن يدخل بها فلها الميراث وعليها العدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام قال الله تعالى { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } .
ودلالة هذه الآية واضحة في عدة المتوفى عنها زوجها وهي تتناول المدخول بها وغير المدخول .
ولا تخْرجُ عن عموم هذه الآية إلا الحامل فأجلها إلى أن تضع ما في بطنها قال الله تعالى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } .
وروى أحمد ( 3 / 480 ) والنسائي ( 4 / 121 ) وأبو داود
((1/179)
2115 ) والترمذي ( 1145 ) وابن ماجه ( 1891 ) وغيرهم من طريق سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سُئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود لها صداق نسائَها لاوكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث .
فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال . قضى رسول الله صل الله عليه وسلم في بِرْوَع بنت واشِق امرأةٍ منا بمثل الذي قضيت . ففرح بها ابن مسعود . قال الترمذي رحمه الله حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح وقد رُوي عنه من غير وجه . والحديث صححه ابن حبان والحاكم وأورده ابن الجارود في المنتقى وقد دل هذا الخبر الصحيح على أن عدة الوفاة تجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل وعلى أن الميراث ثابت للمرأة قبل الدخول وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في الزاد ( 5 / 664 ) الاتفاق على هذا ، وهذا الاتفاق محكيّ في كثير من الكتب ودلالته ظاهرة فإن المرأة بمجرد العقد عليها تصبح زوجة فترث وتورث بدلالة الكتاب والسنة فإذا توفيت ولو قبل الدخول بها ورثها زوجها وإذا توفي الزوج ورثته الزوجة وعليها العدة .
وأحكام الوفاة تغاير حكم الطلاق فإذا طلقت المرأة قبل الدخول بها أو بعد الدخول ولم يحصل جماع فلا عدة عليها قال الله تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)} .
وقوله { مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } أي تجامعوهنَّ في أصح قولي العلماء والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
16/12/1421هـ
,,,,,,,
*(116) ما هو المقدار المجزيء في المسح على الخفين ؟
... الجواب:(1/180)
المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمسح ظاهر خفيه دون باطنهما قال الخليفة الراشد علي ابن أبي طالب رضي الله عنه لو كان الدين بالرأي لكان أسفلُ الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه رواه أبو داود (162 ) من طريق أبي إسحاق السبيعي عن عبد خير عن علي .
وقد جاء في حديث المغيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح أسفل الخف وأعلاه . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم ولايصح .
كما قاله أحمد والبخاري وأبو حاتم والترمذي والأحاديث الصحيحة عن المغيرة وغيره على خلافه .
*والصحيح في المسح الاقتصار على مرة واحدة ولا يزيد .
*وقد اختلف الفقهاء في المقدار المجزي في المسح .
فقال قوم : يجزيء المسح بثلاثة أصابع .
وقال مالك : يجب استيعاب أعلى الخف بالمسح .
وعند الحنابلة : يجب مسحُ أكثر ظاهر الخف .
وقال الشافعي : وكيفما أتى بالمسح على ظاهر القدم بكل اليد أو بالبعض أجزأ . وهذا المنقول عن سفيان واختاره داود الظاهري وأبو محمد بن حزم .
وهذا قول قوي .
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على ظاهر الخفين .
ولم يصح في تقدير واجبه شيء فدل على جواز الاجتزاء بما يصدق عليه اسم المسح .
وأما القول بوجوب استيعاب ظاهر الخف ففيه نظر وأقرب منه القول بوجوب مسح أكثر ظاهر الخف وأرى أن العمل بهذا القول أحوط والله أعلم.
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
14 / 9 / 1421 هـ
,,,,,,,
*(117) ما حكم التبرع بالدم ونقله من إنسان صحيح إلى شخص مريض ؟
الجواب:
لا بأس بالتبرع بالدم بكمية مقدرة من طبيب حاذق فإن أخذ الدم الكثير من الشخص يضره وقد يؤدي به إلى الموت وأخذ القليل من الدم لا يضره بل ثبت في الطب نفعه .
وقد أشار الأطباء إلى أن سحب كمية معتدلة من الدم ينشط تكوين الدم في الجسم ويجدد خلايا الدم فيعيد للجسم كله النشاط والحيوية .(1/181)
وقد أشارت بعض الدراسات الطبية الحديثة إلى أن التبرع بالدم يقلل من مخاطر حدوث النوبات القلبية .
غير أنه لا يجوز شرعاً بيع الدم فالأدلة صريحة في المنع وحكى الاتفاق على ذلك غير واحد وفي صحيح البخاري ( 2086 ) من طريق شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وثمن الدم ... ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ( 4 / 427 ) وبيع الدم وأخذ ثمنه حرام بالإجماع .
فالمشروع حينئذٍ بذله للمسلمين بدون عوض وفي ذلك أجر وثواب لأنه عمل صالح ونفع للآخرين وقد يكون في الدم القليل انقاذ لحياة مسلم من موت محقق .
وأما إذا كان العطاء على جهة الهبة والمجازاة على المعروف فلا بأس بذلك لأنه ليس من باب المعاوضة والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
9 / 2 / 1422 هـ
,,,,,,,
*(118) قد عزمت على الحج ومعي صبي فهل يجب أن أطوف عن نفسي ثم أطوف عنه طوافاً آخر أو أكتفي بطواف واحد وسعي واحد ؟
الجواب:
اتفق العلماء على صحة حج الصبي وقال أبو حنيفة ولا يتعلق به وجوب الكفارات واتفقوا على أنه لا يجزئه عن حجة الإسلام فعليه بعد بلوغه حجة أُخرى .
والحالات المتعلقة بحج الصبي ثلاث:
الأولى : أن يكون الصبي قادراً على المشي فيطوف حينئذٍ عن نفسه ويسعى عن نفسه .
الحالة الثانية : أن يكون غير قادر على المشي وله تمييز فينوى حينئذٍ كل من الحامل والمحمول عن نفسه ويجزيء عنهما طواف واحد وسعي واحد .
الحالة الثالثة : أن يكون الصبي صغيراً لا يميز فحينئذٍ يحمله وليه أو غيره وينوي عنه ويجزئ عنهما طواف واحد وسعي واحد وشأنهما قريب من شأن الراكب .
وقال بعض العلماء يطوف عن نفسه ثم يطوف طوافاً آخر عن الصبي .(1/182)
والصحيح الأول : فقد جاء في صحيح مسلم ( 1336 ) من طريق ابن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لقي ركباً بالروحاء فقال . من القوم ؟ قالوا المسلمون . فقالوا من أنت ؟ قال رسول الله . فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت : ألهذا حج ؟ قال ( نعم ولك أجر ) .
ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم طوفي طوافين عنه وعن نفسك وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
وهذا مذهب أبي حنيفة واختاره ابن المنذر وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله في المحلى ( 5 / 320 ) ونستحب الحج بالصبي وإن كان صغيراً جداً أو كبيراً وله حج وأجر وهو تطوع وللذي يحج به أجر ويجتنب ما يجتنب المحرم ولا شيء عليه إن واقع من ذلك مالا يحل له ويطاف به ويرمى عنه الجمار إن لم يطق ذلك ويجزئ الطائف به طوافه ذلك عن نفسه .... ) .
لأنه لا فرق بين هذا وبين الراكب فيجزئ عن الحامل وعن المحمول والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
10/11/1421هـ
,,,,,,,
*(119) هل يصح العقد على المرأة الحائض ؟
الجواب:
الأصل في ذلك الجواز ولم يأت بالمنع منه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس صحيح . ولا أعلم أحداً من أهل العلم حرّم ذلك أو كرهه . غير أن بعض الفقهاء يكره زفَّ المرأة لزوجها وقت الحيض لئلا يواقعها في ذلك فيبؤ بالإثم .
وقد يلتبس على العامة حكم هذه المسألة بحكم الطلاق في الحيض وليس بينهما جامع .
فالعقد على الحائض جائز اتفاقاً وطلاق الحائض المدخول بها حرام اتفاقاً .
وهل يقع الطلاق أم لا فيه قولان للعلماء
الأول : أنه يقع مع التحريم وهذا قول الأئمة الأربعة وجمهور العلماء.
الثاني : أنه لا يقع وهو مذهب الظاهرية ونصره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .(1/183)
وقد احتج كل فريق من الطائفتين بأدلة نقلية وعقلية وبعد النظر في حجج هؤلاء وهؤلاء والبحث في موارد الأدلة وتأمل مذاهب العلماء قديماً وحديثاً وقراءة الكتب المطولة في ذلك والمختصرة رأيت قوة المذهب الثاني وأنه أسعد بالدليل وأوفق لقواعد الشريعة .
وخلصت إلى أن الأحاديث المرفوعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليس في شيء منها تصريح في المسألة وإن كانت ظواهرها في نظري تفيد عدم الاعتداد بالطلقة .
والآثار الموقوفة على ابن عمر متعارضة ولم يثبت أكثرها على وجود احتمالات في الأخريات والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
10/5 / 1421
,,,,,,,
*(120) هل يفطر الصائم ببلع الريق والنخامة ؟
الجواب:
أجمع العلماء على أن من بلع ريق نفسه لا يفطر لأن الريق من الفم فلا يؤثر على الصائم بلعه .
وهل يكره ذلك أم لا . الصحيح أنه لا يكره إذا لم يقصد جمع ريقه لأن الإحتراز منه مكلف وشاق ولا يكاد يسلم منه أحد .
وأما النخامة فقد فقالت طائفة إذا كانت من الصدر فلا تفطر . وإذا كانت من الجوف أو الدماغ فإنها تفطر .
والصحيح أن بلع النخامة متعمداً مكروه أو محرم على قول طائفة غير أنها لا تفطر مطلقاً فليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما .
والنخامة مما تعم بها البلوى والأمة بحاجة إلى معرفة حكمها فلو كانت تفطر لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً فإذا انتفى نقل ذلك علم أن القول بالتفطير غير صحيح .
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية المروزي : ليس عليك قضاء إذا ابتلعت النخامة وأنت صائم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
6 / 9 / 1421 هـ
,,,,,,,
*(121) ما حكم حك الرأس للمحرم ؟
الجواب:
لا بأس بذلك وإن تساقط شيء من الشعر وقد روى مالك في الموطأ
((1/184)
2 \ 290 – شرح الزرقاني ) بسند صحيح عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسأل عن المحرم أيحك جسده فقالت نعم فليحككه وليشدّد ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجليَّ لحككت ) .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل وهو محرم والحديث في الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري . والاغتسال مظنة لتساقط الشعر ولم يأت بيان بالمنع منه .
بل قد جاء في الصحيحين من طريق عطاء عن طاووس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم .
وقد رخص طائفة من أهل العلم بالحجامة للمحرم وإن كان في ذلك قطع شيء من الشعر .
وقال آخرون عليه الفدية طعام ستة مساكين أو ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام وهذه الفدية على التخيير . والصحيح أنه لا شيء عليه . لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في ذلك فدية وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
وأما إذا حلق المحرم رأسه كله لعذر أو غيره فيجب عليه ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وهذا من الأمر المتفق عليه بين أهل العلم .
قال الله تعالى { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } .
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لعلك أذاك هوامُّك ؟ قال نعم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاة . رواه البخاري ( 4 \ 12 – الفتح ) ومسلم ( 8 \ 118 – شرح النووي ) والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
8 \ 11 \ 1421 هـ
,,,,,,,
*(122) ما حكم المسح على الجورب المخرق ؟
الجواب:(1/185)
الصحيح من أقاويل العلماء جواز المسح على الخف أو الجورب المخرق فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين ولم يشترط كونه سليماً من الخروق أو الفتوق ولا سيما أن خفاف بعض الصحابة لا تخلو من فتوق وشقوق فلو كان هذا مؤثراً على المسح لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بياناً عاماً فقد تقرر في القواعد الأصولية أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
وقد قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله ( امسح عليها ما تعلقت به رجلك وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة ) رواه عبد الرزاق في المصنف ( 1 / 194 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ( 21 / 174 ) فلما أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر بالمسح على الخفاف مع علمه بما هي عليه في العادة ولم يشترط أن تكون سليمة من العيوب وجب حمل أمره على الإطلاق ولم يجز أن يقيد كلامه إلا بدليل شرعي . وكان مقتضى لفظه أن كل خف يلبسه الناس ويمشون فيه فلهم أن يمسحوا عليه وإن كان مفتوقاً أو مخروقاً من غير تَحديد لمقدار ذلك فإن التحديد لا بدّ له من
دليل.. ) .
وهذا مذهب إسحاق وابن المبارك وابن عيينة وأبي ثور .
وذهب الإمام الشافعي وأحمد في المشهور عنهما إلى أنه لا يجوز المسح على الخفين أو الجوربين ما دام أنه يظهر من الملبوس فتق أو شق في محل الفرض .
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى التفريق بين الخرق اليسير والخرق الكثير .
والصحيح القول الأول وأنه يجوز المسح على الخفين والجوربين ما تعلقت بهما القدم وأمكن المشي فيهما .
ويصح أيضاً المسح على الجوربين اللذين يصفان البشرة لأن الإذن بالمسح على الخفين مطلق ولم يرد تقييده بشيء فكان مقتضى ذلك أن كل جورب يلبسه الناس لهم أن يمسحوا عليه وهذا مقتضى قول القائلين بجواز المسح على الخف المخرق ما أمكن المشيء عليه .(1/186)
وقد ذكر النووي رحمه الله في المجموع ( 1 / 502 ) أنه إذا لبس خف زجاج يمكن متابعة المشي عليه جاز المسح عليه وإن كان تُرى تحته البشرة ... ) . والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
15/9/1421هـ
,,,,,,,,
*(123) أحدثت امرأة في أثناء الطواف فاستحيت أن تخبررفقتها وأكملت طوافها وأخبرت أهلها فيما بعد فماذا عليها ؟
الجواب:
طواف المرأة صحيح ولا شيء عليها والحدث الأصغر لا يمنع الطواف بالبيت ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى المحدث عن الطواف وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع .
والحديث المشهور ( الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه ) لا يثبت رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله في جامعه عقب رواية الحديث
( 960 ) وقد رُوي هذا الحديث عن ابن طاووس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفاً وهذا المحفوظ فقد رواه عبد الرزاق في المصنف
( 9789 ) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس موقوفاً ورواه ( 9790 ) عن ابن جريج قال أخبرني إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس .
ورفعه عطاء بن السائب عن طاووس تراه في جامع الترمذي والمنتقى لابن الجارود وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان وفي رفعه نظر والصحيح عن طاوس عن ابن عباس موقوفاً وعبد الله بن طاوس في أبيه أصح من عطاء فتقدم روايته على رواية عطاء .
وقد قال شعبة بن الحجاج سألت حماداً ومنصوراً وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة فلم يروا به بأساً . رواه ابن أبي شيبة في المصنف ( 3 / 295 ) واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الفتاوى ( 26 / 199 ) .
وقد جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ للطواف ) فهذا دليل على سنية الوضوء ولا خلاف في ذلك .(1/187)
والنزاع إنما هو في الوجوب ولم أجد دليلاً عليه إلا في الحدث الأكبر فقد جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
29 / 11 / 1421 هـ
*(124) ما صحة هذه الأحاديث المشهورة على الألسنة ؟
1- حب الوطن من الإيمان
2- يخلق الله من الشبه أربعين
3- من أنقذ امرأة من غرق فهي أخته
الجواب:
قد كثرت في زماننا الأحاديث الموضوعة والآثار الباطلة والحكايات المختلقة . وقد اعتاد الكثير تناقل هذه الأخبار دون تثبت من صحتها ولا بحث عن حقيقتها .
وهذا محرم شرعاً وقبيح عقلاً .
وهذه الأحاديث الثلاثة مكذوبة مختلقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلا تحل روايتها ولا التحديث بها بدون بيان بطلانها .
وقد روى البخاري في صحيحه ( 3509 ) عن علي بن عياش حدثنا حريز قال حدثني عبد الواحد بن عبد الله النصري قال سمعتُ واثلة بن الأسقع يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من أعظم الفِرَى أن يدّعي الرجلُ إلى غير أبيه أو يُرِي عينه ما لم تر أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ) .
وروى البخاري ( 110 ) ومسلم في مقدمة صحيحه ( 3 ) من طريق أبي حَصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) .
وكلُّ مَنْ حدث بالأحاديث الباطلة والحكايات الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين صحيحها من سقيمها وحقها من با طلها فقد باءَ بالإثم وتعرض للوعيد .
وقد ذكر السيوطي في كتابه ( تحذير الخواص من أكاذيب القصاص) ص ( 167 ) (أن من أقدم على رواية الأحاديث الباطلة يستحق الضرب بالسياط ويهدّد بما هو أكثر من ذلك ويزجر ويهجر ولا يسلم عليه ويغتاب في الله ويُستعدى عليه عند الحاكم ويحكم عليه بالمنع من رواية ذلك ويشهد عليه ) .(1/188)
وذلك للذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ونفي الأخبار الكاذبة عنها ولحماية الأفراد والمجتمعات من هذه الأساطير والأكذوبات . نسأل الله السلامة والعافية .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
18 / 5 / 1421 هـ
,,,,,,,
*(125) وقفت على حديث يقول ( إياكم وخضراء الدمن ) فأريد من فضيلتكم بيان صحته؟
الجواب:
هذا الخبر ليس له سند ثابت ، وهو معدود عند أئمة الحديث من الأحاديث المنكرة ، رواه الخطيب في تلخيص المتشابه (2/509) والقضاعي في مسند الشهاب (2/96) والرامهرمزي في أمثال الحديث (1/120) وغيرهم . من طريق محمد بن عمر المكي – المعروف بالواقدي - عن يحيى بن سعيد ابن دينار ، عن أبي وجزة يزيد بن عبيد عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إياكم وخضراء الدمن ) فقيل وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : ( المرأة الحسناء في منبت السوء ) 0
وجاء الخبر من مسند عبد الملك بن محمد الأنصاري ، ذكره ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى في الجرح والتعديل (4/139) فقال : سليمان بن محمد التيمى روى عن عبد الملك بن محمد الأنصاري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إياكم وخضراء الدمن ) فذكره ولم يحكم عليه بشيء.
ومحمد بن عمر - هو الواقدي - : وثقه جماعة ، وضعفه الأكثرون وهو الصواب فلا يحتج بشيء من حديثه ، قال عنه الإمام أحمد في رواية ، كذاب ، وقال يحيى بن معين ليس بشيء . الكامل لا بن عدي (6/241) 0
وقال مسلم : متروك الحديث ، وقال الحاكم أبو أحمد : ذاهب الحديث ، وقال أبو زرعة ترك الناس حديثه
وقال الدارقطني غريب من حديث أبي وجزة يزيد بن عبيد ، عن عطاء ، تفرد به الواقدي ، عن يحيى بن سعيد بن دينار عنه . أطراف الغرائب والأفراد لابن طاهر (5/78)
ونقل الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/145) عن ابن طاهر وابن الصلاح أنهما قالا : يعد في أفراد الواقدي ، وقال الدارقطني : لا يصح من وجه 0(1/189)
وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/179) رواه الواقدي من رواية أبي سعيد الخدري ، وهو معدود من أفراده ، وقد علم ضعفه 0
وذكره العراقي في المغني عن حمل الأسفار (1/387) وعزاه للدارقطني في الأفراد والرامهرمزي في الأمثال 0
قال الرامهرمزي : وقد جاء هذا مفسراً ، ومعنى ذلك أن الريح تجمع الدِّمَن وهي البعر - في المكان من الأرض ، ثم يركبه الساقي فينبت ذلك المكان نبتاً ناعماً غضاً فيروق بحسنه وغضارته ، فتجيء الإبل إلى الموضع وقد أعيت فربما أكلته الإبل فتمرض ، يقول لا تنكحوا المرأة لجمالها وهي خبيثة الأصل ، لأن عرق السوء لا ينجب معه الولد ، وقال الشاعر
وقد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هيا
أخوك
سليمان بن ناصر العلوان
26/11/1423هـ
,,,,,,,
*(126) ما تقولون في حديث ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان) ؟
الجواب :
هذا الحديث رواه أحمد في مسنده ( 1 / 259 ) والبزار ( 616 – كشف الأستار ) من طريق زائدة بن أبي الرُّقاد عن زياد النُميري عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ) .
وفي إسناده زائدة بن أبي الرُّقاد لا يصح حديثه قال عنه الإمام البخاري : منكر الحديث .
وقال النسائي في كتاب الضعفاء . منكر الحديث .
وقال أبو داود لا أعرف خبره .
وقال ابن حبان : يروي المناكير عن المشاهير لا يحتج به ولا يكتب إلا للاعتبار .
وذكر الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف ( 234 ) هذا الحديث وقال فيه ضعيف .
وانظر تبيين العجب بما ورد في فضل رجب ( ص 18 ) للحافظ ابن حجر العسقلاني . فقد أشار إلى ضعفه لتفرد زائدة .
ولا يصح تخصيص رجب بشيء من العبادات لا دعاء ولا صيام ولا صدقة ولا عمرة على الصحيح فإن عمر النبي صلى الله عليه وسلم كانت في ذي القعدة لحديث أنس في الصحيحين .(1/190)
وقد زعم بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في أول ليلة من رجب وهذا ليس بشيء .
وقالت طائفة بأن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في السابع والعشرين من شهر رجب .
ولا يصح في ذلك شيء والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
14 / 7 / 1421 هـ
,,,,,,,
*(127) ما تقولون في حديث (يخرج اثنا عشر ألفاً من عدن أبين ينصرون الله ورسوله) وما هي الرؤية الشرعية لمستقبل الإسلام في وقت تسلط الصليبيين على المسلمين ؟
الجواب:
هذا الحديث إسناده جيد ، ورواته لا بأس بهم ، فقد رواه الإمام أحمد في مسنده (1/333) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/242) والطبراني في الكبير (11/47)
كلهم من طريق عبد الرزاق ، عن المنذر بن النعمان الأفطس ، قال : سمعت وهباً يحدث عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفاً ينصرون الله ورسوله هم خير من بيني وبينهم)
ورواه أبو يعلى في مسنده (3/34) من حديث عبد الأعلى بن حماد النرسي عن معتمر بن سليمان ، عن المنذر به 0
ورواه ابن عدي في الكامل (6/176) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/306) من طريق محمد بن الحسن بن آتش الصنعاني ، عن المنذر 0
ومحمد بن الحسن مختلف فيه ، فقد وثقه ، أبو زرعة وغيره ، وضعفه العقيلي والدارقطني وآخرون ، ولم يتفرد به فقد رواه غير واحد من الحفاظ عن المنذر 0
والمنذر بن النعمان الأفطس : قال أبو حاتم روى عنه معتمر بن سليمان وهشام بن يوسف وعبد الرزاق ومحمد بن الحسن بن أتش ومطرف بن مازن قاضي صنعاء ، وقال عنه ابن معين ثقة . الجرح والتعديل (8/242) 0
وذكره البخاري في التاريخ الكبير (7/358) ولم يذكر فيه جرحاً أو تعديلاً 0
وذكره ابن حبان في ثقاته)
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/55) رواه أبو يعلى والطبراني وقال (من عدن آتين) ورجالهما رجال الصحيح ، غير منذر الأفطس ، وهو ثقة 0(1/191)
إن الأمة الإسلامية تعتريها فترات ضعف ووهن ، جزاء بعدهم عن الله ، وموالاتهم أعدائه ، وحين يرجعون إلى ربهم ، ويحكمون شرعه ، ويرفعون راية الجهاد في سبيل الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويوالون المؤمنين ، ويعادون الكافرين ، ويسعون جاهدين في طردهم عن جزيرة العرب ، فحين يحققون ذلك ، تتحقق بينهم رابطة المحبة الإسلامية ، وتقوى أواصر الأخوة الإيمانية ، ولا يستطيع العدو الداخلي أو الخارجي زعزعة تلك الوحدة ، المعتصمة بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ، أو العمل على تمزيق شملها ، أو الفت من عضدها ، ولن يكون لأحد من البشرية أن يقف في وجهها ، ولا يمكن لأحد مناورتها ، أو القرب من حماها الحصين ودرعها الواقي المتين وتكون لهم السيادة والسعادة ، وتنال المقامات السامية ، والدراجات العالية ، في الدنيا قبل الآخرة ، وتعتلي على أكتاف أعدائها ، وتحطم عروش الكفر ، ويكون كل من ناوأها تحت سيطرتها وهيمنتها ، يجري عليه شرعها ، ويترافع إلى حكمها 0
وحين طبق أوائل هذه الأمة تلكم المبادئ الزاكية ، والأخلاق المثالية ، فتحوا المدن والقرى وملكوا الفيافي والقفار ، ودانت لهم ذوو القوى الغاشمة ، والنفوس المتكبرة ، فمن فتح الأقصى ، وكسر كسرى ، وقصر قيصر ، وهزم أصحاب القوى العاتية ، وأرغم أنوف الجبابرة الظالمة ، ومهد للعدل ، ومحى الجور ، وأنقذ البشرية من العبودية الباطلة إلى العبودية الحقة ؟ نفوس لا تقبل الضيم ، ولا تداني الذل ، ولا تعيش مع من يمس من كرامتها ، أو ينالها أو رعيتها بسوء 0(1/192)
ومع كل هذا الضيم الذي تلاقيه الأمة ، والإحباطات التي تعانيه من مكر وخيانة فإن المستقبل للإسلام ، والبقاء للأصلح مهما طالت الليالي والأيام ، ومهما أرجف المرجفون وخذل المخذلون ، وتشاءم المتشائمون ، إن كل باطل لا يدوم ، مهما أينعت ثماره المرة ، وطالت جذوره الهشة ، والحق الذي لا ريب فيه أن المستقبل للإسلام رغم كل المعوقات والتحديات ، والشدائد المؤلمة ، وغداً يرتبط حاضر هذه الأمة بماضيها وبعد غدٍ تحقق الأمة الإسلامية انتصارات كبرى ، وفتوحات عظمى ، وتهزم أكبر الإمبراطوريات المتكبرة الظالمة ، وتستحوذ على بلدان شتى ، وتكون هي الدولة التي لا يدانيها أحد ، ولا يقف في وجهها بشر ، وترتفع رايتها على كل راية ، وإذا ارتفعت هذه الراية الشريفة ، فحينئذ تنخفض كل راية ، وتذوب كل قوة ، وتتلاشى كل دولة باطلة جائرة ، ويقذفون بأعدائهم إلى جحيمهم ، وإلى دركات سفلى ، ونار تلظى ، ذلكم لأن أهل هذه الراية المعظمة منصورون بنصر الله ، ومؤيدون بجنده ، ومحفوظون برعايته 0(1/193)
وكون الإسلام قادماً ، والدين منتصراً ، أمر محسوم ، وقضية منتهية ، فالمواجهة مهما طال زمنها ، وعظمت مشقتها ، واستفحل شررها ، وامتد أمدها ، والإمكانيات الإسلامية مهما ضعفت وسلبت ، وخسائرها مهما عظمت فالعاقبة للإسلام ، والنصر آت لا محالة ، بعد تحصيل أسبابه ، وامتلاك وسائله ، جاءت بذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، ودلت على ذلك الوقائع التاريخية ، فإننا على يقين لا يختلجه شك ولا يعتريه ريب أن حكم الإسلام سيمضي على أرجاء المعمورة ، وسيكون جيلنا الذي شهد انحسار المد الشيوعي بسقوط دولة الإلحاد السوفييتي ، هو نفسه الذي سيعاين انكسار المد الصليبي في العالم ، ويتبع ذلك انحدار الطغيان اليهودي ، والأيام حبلى والدنيا دول ، والحرب سجال ، والله تعالى يقول { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } وليس الصليبيون وأخلاؤهم الصهاينة بمعزل عن نظام هذه الآية.(1/194)
وقد أتت على الأمة الإسلامية أزمات كثيرة من ذي قبل ، وكانت الأمة الإسلامية تفقد فيها ريادتها وسيادتها على البسيطة ، أو يفقدون أمنهم واستقرارهم وحريتهم ولكنهم مع ذلك لم تمر عليهم أزمة أقسى ولا أمر من تجربتهم المعاصرة على امتداد تاريخهم الطويل ، ولكن كما مرت المراحل المرة السابقة بسلام ، وعلى خير ، فإن هذه المرحلة الصعبة التي نعيشها ستسفر عن خير وتمكين ، وعز ونصر للإسلام والمسلمين ولكن علينا أن نعرف طبيعة المرحلة التي نعيشها ، والمعركة مع عدونا ، لنعلم لم كانت مرحلتنا هذه أصعب وأعتى مرحلة ؟ ولنعلم أيضاً كيف يكون المخرج منها ؟ والذي يسعى لفك هذه الأزمة الراهنة هم المؤمنون بهذا الدين ، المجاهدون على مبادئهم الصادقون في ولائهم لأولياء الله ، والذين يكنون كل العداء لأعداء الله ، حتى يتم التمكين للإسلام وأهله ، وهؤلاء هم الذين يعيدون التمكين للمؤمنين ، والسيطرة على كل أقطار الأرض ، وليس بأنياب المخذلين والمرجفين ، ولا بوسائل المثبطين والمنافقين 0
ومن المبشرات لهؤلاء المجاهدين أنهم لا يضرهم تخذيل المخذلين ، ولا إرجاف المرجفين ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ، قاهرين لعدوهم ، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك ) أخرجه مسلم في صحيحه (1924) من طريق يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الرحمن بن شماسة المهري ، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه 0
وعلى العامل لدينه ، المهتم بشؤون أمته ، المتلمظ على واقعه ، أن يوطن نفسه على احتمال المكاره دون سآمة أو ملل ، وانتظار النتائج بدون استعجال مهما بعدت وتطلع للفرج مهما استحكمت الكرب ، ومواجهة الشدائد مهما ثقلت ، بقلب لم تلزق به ريبة ، وعقل لا تطيش به كربة ، يظل دائماً ثابت الجأش ، واثقاً بالثبات ، لا يرتاع لمزن يحلق في السماء ، ولا لعواصف هوجاء تهز المبادئ والقيم 0(1/195)
وعلينا أن نعمق النظر في تفكيرنا ، والاتزان في طرحنا ، ولا تسيطر علينا الحسابات المادية ، ولا القوى البشرية ، ولا تعظيم المخترعات العصرية ، والمستجدات الحديثة ، فقوة الله فوق كل قوة ، ولا يضرنا كثرة عدد عدونا ، وقلة عددنا ، فقد جاء القرآن ليكرس في عقيدتنا أن النصر ليس هو بكثرة العدد والعدة ، ولا القوة والشجاعة فكثيراً ما يضيف الله تعالى النصر إلى نفسه . قال تعالى { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) { إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ) (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} وغير ذلك من الآيات القرآنية ، التي تبين أن النصر ليس منوطاً بالقوات العسكرية ، ولا الطاقات البشرية ، ولكنه مدٌ من الله تعالى يبعثه إذا شاء ، ويصرفه كيف يشاء حكمة منه وعدلاً ، والله عزيز حكيم 0
والقلة المؤمنة تنتصر على الكثيرة الكافرة ، { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } فقد نصر الله تعالى أصحاب طالوت وكانوا قلة على عدوهم أصحاب جالوت وهم أكثر عدداً . قال تعالى { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ } أي بنصره 0(1/196)
وقد ينتصر المسلمون بلا سلاح كما نصر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم يوم الغار بلا جيش ولا سلاح . قال تعالى { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } 0
ونصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه يوم بدر بالملائكة . قال تعالى { وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.
ونصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحزبه المؤمنين يوم الأحزاب بالريح والجنود ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } وغير ذلك من نصر الله لجنده ، وحزبه بعوامل النصر الكثيرة 0
والنصوص الشرعية جاءت لتبين أن المستقبل للإسلام ، وأنه سوف يضرب بعطن وتمتد رقعته ، ويتسع نفوذه ، ويحكم أرجاء المعمورة ، ويلج كل ما طلعت عليه الشمس وأظلم عليه الليل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ، ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز ، أو بذل ذليل . عزاً يُعز الله به الإسلام ، وذلاً يُذل الله به الكفر ) 0(1/197)
وكان تميم الداري يقول : قد عرفت ذلك في أهل بيتي ، لقد أصاب من أسلم منهم الخير ، والشرف ، والعز . ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل ، والصغار والجزية . رواه الإمام أحمد في مسنده (4/103) بسند صحيح ، من طريق صفوان بن مسلم ، عن سليم بن عامر ، عن تميم الداري رضي الله عنه 0
والمد الإسلامي سوف يحكم البلاد الأوربية ، كما بشرت السنة النبوية بفتح روما عاصمة إيطاليا ، والفتح الأخير للقسطنطينية ، فقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب ، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً قسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مدينة هرقل تفتح أولاً يعني قسطنطينية . أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/176)وابن أبي شيبة في مصنفه (4/219) والدارمي في سننه (1/126) من طريق يحيى بن أيوب حدثني أبو قبيل قال كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص ، وسئل أي المدينتين تفتح أولاً : القسطنطينية أو رومية فدعا عبد الله بصندوق له حلق ، قال : فأخرج منه كتاباً ، قال : فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب ، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية 0(1/198)
وجاء في صحيح مسلم (2897) من طريق سليمان بن بلال ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق ، أو بدابق ، فيخرج إليهم جيش من المدينة ، من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا ، قالت الروم ، خلوا بيننا وبين الذين سَبَوْا منا نُقاتلْهم ، فيقول المسلمون : لا ، والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً ، ويقتل ثلثهم ، أفضل الشهداء عند الله ، ويفتتح الثلث ، لا يفتنون أبداً ، فيفتتحون قسطنطينية ، فبينما هم يقتسمون الغنائم ، قد علقوا سيوفهم بالزيتون ، إذ صاح فيهم الشيطان : إن المسيح قد خلفكم في أهليكم ، فيخرجون وذلك باطل ، فإذا جاؤوا الشام خرج ، فبينما هم يعدون للقتال ، يسوون الصفوف ، إذ أقيمت الصلاة ، فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فأمهم ، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لا نذاب حتى يهلك ، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته ) 0
وسيحرر المسلمون الأقصى ، ويخرجون منه الصهاينة المعتدين خائبين ذليلين ويقصون صنائع الاستعمار العملاء الخائنين ، والطغاة الظالمين ، فالتيه المعاصر لن يطول والغفلة لن تدوم ، والعصبة المؤمنة يعملون 0(1/199)
والبشائر بتمكين المؤمنين في الأرض كثيرة ، وأن مآل القوة ستكون لهم وسيملكون من القوة الهائلة ما يذهل الأعداء ، ويحير العقلاء ، فحتى بعض الجمادات كالحجر والشجر ستستثمر لقوتهم ، وتكون مساعدة للقوة العسكرية ، وتكون جنداً لجند الله المؤمنين ، كما كانت الملائكة جنداً للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم بدر فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر أو الشجر ، فيقول الحجر أوالشجر: يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر يهود) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وأخرجه البخاري بنحوه ، من حديث عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه 0
وفي هذا الحديث حتمية المواجهة بين المسلمين واليهود ، وأن هذه المعركة بين المسلمين واليهود ستكون عاصفة قوية لا يجد اليهود منها مهرباً إلا الاختفاء خلف الأشجار والأحجار ، فإن الجبن طبيعة متأصلة لديهم هم وإخوانهم من الصليبيين ، وفي هذه المعركة سيحقق المسلمون انتصاراً ضخما ، وتكون الدائرة لهم 0(1/200)
ونحن إذا واصلنا المسيرة التي ابتدأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصحابته الكرام من بعده ، فإن وعد الله قائم ينتظر العصبة القائمة على أمر الله تعالى ، ولا يجوز لنا أن ينقصنا اليقين في العاقبة المحتومة ، ولا يغرنا ما تشير إليه كل شيء من حولنا على الرغم من جميع المظاهر الخداعة التي تكتنف الأمة الإسلامية ، فما دامت الأمة الإسلامية تسير في طريق صحيح ، فإنها ستصل بإذن الله إلى العز والتمكين حسب ما وعد الله به { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } 0
والحق والشر لا يغيبان البتة ، ولكن لهما صولات وجولات ، يدال على هذا مرة وعلى ذاك أخرى ، { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } فإذا انتصر الحق ، وبزغ نوره الساطع ، انزوى الشر واندحر ، واختفى في أضيق نطاق ، وولى خاسئاً وهو حسير ، وإذا ظهر الشر ، كمن الخير والحق في قلوب المؤمنين الصادقين تحرقاً لوقت تُعلى فيه كلمة الله تعالى { فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ }.(1/201)
وأؤكد بأن هذه المبشرات في نصرة الدين ، وعودة حاضر هذه الأمة إلى ماضيها لا تبعث على القعود ، وتولد الفتور ، فهذا أمر حاربه الإسلام ، وقد جاءت هذه المبشرات لفوائد عظيمة ، ومهمات كبيرة ، من رفع القنوط ، واليأس عن نفوس المسلمين والاجتهاد في تحصيل ثواب النصرة ، وبذل الجهد في نيل شرف وعد الله تعالى ، والدفع بالمؤمنين إلى مضاعفة الأعمال الصالحة ، والاجتهاد في مقاومة الفساد والمفسدين ، وتحقيق وعد الله في أرض الواقع ، وجهاد الكفار والمعتدين ، لتحقيق هذا الوعد ، وتمهيده لقوم آخرين 0
أخوك
سليمان بن ناصر العلوان
28/2/1424هـ
,,,,,,,
*(128) ما هي صورة التورق والعينة ، وما حكمهما ؟
الجواب:
العينة : في اللغة السلف 0
وصورتها في الشرع : أن يبيع من رجل سلعة بحوزته بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعه به ، ومن ذلك أن يبيع سلعة بنقد ثم يشتريها منه بأكثر منها نسيئة 0
وهي محرمة في قول أكثر العلماء ، وهي وسيلة إلى الربا ، وموصلة إليه ، خلافاً للشافعي وأبي يوسف رحمها الله تعالى حيث أجازاها 0
قال النووي في روضة الطالبين (3/416) فصل : ليس من المناهي بيع العينة بكسر العين المهملة وبعد الياء نون ، وهو أن يبيع غيره شيئاً بثمن مؤجل ويسلمه إليه ثم يشتريه قبل قبض الثمن بأقل من ذلك الثمن نقداً.
وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقداً ويشتري بأكثر منه إلى أجل ، سواء قبض الثمن الأول أم لا . وسواء صارت العينة عادة له غالبة في البلد أم لا . هذا هو الصحيح المعروف في كتب الأصحاب ، وأفتى الأستاذ أبو إسحق الاسفراييني ، والشيخ أبو محمد بأنه إذا صار عادة له صار البيع الثاني كالمشروط في الأول فيبطلان جميعاً 0
ونقل أيضاً في المجموع (9/261) عن الرافعي قوله - بعد كلام له سبق - لأن الاعتبار عندنا بظاهر العقود ، لا بما ينويه العاقدان ، ولهذا يصح بيع العينة ، ونكاح من قصد التحليل ونظائره 0(1/202)
وجاء في حاشية ابن عابدين (5/273) وعن أبي يوسف العينة جائزة مأجور من عمل بها ، كذا في مختار الفتاوى الهندية .. ) 0
والصواب منع ذلك ، وتأثيم مَنْ فعلها ، وذلك لوجوه :
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيعتين في بيعة) أخرجه الإمام أحمد (2/432) والشافعي (532) والنسائي (7/295) والترمذي (1231) كلهم من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه 0
وقال الترمذي حديث حسن صحيح 0
والعينة هي المقصودة في هذا الخبر 0
2- أن الوسيلة إلى الربا حرام ، ولا يختلف العلماء في تحريم الربا ، والعينة وسيلة إليه ، وحين سئل ابن عباس عن حريرة بيعت إلى أجل ، ثم اشتريت بأقل . فقال : دراهم بدراهم ، دخلت بينهما حريرة . رواه سعيد وغيره ، وجاء نحوه عند عبد الرزاق في مصنفه . وسئل أنس عن العينة ، فقال : إن الله لا يُخْدَع هذا مما حرم الله ، ورسوله . عزاه ابن القيم لمطين في كتاب البيوع 0
3- ما جاء عند الإمام أحمد في مسنده ، من طريق الأعمش ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا ضن الناس بالدينار والدرهم ، وتبايعوا بالعينة ، واتبعوا أذناب البقر ، وتركوا الجهاد في سبيل الله ، أنزل الله بهم بلاء ، فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم) 0
وهذا خبر ضعيف ، وقد جاء من غير وجه ، ولا يصح ، وذهب شيخ الإسلام ، وابن القيم ، إلى تقويته بمجموع طرقه 0
4- ما رواه علي بن الجعد في مسنده (80) ومن طريقه البيهقي في سننه (5/330) عن شعبة عن أبي إسحاق قال دخلت امرأتي على عائشة ، وأم ولد لزيد بن أرقم ، فقالت لها أم ولد زيد : إني بعت من زيد عبداً بثمانمائة نسيئة واشتريته منه بستمائة نقداً ، فقالت عائشة رضي الله عنها (أبلغي زيداً أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تتوب بئسما شريت وبئس ما اشتريت) 0(1/203)
قال البيهقي رحمه الله تعالى : كذا جاء به شعبة عن طريق الإرسال
وهذا الخبر : طُعِن فيه بعلتين :
1- جهالة العالية ، وقد رد حديثها الشافعي في الأم ، والدارقطني ، وابن حزم في المحلى 0
ورُد هذا ، بأن العالية معروفة ، فقد دخلت على عائشة ، وسمعت منها 0
قال ابن الجوزي في التحقيق – العالية - جليلة القدر ، معروفة 0
وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/558) هذا إسناد جيد ، وإن كان الشافعي قد قال : إنا لا نثبت مثله على عائشة رضي الله عنها ، وكذلك قول الدارقطني في العالية إنها مجهولة لا يحتج بها ، فيه نظر . وقد خالفه غيره ) 0
2- وعلة أخرى ، الاختلاف فيه ، فقد رواه الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن امرأة أبي السفر : أنها باعت من زيد بن أرقم .
ورواه عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن امرأته قالت : سمعت امرأة أبي السفر تقول : سألت عائشة 0
تابعه عبد الله بن الوليد ، عن الثوري 0
قال ابن حزم رحمه الله تعالى في المحلى (7/550) قد صح أنه مدلس – يعني : أبا إسحاق - وأن امرأة أبي إسحاق لم تسمعه من أم المؤمنين ، وذلك أنه لم يذكر عنها زوجها ، ولا ولدها : أنها سمعت سؤال المرأة لأم المؤمنين ، ولا جواب أم المؤمنين لها ، إنما في حديثها : دخلت على أم المؤمنين ، أنا ، وأم ولد لزيد بن أرقم ، فسألتها أم ولد زيد ابن أرقم – وهذا يمكن أن يكون ذلك السؤال في ذلك المجلس ، ويمكن أن يكون في غيره ثم روى أبو محمد بسنده إلى محمد بن يوسف الفريابي ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق عن امرأة أبي السفر : أنها باعت من زيد بن أرقم خادماً لها بثمانمائة درهم إلى العطاء ...... فذكره 0(1/204)
قال : وبما رويناها من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق عن امرأته ، قالت : سمعت امرأة أبي السفر تقول : سألت عائشة ..... فذكره . قال أبو محمد : فبين سفيان وجه الدفينة التي في هذا الحديث ، وأنها لم تسمعه امرأة أبي إسحاق من أم المؤمنين ، وإنما روته عن امرأة أبي السفر ، وهي التي باعت من زيد ، وهي أم ولد لزيد ، وهي في الجهالة أشد وأقوى من امرأة أبي إسحاق ، فصارت مجهولة عن أشد منها جهالة ونكرة ، فبطل جملة ، ولله تعالى الحمد ، وليس بين يونس ، وبين سفيان نسبة في الثقة والحفظ ، فالرواية ما روى سفيان 0
وقيل إن هذا الاختلاف غير مؤثر ، وقد جزم ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين بصحته ، ورد على المخالفين في ذلك ، ولم أر لأحد من أهل الحديث المتقدمين تصحيحاً له ، وقد جزم الشافعي وغيره بضعفه ، والله أعلم 0
وفي الباب غير ذلك ، فقد جاءت آثار كثيرة في تحريم العينة ، والقياس ، والنظر الصحيح يقتضي ذلك 0
وقد قال مسروق : العينة حرام . رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/282) 0
وجاء عن الحسن وابن سيرين ، أنهما كرها العينة ، وما دخل الناس فيه منها . رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/283) 0
وقال طاووس : من اشترى سلعة بنظرة من رجل فلا يبيعها إياه ، ومن اشترى بنقد فلا يبيعها إياه بنظرة . رواه عبد الرزاق في مصنفه (8/186) 0
وقال معمر سألت حماداً عن رجل اشترى من رجل سلعة ، هل يبيعها منه قبل أن ينقده بوضيعة ؟ قال: لا، وكرهه حتى ينقذه. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/186) 0(1/205)
وقال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى في الكافي (3/325) وأما بيع العينة فمعناه أنه تحيل في بيع دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل بينهما سلعة محللة ، وهو أيضاً من باب بيع ما ليس عندك ، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن كانت السلعة المبيعة في ذلك طعاماً دخله أيضاً مع ذلك بيع الطعام قبل أن يستوفى ، مثال ذلك أن يطلب رجل من آخر سلعة ليبيعها منه بنسيئة ، وهو يعلم أنها ليست عنده ويقول له اشترها من مالكها هذا بعشرة ، وهي علي باثني عشر أو القدرة عشر إلى أجل كذا فهذا لا يجوز لما ذكرنا ، واختلف أصحاب مالك في فسخ البيع المذكور بالعينة إذا وقع على ذلك ، فمنهم من رأى فسخه قبل الفوات ، وبعده يصلحه بالقيمة على حكم البيوع الفاسدة 0
وقال أبو محمد ابن حزم في المحلى (7/549) فإن ابتاع سلعة بثمن مسمى إلى أجل مسمى ، فإنه لا يجوز له أن يبيعها من الذي باعها منه بثمن أقل من ذلك الثمن، أو بسلعة تساوي أقل من ذلك الثمن نقداً ، أو إلى أجل أقل من ذلك الأجل أو مثله : لم يجز شيء من ذلك ، وله أن يبيعها من الذي باعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن نقداً ، أو إلى أجل أقل من ذلك الأجل أو مثله ، وليس له أن يبيعها من بائعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل ، ولا بسلعة تساوي أكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل 0(1/206)
وقال ابن قدامة في المغني (4/256) وجملة ذلك أن من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بأقل منه نقداً لم يجز في قول أكثر أهل العلم ، روي ذلك عن ابن عباس وعائشة والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي ، وبه قال أبو الزناد وربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة والثوري والأوزاعي ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي ، وأجازه الشافعي لأنه ثمن يجوز بيعها به من غير بائعها فجاز من بائعها كما لو باعها بمثل ثمنها . ونقل عن الإمام أحمد أنه قال : العينة أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة ، فإن باعه بنقد ونسيئة فلا بأس . وقال : أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة لا يبيع بنقد ، وقال ابن عقيل إنما كره النسيئة لمضارعتها الربا فإن الغالب أن البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالأجل ، ويجوز أن تكون العينة اسما لهذه المسألة ، وللبيع بنسيئة جميعاً ، لكن البيع بنسيئة ليس بمحرم اتفاقاً ، ولا يكره إلا أن يكون له تجارة غيره 0
وقال في الإنصاف (4/335) ومن باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها نقداً ، إلا أن تكون قد تغيرت صفتها 0
قال : هذه مسألة العينة ، فعلها محرم . على الصحيح من المذهب . نص عليه . وعليه الأصحاب ، وعند أبي الخطاب يحرم استحساناً ، ويجوز قياساً . وكذا قال في الترغيب : لم يجز استحساناً . وفي كلام القاضي وأصحابه : القياس صحة البيع 0
قال في الفروع : ومرادهم أن القياس خولف لدليل راجح ، فلا خلاف إذاً في المسألة . وحكى الزركشي بالصحة قولاً ، وذكر الشيخ تقي الدين أيضاً : أنه يصح البيع الأول ، إذا كان بياناً ، بلا مواطأة ، وإلا بطلا ، وأنه قول أحمد 0
وجاء في السؤال : ما صورة التورق 0
والتورق هو : شراء سلعة بثمن مؤجل بقصد بيعها على غير البائع 0
وحكم ذلك : الجواز في أصح قولي العلماء ، وهو قول إياس بن معاوية ، والإمام أحمد في إحدى الروايتين ، وهي المشهورة عند الحنابلة 0(1/207)
قال في كشاف القناع (3/186) ولو احتاج إنسان إلى نقد ، فاشترى ما يساوي مائة بمائة وخمسين ، فلا بأس بذلك . نص عليه ، وهي مسألة التورق ) 0
ودليل الجواز :
(1) أن الأصل في العقود والمعاملات الحل حتى يقوم الدليل على تحريمها 0
(2) وبدليل العموم المستفاد من قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) وقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) 0
فمن اشترى سلعة قرضاً ، سواء قصد ذاتها أو ثمنها فالآية مفيدة بجواز هذا البيع ويتأكد هذا بالأصل في حكم العقود والمعاملات ، فلا يخرج عن هذا الأصل إلا بدليل 0
ولا أعلم دليلاً شرعياً يمنع هذه المعاملة ، وأما تعليل من منعها بكون المقصود منها الدراهم ، أو التحايل على الربا ، فليس فيه تحيل على الربا بوجه من الوجوه ، مع مسيس الحاجة إليها ، لأنه ليس كل أحد اشتدت حاجته إلى النقد يجد من يقرضه بدون ربا ، وما دعت إليه الحاجة ، وليس فيه محذور شرعي ، لم يجز تحريمه على العباد 0
وذهب عمر بن عبد العزيز ، وطائفة من أهل المدينة ، والإمام أحمد في رواية إلى التحريم ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه العلامة ابن القيم0
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الفتاوى (29/303) إن كان المشتري محتاجاً إلى الدراهم ، فاشتراها ليبيعها ، ويأخذ ثمنها ، فهذا يسمى التورق وإن كان المشتري غرضه أخذ الورق ، فهذا مكروه في أظهر قولي العلماء ، كما قال عمر بن عبد العزيز : التورق أخية الربا . وقال ابن عباس : إذا قومت بنقد ، ثم بعت بنسيئة : فتلك دراهم بدراهم ، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد 0
ومعنى قول عمر بن عبد العزيز أخية الربا ، يعني : أصل الربا قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، كما في الفتاوى (29/431)(1/208)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أيضاً ، في بيان الدليل في إبطال التحليل (119) ولهذا كره العلماء أن يكون أكثر بيع الرجل أو عامته بنسيئة لئلا يدخل في اسم العينة ، وبيع المضطر ، فإن أعاد السلعة إلى البائع فهو الذي لا يشك في تحريمه ، وأما إن باعها لغيره بيعاً بتاتاً ، ولم تعد إلى الأول بحال فقد اختلف السلف في كراهيته ويسمونه التورق لأن مقصوده الورق ، وكان عمر بن عبد العزيز يكرهه ، وقال التورق أخية الربا وإياس بن معاوية يرخص فيه ، وعن الإمام أحمد فيه روايتان منصوصتان ، وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطر 0
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين (3/370) وهذا المضطر إن أعاد السلعة إلى بائعها فهي العينة وإن باعها لغيره فهو التورق وإن رجعت إلى ثالث يدخل بينهما فهو محلل الربا والأقسام الثلاثة يعتمدها المرابون وأخفها التورق ، وقد كرهه عمر ابن عبد العزيز وقال هو أخية الربا ، وعن أحمد فيه روايتان وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطر ، وهذا من فقهه رضي الله عنه قال فإن هذا لا يدخل فيه إلا مضطر ، وكان شيخنا رحمه الله يمنع من مسألة التورق وروجع فيها مراراً وأنا حاضر فلم يرخص فيها وقال المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها ؛ فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه 0
وقال أيضاً في تهذيب السنن (9/249-250 المطبوع ضمن عون المعبود) فإن قيل فما تقولون إذا لم تعد السلعة إليه بل رجعت إلى ثالث هل تسمون ذلك عينة ؟
قيل هذه مسألة (التورق) لأن المقصود منها الورق ، وقد نص أحمد في رواية أبي داود على أنها من العينة ، وأطلق عليها اسمها 0
وقد اختلف السلف في كراهيتها ، فكان عمر بن عبدالعزيز يكرهها ، وكان يقول (التورق أخية الربا) ورخص فيها إياس بن معاوية 0(1/209)
وعن أحمد فيها روايتان منصوصتان ، وعلل الكراهة في إحداهما بأنه بيع مضطر وقد روى أبو داود عن علي أن النبي نهى عن المضطر ، وفي المسند عن علي قال سيأتي على الناس زمان يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمر بذلك ، قال تعالى (وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) ويبايع المضطرون ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر ... ) وذكر الحديث 0
فأحمد رحمه الله تعالى أشار إلى أن العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نقد لأن الموسر يضن عليه بالقرض فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة ثم يبيعها فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة ، وإن باعها من غيره فهي (التورق) ومقصوده في الموضعين : الثمن فقد حصل في ذمته ثمن مؤجل مقابل لثمن حال أنقص منه ، ولا معنى للربا إلا هذا لكنه ربا بسلم لم يحصل له مقصوده إلا بمشقة ، ولو لم يقصده كان ربا بسهولة 0
وقال ابن مفلح في الفروع (4/126) ولو احتاج إلى نقد فاشترى ما ساوى مائة بمائتين فلا بأس ، نص عليه ، هي التورق ، وعنه : يكره . وحرمه شيخنا ، نقل أبو داود إن كان لا يريد بيع المتاع الذي يشتريه منك هو أهون ؛ فإن كان يريد بيعه فهو العينة وإن باعه منه لم يجز ، وهي العينة نص عليه 0
وفيه أدلة أخرى للذين يجيزون التورق ، والذين يحرمون ذلك0
والصواب من قولي العلماء جواز التورق ، وهذا مذهب الجمهور ، فإن الأصل في البيوع والمعاملات الحل ، ولم يأت دليل يقضي بأن التورق ربا ، أو فيه شبهة ربا ، فقد بيعت السلعة على غير المشترى منه ، فانتفت شبهة الربا الموجودة في بيع العينة ، والعجيب في المسألة أن بعض الفقهاء يجيز العينة إذا لم يكن فيه تواطأ بين البائع والمشتري ويمنع التورق ، وهذا تناقض ، وتفريق بين المتماثلين ، والله أعلم 0(1/210)
هذا ونحث المسلمين ، ممن آتاهم الله بسطة في المال ، وثروة في الاقتصاد ، مواساة ومساعدة إخوانهم المعسرين ، والقيام معهم في معيشتهم ، والنظر في شؤنهم ، فالمسلمون بعضهم لبعض كالعضو الواحد ، وقد جاء الإسلام بالتكافل الاجتماعي ، وجاء الركن الثالث من أركان الإسلام ، الزكاة ، ومما رغب فيه الصدقة ، ومما حث عليه إنظار المعسر والتعاون مع المعوزين ، والتوسيع على المعسرين مما يعزز عمق الأخوة الصادقة ، وينشر المودة الخالصة ، ويبث روح الرحمة بين أفراد المجتمع ، يحسن فيها القوي على الضعيف والغني على الفقير 0
إن الإسلام ضرب القدح المعلى ، وصور المثل العليا في التكافل الاجتماعي والتضامن الإسلامي ، فجاء في الإنفاق على المحتاجين ، والبذل للمعوزين ، والعطف على الفقراء والمدينين ، ورتب على ذلك تجاوز الله تعالى عن الذنوب والآثام ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم ، قالوا : أعملت من الخير شيئاً ؟ قال : كنت آمر فتياني أن ينظروا ويتجاوزوا عن المعسر ، قال : قال : فتجاوزوا عنه) متفق عليه من طريق زهير ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة رضي الله عنه 0
وإنظار المعسر ، من أسباب تنفيس كرب يوم القيامة،كما جاء في صحيح مسلم (1563) من طريق أيوب ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، أن أبا قتادة طلب غريماً له فتوارى عنه ، ثم وجده ، فقال : إني معسر ، فقال : آلله؟ ، قال : آلله قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر ، أو يضع عنه) 0(1/211)
وإنظار المعسر ، من أسباب الاستظلال بظل الله يوم لا ظل إلا ظله ، روى مسلم في صحيحه (3006) من طريق يعقوب بن مجاهد أبي حزرة ، عن عبادة بن الوليد ابن عبادة بن الصامت قال : خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار ، قبل أن يهلكوا ، فكان أول من لقينا أبا اليسر ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له ، معه ضمامة من صحف ، وعلى أبي اليسر بردة ومعافري ، وعلى غلامه بردة ومعافري ، فقال له أبي : يا عم إني أرى في وجهك سفعة من غضب ، قال : أجل كان لي على فلان بن فلان الحرامي مال ، فأتيت أهله فسلمت ، فقلت ثم هو ؟ قالوا لا فخرج عليَّ ابن له جفر ، فقلت له أين أبوك ؟ قال سمع صوتك فدخل أريكة أمي ، فقلت اخرج إلي فقد علمت أين أنت ، فخرج ، فقلت : ما حملك على أن اختبأت مني ؟ قال أنا والله أحدثك ، ثم لا أكذبك خشيت ، والله أن أحدثك فأكذبك ، وأن أعدك فأخلفك ، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت والله معسراً ، قال قلت آلله ، قال الله ، قلت آلله ، قال الله ، قلت آلله ، قال الله، قال فأتى بصحيفته فمحاها بيده ، فقال إن وجدت قضاء فاقضني ، و إلا أنت في حل ، فأشهد بصر عيني هاتين (ووضع إصبعيه على عينيه) وسمع أذني هاتين ، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول (من أنظر معسراً ، أو وضع عنه ، أظله الله في ظله) 0
إن النفوس الكريمة ، مجبولة على حب من أحسن إليها ، وصنائع المعروف ساترة لعيوب صاحبه ، غافرة لزلته ، متجاوزة عن هفوته
ويُظهرُ عيبَ المرءِ في الناس بخلُه ... ويَسترُه عنهم جميعاً سخاؤُه
تَغطَّ بأثوابِ السخاءِ فإنني ... أرى كلًّ عيبٍ والسخاءُ غطاؤُه
إن صاحب المعروف يستعبد قلوب الأحرار ، ويعطف قلوبهم إليه ، ويحبب الناس إليه ولو لم ينل الناس من إحسانه
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ ... فطالما استعبد الإنسان إحسانُ(1/212)
من جاد بالمال مال الناس قاطبة ... إليه والمال للإنسان فتانُ
أحسن إذا كان إمكان ومقدرة ... فلن يدوم على الأنسان إمكانُ
إن البذل والسخاء خلق كريم ، من أشرف القيم العالية ، والأخلاق الفاضلة به يتبؤ صاحبه الرتب العلية ، وينال الشرف الرفيع ، ذلك لأن الجود من أشرف المكارم وأخص الفضائل ، وأهله هم المكرمون
عند الله تعالى
الجود مكرمةٌ والبخل مبغضةٌ ... لا يستوي البخل عند الله والجودُ
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما نقصت صدقة من مال ... ) رواه مسلم في صحيحه (2588) من طريق العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه 0
أخوك
سليمان بن ناصر العلوان
25/3/1424هـ
,,,,,,,
*(129) هل التأمين الإلزامي لرخص القيادة الذي فرض على المواطن السعودي من قبل وزارة الداخلية ممثلة بإدارة المرور جائز شرعاً؟
الجواب:
التأمين المفروض على المواطن السعودي ، محرم من جهتين :
الأولى : اغتصاب حقوق الناس وأخذ أموالهم بدون رضى منهم ، وقد أجمع العلماء على أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه ، وجاء في الصحيحين من حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن دماءَكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا فليبلغ الشاهد الغائب ) .
وقد عد غير واحد من العلماء هذا العمل من كبائر الذنوب ، وهذا حق فأدلته كثيرة من الكتاب والسنة وقد جاءَت الرسل بحفظ الضروريات الخمس ، والمال أحد هذه الضروريات ، فلا يحق أخذه من أحد بدون دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع ، ومن فعل ذلك وأخذه بدون طيب نفس من صاحبه كان ظالماً معتدياً .
الثانية : أن هذا التأمين ، مبني على أكل أموال الناس بالباطل ، ومفاسده متعددة ومضاره راجحة وهو سبب لشيوع النصب والاحتيال والكذب والتزوير وسبب لمضاعفة الجرائم والحوادث .
والمصالح المرجوة من ورائه قليلة بالنسبة لمفاسده ومضاره .(1/213)
فإن هذا التأمين قائم على الميسر والغرر البين وهما محرمان بالكتاب والسنة .
وحينئذٍ ، فمهما قيل من المصالح والمبررات في هذا التأمين ، فلا تسوغ جوازه بوجود الميسر والغرر ونهب أموال الناس .
وقد جاء في صحيح الإمام مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال : جاءَنا ذات يوم رجل من عمومتي فقال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍِ كان لنا نافعاً وطواعية الله ورسوله أنفع لنا .) .
وكثير من الذي يفتون بجواز التأمين يحكمون عليه من جهة واحدة ولا يقرؤن تاريخه ونشأته وآثاره ، وكثير من هؤلاء يبنون الحكم على الجواز بأقيسة فاسدة ومصالح قليلة وعمومات لا صلة لها بالمسألة ، وينسون المفاسد الكثيرة والأقيسة الصحيحة والأصول الشرعية العظيمة والقواعد الفقهية الثابتة في تحريم القمار والميسر والغرر والجهالة وتحريم نهب الأموال وسرقتها وأخذها من الآخرين أغنياء وفقراء بدون حق ، وغير ذلك من الأوجه الدالة على تحريم هذا التأمين وتحريم ترويجه والدعاية إليه والمشاركة في تطبيقه ومطاردة المتخلفين عنه .
والذين يُكرهون على هذا التأمين - والإكراه معتبر في هذه المسألة بمجرد العقوبة - فإنهم يترخصون بالدفع ولا إثم عليهم ، ومن صبر واحتسب وضن عليهم بالمال ونأى بنفسه عن مواقع الحرام ، فهذا أزكى عند الله وأبر . والله أعلم .
أخوك
سليمان بن ناصر العلوان
19 /9/1423
,,,,,,,
*(130) ما حكم الاستياك للصائم بعد الزوال ؟
الجواب :
السواك سنة مؤكدة للصائم وغيره وهو مشروع قبل الزوال وبعده للأدلة الصحيحة في هذا الباب وقد قال صلى الله عليه وسلم ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ) متفق عليه من حديث أبي هريرة .
وهذا صريح في استحباب السواك عند كل صلاة بما في ذلك الظهر والعصر في رمضان وغيره ، فإن الحديث مطلق ولم يأت ما يقيده .(1/214)
وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف ( 2 / 295 ) بسند صحيح من طريق ابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه لم يكن يرى بأساً بالسواك للصائم ) .
وقد دلت الأحاديث الصحاح والآثار على أنه لا فرق في السواك بين الرطب واليابس فإنه لم يأت شيء يخص رطباً من يابس فاقتضى الأمر سنيته مطلقاً .
وقد قال التابعي المشهور محمد بن سيرين رحمه الله . لا بأس بالسواك الرطب قيل : له طعم !! قال والماء له طعم وأنت تمضمض به . رواه البخاري في صحيحه معلقاً تحت باب اغتسال الصائم .
وهذا مذهب أبي حنيفة والبخاري وجماعة .
وقد كرهه مالك وأحمد وغيرهما .
والصحيح أنه لا كراهة في ذلك مالم يكن له طعم مضاف إليه ليس من أصله والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
12 / 9 / 1421 هـ
,,,,,,,
*(131) ما تقولون في الأحاديث الواردة في الدعاء عند رؤية الهلال ؟
الجواب :
الأحاديث في هذا الباب ضعيفة ولا يصح منها شيء مسند وقد ثبت موقوفاً على ابن عباس وصح عن قتادة مرسلاً .
وقد قال أبو داود : ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديث مسند صحيح .
وقال العقيلي : وفي الدعاء لرؤية الهلال أحاديث كأن هذا عندي من أصلحها إسناداً كلها لينة الأسانيد .
ويعني بقوله ( كأن هذا عندي من أصلحها إسناداً ) حديث طلحة بن عبيد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال : اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله .
وهذا الخبر ضعيف رواه أحمد في مسنده ( 1 \ 162 ) والترمذي
( 3451 ) والحاكم ( 4 \ 317 ) وغيرهم من طريق سليمان بن سفيان المدني عن بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده .
وهذا الخبر من منكرات سليمان بن سفيان وقد قال العقيلي لا يتابع عليه .
وقال ابن معين : ليس بشيء .
وقال أبو حاتم الرازي : ضعيف الحديث يروي عن الثقات أحاديث مناكير .
وفي الباب عن ابن عمر رواه ابن حبان ولا يصح .(1/215)
ورافع بن خديج رواه الطبراني في الكبير وسنده ضعيف .
وأنس بن مالك رواه الطبراني في الأوسط وهو حديث متروك .
وقد روى عبد الرزاق في المصنف ( 4 \ 169 ) عن معمر عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال كبّر ثلاثاً ثم قال : هلال خير ورشد ثلاثاً ثم قال : آمنت بالذي خلقك ثلاثاً ثم يقول الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وكذا وجاء بشهر كذا وكذا . وهذا مرسل صحيح .
وروى ابن أبي شيبة في المصنف ( 9738 ) بسند قوي من طريق منصور عن مجاهد عن ابن عباس أنه كره أن ينتصب للهلال ولكن يعرض ويقول : الله أكبر والحمد لله الذي ذهب هلال كذا وكذا وجاء بهلال كذا وكذا .
وقد استحب كثير من أهل العلم الذكر عند رؤية الهلال ولم يوقتوا في ذلك شيئاً فأيّ دعاء أتى به جاز .
ويحتمل أن يكون لقول ابن عباس حكم المرفوع فمثله لا يقال بالرأي وحينئذٍ يقتصر عليه دون غيره والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
5 \ 9 \ 1421 هـ
*(132) لقد حصل خلاف بين بعض الإخوة في حكم دفع زكاة الفطرة مالاً بدلاً من الطعام
وكان لكل شخص رأيه من الناحية العلمية واختصرها لكم في عجالة:
الأول يقول : يحرم دفع زكاة الفطرة مالاً لأنه مخالف لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم .
الثاني يقول : الأفضل أن تدفع طعام ودفع المال جائز ولكن مخالف للسنة .
الثالث يقول : الأفضل أن ينضر حال الفقير وحال بلده ووضعه فقد يكون المال أفضل له .
فالسؤال يا فضيلة الشيخ :
هل أحد من السلف أفتى بدفع المال بدلاً من الطعام ؟؟
وهل لو أن أحداً دفعه مالاً لأن الفقير يريد ذلك أفضل ؟؟
الجواب:
هذه المسألة أحد المسائل الخلافية وأئمة السلف مختلفون في دفع القيمة في زكاة الفطر .
وترجيح هذا أو ذاك محل اجتهاد فلا يضلل المخالف أو يبدع .
والأصل في الاختلاف في مثل هذه المسألة أنه لا يفسد المودة بين المتنازعين ولا يوغر في صدورهم ، فكل منهما محسن ولا تثريب على من انتهى إلى ما سمع .(1/216)
وقد كان كثير من الأئمة يقولون في حديثهم عن المسائل الخلافية
( قولنا صواب يحتمل الخطأ ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب ) .
وقد ذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر ، قال الإمام أحمد أخاف أن لا يجزئه ، خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا مذهب مالك والشافعي وقال الإمام ابن حزم رحمه الله : لا تجزئ قيمة أصلاً لأن ذلك غير ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم .
* و ذهب عطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو حنيفة وغيرهم إلى جواز دفع القيمة عن الطعام ، قال أبو اسحاق السبيعي ( وهو أحد أئمة التابعين ) ( أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام ) رواه ابن أبي شيبة في المصنف .
والحجة لذلك :
1- أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة ، والأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها .
2- بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم أجازوا إخراج القمح ( وهو غير منصوص عليه ) عن الشعير والتمر ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث الصحيحة .
بل ذهب كثير من الصحابة بل أكثرهم في عهد معاوية إلى جواز إخراج نصف صاع من سمراء الشام بدلاً من صاع من تمر ، فهذا دليل على أنهم يرون نصف الصاع معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير ونحو ذلك .
3- وبدليل أن المقصود من الزكاة إغناء الفقراء والمال أنفع لبعضهم من الطعام فيعتبر في ذلك حال الفقير في كل بلد .
4- وبدليل أن كثيراً من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه في يومه أو غده بأقل من ثمنه فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثل ، والله أعلم .
أخوك
سليمان بن ناصر العلوان
25/9/1423
,,,,,,,(1/217)
*(133) يوجد رجل نفر من عرفات قبل غروب الشمس وعندما سأل أفتاه البعض بأن عليه دماً وقال له بعض أصحابه بأنه آثم ولا دم عليه فما تقولون في ذلك؟
الجواب :
اتفق أهل العلم على أن الوقوف بعرفات ركن من أركان الحج فلا يصح الحج بدون الوقوف ، وينتهي الوقوف بطلوع الفجر من يوم النحر .
ومن وقف قبل طلوع الفجر ولو شيئاً يسيراً فقد صح وقوفه .
والسنة الثابتة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف بعرفة بعد زوال الشمس ومكث حتى غربت جاء هذا في صحيح مسلم ( 1218 ) من حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القُرص وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ...... ) .
وقد اختلف العلماء فيمن دفع من عرفات قبل الغروب . فقيل لا يصح حجه لأنه لم يقف شيئاً من الليل وهذا مذهب مالك وهو ضعيف ولا دليل عليه وعامة أهل العلم على خلافه فقد روى أحمد وأهل السنن بسند صحيح عن عروة بن مضرس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [ من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه وقضى تفثه ) .
فالحديث صريح في أن من وقف بعرفة من ليل أو نهار فقد تم حجه وظاهر الخبر أنه لا يجب الجمع بين الليل والنهار فإذا دفع من عرفات قبل غروب الشمس فحجه تام ولا شيء عليه وهذا الصحيح في مذهب الشافعية وقال به الإمام ابن حزم رحمه الله ( المحلى 5 / 115 ) .(1/218)
وقال أبو حنيفة وأحمد حجه صحيح ويجب عليه الدم لأن الوقوف بعرفات إلى غروب الشمس واجب فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف إلى الغروب ووقف الصحابة من بعده إلى الغروب فظاهر هذا أن الأمر متقرر بينهم ولم يُذكر عن أحد منهم أنه دفع قبل الغروب أو أنه رخص في ذلك ولا سيما أنهم قادمون على ليلٍ مظلم زيادة على ذلك وعورة الطريق فهذه الدلالات وغيرها تؤكد أو الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس واجب فقد قال صلى الله عليه وسلم ( خذوا مناسككم ) رواه النسائي من حديث جابر وجاء في صحيح مسلم بلفظ ( لتأخذوا مناسككم ) .
وفي رواية عن الإمام أحمد أنه لا دم عليه إن كان له عذر في الإفاضة قبل الغروب .
والصحيح في هذه المسألة أنه لا دم على من دفع قبل غروب الشمس وحجه صحيح وهذا الصحيح من مذهب الشافعية واختاره ابن حزم وقد تقدم ، فإن أموال المسلمين معصومة بعصمة دمائهم فلا يجب عليهم شيء بدون دليل تقوم به حجة وتبرأ به الذمة .
وقد تقدم حديث عروة بن مضرس وقوله صلى الله عليه سولم ( وقد وقف بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه وقضى تفثه ) .
فظاهره أنه لو وقوف شيئاً يسيراً من ليل أو نهار فحجه صحيح ولم يذكر دماً ولا غيره وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع .
ويحمل فعله صلى الله عليه وسلم ووقوفه بعرفات حتى غروب الشمس على تأكيد السنية ولأنه إذا جاز الوقوف ليلاًً ولا دم عليه باتفاق العلماء فلأن يجوز الوقوف نهاراً دون الليل من باب أولى .
وإذا لم يجب الدم على من اقتصر في وقوفه على الليل لم يجب على من اقتصر على النهار دون الليل ؟
ولا فرق بين الأمرين فحديث عروة صريح في جواز الأمرين والتفريق بينهما تفريق بين المتماثلين فإن قيل الفرق بينهما بأن الوقوف بعرفات إلى الغروب فيه مخالفة للمشركين فيقال هذا لا يثبت من وجه صحيح .(1/219)
وقد سبق بحث هذه المسألة في جواب أطول من هذا وذكرت وجوهاً كثيرة تؤيد هذا القول والله أسأل أن يفقهنا في الدين وأن يوفقنا للحق والصواب .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
4 / 12 / 1421 هـ
,,,,,,,
*(134) ما صحة هذه الأحاديث والتي تتكلم عن بعض الأحداث :
1- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان صيحة في رمضان فإنها تكون معمعة في شوال وتميز القبائل في ذي القعدة وتسفك الدماء في ذي الحجة والمحرم وما المحرم يقولها ثلاثا هيهات هيهات يقتل الناس فيها هرجا هرجا قال قلنا وما الصيحة يا رسول الله قال هذه تكون في نصف من رمضان يوم جمعة ضحى وذلك إذا وافق شهر رمضان ليلة الجمعة تكون هدة توقظ النائم وتقعد القائم وتخرج العوائق من خدورهن في ليلة جمعة سنة كثيرة الزلازل والبرد فإذا وافق رمضان في تلك السنة ليلة جمعة فإذا صليتم الفجر يوم جمعة في النصف من رمضان فادخلوا بيوتكم وسددوا كواكم ودثروا أنفسكم وسدوا آذانكم فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله سجدا وقولوا سبحان القدوس سبحان القدوس ربنا القدوس فإنه من فعل ذلك نجا ومن ترك هلك .(1/220)
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان صوت قالوا يا رسول الله في أوله أوفي وسطه أو في آخره قال لا بل في النصف من رمضان إذا كانت ليلة النصف ليلة الجمعة يكون صوت من السماء يصعق له سبعون ألفا ويصم سبعون ألفا قالوا يا رسول الله فمن السالم من أمتك قال من لزم بيته وتعوذ بالسجود وجهر بالتكبير لله ثم يتبعه صوت آخر فالصوت الأول صوت جبريل والثاني صوت الشيطان فالصوت في رمضان والمعمعة في شوال ويميز القبائل في ذي القعدة ويغار على الحاج في ذي الحجة والمحرم وما المحرم أوله بلاء على أمتي وآخره فرج لأمتي الراحلة بقتبها ينجو عليها المؤمن خير له من دسكرة تغل مائة ألف رواه الطبراني وفيه عبدالوهاب بن الضحاك وهو متروك وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الصوت وفي ذي القعدة تميز القبائل وفي ذي الحجة يسلب الحاج . ؟
الجواب :
هذه الأحاديث المذكورة ضعيفة وفي بعضها نكارة ولا يصح الاعتماد عليها في تقرير مثل هذه الحوادث .
وقد جاء في الحديث الأول الذي رواه الشاشي نعيم بن حماد الخزاعي وهو ضعيف الحديث ضعفه النسائي وغيره .
وجاء فيه عبد الله بن لهيعة وهو سيء الحفظ ولا يحتج به سواء روى عنه العبادلة أم لا غير أن رواية العبادلة أعدل من غيرها وهذا لا يعني صحتها ، وفيه غير ذلك من العلل .
وجاء في الحديث الثاني الذي رواه الطبراني عبد الوهاب الضحاك ليس بشىء .
وله شاهد من حديث أبي هريرة وفيه شهر بن حوشب ضعيف الحديث وفيه مجهول لا يحتج به .
*وأرى أنه لا يجوز شرعاً نشر هذه الأحاديث وذلك لأمرين :
الأول : أنها غير صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان أئمة السلف ينهون عن التحديث بالأحاديث المنكرة والباطلة ويوجبون التعزير على من فعل ذلك .
الثاني : أنها ترويع للمسلمين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل لمسلم أن يُرّوع مسلماً . رواه أبو داود في سننه وسنده صحيح .
قاله(1/221)
سليمان بن ناصر العلوان
29 / 7 / 1422 هـ
*(135) ما صحة الحديث الوارد ( صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك) ؟
...
الجواب :
هذا الحديث لا يصح ولا يثبت له إسناد وقد رواه أحمد في مسنده
( 6 / 272 ) من طريق محمد بن إسحاق قال وذكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( فضل الصلاة بسواك على الصلاة بغير سواك سبعين ضعفاً ) .
ورواه ابن خزيمة في صحيحه ( 137 ) غير أنه قال إن صحّ الخبر وقال ( أنا استثنيت صحة هذا الخبر لأني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع من محمد بن مسلم وإنما دلسه عنه) .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد قال أبي إذا قال ابن إسحاق وذكر فلان فلم يسمعه .
وقال الإمام يحيى بن معين : لا يصح هذا الحديث وهو باطل .
وقال البيهقي رحمه الله في السنن ( 1 / 38 ) (وهذا الحديث أحد ما يخاف أن يكون من تدليسات محمد بن إسحاق وأنه لم يسمعه من الزهري وقد رواه معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري وليس بالقوي . ورُوي من وجه آخر عن عروة عن عائشة ومن وجه آخر عن عمرة عن عائشة فكلاهما ضعيف ) .
وقد جاء للحديث شواهد من حديث ابن عباس رواه أبو نعيم .
ومن حديث جابر رواه أبو نعيم أيضاً .
ومن حديث ابن عمر رواه أبو نعيم .
ولا يصح من هذه الأحاديث شيء ولا ترتقي إلى درجة الحسن لغيره .
فإن هذا الثواب الكبير لا يمكن قبوله بمثل هذه الأسانيد الضعيفة .
ولعل هذا من أسرار حكم الأئمة على هذا الخبر بالضعف تارة وبالبطلان تارة أخرى والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
13 / 9 / 1421 هـ
*(136) نحن مشغل نسائي ولدينا قسم خاص بتجميل المرأة
وتطلب بعض النساء نمص أجفانهن فنرفض بسبب حرمة هذا العمل ، ولكن نقترح على النساء بوضع صبغة على الجفن وهذه الصبغة تجعل الشعر غير واضح بسبب لون هذه الصبغة .
فهل هذه الصبغة محرمة أم لا ؟
الجواب:(1/222)
الأصل في حكم الأصباغ في الوجه والشعر الجواز قال تعالى { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } .
ولا يُحضر من ذلك إلا أمران :
الأول : صبغ الشعر بالسواد فإنه مكروه في أصح مذاهب أهل العلم ، وإن كان المقصود منه التغرير وغش الخاطب فإنه يحرم .
الثاني : ما فيه تشبه بالكافرات فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : من تشبه بقوم فهو منهم . رواه أحمد من حديث ابن عمر وسنده جيد .
ولا حرج في صبغ الأجفان لأنه لم يرد دليل من الكتاب ولا من السنة على منع ذلك ، والأصل الجواز مالم يقصد بذلك التشبه بالكافرات والعاهرات وهذا بخلاف النمص فإنه محرم وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم النامصة – متفق عليه من حديث ابن مسعود ، والنمص هو إزالة شعر الحاجبين بنتف أو قص أو حلق ولا يرخص في قص شعر الحاجبين إلا ماكان نازلاً على العينين فإنه يؤخذ المؤذي منه ، وقالت طائفة من العلماء إن النمص هو إزالة شعر الوجه وفيه نظر .
والصواب قصر معنى النمص على حلق شعر الحاجبين وما كان في معنى الحلق والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
29 / 7 / 1422 هـ
*(137) انتشر في هذه الأيام الاتصال على الرقم الذي يبدأ 700 وقيمة المكالمة بحدود 5 ريال للدقيقة الواحدة ، وعلى ضوء الاتصال تدخل في مسابقة أو سحب فوري ، وقد تكسب مبلغاً مالياً أو تخسر قيمة المكالمة
أرجو توضيح الحكم الشرعي مفصلاً ؟
الجواب :(1/223)
هذا الأمر من القمار الذي حرمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو مؤسس لجلب الأموال سواء كانت من حلال أو من حرام ، وقائم على أكل أموال الناس بالباطل ، واستنزاف أموالهم ، بطرق ما كرة ، وحيل ملتوية ومحرمة ، ولهذه المسابقة سلبيات كثيرة ، ومضار متعددة ، فمن ذلك : تبذير مال المسابق ، نتيجة المكالمات ومنها إضاعة الوقت في المكالمات الخيالية التي هي إلى ضررها أقرب منها إلى نفعها ، ومنها التلاعب بعقول الناس ، ومنها الاعتماد على سبب قد لا يمت للحقيقة بصلة ، ومنها أن هذه المسابقة قد تعطل على بعض ضعاف النفوس من الناس أعمالهم التجارية الصحيحة فبدلاً من أن يكسب من عمل يده يجلس الأيام في متابعة هذه المسابقة ويُمضي الساعات في ملاحقة هذه الأمور الوهمية.
ومن صور القمار أن تخاطر بدفع المال دون عين أو منفعة رجاء أن تنال أكثر كما في برنامج من سيربح المليون المبثوث عبر قناة إم بي سي ، ومنها مسابقات كنز الأحلام والتي انتشرت في بعض الفضائيات العربية ، ومن ذلك جوائز السحب في بعض المحلات التجارية ، فيشتري أحدهم سلعة – لعله ليست له بها حاجة - بقصد أن يغنم هذه الجائزة ، ومن ذلك ، اللعب بالنرد ، والشطرنج والبلوت ونحو ذلك على عوض ، ومنه التأمين على النفس والرخصة ، والبيت ، والسيارة ، والبضاعة ، مالم تكن إكراهاً ، أو اضطراراً.(1/224)
وهذه البرامج ، والجمعيات ، والتأمينات ، المؤسسة على القمار سلبياتها الاقتصادية متعددة بل توقع الاقتصاد في هوة سحيقة ، ولا تضيف شيئاً يستحق الذكر إلى ثروة المجتمع ، وميزانية الفرد ، فلا عجب حين أجمع العلماء على تحريم القمار ، وتجريم فاعله وتأديبه ، أو الحجر عليه ، والحث على التجارة ، والترغيب في ذلك ، بطرق زاكية وغايات محمودة ، وليست التجارة في الإسلام نهب أموال المجتمع بالمكر والخديعة وغير ذلك من أساليب الترويج المغرية والغربية المضللة ، وفي نفس الوقت ليست وظيفة مالية شأنها إنماء الثروة الاقتصادية فحسب 0
وهذا الأمر الذي جاء في السؤال هو من الميسر الذي جاء تحريمه في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ } والمتأمل في الآيات القرآنية يجد أن الله تعالى كثيراً ما يقرن الميسر بالخمر { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ } ذلك لأن كلاً منهما يستحوذ على الفكر ، ويمنعه من التفكير السليم ، ويسيطر على دينه ودنياه ويورث العداوة والبغضاء ، وقليله يدعو إلى كثيره ، ومفاسده راجحة ، ونفعه مرجوح وعاقبته سيئة 0(1/225)
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الفروسية (308) فقرن الميسر بالأصنام والأزلام والخمر ، وأخبر أن الأربعة رجس من عمل الشيطان ، ثم أمر باجتنابها ، وعلق الفلاح باجتنابها ، ثم نبه على وجوه المفسدة المقتضية للتحريم فيها ، وهي ما يوقعه الشيطان بين أهلها من العداوة والبغضاء ، ومن الصد عن ذكر الله ، وعن الصلاة 0
وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إلى أن مفسدة الميسر أعظم من مفسدة الربا قال رحمه الله تعالى في الفتاوى (32/237)
فتبين أن (الميسر) اشتمل على مفسدتين : مفسدة في المال وهي أكله بالباطل . ومفسده في العمل ، وهي ما فيه من مفسدة المال وفساد القلب والعقل وفساد ذات البين وكل من المفسدتين مستقلة بالنهي ، فينهى عن أكل المال بالباطل مطلقاً ولو كان بغير ميسر كالربا ، وينهى عما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء ولو كان بغير أكل مال ، فإذا اجتمعا عظم التحريم : فيكون الميسر المشتمل عليهما أعظم من الربا ، ولهذا حرم ذلك قبل تحريم الربا ، ومعلوم أن الله تعالى لما حرم الخمر حرمها ولو كان الشارب يتداوى بها ، كما ثبت في الحديث الصحيح . وحرم بيعها لأهل الكتاب وغيرهم ، وإن كان أكل ثمنها لا يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، ولا يوقع العداوة والبغضاء ؛ لأن الله تعالى إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه ، كل ذلك مبالغة في الاجتناب . فكذا الميسر منهي عن هذا وعن هذا . والمعين على الميسر كالمعين على الخمر ، فإن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان . وكما أن الخمرة تحرم الإعانة عليها ببيع أو عصر أو سقي أو غير ذلك ؛ فكذلك الإعانة على الميسر : كبائع آلاته ، والمؤجر لها والمذبذب الذي يعين أحدهما ؛ بل مجرد الحضور عند أهل الميسر كالحضور عند أهل الخمر ... )0(1/226)
والشريعة تحارب الميسر ، وتطارده في كل المجالات ، ولا تبيح منه شيئاً . وفساده وقبحه يعلم بالشرع ، والعقل ، ولو لم يرد في تحريمه دليل من الكتاب ، والسنة، والإجماع لكانت المصلحة تقتضي منعه ، وزجر فاعله ، فقد جاءت الشريعة بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الفروسية (309) وإذا تأملت أحوال هذه المغالبات ، رأيتها في ذلك كالخمر ، قليلها يدعو إلى كثيرها ، وكثيرها يصد عن ما يحبه الله ورسوله ، ويوقع فيما يبغضه الله ورسوله ، فلو لم يكن في تحريمها نص ؛ لكانت أصول الشريعة ، وقواعدها ، وما اشتملت عليه من الحكم والمصالح وعدم الفرق بين المتماثلين ، توجب تحريم ذلك ، والنهي عنه 0
وحين كانت الشريعة الإسلامية مؤسسة على العدل ، ومحاربة الظلم بكل أشكاله وصنوفه وألوانه ، وجاءت بقواعد نورانية منها القاعدة العظيمة (لا ضرر ولا ضرار) وعلى هذا الأساس منعت كل المعاملات التي يتخللها ظلم ومنها الميسر ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى (28/385)
فمن العدل فيها ما هو ظاهر ، يعرفه كل أحد بعقله كوجوب تسليم الثمن على المشتري ، وتسليم المبيع على البائع للمشتري ........... ومنه ما هو خفي جاءت به الشرائع أو شريعتنا – أهل الإسلام – فإن عامة ما نهى عنه الكتاب والسنة من المعاملات يعود إلى تحقيق العدل ، والنهي عن الظلم دقه وجله ؛ مثل أكل المال بالباطل . وجنسه الربا والميسر . وأنواع الربا والميسر التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم : مثل بيع الغرر ، وبيع حبل الحبلة ........ .
وإن المال هو عصب الحياة ، وهو قوام الإنسانية ، به يعمر الكون ، وهو زينة الحياة الدنيا ، به يحج ويجاهد ، وهو المقرب إلى الجنة أو النار ، أو النعيم أو العذاب ، فطوبى لمن أخذه على وجهه المشروع ، والطريق المتبوع ، وويل ثم الويل لمن أخذه بالحيل المحرمة ، والطرق المحظورة 0(1/227)
إن الشريعة جاءت بتنمية الاقتصاد { فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} وذلك على وفق طرق صحيحة ، ووسائل سليمة ، وجاء فضل المال الصالح على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نعم المال الصالح للمرء الصالح ) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/197) والبخاري في الأدب المفرد (112) وابن حبان في صحيحه (8/6) من طريق موسى بن علي ، عن أبيه ، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه 0
وبينت الآيات القرآنية ، والسنة النبوية ، الطرق الصحيحة لتنمية الاقتصاد والحفاظ على الأموال ، وجاء في ضمن إطار الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع على المحافظة عليها ، وهي : الدين ، والنفس ، والعقل ، والعرض ، والمال 0
فأهيب بالمسلمين أن يتحروا الكسب الحلال ، والمطعم الصافي الخالص من شوائب الشبه والارتياب ، وأن تكون طريقتهم المتبوعة في كسب المال ، وكل شؤن الحياة كطريقة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم النبراس الأعظم ، والجيل المعظم والقرن المفضل ، فهم القدوة ، وبهم الأسوة، وسلوكهم هو الذي يدل على هذا الفهم وبإطلالنا على سيرهم وتراجمهم نجدهم وكأنهم في عالم غير عالمنا ، يأخذون بالأسباب في الكسب ، ويجعلون جزءاً من أوقاتهم للعلم والدعوة وجهاد الذين كفروا ، فإذا دعا داعي الجهاد فهم الرجال ، ومنهم الأغنياء بلا بطر ، وفيهم الفقراء بلا ضجر ومع التعفف ، وفيهم من يدفع الدنيا بالراحتين والصدر ، ومنهم من أتته الدنيا وهي راغمة ، وكانوا أشد الناس بعداً عن توظيف كل أوقاتهم في التكالب على الدنيا ، وجمع الحطام الفاني ، فتحوا البلاد ، وأنشئوا المدن ، وأقاموا الدول .
وقد سار على دربهم ، وتبعهم على منهجهم تابعوهم بإحسان ، وأين نحن من قول الإمام محمد بن المنكدر ، كم من عين ساهرة في رزقي في ظلمات البر والبحر .
وقد سئل سعيد بن عبد العزيز عن الكفاف من الرزق ما هو ؟ قال : شبع يوم وجوع يوم .(1/228)
ويقول أبو سليمان الداراني من وثق في رزقه زاد في حسن خلقه ، وأعقبه الحلم وسخت نفسه ، وقلت وساوسه في صلاته .
ومن شعر أبي تمام
ولو كانت الأرزاق تُجرى على الحِجى ... هلكن إذاً من جهلهن البهائمُ
ولم يجتمع شرقٌ وغرب لقاصدٍ ... ولا المجد في كفِّ امرىءٍ والدراهم
ودرهم من حلال خير من مئات من حرام
قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد
أخوك
سليمان بن ناصر العلوان
20/3/1424هـ
,,,,,,,
*(138) يرد إلينا كثير من الأسئلة عن الضحايا التي تقوم مؤسسة الحرمين بنحرها خارج المملكة ، وذلك عن حكم الأخذ من الشعر وتقليم الأظافر لمن أراد أن يوكل المؤسسة بذبح أضحيته علماً أن في بعض البلاد يتم الذبح فيها في اليوم الأول واليوم الثاني مع فارق التوقيت في المملكة ؟
متى يأخذ المضحي ( الموكل ) من الأخذ من الشعر ؟
الجواب:
جاء في صحيح الإمام مسلم من طريق سفيان ، عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخلت العشر ، وأراد أحد أن يضحي ، فلا يمس من شعره وبشره شيئاً)0
قيل لسفيان : فإن بعضهم لا يرفعه ، قال : لكني أرفعه 0
وقد اختلف العلماء رحمة الله تعالى عليهم في حكم أخذ الشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي ، على أربعة أقوال:
القول الأول : أنه يحرم على من أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره وأظافره حتى يضحي ، وهذا قول سعيد ابن المسيب وربيعة ، وهو مذهب أحمد بن حنبل وداود الظاهري واختاره إسحاق ، وبعض أصحاب الشافعي.
وحجتهم حديث أم سلمة هذا.
القول الثاني : أنه لا بأس لمن أراد أن يضحي أن يقلم أظفاره ويأخذ من شعره وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام مالك.(1/229)
القول الثالث : أنه يكره كراهة تنزيه ، وليس بحرام ، وهذا مذهب الشافعي حجته في ذلك حديث عائشة قالت :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه ، ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنب المحرم ) متفق على صحته من طريق الزهري عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة 0
ويقولون بأن البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية ، فدل على أنه لا يحرم ذلك ، وحملوا أحاديث النهي على كراهة التنزيه 0
القول الرابع : أنه يحرم في التطوع دون الواجب ، وهذا مذهب الإمام مالك في الرواية الثالثة عنه 0
وجاء الأمر بالإمساك في قوله ( فليمسك عن شعره وأظفاره ) والأصل في الأمر أن يكون للإيجاب ما لم يصرفه صارف ، ولكن إذا أخذ من شعره قبل أن يضحي بدون عذر أجزأته أضحيته بالاتفاق 0
وأما المضحى عنه ، ومن يضحي عن غيره بوكالة أو وصية ، فلا يكره في حقهما أخذ شيء من الشعر والأظافر ، ولا كراهية على المضحي في غسل الشعر وحكه وإزالة المؤذي من ظفر ونحوه والله أعلم 0
وفارق التوقيت بين الذين في المملكة وهم أصحاب الأضاحي وبين البلاد التي يضحى فيها ، فرق بسيط فهو في الأكثر ثلاثة أيام فقط ، وهذه يمكن الصبر عليها في مقابل المصلحة والأجر الأكبر في الحاجة العظمى.
ونحن نستحث مؤسسة الحرمين على تحديد الموعد النهائي لذبح الأضاحي حتى يتأتى للمضحي أن يزيل شعره وأظافره بدون حرج ، والله أعلم 0
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
2/12/1423هـ
,,,,,,,,
*(139) ما حكم إخراج زكاة المال للمجاهدين في فلسطين المغتصبة؟
الجواب :
إن دين المسلمين ، والشرع الحكيم ، أولى المال عناية فائقة ، وكان محل اهتمام العلماء ، وجاء في ضمن إطار الضروريات الخمس ، التي اتفقت الرسل والشرائع على المحافظة عليها : وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال 0(1/230)
ولا عجب في ذلك فهو عصب الحياة ، وقيام البشرية ، ومن أكبر الموارد الجهادية بل هو ثلثها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه الإمام أحمد في مسنده (12246) ، وأبو داود (2504) والنسائي (3098) من طريق حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن أنس 0
وجاء تقديمه على النفس في غير ما آية قرآنية ( وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ( لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ) 0(1/231)
وإن المتأمل للآيات القرآنية يجد أن المال مقدم على النفس في كل آي القرآن سوى موضع واحد ، وهو قوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ) وهذا يدل على عظيم أمر الجهاد بالمال ، وأنه يجب على القادر عليه كما يجب على القادر بالبدن ، وقد يكون - في وقت – الجهاد بالمال أهمَّ وآكد من الجهاد بالنفس ، فإن الجهاد يتطلب أموالاً باهضة ، ونفقات هائلة ، وثروات طائلة لا سيما في عصرنا الراهن ، ووقتنا الحالي ، فإن الجيش يحتاج إلى تغطية نفقاته المختلفة ومشاريعه المتعددة ، ولذلك شرع الإسلام موارد مالية لهذا الغرض العظيم ، والوظيفة العظمى ، والمهمة الكبرى ، وعَدَّدَ تلكم الموارد ؛ لكي تظل الأموال تتدفق على القوة العسكرية بجزالة وسخاء وفاءً بجميع متطلباته ، كي لا تضعف ميزانية الجيش ، والتي متى ما ضعفت كانت عاملاً كبيراً لضعف القوة العسكرية الإسلامية ، وعجزها ، بل وهزيمتها ومن ثم تختل قوة الإسلام ، وتقوى قوة الكفر ، ولا يقتصر ذلك على جهاز الجيش وقواته فقط ، ولكن تمتد لتتناول كيان الأمة كلها في مواجهة عدوّها الداخلي أو الخارجي ولأجل ذلك جاءت السياسة الشرعية ، والكفيلة بمصالح العباد في جميع شؤونهم الحياتية بتعدد الموارد المالية لجميع احتياجات الجيش ومتطلباته ، الذي هو الكفيل بعد توفيق الله تعالى وتسديده بأن يسد أي نافذة تُنفذ منها إلى كيان الأمة ، أو درعها الحصين 0(1/232)
وتواترت نصوص الكتاب والسنة تواتراً قطعياً على وجوب بذل الأموال للجهاد والمجاهدين ، حفظاً للأمن والاستقرار ، ونشراً للوعي الإسلامي ، والدين الحنيف ، فقال الله تعالى ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) وقال تعالى ( انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) 0
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه أن فتى من أسلم قال : يا رسول الله إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز ، قال ( ائت فلاناً فإنه قد كان تجهز فمرض ) فأتاه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ، ويقول : أعطني الذي تجهزت به قال : يا فلانة أعطيه الذي تجهزت به ، ولا تحبسي عنه شيئاً ، فوالله لا تحبسي منه شيئاً فيبارك لك فيه . أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (1894) من طريق حماد بن سلمة ، عن ثابت عن أنس رضي الله عنه 0
وقال أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه ، جاء رجل بناقة مخطومة ، فقال : هذه في سبيل الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة ) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (1892) من طريق الأعمش ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه 0
وقد كان للصحابة المنتخبين ، والأئمة المهديين ، قصبُ السبق في العمل بهذه النصوص ، وكانت لهم اليد الطولى في بذل أموالهم ابتغاء مرضاة الله تعالى ؛ فلهذا نالوا المقامات العالية ، والفضائل السامية ، وفازوا بأشرف الرتب 0(1/233)
وحين دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة ، تصدق أبو بكر رضي الله عنه بكل ماله ، رواه البخاري في صحيحه معلقاً مجزوماً بصحته ، ووصله أبو داود في سننه (1678) من طريق هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن نتصدق ، فوافق ذلك ما لاً عندي ، فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك ؟) فقلت مثله . قال وجاء أبو بكر بكل ما عنده ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك ؟) قال : أبقيت لهم الله ورسوله ، قلت : لا أسابقك إلى شيء أبداً 0
وهذا ذو النورين ، وشهيد الدار عثمان بن عفان رضي الله عنه لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى تجهيز جيش العسرة ، سارع هو إلى تجهيز ذلك الجيش ، فروى البخاري تعليقاً مجزوماً به من طريق شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن ، أن عثمان رضي الله عنه حيث حوصر ، أشرف عليهم ، وقال : أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من حفر رومة فله الجنة ) فحفرتها ألستم تعلمون أنه قال ( من جهز جيش العسرة فله الجنة ) فجهزته قال فصدقوه بما قال 0(1/234)
ورواه أبو عبد الرحمن النسائي في سننه (3184) موصولاً من طريق عبد الله بن إدريس قال : سمعت حصين بن عبد الرحمن يحدث عن عمر بن جاوان ، عن الأحنف بن قيس قال : خرجنا حجاجاً فقدمنا المدينة ونحن نريد الحج ، فبينا نحن في منازلنا نضع رحالنا إذ أتانا آت فقال : إن الناس قد اجتمعوا في المسجد وفزعوا ، فانطلقنا فإذا الناس مجتمعون على نفر في وسط المسجد ، وإذا علي والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص ، فإنا لكذلك إذ جاء عثمان بن عفان .... الحديث وفيه .... قال ( عثمان بن عفان ) فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر في وجوه القوم فقال ( من يجهز هؤلاء غفر الله له ) - يعني جيش العسرة - فجهزتهم حتى ما يفقدون عقالاً ولا خطاماً فقالوا : اللهم نعم ، قال : اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد
وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه ، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله متفق على صحته من حديث أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك 0
ولا زال علماء الإسلام من كل مذهب على مر العصور وتصرم الدهور يصرحون بمشروعية دفع المال من زكوات وصدقات للجهاد والمجاهدين 0
? قول الأحناف
قال في حاشية ابن عابدين (2/343) قوله وهو منقطع الغزاة أي الذين عجزوا عن اللحوق بجيش الإسلام لفقرهم بهلاك النفقة أو الدابة أو غيرهما ، فتحل لهم الصدقة وإن كانوا كاسبين إذ الكسب يقعدهم عن الجهاد 0
? قول المالكية
وقال ابن العربي في أحكام القرآن (2/969) قال مالك سبل الله كثيرة ولكني لا أعلم خلافاً في أن المراد بسبيل الله هاهنا الغزو من جملة سبيل الله ، إلا ما يؤثر عن أحمد وإسحاق فإنهما قالا : إنه الحج 0(1/235)
والذي يصح عندي من قولهما أن الحج من جملة السُبل مع الغزو ، لأنه طريق بر ، فأعطي منه باسم السبيل ، وهذا يحل عقد الباب ، ويخرم قانون الشريعة وينثر سلك النظر ، وما جاء قط بإعطاء الزكاة في الحج أثر ...... 0
وقال محمد بن عبدالحكم يعطى من الصدقة في الكراع والسلاح ، وما يحتاج إليه من آلات الحرب وكف العدو عن الحوزة ، لأنه كله من سبيل الغزو ومنفعته وقد أعطي النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة في نازلة سهل بن أبي حثمة إطفاء للثائرة 0
? قول الشافعية
قال النووي في روضة الطالبين (2/326) فرع هل يدفع إلى ابن السبيل جميع كفايته ، أو ما زاد بسبب السفر ؟ وجهان أصحهما الأول 0
فرع وأما الغازي ، فيعطى النفقة والكسوة مدة الذهاب والرجوع ، ومدة المقام في الثغر وإن طال ، وهل يعطى جميع المؤنة أم ما زاد بسبب السفر ؟ فيه الوجهان كابن السبيل ، ويعطى ما يشتري به الفرس إن كان يقاتل فارساً ، وما يشتري به السلاح وآلات القتال ، ويصير ذلك ملكاً له ، ويجوز أن يستأجر له الفرس والسلاح ، ويختلف الحال بحسب كثرة المال وقلته ، وإن كان يقاتل راجلاً فلا يعطى لشراء الفرس 0
وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام – بعد أن جمع قطز أحد سلاطين المسلمين في مصر آنذاك ، القضاة والفقهاء ، يستشيرهم في تحرك التتار نحو بلاد الشام – إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم ، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم ، بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء ، وتبيعوا مالكم من الحوائص المذهبة ، والآلات النفيسة ، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه ، ويتساووا هم والعامة ، وأما أخذ الأموال مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا ، وانفض المجلس على ذلك . ... ) وكان الاعتماد على ما يقوله العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى [النجوم الزاهرة ، في أحداث سنة 657/7/72-73].
? قول الحنابلة(1/236)
قال ابن قدامة في المغني كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله إنما أريد به الجهاد إلا اليسير ، فيجب أن يحمل ما في الآية على ذلك ، لأن الظاهر إرادته به لأن الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين : محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب ، والغارمين لقضاء ديونهم ، أو ممن يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين ... 0
وقال في الشرح الكبير (2/713) مسألة والغازي ما يحتاج إليه لغزوه وإن كثر ، فيدفع إليه قدر كفايته ، وشراء السلاح والفرس إن كان فارساً ، وحمولته ودرعه وسائر ما يحتاج إليه لغزوه وإن كثر ، لأن الغزو إنما يحصل بذلك 0
وقال في غاية المنتهي وشرحه ( يجوز للإمام أن يشتري من مال الزكاة فرساً ويدفعها لمن يغزو عليها ، ولو كان الغازي هو صاحب الزكاة نفسه ، لأنه بريء منها بدفعها للإمام ، كما يجوز له أن يشتري منها أيضاً سفناً ونحوها للجهاد لأنها من حاجة الغازي ومصلحته ، وكل ما فيه مصلحة للمسلمين يجوز للإمام فعله لأنه أدرى بالمصالح من غيره ) مطالب أولي النهى [2/147-148] 0
آراء الأئمة المجتهدين:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى (28/274) على الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى في أهل الزكاة ( وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ) وهم الغزاة ، الذين لا يعطون من مال الله ما يكفيهم لغزوهم ، فيعطون ما يغزون به ، أو تمام ما يغزون به ، من خيل وسلاح ونفقة وأجرة 0(1/237)
وقال أيضاً رحمه الله تعالى في الفتاوى (28/421) ولا يفوت مثل هذه الغزاة إلا من خسرت تجارته ، وسفه نفسه ، وحرم حظاً عظيماً من الدنيا والآخرة ، إلا أن يكون ممن عذر الله تعالى ، كالمريض والفقير والأعمى وغيرهم ، وإلا فمن كان له مال وهو عاجز ببدنه فليغز بماله ، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من جهز غازياً فقد غزا ، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا ) ومن كان قادراً ببدنه وهو فقير فيأخذ من أموال المسلمين ما يتجهز به سواء كان المأخوذ زكاة ، أو صلة ، أو من بيت المال أو غير ذلك ، حتى لو كان الرجل قد حصل بيده مال حرام وقد تعذر رده إلى أصحابه لجهله بهم ونحو ذلك ، أو كان بيده ودائع ، أو رهون ، أو عوار قد تعذر معرفة أصحابها فلينفقها في سبيل الله ، فإن ذلك مصرفها 0
وقال تلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد (3/558) في الكلام على فوائد غزوة تبوك :
ومنها : وجوب الجهاد بالمال ، كما يجب بالنفس ، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد وهي الصواب الذي لا ريب فيه ، فإن الأمر بالجهاد بالمال شقيق الأمر بالجهاد بالنفس في القرآن وقرينه ، بل جاء مقدماً على الجهاد بالنفس في كل موضع ، إلا موضعاً واحداً وهذا يدل على أن الجهاد به أهم وآكد من الجهاد بالنفس ، ولا ريب أنه أحد الجهادين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من جهز غازياً فقد غزا ) فيجب على القادر عليه كما يجب على القادر بالبدن ، ولا يتم الواجب بالبدن إلا ببذله ، ولا ينتصر إلا بالعدد والعُدد ، فإن لم يقدر أن يكثر العَدد ، وجب عليه أن يمد بالمال والعُدة ، وإذا وجب الحج بالمال على العاجز بالبدن ، فوجوب الجهاد بالمال أولى وأحرى 0(1/238)
وقال الشوكاني في السيل الجرار (2/59) قوله ( وفي سبيل الله المجاهد الفقير ) أقول (الشوكاني) قد عرفناك حديث أبي سعيد المذكور قريباً فيه التصريح بعدم اشتراط الفقر فيمن اشتمل عليه ، ومن جملتهم الغازي كما سبق ، وفي لفظ منه ( لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله ، أو ابن السبيل ، أو جار فقير يتصدق عليه ) 0
وقال صديق حسن خان على هذه الآية في فتح البيان (4/151) هم الغزاة والمرابطون يعطون من الصدقة ما ينفقون في غزوهم ومرابطتهم وإن كانوا أغنياء ، وهذا قول أكثر العلماء 0
فالسنة قد دلت على أنه يصرف على هذا الصنف مع الغنى ، والقرآن لم يشترط فيه الفقر فلم يبق ما يوجب هذا الاشتراط بل هو مجرد رأي بحت ، فيصرف إليه ما يحتاجه في الجهاد من سلاح ونفقة وراحلة ، وإن بلغ أنصباء كثيرة ، ولا وجه لاشتراط الإيمان بل كل مسلم مصرف لذلك إذا بذل نفسه للجهاد ، ولاسيما إذا كان له شجاعة وإقدام فإنه أحق من المؤمن الضعيف 0
وهذه النقولات عن الأئمة والعلماء من كل مذهب ، يؤكد بعضها بعضاً ، في وجوب دفع الزكوات والصدقات للمجاهدين سواء في فلسطين المحتلة أو الشيشان أو أفغانستان أو كشمير أو الفلبين أو غير ذلك من بلاد المسلمين التي تسلط عليها الأعداء فقتلوا رجالاتهم ، واستباحوا نساءهم ، وشردوا أطفالهم ، وهدموا بيوتهم ومساكنهم 0
والذين يمتنعون عن بذل الزكوات والصدقات في وقت محنة المجاهدين ، ووقت تطاير الرؤوس وتقطع الأشلاء ، يُعَدُّون من الذين يكنزون أموالهم ، وهذا ذنب كبير 0(1/239)
فالصليبيون المعتدون ، واليهود المجرمون ، يَفْرُونَ في دماء المسلمين فري الذئب على فريسته ، وليس هذا بغريب على تاريخهم الأسود ، وسياستهم الرعناء ، فتاريخهم مليء وناصع بمثل هذه الأعمال الوحشية ، وسياستهم قائمة على العنف والتهور ، نتيجة البغض والحنق للمسلمين ، وقد كشف القرآن الكريم منذ قرون من الزمن مدى ما تكنه صدورهم من البغض للمسلمين ، وما تنطوي عليه ضمائرهم من العداوة للإسلام 0
وإنما الغريب أن نضن على المجاهدين بدراهم معدودة ، ونخذلهم وقت محنتهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان حقيقة الأخوة الإيمانية ( ولا يخذله ) رواه مسلم في صحيحه (2564) من طريق داود بن قيس ، عن أبي سعيد مولى عامر بن كريز عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه ليس المؤمن الذي يأكل وجاره جائع ، أولئك الذين تمزق أشلاؤهم ، وتشرد أطفالهم وتدك عليهم بيوتهم ، فهذا وقت التضحيات والبذل والإنفاق ( وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ ) ( قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ ) 0
وقال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في المحلى (4/282) على قوله صلى الله عليه وسلم ( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ... ) الحديث متفق عليه من طريق الليث ، عن عقيل ، عن سالم ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 0
قال : من تركه يجوع ويعرى وهو قادر على إطعامه وكسوته فقد أسلمه 0(1/240)
فالصليبيون والصهاينة يرصدون الأموال الطائلة ، ويخزنون الأسلحة الفتاكة من أسلحة الدمار الشامل ونحوه للفتك بالمسلمين ، والقضاء على دينهم وقيمهم ، ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) 0
والرايات الجهادية في هذا العصر ، عصر التكنلوجيا ، عصر أسلحة الدمار الشامل في إخفاق شديد من الموارد المالية ، ويعانون إعصاراً شديداً من قلة القوة العسكرية اليوم0
ونحن نستحث المسلمين على مناصرة المجاهدين ، والوقوف في صفهم ، وبذل المال لمواصلة المسيرة ، ومصارعة قوى الكفر ، ورفع رايات التوحيد ، وتثبيت دور المسلمين الحضاري في العالم ، وإن المسلم – بعيداً عن الإنفاق في مواطنه – لن يكون إلا لقمة سائغة للصليبيين 0
أخوك
سليمان بن ناصر بن عبد الله العلوان
26/12/1423هـ
,,,,,,,
*(140) تعلمون بارك الله فيكم أن العالم الإسلامي يتعرض في هذا الوقت لهجوم عنيف من القوات الصليبية ، فبعد أفغانستان أتى الدور على العراق ، ولا نعلم من الذي بعد العراق ، وأنتم تعلمون أن في مثل هذه الأوقات يستحب القنوت ، وعندنا بعض الأسئلة نحب الإجابة عليها :
1- هناك خلط بين دعاء القنوت ، والوتر فما هي السنة في ذلك ؟
2- هل يقنت في أي صلاة ، أم يشترط في الجهرية ؟ وهل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكثر من القنوت في وقت محدد ؟
3- نلاحظ على بعض أئمة الإطالة في القنوت ، فهل لكم نصيحة لأئمة المساجد في هذه القضية ؟
الجواب:
تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم القنوت في النوازل ، فقنت في الظهر، والعشاء والفجر ، جاء هذا في الصحيحين من طريق يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه 0(1/241)
وقنت صلى الله عليه وسلم في المغرب ، جاء ذلك في صحيح مسلم من طريق عمرو بن مرة ، عن ابن أبي ليلى ، عن البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان يقنت في الصبح والمغرب . وجاء نحوه في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه 0
وجاء في سنن أبي داود (1443) وصحيح ابن خزيمة (1/313) من طريق ثابت ابن يزيد ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن بن عباس قال : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، وصلاة الصبح في دبر كل صلاة ، إذا قال (سمع الله لمن حمده) من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني سليم : على رعل ، وذكوان ، وعصية ، ويؤمن من خلفه.
وكان أكثر قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر ، ولا يداوم على ذلك 0 فقنت صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان ، وعصية ، وبني لحيان . متفق عليه من طريق قتادة ، عن أنس رضي الله عنه 0
وهديه صلى الله عليه وسلم أنه يدعو حين يرفع رأسه من الركوع ، ويقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة من الفجر ، يقول (اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً ) . بعد ما يقول (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ) أخرجه البخاري في صحيحه من طريق عبد الله ، عن معمر عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر 0
والقنوت في النوازل يختلف عن القنوت في الوتر ، فالمحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في النوازل أنه لا يزيد في دعائه على الكفار ، واستنصاره للمسلمين 0(1/242)
ولا حرج من تكرار ذلك بشرط أن لا يشق على المصلين ، وأما إذا كان المصلون يؤثرون التطويل فلا بأس بذلك ، وقد جاء عن عمر أنه كان يطيل القنوت فروى ابن أبي شيبة في مصنفه (2/101) قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عاصم عن أبي عثمان ، أنه سئل عن قنوت عمر في الفجر ، فقال : كان يقنت بقدر ما يقرأ الرجل مائة آية 0
ونناشد أئمة المساجد بدوام القنوت وملازمة الدعاء على الكفار ، والاستنصار للمسلمين ، فمآسي المسلمين كثيرة في أفغانستان ، والشيشان ، وفلسطين ، وكشمير والفلبين ، وغير ذلك من البلدان التي يعيش أهلها المآسي والنكبات 0
في كل أفق على الإسلام دائرة ... ينهد من هولها رضوى وثهلان
ذبح وصلب وتقتيل بإخوتنا ... كما أعدت لتشفي الحقد نيران
يستصرخون ذوي الإيمان عاطفة ... فلم يغثهم بيوم الروع أعوان
فاليوم لا شاعر يبكي ولا صحف ... تحكي ولا مرسلات عند شان
هل هذه غيرة أم هذه ضعة ... للكفر ذكر وللإسلام نسيان
وسقوط دار السلام بغداد ، وبلاد إسلامية أخرى ، ليس هو نهاية العالم ، أو ذهاب الإسلام ، فليخسأ الشامتون ، فالمستقبل لهذا الدين ، وعن قريب يرتبط آخر هذه الأمة بماضيها ، فلا نكل ولا تتوقف جهودنا عن مناصرة المسلمين في كل مكان ، وقد أثنى الله على قوم يواجهون المحن ، والمشاق بالثبات والصبر . فقال ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ) وهذا المحن ، والشدائد على المسلمين ، ابتلاء ، وتمييز للخبيث من الطيب والبر من الفاجر والصادق من الكاذب 0(1/243)
فالمؤمنون يزدادون إيماناً ، والمنافقون ، والذين يعبدون الله على حرف ، يضعفون ويصابون بالخور ، ويظهرون الشماتة ، ويقولون لو أطاعونا ما قتلوا ، قال تعالى (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) وقال تعالى ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ) 0
وعلى الذين حملهم الله تعالى هذه الأمانة العظيمة ، من أئمة المساجد ونحوهم حثُ المصلين على التقوى ، والتوبة إلى الله ، وتبشيرهم بالنصر ، والتمكين ، وتبصيرهم بما يريده الغرب الحاقد ، وما يخطط له إخوانهم من المنافقين والعلمانيين ونحوهم ، من غزو شامل للإسلام والمسلمين ، كما أعلنوها حرباً صليبية ، والعمل بكل وسيلة ممكنة لكف زحفهم ورد عدوانهم ، عن مقدسات المسلمين ، وأموالهم ، وأعراضهم ومجاهدتهم بالمال ، والأنفس والألسنة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه الإمام أحمد في مسنده (12246) وأبو داود (2504) والنسائي (3098) من طريق حماد بن سلمة ، عن حميد عن أنس . وسند جيد 0
أخوك
سليمان بن ناصر العلوان
15/2/1424هـ
*(141) ما صحة حديث ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم )؟
الجواب :(1/244)
هذا الخبر رواه ابن ماجه في سننه (1341) والحاكم في مستدركه (4/441) والخطيب في تاريخه (5/361) كلهم من طريق يونس بن عبد الأعلى المصري ، ثنا محمد ابن إدريس الشافعي ، حدثني محمد بن خالد الجندي ، عن أبان بن صالح ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا إلا إدبارًا ولا الناس إلا شحاً ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ، ولا المهدي إلا عيسى بن مريم ) 0
وهذا خبر منكر ، فيه محمد بن خالد الجندي ، قال عنه الحاكم مجهول ، وقال عنه حافظ المغرب ابن عبد البر بأنه متروك ، وحُكي عن ابن معين توثيقه ، ولم يثبت ، وقد أنكر الخبر النسائي ، والحاكم ، والبيهقي ، والذهبي ، والقرطبي ، والصغاني ، وأبو الفتح الأزدي وقال: وإنما يحفظ عن الحسن مرسلاً ، رواه جرير بن حازم عنه0
وقال القرطبي والأخبار الصحاح قد تواترت على أن المهدي من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز حمله على عيسى ، والحديث الذي ورد في أنه ( لا مهدي إلا عيسى ) غير صحيح 0
قال البيهقي في كتاب البعث والنشور ، محمد بن خالد مجهول ، واختلفوا عليه في إسناده ، فرواه صامت بن معاذ قال: ثنا يحيى بن الموطأ ، ثنا محمد بن خالد ، فذكره .
قال صامت ، عدلت إلى الجند مسيرة يومين من صنعاء فدخلت على محدث لهم فوجدت هذا الحديث عنده عن محمد بن خالد ، عن أبان بن أبي عياش ، عن الحسن مرسلاً . فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد الجندي وهو مجهول عن أبان بن أبي عياش وهو متروك عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو منقطع ، والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسناداً 0(1/245)
ويرى الذهبي أن يونس بن عبد الأعلى لم يسمع هذا الخبر من الشافعي ، قال في ميزان الاعتدال (3/535) في جزء عتيق بمرة عندي : من حديث يونس بن عبد الأعلى قال حدثت عن الشافعي ، فهو على هذا منقطع ، على أن جماعة رووه عن يونس قال حدثنا الشافعي ، والصحيح أنه لم يسمعه منه ، وأبان بن صالح صدوق ، وما علمت به بأساً ، لكن قيل إنه لم يسمع من الحسن ذكره ابن الصلاح في أماليه 0
وقال الآبري : محمد بن خالد غير معروف عند أهل الصناعة من أهل النقل ، وقد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في المهدي وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، ويملأ الأرض عدلاً ، وأن عيسى صلى الله عليه وسلم يخرج فيساعده على قتل الدجال ، وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى خلفه ، في طول من قصته وأمره.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في الفتن والملاحم ( وهذا الحديث مشهور .... وهو فيما يظهر ببادئ الرأي مخالف للأحاديث التي أوردناها في إثبات مهدي غير عيسى بن مريم ، إما قبل نزوله كما هو الأظهر وإما بعده ، وعند التأمل لا ينافيها ، بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حق المهدي هو عيسى بن مريم ، ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهدياً أيضاً ) 0
وهذا تعليق لا بأس به ، حين يثبت الخبر ، وهذا بعيد ، فقد كانت شهرته بالضعف ولم تكن بالصحة 0
فالخبر منكر ، ولا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلامات الضعف ظاهرة عليه 0(1/246)
وأمر المهدي وخروجه ، صحت به الآثار ، وتواترت به الأخبار ، ولقي اهتماماً فائقاً ، وعناية بالغة ، من ذوي التحقيق والعرفان ، فتداوله العلماء جيلاً بعد جيل ، وقرناً بعد قرن بالتصنيف والتأليف ، والرد على من أنكره أو كذّب به ، وقد ذكره طائفة من أهل السنة ضمن عقائدهم التي يجب الإيمان بها ، ويضلل المخالف فيها ، وعمدتهم في ذلك أصول كبيرة ، وحجج قوية ، وأدلة صحيحة ، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي - زاد في بعض رواياته - يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ) أخرجه أبو داود في سننه (4282) والترمذي في جامعه (2231) وابن حبان في صحيحه (15/236) وغيرهم من طريق عاصم ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه 0
وقد صححه الترمذي وابن حبان وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وغيرهم من أهل الحديث 0
كما صحح أحاديث المهدي ، غير هؤلاء منهم ، العقيلي ، والبيهقي ، والذهبي وجمع من المحدثين 0
وقال الشوكاني في رسالته ( التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح) ( والأحاديث المتواترة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح ، والحسن ، والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ) 0
كتبه
سليمان بن ناصر العلوان
19/10/1423هـ
,,,,,,,
*(142) تناقلت بعض وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ، وبعض الصحف مناشدة أهل النجف بتعظيم وحماية الأماكن المقدسة كقبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فهل يثبت أن قبر علي بالنجف ؟ وما حكم الإسلام في تقديس القبور ، والبناء عليها ؟
الجواب:(1/247)
لم يثبت أن قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النجف ، ولا قاله أحد من الأئمة ، وقد دلت الأدلة ، والوقائع على خلافه
? وأكثر الأئمة على أنه قتل بالكوفة ، ودفن في هذه الأرض ، وهذا قول أبي جعفر محمد بن علي الباقر ومحمد بن سعد ، والعجلي.
وقد قيل بأنه دفن في قصر الإمارة ، خوفاً عليه من الخوارج أن ينبشوا عن جثته ، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية ، والحافظ ابن كثير ، وقال عن هذا القول بأنه هو المشهور ، وقال : ومن قال إنه حمل على راحلته فذهبت به فلا يدرى أين ذهب ، فقد اخطأ ، وتكلف ما لا علم له به ، ولا يسيغه عقل ولا شرع وقيل إنه دفن قبلي المسجد الجامع من الكوفة قاله الواقدي ، قال ابن كثير والمشهور بدار الإمارة 0
? وقالت طائفة قتل بالكوفة ، ودفن بالمدينة ، وقد قال بذلك شريك ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، وقال : إن الحسن والحسين حولاه فنقلاه إلى المدينة فدفناه بالبقيع عند قبر فاطمة 0
? وقيل : إنهم حملوه على بعير ضل منهم فأخذته طئ يظنونه مالاً ، فلما رأوا أن الذي في الصندوق ميت ، ولم يعرفوه دفنوا الصندوق بما فيه فلا يعلم أحد أين قبره 0
? وزعمت الرافضة أنه مدفون في النجف ، وهذا كذب وليس له أصل ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في منهاج السنة : ومثل من يظن من الجهال أن قبر علي بباطن النجف . وأهل العلم – بالكوفة وغيرها – يعلمون بطلان هذا ، ويعلمون أن علياً ومعاوية وعمرو بن العاص كل منهم دفن في قصر الإمارة ببلده ، خوفاً عليه من الخوارج أن ينبشوه 0(1/248)
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية : (وما يعتقده كثيرمن جهلة الروافض من أن قبره بمشهد النجف ، فلا دليل على ذلك ، ولا أصل له ، ويقال إنما ذاك قبر المغيرة بن شعبة ، حكاه الخطيب البغدادي عن أبي نعيم الحافظ عن أبي بكر الطلحي عن محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ ، عن مطر أنه قال : لو علمت الشيعة قبر هذا الذي يعظمونه بالنجف لرجموه بالحجارة ، هذا قبر المغيرة بن شعبة )
وقبور المسلمين يجب احترامها ، وحمايتها من عبث الجهال والطغام ، وأهل البدع والشرك ، فلا يجوز الجلوس عليها ، لما روى مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه . رواه مسلم 0
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده ، خير له من أن يجلس على قبر) رواه مسلم في صحيحه من طريق سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه 0
ويحرم البناء على القبور ، لما جاء في الصحيحين من طريق ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالا لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك : ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) متفق على صحته 0
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث الرجال للنظر في القبور فتهدم المخالفة للسنة ، قال أبو الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ) رواه مسلم من طريق حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل ، عن أبي الهياج 0(1/249)
ويحرم الصلاة إلى القبور ، لما روى مسلم في صحيحه من طريق واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد الغنوي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) 0
ونُهي عن المشي بالنعال بين القبور ، فقد روى أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من طريق الأسود بن شيبان ، عن خالد بن سمير ، عن بشير بن نهيك ، عن بشير بن الخصاصية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلاً يمشى في نعلين بين القبور فقال (يا صاحب السبتيتين ألقهما) وحكى ابن عبد الهادي في المحرر عن أحمد أنه قال : إسناده جيد 0
ونقل ابن قدامة في المغني عن أحمد أنه قال : إسناد حديث بشير بن الخصاصية جيد أذهب إليه إلا من علة ، وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأساً 0
قال عبد الرحمن بن مهدى : كنت أكون مع عبد الله بن عثمان في الجنائز ، فلما بلغ المقابر ، حدثته بهذا الحديث ، فقال : حديث جيد ، ورجل ثقة ، ثم خلع نعليه فمشى بين القبور 0
وصححه الحاكم ، وحسنه النووي في المجموع 0
ولا يجوز تحري الدعاء عند القبور ، أو إسراجها ، أو نبشها بدون ضرورة ، وأكبر من ذلك الطواف على القبور ، ودعاء أصحابها من دون الله تعالى ، فهذا من الشرك بالله الذي لا يغفره تعالى إلا بالتوبة . قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ) وقال تعالى ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) 0(1/250)
وإن في تعظيم القبور من المفاسد العظمية التي لا يعلمها إلا الله تعالى ما يغضب لأجله كل من في قلبه وقار وتعظيم لله تعالى ، وغيرة على التوحيد ، وتهجين ، وتقبيح للشرك ، وبسبب تعظيمها سلبت حرية كثير من البشرية إلى الاسترقاق للمخلوقين وأسرتهم تلك التصورات الضالة ، والعقائد الفاسدة ، فهم في غيهم يعمهون 0
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
20/2/1424هـ
*(143) ما حكم دخول المرأة الحائض إلى المسجد لحضور المحاضرات والدروس ؟
الجواب :
اختلف العلماء في حكم دخول الحائض المسجد على ثلاثة مذاهب
المذهب الأول : عدم جواز دخول الحائض المسجد ، وهذا المشهور في مذهب مالك ، والشافعي ، وأهل الرأي ، وأحد القولين في مذهب أحمد ، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم ( إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ) وبقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ) والحديث متفق على صحته ، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى الحيض أن يشهدن صلاة العيد ) والحديث متفق على صحته 0
المذهب الثاني : جواز دخول الحائض المسجد للحاجة والضرورة ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم ( ضرب خباء للمرأة السوداء ) رواه البخاري في صحيحه (3835) من طريق هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة ، قالوا ولا بد لهذه المرآة أن تحيض ، ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُضرب لها خباء في المسجد ، ويلحق بهذا دخول الحائض المسجد لحضور محاضرة ودروس علمية ونحو ذلك 0
المذهب الثالث : جواز دخول الحائض المسجد إن أمنت التلويث ، وهذا المذهب محكي عن مالك ، وأحد القولين في مذهب الشافعي ، وأحمد ، وهذا قول الظاهرية ، واختاره ابن حزم ، وفيه قوة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة (ناوليني الخمرة من المسجد ) فقالت : إني حائض قال
((1/251)
إن حيضتك ليست في يدك ) رواه الإمام مسلم في صحيحه (298) من طريق أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن ثابت بن عبيد ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، ويحتج لذلك بالبراءة الأصلية حيث لم يثبت دليل صحيح بالمنع ، ويجاب عن خبر ( لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ) بأنه خبر لا يثبت ، رواه أبو داود (232) وابن خزيمة (2/284) من طرق عن عبد الواحد بن زياد ، عن أفلت بن خليفة ، قال حدثتني جسرة بنت دجاجة ، عن عائشة 0
قال البخاري رحمه الله عند جسرة عجائب ، وقال ابن حزم (هذا حديث باطل) وقد بينت ما فيه من العلل في موضع آخر ، والله أعلم 0
وأُجيب عن حديث عائشة ، بأن هذا وارد في الطواف ولا علاقة له بدخول المسجد ، وهذا ظاهر 0
وأُجيب عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم للحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين بأن المراد بالمصلى هو المكان الذي يصلى فيه وليس هو المسجد ، فتكون الحائض نائية عن المصلى الذي يصلى فيه ، لئلا تضايق المصليات وتشوش عليهن ، ونحو ذلك ، والله أعلم0
أخوك
سليمان بن ناصر العلوان
8/8/1423هـ
,,,,,,,,
*(144) ما حكم النغمات الموسيقية في الجوالات ، وخصوصاً في المساجد ؟
الجواب :
لا ريب أن الشريعة الإسلامية أولت المساجد عناية عالية ، ومكانة مرموقة ، فقد أضافها الله تعالى إلى نفسه فقال تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ ) وقال تعالى (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ) ورفع الله من شأنها وعظمها فقال تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) وهي أحب البقاع إلى الله تعالى ثبت هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ( أحب البلاد إلى الله مساجدها ، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) رواه الإمام مسلم في صحيحه (671) من طريق الحارث بن أبي ذباب ، عن عبد الرحمن بن مهران مولى أبي هريرة ، عن أبي هريرة 0(1/252)
ويقول ابن عباس رضي الله عنه ( المساجد بيوت الله في الأرض تضئ لأهل السماء كما تضئ نجوم السماء لأهل الأرض ) رواه عنه الطبراني في المعجم الكبير (10/262) من طريق بكير بن شهاب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس 0
وهي من شعائر الإسلام الظاهرة التي أمر الله تعالى بتعظيمها واحترامها ، وجعل تعالى ذلك من علامة التقوى فقال تعالى ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) ولذلك فقد صان الإسلام المساجد عن مباحات كثيرة ، كل ذلك لأجل رفع مكانة المساجد ، وتعظيم شأنها ، ورفع قدرها ، فهذا البيع الذي به قوام البشرية وحياتهم نهي عنه ، بل وأمرنا أن نقول لمن يبيع ويشتري في المسجد لا أربح الله تجارتك ، جاء هذا في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا أن نجيب من أنشد ضالة في المسجد بقولنا له : لا ردها الله عليك ، جاء ذلك عند الإمام مسلم في صحيحه (568) من طريق محمد بن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله مولى شداد بن الهاد ، أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد ، فليقل : لا ردها الله عليك ، فإن المساجد لم تبن لهذا ) 0(1/253)
هذا وهي في ذاتها أعمال مباحة ، ولا ترتبط بصلب الصلاة ، والآن ما هو موقف الإسلام من الذين يشوشون على المصلين ، ويعملون في المساجد أعمالاً محرمة ، ويأتون بالموسيقى وأشباهها ، بلا ريب أن الذنب أعظم ، والنهي آكد ، والوعيد أشد ، لا سيما وهذه الآلات تلهي المصلين ، وتزعج الذاكرين ، وقد نهى الشرع الحكيم عن كل ما يلهي المصلين ويشوش عليهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ، في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال : ( اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم ، وأتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي ) متفق عليه من طريق ابن شهاب ، عن عروة عن عائشة ، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه ( من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ ) ذكره البخاري في صحيحه معلقاً مجزوماً به 0
وحين ننهى عن النغمات الموسيقية مطلقاً في الجوالات وغيرها ، نحذر من تشغيل الجوالات في المساجد ، ورنين الأجهزة ، فمفاسد ذلك متعددة ، وأضراره واضحة وآفاته قبيحة قال تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) وأجزم أنه لا يجتمع في الصلاة خشوع ، ورنين جوال ، فمن عقل عن الله أمره ، آثر رضاه وأقبل على صلاته وخشع لربه ، وابتعد عن سلوك أهل العادة والغفلة ، فهؤلاء في واد وأهل الصلاة والخشوع في واد آخر ، وأحسب أن المؤمن يستجيب لأمر الله ،
وأمر رسوله فلا يعصي الله في أحب البقاع إلى الله ، ولا يؤذي أحداً بقوله ، ولا فعله فحين يأتي إلى المساجد يغلق الجوال ، ويقبل بقلبه على صلاته ، نسأل الله التوفيق والثبات على الحق 0
أخوك
سليمان بن ناصر العلوان
5/8/1423هـ
,,,,,,,
*(145) ماهي السنة في كيفية القعود في صلاة الجالس ؟
الجواب :
الصحيح في هذه المسألة جواز التربع والافتراش لأنه لم يثبت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .(1/254)
وقد وصفت عائشة رضي الله عنها كيفية صلاته جالساً ولم تذكر كيفية قعوده فدل ذلك على السعة في الأمر .
وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله ( يجوز على أيّ صفة شاء المصلي .
وقال الإمام ابن المنذر في الأوسط ( 4 / 376 ) ليس في صفة جلوس المصلي قاعداً سنة تتبع وإذا كان كذلك كان للمريض أن يصلي فيكون جلوسه كما سهل ذلك عليه ، إن شاء صلى متربعاً وإن شاء محتبياً وإن شاء جلس كجلوسه بين السجدتين كل ذلك قد روي عن المتقدمين .. ) .
وقد قالت طائفة من أهل العلم التربع أفضل وهذا مروي عن ابن عمر وأنس بن مالك وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد .
والحجة لهم ما رواه النسائي ( 3 / 376 ) وغيره من طريق أبي داود الحفري عن حفص عن حميد عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت . رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي متربعاً .
وهذا الحديث لا يصح وقد جاء من غير وجه ليس في شيء من ذلك ذكر التربع قال النسائي رحمه الله لا أعلمُ أحداً روى هذا الحديث غيرَ أبي داود وهو ثقة ولا أحسب هذا الحديث إلا خطأ .
وقال الإمام ابن المنذر في الأوسط ( 4 / 376 ) حديث حفص بن غياث قد تكلم في إسناده روى هذا الحديث جماعة عن عبد الله بن شقيق ليس فيه ذكر التربع ولا أحسب هذا الحديث يثبت مرفوعاً .. ) .
وجاء عن عبد الله بن مسعود أنه كره الصلاة متربعاً رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر .
وعن أحمد رواية . أنه إن أطال القراءَة تربع وإلا افترش .
والصحيح القول الأول وهو التخيير بين التربع والافتراش والله أعلم .
قاله
سليمان بن ناصر العلوان
16/ 7 / 1421هـ
,,,,,,,
*(146) ما حكم من عزم على الأضحية فأخذ من شعره وقلم أظفاره؟
الجواب :(1/255)
يُكره على مَنْ يُضحي أن يأخذ من شعره أو بشرته شيئاً لحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً . رواه مسلم ( 1977 ) من طريق سفيان عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة .
وجاء بلفظ ( فلا يأخذنَّ شعراً ولا يَقْلمنَّ ظُفُراً ) .
ورواه من طريق مالك عن عمر بن مسلم عن سعيد عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) .
وبالكراهية قال أكثر أهل العلم وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية .
وقال أبو حنيفة لا شيء على من أخذ من شعره وأظفاره .
وقال إسحاق وأحمد في رواية يحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك والأصل في النهي أن يكون للتحريم .
وجاء الأمر بالامساك في قوله ( فليمسك عن شعره وأظفاره ) والأصل في الأمر أن يكون للايجاب مالم يصرفه صارف ولكن إذا أخذ من شعره قبل أن يضحي بدون عذر أجزأته أضحيته بالاتفاق .
وأما المُضحى عنه ومن يضحي عن غيره بوكالة أو وصية فلا يُكره في حقهما أخذ شيء من الشعر والأظافر ولا كراهية على المضحي في غسل الشعر وحكه وإزالة المؤذي من ظفر ونحوه والله أعلم
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
28 / 11 / 1421 هـ
,,,,,,,
*(147) تعلمون أثابكم الله أن كثيراً من دول العالم الإسلامي في فقر شديد ، فأيهما أفضل الأضحية في هذا البلد ، أم في هذه الدول الفقيرة ؟
الجواب:(1/256)
إن من المصالح الكبرى التي عنيت بها الشريعة الإسلامية ، وكانت أحد مقاصدها العظمى ، تقديم المصالح ، والعناية بذوي الحاجة والفقر من المسلمين ، وإن من المصالح المحققة في هذا الباب جواز نقل الأضحية من بلد المضحي إلى بلد آخر ، لاسيما وليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يمنع ذلك ويدفعه ، والأصل في ذلك الجواز ، فإذا كانت الزكاة وهي واجبة بالإجماع يجوز نقلها من بلد إلى بلد للمصلحة والحاجة ، فكيف بالأضحية المستحبة 0
وقد منع من ذلك بعضهم مستدلاً بفوات إظهار الشعيرة ، وقد قال تعالى ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) 0
وفي الاستدلال بهذه الآية نظر من وجهين:
الوجه الأول : أن يتفق الناس كلهم على ذبح ضحاياهم خارج بلادهم ، فيبقى إظهار الشعيرة من هذا الوجه موجوداً 0
الوجه الثاني : على فرض أن الناس جميعاً يذبحون ضحاياهم خارج البلد ، فإن أصل إظهار الشعيرة باق غير منتف ، فهو يظهر ويقوى ظهوره في بلد آخر ، وإن ضعف ظهوره في البلد الأصل للحاجة والمصلحة 0
والقصد من الأضاحي هو إظهار الشعيرة ، في كل بلد ، ونفع الفقراء ( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ) وقد جاء في الصحيحين من طريق أبي عاصم ، عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته شيء ) فلما كان العام المقبل ، قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا عام الماضي ؟ قال : ( كلوا وأطعموا وادخروا ، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها )0(1/257)
فالشارع لما نظر في فاقة الناس حرم عليهم الادخار فوق ثلاثة أيام ، فلما زالت تلك العلة زال النهي 0
وحينئذٍ لا نجد حرجاً من الفتوى بجواز نقل الأضحية من بلد إلى آخر فإن أعداداً كبيرة من المسلمين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ويعانون مسغبة ، وقد يموتون جوعاً والحاجة داعية إلى الوقوف معهم ، وإغاثتهم بالزكوات والصدقات ، ونقل الأضحية إلى بلادهم ، فإنه لا يتعين في الأضحية مكان بلد المضحي ، وحين تفوت سنية الأكل من الأضحية فلا تفوت مصلحة إغاثة الفقراء والمساكين وسد حاجتهم ، والله أعلم 0
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
2/12/1423هـ
*(148) فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله : نرجو إفادتنا عن حكم القنوت في الصلوات المكتوبة في مثل هذه الأوقات التي يعاني فيها الإخوان الفلسطينيون من مكر اليهود وخبثهم ؟؟؟
الجواب
القنوت في الفرائض مشروع في النوازل خاصة , فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الصلوات الخمس يستنصر للمؤمنين ويلعن الكافرين.
قال أبو هريرة رضي الله عنه : ( والله لأُقربنّ بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو هريرة يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح , ويدعو للمؤمنين ويلعن الكفار ) رواه مسلم ( 676 ) في صحيحه .
وجاء في الصحيحين من حديث أيوب عن محمد عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح بعد الركوع .
وفي الصحيحين أيضاً من حديث سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس قال : ( قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على رعل وذكوان(.(1/258)
وفي سنن أبي داود ( 1443 ) من حديث هلال بن خبّاب عن عكرمة عن ابن عباس قال : ( قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً مُتتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة إذا قال ( سمع الله لمن حمده ) من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني سُليم على رعل وذكوان وعصية , ويؤَمِن مَنْ خَلْفَه ) . قال ابن القيم رحمه الله وهو حديث صحيح .
ويستمر هذا القنوت في مساجد المسلمين حتى يزول العارض وترتفع النازلة .
والسنة في الدعاء الجهر بالصوت ليؤمن المصلون على ذلك .
وهذا أقل شيء يقدمه المسلمون في العالم لإخوانهم المستضعفين في فلسطين والشيشان وبلاد أُخرى الذين يعانون من ظلم اليهود والنصارى وأعوانهم من أراذل البشرية .
وفي ظل التآمر العالمي على البشرية المسلمة ولا سيما في فلسطين والشيشان أرى ضرورة الإعداد والمقاومة وتطوير وسائل القتال وأساليب المقاومة فحين نقوم في مساجدنا وخلواتنا نبتهل إلى الله في نصرة الإسلام والمسلمين وذل الكفر والكافرين لا نقف عند هذا فحسب , فإن الأعداء يتفننون في المؤامرات وإلحاق الأضرار بالمسلمين فيجب علينا تطوير وسائل القتال ومواجهة اليهود والنصارى بكل قوة شرعية نصل من خلالها لإرهابهم والمكر بهم قال تعالى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} (60) الأنفال .
وقال صلى الله عليه وسلم ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه أبو داود ( 2504 ) وغيره من طريق حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن أنس وسنده صحيح .
فالمسلمون مأمورون بأن يكونوا أقوياء لا يهنون لما يصيبهم ولا يستكينون ويضعفون أمام قوى الطغيان .(1/259)
ومأمورون بأن يبذلوا أسباب النصر ليرهبوا العدو ويَعْلُوَ سلطانُ الله على سلطان البشر وقوة المؤمنين على قوة الكافرين .
قال تعالى { إن تنصروا الله ينصركم}.
وقال تعالى { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد }.
وقال تعالى { ولينصرن الله من ينصره }.
المهم أن نعبد الله وحده لا شريك له ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونؤدي حق الله ونجتنب نهيه .
والنصر وراءَ ذلك وعد محقق لا محالة قال تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) } النور .
أخوكم
سليمان بن ناصر العلوان
15/7/1421هـ
,,,,,,
*(149) هذه فتوى فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في تأييد حكومة طالبان في تحطيم الأوثان وكسر الأصنام نقلتها من فتوى مسجلة بصوته بتاريخ 18 / 12 / 1421 هـ وعرضتها على الشيخ فيما بعد فصححها ووافق على نشرها فهذا نصها .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :(1/260)
فقد وردت علي أسئلة كثيرة من جهات مختلفة يسألون عن مدى شرعية ما قامت به حكومة طالبان من تكسير الأوثان الموجودة في أفغانستان حيث حصلت لهم معارضات من الكفار وبعض المنسوبين للإسلام والمحسوبين على العلم وقد ذكر كثير من الإخوة في أسألتهم شبه المعارضين ونظرة بعض المفتين بمنع كسر الأوثان لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يحصل منهم تحطيم للأوثان حين وطئت أقدامهم هذه البلاد ؟
حقيقة ما كنت أظن أن الأمر يبلغ هذا المبلغ وما كنت أتصور أن جملة من أهل العلم يعارضون حكومة طالبان بمثل هذه الأعمال المجمع على شرعيتها .
وقد رأيت أن أبادر هؤلاء الإخوة المسترشدين بجواب مختصر وأنسئ الجواب المطول لوقت آخر فإن هذه المسألة متعلقة بتوحيد الإلهية .
وأعظمُ الأصول التي يقررها الله عز وجل في كتابه هو توحيد الإلهية وهذا الأصل هو الذي أرسلت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب وهذا الأصل العظيم هو أعظم الأصول على الإطلاق وأكملها وأفضلها وهو الذي خلق الله الخليقة لأجله وشرع الشرائع لقيامه وبوجوده يكون الصلاح والإصلاح والإستقامة والطمأنينة ، وبفقده يكون الفساد والإفساد والإنحراف وتفلت الأمور قال الله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } أي يوحدون وقيل إلا لأمرهم وأنهاهم وأعظم أمر أمر الله به هو الأمر بالتوحيد وهو أول أمر جاء ذكره في القرآن . قال تعالى { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ } وضده الشرك وهو أعظم شيء نهى الله عنه وجاء النهي عنه في أول نهي في القرآن قال تعالى { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) } والقرآن كله من فاتحته إلى خاتمته يقرر هذا الأصل فيبين التوحيد ويذكر محاسنه ويحذر عن الشرك ويبدي مضاره ومخالفته للفطر .(1/261)
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل أصحابه للمدن والقرى يبينون هذا الأصل ويدعون إلى التوحيد ويحذرون عن الشرك ووسائله والأمور المؤدية إليه . فقد حمى النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسد كل طريق يوصل إلى الشرك فنهى عن رفع القبور ونهى عن البناء عليها وعن الصلاة عندها .
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً لهدم معاقل الوثنية وهدم صروح الشرك وقال له : لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته . هذا الخبر صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه من طريق سفيان عن حبيب ابن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي الهياج الأسدي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وعلى الرغم من وضوح هذه الأصول في الأدلة الشرعية وعمل خير القرون إلا أن كثيراً من الناس في هذه الأزمان يعيش في ركام من الأوهام وشذوذ في الأفكار وشرود عن الحقيقة فحين قامت حكومة طالبان بتحطيم الأصنام وتسويتها بالتراب إعلاء لكلمة الحق وتصغيراً وتحقيراً لأمر الباطل قامت قوى الكفر وأئمة الظلال بالتنديد والإستنكار لمثل هذه الأعمال ولا عجب من هؤلاء فهم أهل الكفر بل العجب لولم يستنكروا ولكن الجرح الذي لا يندمل هو تنديد بعض المنسوبين العلم والتشكيك بمثل هذه الأعمال الإيمانية والبواعث الشرعية فهذه وصمة عار وانهزامية أمام القوى العالمية . وعذر بعضهم وما أقبح هذا العذر الجهل بحقيقة ما جاءَت به الرسل من شرعية تحطيم الأصنام وتسويتها بالتراب ونحن نعلم من شرعنا وجوب هدم مواطن الشرك بعد القدرة على ذلك .
وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز إبقاء مواطن الشرك والأصنام فهي أعظم المحرمات وأقبح المنكرات فلا يحل شرعاً إبقاؤها ولا يوماً واحدا حين القدرة على إبطالها وإزالتها .(1/262)
وقد جاء في صحيح الإمام مسلم من طريق يحيى بن أبي كثير وشداد بن عبد الله عن أبي أمامة قال قال عمرو بن عبسة( كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ظلالة ، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فقلت له ما أنت فقال أنا نبي فقلت وما نبي ؟ قال أرسلني الله فقلت بأي شيء أرسلك ؟ قال أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء ....... ). فهذا الحديث صريح بوجوب تكسير الأصنام وتحطيمها فهذا مما أرسلت به الرسل سواء كانت معبودة كاللات والعزى أو لم تكن معبودة فالكل يجب إزالته والبراءَة منه ولا عذر لأحد قدر على ذلك فتخلف عن التكسير أو المناصرة ، فأي منكر أعظم من هذا وأي بلاء أكبر منه .
فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاث مائة وستون نصبا وفي رواية صنما . فجعل يطعنها في عود كان في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا جاء الحق وما يبدء الباطل وما يعيد .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل الرسل والسرايا بتكسير الأصنام وهدمها والأدلة على ذلك متواترة وهذا يغني عن سياقها وتخريجها .
وليس أحد من أهل العلم ينازع في ذلك . فهذا عمل المسلمين في القرون الأولى وعمل المسلمين في القرن الرابع والخامس والسادس وقد امتد هذا الأمر إلى عصر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى حيث كان العلماء والقادة المصلحون يدكون هذه الأصنام ويهدمون القباب والمساجد المبنية على القبور ويقطعون الأشجار التي ينتابها الجهال للتبرك.(1/263)
ولا أعلم عن أحد من علماء التوحيد نازع في ذلك أو فرق في هدم الأصنام بين معبود وغيره فالتفريق بين الأمرين ليس له أصل في الشرع بل هو جهل بالأدلة الشرعية وجهل بواقع الأمر وحقيقة هذه الأصنام المعبودة مع الله ولا أدل من هذا مجادلة الكثيرين عن هذه الأصنام الموجودة في أفغانستان وحمايتها وبذل الأرواح في بقائها والتباكي لهدمها والاستعانة بجنود إبليس لحفظها وتخليدها .
ومزاعم المتباكين على هذه الأحجار بأنها غير معبودة هي مجرد توهَّمات وتخرّصات فالآلاف من الوثنيين يقصدونها للعبادة فلا مجال للمكابرة في الأمر الواقع . وقد أحسنت حكومة طالبان في هدم هذه الأوثان وتكسيرها فهذا العمل كبير وعظيم يشكرون عليه وهو من أسباب بقاء الملك وحفظ الديار قال الله تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56(}.
ودعوى كثير من المتأخرين أن هذه الأصنام كانت موجودة في مصر وأفغانستان وقد دخلها الصحابة ولم ينكروها أو يحطومها كما فعلت حكومة طالبان فهذه دعوى ليس لها زمام ولا خطام فالأدلة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب هدم هذه الأصنام ، ومعاذ الله أن يخالف الصحابة الأمر المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن يخالفوا ما أجمعت الرسل على إنكاره وهل هذا إلا سوء ظن بالصحابة رضي الله عنهم .
وعلى احتمال وجودها في عهد الصحابة رضي الله عنهم فالأمر يحتمل أحد أمرين :(1/264)
1- أنهم لم يشاهدوها وهذا الأصل ومن ادعى خلاف هذا فعليه الدليل الصحيح .
2- أنهم لو عاينوها ورأوها فلا يمكن إثبات قدرة الصحابة على إزالتها فإذا كانت الدبابات والمحدثات العصرية القادرة على تحطيم الجبال قد عانت من تكسير هذه الأصنام ولم تستطع تكسيرها إلا بجهد كبير فمن البديهي أن تعجز عن ذلك سيوف الصحابة ورماحهم .
وعلى كلٍ فنحن نبقى على الأمر المجمع عليه بين الصحابة والتابعين ، وأهل العلم من حتمية هدم الأصنام دون نظر لوجود صنم في بلد أو آخر فلم ينكر فهذه الدعوى لا يصح الاعتراض بها على مسلمات الشريعة ، فالفرض هدم كل صنم ووثن سواء كان معبوداً أو غير معبود . ولا يجوز بيع هذه الأصنام وهذا بالاتفاق ولا اتخاذها تراثا فهذا من عمل أهل الجاهلية ومن وسائل الشرك ، هذا ما يتيسر إيراده على عجالة في الأمر بناء على طلب كثير من الإخوة وأسأل الله تعالى أن يوفق حكومة طالبان لما يحبه الله ويرضاه . وأن يهدي الجميع إلى سواء الصراط المستقيم وأن يوفقهم لكل خير وصلاح .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
*(150) فضيلة الشيخ ما حكم مناصرة المسلمين في أفغانستان والقتال معهم؟
الجواب(1/265)
من واجبات الدين وضرورياته مناصرة المسلمين في حكومة طالبان وفلسطين والشيشان وغير ذلك من بلاد المسلمين والذب عن حرماتهم وأعراضهم، وكل على قدر طاقته { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا }، فأهل الأموال يساهمون في قيام الجهاد بصدقاتهم وزكواتهم، قال تعالى { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ..}، وأهل القدرة على القتال يمنحون الدين أرواحهم ويبيعون الحياة الدنيا بالآخرة ويشاركون إخوانهم في الذب عن حرماتهم وأعراضهم والدفاع عن أراضيهم وتخليصهم من أيدي الكفرة المعتدين والأمريكان الظالمين قال تعالى { وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " رواه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن أنس وسنده صحيح .(1/266)
وقد اتفق العلماء على وجوب قتال الكفار المعتدين على بلاد المسلمين وعلى حرماتهم . فإن اندفع شرهم وكيدهم بأهل البلاد المظلومة سقط الفرض عن غيرهم, وإن لم يحصل دفع العدو الكافر وطرده عن بلاد المسلمين فإنه يجب حينئذٍ على من يقرب من العدو من أهل البلاد الإسلامية الأخرى مناصرة إخوانهم وصدّ عدوان الكافرين ودفع بغيهم وظلمهم وقد قال تعالى { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض }، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته . ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامه ,رواه البخاري ومسلم من طريق الزهري عن سالم بن عبد الله عن عمر بن أبيه .وقال صلى الله عليه وسلم : المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً . متفق على صحته من حديث أبي موسى الأشعري .
وروى البخاري و مسلم من طريق زكريا عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد . إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) .( وفي رواية عند مسلم) ( المسلمون كرجل واحد . إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله(.
ولا ريب أن المقتول في سبيل الله في جهاد الكفار ومناصرة المؤمنين والدفاع عن بلادهم وحرماتهم ينال أجر الشهداء الصابرين والمجاهدين الصادقين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ( رواه مسلم في صحيحه من حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة . وهذا دليل على أن المقتول في سبيل الله شهيد ودليل على أن من مات في سبيل الله من المرابطين والمقاتلين بدون قتل فإنه شهيد .(1/267)
وقد جاء في صحيح مسلم من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن بعجة بن عبد الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( منْ خير معاش الناس لهم . رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل أو الموت مظانه (.
فالله الله في قتال الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم وزرع الرهبة في قلوبهم والنكاية بهم وتبديد قوتهم وكسر شوكتهم، قال الله تعالى { فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً }. والله الله في الإخلاص لله تعالى فإن العمل غير مقبول بدون إخلاص لله ومتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم .
ثم نتوجه بمخاطبة المسلمين في العالم كله أن يقوموا بتطبيق مبدأ الأخوة الإيمانية بمناصرة إخوانهم المجاهدين بأموالهم وأنفسهم وألسنتهم بالدعاء والقنوت في الصلوات المكتوبات، والذب عن أعراض إخوانهم المجاهدين بالكتابات الجريئة في وجه أهل الباطل والنفاق، وبذل الجهد بقدر الوسع في نصرة المظلومين في أفغانستان والشيشان وفلسطين والعراق الذي يعاني شعبه الجوع والأمراض منذ أكثر من عشرة أعوام .
قال تعالى { وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ }.(1/268)
والحذر الحذر من مناصرة الكفار على المسلمين بأي نوع أو وسيلة من وسائل النصرة فهذا من التولي وهو كفر ونفاق ومرض في القلوب وفسق . وليس من شروط الكفر أن تكون مظاهرته للكفار محبة لدينهم ورضى به، فهذا مذهب ضعيف لأن محبة دين الكفار والرضى به كفر أكبر دون مظاهرتهم على المسلمين . فهذا مناط آخر في الكفر ولو ادعى المظاهر محبة الدين وبغض الكافرين فإن كثيراً من الكفار لم يتركوا الحق بغضاً له ولا كراهية للدين إنما لهم طمع دنيوي ورغبة في الرياسات فآثروا ذلك على الدين قال تعالى { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
وقصة حاطب في الصحيحين هي من قبيل النفاق الأكبر وقد شفع له شهوده بدراً في قبول تأويله الذي صدّقه عليه النبي صلى الله عليه وسلم وبدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ عمر على تسميته منافقاً .
قال تعالى { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ }، وذلك لأنهم دخلوا في طاعتهم ونصروهم وأعانوهم بالمال والرأي .
ومن ذلك مشاركة الجنود المسلمين الموظفين في الحكومة الأمريكية في قتال الأفغان المجاهدين في سبيل الله فهذا من أكبر الذنوب وأعظمها منافاة لأصل الإيمان . وتجويز هذا العمل بدليل الإكراه غير صحيح فإن للإكراه ضوابط وشروطاً وهي غير متوفرة في هذه الصورة .
فإن هؤلاء العسكريين يسعون لمصالحهم وتثبيت مناصبهم وكسب الأموال في سبيل قتل الأبرياء من المسلمين وهدم ديارهم وهذا لا يجيزه عاقل .
وقد يهددون بالقتل وهذا غير مسوَّغ للمشاركة لأنه لا يجوز شرعاً أن تبقي نفسك في سبيل هلاك الآخرين وقتل المظلومين فليست دمائهم بأرخص من دمائكم ولا دماؤكم بأغلى من دمائهم .(1/269)
قال تعالى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}.
وقد أفتى بعض المنهزمين بجواز مشاركة المسلمين العسكريين العاملين في الحكومة الأمريكية في قتال الأفغان المسلمين وهذه مخالفة لسبيل المؤمنين، واجتهادات لا تحمل شعار العلم والفقه .
وقد كتبت رسالة مطولة في نقض هذه الفتوى وبيان منافاتها للأدلة السمعية والعقلية، فإن المظاهرة أي مظاهرة الكفار على المسلمين من المسائل المجمع على تحريمها وقد سمى الله ذلك كفراً وقد تقدم وسمى ذلك نفاقاً فقال تعالى { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}.
وسمى ذلك مرضاً في القلوب فقال تعالى { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}.
وسمى ذلك فسقاً فقال تعالى { تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ . وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ }.
والإجماعات المنقولة في هذا الباب كثيرة، وقد حررت ذلك في غير موضع وبينت الفرق بين الموالاة والتولي ، وأن التولي كفر أكبر وأما الموالاة فمنها ما هو مرادف للتولي، ومنها ما هو دون ذلك والله أعلم .
سليمان بن ناصر العلوان(1/270)
1/8/1422هـ
,,,,,,
*(151) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، يا شيخ تعلم الآن ما حصل في أمريكا .
فهل يحق لنا نحن السعوديون أن نقف بجانب أفغانستان ؟ وهل يعتبر جهاد ؟ وهل يعتبر المقتول شهيد ؟
الجواب
الأخ المكرم حفظه الله
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
يجب الوقوف مع المسلمين وإعانتهم بالمال والبدن والرأي .
ولا يجوز التخلف عن مناصرة المسلمين في مثل هذه الظروف فقد تواصت دول الكفر على حرب الإسلام وأهله ولا عجب في هذا ولكن الغريب أن يتحالف بعض المنسوبين إلى الإسلام مع دول الكفر على ضرب أفغانستان وهذا ضرب من النفاق قال تعالى ( بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً(
وقال تعالى ( ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون(
وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على أن مظاهرة الكفار على المسلمن ومعاونتهم بالنفس والمال والذب عنهم بالسنان والبيان كفر وردة عن الإسلام قال تعالى ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
وأي تولٍ أعظم من مناصرة أعداء الله ومعاونتهم وتهيئة الوسائل والإمكانيات لضرب الديار الإسلامية وقتل القادة المخلصين .
قال الحافظ ابن جرير رحمه الله تعالى ( ومن تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض ، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمُه حكمَه(.
وقولك : هل يعتبر جهاداً ، والمقتول شهيداً.(1/271)
فيقال : من قُتل من المسلمين في جهاد الكفار وحماية بلاد المسلمين والذب عن حرماتهم وأعراضهم وأموالهم فهو شهيد ولا يختلف في ذلك اثنان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد) . رواه مسلم في صحيحه من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة .
وقد جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من قتل دون ماله فهو شهيد) والمقتول في سبيل الله ونصرة الدين والنكاية باليهود والنصارى وحفظ أعراض المسلمين والمسلمات أعظم شهادة وأكثر ثواباً من المقتول دون ماله .
أخوك
سليمان بن ناصر العلوان
3/7/1422هـ
*(152) وهذه بخصوص قضية العراق ...
**البيان الأول**
الموقف الشرعي من حصار الشعب العراقي
بسم الله الرحمن الرحيم
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه : ( يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم ، قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل العجم ، يمنعون ذاك ، ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدى ، قلنا من أين ذاك ؟ قال من قبل الروم ... ....) 0 رواه الإمام مسلم في صحيحه (2913) من طريق سعيد الجريري ، عن أبي نضرة ، قال كنا عند جابر بن عبد الله فقال يوشك .... فذكره 0
وهذا الخبر موقوف لفظاً ، مرفوع حكماً ، فلا مجال للاجتهاد في مثل هذا.(1/272)
وهو علم من أعلام النبوة المحمدية ، حيث تحقق هذا الخبر ، وأصبح في دنيا الواقع من الأمور الظاهرة ، وذلك أن رأس الكفر العالمي ، وحاملة لواء الإرهاب والعنف ، أمريكا فرضت الحصار على الشعب العراقي المسلم البريء ، ولا غرابة في ذلك فأمريكا تعشق الظلم والبغي والعدوان ، وقد شمل ظلمها كل نوع وجنس وهوية وملة ، فعلى أمريكا تدور رحى الهمجية والتطرف ، وهي حاملة كأس الموت ، وهي السابقة في كل الميادين الإجرامية ، وهي رائدة الكبر والطغيان والتمرد والإجرام ، فأمريكا لا ترعى لشيخ حرمة ، ولا لطفل رحمة ، ولا لمرأة عاطفة 0
كم قتلت أمريكا في العراق
وكم قتلت في فلسطين
وكم قتلت في أفغانستان
وكم قتلت في حرب فيتنام
وكم قتلت في اليابان
وكم قتلت .... وكم دمرت .... وكم أجرمت ... ؟ !!
تعجز الأقلام عن تسويدها، ولا يسع الصحف عرضها ، ولا تستطيع الذاكرة استيعابها .
أمريكا عدوة الإنسانية ، ليس المسلمين فحسب بل من كل ملة ، اسألوا أفريقيا السوداء واليابان ، واسألوا أمريكا الجنوبية ، الذين يجزرون بعشرات الملايين ، أرقام خيالية، وأعداد رنانة ، ووفيات فوق حسابات البشر ، قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 0
وطريقة القتل عندهم طريقة وحشية وليست إنسانية ، فهم يصبون وابلاً من الأطنان على الأبرياء وكأنهم يصبون على جبال صماء ، وصدق الله حيث يقول (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ) 0(1/273)
وفي ليلة من ليالي عام 1366هـ – في الحرب العالمية الثانية – دمرت 334 طائرة أمريكية ما مساحته 16 ميلاً مربعاً من طوكيو ، بإسقاط القنابل الحارقة ، وقتلت 100مائة ألف شخص في يوم واحد ، وشردت مليون نسمة ، ولا حظ أحد كبار الجنرال كيرتس لوماي بارتياح أن الرجال والنساء والأطفال اليابانيين قد أحرقوا ، وتم غليهم وخبزهم حتى الموت ، وكانت الحرارة شديدة جداً حتى إن الماء قد وصل في القنوات درجة الغليان ، وذابت الهياكل المعدنية ، وتفجر الناس في ألسنة من اللهب وتعرضت أثناء الحرب حوالي 64 مدينة يابانية ، واستعملوا ضدهم الأسلحة النووية ولذلك فإن اليابان لا تزال – حتى اليوم – تعاني من آثارها 0
وألقت قنبلتين نوويتين فوق مدينتي هيروشيما ونجازاكي ، وقال بعدها الرئيس الأمريكي هاري ترومان وهو يكن في ضميره الثقافة الأمريكية (العالم الآن في متناول أيدينا ) 0
وتشير أحد التقديرات إلى مقتل زهاء 400 ألف شخص بهذه الطريقة ، وكان هذا تمهيدا لعمليات الإبادة التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد أقطار أخرى لم تهدد واشنطن 0
وما بين عام 1371هـ وعام 1392هـ ذبحت الولايات المتحدة في تقدير معتدل زهاء عشرة ملايين صيني ، وكوري ، وفيتنامى ، ولاووسي وكمبودي ، وتشير أحد التقديرات إلى مقتل مليوني كوري شمالي في الحرب الكورية ، وكثير منهم قتلوا في الحرائق العاصفة في بيونغ يانغ، ومدن رئيسة أخرى 0
ويذكرنا هذا بالهجمات الحارقة على طوكيو التقدير الأعلى للقتلى الصينيين حوالى 3 ملايين 0
وفي منتصف عام1382هـ سببت حرب فيتنام مقتل 160 ألف شخص ، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص ، واغتصاب 31 ألف امرأة ، ونزعت أحشاء 3000 شخص وهم أحياء ، وأحرق 4000 حتى الموت ، وهوجمت 46 قرية بالمواد الكيماوية السامة 0(1/274)
ولذلك فإن جهاز الأمن القومي الأمريكي في فيتنام يعطي أكبر دليل عن المسافة الكبيرة بين القيم والممارسات الأمريكية ، ويؤكد أن لا مجال لحقوق الإنسان ! في السياسة الأمريكية ، ولا مكان لها أمام المصالح.
وأدى القصف الأمريكي لهانوي وهايفونغ في فترة أعياد الميلاد وعام 1391هـ إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم 0
وقتل الجيش الأمريكي المدرب في غواتيمالا أكثر من 150 ألف فلاح ما بين عام 1385هـ و عام 1406هـ 0
وقاموا بإبادة ملايين الهنود الحمر – يصل عددهم في بعض الإحصائيات إلى أكثر من مائة مليون – وهم السكان الأصليون لأمريكا ، وفي وقعت بيكووت التي شنت لمقتل أحد المستوطنين ، وأحرق فيها 700هندي وقبض على معظم من تبقى من الهنود وعرضوهم للبيع بسوق النخاسة في برمودا ، وأصدرت الحكومة الجديدة بعد ذلك قانوناً بإزاحة الهنود من أماكنهم إلى غربي الولايات المتحدة ، وذلك لإعطاء أراضيهم للمهاجرين وكان ذلك عام 1245 هـ ، وهجر إلى المناطق الجديدة أكثر من 70,000 ألف هندي فمات كثير منهم في الطريق الشاق الطويل ، وعرفت هذه الرحلة تاريخياً بـ رحلة الدموع ، ولم تكتف أمريكا بهذا القدر من الإجرام ، فبعد وقت قصير أخذ المهاجرون في الاندفاع نحو الغرب متوغلين في الأراضي التي خصصت للهنود ، وكان الذي حفزهم على ذلك هو اكتشاف الذهب في هذه المنطقة ، فرحل كثير منهم إلى هناك ، وكان هؤلاء المتطرفون الشريرون يقتلون الحيوانات البرية التي كان الهنود يعتمدون عليها في طعامهم ، ثم إن الحكومة الأمريكية المتطرفة نقلت هؤلاء الهنود من هذه الأرض إلى أماكن مخصصة (مستوطنات مغلقة ) ثم بعد هذه المراحل من الحرب والتشريد الشرس انخفض عدد الهنود إلى 350ألفاً فقط ، بدلاً من مليون وزيادة ، يعني أبيد على يد الأمريكان 750ألفاً ، وكان هذا هو الخيار الأمريكي في تقرير مصير الشعب الهندي الأحمر !!! 0(1/275)
وفي معركة جتسبيرج التي سقط فيها خلال ثلاثة أيام فقط ! 45000 ألف من الأفريقيين السود ما بين قتيل وجريح ومفقود وأسير 0
هذه جرائم الطاغية الباغية رأس الكفر أمريكا في حق غير المسلمين ، وهذا ما لطخته أمريكا في أيديها القذرة النجسة ، وهذه جرائمها وأرقامها الخيالية ، فهي لا تراعي لذي حرم حرمته ، ولا لحر حريته ، ولا للإنسان إنسانيته .
وأما جرائمهم في دماء المسلمين فحدث ولا حرج ، فملفاتهم سوداء من دماء المسلمين ، ودم المسلم دم وحشي في قاموس أمريكا ، وليس له حرمة البته ، بل هو في نظر أمريكا أخس من الكلاب النجسة ، ولذلك فإنهم يصورون الإسلام بأبشع الصور فالإسلام عند أمريكا ( عبارة عن نتوء شاذ ليس من المعتقدات القديمة ولا الجديدة ، بل هو من ظلمات البيئة العربية ) و يقول خبير السياسة الخارجية للحزب الجمهوري "جيمس جورج جاتدس" ( الإسلام ولد من خلال العنف والحروب والإرهاب) ثم أضاف أيضاً قائلاً ( سأترك الأمر للخبراء ليحددوا أيهما – الشيوعية أم الإسلام –حقق نتائج أكبر كآلة قتل عظيمة للمسيحيين ) 0
وقد ثبت ، أنهم يقولون عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه المسيح ، وأنه رجل شاذ ، وتزوج عدت مرات للوصول إلى السلطة ، ومثل هذه الادعاءات الملعونة تدرس لديهم في مناهجهم الدراسية ، وقد أنتجوا أكثر من 700 فيلم يسئ للإسلام والمسلمين ، ويزيف دور المرأة في الإسلام ، ومن ذلك إلحاق أعمال الإرهاب والعنف بالعرب والمسلمين ، فقد قاموا مؤخراً بإنتاج فيلم عدائي باسم " أكاذيب حقيقية " تكلفته "150" مليون دولار ، يلحق الكثير من التهم بالمسلمين ويكيلها لهم كيلاً ، وكان من آخر هذه السلسلة ما قامت به شركة "نايكي" من إساءة للإسلام بوضعها لفظ الجلالة تعالى الله على الأحذية التي تنتجها ، ويرى الرئيس السابق نكسون أن ليس هناك من شعب حتى ولا الصين الشعبية له صورة سلبية في ضمير الأمريكيين بالقدر الذي للعالم الإسلامي 0(1/276)
وهذه قائمةٌ فيها كشف الإحصائيات ، في قتلهم الوحشي الشنيع ضد المسلمين
يقول هوج ستيفتر من معهد الدراسات المستقلة ، عن حصار العراق ، هو أكثر الجرائم ، وحشية في القرن العشرين ، وتقول منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة – برنامج الغذاء العالمي – في التحذير الخاص رقم 237في يوليو 1993م ، إنه بلد اقتصاده مدمر ، بسبب استمرار العقوبات التي شلت فعلياً الاقتصاد كله ، وأدت إلى عوز مستمر وجوع مزمن ، ونقص في التغذية ، وبطالة متفشية ، ومعاناة واسعة الانتشار .... ويتناول عدد كبير من العراقيين حالياً كمية من الغذاء تقل عما يتناوله السكان في الأقطار الأفريقية التي تحل بها الكوارث) 0(1/277)
وقد قتل أكثر من مليون طفل عراقي ، بسبب قصف الطائرات الأمريكية للعراق وحصارها الظالم له خلال أكثر من عشر سنوات ، وأصيب الآلف من الأطفال الرضع في العراق بالعمى لقلة الإنسولين ، وهبط عمر العراقيين 20سنة للرجال و 11سنة للنساء ، بسبب الحصار والقصف الأمريكي ، وأكثر من نصف مليون حالة وفاة بالقتل الإشعاعي وأوضح بيان لوزارة الصحة العراقية أن مجموع الذين توفوا من الصغار والكبار بسبب الحصار المفروض على العراق منذ محرم – 1411هـ وحتى صفر – 1422هـ بلغ مليوناً و489,959 شخصاً ، كما أعلنت وزارت الصحة العراقية أن أكثر من 184ألف عراقي توفوا عام 1421هـ بسبب انعكاسات الحظر المفروض على العراق ، وأن من بينهم أكثر من 84ألف طفل دون سن الخامسة ، كما أشار البيان المذكور إلى أن عدد العراقيين الذين توفوا منذ فرض الحظر في أغسطس 1990م ، وحتى نهاية عام 2001م بلغ مليوناً 639,629شخصاً ، بينهم 674,780طفلاً دون سن الخامسة ، وفي نفس الوقت فأمريكا مستفيدة اقتصادياً من هذا الحصار ، فقد أكد طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي أن الولايات المتحدة ربحت جراء الحصار على العراق واستمراره 300 مليار دولار ، بينما خسرت روسيا حوالي 70 مليار دولار ، وتركيا 35 مليار 0
وقد رفع أحد المحامين النصارى الأمريكيين دعوى على الرئيس الأمريكي جورج بوش – الأب – يطالب فيها بمحاكمته على أنه مجرم حرب ، بسبب ما أحدثه في العراق من قتل وتدمير !!! 0
وقتل الآلاف من الشيوخ والنساء والأطفال الفلسطينيين بالسلاح الأمريكي.(1/278)
وقتل الآلاف من اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين في المجازر التي قامت بها إسرائيل بحماية ومباركة أمريكية ، وإن من المناسب في هذا المقام أن نذكر العلاقة بين أمريكا وإسرائيل ، إن إسرائيل وأمريكا وجهان لعملة واحدة ، إن السياسة الأمريكية هي السياسة الإسرائيلية الصهيونية ، والسياسة الصهيونية هي السياسة الأمريكية ولذا العلاقة بين أمريكا والصهاينة في فلسطين وطيدة وقوية ، وهما الشريكان في الأعمال اللا إنسانية ، ولعله من الأدلة على ذلك أن الإسلام هو المتهم الأول في النظرة الأمريكية ولا زالت الجهود قوية لإعطاء الإرهاب وجهاً إسلامياً ، بينما اليهود في مؤسساتهم ومجازرهم في فلسطين يفعلون أنوعاً وألواناً من الجرائم التي يستحقون أن يكونوا هم المتهمين الأولين لدى أمريكا والمتمثلة في سرقات الوثائق وخلخلة القانون الأمريكي ، وتجذير العنف والجنس عن طريق الأفلام والجريمة المخططة ، وأقرب نموذج لنا هو ذلك الضابط البحري الأمريكي اليهودي "جوناثان بولارد" الذي سرق ما يقارب 800 ألف وثيقة سرية أمريكية ، وإرسالها إلى إسرائيل ، ثم بعد هذه الخيانة والإساءة للأمن الأمريكي تضغط إسرائيل ضغطاً متميزاً ومتواصلاً من أجل إطلاق سراحه والعفو عنه !!! 0
وما بين تاريخ 1412و1414هـ قتل الجيش الأمريكي الآلاف من الصوماليين أثناء غزوهم للصومال 0(1/279)
وفي عام 1419هـ شنت أمريكا هجوماً عنيفاً بصواريخ كروز على السودان وأفغانستان ، وقصفوا خلاله معمل الشفاء للدواء في السودان ، وقتلوا أكثر من مائتين وحتى هذه الساعة لا يوجد سبب واحد ومعلن للفجوة بين أمريكا والسودان غير الإسلام والقضاء على السودان ، بصفته كيانا عربياً أفريقياً إسلامياً موحداً ، ولأجل ذلك كثفت أمريكا جهودها وسعت للالتقاء بجميع المعارضين الميرغني و الصادق المهدي وقارنق ، وألبت جميع جيرانها ضدها ، ودعمت حركة التمرد وبعض الدول المحيطة بها ، وقامت بحملة دعائية اتجاهها ، والعجيب أن أمريكا تسعى بكل طاقاتها للضغط على العرب من أجل السلام مع إسرائيل ، وفي نفس الوقت تقف بكل إمكانياتها في عرقلة السلام مع السودان من خلال توضيف النصارى في الجنوب ، والذي تصل نسبتهم إلى 5% من السكان فقط ، حيث إن عددهم 1,629,706 نسمة ، ويأتي القرار الأمريكي المشئوم يدين السودان ، ثم تأتي الصواريخ الأمريكية لتقصف مصنع الشفاء للأدوية ، وهي لا تملك أدلة تستدل بها ، وهل يقبل المنطق أن هذا المصنع يهدد الأمن الأمريكي ؟ إن الهدف الحقيقي لضرب السودان هو العنجهية الأمريكية ، وإضعاف السودان اقتصادياً والضغط عليها سياسياً ، وهذا الهدف هو - أيضاً – هدف إدانة السودان بممارسة الاضطهاد الديني مع ملاحظة أن أمريكا تضغط – بقوة – على السودان من أجل فصل الدين عن الدولة رغم الأكثرية المسلمة في السودان 0
وقتل في أفغانستان فقط خلال ثلاثة أشهر فقط من 7 أكتوبر وحتى 7 ديسمبر نتيجة القصف الأمريكي – ما لا يقل عن 50000 أفغاني جلهم إن لم يكونوا كلهم من المدنيين 0(1/280)
وحصار على ليبيا ، وأدى هذا الحصار الغاشم إلى كوارث كبرى ، وفواجع عظمى ، إذ بعد خمسة أشهر فقط من بداية الحظر الجوي والحصار ، بلغت خسائر ليبيا ما يزيد على 2مليار دولار من عام 7/3/1413هـ حتى نهاية 20/11/1414هـ كما أعلنت أمانة الصحة الليبية أن 300رضيع ، وأكثر من 140 امرأة ماتوا بسبب نقص الأدوية أو تأخر وصولها من جراء الحضر الجوي المفروض على ليبيا منذ رمضان – 1412هـ ، ومات أكثر من 300مريض كانوا بحاجة إلى العلاج في الخارج أثناء نقلهم براً إلى الدول المجاورة ، كما أفادت الإحصائيات إلى أن قطاع الزراعة تأثر إلى حد كبير ، وبخاصة المواشي ، حيث أدى نقص الأدوية البيطرية إلى خسارة تقدر بحوالي 40ألف طن من اللحوم ، وهذا كله في غضون سنوات قصيرة من بدأ الحصار فما بالنا بما وصلت إليه الخسائر الآن 0
وقتلت إسرائيل بمباركة ومعونة أمريكا أكثر من 17000 شخص في غزوها لجنوب لبنان 0
وقتل عسكريو أندونيسيا أكثر من مليون شخص بدعم أمريكي 0
وتسبب حصارهم لأفغانستان في قتل أكثر من 15000 طفل أفغاني 0
وأما معاملتهم للأسرى فأسوء معاملة ، فالإنسانية معدومة لديهم ، والقيم الأخلاقية ليس لهم فيها ناقة ولا جمل ، وقد تمثلت في أمريكا أعظم أنواع الإرهاب المنظم وبلغ فيهم الاضطهاد والإرهاب مبلغاً لم يشهد مثله في عالمنا الحاضر ، بل وعلى مر التاريخ المتقدم ، لقد خالفوا الأديان والشرائع بل والقوانين الوضعية 0(1/281)
لقد حرص الأمريكيون على إظهار التشفي من هؤلاء الأسرى في غونتناموا في كل مناسبة حتى بلغ بهم الحال أن يتركوا هؤلاء الأسرى في مقاعدهم لأكثر من يوم ونصف بلا أي حراك ، ومن دون تمكينهم من استخدام دورات المياه ، ثم يعلنون ذلك لمجرد التشفي والتهكم والسخرية من هؤلاء الأسرى ، كما توضح الصور أن الأمريكيين حرصوا على تعطيل كافة الحواس : السمع والبصر بل وحتى الفم والأنف وضع عليها أغطية كثيفة ، والمتأمل للصور يشعر بأن الأسرى يفتقدون حتى الإحساس بالمكان وربما الزمان ، فقد يكون هذا راجعاً لتعطيل الحواس المذكورة ، وقد يكون آسريهم استخدوا وسائل أخرى لهذا الغرض ، ومن الواضح خلال تصريحات المسؤلين الأمريكيين أنهم لن يترددوا في استخدام أي وسيلة يتم من خلالها إهانة وتحطيم هؤلاء الأسرى 0
فهم بذالك خالفوا كل الأديان والشرائع .
وخالفوا أيضاً القوانين الوهمية فإن من الاتفاقات القانونية أن إجبار أسير الحرب على الإدلاء باعترافاته هو عمل إرهابي ، لأن الاتفاقية الأولى والثانية لعام 1368هـ ، في مادتها رقم 12، والاتفاقية الثالثة في مادتها رقم 13، قد نصت جميعها على ضرورة المعاملة الإنسانية 0
ومن خلال النظر في صور هؤلاء الأسرى يتضح لدينا عدة أمور:
الأمر الأول : أن الإدارة الأمريكية ليس لديها قانون ولا دستور يمكن أن تعامل به هؤلاء الأسرى 0
الأمر الثاني : توضح هذه الصور مدى الغطرسة الأمريكية في التعامل مع هذه القضية 0
الأمر الثالث : تكشف لنا هذه الصور مدى الرعب الذي يكتنف هؤلاء الأمريكان من هؤلاء الضعفاء الأسرى حيث نلحظ أن عدد الجنود الذين يحيطون بالأسير الواحد في بعض الأحيان يبلغون أربعة عشر جندياً أمريكيا مدججين بالسلاح وأنظارهم جميعاً متجهة صوب الأسير المقبوض عليه من الجانبين ، هذا مع الأغطية التي على العينين والفم والأذنين والأنف !! 0(1/282)
الأمر الرابع : حسن الدين الإسلامي ، وذلك أن أمم الأرض جميعها التي خلقها الله من طينة واحدة ، والتي تتشابه في النزعات والعواطف والمشاعر قد يغلب عيها الحقد ومشاعر الكراهة في وقت من الأوقات فلا ترى بأساً في تغيير قوانينها التي تخالف أهوائها ورغباتها في الانتقام ، وذلك من أجل إشباع هذه الرغبات كما يحدث تماماً في الوقت الراهن في الدول الغربية وبالذات أمريكا ، بل وكما يحدث في كثير من البلدان حتى التي تنتسب إلى الإسلام وهي لا تطبقه 0
إلا الأمة الإسلامية فليس لديها أن تحكم عواطفها ومشاعرها ، بل هي أحكام طاهرة منزلة من حكيم حميد ، وواضحة جلية غير قابلة للتحويل والتبديل ، بل إن الإسلام نهى عن التمثيل بالقتلى ، فالمسلم ملزم بهذا الشرع الحكيم ليس له أي مجال لتغييره وفق نزواته ومتطلباته وأهوائه كما يفعله على هذا النحو الغرب الفاجر مع قوانينه 0
ولأجل ذلك يعترف من ينتسب إلى دعاة حقوق الإنسان أن ليس لديهم أرض ثابتة يقفون عليها ، ولا منهج منضبط يسيرون عليه ، وإن كانوا صادقين ، فبأي مرجعية يعتبرون حقوق الإنسان هذه ! ؟ 0
فأسير المسلمين يصور للكفار المقامات السامية في الأمانة والرحمة الشرعية فلا يستحل المحرمات لأجل أنه أسير بين يدي الكفار ، فهذا خبيب لما أسر ظلماً وعدواناً استعار من بعض بنات الحارث موسى ليستحد بها فأعارته ، قالت فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حين أتاه قالت فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي فقال تخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك ، والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب ، والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر ، وكانت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيباً فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب ذروني أركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين ، ثم قال لو لا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها اللهم أحصهم عددا ، ثم قال(1/283)
ما أبالي حين أقتل مسلماً
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
على أي شق كان لله مصرعي
يبارك على أوصال شلوٍ ممزع
رواه الإمام البخاري في صحيحه )4086) من طريق الزهري عن عمرو بن أبي سفيان الثقفي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عيناً وأمر عليهم عاصم بن ثابت ..... فذكره
فخبيب رضي الله عنه وأرضاه ، منعه الدين من قتل هذا الطفل ، ولهذا تعجبت من أمانته ودينه هذه المرأة الكافرة 0
ومن محاسن الدين الإسلامي أنه حرم قتل الأسير إذا أسلم ، ومحاسن الإسلام في معاملة الأسرى كثيرة مبسوطة في كتب الفقه والحديث 0
ثم إن الإرهاب الأمريكي تعدى ولم يقف على حد حتى وصل إلى المساجد ، ففي مدينة "ممفيس" أطلق جار المسجد النار على المصلين وهم يؤدون صلاة الفجر ، وبعد يومين تم إطلاقه بكفالة وبدون أن يفتش رجال الأمن بيته ، رغم أنه اعترف بارتكاب الجريمة ، وقد تكررت الحوادث هذه في مسجد "دنفربكولو" ومسجد "بوبا" وفي ولاية كاليفورنيا ومسجد "جرنيفيل" وتعرض المركز الإسلامي في "سبرينج فيلد" للتدمير التام .
وهذا غير المجازر التي باركتها أمريكا في الشيشان والبوسنة ومقدونيا وكوسوفا وكشمير والفلبين وجزر الملوك وتيمور وغيرها من الأرضي الإسلامية 0
ويا الله يا للمسلمين من هذا الجرائم المؤلمة ، والأفعال الشنيعة ، والمواقف المؤلمة... أين أمة المليار ، من هذه الثيران الهائجة ، والوحوش الشريرة ، والمواقف الفضيعة
أين العقلانية ؟ ! أين الإنسانية ؟ ! أين القيم الأخلاقية ؟ ! بل أين القوانين الدولية؟ ! والأعراف المرتسمة ، ! أليس فيهم رجل رشيد ؟ !
حقاً إن هذه جرائم وحشية ! وأفعال شيطانية ! وتصرفات حيوانية صامته0
وأين القانون من ظلم الغرب للإسلام ، ظلم مركب ، دفع المستشرق البرتغالي ارنولد أن يقول ( جل أسفي كان على هذا التحامل والتجريح على الإسلام دون غيره من الأديان الأخرى ) 0(1/284)
إن أمريكا لا تلتزم لا بقانون ولا بأعراف ولا بمواثيق ، وإنما تسعى لمصالحها الذاتية وهيمنتها الشخصية دون مراعاة لروابط دولية ، فهي كانت تنادي بالديمقراطية ولما وقعت الهجمات المباركة في 11 سبتمبر تلاشت الديمقراطية المزعومة ، ولذلك يقول وزير الثقافة الفرنسي في اجتماع اليونسكو في دورته التي انعقدت بالمكسيك (إنني استغرب أن تكون الدول [يقصد أمريكا] التي علمت الشعوب قدراً كبيراً من الحرية ! ، ودعت إلى الثورة على الطغيان ، هي التي تحاول أن تفرض ثقافة شمولية وحيدة على العالم أجمع ، إن هذا شكل من أشكال الإمبريالية المالية والفكرية ، لا يحتل الأراضي ولكن يصادر الضمائر ، ومناهج التفكير ، واختلاف أنماط العيش) وتقول أمل يازجي وهي دكتوراه في القانون الدولي العام من جامعة باريس العاشرة ، ومستشارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر فالرغبة الواضحة لدى الولايات المتحدة الأمريكية هي فقط إنشاء تحالف دولي توقد به العالم لخدمة مصالح خاصة بها ، كانت تخطط لها منذ زمن بعيد ، مستفيدة من أعمال إرهابية لم يقم دليل قاطع على ارتكابها من جهة معينة ، لتشن حرباً حقيقية ضد شعب سحقته حروب مستمرة منذ أكثر من عشرين عاماً 0
إن أمريكا تدعي مكافحة الإرهاب ! وقد سبق لدينا القوائم في أعمالها ومشاريعها الإرهابية ، وقد اتخذت أمريكا من هذا المصطلح وهو ما تسميه هي مكافحة الإرهاب غطاء لها في ضرب المسلمين ومنشئاتهم تحت هذا المسمى وهذا ما صرح بها أحد المحللين منهم ، قال : ولكن المسؤولين الأمريكيين لا يعلنون ذلك أو يصرحون به ، ويؤكد ذلك خبير أمريكي قائلاً (الإرهاب مجرد ذريعة لضرب العواصم التي نكرهها ) 0(1/285)
ولذلك فإن قانون الإرهاب ، وضع على المسلمين وبالتالي امتد إلى الإسلام ، والعجيب أن الإحصائيات الرسمية وتقارير الخارجية الأمريكية تذكر أن أخطر أحداث الإرهاب والتخريب هو ما وقع في أوكلاهوما في 11-1415هـ الذي قتل وأصيب فيه 700شخص ، ونسب هذا العمل أولاً إلى إرهابيين في الشرق الأوسط ثم ظهر أن الجانين ! وليس الإرهابيين ! اثنان من الأمريكيين البيض المسيحيين الأصوليين ونشرت أسماؤهما .
لقد حددت حملة مكافحة الإرهاب عدوها الرسمي بصفة مستمرة : وهو الإسلام الأصولي ، وتقرر الإحصائيات الأمريكية الداخلية أن من بين 171شخصاً اتهموا بالإرهاب لا يوجد بينهم إلا 11 من العرب المسلمين بنسبة 6% ، وفي التسعينات كان 96% ممن أدينوا بالإرهاب ليسوا مسلمين ولا عرباً ، أما الإحصائيات الخارجية الأمريكية عام 1414هـ فهي توزع الهجمات الإرهابية المناهضة للولايات المتحدة على النحو التالي 40هجوماً من أمريكا اللاتينية مقابل 8 اعتداءات وقعت في الشرق الأوسط ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى نجد أن الجريمة (وليس الإرهاب ) في أمريكا (قتل وسرقة وعنف واغتصاب ) تكلف الخزينة الأمريكية 450مليار دولار سنوياً ، مع هذا كله فهي بعيدة جداً عن دوائر الاتهام والإعلام ، ثم مع ذلك أيضاً يبقى قانون الإرهاب سيفاً مصلتاً على كل مسلم في كل مكان ويمتد حينما ترى أمريكا مده إلى الدول والقادة وزعماء العالم الإسلامي من علماء ومفكرين ، وأصبح المسلم في النظرة الأمريكية لا يخرج عن اثنتين إما إرهابي وإما مناصر للإرهاب ، وهذا ما صرح به شيطان العصر الرئيس الأمريكي جورج بوش – الإبن – حينما أعلن الحرب الصليبية قائلاً من لم يكن معنا فهو ضدنا !!!(1/286)
ولقد انتقدت منظمة العفو الدولية ، الولايات المتحدة لعدم احترامها معاهدة الأمم المتحدة ضد التعذيب التي وقعت عليها واشنطن في عام 1414هـ ، واتهمتها بالسماح للشرطة بارتكاب أعمال وحشية وتطبيق ممارسات غير إنسانية مثل الحبس الانفرادي والصدمات الكهرابائية والعنف مع الأقليات العرقية التي تشكل 60% من الموقوفين ، ونددت منظمة العفو باحتجاز عشرين ألف شخص في زنزانات خاضعة لمراقبة قصوى يعاني الكثيرون منهم من اختلالات عقلية ، وأن البعض منهم يتركون في تلك الزنزانات لسنوات من دون نافذة أو نشاط رياضي أو عمل 0
وحينما طالبت بعض المنظمات العاملة في حقوق الإنسان التحقيق في أحداث قلعة جانجي ، رفض وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد وقال في تصريح له لا حاجة إلى إجراء تحقيق ، ولا نرى ضرورة لذلك !
ويقول بيرناردت بيريت المسؤول في الصليب الأحمر في العاصمة الأفغانية إننا نحاول الحصول على تصريح بدخول المنطقة التي توجد فيها القلعة لتفقد أحوال الناجين من المذبحة ولكن رفض طلبنا 0(1/287)
إن أمريكا تتسم بالأحادية والطمع والهمجية والتدخل الساخر في شؤون الدول الداخلية وغير احترام لدينهم بل وقوانينهم ، فهي تشرع بالغداة وتنسخ بالعشي ، ولذلك ليس لديها قانون منضبط ، فهي تنتهك القوانين والاتفاقيات ، فلسان حالها يقول لا نسأل عمال نفعل وهم يسألون ! ونأخذ ما نشاء وندع ما نشاء ، وننتهك حقوق ما نشاء ، ولا معقب لحكمنا ، ولذلك يقول ألبرت بيفريدج ممثل ولاية إنديانا في مجلس الشيوخ الأمريكي يلقي خطاباً في مجلس ولا يته قال فيه ( إن الله لم يهيئ الشعوب الناطقة بالإنجليزية لكي تتأمل نفسها بكسل ودون طائل ، لقد جعل الله منا أساتذة العالم ! كي نتمكن من نشر النظام حيث تكون الفوضى ، وجعلنا جديرين بالحكم لكي نتمكن من إدارة الشعوب البربرية الهرمة ، وبدون هذه القوة ، ستعم العالم مرة أخرى البربرية والظلام ، وقد اختار الله الشعب الأمريكي دون سائر الأجناس كشعب مختار يقود العالم أخيراً إلى تجديد ذاته !! ) وهذا "روزفلت" يصرح في أعقاب الحرب العالمية الثانية قائلاً (إن قدرنا هو أمركة العالم ، تكلموا بهدوء واحملوا عصاً غليظة ، وعندئذ يمكن أن تتوغلوا بعيداً) ولأجل ذا فهم ينفذون بضع قرارات فقط ضد شعوب إسلامية ثمارها حصار لسنوات ومعاناة صحية واقتصادية ، ورجوع إلى الخلف ، وبدون أن يكون لذلك الحصار مبرر واضح أو نتائج ملموسة ، وفي المقابل همشت مئات القرارات الإنسانية والقوانين الدولية ، التي تدين إسرائيل !! فقوانين الدول الكبرى أشبه ما يكون ببيت العنكبوت لا يمسك إلا الحشرات الصغيرة 0
وتم استنزاف ثروات المسلمين من قبل أمريكا الساخرة ، وتقييد دول إسلامية أخرى بالقروض والإعانات وفروض الرؤية الاقتصادية الغربية عليها 0(1/288)
لماذا لا تعالج القضية الفلسطينية ؟ ولماذا يفرض السلام غير العادل على العرب ؟ ولماذا يكون السفاح أرييل شارون رئيس وزراء الكيان الصهيوني والذي ارتكب الأرقام القياسية من الجرائم الفظيعة في حق الإنسانية رجل سلام كما يقوله وبدون مبالاة الرئيس الأمريكي جورج بوش ، في حين يعتبر الملا عمر إرهابياً والرايات الجهادية القائمة في الدفاع عن النفس والعرض إرهابية ؟ وأخيراً صنفت حركة حماس الفلسطينية التي تدافع عن الأقصى الشريف إرهابية في نظر السياسة الأمريكية.
ولما كانت سنة الله تعالى لا تتغير بتغير الزمن ولا باختلاف الأحوال والأجواء ، ابتلى الله هذه الأمة الظالمة بآلام عديدة تخص كثيراً من الشؤون الحياتية الاجتماعية والاقتصادية .
حررت ذلك في رسالة مستقلة يسر الله إتمامها(1/289)
يقول الله تعالى ( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) )ودمار أمريكا قريباً إن شاء الله ، ونقول إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً ، لأن سنة الله تعالى الكونية التي لا محيص عنها ولا محيد ، جرت في أن الأمة إذا طغت وبغت وعثت في الأرض فساداً ، أنه يهلكها كما هي حال الأمم الغابرة قال الله تعالى ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)) وقال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ) وقال تعالى ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) وقال تعالى ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ) وهؤلاء عاد لما تكبروا وطغوا وتجبروا وقالوا من أشد منا قوة ؟ ، رد الله عليهم بقوله ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ ((1/290)
16)) ولما عاينوا السحب في السماء قالوا هذا عارض ممطرنا رد الله عليهم بقوله ( بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وهؤلاء ثمود لما طغوا وتكبروا على نبي الله صالح وقالوا له يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين عاقبهم الله تعالى بقوله ( فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)) أي صرعى لا أرواح فيهم ولم يفلت أحد منهم لا صغير ولا كبير لا ذكر ولا أنثى ، وهذا قارون لما تكبر وطغى وقال مقولته النكراء إنما أوتيته على علم عندي ، رد الله سبحانه عليه ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ (81)) 0
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) وهذا حديث متفق على صحته من طريق أبي معاوية قال حدثنا بريد بن أبي بردة ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري 0
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ( لو بغى جبل على جبل لجعل الله الباغي دكاً ) رواه البخاري في الأدب المفرد (588) من حديث أبي نعيم ، قال حدثنا فطر ، عن أبي يحيى قال سمعت مجاهداً عن ابن عباس . ورواه عن مجاهدٍ الأعمشُ وغيره 0(1/291)
وذكر الخطيب في تاريخ بغداد (14/132) محمد بن جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك قال أبى لأبيه يحيى بن خالد بن برمك - وهم في القيود والحبس - يا أبت بعد الأمر والنهى والأموال العظيمة أصارنا الدهر إلى القيود ولبس الصوف والحبس ؟ قال : فقال له أبوه يا بنى دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها ، ثم أنشا يقول
رب قوم قد غُذوا في نعمةٍ
سكت الدهرُ زماناً عنهم
زمناً والدهر ريان غدق
ثم بَكَّاهم دماً حين نطق
وصادر بعض وزراء الخلفاء رجلاً ، فأخذ منه ثلاثة آلاف دينار ، فبعد مدة غضب الخليفة على الوزير ، وطلب منه عشرة الاف دينار ، فجزع أهله من ذلك ، فقال ما يأخذ مني أكثر من ثلاثة آلاف كما كنت ظلمت ، فلما أدى ثلاثة آلاف دينار وقّع الخليفة بالإفراج عنه ، فسبحان من هو قائم على كل نفس بما كسبت ، إن ربك لبالمرصاد .
وضرب رجل أباه وسحبه إلى مكان ، فقال الذي رآه إلى هاهنا ! رأيت هذا المضروب قد ضرب أباه ، وسحبه إليه 0
وكان بعض أكابر التابعين قال لرجل يا مفلس ، فابتلي القائل بالدين والحبس بعد أربعين سنة 0
فجانب الظلم لا تسلك مسالكه
وكل نفس ستجزى بالذي عملت
عواقب الظلم تخشى وهي تنتظر
وليس للخلق من دنياهم وطر
والقصص الواقعية ، والعبر التاريخية طافحة بمثل هذا ، ولذلك يقول ابن الأثير رحمه الله تعالى في الكامل (وليعلم الظلمة أن أخبارهم تنقل ، وتبقى على وجه الدهر ، فربما تركوا الظلم لهذا ، إن لم يتركوه لله سبحانه وتعالى ) 0(1/292)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى (28/146) (وأمور الناس تستقيم مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم : أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم ، ولهذا قيل : إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة ، ويقال الدنيا تدوم مع العدل والكفر ، ولا تدوم مع الظلم والإسلام ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم) فالباغي يصرع في الدنيا وإن كان مغفوراً له مرحوماً في الآخرة ، وذلك أن العدل نظام كل شيء ، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت ، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق ، ومتى لم تقم بعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة ، فالنفس فيها داعي الظلم لغيرها بالعلو عليه والحسد له ، والتعدي عليه في حقه ، وداعي الظلم لنفسها بتناول الشهوات القبيحة كالزنا وأكل الخبائث ، فهي قد تظلم من لا يظلمها ، وتؤثر الشهوات وإن لمن تفعلها ، فإذا رأت نظراءها قد ظلموا وتناولوا هذه الشهوات صار داعي هذه الشهوات أو الظلم فيها أعظم بكثير ، وقد تصبر ويهيج ذلك لها من بغض ذلك الغير وحسده وطلب عقابه وزوال الخير عنه ما لم يكن فيها قبل ذلك ، ولها حجة عند نفسها من جهة العقل والدين ، بكون ذلك الغير قد ظلم نفسه والمسلمين ، وأن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر واجب والجهاد على ذلك من الدين0 ..... )اهـ(1/293)
ثم إن ديننا الحنيف دين ترابط ووفاء ، وبر وإخاء ، دعا إلى الترابط والتواصل والألفة وعدم الفرقة ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) فالمسلمون كالجسد الواحد لا تفرق بينهم حدود وهمية ، ولا حواجز مصطنعة ، كمال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضوٌ تدعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) متفق على صحته من طريق زكرياء ، عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير
وقال رسول الله صلى الله عليه وسليم ( المؤمن للمؤمن كاللبنيان ، يشد بعضه بعضاً) متفق عليه أيضاً من طريق بريد ، عن أبي بردة عن أبي موسى 0
ومن هذا المبدأ الإسلامي يتحتم علينا أن ننظر في القضية العراقية نظرة تأمل وتفحص بعلم وحكمة ودراسة ، وأن نواسي إخواننا المضطهدين ، ونشاركهم الشعور بآلامهم 0
وإنه لمن الأمر المرير ، والنباء العظيم ، والجرم الكبير ، ما تقوم به السياسة الأمريكية الغاشمة والتي أسست على الإرهاب والعنف والتطرف ، من قصف وحشي ، على إخواننا العراقيين في العراق ، والتي أهلكوا فيها الحرث والنسل ، وأبادوا الرجال والنساء والشيوخ والأطفال ، بل وحتى الحيوان البهيمي ، بل وحتى اليابس والأخضر ، وقد وصل بهم الأمر إلى منع ألآت التعليم ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، يحظر على أطفال العراق أقلام الرصاص ، والحبر السائل ، والمضغوط ، والألوان المائية والزيتية ، وأوراق الرسم ، والورق اللاصق ، والصمغ ، على أن المعاناة اليومية من وطأة المشاق المعيشية ، والتربوية الناجمة عن الحصار لا تقاس بالمآسي الإنسانية نتيجة التلوث البيئي ، وسوء التغذية ، وانعدام الرعاية الصحية ، وانعدام الدواء ، فالمستشفيات متهالكة ، وتفتقر إلى المعِدَّات الطبِّية والأدوية ، بحيث بات الأطفال يتساقطون كالفَراش .(1/294)
وكل هذا القتل والتشريد والإبادة لم يكن موجهاً إلى صدام ولا إلى عسكريين بل إلى مدينين عزل لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وصدام وزبانيته آمنون مطمئنون ، لم يكن لهم من الأطنان التي تصب على هؤلاء ولا رصاصة واحدة ، ويؤتى إليه بأشهر النطاسين وأنجع الأدوية ، حتى ولو شاكته شوكة ؟ 0
ويؤكد ما أشرنا إليه دينيس هاليدي مساعد الأمين العام للأمم المتحدة قائلاً (نحن نقتل أطفال العراق والأمين العام تنقصه الشجاعة ، هناك سياسة متعمدة لتدمير شعب العراق)
وطِبقاً لإحصائيات اليونيسيف ، ومنظمة الأغذية والزراعة ، يحصد الحصار أرواح خمسة آلاف طفل عراقي كل شهر ، وإذا وضعنا الوفيات الأخرى بين الراشدين جانبًا، فإن الحصار يتسبب في وفاة ستين ألف طفل كل عام مما يعني نصف مليون على امتداد السنوات التسع الماضية . وهذا الرقم يعادل ثلاثة أضعاف ضحايا قنبلة هيروشيما 0
إن قتل الإبادة جريمة كبرى ، وبلية عظمى ، وحتى القانون الدولي لا يقره بل يعتبره جريمة ، فقد عرضت اتفاقية بشأن منع جريمة إبادة الجنس والمعاقبة عليه ، للتوقيع بتاريخ 8- صفر 1368هـ ، وأصبحت سارية المفعول بتاريخ25/7/1380هـ وتجعل المادة رقم 2 من هذه الاتفاقية إبادة الجنس جريمة دولية ، وتلزم الأطراف المتعاقدة بأن تأخذ على عاتقها منعها والمعاقبة عليها 0(1/295)
ولكن المشكلة أن منظمة الأمم يسيطر عليها اليهود الأمريكيون ، وسيطرتهم عليها قديمة ولا تحتاج إلى أدلة وبراهين ، إن من بعد منتصف الثمانينات صارت القضية أجلى من الشمس في ضحاها ولا تخفى إلا على العميان ، إن 60% من أعضائها البارزين يهود بل وحتى التمويل لهذه الهيئة كان بنسبة 75% من الدول الكبرى ، وأمريكا وحدها كانت تساهم بثلث الميزانية الإجمالية منذ إنشائها ، وحتى عام1387هـ ، إننا حين نعرف هذا لا نستغرب الحقائق الآتية ، حتى عام 1412هـ ، أصدر مجلس الأمن 69قراراً ضد إسرائيل لم ينفذ منها قرار واحد ، وخلال أزمة البوسنة والهرسك صدر63قراراً ، ولم ينفذ منها قرار واحد ، ومنذ أزمة كشمير عام 1366هـ ، وحتى الآن صدر لصالح كشمير 13قراراً ، ولم ير قرار واحد منها النور ، ولقد انسحبت أمريكا وبريطانيا من منظمة اليونسكو ، والسبب في ذلك أنهما لايقبلان المساواة بالدول الصغرى ! وقال المندوب الأمريكي آنذاك (نحن لم نؤسس الأمم المتحدة واليونسكو من أجل هذه المساواة ! وإذا كنتم مصرين عليها فسنحطمها( هكذا قال وبكل صراحة وشفافية 0
ولما صدرت بعض القرارات التي لا تخدم السياسة الأمريكية غضبت أمريكا وأصبح لديها قناعة بأن نظام هذه الهيئة يجب أن يتغير وهذا الذي حدث بالفعل مع بداية التسعينات حتى غدت هيئة أمريكية ، تجسد سياستها الخارجية ، وتسوغ هيمنتها ، وذلك تحت غطاء النظام العالمي الجديد ، فبعد إعلان بوش عن النظام العالمي الجديد ، بدأ أثر ذلك يظهر على هيئة الأمم المتحدة إذ استطاعت أمريكا أن تجمع 111صوتاً لإلغاء القرار الذي أصدرته الجمعية العامة في سنة 1394هـ ، والذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية ، وذلك في الجلسة العامة للجمعية بتاريخ30/5/1412هـ0(1/296)
والعجيب أنه بدل أن تعمل أمريكا على تنفيذ القرارات رقم 242و338و425 القاضية بالانسحاب من جميع الأراضي المحتلة سنة 1387هـ ، فقد أرسلت عشية المؤتمر رسالة إلى إسرائيل جاء فيها (إن التحديات التي تواجه إسرائيل تتعلق بأمريكا ذاتها ، إننا نعدكم بأن التزامنا بأمن إسرائيل وضرورة التعاون الوثيق بين بلدينا من أجل تحقيق هذه الحاجات من الأمور المستمرة ، وكل من يحاول دق إسفين بيننا في محاولة المس بهذا الالتزام لا يستطيع أن يفهم العلاقات المتينة القائمة بين بلدينا وطبيعة أمن إسرائيل) 0
إن منظمة الأمم المتحدة تحت وطأة الولايات المتحدة عليها أصبحت منبراً لتسويغ السياسة الأمريكية ، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك فأخذت توسع مجالها لتكون في خدمة المصالح الأمريكية ، والحديث عن العلاقة بين المنظمة والسياسة الأمريكية يطول وليس هو شأننا ومقصودنا في هذا المقال ، ويكفي أن نقول إن هيئة الأمم مجرد خلية تابعة للبنتاجون الأمريكي 0(1/297)
إن قَتْلَ العراقيين بإراقة الدماء ودون إراقة الدماء ، أو تقطيع الأوصال ، خدش حياء الرأي العام الأمريكي ، فقد طفح الكيل بسبعين نائبًا في الكونجرس ، فقاموا بالتوقيع على عريضة تطالب الرئيس (بيل كلينتون) - الذي تأخذ إدارته على عاتقها إحكام حصار صارم على العراق - تطالبه بتخفيف العقوبات التي ألحقت ضررًا فادحًا بالشعب العراقي . ونشرت أحد الصحف عن أم رمت بأطفالها من فوق جسر الأئمة في بغداد والسبب في ذلك أنها لربما تراهم يتضورون جوعا وليس لديها ما تطعمهم وفي ظل هذا الوضع اللإنساني، والأخلاقي المشين ، جاءت استقالة (هانز فون سبونيك) المنسق في هيئة الأمم المتحدة للنشاطات الإنسانية في العراق ، كصرخة ضمير احتجاجًا على إبادة أطفال، ونساء، وشيوخ العراق بدم بارد، فهذا الدبلوماسي الألماني المحترف الذي أمضى ثلاثة عقود ونصف في هيئة الأمم المتحدة قال بصراحة في مقابلة مع الجزيرة: إن ما يجري في العراق مأساة حقيقية ، وإنه يرفض أن يكون واحدًا من المسئولين عن هذه المأساة 0
ومن منظور عراقي فإن استقالة مسئولي الأمم المتحدة تفضح أساليب الخداع التي تمارسها الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية لتضليل الرأي العام العالمي تجاه ما يجري في العراق من جرائم ترتكب باسم الإنسانية 0(1/298)
هذا وإن الدفاع عن القضية العراقية من واجبات الدين والعقيدة ، ومن مستلزمات الأخوة الإيمانية ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) وقال تعالى ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) وروى البخاري ( 2442 ) ومسلم ( 2580 ) من طريق الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ... ) وقال صلى الله عليه وسلم (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) رواه البخاري في صحيحه(2443) من طريق حميد ، عن أنس ، ومسلم (2584) من طريق زهير ، عن أبي الزبير عن جابر .
وقال البراء بن عازب رضي الله عنهما : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع ، الحديث ... وفيه وأمر بـ ( نصرة المظلوم ) رواه البخاري (2445) ومسلم (2066) في صحيحيهما من طريق الأشعث بن سليم ، قال : سمعت معاوية بن سويد بن مقرن : سمعت البراء 0
والنصرة تتمثل بكل شيء يتقوون به على رأس الكفر العالمي من المال والنفس والدعاء لهم ، والقنوت في الصلوات الخمس ، ومن علم أنه قد حلت بالمسلمين نازلة من الجوع ، والعري ، والقتل ، والتشريد ، ولم ينصرهم وهو قادر على ذلك ، فقد آتى ذنباً عظيماً . وما من شك أن التخاذل في هذه المواقف يجر على المسلمين ، الذلة ، والصغار والخزي والعار
يا أمةً طالما ذلّت لقاتلها
ألا ترين دماء الطهر قد سُفكت
حتى متى تقبلين الضيمَ خاشعةً
حتى متى تخفضين الرأسَ للذنب
في كل ناحيةٍ صَوْت المنتحبِ
لكل باغٍ ومأفونٍ ومغتصبِ(1/299)
وأما الذين يناصرون الكفرة الصيلبيين على المسلمين المستضعفين ، سواء كانت المناصرة بالسلاح ، والقتال ، أو المال ، والمشورة ، وتسهيل الوسائل والإمكانيات ، فهؤلاء منافقون ، قال تعالى ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) وقال تعالى ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) 0
و الدفاع عن الشعب العراقي لا يعني بوجه من الوجوه الدفاع عن النظام العراقي أو البعثي الخبيث صدام حسين ، وزبانيته ، فهؤلاء شرذمة مجرمون ، فصدام رجل شرير كان شؤماً على العراق ، وإن فترة حكمه هي الأسوأ في تاريخ الأمة المعاصرة وربما في تاريخها كلها ، لقد ارتكب ضلالات كبيرة ، واتخذ قرارات مهلكة أركست الأمة في أزمات بل كوارث سياسية هي من الخطورة بمكان ، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً سيراً على خطى فرعون من قبل ( مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ ) والتزاماً بتعليمات أستاذه من قبل ميشيل عفلق الذي قال ( إن القدر الذي حملنا رسالة البعث أعطانا الحق في أن نأمر بقوة ، ونتصرف بقسوة ) فطبق صدام هذا الهمجي هذا المنهج المأفون ، فتعامل بقسوة مع شعبه وجيرانه وصديقه قبل عدوه ، وتصرف بحمق وجهل وظلم فكان على أمته أشأم من عطر منشم 0(1/300)
إن تاريخ صدام مليء بالظلم والكبر وعبودية الذات ، وجرائمه النكراء تمثلت في إبادة أربعة آلاف قرية كردية وخمسة وعشرين مدينة ، وآباد أيضاً أكثر من مائتين وخمسين ألف قتيل كردي برئ بأسلحة كيمائية وغازات سامة ، وكل ذنبهم أنهم مسلمون ، وقد فوجئوا بالموت يطوقهم من كل جانب الرجل في عمله ، والمرأة تعمل في بيتها أو حقلها والطفل يلعب في الشارع أو ساحة بيته ، أحرق الزرع وأباد الحيوانات ودمر الأرض 0
وفي يوم من الأيام أملى عليه هواه وشيطانه ، أن الجميع يتآمرون عليه وعلى حزبه وعرشه فأخذ يخطف الأطفال الأبرياء ويعذبهم لينتزع منهم اعترافات غير صحيحة على آبائهم ، ويستخدم في ذلك طرقاً فضيعة في التعذيب حيث كان يأمر طغاته وجلاديه بقلع عيون ضحاياه من الأطفال وذلك لأجل أن يعترفوا على آبائهم حتى قاموا بإعدامهم بحجة الخيانة ، وسجن الآلف من الأبرياء ، كما أنه يستعمل الصدمات الكهربائية والجلد والضرب لتعذيبهم ، وأدهى من ذلك وأمر أنه وصل إلى الاعتدائات الجنسية عليهم ، وتاريخه مليء بمثل هذه الأفعال البشعة اللئيمة 0(1/301)
لقد كان وجود صدام وأمثاله من المصالح التي كسبتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ، وخصوصاً في الخليج العربي ، وكان وجوده مما خدم الهيمنة والسيطرة الأمريكية ، فلم يكن الرئيس صدام حسين مرفوضاً من الغرب قط كلا ، وبالأخص من أمريكا وقد أكد ذلك هارولد براون وزير الدفاع في حكومة جيمي كارتر حيث قال ( إن التوجه العلماني في العراق في بناء الوطنية يجعله أقرب للغرب وأقل تهديداً من إيران ) ويقول كولن باول رئيس هيئة الأركان في حرب الخليج (إن من غير الحكمة أن نلطخ اسم صدام وسمعته ! وننعش آمال الجماهير ونحرضهم ضده ، ثم نتركه وشأنه بعد ذلك) وعند ما زار وزير الدفاع الأمريكي اليهودي وليم كوهين إحدى القواعد الأمريكية في المنطقة عام 9/2/1418هـ ، قال مخاطباً الجنود الأمريكيين (إنني متأكد من أن كثيراً منكم يتساءلون من وقت لآخر عن سبب وجودهم هنا ، وعما إذا كان ضرورياً ؟ إن الجواب هو نعم : لأن الشرق الأوسط منطقة ذات أهمية كبيرة (لاقتصادنا) وبالنسبة لبقية العالم ، إن بلادنا ينبغي أن تحمي منابع النفط في الخليج ، ولهذا فإن الأمن في هذه المنطقة سيبقى ذا أولوية لوقت طويل) ونشرت صحيفة نيويورك تايمز في عام 1998م ، عن أحد المسؤولين الأمريكيين قوله (لقد فعل صدام حسين لترويج سياستنا أكثر مما فعلنا ... بارك الله في صدام !!) 0
وأما الأكذوبة الكبرى التي تجري على لسان (بوش) و(بلير)) أنهم لا يضمرون إلا كل خير للشعب العراقي ، وإنما يهدفون السلطة العراقية ، فإن هذا غير صحيح ولا يمت للحقيقة بصلة) .
ونحن نؤكد وبكل قوة بأن ، الحصار على العراق لا يقره شرع منزل ، ولا عقل سليم ، ولا فكر مستقيم بل ولا قانون منضبط 0(1/302)
يقول رامسي كلارك "إن مبادئ القانون والعدالة تدين بقوة هذه العقوبات وتعتبرها إجرامية" وقال هوك ستيفتر "لقد نجح المؤلف أي (مؤلف كتاب التنكيل بالعراق) من خلال وثائقه الوفيرة وبسطها بأسلوب ساخط لاذع في تسليط ضوء قوي على أكثر جرائم الإبادة الجماعية وحشية في القرن العشرين " وقال الإنجليزي جيف سيمونز في كتابه التنكيل بالعراق "إنني أشعر بالعار المتسم بالعجز إزاء ما حكمت به حكومتي والمتواطئون معها في الإبادة الجماعية ، أولئك المشلولون نفسياً ، ومن ينقلون الشعور بالذنب "
على أي أساس تعاقب العراق على احتمال أنها سوف تملك قنابل نووية وأسلحة الدمار الشامل بعد عشرين سنة ، بينما الصهاينة في إسرائيل حققت ذلك كله قبل عشرين سنة ، بل ولا زالت في تطويرها ومضاعفتها والصفقات تلو الصفقات في شراء الأسلحة الفتاكة وإعدادها العملي ضد المسلمين وبمساعدات أمريكية متنوعة ومتعددة 0
ولماذا لا تعالج الأسلحة النووية في إسرائيل بالدواء الذي تستعمله أمريكا مع أسلحة كوريا الشمالية (النووية!) وأسلحة الدمار الشامل في العراق ، ومن أين التفصيل بين حقوق الأقليات الإسلامية والأقليات غير الإسلامية ، حيث إن الثانية تحظى بالتعاطف الرسمي والشعبي من الغرب الكافر ، بينما الأولى تلاقي الحروب المباشرة وغير المباشرة ، وأحوال الأقليات اليهودية في العالم والبهائية ونحوها في سلام وتمكن ، بينما الأقليات الإسلامية في بورما والفلبين تتعرض للمعاناة يومياً ، وأدهى من ذلك سوء أحوال الأكثرية الإسلامية في السودان والعراق 0
ولا يختلف اثنان في أن أمريكا وبريطانيا قد سعدا بإنفاذ سياستهما وإخراجها عبر منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لهما ! وأن حصار العراق دخل ضمن استراتيجيتهما بالمنطقة لشل قدراته التي كان يتمتع بها قبل اجتياحه للكويت 0(1/303)
لقد خرج مفتشو الأمم المتحدة من العراق منذ مدة بعد أن قضوا فيها فترة طويلة بينما صدام يخرق المقاطعة ، ويشتري سلاحاً بمال اتفاق النفط مقابل الغذاء ، إذا كان ذلك الحظر لم يفلح فما دواعي استمراره ، أكثر من عشر سنوات ، تلك فترة كافية ، ولكن أمريكا تفعل هذا وأعظم بحثاً عن مصالحها الشخصية دون مراعاة لمعاناة الأخرين ودون مبالاة بالقوانين الدولية ، ولذلك يقول أشرف بيومي الأمريكي إن أمريكا عطلوا حوالي ألف عقد ، فأي عقد لا يعجبهم فهم على أتم استعداد في إلغائه ، حتى عقود الأكل لا يبالون في منعها ، وحتى العقود التي لها علاقة بالمنشآت البترولية ، وكذلك العقود التي لها علاقة بالزراعة ، والعقود التي لها علاقة ببناء البنية التحتية ، وهي محطات توليد الكهرباء وضخ المياه والصرف الصحي، وهذه هي الأسباب الحقيقية التي تقتل مئات الآلاف من أطفال العراق، أطفال العراق يموتون بتلوث المياه، وتلوث الصرف الصحي ، كما قامت أمريكا بمنع تزويد العراق حتى بالثيران لتحسين الثروة الحيوانية ، أما الشعارات التي ترفع بين الحين والآخر، سبق للرئيس (بوش) أن أعلن أنه ليس لديه أي خلاف مع الشعب العراقي ، فهذا كلام لا أساس له من الصحة ، والدليل على ذلك الواقع ، فقد قام بإلقاء ما يعادل سبع قنابل نووية على العراق في عام 1991 0(1/304)
إن تدمير قوة الأمة وإرجاعها إلى الخلف ولتنتهي حيث بدأت هو هدف من أهداف أعداء الإسلام ، وقوة العراق كشعب مسلم أمر يخشاه الغرب الكافر ليس لأن صدّاماً لا يسير على ركابهم ومنهجهم كلا ، ولكن لأن القوة قد تصير يوماً من الأيام لمن لا يسير في ركابهم ومنهجهم الضال ، ولأجل ذلك فهم حريصون على تدمير العراق ويخططون لذلك من وقت بعيد ، فقد جاء في مقال نشرته صحيفة "كيفونيم" اليهودية بتاريخ 20/4/1402هـ ( وأما العراق فهي غنية بالبترول ، وفريسة لصراعات داخلية وسيكون تفككها أهم بالنسبة لنا من تحلل سوريا ، لأن العراق يمثل على الأجل القصير أخطر تهديد لإسرائيل ، وقيام حرب سورية عراقية سيساعد على تحطيم العراق داخلياً قبل أن يصبح قادراً على الانطلاق في نزاع كبير ضدنا!) 0
ولهذا فهم لا يزالون يصبون فوق رؤوس هذا الشعب البريء الرصاص والأسلحة الفتاكة ، ولذلك يقول نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ووزير الخارجية كولن باول إن واشنطن لا تمتلك حتى الآن دليلاً على ضلوع العراق في الاعتداءات التي وقعت في نيويروك وواشنطن ، ولكنها لا تنوي في أي حال من الأحوال تخفيف الضغط التي تمارسه على هذا البلد ، ويقول وزير التجارة العراقي مهدي صالح في رده على غزوة نيويورك وواشنطن (إن العراق يتعرض لتدمير متواصل من قبل أمريكا يومياً ، وحجم ما دمرته الطائرات الأمريكية والبريطانية يفوق حجم ما تعرضت له أمريكا من دمار – وأضاف قائلاً – بصرف النظر عن المأساة الإنسانية التي تعرضت لها الولايات المتحدة ، فإن السياسة الأمريكية هي التي قادت إلى هذه النتائج) 0(1/305)
إن القوات الأمريكية التي جاءت باسم الحفاظ على الشرعية الدولية والقانون الدولي ... كان تدخلها سريعاً بل فائق السرعة وشديد الكثافة والتطور والقوة التدميرية وهو أمر قد يراد منه بث الرعب في نفوس المسلمين وإشعارهم بـ الهزيمة الداخلية ، والضعف عن مواجهة الغرب ومدافعته ، وهو هدف بحد ذاته لأنه من يهزمه عدوه من داخله فإنه لا يبقى أمامه إلا أن يصفي الساحة من فلول عاجزة دون جهد أو تعب 0
وكل هذا الذي قلته وسطرته ، ليس هو مجرد أعمدة صحفية أو نشرة إعلامية بل ليتأهب شباب الأمة ورجالات الدين ، وأبطال الميادين في مكافحة شرذمة الأمريكان وعلى أمريكا أن تأخذ حذرها من التحرش في العرب والمسلمين ، فهم أولو بأس شديد وأهل بطش ودهاء ، إن العرب لا يرضون بالذل والإهانة ، ولو على حساب ذهاب رقابهم وممتلكاتهم وأموالهم ، فمفارقة الحياة أحب إليهم من الذل المهين ، إن العرب لم يرضوا الذل والهوان رغم فقرهم وجوعهم وقلة مواردهم على طول تاريخهم الزاهر ، وقد مرغوا بالتراب أعتى الممالك والإمبراطوريات ، وقد تحدوا في الجاهلية التبّع اليماني في زمان (كليب بن وائل) وهزموه شر هزيمة في يوم (خزار) لأنه حاول المساس بشرفهم وأخذ ما لا يحق له بالقوة ، ثم هزموا سابور ملك فارس في يوم (ذي قار) لأنه حاول أن يأخذ ما لايحق له بالقوة وحين ما جاء الإسلام بنوره العظيم ، وانبثق من الجزيرة العربية المباركة أخضع العرب بالسيف الإسلامي أعتاى الأقطاب الدولية التي كانت تسيطر على الأرض كالرومان والفرس والأحباش ، بل امتدت انتصاراتهم المباركة العطرة لتشمل أنحاء المعمورة وتمتد إلى الهند والصين وجبال البرانس ، والعرب بسيف الإسلام والمسلمين من بعد ذلك أوقفوا زحف التتار ، والمغول الذين اجتاحوا الأرض وكانوا من أعتى الشعوب وأصلفها وأكثرها جبروتاً0(1/306)
هذا المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، يقول لما خرج على المسلمين عامل كسرى في أربعين ألفاً فقام ترجمان فقال ليكلمني رجل منكم ، فقال المغيرة سل عما شئت قال ما أنتم ؟ قال نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد ، وبلاء شديد ، نمص الجلد والنوى من الجوع ، ونلبس الوبر والشعر ، ونعبد الشجر والحجر فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الأرضين تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبياً من أنفسنا نعرف أباه وأمه فأمرنا نبينا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم ( أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده ، أو تؤدوا الجزية ، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط ، ومن بقي منا ملك رقابكم ) رواه الإمام البخاري في صحيحه (3159) من طريق المعتمر بن سليمان ، عن سعيد بن عبيد الله الثقفي ، حدثنا بكر بن عبد الله المزني ، وزياد بن جبير ، عن جبير بن حية .... به 0(1/307)
وقد حكى بعض المؤرخين ابن جرير وغيره ، عن الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه أنه لما دخل على رستم ، وقد زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة ، والزرابي الحرير وأظهر اليواقيت واللآلي الثمينة ، والزينة العظيمة ، وعليه تاجه ، وغير ذلك من الأمتعة الثمينة ، وقد جلس على سرير من ذهب ، ودخل عليه ربعي بثياب صفيقة ، وسيف وترس وفرس قصيرة ، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط ، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد ، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه ، فقالوا له ضع سلاحك ، فقال إني لم آتكم ، وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا و إلا رجعت ، فقال رستم إئذنوا له ، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها ، فقالوا له : ما جاء بكم ؟ فقال الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه ، فمن قبل ذلك ، قبلنا منه ، ورجعنا عنه ، ومن أبا قاتلناه أبداً ، حتى نفضي إلى موعد الله ، قالوا وما موعد الله قال الجنة لمن مات على قتال من أبى ، والظفر لمن بقى ، فقال رستم قد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا ؟ قال نعم كم أحب إليكم يوم ؟ أو يومين؟ قال لا ، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا .(1/308)
فقال ما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث ، فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل فقال أسيدهم أنت ؟ قال لا : ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال هل رئيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل؟ ، فقالوا معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب ، أما ترى إلى ثيابه؟ فقال ويكلم لا تنظروا إلى الثياب وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة ، إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل ويصونون الأحساب .(1/309)
وما هذه إلا نماذج بسيطة من البطولات الإسلامية والعربية ، وتاريخنا المجيد مليء بالقصص العجيبة ، والمواقف الفريدة ، التي أذهلت الأعداء وأذاقتهم وبال أمرهم ، إن الواحد من الأمة الإسلامية يتسابق إلى الشهادة في سبيل الله ، كما يتسابق الغرب إلى الحياة ، همهم الأعظم ، ومقصدهم الأكبر توحيد الله ، وقتال الذين كفروا ابتغاء مرضاة الله ونصر دينه وإذلال أعدائه ، قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (111) ، وقوله صلى الله عليه وسلم ( ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وما له على الأرض من شيء إلا الشهيد ، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة ) متفق عليه من حديث شعبة ، عن قتادة عن أنس رضي الله عنه . وأعظم الجود ، الجود بالنفس ، وأعظم القتال قتال الكافرين ، وما هي إلا نفس واحدة ، وليس ثَمّ غيرها حتى تجرب بذلها هنا وهناك ، فشح بروحك واربأ بنفسك أن تذهب بدون جهاد للكافرين أو حديث نفس بذلك ، قال صلى الله عليه وسلم ( من مات ولم يغز ، ولم يحدث به نفسه ، مات على شعبة من نفاق ) رواه الإمام مسلم في صحيحه (1910 ( من طريق عبد الله بن المبارك ، عن وهيب بن الورد المكي ، عن عمر بن محمد بن المنكدر عن سمي عن أبي صالح ، عن أبي هريرة 0(1/310)
وإلى آخر هذه البطولات الخالدة الإسلامية سحق الإتحاد السوفييتي ، التي هي ثاني دولة كبرى في العالم آنذاك ، وأصبحت بعد ما كانت ولايات متحدة ، ولايات متفرقة ، ثم هذه أمريكا لما تحرشت في المسلمين في أفغانستان ، خرجت في النهاية تجر أذيال الهزيمة ولم تحقق ولا واحداً في المائة من التي خاضت الحرب لأجله ، وأعلنتها حرباً صليبية ، وأصبحت تغطي فشلها في أناس مستضعفين ، والتهديد بضرب العراق ونحو ذلك من الهمجية الرعناء ، وكل يوم تقول بأنهم عثروا على خلايا من القاعدة ، في أناس لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، من أناس موضفين في هيئة من الهيئات الإغاثية أو رجال أعمال أو نحو ذلك0
فأمريكا فشلت فشلاً ذريعاً في هذه المعركة ضد الإسلام والمسلمين ، فهذه صحيفة "النيويورك تايمز" تنشر في عدد من أعدادها الأخيرة تقريراً موسعاً ، يعتبر بمثابة تقرير إدانة واعتراف بتورط القوات الأمريكية في قتل المئات من المدنين الأفغان ، بسبب وجود عيوب وخلل في نظام الحرب الجوية الأمريكية ، وذلك لاستخدام الأمريكيين الضربات الجوية ، بدلاً من العمليات الأرضية ، والتي سببت هذه أخطاء كبرى في قتل المدنين ، حتى إن الزعماء الأفغان أخذوا يطالبون بأخذ مشورتهم في القيام بأية غارات جوية مرة أخرى ، بل إن زعماء الأفغان يلمحون بأنه إذا استمرت هذه الأخطاء قد يطالبون بتحديد نشاطات أمريكا المستقبلية العسكرية 0(1/311)
كما أشارت الصحيفة المذكورة ، إلى أن الحرب في أفغانستان ، ليست هي المرة الأولى ، التي تقوم فيها القوات الأمريكية بهجمات خاطئة تتسبب في قتل المدنيين ، وتشير الأرقام الرسمية إلى مقتل 400مدني عن طريق الخطأ ، إلا أن المؤسسات الدولية الأخرى تؤكد مالا يقل عن 812مدنياً أفغانياً قتلوا بالضربات الجوية الأمريكية ، ( وهذا لا يمثل الحقيقة ، فقد تقدم تقريب العدد الصحيح ) وتتوقع هذه المؤسسات أن يرتفع هذا بعد أن ينتهوا من عمليات البحث والمسح ، وأشارت الصحيفة أيضاً ، إلى أنه برغم العمليات الجوية الكثيرة ، التي قامت بها القوات الأمريكية ، وتسببت في قتل المدنيين ، إلا أنه لم تنجح أمريكا في اعتقال أي أحد من قادة طالبان أو القاعدة في أفغانستان 0
وهذه بريطانيا تسحب آخر فرقة لها لأنها لم تشارك في أي قتال داخل أفغانستان ، ولم تقم بأية مهمة عسكرية ذات بال ، فقد أطلقت وسائل الأعلام البريطانية لقب "فرقة العذراء" على هذه الفرقة العسكرية ، التي أتمت رحلة العودة إلى الديار ، وقد وصل الفوج الأخير من الفرقة وعددهم 160فرداً ، لتنتهي بذلك إقامة حافلة في أفغانستان استمرت لمدة ثلاثة أشهر لنحو 1700جندي بريطاني ، ومن المقرر أن يبقى من البريطانيين في أفغانستان نحو 100جندي من البحرية ، في قاعدة "باجرام" الجوية قرب "كابل" لتقديم أي نوع من الدعم للقوات الخاصة ، التي تضطلع بمهمة مطاردة مقاتلي القاعدة وطالبان ، والتي لم تسفر مجهوداتها عن أي نجاحات تذكر منذ أشهر عديدة ، فضلاً عن تعرضها للهجمات المستمرة بلا توقف ! ، وقد تعرضت القوات البريطانية في أفغانستان لانتقادات حادة ، نتيجة الفشل الذي أبدته في أداء مهامها القتالية 0
وتحدثت بعض التقارير عن كميات الذخيرة الهائلة ، التي قامت القوات بتدميرها ، والتي غالباً ما كان يتبين أنها تابعة لفصائل أفغانية حليفة ، أو يرجع تاريخها إلى عهد الاحتلال السوفييتي 0(1/312)
وهذه بعض الشخصيات تنتقد "بوش" في خوض معركة ضد أفغانستان ، وأن هذه سياسة فاشلة 0
وصف "جون كيري" عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي عن ولاية "ماساتشوستس" والمرشح المحتمل للحزب في انتخابات الرئاسة عام 2004م ، سياسات الرئيس "بوش" المتعلقة بالشرق الأوسط بأنها تصرفات هواة 0
كما شن "كيري" هجوماً واسع النطاق على أسلوب "بوش" في إدارة السياسة الخارجية ، وشكك في بعض النقاط الاستراتيجية المتعلقة بالحرب في أفغانستان ، وقال إن حكومته كثيراً ما فشلت في إقامة حوار مع الحكومات الأجنبية ، وفي صنع دور عالمي للولايات المتحدة .
وأضاف قائلاً : أعتقد أن الحكومة الأمريكية تصرفت بطريقة خرقاء وعشوائية على كثير من جبهات السياسة الخارجية 0
ثم أضاف أيضاً قائلاً : كان الهدف كما حدده الرئيس ، هو القضاء على القاعدة والإمساك بهم وبـ "أُسامة بن لادن" حياً أو ميتاً ، لم نقض على القاعدة ، ولذا فدعونا لا نتظاهر أنهم أكثر خطراً وهم متفرقون مما كانوا ، وهم مطوقون ومحاصرون في جبال تورا بورا 0
ويذكر أن "كيري" كان قد حصل على وسام النجمة الفضية ، أثناء خدمته على زورق نهري في فيتنام ، لكنه عارض الحرب عقب عودته إلى بلاده ، كما كان "كيري" من أوائل الديمقراطيين ، الذين خرجوا على موقف الحزب في عدم انتقاد سياسة "بوش" الخارجية في أعقاب 11سبتمبر 0
ومن هذا كله يبدوا أن القوات المشاركة في أفغانستان تحاول النجاة بنفسها ، والخروج سريعاً من المهلكة الأفغانية ، لذلك فقد بدأت الدول في سحب قواتها من هناك فبعد رحيل القوات البريطانية ، بدأ الجنود الكنديون مغادرة أفغانستان في ختام أول مهمة لهم في الخارج منذ الحرب الكورية.(1/313)
ثم إن علينا أن نكافح هؤلاء الشرذمة الأمريكان ، الذين طال شرهم ، وفحش خطبهم ، وعظم أمرهم ، في تشريد المسلمين ، وانتهاك أعراضهم وحرماتهم ونهب ممتلكاتهم ولقد دعانا شرعنا الإسلامي إلى الدفاع عن المظلومين والمنكوبين فقال تعالى ( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) ، قال القرطبي رحمه الله تعالى : قوله تعالى ( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) حض على الجهاد ، وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب ، ويفتنونهم عن الدين ، فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه ، واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده وإن كان في ذلك تلف النفوس ...
[تفسير القرطبي](5/279 (.
وقد اتفق أهل العلم على وجوب قتال الكفار المعتدين على بلاد الإسلام ، فإن اندفع شرُّهم بأهل البلاد التي أُحلت ، أو اغتصبت كفى ذلك عن غيرهم ، وإن لم يحصل ردُّ كيدهم وإقصاؤهم ، فإنه يجب على من يقرب من العدو من أهل البلاد الأُخرى مناجزة الكفار وصد عدوانهم وهذا أمر معلوم بالشرع ، ولا ينازع فيه مسلم 0(1/314)
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى في الكافي (1/205) : فرض عام متعين على كل أحد ممن يستطيع المدافعة والقتال وحمل السلاح من البالغين الأحرار ، وذلك أن يحل العدو بدار الإسلام محاربا لهم فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا وشبابا وشيوخا ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر وان عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا قلوا أو كثروا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضا الخروج إليه ) 0
كما علينا مقاطعة البضائع الأمريكية ، لأنه كما تقدم أن القوة الأمريكية العسكرية مستمدة من القوة الاقتصادية ، وقد آتت المقاطعة ثمارها ، وظهرت نتيجتها ،( فقد قالت السفارة الأمريكية في( الرياض ( إن ضعف الإقبال على شراء السلع الأمريكية أمر باعث على القلق ... وقال مدير المكتب التجاري في السفارة الأمريكية إن انخفاض الإقبال على السلع الأمريكية كبير جداً ، نعم ونحن نشعر بالقلق من ذلك ........... .... ) 0
...
وأدلة المقاطعة الاقتصادية من الكتاب والسنة كثيرة فمن ذلك قوله تعالى:
1ـ{ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (120(
ولا ريب أن المقاطعة تغيظ الكفار ، وتبث الرعب في قلوبهم.(1/315)
2-محاصرة الرسول صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير وهي أنهم لما نقضوا العهد حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقطع نخلهم وحرقه فأرسلوا إليه أنهم سوف يخرجون ، فهنا استعمل النبي صلى الله عليه وسلم الحرب الاقتصادية ضد هؤلاء اليهود ، فهنا كان الضغط عليهم من الناحية الاقتصادية هو الذي زلزل كيانهم وهزمهم وأجلاهم من المدينة ، وقصة قطع النخيل والإحراق جاءت في صحيحي البخاري (4031)و مسلم (1746) من طريق الليث ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : حرق نخل بني النضير وقطع ، وهي البويرة فأنزل الله { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5) }0
3- حصار النبي صلى الله عيه وسلم لأهل الطائف ، وأمره بقطع أعناب ثقيف وتحريقها ذكر ذلك ابن سعد وابن إسحاق ، وأصل القصة في الصحيحين بدون ذكر القطع والتحريق قال عبد الله بن عمر بن الخطاب ، لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلم ينل منهم شيئا قال : ( إنا قافلون إن شاء الله) فثقل عليهم ، وقالوا نذهب ولا نفتحه ، وقال مرة (نقفلُ) فقال : ( اغدوا على القتال) فغدوا فأصابهم جراح ، فقال : ( إنا قافلون غداً ) إن شاء الله ، فأعجبهم فضحك النبي صلى الله عليه وسلم 0 روى ذلك البخاري ومسلم ، من طريق سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن أبي العباس الشاعر الأعمى ، عن عبد الله 0
والحصار من أساليب الجهاد ، وتوهين قوة العدو ، وضرب اقتصاده ، ففيه مشروعية ضرب اقتصاد العدو ، سواء كان ذلك بالحصار حين القدرة على ذلك أو بمقاطعة شركات الخدمات الأمريكية ، واليهودية المتمثلة بالبنوك ، وشركات التنمية والطاقة ، والمؤسسات التجارية من المطاعم وغيرها .(1/316)
4- مقاطعة الصحابي الجليل ثمامة بن أثال الحنفي اليمامي رضي الله عنه ، وذلك أنه لما أسلم ، ذهب للعمرة وأعلن إسلامه بين أهل مكة وقال لهم (ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم ) والقصة متفق عليها من طريق الليث ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة 0
وفي هذه القصة أنه لا يشرع في المقاطعة إذن الإمام أو نحوه ، فهذا الصحابي الفقيه لم يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في المقاطعة ، وهذا هو الفقه بعينه 0
والمقاطعة من أقل ما يقدمه المسلم ، وهي نوع من أنواع الجهاد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) رواه الإمام أحمد في مسنده (12246) ، وأبو داود (2504) والنسائي (3098) من طريق حماد بن سلمة ، عن حميد عن أنس .
كتبه
سليمان بن ناصر بن عبد الله العلوان
القصيم : بريدة
21/6/1423هـ
أصول الصحوة الجديدة
بقلم الشيخ: علي بن خضير الخضير.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
إن الصحوة الأم في الآونة الأخيرة بدأت تعيش أزمات متلاحقة، ولا بد أن نعي أن هذه الأحداث التي تعصف بالصحوة الأم وتهدد بتفككها ليست أحداثاً فردية وليست أيضاً من باب الزلات أو كبوة فارس، بل هي توجه يحمل في طياته أصولاً وركائز تَخرج لنا بين الفينة والأخرى، فبعد أن كانت الصحوة الأم تعيش متماسكة قوية، انشق منها الآن توجهان - ولا حول ولا قوة إلا بالله -:
(1) عصرانيون: وهؤلاء أول فرقة انشقت، وهم علمانيون بثياب إسلامية، وسبق أن كتبت فيهم رسالة تُبين أصولهم ومراحلهم.
((1/317)
2) تيار انهزامي: وما زال هذا التيار المنشق عن الصحوة الأم يعيش فترة نمو، وما بين الفينة والفينة يستحدث من الأصول ما يناسب العصر والواقع، ثم يلبسه لباس أهل السنة والجماعة، ولباس الاجتهادات المسموح فيها، وعمر هذا التيار لا يتجاوز السنتين تقريبا لا تحديدا.
ونبدأ بالفرقة الثانية التي انشقت عن الصحوة الأم، وهي ما يُسمى ؛ بالصحوة الجديدة، أو الصحوة الثانية، أو الصحوة الواقعية، أو تصحيح الصحوة، أو الصحوة المعتدلة، أو تيار تجديد الخطاب الإسلامي، أو ما سموا به أنفسهم أخيراً ؛ التيار الوسطي المعتدل... كل هذه أسماء مترادفة لهذا التيار، ولهم أطروحات جديدة منها:
1) الأصل الأول في باب الأيمان والكفر: ففي باب الإيمان يتجهون إلى الإرجاء وفي باب التكفير إلى التجهم، ولذا لا يكفرون الساب حتى يعتقد، ولا الحاكم بالقوانين حتى يعتقد، ولا من تولى الكفار حتى يعتقد، ولا من يتحالف مع الكفار حتى يعتقد، وهذه المفردات انقلبت إلى أصل هو الإرجاء.
ومن أصولهم في باب التكفير:
*أ) التحذير المطلق من التكفير عموما دون تفصيل.
*ب) إطلاق التفريق بين القول والقائل والفعل والفاعل دائماً وفي كل مسألة سواء أكانت في باب الشرك الأكبر أم في المسائل الظاهرة لمن قامت عليه الحجة، مع أنه اجتمعت الأسباب وانتفت الموانع، ولذا فليس عندهم أعيان يكفرونهم إلا من جاء ذكرهم في الكتاب والسنة.
*ج) هجر علم وفقه باب التكفير والتحذير من تعلمه والتفقه فيه وعدم تدريسه وترك كتبه، والتحذير من كتب أئمة الدعوة النجدية، واعتبار تعلم أصول التوحيد وتكرار كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب لا داعي له، وهجر دراسة نواقض الإسلام واعتبار دراستها فتنة وجرأة على التكفير.
*د) عدم الاهتمام بمسائل الولاء والبراء والبغض والمعاداة وعدم الاهتمام بمسألة الكفر بالطاغوت، ويرددون أننا غير متعبدين بذلك ولن يسألنا الله عنها، وليس في علم ذلك فائدة.(1/318)
*هـ) الإطلاق في مسائل العذر بالجهل والتوسع فيه حتى في الجهال المعاندين والمفرطين، وحتى وصل الأمر عند بعضهم إلى إعذار جهال اليهود والنصارى.
*و) الدعوة إلى التسامح والسلام العالمي وترديد ذلك.
*ز( التحذير من تكفير الطغاة المبدلين ونبذ من كفّرهم وعاداهم على هذا الأصل.
*ح) جعل أشخاص معينين من السياسيين هم المعيار والميزان، فمن كفّرهم - مع أنهم أتوا بأسباب الكفر الصراح وانتفت الموانع - فهو حروري وتكفيري وصاحب فتنة وليس من أهل السنة.
2) وفي باب الجهاد معطلة للجهاد المسلح؛ ومخذّّّلة ومرجفة ويجعلون مراحل تعجيزية للجهاد المسلح حقيقتها تنتهي إلى تعطيل الجهاد، ويستبدلونه بجهاد الكلمة أو الشبكة - الانترنت - أو جهاد التربية، أو جهاد الفضائيات التي أفسدوا بها الناس وأفسدوا بها شباب الصحوة، وبعضهم يرون أنه لا جهاد طلب، ويهاجمون المجاهدين ويلمزونهم ويتهمونهم بالاستعجال والغلو وعدم فهم الواقع، وأنهم تكفيريون وخوارج وأهل ردود أفعال فقط، وأنهم افتاتوا على الأمة ولم يُشاوروا العلماء، ولا يُراعون المصالح والمفاسد، وأضاعوا مكاسب الدعوة، وجرّوا الأمة إلى صراع غير متكافئ... إلى غير ذلك من الجور والظلم العظيم الذي ظلموا به إخوانهم.
ومن شبهاتهم في هذا الباب؛ أن الأمة غير مهيأة للجهاد، ولا يجوز جرّ الأمة إلى معركة غير متكافئة، ويشترطون التكافؤ في الجهاد وأن يسبقه التربية، ويتهمون الجهاديين بأنهم أضاعوا مكاسب الصحوة مثل إغلاق جمعيات الإغاثة في الغرب والمراكز الإسلامية فيها، وكذا قلّة الدروس العلمية والتأليف وتسلط الغرب على الانترنت وهكذا، وقد يفصلون أو يطردون الجهاديين من حلقاتهم وتجمعاتهم ومنازلهم ويؤثمونهم، وينفون عنهم الأجر والمثوبة والقبول من الله ويجعلون قتلاهم ليسوا شهداء.(1/319)
3) وفي باب الفقه فتحوا باب الترخص: واستحدثوا ما يُسمى - زورا وبهتانا - بفقه التيسير، وهو اختيار ما يوافق العصر وفيه يسر على الناس - زعموا - مما اختلف فيه أهل العلم، علما بأن الأصل في مثل هذا؛ أن ما اختلف فيه أهل العلم يرجح الراجح بناءا على ما دلت النصوص عليه، وهؤلاء عكسوا، فكانوا يرجحون على أساس يسره على الناس، وبهذا الأصل الباطل أفتوا بأشياء في الحج والبيوع واللباس والفضائيات وما يتعلق بالمرأة والحجاب واللحية وصلاة الجماعة في البيت والسفر بدون محرم، والتساهل في سماع الغناء والموسيقى بحجة أن هناك فرقاً بين السماع والاستماع، والسفر من أجل الاستمتاع بالنساء بعقد ظاهره الجواز، وحقيقته حيلة من أجل الاستمتاع فقط؛ فحقيقته نكاح متعة من غير نية الاستقرار معها أو الإنجاب... الخ، فأصبحوا أهل أهواء وترخصات في باب الفقه.
4) وفي باب الموقف من أهل البدع والأهواء استخدام سياسة الاحتواء والموازنات بين الحسنات والسيئات.
5) وفي باب الموقف من العلمانيين والسياسيين استخدام أسلوب الحوار ومد الجسور، وترك مجاهدتهم والاحتساب عليهم وهجر أصول السلف فيهم.
6) التركيز من الناحية السياسية على قضايا معينة لا يختلف فيها أحد لكسب رضا الجميع، مع إهمال قضايا مهمة: كالتوحيد وأصول الولاء والبراء ومسائل الكفر بالطاغوت ومسائل تبني الجهاد والمجاهدين والأمر والنهي والاحتساب في ذلك.
7) استخدام أسلوب البرلمانات أو التحالف مع العلمانيين أو السياسيين أو التربية والتثقيف والوعي واتخاذ ذلك طريقا لإقامة الدولة الإسلامية.
8) تعظيم جانب المصلحة والسياسة الشرعية في ظنهم ولو خالفت الشرع.(1/320)
فإن أكثر استدلالهم في مواقفهم بالمصلحة، ولذا انتقدوا تكسير أصنام بوذا من قبل حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان بحجة أن المصلحة تقتضي التمهل وعدم الاستعجال في تكسيرها، ثم يخترعون المفاسد الظنية - مع العلم بأن أعظم المصالح؛ إقامة التوحيد وكسر الشرك - ويعارضون أعمال المجاهدين باسم المصلحة، ويتنازلون عن أشياء في العقيدة والأصول باسم المصلحة، ويستخدمون المناورات السياسية باسم المصلحة والسياسة الشرعية، ويكون لهم كلام خاص يُخالف الكلام المعلن باسم المصلحة والسياسة الشرعية، وتركوا بيان الحق ورد الخطأ باسم مصلحة الاجتماع - زعموا - وتركوا التراجع عن الخطأ الذي يعترفون سرا أنهم اخطأوا فيه من باب المصلحة ووحدة الصف، مع أن التلبيس به باق ولا زال نشره ساري المفعول، واستغلال أهل الباطل له باق.
9) ثم أحدثوا مسألة التعايش مع الأمريكان, عن طريق الأرض المشتركة والأصول المتفق عليها مع نبذ العنف والإرهاب والتعاون على ذلك، وأحدثوا هذا الأصل في الوقت الذي كثرت فيه الدعوات إلى الحوار والتعايش مع الغرب وخصوصا مع الأمريكان، مسايرة لهذا الواقع، وأيضا رسالة إلى بعض السياسيين من باب الاسترضاء، وهذا الأصل وعدوا بنشره وإشاعته، والى كتابة هذه الأسطر وهو منشور.
10) ولما ظهرت الردود على مسألة التعايش انتهجوا وروّجوا لإلغاء باب الردود, واعتباره مفرقا للجماعة ومبعثرا للصف، وأنه من أسباب الفرقة والضياع، ناسفين بذلك طريقة السلف في الردود المبينة للحق المزيلة للخطأ، مع أنهم في القديم ردوا على فتاوى مشهورة وعلى علماء مشهورين ولم يلتفتوا إلى مسألة أن الردود مفرقة للجماعة مبعثرة للصف!
وبهذه المناسبة سوف أذكر لك أيها القارئ الحبيب نماذج من ردود السلف بقصد بيان الحق ورد الخطأ:
-*كتاب "السير" للأوزاعي، وهو رد على سير أبي حنيفة.
-* وكتاب "الرد على سير الأوزاعي" لأبي يوسف.
-* كتاب "الرد على محمد بن الحسن" للشافعي.(1/321)
-* الكتب المسماة بـ "الرد على الجهمية"، للإمام أحمد والدارمي وأبي داود في سننه وابن ماجة في سننه.
-* و "الرد على بشر المريسي" للدارمي.
- "*المصنف" لابن أبي شيبة في فصل الرد على أبي حنيفة رحمه الله.
-* وفصل في "السنة" لعبد الله بن أحمد فصل بعنوان "الرد على أبي حنيفة".
- "*رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت".
-* رسالة ابن قدامة المقدسي في الرد على ابن عقيل الحنبلي.
-* ردود البيهقي على من رد على الشافعي، مثل كتاب "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي"، و "كتاب الانتقاد على الشافعي".
-* ردود أبي يعلى، مثل كتاب "الرد على ابن اللبان الشافعي"، وكتاب "الرد على الكرامية "، وكتاب "الرد على السالمية".
-* ردود ابن تيمية، مثل "الرد على الأخنائي"، وكتاب "الرد على البكري"، "قاعدة في الرد على الغزالي في التوكل".
-* كتاب "الصارم المنكي في الرد على السبكي"، لمحمد بن أحمد بن عبد الهادي.
-* وكتب ابن القيم في الردود.
-* وكتاب "الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر"، لابن ناصر الدين الدمشقي.
-* ردود الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مثل ؛ كتاب "مفيد المستفيد" ردا على أخيه سليمان، "رسالة في الرد على الرافضة".
-* ردود عبد اللطيف بن عبد الرحمن، مثل؛ "منهاج التأسيس في كشف شبهات داود بن جرجيس"، وكتاب "الإتحاف في الرد على الصحاف"، وكتاب "دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ"، وكتاب "البراهين الإسلامية في رد الشبه الفارسية".
-* كتاب "الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين"، لعبد الله أبا بطين.
-* كتاب" تنبيه النبيه والغبي في الرد على المدراسي والسندي والحلبي:، لأحمد بن عيسى.
-* ردود ابن سحمان، مثل ؛ "الأسنة الحداد في الرد على علوي حداد"،(1/322)
و "الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية"، و "تأييد مذهب السلف وكشف شبهات من حاد وانحرف ودعي باليماني شرف"،
و "البيان المبدي لشناعة القول المجدي".
-* كتاب "غاية الأماني في الرد على النبهاني"، لمحمود الآلوسي.
-* كتاب "نقض المباني في فتوى اليماني وتحقيق المرام فيما يتعلق بالمقام"، للشيخ سليمان بن حمدان.
-* وعبد الرحمن المعلمي في كتابه "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل".
-* الشيخ عبد الله بن حميد في كتابه "الرد على ابن محمود".
-* كتب الشيخ حمود التويجري، ومنها؛ "الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي"، "السراج الوهاج في الرد على شلبي في الإسراء والمعراج "، كتابه في الرد على أهل الفلك المسمى "الصواعق الشديدة على اتباع الهيئة الجديدة".
* * *
القسم الثاني الذي انشق من الصحوة الأم؛ وهؤلاء هم الغلاة، وهم ما يسمى بالعصرانيين:
وهؤلاء أطروحتهم مثل أطروحات العلمانيين في المرأة والاقتصاد والسياسة والمال والغناء والفن والتمثيل، وهم مرجئة في باب الإيمان، جهمية في باب التكفير مع رقة في الدين، وعلمانيين في باب السياسة والحكم.
* * *
تنبيه:
هناك من أهل الصحوة من يوافق التيار الانهزامي بأصل أو أصلين، فهذا لا يكون منهم، ولا يحسب عليهم، لكنه يُخشى عليه الانخراط في سلكهم إن لم يتدارك أمره، وهذا يُقال فيه؛ أخطأ في هذا فقط، ويبقى على ما كان عليه، والله أعلم.
* * *
وما عدا القسمين السابقين، بقيت الصحوة الأم - ولله الحمد - على أصول أهل السنة في الإيمان والتوحيد والتكفير والفقه والجهاد والسياسة والموقف من الكفار والعلمانيين والضالين والمبتدعين ورفض التعايش ورفض والأطروحات العلمانية وغير ذلك، وهم جمهور الصحوة اليوم - ولله الحمد - ولم يشذ عنها إلا أولئك النفر القليل الذين أحدثوا الفرقة والشقاق.(1/323)
نسأل الله أن يهدينا وإياهم وأن يردهم إلى الحق وأن يجنب المسلمين الفرقة والخلاف والعداوة والبغضاء المخالفة للشريعة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه؛ علي بن خضير الخضير
القصيم / بريدة، 1423هـ.
تمت ولله الحمد والمنة...(1/324)