جامعة المنوفية
كلية الآداب
قسم الفلسفة
الكون والرؤية العلمية فى القرآن الكريم
والأديان السماوية الأخرى
دراسة مقارنة
رسالة ماجستير
إعداد الطالب
أشرف أحمد محمد محمد عماشة
المعيد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدمياط الجديدة
إشراف
الأستاذ الدكتور ... الأستاذة الدكتورة
محمد عاطف العراقى ... زينب عفيفى شاكر
أستاذ الفلسفة العربية بكلية الآداب ... أستاذة الفلسفة وعميدة كلية الآداب جامعة المنوفية
جامعة القاهرة
الدكتور
فتحى حسنين السعدنى
مدرس الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب
جامعة المنوفية
18مارس 2003
الإشراف
موضوع البحث : الكون والرؤية العلمية في القرآن الكريم
... ... ... والأديان السماوية الأخري دراسة مقارنة .
اسم الباحث : أشرف أحمد محمد محمد عماشة
تحت إشراف
الأستاذ الدكتور :
محمد عاطف العراقى
أستاذ الفلسفة العربية بكلية الآداب - جامعة القاهرة
الأستاذة الدكتورة :
زينب عفيفى شاكر
أستاذة الفلسفة و عميدة كلية الآداب - جامعة المنوفية
الدكتور :
فتحى حسنين السعدنى
مدرس الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب – جامعة المنوفية
موضوع البحث : الكون والرؤية العلمية في القرآن الكريم والأديان السماوية الأخري دراسة مقارنة .
اسم الباحث : أشرف أحمد محمد محمد عماشة
التقدير : جيد جداً
م ... الاسم ... الوظيفة ... لجنة المناقشة ... التوقيع
1 ... الأستاذ الدكتور/ محمد عاطف العراقى ... أستاذ الفلسفة العربية بكلية الآداب – جامعة القاهرة ... مشرفا و رئيسا
2 ... الأستاذة الدكتورة / زينب عفيفى شاكر ... أستاذة الفلسفة الإسلامية و عميدة كلية الآداب – جامعة المنوفية . ... مشرفا
3 ... الأستاذ الدكتور / عبد الفتاح مصطفى غنيمة ... أستاذ فلسفة العلوم بكلية الآداب بجامعة المنوفية ... عضوا
4 ... الأستاذ الدكتور / زين الدين مصطفى الخطيب ... أستاذ الفلسفة الاسلامية المساعد بكلية الآداب جامعة طنطا ... عضوا
إهداء
...(1/1)
أهدى هذا البحث إلى والدىّ اللذيْن تحملا الصعاب من أجلى حتى يخرج هذا البحث في هذه الصورة ، و أسأل الله أن يبارك لى فيهما و ينعم عليهما بالصحة و العافية و أن يجعلنى بارا بهما . ...
... كما أهديه أيضا إلى إخوتى الذين لم يدخروا وسعا في مساعدتى و معاونتى بوقتهم و جهدهم ، أسأل الله أن يبارك لى فيهم و أن يزيدهم علما و رفعة.
شكر و تقدير
... أتوجه بأعمق آيات الشكر و التقدير إلى الأستاذ الدكتور : عاطف العراقى العالم الجليل الذى ملأ الأرض علما على ما تفضل بتقديمه من العلم النافع و الخلق الجم و التوجيهات السديدة في إعداد هذه الرسالة .
... كما أتوجه بأسمى آيات العرفان و الشكر إلى أستاذتى الدكتور : زينب عفيفى على عطائها المتجدد و توجيهاتها النافعة في إتمام هذه الدراسة .
... و إلى أستاذى الدكتور : فتحى حسنين أتوجه بأنبل معانى الشكر على ما أرشدنى إليه من نصائح و توجيهات عظيمة الفائدة في إخراج هذا البحث .
المحتويات
الموضوع ... الصفحة
الإشراف ... أ
لجنة الحكم و المناقشة ... ب
الإهداء ... ج
شكر و تقدير ... د
المحتويات ... هـ
المقدمة ... ... 1
تمهيد عام : ... ... ... ... ... ... ... ... ... 14
الفصل الأول: السماوات والأرض فى القرآن الكريم والكتاب المقدس ... 39
تمهيد ... 30
المبحث الأول : السماوات والأجرام السماوية ... 32
أصل ونشأة السماوات والأرض ... 33
السماوات عند المتكلمين والفلاسفة ... 35
الكواكب المضيئة ... 36
السماوات فى القرآن الكريم والكتاب المقدس ... 38
اتساع الكون ... 43
تباعد القارات ... 45
تباعد النجوم ... 45
المجرة ... 46
تركيب المجرة ... 47
تاريخ حياة مجرة الأرض ... 47
دوران المجرة ... 48
النجوم ... 49
أحجام النجوم ... 52
حركة النجوم ... 54
حرارة النجوم ... 54
الموضوع ... الصفحة
البروج ... 54
السدائم ... 55
الفراغ بين السماء و الأرض ... 56
المبحث الثانى : الأرض والظواهر الطبيعية ... 57
الأرض فى القرآن الكريم والكتاب المقدس ... 58
أصل الأرض ... 60
عمر الأرض ... 60
تكوين الأرض ... 61
نقص أطراف الأرض ... 62
توازن الأرض بوضعها الحالى ... 62
دحو الأرض ... 63(1/2)
حركة الأرض ودورانها ... 64
كروية الأرض ... 65
وصف الأرض ... 67
الغلاف الجوى ... 68
نشأة الرياح ... 71
السحاب ... 72
التقسيم الطبيعى للسحاب ... 74
الجبال ... 75
البرق والرعد ... 78
المطر ... 79
الشهب والنيازك ... 80
المذنبات ... 82
قوس قزح ... 84
العواصف والقواصف ... 85
الموضوع ... الصفحة
تعقيب ... 87
الفصل الثانى: الفضاء الخارجى في القرآن الكريم و الكتاب المقدس ... 89
تمهيد ... 90
المبحث الأول : الشمس والمجموعة الشمسية ... 92
الشمس عند المتكلمين والفلاسفة ... 93
الشمس فى القرآن الكريم والكتاب المقدس ... 94
تطور الشمس ... 96
سطح الشمس ... 96
طاقة الشمس ... 97
حركة الشمس وجريها ... 100
كسوف الشمس ... 103
المجموعة الشمسية ... 105
المبحث الثانى : القمر ... 108
القمر فى القرآن الكريم والكتاب المقدس ... 109
عمر القمر ... 110
قطر القمر ... 110
سطح القمر ... 110
مدار القمر حول الأرض ... 111
تعدد الأقمار ... 114
خسوف القمر ... 115
منازل القمر ... 116
انشقاق القمر ... 118
المد والجزر ... 119
تعقيب ... 121
الموضوع ... الصفحة
الفصل الثالث : الإنسان بين الكتب المقدسة والنظريات العلمية ... 123
تمهيد ... 124
المبحث الأول : خلق الإنسان ودوره فى الكون ... 126
نظرية التطور ... 127
تاريخ التطور ... 127
أقسام التطور ... 128
عناصر نظرية التطور ... 131
أدلة التطور ... 132
علم الأجنة ... 132
الحفريات ... 133
الحيوانات ... 134
الرد العلمى ... 136
خلق الإنسان فى القرآن الكريم والكتاب المقدس ... 139
دور الإنسان في الكون ... 148
المبحث الثانى : النفس وطبيعتها ... 154
طبيعة النفس ... 155
قوى النفس ... 159
علاقة النفس بالجسم ... 163
تعقيب ... 166
خاتمة ... 168
المصادر والمراجع ... 172
ملخص الرسالة باللغة العربية ... 183
ملخص الرسالة باللغة الأجنبية ... 187(1/3)
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على معلم البشرية سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . وبعد فإن القران معجزة خالدة ووحى إلهى ، قد عجز البشر عن الإتيان بمثله ، لأنه الرسالة الخاتمة والحلقة الأخيرة فى سلسلة كتب الله إلى البشر . والكتب المقدسة كتب هداية وإرشاد فلا يجد الإنسان فيها نظريات علمية ، بل إشارات مجملة عامة الهدف منها بيان أنها موجودة وتقع بقدرة الخالق عز وجل .ولقد كّرم الله الإنسان فرفع من شأنه وأعلى قدره وجعله خليفته فى الأرض وكلّفه بعمارتها قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } ] البقرة 30 [ ولما كانت عمارة الأرض أمراً واجباً لا يتحقق إلا بتطبيق العلم . كان التكريم للإنسان بالعلم ، فعلّمه الله الأسماء كلها قبل أن يهبط الى الأرض ، فزوده بالعلم الذى به يستطيع أن يقوم بمهمة إعمار الكون وصنع الحضارة فيه وقد قال تعالى { هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } ] هود 61 [، أى طلب منكم عمارتها ومفهوم العمارة هنا مفهوم شامل لكل ألوان التعمير المادى والمعنوى .(1/1)
وقد جاء التكليف الإلهى الأول للإنسان للقيام بمهمته التى كُلف بها وهى إعمار الأرض ماديا ومعنويا ، أى صنع الحضارة فيها بالعلم وإعمال العقل فقال تعالى { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ - خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ - اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ - الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ - عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } ] العلق 1-5 [ وهذا يؤكد أهمية العلم البالغة فى إعمار الكون ، وإن هذه الآيات هى تتويج لرسالات الأنبياء ممثلة فى الرسالة الخاتمة ، الأمر الذى يؤكد أن الدين قد جاء لمصلحة الإنسان من أجل خيره وسعادته فى الدنيا والآخرة . ولذلك فإن القرآن يأمر الإنسان بالنظر والتدبر والتفكر والعمل على إنماء هذه الملكة باستثمارها وإعمال العقل فى كل أمور الحياة ، فقد أمر القرآن بالنظر والتدبر فى أمرين :
أولهما: النظر فى كون الله وملكوته والتفكر فيه وفى سيره ونظامه ،لأن العقل إذا تدبر ذلك أداه ذلك التدبر إلى الإقرار بوجود خالق قدير قال تعالى : { قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } ] يونس اية 101 [ وقال تعالى: { أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شئ } ] الأعراف 185 [ فهذا أمر من الله للإنسان بالتدبر فى هذا الكون المشهود بسمائه وأرضه وبحاره وجباله وأنهاره.(1/2)
ثانيهما : النظر فى كتاب الله قال تعالى { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } ] سورة محمد 24[ . فالتدبر أساس العلم .والتأمل فى الكون يساعد الإنسان على كشف غوامض هذا الكون . وقد أشار القرآن إلى العلم فى قوله تعالى { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ] العلق 1 [ فتقديم الأمر بقراءة الكون المنظور إنما هى دعوة إلى الإنسان للتأمل فى عالم السموات وعالم الأرض وما عليها وما فيها من الإنسان والحيوان والطير وعالم البحار والمحيطات والنباتات والتأمل فى جوف الأرض من طاقات ومعادن . وتبدو هذه دعوة واضحة إلى إعمال العقل ، فلا علم بلا عقل أوفكر ، وهذا يعطى للإنسان القدرة على القيام بوظيفته وهى كونه خليفة الله فى الأرض وهى الغاية التى خلق لها ويسعى لتحقيقها منذ خلق آدم وحتى قيام الساعة .
والعقل هو الصفة التى مُيز بها الإنسان واختص بها عن سائر المخلوقات ، وبها ارتفع وعلا شأنه ، لأن العقل إذا لم يُستخدَم فيما ينفع الإنسان لا يستطيع أن يعيش الحياة سويا ، بل يتساوى مع فاقدى العقل ، وقد خُتمت آيات كثيرة فى القرآن بقوله ( تتفكرون ، تعقلون ، تفقهون ) للحث على التفكير.وقد عاب القرآن على المشركين إغفالهم عقولهم وتقليدهم السابقين فى الشرك يقول تعالى : { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } ] البقرة 170 [ ، وذم القرآن من ألغى العقل تماماً فجعله فى درجة أقل من الأنعام قال تعالى : { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا } [الفرقان 44[ ، فالكائنات الأخرى ليست لها ملكة العقل والإدراك فإذا صدرت منها أفعال غير صحيحة فلا يعاب عليها لأنه ليس من خصائصها العقل.(1/3)
و يهتم العلم بدراسة الظواهر الطبيعية المختلفة عن طريق الحواس بالمشاهدة والاختبار والتجريب ، والعلم بطرائقه وأجهزته وقياساته إنما يعمل على تصحيح ما تقع فيه الحواس من الخطأ بما ظهر من أجهزة حديثة وقد عرفت من خلالها أ أسرار الأرض والنجوم والمجرات وحركاتها وسرعتها وظهرت النظريات الحديثة فى الفيزياء .(1)
(1) راجع د . عبدالحليم منتصر : تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه ، دار المعارف ، الطبعة الثامنة 1990،ص 15
ولقد حض القرآن الكريم على العلم ورغّب فيه ورفع من شأنه ، وأمر المسلمين بالتفكر فى الكون وفى ملكوت السماوات والأرض.
ولقد أثار القرآن كثيرا من الإشارات العلمية فنهض المسلمون الأوائل الذين أدركوا حقيقة رسالة الإسلام ، فقاموا وبذلوا أنفسهم للعلم والدين ولم يكونوا نقلة العلم من العصر القديم إلى العصر الحديث ، بل كان لهم دور بارز فى تقدم العلم وأسهموا فى نهضته ، وبرع منهم الكثير فى مجالات شتى كابن سينا وابن النفيس وابن الهيثم والرازى ، والخوارزمى والإدريسى والبيطار وجابر بن حيان وغيرهم ممن لهم دور فى بناء صرح العلم والحضارة .
وعندما أهمل هذا المنهج القرآنى وهو منهج الرصد والقياس لما فى الكون ، تأخر العالم العربى والإسلامى ، وظهرت الخرافات والأوهام والنظر إلى أمجاد الماضى كأنها بعيدة لا يستطيعها البشر ، فيجب على المسلمين الآن أن ينظروا بعين العقل إلى الماضى ويقتبسوا منه ما يواكب العصر الحديث حتى يستطيعوا التقدم والوصول للحضارة .(1/4)
ولقد أخبر القرآن عن السماء والأرض والأحياء في آيات كثيرة وكثيرا ما نبّه على استخدام منهج الرصد والتتبع لما فى الكون من ظواهر ونظام عام وشامل، وقد قال تعالى { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } [فصلت 53[ ، ففى الآية إشارة إلى تنبيه الإنسان بالتفكر فى الآفاق وفى الأنفس وبهذا المنهج اكتشف العلم الجديد من النظريات والأجهزة لمعرفة المزيد من علم الفلك و الجيولوجيا و البحار و النبات و الحيوان و علم النفس وتركيب جسم الإنسان .
و قد أخبر القرآن عن السماء والأرض وعن طلوع الشمس وغروبها وحركتها و وضح عن مواقع النجوم وفوائدها وبيّن حكمة وجود الكواكب وبيّن أن القمر يتحرك كما تتحرك الشمس وينخسف وينشق وأخبر أن هذا الكون يتسع ويتمدد وما عرف الإنسان كل هذا عنه إلا بالنظر فى الكون واختراع الأجهزة اللازمة لذلك فاكتشف الجديد ، و ذلك لبيان قدرة الخالق فى تسيير هذا الكون على نظام دقيق ولبيان قلة علم الإنسان وأن عليه أن يتبع المنهج الذى أمره به القرآن وهو النظر فى الكون وفى نفس الإنسان حتى يفهم الأسرار والغوامض التى إن تلمسها ظهرت له حينا بعد حين . والكتاب المقدس و هو المشتمل على التوارة و الإنجيل قد تناول الكون وخلقه و أشار إلى خلق الإنسان ، كل ذلك لبيان هيمنة الخالق على الطبيعة وقدرته الفائقة فى تصريف ظواهرها حسب مشيئته وإرادته.
إن هذا الكون الواسع يسير بدقة متناهية يقف أمامها العلماء حيارى من هذه الدقة والتناسق والنظام .(1/5)
وأثبت العلماء أن وجود هذا الكون ووحدة نظامه العجيب الذى اشتمل عليه ، وأسراره الدقيقة ، قد أبدعه خالق قدير وأوجده بارئ حكيم ، ولم يوجد صدفة ، وإن حركة هذا الكون ودقته دون خلل تثبت العناية بالإنسان ذلك المخلوق الذى سُخرت له المخلوقات كلها ، ولو توقف شىء فى هذا الكون أو زادت سرعته أو كبر حجمه أو نقص أو اقترب من الأرض أو ابتعد عنها لتوقفت سبل الحياة على الأرض ولماتت الحيوانات ومن ثم يهلك الإنسان ويفنى .
و هنا بعض المصطلحات من الواجب تعريفها و هى:( الكون، القرآن ، الكتاب المقدس ، الدين ) / فالكون في اللغة الحدث و كونه ، أحدثه (1)و فى الاصطلاح عبارة عن وجود العالم من حيث هو عالم ، و هو مرادف للوجود المطلق العام عند أهل النظر (2)فالكون يشمل الوجود كله من الإنسان و العالم العلوى و العالم السفلى ، و الذرات .
أما القرآن في اللغة فهو مصدر قرأ يقال قرأ قراءة و قرآنا(3) و في الاصطلاح هو الكلام المعجز المنزل على النبى محمد صلى الله عليه و سلم المكتوب في المصاحف المنقول إلينا بالتواتر المتعبد بتلاوته(4).
__________
(1) 1 )راجع الفيروزابادى : القاموس المحيط ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1977 ، ج4/259. مادة (كون)
(2) راجع الجرجانى : التعريفات ، تحقيق و تقديم إبراهيم الإبيارى ، دار الريان للتراث ، مادة (كون) ،ص 241.
(3) راجع الفيروزابادى : القاموس المحيط ، مادة ( قرأ ) ، ج 1/ 24.
(4) انظر محمد عبد العظيم الزرقانى:مناهل العرفان في علوم القرآن ، الطبعة الثالثة ، 1980م ، دار إحياء الكتب العربية ، ج1/19.(1/6)
و الدين في اللغة هو الجزاء أو العادة أو العبادة و الطاعة و هو اسم لجميع ما يتعبد الله عز و جل به (1) ، و فى الاصطلاح : هو الشريعة من حيث أنها تطاع أو أنه منسوب إلى الله تعالى(2) . فالدين هو ما شرعه الله لعباده على لسان أنبياءه له .
أما الكتاب المقدس فهو مكون من كلمتين الكتاب و المقدس و الكتاب في اللغة هو ما يكتب فيه (3)، و المقدس من القدس و هو الطهر ، و تقدس أى تطهر(4) و في الاصطلاح. فهو الكتاب الخاص باليهود والنصارى ويشتمل على التوراة التى أنزلت على موسى عليه السلام ، والإنجيل الذى أُنزل على عيسى عليه السلام ، والكتاب المقدس ينقسم إلى قسمين الأول: العهد القديم ، الثانى العهد الجديد . فالعهد القديم هو كتاب اليهود فقد اعتمد اليهود فى أسفارهم تسعة وثلاثين سفرا وأطلق عليها اسم(العهد القديم) ancien testament ، واعتبروا هذه الأسفار أسفارا مقدسة أى موحى بها ، أما كلمة العهد فمعناها الميثاق (5) وتنقسم أسفار العهد القديم أربعة أقسام :
القسم الأول : التوراة وتشمل خمسة أسفار هى التكوين ، الخروج واللاويين والعدد والتثنية.
القسم الثانى : يسمى الأسفار التاريخية وهى اثنا عشر سفرا تعرض لتاريخ بنى إسرائيل وهى أسفار يوشع والقضاة وراعوث وصموئيل الأول والثانى والملوك الأول والثانى وأخبار الأيام الأول والثانى وعزرا ونحميا وأستير.
__________
(1) راجع الفيروزابادى : القاموس المحيط ، مادة ( دان) ، ج4/221.
(2) راجع الجرجانى : التعريفات ، مادة (الدين ) ، ص 141، 142 .
(3) راجع الفيروزابادى : القاموس المحيط ، مادة ( كتب ) ، ج1/120.
(4) راجع الفيروزابادى : القاموس المحيط ، مادة (قدس) ، ج2/237.
(5) راجع د. على عبد الواحد وافى : الأسفار المقدسة فى الأديان السابقة للإسلام ، مكتبة نهضة مصر 1984 ... _ ص 13 – 16.(1/7)
القسم الثالث : يسمى أسفار الأناشيد أو الأسفار الشعرية وهى أناشيد ومواعظ وعددها خمسة أسفار وهى سفر أيوب ومزامير داود وأمثال سليمان والجامعة ونشيد الإنشاد.
القسم الرابع : يسمى أسفار الأنبياء وعددها سبعة عشر سفرا ، وهى أسفار إشعياء وإرمياء وحزقيال ودانيال وهوشع ويوئيل وعاموس وعوبديا ويونان وميخا
وناحوم وحبقوق وصفنيا وحجى وزكريا وملاخى.
أما العهد الجديد فهو يشمل سبعة وعشرين سفرا وأقر المسيحيون أنها هى الأسفار المقدسة أى الموحى بها ، وترجع أسفار العهد الجديد إلى ثلاث مجموعات وسفرين فالمجموعات هى مجموعة الأناجيل وعددها أربعة : متى ومرقس ولوقا ويوحنا ومجموعة رسائل بولس وهى أربع عشرة رسالة ، ومجموعة الرسائل الكاثوليكية وعددها سبع رسائل ، وأما السفران فهما سفر أعمال الرسل ، وسفر رؤيا يوحنا(1) وهذه الأسفار هى التى يعتمد عليها اليهود والنصارى فى كل أرجاء العالم ، أما النسخة التى اعتمدت عليها هذه الدراسة فهى النسخة البروتستانتية ، ولأسفارها .
اختصارات ورموز وهى كالأتى
أولاً العهد القديم :
م ... السفر ... الاختصار ... م ... السفر ... الاختصار
1 ... التكوين ... تك ... 23 ... إشعياء ... إش
2 ... الخروج ... خر ... 24 ... إرمياء ... إر
3 ... اللاويين ... لا ... 25 ... مراثى إرميا ... مرا
4 ... العدد ... عد ... 26 ... حزقيال ... حز
5 ... التثنية ... تث ... 27 ... دانيال ... دا
6 ... يشوع ... يش ... 28 ... هو شع ... هو
7 ... القضاة ... قض ... 29 ... يوئيل ... يوء
8 ... راعوث ... را ... 30 ... عاموس ... عا
9 ... صموئيل الأول ... 1 صم ... 31 ... عوبديا ... عو
10 ... صموئيل الثانى ... 2 صم ... 32 ... يونان ... يون
11 ... الملوك الأول ... 1 مل ... 33 ... ميخا ... مى
12 ... الملوك الثانى ... 2 مل ... 34 ... ناحوم ... نا
13 ... أخبار الأيام الأول ... 1 أخ ... 35 ... حبقوق ... حب
14 ... أخبار الأيام الثانى ... 2 أخ ... 36 ... صفنيا ... صف
15 ... عزرا ... عز ... 37 ... حجى ... حج
16 ... نحميا ... نح ... 38 ... زكريا ... زك
17 ... أستير ... أس ... 39 ... ملاخى ... ملا
18 ... أيوب ... أى
19 ... المزامير ... مز
20 ... الأمثال ... أم
21 ... الجامعة ... جا
22 ... نشيد الأنشاد ... نش
م ... السفر ... الاختصار ... م ... السفر ... الاختصار
__________
(1) راجع د. على عبد الواحد وافى : الأسفار المقدسة ص85-86.(1/8)
1 ... متى ... مت ... 14 ... الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكى الرسالة الأولى إلى تيموثاوس ... 2 تس
2 ... مرقس ... مر ... 15 ... الرسالة الثانية إلى تيموثاوس ... 1 طى
3 ... لوقا ... لو ... 16 ... الرسالة إلى تيطس ... 2 طى
4 ... يوحنا ... يو ... 17 ... الرسالة إلى فليمون ... تى
5 ... أعمال الرسل ... أع ... 18 ... الرسالة إلى العبرانيين ... فل
6 ... الرسالة إلى أهل رومية ... رو ... 19 ... رسالة يعقوب ... عب
7 ... الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ... اكو ... 20 ... رسالة بطرس الأولى ... يع
8 ... الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس ... 2 كو ... 21 ... رسالة بطرس الثانية ... ابط
9 ... الرسالة إلى أهل غلاطية ... غل ... 22 ... رسالة يوحنا الأولى ... 2 بط
10 ... الرسالة إلى أهل أفسس ... أف ... 23 ... رسالة يوحنا الثانية ... ايو
11 ... الرسالة إلى أهل فيلبى ... فى ... 24 ... رسالة يوحنا الثالثة ... 2 يو
12 ... الرسالة إلى أهل كولوسى ... كو ... 25 ... رسالة يهوذا ... 3 يو
13 ... الرساله الأولى إلى أهل تسالونيكى ... اتس ... 26 ... رؤيا يوحنا ... يه
27 ... رؤ
فروض الدراسة :-
... يفترض الباحث عدة تساؤلات وتكون الإجابة عليها من خلال الدراسة ، وهذه الفروض هى كما يلى:
1- هل أشار القرآن الكريم والكتاب المقدس إلى حقائق وإشارات علمية ؟
2- هل اختلف العلم القديم عن العلم الحديث فيما يختص بالسماء والأرض ؟
3- ما هو الجديد الذى أتى به القرآن بالنسبة للسماوات والأرض وهل وافق العلم الحديث ؟ وهل يتفق القرآن مع الكتاب المقدس فى ذلك أم يختلف عنه ؟
4- هل هذا الكون يتحرك بما فيه من نجوم وكواكب ومجرات ، وهل تحكم حركته قوانين معينة أم لا ؟
أسباب اختيار موضوع البحث : ومن أسباب اختيار موضوع البحث ما يلى :
1- معرفة بعض ما أتى به العلم الحديث بالنسبة لحركة الأفلاك والسماوات .
2- إدراك التوافق بين العلم والكتب السماوية من ناحية وبين القرآن والكتاب المقدس من ناحية أخرى .
3- معرفة دور المنهج العلمى والأخذ به فى تقدم العلوم وتطويرها .
4- بيان الإشارات العلمية التى أتت بها الكتب السماوية ونبهت اليها .
5- بيان القوانين العلمية التى تحكم حركة الكون وأشار إليها القرآن و الكتاب المقدس.(1/9)
المنهج المستخدم فى الدراسة : اشتملت هذه الدراسة على المنهج التاريخى التحليلى النقدى المقارن فهو تاريخى لتتبع خلق الإنسان وجذور القول بعملية التطور وكذلك النفس ، وهو تحليلى للقيام بتحليل الإشارات الكونية للسماوات والأرض فى الكتب المقدسة تحليلا علميا ، وهو نقدى أيضا فتوضع بعض الآراء العلمية والنظريات أمام ميزان النقد ، وأخيرا فهو مقارن للمقارنة بين الكتب المقدسة من ناحية ، وبينها وبين الإشارات العلمية والنظريات من ناحية أخرى وذلك بموضوعية ومنهجية. وقد أشارت الدراسة إلى الآيات القرآنية ومواضعها فى المصحف ، ورد نصوص الكتاب المقدس إلى مواضعها ، وكذلك تخريج الأحاديث النبوية تخريجا كاملا ، وعزو الأقوال والنصوص إلى مصادرها وتوثيقها من الكتب الأصلية.
محتويات البحث
وقد اشتمل البحث على مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة
المقدمة :- اشتملت على أهمية الموضوع وأسباب اختياره ومنهج البحث و خطته .
التمهيد :- وقد اشتمل على فضل العلم فى القرآن الكريم والكتاب المقدس وبيان المنهج العلمى الذى دعت إليه الكتب المقدسة وطبّقه علماء العرب فكان لهم دور رائد فى تقدم العلوم وتطويرها من خلال المنهج العلمى.
الفصل الأول : السماوات والأرض فى القرآن الكريم والكتاب المقدس
ويتضمن تمهيداً ومبحثين :
المبحث الأول : السماوات والأجرام السماوية ويتناول الحديث عن أصل السماوات والأرض وأعداد السماوات وحركة الأجرام السماوية من النجوم والكواكب والمجرات وبيان قوانين حركتها ، ومحاولة الربط بين الكتب المقدسة والعلم الحديث.
المبحث الثانى : الأرض والظواهر الطبيعية ويتضمن المبحث وصف الأرض و حركتها و أصلها و كذلك الظواهر التى تقع كالرياح والسحاب والمطر والبرق والرعد والصواعق . ثم فى نهاية الفصل يتضمن تعقيبا يضم أهم النتائج المستخلصة من الفصل.
الفصل الثانى : الفضاء الخارجى فى القرآن الكريم والكتاب المقدس
ويتضمن تمهيداً ومبحثين(1/10)
المبحث الأول : الشمس والمجموعة الشمسية
ويتناول هذا المبحث تحليلاً ووصفا للشمس وحركتها وطاقتها وما يحدث لها وللمجموعة الشمسية فى ضوء الكتب السماوية ونظريات العلم.
المبحث الثانى : القمر
ويتضمن الحديث عن القمر ومنازله وحركته من خلال إشارات العلم والكتب المقدسة ثم يشمل تعقيبا في نهاية الفصل يشمل أهم نتائج الفصل .
الفصل الثالث : الإنسان بين الكتب المقدسة والنظريات العلمية
و يشتمل على تمهيد و مبحثين :
المبحث الأول : خلق الإنسان ودوره فى الكون
و يتناول عرضا لنظرية التطور ومناقشتها مناقشة علمية ، ووصف القرآن و الكتاب المقدس لخلق الإنسان ، ودوره المنوط به.
المبحث الثانى : النفس وطبيعتها
ويتناول الحديث عن النفس وقواها وطبيعتها وصلتها بالجسم وأقوال الفلاسفة فى ذلك ، وعرض القرآن والكتاب المقدس لها ، ويضم تعقيبا فى نهاية الفصل يشمل النقاط الهامة فى الفصل.
الخاتمة تضمنت أهم النتائج التى ظهرت من خلال الدراسة
ثم قائمة للمصادر والمراجع العربية والأجنبية.
... و أخيرا فإن هناك اعترافا يعترف به الباحث ، فإن كل حرف في هذا البحث لمدين للأستاذ الدكتور عاطف العراقى ، فلكم أقال من عثرات الباحث ، و لكم صوب له زلاته ، و لكم وسع له قلبه ، فأخذ ينهل من علمه ، و يسترشد بخلقه ، و تعجز الكلمات أن تفيه حقه .
... و أيضا يقر الباحث بفضل الأستاذة الدكتورة زينب عفيفى شاكر فلقد وجهت الباحث و أرشدته إلى المنهج العلمى فى البحث ، فاستفاد منها الكثير و لقد تحملت عناء قراءة هذا البحث رغم أعمالها الجسيمة ، فجزاها الله خيرا عما تقدمه لأبنائها وطلابها من توجيه و إرشاد و معونة .
... و يذكر الباحث بكل العرفان و التقدير الدكتور فتحى حسنين على ما قدمه للباحث من علم نافع ، و رأى صائب ، و نصائح غالية .(1/11)
... و لا ينسى الباحث أن يتوجه بالشكر و العرفان بالجميل لأساتذته أعضاء هيئة التدريس بقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة المنوفية على ما أسدوه للباحث من نصائح و توجيهات صائبة .
... و يشكر الباحث كل من قدم له العون لإتمام هذا البحث ، و كل من أسدى للبحث و للباحث الرأى و النصيحة ، و خاصة والديه اللذيْن تحملا المشاق من أجل إتمام هذا البحث و ذللا له الصعاب حتى يجتاز الباحث تلك الصعاب ليقدم شيئا نافعا لوطنه و لمجتمعه ، و كذلك إخوته الذين كانوا معه على الدرب خطوة بخطوة يشاركونه الجهد ليتم هذا البحث و يخرج في أفضل صورة .
... الأساتذة العلماء أعضاء اللجنة الموقرة المناقشة للبحث و الباحث .
لقد تعلم منكم الكثير و الكثير ، و ما زلتم تواصلون المسيرة ، و أشرف أن أكون أحد تلامذتكم الذين يستمدون منكم القيم و المثل العليا قبل أن يأخذوا العلم ، و أنا إذ أبدأ خطواتى الأولى نحو البحث أسترشد بتوجيهاتكم و بآرائكم السديدة التى طالما يتعطش لها طلاب العلم.
أساتذتى الأجلاء :
... أشكركم على تفضلكم و تحملكم عناء قراءة هذا البحث ، و على ما تقدمونه من آراء نافعة و إفادة بالغة لطلاب العلم ، فإن كنت قد أصبت ، و أحسنت العرض ، و بلغت الغاية المنشودة ، فذلك فضل من الله ثم بتوجيهاتكم و آرائكم ، و إن كانت الأخرى ، فحسبى أننى اجتهدت ، و أنفقت كل ما ينبغى أن ينفق من وقت، و تفكير، و جهد ، و الله أسأل أن يغفر لى زلاتى و أن يلهمنى الصواب و التوفيق.
إنه نعم المولى و نعم النصير .
... ... ... ... ... ... ... الباحث
... ... ... ... ... أشرف أحمد محمد محمد عماشة(1/12)
تمهيد عام
إن العلم هو السبب الحقيقي وراء تقدم الأمم والشعوب وكل أمة تقاس درجة تقدمها بما لديها من ثقافة وعلم, ولذلك فقد حض القرآن الكريم على العلم ورغب في تعلمه, ولم يوقف تعلمه عند حد أو زمن أو عمر محدد, بل إن الإنسان إذا أفنى حياته للعلم لن يصل إلى الغرض المنشود .
ولبيان فضل العلم يضع الله عز وجل العلماء بعد ذاته وملائكته, قال تعالى: ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط ) ] آل عمران 11[, فوضع العلماء في هذه المكانة يؤكد أنه ليس في هذا الكون أجدر بالرفعة والتقدير والتعظيم من العلماء .
ومن أجل ذلك منح الله آدم سلاح العلم عندما خلقه فقال تعالى: ( وعلم آدم الأسماء كلها ) ] البقرة 31 [ ,و في الكتاب المقدس يقول " فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية " ( تك 2: 20 ).
وللعلماء مكانة عظيمة عند الله قال تعالى: ) يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) ] المجادلة 11 [ , ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "(1) وبيّن فضل العلماء فقال " من سلك طريقا يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة , وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم , وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء , وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب , وإن العلماء ورثة الأنبياء , وإن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهما ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر " (2).
__________
(1) أخرجه البخاري : فتح الباري كتاب العلم , رقم كتبه وأبوابه محمد فؤاد عبد الباقي , صححه محب الدين الخطيب , دار الفكر , رقم 71 ج 1/164
(2) أخرجه أبو داود : السنن , دار الحديث القاهرة 1988 , كتاب العلم رقم 3641 , ج 3/316.(1/1)
بل إن القرآن جعل حاجزاً بين العلماء والجُهّال قال تعالى ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ) ] الزمر 9 [ , فلا يستوي العالم والجاهل يقول الكتاب المقدس عن الجهال: " إلى متى أيها الجُهّال تًُحبون الجهل ومستهزئون يُسُّرون بالاستهزاء والحمقى يُبغضون العلم " ( أم 1: 22 ) فالحمقى أعداء للعلماء يكرهون العلم والعلماء , والعلماء هم أعرف الناس بالله لأنهم بالعلم عرفوا صفاته وأسماءه وقدرته فعظّموه وخافوه قال تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) ] فاطر 28 [ " ويقول الكتاب المقدس لتعطي الجهال ذكاءً والشاب معرفة وتدبراً , يسمعها الحكيم فيزداد علماً والفهيم يكتسب تدبيراً " ( أم 1 : 4 – 5 ) فالعلم يزود العلماء معرفة ويمحو جهل الجُهّال فالحكيم والقادر على الفهم يزدادان علماً وفهماً .
إن الإنسان بدون علم يسير في الحياة في ظلام ليس معه دليل أو مرشد يصل به إلى طريق الحق والخير , والعلم للإنسان كالنور , وبالعلم وصلت العلوم إلى ذروتها وبه تقدمت الدول والشعوب وظهرت الآلات والمخترعات التي تفيد البشرية.
وقد ضرب الله الأمثال للناس ليعتبروا بها ويستفيدوا بها في حياتهم وما يظهر ويجد لهم من مشكلات , فضْرب الأمثال هي محاولة تقريب الأمور والأخلاق للأذهان بأمثلة من الواقع قال تعالى :( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) ] العنكبوت 43 [, ففهم الأمثال لا يتحلى به إلا العلماء الذين هم أساس ركب الحضارة , وهم الحلقة التي تصل الجيل اللاحق بالسابق فتظل الدولة في معين ثقافي متجدد حتى ينقضي زمنها ويخلفه زمان آخر وذلك لا يتأتي لها إلا بالعلم.(1/2)
والعلماء بعلمهم لهم السبق والريادة في الأعمال القيادية في المجتمع , فعلماء العرب كان لهم الحظوة عند الخلفاء والسلاطين ،وتلك المكانة لم يحصلوا عليها إلا بالعلم , ويوسف عليه السلام بعلمه وأمانته نال المكانة العظمى في الدولة قال تعالى: قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) ] يوسف 55 [.
والأمم إذا نحّت العلم جانباً تنكّبت الطريق وضلت , وإنّ ضياع العلم في المجتمع من علامات الساعة ويكون ذلك بقبض ووفاة العلماء وظهور الجُهّال وحلولهم محل العلماء فيضيع العلم بين هؤلاء يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد , ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جُهّالا فَسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " (1).
هنا إشارة إلى انقلاب الأحوال في أى مجتمع إذا تولى أمور الدولة العلمية أناس ليسوا أهلا لها لا يحملون علما, إنما زعموا العلم فلم يعرفوا غوامضه ولم يصلوا إلى حقائقه, بل لم يأخذوا من العلم ما يكفيهم للتصدي للمشكلات في الحياة فنصبوا أنفسهم محل العلماء فأفتوا بما ليس لديهم من العلم فأفسدوا المجتمع بتلك الآراء الزائفة, والمسيح يشير إلى ذلك فيقول: " تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله " (مت 22:29)فمن لم يعرف العلم حق المعرفة يضل ويفسد.
__________
(1) أخرجه البخاري: فتح الباري كتاب العلم رقم ( 100 ) ج 1 / 194 .(1/3)
إن المشكلات التي تواجه البشرية لا يقدر على حلها إلا العلماء فهم بالعلم يقدمون حلولا لتلك المشكلات , أو يرسمون ويحددون مستقبل البلاد بما لديهم من خبرة وعلم وفهم للحياة قال تعالى: ) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) ]النساء 83 [ , وقال تعالى: ) قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) ] النمل 40 [ , فالذي نقل عرش ملكة سبأ من لديه علم بالكتاب فهم أقدر وأجدر لحل المشكلات بالعلم والحكمة .
وبالعلم تصفو العقول من الخرافات والأوهام , فإن الأوهام والخرافات توقف حركة الفكر وتحول بين العقل وكشف حقائق الأشياء (1).
المنهج العلمي بين القرآن الكريم والكتاب المقدس :
إن القرآن يضع أصول المناهج العلمية حتى يسير الإنسان في تفكيره على أساس سليم ليصل إلى النتائج المرجوة في الأمور النظرية والعملية .
ويقول تعالى ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ..... ) ] البقرة 164 [ فالآية تحث الإنسان على استقراء مظاهر الكون كله ما في السماء وما على الأرض للوصول إلى المنافع والأحكام الصائبة وتحقيق وحدانية الله .
__________
(1) راجع د. محمود عبد الحكيم عتمان: الفكر المادي الحديث وموقف الإسلام منه , الدار الإسلامية للطباعة والنشر المنصورة 1984, . ص 544(1/4)
والقياس والاستقراء مرتبطان , ويُبّين القرآن أسلوب التضاد للحكم على الشئ قال تعالى ( وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الأحياء ولا الأموات ) فاطر ] 19 – 21 [ , فإن كان كل كائن حي يحتاج إلى الماء والهواء وعُرف أن النبات كائن حي فإن القياس يفيد أن النبات يحتاج إلى الماء والهواء , وإن كان الجماد كائناً غير حي فهو بغير حاجة إلى الماء أو الهواء (1) .
فهنا يظهر بوضوح ارتباط القياس بالاستقراء وبيان المقابلة بين الأشياء المتضادة للوصول من تتبعها وفحصها إلى الأحكام العامة أو القانون الذي يحكمها .
والقياس المنطقي يبدو في قوله تعالى ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ) ] المؤمنون 91 [ .
فإذا كانت هناك آلهة كثيرة في الكون , فلا بد من أن يكون لكل إله شخصيته المتميزة ويتبع ذلك اختلاف في الأفعال والتدبير , ويختلف مخلوق كل إله عن الآخر ويستقل كل إله بما خلق, ويستدعي هذا أن يتميز كل إله عن الآخر, ويحاول أن يعلو عليه وهنا يتفكك الكون وتتبدد الكائنات ويفسد نظام السماء والأرض (2).
والقرآن أيضاً يشير إلى القياس في قوله ( رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ) ] الأعراف 143 [ فاستقرار الجبل شرط لرؤية الله , والجبل لم يستقر حين تجلى الله , فرؤية الله إذاً غير ممكنة .
واستخدام القياس في إثبات قضية البعث في آخر سورة يس قال تعالى ( أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة ....... الخ ) السورة ] يس 77-83 [ دليل على استخدام العقل .
__________
(1) راجع علي عبد العظيم : فلسفة المعرفة في القرآن الكريم , الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 1973 ، ص 233-234
(2) راجع علي عبد العظيم : فلسفة المعرفة ص 236 – 237(1/5)
واستخدام الاستقراء يكون بتتبع وسرد الأمور التي منحها الله للإنسان وتدل على قدرته الباهرة, وقوله تعالى ( فاعتبروا يا أولى الأبصار )[الحشر 2] نص على وجوب استعمال القياس العقلي أو العقلي والشرعي معاً(1).
فالقرآن يلفت النظر إلى دراسة جميع ما في الكون من مظاهر كالإنسان – والحيوان –والنبات – والبحار – والأنهار – والسحاب – والأفلاك – والنجوم والشموس - والكواكب . والدارس لها يجد قوانين عامة تحكمها فضلا عن القوانين الخاصة وهي ما تسمى بالسنن الكونية (2).
والقرآن يشير مثلاً عن طريق الاستقراء إلى قانون الازدواج قال تعالى ( سبحان الذي خلق الأزواج كلها .......... ) ] يس 26 [, وقال تعالى ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) ] الذاريات 49 [ فالزوجية تكون في الإنسان والحيوان والنبات (3) .
ويؤكد القرآن على منهج النظر والمشاهدة للوصول إلى الاستقراء قال تعالى ( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم ) ] البقرة 260 [ , فوصل من النظر والاستقراء إلى أن الله هو محيي الموتى ,ويؤكد القرآن على هذا المنهج القويم وهو السير في الأرض والمشاهدة للآثار للوصول إلى أحكام عامة قال تعالى: ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) ] العنكبوت 20 [ .
__________
(1) ابن رشد : فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال , ضمن فلسفة ابن رشد المكتبة المحمودية التجارية , القاهرة , ص2.
(2) راجع علي عبد العظيم : فلسفة المعرفة ، ص 220 .
(3) راجع علي عبد العظيم : فلسفة المعرفة ، ص 221 .(1/6)
واستدل القرآن بالاستقراء على حركة ما في الكون , فنّبه على أن الشمس تتحرك والقمر يتحرك , وعلى وجود الليل والنهار ، فيصل الإنسان من استقراء تلك الظواهر ومشاهدتها إلى حركة الكون كله , قال تعالى: ( وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ) ] الأنبياء 33[ , وقال تعالى: ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ..... وكل في فلك يسبحون ) ] يس 37-40 [.
إن منهج التفكير السليم هو ما يعتمد على فرض الفروض واختبارها ومعرفة مدى صحتها حتى يستخدمها , يظهر ذلك في قوله تعالى: ( وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر .....) ] الأنعام 74-83 [.
المشكلة هنا مشكلة عبادة الأصنام , والمشكلة الكبرى هي استخدام العقل للوصول إلى الإيمان بالإله الواحد , فإبراهيم - عليه السلام - عرض المشكلة ورأى أن الأصنام لا تستحق العبادة وبحث المشكلة وأنه لا بد للكون من خالق حكيم عليم وطرح الافتراضات , واختبر الفروض في الكواكب والقمر والشمس وبعد التأكد من عدم صحتها فرض الفرض الصحيح وهو أن الله هو الإله الحق .(1)
والقياس الفقهي الذي أشار إليه القرآن هو منهج علمي دقيق وكان من المناهج التي استخدمها علماء المسلمين والعرب في علومهم وأنتجت أعمالاً عظيمة نظرياً وعملياً , قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) ] المائدة 9 [ , فحُرمت الخمر في الإسلام , وحُرم كل مسكر قياساً على الخمر .
وكذلك البيع وقت صلاة الجمعة مُحّرم لقوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) ] الجمعة 9 [ , فقياساً على تحريم البيع وقت صلاة الجمعة تُحرم جميع أنواع المعاملات وقت صلاة الجمعة .
__________
(1) راجع علي عبد العظيم : فلسفة المعرفة ص 244- 249(1/7)
والكتاب المقدس يشير إلى القياس في تحريم الخمر فيقول " خمراً ومسكراً لا تشرب أنت وبنوك معك " ( لا 9:10) ويقول " لا تكن بين شريبي الخمر المتلفين أجسادهم , لأن السكير والمسرف يفتقران والنوم يكسو الخرق"( أم 23 :20، 21 ).
ويمكن أن يأتي في صورة قياس منطقي فيكون الإنسان المؤمن لا يتلف جسده , وشاربوا الخمر يتلفون أجسادهم , فالمؤمن ليس من شاربي الخمر .
ويشير الكتاب المقدس إلى ضرب المسيح عليه السلام الأمثال ليفهم الناس وذلك في صورة واضحة حتى يؤدي النتيجة المرجوة , وهو بهذا ينبّه على منهج النظر والتأمل في الكون ومظاهره ومحاولة الوصول للحكمة منها . وبالإضافة لذلك هو منهج استقرائي يعتمد على النظر والربط بين الظواهر والأحكام التي تضبطها(مت 13 ).
وفي موضع آخر ينبّه الإنسان إلى منهج النظر والمقارنة بين الظواهر الكونية " انظروا إلى طيور السماء " (مت 6 :26) فهذه إشارة إلى منهج علمي وعملي ينبغي على العاقل أن يستخدمه في النفع والخير له ولغيره.
وفي إشارة أخرى يثير حواس الإنسان وعقله أن ينظر ويتأمل في هذا الكون, ولم يتقدم العلم إلا بهذا التأمل " إذً أرى سمواتك عمل أصابعك القمر والنجوم التي كوّنتها " ( مز 8 : 3 ) فهذه دعوة صريحة للإنسان أن يتأمل مظاهر الكون ويتتبع ظهورها ومغيبها لمعرفة القوانين التي تحكمها , ويؤكد ذلك في موضع آخر في ( مزمور 19 : 1 – 6 ).
فهنا يحث القرآن والكتاب المقدس على العلم النافع واستخدام الطرق الصحيحة والبعد عن الأوهام والخرافات ، والقرآن كتاب حث على العلم واستخدام العقل ، ولذلك نهض المسلمون تلبية لدعوة القرآن والكتاب المقدس , فاطلعوا على كتب السابقين واستفادوا منها في العلوم ووصلوا إلى نتائج لم يُسبقوا إليها واخترعوا أجهزة لم يرها الإنسان من قبل , والآن يتناول البحث علم الفلك وجهود العلماء العرب في وبعض الآلات التي استخدموها .
الفلك:-(1/8)
اهتم العرب بالفلك اهتماماً عظيما ونبغوا فيه , ووصلوا فيه إلى الجديد من العلم والآلات .ومن أولى اهتماماتهم كانت الأرصاد فكانوا يسجلون أرصادهم في سجلات ويقوم بالرصدة الواحدة أكثر من فلكي , ومن علماء الفلك المشهورين :
1-أحمد بن عبد الله المروزي الشهير بحبش الحاسب لشهرته في الرصد والحساب وقد ألف جداول فلكية.
2-أحمد بن محمد بن كثير الفرغاني صاحب كتاب الحركات السماوية وجوامع علم النجوم وتُرجم إلى اللاتينية مرتين وتناول فيه الحديث عن التقاويم المختلفة عند العرب وغيرهم , وتحدث عن وصف كروية السماء ومركزية الأرض في الفضاء
السماوي (1) .
وقد أضاف العرب إضافات هامة لكشوف من سبقوهم كما اكتشفوا بعض الظواهر الفلكية بمقارنة أرصادهم بأرصاد الأقدمين .
وقد اهتموا اهتماماً خاصاً بالأرصاد باعتبارها خادمة للبحث والكشف فأقاموا المراصد الفلكية في دمشق وبغداد والقاهرة وسمرقند ، وقد طوروا الفلك بأن جعلوه علما استقرائياً ولم يقفوا عند حد النظريات وطهّروه من شوائب
التنجيم (2) .
فهم بذلك قد سلكوا المنهج العلمي وطبقوه فوصلوا من خلاله إلى نظريات وآراء جديدة في علم الفلك والمراصد وتتبع الأرض والنجوم .
وقد أقام العرب المراصد وقاسوا محيط الأرض وقدروا أبعاد بعض النجوم والكواكب وقالوا باستدارة الأرض وحسبوا طول السنة الشمسية وحققوا مواقع كثير من النجوم وكتبوا عن البقع الشمسية والخسوف والكسوف ووضعوا أسماء كواكب ما زالت مستعملة حتى الآن (3) .
__________
(1) راجع د. زين العابدين متولي : الفلك عند العرب والمسلمين , الهيئة المصرية العامة للكتاب 1997م ج1/85 ,86
(2) راجع د. زين العابدين متولي : الفلك عند العرب ج1/89.
(3) راجع د. زين العابدين متولي : الفلك عند العرب ج1/90.
(4) راجع د . عبد الحليم منتصر : تاريخ العلم ص 72(1/9)
... فهذا المنهج و هذا الجهد كان له أكبر الأثر في تقدم العلم فى الرصد و الحساب مما أعطى لمن جاء بعدهم المنهج الواضح الذى اتبعوه في نظرياتهم و تطبيقاتهم ، فأدى هذا المنهج إلى تقدم العلم الحديث .وقد استخدموا الآلات الكثيرة مثل الاسطرلاب وذات الأوتاروذات السمت والارتفاع والمشبهه بالمناطق وذات الحلق وعصى الطوسى وغير ذلك من الآلات التى ساعدت على تقدم علم الفلك (4)
ويأتى الحديث الآن عن بعض علماء العرب وجهودهم فى تطور العلوم وما خلفوا من تراث علمى نادر فى علم الفلك له أثره فى علم الفلك فى العصر الحديث وسائر العلوم الأخرى .
1- الخوارزمي :
هو محمد بن موسى أبو عبد الله , رياضي فلكي مؤرخ , يُوصف بالأستاذ وأقامه المأمون على خزانة كتبه قيما، وعهد إليه بجمع الكتب اليونانية وترجمتها وأمره باختصار المجسطي لبطليموس فاختصره وسماه " السند هند " فكان أساسا لعلم الفلك بعد الإسلام , و له كتاب " الجبر والمقابلة " تُرجم إلى اللاتينية ثم الإنجليزية , وله أيضاً " الزيج " و " صورة الأرض من المدن والجبال " " وعمل الاسطرلاب " " و وصف إفريقية " وعاش إلى ما بعد وفاة الواثق بالله وتوفى سنة 232هـ (1) فقد توصل إلى آخر الآراء العلمية وبرع في الرياضة بتحليلاته الرائعة واستخدم الرياضة في الفلك ؛ وكان الناس قبل الرصد وبعده يعتمدون على زيجيه الأول والثانى ، ومن كتبه أيضا العمل بالاسطرلاب (2)
__________
(1) راجع الزركلي : الأعلام ، دار العلم للملايين بيروت – الطبعة الثامنة 1989 ج7 / 116.
(2) راجع ابن النديم : الفهرست ، تحقيق رضا المازندرالى ، دار المسيرة بيروت الطبعة الثالثة 1988 ، ص 331
(3) راجع ابن النديم : الفهرست ، ص 331 ، انظر أيضا ابن خلكان : وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ،تحقيق د. احسان عباس ، دار صادر بيروت 1968 ، ج1/313،انظر أيضا الزركلى : الأعلام ج2/98،(1/10)
2 – ثابت بن قرة : هو أبو الحسن ثابت بن قرة بن هارون الحاسب الحكيم الحرانى ،ولدسنة احدىوعشرين ومائتين ،وانتقل الى بغداد واشتغل بعلوم الأوائل واستصحبه محمد بن موسى ووصله بالمعتضد وأدخلة فى جملة المنجمين وله من الكتب ( حساب الأهله ، رسالتهفى سنه الشمس ورسالته فى استخراج المسائل الهندسيه وابطال الحركة فىفلك البروج والرصد وعلة الكسوف و الخسوف وتركيب ا لأفلاك (3) مما يدل دلالة واضحة على أنه بارع فىالفلك واستخراج الجديد والتأليف فيه :-
3- البتانى : هو أبوعبد الله محمد بن جابر بن سنان الرقى ، وكان اصله من حران صابيا ، ابتدأ الرصد فى سنة أربع وستين ومائتين الى ست وثلثمائة ،وهوحاسب مشهور صاحب الزيج الصابى ، له الأعمال العجيبة والأرصاد المتقنة ،وأثبت الكواكب الثابتة فى زيجه ،وته من التصانيف (الزيج وهو نسختان ومعرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك ورسالة فى تحقيق أقدارالاتصالات وشرحأربع مقالات بطليمو وقد صحح أرصاد الكواكب وامتحن حركاتها ، وأول من كشف السمت والنظير،واكتشف حركة الأوج الشمسى وتقدم المدار الشمسى وانحرافه ،توفى سنة سبع عشرة وثلثمائة (1)
4 - البوزجانى : هو أبو الوفاء محمد بن محمد البوزجاني اشتهر بالحاسب , وبرع في الهندسة واشتهر بها وله فيها استخراجات غريبة لم يسبق إليها , وله في استخراج الأوتار تصنيف جيد وينسب إلى بوزجان وهي بلدة بخراسان بين هراة ونيسابور توفي سنة 387هـ و له تسع وخمسون سنة (2) , وهو من المشاهير رغم عدم ذيوع اسمه(1/11)
له نظير في زمانه في العلم الرياضي ، وكان يصنف كثيراً ولخص كثيراً من كتب أرسطو , ومن كتب جالينوس في الطب وكان حاذقاً في الطب وقوانينها ولم يباشر أعمالها ولم تكن له دربة بالمداواة وكان يعيش أيام الحاكم في مصر , وله مقالة في هيئة العالم , وفي سمت القبلة بالحساب ، و مقالة في ضوء القمر , و استخراج ال جزء العملي من كتب المجسطي , ومات بالقاهرة سنة 430 هـ (1) وهو يختلف عن غيره كابن سينا والرازي في أنه لم يباشر العلاج والطب والمداواة بل كان مقتصراً على العلم النظري فقط , لكنه كان بارعاً في الرياضيات والفيزياء
6- البيروني :-
هو أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني منسوب إلى بيرون وهي مدينة في السند , واشتغل بعلم الهيئة والنجوم , وكان ماهراً في الطب , وقد عاصر ابن سينا وله من التصانيف " الآثار الباقية عن القرون الخالية " و " الصيدلة في الطب " و " مقاليد الهيئة" و " العمل بالاسطرلاب " و " تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة " ومن كتبه الآرشاد فى أحكام النجوم ، والقانون المسعودى فىالهيئة والنجوم وتوفي سنة 430 هـ (2) وهو قد جمع بين التاريخ والطب والهيئة والطبيعة وكل ذلك عن تجربة وممارسة وعلم ودراية كغيره من علماء المسلمين .
__________
(1) راجع بن خلكان : وفيات الأعيان ج 5 / 164 ، بن النديم : الفهرست ص 338 ، الزركلى : الأعلام ج 6 / 68 .
(2) راجع بن خلكان : وفيات الأعيان ، ج 5 / 167
(2) راجع ابن أبي أصيبعة : عيون الأنباء في طبقات الأطباء , تحقيق د. نزار رضا , مكتبة الحياة بيروت ، ص 459 ، انظر أيضا الزركلى : الأعلام ج 5 / 314(1/12)
هذه بعض أمثلة لعلماء العرب و المسلمين الذين ساروا على منهج التجربة و الاستقراء و أيضاً منهج النظر و المشاهدة و جعلوا آراءهم على أساس علمي دقيق فخرجت نظرياتهم تدل على مهارتهم و براعتهم و تركوا المصنفات العظيمة التي ترجمت إلى اللغات الأخرى و انتشرت في العالم واستفادت منها الأمم و الشعوب الأخرى . و على العرب والمسلمين أن يسلكوا منهجهم ليصلوا إلى ما وصلوا إليه من علم و فن وحضارة , لأن السابقين حرصوا أن يقدموا للعلم ما يكون سبباً في النهضة و التقدم و النماء .
وقد أشار القرآن إلي منهج علمي قائم علي أسس صحيحة وهي:
1- ألا يعتبر الإنسان شيئا أنه حقيقة إلا إذا قام عليه البرهان اليقيني يشير إلي ذلك القرآن في قوله تعالي : ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) ] البقرة111 [(1) فليس هناك حقيقة إلا عندما يتوافر الدليل القاطع اليقيني حتي يكون العمل بالنتائج صحيحا لا يكون فيها نقص أو شك بعدما أثبته الدليل .
2-عدم إنزال الظن منزلة اليقين فالقضية إذا كان دليلها قاطعا كانت يقينا, وإذا كان غير قاطع فهي ظن أو نظرية . يقول تعالي ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوي الأنفس (] النجم 23 [ ,وقوله ) وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا ) ] يونس 36 [ .فالعلم يضع كل أمر في مكانه لأنه أمام الأدلة والبراهين والتجربة.
3- العلم في تطبيقه قوانين التفكير المجموعة في علم المنطق القياسي يتخذ أصلين اثنين يبنى عليهما :ططططططططططططططططططططططططططططططط الأول : أنه لا تناقض مطلقا بين الحقائق ,وهذا يصح أن يسمى بأصل توافق الحقائق.
__________
(1) راجع د. محمد أحمد الغمراوي :الإسلام في عصر العلم , تقديم د.عبد الحليم محمود , دار الإنسان – القاهرة الطبعة الرابعة1991 م ، ص45.(1/13)
الثاني :أصل اطراد الفطرة واستقلالها , فما ثبت أنه حقيقة في وقت ما سيكون دائما حقا ، يقول تعالي ( سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ) ] الأحزاب 62 [ , ويقول تعالى : ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) ] الملك 3 [(1) فالحقائق لا تنقضَها حقائق أخرى , وإذا وقع ذلك فلا تكون حقيقة ، إنما هى ظن أو فرض , فالحقيقة ثابتة في كل زمان ومكان.
4- أصل المشاهدة : فالعلم في بحثه عن الحقيقة ، لا يعتبر الحقيقة إلا ما قام البرهان علي أنها حقيقة , ومن هذه البراهين النوع القياسي , وتؤدى إلي نتيجة صحيحة إذا صحت المقدمتان . والعلم يستخدم المشاهدة العلمية وتستعمل فيها الحواس خاصة السمع والبصر , والقرآن يأمر باستعمال البصر مع العقل في مثل قوله تعالى : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) ] العنكبوت 20 [, وأشار إلى استعمال العقل مع السمع فى قوله تعالى : ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو ءاذان يسمعون بها ) ] الحج 46 [ , بينما يشير إلى استعمال السمع والبصر مع العقل في قوله تعالى : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) ] النحل 78 [ , وقد جمع القرآن هذه الوسائل كلها مع العقل في قوله تعالى ( أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء ) ] الأعراف 185 [ (2) .
فالقرآن يثير الإنسان لاستخدام الحواس في المشاهدة والملاحظة الدقيقة واستعمال العقل في فرض الفروض قبل المشاهدة حتى يستطيع استنتاج نتائج سليمة خالية من الأخطاء ويؤدي ذلك إلى معرفة علمية صحيحة.
__________
(1) راجع د. محمد الغمراوي :الإسلام في عصر العلم ، ص 46 – 49.
(2) راجع د. محمد الغمراوي :الإسلام في عصر العلم ، ص 50-52.(1/14)
5- دعا القرآن إلى استخدام المنهج الاستقرائي في النظرة العلمية والبحث عن كيفية تركيب الأشياء في هذا الكون في قوله تعالى : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت ) ] الغاشية 17-20 [ , فالقرآن يحث على منهج العلم الذي يتلخص في النظر في الكون بالقياس والاستقراء أو بهما معاً للوصول إلى القوانين العامة (1).
فوسيلة النظر إذن هي العقل والحواس وهو المنهج الذي اصطبغت به العلوم الحديثة ووصلت به إلى أعلى درجات الرقي , وموضوع النظر هو الكون بسمائه وأرضه وما يحتويه من مخلوقات وكائنات وظواهر ، فهي التي تدفع الباحث والناظر للنظر والتأمل حتى يؤديه إلى معارف جديدة .
إن مسألة النظر في القرآن واستخراج النظريات العلمية منه قد ظهر بصددها فريقان أحدهما مؤيد والآخر منكر .
أما الفريق الأول فيذهب إلى أن القرآن قد اشتمل على جميع مكتشفات العلم وما يمكن أن يكتشف في المستقبل ومن هذا الفريق الكواكبي ت 1902 م والشيخ محمد عبده ت م 1905م ومحمد فريد وجدي ت 1954 م وغيرهم ، فالقرآن قد اشتمل على مكتشفات العلم في الطب والفلك والكيمياء والفيزياء والجيولوجيا والجغرافيا وغيرها(2).
أما المنكرون لهذا التفسير العلمى فعلى رأسهم الدكتور طه حسين ت 1973 م والعقاد ت 1969 م والدكتور توفيق الطويل ت 1991 م وأستاذي الدكتور عاطف العراقي ويرفضون استخراج النظريات العلمية من القرآن .
فلا يطلب من كتب العقيدة مطابقتها لمسائل العلم كلما ظهرت مسألة منها لجيل من أجيال البشر (3).
__________
(1) راجع د. منصور حسب النبي : الكون والإعجاز العلمي في القرآن , دار الفكر العربي – القاهرة , الطبعة الثالثة 1996 , ص 23
(2) راجع د. توفيق الطويل : التنبؤ بالغيب عند مفكري الإسلام , دار إحياء الكتب العربية 1945م ,ص35
(3) راجع عباس العقاد : الفلسفة القرآنية , دار الهلال العدد 229 مارس 1970م , ص14(1/15)
وقد ردّ الدكتور طه حسين على الشيخ بخيت عند محاولته إثبات أن القرآن يشتمل على أصول العلم الحديث واستنبط من القرآن ما يدل على كروية الأرض وحركتها حول الشمس وحول نفسها واختلاف الفصول واختلاف الليل والنهار، ورفض هذه المحاولة لأنها تفسد النصوص وتحمل على الغلو في التأويل , و رأى أن من الخير ألا تحمل نصوص القرآن وغير القرآن من الكتب الدينية أوزار الشك وأوزار اليقين , حتى لا يحدث تناقض للقرآن وغير القرآن من الكتب الدينية , وينبغي أن يُرفع الدين ونصوصه عن اضطراب العلم وتناقضه (1).
إن الكتاب الإلهي للمسلم يأمر بالبحث والتفكير , ولا يصده عن النظر والتأمل في مباحث الوجود وأسرار الطبيعة , ولكنه لا يأمره بالتماس التوفيق بين نصوصه وبين نظريات العلوم كلما ظهرت منها نظرية يحسبها العلماء ثابتة مقررة وهي عرضة بعد قليل للنقض أو التعديل وذلك من الغيب المجهول (2).
إن محاولة استخراج النظريات العلمية من القرآن وغيره من الكتب الدينية يترتب عليها العديد من الأخطاء , لأن النظريات العلمية تتغير , وإذا اجتهد البعض في استخراج النصوص الدينية التي تثبت نظرية علمية في زمن من الأزمان , فكيف يكون موقفه إذا توصل العلماء إلى نظرية علمية تختلف عن النظرية التي أثبتها من قبل , فلا يصح إلحاق الثابت وهو الدين بالمتغير وهو العلم ونظرياته (3).
والواقع أن الطريق الأمثل في هذه المسألة هو صون القرآن وغيره من الإقحام واستخراج النظريات العلمية منه حتى لا يكون عرضة للطعن والنقض والتبديل إذا تغيرت النظريات العلمية وهو بلا شك أمر وارد.
__________
(1) راجع د. طه حسين : من بعيد ، المطبعة الرحمانية – مصر 1935م ، ص 49 – 52.
(2) راجع عباس العقاد : الفلسفة القرآنية ، ص 209.
(3) راجع د. عاطف العراقي : دراسة ومقدمة كتاب الإسلام دين العلم والمدنية لمحمد عبده ,ابن سينا للنشر – القاهرة 1987م ص 41.(1/16)
الفصل الأول
السماوات والأرض فى القرآن الكريم والكتاب المقدس
ويشتمل على
تمهيد ومبحثين
المبحث الأول : السماوات والأجرام السماوية
المبحث الثانى : الأرض والظواهر الطبيعية
تمهيد
بعد بيان فضل العلم وطبيعته ومعرفة علاقة العلم بالدين ، و توضيح قيمة جهود العلماء العرب فى العلوم يأتى الحديث عن جوانب هذا الكون الفسيح وعلاقتها بالخالق وتدبيره له وما أودع فى نواحى هذا الكون من مخلوقات ونجوم وشموس وأقمار وكواكب ، وهذه الجوانب هى السماوات والأرض واللتان تشملان الكون كله بما فيه من النجوم والكواكب والجبال والبحار والإنسان والحيوان والنبات ، ويشتمل الحديث فى هذا الفصل على نواحى السماوات والأرض وذلك انطلاقا من قوله تعالى: (قل انظروا ماذا فى السماوات والأرض ) ] يونس 101[ ، وقوله تعالى:( أولم ينظروا فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شىء ) ]الأعراف: 185[ فتحث الآيتان المسلمين على النظر فى السماوات ونجومها وأقمارها وكواكبها ، وإلى الأرض وجبالها وبحارها ونباتها ، ليصلوا من ذلك إلى وجود خالق مدبر لكل هذه الأشياء وهو الله عز وجل .(1/1)
ويبين الله - عز وجل - أن خلق السماوات والأرض فيه من العبر والأدلة للعقلاء من بنى الإنسانية قال تعالى : ( إن فى خلق السماوات والأرض وإختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب) ]آل عمران :190[ وقد وردت السماوات والأرض فى القرآن فى 771 موضعاً(1)، وهذا يدل على عناية القرآن بهما وإفاضة الحديث عنهما وذلك ليتبين للإنسان عناية الله به ، وإن قدر الله أعظم من أى شىء قال تعالى : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ) ] غافر :57[ فهو لم ينل هذا التقدير والاحترام إلا بتكريم الله له بالعقل والعلم قال تعالى : ( ولقد كّرمنا بنى آدم ) الإسراء0 7[ ولذا فقد شمل هذا الفصل والذى بعنوان ( السماوات والأرض فى القرآن الكريم والكتاب المقدس ) مبحثين :-
المبحث الأول: السماوات والأجرام السماوية.
المبحث الثانى: الأرض والظواهر الطبيعية.
و يبدأ المبحث ببيان أصل الأرض ويشمل الحديث آراء المتكلمين والفلاسفة ومدى اهتمامهم بالسماوات والأرض وذكر آيات القرآن الكريم ونصوص الكتاب المقدس وأقوال المفسرين لكليهما والمقارنة بينهما مقارنة علمية ونقدها نقدا علميا.
ويتضمن المبحث الأول بيان نشأة السماوات والأرض وأعداد السماوات وحركتها وأنواعها ، واتساع هذا الكون ، والحديث عن المجرات وأوصافها، والنجوم وحركتها وأنواعها ومواقع تلك النجوم ، والبروج . ويشتمل المبحث الثانى على دراسة الأرض وشكلها وحركتها وكرويتها والظواهر كالرياح والسحاب والمطر والجبال ، والبرق والرعد ووصف القرآن والكتاب المقدس لتلك الظواهر. ودراستها وتحليلها موضوعياً ، ثم يأتي التعقيب على الدراسة في نهاية الفصل .
المبحث الأول
السماوات والأجرام السماوية
أصل و نشأة السماوات و الأرض :
__________
(1) راجع محمد فؤاد عبد الباقى : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، الطبعة الثالثة 1991م ، دار الحديث .ص 34-42، 409-462. مادتا ( السماء والأرض )(1/2)
و هناك ثلاث آراء عن أصل الكون بالنسبة للعلم الحديث :
الأول : فهو القائل بنظرية الانفجار العظيم ، و هذه النظرية تعنى أن الكون نتج من انفجار كتلة واحدة من المادة ، و أنه يتمدد باستمرار و هذه النظرية تسمى بنظرية الفرض السديمى .
وتعرف هذه النظرية باسم بينج بانج الذي حدث عند بداية الكون ، ويعني الإنفجار العظيم ضمناً ليس فقط ظهور المادة والطاقة ، بل يشمل أيضا الفضاء والزمان فالانفجار العظيم هو الماضي الأقصى للكون المادي بأكمله (1).
وقد فرض الفلكي جورج لمتر عام 1931 أن الكون كان في الأصل كتلة عظمى متماسكة عالية الكثافة ، وكانت هذه الكتلة ساخنة جداً تصل حرارتها الى بلايين البلايين من الدرجات ، وقطرها حوالي 200 مليون ميل ، وتسمى البيضة الكونية وهذه البيضة انفجرت عند نشأت الكون انفجاراً هائلاً فتكونت بذلك نوايا النجوم التي تبعثرت بسرعة عالية في جميع الاتجاهات ، وتجمعت مجاميع النجوم بالجاذبية فتكونت المجرات التي ماذالت تجري في الفضاء الكوني (2)
و الرأى الثانى : هو نظرية حال الاستقرار ، و هو يعنى أن الكون كان له التركيب الحالى ، و أن المادة تتشكل باستمرار.
و الرأى الأخير : هو القائل بنظرية التذبذب ، و مؤداها أن الكون يتمدد و يتقلص بانتظام على مدى آلاف الملايين من السنين ، غير أنه يمكن القول أن القرآن يؤيد النظرية الأولى من هذه النظريات الثلاث (3) .
... و هناك توافق بين هذه النظرية و بين ما هو في سفر التكوين " في البدء خلق الله السماوات و الأرض و كانت الأرض خربة و خالية ... " (تك 1:1-2)(1).
و يظهر من هذا القول أن الكون كان وحدة متصلة تكثرت بعد ذلك الموجودات عنها(2)
__________
(1) 1 ) راجع بول ديفيز وجون جربين: أسطورة المادة ، ترجمة علي يوسف علي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب1998 ص 124
(2) 2 ) راجع د. منصور حسب النبي : الكون والإعجاز العلمي ص 341 .(1/3)
و لعل هذا المعنى يستفاد من قوله تعالى: " (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات و الأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) [ الأنبياء 30 ] .
و اختلف أهل العلم في هذه الآية : فقال بعضهم إن السماوات و الأرض كانتا متلاصقتين ففصل الله بينهما بالهواء ، و قال ابن عباس : كانتا ملتصقتين ففصل الله بينهما و رفع السماء إلى حيث هى و وضع الأرض ، و قال آخرون : إن السماوات كانت مرتتقة ، ففتقها الله فجعلها سبع سماوات ، و كانت الأرض كذلك مرتتقة ففتقها الله سبع أرضين و هو قول مجاهد ، و قال بعضهم : إنه فتق السماء بالمطر و الأرض بالنبات (1).
... فالآية الكريمة توضح أن الكون كان شيئا واحدا ثم انفصل إلى سماوات و أرض ، و هكذا تتفق الآية مع نظرية الانفجار العظيم ، و كذلك يتفق الكتاب المقدس مع القرآن الكريم في التوافق مع تلك النظرية.
... أما مراحل خلق السماوات و الأرض فيذكر القرآن الكريم أنها خلقت في ستة أيام يقول تعالى : ( إن ربكم الله الذى خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ) [الأعراف 54 ] . و ليس المراد باليوم في الآية اليوم الزمنى المتعارف عليه فيقول أبو السعود:" إن خالقكم و مالككم الذى خلق الأجرام العلوية في ستة أوقات كقوله تعالى :"( و من يولهم يومئذ دبره) " أو فى مقدار ستة أيام فإن المتعارف عليه أن اليوم زمان طلوع الشمس إلى غروبها و لم تكن هى حينئذ" (2) .
__________
(1) 1 ) انظر الطبرى : جامع البيان عن تأويل أى القرءان ، قدم له الشيخ خليل الميس ، تخريج صدقى جميل العطار ، دار الفكر بيروت 1999 ج 17/24-26 ، و انظر أيضا الرازى : مفاتيح الغيب ، دار الغد العربى ، الطبعة الأولى 1992م ، ج 21/114.
(2) 2 ) أبو السعود : إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ، دار إحياء التراث العربى – بيروت ، ج3/232.(1/4)
... و يقول الإمام القرطبى : " اليوم من طلوع الشمس إلى غروبها و معنى " في ستة أيام " من أيام الآخرة" (1) .
... و على هذين التفسيرين و غيرهما يبدو أن الأيام ليست هى أيام الدنيا بل هى مدة لا يعلم قدرها إلا الله ، لأن اليوم مرتبط بطلوع الشمس و غروبها و الشمس لم تكن موجودة حينئذ.
... أما الكتاب المقدس فيذكر لفظة يوم " و كان مساء و كان صباح يوما واحدا " (تك 1: 5 ) و هناك ثلاثة تفسيرات مختلفة لأيام سفر التكوين :
1- أن هذه الأيام كانت أيام متتابعة كل منها 24 ساعة ، و هذا تفسير مرفوض من علم الجيولوجيا.
2- أن هذه الأيام كانت عصورا جيولوجية كاملة ، و هذا لا يتمشى مع مزمور 6:33-9.
3- أن هذه الأيام هو الفجوات الضخمة و الانقطاعات الفجائية في تسلسل الحفريات و هذا يتفق مع الشواهد في الطبقات الجيولوجية و الحفريات(2).
... فاليوم هنا إما أن يكون يوما طبيعيا كما يرى ذلك بعض المفسرين و إما حقبة من الزمن كما يراه معظم المفسرين و رجال العلم و هو الأرجح(3). فلا تعتبر لفظة يوم هذه بالضرورة مدة أربع و عشرين ساعة بل يرجح الإشارة بها إلى مدة طويلة جدا(4) فالراجح من نصوص الكتاب المقدس و أقوال المفسرين أنها أيام طبيعية من أيام الدنيا.
السماوات عند المتكلمين والفلاسفة :-
__________
(1) 3 ) القرطبى : الجامع لأحكام القرآن ، دار الريان للتراث – القاهرة ، ج 4/2657.
(2) انظر بيتر. و ستونر : العلم يشهد تعريب أنيس إبراهيم ، الطبعة الثانية 1989م ، دار الثقافة ، ص 78-79.
(3) انظر نجيب جرجس : شرح سفر التكوين ، مطبعة مدارس الأحد 1978م ، ص 51.
(4) راجع جورج بوست : قاموس الكتاب المقدس ، المطبعة الأمريكانية بيروت 1894. مادة (خلق) ، ج1/:416.(1/5)
يذهب المسلمون وأهل الكتاب إلى أن الأفلاك سبعة طباق بعضها فوق بعض، وأنها ساكنة وإنما تتحرك فيها الكواكب وهى كلها فى السماء السفلى ، ويثبت البغدادى أن العلم بأعداد الأفلاك إنما يكون من طريق الشرع لا مجال للحس فيه . و يرى أن من زعم أن الأفلاك متحركة حركة دورية فقد أبطل كون العرش والملائكة فوق الأفلاك وبناه على كون الأفلاك كرية ولا دليل معه على ذلك (1) وهذا الكلام غير مقبول علميا من وجهة النظر العلمية الحديثة لما يلى :
1- أن الأفلاك تسعة وليست سبعة . والعدد سبعة فى القرآن يراد به التعدد .
2- أن أعداد الأفلاك ليس طريقها الشرع بل الحس .
3- أن الأفلاك متحركة وحركتها دورية . وذلك لا ينفى كون العرش والملائكة فوق الأفلاك ، و القرآن يثبت حركة الكون كله بقوله تعالى:( كل فى فلك يسبحون ) ] الأنبياء 33 [ .
الكواكب المضيئة :
يرى الجرجانى أن الكواكب كلها شفافة لا لون لها مضيئة بذاواتها إلا القمر فليس منيرا بذاته ، فان نوره من الشمس وذلك يكون بحسب قربه وبعده عن الشمس ، وذهب بعض الفلاسفة إلى أن كسف بعض الكواكب لبعضها يدل على أن لها لونا ، فلعطارد صفرة والزهرة درية أى بياض صاف والمريخ حمرة والمشترى بياض غير خالص وزحل قتمة مع كدورة(2) وهنا يصرح الفلاسفة بشفافية الكواكب وإضاءتها بذاوتها ، وهذا خطأ علمى فالكواكب لا تضىء بل تعكس ضوء النجوم ، والكواكب التسعة تعكس ضوء الشمس .
__________
(1) راجع البغدادى : أصول الدين دار المدينة – بيروت ، الطبعة الأولى 1928م ص 65 .
(2) راجع الجرجانى :شرح المواقف ، بحاشيتى السيالكوتى والجلبى ، ضبطه محمود عمر الدمياطى ، دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى 1998. ج 7 / 134 .(1/6)
ويرى الكندى أن الكون والفساد إنما يكون فيما دون فلك القمر ، وأن ما دون فلك القمر أربعة عناصر عظام هى النار والهواء والماء والأرض ، وما هو مركب منها فإن هذه الأربعة عناصر غير كائنة ولا فاسدة بكليتها ، بل يكون من كل واحد أجزاء إلى غيره منها وتفسد من غيره إليه أجزاء(1).
فالكندى يعتقد بعدم كون ولا فساد العناصر الأربعة بجملتها بل أجزاء كل عنصر من العناصر الأربعة هو الذى يكون بانضمامه إلى جزء آخر ، وتفسد الأجزاء بمفارقتها عنصر وانضمامها إلى آخر.
... أما الفارابى فقد بنى نظام الكون على نظرية الفيض ، والكون عنده مركب من أفلاك كروية بعضها مركب داخل بعض ، يحمل أقصاها عن المركز وهو أكبر ، الكواكب الثابتة ويحمل كل واحد من الأفلاك الباقية سيارا من السيارات . فهناك ثمانية أفلاك تدور حول الأرض الثابتة من الوسط ، ويضيف الفارابى فلكا تاسعا جعله وراء فلك الكواكب الثابتة وسماه السماء الأولى(2).
فالفارابى استخدم نظرية الفيض للتوفيق بين الدين والفلسفة ، ولم يكن أول القائلين بها بل ترجع إلى قدماء مفكرى اليونان ، فأخذها عنهم أفلاطون ، وأرسطو، فحاول الفارابى أن يقرب فيها بين النظريات القديمة ، وتأثر فى ذلك بفرقة الشيعة الإسماعلية(3).
تحدث ابن سينا عن حركة الفلك فذهب إلى أنها ليست المستقيمة أو المركبة من المستقيمة و لكنها المستديرة فيقول :" فإذا تلك المبدعة هى
__________
(1) راجع الكندى : رسالة فى الإبانة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد ، تحقيق د. محمد عبد الهادى أبو ريدة . دار الفكر العربى 1950. ص 219، 220.
(2) راجع د. خليل الجر : تاريخ الفلسفة العربية دار المعارف – بيروت 1958 ، ج 2/ 117، 118.
(3) راجع د. خليل الجر : تاريخ الفلسفة العربية ج 2/ 117، 119.(1/7)
المستديرة " (1) ويقول فى موضع آخر " يجب أن يكون بالضرورة فى الفلك مبدأ حركة مستديرة "(2).
فالحركة الدائرية هى حركة الأجرام السماوية . وعالم ما فوق القمر حركته دائرية ، وعالم ما تحت فلك القمر حركة عناصره حركة مستقيمة(3).
والأجسام السماوية لدى فلاسفة الإسلام هى التى تؤلف فى مجموعها كرة سماوية وعليها النجوم بصورها ، وهى ليست خفيفة أو ثقيلة(4).
وهذه الأجسام مادتها الأثير وهى مادة أرق من الأجسام الأرضية ، وهذه المادة تكون كرات السماء ، ولكل كرة منها روح أو نفس وهى تؤلف فى مجموعها كرة سماوية مكونة من ثمان كرات(5) والذى يراه ابن رشد أن حركة الجرم السماوى حركة أزلية ومحركها أزلى ضرورة أن يتبع المتحرك المحرك(6).
أما حركات الأجرام السماوية فهى ثمان وثلاثون حركة خمس للكواكب الثلاثة العلوية ، زحل والمشترى والمريخ وخمس للقمر وثمان لعطارد وسبع للزهرة وواحدة للشمس ويتفهم سيرها فى فلك خارج المركز فقط لا فى فلك تدوير ، وواحدة للفلك المحيط بالكل وهو الفلك المكوكب ، ووجود فلك تاسع فيه شك ، ولا يرى ابن رشد ضرورة أن يكون لكل كوكب من الكواكب فلك
يخصه(7).
__________
(1) ابن سينا : النجاة فى الحكمة المنطقية والطبيعية والإلهية ، تقديم وتنقيح د . ماجد فخرى ، دار الآفاق بيروت الطبعة الأولى 1908 ، ص177 .
(2) ابن سينا : النجاة ص 177 .
(3) راجع د. عاطف العراقى : الفلسفة الطبيعية عند ابن سينا ، الطبعة الثانية 1983م، دار المعارف ص 57
(4) راجع د. زينب عفيفى : فلسفة ابن رشد الطبيعية ( العالم ) الطبعة الأولى 1998 م ، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع ص 74 .
(5) راجع د : زينب عفيفى : فلسفة ابن رشد الطبيعية ص 75.
(6) راجع ابن رشد : تلخيص ما بعد الطبيعة ، طبعة حيدر أباد الدكن 1365هـ ص128.
(7) راجع ابن رشد : تلخيص ما بعد الطبيعة ص 135 ، 137 .(1/8)
ويحاول ابن رشد من خلال تفسيره للظواهر الفلكية أن يربط بين الوجود الأرضى والوجود السماوى ، وهذا التفسير يحاول به رد كل ما يحدث فى العالم إلى أسباب ضرورية تدرك بالعقل . ووقوع ابن رشد فى أخطاء إنما نتجت عن التصور القديم للأفلاك وهو لا أساس له فى العلم الحديث(1).
ويرى ابن رشد أن الحركة أزلية لأنها صادرة عن محرك أزلى (2)وذلك موافقة منه لمذهب أرسطو القائل بقدم الحركة بناءا على قدم المحرك(3)، فهو بذلك يحاول أن يوفق بين رأى أرسطو والدين القائل بقدم الخالق والمحرك للعالم .
ولا يأخذ ابن رشد برأى أرسطو فى عدد حركات الأفلاك السماوية لكنه ذهب إلى أنها 38 حركة موافقاً بطليموس لأنها تحتاج إلى وقت طويل للوقوف عليها(4).
السماوات فى القرآن الكريم والكتاب المقدس:-
يظهر بعد التأمل والتصفح فى القرآن أنه توجد هناك ثلاث مجموعات من المخلوقات يشير إليها القرآن وهى
1- تلك التى توجد فى السماء.
2- تلك التى توجد على الأرض.
3- تلك التى توجد بين السماوات والأرض
فآيات القسمين الأولين كثيرة فى القرآن ، أما الآيات التى تشير إلى القسم الثالث فهى موجودة فى الحجر85 ، الأنبياء 16 ، الفرقان 59 ، طه 6 ، الزخرف 85 ، الدخان 7 ، 38 ، الأحقاف 3 ، ق 38 ، النبأ 37(5).
__________
(1) راجع د . عاطف العراقى : النزعة العقلية فى فلسفة ابن رشد ، دار المعارف ، الطبعة الخامسة 1993.ص 228.
(2) 3 ) راجع د. زينب عفيفى : فلسفة ابن رشد الطبيعية ، ص 100.
(3) 4 ) راجع يوسف كرم : تاريخ الفلسفة اليونانية ، الطبعة الرابعة ، مكتبة النهضة المصرية ، ص 146.
(4) راجع ابن رشد : تلخيص ما بعد الطبيعة ص 135.
(5) راجع د. موريس بوكاى : القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ، الفتح للإعلام العربى ص 165.(1/9)
والسماء كانت فى حالة دخانية عندما تم خلق الأرض يقول تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهى دخان ) [فصلت 11] فما تدل عليه الآية من بيان لحالة السماء وهى الحالة السديمية التى كانت عليها السماء قبل أن تتخلق بأمر الله إلى سبع سماوات إنما هو إشارة إلى أصلها.
ويقول الدكتور يوسيدى كوزاى " لم يصل العلم إلا منذ فترة بسيطة جداً إلى أن السماء كانت دخانا وقد أصبح هذا الشئ مشهوداً ومرئياً الآن . وكان يعتقد منذ سنوات أن السماء كانت ضباباً ولكنها كانت دخانا لأن الضباب بارد خامد ليس نشطا والدخان حار وفيه حركة و هذا يدل على أن السماء كانت دخاناً.(1)
و قد خلق الله السموات والأرض بعضها على بعض ثم خلق ريحاً بوسطها ففتحها بها وجعل السماوات سبعاً والأرضين سبعاً وكانت السماوات مؤتلفة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سماوات وكذلك الأرض كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها وجعلها سبعاً ، ثم كان الماء الذى أوجده الفتق فخلق من الماء كل حيوان أى مادته ( النطفة ) وكل نام فيدخل فيه النبات والمعدن(2).
قال تعالى ( ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات )
] البقرة 29 [ أى أتم خلقهن من تلك المادة الدخانية فجعلهن سبع سماوات تامات منتظمات الخلق ، وكان العالم شيئاً واحداً ففصله الله بالخلق تفصيلاً وقدّره تقديراً فلا يمنع أن يكون خلق الأرض وما فيها سابقاً على تسوية السماء سبعا(3).
__________
(1) راجع د. عاطف قاسم المليجى . من روائع الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، دار النهار للطبع والنشر والتوزيع ، الطبعة الثالثة 2000م ص 65 ، 66 .
(2) راجع أبو حيان : البحر المحيط ، قرظه د. عبد الحى الفرماوى ، دراسة وتحقيق د. عادل أحمد عبد الموجود ، وآخرون ، دار الكتب العلمية - بيروت ، الطبعة الأولى 1993 . ج 6/286 ، 287 .
(3) محمد رشيد رضا : تفسير القرآن الحكيم ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1972 م ، ج /206 ، 207 .(1/10)
السماء الأولى :- "أو السماء الدنيا " هى المجموعة الشمسية التى تتكون من الشمس وكواكبها السيارة ثم التوابع والشهب والنيازك والمذنبات ويبلغ طول قطر هذه المجموعة خمس ساعات ضوئية أى يقطعها الضوء فى خمس ساعات بسرعته البالغة 300.000 كيلو متر فى الثانية الواحدة(1).
السماء الثانية :- هذه السماء هى المجرة المعروفة باسم الطريق اللبنى أو درب التبانة ، ويبلغ قطر هذه المجرة نحو 100.000 سنة ضوئية ، أى أن طول قطرها يزيد على سبعة بلايين مرة قدر قطر السماء الأولى الموجودة قرب مركز المجرة .
ويعتبر الكون فلكيا كون مجرات ، أى أن وحدات تكوينه هى المجرات ، وهو يتمدد بتباعد هذه المجرات ، قال تعالى : (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) ] الذاريات [ (2).
وقال تعالى : " (رفع سمكها فسواها) " ] النازعات28 [ فسوى السماء فلا شئ أرفع من شئ ولا شئ أخفض من شئ ولكن جميعها مستوى الارتفاع والامتداد وفى هذا يقول قتادة : رفع بناءها فسواها ، وقال مجاهد : رفع بنائها بغير عمد ، وقال ابن عباس رفع سمكها بنيناها(3).
السماء الثالثة :- ويطلق عليها المجموعة المحلية وهى تشتمل على سبع عشرة مجرة معروفة حتى الآن ومن مكوناتها سديم المرأة المسلسلة وهى أقرب المجرات إلى مجرة درب التبانة وتبعد عنها بنحو 750.000 سنة ضوئية ويبلغ قطر الكرة التى تضم المجموعة المحلية نحو ثلاثة ملايين سنة ضوئية(4).
__________
(1) راجع د. محمد جمال الدين الفندى : مع القرآن فى الكون ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1992م . ص 189.
(2) راجع د. محمد جمال الدين الفندى : مع القرآن فى الكون ص 190.
(3) راجع الطبرى : جامع البيان ج 30/55 ، 56.
(4) راجع د. محمد جمال الدين الفندى : مع القرآن فى الكون ص 191.(1/11)
السماء الرابعة :-هى مجموعة من المجرات على هيئة عناقيد ، وتعرف فلكيا باسم عناقيد الدرجة الأولى وأقرب تلك العناقيد هو عنقود العذراء لوجوده فى نفس اتجاه برج العذراء وهو على بعد من 20 إلى 50 مليون سنة ضوئية ، ويضم نحو ألف مجرة مرئية تنتشر على طول مسافة تبلغ نحو سبعة ملايين سنة ضوئية ، وهناك عناقيد من المجرات فى السماء الرابعة تبعد عن الأرض بمسافات تزيد على 50 إلى 70 مليون سنة ضوئية(1).
السماء الخامسة :فيطلق عليها عناقيد الدرجة الثانية و هى تسمى فوق العنقود و تضم عناقيد مركبة من المجرات ، و يبلغ قطرها من 100 إلى 150 سنة ضوئية.
السماء السادسة :- يطلق عليه عناقيد الدرجة الثالثة وتقع سماء هذه العناقيد وراء سماء عناقيد الدرجة الثانية ، وأقربها إلى الأرض عنقود ( كوما ) ، وأبعدها عناقيد السماء السادسة على مسافة 2 إلى 3 بليون من السنين الضوئية ويبلغ حجم الفضاء الذى تشغله نحو 10 قدر حجم مجرة درب التبانة(2).
أما السماء السابعة :- فيطلق عليه سماء المجرات الراديوية ، وقسمت المجرات الراديوية إلى مجموعتين عادية ومبهمة ، والعادية مجرات ترسل بعض إشعاعتها على أطوال أمواج الراديو . ويبتعد بعضها بسرعة نحو جزء واحد من سبعة أجزاء من سرعة الضوء . وتبدو فى السماء كمجرد نقط ، وتسمى ( أشباه النجوم ) وتبتعد عن الأرض بما يقدر ب 5 إلى 15 بليون سنة ضوئية(3).
__________
(1) راجع د. محمد جمال الدين الفندى : مع القرآن فى الكون ص 191.
(2) راجع د. محمد جمال الدين الفندى : مع القرآن فى الكون ص 191، 192.
(3) راجع د. محمد جمال الدين الفندى : مع القرآن فى الكون ص 129 ، 193 .(1/12)
قال تعالى : "( الذى خلق سبع سماوات طباقا) " ] الملك 3 [ و قال تعالى " (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ) " ] المؤمنون 17 [ وقال ابن حزم : " وهكذا قام البرهان من قبل كسوف الشمس والقمر وبعض الدرارى لبعض على أنه سبع سماوات وعلى أنها سبع طرائق(1)".
لكن القرآن رغم ذكره أنها سبع سماوات إلا أنه ليس تأكيداً على أنها سبع سماوات لأنها يمكن أن تكون سبعاً أو أكثر ، فهى أكثر من سبع على ما يرى البعض ، لأن الرقم " 7 " يشير إلى تعدد غير محدود(2).
فالسماوات إذن أكثر من سبع ولا حد لعددها كما يرى البعض ؛ لكن القرآن فى ذكره السماوات لم يذكر غير العدد سبعة مما يدل على كونها سبعاً .
أما السماء فى الكتاب المقدس فتطلق على الجلد ] تك 1 : 7 ، 8 [ وتطلق أيضا على كل ما علا ] أمثال 25 : 3 [ .
وأعلن الله للإنسان أنه خلق السماء والأرض ] مز20 : 11 [ وأعلن الرب ذلك لإشعياء " أنا الرب صانع كل شئ "] إش 44 : 24 [(3).
... ووردت السماء فى سفر التكوين بصيغة الجمع أى أنها أكثر من سماء واحدة. واختلفت الآراء لدى الكثيرين فى تحديد عددها ، فمنهم من قال إنها سبعة ، لكن الكتاب المقدس يذكر أنها ثلاث سماوات فقط ] 2 كو 12 : 2 [.
__________
(1) ابن حزم : الفصل في الملل و الأهواء و النحل تحقيق د.محمد إبراهيم نصر ، د.عبد الرحمن عميرة ، دار الجيل – بيروت – الطبعة الثانية 1996م ، ج2/242.
(2) راجع د. موريس بوكاى : القرآن الكريم والتوراة ص 165.
(3) راجع د. سمير هندى : الكون والبيئة الطبيعية ، ص 64.(1/13)
السماء الأولى :- وهى الحيز الذى يحيط بالأرض من جميع الاتجاهات ويطلق عليه ( الهواء ) وهى المنطقة التى فرغها الله من الغمر عندما عمل الجلد فى اليوم الثانى ، وهذه السماء مكان طيور السماء ] تك 2 : 20 [ ،] مت 6 : 26 [ ، ويمكن تسميتها طبقات الجو العليا ، وتنتشر فيها الغيوم والسحب ، وقد طأطأها الله أى خفضها وجعلها متتالية الطبقات(1).
السماء الثانية :- وهى سماء الكواكب والنجوم ] الفلك [ ، والفلك هو الطبقة الأوسع فراغاً من الأولى وتحيط بها من جميع جهاتها أيضا وهى الطبقة التى فرغها الله من الغمر فى اليوم الثانى ودعاها " سماء " ] تك 1 : 6 ، 8 [ وجعل فيها المجموعة الشمسية من شموس ونجوم وأقمار ]تك 1 : 14 – 18[وهذه السماء والأولى هما المخلوقتان مع الأرض ] تك 1 : 1 [(2).
السماء الثالثة :- يطلق عليها لفظ " الفردوس " وهى موضع راحة وأفراح أرواح الأبرار " واليوم تكون معى فى الفردوس " ] لو 23 : 43 [ هذه للص التائب ، وفى قول بولس ] 2 كو 12 : 1 – 4 [وأعلاه مسكن الله ] عب 4 : 14 [ ] أى 22 : 14 [ ] مز 148 : 4 [(3).
والسماء تتخذ شكلاً دائرياً " على دائرة السماوات يتمشى " ] أى 22 : 14[ " الباسط السماوات وحده " ] أى 9 : 8 [ ، السماوات ممتلئة بكميات هائلة من الغازات " فإن السماوات كالدخان تضحمل " ] إش 51 : 6 [ وتتكون السماوات من عديد من الطبقات ] إش 40 : 22 [ ] مز 18 : 9[ وللسماوات ربط وأعمدة متماسكة أساسها الجاذبية ] أى 26 : 11 [ (4).
اتساع الكون :-
__________
(1) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى في الكتاب المقدس ، مطبعة كنيسة الإخوة بأسيوط ،1994م ، ص 20- 23.
(2) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ، ص 27.
(3) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ص 71-72.
(4) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ص 21 - 22.(1/14)
إن أقرب مجموعة من النجوم للأرض تضم حيزاً مداه مائة ألف سنة ضوئية وتبتعد الأرض عن مركز هذه المجموعة بمقدار ثلاثين ألف سنة ضوئية ، وهذه المجموعة جزء من مجموعة كبيرة تتألف من سبعة عشر مجموعة ، وقطر هذه المجموعة الكبيرة مليونان من السنين الضوئية والكون يتسع من كل جوانبه ، فالشمس وهى تدور حول نفسها تتباعد عن هذه الحاشية الخارجية بمقدار اثنى عشر ميلاً كل ثانية وتتبعها كل نجوم النظام الشمسى و جميع النجوم تتباعد عن مكانها بسرعة فائقة فى كل ثانية ، وحركة الشمس حول الأرض منضبطة و كذلك القمر ، ويحدث تداخلا أحيانا بين المجرات بعضها البعض دون حدوث أى تصادم بين المجرات(1).
إن الكواكب والنجوم والأجرام السماوية تتحرك نحو الكون بسرعة مدهشة بعضها يسير وحده ، و بعضها يسير فى شكل مجموعات تسمى " مجاميع النجوم " وهى كثيرة جداً ، وهى مثل النظام الشمسى ، يتألف هذا الكون من خمسمائة مليون من مجاميع النجوم(2).
إن أبعاد الكون هى من الاتساع بحيث لا تجدى معها وحدات قياس المسافة العادية ، والمسافة بين الشمس والأرض ثمانى دقائق فالمسافة تقاس بسرعة الضوء(3).
__________
(1) راجع وحيد الدين خان : الإسلام يتحدى ، تعريب ظفر الإسلام خان ، مراجعة د. عبد الصبور شاهين ، دار البحوث العلمية ، الكويت ، الطبعة الثانية ، 1973م ، ص 58.
(2) راجع وحيد الدين خان : الإسلام يتحدى ص 57 ، 58.
(3) راجع د. كارل ساغان : الكون – ترجمة نافع أيوب لبس ، مراجعة محمد كامل عارف . سلسلة عالم المعرفة عدد 178 أكتوبر 1993م ، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب – الكويت ص 22.(1/15)
قال الله تعالى : ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) ] الذاريات 47 [ ففى هذه الآية ثلاث مفردات متداخلة ومتراكبة لإبراز الصورة الكونية كاملة أولها :السماء التى تعنى الكون فى هذه الآية هى موضوع البناء والاتساع ،ثانيها :"بنيناها بأيد " بقوة قال رب العزة بنيناها ولم يقل خلقناها لأن مفردات الكون الأساسية المخلوقة أصلا فى بيض الكون الأولى أضاف لها رب العزة "الأيد" ليكون الاتساع المتسق الكبير الكون وليكون البناء الكونى بالقوة والمادة الأساسية كتلة من نور مكتنزة أو حساء من المادة الأولية على شكل يرى العلماء أنها بيض الكون الأولى التى كانت رتقا فى درجة حرارة وضغط مهولتين ففتقها رب العالمين بالانفجار الذى ابتدأ به شكل الكون(1).
ثالثها:- ثبت علميا بتحليل أطياف الضوء المنبعث من زوايا الكون السحيق أن المجرات تتباعد منذ 10- 15 ألف مليون عام بسرعة مهولة ومن المؤشرات المؤكدة على اتساع الكون من نقطة معينة أن المجرات الأبعد تبتعد عنا بسرعة أكبر من المجرات الأقرب مما يدل على أنها انطلقت من نقطة واحدة وهى بيض الكون الأولى – وهذا التباعد بين المجرات والاتساع الكونى بسبب الانفجار الكبير– و يؤكد الكثير من العلماء أن هذا التباعد سينتهى عند حد ما بسبب فاعلية قوانين الطاقة وحفظ الكتلة وحفظ الزخم الخطى الدائرى ، إذن سيكون في وقت معين اعتمادا على قوانين الحفظ الانكماش الارتدادى ليس مستحيلا إذ يحصل فى كل لحظة فى الكون لنجوم بلغت الهرم فانفجرت داخليا ثم انكمشت إلى ثقوب سوداء لا تلفت حتى الضوء لجاذبيتها المهولة بدليل ( يوم نطوى السماء ) ] الأنبياء104 [(2).
__________
(1) راجع د. سليمان الطراونة \ الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ( الكون والماء ) الطبعة الأولى 1421\ 2000 دار الفرقان الأردن ، ص 17.
(2) راجع د. سليمان الطراونة الإعجاز العلمى ص 18.(1/16)
أما ما ذكره الكتاب المقدس عن اتساع الكون وتمدده فالكون فى أبسط حالاته يتكون من عدد لانهائى من المجرات والمجموعات النجمية والتى تحتوى على آلاف وملايين من النجوم الشمسية " فيقول الكتاب المقدس " السماوات تحدث بمجد الله ، و الفلك يخبر بعمل يديه " (مز 19 : 1) و يقول " يحصى عدد الكواكب يدعو كلها بأسماء ، عظيم هو ربنا وعظيم القوة لفهمه لا إحصاء"]مز 147 : 4، 5[
والمجموعة الشمسية على سبيل المثال جزء متناهى من الصغر من إحدى المجرات الفلكية (1).
والكون يحتوى على نجوم وأقمار و مجرات ، وجسيمات مرئية وغير مرئية يقول " أرى سمواتك عمل أصابعك القمر والنجوم التى كونتها..." ]مز8: 3، 9 [(2).
تباعد القارات :-
إن نظرية تباعد القارات تعنى أن جميع القارات كانت فى وقت من الأوقات أجزاء متصلة , ثم انشقت وبدأت تنتشر من تلقاء نفسها , هكذا أصبحت القارات تفصل بينها بحار واسعة ، وقد طرحت هذه النظرية فى العالم عام 1915م ونتيجة لذلك وجدت جبال وأسماك ووديان ونباتات متماثلة(3).
تباعد النجوم :-
و السماوات تشمل الأفلاك و النجوم و الكواكب ، و هذه الأجرام تتحرك بسرعة شديدة ولذلك فإن النجوم والمجرات تتباعد بعضها عن بعض لكن الإنسان يراها متقاربة لبعدها الهائل عنه فهى فى حقيقة الأمر متباعدة وعملية التوسع والامتداد مستمرة دون توقف(4).
المجرة :-
__________
(1) راجع د. سمير هندى : الكون والبيئة الطبيعية ص 39.
(2) راجع د. سمير هندى : الكون والبيئة الطبيعية ، ص 39 – 40 .
(3) راجع وحيد الدين خان : الإسلام يتحدى ، ص 149.
(4) راجع وحيد الدين خان : الإسلام يتحدى ، ص 145(1/17)
تعرف مجرة الأرض باسم (الطريق اللبنى) أو(طريق التبانة) كما سماها العرب ويبلغ طول قطر هذه المجرة نحو ألف سنة ضوئية أما المجرة التى بجوارها فهى مجرة (المرأة المسلسلة) وتقع على بعد يساوى 750 ألف سنة ضوئية وهناك مجرات كشفتها أجهزة الفلك الراديوى الحديثة تكاد لا تراها وتقع على أبعاد تقدر بنحو 12 ألف مليون سنة ضوئية.
... و تضم كل مجرة آلاف ملايين النجوم التى يمكن اعتبارها من حيث الحجم على غرار الشمس بصفة عامة . و بعض تلك النجوم لها مجموعات من الكواكب تتبعها على غرار المجموعة الشمسية ، و يقدر العلماء أن مجرة درب التبانة.تحتوى ما لا يقل عن 2 مليون كوكب شبيهة بالأرض في ظروفه الطبيعية من حيث نشوء الحياة عليها و ازدهارها بمرور الزمن (1).
وتتألف المجرة من غاز وغبار ونجوم يبلغ عددها مليارات المليارات وكل نجم منها يمكن أن يكون شمساَ لبعض الناس وتوجد فى كل مجرة نجوم وعوالم ، وربما تنتشر منها أسباب الحياة والكائنات الذكية والحضارات التى تسافر عبر الفضاء (2).
يوجد منها مليارات المجرات منها مائة مليار نجم فى المعدل وهكذا فى كل المجرات عدد من النجوم يبلغ تقريباً عشرات المليارات (3).
تحتوى مجرتنا على 400 مليار نجم فى كل الأنواع تتحرك فى تناسق معقد ومنتظم ومن كل هذه النجوم لا يعرف سكان كرتنا الأرضية حتى الآن سوى نجم واحد فالمجرة تضم كل هذه الأعداد الهائلة من النجوم والكواكب والتى تجرى بسرعة عالية فتزداد المجرة اتساعا.
__________
(1) 1 ) راجع محمد جمال الدين الفندى : الله و الكون ، الهيئة المصرية العامة للكتاب – الطبعة الثانية 1986م ،ص 274، 275.
(2) راجع د. كارل ساغان : الكون ، ص 23.
(3) راجع د. كارل ساغان : الكون ، ص23- 25.(1/18)
إن الشمس مع مجموعتها الشمسية تشكل عضواً من مجرة تسمى درب التبانة وتسمى أيضاً ( بالمجرة ) و تبعد هذه المجموعة عن مركز المجرة 30000 سنة ضوئية وتبدو المجرة بشكل حزام ضوئى ينبعث منه الضوء وهو متصل ببعض ولهذا يكون من الممكن رؤية المجرة ( بالعين المجردة ) فى منتصف فصل الشتاء أو الصيف فى ليلة غير مقمرة.
وأول من عرف أن هذا الحزام ما هو إلا عدد هائل من النجوم لا تبدو بالعين المجردة ولكن اجتماعها يؤدى إلى هذا الشكل هو العالم الإيطالي جاليليو.
وهذه المجموعة تشكل جزءا من مجرتنا وهذا الجزء يقع بالاتجاه المعاكس لمركز المجرة بعيد للغاية ولا تراه(1).
يعتقد العلماء أن هناك حوالى 100 ألف مليون نجم فى تلك المجرة أو أكثر(2) ,ويشبه شكل المجرة فطيرة دائرية ضخمة منقوشة فى وسطها تتحرك النجوم حول مركز المجرة بالرغم من أن سرعة الشمس فى الدوران تقدر ب 200 مليون ميل فى الثانية وزمن دورانها حول مركز المجرة يتراوح بين 200 أو 300 مليون سنة ، وأقرب المجرات إلى مجرة درب التبانة موجودة فى جهة المجموعة النجمية المسماة ] المرأة المسلسلة [(3).
تركيب المجرة-
تنقسم المجرة إلى قرص أو أسطوانة ونواة وهالة (دائرة القمر) والنجوم فى المجرة
تنقسم إلى شيئين متزايدين :
أ . نجوم ساطعة وشباب توجد فى المقدمة مرتبطة بالغاز والتراب وتكوين النجوم.
ب . الزيادة الثانية فى دائرة القمر مع معدن منخفض (أشياء أكثر من الهليوم ) والأشياء المختلفة للمجرة تكون مرتبطة بالإختلاف فى التطور(4) .
تاريخ حياة مجرة الأرض:-
__________
(1) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك والتقاويم ، دار المعرفة دمشق الطبعة الأولى 1997م ص 66
(2) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك ص 66.
(3) 2 ) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك, ص 67.
(4) 3 ) Michal Rowan Rabinson: Cosmology , Oxford University Press , Newyork 1998,P 25.(1/19)
أقدم نجم فى المجرة يكون عمره 10 ـ 15 بليون سنة ويتكون من 76% هيدروجين,24% هليوم تقريبا ولا توجد عناصر أخرى ، وقد كشفت الافتراضات البسيطة أن مجرتنا مكثفة لكمية كبيرة من الغازات فى السحب مع تجميع ذلك منذ 10-15 بليون عام .
وقد ركب ذلك بواسطة نظرية الانفجار العظيم التى تبين صورة كاملة للكون (1).
دوران المجرة :-
إن الدوران سمة للكون وما يحويه من مجرات ونجوم وكواكب فكل الأفلاك تدور لأن الدوران هو الوحدة فى سياسة الكون بدأت فى الذرة فهى تدور وانتهت فى الأرض فهى لذلك تدور ثم عادت فبدأت فى الأرض ومع الأرض دارت الكواكب ومع الكواكب دارت الشمس ثم عادت فبدأت الشمس ومع الشمس النجم ومع النجم مساكن النجوم جميعا , فى دنيانا هذه من الكون المجرة نعم ان المجرة تدور وهى قرص يدور ولعله بسبب دورانه قد تفرطح كما تفرطحت الأرض وأشد من تفرطحها ، وإن محوره الذى يدور عليه من قطب لقطب عشر محور له يدور به خط استواءه (2).
النجوم:
وورد ذكر الشعرى اليمانية فى قوله تعالى : (أنه هو رب الشعرى) ] النجم 49[ وهى أشد النجوم بريقا ,ويطلق عليه العلماء (أنف كل صيد الجبار) والجبار أكثر تجمعات النجوم (كوكبة) إثارة للعواطف , ويلى الدب الأكبر من حيث معرفة الناس به واهتمامهم به وتحديد الاتجاهات به(3).
وتقع الشعرى فى الجنوب الشرقى ويقع فى منتصف الطريق بين الجبار والثريا نجم الديدان من أفراد كوكبة الثور أو برج الثور(4).
__________
(1) Michal Rowdn robinson : cosmology p.25
(2) راجع د. أحمد زكى : مع الله فى السماء ، دار القلم بيروت الطبعة الأولى 1983 ص 195.
(3) راجع د. محمد جمال الدين الفندى : الله والكون ص 267.
(4) راجع د. محمد جمال الدين الفندى : الله والكون ص 267.(1/20)
وقوله تعالى:(والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب) ]الطارق 1-3[ قد يكون المراد هنا الزهرة وهى تسمى أحيانا "نجم الفجر" أو "نجم الصباح" والمشاهد أنها قد تصبح أحيانا ألمع أجرام السماء رغم أن الزهرة كوكب وقد يكون المراد بالثاقب هنا أن النجم يثقب السماء يعنى أنه يحفر فى وسط الغاز الكونى الذى ينساب فيه ثقبا يسبب ترسب الغازات عليه بفعل الجاذبية فيترك الفضاء الكونى الفسيح ] السماء[ مثقوبا(1). وهناك رأى ثالث فى تفسيرها علميا فقد يكون المراد أيضا أنه النجم المضيئ الذى يرسل الضوء الساطع وهو معنى الثاقب(2).
النجوم :-
و هناك تحديد ضرورى لشرح الحركات أساسية التى تكون أسباب الأشياء الأخرى فى الكون وهى غير ملائمة ، والفلكيون لم يقبلوا عدد هؤلاء الحركات لكنه عادة مزعوم أن يوجد 38 منهم , خمسة لكل كوكب من الكواكب العليا] زحل – المشترى – المريخ [ و خمسة للقمر و ثمانية عطارد و سبعة للزهرة و واحد للشمس لو اعتبر كحركة لا مركزية للمداد ليس فى فلك التدوير ، وواحد للكرة و ليس أكيد لو وجدت 38 حركة . لوجد 38 محركا(3).
__________
(1) راجع د. محمد جمال الدين الفندى الله والكون ص 268.
(2) د. محمد جمال الدين الفندى الله والكون ص 268.
(3) Etinne.gilson : history of christion philosophyin ith middle ages.newyork 1955 p 222(1/21)
قوله تعالى ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) ] الواقعة 75 [ اختلف أهل التأويل فيه فقال بعضهم : فلا أقسم بمنازل القرآن ,وقالوا أنزل القرآن على النبى - صلى الله عليه وسلم - نجوما متفرقة , قال ابن عباس نزل القرآن الكريم فى ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة , ثم فرق فى السنين بعد وتلا هنا هذه الآية ، وقال آخرون معناه منازل النجوم ، و قال قتادة "تعنى منازل النجوم " وقال آخرون : بانتشار النجوم عند قيام الساعة وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب قول من قال : فلا أقسم بمساقط النجوم ومغايبها فى السماء(1).
والنجوم أجرام سماوية مثل الشمس وتظهر كلمة نجم ثلاث عشرة مرة فى القرآن الكريم ويعنى مصدر كلمة نجم :ظهر , وهى تشير إلى جرم سماوى مرئى دون تحديد لطبيعته أى ما إذا كان مصدراً للضوء أو كان مجرد عاكس للضوء يستقبل وتضاف للكلمة صفة تحدد أن المعنى به هو ما يسمى اليوم بالنجم(2).
أما الكتاب المقدس فيذكر أن الكواكب تدور فى مدارات حول الشمس , وتدور حول نفسها والكتاب المقدس ذكر ذلك ، فتعاقب الليل والنهار لا بد أن يستتبعه تغيرات وانتقالات مركبة من مكان لآخر ومن وقت لوقت بصورة متوازنة , ليؤكد انتظام دورتها ، لقد عمل الله "النور الأكبر " "الشمس لحكم النهار , والأصغر ]القمر[ لحكم الليل" ] تك 1 : 14 , 19[ "صنع القمر للمواقيت والشمس تعرف مغربها بالليل " [مز104 : 19 [ وهذا لا يتأتى إلا نتيجة حركة مستمرة دائرية ، وغروب الشمس ومجئ الليل ناتج عن دورة وحركة الكواكب والأجسام الكونية من حولها وكذا القمر ] أى 31 : 26 [ وكذا الأرض فى دورتها " فهى متقلبة بإرادته لتفعل كل ما يأمر به " ] أى 37 : 12[(3).
__________
(1) الطبرى : جامع البيان 27/264 ، 266.
(2) د . موريس بوكاى : القرآن الكريم والتوراة ص 180.
(3) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ص 43.(1/22)
وهناك بلايين من النجوم ]تك 22: 17 [ " يحصى عدد الكواكب " ] مز 147 : 4 [ ] إ ش 40 : 26 [.
و يحكىعن الثرايا والجبار وصانع النعش ومخادع الجنوب فيقول " صانع النعش والجبار الثريا ومخادع الجنوب " ( أى 9: 9 ) ( عاه : 8 ).
و ورد ذكر كوكب الزهرة فى إشعياء فيقول " كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح " ] اش 14 : 12 [(1) .
أما الجبار وتشبيهه بإنسان فيوضحه الكتاب المقدس ] أى 38 : 3 [ قربها من الدب الأكبر فى ] أى 9 : 9[(2)وقد أوضح أن النجوم كثيرة لا تحصى فيقول " هل من عدد لجنوده " ( أى 25 : 3 ) فيجيب عن هذا " إن جند السموات لا يعد " (إر 33 : 22 ).
ومن أبرز النجوم فى الكتاب المقدس نجم المولد الذى ظهر للمجوس قبل مولد المسيح عليه السلام وذلك فى ( مت 2 : 1- 21 ) ، وقد كانت النجوم مثار انتباه الإنسان منذ زمن بعيد , فنظم الإنسان أوقاته على مواقع بعض النجوم , ورمز بها اليهود للأعداد اللانهائية , ورمز بها إلى الملوك والرؤساء ( تك 15 : 5 ،22 : 7 دا 8 : 10 , أى 38 : 7 )(3) كل ذلك يؤكد أهمية النجوم ، وإن لفظ النجوم فى الكتاب المقدس لا يعنى نجوم السماء دائما بل لها مدلولات روحية أخرى ، وفى مواضع أخرى يقصد بها نجوم السماء.
__________
(1) 2 ) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ، ص 28.
(2) راجع سامح مترى إعجاز الوحى العلمى ص 28 – 29.
(3) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ص 29 – 30.(1/23)
وقال تعالى :( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) ] التكوير 15 – 16 [ فالخنس جمع خانس وهى الكواكب أو النجوم التى تخنس بالنهار لانغماس نورها أمام نور الشمس ، والكنس التى ترجع إلى كناسها أى مكان تسترها ، وهذه الخنس بناء على هذا التفسير تشير إلى الكواكب أو النجوم التى تختفى فى النهار أى تخنس وتظهر فى الليل . لكن يمكن أن تكون فى هذه الآية إشارة إلى أن المذنبات التى تجوب الكون الفسيح ظاهرة لفترة وجيزة ، وهذه المذنبات تظهر قليلاً وتخنس طويلاً عندما تقترب من الشمس تظهر بذنب طويل ، عندما تبتعد تختفى أى تخنس فلا تراها وهى حقيقة تقوم بكنس الكون من الغبار الكونى ومن الجسيمات الهائمة فى الفضاء الخارجى الناتجة عن انفجارات النجوم ، وصفة الخنس أقرب للمذنبات منها للنجوم والكواكب(1).
وأما قوله تعالى : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) ] الواقعة 75 [ فيشير إلى أن النجوم تجتمع فى حشد كبير يدعى المجرة ، فتفصل بينها مسافات شاسعة(2) وإن قياسات مواقع النجوم نسبية لا تعبر عن الواقع ، فالنجوم تتحرك بسرعات شديدة ، وضوء النجم الذى يراه الإنسان يعبر عن الماضى وليس الحاضر ، وبهذا يتغير الزمان والمكان منذ خروج الضوء من النجم حتى وصول صورته للرائى ، وبعض النجوم الساطعة فى السماء لا وجود لها ، وإن آخر شعاع خرج منها ليعلن عن وفاتها لم يصل للإنسان بعد(3).
__________
(1) د. سليمان الطراونة : الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ص 29.
(2) د. عاطف قاسم : من روائع الإعجاز العلمى ص 79.
(3) د. منصور حسب النبى : الإشارات القرآنية للسرعة العظمى والنسبية ، دار الآفاق العلمية 1994 ، ص 30.(1/24)
وهكذا تبدو النجوم فى صراع وسباق يقترب النجم من نجم ويبتعد عن نجم آخر وهو فى حركته يسير بسرعة هائله فيصل ضوؤه إلى الأرض ولكنه ليس فى نفس الموقع بل تركه منذ زمن ولكن الضوء تأخر عن الوصول للأرض لطول المسافة بين الأرض والنجم ، فيظن الإنسان أنه فى موقعه.
وتفوق مواقع النجوم حدود الوصف والخيال ، وكلما عرف الإنسان وسائل تمكنه من رصد مسافات أكبر اتسعت وعظمت أمامه آفاق الكون وتعرف على نجوم أبعد ، ونظراً لكبر المسافات التى تستخدم السنة الضوئية كوحدة للقياس فإن السنة الضوئية تعادل عشرة ملايين الملايين من الكيلو مترات أى واحداً متبوعاً بعدد من الأصفار يساوى 13 ، وتذهب بعض النظريات الرياضية إلى أن الكون يتسع وتتمدد حدوده وهو أمر تدعمه المشاهدة ، فقد رصد الفلكيون عدداً وجيزاً من وحدات الكون العظمى ، أو الجزر الكونية وهى المجرات فوجدوا أنها تتباعد عن مجرة الأرض بسرعات تتزايد بازدياد البعد عنا و ربما أمدت هذه الظواهر الأثاث بمادة للتعليق العلمى على قول الله تعالى:( والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون)]الذاريات 47 [(1).
وفى تفسير قوله تعالى : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) ] سورة الواقعة 75 [ يقول ابن حجر : " عن قتادة قال : بمنازل النجوم قال وقال الكلبى : هو القرآن أنزل نجوماً ويقال بمسقط النجوم إذا سقطن ومواقع وموقع واحد وقال أبو عبيدة مواقع النجوم مساقطها حيث تغيب(2).
أحجام النجم:-
__________
(1) راجع د. محمد جمال الدين الفندى : الله والكون ، ص 270 ، 271.
(2) ابن حجر : فتح البارى ج8 /627.(1/25)
إن أحجام النجوم يعرف بأنه مقدار إشراق النجم ، فالنجم الأول فى الحجم معدل إشراق وهو 20 نجم مشرق فى السماء ، والنجم السادس فى الحجم هو مائة نجم مشرق ويمكن بوضوح لأى ناظر بالعين الرؤية على أنه ليل مظلم ، فأى حجم يؤدى إلى خطوه من 2.512 وقت له معدل 5 100 فى الإشراق ، هذا النجم هو السادس فى الحجم هو 2.512 وقت كما فى إشراق سابع نجم ، والأوقات المائة فى الإشراق هى الإحدى عشر فى الحجم ، معظم النجوم المضيئة تصبح معتمة . والشعرى أفضل نجم فى الإشراق فى السماء وهو الأكبر فى الحجم 1.42 والزهرة أفضل كوكب مشرق وأحياناً يصل إلى حجم أول نجم أنه أكبر مئات المرات فى أول أكبر نجم . والمشترى يصل إلى حجم 2.5 ، و المريخ 2.8 زحل 0.4 ، و عطارد 1.2 أورانوس يصل الحجم 5.7(1).
ورتب العلماء آلاف النجوم فى ثمانى مراتب مستخدمين رموزاً أبجدية بحيث ترتب النجوم تنازليا من حيث تضاؤل درجة الحرارة لكل منها وكان الترتيب كالآتى:
المرتبة الأولى :. منها كل النجوم ذات الحرارة الطفيفة الضوئية المقدرة بحوالى (100.000)5 فهرنهيت وتتمتع باللون الأزرق ويرمز لها بالرمز (O) ومن أمثلتها نجم سيف الصياد.
المرتبة الثانية :. هى كل النجوم ذات الحرارة الطيفية الضوئية المقدرة بحوالى ( 45000 5) فهرنهيت وتتمتع باللون الأزرق الباهت ويرمز لها بالرمزB .
المرتبة الثالثة:. تتمتع نجومها باللون الأبيض المائل للزرقة ويرمز لها بالرمز ( A ) ومن أمثلتها ] نجم الشعرى اليمانية [.
المرتبة الرابعة :. تتمتع نجومها باللون الأبيض ويرمز لها بالرمز ( E ) ويمثلها نجم ] الشعرى الغميصاء [(2).
__________
(1) Harlo wshaphey, cecilia payn: earth , moon and planets Oxford .london 1969 p 269
(2) 2 ) راجع خيرى عبد الغنى : والنجوم أيضا درجات مجلة العلم – العدد186 يونيه 1992م ص 42 – 43.(1/26)
المرتبة الخامسة:. تتمتع نجومها باللون الأصفر ويرمز لها بالرمز ( G ) ومن أمثلتها ] الشمس [.
المرتبة السادسة:. تتمتع نجومها باللون البرتقالى الباهت ويرمز لها بالرمز ( K ).
المرتبة السابعة:. تتمتع نجومها باللون البرتقالى ويرمز لها بالرمز ( M ).
المرتبة الثامنة:. تتمتع نجومها باللون الأحمر ويرمز لها بالرمز ( N ) ولا يمكن رؤية نجوم هذه المجموعة(1).
حركة النجوم :-
تتحرك النجوم حركة مركبة أى أن حركتها هى مجموع عدة حركات تجرى فى آن واحد ، منها دائرية ومنها انسحابية ، فالنجم يدور حول نفسه بسرعه معينة إضافة لحركته ضمن المجرة ، والتى قد تكون بحد ذاتها حركة مركبة أيضا ثم إن هناك حركة النجم مع المجرة التى ينتمى إليها فى الفضاء بين المجرات الأخرى والتى من الصعب تحديد ما إذا كانت إنسحابية أم دورانية(2).
وتتكون النجوم من عناصر الأرض فأكثر عناصر النجوم غاز الأدروجين يأتى من بعده غاز الهليوم وما تبقى من العناصر وغيرها لا يبلغ إلا واحداً أو اثنين أو نحو ذلك فى المائة كتلة أى وزنا وبالطبع كل هذا يشير إلى أسطح النجوم ، إلى ما بعد هذه الأسطح من الجور من الغاز(3).
حرارة النجوم :-
إن الشمس وهى صفراء تبلغ درجة حرارة سطحها الضوئى نحواً من 23000 درجة مئوية.
والنجم الأحمر قد تبلغ درجته نحواً من 3000 درجه مئوية(4). فالنجوم مصدر هائل وعظيم للطاقة فى هذا الكون لما تشتمل عليه من عناصر.
البروج :-
__________
(1) راجع خيرى عبد الغنى مجلة العلم ص العدد 186 يونيه 1992م 42 _ 43.
(2) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك والتقاويم ص 18.
(3) راجع د. أحمد زكى مع الله فى السماء ص 82.
(4) 3 ) راجع د . أحمد زكى : مع الله فى السماء ص 182.(1/27)
هى حزام من مجموعات النجوم تزين السماء وتأخذ أشكالاً ثابتة المعالم لا تتغير بالنسبة لبعضها نظراً لبعدها الهائل عنا وتمر الأرض أمام هذا الحزام مرة كل عام ويشير قوله تعالى : ( ولو فتحنا عليهم باباً من السماء ) ] الحجر 14 – 23 [ إلى أن البروج جمع برج وهى النجوم أو الكواكب السيارة مثل اثنى عشر برجا وهى الحمل ، والثور والجوزاء وهى منازل الشمس والقمر ، وحفظ السماء إنما هو الرجم بالشهب(1).
وقوله تعالى ( ولقد جعلنا فى السماء بروجا ) ] الحجر 16 [ أى قصوراً تنزلها السيارات وهى البروج الاثنا عشر المشهورة المختلفة الهيئات والخواص وزيناها أى السماء بتلك البروج المختلفة الأشكال والكواكب سيارات كانت أو ثوابت(2).
أما الكواكب :- فى اصطلاح اللغة هو النجم ولكنه فى اصطلاح الفلكيين العصريين هى الأجرام السماوية الدائرة حول الشموس خاصة أما التى هى فى ذاتها شموس فيقال لها نجوم(3).
السدائم :هى سحب مكونة من نجوم ترابية أو غازية ومعظمها نجوم لامعة .
السدائم المجرية المنتشرة :- تبدو كبقع خافتة الضياء لا يمكن تحليلها، و ذلك نتيجة وجود نجوم مضيئة ينعكس ضوؤها على هذه الأتربة أو الغازات(4).
والسديمية كانت حالة الكون في بدايته. فبان من ذلك إيضاح كيفية حدوث وحركة النجوم والكواكب والأجرام السماوية , وأن القرآن لم يتناول هذه المسائل لبيان نظريات علمية وإنما لبيان وجود الخالق ومعرفة حكمته , وقد جاءت آيات القرآن بهذا الصدد عامة ولذا اختلف العلماء في المراد منها . ولا يثبت أي رأي منها إلا إذا كان دليله دليلا قطعيا لا يحتاج إلي تأويل .
__________
(1) راجع أبو حيان : البحر المحيط ، ج 5/4.
(2) راجع أبو السعود : إرشاد العقل السليم ، ج5/70.
(3) راجع محمد فريد وجدى : دائرة معارف القرن العشرين ، الطبعة الثالثة 1971م ، دار المعرفة بيروت مادة(الكوكب) ، ج8/231.
(4) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك ، ص 78.(1/28)
وينفي القرآن وجود السكون المطلق ويقرر شمولية الحركة في الكون في قوله تعالي : ( كل يجري لأجل مسمي )[الرعد 2] (1) .
فالحركة تعم الكون جميعه من المجرات والنجوم والكواكب وليس هناك شئ ساكن , فالكل يتحرك بنظام دقيق دون توقف أو حدوث أي خلل في حركته .
... ويشير القرآن إلي السرعة الكونية لهذا الكون في قوله تعالي : ( يدبر الأمر من السماء إلي الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) [السجدة 5 ]، فهذا الأمر الكوني إلهي وهو عبارة عن قوة طبيعية تعد هي الرابطة بين الأجسام المادية في السماء والأرض عبر الفراغ بينهما , ويتحرك في الكون كله بسرعة عظمي مقدارها موصوف في نهاية الآية .
... و سرعة الضوء في الفراغ هي المطلق الوحيد الذي لن يتغير في الكون وهي الحد الأقصى للسرعة الكونية (2).
فالكون بنجومه وكواكبه يتحرك بهذه السرعة الكونية حتى تبلغ أقصاها في الفراغ وهذا هو الشيء الثابت في الكون , أما في غير الفراغ فهي سرعة نسبية وليست مطلقة .
الفراغ بين السماء والأرض :
إن القرآن يشير إلي وجود شئ ثالث بين السماء والأرض يقول تعالي : (الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام)[السجدة 4] وقال تعالي: ( ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ) [ق 38] , فهذا هو الفراغ ويشير لفظ ما بينهما إلي السحب التي بين النجوم وإلي غاز الأيدروجين الكوني وإلي أشياء أخري ظهرت أخيرا , فالعلماء يصرحون بأن الفراغ قد يولد جسيمات مادية تنتج عن تفاعل الفراغ مع الثقوب السوداء وأن الفراغ يمثل الدور الأساسي في الكون بينما النجوم والمجرات ليست سوي تموجات خفيفة علي سطحه فالفراغ ليس فارغا (3) .
__________
(1) راجع د. منصور حسب النبى : الإشارات القرآنية ، ص 35.
(2) 1 ) راجع د. منصور حسب النبى : الإشارات القرآنية ، ص 49.
(3) 2 ) راجع د. منصور حسب النبى : الإشارات القرآنية ، ص 207.(1/29)
فهذا الخلق ليس خاليا بل يحتوي علي مواد وغازات وأجسام وإن كانت غير مرئية لكن العلم أثبتها بالأدلة ، فبين السماء والأرض خلق ثالث له دور في الكون وفي حدوث ظواهر الطبيعة.
المبحث الثانى
الأرض والظواهر الطبيعية
الأرض هي الكوكب الثالث في المجموعة الشمسية , وهي دنيا الإنسان التي يعيش فيها , والأرض تتحرك حركة مستمرة لا تتوقف ولا يشعر بها الإنسان , وأشار القرآن إلي هذه الحركة بحركة الجبال التي هي رواس للأرض قال تعالي " وتري الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب النمل 88 .
فالأرض كوكب يحمل الإنسان , وقد أُمر الإنسان بعمارته لكونه خليفة الله فيه ولذلك بسط الله له الأرض ومهّدها له حتى يتسني له السير عليها والقيام بوظيفته التي كُلف بها حتى يؤدي الأمانة التي حملها بأمر الله له.
الأرض فى القرآن الكريم والكتاب المقدس : ومن خلق الأرض : قال تعالى : " ألم يرى الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقنهما وجعلنا من الماء كل شئ حى " الأنبياء 33 . نظرية ( لابلاس ) أن الأرض والشمس ومختلف الكواكب والأجرام كانت سديما فى الفضاء وأن الأرض انفصلت عن هذا السديم وتؤيد هذه النظرية تباعد المجرات والنجوم ، وذلك بعد انخفاض درجة حرارة الأشياء المتناثرة من أثر هذاالانفجار ، فتجمعت النجوم والمجرات(1).
__________
(1) د. منصور حسب النبى : الكون والإعجاز العلمى ص 341 ، 342.(1/30)
وقال تعالى : ( قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الأرض فى يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ) ] فصلت 9 [ من هذه الآية يُستنبط آن العالم فى أية الفاتحة ليس هو مجرد عالم الإنس والجن أ والحيوان والنبات والجماد ولكن هو العالم الفلكى , وإن يومى الخلق المكورين فى الآية الأولى داخلان طبعا فى الأربعة أيام المذكورة فى الآية الثانية، والآية الثالثة توضح أن السماء عندما تم خلق الأرض كانت دخانا , وأن السماوات السبع لم يكن خلقهن بعد , بل كن كلهن سماء واحدة , إذن فقد كانت هناك قبل خلق السماوات السبع أرض واحدة ثم خلقها سماء واحدة كانت دخانا(1).
إن الأرض فى قوله تعالى ( ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها و للأرض ائتيا ) ] فصلت 11 [ ليست هى الأرض التى يعيش عليها الإنسان بدليل أن الأرض تم تشكيلها وخلقها وخلق جبالها وخلق الحياة على ظهرها قبل أن يصدر الأمر , بدليل " ثم " الترتيبية فى أول الآية الثالثة , بعد تمام خلق خبر الأرض فى الآيتين السابقتين وكذلك لفظ أرض يقابل سماء فيقتضى أن تكون أرض واحدة وسماء واحدة ، والسماوات السبع لها سبع طبقات وهو تفسير لا يتفق مع اللغة ولا مع العلم ولا مع القرآن والحديث(2) الأرض فى الآية هى التى نعيش عليها الإنسان بدليل ذكر الأرض قبلها.
__________
(1) د. محمد أحمد الغمراوى : الإسلام فى عصر العلم ص 215 ، 216 .
(2) راجع د. محمد الغمراوى : الإسلام فى عصر العلم ص216 .(1/31)
ويبلغ طول قطر الأرض 7913 ميلا والتى تدور حول محورها من الغرب للشرق مرة كل يوم وفى نفس الوقت تسبح حول الشمس بسرعة تصل إلى 18.5ميل فى الثانية الواحدة وذلك فى سنة، وا اشمس جرم سماوى مستعمر شأنها فى ذلك شأن سائر النجوم ويزيد قطرها على مليون وثلث مليون كم أى أن قطر الشمس أكبر من قطر الأرض مائة مرة , وتبلغ درجة حرارة الشمس الخارجية نحو 6000 درجة مطلقة وتزداد هذه الحرارة سريعا بازدياد القرب من المركز حيث تصل إلى أكثر من 20 مليون درجة وذلك نظرا لما تعانيه مكونات المركز من الضغوط العالية جدا (1) وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة ] تك 1-1 [ فقد كان سطح الأرض حار جدا , وتبخرت المياه بسبب هذه الحرارة ولم يصل النور إلى سطح الأرض لأن مياه البحار كانت معلقة فى صورة سحب كثيفة فى الفضاء وكان ظلاما حالكا يسود الأرض(2).
أما فى الكتاب المقدس فقد خلق الله النور ومنذ أن خلقه وهو يدور فى حركة دائرية قوية , ومنه تناثرت النجوم ، وكل نجم من النجوم وهو غاز ملتهب يدور فى حركة دائرية ومنه تناثرت الكواكب , وكل كوكب يدور بحركة دائرية هائلة عظيمة فتناثرت منه الأقمار , ولكون الأرض جزء من الشمس فقد بردت بتساقط الأمطار ثم تحولت بعد ذلك إلى اليابسة ( تك 1 : 9 – 10 ) . ومرت فترة زمنية طويلة لتصبح صالحة للإنبات ( تك 1 : 2 ) وذكر سفر التكوين أن النبات ظهر على الأرض فى الحقبة الثالثة من الخليقة , ولم يظهر النبات كله مرة واحدة , فقد ظهرت الأعشاب ثم البقول ثم الأشجار .
__________
(1) راجع د محمد جمال الدين الفندى : الله والكون ص54 2, 255
(2) 3 ). راجع وحيد الدين خان : الإسلام يتحدى ص 139(1/32)
ولكنه ظهرت فى الحقبة الخامسة الأسماك والزحافات البحرية والتنانين والطيور . أما الحيوانات البرية فقد ظهرت فى الحقبة السادسة وهى البهائم والدبابات ووحوش الأرض ( تك 1 : 24 ) وفى آخر الحقبة السادسة خلق الله الإنسان(1) . وإن خلق الأرض فى اليوم الأول يناقض القول بخلقها فى اليوم الثالث إلا إذا كانت كتلة واحدة هى والسماء ثم انفصلت عنها فعلى هذا الوجه لا يمكن فهم النص وقبوله
أصل الأرض :-
إن الأرض جزء من الشمس انفصل عنها نتيجة اصطدام عميق وقع بين الشمس وسيار عملاق آخر , ومنذ ذلك الزمان أخذ هذا الجزء يدور فى الفضاء كنارملتهبة ولم تكن قد ظهرت الحياة على ظهره لشدة حرارته , وبعد مرور زمن طويل بردت الأرض ثم تجمدت وتماسكت حتى ظهرت الحياة على ظهرها(2).
ويدل على ذلك قوله تعالى " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " الأنبياء ( 23 ) .
ويوضح الكتاب المقدس أن الأرض والسماء كانتا سديما غازيا منذ ملايين السنين حتى انقسم إلى أسدام صفرى . وتحول الغاز فى الأسدام إلى سائل ثم إلى قشرة صلبة كالأقمار والكواكب وأخذت الأرض تبرد ثم تجمد المنصهر وهطلت الأمطار وظلت المياه على الأرض , وظهرت الحيوانات والنباتات والإنسان ( تك 1 : 10,9,2 )(3) . فهنا يظهر واضحا اتفاق الكتاب المقدس والقرآن فى بيات أصل الأرض.
عمر الأرض :-
__________
(1) راجع د .سمير هندي : الكون والبيئة الطبيعية ص 101 ، 102 .
(2) راجع وحيد الدين خان : الإسلام يتحدى ص76 .
(3) راجع د/ سمير هنرى : الكون والبيئة الطبيعية ص96,94 .(1/33)
يبلغ عمر الأرض نفسها 4500 مليون سنة , ولقد تركزت المادة التى شكلت كوكب الأرض عن غاز ساخن جذبته الشمس البدائية , وقد تمت عملية التكثيف على درجات حرارة تقارب حرارة أفران الصهر , وعلى هذا فإن ظروف الأرض البدائية منذ حوالى 4500 مليون عام لم تكن بكل تأكيد تصلح للحياة , وقد كان كوكب الأرض فى البدايات الأولى من تاريخه قاحلا مجدبا ولا شك , كان لا يختلف عن القمر الذى نراه الإنسان اليوم , ثم جاءت المذنبات لتنقذ هذه الأرض الجرداء فلم تعطها فقط الخلايا الحية , وإنما زودتها أيضا بالماء وعدد من المواد الطيارة(1) وهذه مجرد فروض للعلماء وليس شيئا يقينيا . ويقدر الكتاب المقدس عمر الأرض ببضعة ملايين من السنين واستخدموا لذلك عدة وسائل منها :.
1- معدل انخفاض درجة الحرارة .
2- مقارنة الترسيب عند دلتا الأنهار بالترسيب على سطح الأرض .
3- معدل تآكل سطح الأرض .
4- كمية الأملاح فى مياه المحيطات .
5- النشاط الإشعاعى وهناك طريقة حديثة هى استخدام كمية غاز الهليوم فقدر عمر الأرض أقل بكثير من الملا يين السابقة(2).
تكوين الأرض :-
(
__________
(1) د/فريد هويل , ماسينج : البذور الكونية , ترجمة د . أحمد مستجير – الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989 , ص87 .
(2) هنرى . م موريس : الكتاب المقدس ونظريات العلم الحديث ، ترجمة د. نظير عريان ، مراجعة د. سليمان نسيم ، مكتبة المحبة 1989م ، ص 90.(1/34)
والأرض بعد ذلك دحاها . أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها " النازعات ) ]30- 32 [( 5 ) إن الأرض انفصلت عن الشمس على هيئة غاز وبدوران هذا الغاز حول نفسه وبعده عن الشمس مصدر الحرارة بدأت هذه الغازات تبرد شيئا فشيئا مكونة طبقة من السطح الخارجى الذى أخذ يتجمد رويدا رويدا ويزداد السُمك بتوالى الأزمنة والغازات والأبخرة التى كانت تتصاعد من الأرض وقت إنشائها وبعده كانت تعود لتهطل عليها فى صورة بخار ماء أو مطر بعد ما بردت هذه الأرض(1) فالأرض صالحة للحياة ولذلك وجد فيها الماء وحفظت بغلاف سميك.
نقص أطراف الأرض :-
قال تعالى ( أولم يرو أنا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها ) ] الرعد : 41[ يقرر العلم بأن الأرض ليست كروية تماما بل هى مفرطحة عند قطبيها تفرطحاً بسيطا جداً مما يعطيها شكل البيضة ويفسر العلماء هذا التفرطح بأن الأرض كانت لينه ساخنه كالعجين عند نشأتها ، وأن دورانها حول نفسها جعل كرة العجين تبرز قليلا عند بطنها ( خط الاستواء ) وتتفرطح عند قطبيها ، لأن القوة المركزية الطاردة أكبر ما يمكن عند البطن وتقل حتى تصل إلى الصفر عند القطبين(2).
ويرى المفسرون أن المراد بنقصانها من أطرافها هو موت أهلها وتخريب ديارهم وبلادهم وثمراتهم(3).
فهذه لامحادثة من البعض هى تحميل للآية بما ليس بها ، وتأويل بلا مسوغ ، والأولى أن يقال كما قال أهل التفسير ولا يستخرج كل ما يكتشفه العلم من القرآن.
توازن الأرض بوضعها الحالي :-
__________
(1) د. منصور حسب النبى : الكون والإعجاز العلمى ص 341.
(2) د. منصور حسب النبى : الكون والإعجاز العلمى ص 165.
(3) الرازى : مفاتيح الغيب ج 17/267 ، ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، دار التراث القاهرة ، ج 2/250.(1/35)
إن الأرض لو كانت فى حجم القمر وكان قطرها ربع قطرها الحالى لقلت جاذبيتها ولما استطاعت أن تمسك الماء والهواء كالقمر , وتشتد البرودة ليلا حتى يتجمد كل ما عليها وتشتد الحرارة نهارا فيحترق كل ما هو عليها وكذلك لو زاد قطرها عن وضعه الحالى لتضاعفت جاذبيتها فينكمش غلافها الجوى وينتج عن ذلك أن تتحمل كل بوصة مربعة من خمسة عشر رطلا إلى ثلاثين من الضغط الجوى. ولو تضاعف حجمها مثل حجم الشمس لتضاعفت جاذبيتها إلىمائة وخمسين مرة ولاقترب غلافها الهوائى ولارتفع الضغط الجوى وينتج عن ذلك استحالة نشأة الأجسام الحية ولزاد وزن الحيوان وهبط حجم الإنسان(1) فالأرض فى موقعها وحجمها وكتلتها هو المقدار المناسب للحياة عليها.
دحو الأرض :-
الدحو في أصل اللغة : دحرجة الأشياء القابلة للدحرجة كالجوز والكرى والحصى ورميها , " والأرض بعد ذلك دحاها" ودحو الأرض معناه أزالها عن مقرها كقوله تعالى " والأرض بعد ذلك دحاها " , ولكن فرق بين دحو الأرض ودحرجتها من مكانها عند التكوين , وذلك قبل خرابها عند قيام الساعة وقد يكون المراد به – والله أعلم – أنه دحاها عندما فتقها هى والسماوات من المادة الدخانية التى كانت رتقا وفية دلالة أو إشارة – على الأقل – إلى أنها كرة وكالكرة فى الاستدارة ولا يبعد أن يكون المراد بدحوها ودحرجتها حركتها بقدرته تعالى فى فلكها " وكل فى فلك يسبحون " , وهذا لاينافى ما قيل من أن معناه بسطها أى وسعها ومد فيها وأنه سطحها أى جعل لها سطحا يعيش الناس عليه(2).
__________
(1) راجع وحيد الدين خان : الإسلام يتحدى ص62، 63.
(2) راجع محمد رشيد رضا : تفسير المنار ج1 ص207-208 .(1/36)
قال تعالى : " والأرض بعد ذلك دحاها " ] النازعات : 30 [ قال بعض أهل التأويل : دُحيت الأرض من بعد خلق السماء , ثم قال ابن عباس : ذكر خلق الأرض قبل السماء , ثم ذكر السماء قبل الأرض , وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء " ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات " ثم دحا الأرض بعد ذلك , فذلك قوله " والأرض بعد ذلك دحاها "(1). وأعتقد أن هذا هو الرأى الصواب وذلك دفعا للتعارض قال آخرون بل معنى ذلك والأرض مع ذلك دحاها , وقالوا الأرض خلقت ودحيت قبل السماء وذلك أن الله تعالى " هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات "فأخبرأنه سوى السماوات بعد أن خلق ما في الأرض جميعا ، " والأرض بعد ذلك دحاها " بسطها(2).
__________
(1) راجع الطبرى : جامع البيان / ج30/57 .
(2) راجع الطبرى:جامع البييان ج30/60،59.(1/37)
حركة الأرض ودورانها إن الشمس كانت تدور حول نفسها بسرعة أكبر مماهى عليه الآن إذ كانت تتم دورتها حول نفسها مرة كل أربع ساعات فالأرض تدور حول محورها كل 23 ساعة و56 دقيقة وهي مدة اليوم الكامل على الأرض وهذا الدوران لايشعر به الإنسان لثبات الأرض بالجبال (1). فحدوث الليل والنهار والفصول الأربعة لايتم إلابحركة الأرض ودورانها وذلك لقوله تعالى : "يغشى الليل والنهار يطلبه حثيثا "فكل من الليل والنهار يطلب الآخر طلبا حثيثا بإذن الله فى يغشاه ، ثم يكون ذلك على وجه التجدد المستمر كما تفيد صيغة المضارعة فى الفعلين مع الحالية فى الفعل الثانى وتبين الأية ظاهرة زحف النهار إ ثر الليل حالا محله من طرف وزحف الليل إثر النهار حالا محله من الطرف الآخر فى كل بقعة من بقاع الأرض اثناء دورتها اليومية حول نفسها ،أوحول محورهاأمام الشمس نتيجة لذلك الدوران ،وهذاالدوران دل عليه القرآن فىقوله ( يكور الليل على النهار ) ] لزمر :5 [ والتكوير اللف واللى ، يلف الليل على النهار بلف محورى حقيقى للأرض التى هى محل الليل ، ويلف النهار على الليل بلف حقيقى لأشعة ضوء الشمس فى غلاف الأرض الهوائى الذى تملؤه الظلمة وهى تدور(2).
أما الفلاسفة فقد تأثروا بأرسطو في القول بسكون الأرض وعدم حركتها، فيري أرسطو أن الأرض ساكنة لا تتحرك إلي الوسط ولا خارجا عن الوسط فلا محالة أنها ساكنة ثابتة إذن إضطرارا في الوسط وينفي أن يكون شكلها مستديرا فلكيا إضطرارا .وذلك ان لكل جزء من أجزائها ثقلا إلي أن يأتى إلي الوسط فإن الجزء الكبير منها يضغط الجزء الصغير ولا يمكن أن ينتشر ويتموج لكن يجتمع وينقبض(3).
__________
(1) راجع د منصور حسب النبي الكون والإعجاز العلمي ص 166 .
(2) راجع د محمد الغمراوى : الإسلام فى عصر العلم ص،222 ـ 226 .
(3) راجع أرسطو: في السماء ، تحقيق د عبدالرحمن بدوي ، مكتبة النهضة المصرية م،ف 14 , 96 , ب - 97 , أ ص 296 – 298.(1/38)
والأرض مستقرة فى وسط العالم كما يرى ابن سينا(1) وأما عند ابن رشد فإن الأرض ساكنة فى مركز العالم , وأنه لا حركة لها فى محلها على محور لها بل إن فكرة حركة دورانها مستبعدة تماما بالنسبة لتفكير ابن رشد(2). ويظهر مما سبق أن الفلاسفة والمتكلمين يقولون بسكون الأرض وعدم حركتها وهذا ما ظهر عدم صحته في العصر الحديث .
أما حركة الأرض السنوية حول الشمس ففي القرآن الكريم دلالتان عليها أي الأرض ، إحداهما عن طريق الإشارة إلى أثرها في الليل والنهار من حيث تداخل أحدهما في الآخر من جهة الطول والقصر على تتابع الفصول الناشئة من تلك الحركة وذلك في مثل قوله تعالى : " يولج الليل في النهار ]الحج :61[ أما الدلالة الثانية فهى أهم لأنها إشارة تكاد تكون في سرعة ، عبارة تنص على أن للأ رض حركة غير حركتها اليومية فى قوله تعالى :" وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب "(3).
كروية الأرض :-
__________
(1) راجع ابن سيناء : الشفاء ـ الرياضيات ـ علم الهيئة ، مراجعة د ابراهيم مدكور تحقيق د محمد رضا مدور ود إمام ابراهيم الهيئة المصرية العامة للكتاب 1980 م 1 ف 3 ص 22ـ 23
(2) راجع د . زينب غفيفى : فلسفة ابن رشد الطبيعية ( العالم ) ص87 .
(3) راجع د/عبدالعليم خضر : الطبيعيات والإعجاز العلمى فى القرآ ن الكريم ، الدار السعودية للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى 1986م ص190(1/39)
إن كروية الأرض مدونة منذ القدم من أول تكون البذرة الأولى للعلم تقريبا وقد استدل الأولون على ذلك باختلاف شكل السماء وبالنسبة للسائر على وجه الأرض فإنه لو كانت الأرض سطحا مستويا لحفظت السماء شكلها دائما للرائى مهما تنقل على ظهرها , ومما جعل مسألة كروية الأرض حقيقة علمية بالنسبة للأقدمين ما ورأوه عند كسوف القمر من ظل الأرض عليه فقد رأوا ذلك الظل مستديرا مما يدل دلالة واضحة على أن الأرض كرة مستديرة كالشمس وسائر النجوم والكواكب(1).
قال تعالى ( ياأيها الناس اعبدوا ربكم ) ] البقرة 22 [ الفراش والمهاد والبساط والقرار والوطاء نظائر , وقد استدل بعض المنجمية بقوله " جعل لكم الأرض فراشا " على أن الأرض مبسوطة لا كروية وبأنها لو كانت كروية لما استقر ماء البحار فيها أما استدلاله بالآية فلا حجة له فى ذلك . لأن الآية لا تدل على أن الأرض مسطحة ولا كروية , إنما دلت على أن الناس يفترشونها كما ينقلبون بالمفارش سواء كانت على شكل السطح أو على شكل الكون , أمكن الافتراش فيها لتباعد أقطارها واتساع جرمها(2).
ويبين قوله تعالى : " يكور الليل " أن حدوث الليل والنهار منوط بتحريك أجرام سماوية , والتكوير فى الأصل واللى , والمراد عن ما روى على قتادة يغشى أحدهما الآخر وهو على ما قيل معنى يذهب أحدهما ويغشى مكانه الآخر أى يلبسه مكانه فيصير أسود مظلما بعدما كان أبيض منيرا وبالعكس , " وقوله "وسخر الشمس والقمر " جعلهما منقادين لأمره عز وجل(3) .
__________
(1) راجع محمد فريد وجدى : الإسلام فى عصر العلم , دار الكتاب اللبنانى – بيروت . الطبعة الثالثة ص484
(2) راجع أبو حيان : البحر المحيط ج1 /237 .
(3) راجع الألوسى : روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى , صححه محمد حسين العرب , دار الفكر بيروت 1997م , ج23 /351 ,352(1/40)
وقد جاءت البراهين من القرآن والسنة بتكويرها , فقال الله عز وجل " يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل " وهذا أوضح بيان فى تكوير بعضها على بعض , مأخوذ من كور العمامة وهو إدارتها , وهذا نص على تكوير الأرض ودوران الشمس كذلك وهى التى يكون منها ضوء النهار بإشراقها وظلمة الليل بمغيبها , وهى آية النهار بنص القرآن , قال الله تعالى " وجعلنا آية النهار مبصرة "(1).
وسطح الماء في البحر كرى كما يرى ابن سينا ويدل على ذلك إذا كان الإنسان فى البحر وكان بالبعد منه جبل فأول ما يظهر ما تحته قليلا كان رأسه ثم يجعل ما تحته قليلا قليلا كان مستورا لا محالة دون رأسه فلا ساتر دونه غير حدبة الماء .
ومما يدل على كروية الأرض فى الحس تقدم طلوع ما يطلع وغروب ما يغرب وتأخرها عن أهل البلدان الطولية وظهور ما يظهر أبدا وغيبة ما يغيب أبدا عن البلدان العرضية تقدما وتأخرا وغيبة توجب الكرية(2).
وذهب ابن رشد الى القول بكروية الأرض بناءا على كروية العناصر كما فعل أرسطو بأدلة منها :
1- أننه لو توهمالإنسان أن الأرض متكونة كما يقول أرسطو فإن أجزاءها المتكونة تتخلق من الوسط تخلقا كريا مهما لم تفرض لجزء منها عائقا وبهذا يتبين أن شكل الهواء واماء والنار كرى .
2- أن القمر حين ينكسف بظل الأرض ينكسف هلاليا .
3- أنه إذا سارالإنسان على الأرض ولو جزءاً يسيراً يظهر فى السماء كواكب لم تكن ظاهرة(3)
أما كروية الأرض فيثبتها الكتاب المقدس , الأرض كروية 1- " فهى مدورة متقلبة "( أى 12:37) , وكلمة الله تثبت كروية الأرض . " الجالس على كرة الأرض " ( إش22:40) ,
__________
(1) راجع ابن حزم : الفصل ج 2/241 .
(2) راجع ابن سينا : الشفاء الرياضيات , علم الهيئة , , م ا ف , ص20 – 21.
(3) د . زينب عفيفى : فلسفة ابن رشد الطبيعية ( العالم ) ص92 .(1/41)
2- دورة الأرض : الحركات المدارية, ففى الكتاب المقدس حركات للأرض ] أى 13:37[ وينتج عن تقلب الأرض الليل والنهار وتعاقبهما ] مز : 1:5[ وهناك حركة للأرض حول محورها ] إش 13:48 [ وحركة الأرض حول الشمس فينتج عنها فصول السنة .
3- الأرض كتلة سابحة فى هذا الفضاء : فيقول " يعلق الأرض على لا
] اى 7:26 [(1): فوصف الأرض بأنها كرة أودائره ليس على ظاهره وليس دليلا على كرويتها ، وإنما هو من قبيل التشبيه ، والأدلة التى يفهم منها حركتها ليست قاطعة.
وصف الأرض :-
يذكر القرآن عدة أوصاف للأرض ككونها ] قرارا َ- ذلولا-بساطاَ-مهاداَ-كفاتاَ-فراشاَ [ , قال تعالى : ( هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا ) ] الملك 15 [ وصف الأرض بالذلول يعنى قديماَ الحمد لله للسير فيها بالقدم وعلى الدابة ,وبالفلك التى تمخر البحار , والمذلة للزرع والجنى والحصاد والمذللة للحياة , لكن العلم يبين مدلول هذا الوصف , إنه يطلق على الدابة عادة , وهو مقصود فى إطلاقه على الأرض , فالأرض التى تُرى ثابتة راسخة راكضة مهطعة وهى فى الوقت ذاته ذلول لا تلقى براكبها عن ظهرها : إن هذه الدابة التى نركبها تدور حول نفسها بسرعة ألف ميل فى الساعة فهى إذن تسير بسرعة شديدة ثم تدور مع هذا حول الشمس بسرعة حوالى خمسة وستين ألف ميل فى الساعة مبتعدة نحو برج الجبار فى السماء ومع هذا الركض كله يبقى الإنسان على ظهرها آمناَ مستريحاَ مطمئناَ(2).
قوله تعالى : " أمن جعل الأرض قراراَ " قراراَ : يعنى أى مستقراَ لكم بحيث يمكنكم الإقامة بها والاستقرار عليها ولا يديرها الفلك , قيل لأنها مضمحلة فى جنب الفلك كالنقطة فى الدحى(3).
__________
(1) سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ص 82 : 84.
(2) سيد قطب : فى ظلال القرآن دار الشروق ، القاهرة ، الطبعة الثالثة والعشرين 1994م ج6/3637 .
(3) أبو حيان : البحر المحيط ج7 ص85 .(1/42)
وفى القرآن تصريح بإمكان وجود كواكب أخرى تشبه الأرض فى الكون وهذا ما لم يتحقق منه الناس بعد فى هذا العصر , تقول الآية 12 من سورة الطلاق " الله الذى سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما " بما أن الرقم ( 7 ) يشيرإلى تعدد غير محدود فيمكن استنتاج أن مدلول النص القرآنى يشير إلى أنه هناك فى الكون كواكب أخرى تشبه الأرض(1).
وصف الأرض : كلمة ( أرض ): وهى ترجمة لكلمات عبرية ( أدمة : أى أديم "ارس" أى أرض "وعفار" أى تراب ,وكلمة أدمة العبرية مشتقة من أدم أى أحمر , وتترجم إلى العبرية بلفظى تراب " ( خر 24:20 ) , "أرض" ] مز 35:105 [ , ] اش 2:14 [ ] تك4: 11 ، 7 : 4[ (2) . فوجود كواكب تشبه الأرض أمرا لم يشر إليه القرآن ، وتكلف وتحميل للآية أكثر من معناها .
الغلاف الجوى :-
يشير القرآن إليه فيقول تعالى ( وجعلنا السماء سقفاَ محفوظاَ وهم عن ءاياتها معرضون ) ] الأنبياء 32 [.
والغلاف الجوى عبارة عن خليط غازى عديم الطعم واللون والرائحة بالإضافة إلى بخار الماء الذى يحمله الهواء لأن بخار الماء أخف أو أقل كثافة من الهواء الجاف وهذه وحدها آية من آيات الخالق أنها مكنت الهواء من حمل البخار إلى أعالى الجو حيث يبرد ويتكاثف إلى سحب وأمطار والمطر هو مصدر المياه العذبة فى الأرض(3).
مجمل وأهم فوائد الغلاف الجوى هى كما يلى :-
1- فيه الأكسجين اللازم للحياة حتى للأحياء المائية.
2-مضر بالارتفاع والبعد عن سطح الأرض تناقصا يسمح للطيار بالتحليق على أبعاد صغيرة نسبيا.َ
__________
(1) د . موريس بوكاى : القرآن الكريم والتوراة ص165,164.
(2) د/صمؤيل حبيب : دائرة المعارف الكتابية ط الأولى 1988م دار الثقافة ج1/169 .
(3) د. محمد جمال الدين الفندى : الله والكون ص226 .(1/43)
3-فيه ثانى أكسيد الكربون اللازم لبناء أجسام النبات ويتحول إلى سكر نشا وخشب تعترى ثانى أكسيد الكربون دورة تجعل من المستحيل نفاد أكسجين بمضى الزمن إذ أنه فى ضوء ضوئء الشمس تمتص مملكة النبات ثانى أكسيد الكربون من الجو لتعيده أكسجيناَ خالصاَ.
4- فى الهواء تسرى الأصوات.
5-يعمل على تمهيد سطح الأرض بالرياح والمطر.
6- فيه يتكون ضوء النهار(1).
ويتركب غلاف الأرض الجوى من خليط من الغازات التى لا طعم لها ولا لون ولا رائحةوأهم هذه الغازات على الإطلاق الأوزون والأكسجين ونسبتها من حيث الحجم وهى على التوالى 57 , 78 % ,95 ,20 %(2)
يقول الله سبحانه وتعالى ( وجعلنا السماء سقفاَ محفوظاَ وهم عن ءاياتها معرضون ) ] الأنبياء [ فمن الواضح أن الآية الكريمة تشير إلى غلاف الأرض الجوى وتصفه بأنه سقف محفوظ من والتسرب والفساد القبة الزرقاء وهى ظاهرة ضوئية لا يزيد ارتفاعها عن 200كم من إجمالى ارتفاع الغلاف الجوى الذى يبلغ ألف كم(3).
وفى هذا السقف يتكون كما هو معلوم ضوء النهار بسبب تناثر أو تشتيت لأشعة الشمس خلال الطبقة الممتدة من سطح الأرض حتى ارتفاع 20كم فقط , وتواجه تلك المنطقة المنيرة وجه الشمس دائماَوهى تنسلخ من باقى جسم الغلاف الجوى المظلم تماماَ ولعلنا نجد هذا المعنى الرائع فى قوله تعالى ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ) ] يس 37 [(4).
إن الأرض تبدو عظيمة وكبيرة وهائلة وأكثر من ذلك أن الكثير ينسى الموقع الأصلى التى تشغله فى المجموعة الشمسية , وهى تعتبر أعظم الكواكب الشمسية , ولهذا فلها غلاف جويَ سميكَ فوق طبقة الماء ولها قمر جميل يسير مع كوكبه الأرض.
__________
(1) د. محمد جمال الفندى : الله والكون ص245.
(2) د . محمد جمال الفندى : الله والكون ص234 .
(3) د. عبد العليم خضر : الطبيعيات والإعجاز العلمى ص183.
(4) د. عبد العليم خضر : الطبيعيات والإعجاز العلمى ص185,184.(1/44)
فقبل أيام ظهور القمر الصناعى والجزء المظلم فيه كان أفضل تقريب للإنسان فى مرآة الفضاء لدراسة الأرض , وعندما يكون القمر والشمس على خط واحد تقريباَ فإن الضوء يعكس بعيداَ لينور نصف الكرة الأرضية المظلمة السوداء , فدرجة إشراف الأرض على القمر تظهر أن الأرض أفضل عاكس للضوء كما أنه أفضل الكواكب فى الغلاف الجوى(1).
تبعد الأرض التى يعيش عليها الأنسان عن الشمس والتى تبلغ درجة الحرارة على سطحها 12 ألف درجة فهرنهيت مسافة قدرها 93 مليون ميل وتبعد عن القمر بمقدار 240 ألف ميل وهذه الأبعاد هى التى تكفى لتهيئة البيئة الصالحة للحياة بالصورة التى هى على الأرض ، إذ لو نقصت المسافة بينها وبين الأرض عن ذلك لاحترقت الأحياء التى عليها فى التو واللحظة وانعدمت منها كل مظاهر الحياة ولو بعدت الشمس أكثر من ذلك لأصاب الجمد ثم لحق الموت بكل الكائنات على الأرض(2) فهذا يعطى معنى واضحا عن مدى الاهتمام بالأرض التى يعيش عليها الإنسان.
كيف تنشأ الرياح :-
الرياح هى الهواء المتحرك والذى يدفع الهواء للحركة فوق الضغط الجوى لأن الهواء يندفع بصفة عامة من مناطق الضغط العالى متجهاَ نحو مناطق الضغط المنخفضة ولكن دوران الأرض حول مدارها ومحورها ومن ثم دوران الغلاف الجوى معها بنفس الطريقة يجعل الرياح أيضاَ تلف وتدور أثناء تحركها وهكذا فهى دائماَ فى نصف الكرة الشمالى تدور مع اتجاه عقارب الساعة فتدفعه خارج مناطق الضغط العالى كما تدور فى اتجاه مضاد لاتجاه عقارب الساعة مندفعة نحو مراكز الضغط المنخفضة.
أماسبب هبوب الرياح فهو الدفع تحت تأثير فروق الضغط الجوى وتنشأ هذه الفروق بسبب اختلاف ميل أشعة الشمس على سطح الكرة(3).
__________
(1) د. محمد جمال الدين الغندى : الله والكون ص55.
(2) د. منصور حسب النبى : الكون والإعجاز العلمى ص 54 55.
(3) راجع د. محمد جمال الفندى : الله والكون ص131,129.(1/45)
إن الرياح لواقح للسحاب :- فقال تعالى " وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءَ فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين " ] الحجر 22 [ فسرت هذه الآية فى ضوء العلم الحديث على أن الرياح لواقح للنبات بعدما ثبت أن الهواء من أهم وسائل تلقيح النبات ، والله - عز وجل - يبعث الرياح لتليح السحاب فتحمل الماء فتضعه فى السحاب فينزل المطر(1) فالعلاقة بين الرياح والسحاب قوية ، فالرياح سبب تحريك السحاب. ويمكن أن يكون للآية تفسير آخر إذا لم يرد فيها ذكر للنبات أو الأرض وأما ما يدل على قصر هذه الأية على تلقيح النباتات ذكر الماء فى الآية فدل ذلك على أن المراد بتلقيح الرياح إنما هو النبات والسحاب.
__________
(1) راجع د. محمد الغمراوى : الإسلام فى عصر العلم ص 339 ، الرازى : مفاتيح الغيب ج 18/409.(1/46)
وقال تعالى " والله الذىأرسل الرياح " والله الذى أرسل الرياح فتثير السحاب للحياة والغيث, فأحيا الله هذه الأرض الميتة بهذا الماء ، ويذكر القرآن آيات أخرى عن الرياح , يقول تعالى " وهو الذى أرسل الرياح بشراَ بين يدى رحمته " ] الفرقان 48 [ ويقول تعالى ( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءاَ فأسقيناكموه ) ] الحجر 22 [ وقال " ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات " ] الروم 41 [ وقال " وهو الذى يرسل الرياح بشراَ بين يدى رحمته ] الأعراف 57 [ , والكتاب المقدس يوضح مفاهيم هامة عن الرياح , والرياح تهب من حيث تنشأ وتسمع صوتها ولكن لا تعلم من أين تأتى وإلى أين تذهب ] بو 8:3 [ فهى تتحرك وتنتقل وتتأثر بسخونة المنطقة ، " والريح تذهب إلى الجنوب وتدور إلى الشمال تذهب دوراناَ وإلى مداراتها ترجع الريح ] جا 6:1 لو 55:12 [ والرياح لها أماكن بل مخازن " المخرج الريح من خزائنه " ] مز 7:135[ ( (1)والقرآن لم يذكر إلا حركة الرياح وسكونها وبعض أوصافها أما الكتاب المقدس بعد ثلاثة أنواع من الرياح :
1- الريح الشمالية : " وريح الشمال تطرد المطر " ] أم 23:25 [
2- الريح الجنوبية :." وإذا رأيتم ريح الجنوب تهب " ] لو 55:12 [
3- الريح الشرقية :. " فى أى طريق يتوزع النور , وتتفرق الشرقية " ] أى 24:38 [
والرياح تهب من أربعة زوايا الأرض ] رؤ 14:7 [ " ليجعل للريح وزنا "َ ] أى 25:128 [ " وعامل تعرية " وتجدد وجه الأرض " ] مز 30:104 [ قوة دفع " وأجاز الله ريحا " ] تك 1:8 [ وتؤثر فى التيارات المائية " فهدأت المياه
] تك 1:8 [(2).
السحاب :
__________
(1) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ص99.
(2) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ص100 .(1/47)
قال تعالى " وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون " ] البقرة 164 [ يتكون السحاب بتبريد الهواء تحت درجة الندى فتقل قدرته على حمل بخار الماء ويتحول هذا الأخير أولاَ بأول إلى نقط من الماء أو بلورات من الثلج تبعاَ لدرجة الحرارة السائدة ويتم تبريد الهواء فى الطبيعة بعدة طرق منها:
1- التبريد الذاتى : أى تبريد الهواء بمجرد انتشاره وتقليل الضغط الواقع عليه ويحدث ذلك عندما يصعد الهواء لطبقات عليا من الجو يقل فيها الضغط فينتشر ويبرد وتقل قدرته على حمل بخار الماء ويتكاثف هذا الأخير إلى نقطة من الماء أو إلى بلورات من الثلج وتلعب هذه العملية أهم دور فى تكوين السحب ونزول المطر إذ أن معدل التبريد فى الهواء الصاعد هو درجة سنتجراد لكل 100م إذا لم يحدث التكاثف 0.65 إذا حدث التكاثف .
2- التبريد بالإشعاع الحرارى : أثناء الليل وهو يولد الضباب وبعض السحب الطبقية أو البساطية المنخفضة
3- التبريد بالمزج : وهو خلط هواء ساخن رطب بآخر بارد جاف بحيث تكون درجة حرارة الخليط تحت نقطة الندى فيتم التكاثف على هيئة ضباب كما هو الحال عند اختلاط كتل هواء ناتجة من تيار الخليج الدافئ الرطب مع كتل هواء لبرادور البارد فهناك يحدث الضباب الكثيف فى شمال المحيط الأطلسى مما جعل البحارة العرب يطلقون عليه بحر الظلمات(1).
والسحاب :- هو بخار ماء تكاثف فى طبقات الجو العلوية كما يتكاثف الضباب فى الطبقات القريبة من الأرض ولا بد لتكون السحاب من شرطين أساسيين يجب توافرهما فى الهواء العلوى :.
1- أن يكون الهواء فوق الشبع بالبخار
2- أن يكون الهواء محتوياَ على عدد كبير من النويات يتكاثف عليها البخار(2).
__________
(1) راجع د. محمد جمال الفندى : الله والكون ص147,146.
(2) راجع د. محمد الغمراوى :الإسلام فى عصر العلم ص229.(1/48)
لعل أول كتاب قرر حقيقة أن السحاب الممطر إنما تسيره الريح هو القرآن الكريم وقد كانت الفكرة السائدة لدى بعض الحضارات القديمة أن المطر يأتى من ماء مخزون فى السماء عندما تفتح الآلهة الأبواب والنوافذ ولندرس قول الله تعالى : ( الله الذى يرسل الرياح فتثير سحاباَ فيبسطه فى السماء ) ] الروم : 48 [ ( وهوالذى يرسل الرياح بشراَ َ بين يدى رحمته حتى إذا أقلت سحاباَ ثقالاَ سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ) ] الأعراف : 57 [ وهنا يتبين أنه فى هذا العهد الذى نزل فيه القرآن الكريم لم يكن أحد من الناس يعرف أن الهواء يحمل مقادير وفيرة من الماء على هيئة بخار وأن هذا البخار هو الذى يكون السحب ويعطى المطر عندما تندفع تيارات الهواء إلى أعلى وتبرد تحت تأثير الانتشار وبتقليل الضغط الواقع عليها بالارتفاع(1). فالماء أصل لتكون السحاب بتوافر عوامل تجتمع وتتفاعل معا فيتكون السحاب.
التقسيم الطبيعى للسحاب :.
السحب إما أن تنمو رأسياَ وتشمخ كالجبال وعندئذ تسمى ركامية وإما أن تنمو أفقياَ وتمتد كالبساط وعندئذ تسمى بساطية أو طبقية
ويفرق القرآن الكريم بين النوعين فيسمى النوع الأول ركامى والثانى بساطى فنجده يقول ( والله الذى يرسل الرياح فتثير سحاباَ فيبسطه فى السماء كيف يشاء )
] الروم :48 [ إشارة إلى السحب البساطية ويذكر القرآن الكريم مزايا النوع الأول
] الركامى [ بأنه وحده الذى يجود بالبرد وفيه تتكون عاصفة الرعد والبرق ( وينزل من السماء من جبال فيها من برد ) ] النور :43 [ ((2)
أما من حيث الارتفاع فقد قسم العلماء النوعين إلى ارتفاعات ثلاثة هى :.
__________
(1) راجع د. محمد جمال الفندى : الله والكون ص143.
(2) راجع د. محمد جمال الفندى : مع القرآن فى الكون ص147.(1/49)
المنخفض ] القاعدة أقل من كم [ والمتوسط وتصل قاعدتها إلى 4كيلومتر ثم السحب العالية وهى التى توجد على علو 6-8 كم وعلى هذا النحو تجد السحاب الركامى عالىَ والبساطى عالىَ والركامى المتوسط الارتفاع والبساطى المتوسط الارتفاع والركامى المنخفض والبساطى المنخفض .
وتحدث هالات القمر والشمس عادة خلال الطبقات الرقيقة من البساط متوسط الارتفاع الدقيق وهذه التقسيمات وهى فى الغالب لفائدة الطيارين والملاحين فى عرض البحر لأن لهذه السحب مدلولاتها وهى توزع على طول الجهتين الساخنة والباردة لأى انخفاض جوى عرضى.(1).
تعد من أهم صفات الماء أنه أساس الحياة على الأرض وهو يدخل فى تركيب الجزء الأكبر من أجسام الكائنات الحية وبالإضافة إلى ذلك يؤدى ماء الأرض دوراَ رئيسياَ فى توفير البيئات المناسبة للحياة وإمكان ازدهارها .
] وجعلنا من الماء كل شئ حى [ الأنبياء 30 " و الله خلق كل دابة من ماء " والمراد أن الله تعالى خلق كل حى من أصل مشترك هو الماء ، فلا معنى لحياة النبات والحيوان والإنسان بدون الماء ، فهو أهم عنصر فى الكون ، ويعد الماء عنصراً هاماً فى تركيب الأجسام .
__________
(1) راجع د.محمد جمال الفندى : الله والكون ص 149.، 150(1/50)
قال تعالى " ألم تر أن الله يزجى سحاباَ" النور 43 ، والإزجاء هو سوق الشئ برفق وسهولة وقيل سوق الثقيل برفق (ثم يؤلف بينه) بأن يوصل سحابة بسحابة وقال غير واحد السحاب واحد كالعماء والمراد يؤلف بين أجزائه وقطعه (ثم يجعله ركاما)َ أى "متراكماَ بعضه فوق بعض " فترى الودق " أى المطر شديدا كان أوضعيفاَ إثر تراكمه وتكاثفه ( يخرج من خلاله) أى من فتوقه ومخارجه التى حدثت بالتراكم والانعصار (وينزل من السماء) أى من السحاب فبان كل ما علا الإنسان (من برد) وهو معروف وسمى برداَ لأنه يبرد وجه الأرض أىيقشره (1). فالقرآن لم يذكر إلا حركة السحاب والنوع الركامى والبساطى ، ويرى البعض أن المراد بالسماء المظلة والجبال حقيقتها قالوا : إن الله تعالى خلق فى السماء جبالاَ من برد كما خلق فى الأرض جبالاَ من حجر وليس فى العقل ما ينفيه فيجوز إبقاء الآية على ظاهرها كما قيل(2).
والمعصرات هى السماوات قال ابن عباس هى السحاب القاطرة مأخوذة من العصر لأن السحاب ينعصر فيخرج منه الماء (3).
ف وورد السحاب فى الكتاب المقدس على معانى : 1- سحاب الغيم ] أم 14:25 [ ]لو 54:12 [ وكان يستر السحاب" مجد الله" ] خر 10:16 , 9:33 [
عد 25:11 , 1مل ,10:8 ,11, أى 14:22 [ .
2- ويعبر بلفظ السحاب عن" قصر الزمان" ] أى 15:30 , هو 4:6 [ .
3-" وعن كثرة الجماهير" ] أشر 8:60 , أر 3:4 , عب 1:12 [ (4)
الجبال:-
لقب موسى عليه السلام فلسطين ببلاد الهضاب والآكام نظراَ لكثرة جمالها الذى توسع مساحتها ويشار إلى الانقلاب بمثل العبارة الآتية ] تتزعزع الجبال بطموها [ ] مز 3:46 [ ، وجاء فى ] مز 5:97 [ " ذابت الجبال مثل الشمع قدام الرب "
]
__________
(1) راجع الألوسى روح المعانى ، ج 18 ص:277 ، 278 .
(2) راجع الألوسى : روح المعانى ، ج18 /ص279 .
(3) راجع أبو حيان : البحر المحيط ج8 /403 , 404 .
(4) راجع جورج بوست : قاموس الكتاب المقدس ج1 /5500 مادة سحب.(1/51)
والمراد بذلك أن الله قادر على إزالة الموانع والصعوبات بسهولة وسرعة فائقى الحد (1) فالله قد ثبت الأرض بالجبال فهى تتحرك مع الأرض ولا يشعر بها الإنسان لثباتها ، وهى لحفظ توازن الأرض .
قال تعالى : ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب ) ] النمل 88 [ فكانت الكهوف والمغارات التى فى الجبال مأوى للإنسان فى عصوره الأولى وحتى فى العصر الحجرى حيث آوى إلى الجبال وكهوفها أو راح ينحتها ليسرى عن نفسه غوائل الطبيعة مثل البرد والحر والمطر والحيوانات المفترسة والسيول وفى هذه المعانى يقول القرآن الكريم ( وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا ) ] الحجر82 [ ( والله جعل لكم مما خلق ظلالاَ وجعل لكم من الجبال أكنانا ) ] النحل 81 [ وقال
(
__________
(1) راجع جورج بوست : قاموس الكتاب المقدس ج1 / 313 .مادة جبل(1/52)
سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء ) ] هود 43[ والجبال جزء لا يتجزأ من قشرة الأرض الصلبة لها جذورها العميقة فيها فإذا ما اهتزت القشرة أو رجفت الأرض اهتزت منها الجبال كذلك ( يوم ترجف الأرض والجبال ) ] المزمل 14[وفى الجبال صخورها النارية مختلف المعادن منها الحديد والنحاس والذهب ( ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ) ] فاطر 27[ يشير دوران الجبال رغم أننا نراها ساكنة ظاهرياَ وسبحها فى الفضاء إلى دوران الأرض وسبحها كذلك " وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب " ومن أهم وظائف الجبال أنها تعمل على تماسك طبقات القشرة الأرضية الصلبة المتراسة بعضها فوق بعض كما تمسك الأوتاد الخيمة وتشدها سواءَ بسواء " ألم نجعل الأرض مهاداَ والجبال أوتاداَ " ]النبأ 6،7 [ ومن أهم وظائف الجبال الطبيعية كذلك أنها تحفظ توازن القشرة الأرضية فقشرة الأرض اليابسة فى تغير مستمر تحت تأثير عوامل عديدة وهذا التغير يحمل أجزائها الصاعدة ] الجبال[ والهابطة ] البخار [ على عدم الاستقرار وعدم الاتزان من آن لآخر فتحدث هزات القشرة أو هى تتصدع أو تتفجر منها البراكين " وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم وأنهاراَ ] النحل:15 [ ( وجعلنا فى الأرض رواسى أن تميد بهم ) ] الأنبياء 33 [ "
وجعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها " ] فصلت 10 [ (1)
__________
(1) راجع د. محمد جمال الدين الفندى : الله والكون ص216,218(1/53)
قال تعالى " ألم نجعل الأرض مهاداَ والجبال أوتاداَ " ] النبأ7,6 [ " والجبال أرساها " ] النازعات 32 [ والجبال هذه الأطواد الهائلة التى ينبهر الناظر إليها لعظمة خلقها حقيقة ترسو على الطبقة والتى تحت القشرة الأرضية كما ترسو السفن بل إن سمك القشرة الأرضية تحت قارات 5كم تقريباَ أما سمك القشرة الأرضية تحت الجبال فهو حوالى 35كم , فالجبال حقيقة أوتاد للقارات لكى لاتنزلق الصخور القارية فتميد الأرض وتتزلزل.(1)
وقوله تعالى " وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب " ] النمل 88 [ هذه الآية تنبئ بحركة للجبال تشبه حركة السحاب الذى يتحرك ، لا بالذات ولكن بواسطة الرياح التى تحمله ، إذن فاللجبال حركة لا بالذات لأنها فى مرأى العين جامدة ولكن بواسطة الأرض التى تحملها أى أن الآية تثبت للأرض حركة انتقالية عن طريق إثبات حركة للجبال تشبه حركة السحاب والسياق الذى استند إليه منكروا هذا المعنى لا ينبغى أن يقتصر فيه على الآية قبلها فحسب . (2)
وأسرار – خلق الجبال – قد أمرالله الإنسان فى آية سورة الغاشية أن يتعرف عليها وينظر فيها نظرة تأمل واعتبار والآية هى ثالثة الآيات الكريمة ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف
نصبت ) الغاشية 17 ،19وورد ذكر الجبال مع السماء والأرض على سواء وإن ذكرها بعد ذكر السماء وقبل ذكر الأرض لما بين رفعة السماء وارتفاع الجبال من تناسب وما بين نصب الجبال وبسط الأرض من تقابل . ففى خلق الجبال حكم وفوائد يجب على الإنسان البحث عنها .
__________
(1) راجع د. سليمان الطراونة ، الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، ص: 28 .
(2) راجع د. محمد الغمراوى : الإسلام فى عصر العلم ، ص:260 .(1/54)
والجبال جزء من الأرض فأى سر فى ذلك وأية حكمة فى رفعها عن سطح الأرض أو إذا نظر الإنسان إليها من الناحية المقابلة وأى سر فى ذلك وأى حكمة فى خفض سطح الأرض عن سطح الجبال وفى خفض سطح الجبال بعضها عن بعض , إن علوم الفلك وطبقات الأرض والجغرافياالطبيعية وما إليها من فروع العلم هى الكفيلة بالإجابة على ذلك وتبيانه لمن أراد التعمق , وإلا ففيما يعرفه الناس كل بقدر علمه وعقله ما يكفى للهداية إلى رب السماء والأرض والجبال (1).
قال المفسرون جميعا فى تفسير آية النبأ أن الله سبحانه ثبت الأرض بالجبال كى لا تميد كما ثبتت بيوت الأعراب والخيام بالأوتاد ولكنهم فى قياسهم هذا لم يكونوا منطقيين دقيقين لأن الأوتاد حين تكون فى الأرض لا يقصد بها تثبيت الأرض ولكن تثبيت شئ فوق الأرض وهو الخيمة أو بيت الجلد الذى من الله به على الإنسان إذ يقول ( تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ) النحل .8"(2)
أما قوله تعالى " والجبال أوتادا " ] النبأ 7 [ أى ثبتنت الأرض بالجبال كما ثبت البيت بالأوتاد " .(3)
__________
(1) راجع د. محمد الغمراوى : الإسلام فى عصر العلم ص268 – 269 .
(2) راجع د. محمد الغمراوى: الإسلام فى عصر العلم , 275 .
(3) راجع أبو حيان ، البحر المحيط ، ج 8 /3، 4 .(1/55)
قوله تعالى ( وألقى فى الأرض رواسى ) إلى قوله ( وبالنجم هم يهتدون ) ]النحل 16,15 [ , يبين أن أى خلق الأرض فيها الجبال الراسيات لتقر الأرض (1)والكتاب المقدس يبين ثبات الأرض بالجبال مثلما بين القرآن , والأرض والجبال وظواهر الأرض التى أبدعتها يد القدير فىالأيام الستة " إلى الدهر والأبد ]مز 104 : 5 [ وشكلها بعد أن كانت خربة ] تكوين 1 :2 [ والجبال الشامخة التى تكونت مع تكون الأرض والمثبت الجبال بقوته ] مز 6:65 [ وظهور هذه الجبال قبل أن تظهر أية حياة على سطح الأرض , كل هذا يعبر عن سابق وجود خالقها " من قبل أن تولد الجبال ....أنت الله " ] 2:90 [ (2).
البرق والرعد :
هو اصطدام بين طبقتين مشحونتين مما يؤدى إلى : البرق وهو ارتفاع كمية الكهرباء على السحب المتراكمة إلى درجة تؤدى إلى حدوث تفريغ كهربى هائل قد تصل شرارته إلى ثلاثة أميال فى طولها محدثة برقاَ فيؤدى إلىتمدد الهواء فجأة فى المنطقة المفرغة , التمدد الفجائى للهواء يحدث صوتاَ يدعى الرعد(3).
والبرق والرعد يحدثان فى لحظة واحدة إلا أن ضوء البرق يصل إلى الأعين قبل وصول صوت الرعد إلى الآذان نظراَ لأن الضوء أسرع من الصوت مليون مرة(4).
وقد وردت الإشارة إليها فى القرآن الكريم يقول تعالى ( أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ) ] البقرة 20,19 [ ويقول تعالى ( هو الذى يريكم البرق خوفا وطمعا ) ] الرعد 13,12 [ ويقول تعالى ( يكاد سنابرقه يذهب بالأبصار ) ] النور 43 [ ويقول الله تعالى " ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا " ] الروم : 24 [ ويؤكد الكتاب المقدس حدوث الرعد والبرق فى جو الأرض
__________
(1) راجع ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، ج2/565 .
(2) راجع د.سمير هندى: الكون والبيئة الطبيعية ص131 .
(3) راجع د. منصور حسب النبى : الكون والإعجاز العلمى ص209.
(4) راجع د. منصور حسب النبى : الكون والإعجاز العلمى ص210.(1/56)
" أترسل البروق " ] أى 35:38 [ , " أرعد الرب من السماوات والعلى أعطى صوته بردا وجمر نار , أرسل سهامه فشتتهم وبروقا كثيرة فأزعجهم ]مز 14.13:18 [ , " صوت رعدك فى الزوبعة البروق أضاءت المسكونة " ] مز 18:77 [ والبروق علامة لنزول المطر " الصانع بروقا للمطر " ] مز 7:135 [ " كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب ] مت 27:24 [ فحدثت أصوات ورعود وبروق ] رؤ 18:16 [.
ووردت كلمة البرق فى الكتاب المقدس للتعبير عن هول الغضب الإلهى على بنى البشر ] 2 صم 15:22 [ أما الكتاب المقدس ] مز 7:104 [ يشبه صوت الرب بصوت الرعد القاصف (1)
المطر:.
يقول تعالى ( وأنزلنا من المعصرات ماءاً ثجاجا ) ] النبأ :14[ , وقال تعالى (وأسقيناكم ماءا فراتا ) ] المرسلات : 27 [ , والماء أصله تبخر مياه البحار والمحيطات المالحة , والريح عند اصطدامها بالجبال دون أعاليها فتغير الريح مجراها حيث ترغمها الجبال على الصعود إلى المناطق العلوية حيث يتكاثف بخارها سحابا , ويتكاثف سحابها مطرا على أعالى تلك الجبال . (2)
وقوله تعالى ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءا فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير ) ] الحج 63[ (3) فالمطر ينزله الله من السماء فتحيا الأرض الميتة وتروى الزروع وتنبت وتخرج أكلها وثمرها .
ويذكر الكتاب المقدس أن المطر هو ما يقع فى أول الشتاء وآخره ولا يقع مطر فى غير فصل الشتاء إلا نادرا ( أم 1:26 )(4) .
__________
(1) راجع جورج بوست : قاموس الكتاب المقدس ج1 / 1, 2, 484 . مادة رعد
(2) راجع د. منصور حسب النبى : الكون واإعجاز العلمى ص207 .
(3) راجع د. منصور حسب النبى : الكون والإعجاز العلمى ص208 .
(4) راجع جورج بوست : قاموس الكتاب المقدس المطبعة الأمريكانية ، بيروت 1901 م ج2 / 358(1/57)
ويخبر أن الأمطار هى المياه المتساقطة نتيجة تجمع السحب فى السماء وعند تقابلها بسطح بارد تتساقط فى ذرات مياه " وكان مطر عظيم " ( امل 45:18 ) ومنه المبكر والمتأخر(1) " كسحاب المطر المتأخر " ( أم 15:16 ) " اطلبوا من الرب المطر فى أوان المطر المتأخر فيصنع الرب بروقا ويعطيهم مطر الوبل " ( زك 1:10 ) وهناك علاقة بين الريح والمطر " ليجعل للريح وزنا ويعاير المياه بمقياس " ( أإى 25:28 ) وكذلك توجد علاقة قوية بين السحاب والمطر فالسحاب حامل للمطر " ويصعد السحاب من أقاصى الأرض صنع بروقا للمطر " ( إر 13:10 ) فالريح تحرك السحب فينزل المطر إلى الأرض . وهنا يتفق القرآن مع الكتاب المقدس فى ذكر المطر وكيفية نزوله وسوق الريح لتحريك السحب لإنزال الماء لإنبات الأرض وسقى الناس .
الشهب والنيازك :
هي جسيمات تتجول في الفضاء وتأتي كل يوم بالملايين إلى جو الأرض وتتكون من الصخر أو الحديد المخلوط بالنيكل ومعظمها ليس أكبر من رأس الدبوس ولكن بعضها تصل كتلته 60 طنا . ويمكن رؤيتها بالعين وتدخل كل ساعة عشرة شهب للغلاف الجوي للأرض بسرعة 20 , 30 كم / ثانية (2)
وقد جعل الله الغلاف الجوي حماية للبشر من خطر هذه الشهب يقول تعالى :] وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون [ الأنبياء32 فحفظ الله السماء من أن تقع أو يقع ما فيها على الإنسان .
ويأتي ذكر الشهب في كتاب الله في قوله تعالى ] وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا [ الجن8 , تشير هذه الآية إلى ما قالته طائفة من الجن من أنهم لما حاولوا صعود السماء وجدوها قد ملئت حرسا قويا وشهبا محرقة في سماء الأرض تمنعهم من الصعود للسماءأو أى محاولة للاقتراب ، فالشهب تمثل حائط الدفاع الأول للسماء .
__________
(1) راجع سامح مترى إعجاز الوحى العلمى ص93
(2) راجع د. منصور حسب النبي : الكون والإعجاز العلمي ص 151 .(1/58)
وتبدأ الشهب في الظهور وهي على ارتفاع 60 ميلا في الهواء وتختفي عند نحو 40 ميلا , وتهبط الشهب إلى الأرض أسرابا وفرادى . (1)
وتتحرك الشهب في سرعات فلكية بطبيعة الحال متوسطها نحو 40كم/ث وهي تسبح في أسراب حول الشمس شأنها في ذلك شأن المذنبات والكواكب , ولفظ الكواكب يشمل كل الأجرام حتى الشمس يقال لها كوكب (2)
والشهاب الكبير عندما ينفذ من جو الأرض ويسقط على سطح الأرض يسمى نيزكا وهذه الظاهرة نادرة نسبيا . وقد يطلق القرآن الكريم على النيازك العظمى اسم الكسف فيقول تعالى ] إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء [ سبأ9 ، ولا يعرف مصدر النيازك ولكنها تفيد وجود حجارة في السماء وربما كان مصدرها حزام النجيمات , وفي الفراغ بين مساري المريخ والمشترى يعتقد أنه كان كوكب يسبح فيه ثم تفتت إلى حزام يسمى حزام النجيمات لتطلق منه الشهب والنيازك (3)
فالشهب هي أجرام سماوية تتحرك حسبما قدر لها الخالق ولفائدتها ذكرها القرآن الكريم , والكواكب يمكن أن تكون هي الشهب لأن القرآن ذكر فوائد الكواكب للشهب والكوكب قديما ليس هو المعروف علميا الآن .
__________
(1) راجع د. أحمد زكي : مع الله في السماء , ص 169 ,170 .
(2) راجع د. محمد جمال الدين الفندي : الله والكون ص 301 , 302 .
(3) راجع د. محمد جمال الدين الفندي : مع القرآن في الكون ص182 , 183 .(1/59)
وورد ذكر الشهب في القرآن في قوله تعالى ] إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب [ الصافات10 وقوله ] وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا[ الجن9 . فالقرآن يوضح فائدة من فوائدها وهي رجم الشياطين فيقول تعالى ] ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين . وحفظناها من كل شيطان رجيم. إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين[ الحجر 16 – 18 ولعل هذه الشهب هي المراد بالمصابيح في قوله تعالى ] ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين[ الملك5 ويدل على أن المصابيح هي الشهب أنه ذكر أن وظيفة المصابيح هي رجم الشياطين وهي نفس الوظيفة التي ذكرت للشهب في جميع مواضعها في القرآن.
و لم يتعرض الكتاب المقدس لذكر الشهب إلا في مواضع قليلة يقول ] وأجسام سماوية[ ] اكو 15 :40 [ فيثبت وجود أجسام سماوية والشهب أجسام سماوية وتتبع الشيطان وتجعله يسقط من السماء ] فقال لهم رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء [ ] لوقا 10 :18 [ فالشيطان سقط مثل الشهب التي تسقط من السماء والتي لها بريق ثم يذكر الشهب صراحة ] من أظهر في الشهب فطنة [ ] أي 38 : 36 [ فهذه النصوص تؤكد ذكر الشهب في الكتاب المقدس دون ذكر وظيفتها صراحة.
المذنبات :
هي أجرام سماوية تجر وراءها ذيولا وتظهر في السماء بعض الأحيان , وسماها القدماء النجوم ذات الشعور , ويتكون المذنب من نواة أو رأس صلبة تتجمع فيها مواد من غازات الميثان والأمونيوم وثاني أكسيد الكربون وجسيمات حجرية دقيقة . وعندما تقترب النواة من الشمس أثناء دورانها حولها فإن جزءا من كتلتها يتبخر صانعا ذيلا من الدخان . ويصبح المذنب كالثعبان في السماء متكونا من رأس وذنب في حالة متبخرة . وقد ينقسم الذيل إلى ذيل غازي وذيل من الغبار المحتوي(1/60)
على عناصر من الحديد والنحاس والنيكل والصوديوم والمغنسيوم . ونواة الرأس أشد ما في الرأس اتساعا , ويدور المذنب في مداره حول الشمس فينحرف قليلا عن الشمس كأن أشعة الشمس تطارده (1) وبتحليل ما يصل إلى الأرض من ضوء من المذنبات دل على أن بها الصوديوم والمغنسيوم والحديد والفحم والأوكسجين والأيدروجين والنتروجين مركبات فهي تتركب من عناصر في الأرض ومركبات في الأرض , واتضح أيضا أن بعض ضوء المذنبات يخرج منها وبعض ضوئها ينعكس من الشمس (2)
أما منشأ المذنبات فهو لغز , ويعتقد العلماء أنها من بقايا الكوكب المتحطم , ويعتقد آخرون أنها تأتي من سحابة ضخمة نصف قطرها حوالي 6 مليون مليون ميل حيث تنفصل منه المذنبات بالقرب من المجموعة الشمسية فيتم أسرها بواسطة الشمس فتدور حولها في مسارات بيضاوية كبيرة وفترة دوران هائلة , ويقدر عمر المذنب بحوالي مائة دورة حول الشمس لأنه يفقد بالتدريج جزءا من مادته عقب كل اقتراب من الشمس . ويقدر العلماء مقدار ما تطرحه المذنبات من الغبار في المجموعة الشمسية بحوالي ألف مليون طن كل عام . ويختفي المذنب بعد اقترابه من الشمس حتى لا ينتهي , وربما يشار إلى غبار المذنبات وأن هناك نجوما وأجراما تكنس السماء وتزيل الغبار المذنبي في قوله تعالى ] فلا أقسم بالخنس . الجوار الكنس [ التكوير 15-16 (3) أما الكتاب المقدس فلا يشير الى المذنبات إلا تضمنا في أنه ربما يكون من الأجسام الأرضية ] وأجسام سماوية وأجسام أرضية [ ] اكو 15: 40 [ فالقرآن والكتاب المقدس لم يشيرا إلى المذنبات صراحة ولم يستفيضا في ذكرها بل أشارا إلى آثارها أو اصل تركيبها .
__________
(1) راجع د. منصور حسب النبي : الكون والإعجاز العلمي ص 153 , 154 , انظر أيضا د. أحمد زكي : مع الله في السماء ص 165 .
(2) راجع د. أحمد زكي : مع الله في السماء ص 167 .
(3) راجع د. منصور حسب النبي : الكون والإعجاز العلمي ص 155(1/61)
والشمس هي المؤثرة في الشهب والنيازك والمذنبات فابن سينا يؤكد أن البخار الذي صعد إلى أعلى وتحول نارا هو الذي يسبب ذلك فيقول : " إن لم يتحلل - المتصعد الذي استحال نارا – بسرعة وبقي كان من ذلك الكواكب ذوات الذوانب والأذناب والشهب "(1)
أما ابن رشد فيقول " وأما ذوات الأذناب فإنها تحدث إذا كان البخار الممتد له ثبات على حالة واحدة عندما يشتعل إما لكثافة وإما لأن هناك مادة تصعد إليه فتمده على قدر ما يتحلل منه وإما من كليهما جميعا ولا سيما فيما ثبت منها أياما عديدة , وذوات الأذناب أيضا تختلف باختلاف أشكالها وذلك من قبل المادة , وذلك أن منها ما ذنبه مستدير , وربما كان امتداده في استقامة وربما كان طوله وعرضه متساويين وربما كان طوله أكثر من عرضه وربما كان ذا خمسة أضلاع (2)
وهكذا فإن الشمس هي المؤثرة في تكوين البخار الذي يتكون منه بعد تحوله نارا الشهب والمذنبات والكواكب.
أما الكواكب المنقضة فهي على جهتين إحداهما إذا كان البخار الذي يشتعل ممتداً غير مستوى الأجزاء فيتحرك الالتهاب من جزء إلى جزء فيخيل إلى الناظر أن كوكباً منقضا بذاته وقد يكون التهاب هذه الكواكب بطفور النار من بعضها إلى بعض وقد تكون من حركة الفلك أما الجهة الأخرى فهي إذا كان الجزء الدخاني الملتهب محصورا في الهواء البارد الرطب ويكون ذلك إذا كان في غير موضعه فعندما يصير البخار نارا تندفع بشدة وبسرعة كالسهم المرمي به للمخالفة التي بينها وبين الهواء البارد وتتجه النار إلى أسفل الهواء أو فوقه أو يمنة أو يسرة . (3) .
__________
(1) راجع ابن سينا : رسالة في الأجرام العلوية ، ضمن تسع رسائل فى الحكمة والطبيعيات ، مطبعة هندية ، الطبعة الأولى 1908 م ص 23 .
(2) راجع ابن رشد : الآثار العلوية ص12 ، طبعة حيدر آباد 1947م .
(3) راجع ابن رشد : الآثار العلوية ص 10 ـ 11.(1/62)
قوس قزح : وهي ظاهرة تحدث عندما تشع الشمس في وقت ممطر ومن خلال قطرات المطر في السحاب والماء يكون المنشور الزجاجي ينكسر عليه الشعاع الساقط والألوان المكونة لضوء الشمس تختلف في معامل الانكسار فتعطي ألوان الطيف داخل القطرة فتنعكس داخلها الألوان وتنكسر وهي خارجة منها فتظهر الألوان في السماء على شكل قوس (1) .
... ويرى ابن رشد أن هذا القوس يكون مستديراً فتكون نصف دائرة أو أقل ويرى في هذه القوس ثلاثة ألوان الأحمر إلى الشقرة والأخضر كراثي والأحمر مسكي (2) .
... وأشار الكتب المقدس إليه " وضعت قوسي في السحاب . . فيكون متى أنشر سحاباً على الأرض وتظهر القوس في السحاب "(تك9: 13ـ14) ويقول" كمنظر القوس التي في السحاب" ( حز28:1) ويقول أيضا" وقوس قزح حول العرش" (رؤ3:4) والقرآن لم يشر إليها ولكن انفرد بالإشارة إليها الكتاب المقدس .
العواصف والصواعق :تحدث القرآن الكريم عن الصاعقة كنوع من العذاب للمشركين ، قال تعالى " فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون " (الذاريات44) وقال تعالى "ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء " (الرعد13) .
... والكتاب المقدس يشير إليها "جعل للمطر فريضة ومذهباً للصواعق " (أي 26:28) وبيان الصاعقة أنه قد يحدث التفريغ الكهربائي بين السحاب والأرض بدلا من بين السحاب والسحاب وهذا يكون إذا كان السحاب عظيم الكهربائية قريبا من الأرض فإذا حدث التفريغ ظهر له كالعادة ضوء وصوت يُسمى مجموعهما بالصاعقة إذا أصاب حيوانا أو نباتا أحرقه (3).
... فالصاعقة لم تذكر في القرآن إلا في سياق العذاب للكافرين وهي بما فيها من كهربية تعد لونا شديدا من ألوان العذاب .
__________
(1) راجع سامح مترى : إعجاز الوحي العلمي ص 62.
(2) راجع ابن رشد الآثار العلوية ص 65
(3) راجع د . محمد الغمراوي : الإسلام في عصر العلم ص335.(1/63)
... أما العاصفة فهي لم تذكر في القرآن إلا مقارنة بالريح . قال تعالى " جاءتها ريح عاصف (يونس 22) وقوله تعالى " كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف " (إبراهيم 18)، فهي تدل على شدة الريح وهي لون في بعض الأحيان من ألوان العذاب ، والكتاب المقدس يؤكد ذلك " ذاك الذي يسحقني بالعاصفة" (أي 17:9) وغالباً ما تكون العاصفة مقارنة لموج البحر وارتفاعه وهياجه فيجعله عقابا للإنسان ويهلكه بالعاصفة .
تعقيب :
تظهر من خلال الدراسة فى هذا الفصل أن السماء والأرض كانتا جزءا واحدا ثم انفصلت الأرض عن السماء ثم بدأت تبرد وخلق الله الخلق عليها وظهرت الحياة وذلك لقوله تعالى ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) ] الأنبياء 33 [.
والكون يتمدد ويتسع منذ انفصال الأرض عن السماء لقوله تعالى " والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون " الذاريات 47 فالكون يتسع وعلماء العصر الحديث مازالوا يكتشفون الجديد من النجوم والمجرات ويؤكدون على اتساع الكون وابتعاد نجومه بعضها عن بعض بمسافات هائلة .
وقد بين القرآن أعداد السماوات وبين أنها سبع سماوات وهو الرأى الذى تشهد له اللغة والقرآن والسنة ومن ذهب إلى أن المراد بهذا العدد هو تعداد غير محدود فهذا رأى جانبه الصواب ولا دليل عليه من قرآن أو حديث .بينما يذكرالكتاب المقدس أن أعداد السماوات ثلاث سماوات.
وبالنسبة لخلق السماو ات والأرض فى القرآن فيوضح أن خلقها كان فى ستة أيام وهى ليست أيام من أيام الدنيا بل هى فترات طويلة وذلك لأن بداية اليوم ونهايته تتحدد بالشمس والقمر وهما لم يخلقا بعد بينما الكتاب المقدس بين أنهما خلقا فى ستة أيام ويظهر منها أنها أيام حقيقية ومعظم المفسرين يؤيدون ذلك.(1/64)
وعن بداية الخلق يذكر سفر التكوين أن خلق السماوات والأرض تم فى اليوم الأول بينما يذكر أن السماوات خلقت فى اليوم الثانى والأرض فى اليوم الثالث وهذا الرأي فيه تناقض , لأن النجم الذى تدور حوله الأرض وهو الشمس لم يظهر إلا فى اليوم الرابع بعد ذهاب الأبخرة عنه وهو مخلوق فى اليوم الأول .
وعندما تم خلق الأرض اختلف العلماء فى خلق الأرض والسماء أيهما خلق أولاَ.؟ والقول الصواب أن الأرض خلقت ثم خلقت السماء ثم دحيت الأرض وذلك جمعا بين الآيات القرآنية التى وردت فى هذه المسألة .
والأرض تتحرك وتدور حول نفسها وحول الشمس وذلك خلافا لما ظنه المتكلمون والفلاسفة من سكون الأرض وعدم حركتها وهذا ما ثبت عدم صحته علميا فى العصر الحديث نظرا للاكتشافات الحديثة والأجهزة العلمية , ورأى الفلاسفة فى الأرض هو موافقة لرأى أرسطو .
ويثبت القرآن الكريم والكتاب المقدس حركة الأرض ودورانها وتعاقب الليل والنهار مما يدل على كرويتها , فإن تعاقب الليل والنهار ومجئ النهار عقب الليل والليل عقب النهار ما يدل على أن الأرض كرة .
وما يبدو فى السماء من نجوم فمن فوائد ذكرها فى القرآن الكريم والكتاب المقدس أنها زينة للسماء وعلامات يهتدى بها الناس فى سيرهم فى البر والبحر , ورجم للشياطين , وهى أعداد عظيمة فى السماء لا يحصيها عدد , يعرف العلماء القليل منهاويجهلون أكثرها ومازال دور العلماء مستمرا فى البحث والتنقيب عن نجوم جديدة ومجرات أخرى من مجرات هذا الكون .
وللنجوم مواقع ذكرها الله فى كتابه فقال " فلا أقسم بمواقع النجوم " الواقعة 75 وقد اختلف العلماء فى المراد بالمواقع فقال بعضهم هى مواقع القرآن أى ينزل منجما أى متفرقا وقال آخرون هى مواقع النجوم أى مساقطها ومطالعها . وهذا ليس بالأمر القاطع .(1/65)
والظواهر الجوية التى تحدث فى جو الأرض من الريح التى تحرك السحاب الذى يحمل المطر الذى ينزل على الأرض فينبت الزرع ويسقى الناس والحيوان ويفيض البحار والأنهاركل ذلك عناية بالإنسان , وقد ذكر كل ذلك القرآن والكتاب المقدس لا يختلفان عن بعضهما إلا فى كيفية حدوث هذه الظواهر أو وصفها . فالقرآن يتحدث عن الريح ويعدد أوصافها وأنها محركة للسحب الحاملة للمطر ويذكر نوعا من أنواع السحب وذلك للإشارة فقط إلى وجود هذه الظواهر لا يفصل فى كل ما يحدث لأن الغرض بيان أن الله هو الخالق المدبر لهذه الأشياء بقدرته وإرادته .
وقد وردت قصة الخلق فى الكتاب المقدس فى سفر التكوين وبعض مواضع أخرى ، أما فى القرآن الكريم فلم ترد فى سورة محددة بل فى سور متفرقة .(1/66)
الفصل الثالث
الإنسان بين الكتب المقدسة
والنظريات العلمية
ويشتمل على تمهيد ومبحثين
المبحث الأول : خلق الإنسان ودوره في الكون
المبحث الثانى : النفس و طبيعتها
تمهيد :
إن الإنسان يمثل في هذا الكون أعظم قيمة فقد اصطفاه الله وجعله خليفة له في الأرض قال تعالى : ] وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة [ [البقرة30 ], ولذلك علمه الله الأشياء كلها ولم تعرفها الملائكة ثم اصطفى من بني الإنسان الأنبياء والرسل.
وقد ميز الله الإنسان وفضله على سائر خلقه بالعقل والاختيار فلم يجعل لغير الإنسان من خلقه اختيارا ولذا حمل الإنسان الأمانة , فتكريم الله للإنسان بالعقل يقتضي أن يستثمره فيما ينفعه وينفع غيره حتى يعمر الأرض , قال تعالى: ( ولقد كرمنا بني آدم ( [الإسراء70] .
وكثيراً ما ذيلت الآيات بقوله ] تتفكرون , تعقلون [ قال تعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض .........لآيات لقوم يعقلون ) [البقرة164] وقوله تعالى: ( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) [الرعد 3 ] فوصف الإنسان بالتعقل والتفكر وهو جدير بهذه الأوصاف . و استخدم الإنسان عقله في النظر إلى السماوات وإلى كون الله الرحب ليستلهم منه الحكمة والفكرة فتوصل إلى وجود الخالق لهذا الكون وهو الله عز وجل ونظر إلى مخلوقات الله الأخرى وتدبر فيها وفي حركتها وتركيبها وحياتها ثم تدبر فى نفسه ليكشف أسرارها وتلك المعرفة هي قمة الهرم المعرفي , فمعرفة النفس وأسرارها لا ينالها إلا من أوتي الحكمة قال تعالى:( يؤتى الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا)[البقرة 269] و قال تعالى : ( و فى أنفسكم أفلا تبصرون ) [ الذاريات 21].(1/1)
وتدرج الإنسان في نظره إلى نفسه فأمعن فيها وذهب يبحث عن خلق الإنسان وأسرار خلقه وطبيعة تكوينه وكيفية خلقه وهل تطور عن شيء أم خلق خلقا مستقلا , وما هي مراحل هذا الخلق , وهل الإنسان مكون من روح فقط أو جسد فقط أو روح وجسد معا ؟ كل هذه التساؤلات دارت بفكر الإنسان ففكر الإنسان في هذه المسائل تفكيرا جادا فظهرت الآراء الفلسفية و الاجتماعية والعلمية وكل رأي يحاول التدليل على رأيه بأدلة تستند على أسس صحيحة ومقبولة .
ثم انتقل الإنسان يفكر بعد ذلك في حياته وما يفعله وما يحدث له من مشكلات و قضايا ، هل يمكن معالجتها بالقوة أم بالعقل؟ و استثمار العلم في حلها و كونه خليفة الله في الأرض يتطلب منه أن يكون عضوا نافعا في هذا الكون ، لذلك كان لابد من تخصيص فصل عن هذا الإنسان و هو الفصل الثالث ( الإنسان بين الكتب المقدسة و النظريات العلمية ) و يشتمل هذا الفصل على مبحثين ، المبحث الأول : خلق الإنسان و دوره في الكون و يتناول مسألة خلق الإنسان وأطوار خلقه و دوره في هذا الكون .
المبحث الثانى : النفس و طبيعتها و يشمل الحديث عن النفس و وجودها وقواها و صلتها بالجسم كل ذلك في ضوء الكتب المقدسة و العلم .
المبحث الأول
خلق الإنسان و دوره في الكون
قبل الحديث عن خلق الإنسان في القرآن والكتاب المقدس يجدر ذكر نظرية التطور وذلك لارتباطها الشديد بخلق الإنسان وذيوعها وانتشارها في العالم كافة.
نظرية التطور:(1/2)
... ... يعرف التطور بصورة عامة على أنه الارتقاء التدريجي لصورة أعلى للحياة من صور أدنى. وتفرض هذه النظرية وجود شكل ابتدائي مكون من خلية واحدة من المرجح أن تكون قد نشأت بالصدفة نتيجة اتحاد بين مواد غير حية ظهرت مصادفة , ومن هذه الخلية نشأت النباتات واللافقاريات عديدة الخلية ثم ا لأسماك والحشرات وبعد ذلك الحيوانات البرمائية ثم الزواحف ثم الطيور والثدييات وأخيراً الإنسان , ولا يمكن حدوث حياة من مواد غير حية , وقد حاول العلماء إجراء آلاف التجارب دون جدوى.(1)
فالإنسان عند القائلين بالتطور كان في الأصل خلية بسيطة نمت حتي أصبحت حيوانا يرتقي من درجة إلي أعلي حسب عوامل الطبيعة حتى أصبح إنسانا سويا مكتمل الأعضاء .
تاريخ التطور :
... لم تكن هذه النظرية وليدة العصر الحديث , بل لها جذور ترجع إلى اليونان . فيرى أرسطو أن العالم متدرج في الرقي بعضه أرقى من بعض في الوجود وفي القيمة , فهو في هذا ينظر إلى العالم نظرة نشوء وارتقاء , و هذا لا يعنى تحول النوع من شيء إلى آخر أرقى منه بمرور الزمن ،و إنما يعنى أن تلك الأجناس والأنواع أزلية أبدية(2).وأفراد الإنسان يولدون و يموتون و لكن النوع الإنسانى أزلى أبدى فليس هناك تحول من نوع إلى نوع ، إنما الترقى عند أرسطو ترق منطقى أو ترق في الفكرة فأرسطويرى أنه حقيقة واقعة ، بل تصور أنه تطور في الذهن فقط(3).
__________
(1) راجع هنري م. موريس : الكتاب المقدس ونظريات العلم الحديث ، ص 60 – 61.
(2) 1 ) راجع أحمد أمين ، د زكي نجيب محمود : قصة الفلسفة اليونانية – الطبعة التاسعة 1981، مكتبة النهضة المصرية ص 193.
(3) 2 ) راجع أحمد أمين و د/ زكى نجيب محمود : قصة الفلسفة اليونانية ، ص 193.(1/3)
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن بعض علماء العرب أشار إلى نظرية التطور والى درجات الحيوان وتأثير البيئة عليه وعلى الإنسان و مما يشير إلى ذلك قصة حي بن يقظان الرمزية التي وضعها الفيلسوف ابن طفيل وأشار فيها إلى نظرية التطور (1).
... ... إن أقوالهم لا ترمى إلى التطور المعروف و لكنه التدرج في الخلق و أن هناك تشابها بين بعض الأنواع و لا يعنى ذلك تطور الإنسان عن غيره.
بدأ البحث العلمي في هذه النظرية منذ (لامارك) العالم الفرنسي ت 1829م وقد ذهب إلى أن جميع أنواع الكائنات كلها قد نشأت من أصل واحد وأن التغير فيها يرجع الى طبيعة حياتها وتغيرات البيئة المحيطة بها التي تؤدي الى تغيير في أعضاء أجسامها نتيجة الاستعمال أو عدمه (2).
وجاء داروين ت 1882 العالم الإنجليزي ووضع كتابه الشهير] أصل الأنواع سنة 1859[ ويرى انكسمندر أن الإنسان في أول مراحل حياته كان سمكة تعيش في الماء , فلما انحسر الماء اضطرت الأسماك إلى الملائمة بينها وبين البيئة حتى تستطيع الحياة ولا تفنى , فانقلبت زعانفها على مر الزمان أعضاء تتحرك كالأرجل والأيدي , ويظهر هنا التشابه بينها وبين نظرية داروين(3).
أقسام التطور:
... ينقسم التطور إلى نوعين : تطور عام للكون كله , وتطور للأنواع من النبات والحيوان والإنسان , والتطور العام هو انتقال من البسيط إلى المركب(4).
__________
(1) 3 ) راجع د محمد يوسف حسن : قصة السماوات ص 102.
(2) 4 ) راجع د محمد يوسف حسن : قصة السماوات ص 102.
(3) راجع أحمد أمين : قصة الفلسفة اليونانية ، ص19.
(4) راجع العقاد : الإنسان في القرآن ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1996م ، ص 82 , 83.(1/4)
... ... ولكن مذهب النشوء لم يعرف بتفصيله قبل العالم الفرنسي لا مارك ثم العالمين الإنجليزيين شارل دارون وزميله الفريد رسل والاس ت 1913 م . وكل منهم يقول بتحول الأنواع , ويرد كثرتها إلى نوع واحد أو أنواع قليلة , ولكنهم لا يتفقون على أسباب التحول ولا على الصفات والوظائف التي تنتقل بالوراثة متى تغيرت في تكوين الأفراد (1).
... و هنا يبدو أن التطور بصورته التنظيمية و العلمية قد ظهر في القرن التاسع عشر و أكد على التحول و التغير في الأنواع و في أسباب هذا التحول ، و عند رواد النظرية اختلاف في التحول و التغير.
ويلجأ النشوئيون ـ على رأي داروين و والاس ـ إلى تعليل آخر لحدوث التحول في الأنواع فيعللونه بالانتخاب الطبيعي والانتخاب الجنسي , مع القول بتنازع البقاء لزيادة المواليد الحية على الموارد الكافية لتغذيتها ووقايتها .
ويرى دارون أن الأنواع تبقى لأن أسباب الانقراض عجزت عن إبادتها بدلا من القول بمؤثرات معينة تخلق الصفات وتؤدي إلى انتقالها بالوراثة وتكاد آراؤه في تنازع البقاء وفي الانتخاب الطبيعي والانتخاب الجنسي , أن تنتهي إلى نتيجة واحدة , وهي أن الأحياء بقيت لأنها لم تنقرض , وأن أسباب الفناء عجزت عن إبادتها كما أبادت غيرها(2).
... فهذا لا يكون موجودا إلا عند تساوى العوامل المؤثرة في البقاء أو الفناء في الكائنات لأنه يمكن أن تنقرض بعض الأنواع رغم قوتها و تبقى بعض الأنواع و هى ضعيفة لأن عوامل الفناء لم تتعرض لها.
إن بعض علماء النشوء المحدثين ينكرون كل نسبة للإنسان غير نسبته إلى أنواع الحيوان , ويجعلون لهذه النسبة شجرة تجمع بينه وبين القردة العليا وتنزل في جذورها إلى القردة المذنبة التي تعيش في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية (3).
__________
(1) راجع العقاد : الإنسان في القرآن ، ص88.
(2) راجع العقاد : الإنسان في القرآن ، ص 89 – 91.
(3) 2 ) راجع العقاد : الإنسان في القرآن ، ص 94.(1/5)
ويذهب البعض إلى القول بأن أنواع الإنسان سابق لأنواع القردة بمئات الألوف من السنين , وأن القردة العليا أناس ممسوخة فقدت أوائل الصفات البشرية , وانحدرت في الصفات العقلية والجسدية إلى ما دون تلك المرتبة بكثير أو قليل وزعم أن الإنسان ينتمي إلى أصول متعددة , ولا ينجم كله من أصل واحد(1).
ثم جاء بعده لا مارك الذي رأى أن البيئة تؤثر في شكل الحيوانات وتركيب أعضائها وأن الاستعمال المتكرر أو المستمر لأي عضو يزيد في حجمه في حين يؤدي عدم الاستعمال إلى ضعفه وصغر حجمه حتى يختفي وكذلك الأمر بالنسبة لصفات العضو، و لا مارك يجعل للبيئة أثرا في شكل الحيوان و نموه و كذلك الاستعمال و عدم الاستعمال ليس سببا في ضمور الأعضاء و زوالها.
وقد تعرضت هذه النظرية للنقد حيث أثبت العلم الحديث بأن الصفات لا تتوارث كما أن لا مارك لم يأخذ بما أخذ به داروين من اعتماد التطور على فكرة الطفرة التي تحدث بمحض الصدفة .
وبرغم هذا النقد إلا أن هناك بحوثا علمية كثيرة جاءت مؤيدة ومناصرة لمذهب لا مارك (2).
ثم جاء والاس وداروين فتوصل والاس مستقلا إلى مباديء نظرية وفكرة الانتخاب الطبيعي عام 1859م ثم أرسل مقالته هذه إلى داروين عن هذا الأمر والموضوع حيث كان داروين يستعد لنشر نظريته , ولذلك فإن بعض المؤلفين يسمي نظرية الانتخاب الطبيعي نظرية ] داروين والاس [(3).
__________
(1) 3 ) راجع العقاد : الإنسان في القرآن ، ص 95 .
(2) راجع د. يحيى هاشم فرغل : الإسلام والاتجاهات العلمية المعاصرة ، دار المعارف 1984م،ص24-25 .
(3) راجع د. يحيى هاشم فرغل : الإسلام والاتجاهات العلمية ، ص26 – 27.(1/6)
وقد كان داروين في مناداته بفكرة التطور جريئا ومجدداً لأن ما أثير حول هذه النظرية من قبل لم يكن إلا من قبيل المحاولات الممهدة وظلت إلى حين وقته نظرية الثبات راسخة غالبة على كل ما عداها من النظريات (1) .
انتهى داروين إلى أن الأنواع الحالية على اختلافها يمكن أن تفسر بأصل واحد أو ببضعة أصول نمت وتكاثرت وتنوعت في زمن مديد بمقتضى قانون الانتخاب الطبيعي أو بقاء الأصلح وهو القانون اللازم من تنازع البقاء , وقوانين ثلاثة ثانوية هي :
أولا : قانون الملاءمة بين الحي والبيئة الخارجية .
ثانيا : قانون استعمال الأعضاء أو عدم استعمالها تحت تأثير البيئة أيضا بحيث تنمو الأعضاء أو تظهر أعضاء جديدة تبعاً للحاجة.
ثالثاً: قانون الوراثة وهو يقضي بأن الاختلافات المكتسبة تنتقل إلى الذرية على ما يشاهد في الانتخاب الصناعي(2).
عناصر نظرية التطور :
لهذه النظرية عناصر تقوم عليها وهي قوامها :
1- التوالد الذاتي : إن الكائنات العضوية قاطبة تزيد زيادة طبيعية بنسبة رياضية كبيرة . والإنسان من حيث هو من الكائنات بطيئة التوالد يتضاعف عدده في عشرين سنة وهذه النسبة القياسية وفي أقل من ألف سنة يضيق العالم بنسله .
إن النبات الذى يثمر في العام حبتين – على أنه لا يوجد نبات قليل الإنتاج إلى هذا الحد – وأن الحبتين تنتجان في العام الذي يليه أربع حبات , تصبح مجموعة نباتاته الناشئة من النبتة الأولى مليون شجرة في عشرين سنة .
والفيل هو أبطأ الحيوانات تناسلاً لا يقل عدد الحي من توالدات زوج منه عن تسعة عشر مليونا خلال أربعين وسبعمائة أو خمسين وسبعمائة عام (3).
__________
(1) راجع د. يحيى هاشم فرغل: الإسلام والاتجاهات العلمية ، ص27.
(2) 4 ) راجع يوسف كرم : تاريخ الفلسفة الحديثة ، دار المعارف 1949م ، ص 334 .
(3) راجع داروين : أصل الأنواع , ترجمة إسماعيل مظهر . المطبعة المصرية 1918 ، ج1 / 140 – 141.(1/7)
2- التناحر للبقاء : إن التناحر للبقاء نتيجة راهن لما في طبيعة العضويات من قابلية للازدياد والتكاثر العددي بنسبة كبيرة , وكل كائن في الوجود إن أنتج في حياته عدداً وافراً من البيض أو الحب فلا بد أن ينتابه الفناء في بعض أدوار حياته , أو في غضون بعض الفصول أو السنين اتفاقا وإلا فإن عدد أفراده يتكاثر بسرعة لا يتصورها الوهم حتى لقد تقصر أي بقعة من البقاع دون أن تعضد إنتاجه خضوعا لقاعدة الازدياد الرياضية وسنن الحياة تقضي بأن يربو عدد الأفراد الناتجة منه على العاجز منها على البقاء , ويتعين على الكائنات سنة التناحر للحياة , أفراد النوع الواحد بعضها إزاء بعض وأفراد الأنواع الخاصة وحالات الحياة الطبيعية التي تحوط الأفراد (1).
ويجب على الفرد أن يعي باديء ذي بدء ما يحدث من توالدات الدواجن حيواناً كان أم نباتاً من التغيرات العرضية والتباينات الفردية .
3- الانتخاب الطبيعي : هنا يظهر تساؤل هام .........
هل إن أفراد الأنواع التي تمتاز على غيرها ولو بقليل الامتياز قد تفوز بحظ البقاء والتناسل فيزيد عدد أنواعها ؟ فالانتخاب هو انتقاء أفضل العناصر الصالحة للبقاء
ولو كان في حدوث أي تغاير منها كان عرضيا ضرر للأنواع لبادت وللحقت بما غيرها من القرون الأولى .وتلك التغايرات التي تكون أنسب من غيرها لبقاء الأنواع ثم إبادة الضار منها هو الانتخاب الطبيعي أو البقاء للأصلح(2).
__________
(1) راجع دارون : أصل الأنواع ، ج1 /139.
(2) 1 ) راجع دارون : أصل الأنواع ، ج1 / 169-170.(1/8)
فالإنسان لا ينتخب إلا ما يكون له فيه منفعة ذاتية , أما الطبيعة تتخير كل صفة من الصفات المنتخبة , فالانتخاب الطبيعي قوة دائبة الفعل في استجماع التغايرات العرضية في العالم العضوي كافة , نافية كل ما كان منها مضراً مبقية على كل ما كان منها مفيداً صالحا , تعمل ما سمحت الفرص لتهذيب كل كائن بما يلائم طبيعة حالات الحياة المحيطة به..(1)
هذه هي عناصر تلك النظرية فكل شيء طبقاً لها يتولد ذاتيا ويتنازع الأنواع والأفراد للبقاء وتنتقي الطبيعة الأصلح والأقوى ليبقى.
أدلة التطور : فتعتمد هذه النظرية على أدلة تساندها وتقويها وهي :
أولا علم الأجنة
إن المذهب الدارويني الحديث في النشوء والارتقاء يعتمد على قاعدة الانتخاب الطبيعي , وما تلك السنة المؤثرة التي تعود نتائجها إلى الاحتفاظ بالتغايرات التي تحدث العضويات وتكون ذات فائدة لها وباستجماعها وتثبيتها في طبائع الصور الحية (2) ودلت التجارب وأيدها النظر الصادق , أن خراب العضويات الحية خاضع لتأثيرات الطبيعة التي تحوطها . ودلت مباحث الحفريات على أن كثيرا من المراتب الحيوانية قد ظلت غير متغايرة خلال أزمنة مديدة من العصور الجيولوجية , فأطلق عليةيها الباحثون اصطلاحا اسم ] الصور الثابتة[ (3) .
وقد ظهر من دراسات الأجنة أن الجنين أثناء نموه يعيد تاريخه التطوري ، وهذا ما يسمى بنظرية الإعادة وهي تعني أن كل حيوان أثناء المراحل المتعاقبة لنموه إنما يعرج في سلم التطور الذي سلكه أجداده من قبله أثناء التاريخ الجيولوجي (4)
__________
(1) راجع دارون : أصل الأنواع ، ج1 / 173 – 174.
(2) 3 ) راجع إسماعيل مظهر : ملقى السبيل في مذهب النشوء والإرتقاء المطبعة العصرية 1926 ، ص230.
(3) 4 ) إسماعيل مظهر : ملقى السبيل ، ص 240.
(4) راجع د محمد يوسف حسن : قصة السماوات ص 101 .(1/9)
ثانيا الحفريات :هي كل ما دفن من بقايا الكائنات الحية ضمن الرواسب التي تكون الصخور الرسوبية من القشرة الأرضية ، وقد تكون عبارة عن الكائن نفسه بجميع أجزائه (1)
هو نقص الحفريات وتشوهها ، و أيد الدكتور بخنر ذلك الرأي . وقال إذا تذكرنا أن ثلثي الأرض أو ثلاثة أخماسها تحجبها البحار , وأن قسما كبيراً من الثلث الباقي تغطيه الجبال الشاهقة , علمنا أنه تمنعنا عن الأبحاث العلمية موانع طبيعية .
... ... فقد أثبت دارون بالدليل والمشاهدة أن الحلقات الوسطى كانت موجودة خلال زمن ما من الأزمان , وأظهر كيف أن بقاءها في الطبيعة متعذر وأن العثور عليها أشد تعذراً(2).
... ... فالحفريات تحفظ صفات الأنواع على مر الأزمان و لكنها لا توضح ما يؤكد التطور الحقيقى بل أثبتت عكس ذلك.
وقد استطاع علماء الحفريات أن يضعوا سجلا مرتبا لحفرياتهم يدل في نظر التطوريين علي وجود تعاقب يبدأ من كائنات بسيطة للغاية إلي كائنات أكثر تعقيدا(3).
ثالثا الحيوانات : استخدم هذا الدليل بالاعتماد على تقسيم الحيوانات و هو تقسيم أغاسيز :
1. الحيوانات الشعاعية النباتية : وهي كائنات حية تشبه النبات في بنائه مثل المرجان .
2. الحيوانات الرخوة أو الهلامية : وتسمي بالقشرية وغالبا ما تكون محفوظة في غلاف عظمي ودمها غير أحمر .
3. الحيوانات المفصلية : أي معدومة العظام ، ومنها الحيوانات الحلقية ودمها غير أحمر .
4. الحيوانات الفقارية : أي ذوات العظام والدم الأحمر، ومنها الإنسان وبقية الحيوانات ذوات الفقار العظمي (4).
وهذا التقسيم استدلوا به حتى يوضحوا الشبه بين الإنسان والحيوان.
__________
(1) راجع د محمد يوسف حسن : قصة السماوات ص 45 .
(2) راجع إسماعيل مظهر : ملقى السبيل ، ص 257.
(3) راجع د. يحي هاشم : الإسلام والاتجاهات العلمية ص 29 ، 30.
(4) 3 ) راجع إسماعيل مظهر : ملقي السبيل ص 262.(1/10)
ويرى علماء التطور أنه لا يستطيع أحد أن يفرد الإنسان بأصل مغاير لأصول ذوات الثدي ما دامت مشابهته الطبيعية لها بالغة ذلك المبلغ البعيد أو يفرض أنه قد نشأ بطريقة مخالفة للطريقة التي نشأت بها تلك الحيوانات(1) ، وليس معني تصنيف الإنسان ونوع من الحيوان معا أن أصله حيواني وترتبط نظرية النشوء بنظريات علم الجيولوجيا من نظريات أو حقائق لصلة ذلك بالحفريات التي تتخذها النظرية دليلا علي ما تذهب إليه .
ومن المقرر أن هذه النظرية تعتمد اعتمادا أساسيا علي بطلان مذهب النكبات في الجيولوجيا ، وينحصر القول في مذهب النكبات بأن الأرض كان ينتابها في عصورها الأولي نكبات جيولوجية تمضي وتمحو كل ما علي سطح الأرض من مخلوقات كالحيوان والنبات ثم تأخذ الحياة العضوية في الظهور علي سطح الأرض حالا بعد حال ، حتى تنتابها نكبة وهزة أخري تذهب بما يكون قد نشأ فيها من الأحياء ، وهكذا يحدث علي مر العصور(2).
... إن مذهب النشوء والارتقاء(3)ينطوي علي أمرين :
أولهما : إن نظرية الخلق المستقل تحتم القول بظهور الأنواع بين فترات زمان محدود وقد رأى ذلك لكي يجعل هذه النظرية تصطدم مع ما تدل عليه الحفريات إن صحت من أن الظهور كان فى أزمان شديدة التطاول .
ومن الواضح أن نظرية الخلق المستقل تصدق علي كلا الحالين أي سواء قلنا بالأزمنة القصيرة أو الطويلة .
__________
(1) راجع د. يحي هاشم : الإسلام والاتجاهات العلمية ، ص 31 .
(2) راجع د. يحي هاشم : الإسلام والاتجاهات العلمية ، ص 41، 42.
(3) راجع إسماعيل مظهر : ملقى السبيل ، ص 200 .(1/11)
ثانيهما : إن نظرية التطور تقتصر علي ما تدل عليه الحفريات وهو " التدرج في الوجود " وقد رأى ذلك لكي يجعل من علم الحفريات دليلا لنظرية التطور، ومن الواضح أن نظرية التطور تفيد أكثر من ذلك ، إنها تقول بأن الأنواع ظهر بعضها من بعض ، وهذا – هو – وحده موضع الخلاف ، وهو مالا سبيل للحفريات إلي أن تدل عليه(1).
... تذهب نظرية التطور الحديثة وعلي رأسها نظرية دارون إلي أن الإنسان تطور من مخلوق بدائي له سمات أقرب إلي سمات القردة العليا وأن أقدم أصل للإنسان ككائن منتصب القامة ، يرجع إلي نحو مليون سنة فقط ، حيث يلتقي في هذه الفترة بأصله المشار إليه (2).
... لكن هناك اكتشافا أعلنه الدكتور ريتشارد ليكي عن بقايا جمجمة بشرية يرجع إلي مليونين ونصف مليون سنة ، وعن عظام ساق ترجع إلي تلك الحقبة ذاتها .وهذا يدل علي أن الكائن البشري المنتصب القامة الذي يسير علي ساقين اثنين كان معاصرا للسلالة الشبيهة بالقردة وليس منحدرا عنها .
... و لو صح هذه الاكتشاف لأحدث الشك في نظرية التطور الداروينية من أساسها ، ودعم نظرية الخلق المستقل(3) .
الرد العلمي :-
إن نظرية التطور عجزت عن إيجاد الدليل الكافي علي كيفية حدوث التطور فهي تعتمد علي الانتقاء الطبيعي الذي يقضي بوجود الصفات الملائمة لبعض أفراد الفصيلة الواحدة مما يمكنها للبقاء في الحياة وتنتقل الصفات لسلالتها وتنقرض السلالات الأخرى .
__________
(1) راجع د. يحي هاشم : الإسلام والاتجاهات العلمية ، ص 49 .
(2) 2 ) راجع د. يحي هاشم : الإسلام والاتجاهات العلمية ، ص 50 ، 51.
(3) 3 ) راجع د. يحي هاشم : الإسلام والاتجاهات العلمية ، ص 51 .(1/12)
... ولكن هذا المبدأ لا يفسر أصل الاختلافات الموجودة بين أفراد الفصيلة الواحدة وهذه الاختلافات تقع في حدود معينة وأن بعض الصفات الوراثية يمكن أن تظهر في فرد دون أن تكون ظاهرة(1) ، فالصفات الوراثية لا تعد دليلاً كافياً للحكم على جميع الأفراد بالتطور ، لأن هذه الصفات غير مطردة فى النوع الإنسانى .
والنظرية الدارونية آلية بحيث تستبعد كل غائية ولا تدع للكائن الحي قسطا ما من التلقائية كالذي تدعمه له نظرية لامارك ، بل تعتمد علي محض الاتفاق أو الصدفة في حياة النبات والحيوان ، وقد أخذ علي داروين أن نظريته مادية ، والواقع أنه لم يشأ أن يستثني الإنسان من قانون التطور العام ، أو يعلق مسألة النفس الناطقة وذهب إلي أن الحياة النفسية في الإنسان كما في الحيوان مرتبطة بفعل الأعضاء، وقال بدراستها من الدرجات الدنيا إلي الدرجات العليا علي هذا الاعتبار(2) .
... وقد أثبتت قوانين مندل الوراثية أن الخلايا ليست متشابهة ولكنها تختلف بشكل أساسي باختلاف الفصائل المختلفة وهناك اختلاف بين خلايا الأجزاء المختلفة في جسم المخلوق ، فالإنسان تختلف خلايا جسمه وهو شخص واحد. وهذا رد علي نظرية التطور . وتحتوي كل خلية علي عدد من المكونات أهمها البروتوبلازم ، وفي علم الوراثة أهمها الكروموسومات وهي الحامل للصفات الوراثية، وكل كروموسوم chromosome عبارة عن تركيب في بناء أية خلية ، ويوجد عدد محدود منها في كل خلية من خلايا المخلوق . ويتحدد عدد الكروموسومات في الخلية طبقا للنوع الذي تنتمي إليه هذه الخلية(3).
__________
(1) 4 ) راجع هنري م. موريس : الكتاب المقدس ونظريات العلم الحديث، ص 63 – 64 .
(2) 1 ) راجع يوسف كرم : تاريخ الفلسفة الحديثة ، ص 334 ، 336.
(3) 2 ) راجع هنري م. موريس : الكتاب المقدس ونظريات العلم الحديث ، ص 64.(1/13)
... و عند فحص الآثار غير المتكاملة والمشكوك فيها وجد أنها مثال ضعيف جدا لنظرية انحدار الإنسان من القرد أو حيوانات ما قبل القرد . وقد عثر علي هياكل حفرية لإنسان العصر الحديث وهي عبارة عن قطع عظمية قليلة ومنها " بيتيكا نتروبس إيركتاس" وعثر عليه في جاوة 1891 م وما اكتشفه دارت في جنوب أفريقيا سمي " أوسترالوبيشن " وقد افترض أنه قرد شبيه بالإنسان لكنه ظهر بالأدلة أنه كان إنسانا حقيقيا (1)، فهذا يؤكد ضعف أدلة النظرية وإثبات ضدها بأدلة الآثار والحفريات .
... وقد قال الآخذون بنظرية النشوء والارتقاء أن الإنسان هو سلالة حيوانات أدني وليس كما تصفه القصة الكتابية في سفر التكوين بخلقه من التراب والجواب علي ذلك أن النظرية وإن كانت قد بدأت بتجارب إلا أنها انتهت إلي فروض وهي فروض جانبها الصواب بشهادة الكتاب والحديث من النظريات العلمية وليس هناك من دليل إلي الآن يثبت أن الإنسان كان أصلا حيوانا أدني(2).
و إن أهم استنتاجين فى هذه النظرية كما يصرح بذلك هويل هما :
1. إن غياب الأشكال الوسطية اللازمة للنظرية التطورية المعروفة من السجل الحفري يشير إلي أنه لو كانت أشكال الحياة الأرضية قد تطورت علي أصل شائع فإن التفرعات الرئيسية في شجرة التطور لابد وأنها قد حدثت بسرعة شديدة .
2. لو أن التفرعات الرئيسية قد حصلت فإن حدوثها لابد وأنه كان مصحوبا بهذه التغيرات الوراثية وليست صغيرة .
إن هذين الاستنتاجين يشككان في الداروينية التي لا تستطيع أن تنتج تغيرات وراثية سريعة .
__________
(1) راجع هنري م. موريس : الكتاب المقدس ونظريات العلم الحديث ، ص 70، 71.
(2) راجع د. إدواردج يونج : الكتاب المقدس في الميزان ، تعريب القس إلياس مقار ، دار الثقافة المسيحية 1997م ، ص 185 .(1/14)
إن الوضع يصح بحيث يجب إذا ما أبقى علي النظام التطوري الذي يفضله البيولوجيون إيجاد وسيلة لدفع التطور غير الصورة الداروينية المعهودة (1).
وقد ادعي البعض أن الفرع الإنساني إنما هو فرع من شكل عتيق يحمل ملامح القرود وهذا ادعاء لا سبيل لتأكيده لأن أقدم الرئيسات ما زالت تحمل ملامح القرود بما يشير إلي التكيف الخاص بالعيش في الأشجار وهذه الملامح لا وجود لها في تركيب الإنسان – صفاته التشريحية - ولا في الإسترالوبيشيكس " كما يقول ب – ب جراسيه " ولو وجد هذا الأصل المشترك فعلا فإن تشعبا ما كان لابد أن يقع قبل ظهور القرود .
... و ينتج عن ذلك شيء واحد وهو أن الإنسان ما كان له أن يتشكل علي حساب الأشكال المتطورة مثل البونجيدات ( الشمبانزي – الغوريلا – الأورانج اوتانج Orange - Outangs علي سبيل المثال )(2)، فالتشابه بين الإنسان والقرود ليس سبباً للتطور .
ويقدم العمود الفقري والحوض لكل من الإنسان والنسناس اختلافات مردها إلي استواء قامة الإنسان – فحوض الإنسان أوسع وتبدو في عموده الفقري انحناءات لا وجود لها في النسانيس فمجموعة الفقرات الظهرية لدي الإنسان محدبة إلي الخلف في الوقت الذي توجد فيه الفقرات القطنية والعجزية في تحدب إلي الأمام ، والنسانيس عكس ذلك(3) .
ويتضح من كل هذه المقارنات أن التشابه بينهما فى نواحى ضئيلة ، فالقول بتطور الإنسان عن القرود بعيد ، بل بينهما تغاير وتباين ، والتشابه فى الجزء لا يعنى التطور .
__________
(1) راجع فريد هويل : البذور الكونية ، ص 109.
(2) راجع د. موريس بوكاي : ما أصل الإنسان ، إجابات العلم والكتب المقدسة ، مطبعة مكتب التربية العربى لدول الخليج 1985 م – الرياض ، ص 120.
(3) 2 ) راجع موريس بوكاى : ما أصل الإنسان ، ص 123.(1/15)
أما فيما يتعلق بأول ظهور للإنسان الأول علي الأرض فعلي الإنسان أن يتذكر ببساطة أنه منذ حوالي 40000 سنة مضت كان هناك إنسان يشبه الإنسان العالى بينما تم اكتشاف أشكال إنسانية أقل تطورا(1).
إن الأدلة الوحيدة التي يمتلكها التطوريون موجودة في شظايا العظام المتحجرة ، المتناثرة التي جمعت من هنا وهناك والتي تختلف في طبيعتها وتفصل بينها ملايين السنين ومن هذه العظام بنيت النظرية ، وليس هناك دليل علي هذه النظرية عدا مقارنة الوجود ما قبل الأحياء مع طبيعة الكائنات الحية الحاضرة ، بطبيعة الحال فإن الكائنات الحية الحاضرة لا تكشف سوي عن طبيعتها الآن والتي يمكن أن تنسب إلي صانع(2) . ...
ويقول كوومان " إن المدافعين عن دارون أصروا علي أن الأدلة التي تسند نظريته مدفونة في السجلات الجيولوجية والحلقات المفقودة بين الأجناس لابد وأنها ستكتشف بواسطة البحوث .
وما لم يعه هؤلاء هو أنه حتى في حالة اكتشاف العظام والمتحجرات فليس هناك من دليل علي أنها تطورت بعضها من بعض والعظام وحدها ليست كافية لكي تحكي هذه الحكاية بأكملها(3).
خلق الإنسان في القرآن الكريم والكتاب المقدس :-
توجد العديد من الآيات القرآنية ونصوص الكتاب المقدس التي تؤكد دحض تلك النظرية ، وتثبت أن خلق الإنسان من تراب وماء . ففي القرآن آيات كثيرة تؤكد علي خلق الإنسان من تراب قال تعالي : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) [ المؤمنون 12 : 14].
فالآية تبين مراحل خلق الإنسان وهي :-
__________
(1) راجع د. موريس بوكاي : ما أصل الإنسان ، ص 171.
(2) راجع د. طالب الجنابي : نظرية التطور الداروينية ، الطبعة الأولي 1989 م ، دار الأضواء بيروت ، ص 74 .
(3) د. طالب الجنابي : نظرية التطور الداروينية ص 122.(1/16)
1. السلالة الخلاصة لأنها تسل من بين الكدر واختلف في تفسير الإنسان فقال ابن عباس إنه آدم عليه السلام فآدم سل من الطين وخلقت ذريته من ماء مهين ثم جعلت الكناية راجعة إلي الإنسان الذي هو ولد آدم فالإنسان شامل لآدم عليه السلام ولولده ، وقال آخرون : الإنسان هاهنا ولد آدم والطين هاهنا اسم آدم عليه السلام والسلالة هي الأجزاء الطينية المبثوثة في أعضائه التي لما اجتمعت وحصلت في أوعية المني صارت منيا فهذا التفسير مطابق لقوله تعالي: ( وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين) [السجدة 7 ، 8](1) ، فهذا تأكيد على أن الماء أصل الإنسان وعندما امتزج بالتراب صار طيناً .
المرتبة الثانية : قوله تعالي ( ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) .
فمعني جعل الإنسان نطفة أنه خلق جوهر الإنسان أولا طينا ثم جعل جوهر الإنسان الضعيف بعد ذلك نطفة فى أصلاب الآباء فقذفه الصلب بالجماع إلي رحم المرأة فصار موضع القرار وهو المستقر فسماه بالمصدر ثم وصف الرحم بالمكانة التي هي صفة المستقر فيها كقولك " طريق سائر أو لمكانتها في نفسها لأنها تمكنت من حيث هي وأحرزت "(2)، فالآية تشير إلى خلق الإنسان بعد آدم .
المرتبة الثالثة : قوله تعالي ( ثم خلقنا النطفة علقة )
... أي تحويل النطفة عن صفاتها إلي صفات العلقة وهي الدم الجامد .
المرتبة الرابعة : قوله تعالي ( فخلقنا العلقة مضغة ) أي جعل ذلك الدم الجامد مضغة أي قطعة لحم كأنها مقدار ما يمضغ كالغرفة وهي مقدار ما يغترف وسمي التحويل خلقا لأنه سبحانه يفني بعض أعراضها ويخلق أعراضا غيرها فسمى خلق الأعراض خلقا وكأنه سبحانه وتعالي يخلق فيها أجزاءاً زائدة.
المرتبة الخامسة : قوله تعالي : (فخلقنا المضغة عظاما ) أي صيرت كذلك .
__________
(1) 2 ) راجع الرازى : مفاتيح الغيب ، ج22 / 353.
(2) 1 ) راجع الرازى مفاتيح الغيب جـ 22 / 353 .(1/17)
المرتبة السادسة : قوله تعالي: ( فكسونا العظام لحما) وذلك لأن اللحم يستر العظم فجعله كالكسوة لها(1).
المرتبة السابعة : قوله تعالي ( ثم أنشأناه خلقا آخر).
أي خلقا مبينا للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جعله حيوانًا وكان جماداً وناطقاً وكان أبكماً وسميعاً وكان أصماً وبصيراً وأودع باطنه وظاهره بل كل عضو من أعضائه وكل جزء من أجزائه عجائب فطرة وغرائب حكمة لا يحيط بها وصف الواصفين ولا شرح الشارحين . (2) فنبه بذلك على تسوية خلق الإنسان .
... و يشير الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حيث يقول ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله و أجله و رزقه و شقى أم سعيد ثم ينفخ فيه الروح..)(3) وقوله تعالي ( الذى أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان) [ السجدة 7]
فقيل المراد بالإنسان هو آدم عليه السلام فإنه خلقه من طين ، ويمكن أن يقال بأن الطين ماء وتراب مجتمعان والآدمي أصله مني والمني أصله غذاء ، والأغذية إما حيوانية ، وإما نباتية ، والحيوانية بالآخرة ترجع إلي النباتية والنبات وجوده بالماء والتراب الذي هو طين.
و قوله تعالي : ( ثم جعل نسله ...) علي التفسير الأول ظاهر لأن آدم كان من طين ونسله من سلالة من ماء مهين هو النطفة ، وعلي التفسير الثاني هو أن أصله من الطين ، ثم يوجد من ذلك الأصل سلالة هي من ماء مهين(4) .
__________
(1) 2 ) راجع الرازى : مفاتيح الغيب جـ 22 / 354
(2) 3 ) راجع الرازى : مفاتيح الغيب جـ 22 / 354.
(3) 1 ) أخرجه البخارى : فتح البارى ، كتاب الأنبياء ، باب خلق آدم و ذريته رقم 3332 ، ج6/ 363.
(4) 2 ) الرازي : مفاتيح الغيب جـ 24 / 544- 545 .(1/18)
... وقوله تعالي : ( إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) [ آل عمران 59 ] ، فخلق الله الإنسان الأول و هو آدم من تراب ثم نفخ فيه الروح فصار نفسا حية.
فقد دل العقل علي أنه لابد للناس من والد أول ، وإلا لزم أن يكون كل ولد مسبوق بوالد لا إلي أول وهو محال ، والقرآن دل علي أن ذلك الوالد الأول هو آدم عليه السلام . ثم إنه تعالي ذكر في كيفية خلقه آدم عليه السلام وجوها كثيرة :-
1. أنه مخلوق من التراب كما في سورة آل عمران آية59 .
2. أنه مخلوق من سلالة من طين كما في سورة المؤمنون (12 - 13 ).
3. أنه مخلوق من الماء كما في سورة الفرقان 54.
4. أنه مخلوق من الطين كما في سورة السجدة ( 7 - 8 )
5. أنه مخلوق من طين لازب كما في سورة الصافات آية 11.
6. أنه مخلوق من صلصال كما في سورة الحجر آية 28 .(1)
7. أنه مخلوق من عجل كما في سورة الأنبياء 37 ، البلد آية 4 . قال العلماء إنما خلق آدم عليه السلام من تراب(2) .
كل هذه الآيات تدل علي خلق الإنسان من الطين أو من الماء والتراب فعبر في هذه الآيات عن حالات مختلفة فإما أن يعبر عن عنصر من عناصر خلق الإنسان وهو الماء أو التراب وهو العنصر الآخر ، أو يعبر بالصلصال أو الحمأ المسنون أو الطين اللازب فهي أوصاف للطين وحالات مختلفة له ، فالإنسان إذن مخلوق من الماء والتراب امتزجا فصارا طينا .
__________
(1) 3 ) الرازي : مفاتيح الغيب ج7 / 249 – 250.
(2) 4 ) الرازي : مفاتيح الغيب ج 7/250 .(1/19)
وقد ورد بشأن خلق الإنسان من النصوص المتواترة أن الله تعالي بدأ خلق الإنسان من طين ، وأنه خلقه من تراب ، ومن طين لازب ومن سلالة من طين ومن حمأ مسنون ومن صلصال كالفخار ، وورد أنه خلق من ماء ووصفه بأنه مهين أي حقير ولا ذكر له ولا اعتبار ، وأن الله خلق البشر من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا و نساءاً ، وهذه النصوص يدل ظاهرها علي أن الله تعالي خلق الإنسان نوعا مستقلا لا بطريقة النشوء . ولو وصل النشوئيون إلي دليل يقيني علي النشوء لكان علي المسلم أن يعتقد بالنشوء ولكن لم يثبت دليل علي ذلك إلي الآن(1) .
... وأما قوله تعالي ( وهو الذي خلق من الماء بشرا) [الفرقان 54] ، فيفيد أن الله خلق الإنسان من نطفة ضعيفة فسواه وعدله وجعله كامل الخلقة ذكرا أو أنثى كما يشاء(2) فهنا عبر عن عنصر من عناصر خلقه وهو الماء أو المني ، فهو شيء لا يذكر فلا اعتبار له لئلا يغتر الإنسان بقوته .
... أما قوله تعالي: ( الذي خلقك فسواك فعدلك ) [الانفطار 7] فيوضح أن الله جعل الإنسان سوياًُ مستقيما معتدل القامة منتصبا في أحسن الهيئات والأشكال وإن شاء ركبك في صورة قرد أو خنزير أو كلب أو حمار فالله قادر علي خلق النطفة علي شكل حسن مستقيم معتدل تام حسن المنظر والهيئة(3) .
__________
(1) 1 ) د. محمود عتمان : الفكر المادي ص 223 – 224 .
(2) 2 ) ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ج 3/322.
(3) 3 ) ابن كثير تفسير القرآن العظيم ج4/481- 482 .(1/20)
أما قوله تعالي ( قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) [الأعراف 12] وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خلقت الملائكة من نور ، وخلق إبليس من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم(1) " فيوضح أن آدم خلق كما ذكر في القرآن وأن الله سواه وعدله وجعله في أحسن صورة لقوله تعالي: ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) [التين 4] .أي في أحسن صورة وشكل منتصب القامة سوي الأعضاء حسنها(2).
وقوله تعالي ( ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض) [الكهف 51] ، فهى تعنى أن الله هو المستقل بخلق الأشياء كلها ومدبرها ومقدرها وحده وليس معه في ذلك شريك ولا وزير ولا مشير ولا نظير(3) ".
وقوله تعالي : ( ولقد كرمنا بني آدم ...) [الإسراء 70] ، فقد اختلف المفسرون فى المراد بالتكريم فقال ابن عباس بالعقل ، وقيل بالنطق ، وقيل بتعديل القامة وامتدادها ، وقيل بالمطاعم واللذات ، وقيل بحسن الصورة ، وقيل بجعل محمد عليه الصلاة والتسليم منهم ، قيل بالتسليط علي غيره من الخلق وتسخيره له ، وقيل بخلق الله آدم بيده (4) فهذا بيان لخلق الإنسان وامتيازه عن غيره .
__________
(1) 1 ) أخرجه مسلم في كتاب التفسير ، ج 4/294.
(2) 2 ) ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، ج 4/527.
(3) 3 ) راجع ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، ج 3/89.
(4) 4 ) راجع أبو حيان : البحر المحيط ، ج 6/58.(1/21)
... ويؤكد الكتاب المقدس أن الإنسان هو رأس المخلوقات الحية وسيدها والناس في الأصل من دم واحد غير أنهم انقسموا بعد ذلك إلي أسباط عديدة وأما خلق الإنسان من تراب ممتازا عن سائر الحيوانات بما أودع فيه من الروح الحية الأدبية التي تؤهله لشبه الخالق جل شأنه فالله سبحانه وتعالي قد نفخ في أنفه نسمة حياة ولا يراد بنسمة الحياة هذه فعل التنفس الحيوي فقط وإنما المراد منها أن الله أعطاه تلك القوي العقلية والروحية مقرونة بالنفس الحية (1).
... ويمكن التسليم بالكثير مما سبق لأن الكتاب المقدس يقبل في حدود معينة عملية تطورية فمن ناحية الحيوانات الدنيا فإن خلق أو عمل لا توصف كعمل مباشر من القوة القادرة بل كدافع خلاق أعطي للماء والأرض دون أن يستبعد بل يدعو القوي الموجودة فى الماء واليابسة إلي العمل ولكن في خلق الإنسان وحده يعمل بطريقة مباشرة وقال الله "نعمل الإنسان علي صورتنا – فخلق الله الإنسان " (تك 1 : 26، 27).إن القفزة عند ليل وهكسلي أو الطفرة عند فريس ما هي إلا أسماء تختفي في القصة البسيطة أمام الأسماء المفعمة بالمعاني فكل الأشياء الحية اعتمدت علي خالق مهيمن دائب علي العمل(2).
... وهناك آراء كثيرة لتفسير عبارة " علي صورة الله " ولكن أكثرها قبولا هو أن الإنسان خلق كائنا روحيا مستقلا له إمكانية الشركة مع خالقه التي توجد الإشارة إليها في اللقاءات عند هبوب ريح النهار(3) .
__________
(1) 1 ) راجع جورج بوست : قاموس الكتاب المقدس ، ج 1/150. مادة انسان
(2) 2 ) راجع صموئيل حبيب : دائرة المعارف الكتابية ، ج 1/436 . مادة خلق
(3) 3 ) راجع صموئيل حبيب : دائرة المعارف الكتابية ، ج 1/7. مادة الله(1/22)
ووفقا للترجمة الثانية للكتاب المقدس فيكون خلق الإنسان من تراب الأرض ونفخ الحياة في أنفه من الله ، والإنسان أصبح موجودا حيا ( تك 7:2 ) فالكتاب المقدس يعطي في وقت واحد حساب شعري لأصل الإنسان لتمجيد الخالق(1) وذلك في اليوم السادس من أيام الخليقة .
... إن لفظ آدم قد ورد في العهد القديم في العبرية حوالي 500 مرة للتعبير عن الإنسان أو الجنس البشري وخارج الإصحاحات الخمسة الأولي من سفر التكوين لا يكون بالقطع اسما علي الإنسان الأول إلا في الأخبار الأولي ( 1:1 )ولربما أيضا في أيوب ( 33:31 )كالناس في العربية .
... وفي سفر التكوين في الإصحاح الأول منه يركز علي الله وأعماله في الخليقة ثم تأتي خليقة الإنسان في العدد السادس والعشرين وما بعده كتتويج لعملية الخلق رغم أن بعض الحيوانات قد خلقت في نفس اليوم الذي خلق فيه الإنسان ولا يرد ذكر للذكر والأنثى إلا في خليقة الإنسان ( عدد 27 ) وهذا دليل علي أن الله خلق زوجا واحدا من البشر وقد خلق الإنسان علي صورة الله ( 26 ، 27 ) وأعطي سلطانا علي كل المخلوقات علي الأرض ( 28 – 30 )(2).
وبالبحث عن آدم في الأناجيل فإن المسيح لما سئل عن ناموس الطلاق ( مت19 :3-9 ) (مز 10: 2-9 ) أشار إلي خلق آدم وحواء دون أن يذكر اسمهما أما لوقا الرسول الذي يتوجه بإنجيله إلي الأمم والشعوب فيذهب بنسب المسيح إلي آدم الأب للجنس البشري ( لو 3: 23 – 38 ) وهي المرة الوحيدة التي يذكر فيها آدم باسمه في الأناجيل (3).
__________
(1) O.W.garrgan : new catholic Encyclopedia . Washington 1967. vol 17 P 427.
(2) راجع صموئيل حبيب : دائرة المعارف الكتابية ،ج 1/ 6. مادة خلق
(3) راجع صموئيل حبيب : دائرة المعارف الكتابية ، ج 1/7 . مادة خلق(1/23)
... ويوضح الكتاب المقدس أن الحشائش والشجيرات حاملة البذور وكذلك أشجار الفاكهة خلقت في اليوم الثالث وأن الحيوانات المائية وكذلك الحيوانات الأرضية والطيور لم تخلق حتى اليوم الخامس والطيور خلقت في نفس اليوم مع الأسماك والكائنات البحرية الأخرى بينما تري نظرية التطور أن الطيور نشأت من الزواحف بعد نشأة الأسماك ، ويقرر الكتاب المقدس أن الزحافات والحشرات كانت ضمن الحيوانات البرية والزواحف وطبقا لنظرية التطور فإن الحشرات ظهرت قبل ذلك وقبل ظهور الزواحف والطيور والثدييات ( تك 1 : 11- 24 )(1) والإنسان قد خلق في اليوم السادس من أيام الخلق .
وقد بين الكتاب المقدس أصل خلق الإنسان الأول وهو آدم من تراب " وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية" ( تك 2: 7 ) وكرمه الله وأعطي له السيادة علي جميع المخلوقات " وتسلطوا علي سمك البحر وعلي طير السماء وعلي كل حيوان يدب علي الأرض " ( تك 1: 28) فلا يكون ذلك للإنسان وأصله من نوع حيوانى وكيف يتسنى له ذلك ، والكتاب المقدس يقول " فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه (تك 1: 27 ) فهو شبيه بالإله في كونه يسمو بروحه إلي السماء وإن أطاع الله ارتفعت روحه ورأي من العلم والمعرفة ما لم يعرفه غيره من المخلوقات " فمن هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده ....وبمجد وبهاء تكلله ... جعلت كل شيء تحت قدميه .." ( مز 8: 4-6) فقد خلقه الله وأكرمه وخلق منه حواء ( مت 19: 4 ) " يوم خلق الله الإنسان علي شبه الله عمله " (تك 5: 1).
__________
(1) 3 ) راجع هنري موريس : الكتاب المقدس ونظريات العلم الحديث ص55 .(1/24)
فيتفق القرآن الكريم والكتاب المقدس في خلق الإنسان من تراب وأكرمه الله وسواه ، فلا مجال لكونه تطور عن حيوانات أخري ، والعلم ذاته قد بين خطأ تلك النظرية وأدلتها ليست بالقوية . والقرآن يفصل القول فى خلق الإنسان ومراحل خلقه وكيفية خلقه وأوصاف الطين الذي منه خلق فمرة يذكر الماء ، ومرة التراب ، ومرة ثالثة الطين فالقرآن استفاض في الحديث عنها بينما يوضح الكتاب المقدس أنه خلق من تراب أو طين " جبلتني كالطين ( أي 10 : 9 ) وكيف يكون الجنس البشري وفيه من المفكرين والعقلاء والمبدعين بل والأنبياء ويكون له شبه وصلة قوية بالحيوان فهذا لا يقبله عقل سليم بالإضافة إلي ما ذكر من النصوص والحجج العلمية . فلا تتفق تلك النظرية مع تكريم الله للإنسان بالعقل والعلم واصطفاء بعضهم أنبياء فهل يكون من الأنبياء من يكون أصله حيوانا يشبه القردة فهذا أمر مرفوض عقليا وعلميا .
... والإنسان مخلوق من شيئين الجسد والروح ولكل منهما مادته التي تمده بما ينميها ولا حياة للجسد بدون روح ولا اعتبار حقيقي للروح بدون جسد تحل به ، وقد أثبت القرآن الكريم والكتاب المقدس ذلك الأمر قال تعالي:( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) [الحجر آية 29] ، وقوله تعالي: ( ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) [السجدة 9] وقوله تعالى :(فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) [ص آية 72] ، فهذه الآيات تبين تسوية خلق الإنسان جسديا ثم نفخ الروح فيه والكتاب المقدس يوضح ذلك فيقول " وقال الله نعمل الإنسان علي صورتنا كشبهنا " ( تك 26:1 ) فهذا الشبه يوضح الحياة الروحية لدي الإنسان ، وبعدما خلق جسده نفخ فيه الروح " جبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية" ( تك 7:2 ) فالحياة لا تكون بدون الروح في الجسد .(1/25)
" وابتهجت روحي جسدي أيضا يسكن مطمئنا " ( مز 9:16 ) فابتهاج الروح وسكون الجسد دليل علي ارتباطهما معا .ويبين غذاء الجسد " الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة " " (1كو 13:6 ) ويظهر وجود الاثنين وارتباطهما في قوله " " فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم " ( 1.ك " 20:6 ) " اسلكوا بالروح فلا تكلموا شهوة الجسد لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما الآخر " (غلاطية 16:5 ، 17 ) فهذان العددان يبينان اختلاف طبيعة الجسد عن طبيعة الروح وأنهما يتنازعان ويؤثران في سلوك الإنسان وقد ظهر أن القرآن والكتاب المقدس لا اختلاف بينهما في هذا الأمر ، وكذلك في كون الإنسان مخلوق من الطين أو الماء والتراب .
فكيفية خلق الإنسان أمر غيبي لا يعلمه إلا الله ، ولا سبيل للبشر لمعرفة ذلك إلا بإخبار الله عنه في كتابه وما دون ذلك فهو أمر خفي عن البشر . قال الله تعالي: ( ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم) [الكهف 51] ، فلا يعلم أحد من الناس كيفية ذلك ، أراد معرفة ابتداء الخلق وأن له مبدأ لا يشبهه البتة ، فأراد معرفة كيفية كونه فقد دخل في قوله تعالي : ( وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم )"(1) [النور15].
... وما يذكره القرآن عن تطور في خلق الإنسان إنما هو تطور في خلق الإنسان وهو في بطن الأم وهو بيان لعناصر الخلق ، فالقرآن ذكر أنه مخلوق من الطين لكن الوقت الذى قبل ذلك لم يتحدث عنه وهو أمر غيبي ، أما أنه شبيه بالقردة فذلك ما لا دليل عليه وتكلف للإنسان فيما لم يؤمر به أو يطلع عليه .
__________
(1) 1 ) ابن حزم : الفصل ، ج1/155.(1/26)
... فالأطوار في قوله تعالي " وقد خلقكم أطوارا " نوح 14 إنما تعني مراحل مختلفة وليس المقصود بالتطور النشوء والارتقاء من حيوانات أخري ، ولكنه تطور من حال إلي حال من نطفة إلي علقة ثم إلي مضغة حتى يصير إنسانا مستويا عاقلا ، أو المقصود أنها أصناف مختلفة فمنهم السقيم والصحيح والبصير والضرير والغني والفقير(1) أما قوله تعالي: ( هل أتي علي الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) [ الإنسان 1] فتعنى أن الإنسان أو آدم قد ظل مدة من الزمن ليس له ذكر أو اعتبار لضعفه وذلك قبل نفخ الروح فيه ، وسمي إنسانا باعتبار ما يصير إليه بعد نفخ الروح فيه من كونه إنسانا(2) .
... وهذا يفيد إثبات أن أصل خلق الإنسان الماء والتراب أو الطين وأنه يتطور عن حيوانات أخري قديمة .
دور الإنسان في الكون :
ويقرر القرآن أن الإنسان أشرف الموجودات فهو خليفة الله في أرضه ، فلا عجب أن يكرم الله الإنسان في هذه الأرض بما فيها من طاقات وخيرات سخرها له في البر والبحر. وإذا كان الإنسان مستخلفاً في هذه الأرض فعليه أن يتذكر المالك الحقيقي لهذه الأرض ومن عليها " وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " [الحديد 7] (3)
__________
(1) 1 ) راجع أبو حيان : البحر المحيط ج 8/334 ، انظر أيضا الرازي مفاتيح الغيب ، ج 30/742 .
(2) 2 ) راجع ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ج 4/453 ، انظر الرازي مفاتيح الغيب ، ج 31/50.
(3) راجع د. آمنة نصير : الإسلام وحماية البيئة ، سلسلة قضايا إسلامية ، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية العدد 76 ، أغسطس ، سبتمبر 2001 جمادى الآخرة 1422هـ ، ص 8 ، 9 .(1/27)
استخلف الله الإنسان في الأرض وهو عليم بطاقاته وقدراته النفسية والعقلية والعملية التي خلقها الله له وإن كانت الملائكة لم تتبين كنه وحقيقة ذلك في استفهامها من ربها " قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون " [البقرة 30](1).
إن الله تعالى خلق الإنسان وشاء أن تكون هذه الأرض مستقراً له إلى وقت معلوم وفي ذلك يقول تعالى: ( ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ) [البقرة 36] والإنسان في هذه الدنيا صاحب رسالة فقد استخلفه الله على الأرض ليعمرها ويستخرج خيراتها لا ليزهد فيها وينصرف عنها ، وهذا هومعنى الاستخلاف في قوله تعالى : ( إني جاعل في الأرض خليفة ) [ البقرة 31].
واستخلاف الإنسان في الأرض لا يخلو من الامتحان ، فقد أراد الله لهذا الإنسان أن تعانى نفسه من الصراع بين نوازع الخير والشر فيما هو مستخلف فيه ، وهو صراع تكتمل من خلاله شخصيته قال تعالى : (وهو الذى جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم ) [ الأنعام 165 ](2).
إن الهدف من خلق الإنسان ليس اللهو واللعب وإنما لما هو أعظم شأناً وهو العبادة والقيام بمهمته وهي كونه خليفة الله في الأرض. وبالنظر إلى تاريخ حضارة الإنسان منذ وجد على هذه الأرض إلى الآن تظهر الحكمة الإلهية من وجود الإنسان ، فالتطور الهائل في إمكانياته يدل على أن الله أودع فيه من الاستعدادات ما لم يوجد في مخلوق آخر ، ولا زال مستقبل الإنسان يحمل من الإمكانيات في تسخير الطبيعة ما لا يتصور(3).
__________
(1) راجع د. آمنة نصير : الإسلام وحماية البيئة ، ص 9 ، 10.
(2) راجع د. محمد أبو الوفا التفتازانى : الإنسان والكون في الإسلام ، ص:71 ـ 72.
(3) راجع د. محمد أبو الوفا التفتازانى : الإنسان والكون ص 73 .(1/28)
وقد ثار الإسلام على التقليد ، وحمل عليه حملة شديدة لم يردها عنه القدر فاقتلعت أصوله الراسخة في المدارك وأبادت دعائمه وأركانه ، وارتفع بالعقل لمكانة عظمى ، وعلا صوت الإسلام على وساوس الطعام ، وجهر بأن الإنسان لم يخلق ليقاد بالزمام ، ولكنه إنسان له عقل وعليه أن يهتدى بالعلم والأعلام وقد مدح أهل الحق فقال تعالى ( الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) [الزمر 18] ، فهم يميزون بين الحسن والقبيح فيعملوا بالحسن ويطرحوا القبيح(1).
وإذا كانت وظيفة العقل على هذا النحو فإن محاولة تعطيله عن أداء هذه الوظيفة يعد تعطيلاً للحكمة التى أرادها الله من خلق العقل ، مثلما يعطل الإنسان حاسة من الحواس التي أنعم الله بها عليه عن أداء وظيفتها التي خلقت من أجلها وهؤلاء الذين يفعلون ذلك يصفهم القرآن بأنهم أحط درجة من الحيوان حيث يقول : ( لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل ) [الأعراف 179]. ومن هذا المنطلق يعتبر الإسلام عدم استخدام العقل خطيئة من الخطايا وذنباً من الذنوب ، يقول القرآن الكريم حكاية عن الكفار يوم القيامة : ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم ) [الملك 10-11](2).
__________
(1) راجع محمد عبده : رسالة التوحيد ، تحقيق د. محمد عمارة ، الطبعة الثالثة 1989 ، مركز الحضارة العربية للإعلام والنشر ، ص 150-151.
(2) راجع د. محمود حمدى زقزوق : تمهيد للفلسفة ، دار المعارف الطبعة الخامسة 1994 ، ص92.(1/29)
وإذا كانت ممارسة الوظائف العقلية تعد واجباً في الإسلام فإنها من ناحية أخرى مسؤولية حتمية لا يستطيع الإنسان الفكاك منها وسيحاسب على مدى حسن أو إساءة استخدامه لها مثلما يحاسب ويسأل عن استخدامه لباقى وسائل الإدراك الحسية وفي ذلك يقول القرآن ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ) [الإسراء 36] (1).
وأطلق الإسلام سلطان العقل من كل قيوده وخلصه من كل تقليد كان استعبده ، ورده إلى مكانه الحقيقي ليسير بنوره مع الخضوع لله وحده والوقوف عند شريعته ، ولا جد للعمل في منطقة حدودها وبذلك تم للإنسان من خلال الدين أمران عظيمان وهما (استقلال الإرادة ، واستقلال الرأي والفكر وبهما كملت إنسانيته)(2) وهذه أسمى معانى الحرية للعقل.
ومن رحمة الله بالإنسان أن جعل في الإنسان عقلاً ليستطيع به إدراك أسرار الكون ومعرفة خالقه وترتيب أمور معاشه في هذه الدنيا على أفضل وجه وهذا العقل هو الأمانة التي يذكر القرآن حمل الإنسان لها ، وبواسطة العقل أيضاً يستطيع الإنسان أن يميز بين الخير والشر فالعقل دعامة أساسية من دعامات الإسلام واستخدام العلم من أقوى الوسائل إلى تحقيق رسالة الإنسان على هذه الأرض وهي أن يعمرها ويستغل خيراتها إلى أبعد الحدود(3).
علاقة الإنسان المسلم بالبيئة علاقة دينية وخلقية وعقائدية ورد في شأنها عشرات النصوص من الآيات الكريمة ومن السنة الصحيحة والتي تقرر أصول التعامل مع البيئة من حوله ، و منع محاولة الإفساد فيها بالحروب و التدمير(4).
__________
(1) راجع د. محمود حمدى زقزوق : تمهيد للفلسفة ، ص 93 .
(2) راجع محمد عبده : رسالة التوحيد ص152.
(3) راجع د. محمد أبو الوفا التفتازانى : الإنسان والكون في الإسلام ، ص 73.
(4) 2 ) راجع د/ آمنة نصير : الإسلام و حماية البيئة ، ص 12-13.(1/30)
فمن عطل نعمة العقل فهو إما صبى أو مجنون أو نائم ، ولذا حرم الإسلام الخمر حفظا للعقل من الخلل والاضطراب وحتى يؤدى دوره المنوط به ولم يخلق الله شيئا من أجزاء الإنسان إلا وله وظيفة فمن عطل أى جزء عن وظيفته فقد تساوى مع فاقد هذا الجزء وعندما استثمر الإنسان عقله بدأ فى التفكير السليم وظهرت العلوم والمخترعات التى تفيد البشر أما إذا لم يستثمر عقله فسوف تظهر الخرافات والأوهام ويعم الخراب كل أنحاء الأرض .
وقد أرشد الله الإنسان وأمره بالنظر إلى السنن الكونية التى أودعها كائناته وتتصرف طبقا لها ، قال تعالى ( وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) [الحجر21].
وهى تسمى بالقوانين الطبيعية والقرآن يطلق عليها اسم الميزان فهذه السنن لا تتبدل قال تعالى " سنة الله التى قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً" الفتح23.
فعلى الإنسان استخدامها فى النفع والخير وألا يستغل معرفتها للتدمير والتخريب وإهلاك الأموال والأرواح (1).
فالإنسان وهو خليفة الله فى الأرض يجب أن يعمر ويعلى المملكة التى يعيش عليها ففى مجال الطب يكون نافعاً لغيره ويحافظ بعلمه على صحة بدنه وصحة أبدان الآخرين وفى مجال الصناعة يجب أن يجتهد لصناعة كل ما يحتاج إليه المجتمع من طعام وشراب وملابس وأدوات وسيارات وطائرات وفى مجال الفلك يجتهد باستخدامه الحديث من الأجهزة التى اخترعها بتفكيره واستخدامه للعقل فى نفع المجتمع .
لمعرفة السنين والشهور وتحذير المجتمع من خطر النيازك والشهب وغير ذلك ، وإذا قام الإنسان بهذا الواجب فقد أدى وظيفته خير أداء .
__________
(1) راجع على عبد العظيم : فلسفة المعرفة فى القرآن الكريم ، ص226(1/31)
والكتاب المقدس يشير إلى دور الإنسان فقد خلقه الله تاج الخليقة وعقلها المفكر بعد ما أعدله البيئات الطبيعية المناسبة لحياته ومعيشته ومتعته ، فقال (وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدةً للأكل) (تك 2: 9) وكلما زاد شر البشر تشوهت البيئة وظهرت شكواها فى كوارثها الطبيعية من جفاف وفيضانات وزلازل فيهلك الإنسان (1).
وقد خلق الله الإنسان على صورته فهو إذا خليفة الله فى كونه ، فجدير بمن هو شبيه بالله وعلى صورته أن يستخدم العقل ويعمر الأرض ولا يفسد فيها لأن هذا خروج به عن وظيفته ومهمته (فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ، ذكر و أنثى خلقهم ، وباركهم الله وقال لهم أثمروا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض) (تك 1: 27، 28) فالإنسان مخلوق على صورة الله ، وقد طلب منه أن يثمر الأرض وأن يتسلط على كل شئ فيستخدمه لمنفعته فى الخير ولا يستخدمه فى الخراب والدمار ، وأمره بكثرة نسله وذلك حتى يعمر الأرض ويزيدها بالخير والنماء ولا يكون ذلك إلا باستثمار العقل بالعلم النافع ، و قد سخر الله للإنسان الكائنات ليكثر نسله وينتفع من تسخير الكائنات له.
__________
(1) راجع د . ميخائيل مكسى إسكندر : المسيحية والبيئة ، كنيسة القديسة دميانة بالهرم 1997م ، ص6.(1/32)
فالعقل إذا أهمله الإنسان كان وبالا عليه وخرابا للأرض فيخالف بذلك وصية الله له فيقول الكتاب المقدس (فالعقل يحفظك والفهم ينصرك ) (أم 2: 11) فالعقل يحمى الإنسان من الضلال والعلم هو مادة العقل التى تجدده دائما وتوقظه وتلهمه الفكر الصائب ، والمسيح عليه السلام يخبر الشعب عن رسالته فيوضح أن المطلوب من الإنسان هو المحافظة على الكون الذى يعيش فيه حتى يحيا حياة سعيدة وأن يبتعد عن ضياع العقل والعلم فذهابهما يفسد الحياة ويدمر الكون وينشر الحروب فيقول المسيح عليه السلام (وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل) (يو 10:10) فهذا هو دور الإنسان فى كون يعيش فيه وهو على صورة الله ، وعليه أن يسمو بأخلاقه على جميع الكائنات وأن ينتفع بعقله الذى هو صفته المميزة له عن الكائنات .
ويسود الله على الأرض بعنايته ، وعلى الإنسان أن يسود عليها ، فقد عهد الله للإنسان أن يتسلط على الأرض ، وهذا يقتضى مسئوليته نحو البيئة والمخلوقات التى تشاركه فى الكوكب ، ولقد عنى الله عناية عظيمة فى خلق هذه الأرض ، وعلى الإنسان ألا يهمل العناية بها(1).
فهذه المسئولية تتطلب من الإنسان البحث عن حلول لمشكلات البيئة والعمل الجاد للحفاظ على تلك العطايا الكونية التى منحها الله الإنسان فيكون بذلك قد حافظ على وصايا الله وتحمل المسئولية بعناية واهتمام .
المبحث الثانى
النفس وطبيعتها
إن النفس هى سبب الحياة وعلة الحركة وبها تكون الأمور الوجدانية والشعور ، فهى سبب لعمليات كثيرة تصدر عن الإنسان ، وهى مشتركة بين الإنسان والحيوان والنبات ، وهى جوهر الإنسان وحقيقته ولذلك تعددت مناهج الناس والمفكرين والفلاسفة قديماً وحديثا فى النفس واختلفت آراؤهم فى ماهيتها وطبيعتها .
__________
(1) راجع د. بروس بارتون وآخرون : التفسير التطبيقى للكتاب المقدس ، مراجعة د.كينيث كانتزر وآخرون ، ترجمة وليم وهبة وآخرون ، شركة ماسترميديا مصر 1998م ، ص9.(1/33)
ويثبت القرآن وجود النفس وأنها شئ غير البدن يقول تعالى : ( ولو ترى إذ الظالمون فى غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم ) [الأنعام 93] ويقول تعالى: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحى) [الحجر29] ، فالإنسان مركب من أمرين النفس والجسد وهما حقيقة الإنسان معا ، فالجسد أعماله ظاهرة ، والنفس أعمالها باطنة لكنها بالرغم من ذلك هى سبب أعمال الجسد ، فالنفس إذن غير الجسد .
فالفكر والإدراك والإحساس والحركة من آثار النفس ونتيجة أفعالها ، ويؤكد ذلك سكون الجسم بعد مفارقتها للبدن ، فلو كانت الحركة والوجود بسبب الجسد ما حدث له سكون بعد الموت ، لكن حدوث السكون أمر مشاهد ، فالحركة إذن من خارج الجسد وهى النفس .
طبيعة النفس :
اختلف الفلاسفة والمتكلمون فى طبيعة النفس ، فذهب الفلاسفة إلى أنها جوهر مجرد عن الجسمية والمادية .
فذهب الكندي إلى أن النفس جوهر بسيط إلهى روحانى وأنها نور من نور البارئ فهو إذن أفلاطونى النزعة لأنه متأثر به(1) فالنفس إذن جوهر مجرد لأنها جوهر إلهى ومن نور البارئ ومادام كذلك فلابد أن يكون جوهراً مجرداً عن الجسمية .
بينما يرى الفارابى أن الإنسان مكون من عنصرين أحدهما من عالم الأمر أى العالم الإلهى ، والآخر من العالم الحسى ، فالنفس من عالم الأمر المفارق للعالم الحسى المادى فهى جوهر الإنسان ، وذلك انطلاقا من قوله تعالى : (ألا له الخلق والأمر) [الأعراف54] فالخلق إشارة إلى العالم الحسى والأمر إشارة إلى العالم الإلهى والروحانى المجرد عن المادة ، فهى فى جملة الجواهر المفارقة للمادة (2).
__________
(1) راجع د. خليل الجر: تاريخ الفلسفة العربية ، ج2 / 76 ، 77.
(2) راجع الفارابى / فصوص الحكم ، حيدر أباد الهند 1345هـ ، ص 95 ، أهل المدينة الفاضلة ، دار العراق . بيروت 1955م، ص69 ، 70 .(1/34)
وابن سينا يعتبر النفس جوهراً مجرداً وليست جسما ولا فى الجسم فهى جوهر مجرد وكمال(1) فهو يتابع أرسطو فى هذه القضية ، ويوافق ابن رشد أرسطو في قوله بأن النفس صورة الجسم وليست مادية (2) وهي جوهر مجرد عن أن يكون جسما , وإنها جوهر روحي قائم بذاته ليس بجسم (3).
فظهر من هذا أن الفلاسفة يرون النفس جوهرا مجردا عن الجسمية وليست داخل الجسم ووافقوا إما أفلاطون أو أرسطو في قولهم بجوهرية النفس وأنها صورة .
أما المتكلمون فقد انقسموا في ذلك , فبعضهم ذهب إلي مادية النفس ، وذهب آخرون إلي الروحية , وتوسط فريق ثالث بينهما، فذهب الأشاعرة إلي مادية النفس وشكوا في روحية النفس ويكمن السبب في قولهم هذا لقولهم بالجوهر الفرد(4) , ويرى فريق من المعتزلة أنها عرض كسائر الأعراض (5)
__________
(1) راجع ابن سينا: الشفاء الطبيعيات النفس ، تصدير ومراجعة د.إبراهيم مدكور ، تحقيق الأب د.جورج قنواتى، سعيد زايد ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1975م ، م1 ف3 ، ص 22 ، 23 .
(2) راجع ابن رشد : تلخيص كتاب النفس , تحقيق د أحمد فؤاد الأهواني , الطبعة الأولي 1950 مكتبة النهضة المصرية ، ص 12.
(3) راجع ابن رشد : الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة , ضمن فلسفة ابن رشد المكتبة المحمودية التجارية ، ص 64.
(4) راجع د . إبراهيم مدكور:في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه , دار المعارف الطبعة الثالثة 1983 ،ج1/125.
(5) راجع الأشعري : مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين , تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد , طبعة خاصة بورثة المحقق ، ج2/30.(1/35)
و ذهب الفريق الآخر إلي روحية النفس وذهبوا الى أن النفس جوهر ليست جسما ولا عرضا(1) ووافقه فريق من الأشاعرة بروحية النفس وأنها تبقي بعد فراق البدن(2) ،
وأما الفريق الثالث الذى توسط بين الفريقين السابقين فبعضهم جعل النفس عبارة عن المزاج واعتدال الأخلاط أو الطبائع الأربع وهى الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة (3) ومنهم من جعله عبارة عن شكل البدن وتخطيطه (4).
هذه هى آراء المتكلمين ، أما القائلون بالروحية وافقوا الفلاسفة فى القول بجوهرية النفس ، وأما الفريق الذى توسط فهم الأطباء وكان قولهم طبقا لدراستهم للطبائع .
ويشير القرآن إلى النفس فى مواضع كثيرة يقول تعالى : ( هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ) [ يونس30] وقال تعالى : ( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم) [غافر17] وقوله تعالى : (كل امرئ بما كسب رهين) [الطور21] ففى هذه الآيات إخبار عن النفس بأنها مجزية وكاسبة لأفعالها وهى المشار إليها فى الآيات هذا وإن كان المقصود بالنفس هنا فى هذه الآيات هو الإنسان إلا أنه بناء على رأى القائلين بالمعاد الروحانى فيكون الخطاب إذن للنفس ، وعلى الرأى القائل بالمعاد البدنى والروحى فإن البدن لا يشعر بالنعيم والعذاب إلا بوجود النفس فيكون الخطاب للنفس لا للبدن(5) .
__________
(1) راجع ابن حزم : الفصل ، ج 5 /202.
(2) راجع ابن القيم : الروح , دار إحياء الكتب العربية ــ القاهرة ، ص 68 , 69. أنظر أيضا الرازي : محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين راجعه طه عبد الرؤوف سعد ، مكتبة الكليات الأزهرية ، ص 224.
(2) راجع الأشعري : مقالات الإسلاميين ، ص 29 ، أنظر الرازي : المحصل ص 224
(3) راجع الرازى : المحصل ، ص 224
(4) راجع ابن حزم : الفصل ، ج5 / 220.(1/36)
ويقول تعالى: ( ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) [غافر46] وقوله تعالى: (ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) [البقرة 154] ، ويقول تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء) [آل عمران169] فهذه الآيات تبين أن العذاب والنعيم والفرح والسرور إنما يكون للنفس لأن الأجساد قد فنيت وبادت فلا وجود لها فى حال الشهداء وفى عذاب القبر .
فالنفس تتحرك وتنتقل وتحس وتتحيز وتشغل الأماكن فهى إذن جسم مخالف لماهية هذا الجسم المحسوس (1).
فالنفس جسم نورانى علوى خفيف حى متحرك وينفذ فى جوهر الأعضاء ويسرى فيها سريان الماء(2) .
والقرآن يتناول النفس ويصفها بأوصاف تدل على أنها جسم يقول تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) [الزمر42] ، فهنا وصفت النفس بالتوفى والإمساك والإرسال ، وفى موضع آخر فيقول تعالى : (ولو ترى إذ الظالمون فى غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون) إلى قوله تعالى : (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) [الأنعام 93 ،94] ، فالملائكة بسطوا أيديهم لأخذ النفس وإخراجها وخروجها حتى تجزى بالعذاب ثم تجئ إلى الله فحركة النفس وخروجها ومجيئها صفات الجسم .
وقوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى) [الفجر 27 ،28] فهنا وصف للنفس بالرجوع والدخول والرضا(3) كل ذلك يؤكد جسمية النفس وعدم روحانيتها عند الفريق القائل بماديتها.
__________
(1) ابن حزم : الفصل ، ج5 /220 .
(2) راجع ابن القيم : الروح ، ص 239.
(3) راجع ابن القيم : الروح ص239 .(1/37)
والقول الوسط هو ما رآه صاحب المقاصد حيث يقول (النصوص الظاهرة من الكتاب والسنة تدل على أنها تتصف بما هو من خواص الأجسام ، ولا خفاء فى احتمال التأويل وكونها على طريق التمثيل ولهذا تمسك بها القائلون بتجرد النفوس ، وقد يستدل بأنها لا دليل على تجردها فيجب أن لا تكون مجردة ويعارض بأنه لا دليل على كونها جسما أو جسمانيا فيجب أن لا تكون كذلك)(1) و يبدو أن هذا الرأى هو الصواب ، وأنه ليس هناك آية تدل على الجسمية أو الجوهرية للنفس.
قوى النفس :
اختلف الفلاسفة فى تصنيف القوى فاتفق ابن سينا وابن رشد ، واختلف عنهما الكندى والفارابى ، لكنهم أثبتوا نفس القوى .
فذهب الكندى إلى وجود ثلاث قوى :
1- القوة الحاسة وهى الخاصة بإدراك المحسوسات .
2-القوى المتوسطة وتضم القوة المصورة أى التى توجد صور الأشياء الشخصية وتضم كذلك القوة الحافظة ، والقوة الغضبية ، القوة الشهوانية.
3-القوة العاقلة أى تدرك صور الأشياء مجردة ، والقوى الغاذية والمنمية تندرجان تحت القوى المتوسطة(2).
أما الفارابى فيقسم القوى إلى قسمين :
أ- القوى المحركة ومنها (1-القوة الغاذية وتضم المنمية والمربية والمولدة 2-القوة النزوعية وهى التى تشتاق إلى الشئ وتكرهه ومن هذه القوى القوة الشهوانية والقوة الغضبية)
ب- القوى المدركة وتضم (1-القوة الحاسة التى تشمل الحواس الخمس والحس الباطن 2- القوة المتخيلة التى تحفظ المحسوسات 3-القوة الناطقة التى تعقل المعقولات ولها قوتان نظرية وعملية)(3).
__________
(1) سعد الدين التفتازانى ، شرح المقاصد ، تحقيق د/ عبد الرحمن عميرة ، تصدير الشيخ / صالح موسى شرف ، عالم الكتب – بيروت 1989م ، الطبعة الأولى ، ج3/307 ، 308 .
(2) راجع د. خليل الجر : تاريخ الفلسفة العربية ، ج2/78، 79.
(3) راجع الفارابى : أهل المدينة الفاضلة ، ص50-68 .(1/38)
وابن سينا يقسم النفوس إلى ثلاثة : أحدها النفس النباتية وتضم القوة الغاذية والمنمية والقوة المولدة ، وثانيها النفس الحيوانية وتنقسم إلى قوتان المحركة والمدركة فالمحركة على أنها باعثة وهى القوة النزوعية الشوقية وتضم القوة الشهوانية والقوة الغضبية . والمحركة على أنها فاعلة ، والمدركة إما من خارج وإما من داخل ، فالمدركة من خارج هى الحواس الخمس ، والمدركة من داخل الحواس الباطنة ويشمل الحس المشترك ، والخيال والمصورة ، والمتخيلة ، الوهمية ، الحافظة الذاكرة . أما النفس الناطقة الإنسانية فلها قوتان قوة عاملة وقوة عالمة(1).
ويرى ابن رشد أن النفس النباتية تشمل القوة الغاذية والقوة النامية والقوة المولدة والنفس الحساسة وتوجد فى الحيوان وتشمل قوة اللمس والذوق والبصر والسمع والشم ، والنفس المتخيلة(2) والنفس النزوعية التى بها يكون الغضب والشوق والإرادة ، والقوة الناطقة وفعلها تجريد المعانى ، وتركيب بعضها إلى بعض ، والحكم ببعضها على بعض ، ولها قوتان العقل العملى والعقل النظرى(3) ، فالفلاسفة إذن يتفقون فى ذكر ثلاث نفوس نباتية وحيوانية وناطقة ، ولكل نفس قوى تختص بها .
... ويتحدث القرآن عن قوى النفس ويحددها وهي:
(1) قوة الدوافع الغريزية أو القوة الشهوانية : وهي تقابل النفس الأمارة بالسوء يقول تعالى: ( وما أبرئ نفسى إن النفس لأمارة بالسوء ) [يوسف 53] ، وهذه النفس تحث الإنسان على فعل كل شر وما يجد فيه الإنسان اللذة سواء كان في تحقيقه خير له أو شر ويخضع ذلك لتحقيق دوافع الإنسان.
وهذه الدوافع هي :
1- حاجات تكفل المحافظة على بقاء الفرد ، كالحاجة إلى الطعام والماء والهواء ، والحاجة للاحتفاظ بدرجة حرارة جسمية ، الحاجة إلى النشاط والحركة.
__________
(1) راجع ابن سينا : الشفاء الطبيعيات النفس م1 ف5 ، ص32-37 .
(2) راجع ابن رشد : تلخيص النفس ، ص12 – 60 .
(3) راجع ابن رشد : تلخيص النفس ، ص 68 .(1/39)
2- حاجات تكفل المحافظة على بقاء النوع وهي الحاجة الجنسية أو الدافع الجنسى ودافع الأمومة.
3- الحاجة إلى التنبيه الحسى الخارجى
4- الحاجة إلى استطلاع البيئة ومعالجتها(1).
فهذه الدوافع تدفع الإنسان إلى فعل ما يحقق به رغبته يقول تعالى: ( واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه) [الأعراف 175، 176] ، فالآية تعطى مثالاً لمن رقى أعلى درجات القوة الشهوانية ، ولكن القرآن يشير إلى اعتدال هذه القوة يقول تعالى : ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) [الأعراف 31] ، وينبه الكتاب المقدس إلى تلك القوة (واللفيف الذى في وسطهم اشتهى شهوة) ( عد 11 : 4 ) ( إنى قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزراً على وجه الأرض وكل شجر فيه ثمرشجر يبزر بزراً لكم يكون طعاما) (تك 1 :29) ، أما الحاجة إلى بقاء النوع فيعبر عنه القرآن بأنه من أول الأشياء المرغوبة لدى الإنسان يقول تعالى: ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين) [آل عمران 14] ، ثم يأمر القرآن بالمحافظة على النوع فينهى عن قتل الأولاد يقول تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) [الأنعام 151].
... ثم يقرر القرآن سبيل الوصول إلى هذا الهدف فيقول تعالى: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءاً ) [النساء 1]. فهذا بيان لأصل الإنسان والوسيلة التى بها يكثر النسل وهو الزواج.
... ويبين الكتاب المقدس تلك الحاجة فيقول (وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت) (تك 4 : 1) فحدوث اللقاء والزواج سبب في بقاء النوع الإنسانى عن طريق الأولاد ، فالقوة الشهوانية تدفع الإنسان إلى حفظ هذه الحاجات للإبقاء على الفرد والنوع.
(
__________
(1) راجع د. أحمد عزت راجح : أصول علم النفس ، دار المعارف بالقاهرة 1995م ، ص 85-86 .(1/40)
2) القوة الغضبية : وهي تدفع الإنسان لدفع كل ما هو ضار به وذلك حفاظاً على بقاء الفرد يقول تعالى: ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) [البقرة 194] ، ويقول تعالى: ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) [النحل 126] ، ويقول تعالى : ( قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها) [الشمس 9 ، 10] ، لكن الكتاب المقدس يوضح الابتعاد عن الشر فيقول ( امتنعوا عن كل شبه شر ) (اتس 5 : 22) وفي الوقت ذاته يحذر من العدوان و الشر فيقول (سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً) (مت5 38، 39).
(3) القوة النامية الموجودة في النبات والحيوان لقوله تعالى: ( اعلموا أن الله يحى الأرض بعد موتها ) [الحديد7] ، وقوله تعالى : ( فأحيينا به بلدة ميتا ) [ق11] (1) ، و يشير إليها الكتاب المقدس (وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل) (تك 2 : 9) ، فهذه القوة هي التى تعطى النبات النماء والتوليد لقوله تعالى : ( وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) [الحج5].
(
__________
(1) راجع الراغب الأصفهانى : المفردات في غريب القرآن ، تحقيق محمد سيد كيلانى ، دار المعرفة بيروت ، مادة(حى) ، ص 138.(1/41)
4) القوة الحساسة : وبها سمي الحيوان حيوانا قال تعالى : ( وما يستوى الأحياء ولا الأموات ) [فاطر22] ، وقوله تعالى : ( ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتاً ) [المرسلات26] ، وقوله تعالى ( إن الذى أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير) [فصلت39](1) ، فهي القوة التى يكون بها الإحياء وتتميز عن النبات ، ويشير القرآن إلى الحواس في قوله تعالى: ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) [النحل 78] ، ويقول الكتاب المقدس (من له أذنان للسمع فليسمع) (لو 14 : 35) ، (سراج الجسد هو العين) (مت 6 : 22) فهذه القوة بها يستفيد الإنسان والحيوان بحواسه الخمسة وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس ، وبها تتميز الأشياء الخارجية التي تدركها الحواس.
(5) القوة العاقلة التي هي خاصة للإنسان فقط وبها يدرك المعقولات يقول تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب ) [آل عمران 190] ، وقوله تعالى : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً ) [الإسراء 36] ، فهذا تقرير لهذه القوة التى بها يدرك الإنسان الأمور العقلية والأشياء من حوله ، و الذى يعدم هذه الملكة يتساوى مع الحيوان لأن هذه القوة خاصة بالإنسان فيقول تعالى : ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام ) [الفرقان 44] ، وعن ذلك يوضح الكتاب المقدس (فالعقل يحفظك والفهم ينصرك) (أم 2 : 11) (تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم) (رو 12 : 2) فالعقل يدرك معانى الأشياء ويحللها ويركبها ولذلك تظهر أحكام العقل سليمة.
علاقة النفس بالجسم:
... إن العلاقة بين النفس والجسم ترتبط بالحديث عن طبيعة النفس فيظهر بذلك مدى استقلالها عن الجسم أو غير ذلك.
__________
(1) راجع الراغب الأصفهانى :المفردات في غريب القرآن ، مادة(حى) ، ص 138.(1/42)
... فيرى الكندى أن علاقة النفس بالبدن علاقة عارضة وذلك رغم اتحادها به ولا تفعل أفعالها إلا به إلا أنها مباينة له(1).
... لكن الفارابى يتردد في هذه المسألة فتارة يرى أنها صورة للجسم وتارة أخرى يصرح بأنها جوهر مستقل عن الجسم ، وهو يعتبر الجسم شرط في وجود النفس(2) فهذا يؤكد على العلاقة بينهما بالرغم من أن النفس جوهر مستقل عن الجسم.
... أما ابن سينا فيرى أن اتصال النفس بالجسم هو اتصال جوهر بجوهر آخر بصفة عرضية ، والنفس جوهر روحانى قائم بذاته(3) فهو يتفق إذن مع الكندى.
... و يوافق ابن رشد ابن سينا في جعله النفس جوهراً روحانياً قائماً بذاته ، لكنه مع ذلك يعد صورة للجسم ، وهي تحل في البدن والجسم آلة لها ومحل تحل به(4)
... والقول بأن الإنسان مادة فقط قول ينقضه ما يعرفه الإنسان بفطرته ، فهو كائن يعى ذاته والمادة لا تعى ذاتها والإنسان هو الكائن القادر على استخلاص أنواع المعرفة تجريداً بعمليات ذهنية معقدة ، والإنسان حين يتأمل ذاته أو ما يسمى بالاستبطان لا يدرك مادة وإنما يدرك فكراً ، والدوافع الداخلية والعواطف أمور غير مادية(5).
... فالإنسان مركب من النفس والجسم وذلك في علاقة لا تنفصل ومرتبطان أشد أنواع الارتباط لقوله تعالى : ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ) [الحجر 29] ، فالتسوية للجسد ويعقبها نفخ الروح ، فهو يدرك الأمور العقلية والنفسيةمن نفسه وليس من جسمه.
__________
(1) راجع د. خليل الجر : تاريخ الفلسفة العربية ، ج2 / 77
(2) راجع الفارابى : التعليقات ، حيدر أباد ، الهند ، 1346هـ ، ص 12.
(3) راجع ابن سينا : الشفاء ، النفس م ا ف 3 ، ص 23.
(4) راجع ابن رشد : تلخيص النفس ، ص12 ، الكشف عن مناهج الأدلة ، ص 64.
(5) راجع د. أبو الوفا التفتازانى : الإنسان والكون في الإسلام ، ص 68 ، 69.(1/43)
... إن الإنسان قد جمع بين قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله ، فمن غذى الجانب المادى على حساب الروح لم يعرف طبيعة الإنسان ، ومن أعطى الجزء المادى غذاءه وحقه من الأرض ولم يعط الجانب الروحي حقه من المعرفة والعلم والإيمان فقد هدم الفطرة وجهل قدرها وكان ذلك سبباً في هلاكها.
... وقد جمع القرآن الأمرين معاً في سورة السجدة في قول الله تعالى : ( الذى أحسن كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه ) [السجدة 7-9] ، فالطين والماء المهين كلاهما يمثل التطور في الجانب المادى لخلق الإنسان ، والتسوية ونفخ الروح فيه تمثل الجانب العقلى أو الروحى(1).
... فالإنسان وحدة جسمية متكاملة لا تتجزأ ، كل نشاط نفسى هو في الوقت نفسه نشاط جسمى ، والعمليات النفسية هي التى يبرز فيها الجانب الباطن الذاتى على الجانب الظاهر الموضوعى وليست نفسية خالصة ، والنفس والجسم إن هما إلا مظهران أو جانبان لشيء واحد هو الإنسان(2).
__________
(1) راجع د. محمد البهى : نحو القرآن ، مكتبة وهبة – القاهرة ، الطبعة الثانية 1986م ، ص 58.
(2) راجع د. أحمد راجح : أصول علم النفس ، ص 25 ، 26.(1/44)
والعلاقة بين النفس والجسد تبدو واضحة في الكتاب المقدس حيث يقول ( وبين كل نفس حية في كل جسد ) (تك 9 : 15) ( فكيف يقول قوم بينكم إن ليس قيامة أموات ) (اكو 15 : 12) فالنفس والجسد ليسا متحدين في الدنيا فقط بل في الآخرة أيضاً (الذى يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم) (مت 10 : 28) فالإنسان لا يكون إنساناً بدون النفس والجسد فهما متصلان اتصالا وثيقاً وذلك ما أكده الإصحاح الثانى في سفر التكوين فقال (وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفساً حية) (تك 2 : 7) فالجسد خلق أولاً ثم النفس وهما يكونان معاً الإنسان ، وبالنفس يفكر ويعقل ويفهم ويفعل كل الأفعال الوجدانية ، فالجسم ليس محلاً للنفس فقط بل هما متصلان اتصالاً وثيقاً لا تفارق البدن إلا في حالتي النوم والموت وفى غير ذلك يتفاعلان و تصدر عنهما أفعال وسلوك الإنسان.
تعقيب:
... بعد هذه الدراسة للفصل يتبين أن الإنسان قد خلق خلقاً مستقلاً وأن القائلين بتطور الإنسان عن الحيوان قد استندوا إلى أدلة ثبت علمياً بعد ذلك عدم صحتها منها ذاتها فنفس الأدلة التى استندوا إليها هي ذاتها التى أثبتت عدم صحة النظرية.
... ولا يمكن أن يكون الإنسان الذى منحه الله العقل واصطفاه واستخلفه في الأرض واصطفى من نسله أنبياء وعقلاء وحكماء ويكون أصل هذه الطائفة من الصفوة حيواناً يشبه القرد ، وهذا ينافى تكريم الله للإنسان.
... والإنسان قد خلقه الله متدرجاً في بطن أمه ثم نفخ فيه الروح وسواه فهو مركب من طبيعتين وهما الروح والجسد ولكل منهما ما يمده وينميه ولا يمكن أن يكون غذاء إحداهما للآخر فيجب أن يكون هناك توازن بينهما حتى يستقيم الإنسان في حياته.(1/45)
... والتطور عند القائلين به إما تطور عام للكون كله ، وتطور للأنواع من النبات والحيوان والإنسان ، وتعتمد فكرة التطور على عناصر ثلاثة هي أساسها وهي التوالد الذاتى والتناحر للبقاء فيحدث صراع بين كائنات الطبيعة لكي تبقى ، والانتخاب الطبيعى فتختار الطبيعة للبقاء من الكائنات لها صفات تؤهلها لذلك.
... وتستند هذه النظرية إلى أدلة علمية من الحفريات والجيولوجيا والتشريح إلا أنه قد ثبت من خلال هذه الأدلة عدم صحة النظرية.
... فالكتب المقدسة تثبت خلق الإنسان من الطين أو الماء والتراب وقد كرمه الله ونفخ فيه الروح وفضله على الخلق ، فهو كائن يحتل مكانة رفيعة عند الله تعالى ، وقد خلقه في أحسن تقويم.
... والإنسان لأنه خليفة الله في الأرض عليه أن يكون على قدر المسئولية التى حملها الله له ، ولا بد أن يرعى النعم التى أعطاها له ونعمة العقل واجب حفظها فيستفيد من عقله بعلمه ويغتنم علمه ويتقدم في العلوم ويطورها لأجل خدمة البشر ، ولا يكون مصدر فساد في هذا الكوكب الذى يعيش فيه ، بل يستفيد من تسخير النبات والحيوان والجماد له فينتج منها ما يؤهله للقيام بدوره كقائد في هذا الكون وخليفة لله.
... والنفس البشرية اختلف في طبيعتها الفلاسفة و المتكلمون، فرأى الفلاسفة أنها جوهر بينما يرى ابن حزم وابن القيم وغيرهما أنها جسم.
... ووصفت النفس في القرآن بأوصاف مختلفة ولها إطلاقات كثيرة ، والجسم عند الفلاسفة محل للنفس وهي آلته التى تحركه ، بينما الجسم ليس مجرد محل للنفس بل يمثل هو والنفس شيئاً واحداً لا ينفصلان إلا بالموت.(1/46)
الفصل الثانى
الفضاء الخارجى فى القرآن الكريم
والكتاب المقدس
ويشتمل على تمهيد ومبحثين
المبحث الأول الشمس والمجموعة الشمسية
المبحث الثانى القمر
تمهيد
بعد ذكر علاقة الله بالكون ، وعلاقته بجوانبه وهى السماوات والأرض يأتى البحث فى الشمس والقمر لاحقاً لهما ، والشمس والقمر رغم كونهما من الأجرام السماوية إلا أنهما استقلا بفصل كامل لأهميتهما فى الكون وحياة الإنسان ، ولما ينتج عنهما من آثار نافعة فى هذه الحياة.
وقد أقسم الله بالشمس والقمر لأنهما سبب النور والضياء فى الليل والنهار ، وسبب لعمليات تحدث على الأرض من النمو والإنبات والطاقة قال تعالى:( والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها ) [الشمس 1- 2] ، وخصهما بالذكر بعد ذكر السماوات والأرض لأهميتهما ، لأن الشمس مركز المجموعة الشمسية التى منها الأرض ، قال تعالى : ( الله الذى خلق السموات والأرض "، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ) [سورة إبراهيم 32 ، 33].
فالشمس مصدر لجميع أنواع الطاقة فى كوكب الأرض ، ولولا الشمس لما وجدت هناك حياة للنبات أو الحيوان أو الإنسان ، فالشمس شجرة المادة والطاقة فى هذه الدنيا ، وهى السراج المتوهج فى السماء الذى يمد البشر بالضوء المنبعث ذاتيا(1).
يقول تعالى :( وجعلنا سراجاً وهاجا ) [النبأ 13] ، ويقول تعالى : ( تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيراً ) [الفرقان 61] ، وقوله تعالى : ( ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجا )[ نوح15 –16].
__________
(1) راجع د. منصور حسب النبى : الكون والإعجاز العلمى ، ص 127. 1 1(1/1)
ولهذه الأهمية احتلت الشمس والقمر مكانة عظيمة عند الناس ، فعظموهما ونظروا إليهما نظرة إجلال واحترام ، ولقد ظن إبراهيم عليه السلام فى بادئ حياته عندما تأمل فى السماء أن الشمس والقمر هو الإله لكنه فطن بعقله إلى أن الله هو الإله الجدير بالعبادة بعدما رآهما يغيبان ويظهران قال تعالى :( فلما رءا القمر بازغا قال هذا ربى فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى لأكونن من القوم الضالين . فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربى ..... ) [ الأنعام 77-78] .
ولذلك فقد عبدهما قوم وخصوهما بالطاعات ظناً منهم أنهما سبب المنافع والخيرات التى ينعمون بها . فنهاهم الله عز وجل عن ذلك وأوضح أن الأجدر بالعبادة والطاعة هو الله خالق الشمس والقمر قال تعالى : ( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذى خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ) [ فصلت 37].
ومن هنا فقد احتلت الشمس مكانة عظيمة بين العلماء والفلاسفة والمتكلمين فأخذوا يدرسونها هى والقمر وخاصة فى العصر الحديث بعد ظهور الاختراعات فتوصلوا إلى معرفة تركيبها وحجمها ووصفها ووظيفتها . ولذا فقد كان اللازم تخصيص فصل كامل عن الشمس والقمر فى القرآن الكريم والكتاب المقدس ، ويشمل مبحثين
المبحث الأول :- الشمس والمجموعة الشمسية
المبحث الثانى :- القمر
ويتناول البحث هذين المبحثين بالتحليل والنقد والمقارنة بين القرآن الكريم والكتاب المقدس والإشارة إلى ما ذكره المتكلمون والفلاسفة عن تلك القضايا العلمية.
المبحث الأول
الشمس والمجموعة الشمسية
ورد ذكر الشمس فى القرآن الكريم فى اثنين وثلاثين موضعا(1) واقترنت بالقمر فى مواضع كثيرة وذلك لأهميتهما فى حياة الإنسان ، ولذا فهما من النعم التى أنعم الله بها على الإنسان وذكرها فى كتابه الكريم ، ويأتى الحديث الآن عن أقوال المتكلمين والفلاسفة فى الشمس.
__________
(1) راجع محمد فؤاد عبد الباقى : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، ص 491 ـ 492.(1/2)
الشمس عند المتكلمين والفلاسفة:
إن الشمس لها فلكان فهي إما أن تكون على فلك شامل للأرض مركزه خارج عن مركز العالم أوعلى فلك تدوير يحمله فلك موافق المركز وإلا لم تختلف بعدا وقربا بالنسبة إلى مركز العالم وما يليه من وجه الأرض فلا يختلف سرعة وبطأ . فالشمس إذن لها فلكان إما خارج مركز ومائل وإما تدوير وحامل .(1)
ونص القرآن فى قوله تعالى :(لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار ) [يس 40], على أن الشمس أبطأ فى الحركة من القمر , وقام برهان الرصد أن الشمس تقطع السماء فى سنة , والقمر يقطعها فى ثمانية وعشرين يوما . والليل لايسبق النهار , فهذا هو حكم الحركة الثانية التى للفلك الكلى , وهى التى تتم فى كل يوم وليلة دورة , ويتساوى فيها جميع الدرارى , والنجوم والشمس والقمر(2).
أما ابن سينا فيذكر بعض فوائد كواكب المجموعة الشمسية فيوضح أن كوكب زحل يفيض منه قوة مؤثرة فى الأجسام بالبرد والجمود واليبس و إذعانات للتغير واستحالة فى الأنفس استعداداً لقبول التخيل والذكر والتفكر والتوهم وكوكب المشترى يفيض منه قوة فى الأجسام تحفظ كمال كل جسم ، وفى الأنفس تهيؤ لقبول قوة الحس(3).
فيظهر أثر الكواكب على الأجسام والأنفس فليس الإنسان مستقلا عن هذا الكون , فهو متأثر بالنجوم والكواكب .
وعرّف ابن سينا الشمس فقال : "هو أعظم الكواكب كلها جرما وأشدها ضوءاً ومكانه الطبيعى فى الكرة الرابعة"(4).
__________
(1) راجع الجرجانى : شرح المواقف ، ج 7/116 -117.
(2) راجع ابن حزم : الفصل ، ج 2/253.
(3) راجع ابن سينا : رسالة فى الأجرام العلوية ، ص 58.
(4) راجع ابن سينا : رسالة فى الحدود ضمن تسع رسائل ، ص 90.(1/3)
ويبين فائدتها فيرى أنها تفيض منها قوة فى الأجسام تهيئ المركبات لقبول كمالاتها المزاجية وتعطيها الحرارة الغريزية وهذا أثر الشمس فى الجسم , أما فى الأنفس فإنها تهيئ الأنفس الطبيعية إلى الحركات الزائدة وفى الأنفس الإنسانية فضل حركة إلى التسلط .(1)
وهكذا يبدو أثر الكواكب علىالإنسان وليس الشمس وحدها هى المؤثرة , والشمس أيضا تؤثر على الأجسام والأنفس فى نموها وتولدها وفكرها وحسها.
وابن طفيل يرى أن الشمس تكون بذاتها غير حارة ولا متكيفة بشئ من الأمور المزاجية , ويصف شكل الشمس والأرض فيوضح أن الشمس كرية الشكل وأن الأرض كذلك والشمس أعظم من الأرض كثيرا وأن الذى يستضيئ من الأرض بالشمس أبدا هو أعظم من نصفها وأن هذا النصف المضيء من الأرض فى كل وقت أشد ما يكون الضوء فى وسطه لأنه أبعد المواضع من الظلمة عند محيط الدائرة(2). فالمتكلمون والفلاسفة متأثرون بالآراء القديمة . ويذهب بعض المتكلمين إلى العمل بظاهر الآيات فى حركة الشمس وطاقتها .
الشمس فى القرآن الكريم والكتاب المقدس:-
وردت الشمس كثيرا فى القرآن الكريم والكتاب المقدس,فالشمس كرة من الغازات الملتهبة قطرها يزيد عن مليون وثلث مليون كيلو متر وحجمها مثل حجم الأرض أكثر من مليون مرة وكتلتها أزيد من 2 بليون طن،ويتكون ضوؤها من 70% أيدروجين ، و28%هلييوم ، و2% عناصر أخرى ، وحرارة سطحها 6000 درجة, وقطرها 1.391.980 كم, ومعدل الكثافة 1.41 جرام /سم3 , وجاذبية السطح27.9 جاذبية أرضية ,والكتلة 10 13 × 1.99 كيلوجرام وفترة الدوران 25.40 أيام.
__________
(1) راجع ابن سينا : رسالة فى الأجرام العلوية ، ضمن تسع رسائل ، ص 59.
(2) راجع ابن طفيل : حى بن يقظان ، الطبعة الثانية 2000م الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ص 27، 28.(1/4)
ومعظم الخواص المميزة للشمس قد يكون السبب فيها شدة ضوئها , فهى تطلق كميات ضخمة من الضوء . فكمية الطاقة التى تنطلق منها حوالى 4× 10 26 وات وقوة الضوء الواصل منها حوالى 1.354وات/م2 . هذه الكمية تعرف بالتكوين الضوئى(1).
والشمس هى مركز الأجرام السماوية وهى النجم الذى تدور حوله الأرض وسائر كواكب المجموعة الشمسية , ومنها تستمد الأرض الطاقة على شكل الضوء و الحرارة اللازمين لكل أنواع الحياة "فى البدء خلق الله السماوات والأرض وقال الله لتكن أنوار فى جلد السماء ...فعمل الله النورين العظيمين النور الأكبر لحكم النهار والنور الأصغر لحكم الليل والنجوم وجعلها الله فى جلد السماء لتنير على الأرض ولتحكم على النهار والليل "(تك1:1-18) (2).
فالله هو الذى خلق الشمس وهو الذى يحفظها وينظم حركتها (الجاعل الشمس للإضاءة نهارا وفرائض القمر والنجوم للإضاءة ليلا ) (إر 35:31, يش 15.12:1 , 2 مل 9:20-11, إش 7:38-8) وشروق الشمس وغروبها هما أعظم ظاهرة طبيعية لتقسيم اليوم بين النهار والليل , والشمس هى التى تنمى النباتات وتنضج الثمار (تث 33: 14) كما أنها هى التى تيبس النباتات التى لم تتأصل فى الأرض (مت13-6)(3).
__________
(1) راجع د: منصور حسب النبى ، الكون والإعجاز العلمى ، ص 128 .انظر أيضا:
Throdore p.snow , Kenneth R. brown Sberger : Universe, origins and evolution, NewYork 1997, p. 303.
(2) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ، ص 30 ، انظر أيضا صموئيل حبيب وآخرون : دائرة المعارف الكتابيه ، ج 4/550. مادة شمس
(3) راجع صموئيل حبيب وآخرون . دائرة المعارف الكتابية ، ج 4/550 مادة شمس(1/5)
فالشمس لأهميتها فى الحياة أقسم الله بها فى القرآن قال تعالى :(والشمس وضحاها )[ الشمس 1], وذكرها فى أكثر من موضع لتذكير الإنسان بأنها من نعم الله عليه قال تعالى : (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ) [إبراهيم 33 ]وقال بعدها: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ إبراهيم 34] وقال تعالى : (وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى) [فاطر 13 ، الزمر 5, الرعد 2 [.
فهذه الآيات تبين أهمية الشمس فى حياة البشر وإذا لم تكن ذات أهمية عظيمة ما عدت من النعم التى سخرها الله للعباد ليبصروا فى ضوئها ويستمدوا منها الحرارة اللازمة للحياة والنمو والنبات ولمعرفة الأوقات.
ويقدر عمر الشمس الآن بنحو 10 بليون سنة ، أما عمرها الكلى المقدر لها فهو 50 بليون سنة ، عندها ينفذ وقودها من الأيدروجين(1) يقول تعالى ( إذا الشمس كورت ) التكوير:1 ، فهذا إخبار عن نهاية الشمس ونهاية وقودها وأن ذلك من علامات الساعة وذكر الكتاب المقدس أن ذلك من علامات نهاية العالم " والشمس صارت سوداء كمسح من شعر ( رؤ 6 : 12 ) (تتحول الشمس إلى ظلمة) ( أع 2 : 20) والعناصر محترقة تذوب " (2 بط 3 : 12 ) " فمكونات الشمس تنحل وتفنى وتنتهى طاقتها.
تطور الشمس :-
تعتبر الشمس هى المركز فى النظام الشمسى . إذ أنها تهيمن على الكتلة فى ذلك النظام مكونة أكثر من 500 كتلة أى من الكواكب أو من كتلة الكواكب مجتمعة معا.
إن الكواكب والأجسام المصاحبة الأخرى أخذت معلوماتها من الشمس والشمس فقط هى عضو النظام الشمسى(2).
سطح الشمس :-
__________
(1) راجع د. محمد جمال الدين الفندى : مع القرآن فى الكون ، ص 86.
(2) Throdore p.snow : universe.p 302(1/6)
يسمى سطح الشمس الظاهر بالفوتوسفير ( الطبقة المرئية ) وتبدو الشمس فى الصور الفوتوغرافية كقرص محدد الحواف وهذا بسبب الجاذبية الكبيرة ويحيط بهذا القرص ألسنة مرتفعة من اللهب ويبدو سطح الشمس مرقشا كما أنه يتغير بسرعة كبيرة وشديدة(1).
طاقة الشمس :
وطاقة الشمس هى التى تساعد جميع أنواع الحياة على الأرض والمصدر الحقيقى للطاقة الشمسية المنبعثة يعرف الآن بأنه الطاقة النووية التى تتحرر طبقا لمعادلة إينشتين والتى عبر عنها القرآن الكريم قال تعالى :( وجعل الشمس سراجا) [نوح 16] وهذا يدل على احتراق الهيدروجين فى جو الشمس كالسراج ونتيجة هذا الاحتراق تتولد الحرارة(2).
وفى أقوال المفسرين ما يدل على مدلول التعبير القرآنى لكلمة ( سراجا ) فى قوله تعالى :( وجعلنا سراجا وهاجا ) [النبأ13] حيث إن معنى كلمة متلألئا وقّاداً يعنى الشمس وتوهجت النار إذا تلمظت فتوهجت بضوئها وحرها(3).
و تعنى كلمة السراج أنها الشمس المضيئة التى تبعث الحرارة اللازمة للأرض وما فيها من الأحياء وفى السراج توقد حرارة وضوء وهو ما يتوافر فى الشمس . فاختيار كلمة سراج دقيق كل الدقة(4).
فالقرآن يصف القمر بأنه نور أما الشمس فيصفها تارة بأنها ضياء وأخرى سراج ، وهنا يشبه القرآن الشمس بأنها كالسراج فى ضوئه وحرارته ليؤكد على أن الضوء والحرارة فى الشمس يفوق الوصف.
__________
(1) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك والتقاويم ، ص 21.
(2) راجع د. عبد العليم خضر : الطبيعيات والإعجاز العلمى ، ص 114 ، 115. 1
(3) راجع الزمخشرى : الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل ، دار المعرفة بيروت
، ج4/177.
(4) راجع سيد قطب : فى ظلال القرآن الكريم ، ج6/3806.(1/7)
والشمس فى الكتاب المقدس توصف بأنها نور أو سراج " النور الأكبر لحكم النهار " ( تك1 : 16 ) وعن حرارتها ( ولا شيئ يختفى من حرها ) (مز 19 : 6) ( لأن الشمس أشرقت بالحر ) ( يع 1 : 11 ) ويصف الشمس بالسراج ( ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس ) ( رؤ 22: 5) فوصف الشمس بهذين الوصفين يدل على شدة وتوهج الشمس ومكوناتها . والقرآن يصف الشمس بأنها سراج فى موضعين آخرين قال تعالى : ( تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمراً منيراً ) [الفرقان 61] ، وقوله : ( وجعل القمر فيهن نورا وجعل
الشمس سراجا ) [نوح 16] . والموضع الثالث فى قوله : ( وجعلنا سراجا وهاجا ) [النبأ13].
فالقرآن الكريم والكتاب المقدس لا تعارض بينهما فى وصف الشمس بالسراج وشدة حرارة باطنها فهما لم يفصلا فى الحديث عن مكوناتها إلا أن الاكتفاء بلفظ السراج أبلغ وأدل.
ويتفرع عن هذا وجود فرق بين الشمس والقمر حيث وصف القمر بأنه منير أما الشمس فوصفت بأنها ضياء وسراج قال تعالى : ( هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا ) [ يونس5] و يقول تعالى :( وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ) [نوح 16] ففى هاتين الآيتين حدد الفرق بين الشمس والقمر ، فالشمس هى المضيئة والقمر منير أى عاكس لضوء الشمس فقط.
وقال تعالى : ( هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا ) [يونس 5] فالشمس سلطان النهار ، والقمر سلطان الليل ، فالضياء أقوى من النور ، وجعل فى الشمس اشتعالا وضياءاً ، وإن القمر نور أى فيه إنارة(1).
إن الشمس نجم ينتج باحتراقه الداخلى حرارة شديدة وضوء عظيم ، والقمر ليس مضيئا بذاته بل هو يعكس الضوء الذى يستقبله من الشمس وهو كوكب خامل(2).
__________
(1) راجع الزمخشرى : الكشاف ، ج 2/ 181 ، انظر أيضا : الرازى مفاتيح الغيب ، ج 15/ 279 ، انظر سيد قطب فى ظلال القرآن ، ج 3 /1765.
(2) راجع د. موريس بوكاى : القرآن الكريم والتوراة ، ص 179.، 180(1/8)
والأشعة التى تأتى من مصدر ضوئى مباشر يُسمى الضوء وتلك التى تأتى من مصدر ضوئى غير مباشر تسمى النور ، فالشمس كالسراج تُعد مصدرا مباشرا للضوء أما القمر فهو يستمد نوره من الشمس ثم يعكسه على الأرض(1).
فوصف القرآن للقمر بأنه نور و الشمس بأنها ضياء أو سراج وهاج يدل على الفرق الشاسع بين القمر والشمس وعلى شدة حرارة وضوء الشمس
والكتاب المقدس يذكر الفرق بين الشمس والقمر ( فعمل الله النورين العظيمين النور الأكبر لحكم النهار والنور الأصغر لحكم الليل ) ( تك 1: 16 ) فسمى القمر نورا صغيرا ) والشمس نورا كبيرا .
والنور المذكور فى (تك 1: 3) صادر من الشمس وليس من الأرض ) وهذا يتفق مع ما جاء فى عددى 4، 5 . فلو كانت الأرض مثل النجوم تشع ضوءا لكان ضوؤها يشع من كل جانب ولصعب الفصل بين النهار والليل على الأرض ، فالشمس تشع نورا و تضىء الأرض حتى يكون جانب مضاء والآخر فى ظلام ويكون هناك نهار وليل(2) ولذلك فالشمس نجم مضىء " إن كنت قد نظرت إلى النور حين ضاء " ( أى31: 26 ) "وأنت هيأت النور والشمس "( مز 74 : 16 ).
أما القمر فهو جسم لا يضىء "هو ذا نفس القمر لا يضىء والكواكب غير نقية فى عينيه " ( أى 25 : 5 ) فالقمر غير مضىء وكذلك الكواكب الأخرى لا تضىء ، والقمر فقط يعكس ضوء الشمس " " تظلم الشمس عند طلوعها والقمر لا يلمع بضوء " ( إش 13: 10 ) " ويكون نور القمر كنور الشمس " ( إش 3 : 26 ) فالقمر لامع بالضوء(3) ونوره أقل من نور الشمس كما صرح بذلك الكتاب المقدس.
__________
(1) راجع د. عاطف قاسم المليجى : من روائع الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، ص 87 ، 88.
(2) راجع بيتر وستونر : العلم يشهد ، ص 54.
(3) راجع سامح جاد مترى : إعجاز الوحى العلمى ، ص 40 ، 41.
(3) راجع د . سمير هندى : الكون والبيئة الطبيعية ، ص 51.(1/9)
و وصفت الشمس بأنها ضياء أو سراج أو نور أكبر والقرآن وصفها بأنها ضياء أو سراج وهاج فلا اختلاف بين القرآن والكتاب المقدس ، ولكن الكتاب المقدس يزيد فى وصف الشمس بأنها النور الأكبر وهذا معنى مستنبط من الضياء والسراج للشمس والنور للقمر ، لأن القمر لما كان ضوؤه أقل من ضوء الشمس وهو عاكس لضوء الشمس والشمس هى المضيئة ، فكلمة سراج تؤكد أن الشمس أقوى من القمر.
ويتكلم الكتاب المقدس عن الشمس والقمر والنجوم و أنها خلقت فى اليوم الأول. غير أن الشمس لم تظهر هكذا إلا فى اليوم الرابع ، وكذلك الكواكب كانت موجودة منذ اليوم الأول غير أن الأبخرة حجبتها عن الأرض ولم تتبدد إلا فى اليوم الرابع . وتعينت وظيفة الشمس والقمر والنجوم وهى لفصل الأيام ومعرفة الأزمان والأوقات وحكم الليل والنهار بعد إتمام الخليقة(1)، وهذا بالطبع غير مقبول علميا .
والقرآن الكريم يخبر عن وظيفة الشمس يقول تعالى : ( هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ) [يونس 5] ، فحدد وظيفة الشمس والقمر وهى لمعرفة الأزمان وحساب الأوقات فبهما يتحدد الليل والنهار والفصول الأربعة من حركة الأرض حول الشمس ، أى أنهما مخلوقتان لتنظيم حياة الناس على الأرض .
وأما ما حدده الكتاب المقدس من خلق الشمس ( النور ) فى اليوم الأول وحجبتها الأبخرة ثم ظهرت فى الأفق فى اليوم الرابع . فهذا تفسيرغير صحيح لتلك المسألة، لأن الكون كان كتلة واحدة ثم انفصلت أجزاؤه عن بعضها بعد ذلك ، فتكون الشمس قد انفصلت فى اليوم الرابع بعد ذهاب الأبخرة عنها.
والشمس تساعد النبات على النمو بإتمامها عملية البناء الضوئى ( تث 33 : 14 ) ( 2 صم 23 : 4 ) ويشار إليها بطهارتها " من هى المشرفة مثل الصباح جميلة كالقمر طاهرة كالشمس " ( نش 6: 10)(2).
__________
(1) راجع د سمير هندي : الكون والبيئة الطبيعية ص 51 .
(2) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ، ص 30.(1/10)
حركة الشمس وجريها :-
يثبت القرآن الكريم جرى الشمس قال تعالى :( والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) [يس 38] والشمس تجرى بسرعة 19 كم /ث نحو نجم النسر الواقع ، وتدور الشمس حول نفسها مرة كل 27 يوماًفى المتوسط معها مجموعتها الشمسية بسرعة فائقة تبلغ 22 كم / ث حول مركز المجرة التى تدور حول نفسها مرة كل 250 مليون سنة(1).
وفى مستقر الشمس وجوه : منها أنه حد مؤقت مقدر تنتهى إليه من فلكها فى آخر السنة ، أو أنه منتهى لها من المشارق والمغارب لأنها تتقصاها مشرقا مشرقا ومغربا مغربا حتى تبلغ أقصاها ثم ترجع ، أو إلى حد لها من مسيرها كل يوم وهو المغرب ، وقيل مستقرها أجلها الذى أقر الله عليه أمرها فى جريها فاستقرت عليه وهو آخر السنة وقيل الوقت الذى تستقر فيه وينقطع جريها وهو يوم القيامة . أو الليل أو أن ذلك المستقر ليس بالنسبة إلى الزمان بل هو للمكان فإن أصحاب الهيئة قالوا : الشمس فى فلك والفلك يدور فيدير الشمس ، فالشمس تجرى مجرى
مستقرها(2) وقد ثبت فى ذلك حديث النبى - صلى الله عليه وسلم - وسلم يقول : " يا أبا ذر أتدرى أين تغرب الشمس ؟ قلت الله ورسوله أعلم . قال " فإنها تذهب حتى تسجد تحت ، العرش فذلك قوله تعالى :( والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) [يس 38 ](3) ، وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب(4) وهذا يرجح الرأى القائل بأن المستقر هو المغرب . فالشمس تتحرك وتجرى وتدور فى فلكها كما أخبر بذلك القرآن الكريم والحديث الصحيح .
__________
(1) راجع د. منصور حسب النبى : الكون والإعجاز العلمى ، ص 130.
(2) راجع الرازى : مفاتيح الغيب ج 25 / 124 ، انظر الطبرى : جامع البيان ج 23 / 8 ، انظر الزمخشرى : الكشاف ، ج 3 / 286.
(3) أخرجه البخارى : فتح البارى ، كتاب التفسير ، ج 8 / 541 ، 542 .
(4) راجع ابن حجر : فتح البارى ، ج 8/ 542 .(1/11)
ويوضح القرآن حركة الشمس و دورانها فى قوله تعالى ( وهو الذى خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل فى فلك يسبحون ) الأنبياء 33 الضمير للشمس والقمر والمراد بهما جنس الطوالع كل يوم وليلة . قال ابن عباس يدورون كما يدور المغزل فى الفلكة ، فلا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا الفلكة إلا بالمغزل كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به ولا يدور إلا بهن(1).
ويقول تعالى : ( وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ) [إبراهيم 33 ] أى يدأبان فى سيرهما وإنارتهما ودرئهما الظلمات وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات(2) .
وقال فى آية أخرى : ( وسخر الشمس والقمر كل يجرى إلى أجل مسمى ) [لقمان 29 ]، فالشمس والقمر كل واحد منهما يجرى فى فلكه ويقطعه إلى وقت معلوم الشمس إلى آخر السنة والقمر إلى آخر الشهر وعن الحسن الأجل المسمى يوم القيامة ، وقيل إلى غاية محدودة(3).
فالقرآن بذلك يؤكد حركة الشمس وجريها فى فلكها وأنها فى فلكها كالسابحة وذلك من خلال حركتها المستمرة الدائبة إلى وقت لا يعلمه إلا الله .
وتدل الأبحاث العلمية على أن الشمس تجرى بالنسبة لما حولها من النجوم بسرعة قدرت بحوالى 12 ميلا فى الثانية ولكنها فى دورانها مع المجرة التى هى واحدة من نجومها تجرى ضمن المجرة بسرعة 170 ميلا فى الثانية والشمس تنطلق نحو النسر الواقع ( فيجا )(4).
__________
(1) راجع ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، ج3/ 178 ، انظر أيضاً الزمخشرى : الكشاف ، ج3/ 10 .
(2) راجع الزمخشرى : الكشاف ، ج2/303.
(3) راجع الزمخشرى : الكشاف ج3/ 216 ، ابن كثير : تفسير القران العظيم ، ج3/ 452 .
(4) راجع د. عبد العليم خضر : المنهج الإيمانى للدراسات الكونية فى القرآن الكريم ، الطبعة الثانية 1985 الدار السعودية للنشر والتوزيع ، ص 26 ، 27.(1/12)
وفى قوله تعالى :( والشمس تجرى لمستقرلها ) [يس 38 ] إشارة عظيمة فالفعل ( تجرى ) يدل عند المفسرين والناس الذين لم يعيشوا عصر العلم على حركة الشمس الظاهرة من الشرق إلى الغرب . وهو يعبر عن حركة حقيقية أثبتها العلم الحديث للشمس .
والفعل لا يدل فقط على حركة انتقالية ذاتية للشمس ولكن أيضاً يدل على عظم الحركة لأن الجرى طبعا أدل على السرعة من السير وقال تعالى : ( وهو الذى خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل فى فلك يسبحون ) [الأنبياء 33] ففى قوله تعالى : ( تجرى ) و ( كل فى فلك يسبحون ) تعبير عن مدار الشمس حول مركز مجرتها بأسلوب علمى(1).
وأثبت العلم عدة حركات للشمس ، فهى تجرى أولا ومعها الكواكب السيارة نحو نقطة فى كوكبة هرقل ، وتجرى حول مركز المجرة اللبنية ، بالإضافة إلى جريانها مع المجرة اللبنية ومجموعة المجرات المحلية فى اتجاه ما يسمى بالجاذب العظيم(2)
والقرآن يشير إلى ذلك مجملا بقوله تعالى : ( والشمس تجرى لمستقرلها ) [يس 38 ]وقوله : ( كل فى فلك يسبحون ) [الأنبياء 33 ]، فالفعل ( تجرى ) لم يحدد جريا معينا وإنما أطلق حركة الشمس سواء كانت مع الكواكب أو مع المجرة ، وقوله :( كل ) يقصد به حركة كل الكواكب والنجوم والمجرات ، فالكل يتحرك خضوعا لله عز وجل .
__________
(1) راجع د. عاطف قاسم : من روائع الإعجاز العلمى ، ص 83، 84 .
(2) راجع د. عاطف قاسم : من روائع الإعجاز العلمى ، ص 84 .(1/13)
ويدل أيضا على حركة الشمس عملية الشروق والغروب فهى لا تتم إلا بحركة الشمس من المشرق إلى المغرب يقول تعالى :( حتى إذا بلغ مغرب الشمس) [الكهف 86] وقوله تعالى : ( حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ) [الكهف 90] وقوله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) [فصلت 11 ]، فهنا توضح الآية حركة السماوات والأرض بما فيها والشمس والمجموعة الشمسية من السماء . والشروق والغروب لا يتصور والشمس ثابتة لا تتحرك ، فلابد من حركتها حتى تنتج تلك العملية .
وبالنظر إلى ما ورد فى الكتاب المقدس يوجد قوله ( من أقصى السموات خروجها ومدارها إلى أقاصيها ) ( مز 19 : 6 ) فهنا يصرح بخروج الشمس ودورانها فى مدارها ، ( الشمس تعرف مغربها )( مز 104 : 19 ) فهذا دليل آخر على أنها تعرف مغربها أى أنها تتحرك من المشرق لتصل إلى المغرب . فالشمس ليست ثابتة وساكنة وإنما هى نجم كباقى النجوم يتحرك فى السماء.
ويدل أيضا على حركة الشمس عملية الشروق والغروب ( وإذا أشرقت الشمس على الأرض ) ( تك 19: 23 ) ( ودعا الأرض من مشرق الشمس إلى مغربها ) ( مز 5: 1 ) ( فوقفت الشمس فى كبد السماء ولم تعجل للغروب ) ( يش 10: 13 ) ( لأن الشمس أشرقت بالحر ) ( يع 1: 11 ) فهذه النصوص تؤكد حركة الشمس من المشرق إلى المغرب وخطأ من يقول بثباتها .
كسوف الشمس :-
هو وقوع القمر بين الأرض والشمس فى مستوى دائرة البروج ، بشكل يحجب فيه قرص الشمس بشكل كلى أو جزئى ، ولا يمكن حصول الكسوف إلا وقت ظهور الهلال الجديد ، ولا يمكن حدوث أقل من كسوفين فى العام ولا أكثر من سبع مرات فى العام(1).
__________
(1) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك ، ص 42.(1/14)
والقرآن لا يشير إلى ظاهرة الكسوف بينما أشار الى خسوف القمر ، لكن الكسوف وقع على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال : " إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكنهما آيتان من آيات الله ، فإذا رأيتموها
فصلوا "(1).
ويشير الكتاب المقدس إلى الكسوف فعندما يختفى ضوء الشمس يسود الظلام ( لترعبه كاسفات النهار ) ( أى 3: 5 ) ، " يقول السيد الرب أنى أُغيّب الشمس فى الظهر وأقتم الأرض فى يوم نور " ( عا 8 :9 ) فمقدرة الله هى السبب فى حدوث هذا الكسوف ( يخجل القمر وتخزى الشمس ) ( إش 24 : 23 ) فخزى الشمس ما هو إلا الكسوف.
وينفرد الكتاب المقدس عن القرآن بذكر ضربة الشمس " لا تضربك الشمس فى النهار "( مز 121 : 6) فحرارة الشمس إذا زادت عن المعدل الطبيعى أفقدت جسم الإنسان كمية كبيرة من الماء فيحدث خلل فى التوازن ، وفقدان كمية كبيرة من أملاح الصوديوم فتنخفض نسبته فى بلازما الدم مما يؤدى إلى حدوث أعراض ضربة الشمس(2) .
وينفرد الكتاب المقدس بأمر آخر وهو البقع الشمسية وهى كلف الشمس أو بقع داكنة تبدو بين فترة وأخرى على سطح الشمس ، والبقع اللامعة منها تسمى الصيخد " وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء " ( لو 21 : 11 ) " وتكون علامات فى الشمس والقمر والنجوم " (لو 21: 25 )(3).
فالكتاب المقدس ينفرد عن القرآن بهذين الأمرين ضربة الشمس ، والبقع الشمسية وإضافة لذلك كسوف الشمس . لكن القرآن ينفرد عن الكتاب المقدس بذكره لجمع الشمس والقمر قال تعالى : ( وجُمع الشمس والقمر ) [القيامة 9] . فمعناها : كورا وقرأ ابن زيد عند تفسير قوله تعالى:( إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت)(1(4)
__________
(1) أخرجه البخارى : فتح البارى ، ج 2/ 526.
(2) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ، ص 65، 66.
(3) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ص 66
(4) راجع ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، ج4 / 448 .(1/15)
وقيل المراد بالجمع أن الله يُطلعهما من المغرب وقيل وجمعا فى ذهاب الضوء وقيل يجمعان أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران فى النار وقيل يجمعان ثم يقذفان فى البحر فيكون نار الله الكبرى(1).
فهنا يراد بالجمع ذهاب الضوء وانتهاء طاقة الشمس ومجىء القيامة فذلك من علاماتها . والكتاب المقدس يشير إلى ذهاب ضوء الشمس لكن لا يسمى ذلك جمعا ( تظلم الشمس عند طلوعها ) ( إش 13: 10 ) ، فالقرآن والكتاب المقدس يتفقان فى المدلول لكنهما يختلفان فى الاسم واللفظ.
والمسافة بين الشمس والأرض تكون 8.3 ضوء /ث وتكون أقرب مسافة من النجم 4.28 ضوء كل عام وتتزايد إلى 000, 250 مرة(3(2) .
وتبعد الشمس عن الأرض 93 مليون ميل وقطرها 864 ألف ميل أى ما يعادل 109 من قطر الأرض وكثافتها تساوى 1.4 من كثافة الماء أى ربع كثافة الأرض رغم أن بنيتها مكونة من فلزات عديدة وهذا يدل على أنها فى حالة شبه غازية(3)4) ويلزم لضوء الشمس ست ساعات للوصول إلى أبعد كوكب عنها وهو بلوتو(5(4).
المجموعة الشمسية
تتكون المجموعة الشمسية من الشمس والكواكب التسعة التى تدور حولها مع أقمار هذه الكواكب وحوالى ألف كويكب صغير ومئات المذنبات إضافة لأعداد كبيرة من الشهب تعد بالملايين ويقدر عمر المجموعة الشمسية 6, 4 بليون سنة ، ويظن العلماء أنها تكونت من سديم بعيد يقع خلف كوكب بلوتو(6(5)
__________
(1) راجع الزمخشرى : الكشاف ، ج4/164.
(2) ... .Colin A.Ronan : the natural history of the universe, New York 1991 p94
(3) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك ، ص 20 .
(4) راجع د. موريس بوكاى : القرآن الكريم والتوراة ، ص 167.
(5) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك ، ص 19.(1/16)
ويقول تعالى : ( فلا أقسم بالخنس ، الجوار الكنس ) [التكوير 15 ، 16] . قال بعض المفسرين هى النجوم الدرارى الخمسة ، تخنس فى مجراها فترجع وتكنس فتستتر فى بيوتها ، والنجوم الخمسة بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشترى (1).
فالآية تشير إلى احتمالات منها الإشارة إلى بعض كواكب المجموعة الشمسية والمسافة التى تفصل الشمس عن أكثر الكواكب بعداً عنها فى المجموعة الشمسية كوكب بلوتو ما يساوى المسافة بين الأرض والشمس أربعين مرة تقريبا ، أى ما يساوى 6 مليارات كم تقريبا . ويصل الضوء إلى كوكب بلوتو فى ست ساعات ، ويقطعها بسرعة 300.000 كم/ثانية(2).
وكواكب المجموعة الشمسية تدور حول الشمس وأقمارها والشهب والنيازك وتقع الشمس فى مركز المجموعة الشمسية وتكون 3 , 99 % من كتلة المجموعة ، وكواكب المجموعة الشمسية هى عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشترى وزحل وأورانوس ونبتون وبلوتو ، وتدور الكوكب فى مسارات بيضاوية الشكل غير أن هذه الأفلاك تعتبر دائرية عدا فلك بلوتو ، وهذه الكواكب تعكس ضوء الشمس ولا تضىء ذاتيا ، وبهذا تبدو منيرة فى السماء(3).
ويرى البعض أن قوله تعالى : ( إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين ) [يوسف 4 ] يفيد الإشارة إلى كواكب المجموعة الشمسية رغم أن تفسير الآية يشير إلى إخوة يوسف وأبويه(4) وهذا مجرد احتمال فلا يمكن الجزم به . وهو غير وارد لأنه تأويل بدون مسوغ والصواب أنها إشارة إلى إخوة يوسف وأبويه.
__________
(1) راجع الطبرى : جامع البيان ، ج30 /93.
(2) راجع د.موريس بوكاى : القرآن والتوراة ، ص166،167.
(3) راجع د. منصور حسب النبى : الكون والإعجاز العلمى ، ص 137 ، 140.
(4) راجع د. منصور حسب النبى : الكون والإعجاز العلمى ، ص 140 ، 141.(1/17)
والمجموعة الشمسية تتحرك كواكبها حول الشمس فى فترات مختلفة ، فيدور عطارد حول الشمس فى 88 يوما والزهرة فى 225 يوما والأرض فى سنة والمريخ فى سنة و88 يوما والمشترى فى 11سنة و9 أيام وزحل فى 29.50سنة ، وأورانوس فى 84 سنة ونبتون فى 8، 164 سنة وبلوتو فى 250 سنة(1).
والمجموعة الشمسية لها ثلاث دورات : الدورة الأولى : حول نفسها ، والدورة الثانية : حول الشمس ، الدورة الثالثة : كواكب المجموعة الشمسية والشمس تقوم بحركة تجاه نجم كبير يسمى ( فيجا ) ونتيجة الدورة الأولى يحدث تعاقب الليل والنهار ، والكتاب المقدس يخبر بذلك ( تك 1: 3 – 5، 14 – 19 ) والدورة الثانية تسمى السنة ويقترب من 4/365.1 يوما حول الشمس ويؤدى ذلك لاختلاف فصول السنة ( تك 1: 14 – 19 ، 8 : 22 ، مز.5: 1، 74: 16 ، 136 : 9 ، إر 31: 35 ) واستكمال الدورات سمى بالزمان(2).
فحركة الشمس والكواكب فى السماء أثبتها القرآن الكريم والكتاب المقدس وأكدها العلم الحديث.
...
المبحث الثاني
القمر
المبحث الثانى
القمر في القرآن الكريم والكتاب المقدس:
ورد القمر في ستة وعشرين موضعاً , واقترن في عشرين منها بالشمس , فالقمر والشمس لكل منهما فلكه الذي يدور فيه , وهذا ما ذكره القرآن فقال تعالى : ( وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) [الأنبياء 33] . فتدل الآية على أن الله خالق الليل والنهار والشمس والقمر وهو المسير لهذه الأشياء بحكمة و إتقان.
وهذا الفلك كما قال بعضهم هو كهيئة حديدة الرحى وهذا قول مجاهد , وقال ابن عباس فلك السماء . وقال آخرون . الفلك الذي ذكره الله في هذا الموضع سرعة جري الشمس والقمر والنجوم وغيرها . وقال آخرون بل هو القطب الذي تدور به النجوم (3).
__________
(1) راجع د. محمد جمال الدين الفندى : الله والكون ، ص 261.
(2) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ، ص 44 ، 45.
(3) راجع الطبري : جامع البيان ، ج17/31(1/18)
والقمر هو أقرب الأجرام السماوية للأرض وأقل حجما منها يدور حول الأرض مرة كل شهر وجاذبية القمر مع جاذبية الشمس هي سبب المد والجزر .
وتبلغ درجة حرارة جانب القمر المواجه للشمس 120 مئوية أي أعلى من درجة غليان الماء ودرجة حرارة الجانب المظلم أقل من درجة تجميد الماء بقدر يبلغ 150 درجة , وسطحه مغطى بالأتربة و البلورات الزجاجية و سلاسل جبال ضخمة و عظيمة ، و يبعد عن الأرض حوالى 2400 ميلا و قطر القمر 2160 ميلا و حجم القمر 60/1 من حجم الأرض ، و كتلته 82/1 من كتلة الأرض و جاذبيته سدس جاذبية الأرض(1).
والسهول القمرية أكثر جدباً من صخور الصحاري , والجبال القمرية أكثر صرامة من القمم الأرضية فوق خط الغابات . قواعد اللافا البركانية الهامدة أكثر إغراء من فوهات البراكين القمرية . فلا يوجد طقس على القمر ولا يوجد هواء ولا سحب ولا مطر ولا صوت , والأشعة الكونية والطاقة الذرية من اشتعال الشمس تكون مباشرة لأنه ليس على القمر غلاف جوي يوقفها (2) فلا توجد إذن حياة على ظهر القمر مثلما توجد على الأرض , لأن أسباب المقويات التي تعطي الحياة على الأرض من الهواء والماء والتربة لا توجد على القمر
عمر القمر:
إن عمر القمر يقاس في الأيام من القمر الجديد وإنها 7 أيام في أول ربع , 15 يوما ويصبح كاملا , و 22 يوما في الربع الثالث (3) وفي ذلك يقول تعالى: ] يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج [ [البقرة 189] ويقول تعالى: ] هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب [ [يونس5].
__________
(1) 2 ) راجع د/ منصور حسب النبى : الكون و الإعجاز العلمى ، ص 256.
(2) ... ... ... ... ... Harlo Wshapey : Earth, moon and plants, p 131
(3) ... ... ... ... ... Harlo Wshapey : earth , moon and plants p281(1/19)
فالقرآن يوضح فائدة من فوائد القمر وهي معرفة المواقيت , فمعرفة القمر بها يتضح بها بدء الشهر ونهايته , ومن الشهر تتكون السنة , فللوقت أهمية جليلة في حياة الناس ومعاملاتهم وأسفارهم وعباداتهم.
ويبدو ذلك واضحا في الكتاب المقدس فيقول ] وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين [ ] تك 14 [ ويقول ] صنع القمر للمواقيت[ ] مز 104: 19 [ فالقمر دليل للناس لمعرفة الزمن.
قطر القمر:
يساوي قطر القمر 2200 ميلا تقريبا أو أكبر من ربع قطر الأرض . أما حجمه فيعادل 1.50 من حجم الأرض وكثافته تساوي كثافة الأرض , والجاذبية على سطحه تعادل سدس جاذبية الأرض (1).
سطح القمر :
يبدو من الأرض وجه واحد للقمر , وهذا ليس بالثابت تماما إذ يظهر بين فترة وأخرى جزء طفيف من أحد جوانب القمر , ثم جزء من جانب آخر أو من الأعلى أو الأسفل , ونفس الوجه يبقى مقابلا للأرض . ويوجد على هذا الوجه عشر سلاسل جبلية فضلا عن قمم عالية عديدة , وأكثر من ألف شق وأخدود وحوالي 30 ألف فوهة , وهناك مساحات معتمة سميت بالبحور(2).
وللقمر (22) جبلا ارتفاعها يزيد عن (4800) متر وهو ارتفاع الجبل الأبيض , وقد سماها العلماء بأسماء وقاسوها بالأمتار مثل ارتفاع جبل ( دورفيل ) وهو ( 7603) أمتار . وتلك الجبال صفاتها بركانية بالكلية ولها من أعلاها فوهات مستديرة قطرها يبلغ (15) فرسخا وعمق التجاويف يزيد عن الارتفاع الخارجي , وقد يصل الفرق إلى (7000) أو (8000) متر وليس للقمر جو وماء على سطحه(3).
__________
(1) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك والتقاويم , ص37
(2) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك والتقاويم ، ص 38-39 .
(3) 2 ) راجع طنطاوي جوهري : الجواهر في تفسير القرآن الكريم , الطبعة الثانية 1350 هـ , طبعة مصطفى الحلبي ، ج4/76 , 77(1/20)
وصدق الله تعالى إذ يقول: ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) [الأنبياء 30] ويقول تعالى : ( و آية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ) [يس 33 – 34] فالأرض أحياها الله تعالى بالماء والهواء وحفظها وحفظ جوها من كل ما يفد من السماء فقال تعالى ( وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ) [الأنبياء 32].
مدار القمر حول الأرض:
ينتشر في هذا العصر مفهوم أن القمر يدور حول الأرض باعتباره تابعا له, وأن مقدار دورته الزمنية تسعة وعشرون يوما . ومع ذلك فيجب تصحيح فكرة الاستدارة المطلقة لمدار القمر . فعلم الفلك الحديث قد أثبت أن المدار ليس دائريا بالدقة , بحيث أن المسافة بين الأرض والقمر تقدر تقديرا متوسطا يبلغ 84000 كم(1).
ومدار القمر شكل قطع ناقص تحتل الأرض أحد مركزيه وعندما يقترب من الأرض يكون في الحضيض وعندما يبلغ أبعد نقطة يكون في الأوج (2).
ويتأثر مدار القمر باضطراب الأرض والشمس . وفي مواجهته للأرض ] الحضيض القمري [ يبتعد 221.460 ميلا . وفي أشد ما تكون مسافته من الأرض ] نقطة الأوج [ يبتعد 252.710 ميلا (3).
__________
(1) راجع د. موريس بركاي : القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ، ص 185.
(2) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك ، ص38
(3) 2 ) ... ... ... E.bbig hausan : Astronomy . columbus , Ohio . U.S.A 1985 p23(1/21)
وللقمر ثلاث حركات : حول نفسه وأخرى حول الأرض وثالثة حول الشمس , إضافة لحركة المجموعة الشمسية في المجرة’, والمجرة في الفضاء (1) . فالقمر يتحرك ويجري بحساب دقيق لا يعتريه خلل قال تعالى : (الشمس والقمر بحسبان ) (الرحمن 5) وقد أشار القرآن الكريم إلى حركة القمر فقال تعالى : (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) [الأنبياء 33] وقال تعالى ( وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ) [الرعد 2 ]. أي إلى وقت معلوم , وهو فناء الدنيا . وقيل : معنى الأجل المسمى أن القمر يقطع فلكه في شهر , والشمس في سنة (2) .
وقد وصف الكتاب المقدس حركة القمر فقال " إن كنت قد نظرت إلى النور حين ضاء أو إلى القمر يسير بالبهاء " ] أي 31: 26[ ولأنه تابع للأرض فهو مثلها يتحرك كما تتحرك ويصف حركة الأرض فيقول ] فهي مدورة متقلبة بإدارته لتفعل كل ما يأمر به [ ] أي 37: 12[ ويقول ] ودعا الأرض من مشرق الشمس إلى مغربها [ ] مز 50 :1[ أي أن الأرض متحركة . والليل والنهار لا ينتجان إلا من حركة الأرض حول نفسها , وما دام القمر هو سلطان الليل فهو متحرك يقول ] النور الأكبر لحكم النهار والنور الأصغر لحكم الليل [ ] تك 16:1 [ ] الجاعل الشمس للإضاءة نهارا وفرائض القمر والنجوم للإضاءة ليلا [ ]إر 35:31[
__________
(1) 3 ) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك ، ص 37.
(2) 4 ) راجع القرطبي : الجامع لأحكام القرآن ، ج5 / 3508 .(1/22)
و تسمى الشمس في القرآن بالضياء ويسمى القمر بالنور والفرق بين الاثنين ضئيل يقول تعالى : ( هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نور ) [يونس 5] ولكن القرآن يحدد الفرق بين الشمس والقمر عبر مقارنات أخرى فيقول تعالى ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ) [الفرقان61] ويقول ( وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ) [نوح16] وقوله ( وجعلنا سراجا وهاجا ) [النبأ13] . وواضح تماما أن السراج الوهاج هو الشمس . ويعرف القمر هنا باعتباره جرما منيرا (1).
وقوله تعالى ( وجعل القمر فيهن نوراً) [نوح16] , يعنى أنه منيرٌ لوجه الأرض في ظلمة الليل (2).
إن الشمس نجم ينتج باحتراقه الداخلي حرارة شديدة وضوء , والقمر ليس مضيئا بذاته بل هو يعكس الضوء الذي يستقبله من الشمس وهو كوكب خامل (3) فالأشعة التي تأتي من مصدر ضوئي مباشر تسمى الضوء وتلك التي تأتي من مصدر ضوئي غير مباشر تسمى النور (4).
والشمس في الكتاب المقدس نجم أما الأرض كوكب ولها تابع واحد يدور حولها هو القمر . والشمس وحدها هي التي تضيء والباقي يعكس الضوء ولا يضيء من نفسه . وأثبت الكتاب المقدس صحة ما اكتشفه العلم عند ما خلق الله الأنوار وقال ] وتكون أنواراً في جلد السماء لتنير على الأرض [ ( تك 1: 15).
__________
(1) راجع د. موريس بوكاي : القرآن الكريم والتوراة والأنجيل والعلم ، ص 179.
(2) راجع أبو السعود : إرشاد العقل السليم ، ج9/39.
(3) راجع د. موريس بوكاي : القرآن الكريم والتوراة ، ص 179 – 180.
(4) راجع د. عاطف قاسم المليجي : من روائع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم , ص 87.(1/23)
والشمس نجم مضيء فيقول ] إن كنت قد نظرت إلى النور حين ضاء [ ( أي 31: 26) ] وأنت هيأت النور والشمس [ ( مز 74: 16 ) وهي كتلة ملتهبة ] لا شيء يختفي من حرها [ ( مز 19: 6) أما القمر فهو جسم لا يضيء فيقول ] هو ذا نفس القمر لا يضيء والكواكب غير نقية في عينيه [ ( أي 25: 5) (1) .
ويقول أيضا ] النور الأكبر لحكم النهار والنور الأصغر لحكم الليل [ ( تك 1: 16) وإذا كانت التوراة قد وصفت الشمس والقمر بأنهما منيران , مضيفة صفة الكبر إلى الأولى والصغر إلى الثاني , فإن القرآن يخص كلا منهما بفروق غير التي تتعلق بالحجم (2).
فإذا كانت التوراة قد تحدثت عن الكبر والصغر فالقرآن يتحدث عنهما بوصفي النور والسراج أشد إضاءة , والتوراة على ما يفهم من النص لا تعني كبر أو صغر الحجم ولكن كبر أو صغر النور بدليل وجود كلمة ]النور[ قبلهما فالقرآن والتوراة إذن يتفقان في أن الشمس هي المضيئة والقمر عاكس لضوئها فهي أشد إضاءة منه . ويقول ] ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس [ ( رؤ 22: 5).
والقمر خلقه الله لحكم الليل ] والنور الأصغر لحكم الليل [ (تك 1: 16) وكانت سنة العبرانيين سنة قمرية ابتداؤها الهلال ويسمى رأس الشهر ] وفي رؤوس شهوركم [ ( عدد 28: 11) (3) . فضوء القمر أقل من ضوء الشمس , وهو عاكس لضوء الشمس .
تعدد الأقمار:
__________
(1) 5 ) راجع سامح متري : إعجاز الوحي العلمي ، ص 40 – 41.
(2) راجع د. موريس بوكاي : القرآن الكريم والتوراة ، ص 178.
(3) راجع جورج بوست : قاموس الكتاب المقدس , ، ج2 /223.مادة قمر(1/24)
يرى بعض الباحثين أن القرآن يحتوى على إشارة لتعدد الأقمار يقول تعالى: ( ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجا) [نوح15]. فتشير الآية إلى أن في السماوات أقماراً غير قمرنا إذا اعتبرت أداة التعريف (أل) في لفظ القمر إشارة إلى الجنس ويؤكد هذا الاعتبار وجود ضمير الجمع في لفظ ]فيهن [ ولعل الله سبحانه أراد أن يلفت النظر إلى آية من آياته في الخلق بلفظ يحتمل وجهين . وجها معهوداً يدل على قمر الأرض ن حين تكون ( أل) للعهد , ووجها غير معهود ولا معروف يشير إلى حقيقة كونية مجهولة لو أن المفسرين انتبهوا إليه حين تكون (أل) للجنس لسبقوا العلم إلى تعدد الأقمار والشموس (1).
وهذا الاجتهاد ليس على وجه الجزم والقطع بل يحتمل الصواب والخطأ واللغة لا تؤكده , وسياق الآية واضح لا يحتاج إلى تأويل . فالجمع في قوله : ] فيهن[ للسماوات , فالقمر منير في السماوات وكذلك الشمس تكون سراجا , فجائز أن يكون قمراً واحداً وشمساً واحدة هي المضيئة في السماء , وجائز أن تكون هناك شموس وأقمار أخرى في السماء . فالإخبار في الآية عن قمر واحد في بعض السماوات وليس كلها , لكن القرآن لم ينص على وجود أقمار أخرى .
خسوف القمر:
ويحدث الخسوف عند وقوع الأرض بين الشمس والقمر في مستوى دائرة البروج بشكل تمنع فيه وصول الضوء من الشمس إلى القمر وهو كلي أو جزئي , وسوف يدخل القمر كله في مخروط ظل الأرض.
ولا يمكن حصول الخسوف إلا إذا كان القمر بدراً . ويشاهد الخسوف في أكثر من نصف مساحة الأرض , ويكون عدد مرات الكسوف والخسوف في السنة سبع مرات , منها خمسة كسوفات وخسوفات أو أربعة كسوفات وثلاث خسوفات(2).
__________
(1) 3 )راجع د. منصور حسب النبي : الكون والإعجاز العلمي ، ص 158.
(2) 1 ) راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك ، ص 42 , أنظر أيضاً د. منصور حسب النبي: الكون والإعجاز العلمي ، ص 174.(1/25)
والساروس ظاهرة ترتبط بتكرار حدوث الخسوف والكسوف كلما تكرر وضع الشمس والأرض والقمر , فالخسوف والكسوف متوقفات على وضع الشمس والأرض والقمر , والفترة اللازمة لحدوث هذا التكرار تسمى الساروس ويبلغ طولها 18 سنة و11 يوما (1).
أما الاستتار فهو مرور القمر أمام نجم لامع , فيستتر النجم وراء القمر فهذه ظاهرة في علم الفلك تشبه الخسوف (2).
والقرآن يشير إلى عملية الخسوف فيقول تعالى : ( وخسف القمر وجمع الشمس والقمر) [القيامة 8 ,9] والمراد بالخسوف في الآية إما أن يذهب ضوء القمر أو يذهب بنفسه , والمراد بالجمع أن الله يطلعهما من المغرب وقيل وجمعا في ذهاب الضوء وقيل يجمعان أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران في النار وقيل يجمعان ثم يقذفان في البحر فيكون نار الله الكبرى (3) .
__________
(1) 2 )راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك ، ص43.
(2) 3 )راجع د. محمد عباس : المدخل إلى علم الفلك ، ص45.
(3) راجع الزمخشري : الكشاف ، ج4 /164.(1/26)
وقد حدث ذلك في عهد النبي صلى الله عليه و سلم فقال : " إن الشمس و القمر لا يخسفان لموت أحد و لا حياته , و لكنهما آيتان من آيات الله , فإذا رأيتموها فصلوا "(1) فالحديث يوضح حدوث ظاهرتى الكسوف و الخسوف و هما من آيات الله في الكون و أنهما من الدلائل على قدرته و عظمته وحينما أشار القرآن إلى الخسوف لم يبن كيفية حدوثها و إنما أشار إلى وقوعها و حدوثها فقط . و الكتاب المقدس يخبر بوقوع الخسوف للقمر فيقول ( يخجل القمر و تخزى الشمس) ( إش 23:24 ) , فخجل القمر و انزواوءه ما هو إلا الخسوف(2) و مما يذكر الكتاب المقدس عن القمر , ضربة القمر إذ تصيب الإنسان بلوثة عقلية و صرع و تهيج الأعصاب حتى العمى , فيقول (لا تضربك الشمس في النهار و لا القمر في الليل ) (من 6:121) (3) فالقرآن و الكتاب المقدس يشيران إلى حدوث الخسوف إجمالا.
منازل القمر :
__________
(1) أخرجه البخاري : فتح الباري ، ج 2/526 .
(2) 3 ) راجع سامح متري : إعجاز الوحى العلمي , ص 64-66.
(3) 4 ) راجع سامح متري :إعجاز الوحى العلمي ، ص 66.(1/27)
أثبت القرآن الكريم منازل للقمر فقال تعالى: ( هو الذى جعل الشمس ضياء و القمر نوراً وقدره منازل ) [يونس 5] ,أي قدر القمر منازل فأول ما يبدوا صغيراً ثم يتزايد نوره و جرمه حتى يستوسق و يكمل إبداره ثم يشرع في النقص حتى يرجع إلى حالته الأولى في إتمام شهر(1) و قال تعالي : (و القمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم) [يس 39] فمنازل القمر ثمانية و عشرون منزلاً ينزل القمر كل ليلة في واحد منها لايتخطاه و لا يتقاصر عنه على تقدير مستو لا يتفاوت يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة و العشرين ثم يستتر ليلتين أو ليلة إذا نقص الشهر و هذه المنازل هي مواقع النجوم التى نسبت إليها العرب الأنواء المستمطرة و هي : السرطان و البطين و الثريا و الدبران و الهمقعة و الهنعة و الذراع و النثرة و الطرف و الجهة و الزبرة و الصرفة و العوّ و السماك و الغفر و الزبانى و الإكليل و القلب و الشولة و النعائم و البلدة و سعد الدابح و سعد بلع و سعد السعود و سعد الأخبية و فرغ الدلو المقدم و فرغ الدلو المؤخر و الرشا ، فإذا كان في آخر منازله دق واستقوس(2).
__________
(1) راجع ابن كثير :تفسير القرآن العظيم ,ج 2/407.
(2) راجع الزمخشري :الكشاف ، ج 3/287(1/28)
فالمفسرون اختلفوا في تحديد المراد بمنازل القمر فيرى البعض أن منازل القمر هي الهلال و البدر و المحاق . و البعض الآخر يرى أنها مواقع النجوم . و الصواب أن الآية تحتمل تفسيرات عديدة و ذلك لورود كلمة (منازل) نكرة ,و إن كان ما يرجح الرأي الأول فائدة القمر و هي معرفة المواقيت لقوله تعالى : ( يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس )[البقرة 189] .فالقمر يكون هلالاً ثم بدراً ثم ينقص حتى يصير محاقاً , أما الكتاب المقدس فقد تناول منازل القمر ليس كلها و لكن بعضها , و يفيد إثباته وجود هذه المنازل فيقول( هل تربط أنت عقد الثريا أو تفك ربط الجبار , أتخرج المنازل في أوقاتها و تهدى النعش مع بنائه ) (أى 38 : 31-32 ) و يقول (الذى صنع الثريا و الجبار ) (عا8:5).
فهنا يبين الكتاب المقدس بعض منازل القمر أو موقعه بالنسبة إلى تلك النجوم فالثريا و الجبار من أشهر المجموعات النجمية و يتفق الكتاب المقدس مع القرآن الكريم في تحديد المراد بالمنازل و إثبات منازل القمر إلا أن القرآن لا يحدد المراد بالمنازل , فيسوغها عامة تحتمل الوجوه كلها . و الكتاب المقدس يثبت للقمر أمراً لم يذكره القرآن الكريم , و يعد من علامات نهاية العالم فيقول (تتحول الشمس إلى ظلمة و القمر إلى دم قبل أن يجىء يوم الرب ) (يؤ 2 :31) فعند مجيء هذا اليوم تظلم الشمس و يصير القمر دما و يقول (و إذا زلزلة عظيمة حدثت و الشمس صارت سوداء كمسح من شعر و القمر صار كالدم )(رؤ 6 : 12).(أعمال 2 :20)
انشقاق القمر:(1/29)
تحدث القرآن عن انشقاق القمر كعلامة من علامات الساعة , و حدوثه على عهد النبي صلى الله عليه و سلم هو علامة من تلك العلامات فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال " انشق القمر على عهد النبي صلى الله عليه و سلم شقتين ,فقال النبي صلى الله عليه و سلم اشهدوا"(1)
وقال تعالى : ( اقتربت الساعة وانشق القمر) [القمرا] , فالقرآن يؤكد حدوث هذه العلامة وذلك للتدليل على قدرة الخالق.
ذهب البعض إلى أن الآية تفيد أن القمر سوف ينشق في المستقبل وأن استخدام الفعل ] انشق [ وهو في الماضي للتعبير عن المستقبل هو تأكيد لتحقق وقوعه (2) ومن المعروف أن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس , والقمر تابع للأرض , فالأرض والقمر يمثلان نظاما شبه معزول , وهناك تأثير متبادل بينهما , وكمية تحركهما الزاوي أي : الدوراني مقدار ثابت , فلو أبطأت الأرض في دورانها أسرع القمر في دورانه والعكس صحيح . وحيث إن الأرض سوف تبطيء في سرعة دورانها حول نفسها في المستقبل , فإن القمر سوف يسرع حتما في دورانه حول نفسه أو حول الأرض , ليعوض ما ينقص في الأرض من كمية تحركها , وهذا التسارع في دوران القمر في المستقبل سوف يؤدي إلى انشقاق القمر(3) .
ويمكن إدراك ذلك بطريقتين :
(1) زيادة سرعة دوران القمر حول نفسه في المستقبل , سوف تؤدي إلى تغلب القوة الطاردة المركزية على أجزاء القمر المتماسكة , فينشق القمر ويتفتت.
(
__________
(1) أخرجه البخاري : فتح الباري ج 6/631 ج(3626) , مسلم : صحيح مسلم ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى ، الطبعة الأولى 1955 م دار الكتب العربية ، ج 4/2158.
(2) راجع د. منصور حسب النبي : الكون والإعجاز العلمي ، ص 382 .
(3) راجع د. منصور حسب النبي : الكون والإعجاز العلمي ، ص 386،.(1/30)
2) زيادة سرعة دوران القمر حول الأرض سوف تؤدي إلى ابتعاد القمر عن الأرض , ثم اقترابه منه تدريجيا , وذلك بعد أن يصبح يوم الأرض 43 ساعة , وذلك في زمن 5 إلى 10 بليون سنة من الآن ويقترب القمر من الأرض اقترابا يجعل الفرق في تأثير جذب الأرض على الجزأين القريب والبعيد من القمر كافيا لشق القمر ، فهاتان طريقتان لكيفية انشقاق القمر في المستقبل نتيجة دورانه و سرعته الشديدة.
وأما تحديد موعد الانشقاق فمن الجائز أن يسمح الله للإنسان بمعرفة موعد انشقاق القمر دون تأكيد مطلق بهذا الموعد , وحتى لو عرف الإنسان موعد انشقاق القمر فإن هذا سيكون دليلا على اقتراب الساعة وليس قيامها , والعلم لا يستبعد تدخل عوامل أخرى غير المد والجزر تؤثر على سرعة دوران الأرض حول نفسها , مما يقدم أو يؤخر من موعد انشقاق القمر (1).
فالآية تبين انشقاق القمر سواء كان ذلك في الماضي كما حدث في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ثابت , أو كان في المستقبل كعلامة من علامات الساعة والكتاب المقدس لم يتعرض لانشقاق القمر , فهذا مما انفرد به القرآن عن الكتاب المقدس.
... المد و الجزر :
... و هى ظاهرة تحدث عندما يقترب القمر جدا من الأرض فإن وجود قوى كهرومغناطيسية كبيرة للقمر عندما يكون بدرا مع وجود قوة كهرومغناطيسية للأرض تجعل من المساحة الواقعة بين القوتين مجالا للجذب و تتمكن قوة الجذب من جذب مياه البحر و المحيطات فيحدث المد.
... ... و كلما اختفى القمر عن ضوء الشمس و قلت الالكترونات الساقطة من القمر إلى الأرض ، قلت الكهرومغناطيسية و قلت قوة الجذب بين القمر و الأرض حتى تنعدم في آخر الشهر القمرى فيحدث الجذب(2).
__________
(1) راجع د. منصور حسب النبي : الكون والإعجاز العلمي ، ص386، 387.
(2) 2 ) راجع صلاح الدين أبو العينين : الله و الكون ، دار الفكر العربى 1983م ، ص 241، 242.(1/31)
... أما القرآن الكريم فلم يذكر عن هذه الظاهرة شيئا إلا ما يستخلص من حركة القمر وظهوره و أفوله . فهذه الظاهرة ناتجة عن ذلك ، و يشير إليها الكتاب المقدس فيقول " من حجز البحر بمصاريع حين اندفق ..و جزمت عليه حدى و أقمت له مغاليق و مصاريع " ( أى 38 : 8-10) و يقول أيضا " متسلط على كبرياء البحر عند ارتفاع لججه " ( مز 89 : 9 ) فهذا هو الجزر ، و يقول " الذي يدعو مياه البحر و يصبها على وجه الأرض" ( عا 5 :8 ) فهذا هو المد (1) .
... فالقرآن إذن لم يشر إليها و إنما أشار فقط إلى حركة القمر بخلاف الكتاب المقدس الذى أشار إليها و إن لم يكن صراحة.
تعقيب :
تأثر الفلاسفة المسلمون والمتكلمون بآراء الفلاسفة وعلماء الطبيعة القدماء وأصابوا في كثير من المسائل , إلا أن العلم الحديث قد توصل لمسائل أخرى لم يعرفها الفلاسفة والمتكلمون وذلك لما للآلات الحديثة من دور هام في معرفة الجديد من علم الفلك , فاكتشفت كواكب في المجموعة الشمسية في القرن العشرين .
والشمس نجم كبير مضيء بذاته بعكس القمر الذي يعكس ضوء الشمس فقط ولذا فقد حدد القرآن الفرق واضحا بين الشمس والقمر فوصفت الشمس بأنها ضياء وسراج أما القمر فوصف بأنه نور , ويؤكد الكتاب المقدس ذلك فيصف الشمس بأنها نور أكبر والقمر نور أصغر , والعلم الحديث قد أكد هذا الأمر وبين أن الشمس كرة متوهجة .
والشمس والقمر لهما منافع كثيرة في عملية النمو والنبات والغذاء والحياة بصفة عامة ومعرفة الأوقات والسنين وتنظيم الحياة , وليس ثمة اختلاف بين القرآن والكتاب المقدس في ذلك الأمر .
والأرض تدور حول الشمس وينتج عن ذلك الفصول الأربعة , والشمس مركز المجموعة الشمسية وكواكب المجموعة كلها تدور حولها.
__________
(1) 1 ) راجع سامح مترى : إعجاز الوحى العلمى ، ص 65.(1/32)
وخلق الشمس لم يحدده القرآن لكن الكتاب المقدس يحدد خلقها في اليوم الرابع في حين أنه ذكر أنه خلقت في اليوم الأول و توضيح هذا بأنه كانت تحجبها الأبخرة ثم ظهرت بعد ذلك وهذا غير مقبول علميا.
والشمس تجري وتتحرك وأثبت ذلك القرآن الكريم والكتاب المقدس , لأن نصوص الكتاب المقدس تدل على حركة الأرض و دورانها وكذلك عملية الشروق والغروب لا تتم إلا بحركة الشمس . والشمس تتحرك وكواكب المجموعة الشمسية نحو نجم كبير , وتتحرك حول مركز المجرة ، و تتحرك هي والمجرة والمجرات الأخرى , والقرآن لم يفصل القول في جريها إنما أثبت جريها وحركتها وسبحها, والكتاب المقدس هو الآخر لم يفصل القول في ذلك . فالشمس والقمر والكواكب كل يجري ويسبح في مداره ، فالحركة صفة للشمس و القمر و النجوم.
أما خسوف القمر فقد أشار إليه القرآن ، بينما كسوف الشمس لم يشر إليه القرآن وأثبتته السنة , والكتاب المقدس أثبت الأمرين معا . وإن كان ذكر القرآن الكريم للخسوف والكتاب المقدس للخسوف والكسوف على سبيل أنهما من علامات يوم القيامة إلا أنهما أثبتا إمكان وقوعهما.
وينفرد الكتاب المقدس عن القرآن بذكر أمور منها كسوف الشمس وضربة الشمس والقمر , والقرآن الكريم ينفرد بذكر جمع الشمس والقمر وتكوير الشمس , وهذا لا يفهم منه وجود تعارض في تلك المسائل , بل إن بعض هذه الأمور موجودة بمعانيها لا بألفاظها.
والخسوف والكسوف يدلان على حركة الأرض والقمر , وأثبت القرآن انشقاق القمر كعلامة من علامات يوم القيامة , وثبت حدوثه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يتعرض لذكره الكتاب المقدس .(1/33)
والقرآن والكتاب المقدس أثبتا منازل للقمر إلا أنه هناك اختلاف بين المفسرين في منازل القمر . وما ذكره بعض الباحثين عن وجود أقمار وشموس لقوله تعالى : ( وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ) [نوح16] , فهذا لم تثبته الآية ولا يفهم منها بل يفهم منها وجود قمر واحد في بعض السماوات , وإن كان العلم أثبت وجود أقمار فهذا لم تنص عليه الآية , فهو من مكتشفات العلم فقط.(1/34)
الخاتمة
من خلال هذه الدراسة ظهرت عدة نتائج منها :
1- إن القرآن الكريم قد دعا إلى العلم ورغّب فيه ومنح العلماء مكانة عظيمة ورفعهم إلى مرتبة تلى الأنبياء ، وأمر القرآن باستخدام العقل في التفكير السليم والنظر فيما حوله من المخلوقات و السماوات والأرض لإعمار الكون والعمل على التقدم والرقي باستخدام المنهج العلمى الذى دعا إليه القرآن وهو يعتمد على النظر والمشاهدة والتجربة للوصول إلى نتائج سليمة ومفيدة ، ونهض علماء العرب فطبّقوا هذا المنهج العملى وتوصلوا إلى آراء وابتكارات لم يسبقوا إليها في شتى العلوم.
2- إن المسائل التى تطرحها رواية القرآن لم تتلق حتى الآن توكيداً من المعطيات العلمية وإنه لا يوجد أقل تعارض بين المعارف القرآنية الخاصة بالخلق وبين المعارف الحديثة عن خلق الكون ، كذلك أعطى العهد القديم اليوم معلومات لا تعد مقبولة علميا عن هذه الأحداث الخاصة بالخلق ، فبين الكتب المقدسة اختلاف واضح.
3- إن القرآن في بيانه عن فترة خلق السماوات والأرض أفادا أنها ستة أيام أى فترات زمنية طويلة و ليست أيام حقيقية من أيام الدنيا ، و إن السماوات والأرض كانتا شيئاً واحداً ثم انفصلا ونتج عن ذلك ابتعاد النجوم والمجرات والكواكب ، وليس الفراغ بين السماء والأرض خالياًً بل يشمل سحباً وغازات ، والكتاب المقدس لم يفد ذلك.
4-إن القرآن الكريم والكتاب المقدس قد اشتملا على إشارات علمية لبيان المنهج العلمى فى دراسة الظواهر الطبيعية.
5- تأثر الفلاسفة والمتكلمون بالآراء القديمة في الطبيعة فقالوا بسكون الأرض وعدم حركتها وذلك تأثراً بآراء بطليموس ، وقولهم ذلك إنما هو بحسب ما أتيح لهم من إمكانيات ووسائل تساعدهم في الوصول للحديث ، والعلم الحديث باعتماده على الأجهزة العلمية والتقنية الحديثة قد استطاع التوصل للجديد من العلم ، ويرجع الفضل في ذلك للقدماء الذين أشاروا إلى المناهج العلمية والآراء العظيمة.(1/1)
6- أثبت القرآن للشمس جرياً وحركة وأثبتها للقمر ، لكن الفرق بينهما واضح ، فالشمس نجم أشد وأقوى حرارة ونوراً من القمر ، وذلك استنباطاً من القرآن حيث وصف الشمس بالضياء والسراج ووصف القمر بالنور ، وفرق بينهما أيضاً الكتاب المقدس ليؤكد هذه الحقيقة.
7- إن قوانين حركة النجوم والكواكب يحكمها قانون النسبية في الزمان والمكان ، فالزمان والمكان في تغير مستمر ، فالنجوم ليست في مكانها المعلوم للرائى بل تنتقل عنه بسرعة شديدة و يتأخر الضوء في الوصول للأرض نظرا لطول المسافة بين النجم و الأرض.
8- ينفى القرآن وجود السكون المطلق ويقرر شمولية الحركة في الكون في قوله تعالى: ( كل يجرى لأجل مسمى) [الرعد2] ، فهى تشمل جميع الكون بمجراته ونجومه وكواكبه وليس هناك شيء ساكن ، فالكل يتحرك بنظام دقيق دون توقف أو خلل. وهذا الكون يتحرك بسرعة هائلة أخبر عنها القرآن في قوله تعالى: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) [السجدة5 ] ، وهذه السرعة لا مجال لمعرفتها فهي من أمور الغيب.
9- إن إشارة القرآن إلى خلق الإنسان توضح أنه مخلوق من الطين أو من الماء والتراب ، وهذا رد على القول بتطور الإنسان عن الحيوانات ، وهذا يتنافى مع تكريم الله للإنسان ، والأطوار التى ذكرها القرآن إنما هى مراحل خلق الإنسان في بطن أمه ، فالإنسان ليس متطوراً عن كائنات أخرى وهذا ما أكده الكتاب المقدس وكذلك العلم الحديث ، والإنسان لكونه خليفة الله في الأرض مطالب بأن يستثمر طاقاته ويعمل عقله ويستزيد من العلم لإعمار الكون وتقدم البشرية
10- إن الإنسان ذلك المسئول في الكون يتركب من شيئين يكونان طبيعته وهما الجسم والنفس وبينهما علاقة اتصال فليس الجسم مجرد محل للنفس تحل به وهي بعيدة عنه بل إن أفعاله وسلوكه تتحدد من خلال تفاعل الجسم مع النفس وارتباطها به.(1/2)
11- إن الاختلاف في طبيعة النفس ناتج عن كونها عنصرا إلهيا مفارقا للبدن مما يوجب القول بجوهريتها عند الفلاسفة و بعض المتكلمين أما معظم المتكلمين فيؤيدون القول بجسميتها ، و القرآن لا يدل صراحة على الجوهرية أو الجسمية .
12- لا تشترك الكتب السماوية كلها في توافقها في بيان الإشارات العلمية و الظواهر الطبيعية و الاختلاف بينها يكون في بيان حدوث الظاهرة أو الهدف و الغاية منها ، و يؤكد هذا الاختلاف و التعارض فالاختلاف في ظاهر هذه الأمور يعنى الاختلاف في جوهرها ، فالكتب إذن لا تتفق في نظرتها للكون و للإنسان اتفاقا كاملا.(1/3)
SUMMARY
The Holy books included the importance of science encouraged us to learn blackened ignorance and those who imitate others becamse of such ignorance so they prised scientists and considerd their ranks after profets the Holy books orderd us to think deeply of the universe to get useful lisson and this can be achieved only by using our minds as we know man is the only creature who is disting inshed by his mind
Muslims realized this fact so they worked hard to seek for science benefited their once stors and added a lot of opinions and scientific theories and contributed in the scientific welfare becams they followed the scientific syllabus in thinking and application .
So the Holy Books include many scientific references concerning with the world of heavens and earth and they through the order for man to consider the sides of this wide world
The Holy Books and science are closely connected by fate as they decide together . the fate of man and his maturity . if we consider the goals of science
And the Holy Books we weil find that they are similar in purpose and united in the aim because they have only one source Allah the great creator of the universe science is the light of Allah in the universe to find out the fact .represented in the real in fluence of Allah in life .
So it was this study which has the title ( the Universe and the science view in the Holy Quran and the other heavenly religions acomparative study ) this study deals with the comparison between the Holy Books and the modern
Science according to scientific objective study .(1/1)
The subject of reasech was chosen for the following reasons
First : to know some of what was mentioned by the modern science concerning this universe and its different sides .
Second : to realize how far the science and the Holy Books go together and also the Holy Books go together .
Third : to find out the fact of man ,s creation and his role in the universe
The reasech aim at showing the relation between the Holy Books and their agreement in many fields concerning the scientific hints to the formation of the universe the heavens and earth and description how man created and also the role of the scientific syllabus in the development and progress of the society .
The syllabus of the reasech was the historic analytic critical and comparative one it was ahistoric syllabus in following the creation of man and the origin
theoverture :dealt with the importance of science in the Holy Quran and the Holy book and showing the scientifice syllabus that those Holy books
refered to.
The first chapter : the heavens and the earth in the Holy Quran and the Holy book including an overture and two sections :
The first section : The heavens and the heavenly bodies it includes the origin of the heaven and the earth and analysis of the heaven its stars and its galaxies and showing the rules of its actions >
... The second sectin : the earth and the natural phenomenom .
... It includes a complete analysis to the earth its motion its nature and to the natural phenomenon which happens in the mature like the wind the cloud the thunder etc.(1/2)
... The second chapter : the outer space in the holy Quran and the Holy book that include an overture and – two sections .
The first section : the sun and the solor system . it deals with the description of the sun its analysis and showing its movement and the solor system according to the Holy books and the theories of science and getting to thi scientific and philosaplic attitudes
The second section : the moon
It displays the study of the moon its movement its form what happens to it in this space its role in relation to the earth and its splitting .
The third chapter : man among the bible and the scientific theories it includes an overture and two sections
The first section : the creation of man and his role n the universe
This section displays the theory at evolution its anlysisacomlete study and showing its elements its proofs and trying to discuss this theory . it also deals with the stages of man ,s creation in the Holy books and shows his role in the universe in which he represents God calipha .
The second section : the self and its nature .
It deals with the study of the self its nature its powers and its study in the Holy books and acomprenensive anlysis and what leads to the difference of views .
The conclusion : includes the most important results that appeared through the study :
First : the Holy books includes scientific references concering with the world of heavens and the world of the earth and there is no controdiction between them and science .(1/3)
Secondly : this universe is in acontinnous movement and the movement of the stars and planets is governed by the difference of time and place .
Alist of Arabic and foreign sources and references .
MENOUFIA UNIVERSITY
FACULTY OF ARTS
PHILOSOPHY DEPARTMENT
The Universe and the
Scientific View in the Holy Quran and The Other Heavenly Religions
ACOMPARATIVE STUDY
Master ,s degree
Prepared by
Ashraf Ahmed Mohammed Amasha
Research Assistant at the Faculty Of Arabic And Islamic Studies At Dommietta Al – gadeeda
Under the supervision of
Dr . Zeinab Afify Shaker ... Dr . ATEF AL –IRAQI
Professor the head of philosophy Department and the Dean of the Faculty of the Arts Menoufia University ... Professor of Arabic philosophy at the faculty of Arts , Cairo University .
.Dr . Fathy Hasanein Al – Saadany
Doctor of Islamic philosophy at the Faculaty of Arts Menoufia University
18 TH MARS 2003(1/4)
ملخص الرسالة
باللغة العربية
لقد اشتملت الكتب السماوية على بيان فضل العلم وحثت على تعلمه ، وذمت الجهل وعابت علة من قلد غيره بسبب الجهل ، فأعلت من شأن العلماء وجعلت منزلتهم بعد الأنبياء .
وأمرت الكتب السماوية بالنظر في الكون والتأمل فيه والتماس العبرة منه وهذا النظر لا يتحقق إلا بإعمال العقل ، لأن العقل هو الوصف الذي يميز به الإنسان واختص به عن سائر المخلوقات .
وأدرك المسلمون الأوائل هذا الأمر فاجتهدوا في طلب العلوم وأفادوا ممن سبقوهم فأضافوا الكثير من الآراء والنظريات العلمية ، فأسهموا في النهضة العلمية باتباعهم المنهج العلمي في التفكير والتطبيق ولذلك فإن الكتب المقدسة تحتوي على إشارات علمية كثيرة تتعلق بعالم السماوات وعالم الأرض ، وهي تأتي في سياق الأمر للإنسان بالنظر والا عتبار في جوانب هذا الكون الفسيح .
إن الكتب السماوية والعلم مرتبطان ارتباطاً مصيرياً ، لأنهما يقرران معاً مصير الإنسان وكماله ، والمتدبر لأهداف العلم والكتب السماوية يجد أنهما متماثلان في الغاية ومتحدان في الهدف ، لأن مصدرهما واحد وهو الله سبحانه خالق هذا الكون ، فالعلم نور الله في الكون لكشف الحقيقة المتمثلة في فعل الله وأثره في الوجود .
ومن ثم كانت هذه الدراسة التي بعنوان ( الكون والرؤية العلمية في القرآن الكريم والأديان السماوية الأخرى دراسة مقارنة ) وتتناول هذه الدراسة المقارنة بين الكتب المقدسة من ناحية وبينها وبين العلم الحديث من ناحية أخري وفق دراسة موضوعية وعلمية .
وقد كان لاختيار موضوع البحث أسباب عدة منها :
أولاً: معرفة بعض ما أتي به العلم الحديث بالنسبة لهذا الكون وجوانبه المختلفة .
ثانياً : إدراك مدي التوافق بين العلم والكتب السماوية من ناحية وبين الكتب السماوية جميعها من ناحية أخري .
ثالثاً : بيان الإشارات العلمية التي أشارت إليها الكتب السماوية وبيان الغاية من ذكرها .(1/1)
رابعاً : كشف حقيقة خلق الإنسان ودوره في هذا الكون .
ويهدف البحث إلي بيان الصلة بين الكتب المقدسة واتفاقها في كثير من الجوانب المتعلقة بالإشارات العلمية لنشأة الكون والسماوات والأرض ووصفهما وكيفية خلق الإنسان ، وكذلك بيان دور المنهج العلمي في تقدم المجتمع وتطوره .
وقد كان منهج هذا البحث المنهج التاريخي التحليلي النقدي المقارن ، فهو منهج تاريخي لتتبع عملية خلق الإنسان وجذور الكون بتطور الإنسان عن الحيوانات الأخرى ، واستخدم الباحث المنهج التحليلي في تحليل الإشارات العلمية للسماوات والأرض في الكتب المقدسة تحليلاً علمياً ، ووضع كذلك بعض الآراء والنظريات العلمية أمام ميزان النقد ، وأخيراً فهو منهج مقارن للمقارنة بين الكتب المقدسة من ناحية وبينها وبين الآراء والنظريات العلمية من ناحية أخري .
وكذلك ذكر الباحث الآيات القرآنية ومواضعها في المصحف ، وعزا نصوص الكتاب المقدس إلي مواضعها ، وخرج الأحاديث النبوية تخريجاً كاملاً ، وقد اشتمل كل فصل على تمهيد في بدايته وتعقيب في نهايته .
محتويات البحث :
وقد اشتمل البحث على مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة .
المقدمة : وقد اشتملت على أهمية الموضوع وفروض البحث وأسباب اختيار موضعه ومنهجه وخطته .
التمهيد : فقد تناول بيان فضل العلم في القرآن والكتاب المقدس وبيان المنهج العلمي الذي دعت إليه تلك الكتب .
الفصل الأول : السماوات والأرض في القرآن الكريم والكتاب المقدس
ويتضمن تمهيداً ومبحثين :
المبحث الأول : السماوات والأجرام السماوية
ويتناول بيان أصل السماوات والأرض وتحليل للسماوات ونجومها وأجرامها وبيان قوانين حركتها في ضوء الكتب المقدسة والإشارات العلمية .
المبحث الثاني : الأرض والظواهر الطبيعية
ويتضمن تحليلاً كاملاً للأرض وحركتها وطبيعتها وكذلك تحليلاً للظواهر الطبيعية التي تقع في الطبيعة كالرياح والسحاب والبرق والرعد وغيرها .(1/2)
الفصل الثاني : الفضاء الخارجي في القرآن الكريم والكتاب المقدس
ويشمل تمهيداً ومبحثين :
المبحث الأول : الشمس والمجموعة الشمسية
ويتناول وصف الشمس وتحليلها تحليلاً علمياً وبيان حركتها وحركة المجموعة الشمسية في ضوء الكتب السماوية ونظريات العلم ، واستخلاص الأبعاد العلمية والفلسفية في ذلك .
المبحث الثاني : القمر
ويستعرض دراسة القمر وحركته وتكوينه ، وما يحدث له في هذا الفضاء ، ودوره بالنسبة للأرض وانشقاقه من خلال إشارات العلم والكتب السماوية .
الفصل الثالث : الإنسان بين الكتب المقدسة والنظريات العلمية .
ويتضمن تمهيداً ومبحثين .
المبحث الأول : خلق الإنسان ودوره في الكون .
ويستعرض هذا المبحث نظرية التطور وتحليلها ودراستها دراسة وافية وبيان عناصرها وأدلتها ومحاولة مناقشة هذه النظرية ، وكذلك يستعرض أطوار خلق الإنسان ومراحله في الكتب المقدسة ، ويبين دوره في هذا الكون الذي هو خليفة الله فيه .
المبحث الثاني : النفس وطبيعتها
ويتناول دراسة النفس وطبيعتها ودراستها في الكتب المقدسة وتحليلها تحليلاً شاملاً وما يؤدي إلي ذلك من اختلاف في الآراء .
الخاتمة :
وتضم أهم نتائج التي ظهرت من خلال الدراسة وأهمها :
أولاً : أن الكتب المقدسة قد اشتملت على الإشارات العلمية المتعلقة بعالم السماوات وعالم الأرض ، وليس هناك ما يفيد وجود تعارض بين القرآن و العلم الحديث علي العكس من الكتاب المقدس.
ثانياً : أن هذا الكون يتحرك حركة مستمرة ، وأن حركة نجومه وكواكبه تحكمها النسبية في الزمان والمكان ، فالزمان والمكان في تغير مستمر بالنسبة للنجوم والكواكب ، فالنجوم ليست ثابتة في مكانها المرئي بل تنتقل عنه بسرعة شديدة .(1/3)
ثالثاً : أن الإنسان مخلوق مركب من طبيعتين متصلتين هما الروح والجسد أو النفس والجسد لا انفصال لأحدهما عن الآخر ، وأن طبيعة هذه النفس مع الاختلاف فيها إنما هو راجع لمناهج القائلين بجوهريتها أو ماديتها ، ولا يدل القرآن على أي من الطبيعتين .
قائمة بالمصادر والمراجع العربية والأجنبية(1/4)
المصادر والمراجع
أولا :- المصادر والمراجع العربية
1. القرآن الكريم.
2. الكتاب المقدس .
3. ابن أبى أصيبعة : عيون الأنباء في طبقات الأطباء ، تحقيق د/ نزار رضا ، مكتبة الحياة ، بيروت.
4. ابن القيم: الروح ، دار إحياء الكتب العربية ـ القاهرة
5 ـ ابن النديم : الفهرست ، تحقيق رضا المازندراني ، دار المسيرية بيروت
الطبعة الثالثة 1988 .
6- ابن حجر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، رقم كتبه / محمد فؤاد عبد الباقي ، أخرجه وصححه / محب الدين الخطيب ، دار الفكر.
7- ابن حزم : الفصل في الملل والأهواء والنحل ، وتحقيق د / محمد إبراهيم نصر ، د/ عبد الرحمن عميرة ، دار الجيل – بيروت – الطبعة الثانية –1996 م .
8- ابن خلكان : وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان ، تحقيق د/ إحسان عباس ، دار صادر ، بيروت 1968م.
9- ابن رشد : الكشف من مناهج الأدلة في عقائد الملة ضمن فلسفة ابن رشد المكتبة المحمودية التجارية – القاهرة .
10 – ابن رشد : فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال ، المكتبة المحمودية التجارية – القاهرة .
11- ابن رشد : ما بعد الطبيعة ، حيدر آباد الدكن ، مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية 1365 هـ .
12- ابن رشد : تلخيص الآثار العلوية ، حيدر آباد الدكن – 1947 م .
13- ابن رشد : تلخيص النفس ، تحقيق د/ أحمد فؤاد الأهوانى ، الطبعة الأولى 1950م ، مكتبة النهضة المصرية .
14- ابن سينا : الشفاء ، أ- الرياضيات علم الهيئة 4 ، مراجعة وتصدير د / إبراهيم بيومي مدكور ، تحقيق د / محمد رضا مدور د / إمام إبراهيم أحمد – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1980 م .
0 ... ابن سينا : الشفاء - الطبيعيات – النفس ، تصدير د / إبراهيم بيومي مدكور تحقيق الأب د / جورج قنواتي ، سعيد زايد ، الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 1975 م .(1/1)
15-ابن سينا: النجاة في الحكمة المنطقية والطبيعية والإلهية ، تقديم وتفتيح د / ماجد فخري ، دار الآفاق – بيروت – الطبعة الأولي – 1985 م .
16 -ابن سينا: تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات أ – رسالة في الأجرام العلوية مطبعة هندية – مصر – الطبعة الأولي – 1908 م .
17-ابن سينا : رسالة في الحدود ضمن تسع رسائل في الحكمة ، مطبعة هندية – مصر – الطبعة الأولي – 1908 م
18-ابن طفيل : حى بن يقظان ، الطبعة الثانية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2000م .
19-ابن كثير : تفسير القرآن العظيم – مكتبة دار التراث، القاهرة .
20-أبو السعود: إرشاد العقل السليم إلي مزايا الكتاب الكريم – دار إحياء التراث العربي – بيروت .
21 -أبو العينين ( صلاح الدين ) : الله و الكون ، دار الفكر العربى ، 1983م.
22 - أبو حيان : البحر المحيط ، قرظه د / عبد الحي الفرماوي ، دراسة وتحقيق د . عادل أحمد عبد الموجود وآخرون ، دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولي – 1993 م .
23- أبو داود : سنن أبي داود ، دار الحديث ، 1988 م
24- أرسطو : في السماء ، تحقيق د / عبد الرحمن بدوي ، مكتبة النهضة المصرية .
25- اسكندر (د. ميخائيل) : المسيحية و البيئة ، كنيسة القديسة دميانة بالهرم، 1997م.
26- الأشعري : مقالات الإسلاميين ، تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد ، طبعة خاصة بورثة المحقق .
27 - الأصفهاني ( الراغب ) : المفردات في غريب القرآن ، تحقيقمحمد سيد كيلانى ، دار المعرفة ، بيروت مادة (حى).
28- الألوسي ( شهاب الدين ): روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، قرأه وصححه / محمد حسين العرب ، دار الفكر – بيروت – 1997 م.
29- البغدادي :أصول الدين ، دار المدينة – بيروت – الطبعة الأولي – 1928م.
30- البهى (د/ محمد ) : نحو القرآن ، الطبعة الثانية ، 1986م ، مكتبة وهبة .(1/2)
31- التفتازاني( سعد الدين ) : شرح المقاصد تحقيق د/ عبد الرحمن عميرة تصدير الشيخ /صالح موسى شرف ، عالم الكتب ، بيروت، الطبعة الأولى 1989م.
32- التفتازاني ( د/أبو الوفا ) : الإنسان والكون في الإسلام ، دار الثقافة – القاهرة 1975 م.
33- الجرجاني : التعريفات ، تحقيق / إبراهيم الأبياري – دار الريان للتراث – 1983 م . مواد الدين ، الكون
34- الجرجانى : شرح المواقف بحاشيتي السيالكوني والجلبي ، ضبطه / محمود عمر الدمياطي – الطبعة الأولي – 1998 م – دار الكتب العلمية بيروت .
35- الجنابي ( د. طالب) :نظرية التطور الدارونية – الطبعة الأولي – 1989 م ، دار الأضواء – بيروت .
36- الذهبى (شمس الدين ) : سير أعلام النبلاء ، تحقيق / شعيب الأرناؤوط و محمد نعيم العرقسوسى ، الطبعة التاسعة ، 1413 هـ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت.
37- الرازي ( فخر الدين): محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين وبذيله تلخيص المحصل نصير الدين الطوسي راجعه/ طه عبد الرؤوف سعد مكتبة الكليات الأزهرية .
38- الرازى ( فخر الدين ) : مفاتيح الغيب ، الطبعة الأولي الجزء الأول إلى الرابع 1991 م و الجزء الخامس إلى الجزء الثامن عشر و الحادى و العشرون إلى الرابع و العشرين و الحادى و الثلاثون و الثانى و الثلاثون1992م الجزء التاسع عشر و العشرون و الجزء الخامس و العشرون إلى الثلاثين 1993م - دار الغد العربي.
39- الزرقاني(محمد عبد العظيم) :مناهل العرفان في علوم القرآن ، الطبعة الثالثة – 1980 م ، دار إحياء الكتب العربية.
40 ـ الزركلي (خيرالدين ) : الأعلام ، دار العلم للملايين بيروت الطبعة الثامنة
... 1989
41- الزمخشري: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل دار المعرفة – بيروت .(1/3)
42- الطبري: جامع البيان عن تأويل آي القرآن قدم له الشيخ / خليل الميس – ضبط وتوثيق وتخريج / صدقي جميل العطار دار الفكر – بيروت – 1999م .
43- الطراونة ( د. سليمان ): الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الكون والماء دار الفرقان – الأردن – الطبعة الأولي – 1421 هـ-2000م.
44- الطويل ( د/ توفيق) : التنبؤ بالغيب عند مفكرى الإسلام ، دار إحياء الكتب العربية ، 1945م .
45- العراقي ( د . عاطف ) : النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد ، دار المعارف – الطبعة الخامسة – 1993م .
46 – العراقى ( د/ عاطف) : الفلسفة الطبيعية عند ابن سينا ، دار المعارف – الطبعة الثانية 1983 م.
47 – العراقى ( د.عاطف ) : دراسة و تحقيق كتاب الإسلام دين العلم و المدنية لمحمد عبده ، ابن سينا للنشر ، القاهرة ، 1987م.
48- العقاد ( عباس ) :الإنسان في القرآن ، الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1996م.
49- العقاد ( عباس) : الفلسفة القرآنية ، دار الهلال ، العدد 229 ، مارس 1970م.
50- الغمراوي ( د.محمد ): الإسلام في عصر العلم ، تقديم د / عبد الحليم محمود ، دار الإنسان الطبعة الرابعة – 1991م .
51- الفاخوري ( حنا – د / خليل الجر ): تاريخ الفلسفة العربية ، دار المعارف – بيروت 1957 – الجزء الثاني .
52- الفارابي :أهل المدينة الفاضلة ، دار العراق – بيروت 1955 م.
53- الفارابى : التعليقات ، حيدر آباد ، الهند ، 1346 هـ.
54- الفارابى : فصوص الحكم ، حيدر آباد ، الهند ، 1345 هـ.
55- الفندي ( د.محمد جمال الدين ) : الله والكون ، الطبعة الثانية – 1986 – الهيئة المصرية العامة للكتاب .
56– الفندى( د.محمد جمال الدين) :مع القرآن في الكون – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1992م .
57- الفيروز ابادي : القاموس المحيط ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1977م مادة ( دان و قرأ و كتب ، و كون وقدس).
58- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن ، دار الريان للتراث–القاهرة.(1/4)
59- الكندى : رسالة في الإبانة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد ضمن رسائل الكندي ، حققها و أخرجها د/ محمد عبد الهادى أبو ريدة ، دار الفكر العربى 1950م.
60- المليجى (د/ عاطف قاسم) : من روائع الإعجاز العلمى في القرآن الكريم ، دار النهار للطبع و النشر و التوزيع ، الطبعة الثالثة ، 2000م.
61- أمين ( أحمد د. ذكي نجيب محمود ): قصة الفلسفة اليونانية ، الطبعة التاسعة 1981م مكتبة النهضة المصرية .
62- بارتون ( د. بروس ) : التفسير التطبيقي للكتاب المقدس ، مراجعة د / كينيث كانتزر وآخرون ترجمة / وليم وهبة وآخرون – شركة ماستر ميديا – مصر – 1998م .
63- بوست ( جورج ) : قاموس الكتاب المقدس ، المطبعة الأمريكانية – بيروت – الجزء الأول 1894 م ، مواد ( إنسان ، جبل ، خلق ، سحب ، رعد ) الجزء الثانى 1901 م . مواد ( قمر ، مطر )
64- بوكاي ( د . موريس ): ما أصل الإنسان إجابات العلم والكتب المقدسة – مطبعة مكتب التربية العربي لدول الخليج 1985 م .
65 - بوكاى (د.موريس) : القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم دار الفتح للإعلام العربي.
66- جرجس ( نجيب ) : شرح سفر التكوين ، مطبعة مدارس الأحد 1978 م .
67- جوهري ( طنطاوي ) : الجواهر في تفسير القرآن الكريم ، مطبعة مصطفي البابي الحلبي – الطبعة الثانية – 1350هـ.
68- حبيب ( صموئيل ) وآخرون : دائرة المعارف الكتابيةالجزء الأول : الطبعة الأولي – دار الثقافة – 1988م مواد الله و خلق و أرض الجزء الرابع : 1992م ... مادة شمس ، الجزء الخامس : 1995م الجزء السادس : 1997م.
69- حسب النبي ( د.منصور ) :الكون والإعجاز العلمي في القرآن ، دار الفكر العربي – الطبعة الثالثة – 1996م .
70- حسب النبى (د. منصور) : الإشارات القرآنية للسرعة العظمى و النسبية ، دار الآفاق العلمية ، 1994م .
71 ـ حسن ( د محمد يوسف و د محمد جمال الدين الفندي ) : قصة السماوات
والأرض ، دار الشعب القاهرة .(1/5)
72- حسين ( د.طه ) : من بعيد ، المطبعة الرحمانية ، مصر 1935م.
73- خان ( وحيد الدين ) : الإسلام يتحدى ، تعريب / ظفر الإسلام خان ، مراجعة د. عبد الصبور شاهين ، دار البحوث العلمية ، الكويت ، الطبعة الثانية ، 1973م.
74- خضر ( د . عبد العليم ) : الطبيعيات والإعجاز العلمي ، الدار
السعودية للنشر والتوزيع – الطبعة الأولي 1986 م .
75 ـ خضر (د.عبد العليم) : المنهج الإيماني للدراسات الكونية في القرآن
الكريم ، الدار السعودية للنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية 1985 م .
76-دارون ( تشارلز ) : أصل الأنواع ، ترجمة / إسماعيل مظهر ، المطبعة
المصرية 1918 م.
77-راجح ( د. أحمد عزت) : أصول علم النفس ، دار المعارف، القاهرة ، 1995م.
78- رضا ( محمد رشيد ): تفسير القرآن الحكيم ، الهيئة المصرية العامة للكتاب
1972م.
79- زقزوق( د. محمود حمدى) : تمهيد للفلسفة ، دار المعارف ، الطبعة الخامسة،
1994م .
80- زكى (د. أحمد) : مع الله في السماء ، دار القلم ، بيروت ، الطبعة الأولى ،
... 1983م.
81- ساغان ( د . كارل ) : الكون ترجمة / نافع أيوب لبس ، مراجعة / محمد كامل
... عارف ، سلسلة عالم المعرفة عدد ( 178 ) أكتوبر 1993م – المجلس
الوطني بالكويت .
82- ستونر ( بيترو ) :العلم يشهد ، تعريب / أنيس إبراهيم دار الثقافة – القاهرة –
... الطبعة الثانية 1989 م .
83- عباس ( د. محمد ) :المدخل إلي علم الفلك ، دار المعرفة – دمشق – الطبعة
... الأولي 1997 م .
84- عبد الباقي (محمد فؤاد ) : معجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم – الطبعة
... الثالثة 1991- دار الحديث – القاهرة مواد ( الشمس والسماء والأرض ) .
85 – عبد العظيم (على ) : فلسفة المعرفة في القرآن الكريم ، الهيئة العامة لشئون
... المطابع الأميرية ، 1973م.
86-عبد الغني ( خيري ) : مجلة العلم ( والنجوم أيضا درجات ) العدد 186 –
... يونيو 1992م .(1/6)
87- عبده ( الشيخ محمد) : رسالة التوحيد ، تحقيق د/ محمد عمارة ، الطبعة
... الثالثة –1989م ، مركز الحضارة العربية للإعلام و النشر.
88- عتمان ( د . محمود ) : الفكر المادي الحديث وموقف الإسلام منه ، الدار
... الإسلامية للطباعة والنشر – المنصورة – 1984 م .
89- عزام ( د. محفوظ ) : مبدأ التطور الحيوي لدي فلاسفة الإسلام ، المؤسسة
... الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع – بيروت – الطبعة الأولي 1996 م .
90- عفيفى ( د. زينب) : فلسفة ابن رشد الطبيعية (العالم) ، تصدير د. عاطف
العراقي دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولي 1998م.
91- فرغل ( د. يحي هاشم ) : الإسلام والاتجاهات العلمية المعاصرة – دار
... المعارف – 1984 م .
92-قطب ( سيد ) : في ظلال القرآن ، دار الشروق – القاهرة – الطبعة الثالثة
... والعشرين 1994م.
93- كرم ( يوسف ) : تاريخ الفلسفة الحديثة ، دار المعارف – مصر – 1949م .
94- كرم (يوسف): تاريخ الفلسفة اليونانية ، الطبعة الرابعة ، مكتبة النهضة
... المصرية .
95 - متري ( سامح ) : إعجاز الوحي العلمي في الكتاب المقدس ، مطبعة كنيسة
الأخوة بأسيوط – 1994م.
96 – متولى (د. زين العابدين ) : الفلك عند العرب و المسلمين ، الهيئة المصرية
العامة للكتاب ، الجزء الأول ، 1997م .
97- مدكور ( د . إبراهيم ) : في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه ، دار المعارف –
... القاهرة – الطبعة الثالثة – 1983 م . الجزء الأول .
98- مسلم : صحيح مسلم ، تحقيق / محمد فؤاد عبد الباقي – الطبعة الأولي –
... 1955 م – دار إحياء الكتب العربية.
99- مظهر ( إسماعيل ) : ملقي السبيل في مذهب النشوء والارتقاء – المطبعة
... العصرية – 1926 م .
100- منتصر(د.عبد الحليم) : تاريخ العلم و دور العلماء العرب في تقدمه ، دار
... المعارف ، الطبعة الثامنة ، 1990م.
101- موريس ( هنري – م ) : الكتاب المقدس ونظريات العلم الحديث ترجمة(1/7)
... د/نظير عريان ، مراجعة د/ سليمان نسيم – مكتبة المحبة – 1989م.
102- نصير ( د.آمنة ) : الإسلام و حماية البيئة ، سلسلة قضايا إسلامية ، المجلس
... الأعلى للشئون الإسلامية ، العدد 76 ، أغسطس و سبتمبر 2001م ،
... جمادى الآخر، 1422هـ .
103 - هندي ( د . سمير ) : الكون والبيئة الطبيعية في ضوء العناية الإلهية . تقديم
... / الأنبا غريغوريوس . دار الجيل للطباعة – 1994م.
104- هويل ( فريد ، شاندرا ويكراماسينج ) : البذور الكونية ، ترجمة د / أحمد
... مستجير – الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989م.
105- وافي ( د. علي عبد الواحد ) : الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام –
... مكتبة النهضة – مصر – 1984م.
106- وجدي ( محمد فريد ) : الإسلام في عصر العلم ، دار الكتاب اللبناني –
... بيروت – الطبعة الثالثة .
107- وجدي ( محمد فريد ) : دائرة معارف القرن العشرين ، الطبعة الثالثة ، دار
المعارف ، بيروت ، مادة ( كوكب) .
108- يونج ( د. ادوارد ج ) : الكتاب المقدس في الميزان – تعريب القس إلياس
... مقار – دار الثقافة المسيحية – 1977م.
ثانيا : المصادر والمراجع الأجنبية
1)Ebbighausen (E.G.):Astronomy . columbs, ohio
... ... U.S.A 1985.
2) Garrigan(O.W) : New catholic Encyclopedia
... ... Washingtion 1967.(the man ) .
3)Gilson (Etienne) : history of Christian philosophy in
... ... the Middle ages Newyork 1955.
4)Kenneth (R. Brown sberger Theodore p. snow,):
... ... universe origins and evolution – newyork 1997.
5 )Rabinson (Michal rowan): cosmology – newyork –
... ... 1998.
6)Ronan (Colin A.): the natural history of the universe
... ... newyork –1991.
7) wshaphey (Harlo), cecili apayn : Earth, moon and
... ... planets – London 1969.(1/8)