الكتابات عن السيرة النبوية
باللغة المجرية دراسة نقدية
إعداد الدكتور
أوكفات
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئَاتِ أعمالنا من يَهْدِهِ الله فلا مُضِلَّ له و من يُضْلِلْ فلا هاديَ له ونشهد أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وحده لا شريكَ له ونشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا.
أمّا بعد:
فَفي هذا البحث الوجيز أُريد أن أعرِضَ بإذن الله سبحانه وتعالى على القراء الكرام حالةَ الاهتمام بالسيرة النبوية الشريفة وحالة دراستها وكتابتها باللغة المجرية.
لا تحتاج أهمية دراسة السيرة النبوية الشريفة إلى أيّ إيضاح فنحن المسلمين نعرف مكانتها الرّفيعة الجليلة، وهي تراثنا العظيم ومصدرُ التّربية الإسلامية، ومنهاج حياة المسلمين، مثلها كمثل البحر بلا ساحل.
لقد قال تعالى:? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([الأحزاب الآية: 21].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:
" هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وأحواله.."(1).
وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيميّة رحمه الله - في مجموعة الرسائل الكبرى-:
"العلم الموروث عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّهُ هو الذي يستحِقُّ أنْ يُسَمَّى علمًا وما سواه إمّا أن يكونَ علمًا فلا يكون نافعًا وإمَّا أن لا يكون علمًا وَإِنْ سُمِّيَ به.. ولَئِنْ كان علمًا نافعًا فلا بدّ أن يكُونَ في ميراث محمد"(2).
وقال ابن قيّم الجوزيّة:
__________
(1) …تفسير القرآن العظيم:(6/392). [طبعة دار الشعب].
(2) أحمد بن تيمية مجموعة الرسائل الكبرى 1/ 238 القاهرة 1324(1/1)
"وإذا كانت سعادةُ العبد في الدارين معلقةً بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجِب على كلِّ من نصح نفسه وأحب نَجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه مَا يَخْرُجُ به عن الجاهلين به ويدخل به في عِداد أتباعه وشِيعته وحِزبه والناس في هذا بين مستقِلٍّ ومستكثِر ومحروم والفضل بيد الله يؤْتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.."(1).
إِنَّ رسالتي هذه لمنقسِمةٌ إلى قسمين رئيسيَّيْنِ.. فَفي القسم الأوَل أبدأ بِعَرْضِ المؤلفات الموجودة باللغة المجرية الخاصّة بالسيرة النبوية أو المتعلّقة بها.. وفي الثاني أودّ أن أشيرَ - بإذن الله تعالى وعونه - إلى قيمتها العلمية وأخطائها.
…
الفصل الأول
ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: المسلمون المجريّون الكاتبون باللغة المجرية.
المبحث الثاني: المجريّون - المستشرقون وغيرهم - الكاتبون باللغة المجرية.
المبحث الثالث: الغربيّون – المشستشرقون وغيرهم – وكتبهم المترجمة إلى اللغة المجرية.
المبحث الأوّل: المسلمون المجريّون الكاتبون باللغة المجرية
قبل أن أبدأَ من المناسب أن أقولَ إنه ليس في اللغة المجرية ترجمة كاملة لسيرة نبيِّنا محمّد - صلى الله عليه وسلم - ولا ترجمة مختصرة ولا ترجمة جزئيّة. وأسبابُ هذا النقص المؤلم عديدة ومختلفة لا يَسَعُنِي في بحثي هذا أن أشرحَها.. يَحْزُنُني هذا الأمر الأليم والصورة المُخَيِّبَة التي أنا بِصَدَدِ عَرضها. وأسأل الله تعالى العليّ العليم الوَهّاب أن يمُنَّ على هذه المنطقة بعالم يسدّ هذا الفراغ.
__________
(1) ابن قيم الجوزية زاد المعاد في هدي خير العباد ج / 69-70 مؤسسة الرسالة بيروت 1412 هـ - 1991 م.(1/2)
الكاتب المسلم الوحيد الذي ذكر شيئًا يسيرًا من سيرة حبيبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو Prof. Dr. Germanus Gyula الأستاذ الدكتور جيرمانوس جولا و اسمه العربي هو الحاجّ عبدالكريم جيرمانوس.. وُلد سنة 1884 م الموافق لسنة 1301 هـ في العاصمة بودابيشت ومات بها سنة 1979 م الموافق لسنة 1399 هـ.. كان أستاذا في الجامعة و مدرس اللغتين العربية والتركية. وهو أوّل مجري أدّى فريضة الحجّ سنة 1934م انطلاقًا من القاهرة حيث أجرى بحوثه في الأزهر الشريف.. له ثلاثة كتب ذكر فيها السيرة النبوية الشريفة..
كتابه الأوَّل: صدر كتابه الأول بعنوان (1)Allah Akbar (الله أكبر) عام 1932م.. ليس هذا الكتاب بعمل علمي ولا ديني بل هو قصّة رحلته في الشرق الأوسط والجزيرة العربية وآسيا.. ويحتوي الباب السادس منه على ثلاثة فصول وفي الفصل الثاني Egyedül Mohameddel (مع محمّد) من صفحة 328 إلى صفحة 352 يذكر بعض المعلومات عن حياة حبيبنا الطاهرة - صلى الله عليه وسلم - (2) ويذكر بعض غزواته وأَيضًا قد ترجم في هذا الفصل بعض الآيات القرآنية..
كتابه الثاني: بعنوان "جاذبية الشرق" ويتكوّن من قسمين
أ) القسم الأوّل من الصفحة 7 إلى الصفحة 214 "في ضوء القمر الشاحب" يقصّ فيه رحلته وتجاربه في تركيا وفي الهند وفي مصر(3).
__________
(1) الطبعة الأولى , 1936م , Budabest Szépirodalmi َ, والثانية سنة 1960م والثالثة سنة 1973م.
(2) من الواجب أن أقولَ: لم ترد في النصوص المجرية عبارة "صلّى الله عليه وسلّم" قط وفي النصّ المترجم أنا كتبتها..
(3) صدر هذا الكتاب سنةَ 1957 م وله 6 طبعات.(1/3)
ب) الثاني "نحو أنوار الشرق(1)" وهو يعالج زيارته للبلدان التالية: مصر وسورية وبلاد الهند والمغرب والعراق والمملكة العربية السُّعودية.. ليس في هذا الكتاب فصل معيّن لسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بل يذكر المؤلِّف معلومات عن أمور متفرقة وبصفة خاصّة عن حجِّه و زيارته إلى المدينة المنوّرة.
كتابه الثالث: بعنوان "تاريخ الأدب العربي"(2) الفصل المتعلق بموضوعنا يسمى “Mohamed és a Kor?n ”(مُحَمّد والقرآن) من صفحة 42 إلى صفحة 49.. في هذا القسم يقص تاريخ مولده وزواجه بخديجة وعلاقته مع قريش قبل الهجرة وترجم هنا سورة الواقعة وسورة الشمس وسورة الشرح وذكر هجرتَه وتحويل القبلة وتاريخ وفاته.
أما بالنسبة إلى السيرة النبوية الشريفة فليس لمؤلفات جيرمانوس في رأيي أي قِيمَة علمية، لكن أهميتها في حث الناس على التعرّف على هذا الدين الحقّ. وتستهدف مؤلفات الحاج عبدالكريم قلوب القارئين ومشاعرهم.
المبحث الثّاني: المجريون - المستشرقون وغيرهم - الكاتبون باللغة المجرية
في هذا المبحث أذكر مؤلّفات المستشرقين الذين كتبوا باللغة المجرية:
أ) كتب المؤرّخ المدّرس في إحدى الجامعات المجرية كتابا بعنوان "Arab Kalif?k(3)" (الخلفاء العرب) هذا المؤرّخ - الذي لقيته مرارًا - لا يستطيع أنْ يكتبَ حرفًا واحدًا باللغة العربية ولم يقرأْ كتابًا واحدًا من مصدر صحيح.. كان يقتبس من كتب الآخرين من دون أن ينص على مصدره.
جمع في نهاية كتابه الكلمات العربية الواردة في الكتاب فَلْننظر إلى اثنتين منها:
Dh?’l-Fakar: Ali kardj?nak a neve
__________
(1) صدر هذا الجزء سنةَ 1966م وله 4 طبعات.. و طُبع معًا في مجلد واحد أربع مرَات والطبعة الأخيرة سنةَ 1978 م.
(2) الدار 1973م Gondolat Kiad? ولهذا الكتاب طبعتان..(1/4)
والترجمة "ذو الفَكَر: اسم سيف أَلِ" هكذا.. "ألِ" هذا أراد به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه..وهذا خطأ عظيم. إذ إن هذا السيف خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال ابن قيم الجوزية في ذكر سِلاحه وأثاثه - صلى الله عليه وسلم -:
"كان له تسعة أسياف...وذو الفِقار بِكَسر الفاء وبفتح الفاء..."(1).
والثاني: sz?ra: a Kor?n 42. fejezete
وترجمتها: "سورة: الباب الثاني والأربعون للقرآن".. أراد هذا الحاقد بهذه العبارة "شورى" والصحيح سورة الشورى.
ليس في كتابه إلا جملة واحدة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي كما يلي:
632 8., amikor a 62 legkedvesebb'' a 18 Aisa meleg, illatu kilehelte ( a szerint a " kincs : kllatok, asszonyok, )(2)
وترجمتها: حدَث في اليوم الثامن من الشهر السادس عام 632م أنّ النبي لفظ نَفَسَهُ الأخير على الثدْيِ الليِّن الحارّ لأَحبّ أزواجه عائشة وهي بنت 18 سنة.. (على فكرة: حسبَ قول النبي: أنفس الكنوز هي: العُطُور والنساء والصلوات).
انطلق المستشرق فيما وصف عن وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - من منطلق النظرة الغربية للعلاقة بين المرأة والرجل القائمة عندهم على مجرد العلاقة الجسدية الشهوانية المجردة من المعاني الروحية والنفسية، وغاب عنه أن الارتباط بين الزوج والزوجة في الإسلام لا يقوم على هذه العلاقة الجسدية الجنسية فحسب، بل هناك علاقة أسمى منها وهي السكن النفسي والروحي والاجتماعي الذي هو أساسٌ في العلاقة الزوجية بما فطر الله عليه من ميل كل منهما للآخر.
والله سبحانه وتعالى يقرر هذه العلاقة في القرآن الكريم في قوله:?? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الروم الآية:21].
__________
(1) زاد المعاد المجلد الأول 130.
(2) الصفحة (5) من كتاب ( الخلفاء العرب ) .(1/5)
فالآية تقرر وتؤكد أصل العلاقة الزوجية القائمة على السكن النفسي لكلا الطرفين إضافة إلى المودة والرحمة التي تنمو بالعشرة بينهما.
أما أن تحصر العلاقة بين الزوج والزوجة في إطار العلاقة الجسدية والجنسية فإنه هبوط بالإنسان وبهذه العلاقة السامية إلى المنزلة الحيوانية، وهذه النظرة هي من إفرازات الحضارة الغربية القائمة على تحقيق الشهوات والرغبات المادية والجسدية والجنسية.
كما أن وصف ما حدث في وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والكيفية التي توفي بها لابد أن يكون قائما على المشاهدة والعيان، وإذا وقفنا على ما ورد في كتب السنة والسيرة من وصف ما حدث في وفاته - صلى الله عليه وسلم - لا نجد رواية واحدة تذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - توفي على (ثدي عائشة) كما وصف المستشرق بل نجدها تنص على (الفخذ، والسّحر، والنحر والصدر) ولا شك أن هناك فرقاً شاسعاً بين ما توحيه هذه الألفاظ من المعاني والمعنى الذي رمى إليه المستشرق بذكره كلمة ( الثدي) مع وصفه له.
ونقف هنا أيضا على خلل في المنهج العلمي للمستشرق، ذلك المنهج الذي يجعل الأمانة العلمية أساساً من أسس بنائه الصحيح، بيد أن المستشرق لم يكن أميناً ولا دقيقاً في نقله وترجمته للنص.
أقول: تصف هذه الجملة للقرَّاء شهوات المؤلف ولا تصف الواقعة التاريخية.. لو أشار إلى ما رُوي في الصحاح والسنن والمسانيد لكفى.. اقرأ معي الحديث:(1/6)
"أنّ عائشة كانت تقول: إنّ من نِعَمِ الله عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّيَ في بيتي وفي يومي وبين سَحْري ونَحْرِي وأنّ الله جمع بين ريقي وريقِهِ عند موته.. دخل عليّ عبدالرحمن وبيده السِّواكُ وأنا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيتُه ينظر إليه وعرفتُ أنّه يُحِبّ السِّواكَ فقلتُ: آخُذُهُ لَكَ فأشار برأسه (أنْ نَعَمْ) فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشتَدَّ عَليه وقلتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ فأشار برأسه (أنْ نَعَمْ) فليَّنْتُهُ.. فأَمَرَّهُ وبين يديه رَكْوَةٌ أو عُلْبَةٌ - يَشَكُّ عمر- فيها ماءٌ فجعل يُدْخِلُ يديهِ في الماء فيَمسَحُ بهما وجهَهُ يقول: (لا إلَهَ إلاّ اللهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ) ثمّ نَصَبَ يَدَهُ فجعل يقول (اللَّهُمَّ في الرَّفِيقِ الأَعْلَى) حَتّى قُبِضَ ومالتْ يدُه.."(1).
أو الحديث: "أخبرني أنس بن مالك الأنصاري وكان تَبِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وخَدَمَهُ وصَحِبَهُ: أنّ أبَا بكر كان يُصلِّي لهم في وَجَعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي تُوُفِّيَ فيه حتى إذا كان يومُ الاثْنَيْنِ وهم صُفُوفٌ في الصَّلاةِ فكشف النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سِتْرَ الحُجْرَةِ ينظُر إلينا وهو قائمٌ كأنّ وجهَهُ ورقةُ مُصْحَفٍ ثمّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ فهَمَمْنَا أنْ نَفْتَتِنَ منَ الفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَكَصَ أبو بكر على عَقِبَيْهِ ليَصِلَ الصَّفَّ وَظنَّ أنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خارجٌ إلى الصَّلاةِ فأشار إلينا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ) وأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ من يومه.."(2).
في هذين الحديثين عِبر وعِظات لمن تَدَبَّرَهما عن بصيرة.
__________
(1) صحيح البخاري كتاب المغازي الحديث ذو الرقم 4184.
(2) صحيح البخاري كتاب الجماعة والإمامة الحديث ذو الرقم 648.(1/7)
وقد قال القسطلاني في إرشاد الساري: " فَرِحًا باجتماعهم على الصلاة واتفاق كلمتِهم وإقامة شريعته ولهذا اِستنار وجهه الكريم.. "انتهى(1)
اطمأنّ قلبه الرؤوف - وهو يمُرُّ بآخر دقائق حياته- بهذه النظرة إلى أصحابه ورآهم يتبعون الهداية التي أرشدهم إليها.
(ب) كتاب بعنوان "Mohamed élete" (2) (حياة محمد) وهو قصة طويلة.. لا نجد في هذا الكتاب إلاّ المُفْتَرَيَات. يُذكِّرني هذا النصّ بالكتاب الآخر الذي صدر عام 1988م اليوم 26 من شهر سبتمبر وأفتى بعض علماء إيران بتكفير كاتبه- نعم بينهما تشابه كامل أُسلوبًا وقصدًا.. يقص هذا الكاتب الحاقد حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلسان زيد بن ثابت رضي الله عنه.. أذكر منه نموذجين:
النموذج الأوّل
نقرأ التالي باختصار(3) "أملى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على زيد بن ثابت الوحي لكن كانت قراءته سريعة جدًّا ولم يستطع زيد كتابة الآيات لذلك تظاهر بالكتابة.. ثم رجع إلى حجرته لكن نسي الآيات كلَّها وكتب الوحي من تلقاء نفسه.. بعد حين دعاه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليقرأ عليه وزيد قرأ كلماته عليه.. والنبي - صلى الله عليه وسلم - وافق عليها.. وتَبَجَّحَ زيد بأن كلماته صارت وحيًا كأنها كلام الله" انتهى.
هذا قذف في ديننا الحقّ وفي كتابنا العظيم وفي رسولنا الحبيب - صلى الله عليه وسلم -.
يقرّر هذا الكاتب أنّ القرآن الكريم هو كلام البشر وهذا هو طعنه الأوّل.. وطعنه الثاني هو كأنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان شيخًا هرماً ينسى الوحي.. وطعنه الثالث هو قذف زيد بن ثابت بِتَزْوِيرٍ.. كلّ هذه الطعُون باطلة.
لقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ([الحجر: 9].
وقال تعالى:( ? ( ( ( ( ( (( ( ( ( (( ( ( ( ( ([يونس: 64].
وقد قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية:
__________
(1) إرشاد الساري للقسطلاني المجلد 1/44.
(3) ص 248.(1/8)
" ومن الإيمان بالله وكتبه الإيمان بأنّ القرآن كلام الله منزّل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وأنّ الله تعالى تكلم به حقيقة وأنّ هذا القرآن الذي أنزله على محمد - صلى الله عليه وسلم - هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره..".
النموذج الثاني
ادَّعى هذا الكاتب في كتابه أنّ زينب بنت جحش كانت زوجة زيد بن ثابت.
نعم هنالك زيدٌ فَلْنُسَمِّهِ: هو زيد بن ثابت..
وهنالك زيدانِ وهما زيد بن ثابت وزيد بن حارثة..
بل هنالك زيدون وهم: زيد بن أرقم وزيد بن أسلم وزيد بن خارجة وزيد.. وزيد.. وزيد...(1).
والصحيح الذي لا شك فيه -كما هو معروف- أنّها كانت تحت زيد ابن حارثة وفيها نزل قولُه تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( [الأحزاب: 37].
وزينب بنت جحش هي التي ورد ذكرها في الحديث.
"عَنْ أَنَسٍ قَالَ جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ قَالَ أَنَسٌ لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ قَالَ فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ وَعَنْ ثَابِتٍ ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ ) نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ "(2).
__________
(1) فليراجع من يشاء كتب الرجال مثلا الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر في القسم الأوّل من حرف الزاي - المجلد 1/ 560- 575 الرقم 2873 إلى الرقم 2955.
(2) صحيح البخاري كتاب التوحيد الحديث ذو الرقم 6984.(1/9)
(ج) المؤلف الثالث هو Goldziher Ign?c (غولدزيهير اِغناتس) المستشرق المجري وهو يهودي الأصل.. كتابه الذي يَهُمّنا هو بعنوان Az Iszl?m (الإسلام)(1) هذا التأليف صغير الحجم قياسه (11,4-16) سم وعدد السطور في كلّ صفحة 29.. فيه ستة فصول- أربعة منها بعيدة عن موضوعِنا.
الفصل الأوّل A sivatag vall?sa és az iszl?m (دين الصَّحْرَاء والإسلام) من الصفحة 5 إلى الصفحة 122.
الفصل الثاني Az iszl?m hagyom?nyai (أحاديث الإسلام) من الصفحة 123 إلى الصفحة 206.. سأرجع إلى مناقشته - إن شاء الله سبحانه وتعالى - في القسم الثاني.
(د) المؤلف الرابع هو Simon Rَobert (شيمون روبيرت) المستشرق المجري وهو يهودي الأصل .. كتابه الذي يتعلق بموضوعنا هو بعنوان Az iszl?m keletkezése (تكوين الإسلام)(2) هذا الكتيب صغير الحجم قياسه (12-18) سم - عدد السطور يتفاوت بين 25 إلى 32 سطرًا.
فيه ثلاثة فصول.. من عناوينه: الفصل الأوّل "الجزيرة العربية قبل الإسلام" (الجزيرة العربية والدول الكبرى المجاورة في القرن السادس م.- الأَعْرَاب- سُكّان الواحات- سكّان المدن- المدينة- الطائف- مكّة ).
الفصل الثاني "مرحلة تكوين الإسلام المكيّة" (محمد وبداية الإسلام- السور الأولى - المسلمون الأولون -تكوين التوحيد – هجرة حبشة- محاولات محمد خارج مكة) الفصل الثالث "مرحلة تكوين الإسلام في المدينة" (مكانة الإسلام في المدينة- الدستور المدني- تكوين الدين المَعْزُوّ إلى إبراهيم- غزوات الإسلام).
سوف أرجع - إن شاء الله سبحانه وتعالى- إلى إبطاله في القسم الثاني.
المبحث الثالث: الغربيّون - المستشرقون وغيرهم-
وكتبهم المترجمة إلى اللغة المجرية
__________
(1) لهذا الكتاب عدة طبعات الأخيرة منها سنة 1980م دار Magveto 598ص.
(2) طبع سنة 1967م Gondolat Kiadَoس, Budapest 150 ص.(1/10)
1) كتاب بعنوان Izmael fiai (بنو إسماعيل)(1) يناقش هذا الرجل تاريخ العرب من العصر الجاهلي إلى العصر التركي العثماني.. والجزء الخاص بسيرة نبينا محمّد - صلى الله عليه وسلم - يُسمَّى بـ "Az Arabok Prَofét?ja" (نبيّ العرب) من الصفحة 29 إلى الصفحة 36.. المستوى العلمي في هذا القسم من كتابه لا يستحق أنْ نهتمَّ به.. لذلك لا أُعلّق إلاّ على عنوان هذا القسم.. نعم ولد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في عائلة عربية وأمّه عربية و لغته عربية وقلبه عربي ونسبه عربي لكن الرسالة التي أُرسل بها وأُمر بتبليغها هي عامّة.. لقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([سبإ:28].
وقد قال قتادة في هذه الآية: "أرسل الله تعالى محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إلى العرب والعجم.."(2).
وقد روى البخاري في صحيحه:
عن جَابِر بْن عبداللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:(( أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً))(3).
أو الحديث الذي خصّه الله تعالى فيه بمثل ما سبق ذكره وزاد فيه "جوامع الكلم" و "خَتم سلسلة الأنبياء به".
__________
(1) Burchard Brentjes : Izmael fiai, Budapest, Kossuth K?nyvkiad?, 1986 Die S?hne Ismaels, Geschichte und Kultur der :عنوان الكتاب الألماني ص177 الطبعة الثالثة Araber, Leipzig, 1977 .
(2) راجع تفسير ابن كثير عند تفسير هذه الآية.
(3) صحيح البخاري- كتاب التيمم الحديث ذو الرقم 328 .(1/11)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:(( فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ))(1).
2) كتاب بعنوان Az Iszl?m (الإسلام)(2) يبدأ الجزء الخاصّ بسيرة نبيّنا محمّد - صلى الله عليه وسلم - من الصفحة 15 إلى الصفحة 21.. هذه ستّ صفحات هي قصّة حياته - صلى الله عليه وسلم - وغزواتِه ومعراجِه وهجرتِه وقدوم الوفود عليه وَهي قصّة 63 سنة.. وكفانا هذا لوصف قيمة هذا الكتاب..
3) مجموعة المقالات المختلفة عن العالم العربي والإسلامي بعنوان Az
Arabok (العرب)(3) بحجم صغير قياسه 11-18 سم وعدد السطور يتفاوت بين 25 إلى 33 سطرًا.. نقرأ فيها مقالتين تتعلّقان بموضوعنا.. ومقالة ثالثة عن القرآن الكريم.
المقالة الأولى هي Mohamed (محمد)(4) من الصفحة 134 إلى الصفحة 143.. وهي مملُوءة بالأكاذيب والتشويهات والتُهم.. فلننظر منها إلى جملتين لكي ندرك علم كاتبه ونعرفَ سوءَ مقاصده. يقول هذا المؤلف متكلمًا على محمد (- صلى الله عليه وسلم -):
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواقع الصلاة الحديث ذو الرقم 523 ورواه الترمذي في سننه - كتاب السير الحديث ذو الرقم 1553.
(2) birodalom létej?ttéig Claude Cahen: AzIszl?m a Kezdetekt?l az oszm?n الإسلام من البداية حتى مولد الملك التركي العثماني ص402 دارGondolat K?nyvkiad?, Budapest, 1989 L' Islam , des origins au début de l'empire ottoman, Bordas, 1970 ،
(3) ص 525 Arabok, Kozmosz K?nyvek, Budapest, 1976 .
(4) بقلم الدكتور إرنست فيرنير Dr. Ernst Werner .(1/12)
" A h?v?ُknek k?ِtelességükké tétte az im?dkoz?st és a mosd?st."(1)
والترجمة: "فرض على المؤمنين الصّلاةَ والوضوء"
أقول: لم يفرِضْ نبينا - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ على المؤمنين، بل عليه وعلى المؤمنين أجمعين فُرِضَت الصلاة ليلةَ أُسْرِيَ بِهِ وعُرِجَ بِهِ.
جاء في صحيح البخاري في حديث الإسراء والمعراج الطويل صريحًا: "فَفَرَضَ الله على أُمَّتِي خَمْسِين صلاةً..."(2).
أو الحديث في سنن الترمذي:
عَنْ عبداللَّهِ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى قَالَ انْتَهَى إِلَيْهَا مَا يَعْرُجُ مِنَ الأَرْضِ وَمَا يَنْزِلُ مِنْ فَوْقٍ قَالَ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ عِنْدَهَا ثَلاَثًا لَمْ يُعْطهُنَّ نَبِيًّا كَانَ قَبْلَهُ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ خَمْسًا وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغُفِرَ لأُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتُ مَا لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا(3) والأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة..
وقد أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمّتَه بأداءِ الصلاة في أوقاتها وبأركانها وشروطها وسننها.
والجملة الثانية: "Medin?ban...n?vekedett prَofétai ?ntudata, noha?j vall?si eszméi m?r nem voltak. T?ِbbnyire beérte régebbi tanainak r?vid, sztereotip ismétlésével."(4)
والترجمة: "في المدينة... ازداد وعْيُه النبوي رغمَ أنَّه لم يمتلك أَفكارًا دينيّة جديدة.. قد اقتنع بتكرير تعاليمِهِ القديمة على نحوٍ لا يتغير و تُعوِزُهُ السمات الفردية المُميِّزة..".
__________
(1) المصدر السابق ص 135.
(2) صحيح البخاري كتاب الصلاة الحديث ذو الرقم 342.
(3) سنن الترمذي تفسير القرآن الحديث ذو الرقم 3276.
(4) المصدر السابق ص 137.(1/13)
أقول: الجزء الأول هو دليل على ضِيق في أُفُق تفكير كاتبه.. لكن الجزء الثاني هو طعن في نزول الوحي عليه - صلى الله عليه وسلم - في السنوات المدنيّة وإنكار تنزيل السور المدنية من الله العليمِ على رسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.. لو كان قول هذا الكاتب صوابًا وصحيحًا لفقدنا آية الكرسي وهي مدنية وآية الربا وهي مدنية وأمْرَ الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين أن يستقبلوا الكعبة في المسجد الحرام حيث قال تعالى:( ? ( ( ( ( ([البقرة:144] وأمرَ الله تعالى بمنع المشركين من دخول المسجد الحرام لكونهم نجسًا وقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([التوبة: 28] بل فقدنا السور المدنية كلها..لكن قال تعالى: ( ? ( ( ( ( [النساء: 47].
المقالة الثانية هي Mohamed vall?sa, az Iszl?m (دين محمّد هو الإسلام)(1) من الصفحة 144 إلى الصفحة 154.. أذكر-إن شاء الله سبحانه وتعالى- منها جزأين شنيعين وهما يصفان لنا شناعة المقالة كلّها ومنهج كاتبه.
الجزء الأوّل: "A pr?َféta...nem a hagyom?nyos arab népi vall?sb?َl mer?tett, mint ink?bb a zsid? és a keresztény vall?s kül?nb?z?ُ ir?nyzataib?َl. Nem egészen alaptalanul nevezték?t zsid?َ-keresztény eretneknek."(2).
والترجمة: "النبيّ... لم يقتبس من الدين التقليدي الشعبي العربي بل من تعاليم الفِرَق اليهودية والنصرانية المختلفة.. لذلك يمكننا أَنْ نُسَمِّيهِ بالهَرْطُوقِي اليهودي والنصراني..".
أعوذ بالله من جهل هذا الرجل.. لو دَرَسَ وتدبّر وقَرَأَ كتابَنا الكريم باللغة العربية الفصحى والأحاديث الصحيحة الموجودة في كتب الأحاديث النبوية الشريفة وكتبَ السيرة لحصل على علم كافٍ ويقينٍ ثابتٍ.. وفي غياب هذه الدروس قد ضلّ صاحب هذه المقالة وأراد أن يُضِلَّ الناس بآرائه المعادية.
__________
(1) كاتب هذه المقالة هو Dr. Kurt Rudolph
(2) المصدر السابق ص 144.(1/14)
أما بالنسبة إلى قوله :" مقتبس من اليهودية والنصراينة" فأقول: لم يقتبس نبيّنا محمّد - صلى الله عليه وسلم - من أيّ دين ولا من تعاليم الفرق المختلفة لأنّه لم يتكلم من تلقاء نفسه - في أمور الدين- إذ هو مبلّغُ ما أُوحي إليه من ربّه جلّ جلاله فهو بلّغه إلى الناس كاملاً من غير زيادة ولا نقصان.. وقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([النجم: 3 و 4].
إذًا علّم نبينّا - صلى الله عليه وسلم - القرآن للمؤمنين عربِهم وعجمهم وقد علّم وحيًا آخَر أُنزل عليه وهي الحكمة المذكورة في القرآن العظيم.
وقد قال تعالى: ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [آل عمران:164].
وقال تعالى :?? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [النساء: 113].
وقال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الأحزاب: 34].
لقد نصّ كثير من علماء الإسلام على كون الحكمة تنزيلاً من الله عزّ وجلّ.. وقد قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية -رحمه الله- في الوصية الكبرى "فإنّ الله سبحانه أنزل عليه الكتاب والحكمة وامتنّ على المؤمنين بذلك.."(1).
الجزء الثاني: كتب هذا الرجل عن شهر رمضان المبارك: "?ll?t?lag abben a h?napban, amely az iszl?m holdév szerint a kilencedik kUldte le Allah a kor?nt is a "rendeltetés éjszak?j?n".(2) Eredetileg tal?n az ugyanebben a h?napban lezajlott badri csata emlékUnnepsége volt ez"(3).
__________
(1) الوصية الكبرى في مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 3/ 366.
(2) العبارة المجرية " a rendeltetes éjszak?j?n " هي بالعربية " في ليلة القسمة ".. أنا أعرف كيف ورد هذا في المقالة في لغتها الأصلية لكن ترجمتها إلى المجرية غير صحيحة.
(3) مقالة د. كورت المذكور سابقًا ص 150.(1/15)
والترجمة: على افتراض أن الله أرسل القرآن في ليلة القِسْمَة في هذا الشهر الذي هو التاسع في السنة القمرية الإسلامية.. في الأصل كان هذا هو الاحتفال بذكرى معركة بدر التي ربما وقعت في مثل هذا الشهر.
أقول أوّلاً: أصاب هذا الرجل إصابة واحدة: نعم شهر رمضان هو الشهر التاسع من الشهور.. لكن الليلة التي أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم هي باللغة العربية الفصحى واصطلاحًا ليلة القَدْرِ.
وقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( [القدر: 1].
وأقول ثانيًا:ليس هذا الأمر "على الافتراض؛" لأنَّا نحن المسلمين نؤمن بأنّ القرآن العظيم هو كلام الله وهو أصدق الكلام.. ونؤمن بأنّ الأحاديث الصحيحة الموروثة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هى خير الهدى.
وقد ذكرت الآية من سورة القدر مشيرًا إلى ليلة القدر وهذه الليلة هي مباركة كما قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( [الدخان:3].
وهذه الليلة في شهر رمضان..كما قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [البقرة: 185].
وقد أجمع المفسّرون على أنّ القرآن الكريم أُنزل أوّلاً جملةً واحدة ثمّ مفرقًا.. كما هو مرويّ عن ابن عبّاس: "وأمّا القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزّة من السماء الدنيا وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه... ثمّ نزل بعده مفرقًا بحسب الوقائع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .."(1).
أو كما نقرأ في المحرّر الوجيز: "وقال ابن عبّاس: أنزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة ليلة أربع وعشرين من رمضان ثمّ كان جبريل ينزله رسلا(2) رسلا في الأوامر والنواهي والأسباب.."(3).
__________
(1) انظر تفسير ابن كثير المجلد الأول عند تفسير الآية 185 من سورة البقرة.
(2) الرَّسَلُ بفتح الراء والسين والمعنى: القطيع من كلِّ شيء وجمعه أرسال.
(3) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي 2/82.(1/16)
أمّا قوله: "معركة بدر التي ربما وقعت في مثل هذا الشهر" لا يتطرّق الشكُّ إلى وقوع غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان و لا يمتري فيه إلا الجاهل.. وقد قال ابن قيم الجوزية "فلما كان في رمضانَ من هذه السنة بلغ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خبرُ العِير المُقبلة من الشام..."(1).
أما قوله: "في الأصل كان هذا هو الاحتفال بذكرى معركة بدر" فهذه الجملة لا تحتاج إلى شرح بُطلانه وهي برهان ودليل على كاتبه.. فالصوم من أركان الإسلام الخمسة التّي بُني عليها وفريضةٌ فرضها الله على المؤمنين والغزوة من باب الجهاد في سبيل الله ومن باب حماية دينه.
وذكرى غزوة بدر وذكرى الغزوات كلِّها في صدور الناس يحفظون ويدرسون أحداثها ويستفيدون منها ويتّعظون بها.. لنا درس عظيم بل دروس كثيرة في هذه الغزوات فلنقرأ الحديث في غزوة بدر الكبرى:
قَالَ عبد الله بْنَ مَسْعُودٍ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا لأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ • أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى ( ? ( ( ( ( وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ يَعْنِي قَوْلَهُ(2).
أين نحن في أيامنا هذه من هؤلاء الرجال الكبار الصادقين الذين حثّهم إيمانُهم الطاهر الخالص الجادّ على جهودٍ بلا حدود.. لم تكنِ الحياة الدنيا ومتاعها أكبر همّهم بل كان هدفهم إعلاء كلمةِ الله ونصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتوادّ والتراحم بين المؤمنين بكلّ أقوالهم وأفعالهم.
__________
(1) زاد المعاد 3/171 وقال ابن قيم: إن هذا قول ابن إسحاق كما في السيرة.
(2) صحيح البخاري كتاب المغازي الحديث ذو الرقم 3736.(1/17)
المقالة الثالثة بعنوان A Kor?n (القرآن)(1) من الصفحة 155 إلى الصفحة 164.. فهي مجموعة أغلاط.. على ضوء جملة واحدة من هذه المقالة سوف نرى - إن شاء الله سبحانه وتعالى- المستوى العلمي.. في الصفحة 157 يقول هذا الرجل:
"Kilenc sz?ra a “basmal?”-val kezd?ُdik, vagyis ezzel a formul?val: “Az irgalmas és irgalmaz? Isten nevében.”"
ترجمتها: تبدأ تسع سور بِبسملة يعني بـ "بسم الإله الرحمن الرحيم" وقد كتبت في الترجمة الكلمة "إله" لأنّ صاحب هذه الجملة قد ترجم اسم الجلالة بالعبارة المجرية "isten".. وأنا أعتقد أنه لا يمكننا ترجمة اسم الجلالة إلى أي لغة فواجبٌ على المترجمين أن يكتبوا الله- مكتوباً بأحرف لغتهم.. والخطأ الثاني واضح.. لو تصفّح هذا الرجل القرآن العظيم ولو مرة واحدة لعلم أنّ السور كلها اُفتتحت بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" إلاّ السورة التاسعة-سورة التوبة.
__________
(1) كاتب هذه الصفحات هو Dr. Kurt Rudolph(1/18)
وختامًا لهذا القسم أود أنْ أُرِيَكُمْ القدر الواجب من سيرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على الطلاب في أكبر الجامعات التي تُدرس فيها اللغة العربية الفصحى.. السنة الأولى هي تأسيس الدراسات المقبلة و في السنة الثانية يبدأُ الطالب دراسة اللغة العربية الفصحى بقراءة النصوص.. يستخدم قسم الدراسات العربية والإسلامية كتابًا(1) صغير الحجم قياسه (18.5 -11) سم وفي كل الصفحة 18 سطرًا.. يحتوي هذا الكتاب على مَقاطع مختارة من كتب متنوعة.. الجزء الخاص بسيرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هو من الصفحة 36 إلى الصفحة 66.. وهو يحتوي على المقاطع التالية: حمل آمنة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولادته ومبعث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وعلى بيعة العقبة الأولى وعلى بيعة العقبة الثانية وعلى هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وعلى نُبذة من الخبر في غزوة بدر الكبرى وعلى نخبة من الخبر عن فتح مكّة وعلى وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. ويُدرس هذا الكتاب – الذي يقع في -183 صفحة- مُدّة سنتين.
الفصل الثاني
ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: الأخطاء الموجودة في بعض المؤلفات للمستشرقين المكتوبة باللغة المجرية.
المبحث الثاني: الرد على كتاب المستشرق المجري شيمون.
__________
(1) …Brünnow-Fischer: Arabische Chrestomatie aus Prosaschriftstellern, سمّى فيشر كتابه بـ - تسهيل التحصيل وهو كتاب مدرسي يتألف من نخب مختارة من الكتب العربية... من فهرس الكتاب: من كتاب تسلية الخواطر في منتخبات المُلَح والنوادر لشاكر البتلوني/ ص 183 من كتاب الأغاني لأبي الفرج/ من كتاب سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن هشام/ من تأريخ الرسل والملوك للطبري/ من كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان / من القرآن الكريم / من كتاب الجامع الصحيح للبخاري/ كتاب الآجرومية لابن آجروم.(1/19)
المبحث الأول: الأخطاء الموجودة في بعض المؤلفات للمستشرقين المكتوبة باللغة المجرية
في هذا القسم أريد أنْ أُركّزَ على الكتابين المذكورين سابقًا الأول لغولدزيهير والثاني لشيمون..
أولاً: بعض الملاحظات العامّة على مسألة كتابة الكلمات العربية بالحرف اللاتيني
1- ليس في مؤلفات غولدزيهير وشيمون القديمة أيّ علامة لحروف المدّ العربية إذًا لا فرق في كتبهما بين الفتحة والألف.. فكتب الكلمة "haram" و قصد بها مرّةً -الحَرَم.. واقتراحي لكتابتها هو:"".. ومرة أخرى قصد بها - الحَرَام واقتراحي لكتابتها هو "".. وبالتالي لا فرق بين الكسرة والياء.. ولا بين الضمة والواو.
2- كتابة الحروف العربية المختلفة بحرفٍ لاتيني واحد.
- استخدام الحرف اللاتيني "t" لكتابة الحروف العربية التالية:
لحرف الثاء- الكنية العربية أبو ثور هو مكتوبة كـ- Abu Taur كأنّها كانت "أبُ تَوْر".
لحرف التاء - الكلمة العربية تكبير مكتوبة "takbir" كأنّها كانت "تكبر".
لحرف الطاء- الكلمة العربية طبقة مكتوبة tabaka كأنها كانت "تَبَكَ"
-استخدام الحرف اللاتيني "h" لكتابة الحروف العربية التالية:
لحرف الحاء مثلا كُتب Mohamed كأنه كان "مهمد".
لحرف الخاء كُتب tahfif كأنه كان "تَهْفِف" أو بدلا من لأخِيه كُتبliahihi كأنه كان "لأَهِهِ".
لحرف الهاء بدلاً من تهليل كُتب tahlil كأنه كان "تهلِل".
- استخدام الحرف اللاتيني "d" لكتابة الحروف الدال والذال والضاد..
- استخدام الحرف اللاتيني "z" لكتابة الحرفين الزاي والظاء..
- استخدام حرفي العلَّة اللاتينيّين "o" و"e" كأنهما موجودان في اللغة العربية الفصحى.. على سبيل المثال Mohamed أو Omar و'Omar أو Abu Bekr..
ثانيا: الأخطاء الكتابية واللغوية والمعنوية الواردة في مؤلفّات المستشرقين المذكورين
كما هو معروف يستخدم الاستشراق علامات متنوعة لكتابة الكلمات العربية بالحرف اللاتيني وأشهرها.(1/20)
مثلا: لكتابة حرف الصاد يُستَخْدم - - يعني حرف السين اللاتيني وتحته نقطة.. لكتابة حرف الضاد يُستَخْدم - - حرف الدال اللاتيني وتحته نقطة.. لكتابة حرف الطاء يُستَخْدم -- حرف التاء اللاتيني وتحته نقطة.. لكتابة حرف الظاء يُستَخْدم -- حرف الزاي اللاتيني وتحته نقطة.. لكتابة حرف العين حرف c الصغير اللاتيني المرفوع فوق خط الكتابة.. لكتابة حرف الحاء يُستَخْدم -- حرف الهاء اللاتيني وتحته نقطة.. لكتابة حرف الخاء يُستَخْدم - - حرف الهاء اللاتيني وتحته خط أُفُقي.
(1) ورد في كتاب غولدزيهير (الإسلام) في الصفحة 95 الاسم كما يلي Zayd al-Kayl وكتابته بالعربية هي "زيد الكَيْل" كأنَّ اسمه اشتُقَّ من الفعل كَالَ يَكِيلُ و كَيْلٌ وجمعه أكيالٌ وهو طبعًا زيد الخيل الذي سمّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد الخير.. اقتراحي: Zaydu-l-Hayl.. ونجد قصة تسميته في أخبار قدوم وفد طيئ.. "قال ابن إسحاق: وقدم على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وفد طيئ وفيهم زيدُ الخيل وهو سيِّدهم ولمَّا انتَهَوْا إليه كلّمهم وعرض عليهم الإسلام فأَسلموا وحسن إسلامهم وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:« مَا ذُكِرَ لِي رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ بِفَضْلٍ ثُمَّ جَاءَنِي إِلاَّ رَأَيْتُهُ دُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ إلاَّ زَيْدَ الخَيلِ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ كُلَّ مَا فِيهِ».. ثُمَّ سَمَّاهُ زَيد الخير.."(1).
2) يستخدم غولدزيهير العلامة في موضعها لكتابة حرف العين فكتب مثلا "جعفر" كـ- Dzsacfar.. ملاحظة: dzs في اللغة المجرية نطقه جيمُ اللغة العربية.
- لكن كثيرا ما استخدم في غير موضعها واستخدمها بدلا من الهمزة.. وقد كتب الكلمة في الصفحة 95 “muruc?” كأَنَّها كانت بالعربية "مُرُعَا" وهي كلمة "المُرُوءَةُ" فسّرها الخليل بمعنى "كمال الرُّجُولِية".. اقتراحي: atual mur
__________
(1) زاد المعاد لابن قيم 3/616 وراجع الإصابة لابن حجر 1/572 برقم 2941.(1/21)
(أ) كتب في الصفحة 92” àlaykum AL-szelàmكأنه كان "عَلْسلام عليكم" قتراحي:satamu àcaykum as-
(ب) نموذج آخر: اسم الشاعر كتبه كما يلي “Imrul-Kajsz” كأنه كان باللغة العربية "عِمْرُ الكَيْس" وهو طبعًا امْرُؤ القيس اقتراحي: Imru’u-l-Qays أو Imru’l-Qays
(3) عمرو بن معدي كَرِب كتب كُنيته “Abu Taur” كأنه كان باللغة العربية "أبُ تَوْر" لا فرق بين حرف الثاء و حرف التاء و خطأ آخر كتابة الكلمة "أبو" في الإضافة وكنيته الصحيحة أبو ثور.. ومعنى التَوْر الجَرَيَانُ والرَّسُولُ بين القوم واِنَاءٌ يُشْرَبُ فِيهِ كما فسر هذه الكلمة الفيروزآبادي في القاموس المحيط عند المادة (التَّوْرُ).. اقتراحي: Ab? Tawr
(4) في الصفحة 15 كتب szalla يدلّ الحرفان المجرِيَّانِ السين و الزاي معًا (sz) على الحرف العربي "سين" أراد بها الفعل العربي "صلّى" لكن كتابته كأنها كانت الفعل "سَلَّ يَسُلُّ".. اقتراحي: allà
(5) نجد في الصفحة 26 أَنّه لا يُفرِّق بين حرف الدال وبين حرف الضاد وقد كتب “A Fadlok?ِsszeesküvése” و الترجمة "مُؤامرة الفَدْل" وأراد بهذه العبارة "حلف الفضول".. اقتراحي:lHifu-l-fu. لقد أخطأ في ترجمته لأنه لم يكن مؤامرة بل كان حلفًا بين قبائل العرب أو بعبارة أدقّ قبائل من قريش كبني هاشم و بني المطلب وبني أسد وزهرة بن كلاب وتَيْم ابن مرة وهم تحالفوا و تعاقدوا ألا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على من ظَلَمَه حتى تُردَّ مَظْلمَتَهُ فسمّت قريش ذلك الحلف "حلف الفضول" وقد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(6) حذفُ حرفٍ في نهاية الكلمة.
جمع بعض الكلمات العربية الواردة في كتابه وفسرها، وعند حرف السين نجد:
- في الصفحة 594 Szub - a reggeli ima- والترجمة: "سُبْ: صلاة الصبح".. بكتابة الكلمة "سُبْ " قصد صُبْحٌ أو الصُبْحُ و اقتراحي: أو(1/22)
(7) في الصفحة 588 الكلمة العربية مكتوبة في الجمع وتفسيرها مفرد
وترجمتها:" فُكَهَع: المُتَخَصِّص في القانون الديني".. وهو فَقِيهٌ وجمعه فُقَهَاءُ اقتراحي:
(9) بنى غولدزيهير الفصل (دين الصحراء والإسلام) على ادّعاء باطل وهو أنّ مفهوم المروءة المعروفة في العصر الجاهلي يمتد إلى الإسلام وقوبل كأساس أخلاقي في الدين.. وقال إنّ محمداً (- صلى الله عليه وسلم -) أخذ كثيرًا من المبادئ الدينية والأخلاقية والاجتماعية من عربِ الجاهلية.. وذكر حديثًا جاء فيه "لا دين إلاَّ بالمروءة".. لكن لم يشر إلى الكتاب الذي اقتبس منه ولم يدلّ على الرّاوي.. ونحن نعرف أنّه لا أصل لهذا الحديث و لا أثر له في كتب الحديث المعتمدة.. ويقرّر أنّ الرّوح الأعرابية تَخْضَعُ لِلإسلام بشكل كامل والأعراب يتمسّكون بقِيَمِهم القديمة وبِصِلات الأنساب وبفَخرهم القَبَلِي ولم يتحقق إسلامهم إلاَّ ظاهرًا.. مصدره الرئيس هو كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني و أشعار لبعض الشعراء منهم الشاعر أبو نواس وخمرياته.. استنبط من هذه المؤلفات أراءَه وأفكاره الضالّة وجعلها حججًا قاطعة.. أسأله هل من هذه الكتب ومن هذه الأشعار يُعرف الدين أيّا كان.. لا يحتاج هذا القول الباطل والكذب إلى توضيح بطلانه وخطأ قائله..
المبحث الثاني: الردّ على كتاب المستشرق المجري شيمون
(1) يقول هذا المستشرق في باب: "خصائص السور الأولى" وقصد بها السور المكّيّة:
(E szakasz Kor?n-anyag?nak tém?it elemezve nyomban felt?nik a monotheizmusnak a hi?nya.. A sz?r?k kِ?z?ِtt még az Iszl?m el?tti var?zsformul?k is szْra.) szerepelnek. Az egyik a. (1).
والترجمة: "إذا قُمْنا بتحليل المادّة القرآنية لهذه المرحلة فيبرز على الفور فُقْدان التوحيد... وفي هذه السور حتّى تعابير السَّحَرَة مثلا سورة 113".
__________
(1) كتابه "تكوين الإسلام" على الصفحة 67.(1/23)
أمّا قوله "فُقدان التوحيد" فأقول لهذا المستشرق نحن المسلمين نؤمن بأنّ السور المكّيّة تحتوي على علوم التوحيد.. اقرأ معي قوله تعالى:?? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [الإخلاص:1-4].
وهذه السورة تعدِل ثلث القرآن وقد جاء في الحديث الصحيح:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ))(1).
وتدل هذه السورة على عِلم التوحيد وما يجب على العباد من معرفة أسماء الله وصفاته وهذا من أشرف العلوم.
بدأ تعالى بإثبات أحديّتِه وهذه الأحدية تَتَضَمَّنُ نفي المشاركة والمماثلة و"لا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلاّ على الله عزّ وجلّ لأنّه الكامل في جميع صفاته وأفعاله"(2).
ثمّ بإثبات الصمديّة وهذه الصمديّة تَتَضَمَّنُ جميع صفات الكمال.. ثمّ علّم تعالى عبادَه توحيدَ التنزيه بقوله تعالى :?? ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( (
أي ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة وهو خالق كلّ شيء ومالكُه تعالى وتنزّه.
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الأيمان والنذور الحديث ذو الرقم 6267 .
(2) تفسير ابن كثير عند تفسير هذه السورة.(1/24)
وقد أحسن شيخ الإسلام أحمد بن تيمية حيث قال: "كالآيات المكّيّة فإنّ فيها من بيان التوحيد والنبوة والمعاد وأصول الشرائع ما هو أفضل من تفاصيل الشرائع كمسائل الربا والنكاح والطلاق وغير ذلك.. فهذا الذي أخّره الله مثل آية الربا فإنها من أواخر ما نزل من القرآن وقد روي أنّها آخر ما نزل وكذلك آية الدَّين والعدة والحيض ونحو ذلك قد أنزل الله قبله ما هو خير منه من الآيات التي فيها من الشرائع ما هو أهمّ من هذا وفيها من الأصول ما هو أهمّ من هذا.. ولهذا كانت سورة الأنعام أفضل من غيرها وكذلك سورة يس ونحوها من السور التي فيها أصول الدين التي اتفق عليها الرسل كلهم صلوات الله عليهم.. ولهذا كانت ( ( ( ( ( ( مع قلّة حروفِها تعدل ثلث القرآن لأنّ فيها التوحيد فعلم أنّ آيات التوحيد أفضل من غيرها.."(1).
أمّا الجملة الثانية من كلام المستشرق فهي مُجرّدُ كفرٍ وجهل..
وقد قال تعالى :?? ? ( ( ( ( ( [طه: 69].
أعتقد أنّ المستشرق قصد قوله تعالى : ?( ? ( ( ( ( ( [الفلق: 4].
__________
(1) جواب أهل العلم والإيمان لابن تيمية ص 113.(1/25)
اشتبه على هذا المستشرق فِعْل النفاثات السَّواحِر وتعبير السحرة..هنا نقرأ وصف الفعل والإخبار عنه.. لأن النَفْث في العقد هو فعل الساحر.. وقد روى أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :((مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ))(1) يوجد في هذا الحديث نصّ على أنَ الساحر مشرك وحكم الشرك، كما جاء في الحديث أنه من الكبائر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :(( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هِيَ؟ قَالَ : (( الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالشُّحُّ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ))(2).
ومن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - :
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا :(( أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا وَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ))(3).
وفي الصفحة 68 من كتابه يقول:
(2) . sz?a Ura sem a késُbbi Allah) (A m?r eml?tett
__________
(1) سنن النسائي كتاب تحريم الدم الحديث ذو الرقم 4079.
(2) سنن النسائي كتاب الوصايا الحديث ذو الرقم 3671.
(3) سنن أبي داود كتاب الأدب الحديث ذو الرقم 5056.(1/26)
وترجمتها: "إِنَّهُ لا يستوي ربّ السورة 105 المذكورة سابقًا والله في السور الأخرى..".
أقول: ورد في الآية الكريمة لفظ "رَبُّكَ" حيث قال تعالى: ( ( ( ( ( ( ( ( ( [سورة الفيل:1] و استنبط المستشرق أنَّ لفظ "الرَّبُّ" المستعمل مطلقًا بدون إضافة أو لفظ "رَبُّكَ" لا يدلُّ على الله سبحانه وتعالى.. ألم يقرأ سورة الفاتحة؟ حيث جمع تعالى بين اسم الجلالة الله و ربّ وقال تعالى: ( ( ( ( ( ( [سورة الفاتحة: 2].
وقال ابن كثير في تفسيره:"وأما الرب فلا يقال إلا لله عز وجل..".
(3) (A pr?féta utols? Mekk?ban tِ?ltِ?tt napjai s hidzsr?ja egy szépen kikerek?tett hagiogr?fiai ?rténet, amelynek sz?mos mozzanat?t?َtestamentumi hat?s alatt dolgozt?k ki a kés?bbiek folyam?n.)(1)
وترجمتها: "ليست أيّام النبي الأخيرة التي قضاها بمكّة و هجرته إلاّ قصّة من سِيَر القِدّيسِين المعروضة بشكل مُتكامل و عُولج كثير من أجزائها بتأثير العهد القديم فيما بعد..".
أقول لهذا المستشرق: ليست الأيام الأخيرة التي قضاها في مكة المكرمة وهجرته قصة من سير القديسين بل هذه الأمور هي حوادث تاريخية وحقيقية وهي جزء ثابت ومصدوق من سيرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
أمّا التأثير المفترض من العهد القديم فأعتقد أنه قصَد قصّة داود في سِفر صموئيل الأول 23: 13-17 حيث نقرأ باختصار أنّ شاول طارده، وفرَّ منه داود هاربًا بستمائة رجل له وسكن أولاً في الحصون المنحوتة في الصخرة ثمّ في مَرجِ "زِيف" على الجبل وبعد ذلك اتجه داود إلى الغابات، وبعد حين ذهب إليه ابنُ شاول وقال لداود: لا تحزن لن تصلَ إليك يد أبي.
إذا قُمنا بمقارنة الواقِعَتين وجدنا الأمور التالية:
__________
(1) في كتاب "تكوين الإسلام" ص 81.(1/27)
أَوَّلاً: فَرَّ وَهَرَبَ داود ومعنى الفِعْلين معروف.. وهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون من مكة المكرمة إلى المدينة المنوّرة الّتي كانت تسُمّي قبل الهجرة بـ - يثرب - ومعنى الهجرة هو الخروج من أرضٍ كفر إلى أرض إسلام أو سلام أُخرى..
ثانيًا: فرّ داود من شاول بستّمائة رجل له يعني هم هربوا معًا كرَهط واحد وفي وقت واحد.. تختلف هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهجرة المسلمين عن فرار داود اختلافًا تامًّا.. بُدئت هجرة المسلمين إلى المدينة المنوّرة بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها فبادر الناس إلى ذلك.. والنبي - صلى الله عليه وسلم - بقي في مكة ينتظر متى يُؤمُر بالخروج.. روى البخاري الحديث الطويل جاء فيه:
(فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : نَعَمْ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالثَّمَنِ)(1).
ولم يُذكَرْ في سِفر صموئيل أيّ إذن.
ولم يهاجر المسلمون كلهم في وقت واحد بل خرجوا وهاجروا إلى المدينة المنّورة أَرسالاً.. وكان أوّل من هاجر إلى المدينة أبو سلمة بن عبدالأسد المخزومي ثمّ هاجر عامر بن ربيعة وامرأته ثمّ هاجر أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أرْسالاً..(2).
وفي الرواية عند البخاري:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة الحديث ذو الرقم 3905.
(2) طبقات ابن سعد 1/210.(1/28)
(عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلاَ يُقْرِئَانِنا القُرْآنَ ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وَبِلاَلٌ وَسَعْدٌ ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ ثُمَّ جَاءَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - )(1).
"ولم يهاجر أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاَّ مُتَخَفِيًّا غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه لَمَّا همَّ بالهجرة تقلّد سيفَه وتَنَكَّبَ قوسه وانتضى في يده أَسْهُمًا واختصر عَنَزَتَهُ (عصاه) ومضى قبَل الكعبة والملأ من قريش بِفِنائِها فطاف في البيت سبعًا متمكنًا مطمئنًّا ثم أتى المقام فصلّى ثم وقف فقال: (شَاهَتِ الوجوه لا يرغم الله إلاَّ هذه المعطاس من أراد أنْ يُثْكِلَ أُمَّهُ أو يُوتِمَ وَلَدَهُ أو ترمل زوجتَهُ فَلْيَلْقِنِي وراء هذا الوادي)"(2).
هكذا كان تتابُع المسلمين إلى المدينة المنوّرة ولم يَبقَ منهم بمكة إلاَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعلي رضي الله عنهم.
ثالثًا: لجأَ داود إلى الحصون وإلى الغابة مع رجاله.
ولجأَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غار ثور مُدَّة ثلاثة أيام بِصُحْبَةِ صديقه وصاحبه أبي بكر بن أبي قُحافة.. كما قال تعالى:( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [التوبة: 40].
وحين جزع أبو بكر رضي الله عنه جعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يُسكِّنه ويُثبّته كما جاء في الحديث الصحيح:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب التفسير الحديث ذو الرقم 4657.
(2) أُسد الغابة لابن الأثير 4/ 58.(1/29)
(عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الْغَارِ- وَقَالَ مَرَّةً وَنَحْنُ فِي الْغَارِ-: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ قَالَ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا)(1).
فمن مُقتضى كون الأنبياء والرسل بشرًا فهم يُصابون بما يُصاب الناس بالأعراض الدنيوية وبالأمراض وبالموت.. كما قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ([الشعراء: 79-81].
وبالسجن كما سُجن يوسف وقد قال تعالى: ( ? ( ( ( ( ([يوسف: 42].
وبالجروح كما جُرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ معركة أُحد..
وبالأذى والتكذيب من قومهم.. وهذه هي النقطة الوحيدة حيث نجد تشابُهًا ما بين قصّة داود المذكورة في سِفر صموئيل الأوّل وهجرةِ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -.
والرسل والأنبياء لا يُصابون بالبلاء فَحَسْب بل هم أشد الناس بلاءً كما جاء في الحديث الصحيح:
(عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: الأنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الأَمْثَلُ فالأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلاَبَةٌ زِيدَ فِي بَلاَئِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)(2).
__________
(1) مسند الإمام أحمد مسند العشرة الحديث ذو الرقم 12.
(2) مسند الإمام أحمد مسند العشرة الحديث ذو الرقم 1484.(1/30)
(4) وقد ذكر هذا المستشرق في كتابه الغزوات التالية: غزوة نخلة وغزوة بدر وغزوة بني قينقاع وغزوة أحد وغزوة بئر(1) معونة وغزوة بني النضير وغزوة دومة الجندل وقصة غزوة الخندق وغزوة خيبر.. وأسأله لماذا نسِي سائر الغزوات منها غزوة الأبواء وغزوة بُواط وغزوة بني سُليم وغزوة ذات الرقاع وغزوة المريسيع وغزوة الغابة وغزوة ذات السلاسل وغزوة حنين والأخرى.. ولا يزيد وصف هذه الغزوات وتحليلها التاريخي على عشرة سطور.. والعرض الأطول منها هو قصة غزوة أُحد في 16 سطرًا.. (يقول فيها: وقعت هذه المعركة في 23 مارس سنة 625م.. وبعد قيام الرماة بطلب الغنيمة انهزم جيش المسلمين.. ووفقًا للأحاديث مات ثُلثُ المسلمين وجُرح ثلثهم ونجا ثلثهم.. ومات عمّ النبي وجُرح الرسول و شاع خبر وفاته مرارًا).
أقول ليس هذا وصفًا تاريخيًّا.. وقد أهمل الأُمور المُهمّة كلّها ولم يُشِر إلى العبر والعظات والحِكم العسكرية في قيادة هذه المعركة.
ثمة دروس بالغة الأهميّة في هذه الغزوة.
منها: أمر الشورى امتثالاً لأمر الله تعالى:( ( ( ( ( [آل عمران159].
وقد استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَصحابَه أيخرج إلى العدوِّ أم يمكث في المدينة.. كما شاورهم يومَ بدرٍ في الذهاب إلى العير وشاورهم يوم الخندق وشاورهم يومَ الحديبية.. كما قد شاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه في أمورِ الحروب ونحوها.
ومنها: وجوب التزام أوامر قائد الجيش.
وقد قال البَرَاءُ بن عازب في الحديث الطويل:
__________
(1) وقد كتب الكلمة بئر بالأحرف اللاتينية كـ b?3كأنهّا كانت بالعربية "بير".(1/31)
(قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ- وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلاً- عبداللَّهِ ابْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ: إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ)(1) أمرَهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ لا يفارقوا مركزَهم لأنّهم كانوا خلفَ الجيش وكان مَهَمّتهم أنْ يمنعوا المشركين منْ أنْ يَأتوا المسلمين من ورائهم.
نسي بعض الرمُاة هذا الأمر وقد ذكّرهم أميرُهم عهدَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمعوا. لذلك حدث ما حدث.
ومنها: تشير أعمال القلب والجوارح إلى الإيمان بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ثمّ إلى محبّته.. فلنذكرْ شهادة مصعب بن عمير وبلاءَ طلحة بن عبيد الله وأبي دُجانة وفيه كَتَب ابن القيّم: "وترّس أبو دُجانة عليه بظَهْرِهِ والنَّبْل يقع فيه وهو لا يتحرّك.."(2).
مناقب هؤلاء الرجال لا تُحصى اقْرَأ معي:
(عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ الَّتِي وَقَى بِهَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ شَلَّتْ)(3).
أو الرجل الذي أُنزل فيه هذه الآية الكريمة:( ? ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ([الأحزاب: 23].
ونجد في مسند الإمام أحمد:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير الحديث رقم 2874.
(2) زاد المعاد المجلد الثالث ص 198.
(3) صحيح البخاري كتاب مناقب الصحابة الحديث ذو الرقم 3518.(1/32)
(حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ أَنَسٌ عَمِّي قَالَ هَاشِمٌ أَنَسُ ابْنُ النَّضْرِ سُمِّيتُ بِهِ لَمْ يَشْهَدْ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ فَشَقَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي أَوَّلِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غِبْتُ عَنْهُ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ مَشْهَدًا فِيمَا بَعْدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ قَالَ فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا قَالَ فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ فَاسْتَقْبَلَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ يَا أَبَا عَمْرٍو أَيْنَ؟ قَالَ: وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ قَالَ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ قَالَ فَقَالَتْ أُخْتُهُ عَمَّتِي الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ فَمَا عَرَفْتُ أَخِي إِلاَّ بِبَنَانِهِ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( قَالَ فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ)(1).
وقد أهمل هذا المستشرق الدروس العظيمة والمهمّة التّي حصلنا على معرفتها من أحداث هذه المعركة.. منها جواز صلاة الإمام قاعدًا إذا أصابتْه جِراحة وجواز دُعاءِ الرجل أن يُقتَلَ في سبيل الله ومعرفة السنّة في الشهيد أَنّه لا يُغَسَّل ويُدْفن الشهداء في مَصَارِعهم وجواز دَفْن الرجلَيْن أو الثلاثة في قبر واحد والدروس الجليلة الأُخرى..(2).
__________
(1) مسند الإمام أحمد كتاب باقي مسند المكثرين الحديث ذو الرقم 12603.
(2) قد جمع ابن القيم في زاد المعاد هذه الدروس في المجلد الثالث من الصفحة 211 إلى الصفحة 218.(1/33)
(5) عندما ذكر حوادث غزوة مؤتة رفض هذا المستشرق إمكان أن يواجهَ ثلاثة آلاف مقاتل جيشًا عَرَمرَمًا عددهم مائتا ألف.. وتابع يقول:
"Mind?ssze muszlim halt meg, mégpedig a vezet?k k?zü.Val??n?, hogy a mu'tai expedici? célja a felder?tés volt. A hagyom?ny adatait nem fogadhatjuk el"(1).
وترجمتها: لم يمُتْ من المسلمين إلاّ 8 أو 12 وأكثرهم من القَادة.. من الممكن أنّ هدف غزوة مؤتة هو الاستكشاف.. لا نستطيع قبول المُعْطيات الواردة في الأحاديث.
أقول: هؤلاء المسلمون الذين استُشهدوا يومَ مؤتة يستحقّون أن يُذكروا بِأسمائهم.. وهم: جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة ومسعود بن الأوس ووهبُ بن سعد بن أبي سَرْح وعبَّاد بن قيس وحارثة بن النعمان وسُراقة بن عمرو بن عطية وأبو كُليب وجابر ابنا عمرو بن زيد وعامر وعمرو ابنا سعيد بن الحارث(2).. وأمّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم ثلاثة على الناس كما رواه البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمرَ رضي الله عنهما قال: أَمَّرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة مؤتةَ زيدَ بنَ حارثة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إِنْ قُتل زيدٌ فجعفرٌ وإنْ قُتل جعفرٌ فعبدالله بن رواحة)(3).
__________
(1) من كتاب "تكوين الإسلام" في الصفحة 111.
(2) زاد المعاد لابن قيم الجوزية المجلد الثالث ص 385.
(3) صحيح البخاري في كتاب المغازي الحديث ذو الرقم 4013.(1/34)
وأمّا قوله: "لا نستطيع قبول المعطيات الواردة في الأحاديث" فأقول لقائله: هذا الرفض من قِبَل معظم المستشرقين وهذا الإنكار بالنسبة إلى الأحاديث النبوية الشريفة معروف ومشهور منذ زمن طويل. راجع مثلا مقالة المستشرق الألماني شاخت Schacht التي قرأها في مؤتمر المستشرقين سنة 1948م وصدر مقالته عام 1949م..(1) يقول فيها إنّ أكثر الأحاديث مختلقة في القرنين السابع والثامن الميلاديَين بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وأقول: ماذا قال هؤلاء الرافضون الجاحدون لو علموا الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نَعَى زيدًا وجعفرًا وابنَ رواحة للناس قبلَ أنْ يأتيَهمْ خبرُهم فقال أخذ الرايةَ زيدٌ فأُصيبَ ثم أخذ جعفرٌ فأُصيبَ ثمّ أخذ ابنُ رواحة فأُصيبَ وعيناه تَذْرِفَانِ، حتى أخذ الرايةَ سيفٌ من سيوف الله حتى فتح الله عليهم.. الحديث(2).
ولو علموا الأثر المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما: كان إِذا سلّم على ابنِ جعفرٍ قال: السلام عليك يا ابنَ ذي الجناحين..(3) سُمّي جعفر بذي الجناحين لأنه قُطعت يمينه يوم مؤتة فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره فاحتضن الراية حتى قُتل.. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جعفرٍ :(( إنّ الله تعالى أبدلَه عن يديه اللتين قُطِعَتَا جناحين يطير بهما في الجنّة)).
يقول هذا المستشرق في الصفحة 95 من كتابه المذكور التالي:
__________
(1) Joseph Schacht: A Revaluation of Islamic Traditions, Journal of Royal Asiatic Society (JRAS),
(2) صحيح البخاري في كتاب المغازي الحديث رقم 4014.
(3) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة الحديث ذو الرقم 3506.(1/35)
A zs?d?kkal (és kِ?zvetve a keresztényekkel) val? lesz?mol?s ut?n Mohamed ki akarta dolgozni a saj?tosan arab monotheista vall?st, amelynek al?t?maszt?s?ra és mintegy legaliz?l?s?ra szellemi el?d?t keresett. Ezt ?brah?mban tal?ta meg, aki t?bb okb?l is alkalmas volt arra, hogy bet?ltse az iszlam megalap?t?j?nak a tisztét.
وترجمتها: "بعد القضاء على اليهود (و على النصارى بشكل غير مباشر) أراد محمد أنْ يُحدث الدّين العربي التوحيدي و بحث عن جدّ أعلى روحاني لتأييده و ليجعلَه قانونيًّا..ووجده في إبراهيم وقد بدا مناسبًا لكي يُمثّلَ مؤسِّس الإسلام..".
ملاحظتي الأولى: أمّا عاقبة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وأحداث خيبر ووادي القرى فهي معروفة.. فهم نكثوا ونقضوا عهدهم وارتكبوا الجرائم مثل الخِيانة والمؤامرة.. أمّا قوله "بعد القضاء على اليهود" فأقول له معنى القضاء على فلان هو قَتَلَ وَسَحَقَ وأَبَادَ.. فمن يُقْضَى عليه لا يخرج بنفسه وذَرَارِيه وليس له ما حَمَلَتِ الإِبلُ.. وأمّا الهجوم على بني قريظة فكان بأمر جبريل لِغَدْرهم كما جاء في الحديث الصحيح:
(عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رَجَعَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الْغُبَارُ فَقَالَ: وَضَعْتَ السِّلاَحَ فَوَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَيْنَ قَالَ هَا هُنَا وَأَوْمَأَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَتْ: فَخَرَجَ إِليهم رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -)(1).
وأمّا الحكم فيهم فرَدَّهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد كما هو مرويّ في الصحاح:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب المغازي الحديث ذو الرقم 2658.(1/36)
(فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ)(1).
وأجاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يلي:
(فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ - وَرُبَّمَا قَالَ : قَضَيْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ – وفي رواية : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَقَالَ مَرَّةً : لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ)(2).
وفكرة جيّدة ومهمّة خِتاما لهذه الملاحظة: "وكان هَدْيُهُ - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا صالح قومًا فَنَقَضَ بعْضُهم عهده وصُلْحَهُ وأَقَرَّهُمْ الباقون ورضُوا به غَزَا الجَمِيعَ وجعلهم كلَّهم ناقضين كما فعل بقريظة والنَّضير وبني قينقاع وكما فعل في أهل مكّة فهذه سنَّتُه في أهل العهد.."(3).
ملاحظتي الثانية: أقول: إنّه من المعروف -رغمَ أنّ نزول القرآن الكريم بلغة العرب وأَيضًا أُنزلت الحكمة بلغتهم - أن الإسلام ليس خاصًّا بالعرب بل هو دين الفِطرة التّي فطر الله عليها خلقَه.. كما قال تعالى:( ? ( ( (( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( [الروم:30].
فإنَّه تعالى فطر خلقه على معرفته وعلى توحيده وعلى أنّه لا إِلهَ إِلاَّ هُو.. "ثمّ طَرَأَ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهودية والنصرانية والمجوسية.."(4).
وفي الحديث الصحيح الطويل:
__________
(1) صحيح البخاري كتاب المغازي الحديث ذو الرقم 3896.
(2) صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير الحديث ذوالرقم 1768.
(3) زاد المعاد ص. 136.
(4) …تفسير ابن كثير للآية الكريمة في سورة الروم.(1/37)
عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ :(( أَلاَ إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلاَلٌ وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ))(1).
أو في الحديث الصحيح:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :(( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ )) ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ :( ( ( ( ( ( (( ( ( ( (( ( ( ( ((2).
ملاحظتي الثالثة: أمّا قوله "مؤسّس الإسلام" فبطلانه ظاهر.
أقول: إنَّ البشر كلّهم خُلقوا من أجلِ هدفٍ واحدٍ وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له.. كما قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ([الذاريات: 56].
ونحن المسلمين نؤمن بأنّ ديننا الإسلام هو دين خالد .. وقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ([آل عمران: 19].
والرّسل والأنبياء كلهم - من آدم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - - جاؤوا بشريعة الإسلام ودعوا إلى عبادة الله وحده.
بعد هذه الإشارات أقول له : إنَّه لم يكنْ إبراهيم مؤسس الإسلام ولا أوّل الرسل ولا أوّل الأنبياء بل قد خلا قبله الرسل والأنبياء منهم آدم وإدريس ونوح وهود وصالح.
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها الحديث ذو الرقم 2865.
(2) صحيح البخاري كتاب الجنائز الحديث ذو الرقم 1293.(1/38)
وقد فضّل الله تعالى إبراهيمَ بِجَعْله من أُولي العزم كما قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ([الشورى: 13].
وقد فضّله بِاتخاذه خليلاً كما قال تعالى:( ? ( ( ( ([النساء:125].
وقد فضّله بجعله إمامًا للناس:( ? ( ( ( ([البقرة: 124].
وقد فضّله ببِناء الكعبة ( ? ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ([البقرة: 127].
وقد فضّله تعالى بِأَنْ يَكُونَ ابنه إِسْمَاعيل أبا العرب العاربة ومن ذرّيّته نبيّنا محمد الرسول المصطفى إمام الأتْقِياء سيّد المرسلين رسول الرحمة خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -.
خاتمة
قد أشرتُ في رسالتي هذه إلى ما هو من سيرة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومن أحاديثه الشريفة بين أيدي القراء المجريين المسلمين وغيرهم وما يُباعُ منها وما يُقْرأ في المكتبات وما يُدرس في الجامعات.. يبدو لي من هذه الأمور أنّ الاستشراق المجري والعالمي قد تجاهل السيرة النبويّة الشريفة لسببٍ ما أو بالعكس لسببٍ متعمَّد ومُصَمِّم وهم قد رفضوا وجحدوا أهمّيّتها.
وقد نَبَّهْتُكم على الشُّبُهات والتشويهات والتزويرات الواردة في تلك المؤلفّات باللغة المجريّة.
يتألف الخطأ الأكبر في هذه المؤلفات وفي هذه الترجمات من عُنصُرَين: العنصر الأول سببه هو سوء الظن وسوء المعاملة وسوء الفهم وسوء القصد في الإسلام وفي الأحاديث النبويّة الشريفة وفي السيرة النبويّة والنتيجة ما شاهدناه.. ومن الملحوظ أنّهم - على الأقل أكثرهم- اختاروا مصادر غير صحيحة وغير معتمدة وجعلوها محور علومهم الضَّالَّة والمُضِلَّة.(1/39)
والعنصر الثاني هو أنّ معظم المستشرقين لم يقبلوا أنّ دين الإسلام هو وحيٌ إلهي وأنّ القرآن الكريم هو كتابٌ من لدن الخبير العليم وهو كلام الله غير مخلوق وأنّ الأحاديث النبويّة الشريفة هي وحي يُوحَى.. ولم يزالوا يُصِرُّون على آرائهم الفاسدة.. وأكثرهم يقول إنَّ الدافع الرئيسي لظهور الإسلام على الأرض هو التجارة بين القبائل وبين المدن وبين المناطق البعيدة وبداية الإسلام - حَسَبَ رأيِهم- تابع لِلرأسماليّة التجارية.. وانبعث من هذه النظريّة إرادتهم الحاسِمة لكتمان أهمّيّة السيرة النبويّة الشريفة وكتمان العلوم العظيمة والمفيدة والأخلاق السامية المستنبَطة منها.
ونتيجة هذه الأمور المذكورة في الرسالة هي أنّ الناطقين بهذه اللغة مسلمُهم وغيرهم يفقِدون كنزًا عظيمًا وتراثًا طاهرًا وعِلمًا نافعًا من هَدْيِهِ - صلى الله عليه وسلم - في عبادتِهِ في ليله ونهاره ومعاملتِهِ وغزواتِه وتربيتِهِ وتعليمِهِ وأقوالِهِ وأعمالِهِ الطاهرة المباركة.. ويفقِدون أساليبه الأخلاقية والسُلوكيّة ويفقدون كيف كان يفعل إذا اغتسل وإذا صلّى وماذا كان يلبَس؟.
إنّما الأقوال والأعمال في نفسها إمّا حلال أو حرام وحسنة أو قبيحة وبعد القرآن الكريم فسنّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرته هي مصدر اختيارنا من بينهما.. وقد قال تعالى:( ? ( ( ( ( ( ( ( ( (( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( ( [النساء: 59].(1/40)
فالرّسول - صلى الله عليه وسلم - قد أرسله الله تعالى "رحمةً للعالمين وقُدوةً للعاملين ومَحَجَّةً للسَّالِكين وحُجَّةً على العباد أجمعين بعثه للإيمانِ مُنَادِيًا وإلى دار السلام داعيًا وللخليقة هاديًا ولكتابه تاليًا ولمرضاته ساعيًا وبالمعروف آمرًا وعن المنكر ناهيًا أرسله على حين فَتْرَةٍ من الرسل فهدى به إلى أَقومِ الطُّرق وأوضح السُّبل وفرض على العباد طاعتَه ومحبتَه وتعزيره وتوقيره والقيام بحقوقه وسَدَّ إلى الجنة جميعَ الطُّرق فلم يفتحْها لأحدٍ إلاَّ من طريقه فلو أتوْا من كلِّ طريقٍ واستفتحوا من كلّ باب لما فُتِحَ لهم حتى يكونوا خلفَه من الداخلين وعلى منهاجه وطريقه من السالكين.."(1).
ونستفيد من كتب السيرة وكتب المغازي مصلحة أخرى وهي مناقب الصحابة- رضي الله عنهم و فيهم "أعلام الهدى ومصابيح الدجى أولو المناقب المأثورة"(2).. لنا في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أسوة عظيمة في التمسك بالسنّة وتحكيمها في جميع الأمور.
لو كان فينا رجلٌ يُشجِّعُنا كما شجّع أبو بكر رضي الله عنه وقد رُوي عن أنس أنّه قال: "خَطَبَنا أبو بكر عَقِيبَ وفاة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وإِنَّا لَكَالثعالب فما زال يُشَجِّعنا حتّى صِرْنَا كالأُسُود.."(3).
أسأل الله سبحانه وتعالى أنْ يُوَفِّقَنَا للرجوع إلى تطبيق شريعته وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - في صورته المثالية ولرابطة العقيدة ولوحدة الأمّة الإسلامية.
والحمد لله ربّ العالمين.
فهرس المراجع والمصادر
1- الإتقان في علوم القرآن (1-2) للإمام جلال الدين السيوطي الشافعي دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت بلا تاريخ.
__________
(1) حادي الأرواح لابن القيم ص 26.
(2) العقيدة الواسطية لابن تيمية ص. 159. في مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية.
(3) المنتقى للذهبي ص 377.(1/41)
2- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني، الطبعة السادسة بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية 1305هـ.
3- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، الطبعة الأولى 1328هـ، دار إحياء التراث العربي.
4- البداية والنهاية لابن كثير الطبعة الأولى 1408هـ-1988م دار الريان للتراث القاهرة.
5- تفسير القرآن العظيم لابن كثير ط1- 1410هـ/1990م، دار الخير بيروت.
6- جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن من أن ( ( ( ( ( ( تعدل ثلث القرآن، لابن تيمية المطابع الإسلامية العربية الرياض 1413هـ.
7- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح – أو وصف الجنة – لابن القيم الجوزية الطبعة الأولى مكتبة دار التراث المدينة المنورة – دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع – دمشق 1411هـ-1991م.
8- زاد المعاد لهدي خير العباد لابن قيّم الجوزية ط5-1412هـ/1991م مؤسسة الرسالة بيروت – مكتبة المنار الإسلامية دار الفكر سورية دمشق.
9- سنن أبي داود للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، دار الحديث حمص سورية 1389هـ.
10- سنن الدارمي للإمام أبي محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، نشر دار إحياء السنة النبوية، دار الكتب العلمية بيروت.
11- سنن ابن ماجه لأبي عبدالله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني.
12- سنن النسائي للحافظ أبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي، إحياء التراث العربي بيروت 1348هـ.
13- صحيح البخاري للإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي ضَبَطه ورقّمه وذكر تكرار مواضعه د/ مصطفى البغا ط4-1410هـ-1990م- اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع دمشق، ودار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع.
14- علوم الحديث لابن الصلاح – تصوير1406هـ-1986م دار الفكر سورية دمشق.
15- فقه السنة للسيد سابق الطبعة الشرعية الثامنة1407هـ/1987م دار الكتاب العربي بيروت.
16- القاموس المحيط لمجد الدين الفيروزآبادي، دار الحديث القاهرة.(1/42)
17- كتاب العين لأبي عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي الطبعة الأولى 1408هـ-1988م مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت.
18- مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية/ جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد قاسم العاصمي النجدي الحنبلي.
19- مجموعة فتاوى ابن تيمية طبعة منقحة ومصححة – دار المنار 1408هـ-1988م.
20- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي، المملكة المغربية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 1395هـ-1975م.
21- مسند الإمام أحمد بن حنبل دار صادر بيروت.
22- المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال تأليف شيخ الإسلام أحمد بن تيمية – اختصره الحافظ الذهبي – الطبعة الثالثة تحت إشراف الرئاسة العامّة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الرياض – المملكة العربية السعودية 1413هـ.
23- ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي – دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
فهرس المحتويات
مقدّمة…2
الفصل الأول…4
المبحث الأوّل: المسلمون المجريّون الكاتبون باللغة المجرية…5
المبحث الثّاني: المجريون - المستشرقون وغيرهم - الكاتبون باللغة المجرية…7
النموذج الأوّل…11
النموذج الثاني…12
المبحث الثالث: الغربيّون - المستشرقون وغيرهم - وكتبهم المترجمة إلى اللغة المجرية…15
الفصل الثاني…25
المبحث الأول: الأخطاء الموجودة في بعض المؤلفات للمستشرقين المكتوبة باللغة المجرية…26
أولاً: بعض الملاحظات العامّة على مسألة كتابة الكلمات العربية بالحرف اللاتيني…26
ثانيا: الأخطاء الكتابية واللغوية والمعنوية الواردة في مؤلفّات المستشرقين المذكورين…27
المبحث الثاني: الردّ على كتاب المستشرق المجري شيمون…31
خاتمة…48
فهرس المراجع والمصادر…51
فهرس المحتويات…54(1/43)