القرآن الكريم في
دائرة المعارف الإسلامية
إعداد
د. حميّد بن ناصر الحميّد
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فإن مما يؤمن به المسلمون أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المنزل بالوحي بالحق ژ ? ? ? ? ژ [الإسراء: 105] على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ژ ? ? ? ? * ? ں ں ? ? * ? ? ? ژ [الشعراء: 193- 195] المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته، المحفوظ من التحريف بحفظ الله تعالى له: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ [الحجر: 9].
ولقد شغل القرآن الكريم كثيراً من الناس على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم ودياناتهم فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، وهذه طبيعة البشر.
وأما المسلمون فقد عرفوا منذ عصر نزوله شأنه ومكانته فأكبروه، وبذل علماؤهم جهودهم في دراسته وتعليمه وتفسيره وحفظه، واستمرت هذه الجهود المباركة إلى هذا العصر.
ولقد أَوْلَت المملكة العربية السعودية كتاب الله تعالى مزيد عناية ورعاية تمثلت في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الذي يقوم بتوفيق الله تعالى بخدمة كتابه العزيز طباعة وتفسيراً وترجمة لمعانيه، وإثراء للدراسات القرآنية الجادة حوله في شتى مجالاتها، ومنها دعوة المجمع إلى ندوة علمية عن ((القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية)).
وتلبيةً لدعوة كريمة من أمانة المجمع للمشاركة في هذه الندوة للكتابة في أحد موضوعات المحور الخامس من محاور الندوة حول ((القرآن الكريم في دوائر المعارف الاستشراقية)) يأتي هذا البحث تحت عنوان ((القرآن الكريم في دائرة المعارف الإسلامية)).
وقد اقتضت طبيعة الكتابة فيه أن ينتظم في مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة.
أما المقدمة فهذه التي بين أيدينا.
وأما المباحث الأربعة: فكانت على النحو التالي:
المبحث الأول: نبذة مختصرة عن دائرة المعارف الإسلامية – الطبعة الأولى-.(1/1)
المبحث الثاني: الخلفية الثقافية للصورة العامة التي رسمها المستشرقون لحقيقة القرآن الكريم.
المبحث الثالث: مادة ((قرآن)) في دائرة المعارف الإسلامية.
المبحث الرابع: القرآن الكريم كما عرفته دائرة المعارف الإسلامية، والرد على أبرز الشبهات الواردة فيها حوله.
وأما الخاتمة: فقد اشتملت على أهم نتائج البحث.
منهج البحث:
يقوم البحث على الوصف والتحليل لما ورد في الدائرة حول القرآن الكريم، وهي قضايا كثيرة بحاجة إلى مناقشة يضيق النطاق هنا عن الرد عليها جميعها نظرا؛ً لمحدودية الصفحات المطلوبة؛ لذا فإن الردَّ والمناقشة سوف تكون لأبرز الشبهات الواردة فيها، لأنني أعد هذا البحث مدخلا لموضوع يتطلب عملاً كبيراً لاستيعابه من كل جوانبه، والغوص في تفاصيله وجزئياته.
وأخيراً أسأل الله تعالى أن يوفق لإتمامه على النحو الذي يرضيه سبحانه وأن يتجاوز عما يكون فيه من تقصير هو من لوازم البشر.
وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المبحث الأول
نبذة مختصرة عن دائرة المعارف الإسلامية
لم يتوقف اهتمام علماء الغرب بالإنتاج الموسوعي لمعارفهم فقط، بل اهتموا بإنتاج الأعمال الموسوعية للأديان والحضارات الأخرى، ومن بينها الإسلام الذي لقي عناية خاصة في هذا المجال. وظهر ذلك جلياً في إصدارهم ((دائرة المعارف الإسلامية)) التي تعد من أكبر الدراسات الاستشراقية للإسلام، وأعظمها خطورة خلال القرن العشرين، فقد تضمنت خلاصة جهود المستشرقين في الدراسات الإسلامية، فما قصة إصدار هذه الدائرة؟(1/2)
لم يكن إصدار دائرة المعارف الإسلامية عملاً فردياً يشرف عليه بعض المستشرقين المنتمين إلى قطر واحد أو إلى لغة واحدة، بل كان عملاً جماعياً دولياً عقدت له المؤتمرات، وتنادى من أجله المستشرقون من شتى دول أوروبا، فقد طرحت فكرة إنشاء الدائرة في مؤتمر المستشرقين التاسع الذي عقد في لندن عام 1892م، إذ طرح المستشرق الإنجليزي ((د. روبرتسون سميث)) فكرة إنشاء الدائرة، على أن يتحمل المستشرقون الحاضرون في المؤتمر مسؤولية تحقيق هذه الفكرة، إضافة إلى أعضاء اللجنة الدولية المؤسسة للمؤتمر.
وفي أثناء المؤتمر العاشر الذي عقد في جنيف عام 1894م تبين للمستشرقين بأن صاحب الفكرة قد مات، ولم تتقدم في طريق تحقيقها(1). بعد ذلك اهتم المستشرق المجري ((جولدزيهر)) بالفكرة، وقدَّم في المؤتمر الحادي عشر الذي عقده المستشرقون عام 1897م في باريس تقريراً حول الأعمال التحضيرية لدائرة المعارف الإسلامية، وبعد دراسته من قبل أعضاء المجلس أوصوا بقرار لاعتماده في الجلسة العامة للمؤتمر، وهذا نصه: ((قرر مؤتمر المستشرقين الحادي عشر المجتمع في باريس تكوين لجنة دائمة مهمتها القيام بالمساعي الضرورية لكي يتأكد نجاح خطة تحرير دائرة المعارف الإسلامية، ولاسيما إحراز انخراط الحكومات، والمؤسسات العلمية في المشروع، وللحصول على مساعدتهم المالية كذلك))(2).
__________
(1) ... Donzel. E. Van. The Ency., of Islam. First edition. P. 1.
... تقرير في مكتبة قسم الاستشراق في كلية الدعوة بالمدينة المنورة، ومسجل برقم 030-935
(2) ... Actes du Douzieme Congres International Des Orientatistes.
Rome 1899. Tome Troisieme. (Premiere Partie) Kraus Reprint – Nendeln / Lietenstein – 1968. p. CL XXIX.(1/3)
وفي المؤتمر الثاني عشر للمستشرقين الذي عقد في روما عام 1899م قدَّم ((جولدزيهر)) تقريراً حول خطة دائرة المعارف الإسلامية التي تمت الموافقة عليها في مؤتمر باريس السابق، وفي نهاية التقرير طالب الأعضاءُ الحاضرين في المؤتمر بالانضمام إلى تلك المجهودات باستخدام تأثيرهم في أصدقائهم وفي كل الذين يستطيعون المساعدة في تحقيق هذا المشروع(1).
هكذا كانت مراحل إنشاء الدائرة، فقد قامت على أساس من التعاون الدولي من خلال تلك المؤتمرات الدولية للمستشرقين، واتفق على طباعتها ونشرها في وقت واحد بثلاث لغات أوروبية هي: الإنجليزية والفرنسية والألمانية(2) وهي لغات الدول ذات المطامع في التوسع في الأرض، بل كانت من أكبر الدول الاستعمارية للعالم الإسلامي.
وقد ظهر أول نشر لها عام 1908م، فقد صدر العدد الأول منها باللغتين الإنجليزية والفرنسية فقط ولم ينشر هذا العدد باللغة الألمانية؛ لأن الترجمة كانت دون المستوى المطلوب(3).
__________
(1) المصدر السابق ص CLXXIX.
(2) ... Brill. E.J. First Ency., of Islam. 2ed. 1987. Publishers Preface.
(3) ... Donzel. E. Van. The Ency., of Islam. First edition. P. 4.(1/4)
وفي عام 1913م صدر المجلد الأول منها واشتملت الطبعة الإنجليزية منه على (1085 صفحة) ويتناول الأحرف (A – D)، وقد نشرت موادها وفقاً للترتيب الأبجدي لحروف اللغة الأجنبية، وفي عام 1927م صدر المجلد الثاني، وقد اشتمل على (1175صفحة) ويتناول الأحرف (E – K) وفي عام 1936م صدر المجلد الثالث واشتمل على (1190 صفحة) ويتناول الأحرف (L – R)، وفي عام 1937م صدر المجلد الرابع، وكان مجموع صفحاته (1243 صفحة) وقد تناول الأحرف (S – Z)، وفي عام 1938م صدر الجزء التكميلي للدائرة ويحتوي على (267 صفحة)، وبه يكون مجموع صفحاتها بطبعتها الإنجليزية الأولى (4960 صفحة). وفي الوقت نفسه ظهرت تلك المجلدات الأربعة بالإضافة إلى الجزء التكميلي باللغتين الفرنسية والألمانية حسب اتفاق التأسيس(1).
ولما كانت الدائرة قائمة على أساس من التعاون الدولي، فقد اشترك في تحرير الطبعة الأولى منها ((هوتسما)) و((فنسنك)) من هولندا، و((آرنولد وجب)) من بريطانيا، و((باسيه)) و((ليفي بروفنسال)) من فرنسا، و((هارتمان)) و((هيفيننج)) من ألمانيا، وقد تولى رئاسة تحريرها في طبعتها الأولى كل من ((هوتسما)) و((فنسنك)) وأشرف ((هوتسما)) على تحرير المجلد الأول فقط، ثم أشرف ((فنسنك)) على تحرير بقية المجلدات بالإضافة إلى الملحق، وكلاهما من هولندا حيث مركز طباعتها، فيكون رئيس تحريرها على صلة مباشرة بالناشر والمطبعة.
__________
(1) انظر: ((رودي بارت))، الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية ص38، ترجمة مصطفى ماهر، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1967م.(1/5)
لِمَ كل هذا الاهتمام؟ وما الذي يدعو الباحث الغربي إلى بذل كل هذا الجهد والمال في دراسة عالم غريب عنه، يدرس لغاته ويحاول فهمَ آدابها وعقائدِ أهلِها، وتاريخهم؟ ثم إن الأمر لا يكون عادياً عندما يمكث هؤلاء المستشرقون خمساً وعشرين سنة في سبيل إصدار دائرة المعارف الإسلامية الأولى، ثم يعودون لإصدارها مرة أخرى بطبعة جديدة.
فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م فكَّر المستشرقون في إصدار طبعة جديدة يستدركون فيها ما فاتهم في الطبعة الأولى ((وقدَّموا بذلك مشروعاً إلى المؤتمر الحادي والعشرين للمستشرقين الذي انعقد في باريس سنة 1948م، فوافق عليه، وتكفل بالمبادرة إلى تنفيذ هذا المشروع المجمع العلمي الملكي الهولندي متعاوناً مع مندوبين من المجامع العلمية الأخرى، التي يضمها الاتحاد الدولي للمجامع العلمية))(1)، وشرعوا في تنفيذ المشروع الجديد وأصدروا عام 1960م المجلد الأول وبلغ مجموع صفحاته (1359) صفحة،
واشتمل على حرفي (A – B)، ثم أصدروا عام 1965م المجلد الثاني الذي اشتمل على (1146 صفحة) تناولوا فيه الأحرف (C – G) ثم توالى إصدار بقية المجلدات، وليس المراد من هذه النبذة التعريفية بالدائرة تتبع مراحل إصدار جميع مجلداتها في طبعتها الجديدة، بل المراد من الإشارة إلى هذين المجلدين توضيح ضخامة العمل وكثرة المواد التي تمت إضافتها إلى الطبعة الثانية حيث كانت الأحرف التي تضمنتها مواد الطبعة الأولى للمجلدين الأول والثاني
__________
(1) دائرة المعارف الإسلامية، الطبعة الثانية، المقدمة ص 8، دار الشعب، القاهرة.(1/6)
(A – K) ومجموعها أحد عشر حرفاً في (2260 صفحة). أما الطبعة الثانية في مجلديها الأول والثاني فقد كانت الأحرف التي تضمنتها (A – G) ومجموعها سبعة أحرف في (2505 صفحة)، وقد احتفظوا بالطبعة الجديدة بالخطة العامة للطبعة الأولى، وكانت موادها مأخوذة من الطبعة الأولى للدائرة، ومن دائرة المعارف الإسلامية المختصرة، فأثبتوا بعضها بنصها دون تعديل، وبعضها الآخر أثبتوه بعد التعديل والتنقيح، وقاموا بحذف مواد قديمة بالكلية، وأضافوا مواد جديدة كل الجدة(1)، وقد نشرت الطبعة الجديدة باللغتين الإنجليزية والفرنسية فقط.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه في عام 1987م أعيدت طباعة الدائرة في نسختها الأولى دون إحداث أي تغيير فيها، وقد جعلت في ثمانية أجزاء وملحق تكميلي بدلاً من أربعة مجلدات وملحق، وقد قام الناشر بجعل كل مجلد في الطبعة القديمة في جزأين في الطبعة الجديدة، وأبقى الملحق دون تغيير، وقد أعاد طباعتها الناشر السابق ((برل)) في هولندا.
المبحث الثاني
الخلفية الثقافية للصورة العامة التي رسمها المستشرقون لحقيقة القرآن الكريم
__________
(1) انظر: الشاذلي بويحيى ((دائرة المعارف الإسلامية – الطبعة الجديدة))، حوليات الجامعة التونسية، العدد 3، ص230، عام 1966م، وانظر: The Ency., of Islam. New Ed., Vol. 1, P. V.(1/7)
ظهر في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي أول نقل لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية، وكان ذلك عام 1143م برعاية الراهب الفرنسي ((بطرس الناسك))، وكان هدفه من ذلك الحصول على نسخة مترجمة يستخدمها للرد على عقائد الإسلام(1)، لكن تلك الترجمة لم تستطع أن تنفذ إلى معاني القرآن بالإضافة إلى رداءتها، وتقسيم السور، وزيادة عددها، وعدم احترام عناوينها(2)، وبعد ستين سنة من ظهور الترجمة الأولى لمعاني القرآن الكريم جاءت الترجمة الثانية لـ((مارك الطليطلي))، وقد أنجزها بأمر من رئيس أساقفة طليطلة وأسبانيا، وذكر في مقدمة الترجمة أنه يهدف إلى أن يضع بين يدي المخلصين المسيحيين الحجج والبراهين والأدلة لدحض الديانة الإسلامية، وليكتشفوا بأنفسهم أسرار عبادة الرب(3).
وفي عام 1530م نشرت في البندقية أول طبعة للقرآن الكريم، إلا أن الكنيسة لم تكن ترغب في نشر نص القرآن الكريم، أو ترجمته دون الرد عليه إذ أصدر ((البابا بولس الثالث)) أمراً بحرق جميع النسخ في الحال(4).
__________
(1) فيليب حتى))، الإسلام منهج حياة، ترجمة عمر فروخ، ص 63، الطبعة الثالثة، دار العلم للملايين، بيروت، 1983م.
(2) عبد الغني أبو العزم، ((مصادر الدراسات الإسلامية في أوربا))، مجلة دراسات عربية، العدد السابع، ص 133، بيروت، 1980م.
(3) المرجع السابق ص134.
(4) محمد كامل عياد، ((صفحات من تاريخ الاستشراق))، مجلة مجمع اللغة العربية، المجلد الثالث والأربعون، الجزء الثالث، ص577، دمشق، 1388هـ.(1/8)
ثم تتابعت الترجمات عبر عدة قرون، ولا توجد أي لغة في العالم إلا قام العلماء بترجمة معاني القرآن الكريم إليها كاملاً أو ناقصاً(1)، لكن المترجمين كما يقول المستشرق ((فيشر)): ((مستعربون من الطبقة الثانية، بل ومنهم من هم من الطبقة الثالثة والرابعة، والقرآن هو المصدر الأول لمعرفة الدين، والترجمة هي الطريقة الوحيدة لإيصال الإسلام إلى العامة))(2) إلا أنهم كانوا يقدمون الإسلام كما يريدون له، وليس كما هو على حقيقته ((ومن ثَمَّ يترجمون معاني القرآن الكريم بطريقة تخدم هذا الغرض... ويمكن للمرء أن يتبين الرغبة الواضحة في إخفاء بعض المعاني أو تعمد تغييرها حتى يتواءم النص مع وجهة النظر الشخصية))(3).
وفي القرن الخامس عشر نشر –ولأول مرة- في أوربا النص العربي وبجانبه الترجمات، وفي القرن السابع عشر قام القسيس الألماني ((إبراهام هنكلمان)) بنشر القرآن الكريم باللغة العربية، وكتب في مقدمته قوله: ((من الضروري أن نعرف القرآن معرفة دقيقة إذا أردنا مكافحته، وتمهيد السبيل لانتشار المسيحية في الشرق))(4) كما قام الراهب الإيطالي ((ماراتشي)) في القرن نفسه بنشر القرآن الكريم باللغة العربية مع ترجمة لاتينية مصحوبة بحواش وتعليقات كثيرة.
وقد قال في مقدمة النسخة العربية: ((إنه قضى أربعين سنة في دراسة القرآن وكتب التفسير العربية؛ كي يستطيع محاربة الإسلام بأسلحته نفسها))(5).
__________
(1) انظر: محمد شيخاني، ((المستشرقون ودورهم في ترجمة القرآن الكريم))، الندوة العالمية حول ترجمات معاني القرآن الكريم، ص142- 147، الطبعة الأولى، 1986م.
(2) المرجع السابق ص138.
(3) موريس بوكاي ((تأملات حول أفكار خاطئة يروجها المستشرقون من خلال ترجمات خاطئة للقرآن))، الندوة العالمية حول ترجمات معاني القرآن الكريم، ص93.
(4) محمد كامل عياد ((صفحات من تاريخ الاستشراق)) ص577، 578.
(5) محمد كامل عياد، ((صفحات من تاريخ الاستشراق)) ص578.(1/9)
وقد وصف ((جوستاف بغانمو للر)) موقف ((ماراتشي)) من القرآن بأنه: ((نفور داخلي إزاء محمد وتعاليمه))(1).
ومن العجب أن يقول المستشرق ((توماس كارلايل)): ((لقد أصبح من أكبر العار على كل فرد متمدن في هذا العصر –القرن التاسع عشر- أن يصغي إلى من يظن أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خداع مزور، وقد آن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة...))(2)، وفي المقابل يقول هو نفسه عن القرآن الكريم: ((إنه بلبلة ثقيلة ومحيرة، فهو ساذج ومجدب، يشتمل على تكرار وإسهاب وتشابك لا حد له، وهو جاف وغير ناضج، وباختصار هو سخف لا يطاق))(3)! ويقول المستشرق ((نيكلسون)): ((والقارئون للقرآن من الأوربيين لا تعوزهم الدهشة من اضطراب مؤلفه ـ وهو محمد ـ وعدم تماسكه في معالجة كبار المعضلات، وهو نفسه لم يكن على علم بهذه المعضلات، كما لم تكن حجر عثرة في سبيل صحابته الذين نقل إيمانهم الساذج القرآن على أنه كلام الله))(4).
وباستعراض بعض الكتب التي أصدرها المستشرقون عن القرآن الكريم قبل ظهور دائرة المعارف الإسلامية يتضح لنا موقف المستشرقين العام من القرآن فمثلاً:
_ ((ضد قرآن محمد)) كتبه ((ريكولدو بنيني)) –راهب دومينكي- وظهر في أواخر العصر الوسيط، وقد ترجم إلى اللغات الفرنسية والأسبانية والإيطالية(5).
- ((في الرد على القرآن)) كتبه ((لودوفيقوماراتشي)) –راهب إيطالي- وظهر في أواخر القرن السابع عشر.
__________
(1) محمود زقزوق، الإسلام في تصورات الغرب، ص 138، الطبعة الأولى، مكتبة وهبة، القاهرة، 1407هـ.
(2) محمد كامل عياد ((صفحات من تاريخ الاستشراق))ص483.
(3) محمود زقزوق، الإسلام في تصورات الغرب، ص154.
(4) محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ص190، الطبعة الثامنة، مكتبة وهبة، القاهرة، 1395هـ.
(5) عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص211، الطبعة الثانية، دار العلم للملايين، بيروت، 1989م.(1/10)
- ((التوراة في القرآن)) كتبه المستشرق الألماني ((حوستاف قابل)) (1838م).
((نقول عن الكتاب المقدس موجودة في القرآن والحديث)) كتبه المستشرق الهولندي ((دي خويه)) وظهر في (1897م).
((الراهب بحيرا والقرآن)) كتبه المستشرق الفرنسي ((كارا دينو)) (1898م).
((القرآن: الإنجيل المحمدي)) كتبه المستشرق السويدي ((سترستين)) (1906م)(1).
ومن أبرز الكتب التي ألفها المستشرقون، وأخذ طابع التقدير والاحترام من قبل المستشرقين كتاب ((تاريخ القرآن)) للمستشرق الألماني ((نولدكه)) (1860م)، والذي قال عنه المستشرق ((رودي بارت)): ((على من يريد الاشتغال علمياً بالقرآن على أي نحو أن يعتمد على كتاب ((نولدكه)) –تاريخ القرآن- ذلك الكتاب الذي سيظل حافظاً لقيمته العلمية على مر الأيام))(2)، وقال عنه المستشرق ((يوهان فوك)): ((أحدث هزة كبرى حيث عالج فيه مسائل نشوء القرآن وجمعه ووصوله بحصافة، وفي معرض المناقشة النقدية للسور حقق لسائر مباحث القرآن التاريخية أساساً متيناً))(3).
وبالنظر في كتاب ((نولدكه)) هذا نجد أنه يرى فيه أن القرآن ناقص، وأن هناك وحياً نزل على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ فقال: ((إن مما لاشك فيه أن هناك فقرات من القرآن ضاعت –وقال- إن القرآن غير كامل الأجزاء))(4).
__________
(1) انظر: محمد الشرقاوي، الاستشراق، ص90، دار الفكر العربي، القاهرة.
(2) رودي بارت)) الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية ص 27.
(3) يوهان فوك))، تاريخ حركة الاستشراق، ص 233، ترجمة عمر لطفي العالم، الطبعة الأولى، دار قتيبة، دمشق، 1417هـ.
(4) محمد حسين الصغير، المستشرقون والدراسات القرآنية، ص 30، الطبعة الثانية، المؤسسة الجامعية، بيروت، 1406هـ.(1/11)
وعقد في كتابه هذا فصلاً جعل عنوانه: ((الوحي الذي نزل على محمد ولم يحفظ في القرآن))، وفصلاً آخر جعل عنوانه: ((أخطاء المصحف العثماني))، وقال في وصف القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم: ((صائغ غير موهوب لسور قرآنية مشوشة الأسلوب))(1).
ومن المستشرقين الذين كان لهم تأثير قوي في مسألة الاقتداء به المستشرق المجري ((جولدزيهر)) أحد أهم القائمين على إنشاء دائرة المعارف الإسلامية، إذ قال عنه المستشرق ((بيكر)): ((مهما تكن التطورات والتعديلات التي تطرأ على بحث الإسلام في المستقبل فمما لا شك فيه أن هذا البحث سيقوم دائماً على الأسس والمناهج التي وضعها ((جولدزيهر))(2) كما قال عنه المستشرق ((مونتوجمري واط)): ((إن مخالفة ((جولدزيهر)) ليست من الأمور السهلة))(3) وهو الذي كان يرى أن: ((ما كان يبشر به النبي صلى الله عليه وسلم خاصاً بالدار الآخرة ليس إلا مجموعة موارد استقاها بصراحة من الخارج يقيناً وأقام عليها هذا التبشير وأفاد من تاريخ العهد القديم))(4).
كما ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أساتذة من اليهود والنصارى فقال: ((صار رهبان المسيحيين وأحبار اليهود موضع مهاجمة منه، وقد كانوا في الواقع أساتذة له))(5)، وقال عن القرآن: ((من العسير أن نستخلص من القرآن نفسه مذهباً عقدياً موحداً متجانساً وخالياً من التناقضات))(6).
__________
(1) عمر لطفي العالم، المستشرقون والقرآن، ص 152-153، الطبعة الأولى، مركز دراسات العالم الإسلامي، مالطا، 1991م.
(2) س. د. غويطاين: ((جولدزيهر أبو الدراسات الإسلامية)) مجلة الكاتب المصري، المجلد الخامس، العدد 17، ص90 الهامش، فبراير 1947م.
(3) ... Watt. M. Muhammad at Mecca. Press 1953. P. 82.
(4) أجناس جولدزيهر))، العقيدة والشريعة في الإسلام، ص15، ترجمة علي حسن عبد القادر وزملائه، الطبعة الثانية، دار الكتب الحديثة.
(5) المرجع السابق ص20.
(6) المرجع السابق ص78.(1/12)
هذا وإن حاول أحدهم الوصول إلى الحقائق الإسلامية وإبرازها على أسس علمية بعيدة عن التعصب، فلابد أن يرجع ـ إلا من هداهم الله للإسلام ـ ويقع تحت تأثير تلك الأحكام السابقة التي ورثها عن أسلافه، يقول ((سي آدمز)): ((ترك مستشرقو القرن التاسع عشر تركة أرهبت عدداً من العلماء فتهيبوا من محاولة إعادة فحص القضايا الجوهرية))(1)، ويقول المستشرق ((هاملتون جب)): ((لقد قامت في صفوفهم في السنوات الأخيرة محاولة إيجابية تحاول النفاذ بصدق وإخلاص إلى أعماق الفكر الديني للمسلمين بدل السطحية الفاضحة التي صبغت دراساتهم السابقة، ورغم ذلك فإن التأثر بالأحكام التي صدرت مسبقاً على الإسلام، والتي اتخذت صورة تقليد منهجي في الغرب لا زال قوياً في بحوثهم، ولا يمكن الإغفال عنها في أية دراسة لهم عن الإسلام))(2).
إن هذا القول صادر عن أحد محرري دائرة المعارف الإسلامية التي تعد من أهم الجهود المبذولة للتعريف بالإسلام خلال القرن العشرين.
__________
(1) C.J. Adams, Islamic Religion, Middle East Studies Association Bulletin Vol. 4, No. 3, 15 October 1970, P. 3.
(2) عرفان عبد الحميد، المستشرقون والإسلام، ص5، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي، بيروت، 1980م.(1/13)
فهل كان المستشرق ((ف.بول))(1) كاتب مادة (قرآن) في الدائرة بمنأى عن هذه المؤثرات الثقافية والنفسية، وكتب تعريفاً بالقرآن الكريم بكل تجرد وأمانة علمية؟
المبحث الثالث
مادة (قرآن) في دائرة المعارف الإسلامية
تضمنت دائرة المعارف الإسلامية في موادها التعريفية مادة (القرآن)، وقد كتبها المستشرق الدانماركي ((ف.بول)).
وقد عرض الكتاب هذه المادة في ثلاث عشرة صفحة(2)، ذكر في أولها أن القرآن هو كتاب المحمديين المقدس، ثم قسَّم حديثه عن القرآن إلى عدة أقسام جعلها على شكل فقرات مرقمة بلغت اثنتين وعشرين فقرة، خلاصتها كما يلي:
1- معنى كلمة ((القرآن)) وكيفية النطق بها:
__________
(1) مستشرق ((دانماركي)) ولد في كوبنهاجن [1850- 1932م] وبدأ حياته الجامعية بدراسة اللاهوت، وعني عناية خاصة بدراسة اللغات الشرقية ولا سيما اللغة العربية، وفي عام 1878م حصل على درجة الدكتوراه، وكان موضوعها عن دراسات النحو العربي وتاريخ اللغة، ساهم في كتابة كثير من مواد دائرة المعارف الإسلامية حيث بلغت أكثر من سبعين مادة ((أما دراساته عن الإسلام فقد ظهرت في بداية القرن العشرين حيث نشر عدة كتب ومقالات، ومنها كتاب ((حياة محمد)) باللغة الدانماركية، ثم أضاف إلى كتابه هذا ذيلاً عن ((دعوة محمد إلى الإسلام كما وردت في القرآن)) ونقل عدة أجزاء من القرآن إلى اللغة الدانماركية، وأما المقالات التي نشرها فمنها: التعريف بالإسلام، محمد، الأمويون، الخوارج، انتشار الإسلام، القرآن وغير ذلك.
... انظر: نجيب العقيقي، المستشرقون، ج2 ص522، 523، الطبعة الرابعة، دار المعارف، القاهرة.
(2) ... Ency., of Islam vol 4 pp. 1063 – 1076.(1/14)
تحدث الكاتب في هذه الفقرة عن كلمة (القرآن) من حيث طريقة نطقها هل هي بالهمزة أم بغير الهمزة مشيراً إلى أنه ليس هناك إجماع بين المسلمين في كيفية النطق بكلمة (قرآن)، ثم قال: ((والمعنى الحقيقي لكلمة (القرآن) يجب أن يُبحث عنه في استعمال القرآن نفسه، حيث يتكرر ورود الفعل قرأ، ولكن المعنى الأكثر تكراراً هو (يتلو، ويتحدث) وقد لا تعني بالضرورة أي نص مكتوب))(1).
بعد ذلك ذكر الكاتب رأي المستشرقين ((فلهاوزن))، و((هورفتز)) في أصل كلمة القرآن، وكان رأيهما أن كلمة القرآن مستعارة من إحدى اللغتين السريانية أو العبرية.
ثم أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمع القرآن من الله تعالى حيث قال: ((ويجب علينا أن نتخيل أن الله قرأ حقيقة للنبي من الكتاب السماوي...، والقرآن كان في الحقيقة كتاباً محجوباً، والنبي –صلى الله عليه وسلم- إنما سمع صوت الله ولم يقرأ شيئاً على الرغم من الآية الأولى من سورة العلق))(2).
بعد ذلك انتقل الكاتب إلى الحديث عن لفظ (الكتاب) وعلاقته بالقرآن الكريم، وعن كون القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم.
2- مصدر القرآن:
أما في هذه الفقرة فقد تحدث الكاتب عن مصدر القرآن وعن بعض موضوعاته مشيراً إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصبح بعد نزول الوحي عالماً بكل ما في الكتاب السماوي، وإنما عَلِم أجزاءً متفرقة منه أعطيت له في لباس عربي، مستدلاً بقوله تعالى: ژ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ?ژ [الكهف: 27]، وبقوله تعالى: ژ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? چ چ چژ [النساء: 164].
واستمر الكاتب في الحديث عن الوحي نفسه، وعن كيفية نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم، ويرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أحاط كيفية نزول الوحي إليه بالسرية التامة التي لم يرغب في إيضاحها، أو أنه عجز عن إيضاحها.
__________
(1) المصدر السابق ص 1063.
(2) المصدر السابق ص 1063.(1/15)
ثم أشار الكاتب إلى جبريل عليه السلام وعلاقته بالوحي المُنزَّل على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر على نحو مختصر قصة الغرانيق.
وفي آخر هذه الفقرة شكَّك الكاتب في حقيقة قصار السور، حيث ذكر أنها قد أخذت نصها الحالي بعد إعادة الصياغة(1).
3- نزول القرآن منجماً:
انتقل الكاتب في هذه الفقرة إلى الحديث عن نزول القرآن، مشيراً إلى اعتراض المشركين على عدم نزوله جملة واحدة، ثم قال: ((إن تقسيم نزول القرآن إلى أجزاء قصيرة كان مرتبطاً بهجوم معارضيه في مكة وبالعوامل السياسية وغيرها في المدينة، ولذلك كانت لظروفه –صلى الله عليه وسلم- أثرها على محتويات القرآن وهيئته))(2).
وقال أيضاً: ((ولا نجد في أي مكان معالجة شاملة لأساسيات العقيدة أو للقوانين ولكن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يتحول بسرعة من موضوع إلى آخر حسب الرغبات، فنحن نجد في القرآن إشارات قليلة، ومتفرقة عن الحج الأكبر حتى لا يكون في الإمكان معرفة مراسم الحج كلها من القرآن دون الرجوع إلى الأحاديث))(3).
ثم أشار إلى الصلوات الخمس ومواقيتها وكونها لم ترد في القرآن، وتكلم عن المُحكم والمُتشابه، والناسخ والمنسوخ.
4- حديث القرآن عن الكتب السابقة:
__________
(1) ... Ency., of Islam vol 4 pp. 1064 – 1065.
(2) المصدر السابق ص 1065.
(3) المصدر السابق ص 1065.(1/16)
أما في هذه الفقرة فقد تكلم الكاتب على حديث القرآن عن الكتب السابقة، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن جميع الكتب مأخوذة من الكتاب السماوي، مستدلاً بقوله تعالى: ژہ ہ ہ ھ * ھ ھ ے ے ? ? ? ? ?ژ [لشعراء: 196 – 197]، ثم قال: ((إن محمداً لم يكن لديه أي فكرة عن المحتويات الحقيقية للكتب السابقة، ولم يكن قد قرأها...، والقرآن يؤكد بجلاء موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- من تلك الكتب بالكلمة (أمي)، أو بمعنى آخر شخص عادي لا يقدر على قراءة الكتب المقدسة للأديان الأخرى الموحى بها سابقاً))(1).
واستدل في هذا بقوله تعالى: ژ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ?ژ [لجمعة: 2] ، وبقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پپ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹٹ ٹ ? ? ? ?ژ [الشورى: 52 ].
5- النبي صلى الله عليه وسلم وتبليغ الوحي:
__________
(1) المصدر نفسه ص 1066.(1/17)
أما في هذه الفقرة فقد قال الكاتب: ((إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد استفاد من الأفكار الدينية الموجودة في جزيرة العرب، والتي كانت تمثل فروعاً لبعض الطوائف التي تتصل باليهود والنصارى))(1). وقال أيضاً: ((إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعرض القرآن ليس طبقاً لنماذج الكتاب المقدس، وإنما كان يعرضه بأسلوب الكهان من العرب الوثنيين، حيث كان في مقدمات أقدم السور يُقْسِم بالأشياء الأشد لفتاً للانتباه مثل التين، وشجرة الزيتون، وجبل سيناء، والسماء، وعلامات الفلك، والفجر، والليالي العشر، والشفع والوتر، وكان يستعمل التراكيب الموجودة مع أولئك الكهان نثراً مسجوعاً، وكان يستعمل السجع بحرية كبيرة، ولكنه أهمل هذا الجانب في الوحي المتأخر))(2). ثم قال: ((إن النثر المسجوع كان له أهمية كبيرة في أسلوب القرآن، فقد مكَّن محمداً من استعمال كلمات غريبة مستدلاً بقوله تعالى: ژ? ? ? ?ژ [الصافات: 130]، وبقوله تعالى: ژ ? ?ژ [التين: 2]، أو كلمات نادرة مستدلاً بقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? * ں ? ? ?ژ [المطففين: 18 - 19]))(3) وغير ذلك من الأمور التي ذكرها الكاتب، وكان هدفه في هذه الفقرة القول بأن القرآن من وضع النبي صلى الله عليه وسلم.
6- لغة القرآن وأسلوبه:
أما هنا فقد انتقل الكاتب إلى الحديث عن لغة القرآن وأسلوبه، فقد ذكر أنها حجازية بلغة أهل مكة، ثم قال: ((إن أجزاء القرآن المبكرة تختلف عن أجزائه المتأخرة، وكان يؤكد بأن تلك الأجزاء المبكرة والمتأخرة هي من إنتاج الفرد نفسه))(4).
__________
(1) المصدر نفسه ص1066.
(2) المصدر نفسه ص1066.
(3) المصدر السابق ص1066.
(4) المصدر السابق ص1067.(1/18)
واستمر الكاتب في تأكيد أن القرآن من وضع النبي صلى الله عليه وسلم ويقول مثلاً: ((إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان مغرماً بالتكرار الممل للقصص الطويلة المختلطة –وقال- راجع مثلاً أحسن القصص في سورة يوسف، وكان مغرماً بالتعليلات النفسية الجامدة أو المجادلات التافهة بالنسبة لأولئك الذين لا يشاركونه نفس الفكرة))(1)، وكان يشير إلى قوله تعالى: ژ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ [آل عمران: 40].
7- حال القرآن عند وفاته صلى الله عليه وسلم:
بدأ الكاتب هذه الفقرة بطرح السؤال التالي: كيف كانت حالة القرآن الصحيحة عند وفاة محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم قال: ((إن هذا السؤال لا يمكن الإجابة عنه بالتأكيد المطلق))، وتحدث بعد ذلك عن تدوين الوحي مشيراً إلى أنه لم يكن هناك أي جمع للوحي في صورته النهائية بسبب وجود النبي صلى الله عليه وسلم، واستمرار نزول الوحي عليه، ثم شكَّك في حفظ القرآن الكريم من الضياع فقال: ((ويجب علينا أن نعتبر إمكان فقدان مجموعة كبيرة من الوحي وعلى الخصوص الوحي المبكر))(2)، وأشار إلى من كان يعرف القراءة والكتابة من بنات النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته،
ثم قال: (( يمكن أن نستنتج من قوله تعالى: ژچچچ چ ? ? ? ? ?ژ [الفرقان: 5] أنه تعلم في آخر حياته))(3).
بعد ذلك أشار الكاتب إلى الرُّقَع التي كُتِب فيها بعض الآيات أو السور، وذكر أن هناك أناساً جمعوا القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مستدلاً ببعض الرسائل والرقاع، وأبيات من الشعر تضمنت الإشارة إلى كتابة الوحي في حياته صلى الله عليه وسلم.
8- جمع القرآن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) المصدر السابق ص1067.
(2) المصدر السابق ص1067.
(3) المصدر نفسه ص1067.(1/19)
أمَّا هذه الفقرة فقد خصصها الكاتب للحديث عن جمع القرآن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم على أساس أنه تراث نبوي جاء عن طريق موهبة تنبؤية كانت موجودة في النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ((ومع وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- تغير الوضع تدريجياً، ولم يَرِثْ أحدٌ موهبة محمد التنبؤية...، وقد استدعى الواجب جمع تراثه القيم في صورة كاملة وصحيحة قدر الإمكان، وحفظه من الضياع، وهذا الأمر هو ما أكدته الروايات ولكن لسوء الحظ بطريقة تترك الكثير غامضاً))(1)، بعد ذلك أشار الكاتب إلى أن الدافع الأول لجمع القرآن هو وفاة الكثير من القراء في حرب مسيلمة الكذاب، وأن عمر بن الخطاب هو الذي استحث أبا بكر الصديق رضي الله عنهما ليبدأ في جمع المواعظ المبعثرة –على حد تعبير الكاتب-، ثم رجع فشكَّك في هذا الدافع مشيراً إلى أن الذين قُتِلوا في حرب مسيلمة كانوا من حديثي العهد بالإسلام، وأنه لا يتوقع أن يكون بينهم من كانت لديه دراية كبيرة بالقرآن الكريم(2)، وذكر كذلك ما قام به عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا الأمر، وبقاء النُّسَخ عند أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، وتساءل عن سبب إعطائها لحفصة رضي الله عنها، ثم قال: ((إنها أعطيت لها هدية تشريفية))(3).
9- نسّاخ القرآن وترتيب آياته وسوره:
__________
(1) المصدر نفسه ص1068.
(2) انظر: المصدر السابق ص1068.
(3) المصدر نفسه ص1069.(1/20)
ذكر الكاتب في هذه الفقرة أسماء الصحابة الذين كتبوا القرآن الكريم، ثم قال: ((إن أُبيّ بن كعب عنده سورتان إضافيتان هما الفلق والناس، بينما هما عند ابن مسعود غير موجودتين ويُحتمل أيضاً سورة الفاتحة))(1)، وتحدث بعد ذلك عن ترتيب السور، وقال: ((إن ترتيب السور يتوقف على طول السور وقصرها، وهذه القاعدة كانت متروكة للفرد، وهي مأخوذة من الأمثلة اليهودية))(2)، ثم أشار إلى اختلاف ترتيب السور بين نسخة أبيّ بن كعب ونسخة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، وقال: ((إن هذا يعطينا دليلاً محدداً هو أن هذه المجموعة في صورتها الحالية لا يمكن أن تعود إلى زمن النبي نفسه -صلى الله عليه وسلم-))(3).
بعد ذلك شكَّك الكاتب في ترتيب الآيات على النحو الموجود حالياً، وتساءل بقوله: هل كان هذا الترتيب بواسطة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أن هناك من تدخل في ترتيبها؟ واستثنى من هذا التشكيك السور القصار على أساس أنها وحدات أصلية، وسورة يوسف لاشتمالها على قصة مترابطة، وسورة الرحمن للتكرار الموجود فيها، ثم ذكر رأي ((نولدكه)) في ترتيب الآيات، وكان رأيه أن عمل الأيدي الأخرى في ترتيب الآيات يظهر عندما ينكسر أو ينقطع حبل الاستمرار فيها(4).
وقال بعد ذلك: ((إن عدم الترابط، ونقص التناسق من خصائص أسلوب محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهناك بالتأكيد قطع قصيرة من الفترات المتأخرة أدخلها النبي -صلى الله عليه وسلم- لسبب ما في قطع أقدم، إننا بلاشك نفترض أن محمداً ركَّب بنفسه السورة الثانية –البقرة- ذات الطول غير العادي، فنحن نجد فيها آيات من الفترة المكية بدون أي تفسير))(5).
__________
(1) المصدر نفسه ص1069.
(2) المصدر نفسه ص1069.
(3) المصدر نفسه ص1069.
(4) المصدر نفسه ص1069.
(5) المصدر نفسه ص1069.(1/21)
ثم تحدث الكاتب عن أسماء السور، وعن مناسبة الاسم للسورة، وقال: ((إن من المؤكد أن أسماء السور كانت معروفة عموماً في النصف الأول من القرن الثامن؛ لأن بعضها كان مذكوراً بواسطة يوحنا الدمشقي))!، وتحدث أيضاً عن الآيات حيث قال: ((إنها مقسمة بناءً على السجع، وأن هناك فرقاً بين أقسامها، واختلافاً في أرقامها))(1).
بعد ذلك أخذ الكاتب يشرح رأيه في كيفية تحديد السور أو الآيات من حيث كونها مكية أو مدنية، ثم ذكر بعض العقبات التي تعترض إمكان تطبيق تلك الكيفية التي شرحها، ثم أشار إلى أعمال بعض المستشرقين حول ترتيب القرآن، وذكر منهم ((وايل))، و((نولدكه))، و((جريم))، و((هيرشفلد))(2). وقال: ((إن الحصول على نتائج متفق عليها بصفة عامة غير ممكن في هذا الميدان))(3). وتحدث أيضاً عن كيفية ترتيب القرآن من حيث الترتيب الزمني حيث قال: ((في الرؤى التي حدثت في الطور المدني، يكون حلُّ المسألة أسهل وأهون. فحيثما نجد محمداً مهاجماً لليهود أو المنافقين، أو يدعو للحرب المقدسة، أو يضع تشريعات جنائية أو مدنية، فنحن عندئذ في المدينة، سواء كنا نتعامل مع سورة كاملة، أو أقسام منها، أو آيات مفردات))(4). وقال أيضاً: ((ولا شك أن الإشارة إلى أحداث معروفة لنا من كتب السيرة في الطور المدني، وأنباء المعارك في حروب محمد -صلى الله عليه وسلم-، وخطبه وأحاديثه، كل ذلك يعطينا وسيلة مأمونة خاصة لترتيب السور ترتيباً زمنياً))(5).
__________
(1) انظر: المصدر نفسه ص 1073.
(2) المصدر السابق ص 1074 ، 1075.
(3) المصدر السابق ص 1074.
(4) المصدر السابق ص 1075.
(5) المصدر السابق ص 1075.(1/22)
بعد ذلك ذكر الكاتب شكوك المستشرق ((سنوك هور جرونيه)) حول تحديد الآيات التي تضمنت الحديث عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم من حيث كونها مكية أو مدنية، وتكذيبه مجيء إبراهيم عليه السلام إلى مكة، وبنائه للكعبة المُشرَّفة مع ابنه إسماعيل عليهما السلام، واعتباره هذا الأمر أسطورة اخترعها اليهود العرب لم يُسمع عنها قط في مكة(1).
وفي آخر هذه الفقرة أشار الكاتب إلى آخر ما نزل من القرآن والاختلاف في ذلك(2).
10- جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه:
بدأ الكاتب حديثه في هذه الفقرة بقوله: وبحكم عثمان ندخل إلى أرض أشد صلابة، ثم أشار إلى النُّسَخ التي وزعها عثمان رضي الله عنه، وذكر كيفية جمعها، والذين رشحهم عثمان لكتابة القرآن، وشكَّك في ترشيح بعضهم وفي عملهم فقال: ((إذا كان المطلوب هو عمل نُسخ من النص المعتمد، فإن الأولى الاكتفاء بالنُّسَّاخ الموثوق بهم))(3)، ثم قال: ((إن هناك منافسين لعثمان في هذا الأمر، والمصحف العثماني لم يمد العالم الإسلامي بنص مقبول وموثوق به، وعثمان نفسه لم يلتزم بالنص الذي اعتمده وأقرَّه، فقد قرأ الآية رقم مئة من سورة آل عمران بإضافة لا توجد فيها الآن))(4)، وهي قوله تعالى: ژ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?ژ [آل عمران: 100].
لقد كان هَمّ كاتب هذه المادة الطعن والتشكيك في مصحف عثمان رضي الله عنه الذي اجتمعت عليه الأمة الإسلامية، ويظهر هذا أيضاً فيما ذكره في الفقرة التالية:
11- حفظ القرآن وسلامته من التحريف والتبديل:
__________
(1) انظر: المصدر السابق ص 1075.
(2) انظر: المصدر السابق ص 1076.
(3) المصدر نفسه ص 1070.
(4) المصدر نفسه ص 1073.(1/23)
أثار الكاتب في هذه الفقرة سؤالاً مفاده: هل جاء كل القرآن المعتمد من محمد نفسه -صلى الله عليه وسلم-، أو أن هناك موادَّ غريبة قد أضيفت إليه، أو مقطوعات قد حُرِّفت فيه لأسباب دعائية؟(1)، ثم أشار إلى رفض الخوارج سورة يوسف على أساس أنها قصة حب لا تستحق أن توجد في القرآن، وأكد أنها كانت مُحرَّفة حيث قال: ((ليس مما يرد القول بتحريفها كونها تحمل أسلوب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كانت لدى المُحرِّف طاقة مذهلة في التقليد، فالتحريف هو الأكثر احتمالاً؛ لأن السورة كانت في نسخة عبد الله بن مسعود، ونسخة أُبيّ بن كعب، ويجب أن تكون قديمة جداً))(2). واستدل الكاتب على شبهته تلك بموقف الشيعة من المصحف العثماني، حيث كانوا يرون أن القرآن الحالي قد حُذِفت منه سور، وآيات كانت تتحدث عن علي رضي الله عنه وأسرته، وقال: ((ولا يوجد اتفاق بين الشيعة أنفسهم فيما يختص بالصورة الصادقة للكتاب الموحى به، وقد فشلت كل محاولاتهم التي قاموا بها لإبراز النص الكامل))(3). واستدل كذلك برأي المستشرق ((دي ساسي)) الذي قال: إن شك عمر في وفاة محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يمكن حدوثه لو كانت الآية التي قابله بها أبو بكر صحيحة، ويشير إلى قوله تعالى: ژ? ? ? ? ? ? ? چ چچ چ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ ژ ڑڑ ک ک کژ [آل عمران: 144]، ولذلك فإنه لابد أن تكون هذه الآية قد نشأت بواسطة أبي بكر))(4).
__________
(1) المصدر نفسه ص 1070.
(2) المصدر نفسه ص 1070- 1071.
(3) المصدر السابق ص 1071.
(4) المصدر نفسه ص 1071.(1/24)
بعد ذلك ذكر رأي المستشرقين ((ج ويل))، و((هرشفلد)) في بعض الآيات، ثم قال: إن قول ((ج ويل)) –على وجه الخصوص- إن عثمان قد حَرَّف القرآن عن طريق الحذف قول مرفوض، وكذلك اتهامات الشيعة، وذلك بسبب الحقيقة البسيطة وهي أنه ليس في أي مكان في أقدم السجلات أي إشارة إلى مثل ذلك الأمر، وذلك على الرغم من أن معارضيه قد جمعوا قائمة طويلة من الاتهامات ضده(1).
واستمر الكاتب في تشكيكه في حفظ القرآن من التحريف والتبديل، حيث عاد فقال: هل حقيقة أن لدينا في القرآن المعتمد كل الذي كان موحى به إلى حين موت محمد -صلى الله عليه وسلم-؟(2)، وأجاب عن سؤاله هذا بتأكيد أن هناك آيات لم تدون في القرآن لأسباب مختلفة، مستدلاً باختلاف القراءات المحفوظة في الذاكرة، وبآية الرجم المنسوخة على أنها من الآيات التي لم تدون في القرآن.
ثم قال: إن آية الرجم تتعارض تعارضاً مباشراً مع قوله تعالى: ژ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?ژ [النور: 2]. ((إنها لا يمكن أن تكون من المنسوخات بدليل أن عمر بن الخطاب عاقب لهذه الجريمة بهذه الصورة القاسية))(3).
__________
(1) المصدر نفسه ص 1071.
(2) المصدر نفسه ص 1071.
(3) المصدر نفسه ص 1071.(1/25)
واستمر الكاتب في عرض شكوكه وآرائه في القرآن الكريم، ثم قال: ((إذا كانت الدراسة النقدية للقرآن تقود إلى نتيجة مرضية، فإنها لا تعني أن القرآن المعتمد في زمن عثمان -رضي الله عنه- يعطي نطقاً حقيقياً للنبي -صلى الله عليه وسلم- وخالياً من الأخطاء على الإطلاق، بل على النقيض من ذلك))(1)، ثم ذكر بعض الأدلة ـ على حدِّ رأيه ـ التي يريد منها نفي حفظ القرآن من الإضافة والتحريف، فقال: ((إن مما لا شك فيه أن القرآن قد احتوى على عدد من الإضافات التفصيلية))، وأشار إلى كلمة (كبير) في قوله تعالى: ژ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? کچ چ چ چ... ژ [البقرة: 217]، واحتوى كذلك على عدد من التحريفات غير الضارة، وانتقال الجمل من مكان إلى مكان آخر في القرآن، لكن ذلك يختلف تماماً عن التحريف المتحيز المتعمد للوحي(2).
واستمر الكاتب في الطعن والتشكيك في حفظ القرآن الكريم من التحريف فقال: ((إن الظروف والأحوال المختلفة قد ساهمت في تغيير صورة النص القرآني))، وذكر من تلك الأحوال المختلفة إهمال بعض النُّسَّاخ في النقل من النسخة المخطوطة من المصحف الإمام بالمدينة، حتى إنه يُقال بأن تلك النُّسَخ المرسلة إلى مختلف البقاع لم تكن كلها مماثلة للمصحف الإمام، وذكر كذلك اختلاف القراءات جاعلاً إياها بمنزلة التغيير للنص القرآني، وجعل سبب اختلاف القراءات وجود النصوص الأخرى المنافسة لها، ونقائص وعيوب الخط العربي لخلوه من علامات التنقيط والإعراب(3).
__________
(1) المصدر السابق ص 1071.
(2) Ency., of Islam. Vol. 4 – p. 1071.
(3) انظر: المصدر السابق ص 1073.(1/26)
ثم قال: ((إن النطق بتلك الآيات كان متروكاً للقارئ، فالقارئ مُخَيَّر بين جعلها للمعلوم أو للمجهول مما يؤدي إلى تغيير المراد، وإلى استغلال المشككين لهذا الوضع للهروب من كثير من الأحكام التي تدينهم أو تسوءهم))(1). وقال أيضاً: ((وبهذه الطريقة نشأت قراءات متباينة ومتضاربة تثير الحيرة والارتباك، فبدلاً من التوجه نحو التجانس كما كان متوقعاً، أصبح الناس يعتادون التوسع وسلوك سبيل الحرية في ذلك إلى مدى غير محدود، ولم يترددوا في استبدال كلمات بما يرادفها، أو حشو شروح وإضافات موجزة، وقد مضت هذه الحرية تنمو وتزداد دون وجود ما يحد من تفاقمها، إن ذلك التوسع الذي اعتاده الناس، أصبح يثير الشكوك، ولم تكن هناك سلطة لها القدرة على فرض ذلك النص المعتمد بالقوة والنفوذ))(2).
12- البسملة والأحرف المُقَطّعة:
__________
(1) المصدر السابق ص 1073.
(2) المصدر السابق ص 1073.(1/27)
تحدث الكاتب عن البسملة في القرآن من حيث وجودها في بداية كل سورة، ووجودها ضمن آية في سورة النمل، وعن استعمال النبي صلى الله عليه وسلم للبسملة في مراسلاته، ثم أعاد الحديث عن ترتيب السور، وأشار إلى السور السبع الطوال، وإلى ترتيبها في القرآن(1). وقال بعد ذلك: ((جاء بعد البسملة في القرآن بعض الحروف الغامضة في تسع وعشرين سورة)). وأشار إلى أن تلك الحروف قد جاءت في السور المكية المتأخرة فيما عدا سورتي البقرة وآل عمران، وأن عددها أربعة عشر حرفاً، جاءت بالحرف الواحد، وبالحرفين، وبالثلاثة، وبالأربعة، وبالخمسة أحرف معاً، وأن بعض تلك الحروف جاء مرة واحدة فقط، والبعض الآخر تكرر قبل سورتين أو خمس أو ست سور(2)، وأشار أيضاً إلى رأي المفسرين في تلك الأحرف، وإلى رأي المستشرقين ((نولدكه))، و((هرتشفلد))، و((باور))، وهو: أن تلك الأحرف المتكررة قبل عدد من السور، إنما تكون سلسلة متتابعة(3).
13- قراءات القرآن الكريم:
ذكر الكاتب بعض الكتب التي اعتنت بموضوع القراءات، وقال: إن أول كتاب نقدي للقراءات وضعه يهودي اعتنق الإسلام.
بعد ذلك أشار إلى القراءات العشر، وجعل سبب حصرها بالعشر هو الاتجاه إلى الحد من عدد الثقات؛ لأن المعايير التي وضعت للقراءات كانت غير محددة وليست واضحة، لتكون فعالة فعلاً حقيقياً(4).
__________
(1) المصدر نفسه ص 1071 ، 1072.
(2) انظر: المصدر نفسه ص 1072.
(3) انظر: المصدر نفسه ص 1069 ، 1072.
(4) انظر: المصدر السابق ص 1073.(1/28)
ثم قال: ((لقد كان الرقم سبعة مرغوباً ومحبوباً بصفة خاصة، وقد وُجِد سند لذلك في حديث يُنسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، والتي لجميعها مصدر إلهي، إلا أن اعتبار الأحرف السبعة هي القراءات المختلفة غير جائز، لأن هذا الاعتبار لا يستند إلى دليل، ولكنه وجد قبولاً على نطاق واسع خاصة بعدما حدد أبو بكر بن مجاهد سبعة قراء، وجعلهم القراء المعتمدين، وجعل لكل قارئ منهم اثنين من الرواة))(1).
بعد ذلك أشار الكاتب إلى القبول الواسع للقراء السبعة ورجع ليطعن في طريقة اختيارهم، وجعل اختيارهم عشوائياً أو اعتباطياً، ثم أشار إلى زمن انتشار القراءات السبع، وإلى القراءات الأخرى، وإلى القاعدة التي سار عليها الأقدمون في اختيار القراءات، وإلى القراءات المنتشرة في الوقت الحاضر(2).
14- إعجام المصحف وشكله:
انتقل الكاتب في هذه الفقرة إلى الحديث عن العلامات التي تبين كيفية النطق بالكلمة من حيث النقط الفوقية أو التحتية، ومن حيث علامات الإعراب، وعلامات الوقف، وغير ذلك من العلامات المستخدمة لتعيين طريقة النطق بالآية، ثم قال: ((إن كل ما يتعلق بزمن إدخال تلك العلامات في المصحف قد نسيه العرب نسياناً تاماً كعادتهم في مثل هذه الأمور، ولكن مما لا شك فيه أنها مأخوذة عن استعمالات كانت شائعة في سوريا في بداية القرن الثامن الميلادي، ولكنها يقيناً كانت أقدم من هذا القرن، فقد استخدمت قبل العصر المحمدي))(3).
15- مكانة القرآن عند المسلمين:
__________
(1) المصدر السابق ص 1073.
(2) انظر: المصدر السابق ص 1073 ، 1074.
(3) المصدر السابق ص 1074.(1/29)
تحدث الكاتب في آخر هذه المادة عن مكانة القرآن عند المسلمين، الذين يصفهم دائماً بالمحمديين، وأشار إلى وضوح القرآن عند المسلمين جميعاً، ثم أشار إشارة سريعة إلى الجدل حول كلام الله: أهو مخلوق أم غير مخلوق؟ وهل القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ ثم ذكر رأي أبي الحسن الأشعري –رحمه الله تعالى- وهو أن القرآن الكريم كلام الله منزل غير مخلوق. ثم قال بعدما ذكر رأي الأشعري: ((عندئذ فازت المدرسة ((الأرثوذكسية))(1)، ويعني بذلك أهل السُنَّة.
المصادر التي رجع إليها في تعريفه بالقرآن الكريم:
أشار الكاتب في نهاية ما كتبه تحت مادة (قرآن) إلى المصادر التي رجع إليها وقد اشتملت على مصادر إسلامية ومصادر استشراقية.
أما المصادر الإسلامية فهي:
1-?
تفسير الطبري.?
2-?
تاريخ وأخبار مكة للأزرقي.??
?3-?
سيرة ابن هشام.?
4-?
طبقات ابن سعد.??
?5-?
العقد الفريد لابن عبد ربه.?
6-?
الملل والنحل للشهرستاني.??
?7-?
الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.?
8-?
الكشاف للزمخشري.??
?9-?
تفسير البيضاوي.?
10-?
تفسير الجلالين.
وأما المصادر الاستشراقية فقد بلغت تسعة وأربعين مصدرا،ً وهذا يعطي دلالة واضحة على المنهج الذي سار عليه كاتب هذه المادة حيث كان يعتمد على إسقاط الرؤية اليهودية والنصرانية وعلى الأقوال الباطلة مع إغفال الحقائق التي تدحض تلك الأقوال والتعسف في التفسير والاستنتاج مع المغالطة في فهم النصوص وفي المناقشة، وهذا مضاد لموضوعية البحث العلمي.
فالموضوعية في البحث تستوجب عرض المادة العلمية حسب مصادرها الأصلية وعدم التعامل معها بأحكام سابقة.
المبحث الرابع
القرآن الكريم كما عرفته دائرة المعارف الإسلامية
والرد على أبرز الشبهات الواردة فيها حوله
__________
(1) المصدر السابق ص 1076.(1/30)
تضمنت الدائرة موادَّ تحمل أسماء الكتب الإلهية التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن، ولم يكن إيرادها لتلك الكتب –عدا القرآن- للحديث عنها مباشرة، بل كان للحديث عن الآيات والأخبار المتعلقة بها في القرآن، وعن أثر تلك الكتب المتقدمة في القرآن الكريم، وللحكم على بعض الآيات بأنها مأخوذة منها مباشرة.
ومن خلال تتبع بعض مواد الدائرة المختلفة المتضمنة الإشارة إلى القرآن الكريم نجد أنها تحدثت عن القرآن على أنه ((كتاب المحمديين المقدس))(1)، وضعه النبي -صلى الله عليه وسلم- من عند نفسه، اتهم فيه اليهود بأنهم حرَّفوا التوراة، وأنهم يكتمون ما أنزل الله بها من البينات والهدى، واتهم فيه النصارى بأنهم حرَّفوا الإنجيل، وأنهم حرَّفوا الآيات الشاهدة على صدقه(2)، وقد جمعه من القصص السريانية، والأساطير اليهودية، والتوراة، والزبور(3)، والتلمود(4)
__________
(1) ... Ency., of Islam. Vol. 4 Article KORAN, – p. 1063.
(2) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ج4 مادة ((التحريف)) ص 603 ، 607.
(3) الزبور هو: أحد الكتب الموحى بها من الله تعالى، وقد فُقِد كما فُقِدت صحف إبراهيم والتوراة والإنجيل، والزبور الموجود باسم المزامير فيما يسمى العهد القديم مكذوب على داود عليه السلام، ويزعم مؤلفو المزامير أنها من وضع داود وسليمان عليهما السلام، ومجموعة كبيرة أخرى من أنبياء بني إسرائيل، وهي مجموعة الأناشيد الدينية المنسوبة لعدد كبير من المؤلفين على مدى أجيال طويلة، منذ عهد موسى عليه السلام الذي عاش في القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلى أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، أي أنها كُتبت على مدى ألف ومائة عام.
... انظر: محمد علي البار، ((الله جل جلاله والأنبياء عليهم السلام في التوراة والعهد القديم))، ص374، 386، الطبعة الأولى، دار القلم، دمشق، 1410هـ.
(4) المصدر السابق ج1 مادة ((آدم)) ص554، ج2 مادة ((إلياس)) ص607، ج6 مادة ((التوراة)) ص1.
... التلمود هو: مصدر للتعاليم اليهودية، وينقسم إلى جزأين، المشناه وهو الأصل أو المتن، وقد سبق تعريفها، وجمارا وهو شرح المشناه، وهما اثنان جمارا أورشليم وجمارا بابل، أما جمارا أورشليم فهو سجل للمناقشات التي أجراها حاخامات فلسطين لشرح أصول المشناه، ويرجع تاريخ جمعه إلى عام 400م، وأما جمارا بابل فهو سجل للمناقشات حول تعاليم المشناه، دونها علماء بابل اليهود، وانتهوا من جمعه سنة 500 تقريباً، فمشناه مع شرحه جمارا أورشليم يسمى ((تلمود أورشليم))، ومشناه مع شرحه جمارا بابل يسمى ((تلمود بابل))، وكلاهما يطبع على حدة. انظر: ظفر الإسلام خان – التلمود تاريخه وتعاليمه ص 11، 12 و40.(1/31)
، والهاجاداة(1)، ومشناه سنهدرين(2)
__________
(1) ... Ency., of Islam. Vol. 6 Article MUSA, – p. 738.
... الهاجاداة: هي مجموعة من القصص المحرفة المختارة من ((الكتاب المقدس))، والمشناه، والمدراش، مع مجموعة من الطقوس والشعائر الدينية التطبيقية عند اليهود.
... Ency, Judaca. Vol 7, Keter press, 1978, Article Haggadah, P. 1079.
(2) المشناه معناها بالعبرية: المعرفة أو القانون الثاني، وهي أصل متن التلمود، وأول لائحة قانونية وضعها اليهود لأنفسهم بعد التوراة، وقد جمعها يهوذا هاناشي فيما بين عامي 190 ، 200م، وتتكون من ستة أبواب تسمى سيداريم أي أحكام، ويزعم اليهود أنها أنزلت على موسى عليه السلام في طور سيناء.
... أما سنهدرين فمعناها بالعبرية: المحكمة العليا، وهو الباب الرابع من أبواب المشناه، وهذا الباب مقسم إلى أحد عشر فصلاً، كل فصل يعالج حالة من الحالات التي يمكن للمحكمة العليا اليهودية أن تصدر حكمها أو تتدخل فيها. انظر: ظفر الإسلام خان، التلمود تاريخه وتعاليمه، الطبعة الخامسة، دار النفائس، بيروت، 1404هـ، ص11 – 15 ، 21.(1/32)
، ومصادر يهودية متأثرة بالإيرانية، وسفر إستير(1)، وسفري الملوك، وسفر الخروج(2)، وسفر التكوين، والإنجيل، وإنجيل صبوة المسيح(3)، وإنجيل لوقا، وأعمال الرسل، وقصة الإسكندر، وملحمة جلجامش(4)
__________
(1) هو: أحد أسفار العهد القديم التاريخية التي تعمدت تزييف التاريخ وتشويهه عمداً، وهو يحكي قصة وحياة اليهود في القرن السادس قبل الميلاد، وإستير هو اسم امرأة يهودية استطاعت أن تستولي على لب الملك الفارسي أحشويروش، فاستصدرت منه أوامر بإعطاء المناصب لليهود. انظر: محمد علي البار، المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، الطبعة الأولى، دار القلم، دمشق، 1410هـ، ص206، 207، 213.
(2) دائرة المعارف الإسلامية ج6 ص1، ج4 مادة ((بلقيس)) ص109 ، 110، ج12 مادة ((سليمان)) ص167.
(3) قال عنه ((كارادي فو)) كاتب مادة ((إنجيل)) 3/11 إنه أحد الكتب المنحولة في النصرانية. انظر: دائرة المعارف الإسلامية.
(4) دائرة المعارف الإسلامية ج3 مادة ((إنجيل)) ص11 وما بعدها، ج10 مادة ((زكريا)) ص368، ج10 مادة ((بلقيس)) ص368، وكذلك:
... Ency., of Islam. Vol. 6 Article MUSA, – p. 739.
... جلجامش اسم لشخصية أسطورية مات صديق له يدعى ((انكيدو))، فحزن عليه أشد الحزن ثم قام بعد وفاة صديقه بسلسلة من الرحلات باحثاً عن شخص يدعى ((أتنبستم)) كان يعيش عند منابع الأنهار، وقد منح الخلود –حسب هذه الأسطورة- ورغب جلجامش في سؤاله عن نبات الحياة الذي يقى الإنسان من الموت. انظر: دائرة المعارف الإسلامية ج 8 ص 347. وانظر أيضاً: محمد خليفة حسن، الأسطورة والتاريخ في التراث الشرقي القديم –دراسة في ملحمة جلجامش- دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1988م، أما قصة الإسكندر فهي إحدى القصص الواردة في الأدب السرياني، وجاء فيها أن الإسكندر قام بسلسلة من الرحلات باحثاً عن نهر الحياة، واستصحب معه طاهيه أندرياس الذي كان إبان هذه الرحلة في أرض الظلمات، يغسل مرة حوتاً مملوحاً في عين ماء، فلما مس الحوت الماء عادت الحياة إليه، وانفلت في الماء، فقفز أندرياس وراءه، واكتسب بذلك صفة الخلود، ولما قص النبأ على الإسكندر فطن إلى أن العين هي نهر الحياة، وذهبت جميع محاولاته في البحث عنها أدراج الرياح وبذلك حُرم الخلود على الإسكندر ووُهِب لطاهيه الذي لا يدري ما يصنع به. انظر: دائر المعارف الإسلامية، ج 8، ص 347 – 348.(1/33)
.
كما جاء فيها أن القرآن كان في الحقيقة كتاباً محجوباً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوت الله ولم يقرأ شيئاً، وأنه يجب علينا أن نتخيل أن الله قد قرأ حقيقة على النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب السماوي(1).
وقد وقع فيه اختلاف بين نسخه من ناحية ترتيب آياته وسوره، وتمكن الشيطان من تخليطه، ونسي الرسول -صلى الله عليه وسلم- عدداً من آياته، وجاء فيه بأخبار متناقضة سعى المفسرون للتخلص منها، ويحتوي على عدد من الإضافات التفصيلية وانتقال الجمل والتحريفات غير الضارة، وأعيدت صياغته، فانتهى إلى صورته الحالية بعد أن فقد كمية كبيرة من الوحي المبكر(2).
هكذا جاء الحديث عن القرآن في الدائرة كتاب بشري ملفّق، تعددت مصادره، وبعد ما فُقِد وحُرِّف منه الكثير أعاد المسلمون صياغته الحالية.
وفيما يلي الرد على أبرز الشبهات الواردة في تعريف الدائرة بالقرآن الكريم:
أولاً: الرد على القول بأن القرآن الكريم من كلام النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) ... Ency., of Islam. Vol. 4, p. 1063, 1064.
(2) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ج2 مادة ((أصول)) ص266، 267، 273، ج12 مادة ((سورة)) ص 358، وانظر كذلك:
... Ency., of Islam. Vol. 4 Article KORAN, – p. 1065, 1071.(1/34)
إنَّ مما لا شك فيه أن القرآن كلام الله تعالى، وهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم القائمة إلى يوم القيامة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مبلغاً لما يوحى إليه من الله تعالى: ژ چ چ چ چ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک گ گ گژ [المائدة: 67]، ولم يكن يأتي في القرآن بشيء من عنده ژ? ? ژ * ڑ ڑ ک * ک ک گ گ ژ [الحاقة: 44 - 46]، لكن الدائرة جعلته من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأكدت دعواها هذه مرات عدة، ويكاد يكون هذا الأمر من الأمور المُسَلَّم بها في جميع أجزاء الدائرة، ومما جاء فيها قول المستشرق ((ماكدونالد)): ((كان محمد يستعمل هذا الجمع ((آلهة)) عند كلامه عن الآلهة الأخرى التي كان أهل مكة يشركونها مع الله كما في سورة الأنعام))(1)، ويشير إلى قوله تعالى: ژٹ ٹ ٹ ? ? ? ?? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? چ چژ [الأنعام: 19]، وقوله أيضاً: ((إن محمداً كان يقول إن الله قريب جداً في كل لحظة، بل هو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد كما في سورة ق))(2)، ويشير إلى قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پ پ پپ ? ? ? ? ? ?ژ [ق: 16]، ومن ذلك قول المستشرق ((بول)): ((جاء في القرآن آيات اتهم فيها محمد اليهود بتغيير ما أنزل إليهم من كتب وبخاصة التوراة مستعملاً التعبير ((حرَّفوا))(3)، وكان يشير إلى قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ?...ژ [النساء: 46]، وإلى قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?ژ [البقرة: 75].
ومن ذلك قول المستشرق ((كارادي فو)): ((ولم يكن لدى النبي محمد إلا فكرة أولية عن بناء جهنم، فهو يتحدث عن أبوابها، ويحدِّد عددها سبعة))(4)، وأشار إلى قوله تعالى: ژہ ہ ہ ہ * ھ ھ ھ ے ے ? ? ?ژ [الحجر: 43 - 44].
__________
(1) دائرة المعارف الإسلامية ج2 مادة ((لفظ الجلالة)) ص 560.
(2) دائرة المعارف الإسلامية ج2 ص 561.
(3) دائرة المعارف الإسلامية ج4 مادة ((التحريف)) ص 603.
(4) دائرة المعارف الإسلامية ج7 مادة ((جهنم)) ص 197.(1/35)
إن الأمثلة على دعوى الدائرة بأن القرآن من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، وموزعة في ثنايا كثير من موادها، وليس المراد هنا هو حصر تلك المقولات من جميع موادها، بل المراد هو التمثيل على وجود هذه الدعوى في الدائرة.
لاشك أنهم بهذا قد خالفوا ما يعتقده المسلمون عامة في القرآن الكريم من أنه كلام الله تعالى، منزل غير مخلوق، نزل به الروح الأمين على قلب النبي صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين من الله بدأ وإليه يعود. كما أنهم قد قالوا قولاً لا يتفق مع أبسط الأدلة، ومنها:
1- ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم:
أ – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يختلط بحضارة، ولم يبرح شبه الجزيرة العربية منذ بعثته وحتى وفاته صلى الله عليه وسلم.
ب- ((لو كان القرآن من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لكان أسلوبه وأسلوب الأحاديث سواء؛ لأن من المسلَّم به لدى أهل البصر الأدبي، والباع الطويل في اللغة، أنه من المتعذر على الشخص الواحد أن يكون له في بيانه أسلوبان يختلف أحدهما عن الآخر اختلافاً جذرياً))(1)، ((ولولا هذا الأسلوب ما أفحم العرب، لأنهم رأوا جنساً من الكلام غير ما تؤديه طباعهم، ولما حاول بعضهم معارضته كمسيلمة جاء بشيء لا يشبهه ولا يشبه كلام نفسه فأخطأ الفصاحة من كل جهاتها))(2).
__________
(1) شوقي أبو خليل، غوستاف لوبون في الميزان، ص80، الطبعة الأولى، دار الفكر، دمشق، 1410هـ.
(2) عفيف طبارة، روح الدين الإسلامي، ص30، 31، الطبعة السادسة عشرة، دار العلم للملايين، بيروت، 1977م.(1/36)
جـ- إن النبي صلى الله عليه وسلم ((لم يكن يدري قبل نزول الوحي عليه ما الكتاب ولا الإيمان وذلك بصرف النظر عن البناء التشريعي بمظاهره المختلفة: الأخلاقي والاجتماعي والتعبدي، كيف نعبد الله؟ وما قاعدة السلوك المُثلى للفرد والمجتمع والإنسانية؟ لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهل كل ذلك، فهل كان في استطاعته هداية غيره، بينما كان عاجزاً عن هداية نفسه في أمور دينه))(1).
قال تعالى: ژ ک ک ک گ گ گ گ ? ? ?ژ [القصص: 56] وقال: ژ ? ? ? ? ? ? ژ [يونس: 99] وقال: ژ چ چ چ ? ? ? ? ? ژ [البقرة: 272] وقال: ژک ک کژ [الضحى: 7]، وهل يصح أن يُقال مع ذلك أنه قد أتى بهذا القرآن من عند نفسه، ويضمِّنه ما فيه الهداية للبشرية جمعاء؟
د- هل يعقل أن يؤلف النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، ويأتي بعمل يعجز الإنس والجن عن الإتيان بسورة واحدة من مثله، ثم ينسبه إلى غيره؟ ((إن العظمة تكون أقوى وأوضح وأسمى فيما لو جاء بعمل يعجز عنه العالم كله، ولكان بهذا العمل فوق طاقة البشرية فيرفع إلى مرتبة أسمى من مرتبة البشر، فأي مصلحة أو غاية للنبي صلى الله عليه وسلم في أن يؤلِّف القرآن وهو عمل معجز وينسبه لغيره؟))(2).
2- ما يتعلق بمضمون القرآن الكريم:
__________
(1) محمد عبد الله دراز، مدخل إلى القرآن الكريم، ص148، ترجمة محمد عبد العظيم علي، دار القلم، الكويت، 1404هـ.
(2) شوقي أبو خليل، الإسلام في قفص الاتهام، ص25، 26، الطبعة الخامسة، دار الفكر، دمشق، 1402هـ.(1/37)
أ – مخالفة القرآن الكريم في عدة مواطن لرأي النبي صلى الله عليه وسلم الشخصي، ولطبعه الخاص، ويتجلى هذا في عتابه الشديد له في مثل قوله تعالى: ژ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ?ژ [الأنفال: 67]، وفي قوله تعالى: ژ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?ژ [التوبة: 43]، وفي قوله تعالى: ژ? ? * ? ? پ * پ پ ? ?ژ إلى قوله تعالى ژ? ? ? ? - ? ? - ? ? ?ژ [عبس: 1- 10] فهذه المخالفة لا يُستساغ – بل ولا يصح عقلاً- أن يقال معها: إن القرآن من وضع النبي صلى الله عليه وسلم(1).
ب- اشتمال القرآن الكريم على عدد من الآيات التي لا بدَّ لها من متكلم ومخاطب مثل قوله تعالى: ژ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ?ژ [لأنعام: 145] وقوله تعالى: ژہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھژ [لأعراف: 203]، وقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ?ژ [الإسراء: 93]، وقوله تعالى: ژ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھژ[فصلت: 43] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن المتكلم بها هو الله سبحانه وتعالى والمخاطب هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو كان القرآن مِنْ وَضْعه صلى الله عليه وسلم كما يفتري المستشرقون، فمن الذي كان يخاطبه النبي في مثل هذه الآيات؟
جـ- اشتمال القرآن الكريم على عدد من الآيات التي تتحدث عن أمور لا يقدر على فعلها البشر، مثل قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?ژ[النحل: 40]، ومثل تلك الآية التي أشار إليها ماكدونالد وهي قوله تعالى: ژ ???? ? پ پ پپ ? ? ? ? ? ?ژ [ق: 16] إن هذا القول لا يمكن أن يصدر إلا من الله جل وعلا، فهو سبحانه الذي يقول للشيء كن فيكون كما يريده سبحانه، وهو الذي خلق الإنسان ويعلم ما في نفسه، وبيده سبحانه قبض روحه، ولا يمكن أن يقال في مثل هذه الآيات إنها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي من كلامه سبحانه وتعالى.
__________
(1) انظر: مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، جـ1، ص35.(1/38)
د – إن القرآن الكريم بعباراته وحروفه وما تضمنه من علوم ومعارف، وجمال بلاغي ودقة لغوية هو مما لا يدخل في قدرة بشر أن يؤلفه، إذ كيف يمكن لإنسان ((أن يصرح بحقائق ذات طابع علمي لم يكن في مقدور أي إنسان في ذلك العصر أن يكوِّنها، وذلك دون أن يكشف تصريحه عن أقل خطأ من هذه الوجهة))(1)، إن هذا سيؤدِّي إلى الحكم ((بعدم معقولية أن إنساناً يعيش في القرن السابع من العصر المسيحي قد استطاع أن يصدر عبر القرآن فيما يتعلق بموضوعات متعددة أفكاراً لا تنتمي إلى أفكار عصره، وتتفق مع ما أمكن إثباته بعد ذلك بعدة قرون))(2).
فالقرآن الكريم كلام الله تعالى، ويستحيل أن يكون غير ذلك، قال تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?ژ [التوبة: 6].
__________
(1) موريس بوكاي، القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، ص150، دار المعارف، القاهرة.
(2) المرجع السابق، ص150، وانظر أيضاً مصطفى محمود، حوار مع صديقي الملحد، ص79، 86، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1975م.(1/39)
هـ- أمَّا عن قول المستشرق بول فيما كتبه تحت مادة (قرآن) جاء في القرآن آيات اتهم فيها محمد اليهود بتغيير ما أنزل إليهم، فيرد بأن هذا الحكم صادر عن الله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ?ژ [النساء: 46]، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم عن التوراة أو الإنجيل أي شيء سواء في صورتها الأصلية أو المحرفة حتى يُقال بأنه اتهم اليهود بذلك، ثم إن ((اليهود تقر أن سبعين كاهناً اجتمعوا على اتفاق من جميعهم في تبديل ثلاثة عشر حرفاً من التوراة، وذلك بعد المسيح في زمن القياصرة، ومن رضي تحريف موضع في كتاب الله فلا يؤمن منه تحريف الكثير، وكذلك يقرون أن السامرية –وهي فرقة منهم- حرفت التوراة تحريفاً بيِّناً، والسامرية يدَّعون عليهم مثل ذلك من التحريف، ولعل الفريقين صادقان، فأين حينئذ في التوراة شيء يُوثق به، مع تقابل هذه الدعاوى من فرق اليهود فكفونا بأنفسهم من غيرهم))(1).
كما يقول السموءل بن يحيى المغربي، أحد أحبار اليهود، وقد اهتدى للإسلام: ((فلما رأى عزرا (2)
__________
(1) أبو عبيدة الخزرجي، بين الإسلام والمسيحية، ص239.
(2) هو رئيس الكتبة المنشقين الذين حرفوا التوراة وبدلوها، وهو غير عزير المعروف؛ لأن (عزير) تعريب (العازار)، وهو اسم تكرر ذكره في العهد القديم، وقد قيل عن عزير: إنه نبي أو رجل صالح.
انظر: ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل جـ1 ص287، الطبعة الخامسة 1405هـ دار الجيل بيروت، د. محمد علي البار، المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم ص250، الطبعة الأولى 1410هـ دار القلم دمشق، سهيل ديب، التوراة تاريخها وغاياتها ترجمة وتعليق ص47 الطبعة الخامسة 1404هـ دار النفائس عمان، د. حسن ظاظا، الفكر الديني اليهودي ص47 الطبعة الثانية 1407هـ دار القلم دمشق، السموءل بن يحيى المغربي، إفحام اليهود، ص139، 140 (الحاشية)، تحقيق محمد الشرقاوي، الطبعة الثانية، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض، 1407هـ .(1/40)
أن القوم قد أحرق هيكلهم، وزالت دولتهم، وتفرق جمعهم ورُفع كتابهم، جمع من محفوظاته، ومن الفصول التي يحفظها الكهنة ما لفق منه هذه التوراة التي بأيديهم الآن... فهذه التوراة التي بأيديهم – على الحقيقة كتاب عزرا وليس كتاب الله))(1).
ثانياً: الردّ على القول بأن القرآن مأخوذ من عدة مصادر:
يقول المستشرق فنسنك: ((... والتشابه بين القصتين عظيم، حتى إنه لا يدع مجالاً للشك في أن القصة الواردة في القرآن أصلها القصة اليهودية))(2) ويشير هنا إلى قصة موسى صلى الله عليه وسلم مع العبد الصالح الواردة في سورة الكهف، قال تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ * ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ?ژ [الكهف: 65 – 66].
ويقول كارادي فو: ((وذكر القرآن قصة خلق المسيح لطير من الطين، وهذه القصة مأخوذة من إنجيل صبوة المسيح))(3).
كما يقول أيضاً: ((وذكر القرآن خبر ملكة سبأ التي كانت تعبد الشمس من دون الله.. وهذه القصة لا شك أنها وصلت محمداً عن طريق مصادر يهودية كانت قد تأثرت بالإيرانية))(4)، وغير ذلك من الأقوال المتضمنة لمصادر أخرى مختلفة سبق ذكرها.
__________
(1) السموءل بن يحيى المغربي، إفحام اليهود، ص139، 140، تحقيق محمد الشرقاوي، الطبعة الثانية، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض، 1407هـ.
(2) دائرة المعارف الإسلامية، جـ2، ص607.
(3) دائرة المعارف الإسلامية، جـ3، ص12.
(4) المصدر السابق، جـ 4، ص 109، 110.(1/41)
جعل المستشرقون القرآن مِنْ وَضْع النبي صلى الله عليه وسلم وتخبطوا في تحديد المصادر التي يزعمون بأن القرآن مأخوذ عنها، ثم ذهبوا يبحثون عن تلك المصادر، وأتعبهم البحث كثيراً، ثم لم ينته بهم ذلك إلا إلى افتراضات تكلفوا في تحديدها، يقول رودلف: ((إنا لمضطرون أن نفترض أن اليهودية والمسيحية قد عرفتا السبيل على نحو ما إلى مكة التي يعنينا أمرها كثيراً لأنها موطن محمد، وإن لم يكن ثم ما يثبت أنه كان بها يهود أو مسيحيون في عهد محمد، ومن العسير أن نظن أنه كان بها كثير منهم وإلا لاحتفظت لنا السِيَر بأنباء أكثر إسهاباً مما تناهى إلينا))(1)، ويقول روم لاندو: ((أما مدى إلمام الرسول بدقائق اليهودية والنصرانية وتفاصيلهما فمسألة حدس وتخمين ليس غير))(2).
إن من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وُلِدَ في مكة ونشأ فيها وبُعِثَ فيها، وظل فيها ثلاثة عشر عاماً منذ أول لقاء مع جبريل عليه السلام، وكانت مكة مقر الشرك والأصنام، ولم تكن بها أي لمحات ثقافية، فمن أين للنبي صلى الله عليه وسلم الاطلاع على تلك المصادر التي يزعمها المستشرقون؟ ولو صح ذلك لوجد في مكة مسيحيون أو يهود أو مجوس أو شاعت ديانات أخرى بجانب عبادة الأصنام، وهذا الأمر لم يكن قد حصل في مكة.
__________
(1) عبد الجليل شلبي، صور استشراقية، ص50، الطبعة الثانية، دار الشروق، القاهرة، 1406هـ.
(2) روم لاندو، الإسلام والعرب، ص 40، 41.(1/42)
وبالنظر إلى تلك المصادر التي ذكرها المستشرقون في الدائرة فإن القارئ لها ليظن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد تعلَّم كل تلك المصادر وبلغاتها المختلفة، وإذا كان الأمر كذلك فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف القراءة والكتابة باللغة العربية بَلْهَ اللغات غير العربية؟ وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف لغات أخرى غير اللغة العربية؟ وأين كانت محفوظة تلك المصادر التي ذكرها المستشرقون؟ وأين أهل مكة منها؟ ومن هم المعلمون الذين أشرفوا على تعليمه بما تضمنته تلك المصادر من أخبار؟ ولماذا خُصَّ هو صلى الله عليه وسلم بالتعليم دون غيره من أهل مكة؟ وهل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد ويثبت صحة ما كان يعتقده اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الديانات الأخرى؟ أسئلة كثيرة الإجابة عنها إما بـ ((لا))، وإما بـ ((لا أدري)).
إن هذه الآراء التي ذكرها المستشرقون إنما هي آراء مُتخيلة، أو دعاوى باطلة، لا قضايا تاريخية ثابتة، إذ لو كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع القرآن من عدة مصادر، لنقل ذلك أتباعه الذين لم يتركوا شيئاً عُلِمَ عنه أو قِيل فيه ـ ولو لم يثبت ـ إلا ودونوه، ووكلوا أمر صحته أو عدمها إلى إسناده، وما عُلِمَ من سيرة رواته، ولو ثبت شيء من ذلك لاتخذه أعداؤه من كبار المشركين دليلاً يحتجون به على أن ما يدَّعيه من الوحي قد تعلَّمه من تلك المصادر(1). يقول المستشرق بول: ((لم يكن عند محمد أي فكرة عن حقيقة محتوى الكتب المشار إليها في القرآن، ولم يكن قد قرأها أبداً، والقرآن يؤكد موقف النبي هذا بكلمة ((أمي)) أو بمعنى آخر شخص عادي لا يقدر على قراءة الكتب المقدسة للأديان الموحى بها سابقاً))(2).
__________
(1) انظر: محمد رشيد رضا، الوحي المحمدي، ص122، الطبعة الثامنة، المكتب الإسلامي، 1391هـ.
(2) ... Ency., of Islam. Vol. 4, p. 1066.(1/43)
إن القرآن الكريم كلام الله تعالى، فهو أعلى مما يزعمه المستشرقون، والنبي صلى الله عليه وسلم أقل علماً كسبياً مما يزعمونه، وأكمل استعداداً لتلقي كلام الله عن الروح الأمين(1).
إذن مهما بذل المستشرقون من محاولات لتجميع أوجه التشابه بين الحقائق القرآنية، وبين تلك المصادر التي يزعمونها، فإنما ذلك معناه اصطناع أسلحة للطعن من خلالها في مصدر القرآن الكريم، وكونه وحياً من عند الله سبحانه وتعالى، وقد تبيَّن فيما سبق استحالة أن يكون القرآن غير كلام الله جل وعلا، قال تعالى: ژ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ?* ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چژ [الإسراء: 88 – 89]، وقال تعالى: ژ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? * ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? * ? ? ? ? ?? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?ژ [فصلت: 26 – 28].
ثالثاً: الردّ على القول بأن القرآن سمعه النبي صلى الله عليه وسلم من الله مباشرة:
ورد في الدائرة قول المستشرق بول: ((ويجب علينا أن نتخيل أن الله قد قرأ حقيقة على النبي من الكتاب السماوي... إنه كان في الحقيقة كتاباً محجوباً، وأن محمداً سمع صوت الله ولم يقرأ شيئاً... إنه صوت الله –إلا في حالات قليلة- ذلك الذي يتحدث إليه بصيغة الجمع ((نحن)) مكرراً))(2).
__________
(1) انظر: محمد رشيد رضا، الوحي المحمدي، ص 128.
(2) ... Ency., of Islam. Vol. 4, p. 1063, 1064.(1/44)
إن هذا القول دعوى لا تقوم على أدنى دليل، فإنه لم يثبت في الكتاب ولا في السُنَّة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمع شيئاً من القرآن من الله تعالى مباشرة، ولكن يظهر أن الكاتب قد اعتمد في قوله هذا على آيات من القرآن الكريم، وجعلها مسموعة من الله تعالى مباشرة لاشتمالها على كلمة ((نحن)) مثل قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ژ[الواقعة: 57]، وقوله تعالى: ژ? ? ? ?ژ [الإنسان: 28] وغيرها من الآيات. مع أن القرآن قد تضمن الحكم القطعي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمعه من الروح الأمين، قال تعالى: ژ ? ? ? ? - ? ں ں ? ? - ? ? ?ژ [الشعراء: 193 - 195]، فأين الكاتب من هذه الآية، مادام أنه –كما يزعم- قد اعتمد في قوله هذا على القرآن الكريم؟ أم أنه استدلال حسب الهوى، وإذا سمع النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل تلك الآيات المتضمنة لكلمة ((نحن))، أو ياء المتكلم مثل قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ?ژ [ص: 75]، وقوله تعالى: ژ? ? ? ژ [طه: 39] فهل يُفهم من ذلك أن جبريل عليه السلام هو الذي خلق الخلق؟
إن جبريل عليه السلام إنما هو مبلِّغ لكلام الله تعالى، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم مُبلِّغ للقرآن لأمته، فالناس عندما سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم لم يفهموا عند تلاوته لقوله تعالى: ژ ? ? ? ?ژ [الواقعة: 57] وقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ?ژ [ص: 75]، بأن هذا القول منه، وأنه هو الذي خلق الناس.
إن هذا الفهم لا يمكن أن يتبادر إلى ذهن أي إنسان عاقل، إلا إذا كان مكابراً ومصادماً للعقل.(1/45)
إن من نتيجة الرأي القائم على الهوى وتعمد مجانبة الحق، الوقوع في التناقض. وهذا التناقض يظهر جلياً في موقف الكاتب من القرآن الكريم فبينما يرى أن القرآن من كلام الله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمعه من الله تعالى مباشرة، فإذا به في الوقت نفسه يرى أن القرآن قد سمعه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل عليه السلام، فقد قال: ولكن محمداً لم يسمعه من الله مباشرة، بل سمعه بواسطة جبريل(1).
وكان من رأيه أيضاً أن القرآن من وضع النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: ((جاء في القرآن آيات اتهم فيها محمد اليهود بتغيير ما أنزل إليهم))(2).
إن تلك الآراء المتضاربة إنما هي من المغالطات التي ينتهجها الكاتب في الطعن في القرآن الكريم، والتشكيك في مصدره، ومما يؤكد تناقضه أنه يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن لديه أي فكرة عن حقيقة مضمون الكتب المشار إليها في القرآن –ومنها الإنجيل- وفي المقابل يرى أيضاً أن بعض الأمثال في القرآن تذكر ((ببعض الإصحاحات المأخوذة من الزروع التي كانت أقرب إلى عيسى منها إلى محمد –عليهما الصلاة والسلام- الذي وُلِدَ في واد غير ذي زرع، والأصح أنه قد اقتبس هذه الصور من الإنجيل))(3) وأشار إلى قوله تعالى : ژ??????? ? چ چ چ چ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑژ [الفتح: 29].
رابعاً: الرد على القول بعدم حفظ القرآن وسلامته من الزيادة أو النقص والتبديل:
__________
(1) ... Ency., of Islam. Vol. 4, p. 1063, 1064.
(2) دائرة المعارف الإسلامية جـ 4، ص 603.
(3) عمر لطفي العالم، المستشرقون والقرآن، ص123، الطبعة الأولى، مركز دراسات العالم الإسلامي، مالطا، 1991م.(1/46)
جاء في مادة (قرآن) في الدائرة قول كاتبها: ((إن محمداً –صلى الله عليه وسلم- سمح لنفسه ذات مرة أن يغوى بواسطة الشيطان ليتعرف على الآلهة المكية اللات والعزى ومناة، ولكنه بعد ذلك اكتشف خطأه، وعندئذ يُقال إن الوحي قد أخذ الصورة الموجودة الآن))(1).
ويشير الكاتب في زعمه بإغواء الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم إلى قصة الغرانيق التي أقحمها بعض المفسرين والمحدثين وكُتَّاب التاريخ في مؤلفاتهم(2)، وملخصها ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ژھ ے ے * ? ? ?ژ [النجم: 19 - 20] تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، ففرح المشركون بذلك، وقالوا قد ذكر آلهتنا فجاء جبريل فقال: اقرأ عليَّ ما جئتك به، فقرأ ژھ ے ے * ? ? ?ژ تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى، فقال جبريل: ما أتيتك بهذا، هذا من الشيطان، فأنزل الله: ژ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں? ? ? ?ژ(3) [الحج: 52].
إن هذه القصة مصطنعة باطلة أنكرها علماء الأمة، فقد قال ابن حزم: ((وأما الحديث الذي فيه الغرانيق فكَذِب بحت موضوع؛ لأنه لم يصح قط من طريق النقل، فلا معنى للاشتغال به، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد))(4).
__________
(1) ... Ency., of Islam. Vol. 4, pp. 1064, 1065.
(2) انظر: الطبري، جامع البيان جـ17، ص 189، والسيوطي، الدر المنثور جـ6، ص 65- 69، وابن سعد، الطبقات جـ 1، ص 205، وابن حجر، فتح الباري جـ 8، ص 439.
(3) السيوطي، الدر المنثور، جـ 6، ص 65.
(4) ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، الجزء الرابع، ص48، تحقيق محمد نصر وعبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، 1405هـ.(1/47)
يقول القاضي عياض: ((إن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم، وصدق القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال: لقد بُلِي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده واختلاف كلماته... وقد عُلِم من عادة المنافقين ومعاندي المشركين وضَعَفة القلوب والجهلة من المسلمين نفورهم لأول وهلة وتخليط العدو على النبي صلى الله عليه وسلم لأقل فتنة وتعييرهم المسلمين والشماتة بهم الفينة بعد الفينة، وارتداد من كان في قلبه مرض ممن أظهر الإسلام لأقل شبهة ولم يحك أحد في هذه القصة شيئاً سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل، ولو كان ذلك لوجدت قريش بها على المسلمين الصولة، ولأقامت بها اليهود عليهم الحجة كما فعلوا مكابرة في قصة الإسراء حتى كانت في ذلك لبعض الضعفاء ردة، وكذلك ما رُوي في قصة القضية، ولا فتنة أعظم من هذه البلية لو وُجدت، ولا تشغيب للمعادي حينئذ أشد من هذه الحادثة لو أمكنت، فما رُوي عن معاند فيها كلمة، ولا عن مسلم بسببها بنت شفة، فدل على بطلها، واجتثاث أصلها))(1).
__________
(1) أبو الفضل عياض اليحصبي، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، جـ 2، ص125، 127، 128، دار الكتب العلمية، بيروت.(1/48)
وقال أبو حيان: ((إن رواتها مطعونٌ عليهم، وليس في الصحاح ولا في التصانيف الحديثية شيء مما ذكروه، فوجب إطراحه، ولذلك نزهت كتابي عن ذكره فيه، والعجب من نقل هذا وهم يتلون في كتاب الله تعالى: ژ? ? ? - ? پ پ پ پژ [النجم: 1 – 2](1)، ثم إن هذه القصة تناقض أصول الإسلام، وقواعد الدين، وصريح الآيات، وصحيح المرويات، وليس لها إسناد صحيح، ومتونها مضطربة متناقضة –حيث رُوِيَت في سبعة عشر لفظاً- وألفاظها ينادي بعضها على بعض بالنكران))(2)، ((فبعضهم يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الصلاة، وبعضهم يقول: قرأها وهو في نادي قومه، وآخر يقول: قرأها وقد أصابته سِنَة، وآخر يقول: بل حدَّث نفسه فجرى ذلك على لسانه، إلى غير ذلك من اختلاف ألفاظها))(3).
كما أن وصف العرب لآلهتهم بأنها الغرانيق ((لم يرد في نظمهم ولا في خطبهم، ولم يُنقل عن أحد أن ذلك الوصف كان جارياً على ألسنتهم، وإنما ورد الغرنوق والغرنيق على أنه اسم لطائر مائي أسود أو أبيض، والشاب الأبيض الجميل، ولا شيء من ذلك يلائم معنى الآلهة، أو وصفها عند العرب))(4).
__________
(1) أبو حيان، تفسير البحر المحيط، جـ 6، ص 382.
(2) علي حسن عبد الحميد، دلائل التحقيق لإبطال قصة الغرانيق ص236، مكتبة الصحابة، جدة، 1412هـ.
(3) المرجع السابق، ص 212.
(4) محمد حسين هيكل، حياة محمد، الطبعة الثالثة عشر، ص166، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1968م.(1/49)
وكيف تكون غرانيق عُلى، ومرجوة الشفاعة عند الله، ثم هي في الوقت نفسه أسماء سَمَّوها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان(1)، فقال تعالى: ژھ ے ے * ? ? ? *? ? ? ? * ? ? ? ? * ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?ژ [النجم: 19 – 23] ((فهذا يتضمن منتهى ذمِّ الغرانيق، إذ لا ذمَّ أعظم من جعلها أسماءً بلا مسميات، وجعلها باطلاً ما أنزل الله به من سلطان))(2).
وقال ابن كثير: ((ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مُسندة من وجه صحيح والله أعلم))(3)، ومع هذا فقد أخذ بها الكاتب، وبنى عليها حكمه دون النظر إلى صحتها وموقف أهل العلم منها، وهذا منهج من المناهج التي يستخدمها المستشرقون في كتاباتهم عن الإسلام، فهم يأخذون بكل خبر وارد في أي مصدر من المصادر الإسلامية صحيحاً كان أو ضعيفاً مادام أنه يخدم أهدافهم.
كما جاء في الدائرة القول بأن ((شك عمر في وفاة محمد –صلى الله عليه وسلم- لا يمكن حدوثه لو كانت الآية التي قابله بها أبو بكر صحيحة، فلا بد من أن تكون هذه الآية قد نشأت بواسطة أبي بكر))(4) ويشير الكاتب إلى قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? چ چچ چ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ ژ ڑڑ ک ک ک ژ [آل عمران: 144].
__________
(1) انظر: أحمد محمد بريري ((الغرانيق))، مجلة منبر الإسلام، العدد الرابع 1380هـ، ص 14.
(2) علي حسن عبد الحميد، دلائل التحقيق لإبطال قصة الغرانيق، ص 216.
(3) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، جـ 3، ص 229.
(4) ... Ency., of Islam. Vol. 4, p. 1071.(1/50)
لا شك أن قول بول هذا بعيد عن الصحة، إذ ليس من المنهج العلمي الصحيح استنباط حكم أو نتيجة كهذه من حادثة واحدة خاصة بعمر رضي الله عنه، الذي لم يكن شاكاً في وفاته صلى الله عليه وسلم، بل كان جازماً بحياته، وكان يتوعد من يقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات بالقتل والقطع(1)، إلا أنه لما سمع هذه الآية من أبي بكر رضي الله عنه قال –وهو الذي يتوعد بالقتل والقطع-: ((والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات))(2)، بل إن الصحابة لما سمعوا تلك الآية من أبي بكر رضي الله عنه ((خرجوا يتلونها في سكك المدينة كأنها لم تنزل إلا ذلك اليوم))(3).
لو كانت تلك الآية من وضع أبي بكر رضي الله عنه كما يزعم الكاتب، فإن من المستبعد سكوت عمر وإقراره بها، وهو في تلك الحالة من التهديد، وكذلك من المستبعد سكوته رضي الله عنه وإقراره بآية لم ترد في كتاب الله الكريم، وهو الذي لم يسكت عندما سمع رجلاً يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخذ بتلابيب ذلك الرجل، وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم(4)، فكيف يسكت على وضع آية لم تكن في كتاب الله أصلاً؟
__________
(1) ابن كثير، البداية والنهاية، جـ 5 ص242 الطبعة الثانية، دار الفكر العربي، 1387هـ.
(2) ابن هشام، السيرة النبوية، جـ 4، ص 224.
(3) أبو بكر بن العربي، العواصم من القواصم، تحقيق: محب الدين الخطيب، ص43، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض، 1404هـ.
(4) انظر: أبو عمرو الداني، الأحرف السبعة للقرآن، ص11، تحقيق: عبد المهيمن طحان، الطبعة الأولى، دار المنارة، جدة، 1408هـ.(1/51)
وبالإضافة إلى ما تقدم فإن تلك الآية قد نزلت في غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة؛ وذلك لما شاع بين الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، فحصل ضعف ووهن وتأخر عن القتال، فنزلت الآية(1)، وبهذا يظهر بطلان دعوى الكاتب الذي أراد بها التشكيك في حفظ كتاب الله من الزيادة فيه بغير ما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم.
كما قال كاتب مادة (قرآن) في الدائرة: ((إن هناك آيات تتبع القرآن، ولكنها لم تضم إليه لأسباب مختلفة، ... وأفضل المعروف هو آية الرجم))(2)، ويشير إلى الآية التي نسخ لفظها وبقي حكمها وهي: ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم))(3).
إن هذا القول يوهم أن هناك أسباباً كثيرة لعدم كتابة بعض الآيات في القرآن، وهو محض افتراء، لأنه ليس هناك من سبب آخر غير النسخ، وذلك مثل آية الرجم التي أشار إليها الكاتب، فقد نُسِخت تلاوتها وبقي حكمها، ثم إن سبب عدم وجود هذه الآية في المصحف راجع إلى عدم موافقة النبي صلى الله عليه وسلم على كتابتها، قال زيد بن ثابت: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، فقال عمر: لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبها، فكأنه كره ذلك، فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جُلِد، وأن الشاب إذا أحصن رُجِم؟))(4).
__________
(1) انظر: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، جـ 1، ص 409.
(2) ... Ency., of Islam. Vol. 4, p. 1071.
(3) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، الجزء الثاني، ص 32، دار المعرفة، بيروت.
(4) المصدر السابق، جـ 2، ص 34.(1/52)
وفي رواية قال عمر: يا رسول الله اكتب لي آية الرجم، فقال: ((لا تستطيع)) وقوله اكتب لي: أي ائذن لي في كتابتها ومكني من ذلك(1)، فعدم إذن النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها دليل على نسخ لفظ هذه الآية، والصحابة ما كانوا يكتبون شيئاً من القرآن إلا بعد ما يأمرهم صلى الله عليه وسلم بذلك(2).
__________
(1) المصدر السابق، جـ 2، ص 35.
(2) انظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن، 1/232، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت.(1/53)
إن جبريل عليه السلام كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في رمضان من كل عام مرة، ولما كان العام الأخير من حياته عارضه فيه مرتين(1)، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها على جبريل حين يعارضه في القرآن، إذ لو كان كذلك لنقلها الصحابة كما نقلوا لنا القرآن الكريم كله، ولأثبتوها في المصحف، ((وقد انعقد إجماع الأمة سلفها وخلفها على أن ترتيب آيات القرآن في سورها على النحو الذي نراه اليوم في المصاحف، كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن رب العزة جل جلاله))(2)، وكان القرآن قد كُتب ((ثلاث مرات حتى استقر على هيئته المعروفة لنا الآن باسم مصحف عثمان))(3) في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر وعهد عثمان رضي الله عنهما، ولو كانت هذه الآية مما لم تنسخ تلاوته لكتبها زيد بن ثابت عندما كلَّفه أبو بكر رضي الله عنه بكتابة القرآن وجمعه في مصحف واحد، وكان أبو بكر قد قال لعمر وزيد: ((اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه))(4)، ولم يثبت أن جاءهما أحد من الصحابة يشهد بأن هذه الآية من الآيات الثابت تلاوتها، أو يشهد بكتابتها بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، بل الثابت أن النبي لم يأذن لعمر بكتابتها.
__________
(1) انظر: صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، حديث 4998.
(2) عبد الفتاح القاضي، تاريخ المصحف الشريف، ص114، مكتبة المشهد الحسيني، القاهرة.
(3) أحمد عبد الرحمن عيسى، كُتَّاب الوحي ص209، 210، الطبعة الأولى، دار اللواء، الرياض، 1400هـ.
(4) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، جـ 1، ص 77.(1/54)
أما عن تطبيق عمر رضي الله عنه لحدِّ الرجم، فقد كان فيه متبعاً لسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر بأن حدَّ الرجم ليس في القرآن الكريم، فقال في خطبة له رضي الله عنه: ((فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله...))(1).
فها هو عمر نفسه يُخبر بعدم وجود هذه الآية في كتاب الله تعالى، وهذا دليل على أنها من الآيات التي نُسِخ لفظها وبقي حكمها.
خامساً: الردّ على القول بعدم صحة مصحف عثمان رضي الله عنه:
نال القرآن الكريم عناية فائقة في حفظه وكتابته مما لم يسبق لكتاب سماوي آخر، وما تولى الله تعالى حفظه لا يضيعه أحد، قال تعالى: ژ? ? ? ? ? ? ? ژ [الحجر: 9]، وكفى بالله تعالى حافظاً ومن حِفظ الله لكتابه العزيز تيسيره سبحانه وتعالى جمع القرآن، فقد كُتِبَ وجُمِعَ في عهدين متتاليين عهد النبوة، وعهد الخلفاء الراشدين.
كتابة القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب رجم الحُبلى من الزنى إذا أحصنت ، حديث 6830.(1/55)
أما في عهد النبوة فقد ((اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان ابن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأُبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ليكتبوا بين يديه ما ينزل عليه به جبريل من آي القرآن الكريم وسوره... فهؤلاء هم الستة المكلَّفون، وقد كان غيرهم يكتب لنفسه دون تكليف من الرسول صلى الله عليه وسلم وهم كثيرون))(1)، لكنَّ زيداً رضي الله عنه كان أكثرهم كتابة للوحي(2). فعن أبي إسحاق عن البراء قال: لما نزلت ((لا يسْتوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فِي سبيل الله)) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ادع لي زيداً وليجئ باللوح والدواة والكتف أو الكتف والدواة ثم قال: اكتب لا يستوي القاعدون وخلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم الأعمى قال: يا رسول الله فما تأمرني فإني رجل ضرير البصر فنزلت مكانها ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ?ژ [النساء: 95](3).
وما انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا والقرآن محفوظ في الصدور، ومكتوب في ((صحف منثورة من عسب ولخاف ورقاع وغيرها، لا يندُّ عنها شيء من القرآن، ولكنها لم يربطها خيط بين دفتين))(4).
أما في عهد الخلفاء الراشدين فقد جمع وكتب في عهدي أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما.
جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه:
أما في عهد أبي بكر فقد أمر رضي الله عنه أن يُكتب القرآن وتجمع صحفه بين دفتين، وذلك حينما قتل كثير من القراء في اليمامة.
__________
(1) أحمد عبد الرحمن عيسى، كُتَّاب الوحي، ص 243، 244.
(2) خصه البخاري في صحيحه من بين كُتَّاب الوحي بترجمة هي كاتب النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب كاتب النبي، حديث 4990.
(4) محمد الزفزاف، التعريف بالقرآن والحديث، ص78، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.(1/56)
فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أرسل إلي أبو بكر مَقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلَّفوني نَقْلَ جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره
ژ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ژ حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهم))(1).
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، حديث 4986.(1/57)
قال ابن حجر: ((قوله (لم أجدها مع أحد غيره) أي مكتوبة، حيث كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة، فالمراد بالنفي نفي وجودها مكتوبة لا نفي كونها محفوظة))(1)، فقد ((كان زيد رضي الله عنه يحفظ هذه الآية، وكان كثير من الصحابة يحفظونها، ولكنه أراد أن يجمع بين الحفظ والكتابة، زيادة في التوثق، ومبالغة في الاحتياط، وعلى هذا الدستور الرشيد تم جمع القرآن بإشراف أبي بكر وعمر وأكابر الصحابة وإجماع الأمة عليه دون نكير))(2).
جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه:
__________
(1) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، جـ 9، ص 15.
(2) محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، 1/245-246، دار إحياء التراث العربي، بيروت.(1/58)
أما في عهد عثمان رضي الله عنه فقد حصل بين المسلمين اختلاف في قراءة القرآن بطريقة فتحت باب النزاع بينهم، خشي معها حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((إن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلافَ اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرق))(1)، ولم يقتصر وقوع ذلك الخلاف على تلك المناطق، بل حصل أيضاً بين من كانوا بالمدينة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((اختلفوا في القرآن على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون، فبلغ ذلك عثمان، فقال: عندي يكذبون، ويلحنون فيه، فمن نأى عني كان أشد تكذيباً ولحناً، يا أصحاب محمد، اجتمعوا فاكتبوا للناس إماماً))(2).
مزايا طريقة عثمان في جمع القرآن:
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب الفضائل القرآن، باب جمع القرآن، حديث 4987.
(2) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، جـ 1، ص 79.(1/59)
كتب أولئك الصحابة الذين كلَّفهم عثمان رضي الله عنهم أجمعين القرآن الكريم بطريقة تميزت ((بالاقتصار على ما ثبت بالتواتر دون ما كانت روايته آحاداً، وإهمال ما نُسخت تلاوته ولم يستقر في العرضة الأخيرة، وترتيب السورة والآيات على الوجه المعروف الآن، وكتابتها بطريقة تجمع وجوه القراءات المختلفة، والأحرف التي نزل عليها القرآن، وتجريدها من كل ما ليس قرآناً كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة شرحاً لمعنى أو بياناً لناسخ ومنسوخ أو نحو ذلك))(1).
وبعد الانتهاء من كتابة المصاحف استجاب الصحابة لأمر عثمان فحرقوا مصاحفهم، واجتمعوا على مصحف عثمان رضي الله عنه، وقد رُوِي عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: ((أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، ولم ينكر ذلك منهم أحد))(2)، بل إن علياً رضي الله عنه قال حين حرق عثمان المصاحف: ((لو وُلِّيت ما وَلِي عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل))(3).
وهكذا جمع عثمان رضي الله عنه بعمله هذا كلمة الأمة، وسد باب الفتنة، وما يزال المسلمون يجنون ثمار عمله هذا رضي الله عنه وعن بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) محمد الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، جـ 1، ص 253، 254.
(2) ابن أبي داود السجستاني، كتاب المصاحف، ص19، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ.
(3) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، جـ 1، ص 80، والزركشي، البرهان في علوم القرآن، جـ1، ص240.(1/60)
بعد كل تلك العناية التي نالها كتاب الله تعالى من حفظه، وكتابته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وجمعه الأول في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وجمعه الثاني في عهد عثمان رضي الله عنه، والمنهج الذي سار عليه الصحابة في جمعه في عهدي أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، واجتماع الأمة على مصحف عثمان، يأتي المستشرق بول، كاتب مادة (القرآن) في الدائرة فيقول: ((على الرغم من أن القرآن العثماني قد ساد وظهر على كل منافسيه، إلا أنه لم يزود العالم الإسلامي بنص مقبول وموثوق به))(1)، ودلل الكاتب على قوله هذا بما يلي:
أن عثمان ذاته طبقاً لإحدى الروايات المذكورة في تفسير الطبري، لم يلتزم بالنص الذي اعتمده وأقره، بل قرأ الآية ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?ژ [آل عمران: 100 ] بإضافة ليست فيها الآن.
إهمال بعض النُسَّاخ المتدربين، حتى إن النسخ المخطوطة للمصحف الإمام بالمدينة، التي أرسلت إلى مختلف البقاع يُقال: إنها لم تكن كلها مماثلة للنص الأصلي.
وجود قراءات مختلفة احتفظ بها القراء في ذاكرتهم، وهذه القراءات لا يتخلون عنها في الغالب، حتى عندما يكون أمامهم أو بين أيديهم قرآن مكتوب، وهذه القراءات وُجِدت في النصوص الأخرى المنافسة والمناهضة للمصحف العثماني، وهكذا أصبحت متداولة.
نقائص وعيوب الخط العربي، فقد كان ينقصه علامات الإعراب والتنقيط، ولذلك كان أمر القراءة متروكاً للقارئ، فهو مُخَيَّر بين جعلها للمعلوم أو المجهول، وكذلك أمر تحديد الحروف مثل الحاء والخاء، والراء والزاي، والباء والتاء والثاء، في بداية الكلمة أو وسطها أو آخرها(2).
ويرد على تلك الأدلة التي ذكرها كاتب مادة (قرآن) بما يلي:
__________
(1) ... Ency., of Islam. Vol. 4, p. 1073.
(2) ... Ency., of Islam. Vol. 4, p. 1073.(1/61)
إن القرآن الكريم ليس كتاباً محتكراً في يد طائفة من الطوائف –كما كان حال التوراة والإنجيل- فيسهل عليها التلاعب به، فعثمان رضي الله عنه لم يستبدَّ بعمله هذا، بل اعتمد فيه على المصحف الذي جُمِع في عهد أبي بكر رضي الله عنه، حيث طلب من حفصة رضي الله عنها النسخة التي جُمِعت في عهد أبي بكر، وأمر زيد بن ثابت وآخرين باستنساخها في المصاحف(1)، وقد فعل هذا ((وهو بين ظهراني كبار الصحابة، وفيهم علي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الله بن عباس، وغيرهم من الذين قالوا لعمر بن الخطاب: لو رأينا فيك اعوجاجاً لقوَّمناه بسيوفنا، فما الظن باعوجاج يُرْتَكب ضد القرآن؟))(2).
كيف لا يثق المسلمون بمصحف عثمان رضي الله عنه، الذي استنسخ في تلك البيئة التي كانت تغص بحفظته وقارئيه، الذين كانوا أشد ما يكونون اشتغالاً بالقرآن؟ ثم إن مصحف عثمان هو المصحف الوحيد المتداول في العالم الإسلامي منذ عهد عثمان رضي الله عنه، وإلى أن تقوم الساعة فليس هناك كتاب يمكن أن يثق به الناس جميعاً أصح من كتاب الله تعالى، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ لأنه ژ ? ں ں ?ژ [فصلت: 42].
أما عن الأدلة أو الشبهات التي ساقها الكاتب في تشكيكه في صحة مصحف عثمان رضي الله عنه فيرد عليها بما يلي:
الرد على الدليل الأول:
__________
(1) انظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص 78، 79.
(2) محمد فريد وجدي ((رد شبهات على القرآن الكريم)) مجلة الأزهر، المجلد الثاني، ص405، 1356هـ.(1/62)
أما عن دليله الأول: فقد رجعت إلى تفسير الطبري عند الآية المشار إليها(1)، ولم أجد شيئاً مما ذكره الكاتب، ثم رجعت إلى بعض كتب القراءات(2)، فلم أجد فيها أي ذكر لقراءة أخرى لهذه الآية، سواء لعثمان رضي الله عنه أو لغيره!.
الرد على الدليل الثاني:
لم يجد الكاتب طريقاً يمكن أن يطعن من خلاله في أحد النساخ الذين كلفهم عثمان رضي الله عنه باستنساخ المصحف الذي جمع في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وهم زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، حيث وجد معهم زيد بن ثابت الذي كان من كُتَّاب الوحي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد شهد العرضة الأخيرة، وهو الذي كلَّفه أبو بكر بجمع القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم(3). وكان عثمان رضي الله عنه قد قال له ولمن معه من النساخ: ((إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم))(4).
ولذلك قال الكاتب: بعض النساخ المتدربين، دون أن يُفصح عن أسمائهم!.
__________
(1) انظر: الطبري، جامع البيان، الجزء الرابع، ص 4.
(2) مثل النشر في القراءات العشر لابن الجزري، والكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، لمكي بن أبي طالب القيسي، وتحبير التيسير في قراءات الأئمة العشرة لابن الجزري، وإتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر، لأحمد بن عبد الغني الدمياطي.
(3) انظر: صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، حديث 4986.
(4) المصدر السابق، حديث 4987.(1/63)
إن هؤلاء النساخ الذين كلفهم عثمان رضي الله عنه، ما كانوا يكتبون شيئاً إلا بعد أن يعرض على الصحابة، ويقروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأ على هذا النحو الذي نجده الآن في المصاحف، مما استقر في العرضة الأخيرة(1)، فكيف يتأتى الإهمال في الكتابة مع وجود هذه المتابعة الدقيقة؟ وهل يصح عقلاً أن يبذل الصحابة كل ذلك الجهد والاهتمام وزيادة الحيطة في جمعه، ثم يُوكل أمر كتابته في الصحف إلى نساخ متدربين؟
إن القول بأن النسخ المخطوطة للمصحف الإمام، لم تكن كلها مماثلة للنص الأصلي، هو من أقوال الشيعة، ويبدو أن المستشرق بول قد أخذ بهذا الرأي وتبنَّاه.
__________
(1) انظر: محمد عبد العظيم الزرقاني، مناهل العرفان، الجزء الأول، ص 250.(1/64)
فقد ذهب أكثر علماء الشيعة أمثال الكليني، والطبرسي، والمجلسي، والقمي، وغيرهم إلى القول بتحريف القرآن، وأنه أسقط منه آيات، حتى إن أحد علمائهم المتأخرين وهو النوري صنّف كتاباً بعنوان ((فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب))(1)، ويقول الشيعة أيضاً: ((إن كبار أهل السُنَّة وأئمتهم كأبي بكر وعمر وعثمان حرَّفوا القرآن، وأسقطوا كثيراً من الآيات والسور التي نزلت في فضائل أهل البيت... ومن جملة ما أسقطوه من سورة ألم نشرح ((وجعلنا علياً صهرك)) ومنها سورة الولاية))(2)، ومع ذلك فقد اختلف علماء الشيعة في ذلك، إذ قال أربعة من كبار علمائهم بعدم التحريف، وهم ((الصدوق في عقائده، والسيد المرتضى، وشيخ الطائفة الطوسي، وأبو علي الطبرسي... وحكموا بأن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن المنزل لا غير، ولم يقع فيه تغيير ولا تبديل))(3)، وقد قال بعضهم: ((إن اعتقادنا في جملة القرآن الذي أوحى به الله تعالى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، هو كل ما تحتويه دفتا المصحف المتداول بين الناس لا أكثر، وعدد السور المتعارف عليه بين المسلمين هو (114) سورة، أما عندنا فسورتا الضحى والشرح تكونان سورة واحدة، وكذلك سورتا الفيل وقريش، وأيضاً سورتا الأنفال والتوبة))(4)، ((وقال الطبرسي وهو من أكبر رؤساء الشيعة في
__________
(1) انظر: محمد مال الله، الشيعة وتحريف القرآن، ص63، دار الوعي الإسلامي، بيروت، 1402هـ.
(2) شاه عبد العزيز الدهلوي، مختصر التحفة الاثنى عشرية، ص30، 31، تعريب غلام محمد الأسلمي، اختصره وهذبه محمود شكري الألوسي، تحقيق محب الدين الخطيب، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض، 1404ه.
(3) إحسان إلهي ظهير، الرد الكافي على مغالطات الدكتور وافي في كتابه بين الشيعة وأهل السُنَّة، ص82، الطبعة الثانية، إدارة ترجمان السُنَّة، لاهور، باكستان، 1406هـ.
(4) محمد عبد الله دراز، مدخل إلى القرآن الكريم، ص 39، 40.(1/65)
كتابه مجمع البيان وهو المرجع عندهم: أما الزيادة في القرآن فمُجمع على بطلانها، وأما النقصان فهو أشد استحالة))(1).
الرد على الدليل الثالث:
إن وجود القراءات المختلفة لم تكن نتيجة لاجتهاد الصحابة في ذلك، فقد ثبت تنازعهم رضي الله عنهم في القراءة، لكنهم كانوا يرجعون عند ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دليل على أن ((القراءة ليست موكولة إلى أهوائهم، ولا مفوضة إلى آرائهم، فليس لأحد منهم أن يقرأ باختياره، أو من تلقاء نفسه، وليس لأحد منهم أن يقرأ حسب رغبته وهواه، فيغير عبارة بعبارة، أو يأتي في مكان اللفظ بمرادفه أو مساويه، إن الصحابة كانوا في الذروة العليا دقة وضبطاً لألفاظ القرآن الكريم، وإحكاماً لكلماته وحروفه، وحرصاً على إماطة أدنى تصحيف عن ساحته، وحسبنا برهاناً على ذلك موقف عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم، من تلبيبه له، وأخذه بخناقه، وسوقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سمع هشاماً يقرأ بغير الرواية التي تلقاها عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -وكان إذ ذاك لا يعرف أن القرآن أنزل على سبعة أحرف- فاعتقد أن هشاماً غيَّر وبدَّل من تلقاء نفسه))(2).
إن القرآن الكريم أنزل على سبعة أحرف، وقد قال كثير من العلماء: إن المراد بالأحرف السبعة، سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد، نحو أقبل وتعال وهلم فهي ألفاظ مختلفة لمعنى واحد(3).
__________
(1) محمد الصادق قمحاوي، شبهات مزعومة حول القرآن الكريم وردها، ص150، الطبعة الأولى، دار الأنوار للطباعة، مصر، 1379هـ.
(2) عبد الفتاح عبد الغني القاضي، القراءات في نظر المستشرقين والملحدين، ص47، مكتبة الدار، المدينة المنورة.
(3) انظر: مناع القطان، مباحث في علوم القرآن، ص162، الطبعة السابعة عشرة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1411هـ.(1/66)
لم يكتف عثمان رضي الله عنه بإرسال المصاحف وحدها إلى البلدان الإسلامية ((بل أرسل مع كل مصحف عالماً من علماء القراءة، يعلِّم المسلمين القرآن وَفق هذا المصحف، وعلى مقتضاه ... فلو كانت القراءات مأخوذة من رسم المصحف، وساغ لكل إنسان أن يقرأ بكل قراءة يحتملها رسم المصحف... لم يكن ثم حاجة إلى إرسال عالم مع المصحف، فإيفاد عالم مع المصحف دليل واضح على أن القراءة تعتمد على التلقي والنقل والرواية، لا على الخط والرسم والكتابة))(1).
أمَّا عن زعم الكاتب بوجود ((النصوص المنافسة والمناهضة للمصحف العثماني، التي أصبحت متداولة بين المسلمين)) فهذه دعوى لا دليل لها، إذ ليس هناك نصوص متداولة خارجة عن مصحف عثمان رضي الله عنه، ولم يذكر الكاتب دليلاً على زعمه هذا، وإلقاء الدعوى من غير دليل منهج من مناهج المستشرقين في دراستهم للإسلام.
الرد على دليله الرابع:
1- هذا القول يقتضي ((أن يكون القرآن الكريم قد قرئ في خير العهود، عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعهد الصحابة والتابعين، بقراءات وأوجه لا يُعرف الصحيح منها من غيره، ولا المنزَّل منها من غير المنزَّل، ولا المتواتر منها من غير المتواتر، وبداهة العقل قاضية ببطلان هذا وفساده))(2).
__________
(1) عبد الفتاح عبد الغني القاضي، القراءات في نظر المستشرقين والملحدين، ص 48، 49.
(2) المرجع السابق، ص 83.(1/67)
2- ولو كان مبعث اختلاف القراءات وتنوعها خُلوَّ المصاحف من النقط والشكل، وكان كل قارئ يقرأ بقراءة يختارها من تلقاء نفسه، إذا كان الرسم محتملاً لها، ولم يكن مبعثها الوحي والمشافهة، والتلقي مِنْ في النبي صلى الله عليه وسلم، لكان بعض القرآن من كلام البشر، ولم يكن كله وحياً سماوياً منزَّلاً من عند الله تعالى، ولو كان كذلك لذهبت أعظم خصيصة من خصائصه، تلك الخصيصة التي امتاز بها القرآن عن سائر الكتب السماوية السابقة وهي الإعجاز، ولو ذهبت عنه صفة الإعجاز لم يكن للتحدي به وجه، ولم يكن لعجز العرب عن معارضته سر))(1).
3- ولو كان خلو المصاحف من الشكل والإعجام سبباً في تنوع القراءات واختلافها –أي أن هذا الاختلاف نتيجة حتمية لخلو المصاحف من الشكل والإعجام- لكانت كل قراءة يحتملها رسم المصحف صحيحة مُعتبرة من القرآن وليس كذلك))(2)، فمثلاً قوله تعالى: ژ ? ? ? ?ژ [الأحزاب: 69 ] ((فقد ثبت بطريق الآحاد، وصح سنده، ولكنه لم يشتهر، ولم يظفر بالذيوع والاستفاضة، ولم يتلقه علماء القراءة بالقبول))(3) قراءتها (وكان عبداً لله وجيهاً)، وهي قراءة شاذة تحرُم القراءة بها، ولا يحل التعبد بتلاوتها(4)، فلو كان اختلاف القراءات وليد خلو المصاحف من علامات الإعراب والتنقيط، لصحت القراءتان ((عند الله وعبداً لله)) لاحتمالهما.
__________
(1) المرجع السابق، ص 84.
(2) المرجع السابق، ص 49.
(3) عبد الفتاح القاضي، القراءات في نظر المستشرقين، ص 51.
(4) انظر: عبد الفتاح القاضي، القراءات في نظر المستشرقين، ص 51.(1/68)
مثال آخر قوله تعالى: ژ ? ? چ چ چ چ ? ? ? ?ژ [التوبة: 114] فإن رسم المصحف يحتمل قراءتها (وعدها إياه، ووعدها أباه)، ولكن الثابت هو ژ ? ?ژ أما (وعدها أباه) فإنها لا تعدّ قرآناً، وتحرم القراءة بها بإجماع المسلمين(1)، ولو كان اختلاف القراءات وليد خلو المصاحف من علامات الإعراب والتنقيط، صحت القراءتان ((وعدها إياه، ووعدها أباه)) لاحتمالهما.
1- ولو كان اختلاف القراءات تابعاً للخط والرسم لما اختلف القراء في قراءة كلمة وردت في أكثر من آية مع تَوَحُّد رسمها، فمثلاً كلمة ژ ?ژ وردت في عدد من الآيات، وبرسم واحد، قال تعالى: ژ ? ? ?ژ [الفاتحة: 4]، وقال تعالى: ژ ? ژژ[آل عمران: 26]، وقال تعالى: ژ ? ? ژ [الناس: 2]، ولكن مع توحد رسمها فإن القراء اختلفوا في قراءتها في قوله تعالى: ژ ? ? ?ژ ، فمنهم من قرأها فيه بحذف الألف، ومنهم من قرأها فيه بإثبات الألف.
أما في قوله تعالى: ژ? ژژ فقد اتفقوا على قراءتها فيه بإثبات الألف، وفي قوله تعالى: ژ ? ?ژ اتفقوا على قراءتها بحذف الألف، مع أنها لو قرئت هذه الكلمة بحذف الألف في قوله تعالى: ژ? ژژ وبإثباتها في قوله تعالى: ژ? ?ژ لكان ذلك سائغاً لغة ومعنى، ولكن الآيتين لم تثبت قراءتهما إلا بطريقة واحدة(2).
((فلو كانت القراءات بالرأي والاجتهاد لا بالتلقي والتوقيف، وكان تنوع القراءات تابعاً لرسم المصحف لم يكن اختلاف القراء مقصوراً على موضع الفاتحة، بل كان يتناول الموضعين الآخرين، لكنهم اختلفوا في موضع الفاتحة، واتفقوا في موضعي آل عمران والناس، فدلَّ هذا على أن القراءات لم تكن بالاختيار والاجتهاد، ولم يكن تنوعها تابعاً للخط والرسم، وإنما هو تابع للسند والرواية والنقل))(3).
__________
(1) انظر: عبد الفتاح القاضي، القراءات في نظر المستشرقين، ص 51.
(2) انظر: عبد الفتاح عبد الغني القاضي، القراءات في نظر المستشرقين، ص 53.
(3) المرجع السابق، ص 53.(1/69)
2- ولو كان أمر القراءة عائداً لرأي القارئ إن شاء جعلها للمعلوم، وإن شاء جعلها للمجهول لما اختلف القراء في قراءة كلمة ژچژ الواردة في سورة واحدة مكررة في آيتين متفرقتين، قال تعالى: ژ ? ? ? ?? چ چژ [الروم: 19]، وقال تعالى: ژ پ ? ? ? ? ? ? ? ?ژ [الروم: 25] فقد اختلف القراء في قراءة ?تخرجون? الواردة في الآية الأولى، فمنهم من قرأها بضم الحرف الأول وفتح الثالث على البناء للمفعول، ومنهم من قرأها بفتح الأول وضم الثالث على البناء للفاعل، واتفقوا على قراءتها في الآية الثانية بفتح التاء وضم الراء على البناء للفاعل.
فلو كانت القراءات ناشئة من رسم المصحف لاختلف القراء في الآية الثانية، كما اختلفوا في الآية الأولى، لكنهم اتفقوا في الآية الثانية، مع أن المعنى لا يختلف، واللغة تجيز القراءتين، وهذا يدل على أن القراءة لا تكون بالرأي والاختيار، ولا يكون تجرُّد المصحف من الشكل سبباً في تنوع القراءات واختلافها، وإنما سببها الروايات المتواترة، والآثار الصحيحة، وليس الأمر متروكاً للقارئ، ولا دخل للرسم والكتابة فيها مطلقاً(1).
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الصادق الأمين الذي أنزل عليه القرآن الكريم بواسطة جبريل الأمين عليه السلام، ... ... وبعد:
فهذا ما منَّ الله تعالى به من الحديث في موضوع (القرآن الكريم في دائرة المعارف الإسلامية) وقد جاء بقدر ما يقتضيه المقام ويتسع له المجال، ولولا أن المقام لا يسمح بالمزيد لكانت الكتابة أوسع من هذا؛ لأن كل مبحث يستحق أن يكون فصلاً يتبعه عدة مباحث. لذا جاء الموضوع في أربعة مباحث، تحدثت في المبحث الأول عن دائرة المعارف الإسلامية من حيث نشأتها والمراحل التي مرت بها من خلال مؤتمرات المستشرقين والجهات التي تضامنت وساعدت على إصدارها.
__________
(1) انظر: عبد الفتاح القاضي، القراءات في نظر المستشرقين، ص 60، 63.(1/70)
وتحدثت في المبحث الثاني عن الخلفية الثقافية للصورة العامة التي رسمها المستشرقون لحقيقة القرآن الكريم، وذلك من خلال عرض بعض أقوال المستشرقين وكتبهم التي ألفوها حول القرآن في الفترة التي سبقت إصدار دائرة المعارف الإسلامية.
وأما المبحث الثالث فقد تضمن عرضاً لما ورد في الدائرة تحت مادة (قرآن).
وجاء المبحث الرابع عن القرآن الكريم كما عرفته الدائرة تحت عدد من موادها المختلفة، مع الرد على أبرز الشبهات الواردة فيها حوله.
وقد تبين من خلال البحث جملة من الحقائق وهي كالتالي:
أولاً: وضوح دور المستشرق اليهودي ((جولدزيهر)) في إنشاء الدائرة، وحرصه الشديد على إتمامها لتحقيق الهدف الذي أنشئت لأجله من وجهة نظره، وهو معروف بيهوديته وعدائه للإسلام، وكونه المسؤول الأول يوضح هدفها.
ثانياً: جاء التعريف بالقرآن الكريم في الدائرة بصورة تتفق مع الانطباع العام الموجود أصلاً عند الغرب. فلم يقتصر كتَّاب الدائرة على إساءة التعريف بالقرآن، بل إنهم كانوا حريصين على إبقاء شرائح من قرائها على جهلهم بالقرآن. يقول ((موريس بوكاي)) في كتابه (ما أصل الإنسان؟ إجابات العلم والكتب المقدسة): ((إن معظم الناس في الغرب قد تربَّوا على سوء فهم الإسلام والقرآن، ولقد قضيت أنا نفسي شطراً كبيراً من حياتي كأحد هؤلاء الناس... ولقد قيل لي مراراً وتكراراً إن مؤلف القرآن قد جمع ببساطة قصصاً من التوراة والإنجيل بشكل مختلف شيئاً قليلاً، كما قيل: إن المؤلف قد أضاف بعض النصوص وحذف البعض الآخر، بينما كان يحدد مبادئ وقواعد الدين الذي أوجده بنفسه)). فالقرآن الذي عُرفت به الدائرة كتاب استمد مقوماته من عدد من المذاهب والأديان السابقة.
ثالثاً: الاهتمام بالرؤية المضادة لاعتقاد المسلمين، سواء مضادة من داخل الفكر الإسلامي كرؤى الفرق المنحرفة، أو مضادة من خارج الفكر الإسلامي كرؤى اليهودية والنصرانية.(1/71)
رابعاً: الاعتماد على ما يوافق الهوى من الآراء الشاذة والأقوال الساقطة مع عدم الالتفات لما ورد في المصادر الإسلامية المعتمدة وحقائق التاريخ.
وأخيراً فإن الباحث يوصي بالنظر في دائرة المعارف الإسلامية على أساس أنها إحدى أهم أدوات المواجهة التي وضعها الغرب ضد الإسلام حيث تضمنت تشويهاً متعمداً للقرآن الكريم، فهي دائرة معارف لا تمثل الإسلام كما تمثل دوائر المعارف الأخرى ديانات ومذاهب من كتبوها، بل تمثل الرؤية الاستشراقية للإسلام.
وحيال هذا الأمر كان لابد لنا نحن المسلمين من مبادرة مدروسة بإنشاء دائرة للمعارف الإسلامية على غرار هذه الدائرة الاستشراقية، بل تفوقها بأصالتها ونزاهتها.
ومما تجدر الإشارة إليه أن المؤتمر العالمي الأول لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة الذي عقد في الجامعة الإسلامية عام 1397هـ، وشارك فيه علماء ودعاة من سبعين قطراً من أقطار العالم كان من بين توصياته توصية بتبني مشروع دائرة معارف إسلامية.
ولعل هذا البحث توكيد لخطورة هذه الدائرة، وتجديد للدعوة إلى إنشاء دائرة معارف إسلامية يعدها ويصدرها المسلمون أنفسهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيد ولد آدم أجمعين محمد بن عبد الله النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين.
كشاف المراجع
1- القرآن الكريم.
2- البار، د. محمد علي.
أ – الله جل جلاله والأنبياء عليهم السلام في التوراة والعهد القديم، الطبعة الأولى، دار القلم، دمشق، 1410هـ.
ب- المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، الطبعة الأولى، دار القلم، دمشق، 1410هـ.
3- بارت، رودي.
الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية. ترجمة د. مصطفى ماهر، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1967م.
4- بدوي، د. عبد الرحمن.
موسوعة المستشرقين، الطبعة الثانية، دار العلم للملايين، بيروت، 1989م.
5- بريري، أحمد محمد.
((الغرانيق))، مجلة منبر الإسلام، العدد الرابع، 1380هـ.(1/72)
6- البهي، د. محمد.
الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، الطبعة الثانية، مكتبة وهبه، القاهرة، 1975م.
7- بوكاي، موريس.
أ – ((تأملات حول أفكار خاطئة يروجها المستشرقون من خلال ترجمات خاطئة للقرآن)). الندوة العالمية حول ترجمات معاني القرآن الكريم، الطبعة الأولى، 1986م.
ب- القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم. دار المعارف، القاهرة.
جـ- ما أصل الإنسان؟ إجابات العلم والكتب المقدسة. مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، 1406هـ.
8- بويحيى، الشاذلي.
((دائرة المعارف الإسلامية – الطبعة الجديدة-)) حوليات الجامعة التونسية، العدد الثالث، 1966م.
9- ابن الجزري، محمد بن محمد.
تحبير التيسير في قراءات الأئمة العشرة. كتب هوامشه وصححه جماعة من العلماء، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1404هـ.
10- جولدزيهر، أجناس.
العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة: د. محمد يوسف موسى، د. علي حسن عبد القادر، عبد العزيز عبد الحق، الطبعة الثانية، دار الكتب الحديثة بمصر، ومكتبة المثنى ببغداد.
11- حتى، فيليب.
الإسلام منهج حياة. ترجمة: د. عمر فروخ، الطبعة الثالثة، دار العلم للملايين، بيروت، 1977م.
12- ابن حجر، الإمام الحافظ أحمد بن علي.
فتح الباري بشرح صحيح الباري، قرأ أصله تصحيحاً وتحقيقاً الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز، المكتبة السلفية، القاهرة، 1379هـ.
13- ابن حزم الظاهري، أبو محمد علي بن أحمد.
الفصل في الملل والأهواء والنحل. تحقيق: د. محمد إبراهيم نصر، د. عبدالرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، 1405هـ.
14- حسن،د ظاظا.
الفكر الديني اليهودي الطبعة الثانية، دار القلم، دمشق، 1407هـ .
15- حسن، د. محمد خليفة.
الأسطورة والتاريخ في التراث الشرقي القديم – دراسة في ملحمة جلجامش- دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1988م.
16- أبو حيان، محمد بن يوسف.
البحر المحيط، الطبعة الثانية، دار الفكر، 1403هـ.(1/73)
17- خان، ظفر الإسلام.
التلمود تاريخه وتعاليمه، الطبعة الخامسة، دار النفائس، بيروت، 1404هـ.
18- الخزرجي، أبو عبيدة.
بين الإسلام والمسيحية، تحقيق: د. محمد شامه، مكتبة وهبة، القاهرة.
19- أبو خليل، شوقي.
أ- الإسلام في قفص الاتهام، الطبعة الخامسة، دار الفكر، دمشق، 1403ه.
ب- غوستاف لوبون في الميزان، الطبعة الأولى، دار الفكر، دمشق، 1410ه.
20- دائرة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى، دار المعرفة، بيروت.
21- دائرة المعارف الإسلامية، الطبعة الثانية، دار الشعب، القاهرة.
22- الداني، عثمان بن سعيد.
الأحرف السبعة للقرآن، تحقيق: د. عبد المهيمن طحان، الطبعة الأولى، دار المنارة، جدة، 1408هـ.
23- دراز، د. محمد عبدالله.
مدخل إلى القرآن الكريم، ترجمة: محمد عبد العظيم علي، دار القلم، الكويت، 1404هـ.
24- الدمياطي، أحمد بن محمد .
إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر، رواه وصححه وعلق عليه: علي محمد الضباع، دار الندوة الجديدة، بيروت.
25- الدهلوي، شاه عبد العزيز.
مختصر التحفة الاثنى عشرية، تعريف: غلام محمد الأسلمي، اختصره وهذبه: محمود شكري الألوسي، تحقيق: محب الدين الخطيب، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض، 1404هـ.
26- رضا، محمد رشيد.
الوحي المحمدي، الطبعة الثامنة، المكتب الإسلامي، 1391هـ.
27- الزرقاني، محمد عبد العظيم.
مناهل العرفان في علوم القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
28- الزركشي، محمد بن عبدالله.
البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت.
29- الزفزاف، محمد.
التعريف بالقرآن والحديث، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.
30- زقزوق، د. محمود حمدي.
الإسلام في تصورات الغرب، الطبعة الأولى، مكتبة وهبه، القاهرة، 1407هـ.
31- السجستاني، عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث.
كتاب المصاحف، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405ه.
32- سهيل ديب(1/74)
التوراة تاريخها وغاياتها ترجمة وتعليق، الطبعة الخامسة، دار النفائس، عمان، 1404هـ.
33- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر.
أ - الإتقان في علوم القرآن، دار المعرفة، بيروت.
ب- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، الطبعة الأولى، دار الفكر، بيروت.
34- الشرقاوي، د. محمد.
الاستشراق، دار الفكر العربي، القاهرة، 1992م.
35- شلبي، د. عبد الجليل عبده.
صور استشراقية، الطبعة الثانية، دار الشروق، القاهرة، 1406هـ.
36- الشوكاني، محمد علي.
فتح القدير، دار المعرفة، بيروت.
37- شيخاني، محمد.
((المستشرقون ودورهم في ترجمة القرآن الكريم)) الندوة العالمية حول ترجمات معاني القرآن الكريم، الطبعة الأولى، 1986م.
38- الصغير، د. محمد حسين.
المستشرقون والدراسات القرآنية، الطبعة الثانية، المؤسسة الجامعية، بيروت، 1406هـ.
39- طبارة، عفيف عبد الفتاح.
روح الدين الإسلامي، الطبعة السادسة عشرة، دار العلم للملايين، بيروت، 1977م.
40- الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير.
جامع البيان عن تأويل القرآن، الطبعة الثالثة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1388هـ.
41- ظهير، إحسان إلهي.
الرد الكافي على مغالطات الدكتور وافي، في كتابه بين الشيعة وأهل السُنَّة، الطبعة الثانية، إدارة ترجمان السُنَّة، لاهور، باكستان، 1406هـ.
42- العالم، عمر لطفي.
المستشرقون والقرآن، الطبعة الأولى، مركز دراسات العالم الإسلامي، مالطا، 1991م.
43- عبد الحميد، د. عرفان.
المستشرقون والإسلام، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي، بيروت، 1980م.
44- عبد الحميد، علي بن حسن.
دلائل التحقيق لإبطال قصة الغرانيق، مكتبة الصحابة، جدة، 1412هـ.
45- العربي، القاضي أبو بكر.
العواصم من القواصم، تحقيق: محب الدين الخطيب، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض، 1404هـ.
46- أبو العزم، عبد الغني.(1/75)
((مصادر الدراسات الإسلامية في أوروبا)) مجلة دراسات عربية، العدد السابع، بيروت، 1980م.
47- العقيقي، نجيب.
المستشرقون، الطبعة الرابعة، دار المعارف، القاهرة.
48- عياد، محمد كامل.
((صفحات من تاريخ الاستشراق)) مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد الثالث والأربعون، الجزء الثالث، 1388ه، والمجلد الرابع والأربعون، الجزء الثالث، 1389م.
49- عيسى، د. أحمد عبد الرحمن.
كُتَّاب الوحي، الطبعة الأولى، دار اللواء، الرياض، 1400هـ.
50- غويطاين، س. د.
((جولدزيهر أبو الدراسات الإسلامية)) مجلة الكاتب المصري، المجلد الخامس، العدد السابع عشر، فبراير 1947م.
51- القاضي، عبد الفتاح عبد الغني.
أ – تاريخ المصحف الشريف، مكتبة المشهد الحسيني، القاهرة.
ب- القراءات في نظر المستشرقين والملحدين، مكتبة الدار، المدينة المنورة.
52- القطان، مناع خليل.
مباحث في علوم القرآن، الطبعة السابعة عشرة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1411ه.
53- قمحاوي، محمد الصادق.
شبهات مزعومة حول القرآن الكريم وردها، الطبعة الأولى، دار الأنوار للطباعة، مصر، 1379هـ.
54- القيسي، مكي بن أبي طالب.
الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، تحقيق: د. محي الدين رمضان، الطبعة الثالثة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1404هـ.
55- ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر.
أ – البداية والنهاية، الطبعة الثانية، دار الفكر العربي، 1387هـ.
ب- تفسير القرآن العظيم، دار إحياء الكتب العربية، مصر.
56- لاندو، روم.
الإسلام والعرب، ترجمة: منير البعلبكي، الطبعة الثانية، دار العلم للملايين، بيروت، 1977م.
57- مال الله، محمد.
الشيعة وتحريف القرآن الكريم، دار الوعي الإسلامي، بيروت، 1402هـ.
58- محمود، د. مصطفى.
حوار مع صديقي الملحد ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت، 1975م.
59- المغربي، السموءل بن يحيى.(1/76)
إفحام اليهود، تحقيق، د. محمد الشرقاوي، الطبعة الثانية، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، 1407هـ.
60- مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، الطبعة الأولى، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، 1405هـ.
61- ابن منيع، محمد بن سعد.
الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت.
62- ابن هشام، أبو محمد عبد الملك.
السيرة النبوية، تعليق طه عبد الرؤوف سعد. دار الجيل، بيروت.
63- هيكل، محمد حسين.
حياة محمد صلى الله عليه وسلم، الطبعة الثالثة عشرة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة،1968م.
64- وجدي، محمد فريد.
((رد شبهات على القرآن الكريم)) مجلة الأزهر، المجلد الثامن، 1356هـ.
65- اليحصبي، القاضي أبو الفضل عياض.
الشفا بتعريف حقوق المصطفى، دار الكتب العلمية، بيروت.
66- Actes Du Douzieme Congres International Des Orientalistes, Rome 1899, Tome Troisieme [Premiere Partie] Kraus Reprint – Nendeln / Lietenstein – 1968.
67- Adams. C.J. ((Islamic Religion)) Middle East Studies Association Bulleotin: Vol. 4, No. 3, 15 October 1970.
68- Donzel. E. Van. The Ency., of Islam, First Edition.
69- Encyclopedia Judaica, Keter Press, 1978.
70- Encyclopedia of Islam, New Edition, E. J. Brill, Leiden 1965.
71- Encyclopedia of Religions and Ethics Edinburgh T. and T. Clask, 1974.
72- First Encyclopedia of Islam, E. J. Brill, Leiden 1987.
73- Watt, M. Muhammad at Mecca, Oxford, Clarendon Press 1953.
فهرس الموضوعات
المبحث الأول نبذة مختصرة عن دائرة المعارف الإسلامية ... 4
المبحث الثاني الخلفية الثقافية للصورة العامة التي رسمها المستشرقون لحقيقة القرآن الكريم ... 9
المبحث الثالث مادة (قرآن) في دائرة المعارف الإسلامية ... 16
1- معنى كلمة ((القرآن)) وكيفية النطق بها .........................16(1/77)
2- مصدر القرآن: ... 17
3- نزول القرآن منجماً: ... 18
4- حديث القرآن عن الكتب السابقة: ... 19
5- النبي صلى الله عليه وسلم وتبليغ الوحي: ... 20
6- لغة القرآن وأسلوبه ... 21
7- حال القرآن عند وفاته صلى الله عليه وسلم: ... 21
8- جمع القرآن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم: ... 22
9- نسّاخ القرآن وترتيب آياته وسوره: ... 23
10- جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه: ... 26
11- حفظ القرآن وسلامته من التحريف والتبديل: ... 27
12- البسملة والأحرف المُقَطّعة: ... 31
13- قراءات القرآن الكريم: ... 32
14- إعجام المصحف وشكله: ... 33
15- مكانة القرآن عند المسلمين: ... 33
المصادر التي رجع إليها في تعريفه بالقرآن الكريم: ... 34
المبحث الرابع القرآن الكريم كما عرفته دائرة المعارف الإسلامية ... 35
أولاً: الرد على القول بأن القرآن الكريم من كلام النبي صلى الله عليه وسلم: ... 38
1- ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم .........................40
2- ما يتعلق بمضمون القرآن الكريم: ... 42
ثانياً: الرد على القول بأن القرآن مأخوذ من عدة مصادر: ... 46
ثالثاً: الرد على القول بأن القرآن سمعه النبي صلى الله عليه وسلم من الله مباشرة: ... 50
رابعاً: الرد على القول بعدم حفظ القرآن وسلامته من الزيادة أو النقص والتبديل: ... 52
خامساً: الرد على القول بعدم صحة مصحف عثمان رضي الله عنه: ... 61
كتابة القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم: ... 62
جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه: ... 63
جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه: ... 64
مزايا طريقة عثمان في جمع القرآن: ... 65
الخاتمة ... 78
كشاف المراجع ... 81
فهرس الموضوعات ... 90(1/78)