الفوائد العجيبة
في إعراب الكلمات الغريبة
تأليف
محمد امين بن عمر بن عبدالعزيز
ابن عابدين الحنفي
تحقيق
الدكتور جميل عبد الله عويضة
1430هـ 2009م
المؤلف (1)
هو الشيخ الإمام العالم العلامة، والجهبذ الفهامة، قطب الديار الدمشقية، وعمد البلاد الشامية والمصرية،السيد محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد ابن عبد الرحيم عابدين الدمشقي . المفسر المحدث الفقيه النحوي اللغوي البياني العروضي الذكي النبيه. الدمشقي الأصل والمولد، الحسيب النسيب الشريف الذات والمحتد، ابن السيد عمر الشهير بابن عابدين الحسيني إمام الحنفية في عصره، والمرجع عند اختلاف الآراء في مصره. صاحب التآليف العديدة والتصانيف المفيدة، منها: حاشيته الشهيرة رد المحتار على الدر المختار، التي اشتهرت في سائر الأقطار، في خمس مجلدات كبار. ومنها ثبته المشهور الفائق. ومنها منحة الخالق على البحر الرائق، وحواشيه على شرح الملتقى للعلائي، وحواشيه على النهر الفائق، وحواشي على القاضي البيضاوي التزم أن لا يذكر فيها شيئاً ذكره المفسرون. وحواشي على حاشية الحلبي على الدر تتبع فيها المحشي المذكور، سماها رفع الأنظار عما أورده الحلبي على الدر المختار. والعقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية. وحاشية على المطول. والرحيق المختوم شرح قلائد المنظوم في الفرائض، وتنبيه الولاة والحكام في حكم شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه الكرام. وشرح على رسالة البركوي سماها ذخر المتأهلين، وشرح على منظومة رسم المفتي.
__________
(1) هذه الترجمة من حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر ـ لعبد الرزاق البيطار ، ص 2495 ـ 2519 / الموسوعة الشعرية .(1/1)
وله من الرسائل في تحرير المسائل نيف وثلاثون رسالة معلومة في ثبته وله قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسلها ضمن مكتوب للحضرة الشريفة النبوية صحبة ركب الحاج الشريف سنة عشرين ومائتين وألف، لكي تقرأ أمام الحضرة الشريفة المحمدية، مطلعها:
لبيك يا قمرية الأغصان فلقد صدعت القلب بالألحان
وله من النظم والمراثي والتهاني والمديح والقواعد الشيء الكثير .(1/2)
ولد رحمه الله تعالى سنة ثمان وتسعين ومائة وألف بدمشق ، ونشأ بها وقرأ القرآن ثم جوده على الإمام القدوة الشيخ سعيد الحموي شيخ القراء بها، وقرأ عليه الميدانية والجزرية والشاطبية بعد ما حفظها قراة تدبر وإمعان وبحث وإتقان، وحفظ القرآن العظيم عن ظهر قلب، وتلقى منه القراءات بأوجهها وطرقها حتى جمع عليه. وقرأ عليه طرفاً من النحو والصرف ، وفقه الإمام الشافعي ، وحفظ متن الزبد وكان شافعي المذهب وقتئذ، ثم لزم شيخه الشيخ شاكر العقاد ، وقرأ عليه في المعقولات، وألزمه شيخه المذكور بالتحول لمذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان ، فتفقه عليه، وقرأ عليه الفرائض والحساب حتى مهر في فن الأصول والحديث والتفسير والتصوف والمعقول، وقرأ عليه في الفقه الملتقى والكنز ، والبحر لابن نجيم وصدر الشريعة، والدراية والهداية وبعض شروحها وغير ذلك، ثم شرع في قراءة الدر المختار على شيخه المذكور مع جماعة، من جملتهم علامة زمانه وفقيه عصره وأوانه الشيخ سعيد الحلبي، وبقي ملازماً له إلى أن اخترمته المنية ، ولم تتم قراءة الدر فأتمه مع بعض من حضر معه من إخوانه على الشيخ سعيد الحلبي المذكور، ، وقرأ على الشيخ سعيد غير ذلك من الفقه وغيره من الفنون. وحين أتم الدر عليه استجازه فأجازه. هذا وكان شيخه السيد شاكر يتفرس فيه الخير ويأخذه معه ويحضره دروس أشياخه ويستجيزهم له فيجيزونه، وكان ذلك بإشارة حصلت له من الشيخ عبد النبي أحد علماء الهند وصلحائها المشاهير حين قدم إلى دمشق، فذهب مع شيخه لزيارته، ولما دخلا عليه جلس شيخه وبقي المترجم واقفاً بين يدي شيخه كما هو دأبه معه، فطلب الشيخ عبد النبي من شيخ سيدي المترجم أن يأمره بالجلوس، وقال له: إني لا أجلس إلا أن يجلس هذا الغلام، وقال إني أشم منه رائحة أهل البيت، وأنه ستقبل يده ، ويظهر فضله بين الناس وينتفع بفضله. فأمره شيخه حينئذ بالجلوس، فجلس، ومن وقتئذ زاد اعتناء شيخه به.(1/3)
وأحضره مرة درس شيخه العلامة شيخ الحديث الشيخ محمد الكزبري واستجازه له فأجازه، وكتب له الإجازة، وكذلك حضر دروس الشيخ أحمد العطار مع شيخه فاستجازه له فأجازه عام ستة عشر وألف ومائتين.
وفضائله لا تنكر وشمائله لا تحصى ولا تحصر، وعباداته وورعه وإقباله على الله، يقضي له بالسعادة والفوز عند مولاه. توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين وألف، عن أربع وخمسين سنة، وأقيمت عليه صلاة الموت في جامع سنان باشا، وتقدم للصلاة عليه إماماً العلامة الشيخ حامد العطار ، ودفن بمقبرة باب الصغير بالتربة الفوقية إلى جانب قبر الإمام أبي حنيفة الصغير، العمدة العلائي صاحب الدر المختار، وقبره مشهور هناك، عليه جلالة يقصد لطلب الحوائج ويزار. رحمه الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
... الحمد لله وحده ، وصلى الله على مَن لا نبي بعده ، وآله الطاهرين ، وأصحابه أجمعين ، وبعد ...
فيقول فقير رحمة ربه ، وأسير وصمة ذنبه ، محمد أمين ابن عابدين : قد عنَّ لى الكلام على بعض الفاظ شاع استعمالها بين العلما ،وهى مما فى اعرابه او معناه اشكال او خفاء ، بعبارات تحل العقال ، وتوضح المقال ، وسميتها الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة ، فأقول والله المستعان، وعليه التكلان، منها :
قولهم : هلمّ جرا : فهلمَّ بمعنى تعال ، وهو مركب من ها التنبيه ، ومن لُمَّ ، أي ضُمَّ نفسك إلينا ، واستعمل استعمال البسيط ، يستوي فيه الواحد والجمع ، والتذكير والتأنيث عند الحجازيين، كذا في القاموس ، وسبقه إلى ذكره صاحب الصحاح ، وتبعه الصغاني ، فقالا : تقول كان ذلك عام كذا، وهلمّ جرّا إلى اليوم ، انتهى .(1/4)
... ولا يخفى عدم جريان ما قاله في القاموس في مثل هذا ، وتوقف الجمال ابن هشام في كون هذا التركيب عربيا محضاً ، وساق وجوه توقفه في رسالة له ، وأجاب عن ذكره في الصحاح ، ونحوه ، وذكر ما للعلماء في إعرابه ومعناه ، وما يرد عليه ، ثم قال : فلنذكرما ظهر لنا في توجيه هذا اللفظ بتقدير كونه عربيا فنقول : هلمّ هذه هي القاصرة التي بمعنى ائتِ وتعال ، إلاّ أنّ فيه تجويزين ، أحدهما أنه ليس المراد بالإتيان هنا المجيء الحسي ، بل الاستمرار على الشيء ، والمداومة عليه ، كما تقول : امشِ على هذا الأمر ، وسرْ على هذا المنوال ، ومنه قوله تعالى [ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ ] (1) المراد بالانطلاق ليس الذهاب الحسي ، بل انطلاق / الألسنة بالكلام ، ولهذا أعربوا أنْ2أ تفسيرية ، وهي إنما تأتي بعد جملة فيها معنى القول ، كقوله [ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ ] (2) ، والمراد بالمشي ليس المشي على الأقدام ، بل الاستمرار والدوام ، أي دوموا على عبادة أصنامكم ، واحبسوا أنفسكم على ذلك ، الثاني أنه ليس المراد الطلب حقيقة ، وإنما المراد الخبر ، وعبّر عنه بصيغة الطلب ، كما في قوله تعالى [وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ] (3) ، [فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ] (4) ، وجرّاً مصدر جرَّه يجرُّه ، إذا سحبه ، ولكن ليس المراد الجرّ الحسي ، بل المراد التعميم ، كما استعمل السحب بهذا المعنى ، ألا ترى أنه يُقال : هذا الحُكم مُنسحب عى كذا ، أي شامل له ، فإذا قيل : كان ذلك عام كذا وهلمّ جرّا ، فكأنه قيل : واستمر ذلك في بقية الأعوام استمرارا ، أو استمر مُستمِرَّا على الحال المؤكدة ، وذلك ماشٍ في جميع الصور ، وهذا هو الذي يفهمه الناس من هذا االكلام ، وبهذا التأويل ارتفع إشكال العطف ، فإنّ هلمّ حينئذ خبر ، وإشكال التزام
__________
(1) سررة ص ، آية 6
(2) المؤمنون 27
(3) العنكبوت 12
(4) مريم 75(1/5)
إفراد الضمير ، إذ فاعل هلمّ هذه مفردٌ أبدا ، كما تقول : واستمر ذلك ، أو واستمر ما ذكرته .
ومنها قولهم : ومِنْ ثَمَّ : وهي في الأصل موضوعة للمكان البعيد ، وإذا وقعت في عباراتهم يقولون: ومن هناك ، أو من هنا ، أي من أجل ذلك كان كذا ، فإذا فسّروها بهنالك ففيه تجوّز من جهة واحدة ، وهي استعمالها في المكان المجازي ، وإذا فسروها بهنا ففيه تجوّزان ، الأول كونها في القريب ، ولكنّ الجمع بين تفسيرها بهنا القريب ، وبين قولهم : أي من أجل ذلك ، كما وقع للعلامة الجلال المحلي في شرحه على جمع الجوامع ، فيه منافاة ، لأن ذلك من إشارات البعيد ، اللهم إلاّ أنْ يُقال : استُعمِل هنا في البعيد مجازا ، وذلك في القريب كذلك / أو يقال كما قال بعضهم : أشار أولاً بهنا إلى قرب المُشارإليه3 أ لقرب محلّه ، وما فُهم منه ، وثانيا بذلك إلى بعده ، باعتبار أنّ المعنى غير مُدرك حِسَّاً، فكأنه بعيد، وفي شرح التسهيل للدماميني ما نصّه : وانظر في قول العلماء : ومِن ثَمَّ كان كذا ، هل معناه معنى هنالك ؟ أي التي للبعد ، أو معنى هنا التي للقرب ، والظاهر هو الثاني ، انتهى .(1/6)
... ثُم مما ينبغي التأمل في علاقة هذا المجاز وفي قرينته ، ويمكن أنْ تجعل العلاقة المشابهة ، فإنّ المعنى محل للفكر ، وتردده إليه بملاحظة المرة بعد الأخرى ، كما أنّ المكان محل للجسم ، والتردد إليه بإتيانه المرة بعد الأخرى ، أو الإشارة للألفاظ ، فإنها محل للمعنى ، كما أنّ المكان محل للجسم ، والقرينة استحالة كون المعنى ، أو الألفاظ مكانا حقيقيا ، وقال بعضهم في قول ابن الحاجب: ومن ثّمَّ اختلف في رحمن ، قوله : ومن ثَمّ الإشارة إلى المكان الاعتباري ، كأنّه شبه الاختلاف المذكور في شرط تأثير الألف والنون أنه انتفاء فعلانة، أو وجود فعلى بالمكان في أنّ كلامنهما منشأ أمره المكان، منشأ النباتات ، والاختلاف في المذكور منشأ اختلاف آخر ، وهو الاختلاف في صرف رحمن ، فجعل الاختلاف المذكور من إفاد المكان ادّعاءً ، ثم شبّهَ المكان الاعتباري بالمكان الحقيقي ؛ لاشتراكهما في المكانية ، فذكر اللفظ الموضوع للمكان ، انتهى.(1/7)
ومنها قولهم: أيضا : هو مصدر آض يئيض، وأصل آض أَيَضَ ، كباع ، تحركت الياء ، وانفتح ما قبلها ، فقلبت ألفا ، وأصل يَئيضُ يَئْيِض بزنة يَفْعِل ، نُقلت حركة الياء إلى الهمزة ، وأمَّا إعرابه فذكر ابن هشام في رسالة تعرّض فيها للمسألة أنّ جماعة توهموا أنه منصوب/على الحال من ضمير قال، وأنّ 3 ب التقدير: وقال أيضا ، أي راجعا إلى القول ، وهذا لا يحسن تقديره إلا إذا كان هذا القول صدر من القائل بعد صدور القول السابق له، وليس ذلك بشرط ، بل تقول : قلت اليوم كذا ، وقلته أمس أيضا، وكتبت اليوم، وكتبت أمس أيضا ، قال : والذي يظهر لي أنه مفعول مطلق حُذف عامله ، أو حال حُذف عاملها وصاحبها ، أي ارجع إلى الأخبار رجوعا ، ولا أقتصر على ما قدّمت ، أو أخبر راجعا ، فهذا هو الذي يستمر في جميع المواضع ، ومما يؤنسك أنّ العامل محذوف أنّك تقول: عنده مال وأيضا عِلم ، فلا يكون قبلها ما يصلح للعمل فيها ، فلا بدّ حينئذ من التقدير .
واعلم أنها إنما تُستعمل في شيئين بينهما توافق ، ويغني كلٌّ منهما عن الآخر ، فلا يجوز جاء زيد أيضا ، ولا جاء زيد ومضى عمرو أيضا ، ولا اختصم زيد وعمرو أيضا ، انتهى مُلخَّصا .
ومنها قولهم : اللهم إلاّ أن يكون كذا ونحوه ، أقول : أصله يا الله ، حُذِف حرف النداء، وعُوِّض عنه الميم للتعظيم والتفخيم، ولا تدخل عليها يا ، فلا يُقال : يا اللهم إلاّ شذوذا في الشعر ، كما قال ابن مالك :
... ... والأكثر اللهمّ بالتعويض ... وشذَّ يا اللهم في قريض(1/8)
ثم الشائع استعمالها في الدعاء ، ولذا قال بعض السلف : اللهم مجمع الدعاء ، وقال بعضهم : الميم في قول اللهم فيه تسعة وتسعون اسما من أسماء الله تعالى ، وأوضحه بعضهم بأنّ الميم تكون علامة للجمع ، لأنك تقول عليه للواحد ، وعليهم للجمع ، فصارت الميم في هذا الموضع بمنزلة الواو الدالة على الجمع في قولك ضربوا وقاموا ، فلمَّا كانت كذلك زِيدت في آخر اسم الله تعالى ، لتُشعر وتؤذِن بأن هذا الاسم قد اجتمعت فيه أسماء / الله تعالى كلها ، فإذا قال الداعي : 4أ اللهم ، فكأنه قال يا الله الذي له الأسماء الحسنى ، قال : ولاستغراقه أيضا لجميع : أسماء الله تعالى الحسنى ، وصفاته، لا يجوز أنْ يوصف ؛ لأنها قد اجتمعت فيه ، وهو حجة لِما قال سيبويه في منعه وصفَه ، انتهى .
... ثم إنهم قد يأتون بها قبل الاستثناء إذا كان الاستثناء نادرا غريبا ؛ كأنهم لندوره استظهروا بالله في إثبات وجوده ، قال بعض الفضلاء : وهو كثير في كلام الفصحاء ، كما قال المطرزي ، نبّه على ذلك الطيبي في سورة المدثر ، وفي الكشف بعد كلام ، وأمَّا نحو قولهم : اللهم إلاّ أنْ يكون كذا ، فالغرض أنّ المستثنى مُستعان بالله تعالى في تحقيقه ؛ تنبيها على ندرته ، وأنه لم يأت بالاستثناء إلاّ بعد التفويض لله تعالى ، انتهى .(1/9)
... وذكر العلامة المحقق صدر الشريعة (1) في أوائل كتاب التوضيح شرح التنقيح : أنّ الاستثناء المذكور مفرغ من أعم الظروف ، لأن المصادر قد تقع ظروفا ، نحو: آتيك طلوع الفجر ، أي وقت طلوعه ، وأوضح ذلك العلامة بدر الدين الدماميني في شرحه على المغني عند الكلام على عسى ، عند قول المُغْني : ولكن يكون الإضمارفي يقوم لا في عسى، اللهم إلاّ نْ تُقدِّر العاملين تنازعا زيدا ، فقال : الاستثناء في كلام المصنف مفرغ من الظرف ، والتقدير ، ولكن يكون الإضمار في يقوم ، لا في عسى كل وقت ، إلاّ وقت أنْ تُقدِّر العاملين تنازعا ، ووقع التفريغ في الإيجاب ؛ لاستقامة المعنى ، نحو : قرأت إلاّ يوم كذا ، ثم حذف الظرف بعد إلاّ ، وأُنيب المصدر عنه ، كما في جئتك يوم قدوم الحاج ، واللهم معترض ، وانظر موقعها هنا ، فقد وقع في النهاية أنها تُستعمل على ثلاثة / 4 ب
أنحاء ، أحدها أنْ يُراد بها النداء المحض ، كقولك : اللهم ارحمنا ، الثاني أن يذكره المجيب تمكنا للجواب في نفس السامع ، يقول لك القائل : أقام زيد ؟ فتقول أنت : اللهم لا ، والثالث أنْ يُستعمل دليلا على الندرة ، وقلة وقوع المذكور ، كقولك : أنا لا أزورك اللهم إذا لم تدعُني ، ألا ترى أنّ وقوع الزيارة مقرونة بعدم الدعاء قليل ، انتهى .
... وظاهر أن معنى الأول والثاني لا يأتيان هنا ، وفي تأتِّي الثالث في هذا المحل نظر ، انتهى كلام الدماميني ، ولعل وجه النظر أنّ قول ابن الأثير في النهاية : ألا ترى .. الخ يفيد أنه لا بدّ أن يكون ما بعدها نادرا في نفسه ، وقد يقال : لا يلزم ذلك بقرينة قوله : يستعمل دليلا على الندرة .. الخ ، فأفاد أنها تدل على أن ما بعدها نادر بالنظر إلى ما قبلها ، وإن كان في نفسه غير نادر فلييتأمل .
__________
(1) هو عبيد الله بن مسعود الحنفي ت 747هـ .(1/10)
ثم اعلم أنّ قوله ووقع التفريغ في الإيجاب ، فيه نظر ، لأن قول المغني: وكون الإضمار في يكون لا في عسى ، الخ ، معناه لا يكون الإضمار في عسى في وقت من الأوقات إلاّ في كذا ، فالوقت المقدر نكرة في سياق النفي فالاستثناء بعدها استثناء من المنفي ، كما في قولك : لا يأتينا زيد إلاّ يوم كذا ، نعم قد يعبرون بنحو قولك : هذا ضعيف إلاّ إذا حُمِل على كذا ، فهو استثناء مفرغ في الإثبات صورة، ولكنه في المعنى نفي، لأنّ معنى ضعيف أنه لا يُعتمد عليه مثلا ، وقال في المغني آخر الكتاب ، في أول الباب الثامن ما نصه : السادسة وقوع الاستثناء المفرغ في الإيجاب ، نحو [ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ] (1) ، [ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ] (2) انتهى .
__________
(1) البقرة 45 ، كتبت : وإن كانت لكبيرة ....
(2) التوبة 32(1/11)
... ومنها قولهم : لا بدّ من كذا : أي لا مفارقة ، وقد يُفسّر بوَجَبَ ، وذلك لأنّ أصله في الإثبات / بُدّ الأمر : فُرِّق ، وتبدد : تفرّق ، وجاءت الخيل بَدادا ، 5أ أي متفرقة ، فإذا نفي التفرّق والمفارقة بين شيئين حصل تلازم بينهما دائما ، فصار أحدهما واجبا للآخر ، ومن ثَمَّ فسّروه بوَجَبَ ، وبُدَّ اسم مبني على الفتح مع لا النافية ؛ لأنه اسمها ، والخبر محذوف ، أي لنا ، أو نحوه ، وقد يُصرح به ، وجعل الفَنَري (1) في حواشي المطول أنّ الجار والمجرور متعلق بالمنفي أعني بُدَّ ، على قول البغداديين ، حيث أجازوا لا طالع جبلاً ، بترك تنوين الاسم المطول إجراء له مجرى المضاف ، والبصريون أوجبوا في مثله تنوين الاسم ، وجعلوا متعلق الظرف فيما بُنِي الاسم فيه على الفتح ، كما فيما نحن فيه محذوفا هو خبر المبتدأ أي لا بدّ ثابت لها ، وقوله : من كذا خبر مبتدأ محذوف ، أي البدّ المنفي من كذا ، وهذه الجملة الاسمية التبيينية (2) لا محلّ لها من الإعراب ؛ لأنها جملة مستأنفة لفظا ، ويجوز أن يكون من كذا متعلقا بما دلّ عليه لابدّ ، أي لا بدّ من كذا ، وقد أشار الشريف في أواخر بيان المفتاح إلى أنّ الظرف في مثله خبر للا ، حيث قال في قوله : لا تلَقِّيَ لإشارته ، أنّ لإشارته ليس معمولا للتلَقِّي ، وإلاّ لوجب نصبه على التشبيه بالمضاف ، بل هو خبر لا ، فتأمل وقس على ما ذكر نظائر هذا التركيب ، انتهى .
__________
(1) هو حسن جلبي بن محمد بن حمزة الرومي الحنفي الفناري ، أو الفَنَري ، ت 886هـ .
(2) ربما الصواب : المنفية .(1/12)
... أقول هذا ظاهر فيما إذا قيل : لا بدّ من كذا ، أمَّا إذا قيل لا بدّ لكذا من كذا فالخبر هو الظرف الأول ، إلاّ أن يقال من تعدد الأخبار ، تأمل ، ثم قوله : ويجوز أن يكون متعلقا بما دلّ عليه لا بدّ ، أي لا بدّ من كذا ، فيه نظر ، إذ لا فرق بين هذا المقدر والمذكور ، فلا حاجة إلى تقديره ، هذا ووقع في بعض العبارات لا بدّ وأنْ يكون / واستعمله السعد في كتبه أيضا , وقال الفَنَرِي : 5 ب إن الواو مزيدة في الخبر ، وقال بعض المحشين : هذه الواو للصُوق ، أي لزيادة لصوق لا بالخبر ، انتهى . وفيه بحث ، فإن الكون المنسبك من أنّ والفعل لا يصلح أن يكون خبرا هنا ، فإن قيل : حذف الجار بعد أَنَّ وأنْ مطردٌ ، قلنا : إذا قُدِّر الجار يكون لغوا متعلقا بقوله بدّ ، والخبر محذوف كما مرّ ، على أنّ صاحب المغني لا يثبت واوًا للصوق ، كما ذكره بعض الفضلاء ، ورجح أنّ الواو هنا زائدة ، وهي التي دخولها في الكلام كخروجها ، ورأيت في بعض الهوامش أنه روي عن أبي سعيد السيرافي في كتاب سيبويه أنه قال : تجيء الواو بمعنى مِنْ ، فإن ثبت ذلك ، يكون حمل الواو هنا عليه أولى من دعوى زيادتها ، فليراجع .(1/13)
... ومنها قولهم : هو كذا لغة واصطلاحا : قال ابن الحاجب : إنه منصوب على المفعولية المطلقة ، وإنه من المصدر المؤكّد لغيره ، صرّح به في أماليه ، وفيه نظر من وجهين : الأول أنّ اللغة ليست اسما للحدث ، والثاني أنها لو كانت مصدرا مؤكدا لغيره لكانت إنما كانت تأتي بعد الجملة ، فإنه لا يجوز أنْ تتقدم ولا تتوسط ، فلا يقال : حقاً زيد ابني ، ولا زيد حقا ابني ، وإن كان الزجاج يجيز ذلك ، فإن قلت : هل يجوز أن يكون مفعولا لأجله ، أو منصوبا على نزع الخافض ، أو تمييزا ؟ قلت : لا يجوز الأول ، لأنّ المنصوب على التعليل لا يكون إلاّ مصدرا ، ولا الثاني ، لوجهين : الأول أنّ إسقاط الخافض سماعي ، واستعمال هذا التركيب مستمر شائع في كلام العلماء ، الثاني أنهم التزموا في مثل هذه الألفاظ التنكير ، ولو كانت على إسقاط الخافض لبقيت /على تعريفها الذي 6 أ كان مع وجود الخافض ، كما بقي التعريف في قوله (1) :
تمرون الديار ولم تعوجوا
__________
(1) صدر بيت من الوافر ، لجرير ، والبيت بتمامه : تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي إذاً حرام
انظر خزانة الأدب 7/158(1/14)
وأصله تمرون على الديار ، وبالديار ، ولا الثالث ؛ لأن التمييز إمَّا تفسير للمفرد كرطل زيتا ، أو تفسير للنسبة كطاب زيد نفسا ، وهذا ليس شيئا منها ، أمَّا أنه ليس تفسيرا لمفرد ؛ فلأنه لم يتقدم مبهمٌ وضعا فيميَّز ، وأمَّا أنه ليس تفسيرا للنسبة فلأنه لم يتقدم نسبة ، فإن قلت : يمكن أنه من تمييز النسبة بأن يُقدّر مضاف ، أي تفسيرها لغة ، فيكون من باب أعجبني طيبه ، أنا قلت : تمييز النسبة الواقعة بين المتضايفين لا تكون إلاّ فاعلا في المعنى ، ثم قد تكون مع ذلك فاعلا في الصناعة باعتبار الأصل ، فيكون محوَّلا عن المضاف ، نحو : أعجبني طيب زيد أبا ، إذا كان المراد الثناء على أبي زيد ، وقد لا يكون كذلك ، فيكون صالحا لدخول مِن (1) نحو : لله دره فارسا ، وويْحه رجلا ، فإن الدّر بمعنى الخير ، وويح بمعنى الهلاك ، ونسبتها إلى الرجل كنسبة الفعل إلى فاعله ، وتعلُّق التفسير بالكلمة إنما هو تعلُّق الفعل بالمفعول ، لا بالفاعل ، فإن قلت : ما وجه نصبِهِ ؟ قلت : الظاهر أن يكون حالا على تقدير مضاف من المجرور ، ومضافين من المنصوب ، والأصل تفسيرها موضوع أهل اللغة ، ثم حُذف المتضايفان على حدّ حذفهما في قوله تعالى [ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ] (2) ، ولمَّا أُنيب الثالث عما هو الحال بالحقيقة التزم تنكيره ؛ لنيابته عن لازم التنكير ، ولك أن تقول : الأصل موضوع إلى اللغة مجاز ، وهذا أحسن الوجوه ، كذا حرره بعض المحققين ، وهو خلاصة ما ذكره ابن هشام في رسالته / الموضوعة في هذه 6 ب المسألة ، ومَن أراد الاطلاع على أزيد من ذلك فعليه بها .
__________
(1) من ساقطة من الأصل المخطوط
(2) طه 96(1/15)
... ومنها قولهم : هو أكثر من أن يُحصى ، ونحو قولهم : زيد أعقل من أن يكذب : وهو من مشكل التراكيب ، فإنّ ظاهره تفضيل الشيء في الأكثرية على الإحصاء ، وتفضيل زيد في العقل على الكذب ، وهذا لا معنى له ، ونظائره كثيرة مشهورة ، وقلّ مَن يتنبه لإشكالها ، وقد حمله بعضهم على أنّ المصدرية ، بمعنى الذي ، ورده في المغني في الجهة الثالثة من الباب الخامس من الكتاب بأنه لا يعرف قائل به ، ووجهه بتوجيهين ، نظر في كل منهما الدماميني في شرحه عليه ، ونقل عن الرضي وجها استحسنه ، فقال : قال الرضيُّ : وأمَّا نحو قولهم: أنا أكبر من أنْ أشعر، وأنت أعظم من أن تقول كذا، فليس المقصود تفضيل المتكلم على الشِّعر، والمخاطب على القول، بل المراد: بُعدهما عن الشعر والقول، وأفعل التفضيل يفيد بُعد الفاضل من المفضول وتجاوزة عنه، فمِن في مثله ليست تفضيلية بل هي مثلها في قولك: بنتُ مِنه ، تعلقت بأفعل التفضيل بمعنى متجاوز، وبائن، بلا تفضيل، فمعنى أنت أعز عليَّ من أن أضربك، أي بائن مِن أنْ أضربك من فرط عزتك علي، وإنما جاز ذلك، لأنَّ مِنْ التفضيلية متعلقة بأفعل التفضيل بقريب من هذا المعنى، ألا ترى أنك إذا قلت: زيد أفضل من عمرو، فمعناه: متجاوز في الفضل عن مرتبتة ، فمِنْ فيما نحن فيه كالتفضيلية، إلا في معنى التفضيل ، قال : ولا مزيد عليه في الحسن .(1/16)
... ومنها قولهم : سواء كان كذا أم كذا : فسواء اسم بمعنى الاستواء ، يوصف به كما يوصف بالمصادر ، ومنه قوله تعالى [كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ] (1) ، وهو هنا خبر ، والفعل بعده / أعني كان كذا .. الخ ، في تأويل المصدر 7 أ مبتدأ ، كما صرح بمثله الزمخشري في قوله تعالى [ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ] (2) ، والتقدير كونه كذا ، أو كونه كذا سيان ، وسواء لا يُثنى ، ولا يُجمع على الصحيح ، ثم الجملة إمَّا استئناف ، أو حال بلا واو اعتراض ، بقي هنا شبهة ، وهي أنّ أَمْ لأحد المتعدِّد ، والتسوية إنما تكون بين المتعدِّد ، لا بين أحده ، فالصواب الواو بدل أم ، أو لفظ أم بمعنى الواو ، وكون أو بمعنى الواو غير معهود ، وقد أشار الرضيُّ إلى تصحيح التركيب بما ملخصه أنّ سواء في مثله خبر مبتدأ محذوف ، أي الأمران سواء ، ثم الجملة الإسمية دالة على جواب الشرط المقدَّر إن لم تذكر الهمزة بعد سواء صريحا كما في مثالنا ، أو الهمزة وأم مجردتان عن معنى الاستفهام ، ومستعملتان للشرط بمعنى إنْ وأو بعلاقة أنّ إنْ والهمزة يستعملان فيما لم يتعين حصوله عند المتكلم ، وأم وأو لأحد الشيئين ، أو الأشياء ، والتقدير إنْ كان كذا أو كذا ، فالأمران سواء ، والشبهة إنما ترد إذا جعل سواء خبرا مقدما ، وما بعده مبتدأ ، كذا في حواشي المطول لحسن جلبي الفَنَري ، وما عزاه إلى الرضيِّ ذكره الدماميني عن السيرافي أيضا ، وفي حواشي الكشاف للسيد الشريف ، وحكى بعض المحققين عن أبي علي أنّ الفعلين مع الحرفين في تأويل اسمين بينهما وأو العطف ؛ لأنّ ما بعد كلمتي الاستفهام في مثل قولك أقمتَ أمْ قعدتَ متساويان في علم المستفهم ، فإذا قيل سواء عليّ أقمتَ أم قعدت ، فقد أُقيمتا مع ما بعدهما مقام المستويين ، وهما قيامك وقعودك ، كما أُقيم لفظ النداء مقام الاختصاص / في أنا أفعل كذا أيها
__________
(1) آل عمران 64
(2) البقرة 6(1/17)
الرجل ، بجامع الاختصاص ، ثم ذكر ما حققه الرضيّ ، وما استدل به عليه ، ومنه قوله : ويرشدك إلى أن سواء سادٌّ مسدَّ جواب الشرط، لاخبر مقدم، أن معنى سواء عليَّ أقمتَ أم قعدتَ، ولا أبالي أقمت أم قعدت ، واحد، في الحقيقة ولا أبالي، ليس خبرا للمبتدأ، بل المعنى: إن قمت، أم قعدت فلا أبالي بهما، انتهى .
... وقد يأتون بأو بدل أم ، وفي شرح القطر للعلامة الفاكهي من باب العطف : لا يعطف بأو بعد همزة التسوية ؛ للتنافي بينهما ، لأنّ أو تقتضي أحد الشيئين ، أو الأشياء ، والتسوية تقتضي شيئين لا أحدهما ، فإن لم توجد الهمزة ، جاز العطف بها ، نص عليه السيرافي في شرح الكتاب ، نحو : سواء عليّ قمت أو قعدت ، ومنه قول الفقهاء : سواء كان كذا أو كذا ، وفي قراءة ابن محيصن [ أوَ لم تُنذرْهم ] (1) وأمَّا تخطئة المصنف لهم في ذلك ، فقد ناقشه فيها الدماميني، انتهى ، وذلك حيث قال في شرحه على المغني : اعلم أنّ السيرافي قال في شرح الكتاب ما هذا نصه : وسواء إذا دخلت بعدها كقولك : سواء عليّ أقمتَ أم قعدتَ ، وإذا كان بعد سواء فعلان بغير استفهام ، كان عطف أحدهما على الآخر بأو ، كقولك : سواء عليّ قمتَ أو قعدتَ ، انتهى كلامه ، وهو نصّ صريح يقضي بصحة قول الفقهاء وغيرهم : سواء كان كذا أو كذا ، إلى أنْ قال : وحُكي أنّ أبا علي الفارسي قال : لا يجوز أو بعد سواء عليّ قمت أو قعدت ، قال : لأنه يكون المعنى : سواء عليّ أحدهما ، ولا يجوز ، قلت : ولعل هذا مُستند المصنف في تخطئته الفقهاء وغيرهم في هذا التركيب ، وقد ردّ الرضيّ كلام الفارسي بما هو مذكور في شرحه للحاجبية ، فراجعه إن شئت ، انتهى .
__________
(1) البقرة ، 6 ، وقراءة ابن محيصن من القراءات الشاذة ، ولم يذكر في شواذ القراءات إلاّ قراءة ابن محيصن بهمزة واحدة في أنذرتهم ، والقراءة السبعية [ سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ] .(1/18)
... ومنها قولهم في معرض الجواب ونحوه : على أنّا / نقول ، فيذكرون 8 أ ذلك ، حيث يكون ما بعدها قامعا للشبهة ، وأقوى مما قبلها ، ويسمونه علاوة وتوقيا على ما تُشعِر به على ، ولكن يقال على من حروف الجر فما معناها ، وما متعلقها ، ويظهر المراد مما ذكره في المغني حيث قال (1) : التاسع ، أي من معاني على أنْ تكون للاستدراك والإضراب، كقولك: فلان لا يدخل الجنة لسوء صنيعه ، على أنه لا ييأس من رحمة الله ، وقوله (2) :
... فَوَاللَهِ لا أَنسى قَتيلاً رُزِئتُهُ بِجانِبِ قَوسِيَ ما مَشيتُ عَلى الأَرضِ
... عَلى أَنَّها تَعفو الكُلومُ وَإِنَّما نُوَكَّلُ بِالأَدنى وَإِن جَلَّ ما يَمضي
أي على أنّ العادة نسيان المصائب البعيدة العهد ، وقوله (3) :
... بِكُلٍّ تَدَاوَينَا فَلَم يُشفَ مَا بِنَا عَلَى أَنَّ قُربَ الدَّارِ خَيرٌ مِنَ البُعدِ
ثم قال :
على أن قرب الدار ليس بنافع ... إذا كان من تهواه ليس بذي ود
أبطل بعلى الأولى عموم قوله : لم يشف ما بنا ، فقال : على أنّ فيه شفاءً ما ، ثم أبطل بالثانية قوله : على أنّ قرب الدار خير من البعد، وتعلُّق على هذه بما قبلها ، كتعلق حاشا بما قبلها عند مَن قال به لأنها (4) أوصلت معناه إلى ما بعدها على وجه الإضراب والإخراج ، أو هي خبر لمبتدأ محذوف ، أي والتحقيق على كذا ، وهذا الوجه اختاره ابن الحاجب ، ، قال : ودلّ على ذلك أنّ الجملة الأولى وقعت على غير التحقيق ، ثم جيء بما هو التحقيق فيها ، انتهى كلام المغني .
__________
(1) مغني اللبيب ، ص 193
(2) البيتان من الطويل ، لأبي خراش الهذلي ، ديوانه / الموسوعة الشعرية .
(3) البيتان من الطويل ، لابن الدمينه، ديوانه / الموسوعة الشعرية .
(4) كثبت فإنها ، وما أثبتناه من المغني ، ص 193(1/19)
... ومنها قولهم : فضلا ، كقولك : فلان لا يملك درهما فضلاً عن دينار ، ومعناه أنه لا يملك درهما ولا دينارا ، وأنّ عدم ملكه للدينار أولى من عدم ملكه للدرهم ، وكأنه قال : لا يملك درهما فكيف يملك دينارا ، وانتصابه على وجهين محكيين / عن الفارسي ، أحدهما : أن يكون مصدرا بفعل محذوف ، وذلك 8 ب الفعل نعت للنكرة ، والثاني : أنْ يكون حالا من معمول الفعل المذكور ، وهو درهما ، وإنما ساغ مجيء الحال منه مع كونه نكرة للمسوغ ، وهو وقوع النكرة في سياق النفي ، والنفي يخرج النكرة من حيّز الإبهام إلى حيّز العموم ، وضعف الوصف فإنه متى امتنع الوصف بالحال ، أو ضَعُف ، ساغ مجيئها من النكرة ، فالأول كقوله تعالى : [أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ] (1) فإنّ الجملة المقرونة بالواو لا تكون صفة ، خلافا للزمخشري ، والثاني كقولهم : مررت بماءٍ قِعْدَةَ رَجُلٍ ، فإن الوصف بالمصدر خارج عن القياس ، وإنما لم يُجِز الفارسي في فضلاً كونه صفة لدرهم ؛ لأنه رآه منصوبا أبداً ، سواء كان ما قبله منصوبا ، أم مرفوعا ، أو مخفوضا ، وزعم أبو حيان أنّ ذلك لأنه لا يوصف بالمصدر إلاّ إذا أُريدت المبالغة ؛ لكثرة وقوع ذلك الحدث من صاحبه ، ليس ذلك بمراد هنا ، وأمَّا القول بأنّه يوصف بالمصدر على تأويله بالمشتق ، أو على تقدير المضاف ، فليس قول المحققين ، فهذا منتهى القول في توجيه إعراب الفارسي ، وأمَّا تنزيله على المعنى المراد فعَسِرٌ ، وقد خُرِّج على أنه من باب قوله (2) :
عَلى لاحِبٍ لا يَهتَدي بِمَنارِهِ
__________
(1) البقرة 259
(2) صدر بيت من الطويل لامرئ القيس ، والبيت بتمامه :
... عَلى لاحِبٍ لا يَهتَدي بِمَنارِهِ إِذا سافَهُ العَودُ النُباطِيُّ جَرجَرا(1/20)
ولم يذكر أبو حيان سوى ذلك ، وقال : قد يُسلطون النفي على المحكوم عليه بانتفاء صفته ، فيقولون : ما قام رجلٌ عاقلٌ ، أي لا رجلَ عاقلٌ (1) فيقوم ، كأنه لا يريد إثبات منار الطريق ، وينفي الاهتداء عنه ، إنما يريد نفي المنار ، فتنتفي الهداية ، وهلى هذا خرج [ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ] (2) ، أي لا شافع لم ، فتنفعهم شفاعته ، وعلى هذا يتخرج المثال المذكور ، أي لا يملك درهما فيفضل عن دينار له ، وإذا انتفى / ملكه للدرهم ، كان انتفاء ملكه للدينار أولى ، 9أ وفيه أنَّ فضلاً مقيد للدرهم ، أو معمول للمبتدأ على الإعرابين السابقين ، فلو قدّر النفي مُسلطا على القيد اقتضى مفهومه خلاف المراد ، وهو أنه يملك الدرهم ، ولكنه لا يملك الدينار ، ولمَّا امتنع هذا تعيّن الحمل على الوجه المرجوح ، وهو تسليط النفي على المقيد، وهو الدرهم ، فينتفي الدينار ؛ لأن الذي لا يملك الأقل ، لا يملك الأكثر ، فإنّ المراد بالدرهم ما يساويه من النقود ، لا الدرهم العرفي ، والذي ظهر لي في توجيه هذا الكلام أنْ يقال : إنه في الأصل جملتان مستقلتان ، ولكن الجملة الثانية دخلها حذف كثير ، وتغيير حصل الإشكال بسببه ، وتوجيه ذلك أن يكون هذا الكلام في اللفظ ، أو في التقدير جوابا لمستخبرقال : لا يملك فلان دينارا ، أو ردّا على مخبِر قال : فلان يملك دينارا ، فقيل في الجواب : فلان لا يملك درهما ، ثم استؤنِف كلام آخر ، ولك في تقديره وجهان : أحدهما أنْ يقدر أخبرك بهذا زيادة عن الإخبار عن دينار استفهمت عنه ، أو زيادة عن دينار أخبرك بملكه له ، ثم حذفت جملة أخبرك بهذا ، وبقي معمولها ، وهو فضلاً ، كما قالوا حينئذ الآن ، بتقدير كان ذلك حينئذ ، واسمع الآن ، فحذفوا الجملتين ، وأبقوا من كل منهما معمولها، ثم حذف مجرور عن ، وجار الدينار، وأدخلت عن الأولى على الدينار ، وكما
__________
(1) أي لا رجل عاقل ساقطة بسبب انتقال النظر .
(2) المدثر 48(1/21)
قالوا : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من زيد ، والأصل : منه الكحل في عين زيد ، ثم حذف مجرور مِن ، وهو الضمير ، وجارّ العين ، وهو في ، ودخلت مِن على العين .
... والثاني أن يُقدَّر فضل انتفاء الدرهم منه ، ومعنى ذلك أن تكون حالة هذا المذكور في الفقر معروفة / عند الناس ، والفقيرإنما يُنفى عنه في العادة ملك 9 ب الأشياء الحقيرة ، لا ملك الأموال الكثيرة ، فوقوع نفي ملك الدرهم عنه في الوجود فاضل عن وقوع نفي الدينار عنه ، أي أكثر منه يُقال فضل عنه ، وعليه بمعنى زاد فضلا على التقدير الأول حال ، وعلى الثاني مصدر ، وهما الوجهان اللذان ذكرهما الفارسي ، لكن توجيه الإعرابين مخالف لما ذكر ، ولعل مَن لم يَقْوَ أُنْسُهُ بتجويزات العرب في كلامها يقدحُ فيما ذكرت ، بكثرة الحذف ، وهو كما قيل:
... ... إذا لم تكن إلا الأسنة مركبا فلا رأي للمحتاج إلا ركوبها (1)
وقد بيّنت في التوجيه أنّ مثل هذا الحذف والتجوُّز واقع في كلامهم ، هذا خلاصة ما ذكره ابن هشام الأنصاري في رسالته .
__________
(1) من الطويل ، للكميت بن زيد الأسدي ، ديوانه / الموسوعة الشعرية ، وروايته في الديوان :
... ... وإن لم يكن إلا الأسنة مركب فلا رأي للمحول إلا ركوبها(1/22)
... وقد قرر الإعراب والمعنى المراد السيد الشريف قدس سره في حواشي الكشاف على غير ما مرّ ، فقال : هو مصدر يتوسط بين أدنى وأعلى للتنبيه ، بنفي الأدنى ، واستبعاده عن الوقوع على نفي الأعلى واستحالته ، أي عدّه محالا عرفا ، فيقع بعد نفي إمَّا صريح ، كقولك : فلان لا يعطي الدرهم فضلا عن الدينار ، تريد أنّ إعطاء الدرهم منفي ، ومستبعد ، فكيف يُتصوَّر منه إعطاء الدينار ، وإمَّا ضمني ، كقوله (1) : وتقاصر الهمم .. الخ ، يريد لأنّ هممهم تقاصرت عن بلوغ أدنى عُدد هذا العلم ، وصار منفيا مستبعدا عنهم ، فكيف ترقى إلى ما ذكر ، وهو مصدر قولك : فضل عن المال كذا ، إذا ذهب أكثره ، وبقي أقله ، ولمَّا اشتملت على معنى الذهاب والبقاء ، ومعنى الكثرة والقلة ، ظهر هناك توجيهان ، فمنهم مَنْ نظر إلى معنى الذهاب والبقاء ، فقال : تقدير الكلام فضل عدم إعطاء الدرهم عن إعطاء / الدينار ، أي ذهب إعطاء الدينار 10 أ بالمرة ، وبقي عدم إعطاء الدرهم ، فالباقي هو نفي الأدنى المذكور قبل فضلا ، والذاهب هو نفس الأعلى المذكور بعده ، وعلى هذا التوجيه يفوت شيئان من أصل الاستعمال :
الأول : كون الباقي من جنس الذاهب ، إذ ليس انتفاء الأدنى من جنس الأعلى .
... الثاني : كون الباقي أقل من الذاهب ، إذ لا معنى لكون انتفاء الأدنى أقل من جنس الأعلى .
فإن فلت : يُردَُ عليه أنّ المفهوم من فضلا حينئذ أنّ ما بعده ذاهب منتف بتمامه ، وأَمّا أنه داخل في الانتفاء ، وأقوى فيه مما نفي قبله كما هو المقصود فلا .
__________
(1) أي الزمخشري في الكشاف .(1/23)
... قلت : قد يفم ذلك من كونه أعلى وأدنى ؛ لأنّ الأعلى أولى بالانتفاء من الأدنى ، ومنهم مَنْ نظر إلى القلة والكثرة ، فقال : التقدير في المثال فضل عدم إعطاء الدرهم عن عدم إعطاء الدينار ، أي العدم الأول قليل بالقياس إلى العدم الثاني ، فإنّ الأول عدم ممكن مستبعد وقوعه ، والثاني عدم مستحيل ، فهو أكثر قوة ، وأرسخ من الأول ، وعلى هذا التوجيه يفوت من أصل الاستعمال معنى الذهاب والبقاء ، ويلزم أنْ لا تكون كلمة عن صِله له بحسب معناه المراد ، بل بحسب أصله ، ويحتاج إلى تقدير النفي فيما بعد فضلا ، وهاهنا توجيه ثالث مبني على اعتبار ورود النفي على الأدنى ، بعد توسط فضلا بينه وبين الأعلى ، كأنه قيل : يعطي الدرهم فضلا عن الدينار ، أي فضل إعطاء الدرهم عن إعطاء الدينار ، على معنى ذهب إعطاء الدينار ، وبقي من جنسه بقية ، هي إعطاء الدرهم ، ثم أورد النفي على البقية ، وإذا انتفى بقية الشيء كان ما عداها أقدم منها في الانتفاء ، ويرجع حاصل / المعنى إلى أنّ إعطاء الدينار انتفى أولاً ، 10ب ثم تبعه في الانتفاء إعطاء الدرهم ، انتهى ملخصاً .
ثم ذكر بعد ما مرّ ما نصه : قال رحمه الله تعالى : لزم حذف ناصب فضلاً لجريه مجرى تتمة الأول ، بمنزلة لاسيما ، ولا محلّ لذلك المحذوف من الإعراب البتة ، وردَّ به على مَنْ زعم أنه حال ، ولا يلتبس عليك أنّ فاعل ذلك المحذوف هو الأدنى ، على الوجه الأخير ، ونفيه على الوجهين الأولين ، انتهى .
وعدم صحة كونه حالا على المعنى الذي قرره ظاهر ، وكذا عدم كون الجملة صفة بخلاف ذلك كله على المعنى الذي قرره ابن هشام ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام .
ومنها قولهم : وهذا بخلاف كذا ، والظاهر أنّ الخبر خلاف ، والباء زائدة فيه ، كقوله تعالى [ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ] (1) ، أو الخلاف اسم مصدر خالف ، أي وهذا ملتبس بمخالفة كذا .
__________
(1) يونس 27(1/24)
(وقد يقولون : بخلاف ما لو كان كذا ، وقد ذكر في المغني في بحث لو أنّها تكون حرفاً مصدرياً وأكثر وقوعها بعد ودَّ أو ( يودّ ، نحو [ يَوَدُّ أَحَدُهم لو يُعَمّرُ ] (1) وقد تقع بدونهما ومنه قولُ قُتَيْلَة َ:
ما كانَ ضرَّكَ لو مَنَنْتَ ورُبَّما ... مَنَّ الفَتَى وهو المَغيظُ المُحْنَقُ (2)
قال الدَّمامينيّ في شرحه : قلتُ وعلى كون لو مصدرية يتخرّج ما يقعُ في تصانيف العلماء كثيراً من قولهم : بخلاف ما لو كان كذا : كقول ابن الحاجب في كتابه الفقهي : بخلاف ما لو وقع ميتاً ، وقول صاحب التلخيص : بخلاف ما لو أُخِّرَ ، فيكون التقدير بخلاف وقوعه ميتاً ، وبخلاف تأخيره و ما زائدة بين المضاف والمضاف إليه نحو : جئتك غير ما مرَّة ، هذا أقرب ما يخرّج مثل هذا التركيب عليه والله أعلمُ ، انتهى .) (3)
ومنها قولهم : وليس كما زعمه فلان صوابا ونظائره ، ومثله قول المطول: وليس كما توهمه كثير من الناس مبنيا، قال محشيه الفاضل السيالكوتي : أي ليس مبنيا بناء مثل ما توهمه كثير من الناس ، أو في موقع الحال من ضمير مبنيا ، أي ليس مبنيا حال كونه مماثلا لما توهمه كثير ، على ما قاله صاحب المغني ، في قوله تعالى [ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ] (4) ، والقول بأنه خبر ليس ، ومبنيا بدل منه ، أو خبر بعد خبر تكلّف .
__________
(1) .البقرة 96
(2) من الكامل ، لقتيلة بنت النضر ، ديوانها / الموسوعة الشعرية .
(3) ما بين القوسين من قوله : وقد يقولون .. ألى انتهى ساقط من الأصل المخطوط أ وما أثبتناه من النسخة المحققة ضمن المكتبة الشاملة .
(4) الأنبياء 104(1/25)
ومنها قولهم : قالوا عن آخرهم ، ومثله قول الكشاف : وقد عجزوا عن آخرهم ، قال السيد الشريف قدس سره : عن آخرهم صفة مصدر محذوف ، أي عجزاً صادرا عن آخرهم ، وهو عبارة عن الشمول ، فإنّ العجز إذا صدر عن الآخر ، فقد صدر أولا عن الأول ، وقيل عجزا متجاوزا عن آخرهم ، فيدل على شموله إياهم / وتجاوزه عنهم ، فهو أبلغ من أن يقال عجزوا كلهم ، وردّ 11 أ بأنّ التجاوز بمعنى التعدي والمجاوزة ، يتعدى بنفسه ، والذي يتعدى بعن ، معناه العفو ، وقيل : عجزا صادرا عن آخرهم إلى أولهم ، ورُدّ بأنّ مقابل إلى هو مِن ، لا عن ، انتهى .
ومنها قولهم : ناهيك بكذا ، كقول الكشاف : وناهيك بتسوية سيبويه دلالة قاطعة ، قال السيد الشريف قدس سره : أي حسبك وكافيك تسويته ، وهو اسم فاعل من النهي ، كأنه ينهاك عن تطلّب دليل سواه ، يقال : زيد ناهيك من رجل ، أي هو ينهاك عن غيره بجده وغنائه، ودلاله قاطعة نصب على التمييزمن ناهيك ، انتهى . وعليه فالباء مزيدة في الفاعل .
ومنها قولهم : كلّ فَرْدٍ فَرْدٍ ، كقول المطول : معرفة كلِّ فردٍ فردِ ، من جزئيات الأحوال ، قال المحقق الفَنَرِيّ : الأقرب أنه من التأكيد اللفظي، وقد يُجعل من قبيل وصف الشيء بنفسه ، قصداً إلى الكمال ، أو المراد كل فرد منفرد عن الآخر ، وحاصله معرفة كل فرد على سبيل التفصيل والانفراد ، دون الاقتران ، وقد يترك لفظ كل في مثله ، مع أنّ العموم مراد ، كأنْ يُقال : معرفة فرد فرد ، والظاهر أنّ العموم مستفاد من قرينة المقام ، فإنّ النكرة في الإثبات قد تعمُّ ، ويُحتمل أن يُحمل على حذف المضاف ، وهو كل بتلك القرينة .(1/26)
ومنها قولهم : ولا سيما كذا ، قال المحقق الفَنَرِيّ : لا لنفي الجنس ، وسيّ مثلُ مثل وزناً ومعنى اسمها عند الجمهور ، وأصله سِوْيٌ ، أو سِيْوٌ ، والواقع بعدها إذا كان مُعرّفا إمَّا مجرور على أنه مضاف إليه ، وما زائدة ، كما في قوله تعالى [ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ ] (1) ، أو بدل من ما ، وهي نكرة غير موصوفة ، أي لا مثل شيء علم البيان ، وإمَّا خبر مبتدأ محذوف ، والجملة صلة ، إنْ جعلتَ ما موصولة ، أو صفة / إن جُعلتْ موصوفة ، والجرّ أولى من هذا 11ب الوجه ؛ لقلة حذف صدر الجملة الواقعة صلة ، أو صفة ، صرح بها الرضيّ ، على أنه يقدح في اطّراده لزوم إطلاق ما على ذات مَنْ يعقل ، وهم يأبونه ، وعلى الوجهين فحركة سيّ إعراب ؛ لأنه مضاف ، وإمَّا منصوب على تقدير أعني ، أو على أنه تمييز ، إنْ كان نكرة ؛ لأنّ ما بتقدير التنوين ، وهي كافة عن الإضافة ، والفتحة بنائية مثلها في لا رجلَ ، وقيل : على الاستثناء في الوجهين ، فعدم تجويز النصب إذا كان معرفة وَهْمٌ من الأندلسي ، وعلى التقادير خبر لا محذوف عند غير الأخفش ، أي لا مثل علم البيان موجود من العلوم ، فإنّ التحلِّي بحقائقه أحق بالتقديم من التحلِّي بحقائق غيره ، وعنده ما خبر لا ، ويلزمه قطع سيّ عن الإضافة من غير عوض ، قيل : وكون خبر لا معرفة ، وجوابه أنه يقدّر ما نكرة موصوفة ، وأمَّا الجواب باحتمال أن يكون قد رجع إلى قول سيبويه في : لا رجلَ قائمٌ ؛ لأنّ ارتفاع الخبر بما كان مرتفعا به ، لا بلا النافية ، فلا يفيد فيما نحن فيه ، كما لا يخفى ، وقد تحذف منه كلمة لا تخفيفا، مع أنها مرادة ، ولهذا لا يتفاوت المعنى ، كما في قوله عالى [ تَفْتَأُ تَذْكُرُ] (2) ، أي لا تفتأ ، لكن ذكر البلياني (3) في شرح تلخيص الجامع الكبير أنّ استعمال سِيَّما بلا لا لا نظير له في كلام العرب ، وقد تُخفّف الياء مع
__________
(1) القصص 28
(2) يوسف 85
(3) محمد بن محمد النيسابوري ، ت 810هـ(1/27)
وجود لا وحذفها ، وقد يُقال : لا سواءَ مقام لا سيما ، والواو التي تدخل عليها في بعض المواضع ، كما في قوله (1) :
وَلا سِيَّما يَوماً بِدارَةِ جُلجُلِ
اعتراضية ، ذكره الرضيّ ، وقيل : حالية ، وقيل : عاطفة ، ثمّ عدّها من كلمات الاستثناء ، لكون ما بعدها مُخْرَجا عمَّا قبلها من حيث أولويته بالحكم المتقدم ، وإلاّ فليس فيها حقيقته ، صرح به الرضيّ ، وقد يُحذف (2) ما بعد لا سيما ، وتنقل من معناها الأصلي إلى معنى خصوصا ، فيكون منصوب/ المحلِّ على أنه12 أ مفعول مطلق .
فإذا قلت : زيد شجاع ولا سيما راكبا، فراكبا حال من مفعول الفعل المقدّر ، أي وأخصّه بزيادة الشجاعة ، خصوصا راكبا ، وكذا في زيد شجاع ولا سيما وهو راكب ، والواو التي بعده للحال ، وقيل: عاطفة على مُقدّر ، كأنه قيل : ولا سيما وهو لابس السلاح وهو راكب ، وعدم مجيء الواو قبله حينئذ كثير ، إلاّ أنّ المجيء أكثر ، انتهى .
ومنها قولهم : قوله فقط ، كقول صاحب التلخيص : والفصاحة يوصف بها الأخيران فقط ، قال المحقق التفتازاني في المطوّل : وقوله فقط من أسماء الأفعال بمعنى انته ، وكثيرا ما يُصدّر بالفاء تزييناً للفظ ، وكأنه جزاء شرط محذوف ، إي إذا وصفتَ بها الأخيرين فقط ، أي فانته عن وصف الأول بها ، انتهى .
__________
(1) عجز بيت من الطويل ، لامرئ القيس ، ديوانه / الموسوعة الشعرية ، ورواية الديوان ، ولا سيما يومٍ بجريوم ، والبيت بتمامه :
... ... أَلا رُبَّ يَومٍ لَكَ مِنهُنَّ صالِحٌ وَلا سِيَّما يَومٍ بِدارَةِ جُلجُلِ
(2) يحذف ساقطة من الأصل المخطوط .(1/28)
قال بعض المحشين ، وقال ابن هشام في حواشي التسهيل : لم يسمع منهم إلاّ مقرونا بالفاء ، وهي زائدة لازمة عندي ، وقال الدماميني نقلا عن ابن السيد في نحو أخذت درهما فقط : أخذت درهما فاكتفيت به ، فجعلها عاطفة ، قال : وهو خير من قول التفتازاني ، وابن هشام ، بقي أنه يُردُّ على كلام المطول أنّ الفاء في جواب الشرط ليس للتزيين ، بل من حروف المعاني ، ففيه منافاة ، ويُجاب بأنّ الشرط المحذوف إنما يُعتبر لإصلاح الفاء المذكور للتزيين ، وليس في المعنى داعٍ إلى اعتبار الشرط المحذوف ، فذكر الفاء لتزيين اللفظ فيه تقوية لجانب المعنى ، لرعاية جانب اللفظ ، هذا والأظهر أنّ قوله : وكأنه توجيه ثانٍ ، ثم إنّه قدّر أداة الشرط المحذوفة (1) إذا ، وكذا وقع لغيره ، والحق أنه لا يُحذف من أدوات الشرط إلاّ إنْ ، وأورد عليه ابن كمال باشا ، بعد أنْ نقل عن المغني أنها تكون بمعنى حسب كقد ، واسم فعل / بمعنى يكفي . ... ... ... 12ب
إنّ المناسب للمقام جعلها بمعنى حسب ، وعلى تقدير جعلها اسم فعل فهي بمعنى يكفي ، قال : فجعلها هنا اسم فعل ، وأنها بمعنى انْتَهِ ، غلط مرتين .
ومنها قولهم : كائنا ما كان ، قال بعض المحققين : جعل الفارسي ( ما ) في ضربته كائنا ما كان مصدرية ، وكان صلتها ، وهما في محل رفع بكائن ، وكلاهما على التمام ، أي كائنا كونه ، وقيل : كائن من الناقصة ، وكان ناقصة أيضا ، وما موصولة ، استعملت لمَن يعقل ، كما في لا سيما زيد ، وفي كائن ضمير هو اسمها ، وما خبرها ، وفي كان ضمير ، ما اسمها ، وخبرها محذوف ، أي كائنا الشخص الذي هو إياه ، ويجوز كون ما نكرة موصوفة بكان ، وهي تامة والتقدير لأضربنه كائنا شيئا كان ، أي شيئا وُجِد ، والمعنى لأضربنه كائنا بصفة الوجود ، من غير نظر إلى حال دون حال ، مفردا كان أو مركبا ، كلاًّ أو جزءاً، ولعل هذا أولى من الذي قبله ، انتهى .
__________
(1) المحذوفة ، زيادة يقتضيها السياق .(1/29)
أقول : ويخطر لي وجه آخر ، وهو أنّ ما صلة للتوكيد ، وكائنا وكان تامتان ، والمعنى لأضربنه موجودا وُجِد ، أي أيَّ شخص وُجِد ، صغيرا أو كبيرا، جليلا أو حقيرا ، ووجه آخر ، وهو أن تكون ما اسما نكرة صفة لكائنا ، أو بدلا منه ، فإذا قلت : لأضربنّ رجلا كائنا ما كان ، فالمعنى لأضربن رجلا موجودا شخصا وُجِد ، والمعنى على التعميم كالأول ، أي أيّ شخص ، وقد خرَّجوا على هذين الوجهين قوله تعالى [ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً ] (1) ، ووقع في عبارة المطول كائنا من كان أنا أو غيري ، فقال الفاضل الفَنَرِيّ : كائناحال ، ومَنْ موصوفة في محل نصب خبرا لكائنا ، والعائد محذوف ، أي كانَه ، واعتُرِض بامتناع حذف خبر كان ، نصّ عليه ابن هشام ، وصاحب / اللباب، وغيرهما13 أ وأُجيبَ بأنّه هاهنا سماعي ثَبَت على خلاف القياس ولو قيل كان تامة وفاعله راجع إلى مَنْ لم يحتج إلى ما ذكره ، وأنا خبر مبتدأ محذوف ـ أي هو أنا ، أو غيري ، أو بدل مِنْ (مَنْ كان) على أنْ يكون من قبيل استعارة الضمير المرفوع للمنصوب كما استعير للمجرور في ما أنا كانت انتهى
ومنها قولهم : بعد اللَّتَيّا والَّتي ، قال محقّقُ الروم حسن جلبي الفناري ( اللَّتيّا ) تصغير ( التي ) على خلاف القياس لأنّ قياس التصغير أنْ يُضمَّ أولُ المُصَغّر وهذا أُبقي على فتحته الأصلية ، لكنّهم عوضوا عن ضمّ أوّله بزيادة الألف في آخره كما فعلوا ذلك في نظائره من ( اللذيّا ) و ( ذيّا ) و( ذياك ) والمعنى بعد اللحظة الصغيرة والكبيرة التي من فظاعة شأنها كَيْتَ وكَيْتَ حُذِفت الصلة إيهاماً لقصور العبارة عن الإِحاطة بوصف الأمر الذي كُني بهما عنه وفي ذلك من تفخيم أمره ما لا يخفى ، انتهى .
__________
(1) البقرة 26(1/30)
وأصله أنّ العرب تقول ذلك في الأمر الصعب الذي لا يُراد فعله والتزموا عدم ذكر صلة لهما لا لفظاً ولا تقديراً لِمَا مرَّ ، فيُلغز ويُقال أيّ موصول وليس له صلة ولا عائد ، وقد نظم ذلك بعضُ مشايخ مشايخنا فقالَ :
يا أيّها النحويّ ذا العرفان ... ومَنْ حوى لطائفَ البيان
ما اسمانُ موصولان مبنيان ... ولم يكونا قطُّ يوصلان
ومنها قولهم : أوَّلاً وبالذات ، قال الفَنَريّ في حواشي المطوّل : أوّلاً منصوب على الظرفية بمعنى قبل ، وهو حينئذ منصرفٌ لا وصفية له ؛ ولذا دخله التنوين مع أنّه أفعل التفضيل في الأصل ، بدليل الأولى والأوائل كالفُضلى والأفاضل ، وهذا معنى ما قاله في الصحاح : إذا جعلته صفة / لم تصرفه13ب تقول لقيته عاماً أوّلَ ، وإذا لم تجعله صفة صرفته تقول لقيته عاماً أَوّلاً ، أوّل معناه في الأوّل أوّل من هذا العام ، وفي الثاني قبل هذا العام ، والباء في بالذات بمعنى في وهو معطوف على أوّلاً ، أي في ذات المعنى بلا واسطة .
ومنها قولهم : وهذا الشيء لا محالة َكذا ، وهي مصدر ميمي بمعنى التحوّل مِن حالٍ إلى كذا بمعنى تحوّل إليه ، وخبر لا محذوف أي لا محالة موجودٌ والجملة معترضة بين اسم إنّ وخبرها ؛ مفيدة تأكيد الحكم .
ومنها قولهم : لا أَفْعَلُهُ البَتَّة ، وهي مصدر من ( البَتّ ) بمعنى القطع وفي القاموس : لا أفعلُهُ البَتَّة َ وبتَّة ً لكلِّ أمرٍ لا رَجْعَة َ فيه ، انتهى .
والمشهور على الألسنة أنّ همزتها همزة قطع وبه صَرَّح الإِمام الكِرْماني في شرح البخاري وردّه الحافظ ابنُ حجر في شرحه فتح الباري بما حاصله أَنَّه لم يَرَ أحداً من أهل اللغة صرَّحَ بذلك ، ونازعه البدر العَيْني في شرحه أيضاً بأنّ عدم رؤيته واطلاعه على التصريح بذلك لا يُنافي وجوده .(1/31)
قلتُ القياس يقتضي ما قاله الحافظ ،فإنّه من المصادر الثلاثية وهمزاتهاهمزة وصل ، وبمنازعة العيني لا يثبت المدَّعى ، نَعَمْ قد يُقال من حُسْنِ الظنِّ بالإِمام الكِرْماني أنّه لا يقولُ ذلك من رأيه مع مخالفته لقياسه على نظائره ، فلولا وقوفه على ثَبَت في ذلك لما قاله ، وصرّح بعض الفضلاء بأنّ المشهور كونها همزة قطع ، وأنّه مما خالف القياس ، وهو يؤيد ما قاله الكِرْماني والله تعالى أعلمُ بحقيقة الحال .
ثمّ رأيت في الشرح الكبير للعلامة الدماميني على المغني عند قوله في باب الهمزة : ولو كان على الاستفهام الحقيقي لم يكن مدحاً البَتَّة َما نصه : هي بمعنى القول المقطوع به قالَ الرضيّ : وكأنَّ اللام فيها في الأصل للعهد ،أي القطعة / (1) المعلومة التي لا تردّد فيها ، فالتقدير هنا أجزمُ بهذا الأمر وهو أنّه 14أ لو كان على حقيقة الاستفهام لم يكن مدحاً قطعة واحدة ، والمعنى أنّه ليس فيه تردّد بحيث أجزم به،ثُمّ يبدو لي ،ثُمّ أجزمُ به مرة أخرى فيكون قطعتين أو أكثر ، بل هو قطعة واحدة لا يُثَنَّى فيها النظر ، فالبَتَّة بمعنى القطعة ونصبها نصب المصادر ، انتهى .
وفي هذا إشارة ظاهرة إلى أنّ الهمزة همزة وصل ، بل كلام الرضيّ كالصريح في ذلك ، اللهمّ إلاّ أنْ يكونَ ذلك بناءً على ما هو القياس ، فلا يُنافي ما قدّمناه من أنّ قطع همزتها ، مما خالف القياس ، ثُمَّ رأيتُ التصريح بذلك في تصريح الشيخ خالد الأزهري في بحث المعرفة حيث قال : البَتَّة بقطع الهمزة سماعاً قاله شارح اللباب ، والقياس وصلها ، انتهى .
__________
(1) الورقة 14 بتمامها غير موجودة في الأصل المخطوط ، وما أثبتناه من المطبوع في المكتبة الشاملة ، وفيه إعادة لما كان ذكره المصنف من قبل .(1/32)
ومنها قولهم : هو كـ ( لا شيء ) ووجوده كـ ( لا وجود ) ، صارت لا مع ما بعدها كلمة واحدة ، وأجري الإِعراب على آخرها وعرّفت باللام في مثل اللاحجر ، وقيل هو بمعنى غير ، إلاّ أنّ إعرابها أظهرُ فيما بعدها ؛ لكونها على صورة الحرف كما في إلاّ ، بمعنى غير ، انتهى .
ومنها قولهم : يجوز كذا خلافاً لفلان ، ووجَّهَهُ الجمال بن هشام في بعض مصنفاته فقال: قد يُقال يجوز فيه وجهان ،أحدهما أنْ يكون مصدراً كما أنّ قولك : يجوز كذا اتفاقاً أو إجماعاً، بتقدير اتفقوا على ذلك اتفاقاً ،وأجمعوا عليه إجماعاً ويشكل على هذا أنّ فعله المقدّر إمّا اختلفوا ، أو خالفوا ، أو خالفت ، فإنْ كان اختلفوا ، أشكل عليه أمران أحدهما أنّ مصدر اختلف إنّما هو الاختلاف لا الخلاف والثاني أنّ ذلك يأبى أنْ يقول بعده لفلان وإنْ كان خالفوا ، أو خالفت أشكل عليه أنّ خالف لا يتعدى باللام بل بنفسه وقد يُختار هذا القسم ويُجاب عن هذا الاعتراض بأنْ يُقالَ قُدّر اللام مثلها في سقياً له ،أي متعلقة بمحذوف تقديره أعني له ، أو إرادتي له ، ألا ترى أنّه لا يتعلّق بسقياً ؛ لأنّ سقى يتعدى بنفسه والوجه الثاني أنْ يكون حالاً ،والتقدير أقول ذلك خلافاً لفلان ،أي مخالفاً له وحذفُ القول كثير جداًّ ، حتى قال أبو علي هو من باب حدِّث عن البحر ولا حَرَج ، ودلَّ على هذا العامل أنّ كلَّ حكم ذكره المصنّفون فهم قائلون به ؛فكأنّ القولَ مقدّر قبلَ كلِّ مسألة ،ٍ وهذه العِلّة قريبة من العِلّة التي ذكروها لاختصاصهم الظروف بالتوسع فيها ،وذلك أنّهم قالوا إنّ الظروف منزّلة من الأشياء منزلة أنفسها لوقوعها فيها ، وأنّها لا تنفكّ عنها ، والله تعالى أعلم.(1/33)
ومنها قولهم : في التاريخ كان كذا عام كذا ،قال العلامة الدماميني في أول شرحه الكبير على المغني : عند قوله : وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبع مئة ما نصّه : كثيراً ما يقع هذا التركيب، وهو مشكل ،وذلك أنّ المراد من قولك : وقع كذا في عام أربعين ، هو الواقع بعد تسعة وثلاثين، وتقرير الإِضافة فيه باعتبار هذا المعنى غير ظاهر ، إذ ليست فيه الإِضافة بمعنى اللام ضرورة أنّ المضاف إليه ليس جنساً للمضاف، ولا ظرفاً له، فيكون معنى نسبة العام إلى الأربعين كونه جزءاً منها كما في يد زيدٍ ، وهذا لا يؤدي المعنى المقصود ،إذْ يصدقُ بعامٍ ما منها ، سواء كان الأخير أو غيره وهو خلاف الفرض ويمكن أنْ يقال قرينة الحال معينة ؛ لأنّ المراد الأخير ؛ وذلك لأنّ فائدة التاريخ ضبط الحادثة المؤرّخة ، بتعيين زمانها ، ولو كان المراد ما يعطيه ظاهر اللفظ في كونِ العام المؤرّخ واحداً من أربعين، بحيث يصدق على أيّ عام فرض، لم يكن لتخصيص الأربعين مثلاً معنىً يحصل به كمال التمييز للمقصود ، ولكنّ قرينة إرادة الضبط بتعيين الوقت تقتضي أنْ يكون هذا العام هو مكمّل عدّة الأربعين ،أو يُقال حُذِف مضاف لهذه القرينة ، والتقدير في عام آخر أربعين والإِضافة/ 15أ بيانية أي في عامٍ هو آخر أربعين فتأمَّلْه ، انتهى .
أقول يظهر لي أنّه لا حاجة إلى تقدير المضاف بعد جعل الإِضافة بيانية فإنّ الأربعين كما تُطلق على مجموعها تُطلق على الآخر منها ، وهكذا غيرها من الأعداد ، بدليل أنّكَ تقول هذا واحد ، هذا اثنان .. الخ ، فتطلق الاثنين على الثاني والثلاثة على الثالث، كما تُطلق على مجموع الاثنين ، ومجموع الثلاثة فتأمَّل . تمت في ثالث شهر جمادي آخر ،
سنة ثمانين ومائتين بعد تمام الألف ،
والله تعالى أعلم
بالصواب .(1/34)