العقد الثمين
في شرح منظومة الشيخ ابن عثيمين
" رحمه الله تعالى "
في أصول الفقه وقواعده
لفضيلة الشيخ
أ . د / خالد بن علي المشيقح
" حفظه الله تعالى "
اعتنى به وخرّج أحاديثه
محمد بن مفتاح الفهمي ... إبراهيم بن أحمد الحميضي
غفر الله لهما ولوالديهما وللمسلمين
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقمت بحمد الله بشرح منظومة شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، آمين، في عدة دورات في مناطق مختلفة من المملكة العربية السعودية، وقد تميزت هذه المنظومة بأمور منها :
أولاً : سهولة اللفظ ووضوح المعنى .
ثانياً : أنها اشتملت على جملة من القواعد الأصولية، والقواعد الفقهية، والضوابط الفقهية، والفروق الفقهية .
وقد أقبل عليها كثير من طلبة العلم بحفظها وتدارسها وذلك لما تقدم من سهولة لفظها ووضوح معانيها وما شملته من فنون العلم السالفة الذكر .
وقد قام الأخ / محمد بن مفتاح الفهمي وفقه الله بتفريغ الأشرطة المسجلة وترتيبها والعناية بذلك .
كما قام الأخ / إبراهيم بن أحمد الحميضي وفقه الله بالعناية بتخريج الأحاديث، فجزاهما الله خيراً .
أسأل الله أن ينفع بها ناظمها، وشارحها، والمستفيد من ذلك، آمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح
الأستاذ بجامعة القصيم – قسم الفقه
في 6/1/1427هـ
ترجمة المؤلف
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
نسبه :(1/1)
هو أبو عبد الله محمد بن صالح بن سليمان بن عبد الرحمن ابن عثمان الوهيبي التميمي وجده الرابع أطلق عليه عثيمين فاشتهر به.
مولده :
ولد في مدينة عنيزة إحدى مدن القصيم في السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1347 هـ .
نشأته :
قرأ القرآن الكريم على جده من جهة أمه عبد الرحمن ابن سليمان آل دامغ رحمه الله فحفظه، ثم اتجه إلى طلب العلم فتعلم الخط والحساب وبعض فنون الآداب، وكان الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله قد أقام اثنين من طلبة العلم عنده ليدرسا الطلبة الصغار أحدهما الشيخ علي الصالحي، والثاني الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع رحمه الله، قرأ عليه مختصر العقيدة الواسطية للشيخ عبد الرحمن السعدي، ومنهاج السالكين في الفقه للشيخ عبد الرحمن أيضاً، والأجرومية والألفية .
وقرأ على الشيخ عبد الرحمن بن علي بن عودان في الفرائض والفقه.
وقرأ على الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي الذي يعتبر شيخه الأول حيث لازمه وقرأ عليه التوحيد والتفسير والحديث والفقه وأصول الفقه والفرائض ومصطلح الحديث والنحو والصرف.
وكانت لفضيلة الشيخ منزلة عظيمة عند شيخه رحمه الله فعندما انتقل والد الشيخ محمد رحمه الله إلى الرياض إبان أول تطوره رغب في أن ينتقل معه ولده – الشيخ – رحمه الله فكتب له الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله ( إن هذا لا يمكن نريد محمدًا أن يمكث هنا حتى يستفيد ) .
ويقول فضيلة الشيخ رحمه الله: ( إنني تأثرت به كثيراً في طريقة التدريس وعرض العلم وتقريبه للطلبة بالأمثلة والمعاني، وكذلك أيضاً تأثرت به من ناحية الأخلاق لأن الشيخ عبد الرحمن رحمه الله كان على جانب كبير من الأخلاق الفاضلة، وكان رحمه الله على قدر كبير في العلم والعبادة، وكان يمازح الصغير، ويضحك إلى الكبير، وهو من أحسن من رأيت أخلاقاً ) .(1/2)
قرأ على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله حيث يعتبر شيخه الثاني، فابتدأ عليه قراءة صحيح البخاري وبعض رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية وبعض الكتب الفقهية .
يقول الشيخ ( تأثرت بالشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله من جهة العناية بالحديث، وتأثرت به من جهة الأخلاق أيضاً وبسط نفسه للناس ) .
في عام 1371 هـ جلس للتدريس في الجامع، ولما فتحت المعاهد العلمية في الرياض التحق بها عام 1372هـ ، يقول الشيخ رحمه الله : ( دخلت المعهد العلمي من السنة الثانية، والتحقت به بمشورة من الشيخ علي الصالحي، وبعد أن استأذنت من الشيخ عبد الرحمن السعدي عليه رحمة الله، وكان المعهد العلمي في ذلك الوقت ينقسم إلى قسمين خاص وعام، فكنت في القسم الخاص، وكان في ذلك الوقت أيضاً من شاء أن يقفز – كما يعبرون – بمعنى أنه يدرس السنة المستقبلية له في أثناء الإجازة ثم يختبرها في أول العام الثاني، فإذا نجح انتقل إلى السنة التي بعدها وبهذا اختصرت الزمن ) ا هـ.
وبعد سنتين تخرج وعين مدرسًا في معهد عنيزة العلمي مع مواصلة الدراسة انتساباً في كلية الشريعة ومواصلة طلب العلم على يد الشيخ عبد الرحمن السعدي .
ولما توفي فضيلة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تولى إمامة الجامع الكبير بعنيزة والتدريس في مكتبة عنيزة الوطنية بالإضافة إلى التدريس في المعهد العلمي ثم انتقل إلى التدريس في كليتي الشريعة وأصول الدين بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم بالإضافة إلى عضوية هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وكان لفضيلة الشيخ رحمه الله نشاط كبير في الدعوة إلى الله عز وجل وتبصير الدعاة في كل مكان وله جهود مشكورة في هذا المجال .(1/3)
والجدير بالذكر أن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله قد عرض بل ألح على فضيلة الشيخ في تولي القضاء، بل أصدر قراره بتعيينه رحمه الله تعالى رئيساً للمحكمة الشرعية بالإحساء فطلب منه الإعفاء، وبعد مراجعات واتصال شخصي مع فضيلة الشيخ سمح رحمه الله تعالى بإعفائه من منصب القضاء .
مؤلفاته :
له رحمه الله تعالى مؤلفات كثيرة تزيد على المائة ما بين كتاب ورسالة .
وفاته :
كانت في عصر يوم الأربعاء بتاريخ 15/10/1421هـ الموافق 10/11/2001م وتم دفنه بمقبرة العدل بمكة المكرمة بجوار قبر شيخه العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله .
وأسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة وأن يجمعنا وإياه في جنات النعيم وأن يجزيه عما قدّم للإسلام والمسلمين خيراً .
قال الناظم الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
مُعْطِي النِّوالَ كُلَّ مَنْ يَسْتَجدِيِ
مُعينِ مَنْ يَصْبُو إلى الوُصُولِ
على الذِي أُعطِي جَوامِعَ الكَلِمْ
وَخَيرِ هادٍ لجَميعِ مَنْ دَرَى
لنْ يَبْلغَ الكادِحُ فِيهِ آخِرَهْ
لنَيْلِه فَاحرصْ تجِدْ سَبِيلا
فَمْن تَفُتْهُ يُحْرَمِ الوُصولا
أرجُو بِها عالِ الجنَانِ نُزُلا
وليس لي فيها سِوىَ ذا النظْمِ ... 1- الحمدُ للهِ المُعِيد المُبْدِي
2- مُثَبِّتِ الأحكامِ بالأصُولِ
3- ثُمَّ الصلاةُ مَعْ سَلامٍ قدْ أُتِمْ
4- مُحَمّدِ المبعُوثِ رَحْمةَ الوَرَى
5- وبعدُ فالعلمُ بحورٌ زاخِرَهْ
6- لكنَّ في أصولِهِ تَسْهِيلا
7- فاغْتنِمِ القواعدَ الأصُولا
8- وهَاكَ مِنْ هذِي الأصولِ جُمَلا
9- قواعِداً مِنْ قولِ أَهلِ العِلْمِ
القواعد والأصول
التمهيد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فعنوان هذه المنظومة : ( منظومة في أصول الفقه وقواعد الفقه ) .(1/4)
قوله : (منظومة ) النظم لغة : يطلق على معان منها : التأليف، والترتيب . والنظم خلاف النثر .
والمراد : الكلام المقفى الموزون .
والأصول : جمع أصل : وهو ما يُبنى عليه غيره ، أو ما يتفرع منه غيره، وسيأتي أن العلماء يطلقون الأصل ويريدون به عدة أشياء. (1)
والفقه في اللغة : الفَهْم، ومنه قوله تعالى : { ( - ( - ( مقدمة - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - ( { (( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - ( الله أكبر - - - ( - - (((( } - قرآن كريم ( - - { ((- رضي الله عنه - - - ( - ( قرآن كريم - - (((( } (2) .
واصطلاحاً : معرفة الأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية .
قولنا : ( معرفة ) : يشمل العلم والظن ؛ لأن إدراك الأحكام الفقهية قد يكون يقينياً، وقد يكون ظنياً .
قولنا : ( الأحكام ) : يأتي تعريف الأحكام عند الكلام على البيت الثاني من هذه المنظومة .
وقولنا : ( الشرعية ) : أي : المتلقاة من الشرع، كالوجوب والحرمة . فخرج به الأحكام العقلية، كمعرفة أن الكل أكبر من الجزء، والعادية كمعرفة أن الماء مروٍ، وأن الخبز مُشبع .
قولنا : ( العملية ) : يخرج الاعتقادية كتوحيد الله، ومعرفة أسمائه وصفاته، فلا يسمى ذلك فقهاً اصطلاحاً .
وقولنا : ( المكتسبة من الأدلة التفصيلية ) : أي : أن هذه الأحكام من الأدلة المفصِّلة للأحكام فخرج بذلك أصول الفقه؛ لأنه مكتسب من الأدلة الإجمالية .
وتعريف أصول الفقه باعتباره فناً مستقلاً هو : أدلة الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد .
فقولنا : ( أدلة الفقه الإجمالية ) : يشمل الأدلة المتفق عليها، والأدلة المختلف فيها؛ لأن أدلة الفقه تنقسم قسمين :
القسم الأول : أدلة متفق عليها .
__________
(1) انظر ص (38) .
(2) سورة طه، الآيتان : 27 ، 28 .(1/5)
القسم الثاني : أدلة مختلف فيها، كما سيأتي إن شاء الله الإشارة إليه في النظم . (1)
وقولنا : ( الإجمالية ) : يخرج أدلة الفقه، فإن أدلة الفقه تفصيلية .
وقولنا : ( كيفية الاستفادة منها ) : يعني معرفة طرق الاستنباط : الأمر، والنهي، والمطلق، والمقيد، والعام، والخاص ... إلخ .
وقولنا : ( حال المستفيد ) : المستفيد : هو المجتهد، ففي أصول الفقه تُبْحَثُ أحكامُ المجتهد وما يُلحق بذلك من أحكام الفتوى، والتعارض، والترجيح؛ لأنها من خصائص المجتهد، وتدخل مباحث التقليد لكون المقلّد تابعاً له .
والقواعد لغة : جمع قاعدة، والقواعد تنقسم قسمين :
القسم الأول : قواعد حسية مثل : قواعد البيت وأساسه قال تعالى : { ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - (( - - رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم (( - (- رضي الله عنه - - ( - ( { - رضي الله عنهم - - (( - - عليه السلام - قرآن كريم - { ( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - - (((- رضي الله عنهم - - ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( - - عليه السلام - - ( - ( - - { - - - - } - جل جلاله -( تم بحمد الله } - رضي الله عنهم - - } الله أكبر ( { - تمهيد الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - (( - ( - - - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - ((((( } (2).
القسم الثاني : قواعد معنوية مثل : قواعد الفقه : [ لا ضرر ولا ضرار]، و [الأمور بمقاصدها] ... إلخ ، والفقه سبق تعريفه(3).
وعُرّفت القواعد الفقهية في الاصطلاح بتعاريف كثيرة . وهي - وإن اختلفت عباراتها - متقاربة المعنى وهي : حكم أغلبي ينطبق على معظم جزئياته لتُعرف أحكامها منها .
قولنا : ( حكم ) سيأتي تعريفه . (4)
__________
(1) انظر ص (184) .
(2) سورة البقرة، الآية : 127 .
(3) انظر ص (15) .
(4) انظر ص (36 ) .(1/6)
وقولنا : ( أغلبي ) : ليس كلياً وهذا من الفروق بين القواعد الفقهية، والقواعد الأصولية، فالقواعد الأصولية قواعد كلية، وأما القواعد الفقهية فهي أغلبية . يعني قواعد أصول الفقه قواعد كلية تندرج جميع الجزئيات تحتها .
وقولنا : ( حكم أغلبي ) : أي أن هناك مسائل مستثناة من تلك القواعد تخالف أحكامها حكم القاعدة، وهذا الاستثناء لا ينقض كلية تلك القواعد ولا يقدح في عمومها للأسباب الآتية :
أولاً : ما ذكره الشاطبي في موافقاته بقوله : إن الأمر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضاه لا يخرجه عن كونه كلياً، وأيضاً فإن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار القطعي.
ثانياً : إن المتخلفات الجزئية لا ينتظم منها كلي يعارض هذا الكلي الثابت، وإنما يتصور أن يكون تخلف بعض الجزئيات قادحاً في الكليات العقلية .
فالكليات الاستقرائية صحيحة وإن تخلف عن مقتضاها بعض الجزئيات .
ثالثاً : إن تخلف مسألة ما عن حكم قاعدة لا يلزم منه اندراج هذه المسألة تحت حكم قاعدة أخرى، فالمسألة المُخرَّجة تندرج ظاهراً تحت حكم قاعدة، ولكنها في الحقيقة مندرجة تحت حكم قاعدة أخرى . وهذا من باب تنازع المسألة بين قاعدتين .
فليس إذاً استثناء جزئية من قاعدة ما بقادح في كلية هذه القاعدة ولا بمخرج لتلك الجزئية عن الاندراج تحت قاعدة أخرى.
وقولنا : ( لتعرف أحكامها منها ) : هذه فائدة القواعد الفقهية أنك تعرف الحكم من هذه القاعدة، فقد لا تستحضر الدليل لكن إذا استحضرت القاعدة الفقهية فإنك تعرف الحكم منها .
مثال ذلك : من القواعد الفقهية : [الأصل في المياه الطهارة] فإنك تستدل بهذه القاعدة على أن الماء الذي غمس فيه يد قائم من نوم ليل ناقض لوضوء طهور؛ لأن الأصل في المياه الطهارة، فهذا الماء طهور يرفع الحدث، ويزيل الخبث، وأيضاً الماء المستعمل في رفع الحدث طهور ... إلخ ، فإذا كانت عندك هذه القاعدة فإنك تعرف الأحكام من هذه القاعدة .(1/7)
وقولنا : ( لتعرف أحكامها منها ) : هذا بيان لثمرة القاعدة، وقد قيل : إن ثمرة الشيء لا تدخل في حقيقته .
الفرق بين القاعدة الفقهية، والضابط الفقهي :
الفقهاء كثيراً ما يستعملون لفظ " القاعدة " ويَعْنُون بها الضابط ويستعملون لفظ " الضابط " ويعنون به القاعدة لكن ثمت فروقاً بين القاعدة والضابط هي :
الفرق الأول : أن القاعدة – كما سبق - تجمع فروعاً من أبواب شتى، ويندرج تحتها من مسائل الفقه ما لا يحصى، وأما الضابط فإنه يختص بباب واحد من أبواب الفقه تعلل به مسائله، أو يختص بفرع واحد فقط مثاله : [ كل ما صح بيعه صح رهنه ]، فهو خاص بباب الرهن .
الفرق الثاني : أن القاعدة في الأعم الأغلب متفق على مضمونها بين المذاهب أو متفق على أكثرها، وأما الضابط فقد يختص بمذهب معين بل منه ما يكون وجهة نظر فقيه واحد في مذهب معين قد يخالفه فيه فقهاء آخرون من المذهب نفسه مثاله : " المُحْرِمُ إذا أخر النسك عن وقته أو قدمه لزمه دم " هذا ضابطٌ " عند أبي حنيفة . وخالفه في ذلك غيره؛ منهم تلميذاه أبو يوسف، ومحمد بن الحسن.
الفرق الثالث : أن القاعدة الفقهية فيها إشارة لمأخذ الحكم ودليل الحكم مثل : [ الأمور بمقاصدها ] فيه إشارة لمأخذ الحكم. بينما الضابط الفقهي لا يشير إلى مأخذ المسألة ودليلها، ومن أمثلة الضابط الفقهي : [ما جاز في الفريضة من الصلوات جاز في النفل] وطريقة جمهور من يصنّف في قواعد الفقه بحسب التتبع أنهم لا يفرقون بين القاعدة الفقهية، و الضابط الفقهي .
وهذا يقع كثيراً في قواعد ابن رجب رحمه الله، وفي كتاب الفروق للقَرَافي وغيرهم، بل إن بعضهم قد يذكر ضوابط كثيرة ويسميها كتاب القواعد، أو قواعد الفقه، وكثير منهم قد فرق بينهما من جهة الاصطلاح لكنه لم يفرق من جهة العمل والتطبيق.
*********************
الفرق بين قواعد الأصول وقواعد الفقه :(1/8)
إذا نظرنا في قواعد الأصول وقواعد الفقه رأينا أن فروقاً عدة تميز بينهما منها :
أولاً : أن قواعد الأصول تتعلق بالألفاظ ودلالاتها على الأحكام في غالب أحوالها ، وأما قواعد الفقه فتتعلق بالأحكام ذاتها.
ثانياً : أن قواعد الأصول إنما وضعت لتضبط للمجتهد طرق الاستنباط واستدلاله، وترسم للفقيه مناهج البحث والنظر في استخراج الأحكام الكلية من الأدلة الإجمالية . وأما قواعد الفقه فإنما يراد بها ربط المسائل المختلفة الأبواب برباط متحد وحكم واحد هو الحكم الذي سيقت القاعدة لأجله .
ثالثاً : أن قواعد الأصول إنما تبنى عليها الأحكام الإجمالية . وعن طريقها يستنبط الفقيه أحكام المسائل الجزئية من الأدلة التفصيلية .
وأما قواعد الفقه فإنما تعلل بها أحكام الحوادث المتشابهة وقد تكون أصلاً لها .
رابعاً : أن قواعد الأصول محصورة في أبواب الأصول ومواضعه ومسائله، وأما قواعد الفقه فليست محصورة أو محدودة العدد، بل هي كثيرة جداً منثورة في كتب الفقه العام وكتب الفتاوى في جميع المذاهب .
خامساً : أن قواعد الأصول إذا اتفق على مضمونها لا يستثنى منها شيء فهي قواعد كلية مطردة – كقواعد العربية – بلا خلاف.
وأما قواعد الفقه فهي مع الاتفاق على مضمون كثير منها يستثنى من كل منها مسائل تخالف حكم القاعدة بسبب من الأسباب كالاستثناء بالنص، أو الإجماع، أو الضرورة، أو غير ذلك من أسباب الاستثناء، ولذلك يطلق عليها كثيرون بأنها قواعد أغلبية أكثرية لا كليَّة مطردة .
ومع وضوح الفروق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية فقد نجد قواعد مشتركة بين العلمين ولكن تختلف فيهما زاوية النظر، حيث إن القاعدة الأصولية ينظر إليها من حيث كونها دليلاً إجمالياً يستنبط منه حُكم كلي، والقاعدة الفقهية ينظر إليها من حيث كونها حكماً جزئياً لفعل من أفعال المكلفين .
فمثلاً قاعدة : [ الاجتهاد لا ينقض بمثله أو بالاجتهاد ] :(1/9)
ينظر إليها الأصولي من حيث كونها دليلاً يعتمد عليه في بيان عدم جواز نقض أحكام القضاة وفتاوى المفتين إذا تعلقت بها الأحكام على سبيل العموم والإجمال . وينظر إليها الفقيه من حيث تعليل فعل من أفعال المكلفين فيبين حكمه من خلالها .
ميزة القواعد الفقهية وفوائدها :
الميزة الأولى :
ما ذكره القَرَافي : إن القواعد ليست مستوعبة في أصول الفقه، بل للشريعة قواعد كثيرة جداً عند أئمة الفتوى والفقهاء لا توجد في كتب أصول الفقه أصلا .
هذه المقولة تعطينا ميزات عظيمة من ميزات القواعد الفقهية وهي كونها قواعد كثيرة جداً غير محصورة بعدد، وهي منثورة في كتب الفقه العام والفتاوى والأحكام، وهو رحمه الله قد أراد من تأليف كتابه ( الفروق ) جمع هذه القواعد في كتاب واحد يجمع شتاتها ويكشف أسرارها وحكمها .
والميزة الثانية :
أنها تمتاز بإيجاز عبارتها مع عموم معناها وسعة استيعابها للمسائل الجزئية إذْ تصاغ القاعدة في جملة مفيدة مكونة من كلمتين، أو بضع كلمات من ألفاظ العموم، مثل قاعدة [ العادة محكمة ] وقاعدة: [ الأمور بمقاصدها ] وقاعدة: [ المشقة تجلب التيسير ] فكلٌّ من هذه القواعد تعتبر من جوامع الكلم؛ إذ يندرج تحت كل منها ما لا يحصى من المسائل الفقهية المختلفة .
والميزة الثالثة :
أنها تمتاز بأن كلا منها ضابط يضبط فروع الأحكام العملية ويربط بينها برابطة تجمعها وإن اختلفت موضوعاتها وأبوابها .
وأما فوائد القواعد الفقهية فهي كثيرة جداً نكتفي بذكر بعضٍ منها :
أولاً : أنها تضبط الفروع الفقهية وتجمع شتاتها تحت ضابط واحد مهما اختلفت موضوعاتها إذا اتحد حكمها .
فهي بذلك تيسر على الفقهاء والمفتين ضبط الفقه بأحكامه كما قال القرافي : ( من ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات ) .
لأن حفظ جزئيات الفقه وفروعه يستحيل أن يقدر عليه إنسان، لكن حفظ القواعد مهما كثرت تدخل تحت الإمكان .(1/10)
ثانياً : أنها تكوِّن عند الباحث ملكة فقهية قوية تُنير أمامه الطريق لدراسة أبواب الفقه الواسعة والمتعددة، ومعرفة الأحكام الشرعية، واستنباط الحلول للوقائع المتجددة والمسائل المتكررة .
ثالثاً : أنها تعين القضاة والمفتين والحكام عند البحث عن حلول للمسائل المعروضة والنوازل الطارئة بأيسر سبيل وأقرب طريق.
ولذلك قال بعضهم : إن حكم دراسة القواعد الفقهية والإلمام بها على القضاة والمفتين فرض عين، وعلى غيرهم فرض كفاية .
رابعاً : أنها تربي عند الباحث ملكة المقارنة بين المذاهب المختلفة، وتوضح له وجهاً من وجوه الاختلاف وأسبابه بين المذاهب.
خامساً : أنها تظهر مدى استيعاب الفقه الإسلامي للأحكام، ومراعاته للحقوق والواجبات، وتسهل على غير المختصين بالفقه الاطلاع على محاسن هذا الدين ، وتبطل دعوى من ينتقصون الفقه الإسلامي، ويتهمونه بأنه إنما يشتمل على حلول جزئية وليس قواعد كلية .
مراتب القواعد الفقهية
القواعد الفقهية ليست نوعاً واحداً، ولا في مرتبة واحدة، وإنما هي أنواع ومراتب :
المرتبة الأولى : القواعد الكلية الكبرى ذوات الشمول العام للفروع والمسائل؛ حيث يندرج تحت كلِّ منها جُلُّ أبواب الفقه ومسائله وأفعال المكلفين .
وهذه القواعد ست هي :
قاعدة : [ إنما الأعمال بالنيات أو الأمور بمقاصدها ].
قاعدة : [ اليقين لا يزول – أو لا يرتفع – بالشك ] .
قاعدة : [ المشقة تجلب التيسير ] .
قاعدة : [ لا ضرر ولا ضرار أو الضرر يزال ] .
قاعدة : [ العادة محكّمة ] .
قاعدة : [ إعمال الكلام أولى من إهماله ] .
المرتبة الثانية : قواعد أضيق مجالاً من سابقاتها – وإن كانت ذوات شمول واسع – حيث يندرج تحت كل منها أعداد لا تحصى من مسائل الفقه في الأبواب المختلفة .
ومثال ذلك قاعدة : [ الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد – أو بمثله ] .
وقاعدة : [ التصرف على الرعية منوط بالمصلحة ] .(1/11)
المرتبة الثالثة : القواعد ذوات المجال الضيق التي لا عموم فيها حيث تختص بباب أو جزء باب ، وهذه التي تسمى بالضوابط جمع ضابط وفي هذا يقول عبد الوهاب ابن السبكي رحمه الله فالقاعدة: " الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منها " ومنها ما لا يختص بباب كقولنا : [ اليقين لا يرفع الشك ] ومنها ما يختص كقولنا : [ كل كفارة سببها معصية فهي على الفور ] .
والغالب فيما قصد بباب وقُصد به نظم صور متشابهة أن يسمى ضابطاً .
المرتبة الرابعة : القواعد المذهبية التي تختص بمذهب دون مذهب ، أو يعمل بمضمونها بعض الفقهاء دون الآخرين مع شمولها وسعة استيعابها لكثير من مسائل الفقه من أبواب مختلفة .
وهذه تعتبر من أسباب اختلاف الفقهاء في إصدار الأحكام تبعاً لاختلاف النظرة في مجال تعليل الأحكام .
ومن أمثلة هذه المرتبة : قاعدة : [ لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل ] وأساسها قولهم : [ إن التهمة إذا تطرقت إلى فعل الفاعل حكم بفساد فعله ] وهذه القاعدة يعمل بها الحنفية والحنابلة دون الشافعية، وقد يعمل بها المالكية ضمن قيود، ومنها عند الحنفية : [ الأصل أن جواز البيع يتبع الضمان ] وأما عند الشافعي : [ فإن جواز البيع يتبع الطهارة ] .... إلخ .
موضوع أصول الفقه : هو معرفة الأدلة ومراتبها وأحوالها .
مصادر أصول الفقه : المقصود بمصادر أصول الفقه : الأدلة والأصول التي بنيت عليها قواعده وهي :
استقراء نصوص الكتاب والسنة الصحيحة .
الآثار المروية عن الصحابة والتابعين .
إجماع السلف الصالح .
4- قواعد اللغة العربية وشواهدها المنقولة عن العرب .
5- الفطرة والعقل السليم .
6- اجتهاد أهل العلم واستنباطاتهم وفق الضوابط الشرعية.
فائدة أصول الفقه : من فوائد علم أصول الفقه :
الفائدة الأولى : ضبط أصول الاستدلال، وذلك بيان الأدلة الصحيحة من الزائفة .(1/12)
الفائدة الثانية : إيضاح الوجه الصحيح للاستدلال، فليس كل دليل صحيح يكون الاستدلال به صحيحاً .
الفائدة الثالثة : تيسير عملية الاجتهاد وإعطاء الحوادث الجديدة ما يناسبها من الأحكام .
الفائدة الرابعة: بيان ضوابط الفتوى، وشروط المفتي، وآدابه.
الفائدة الخامسة : معرفة الأسباب التي أدت إلى وقوع الخلاف بين العلماء والتماس الأعذار لهم في ذلك .
الفائدة السادسة : الدعوة إلى اتباع الدليل حيثما كان، وترك التعصب والتقليد الأعمى .
الفائدة السابعة : حفظ العقيدة الإسلامية بحماية أصول الاستدلال، والرد على شبه المحرفين .
الفائدة الثامنة : صيانة الفقه الإسلامي من الانفتاح المترتب على وضع مصادر جديدة .
الفائدة التاسعة : ضبط قواعد الحوار والمناظرة؛ وذلك بالرجوع إلى الأدلة الصحيحة المعتبرة .
الفائدة العاشرة : الوقوف على سماحة الشريعة ويسرها والاطلاع على محاسن هذا الدين .
***********************
أهم المؤلفات في القواعد الفقهية :
المؤلفات في القواعد الفقهية كثيرة، ومن أهم هذه الكتب :
في مذهب الحنفية :
أصول الكرخي ( ت 340 هـ) .
تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي (ت 430 هـ) .
الأشباه والنظائر لابن نجيم (ت 970 هـ) .
وفي مذهب المالكية :
كتاب الفروق للقرافي (ت 684 هـ) .
القواعد لمحمد بن محمد المقري (ت 758 هـ).
إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، لأحمد بن يحيى الونشريسي (ت 914 هـ) .
وفي مذهب الشافعية :
قواعد الأحكام في مصالح الأنام، لعز الدين بن عبدالسلام (ت 660 هـ) .
الأشباه والنظائر، لتاج الدين عبد الوهاب السبكي (ت 771 هـ) .
الأشباه والنظائر، لجلال الدين السيوطي (ت 911 هـ).
ومن كتب الحنابلة :
القواعد النورانية الفقهية ، لشيخ الإسلام ابن تيمية ( ت 728 هـ) .
كتاب تقرير القواعد وتحرير الفوائد، لابن رجب ( ت 795 هـ ) .
قال المؤلف رحمه الله : [ بسم الله الرحمن الرحيم ] :(1/13)
[الباء] : حرف جر للمصاحبة أو للاستعانة وكسرت الباء وإن كان حق الحروف المفردة الفتح للزومها الحرفية والجر، ولِتشابهِ حركتها عملها .
و [اسم] : اسم مجرور بالباء وحذفت الألف من (اسم) ؛ لكثرة الاستعمال، والجار والمجرور مُتعلق بمحذوف وهذا المحذوف نقدره فعلاً مؤخراً مناسباً للمقام وإنما قدره العلماء فعلاً؛ لأن الأصل في العمل الأفعال، ونقدره مؤخراً لأمرين :
الأمر الأول : التبرك بالبداءة باسم الله عز وجل .
الأمر الثاني : الحصر؛ لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر.
وقدرناه مناسباً للمقام؛ لأنه أدل على المراد، فمثلاً إذا أردت أن تقرأ تقول : (باسم الله) التقدير باسم الله أقرأ، وإذا أردت أن تذبح قلت : (باسم الله) فالتقدير : باسم الله أذبح هذا أدل على المراد من قولنا : (باسم الله ابتدئ) فكونك تقدره بأقرأ إذا أردت أن تقرأ أولى من أن تقدره بابتديء ؛ لأن أقرأ أدل على المراد الذي تريد أن تفعله .
[ والله ] : أصله الإله حُذفت الهمزة وأُدغمت اللام في اللام فقيل : (الله) ، ومعنى (الله) أي ذي الألوهية والربوبية على خلقه أجمعين . فإذا جُمِع بين لفظ الجلالة وبين الرب فإن (لفظ الجلالة) يُفسَّر بتوحيد الألوهية يعني ذا الألوهية على خلقه أجمعين ، (والرب) يفسَّر بتوحيد الربوبية يعني ذا الربوبية على خلقه أجمعين.
وأما إذا قيل : (الله) فقط في بسم الله فإن لفظ الجلالة نُفسره بذي الألوهية والربوبية على خلقه أجمعين، ومعنى (ذو الألوهية) أي الذي تألهه القلوب محبة وتعظيماً، (ومعنى الربوبية) أي المالك الخالق المدبر وهو الذي ربَّى عباده تربية عامة وتربية خاصة فالله عز وجل ربّاهم وأوجدهم من العدم ورزقهم من النعم .(1/14)
وقوله : [ الله ] : علم على الباري جل وعلا من أسمائه الخاصة وهو أعرف المعارف الجامع لمعاني الأسماء الحسنى والصفات العليا، ولذا يضاف إليه بقية أسماء الله فيقال : الرحمن، والرحيم من أسماء الله ولا يقال : (الله) من أسماء الرحمن أو الرحيم ... إلخ .
قوله : [ الرحمن ] : هذا أيضاً من أسماء الله عز وجل الخاصة به وهو ذو الرحمة الواسعة .
قوله : [ الرحيم ] : أي ذو الرحمة الواصلة .
**********************
مُعْطِي النِّوالَ كُلَّ مَنْ يَسْتَجدِيِ ... 1- الحمدُ للهِ المُعِيد المُبْدِي
قوله : [الحمد لله] : الحمد عُرّف لغة : بأنه الثناء بالصفات الجميلة والأفعال الحسنة، سواء أكان ذلك في مقابلة نعمة أم لم يكن كذلك .
وفي الاصطلاح : قيل : بأنه فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعماً على الحامد أو غيره، وفيه إشارة إلى أن الحمد متعلق بالإنعام وليس كذلك بل يتعلق بجميع صفات الكمال .
وعرفه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله بأن الحمد : ( هو وصف المحمود بصفات الكمال محبة وتعظيماً ) . قال ابن القيم رحمه الله : ( فإن تجرد الحمد عن المحبة والتعظيم فهو مدح، وإن اقترن بالحمد محبة وتعظيماً فهو حمد ) وبهذا نَعْرِف الفرق بين الحمد والمدح؛ فالحمد يكون مع المحبة والتعظيم، والمدح لا يكون معهما .
قوله : [ الله ] : سبق تعريف لفظ الجلالة وهنا الألف واللام للجنس المفيدة للاستغراق، فالمحامد كلها لله عز وجل إما مِلْكاً وهذا فيما يتعلق بحمد العباد له سبحانه، وحمد العباد بعضهم لبعض، أو استحقاقاً وهذا فيما يتعلق بحمد الله عز وجل لنفسه .
والحمد ينقسم قسمين :
القسم الأول : حمد مطلق، وهذا خاص بالله عز وجل؛ فالله يُحمد على كل صفاته وكل أفعاله .(1/15)
القسم الثاني : حمد مُقيّد وهذا يكون للمخلوق؛ فالمخلوق لا يُحمد حمداً مطلقاً وإنما يُحمد حمداً مقيداً، يُحمد على هذا الفعل ولا يُحمد على ذلك الفعل؛ لأن المخلوق ناقص، ولهذا يأتينا أن الناظم رحمه الله ذكر من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - محمد(1) وسُمي بذلك؛ لكثرة محامده .
قوله : [ المعيد ] : هذه صفة من صفات الله عز وجل؛ فالذي يُعيد الأشياء - يعني يرجعها مرة بعد أخرى - هو الله عز وجل فالله عز وجل المنفرد بإبداء الخلق، وإعادته مرة أخرى، فلا يشاركه في ذلك مشارك، وهو الذي يبعث الشمس ثم يعيدها مرة أخرى بعد غروبها.
__________
(1) انظر ص (43) .(1/16)
قوله : [ المبدي ] : بدأ الله عز وجل الخلق أي خلقهم وهاتان صفتان لله عز وجل : الإعادة والابتداء قال تعالى : { - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - { - - - } - (- رضي الله عنه -- رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم (( فهرس ( - - ((( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - فهرس - (( - } - - - (( ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- عليه السلام - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - } (1)وقوله تعالى: { (( مقدمة ( الله أكبر ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - ( - ( - ( - ( - - ((( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((( } (2)
قوله : [ معطِي النِّوال ] : معطي هذا ظاهر . والنِّوال : هو العطاء وهو المفعول الأول لاسم الفاعل معطي؛ لأن أعطى تنصب مفعولين المفعول الأول النِّوال .
قوله : [ كل من يستجدي ] : (كل) هذا المفعول الثاني لاسم الفاعل وقوله : [ من يستجدي ] : أي من يطلب .
*********************
قوله : [ مثبت الأحكام ] : يعني أن الأحكام تؤخذ من الأصول والمراد بالأصول هنا الأدلة فالأحكام تثبت وتؤخذ من الأصول والأحكام جمع حكم .
والحكم في اللغة : المنع .
__________
(1) سورة الروم، الآية : 27 .
(2) سورة البروج ، الآية : 13 .(1/17)
وأما في الاصطلاح : فهو إثبات أمرٍ لأمر، أو نفيه عنه .
والأحكام يقسمها العلماء ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أحكام شرعية .
القسم الثاني : أحكام عقلية .
القسم الثالث : أحكام عادية .
والأحكام الشرعية يقسمها الأصوليون إلى قسمين :
القسم الأول : الأحكام التكليفية، والحكم التكليفي : هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين من طلب، أو تخيير، أو ترك.
القسم الثاني : الأحكام الوضعية : والحكم الوضعي : هو خطاب الشارع المتعلّق بأفعال المكلفين بوضع الشيء : سبباً، أو شرطاً، أو مانعاً، أو صحة، أو فساداً .... الخ .
والفرق بين الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية :
أن الحكم التكليفي أمر، وطلب كالأمر بالصلاة، أما الوضعي فهو إخبار.
والحكم التكليفي يشترط فيه علم المكلف وقدرته على الفعل كالصلاة والصيام مثلاً بخلاف الحكم الوضعي، كالصبي مثلاً فإنه وإن لم يكن مكلفاً يغرم المتلفات .
والحكم الشرعي : هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين من طلب، أو تخيير، أو وضع .
والحكم العقلي : هو معرفة نسبة أمر لأمر، أو نفيه عنه عقلاً؛ مثل الكل أكبر من الجزء .
والحكم العادي : هو معرفة نسبة أمر لأمر، أو نفيه عنه عادة مثل الماء مرو،ٍ والخبز مشبع ، والنار حارة .... إلخ .
قوله : [ بالأصول ] : الأصول : جمع أصل، وتقدم أن الأصل ما يُبنى عليه غيره أو ما يتفرع منه غيره .
واعلم أن العلماء رحمهم الله يطلقون الأصل على عدة إطلاقات :(1/18)
الإطلاق الأول : الدليل فمثلاً يقولون : الأصل في وجوب الصوم قوله تعالى : { - - رضي الله عنهم - - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - ( - ( - ( المحتويات ( تمهيد ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام - - ( - ( - - - - - رضي الله عنهم - - - - - - ( - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((( - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( المحتويات ( تمهيد ( - ( - - - ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -( - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - - - ((((( } (1)
ويقولون أيضاً : الأصل في وجوب الصلاة والزكاة قوله تعالى : { } - قرآن كريم ( - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } - قرآن كريم ( - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم - - } - - - - } (2)
الإطلاق الثاني : القاعدة المستمرة فمثلاً يقولون : إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل؛ لأن الأصل تحريم الميتة .
الإطلاق الثالث : في باب القياس فيُطلقون الأصل على المقيس عليه؛ لأن القياس له أركان أربعة :
الركن الأول : الأصل : وهو المقيس عليه .
الركن الثاني : الفرع : وهو المقيس .
الركن الثالث : العلة الجامعة .
الركن الرابع : الحكم : وهو محل القياس .
الإطلاق الرابع : الراجح .
قوله : [ من يصبو ] : أي يميل .
قوله : [ إلى الوصول ] : أي إلى مقصوده من تعلم العلم وهذا البيت :
[ مثبت الأحكام بالأصول ... معين من يصبو إلى الوصول ]
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 183 .
(2) سورة البقرة، الآية : 43 .(1/19)
يسميه علماء البلاغة : براعة الاستهلال، وبراعة الاستهلال : أن يأتي المؤلف في خطبة كتابه ما يفيد بيان موضوع ما سيؤلف فيه، أو يتحدث عنه .
مثال ذلك : إذا أراد الإنسان أن يؤلف في الفقه فإنك تجده يقول : الحمد لله الذي فَقَّه من شاء من عباده بكتابه ، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - .
وإذا أراد أن يؤلف كتاباً في النكاح يقول : الحمد لله الذي أمر بالزواج .... إلخ .
ونظير ذلك قول الشيخ السعدي رحمه الله في منظومته في الأصول والقواعد الفقهية :
الحمد لله العلي الأرفق ... وجامع الأشياء والمفرق (1)
قوله : [ وجامع الأشياء ] : أفاد أنه سينْظُم في أشياء تجمع أشياء متفرقة وهي القواعد الفقهية .
*********************
قوله : [ ثم الصلاة ] : قال الأزهري رحمه الله في تعريفها: (معناها من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين الدعاء والتضرع) والراجح ما قاله أبو العالية رحمه الله كما في صحيح البخاري : (الصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى )(2).
وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه جلاء الأفهام : (الصلاة المأمور بها هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته وهي ثناء عليه، وإظهار شرفه، وإرادة تكريمه وتقريبه) فإذا قلنا : اللهم صلِّ على محمد فإننا ندعو الله عز وجل أن يفعل ذلك بنبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو الثناء عليه، وأن يظهر شرفه، ويقربه ويكرمه .
قال ابن القيم رحمه الله : ( وصلاتنا سؤال الله تعالى أن يفعل ذلك به ) وهذا القول هو الصواب .
__________
(1) منظومة القواعد الفقهية للسعدي البيت رقم (1) .
(2) أخرجه البخاري، باب قوله : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .(1/20)
وقد أطال ابن القيم رحمه الله في كتابه جلاء الأفهام في هذه المسألة ، وردَّ القول بأن المراد بالصلاة الرحمة ومما ذكر قوله تعالى : { - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم فهرس - - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( فهرس - { - ( { - رضي الله عنهم - - ( مقدمة - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - درهم (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - ((((( } (1) .
فإن الواو تقتضي المغايرة، وعطف الرحمة على الصلاة يدل ذلك على أن الصلاة ليست بمعنى الرحمة، وأيضاً لا خلاف في جواز الترحم على المؤمنين، واختلف السلف في جواز الصلاة على غير الأنبياء .
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 157 .(1/21)
قوله : [ مع سلام ] : السلام : اسم مصدر من سلم، ومصدره تسليم ، والسلام اسم من أسماء الله عز وجل كما قال تعالى : { - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - - - ( - { - - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( } - صلى الله عليه وسلم - - - ( { ( - - - ( المحتويات ( فهرس - - - - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ((( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - ( - - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( } - - تمهيد - رضي الله عنه - - ( - ( - - - - - صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - ( تمهيد ( - ( - - - - - - - رضي الله عنه -( - - قرآن كريم ( - ( - ((( - (((( } (1).
فهو سبحانه السالم من مماثلة أحد من خلقه والسالم من النقص، ومن كل ما ينافي كماله .
والسلام أيضاً يطلق على التحية، وعلى الأمان، وعلى السلامة من النقائص . فإذا قلت : ( السلام عليك أيها النبي ) فأنت تدعو للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالسلامة من كل آفة، والدعاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالسلامة ينقسم قسمين :
القسم الأول : دعاء بالسلامة الحسية .
القسم الثاني : دعاء بالسلامة المعنوية .
أما الدعاء بالسلامة الحسية : ففي حياته أن يحفظ بدن النبي - صلى الله عليه وسلم - من النقائص والآفات ... إلخ . وبعد مماته تدعو أن يسلمه الله عز وجل من أهوال يوم القيامة؛ فإن الرسل يجثون على ركبهم من شدة هول ذلك اليوم ويدعون " اللهم سلِّم سلِّم " . (2)
وأما الدعاء بالسلامة المعنوية : فهي أن تدعو لسنته وشرعه بالسلامة من تأويل المبطلين وانتحال الغالين .
__________
(1) سورة الحشر، الآية : 23 .
(2) أخرجه البخاري رقم (806) ومسلم رقم (182) .(1/22)
قوله : [ قد أتم ] : يعني أنه ينبغي للإنسان أن يُسلِّم تسليماً تاماً كما قال تعالى : { } - قرآن كريم ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ( - ( - فهرس - } (1). ولهذا أتى الله عز وجل بالمصدر الذي يفيد التأكيد .
قوله : [ على الذي أُعطي جوامع الكلم ] : الجوامع : جمع جامع . والكلم : أي الكلمات . وجوامع الكلم : ما قل لفظه وكثر معناه ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أُعطي جوامع الكلم . (2)
أي أنه اختصر له الكلام؛ فتجد في السنة كلمات جمعت أشياء كثيرة، فمثلاً قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمر رضي الله عنه : " إنما الأعمال بالنيات " (3) يدخل تحت هذا الحديث من المسائل والتفريعات الشيء الكثير فهو داخل في جملة أبواب الفقه والشريعة.
وأيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة رضي الله عنها : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " (4) يعني عمله مردود عليه . يدخل تحته الشيء الكثير .
*********************
قوله : [ محمد ] : هذا اسم من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى : { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - { - رضي الله عنه -( - - صدق الله العظيم ( { ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ( - - - ( تمهيد فهرس - - رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( - - - - - - - } (5).
__________
(1) سورة الأحزاب، الآية : 56 .
(2) ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : ( فضلت على الأنبياء بست ) : أُعطيت جوامع الكلم ... الحديث أخرجه مسلم رقم (523) .
(3) أخرجه البخاري رقم (1) ، ومسلم رقم (1907) .
(4) الحديث بهذا اللفظ من أفراد مسلم رقم ( 1718) ولفظ المتفق عليه " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " البخاري رقم (2697) ، ومسلم رقم (1718) .
(5) سورة آل عمران ، الآية : 144 .(1/23)
والنبي - صلى الله عليه وسلم - له أسماء :
محمد كما ذكره الناظم رحمه الله .
أحمد كما قال تعالى : { ( - تمهيد - (- صلى الله عليه وسلم -(- رضي الله عنه - تمهيد ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ( - ((- رضي الله عنه - - ((( مقدمة ((( - - - ( - - عليه السلام - - ( قرآن كريم - صلى الله عليه وسلم - - } } (1).
الحاشر . ... 4- العاقب . ... ... 5- المُقَفِّي.
6- الماحي . ... ... 7- نبي الرحمة . ... 8- نبي التوبة.
لما روى جبير بن مطعم رضي الله عنه قال - صلى الله عليه وسلم - : " إن لي أسماء : أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد " (2) متفق عليه .
وروى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمي لنا نفسه أسماء فقال : " أنا محمد، وأحمد، والمُقَفِّي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة " (3)رواه مسلم .
ومحمد على وزن مُفَعَّل سمي بذلك؛ لكثرة محامده - صلى الله عليه وسلم - ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - له محامد فاق بها بقية البشر فهو - صلى الله عليه وسلم - يحمد أكثر وأفضل مما يحمد غيره .
قوله : [ المبعوث ] : أي المرسل، فالبعث بمعنى الإرسال قال تعالى : { ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( الله - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - - (( (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - { } تم بحمد الله ( - ( صدق الله العظيم قرآن كريم ( - { - } (4).
__________
(1) سورة الصف، الآية : 6 .
(2) أخرجه البخاري رقم (4396) ومسلم رقم (2354) .
(3) أخرجه مسلم رقم (2355) .
(4) سورة النحل، الآية : 36 .(1/24)
قوله : [ رحمة الورى ] : الورى هم الخلق وهذا يشمل الجن والإنس .
وقوله : [ رحمة ] : هذا فيه بيان حكمة من حكم بعث الرسل فالرسل بعثوا لحكمتين :
الحكمة الأولى : رحمة الخلق . ...
الحكمة الثانية : إقامة الحجة عليهم ؛ أي : على الخلق .
أما الحكمة الأولى فدليلها قوله تعالى : { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - درهم ( - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( { - { - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - - ((( - فهرس - (- رضي الله عنهم -(( - ( - - } (1) .
وأما الحكمة الثانية فدليلها قوله تعالى : { الله - ( - - - - رضي الله عنه -((( - (- صلى الله عليه وسلم -(- رضي الله عنه - تمهيد - تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - - جل جلاله -( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - { ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( } - } - - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - { } - ( مقدمة - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( - - - - - - - - رضي الله عنه - تمت - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - ( - - ( - - رضي الله عنه -( - - - - ( - - رضي الله عنهم - مقدمة } (2).
ومن خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه بُعث إلى الناس كافة، وأما الرسل قبله فما كانوا يبعثون إلا إلى قومهم خاصة .
قوله : [ وخير هاد ] : هذه صفة لقوله : ( محمد ) وهاد من الهدَاية وهي : الدلالة .
والهداية تنقسم قسمين :
القسم الأول : هداية الدلالة . القسم الثاني : هداية التوفيق.
فهداية التوفيق خاصة بالله عز وجل ، وأما هداية الدلالة فليست خاصة بالله عز وجل .
__________
(1) سورة الأنبياء، الآية : 107 .
(2) سورة النساء، الآية : 165 .(1/25)
وقوله رحمه الله هنا: ( خير هاد ) من الهداية التي بمعنى الدلالة وليست من الهداية التي بمعنى التوفيق، فإن هداية التوفيق خاصة بالله عز وجل، ودليل ذلك : قوله تعالى : { - رضي الله عنهم - - } الله أكبر ( { - صدق الله العظيم - ( - ( - - الله ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - تمهيد ( تمهيد - رضي الله عنه - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - - - ( - ( - - عليه السلام - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنه -( - - - } (1).
قوله : [ لجميع من درى ] : يعني كل من كان ذو علم ودراية وبصيرة فإنه يعرف هداية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأما أعمى البصيرة، فإنه لا يعرف هداية النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء بالنور من عند الله، نور الوحيين (الكتاب، والسنة) ، والوحيان أمرهما ظاهر وبيِّن فكل من قرأهما وسمعهما فإنه يهتدي بإذن الله عز وجل .
************************
قوله : [ وبعد فالعلم ] : (بعد) هذه اختلف أهل العلم رحمهم الله في الفائدة منها، فقال بعض العلماء : يُؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر .
وقال بعضهم : يؤتى بها للانتقال من المقدمة إلى صلب الموضوع وهذا القول هو الصواب .
واختلف العلماء رحمهم الله في أول من تكلم بـ (أما بعد):
فقيل : داود عليه السلام، وقيل : يعقوب عليه السلام، وقيل: بأنه يَعْرُب بن قحطان، وقيل : قِس بن ساعدة، وقيل : كعب بن لؤي ... إلخ .
قال ابن حجر : ( والأول أشبه ) .
وقوله : [ فالعلم ] : العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه.
قوله : [ بحور ] : جمع بحر والبحر معروف . ولا شك أن العلم بحور وفنون متنوعة ، كعلم العقيدة ، وعلم الفقه ، وعلم الحديث ... إلخ .
قوله : [ زاخرة ] : أي ممتلئة .
__________
(1) سورة القصص، الآية : 56 .(1/26)
قوله : [ لن يبلغ الكادح فيه آخره ] : الكادح : هو المُجِدُّ في العمل، لن يبلغ آخره يعني مهما جد الإنسان واجتهد فإنه لن يبلغ آخر العلم؛ لأنه لن يستطيع أحد أن يبلغ البحر مهما كان وبهذا نستفيد من كلام المؤلف رحمه الله أن الإنسان لا يلزم أن يكون فقيهاً مدققاً يعني أن يبلغ الغاية في الفقه، أو أن يكون أصولياً محرِّرَاً، أو أن يكون محدثاً حافظاً، هذا ليس بلازم؛ لأنه كما ذكر الشيخ رحمه الله أن العلم بحور زاخره ... إلخ . لكن الإنسان يجدّ ويجتهد ولا يشترط أن يبلغ النهاية فإن بلوغ النهاية هذا غير ممكن .
قوله : [ لكن في أصوله ] : لكنَّ في أصول العلم تسهيل لنيل العلم، وهذه فائدة من فوائد أصول الفقه والقواعد الفقهية، فإن الإنسان إذا عرف القواعد الفقهية عرف كثيراً من الفروع وكذلك إذا عرف أصول الفقه، وقد تقدم قريباً بيان فوائد القواعد الفقهية، وأصول الفقه .
قوله : [ في أصوله ] : تقدم تحرير ذلك . (1)
قوله : [ فاحرص ] : الحرص : شدة الرغبة في الشيء .
قوله : [ تجد سبيلا ] : يعني طريقاً إلى معرفة العلم، والوصول إلى ما قصدت معرفته وذلك بضبط هذه الأصول والقواعد.
*******************
قوله : [ اغتنم ] : خُذ واظفر بالقواعد والأصول كما أن المجاهد يحرص على أن يظفر بالغنيمة .
قوله : [ فمن تفته ] : (من) اسم شرط جازم، و (تفته) فعل الشرط .
__________
(1) انظر ص (15) .(1/27)
قوله : [ يحرمِ الوصولا ] : ( يحرم ) جواب الشرط وحُرِّك لالتقاء الساكنين، يعني يُحرَم أن يصل إلى مقصوده من التمكن من العلم، ففرق بين شخص ألمّ بهذه الأصول والقواعد فإنه يتمكن من العلم وبين شخص قد فاتته هذه الأصول والقواعد فإنه سبب للحرمان من التمكن، وهذا ليس خاصاً فقط بأصول الفقه وقواعده، بل في مصطلح الحديث إذا ألمّ بقواعد الجرح، والتعديل، وما يتعلق بقواعد التصحيح ... إلخ . فإنه يضبط علم الحديث وإذا فاتته مثل هذه القواعد فإنه يُحرم الوصول إلى الضبط وهكذا في قواعد التفسير، وغير ذلك من الفنون .
*******************
قوله : [ هاك ] : اسم فعل أمر بمعنى خذ، والفرق بين اسم الفعل والفعل : أنه إن جاز إسناده إلى ألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة فهو فعل، وإن لم يجز فهو اسم فعل.
[ فهاك ] : تقول ذلك للواحد والمثنى والجماعة ... إلخ وأيضاً للأنثى والذكر ... إلخ .
قوله : [ من ] : هذه تبعيضية فالشيخ رحمه الله لم يذكر كافة الأصول والقواعد وإنما ذكر منها جملة، والذي ذكره الشيخ رحمه الله إذا تأمله الإنسان يجد أنه استوعب مهمات الأصول والقواعد كما سيأتي إن شاء الله .
قوله : [ أرجو ] : يعني أسأل الله عز وجل ونسأل الله عز وجل لشيخنا أن يُحقق له مطلوبه يُجيب سُؤْله .
قوله : [ عال الجنان نزلا ] : يعني العالي منها وهي : جنة الفردوس فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، ومنه تُفجَّر أنهار الجنة " . (1)
قوله : [ الجنان ] : جمع جنة وهي الدار التي أعدها الله لأوليائه في الآخرة، وسميت بهذا الاسم؛ لأنها تُجِنّ من دخلها لكثرة أشجارها؛ أو لأنها مُجْتَنَّة يعني مستترة بكثرة أشجارها .
قوله : [ نزلاً ] : أي منزلاً وضيافة .
**********************
__________
(1) أخرجه البخاري رقم : (2790) ، (7423) .(1/28)
قوله : [ قواعداً ] : بالفتح لكن نُوّن وإن كان لا ينصرف لضرورة النظم .
قوله : [ وليس لي فيها سوى ذا النظم ] : يعني أن الشيخ رحمه الله لم يأتِ بها من عنده وإنما هذه القواعد سطرها العلماء رحمهم الله وحرروها وكتبوها ... إلخ . وهناك كتب كثيرة في القواعد للعلماء رحمهم الله ذكروها نثراً فقام الشيخ رحمه الله ونظم هذه القواعد .
***********************
القواعد والأصول
قوله : [ الدين جاء لسعادة البشر ] : قال الشيخ السعدي رحمه الله في منظومته :
الدين مبني على المصالح ... في جلبها والدرء للقبائح (1)
فنظير قول الشيخ رحمه الله : [ الدين جاء لسعادة البشر ... إلخ ] قول الشيخ السعدي رحمه الله : [ الدين مبني على المصالح ... إلخ ] وإذا تأملت الشريعة فهي كما ذكر الشيخ رحمه الله، وكما ذكره قبله أيضاً الشيخ السعدي أن الدين جاء لسعادة البشر إذْ الدين مبني على مصالح الخلق وبهذا تحصل سعادتهم .
فالله عز وجل أكمل الدين وأتمه وبناه على المصالح، ويتضح هذا بمعرفة هذه المصالح .
المصالح : جمع مصلحة والمصلحة على وزن مفعلة وهي في اللغة : المنفعة . وأما في الاصطلاح : فهي المنفعة التي قصدها الشارع لعباده من حفظ أديانهم، وعقولهم، وأموالهم، ونسلهم، وأنفسهم، ودفع كل ما يفوت هذه الأصول أو يخل بها .
قال : في شرح مختصر التحرير ( لا خلاف بين الملل والأديان في كون المصلحة أتت للحفاظ على هذه الكليات) . أ . هـ
__________
(1) منظومة القواعد الفقهية للسعدي ، البيت رقم (12) .(1/29)
ومن الأدلة على اعتبار الشريعة للمصلحة : قوله تعالى : { } تمت ( { { - - - ( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - ( صدق الله العظيم ( - - ( مقدمة تمهيد { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - رضي الله عنه - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - فهرس - ( - ( { ( - - - - - - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( (( - - - رضي الله عنه -(( - - (( - - - ( - - تمهيد - جل جلاله -( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((- رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ..... } الآية (1) .
فتأمل ما أمر الله به تجده مصلحة ومنفعة : العدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وتأمل ما نهى عنه تجده مفسدة ومضرة : الفحشاء، والمنكر، والبغي .
والتوحيد فيه من المصالح العظيمة كتسليم القلب لخالقه ولمَّ شعثه عن التوجه لغير الله تعالى، وعدم الخنوع لمخلوق مثله لا ينفعه ولا يضره والفوز بجزاء الموحدين، والنجاة من عقاب المشركين .
والصلاة صلة بين العبد وربه يناجي ربه ويجد فيها راحة قلبه وقرة عينه وتكفير سيئاته وزيادة حسناته .
والزكاة طهرة للقلوب والأخلاق، والأموال، والفقراء، والأغنياء، وهكذا الصوم والحج .... إلخ .
ولو تأمل العبد العبادات الشرعية والمعاملات لوجد من حِكَمِها ومصالحها ما يَبْهَر العقل مع أنه لا يدرك إلا جزءاً يسيراً من حِكَمِها ومصالحها .
والأحكام الشرعية جاءت لمصلحة المكلفين؛ وذلك بحفظ الكليات الخمس؛ فما من أمر ولا نهي في الشرع إلا لحفظ الكليات الخمس : [ الدين، والعقل، والمال، والنفس، والنسل ] .
والعلماء رحمهم الله يقسمون المصالح إلى ثلاثة أقسام :
1- مصالح ضرورية . ... ... 2- مصالح حاجية .
__________
(1) سورة النحل، الآية : 90 .(1/30)
3- مصالح تحسينية .
المصالح الضرورية : هي التي لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، وهي تشمل حفظ الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع على حفظها وهي :
1- حفظ الدين . ... ... 2- حفظ العقل .
3- حفظ المال . ... ... 4- حفظ النفس .
5- حفظ النسل .
إذا تأملت الشريعة وجدتها قد جاءت بحفظ الدين من عدة أوجه:
الوجه الأول : شرعت الدعوة إلى الدين .
الوجه الثاني : أوجبت الإيمان بأركان الإسلام، والإيمان، وأيضاً جاء الأمر بالتوحيد، والإحسان .
الوجه الثالث : شرعت الجهاد لكل من يقف أمام نشر الدين.
الوجه الرابع : أوجبت قتل كل من غيّر دينه .... إلخ .
الوجه الخامس : رَغّبَتْ بفعل كل ما يقوي الدين من سائر النوافل والطاعات .
الوجه السادس : شرعت التعزيرات لكل من يخل بواجبات الدين ... إلخ .
الوجه السابع : الدفاع عنه، وبيان شبه المبطلين، وتأويل الغالين، وتحريف المحرفين .
وأيضا جاءت الشريعة بحفظ العقل من عدة أوجه :
الوجه الأول : حرمت كل مسكر ومفتِّر .
الوجه الثاني : أوجبت العقوبة على كل من شرب مسكراً .
الوجه الثالث : أوجبت دية كاملة على كل من جنى على العقل ... إلخ .
الوجه الرابع : رغَّبَتْ في التفكر، والنظر، والتدبر مما يُنمي العقل ... إلخ .
وجاءت الشريعة بحفظ المال من عدة أوجه :
الوجه الأول : شرعت العمل في كسب المال بطرق مباحة .
الوجه الثاني : حرمت الإسراف والتبذير .
الوجه الثالث : أوجبت حد السرقة على من سرق هذا المال.
الوجه الرابع : من أتلف مالاً لغيره فإن الشريعة أوجبت عليه ضمان هذا المال .
الوجه الخامس : حرمت كل الطرق التي تؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل، أو ظلمهم فيها كالربا، والميسر، والغرر، والرشوة، والغش، وغير ذلك .
وجاءت الشريعة بحفظ النفس من عدة أوجه :
الوجه الأول : حرمت القتل وأوجبت القصاص، أو الدية في قتل النفس عمداً بل حرمت حتى الإشارة بالسلاح إلى النفس المعصومة .(1/31)
الوجه الثاني : أوجبت الدية في قتل النفس شبه العمد، والخطأ.
الوجه الثالث : أوجبت الكفارة المغلظة في قتل النفس شبه العمد أو الخطأ ... إلخ .
الوجه الرابع : حرمت الاعتداء على النفس المعصومة غير المسلم كنفس الذمي، والمستأمن، والمعاهد، وأوجبت في قتلها الدية، والكفارة .
الوجه الخامس : حرمت الجناية على مادون النفس.
أيضاً بالنسبة للنسل والعِرض فقد جاءت الشريعة بحفظه من عدة أوجه :
الوجه الأول : حرّمت الزنا . ...
الوجه الثاني : حرمت القذف.
الوجه الثالث : أمرت بالزواج لتكثير النسل وحثت على التعدد عند القدرة عليه، وعلى تزوج الولود، ورغبت في تخفيف الصداق ... إلخ .
الوجه الرابع : حرمت التبني .
والمصالح الحاجية : هي المصالح التي يحتاج إليها؛ لأجل التوسعة، ورفع كل ما يؤدي إلى الحرج والمشقة .
وإذا تأملت الشريعة وجدتها قد جاءت به سواء أكان ذلك في العبادات أم المعاملات أم العقود أم الحدود أم القصاص... إلخ .
مثال ذلك : رُخص العبادات كالإفطار للمسافر، والمريض، والقصر، والجمع للمسافر، وإذا عدم الماء له أن يتيمم، والمريض له أن يجمع الصلوات ... إلخ .
وفي المعاملات شرعت عقود يحتاج الناس إليها، كعقد السلَم، وعقد الاستصْناع، وعقد الشركة، وعقد المساقاة، وعقد المزارعة... إلخ .
فكل ما يُحتاج إليه لأجل المشقة والتوسعة وعدمه يؤدي إلى المشقة والحرج فإن الشريعة جاءت به .
والمصالح التحسينية هي : ما يدعو إلى الأخذ بمحاسن الأخلاق ومكارم العادات فجاءت به الشريعة، جاءت بسنن الفطرة كتقليم الأظافر، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان، وكذا التنظف، والتجمل، والتطيب، والسواك ... إلخ.(1/32)
وكل ما يشمل مكارم الأخلاق جاءت به الشريعة كإكرام الضيف، وصلة الرحم، وبر الوالدين، وإكرام الجار، وعدم إيذائه، وقُلْ مثل ذلك في المعاملات : التيسير في البيع والشراء والإقالة ... إلخ . ومثال ذلك : في الأنكحة والحدود والقصاص فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته " .(1)
فتبين لنا في هذا الشطر من البيت كما قال الشيخ رحمه الله أن الدين جاء لسعادة البشر فكل ما فيه خير جاء الدين بشرعه، وكل ما فيه شر وضرر جاء الدين بنفيه .
قوله : [ ولانتفاء الشر عنهم والضرر ] : هذا الشطر من البيت هو عبارة عن إحدى قواعد الفقه الخمس الكلية وهي قاعدة: [ لا ضرر ولا ضرار ] .
والقواعد الكلية خمس كما سيأتي إن شاء الله وهي :
القاعدة الأولى : قاعدة : [ الأمور بمقاصدها ] .
القاعدة الثانية : قاعدة : [ لا ضرر ولا ضِرار ] .
القاعدة الثالثة : قاعدة : [ اليقين لا يزول بالشك ] .
القاعدة الرابعة : قاعدة : [ المشقة تجلب التيسير ] .
القاعدة الخامسة : قاعدة : [ العادة مُحكَّمة ] .
وبعض العلماء يزيد قاعدة: [ إعمال الكلام أولى من إهماله ].
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (1955) .(1/33)
فدليل قاعدة [ لا ضرر ولا ضِرار ] قوله تعالى : { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - - - (( - ( - ( - - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - - { - } (1) وقوله: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( - قرآن كريم ( - ( - (- سبحانه وتعالى -( - - - جل جلاله - - - - عليه السلام - - (( } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - } (2) وقوله تعالى : { - صدق الله العظيم { - - - - (( - - - - رضي الله عنه - - ( - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - قرآن كريم ( - ( قرآن كريم - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( مقدمة { - (( فهرس ( - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - فهرس - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - ( - ( - ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - } (3) وقوله تعالى : { - صدق الله العظيم ( - قرآن كريم ( - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( { ( - - رضي الله عنهم - مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم ( - - جل جلاله - - - - رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ( صدق الله العظيم (- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - (( - } - قرآن كريم ( { ( - - - (( - ( - - صدق الله العظيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - } (4)
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 282 .
(2) سورة البقرة، الآية : 231 .
(3) سورة البقرة، الآية : 233 .
(4) سورة الطلاق، الآية : 6 .(1/34)
.
وقوله تعالى : ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - { { - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( قرآن كريم ( - - - { - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - (((- رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - - ( - - - - - - (( تم بحمد الله - } (1)
وقد روى في حديث أبي سعيد(2) وعبادة(3) وأبي هريرة(4) وابن عباس(5) وعائشة(6) رضي الله عنهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا ضرر ولا ضرار " وهذا الحديث لا يصح مرفوعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - لكنه يصح مرسلاً في موطأ الإمام مالك رحمه الله (7) وعلى كل حال هذا الحديث ورد له طرق كثيرة، وإذا لم يثبت فإن هذه القاعدة ثابتة في القرآن كما تقدم في الآيات السابقة .
والضُّرُ : خلاف النفع . وأما في الاصطلاح : فهو إلحاق مشقة بالغير .
مسألة : معنى الضرر والضرار :
__________
(1) سورة النساء، الآية : 12 .
(2) أخرجه الدارقطني (3/77) ، والحاكم (2/57) .
(3) أخرج أحمد (1/313) ، وابن ماجه رقم (2340) .
(4) أخرجه الدارقطني في سننه (4/228) .
(5) أخرجه ابن ماجه (2341) ، وأحمد (1/313)
(6) أخرجه الدارقطني في سننه (4/227) .
(7) الموطأ (2/745) .
وضعف هذا الخبر ابن عبد البر في التمهيد (20/157 – 158 ) وقال : لا يسند من وجه صحيح . وقال خالد بن سعد الأندلسي لم يصح حديث : " لا ضرر ولا ضرار " مسنداً جامع العلوم والحكم .
كما ضعف هذا الخبر ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (3/538) . وضعفه أيضاً الذهبي في تنقيح التحقيق (2/323) وضعفه ابن حزم أيضاً كما في المحلى .(1/35)
قال ابن رجب رحمه الله : ( واختلفوا هل بين اللفظين أعني الضرر والضِرار فرق أم لا ؟ فمنهم من قال : هما بمعنى واحد على وجه التأكيد . والمشهور أن بينهما فرقاً؛ فالضرر : هو الاسم . والضرار : هو الفعل. وقيل : الضرر أن يدخل على غيره ضرراً بما ينتفع هو به، والضرار أن يدخل على غيره ضرراً بما لا منفعة له به. ورجح هذا القول طائفة منهم : ابن عبد البر، وابن الصلاح رحمهم الله.
وقيل : إن الضرر أن يضر بمن لا يضره، والضِرار أن يضر بمن قد أضره ، وبكل حال فالشرع إنما نفى الضرر والضرار بغير حق، وأما إدخال الضرر على أحد بحق لكونه تعدى حدود الله فيعاقب بقدر اعتدائه، أو كونه ظلم غيره فيطلب المظلوم مقابلته بالعدل فهذا غير مراد قطعاً .... أ. هـ .
والضُّرُ ينقسم قسمين :
القسم الأول : أن يكون أصلاً . ...
القسم الثاني : أن يكون تبعاً .
أن يكون أصلاً : مثل أن يتعمد الإنسان إيذاء الناس مباشرة فيؤذيهم في أبدانهم، أو أعراضهم، أو أموالهم فهذا محرم ولا يجوز وجاء الشرع بنفيه .
أن يكون تبعاً : لا يتعمد ذلك لكن عمله هذا يؤدي إلى إلحاق الضرر بالآخرين .
ولذلك أمثلة :
المثال الأول : لو تصرف الجار في بيته بما يضر جاره، ففتح الماء في بيته فأدى إلى تسرب الماء إلى بيت الجار فيضر الجار، فإن هذا حتى لو كان تبعاً، فإن الشريعة جاءت بنفيه وأن هذا لا يجوز .
المثال الثاني : لو أحدث في بيته كنيفاً، أو تنوراً، أو غيره بما يلحق الضرر بجاره فهذا محرم .
وقد يكون الضرر تابعاً لكن يعفو عنه الشارع لمصلحة أكبر، وذلك مثل الزواج بالثانية، لاشك أن الأُولى تتضرر بذلك لكن لمّا كانت المصلحة أكبر فإن الشارع عفا عن هذا الضرر.
كذلك الضرر في الشريعة مدفوع ومرفوع :
مدفوع قبل وقوعه فأنت منهي أن تضار غيرك، ومرفوع أيضاً بعد وقوعه فأنت مأمور بترك هذا الضرر .
******************(1/36)
قوله : [ فكل أمر نافعٍ قد شرعه ] : سبق أن الشريعة جاءت بالمصالح الثلاث :
1- المصالح الضرورية . ... ... 2- المصالح الحاجية.
3- المصالح التحسينية .
قوله : [ وكل ما يضرنا قد منعه ] : تقدم أن من القواعد الكلية قاعدة [ لا ضرر ولا ضِرار ] .
*********************
هذا البيت عبارة عن قاعدة : [ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ] وهذه القاعدة تندرج تحت قاعدة : [لا ضرر ولا ضِرار]، وهنا جملة من القواعد المندرجة تحت قاعدة : [لا ضَرر ولا ضِِرار].
القاعدة الأولى : [ درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ] ودليلها قوله تعالى : { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم - - ( - فهرس - - ((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - } - قرآن كريم - - ( - - عليه السلام - - - ( { - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - } (1) . فسب الكفار فيه مصلحة وهي إهانتهم وبيان فساد دينهم، فإذا تضمن مفسدة وهي مقابلتهم السب بسب الله عز وجل نهي عنه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (إذا أشكل على الناظر أو السالك حكم شيء هل هو على الإباحة، أو التحريم فلينظر إلى مفسدته وثمرته وغايته، فإن كان مشتملاً على مفسدة راجحة ظاهرة فإنه يستحيل على الشارع الأمر به والإباحة، بل يُقطع أن الشرع يحرمه لاسيما إذا كان مفضياً إلى ما يبغضه الله ورسوله ) .
ونمثل لذلك بأمثلة :
__________
(1) سورة الأنعام، الآية : 108 .(1/37)
المثال الأول : وجود رائحة البصل، أو الثوم في الإنسان، هذه مفسدة، وصلاة الجماعة مصلحة، فكون الإنسان إذا جاء إلى المسجد سيؤذي الناس برائحة البصل، أو الثوم، أو بغيرهما فهذه مفسدة وصلاة الجماعة مصلحة فهنا تعارضت المفسدة والمصلحة فنقول: [ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ] فما دام أن البصل والثوم فيه رائحة فنقول : اجلس ولا تصلِّ مع الناس ولو كان سيفوته مصلحة وهي صلاة الجماعة .
المثال الثاني : لو أن الإنسان سيقوم الليل وقيامه لليل سيؤدي إلى تفويت صلاة الفجر مع الجماعة، فهنا مصلحة ومفسدة فنقول : اترك قيام الليل لكي تصلي الفجر مع جماعة الناس .
المثال الثالث : التجارة في المحرمات فيه مفسدة فيمنع، ولو كان في التجارة مصلحة وهي الربح .
ومن ذلك ابن القيم رحمه الله جعل إنكار المنكر على أربع درجات :
الأولى : أن يزول ويخلفه ضده .
الثانية : أن يقِلَّ وإن لم يزل بجملته .
الثالثة : أن يخلفه ما هو مثله .
الرابعة : أن يخلفه ما هو شر منه .
فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة .
قال ابن القيم رحمه الله : فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون الشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله كرمي النشاب وسباق الخيل ونحو ذلك .
وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب، أو سماع مكاء وتصدية فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد، وإلا كان تركهم على ذلك خيراً من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك فكان ما هم فيه شاغلاً لهم .
وإذا كان الرجل مشتغلاً بكتب المجون ونحوها وخفت من نقله عنها إلى كتب البدع والضلال والسحرة فدعه وكتبه الأولى.
وهذا باب واسع .(1/38)
ومن أدلة هذه القاعدة أن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم " .(1)
القاعدة الثانية : [ الضرر الخاص يُتحمَّل لدفع الضرر العام ]. فإن الضرر الحاصل للعامة يزال بالضرر الخاص بالواحد؛ لأنه أهون الشرين، وأدنى المفسدتين .
ولذلك أمثلة :
المثال الأول : الطبيب الجاهل يُحْجَر عليه لمصلحة الناس فكوننا نَحْجُر عليه ونمنعه من التطبب فيه ضرر خاص، لكن يُتحمّل لدفع الضرر العام، إذ لو تركناه يداوي الناس وهو جاهل لتضرر الناس.
المثال الثاني : المفتي الجاهل يُحْجَر عليه، فالطبيب الجاهل يُحجر عليه لضرر الناس في أبدانهم، والمفتي الجاهل يُحجر عليه لضرر الناس في أديانهم وإن كان يلحقه ضرر لكن هذا الضرر الخاص من أجل المصلحة العامة .
المثال الثالث : قال العلماء : لو تَتَرَّس الكفار بمسلمين فاحتجنا إلى أن نرمي الكفار وأدّى ذلك إلى قتل المسلمين، فهنا ضرر خاص لحقهم لكنه يُتحمَّل للضرر العام .
المثال الرابع : الساحر يُقتل؛ لأنه يفتن الناس، فيتحمل الضرر الخاص بقتله ويدفع الضرر الأعم للأمة، وهذه القاعدة كما يحتاجها الفقيه أيضاً يحتاجها غيره : كالقاضي، والمعلم، والمربي، والداعية إلى الله عز وجل، والآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، وكذلك الوالد مع أولاده ، والمدير مع موظفيه .
القاعدة الثالثة : [ الضرر لا يزال بالضرر ] ، وإزالة الضرر له ثلاثة حالات :
الحال الأولى : أن لا يترتب على الإزالة ضرراً مطلقاً وحينئذٍ يجب إزالته بالكلية .
الحال الثانية : أن يترتب على إزالة الضرر ضرر أخف فيرتكب الضرر الأخف من أجل دفع الأعظم .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (7288) ، ومسلم رقم (1337) .(1/39)
لحال الثالثة : أن يترتب على إزالة الضرر ضرر أعظم من الضرر المزال، أو مساوٍ له فهذا هو معنى هذه القاعدة [ فلا يزال الضرر بضرر مثله أو أشد منه ] .
ولذلك أمثلة :
المثال الأول : رجل جائع ليس معه ما يسد رَمقَه أي : ما يمسك حياته، وآخر جائع معه ما يسد رمقه، معه خبز فنقول : الضرر لا يزال بالضرر فكون هذا المضطر يأخذ الخبزة من الآخر فهذا أزال ضرره بضرر غيره فليس له ذلك .
المثال الثاني : لو أن شخصاً أُكره على القتل، قيل له : إما أن تَقتل زيداً وإلا قتلتك فكونه يزيل الضرر عنه بقتل زيد ليس له ذلك.
القاعدة الرابعة : [ الضرر يزال بقدر الإمكان ] ولذلك أمثلة:
المثال الأول : لو أن هناك مالاً ليتيم وجاء ظالم ليأخذه فلا بأس لولي اليتيم أن يدفع من مال اليتيم ما يدفع به أخذ المال كله إذا كان يندفع بكذا وكذا لا يُزاد على ذلك ... إلخ .
المثال الثاني : الحَجْر على السفيه لدفع سوء تصرفاته المالية ، يحجر عليه فيما يتعلق بالمال دون غيره من بقية التصرفات .
القاعدة الخامسة: [ الضرر اليسير يُحتمل في العقود ] ولذلك أمثلة :
المثال الأول : العيب اليسير عُرفاً عند التجار هذا يُحتمل في العقود فلو أنك اشتريت سلعة ووجدت فيها عيباً يسيراً هذا يحتمل في العقود.
المثال الثاني : لو اشتريت سلعة وحصل لك غبن يسير يتغابن فيه الناس ... إلخ هذا يحتمل في العقود .
ومثل ذلك : أساسات الحيطان لا يشترط العلم بها .
القاعدة السادسة : [ الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ] مثّل العلماء رحمهم الله : بنفقة الأولاد، والزوجة ... إلخ فيجبر الأب على أن ينفق على أولاده .
القاعدة السابعة : [ الاضطرار لا يبطل حق الغير ] فإذا اضطر الإنسان إلى عين مال الغير كما لو اضطر إلى طعامه إلى أكله فيجب عليه ضمانه .(1/40)
وعند شيخ الإسلام لا يجب الضمان إلا مع الغنى، وأما إذا اضطر إلى نفع مال الغير كما لو اضطر إلى ثوب الغير ليتقي به البرد، أو الحر ونحو ذلك فلا يجب الضمان .
قوله : [ كلفه ] : التكليف بالأمر فرضه على من يستطيع القيام به .
قوله : [ طرا ] : طرأ طرءاً وطروءاً حدث وخرج فجأة فهو طارئ .
هنا أشار الشيخ رحمه الله إلى أن التكاليف الشرعية ولله الحمد قد دخلها التيسير، ودخول التيسير في التكاليف الشرعية من وجهين : -
الوجه الأول : من حيث الأصل : فالأصل في التكاليف الشرعية أنها مبنية على التيسير، والتسهيل، والدليل قوله تعالى : { ( - - ( - ( - ( - - - ( المحتويات ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - ( - ( المحتويات ( تمهيد ( - - عليه السلام - - ( - ((( - - - } (1) وأيضاً قوله تعالى: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - (( (((( - - - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - مقدمة - } (2) .
وأيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ".(3)
فالوضوء، والغسل، والصلاة، والصيام، والزكاة كلها مبنية على التيسير، فالآصار والأغلال هذه كانت على الأمم قبلنا، أما هذه الأمة فالأصل في الشريعة أنها مبنية على التيسير .
الوجه الثاني : من حيث العارض؛ فقد يعرض لهذه التكاليف الشرعية المبنية على التيسير أسباب؛ فيدخلها التيسير مرة أخرى ولهذا قال الشيخ رحمه الله : [ وعند عارض طرا ] .
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 185 .
(2) سورة الحج، الآية : 78 .
(3) أخرجه البخاري رقم (39) ، ومسلم رقم (2816)(1/41)
وهذه هي القاعدة الثانية الكلية من القواعد الخمس وهي قاعدة : [ المشقة تجلب التيسير ] .
وهذه القاعدة يُعبّر عنها أيضاً بلفظ آخر : [ إذا ضاق الأمر اتسع ] .
ودليل هذه القاعدة : ما تقدم من قوله تعالى : { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - (( (((( - - - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - مقدمة - } وقوله تعالى : { ( - - ( - ( - ( - - - ( المحتويات ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - ( - ( المحتويات ( تمهيد ( - - عليه السلام - - ( - ((( - - - } وقوله تعالى : { - صدق الله العظيم ( - ( - - - - ( - ( - - - - ( - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم ( { - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -(( - (- صلى الله عليه وسلم - - } (1)
وقوله : { } - قرآن كريم ( { } - - - - ( { - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - (((( - (- رضي الله عنه - - ( - - - } (2).
وما رواه أحمد في مسنده وغيره مرفوعاً " إنما بعثت بالحنيفية السمحة "(3) وأما الإجماع : فحكاه غير واحد كالشاطبي في "موافقاته".
والمشقة قسّمها العلماء رحمهم الله إلى قسمين :
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 286 .
(2) سورة التغابن، الآية : 16 .
(3) هذا الخبر بهذا اللفظ أخرجه الطبراني في الكبير (8/170) وسنده ضعيف وآفته عُفير بن معدان وهو ضعيف، ورواه أحمد في مسنده (6/116) ولفظه " إني أرسلت بحنيفية سمحة " ورجاله ثقات حفاظ .(1/42)
القسم الأول: مشقة معتادة : فهذه يُكلِّف بها الشارع فالإنسان يعتاد أن يتحملها، فكون الإنسان يُصلي الصلوات الخمس هذه مشقة لكنها معتادة، وكونه يصوم شهر رمضان ويزكي هذا الجزء من ماله هذه مشقة لكنها معتادة .
القسم الثاني : مشقة خارجة على العادة : فهذه لا يُكلِّف بها الشارع .
مثال ذلك : إطالة السهر في القيام، وإطالة الصوم في النهار، وإخراج كل المال في الزكاة، أو نصف المال، أو ربعه ... إلخ هذه لا يُكلِّف بها الشارع .
والمشقة يقسمها الفقهاء كما نص على ذلك ابن نُجيم الحنفي في ( الأشباه والنظائر ) إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : مشقة تخرج الفعل عن طاقة العبد وقدرته، (كإخراج المال كله في الزكاة) .
القسم الثاني : مشقة خفيفة لا تخرج الفعل عن طاقة العبد وقدرته (كأدنى مرض) .
القسم الثالث : مشقة يتنازعها القسمان السابقان فقد تصل إلى رتبة الأول وقد تنزل إلى رتبة القسم الثاني، وإنما جاءت الرخصة مع هذا النوع من المشاق لسببين اثنين كما قال الشاطبي رحمه الله في ( الموافقات ) :
الأول : لحفظ جوارح العبد، ونفسه، وماله، وما إلى ذلك حتى لا ينقطع عن العبادة ويكره التعبد لله .
الثاني : حتى لا يصيب العبد انقطاع عند تزاحم الأعمال التعبدية وكسل وملل عن العبادة .
واعلم أن المشقة من حيث مجيئها وأحكامها ثلاث أقسام :
الأول : مشقة لا تعلق للعبد وفعله بمجيئها مثل المصائب، والابتلاءات كالأمراض ... إلخ .
الثاني : مشقة للعبد تعلق بمجيئها وقد يأتي الفعل بدونها فهذه غير مطلوبة شرعاً من المكلف مثل ما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في صنيع أبي إسرائيل من كونه " نذر أن لا يستظل، وأن لا يفطر، وأن لا يقعد، وأن لا يتكلم فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستظل، ويقعد، ويتكلم وأن يستمر في صيامه"(1) فهذه جلبها العبد على نفسه .
الثالثة : ما كانت مصاحبة للفعل وهي نوعان :
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (6704) .(1/43)
الأول : مشقة اعتيادية . ... ... الثاني : مشقة زائدة.
قوله : [ وعند عارض طرا ] : ما هو هذا العارض ؟ هذا العارض يُعبِّر عنه العلماء رحمهم الله بقولهم : [ أسباب التخفيف ].
والتخفيف في الشريعة له أسباب :
السبب الأول : النسيان وهذا من أسباب التخفيف وسيأتينا في كلام الشيخ رحمه الله فنؤجل الكلام على هذا السبب إلى أن يرد في كلام الشيخ رحمه الله . (1)
مثال ذلك : لو أن الإنسان نسي وصلى وعليه نجاسة فنقول : هذا النسيان من أسباب التخفيف فصلاته صحيحة . ولو نسي وأكل وهو صائم، فإن هذا من أسباب التخفيف فصيامه صحيح، ولو نسي وصلى وهو محدث، فإن هذا من أسباب التخفيف لا إثم عليه لكن يجب عليه أن يعيد الصلاة .
السبب الثاني : الخطأ : من أسباب التخفيف. وسيأتي إن شاء الله وسيتكلم عليه المؤلف رحمه الله مع النسيان . (2)
السبب الثالث : المرض : هذا من أسباب التخفيف .
والمرض في اللغة : هو السَّقَم، واعتلال الصحة .
وفي الاصطلاح : كل ما يكون معه حرج ومشقة حال فعل المأمور، يعني ما يكون في عدم التخفيف في هذا المرض حرج ومشقة .
ولذلك أمثلة :
المثال الأول : إذا كان الإنسان يلحقه حرج ومشقة ظاهرة إذا لم يفطر وهو مريض فنقول : هذا من أسباب التخفيف .
__________
(1) انظر ص ( 232) .
(2) انظر ص (235) .(1/44)
المثال الثاني : إذا كان المريض يلحقه مشقة ظاهرة إذا لم يجمع، أو لم يتيمم فنقول : هذا من أسباب التخفيف، فله الجمع، والتيمم، وكذا إذا لحقه حرج ومشقة إذا صلى قائماً، أو راكعاً، أو ساجداً فإنه يجلس ويؤمئ بالركوع، والسجود. ويدل لذلك قوله تعالى : { صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - - - - - المحتويات ( - - ( تم بحمد الله - (( - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم - - ( - - - (( - ( ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله تم بحمد الله الله - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - - } (1) وحديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له لما شكى له أن به بواسير : " صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب " .(2)
السبب الرابع : السفر : وهو في اللغة : قطع المسافة .
أما في الاصطلاح : الخروج من الوطن على قصد السفر عرفاً.
والدليل على أن السفر من أسباب التخفيف قوله تعالى : { صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - - - - - المحتويات ( - - ( تم بحمد الله - (( - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم - - ( - - - (( - ( ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله تم بحمد الله الله - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - - } (3).
وأيضا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه إذا سافر قصر وجمع ... إلخ فدل على أنه من أسباب التخفيف . وذكر العلماء رحمهم الله للسفر الذي يكون من أسباب التخفيف شروطاً؛ إذْ ليس كل سفر يكون سبباً للتخفيف .
وهذه الشروط نأخذها على سبيل الإجمال :
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 184 .
(2) أخرجه البخاري رقم (1117) .
(3) سورة البقرة، الآية : 184 .(1/45)
الشرط الأول : المسافة هل يشترط لهذا السفر مسافة أولا يُشترط ؟ هذا موضع خلاف : فجمهور أهل العلم رحمهم الله أن مسافة القصر مسيرة يومين تساوي 48 ميلا ، وعند الحنفية مسيرة ثلاثة أيام .
والصواب : أنه لا يشترط له مسافة فكل ما دل العرف على أنه سفر فهو سفر .
الشرط الثاني : أن لا يكون سفراً محرماً، وعلى هذا إذا كان سفراً محرماً فلا يترخص فيه المسافر، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله .
واستدلوا بقوله تعالى : { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( { - (((( - - - عليه السلام - - ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنه -( } (1).
فقالوا : الباغي : هو الذي يخرج على الإمام . والعادي : هو قاطع الطريق وهذا يكون في السفر .
الرأي الثاني : رأي أبي حنيفة، وشيخ الإسلام رحمهما الله : أن هذا ليس شرطاً، لعمومات الأدلة وهذا هو الأقرب فيترخص الإنسان في جنس السفر حتى في السفر المحرم فيجمع، ويقصر، ويمسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن ... إلخ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( إن الباغي : هو الذي يبغي المحرم من الطعام مع قدرته على الحلال. والعادي : هو الذي يتجاوز قدر الحاجة ) .
الشرط الثالث : الخروج من البلد فلا يترخص حتى يخرج من البلد فليس له أن يترخص داخل البلد قال تعالى : { صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - - - - - المحتويات ( - - ( تم بحمد الله - (( - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم - - } . (2)
فقال تعالى : { (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم - - } ولم يقل الله عز وجل أو على نية السفر .
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 174 .
(2) سورة البقرة، الآية : 184 .(1/46)
فهذا يدل على أنه خرج فلا يترخص حتى يخرج، لا يقصر، ولا يجمع، ولا يفطر، ولم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترخص حتى خرج من البلد.
الشرط الرابع : الزمن : هل للسفر الذي يُترخص فيه مدة محددة أو ليس له مدة محددة ؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله :
الرأي الأول : رأي الحنابلة رحمهم الله أن مدة السفر الذي يترخص فيه أربعة أيام . يعني إذا أراد أن يقيم أربعة أيام ووصل البلد لا يترخص وهو قول الإمام مالك والشافعي لكن قالوا : لا يحسب يومي الدخول والخروج .
الرأي الثاني : رأي الحنفية رحمهم الله أن مدة السفر الذي يترخص فيه خمسة عشر يوماً .
والصواب : في ذلك أنه ليس له حد لكن إذا أطال الإنسان الإقامة وتشبه بالمقيمين، بطول الإقامة كأن يقيم أشهراً، أو سنوات، أو غير ذلك وتشبه بالمقيمين، فالصواب أنه ليس له أن يترخص أما إذا كان الإنسان سيقيم أسبوعاً، أو أسبوعين، أو عشرين يوماً، ونحو هذا ... إلخ فهذا لا يخرج عن كونه مسافراً .
السبب الخامس : الجهل : هذا من أسباب التخفيف وسيأتي إن شاء الله في كلام الناظم رحمه الله فنؤجل الكلام عليه .(1)
السبب السادس : الإكراه أيضاً من أسباب التخفيف وهو من الكَرْه بالفتح وهو المشقة قاله الفرَّاء وقيل من الكُرْه . قال ابن منظور في ( اللسان ) : أجمع كثير من أهل اللغة على الكُرْه بالضمة والكَرْه بالفتح لغتان لمعنى حمل الغير على أمر لا يرضاه لو خُلِّي ونفسه . ودليله قوله تعالى : { - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - فهرس ( - ( - ( - (( مقدمة ( تمهيد ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله (((- رضي الله عنهم - - ((( تم بحمد الله ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - ( - } (2) .
__________
(1) انظر ص (236) .
(2) سورة النحل، الآية : 1065 .(1/47)
وأيضاً حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".(1) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا طلاق ولا إعتاق في إغلاق " .(2) أي إكراه .
وليس كل إكراه يكون سبباً للتخفيف وإنما اشترطوا له شروطاً :
الشرط الأول : أن يكون المُكرِه قادراً على إيقاع ما هدد به والمُكرَه ليس قادراً على دفعه .
الشرط الثاني : أن يكون الإكراه عاجلاً ليس آجلاً مثال ذلك: قال طلق زوجتك وإلا قتلتك بعد سنة فإنه لا يكون إكراهاً معتبراً.
الشرط الثالث : أن يكون ما يُكَره عليه يشق تحمله .
الشرط الرابع : أن يظن المكرَه أن المكرِه سيوقع ما هدد به؛ لأنه لا يخلو من ثلاث حالات :
الحال الأولى : أن يعلم أنه سيوقع ما هدد به فيكون سبباً للتخفيف .
الحال الثانية : أن يظن أنه سيوقع ما هدد به فهنا أيضاً يكون سبباً للتخفيف .
الحال الثالثة :أن يشك أو يظن أنه لن يوقع ما هدد به فهذا لا يكون سبباً للتخفيف .
الشرط الخامس : أن يكون الإكراه بغير حق، فإن كان بحق فلا يكون سبباً للتخفيف .
والإكراه قد يكون سبباً للتخفيف وقد لا يكون كذلك؛ فيكون سبباً للتخفيف في العبادات .
مثال ذلك : إذا أُكره على الإفطار في رمضان فلا يبطل صومه أو أُكره أن يأكل في الصلاة فإن صلاته لا تبطل .
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (1/659)، والبيهقي (7/356)، والحاكم (2/198)، والدارقطني رقم (4306) وأنكره الإمام أحمد كما في العلل لابنه عبد الله (1340) وأبو حاتم كما في العلل لابنه عبد الرحمن (1296) .
(2) أخرجه أبو داود رقم (2193) وابن ماجه رقم (2046) وحكم على ضعفه الإمام أبو حاتم كما في العلل لابنه عبد الرحمن (1300) كما حكم بضعفه ابن عبد الحق في الأحكام الوسطى (3/200) وابن القطان الفاسي كما في بيان الوهم والإيهام (4/251) . .(1/48)
وكذلك في المعاملات إذا أُكره على البيع، أو الشراء، أو في النكاح أُكره على الطلاق فكل ذلك لا يقع . وقد لا يكون الإكراه سبباً للتخفيف فإذا أُكره على قتل إنسان فليس له أن يقتله، فلا يكون سبباً للتخفيف .
فالقاعدة : ( أن الأصل أن الإكراه سبب في التخفيف في الإثم والضمان، وقد لا يكون سبباً في التخفيف كما في مسألة القتل، ونحوها ).
السبب السابع : النقص : سبب من أسباب التخفيف والنقص ذكر العلماء رحمهم الله . له أنواع :
النوع الأول : الجنون : وهو فقد للعقل يصحبه اضطراب وهيجان أحياناً، وهذا من أسباب التخفيف ، فالمجنون لا تجب عليه الصلاة والصيام ... إلخ . وقد لا يكون سبباً للتخفيف مثل الحقوق المالية فالزكاة والنفقة تجب عليه . أيضاً ما يتعلق بحقوق الآدميين كضمان المتلفات، وأروش الجنايات، فإذا أتلف المجنون شيئاً فيجب عليه الضمان في ماله .
فالقاعدة في المجنون من حيث التخفيف :
أن المجنون لا تجب عليه العبادات البدنية، أو المركبة من المال والبدن ولا تصح منه .
عدم صحة عقوده .
ما يتعلق بالحقوق المالية المحضة كالزكوات والنفقات، وضمان المتلفات تجب في ماله، فلا يكون الجنون هنا سبباً للتخفيف .
النوع الثاني : العَتَه والفرق بين المعتوه والمجنون أن الجنون : فقد للعقل يصحبه اضطراب وهيجان أحياناً، وأما العته : فهو نقص في العقل يصحبه خمول وكسل وسكون، فالعته قد يكون سبباً للتخفيف، وقد لا يكون سبباً للتخفيف فمن حيث إيجاب الصلاة، والصيام ... إلخ ، هذا سبب للتخفيف لكن بالنسبة للحقوق المالية كالزكاة، والنفقة، ونحو ذلك، وحقوق الآدميين كضمان المتلفات وأروش الجنايات لا يكون سبباً للتخفيف، فيضمنها المعتوه .
فالقاعدة أن العته بالنسبة للتخفيف ينقسم قسمين :
الأول : عته ليس معه إدراك، فهذا حكمه حكم المجنون كما تقدم حكمه .(1/49)
الثاني : عته معه إدراك، فهذا حكمه حكم الصبي المميز ويأتي حكم الصبي المميز(1) تصح منه العبادات ويؤجر عليها، ولا تجب عليه .
النوع الثالث : الأنوثة : فالأنوثة قد تكون سبباً للتخفيف فالأنثى يسقط عنها من التكاليف ما لا يسقط عن الذكر .
والقاعدة : [ أن الأصل تساوي الذكور والإناث في التكاليف إلا ما دل الدليل عليه ] .
مثل : صلاة الجماعة فلا تجب عليها، ولا الجمعة، ولا الجهاد، ولا الأذان، ولا الإقامة ... إلخ لدلالة الدليل على ذلك، فهو سبب للتخفيف .
النوع الرابع : الرِّق : وهو في اللغة : العبودية . وفي الاصطلاح: عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر بالله عز وجل.
والقاعدة : أن التكاليف الشرعية بالنسبة للرقيق تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : التكاليف البدنية المحضة فحكمه التساوي مع الحُر فالصلاة، والصيام يجبان على الحر، والرقيق. والصواب : أن صلاة الجماعة، والجمعة أيضاً تجب على الحر والرقيق .
القسم الثاني : التكاليف المالية المحضة كالزكاة، والنفقات، والكفارات المالية ونحوها لا تجب على الرقيق ، وأما بالنسبة لقيم المتلفات، وأروش الجنايات فتتعلق برقبته . (2)
القسم الثالث : التكاليف المركبة من المال، والبدن مثل الحج والعمرة لا تجب على الرقيق .
القسم الرابع : بالنسبة للمعاملات فتصرفات الرقيق كلها باطلة فلا يبيع ويشتري ... الخ إلا مع الإذن، وكذلك تبرعاته من الهبة والوقف ... إلخ غير صحيحة وباطلة إلا مع الإذن .
__________
(1) انظر ص (212) .
(2) ومعنى تعلقها برقبته : أن الرقيق إذا أتلف أو جنى، فإن سيده مخير بين أن يفديه بأن يغرم قيمة الإتلاف أو الجناية، أو أن يباع الرقيق فإن فضل شيء بعد سداد قيمة الإتلاف رد إلى السيد ، فإن لم يفضل أو كانت قيمته أنقص لم يلزم السيد بشيء .(1/50)
النوع الخامس : النوم، والإغماء هذان أيضاً من أسباب التخفيف ودليل ذلك : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم النائم حتى يستيقظ " (1) والمغمى عليه أشد من النائم.
والتخفيف عن النائم والمغمى عليه ينقسم إلى قسمين :
أولاً : ما يتعلق بالحكم التكليفي فلا يأثم عند ترك المأمور، وفعل المحظور، لكن يجب عليه تدارك المأمور الذي يجب عليه تداركه.
ثانياً : ما يتعلق بعقوده كعقود المعاملات، والتبرعات، والأنكحة، والفسوخ ... إلخ فلا تنعقد من النائم، والمغمى عليه .
من أمثلة ذلك :
إذا نام الإنسان عن الصلاة فلا يأثم، وكذلك إذا باع، أو اشترى ... إلخ ، وهو نائم ، أو طلق وهو نائم فلا يقع . وأيضاً بالنسبة للإغماء لو أُغمي عليه فهذا من أسباب التخفيف فلا يأثم بتأخير الصلاة، لكن إذا كان الإغماء بغير اختياره فإنه لا يجب عليه قضاء الصلاة إلا إذا أفاق فيها أو أغمي عليه في وقتها ولم يصلها، وكذلك إذا باع أو اشترى أو طلق زوجته وهو مغمى عليه فهذا من أسباب التخفيف فلا يقع عليها .
السبب الثامن : العسر، وعموم البلوى : وهو شيوع البلاء بحيث يصعب على المرء التخلص أو الابتعاد، كطهارة فم الهرة وسؤرها لكثرة تطوافها .
__________
(1) أخرجه أبو داود رقم (4401) والنسائي رقم (7343) .(1/51)
مسألة : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم الليل(1) حتى تتفطر قدماه ويقرأ(2) بالبقرة، وآل عمران، والنساء، قال بعض أهل العلم : إنه عليه الصلاة والسلام ارتاحت نفسه إلى العبادة أما غيره من الناس فليس مثله. وأيضاً ما جاء عن بعض السلف لعلهم ارتاحت نفوسهم إلى هذه فأحبوها، ولا يوجد في أحكام الشريعة ما هو شاق أو ما لا يستطاع فعله بالنسبة للمكلفين بل إن العباد يطيقون أكثر مما كلفوا به وهذا موضع إجماع الأمة .
**********************
هذا البيت تابع للقاعدة السابقة .
قوله : [ شطط ] : يعني مشقة يُقال شَطَّ في القول شَطَطاً وشُطُوطاً أغلظ فيه، فإذا حصلت المشقة فإنه يُجلب التيسير ويؤتى به.
قوله [ الدين الحنيف ] : أي المائل عن الشرك . ولا شك أن الدين قائم على التوحيد في أقسامه الثلاثة (3) ، مائل عن الشرك بأنواعه .
********************
__________
(1) قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء في البخاري رقم (4837) ، ومسلم رقم (2820) .
(2) وقراءته - صلى الله عليه وسلم - ثبتت في صحيح مسلم رقم (772) .
(3) أقسام التوحيد الثلاثة هي :
1- توحيد الربوبية : وهو إفراد الله بما يختص به من الملك، والتدبير، والخلق .
2- توحيد الألوهية : هو إفراد الله بالعبادة .
3- توحيد الأسماء والصفات : هو إفراد الله بما يختص به من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل .(1/52)
أي أن المأمور يجب عليك أن تفعل ما استطعت منه، ودليل ذلك قوله تعالى : { } - قرآن كريم ( { } - - - - ( { - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - (((( - (- رضي الله عنه - - ( - - - } (1) ، ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " .(2) وحديث عمران رضي الله عنه السابق قال - صلى الله عليه وسلم - : "صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" (3) الأصل في المأمور أنك تأتي به كله، فإذا لم تستطع أن تأتي به كله فتأتي بما استطعت منه ويدخل تحت هذه القاعدة فروع كثيرة من ذلك : الصلاة يصلي المسلم قائماً فإذا لم يستطع أن يصلي قائماً يصلي جالساً ويؤميء بالركوع والسجود ... إلخ .
وفي زكاة الفطر يجب أن يؤدي المسلم صاعاً، فإذا لم يجد إلا نصف صاع فإنه يؤديه، وإذا كان عندك ماء للوضوء يكفي للمضمضة والاستنشاق وغسل الوجه، وأما بقية الأعضاء فلا يكفي فنقول تمضمض، واستنشق، واغسل وجهك، وتيمم للباقي، وكذلك الحج الأصل أن الإنسان يحج بماله وبدنه، فإذا لم يستطع أن يحج بماله وبدنه فإنه ينيب من يحج عنه .
قوله : [ واجتنب الكل من المحظور ] : يعني المنهي عنه ويدل لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : " وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " (4) إذا نهى الشارع عن شيء يجب على الإنسان أن يجتنبه ويجتنب كل طرقه ووسائله .
مثال ذلك : نهى الشارع عن الزنا، فيجب أن ينتهي عنه، وعن كل الطرق الموصلة إليه؛ لأن الترك أسهل من الفعل، ولأن الإنسان لو فعل شيئاً من هذا المحظور فإنه يكون قد أدّى شيئاً من المفسدة؛ لأن المحظور مفسدة يجب على الإنسان أن يجتنب المحظور كله .
__________
(1) سورة التغابن، الآية : 16 .
(2) تقدم تخريجه ص (65) .
(3) تقدم تخريجه ص (74) .
(4) تقدم تخريجه ص (65) .(1/53)
هذا كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال : ( إن الشرائع لا تلزم قبل العلم ) ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى : { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله - (( - - رضي الله عنهم - مقدمة - رضي الله عنهم - { - رضي الله عنهم -(( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم قرآن كريم ( - - عليه السلام - - } (1) وقوله : { الله - ( - - - - رضي الله عنه -((( - (- صلى الله عليه وسلم -(- رضي الله عنه - تمهيد - تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - - جل جلاله -( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - { ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( } - } - - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - { } - ( مقدمة - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( - - - - - - - } (2) .
ومن السنة ما أشار إليه الشيخ رحمه الله بقوله : [ فعل المسيء فافتهم ] وفعل المسيء هذا أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان جالساً في المسجد فدخل رجل فصلى فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ارجع فصلِّ فإنك لم تصل " ثلاثاً قال : والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تعتدل جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " .(3)
__________
(1) سورة الإسراء، الآية : 15 .
(2) سورة النساء، الآية : 165 .
(3) أخرجه البخاري رقم (757) ، ومسلم رقم (397) .(1/54)
وجه الدلالة : أن الأعرابي أخل بالطمأنينة ومع ذلك لم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد الصلاة السابقة، وإنما أمره بإعادة الصلاة الحاضرة فهذا دليل على أن الجاهل يعذر بالجهل وأن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم .
ومن الأدلة على هذه القاعدة : قصة المستحاضة(1) التي سألته عن تركها للصلاة ومع ذلك لم يأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعادة ما سبق من الصلوات، مع أنها ظنت أن هذا الدم حيض وتركت الصلاة.
***********************
الأصل كما مشى عليه الناظم رحمه الله أنه يُعذر بالجهل وتقدم دليل ذلك من الكتاب والسنة، ثم بعد ذلك ذكر الناظم رحمه الله أن الإنسان إذا فرط في التعلم فإنه لا يعذر، وعلى هذا نقول العذر بالجهل ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن يكون حديث عهد بإسلام فهذا يعذر بالجهل فإذا أسلم حديثاً، ثم شرب الخمر، أو لعب الميسر ونحو ذلك فإنه يُعذر بالجهل .
القسم الثاني : أن يكون ناشئاً ببادية بعيدة عن حواضر المسلمين بحيث لا يسمع من العلماء ... إلخ فهذا يُعذر بالجهل ودليل ذلك ما تقدم من حديث المسيء صلاته (2) ؛ لأنه أعرابي ناشيء في البادية فَعذَره النبي - صلى الله عليه وسلم - .
القسم الثالث : أن يكون ناشئاً ببلاد الكفار قال العلماء : إنه يُعذر بالجهل إلحاقاً له بالناشيء في البادية .
القسم الرابع : ما يَدِقُّ ويغمض من المسائل التي لا يعلمها إلا أهل العلم، فإن العامي يعذر فيها .
القسم الخامس : إذا كان الإنسان مقيماً في المدن ولم تقم عنده شبهة بأن هذا محرم، أو أن هذا شرك ونحو ذلك فإنه يُعذر أما إن قامت عنده شبهة وأَمْكَنه التعليم ولم يتعلم فإنه لا يعذر وهذا القسم هو الذي أشار إليه الشيخ رحمه الله بقوله : [ لكن إذا فرط في التعلم فذا محل نظر فلتعلم ] .
فإذا توفر عنده أمران :
الأمر الأول : قيام الشبهة .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (325) ومسلم رقم (333) .
(2) تقدم تخريجه قريباً .(1/55)
الأمر الثاني : تمكنه من التعليم بحيث يمكنه أن يسأل العلماء عن هذا الحكم ولم يفعل فإنه لا عذر له، أما إن كانت الشبهة لم تقم عنده أو قامت عنده ولم يتمكن من السؤال بحيث لم يجد عالماً يسأله ... إلخ فإنه يعذر حينئذٍ لعدم تفريطه .
هذه قاعدة :
[ أن الضرورات تبيح المحظورات ] : المحظورات : المحرمات لا تبيحها إلا الضرورات، والمكروهات تبيحها الحاجات هذا الأصل.
قال بعض العلماء : إلا ما كان تحريمه تحريم وسائل فإن الحاجة أيضاً تبيحه ويأتي قوله :
وكُلَّ ممنوعٍ فَللضَّرورَةِ ... يُباحُ والمكْرُوهُ عِندَ الحَاجةِ
الدليل على أن الضرورات تبيح المحظورات قوله تعالى : { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( { - (((( - - - عليه السلام - - ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنه -( - سبحانه وتعالى - - - ( - المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم ( { ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - } (1) .
لكن يشترط لذلك شروط :
الشرط الأول : أن تكون الضرورة واقعة فإن كانت منتظرة فإن المحرم لا يباح .
مثال ذلك : إنسان وقع في مخمصة أصابه الجوع، أما إذا لم يصبه الجوع، وإنما يخشى الجوع فليس له أن يأكل من الميتة .
الشرط الثاني : أن لا يكون هناك وسيلة أخرى غير المحرم، فإن كان هناك وسيلة مباحة فإنه لا يجوز؛ ولهذا قال تعالى : { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( { - (((( - - - عليه السلام - - ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنه -( } .
الباغي : هو الذي يبغي الحرام مع قدرته على الحلال .
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 173 .(1/56)
الشرط الثالث : أن يكون الأخذ من المحرم بقدره وعبَّر عنه بعض العلماء بقوله : [ أن يكون زمن الإباحة مقيداً بزمن بقاء العذر ] ، وعبّر عنه بعض العلماء بقوله: [ الضرورة تُقَدَّر بقَدْرِها ] فيأخذ من المحرّم ما يسد رمقه، والدليل قوله تعالى : { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( { - (((( - - - عليه السلام - - ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنه -( } والباغي والعادي تقدم تعريفهما . (1)
مثال ذلك : نظر الطبيب للمريضة، أو عورة المريض للضرورة لا يبيح النظر مطلقاً بل القدر الذي تندفع به الضرورة .
الشرط الرابع : أن تندفع الضرورة بهذا المحرم، فإذا لم تندفع به فإنه لا يجوز، وإذا شككنا هل تندفع الضرورة بهذا المحرم أو لا ؟ فالأصل عدم الحل؛ لأن ارتكاب المحظور مفسدة متيقنة واندفاع الضرورة مشكوك فيه، واليقين مُقدم على الشك .
الشرط الخامس : أن يكون المحظور أنقص من الضرورة مثاله: إذا أجبر إنسان وهُدِّد على أن يقتل إنساناً، قيل له : اقتل هذا الرجل وإلا قتلناك ففي هذه الحال لا يجوز أن يقتله؛ لأن هذا المحظور ليس أنقص بل مساوٍ .
قوله : [ والمكروه عند الحاجة ] : قال الشيخ السعدي رحمه الله في منظومته :
وكل محظور مع الضرورة ... بقدر ما تحتاجه الضرورة (2)
والفرق بين الضرورة والحاجة : أن الضرورة : ما يضطره الإنسان للمحافظة على نفسه، ومنافعه، وأطرافه.
والحاجة : ما يلحق الحرج والمشقة بعدمها .
يعني المكروه تبيحه الحاجة، فالمكروه أخف من المحرم، فإذا احتاج الإنسان إلى هذا المكروه فإنه يباح .
مثال ذلك : أكل البصل والثوم مكروه يجوز له إذا احتاج إلى هذا البصل أن يأكل منه، وإن لم يكن مضطراً حتى وإن كان هناك شيء آخر يستطيع أن يدفع به غير هذا الثوم أو غير البصل.
__________
(1) انظر ص (76) .
(2) منظومة القواعد الفقهية ، للسعدي ، البيت رقم (17) .(1/57)
مثال آخر : سفر الإنسان وحده هذا مكروه، لكن قد يحتاج إلى السفر وحده ولا يضطر فيباح، وكذلك الالتفات في الصلاة مكروه لكن الحاجة تبيحه، فإذا احتاج الإنسان أن يبصق فإنه يلتفت ويتفل عن يساره .
*******************
قوله رحمه الله : [ لكن ما حرم للذريعة يجوز للحاجة كالعرية ] قلنا : إن المحرم لا يباح إلا عند الضرورة، ويُستثنى من ذلك ما كان تحريمه من باب تحريم الوسائل، وليس من باب تحريم المقاصد فإن الحاجة تبيحه .
ومعنى الحاجة : هي الحالة التي يصل فيها الإنسان حداً إذا لم تراعَ لكان في ضيق وحرج، لكن لا تضيع مصالحه الضرورية، والحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة .
قولنا : ( عامة ) : هي الحاجة الشاملة لجميع الأمة .
وقولنا : ( خاصة ) : هي الحاجة الشاملة لطائفة معينة من الناس كأهل بلد، أو حرفة معينة كالتجار، أو الصنّاع، أو الزراع. أما الحاجة الخاصة بفرد، أو بأفراد محصورين فغير معتبرة أصلاً ولا تلحق بالضرورة؛ لأن لكل فرد حاجات متجددة ومختلفة عن غيره ولا يمكن أن يكون لكل فرد تشريع خاص به .
والفرق بين الضرورة والحاجة من وجهين :
الوجه الأول : أن الضرورة في الغالب تكون إباحة لمحظور ممنوع بنص شرعي، وتكون هذه الإباحة مؤقتة حيث تنتهي بزوال الاضطرار، وتتقيد بالشخص المضطر .
أما الإباحة الاستثنائية الثابتة بالحاجة فهي غالباً لا تخالف نصاً صريحاً لكن تخالف القواعد العامة في الشرع، والحكم في الغالب يكون بصورة ثابتة .
الوجه الثاني : أن الضرورة تبيح المحظورات، سواء أكان الاضطرار حاصلاً للفرد أم للجماعة، أما الحاجة فلا تكون سبباً للتيسير إلا إذا كانت حاجة عامة أو خاصة بطائفة كثيرة غير محصورة فلا تكون سبباً للتيسير في حق فرد وأفراد محصورين .
وقوله : [ يجوز للحاجة كالعرية ] .
ضرب المؤلف رحمه الله مثالاً بالعرية ومسألة العرايا مستثناة من المزابنة .(1/58)
والمزابنة : هي بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر اليابس. الأصل أنه لا يجوز بيع التمر اليابس بالتمر الرطب، لأنك إذا بعت ربوياً بجنسه فإنه يشترط التساوي من كل وجه لابد أن يكون يداً بيد مثلاً بمثل، ويدل لذلك : حديث عبادة بن الصامت وأبي سعيد رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواءً بسواء " . (1)
فإذا بعت تمراً بتمر فلابد أن يكون يداً بيد، وأن يتساويا في الكيل، وفي اليبوسة والرطوبة، لابد أن يكون تمراً رطباً بتمر رطب، وتمراً يابساً بتمر يابس، فإذا اختلفا في الرطوبة واليبوسة وقعت في ربا الفضل؛ ولهذا في حديث سعد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن بيع التمر بالرطب يعني التمر اليابس بالرطب فقال - صلى الله عليه وسلم - : " أينقص الرطب إذا يبس . قالوا : نعم، فنهى عن ذلك " .(2)
فالمزابنة كما تقدم هي بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر اليابس، يُستثنى من ذلك مسألة العريّة وهي بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر اليابس بشروط، فإذا توفرت هذه الشروط فمسألة العرّية أباحها الشارع .
الشرط الأول : أن تكون فيما دون خمسة أوسق . فخمسة أوسق فأكثر لا تجوز .
الشرط الثاني : أن يكون لا ثمن معه يشتري به الرطب .
الشرط الثالث : أن يكون محتاجاً لأكلها رطباً لكي يتفكه مع الناس، أما إذا كان يشتري الرطب بالتمر اليابس لكي يبيع الرطب فلا يجوز .
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (1587) ، وحديث أبي سعيد في الصحيحين البخاري رقم (2176) ، ومسلم رقم (1584) . .
(2) أخرجه مالك في الموطأ (2/624) ، أبو داود رقم (3359) ، والترمذي رقم (1225) ، والنسائي (7/268) ، وابن ماجه رقم (2264) . وقال الترمذي : حديث حسن صحيح، وكذلك صححه الحاكم وابن الملقن وغيرهم ، ولم يصب من ضعفه .(1/59)
الشرط الرابع : الحلول والتقابض، التمر اليابس يقبضه البائع وهو الفلاّح بكيله يكيله له المشتري ويقبضه البائع، النخل قَبْضه بتخليته، فالبائع يُخلي بين المشتري وبين هذه النخلة .
الشرط الخامس : التساوي في ذلك بأن يبيعه كيلاً بمثل ما يؤول إليه إذا جف هذا الرطب ، فإذا كان رطباً يساوي وسقين، وإذا جف يساوي وسقاً ونصف مثلاً، فنقول : هنا يأخذ وسقاً ونصفاً من التمر اليابس، فإذا كان كذلك فإنه تباح مسألة العرية، والدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق، أو دون خمسة أوسق"(1) وحديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهى عن بيع الثمر بالتمر ورخص في بيع العرايا ".(2) فهنا أُبيحت العرايا لماذا ؟ قال العلماء رحمهم الله : ( إن تحريم ربا الفضل من باب تحريم الوسائل وليس من باب تحريم المقاصد ) .
فأباح الشارع مسألة العرايا والتساوي ليس مقطوعاً فيه وقد قال العلماء رحمهم الله في باب ربا الفضل : [ الشك في التماثل كالعلم بالتفاضل ] يعني إذا بادلت ربوياً بجنسه وأنت تشك في التماثل فكما لو علمت بالتفاضل فيحرم ذلك؛ لابد أن تعلم التماثل تماماً، وهنا في مسألة الرطب بالتمر لا نعلم التماثل كل الأمر مبني على الخرص والتقدير وهذا الغالب أن يكون فيه تفاضل فربا الفضل هذا أبيح في هذه الحال للحاجة .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (2190) ، ومسلم رقم (1541) .
(2) أخرجه البخاري رقم (2191) ، ومسلم رقم (1540) .(1/60)
ومسألة العرايا ليس فيها ضرورة وإنما حاجة فقط لكي يتفكّه، فليس هناك ضرورة إلى أن يحفظ نفسه أو أطرافه وإنما يحتاج فقط أن يتفكه فأبيح له أن يستعمل مسألة العرايا، فقال العلماء رحمهم الله : " تحريم ربا النسيئة تحريمه من باب تحريم المقاصد، وأما ربا الفضل فتحريمه من باب تحريم الوسائل، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أسامة رضي الله عنه : " إنما الربا في النسيئة " (1) فقالوا إذا كان كذلك فإن الحاجة تبيحه كمسألة العرايا .
ومن المسائل المترتبة على ذلك لُبس الحرير قال العلماء رحمهم الله : ( بأن لبس الحرير تحريمه من باب تحريم الوسائل فالحاجة تبيحه ) فلو كان إنسان فيه حكَّة أو قمل، أو نحو ذلك واحتاج إلى لبس الحرير ليس هنا ضرورة، وإنما حاجة فلا بأس ولهذا رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما في لبس ثوب الحرير من حكة بهما . (2)
ويظهر لي : أن تقسيم المحرم إلى تحريم وسائل وتحريم مقاصد فيه نظر، وأن ما ورد الدليل على تحريمه فإنه لا يباح إلا لضرورة، إلا لدليل يدل على خلاف ذلك .
هذه قاعدة أصولية وهي قاعدة مشهورة : [ النهي يقتضي الفساد ] وهذه القاعدة أُلفت فيها مؤلفات منها كتاب العلائي (تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد) ودليل هذه القاعدة : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة رضي الله عنها : " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل"(3) فدل ذلك على أن ما نهى عنه الشارع فإنه يقتضي الفساد .
قوله : [ وما نهي عنه من التعبد أو غيره ] : يعني ما نهي عنه من العبادات أو غيره من المعاملات، والتبرعات، والأنكحة ... إلخ .
قوله : [ أفسده ] : يعني أحكم عليه بالفساد .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم ( 2178) ، ومسلم رقم (1596) .
(2) أخرجه البخاري رقم (2919) ، ومسلم رقم (2076) .
(3) أخرجه البخاري رقم (2168) ومسلم رقم (1504) .(1/61)
ذكر المؤلف رحمه الله أقسام هذه القاعدة وأن هذه القاعدة تنقسم إلى أقسام :
واعلم أن الحنابلة هم أوسع المذاهب في تطبيق هذه القاعدة، ولذلك ثلاثة من هذه الأقسام الأربعة يرون أنها تقتضي الفساد .
القسم الأول : أن يكون النهي عائداً إلى ذات المنهي عنه، فإنه يقتضي الفساد . ويدل له أحاديث وآثار كثيرة كنحو ما رواه أحمد في المسند مرفوعاً " لا صلاة لمن لا وضوء له " . (1)
وما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صلى الفجر بالناس وهو جنب فأعادها ولم يعيدوا .
والمراد بالفساد : أنه لا يترتب على الفعل الآثار المقصودة منه سواء في العبادات، أو العقود . قال الخطابي رحمه الله : ( هذا مذهب العلماء في قديم الدهر وحديثه ) .
والعلماء لا يفرقون بين الفاسد والباطل، والحنفية يفرقون فعندهم الفاسد ما نهي عنه لوصفه، والباطل ما نهي عنه لأصله .
وبعض الحنابلة يقول : الفاسد مالم يقع إجماع على تحريمه وفساده، والباطل ما وقع إجماع على تحريمه، ولذلك يقولون : نكاح المتعة باطل للإجماع على تحريمه، والنكاح بلا ولي فاسد لعدم الاتفاق عليه . ولهذا أمثلة منها :
المثال الأول : صيام يوم العيد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "نهى عن صوم يوم العيد " (2) فنقول بأن هذا الصيام فاسد .
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده (2/418) ، وأبو داود رقم (101) ، وضعفه الإمام أحمد والعقيلي والبزار وأشار إلى ضعفه الترمذي .
(2) أخرجه البخاري رقم (1197) ، ومسلم رقم (827) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومين " يوم الفطر، ويوم النحر " .(1/62)
المثال الثاني : الصلاة في أوقات النهي نقول بأنها فاسدة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي سعيد رضي الله عنه في الصحيحين قال: " لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس " . (1)
المثال الثالث : الصلاة في المقبرة، والحمام، وأعطان الإبل كل هذه نهى الشارع عنها، فالنهي يعود إلى ذات المنهي عنه فيقتضي الفساد .
المثال الرابع : نكاح المحارم فنكاح زوجة الأب أو نكاح زوجة الابن كل هذا النهي يعود إلى ذات المنهي عنه فيقتضي الفساد.
قال تعالى : { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - ( - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( } (2) .
المثال الخامس : بيع الميتة .. إلخ كما في حديث جابر رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام " .(3)
القسم الثاني : أن يكون النهي عائداً إلى أمر خارج فلا يقتضي الفساد . ومثَّل المؤلف رحمه الله بقوله : [ وإن يعد لخارج كالعمة ] العِمَّة : لغة في العمامة .
مثال ذلك : إنسان صلى وعليه عمامة من حرير فهذا لا يتعلق بذات الصلاة، ولا بشروط الصلاة فنقول: لا يقتضي الفساد.
المثال الثاني : صلى وعليه خاتم من ذهب، فصلاته صحيحة ... إلخ .
المثال الثالث : اغتاب وهو صائم فصيامه صحيح ... إلخ فما دام أن النهي لا يعود إلى ذات المنهي عنه ولا شرطه، وإنما يعود إلى أمر خارج فإنه لا يقتضي الفساد .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (586) ، ومسلم رقم (827) .
(2) سورة النساء، الآية : 22 .
(3) أخرجه البخاري رقم (2236) ، ومسلم رقم (1581) .(1/63)
القسم الثالث : أن يعود إلى شرط العبادة، أو المعاملة على وجه يختص بتلك العبادة، أو المعاملة؛ فإذا كان كذلك فإنه يقتضي الفساد .
مثال ذلك : الشارع نهى عن كون الثمن مجهولاً، فالنهي هنا يعود إلى شرط المعاملة، لكن على وجه يختص بهذه المعاملة (يختص بالبيع) فهذا النهي يقتضي الفساد .
روى أبو هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نهى عن بيع الغرر " (1) فما دام أنه يختص بهذه المعاملة ويتعلق بالبيع وتوجه النهي إلى الشرط، فإنه يقتضي الفساد.
المثال الثاني : بيع الإنسان شيئاً لا يملكه، فهذا يعود إلى شرط من شروط المعاملة يختص بهذه المعاملة فالنهي يقتضي الفساد .
المثال الثالث : إذا صلى وعلى ثوبه نجاسة فإن هذا يختص بشرط العبادة على وجه يختص بالعبادة فإن النهي يقتضي الفساد ... إلخ.
القسم الرابع : أن يعود النهي إلى شرط العبادة، أو المعاملة على وجه لا يختص بالعبادة، أو المعاملة فهذا موضع خلاف، والصحيح : أن النهي لا يقتضي الفساد .
وله أمثلة كثيرة :
المثال الأول : الوضوء بماء مغصوب، الغصب لا يتعلق بالعبادة، الذي يتعلق بالعبادة أن الإنسان يتوضأ بماء طهور فيرتفع حدثه والشارع نهى عن الغصب، ولم ينه عن الوضوء بالماء المغصوب فالنهي عاد إلى شرط من شروط العبادة لكن على وجه لا يختص بتلك العبادة .
المثال الثاني : التيمم على تراب مغصوب، وكذلك الصلاة في بيت مغصوب، أو في ثوب مسروق، أو منتهب، أو مختلس ... إلخ، فكل هذه الأشياء النهي هنا لا يختص بتلك العبادة فلا يقتضي الفساد؛ لأن الشارع نهى فقط عن الغصب .
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (1513) .(1/64)
قال أهل العلم رحمهم الله : إن الجهة إذا انفكت فكان مأموراً من وجه ومنهياً من وجه صحت العبادة؛ لأن النهي لا يعود إلى شرط العبادة ولا إلى ركنها وهو لا شك أنه عاص بفعله هذا؛ ولأن النهي غير متعلق بذات العبادات شرعاً فهو تعلّق بعيد لا يلتفت إليه الشرع في الإبطال .
قوله : [ فلن يضير ] : يعني لا يضر إذا كان عائداً إلى أمر خارج .
قوله : [ فافهمن العلة ] : المؤلف رحمه الله أمرك أن تفهم العلة وهذا يشمل العلة في كل المسائل، إذا فهم الطالب العلل فإنه يعرف سمو الشريعة وحكمتها، وبناء الأحكام فيها، وأنه لم يُشرع فيها شيء إلا لسبب يقتضيه .
قال السعدي رحمه الله :
وإن أتى التحريم في نفس العمل ... أو شرطه فذو فساد وخلل (1)
******************
هذه قاعدة فقهية ويدخل تحت ذلك أشياء كثيرة وهذه قاعدة مندرجة تحت إحدى القواعد الخمس الكلية وهي : [ اليقين لا يزول بالشك ] فمن القواعد المندرجة تحت هذه القاعدة كما سيأتي إن شاء الله قاعدة : [ الأصل في الأشياء الحل ] يندرج تحت ذلك أشياء كثيرة، فالأصل في المعاملات من بيع، وإجارة، ورهن، وشركة، وغير ذلك الحل، وكذلك التبرعات، من هبات وأوقاف ووصايا، وفي باب الأطعمة من حيوانات ونباتات، وزروع، وثمار، وطيور، الأصل في ذلك الحل، وأيضاً في باب الألبسة من قطن، وصوف، وشعر، وكَتَّان، وغير ذلك، وكذلك في باب الأنكحة الأصل في ذلك الحل فالإنسان له أن يتزوج أي امرأة إلا إذا كان هناك مانع وإلا فالأصل في الأشياء الحل .
__________
(1) منظومة القواعد الفقهية للسعدي البيت رقم (30) .(1/65)
ودليل ذلك قوله تعالى : { - عليه السلام - قرآن كريم ( - - ( - { - - - - - جل جلاله - فهرس - - رضي الله عنهم - } المحتويات ( - - - - } تم بحمد الله - (( ((( - - } - - - - جل جلاله -( - ( - - رضي الله عنهم - - } (1) فساق الآية مساق الامتنان وغايته الحل والإباحة كما قال القرطبي رحمه الله في تفسيره .
وقوله تعالى: { - عليه السلام -(( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -( - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( الله - - رضي الله عنه - الله أكبر - - ( - (((( - { - - (( ( { - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( ( - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات - - - ( الله - - رضي الله عنهم - - ( - - } - - (((( - - { - رضي الله عنه -( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- رضي الله عنهم -(( - - - ( تمت - { - رضي الله عنه -( - { - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (2) وقوله تعالى : { - رضي الله عنه - - } - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - } تم بحمد الله - (( ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ((( - - } - - - - جل جلاله -( - ( - - - ( مقدمة ( - ( } تم بحمد الله - } (3) ولما روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أعظم المسلمين جُرماً من سأل عن شيء لم يحرم ثم حرم من أجل مسألته " (4)رواه البخاري ومسلم .
فهذه الأدلة تدل على أن الأصل في الأشياء الحل .
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 29 .
(2) سورة الرحمن، الآيات : 10 – 12 .
(3) سورة الجاثية، الآية : 13 .
(4) أخرجه البخاري رقم (7289) ، ومسلم رقم (2358) .(1/66)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى : (هو كالإجماع) ، وأنكر وجود المخالف في هذه المسألة عندهم، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الأصل في الأشياء الإباحة وطهارة الثياب والحجارة لمن كان مسلماً يعمل الصالحات؛ لأنها إعانة له على الطاعة، وأما الكافر ومن يستعملها في غير محلها فإن الأصل في حقهم المنع سداً لذريعة التقوي بها على المعاصي .
قوله : [ وامنع عبادة إلا بإذن الشارع ] : الأصل في العبادات الحظر والمنع فلا يتعبد الإنسان بأي عبادة إلا بعبادة جاءت في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
قال شيخ الإسلام : ( العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع ).
ودليل ذلك : القرآن والسنة فأما القرآن فقوله تعالى : { ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - } - ( - (( - - - عليه السلام - - (( } - قرآن كريم ((- عليه السلام - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ((((- صلى الله عليه وسلم - - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات - - - تمت - - ( - - رضي الله عنه - - ( مقدمة ( - ( - - - - } (1) .
وقال تعالى: { ( تمت ( { ( المحتويات ( - ((( - - - - صدق الله العظيم ( { ( - } فحصر الله التحليل والتحريم إليه سبحانه وحده .
__________
(1) سورة الشورى، الآية : 21(1/67)
وقال تعالى : { - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم - - ( - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - { - رضي الله عنهم -( - ( - - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ( تم بحمد الله - } - - - - رضي الله عنهم - - ((( - } - - - - ( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - ( - - - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -((( - { - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - (((( ( المحتويات ( - } - ( { صدق الله العظيم - - } - قرآن كريم ( - ((( - - درهم - - رضي الله عنه -( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - - - - (( - - { - } (1).
وأما السنة فحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " (2) أي أن عمله مردود عليه. قال الشاطبي رحمه الله في (الاعتصام) وهذا أصل في أن الأصل في العبادات المنع والحظر . أ. هـ.
وقال أيضاً : ( وهذا – يعني حديث عائشة – عده العلماء ثلث الإسلام؛ لأنه جمع وجه المخالفة لأمره عليه السلام، ويستوى في ذلك ما كان بدعة أو معصية ) .
وأخرج البيهقي في ( السنن الكبرى ) والخطيب في الفقيه والمتفقه عن سعيد بن المسيب : أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر ركعتين زائدتين عن سنة الفجر يطيل في سجودهما وركوعهما فزجره عن ذلك(3) . وأيضاً حكى شيخ الإسلام رحمه الله في ( مجموع الفتاوى ) اتفاق السلف رحمهم الله على أن الأصل في العبادات الحظر والمنع .
__________
(1) سورة الجاثية، الآيتان : 18 – 19 .
(2) تقدم تخريجه ص (43) .
(3) أخرجه الدارمي في سننه (1/116) ، والبيهقي في سننه (2/466) ، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/381) وإسناده لا بأس به .(1/68)
ولابد أن تكون هذه العبادة موافقة للشرع في ستة أمور :
1- السبب . ... ... 2- الجنس. ... 3- القدْر.
4- الكيفية والهيئة. ... 5- المكان. ... 6- الزمان.
فإن خالفت في أحد هذه الأمور فغير مشروعة لابد أن تكون موافقة للشرع في هذه الأمور الستة :
الأمر الأول : السبب، فعلى هذا لو اتخذ عبادة عند سبب لم يرد به الشرع فإن هذا لا يصح .
مثال ذلك : لو أنه استاك عند دخوله المسجد قياساً على الاستياك عند دخول البيت، فإن هذا لا يصح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( ما وجد سببه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعله فتركه هو السنة ) فالفعل كما يكون سنة أيضاً الترك يكون سنة، فكل شيء وجد سببه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعله يكون تركه سنة، وبهذا نعلم أن ما يقام من حفل مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه بدعة؛ لأن مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد سببه في عهده ولم يفعله - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعله الخلفاء الراشدون .
فالخلاصة في ذلك : أن من يتخذ سبباً لعبادة من العبادات ولم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن هذا لا يجوز .
الأمر الثاني : أن تكون موافقة للشرع في الجنس، وعلى هذا لو تعبد الإنسان بجنس لم يأتِ به الشرع فإن هذا بدعة، ولذلك أمثلة:
المثال الأول : في الهدي والأضحية، فالشرع جاء بجنس مُعيّن وهي بهيمة الأنعام، فكون الإنسان يضحي مثلاً بدجاج، أو بسائر الطيور فإن هذا بدعة؛ لأن هذا ليس عليه أمر الله ولا أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
المثال الثاني : في العقيقة جاءت الشريعة بذبح شاتين للذكر وشاة للأنثى، فلو أن الإنسان عقّ عن ابنه بغزال فإن هذا جنس لم يأتِ به الشرع .
الأمر الثالث : القَدْر فلابد أن تكون هذه العبادة موافقة للشرع في قدرها وهذه المسألة يقسمها العلماء رحمهم الله إلى قسمين :(1/69)
القسم الأول : أن يكون ما زاد على القدر المشروع لا يتبعّض فهذا بدعة، فلو صلى الظهر خمساً، أو المغرب أربعاً فإنه جاء بعبادة لم يأتِ بها الشرع فيما يتعلق بالقدْر .
القسم الثاني : أن يكون ما زاد على القدر المشروع يتبعّض ويمكن فصله فهذا فيه تفصيل : إن اعتقد أنه من الوارد فإنه بدعة، وإنه لم يعتقد أنه من الوارد، وإنما أراد أن يتعبد به استقلالاً فإن هذا لا بأس به .
مثال ذلك : الواجب في زكاة الفطر صاع فلو أن الإنسان أخرج صاعين على أن هذه الزيادة صدقة ونافلة، فإن هذا لا بأس به لكن لو أخرجه على أنه يتقرب به وأنه زكاة واردة فإن هذا بدعة، ونظير ذلك أيضاً أن المشروع في دبر كل صلاة أن يسبح الله ويحمده ويكبره تسعاً وتسعين مرة ثم يقول في تمام المائة : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) فلو زاد على ذلك من هذا التسبيح، إن اعتقد أنه سنة واردة في هذا الموضع فإنه بدعة، وأما إذا زاد على أنه يتنفل بهذه العبادة فإنه لا بأس به .
الأمر الرابع : الهيئة والكيفية، فإذا خالفت في ذلك فإنها تكون بدعة؛ فلو أنه صلى صلاة خلاف الصلاة المشروعة فإن هذه بدعة، أو صام صياماً أو حجاً خلاف الحج والصوم المشروعين فإن هذا بدعة؛ كما لو قدم السجود على الركوع أو ركع ركوعين أو نحو ذلك فإن هذا بدعة .
الأمر الخامس : المكان فإذا خالفت الشرع في مكانها فإن ذلك بدعة .
مثال ذلك : الحج له أمكنة معلومة فالطواف لا يكون إلا في البيت فلو طاف في غير البيت فهذا بدعة، والوقوف في عرفة ومزدلفة هذه أمكنة حدّدها الشارع، وكذلك الاعتكاف لا يكون في غير المسجد ... إلخ .
الأمر السادس : الزمن فإذا خالفت الشرع في زمانها فإنها تكون بدعة، فلو أن رجلاً صلى الظهر قبل زوال الشمس، أو صلى الفجر بعد طلوع الشمس ... إلخ ، هذا كله خلاف أمر الله، وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
************************(1/70)
أي إن يقع في الشيء الحادث شك، يعني إذا شك في أمر هل هو حلال أو حرام ؟ هل هو مشروع أو غير مشروع ؟
[فارجع للأصل في النوعين ] والنوعان تقدم ما يتعلق بالعبادات وغير العبادات فتدخل المعاملات، والتبرعات، والأنكحة، والعادات.
فالعبادات إذا شكَكْت هل هي مشروعة أو غير مشروعة ؟ فالأصل عدم المشروعية، وأما في غير العبادات إذا شكَكْت هل هو حلال أو حرام ؟ فالأصل في ذلك الحل .
مثال ذلك : شكَكْت في نوع من أنواع المعاملات كالألبسة أو شكَكْت في نوع من أنواع الأطعمة، أو العادات، والهيئات هل هو مباح أو ليس مباحاً ؟ فالأصل في ذلك الإباحة . وفي هذا البيت إشارة إلى إحدى القواعد الخمس الكلية وهي قاعدة : [ اليقين لا يزول بالشك ] وهذه القاعدة من أوسع القواعد الفقهية تطبيقاً وأكثرها امتداداً في أبواب الفقه وقد ذكر السيوطي أنها تدخل في جميع أبواب الفقه .
واليقين في اللغة في المشهور : العلم وزوال الشك، وقد يأتي بمعنى الظن الراجح والغالب، وقد استعمل الظن بمعنى اليقين في القرآن في عدد من الآيات قال تعالى : { - ( - الله أكبر ( { ( تمهيد - جل جلاله -- عليه السلام - - - ( - ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - ( فهرس - ( تم بحمد الله ( مقدمة - عليه السلام - - ( - - - - ( مقدمة } (1) . وقال النووي : ( اعلم أنهم يطلقون العلم واليقين ويريدون بهما الظن الظاهر لا حقيقة العلم واليقين فإن اليقين هو الاعتقاد الجازم ... ) . أ. هـ
__________
(1) سورة الحاقة، الآية : 20 .(1/71)
وقوله تعالى : { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمهيد ( - مقدمة - (( مقدمة ( - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( } تمت ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( { - صدق الله العظيم { ( - - - } } تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم { ( - - - - صدق الله العظيم (( - ((( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - { - رضي الله عنه -( - - - - - (( - - { (((( } (1) .
وجه الدلالة : أنه قد فسر الظن هنا بالتوهم، وقد علمنا أن الوهم قد يطلق عليه الظن الفاسد .
اعتراض وجواب عنه : من المعلوم عقلاً أنه لا يمكن اجتماع اليقين، والشك في حال واحدة، وفي الوقت نفسه لدى شخص واحد، والذي يفهم من ظاهر النص أنه يمكن اجتماعها في تلك الحال ... إلخ .
والجواب : أن المراد بنص القاعدة أن اليقين السابق لا يزول بالشك الطارئ اللاحق، فلم يحصل إذاً اجتماع لليقين والشك .
الاعتراض الثاني : أن من الأمور المقررة أن اليقين إذا طرأ عليه شك زال اليقين؛ بمعنى أنه لو كان الشخص متيقناً ثم شك، فإنه يوصف بأنه شاك لا أنه متيقن، و الذي يفهم من القاعدة : أن اليقين لا يزول بالشك الطارئ بل يبقى، وهذا تناقض.
والجواب : أن المقصود من نص القاعدة أن حكم اليقين لا يزول بالشك وليس المقصود أن ذات اليقين لا تزول بالشك بل اليقين في ذاته زائل بالشك والباقي إنما هو حكم اليقين .
قال مجاهد رحمه الله : ( كل ظن في القرآن فهو يقين ) وهذا إشكال إلا أن الزركشي رحمه الله قال : هناك ضابطان للفرق بين اليقين والظن في القرآن :
أحدهما : أنه حيث وجد الظن محمودًا مثابًا عليه فهو اليقين، وحيث وجد مذموماً متوعداً عليه بالعذاب فهو الشك .
__________
(1) سورة النجم، الآية : 28 .(1/72)
والثاني : أن كل ظن به (أنْ) المخففة فهو شك وكل ظن يتصل به (أنَّّ) المشددة فهو يقين؛ لأن المشددة للتأكيد خلافاً للمخففة .
ودليل هذه القاعدة : قوله تعالى : { } تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم { ( - - - - صدق الله العظيم (( - ((( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - { - رضي الله عنه -( - - - - - (( - - { (((( } (1) .
وحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شُكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " (2) ولحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه كما سيأتي، ولحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن " . (3)
فإذا شك الإنسان هل أحدث أو لم يحدث ؟ فالأصل في ذلك بقاء الطهارة، وإذا شك هل تطهر أو لم يتطهر ؟ فالأصل بقاء الحدث، وإذا شك هل طلع الفجر أو لم يطلع ؟ فالأصل بقاء الليل، لك أن تأكل ولا تصلي الفجر، وإذا شك في غروب الشمس هل غربت أو لم تغرب ؟ فالأصل بقاء النهار، فليس لك أن تأكل ولا تصلي المغرب، وإذا شك هل وقع الطلاق أو لم يقع ؟ فالأصل بقاء النكاح ... وهكذا.
وأما الإجماع : أي على القاعدة فحكاه غير واحد كالقرافي في (الذخيرة) وفي (الفروق) وابن دقيق العيد في (إحكام الأحكام).
وهذه القاعدة : [ اليقين لا يزول بالشك ] . لها قواعد تتفرع عنها نذكرها على سبيل الإجمال ونمثل لكل قاعدة بمثال :
القاعدة الأولى : [ الأصل عدم المُسْقِط وبقاء الواجب ] .
__________
(1) سورة النجم، الآية : 28 .
(2) أخرجه البخاري رقم (137) ، ومسلم رقم (361) .
(3) أخرجه مسلم رقم (571) .(1/73)
مثال ذلك : إذا شك الإنسان هل قضى الصلاة التي عليه أو لم يقضها ؟ فالأصل عدم قضاء الصلاة وبقاء الواجب، ولو شك هل قضى الدَّين الذي عليه أو لم يقضه ؟ فالأصل بقاء الدين في الذمة .
القاعدة الثانية : [ الأصل بقاء ما كان على ما كان ] (بقاء ما كان) : أي ثبوت الأمر في الزمان الحاضر .
(على ما كان) أي على ما ثبت عليه في الزمان الماضي.
ومعنى ( الأصل ) : أي القاعدة المستمرة في الشرع وهذه القاعدة : دليل الاستصحاب . وسيأتي الكلام عليها في الأدلة المختلف فيها .
القاعدة الثالثة : [ الأصل براءة الذمة ] : أي السلامة والخلو من التكليف، فمعنى القاعدة : أن الإنسان بريء الذمة من وجوب شيء أو لزومه، وكونه مشغول الذمة خلاف الأصل ويدل لهذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم - : " البينة على المدعي واليمين على من أنكر" (1) . ومن الفروع المترتبة على ذلك لو ادعى شخص على شخص حقاً من الحقوق فنقول : بأن المدَّعَى عليه الأصل براءة ذمته حتى يثبت هذا الحق بالبينة .
__________
(1) أخرجه البيهقي (10/252) وبعضه في الصحيحين من حديث ابن عباس"لو يعطى الناس بدعواهم= = لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " أخرجه البخاري برقم (4552) ومسلم رقم (1711) ، وصححه ابن الملقن وحسنه ابن الصلاح ، جامع العلوم والحكم (2/236) وحسنه كذلك ابن حجر في الفتح تحت حديث (2669) .(1/74)
القاعدة الرابعة : [ الأصل في الأبضاع واللحوم التحريم ] وعلى هذا لو أن الإنسان شك في هذا اللحم هل هو مذكى أو أنه لحم ميتة ؟ يعني اشتبه بلحم ميتة فالأصل في ذلك التحريم، ويدل لهذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعدي رضي الله عنه : " فإن وجدت مع كلبك كلباً آخر فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسمِّ على غيره"(1) وأيضاً قال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا وجدته قد وقع في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك " (2) فدل على أن الأصل في اللحوم التحريم، وإذا شك أيضاً هل ذُبح هذا اللحم على الشرع أو لم يُذبح على الشرع ؟ فالأصل في ذلك التحريم لكن عندنا قاعدة أخرى وهي : [ أن الفعل الصادر من أهله الأصل فيه الصحة ] فإذا كان هذا اللحم من مسلمين، أو من أهل كتاب فلا تسأل عن فعلهم؛ لأن الأصل في الفعل الصادر من أهله الصحة .
ويدل لذلك : حديث عائشة رضي الله عنها أن قوماً قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن قوماً حديثو عهد بإسلام يأتوننا باللحم لا ندري أذُكر اسم الله عليه أم لا ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "سموا الله عليه أنتم وكلوه " .(3) أنتم مسؤولون عن فعلكم وفعل غيركم لستم مسؤولين عنه .
وكذلك : الأصل في الأبضاع التحريم، فلو اشتبهت أجنبية بامرأة غير أجنبية فنقول : لا يجوز له أن يتزوج بها مع أن الأصل الحل لكن لما كان عنده امرأتان هند وأختها إحداهما رضعت معه من أمه فاشتبهت الآن الأجنبية بالمحرم فلا يجوز له أن يتزوج منها؛ لأننا لا ندري أيهما رضعت من أمه هل هي هند أو فاطمة ؟ لأن الأصل في الأبضاع التحريم .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (5475) ، ومسلم رقم (1929) .
(2) أخرجه البخاري رقم (5484) ، ومسلم رقم (1929) .
(3) أخرجه البخاري رقم (2057) .(1/75)
القاعدة الخامسة : [ الأصل في الصفات العارضة العدم ] ومن أمثلة هذه القاعدة : لو أن أحداً اشترى سلعة ثم وجد بها عيباً فنقول : الأصل عدم العيب، فإذا اختلف البائع والمشتري نقدم قول البائع؛ لأن الأصل في الصفات العارضة العدم وأن هذا البائع باع هذه السلعة وليست معيبة .
القاعدة السادسة : [ الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته ] الحادث : الشيء الذي لم يكن موجوداً ثم وجد أي : أن وقته المعتبر هو الوقت القريب، فلو أن شخصاً نام ثم وجد في ثوبه منيا ثم شك هل حصل من نوم الليل أو النهار ؟ نقول يُرجعه إلى أقرب أوقاته وأقرب الأوقات النوم بالنهار .
القاعدة السابعة : [ لا ينسب إلى ساكت قول، لكن السكوت في معرض البيان بيان ] .
فهذه القاعدة تشتمل على أمرين :
الأمر الأول : لا ينسب إلى ساكت قول، إذْ الأحكام تبنى على الألفاظ في الأصل، ومن أمثلة ذلك : إذا سكتت الثيب عند الاستئذان في النكاح لم يقم سكوتها مقام الإذن .
ومن ذلك : لو أتلف شخص مال آخر، وصاحب المال ساكت فلا يكون سكوته إذناً في الإتلاف بل يضمن .
الأمر الثاني : لكن السكوت في معرض البيان بيان، وهذا كالاستثناء من القاعدة، ومن أمثلة ذلك : سكوت البكر عند استئمار وليها قبل التزويج .
ومن ذلك : إذا سكت المحرم وقد حُلِق رأسه مع القدرة على منعه تلزمه الفدية .
القاعدة الثامنة : [ لا عبرة بالتوهم ] التوهم أدنى من الظن، والمراد به : الاحتمال العقلي البعيد .
ومن أمثلة ذلك : لو اشتبهت القبلة فصلى بلا تحر ولا اجتهاد فلا تصح صلاته لبنائها على الوهم .
القاعدة التاسعة : [ الممتنع عادة كالممتنع حقيقة ] .
الممتنع حقيقة : هو المستحيل الذي لا يمكن وقوعه عقلاً .
والممتنع عادة : هو الذي لم يعهد وقوعه، وإن كان فيه احتمال بعيد بالوقوع .
ومن أمثلة ذلك : ادعاء من عُرِف بالفقر أموالاً عظيمة على شخص وأنه قد اقترضها منه .
***********************(1/76)
أفاد المؤلف رحمه الله في هذا الشطر قاعدتين أصوليتين :
القاعدة الأولى : [ الأمر يقتضي الوجوب إلا لصارف ] .
القاعدة الثانية : [ النهي يقتضي التحريم إلا لصارف ] .
والدليل على القاعدة الأولى :
أولاً : قوله تعالى : { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - عليه السلام - - ( تم بحمد الله ( - ( تم بحمد الله - - - ( { ( - ( - - ( - - - ((( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - - ( - - عليه السلام - - - - ( - ( - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - } (1) .
فدل على أن الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إذا قضيا أمراً، فإن المؤمن لا يكون له الخيرة من أمره، وأنه يجب عليه أن يتبع أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن الأصل في الأوامر الوجوب .
__________
(1) سورة الأحزاب، الآية : 36 .(1/77)
ثانياً : قوله تعالى : { ( - - - ( - - عليه السلام - - ( - - ( - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ((( فهرس ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - - - ((( - ( { - عليه السلام - - ( - (( (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - - - ((( - ( - - - - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - صلى الله عليه وسلم - - (((( } (1) فقوله (عن أمره) هذا مفرد مضاف يشمل كل أوامر الله عز وجل فالذي يخالف الأمر هذا يحذر أن تصيبه فتنة أو يصيبه عذاب أليم .
قال الإمام أحمد رحمه الله: (أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك)(2) وتفسير الإمام أحمد رحمه الله الفتنة بالشرك تفسير بأعلى الفتن وإلا فإن الفتنة تشمل الشرك وغيره، فهذا الوعيد على من خالف أمر الله عز وجل وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهذا يدل على أن الأصل في الأوامر الوجوب.
ثالثاً : من السنة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " (3).
فقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لولا أن أشق ) دل على أن الأمر فيه مشقة ولا يكون فيه مشقة إلا إذا كان الأمر دالاً على الوجوب إذْ لو لم يدل على الوجوب لم يكن فيه مشقة وفي لفظ " عند كل وضوء "(4) فدل ذلك على أن الأمر يقتضي الوجوب فلو كان يقتضي الاستحباب لم يكن فيه مشقة؛ لأن الإنسان يكون مخيراً بين الفعل والترك والأفضل له أن يفعل .
__________
(1) سورة النور، الآية : 63 .
(2) رواه ابن بطه في الإبانة الكبرى (97) .
(3) أخرجه البخاري رقم (887) ، ومسلم رقم (252) .
(4) أخرجه مالك في الموطأ (1/66) ، وأحمد في مسنده (2/460) ، والنسائي (1/12) .(1/78)
رابعاً : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخّر صلاة العشاء ثم خرج فقال : " إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي " .(1)
فهذا يدل على أن أوامر النبي - صلى الله عليه وسلم - تقتضي الوجوب؛ إذْ لو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن تؤدَّى صلاة العشاء في ذلك الوقت لكان في ذلك مشقة وترتُّب المشقة يدل على وجوبه .
خامساً : إجماع الصحابة رضي الله عنهم على امتثال أوامر النبي - صلى الله عليه وسلم - دون السؤال عما أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأمره .
سادساً : اللغة : فإنها تدل على ذلك فإن السيّد إذا أمر خادمه بأمر ثم بعد ذلك لم يمتثل لَحسُن لومه فكونه إذا ترك الامتثال يحسن لومه دل على أنه ترك واجباً من الواجبات، وكذلك لو أن الأب أمر ابنه بأمر ثم بعد ذلك لم يمتثل لحسن لومه وتوبيخه فهذا يدل على أن الأمر يقتضي الوجوب .
قوله : [ أن الأمر والنهي حُتم ] : أيضاً النهي يقتضي التحريم فالأصل في النواهي أنها تقتضي التحريم ويدل لذلك :
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (638) .(1/79)
أولاً : قوله تعالى : { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - - - - عليه السلام -( ( - قرآن كريم ( - { - - - - ( فهرس - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - { - - رضي الله عنه - - ( مقدمة (- جل جلاله -- رضي الله عنه -( } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - الله أكبر - - - ( - } (1) فقوله تعالى : { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - { - - رضي الله عنه - - ( مقدمة (- جل جلاله -- رضي الله عنه -( } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - الله أكبر - - - ( - } هذا أمر بالانتهاء والأمر يدل على الوجوب كما سبق فدل ذلك على أن فعل المنهي يقتضي التحريم لقوله تعالى : { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - - - - عليه السلام -( ( - قرآن كريم ( - { - - - - ( فهرس - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - { - - رضي الله عنه - - ( مقدمة (- جل جلاله -- رضي الله عنه -( } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - الله أكبر - - - ( - } .
هنا أمر الله عز وجل بالانتهاء عن الأشياء التي نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - فدل ذلك على أن الانتهاء واجب وترك الواجب فيه الإثم .
ثانياً : من السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه "(2) هنا أمر بالاجتناب، والأمر يدل على الوجوب فدل ذلك على أن فعل المنهي عنه يدل على التحريم؛ لأن في ذلك تركاً للواجب .
ثالثاً : اتفاق الأئمة الأربعة رحمهم الله على أن النهي يقتضي التحريم .
__________
(1) سورة الحشر، الآية : 7 .
(2) تقدم تخريجه ص (65) .(1/80)
رابعاً : اللغة فإن السيد لو نهى خادمه عن أمر من الأمور، ثم بعد ذلك فعل هذا الأمر الذي نُهي عنه فإنه يحسن لومه وتوبيخه، وكذلك الأب لو نهى ولده ثم فعله فإنه يحسن لومه وتوبيخه، فدل ذلك على أن النهي يقتضي التحريم .
فإن قال قائل : هل النهي في الأدب يكون دالاً على التحريم؟ نقول إن بعض العلماء قال : نفرق بين الأحكام والآداب.
أولاً : لعموم النصوص، فإن النصوص الدالة على أن النهي يفيد التحريم تشمل الأمرين .
ثانياً : أنه لا يوجد تفريق مضبوط لا يخترم بين الأحكام والآداب .
ثالثاً : أن الشريعة تُعنى بالأحكام، والآداب تنتج عن هذه الأحكام .
وذهب أكثر العلماء : على أن الأمر أو النهي إذا قصد به الآداب والإرشاد لا يقتضي الوجوب، أو التحريم كما سيأتي.
قوله : [ إلا إذا الندب أو الكره علم ] : الأصل كما تقدم أن الأوامر تقتضي الوجوب وأن النواهي تقتضي التحريم إلا إذا وجد صارف وقد ذكر العلماء رحمهم الله الصوارف :
الصارف الأول : أن يدل الدليل على أن المراد بهذا الأمر الاستحباب ولا يراد به الوجوب وهذا له أمثلة كثيرة نذكر منها :
المثال الأول : حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه قال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال " (1) ، هنا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاستعاذة بالله من هذه الأربع، ووجد أن الصارف الذي يدل على أن الاستعاذة بالله من هذه الأربع أنه للاستحباب وليس للوجوب وهو حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر التشهد الأول قال : " ثم لْيَتَخيّر من الدعاء أعجبه "(2) أي أعجب الدعاء إليه فدل على أن الاستعاذة بالله من هذه الأربع ليس واجباً .
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (588) .
(2) أخرجه البخاري رقم (835) ، ومسلم (402) .(1/81)
المثال الثاني : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهى أن يشرب الرجل قائماً " (1) وشرِبَ النبي - صلى الله عليه وسلم - قائماً(2) فدل ذلك على أن النهي هنا لا يدل على التحريم وإنما يدل على الكراهة .
الصارف الثاني : الإجماع قد يُجمع العلماء رحمهم الله على أن هذا الأمر لا يراد به الوجوب .
ومن الأمثلة على ذلك :
قوله تعالى : { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ((( - فهرس - - رضي الله عنهم - مقدمة } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ((( - - - ( - } (3) هذا أمر ومع ذلك العلماء رحمهم الله مجمعون على أن الإنسان إذا حلّ من إحرامه لا يجب عليه أن يصطاد .
الصارف الثالث : إذا علمنا أن هذا الأمر، أو أن هذا النهي يُقصد به الإرشاد والأدب فإن هذا الأمر لا يقتضي الوجوب، وأن هذا النهي لا يقتضي التحريم اللهم، إلا إذا قامت قرينة تدل على أنه يقصد به الوجوب، أو يقصد به التحريم فإنه يبقى على الأصل، وأن الأمر للوجوب والنهي للتحريم، ومن الأمثلة على ذلك :
المثال الأول : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إذا توضأتم أو لبستم فابدؤوا بميامنكم "(4) فإذا توضأ الإنسان، أو لبس هنا أمره أن يبدأ بيمينه لكن هذا في الإرشاد والأدب فحمله العلماء على الاستحباب.
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (2024) .
(2) أخرجه البخاري رقم (5615) .
(3) سورة المائدة، الآية : 2 .
(4) أخرجه أبو داود رقم (4141) وابن ماجه رقم (402) ، وابن خزيمة (1/91) ، وقال ابن الصلاح والنووي حديث حسن وإسناده جيد ، وقال ابن دقيق العيد هو حقيق بأن يصحح ، وصححه ابن الملقن البدر المنير (3/418) .(1/82)
المثال الثاني : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تخلف عن الصلاة وأناب أبا بكر رضي الله عنه، وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - خفة من مرضه فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه أبو بكر أراد أن يتأخر لكي يقوم النبي - صلى الله عليه وسلم - من مقامه فأشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمكث فلم يمكث أبو بكر(1) ؛ لأن أبا بكر علم من إشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ليس للإلزام وإنما أراد بذلك الإكرام فدل ذلك على أن الشيء إذا قُصد به الأدب والإكرام والإرشاد أنه لا يقتضي الوجوب، لكن إذا دلت القرائن على أن الشارع أراد بهذا الأمر الوجوب، أو النهي التحريم حتى ولو كان على سبيل الإرشاد والإكرام فإنه يبقى على الأصل .
ومن الأدلة على ذلك :
أن الشارع أمر بالأكل باليمين، ونهى عن الأكل بالشمال وهذا من باب الإرشاد والأدب قال - صلى الله عليه وسلم - :" إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله "(2) فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأكل والشرب باليمين ونهى عن الأكل والشرب بالشمال وأخبر أن الشيطان يأكل ويشرب بشماله، هذا الأمر حسب ما ذكرنا أنه إذا قصد به الإرشاد والأدب يُحمل على الاستحباب لكن دلت قرينة على أن المراد به الوجوب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله، ونحن منهيون عن اتباع خطوات الشيطان وموافقته؛ لأنه عدوٌ لنا فلا يكون إماماً لنا .
*********************
قوله: [ يجلو ] : بمعنى يتبين ويظهر، فإن الأشياء التي رُتب عليها الفضل ولم يرد فيها أمر لا تقتضي الوجوب وإنما تقتضي الاستحباب، وعلى هذا فإن ما رُتب عليه فضل لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يرد فيه الأمر، فهذا حكمه كما سبق من حيث كونه يقتضي الوجوب إلا لصارف .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (683) ، ومسلم (418) .
(2) أخرجه مسلم رقم (2020) .(1/83)
الأمر الثاني : أن لا يرد فيه أمر، فإنه لا يقتضي الوجوب وإنما يقتضي الفضل والاستحباب.
ومن الأمثلة :
المثال الأول : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين "(1) فالفقه في الدين هذا كله ليس واجباً، لكن يجب منه ما يحتاج إليه الإنسان لتصحيح عبادته ومعاملته، وما عدا ذلك لا يجب بل يستحب .
المثال الثاني : قال - صلى الله عليه وسلم - : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " (2) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " أنا وكافل اليتيم كهاتين (3) في الجنة "(4) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة "(5) فمثل هذه الأشياء ورد فيها الفضل لا نقول بأنها تدل على الوجوب وإنما تدل على الاستحباب في الجملة .
**********************
قوله : [ النبي ] : المراد به النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -(6) فأل هنا للعهد الذهني، وليست للعهد الذِّكري، أو الحضوري؛ لأنه لم يُذكر وليس بحاضر .
قوله : [ جردا عن أمره ] : يعني الفعل المجرد غير واجب بدا وهذا البيت يفيد قاعدة وهي : [ أن أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - المجردة الأوامر تفيد الاستحباب ولا تفيد الوجوب ] .
واعلم أن أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه القربة والطاعة فهذا لا يخلو من أمرين :
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (71) ، ومسلم رقم (1037) .
(2) أخرجه مسلم رقم (2699) .
(3) وأشار الراوي وهو مالك بن أنس بالسبابة والوسطى .
(4) أخرجه مسلم رقم (2983) .
(5) أخرجه مسلم رقم (2699) .
(6) سيأتي الفرق بين النبي والرسول ص (180) .(1/84)
الأمر الأول : أن يدل دليل على اختصاصه بهذا الفعل فإنه يختص به ولا يكون مشروعاً لغيره وذلك مثل : الوِصَال "وصال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصوم "(1) فهذا مخصوص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومثل ذلك : صلاة ركعتين بعد العصر(2) فهذا جعله بعض أهل العلم من خصائصه ... إلخ .
الأمر الثاني : أن لا يدل دليل على اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحكم، فإن الأصل في ذلك التأسّي . يعني أن ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه القربة ولا دلَّ دليل على اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فالأصل في ذلك التأسّي ويدل لذلك أدلة منها :
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (1994) ، ومسلم رقم (1105) .
(2) أخرجه البخاري رقم (591) ، ومسلم رقم (835) .(1/85)
قوله تعالى : { ( - ( - تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم - - ( - ( - { - - - - ( الله أكبر قرآن كريم ((( - } - - - - ( ( المحتويات ( - ( - ( تمهيد ( - ( - ( - - - } (1) وقوله تعالى : { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - - - - عليه السلام -( ( - قرآن كريم ( - { - - - - ( فهرس - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - { - - رضي الله عنه - - ( مقدمة (- جل جلاله -- رضي الله عنه -( } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - الله أكبر - - - ( - } (2) وقوله تعالى : { تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( فهرس قرآن كريم (( - ((( - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - - - } (3) وقوله تعالى: { } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - { - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (4) وقوله : ( - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - { - - - } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - { - - - - } (5) وقوله تعالى : { ( - - { { - - رضي الله عنه - تمت - - - ( المحتويات ( - - - - (( ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ( - - - ( - -
__________
(1) سورة آل عمران، الآية : 31 .
(2) سورة الحشر، الآية : 7 .
(3) سورة النور، 54 .
(4) آل عمران، الآية : 132 .
(5) سورة النساء، الآية : 59 .(1/86)
عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - ( { - عليه السلام - - - - - رضي الله عنهم - مقدمة } (1) وأيضاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الجمعة : " فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ".(2) فالأشياء التي لم يقم دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اختص بها فالأصل عدم الخصوصية ومن ادعى الخصوصية فعليه الدليل .
ومن الأمثلة على ذلك :
ما ثبت في صحيح مسلم عن شريح بن هاني قال : " قلت لعائشة رضي الله عنها بأي شيء كان يبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بيته ؟ فقالت : بالسواك " (3) هذا الفعل فَعَلَه النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه القربة والطاعة ولم يقم دليل على اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - فما دام كذلك فالأصل التأسي .
القسم الثاني : ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - لا على وجه القربة والطاعة وهذا تحته أقسام :
القسم الأول : ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بمقتضى الجِبِلَّة والطبيعة فهذا في حد ذاته لا يتعلق به أمر ولا نهي، فلا نقول للإنسان إنك تفعل كذا أولا تفعل كذا .. إلخ .
مثال ذلك : نوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأكله وشربه ونكاحه ... إلخ . هذه لا يتعلق بها أمر ولا نهي، لكن هيئات مثل هذه الأشياء قد يتعلق بها أمر أو نهي فالأكل قد يتعلق به أمر وقد يتعلق به نهي كالأكل باليمين، والشرب باليمين، والتسمية، والحمدلة، ولا يأكل ما يضره ... إلخ وكذلك النوم فإنه ينام على طهارة، وعلى جنبه الأيمن، ويذكر أذكار النوم ... إلخ وأما ذات النوم، وذات الأكل والشرب ... إلخ فهذه الأشياء فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - جبلة فلا يتعلق بها أمر ولا نهي.
__________
(1) الأحزاب، سورة : 21 .
(2) أخرجه مسلم رقم (867) .
(3) أخرجه مسلم (253) .(1/87)
القسم الثاني : ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه العادة فهذا أيضاً مباح مثل : كيفية الأكل، والشرب، واللباس هذه من قبيل العادات لكن الشارع قد يأمر ببعض الكيفيات وينهى عن بعض، مثل أن يأكل كذا، أو يشرب كذا، أو يأكل على هذه الهيئة أو ينام على هذه الهيئة .... إلخ فما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل العادة هذا لا نقول بأن الإنسان مأمور أن يتابع النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأشياء فإنه لا يتعلق بها أمر ولا نهي ، بل السنة للإنسان أن يفعل العادة في المكان والزمان الذي هو فيه ما لم يخالف الشرع . يعني يوافق أهل بلده في عادتهم .
مثال ذلك : النبي - صلى الله عليه وسلم - لبس عمامة لكن عادة الناس في مثل هذا البلد أنهم لا يلبسون عمامة، والسنة أن الإنسان يوافق الزمان، والمكان الذي هو موجود فيه كلبس الشماغ أو الغترة ... إلخ فيوافقهم في ذلك ما لم يخالف الشرع؛ لأنه لو خالف الناس لأصبح لباسه لباس شهرة .
وأيضاً : النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب الخيل والحمار والناس الآن في هذا البلد لا يركبون الخيل والحمار ... إلخ فهل نقول : بأنك توافق النبي - صلى الله عليه وسلم - في عادته، أو نقول : له اركب السيارة مثل فعل الناس ؟ السنة أن يترك مثل هذه الأشياء ويفعل ما يفعله الناس؛ لأن كونه يوافق الناس هذا يبعده عن الشهرة وكونه يركب الخيل، ويقول أريد أن أقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - نقول : هذا من قبيل العادات والنبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ما يوافق أهل بلده وزمانه وأنت السنة أن توافق زمانك ومكانك .
القسم الثالث : ما تردد بين العادة والمشروعية، قد يوجد أفعال للنبي - صلى الله عليه وسلم - يتردد أمرها بين العادة وبين المشروعية فهل فعلها من السنة أو لا ؟(1/88)
الضابط في ذلك : أن ما تردد بين العادة والمشروعية : إن قَدّرْت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله مُوافَقةً لزمانه ومكانه فليس من قبيل السنة وإنما هو من قبيل العادة، وإن قَدَّرْت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خالف فيه زمانه ومكانه فهو من قبيل السنة .
مثال ذلك : اتخاذ الشعر فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) موافقاً لأهل زمانه ومكانه؛ لأن العرب كانوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخذون الشعور ففعله النبي - صلى الله عليه وسلم - موافقاً لأهل زمانه ومكانه فلا نقول : بأنه سنة بل هو من قبيل العادات، وأيضاً لما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من عرفة إلى مزدلفة وقف وبال وتوضأ وضوءاً خفيفاً ... (2) إلخ فهل هو من قبيل السنة أو العادة؟ الأقرب أنه من قبيل العادة ولهذا لا يطلب من الإنسان أن يفعل مثل هذه الأشياء .
القسم الثالث : ما كان بياناً لأمر فحكمه حكم ذلك الأمر وهذا أفاده الشيخ رحمه الله بقوله :
************************
فما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بياناً لأمر فهذا حكمه حكم ذلك الأمر، فإن كان الأمر يقتضي الوجوب فهذا الفعل حكمه حكم ذلك الأمر وهو الوجوب، وإن كان يقتضي الاستحباب فحكمه حكم ذلك الأمر وهو الاستحباب .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (3551) .
(2) أخرجه مسلم رقم (1280) .(1/89)
مثال الوجوب : قوله تعالى : { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - - فهرس - ( { ( - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } - قرآن كريم ( - ( - (( - - - ( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - (- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - ( { ( - (( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - - - } - قرآن كريم ( - - - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم -((( - ( - ( المحتويات ( تمهيد فهرس - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - ( { ((((- رضي الله عنه - تمهيد (( - - ( - - - - } (1) فقوله تعالى : { } - قرآن كريم ( - - - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم -((( - ( - } هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب بيّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعله فالنبي - صلى الله عليه وسلم - مسح كل رأسه ولم يقتصر على مسح بعض الرأس " بدأ بمقدم رأسه إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه "(2) فمسح كل رأسه .
__________
(1) سورة المائدة، الآية : 6 .
(2) أخرجه البخاري رقم (185) ، ومسلم رقم (235) .(1/90)
مثال الاستحباب : قوله تعالى : { } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( الله - - { } تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم (( - (- رضي الله عنه - - ( - ( { - - - - (( تم بحمد الله } } (1) هذا أمر بيّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى المقام قرأ قوله تعالى : { } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( الله - - { } تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم (( - (- رضي الله عنه - - ( - ( { - - - - (( تم بحمد الله } } وصلى خلف المقام ركعتين(2) وحكم ركعتي الطواف خلف المقام السنية بالإجماع فالعلماء مجمعون على أن صلاة ركعتي الطواف خلف المقام سنة فهذا الأمر مصروف عن الوجوب بالإجماع، فيكون فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مبيّناً لهذا الأمر، وهذا الأمر، للاستحباب فيأخذ حكمه وهو الاستحباب .
************************
عندنا هنا تزاحم المصالح، وتزاحم المفاسد .
فالمصالح : هي أوامر الشرع. والمفاسد: هي نواهي الشرع.
فعندنا في هذا الشطر قاعدتان : [ أنه عند تزاحم المصالح نقدم الأعلى منها ] و [ وعند تزاحم المفاسد نقدم الأخف منها ] ويقول السعدي رحمه الله :
فإن تزاحم عدد المصالح
وضده تزاحم المفاسد ... يُقدم الأعلى من المصالح (3)
يرتكب الأدنى من المفاسد(4)
وتزاحم المصالح لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يمكن الجمع بين هذه المصالح . يعني يمكن أن تأتي بها كلها فتأتي بها .
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 125 .
(2) أخرجه مسلم رقم (1218 ) .
(3) منظومة القواعد الفقهية للسعدي ، البيت رقم (13).
(4) نفس المرجع ، البيت رقم (14) .(1/91)
الأمر الثاني : أن لا يمكن الجمع، لا يمكن أن تفعل إلا إحدى المصلحتين وهذا هو المراد هنا فأيهما يقدم ؟ هذا تحته أقسام :
القسم الأول : أن تتزاحم الواجبات، فإذا تزاحمت فإننا نقدم آكد الواجبين، ولذلك أمثلة :
المثال الأول : إنسان عنده ماء وحضر وقت الصلاة، وهذا الماء يحتاجه للشرب ويحتاجه للوضوء فالوضوء واجب، وإبقاء النفس، والمحافظة عليها واجب فأيهما آكد ؟ نقول : إبقاء النفس آكد فيقدم الشرب على الوضوء .
المثال الثاني : إنسان عليه فائتة وعليه حاضرة، عليه فائتة صلاة الفجر، وعليه صلاة الظهر وهي صلاة حاضرة فنسي أن يصليها حتى تضايق وقتها لم يببقَ إلا عشر دقائق لفعل صلاة الظهر فنقول : ابدأ بالحاضرة؛ لأن الحاضرة هنا آكد إذْ لو فعلها يكون أداء في وقتها وعلى هذا فقس .
القسم الثاني : تعارض واجب ومستحب، فالأمر في ذلك ظاهر، فإنه يُقدم الواجب على المستحب. ولذلك أمثلة :
المثال الأول : إنسان عنده دراهم إما أن يخرجها صدقة، وإما أن يخرجها زكاة فنقول : يبدأ بالزكاة .
المثال الثاني : إنسان عنده دراهم، إما أن يتصدق بها، أو ينفقها على أهله ونفسه فيبدأ بالنفس والأهل؛ لأن الواجب مقدم على المستحب .
المثال الثالث : لو تعارضت نوافل الصلاة مع الواجب...إلخ فيقدم الواجب وعلى هذا فقس .
القسم الثالث : إذا تعارض عنده مستحبان، أو سنتان فيقدم أفضل السنتين، أو المستحبين . والتفضيل ذكر العلماء له أسباباً منها:
السبب الأول : التفضيل للآكدية مثاله : إنسان إما أن يفعل الوتر، أو يفعل النافلة المطلقة قبيل طلوع الفجر. يعني بقي ثلاث دقائق على طلوعه، إما أن يصلي ركعة الوتر، أو يصلي نافلة مطلقة فنقدم الآكد وهو الوتر .
السبب الثاني : كون إحدى السنتين أنفع للقلب، وأصلح له مثال ذلك : إنسان تعارض عنده إما أن يقرأ القرآن بلا صلاة، أو يصلي فإنه يفعل ما هو أصلح للقلب سواء قراءة القرآن أو الصلاة .(1/92)
السبب الثالث : كون إحدى السنتين نفعها متعد .
مثال ذلك : تعارض عنده في هذه الساعة إما أن يحضر الدرس، أو يقوم يصلي فنقول يحضر الدرس؛ لأن كونه يتعلم هذا نفع متعد؛ لأنه إذا تعلم فإنه سيُعلِّم ... إلخ .
السبب الرابع : كون السنة مشروعة في هذا الحال، أو في هذا الزمان، أو هذا المكان فإنها تقدم على غيرها .
مثال ذلك : بعد انتهاء الصلاة المكتوبة يشرع للإنسان الذكر من تهليل، وتسبيح ...إلخ هذا هو السنة، والقرآن أشرف الذكر فإذا انتهت الصلاة، إما أن يذكر الله عز وجل، أو يقرأ القرآن، فالسنة أن يقدم الذكر هنا على قراءة القرآن .
السبب الخامس : كون هذا التقديم يؤدي إلى العمل بالسنة كلها .
مثال ذلك : بعد الانتهاء من الصلاة إما أن يسبح المصلي ثلاثاً وثلاثين مرة ويحمد الله ثلاثاً وثلاثين مرة ويكبر الله ثلاثاً وثلاثين مرة، ويقول في تمام المائة : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ، أو أن يسبح عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً ... إلخ تزاحم ذلك عنده فنقول : يقدم العمل بالسنة كلها بأن يأتي بهذا تارة، ويأتي بهذا، وتارة يأتي بهذا ليعمل بالسنة كلها .
السبب السادس : دفع المفسدة :
مثال ذلك : الإسرار بالصدقة أفضل من الجهر بها، لكن إذا كان في جهره دفع مفسدة حيث إن هذا الشخص مُتهم بأنه لا يتصدق وأراد أن يدفع المفسدة عن نفسه، أو أن هذا العمل غير مشروع . يعني الصدقة في هذا المكان غير مشروعة فأراد أن يدفع هذه المفسدة فأظهر الصدقة فهذا أفضل ، هذا ما يتعلق بتزاحم المصالح .(1/93)
قال ابن القيم رحمه الله : ( إن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح بحسب الإمكان، وأن لا يفوت منها شيء فإن أمكن تحصيلها كلها حصلت، وإن تزاحمت ولم يكن تحصيل بعضها إلا بتفويت البعض قدم أكملها وأهمها وأشدها طلباً للشارع ) . ومما يدل لهذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم - : " الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ".(1) وأيضاً الأمر بالأخذ بالأحسن كما في قوله : { } - ( قرآن كريم ((( - } - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - - ( - الله أكبر ( - المحتويات ( - ( - - - ( { صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله المحتويات ( تمهيد ( فهرس - { - } (2) وقوله : { ( - ( تم بحمد الله ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( قرآن كريم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( } ( - - رضي الله عنه - - - { - ( { - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ( - - } (3) وقوله: ( ( - (- صلى الله عليه وسلم -(- رضي الله عنه - تمهيد - ( ( - - - رضي الله عنه - - (( (((( - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - ( - - - - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - { ( - - - - رضي الله عنه - تمت - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - ( - - - - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - { ( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( تمهيد ( - - عليه السلام - - - ( ((( مقدمة - عليه السلام - - - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - } (4)
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (9) ، ومسلم رقم (35) .
(2) سورة الزمر، الآية : 55 .
(3) سورة الأعراف، الآية : 145 .
(4) سورة الزمر، الآية : 18 .(1/94)
كذلك تزاحم المفاسد، إذا تزاحمت المفاسد فإنه يرتكب الأدنى منها وتزاحم المفاسد تحته أقسام:
القسم الأول : أن يتزاحم عنده محرمان فإنه يقدم أخف المحرمين .
مثال ذلك : إنسان في مخمصة أي : في جوع إما أن يأكل من الميتة التي ماتت حتف أنفها، أو يأكل من شاة اشتبه عليه هل ذكر اسم الله عليها أو لم يذكر فيقدم المشتبه فيها على الميتة؛ لأن الميتة أشد تحريماً .
القسم الثاني : تزاحم المكروهات، إذا تزاحم مكروهان من المكروهات فإنه يقدم أخفهما .
مثال ذلك : تعارض عنده إما أن يأكل من البصل، أو يأكل من الثوم، فإنه يقدم أقلهما كراهة وهو البصل؛ لأن البصل أقل رائحة .
القسم الثالث : أن يتعارض عنده محرم، ومكروه فيقدم المكروه على المحرم .
مثال ذلك : عنده بصل، وعنده ميتة، وهو في مخمصة فإنه يبدأ بالبصل ويأكل منه .
وأما قوله : [ وادفع خفيف الضررين بالأخف ... إلخ ] فتقدم بيانه وشرحه فيما سبق وذكرنا الأمثلة عليه وأنه إذا تعارض ضرران يُقدم الأخف وإذا تزاحمت المصالح يأخذ بالأعلى منها... إلخ . (1)
قوله : [ مبيح ] : أ ي المباح .
قوله : [ منع ] : أي المحرم .
[ إذا اجتمع حاظر ومبيح فإننا نغلّب جانب الحظر ] ولهذا أمثلة منها :
المثال الأول : البغل متولد من الحمار والفرس فنقول : بأنه محرم؛ لأنه اجتمع عندنا حاظر وهو أكل الحمار، ومبيح وهو أكل الفرس فنغلِّب جانب الحظر .
المثال الثاني : السِّمْع متولد من الضبع والذئب، الضبع حلال والذئب حرام، فنقول : بأنه محرم تغليباً لجانب الحظر .
__________
(1) تقدم قريباً عند تزاحم المفاسد والمصالح .(1/95)
المثال الثالث : رجل عنده امرأتان اشتبهتا عليه إحداهما حلال والأخرى حرام، إحداهما رضعت من أمه والأخرى لم ترضع منها فهنا اشتبهتا فنقول : اجتنب المرأتين كلتيهما تغليباً لجانب الحظر، ودليل هذه القاعدة ، قوله - صلى الله عليه وسلم - لعدي رضي الله عنه : " فإن وجدت مع كلبك كلباً آخر، فلا تأكل فإنما سميت على كلبك، ولم تسمِّ على الكلب الآخر"(1) وأيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم - : " فإن وجدته في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك ".(2)
***********************
قوله : [ وكل حكم ] : تقدم الكلام على الحكم . (3)
قوله : [ فلعلة تبع ] : العلة في اللغة : المرض، سمي المرض علة؛ لأنه يعل البدن أي يغيره ويخرجه عن طبيعته .
قال الفيومي في المصباح العلة : ( هي المرض المشغل ) .
اصطلاحاً : هي المعنى الذي من أجله شرع الحكم، أي شرع لوجود هذا المعنى فيه، فالإسكار علة تحريم الخمر؛ إذا وجد الإسكار حرم الشرب .
وعرّفها الإمام مالك رحمه الله بقوله : ( العلة هي الصفة التي يتعلق الحكم الشرعي بها) وعرّفها الشاطبي رحمه الله بقوله : (الحِكَمُ والمصالح التي تعلقت بها الأوامر أو الإباحة، أو المفاسد التي تعلقت بها النواهي) .
وقال الباجي في ( الحدود ) وبه قطع الآمدي وابن الحاجب رحمهم الله بأن العلة في الاصطلاح : الوصف المشتمل على الحكمة الباعثة على تشريع الحكم .
وهذه القاعدة أغلبية لا مطّردة، وقد اتفق عليها الفقهاء قاله ابن النجار في ( شرح مختصر التحرير ) .
وبنحوه قال الشاطبي ( في الموافقات ) ومثالها ما جاء في الصحيحين قال - صلى الله عليه وسلم - : " إنما نهيتكم من أجل الدَافَّة التي دفَّت فكلوا وادخروا وتصدقوا " . (4)
__________
(1) تقدم تخريجه ص ( 115) .
(2) تقدم تخريجه ص (115) .
(3) انظر ص (36) .
(4) أخرجه مسلم رقم (1971) ونحوه عند البخاري رقم (1719) .(1/96)
والدَافَّة : هم الأعراب الفقراء الذين دفَّوا – والدف نوع من أنواع المشي – إلى المدينة وقت عيد الأضحى، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث حتى يتصدقوا على هؤلاء الفقراء .
وإنما قيل : إن القاعدة السابقة أغلبية؛ لأن لها استثناءات . وهي ترجع إلى مجموعة أمور :
أولها : ما كان له – يعني الحكم – أكثر من علة فإن انتفاء بعض العلل لا يوجب انتفاء الحكم، كالحدث ببول وغائط فإنه يوجب عدم الصلاة حتى يرتفع الحدث، فلو انتفت علة البول فلا يعني جواز مباشرة الصلاة وصحتها؛ لأنه قد يوجد علة أخرى وهي الغائط مثلاً تمنع الصلاة .
ثانيها : الحكم الذي بقي مع انتفاء علته مثل الرَّمَل (1) ، فإن العلة انتفت وهي إظهار النشاط للكفار(2) وبقي الحكم لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في حجة الوداع .(3)
ثالثها : ما كان الحكم مبنياً على علة ظنية، مثل الرخص المتعلقة بالسفر لمظنة المشقة، فإن أحكام الرخص تستمر ولو لم توجد تلك العلة، وهي المشقة؛ لكونها ظنية قاله شيخ الإسلام رحمه الله في ( مجموع الفتاوى ) .
العلة : وصف مناسب للحكم، والأحكام الشرعية كلها معللة؛ أي : مبنية على أوصاف ومعاني مناسبة للحكم، والعلل في الأحكام الشرعية تنقسم قسمين :
القسم الأول : علل معلومة وهي تنقسم إلى قسمين كذلك :
القسم الأول : علل منصوصة نص عليها الشارع .
القسم الثاني : علل مستنبطة لم ينص عليها الشارع .
القسم الثاني : علل غير معلومة وهي التي يعبر عنها الفقهاء رحمهم الله : [ بأن الحكم تعبدي ] يعني غير معلل .
__________
(1) الرمل :هو " الإسراع في المشي مع تقارب الخطا " .
(2) وذلك عندما قال المشركون أنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا الأشواط الثلاثة . أخرجه البخاري رقم (1602) ومسلم (1266) .
(3) فِعْل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع أخرجه مسلم (1218) .(1/97)
قوله : [ إن وجدت ] : (إن) شرطية، و (وجدت) فعل الشرط، و (يوجد) جواب الشرط .
معنى ذلك : أن الحكم يتبع علته وجوداً وعدماً فإذا وجِدت العلة وجد الحكم وإذا لم توجد العلة لم يوجد الحكم .
واعلم أن العلة من حيث وجود الحكم وعدمه تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : علة منصوصة، فإذا كانت العلة منصوصة، فإنه يوجد الحكم، ولذلك أمثلة :
المثال الأول : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه " (1) فقوله : ( من أجل أن ذلك يحزنه ) هذه علة منصوصة يوجد الحكم إذا وجد التناجي من ثلاثة؛ لأن ذلك يحزنه .
فإن تناجى ثلاثة دون الرابع فإنه لا يجوز؛ لأن العلة موجودة الآن ( من أجل أن ذلك يحزنه ) وكذلك لو تكلم اثنان بلغة أجنبية دون الثالث وهو لم يفهم ولم يتناجيا، فإنه لا يجوز؛ لأن العلة هنا موجودة ( من أجل أن ذلك يحزنه ) .
ولو تناجى صبيان دون رجل كبير جاز، لأن ذلك لا يحزنه.
المثال الثاني : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكلوه ليس السن والظُّفُر " قال : " أما السن فعظم ". (2) فالعلة الآن موجودة، لو ذبحت بعظم آخر غير السن فإنه لا يجوز؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علّل فقال : ( أما السن فعظم ) فلا يجوز التذكية بسائر العظام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علل وهكذا .
القسم الثاني : أن تكون العلة مستنبطة وهي قريبة .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (6288) ومسلم رقم (2183) .
(2) أخرجه البخاري رقم (2488) ومسلم رقم (1968) .(1/98)
مثال ذلك : حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم قال - صلى الله عليه وسلم - : " لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان " (1) العلة في ذلك : هي التشويش وإشغال الذهن، فلو صلى في حر شديد، أوبرد شديد فإنه يأخذ الحكم؛ لأن المقصود الإشغال وهو موجود سواء أكان بحضرة طعام، أم وهو يدافعه الأخبثان، أم غير ذلك، وكذلك لو صلى وهناك شيء يلهيه عن صلاته يأخذ الحكم وهو الكراهة .
القسم الثالث : أن تكون العلة مستنبطة، وهي بعيدة فإنه لا يأخذ الحكم (لا يتبع الحكم) .
مثال ذلك : ما ورد في حديث عبادة وحديث أبي سعيد رضي الله عنهما قال - صلى الله عليه وسلم - : " الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، سواء بسواء مثلاً بمثل " (2) . ما هي العلة في الذهب والفضة ؟
الحنابلة رحمهم الله قالوا : بأن العلة في الذهب والفضة هي الوزن، فيجري الربا في كل الموزونات من ذهب، وفضة، وحديد، ورصاص ، ونحاس، وصُفْر، وشعر، وحرير، وقطن وغير ذلك .
فإذا بادلت ذهباً بذهب لابد أن يكون مثلاً بمثل سواء بسواء، وإذا بادلت فضة بفضة لابد أن يكون مثلاً بمثل سواء بسواء، وكذلك في بقية الموزونات الحديد بالحديد، والنحاس بالنحاس، والرصاص بالرصاص مثلاً بمثل سواء بسواء، وهذه العلة بعيدة .
والصواب : أن العلة في الذهب والفضة ليست الوزن، وإنما هي غلبة الثمنية ؛ أي : كون هذه الأشياء ثمناً للمبيعات هذه هي العلة، أما التعليل بالوزن فضعيف، ولهذا رده ابن القيم رحمه الله من وجوه :
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (560) .
(2) تقدم تخريجه ص (94) .(1/99)
منها أن الشارع رخص في السلم في الموزونات لما قَدِم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم " (1) وأنت إذا أسلفت في الوزن سُتعطي ذهباً موزوناً بحديد موزون، فالشارع جوز في السلّم تأخير القبض، وإذا قلنا بأن العلة الوزن يؤدي إلى إغلاق باب السلم في الموزونات .
والصواب في ذلك : أن العلة ليست هي الوزن، وإنما هي الثمنية، فكل ما اتخذه الناس ثمناً هو الذي يجري فيه الربا، أما التعليل بالوزن هذا ضعيف .
***********************
السبب لغة : كل ما يتوصل به إلى الغير، ومنه الحبل .
وفي الاصطلاح : ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم لذاته .
والشرط لغة : إلْزام الشيء والتزامه .
وفي الاصطلاح: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده ولا عدم لذاته، عندنا سبب، وعندنا شرط، وهذا البيت قاعدة ذكرها ابن رجب رحمه الله بقوله : ( العبادات كلها بدنية، أو مالية، أو مركبة من البدن والمال لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها، ويجوز تقديمها بعد السبب وقبل شرط الوجوب ) .
فالأحول ثلاثة :
الحال الأولى : أن يكون قبل السبب وقبل الشرط ، فهذه الحال لا تصح عند الجميع .
مثال : لو قال إنسان سأُكفِّر كفارة، إذْ يمكن أن أحلف في يوم من الأيام، فلا تجزئ وتكون صدقة؛ لأن سبب الوجوب لم يوجد وهو الحلف .
الحال الثانية : أن يكون بعد سبب الوجوب، وقبل شرط الوجوب فهذا مجزئ عند جماهير العلماء لظاهر ما في الصحيحين.(2)
وهذا له أمثلة منها :
المثال الأول : كفارة اليمين يجوز لك أن تقدم الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (2239) ومسلم رقم (1604) .
(2) سيأتي تخريجه قريباً .(1/100)
مثال ذلك : إنسان قال : والله لا أسافر اليوم إلى مكة. الحنث السفر، يجوز له أنه يقدم الكفارة قبل السفر، لكن هل يجوز أن يقدم الكفارة قبل اليمين ؟ لا يجوز؛ لأن هذا تقديم للعبادة على سببها، لكن تقديم الكفارة بعد السبب يجوز. يعني السبب هو اليمين، واليمين وجد الآن فتجوز الكفارة قبل الحنث قال - صلى الله عليه وسلم - : " وإني والله - إن شاء الله - لا أحلف على يمين ، ثم أرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير " . (1)
المثال الثاني : الزكاة يجوز أن تُقدمها بعد السبب، وهو بلوغ النصاب، وقبل الحول؛ أي : قبل شرط الوجوب على الصحيح كما هو عند أحمد وجماعة من أهل العلم؛ لحديث العباس(2) وجاء في معناه حديث علي رضي الله عنه(3). فإذا اكتمل النصاب أربعون شاة يجوز لك أن تقدم الزكاة بعد تمام النصاب، وقبل شرط الوجوب؛ أي قبل الحول .
المثال الثالث : قتل الخطأ فيه كفارة، فكونه يُقدم الكفارة قبل أن يجرحه لا يجوز .
مثال ذلك : إنسان قال : أنا أخشى أن أقتل شخصاً خطأً، فسأعتق رقبة الآن لا يجوز؛ لأنه تقديم على السبب، لكن لو أن إنساناً جنى على شخص خطأ، وقبل أن يموت قام وأخرج الكفارة فإن هذا يصح .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (6623) ، ومسلم رقم (1649) .
(2) أخرجه البخاري رقم (1468) ، ومسلم رقم (983) .
(3) رواه أحمد (781) ، وأبو داود رقم (1624) ، والترمذي (678) والحاكم (5431) وصوب الدارقطني في علله إرساله من مراسيل الحسن بن ينَّاق، وكذلك رجح إرساله أبو زرعة، وأبو حاتم العلل (1/215) وأبو داود في سننه . ومال إلى تضعيفه ابن الملقن والنووي في المجموع (5/318) وضعفه ابن حجر في الفتح .(1/101)
المثال الرابع : فدية الأذى مثال : إنسان مُحرِم احتاج إلى أن يفعل محظوراً من محظورات الإحرام مثل كعب بن عجرة رضي الله عنه احتاج إلى أن يحلق رأسه(1)، فإنه لا بأس أن يخرج الكفارة ثم يفعل المحظور وعلى هذا فقس .
فتقديم الشيء على السبب لا يجوز، وتقديمه بعد السبب وقبل الشرط ( شرط الوجوب ) جائز .
الحال الثالثة : أن يكون بعدهما جميعاً، فهذا مجزئ بلا خلاف.
قوله : [ فادر الفروق وانتبه ] : يعني ينبغي للمتعلم أن يعرف الفروق .
والفروق : هو العلم الذي يبحث في المسائل المشتبهة في الصورة، المختلفة في الحكم، والدليل، والعلة . وقد عني العلماء رحمهم الله بالفروق وجعلوا لها كتباً خاصة وذكروها أيضاً في ثنايا بحوثهم فإذا عرف الإنسان الفروق لا تشتبه عليه المسائل، يستطيع أن يفرق بين هذه المسألة وبين المسائل الأخرى فالفائدة من ذلك :
أولا : لا تشتبه عليه المسائل .
ثانياً : يحفظ هذه المسائل ويُلم بها .
ثالثاً : معرفة شيء من حِكَم الشريعة وأسرارها، ومقاصدها .
قوله : [ الشيء ] يشمل العبادات، والمعاملات، والتبرعات، والأنكحة، والحدود، والقصاص ... إلخ .
قوله : [مانع ] : المانع اسم فاعل من المنع .
وأما في الاصطلاح : فله تعريفات منها : ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته، كالحيض مع الصلاة فإنه مانع من صحتها .
وحاصل كلام الناظم : أن الحكم الشرعي لا يتم إلا باستكمال شروطه وانتفاء موانعه، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( اتفق على ذلك أهل العلم، ولا خلاف بينهم في ذلك؛ ولكنهم اختلفوا في تنزيلها على بعض القضايا الشرعية والعقلية ) .
وحكى الاتفاق غير واحد كالغزالي في ( المستصفى ) والآمدي في ( الأحكام ) .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (1816) ومسلم رقم (1201) .(1/102)
وهذه القاعدة لابد من مراعاتها عند تنزيل الأحكام الشرعية كالتكفير مثلاً، فلا يكفر المعين حتى تتوفر الشروط : منها كونه مكلفاً، عالماً بالحكم، مختاراً، وانتفت الموانع ومنها : التأويل السائغ، والجهل، والإكراه .
قال شيخ الإسلام : ( اتفق على ذلك عامة السلف، وفقهاء الملة ) .
والحكم الشرعي هو المقصود، سواء أكان تكليفياً، أم وضعياً.
حتى في باب العقائد لا يتم الحكم، ولا يترتب الأثر إلا بهذين الأمرين :
الأمر الأول : توفر الشروط .
الأمر الثاني : انتفاء الموانع .
مثال ذلك : الوضوء لا يتم ولا يترتب عليه أثره، فيرتفع بذلك الحدث، وتصح به الصلاة إلا إذا توفرت شروطه، وانتفت موانعه .
وشروطه : تكلم عليها العلماء رحمهم الله فذكروا : الإسلام، والعقل، والتمييز، وإزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة ... إلى غير ذلك من الشروط؛ فلابد من توفرها، وكذلك الموانع لابد من انتفائها، فلو توضأ المسلم فتمضمض، واستنشق وهو لا يزال يخرج منه الحدث، فإن وضوءه غير صحيح؛ لأن المانع لا يزال باقياً فلا يترتب عليه أثر .
المثال الثاني : الصلاة لابد من توفر شروطها، وانتفاء موانعها، فلو صلى الإنسان قبل الوقت فصلاته غير صحيحة؛ لتخلف شرط من شروط الصلاة، وكذا لو صلى ولم يستر عورته، أو عليه خبث، أو لم يرفع الحدث ... إلخ ، لابد من توفر الشروط التي ذكرها العلماء رحمهم الله ، وكذلك لابد من انتفاء الموانع التي تمنع من صحة الصلاة، فلو تنفل تنفلاً مطلقاً في وقت النهي، فصلاته غير صحيحة؛ لوجود المانع، وكذلك لو أكل في الصلاة، أو تكلم فيها ... إلخ فصلاته غير صحيحة؛ لوجود المانع .
المثال الثالث : في المعاملات، والأنكحة، والحدود، والقصاص ... إلخ فلو أن شخصاً عَقَدَ عقْد بيع فلابد من توفر الشروط :(1/103)
العلم بالثمن ، والعلم بالمثمن، وأن يكون البيع صادراً من مالك، أو من يقوم مقامه، وأن يكون العاقد جائز التصرف ... إلخ فلابد من توفر الشروط، وكذلك لابد من انتفاء الموانع، فلو باع أو اشترى بعد أن تضايق وقت المكتوبة فالبيع غير صحيح، أو باع واشترى بعد أذان الجمعة الثاني فهذا البيع غير صحيح؛ لأن الموانع ليست منتفية، وكذلك في الأنكحة : لو أن شخصاً عقد على امرأة فلابد من توفر الشروط وهي : رضا الزوجين، وتعيين الزوجين، والإشهاد، والولي ... إلخ . كذلك لابد من انتفاء الموانع، فلو عقد على امرأة في عدتها، أو هي مُحْرِمة، أو عقد على امرأة وأختها لازالت في عصمته لم يفارقها بطلاق، أو فسخ، فإن هذا العقد غير صحيح؛ لوجود المانع.
وكذلك في التبرعات فإذا وقَّف الإنسان وقفاً، أو تصدق بصدقة، لابد أن تتوفر الشروط وتنتفي الموانع، وشروط الوقف ذكرها العلماء رحمهم الله وهي :
أن يكون المسبِّل جائز التبرع، وأن يكون الوقف على بِر إلى آخر ما ذكر العلماء من الشروط، وكذلك لابد من انتفاء الموانع، فلو وقَّف وعليه ديون، أو تصدق وعليه ديون ... إلخ فوقفه وصدقته لا تصح؛ لوجود المانع .
وكذلك أيضاً في الوصايا لابد أن تتوفر الشروط، وتنتفي الموانع، فشروط الوصية التي ذكرها العلماء رحمهم الله منها :
العقل، والتمييز، وأن يكون الموصي له أهلاً للتملك... إلخ. وكذلك لابد أن تنتفي الموانع، فلو وصّى بأكثر من الثلث، أو وصى لوارث ... إلخ فوصيته لا تصح . فلابد فيها من توفر الشروط وانتفاء الموانع . والدليل على هذه القاعدة : أن الشارع اشترط اجتماع الشروط، وانتفاء الموانع :
مثال ذلك :(1/104)
الوقت شرط لصحة الصلاة قال تعالى : { } تمت ( { فهرس - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - ( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - - - جل جلاله - - (- رضي الله عنه - - ( - - - جل جلاله - - قرآن كريم ( - ( قرآن كريم } تم بحمد الله } ((((( (1) وقال عمر رضي الله عنه : " إن للصلاة وقتاً اشترطه الله لها لا تصلح إلا به " ودليل انتفاء المانع في الصلاة قوله - صلى الله عليه وسلم - " لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " . (2)
ودليل الشرط في البيوع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبع ما ليس عندك"(3).
ودليل انتفاء المانع في البيع قوله تعالى : { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - ( { - - ( - قرآن كريم ( الله أكبر ( - - قرآن كريم فهرس - - ( - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم -(( - ( - ( - - - } - ( قرآن كريم - رضي الله عنهم -(( - - - - ( - - فهرس - ( { ( - ( - ( - ( - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم -(( - - رضي الله عنه - - ( - - - - } (4) .
المثال الرابع : آيات الوعيد هي في حق من ارتكب أموراً محرمة، فهو أهل لما جاء في النصوص من الوعيد، لكن قد يكون هناك مانع من العقاب، كالتوبة، أو استغفار المؤمنين له، أو المصائب.
__________
(1) سورة النساء، الآية : 103 .
(2) أخرجه البخاري رقم (36) .
(3) أخرجه الترمذي رقم (1232) وأبو داود رقم (3503) والنسائي (4617) وابن ماجه رقم (2188) وصححه ابن الملقن في البدر المنير (6/448) .
(4) سورة الجمعة، الآية : 9 .(1/105)
وقد توجد شروط الإرث ويكون هناك مانع من رق، أو قتل، أو اختلاف دِين ... إلخ .
*********************
يقول الشيخ رحمه الله : المعتبر في باب العبادات الظن، وأما المعتبر في باب المعاملات فنفس الأمر . قال ابن رجب رحمه الله في القواعد في قاعدة ترجم لها بقوله : ( من تصرف في شيء يظن أنه لا يملكه، ثم تبين له أنه يملكه ) .
ودليل ذلك : حديث عائشة رضي الله عنها في صفة غُسل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت عائشة رضي الله عنها : " حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات "(1) فدل ذلك على أن العبادات يُكتفى فيها بالظن، فلو وقعت على ثوب إنسان نجاسة فنقول : يغسل حتى يظن أنها قد زالت فإذا ظن ذلك كفى، وكذلك إذا أصاب المسلم موجب من موجبات الغسل كجنابة، أو حيض، أو نفاس ... إلخ فإنه يفيض الماء على بدنه حتى يظن أنه قد عمّ بدنه بالماء، فإذا ظن أنه قد عمّ بدنه بالماء فإن هذا كاف، وكذلك في الوضوء؛ فلو توضأ الإنسان فإنه يغسل أعضاءه الأربعة حتى إذا ظن أنه قد أسبغ كفى ذلك .
وكذلك في الصيام له أن يأكل إذا ظن أن الشمس قد غربت؛ ولهذا في حديث أسماء رضي الله عنها قالت : " أفطرنا على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في يوم غيم، ثم طلعت الشمس " .(2)
فهنا بنوا على الظن ولو بنوا على اليقين ما طلعت الشمس.
وكذلك في الحج؛ إذا رمى الإنسان الجمار فظن أن الحصى وصلت المرمى فإن ذلك كاف، أو ظن أنه طاف سبعة أشواط فإن ذلك كاف ... إلخ، وعلى هذا فقس، وأما في المعاملات فالعبرة بما في نفس الأمر، وذكر ابن رجب رحمه الله وغيره صوراً وأمثلة لهذا:
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (272) ومسلم رقم (316) .
(2) أخرجه البخاري (1959) .(1/106)
المثال الأول : لو باع شخصٌ سلعة شخص، ولم يوَكّله هذا الشخص في بيعه، فالأصل أن العقد لا يصح؛ لأن العقد ليس من المالك ولا من يقوم مقام المالك، لكن إذا تبين أن المالك قد وكّله في البيع فإن البيع صحيح اعتباراً بما في نفس الأمر .
المثال الثاني : إنسان باع سلعة أبيه، وأبوه لم يوكله، ثم بعد ذلك تبين أن أباه قد مات وأنه ورث هذه السلعة ودخلت في ملكه، فإن العقد صحيح اعتباراً بما في نفس الأمر، ونفس الأمر أنه يملك العقد على هذه السلعة، في المثال الأول يملك العقد على هذه السلعة نيابة، وأما في المثال الثاني فيملك العقد على هذه السلعة أصالة.
المثال الثالث : لو أنه طلق امرأته يظنها أجنبية، قال لامرأته : أنت طالق يظنها أجنبية وأنها ليست زوجته، ثم تبين بعد ذلك أن هذه المرأة التي واجهها بالطلاق هي زوجته فلا عبرة بالظن العبرة بما في نفس الأمر ونفس الأمر هي زوجته وقد واجهها بالطلاق فيقع عليها الطلاق، ذكر ذلك الحنابلة رحمهم الله .
المثال الرابع : لو قال لرقيقه : أنت حر يظن أنه ليس رقيقه وأنه أجنبي، ثم بعد ذلك تبيّن أنه رقيقه فإنه يعتق عليه اعتباراً بما في نفس الأمر... وهكذا .
وقولهم : ( العبرة في المعاملات بما في نفس الأمر ) فيه نظر، لاشتراط الرضا في العقود .
*************************
يعني إذا تبيّن أن الظن قد أخطأ فيه الإنسان فإنه يستدرك؛ لأنه كما تقدم لنا في باب الأوامر أنه لا يعذر فيها بالجهل، والنسيان، والإكراه ما دام أنه يمكنه أن يستدرك، مثال ذلك قال :
إذا ظن الإنسان دخول الوقت فله أن يصلي، فإذا صلى لا يخلو من ثلاث حالات :
الحال الأولى : أن يعلم أنه قد صلى بعد دخول الوقت، فصلاته صحيحة؛ لأنه أدى الصلاة في وقتها .
الحال الثانية : أن يعلم أنه كبَّر قبل الوقت، فهنا يعيد الصلاة كما قال الشيخ رحمه الله :
لكن إذا تبين الظن خطا
فيعد الصلاة . ... فابرئ الذمة صحح الخطا(1/107)
الحال الثالثة : أن لا يتبين له شيء فالأصل صحة العبادة؛ لأن الإنسان مأمور بإعمال الظن في العبادات، وذكرنا الدليل على ذلك، وإنما يعيد إذا تبين الظن خطأ في باب الأوامر، أما إذا كان في باب النواهي فإنه لا يعيد؛ لأن النواهي يُعذر فيها بالجهل والنسيان والإكراه .
مثال ذلك : إنسان ظن غروب الشمس فأفطر، فهذا لا يخلو من ثلاث حالات :
الحال الأولى : أن يتبين أنه أفطر بعد غروب الشمس فصيامه صحيح، وهذا بالاتفاق .
الحال الثانية : أن يتبين أنه أفطر قبل غروب الشمس كما في حديث أسماء(1) فصيامه صحيح وهو معذور لا يجب عليه أن يعيد الصيام؛ لأن هذا من باب التروك والنواهي، لكن يمسك حتى تغرب الشمس .
الحال الثالثة :أن لا يتبين له شيء فصيامه صحيح .
ومثال ذلك : لو أن الإنسان يظن طلوع الفجر فأكل، أو جامع على الصحيح فإن هذا لا يخلو من ثلاث حالات :
الحال الأولى : أن يتبين أنه أكل قبل طلوع الفجر، فصيامه صحيح.
الحال الثانية : أن يتبين أنه أكل بعد طلوع الفجر، فصيامه صحيح ولا شيء عليه، فما دام أنه من باب التروك والنواهي فإنه معذور.
الحال الثالثة : أن لا يتبين له شيء فصيامه صحيح .
*********************
الشك : هو التردد بين الشيئين، وذكر الناظم رحمه الله أنه لا يُنظر إليه في ثلاث حالات :
الحال الأولى : بعد الفعل، إذا انتهى الإنسان من الفعل فإنه لا ينظر إلى الشك . ولذلك أمثلة :
المثال الأول : إنسان توضأ وبعد أن انتهى من الوضوء شك هل تمضمض أولا ؟
نقول : لا ينظر إلى الشك؛ لأنه من الشيطان، والأصل وقوع العبادة صحيحة مادام أن العبادة قد انتهت .
المثال الثاني : إنسان اغتسل، ثم شك هل استنشق، أو لم يستنشق فلا ينظر إلى ذلك .
المثال الثالث : إنسان صلى ثم شك هل سبّح في الركوع، أو السجود أو لا ؟ فلا ينظر إلى ذلك .
المثال الرابع : إنسان ذبح الذبيحة ثم شك هل سمى، أو لم يسم نقول : لا تنظر إلى ذلك .
__________
(1) تقدم ص (156) .(1/108)
المثال الخامس : إذا عَقَدَ عَقْد النكاح ... إلخ ، أو شك في البيع هل توفرت شروطه أو لا ... إلخ ، فالأصل في ذلك وقوعه على وجه الصحة .
الحال الثانية : إذا كثرت الشكوك مع الإنسان، يشك في الوضوء، والغسل، والصلاة، والصيام، والزكاة ... إلخ، فإنه لا ينظر إلى هذه الشكوك؛ لأن هذه الشكوك من الشيطان ولهذا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " . (1)
ويقول تعالى : { - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - } - - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( صدق الله العظيم ( - (( - } ( - - - - - ( - ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( { { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - - - - (( - - ((( - - { - صدق الله العظيم ( { ( تمت ( - ( - ( - ( - - - - } (2) الآية . والنجوى : حديث النفس .
وفي حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " .(3)
الحال الثالثة : إذا كان الشك مجرد وهم فإن الإنسان لا ينظر إليه.
والشك : تساوي الأمرين، فإن ترجح أحدهما فالراجح ظن، والمرجوح وهم، فإذا كان الشك مجرد وهم؛ فإن الإنسان لا ينظر إليه؛ لأن هذه الخطرات لا حقيقة لها .
قوله : [ لكع ] : بوزن عمر، رجل لكع : أي لئيم، وقيل: هو العبد الذليل النفس .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (2035) ، ومسلم رقم (2175) .
(2) سورة المجادلة، الآية : 10 .
(3) تقدم تخريجه ص (113) .(1/109)
والمراد به الشيطان، فالمسلم يترك مثل هذه الشكوك لا ينظر إليها في هذه المواضع؛ لأنها من الشيطان، وهذه الشكوك تولد الوسواس عند الإنسان فإذا حصل له الوسواس ثقلت عليه العبادات كالوضوء، والغسل، والصلاة، وإذا ثقلت عليه أدّى به ذلك إلى تركها نسأل الله السلامة، وأرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علاج مثل هذه الشكوك قال - صلى الله عليه وسلم - : " لينته، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم "(1) فإذا فعل ذلك فإنها تزول عنه بإذن الله .
وقوله : [ لينته ] أي ليعرض عن هذه الوساوس، ولا ينظر إليها.
**********************
قوله : [ حديث النفس ] : هي النجوى التي تحدث للإنسان في قرارة نفسه؛ لأن الإنسان له نفس أمارة بالسوء، ونفس لوامة .
__________
(1) أخرجه البخاري (3276) ، ومسلم رقم (134) .(1/110)
فالنفس الأمارة بالسوء : تأمره وتحثه على الشر ... إلخ. والنفس اللوامة : تلومه على فعل الشر وتحثّه على فعل الخير، فإذا حصل للإنسان حديث نفس؛ سواء أكان من النفس اللوامة، أم من النفس الأمارة فإنه معفو عن ذلك . وحديث النفس الأمارة بالسوء من الشيطان كما تقدم لنا قوله تعالى : { - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - } - - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( صدق الله العظيم ( - (( - } ( - - - - - ( - ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( { { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - - - - (( - - ((( - - { - صدق الله العظيم ( { ( تمت ( - ( - ( - ( - - - - } (1) الآية وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " (2) فيقول الشيخ رحمه الله : إن هذا معفو عنه إلا إذا تحول هذا الحديث إلى عمل، سواء أكان هذا العمل قولاً أم فعلاً. والدليل على أنه معفو عنه : ما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل، أو تتكلم".(3)
مثال ذلك : لو أن إنساناً في الصلاة حدث نفسه أنه سيذهب ويشتري ... إلخ ، فلا نقول بأن صلاته باطلة، أو حدث نفسه أنه سيعمل معصية كذا وكذا، فلا نقول بأنه يأثم لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل، أو تتكلم " إلا إذا كان عاجزاً عن الأسباب، يعني إنسان حدث نفسه بفعل المعصية وهو يعجز عن الأسباب فهذا عليه وزر النية، وعلى هذا نقول فيما يتعلق بفعل الطاعة بأنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
__________
(1) سورة المجادلة، الآية : 10 .
(2) تقدم تخريجه ص (160) .
(3) أخرجه البخاري رقم (5269) ، ومسلم رقم (127) .(1/111)
القسم الأول : أن يحدث نفسه بالطاعة مع فعل الأسباب لكن لا يتمكن منها، فهذا يكتب له أجر العمل، والأمثلة على ذلك كثيرة :
المثال الأول : إنسان نوى أن يصلي صلاة الضحى وقام يتوضأ، لكن قبل أن يشرع في صلاة الضحى حصل له عذر يمنعه من فعل الصلاة فما دام أنه فعل السبب لفعل هذه الصلاة، فإنه يكتب له أجر العمل كأنه صلى، ولله الحمد .
المثال الثاني : إنسان أراد أن يحضر الدرس وفعل الأسباب، لكن حصل له عائق يعوقه عن الدرس، فإنه يكتب له أجر العمل، ويدل لذلك : ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " فقالوا : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : " إنه كان حريصاً على قتل صاحبه " (1) فإنه لما أخذ السيف ورفعه في وجه صاحبه كُتب كأنه عمل ذلك؛ لأنه عمل السبب فيُكتب له كأنه قتل صاحبه في الإثم .
القسم الثاني : أن ينوي فعل الطاعة، ولم يفعل السبب فهذا يكتب له أجر النية وليس أجر العمل . ويدل لذلك : ما في سنن الترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما الدنيا لأربعة نفر " وذكر منهم " رجلاً قال : لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته فأجرهما سواء " .(2)
فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يكتب له أجر النية .
القسم الثالث : أن لا تطرأ نية الطاعة على قلبه فهذا لا له ولا عليه .
وأما ما يتعلق بالهم بفعل المعصية تحته أقسام :
القسم الأول : أن تحدثه نفسه بفعل المعصية مع فعل الأسباب، فإنه يكتب عليه وزر العمل .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (31) ، ومسلم رقم (2888) .
(2) أخرجه أحمد (4/231) ، والترمذي (3225) وقال : هذا حديث حسن صحيح .(1/112)
مثال ذلك : إنسان أراد أن يشرب دخاناً فذهب وأحضر الدراهم ، لكي يشتري الدخان، لكن لم يتمكن من ذلك حصل له عائق، فإنه يُكتب عليه وزر العمل كأنه عمل العمل، ودليل ذلك : ما تقدم من قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " فقالوا : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : " كان حريصاً على قتل صاحبه " . (1)
القسم الثاني : أن يحدث نفسه بفعل المعصية، لكنه يعجز عن فعل الأسباب. يعني لو أنه استطاع لاشترى الخمر وشربه، لكنه ليس عنده ولا يتمكن منه فيكتب عليه وزر النية وهذا دليله قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الدنيا الأربعة نفر . وذكر منهم رجلاً قال : لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان في الشر فقال - صلى الله عليه وسلم - : " فهو بنيته فوزرهما سواء " (2) فهذا يكتب عليه وزر النية .
القسم الثالث : أن لا تطرأ المعصية على قلبه فهذا لا له ولا عليه.
القسم الرابع : أن يترك المعصية خوفاً من الله عز وجل فهذا يكتب له أجر الترك . يعني لم يتركها عجزاً عن أسبابها، ولم يتركها بعد فعل الأسباب، وإنما تركها خوفاً من الله عز وجل فهذا يُكتب له أجر الترك لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما تركها من جَرَّائي " (3) كما في الحديث القدسي . والإثم المرتب على الفعل المحرم أنواع منها :
النوع الأول : إثم على ذات الفعل .
النوع الثاني : إثم على النتائج والآثار المترتبة على الفعل، فمن زنى بأجنبية فإنه قد ترتب على ذلك آثار منها : إدخال الولد الأجنبي على غير والده، ومنها : إفساد المرأة على زوجها ... إلخ. فالعبد يُعاقب بالفعل ذاته والآثار المترتبة عليه .
__________
(1) تقدم قريباً .
(2) تقدم تخريجه قريباً .
(3) أخرجه مسلم (129) .(1/113)
ويدل لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ليس من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها " .(1) وجاء في الحديث : " ومن سنَّ سيئة فعليه وزرها ... " (2) الحديث .
هذه قاعدة أصولية : [ أن أمر الله، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقتضي الفورية ] وتقدم أن الأصل في الأوامر أنها تقتضي الوجوب إلا إذا قام الصارف، وهنا نقول : [ الأصل في الأوامر أنها تقتضي الفورية إلا إذا وجِد صارف ] ويدل لذلك :
أولاً : من السنة حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه : " لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية الصحابة رضي الله عنهم أن يحلوا من إحرامهم، فتأخر الصحابة رضي الله عنهم، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - ودخل على أم سلمة وأخبرها فأشارت إليه أن يخرج وأن يدعو الحلاق ويحلق رأسه، فلما رآه الناس فعلوا كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - " .(3)
الشاهد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تأخر الصحابة شق عليه وغضب فدل ذلك على أن الأمر يقتضي الفورية إذْ لو لم يقتضِ الفورية لم يغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ثانياً : حديث عائشة رضي الله عنها (4) في حجة الوداع " لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة رضي الله عنهم كل من لم يسق الهدي أن يحل من إحرامه، وأن يجعلها عمرة لكي يكون متمتعاً فتأخر الصحابة رضي الله عنهم فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - " فهذا يدل على أن الأمر يقتضي الفورية.
ثالثاً : من حيث اللغة لو أن السيد قال لخادمه : أحضر كذا وكذا فتأخر فإنه يحسن لومه .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (7321) ، ومسلم رقم (1677) . وفيه وربما قال سفيان من دمها – لأنه أول من سن القتل أولاً .
(2) أخرجه مسلم رقم (1017) . وفيه (ومن سن في اِلإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) .
(3) أخرجه البخاري رقم (2731) .
(4) أخرجه مسلم رقم (1211) .(1/114)
رابعاً : فَهْم الصحابة رضي الله عنهم أنه يُراد بالأوامر الفورية، لشدة مبادرتهم بامتثال الأوامر، وهذا القول هو قول جمهور أهل العلم رحمهم الله .
الرأي الثاني : رأي الشافعي رحمه الله أن الأوامر لا تقتضي الفورية، وإنما هي على التراخي، واحتج الشافعية على أن الأوامر لا تقتضي الفورية بحجج منها :
أولاً : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نام عن صلاة الفجر تأخر حتى خرج من ذلك الوادي(1) ، ثم بعد ذلك صلى .
ويجاب عن ذلك : بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتأخر، بل فعلها مباشرة، وإنما خرج من الوادي؛ لأنه كما قال - صلى الله عليه وسلم - : " هذا وادٍ حضرنا فيه الشيطان " . (2)
ثانياً : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فُرض عليه الحج في السنة السادسة، أو التاسعة ومع ذلك لم يحج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا في السنة العاشرة .
فيجاب عن ذلك بأن الصواب : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض عليه الحج في السنة التاسعة للهجرة، لكن تأخر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السنة العاشرة، وقد ذكر العلماء رحمهم الله لتأخره أعذاراً كثيرة وأصح ما قيل في ذلك :
أن مكة فُتحت في السنة الثامنة من الهجرة، فدخل الناس في دين الله أفواجاً، وأصبح الناس يقْدمون على النبي - صلى الله عليه وسلم - لمبايعته، ولذلك سُمي العام التاسع بعام الوفود؛ لكثرة من يفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحتاج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجلس في المدينة، لكي يُبايع الناس وأناب أبا بكر رضي الله عنه على الموسم .
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (680) .
(2) أخرجه مسلم رقم (680) وفيه (فإن هذا منزل [ بدل : وادٍ ] حضرنا ... إلخ .(1/115)
أو يقال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تأخر إلى السنة العاشرة؛ لأن مكة كانت قبل السنة التاسعة في قبضة المشركين فتأخر ولم يحج في السنة التاسعة لكي لا يشارك الكفار المسلمين في حجهم ولهذا بعث أبا بكر رضي الله عنه وأمره أن ينادي " ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان " (1) فلكي لا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج مشرك وتتمحض الحجة للمسلمين تأخر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (1622) ، ومسلم رقم (1347) .(1/116)
فالصواب : أن الأمر يقتضي الفورية إلا إذا قام الدليل، ومن ذلك قوله تعالى : { صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - - - - - المحتويات ( - - ( تم بحمد الله - (( - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم - - ( - - - (( - ( ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله تم بحمد الله الله - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - - } (1) فالأمر بقضاء رمضان على التراخي بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كان يكون عليّ الصوم من رمضان فلا أستطيع أن أقضية إلا في شعبان لمكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - مني" (2). وأيضاً الصلاة وقتها موسع فلا بأس أن الإنسان يصلي أول الوقت، أو في وسطه، أو في آخره مالم يترك واجباً كالجماعة، ومالم يقم دليل على صرف الأمر من الفورية إلى التراخي فالأصل في ذلك الفورية فمثلاً : الصلاة والزكاة، والحج، والكفارات قال تعالى : { } - قرآن كريم ( - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } - قرآن كريم ( - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم - - } - - - - } (3) وقوله تعالى : { ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( } - } - - - - - - ( مقدمة ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه -( - - (- رضي الله عنه - - ( - - - ( مقدمة ( - - - ( { الله - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - - } (4) وقوله : - صلى الله عليه وسلم - : " فكفر عن يمينك "(5)
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 184 .
(2) أخرجه البخاري رقم (1950) ومسلم رقم (1146) .
(3) سورة البقرة، الآية : 43 .
(4) سورة آل عمران الآية : 97 .
(5) أخرجه البخاري رقم (6622) ، ومسلم رقم (1652) .(1/117)
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا"(1).
وكذلك النذر لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من نذر أن يطيع الله فليطعه "(2)
فيجب على الفور ... إلخ .
************************
هذان البيتان تكلم فيهما الناظم رحمه الله عن الفرق بين فرض العين وفرض الكفاية؛ لأن الفروض تنقسم قسمين :
القسم الأول : فروض الأعيان .
القسم الثاني : فروض الكفايات .
والفرق بينهما : أنه إن لوحظ العامل في الأمر فذاك فرض عين، وإن لوحظ العمل دون العامل في الأمر فذاك فرض كفاية.
ففرض العين : هو الذي يطلب من كل شخص بعينه .
وأما فرض الكفاية : هو الذي لا يطلب من كل شخص بعينه، وإنما يطلب العمل فقط .
مثال ذلك : الأمر بالصلاة قال تعالى : { } - قرآن كريم ( - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } - قرآن كريم ( - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم - - } - - - - } (3) الأمر هنا لوحظ فيه العامل، فهو فرض عين، فإقامة الصلاة مطلوبة من كل أحد .
__________
(1) أخرجه مسلم : (1337) .
(2) أخرجه البخاري رقم (6696) وأبو داود رقم (3289) .
(3) سورة البقرة، الآية : 43 .(1/118)
المثال الثاني: الأمر بالوضوء : قال تعالى : { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - - فهرس - ( { ( - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } - قرآن كريم ( - ( - (( - - - ( ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - (- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - ( { ( - (( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - - - .... } (1) الآية .
الأمر هنا لوحظ فيه العامل فنقول : بأنه فرض عين؛ لأن الوضوء مطلوب من كل أحد، وكذلك الغسل فرض عين؛ لأنه مطلوب من كل أحد .
المثال الثالث : صلاة الجمعة : قال تعالى : { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - ( { - - ( - قرآن كريم ( الله أكبر ( - - قرآن كريم فهرس - - ( - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم -(( - ( - ( - - - } - ( قرآن كريم - رضي الله عنهم -(( - - - - ( - - فهرس - ( { ( - ( - ( - ( - - - } (2) ... الآية ؟.
الأمر هنا لوحظ فيه العامل فنقول : بأنه فرض عين وهكذا.
__________
(1) سورة المائدة، الآية : 6 .
(2) سورة الجمعة، الآية : 9 .(1/119)
المثال الرابع : الأذان لم يلاحظ فيه العامل، وإنما لوحظ فيه العمل، المقصود إيجاد الفعل فسواء قام بالأذان زيد أو عمرو ... إلخ حصل الغرض، وكذلك الإقامة نقول : من فروض الكفايات وكذلك تغسيل الميت قال - صلى الله عليه وسلم - : " اغسلوه بماءٍ وسدر " (1) كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين فتغسيل الميت هنا لم يلاحظ فيه العامل، وإنما لوحظ فيه العمل، وكذلك تكفين الميت والصلاة عليه.
قوله : [وذاك الفاضل] : في هذا بيان أن فرض العين أفضل من فرض الكفاية ووجه ذلك : أن الله عز وجل أمر به جميع الناس فدل ذلك على فضله، وكذلك سنة العين أفضل من سنة الكفاية.
الأوامر بعد النواهي هل تدل على الإباحة، أو أن الأمر يعود على ما كان عليه قبل النهي ؟ هذا موضع خلاف .
ففي ذلك رأيان للأصوليين :
الرأي الأول : أن الأمر بعد النهي يفيد الإباحة .
الرأي الثاني : أن الأمر بعد النهي يعود إلى ما كان عليه قبل النهي، فإذا كان قبل النهي واجباً فإنه الآن يكون واجباً، وإن كان مستحباً فإنه الآن يكون مستحباً، وإن كان مباحاً فإنه يكون الآن مباحاً ... وهكذا وهذا القول هو الصحيح : ولهذا أمثلة :
المثال الأول : قوله تعالى : { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ((( - فهرس - - رضي الله عنهم - مقدمة } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - ((( - - - ( - } (2) المسلم محرَّم عليه الصيد حال إحرامه، ثم بعد ذلك أُمر به، فالأمر هنا بعد الحظر يفيد الإباحة؛ لأن الصيد قبل النهي للإباحة.
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (1265) ومسلم رقم (1206) .
(2) سورة المائدة ، الآية : 2 .(1/120)
المثال الثاني: قوله تعالى: { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - ( { - - ( - قرآن كريم ( الله أكبر ( - - قرآن كريم فهرس - - ( - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم -(( - ( - ( - - - } - ( قرآن كريم - رضي الله عنهم -(( - - - - ( - - فهرس - ( { ( - ( - ( - ( - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم -(( - - رضي الله عنه - - ( - - - - ( المحتويات ( - ( - ( - - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - { - تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - (( - - ((( - - - ( - - ( ( تمهيد - عليه السلام - - ((( - ( - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ((- رضي الله عنه - - الله أكبر - - - ( - (( ((( - - } - - } - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - (( - ( ( - - - } (1).
هنا الأمر بعد النهي يقتضي الإباحة؛ لأن البيع قبل النهي مباح، ثم أُمر به بعد النهي فيقتضي الإباحة .
المثال الثالث : قوله تعالى : { - - - ( - - ( - رضي الله عنهم - - فهرس - - - - - - ( - ( - (( - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- رضي الله عنه -( - - - } - قرآن كريم ( - ( - ( - - - - ( - رضي الله عنه -((( - ( - ((( - ( - - - } (2) .
__________
(1) سورة الجمعة، الآية : 9 – 10 .
(2) سورة التوبة، الآية : 5 .(1/121)
نُهي عن قتل المشركين في الأشهر الحرم، ثم بعد ذلك أُمِر به بعد انسلاخ الأشهر الحرم، الأمر هنا بعد الحظر يفيد الوجوب؛ لأن قتل المشركين قبل الأشهر الحرم واجب كما قال تعالى : { } - قرآن كريم ( - ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - ( - ((( - ( - - - - { { ( - - - - - - رضي الله عنهم - - - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - - { { ( - - - - - } (1).
المثال الرابع : التطوع في وقت النهي ممنوع، لكن بعد وقت النهي مأمور به فيقتضي الاستحباب؛ لأنه قبل وقت النهي هذا التطوع مستحب لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " فأعنِيِّ على نفسك بكثرة السجود".(2)
********************
هذه قاعدة ذكرها ابن رجب رحمه الله في قواعده : وذلك أنه إذا وردت العبادة على وجوه متنوعة، فاختلف أهل العلم رحمهم الله : هل يخصص نوع من هذه الأنواع، أو أن هذه الأنواع تفعل كلها ؟
الرأي الأول : المشهور من المذهب أنه يخصص نوع من الأنواع، فمثلا في الاستفتحات يستحب أن يستفتح ( بسبحانك اللهم وبحمدك ... )(3) وفي التشهدات يقولون : يُستحب أن يتشهد بتشهد ابن مسعود رضي الله عنه ... إلخ (4) ، وهذا قول كثير من أهل العلم رحمهم الله : أنه يخصص نوع من هذه الأنواع، إما لمعنى فيه، أو لكثرته، أو لكونه أصح من غيره، أو لغير ذلك .
__________
(1) سورة التوبة، الآية : 5 .
(2) أخرجه مسلم رقم (489) .
(3) سيأتي تخريجه قريباً .
(4) سيأتي تخريجه قريباً .(1/122)
الرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة لا يخصص شيء منها، بل تفعل هذه العبادات كلها، فمثلاً الاستفتاحات، ورد استفتاحات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرة منها : ما ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : " سبحانك اللهم وبحمدك ..." (1) ، وحديث أبي هريرة " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب... " (2) ، وحديث عائشة رضي الله عنها " اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل..." (3) وحديث علي رضي الله عنه " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ... " (4)
__________
(1) أخرجه أبو داود رقم (775) ، والترمذي رقم (242) ، والنسائي رقم (900) ، وابن ماجه رقم (804) ولفظه : " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) ، وصوب أبو داود إرساله وضعفه الترمذي، وكذلك ضعفه الإمام أحمد كما في مسائل ابنه عبد الله ص (76) ، وقد جاء هذا الاستفتاح من قول عمر - رضي الله عنه - موقوفاً ، رواه مسلم في صحيحه رقم (399).
(2) أخرجه البخاري رقم (744) ومسلم رقم (598) ولفظه " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد " .
(3) أخرجه مسلم رقم (770) ولفظه : قالت عائشة رضي الله عنها " كان – أي – النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل افتتح صلاته : " اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " .
(4) أخرجه مسلم رقم (771) ولفظه " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك ".(1/123)
. وحديث ابن عباس رضي الله عنهما " اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ..." (1) وغير ذلك مما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأيضاًَ التشهدات الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منها : تشهد ابن مسعود " التحيات لله والصلوات والطيبات ... " (2) وتشهد ابن عباس " التحيات المباركات الصلوات الطيبات..."(3) وتشهد أبي موسى رضي الله عنه " التحيات الطيبات الصلوات لله ... " (4) وتشهد عمر(5)
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (1120)، ومسلم رقم (769) ولفظه " اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت – أو : لا إله غيرك " .
(2) أخرجه البخاري رقم (831) ، ومسلم رقم (402) .
(3) أخرجه مسلم رقم (403) " التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله " .
(4) أخرجه مسلم رقم (404) ولفظه " التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " .
(5) أخرجه مالك في الموطأ (53) والشافعي في الرسالة (738) ، وعبد الرزاق (3067) والبيهقي (2/144) ولفظه عند مالك والبيهقي " التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله ... " إلخ كتشهد ابن مسعود، وفي لفظ للبيهقي " التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات لله، الصلوات لله ..." كتشهد ابن مسعود، وقال الدارقطني في علله (2/180) ولم يختلفوا أن الحديث موقوف على عمر ورواه بعض المتأخرين عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن الزهري عن عروة عن ابن عبدٍ عن عمر مرفوعاً . ووهم في رفعه والصواب موقوفاً، وكذلك صححه موقوفاً ابن الملقن في البدر المنير (4/25) .(1/124)
.
وتشهد ابن عمر(1)، وتشهد عائشة (2) رضي الله عنهم، وغير ذلك مما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن الإنسان يفعلها كلها، يفعل هذا تارة، وهذا تارة أخرى، وأيضاً التسبيح بعد الصلاة، يسبح، ويحمد، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم يقول في تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير . (3)
أو يسبح ثلاثا وثلاثين، ويحمد ثلاثا وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين ويقول في تمام المائة : الله أكبر (4).
أو يقول : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمساً وعشرين مرة . (5)
أو يسبح عشراً، ويحمد عشراً، ويكبر عشراً (6) فيفعلها كلها، تارة يفعل هذا، وتارة يفعل هذا، وذكر الشيخ رحمه الله من الفوائد:
أولاً : فعل السنة كلها .
__________
(1) أخرجه أبو داود رقم (971) والدارقطني (1/351) كتشهد ابن مسعود رضي الله عنه – وفيه – قال ابن عمر : وزدت فيها " وحده لا شريك له " بعد شهادة أن لا إله إلا الله " وقال الدارقطني في سننه (هذا إسناد صحيح) وكذلك صححه ابن الملقن كما في البدر المنير (4/27) .
(2) أخرجه مالك في الموطأ (55) وابن أبي شيبة (1/293) والبيهقي (2/144) ولفظه كما روى القاسم بن محمد عنها قال : " كانت عائشة تعلمنا التشهد وتشير بيدها تقول : التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله السلام على النبي ورحمة الله وبركاته ... " إلخ كتشهد ابن مسعود وإسناده صحيح . وقال الدارقطني في علله : وروي هذا الحديث عن عائشة مرفوعاً والصواب وقفه عليها.
(3) أخرجه مسلم رقم (597) .
(4) أخرجه البخاري رقم (843) ، ومسلم رقم (595) .
(5) أخرجه ابن خزيمة رقم (752) وابن حبان رقم (2017) ، وأحمد (5/184) ، والترمذي رقم (3413) والنسائي رقم (1351) ، والدارمي (1/312) ، والحاكم (1/253) ، والطبراني رقم (4898) وقال الترمذي حديث حسن صحيح وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .
(6) أخرجه البخاري رقم (6329) .(1/125)
ثانياً : [ وتحفظ الشرع بذي النوعين ] : أي : أنك تحفظ العلم لا تنساه، أما إذا داوم الإنسان عبادة واحدة فإنه ينسى بقية العبادات .
ثالثاً : أن الإنسان إذا كان ينوع فإن هذا ادعى إلى حضور القلب وخشوعه، لكن إذا كان مصِّرا على نوع فإن هذا أبعد عن الخشوع .
رابعاً : أن الإنسان قد يكون مشغولاً لا يتمكن من الذكر الطويل، وإنما يتمكن من الذكر القصير فيأتي به وتحصل له السنة.
***********************
قوله : [ والزم طريقة النبي المصطفى ] : الطريقة : السيرة، والسنة، ونحوذلك .
وقوله : [ النبي المصطفى ] : النبي المراد به محمد - صلى الله عليه وسلم -
و (أل) هنا للعهد الذهني، وليست للعهد الذكري، ولا للعهد الحضوري .
والنبي : من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب النبوات : (أن النبي ينبئه الله، وهو ينبئ بما أنبأ الله، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله فهو رسول. وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول ) اهـ .
قوله : [ وخذ بقول الراشدين الخلفا ] الراشد : اسم فاعل من رشد يرشد رشداً، والرشد نقيض الضلال، وهو إصابة وجه الأمر؛ أي : خذ بقول الخلفاء الراشدين .
ودليل ذلك : حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ... " . (1)
__________
(1) أخرجه أحمد (4/126) وأبو داود رقم (4607) والترمذي رقم (2676) وابن ماجه رقم (42) والدارمي رقم (95) ، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وكذلك صححه ابن حبان والحاكم وأبو نعيم كما في جامع العلوم والحكم وصححه البزار فيما نقله عنه ابن عبد البر، وأيضاً صححه ابن عبد البر كما في الجامع وصححه الهروي في ذم الكلام وصححه ابن رجب في الجامع.(1/126)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا " (1).
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر"(2)
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه".(3)
فنأخذ بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونأخذ أيضاً بسنة الخلفاء الراشدين من بعده أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، فإذا ورد عن هؤلاء سنة لم تخالف كما سيأتينا في شروط قبول قول الصحابي فإننا نأخذ بها .
قوله : [ قول الصحابي ] هو ما أثر عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول، أو فعل، أو تقرير في أمر من أمور الدين. والصحابي : هو من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو ساعة، أو رآه مؤمناً ومات على ذلك .
وقول الصحابي ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : قوله فيما لا مجال للرأي فيه فهذا حجة .
القسم الثاني : إذا قال قولاً وخالفه غيره من الصحابة، فليس حجة .
وقد نقل الآمدي، وابن الحاجب، والأسنوي، والفتوحي وغيرهم : الإجماع على أن قول الصحابي في مسائل الاجتهاد ليس حجة على صحابي آخر؛ ولهذا قال المؤلف : ( ما يخالف مثله فما رجح ) لكن ما موقفنا من أقوال الصحابة رضي الله عنهم ؟
نقول : موقفنا من أقوالهم أننا نتخير من أقوالهم ما كان أقرب إلى الدليل، وقواعد الشرع وأصوله .
القسم الثالث : إذا قال الصحابي قولاً وانتشر ولم يظهر له مخالف، فجمهور أهل العلم على أنه حجة، وهذا هو الإجماع السكوتي .
القسم الرابع : ما عدا هذه الأقسام، اختلف أهل العلم رحمهم الله هل قول الصحابي حجة أو ليس بحجة ؟
الرأي الأول : جمهور أهل العلم على أنه حجة بشرطين :
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (681) .
(2) أخرجه الترمذي رقم (3662) ، وأحمد (5/382) ، والبيهقي (5/12) وفي إسناده ضعف لحال سالم أبي العلاء .
(3) أخرجه الترمذي رقم (3682) وأحمد (2/53، 401) والحاكم (3/86، 87) .(1/127)
الشرط الأول : أن لا يخالف النص؛ أي : الدليل من الكتاب والسنة، وأضاف بعض العلماء شرطاً ثانياً وهو أن لا يخالف القياس، فإن خالف القياس فالأكثر أنه يحمل على التوقيف؛ لأنه لا يمكن أن يخالف القياس باجتهاد من عنده .
وقال بعض العلماء : لا يكون حجة؛ لأنه خالفه دليل شرعي، أما إن خالف قول صحابي آخر فهذا تقدم بيانه .
واستدلوا على أنه حجة : أولاً : بقوله تعالى : { - - قرآن كريم ( { ( تمهيد ( - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - } - صلى الله عليه وسلم - - } - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - ( - - - ( الله أكبر - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) .
ثانياً : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".(2)
ثالثاً : أن فتواه لا تخرج عن ستة أمور : أنه سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو سمعها ممن سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو فهمها من كتاب الله عز وجل فهماً خفي علينا، أو أن ملأهم اتفقوا عليها ولم يبلغنا إلا قول المفتي، أو أن يكون ذلك لكمال علمه باللغة ودلالة اللفظ، أو لقرائن حالية اقترنت بالخطاب، ففي كل ما تقدم حجة، وإن فهم ما لم يرده النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس بحجة .
رابعاً : سلامة عقيدتهم وأنهم أعلم بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - من غيرهم؛ لأنهم عاصروه، وعاصروا التنزيل، وأيضاً لم تظهر في عهدهم الآراء والأهواء ... إلخ .
__________
(1) سورة التوبة، الآية : 100 .
(2) أخرجه البخاري رقم (3673( ومسلم رقم (2541) .(1/128)
الرأي الثاني : أن قول الصحابي ليس بحجة، وهذا نسبه صاحب الورقات أبو المعالي الجويني رحمه الله للشافعي، ونفاه ابن القيم رحمه الله، وقال به أيضاً الغزالي، وأبو المعالي الجويني بدليل : أن الصحابة رضي الله عنهم غير معصومين، ولهذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم ، في مسائل كثيرة منها : العول، والجد، والأخوة، وأمهات الأولاد وغير ذلك .
القول الثالث : أن الحجة قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا ".(1) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " (2) وقوله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " . (3)
القول الرابع : أن الحجة قول الخلفاء الراشدين؛ لما تقدم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه (4)، والراجح : أن قول الصحابي حجة .
*************************
قوله : [ التكليف ] : هو ما كلف المخاطب بمقتضاه فعلاً، أو تركاً .
والمكلف هو : البالغ العاقل .
في هذين الشطرين تكلم المؤلف رحمه الله عن أدلة التشريع .
واعلم أن أدلة التشريع تنقسم قسمين :
القسم الأول : أدلة متفق عليها .
القسم الثاني : أدلة مختلف فيها، وسنتعرض إن شاء الله لبيان هذه الأدلة وذكر ما يتعلق بها .
فالأدلة المتفق عليها :
__________
(1) تقدم ص (180) .
(2) تقدم ص (180) .
(3) تقدم تخريجه ص (180) .
(4) تقدم ص (180) .(1/129)
أولاً : القرآن : وهو كلام الله المنزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، المعجز بنفسه، المتعبّد بتلاوته، والقرآن حجة بإجماع المسلمين، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة، فالقرآن كله دليل على أن القرآن حجة، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى : { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - ( } - } - - - - ( - - - المحتويات ( - ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - ( { - (((( قرآن كريم } تم بحمد الله صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( تمهيد ( فهرس - { - (( - - - (( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - - - (( ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - } (1) وأيضا قوله تعالى : { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - { - - - } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - { - - - - } (2) وقوله تعالى : { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - ( } - } - - - - ( - - - المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - ( - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( فهرس - { - - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - - ( { - - جل جلاله - - قرآن كريم ( الله أكبر - - جل جلاله -- جل جلاله - - ( تمهيد - تم بحمد الله } ((((( (3) فقال :
__________
(1) سورة يونس، الآية : 57 .
(2) سورة النساء، الآية : 59 .
(3) سورة النساء، الآية : 179 .(1/130)
( برهان ) يعني حجة .
وأما السنة : فالأدلة أيضاً كثيرة : فكل السنة دليل على وجوب طاعة الله عز وجل، ومن طاعة الله الأخذ بما جاء في كتاب الله عز وجل .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - " .(1)
ثانياً : السنة كما ذكر الشيخ رحمه الله [ وسنة مثبتة ] .
والسنة في اللغة : الطريقة والسيرة، سواء أكانت حميدة، أم غير حميدة .
وأما في الاصطلاح : فهي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفعله، وتقريره، والسنة أيضاً حجة بالإجماع .
__________
(1) انظر ص (128) .(1/131)
والدليل على حُجية السنة أدلة كثيرة : من ذلك قوله تعالى : { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - { - - - } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - { - - - - } وقوله تعالى : { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - - - - عليه السلام -( ( - قرآن كريم ( - { - - - - ( فهرس - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - { - - رضي الله عنه - - ( مقدمة (- جل جلاله -- رضي الله عنه -( } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - الله أكبر - - - ( - } وقوله تعالى: { ( - ( - تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم - - ( - ( - { - - - - ( الله أكبر قرآن كريم ((( - } - - - - ( ( المحتويات ( - ( - ( تمهيد ( - ( - ( - - - ( - ((((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( الله أكبر ( - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - قرآن كريم (( - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( مقدمة { - } (((( (1) وقوله تعالى : { ( - - - ( - - عليه السلام - - ( - - ( - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ((( فهرس ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - - - ((( - ( { - عليه السلام - - ( - (( (- صلى
__________
(1) سورة آل عمران، الآية : 31 .(1/132)
الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - - - ((( - ( - - - - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } (((( (1) وقوله تعالى : { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - عليه السلام - - ( تم بحمد الله ( - ( تم بحمد الله - - - ( { ( - ( - - ( - - - ((( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - - ( - - عليه السلام - - - - ( - ( - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - } (((( (2) .
وأما الأدلة من السنة على حجية السنة فمنها :
حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" (3) الحديث .
ومنها ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم " . (4)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - " (5)، وكذلك الإجماع منعقد على حجية السنة إذا ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فيشترط لحجية السنة أن تكون ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) سورة النور، الآية : 63 .
(2) سورة الأحزاب، الآية : 36 .
(3) انظر ص (180).
(4) انظر ص (65) .
(5) انظر ص (128) .(1/133)
قوله : [ من بعدها إجماع هذي الأمة ] : هذا الدليل الثالث : من أدلة التشريع ، وهو دليل الإجماع .
والإجماع في اللغة : يطلق على العزم والاتفاق، ومن ذلك قوله تعالى : { } - ( قرآن كريم ((( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( ( المحتويات ( - } - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - } .
أما في الاصطلاح : فهو اتفاق مجتهدي أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في عصر من العصور بعد وفاته على أمر ديني .
قولنا : (اتفاق) : يخرج وجود خلاف، ولو كان المخالف واحداً فلا إجماع .
قولنا : (مجتهدي): أي من توفرت فيه شروط الاجتهاد، ويخرج المقلدين والعوام فلا عبرة وفاقاً وخلافاً .
قولنا: (أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -) : يخرج الأمم السابقة فلا يعتد بإجماعهم .
قولنا: (في عصر من العصور) : يخرج من مات، ومن لم يولد .
قولنا : (بعد وفاته) : يخرج الاتفاق في حياته - صلى الله عليه وسلم - .(1/134)
قولنا: (أمر ديني): يخرج الأمور الدنيوية، والعقلية، واللغوية. والإجماع حجة، وقد دل على حجيته القرآن، والسنة، أما القرآن : فقوله تعالى : { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - { - - - } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - { - - - - - ( - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( تم بحمد الله } تمت ( - - ( ( - ((((- رضي الله عنه - - (- عليه السلام - - - - - (( - ((( - ( ( فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - ( - فهرس - ( { ( - - - ( - قرآن كريم ( - { - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1) مفهوم هذه الآية أننا إذا لم نتنازع في شيء فإنه حجة بذاته .
__________
(1) سورة النساء، الآية : 59 .(1/135)
وأيضاً : قوله تعالى : { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنه -(( - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - { - - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه -( } (- رضي الله عنه - تمهيد - - ( - - - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - ((( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - ( - - ( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - (( - ( - - - عليه السلام - قرآن كريم ( الله أكبر - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - - (( - ( - ((( الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - } ( المحتويات - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله } ((((( (1).
فقال تعالى : { ((( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - ( - - ( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - } فإذا أجمع المؤمنون على شيء فهذا سبيلهم، فإذا اتبع غير السبيل فهو ضال.
__________
(1) سورة النساء، الآية : 115 .(1/136)
وأيضاً : قوله تعالى : { - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - { } تم بحمد الله ( - - - (- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } أي عدولاً خياراً { } - قرآن كريم ( الله أكبر قرآن كريم ( تمهيد - رضي الله عنه - - ( - - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - { - (( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( } - } - جل جلاله - - - - } (1) ومقتضى الشهادة على الناس : أنهم عصموا من الخطأ فيما أجمعوا عليه قولاً وفعلاً .
وأما السنة : فما يُروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - - وإن كان فيه ضعف – " لا تجتمع أمتي على ضلالة " . (2)
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 143 .
(2) أخرجه الترمذي في جامعه رقم (2167) وابن أبي عاصم في السنة (80) والحاكم في المستدرك = = (1/115) والبيهقي في الأسماء والصفات رقم (322) وضعفه الترمذي والدارقطني في علله . وجاء من وجه آخر رواه أبو داود رقم (4253) والطبراني في الكبير رقم (3440) وابن أبي عاصم في السنة (92) وضعفه ابن كثير في تحفة الطالب (122) والزركشي في المعتبر وابن حجر في التلخيص (3/141) وقال : هذا حديث مشهور له طرق كثيرة لا يخلو واحد منها من مقال .
وقد جاء هذا من قول أبي مسعود البدري أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (85) ، والفسوي في المعرفة والتاريخ (3/244) والحاكم في المستدرك (4/506) ورجاله ثقات ، وقال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال الزركشي والظاهر وقفه على أبي مسعود .(1/137)
وكذلك ما ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُرّ عليه بجنازة فأثنى عليها الصحابة رضي الله عنهم خيراً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وجَبَتْ " ثم مروا عليه بجنازة فأثنوا عليها شراً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وجبت" ثم قال : " أنتم شهداء الله في الأرض" (1) وقال ابن مسعود رضي الله عنه : " ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن" . (2)
والإجماع يشترط لحجيته شروط :
الشرط الأول : أن يكون الإجماع من العلماء المجتهدين فلا عبرة بإجماع العوام، ويكفي الاجتهاد الجزئي؛ لأن اشتراط الاجتهاد المطلق يؤدي إلى تعذر الاجتهاد .
الشرط الثاني: الإسلام، وهذا ظاهر لكن يذكره الأصوليون.
الشرط الثالث : أن يكون الإجماع من جميع العلماء المجتهدين، وعند ابن جرير رحمه الله لا عبرة بمخالفة الواحد والاثنين.
الشرط الرابع : أن يكون المجمعون أحياء موجودين.
الشرط الخامس : العدالة، وهو قول جمهور الأصوليين، وعند بعضهم لا يشترط؛ لعدم ما يدل على ذلك .
الشرط السادس : اختلف الأصوليون في انقراض عصر المجتهدين هل هو شرط أو ليس شرطاً لصحة الإجماع .
يعني لو أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على مسألة من المسائل هل يشترط أن ينقرضوا لكي يكون إجماعهم حجة أو ليس شرطاً ؟
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (1367) ومسلم رقم (949) . وفيه قال عمر (ما وجبت) قال - صلى الله عليه وسلم - : (هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت إليه النار أنتم شهداء الله في الأرض) .
(2) أخرجه أحمد (1/379) ، والبزار (1816) والحاكم (3/79) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وأخرجه أبو داود الطيالسي رقم (243) والبيهقي في الاعتقاد رقم (251) من وجه آخر.
وقال ابن القيم في الفروسية (82) عن هذا الأثر : وإنما هو ثابت عن ابن مسعود من قوله ، وقال ابن كثير في تحفة الطالب (391) إسناده جيد .(1/138)
جمهور الأصوليين : على أن انقراض عصر المجتهدين ليس شرطاً؛ لأن أدلة الإجماع لا توجب انقراض العصر؛ ولأن التابعين احتجوا بإجماع الصحابة .
وقال بعض الشافعية - وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله - أنه يشترط انقراض العصر؛ لاحتمال رجوع بعضهم .
يترتب على الإجماع :
أولاً : وجوب اتباعه، وحرمة مخالفته من أهله، ومن غيرهم.
ثانياً : لا يقع إجماع على خلاف نص؛ لأن الأمة لا تجتمع على خطأ .
ثالثاً : لا يقع إجماع على خلاف إجماع لاسْتِلزامه تعارض قطعيين .
رابعاً : لا يجوز ردة هذه الأمة .
خامساً : لا يمكن للأمة تضييع نص تحتاج إليه، لكن قد يجهله البعض دون الكل .
سادساً : الإجماع المعلوم يكفر مخالفه، وغير المعلوم يمتنع تكفيره .
مسألة : جمهور الأصوليين : إذا اختلف الصحابة على قولين لا يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث؛ لاتفاقهم على عدم القول الثالث، لكن يجوز إحداث تفصيل؛ لأنه لا يرفع القولين .
قوله : [ والرابع القياس فافهمنه ] : هذا الدليل الرابع من الأدلة المتفق عليها؛ وهو القياس وهو في اللغة : التقدير .
وفي الاصطلاح : إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعه. ويتبين من هذا التعريف أركان القياس، فأركان القياس أربعة :
الركن الأول : الأصل : وهو المقيس عليه .
الركن الثاني : الفرع : وهو المقيس .
الركن الثالث : العلة الجامعة : وهي الوصف الجامع بين الفرع والأصل لإثبات الحكم .
الركن الرابع : الحكم : وهو محل القياس .
والقياس حجة باتفاق الأئمة الأربعة، فهم يتفقون على أن القياس حجة، وخالف في ذلك الظاهرية ومع ذلك فإنهم يقولون بالقياس. يعني إذا قرأت في كتبهم تجد أنهم يلتزمون بالقياس أحياناً.
وقد دل على حجية القياس : الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم.
أما الكتاب فالأدلة على ذلك كثيرة : فكل الأدلة التي ورد فيها الأمر بالاعتبار، والتفكر والتي فيها ضرب الأمثال دالة على إثبات القياس ومن ذلك :(1/139)
أولاً: قوله تعالى : ( ( - - { - - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - جل جلاله - فهرس - ( - ( - ( تمهيد (- عليه السلام - - ( } - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - - - - - عليه السلام - - - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (1)والميزان : ما توزن به الأمور ويقاس بينها.
ثانياً: قوله تعالى : { ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( مقدمة ( - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام -(( - - } - - - { - رضي الله عنهم -((((- رضي الله عنهم - - - - - - ( - - ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - { - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( المحتويات } - - رضي الله عنه -- سبحانه وتعالى -( - - - ( تمهيد - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } تمت ( { ( - ( - { - - - - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - ( - - - - - - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( - - - - } (2) .
فهنا فيه قياس، قياس إحياء الموتى على إحياء الأرض .
__________
(1) سورة الحديد، الآية : 25 .
(2) سورة فصلت، الآية : 39 .(1/140)
ثالثاً : قوله تعالى : { - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - { - - - } - (- رضي الله عنه -- رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم (( فهرس ( - - ((( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - } (1) هنا قياس الإعادة على البدء فإعادة الخلق هنا قيست على بدء خلقهم، بل أهون فاستدل الله عز وجل على وجود البعث بخلق الناس أول مرة .
رابعاً : قوله تعالى : { - - - عليه السلام - - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - جل جلاله - - - الله - - الله - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( } - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - { ( - - رضي الله عنهم - - } - رضي الله عنه - - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ((((( - - المحتويات ( - (((( - - - { - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( تم بحمد الله - عليه السلام - - (((( ( - ( - - { - - ( - ( - ( - ( - ( - { - - - - - - رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - } - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - - ( - - رضي الله عنهم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنه -( } (((( (2).
__________
(1) سورة الروم، الآية : 27 .
(2) سورة يس الآيتان : 78، 79 .(1/141)
خامساً : أيضاً كل الأدلة التي فيها الأمر بالاعتبار والتفكر كما في قوله تعالى : { } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - رضي الله عنه - - (( - - - ( - ( - - - صلى الله عليه وسلم -( - ((- رضي الله عنه - - ( - ( - (( - - } - - } ((( (1).
وغير ذلك من الأدلة .
وأما السنة فالأدلة أيضاً كثيرة من ذلك :
أولاً : حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاماً أسود . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هل لك إبل ؟ " قال : "نعم" قال - صلى الله عليه وسلم - : "فما ألوانها ؟ " قال : حمر قال : "هل فيها من أورق" ؟ قال : إن فيها لوُرْقا قال : " فأنى أتاها ذلك " قال: عسى أن يكون نزعه عِرْق قال : " وهذا عسى أن يكون نزعه عِرْق ".(2)
فهنا قاس النبي - صلى الله عليه وسلم - لون هذا الولد على ألوان هذه الإبل.
ثانياً : حديث ابن عباس رضي الله عنهما في المرأة التي قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله؛ فالله أحق بالوفاء ".(3)
فهنا قاس النبي - صلى الله عليه وسلم - دَين الله عز وجل على دَين المخلوق، فكما أنه يجب قضاء دَين المخلوق فكذلك أيضاً يجب قضاءُ دَين النذر.
__________
(1) سورة الحشر، الآية : 2 .
(2) أخرجه البخاري رقم (5305) ، ومسلم رقم (1500) .
(3) أخرجه البخاري رقم (1852) .(1/142)
وكذلك من الأدلة: إجماع الصحابة رضي الله عنهم على استخدام القياس في وقائع كثيرة من هذه الوقائع : قياسهم مانع الزكاة على مانع الصلاة في قتاله، وقولهم في خلافة أبي بكر : " رضيه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا ! ؟".(1) ومن ذلك قول علي رضي الله عنه : " اجتمع رأيي ورأي عمر رضي الله عنه – في أمهات الأولاد – أن لا يبعن كالحرائر، أما الآن فقد رأيت بيعهن كالإماء " . (2)
والقياس يشترط لحجيته شروط :
الشرط الأول : أن يكون حكم الأصل المقيس عليه ثابتاً بنص، أو إجماع، أو اتفاق الخصمين عليه ولا يكون منسوخاً .
الشرط الثاني : أن يكون المقيس عليه معقول المعنى .
الشرط الثالث : أن توجد العلة بتمامها في الفرع الذي يطلب إلحاقه بالأصل، أو يغلب الظن على وجودها، وأن لا يكون حكم الفرع منصوصاً عليه بنص يخالف حكم الأصل .
الشرط الرابع : أن يكون حكم الفرع مساوياً لحكم الأصل.
الشرط الخامس : أن تكون العلة متعدية .
الشرط السادس : أن تكون العلة ثابتة بنص، أو إجماع، أو استنباط .
الشرط السابع : أن لا تخالف العلة نصاً، أو إجماعاً .
الشرط الثامن : إذا كانت العلة مستنبطة، فلابد أن تكون وصفاً مناسباً صالحاً لترتب الحكم .
الشرط التاسع : أن يكون القياس في الأحكام الشرعية العملية، ولا يجري القياس في العقائد والتوحيد إذا أدى ذلك إلى البدعة .
ويفهم من هذه الشروط أن القياس لا يكون في المقدّرات، وكذلك لا يكون في العلة إذا كانت تعبدية ليست معقولة المعنى.
__________
(1) أخرجه ابن سعد ف ي طبقاته (3/183) ، وإسناده ضعيف جداً .
(2) أخرجه عبدالرزاق (7/291) وسعيد بن منصور (2046) وابن أبي شيبه (6/436) بسند صحيح.(1/143)
ومن أمثلة القياس : ما سبقت الإشارة إليه من حديث عبادة رضي الله عنه قال - صلى الله عليه وسلم - : " الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء "(1) فالشارع نص على الذهب والفضة وأنه يجري فيهما الربا، فقاس العلماء رحمهم الله على الذهب والفضة : كل ما كان ثمناً للأشياء مثال ذلك : الريالات والجنيهات والدينارات ... إلخ . هذه يجري فيها الربا قياسا على الذهب والفضة، فالذهب والفضة: أصل، وهذه الريالات : فرع، والعلة : الثمنية، والحكم : جريان الربا .
المثال الثاني : " البر بالبر ... إلخ " قاس العلماء رحمهم الله : الأرز على البر في جريان الربا، فالأصل المقيس عليه هو البر، والفرع المقيس هو الأرز، والعلة هي الطعم والكيل، والحكم : جريان الربا، وعلى هذا فقس .
والعلة : هي مناط القياس الشرعي، وهي أحد أركانه الأربعة:
الأصل، والفرع، وحكم الأصل، والعلة .
فلا يصح القياس الشرعي إلا بعلة صحيحة مثال ذلك : منع القاضي من القضاء حال الغضب، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان" (2) فقرر العلماء أن المنع هنا إنما هو لتشويش ذهن القاضي بالغضب الذي منعه من النظر الصحيح، فقاسوا عليه كل ما يشوش الذهن كالفرح الشديد، والجوع الشديد، ونحوه .
ولذلك فإن بحث العلة وأحكامها بحث مهم لطالب العلم؛ لأنه هو الطريق الصحيح لتطبيق القياس الشرعي باعتباره دليلاً من أدلة الشريعة .
__________
(1) تقدم تخريجه ص (94) .
(2) أخرجه البخاري رقم (7158) ، ومسلم رقم (1717) .(1/144)
قال ابن القيم رحمه الله : ولهذا يذكر الشارع العلل، والأوصاف المؤثرة، والمعاني المعتبرة في الأحكام القدرية والشرعية والجزائية كما قال تعالى: ( - درهم ( - ( - - ( المحتويات ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - } - قرآن كريم - - - - - { { - - - (( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } (1) وقوله : ( المحتويات ( - ( - ( - - ((( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - ( { - (((( - ( - - - (( فهرس - رضي الله عنهم - - ( فهرس - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - ( - - } تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - عليه السلام - - ((( - (( مقدمة ( - } - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - - } (2) والعلة التي يصح القياس بها لها شروط كثيرة من أهمها:
الشرط الأول : أن يكون المعنى الذي عُلل به مشتملاً على جلب منفعة، أو دفع مفسدة مثل : تحريم الخمرة لعلة الإسكار لدفع مفسدة إذهاب العقل .
الشرط الثاني : أن تكون العلة ظاهرة فإن كانت خفية لم يصح التعليل بها مثل تعليل صحة البيع بالرضا؛ لأن الرضا معنى قلبي لا يُطلع عليه، ولذلك علل بالإيجاب والقبول .
الشرط الثالث : أن لا تخالف العلة نصاً ولا إجماعاً؛ لأنهما مقدمان عليها .
الشرط الرابع : أن توجد كلما وجد الحكم وتتخلف كلما تخلف الحكم، وهذا في الجملة .
والعرب وضعت ألفاظاً تدل على التعليل منها :
__________
(1) سورة الأنفال، الآية : 13 .
(2) سورة غافر، الآية : 12 .(1/145)
اللفظ الأول : ( من أجل ) قال تعالى : { ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( - - رضي الله عنه - - - - - (((- عليه السلام - - ( - ( { } (1) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " .(2)
اللفظ الثاني : ( إذاً ) كقوله تعالى : { - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - - جل جلاله -( - ( - - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( - - { - - - المحتويات - ( - ( صدق الله العظيم - - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - - ( { - - (( - - { ( - - ( - - - (((( - { - ( { - درهم ( - - جل جلاله -( - - - صدق الله العظيم } - رضي الله عنهم - - (((( ( - - قرآن كريم - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنهم - - ((((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - ( - - - } (3) .
__________
(1) سورة المائدة ، الآية : 32 .
(2) أخرجه البخاري رقم (6241) ومسلم رقم (2156) .
(3) سورة المائدة، الآية : 74، 75 .(1/146)
واللفظ الثالث : ذكر المفعول لأجله { - - عليه السلام - - ( - } - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - درهم ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - - - جل جلاله - - (- عليه السلام - - ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - - ((( - ( - - جل جلاله - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - رضي الله عنهم - - ( مقدمة - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - ((( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - ( - ( - } (((( (1) .
اللفظ الرابع : ذكر لفظ الحكمة كقوله : ( - { - رضي الله عنهم - - ( تمهيد ( مقدمة ( { - رضي الله عنه -(( - (- رضي الله عنه - - } - - رضي الله عنهم - - - ( ( صدق الله العظيم ((( - ( - ( - - - جل جلاله - - - - ((( } (2) .
اللفظ الخامس : ( إنّ ) مكسورة الهمزة مشددة النون كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم والطوافات"(3).
أو كانت الألفاظ نصاً ظاهراً وهي التي تدل على العلية وغيرها، وهي فيها أرجح، ومن ألفاظها :
الأول : ( اللام ) كقوله :
__________
(1) سورة النحل الآية : 89 .
(2) سورة القمر، الآية : 5 .
(3) أخرجه مالك في الموطأ (1/22) وأحمد (5/303) وأبو داود رقم (75) ، والنسائي (1/55)، والترمذي رقم (92) وابن ماجه رقم (367) وابن خزيمة رقم (104) وابن حبان رقم (121) وابن الجارود (60) وصححه البخاري والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والعقيلي والحاكم والدارقطني والنووي والبغوي وشيخ الإسلام ابن تيمية وقال الحاكم وهذا الحديث مما صححه مالك واحتج به في الموطأ ومع ذلك فإن له شاهد بإسناد صحيح .(1/147)
{ - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( { - رضي الله عنه - - ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه -(( } (- رضي الله عنه - - ( - ( - ( } - } - - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - - ( - - ( الله أكبر ( المحتويات ( - ( - - - ( { } (1).
الثاني: ( الباء ) كقوله : ( - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ((( تمهيد - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - ((( - { - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - - رضي الله عنهم - - - - - جل جلاله -( تم بحمد الله { - - رضي الله عنهم - مقدمة ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( تم بحمد الله تمهيد (- رضي الله عنه - - ( - - - ( ( تمهيد ( - ( مقدمة ( - ( المحتويات ( - مقدمة - ( المحتويات ( - ( - - - (( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - - - - - ( الله - - ((((( } (2).
الثالث : ( الفاء ) كقوله : { (( - - رضي الله عنه - - ( - فهرس - (- رضي الله عنه - - ( تمهيد - جل جلاله -( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ((- صلى الله عليه وسلم - - - ( - ( - ( قرآن كريم - ( - - - - ((- رضي الله عنه -( } (((( (3) .
__________
(1) سورة النحل، الآية : 44 .
(2) سورة النساء، الآية : 160 .
(3) سورة النساء، الآية : 73 .(1/148)
الرابع : ( لعل ) كقوله : { - صدق الله العظيم قرآن كريم ( { - ( (( مقدمة - - - صدق الله العظيم ( قرآن كريم - - - - جل جلاله -- جل جلاله -( - - { - (( - { - - رضي الله عنهم -( { - ( - { - - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - (- رضي الله عنهم -(( - - - } (((( (1).
الخامس: (حتى) كقوله : { ( المحتويات ( - ( الله أكبر - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - عليه السلام - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - رضي الله عنهم - مقدمة - بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - رضي الله عنه -((( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( - - صلى الله عليه وسلم - - } (((( (2) .
والإجماع كأن ينعقد الإجماع على أن هذا الوصف علة لهذا الحكم.
كالصغر : ثبوت الولاية على الصغير، وعلة تحريم الخمر : الإسكار، والجهل بالعوض علة لفساد البيع .
وهناك مباحث تتعلق بالقياس، والعلة تكلمنا عليها في شرح الورقات .
والأدلة المختلف فيها :
أولاً : قول الصحابي، وسبق هل هو حجة أو ليس حجة ... إلخ ؟ تقدم الكلام على ذلك (3) .
ثانياً : الإجماع السكوتي : وهو أن يشتهر القول، أو الفعل من البعض ويسكت الباقون عن إنكاره .
اختلف العلماء رحمهم الله في حجيته :
قال أكثر العلماء : إنه حجة تنزيلاً للسكوت منزلة الرضا، وقال الشافعي، وهو قول الظاهرية : ليس حجة .
__________
(1) سورة طه، الآية : 44 .
(2) سورة محمد، الآية : 31 .
(3) انظر ص (181) .(1/149)
والصواب : ما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله : أنه يُنظر إلى قرائن الأحوال، وأحوال الساكتين، وملابسات المقام، فإن غلب على الظن اتفاق الجميع فهو حجة ظنية، وإن قطعنا باتفاقهم فهو حجة قطعية، وإن ترجحت المخالفة فليس حجة .
ثالثاً : إجماع أهل المدينة، هل هو حجة أو ليس بحجة ؟ لخص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إجماع أهل المدينة، وأنه لا يخلو من أحوال :
الحال الأولى : ما يجري مجرى النقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مثل : نقلهم المد والصاع فهذا حجة بالاتفاق .
الحال الثانية : العمل القديم قبل مقتل عثمان رضي الله عنه، فهذا حجة عند جمهور أهل العلم، فالجمهور على أن سنة الخلفاء الراشدين حجة .
الحال الثالثة : أن يتعارض دليلان ونجهل أرجح الدليلين، وأحدهما يعمل به أهل المدينة، فهذا يُرجَّح بعمل أهل المدينة كما قال الإمام مالك والشافعي رحمهما الله وغيرهما، وعند أبي حنيفة رحمه الله. ليس حجة، وعن الإمام أحمد روايتان .
الحال الرابعة : العمل المتأخر لأهل المدينة، فالجمهور على أنه ليس بحجة، وقد كتب الليث بن سعد رحمه الله إلى الإمام مالك رحمه الله فيما يتعلق بعدم حجية عمل أهل المدينة يعني العمل المتأخر؛ لأن الصحابة اختلفوا، وتفرقوا في البلاد، وأيضا هم كغيرهم اختلفوا فيما بينهم فعملهم ليس حجة .
رابعاً : شرع من قبلنا هل هو حجة أو ليس بحجة ؟ هذه المسألة تنقسم ثلاثة أقسام :(1/150)
القسم الأول: أن يوافق شرعنا شرع من قبلنا، فهذا حجة. يعني يكون شرعاً لنا، ومن ذلك قوله تعالى : { - - رضي الله عنهم - - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - ( - ( - ( المحتويات ( تمهيد ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام - - ( - ( - - - - - رضي الله عنهم - - - - - - ( - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((( - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( المحتويات ( تمهيد ( - ( - - - ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -( - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - - - } ((((( (1) فالصيام مكتوب علينا ومكتوب عليهم .
القسم الثاني : أن يثبت أنه شرع لهم، ويثبت أنه ليس شرعاً لنا. يعني أن يخالف شرعنا شرعهم، فهذا ليس حجة بالاتفاق، ومن ذلك قوله تعالى : { (( - (- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ((( { - - ( فهرس - (( - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - { - - - ( تمهيد - رضي الله عنه - الله أكبر - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - } (2) .
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 183 .
(2) سورة الأعراف ، الآية : 157 .(1/151)
القسم الثالث : ما سكت عنه . يعني ثبت بطريق صحيح أنه شرع لهم ولم يرد في شرعنا أنه شرع لنا، فموضع خلاف. والصواب : أنه حجة لنا لقوله تعالى : { ( - - { - - - - - - - - (( ( المحتويات ( - (( - ( - - ( - - عليه السلام - - ( - (( } (1) ولقوله تعالى : { } ( المحتويات ( - - - رضي الله عنهم - - ( - ( تمهيد - ( ( فهرس ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - } (2) وقوله تعالى : { ( - ( - ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - رضي الله عنه - - - - المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - ( تمهيد (( - تم بحمد الله ((((( ( - ( - { - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( - ( { (( - - } (3).
فالصواب : أنه حجة لنا إذا سكت عنه في شرعنا، لكن لابد من شرطين :
الشرط الأول : ثبوته .
الشرط الثاني : أن لا يكون من الإسرائيليات .
خامساً : الاستصحاب، والاستصحاب في اللغة : طلب الصحبة وهي الملازمة .
وفي الاصطلاح : استدامة إثبات ما كان ثابتاً، ونفي ما كان منفياً .
والاستصحاب : هو إثبات ما كان مثبتاً، ونفي ما كان منفياً حتى يأتي الدليل المغير، ويستصحب الدليل الشرعي، فلا يترك حتى يأتي الناسخ، ويستصحب العموم والإطلاق حتى يأتي المخصص والمقيد، ويستصحب الوصف المثبت للحكم حتى يثبت خلافه.
والاستصحاب ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : استصحاب البراءة الأصلية ، فهذا حجة بالاتفاق.
مثال ذلك : الصلوات خمس؛ فيُستدل على إيجاب نفي صلاة سادسة باستصحاب البراءة الأصلية، وأن الذمة بريئة من إيجاب صلاة سادسة .
أيضاً الذي يجب صومه شهر رمضان يُستصحب عدم وجوب صوم شهرٍ آخر بالبراءة الأصلية .
__________
(1) سورة يوسف، الآية : 111 .
(2) سورة لأنعام، الآية : 90 .
(3) سورة الصافات، الآية : 137 .(1/152)
القسم الثاني : استصحاب دليل الشرع، وهذا أيضاً حجة، ويقسمه العلماء رحمهم الله إلى أمرين :
الأمر الأول : استصحاب عموم النص حتى يرد المخصص.
مثال ذلك : قوله تعالى : { } - قرآن كريم ( - ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - ( - ((( - ( - - - - { { ( - - - - } (1) يشمل كل المشركين من أهل الكتاب ومن أهل الأوثان ... إلخ فهذا عام حتى يرد المخصص .
الأمر الثاني: استصحاب العمل بالنص حتى يرد الناسخ أيضاً.
مثال ذلك : المثال السابق : { } - قرآن كريم ( - ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - ( - ((( - ( - - - - { { ( - - - - } . نعمل به حتى يرد ما يدل على النسخ .
القسم الثالث : استصحاب حكم الشرع، فإذا كان عندنا حكم دل الشرع على ثبوته لورود سببه، فالأصل ثبوت الحكم حتى يرد الناقل من ذلك .
مثال ذلك : في البيع : زيد اشترى سيارة فنحكم بملك زيد لهذه السيارة حتى يرد الناقل، إما أن يبيع، أو يهب، أو يوقف ... إلخ ؛ فالشرع حكم بملك زيد لهذه السيارة بالبيع فنستصحب حكم الشرع، وأنها لاتزال لزيد حتى يرد الدليل، أو يرد الناقل .
القسم الرابع : استصحاب حكم الإجماع : جمهور أهل العلم رحمهم الله على أنه ليس حجة .
سادساً : الاستحسان وهو في اللغة : الحسن وهو الجمال والزينة .
واعلم أن الاستحسان كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ينقسم قسمين :
القسم الأول : ترجيح أحد الدليلين لمرجح، أو العمل بأقوى الدليلين، فهذا استحسان صحيح بالاتفاق .
القسم الثاني : ما يستحسنه المجتهد بعقله. يعني يرى بعقله ورأيه أن هذا هو الحسن فيقول به أو أنه غير حسن فلا يقول به فهذا باطل بالاتفاق . وقد قال الشافعي رحمه الله : ( من استحسن فقد شرَّع ) قال العلماء رحمهم الله : ( مراد الشافعي أن يقول بلا علم، بل يقول بالهوى والتشهي ) .
__________
(1) سورة التوبة، الآية : 36 .(1/153)
وما نُسب إلى أبي حنيفة رحمه الله أنه يقول بالاستحسان - يعني كون الإنسان يستحسن بعقله – فهذا لا يصح؛ لأن العلماء رحمهم الله متفقون على أنه يحرم على الإنسان أن يقول على الله بغير علم؛ ولهذا أبو يوسف رحمه الله صاحب أبي حنيفة رحمه الله لما ذهب إلى المدينة، واطلع على بعض السنن التي كانت خافية عليه قال : ( لو علم صاحبي – يعني أبا حنيفة رحمه الله – ما علمت لرجع كما رجعت ) .
فالصواب : أن الاستحسان ينقسم إلى هذين القسمين .
سابعاً : المصالح المرسلة، وقد تقدم تعريف المصالح .
وأما المرسلة بمعنى المطلقة، واعلم أن المصالح تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول : مصالح اعتبرها الشارع يعني جاء بها الشرع، وهذا كما تقدم (1) أنه يشمل المصالح الضرورية، والمصالح الحاجية، والمصالح التحسينية .
القسم الثاني : المصالح الملغاة وهي : التي ألغى الشارع اعتبارها؛ لكونها مصادمة للدليل من النص، أو الإجماع .
مثال ذلك : كفارة الوطء في نهار رمضان : إعتاق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، وهذا يشمل كل الناس، فكوننا نقول : إن الغني لا يكفِّر بالعتق، وإنما يكفِّر بالصيام؛ لأنه واجد الآن والمصلحة أن نردعه ونزجره فيكفِّر بالصيام، هذه المصلحة باطلة؛ لأن الشارع ألغى هذه المصلحة وجعل الحكم عاماً .
القسم الثالث : المصالح المرسلة. يعني المطلقة، وهي كل منفعة داخلة في مقاصد الشارع، ولم يشهد لها الشارع بإلغاء أو اعتبار، وإنما تستند إلى دليل كلي عام. فهل هذه معتبرة أو ليست معتبرة ؟
هذا موضع خلاف بين أهل ا لعلم رحمهم الله :
فبعض العلماء قال : بأنها معتبرة، منهم الإمام مالك، وأحمد رحمهما الله إلا أن تكون في العبادات، والمقدرات، والكفارات.
وبعضهم أنكر اعتبار هذه المصالح المرسلة، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يعتبر القول بالمصالح المرسلة .
__________
(1) انظر ص (54 ) .(1/154)
والذين قالوا بعدم اعتبارها قالوا : هذا يؤدي إلى التلاعب بالشريعة، أو إدخال ما ليس فيها، فكل من أراد أن يثبت شيئاً قال المصلحة دلت على ذلك، والذين قالوا بأنها تعتبر قالوا : بأن هذا ورد عن الصحابة رضي الله عنهم .
وقد ضرب الشاطبي(1) أمثلة لاجتهاداتٍ بنوْا أحكامها على المصلحة ومنها : ( جمع القرآن في مصحف واحد(2)، وحدهم شارب الخمر بثمانين(3)، وقضاء الخلفاء الراشدين بتضمين الصناع)(4)، وعمر رضي الله عنه اشترى داراً للسجن(5)، وأيضاً جعل الدواوين(6)، وألزم بالطلاق الثلاث (7)... إلخ .
__________
(1) في كتابه الاعتصام (2/99) .
(2) أخرجه البخاري رقم (4679) .
(3) أخرجه البخاري رقم (6779) .
(4) جه عبد الرزاق في مصنفه (8/217) والبيهقي في سننه (6/122) عن علي ر- رضي الله عنه - وهو ضعيف جداً لأنه من رواية جعفر بن محمد عن أبيه وأبوه لم يسمع من علي ، وكذلك ضعفه الشافعي والبيهقي وابن الملقن وروي من وجه آخر وفيه ضعف أيضاً .
وجاء هذا أيضاً عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رواه عبد الرزاق في مصنفه (8/217) من طريق بكير الأشج أن عمر ضمن الصناع الذي يعمل بيده، وهذا منقطع، بكير لم يسمع من عمر وفيه علل أخرى، ولذا ضعفه الشافعي فيما نقله عنه البيهقي في سننه (6/122) .
(5) هذا الأثر علقه البخاري في صحيحه كتاب الخصومات باب الربط والحبس في الحرم .ووصله عبد الرزاق في مصنفه (5/148) وابن أبي شيبة في مصنفه (5/7) وعبد الله بن الإمام أحمد في مسائله (280) والبيهقي في سننه (6/34) .
(6) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد فضائل الصحابة (1/328) وفي العلل (2/194) وإسناده صحيح إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، وأخرجه ابن سعد في الطبقات (3/300) ورجاله لا بأس بهم من قول أبي هريرة وجاء عند الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/581) من قول صعصعة بن صوحان .
(7) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1472) .(1/155)
واشترط العلماء رحمهم الله شروطاً لإعمال المصلحة المرسلة:
الشرط الأول : أن يغلب على الظن وجود المصلحة، فلا تكون متوهمة، أو مشكوكاً فيها .
الشرط الثاني : أن تكون المصلحة في الكليات الخمس : الدين، والعقل، والنفس، والمال، والعرض .
الشرط الثالث : أن تتفق مع أصول وقواعد الشريعة ولا تصادم الدليل .
الشرط الرابع : أن لا تكون في العبادات، والمقدرات كالمواريث وأنصبة الزكاة .
الشرط الخامس : أن تكون مصلحة عامة لا خاصة ولا تعارضها مصلحة أرجح منها، فإذا اختل شرط من هذه الشروط لم يجز إعمال هذه المصلحة بل تنتقل إلى كونها بدعة .
ولهذا قال بعض العلماء : بأن الخلاف لفظي . يعني بناء على هذه الشروط .
هذا البيت تضمن شطرين :
الشطر الأول : يتعلق بقاعدة من القواعد الخمس الكلية وهي قاعدة : [ الأمور بمقاصدها ] وأشار إليها المؤلف رحمه الله بقوله : [ واحكم لكل عامل بنيته ] وهذه القاعدة أشار إليها السعدي رحمه الله بقوله :
النية شرط لسائر العمل ... بها الصلاح والفساد للعمل (1)
الشطر الثاني : يتعلق بالحيل .
قوله : [ النية ] في اللغة : العزم والقصد، جاء في لسان العرب ( نوى الشيء قصده واعتقده ) .
وفي الاصطلاح : عزم القلب على الفعل تقرباً لله عز وجل، وهذه القاعدة : [ الأمور بمقاصدها ] ذكر الشافعي رحمه الله : أنها تدخل في سبعين باباً من أبواب الفقه، وهذا من قبيل التمثيل وإلا فإنها تدخل في جُل مسائل الفقه، ما من باب من أبواب الفقه إلا وتدخله هذه القاعدة، قاعدة : [ الأمور بمقاصدها ] وليست خاصة بالفقه، بل في العقائد والعمليات كما سيأتي إن شاء الله .
والنية لها معنيان :
الأول : انبعاث القلب نحو قول، أو عمل يراه موافقا لغرض صالح له من جلب مصلحة، أو دفع مضرة، وهذا المعنى عام للأمور الدينية والدنيوية .
__________
(1) منظومة القواعد الفقهية للسعدي البيت رقم (11) .(1/156)
الثاني : قصد الطاعات والتقرب إلى الله تعالى بفعل المأمور به أو بترك المنهي عنه، وهذا المعنى أخص من الأول؛ لأنه لا يكون إلا في الأمور الشرعية، وهذه القاعدة من أجمع قواعد الدين وأشملها وأعظمها منزلة .
قال ابن القيم رحمه الله : ( وأما النية فهي رأس الأمر، وعموده، وأساسه، وأصله الذي عليه ينبني ... ) .
والأدلة على هذه القاعدة كثيرة من القرآن والسُنّة .
أما القران : فقوله تعالى : { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - درهم ( - ( - - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه -(( - ( - - - ( المحتويات - - (( - - - ( - - - - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - - - ( ( مقدمة - ( - ( - ( الله أكبر - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - ((- رضي الله عنه -( } ((((( (1) وقوله : { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( مقدمة ( - ( - - رضي الله عنه - - - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( تم بحمد الله - فهرس - ( { ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم ( مقدمة ( - ( - ( - ( - ( المحتويات ( قرآن كريم { الله أكبر ( الله - - ( - - { - ( - رضي الله عنهم -( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( فهرس ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - } (2) قال تعالى : { - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( تم بحمد الله - فهرس - ( { ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (3)
__________
(1) سورة النساء، الآية : 114 .
(2) سورة النساء، الآية : 100 .
(3) سورة النساء، الآية : 100 .(1/157)
هذه النية.
وقوله تعالى : { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - صدق الله العظيم ( { } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد ((- عليه السلام - - ( - { - - - - رضي الله عنه -((((( - ( - ( - ( - - - - رضي الله عنه -(((- صلى الله عليه وسلم - - - - - } (1) وقوله : { ( - ( - (( - - - ( { - - - - الله أكبر (( - ( - ( - ( مقدمة { - - (((- صلى الله عليه وسلم - - - - - } ((( (2)... إلخ.
وأما السنة فكثير : من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمر رضي الله عنه " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " (3).
قال أبو عبيدة : ( ليس في أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء أجمع، وأغنى، وأكثر فائدة منه ). وقد جعله بعض الأئمة ثلث العلم، كالشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي داود، وغيرهم .
ومن الأدلة : حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة "(4) أخرجه البخاري ومسلم .
قال القرطبي : ( أفاد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة، سواء أكانت واجبة، أم مباحة، وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة ) .
__________
(1) سورة البينة، الآية : 5 .
(2) سورة الزمر، الآية : 2 .
(3) تقدم ص (43) .
(4) أخرجه البخاري رقم ( 55 ) ، ومسلم رقم (1002) .(1/158)
ومن الأدلة أيضاً : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ثم يُبعثون على نياتهم"(1) وحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة وذكر منهم : وصانعه يحتسب في صنعته الأجر " . (2)
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث سعد رضي الله عنه : " إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها... الحديث ". (3)
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ولكن جهاد ونية ".(4) متفق عليه .
والإجماع قائم على اعتبار هذه القاعدة .
النية اشترط العلماء لها شروطاً :
الشرط الأول : الإسلام، فالكافر لا تصح نيته .
الشرط الثاني : العقل، فالمجنون لا تصح نيته، فلو نوى المجنون أنه يصلي لم تصح نيته؛ لأنه لا قصد له معتبر .
الشرط الثالث : التمييز؛ فغير المميز لا تصح نيته فلو كان الطفل له سنتان، أو ثلاث سنوات ونوى أن يتوضأ، أو نوى أن يصلي لا تصح نيته، والمميز : هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب.
ويشترط التمييز إلا في باب الحج والعمرة، فإنه لا يُشترط التمييز .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (2118) ومسلم رقم (2884) وفيه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم = = وآخرهم ) قالت : قلت : يا رسول الله ، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم ؟ قال : " يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم ) .
(2) أخرجه أحمد في سننه (4/146) وأبو داود رقم (2513) ، والترمذي رقم (1637) ، والنسائي رقم (3148) ، وابن ماجه (3811) .
(3) أخرجه البخاري رقم (1295) ومسلم رقم (1628) .
(4) أخرجه البخاري رقم (3189) ، ومسلم رقم (1353) .(1/159)
واعلم أن الحج والعمرة لها مسائل فيما يتعلق بالنية تختلف فيهما عن كثير من أبواب الفقه كالوضوء، والغسل، والصلاة، والصيام ... إلخ فالحج والعمرة لا تشترط لهما النية فيصح الحج والعمرة من الصبي الذي لم يميز .
ويدل لذلك : حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة رفعت صبياً للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ألهذا حج ؟ قال: "نعم ولك أجر"(1) قال العلماء رحمهم الله : ولو كان ابن ساعة يعني لو ولد الآن فيصح حجه وعمرته وينوي عنه وليه .
الشرط الرابع : العلم بالمنوي : بأن يعلم المكلف حكم الذي يعمل من وجوب، أو ندب، عبادة أو غير عبادة، والعلم بصفته إذْ لا يتصور قصد الشيء إلا بعد العلم به .
الشرط الخامس : أن لا يأتي بمناف بين النية والمنوي، والمنافي قطعها، أو الردة، والعياذ بالله .
وللنية أربع فوائد :
الفائدة الأولى : تمييز العبادات بعضها عن بعض، فالإنسان يُصلي ركعتين، قد يقصد بهما الفرض، وقد يقصد بهما السنة الراتبة، أو تحية المسجد، كذلك أيضاً قد يصلي ركعتين وينوي بهما نفلاً مطلقاً، أو سنة مقيدة فيميز الإنسان الفروض عن النوافل، والنوافل المعيَّنة عن المطلقة .
الفائدة الثانية : تمييز العبادات عن العادات، فالإنسان ينغمس في الماء، قد ينوي بذلك أن ينظف بدنه وقد ينوي بذلك أن يرفع الحدث الأكبر عنه .
الفائدة الثالثة : الإخلاص لله عز وجل، وسيأتي إن شاء الله الإشارة فيما يتعلق بالتشريك في النية(2) فقد يتصدق الإنسان وينوي بذلك وجه الله عز وجل، وقد ينوي بذلك الرياء والسمعة وعرض الدنيا ... إلخ .
الفائدة الرابعة : فيما يتعلق بتداخل العبادات فالضابط في ذلك : أنه إذا كانت العبادة ليست مقصودة لذاتها فإنها تدخل مع غيرها.
__________
(1) أخرج مسلم رقم (1336) .
(2) انظر ص (221) .(1/160)
مثال ذلك : تحية المسجد ليست مقصودة لذاتها فإنها تدخل مع غيرها كالسنة الراتبة، فإذا دخلت المسجد لصلاة الظهر فإنك تصلي ركعتين تنوي بهما السنة الراتبة وتنوي تحية المسجد.
فإذا نويت تحية المسجد والسنة الراتبة حصل لك صلاتان بركعتين، وإذا توضأت وأتيت المسجد تنوي السنة الراتبة، وتحية المسجد، وركعتي الوضوء يحصل لك ثلاث صلوات بركعتين فهذه من فوائد النية، وكذلك إذا توضأ الإنسان للضحى وصلى ركعتين ينوي بهما ركعتي الوضوء وركعتي الضحى يحصل له صلاتان بركعتين.
ولو أن الإنسان عطس وهو يرفع من الركوع فقال بعد قوله: سمع الله لمن حمده : ربنا ولك الحمد، ينوي بذلك التحميد، وأيضاً قول الحمد لله بعد العطاس فإنه يجزئ .
وكذلك لو أن الإنسان لم يطف طواف الإفاضة، ثم أخره حتى خرج من مكة فإنه يطوف، ينوي بذلك طواف الإفاضة وطواف الوداع ويغني .
الفائدة الخامسة : حصول الثواب، فالنية شرط الإثابة فإنه يتوقف حصول الثواب على قصد التقرب إلى الله تعالى بهذا الفعل أو القول، فالمباح كالأكل والشرب ونحو ذلك إذا صحبها نية صالحة كالاستجابة لأمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والاستعانة على طاعة الله تعالى بهذا المباح يكون عملاً صالحاً يثاب عليه المسلم.
محل النية :
محل النية القلب قال النووي رحمه الله : " بلا خلاف " .
وكذا قال ابن تيمية رحمه الله وغيرهما : ولا يتلفظ بها كما هي رواية في مذهب الإمام أحمد وغيره أنها مستحبة واحتجوا بالأثر " لبيك عمرة وحجاً "(1) وكذلك بالنظر قالوا : اجتماع جارحتين في عمل آكد وأولى .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (4353) ، ومسلم رقم (1232) .(1/161)
وعلى هذا ليست من أعمال الجوارح، وإنما هي من أعمال القلوب يكفي في ذلك قصد القلب وعزيمته، وأما التلفظ بها فهذا لم يكن عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا صحابته إذْ لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الصلاة أو الوضوء قال : نويت أن أصلي، أو أتوضأ، أو اغتسل ... إلخ . وأما بالنسبة للحج والعمرة فهو تصريح بالمنوي وليس بالنية . ولهذا لا يشرع للإنسان إذا أراد أن يحرم بالحج أو العمرة أن يقول نويت العمرة، أو نويت الحج، وإنما يلبي بالمنوي إظهاراً لشعيرة الله عز وجل فإذا أراد الحج قال : " لبيك حجاً " وإذا أراد العمرة قال : " لبيك عمرة " ولا يشرع أن يقول نويت العمرة متمتعاً بها إلى الحج ... إلخ ، أو قصدت الحج ... إلخ ، فالإيراد الذي يأتي في الحج نقول : بأن الحج إظهار للمنوي وليس إظهاراً للنية، فالتلبية شعيرة النسك وهي تحدث بعد نية العمل . صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أنكر على رجل قال : " اللهم إني أريد حجاً أو عمرة " (1) قال ابن رجب رحمه الله " في شرح الأربعين " هذا خبر صحيح عنه .
مسألة : هل النية شرط أو ركن في العبادات ؟
هذا مما وقع الخلاف فيه، والفرق بين الشرط والركن : أن الشرط يكون سابقاً للمشروط بينما الركن جزء من أجزائه .
وإذا تقرر لنا أن النية تسبق الفعل فإنها حينئذ تكون شرطاً وأما النية المقارنة للفعل، فإنها ركن في العبادة وهذا يجرنا إلى مبحث وهو :
ما هو وقت النية ؟
النية الأصل فيها أن تكون مقارنة للفعل المنوي، أو قبله بيسير هذا الأصل إلا أن الشارع في بعض الأعمال صحح سبق النية للفعل مثل : الصوم من نوى في الليل صح صومه، ولو لم تكن نيته مقارنة لأول الصوم .
مسألة : ما لا تشترط له النية : هناك أشياء لا تشترط لها النية منها :
__________
(1) رواه البيهقي (5/40) .(1/162)
أولاً : التروك ومنها إزالة الخبث لا تشترط له النية، فلو أن الإنسان أصاب ثوبه بول، ثم وقع ثوبه في ماء، أو نزل عليه المطر ولم ينوِ إزالة الخبث من هذا الثوب فإنه يطهر؛ لأن المقصود إزالة الأذى، وقد حصل وسواء كان هذا الخبث على الثوب، أو البدن، أو البقعة التي يُصلى عليها .
ثانياً : العبادة التي لا تكون عادة، قال العلماء رحمهم الله : لا تشترط لها النية مثل الخوف من الله عز وجل، والتوكل عليه، وكذلك قراءة القرآن، وغيرها من العبادات التي لا تكون عادات ؛ لكونها لا تلتبس بغيرها .
ثالثاً : ما كان نفعه متعدياً، فهذا أيضاً لا تشترط له النية .
مثال ذلك : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من أحد يزرع زرعاً، أو يغرس غرساً، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو حيوان إلا كُتب له بذلك أجر " (1) فهذا الرجل زرع زرعاً لم يقصد بذلك إطعام الطير، بل أحياناً يضع في زرعه ما يدفع الطير ويمنعه من أكل الزرع، ومع ذلك إذا أكل من هذا الزرع فإنه يكتب له الأجر عند الله عز وجل.
مبطلات النية :
الردة ودليل ذلك : قوله تعالى : { (((( - - - تمهيد ( - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - - عليه السلام - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام - - - ( } (2) .
قطع حكم النية، فإذا قطع حكم النية فإنها تبطل عبادته.
مثال ذلك : إذا كان يصلي ثم قطع نيته، أو يتوضأ ثم قطع نيته ... إلخ فإن عبادته ونيته تبطل .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (2320) ، ومسلم رقم (1353) .
(2) سورة الزمر، الآية : 65 .(1/163)
التردد في القطع، أو العزم على القطع، هل تبطل بذلك النية أولا ؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم . يعني إذا تردد هل يبطل وضوؤه وغسله أو صلاته أولا ؟ الصواب : أنها لا تبطل عبادته؛ لأن أصل النية لا يزال باقياً . ويدل لذلك : ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : " صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء قيل : وما هممت ؟ قال : هممت أن أجلس وأدعه"(1) فابن مسعود رضي الله عنه لما أطال النبي - صلى الله عليه وسلم - القيام يقول : هممت أن أجلس وأترك النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فابن مسعود رضي الله عنه عزم على ذلك، ومع ذلك لم تبطل عبادته.
العزم على فعل المحظور هذا لا يبطل النية، فلو أن الإنسان يصلي ثم عزم على أن يأكل، أو يشرب، أو يتكلم ... إلخ من المبطلات فإن نيته لا تبطل .
الانتقال بالنية من عبادة إلى عبادة فهذا له أربع صور :
الصورة الأولى : أن ينتقل من عبادة معينة إلى عبادة معينة فتبطل الأولى ولا تنعقد الثانية، ولذلك أمثلة :
المثال الأول : إنسان شرع يصلي الظهر، ثم تذكر أنه صلى الفجر وهو محدث فنوى أن هذه الصلاة هي صلاة الفجر، فنقول : بطلت الأولى وهي صلاة الظهر؛ لأنه قطع نيتها ولم تنعقد الثانية وهي صلاة الفجر؛ لأن النية كما سبق لنا أن محلها قبل الشروع في العبادة . يعني مع الشروع في العبادة أو قبلها بزمن يسير .
المثال الثاني : إنسان يصلي الظهر ثم تذكر أنه لم يصلِّ راتبة الظهر القبلية فنوى أنها راتبة الظهر القبلية، فالحكم هنا بطلت صلاة الظهر؛ لأنه قطع نيتها ولم تنعقد السُنة القبلية؛ لأنه لم ينوها قبل الدخول في الصلاة .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (1135) ، ومسلم رقم (773) .(1/164)
الصورة الثانية : أن ينتقل بنيته من معين إلى مطلق فهذا لا بأس به . مثال ذلك : إنسان يصلي الظهر، ثم نوى أنها نفل مطلق ليس معينا . والمعين : هو المقيد بزمان أو مكان أو حال، ومن المعين الفرض فإذا انتقل من المعين إلى المطلق فلا بأس به؛ لأن الصلاة اشتملت على نيتين نية الإطلاق ونية التعيين، فالآن هو أبطل نية التعيين فبقيت نية الإطلاق .
الصورة الثالثة : أن ينتقل بنيته من مطلق إلى معين فلا يصح. مثال ذلك : إنسان صلى نافلة مطلقة ثم انتقل من هذه النافلة المطلقة إلى نافلة معينة؛ كأن ينوي بهذه النافلة المطلقة سنة راتبة، أو فريضة فلا يصح هذا الانتقال .
الصورة الرابعة : الانتقال من مطلق إلى مطلق، فهذا لا أثر له؛ لأنه لا يترتب عليه شيء .
مثال ذلك : إنسان نوى أن يصلي أربع ركعات نفلا مطلقاً ركعتين ركعتين، فشرع في الركعتين الأوليين، ثم نوى أن هاتين الركعتين الأوليين هما الركعتان الأخيرتان، فهذا لا يترتب عليه شيء.
التشريك في النية :(1/165)
الأصل أن الإنسان يخلص العمل لله عز وجل وضابط الإخلاص : أن لا يريد بعمله إلا وجه لله عز وجل كما قال تعالى : { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - صدق الله العظيم ( { } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد ((- عليه السلام - - ( - { - - - - رضي الله عنه -((((( - ( - ( - ( - - - - رضي الله عنه -(((- صلى الله عليه وسلم - - - - - } (1)وقوله تعالى : { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - درهم ( - ( - - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه -(( - ( - - - ( المحتويات - - (( - - - ( - - - } (2) وقوله تعالى : { ( - ( - (( - - - ( { - - - - الله أكبر (( - ( - ( - ( مقدمة { - - (((- صلى الله عليه وسلم - - - - - } ((( (3) ... إلخ فإن خالف هذا الأصل وشرَّك في نيته فهذا لا يخلو من أحوال :
الحال الأولى : أن ينوي التقرب بعمله لغير الله عز وجل، مثل : أن يريد بذلك ثناء المخلوقين ومدحهم ونحو ذلك فيتقرب إليهم بعمله فهذا شرك .
الحال الثانية : أن يريد بعمله نيل غرض دنيوي لم يقصد التقرب لكن أهم شيء عنده غرض الدنيا فهذا عمله حابط ففي الحال الأولى قصد مراءاة الناس وتسميعهم لكي يمدحوه ويعظموه والحال الثانية المهم غرض دنيوي فالأول شرك والثاني محرم، وعمله حابط؛ لأنه يريد بعبادته أمراً من أمور الدنيا إما أن تكون له وظيفة أو يأخذ على ذلك مالاً أو نحو ذلك .
الحال الثالثة : أن يقصد الأمرين التقرب إلى الله عز وجل وحصول الغرض الدنيوي فهذا تحته أحوال :
الحال الأولى : أن يتساوى في قلبه الأمران التقرب إلى الله عز وجل وحصول الغرض الدنيوي فهذا عمله لا ثواب له .
__________
(1) سورة البينة الآية : 5 .
(2) سورة النساء، الآية : 114 .
(3) سورة الزمر، الآية : 2 .(1/166)
الحال الثانية : أن تغلب نية التقرب إلى الله عز وجل ويقصد بذلك أيضاً الغرض الدنيوي، لكن نية التقرب هي الغالبة فهذا فاته كمال الإخلاص فينقص عليه الإخلاص، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : " ما من سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم ".(1)
الحال الثالثة : عكس هذه الحال وهي أن تغلب نية الغرض الدنيوي، فهذا لا ثواب له عند الله .
وقوله : [ واسدد على المحتال باب حيلته ] : هذا الشطر من البيت يتعلق بالحيل .
الحيلة في اللغة : الحذق في تدبير الأمور، وهو تقليب الفكر حتى يهتدي إلى المقصود. والحيلة والاحتيال: الحذق، وجودة النظر، والقدرة على دقة التصرف .
وأما في الاصطلاح : فهو عمل يتحول به فاعله من حال إلى حال .
والأدلة على الحيل كثيرة جداً من ذلك : قوله تعالى : { - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - - (( تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - - - - - (( - - - - ( } - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت (- رضي الله عنه - - ( - ( قرآن كريم ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (( - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - - - - - ( مقدمة - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام - - الله - - ( - - رضي الله عنهم - - } (((( (2) .
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (1906) .
(2) سورة النساء، الآية : 98 .(1/167)
ومن الأدلة ما ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه قال - صلى الله عليه وسلم - : " قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه " (1) فاليهود احتالوا على تحريم الشحوم، لم يأكلوها مباشرة وإنما أكلوا أثمانها .
وأيضاً " لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المُحِلَّ والمحلَّل له " (2)... إلخ .
واعلم أن الحيل تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : حيل شرعية .
القسم الثاني : حيل غير شرعية محرمة .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (2236) ومسلم رقم (1581) .
(2) أخرجه أحمد في مسنده (1/448) والنسائي (6/149) والترمذي رقم (1120) ، والدارمي (2/158) وابن أبي شيبة (3/553) والبيهقي (7/208) وصححه الترمذي وابن حزم وابن دقيق العيد وابن القطان وابن الملقن وغيرهم . .(1/168)
الحيل الشرعية : هي التي يأتي بها الإنسان للتخلص من المأثم، أو التوصل إلى الحق، أو دفع باطل بطريق مشروع، وذلك مثل الأسباب التي نصَبَها الشارع مُفْضِية إلى مسبباتها، كالبيع سبب لتملك الرقبة، والإجارة سبب لتملك المنفعة، وكذلك المعاريض في الكلام، عند المصلحة، أو عند دفع الظلم عنه؛ كأن يكون عنده وديعة لشخص فيأتي ظالم يريد أن يأخذ هذه الوديعة فيعرض له يقول : ما له عندي شيء ويقصد في جيبه مع أن الوديعة في البيت، أو ماله عندي شيء في بيتي مع أنها في مكان آخر ... إلخ ، ومن ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بتمر جنيب (جديد) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أكلُّ تمر خيبر هكذا ؟ فقال : لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا يعني (التمر الجنيب) بالصاعين يعني من التمر الرديء (الجَمْع) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فلا تفعل بع الجَمْعَ ( التمر الرديء ) بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً "(1) أي : تمراً جديداً ؛ فهذا من باب الحيلة لا للوقوع في الحرام، وإنما لتوقي الحرام فبيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - الطريق الذي يستطيع به أن يتخلص من الوقوع في الحرام فبدلاً من أن يقع في ربا الفضل، مثل أن يأخذ الصاع بصاعين أرشده إلى أن يبيع الجمع (التمر الرديء ) بالدراهم ويشتري بالدراهم جنيباً .
الحيل المحرمة : وهي الحيل التي يتوصل بها إلى إبطال حق؛ أو إحقاق باطل، والأمثلة على ذلك كثيرة منها : في باب العبادات : صلاة الجماعة واجبة فلو أكل شخص بصلاً ، أو ثوماً لكي يتحيل على ذلك بترك الجماعة لم يجز.
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (2201) ومسلم رقم (1593) .(1/169)
ومنها : الفطر في رمضان محرم فيتحيل على ذلك بالسفر لكي يفطر في رمضان، ومن الأمثلة في المعاملات : بيع العينة محرم؛ لأنه حيلة على ربا الفضل وربا النسيئة، بدلاً من أن يقرضه خمسين بستين إلى أجل يسلك مسلك العينة فيشتري منه سلعة بثمن مؤجل بستين ألفاً ثم يبيعها عليه بخمسين ألفاً أصبحت خمسين بستين .
ومن ذلك في باب الأنكحة : نكاح التحليل فالنبي - صلى الله عليه وسلم - : " لعن المحلَّ والمحلَّل له " (1) فيتزوج المرأة لا لقصد الزواج وإنما لقصد أن يحلها لمن طلقها ثلاثاً، فإذا كان ذلك عن مؤامرة واتفاق، أو لم يكن هناك اتفاق وإنما نوى التحليل للزوج ولم يقصد الاستمرار فهذا كله محرم ولا يجوز .
ومن القواعد المندرجة تحت عموم هذه القاعدة : قاعدة : [قولهم العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني] فتنعقد البيوع والإجارات ونحوها من المعاملات بكل مادل على مقصودها من قول أو فعل عرفاً، وليس لذلك صيغة أو فعل محدد .
ومنها قاعدة : [ الثواب لا يكون إلا بنية ] .
ومنها : قولهم : [ المقاصد معتبرة في التصرفات والعادات ] .
ومنها : قاعدة : [ من كان عازماً على الفعل عزماً جازماً وفعل ما يقدر عليه منه كان بمنزلة الفاعل ] .
ومنها قولهم: [ من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه ].
ومنها قاعدة : [ التداخل في العبادات ] .
ومنها قولهم : [ اللفظ الصريح لا يحتاج إلى نية ] .
ومنها قولهم : [ الكناية مفتقرة إلى نية ] .
**************************
هذه قطعة من حديث عمر رضي الله عنه " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى " . (2)
قوله : [ كما أتى في خبر الثقات ] : هذا الحديث في الصحيحين فهو متفق على صحته وهذا البيت كما تقدم تابع لقاعدة [ الأمور بمقاصدها ] .
أي يحرم على الإنسان إذا فسدت العبادة أن يمضي فيها .
__________
(1) تقدم قريباً .
(2) تقدم تخريجه ص (43) .(1/170)
مثال ذلك : الصلاة إذا فسدت يحرم على الإنسان أن يمضي فيها، وكذلك الصيام، وكما يكون ذلك في العبادات يكون في المعاملات والأنكحة، فالبيع إذا فسد لاختلال شرط من شروطه يحرم أن يمضي فيه مثال ذلك : إذا كان الثمن مجهولاً، أو كان المبيع مجهولاً ، وكذلك النكاح إذا كان فاسداً اختل شرط من شروطه؛ لعدم الولاية، أو عدم الرضا ونحوه، فإن ذلك يحرم المضي فيه .
المهم أن هذه القاعدة شاملة للعبادات، والمعاملات، والأنكحة فهذه الأشياء إذا فسدت يحرم على الإنسان أن يمضي فيها .
ويدل لذلك : حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال : شكي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً " (1) فدل ذلك على أنه إذا سمع صوتاً، أو وجد ريحاً فإنه ينصرف ولا يستمر في عبادته .
وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ "(2) فالصلاة مع الحدث هذه مردودة، وإذا كانت مردودة فإنه لا يجوز للإنسان أن يمضي فيها .
وكذلك ما ثبت في الصحيح من حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمةٌ سوداء فقالت : قد أرضعتكما قال عقبة : فذكرتُ ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - : " وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما ؟ " (3) فنهاه عنها .
__________
(1) تقدم تخريجه ص (113) .
(2) تقدم تخريجه ص (154) .
(3) أخرجه البخاري رقم (88) و (2640) ولم يخرجه مسلم .(1/171)
وكذلك أيضاً غيلان الثقفي لما أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يختار أربعاً وأن يفارق سائرهن .(1)
وكذلك فيروز الديلمي لما أسلم وتحته أختان أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يختار واحدة(2)... إلخ . بناء على ثبوت هذين الحديثين فالمضي في النكاح الفاسد، والمعاملة الفاسدة، والعبادة الفاسدة محرم، ولا يجوز.
__________
(1) أخرجه أحمد (2/13) والترمذي رقم (1128) وابن ماجه رقم (1953) وابن حبان (9/466) والحاكم (2/193) وقد طعن في هذا الخبر الإمام أحمد والبخاري وأبو حاتم وأبو زرعة ومسلم بن الحجاج.
(2) أخرجه أحمد (4/232) وأبو داود رقم (2243) والترمذي رقم (1129) وابن ماجه رقم (1951) وابن حبان (9/462) والدارقطني (3/273) والبيهقي (7/184) وضعفه البخاري والعقيلي (2/44) وابن قطان الفاسي .(1/172)
قوله : [ إلا بحج واعتمار أبداً ] : إلا العمرة والحج فإنه يجب المضي في فاسدهما هذا ما عليه جمهور أهل العلم خلافاً للظاهرية ودليل ذلك قوله تعالى : { } - قرآن كريم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - { - رضي الله عنه -( - - - فهرس - - رضي الله عنه - - ( - ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - } (1) وقوله : { - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم } - قرآن كريم ((( { - عليه السلام - - ( - ( المحتويات ( - - الله - ( - - } - قرآن كريم (( قرآن كريم ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( الله أكبر } - قرآن كريم (( { قرآن كريم { (- عليه السلام - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - ( - - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - } (((( (2) فقال تعالى : { } - قرآن كريم (( قرآن كريم ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( الله أكبر } فجعل الله تعالى المتلبس بالحج والعمرة كالناذر، والناذر يجب عليه أن يوفي بنذره، وكذلك الحج والعمرة يجب عليه أن يوفي بهما حتى ولو فسدا لورود ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم فإنه ورد عن عبد الله بن عمر، وعلي، وأبي هريرة، وابن عباس رضي الله عنهم(3)
__________
(1) سورة النساء، الآية : 196 .
(2) سورة الحج، الآية : 29 .
(3) الأثر المروي عن عمر وعلي وأبي هريرة، أخرجه مالك رقم (151) والبيهقي (5/167) وأخرجه البيهقي (5/167) من طريق اِلأوزاعي عن عطاء عن عمر، وعطاء لم يسمع من عمر شيئاً وعليه فالرواية منقطعة ، ورواه سعيد بن منصور عن مجاهد عن عمر، وهو منقطع؛ فإن مجاهداً لم يدرك عمر بن الخطاب وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة عنه وعن علي وهو منقطع أيضاً : انظر نصب الراية (3/126) ، الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/40) .
أما الأثر المروي عن ابن عباس فأخرجه البيهقي (5/167) ، البغوي في شرح السنة (7/281) رقم (1996) وإسناده صحيح .(1/173)
فيمن وطأ قبل التحلل الأول فإنه يفسد عليه حجة ويمضي فيه ويقضي، والفاسد من الحج هو من وطأ فيه قبل التحلل الأول، وأما الفاسد من العمرة فهو من وطأ فيها قبل تمام أركانها (1) فإنه يمضي في هذا الفاسد، ويقضيه، وعليه التوبة، والفدية، فلو وطأ في العمرة بعد الطواف وقبل السعي، أو بعد الإحرام وقبل الطواف فإن العمرة فسدت عليه ويجب عليه أن يمضي في هذا الفاسد لورود ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم .
الحج والعمرة لا يجوز الخروج منهما إلا بواحد من ثلاثة أمور:
الأمر الأول : تمام النسك فإذا أتم الحج، أو العمرة تحلل منه.
الأمر الثاني : الردة فإذا ارتد عن الإسلام بطل حجه، وبطلت عمرته لقوله تعالى : { (((( - - - تمهيد ( - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - - عليه السلام - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام - - - ( } .
الأمر الثالث : الإحصار بحيث لا يتمكن المحرم من إتمام النسك، فإذا أحصر بعدو، أو غيره فإنه يذبح الهدي ويخرج منه كما هو معروف من أحكام الإحصار .
***********************
__________
(1) أركان العمرة هي : 1- الإحرام . 2- الطواف . 3- السعي .(1/174)
النفل يجوز قطعه، لكن المؤلف رحمه الله استثنى الحج والعمرة ويقول : بأن قطعهما ممتنع ويدل لجواز قطع النفل : ما ثبت في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أصبح صائماً فأتى إلى أهله فقال : " هل عندكم شيء ؟ فقالت عائشة رضي الله عنها : أهدي لنا حيس (1) فقال : أرنيه فلقد أصبحت صائماً" (2) فأكل منه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أرنيه فلقد أصبحت صائماً " هذا دليل على أنه يجوز قطع النفل لكن قال العلماء رحمهم الله : يكره قطع النفل إلا لحاجة فإذا شرعت في الصوم يكره أن تقطعه إلا لحاجة . مثال ذلك : أن يأتي الإنسان ضيوف فيحتاج إلى قطعه. وإذا شرع في صلاة نافلة يكره أن يقطعها إلا لحاجة؛ لقوله تعالى : { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ( - ((( - ( - ( - ( - فهرس - (- عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - } (((( (3) .
وقوله : [ النفل ] : يخرج الفرض فالفرض لا يجوز أن تقطعه إلا لضرورة فالصلاة الفريضة مثلاً يحرم على الإنسان أن يقطعها إلا لضرورة؛ كأن يخشى على نفسه من سبُع، أو عدو أو يخشى على ماله من سرقه ونحو ذلك، وكذلك الصيام لا يجوز أن يقطعه إلا لضرورة كإنقاذ معصوم من مهلكة .
__________
(1) الحيس هو : الأقط، والتمر، والسمن يخلط ويعجن (شرح النووي على مسلم (9/226) .
(2) أخرجه مسلم رقم (1154) .
(3) سورة محمد، الآية : 33 .(1/175)
قوله : [ ما لم يكن حجاً وعمرة فقطعه امتنع ] : الحج والعمرة لا يجوز قطعهما أبداً وتقدم الدليل على ذلك من قوله تعالى : { } - قرآن كريم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - { - رضي الله عنه -( - - - فهرس - - رضي الله عنه - - ( - ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - } وقوله تعالى : { - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم } - قرآن كريم ((( { - عليه السلام - - ( - ( المحتويات ( - - الله - ( - - } - قرآن كريم (( قرآن كريم ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( الله أكبر } - قرآن كريم (( { قرآن كريم { (- عليه السلام - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - ( - - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - } (((( (1) فالإحرام بالحج والعمرة كالنذر يجب الوفاء به.
وذكرنا أن الإنسان لا يخرج من الحج والعمرة إلا بواحد من ثلاثة أمور : تمام النسك، والردة، والإحصار .
**************************
(الجهل والنسيان والإكراه) هذه من أسباب التخفيف وسبقت الإشارة إلى ذلك (2) عند قاعدة : [المشقة تجلب التيسير] عند قول المؤلف رحمه الله : [ عند عارض طرا ] .
وقول المؤلف : [ الإكراه ] : تقدم الكلام عنه وذكرنا تعريف الإكراه، ودليله، وشروطه في أسباب التخفيف ... إلخ.(3)
والنسيان في اللغة : الغفلة .
__________
(1) سورة الحج، الآية : 29 .
(2) انظر ص (73 ) .
(3) انظر ص (78) .(1/176)
وأما في الاصطلاح : فهو الغفلة عن الشيء وعدم تذكرة. وقيل : بأنه ذهول القلب عن معلوم. والنسيان كما ذكر المؤلف رحمه الله أنه سبب لسقوط الإثم والضمان كما سيأتي إن شاء الله، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى : { - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( } - - - ( - تمت ( { - - - عليه السلام - - - ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - (( - - صلى الله عليه وسلم - - - } (1) قال الله تعالى كما في صحيح مسلم : " قد فعلت " وكذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما " إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه " . (2)
وذكر الشيخ أن الإثم والضمان يسقطان بالنسيان، فنقول : بأن هذا لا يخلو من أمرين :
__________
(1) سورة البقرة، 286 .
(2) أخرجه مسلم رقم (126) .(1/177)
الأمر الأول : ما يتعلق بحقوق الله تعالى، فالحكم التكليفي يسقط بالنسيان . يعني لا يأثم الإنسان لقوله تعالى : { - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( } - - - ( - تمت ( { - - - عليه السلام - - - ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - (( - - صلى الله عليه وسلم - - - } وأيضاً حديث ابن عباس كما تقدم، لكن الحكم الوضعي ( الضمان ) هل يسقط بالنسيان أولا ؟ نقول : ما كان من باب الأوامر فإنه يضمن ولا يسقط، وما كان من باب النواهي والتروك فإنه يسقط ولا يضمن مثال ذلك : لو صلى الإنسان محدثاً فإنه يضمن إعادة الصلاة؛ لأن الأوامر يمكن استدراكها، وكذلك لو صلى وقد أخل بالطمأنينة فإنه يضمن . وفي قصة الأعرابي في حديث أبي هريرة قال - صلى الله عليه وسلم - : " ارجع فصل فإنك لم تصل " (1) لم يعفه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنه جاهل والجهل هو أخو النسيان، ولقصة أبي بردة رضي الله عنه لما ذبح قبل الوقت أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد . (2)
ولأن عمر رضي الله عنه: " لما صلى بالناس وهو جنب أعاد "(3) وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يصلون لكم فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم ". (4)
وإن كان من باب النواهي والتروك فلا ضمان عليه ولا إثم.
__________
(1) تقدم تخريجه ص (87) .
(2) أخرجه البخاري رقم (955) ، ومسلم رقم (1961) من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - .
(3) أخرجه مالك في الموطأ (1/49) وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (2/348) والدارقطني في سننه (1/364) وقال صاحب التعليق المغني : رواته كلهم ثقات واحتج به الإمام أحمد في مسائل ابنه صالح.
(4) أخرجه البخاري رقم (694) .(1/178)
مثال ذلك : رجل أكل وهو صائم، أو شرب ناسياً فلا شيء عليه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا نسي أحدكم فأكل، أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " (1) وكذلك لو جامع في الصيام وهو ناس فلا شيء عليه، ولو تكلم في الصلاة وهو ناس فلا شيء عليه، وكذلك في الحج لو صاد وهو ناس أنه محرم أو ناسٍ أنه في الحرم فلا شيء عليه، ولو جامع أهله ناسياً أنه محرم لا شيء عليه، وكذلك لو حلق رأسه ناسياً فلا شيء عليه، ولا ضمان عليه هذا فيما يتعلق بحقوق الله عز وجل .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (1933) ، ومسلم رقم (1155) .(1/179)
الأمر الثاني : ما يتعلق بحقوق المخلوقين، كحكم تكليفي لا إثم عليه، فلو أتلف مال شخص ناسياً يظن أن هذا المال ماله فأكله، أو لبس ثوب غيره حتى أبلاه يظن أنه له ... إلخ فلا إثم عليه لما تقدم من الدليل على أنه يعذر بالنسيان، لكن الضمان لا يسقط في حقوق المخلوقين لقوله تعالى : { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - ( - ( { - رضي الله عنه - - - ( - ( تم بحمد الله ( - ( تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( { - - ( - (- رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - - - - - (- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( تم بحمد الله - - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - ( - { - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام - - - { - - جل جلاله -( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله ( { - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - - - تم بحمد الله - - فهرس - ( { ((( - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } (1) فوجبت الدية ولم يعذر بالخطأ، والنسيان أخو الخطأ في كتاب الله عز وجل، ولأن حقوق المخلوقين مبنية على المشاحَّة ولهذا قال الشيخ رحمه الله :
**************************
__________
(1) سورة النساء، الآية : 92 .(1/180)
فَفرْق بين حق الله وحق المخلوق، فما يتعلق بحقوق المخلوقين يجب فيه الضمان؛ لأن حقوق العباد مبنية على المشاحَّة، والمقاضاة، وأما الإثم فيسقط، وذكرنا ما يدل على ذلك وأن حقوق المخلوقين مبنية على المشاحَّة، ولهذا لما غضبت عائشة رضي الله عنها وضربت يد الخادم فانكسرت القصعة ضمنها النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل فيها الطعام قال - صلى الله عليه وسلم - : " طعام بطعام، وإناء بإناء " (1) فضمنها النبي - صلى الله عليه وسلم - أما بالنسبة للجهل فتقدم الكلام عليه فيما يتعلق بالعذر بالجهل وما لا يعذر(2) وأما ما يتعلق بالإثم والضمان فالجهل لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول : ما يتعلق بحقوق الله عز وجل .
الأمر الثاني : ما يتعلق بحقوق المخلوقين .
__________
(1) أخرجه الترمذي رقم (1359) وقال حديث حسن صحيح وأصله في البخاري رقم (2481) .
(2) انظر ص (88 ) .(1/181)
ما يتعلق بحقوق الله عز وجل : يسقط الإثم كحكم تكليفي؛ لأن حقوق الله مبنية على المسامحة فلو أن الإنسان صلى جاهلاً لغير القبلة فلا يأثم، أو جهل غروب الشمس يظن أن الشمس غربت وهي لم تغرب فأكل فلا إثم عليه، ودليل ذلك : ما سبق من قوله تعالى : ( - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( } - - - ( - تمت ( { - - - عليه السلام - - - ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - (( - - صلى الله عليه وسلم - - - } (1) ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " (2) وكذلك حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه : لما تكلم في الصلاة (3) لم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة؛ لأنه كان جاهلاً تحريم الكلام يظن أنه على ما سبق وأنه مباح، وأما كحكم وضعي: فإن كان من باب الأوامر فيضمن؛ لأنه يمكنه الاستدراك ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي كما في حديث أبي هريرة : " ارجع فصل فإنك لم تصل " (4) لما جهل وجوب الطمأنينة ولم يطمئن . وقال - صلى الله عليه وسلم - لأبي بردة رضي الله عنه "شاتك شاة لحم " (5) لما ذبح قبل الصلاة، كذلك لو صلى قبل الوقت جاهلاً يظن أن الوقت دخل فإنه يعيد الصلاة؛ لأن صلاته غير صحيحة، وكذلك لو صلى إلى غير القبلة فإنه يعيد الصلاة، أو صلى وقد توضأ بماء نجس فإنه يعيد الصلاة، لأن هذا كله من الأوامر وتقدم متى يعذر بالجهل، ومتى لا يعذر.(6)
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 286 .
(2) انظر ص (78) .
(3) رواه مسلم رقم (537) .
(4) انظر ص (87) .
(5) انظر ص (234)
(6) انظر ص (88) .(1/182)
أما إن كان من باب التروك والنواهي فيعذر إثماً وضماناً؛ أي : لا يضمن، فلو أن إنساناً جهل النجاسة التي في ثوبه وصلى، أو جهل وجوب إزالة النجاسة فصلاته صحيحة ولا إثم عليه، وكذا لو جهل تحريم الخمر فلا إثم عليه ولا جلد؛ لأنه من باب التروك.
الأمر الثاني : ما يتعلق بحقوق المخلوق فإنه يعذر فيه كحكم تكليفي وهو الإثم فلا يأثم، فلو جهل وأتلف مال زيد من الناس فلا إثم عليه، أو أخطأ فأتلف سيارته، أو ثوبه، أو بدنه ... إلخ ، لكن بالنسبة للضمان فإنه يضمن وتقدم حديث عائشة رضي الله عنها لما ضربت يد الخادم فقال - صلى الله عليه وسلم - : " طعام بطعام، وإناء بإناء "(1) وأيضاً الله عز وجل أوجب الدية على من قتل خطأ في قوله تعالى: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - ( - ( { - رضي الله عنه - - - ( - ( تم بحمد الله ( - ( تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( { - - ( - (- رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - - - - - (- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( تم بحمد الله - - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - ( - { - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام - - - { - - جل جلاله -( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله ( { - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - - - تم بحمد الله - - فهرس - ( { ((( - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( { تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - - - - (- رضي الله عنه - - - } مما يدل على أنه لا يعذر في الخطأ والنسيان والجهل فيما يتعلق بحقوق المخلوق، فلابد من الضمان، وأن حقوق
__________
(1) انظر ص (236) .(1/183)
المخلوقين مبنية على المشاحَّة .
الإكراه: تقدم الكلام عليه وذكرنا تعريفه وشروطه... إلخ (1) لكنه ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : الإكراه الملجئ بحيث يكون المكره لا اختيار له، ولا قدرة له على الامتناع .
القسم الثاني : الإكراه غير الملجيء : أن يكون مجبراً مكرهاً لكن له نوع اختيار فهذا هو محل الخلاف هل هو مكلف أولا ؟
وينقسم الإكراه أيضاً إلى قسمين :
القسم الأول : أن يكون في حقوق الله .
القسم الثاني : أن يكون في حقوق المخلوقين .
الأول : ما يكون في حقوق الله : فإنه لا يأثم لما تقدم من الأدلة، لكنه بالنسبة للضمان إن كان من باب الأوامر فإنه يعيد؛ لأنه يمكنه أن يستدرك فلو أكره على أن يصلي بلا وضوء، فلا إثم عليه لكن يعيد الصلاة، وأما إن كان من باب النواهي فإنه يعذر فلو أُكره أن يتكلم في الصلاة أو يأكل وهو صائم ... إلخ فإنه معذور في هذه الحال .
الثاني : ما يكون في حقوق المخلوقين : فإن الإكراه يسقط الإثم كما تقدم، وأما بالنسبة للضمان فإنه يوجب الضمان لكن يكون تارة على المُكرِه، وتارة يكون على المُكرِه والمُكرَه، وتارة يكون على المكرَه .
***********************
الإتلاف : هو إخراج الشيء عن كونه منتفعاً به .
وهذه القاعدة في المتلفات، فإذا أتلف شخص مال شخص فيضمن إلا ما يستثنى .
__________
(1) انظر ص (88) .(1/184)
ودليل هذه القاعدة : قوله تعالى : { - - رضي الله عنهم - - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - ( قرآن كريم ( - ( - ( - - - المحتويات ( - - - (- عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - تمهيد ( تمهيد - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - ( - (((- رضي الله عنه - تمهيد ( - - - ( - } (1) وإذا أتلف شخص مال شخص ولم نضمّنه كان ذلك من أكل أموال الناس بالباطل .
وكذلك ما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها لما ضربت يد الخادم فسقط الإناء وانكسر فقال - صلى الله عليه وسلم - : " طعام بطعام ، وإناء بإناء " (2) فضمّن النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة رضي الله عنها، وكذلك ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه تضمين الصنّاع عند التلف(3)، فإذا أتلف شخص مال شخص فإنه يضمن هذا هو الأصل، سواء أكان عمداً، أم سهواً، أم جهلاً، أم عن طريق الإكراه، لكن إذا كان عن طريق الإكراه فالضمان على المكرِه، سواء أتلفه عن طريق الانتفاع به، أو أتلفه دون أن ينتفع به .
مثال ما ينتفع به : إنسان أكل طعام شخص، أو لبس ثوبه حتى أبلاه، فإنه يضمن .
ومثال ما كان بدون الانتفاع : كأن يحرقه، أو يكسره ... إلخ فإنه يضمن .
استثنى المؤلف رحمه الله : [ ما لم يكن الإتلاف من دفع الأذى ]، وكذلك استثنى أمرين في البيت الذي يليه، فنستثني من الضمان على كلام المؤلف ثلاثة أمور :
الأمر الأول : إذا كان لدفع أذاه، مثال ذلك : صال عليه شخص يريد قتله، أو ماله، أو أهله، فإنه يدفع الصائل بالتي هي أحسن بالأسهل فالأسهل، إن لم يندفع إلا بقتله فإنه يقتله ولا ضمان عليه؛ لدفع أذاه .
__________
(1) سورة النساء، الآية : 29 .
(2) تقدم تخريجه ص (236).
(3) تقدم تخريجه ص (207) .(1/185)
وكذلك لو صال عليك بعير، أو ثور، أو شاة، ونحو ذلك، فإنك تدفعها بالتي هي أحسن بالأسهل فالأسهل، فإن لم تتمكن إلا بقتل هذا الصائل فلا شيء عليك؛ لأنه لدفع الأذى .
وكذلك إذا أشرفت السفينة على الغرق فألقى عمرو متاع زيد؛ لكي تنجو السفينة، فإنه يضمن، لكن لو وقع عليه متاع زيد فدفعه عنه دفعاً لأذاه فسقط في البحر، فلا ضمان عليه .
ففرق بين الشيء إذا أتلفته لكي تنتفع به، أو الشيء الذي أتلفته لدفع أذاه .
الأمر الثاني : قوله : [ أويك مأوذنا به من مالك ] :
أي : إذا أذن لك المالك في إتلافه فإنه لا ضمان عليك، فإذا أعطاك الطعام، لتأكله، أو الماء لتشربه، أو الثوب لتلبسه فلا ضمان في ذلك؛ لأنه هو الذي سلطه عليك، وأذن لك في الإتلاف والانتفاع.
الأمر الثالث : قوله : [ أو ربنا ذي الملك خير مالك ] : إذا كان الإذن من الله عز وجل، فلا ضمان عليك، ولذلك أمثلة :
المثال الأول : المضطر إلى طعام الغير، وليس معه طعام أذن له الشارع في أن يأكل من طعام غيره وليس عليه ضمان . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( لا بأس أن يأكل من مال الغير ما يدفع به مخمصته إذا كان فقيراً ولا ضمان عليه ) .
المثال الثاني : إذا اضطر الإنسان إلى نفع مال الغير، لم يضطر إلى عين ماله؛ كأن يضطر إلى الثوب لكي يلبسه، أو السيارة لكي يركبها، أو الدلو لكي يخرج به الماء، فإنه لا ضمان عليه مطلقاً مع أنه أتلف المنافع .
***********************
هذا كما تقدم لنا أن ما ترتب على المأذون غير مضمون . هذا البيت قاعدة : [ ما ترتب على المأذون ليس مضموناً، وما ترتب على غير المأذون فهو مضمون ] .
وتقدم أن الإذن قد يكون من الله عز وجل، وقد يكون من المالك، وقد يكون لدفع أذاه .
ومن الأمثلة على ذلك : الأمين لا ضمان عليه إذا لم يتعد ولم يفرط .(1/186)
والأمين : هو كل من قبض العين بإذن الشارع، أو بإذن المالك، ويدخل في ذلك المستعير على الصحيح، وكذا المودَع، وولي اليتيم، والمستأجر، هؤلاء كلهم قبضوا هذه الأموال بالإذن، فالمستأجر قبض السيارة بإذن مالكها، والولي قبض مال اليتيم بإذن الشارع، والمودع والمستعير قبضا المال بإذن مالكه، فهذه قاعدة في الأمناء .
التعدي : هو فعل مالا يجوز . والتفريط : هو ترك ما يجب.
مثال التعدي : إنسان استأجر السيارة على أن يقودها داخل البلد، ثم قادها خارج البلد فتلفت، فإنه يضمن، أو أسرع بالسيارة فوق النظام فتلفت فإنه يضمن .
ومثال التفريط : ولي اليتيم يجب عليه أن يحفظ مال اليتيم في حِرْزِ مثله، فإذا وضعه في مكان غير محرز فسُرِق فإنه يضمن، وعلى هذا فقس .
ثم بيّن المؤلف رحمه الله في البيت الذي سيأتي الآن كيفية الضمان .
***********************
يقول رحمه الله : الضمان إن كان مِثْليَّاً فإنه يضمن بالمثل، وإن كان قِيمِيَّاً فإنه يُضمن بالقيمة .
ودليل ذلك : قوله تعالى : { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - (( - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - (( - - - ( ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - ( - ( - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - (( - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - } (1) اختلف العلماء رحمهم الله في ضابط المثلي والقيمي ما هو ؟ وهذا الضابط يحتاج إليه كثيراً في أبواب الفقه في : ( باب السّلمَ، وباب القرض، وباب الغصب، وفي المتلفات .... إلخ ) فيحتاج أن يعرف ما هو المثلي وما هو القيمي ؟ فإذا قال العلماء رحمهم الله في كتبهم : يضمن بالمثل، أو يضمن بمثله، أو يضمن بقيمته .
ما هو المثلي وما هو القيمي ؟
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 194 .(1/187)
عند الحنابلة والشافعية رحمهم الله يُضيِّقُون المثلي ويوسعون القيمي فيقولون : المثلي كل مكيل أو موزون لا صناعة فيه مباحة يصح السلم فيه .
مثال ذلك : اقترض زيد من عمرو مائة صاع من البر وجب عليه في ذمته مائة صاع من البر، وكذلك من اقترض شيئاً موزوناً مثل اللحم يجب رد مثله .
وهذا في القرض ما لم يتراضوا على شيء يوم التقابض، فإذا تراضوا جاز أن يعطيه غير ما استسلف .
وقولهم : ( كل مكيل وموزون ) : يخرج ما لم يكن مكيلاً، أو موزوناً من المعدودات، والمذروعات .
قولهم : ( لا صناعة فيه مباحة ) : يخرج الموزون إذا خرج عن الوزن بالصناعة، مثل أنواع الآنية من قدور وغيرها مما أصلها الوزن، فهذه وإن كان الأصل فيها الوزن لكن خرجت بالصناعة عن الوزن، فهذه تضمن لكن لا تضمن بمثلها؛ لأنها خرجت عن المثلية بالصناعة فتضمن بقيمتها، ومثله الحلي وإن كان أصله الوزن لكن خرج عن الوزن بالصناعة فيضمن بالأكثر من قيمته أو وزنه .
وقولهم : ( مباحة ) : يخرج الصناعة المحرمة فإذا أتلف على إنسان إبريقاً من الذهب، أو الفضة، أو ملاعق من الذهب، أو من الفضة فإنها تضمن بوزنها من جنسها .
فلا تضمن الصنعة؛ لأن الصنعة المحرمة لا قيمة لها في الشرع وإن كانت لها قيمة عند الناس لكنها في الشرع تهدر ولا تحسب.
قولهم : ( يصح السلم فيه ) : يخرج الموزون الذي لا يصح السلم فيه، وهو كل مالا تنضبط صفاته التي يختلف بها الثمن اختلافاً ظاهراً بالوصف كالجواهر، واللؤلؤ وما أشبه ذلك مما لا ينضبط .
أمثلة على هذا :
أقرضه براً ثم عند الوفاء أعطاه المقترض دراهم فرفض المقرض، وطلب براً فالقول قوله؛ لأن البر مثلي .
مثال آخر : أقرضه كتاباً فأعطاه المقترض دراهم فرفض المقرض وطلب كتاباً فالقول قول المقترض؛ لأن الكتاب قيمي لأنه ليس مكيلاً ولا موزوناً، وهذا إذا كان هناك اختلاف بين المقرض والمقترض، أما إذا تراجعوا على المثل فلا بأس .(1/188)
مثال ثالث : إذا أتلف حديداً يجب عليه أن يعطيه مثله؛ لأن الحديد موزون .
مثال رابع : إذا أتلف شعراً، أو صوفاً، أو قطناً، أو كتاناً، أو حريراً يجب أن يعطيه مثله؛ لأن هذه الأشياء مثلية موزونة إلا إن تراضوا على القيمة فلا بأس به .
مثال خامس : البر مكيل مثلي، لو أن هذا البر عملناه خبزاً فإنه ينتقل من كونه مثلياً إلى كونه قيمياً، وعلى هذا لو أن إنساناً أكل خبز شخص فأتاه بخبز مثل الذي أكله لا يلزمه أن يقبل؛ لأن هذا الخبز لما دخلته الصناعة المباحة أصبح قيمياً ولم يكن مثلياً . وقولهم : ( الصناعة المباحة ) يخرج الصناعة المحرمة، فإنه لا يخرج عن كونه مثلياً .
مثال ذلك : الحديد مثلي؛ لأنه موزون فإذا جعله صاحبه على شكل تمثال، فجاء شخص فأتلف هذا التمثال فإنه يضمن بجنسه وزناً. يعني الصورة المحرمة لا أثر لها شرعاً لا تضمن، لكن يضمن الحديد، وكونه دخلته صناعة محرمة وجعله على صورة، فهذا لا يخرجه عن كونه مثلياً فيضمن بالمثل؛ لأن الموزون والمكيل نشترط لكي يكون مثلياً أن لا تدخله صناعة مباحة، فإن دخلته صناعة محرمة فإنه لازال مثلياً؛ لأن المحرم لا عبرة به .
فالخلاصة في ذلك : أن المثلي عندهم هو كل مكيل، أو موزون يصح السلم فيه لم تدخله الصناعة المباحة، وما عدا ذلك قيمي؛ فعندهم الثياب، والقطن، والأقلام، والسيارات، والآلات، وأشياء كثيرة هذه كلها قيمية إذا أتلفت، أو أخذها الإنسان قرضاً فإن تنازعا فإن المرجع إلى القيمة .
المكيل مثل : الشعير، والأرز، وسائر الحبوب، والمائعات .
والموزون مثل: الحديد، والرصاص، والنحاس، وسائر المعادن، والشعر، والصوف، والحرير، والقطن .(1/189)
الرأي الثاني : أن المثلي : ماله مثل في الأسواق، والقيمي : ما ليس له مثل في الأسواق وهو رأي الحنفية رحمهم الله وهذا القول هو الصواب في الجملة، واختيار شيخ الإسلام رحمه الله ونصره ابن القيم رحمه الله في (أعلام الموقعين) وقاله جمع من أهل العلم ، وهذا القول هو الذي يدل عليه القرآن والسنة والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم، والقياس والقضاء الصحيح .
أما القرآن : فقول الله عز وجل { (( - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - ( ( - ( الله ( } تم بحمد الله - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنهم -( } - - - - } (1) فأوجب الله عز وجل على من قتل صيداً مثله من النعم مع أنه ليس مكيلاً ولا موزوناً .
وأما السنة : فحديث عائشة : لما ضربت يد الخادم فسقط الإناء وانتثر الطعام قال عليه الصلاة والسلام : " طعام بطعام ، وإناء بإناء "(2) فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمثل مع أن الصناعة المباحة دخلتها.
ومن ذلك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " استسلف بكراً ورد رباعياً " (3) والحيوان عند الشافعية والحنابلة قيمي؛ لأنه ليس مكيلاً ولا موزوناً، ومع ذلك رد النبي - صلى الله عليه وسلم - المثل فدل على أن المثل أوسع من المكيلات والموزونات .
__________
(1) سورة المائدة، الآية : 95 .
(2) تقدم تخريجه ص (236) .
(3) أخرجه مسلم رقم (1600)(1/190)
وأما آثار الصحابة : فالمحْرِم يضمن الصيد إذا أتلفه بمثله، أو ما يقاربه، فقضى الصحابة رضي الله عنهم في البعير بالنعامة مع أن الفرق بينهما كبير لكنها تشابهها في بعض الأشياء، مثل طول الرقبة، والجسم، وقضوا في الشاة بحمامة مع الفرق بينهما لكن لأنها تشبهها من جهة مص الماء – والله أعلم – والصحابة رضي الله عنهم هم أفقه الأمة وأعلمها ومع هذا قضوا في مثل هذا بالمثل بما يشابهه من بعض الوجوه، مع أنها ليست مكيلة ولا موزونة، وعلى هذا يكون المثلي أوسع من القيمي فكل شيء له مثل في الأسواق نقول : بأنه مثلي (البر، والشعير، والكتب، والثياب ... إلخ ) هذه الأشياء كلها لها مثل، وعلى هذا لو أتلف له ثوباً وطالبه بالقيمة هل يلزمه أن يدفع له ثوباً آخر أو يدفع له القيمة ؟
نقول : يدفع له ثوباً آخر لا يدفع له قيمته؛ لأن هذا هو المثلي. وكذلك لو أتلف براً، أو كتاباً، أو قلماً فالمتلِف يأتيه بالمثل، بمثل هذا البر وبمثل هذا الكتاب وبمثل هذا القلم ... إلخ ولا يلزمه أن يأتيه بالقيمة .
أما الذي ليس له مثل فتجب قيمته .
مثال ذلك : عندنا صناعة وانقطعت، مثل صناعة لقلمٍ من الأقلام، أو ثوب من الثياب ثم بعد ذلك لم يكن لهذا الثوب، أو لهذا القلم ... إلخ وجود في الأسواق، فأتلفها شخص أو استقرضها فإن عليه القيمة، ومثل ذلك الجواهر الطبيعية التي ليس لها مثل .(1/191)
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عن داود عليه السلام قال : { - رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - ( - فهرس - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( { ( تمت - - رضي الله عنهم - - ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - (( ( - ( - { - رضي الله عنه -( - - - ( - ( { ( تمهيد - رضي الله عنه -( - (- رضي الله عنه - الله أكبر ( مقدمة - (( ( المحتويات - - جل جلاله - - ( ( الله ( قرآن كريم - { ( - - - - } - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - ( - (- رضي الله عنه -( - - ((( - ( - ( - { (((( - - رضي الله عنهم - - ( - - جل جلاله -( - - - - ( - ( - صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - ( - فهرس - ( - - درهم - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - جل جلاله -( - - - - - عليه السلام -( - - - ( - ( مقدمة - - - ( - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } (1) فداود عليه السلام قضى بحكم، وخالفه ابنه سليمان، وذلك بأن قوماً لهم غنم، وقوماً لهم بستان فنفشت هذه الغنم بالبستان - والنفش : هو الإفساد ليلاً - فقضى سليمان لأهل الزرع بأن يقوم أهل الغنم بإصلاح البستان كما كان - وهذا لا شك أنه ليس مثلياً - فلما قضى بهذا أثنى الله تعالى عليه بالفهم وأن الله فهمه .
وهذا هو ظاهر اختيار البخاري رحمه الله في صحيحه وقد بوّب باباً في صحيحه وقال : ( باب من هدم جداراً بنى مثله ) ، وهذا يلزم إذا اختلفوا لكن لو تراضوا على شيء جاز .
*********************
قوله : [ المحسن ] : من تبرع وفعل المعروف .
قوله : [ الظالم ] : المعتدي .
وقوله : [ قيلي ] : أي قولي .
__________
(1) سورة الأنبياء، الآية : 78 .(1/192)
دليل ذلك : قوله تعالى : { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((( - ( - ( - ( - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - - } (1) وقوله تعالى : { - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( - - ( تمهيد - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((- رضي الله عنه - - { } - } - - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ((( - - } - - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - } (2) وقوله تعالى : { - - - ( - رضي الله عنه - تمت (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - (( - صدق الله العظيم ( { - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - ( - ( { ( - - - } ((((( (3) . يعني أن المحسن ما عليه من سبيل؛ أي: ما عليه ضمان ولا إثم، ويدخل في هذه القاعدة أمران :
الأمر الأول : الأُمَناء كلهم لا ضمان عليهم إلا بالتعدي، أو التفريط؛ لأنهم محسنون والأمين كما تقدم : هو كل من قبض المال بإذن الشارع، أو بإذن المالك، فهؤلاء إذا تلف المال تحت أيديهم فلا ضمان عليهم ولا إثم إلا بالتعدي أو التفريط كالمستعير، والمودَع، والمستأجر، والملتقط، والشريك، والمضارب، وكذلك الحاكم إذا أخذ مال شخص عنده لمصلحة، فإنه محسن لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط .
الأمر الثاني : من عمل عملاً أراد به صلاح الناس ونفعهم فتلف بذلك العمل أحد، فإنه لا ضمان عليه ولا إثم ما دام أنه لم يتعدَّ ولم يفرط .
__________
(1) سورة التوبة، الآية : 91 .
(2) سورة الشورى، الآية : 42 .
(3) سورة البقرة، الآية : 193 .(1/193)
مثال ذلك : شخص وضع حجارة، أو أخشاباً على الطين في المطر لكيلا يزلق الناس في الوحل فجاء شخص وتلف بهذا الحجر أو تلف بهذا الخشب فلا ضمان عليه؛ لأنه محسن وما على المحسنين من سبيل إلا إذا كان هناك تعد أو تفريط .
مثال آخر : وضع حجراً كبيراً يُتلف الناس، أو أشياء تزلق الناس، فإنه هنا غير محسن بل هو ظالم .
وقوله : [ وعكسه الظالم ] : هذا يدخل تحته أمور منها :
الأمر الأول: من أخذ مال غيره بغير إذنه ورضاه كالغاصب، والسارق، والمنتهب، والمختلس . فالغاصب : قبض المال بغير إذن المالك، وبغير إذن الشارع، فكل من قبض مالاً بغير إذن الشارع ورضى المالك، فهو ظالم فلو غصب سيارة وتلفت تحت يده ضمن مطلقاً؛ لأنه بغصبه تعدى حتى لو حفظها ثم احترقت، أو حفظ النقود في الصندوق ثم سرقت، فإنه يضمن؛ لأنه بغصبه قد تعدى .
ومثل ذلك : السارق، والمنتهب، والمختلس ... إلخ هؤلاء كلهم يضمنون ما يتلف تحت أيديهم مطلقاً .
الأمر الثاني : المحسن إذا تعدى، أو فرط فإنه ظالم ويضمن كما سبق في الأمثلة السابقة .
********************
قوله : [ معاوضة، وتبرعاً، وتوثقه ] : تأتي إن شاء الله.
قوله : [ فحررنها ] : أي اضبطها بالعلم، والقدرة عليها.
قوله : [ المخاطرة ] : المجازفة، وعدم ضبطها بالعلم وغير ذلك من شروط المعاوضات .
قوله : [ فادر التفرقة ] : أي اعلم الفرق بين عقود المعاوضات، والتوثقات، والتبرعات كما سيأتي إن شاء الله .
قوله : [ لأن ذي إن حصلت فمغنم ] : أي فائدة وربح بلا مقابل .
قوله : [ وإن تفت فليس فيها مغرم ] : أي غرامة؛ أي : خسارة في ماله .
العقود تنقسم إلى أقسام منها ما ذكره الشيخ رحمه الله :
عقود معاوضة، وعقود توثقة، وعقود تبرعات .
وفي هذه الأبيات الثلاثة ذكر الشيخ رحمه الله فرقاً بين عقود المعاوضات، وعقود التوثقات، وعقود التبرعات .
عقود المعاوضات : هي كل عقد قُصِد منه العوض، والربح، والكسب .(1/194)
عقود التبرعات: هي كل عقد قُصِد منه الإحسان والإرفاق.
عقود التوثقات : هي العقود التي تكون وثيقة لعقود أخرى.
مثال عقود المعاوضات : البيع، والشراء، والإجارة، والسلم، والمساقاة، والمزراعة، والشركة ... إلخ .
مثال عقود التبرعات : الهبة، والوصية، والعتق، والوقف.
مثال عقود التوثقات : الرهن، والكفالة، والضمان.
فأشار الشيخ رحمه الله إلى أن هذه العقود ترتب على مراتب:
المرتبة الأولى : عقود المعاوضات هذه هي المرتبة الأولى فيطلب فيها من العلم والتحرير ما لا يطلب في عقود التوثقات. يعني يُحتاط فيها، ويُشترط فيها من العلم والتحرير مالا يُشترط في عقود التوثقات .
المرتبة الثانية: عقود التوثقات وهي أوسع من عقود المعاوضات ويشترط فيها من العلم والتحرير مالا يشترط في عقود التبرعات .
المرتبة الثالثة: عقود التبرعات وهي أوسع من عقود المعاوضات وأوسع من عقود التوثقات، ودليل ذلك أدلة كثيرة منها : قوله تعالى : { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( - ( - - - ( - - - ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - ( الله أكبر - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - ( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { ( - ( - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -( ( صدق الله العظيم ( - (( - } ( - - - } (1) .
فقال تعالى : { والميسر } والميسر كل معاملة يدخل فيها الإنسان وهو إما غانم أو غارم، وهذا يكون في عقود المعاوضات.
__________
(1) سورة المائدة، الآية : 90 .(1/195)
مثال ذلك : إذا بعت الكتاب بثمن مجهول فالمشتري الآن يدخل وهو إما غانم، أو غارم؛ لأن الثمن إن كان أقل من قيمة الكتاب يكون غانماً، وإن كان الثمن أكثر من قيمة الكتاب يكون غارماً، فهو الآن دخل في المخاطرة، أيضاً المُثمن إذا اشتراه شخص وهو مجهول يدخل في هذه المعاملة وهو إما غانم أو غارم، وكذلك البائع يدخل في هذه المعاملة وهو إما غانم أو غارم إذا كان المثمن مجهولاً، فإذا كان الثمن أكثر بالنسبة للمشتري فهو غارم، وإن كان الثمن أقل فهو غانم وهكذا .
ويدل لذلك : حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهى عن بيع الغرر " (1) .
والغرر لغة : يطلق على معان منها : النقصان، والخطر، والجهل .
وفي الاصطلاح : مالا تعرف حقيقته ومقداره . وأيضاً حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة، والسنتين، والثلاث فقال - صلى الله عليه وسلم - : " من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم".(2) فدل ذلك على أن عقود المعاوضات لابد فيها من العلم والتحرير، وأن يكون الثمن والمثمن معلوماً ... إلخ .
بعد ذلك عقود التوثقات يخفف فيها، فهي أوسع من عقود المعاوضات .
مثال ذلك : يصح ضمان المجهول إذا آل إلى العلم مع أنه في البيع لا يصح بيع المجهول .
مثال ذلك : أقول للبقَّال : بع على هذا الشخص وأنا ضامن، ولا أدري قد يأخذ بمائة أو مائتين فالمضمون الآن مجهول، لكنه يؤول إلى العلم، بعدما ينتهي سنعلم بكم اشترى .
أو مثلاً : تقول : بعه السيارة وأنا ضامن ثمنها لك، ونحن لا ندري بكم يبيع قد يبيعها بعشرة آلاف، أو بأحد عشر، أو باثني عشر ألفاً ... إلخ ، فضمان المجهول يصح إذا آل إلى العلم .
كذلك المضمون، والمضمون له لا يشترط رضاهما عند طوائف من العلماء.
__________
(1) أخرجه مسلم (1513) .
(2) تقدم تخريجه ص (146) .(1/196)
مثال ذلك : أقول أقرض زيداً وأنا ضامن لك، فأنا الآن أضمن زيداً حتى لو لم يرضَ؛ لأن هذا من عقود التوثقة لكن في عقد البيع لابد أن يكون المتعاقدان متراضيين جميعاً .
مثال آخر : أقول أقرض زيداً وأنا ضامن، ولو لم يرض المضمون له، فإن الضمان يصح. وأيضاً لو جهلت المضمون والمضمون له، فإن الضمان يصح عند بعض العلماء ومنهم الحنابلة رحمهم الله . وكذلك في الكفالة أكفل زيداً وهو لم يرضَ، وأكفل زيداً وهو مجهول لا أعرفه، يصح ذلك . وكذلك المكفول له إذا لم يرض، أو كان مجهولاً تصح الكفالة .
وكذلك أيضاً الرهن من عقود التوثقة، يصح أن أرهن الثمرة قبل بدو صلاحها .
مثال ذلك : اقترضت من زيد ألف ريال وأنا عندي نخل لم يبد صلاح الثمر فيها حتى الآن فهو أخضر لم يحمر أو يصفر في مثل هذا الوقت، يصح أن أعطيه هذا الثمر رهناً، مع أن البيع لا يصح لكن يصح أن أرهن هذه الثمرة قبل بدو صلاحها؛ لأن هذا من عقود التوثقة . أيضاً الزرع قبل اشتداد حبه لا يصح بيعه لكن يصح رهنه . وكذلك الأَمَة لا يصح أن تفرق بينها وبين ولدها في البيع، لكن يصح أن ترهن الأَمَة دون ولدها، فدل ذلك على أن عقود التوثقة أخف من عقود المعاوضة .
أيضاً عقود التبرعات أخف وأوسع، ففي عقود التبرعات يصح أن تهب المجهول والمعدوم، فلو قلت لك : وهبتك ما في جيبي من النقود صح ذلك، لكن في البيع لا يصح أن أبيع المجهول ويصح أن أهبه ما تحمل شاتي أو شجرتي .
أيضاً يصح في عقود التبرعات أن أهبك غير المقدور عليه .
مثال ذلك : عندي جمل شارد فقلت: وهبتك جملي الشارد، صح ذلك، لكن بيع الجمل الشارد على من لا يقدر على تحصيله ولا يظن ذلك لا يصح لكن هبته يصح مطلقاً. أيضاً لو أن لي سيارة مسروقة، أو مغصوبة، أو منتهبة، أو مختلسة يصح هبتها لكن لا يصح بيعها على شخص لا يقدر على تحصيلها ولا يظن ذلك، فدل ذلك على أن عقود التبرعات أوسع من عقود المعاوضات ولهذا قال الشيخ رحمه الله :(1/197)
لأن ذي إن حصلت فمغنم ... وإن تفت فليس فيها مغرم
مثال ذلك : قال : وهبتك الرقيق الآبق فإن هذه الهبة صحيحة، إن حصلت عليه فأنت غانم وإن لم تحصل عليه لم يفتك شيء، وكذا لو وهبت السيارة المغصوبة، أو المسروقة، أو المنتهبة صح؛ ففرق بين عقود المعاوضة، وعقود التبرعات، فعقود المعاوضات يدخل فيها الإنسان وهو مغامر (مخاطر) إما غانم أو غارم، أما بالنسبة لعقود التبرعات فيدخل الإنسان فيها وهو إما غانم أو سالم ففرق بين البابين .
واعلم أن الأبواب في الموضوع الواحد تتفاوت، فمثلاً في التبرعات باب الوصايا أوسع من أبواب الهبات فتجد أن الفقهاء رحمهم الله يتوسعون في باب الوصايا مالا يتوسعون في أبواب الهبات.
مثال ذلك : تصح الوصية من الصبي المميز فلو أنه وصى بثلث ماله، عنده ثلاثة ملايين ووصى بمليون يصح ذلك لكن لو أنه باع سيارة بعشرة آلاف ريال أو وهبها فلا يصح؛ لأن الوصية هنا ليس فيها ضرر، تبرع بالمال بعد الموت، إن احتاج إليه له أن يبطل الوصية، وإن لم يحتج إليه لا يزداد إلا خيرا فلو مات كان خيراً له.
********************
العرف في اللغة : يرجع إلى معنيين، قاله ابن فارس في ( معجم مقاييس اللغة ) :
الأول : هو إدراك الشيء على حقيقته وهو ما يقال له : المعرفة، فتقول : عرفت الشيء، وهو أخص من العلم، على ما ذكره عدد من فقهاء اللغة .
الثاني : هو تتابع الشيء كما يقال للضَّبُع : عرفاء لتتابع شعر رقبتها مع طولها.
وأما في الاصطلاح : هو كل قول، وفعل، وترك اعتاد عليه الناس .
وقيل : بأنه ما يتكرر بين الناس ويقبلونه من الأقوال والأفعال.
وعرفه شيخ الإسلام رحمه الله : بأنه ما تعارف عليه الناس من أمور دنياهم .
والفرق بين العرف والعادة :
قيل: إن العُرف ما يختص بالأقوال. والعادة : تختص بالأفعال.(1/198)
وقيل: إن العادة: أعم من العُرف. والعُرف أخص من العادة. وهذا أظهر أنها أعم، فعلى هذا يكون كل عُرف عادة وليس كل عادة عُرفاً . فالعُرف : هو ما يعتاده جماعة الناس ويتعارفونه فيما بينهم من البيع، والشراء، والنكاح، وما أشبه ذلك .
والعادة : هي الأمر المتكرر سواء أكان لجماعة أم لفرد، فالعُرف لا يكون عادة لفرد بل يكون عادة للجماعة فقط .
يقول رحمه الله في هذه القاعدة : كل ما أتى على لسان الشارع مطلقاً ولم يحده بشيء بزمان ولا مكان ولا عدد ... إلخ فإننا نرجع إلى تحديده بالعُرف، وهذا يدل على اعتبار العُرف، والرجوع إلى العُرف واعتباره إحدى القواعد الخمس الكلية .(1/199)
ودليل هذه القاعدة قوله تعالى : { - صدق الله العظيم ( - مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( الله ( تم بحمد الله - ( - { - - - - صدق الله العظيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - صلى الله عليه وسلم -( - (( { الله أكبر ( الله - - ( - - } (1) وقوله تعالى : { - فهرس - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - قرآن كريم ( - ( قرآن كريم { الله أكبر ( الله - - (( - - - - صدق الله العظيم ( - ( - ( - ( - - صدق الله العظيم ( - ( الله - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - (( { الله أكبر ( الله - - ( - - } (2) وقوله تعالى: { - صدق الله العظيم ( - - صلى الله عليه وسلم -( - (( - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ((- رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - } (3) وقوله تعالى : { ( - ((- جل جلاله -( - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - { - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - } } (4) وقوله تعالى : { - (( - قرآن كريم ( - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - - صلى الله عليه وسلم -( - (( - (( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( - قرآن كريم ( مقدمة ( - - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - (( - (( - - } (5) وقوله تعالى : { - صدق الله العظيم ( - قرآن كريم ((( فهرس - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( - قرآن كريم (
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 228 .
(2) سورة البقرة، الآية : 233 .
(3) سورة النساء، الآية : 19 .
(4) سورة الطلاق، الآية : 7 .
(5) سورة البقرة، الآية : 231 .(1/200)
الله أكبر ( الله - - (( فهرس ( - - رضي الله عنهم - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (- سبحانه وتعالى -( { ( - ( - - - (( فهرس ( - - رضي الله عنهم - - - - - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ((- رضي الله عنهم - - ( - - - ( - } - درهم { - رضي الله عنهم - مقدمة - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( الله أكبر ( الله - - ((((( } (1).
وقال - صلى الله عليه وسلم - لهند بنت عتبة رضي الله عنها : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".(2) وأيضاً ما رواه أحمد في مسنده عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : " ما رآه المسلمون حسناً فهو حسن" قال الحاكم : إسناده صحيح ووافقه الذهبي(3) وهذا يدخل تحته أمثلة كثيرة في العبادات والمعاملات والأنكحة ... إلخ .
فمن الأمثلة الداخلة على ذلك : إدراك تكبيرة الإحرام فإنه لم يحدها الشارع بشيء فنرجع فيها إلى العُرف، فإن كان هناك فاصل كثير بحيث لا يعتبر عُرفاً أنه مدرك فلا يكون مُدركاً وإن كان فاصلاً يسيراً بحيث يعتبر عُرفاً أنه مدرك فإنه يكون مُدركاً .
مثال آخر : الأصل أنه يتوضأ بالماء لكن إذا كان الماء بعيداً عُرفاً على الإنسان، فإنه يتيمم وإن كان الماء قريباً عُرفاً فإنه لا يتيمم.
مثال ثالث: إذا كان يجهل القبلة وحوله البلد نقول : إن كان قريباً عُرفاً، فإنه لابد أن يذهب وينظر إلى القبلة، وإن كان غير قريب عُرفاً فإنه يصلي، وعلى هذا فقس .
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 236 .
(2) أخرجه البخاري رقم (2211) ، ومسلم رقم (1714) .
(3) تقدم تخريجه ص (189) .(1/201)
مثال رابع : في المعاملات : العيب في السلعة يُرجع فيه للعرف إذا قال أهل العُرف : إن هذا عيب يفسخ به العقد أو يؤخذ فيه الأرش فهو عيب معتبر، أما إذا قالوا : بأنه عيب يسير لا يوجب الفسخ ولا يوجب أخذ الأرش فإنه لا فسخ ولا أرش .
مثال خامس : الغبن . إذا غبن نرجع في ذلك إلى العرف إذا دل العُرف على أنه غبن فله الخيار، أما إذا دل العُرف على أنه ليس غبناً وأنه يسير فلا خيار .
مثال سادس : التدليس أيضاً نرجع في ذلك إلى العُرف .
مثال سابع : القبض في المبيع لابد للمشتري من القبض، وأن لا يبيع حتى يقبضه، وضابط القبض يُرجع فيه إلى العُرف، والعُرف يختلف باختلاف السلع .
مثال ثامن : في الحدود إذا سرق السارق فإنه تقطع يده لكن يشترط أن يسرق من حرز، وما هو ضابط الحرز ؟ يرجع في ذلك إلى العُرف فحرز السيارة ليس مثل حرز الدراهم، والذهب والماشية، فالماشية حرزها في الأحواش، والخضروات حرزها وراء الشرائج، والذهب والفضة والنقود حرزها في صناديق الحديد يقفل عليها، فالحرز يختلف باختلاف الأموال، والزمان، والمكان، فيرجع في ذلك إلى العُرف .
مثال تاسع : في باب الأنكحة المرأة هل يجب عليها أن تخدم زوجها أو لا ؟ نرجع في ذلك إلى العرف إن كانت من نساء يخدمن أزواجهن فإنه يجب عليها أن تخدمه تغسل ملابسه، وتطبخ طعامه ... إلخ ، وإن كانت من نساء لا يخدمن أزواجهن فلا يجب عليها أن تخدم زوجها .
مثال عاشر : نفقة الزوجة يُرجع في ذلك إلى العُرف.
مسألة : والعُرف له شروط فليس كل عرف مقبولاً :
الشرط الأول : أن يكون العرف مطرداً : أي ظاهراً ومتكرراً بين الناس .
قال ابن نُجيم في الأشباه : ( فلا عبرة بالعُرف غير المطرد، أو الأغلبي ) .
الشرط الثاني : أن يكون عاماً : فلا يكون في حي من أحياء البلد .
الشرط الثالث : أن لا يخالف نصاً شرعياً : فإذا كان كذلك فإنه يكون عُرفاً فاسداً كالتعارف على الأمور المحرمة .(1/202)
الشرط الرابع : أن لا يكون طارئاً؛ أي : أنه لم يحدث إلا منذ فترة يسيرة ولم يشتهر بعد . فالعُرف ما تألفه النفوس وهذا غير معروف، وفي هذه الحال لا يكون مقبولاً قال ابن نجيم في الأشباه : ( فلا عبرة بالعرف الطارئ ) وحكى الشاطبي : ( الاتفاق على هذا في الموافقات ) .
الشرط الخامس : أن لا يعارضه تصريح؛ كأن يصرح الزوج أنه سيعطي نصف المهر والباقي يكون مؤجلاً، فإنه يُعمل بهذا التصريح ويكون مخالفاً للعُرف وهو تعجيل المهر .
الشرط السادس : أن يكون ظاهراً غير خفي لتنقاس به الأمور قاله القرافي في ( الأحكام ) .
مسألة: يقسم جمهور الأصوليين والفقهاء العُرف إلى قسمين:
الأول : عرف قولي : كأن يعتاد الناس في بيعهم وشرائهم على صيغة معينة يعتادونها في الإيجاب والقبول، مثل أن يقول : الله يربحك أو يقول : نصيبك، أو ما أشبه ذلك .
الثاني : عرف فعلي : وهو ما يعتاده الناس بينهم عن طريق العادة المتكررة، أو عن طريق العمل .
ويقسمونه أيضاً إلى : عُرف عام : يعمل به أهل البلاد كلها ويتوارثه الناس في كل البلاد .
وعُرف خاص : يعمل به مجموعة من الناس ويكون في بلد معين .
************************
قوله : [ صيغات العقود ] : جمع صيغة، يقال صاغ شعراً أو كلاماً : أي وضعه .
وفي الاصطلاح : ما دل على انعقاد العقد من قول، أو فعل يرجع فيها إلى العُرف . وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( أن العقود تنعقد بكل ما دل عليه العُرف من قول، أو فعل متعاقب ، أو متراخي ) .
يعني البيع هل له صيغة خاصة أولا ؟ .
ليس له صيغة خاصة ينعقد بأي عقد دل عليه العُرف .
إذا قال : بعتك السيارة بألف ريال، أو ملكتك السيارة بألف ريال، أو وهبتك السيارة بألف ريال فإنه ينعقد ليس له صيغة محددة.
وكذلك الشركة ليس لها صيغة محددة والإجارة، والمساقاة، والمزارعة ... إلخ من صيغ العقود وأيضاً النكاح هل له صيغة محددة أو لا ؟ .(1/203)
المشهور من المذهب ومذهب الشافعية : أنه لابد أن يكون بلفظ الإنكاح أو التزويج قالوا : لأن هذين اللفظين هما اللذان وردا في الكتاب والسنة قال تعالى : { } - قرآن كريم ( - ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنه - - - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( ( المحتويات ( تمهيد (( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } (1) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج " (2) وقال - صلى الله عليه وسلم - : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم " (3).
والصواب أن النكاح كغيره ولهذا أشار الشيخ رحمه الله بقوله: [ مطلقاً ] يعني النكاح، وغير النكاح لا نستثني شيئاً .
قوله : [ في قول من قد حققا ] : يعني من أصاب في هذه المسألة وبلغ التحقيق فيها كشيخ الإسلام رحمه الله ويدل لذلك حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال للرجل في قصة الواهبة : " ملكتكها بما معك من القرآن " . (4)
__________
(1) سورة النور، الآية : 32 .
(2) أخرجه البخاري رقم (1905) ، ومسلم رقم (1400) .
(3) أخرجه أبو داود رقم (2050) والنسائي (6/65) وابن حبان (9/363) والحاكم في مستدركه (2/162) وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي وقال ابن الصلاح حسن الإسناد . .
(4) أخرجه البخاري رقم (5030) ، ومسلم رقم (1425) .(1/204)
فالصواب : لا نستثني شيئاً النكاح أو غيره، فسائر العقود تنعقد بما يدل عليه العُرف؛ لأن هذا مطلق على لسان الشارع ولم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - : بيعوا واشتروا بلفظ كذا، وأيضاً لم يرد في الكتاب بيعوا أو أجروا بلفظ كذا وكذا، ولم يرد ذلك في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
**********************
هذه أيضاً قاعدة في الشروط في العقود : [ أن الشرط العُرفي كالشرط اللفظي ] وسيأتي تعريف الشرط في العقد، والفرق بين شرط العقد، والشرط في العقد عند قول المؤلف رحمه الله :
والشرط والصلح إذا ما حللا ... محرماً أو عكسه لن يقبلاً
فيجب الوفاء به لعموم قوله تعالى : { - - رضي الله عنهم - - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم (((- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( - قرآن كريم ( { ((( - - - ( - - } (1) .
__________
(1) سورة المائدة، الآية : 1 .(1/205)
والأمر بإيفاء العقد يتضمن الأمر بإيفاء أصله ووصفه، ومن وصفه الشرط فيه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في البخاري معلقاً بصيغة الجزم "المسلمون على شروطهم"(1) وحديث عقبة رضي الله عنه " إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " (2) والشروط التي يشترطها أحد العاقدين إما أن تكون لفظية مثل أن يقول : "بعتك السيارة بشرط أن أستعملها يوماً أو يومين، وإما أن تكون عرفيه تعارف الناس على ذلك، فنقول : بأن الشرط العرفي كالشرط اللفظي في وجوب الوفاء به .
ومن ذلك : أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أراد أن يتزوج على فاطمة رضي الله عنها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فاطمة بضعة مني يريبها ما يريبني" (3) قال ابن القيم رحمه الله : " هذا دليل على أن الشرط العرفي كالشرط اللفظي؛ لأن الإنسان إذا تزوج من قوم لا يتزوج على نسائهم فإنه ليس له أن يتزوج على هذه المرأة؛ لأنه دخل على بصيرة وشرط، وأن هذه المرأة لا يتزوج عليها فليس له أن يتزوج على امرأته " .
__________
(1) أخرجه أحمد (2/366) وأبو داود رقم (3594) وابن حبان (11/488) والحاكم (2/449) والبيهقي (6/79) وابن عدي في الكامل (2088/6) وعلقه البخاري بصيغة الجزم في كتاب الإجارة من صحيحه، وصححه الترمذي وابن حبان وحسنه ابن الملقن وقواه ابن عبدالهادي، وقال النووي رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح، وضعفه ابن حزم وعبد الحق وابن القطان .
(2) أخرجه البخاري رقم (5151) ، ومسلم رقم (1418) .
(3) أخرجه البخاري رقم (5230) ، ومسلم رقم (2449) .(1/206)
ومثل ذلك : كل من نصب نفسه للعمل للناس (سمساراً) يبيع لهم وتعارف الناس على أنك إذا أعطيته السلعة فباعها فإن له كذا وكذا، فهذا شرط عرفي حتى وإن لم يقل : بشرط أن لي كذا وكذا، مادام أن الناس تعارفوا أنه يعمل بنسبة كذا وكذا، أو أنه يعمل هذا الطعام أو يغسل أو يخيط بكذا وكذا - فإنه وإن لم يشترطه عليك - له ذلك بناء على أن الشرط العرفي كالشرط اللفظي .
************************
يشترط في العقود أن تكون من مالك أو من يقوم مقامه والدليل على ذلك : قوله تعالى : { - - رضي الله عنهم - - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - ( { - (( - - رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - - - - - (((- رضي الله عنهم - - ( - - - فهرس - ( { - - - رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - - - - تم بحمد الله ( فهرس قرآن كريم ( - ( - ( - - - - ( - } (1) فقال "تداينتم" فهذا يدل على أنه لابد أن يكون العقد بين مالكين .
وقوله تعالى : { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ( - ( - ( - - - المحتويات ( - - - (- عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - ( - (((- رضي الله عنه - تمهيد ( - - - ( - } (2) ومن أَكْل أموال الناس بالباطل أن يبيع الشخص مال غيره، أو يؤجره، أو يعقد عليه عقد شركة، أو مساقاة، أو مزارعة بغير إذنه ورضاه ... إلخ . هذا كله من أكل أموال الناس بالباطل .
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 282 .
(2) سورة البقرة، الآية : 188 .(1/207)
ولحديث حكيم بن حزام قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا تبع ما ليس عندك " (1) وإذا باع ملك غيره فإنه يبيع ما ليس عنده. قوله: [وكل ذي ولاية كالمالك] : أي يشترط في العقد أن يكون من مالك، أو من ينوب مناب المالك، والذي ينوب مناب المالك خمسة :
الأول : الناظر : وهو الذي يلي أمر الوقف، فهذا قائم مقام المالك يبيع في الوقف ويشتري؛ حسب المصلحة فهذا استفاد التصرف من المُوقِف أو الحاكم .
الثاني : الوصي : وهو الذي استفاد التصرف من المالك بعد الموت، فإذا وصى أن زيداً يقوم على وصيته وأنه يبيع فيه ويشتري حسب المصلحة فإنه قائم مقام المالك .
الثالث : الولي : وهو القائم على أموال القُصَّار من المجانين، وغير البالغين، والسفهاء، فهذا قائم مقامهم يبيع ويشتري لهم بالأحظ قال تعالى: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( { - - - رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - عليه السلام - - ( - - - - صدق الله العظيم ( { (( - { - - - ( - { - ( - ( صدق الله العظيم - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - } (2) ولقول عمر رضي الله عنه " ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة ".(3)
__________
(1) أخرجه أحمد (3/402) وأبو داود رقم (3503) ، والنسائي رقم (4601) ، والترمذي (1232) وابن ماجه رقم (2187) . وقال الترمذي حديث حسن وفي بعض النسخ حسن صحيح وصححه ابن الملقن وقال البيهقي إسناده حسن متصل .
(2) سورة الأنعام، الآية : 152 .
(3) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في مسائل أبيه (159) والدارقطني في سننه (2/110) والبيهقي (4/107) وقال البيهقي : إسناده صحيح .(1/208)
الرابع : الوكيل : هو الذي استفاد التصرف من المالك حال الحياة، فإذا وكل شخصاً أن يبيع له وأن يشتري فإنه يكون قائماً مقام المالك ويدل لذلك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وكّل عروة بن الجعد رضي الله عنه أن يشتري له أضحية " .(1)
الخامس : الحاكم يبيع مال المدين؛ لكي يوفي الدين الذي عليه، أو يبيع مال الشخص؛ لكي ينفق على أهله فالإذن هنا من جهة الشرع .
وقول المؤلف : [ وشرط عقد كون من مالك... ] : يفهم منه عدم صحة عقد الأجنبي – غير المالك – ولو أجازه المالك، وهو ما يسمى بالتصرف الفضولي .
والصواب : أن التصرف الفضولي ينفذ في كل ما تدخله النيابة من العبادات، والمعاملات، والأنكحة، والكفارة .
والأدلة على هذا كثيرة منها : حديث عروة بن الجعد رضي الله عنه " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكله في شراء شاة بدينار، وفي الطريق باع الشاة بدينارين، واشترى بدينار شاة أخرى، فرجع للنبي - صلى الله عليه وسلم - بدينار وشاة " رواه البخاري . (2)
************************
هذه قاعدة : [ أن كل من لا يعتبر رضاه لا يعتبر علمه ] .
وأدلة هذه القاعدة كثيرة منها :
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (3642) ، ومسلم رقم (1873) .
(2) تقدم قريباً .(1/209)
قوله تعالى : { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - (( - } - - - - - - - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( { ( - - ( - عليه السلام -( - - - - ( } - جل جلاله - - - - - صدق الله العظيم ( - قرآن كريم ( { ( - - - ( - ( - (( - ( الله - - ((( - } (1) فأباح الله عز وجل الطلاق، سواء أكان ذلك برضا المرأة أم بغير رضاها، بعلمها أو بغير علمها، فالطلاق يقع حتى وإن لم تعلم المرأة ومن الأدلة : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر " . (2)
وتصرية الإبل : ربط أخلافها حتى يجتمع اللبن فيظن المشتري أن هذا هو عادتها فيشتريها، فإن اشتراها فهو بخير النظرين إذا تبين له أن البائع قد دلس عليه إن شاء أن يفسخ ويرد صاعاً من تمر مقابل الحليب الذي أخذ، وإن شاء أن يمسك فإذا فسخ فله ذلك رضي البائع أو لم يرضَ، علم أم لم يعلم . ومن صور هذه القاعدة :
الصورة الأولى : الفسخ لِلعيب، فلو أن المشتري وجد في السلعة عيباً، فله أن يفسخ وإن لم يعلم البائع وإن لم يرضَ .
الصورة الثانية : لو أن المشتري وجد البائع قد غبنه في الثمن، فله أن يفسخ وإن لم يعلم البائع؛ لأنه لا يشترط رضاه .
الصورة الثالثة : لو أن المشتري وجد أن البائع قد دلس عليه فأظهر المبيع الرديء بصورة جيدة، أو الجيد بصورة أجود، فله أن يفسخ وإن لم يعلم البائع ؛ لأن البائع لا يشترط رضاه فإذا كان لا يشترط رضاه لا يشترط علمه .
الصورة الرابعة : إذا طلق زوجته وهي لم تعلم، وهو في مكان، وهي في مكان فقال : زوجتي طالق، فيقع عليها الطلاق؛ لأن الزوجة لا يعتبر رضاها حتى لو كرهت .
__________
(1) سورة الطلاق، الآية : 1 .
(2) أخرجه البخاري رقم (2148) ، ومسلم رقم (1515) .(1/210)
الصورة الخامسة : أعتق رقيقه فالعتق ينفذ ولو كره الرقيق؛ لأنه لا يعتبر رضاه فكذلك لا يعتبر علمه .
الصورة السادسة : الشفيع له أن يأخذ بحق الشُّفعة وإن لم يعلم المشتري؛ لأن المشتري لا يعتبر رضاه فكذلك لا يعتبر علمه.
مثال ذلك : زيد وعمرو شريكان في أرض، فزيد باع نصيبه على صالح، الشريك عمرو له أن يُشفِّع على صالح وإن لم يعلم صالح فيقول : شفعت ويأخذ النصيب الذي باعه شريكه زيد على صالح ويُعطي صالحاً الثمن الذي دفعه لزيد ويستقل بكل النصيب فيشفع حتى وإن لم يعلم المشتري؛ لأن المشتري لايشترط رضاه فلا يشترط علمه .
ومثل ذلك : المضمون والمضمون له، والمكفول والمكفول له ... إلخ هؤلاء كلهم لا يشترط علمهم؛ لأنه لا يشترط رضاهم فيصح أن أضمن زيداً من الناس وإن لم يعلم زيد؛ لأنه لا يشترط رضاهم أو أكفل لزيد أو أكفل زيداً .
************************
قوله : [ دعوى ] : الدعوى : إضافة الإنسان لنفسه حقاً على غيره، والمراد ادعاء فساد العقد، وعدم ترتب أثر العقد من انتقال الملكية ونحو ذلك .
والعقد الفاسد : هو الذي اختل شرط من شروط صحته، أو مانع يمنع صحته .
والصحيح : هو ما توفرت شروطه، وانتفت موانعه .(1/211)
الأصل في العقود السلامة؛ أي: أنها وقعت على وجه الصحة. ويدل لذلك : عمومات أدلة العقود كقوله تعالى : { } - - رضي الله عنهم - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - رضي الله عنهم -(( - - رضي الله عنه - - ( - - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - رضي الله عنهم - مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - - - - - } (1) فالله تعالى أباح البيع فدل ذلك على أن الأصل فيه أنه وقع على وجه السلامة والصحة فلك أن تبيع ما اشتريته سابقاً، فدل على أن عقد الشراء السابق وقع على وجه الصحة، وكقوله تعالى: { } - قرآن كريم ( - ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنه - - - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( ( المحتويات ( تمهيد (( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (2) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج " (3) وعلى هذا كل دعوى تنافي هذا الأصل، فلابد فيها من البينة قال - صلى الله عليه وسلم - : " البينة على المدعي، واليمين على من أنكر " (4) ، وهذا يكون في عقود المعاوضات، والتبرعات، والأنكحة ... إلخ .
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 275 .
(2) سورة النور، الآية : 32 .
(3) تقدم تخريجه ص ( 266 ) .
(4) تقدم تخريجه ص (114) .(1/212)
مثال ذلك : في عقود المعاوضات، لو أنه باع السيارة ثم بعد أن تم البيع ادعى البائع أن البيع غير صحيح لوجود مانع؛ لأن البيع وقع بعد نداء الجمعة الثاني، أو لأن البيع وقع بعد أن تضايق وقت المكتوبة وهو لم يصلها فنقول : الأصل السلامة وأن البيع صحيح، ولابد من دليل يدل على أن البيع وقع بعد نداء الجمعة الثاني، أو أن البيع وقع بعد أن تضايق وقت المكتوبة .
أيضاً إذا باع ثم ادعى أحد المتعاقدين انتفاء شرط، مثل أن يكون الثمن مجهولاً أو أن المثمن مجهول ... إلخ فالأصل في البيع السلامة لابد من دليل يدل على صحة قول من يدعي الفساد .
وقل مثل ذلك : في الإجارة، والشركة، والمزارعة، الأصل في هذه العقود أنها وقعت على وجه السلامة، فلابد من دليل يدل على الفساد.
مثل ذلك في عقود التبرعات : الهبة، والوقف، والوصايا، لو أنه وهب زيداً كتاباً، ثم ادعى أن هذا الكتاب الذي وهبه ليس ملكاً له وأن هذه الهبة فاسدة، فهذه الدعوى باطلة لابد من الدليل على أن هذا الكتاب ليس ملكاً له، أو أنه وقف وقفاً ثم ادعى أن هذا الوقف الذي أوقفه مرهون والمرهون لا يصح وقفه، فلابد من الدليل الذي يدل على ما ذكر من فساد عقد الوقف . وكذلك لو زوج ابنته ثم ادعى فساد العقد؛ لفقد شرط فلابد من الدليل على هذا الفساد.
**********************
قوله : [ الحس ] : هو الإدراك بإحدى الحواس الخمس.
والمراد به هنا : مالا يتصور وقوعه، ولو على وجه بعيد. كل دعوى ينكرها الحس فإن القاضي لا يسمعها أصلاً ولا ينظر فيها.
فالدعوى تنقسم قسمين :
القسم الأول : دعوى يقرها الحس .
القسم الثاني : دعوى ينكرها الحس .
الدعوى التي ينكرها الحس : هذه لا يقرها القاضي ولا يسمعها ولا ينظر فيها، ولا في الشهود، ولا يسمع إلى قول المتخاصمين ... إلخ .
أما إذا كان الحس يقرها : فإن القاضي ينظر في أقوال المتخاصِمَين، والبينات من الشهود، وغيرها .(1/213)
مثال : (الدعوى التي ينكرها الحس) : لو أن المرأة ادعت أن عدتها انقضت، وعدتها ثلاث حيض فادعت أنها حاضت ثلاث حيض في عشرين يوماً، وأن زوجها الذي طلقها لا يتمكن من مراجعتها، فهذه دعوى ينكرها الحس؛ لأنه لا يمكن أن تحيض امرأة ثلاث حيض في عشرين يوماً .
المثال الثاني : لو أن شخصاً ادعى أن هذا الولد ولده، وهذا الولد له عشر سنوات، وعمر المدعي خمس عشرة سنة، فهذه الدعوى ينكرها الحس، فلا يمكن أن يولد لمن له خمس سنوات، وعلى هذا لا يسمعها القاضي ولا ينظر فيها .
المثال الثالث : لو أن شخصاً في أقصى المغرب ثم ادعى شخص أنه سرق منه، أو أنه اعتدى عليه في تلك الليلة الذي هو في أقصى المغرب، بحيث أنه لا يمكن أن يأتي في ذلك الوقت فهذه دعوى ينكرها الحس فلا ينظر إليها القاضي .
المثال الرابع : لو ادعى شخص معروف فقره أموالاً عظيمة على شخص آخر، وأنه أخذها منه قرضاً أو غصباً ... إلخ ولم يُعهد أن هذا الفقير قد أصاب مثل ذلك المال بإرث أو نحوه، فإن هذه الدعوى لا تقبل ولا يلتفت إليها .
***********************
قوله : [ بينة ] : البينة : الحجة الواضحة .
ويأتي المراد بها عند العلماء .
وقوله : [ مدع ] : المدعي : هو المطالِب، والمدعى عليه هو المطالَب .
وقيل : المدعي : من إذا ترك الخصومة لم يجبر عليها .
والمدعى عليه : إذا ترك الخصومة يجبر عليها .
وقيل : المدعي : من يخالف قوله الظاهر .
والمدعى عليه : من يوافق قوله الظاهر .
وقال ابن قدامه رحمه الله : ( يحتاج إلى جهد القاضي ) .
وقال ابن المسيب رحمه الله : ( أيما رجل عرف المدعي من المدعى عليه لم يلتبس عليه ما يحكم بينهما ) .
هذه قاعدة وهي : [ البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر ] فإذا ادعى شخص على شخص شيئاً؛ كأن يريد منه مالاً، أو أن عليه ديناً، أو ادعى عليه عقداً، أنه باعه، أو اشترى منه، فنقول : يجب على المدعي البينة، فإذا لم يكن بينة فإن على المدعى عليه اليمين .(1/214)
مسألة : في أي شيء تشرع اليمين ؟
الحقوق التي تشرع فيها والتي لا تشرع اليمين تنقسم إلى قسمين :
الأول : حقوق الله تعالى :
أ- الحدود؛ كالزنا، والسرقة فلا تشرع فيها اليمين بلا خلاف، إلا إذا تضمن إثبات حق لآدمي؛ كأن يدعي عليه سرقة ماله ليضمنه فيثبت الحق دون القطع .
الحقوق المالية، كدعوى أن الحول قد تم، وأن الزكاة وجبت، فعند الحنابلة لا يستحلف، وعند الشافعي : يستحلف .
الثاني : حقوق الآدميين :
المال وما يقصد به المال تشرع فيه اليمين بلا خلاف .
ما ليس بمال ولا يقصد به المال كالقصاص، وحد القذف، والطلاق، والرجعة، والنسب ... إلخ . فالشافعي والإمام أحمد: يستحلف، وأبو حنيفة ومالك: لا يستحلف .
لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " البينة على المدعي، واليمين على من أنكر " (1)
وقوله : [ بينة ألزم ] : ما المراد بالبينة ؟
في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم رحمهم الله :
__________
(1) تقدم تخريجه ص (114) .(1/215)
الرأي الأول : رأي جمهور أهل العلم يخصون البينة ببينة الشهود فقط ويستدلون على ذلك بقوله تعالى : { - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - ( تمهيد ( - - جل جلاله - - (( - ( - ( - - - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم - - } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - { - (( } (1) وقوله : { } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((- رضي الله عنهم - - - ( - - رضي الله عنهم -( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( المحتويات ( تمهيد ( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - - } } (2) .
الرأي الثاني : أن البينة ليست خاصة بالشهود، بل البينة هي كل ما يُبيّن الحق ويظهره من القرائن، والشهود، والوثائق، والكتابات والعادات .
مثال العادات : لو أن الزوج طلق زوجته وادعى الزوج أن حلي المرأة له، وادعت الزوجة أن الكتب التي للزوج لها، فالعادة تكذب ذلك، فالحلي يكون للمرأة، والكتب تكون للزوج فما اختص بالمرأة يكون للمرأة، وما اختص بالرجل يكون له وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله وهذا القول هو الصواب .
__________
(1) سورة النور، الآية : 4 .
(2) سورة البقرة، الآية : 282 .(1/216)
ويدل لذلك : أولاً : قوله تعالى : { ( - - { - - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - جل جلاله - فهرس - ( - ( - ( تمهيد (- عليه السلام - - ( } - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - } (1) والبينات التي أرسلت بها الرسل ليست هي الشهود، بل هي الدلائل الواضحات على صدقهم من الآيات الشرعية والكونية .
ثانياً : أن الشارع اعتبر القَافَة في إثبات النسب، ففي حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها مسروراً تبرق أسارير وجهه فقال : " ألم تري إلى مُجَزِّزاً المُدْلِجي ؟ نظر إلى أقدام زيد بن حارثة وأسامة وقد غطيا رأسيهما بقطيفة فقال : " إن هذه الأقدام بعضها من بعض " (2) وهذه قرينة على أن أسامة ابن لزيد ولم يكن هناك شهود .
ثالثاً : حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه " (3) والبينة هنا ليست الشهود بل كل ما يبين الحق ويظهره .
رابعاً : الخلفاء رضي الله عنهم عملوا بالقرائن في إثبات الحدود فقال عمر رضي الله عنه كما في الصحيحين " ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة، أو كان الحَبَل أو الاعتراف " (4) فالحَبَل قرينة على الزنا فإذا حملت امرأة ليس لها زوج ولا سيد فإن هذا قرينة على زناها .
__________
(1) سورة الحديد، الآية : 25 .
(2) أخرجه البخاري رقم (3555) ، ومسلم رقم (1459) .
(3) أخرجه البخاري رقم (3142) ، ومسلم رقم (1751) .
(4) أخرجه البخاري رقم (6829) ومسلم رقم (1691) .(1/217)
وكذلك عثمان رضي الله عنه جَلَد من تقيأ الخمر (1)وأنه لم يتقيأ الخمر إلا لكونه شربها وأما قوله تعالى : { تمت ( - - ( ( المحتويات { - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - (((( فهرس - ( - - عليه السلام - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - ( ( تمت - - - - صلى الله عليه وسلم - - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (2) هذا ليس في القضاء بالحق، إنما هو في إثبات الحق، وفرق بين القضاء في الحقوق وتمييز الحقوق وبيان أصحابها.
ففي الفصل في الحقوق، والخصومات قد تكون البينة أعم من هذه الأشياء والله سبحانه ذكرها في معرض إثبات الحقوق لا في معرض الفصل في الخصومات .
**********************
الأمين : هو كل من قبض المال بإذن الشارع، أو بإذن المالك. ويدخل في ذلك صور وقد تقدم بيان ذلك . (3)
هذا الأمين قبض المال وقلنا : أعطنا المال قال : أنا رددت المال .
مثال ذلك : قال الموكِّل للوكيل : أنا أعطيتك السيارة تبيعها أعطني السيارة قال : أنا رددتها عليك، أو قال المُعِير : أنا أعطيتك الكتاب رده علي قال المستعير : أنا رددته عليك ... إلخ، أو المستأجِر قال للمؤجر : رددت عليك السيارة أو المودَع قال للمودِع: رددت عليك الوديعة، هل هذا الأمين يقبل قوله في الرد أو لا يُقبل ؟ المؤلف رحمه الله فصّل في هذه المسألة : وأن الأمين فيما يتعلق بالرد ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : من قبض المال لحظ نفسه ولذلك أمثلة :
المثال الأول : المرتهن دفع ماله قرضاً وقبض السيارة من مالكها (الراهن) توْثِقَة، الآن هو أمين على هذه السيارة، لكن قبضها لحظ نفسه لكي يتوثق من ماله .
المثال الثاني : المستعير استعار السيارة من زيد، فهو أمين عليها، وقبضها لحظ نفسه .
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (1707) .
(2) سورة البقرة، الآية : 282 .
(3) انظر ص (270) .(1/218)
القسم الثاني: أن يكون قبض العين لحظ نفسه، ولحظ المالك، ولذلك أمثلة :
المثال الأول : المضارَب، إذا أعطيت شخصاً ألف ريال لكي يُضارَب فيه يعمل ويتاجر فيه، له جزء من الربح ولك جزء من الربح الآن قبض المال لحظ المالك وحظ القابض؛ لأن المالك سيكون له حظ من الربح والمضارب له حظ .
المثال الثاني : الشريك قبض المال لحظ الشريك ولحظه هو. يعني لحظهما جميعاً .
المثال الثالث : الوكيل بجعْل، إذا وكَّلت زيداً يبيع السيارة بمائة ريال هو الآن قبضها لحظ مالكها؛ لأن المالك ستُباع سيارته وأيضاً لحظ الوكيل؛ لأن الوكيل سيبيع له بجعل .
فهذان القسمان المذهب أنه لا يقبل قول الأمين في الرد .
الرأي الثاني : يقبل قوله كما سيأتينا إن شاء الله . (1)
القسم الثالث : أن يكون القبض لحظ المالك، والأمين ليس له حظ في القبض .
ومن الأمثلة على ذلك :
المثال الأول : الوديعة، المودَع قبض المال لحظ المالك والأمين، سيقوم بالحفظ فقط .
المثال الثاني : الوكيل إذا كان متبرعاً، قبض السيارة من صاحبها لكي يبيعها له فالقبض هنا لحظ المالك .
المثال الثالث : ناظر الوقف إذا كان متبرعاً، فإنه قبض لحظ الموقوف عليه، فيقبل قوله في الرد، وكذا المودَع لو قال : رددت الوديعة نقبل قوله، وكذلك الوكيل إذا كان متبرعاً فيقبل قوله؛ لأنه قبضها لحظ مالكها .
والصواب في هذه المسألة : أن الأمين يقبل قوله في الرد مطلقاً سواء قبضه لحظ نفسه، أو لحظمهما جميعاً، أو لحظ المالك؛ لأنه أمين ومقتضى الأمانة أن نقبل قوله، وإذا كان الأمين إذا تلفت السلعة تحت يده لا ضمان عليه فالرد من باب أولى، فإذا تلفت السلعة تحت يده وهو لم يتعدَّ ولم يفرط لا نضمنه، فكذلك إذا ادعى الرد فإننا نقبل قوله .
__________
(1) سيأتي قريباً .(1/219)
ودليل ذلك : قوله تعالى : { - - - ( - رضي الله عنه - تمت (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - (( - صدق الله العظيم ( { - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - ( - ( { ( - - - } (1) وهذا ليس ظالماً؛ لأنه قبض بإذن المالك، أو بإذن الشارع، فإذا كان كذلك فإنه لا ضمان عليه .
****************************
الأمين يقبل قوله في التلف، مثال ذلك : المستأجر أمين إذا ادعى تلف السيارة نقبل قوله، أو ادعى المودَع أو المستعير سرقت الوديعة أو العارية يقبل قوله إن تلفت العين تحت يديه، فكل الأمناء إذا تلفت العين تحت أيديهم لا ضمان عليهم سواء كان قبضه لهذه العين لحظ نفسه، أو لحظ المالك، أو لحظهما جميعاً، والمؤلف رحمه الله فرّق بين مسألة الرد، وبين مسألة التلف .
والصواب : أنه لا فرق بين هاتين المسألتين، وأن الجميع لا ضمان عليهم فيقبل قوله في الرد وأيضاً إذا تلفت، لكن إن تعدى، أو فرط فإنه يضمن . والتعدي : فعل ما لا يجوز. والتفريط : ترك ما يجب .
مثال ذلك : المستأجر أمين إذا تلفت السيارة تحت يده وهو لم يتعد ولم يفرط يسوق بقيادة نظامية ... إلخ ثم تلفت السيارة فلا ضمان عليه، لكن لو تعدى بفعل ما لا يجوز، استأجرها لكي يقودها في البلد، ثم خرج بها إلى خارج البلد وحصل عليه حادث فإنه يضمن، أو أسرع فوق السرعة النظامية فإنه فعل شيئاً لا يجوز .
والتفريط ترك ما يجب، ومن الأمثلة على ذلك :
المثال الأول : السيارة التي استأجرها، بدلاً من أن يقفلها تركها مفتوحة وهو يجب عليه أن يقفلها، فجاء شخص وسرقها وسرق ما فيها فإنه يضمن .
المثال الثاني : الوديعة . أيضاً لا يضمن إلا إذا تعدى؛ أي : فَعَل شيئاً لا يجوز له ، أعطاه السيارة وديعة فذهب وقاد السيارة فلا يجوز؛ لعدم الإذن في الاستعمال، فإذا حصل عليها تَلَف فإنه يضمن؛ لأنه فعل شيئاً لا يجوز .
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 193 .(1/220)
المثال الثالث : أعطاه الكتاب ليحفظه فبدلاً من أن يحفظ الكتاب مع الكتب وضع الكتاب في فناء البيت، فأصابته الرياح، أو الأمطار، أو الشمس حتى تلف فإنه يضمن؛ لأنه ترك الواجب. فالأمين يقبل قوله في التلف بلا بينة إلا إذا ادعى التلف بأمر ظاهر فإنه يكلف بالبينة . مثال ذلك : استعار الكتاب ثم قال : البيت احترق واحترق معه الكتاب ... إلخ بأمر ظاهر مثل الحريق أو الأمطار... إلخ. فلابد أن يكلف البينة؛ لأنه إن كان صادقاً فبإمكانه أن يقيم البينة على هذا الأمر الظاهر من حريق ومطر ... إلخ .
قوله : [ وكل من يقبل قوله حلف ] : ما دمنا نقبل قوله فإنه لابد أن يحلف . فكل أمين يقبل قوله في التلف، لكن يحلف .
مثال ذلك: رجل أعرته، أو أودعته فادعى التلف فيقبل قوله، لكن يحلف .
***********************
هذه قاعدة : [ يجب على الإنسان أن يؤدي الأمانة إلى من ائتمنه ولا يخن من خانه ] ودليل ذلك قوله تعالى : { } تمت ( { { - - - ( المحتويات ( - ( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - ( تمهيد (- عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تم بحمد الله - } - - - - فهرس - ( { - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } (1) وقوله تعالى : { - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( المحتويات ( - ( - ( - - جل جلاله -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - } ( المحتويات ( - ( - ( - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (((- عليه السلام - - } (2) .
__________
(1) سورة النساء، الآية : 58 .
(2) سورة المؤمنون، الآية : 8 .(1/221)
وفي الحديث الضعيف " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " (1) فمن ائتمنك يجب عليك أن تؤدي الأمانة إليه، وأن لا تتعدى ولا تفرط وأن تحفظها .
فمثلاً : الوكيل ائتمنك على السلعة أو العين التي وكلك عليها، أو المودع ائتمنك على الوديعة، أو المعير ائتمنك على العارية، أو أموال الأيتام والمجانين والقصّار أنت أمين على هذه الأشياء، أو الشريك ائتمنك على مال الشركة يجب عليك أن تؤدي هذه الأمانة إلى أهلها وتحفظها لهم بما يقتضي الحفظ وأن لا تتعدى ولا تفرط لما تقدم من قوله تعالى : { } تمت ( { { - - - ( المحتويات ( - ( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - ( تمهيد (- عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تم بحمد الله - } - - - - فهرس - ( { - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } .
قوله : [ ولا تخن من خان فهو قد هلك ] :
لا تخن من خانك، فزيد جحد لك مالاً؛ كأن أقرضته ألف ريال ثم بعد ذلك جحد هذه الألف، ثم اشتريت منه سلعة بثمن مؤجل هو خانك فهل تخونه أو لا ؟
يقول المؤلف : من خانك فلا تخنه أعطه الذي يريد منك، وكذا لو تمكنت من شيء من ماله، يقول المؤلف رحمه الله : لا تأخذه، إذن فما هو الطريق ؟ الطريق أن ترفع أمره إلى القاضي والقاضي يخلص حقك منه؛ لأن هذا الأمر لو فُتِح لأدى ذلك إلى التلاعب فكل من يأخذ مال شخص ويدعي أنه يريد من هذا الشخص كذا وكذا وأنه جحده ... إلخ .
***********************
هذه المسألة يسميها العلماء رحمهم الله بمسألة الظَفَر وهي أن يظْفَر الإنسان بمال لشخص له حق عنده جحده إياه فهل له أن يأخذ منه هذا المال بدلاً من حقه أو لا ؟ هذه المسألة تنقسم إلى قسمين :
__________
(1) أخرجه أبو داود رقم (3535)، والترمذي رقم (1264)، والدارمي (2/264)، والبيهقي (10/271)، وضعفه أبو حاتم وأحمد والشافعي والبيهقي وابن الجوزي .(1/222)
القسم الأول : أن يكون السبب ظاهراً، فهذا لك أن تأخذ من ماله حقك الذي تريد منه، ويدخل في ذلك نفقة الأولاد، والزوجة، وحق الضيف كما قال الشيخ رحمه الله هنا، فسبب نفقة الزوجية ظاهر، وسبب نفقة الأولاد والقرابة أمرها ظاهر، وسبب نفقة الضيف الضيافة أمرها ظاهر، فالزوجة إذا لم ينفق عليها زوجها وقصر في نفقتها الواجبة ثم ظفرت بشيء من ماله، فلها أن تأخذ من ماله بقدر الواجب، والأولاد أو الأقارب إذا قصّر قريبهم في الإنفاق عليهم ثم ظفروا بشيء من ماله، فلهم أن يأخذوا الكفاية أو تمامها، ودليل ذلك : حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهند لما شكت إليه أبا سفيان أنه رجل شحيح قال - صلى الله عليه وسلم - : " خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك، ويكفي بنيك ".(1) أيضاً رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - للضيف إذا امتنع المُضيف أن يأمر له بحقه، أن يأخذ حقه منه كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه " إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم " . (2)
القسم الثاني : أن يكون السبب خفياً مثل القرض، وثمن المبيع، وقيمة المتلف، والوديعة، والعارية... إلخ ، فليس لك أن تأخذ فإذا جحد وديعتك، أو عاريتك، أو أقرضته وجحد القرض، أو بعت عليه بثمن، مؤجل وجحد الثمن، أو أتلف مالك وجحد القيمة، فليس لك أن تأخذ منه إذا ظفرت بشيء من ماله فلا تخن من خانك، وإنما ترجع إلى القاضي فتأخذ حقك منه؛ لأن فتح هذا الباب يؤدي إلى التلاعب والفوضى ... إلخ .
وذهب الشافعي وقول في مذهب أبي حنيفة ومالك إلى أنه يجوز أن يأخذ، فمن كان يطلب إنساناً ديناً قال الشافعي : إنه يجوز له أن يأخذ .
__________
(1) تقدم تخريجه ص (261) .
(2) أخرجه البخاري رقم (2461) ، ومسلم رقم (1727) .(1/223)
وقال بعضهم : إنه يجوز أن يأخذ إذا كان لا يمكن إثباته عند القاضي، أما إذا كان يمكن إثباته عند القاضي؛ كأن يكون الذي عليه الدين مقر به، أو عنده بينِّه فقالوا : لا يجوز في هذه الحال أن يأخذ؛ لأنه ينسب إلى الخيانة والسرقة عند خفاء السبب، وكما تقدم قال - صلى الله عليه وسلم - " أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك".(1)
وفصّل بعض العلماء بين الشيء اليسير، فلك أن تأخذ حقك من ماله، وبين الكثير فليس لك أن تأخذ .
*************************
هذه قاعدة : [ يثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً ] :
التبع : هو المشارك لغيره في الحكم .
والمعنى أن هذا التبع يثبت له حكم متبوعه، والحكم لا يثبت له لو كان مستقلاً، وإنما اكتسبه من تَبَعِه لغيره .
واستقلال : الانفراد في الحكم لوحده .
ومعنى القاعدة: [ أن الشيء قد يكون له حكم حال الانفراد عن غيره، ولكن إذا اشترك مع غيره وتبعه فإنه يتغير حكمه لحكم متبوعه، ولا يصح هذا الحكم له لو كان منفرداً ] .
وللفقهاء ألفاظ أخرى تدل على القاعدة أو قريب منها كقولهم : [ قد يثبت الشيء ضمناً وحكماً ولا يثبت قصداً ]، وقولهم : [ يغتفر في التوابع مالا يغتفر في غيرها ]، وقولهم : [التابع تابع ] ، وقولهم : [ التابع لا يفرد بحكم ] .
__________
(1) م تخريجه ص (288) .(1/224)
ويدل لذلك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " حرّق نخل بني النضير"(1) وهذا جائز لما فيه من النكاية بالعدو، لكن هذا التحريق يؤدي إلى تعذيب الحيوانات بالنار من الحشرات والطيور فتعذيب هذه الأشياء إذا كانت على وجه الاستقلال محرم ولا يجوز؛ لأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار لكنه جاز تبعاً لغيره، فلما كان التحريق فيه مصلحة، فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنه سيترتب على ذلك أن يحرق شيئاً من الحيوانات فنقول : يثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً فلما كان تابعاً لغيره جاز ذلك، وكذلك الفلاح يحرق أرضه لما يترتب على ذلك من المصلحة في الأرض؛ ولأن التابع أيسر من المستقل فهو داخل في ضمنه وفي حكمه، ومن ذلك المأموم يسجد مع الإمام سجود السهو وهو لم يسهو وإنما سها الإمام فنقول : زاد هنا تعباً للإمام .
ومن الأمثلة أيضاً : يأتي المأموم، والإمام في الركعة الثانية، فيدخل معه، فهي الركعة الثانية للإمام والركعة الأولى للمأموم، فالإمام سيجلس للتشهد فيتابعه المأموم ويجلس للتشهد مع أن هذا ليس موضع جلوس له؛ لأنها الركعة الأولى بالنسبة له .
ومن الأمثلة : السوس في التمر لا يجوز أن تأكلها استقلالاً لكن لو أكلت التمرة وما فيها من سوس فإن هذا جائز ولا بأس به.
ومن الأمثلة : ثمرة النخل لا يجوز أن تبيعها حتى يبدو صلاحها، فإذا بدا الصلاح ولو في بسرة واحدة جاز لك أن تبيع البسر وهو أخضر لم يحمّر أو يصفّر لكن لو بدا الصلاح في بسرة واحدة فإنه يجوز لك أن تبيع .
ومن الأمثلة : الصلاة لا تجوز النيابة فيها؛ أي : مَنْ يصلي عن فلان، لكن لو حج عن إنسان حي أو ميت جاز له أن يصلي ركعتي الطواف وتدخل ركعتا الطواف تبعاً لا استقلالاً .
وكذلك ذكاة الجنين ذكاة أمه فيحل بذكاة أمه إذا خرج ميتاً ولا يحتاج إلى ذكاة أما لو خرج حياً فلا يحل إلا بذكاة .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (3021) ، ومسلم رقم (1746) .(1/225)
ومن الأمثلة : المجهول لا يجوز لك أن تبيعه، فالحمل على وجه الاستقلال لا يجوز لك أن تبيعه، لكن تبيع الشاة وفيها حمل يجوز؛ لأنه تابع؛ لأن الحمل قد يكون ذكراً، وقد يكون أنثى، وقد يكون واحداً، وقد يكون اثنين ... إلخ .
وكذلك اللبن على وجه الاستقلال في الضرع لا يجوز بيعه؛ لأنه مجهول لكن تبيع الشاة أو البقرة ... إلخ وفيها اللبن فهذا جائز؛ لأنه يثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً .
ومن الأمثلة: لو حلف أن لا يشتري صوفاً فاشترى شاة على ظهرها صوف، لم يحنث لأن الصوف هنا لم يكن مستقلاً، وإنما تابع للشاة .
وهذه القاعدة متفق عليها بين الفقهاء فقد حكى الاتفاق غير واحد ومنهم : السيوطي رحمه الله في " الأشباه والنظائر " والنووي في " المجموع شرح المهذب " والماوردي في الحاوي الكبير " .
ولهذا قال المؤلف رحمه الله :
يعني لو بيع الحمل وحده لا يصح كما تقدم في الأمثلة السابقة، لكن لو بيعت الحامل مع الحمل هذا جائز؛ لأن القاعدة [ يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً ] .
**************************
هذه قاعدة : [ أن كل شرط إذا ذُكر في العقد أفسده فكذلك أيضاً إذا نوى أفسد العقد ] .
ودليل هذه القاعدة : حديث عمر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " (1) متفق عليه.
مثال ذلك : المرأة إذا طلقت ثلاثاً فإنها لا تحل لزوجها حتى يطأها زوج غيره بعقد صحيح، فإن كان هناك شرط أو اتفاق بأن قال الولي : بشرط أن تطلقها إذا أحللتها لزوجها، أو اتفاق بين الولي والزوج، أو بين الزوج والزوجة على أنه متى أحلها لزوجها طلقها، فهذا يبطل عقد النكاح، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهى عن نكاح التحليل " (2) فالشرط إذا ذكر أفسد العقد، وكذلك إذا نوي فإنه يفسد العقد.
فمثلاً هنا ليس فيه اتفاق لكن نوى الزوج أنه متى أحلها لزوجها فإنه سيطلقها .
__________
(1) تقدم تخريجه ص (43) .
(2) انظر ص (223) .(1/226)
مثال ذلك : زيد من الناس طلق زوجته آخر الطلقات الثلاث فقال شخص : أتزوجها وأحلها له، ثم بعد ذلك تزوجها ونوى ذلك فالنية هنا تفسد العقد كالشرط . والدليل على ذلك : حديث عمر رضي الله عنه " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى "(1). وهذا بنيته لم يقصد الدوام، وإنما نوى التحليل . وورد أن ابن عمر سئل عن الرجل ينكح المرأة ليحلها لزوجها بلا مؤامرة، وإنما فقط نية من الزوج فقال ابن عمر رضي الله عنهما : " كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " . (2)
قوله : [ ومن نوى الطلاق للرحيل ] : أي من تزوج بنية أنه يطلق هذه المرأة عند رحيله من هذا البلد، فإن هذا محرم ولا يجوز، وهذا ما يسمى بالزواج بنية الطلاق، وقد اختلف العلماء في حكمه :
فالمشهور من مذهب الحنابلة : أنه من نكاح المتعة، لحديث عمر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما الأعمال بالنيات .." (3) فالأمور بمقاصدها، فكما أن من نوى تحليل المطلقة ثلاثاً لا تحل ولا يصح معه العقد؛ فكذا من نوى الزواج بنية الطلاق؛ ولأن النكاح يراد للدوام والاستمرار وهذا ينتفي مع النكاح بنية الطلاق، وأيضاً فإن النكاح شرع لما يترتب عليه من مصالح عظيمة تنتفي مع النكاح بنية الطلاق، ولما فيه من الغش والتدليس، ولا يرضاه أحد لموليته وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " (4) ولما فيه من اتخاذ آيات الله هزواً .
وعند الأئمة الثلاثة : جوازه ومنهم من كرهه لاستكماله الشروط والأركان .
__________
(1) انظر ص (43) .
(2) أخرجه الحاكم (2/199) والبيهقي (7/207) وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وابن تيمية في بيان الدليل (479) .
(3) تقدم تخريجه ص (43) .
(4) أخرجه البخاري رقم (13) ومسلم رقم (45) .(1/227)
واستدلوا أيضاً : بأن المعيب يتزوج وهو يعلم أنه سيفسخ منه النكاح، وأجيب : بأن كتمانه للعيب محرم فلا عبرة به .
واستدلوا : بأنه يجوز الزواج من الأَمة وقد تعتق فتختار الفسخ، وأجيب : بأن هذا طارئ ونادر وليس أصلياً كإرادة الطلاق.
ومن الأمثلة أيضاً : إذا اشترى عنباً وهو يقصد أن يعصرها خمراً فلو اشترط أنه سيعصرها خمراً فهذا الشرط يفسد العقد. وكذلك إذا نواه فإنه يفسد العقد، يكون في حقه فاسداً، أما في حق الآخر الذي لا يعلم، فإنه صحيح ولهذا قال المؤلف رحمه الله :
************************
فمن باع وهو لا يعلم عن نيته المحرمة فالبيع في حقه صحيح والثمن الذي قبضه ملك له أن يشتري به .
مثال آخر : هذه المرأة التي تزوجها هذا الشخص يريد تحليلها فالعقد في حقها صحيح، فإذا مات فإنها ترثه وتعتد له، وإذا كان حياً تطالبه بالنفقة والمهر ... إلخ من سائر أحكام النكاح، فيترتب عليه أحكام النكاح الصحيح بالنسبة لهذه المرأة، أما بالنسبة لهذا الزوج الذي نوى التحليل، فإن العقد في حقه فاسد، فلو ماتت لا يرثها؛ لأنه عقد فاسد وعلى هذا فقس .
الشَّرَطُ في اللغة : العلامة ومنه الشُرَط؛ لأن لهم علامات يتميزون بها على الناس وهي لباسهم .
وأما في الاصطلاح : إلزام أحد المتعاقدين الآخر ما له فيه منفعة، ومصلحة .
الصلح في اللغة : قطع المنازعة . وأما في الاصطلاح : معاقدة يتوصل بها إلى إصلاحٍ بين متخاصمين .
والأصل في الشروط : الصحة لقوله تعالى : { - - رضي الله عنهم - - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم (((- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( - قرآن كريم ( { ((( - - - ( - - } (1) والإيفاء بالعقد يتضمن الإيفاء بأصله ووصفه، ومن وصفه الشرط فيه .
__________
(1) سورة المائدة، الآية : 1 .(1/228)
وأيضاً لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "المسلمون على شروطهم " (1) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم. وأيضاً حديث عقبة رضي الله عنه قال - صلى الله عليه وسلم - : " إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " .(2) فالأصل في العقود الصحة والحل ويجب الوفاء بها لما تقدم من الأدلة ولا فرق على الصحيح بين الشروط في المعاملات، وفي الأنكحة، كلها يجب الوفاء بها .
والفرق بين الشروط في العقد وشروط العقد :
الفرق الأول : أن شروط العقد من وضع الشارع .
مثال ذلك : كون المبيع معلوماً، والثمن معلوماً، والعقد من مالك، هذا من وضع الشارع، أما الشروط في العقد فهي من وضع المتعاقدين .
الفرق الثاني : أن شرط العقد لا يصح إسقاطه، وأما الشرط في العقد فيصح إسقاطه، فلو أن إنساناً اشترط على من يشتري سيارته أن يستعملها لمدة يوم أو يومين ... إلخ . فيصح أن يسقط هذا الشرط، أما شرط كون المبيع معلوماً، أو الثمن معلوماً، أو شرط الولاية في عقد النكاح، فهذا لا يصح إسقاطه .
الفرق الثالث : أن الإخلال بشروط العقد يترتب عليها فساد العقد، وأما الإخلال بالشروط في العقد فيترتب عليها عدم الإلزام به فإذا لم يوفِّ فإن من له الشرط له أن يفسخ، أما الإخلال بشروط العقد فإنه يترتب عليه فساد المعاملة .
الفرق الرابع: أن شروط العقد تكون قبل العقد، أما الشروط في العقد فإنها تكون قبل العقد، وفي صلب العقد، وفي زمن الخيارين، وتقدم الإشارة إلى شيء من ذلك .
مسألة : والشروط في العقد تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : شروط صحيحة . ...
القسم الثاني : شروط فاسدة .
أيضاً يقسم العلماء رحمهم الله الشروط الصحيحة إلى أقسام :
__________
(1) تقدم تخريجه ص (267) .
(2) تقدم تخريجه ص (268) .(1/229)
القسم الأول : شرط يقتضيه العقد . مثاله : لو أن إنساناً اشترى سيارة وقال : أشترط أن أركبها فيقال : هذا الشرط يقتضيه العقد، فالإنسان إذا ملك سلعة له سائر التصرفات فيها من بيع، أو هبة، أو وقف ، أو استخدام، أو أكل لما يؤكل، ونحو ذلك فله هذه التصرفات وإن لم يشترط .
أو اشترى طعاماً وقال : بشرط أن آكله، هذا شرط يقتضيه العقد ولهذا لا يذكره بعض العلماء رحمهم الله يسقطونه، أو تزوج المرأة وقال بشرط أن استمتع بها هذا شرط يقتضيه العقد ... إلخ .
القسم الثاني : شرط منفعة في العاقد، أو المعقود عليه .
مثال ذلك : باع السيارة واشترط أن يستعملها لمدة يومين، فهذا شرط صحيح (شرط منفعة في المعقود عليه) أو اشترى سيارة واشترط على البائع أن يُصلِح فيها كذا وكذا، فهذا شرط صحيح، أو أن يغسلها فهذا شرط منفعة في العاقد .
القسم الثالث : اشتراط صفة في المعقود عليه، مثاله : اشترى سيارة فاشترط أن يكون لونها كذا ، وسرعتها، وقوتها كذا ... إلخ أو تزوج امرأة واشترط أن تكون متعلمة، دينة، بكراً ... إلخ فهذه شروط صحيحة .
القسم الرابع : اشتراط مصلحة تعود على العقد أو العاقد، كاشتراط البائع رهناً مقابل تأجيل الثمن، أو كفيلاً، أو ضامناً، أو اشترط المشتري تأجيل الثمن، أو اشترطت المرأة أن لا يتزوج عليها، أو أن لا يتسرى عليها، أو لا يخرجها من بلدها .
وكذا لو اشترط الرجوع في العقد، فلو اشترط الرجوع في عقد البيع، أو الشركة، أو الضمان، أو المساقاة، أو الهبة، أو الوقف فله ذلك، والقاعدة في ذلك : [ أن خيار الشرط جائز في كل العقود ] لما تقدم من الدليل على ذلك .
والشرط الفاسد : هو ما خالف النص، وقد يكون مفسداً للعقد، وقد يكون غير مفسد حسب استقراء الأدلة .
الشروط الفاسدة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : شروط فاسدة غير مفسدة .
القسم الثاني : شروط فاسدة مفسدة .(1/230)
مثال القسم الأول : الشروط الفاسدة غير المفسدة ما خالف الشرع، ولم يبطل ركناً من أركان العقد، أو يعارض مقصوداً أصلياً من أجله شرع العقد .
أن يشتري السيارة ويقول : بشرط أن أربح فيها نقول : هذا شرط فاسد غير مفسد؛ لأنه مخالف لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الخراج بالضمان " (1) فكما أن لك خراج الشيء، أيضاً عليك ضمانه فكما أن ربح هذه السيارة لو ربحت لك، أيضاً لو خسرت عليك الخسارة فكونك تشترط أنك تربح، وأنك لا تخسر هذا شرط فاسد لكن لا يفسد العقد .
مثال آخر : أن يبيع رقيقه ويشترط أن الولاء له إذا أعتقه المشتري، فهذا شرط فاسد؛ لأن الشارع أبطله، أو أن يشتري السلعة ويقول إن اشتراها الناس وإلا رددتها عليك، فهذا شرط فاسد لأنه يخالف ما دل عليه النص " الخراج بالضمان " .
ومن الأمثلة في الأنكحة : أن تقول المرأة : أنا أتزوجك بشرط أن تطلق زوجتك، فهذا شرط فاسد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نهى أن تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها " (2) أو تقول : أنا أرضى بالزواج لكن بشرط أن تقسم لزوجتك يوماً ولي يومين، أو لزوجتك يومين ولي ثلاثة، فهذا شرط فاسد لما فيه من الظلم والاعتداء ... إلخ .
القسم الثاني : شرط فاسد مفسد فيبطل العقد إذا كان هذا الشرط يبطل ركناً من أركان العقد، أو يعارض مقصوداً أصلياً من أجله شرع العقد مثل : اشتراط عدم حل الزوجة لزوجها في عقد الزواج .
__________
(1) أخرجه أحمد (6/80) وأبو داود رقم (3508) والترمذي رقم (1285) والنسائي (7/254) وضعفه أبو داود والبخاري وابن حزم .
(2) أخرجه البخاري رقم (2140) ومسلم رقم (1515) .(1/231)
مثال آخر: أن يقول أقرضتك بشرط أن تبيعني أو أن تقرضني فهذا شرط فاسد مفسد؛ لأن القرض يراد به الإرفاق، والإحسان، وإرادة وجه الله عز وجل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل سَلَفٌ وبيع".(1)
ومن الشروط الفاسدة المفسدة : شرط العِينة أن يبيعه سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها منه بأقل من ثمنها نقداً؛ كأن يبيع السيارة بثمن مؤجل ثم يشتريها بأقل من ثمنها نقداً فهذا شرط فاسد مفسد.
ومثاله في الأنكحة : نكاح التحليل يتزوج المرأة بشرط أنه متى حللها لزوجها طلقها، ونكاح الشغار : أن يقول : زوجتك موليِّتي على أن تزوجني موليِّتك . ونكاح المتعة : يتزوجها بشرط أنه إذا مضت مدة كذا وكذا طلقها... إلخ هذه كلها شروط فاسدة مفسدة .
الصلح : ذكرنا تعريفه، وهو ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : الصلح في حقوق الله عز وجل، وذلك بإقامتها وتأديتها على الوجه الشرعي، أما الصلح بإسقاطها فهذا باطل، مثال ذلك : الصلاة الصلح فيها أن يقيمها الإنسان كما أمره الله عز وجل، ولو أن شخصاً صالح شخصاً على أن لا يصلي ويعطيه كذا وكذا، كأن يعطي الولد أباه كذا وكذا ولا يصلي، أو صالح شخصاً على أن يعطيه كذا وكذا ويصلي عنه، أو يتوضأ عنه، أو يغتسل عنه أو يتيمم عنه، كل هذا صلح باطل .
القسم الثاني : الصلح في حقوق المخلوقين هذا يصح ويقسمه العلماء رحمهم الله إلى أقسام :
القسم الأول : صلح في الأموال .
القسم الثاني : صلح بين أهل العدل، وأهل البغي .
القسم الثالث : صلح بين الكفار، وبين المسلمين .
القسم الرابع : صلح بين الزوجين ... إلخ .
والصلح في الأموال يقسمونه إلى قسمين :
__________
(1) أخرجه أحمد (2/178) ، أبو داود رقم (3504) ، والترمذي رقم (1234) ، والنسائي (7/228) ، وابن ماجه رقم (2188) ، ورواه ابن حبان (10/161) ، الحاكم (2/17) . وقال الترمذي : حديث حسن صحيح وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي، وقال النسائي : هذا حديث منكر .(1/232)
- القسم الأول : صلح عن إقرار .
- القسم الثاني : صلح عن إنكار .
مثال صلح الإقرار : أن يقر له بمال، مثاله : يقول أنا أقر أن هذا الكتاب لك لكن أعطيك عنه كذا وكذا من المال، أو أعطيك عنه كتاباً آخر فهذا صحيح .
مثال صلح الإنكار : أن ينكر دعوى المال، ثم يصالح عن هذه الدعوى. مثاله : أن يقول المدعي : أنا أريد منك ألف ريال ثم ينكر هذه الألف، إما لكونه نسي، أو جهل، أو نحو ذلك، ثم يصالحه المدعي على شيء، بدلاً أن يرفع المدعي الأمر للقاضي ويذهب المدعى عليه ويحلف، فافتداء ليمينه يصالحه، يقول : أنت تدعي علي بألف ريال خذ خمسمائة ريال، فنقول : هذا صحيح مادام أن المدعى عليه يجهل والمدعي ليس كاذباً .
والصلح إما أن يكون على دين، وإما يكون على عين.
مثاله على دين : أن يدعي عليه بدين فيقول : نعم أنا مقر أنك تريد مني ديناً، لكن أصالحك على هذا الدين بكذا وكذا، يقول : تريد مني ألف ريال دين، أعطيك عنه براً، أو شعيراً، أو كتاباً، أو سيارة، أو نحو ذلك، فكل هذه الأشياء صحيحة بشروطها الشرعية وهذه يتكلم عليها العلماء رحمهم الله في باب الصلح، وقد يكون الصلح أيضاً عن حقوق ليست أموالاً .
ومثاله على عين : أن يدعي عليه أن هذا الكتاب الذي بيده، أو البيت الذي يسكنه له، ثم يصالحه على مال .
مثل الصلح عن حق الشفعة، والصلح عن حق الخيار، فالأصل في ذلك الصحة إلا إذا كان صلحاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً؛ كأن يصالح رجل على أن لا يأكل الطعام فنقول : بأن هذا محرم ولا يجوز؛ لأنه حرّم حلالاً، أو تُصالح المرأة زوجها على أن لا يقسم لزوجته الأخرى أو أن لا يعاشرها بالمعروف .
وصلح الإنكار إذا لم تتوفر فيه شروطه الشرعية فهو محرم ولا يجوز .
مثال ذلك : رجل صالح امرأة على أنها زوجته وليست زوجته، أو رقيقاً على أنه رقيقه وليس رقيقاً له، فهذا محرم ولا يجوز، أو ينكر المدعى عليه، وهو كاذب في إنكاره .
********************(1/233)
قوله : [ مشغول ] : اشتغل بكذا عمل وتلهى به عن غيره، ومال .
مشغول : مقيد بالتزام يحدد بعض التصرف فيه .
وقوله : [ وكل مشغول فليس يشغل ] : دليل هذه القاعدة : قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن في الصلاة لشغلا "(1) فالصلاة لها أفعال، وأذكار خاصة فلا تشغل بغير ما شرع فيها ونظير ذلك قول الشيخ السعدي رحمه الله :
وكل مشغول فليس يشغل ... مثاله المرهون والمسبَّل (2)
ومعنى القاعدة : أن من اشتغل بشيء شرعي، سواء من المكلفين أنفسهم، أو فيما يلزمهم من أملاكهم ومعاوضتهم، فإنه لا يجوز أن يشتغل بشيء آخر حتى يفرغ من الأول .
مثال ذلك : اقترضت من زيد ألف ريال، ثم رهنت بيتك، فهذا البيت الآن انشغل، أصبح توثقة لهذه الألف التي اقترضتها، فلا يصح بيع هذا البيت؛ لأنه الآن انشغل بتوثقه القرض.
أيضاً المُسَبَّل (الوقف) أصبح الآن مشغولاً بالوقف، فلو وقفت بيتك، أو سيارتك لا يصح أن تهبها أو تبيعها ... إلخ ؛ لأنها انشغلت بالوقف .
ومثل ذلك : في العبادات لو أن الإنسان شرع يصلي ثم سمع المؤذن يؤذن فلا يجيبه؛ لأنه مشغول في الصلاة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن في الصلاة لشغلاً " (3) لكن الأذكار القصيرة التي وجد سببها في الصلاة يأتي بها المصلي. يعني أن كل ذكر وجد سببه في الصلاة فإنه يؤتى به كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
فإذا عطس يحمد الله ، وإذا سمع نباح كلب، فإنه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، أو سمع صياح ديك، فإنه يسأل الله من فضله، أو أصابته مصيبة، فإنه يسترجع، أو نعمة فإنه يحمد الله ... إلخ .
لكن الأذكار الطويلة كالأذان ... إلخ لا يأتي بها؛ لأنه مشغول، والمشغول لا يشغل وعلى هذا فقس .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (1199) ، ومسلم رقم (538) .
(2) منظومة القواعد الفقهية للسعدي البيت رقم (43) .
(3) تقدم تخريجه قريباً .(1/234)
ومن الأمثلة على ذلك : الأجير الخاص : وهو من قُدِّر نفعه بالزمن، فإذا استأجرت شخصاً من الساعة السابعة إلى الساعة الثانية عشرة، الآن هو مشغول، والمشغول لا يشغل فليس له أن يبيع، أو يشتري ... إلخ . يعني الآن ملكت هذا الزمن من الأجير الخاص، فليس له أن يؤجر نفسه، أو يبيع، أو يشتري .... إلخ؛ لأن المشغول لا يشغل، وكذلك إذا أجرت بيتك لا تملك أن تؤجرها؛ لأن المشغول لا يشغل وعلى هذا فقس .
وكذلك : المعتمر إذا لبّى بالعمرة لا يجوز له أن ينصرف عنها حتى ينتهي منها؛ لأنه مشغول بها .
وكذلك : المعتكف إذا لزم مسجده لا يجوز له الخروج إلى عبادة، أو شغل آخر؛ لأنه مشغول به .
والموظف إذا كان عمله محدوداً بساعات معينة لا يجوز له أن يشتغل في هذا الوقت بعمل آخر؛ لأن المشغول لا يشغل .
**********************
هاتان قاعدتان أشار إليهما الشيخ رحمه الله الأولى :
قوله : [ كمبدل في حكمه اجعل بدلا ] : أي أنه إذا أقيم عمل، أو عين مقام عمل أو عين أخرى أخذ حكمه .
فالبدل له حكم المبدل، ودليل ذلك : قوله تعالى : { } - قرآن كريم ( - - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - - ( - - جل جلاله - - - (( - ( - - جل جلاله - - ( - - - ( } (1) فالصعيد الطيب له حكم المبدل الماء في أحكامه إلا ما يُستثنى كما سيأتي .
وأيضاً : حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : " صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب " . (2)
__________
(1) سورة النساء ، الآية : 43 .
(2) تقدم تخريجه ص (74) .(1/235)
فالقعود بدل عن القيام، فإذا لم يتمكن، بأن لحقته مشقة ظاهرة فإنه يجلس، ففي القيام يقرأ الفاتحة، وفي الجلوس أيضاً يقرأ الفاتحة، وفي القيام يضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره، وفي الجلوس أيضاً يضع يده على اليمنى على يده اليسرى على صدره، فإذا أراد أن يركع رفع يده في القيام، وكذلك أيضاً في الجلوس ... إلخ ؛ لأن البدل له حكم المبدل .
وأيضا : حديث أبي بردة رضي الله عنه لما ذبح أضحيته قبل الصلاة أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يذبح مكانها أخرى .(1) فالبدل له حكم المبدل، فيشتري أضحية أخرى بدلاً عن الأولى تتوفر فيها شروط الأضحية الشرعية .
والتيمم كما قال تعالى : { } - قرآن كريم ( - - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - - ( - - جل جلاله - - - (( - ( - - جل جلاله - - ( - - - ( } بدل له حكم المبدل وهو الماء، فالماء لا يشترط للوضوء به دخول الوقت، كذلك التيمم لا يشترط على الصحيح للطهارة به دخول الوقت فيصح أن يتطهر به، ولو قبل الوقت؛ لأن البدل له حكم المبدل .
وكذلك إذا خرج الوقت لا تبطل طهارة الماء، وكذلك طهارة التيمم لا تبطل بخروج الوقت، وإذا توضأ يصلي به أي عبادة، وكذلك إذا تيمم لأي عبادة فإنه يصلي بهذا التيمم أي عبادة.
وأما قول بعض أهل العلم رحمهم الله : إنه استباح تلك العبادة فلا يستبيح إلا مثلها ودونها ولا يستبيح أعلاها، فهذا خلاف الصواب، بل البدل له حكم المبدل. وكذلك الوقف إذا بيع فالبدل له حكم المبدل، فنبدل الأول بمثله أو أصلح، فإذا كان مسجداً نشتري مسجداً، أو محلات ... إلخ نشتري مثله أو أصلح منه، ويكون وقفاً بمجرد الشراء، ويصرف رَيعه كما يصرف رَيع الأول فالبدل له حكم المبدل .
وأيضاً الأضحية : إنسان اشترى أضحية وعيّنها ثم تلفت بتعد، أو تفريط فإنه يشتري أضحية مثل تلك الأضحية السابقة وعلى هذا فقس .
مسألة : هل يستوي البدل والمبدل في الأجر ؟
__________
(1) تقدم تخريجه ص (234) .(1/236)
ذهب بعض أهل العلم رحمهم الله : إلى أنهما لا يستويان في الأجر ولو كان البدل مثل المبدل منه في الأجر لم يكن هناك فرق بين فعل البدل والمبدل منه، ولم يكن شرط فعل البدل فقد المبدل منه، فيُفهم منه أنهما لا يستويان فلا يُجعل التيمم كالوضوء، فالوضوء أفضل، ولا يُجعل الصوم كالعتق فالعتق أفضل؛ لأن نفعه متعد، ويترتب عليه تحرير رقبة مسلمة، وكذلك في أنواع المبدلات، وهذا ذكره الزركشي عن العز بن عبد السلام لكن يقال : إن في هذا تفصيلاً :
وأنه في بعض المواضع يكون كما سبق، وفي بعض المواضع قد يكون البدل مثل المبدل في حال العذر والمشقة، فإذا لم يستطع الوضوء لمرضه، أو لفقد الماء فقد جاءت السنة أنه يكتب له أجر من توضأ .
قال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا مرض العبد، أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً " . (1)
وفي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في غزاة فقال : " إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم المرض " . (2)
قوله : [ ورب مفضول يكون أفضلا ] : هذه القاعدة الثانية، الأصل أن الفاضل أفضل من المفضول، ويدل لهذا: قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل في الحديث القدسي " وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه " .(3) فالفرائض أفضل من السنن كما في الحديث القدسي، لكن قد توجد مصالح تجعل المفضول أفضل من الفاضل، ولذلك أمثلة :
المثال الأول : قراءة القرآن أفضل الذكر، لكن قد يكون الذكر أفضل من قراءة القرآن إذا كان مشروعاً في محله، أو زمنه، أو حاله فمثلاً دبر الصلاة السنة أن يذكر الله عز وجل مع أن قراءة القرآن أفضل من الذكر، ولكن لما كان مشروعاً في هذه الحال كان أفضل .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (2996) .
(2) أخرجه مسلم رقم (1911) وأخرجه البخاري رقم (2839) من حديث أنس .
(3) أخرجه البخاري رقم (6502) .(1/237)
المثال الثاني : صلاة السنة في وقتها أفضل، لكن قد تتعلق مصالح يؤخر الإنسان فيها صلاة السنة حتى لو خرج الوقت مثل ما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما شغله وفد عبد القيس في تعلم أمور الإسلام فأخر النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة الظهر البعدية إلى دخول وقت العصر(1) فكون النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعلها في وقتها هذا هو الفاضل، وكونه يفعلها بعد الوقت، هذا مفضول، بل لا تصح بعد الوقت إذا كان عمداً بلا عذر، لكن لما كان يترتب على التأخير مصالح كان المفضول هنا أفضل من الفاضل .
المثال الثالث : صلاة الجماعة الأفضل أن تكون في المسجد، بل هذا هو الواجب، وفعلها في البيت مفضول، فإذا كان يترتب على فعلها في البيت مصلحة فلا بأس، فلو أنه إذا خرج إلى المسجد لم يصلِّ أُناس في البيت بأن يتركوا الصلاة بالكلية، وإذا جلس صلوا فكونه يجلس ويصلي معهم أفضل من كونه يخرج إلى المسجد..إلخ.
المثال الرابع : الإسرار بالصدقة أفضل، والجهر مفضول، لكن إذا ترتب على ذلك مصلحة؛ كأن يقتدي الناس به ... إلخ فالجهر في هذه الحال أفضل من الإسرار . (2)
**************************
قوله : [ استدامة ] : يقال : دام الشيء دوْماً، ودواماً ثبت، والاستدامة : طلب دوام الشيء، وثبوته .
وهذه القاعدة : يُعبر عنها العلماء رحمهم الله بقولهم : [ الاستدامة أقوى من الابتداء ، والدفع أهون من الرفع ] .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (1233) ومسلم رقم (834)وفيه قال - صلى الله عليه وسلم -: يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناسٌ من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان ".
(2) ينظر ما تقدم عند قول الناظم رحمه الله : وخذ بعالي الفاضلين لا تخف " البيت رقم (30) .(1/238)
ودليل هذه القاعدة : حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كأني أنظر إلى وبيص المسك في مَفارِق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم " (1) فالمحرم ممنوع ابتداءً من الطيب لحديث ابن عباس رضي الله عنهما في الذي وقصته راحلته قال - صلى الله عليه وسلم - : " ولا تحنطوه، ولا تمسوه بطيب " (2) ومشروع له قبل الإحرام، لكن استدامة هذا الطيب جائز بعد الإحرام؛ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء، لا نقول له : إذا تطيبت في رأسك ووجهك قبل الإحرام يجب عليك أن تغسله بل لا بأس أن تستديمه، وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أرى وبيص المسك في مفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
ومن الأمثلة : على ذلك أيضاً : المحرم ليس له أن يتزوج لحديث عثمان رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يَنْكحُ المحرم ولا يُنكِح ولا يَخْطُبُ " (3) فهو ممنوع من الزواج لكن له أن يُراجع زوجته التي طلقها فهذا لا بأس به؛ لأن المراجعة هنا استبقاء (استدامة) للنكاح وليس ابتداء للنكاح فالاستدامة أقوى من الابتداء .
كذلك المحرم : ممنوع أن يصيد صيداً ابتداء، لكن لو أحرم وعنده غزالة قد صادها قبل أن يحرم، ثم أحرم والغزالة هذه في ملكه، فإنه لا يجب عليه أن يُطْلِق هذه الغزالة مع أنه ابتداءً ممنوع من الصيد مادام أنه محرم، لكن كونه يستديم الصيد لا بأس بذلك؛ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء .
ومن الأمثلة : ذكر العلماء رحمهم الله أن الولي له أن يمنع موليّته من زوج فيه بعض العيوب، فيمنع موليّته من الزوج المجنون، أو المجذوم، أو الأبرص، لكن لو تزوجت المرأة رجلاً عاقلاً ثم جُن فإن الولي لا يملك أن يُجبرها على فسخ النكاح؛ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء .
************************
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (1538) ، ومسلم رقم (1190) . .
(2) تقدم تخريجه ص (172) .
(3) أخرجه مسلم رقم (1409) .(1/239)
هذه القاعدة تقدمت(1) تحت قاعدة : [اليقين لا يزول بالشك] فالأصل بقاء ما كان على ما كان، وذكرنا هذه القاعدة والقواعد المترتبة عليها، فيقول رحمه الله : كل معلوم وجوده، أو عدمه الأصل بقاؤه، ودليل هذه القاعدة : حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما شكى إليه الرجل يُخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث فقال - صلى الله عليه وسلم - " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً " (2) هذا يدل على أن الأصل بقاء الطهارة المعلومة، فإذا توضأ الإنسان وارتفع حدثه وشك هل أحدث أو لم يحدث ؟ فالأصل بقاء الطهارة، ولو أنه أحدث ثم شك هل وقع منه طهارة ترفع الحدث أو لم تقع ؟ فالأصل بقاء الحدث .
وكذلك لو شك هل وقّف بيته، فالأصل عدم الوقف، وكذلك لو شك هل باع ؟ الأصل عدم البيع .
ولو شك في طلاق زوجته هل قال : أنت طالق أو قال : أنت طاهر ؟ فالأصل بقاء النكاح وعدم الطلاق .
ولو شك في العدد هل طلق زوجته طلقتين، أو ثلاثاً؟ فالأصل بقاء النكاح وأنه طلقها طلقتين .
النفي الداخل على المسميات الشرعية له ثلاث مراتب :
يكون للوجود، إن لم تمكن هذه المرتبة فإنه للصحة، ثم بعد ذلك للكمال، إن وجد الصارف .
فالمرتبة الأولى للوجود إذا لم تمكن هذه المرتبة فالنفي للصحة هذا هو الأصل إلا إذا وجد دليل يصرف هذا النفي إلى الكمال وأنه ليس نفياً للصحة، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (من قال إن النفي للكمال، فإن أراد الكمال الواجب الذي يُذم صاحبه فقد صدق، وإن أراد الكمال المستحب فلم يقع في كلام الله ولا كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ولا يجوز أن يقع). فإذا قلت : لا خالق إلا الله فالنفي هنا للوجود، يعني ليس هناك خالق موجود غير الله عز وجل وإذا قلت : لا صلاة إلا بوضوء، الصلاة الآن موجودة فنقول : النفي هنا للصحة هذا الأصل إلا إذا وجد صارف ولم يوجد صارف .
__________
(1) انظر ص (111) .
(2) تقدم تخريجه ص (113) .(1/240)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا نكاح إلا بولي " (1) النفي هنا للصحة، وأن النكاح لا يصح إلا بولي إلا إذا وجد صارف ولم يوجد الصارفُ.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم: " لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان "(2) فالنفي هنا ليس للصحة، وإنما هو للكمال لوجود الصارف، وهو أن هذه الصلاة اكتملت شروطها وواجباتها، وأركانها، لكن لما وجد شيء يشوّش على الإنسان فالنفي هنا للكمال، فالكمال أن يمتنع الإنسان عن كل ما يشوش عليه صلاته، أما إذا كان هذا التشويش يؤدي إلى الإخلال بشرط، أو ركن كالطمأنينة فالنفي يبقى على أصله وهو أنه نفي للصحة .
كذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا صلاة لمنفرد خلف الصف "(3) نقول: النفي هنا للصحة؛ لأن الصلاة وجدت فلا يمكن أن يكون للوجود، لكن النفي هنا للصحة وأن من صلى خلف الصف فصلاته غير صحيحة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا صلاة لمنفرد خلف الصف " إلا إذا وجد صارف وذلك فيما إذا كان الصف مكتملاً، فإذا كان الصف مكتملاً فالنفي هنا ليس للصحة .
**************************
أفاد المؤلف : أن الأصل في القيود التي تأتي في الأدلة الشرعية أنها للاحتراز والتقييد، وليست للتعليل وعلى هذا نقول : القيود التي تأتي في الأدلة الشرعية تنقسم قسمين :
__________
(1) أخرجه أبو داود رقم (2085) والترمذي رقم (1101) وابن ماجه رقم (1881) ، وصححه علي بن المديني وابن معين وابن حبان والحاكم وابن حزم والبيهقي وابن عدي وابن الجوزي .
(2) تقدم تخريجه ص (144) .
(3) رواه أحمد (4/228) وأبو داود رقم (682) والترمذي رقم (231) وابن حبان (3/313 ) وفي الباب عن علي بن شيبان أخرجه أحمد (4/23) وابن ماجه (1003) وحسن هذا الحديث الإمام أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن حزم والبوصيري، وقال ابن رجب (رواته كلهم ثقات) وأخذ به ابن معين وعمل به .(1/241)
القسم الأول : للاحتراز، والتقييد، وهذا هو الأصل .
القسم الثاني : للتعليل، وهذا قليل .
مثال ما كان قيداً واحترازاً : قوله تعالى : { ( المحتويات ( تمهيد ( تمهيد ((((- رضي الله عنه - - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( { - - - - (( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( مقدمة صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - (( - - - - ( { - (( - ( { - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( - ( - تمت ( - - ( ( المحتويات { - } - قرآن كريم ( الله أكبر قرآن كريم ( - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - (( - ( - - - - ( - رضي الله عنهم -- رضي الله عنهم - - - - جل جلاله -( - المحتويات ( تمهيد ( - فهرس - - رضي الله عنه -( } (1) فذكر الله عز وجل قيداً للاحتراز والشرط . وعلى هذا الربيبة بنت الزوجة إن كنت جامعت أمها حرمت عليك، أما إذا لم تكن دخلت بأمها فإنها حلال لك، فلك أن تتزوج هذه الربيبة، فهذا قيد احتراز، يعني ما تحرم الربيبة حتى تجامع أمها، لو خلوت بالأم ما حرمت عليك، لو استمتعت بالأم ما حرمت عليك، لا تحرم بنت الزوجة ولا بنات أبنائها ولا بنات بناتها إلا بوطء الزوجة الأم، أما قوله تعالى : { (( - ( { - - - - (( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( مقدمة } فهذا ليس شرطاً وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله فالربيبة تحرم عليك، سواء أكانت في حجرك، أم لم تكن في حجرك .
__________
(1) سورة النساء، الآية : 43 .(1/242)
والدليل على ذلك : أن الله عز وجل فصّل في شرط وترك التفصيل في شرط آخر فقال تعالى : { ( المحتويات ( تمهيد ( تمهيد ((((- رضي الله عنه - - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( { - - - - (( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( مقدمة صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( المحتويات ( - (( - - - - ( { - (( - ( { - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( - ( - تمت ( - - ( ( المحتويات { - } - قرآن كريم ( الله أكبر قرآن كريم ( - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - (( - ( - - - - ( - رضي الله عنهم -- رضي الله عنهم - - - - جل جلاله -( - المحتويات ( تمهيد ( - فهرس - - رضي الله عنه -( } وترك التفصيل في قوله تعالى : { - (( المحتويات ( - ( - قرآن كريم ( - ( مقدمة } فدل على أن هذا القيد ليس للاحتراز، وإنما هو للتعليل، والإشارة إلى الحكمة؛ لأن المعنى أنها في حجرك فكأنها بنتك، فكيف تتزوجها ! ؟ وأيضاً قيد الحجر قيد أغلبي، وما كان قيداً أغلبياً لا مفهوم له .(1/243)
ومن الأمثلة على القسم الثاني وهو التعليل : قوله تعالى : { - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - ( } - } - جل جلاله - - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد (( - - ( المحتويات ( - ( - - عليه السلام - - - ( - { - - - ( المحتويات ( - - { فهرس - - } - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ( تمهيد - - ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -( - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - - - (((( } (1) قوله : { - ( - { - - - ( المحتويات ( - - { فهرس - - } } هذا ليس شرطاً، وإنما هو لبيان العلة؛ لأن الله عز وجل هو الذي خلقكم فاعبدوه قال العلماء رحمهم الله : يُستدل بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، فكما أنك تقر بأن الله عز وجل هو الخالق الرازق المدبر ... إلخ فهو الذي يستحق العبادة .
ومن الأمثلة في ذلك : قوله تعالى : ( - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم - ( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم ( - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - ( - قرآن كريم ( - { - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - ( { ( المحتويات ( - - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( المحتويات ( تمهيد - ( - (- رضي الله عنه -( - } فقوله : ( لما يحييكم ) هذا القيد للتعليل أي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدعونا إلا لما يحيينا، وليس قيداً يخرج ما إذا دعانا لغير ذلك؛ لأنه لا يمكن أن يدعونا الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا لما يحيينا.
************************
إذا تعذر اليقين فإننا نرجع لغالب الظن، عندنا ظن، وعلم، وجهل بسيط، وجهل مركب، وشك، ووهم :
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 21 .(1/244)
فالعلم : هو إدراك الشيء على ما هو عليه .
والجهل البسيط : هو عدم الإدراك بالكلية .
والجهل المركب : هو إدراك الشيء على غير ما هو عليه.
والشك : التردد بين الأمرين، إذا ترجّح أحدهما فالراجح ظن، والمرجوح وهم، فإذا حصل للإنسان شك فإنه يرجع إلى الظن إذا تمكن من الظن، إذا لم يتمكن من الظن يبني على اليقين؛ أي : يأخذ بالأقل .
ودليل ذلك : حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الشك في الصلاة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " فليتحر الصواب "(1). يعني ينظر إذا غلب على ظنه شيء فإنه يأخذ به، فإذا شككت في الصلاة هل صليت ثلاثاً أو أربعاً وترجح عندك أنها ثلاث فاجعلها ثلاثاً، أو ترجح عندك أنها أربع فاجعلها أربعاً، فإذا لم يترجح عندك شيء تأخذ بالأقل وهو اليقين .
إذا شككت في أشواط الطواف هل هي ستة أو سبعة ؟ ترجع للظن، غلب على ظنك أنها سبعة اجعلها سبعة، أو غلب على ظنك أنها ستة اجعلها ستة، أو شككت في أشواط السعي، أو في عدد حصيات رمي الجمار ... إلخ . وعلى هذا نقول : إذا شك الإنسان فإن شكه ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يترجّح عنده شيء فإنه يأخذ بالراجح؛ لما تقدم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه : " ثم ليتحر الصواب، ثم ليَبْنِ عليه " وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها في صفة غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : " حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض الماء على سائر بدنه " . (2)
القسم الثاني : أن لا يترجح عنده شيء فيأخذ بالأقل؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِكم صلى أثلاثاً أم أربعاً، فليطرح الشك وليبْنِِ على ما استيقن ". (3)
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (401) ، ومسلم رقم (572) .
(2) تقدم تخريجه ص (155) .
(3) أخرجه مسلم رقم (571) .(1/245)
ومن الأمثلة على ذلك : إذا شك الصائم في غروب الشمس نقول : إذا ظننت أن الشمس غربت فأفطر، وإلا فالأصل بقاء النهار فلا تفطر؛ لأنه اليقين .
وإذا شككت في دخول الوقت، فالأصل عدم دخوله، لكن إذا ظننت أن الوقت قد دخل فصلِّ، وإن شككت ولم يترجح عندك شيء فنقول : انتظر حتى تظن أن الوقت قد دخل .
ومن ذلك إذا شك في عدد الركعات، أو أشواط الطواف، أو السعي ونحو ذلك، فيأخذ بالأقل؛ لأنه اليقين، وهذا التقسيم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والمشهور عند الحنابلة رحمهم الله : هو الأخذ بالأقل مطلقاً .
*************************
هذه القاعدة في القرعة .
والقرعة في اللغة : السُهْمة والنصيب .
أما في الاصطلاح : فهو ما يستعمل لتمييز النصيب، أو الحق من بين أمثاله .
والقرعة طريق من طرق فصل الخصومات، وتمييز الأنصباء والحقوق، وقد دل عليها القرآن والسنة .
أما القرآن فقوله تعالى: { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد - جل جلاله -( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنه - - - - ( - ( { - - قرآن كريم ( { ( - ( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - ( فهرس - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ((( - - رضي الله عنه - - - المحتويات - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } (((( (1) قال ابن عباس رضي الله عنهما : " اقترعوا فجرت الأقلام مع الْجِرْيَةِ وعَال قلم زكريا الجِرْيَة فَكَفَلَها زكريا " (2) .
__________
(1) سورة آل عمران، الآية : 44 .
(2) أخرجه البخاري بصيغة الجزم، كتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات ووصله ابن جرير في تفسيره (3/184) . .(1/246)
وقوله تعالى عن يونس عليه السلام : { - المحتويات - رضي الله عنهم - - - - - - ( - رضي الله عنه - تمت - - - - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((((- رضي الله عنهم - مقدمة ( - ( - ( - - - ((((( } (1) ووردت القرعة في السنة في ستة مواضع من ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا " . (2)
وأيضا حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ". (3)
وفي صحيح مسلم " أن رجلاً أعتق ستة مملوكين عند وفاته فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُقرَع بينهم فأرق اثنين وأعتق أربعة " . (4)
وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه " أقرع بينهم في الأذان يوم القادسية " . (5)
ولأن القرعة تحل الإشكال، وتحسم النزاع، وتدفع داء التشهي، وما قيل : إنها نوع من القمار فهو قول غير صحيح ولا يصح، بل هي أعظم ما يُطيَّبُ به النفوس، وهذا من محاسن الشرع.
والقرعة هي لفصل الخصومات، تارة تكون مباحة، وتارة تكون محرمة، فتكون مباحة في مواضع، وابن رجب رحمه الله حصر المواضع التي ذكر العلماء رحمهم الله أن القرعة تستعمل فيها، كالأذان والإمامة، وولاية النكاح ... إلخ ، والقرعة تستخدم في مواضع :
الموضع الأول : تستخدم لتمييز المستحِق المبهم ابتداءً .
__________
(1) سورة الصافات، الآية : 141 .
(2) أخرجه البخاري رقم (615) ، ومسلم رقم (437) .
(3) أخرجه البخاري رقم (2593) ، ومسلم رقم (2770) .
(4) أخرجه مسلم رقم (1668) .
(5) علقه البخاري في صحيحه في باب الاستهام في الأذان بصيغة التمريض، وقد رواه البيهقي في السنن الكبرى (1/429) وهو منقطع قاله ابن رجب وابن حجر . ووصله الطبري في تاريخه واحتج به الإمام أحمد.(1/247)
مثال ذلك : القَسْم بين الزوجات، رجل زُفَّ إليه زوجتان جميعاً أيهما يبدأ بالقَسْم لها ؟ فكل من الزوجتين مستحقة للقَسْم ابتداءً، وهذا الاستحقاق مبهم فتُجرى القرعة بينهما .
مثال آخر : رجل أوصى بعتق ستة أعبد له، والثلث اثنان، فهل نخرج زيداً وبكراً، أو عمراً وصالحاً، أو محمداً وإبراهيم ... إلخ ، فنجري بينهما القرعة .
الموضع الثاني : التزاحم في الاختصاصات، فإذا سبق اثنان إلى مختص من المختصات مثل مكان البيع، أو مكان الشراء، أو مكان الجلوس، أو مواقف السيارات، كل منهما سبق إلى هذا المحل في وقت واحد ولا يتسع لهم، فنجري القرعة بينهما .
وكذلك أماكن الإقراء، والإفتاء، والتدريس كعالمين سبقا إلى مسجد للتدريس فيه، أو للإفتاء، أو نحو ذلك فإننا نجري القرعة بينهما .
الموضع الثالث : التزاحم في الولايات، مثلُ : ولاية النكاح، إذا كان عندنا أخوان شقيقان كل منهما له أن يعقد، أو عمَّان شقيقان كل منهما له أن يعقد، أو ابنا أخ كل منهما له أن يعقد، رتبتهما واحدة، حتى لو كان أحدهما كبيراً والآخر صغيراً، فإن رتبتهما واحدة، فنجري القرعة بينهما إلا إذا عينت المرأة واحداً فإنه يتعين، وإذا لم يتعين وتشاحا نجري القرعة بينهما .
ومثل ذلك : الأذان إذا تزاحما عليه، وكل واحد منهما توفرت فيه الصفات الشرعية، وكذلك في الإمامة إذا تشاحا وتوفرت الصفات الشرعية في كل منهما فإننا نجري القرعة بينهما.
الموضع الرابع : تمييز المستحِق المعيَّن عند اشتباهه بغيره، في الموضع الأول المستحِق مبهم، لكن في هذا الموضع معيَّن معروف، ولكن اشتبه بغيره .
مثال ذلك : رجل طلق إحدى زوجتيه ثم الْتبس عليه أيهما طلق الصغيرة أم الكبيرة ؟ فإننا نجري القرعة .
المثال الثاني : اعتق أحد رقيقيه ولا يدري أيهما أعتق ؟ فإننا نجري القرعة .(1/248)
المثال الثالث : زوّج وليّان هذه المرأة، يعني لها أخوان الكبير زوجها لعمرو، والصغير زوجها لزيد لا ندري أي العقدين السابق فإنا نرجع إلى القرعة .
المثال الرابع : إذا وصف اللقطة اثنان، فنجري القرعة بينهما.
الموضع الخامس : بين الشركاء عند تعديل السهام في القسمة؛ كأن تكون السهام مختلفة، وقيمة أجزاء المقسوم متساوية.
مثال ذلك : ثلاثة يملكون أرضاً هذا له النصف، وهذا له الثلث، وهذا له السدس نجعلها ستة أسهم بقدر أقلها، ثم بعد ذلك نجري القرعة فصاحب النصف يخرج يأخذ ثلاثة أسهم، وصاحب السدس يأخذ سهماً، وصاحب الثلث يأخذ سهمين، وكذلك إذا كانت السهام متساوية وقيمة أجزاء المقسوم مختلفة، كأرض بين ستة أشخاص لكل واحد سدس، فتعدل بالقيمة وتجعل ستة أسهم متساوية القيمة، ثم يقرع بينهم .
فهذه المواضع الخمسة تستخدم فيها القرعة .
وعندنا موضعان لا تستخدم فيهما القرعة واستخدام القرعة فيهما من قبيل المحرم :
الموضع الأول : إذا تعينت المصلحة، فلا يجوز أن نجري القرعة هنا.
مثال ذلك : تقدم اثنان لإمامة المسجد أحدهما اقرأ من الآخر فنقول : تعينت المصلحة أن يكون الإمام الأقرأ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " (1) أو تقدم اثنان للأذان في هذا المسجد وأحدهما تتوفر فيه الشروط الشرعية نقول : بأنه يقدَّم؛ لأن المصلحة تعينت فإجراء القرعة هنا لا يجوز .
الموضع الثاني : إذا ظهر الحق فإن المستحق يأخذ حقه ولا يجوز إجراء القرعة؛ لأنه يكون من الميسر ويكون فيه مخاطرة .
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (673) .(1/249)
مثال ذلك : عرفنا المرأة المطلقة فلا يجوز أن نجري القرعة، أو عرفنا الرقيق الذي أعتق عندما اشتبه بغيره فلا يجوز أن نجري القرعة، أو أن الشريكين زيداً وعمراً هذا له نصف الربح، وهذا له نصف الربح، ثم بعد ذلك قالوا : نضرب القرعة ومن خرجت له القرعة يأخذ ثلاثة الأرباع، والآخر يأخذ الربع، فلا يجوز ضرب القرعة؛ لأن صاحب الحق واضح كل يأخذ نصيبه .
مسألة : كيفية القرعة : كما تقدم لنا في القواعد أن ما جاء مطلقاً على لسان الشارع، ولم يقيده بشيء نرجع في تقييده إلى العرف، وعلى هذا فبأي شيء حصلت القرعة : إما بكتابة أوراق، مثال ذلك : إذا اشتبهت المطلقات فيكتب المطلقة كذا، والمطلقة كذا ثم تؤخذ القرعة، أو بإلقاء حجارة أو غير ذلك. المهم أنه ليس لها طريقة معينة، بل الشارع أطلقها، فنرجع في ذلك إلى العرف فكل ما يميز بين المشتبهات فإننا نصير إليه – والله أعلم - .
*************************
قوله : [ جلا ] : أي وضح، وظهر .
هذه قاعدة : [ من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه ] ومعنى هذه القاعدة : أن من تعجل الأمور التي يترتب عليها حكم شرعي قبل وجود أسبابها الصحيحة لم يفده ذلك شيئاً، وعوقب بنقيض قصده .(1/250)
ودليل هذه القاعدة : أدلة سد الذرائع مثل قوله تعالى : { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم - - ( - فهرس - - ((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - } - قرآن كريم - - ( - - عليه السلام - - - ( { - - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - } (1) فالله عز وجل نهى أن يسب المؤمنون الكفار لئلا يؤدي ذلك إلى سب الله عز وجل . وقوله : { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -(((( - (( - - - صدق الله العظيم ( - ( - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - المحتويات فهرس - ((( - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه -((((( - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( - ( - - رضي الله عنه - - - ( - - } (2) فنهى الله عز وجل المرأة أن تضرب برجلها على الأرض سداً للذريعة، ذريعة الفتنة .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه " قيل: يا رسول الله ، وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال : " يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه " . (3)
فهذه الأدلة تدل على قاعدة سد الذرائع؛ ولأن في استعجال الشيء قبل أوانه تقديماً لما أخره الله تعالى؛ ولأن فيه إضراراً بالآخرين.
قال ابن القيم رحمه الله : ( وقد استقرت سنة الله في خلقه شرعاً وقدراً على معاقبة العبد بنقيض قصده ) .
[فمن تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه] معاقبة له بنقيض قصده، وهذه القاعدة يدخل تحتها أمثلة منها :
__________
(1) سورة الأنعام، الآية : 108 .
(2) سورة النور، الآية : 31 .
(3) أخرجه البخاري رقم (5973) ، ومسلم رقم (90).(1/251)
المثال الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يرث القاتل شيئاً "(1) والحديث فيه ضعف، فمن قتل مورثه عمداً فلا يرثه؛ لأنه تعجل الشيء قبل أوانه، وعقوبة له بنقيض قصده.
ومن القاتل الذي يرث، والذي لا يرث ؟
هذا موضع خلاف بين الأئمة رحمهم الله ليس هذا موضع بسطه .
المثال الثاني : الموصى له إذا قتل الموصِي عمداً فإنه لا يستحق شيئاً عقوبة له بنقيض قصده، تعجل الوصية قبل أوانها فعوقب بحرمانه .
المثال الثالث : المُدَبَّر وهو الرقيق الذي عَلّق سيده عتقه بموته، فإذا قتل المُدَبَّر سيده، فإنه لا يعتق معاقبة له بنقيض قصده .
المثال الرابع : من تعجل شهواته المحرمة في الدنيا، كشرب الخمر، ولبس الحرير، فإنه يحرمها في الآخرة عقوبة له، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة " . (2)
وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أن من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " (3) .
المثال الخامس : من خَبَّبَ امرأة على زوجها، يعني أفسد بين الزوجين؛ لكي يتزوج هذه المرأة، فإنها لا تحل له معاقبة له بنقيض قصده ... وهكذا .
تنبيه : القاعدة السابقة قد تدخل في الأمور الدنيوية كما نص على ذلك ابن تيمية رحمه الله في ( مجموع الفتاوى ) فإن هناك من الأمور ما لو عاجله المرء قبل وقته لحرمه .
************************
قوله : [ الغرم ] : الغرم : ما يلزم أداؤه .
وقوله : [ مُحَرَّز ] : الحِرز : الموضع الحصين .
وقوله : [ الضال ] : الضال : ما ضاع من البهائم خاصة.
__________
(1) أخرجه أبو داود رقم (4564) ، والنسائي في الكبرى رقم (6367) ، والدارقطني (4/96) ، وضعفه النسائي وابن القطان وابن عبد الهادي .
(2) أخرجه البخاري رقم (5575) ، ومسلم رقم (2003) وفي لفظ " إلا أن يتوب " .
(3) أخرجه البخاري رقم (5832) ، ومسلم رقم (2073) .(1/252)
هذه قاعدة : [ العقوبة إذا سقطت لتخلف شرط، أو لوجود مانع فإن الغرم يضاعف ] .
ومسألة مضاعفة العقوبة هذا على مذهب الإمام أحمد رحمه الله، أما على قول الجمهور فلا تضعيف .
ويدل لهذه القاعدة : حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن الثمر المعلق فقال : " من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خُبْنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثلية، والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثلية والعقوبة " (1) رواه أبو داود وابن ماجه .
يعني إذا أُخذ الثمر من الجرين فيه القطع؛ لأنه أخذه من حرزه، الثمر حرزه الجرين موضع التيبيس لكن إذا أُخذ من أكمامه لم يؤخذ من الحرز فقال - صلى الله عليه وسلم - : " ففيه قيمته ومثله " .
وأيضاً يدل لذلك : أن عمر رضي الله عنه أغرم حاطب بن أبي بلتعة حين نحر غلمانه ناقة رجل من مزينة قيمتها مرتين .(2)
ويدل لذلك أيضاً : أن عمر رضي الله عنه جمع أقاربه وقال : "إن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم فأيما امريء جنى أضعفت عليه العقوبة مرتين"(3) لئلا تسوِّل له نفسه أن يحتمي بسلطة الخليفة . ويتساهل بالجناية . وهذه القاعدة : [ أن العقوبة إذا سقطت يضاعف الغرم ] لها صور :
__________
(1) أخرجه أبو داود رقم (4390) ، والنسائي (8/459) ، والترمذي رقم (1289) ، وابن ماجه رقم ( 2596) ، وحسنه ابن الملقن وضعفه ابن القطان .
(2) أخرجه مالك في الموطأ (2/748) وعبد الرزاق في المصنف (10/238) والبيهقي (8/278) وضعفه ابن عبد البر وابن التركماني.
(3) أخرجه بنحوه عبد الرزاق (11/343) وإسناد لا بأس به .(1/253)
الصورة الأولى : قال : [ لمانع كسارق من غيرِما محرز ...] يعني السارق إذا سرق من غير حرز سقطت عنه العقوبة لتخلف شرط القطع وهو كون السرقة من غير حرز، لكن تضاعف عليه قيمة المسروق فيجب عليه أن يأتي بالمسروق وقيمته فإن استهلك المسروق فإنه تجب عليه القيمة مرتين.
الصورة الثانية : قوله : [ ومَن لضال كتما ] أي : إذا كتم الإنسان الضالة كبهيمة الأنعام إذا ضلت، ثم بعد ذلك كتمها فإنه يُضاعف عليه الغرم مرتين .
مثال ذلك : إذا أخذ البعير وكتمه فإننا نضاعف عليه الغرم مرتين.
وأيضا هناك صور أخرى للسرقة إذا كانت من غير حرز هل يضاعف فيها الغرم ؟ فالمشهور من المذهب أنهم يخصصون التي تضاعف فيها القيمة في ثلاثة أشياء :
الشيء الأول : الثمر . ... الشيء الثاني : الكَثَر . (1)
الشيء الثالث : الماشية؛ لأن هذا هو الذي ورد به النص، وليس في كل سرقة، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أنه شامل لكل سرقة، وهذا هو الرأي الثاني في هذه المسألة؛ فكل سرقة من غير حرز فإنها تضاعف فيها القيمة مرتين .
الصورة الثالثة : من قَتَلَ ذمياً، فإن المسلم لا يُقتل بالذمي لتخلف شرط المكافأة، وهو شرط من شروط وجوب القصاص فالذمي ليس مكافِئاً للمسلم، لكن إذا قتله عمداً تضاعف عليه الدية مرتين، وهذا هو الوارد عن عمر رضي الله عنه(2)، ودية الذمي على النصف من دية المسلم .
وعند أبي حنيفة رحمه الله : أن دية الذمي كدية المسلم في العمد، وفي الخطأ لا فرق .
__________
(1) الكَثَر : بفتحتين الجمار ويقال الطلع ، المصباح المنير ص (635) .
(2) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (10/97) .(1/254)
الصورة الرابعة : الأعور إذا قلع عين الصحيح المماثلة لعينه الصحيحة، يعني عندنا رجل عينه اليمنى عوراء، وعينه اليسرى صحيحة، جاء إلى شخص صحيح ففقأ عينه اليسرى، لو قلنا : يقتص منه، وفقأنا عينه اليسرى لأدى ذلك إلى ذهاب بصر الأعور كله، فقالوا : لا قصاص لكن تضاعف عليه الدية؛ لورود ذلك عن عمر رضي الله عنه .
وقال الإمام مالك رحمه الله : ( إن شاء الصحيح أن يقتص، وإن شاء أخذ الدية كاملة ) .
وقال أبو حنيفة والشافعي، رحمهما الله : ( إن شاء عفى، وإن شاء أخذ نصف الدية ) .
***************************
معنى هذه القاعدة : أن ما قطع من إنسان، أو حيوان، أو طير فحكمه طهارة وحلاً كميتته .
ودليل هذه القاعدة : حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت " (1) .
وعلى هذا نقول : ما أبين من حي فهو كميتته في الحل والطهارة، ويدخل تحت ذلك أمثلة كثيرة :
المثال الأول : ما أبين من الإنسان فهو طاهر؛ لأن ميتته طاهرة، فإذا قُطِعَت يد رَجُلٍ كافر، أو مسلم فهذه اليد طاهرة؛ لأن ما أبين من حي فهو كميتته .
وبهذا يستدل بعض العلماء رحمهم الله على طهارة الدم الخارج من بقية بدن الإنسان دون الفرج؛ لأن ما أبين من حي فهو كميتته .
المثال الثاني : ما أبين من الشاة فهو كميتة الشاة، وميتة الشاة نجسة، فإذا قُطِعَت يد شاة فهذه اليد نجسة؛ لأن ميتة الشاة نجسة وحرام لا يجوز أكلها .
المثال الثالث : حيوان البحر مثل الحوت، فإذا قطعنا شيئاً منه فإنه حلال طاهر؛ لأن الحوت ميتته حلال، وطاهرة فما أبين منه فهو حلال طاهر .
__________
(1) أخرجه أحمد (5/218) ، وأبو داود رقم (2858) والترمذي رقم (1480) ، وصوب أبو زرعة والدارقطني إرساله .(1/255)
المثال الرابع : ما لا نفس له سائلة . يعني الذي إذا قُتل لا يخرج منه دم يسيل مثل الجراد، والجعل، والعقرب ... إلخ فما أبين مما لا نفس له فإنه طاهر؛ لأن ميتته طاهرة وعلى هذا فقس .
وهل هي حلال أو لا ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله .
ويستثني العلماء رحمهم الله من هذه القاعدة [ ما أُبين من حي فهو كميتته ] مسألتين :
المسألة الأولى : المسك وفأرتُه، وفأرته (يعني وعاؤه) والمسك هذا دم ينزل من الغزال، فهناك غزلان يُقال لها غزلان المسك، يُحبس عنها الطعام، ثم بعد ذلك تُجرى هذه الغزلان، فإذا جرت نزل من عند السرة دم يُربط بخيط قوي، ثم بعد ذلك ينْحلّ بعد فترة بسبب شدة الربط مع جلدة الغزال التي هي وعاء هذا المسك فينقلب هذا الدم إلى مسك (طِيْب) والقاعدة : [ ما أُبين من حي فهو كميتته ] الغزال ميتته نجسة وحرام لا تؤكل، لكن استثنوا من ذلك هذا الدم الذي يخرج من الغزال وفأرته، فهذا الدم الذي ينقلب مسكاً ووعاؤه يكون طاهراً .
المسألة الثانية : الطريدة، والطريدة : فعيلة بمعنى مفعولة؛ أي : مطرودة وذلك؛ كأن تندّ بهمية من بهائم الأنعام فيلحقونها ويضربونها بالسيوف ونحو ذلك حتى يُقَطِّعُوها فإذا قَطَّعُوها فما أبين من هذه الطريدة التي قَطَّعوها وقتلوها فهو حلال طاهر؛ لورود ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم .
************************
يعني ما يرد في الحديث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل، أو كان يقرأ ... إلخ .
يقول المؤلف رحمه الله : تأتي للدوام غالباً وليس لازماً، وعلى هذا نقول: (كان) الواردة في الأدلة الشرعية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:(1/256)
القسم الأول : أن تأتي للدوام دائماً، وهذا قليل، ومن ذلك ما جاء في الحديث "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح صلاته بالتكبير " (1) وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله".(2) يعني يَسْتَحْسِن النبي - صلى الله عليه وسلم - التيمن ، فهذه للدوام دائماً .
القسم الثاني : أن تأتي للغالب ليس للدائم وهذا هو الكثير، ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ، ولا غيره على إحدى عشرة ركعة "(3).
هذا هو الغالب وربما زاد وربما نقص، لكن هذا خلاف الغالب، ومن ذلك : حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "كان يقرأ في الظهر، والعصر بالسماء ذات البروج، والسماء والطارق"(4) هذا هو الغالب أنه كان يقرأ بأواسط المفصّل (5) وربما أطال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الظهر وهكذا .
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (493) وأُعل هذا الحديث بأن مسلماً أخرجه من رواية أبي الجوزاء عن عائشة وأبو الجوزاء لم يسمع من عائشة ففيه انقطاع كما أن مسلماً رحمه الله أخرجه من طريق الأوزاعي مكاتبة لا سماعاً .
(2) أخرجه البخاري رقم (168) ومسلم (268) .
(3) أخرجه البخاري (1147) رواه مسلم (738) .
(4) أخرجه أبو داود رقم (805) ، والترمذي رقم (307) ، والنسائي في الكبرى (1/337) وقال الترمذي حديث حسن صحيح .
(5) قال شيخنا حفظه الله أواسط المفصل تبدأ من سورة النبأ إلى سورة الضحى .(1/257)
القسم الثالث : أن تأتي لغير الغالب، وهذا قليل من ذلك ما ورد في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان يقرأ في الجمعة بسبح والغاشية ".(1) فليس غالباً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ بسبح والغاشية وأيضاً ورد في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان يقرأ بالجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة " (2) فتارة يقرأ بهذا، وتارة يقرأ بهذا .
***********************
قوله : [ انحتم ] : انحتم الأمر : وجب وجوباً لا يمكن إسقاطه . هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان شيء من صيغ العموم وهذه المسائل يبحثها الأصوليون رحمهم الله في مباحث العام .
والعام لغة : الشامل .
وفي الاصطلاح : اللفظ المستغرق لجميع أفراده بلا حصر .
والأصل : العمل بالعام حتى يرد المخصِص كما تقدم لنا في دليل الاستصحاب، وأشار المؤلف رحمه الله إلى شيء من صيغ العموم.
وقوله : [ وإن يضف جمع ومفرد يعم ] : أي من صيغ العموم : المفرد المضاف، وبهذا قطع الموفق في الروضة، وجزم به ابن القيم في إعلام الموقعين .
وكذلك الجمع المضاف .
مثال الجمع المضاف : قوله تعالى : { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - (( قرآن كريم ( - ( - - - ( - (( ( المحتويات ( - ( - ( - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } (3) أولاد جمع، والضمير مضاف إليه، فيشمل كل الأولاد : الذكر، والأنثى، والصغير، والكبير ... إلخ ، ومن ذلك قوله تعالى : { ( - - - صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد - ( ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - - عليه السلام -( - - رضي الله عنهم - - ( - ( فهرس - - عليه السلام - - ( تمت - - رضي الله عنه - - ( - - - - ( - } ((((4) (آلاء) جمع ، و (رب) مضاف إليه، فيشمل كل آلاء الله عز وجل.
__________
(1) أخرجه مسلم رقم (878) .
(2) أخرجه مسلم رقم ( 879) .
(3) سورة النساء، الآية : 11 .
(4) سورة الرحمن، الآية : 13 .(1/258)
ومثاله في المفرد : قوله تعالى : { تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم - - - (( - - - { - رضي الله عنهم - - ((( الله أكبر ( - - - - صدق الله العظيم - - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم (((- رضي الله عنه -( تم بحمد الله - } (1) ( نعمة ) مضاف، ولفظ الجلالة مضاف إليه، فيشمل كل نعم الله عز وجل الدينية، والدنيوية .
وتظهر فائدة بيان هذا : أنه يُحتاج إليه في ألفاظ الموقفين، والمتبرعين، والموصين، وألفاظ الفسوخ، ونحو ذلك .
مثال ذلك : لو قال : رقيقي حر، هذا مفرد مضاف يعم كل الأرقاء فيعتق عليه جميع الأرقاء .
لو قال مثلاً : زوجتي طالق نقول : كل الزوجات طلقن عليك؛ لأن هذا مفرد مضاف، فيشمل كل الزوجات، وكذلك لو قال : بيتي وقف فيشمل جميع بيوته ... إلخ .
قوله : [ والشرط والموصول ] : أيضاً من صيغ العموم الأسماء المبهمة، يدخل في ذلك أسماء الشرط، والأسماء الموصولة، وأسماء الاستفهام فهذه كلها تدل على العموم .
مثال اسم الشرط : قوله تعالى : { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - ( - - رضي الله عنه -( - } - ( - ( - ( (( مقدمة ( - ((- عليه السلام - - ( - - ( } } (2) (من) اسم شرط يشمل كل من عمل صالحاً.
قال العلائي رحمه الله : اتفق الأصوليون الذين يقولون بالعموم على أن ( مَنْ ) إذا أتت بمعنى الشرطية، والجزاء فإنها تفيد العموم .
__________
(1) سورة الرحمن، الآية : 13 .
(2) سورة الجاثية، الآية : 15 .(1/259)
وأيضاً قوله تعالى : { - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( } - قرآن كريم - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - { المحتويات - - - ( ( مقدمة ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - } (1) هذا عام يشمل أي جهة، وأيضاً مثل هذه الأشياء نستفيد منها كما قلنا في ألفاظ الموقفين، والموصين، وفي ألفاظ المعاملات، والتبرعات... إلخ.
فنفهم من ذلك أن المتلفظ بهذه الألفاظ أنه يحكم عليه بالعموم، وأنه أراد العموم إلا لقرينة، أو بينة تمنع من ذلك .
وقوله : [ والموصول ] : أي أن اسم الموصول يدل على العموم .
ومن ذلك : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم سلمة رضي الله عنها : " الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " (2) (الذي يشرب) أيّ إنسان يشرب ذكراً كان أو أنثى ... إلخ . هذا عام إلا إذا ورد ما يقتضي التخصيص .
وقوله تعالى : { - ( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - ( - ( - ( - - - ( - - - - - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( مقدمة ( - - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( { ( - ( - ( - - - } (((( (3) ( والذي جاء) هذا يشمل كل من جاء بالصدق.
وأيضا قوله تعالى : { - صدق الله العظيم - ( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - - (( ( المحتويات ( - } { - رضي الله عنه - - ( - ( - - { - - - - عليه السلام - - فهرس - ( - ( - - } (4) هذا يشمل كل من جاهد ... إلخ .
__________
(1) سورة البقرة الآية : 115 .
(2) أخرجه البخاري رقم (5634) ، ومسلم رقم (2056) .
(3) سورة الزمر، الآية : 33 .
(4) سورة العنكبوت، الآية : 69 .(1/260)
وكذلك أسماء الاستفهام تدل على العموم، مثل : من حضر من الطلاب ؟
وأيضاً من ألفاظ العموم لفظ (كل) قال أبو المعالي الجويني رحمه الله في كتابه ( البرهان ) : ( وهي أقوى ألفاظ العموم في الدلالة على العموم ) وقد صنف تقي الدين السبكي رحمه الله مصنفاً في ( كل ) ومشتقاتها، وأطال الكلام حولها، ولخصه العلائي رحمه الله في ( تلقيح الفهوم ) وهي تفيد العموم، سواء كانت مستقلة، أم مؤكِّدة .
مستقلة نحو: قوله تعالى : { - - ( - - { ((- رضي الله عنه - الله أكبر ( { - { (( - - - - ( المحتويات ( قرآن كريم { الله أكبر ( الله - - - } (1) ومؤكِّدة نحو قولك : ( اشتريت هذا البيت كله ) .
وكذلك ما يلحق ( بكل ) فإنها تدل على العموم مثل : (جميع، ومعشر، ومعاشر، وكافة، وعامة ... إلخ ) .
ومن ألفاظ العموم : اسم الجمع المعرف بالألف واللام مثل قوله تعالى : { ( - - - - رضي الله عنهم - - فهرس - ((- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - } ((( (2) فالمؤمنون عامة. وقوله تعالى : { - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( فهرس - - رضي الله عنه - - ( - ( - ((( - } - - ( المحتويات ( - - ( تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ( - - - } (3) .
وكذلك من ألفاظ العموم : النكرات بعد النفي، والنهي، والاستفهام كما سيأتي في قول المؤلف رحمه الله .
**************************
النكرات تنقسم قسمين :
القسم الأول : النكرة بعد الإثبات تدل على الإطلاق إلا إذا كانت للإنعام؛ أي : في مجال الامتنان، فإنها تدل على العموم، والمطلق: هو اللفظ المتناول لواحد لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه.
__________
(1) سورة آل عمران، الآية : 185 .
(2) سورة المؤمنون، الآية : 1 .
(3) سورة النور، الآية : 59 .(1/261)
مثال ذلك : قوله تعالى في كفارة الظهار: { ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - ( - { - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام - - } (1) هذا يشمل كل رقبة : صغيرة، أو كبيرة، مؤمنة، أو كافرة، ذكر، أو أنثى، سليمة من العيوب، أو معيبة ... إلخ .
فهذا اللفظ مطلق يشمل كل هذه الأشياء، لكن يتناول أمراً واحداً لا بعينه غير محدد .
وأيضاً من ذلك : لو قلت : ( أكرم رجلاً ) ، هذه نكرة في سياق الإثبات فتدل على الإطلاق .
القسم الثاني : أن ترد النكرة بعد النفي، أو النهي، أو الاستفهام، أو الشرط فإنها تدل على العموم .
يعني إذا وردت النكرة في سياق النفي تدل على العموم .
مثال ذلك : قوله تعالى : { - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( - ( - ( - - - ( { ((- رضي الله عنه - الله أكبر - { ((- عليه السلام - - ( - - - - (( - - { } } (2) ( لا تملك ) هذا نفي، و (نفس) هذه نكرة تشمل كل نفس، فتدل على العموم؛ لأنها في سياق النفي .
وقوله : ( لنفس ) : أيضاً نكرة ثانية في سياق النفي فتدل على العموم ، ( شيئاً ) نكرة ثالثة في سياق النفي فتدل على العموم وقوله تعالى : { صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - عليه السلام -(- رضي الله عنه - - - ( - (( - - (( - - { - رضي الله عنه -( - - - - - - ( - رضي الله عنهم - { - (- عليه السلام - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( - (( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - - ( - - (( ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - } (3) فهنا نفي كل رفث، وكل فسوق، وكل جدال .
وقوله : [ من بعد نفي نهي ] : أيضا النكرة في سياق النهي تدل على العموم .
__________
(1) سورة النساء، الآية : 92 .
(2) سورة الانفطار، الآية : 19 .
(3) سورة البقرة، الآية : 197 .(1/262)
ومن ذلك : قوله تعالى : { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - - - ( - ( - - ( { - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( } (1) فيشمل كل إله .
والدليل على إفادة النكرة في سياق النهي العموم : أنها في الحقيقة بمعنى النفي فتأخذ حكمه .
قوله : [ استفهام ] : أيضاً النكرة في سياق الاستفهام تدل على العموم، كقوله تعالى : { ( - - رضي الله عنهم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - (( - - (( مقدمة - - - صدق الله العظيم - ( - - رضي الله عنهم - - } (2) وكقولك: ( أأحد في المسجد ؟ ) هذا يشمل كل أحد .
قوله : [ شرط ] : أيضاً النكرة في سياق الشرط تدل على العموم .
ومن ذلك : قوله تعالى : { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - - } (( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - (( مقدمة ( - } (3) (سوء) هذه نكرة في سياق الشرط، يشمل كل سوء، فتفيد العموم وقوله تعالى : { صدق الله العظيم } تم بحمد الله - - ( - - ( - } - ( - ( - ( (( مقدمة ( - ((- عليه السلام - - ( - - ( } (4) وقول القائل : ( من فاز فأعطه جائزة ) .
قوله : [ وفي الإثبات للإنعام ] : يعني إذا كانت النكرة في سياق الإثبات ليس في سياق نفي، ولا نهي، ولا شرط، ولا استفهام، فإنها تدل على الإطلاق لا تدل على العموم، إلا إذا كانت في معرض الامتنان، فإنها تدل على العموم .
__________
(1) سورة القصص، الآية : 88 .
(2) سورة مريم، الآية : 65 .
(3) سورة النساء، الآية : 123 .
(4) سورة فصلت، الآية : 46 .(1/263)
ومن ذلك قوله تعالى : ( - - عليه السلام - - ( - - (( ( { - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( ( - ( - صدق الله العظيم - عز وجل -- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت - } تم بحمد الله ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((( } (1) ( فاكهة ) هذه نكرة في سياق الإثبات، الأصل أنها تكون من باب الإطلاق، وليس من باب العموم، لكن لما كانت في معرض الامتنان كانت مستثناة فتدل على العموم . فنقول : قوله تعالى : ( - - عليه السلام - - ( - - (( ( { - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( ( - ( - صدق الله العظيم - عز وجل -- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت - } تم بحمد الله ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((( } هذا شامل لكل فاكهة، ولكل نخل، ولكل رمان .
ومن ذلك : قوله تعالى : { ( - ( } - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - } ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( - - رضي الله عنه - - ( - - - (( - ( - - (( مقدمة ( - } (2) فقوله : ( ماء ) هذا يشمل كل ماء؛ لأن هذه وردت في معرض الامتنان، فإذا كانت في معرض الامتنان وبيان النعمة حتى وإن كانت في سياق الإثبات، فإنها لا تكون من باب الإطلاق، وإنما تكون من باب العموم .
*************************
__________
(1) سورة الرحمن، الآية : 68 .
(2) سورة الأنفال، الآية : 11 .(1/264)
هذه قاعدة أصولية : [ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ] وتقدم أن أشرنا إلى أنه يجب العمل بالعام إلى أن يرد المخصص، وكذلك إذا كان اللفظ عاماً والسبب خاصاً، فإنه لا ينظر إلى خصوص السبب؛ لأن الشريعة عامة لكل زمان، ومكان، وكل أحد، فلا ترد خاصة لأحد بعينه، وعلى هذا نقول : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولهذا تجد كثيراً من الوقائع أسبابها خاصة ومع ذلك الحكم فيها عام، ومن ذلك اللعان سببه خاص قال الله تعالى : { - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - (( - - - رضي الله عنهم - - { - (( - صدق الله العظيم ( { ( المحتويات ( - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -( - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } المحتويات (- رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - - { ( - - - ( - - (( مقدمة ( الله أكبر ( { - صدق الله العظيم ( - - - - ((( - ( - ( - ( - - - ((( ( { - - ( - ( - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } تمت - صلى الله عليه وسلم - - - تمهيد - عليه السلام - - (( - - ( - - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( تمت ( { - رضي الله عنه - تمت - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ( - - ( - - - ((( } - (- رضي الله عنه -- عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام(1/265)
-- صلى الله عليه وسلم - - { - ( { - رضي الله عنه -( - - - - - - رضي الله عنهم -(( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - { - (( - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } المحتويات (- رضي الله عنهم - - ( { - - رضي الله عنهم -( ( - - - ( - - (( مقدمة ( الله أكبر ( { - صدق الله العظيم ( - - - - ((( - ( - ( - - ( - - - ((( - { - - ( - ( - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - ( ( - - - - - { - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( تمت ( { - رضي الله عنه - تمت - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - - - ((( } (1) والحكم عام لكل الناس لا يخصص لأحد دون غيره مع أن السبب خاص على خلاف في منْ نزلت، فقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : اختلف الأئمة في هذه المواضع فمنهم من رجح أنها نزلت في شأن عويمر العجلاني، ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال بن أمية، ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال وصادف مجيء عويمر أيضاً، فنزلت في شأنهما معاً، وإلى هذا جنح النووي وتبعه الخطيب فقال : لعلهما اتفق لهما ذلك في وقت واحد .
وأيضاً : آيات الظهار نقول بأنها عامة مع أن سبب الظهار خاص وهو مظاهرة أوس بن الصامت رضي الله عنه من زوجته خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها(2)
__________
(1) سورة النور، الآيات 6 – 9 .
(2) أخرجه أحمد (6/46) ، والنسائي (6/168) ، وابن ماجه رقم (2063)، والحاكم (2/481) وصححه الحاكم والذهبي وابن الملقن .
وقال ابن حجر في الفتح وهو أصح ما ورد في قصة المجادلة . وقال ابن حجر أيضاً في تغليق التعليق هذا حديث صحيح .(1/266)
، ومع ذلك الآيات عامة قال تعالى : { - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - (( - المحتويات ( - - ( تم بحمد الله صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - - - - ( { - - } تم بحمد الله - (( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - (- رضي الله عنهم - - } تم بحمد الله ( - } ( تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - (- رضي الله عنهم - - } تم بحمد الله ( - - صدق الله العظيم ( { - (((( { - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - } - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - - - - - - تمهيد - جل جلاله -( تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ( قرآن كريم - { ( - - - - - جل جلاله - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } (1) فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والعلة في ذلك أن الشريعة عامة، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( لا تنزل الشريعة لأحد، ليس هناك دليل في الشريعة وردت خصوصيته خصوصية عين ) .
مثال ذلك : في قصة سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه لما جاءت سهلة زوجة أبي حذيفة وذكرت أن سالما ً مولى أبي حذيفة كبر، وأنه يدخل عليها ... إلخ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أرضعيه تحرمي عليه"(2) وهو رجل كبير. قال الجمهور : هذه الخصوصية خصوصية عين يعني أن هذه قضية عينية خاصة بسالم مولى أبي حذيفة .
__________
(1) سورة المجادلة، الآية : 2 .
(2) أخرجه مسلم (1453) .(1/267)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : ( الخصوصية هنا ليست خصوصية عين، وإنما هي خصوصية وصف وحال، فكل من كانت حاله مثل حال سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه فإن رضاع الكبير ينتشر ) .
ومثل ذلك : قصة أبي بردة رضي الله عنه عندما ذبح قبل الصلاة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " شاتك شاة لحم "، فقال يا رسول الله فإن عندنا عناقاً هي أحب إليّ من شاتين أفتجزئ عني فقال - صلى الله عليه وسلم - : " نعم ولن تجزي عن أحد بعدك " (1) ليست هذه خصوصية عينية، وإنما هي خصوصية حالية وصفية، وعلى هذا فقس .
***********************
سبق أن قررنا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن استثنى المؤلف رحمه الله قال : [ ما لم يكن متصفاً بوصف ] : يعني أن العام إذا أورد على سبب متصف بصفة فإننا نعممه في حدود تلك الصفة .
__________
(1) انظر ص (234) .(1/268)
ومن الأمثلة على ذلك : قوله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى رجلاً قد ظُلِّل عليه في السفر بسبب الصيام : " ليس من البر الصوم في السفر " (1) السبب هنا خاص، وهو قصة ذلك الرجل الذي أصابته مشقة في السفر بسبب الصيام، ثم ظلل عليه، وازدحم الناس عليه فقال - صلى الله عليه وسلم - : " ليس من البر الصوم في السفر " فهذا عام يشمل كل مسافر، ويشمل كل سفر، لكن هذا السبب ورد متصفاً بصفة وهي المشقة فقد لحقته مشقة ظاهرة، فمادام تلحق هذه المشقة الظاهرة فنقول : ليس من البر الصوم في السفر كحال هذا الشخص الذي لحقته مشقة، أما إذا كان لا تلحقه مشقة فإنه لا بأس أن يصوم بل يشرع، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام في السفر(2) وأفطر في السفر(3) أيضاً. فنقول : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ورد مقيداً بصفة، وهي لحوق المشقة فليس من البر الصيام في السفر إذا كان يؤدي إلى المشقة .
*************************
الأصل كما أسلفنا أنه يُعمل بالعام على عمومه حتى يرد المخصص، فإذا ورد المخصص فإنه يصار إلى التخصيص.
والتخصيص : هو قصر العام على بعض أفراده بدليل يدل على ذلك .
وقد قسم العلماء المخصصات إلى قسمين :
القسم الأول : المخصصات المنفصلة وهي : الحس، والعقل، والشرع، والإجماع، والقياس .
القسم الثاني : المخصصات المتصلة: وهي الاستثناء، والصفة، والشرط، والبدل، والغاية، ونمثل لكل واحد بمثال :
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (1946) ، ومسلم رقم (1115) .
(2) صام في السفر كما في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أخرجه البخاري رقم ( 1945) ، ومسلم رقم (1122) .
(3) أفطر في السفر كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه فشرب " الحديث أخرجه مسلم رقم (1114) .(1/269)
من أمثلة المخصصات المنفصلة : مثال الحس : قوله تعالى : ( ( - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - } - ( - { ((( - ( ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - - { - ( - - - عليه السلام - - } (1) قوله : (كل شيء) (شيء) نكرة تشمل كل شيء، لكن خصص الحس السموات، والأرض...إلخ.
ومثال التخصيص بالعقل وقوعه في : قوله تعالى : { ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( } - } - - - - - - ( مقدمة ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - ( - - - } (2) فالعقل اقتضى بنظره عدم دخول الصبي، والمجنون بالتكليف بالحج لعدم فهمهما، والوقوع دليل الجواز، ذكره الأصوليون وهو مذهب جمهور العلماء رحمهم الله .
__________
(1) سورة الأحقاف، الآية : 25 .
(2) سورة آل عمران، الآية : 97 .(1/270)
ومثال التخصيص بالإجماع : أن العلماء رحمهم الله أجمعوا على أن قوله تعالى : { ( { - عليه السلام - - ( الله أكبر - } - - - - - ( الله أكبر - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - ( } - ( - - - ( فهرس (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ( { ( } تم بحمد الله - { - - } - ( تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنهم - - } } (1) مَخصَّص بالإجماع على أن العبد يُجلد خمسين جلدة على النصف من الحر، ومستند هذا الإجماع هو القياس على الأَمة، حيث ورد النص على أنها تجلد نصف ما على الحرة، فقال تعالى : { - - - - ( - - ( - صدق الله العظيم ((( مقدمة ( - ( تمت ( - - ( - ((( - - - صلى الله عليه وسلم - - - { - رضي الله عنه -(( - ( - (( - - صدق الله العظيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنهم -( - ( ( - ((( الله أكبر - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - فهرس - - رضي الله عنه -( ( تمهيد ( - - جل جلاله - - (( - ( - ( - - - - (( تم بحمد الله ( - - - - - رضي الله عنهم -(( - - - - } (2) فقاس العلماء العبد على الأَمة، وأجمعوا على هذا القياس .
__________
(1) سورة النور، الآية : 2 .
(2) سورة النساء، الآية : 25 .(1/271)
ومثال التخصيص بالقياس : قوله تعالى : { صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - تمت - - - - - جل جلاله -- جل جلاله -( تم بحمد الله - - عليه السلام -( - } (1) لم يبق على عمومه، حيث من وجب عليه حد في النفس ثم لجأ إلى الحرم فإنه يُقتص منه، ولو كان داخل الحرم، وخصصنا ذلك من عموم الآية السابقة بالقياس ، حيث قسناه على من جنى داخل الحرم، فإن قتله جائز أخذاً من قوله تعالى : { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - - رضي الله عنهم - - - (( ( - ( - ( - { الله أكبر ( الله - - ( الله - - رضي الله عنه - - { - رضي الله عنه -( - - - - (( - - رضي الله عنهم - مقدمة ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - { ( - ( مقدمة - (( } تمت ( - - ( ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( - - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - ( - - - - ( - } (2).
ومثال التخصيص بالشرع : قوله - صلى الله عليه وسلم - " فيما سقت السماء العُشر " . (3)
هذا عام يشمل القليل والكثير خُصَّصَ ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " .(4)
ومن أمثلة المخصصات المتصلة الصفة : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من باع نخلاً مؤبَّراً "(5) ( نخلاً ) هذه نكرة في سياق الشرط تفيد العموم كل نخل، لكن خُصِّصَ بقوله : ( مؤبرا ) هذه صفة .
__________
(1) سورة آل عمران، الآية : 97 .
(2) سورة البقرة، الآية : 191 .
(3) أخرجه البخاري رقم (1483) .
(4) أخرجه البخاري رقم (1405) ومسلم رقم (979) .
(5) أخرجه البخاري رقم (2204) ، ومسلم رقم (1543) .(1/272)
ومن أمثلة المخصصات المتصلة الاستثناء : كقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فلا يعضد شوكه، ولا يختلى خلاه " فقال العباس رضي الله عنه يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم وبيوتهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إلا الإذْخِر " . (1)
وقوله : [ كقيد مطلق بما قد قيدا ] : المطلق سبق تعريفه. (2)
والمقيّد : هو اللفظ المتناول لمعيَّن، أو غير معيَّن موصوفٍ بأمرٍ زائدٍ على الحقيقة الشاملة لجنسه .
أيضا الأصل العمل بالمطلق حتى يرد المقيّد فإذا ورد المقيد فإن المطلق يُقيَّد . من الأمثلة على ذلك : أن الله تعالى قال في كفارة الظهار { ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - ( - { - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام - - } (3) وقال في كفارة القتل : { ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - ( - { - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام - - - { - - جل جلاله -( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله } ففي كفارة الظهار تحرير رقبة مطلقة وفي كفارة القتل قُيدت هذه الرقبة بالإيمان .
واعلم أنه إذا ورد مطلق ومقيّد فإن الحال لا يخلو من أربعة أقسام:
القسم الأول : أن يتفق الحكم والسبب، فجمهور الأصوليين على أن المطلق يُحمل على المقيد .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (3189) ، ومسلم رقم (1353) .
(2) انظر ص (346) .
(3) سورة النساء، الآية : 92 .(1/273)
مثال ذلك قوله تعالى : { - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - رضي الله عنهم - مقدمة ( المحتويات ( تمهيد ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - { - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - - جل جلاله -( - ( - - - } (1) وقوله تعالى في آية أخرى { - ( - - صدق الله العظيم ( - ( صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - - (( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - ((- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -( - { - فهرس - ( { - ( تم بحمد الله { - { - رضي الله عنه -( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - بسم الله الرحمن الرحيم (( - - ( ((( مقدمة ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( { تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - جل جلاله - تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - - ( فهرس قرآن كريم ((( - } تم بحمد الله } (2) فقيد الدم هنا بكونه مسفوحاً فالحكم واحد وهو تحريم الدم، والسبب واحد وهو المضرة والأذى، فقالوا : يُحمل الدم المطلق على الدم المسفوح المقيد، وبعض العلماء قال : إن هذا القسم لا وجود له؛ لأنه إذا اتفق الحكم والسبب فإنه يكون شيئاً واحداً .
القسم الثاني : أن يتفق الحكم ويختلف السبب، فجمهور الأصوليين على أنه يُحمل المطلق على المقيد .
__________
(1) سورة البقرة، الآية : 173 .
(2) سورة الأنعام، الآية : 145 .(1/274)
مثال ذلك : قوله تعالى في كفارة القتل : { ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - ( - { - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام - - - { - - جل جلاله -( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله } قيدها بالإيمان، وقال في كفارة الظهار : { ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - ( - { - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام - - } الحكم واحد وهو إعتاق رقبة في كفارة، والسبب مختلف (ظهار، وقتل) فقالوا : يُحمل المطلق على المقيّد وحينئذ المطلق في كفارة الظهار نحمله على المقيد في كفارة القتل، فنقول : يشترط في الرقبة المعتقة أن تكون مؤمنة .
القسم الثالث : أن يتفق السبب ويختلف الحكم .(1/275)
مثال ذلك : أن الله تعالى قال في الصيام في كفارة الظهار : { ( بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام - - (( - ( ((((- رضي الله عنه - - ( - - { ((((- رضي الله عنهم -(( - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( تم بحمد الله صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( تمهيد - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - } (1) وقال في الإطعام في كفارة الظهار : { ( بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم -(((( - - ( - رضي الله عنه -((( فهرس - ( - - - جل جلاله - - - ( - ( - ( تم بحمد الله - } السبب واحد في الإطعام، والصيام هو الظهار اتفق السبب، لكن الحكم هنا اختلف ففي الإطعام قال تعالى : { ( بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم -(((( - - ( - رضي الله عنه -((( فهرس - ( - - - جل جلاله - - - ( - ( - ( تم بحمد الله - } أطلق ولم يشترط التتابع، وفي الصيام اشترط الله تعالى التتابع قال تعالى : { ( بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام - - (( - ( ((((- رضي الله عنه - - ( - - { ((((- رضي الله عنهم -(( - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( تم بحمد الله } فلا نحمل هنا المطلق على المقيّد فلا يجب التتابع في الإطعام . وعلى هذا لو أطعمت اليوم ثلاثين مسكيناً، وغداً وبعد غد أطعمت ثلاثين مسكيناً صح ذلك .
القسم الرابع : أن يختلف الحكم والسبب، فهنا لا يُحمل المطلق على المقيد .
__________
(1) سورة المجادلة، الآية : 4 .(1/276)
من الأمثلة على ذلك : كفارة اليمين قال تعالى : { - صدق الله العظيم ( المحتويات ( - ( - ( } - - - ( - ( - - - ( قرآن كريم ((( - - - - ( - ( - (( ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - ( } - - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - ( المحتويات - - - } { - رضي الله عنه -( - صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - ( - - } - - } ((( مقدمة ( - - رضي الله عنه - - ( } ( - - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم -(((( { ( - - عليه السلام - - - (- رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((- رضي الله عنهم - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((((( - ( المحتويات ( - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ( - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - { - رضي الله عنه - تمهيد - - - عليه السلام - - } } (1) قال بعد ذلك { } صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم { - ( - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام - - (( - ( ( { - الله ( فهرس - - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - الله - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - } وفي قراءة { فصيام ثلاثة أيام متتابعة } فهنا قيد صيام كفارة اليمين بالتتابع .
__________
(1) سورة المائدة، الآية : 89 .(1/277)
وقال تعالى في كفارة الظهار: { ( بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم -(((( - - ( - رضي الله عنه -((( فهرس - ( - - - جل جلاله - - - ( - ( - ( تم بحمد الله - } السبب هنا مختلف يمين وظهار، والحكم أيضاً مختلف، فلا نحمل الإطعام المطلق الوارد في كفارة الظهار على الوارد في كفارة اليمين. فأصبح عندنا إذا اختلف الحكم والسبب أنه لا يُحمل المطلق على المقيّد .
*********************
هذه قاعدة أيضاً مفيدة وهي : [ أن ذكر بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص ] .
مثال ذلك : إذا قلت : ( أكرم الطلبة ) هذا يشمل كل الطلبة، ثم قلت بعد ذلك : ( أكرم زيداً ) ، لا يقتضي التخصيص هنا، لا نقول : الإكرام خاص بزيد بل شامل لكل الطلبة وإنما ذكرت زيداً لكي تعتني به أكثر، أو لكي تزيد في إكرامه .
ومن ذلك : ما ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه قال : " قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة في كل مالٍ لم يقسَم " يشمل العقار، والمنقول قال بعد ذلك : " فإذا وقعت الحدود وصُرِّفَت الطرق فلا شفعة "(1) وقوله بعد ذلك : ( فإذا وقعت الحدود، وصُرِّفَت الطرق فلا شفعة ) . هنا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أفراد العام بحكم يوافق العام، فنقول : لا يقتضي التخصيص، لا نقول : إن قوله : (قضى بالشفعة في كل مال لم يقسم ) أنه خاص بالعقار؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " بل نقول بأن قوله : "إذا وقعت الحدود وصُرَّفت الطرق فلا شفعة " لا يقتضي التخصيص؛ لأن ذكر بعض أفراد العام بحكم يوافق العام لا يقتضي التخصيص .
__________
(1) أخرجه البخاري رقم (2213) ، ومسلم رقم (1608) .(1/278)
مثال آخر : تقول : ( أكرم الطلبة، ثم قلت : أكرم زيداً ) فقولك: (زيداً ) ذكر لبعض أفراد العام بحكم يوافق العام وهو الإكرام، فالحكم هنا لا يخالف فلا يقتضي التخصيص، ولو قلت : (أكرم الطلبة) ثم قلت : ( لا تكرم زيداً ) لقلنا : بأنه يقتضي التخصيص؛ لأنه يخالف العام ولا يوافقه .
انتهت هذه المنظومة المباركة نسأل الله أن يغفر لناظمها ويتجاوز عنه، ويسكنه فسيح جناته، وأن يجعل ما كتبه، ونَظَمَهُ في ميزان حسناته، وأن يغفر لنا، ويرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة ... الموضوع ... الصفحة
مقدمة .......................
ترجمة المؤلف فضيلة الشيخ : محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله ..........................
متن المنظومة .................
التمهيد .....................
تعريف النظم ................
تعريف الفقه .................
تعريف أصول الفقه ..........
أقسام الأدلة .................
أقسام القواعد ...............
تعريف القاعدة الفقهية .......
الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي .............
الفرق بين قواعد الأصول وقواعد الفقه ................
ميزة القواعد الفقهية وفوائدها.....................
فوائد القواعد الفقهية ........
مراتب القواعد الفقهية .......
موضوع أصول الفقه ........
مصادر أصول الفقه .......... ... 3
5
9
15
15
15
16
16
17
17
20
22
24
25
27
29
29 ... فائدة أصول الفقه ............
أهم المؤلفات في القواعد الفقهية ......................
شرح البسملة ...............
شرح قول الناظم : "الحمد الله المعيد المبدي " ...............
تعريف الحمد ................
الفرق بين الحمد والمدح ......
أقسام الحمد .................
شرح قول الناظم : "مثبت الأحكام بالأصول " ..........(1/279)
تعريف الحكم ................
أقسام الأحكام ...............
الفرق بين الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية ...........
العلماء يطلقون الأصل على عدة إطلاقات ................
شرح قول الناظم : " ثم الصلاة مع سلام قد ِأتم " .....
تعريف الصلاة ...............
الدعاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالسلام ينقسم إلى قسمين : ................. ... 29
31
32
34
34
34
35
36
36
36
37
38
40
40
42
الموضوع ... الصفحة ... الموضوع ... الصفحة
شرح قول الناظم : " محمد المبعوث رحمة الورى " ........
أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - ...............
الرسل بُعثوا لحكمتين ........
أقسام الهداية ................
شرح قول الناظم : " وبعد فالعلم بحور زاخرة " .........
أول من تكلم بـ (أما بعد) ..
شرح قول الناظم : " لكن في أصوله تسهيلا " .............
شرح قول الناظم : " فاغتنم القواعد الأصولا " ...........
شرح قول الناظم : " وهاك من هذي الأصول جملا " .....
شرح قول الناظم : " قواعداً من قول أهل العلم " .........
القواعد والأصول ...........
شرح قول الناظم : " الدين جاء لسعادة البشر " .........
تعريف المصالح ...............
أقسام المصالح ................
الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع على حفظها ..
القواعد الخمس الكلية هي ... ... 43
43
45
45
46
47
48
48
49
51
52
52
52
54
54
59 ... تعريف الضر .................
أقسامه، وأمثلة على ذلك ....
شرح قول الناظم : " فكل أمر نافع قد شرعه " .............
شرح قول الناظم : "ومع تساوي ضرر ومنفعة "........
قاعدة : [ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ] .........
أمثلة هذه القاعدة ............
قول ابن القيم رحمه الله أن المنكر على أربع درجات .....
قاعدة : [ الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام ] ...
أمثلة هذه القاعدة ............(1/280)
قاعدة : [ الضرر لا يزال بالضرر ] ....................
أمثلة هذه القاعدة ............
قاعدة : [ الضرر يزال بقدر الإمكان ] ...................
أمثلة هذه القاعدة ............
قاعدة : [ الضرر اليسير يحتمل في العقود ] ..................
أمثلة هذه القاعدة ............
قاعدة : [ الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ] ............ ... 60
61
62
63
63
63
64
65
66
66
67
67
67
68
68
68
الموضوع ... الصفحة ... الموضوع ... الصفحة
قاعدة : [ الاضطرار لا يبطل حق الغير ] ..................
شرح قول الناظم : " وكل ما كلفه قد يسرا " .............
دخول التيسير في التكاليف الشرعية من وجهين ..........
قاعدة : [ المشقة تجلب التيسير] ....................
أدلة هذه القاعدة ............
أقسام المشقة ................
التخفيف في الشريعة له أسباب.
شروط السفر الذي يكون سبباً للتخفيف ...............
القاعدة في المجنون من حيث التخفيف ....................
العته بالنسبة للتخفيف ينقسم إلى قسمين : .................
التكاليف الشرعية بالنسبة للرقيق تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
شرح قول الناظم " فاجلب لتيسير بكل ذي شطط " .....
شرح قول الناظم : " وما استطعت افعل من المأمور " ... ... 68
69
69
70
70
71
73
75
80
81
82
84
85 ... شرح قول الناظم : " والشرع لا يلزم قبل العلم " ..........
شرح قول الناظم : "لكن إذا فرط في التعلم " .............
العذر بالجهل ينقسم إلى أقسام:
شرح قول الناظم : " وكل ممنوع فللضرورة " ...........
يشترط للضرورات التي تبيح المحظورات شروط : ..........
الفرق بين الضرورة والحاجة...
شرح قول الناظم : " لكن ما حرم للذريعة "................
العريّة تُباح بشروط هي : ....
شرح قول الناظم : " وما نهى عنه من التعبد "...............
قاعدة : [ النهي يقتضي الفساد ] ....................
أقسام هذه القاعدة ...........(1/281)
أمثلة هذه الأقسام ............
شرح قول الناظم : " والأصل في الأشياء حل وامنع " .......
قاعدة : [ الأصل في العبادات الخطر ] ..................... ... 87
88
88
90
90
92
93
95
98
98
98
99
103
105
الموضوع ... الصفحة ... الموضوع ... الصفحة
أدلة هذه القاعدة ............
لابد أن تكون العبادة موافقة للشرع في ستة أمور : .......
شرح قول الناظم : " فإن يقع في الحكم شك فارجع " ......
قاعدة : [ اليقين لا يزول بالشك ] ....................
أدلة هذه القاعدة ............
القواعد التي تتفرع عنها .....
شرح قول الناظم : " والأصل أن الأمر والنهي حتم " .......
قاعدة : [ الأمر يقتضي الوجوب إلا لصارف ] ......
أدلة هذه القاعدة ............
قاعدة : [ النهي يقتضي التحريم ] ...................
أدلة هذه القاعدة ............
شرح قول الناظم : " وكل ما رتب فيه الفضل " ...........
شرح قول الناظم : " وكل فعل للنبي جردا " ............
أقسام أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - ........
شرح قول الناظم : " وإن يكن مبيناً لأمرا ".................. ... 105
106
110
111
113
114
118
118
118
120
120
125
127
127
132 ... شرح قول الناظم : " وقدم الأعلى لدى التزاحم " .......
تزاحم المصالح لا يخلو من أمرين : .....................
أسباب التفضيل .............
أقسام تزاحم المفاسد : .......
شرح قول الناظم : " إن يجتمع مع مبيح ما منع " ............
قاعدة : [ إذا اجتمع حاظر ومبيح فإننا نغلِّب جانب الحظر........................
أمثلة هذه القاعدة ............
شرح قول الناظم : " وكل حكم فلعلة تبع ".............
تعريف العلة لغة، واصطلاحاً..
أقسام العلل في الأحكام الشرعية .....................
أقسام العلل من حيث وجود الحكم وعدمه ................
شرح قول الناظم : " وألغ كل سابق لسببه " ................(1/282)
تعريف السبب لغة، واصطلاحاً...................
تعريف الشرط لغة،واصطلاحا.ً ... 133
134
135
138
139
139
139
140
140
142
143
146
146
146
الموضوع ... الصفحة ... الموضوع ... الصفحة
شرح قول الناظم : " والشيء لا يتم إلا أن تتم " ...........
شرح قول الناظم : " والظن في العبادة المعتبر " ............
أدلة هذه القاعدة ............
أمثلة على هذه القاعدة .......
شرح قول الناظم : " لكن إذا تبين الظن خطا " .............
شرح قول الناظم " والشك بعد الفعل لا يؤثر " ..........
شرح قول الناظم : " ثم حديث النفس معفو فلا " ....
أدلة هذه القاعدة ............
أقسام الفعل، أوهم الإنسان بالطاعة .....................
أقسام الفعل، أوهم أو ترك الإنسان بالمعصية .............
شرح قول الناظم : " والأمر للفور فبادر الزمن " .........
قاعدة : [ أن أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - تقتضي الفورية ....
أدلة هذه القاعدة ............
أدلة الشافعية رحمهم الله أن الأمر على التراخي .......... ... 150
155
155
156
157
159
162
162
163
164
166
166
167
168 ... شرح قول الناظم : " والأمران روعي فيه الفاعل " ..........
أقسام الفروض، والفرق بينهما........................
شرح قول الناظم : " والأمر بعد النهي للحل وفي " .......
شرح قول الناظم : " وافعل عبادة إذا تنوعت " ...........
صيغ الاستفتاحات ...........
صيغ التشهدات .............
شرح قول الناظم : " والزم طريقة النبي المصطفى " .......
شرح قول الناظم : " قول الصحابي حجة على الأصح "..
أقسام قول الصحابي .........
شرح قول الناظم : " وحجة التكليف خذها أربعه " .......
أقسام أدلة التشريع ..........
تعريف السنة لغة، واصطلاحاً.
تعريف الإجماع لغة ، واصطلاحاً ..................
شروط حجيّة الإجماع ........
يترتب على الإجماع أمور......
تعريف القياس لغة، واصطلاحاً ... 170
170(1/283)
172
174
175
176
179
181
181
184
184
185
187
189
191
191
الموضوع ... الصفحة ... الموضوع ... الصفحة
أركان القياس ...............
شروط حجية القياس.........
شروط العلة التي يصح القياس بها ..........................
الألفاظ التي وضعتها العرب تدل على التعليل ............
الأدلة المختلف فيها ..........
أولاً : قول الصحابي .........
ثانياً : الإجماع السكوتي ......
ثالثاً : إجماع أهل المدينة ......
رابعاً : شرح من قبلنا ........
خامساً : الاستصحاب .......
سادساً : الاستحسان ........
سابعاً : المصالح المرسلة .......
شرح قول الناظم : " واحكم لكل عامل بنيته " ............
قاعدة : [ الأمور بمقاصدها ].
تعريف النية لغة، واصطلاحا..
الأدلة على قاعدة : [ الأمور بمقاصدها ] .................
شروط النية .................
فوائد النية ...................
محل النية ....................
مسألة : هل النية شرط أو ركن في العبادات ؟ .......... ... 191
195
197
198
200
200
200
201
202
203
205
206
209
209
209
210
212
214
216
217 ... الأشياء التي لا تشترط لها النية.........................
مبطلات النية ................
صور الانتقال بالنية من عبادة إلى أخرى ...................
أحوال التشريك في النية ......
تعريف الحيلة لغة، واصطلاحاً.
الأدلة عليها .................
أقسام الحيل .................
شرح قول الناظم : " فإنما الأعمال بالنيات " ...........
شرح قول الناظم : " ويحرم المضي فيما فسد " ...........
لا يجوز الخروج من الحج والعمرة إلا بواحد من ثلاثة أمور ........................
شرح قول الناظم : " والنفل جوز قطعه ما لم يقع " ........
شرح قول الناظم : " والإثم والضمان يسقطان " ..........
شرح قول الناظم : " إن كان ذا في حق مولاناولا " ........
شرح قول الناظم : " وكل متلف فمضمون إذا " ........ ... 217
218
220(1/284)
221
223
224
226
227
230
230
232
235
239
الموضوع ... الصفحة ... الموضوع ... الصفحة
شرح قول الناظم : " فكل ما يحصل فما قد أذن " .........
شرح قول الناظم : " ويضمن المثلي بالمثلي وما " ...........
شرح قول الناظم : " وما على المحسن من سبيل " ...........
شرح قول الناظم : " ثم العقود إن تكن معاوضة " ...........
أقسام العقود ................
مراتب هذه العقود ...........
شرح قول الناظم : " وكل ما أتى ولم يحدد " ...............
تعريف العرف لغة، واصطلاحاً...................
الفرق بين العرف العادة ......
أدلة هذه القاعدة ............
أمثلة على هذه القاعدة .......
مسألة : والعرف له شروط ...
مسألة : يقسم جمهور الأصوليون والفقهاء العرف إلى قسمين : ....................
شرح قول الناظم : " من ذاك صغيات العقود مطلقاً " ......
شرح قول الناظم : " واجعل كلفظ كل عرف مطرد ".... ... 242
244
250
253
253
254
259
259
260
260
261
263
264
265
267 ... شرح قول الناظم : " وشرط عقد كونه من مالك " ........
ينوب مناب المالك خمسة .....
شرح قول الناظم : " وكل من رضاه غير معتبر " ............
أدلة هذه القاعدة ............
صور هذه القاعدة ...........
شرح قول الناظم : " وكل دعوى لفساد العقد " ........
شرح قول الناظم : " وكل ما ينكره الحس منعا " .........
شرح قول الناظم : " بينة ألزم لكل مدع " .................
الحقوق التي تشرع فيها اليمين تنقسم إلى قسمين : ..........
شرح قول الناظم : " كل أمين يدعي الرد قبل " .............
الأمين فيما يتعلق بالرد له ثلاثة أقسام : ................
شرح قول الناظم : " وأطلق القبول في دعوى التلف " ....
شرح قول الناظم : " أدِّ الأمان للذي قد أمنك " .............
شرح قول الناظم : " وجائز أخذك مالاً استحق " ......... ... 269
270
271
272
272
274
277
278
279
283
283
286
288
290(1/285)
الموضوع ... الصفحة ... الموضوع ... الصفحة
مسألة الظفر تنقسم إلى قسمين: .....................
شرح قول الناظم : " قد يثبت الشيء لغيره تبع " ...........
قاعدة : [ يثبت تعباً مالا يثبت استقلالاً ] ..................
أدلة هذه القاعدة ............
أمثلة هذه القاعدة ...........
شرح قول الناظم : " كحامل إن بيع حملها امتنع " .........
شرح قول الناظم : " وكل شرط مفسد للعقد " .........
قاعدة : [ أن كل شرط إذا ذكر في العقد أفسده فكذلك إذا نوى أيضاً أفسده ] .......
دليل هذه القاعدة ...........
أمثلة هذه القاعدة ...........
شرح قول الناظم : " لكن من يجهل قصد صاحبه " .........
شرح قول الناظم : " والشرط والصلح إذا ما حللا " .......
تعريف الشرط الصلح لغة، واصطلاحاً ..................
الفرق بين الشروط في العقد وشروط العقد ............... ... 290
292
292
293
293
295
295
295
295
296
298
299
299
300 ... الشروط في العقد تنقسم إلى قسمين : ....................
أقسام الصلح ................
شرح قول الناظم : " وكل مشغول فليس يشغل " .......
شرح قول الناظم : " كمبدل في حكمه اجعل بدلا " .......
مسألة : هل يستوي البدل والمبدل في الأجر ؟ ...........
شرح قول الناظم : " كل استدامة فأقوى من بدا " .....
قاعدة : [ الاستدامة أقوى من الابتداء والدفع أهون من الرفع ] .....................
أدلة هذه القاعدة ............
أمثلة هذه القاعدة ............
شرح قول الناظم : " وكل معلوم وجوداً أو عدم " ......
قاعدة : [ اليقين لا يزول بالشك ] ...................
شرح قول الناظم : " والنفي للوجود ثم الصحة " ..........
شرح قول الناظم : " والأصل في القيد احتراز ويقل " ......
شرح قول الناظم : " وأن تعذر اليقين فارجعا " .............. ... 300
304
307
309
312
315
315
315
315
317
317
318
320
322(1/286)
الموضوع ... الصفحة ... الموضوع ... الصفحة
شرح قول الناظم : " وكل ما الأمر به يشتبه " .............
المواضع التي تستخدم فيها القرعة ......................
الموضعان اللذان لا تستخدم فيها القرعة ..................
مسألة : كيفية القرعة ........
شرح قول الناظم : " وكل من تعجل الشيء على " .........
قاعدة : " من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه " ....
شرح قول الناظم : " وضاعف الغرم على من ثبتت " ........
قاعدة : [ العقوبة إذا سقطت لتخلف شرط أو لوجود ما نع فإن الغرم يضاعف ] .........
أدلة هذه القاعدة ............
صور هذه القاعدة ...........
شرح قول الناظم : " كل ما أبين من حي جعل " ..........
يستثني العلماء من هذه القاعدة مسألتين..............
شرح قول الناظم : " وكان تأتي للدوام غالباً " ...........
كان الواردة في الأدلة الشرعية تنقسم إلى ثلاثة أقسام ........ ... 325
327
329
330
330
331
333
334
334
335
337
338
339
340 ... شرح قول الناظم : " وإن يضف جمع ومفرد يعم " ......
تعريف العام لغة، واصطلاحاً..
شرح قول الناظم : " منكر إن بعد إثبات يرد " .............
أقسام النكرات ..............
شرح قول الناظم : " واعتبر لعموم في نص أثر " ..........
قاعدة : [ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ] ........
أدلة هذه القاعدة ............
أمثلة هذه القاعدة ............
شرح قول الناظم : " ما لم يكن متصفاً بوصف " .............
شرح قول الناظم : " وخصص العام بخاص وردا " ...........
تعريف التخصيص وأقسامه ...
أمثلة المخصصات المنفصلة.....
أمثلة المخصصات المتصلة .....
إذا ورد مطلق ومقيد فإن الحال لا يخلو من أربعة أقسام .......
شرح قول الناظم : " ما لم يك التخصيص ذكر البعض " .....
فهرس الموضوعات ........... ... 341
341
345
345
349
349
349
351
352
353
353
354
355
356
359
361(1/287)