الفصل الأول: تعريف وبيان:
المبحث الأول: تعريف الصحابة لغة واصطلاحاً:
تعريف الصحابة لغة:
قال الفيروز آبادي: "استصحبه: أي دعاه إلى الصحبة ولازمه"[1].
وقال الجوهري: "والصحابة بالفتح: الأصحاب، وهي في الأصل مصدر، وأصْحَبْتُهُ الشيء: جعلته له صاحباً، واستصحبته الكتاب وغيره، وكل شيء لاءم شيئاً فقد استصحبه"[2].
وقال أبو بكر بن الطيب: "لا خلاف بين أهل اللغة في أن القول (صحابي) مشتق من الصحبة، وأنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلاً كان أو كثيراً، كما أن القول (مكلِّم ومخاطب وضارب) مشتق من المكالمة والمخاطبة والضرب وجار على كل من وقع منه ذلك قليلاً كان أو كثيراً ... يقال: صحبت فلاناً حولاً ودهراً وسنة وشهراً ويوماً وساعة، فيوقع اسم المصاحبة بقليل ما يقع منها وكثيره، وذلك يوجب في حكم اللغة إجراء هذا على من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار"[3].
تعريف الصحابي في الاصطلاح:
أما تعريف الصحابي اصطلاحاً فقد اختلف في ذلك:
فعن عبد القدوس بن مالك العطار قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وذكر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أهل بدر فقال: "ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم، كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه"[4].
وقال الإمام البخاري رحمه الله: "من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه"[5].
وقال علي بن المديني: "من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"[6].
وقال سعيد بن المسيب: "الصحابة لا نعدهم إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين"[7].(1/1)
وتعريف سعيد بن المسيب هذا تعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: "والعمل على خلاف هذا القول؛ لأنهم اتفقوا على عد جمع جم من الصحابة لم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا في حجة الوداع"[8].
والتعريف الصحيح المعتمد هو ما قرره الحافظ ابن حجر بقوله: "وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام".
ثم قال شارحا التعريف: "فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى، ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى وقولنا: (به) يخرج من لقيه مؤمناً بغيره كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة، ويدخل في قولنا: (مؤمناً به) كل مكلف من الجن والإنس ... وخرج بقولنا: (مات على الإسلام) من لقيه مؤمناً به ثم ارتد ومات على ردته والعياذ بالله ... ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلم مرة أخرى أم لا وهذا هو الصحيح المعتمد"[9].
المبحث الثاني: بم يعرف الصحابي؟
لقد وضع العلماء رحمهم الله طرقاً وضوابط لمعرفة كون الشخص صحابياً وتلك الطرق أو الضوابط هي:
1- أن تثبت صحبته بطريق التواتر المقطوع به لكثرة ناقليه أن فلاناً من الصحابة وذلك كأبي بكر وعمر وبقية العشرة وناس آخرين من الصحابة رضي الله عنهم.
2- أن تثبت الصحبة للشخص عن طريق الاستفاضة والشهرة.
3- أن يروى عن أحد من الصحابة أن فلاناً له صحبة وكذا عن آحاد التابعين بناء على قبول التزكية من واحد وهو الراجح.
4- أن تثبت الصحبة بإخباره عن نفسه إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة بقوله: أنا صحابي[10].
وقد ذكر الحافظ ابن حجر ضابطاً يستفاد منه معرفة جمع كثير يكتفى فيهم بوصف يدل على أنهم صحابة وهذا الضابط مأخوذ من أمور ثلاثة:(1/2)
أحدها: أنهم كانوا لا يؤمّرون في المغازي إلا الصحابة، فمن تتبع الأخبار الواردة في حروب الردة والفتوح وجد من ذلك الشيء الكثير.
الثاني: قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له. وهذا أيضاً يؤخذ منه شيء كثير.
الثالث: لم يبق بمكة والطائف أحد في سنة عشر إلا أسلم وشهد حجة الوداع، فمن كان في ذلك الوقت موجوداً اندرج فيهم لحصول رؤيته بالنبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يرهم هو صلى الله عليه وسلم[11].
---
[1] القاموس المحيط (1/95).
[2] الصحاح (1/161) باختصار، وانظر لسان العرب لابن منظور (7/286) والمعجم الوسيط (1/507)، وانظر أيضاً التعريفات للجرجاني (173).
[3] انظر: الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (69-70).
[4] انظر: الكفاية (69)، وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث (77)، ومقدمة ابن الصلاح (146).
[5] صحيح البخاري مع الفتح (7/3).
[6] انظر: فتح الباري (7/5).
[7] انظر: الكفاية (68-69) وانظر أيضاً أسد الغابة (1/18).
[8] فتح الباري (7/4).
[9] الإصابة (1/7-9).
[10] انظر الكفاية للخطيب البغدادي (70) ومقدمة ابن الصلاح (146) والتقييد والإيضاح (285).
[11] الإصابة (1/10).
الفصل الثاني: طبقات الصحابة وعددهم:
إن الصحابة رضي الله عنهم يتفاوتون في مراتبهم من حيث السبق إلى الإسلام أو الهجرة وشهود المشاهد الفاضلة وقد ذكر العلماء أنهم على اثنتي عشرة طبقة:
الطبقة الأولى: قوم أسلموا بمكة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم رضي الله عنهم.
الطبقة الثانية: أصحاب دار الندوة حيث بايعه جماعة فيها على الإسلام.
الطبقة الثالثة: المهاجرة إلى الحبشة.
الطبقة الرابعة: الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة الأولى يقال: فلان عقبي وفلان عقبي.
الطبقة الخامسة: أصحاب العقبة الثانية وأكثرهم من الأنصار.(1/3)
الطبقة السادسة: أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء وهو يبني المسجد.
الطبقة السابعة: أهل بدر الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: ((لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))[1].
الطبقة الثامنة: المهاجرة الذين هاجروا بين بدر والحديبية.
الطبقة التاسعة: أهل بيعة الرضوان الذين أنزل الله تعالى فيهم: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18].
الطبقة العاشرة: المهاجرون بين الحديبية والفتح، ومن هؤلاء خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وأبو هريرة وغيرهم، وفيهم كثرة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر قصده خلق كثير من كل ناحية من أجل الهجرة.
الطبقة الحادية عشرة: هم الذين أسلموا يوم الفتح وهم جماعة من قريش.
الطبقة الثانية عشرة: صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرها وعدادهم في الصحابة، ومن هؤلاء السائب بن يزيد وعبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير فإنهما قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لهما، ومن هؤلاء أيضاً: أبو الطفيل عامر بن واثلة وأبو جحيفة وهب بن عبد الله فإنهما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطواف وعند زمزم[2].
قال ابن الصلاح: "وإذا نظرنا إلى تفاوت الصحابة في سوابقهم ومراتبهم كانوا بضع عشرة طبقة"[3]، ومن العلماء من زاد على ذلك.
وأما محمد بن سعد فقد جعلهم خمس طبقات:
الأولى: البدريون.
الثانية: من أسلم قديماً ممن هاجر عامتهم إلى الحبشة وشهدوا أحداً فما بعدها.
الثالثة: من شهد الخندق فما بعدها.
الرابعة: مسلمة الفتح فما بعدها.
الخامسة: الصبيان والأطفال فمن لم يغز سواء حفظ عنه، وهم الأكثر، أم لا[4].
أما عددهم رضي الله عنهم:(1/4)
فليس هناك دليل قاطع على ضبط أفراد الصحابة بعدد معين، وما يذكر من ذلك فإنما هو تبيان لأعداد من الصحابة كانوا في مشهد مخصوص، أو أن ذلك كان باعتبار وقت من الأوقات، أو حال من الأحوال، أو كونهم في بلد معين يجمعهم.
ومما يؤيد هذا ما ذكره ابن الصلاح في مقدمته عن أبي زرعة الرازي حيث سئل عن عدة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ومن يضبط هذا؟! شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أربعون ألفاً، وشهد معه تبوك سبعون ألفاً"[5].
وفي رواية أخرى عنه قال: "توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة وكل قد روى عنه سماعاً أو رؤية"[6].
وقال ابن كثير: "وأما جملة الصحابة فقد اختلف الناس في عدتهم، فنقل عن أبي زرعة أنه قال: يبلغون مائة ألف وعشرين ألفاً"[7].
وقال ابن الأثير: "وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... كثيرون فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد حنيناً ومعه اثنا عشر ألفاً سوى الأتباع والنساء، وجاء إليه هوازن مسلمين فاستنقذوه حريمهم وأولادهم، وترك مكة مملوءة ناساً وكذلك المدينة أيضاً: وكل من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين فهؤلاء كلهم لهم صحبة وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان، وكذلك حجة الوداع وكلهم له صحبة"[8].
ومما تقدم يتضح أن ضبط الصحابة رضي الله عنهم في عدد معين غير ممكن وأن كل من ذكر شيئاً من هذه الأعداد فإنما حكاه على قدر تتبعه ومبلغ علمه وأشار بذلك إلى وقت خاص وحال، فإذاً لا تضاد بين كلامهم ولا تعارض[9].
---
[1] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب: فضل من شهد بدراً (3983) وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم (2494) من حديث علي بن أبي طالب.
[2] الباعث الحثيث لأحمد شاكر (2/504) وأحكام القرآن لابن العربي (2/1002) والعواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (1/412).
[(1/5)
3] مقدمة ابن الصلاح (197).
[4] انظر الجزء الثالث والرابع من كتابه الطبقات فإنه خص هذين الجزئين بتراجم الصحابة.
[5] مقدمة ابن الصلاح (148).
[6] انظر: التقييد والإيضاح (289).
[7] البداية والنهاية (5/397).
[8] أسد الغابة (1/19).
[9] انظر: صحابة رسول الله للكبيسي (119).
الفصل الثالث: الثناء على الصحابة في القرآن الكريم:
أهل السنة والجماعة يثبتون فضل الصحابة رضي الله عنهم الذي نطق به القرآن الكريم المنزل من لدن حكيم حميد، كما يثبتون جميع ما صح في فضلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان هذا الفضل على وجه العموم أو على وجه الخصوص.
ولقد أثنى الله عليهم في كتابه العزيز على سبيل الجملة في آيات كثيرة ومواضع شتى منها:
1- قال الله تعالى: {وَكَذالِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143].
في هذه الآية الكريمة وجه سبحانه فيها الخطاب إلى جميع الأمة المحمدية ومضمونه أنه سبحانه جعلهم خيار الأمم ليكونوا يوم القيامة شهداء على الناس، وأول الداخلين في هذا الخطاب إنما هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عبد الله القرطبي: "المعنى: وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطاً أي: جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم، والوسط العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها. وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَكَذالِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قال: عدلاً. قال هذا حديث حسن صحيح[1] وفي التنزيل: {قال أوسطهم} أي أعدلهم وخيرهم ... ولما كان الوسط مجانباً للغلو والتقصير كان محموداً أي: هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم وقوله تعالى: {لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} أي: في المحشر للأنبياء على أممهم"[2].(1/6)
2- قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].
قال ابن الجوزي: "وفيمن أريد بهذه الآية أربعة أقوال:
أحدها: أنهم أهل بدر.
والثاني: أنهم المهاجرون.
والثالث: جميع الصحابة.
الرابع: جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم نُقِلت هذه الأقوال كلها عن ابن عباس"[3].
وقال الزجاج: "وأصل الخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعم سائر أمته"[4].
وقال السفاريني: "{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قيل: اتفق المفسرون أن ذلك في الصحابة، لكن الخلاف في التفاسير مشهور ورجح كثير عمومها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم"[5].
وقال أبو هريرة رضي الله عنه في قوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال: (خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام)[6].
وعن السدي أنه قال: "{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو شاء الله لقال أنتم فكنا كلنا، ولكن قال {كُنتُمْ} في خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صنع مثل صنيعهم، كانوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"[7].
3- قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100].(1/7)
قال ابن كثير: "يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان رضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم والنعيم المقيم ... وقال محمد بن كعب القرظي: مر عمر بن الخطاب برجل يقرأ هذه الآية {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ} فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ فقال: أبي بن كعب، فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم. قال: وسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا، فقال أُبي: تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة: {وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجمعة:3]... فيا ويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم عياذاً بالله من ذلك"[8].
4- قال تعالى: {لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِىّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:117].(1/8)
قال أبو بكر الجصاص: "وقوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِىّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} فيه مدح لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين غزوا معه من المهاجرين والأنصار، وإخبار بصحة بواطن ضمائرهم وطهارتهم؛ لأن الله تعالى لا يخبر بأنه قد تاب عليهم إلا وقد رضي عنهم ورضي أفعالهم، وهذا نص في رد قول الطاعنين عليهم والناسبين لهم إلى غير ما نسبهم الله إليه من الطهارة ووصفهم به من صحة الضمائر وصلاح السرائر رضي الله عنهم" [9].
5- قال الله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل:59].
قال ابن جرير الطبري: "الذين اصطفاهم، يقول: الذين اجتباهم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فجعلهم أصحابه ووزراءه على الدين الذي بعثه بالدعاء إليه دون المشركين به الجاحدين بنبوة نبيّه"، ثم ذكر بإسناده إلى ابن عباس في قوله: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} قال: أصحاب محمد اصطفاهم لنبيه"[10].(1/9)
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه: "{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} قال طائفة من السلف: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أنهم أفضل المصطفين من هذه الأمة التي قال الله فيها: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذُنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ f جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ g وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ h الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر:32- 35].
فأمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين أورثوا الكتاب بعد الأمتين قبلهم اليهود والنصارى وقد أخبر الله تعالى أنهم الذين اصطفى وتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم))[11]. ومحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم المصطفَون من المصطفَين من عباد الله"[12].(1/10)
6- وقال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح:29].
قال ابن كثير: " فالصحابة رضي الله عنهم خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم، وقال مالك رضي الله عنه: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا الشام يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا. وصدقوا في ذلك فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة وأعظمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"[13].
---
[1] أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن باب: ومن سورة البقرة (2961) والحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2362).
[2] الجامع لأحكام القرآن (2/153-154).
[3] زاد المسير لابن الجوزي (2/16).
[4] معاني القرآن وإعرابه (1/456).
[5] لوامع الأنوار البهية للسفاريني (2/377).
[6] أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب كنتم خير أمة أخرجت للناس (4557).
[7] انظر: جامع البيان (4/43).
[8] تفسير القرىن العظيم (2/367).
[9] أحكام القرآن للجصاص (4/371).
[10] جامع البيان (20/2).
[11] أخرجه البخاري في كتاب الشهادات باب: لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد (2652)، ومسلم في المناقب باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3651).
[12] منهاج السنة (1/156).
[13] تفسير القرآن العظيم (6/365).(1/11)
الفصل الرابع: الثناء على الصحابة في السنة النبوية:
1- عن أبي موسى رضي الله عنه قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي العشاء قال: فجلسنا فخرج علينا فقال: ((ما زلتم ها هنا؟!)) قلنا: يا رسول الله، صلينا معك المغرب ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معكم العشاء قال: ((أحسنتم)) أو ((أصبتم)) قال: فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء فقال: ((النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون))[1].
قال النووي: "ومعنى الحديث أن النجوم ما دامت باقية فالسماء باقية فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون)) أي: من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحاً، وقد وقع كل ذلك، قوله صلى الله عليه وسلم: ((وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتى ما يوعدون)) معناه: من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه وطلوع قرن الشيطان وظهور الروم وغيرهم وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك، وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم"[2].
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتي على الناس زمان يغزو فئام[3] من الناس فيقال لهم: فيكم من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزوا فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: نعم، فيفتح لهم))[4].(1/12)
قال النووي: "وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضل الصحابة والتابعين وتابعيهم"[5].
3- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: ((قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه وتبدر يمينه شهادته))[6].
قال النووي: "اتفق العلماء على أن خير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم والمراد أصحابه"[7].
4- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه))[8].
قال الخطابي: "النصيف بمعنى النصف، كما قالوا: الثمين بمعنى الثُمن. والمعنى أن جهد المقل منهم واليسير من النفقة الذي أنفقوه في سبيل الله مع شدة العيش والضيق الذي كانوا فيه أوفى عند الله وأزكى من الكثير الذي ينفقه من بعدهم"[9].
5- عن أبي عبد الرحمن الجهني قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس إذ طلع راكبان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كنديان[10] مذحجيان[11]))، حتى أتياه فإذا رجلان من مذحج قال: فدنا أحدهما ليبايعه، فلما أخذ بيده قال: يا رسول الله، أرأيت من رآك وآمن بك واتبعك وصدقك ماذا له؟ قال: ((طوبى له)) قال: فمسح على يده وانصرف، ثم أتاه الآخر حتى أخذ بيده ليبايعه فقال: يا رسول الله، أرأيت من آمن بك واتبعك وصدقك ماذا له؟ قال: ((طوبى له ثم طوبى له))[12].
قال ابن كثير: "وهكذا روي عن أبي هريرة وابن عباس ومغيث ابن سمي وأبي إسحاق السبيعي وغير واحد من السلف أن طوبى شجرة في الجنة في كل دار غصن منها"[13].(1/13)
والحاصل أن الأحاديث الواردة في فضلهم كثيرة ومشتهرة بل متواترة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذه الأحاديث مستفيضة، بل متواترة في فضائل الصحابة والثناء عليهم وتفضيل قرنهم على من بعدهم من القرون والقدح فيهم قدح في القرآن والسنة"[14].
---
[1] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم (2531).
[2] شرح النووي على صحيح مسلم (16/83).
[3] الفئام الجماعة الكثيرة (النهاية في غريب الحديث 3/406).
[4] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب: من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب (2897)، ومسلم في فضائل الصحابة باب: فضل الصحابة رضي الله عنه ثم الذين (2532).
[5] شرح النووي على مسلم (16/83).
[6] أخرجه البخاري في الشهادات باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد (2652)، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم (2533).
[7] شرح النووي على صحيح مسلم (16/84).
[8] أخرجه البخاري في المناقب باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت (3673)، ومسلم في فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم (2540).
[9] معالم السنن (4/284).
[10] كندة: بالكسر مخلاف كندة باليمن اسم القبيلة (معجم البلدان: 4/482).
[11] مذحج: قبيلة من قبائل العرب وهم: ولد أود بن زيد بن يشجب مرة. (معجم البلدان:5/88).
[12] أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (17388) والطبراني في الكبير (22/742) والبزار كشف الأستار (2769) والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/18) وقال: إسناده حسن.
[13] تفسير القرآن العظيم (4/89).
[14] مجموع فتاوى شيخ الإسلام (4/430).
الفصل الخامس: الثناء على الصحابة في أقوال السلف والعلماء:(1/14)
1- قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه خص نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بصحابة آثروه على الأنفس والأموال، وبذلوا النفوس دونه في كل حال، ووصفهم الله في كتابه فقال: {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}، قاموا بمعالم الدين وناصحوا الاجتهاد للمسلمين، حتى تهذبت طرقه وقويت أسبابه، وظهرت آلاء الله واستقر دينه، ووضحت أعلامه، وأذل بهم الشرك وأزال رؤوسه ومحا دعائمه، وصارت كلمة الله العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزكية والأرواح الطاهرة العالية، فقد كانوا في الحياة لله أولياء، وكانوا بعد الموت أحياء، وكانوا لعباد الله نصحاء، رحلوا إلى الآخرة قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا وهم بعد فيها)[1].
2- عن أبي أراكة قال: صلّى عليٌ الغداة ثم لبث في مجلسه حتى ارتفعت الشمس قيد رمح كأن عليه كآبة، ثم قال: (لقد رأيت أثراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أرى أحداً يشبههم، والله إن كانوا ليصبحوا شعثاً غبراً صفراً، بين أعينهم مثل ركب المعزى، قد باتوا يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذكر الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح، فانهملت أعينهم حتى تبل والله ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين).(1/15)
وقال أيضاً: (وأولئك مصابيح الهدى يكشف الله بهم كل فتنة مظلمة، سيدخلهم الله في رحمة منه، ليس أولئك بالمذاييع البُذُر[2] ولا الجفاة المرائين)[3].
3- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (من كان مستناً فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم)[4].
4- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيئ) [5].(1/16)
5- عن أبي صخر حميد بن زياد قال: قلت لمحمد بن كعب القرظي: أخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أريد الفتن، فقال: إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأوجب لهم الجنة في كتابه، محسنهم ومسيئهم، قلت له: وفي أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه؟ قال: ألا تقرأ {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]، أوجب لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطاً لم يشترطه فيهم، قلت: وما اشترط عليهم؟ قال: اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان، يقول: يقتدون بهم في أعمالهم الحسنة، ولا يقتدون بهم في غير ذلك، قال أبو صخر: لكأني لم أقرأها قبل ذلك وما عرفت تفسيرها حتى قرأها عليَّ محمد بن كعب القرظي[6].
6- عن قتادة بن دعامة السدوسي قال: "أحق من صدقتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه"[7].
7- عن أيوب السخيتاني قال: "من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق"[8].
8- وقال الإمام مالك بن أنس: "من يبغض أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان في قلبه عليه غل فليس له حق في فيء المسلمين"، ثم قرأ قول الله تعالى: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} إلى قوله {وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ} [الحشر:6- 10].(1/17)
وذُكِر بين يديه رجل ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ مالك هذه الآية: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ} إلى قوله {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ثم قال: "من أصبح من الناس في قلبه غل على أحد من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فقد أصابته الآية"[9].
9- وقال أبو جعفر الطحاوي: "ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان"[10].
10- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:10]، وطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه))[11]... ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل، ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه والصحيح منه هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون..."[12].
---
[1] مروج الذهب ومعادن الجوهر (3/75) للمسعودي.
[2] المذاييع: هو جمع مذياع من أذاع الشيء إذا أفشاه وقيل: أراد الذين يشيعون الفواحش. (القاموس المحيط ـ ذاع)، والبُذُر: جمع بَذِر وهو كثير الكلام (القاموس ـ بذر).
[3] انظر: حلية الأولياء (1/76-77).
[(1/18)
4] حلية الأولياء (1/305-306).
[5] المسند (1/379). وانظر: شرح السنة للبغوي (1/214-215).
[6] الدر المنثور في التفسير بالمأثور (4/272) للسيوطي.
[7] رواه الإمام أحمد في المسند (3/134).
[8] انظر: البداية والنهاية (8/13) لابن كثير.
[9] انظر: شرح السنة للبغوي (1/229).
[10] العقيدة الطحاوية مع شرحها (528).
[11] أخرجه البخاري في المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت..(3673) ومسلم في فضائل الصحابة باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم (2533).
[12] العقيدة الواسطية مع شرحها (لمحمد خليل هراس) (142-151).
الفصل السادس: الثناء على أصناف معينة منهم رضي الله عنهم:
المبحث الأول: الثناء على السابقين الأولين:
السبق هو التقدم إما في الصفة أو في الزمان أو في المكان.
فالتقدم في الصفة: يكون لمن سبق إلى الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر واتخذ ما ينفق قربات عند الله عز وجل.
والتقدم في الزمن: يكون لمن تقدم في أوان قبل أوان.
والتقدم في المكان: يكون لمن تبوأ دار النصرة واتخذها بدلاً عن موضع الهجرة، وأفضل هذه الوجوه هو السبق في الصفات[1].
قال الراغب الأصبهاني: "أصل السبق التقدم في السير نحو: {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً} [النازعات:4]، ويستعار السبق لإحراز الفضل والتبريز وعلى ذلك: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [المعارج:10] أي: المتقدمون إلى ثواب الله وجنته بالأعمال الصالحة نحو قوله: {يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْراتِ} [الأنبياء:89]"[2].
ومما يدل على أن السبق بالصفات هو الأفضل قوله عليه الصلاة والسلام: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غد)) [3].
وقد اختلف العلماء في المراد بالسابقين الأولين على أقوال ستة:(1/19)
الأول: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قاله أبو موسى الأشعري وابن المسيب وابن سيرين وقتادة.
الثاني: أنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وهي الحديبية. قاله الشعبي.
الثالث: أنهم أهل بدر. قاله عطاء بن أبي رباح.
الرابع: أنهم جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حصل لهم السبق بصحبته.
الخامس: أنهم السابقون بالموت والشهادة، سبقوا إلى ثواب الله تعالى قاله الماوردي.
السادس: إنهم الذين أسلموا قبل الهجرة[4].(1/20)
والقول الراجح من هذه الأقوال ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال بعد ذكره لقوله تعالى: {لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد:10] قال: "وهذه الآية نص في تفضيل المنفقين المقاتلين قبل الفتح على المنفقين بعده، ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن السابقين في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ} هم هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين هم من صلى إلى القبلتين، وهذا ضعيف، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة، ولأن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون به، ولأن التفضيل بالصلاة إلى القبلتين لم يدل عليه دليل شرعي كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة، ولكن فيه سبق الذين أدركوا ذلك على من لم يدركه، كما أن الذين أسلموا قبل أن تفرض الصلوات الخمس هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم، والذين أسلموا قبل أن تجعل صلاة الحضر أربع ركعات هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم، والذين أسلموا قبل أن يؤذن في الجهاد أو قبل أن يفرض هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل أن يفرض صيام شهر رمضان هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل أن يفرض الحج هم سابقون على من تأخر عنهم، والذين أسلموا قبل تحريم الخمر هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل تحريم الربا كذلك، فشرائع الإسلام من الإيجاب والتحريم كانت تنزل شيئاً فشيئاً وكل من أسلم قبل أن تشرع شريعة فهو سابق على من تأخر عنه، وله بذلك فضيلة من أسلم قبل نسخ القبلة على من أسلم بعده هي من هذا الباب، وليس مثل هذا ما يتميز به السابقون الأولون عن التابعين، إذ ليس بعض هذه الشرائع أولى بمن يجعله خيراً من بعض، ولأن القرآن والسنة قد دلا على تقديم(1/21)
أهل الحديبية، فوجب أن تفسر هذه الآية بما يوافق سائر النصوص، وقد علم بالاضطرار أنه كان في هؤلاء السابقين الأولين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وبايع النبي بيده عن عثمان، لأنه قد كان غائباً قد أرسله إلى أهل مكة ليبلغهم رسالته"[5].
المبحث الثاني: الثناء على أهل بدر:
أما الآيات التي أثنى الله عز وجل فيها على أهل بدر فمنها:
1- قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ رَأْىَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِى ذالِكَ لَعِبْرَةً لأوْلِى الأبْصَارِ} [آل عمران:13].
قال ابن جرير الطبري: "يعني بذلك جل ثناؤه: قل ـ يا محمد ـ للذين كفروا من اليهود الذين بين ظهراني بلدك: قد كان لكم آية، يعني: علامة ودلالة على صدق ما أقول إنكم ستغلبون، والفئة الجماعة من الناس التقتا للحرب وإحدى الفئتين: رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان معه ممن شهدوا وقعة بدر والأخرى مشركوا قريش {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ} جماعة تقاتل في طاعة الله وعلى دينه، {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} هم مشركو قريش"[6].
2- وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ J وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى الأرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَاكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62، 63].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإنما أيده في حياته بالصحابة"[7].
وقال القرطبي: "{هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ} أي: قواك بنصره يريد يوم بدر، {وَبِالْمُؤْمِنِينَ} قال النعمان بن بشير: نزلت في الأنصار"[8].(1/22)
3- مدح الله عز وجل أهل بدر بصفة الإيمان في غير ما موضع كما في قوله تعالى: {وَلِيُبْلِىَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنًا} [الأنفال:17]، وقوله: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ} [آل عمران:123]، وقوله تعالى: {فَثَبّتُواْ الَّذِينَ ءامَنُواْ} [الأنفال:12].
أما ثبوت فضل أهل بدر والثناء عليهم في السنة النبوية فكثير من ذلك:
1- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير - وكلنا فارس - قال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ[9] فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين))، فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، وأنخناها فالتمسنا فلم نر كتاباً، فقلنا: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك، فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها ـ وهي محتجزة بكساء ـ فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما حملك؟)) قال حاطب: والله، ما بي أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله به عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدق، ولا تقولوا له إلا خيراً)) فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فأضرب عنقه فقال: ((لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفر لكم)) فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم[10].(1/23)
قال الحافظ ابن حجر: "ووقع الخبر بألفاظ منها: ((فقد غفرت لكم))، ومنها: ((فقد وجبت لكم الجنة))، ومنها: ((لعل الله اطلع...))، لكن قال العلماء: إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله للوقوع"[11].
2- وعن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه ـ وكان أبوه من أهل بدر ـ قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: ((من أفضل المسلمين)) ـ أو كلمة نحوها ـ قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة"[12].
3- عن أنس رضي الله عنه قال: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع فقال: ((ويحك أوَهبلت؟! أوَجنة هي؟! إنها جنات كثيرة وإنه في جنة الفردوس))[13].
قال الحافظ ابن كثير: "وفي هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر فإن هذا لم يكن في ساحة القتال ولا في حومة الوغى بل كان من النظارة من بعيد، وإنما أصابه سهم غرب[14] وهو يشرب من الحوض ومع هذا أصاب بهذا الموقف الفردوسَ"[15].
4- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدعاء الذي دعا به يوم بدر: ((اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض))[16].
المبحث الثالث: الثناء على أهل أحد:
جاء الثناء على أهل أحد في القرآن الكريم في آيات كثيرة منها:
1- قال تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىء الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران:121].
هذه الآية تضمنت الثناء البالغ على أهل أحد بشهادة الله تعالى لهم بحقيقة الإيمان الذي حل واستقر في قلوبهم الطيبة، وفي هذه الشهادة فضيلة أيما فضيلة لمن حضر من الصحابة موقعة أحد[17].(1/24)
2- وقال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِى الأمْرِ وَعَصَيْتُمْ مّن بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:152].
3- وقال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [آل عمران:172].
قال ابن جرير الطبري: "يعني بذلك جل ثناؤه: وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين المستجيبين لله وللرسول من بعدما أصابهم الجراح والكِلام، وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد في طلب العدو أبي سفيان ومن كان معه من مشركي قريش منصرفهم عن أحد"[18].
ما جاء في فضل ومنزلة أهل أحد في السنة النبوية:
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم))، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات على رسوله: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169][19].(1/25)
2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما كان يوم أحد جيء بأبي مسجّى وقد مثل به، قال: فأردت أن أرفع الثوب فنهاني قومي، ثم أردت أن أرفع الثوب فنهاني قومي، فرفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر به فرفع فسمع صوت باكية أو صائحة فقال: ((من هذه؟)) فقالوا: بنت عمرو أو أخت عمرو فقال: ((ولِمَ تَبكي؟ فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع)) وفي رواية أنه قال: ((تبكيه أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه))[20].
قال ابن حجر: "(أو) في قوله، ((تبكين أو لا تبكين)) للتخيير، ومعناه أنه مكرم بصنيع الملائكة وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه"[21].
المبحث الرابع: الثناء على أهل بيعة الرضوان:
لقد ورد في فضل أصحاب بيعة الرضوان نصوص محكمة كثيرة من القرآن والسنة النبوية من ذلك:
1- قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [الفتح:4].
قال ابن كثير: "يقول تعالى: {هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ} أي: الطمأنينة قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وعنه الرحمة، وقال قتادة: الوقار في قلوب المؤمنين وهم الصحابة رضي الله عنهم يوم الحديبية الذين استجابوا لله ولرسوله وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلما اطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت زادهم إيماناً مع إيمانهم، وقد استدل بها البخاري وغيره من الأئمة على تفاضل الإيمان في القلوب"[22].
2- قال تعالى: {لّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً} [الفتح:5].(1/26)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} [الفتح:1] قال: الحديبية، قال أصحابه: هنيئاً مرئياً فما لنا؟ فأنزل الله: {لّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}[23].
3- قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [الفتح:10].
قال ابن جرير رحمه الله: "وقوله: {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ} يقول تعالى ذكره: ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدو في سبيل الله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه، {فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} يقول: فسيعطيه ثواباً عظيماً، وذلك أن يدخله الجنة جزاء له على وفائه بما عاهد عليه الله، ووثق لرسوله على الصبر معه عند البأس بالمؤكدة من الإيمان"[24].
4- قال تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً R وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [الفتح:18، 19].(1/27)
قال أبو بكر الجصاص: "فيه الدلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان بالحديبية، وصدق بصائرهم، فهم قوم بأعيانهم... فدل على أنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة، أولياء الله، إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة وصدق الإيمان، وقد أكد ذلك بقوله: {فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} يعني: الصبر بصدق نياتهم وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية وهو مثل قوله: {إِن يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}[النساء:35]"[25].
ومما ورد في فضل أهل بيعة الرضوان في السنة المطهرة:
1- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: ((خير أهل الأرض)) وكنا ألفاً وأربعمائة، ولو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة[26].
قال الحافظ ابن حجر: "هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما"[27].
2- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أخبرتني أم مبشر: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: ((لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذي بايعوا تحتها)) قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها فقالت حفصة: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد قال الله عز وجل: {ثُمَّ نُنَجّى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:72]))[28].
قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها)) قال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعاً... وإنما قال: ((إن شاء الله)) للتبرك لا للشك"[29].(1/28)
3- عن جابر أن عبداً لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذبت، لا يدخلها، فإنه شهد بدراً والحديبية))[30].
4- عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يصعد الثنية، ثنية المراد، فإنه يُحَط عنه ما حُطّ عن بني إسرائيل)) قال: فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج، ثم تتام الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر)) فأتيناه فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم، قال: وكان رجلاً ينشد ضالة له[31].
---
[1] انظر: أحكام القرآن لابن العربي (2/1002) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/237).
[2] المفردات (228).
[3] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة باب فرض الجمعة (876)، ومسلم في كتاب الجمعة باب: هداية هذه الأمة ليوم الجمعة (855) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[4] انظر: زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (3/490-491).
[5] منهاج السنة النبوية (1/154-155)، وانظر: شرح الطحاوية (ص 530).
[6] جامع البيان (3/193-194).
[7] منهاج السنة (1/156).
[8] الجامع لأحكام القرآن (8/42).
[9] روضة خافي: موضع بين مكة والمدينة بقرب المدينة.
[10] أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب الجاسوس (3007) وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أهل بدر (2494).
[11] فتح الباري (7/305-306).
[12] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب: شهود الملائكة بدراً (3992)، وابن ماجة في المقدمة باب فضل أهل بدر (160).
[13] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب فضل من شهد بدراً (3982).
[14] هو الذي لا يعلم راميه أو لا يعرف من أين أتى أو جاء دون قصد راميه.
[15] البداية والنهاية (3/361).
[(1/29)
16] أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر (1763).
[17] انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (1/183).
[18] جامع البيان (4/176).
[19] أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب: في فضل الشهادة (2520)، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (2384)، والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2199) (2/479).
[20] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب الدخول على الميت بعد الموت (1244)، ومسلم في فضائل الصحابة باب: من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام (2471).
[21] فتح الباري (3/116).
[22] تفسير القرآن العظيم (6/330)، وانظر تفسير البغوي مع الخازن (6/158)، وفتح القدير (5/45).
[23] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة الحديبية (4172).
[24] جامع البيان (26/76).
[25] أحكام القرآن (5/273).
[26] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب: غزوة الحديبية (4155)، ومسلم في كتاب الإمارة باب: استحباب مبايعة الإمام الجيش (4155).
[27] فتح الباري (7/507).
[28] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: من فضائل أصحاب الشجرة وأهل بيعة الرضوان (2496).
[29] شرح النووي لصحيح مسلم (16/85).
[30] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم (2495).
[31] أخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (2780).
الفصل السابع: فضل العشرة المبشرين بالجنة:
1- فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
أ- قال الله تعالى: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التوبة:41].(1/30)
قال ابن جرير الطبري: "وإنما عنى الله جل ثناؤه بقوله: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه؛ لأنهما كانا اللذين خرجا هاربين من قريش إذ همّوا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم واختفيا في الغار. وقوله: {إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ} يقول: إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في الغار، والغار: النقب العظيم يكون في الجبل، {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} يقول: إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر: {لاَ تَحْزَنْ} وذلك أنه خاف من الطلب"[1].
وقال أبو بكر ابن العربي: "فيها عدة فضائل مختصة لأبي بكر، لم تكن لغيره، منها قوله: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} فوصف الصحبة في كتابه متلواً إلى يوم القيامة، ومنها قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر في الغار: ((يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!)) وهذه مرتبة عظمى وفضيلة شماء لم يكن لبشر أن يخبر عن الله سبحانه أنه ثالث اثنين أحدهما أبو بكر، كما أنه قال مخبراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ثاني اثنين"[2].
ب- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: ((إن الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله)): قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد خُيّر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المُخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لا تخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر))[3].(1/31)
قال النووي: "قال العلماء: معناه أكثرهم جوداً وسماحة لنا بنفسه وماله، وليس هو المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة؛ لأنه أذىً مبطل للثواب ولأن المنة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في قبول ذلك وفي غيره"[4].
ج- عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: ((عائشة))، فقلت: من الرجال؟ قال: ((أبوها))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم عمر بن الخطاب))، فعد رجالاً[5].
هذا الحديث فيه تصريح بعظيم فضائل أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم، وفيه دلالة بينة لأهل السنة في تفضيل أبي بكر ثم عمر على جميع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين[6].
2- فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
أ- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة فقلت من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصراً بفنائه جارية فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك))، فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله، أعليك أغار[7].
قال الحافظ ابن حجر: "وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مراعاة الصحبة، وفيه فضيلة ظاهرة لعمر"[8].
ب- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علَيّ وعليهم قُمُص، فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علَيّ عمر وعليه قميص اجتره)) قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: ((الدين))[9].
ج- وعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إيهاً يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً آخر))[10].(1/32)
قال الحافظ ابن حجر: "فيه فضيلة عظيمة لعمر، تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه، لا أن ذلك يقتضي وجود العصمة؛ إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها، ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته"[11].
3- فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه:
أ- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عنهما قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم[12].
ب- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن فقال: ((ائذن له وبشره بالجنة))، فإذا أبو بكر، ثم جاء آخر يستأذن فقال: ((ائذن له وبشره بالجنة))، فإذا عمر، ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثم قال: ((ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه))، فإذا عثمان بن عفان[13].
ج- عن عائشة رضي الله عنه قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه - وقال محمد - ولا أقول ذلك في يوم واحد، فدخل فتحدث فلما خرج قالت عائشة رضي الله عنها: دخل أبو بكر فلم تهتش[14] له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال: ((ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة)) [15].
4- فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه:(1/33)
أ- عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: ((لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)) قال: فبات الناس يدوكون[16] ليلتهم أيهم يعطاها، قال: فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: ((أين علي بن أبي طالب؟)) فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه فأتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال: ((أنفذ على رِسْلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير ذلك من حمر النعم))[17].
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في قوله: ((يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)): "فيه فضيلة عظيمة لعلي بن أبي طالب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بذلك"[18].
ب- عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)) قال سعيد بن المسيب: فأحببت أن أشافه بها سعداً فلقيت سعداً فحدثته بما حدثني عامر فقال: أنا سمعته فقلت: أنت سمعته؟ فوضع أصبعيه على أذنيه فقال: نعم، وإلا فاستكتا[19].
قال النووي: "فيه إثبات فضيلة لعلي ولا تعارض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده"[20].
ج- عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: ((أنت مني وأنا منك))[21].
5- فضائل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه:(1/34)
أ- عن الزبير رضي الله عنه قال: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعان، فنهض إلى الصخرة فلم يستطع، فأقعد تحته طلحة فصعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى استوى على الصخرة، قال: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أوجب طلحة))[22].
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((أوجب طلحة)) أي: وجبت له الجنة بسبب عمله هذا أو بما فعل في ذلك اليوم، فإنه خاطر بنفسه يوم أحد وفدى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلها وقاية له حتى طعن ببدنه وجرح جميع جسده حتى شلت يده[23].
ب- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسكن حراء، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)) وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم[24].
ج- ومن مناقبه الرفيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنه راض، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: "باب ذكر طلحة بن عبيد الله، وقال عمر: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ"[25].
6- فضائل الزبير بن العوام رضي الله عنه:
أ- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لكل نبي حوارياً، وإن حواريّ الزبير بن العوم))[26].
ومعنى قوله عليه السلام: ((وحواري الزبير)) أي: خاصتي من أصحابي وناصري، ومنه الحواريون أصحاب عيسى عليه السلام أي خلصائه وأنصاره، وأصله من التحوير: التبييض[27].(1/35)
ب- ومن مناقبه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم فداه بأبويه، فعن عبد الله بن الزبير قال: كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء، فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثاً فلما رجعت قلت: يا أبت رأيتك تختلف قال: وهل رأيتني يا بني؟ قلت: نعم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟)) فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: ((فداك أبي وأمي))[28].
ج- عن عائشة رضي الله عنها: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:172] قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبوك منهم: الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال: ((من يذهب في إثرهم؟)) فانتدب منهم سبعون رجلاً قال: كان فيهم أبو بكر والزبير[29].
7- فضائل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:(1/36)
أ- عن المغيرة بن شعبة أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك قال المغيرة: فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغائط[30] فحملت معه إداوة قبل صلاة الفجر، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إليّ أخذت أهريق على يديه من الإداوة، وغسل يديه ثلاث مرات ثم ذهب يخرج جبته عن ذراعيه فضاق كمّا جبته، فأدخل يديه في الجبة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبة، وغسل ذراعيه إلى المرفقين، ثم توضأ على خفيه ثم أقبل. قال المغيرة: فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدّموا عبد الرحمن بن عوف، فصلى لهم فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين فصلى مع الناس الركعة الآخرة، فلما سلّّم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته فأفزع ذلك المسلمين فأكثروا التسبيح فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته أقبل عليهم ثم قال: ((أحسنتم)) أو قال: ((أصبتم)) يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها[31].
ب- وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة...))[32].
8- فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
أ- عن سعيد بن المسيب قال: سمعت سعداً يقول: جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد[33].
ب- عن عائشة رضي الله عنه عنها قالت: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال: ((ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة)) قالت: فبينا نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح فقال: ((من هذا؟)) قال: سعد بن أبي وقاص، فقال له رسول الله: ((ما جاء بك؟)) قال: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام[34].(1/37)
ج- عن سعد رضي الله عنه قال: إني لأول العرب رمى في سبيل الله، وكنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى إن أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاة ما له خلط...[35].
وكان ذلك في سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان القتال فيها أول حرب وقعت بين المشركين والمسلمين وهي أول سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة[36].
9- فضائل أبي عبيد بن الجراح رضي الله عنه:
أ- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لكل أمة أميناً، وإن أميننا ـ أيتها الأمة ـ أبو عبيدة بن الجراح))[37].
الأمين هو الثقة المرضي وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره لكن السياق يشعر بأن له مزيداً في ذلك، لكن خص النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة ووصفه بها، فأشعر بقدر زائد فيها على غيره، كالحياء لعثمان والقضاء لعلي ونحو ذلك[38].
ب- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر لما خرج إلى الشام وأخبر أن الوباء قد وقع به فجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشارهم، فاختلفوا، فرأى عمر رأي من رأى الرجوع فرجع، فقال له أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ـ وكان عمر يكره خلافه نعم ـ نفِرّ من قدر الله إلى قدر الله[39].
قال الحافظ ابن حجر: "وذلك دال على جلالة أبي عبيدة عند عمر"[40].
ج- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح))[41].
10- فضائل سعيد بن زيد رضي الله عنه:
أ- عن قيس بن حازم قال: سمعت سعيد بن زيد يقول للقوم في مسجد الكوفة يقول: والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر، ولو أن أحداً أرفض[42] للذي صنعتم بعثمان لكان محقوقاً أن يرفض[43].(1/38)
ب- ومن مناقبه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة في حديث العشرة المتقدم.
ج- ومن مناقبه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه من الشهداء في حديث: ((اثبت حراء)).
---
[1] جامع البيان (10/136).
[2] أحكام القرآن (2/951).
[3] أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب: الخوخة والممر في المسجد (466)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (2382).
[4] شرح النووي على صحيح مسلم (15/150)، وانظر: فتح الباري (1/559).
[5] أخرجه البخاري في المناقب باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت (3662)، ومسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر (2384).
[6] انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (15/153).
[7] أخرجه البخاري في كاب المناقب باب: مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي (3679).
[8] فتح الباري (7/75).
[9] أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب: مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي (3691).
[10] أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب: صفة إبليس وجنوده (3294)، ومسلم في فضائل الصحابة باب: من فضائل عمر رضي الله عنه (2397).
[11] فتح الباري (7/47).
[12] أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب: مناقب عثمان بن عفان (3697).
[13] أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه (3695).
[14] تهتش: يقال: هش لهذا الأمر يهش هشاشة إذا فرج به واستبشر وارتاح له وخف.
[15] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه (2401).
[16] يدوكون: أي يخوضون ويموجون فيمن يدفعها إليه.
[17] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة خيبر (4210)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2406).
[18] تيسير العزيز الحميد (107).
[19] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: من فضائل علي بن أبي طالب (2404).
[20] شرح النووي على صحيح مسلم (65/174).
[(1/39)
21] أخرجه البخاري في كتاب الصلح باب: كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان وفلان (2501)، والترمذي في المناقب باب مناقب علي بن أبي طالب (3649).
[22] أخرجه الترمذي في كتاب الجهاد باب ما جاء في الدرع (1692)، والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1383) (2/138).
[23] انظر: تحفة الأحوذي (5/341).
[24] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما (2417).
[25] أخرجه البخاري في المناقب باب ذكر طلحة بن عبيد الله.
[26] أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم في كتاب المناقب باب مناقب الزبير بن العوام (3719)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما (2415).
[27] النهاية لابن الأثير (1/457-458).
[28] أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب: مناقب الزبير بن العوم (3720).
[29] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب: الذين استجابوا لله والرسول (4077).
[30] الغائط: هو المكان المنخفض من الأرض.
[31] أخرجه مسلم في كتاب الصلاة باب: تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام (274).
[32] أخرجه الترمذي في المناقب باب مناقب عبد الرحمن بن عوف (3747).
[33] أخرجه البخاري في المناقب باب: مناقب سعد بن أبي وقاص (3725)، ومسلم في فضائل الصحابة باب: في فضل سعد (2412).
[34] أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب: الحراسة في الغزو في سبيل الله (2885)، ومسلم في فضائل الصحابة باب: في فضل سعد (2410).
[35] أخرجه البخاري في المناقب باب مناقب سعد (3728).
[36] انظر السيرة النبوية لابن هشام (1/591)، وفتح الباري (7/84).
[37] أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب مناقب أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه عنه (3744)، وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: فضائل أبي عبيدة بن الجراح (2419).
[38] انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (15/191)، وفتح الباري (7/93).
[(1/40)
39] أخرجه البخاري في الطب باب ما يذكر في الطاعون (5729) بتمامه؛ ومسلم في كتاب السلام باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها (2219).
[40] انظر: الإصابة (2/244).
[41] أخرجه الإمام أحمد في مسنده (9147)، والترمذي في المناقب باب مناقب معاذ بن جبل و... (3795) وقال: حديث حسن إنما نعرفه من حديث سهيل.
[42] أي: زال من مكانه.
[43] أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب: إسلام سعيد بن زيد رضي الله عنه (3862).
الفصل الثامن: فضل الصحابة من أهل البيت عموماً وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً:
المراد بأهل البيت لغة وشرعاً:
الأهل لغة:
قال الخليل بن أحمد: "أهل الرجل زوجه والتأهل التزوج وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت سكانه وأهل الإسلام من يدين به"[1].
وقال الراغب الأصفهاني: "أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد، فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم نسب، وتعورف في أسرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً إذا قيل أهل البيت لقوله عز وجل {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:33]"[2].
قال ابن منظور: "وأهل المذهب: من يدين به وأهل الإسلام من يدين به وأهل الأمر ولاته، وأهل البيت سكانه وأهل الرجل: أخص الناس به، وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه وبناته وصهره أعني علياً عليه السلام، وقيل: نساء النبي صلى الله عليه وسلم... إلى أن قال: والتأهل: التزوج، والآهل الذي له زوجة وعيال، والعزب الذي لا زوجة له... وآل الرجل أهله وآل الله ورسوله أولياؤه"[3].
وأما شرعاً:(1/41)
فقال القرطبي: "والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم، وإنما قال: {وَيُطَهّرَكُمْ} لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلياً وحسناً وحسيناً كانوا فيهم، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت؛ لأن الآية فيهن، والمخاطبة لهن يدل عليه سياق الكلام"[4].
وقال الحافظ ابن كثير: "وقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً} نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت ها هنا لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولاً واحداً؛ إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح... ثم الذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً} فإن سياق الكلام معهن ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:34]"[5].
ما جاء في فضل أهل البيت عموماً وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً:
1- قال تعالى: {النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}.
قال القرطبي: "شرف الله تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي: في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال، وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن رضي الله عنهن بخلاف الأمهات"[6].
وقال الحافظ ابن كثير: "وقوله: {وَأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} أي: في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام، ولكن لا تجوز الخلوة بهن، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع"[7].(1/42)
2- قال تعالى: {ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأزْواجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحياةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:28، 29].
هذا أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن رضي الله عنهن وأرضاهن: الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة[8].
3- قال تعالى: {يانِسَاء النَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} [الأحزاب:32].
قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في بيان معنى الآية: ({يانِسَاء النَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَاء} يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات، أنتن أكرم علي وثوابكن أعظم لدي)[9].
4- قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما بعد: ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به)) فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: ((وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي))[10].
---
[1] انظر: مقاييس اللغة (1/150).
[2] المفردات في غريب القرآن (ص 29).
[3] لسان العرب (11/29-30).
[4] الجامع لأحكام القرآن (14/183).
[5] تفسير القرآن العظيم (5/452-458).
[(1/43)
6] الجامع لأحكام القرآن (14/123).
[7] تفسير القرآن العظيم (5/425).
[8] تفسير القرآن العظيم (5/447).
[9] انظر:تفسير البغوي على حاشية الخازن (5/212).
[10] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب: فضائل علي بن أبي طالب (2408).
الفصل التاسع: عقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
المبحث الأول: وجوب محبتهم رضي الله عنهم:
من عقائد أهل السنة والجماعة وجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم والاحتجاج بإجماعهم والاقتداء بهم والأخذ بآثارهم، وحرمة بغض أحد منهم، لما شرفهم الله به من صحبة رسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه لنصرة دين الإسلام والهجرة في سبيله، وقد دلت النصوص الصحيحة الصريحة على هذا المعتقد في كثير من الآيات والأحاديث منها:
1- قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:10].
هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة لأنه جعل لمن بعدهم حظاً في الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم والاستغفار لهم، وأن من سبهم أو واحداً منهم أو اعتقد فيه شراً أنه لا حق له في الفيء، روي ذلك عن مالك وغيره قال مالك: من كان يبغض أحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء المسلمين ثم قرأ: {وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ}[1].
2- عن عبد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه))[2].(1/44)
3- عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار))[3].
4- عن عدي بن ثابت قال: سمعت البراء يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأنصار: ((لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله))[4].
5- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر))[5].
المبحث الثاني: الدعاء والاستغفار لهم:
من حق الصحابة الكرام رضي الله عنهم على كل من جاء بعدهم من عباد الله المؤمنين أن يدعو لهم ويستغفر لهم ويترحم عليهم، وقد دل على هذا كم كبير من نصوص الوحيين منها:
1- قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ}.
2- عن عروة قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي، أُمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم[6].
قال النووي: "قولها: (أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم) قال القاضي: الظاهر أنها قالت هذا عندما سمعت أهل مصر يقولون في عثمان ما قالوا، وأهل الشام في علي ما قالوا، والحرورية في الجميع ما قالوا، وأما الأمر بالاستغفار الذي أشارت إليه فهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ}"[7].
3- عن قتادة بن دعامة السدوسي أنه قال بعد قراءته لقوله تعالى: {َالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ}: "إنما أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمروا بسبهم"[8].
المبحث الثالث: الشهادة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم:(1/45)
من عقائد أهل السنة والجماعة أنهم يشهدون لمن شهد له المصطفى صلى الله عليه وسلم بالجنة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فهناك أشخاص أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل الجنة، وهناك آخرون أخبر ببعض النعيم المعد لهم في الجنة، والكل يشهد له أهل السنة والجماعة بالجنة تصديقاً منهم لخبر الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، فلقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن عشرة من المهاجرين بأنهم من أهل الجنة وسماهم بأعيانهم، وهؤلاء العشرة هم المذكورون في حديث سعيد بن زيد.
وتبشير هؤلاء لا ينافي تبشير غيرهم، فلقد جاء تبشير عدد من الصحابة في غير ما حديث، ومن أمثلة أولئك:
1- بلال بن رباح رضي الله عنه:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال))[9].
2- حارثة بن سراقة رضي الله عنه:
عن أنس رضي الله عنه قال: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع، فقال: ((ويحك أوَهبلتِ؟! أَوَجنة واحدة؟ إنها جنات كثيرة وإنه في جنة الفردوس))[10].
المبحث الرابع: إثبات عدالتهم رضي الله عنه:
تعريف العدالة لغة واصطلاحاً:
العدالة لغة: قال ابن منظور: "رجل عدل بين العدل والعدالة: وصف بالمصدر معناه ذو عدل"[11].
وقال الفيروز آبادي: "العدل ضد الجور وما قام في النفوس أنه مستقيم كالعدالة والعدُولة والمِعدلة والمعدَلة"[12].(1/46)
العدالة اصطلاحاً: أما تعريف العدالة في الاصطلاح فقد تنوعت فيها عبارات العلماء والمحدثين والأصوليين، وهي وإن تنوعت عباراتها إلا أنها ترجع إلى معنى واحد، وهو: أن العدالة ملكة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة، ولا تتحقق إلا بالإسلام والبلوغ والعقل والسلامة من الفسق.
دلالة القرآن على لعدالة الصحابة:
1- قوله تعالى: {وَكَذالِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]، ووجه الاستدلال بهذه الآية على عدالة الصحابة رضي الله عنهم أن وسطاً بمعنى (عدولاً خياراً)[13] ولأنهم المخاطبون بهذه الآية مباشرة.
2- قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
3- قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100].
4- قوله تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} [الفتح:18].(1/47)
5- قوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح:29].
قال القرطبي: "فالصحابة كلهم عدول أولياء الله تعالى وأصفياؤه وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة، وقد ذهبت شرذمة لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم، فيلزم البحث عن عدالتهم، ومنهم من فرّق بين حالهم في بداءة الأمر فقال: إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك ثم تغيرت بهم الأحوال فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء، فلا بد من البحث، وهذا مردود، فإن خيار الصحابة وفضلاءهم كعلي وطلحة والزبير وغيرهم رضي الله عنهم ممن أثنى الله عليهم وزكاهم ورضي عنهم وأرضاهم ووعدهم الجنة بقوله: {مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وخاصة العشرة المقطوع لهم بالجنة بإخبار الرسول هم القدوة مع علمهم بكثير من الفتن والأمور الجارية عليهم بعد نبيهم بإخباره لهم بذلك، وذلك غير مسقط من مرتبتهم وفضلهم إذ كانت تلك المرور مبنية على الاجتهاد"[14].
أما دلالة السنة على تعديلهم رضي الله عنه:
عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب))[15].(1/48)
قال ابن حبان: "وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب)) أعظم دليل على أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم مجروح ولا ضعيف، إذ لو كان فيهم أحد غير عدل لاستثنى في قوله صلى الله عليه وسلم وقال: ((ألا ليبلغ فلان منكم الغائب))، فلما أجملهم في الذكر بالأمر بالتبليغ من بعدهم دل ذلك على أنهم كلهم عدول، وكفى بمن عدله رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفاً"[16].
وقد مرت الآيات والأحاديث الدالة على تعديلهم في الفصلين الثالث والرابع فيرجع إليها.
المبحث الخامس: ترتيب الصحابة في الفضل والإمامة:
تعريف الإمامة لغة:
قال ابن منظور: "والإمام كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين... والجمع أئمة... وإمام كل شيء قيّمه والمصلح له، والقرآن إمام المسلمين، وسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة، والخليفة إمام الرعية، وإمام الجند قائدهم... وأممت القوم في الصلاة إمامة وائتم به أي: اقتدى به، وإمام الغلام في المكتب ما يتعلم كل يوم. ويقال فلان إمام القوم معناه هو المتقدم لهم، ويكون الإمام رئيساً كقولك: إمام المسلمين"[17].
تعريف الإمامة اصطلاحا:
عرفها العلماء بتعريفات مختلفة من حيث اللفظ، متحدة في المعنى، ومضمون تعريفاتهم: أنها سياسة الإمام التي يجب أن تكون وفق الشريعة الإسلامية الغراء التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون بعيداً عن الحكم بالهوى والشهوة في كل حال ولا بد أن يكون حكمه بالشرع في كل الأمور الدينية والدنيوية، حتى يصدق عليه أنه نائب عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا بالقيام بشرع الله الذي أوحاه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة، ولفظ الإمام والخليفة والأمير ألفاظ الحديث النبوي[18].
عقيدة أهل السنة في ذلك:(1/49)
وعقيدة أهل السنة والجماعة في ترتيب الخلفاء الأربعة في الإمامة كترتيبهم في الفضل، فالإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم أبو السبطين علي رضي الله عنهم أجمعين، فأهل الحق يعتقدون اعتقاداً جازماً لا مرية فيه ولا شك أن أولى الناس بالإمامة والأحق بها بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، روى أبو عمر بن عبد البر بإسناده إلى عباد السماك قال: سمعت سفيان الثوري يقول: الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز وما سوى ذلك فهم منتزون[19]. قال أبو عمر: "قد روى عن مالك وطائفة نحو قول سفيان هذا، وتأبى جماعة من أهل العلم أن تفضل عمر بن عبد العزيز على معاوية لمكان صحبته"[20].
---
[1] الجامع لأحكام القرآن (18/32).
[2] أخرجه الترمذي في كتاب المناقب باب: فيمن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3862) والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي برقم (808) وقال عنه الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
[3] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب: علامة الإيمان حب الأنصار (17)، ومسلم في كتاب الإيمان باب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه (74).
[4] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه (76).
[5] أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب: حب الأنصار (3783)، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه (75).
[6] أخرجه مسلم في كتاب التفسير باب حدثنا يحي بن يحي.. (3022).
[7] شرح النووي على صحيح مسلم (18/158-159).
[8] أسنده الطبري في جامع البيان (28/44-45).
[9] أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3679).
[10] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب فضل من شهد بدراً (3982).
[11] لسان العرب (11/430).
[(1/50)
12] القاموس المحيط (4/13).
[13] انظر: جامع البيان للطبري (2/7)، الجامع لأحكام القرآن (2/153)، تفسير القرآن العظيم (1/335).
[14] انظر: الجامع لأحكام القرآن (16/399).
[15] أخرجه البخاري في كتاب العلم باب: ليبلغ العلم الشاهد الغائب (105) وأخرجه مسلم في كتاب: القسامة والمحاربين والقصاص والدبات باب: تغليط تحريم الدماء والأعراض والأموال (1679).
[16] انظر: الإحسان بترتيب صحيح بن حبان (1/91).
[17] لسان العرب (12/24)، وانظر: القاموس المحيط (4/78)، وتاج العروس (8/193).
[18] انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة للدكتور ناصر الشيخ (2/504).
[19] أي متغلبون.
[20] جامع بيان العلم وفضله (2/226-227)، وانظر: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (2/514).
الفصل العاشر: تحريم سب الصحابة:
المبحث الأول: تحريم سبهم بنص القرآن:
1- قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً E وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [الأحزاب:58].
ووجه دلالة الآية على تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم أنهم في صدارة المؤمنين، فإنهم المواجهون بالخطاب في كل آية مفتتحة بقوله: {اأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ} ومثل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ} في جميع القرآن فالآية دلت على تحريم سب الصحابة؛ لأن لفظ المؤمنين أول ما ينطلق عليهم لأن الصدارة في المؤمنين لهم رضي الله عنهم، وسبهم والنيل منهم من أعظم الأذى[1].
قال الحافظ ابن كثير: "ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله ثم الرافضة الذين ينتقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم"[2].(1/51)
2- وقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}.
قال أبو عبد الله القرطبي: "روى أبو عروة الزبيري من ولد الزبير: كنا عند مالك بن أنس فذكروا رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ مالك هذه الآية: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء...} حتى بلغ: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارُ}، فقال مالك: من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية"، ثم قال: "لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله، فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين"[3].
المبحث الثاني: دلالة السنة على تحريم سبهم:
1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه))[4].
قال النووي: "واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام، من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون"[5].
2- وعن أبي سعيد أيضاً قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أحداً من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه))[6].
3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أصحابي، لعن الله من سب أصحابي))[7].
4- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين))[8].
المبحث الثالث: من كلام السلف في تحريم سب الصحابة:(1/52)
1- روى ابن أبي حاتم بإسناده إلى يوسف بن سعد عن محمد بن حاطب قال: ونزل في داري حيث ظهر علي رضي الله عنه على أهل البصرة فقال لي يوماً: لقد شهدت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه وعنده عمار وصعصعة والأشتر ومحمد بن أبي بكر رضي الله عنهم، فذكروا عثمان رضي الله عنه فنالوا منه فكان علي رضي الله عنه على السرير ومعه عود في يده، فقال قائل منهم: إن عندكم من يفصل بينكم فسألوه فقال علي رضي الله عنه: كان عثمان رضي الله عنه من الذين قال الله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيْئَاتِهِمْ فِى أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصّدْقِ الَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16]، قال: والله عثمان وأصحاب عثمان رضي الله عنهم، قالها ثلاثاً، قال يوسف: فقلت لمحمد بن حاطب آلله لسمعت هذا من علي رضي الله عنه قال: آلله لسمعت هذا من علي رضي الله عنه[9].
2- وعن جابر رضي الله عنهما قال: قيل لعائشة: إن ناساً يتناولون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر فقالت: وما تعجبون من هذا؟ انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر[10].
3- عن محمد بن علي بن الحسين بن علي أنه قال لجابر الجعفي: يا جابر، بلغني أن قوماً بالعراق يزعمون أنهم يحبونا ويتناولون أبا بكر وعمر ويزعمون أني آمرهم بذلك، فأبلغهم عني أني إلى الله منهم بريء، والذي نفس محمد بيده، لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن لم أكن استغفر لهما وأترحم عليهما، إن أعداء الله لغافلون عن فضلهما، فأبلغهم أني بريء منهم وممن تبرأ من أبي بكر
وعمر رضي الله عنهما[11].
المبحث الرابع: حكم سابّ الصحابة وعقوبته:(1/53)
اختلف أهل العلم في الحكم والعقوبة التي يستحقها من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جرحهم، هل يكفر بذلك وتكون عقوبته القتل أو أنه يفسق بذلك ويعاقب بالتعزير.
1- ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة رضي الله عنهم أو انتقصهم وطعن في عدالتهم وصرح، ببغضهم وأن من كانت هذه صفته فقد أباح دم نفسه وحل قتله إلا أن يتوب من ذلك ويترحم عليهم.
قال الطحاوي في عقيدته: "وحبهم ـ أي الصحابة ـ دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان"[12].
وقال الذهبي: "فمن طعن فيهم أو سبهم فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين، لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم وإضمار الحق فيهم وإنكار ما ذكره الله تعالى في كتابه من ثنائه عليهم وما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنائه عليهم وفضائلهم ومناقبهم وحبهم، ولأنهم أرضى الوسائل من المأثور والوسائط من المنقول، والطعن في الوسائط طعن في الأصل والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول وهذا ظاهر لمن تدبره وسلم من النفاق ومن الزندقة والإلحاد في عقيدته"[13].
واستدل أصحاب هذا القول بأمور منها:
أ) أن سب الصحابة وانتقاصهم والطعن فيهم إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقاص له وحط من مكانته عليه الصلاة والسلام لأنهم أصحابه الذين رباهم وزكاهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأذى الله ورسوله كفر موجب للقتل"[14].
ب) أن الطعن في الصحابة والتجريح لهم مفاده إبطال جميع أحكام الشريعة الإسلامية إذ هم نقلتها والمبلغون لها.
قال القرطبي: "فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين"[15].
ج) أن الطعن في الصحابة يؤدي إلى إنكار ما قام عليه الإجماع قبل ظهور المخالف من فضلهم وشرفهم ومصادقة المتواتر من الكتاب والسنة الدالين على أن لهم الزلفي إلى ربهم[16].(1/54)
2- وذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم بل يفسق ويضلل ولا يعاقب بالقتل بل يعزر تعزيراً شديداً.
قال إسحاق بن راهويه: "ومن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعاقب ويحبس"[17].
وقد استدل أصحاب هذا القول بأدله منها:
أ) ما رواه الشيخان في صحيحيهما من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخالد بن الوليد وقد سب عبد الرحمن بن عوف ((لا تسبوا أصحابي...)).
ب) ما رواه الإمام أحمد بإسناده إلى أبي برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: فقال أبو برزة: ألا أضرب عنقه قال: فانتهره، وقال: ما هي لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم[18].
ج) أن الله ميز بين مؤذي الله ورسوله ومؤذي المؤمنين فجعل الأول ملعوناً في الدنيا والآخرة وقال في الثاني: {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِينا} [النساء:112]، ومطلق البهتان والإثم ليس بموجب للقتل وإنما هو موجب للعقوبة في الجملة.
---
[1] انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة (2/833).
[2] تفسير ابن كثير (5/515).
[3] الجامع لأحكام القرآن (16/296).
[4] أخرجه البخاري في المناقب باب: لو كنت متخذاً خليلاً (3673).
[5] شرح النووي على صحيح مسلم (16/).
[6] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم (2541).
[7] أخرجه الطبراني في الأوسط (5/94) والكبير (12/434) وقال الهيثمي في إسناد الاوسط: "رجاله رجال الصحيح غير علي بن سهل وهو ثقةَ" مجمع الزوائد (10/21).
[8] أخرجه الطبراني في الكبير (3/174) وحسنه بمجموع طرقه الألباني في السلسلة الصحيحة (2340).
[9] ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره (6/283).
[10] انظر: جامع الأصول (9/408-409).
[11] انظر: البداية والنهاية (9/349).
[12] شرح الطحاوية (528).
[13] الكبائر (235).
[14] الصارم المسلول على شاتم الرسول (580).
[15] الجامع لأحكام القرآن (16/299).
[16] الأجوبة العراقية (49).
[(1/55)
17] انظر الصارم المسلول (568).
[18] المسند (1/9).
الفصل الحادي عشر: المنحرفون في هذا الباب:
المبحث الأول: الشيعة والرافضة:
إن الرافضة وقفوا من الصحابة موقفاً لم ترضه اليهود في أصحاب موسى، ولم ترضه النصارى في أصحاب عيسى، فلقد اجترؤوا على الصحابة الكرام وتناولوهم بالطعن والقدح:
فمن مطاعنهم في الصحابة عموماً أن أكثرهم انفضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير التي جاءت من الشام وتركوه وحده في خطبة الجمعة وتوجهوا إلى اللهو واشتغلوا بالتجارة وذلك دليل على عدم الديانة.
ومن مطاعنهم في الصحابة أنهم يعتقدون فيهم أنهم ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى أنهم جحدوا النص على إمامة علي وبايعوا غيره بالخلافة.
ومن مطاعنهم أيضاً أنهم حرفوا القرآن وأسقطوا منه كلمات، بل آيات، وأن القرآن الموجود لدى السبعة كما يزعمون يعادل ثلاث مرات من القرآن الموجود بين أيدينا، ومطاعنهم في الصحابة عموماً أنهم يقولون: إن كثيراً منهم فروا يوم الزحف في غزوتي أحد وحنين والفرار من الزحف أكبر الكبائر.
ومن مطاعنهم زعمهم أن الصحابة آذوا علياً وحاربوه وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من آذى علياً فقد آذاني)).
وهناك عشرات المطاعن غير ما ذكرنا وبخصوص بعض الصحابة مما يندى له الجبين نسأل الله العافية[1].
المبحث الثاني: الخوارج:(1/56)
لقد امتاز الخوارج عن الشيعة الرافضة بإثباتهم إمامة الصديق والفاروق رضي الله عنهما فهم يعتقدون أن إمامة أبي بكر وعمر إمامة شرعية وأنها كانت برضى المؤمنين وهذا المعتقد للخوارج تجاه الشيخين حالفهم فيه السداد والصواب، لكنهم هلكوا فيمن بعدهما حيث كادهم الشيطان وأخرجهم عن الحق والصواب في اعتقادهم في عثمان وعلي رضي الله عنهما، فأنكروا إمامة عثمان رضي الله عنه في المدة التي نقم عليه أعداؤه فيها كما أنكروا إمامة علي رضي الله عنه بعد التحكيم، بل أدى سوء معتقدهم إلى تكفيرهما وتكفير طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري وأم المؤمنين عائشة وابن عباس وأصحاب الجمل وصفين[2].
قال أبو الحسن الأشعري: "والخوارج بأسرها يثبتون إمامة أبي بكر وعمر وينكرون إمامة عثمان في وقت الأحداث التي نقم عليه من أجلها، ويقولون بإمامة علي قبل أن يحكم، وينكرون إمامته لما أجاب إلى التحكيم ويكفرون معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري"[3].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكان شيطان الخوارج مقموعاً لما كان المسلمون مجتمعين في عهد الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان فلما افترقت الأمة في خلافة علي رضي الله عنه وجد شيطان الخوارج موضع الخروج، فخرجوا وكفروا علياً ومعاوية ومن والاهما، فقاتلهم أَوْلى الطائفتين بالحق علي بن أبي طالب رضي الله عنه"[4].
المبحث الثالث: النواصب:
النواصب إحدى طوائف أهل البدع التي أصيبت في معتقدها بعدم التوفيق للاعتقاد السديد في الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فقد زين لهم الشيطان اعتقاد عدم محبة رابع الخلفاء الراشدين وأحد الأئمة المهديين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحملهم على التدين ببغضه وعداوته، والقول فيه بما هو بريء منه، كما تعدى بغضهم إلى غيره من أهل البيت كابنه الحسين وغيره، وسُمّوا بالنواصب: لنصبهم العداء لآل البيت الأطهار.(1/57)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الخوارج الذين يكفرون علياً والنواصب الذين يفسقونه يقولون: إنه كان ظالماً طالباً للدنيا، وإنه طلب الخلافة لنفسه وقاتل عليها بالسيف، وقتل على ذلك ألوفاً من المسلمين حتى عجز عن انفراده بالأمر، وتفرق عليه أصحابه وظهروا عليه فقاتلوه"[5].
وبعد أن كان مذهب النصب له وجود في دمشق فإنه تلاشى واضمحل حتى عدم نهائياً، قال الذهبي: "كان النصب مذهباً لأهل دمشق في وقت، كما كان الرفض مذهباً لهم في وقت، وهو في دولة بني عبيد ثم عدم ـ ولله الحمد ـ النصب، وبقي الرفض خفيفاً خاملاً"[6].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،
* * * *
---
[1] انظر: هذه المطاعن بالتفصيل والردود عليها في عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (3/889) وما بعدها.
[2] انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (3/1157).
[3] مقالات الإسلاميين (1/204).
[4] مجموع فتاوى شيخ الإسلام (19/89).
[5] منهاج السنة النبوية (1/162).
[6] ميزان الاعتدال (1/76).
الفصل الأول: تعريف وبيان.
المبحث الأول: تعريف الصحابي لغة واصطلاحاً.
المبحث الثاني: بم يعرف الصحابي؟
الفصل الثاني: طبقات الصحابة وعددهم.
الفصل الثالث: الثناء على الصحابة في القرآن الكريم.
الفصل الرابع: الثناء على الصحابة في السنة النبوية.
الفصل الخامس: الثناء على الصحابة في أقوال السلف والعلماء.
الفصل السادس: الثناء على أصناف معينة منهم رضي الله عنهم.
المبحث الأول: الثناء على السابقين الأولين.
المبحث الثاني: الثناء على أهل بدر.
المبحث الثالث: الثناء على أهل أحد.
المبحث الرابع: الثناء على أهل بيعة الرضوان.
الفصل السابع: فضل العشرة المبشرين بالجنة.
الفصل الثامن: فضل الصحابة من أهل البيت عموماً وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً.
الفصل التاسع: عقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.(1/58)
المبحث الأول: وجوب محبتهم رضي الله عنهم.
المبحث الثاني: الدعاء والاستغفار لهم.
المبحث الثالث: الشهادة لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم.
المبحث الرابع: إثبات عدالتهم.
المبحث الخامس: ترتيب الصحابة في الفضل والإمامة.
الفصل العاشر: تحريم سب الصحابة.
المبحث الأول: تحريم سبهم بنص القرآن.
المبحث الثاني: دلالة السنة على تحريم سبهم.
المبحث الثالث: من كلام السلف في تحريم سب الصحابة.
المبحث الرابع: حكم ساب الصحابة وعقوبته.
الفصل الحادي عشر: المنحرفون في هذا الباب.
المبحث الأول: الشيعة والرافضة.
المبحث الثاني: الخوارج.
المبحث الثالث: النواصب.(1/59)