أمة الإسلام، إن سفر المسلم لديار غير المسلمين لغير غرض شرعي ترجحت مصلحته وظهرت فائدته لهو ضرر محض على الدين والنفس والعرض والمثل والأخلاق والقيم، فإنه مع ما يُظن من معاقرةٍ لأنواع من الفواحش والمنكرات وتضييع للفرائض والواجبات مخاطرةٌ بالنفس غير مأمونة بتعريضها لمواطن الرِيَب والشبهات وأماكن الهلكات وبُؤَر الدركات، هذا فضلاً عما يحيط بالمرء من أخطار لصوص القلوب وسارقي الجيوب والغفلة عن راقبة علام الغيوب.
ألا فليتذكر هؤلاء وأولئك الموت والفناء، وليشعروا بمآسي إخواننا المسلمين البرآء، في فلسطين وكشمير والشيشان وكُسُفا، فأين الأحاسيس المرهفة والمشاعر الفياضة؟! فأناس يحملون قضايا أمتهم ويفكرون بمآسي إخوانهم في العقيدة، وآخرون كثيرون يفكِّرون في قضاء إجازاتهم في منتجعاتٍ ما، فالله المستعان.
وإن مما يتذرّع به بعض الناس للسفر والرحلات دعواهم الاصطياف والسياحة، وما أدراكم ما السياحة، لفظةٌ براقة وعبارة أخَّاذة، لها دلالاتها الشرعية، فكم كان أسلافنا يجوبون الأرض شرقاً وغرباً، جهاداً في سبيل الله ودعوة إلى دين الله بأقوالهم وأفعالهم وسلوكم وأخلاقهم وحسن تعاملهم. نعم لاستثمار السياحة في هذا المقصد الشرعي. إننا جميعاً مع السياحة بمفهومها النقي المنضبط بضوابط الشريعة والآداب المرضية.
غير أن مما يبعث على الأسى أن في الأمة منهزمين كُثُرا، عبُّوا من ثقافة الغير عباً حتى ثملوا، وزعموا وبئس ما زعموا أن السفر والسياحة لا يمكن أن تتحقق إلا بأيام سوداء وليالٍ حمراء ومجانبة للحياء. إن الولوغ في هذه المياه العكرة والانسياق وراء أمراض الأمم المعاصرة وأدواء المجتمعات المنحرفة وإفرازاتها المنتنة لا يمكن أن يقبله ذوو النفوس المؤمنة والمجتمعات المحافظة.
نعم لسياحة التأثير لا التأثُّر، والاعتزاز لا الابتزاز، والفضيلة لا الرذيلة، والثبات لا الانفتاح والانفلات. كيف وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن أعداء الإسلام يستهدفون أبناء المسلمين السائحين للوقيعة بهم والنيل من أخلاقهم وعقيدتهم عن طريق الغزو الفكري والفساد الأخلاقي، ويستغلون كثيراً من السائحين اقتصادياً وخلقياً، ويجرونهم رويداً رويداً إلى حيث الخنا والفجور والمخدرات والخمور، بل قد يرجع بعضهم متنكراً لدينه ومجتمعه وأمنه وبلاده. أين العقول المفكرة عن الإحصاءات المذهلة من مرضى الإيدز ومن عصابات وشبكات الترويج للمسكرات والمخدرات؟!
إننا نناشد المسافرين والسائحين أن اتقوا الله في أنفسكم وفي أسركم وفي مجتمعاتكم وأمتكم، ونذكِّرهم قبل أن يرفعوا أقدامهم: فكِّروا قبل أن ترفعوا أقدامكم، فكروا أين تضعوها.(94/4)
نعم، سافروا للخير والفضيلة والدعوة والإصلاح، فلا غضاضة عليكم، وكونوا ممثلين لبلادكم الإسلامية، مظهرين لدينكم، داعين إلى مبادئه السمحة حيث يتخبط العالم بحثاً عن دين يكفل له الحرية والسلام، ولن يجده إلا في ظل الإسلام. فكونوا ـ أيها المسافرون ـ سفراءَ لدينكم وبلادكم وأمتكم، مثِّلوا الإسلام بأحسن تمثيل، حذار أن يفهم العالم عن المسلمين وشبابهم أنهم أرباب شهوات وصرعى ملذات، بل أفهموه بسلوككم وعرفوه بأخلاقكم أنكم حملة رسالة وأرباب أعلى وأغلى هدفٍ وأشرف غاية، وأصحاب شخصية فذة وشريعة خالدة ودين يرعى العقيدة والقيم والمثل والأخلاق والفضائل، ويدير الحياة عن طريق الحق والعدل والسلام، ويبحث عما يكفل للعالم الرقي والتقدم والحضارة.
ألا فاتقوا الله عباد الله، " وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ " [البقرة: 281].
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن العظيم، وبارك لنا في سنة سيد المرسلين، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجرنا من العذاب الأليم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان عليماً غفوراً.
----------------------------------------
[1] انظر: الغرر السافر للزركشي (ص291ـ ضمن مجلة الحكمة العدد العاشر ـ).
[2] أخرجه البخاري في الحج (1804)، ومسلم في الإمارة (1927) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
[3] أخرجه البخاري في الحج (1862)، ومسلم في الحج (1341) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
[4] كتاب الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها (1015).
الخطبة الثانية:
الحمد لله تعاظم ملكوته فاقتدر، وعزَّ سلطانه فقهر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمرنا بتقواه في الحضر والسفر، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه السادة الغُرر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما اتصلت عين بنظر، وأذن بخبر، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.(94/5)
أيها الإخوة في الله، إن من التحدّث بنعم الله وشكر آلائه - سبحانه - ما حَبا الله بلادنا الطيبة المباركة حرسها الله من مقوماتٍ شرعية وتأريخية وحضارية تجعلها مؤهلةً لتكون بلد السياحة النظيفة النقية، فهي بإذن الله قادرة على إعطاء مفهوم صحيح ووجه مشرق للسياحة التي خُيِّل لبعض المفتونين أنها صناعة الفجور والانحلال والفسق والضلال. أوليس الله قد منَّ على بلادنا بالحرمين الشريفين مهوى أفئدة المسلمين ومحطِّ أنظارهم في العالمين؟! شعائرُ الإسلام فيها ظاهرة، وأنوار التوحيد في سمائها باهرة. أوليست بلادنا تنعَم بحمد الله بالأجواء الممتعة المتنوعة والأماكن الخلابة المتعددة التي تشكِّل منظومة متألقة يقل نظيرها في العالم؟! فمن البقاع المقدسة إلى الشواطئ الجميلة والبيئة النظيفة السليمة من أمراض الخضارة المادية وإفرازاتها الحسية والمعنوية، إلى الجبال الشم الشاهقة ذات المنظر الجميل والهواء العليل والأودية الخلابة والأماكن الجذابة، مروراً بالمصائف الجميلة والصحاري الممتدة ذات الرمال الذهبية العجيبة، يتنقل المرء في روابيها، ويتنزه في نواحيها، يسعد في أجوائها، ويسافر إلى جميع أنحائها، فلا بأس بإدخال الفرح على الأهل والأولاد في سفر مباح في محيطها المبارك، أو اصطحابهم إلى بيت الله الحرام في عمرة أو إلى مسجد رسول الله في زيارة، وفي سياحة مشروعة بريئة، توصَل فيها الأرحام، وتحصل فيها الراحة والاستجمام، مع المحافظة على الخير والفضيلة، والبعد عن أسباب الشر والرذيلة.
وأهم من هذه المقومات المادية والحسية المقومات المعنوية والمميِّزات الحضارية الشرعية والخصائص الإسلامية والآداب الأصيلة العربية التي تحكي عبق التأريخ والحضارة المعطَّرة بالإيمان الندية بالمروءة والإحسان.
في بلادنا السياحة الروحانية والنزهة الربانية والمتعة الإيمانية، فهل بعد ذلك يستبدل بعض الناس الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! في تأثيرات عقدية وثقافية، وانحرافات فكرية وأخلاقية وسلوكية، ومخاطر أمنية، وأمراض صحية ووبائية، مما لا يخفى أمره على ذوي الحجى، ولا يغيب عن أولي النهي، وبذلك يتحقق لمن ينشدون الطهر والعفاف والفضيلة والنقاء والخير والحياء والصفاء التمتع بأجواء سياحية مباحة، ويُسَد الطريق أمام الأبواق الناعقة والأقلام الحاقدة التي تسعى لجر هذه البلاد المباركة إلى ما يُفقدها خصائصها ومميزاتها ويخدش أصالتها وثوابتها.
ألا فلنشكر الله على نعمه وآلائه، ولنحافظ عليها بطاعته واتباع أوامره واجتناب نواهيه، حفظ الله لهذه البلاد عقيدتها وقيادتها وأمنها وإيمانها، وحماها من كيد الكائدين وسائر بلاد المسلمين بمنه وكرمه.
وأخيراً أيها الإخوة المسافرون، إذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعُد إلى أهله وبلده، آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون.(94/6)
وختاماً أيها المسافرون، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، نستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم، ونسأل الله أن يحفظنا وإياكم في الحلِّ والترحال، وأن يعيدكم إلى أهلكم سالمين غانمين مأجورين غير مأزورين، إنه خير المسؤولين، وأكرم المأمولين.
ألا وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على خير من أقام وسافر، وجاهد وهاجر، النبي المصطفى، والرسول المجتبى، إمام المتقين، وأفضل المقيمين والمسافرين، كما أمركم بذلك ربكم رب العالمين، فقال - تعالى - قولاً كريماً: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً " [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وارض..
10/4/1423
http://www.alminbar.net المصدر:(94/7)
وقفات مع زلزال أسيا
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
الحمد لله القوي الجبار المقتدر،العليم الحليم الرحيم جعل كل شيء بقدر،أحمده سبحانه وأشكره على حلمه علينا مع ماتفشى من الذنوب وظهر،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع النهج على وعي وبصر.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله ولا يغرنكم ما فتح الله عليكم من زهرة الدنيا ونعيمها فتنسوا مافرض الله وشرع ؛فقد قال الله محذراً في محكم التتنزيل : {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ}(الأنعام :44).معاشر المؤمنين بالله واليوم الآخر تمر بنا في كل يوم العديد من العبر والعظات التي تهز الجبال الراسيات فما أحوجنا للتوقف والتأمل والاعتبار فهذا هو دأب أصحاب القلوب الحية، وهذا هو توجيه الله لنا يوم أن قال :{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ ...}(يوسف:111).وقد مر معنا في الأسبوع الماضي عبرة عظيمة تقشعر من هولها الأبدان، أعرفتم ماهي؟ إنها زلزال أسيا المدمر ولي مع هذا الزلزال وقفات :(95/1)
الوقفة الأولى: مع عظيم قدرة الجبار جل جلاله فحركة أرضية في قاع المحيط انظروا ماذا ترتب عليها؛ القتلى لم يحصروا حتى اليوم على جهة التحديد ولكن آخر الإحصاءات تقول أنهم يزيدون على مائة ألف قتيل،عدا ملايين المشردين،فجأة وبلا سابق إنذار ترتفع المياه لتغطي عمارة يزيد طولها على ثلاث طوابق؛ فتغرق وتدمر وتقتل ولا يستطيع النجاة منها إلا من أنجاه الله؛ تغرف عائلة بأكملها وينجو طفل رضيع يطفو فوق الماء على فراشه البلاستيكي، تسير الأمواج العاتية بإذن ربها لمسافة سبعة الآف كيلومتر بسرعة تفوق سرعة الطائرات لتضرب بلداناً على سواحل أفريقيا.تعود الناس أن تكون الزلازل في دولة واحدة أو في مدينة واحدة أما أن تتضرر تلك المساحات الشاسعة من الكرة الأرضية من زلزال واحد فهذا مالم يكن يتوقعه البشر الضعفاء لكنها قدرة القوي الجبار المنتقم: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}(هود :102). نعم فإن الأرض لا تزلزل من عند نفسها، والماء لا يطغى من عند نفسه؛ ومع تقديرنا للتفسيرات العلمية التي تبرز عند مثل هذه الأحداث والتي وصفت السبب أنه تحرك للصفائح، فالسؤال من حركها؟.إنه الله القوي المقتدر:{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(التغابن :11) ولكنها غضبة إلهية نسأل الله العافية والسلامة ، وقد يكون بينهم مسلمين فإن كانوا فإنا نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة ، لكن العقاب إذا نزل شمل الصالح والطالح أخرج الإمام الترمذي عن عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :((يَكُونُ فِي آخِرِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ الْخُبْثُ))وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وقال عليه الصلاة والسلام:((مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))(مسند أحمد ، حديث (3618) ).(95/2)
نداء..نداء أوجهه إلى من أسرفوا على أنفسهم في الذنوب والمعاصي وإلى من جاهروا بذنوبهم وفسقهم،وإلى من يدعون المجتمع للغرق في مستنقع الآثام ولجميع المسلمين نقول لهم نرجوكم..ثم نرجوكم..ثم نرجوكم عودوا إلى رشدكم ولا تكونوا سبباً لهلاك مجتمعكم ونزول العقوبة به؛ولا يغرنكم أنه لم يصبكم شيئاً من تلك المصيبة فالقوم الذين أصيبوا كانوا يسمعون بالأحداث تهز العالم فاستمروا في غيهم ظانين أن الله غافلاً عنهم حاشاه سبحانه وهو القائل:{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} (إبراهيم :42).غرتهم سنة الإملاء فلا تغرنكم فقد حذركم الله من ذلك بقوله:{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}(الحج :48).فهاهم بينما هم في غفلتهم وسكرتهم فجأهم عذاب لا قبل لهم به؛فكم منهم مات وهو على الزنا وكم منهم مات وزجاجة الخمر في يده وكم منهم مات وهو منسجم يتراقص على أنغام الموسيقى والغناء؛وصدق الله يوم أن قال:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ(97)أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ(98)أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}(الأعراف:97-99).
الوقفة الثانية مع سبيل الوقاية من مثل تلك الكوارث المؤلمة : أتدرون أحبتي ما هو صمام الأمان لمجتمعنا من أن تحل به العقوبة الإلهية-عياذاً بالله-؟.إنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي قال عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ))(الترمذي،الفتن،ح(2095))[قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ].وهو أمانة في عنقك أخي المسلم وعنق كل مسلم ومسلمة كل على قدر طاقته وليس كما يتصور البعض أنه قصراً على هيئة أو إدارة معينة!وضع تلك الأمانة بعنقك رسولك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم يوم أن قال:((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ))(مسلم،الإيمان،ح(70)).(95/3)
الوقفة الثالثة مع مبشرات الحادثة: فإنه مع ما في الحدث من قتل وتدمير لكنه يحمل في طياته بشرى واطمئنان لعباد الله المؤمنين؛ فهذا الزلزال يوم أن وقع لم تستطع أقوى قوة على وجه الأرض،بل لم تستطع البشرية جمعاء بما أوتيت من قوة أن تتنبأ به فضلاً عن أن تدفعه، وها هي أيضاً عاجزة عن محو آثاره سريعاً؛ كل ذلك يبين للعبد المؤمن أن البشرية جمعاء مهما بلغت من قوة وعلم وتقدم لا تساوي إلى جوار القدرة الإلهية شيئاً بل تقف عاجزة مكتوفة الأيدي،وتلك القوة الإلهية جعلها الله في نصرة عباده المؤمنين أخبر الله عن ذلك في أكثر من موطن في كتابه منها قوله جل شأنه: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}(المجادلة :21).لكن متى نستفيد من نصر الله؟. نستفيد منه إذا عدنا إلى سبيل ربنا والتزمنا شريعته. {..وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}(الروم :47). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}(القصص :58).
الخطبة الثانية(95/4)
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد نبينا وحبيبنا محمداً الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه . أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أنه ليس لأحد عند الله عهد ألا يعذبه فالسنن الإلهية ماضية إلى يوم القيامة فإن كان جيش فيهم خير البرية صلى الله عليه وسلم مضت فيهم تلك السنة وهو ماحدث للمسلمين يوم أحد وأخبر الله عنها بقوله:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(آل عمران :165). كان ذنباً من قلة في الجيش ونتيجة اجتهاد وليس عن عمد،فكيف بالله بذنوب كالجبال، كيف بالله بترك للصلوات والجماعات،كيف بالله بالغناء وفحش القنوات،كيف بالله بالزنا، كيف بالله باللواط، كيف بالله بأكل الربا، كيف بالله بظلم الضعفاء والعمال وأكل أموالهم،كيف بالله...وكيف بالله..؟. فأما آن لنا أن نعود إلى رشدنا قبل أن يحل بنا عياذاً بالله مالا تحمد عقباه فنكون كمن قال الله فيهم:{فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ(12)لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}(الأنبياء :13).أيها الأحبة في الله أعطى الله هذه الأمة طرفي أمان فقال سبحانه:{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}(الأنفال :33).وقد فقدنا أحدهما بموت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وما بقي لنا إلا الاستغفار فضجوا إلى ربكم بالاستغفار ليل نهار وعلى كل حال:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}(الزمر :54).(95/5)