السِّياحة ُ بينَ المفهومِ الإسلاميِّ والمفهومِ الجاهليِّ
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنَّة
علي بن نايف الشحود
(( حقوق الطبع لكل مسلم ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد كثرت السياحة في عصرنا هذا بشكل غير مألوف ، سواء أكانت للشرق أم للغرب ، وتسعى الدول جاهدة لجلب أكبر عدد من السياح كل عام من أجل زيادة الدخل القومي !!
والإسلام قد حث على السياحة في الأرض ، وذلك من أجل التأمل في صنع الخالق العليم الحكيم ، فيزداد الإنسان إيماناً مع إيمانه ، ويقينا مع يقينه ، قال تعالى : {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (53) سورة فصلت.
وأكبر مكان سياحي في الأرض يجعل الناس يعودون إلى الله ، ويشعرون بعظمته هو الذهاب للبيت العتيق حجا أو عمرة ،ذلك المكان الذي يعتبر أول مكان بني فيه بيت لعبادة الله تعالى وتوحيده في الأرض ، قال تعالى : {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} (96) سورة آل عمران .
ومن حكمة الله تعالى أن جعل ذلك المكان خالياً من المرغبات الدنيوية ، فليس فيه شلالات ، ولا أشجار وارفات ، ولا أنهار متدفقات ، ولا مناظر جميلات ، كما قال تعالى : {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (37) سورة إبراهيم .
ومن ثمَّ فإن الذي يذهب لزيارة البيت العتيق ليس له مطمع دنيوي إلا مغفرة الذنوب ، والتقرب إلى الله تعالى ، ولو ذهبنا إلى هناك لرأينا عظمة هذا الدين حقًّا .
ولكن السياحة اليوم ليس إلى هذه الأمكنة الطاهرة ، بل إلى أمكنة الشلالات ، والجبال الراسيات المغطاة بالأشجار ، والمناظر الطبيعية ، وإلى الآثار التي تركها الأقدمون ، ولكن ليس للعظة والاعتبار ؛ بل لتقطيع الوقت ، والأكل والشرب مما لذَّ للناس وطاب ، وارتكاب الموبقات بكل أنواعها ، حيث تسهلُ معظم الدول للسياح كل ما يريدون من متاع دنيوي رخيص بحجة زيادة الدخل القومي من السياحة !!!
بل وتحاول بكل وسائل إعلامها المرئية وغير المرئية أن تبين أهمية بلدها السياحي ، الذي ليس له مثيل في الأرض !!!
بل وتمنع أي صوت ينادي بإصلاح مفهوم السياحة وضبطها ، لأنه يشكل خطراً على اقتصاد تلك البلد !!!.
وهذا في كثير من بلدان المسلمين !!! .
فتبًّ لها من سياحة قائمة على ارتكاب الموبقات ، وتبًّا له من دخل يقوم على الفجور والتشجيع على المعصية ، وغضب الله تعالى .
وشرٌّ منها السياحة إلى بلاد الكفار ، حيث ترتكب كافة الموبقات على قارعة الطريق ، ويحميها القانون ، فيجد السائح المسلم كل ممنوع مباح هناك ، وإذا لم يكن عنده وازع ديني قوي يسقط بسرعة أمام هذه المغريات ، فيخسر دينه ، وماله، وصحته ، ويعود بخفي حنين إلى بلده .
ومن هنا نقول :
إنَّ كل قول أو عمل يحرض على معصية الله ،أو يسهِّل لها فهو حرام بلا ريب ، والإسلام لم يمنع المعاصي فقط ، بل ومنع السبل الموصلة إليها .
ومن ثم فقد كثرت الصيحات هنا وهناك ، تحذر من مغبة هذه السياحة المزعومة ، ومن آثارها السلبية على النفس الإنسانية ، وعلى الفرد والأسرة والمجتمع .
وفي هذا الكتاب مجموعة طيبة من البحوث والمقالات والخطب التي تبين مفهوم السياحة بين الإسلام والجاهلية ، وتحذر من سلبياتها ، جمعتها من كثير من المواقع ، ولاسيما صيد الفوائد ، والشبكة الإسلامية ، والإسلام اليوم ، والإسلام سؤال وجواب ، والمنبر ، والمختار الإسلامي وغيرها .
لعلها تساهم في ردِّ المسلمين إلى دينهم ، وتبصِّرهم بما يمكُر به أعداؤهم ليل نهار ، بعناوين براقة ظاهرة الرحمة وباطنها العذاب في الدارين .
وكل واحد منها مشفوع بمصدره ، وتركتها كما هي إلا في تنسيقها , وهي مرتبة على حروف المعجم لسهولة الرجوع إليها ، ووضعتها في الشاملة 3 ليعم النفع بها أيضاً .
نسأل الله تعالى أن ينفع بها جامعها ، وقارئها ، وناشرها والدال عليها في الدارين .
الباحث في القرآن والسنَّة
علي بن نايف الشحود
في 25 رمضان 1429 هـ الموافق ل 25/9/2008 م
______________(/)
السياحة آثارٌ وأخطارٌ
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان،
أمَّا بعدُ:
أيّها الأخوة في الله:
لا تزال هذه الجزيرة العربية هي معقل الإسلام والمسلمين، وعاصمته الخالدة، وقلب العالم الإسلامي؛ ورأس مال المسلمين، والخط الأخير في الدفاع عن الوجود الإسلامي.
وهذه الجزيرة في العالم الإسلامي بمثابة مركز القلب في الجسم الإنساني، فإذا عاش وقَوِي وأدى مهامه في تغذية الجسم بالدماء، حافظ على نظام الجسم الحيوي والصحي؛ عاش الجسم وقوي، وأمّا دب الوهن إلى هذا القلب أو اعتل، وتخلى عن وظيفته ودوره؛ أسرع الموت إلى الجسد، فاستولت عليه الأمراض والعلل، وعجز الأطباء الحاذقون عن إعادة الحياة إليه بالطرق الصناعية الطبية التي يعرفونها.
وذلك أن الجزيرة مركز الإسلام الدائم، وعاصمته الخالدة، وهي البلد المثالي، والمقياس الصحيح الدائم للحياة الإسلامية، ومعيار تعاليم الإسلام العالمية، وصلاحيتها للبقاء والتطبيق، وظهور المجتمع الإسلامي في حيويته وأصالته، وجماله وقوته.
فالرسالة الإسلامية مهما كانت عالمية تجول في الآفاق، لابد لها من مركز يعد مقياساً وميزانا لعمليتها وواقعيتها، وأسوة وقدوة لجميع المدن والقرى والمجتمعات التي تؤمن بهذه الرسالة، وتحتضن هذه العقيدة والدعوة.
ولما كانت هذه الجزيرة، وهذه البقاع المقدسة مصدر الإشعاع العالمي الإسلامي، مقياس قوة الإسلام وسلطانه، كان علماء المسلمين وقادتهم في كل زمن وبلد شديدي الحساسية لما يقع فيها من حوادث، ولما يجري فيها من تيارات، دقيقي الحساب لمدى تمسكها بالتعاليم والآداب الإسلامية، ومحافظتها على الروح الدينية والعاطفة الإسلامية، كبيري الغيرة عليها وعلى قيادتها للعالم الإسلامي.
وإنّ من الأمور التي تؤثر على هذه البلاد: ما يطرح في الآونة الأخيرة من مصطلح السياحة في صفحات الصحف المحلية والمجلات الدورية، حيث يجري عرضه على أساس أنه أحد مصادر الدعم المادي للبلاد! وقد صاحب ذلك إعدادٌ لبرامج سياحية هنا وهناك، ورسمٌ للخطط لإقامة مشروعات في صناعة السياحة!.
أيها الأخوة في الله:
إنّ الهدف المعلن للتنمية السياحية هو الجانب الاقتصادي أو المادي، وهذا ما يعلن عنه بوضوح!.
والسؤال هنا: لمن ستعود هذه المكاسب الاقتصادية؟!.
أترجع للبلد الغالي أو إلى المواطن؟!.
أم أنها سترجع إلى أصحاب الأموال وشركات الاستثمار السياحية؟!.(1/1)
وعلى أية حال، أيا كان المستفيد ودرجة استفادته المادية ومقدارها، فإنّ ما يهم هنا أن ندرك أن أصحاب هذا الهدف الاقتصادي سيتطلعون إلى جلب أكبر قدر ممكن من الناس إلى قطاع السياحة، وتشجيعهم على إنفاق أكبر قدر من مقدراتهم المالية لرفع العائد الاقتصادي؛ والهدف من ذلك تحقق الجدوى الاقتصادية وراء إنشاء المشاريع السياحية الضخمة، وهذا يعني بذل الجهد في إيجاد ما يساهم في تشجيع الناس على الإنفاق المالي سواء كان ذلك للحصول على خدمات أو سلع أو رغبات بصرف النظر عن حلها أو حرمتها وهذا ما يشكل مكمن الخطر.
ومما يشهد على هذه الخطورة: ما نراه من واقع السياحة في العالمين العربي والإسلامي بشكل خاص، وواقعها في دول العالم بشكل عام.
كما تشهد لهذه الخطورة التطبيقات الأولية المحلية الحالية والإرهاصات المستقبلية لها. يقول الله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً). [سورة الإسراء، الآية: 16].
إن دعوى أهل الصحافة والأقلام حول أهمية السياحية للاقتصاد تحتاج إلى نظر وتأمل، وذلك من خلال طرح الأسئلة التالية:
هل فعلا هذا هو المصدر ذو الأهمية الأولية التي يتوجب التوجه له حالاً، وبكل قوة؟!.
أم أن هناك مصادر أخرى أبلغ في تحقيق الدعم للاقتصاد ومعالجة مشاكله؟!.
وهل مخاطر هذه السياحة وآثارها على معتقدات البلد وأخلاقياته وأعرافه تُعدُّ الأقل من بين نظيراتها من الوسائل الداعمة للاقتصاد؟!.
وما أثر هذه المخاطر على الاقتصاد ذاته على المدى البعيد؟!.
وهل مآل هذه التنمية السياحية مقبولٌ شرعاً وعرفاً وعقلاً؟!.
إنّ السياحة عند جميع الاقتصاديين تعتبر رافداً للاقتصاد، لا أصلاً كما يصوره بعضٌ من الكُتّاب، ولو صرفت هذه الجهود في سبيل التنمية الزراعية أو الصناعية ونحوها لاستفاد المجتمع بإيجاد ركائز اقتصادية ضخمة، ولسلم العباد والبلاد من شرور ومخاطر السياحة.
وإن نظرةً واقعية إلى دولة من أعظم البلدان في مجال السياحة، والتي تمتلك كثيرا من آثار الفراعنة والقرى السياحية ما لا تملكه غيرها من الدول، إضافة إلى الخبرة الكبيرة في هذا المجال، ومع ذلك فإنها غارقة في الديون، بالإضافة إلى ما سببته السياحة لها من مفاسد عقدية وأمنية وأخلاقية.
أيها المسلمون:
إنّ الذين يفدون إلى هذه البلاد للسياحة أحد فريقين:
المسلمون: وعامتهم يطلبون السياحة الدينية؛ حيث يقصدون آثاراً ومزارات وقبوراً لا يكادون يجدون نحوها في كل بلاد الدنيا، ولا يخفى ما في هذا السلوك من إحياء الوثنية وتشييد وتعظيم المزارات البدعية والشركية، وإعادة تمجيدها بعد أن طهر الله منها هذه البلاد على يد الإمامين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود وأبنائهما يرحمهم الله تعالى فنعوذ بالله من الحور بعد الكور، ونعوذ بالله أن نكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة.(1/2)
وأمّا الفريق الآخر: فهم الكفار؛ حيث يفدون على أنهم ضيوف لهم حق الضيافة، وفي الوقت الذي لا يجوز للكفار دخول جزيرة العرب أو الإقامة فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إلَّا مُسْلِمًا". [أخرجه مسلم].
فإن هناك أمراً أكثر خطورة، وهو أن دخولهم على هذه الصفة مدعاة لموالاتهم ومودتهم، وقد قال الله تعالى:
(لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). [سورة المجادلة، الآية: 22].
كما أن ذلك مثار للإعجاب بهم وتقليدهم، والتشبه بهم في السمت الظاهر، وهو أمرٌ يقود إلى المشابهة في الباطن، عافانا الله وإياكم من ذلك.
إن أبناء المسلمين اليوم يتلقّفون عادات الكفار وتقاليدهم عبر القنوات الفضائية من على بعد آلاف الأميال، وقد رأينا أثر ذلك في واقعنا، فهو ظاهرٌ من خلال تلك التقليعات والموضات وأصوات الموسيقى الغربية الصاخبة!.
فما الظن حينما يرى الشباب أولئك العظماء في نفوسهم، وقد جاءوا عندهم على أرض الواقع؟!، فلقد زار هذه البلاد بعض اللاعبين والملاكمين، ورأينا كيف تزاحم الشباب لتقبيلهم وأخذ صورة تذكارية معهم!.
فكيف سيكون الحال عند قدوم آلاف الغربيين بصورهم الفاتنة، وأشكالهم المغرية؟!.
ولنتذكّر أن انفتاح المجتمعات المسلمة على المجتمعات الخارجية من أهم أسباب ذوبانها وإضعاف دوافع التدين لدى أبنائها.
إنّ السياحة تشكّل غطاء لأمرين خطيرين:
الأول: عصابات الجنس، التي تسعى لنشر الفاحشة وتسويقها.
والثاني: الهيئات التنصيرية التي ستستفيد من قرار التأشيرات السياحية والاستثمار الأجنبي، وستحاول تملّك العقارات لبثّ شرّها.
وقد يقول قائلٌ: كيف لأهل التوحيد أن يتنصروا وقد تغلغل الإيمان في قلوبهم؟!.
وأقول: لابد أن تعلم يا أخي، أن التنصير والدعارة والفساد، هما وجهان لعملة واحدة، فنشر الفساد هي المرحلة الأولى لانتشار التنصير، ولتقوية البعثات الكنسيّة في أي بلد، والدليل على ذلك ما قاله رئيس المبشرين (القس زويمر) في مؤتمر القدس للقساوسة، والذين اجتمعوا من كل مكان: "إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريم، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليه الأمم في حياتها، وبهذا تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية ".(1/3)
ويقول في كلام آخر له: "أخرجوا أبناء المسلمين من الإسلام ولا تدخلوهم المسيحية، فإن هذا تشريفٌ لهم، بل اجعلوهم إن عملوا؛ عملوا للشهوة، وإن جمعوا المال فلها، وإن صرفوا فللشهوة، فإذا أصبحوا بلا دين ولا مبادئ ولا أخلاق بإمكانكم أن تسيطروا عليهم وتقودهم إلى حيث شئتم".
ومن أخطار السياحة أيضاً: أن الدول التي فتحت أبوابها للسياح أصبحت تعاني من تفشي الأمراض المعدية؛ وبخاصة الجنسية منها، ولعل الدوائر الصحية قد اكتشفت حالات من المرض الجنسي الشهير (الإيدز) نتيجة سفر بعض الشباب إلى تلك البلاد، فكيف يكون الحال إذاً حينما نستقطب أجناس الناس من كافة الأرض - ولكل بلاد أمراضها وفيروساتها – فهكذا ستجتمع أخبث الأمراض في بلادنا، وستتلقفها أجساد أبنائنا؟!.
أيها الأخوة في الله:
إنّ هذه البلاد - ولله الحمد والمنة - تنعم بأمن لا مثيل له في العالم بسبب ارتفاع الوازع الديني لدى شعبها، لذا فإن مجيء السياح الأجانب سيساهم في تقليص هذا الوازع مما يجعل الجرائم أمراً معتاداً، هذا من جانب.
ومن جانب آخر سيكون نفس السائح الأجنبي مصدراً للجريمة والفساد حيث لا وازع يردعه، ومن خلال مظلة السياحة تتسلل عصابات المافيا والجنس الذين سيغرقون البلاد بأنواع الجرائم، من السرقات والنصب والاحتيال إلى الاختطاف والقتل، إلى ترويج المخدرات والعملات المزورة وغسيل الأموال والمتاجرة بالجنس.
ومن المعلوم أن الجهات الأمنية تعاني من العمالة الوافدة التي جاءت إلى البلد محتاجة تحت شروط وضوابط، ومع ذلك فكم من شبكات وعصابات تكتشف كانت تستهدف أمن هذا البلد واستقراره!.
فكيف بمن يفدون إلينا ونحن نهدف إلى استقطابهم والترحيب بهم، نسأل الله أن يحفظ على هذه البلاد أمنها واستقرارها.
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أيها الأخوة في الله:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
إن الله تعالى ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة،ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، تلك رسالتنا، وهذه غايتنا، فنحن ما خلقننا من أجل أن نصرف اهتماماتنا في مباحات، ونبدد طاقتنا في فضول الأعمال.
لقد كان هدى أسلافنا الأوائل في حياتهم وسياحتهم مصروفاً في معالي الأمور، فقد كانوا يحيون بالقرآن ويعيشون بالقرآن، ويهتدون بهديه، ويعملون بأحكامه.
لقد كان القرآن لهم نبراس الحياة، وينبوع الضياء.
نعم، لقد كانت حياتهم وسياحتهم جهاداً في سبيل الله، خرجوا من ديارهم طلباً للنصر أو الشهادة في سبيل الله.
كم هم الذين ماتوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المدينة؟! وكم هم الذين نالوا الشهادة في أرجاء المعمورة؟!
اسألوا أرض الشام؛ كم من أبطال الإسلام دفن تحت أرضها؟!.
اسألوا أرض مصر؛ كم هم الذين قضوا نحبهم فيها؟!.(1/4)
اسألوا أرض اليرموك والقادسية، وحطين وعين جالوت، وغيرها من معارك الإسلام، وفتوحات الإسلام.
اسألوا الدنيا كلها.
فإنك لا تكاد تجد أرضاً من أرضي الإسلام إلا وفيها أجساد طاهرة، وأرواح فاضلة! تلك كانت سياحتهم! وذاك الدافع لترحالهم وخروجهم من ديارهم!.
ولم تكن سياحتهم في الجهاد فحسب، بل كان طائفة منهم يسيحون لطلب العلم والسعي فيه، قدوتهم نبي الله موسى عليه السلام، عندما خرج يطلب للقاء الخضر عليه السلام لينتفع من علمه، وينهل من معينه.
فقد رحل جابر بن عبد الله رضي الله عنه مسيرة شهر كامل إلى عبد الله بن أُنيس، وذلك في طلب حديث واحد، يقول جابر رضي الله عنه: "بلغني عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم حديثٌ سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاشتريت بعيراً ثم شددت رحلي، فسرت إليه شهراً حتى قدمت الشام... ".
هكذا كان حرص الصحابة على تحصيل السنن النبوية، لقد صارت هذه الرحلات لدى العلماء السابقين جزءاً أصيلاً من حياتهم العلمية، وقد لقي الرّحالون في أسفارهم متاعب ومصاعب، وشدائد لا تحصى، دُوّن بعضها، وذهب بعضها دون تدوين.
لقد سار - على سبيل المثال - محمد بن إدريس الرازي - رحمه الله - على قدميه ألف فرسخ؛ والفرسخ ثلاثة أميال، هذا ما كان يعدّه، ثم ملّ و ترك العد، يقول رحمه الله تعالى:
"أمّا ما كنت سرت أنا من الكوفة إلى بغداد فما أُحصي كم مرة، ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة، وخرجت من البحر من قرب مدينة سلا - وذلك في المغرب الأقصى - إلى مصر ماشياً، ومن مصر إلى الرملة ماشياً، ومن الرملة إلى بيت المقدس، ومن الرملة إلى عسقلان - ومن الرملة إلى طبرية، ومن طبرية إلى دمشق، ومن دمشق إلى حمص، ومن حمص إلى أنطاكية، ومن أنطاكية إلى طرسوس، ثم رجعت من طرسوس إلى حمص، وكان بقي عليّ شيء من حديث أبي اليمان فسمعته، ثم خرجت من حمص إلى بيسان، ومن بيسان إلى الرقة، ومن الرقة ركبت الفرات إلى بغداد، وخرجت إلى الشام من واسط إلى النيل، ومن النيل إلى الكوفة، كل ذلك ماشيا، هذا في سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة، أجول سبع سنين".
هكذا كانت تُصرف تلك الطاقات، ما كانوا يفكرون في إنشاء كليات متخصصة!.
أيّها المسلمون:
إنها دعوة لأن يدرك كل مسلم أن لهذه الجزيرة خصوصيتها، حيث إن هذه الجزيرة المباركة تحظى بتوجيه رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلّم بإخراج المشركين منها، وأنه لا يجتمع فيها دينان.
ألا إنها دعوة لتهيئة المصائف والمنتزهات - فعلا - لتكون بديلاً مناسباً ومباحاً عن السياحة الخارجية، وتطهيرها من المهرجانات الغنائية والمشاهد المسرحية والاختلاط ونحوها، والحذر من أن تتخذ الآثار مزارات لإحياء البدع الشركية في البلاد.
ألا إنها دعوة، أن يقوم كل مسلم بدوره في الاحتساب على ما يقع من مخالفات وفق القواعد الشرعية، قبل أن يستفحل الخطر، ويصبح أمراً واقعاً يصعب تغييره، خاصة إذا ما ارتبطت أرزاق الناس به.
أيّها الإخوة:(1/5)
إنّ هذه الجزيرة حباها الله تعالى بالكثير من النعم، والتي تؤهلها أن تكون بلداً سياحياً نظيفاً طاهراً، فهي بحق، قادرة على إعطاء مفهوم جديد للسياحة، والتي ارتبطت في أذهان الكثيرين أنها صناعة فاجرة، وممارسة منحلة، وهذا مُشاهد من خلال واقع الدول التي تمارسها.
إننا في هذه الجزيرة نملك مقومات السياحة الطاهرة النقية، فمن الحرمين اللذين هما مهوى أفئدة الناس، إلى الشواطئ الصافية، والبيئة النقيّة الخالية من أمراض الحضارة المادية وإفرازاتها الضارة، إلى الصحراء الممتدة ذات الرمال الذهبية، تلك المناطق البكر النقية من مخلفات الإشعاعات النووية، إلى الجبال الفاتنة ذات الهواء النقي والأودية الخضراء.
إننا نملك أن نكوّن بيئة سياحية نظيفة تستهدف المحافظين الذين يريدون التنزّه وتجديد النشاط، حتى ينصرفوا عن السفر إلى بلاد الكفر والإباحية، ذات التأثيرات العقدية والسلوكية، إضافة إلى المخاطر الأمنية والتعرّض للأمراض الخبيثة والمستعصية.
إننا نملك أن نستقطب أعداداً كبيرة من المسلمين الذين ينشدون الطهر والعفاف في أجواء سياحية ماتعة مباحة.
إننا جميعاً مع السياحة بمفهومها النظيف المنضبط بالأحكام الشرعية، لا أن نستورد أمراض الأمم وإفرازاتها الخبيثة ومفاهيمها الضالة، وتصوراتها المغلوطة وسلوكياتها المنحرفة، إننا لنحيي المجتمع المحافظ الذي لا يقبل البرامج السياحية المنحرفة ليدلل على أن السياحة المستوردة لا يمكن لها ولا ينبغي أن تنجح بين جنبات المجتمع المحافظ المتميز.
أيّها المسلمون:
إنها دعوة لأن يتداعى المخلصون من العلماء والاقتصاديين وأصحاب الفكر لبيان خطورة ما يقع الآن في البرامج السياحية، ووضع الضوابط الشرعية لتلك البرامج، خاصة فيما يتعلق بدخول الكفار إلى هذه الجزيرة، والتي هي وقف على أهل الإسلام، وخطورة الاستثمار والتملّك من الكفّار في أرض الجزيرة.
يا أمة الإسلام، جلّ مصابي …وأطار حقد الخائنين صوابي
يا أمة الإسلام، داهمني الأسى…فعجزت عن نطق وعن إعراب
ماذا أقول وفي فمي من حسرتي…لهب أبث به صريح عتابي
فعلى محبتها كتبت قصائدي…وعلى محبتها لبست ثيابي
يا أمة الإسلام لست عقيمة…ما زلت قادرة على الإنجاب
إني أعاتب فيك قلباً غافلاً…عما تخبئه يد القصّاب
يا أمة الإسلام كنت عزيزة…بالأمس لم تقفي على الأعتاب
سافرت في درب الجهاد كريمة…وطويت بالإيمان كل صعاب
ماذا جرى حتى غدوت ذليلة…مكسورة النظرات والأهداب
لا؛ لا تجيبي ما سألتك طالبا…منك الجواب فقد عرفت جوابي
لم تجعلي للدين وزنا صادقا …وغرقت في رتب وفي ألقاب
وسكرت بالنعم الوفيرة سكرة…أنستك معنى نقمة وعقاب
فوقعت فيما أنت فيه من الأسى … ورحلت في الأوهام دون إياب
يا أمة الإسلام لن تتسنمي …رتب العلا بالمال والأحساب
لن تسلكي درب الخلاص بمدفع…وبكثرة الأعوان والأصحاب
لن تبلغي إلا بنهج صادق… وتعلق بالخالق الوهّاب
تفنى الجيوش وتنتهي آثارها…وننال بالإيمان عز جناب
وتظل قوة ربنا الغلاب…تفنى القوى مهما تكاثر عدها
اللهمّ إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.(1/6)
اللهم اهدنا، ويسّر الهدى لنا، وثبتنا على الإسلام حتى نلقاك عليه.(1/7)
السياحة بين مفهومين
لقد طرأ في هذا العصر المتلاطم بالفتن ما يطرأ في كل عصر ..وارتكب فيه أرباب الشهوات ما ارتكبه أسلافهم الأوائل من تغيير للحقائق ، وتلبيس للمفاهيم ، وعبث بالمبادئ ..فغيروا ما يريدون تغييره لإشباع غرائزهم ، وسموا الأشياء بغير اسمها ، ووصفوها بغير صفاتها اللائقة بها ..فالخمر عندهم شراب روحي ، والربا في نظرهم المعوج فائدة مالية ، ودعامة اقتصادية ، والسياحة في منطقهم المنكوس متعة وترفيه ..هكذا قالوا ..وبئس ما قالوا .
أحبتي في الله : لعلي أن أسلط الضوء على قضية كبرى دار حولها الحديث ، وكثر فيها الكلام ألا وهي قضية السياحة والتي تعني في المفهوم العالمي المعاصر الانفتاح المطلق بلا قواعد مرعية ، ولا ضوابط شرعية ، فلا دين يردع ، ولا وازع يمنع ، يفعل الإنسان ما يشاء ، ويصنع ما يريد .. فالهوى إمامه ،والشهوة قائده ، والجهل سائقه ، والغفلة مركبه ؛ فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور ، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور
هذه السياحة في عصر العولمة .. ولكننا حينما نعود إلى المعين الصافي ، والمنبع الوافي ـ كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ـ فإننا ندرك حقيقة السياحة ، ومفهومها في الإسلام والتي ينبغي أن يدركها الجميع ..يقول الله تعالى في وصف عباده المؤمنين : {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ}التوبة112
وللعلماء في بيان معنى السياحة أقوال كلها تدل على ارتقاء الإسلام إلى معالي الأمور ، وبناء الأمة على مكارم الأخلاق ، وجميل الخصال ، فمنهم من فسر السياحة بالسفر في طلب العلم ، فيرتحلون من أجله ، ويشدون الرحال في طلبه ،وثني الركب لدى العلماء والتلقي عنهم والاستفادة منهم ، قال عكرمة السائحون : هم طلبة العلم .
وفسرها بعضهم بالجهاد في سبيل الله تعالى كما جاء في الحديث عند أبي داود عن أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي السِّيَاحَةِ ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى "([1]) وقال عطاء : السائحون : هم الغزاة المجاهدون في سبيل الله ([2]) فهم يسيحون لأجل رفع راية الدين ، وإعلاء كلمة المسلمين ، وإزالة الذل والهوان عن عباد الله المستضعفين ..إنهم يسيحون لبلوغ ذروة سنام الإسلام فأين هذه من تلك ؟ لو كانوا يعقلون .
وفسرها بعضهم بالصيام ..فإن الله تعالى قد وصف النساء اللآتي يتزوجهن رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : ] سائحات [ وأخرج ابن جرير بسنده عن عبيد بن عمير قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين فقال : " هم الصائمون " ([3]) قال ابن كثير : وهذا مرسل جيد . وكذا فسر السياحة بالصيام ؛ أبو هريرة وابن مسعود و ابن عباس و عائشة وغيرهم ـ رضي الله عنهم ـ. وعن سفيان بن عيينة قال إنما سمي الصائم السائح لأنه تارك للذات الدنيا كلها من المطعم والمشرب والمنكح فهو تارك للدنيا بمنزلة السائح .(2/1)
وفسرها بعضهم بالمداومة على فعل الطاعات ..أخرج ابن أبي حاتم أن عثمان بن مظعون أراد أن ينظر أيستطيع السياحة ؟! قال : كانوا يعدون السياحة قيام الليل وصيام النهار .
وفسرها بعضهم بالهجرة .. أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قوله { السَّائِحُونَ}التوبة112 قال : هم المهاجرون ليس في أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ سياحة إلا الهجرة وكانت سياحتهم الهجرة حين هاجروا إلى المدينة ليس في أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ترهب .
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : (وفسرت السياحة بالصيام ، وفسرت بالسفر في طلب العلم ، وفسرت بالجهاد ، وفسرت بدوام الطاعة .
والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر الله ومحبته والإنابة إليه والشوق إلى لقائه ويترتب عليها كل ما ذكر من الأفعال ولذلك وصف الله سبحانه نساء النبي اللاتي لو طلق أزواجه بدله بهن بأنهن { سَائِحَاتٍ}التحريم5 وليست سياحتهن جهادا ولا سفرا في طلب علم ولا إدامة صيام وإنما هي سياحة قلوبهن في محبة الله تعالى وخشيته والإنابة إليه وذكره .
وتأمل كيف جعل الله سبحانه التوبة والعبادة قرينتين هذه ترك ما يكره وهذه فعل ما يحب والحمد والسياحة قرينتين هذا الثناء عليه بأوصاف كماله وسياحة اللسان في أفضل ذكره وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينتين في صفة الأزواج فهذه عبادة البدن وهذه عبادة القلب )([4])
وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري ، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن " .(2/2)
فلا إله إلا الله يُنهى رجال أن يتفردوا في شواهق الجبال من أجل عبادة الكبير المتعال ! فهل يعقل أن يؤذن بالسياحة التي يتصور الكثيرون أنهم في حل من الضوابط الشرعية ، والقيم الأخلاقية ؟! ولا سيما أنهم يرون الأسباب مهيأة ، والأبواب مشرعة في بلد السياحة !! كما هو ملحوظ في الدول الغربية بعامة ، حيث يتوافر أماكن اللهو بأنواعه ، وأنواع الشواطئ المختلطة والمتبرجة .. وإذ كنا منهيين عن السياحة التي هي بمفهوم الرهبنة والانقطاع للعبادة مخالفة للنصارى فيما هم عليه من الرهبانية المبتدعة ، فكيف بالسياحة التي يصحبها فسق ومجون ، وتبذير وجنون ، وعربدة وفجور ..سهرات حمراء ، ومراقص نقلدهم ونحاكيهم في المناداة للسياحة العصرية الشهوانية ؟! ألا إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور…لقد صدق فينا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ.قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ :الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ ؟"([5]) فأي انهزامية بلغناها ؟ وأي مدى من التبعية وصلناها ؟ حتى أصبحنا نأخذ الأمور على عواهنها ، دون مراجعة وتمحيص
فأي جناية يرتكبها الآباء حين يسافرون بأبنائهم وبناتهم والشهوة تتأجج في صدورهم إلى مثل تلك البلاد التي تخلعُ الكرامة والفضيلة ،ويَنْسلخُ الحياء و العفة ، وتنزع الطهارة والنزاهة،فتباشر المعاصي وكأنها شيء مألوف ، فما ظنك بمراهقين ومراهقات تتابعت أمام أعينهم مشاهد مريبة ،أصابتهم بالذهول والدهشة حتى ألفوها ثم اعتادوها ثم عشقوها بعد ذلك حتى اهتزت ثقتهم بمعتقداتهم وقناعاتهم ، ثم أخذت تلك الاعتقادات والقناعات تتهاوى واحدا تلو الآخر مع كل يوم يمر عليها في أرض المصيف فمن الذي يأمن على نفسه أو على أحد من أولاده أن تزل به القدم فيقع في شِباك أولئك الساقطين ويقع في براثن الأعداء فلا تكاد تقوم لهم قائمة بعد ذلك
فإلى الإخوة الذين يحزمون حقائبهم ، ويعدون تذاكرهم ،استعدادا لقضاء الإجازة خارج البلاد أناديهم بنداء الأخوة الإيمانية والوشيجة الربانية لعلنا وإياهم نسمع ..فنعقل ..فنتعظ ..فنتوب ونرجع و نمتثل فنؤجر {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }الملك10 هل عرفت الآثار المؤلمة والعواقب الوخيمة التي تنتج من جراء سفرك لخارج البلاد ؟ إن كنت لا تعرف فتلك مصيبة ، وإن كنت تعرف فالمصيبة أعظم ..
أما علمت ـ يا رعاك الله ـ أن النفوس البشرية إذا ألفت شيئا واستمرأته ، لم تكد تتحول عنه إلا في صعوبة بالغة ، وبطأ شديد ، لأنها لا تأتي على النفس جملة واحدة ، ولكن النفس تتشربها مرة تلو مرة ثم تأخذ تلك النفوس الضعيفة كل ما يساق إليها مما يضر ولا ينفع ، وينتهي بها الأمر إلى أن تفقد خصائصها الإسلامية ، التي بها قوامها ، ثم تذوب وتضمحل ، ثم لا تسأل بعد ذلك ، عن قيام تلك النفوس الضعيفة بالدعوة إلى إحياء الرذائل والتنكر للفضائل .(2/3)
ناهيك أن مخالطة أولئك تضعف عقيدة الولاء والبراء والحب والبغض في الله وتكسر الحاجز الشعوري فمع كثرة الإمساس يقل الإحساس والدارسون لقضايا العقيدة وأصول الدين يدركون جيداً أن معاداة الكفار وبغضهم ، و النفرة منهم وكراهيتهم أصل أصيل وركن ركين من أصول العقيدة . !! يقول الله تعالى :} لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله { ويقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }المائدة51 .
والأمة أيها المسلمون لن يقوم لها شأن ما دامت تهون من شأنها وتحتقر نفسها ولو في الأمور العادية الصورية ، وإن أمة تزهد في مقوماتها وشخصيتها وترغب في محاكاة غيرها ومحاكاة أعدائها وفي مقوماتهم وعاداتهم لا ينتظر لها إلا الانحدار والهوى الأبدي في أعماق الضعة والدرجات السفلى ، فمن يعتبر من الناس المفتونين المخدوعين بأعدائهم وبتقليدهم قال إمام الدعوة محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ ( إن الإنسان لا يستقيم له إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين ، والتصريح لهم بالعداوة والبغض كما قال تعالى في سورة المجادلة: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}المجادلة22 )[6]
ومن تلك الآثار تعريض الأهل والأولاد لمخاطر المنصرين المنتشرين كالجراد في أماكن تجمع السياح ، يهدونهم النشرات التنصيرية ، ويدعونهم إلى عقيدتهم الوثنية ، واعتقاد ما فيها من الخرافات الباطلة ، والخزعبلات الساقطة ، ويرغبونهم في الذهاب إلى كنائسهم المهجورة ، ناهيك عن برامجهم الترفيهية المجانية على أنغام الموسيقى ، والأناشيد الكفرية ، فلا تسل بعد ذلك عن مدى تأثر النساء والصبيان ، وحتى البالغين بذلك السيل الجارف من التنصير المركز.. وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}البقرة120
ناهيك أيها المسلم عما ينتشر بين أولئك في تلك البلاد من أمراض معدية ، وأوبئة مهلكة ..وماذا في تلك البلاد يا مسلمون ؟ إنه الكفر والإلحاد ، إنه الإباحية والفساد ، إنه الأمراض المعدية ،إنه إضاعة المال ،وكل هذه مفاسد خطيرة تكفي واحدة منها لقوم يعقلون ؟(2/4)
والإسلام يمنع مثل هذا إذا توفرت فيه مفسدة واحدة فكيف إذا اجتمعت فيه تلك المفاسد !!فحين تخلف نفر من المسلمين عن الهجرة إلى المدينة وآثروا البقاء في الأرض التي ولدوا فيها ، وفضلوا البقاء بين ظهراني المشركين إذا بالقرآن ينزل متوعدا ومتهددا أولئك بقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً }النساء97 وقال صلى الله عليه وسلم : " أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين "[7] وأشد من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من جامع المشرك أو سكن معه فهو مثله " ومعنى الحديث من اجتمع مع المشرك في بلاده أو سكن معه في بيته فهو مثله في الشرك والكفر والإلحاد نعوذ بالله من الغواية بعد الهداية
وقد استثنى العلماء من ذلك المجاهد في سبيل الله ، والداعيةَ إلى الله ، والمسافر للعلاج ، أو لدراسة علم ما ينفع المسلمين أو للتجارة ، كل ذلك مشروط بأن يكون مظهرا لدينه ، عالما بما أوجب الله عليه ، قوي الإيمان بالله ، قادرا على إقامة شعائره وللضرورة حينئذ أحكامها .
ألا إنها دعوة لحماية الأنفس والذرية من نار الله الرهيبة ..
ألا إنها دعوة لترك السفر إلى مواطن الوباء ،ومعاطن البلاء امتثالا لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم
ألا إنها دعوة لأن يمتلئ المسلم قوة وعزة وأن يكون متبوعاً لا تابعا ، وأن يكون ذا سلطان ليس فوقه إلا سلطان الله ..
________________________________________
([1]) رواه أبو داود (2486 )
([2]) تفسير البغوي عند آية التوبة 112 .
([3]) تفسير ابن جرير (11/ص28-29 التوبة : 112 .
([4]) حادي الأرواح (1/59 )
([5]) رواه البخاري (7320 ) .
[6]ـ الولاء والبراء ص 20 القحطاني
[7] ـ رواه أبو داود و الترمذي(2/5)
السياحة تحت المجهر
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان،
أمَّا بعدُ:
أيها الأخوة في الله:
لقد طرأ في هذا العصر المتلاطم بالفتن ما يطرأ في كل عصر، وارتكب فيه أرباب الشهوات ما ارتكبه أسلافهم الأوائل من تغيير للحقائق، وتلبيس للمفاهيم، وعبث بالمبادئ، فغيروا ما يريدون تغييره لإشباع غرائزهم، وسموا الأشياء بغير اسمها، ووصفوها بغير صفتها اللائقة بها، فالخمر عندهم شراب روحي، والربا في نظرهم المعوج فائدة مالية، ودعامة اقتصادية، والسياحة في منطقهم المنكوس متعة وترفيه، هكذا قالوا، وبئس ما قالوا.
أحبتي في الله:
لعلي أن أسلط الضوء على قضية كبرى دار حولها الحديث، وكثر فيها الكلام، ألا وهي قضية السياحة، والتي تعني في المفهوم العالمي المعاصر: (الانفتاح المطلق بلا قواعد مرعية، ولا ضوابط شرعية)!. فلا دين يردع، ولا وازع يمنع، يفعل الإنسان ما يشاء، ويصنع ما يريد، فالهوى إمامه، والشهوة قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركبه، فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور.
هذه السياحة في عصر العولمة، ولكننا حينما نعود إلى المعين الصافي، والمنبع الوافي ـ كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلّم ـ فإننا ندرك حقيقة السياحة، ومفهومها في الإسلام، والتي ينبغي أن يدركها الجميع، يقول الله تعالى في وصف عباده المؤمنين: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ). [سورة التوبة، الآية: 112].
وللعلماء في بيان معنى السياحة أقوال، وكلها تدل على ارتقاء الإسلام إلى معالي الأمور، وبناء الأمة على مكارم الأخلاق، وجميل الخصال.
فمنهم من فسّر السياحة بالسفر في طلب العلم، فيرتحلون من أجله، ويشدون الرحال في طلبه، من أجل ثني الركب لدى العلماء والتلقي عنهم والاستفادة منهم.
قال عكرمة السائحون: "هم طلبة العلم".
وفسرها بعضهم بالجهاد في سبيل الله تعالى، كما جاء في الحديث عند أبي داود عن أَبِي أُمَامَةَ: "أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي السِّيَاحَةِ؟! قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم: إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى". (1)
وقال عطاء: السائحون: "هم الغزاة المجاهدون في سبيل الله "(2)
فهم يسيحون لأجل رافع راية الدين، وإعلاء كلمة المسلمين، وإزالة الذل والهوان عن عباد الله المستضعفين، إنهم يسيحون لبلوغ ذروة سنام الإسلام، فأين هذه من تلك؟ّ لو كانوا يعقلون.
وفسرها بعضهم بالصيام.(3/1)
فإن الله تعالى قد وصف النساء اللاتي يتزوجهن رسوله صلى الله عليه وسلّم بذلك فقال: (سَائِحَاتٍ) وذلك في قوله سبحانه: (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً). [سورة التحريم، الآية: 5].
وأخرج ابن جرير بسنده عن عبيد بن عمير قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلّم عن السائحين فقال: هم الصائمون" (3)
قال ابن كثير: "وهذا مرسل جيد". وكذا فسر السياحة بالصيام، أبو هريرة وابن مسعود و ابن عباس و عائشة وغيرهم، رضي الله عنهم.
وعن سفيان بن عيينة قال : "إنما سمي الصائم السائح لأنه تارك للذات الدنيا كلها من المطعم والمشرب والمنكح فهو تارك للدنيا بمنزلة السائح".
وفسرها بعضهم بالمداومة على فعل الطاعات.
وقد أخرج ابن أبي حاتم أن عثمان بن مظعون أراد أن ينظر أيستطيع السياحة؟! قال: "كانوا يعدون السياحة قيام الليل وصيام النهار".
وفسرها بعضهم بالهجرة.
أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قوله سبحانه: (السَّائِحُونَ). [سورة التوبة، الآية: 112]. قال: "هم المهاجرون؛ ليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم سياحة إلا الهجرة، وكانت سياحتهم الهجرة حين هاجروا إلى المدينة، ليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ترهب".
قال ابن القيم، رحمه الله: "وفُسرت السياحة بالصيام، وفُسرت بالسفر في طلب العلم، وفُسرت بالجهاد، وفُسرت بدوام الطاعة".
والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر الله ومحبته، والإنابة إليه، والشوق إلى لقائه، ويترتب عليها كل ما ذكر من الأفعال، ولذلك وصف الله سبحانه نساء النبي اللاتي لو طلق أزواجه بدله بهن بأنهن: (سَائِحَاتٍ). [سورة التحريم، الآية: 5]. وليست سياحتهن جهاداً، ولا سفراً في طلب علم، ولا إدامة صيام، وإنما هي سياحة قلوبهن في محبة الله تعالى وخشيته والإنابة إليه وذكره.
وتأمل كيف جعل الله سبحانه التوبة والعبادة قرينتين؛ هذه ترك ما يكره، وهذه فعل ما يحب، والحمد والسياحة قرينتين، هذا الثناء عليه بأوصاف كماله، وسياحة اللسان في أفضل ذكره، وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله، كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينتين في صفة الأزواج، فهذه عبادة البدن وهذه عبادة القلب" (4).
وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض والتفرّد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن".
فلا إله إلا الله!.
يُنهى رجال أن يتفردوا في شواهق الجبال من أجل عبادة الكبير المتعال! فهل يعقل أن يؤذن بالسياحة بمفهومها العالمي المعاصر؟!.(3/2)
ماذا نقول لمن يريد السياحة التي يصحبها إسفاف في العقول، وتحطيم للقيم، وهتك للأعراض، وسفك للدماء، ونشر للرذيلة، وانتشار لشبكات المخدرات والمسكرات، وضياع للأمن؟!.
وكيف نقول للمعجبين بسياحة العصر، المنادين لها عبر وسائل الإعلام المختلفة؟!.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "السياحة في البلاد لغير مقصود مشروع كما يعانيه بعض النساك أمر منهي عنه"، قال الإمام أحمد: " ليست السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين" (5).
أيها الأخوة:
إذا كنا قد نُهينا عن السياحة التي هي بمفهوم الرهبنة والانقطاع للعبادة، وذلك من أجل مخالفة للنصارى فيما هم عليه من الرهبانية المبتدعة، فكيف نقلدهم ونحاكيهم في المناداة بالسياحة العصرية الشهوانية؟!.
سبحان الله!.
(فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). [سورة الحج، الآية: 46].
لقد صدق فينا قول النبي صلى الله عليه وسلّم: " لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ! قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟! قَالَ: فَمَنْ" (6).
فأي انهزامية بلغناها؟!. وأي مدى من التبعية وصلناها؟! حتى أصبحنا نأخذ الأمور على عواهنها، دون مراجعة وتمحيص.
دعونا - يرحمكم الله - ننظر إلى الوراء قليلاً لنقف على العزة التي افتقدناها، والكرامة التي ضيعناها:
أقبل ربعي بن عامر يسير على فرسه إلى رستم ملك الفرس، فلما انتهى إليه وإلى أدنى البسط، قيل له: انزل فحمل فرسه على البساط، فلما استوت عليه، نزل عنها وربطها بوسادتين فشقهما، ثم أدخل الحبل فيهما، فلم يستطيعوا أن ينهوه، وإنما أروه التهاون وعرف ما أرادوا، فأراد استحراجهم، فقالوا: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم، أنتم دعوتموني، فإن أبيتم أن آتيكم كما أريد رجعت. فأقبل يتوكأ على رمحه، فما ترك لهم نُمرقة ولا بساطاً إلا أفسده وتركه مخرقا، فلما دنا من رستم تعلق به الحرس، وجلس على الأرض، وركز رمحه بالبسط.
فقالوا: ما حملك على هذا؟! قال: إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه. فكلمه فقال: ما جاء بكم؟! قال: الله ابتعثنا، والله جاء بنا، لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبى قاتلناه أبدا، حتى نفضي إلى موعود الله.
قال: وما موعود الله؟! قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي".
واسمع يا رعاك إلى بعض الشروط العمرية التي فرضها عمر رضي الله عنه على أهل الجزية لتعلم مدى عزة أهل الإسلام:(3/3)
يقول عبد الرحمن بن غنم: "كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام، وشرط عليهم فيه ألا يحدثوا في مدينتهم كنيسة، ولا فيما حولها ديراً ولا قلاية، ولا صومعة راهب، ولا يجددوا ما خرب، ولا يؤوا فيها ولا في منازلهم جاسوساً، ولا يكتموا غشاً للمسلمين، ولا يضربوا بنواقيسهم إلا ضرباً خفيا في جوفها، ولا يظهروا عليها صليباً، ولا يرفعوا أصواتهم في الصلاة، ولا القراءة في كنائسهم فيما يحضره المسلمون، ولا يخرجوا صليباً ولا كتاباً في سوق المسلمين، ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم، ولا يظهروا النيران معهم، ولا يبيعوا الخمور، ولا يظهروا شركاً، ولا يرغّبوا في دينهم، ولا يدعو إليه أحداً، وأن يلزموا زيّاً حيثما كانوا، ولا يتشبهوا بالمسلمين في لبسهم، ولا في مراكبهم، ولا يتكلموا بكلامهم، ولا يكتنوا بكناهم، وأن يجزوا مقادم رؤوسهم، ولا يفرقوا نواصيهم، ويشدوا الزنانير على أوساطهم، ولا يركبوا السروج، ولا يتخذوا شيئاً من السلاح، ولا يحملوه، ولا يتقلّدوا السيوف، وأن يوقروا المسلمين في مجالسهم ويرشدوهم الطريق، ويقوموا لهم عن المجالس إن أرادوا الجلوس، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يشارك أحدهم مسلماً في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة، فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه فلا ذمة لهم، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق" (7).
سبحان الله!.
ما هذا البون الشاسع بين تلك القمة الشماء، وبين هذا الغثاء الذي يعيش اليوم على الأرض متميعاً متسكّعاً وراء الكفار والملاحدة، ومع هذا يحسب نفسه مسلماً؟!.
أين تلك العزة والقوة والسلطان الرباني الذي أخذ به ذلك الجيل؟!.
أين هذا من الضعف والاستخذاء والتبعية العمياء التي يعيشها المسلمون اليوم؟!.
ترى: هل المنتسبون اليوم للإسلام في درجة الذميين الذين طبقت عليهم هذه الشروط؟!.
هل المسلمون اليوم ذميون للكفار؟!
إن الذي يظهر أنه حتى هذا الافتراض الأخير فإن المسلمين اليوم أقل قدرا من ذميي الأمس، ذميو الأمس: في صغار وفي ذلة وفي زي معين ومكان معين.
أما بعض مسلمي اليوم ففي صغار و ذلة واستكانة عن إسلامهم وتبعية للشرق والغرب، وإعجاب وانبهار بما عليه أعداء الإسلام، وسخرية واستهزاء بما كان عليه سلف هذه الأمة!.
ومن هنا فهم أحط قدراً عند الله - ما داموا بهذه الصفات - وأحقر من أن يهابوا، وأصغر من أن تُسمع لهم كلمة في المجتمع الدولي المعاصر.
فعلى المسلم الصادق، المسلم الواعي، المسلم المدرك لحقيقة إسلامه أن يعرف أين يضع قدمه، ومَنْ يقلد ويتبع، وأن يعلم أن التشبه بأعداء الله ومحاكاتهم في حركاتهم وسكناتهم لا تلتقي مع صدق إيمانه، وإنما يفعل ذلك من يزعم الإسلام زعما وبئس ذلك الزعم الكاذب" (8).
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية(3/4)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أنّ محمَّداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً،
أمَّا بعدُ:
أيها الأخوة في الله:
إننا لابد أن ندرك جيدا، قبل هذا كله أن وجود الكافر في جزيرة العرب أمر مرفوض شرعاً: "فَجَزِيرَةُ الْعَرَبِ لَا يُمَكَّنُ غَيْرُ الْمُسْلِمِ مِنْ الِاسْتِيطَانِ فِيهَا, وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ" (9).
واختلفوا في تحديد الجزيرة وأقرب الأقوال الموافق لنصوص الحديث أنها من البحر الأحمر غربا إلى الخليج شرقا، ومن أرض العراق شمالا إلى حضرموت جنوبا (10).
وَاسْتَدَلُّوا على التحريم بقوله صلى الله عليه وسلّم: "أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ". وقوله صلى الله عليه وسلّم: "لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إلَّا مُسْلِمًا". وقوله صلى الله عليه وسلّم: "آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ".
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "لَا يَجْتَمِعُ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ".
ومع هذه النصوص وغيرها كثير إلا أن الناس تساهلوا في هذا الموضوع من قبل، فانظر إلى العمالة الكافرة المنتشرة في البلاد!.
فهل تخلو بيوتات المسلمين من وجودهم؟!.
وهل تخلو محلاتنا التجارية ومؤسساتنا وشركاتنا ونحوها منهم؟!.
ولو كانت مواقفنا مربوطة بالإسلام، ومبادئُنا متعلقة بشرائع الإيمان لما وطئت قدم كافر أرض الجزيرة المباركة، ولكن نحن الذين جنينا على أنفسنا بادئ ذي بدء بسكوتنا عن الأمر من قبل، حتى بلغ ما بلغ من جلبهم للسياحة والسياحة أدهى وأمر.
أيها الأخوة:
إنّ وجود هؤلاء الكفار في ديار أهل الإسلام له آثاره الخطيرة، وأضراره الجسيمة، ومن تأمل واقع السياحة الخارجية في بلدان مجاورة علم عظيم الأثر الذي أحدثه هؤلاء في تلك الديار من فساد أخلاقي، و انتشار لحانات الخمور والبغاء، ثم ما يترتب على انتشار البغاء من كثرة الأمراض الفتاكة كالإيدز ونحوه، ونشر للمخدرات والخمور، والتعري الفاضح، والتفسخ الماجن، وكل هذا يهون - وما هو بهين ورب الكعبة - عند إفسادهم لعقائد الناس وأديانهم! فهم يبذلون المليارات لإخراج الناس من دينهم! ويصرفون أوقاتهم من أجل ذلك!.
ولنتذكّر أنّ من الكائدين لنا، المعادين لنا في الدين من يعلم أن انفتاح المجتمعات المسلمة على المجتمعات الخارجية من أهم أسباب ذوبانها وإضعاف دوافع التدين لدى أبنائها.(3/5)
إذن فمن الخطأ أن نظن أنّ أولئك بمعزل عن هذا التوجه السياحي لدينا، فإن لم يكن لهم به علاقة بمباشرة أو تسبب، فلا أقل من أنهم سيستغلونه ويكرسونه لتحقيق ما يصبون إلى تحقيقه، وهو ما أخبرنا الله به في قوله عز وجل: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ). [سورة البقرة، الآية: 109].
وقوله تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ). [سورة البقرة، الآية: 120].
ألا إنها دعوة للحذر من الدعوة إلى الفتنة التي تهون عندها كثير من الفتن.
ألا إنها دعوة للمناصحة والكتابة لمن لهم الأمر والشأن إعذاراً وإنذاراً، فالدين النصيحة.
ألا إنها دعوة لتكثيف الجهود، وبذل الوسع والطاقة في الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنها صمام الأمان للأمة.
ألا إنها دعوة لتحذير الأمة من هذا الداء العضال والسم القتال، وبيان مفاسده وأخطاره: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ). [سورة الأنفال، الآية: 42].
اللهم صلي على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
ـــــــــــــــــــــ
المراجع
(1) رواه أبو داود (2486 )
(2) تفسير البغوي عند آية التوبة 112.
(3) تفسير ابن جرير 11/ 28-29، عند تفسير الآية 112 من سورة التوبة.
(4) حادي الأرواح 1/ 59.
(5) مجموع الفتاوى 10/ 643. وانظر: الاقتضاء 1/ 287.
(6) رواه البخاري (7320 ).
(7) أحكام أهل الذمة 2/ 661. (بتصرف).
(8) انظر: الولاء والبراء في الإسلام - الشيخ محمد بن سعيد القحطاني ص 338 (بتصرّف).
(9) الموسوعة الفقهية الكويتية 20/ دار السلام.
(10) الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية 2/ 700- محماس الجلعود.(3/6)
سياحة الصائمين في معاني ( لعلكم تتقون )
د. محمد عمر دولة
[1] مقدمة:
لا شكَّ أنَّ المتأمِّلَ في سِياقِ آياتِ الصيام؛ يُدرِكُ بالتدبُّرِ والتفكُّرِ معانيَ كثيرةً ودلالاتٍ عظيمةً لقولِ الله - عز وجل -: (يا أيّها الذين آمنوا كُتَِب عليكم الصِّيامُ كما كُتِب على الذين من قبلِكم لعلّكم تتقون أيّاماً معدوداتٍ فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعِدَّةٌ من أيّامٍ أُخَر وعلى الذين يُطيقونه فِدْيةٌ طعامُ مسكين فمن تطوَّعَ خيراً فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون شهرُ رمضانَ الذي أُنزِل فيه القرآنُ هُدًى للناسِ وبيِّناتٍ من الهُدى والفُرقانِ فمَنْ شَهِدَ منكم الشهرَ فلْيَصُمْهُ ومن كان مرضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيامٍ أُخَر يُرِيد الله بكم اليُسرَ ولا يُريد بكم العُسر ولتُكملوا العِدَّةَ ولتُكَبِّرُوا اللهَ على ما هداكم ولعلّكم تشكرون). [1]
[2] تسلية المسلمين:
فإذا تدبَّرْنا قولَ الله - عز وجل -: (يا أيّها الذين آمنوا كُتَِب عليكم الصِّيامُ كما كُتِب على الذين من قبلِكم)؛ أدركْنا سِرَّ ذكرِ الأممِ السالفة من قبلِنا التي فُضِّلتْ عليها أمتُنا تفضيلاً! فقد "ذكر أنه كما أوجبه عليهم، فقد أوجبه على الذين كانوا من قبلِهم؛ فلهم فيه أسوةٌ؛ وليجتهد هؤلاء في أداءِ هذا الفرض أكملَ مما فعلَهُ أولئك، كما قال - تعالى -: (لكلٍّ جعلنا منكم شِرعةً ومِنهاجاً ولو شاء اللهُ لجعلكم أمةً واحدةً ولكنْ ليبلوَكم فيما آتاكم فاسْتَبِقوا الخيرات) الآية". [2]
[3] استثارةُ هِمَمِ المسلمين:
فلهذا التعبيرِ القرآنيِّ البليغ: (يا أيها الذين آمنوا كُتَِب عليكم الصِّيامُ كما كُتِب على الذين من قبلِكم) دلالاتٌ كثيرةٌ وأغراضٌ عديدةٌ: "أحدُها: الاهتمامُ بهذه العبادةِ والتنويهُ بها؛ لأنها شرعها الله قبلَ الإسلامِ لمن كانوا قبل المسلمين، ثم شرعها للمسلمين؛ وذلك يقتضي اطِّرادَ صلاحِها ووفرةَ ثوابِها وإنهاضَ هِمَمَ المسلمين لتلقِّي هذه العبادةِ؛ كي لا يتميَّزَ بها من كان قبلَهم...فهذه فائدةُ التشبيهِ لأهلِ الهِمَمِ من المسلمين؛ إذْ ألحقهم بصالحِ الأمم في الشرائعِ العائدة بخيرِ الدنيا والآخرة، قال - تعالى -: (وفي ذلك فلْيتنافسِ المتنافسون)! [3] والغرضُ الثاني: أنَّ في التشبيهِ بالسابقين تهويناً على المكلَّفِين بهذه العبادة أن يستثقِلوا هذا الصوم؛ فإنَّ في الاقتداء بالغير أسوةً في المصاعب! فهذه فائدةٌ لمن قد يستصعب الصوم من المشركين فيمنعه وجودُه في الإسلام من الإيمان، ولمن استثقله من قريبي العهد بالإسلام.وقد أكَّد هذا المعنى الضمنيَّ قوله: (أياماً معدوداتٍ)! والغرضُ الثالث: إثارةُ العزائمِ للقيامِ بهذه الفريضةِ؛ حتى لا يكونوا مقصِّرين في قبولِ هذا العرض، بل يأخذوه بقوّةٍ تفوق ما أدَّى به الأممُ السابقة". [4]
[4] التقوى:(4/1)
وقد بيَّنَت الآياتُ الكريمة الغايةَ الكبرى من الصوم، في قولِ اللهِ - عز وجل -: (يا أيّها الذين آمنوا كُتَِب عليكم الصِّيامُ كما كُتِب على الذين من قبلِكم لعلَّكم)؛ "إنها التقوى! فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة؛ طاعةً لله، وإيثاراً لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس في البال، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقامَ التقوى عند الله، ووزنها في ميزانه؛ فهي غايةٌ تتطلع إليها أرواحهم، وهذا الصوم أداةٌ من أدواتها وطريقٌ موصلٌ إليها؛ ومن ثَمَّ يرفعها السياقُ أمام عيونِهم هدفاً وَضِيئاً يتَّجِهُون إليه عن طريقِ الصِّيام (لعلَّكم تتقون)! "[5]
وقال القرطبي: "(تتقون) قيل: معناهُ هنا: تضعفون؛ فإنه كلما قلَّ الأكلُ ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوةُ قلَّت المعاصي؛ وهذا وجهٌ مجازيٌّ حسنٌ، وقيل: لتتقوا المعاصي، وقيل: هو على العموم؛ لأنَّ الصيام كما قال - عليه السلام -: (الصيامُ جُنَّةٌ) و(وِجاء)، وسبب تقوى؛ لأنه يُميتُ الشهوات". [6]
وقد بيَّن المفسِّرون أنَّ تحصيلَ التقوى من الصيام ظاهرةٌ؛ "لما فيه من زكاةِ النفوسِ وطهارتها وتنقيتها من الأخلاطِ الرديئة والأخلاق الرذيلة"[7]؛ ذلك "أنَّ الصوم يُورث التقوى؛ لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى؛ فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهوِّن لذّاتِ الدنيا ورياستها؛ وذلك لأنّ الصوم يكسر شهوةَ البطن والفرج، وإنما يسعى الناسُ لهذين... فمَنْ أكثرَ الصومَ هان عليه أمرُ هذين وخفَّتْ عليه مؤنتهما؛ فكان ذلك رادعاً له عن ارتكابِ المحارمِ والفواحش، مهوِّناً عليه أمرَ الرياسة في الدنيا، وذلك جامعٌ لأسبابِ التقوى"! [8]
وللهِ درُّ ابنِ القيم حيث قال: "للصوم تأثيرٌ عجيبٌ في حفظِ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها؛ فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويُعِيدُ إليها ما استلبَتْه منها أيدي الشهوات؛ فهو من أكبر العونِ على التقوى، كما قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصيامُ كما كُتِبَ على الذين مِن قبلكم لعلكم تتقون). [9] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الصوم جُنَّة)، وأمر مَن اشتدّت عليه شهوةُ النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام، وجعله وِجاءَ هذه الشهوة". [10]
[5] استحضار سماحة الشريعة:
وقد راعت الشريعةُ التدرُّجَ في تشريعِ الصومِ؛ تخفيفاً على المسلمين، كما قال ابنُ القيِّم - رحمه الله -: "كان للصومِ رُتَبٌ ثلاثٌ: إحداها: إيجابُهُ بوصفِ التخيير، والثانية: تحتُّمُه، لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعمَ حرم عليه الطعامُ والشرابُ إلى الليلة القابلة، فنُسِخ ذلك بالرتبة الثالثة، وهي التي استقرَّ عليها الشرعُ إلى يوم القيامة". [11](4/2)
وقال ابن كثير في تفسير قول الله - تعالى -: (يُرِيد الله بكم اليُسر ولا يُرِيد بكم العُسر ولتُكملوا العِدَّةَ ولتكبِّروا اللهَ على ما هداكم ولعلكم تشكرون): "أي إنما رخص لكم في الفطر في حال المرض والسفر، مع تحتمه في حال المقيم الصحيح؛ تيسيراً عليكم ورحمةً بكم". [12]
[6] شكر الله - تعالى -:
ورحم الله صاحبَ الظلال حيث قال في تفسير قولِ الله - عز وجل -: (ولتكبِّروا اللهَ على ما هداكم ولعلَّكم تشكرون): "فهذه غايةٌ من غاياتِ الفريضة: أن يشعر الذين آمنوا بقيمة الهدى الذي يسَّره الله لهم، وهم يَجِدُون هذا في أنفسِهم في فترةِ الصومِ أكثرَ من كل فترةٍ! وهم مَكْفُوفُو القلوبِ عن التفكيرِ في المعصية، ومكفُوفُو الجوارحِ عن إتيانِها، وهم شاعِرُون بالهُدى ملموساً محسوساً! ليكبِّروا اللهَ على هذه الهداية، وليشكروه على هذه النعمة، ولتفيء قلوبهم إليه بهذه الطاعة، كما قال في مطلع الحديث عن الصوم: (لعلكم تتقون)؛ وهكذا تبدو مِنَّةُ الله في هذا التكليف الذي يبدو شاقاً على الأبدانِ والنفوس، وتتجلى الغايةُ التربويّةُ منه، والإعدادُ من ورائه للدورِ العظيمِ الذي أُخرِجتْ هذه الأمةُ لتؤدِّيَه أداءً تحرسه التقوى ورقابةُ الله وحساسيةُ الضمير"! [13]
[7] الحياءُ مِن الله - عز وجل -:
والحياءُ من ثمراتِ التفكُّر في نِعَمِ الله - عز وجل - على العبد، والصائمُ كثيرُ التفكُّرِ في ذلك؛ لصفاءِ ذهنِهِ ويقظةِ قلبِه. ورحم الله الإمامَ النوويَّ حيث قال: "قال العلماء: حقيقةُ الحياء خُلُقٌ يبعث على تركِ القبيحِ، ويمنع من التقصيرِ في حقِّ ذَوِي الحقِّ! ورُوِيَ عن أبي القاسم الجُنَيد - رحمه الله - قال: الحياء: رؤية الآلاءِ أي النِّعم ورؤية التقصير؛ فيتولَّدُ بينَهما حالةٌ تُسَمَّى الحياء! "[14]
[8] إحياء الوَرَع:
فالورعُ ثمرةُ الاستقامة واجتنابِ الشبهات، وهذا من أعظمِ الزاد في هذا الشهر الكريم؛ فالورعُ يحملُ صاحبَه على "تزكيةِ نفسِهِ وصَوْنِها وتأهيلِها للوُصُولِ إلى رَبِّها؛ فهو يصونها مما يشينها عنده ويحجبها عنه، ويصون حسناته عما يُسقِطها ويَضَعُها؛ لأنه يسيرُ بها إلى ربِّهِ، ويطلب بها رِضاه، ويصون إيمانَه بربِّهِ: من حُبِّهِ وتوحيدِهِ ومعرفتِهِ به ومراقبتِهِ إياهُ عما يُطفِئ نُورَه ويُذْهِبُ بهجتَهُ ويُوهِنُ قُوَّتَه! "[15]
[9] الزهد:
ولعلَّ طالبَ العلم يُدرِكُ من قولِ اللهِ - عز وجل -: (أياماً معدوداتٍ) الإشارةَ إلى الزهد في الدنيا؛ فإذا كان رمضانُ وهو أشرفُ الأوقات وموسم اليقظة؛ (أياماً معدودات)! فكيف بشهور الغفلات؟! ذلك أنَّ "المراد بالأيام من قوله: (أياماً معدودات) شهر رمضان عند جمهور المفسِّرين؛ وإنما عبَّر عن رمضان بـ(أيام) وهي جمعُ قِلةٍ، ووصف بـ(معدودات) وهي جمع قلة أيضاً؛ تهويناً لأمرِه على المكلَّفين، والمعدودات كنايةٌ عن القلة؛ لأنَّ الشيء القليل يُعَدُّ عدّاً". [16](4/3)
ولا ريبَ أنَّ الزهدَ ينمو في شهرِ الصومِ؛ لأنَّ الزهد في حقيقته كما قال سفيان الثوري: "قِصَرُ الأمل؛ ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباء! "[17] وقد فسّر أحمد الزهد كذلك في بعض ما نُقل عنه بقوله: "الزهد قصر الأمل واليأس مما في أيدي الناس! "[18] وهذا ظاهرٌ في حالِ الصائمين. و رحم الله النوويَّ حيث قال في شرح حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل): "قالوا في شرح هذا الحديث: معناه لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذْها وطناً. ولا تحدّث نفسك بطول البقاء فيها ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلّق بها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله"[19].
فالزهدُ إذنْ من أعظمِ ثمارِ الصومِ؛ لأن الصائمَ يتحرَّر فيه من الشهوات والتعلُّقِ بالدنيا؛ لاسيما والزهدُ لا يختصُّ بالمال، كما قال ابنُ رجب: "قال أبو سليمان الداراني: اختلفوا علينا في الزهدِ بالعراق. فمنهم من قال: الزهدُ في تركِ لقاء الناس، ومنهم مَن قال: في تركِ الشهوات، ومِنهم مَن قال: في تركِ الشبع، وكلامُهم قريبٌ بعضه من بعض. قال: وأنا أذهب إلى أنّ الزهد في تركِ ما يشغلك عن الله - عز وجل -! وهذا الذي قاله أبو سليمان حسنٌ، وهو يجمع معانيَ الزهد وأقسامَه وأنواعَه"[20].
[10] الاستقامة
ولا يخفى أنّ الصوم من أعظمِ أسبابِ الاستقامة؛ لما يتضمّنه من السعي الدائب إلى الطاعات والمراقبة الدائمة من اقترافِ السيِّئات، قال النووي: "قال العلماء: معنى الاستقامة لزوم طاعة الله تعالى". [21] فالصومُ يبعث على يقظة الفِكرةِ وذهابِ الغفلةِ؛ لأنّ العبد يعتريه الضعف في إيمانه والنقص في عمله والفتور في عزمه!
وقد بُشِّر أهل الاستقامة بولاية الله لهم ودفع الخوف والحزن عنهم وسكنى الجنات ونيل ما يريدون من الشهوات، كما قال - عز وجل -: (إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدَّعُون نُزُلاً مِنْ غَفورٍ رحيم). [22]
وقال ابن رجب - رحمه الله -؛ مصداقاً لذلك: "الطبقة الثانية من الصائمين من يصوم في الدنيا عما سوى الله؛ فيحفظ الرأس وما حوى، ويحفظ البطن وما عوى، ويذكر الموت والبلى، ويريد الآخرةَ فيترك زينةَ الدنيا؛ فهذا عيدُ فِطرِهِ يوم لقاء ربِّهِ وفرحِهِ برؤيتِهِ:
أهلُ الخصوصِ من الصُوَّامِ صومُهم *** صونُ اللسانِ من البُهتانِ والكذبِ!
والعارفون وأهلُ الأُنْسِ صومُهُم *** صونُ القلوبِ عن الأغيارِ والحُجُبِ! "[23]
-----
[1] البقرة 183-185.
[2] تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/279. جمعية إحياء التراث الإسلامي. ط5. 1420 هـ.
[3] المطففين 26.
[4] تفسير التحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر بن عاشور 2/156-157. الدار التونسية للنشر.
[5] في ظلال القرآن لسيد قطب 2/168. دار الشروق القاهرة. الطبعة الشرعية الثلاثون. 1422 هـ.(4/4)
[6] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/275-276. مكتبة الغزالي دمشق.
[7] تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/202.
[8] التفسير الكبير للرازي 5/60.
[9] البقرة 185.
[10] زاد المعاد من هدي خيرِ العبادِ لابن القيِّم 2/29. مؤسسة الرسالة بيروت. ط1. 1399 هـ.
[11] المرجع السابق 2/31.
[12] تفسير القرآن العظيم 1/283.
[13] في ظلال القرآن لسيد قطب 2/172.
[14] رياض الصالحين ص 294 295. المكتب الإسلامي بيروت. 1418 هـ.
[15] مدارج السالكين لابن القيم 2/25.
[16] تفسير التحرير والتنوير 2/161.
[17] الرسالة للقشيري ص 115.
[18] جامع العلوم والحكم ص 391.
[19] رياض الصالحين 226.
[20] جامع العلوم والحكم ص 391 392.
[21] رياض الصالحين ص 84.
[22] فصلت 30-32.
[23] لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لابن رجب ص 178. دار ابن حزم بيروت. ط1. 1414 هـ.
http://www.meshkat.net المصدر:(4/5)
سياحة المؤمن
في حين يحزم حقائبه عدد كبير من المسلمين ممَّن منَّ الله عليهم بنعمة المال إلى البلاد الأوربية والأمريكية، يدير عدد لا بأس به من المتصفحين مواقع الإنترنت متصلين بالعالم، وهم في غرف نومهم وعلى مكاتبهم.
فما هدف هؤلاء السواح التقليديين والتقنيين يا ترى؟!
الحقيقة المؤسفة أنَّ أكثر هؤلاء يسيحون لأجل المتعة فحسب، في حين تبقى عقول أولئك المستقبلين من الغرب تحمل كثيراً من التساؤلات، بل وأعتقد أنَّ كثيراً منها يحمل في عقله وقلبه حقداً على المسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر، نظراً للسياسة اليهودية الإعلامية الحاقدة.. ولكن يبقى عدد لا بأس به من أولئك يعرف أنَّه يُمَارس ضده التضليل الفكري، بينما هو يتشوَّق للحقيقة، ويبحث عن مصدر يعطيه إياها بالبراهين والأدلة والإقناع على الطريقة الغربية.
وما أسرع هؤلاء إذا اقتنعوا في تغيير أساليب حياتهم، بل معتقداتهم..
فماذا حمل المسافر المسلم لهم إذا اضطر للسفر إلى البلاد الكافرة للعلاج أو للدراسة؟ وماذا حمل لدينه؟ يقول - صلى الله عليه وسلم -: "لأن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك من حمر النعم"، فهل فكرنا في حمل كتب تتكلَّم عن الإعجاز العلمي في القرآن، أو عن دلائل النبوة المحمدية، أو ماذا يحمل الإسلام لأهله من سعادة؟
هل فكَّرنا كيف نكسب حمر النعم بدلالة هؤلاء إلى الإسلام؟
لماذا لا يصبح كلّ منا سفيراً لدينه؟ وحسبنا أن نجعلهم في البداية يوحدون الله ويدخلون في الإسلام، ومن ثم يتم التواصل معهم ليكونوا معنا في الطريق، وليكن شعارنا: "أسلم يأتك ضعف أجر المسلم".
أمّا ذلك المسافر إلى الدول العربية والإسلامية التي تتعطش نساؤها خاصة لمجالس العلم، ويتشوق أهلها لحلقات الذكر، فيجد من الفرص الدعوية ما لا يخطر له على بال، وبخاصة في تلك المناطق التي ينتشر فيها الشرك والبدع، ويقلّ الداعي إلى الهدى.
إنَّها دعوة إلى كلّ مسافر أن يسافر وفي قلبه همّ نفع الناس، فتلك والله المنقبة العليا والشرف الكبير، وهو فضل من الله يؤتيه من يشاء.
25/10/1424
18/12/2003
http://www.lahaonline.com المصدر:(5/1)
سياحة داخلية
عبدالله القعياني
طرق مهمة بحاجة إلى خدمات:
بعد جولتي السابقة لقرى وهجر منطقة الجوف وتبوك شمال المملكة في الإجازة الصيفية الماضية أنا وعائلتي رأيت بأم عيني النقص الهائل الذي تعاني منه تلك المناطق من الخدمات التجارية والحكومية، لاسيما أنها مناطق جذب سياحي، ناهيك بمرور الكثير من المسافرين القادمين والمغادرين من وإلى المملكة هذا إذا ما اعتبرنا أن تلك المناطق (الجوف. تبوك) المعابر البرية الوحيدة للجزء الشمالي من بلادنا. ولكوني ممن عانوا مباشرة من نقص تلك الخدمات أذكر أني رغبت أنا وأسرتي في مشاهدة مسجد عمر بن الخطاب في مدينة دومة الجندل وقلعة زعبل التاريخية بمدينة سكاكا وهي إحدى القلاع التاريخية بتلك المنطقة.
وبعد أن قررت أنا والعائلة دعم السياحة الداخلية كانت نقطة الانطلاق من تبوك، علما بأن المسافة كانت تبعد 380 كلم، وما أن قطعت ربع المسافة حتى توقفت بنا المركبة لعطل فني فيها؛ ما استوجب علي إيجاد حل بأسرع ما يمكن لاسيما أننا في منطقة غير مأهولة بالسكان وشارف أن يحل الظلام والمؤن التي معنا تكفي لساعات فقط، بعدها اتصلت بأمن الطرق بعد معاناة شديدة مع أبراج الجوال، قال لي رجل الأمن بعد إلحاحي عليه بضرورة إسعافنا: (أنت في غير المنطقة التي أعمل بها وعليك بالصبر حتى أجري اتصالا بأحد زملائي لعمل شيء) أصابني رد رجل الأمن بنوع من اليأس..اضطررت حينها بعد 5 ساعات من الوقوف إلى انتظار أي أحد من عابري هذا الطريق لنجدتي، حتى نجحنا بعد توفيق الله في الصعود مع حافلة كانت تقل إخواننا السوريين المغادرين إلى سوريا.
المقصود مما ذكرته أن على مسافة 220 كلم لم أشاهد أيا من الخدمات التجارية والحكومية على طول ذلك الطريق وهو طريق دولي يعبره مئات المسافرين ومواطنو تلك المنطقة، فهل نظرت هيئة السياحة والجهات الحكومية ذات العلاقة إلى ذلك الأمر المهم، لاسيما أن آلاف الحجاج سيعبرون تلك المناطق حال بدء موسم حج هذا العام.والله ولي التوفيق.
http://www.asyeh.com المصدر:(6/1)
سياحة روحية
الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح
نحن في عصر تزينت فيه الشهوات، وتنوعت فيه الشبهات، وتزايدت المغريات، وكثرت الملهيات، حتى كادت معها أن تعمي القلوب، وتموت الأرواح، والمسلم اليوم يبحث عن لذة الروح، وخشوع القلب، ودموع العين، فلا يجد من ذلك إلا أقل القليل، فأين قوت القلوب وغذاء الأرواح؟ وأين لذة العبادة، وحلاوة الطاعة؟، وأين ترطيب الألسنة بالأذكار؟ وأين الاستغفار بالأسحار؟ ومن ثم أين صفاء النفوس والسرائر؟ وأين جلاء القلوب والبصائر؟ ومن بعد أين حسن الأقوال وصلاح الأعمال وصدق الأحوال؟.
إنه لا بد من استشعار الخطر، ومعرفة الأثر، فإن داء القلوب أشد فتكاً وأعظم ضرراً، وإن هزال الأرواح وكدر النفوس بلية البلايا ورزية الرزايا، والعجيب أن هذا الخطر الماحق لا يفطن له كثيرون، ولا يشعرون به، إنهم رغم أدواء قلوبهم وعلل نفوسهم يمضون في حياتهم كأن شيئاً لم يكن، وكأنهم لم يفقدوا شيئاً يتحسرون عليه، مع أنه في أعظم خطر وأكبر خسارة في أجلّ أمر وهو صلتهم بالله، وصدق من قال:"من فقد الله فماذا وجد؟ ومن وجد الله فماذا فقد؟"ولله در ابن القيم عن هذه الحال فقال:"ومن أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه، وأعجب من هذا علمك أن لا بد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض"[الفوائد ص 61].
حقاً إنه لأمر عجب بل هو أعجب العجاب، كيف يسعد من قلبه قاسٍ خرب؟،"وخراب القلب من الأمن والغفلة، وعمارته من الخشية والذكر"[الفوائد ص129]،"اطلب قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القرآن، وفي مجالس الذكر، وفي أوقات الخلوة، فإن لم تجده في هذه المواطن فسل الله أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك"[الفوائد ص 195]، الله أكبر كم للقلوب في تلك المواطن من موات وغفلة، فكيف إذن يعيش ويحيا من لا قلب له؟.
كلما عرض عارض صحي التمس الناس له الشفاء، وبحثوا عن الدواء، والتزموا الحمية، وصبروا على العلاج، ومع ذلك فإنهم عن داء قلوبهم وسلامتها غافلون،"والقلب يمرض كما يمرض البدن وشفاؤه في التوبة والحمية، ويصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر، ويعرى كما يعرى الجسد وزينته التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة"[الفوائد ص129]،
فأين المؤمنون من علاج أدواء قلوبهم وجلائها وزينتها وحسن كسائها؟
إن الحكام العادلين والعلماء العاملين والدعاة المصلحين والقادة الفاتحين كانوا أهل قلوب وأرواح، من المحراب انطلقوا، وبالسجود والذل لله ارتفعوا، وبزاد الإيمان والتقى انتفعوا، وبصدق التوكل واليقين انتصروا، وبكمال الإخلاص والتجرد اشتهروا.
وكلهم كانوا:(7/1)
إذا سجى الليل قاموه وأعينهم ***من خشية الله مثل الجائد الهطل
هم الرجال فلا يلهيهمُ لعب *** عن الصلاة، ولا أكذوبة الكسل
وصدق الله القائل:{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.
معشر الدعاة يا من تتصدرون المجالس، وترتقون المنابر، وتتصدون للوعظ والإرشاد، وتقصدون هداية العباد، ألا ترون أن هناك فرقاً كبيراً، وبوناً عظيماً بين هذه الصفة صفة الصفوة والحقيقة اللازمة لها، فأنت - أيها الداعية - ينبغي أن تكون أحيا الناس قلباً، وأصفاهم نفساً، وأخلصهم قصداً، وأسرعهم عَبْرة، وأكثرهم خشية، وأصدقهم توكلاً، فهل ذلك حقاً هو ما تتصف به؟ ألا تعترف بأن الحال ليس كما ينبغي، وأن من الدعاة من ألسنتهم لاغية، وقلوبهم لاهية، وعيونهم جامدة، أفلست بحاجة ماسة إلى مكاشفة صريحة، ومراجعة دائمة، وخذ هذا الوصف من سيد من سادات الدعاة والعلماء، الحسن البصري يقول في وصف الصفوة:"حسنت ملابسهم بالاقتصاد، وممشاهم بالتواضع، ومنطقهم بالعمل، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق، وخضوعهم بالطاعة لربهم - تبارك و تعالى -، واستقادتهم للحق فيما أحبوا أو كرهوا، وإعطاؤهم الحق من أنفسهم، ظمئت هواجرهم، ونحلت أجسامهم، واستخفوا بسخط المخلوقين لرضا الخالق، شغلوا الألسن بالذكر، وبذلوا أنفسهم لله حين استنصرهم، وبذلوا أموالهم حين استقرضهم"[رسائل مبكية 137، 138]،
وأزيدك من كلامه مزيداً من الصفات حيث يقول:"قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، حوائجهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة، صبروا أياماً قصاراً تعقب راحة طويلة، أما الليل: فمصافة أقدامهم، تسيل دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى ربهم: ربنا ربنا، وأما النهار فحلماء علماء، بررة أتقياء، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ولكن خالطهم ذكر الله أمر عظيم"[رسائل مبكية ص60، 61].
أين أنتم معاشر الدعاة من هذه الصفات، وتلك المقامات? وكثيرون قد استكثروا من المباحات، وشغلوا بالأبناء والزوجات، وألفوا الكسل، وعافوا العمل، حتى ركنت لذلك نفوسهم، وقنعت به همومهم، وذلك نتيجة حتمية لمن ترك تزكية النفس بالطاعات، وطهارة القلب بالقربات، ومن المعلوم"إن في النفوس ركوناً إلى اللذيذ والهين، ونفوراً عن المكروه والشاق، فارفع نفسك ما استطعت إلى النافع الشاق، ورضها وسسها على المكروه الأحسن، حتى تألف جلائل الأمور وتطمح معاليها، وحتى تنفر عن كل دنية وتربأ كل صغيرة، علّمها التحليق تكره الإسفاف، عرّفها العز تنفر من الذل، وأذقها اللذات الروحية العظيمة تحقر اللذات الحسية الصغيرة"[الرقائق ص 51].(7/2)
وخذها أخيراً من عَلَمِ الدعوة المعاصرة حسن البنا يوصيك قائلاً:"لعل أطيب أوقات المناجاة أن تخلو بربك والناس نيام والخليون هجع، وقد سكن الليل كله وأرخى سدوله وغابت نجومه فتستحضر قلبك، وتتذكر ربك، وتتمثل ضعفك وعظمة مولاك، فتأنس بحضرته، فيطمئن قلبك بذكره، وتفرح بفضله ورحمته، وتبكي من خشيته، وتشعر بمراقبته، وتلح في الدعاء، وتجتهد في الاستغفار، وتفضي بحوائجك إلى من لا يعجزه شيء، ولا يشغله شيء عن شيء، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، وتسأله لدنياك وآخرتك، وجهادك ودعوتك، وآمالك وأمانيك، ووطنك وعشيرتك،ونفسك وإخوتك وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم"[مجموعة الرسائل ص 505].
http://www.ala7rar.netالمصدر:(7/3)
مسافرون إلى الخارج
الخطبة الأولى
أيّها الإخوة في الله:
تلقيت اتصالا هاتفياً من إحدى الأخوات، فإذا بها تريد أن تعرض مشكلةًَ حصلت في بيتها، وقضيةً أقلقت بالها، وأقضت مضجعها، وقلبت حياةَ السعادةِ همّاً، والراحةِ غمّاً، فقلت لها:
ما هي قضيتك؟!، وما هو خبرك؟!.
فقالت بصوت حزين: كنا نعيش في راحة تامة، وسعادة عامة، أنا ومجموعةٌ من إخوتي، وكانوا حريصين على الخير والاستقامة، محافظين على صلاة الجماعة، فحصلت لأحدهم بعثةٌ دراسية لخارج البلاد، ففرحنا بذلك، واستبشرنا بهذا الخبر!.
ذهب أخي هناك ومكث مدةً طويلة لإتمام دراسته، ثم عاد أخي إلينا، نعم عاد إلينا، وأقيمت له حفلةٌ لسلامته وعودته، وحصولِه على الشهادة، ثم مضت الأيامُ، فإذا بها تكشتف حقيقة مروعة، وصورة مفزعة.
قالت: أخي الذي كنت أعرفه قبل سفره للخارج، أصبح ينظر إلينا باحتقار وازدراء، ويرى أننا لا نزال في قمة الرجعية والتخلف، وبدأ يُظهر إعجابَه بالحياة الغربية، وما هم عليه من التقدم والحرية، ثم هو يناقشنا دائماً: لماذا أنتم غاضبون على يهود، إنهم مظلومون، مشردون، يبحثون عن حقهم وأرضهم، التي سلبت منهم؟!.
وفوق ذلك بدأ يتخلف عن الصلاة، بل تركها بالكلية، إلا مجاملة لضيف أو قريب.
حاولت إعطاءه الأشرطةَ النافعةَ فكان يلقيها ويسخر مني، وضعت كتباً في غرفته فإذا بها في سَلْةِ المهملات.
باختصار يا شيخ: أخي تغير من حياة الإسلام إلى حياة الكفر، فماذا أفعل ؟وماذا أصنع ؟ فوالدتي لا يرقى لها دمع ولا يهنأ لها عيش، حزنا على ولدها الذي فقدته وهو لا يزال على قيد الحياة ؟!.
أيها الأخوة في الله:
هذه مأساة تتكرر بسبب تهاونِ كثير من الناس في أمر السفر إلى بلاد الكفر، أو بلاد تشابهها:
أنا لست وحدي في طريق متاهتي…أبناؤكم في الغرب بالعشرات
أبناؤكم في الغرب مصدرُ رزقهِ…يتصدقون عليه بالنفقات
سلمتموهم للعدو غنيمةً …فلتغسلوا الأدران بالعبرات
البعض يذهب هناك من أجل السياحة، أو من أجل تعلم اللغة الأجنبية أو الدراسة، مع عدم توفر الشروط الشرعية فيه: فلا ضرورة في السفر هناك، ولا علم عنده يدفع به عن نفسه الشبهات، ولا دين يردعه عن الشهوات.
يخرج الشابُ من بيئته المحافظة، ومجتمعهِ الطاهرِ العفيف، فيرى هناك التقدمَ الصناعيَ، والتفوقَ العلميَ، فيصاب بالانبهار بالحضارة الغربية التي هي كسراب بقيعة، فيعتقد أن ما نحن عليه من ضعف صناعي، وتخلف تقني، هو بسبب ما نتمسك به من دين وعقيدة، وقيم وأخلاق، فإذا به يستحي أن ينتمي إلى هذا الدين، وتزداد قناعتُه بما عليه الغربُ الكافرُ من تفسخ وانحلال، وضياع واضمحلال، وأنه الحقُ الذي لا مرية فيه، والصوابُ الذي لا شك فيه، فيبدأ بالتخلي عن مبادئه وقناعاته السابقة، يتخلى عن مبادئ الإسلام العظام، ومبانيه العظام، فيصبح كما أصبح هذا الشابُ المسكينُ، الذي نسأل الله تعالى أن يردَه إلى الحق رداً جميلاً وسائر المسلمين يا رب العالمين.(8/1)
ومن أجل هذا حرص الغربُ الكافرُ على قضية البعثات العلمية، والدعايات السياحية، والتي من خلالها، يتم غسلُ أدمغةِ كثير من أبناء المسلمين، وقلب المفاهيم لديهم، وتغير الحقائق في أذهانهم، إلى مفاهيم منكوسةٍ، ومعاييرَ مقلوبة، فيخرج جيلٌ لا يعرف من الإسلام إلا اسمهُ، ولا من القرآن إلا رسمهُ، فيعمل هؤلاء في بلدهم ما عجز الأعداء عن تنفيذه وعمله.
أيها الأخوة في الله:
وإذا انتقلنا من القرن الخامس عشر لنقف على القرن الأول الهجري، قرنِ الجيلِ الفريد، أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلّم، لنرى صورةً مشابهةً لهذه الصورة، ونعلمَ أن الفتنةَ لا تؤمن على الحي ولو كان أتقى الناس، فـ "القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء". (1) كما قال عليه الصلاة والسلام.
فعندما اشتد آذى كفارِ قريش للفئة المؤمنة في مكة، وضاقت بهم الأرض، أمر النبي صلى الله عليه وسلّم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وذكر عليه الصلاة والسلام أن فيها ملكاً لا يظلم، فانتقل إليها كوكبةٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليعبدوا الله تعالى دون أن يمسَهم أذى أو يصيبَهم مكروه، وكان من ضمن هؤلاء الذين هاجروا عبيدُ الله بنُ جحش الأسدي مع زوجِته أمِ حبيبة بنتِ أبي سفيان رضي الله عنها، فلما وصل هناك ورأى أهلَ الحبشةِ وما هم عليه من دين، وكانوا على دين النصرانية، تأثر بهم، فكان يفكّر دائماً، وبعد فترة من الزمن قرر الدخولَ في النصرانية، وبالفعل أخبر زوجتَه أمَ حبيبة أنه ترك الإسلامَ ودخلَ النصرانيةَ! نسأل الله تعالى حسن الخاتمة.
تأمل معي أخي الكريم هذه الحادثةَ العجيبةَ، رجل أسلم قديماً، فكان من أوائلِ من أسلم، وهاجر من أجل الدين، ترك أرضَه وأهلَه ومالَه من أجل الدين، وهو من القرن الأول، وممن شاهد التنزيلَ، ورأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم، وما أيده به الله تعالى من معجزات، وهجرتُه كانت لضرورة ولم تكن من أجل السياحة والنزهة، أو قضاءِ الوقت للتعرف على معالم تلك البلاد! ومع ذلك؛ حدث له هذا الحادثُ العظيم، الذي خسر به الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران العظيم.
فماذا نقول إذن لمن هم أقلُ من هذا بكثير؟!. ماذا نقول لمن ينتقلون إلى تلك الديارِ البائسةِ من أجل السياحة ويصطحبون معهم فلذاتِ الأكباد، ومهجَ النفوس؟! حتى بلغ عددُ الذين يسافرون لتلك الديار البائسة أكثرَ من أربعةِ ملايين سائح.
وقد أكدت الدراساتُ أن أربعةً وعشرين بالمائة من الأسر السعودية تتجه نحو السياحةِ الداخلية، بينما يتجه سبعةٌ وأربعون بالمائة إلى دول غربية، والنسبة الأخرى متجهةًَ إلى الدول العربية!.
وبلغت نسبةُ المصروفاتِ الخارجيةِ حوالي خمسةٍ وأربعين مليار ريال سعودي.(2)
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
فإلى الذين يردّدون صباح مساء: لا إله إلا الله، وهم يعلمون أنهم يعلنون بهذا، ولاءهم الكاملَ لله ورسوله، ويسلمون له قيادَهم.
إلى المؤمنين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا، وعلى ربهم يتوكلون.(8/2)
إلى هؤلاء نسوق حكمَ اللهِ ورسولهِ صلى الله عليه وسلّم في هذا المنكر، الذي أصبح اليومَ معروفا، يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً). [سورة النساء، الآيات: 97-99].
قال ابن ُكثير رحمه الله: "هذه الآيةُ الكريمةُ عامةٌ في كلِ من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادرٌ على الهجرة، وليس متمكناً من إقامةِ الدين، فهو ظالمٌ لنفسه، مرتكبٌ حراماً بالإجماع، وبنصِ هذه الآية" (3).
ويقول صلى الله عليه وسلّم: "من جامعَ المشركَ وسكنَ معَه فإنه مثلُه" (4). وقوله صلى الله عليه وسلّم: "ولا تستضيئوا بنار المشركين" (5). وفي حديث بهز بن حكيم: "أن تفر من شاهق إلى شاهق بدينك".
قال ابنُ كثير: "معناه لا تقاربوهم في المنازل، بحيث تكونوا معهم في بلادهم، بل تباعدوهم، وتهاجروا من بلادهم"، ولهذا روى أبو داود فقال: "لا تراءى ناراهما" (6). وفي قصةِ إسلامِ جرير، لما قال: يا رسول الله! بايعني واشترط، فقال: "أن تعبدَ الله ولا تشركَ به شيئاً، وتقيمَ الصلاة، وتؤتَي الزكاة، وتناصحَ المسلمين، وتفارقَ المشركين" (7)
وقد أدرك علماءُ السلفِ رضي الله عنهم من هذه النصوصِ وغيرِها، تحريمَ السفرِ لبلادِ الكفار لغير عذر شرعي، فعن عبدِالله بنِ عمرو رضي الله عنهما أنه قال: "من بنى بأرض المشركين، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة" (8).
وقال الحسنُ بنُ صالح رحمه الله: "من أقام في أرض العدو وإن انتحل الإسلامَ وهو يقدر على التحويل إلى المسلمين فأحكامهُ أحكامُ المشركين" (9).(8/3)
وقال الشيخُ عبدُاللطيفِ بنُ حسنِ آل الشيخ رحمه الله: "إن الإقامةَ ببلد يعلو فيها الشركُ والكفرُ، ويظهر فيها دينُ الإفرنج والروافض، ونحوهِم من المعطلة للربوبية والألوهية، وترفع فيها شعائُرهم، ويهدم الإسلامُ والتوحيدُ، ويعطل التسبيحُ والتكبيرُ والتحميدُ، وتقلع قواعدُ الملةِ والإيمان، ويحكم بينهم بحكم الإفرنج واليونان، فالإقامة بين ظهرانيهم - والحالة هذه - لا تصدر عن قلب باشره حقيقةُ الإسلامِ والإيمانِ والدينِ، وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين، بل لا يصدر عن قلب رضي الله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، فإن الرضا بهذه الأصولِ الثلاثةِ، قطبُ رحى الدين، وعليه تدور حقائُق العلمِ واليقينِ، وذلك يتضمن من محبة الله وإيثار مرضاتِه، والغيرةِ لدينه والانحيازِ إلى أوليائه، ما يوجب البراءَة كلَ البراءِة، والتباعدَ كلَ التباعدِ، عمن تلك نحلتُه وذلك دينُه، بل نفسُ الإيمانِ المطلقِ في الكتاب والسنة، لا يجامعُ هذه المنكرات" (10).
ويقول العلامةُ ابنُ باز رحمه الله تعالى: "السفر إلى البلاد التي فيها الكفرُ والضلالُ والحريةُ وانتشارُ الفسادِ من الزنى وشرب الخمر وأنواع الكفر والضلال فيه خطر عظيم على الرجل والمرأة، وكم من صالح سافر ورجع فاسداً، وكم من مسلم رجع كافراً، فخطرُ السفرِ عظيم والواجب الحذر من السفر لبلادهم، لا في شهر العسل ولا في غيره" (11).
ويقول الشيخُ صالحُ الفوازان حفظه الله تعالى : "لا يجوز السفرُ إلى بلاد الكفار من أجل النزهة لما في ذلك من الخطر على العقيدة والأخلاق، ولا يجوز للمرأةِ أن تطيعَ زوجَها في السفر في هذه الحالة لأنه معصية، ولا طاعَة لمخلوقٍ في معصيةِ الخلق" (12).
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أيها الأخوة في الله:
ومع هذه الأدلة ِالواضحةِ، والبراهينِ الساطعةِ، وأقوالِ السلفِ والخلفِ النيرةِ، نرى بعضَ الأسرِ ينتظرون بفارغ الصبر لتبدأ رحلات سياحية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً بدعوى الترفيه.
وإنني إذ أدعو كلَ أبٍ إلى الترفيه المباح الحلال له ولأولاده، أقول: يجب أن يكون هذا الترفيهُ متفقاً مع قيمنا، متكاملاً مع عقيدتنا، يبني ولا يهدم، يقدم ولا يؤخر، فيزداد الأولادُ بالتأمل في خلق الله من جبال وأنهار، وسهول وبحار، وزهور وأشجار إيماناً وتسليماً، كما يزدادون معرفةًَ ببلاد الله الواسعةِ وعبادهِ المنتشرين فوقَ أرض الله.
ولكن أن تصبح السياحةُ في بلاد تخلع فيها الكرامة وينسلخ بها الحياء، ثم نبذل فيها الأموال الطائلة، فقل لي بربك:
ماذا ستجني الأمةُ من جراء ذلك؟!.
وكم من المكاسب سيتحصل عليها الأعداءُ من ذهابنا إلى ديارهم؟! من ضعف في الديانة، وتدهور في الأخلاق والكرامة وذلك.
والله، إنّ هذا لهو الخسران العظيم.(8/4)
وإننا لا نعجبُ والله من القنواتِ الفضائية، والإذاعةِ الغربية في التسويق للسياحية الخارجية، لأنهم نصبوا أنفسَهم لحرب الدين والقضاء على أهله، ولكنّ العجبَ كلَ العجبِ من صحفنا ومجلاتنا وأماكن الدعايات في شوارعنا، التي أصبحت مرتعا لما نُحَّذر منه، فحين نُقلبَّها لا نجدها ممتلئة بشروح مفصلة لما يتعرض له المسلمون في شرق الأرض وغربها من حروب فتاكة، ودماء مهدرة، وأراض منهوبة، وحقوق مضيعة، كلا، كلا، فهذه قضايا جانبية، وأحداث هامشية.
وقد بلغ بهم التضليلُ لأبناء هذا الوطن المعطاء أن تُفَرغ أعمدةٌ كاملةٌ للإعلانات، عن ماذا يا ترى؟!:
هل لحملة تبرعات للإخواننا المتضررين في مشارق الأرض ومغاربها؟!.
كلا، بل أقل من ذلك!.
هل هي إعلاناتٌ من أجل السياحيةِ الداخليةِ في هذا البلد الذي تتوفر فيه مقومات السياحة؟!.
أيضاً: كلا، إنها الإعلاناتُ السياحة، والتخفيضاتُ الخيالية عن أسعار التذاكر، والإقامة في بلدان تغلب عليها الرذيلةُ!.
إنها دعوة لأهل هذه البلاد رجالاً ونساءاً، صغاراً وكباراً إلى السفر للخارج، وبذل الأموالِ الطائلةِ لإضاعةِ قيمِ الإنسان ومبادئهِ، وأخلاقهِ وعفافهِ، وطهرهِ ونقائه!.
ويا ترى ماذا يفعل بعضُ شبابِنا هناك، هناك في ديار العهر والفساد، هناك في بلاد الكفر والإلحاد:
في أرض أوروبا قتلت كرامتي…وأضعت في حاناتها ثرواتي
وعلى مسارحها نثرت دراهمي… وأجدت فيها أحسنَ الرقصات
باريس تعرفني ولندنُ لم تزل…ترنو إلى جيبي وحسنِ هباتي
وعيون مانيلا تراقب مقدمي…ولكم غرستُ بأرضها شهواتي
كم حانة ذوبت فيها همتي …وعقدتُ فيها خيرَ مؤتمراتي
وشربت فيها الكأس حتى خِلتني…أدمي فؤادَ الكأسِ بالرشفات
أيها الأخوة في الله:
إذا كنا نشكو من وفرةِ المالِ فإن هناك إخوانا لنا من المسلمين يتضورون جوعا وتهلكهم المصائبُ ولا يجدون من يغيثهم ؟!!
وإذا كنا نشكو من الفراغ فلنتذكر حديثَ نبينِا محمدٍ صلى الله عليه وسلّم حين قال: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ" (13).
وإذا كنا عازمين على السفر للخارج، فلماذا لا يتم التنسيقُ مع المؤسسات الخيرية، والجمعيات الإسلاميةِ لتكون الرحلاتُ دعويةً، بدلاً من أن تكون سياحيةً، فتطعم المساكين، وتفرج كربةَ المكروبين، وتعلم الجاهلين، وتتحسّس أخبار المضطهدين، وتعلم ماذا يفعل النصارى الحاقدون بإخوانك المسلمين.
وإذا كنا نشكو من قلةِ الفرصِ المتاحةِ لنا ولأبنائنا، فإن سبلَ الخير متوفرةٌ وموجودةٌ، ولا عذرَ لأحد في تجاهلها من سياحة داخلية في بلادنا العامرة، وعمرةٍ لبيت الله الحرام، وزيارةٍ للأقارب والأرحام، ومراكزَ صيفيةٍ بناءة، وحَِلق تحفيظِ القرآن للرجال والنساء، وغيرِها من فرص الخير.
ولنعلم جميعاً أننا أمةٌ إن تعاونت على البر والتقوى، فلن يكون بها مكان لسماسرة الترفيهِ المشبوه ولا لألبسة التحرر الموبوءة.(8/5)
وسنجني بإذن الله تعالى أطيبَ الثمارِ عندما نحافظ على فلذاتِ أكبادِنا، ونحرص على تربيتهم التربيةَ الجادة.
وهذا وصلوا وسلموا - رحمكم الله - على النبي العظيم، والمرشد الكريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً). [سورة الأحزاب، الآية: 56].
المراجع
ــــــــــــــــــــ
(1) رواه الترمذي (2140) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2) انظر: جريدة المحايد عدد (5) 7/3/1422ه ص 9.
(3) تفسير ابن كثير ص 353 ط دار السلام.
(4) رواه أبو داود (2405) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
(5) رواه النسائي ورقمه (5209) من حديث أنس رضي الله عنه.
(6) رواه أبو داود ورقمه (2645) والترمذي ورقمه (1604) وقال الألباني في الإرواء (1207) (5/29): سنده صحيح.
(7) رواه النسائي ورقمه (4177).
(8) قال شيخ الإسلام في الاقتضاء ص 200 إسناده جيد.
(9) أحكام القرآن للجصاص (3/216).
(10) انظر: فتاوى الأئمة النجدية (2/447-448).
(11) انظر: فتاوى علماء البلد الحرام.
(12) انظر: فتاوى المنتقى لفضيلة الشيخ صالح الفوزان.
(13) رواه الترمذي ورقمه (2417) وقال: هذا حديث حسن صحيح.(8/6)
نظرات في سياحة الكفار في بلادنا
نشرت جريدة الرياض في 21/10/1427هـ عدد ( 14020) بعنوان ( المملكة تستقبل أول مجموعة سياحية قادمة من استراليا ) وهذا والله منذر بسيل فتن قد انعقد غمامها ، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامها، ولعلي في هذه المقالة أوجز باختصار أهم الآثار والأخطار من فتح باب السياحة للكفار في بلادنا :
1ـ لا يجوز للكفار دخول جزيرة العرب أو الإقامة فيها إلا للضرورة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إلَّا مُسْلِمًا " رواه مسلم . والسياحة ليست من الضرورة في شيء .
2ـ أن السماح لهم مدعاة لموالاتهم ومودتهم ، وقد قال الله تعالى: (( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله )) كما أن في ذلك مثاراً للإعجاب بهم وتقليدهم ، والتشبه بهم في السمت الظاهر يقود إلى المشابهة في الباطن عافانا الله وإياكم من ذلك.
3ـ أن الدول التي فتحت أبوابها للسياح أصبحت تعاني من تفشي الأمراض المعدية وبخاصة الجنسية منها ، ولعل الدوائر الصحية قد اكتشفت حالات من المرض الجنسي الشهير ( الإيدز ) نتيجة سفر بعض الشباب إلى تلك البلاد ، فكيف يكون الحال إذن حينما نستقطب أجناس الناس من كافة الأرض ـ ولكل بلاد أمراضها وفيروساتها ـ لتجتمع في بلادنا وتتلقفها أجساد أبنائنا؟!
4ـ إن هذه البلاد ـ ولله الحمد والمنة ـ تنعم بأمن لا مثيل له في العالم بسبب ارتفاع الوازع الديني لدى شعبها ، لذا فإن مجيء السياح الأجانب سيساهم على تقليص هذا الوازع مما يجعل الجرائم أمرا معتادا ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر سيكون نفس السائح الأجنبي مصدرا للجريمة والفساد حيث لا وازع يردعه ..ومن خلال مظلة السياحة تتسلل عصابات المافيا والجنس الذين سيغرقون البلاد بأنواع الجرائم ..من السرقات والنصب والاحتيال إلى الاختطاف والقتل ..إلى ترويج المخدرات والعملات المزورة وغسيل الأموال والمتاجرة بالجنس .
ومن المعلوم أن الجهات الأمنية تعاني من العمالة الوافدة التي جاءت إلى البلد للحاجة تحت شروط وضوابط ..ومع ذلك فكم من شبكات وعصابات تكتشف في كل يوم ؟ فكيف بمن يفدون إلينا ونحن نهدف إلى استقطابهم والترحيب بهم ..نسأل الله أن يحفظ على هذه البلاد أمنها واستقرارها .
ولذا نأمل من الهيئة العليا للسياحة إعادة النظر في هذا القرار وعرضه على هيئة كبار العلماء للنظر فيه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،(9/1)
خواطر في السياحة .. وفرض الوقت
راشد الحكيم
ليس كالسياحة في أرض الله الواسعة مجالاً لزيادة المعرفة بأحوال الأمة، و الاطلاع على أخلاقها و عاداتها، و رؤية موقعها من ميزان الحضارة و الرقي بمقاييسه الأصيلة، و ليس كمثلها مدخلا ً لممارسة عملية البلاغ المبين بين الناس، و لنقل أمانة العلم و التجربة إلى الآخرين، كل ذلك بشرط أن يتوافر أمر واحد: ذلك هو الفهم.
يسافر الكثيرون من أبناء الأمة و يعودون إلى أوطانهم دونما حصاد من خير أو فكر أو علم أو تجربة، كأنما العقل و البصر و البصيرة و سائر الحواس، وكأنما العلم والخبرة والوعي، وكأنما الأفكار والمبادئ والقيم، وكأنما هموم الأمة وقضاياها الكبرى، كأنما كل ذلك من لوازم أماكن الإقامة فقط، يجمعها البعض في صندوق، و يتركها قبل مغادرته أمانة في بيته، لا يحملها معه لأنها ليست من لوازم السفر و لا من أدوات الترحال..
في حين يحملها البعض ممن امتلك الفهم، فلا تجده في سفره إلا داعياً إلى خير، آمراً بمعروف، ناهياً عن منكر، ناقلاً لخبرة، حاصلاً على تجربة، مراقباً لظاهرة، و قائماً على الدوام بفرض الوقت.
و فرض الوقت في تعريفنا يتمثل في انطلاق الإنسان من عُمقِ أفكاره و مبادئه و قيمه في كل ظرف لممارسة عمل يمثل أقصى طاقته في خدمة أمته و قضيته، مستصحباً في حركته للحكمة و البصيرة و لخصوصية ذلك الظرف من حيث حدوده و احتياجاته، و بحيث ينتج عن ذلك العمل خيرٌ يصب في المجرى الكبير للتغيير، على أن يكون ذلك الخير - مهما كان صغيرا - في تلك اللحظة و في ذلك الظرف غاية الوسع و أقصى المستطاع.
و من هؤلاء أخ كريم كان في زيارةِ عملٍ قصيرة لبلدٍ مشرقيٍ من بلاد الإسلام، نٌحلل من خلال بعض المشاهد والملاحظات التي نَقلَها حالةً نموذجيةً لِمُمارسةٍ متقدمةٍ لفرض الوقت، لا يُمكن إلا أن تنتج عن فهمٍ متقدمٍ أصبح من الواجب أن يُشاع ويشيع بين الناس.
قال صاحبنا: لم يكن صعباً أن يكتشف المرء حالة الكبت و القهر التي يعيشها الناس.. فحتى في المساجد التي كانت تفتح في أوقات الصلاة، كانت الحفنة من المصلين الكهول تتحاشى الابتسام فضلا عن السلام أو الحديث مع غريبٍ يتفحص البناء و يتأمل الوجوه، و كان ملاحَظاً غيابُ المودة و الطيبة و سلامة الفطرة أو حتى مجرد الشعور بوحدة الانتماء، لقد كان الاستبداد السياسي باختصار ظاهراً للعيان على خطٍ طويل من ساحة الواقع، يمتد من بوابة المطار إلى مآقي العيون المخطوفة في كل مكان..
و في مثل هذا الظرف فإن فرض الوقت يقتضي أن ينظر الإنسان على الأقل مِنْ حولِهِ متفكرا و متأملا حتى يرى كل أبعاد المشهد الاجتماعي بِغَرض فهمه أولا، وصولاً بعد ذلك إلى التعامل معه بحكمةٍ و اقتدار.
ركب صاحبنا سيارة أجرة، فإذا التزاحمُ و التسابق والتدافع الذي لا تُحترم معه حقوق الآخرين، ولا يُعبأ معه بضوابط السلامة، ولا يُعار الانتباه لنظام المرور، إذا بذلك كله يشكل العرف السائد الذي يجعل الرحلة القصيرة مناسَبةً للتوتر والقلق وشد الأعصاب..(10/1)
نظر من نافذة السيارة فإذا المشاة يعبرون الشوارع المخصصة للسرعة العالية، ولا يعيرون التفاتا للمنشآت والترتيبات المخصصة لعبورهم المنظم من جسور ومعابر المشاة، لا يبالون بحق السيارات في استخدام الطريق، ولا بأرواحهم تتعرض للخطر المحقق..
تجول في بعض الشوارع و إذا به يضطر المرة تلو الأخرى إلى مغادرة الرصيف والمشي على طرف الشارع مع السيارات، إما ليتجنبَ سيارةً وقفت على الرصيف!! أو أكواماً من مواد البناء والرمال وُضِعت أمام بيتٍ هو قيد الإنشاء، أو صناديق بضاعة لبائع يعرضها على الرصيف ومحله خالٍ من البضائع، أو فروع وأغصان أشجارٍ من حديقة منزلية ملأت الرصيف ولم يأبه صاحب المنزل برفعها عن طريق الناس..
نظر إلى أزقة المدينة و شوارعها فإذا هي ملأى بالقمامة و النفايات التي يلقيها الناس اتفاقا دون التزام بزمانٍ أو مكان رغم الترتيبات المعقولة التي وضعتها بلدية المدينة..
تأمل البشر صغاراً و كباراً، رجالاً و نساءً، فإذا بالتدخين شائعا إلى درجةٍ سرطانية في مجتمعٍ لا يكفي دخله الشهري أياماً معدودات أو يكاد..
أصغى إلى الحوار الدائر في بعض الأماكن العامة فإذا بالجميع يرطنون بِلُغةٍ أجنبيةٍ تركها المستعمر يوم مضى..
وبدء صاحبنا يتساءل: إلى أي درجة يستطيع المرء أن يلقي بكل اللوم على الاستبداد السياسي لتفسير كل هذا التخلف وكل هذه الفوضى والقذارة؟ وإلى أي درجة يمكن الادعاء بعدم وجود مجال (لعملٍ) اجتماعي وثقافي يستصحبُ خصوصية الظرف وحساسيات المرحلة.. ولكنه يحيي الوعي في القلوب و العقول ويُنبِّهُ إلى خطورة مثل هذه الآفات؟
ولو أن هؤلاء المتورطين بممارسات التخلف والفوضى والاعتداء على حقوق القريب والبعيد من الناس بهذا الشكل المصغر، لو أنهم ملكوا أمر البلاد والعباد وتسنَّموا مسؤوليات الحكم والإدارة، أليس طبيعياً أن ينقلوا عقلية التجاهل لحقوق الآخرين إلى المستوى الجديد الذي يتحركون فيه، فيكون الحال نفس الحال والمآل نفس المآل؟ وهل يتصور المرء أن ينقلب الإنسان من مثل تلك الحالة إلى حالة الوعي بحقوق الأمة أفراداً وجماعات بقفزة واحدة، فيعمل على إحقاق الحق وإبطال الباطل ونشر العدل بين الناس؟... وأخيرا تساءل قائلا: تُرى ألا تبدو ممارسات الحكم والإدارة - على تعسفها وظلمها - أكثرَ منطقيةً وقابلية للفهم، بل وربما أكثر تحضراً وضبطاً للأمور في كثير من الحالات؟..
إن أزمة العقل العربي والمسلم التي تُخَيِّلُ له أن العمل لتغيير واقع الأمة لا يمكن أن يتم إلا عبر (العمل السياسي)، أو أنه - على الأقل - يجب أن يبدأ بالعمل السياسي، إنما هي أزمةٌ عامة تُعبِّر عن واقعِ حالِ كثير من الأفراد والجماعات، وإن عَبَّر مقالُهُم عن غير ذلك.. و إن إحداث تغييرٍ حقيقي في موقعٍ يتفنَّنُ أهله في مثل تلك الممارسات، أينما كان ذلك الموقع، وهو حال معظم المواقع الأخرى في بلادنا الممتدة للأسف، نقول إن إحداث تغيير حقيقي في مثل هذا الواقع إنما هو أقرب للأماني والأحلام..(10/2)
إن للاستبداد السياسي حدوداً لا يملك تجاوزها بحال، ومواقعَ لا يُمكن أن يصل إليها على الإطلاق. وإن ذلك إنما هو من حكمة الله وسنته في الخلق، تحقيقاً لِعدْلِهِ المُطلق على الدوام، وهو عدلٌ يتركُ باستمرار منافذَ لحركة الإنسان على هذه الأرض، مهما أوحت الظواهر بغير ذلك، ومهما ظن البعض من بني البشر في أنفسهم جبروتاً زائفا أو قوةً موهومةً على كتم أنفاس عباد الله. لكن من كمال الحكمة الإلهية وروعتها أن جَعَلَ امتلاك مثل تلك القدرة الفذة على اكتشاف هذه المنافذ وتغيير الواقع من خلالها - بإرادة الله - منوطاً بحركةِ العقل البشري وتحرره وانطلاقه وسعة آفاقه وقدرته العجيبة على الإبداع والابتكار، ولم يجعله منوطا بالخوارق والمعجزات.
إن الاستفزاز والتحفُّز والحضور الفكري والعقلي والثقافي الذي تتطلبه مثل هذه الأحوال للتعامل مع الواقع، وصولاً إلى تغييره، إنما تُمثل قمة الرقي في قصة التجربة البشرية ومسيرتها لإعمار هذه الأرض وفق شروط الحق والعدل والخير والجمال. وإن العقل الوحيد المؤهل لهذه المرتبة إنما هو العقل الراشد المؤمن المتوكل، الذي ينطلق في حركته من مقاصد الدين وثوابته، ومن قراءةٍ واعية لتجارب التاريخ وعطاء التراث من جهة، ولخصوصية الحاضر من جهة ثانية، مستصحباً فقه الأولويات، حاملا راية الاجتهاد و التجديد، و باذلا الوسع في نهاية المقام لاستخدام لغة العصر وأدواته وآلياته...
إن الاستبداد السياسي لا يُجبر الناس أبداً على الحديث بلغة أجنبية (حتى في البيوت)، أو على التدخين بشراهة وابتذال، أو على التفنن في مخالفة القوانين، أو على رمي القمامة في الشوارع.. وإذا كنا نُقِرُّ بالآثار السلبية للخيار الحضاري العام الذي تختاره السلطة السياسية، وبقوة آلتها الإعلامية والدعائية في نشر القيم الغريبة والتعتيم على القيم الأصيلة.. وإذا كنا نُقِرُّ بالأثر النفسي السلبي العام الذي يتركه الكبت والقهر في الشعوب، داعيا إياها للانسحاب تدريجيا من الحياة في روحها الأصيلة، والغرق في متاهات الضياع والفوضى واللامبالاة الكاملة.. إذا كنا نقر بكل ذلك، فإننا نرى في هذا الأمر بذاته مدعاةً للتحدي والاستفزاز الحضاري لدى الشرائح الأكثر وعيا ومعاصرةً وإيماناً من أبناء الأمة، وهو تَحَدٍّ يتمُ التعامل معه عبر مُتواليةٍ من الإبداع والابتكار للأقنية والوسائل التي تُمكِّنُ من العمل في أوساط الأمة لمعالجة مثل تلك الظواهر الشاذة في هذه المرحلة. دون أن تتصف تلك الوسائل بالضرورة بالتعقيد المألوف، فربما تكون بعض الترتيبات العفوية الفردية أحيانا وسيلة العمل المثلى، والمهم في جميع الأحوال أن تُستصحبَ خصوصيةُ الظرف ويتحقق فرض الوقت، تمهيدا لمراحلَ تالية أكثر فُسحةً وحرية وانفتاحا.. وإن نجاح الشرائح صاحبة الاهتمام في مثل ذلك التحدي إنما يُعبِّر عن مشروعية الوجود والدور أولا، قبل أن يكون دليل الوعي والمعاصرة والفهم لديها..
* * *(10/3)
وانسجاماً مع نظرية فرض الوقت، بدأ صاحبنا يتحرك في الدائرة الصغيرة من حوله في مجال العمل، فعمل أولا على كسب ثقة من فيها و اطمئنانهم إلى إخلاصه وصدق نياته، بل و تجاوز ذلك إلى كسب محبتهم واحترامهم، ثم إنه راح يعمل: فمن منطلق المحبة والاحترام، وبدعوى الحاجة الواقعية، اشترط عليهم مخاطبته بالعربية، لأنه لا يتقن اللغة الأجنبية التي يتحدثون بها. ثم أضاف إلى ذلك تحبيب العربية إليهم من خلال شواهد من القرآن والحديث وشعر العرب وطرائفهم وحِكَمِهم المشهورة، في كل مناسبة وعند كل حوار.. فوجد العديد منهم في أنفسهم قدرةً لم يكونوا يتوقعونها على الحديث بالعربية، وأحس آخرون بِجَمَالٍ في لغة القرآن لم يألفوه أو يفكروا به في يومٍ من الأيام..
ثم إنه اقترح على واحدٍ من أكثرهم استغراقاً في تدخين السجائر مشاركته في عمليةٍ حسابية بسيطة لمقدار ما أنفق في حياته من مالٍ على تلك العادة، وكان هذا الرجل من أكثرهم فقرا. فلما رأى المسكين الرقم انطلقت الفطرة من أعماقه وكان أول ما تبادَرَ إلى نفسه التساؤل عن إجابته الممكنة إذا سأله الله يوم القيامة - كما قال- لماذا لم يذهب إلى الحج، وتساءل إذا ما كان بإمكانه الادعاء يومها بأنه لم يكن يملك مؤونة ذلك!..
ونظر صاحبنا بعد ذلك في مكان العمل من حوله فرأى خروقاً لانهاية لكل شروط الأمن والسلامة العامة في مواقع مثل هذا العمل، فبدأ يشرح للعمال والمسؤولين خطورة هذه الأوضاع ويقترح عليهم طرقا بسيطة لتغييرها..
إن كل العبرة في القضية هنا إنما تتمثل في القدرة على اكتشاف المعاني والقيم الكبرى الكامنة وراء هذه التصرفات والأفعال، وامتلاك القدرة على رؤية امتداداتها الحساسة وارتباطاتها المباشرة وغير المباشرة بتكوين الشخصية الحضارية المعافاة في صحتها العقلية والجسدية، وهي الشخصية التي يمكن أن نقول أنها مؤهلة، مع الأيام، للمساهمة في عملية التغيير. إن التمكن من إبصار ملامح الفطرة والخير في أعماق الناس، وامتلاك القدرة على إحياء تلك الفطرة وإطلاق ذلك الخير، وإن التأكيد على حفظ مقدرات الأمة وطاقاتها من كل نوع، مما يُعد استثماراً للمستتقبل الآتي، إن كل تلك الأمور تُعد مقدماتٍ أساسية يجب أن تَشغلَ حيزاً تستحقه من تفكير ودراسة أصحاب الاهتمام في هذه الأمة..
وهكذا، ظل يلقي نصيحة هنا وحكمة هناك.. حتى عاد أخيراً من زيارته القصيرة تلك حاملا صورةً تحليليةً دقيقةً لما رآه، تزيدُ مَنْ حَولَهُ معرفةً بأحوالِ شريحة من شرائح الأمة، وبلدٍ من بلادها. وهي صورةٌ تساعدُ مَنْ هو في مثل ذلك الواقع على التأسي والاعتبار، وتساعد من يريد دراسة الواقع على الفهم والإدراك، وتساعد من يريد علاجه على العمل والتخطيط.
* * *
وربما يتساءل متسائل بعد ذلك: وما جدوى مثل هذه القضايا الصغيرة الجزئية التي لم ينل حظ الانتباه إليها أصلا غير حفنة لا تمثل شيئا في الأمة، وعلى فترة قصيرة من الزمان؟ وأين هذا من الأعمال والمشاريع السياسية الضخمة ذات التأثير الهائل؟..(10/4)
إن هذا التساؤل بحد ذاته يحدد طبيعة الإشكالية وحجمها إلى أبعد الدرجات، فهذه الثغرات العديدة في تكويننا الحضاري والثقافي، وإن كانت صغيرةً وجزئية ومتفرقة عند النظر إليها بشكل منفرد، إلا أنها مجتمعة تمثل شرخا أساسيا خطيرا، لم يسمح في الماضي، ولن يسمح في المستقبل، لكل المخلصين والعاملين مهما خلُصت نياتهم وتطاولت جهودهم، من التجاوز الحقيقي إلى مراحل متقدمة في مسيرة تغيير الإنسان العربي و المسلم المؤملة تمهيداً لتغيير واقعه.. ذلك أن تلك الثغور تمثلُ نَخراً داخلياً عميقا، يُضعف إلى حدٍ بعيد قوةَ تحمُّل الجسم الاجتماعي وقُدرته على حمل أعباء ومتطلبات عملية التغيير البالغة الوطأة والشديدة التأثير.
ولو أن دوائرَ أوسع من أبناء الأمة تُدرك خطورة مثل هذا التصور. ولو أن شرائحَ أعرض تمتلكُ القدرة على ضبطِ موجات الحماس والاستعجال المنتشرة، والقدرة على التخطيط القائم على فقه الواقع وفقه الأولويات، وتنطلق إلى حمل مسؤولياتها عبر ممارسةٍ - فردية وجماعية - واعيةٍ وشاملةٍ لفرض الوقت، لرأينا جسماً اجتماعيا يستردُّ عافيته ومناعته الداخلية شيئاً فشيئا، ويبدأ في استجماع قواه وطاقاته المادية والمعنوية الكامنة، ليكتسبَ عبر الزمان أرضيةً من الصلابة والمتانة والحضور، يُمكنُ البناءُ عليها بثقةٍ وفعاليةٍ في مراحلَ تالية من الأيام التي ما يفتأ الله - برحمته وحكمته - يداولها بين الناس...
وفي مثل هذا السياق تأتي ملاحظةُ صاحبنا الأخيرة مُعبِّرةً لتقول: إن أمةً تعرف قيمة العقل والصحة والمال، وتعرف قيمة النظام والتعاون بدل الفوضى والتنافس. وإن أمة يحترم فيها الفرد أخاه، وتمتلك القدرة على ضبط النفس ومغالبة الهوى. وأخيرا، إن أمة تتكلم العربية وتتمكن من الاستمرار في قراءة القرآن..إن أمة كهذه لابد أن تحتفظ - على الأقل - في أعماقها ببذور الخير، و هي بذورٌ لابد لها أن تنمو مع الزمان، وتحتفظ كذلك بخميرة التغيير، وهو تغييرٌ لابد أن يأتي في يوم من الأيام.
http://www.alrashad.org المصدر:(10/5)
الشباب والإجازة
سامي بن خالد الحمود
مقدمة :
الحمد لله مدبر الشهور والأعوام .. ومصرف الليالي والأيام .. والصلاة والسلام على سيد الأنام ، وعلى آله الكرام وأصحابه الأئمة الأعلام ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد .
كان الوالدان في ترقب وحذر، وتخوف وأمل .. ينتظران على أحر من الجمر ، ما تؤول إليه نتيجة الأبناء في الامتحانات ، وقد أُبرمت الوعود، وزفت البشائر، بالهدايا القيمة والرحلات الممتعة ، إذا كانت النتائج مرضية مشرفة.
وأعلنت النتائج ، وبدأت الإجازة الصيفية الطويلة ، تلك الإجازة التي ينتظرها ملايين الطلاب والطالبات من أبنائنا وبناتنا ؛ ليستريحوا من عناء السهر والمذاكرة ، والذهاب يومياً إلى المدارس والجامعات والمعاهد .
نعم .. لقد بدأت الإجازة ، والله أعلم بما قضى الله فيها من الأقدار والأخبار .. الله أعلم كم فيها من رحمة تنتظر السعداء !! وكم فيها من بلية ومصيبة تنتظر الأشقياء !! نسأل الله العظيم بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين أن يجعل ما وهب لنا من زيادة العمر زيادة لنا في كل خير ، وأن يعصمنا فيها من كل بلاء وشر .
والكلام حول الشباب والإجازة سيكون بإذن الله تعالى في عناصر :
الوقت هو الحياة
أحوال الشباب في الإجازة
مشاريع في الإجازة
الشباب والسفر
منغصات الإجازة
الوقت هو الحياة :
اعلم أن الوقت الذي أنت فيه هو حياتك، إذا عمرته فإنما تعمر حياتك، وإذا قتلته فإنما تقتل نفسك .
ولأهمية الوقت ، فإن الله سبحانه وتعالى أقسم به في أوائل سور كثيرة .
{وَالْعَصْرِ إن الإنسان ...}
{وَالْفَجْرِ } ، {وَالضُّحَى} ، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، إلى غير ذلك من الآيات .
والله سبحانه يقول : ((فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة وقم إليها نشيطا فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة .
الوقت هو ثمرة العمر ، فهل ثمارنا طيبة أو خبيثة؟
يقول ابن القيم رحمه الله : ( السنة شجرة، والشهور فروعها، و الأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل ) .
قال الحسن البصري رحمه الله : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم على دراهمكم ودنانيركم .
وعامر بن عبد قيس – أحد التابعين – قال له رجل مرة : كلّمني . فقال له : أمسك الشمس ! وما ذلك إلا ليشعره بقيمة الوقت .
فماذا عسانا أن نقول بعد هذا ، وفينا من يتفنّن في تضييع الأوقات بتوافه الأمور والأشياء ، بل وبما يُغضب الله .
وههنا سؤال يحتاج إلى إجابة : متى يعرف المفرط قدر الوقت وقيمة العمل فيه؟
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم موقفين عظيمين يندم فيهما الإنسان على ضياع الوقت والحياة ، ويعلم أنه كان مغبوناً خاسراً في حياته .(11/1)
الموقف الأول : ساعة الاحتضار .. حينما ينزل الموت بالعبد المفرط (فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) .. إنه يريد تأخير الأجل ولو قليلاً من الوقت (إلى أجل قريب) .. إنه يريد فرصة من الوقت ليتدارك حياته بالعمل الصالح .
الموقف الثاني : في يوم القيامة .. حين يقول المفرط في جنب الله حين يرى العذاب (لو أن لي كرة فأكون من المحسنين) .. (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) .
خصائص الوقت :
وإذا أردنا أيها الأحبة أن ندرك أهمية الوقت وخطورته فلنتأمل بعض خصائصه . فمن خصائص الوقت:
أن ما مضى منه لا يعود ولا يمكن تعويضه . كما قيل : الوقت كالسيف ، إن لم تقطعه قطعك .
يقول الحسن : ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم ، أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني لأني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة .
قد تعوض المال .. قد تعوض الأولاد .. أم الوقت فلا يمكن تعويضه.
سرعة مروره وانقضائه ، فالوقت يمر مر السحاب ولا سيما بالنسبة للصحيح المعافى من الأمراض والهمومذ، فإنه سرعان ما يمر به الوقت ، كما قيل :
فقصارهن مع الهموم طويلةٌ وطوالهن مع السرور قصار
ومن العجيب ، ما جاء في السنة من أن الوقت يتقارب ويمضي سريعاً في آخر الزمان .
فعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالضرمة بالنار" رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع .
أنه محدود بأجل مسمى ، وهذا الأجل مجهول بالنسبة للإنسان ، فأنت لا تدري متى تنقطع أنفاسك ويحل أجلك ، (فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) .
أنه أنفس ما يملكه الإنسان ، وليس كما قيل : الوقت من ذهب ، بل هو أغلى من الذهب .
أنه على الرغم من نفاسته وأهميته فإن أكثر الناس مغبونون فيه ، يقول الناطق بالوحي - صلى الله عليه وسلم - : {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ} [رواه البخاري عن ابن عباس ] .
قال ابن بطال: (كثير من الناس) أي أن الذي يوفق لذلك قليل.اهـ
وإنما يعرف قدر هاتين النعمتين من حرمها .
هل تأملت أخي الشاب ذلك الشاب الذي تعرض لحادث سيارة فأصبح مشلولاً مقعداً طوال حياته لتعلم كم أنت مغبون في صحتك .. وهل تأملت آخرين ممن يعيشون خلف القضبان وبين الجدران في السجون لتعلم كم أنت مغبون في فراغك .
ومن العجيب أنك قد ترى بعض المرضى والمشلولين والمسجونين يستثمرون أوقاتهم بصورة صحيحة وجيدة ، أما الذين أصح الله أجسادهم ، وعافاهم من الأمراض والمشغلات المقلقة ، فإنهم يتسابقون في تضييع الأوقات وقتلها .(11/2)
أخونا أحمد الشهري شاب مشلول من نزلاء مستشفى النقاهة ، لا يتحرك منه إلا رأسه !! وقد وضع له جهاز مطاطي تحت ذقنه لتحريك كرسيه لليمين أو الشمال ، ومع ذلك فهو يدعو إلى الله ويلقي الكلمات يحضر الدروس ويصلي على الجنائز .. وإذا تحدث لا تمل من حديثه وعلمه ، نسأل الله تعالى أن ينفع به ويبارك فيه .
ومن النماذج المشرقة مل نقله أحد الإخوة عن الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله ، من حرصه العجيب على اتباع الجنائز وزيارة المريض والصدقة .. وربما كان للشيخ كلمة يوم الخميس بجامع الراجحي ، فيلقي الكلمة ، ثم يتبع الجنازة ، ويزور مريضاً ، ويتصدق .. يطبق حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر : أنا . قال فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال : أبو بكر : أنا . قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ قال : أبو بكر : أنا . قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟ قال أبو بكر : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة " .
ويضاف إلى هذا الأمر ما عرف عن الشيخ من اشتغاله بالعلم وملازمة الدروس ، والحرص على الفوائد والمسائل ، وقد أدركت دروس شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله في أواخر عمره ، فكنت أتعجب عندما أرى الشيخ عبد العزيز الراجحي وقد شابت لحيته يزاحم صغار الطلاب بعد الدرس ليسمع إجابات الشيخ ابن باز وهو يمشي بعد الدرس . فنسأل الله ان يثبت الشيخ ويبارك في عمره .
أن هذا الوقت هو محل الحساب يوم القيامة ، وكل إنسان محاسب على أوقات عمره كلها وما يشغلها به من أعمال وأقوال، قال الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) .
روى الترمذي وغيره بسند صحيح عن أبي برزة الأسلمي عن النبي قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه فيم فعل فيه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه) . وفي رواية (وعن شبابه فيما أبلاه) كما في حديث ابن مسعود عند الترمذي ومعاذ عند البيهقي وغيره .
إذا عرفنا خصائص الوقت وشرفه وأهميته ، فإننا لا بد من استغلال الوقت بالأعمال النافعة في الدنيا والآخرة .
أحوال الشباب في الإجازة :
لقد بدأت الإجازة .. فيا ترى ماذا أعددننا لقضائها؟
من المؤسف أن نرى هذا الضياع الذي يعيشه الكثير من الشباب والفتيات في الإجازة .
بل إن كثيراً من المشاكل التي تحدث للشباب والفتيات تأتي في أوقات الإجازة؛ نظراً لوجود هذا الفائض الضخم الفراغ الذي قد يؤدي بالبعض إلى اتخاذ وسائل جديدة وربما سيئة لقضاء الوقت، إضافة لغياب الرقابة عليهم .
في حوارات سريعة مع بعض الطلاب في المرحلة المتوسطة بالمنطقة الشرقية ، حول قضاء الوقت في الإجازة ، كانت النتائج مدعاة للضحك وهي في ذات الوقت تنم عن مأساة يقع فيها أولادنا في الإجازة . ما هو أبرز شيء عملته في الإجازة؟ هذا يقول:
في السهر مع الاصدقاء على الكورنيش الى الفجر .
الدوران على السيكل من الساعة 8 مساء الى 10 صباحاً.
في النوم ولعب السوني .(11/3)
مع أصحابي الأكبر مني سناً بالدوران بالسيارة متنقلاً بين مدن المنطقة الشرقية .
الوناسة مع اصحابي وجلسات الغناء والرقص .
الذهاب لشاطيء نصف القمر والتفحيط والتطعيس .
وهكذا عند الفتيات .. ففي استبيان أجراه موقع (لها أون لاين) على مائة فتاة تراوحت أعمارهن بين 15 إلى 24 سنة في المراحل المتوسطة والثانوية والجامعيات حول وجود التخطيط لقضاء الإجازة تبين أن 60% من العينة ليس بذهنهن أي مخطط لقضاء الإجازة الصيفية بينما 40% لديهن مخطط يسعون إلى تنفيذه .
- وبسؤالهن عن كيفية قضاء الإجازة غلبت السلبيةُ على الإجابات.
50% من الإجابات قالت بأنه لا شيء محدد تنوي فعله أو تفكر فيه وهي تعيش أيام الإجازة يوماً بيوم .
30% قالت أنها ستسافر لتستمتع بالإجازة، ومنهن من قالت إنها ستقضي إجازتها في التسوق وأخرى في المناسبات والأفراح .
وبلغت نسبة من رغبن بالالتحاق بدورات علمية أو حاسب أو تعلم الطبخ أو مركز صيفي 10% من العينة فقط .
- أما بالنسبة للنوم في النهار والسهر في الليل أيام الإجازة .
أجابت 46% أنهن يسهرن الليل وينمن بالنهار .
46% قلن: إنهن ينمن بالليل ويجعلن النهار للاستمتاع والزيارات .
13% قلن: أحياناً نسهر الليل وأحياناً ننامه .
ولعل نتيجة هذا الاستبيان تشير بوضوح إلى ضياع ثلاثة أشهر على الأقل من كل سنة من عمر أبنائنا وبناتنا دون الاستفادة منها، هذا إن لم تتسبب هذه الأشهر في ظهور بعض العادات السلبية .
وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ((إن الله يبغض كلَّ جَعْظَريٍ جَوَّاظ ، سَخَّابٍ في الأسواق ، جيفةٍ بالليل ، حمارٍ بالنهار ، عالمٍ بالدنيا جاهلٍ بالآخرة)) . والحديث رواه ابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة وفي سنده كلام ، فقد صححه الألباني في صحيح الجامع ثم رجع عن تصحيحه في السلسلة الضعيفة .
والجعظري هو الفظ الغليظ المتكبر . والجواظ هو الجموع المنوع .
وتأمل في آخر الحديث .. كم من شاب ينطبق عليه هذا الوصف: سخاب في الأسواق (من السَّخَب وهو الضجة ورفع الصوت) ، جيفة بالليل ، حمار بالنهار ، عالم بالدنيا جاهل بالآخرة !!.
اسأل الشباب عن أسماء الفنانين والفنانات والممثلين والممثلات تجد علماً واسعاً بهذه القدوات السيئة وأخبارهم ونشاطاتهم ، وفي المقابل اسألهم عن المسائل الكبار المشهورة في التوحيد أو العبادات الواجبة تجد الجهل الذريع بهذه المسائل .
أخي الشاب .. الإجازة جزء من أعمارنا .. فلا ينبغي أن تكون عطلة من العمل ، ليس المسلم بالعاطل الباطل، بل هو عامل كادح حتى الموت ، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}.
الإجازة يا أخي ليست مضيعة للأوقات ، وليست فرصة للمعاصي والمنكرات ، فما دمنا نأكلُ من رزق الله ، ونمشي على أرضه ، ونستظلُ بسمائه ، ونستنشقُ من هواءه ، فلا ينبغي لنا أن نعصيه طرفة عين .(11/4)
ذكر ابن قدامة في كتاب التوابين عن يوسف بن الحسين قال : كنت مع " ذي النون المصري " على شاطئ غدير ، فنظرت إلى عقرب عظيمة على شط الغدير واقفة ، فإذا بضفدع قد خرجت من الغدير ، فركبتها العقرب فجعلت الضفدع تسبح حتى عبرت الغدير .
قال ذو النون : إن لهذه العقرب لشأنا ً، فامض بنا نتبعها .
فجعلنا نتبع أثرها ، فإذا رجل نائم سكران ..!! وإذا حية سامة قد جاءت فصعدت من ناحية سرته إلى صدره وهي تطلب أذنه ، فتمكنت العقرب من الحية السامة فضربتها ، فانقلبت الحية وهربت!! ورجعت العقرب إلى الغدير ، فجاءت الضفدع فركبتها فعبرت .
فحرّك ذو النون الرجل النائم ففتح عينيه ، فقال : يا فتى ، انظر مما نجّاك الله !! هذه العقرب أرسلها الله إليك ، فقتلت هذه الحية التي أرادتك بسوء !! ثم أنشد ذو النون يقول:
يا غافلا ً والجليل يحرسهُ من كل سوء يدب في الظلمِ
كيف تنام العيون عن ملكٍ تأتيه منه فوائد النعمِ
فنهض الشاب وقال : " إلهي ومولاي : هذا فعلك بمن عصاك !! فكيف رفقك ورحمتك بمن يطيعك ..؟!! "
ثم ولى ذاهبا ً ، فقلت : إلى أين ؟؟ فقال : إلى بيوت الله وإلى طاعة الله !! .
مشاريع في الإجازة :
أيها المبارك .. إذا أردت أن تستفيد من الإجازة ، وتكون فيها من الفائزين ، فلا بد من تحقق أمرين :
أن تستشعر قيمة الوقت، وأن له شأناً عند الله . وأن هذا الوقت هو رأس مالك؛ فإن ضيعته ضاعت حياتك ، وإن حفظته كنت أحد السابقين المفلحين .
لا بد من التخطيط والتنظيم والبعد عن الفوضى في استغلال الوقت .
من الصعب أن يترك الإنسان نفسه كريشة في مهب الريح، أينما تأخذه الرياح يمضي؛ لابد من تخطيط في استثمار الوقت واستغلاله .
بالتخطيط والتنظيم يمكن أن نحول الإجازة إلى فترة إيجابية في حياتنا نجني منها الأجر والفائدة وبناء النفس من جهة ، ونجد فيها المتعة والترويح عن النفس من جهة أخرى .
ولعلي أطرح بعض المشاريع التي يمكن أن نقوم بها في الإجازة ، وهذه المشاريع متنوعة يمكن للشاب أن يختار ما يناسبه من هذه المشاريع ، بحسب عمره ، أو مستواه العلمي ، أو درجة تدينه ، أو محل إقامته ، ونحو ذلك من المتغيرات .
المشاريع التعبدية : فنحن يمكن أن نجعل من الإجازة فرصة للتزود بالتقوى والعمل الصالح . مثل : أداء العمرة وقضاء بعض الأيام الإيمانية بجوار الحرمين الشريفين .. الاجتهاد في تلاوة القرآن الكريم ، وقيام الليل ، وغير ذلك من أنواع العبادة .
المشاريع العلمية : كحفظ القرآن الكريم ، وحفظ السنة ، وحفظ المتون ، وحضور دروس المشايخ ، وحضور المحاضرات والندوات ، وحضور الدورات العلمية ، ودورات تجهيز الجنائز ، وإعداد البحوث ، وسماع الأشرطة ، وتلخيص الكتب والأشرطة ، وغير ذلك من المشاريع العلمية .
هذا الأمر وهو طلب العلم الشرعي هو أولى ما شغلت به الإجازات ، وهو أعظم ما تُعبِّدَ اللهُ به .. ووالله ما وقع بعض شباب الأمة في الفتن إلا بضياع العلم المؤصل ، المؤسس على الكتاب والسنة .
المشاريع المعرفية المهاراتية : والتي تهدف إلى بناء النفس وتطوير الذات:(11/5)
أبناؤنا وبناتنا بحاجة إلى اكتساب مهارات أساسية هي من أعظم أسباب النجاح في الحياة العملية ، مثل : القراءة السريعة - الكتابة السريعة – البحث والتعامل مع المراجع - فهرسة المعلومات - النسخ على الآلة الكاتبة أو الحاسب - تصنيف المكتبات- ترتيب الأفكار وإعداد التقارير - العلاقات العامة – الخطابة والإلقاء - تشغيل الحاسب الآلي – استخدام برامج الحاسب الآلي ، وغيرها .
هذه المعارف والمهارات مهمة جداً في بناء الشاب .
خذ على سبيل المثال : القراءة .. من المؤسف أننا لا نقرأ ولا نشجع إخواننا وأبناءنا على القراءة والاطلاع .
في استبيان أجرته إحدى الصحف المحلية اتضح أن 90% من المواطنين لا يرون أن هناك تشجيعا لارتياد المكتبات العامة ، بل إن الغالبية منهم يجهل موقع المكتبة العامة في مدينته .
الكثير من أطفالنا لا يقرأون .. عقولهم متبلدة ، ورؤوسهم خاوية كالكرة .
نعم .. هناك بعض النشاطات القليلة المشكورة في بعض المؤسسات التعليمية أو الأهلية كمسابقات القراءة ومعارض الكتاب .
وقد زرت قبل أشهر معرض الكتاب للطفل بالرياض ، ورأيت فيه من إقبال الأسر والأطفال على الكتب والوسائل التعليمية ما يفرح ولله الحمد ، وهو جزء مما يجب علينا تجاه أبنائنا وبناتنا .
مشاريع دعوية : جولات دعوية للقرى خارج المدينة .. نشاطات دعوية في الأسواق والمتاجر والأرصفة وتجمعات الشباب.
هؤلاء الشباب الذين يجلسون على الأرصفة أو الطرق وقد يوجد معهم بعض المنكرات كالشيشة أو الموسيقى أو الآلات الموسيقية ، من حقهم علينا أن نمر عليهم مرور الكرام دون تنفير أو إثقال ، ونهدي لهم الكلمة الطيبة ، والمطوية الجميلة ، والشريط المؤثر .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : (هذا العصر عصر الرفق والصبر والحكمة ،وليس عصر الشدّة .. الناس أكثرهم في جهل ، في غفلة وإيثار للدنيا ، فلا بدّ من الصبر ، ولا بدّ من الرفق ؛حتى تصل الدعوة ، وحتى يبلّغ الناس ، وحتى يعلموا ، نسأل الله للجميع الهداية) . اهـ مجموع فتاوى ابن باز 8/376 ، 10/91
ولا شك أن شبابنا فيهم خير كثير بحمد الله .. وقد قام مجموعة من الأخوة قاموا بعمل استبيان حول من يجلسون في الطرقات وعلى الأرصفة واتضح أن 70% من الشباب يحبون الشباب المتدينين ، وقال 10% منهم إنهم يحبون بعض الشباب المتدينين ، وقال10% لا يحبون الشباب المتدينين لسبب أو لآخر .
وقد سئل كثير من الشباب هل تحب أن تكون متدينا ؟ فكانت النسبة 5ر99% يرغبون أن يكونوا متدينين .
مشاريع النشاط الجماعي : كالمراكز الصيفية ، والمخيمات الدعوية والتربوية ، والمخيمات البحرية ، والرحلات الطويلة أوالقصيرة ، مع العائلة أو مع الأقارب ، مع المركز ، مع الزملاء.
وهذه المشاريع تسهم في بناء شخصية المشارك ، واكتسابِه مهارات التواصل مع الآخرين ، والقدرة على التحمل ، والتكيف مع الظروف المتغيرة .
مشاريع إغاثية : كالمشاركة في الجمعيات الخيرية ، والقيام على الفقراء والمساكين ، وجمع ما يحتاجونه وتوزيعه عليهم .(11/6)
مشاريع تجارية ووظيفية : كالتجارة الصغيرة في سوق الخضار أو عند المساجد ، وكالوظائف المؤقتة في الشركات والمتاجر أو في الجهات الخيرية والدعوية .
الزيارات : كزيارة المكتبات ، والمعارض ، وصالات الألعاب ، وحدائق الحيوانات ، والمشاريع الخيرية ، والمشاريع الدعوية ، والمستشفيات ، ودور المعاقين ، وغيرها.
المشاريع المهنية : كتعلم مهنة في المصانع ، أو مراكز التدريب المهنية: كهرباء ، الكترونيات ، سباكة ، تبريد ، نجارة ، وغيرها من المهن .
الألعاب الرياضية المفيدة : كالدفاع عن النفس ، والسباحة والغوص ، وتعلم الفروسية ، وغيرها من الرياضات المفيدة للجسم .
والرياضة أمر مطلوب في حياة الشاب ، بشرط أن لا تفوّت واجباً ولا تضيع حقاً ولا تشتمل على أمر محرم ولا تكون غاية تستنوف حياة الشاب .
وقد سابق النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة ، وحث على تعلم الرمي ، وسابق بين الخيل في المدينة .
ومن لطائف ما روي عن الإمام البخاري ما نقله عنه محمد بن أبي حاتم ، قال: ((كان يركب إلى الرمي كثيراً ، فما أعلم أني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمُه الهدفَ إلا مرتين ، وكان لا يُسبَق)) .
الشباب والسفر :
أخي الشاب .. إلى أين تسافر ؟ وهل تعود من سفرك مأجوراً ، أو تعود مأزوراً ، أو تعود سالماً لا لك ولا عليك.
هذا التفصيل يجرنا إلى الحديث عن أنواع السفر .
السفر أنواع ، منه الواجب والمستحب والمباح والمحرم والمكروه .
فمن السفر المشروع : السفر لطلب العلم النافع .
وقد ألف أهل العلم وصنفوا في الرحلة في طلب العلم ، وجمع ميراث محمد - صلى الله عليه وسلم - . ورحل جابر بن عبد الله الصحابي الجليل، من المدينة مسيرة شهر في حديث عن رسول الله بلغه عن عبد الله بن أُنيس، حتى سمعه عنه .
قال الإمام الشعبي: لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعاً.
ولهذا لما سئل الشعبي عن هذا العلم الغزير الذي وهبه الله ، من أين لك هذا العلم؟ قال : بنفي الاعتماد ، والسير في البلاد (يعني السفر في طلب العلم) ،وصبر كالجماد ، وبكور كبكور الغراب .
من السنن الحسنة التي انتشرت في بلادنا المباركة سنة الدورات العلمية المكثفة التي تعقد في كثير من المدن ، ويسافر إليها الشباب من شتى الأماكن ليتلقوا مفاتيح العلوم ، والتأصيل العلمي في فنون العلم . فعلى الشاب أن يختار من هذه الدورات أو من مواد كل دورة ما يناسب مستواه العلمي ، ثم بعد ذلك يحرص على الاستفادة وجمع الفوائد ومراجعة العلم ، مع التأدب بآداب مجالس العلم . والتي ذكرها العلماء في كتب فضل العلم وآداب العالم والمتعلم ، وطرق الاستفادة من الشيوخ ، ومن الكتب المعاصرة النافعة كتاب (معالم في طريق طلب العلم) للشيخ عبد العزيز السدحان وفقه الله فهو كتاب مفيد مليء بالفوائد والتجارب في تلقي العلم وتحصيله والتأدب بآدابه .(11/7)
ومن السفر المشروع أيضاً السفر إلى بيت الله الحرام أو مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أولصلة الرحم وزيارة الأقارب ، فيرجع الشاب إن رجع من سفره مثاباً مأجوراً ، وإن مات مات على عمل صالح.
وتأملوا معي قصة هذا الشاب الذي خرج مع إخوانه لأداء العمرة .. وعندما وصلوا إلى مكة دخلوا المسجد الحرام ، وهم بلباس الإحرام ، كانوا مسافرين فقالوا : لعلنا نصلي أولاً ثم نؤدي العمرة ، صفوا للصلاة ، وتقدم الشاب يصلي بهم ، وبدأ يقرأ القرآن ، (والضحى والليل إذا سجى ، ما ودعك ربك وما قلى ، وللآخرة خير لك من الأولى ، ثم قال: ولسوف يعطيك ربك فترضى ، فتوقف لسانه ، ثم توقفت أنفاسه ، وخر بين يدي ربه ميتاً ، محرماً مصلياً قارئاً للقرآن . وسوف يرضى بإذن الله تعالى .
ومن أنواع السفر : السفر المباح : كالسفر للترويح البريء وإجمام النفس وهذا مباح في الأصل ، وقد يتحول إلى عبادة مستحبة كأن يكون عوناً للإنسان على الطاعة ، أو توسعة على الأهل والأولاد وإدخالاً للسرور عليهم في حدود الاعتدال .
ومن أنواع السفر : السفر المحرم ،كالسفر لبلاد الكفر بلا ضرورة ، وقد ذكر أهل العلم شروطاً ثلاثة لجواز السفر إلى بلاد غير المسلمين، أولها: أن يكون عند الإنسان دين يدفع به الشهوات، ثانيها: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات، ثالثها: وجود الحاجة للسفر كالعلاج أو الدعوة إلى الله أو تعلم علم ينفع المسلمين أو للتجارة، وكل ذلك مشروط بأن يكون مظهراً لدينه، عالماً بما أوجب الله عليه، قوي الإيمان بالله، قادراً على إقامة شعائره، ولديه من العلم والتقوى ما يحول بينه وبين التأثر بالشبه والشهوات .
ومن السفر المحرم أيضاً: السفر لبعض البلدان الفاسدة ، وقضاء الأوقات فيها على المحرمات.
يتهافت الشباب على وكالات السفر ليسافروا إلى تلك البلدان ، بل وحتى بعض كبار السن لم يسلموا من هذه المنكرات .
فهذا شيخ قد جاوز عمره الستين سنة ، سافر من هذه البلاد إلى إحدى البلدان المعروفة ليتعاطى الخمور ويقع في أحضان المومسات -عافاني الله وإياكم- فشرب في اليوم الأول ست زجاجات من الخمر، وشرب في اليوم التالي أكثر من ذلك، وشرب في اليوم الثالث اثنتي عشرة زجاجة؛ وبينما هو جالس مع أصحابه شعر بنوع من الغثيان ، فذهب ليتقيأ (أكرمكم الله) في دورة المياه . انتظره أصحابه طويلاً ثم ذهبوا إليه ليجدوه ميتاً ورأسه في محل قضاء الحاجة عافانا الله و إياكم من ذلك .
تحولت السياحة في عرف الكثير من الشباب إلى صياعة .. تحرر من الواجبات .. وارتكاب للمحرمات ، وتعاطي للمسكرات والمخدرات ، وسهرات مع النساء العاهرات .. يسافرون عبر بوابات المطار ، فيعودون عبر بوابات الإيدز والمخدرات ، بل قد يعود بعضهم وقد انسلخ من عقيدته ، وتمرد على دينه وأهله.
أخي الكريم .. يا من أعد العدة للسفر الحرام ، اسأل نفسك وأنت تدعو دعاء السفر : اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى .
هل تريد حقاً بهذا السفر البر والتقوى .(11/8)
وإذا عدت إلى بلادك بعد سفرك وأنت تقول: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ، فاسأل نفسك: أزاد إيمانك في سفرك هذا أم لا؟ أيسوؤك أن يعلم الناس ما الذي صنعته خلال سفرك أم لا؟.
هل بلغك خبر ذاك الشاب الذي ابتعد عن أهله فقلت غيرته واختلى بالمعاصي فمات بين يدي عاهرة؟ وهل سمعت بخبر من مات وقد ملأ بطنه بالشراب المحرم؟ أو ما علمت بوباء الإيدز والأمراض الجنسية التي فتكت بالملايين ممن ولغوا في المحرمات .
ومن المؤسف أن إحصائيات الإيدز في العالم لا زالت في ازدياد ، بما في ذلك الدول العربية والخليجية .
إنهم صرعى الشهوات الذين شغلتهم لذة الشهوة المحرمة عن تأمل عواقبها وعقابها .. مثلهم كما يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر كمثل الكلب .
يقول ابن الجوزي : إن الكلب قال للأسد: يا سيد السباع ، غيّر اسمي فإنه قبيح . فقال له: أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم . قال: فجربني ، فأعطاه شقة لحم ، وقال: احفظ لي هذه إلى غد وأنا أغيّر اسمك . فجاع وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر . فلما غلبته نفسه قال: وأي شيء باسمي وما كلب إلا أحسن اسم ، فأكل.
وهكذا الخسيس الهمة ، القنوع بأقل المنازل ، المختار عاجل الهوى على آجل الفضائل ، فالله الله في حريق الهوى إذا ثار ، وانظر كيف تطفئه . اهـ
كيف يكون السفر مباركاً :
القاعدة النبوية بإيجاز هي :(اتق الله حيثما كنت) .. كما عند الترمذي عن أبي ذر ، وهذا من جوامع الكلم .
تقوى الله تعني : المحافظة على أوامر الله ، واجتناب نواهيه .
تقوى الله ليست محددة بزمان ولا مكان ، وأنت عبد لله في جميع الأحوال .
ولا يليق بالعبد أن يعطي نفسه إجازة دينية في السفر ، والله يقول (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) .
مهمة الإنسان في هذه الحياة عبادة الله ، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ).
المسلم الحق ثابت على مبادئه، معتز بدينه وعقيدته، في كل زمان ومكان ، فمحياه كله لله، وأعماله جميعها لمولاه، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذالِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) .
وعلينا أن نتذكر قبل أن نسافر ، أننا كلنا مسافرون ، مسافرون في حياتنا وسائرون إلى الله.
كل إنسان في هذه الحياة مسافر إلى ربه كما يقول ابن القيم فمن الناس من يحط رحله في الجنة ومنهم من يحط رحله في النار ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور .
إنه السفر الذي لا بد له من التزود ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)
…تزود للذي لا بد منه ………فإن الموت ميقات العباد
…أترضى أن تكون رفيق قوم…… لهم زاد وأنت بغير زاد
منغصات الإجازة :
وكما أن للإجازة فوائد ومشاريع وثمرات ، فإن لها منغصات ومكدرات .
ولعلي أذكر بعض المنغصات التي يقع فيها الشباب في الإجازة الصيفية ، وهذه المنغصات على قسمين :
أ- منغصات محرمة في الأصل .
ب- منغصات مباحة في الأصل ، ولكن قد يقترن بها أو يطرأ عليها ما ينقلها من الحلِّ إلى الحرمةِ أو الكراهة .(11/9)
أ - المنغصات المحرمة :
السفر إلى بلاد الكفار :
فمن المعلوم أن الأصل في السفر إلى بلاد الكفار محرم .
فعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أنا بريء من كلِّ مسلمٍ يُقيمُ بين أظهُرِ المشركين " (1)
ويستثنى من ذلك ما دعت إليه الحاجة كطلب علم دنيوي أو طب أو تجارة لا توجد إلا عندهم أو لدعوتهم إلى الإسلام ونشره بينهم .
ولا شك ان السفر لبلاد الكفر له مفاسد كثيرة .. كم من مآسٍ رجع بها جمع من المسافرين من ديارهم بلغت ببعضهم إلى درجة الردة عن الدين والكفر بربِّ العالمين !
وكم عاد آخرون بالأمراض الفتاكة والأوبئة المهلكة أو بالإدمان على الخمور والمخدرات أو بالهزيمة النفسية والتردي المعنوي والكره للإسلام وأهله ودياره !
ضياع الصلوات :
قال تعالى :[ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيَّا * إلا من تاب ...] .
والإجازة يفترض أن تكون من أعظم أسباب الحرص على الصلوات والمحافظة عليها في بيوت الله كما أمر الله ، لتفرغ العبد عمَّا يشغله عنها ، فكيف تصبح الإجازة سبباً من أسباب تضييعها والتفريط فيها؟!
ترى بعض الشباب يضيع صلاته لانشغاله بالتفاهات كمتابعة المباريات أو الأفلام والمسلسلات أو لكثرة النوم والجلسات ، وغير ذلك مما يندى له الجبين وينقطع له حبل الوتين .
وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في البخاري أنه قال: "مَن تركَ صلاةَ العصرِ فقد حَبِطَ عملُه" .. فكيف بمن يضيع الصلاة تلو الصلاة .
كيف يصل إلى السعادة من هجر محراب العبادة ؟! .. وكيف يتمتع بالإجازة من قطع صلته بالله سبحانه؟!
الترفيه المحرم :
يكثر الناس في الإجازة الصيفية من ألعاب التسلية والترفيه ، ولا شك أن الترويح عن النفس وإجمامها ببعض المباحات أمر مطلوب .
لكن هذا الأمر قد يتحول إلى منغص وأمر سلبي ، من وجهين :
أن هذه الألعاب قد تستغرق الوقت آناء الليل وأطراف النهار ، وهذا من العبث الذي يضيع الأوقات ويهدر الطاقات .
ولهذا لا بد من ضبط الوقت وإعطاء كل أمر حقه .
اشتمال بعض الألعاب على محظورات شرعية ، كالشطرنج ، أو القمار ، أو الموسيقى ، والصور المحرمة بل الخليعة كما في بعض ألعاب البلاي ستيشن ، وغيرها من المحظورات .
متابعة المسلسلات والأفلام والقنوات الفضائية :
إنها صورة محزنة لمن مضى عمره هباءً ، وهو ينظر إلى المسلسلات والأفلام والبرامج الترفيهية المليئة بالمنكرات من صور بعض الرجال العصاة والنساء الفاسقات في أوضاع مزرية وصورة مخزية ومناظر مشينة ، يلين لها الحديد ، وتذوب بها الجلاميد ، ويتابعها المحروم في كلِّ يوم ، متغافلاً عن آثارها السيئة وثمارها المرَّة .
عجباً لمن يرى الفتنة أمامه ، فيلقي فيها أقدامه ! .
__________
(1) صحيح سنن الترمذي (2/119) (1307) .(11/10)
وقد روى عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" في هذهِ الأمَّةِ خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ " فقال رجل من المسلمين : يا رسول الله! ومتى ذلك ؟ . قال :" إذا ظَهرتِ القيانُ والمعازفُ وشُربتِ الخُمُور " رواه الترمذي وصححه الألباني . والقيان جمع قينة وهي المغنية من الإماء .
كيف لو رأى عليه الصلاة والسلام مغنيات الفيديو كليب ، وفنانات أفلام السهرة ، والأفلام المدبلجة ، وغيرها من البرامج السيئة .
لقد قادت الفضائيات الكثير من شبابنا وبناتنا إلى مسالك غير سوية.
فحدث عن شرخ التوحيد وتضليل الفكر والتلبيس على عقائد المسلمين .. وحدث عن الفجور وتأجيج الشهوات ، وتحريك الغرائز وظهور السافرات المتبرجات في التمثيليات والأفلام ونشرات الأخبار ، وإفساد الأزواج والزوجات والأبناء والبنات .. وحدث عن العنف وتعليم الجريمة والسرقة والمخدرات .
في تحقيق مع بعض المدمنات في الرياض قالت إحداهن: "رأيت فتيات يشربن كثيرا في الأفلام الأجنبية فحاولت التجربة" .
وتقول أخرى: "أشاهد الأفلام الأجنبية الجديدة وعندما أرى الأمريكيين يشربون ويضحكون أحس بأنهم هم الأشخاص الذين يعيشون حياة حقيقية "! .
أيها الأحبة .. ماذا نتوقع من أبناء مراهقين وفتيات مراهقات يتسمرون طوال اليوم أمام طبق قيمته 400 ريال في الملاحق والاستراحات يضع بين أيديهم أكثر من 300 قناة ، تعرض الخزي والعار في بيوت المسلمين .
الذهاب إلى المقاهي لشرب المحرمات :
فبعض الشباب تمضي عليه الساعات الطويلة وهو جالس في هذه المقاهي والملاهي مع غيره من الشباب يلعبون البلوت ، ويشربون الشيشة أوالمعسل ، إن نظروا نظروا إلى المحرمات في القنوات ، وإن استمعوا استمعوا المعازف المحرمة والكلمات الآثمة ، وإن تكلموا تكلموا في الغالب فيما لا ينفع ولا يرفع ، ويضر ولا يسر .
الذهاب للأماكن المحرمة كالحفلات الغنائية وأماكن الاختلاط :
بعض الحفلات الصيفية يكون فيها شيء من المنكرات والمخالفات الشرعية ، كسماع المعازف المحرمة ، والأغاني الماجنة ، أو اختلاط الرجال بالنساء .
وهذه الحفلات والأماكن يحرم على العبد المسلم أن يحضرها أو يشارك في إقامتها أو الدعوة إليها ، لأنها من مجالس الحرام كما أفتى بذلك أهل العلم .
مجالس الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء :
فقد يجلس بعض الشباب المجالس الطويلة يأكلون في لحوم الناس بالغيبة والنميمة ، والسخرية والاستهزاء ، واللعن والطعن ، والهمز واللمز ، والفحش والتفحش ، والقذف والعيب ، والرجم بالغيب ، وغيرها من آفات اللسان مما يغضب الرحيم الرحمن .
ب - المنغصات المباحة الأصل وطرأ عليها التحريم :
بعض المخالفات التي يقع فيها بعض الناس وهم يظنون أنها ليست كذلك لأن أصلها الجواز .
السفر إلى البلاد المسلمة التي يكثر فيها الفساد :
وكأنما السفر سبب من أسباب التفلُّت على أوامر الله ، وموسم من مواسم انتهاك حدود الله ، كالتفريط في الحجاب ، وتضييع الصلوات ، وحضور أماكن الرقص والفجور ، ومواطن الخلاعة والخنى والفواحش والزنى .
النوم الكثير بالنهار :(11/11)
النوم مطلوب ، لكن المبالغة فيه تخرجه عن غايته والحكمة التي خلق من أجلها ، فيكون من أسباب الخسارة في الدنيا والآخرة .
وقد ابتلي بعض الناس بحب النوم والإكثار منه ، فجعل الإجازة الصيفية كالبيات الشتوي .
وكثيراً ما يترتب على كثرة النوم ضياع الصلوات ، والتفريط في الواجبات ، والتفلت من الأعمال والالتزامات .
السهر الطويل بالليل :
تحوَّل بعض الناس إلى ما يشبه الخفَّاش الذي يظهر في الليل ويختفي في النهار ، فليله سهر طويل ، ويومه نوم عميق ، فيسهر على لهوه وغفلته ، وربما على معاصيه وآثامه ، حتى إذا دنا الفجر ، أقبل الشيطان على رأسه فثقّله ، وإلى جسده فكسَّله ، فأصبح يترنح ذات اليمين وذات الشمال ، وغلب عليه النوم ، واحتواه الكسل ، وقال له عدو الله : ارقد ، فإن عليك ليلٌ طويل !! ثم تكون صلاة الفجر أولى الضحايا .
التسكع في الأسواق :
لقد أصبحت الأسواق ـ وهي أبغض البقاع إلى الله ـ أفضل الميادين عند بعض الغافلين ليقتلوا فيها الوقت الثمين ، ويهدروا فيها العمر الغالي ، ويعرضوا أنفسهم لما لا قِبل لهم به من البلايا والرزايا .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها ، وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها " رواه مسلم .
وفي صحيح مسلم أن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال:" لا تكوننَّ إن استطعت أوَّل من يدخل السُّوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فإنَّها معركة الشيطان ، وبها ينصب رايته".
عالم الإنترنت :
مع ثورة المعلومات والاتصالات رأينا من يتفنن في تضييع وقته الثمين ، ويبدع في إهداره ، كحال أولئك الذين يمضون الساعات الطوال ، وهم عاكفون على الشبكة العنكبوتية [الإنترنت] وهم يتقلَّبون بين الصفحات والمواقع ، وقد يدفعهم الفضول إلى اختراق الممنوع ، والبحث عن كلِّ مثير أو محظور ، فيقعون في شراك هذه الشبكة المليئة بفتن الشبهات والشهوات .
وفي الآونة الأخيرة ظهر ما يسمى الحب الإلكتروني أو الحب عبر الإنترنت هو تلك العلاقات التي تقوم بين طرفين يتصلان ويتواصلان عبر الشبكة العنكبوتية، ويتبادلان المشاعر والعواطف على الشات المكتوب أو الصوتي .
ولعلي أطرح بعض مآسي هذه القضية :
فهذه الأم س . س من إحدى دول الخليج تشكو وتقول : ألزمت ابنتي بالحجاب في سن12، وأطاعاني برضا، وكانت العلاقة بيننا كلها ود واحترام ومصارحة، ولما بلغتا سن الخامسة عشرة والسابعة عشرة تغيرت طباعهما، ورفضتا الحجاب ، وأصبحتا تناقشاني بسوء أدب .
ثم اكتشفت من خلال مراقبتي لهما أنهما تتحدثان في الشات مع بعض الشباب، وعندما قررت أن أكون معهما أثناء جلوسهما على الانترنت؛ غضبتا علي وقاطعتاني لمدة أسبوعين .(11/12)
وشاب متزوج يقول : أنا شاب في بداية الثلاثينات من عمري، متزوج منذ 8 سنوات، في بداية حياتي الزوجية كنت مضرب المثل في العفة وغض البصر، لكن مع الأسف الشديد في السنوات الثلاث الأخيرة اتخذت اتجاها آخر؛ حيث بدأت أنظر إلى الفواحش في التلفاز وعبر الإنترنت وأصبحت الآن مدمنا، وحاولت جاهدا أن أتخلى لكن هيهات .. لم أرتكب فاحشة الزنى، لكني أشاهد بالعين وأتصل عبر الشات، وكم من مرة أخرج من بيتي للقاء إحداهن وأتراجع في آخر لحظة وأندم عن اللقاء، ثم أعود .
ومشرف في أحد المنتديات يقول: أنا مشرف بأحد المنتديات على النت، وأحببت مشرفة معي، أكلمها كثيرا على الماسنجر، وأستمتع بالحديث معها، وأترك كل شيء إلا هي، وأنتظرها لأوقات طويلة، وهى أيضا تنتظرني، ولكني لم أرها مطلقا .
وامرأة أخرى تكتشف أن زوجها كبير السن الذي يعمل معلماً بإحدى المدارس يحادث بعض الفتيات عن طريق الماسنجر .
هذه بعض المآسي ، وهي مؤشر خطر لتدارك الأمر ، وضبط استخدام شبكة الانترنت فيما ينفع دون ما يضر بالفرد والأسرة والمجتمع .
من آداب الدخول على مواقع ومنتديات الانترنت :
اختيار المواقع السليمة والمفيدة ،وعدم تجاوز الساحات المفيدة المعينة على الخير إلى غيرها.
الحذر من إضاعة الأوقات ؛ فإن عدداً من الناس يستزف معظم وقته في التصفح أو ساحات الحوار .
أن يتحلى المشارك في المواقع والمنتديات الإخلاص لله ، والبعد عن حب الثناء أو الإعجاب بالنفس ، أو الانتصار الشخصي .
لا بد أن يدرك الداخل إلى ساحات الحوار أنه يتعامل مع شخصيات كثيرة مجهولة ، ومن المعلوم عند أهل العلم أن المجهول لا يمكن أن يوثّق حديثه ، فكن على حذر من أخبار المجاهيل .
الحذر من الفتوى بغير علم ، وخوض الشاب فيما لا يحسنه ، فقد قال الله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) ، وقال سبحانه: ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) .
التزام الأدب الشَّرعي في المحادثة أو الرد أو النقد ، وعفّة اللسان حتى مع المخالف ، ولله كم من فكرة نبيلة رد الناس عن قبولها سوء أدب حاملها ، وفضاضة خلقه ، وصدق الله (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) .
الالتزام بعدم المحادثة مع الجنس الآخر لأن الغالب أن يكون ذلك مثيراً لكوامن النفس وإثارة الغرائز والشهوة ، وربما أدى ذلك إلى الفتنة والمفسدة .
عدم الدخول في الغرف المريضة البعيدة عن الأخلاق والقيم الاسلامية ، مثل الغرف الإباحية التي تثير الفاحشة والرذيلة ، وتفسد الشباب عن طريق الشذوذ والانحراف الجنسي .
الابتعاد عن المواقع التي تبث السموم في أفكار الشباب وتزعزع عقيدتهم ، مثل مواقع أهل البدع والفرق المنحرفة ، أو مواقع التنصير . ولا يجوز الدخول على هذه المواقع بدافع حب الاستطلاع ، أو الدخول معهم في المناقشة بدون علم .
التحلي بالحكمة في إنكار المنكر، ويجب أن لا يُستدرج المسلم إلى فخّ الدّعاية والإعلان لمواقع تعادي الإسلام فيروّجها - عن غير قصد - بين المسلمين فيكون الأثر عكسياً عليهم .(11/13)
وختاماً .. أسأل الله تعالى أن يبارك لنا في أوقاتنا ، وأن يجعل خير أعمارنا أواخرها ، وخير أعمالنا خواتمها ، وخير أيامنا يوم نلقاه .. وأن يصلح لنا النيات ، والأزواج والذريات ، وأن يجعلهم قرة أعين في الحياة وبعد الممات ، ويجعلنا للمتقين إماماً .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .(11/14)
آداب السفر والنزهة
ماجد بن عبد الرحمن الفريان
الخطبة الأولى
أما بعد، فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى.
معاشر المسلمين، يعد كثير من الناس الإجازة متنفساً لهم بعد عناء الدراسة، ورحلة الامتحانات، ويختلفون في قضاء أوقاتهم تفاوتاً عظيماً كما بينهم من التفاوت في العقول والثقافات والأرزاق ونحو ذلك؛ لكن الإجماع منهم ينعقد على شيء من الترويح عن النفس، والتوسعة على العيال، والبحث عن المتنزهات المناسبة القريبة في مدينتهم، أو البعيدة عن طريق السفر إليها، وكثير أولئك الذين يفضلون الضرب في مناكب الأرض، ويرون في الأسفار متنفساً يروحون به عن أنفسهم ويعبرون به عن فرحتهم.
وهكذا يسيرون في أرض الله متفكرين ومتدبرين ومتأملين، في عجيب المخلوقات وبديع الكائنات، مما يزيدهم معرفة بربهم ويقيناً بأن لهذا الكون مدبراً لا رب غيره ولا معبود بحق سواه.
معاشر المسلمين، ومع دعائنا بالحفظ والرعاية للمتنزهين والمسافرين إلا أنا ندعوهم إلى معرفة شيء من آداب الرحلة والنزهة والسفر.
وحديثي اليوم مع الذين اختاروا هذه البلاد وما شابهها، أما الذين آثروا السفر والنزهة في بلاد الكفار فليس لي معهم كلام هذا اليوم (وقد أفردتهم بخطاب سابق أسأل الله أن ينفعهم به).
معاشر المسلمين، ولعلي أبادر إلى شيء من الآداب فأقول: إن السفر والنزهة في هذه الآونة يختلف عنه في أزمان مضت، فقد مهدت الطرق وجرت عليها العربات الآلية بشتى أنواعها المبدعة، فهي تسير بهم على الأرض إن شاؤوا أو تقلهم الطائرات السابحة في الهواء إن رغبوا، أو تحملهم الفلك المواخر في البحر إن أرادوا.
كما أن الأزمنة قد تقاصرت، فما كان يتم في شهور بشق الأنفس أضحى يتم في أيام قصيرة بل ساعات قليلة، وبجهود محدودة.
ومع هذه الراحة الميسرة إخوة الإسلام إلا أن الأخطار المبثوثة في البر والبحر والجو لم تنعدم؛بل إنها في ازدياد عن ذي قبل، مما يؤكد الأدب الأول وهو الاحتماء بالله وارتقاب لطفه واللجوء إليه وعدم مبارزته بالمعاصي ونحوها من المقاصد السيئة والأعمال الرديئة، وهذا أمر يغفل عنه كثير من المتنزهين والمسافرين، فتجد من البعض إعراضاً عن مراقبة الله - تعالى -، بل إن بعضهم ـ ولا قوة إلا بالله ـ يخيل إليك عند النظر في أفعاله أنه في نجوة من الحساب أوقد أفلت من قبضة الكريم - سبحانه -، ولذا تجد القليل منهم من يوفق، بل إن بعضهم لتقدر عليه الأقدار المؤلمة، ثم يختم له بالخاتمة السيئة والعياذ بالله.
معاشر المسلمين، ومن الآداب أيضاً، أن يستحضر النية الطيبة بالسفر والنزهة بأن ينوي التقوِّيَّ على طاعة الله - تعالى -، والتوسعةَ على العيال، وإدخالَ السرور عليهم، وإن حصل له أن يزور أحد الحرمين الشريفين، فهو أولى وأكمل فيعتمرَ أو يزورَ مسجد النبي ليحصل بذلك على الأجر العظيم؛ وليكون سفرُه سفرَ طاعةٍ من أحسن أنواع الأسفار.
معاشر المسلمين، ومن الآداب أيضاً، الاستخارة في أمر نزهتك وسفرك فإن الإنسان لا يدري عن أمره هذا؟؟ أهو خير له؟؟ أم فيه عطبه؟؟.(12/1)
وقد عوض النبي أمته عما كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير والاستقسام بالأزلام بهذه الاستخارة.
ومن عزم على السفر فليبدأ بالتوبة من المعاصي ويخرج من مظالم الخلق ويقضي ما أمكنه من ديونهم، ويرد الودائع، ويكتب وصيته ويوكل من يقضي دينه ما لم يتمكن من قضائه ويترك لأهله ما يلزمهم من نفقة ونحوها إن لم يكونوا معه.
معاشر المسلمين، ومن الآداب أيضاً، أن يستعد للنزهة أو السفر استعداداً كاملاً، يأخذ فيه الاحتياطات اللازمة، ويهتم بجوانب السلامة في تنقلاته، من تفقد الإطارات، والتزام السرعة المقدرة له في الطرق، ونحو ذلك، وهذا وإن كان أمراً دنيوياً، والحفظ بيد الله إلا أنه أمر شرعي بالنسبة للولي، لا يجوز له أن يقصر فيه لأنه راعٍ في بيته وهو مسؤول عن رعيته، وهذا أمر يحصل التقصير فيه كثيراً، ويصاب كثير من الناس في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون.
معاشر المسلمين، ومن الآداب أيضاً، يستحب للمسافر أن يختار يوم الخميس لسفره لحديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: (قل ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج في سفر إلا في يوم الخميس). رواه أبو داود.
والسنة أن يخرج باكراً، لحديث صخر بن وداعة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها))، وكان إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم من أول النهار، وكان صخر تاجرًا فكان يبعث تجارته أول النهار، فأثرى وكثر ماله، أخرجه أبو داود والترمذي.
ونهى رسول الله عن سفر الإنسان وحده، لحديث عبد الله بن عمر رضي عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده)) رواه البخاري.
ثم يودع الإنسان أهله وأقاربه فيقول: ((استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه)) ويقولون هم: ((نستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)).
ولا ينسى في أول سفره دعاء السفر: ((اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوِ عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل)).
وتعرض للمتنزه والمسافر أمور كثيرة، ولكل منها أدعية مخصوصة، منها ما قدمنا من ركوب الدابة وكذلك التسبيح والتكبير عند الارتفاع والانخفاض ونحو ذلك مما يدعونا إلى التأكيد على اصطحاب أمرين مهمين هما كتاب في الأذكار لعين الإنسان على أن يكون متصلاً بالله - تعالى -كما نؤكد على اصطحاب كتاب فقه ميسر لكي يعرف المتنزه الأحكام التي تعرض له.
معاشر المسلمين، ومن الآداب أيضاً، عند اختيار المكان لجلوس العائلة لا بد أن يكون ساتراً لهم ليتمكنوا من أخذ راحتهم والتعبير عن فرحتهم دون مبالغة في التشدد أو التساهل.
والناس في هذا متفاوتون، فمنهم من يتساهل جداً ويأخذ راحته وأولاده في مكان إنما هو من نواصي الطرقات ويراه فيه كل من مرّ أو جاء.(12/2)
والبعض الآخر لا يجد المكان إلا بشق الأنفس ويكون في معزل عن البشر ومع ذلك لا يأخذ راحته، ولا يأذن لمن معه أن يأخذ راحته، وهذه طبائع في الناس لا بد أن يغيروها بما يوافق الشرع.
وما بين الطرفين المذكورين هو الوسط الذي اختاره الله لنا.
وعند اختيار المكان والنزول فيه لا بد أن يقول كل واحد ما ورد في نزول المنزل ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)) فإنه إذا قال ذلك حفظ بإذن الله هو وذريته من العقارب والهوام ونحوها.
معاشر المسلمين، ومن الآداب أيضاً، عدم إيذاء المتنزهين الآخرين، وكثير من الناس إذا خرج من حدود بلده أو خرج إلى موقع رحلته، خرج هو أيضاً عن طوره وتبخرت جميع الأخلاق والآداب وكأن النزهة لا تحصل إلا بهذا الأسلوب القبيح، فتجده يؤذي الناس في المتنزهات والأماكن العامة برفع صوت الغناء أو بالقيادة المتهورة أو بالتدخين في أماكن لا يسمح بالتدخين فيها، أو يجاهر بمعصية ليستفز بها المشاعر ونحو ذلك من الإيذاء المتعمد الذي يفعله كثير من السوقة الأرذال.
وصور أخرى من إيذاء الناس تحصل من أناس عقلاء مع الأسف ومن عائلات محترمة تظهر في التساهل في رمي المخلفات في أماكن الجلوس العامة وإفساد الطريق أو الظل النافعين، أو موارد المياه العذبة ونحو ذلك، وقد يحصل هذا من الأطفال لكن دون نهي من الأهل، وهذا تفريط لا يجوز، وهو نوع من الإيذاء المحرم كما قال: ((اتقوا اللاعنين: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم)) رواه مسلم.
وما أجمل أن يظهر المسلم بصورة الواعي الذي لا يفكر في نفسه فقط بل يفكر في نفسه وفي من يأتي بعده من الناس، والذي يقيم واجب الجوار في المتنزهات العامة فلا يؤذي مشاعر من يجلس بجواره، بل يبادر إلى الإحسان إلى الجار بالهدية الطيبة من الطعام أو من الكتيبات والأشرطة ونحوها.
معاشر المسلمين، ومن الآداب أيضاً، عدم الغفلة عن الواجبات الشرعية وعلى رأسها الصلوات الخمس في أوقاتها، ويجوز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفي السفر، لكن لا يجوز أن تؤخر الصلاة عن وقت إحداهما، ويفرط كثير من الناس في الصلوات في أوقاتها في رحلاتهم وأسفارهم، وقد قال الله - تعالى -: (فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون: 4، 5].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة وعصيان فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وصلاة الله وسلامه على أشرف المرسلين.
أما بعد:
فيا عباد الله، ومن الآداب أيضاً، اجتناب المنكرات، نجد البعض يعطي نفسه إجازة دينية في أسفاره، فبمجرد خروجه من بيوت قومه يبدأ بالإعراض عن الله، وهذا ليس من دين الإسلام في شيء (ليس في الإسلام إجازة دينية) الإسلام منهجه غير هذا، الإسلام منهجه ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) [الحجر: 99].
وإن من المنكرات التي يقع فيها البعض:(12/3)
حضور الحفلات الغنائية والتي بدأت تنتشر بحجة السياحة، ومن المعلوم أن سماع الغناء والموسيقى محرم أشد التحريم، ويعد صاحبه فاسقاً، ومن يدل زوجته وذريته لمثل هذه المواضع، فهو لهم غاش، وعليه إثم معصيته وإثم من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً، وبدل أن يعلمهم الولي كل خلق كريم يدلهم على كل منكر أثيم، وهذا ولا شك من الخذلان الذي يبتلى به بعض الأولياء هداهم الله.
ويمكنك أخا الإسلام أن تتنزه أنت وأولادك، وأن تنال قسطاً من السياحة المباحة وتبتعد عن أماكن الحفلات الغنائية، والمسارح الهابطة.
ومن المنكرات أيضاً: التساهل في مسألة الحجاب والستر بحجة السفر والسياحة، فيحصل من العوائل المعروفة بالمحافظة الشيء الكثير من التساهل هناك، من تبرجٍ بخفية، واختلاطٍ واحتكاكٍ بالرجال في الأماكن العامة والحدائق والمنتزهات دون تحفظ أو احتراز.
ومن المنكرات أيضاً: السهر ولو كان في مباح ثم تضييع صلاة الفجر، ويستحسن كثير من الناس السهر في أسفارهم ومنتزهاتهم بحكم شدة الحر في النهار، لكن نقول هذا لا إشكال فيه إذا كان في مباح ولم يحصل فيه تضييع لإحدى الصلوات كالفجر أو الظهر، فإن كان في معصية أو يحصل به تضييع الصلاة فهو سهر محرم لا يجوز.
ومن المنكرات أيضاً: التساهل في مسألة الأسواق والدخول فيها لغير حاجة، وهي من أبغض البقاع إلى الله كما صح الخبر بذلك عن رسول الله وتتضاعف مفاسدها وكراهية دخولها للذي يأتيها لتزجية الوقت والتمشية دون حاجة ضرورية أو نية شرائية.
إخوة الإسلام، والمنكرات التي يقع فيها المتنزهون مع الأسف كثيرة يصعب حصرها، والبعض منها يستحي الإنسان من توصيفه، وفيها من البشاعة الشيء الكثير، لكن نقول للمتنزهين (اتقوا الله) (اتقوا الله) (اتقوا الله) في أنفسكم، واعلموا أن متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد..
http://www.alminbar.net المصدر:(12/4)
أبناؤنا . . والإجازة الصيفية
د. حسن عبدالغني أبو غدة
كلية التربية - جامعة الملك سعود
إن من أجل نعم الله - تعالى - على عباده نعمة الوقت، فهو زمن حياة الإنسان وعمره، به أقسم الله - تعالى -فقال: {والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر: 1 - 3].قال الإمام الرازي - رحمه الله -: أقسم الله - تعالى -بالعصر وهو عموم الزمن؛ لما فيه من نفاسة الحياة وغلائها، التي ينبغي على الإنسان ألا يضيعه.هذا، ولعظم قيمة الوقت وأهمية الفراغ فيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه البخاري وغيره: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ). فالفراغ نعمة كبرى ومنحة جلى، لا يقدرها حق قدرها ويستفيد منها إلا العقلاء، وهم قلة، ولذلك قال: مغبون فيهما كثير من الناس، أي: مقصر وخسران، لأنه من غفل عن الفراغ وضيعه، ذهبت أيام حياته هدرا، ولم تنفعه الحسرة وتمنى رجوعه.
إن الإحساس بقيمة الفراغ وأهمية الاستفادة منه، يتفاوت من شخص إلى آخر، ويختلف من مجتمع إلى مجتمع، ولم يعرف التاريخ أمة اهتمت بالوقت واستفادت من الفراغ وعظمت شأنه كهذه الأمة الإسلامية، قال ابن عقيل من كبار فقهاء الحنابلة، وأحد أذكياء البشر كما في كتاب: (قيمة الزمن عند العلماء): إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، فإذا تعطل لساني عن قراءة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح، فلا أنهض إلا وخطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على الوقت والعلم وأنا في الثمانين، أشد مما كنت أجده وأنا في العشرين.
وها نحن قد حلت بنا الإجازة الصيفية، بدقائقها وساعاتها ولياليها وأيامها الطويلة، التي يمكن أن يجعل منها كثير من طلابنا وطالباتنا وشبابنا وفتياتنا، أراضي خصبة تزرع بكل مفيد ممتع، يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالخير والبر والعطاء، ويمكن ألا يكون كذلك، فتضيع أوقاتهم في نوم النهار وترك الواجبات الدينية والاجتماعية، ثم سهر الليل في الصخب واللعب وإزعاج الآخرين، بين لهو وضياع وثرثرة فارغة، ونزاعات وخصومات وقتل للأوقات، على حين تعمل مجتمعات أخرى وتكدح في كل دقيقة، بل في كل ثانية، من أجل زيادة أسباب العلم والمعرفة والقوة ودوام التقدم علينا، مع أن ديننا أمرنا باستثمار الوقت والاستفادة من الفراغ، ولا أدل على ذلك من أن الله - تعالى -أقسم به؛ تعظيما لشأنه وتقديرا لقيمته...
إننا مدعوون إلى أن نكون كأسلافنا في تأكيد وجودنا في العالم، ماضين باسم الله وعلى بركته، نصنع طريق المجد ومعبر الخلود، بالعمل الجاد المثمر، واضعين نصب أعيننا قول الله - تعالى -: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} [التوبة: 105].(13/1)
هذا، وإن من أهم ما يساعد على اغتنام الإجازة الصيفية والاستفادة من أوقات الفراغ فيها، التخطيط لها، وذلك بتحديد الأهداف والغايات التي يمكن أن تنجز فيها، وتنظيم الأعمال والآمال، وترتيب الواجبات، وإنزالها فيما يناسبها من أيام هذه الإجازة وساعته.
ففي المجالات الثقافية والعلمية: يمكن الاستفادة من الأوقات في التردد على المكتبات العامة، بشكل فردي أو مع مجموعة من الأصدقاء، وذلك للاطلاع على مجلة أو قصة، أو قراءة كتاب، أو قراءة مجموعة كتب خطط لها مسبقا، ثم تلخيص محتويات هذه المجلات والكتب ومناقشتها لمعرفة مدى الاستفادة منه.
كما يمكن للواحد أن يدرب نفسه على كتابة قصة قصيرة، ويعرضها على من يقومها له ويسدد عمله، ويمكن له أيضا أن يدرب نفسه على الكتابة، وذلك بتسطير ذكرياته وطموحاته وآماله، والوسائل المعينة على تحقيقه... أو ما يقوم بحفظ مختارات من الأحاديث النبوية، أو الشعر النافع المفيد الذي يحث على مكارم الأخلاق وعلو الهمة... أو يجمع مع زملائه له - بالتنسيق مع إمام المسجد - مادة علمية توضع في مجلة الحائط في مسجد الحي الذي يصلي فيه، وتشتمل على تراجم بعض الصحابة والبارزين في التاريخ الإسلامي، أو تراجم من سميت المساجد بأسمائهم، وأبرز أعمالهم، أو كتابة بعض الأحكام الشرعية التي يحتاج إليها الناس، وما شابه ذلك من النصائح والتوجيهات والأذكار.
وفي هذا السياق أيضا: يمكن للفرد التعرف على جداول المحاضرات والمؤتمرات والندوات والدروس المقامة في المساجد والمراكز الثقافية وغيرها، والحضور إليها والاستفادة منها وتلخيص محتوياتها وأبرز معالمهم.
وكم هو جميل أن يقصد شبابنا العلماء والمفكرين والمبدعين ونحوهم، فيعينونهم على تحقيق بعض آمالهم وطموحاتهم، كفهرسة مكتباتهم، أو ترتيب أوراقهم، أو خدمتهم في شؤونهم العلمية والفكرية ونحوها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعامنا حقه... ) رواه أحمد والحاكم.
وفي المجالات الدينية: يمكن للواحد أن يخطط للابتداء في حفظ القرآن الكريم، أو حفظ بعض سوره، أو مراجعة محفوظاته منه، أو يعمد إلى تصويب قراءته للقرآن وتصحيحها مع من يجيد ذلك. أو يعين هو غيره على ذلك، وفي الحديث الشريف الذي رواه البخاري: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
ويمكن أن يعمد الواحد من الشباب أو الفتيات إلى ترتيب أوقاته في قيام الليل، والإكثار من النوافل، وأداء صلاة الضحى، وصوم بعض الأيام التي ينشط لها، وملء بعض أوقات الفراغ بذكر الله - تعالى -وحمده وتمجيده والصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم -....
كما يمكن له أن يشترك في رحلات تنظم لأداء العمرة في البيت الحرام، أو لزيارة المسج دالنبوي والسلام على رسول الله صل ىالله عليه وسلم.(13/2)
وفي المجالات الاجتماعية: يمكن للشاب أو الفتاة أن يضع جدولا يوميا أو أسبوعيا أو غير ذلك، يشتمل على الأوقات المناسبة التي سيقوم فيها على التوالي بزيارة أرحامه وأقاربه وجيرانه وأصدقائه وأصدقاء والده... كل بحسب ظروفه وأحواله، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يدخل الجنة قاطع رحم). متفق عليه. وفي حديث آخر رواه الترمذي: (الخالة بمنزلة الأم). وقال في حديث ثالث: (إن أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه). رواه مسلم.
كما يمكن استثمار هذه الزيارات في خدمة هؤلاء الأقرباء والأرحام المسنين والضعفاء، وقضاء حوائجهم أو إعانتهم عليها، ففي الحديث الذي رواه الترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه).
كما يمكن لمجموعة من الشباب أو الفتيات أن يقوموا بأنواع من الأعمال التطوعية كزيارة المرضى في المستشفيات ودور الرعاية، ليواسوهم ويجالسوهم ويقووا عزائمهم، وفي الحديث الشريف: (إذا عاد المسلم أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع، قيل: يا رسول الله، وما خرفة الجنة؟ قال: جناها). رواه مسلم.
وفي المجالات الترويحية: يمكن للواحد أن يشترك في المراكز والأندية الرياضية بما فيها من ألعاب مشروعة، من سباحة وجري وكرة ونحوها مما يقوي الجسم ويصقل الذهن ويريح النفس، فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.
كما يمكن له أن يسهم في الأنشطة والرسوم والأشغال اليدوية والمسابقات والألعاب الذهنية التي تستثير الذكاء وتعمل على توقد الذهن...
كما يمكن العمل - بالتعاون مع الجهات المختصة - على غرس بعض الأشجار أمام البيوت والعمارات والمساجد ونحوه... أو زيارة المتاحف والحدائق والمتنزهات....
ويمكن استثمار بعض أوقاته في السياحة وزيارة بعض الأماكن العلمية والتاريخية والأثرية والاصطيافية، وتدوين الفوائد والمنافع التي جناها منه....
هذا، وهناك مجالات أخرى كثيرة يمكن استثمار الأوقات في الاشتغال بها، أو تعلمها، أو إجادتها والارتقاء بها، كالاشتراك في دورات تعقد لتعليم الخط العربي وتحسينه، وتعليم الكمبيوتر واللغات. أو المشاركة في أنشطة الجمعيات الخيرية والاجتماعية ذات النفع العام النسائية والرجالية. أو العمل الكلي أو الجزئي في فروع بعض المؤسسات والمصانع الأهلية أو الحكومية...
هذه بعض النماذج غير المكلفة، بل هي ممتعة ومفيدة للفرد والمجتمع، ويمكن بسهولة الاشتغال بها وبأمثالها في تعبئة أوقات الفراغ في الإجازة الصيفية، بدقائقها وساعاتها وأيامه.
وإن الدقائق والساعات في أعمار الأمم وحياة الأفراد لها وزن وحساب، وهي بمجموعها أيام كثيرة، إذا انقضت دون استثمار وفائدة انقضى معها عمر الإنسان بلا معنى، ورحم الله أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - حيث كان يقول: (إني أكره أن أرى أحدكم سبهللا - فارغا متعطلا - لا في عمل الدنيا، ولا في عمل الآخرة).
http://www.aldaawah.com المصدر:(13/3)
أسفار وأخطار)
سامي بن خالد الحمود
أما بعد .. بعد طول انتظار وترقب .. انقضت الامتحانات، ووزعت الشهادات، وبدأت الطيور تهاجر، وعن مواطنها تغادر .. فامتلأت السيارات والطائرات، وازدحمت السفن والقطارات، التي تقل الملايين من المسافرين إلى الخارج .
في دول الخليج فقط، أكثر من 8 مليون و800 ألف خليجي يسافرون سنوياً إلى الخارج .
نظرة سريعة إلى صحفنا ومجلاتنا, تطلعك على لافتاتِ وإعلانات لقضاءِ الإجازة الصيفية في مختلف دول العالم .
ومن هنا، انقسم الناس، ما بين سائح رابح، منتفع بسفره، وما بين مغامر بدينه، مضح بأخلاقه ومبادئه .
عباد الله .. لا شك أن السفر له فوائد كثيرة ، كما قيل:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا/وسافر ففي الأسفارخمس فوائد
تفرّجُ همٍّ واكتسابُ معيشة/وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجد
وعلى الرغم من هذه الفوائد ، فإن السفر قد يتحول عند البعض إلى سيل من المفاسد، إذا لم ينضبط بالضوابط الشرعية والأخلاقية .. وسأذكر في هذه الخطبة بعض هذه المفاسد من باب الوقاية والتحذير والإصلاح، والله الموفق .
- فمن مخاطر السفر إلى البلدان المنفتحة: ما يقع على دين المرء من ضعف الديانة وإلف المنكرات ، بسبب استمرار النظر إلى مظاهر السفور والتبرج، فيألفها القلب، وتصبح أمراً معتاداً لا تنكره النفوس .
ولهذا أفتى أهل العلم بعدم جواز السفر إلى بلاد الكفر إلا لضرورة، أو حاجة ملحة ، فمن اختار بلاد الكفر موطنا لسياحته، ومقرا لإجازته ، فإنه يخشى عليه من براءة النبي صلى الله عليه وسلم منه؛ كما قال عليه الصلاة والسلام " ((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين)).
وإنك لتحزن, عندما ترى بعض الآباء يرسلون إلى تلك الديار الفاسدة فلذات أكبادهم, ومهج نفوسهم ، التي نشئت على التوحيد ، وتربت على الستر والحياء، ولم تمش إلى البارات وحانات الخمور، وفي لمحة بصر وغمضة عين, ينقلب الأمر رأساً على عقب, فيرى الولد العراة من الدين والخلق والقيم، ويرى العروض المجانية للنساء اللواتي قد حسرن عن أفخاذهن, و يرى حانات الخمور في كل شارع، ويرى الفساق يشربون الخمر ويتعاطون المخدرفي كل ناحية.
فقل لي بربك أيها الأب, ما الذي يردع ذاك الشاب التي تتأجج الشهوة في صدره، وتلتهب الغريزة في نفسه, عن مقارفة تلك القاذورات, وتعاطي تلك المسكرات .
ويا ترى ماذا يدور في خاطر تلك الفتاة المسكينة؟ وماذا يتحرك في نفسها؟ وهي ترى نظيرتها الأوربية والأمريكية, على حالة من التفسخ والانحلال, وقد تأبطت ذراع شاب عربيد، يجوبان الشوارع على أنغام الموسيقى الصاخبة .
كم من القيم تهتز؟ وكم من الشباب يرجعون من هناك محملين بأفكار مسمومة, وشهوات محمومة؟ قد غُسلت أدمغتهم ، ومُحيت ديانتهم ، فأصبحوا لا يطيقون المكث في ديار الإسلام.. والله المستعان .
- ومن المخاطر: الخطر الأمني في بعض البلدان، جرائم ترتكب؟ وأموال تنتهب؟ ونفوس تقتل وتختطف؟ .. حتى أصبحت الجريمة في أكثر البلدان جريمة منظمة ، تقوم بها عصابات مدربة تستهدف السائحين وتبتز أموالهم .(14/1)
- ومن المخاطر: الخطر الاقتصادي بالإسراف والتبذير أو الإنفاق المحرم .. من عجائب الأرقام أن معدل ما ينفقه السائح الخليجي 1814 دولار للرحلة الأولى بينما ينفق السائح الأوربي 836 دولار فقط، يعني أقل من النصف .
وفي صيف 2005 أنفق السعوديون في السياحة الخارجية أكثر من 60 مليار ريال، وقلت النسبة في العام الماضي 2006 بسبب كارثة الأسهم وضياع الأموال، وتغيير 30% من السياح وجهاتهم إلى بلدان عربية .
كم من المسافرين ينفقون الأموال الطائلة في الحرام، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد سيسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه .
وإنك والله لتعجب ممن يتحملون الديون أو يلجأون إلى القروض الربوية المحرمة عن طريق البطاقات الائتمانية كالفيزا وغيرها، ثم يعودون بعد سفرهم، وهم لا يملكون إلا ثيابهم، بعد أن أهدروا أموالهم في الخمور والمراقص ودور الخنا .
- ومن مخاطر السفر عند بعض الناس: إهمال الأهل والذرية وبقاؤهم لوحدهم يسرحون ويمرحون كيف شاؤوا، ويأتون من المنكرات ما أرادوا، أو السفر بهم وتعريضهم لمواطن الفساد والهلكة، وكلا الأمرين خطير ، على حد قول الشاعر:
وإذا سألتم عن أبي ، فأبي لهُ *** رسمٌ على بوابةِ السفراتِ
أرخى زمامي ثُمَّ راحَ يلُومني *** ويُهينني بقوارعِ الكلماتِ
أنا يا أبي الغالي ضحيةُ ثروةٍ *** فَتحت لقلبي أسوأَ الصفحاتِ
أغرقتني فيها وما راقبتَني *** وتركتنِي كالصيدِ في الفلواتِ
كم كُنتُ أبحثُ عنكَ يا أبتي فما *** ألقاكَ إلاَّ تائهُ النظراتِ
هلاَّ أبيتَ عليَّ أن أمشي إلى *** حتفي وأن أسعى إلى صبواتي
ومن المخاطر على الأسرة المسلمة: ما يحصل لبعض الأخوات هداهن الله حين تسافر إلى تلك البلاد من السفور ونزع الحجاب بمجرد إقلاع الطائرة إلى الخارج .
- ومن مخاطر السفر للخارج: الخطر الأخلاقي، حيث الوقوع في الجرائم والفواحش من الزنا والعلاقات المحرمة، وتعاطي المسكرات والمخدرات .
في تقرير عن إحدى الدول المعروفة بالفساد، ستة وستون قتيلا بينهم ثلاثة عشر سعودياً بالحقن المخدرة ، مومسات وبغايا وأطفال شوارع لترويج المخدرات ، الشرطة متورطة في جرائم القتل، وثلاثة آلف عاهرة مصابة بالإيدز .
ولا تزال إحصائيات مرض الإيدز تتزايد في العالم كله، وفي العالم العربي أكثر من نصف مصاب بالإيدز ، وفي كل 20 دقيقة يصاب شخص بالإيدز، ويموت في العالم العربي بسبب الإيدز 36 ألف حالة سنوياً .
وفي بلادنا وللأسف، الآلاف من المصابين بالإيدز .. وقد التقيت ببعضهم، وإن أحدهم يعض أصابع الندم، بعد رجوعه من سفر الحرام .
يقول لي أحدهم: سافرت مع بعض الشباب إلى إحدى الدول العربية شمال المملكة، حيث الفواحش والسهرات والنساء العاهرات .. وبعد رجوعي من السفر أصبت بحادث سيارة عند جامعة الملك سعود بالرياض، نقلت إلى المستشفى، أجريت لي التحاليل، دخل علي الطبيب، وقال لي: هل عندك علاقات محرمة، هل سافرت للحرام؟ .. ثم أخبرني بالفاجعة وقال: التحاليل أثبتت أنك مصاب بالإيدز؟(14/2)
هذا الشاب هو واحد من الآلاف من شبابنا ، ممن أصيبوا بهذا المرض .. في لحظة واحدة ، وجد هذا الشاب نفسه مصاباً بمرض الإيدز .. هل كان هذا الشاب يظن أنه سيكون رقماً في إحصائيات الإيدز؟
كم نحزن ونتألم ونحن نرى الإحصائيات تتزايد، وشبابنا يتساقطون صرعى لهذا المرض على طريق الشهوة المحرمة .
وأقولها بكل أسف، كم من الأزواج الذين رجعوا إلى بلادهم, وقد جلبوا إلى زوجاتهم الهدايا التذكارية التي لا تنسى، من أمراض الإيدز والهربس وغيرها، فأصيبت المرأة الغافلة بسبب زوجها المجرم .
وقد وقفت على بعض هذه الحالات حينما التقيت ببعض الاطباء في المستشفى التخصصي بالرياض، بل والله إن القلب ليتقطع في بعض الحالات التي انتقل فيها مرض الإيدز إلى الطفل الذي في رحم أمه، الطفل الذي لم يرتكب ذنباً , ولم يفعل جرماً , تطأ قدمه الأرض وهو يحمل مرض الإيدز , بأي ذنب قتلت ؟
فأرجوك أخي الشاب، قبل أن تسافر للحرام ، اتق الله ، وتذكر عقوبة الله، وتباً للذة ساعة تعقبها الحسرة والندامة في الدنيا والآخرة.
نسأل الله تعالى أن يهدي ضالنا، ويرده إليه رداً جميلاً ، إنها على كل شيء قدير ، والحمد لله رب العالمين .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ...
عباد الله .. قبل السفر، هذه رسالة عاجلة، أبعثها إلى كل مسافر.
أخي المسافر .. قبل أن تحزم حقائبك، وتجمع أمتعتك، وتؤكِّد حجوزاتك ، أوصيك بإحسان النية، وإحسان اختيار الوجهة، واختيار الصحبة، ولا تنس أخي أن تتسلح بالاستخارة والاستشارة، وقبل ذلك كله: اتق الله حيثما كنت، واعتز بدينك أينما نزلت .
ورسالة حارة مشفقة إلى كل من عقد النية على السفر للحرام أو يعلم أنه لن يسلم من الحرام: اتق الله حيثما كنت، واخش الله في أرض نزلت .. وتذكر أخي أن هذه الأرض التي تمشي عليها، وتسافر إليها، ستتكلم يوم القيامة، وتشهد لك أو عليك في المحكمة الإلهية، (يومئذ تحدث أخبارها) .. والجوارح تشهد، والملائكة يشهدون ، وكفى بالله شهيداً .
أخي الحبيب .. هل أنت صادق مع الله ومع نفسك حينما تردد في دعاء السفر: اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى .
أي بر وتقوى لمن عقد النية على الحرام، ومقارنة الآثام؟
يا عبد الله ، أين تفر من الله؟. من يصحبك ويؤمنك في سفرك؟ كيف تطلب من الله أن يكون الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، وأنت تتمرد على أمره، وتعصيه في أرضه؟
لو حصل أدنى عطل في الطائرة لانتفض من الخوف قلبك .. ولو تحرك بك البحر أو ارتجت بك الأرض، أو اضطرب المكان ، أو تحرك اللصوص والعصابات لازداد هلعك .. فأين الخوف من جبار السماوات والأرض .
(أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض، أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين، أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم) .. فاتق الله يا عبد الله، وراجع نفسك، وإياك أن تبيع دينك وآخرتك بلذة عابرة، وأيام معدودة، سرعان ما تمضي ملهياتها ، وتبقى تبعاتها .
هل ستموت أو تضيق بك الحياة إذا لم تسافر للخارج؟(14/3)
كلا، بل ستجد في السفر في بلادنا المباركة الأجواء الروحانية في مكة والمدينة، وستجد الهواء العليل والمناظر الخلابة في المصائف الجميلة ، حيث الأمن والاطمئنان النفسي على نفسك وأهلك .
بل أقول لك: لن تضيق بك الحياة إذا لم تستطع أن تسافر أصلاً ، ويمكنك أن تغير الجو وتروح عن نفسك وأهلك، حتى ولو لم تسافر، والدنيا متاع عاجل، وظل زائل .. (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) .
اللهم صل على محمد ...(14/4)
أهمية الوقت والإجازة
الحمد لله الذي بيده المحيا والممات ، عالم غيب الأرض والسموات ، وفق عباده المتقين لاغتنام الأوقات ، فيما فيه السعادة في الدنيا وبعد الممات ، أحمده سبحانه فهو المرتجى وحده في الصغائر والمهمات ، وأشكره جل جلاله شكر من يرجو الخروج إلى النور بعد الظلمات . أشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهد بوحدانيته الحجر والنبات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قدوة القدوات وخير البريات فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد : فهذا ربكم معاشر من أمنتم بالله الواحد الأحد يناديكم فيقول } : يآأيها الذين ءآمنوا اتقوا الله ولتنظر نفساً ما قدمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون } ، وصية من الرحمن الرحيم إلى كل عبد مؤمن لينظر كيف قضى أوقاته بما عمَّر زمانه ، وهو تنبيه من الباري جلت قدرته لأهمية عنصر الزمن في حياة المسلم وأنه رأس ماله فإن أحسن استغلاله فاز بالرضوان وبنعيم الجنان وبجوار الملك الديان ، وإن أهمل وفرط لاسمح الله وركن إلى استغلاله في الشهوات المحرمات باء بالخسران ، وتلظى بالنيران ، وفاته من ربه الرضوان .
أيها الأحبة في الله لقد تعددت وتنوعت الأيات الدالة على أهمية عنصر الزمن في حياة المسلم ، فنجد الحنان المنان يقسم في أية بالعصر ، وفي أخرى بالليل إذا سجى ، و في ثالثة بالنهار إذا تجلى ، وفي رابعة بالضحى ... وهكذا ، فهل فهمنا معنى تلك العبارات ومغزى تلك الدلالات . هذا ابن عباس رضي الله عنهما يروي لنا عن الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه أنه قال : (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ )) ؛ والغبن أيها الأحبة في الله أن تشتري بأضعاف الثمن أو أن تبيع بدون ثمن المثل ، فمن أصح الله له بدنه ، وفرغه خالقه من الأشغال العائقة ، ولم يسع لصلاح آخرته فهو كالمغبون في البيع أو الشراء ، والمقصود أن غالب الناس لاينتفعون بالصحة والفراغ بل يصرفونها في غير محلها ، والتوجيه الرباني للرسول صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده كيف يقضي الفراغ هي قوله تعالى : { فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب } .
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه *** وأراه أسهلُ ما عليك يضيع .
وللوقت أيها الحبة خصائص إذا ما تنبه إليها العبد كان حريصاً على وقته ، وأول تلك الخصائص أنه سريع الانقضاء فهو يمر مر السحاب ،
مرت سنينٌ بالوصال وبالهنا *** فكأنها من قصرها أيامُ
ثم أنثنت أيامُ هجر بعدها *** فكأنها من طولها أعوام
ثم انقضت تلك السنونُ وأهلها *** فكأنها وكأنهم أحلامُ(15/1)
ومهما طال عمر الإنسان فهو قصير مادام الموت نهايته ، فعند الموت تنكمش الأعوام والعقود حتى لكأنها لحظات برق مرت ، يحكى عن نبي الله نوح عليه السلام : أنه جاءه ملك الموت ليتوفاه بعد أكثر من ألف سنة عاشها قبل الطوفان وبعده ، فسأله كيف وجدت الدنيا ؟ فقال : كدار لها بابان ، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر ، ويقول العليم الخبير : { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها } ، ويقول سبحانه : { ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم } .
وثانيها : أن ما مضى منه لايعود ولا يعوض ، يقول في ذلك الإمام الجهبذ الحسن البصري : (( ما من يوم ينشق فجره ، إلا ينادي يابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة )) ، وما من ميت يموت إلا ويندم على ما مضى من عمره فالصالح حينما يرى النعيم يندم الا يكون قد إزداد منه ، والفاسق عياذاً بالله يتمنى لوكان عمل صالحاً حتى أنه ينادي ربه فيقول : { ربي ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } ولكن هيها هيهات ، فقد طويت صحيفته وحضرت منيته ، وحكمت قضيته .
الثالثة : أنه أنفس ما يملك الإنسان ، إنه أنفس من الذهب والجوهر ، يقول أحد المصلحين : الوقت هو الحياة ؛ فما حياة الإنسان إلا الوقت الذي يقضيه من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة .
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثواني
وفي هذا يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله : (( يابن آدم ، إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك )) ، فما أشد جهالة من يردد تعال نقتل الوقت ، وما أشد تفريط وحسرة من ضيع عمره في السهرات ، وما تبثه الدشات ، ومتابعة المسلسلات ، وتلقط أخبار اللاعبين واللاعبات والفنانين والفنانات .
يا أبناء أمة الإسلام العظيمة أمتكم تعاني من الذل والهوان ، وتشكوا إلى الله من الضعف والعناء ، فكيف تقوم أمة شُغل جُلُّ أفرادها بالترهات ، وأخذوا يتفننون في قتل الأوقات ؟ ! .
يا أبناء أمة الإسلام العظيمة لقد خلقتم لمهمة شريفة وغاية نبيلة ، لقد حملتم أمانة هداية الناس واخراجهم من دياجر الظلمات إلى فسحة النور ، وللنظر إلى سلف هذه الأمة الذين أدركوا الأمانة الملقاة على عاتقهم كيف كان تعاملهم مع الوقت .
أما عن نظرتهم إليه فنكتفي بشعارين لهما الأول يقول : (( من علامة المقت إضاعة الوقت )) ، والثاني يقول : (( الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك )) . فكم لهذا السيف من ضحايا في شبابنا المعاصر ضحايا متسكعون في الأسواق ، وأخرين يبيتون ساهرين على أرصفة الطرقات ، أو أمام شاشات الدشات . ولم تكن هذه شعارات جوفاء بل كانت حياة يعيشونها .(15/2)
يقول الإمام الحسن البصري : (( أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم )). وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (( ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي )) . ، وقال حكيم : (( من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو مجد أثله ، أو حمد حصله ، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه )) ، حدث الفقيه أبو الحسن علي بن عيسى قال : دخلت على أبي الريحان البيروني وهو يجود بنفسه ، وقد حشرج نفسه وضاق به صدره وقد بلغ من العمر ثمانٍ وسبعين سنة . فسأل البيروني وهو في حالة النزع تلك علي بن عيسى في مسألة فقهية ، فأشفق عليه وقال : أفي هذه الحالة وأجابه البيروني : ياهذا أودع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة ، الا يكون خيراً من أن أُخليها وأنا جاهل بها ، وأخذ المسألة ووعاها ، ثم يقول ابن عيسى : خرجت من عنده وانا في الطريق سمعت الصراخ . اما الإمام أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي فكان يقول : إني لايحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى لإذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة ، وبصري عن مطالعة ، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح ، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره ، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد ما كنت أجده وأنا ابن عشرين . وأنا اقصر بغاية جهدي وقت أكلي حتى أختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ توفراً علي مطالعة أو تسطير فائدة لم أدركها فيه ، وإن أجَّل تحصيل عند العقلاء باجماع العلماء هو الوقت . وكان ابن الجوزي رحمه الله يستغل الوقت الذي يزوره فيه الناس في بري الأقلام وتقطيع الورق .
أيها الأحبة في الله لايفهم مما مضى أن الإنسان يجب أن يكون في عمل مستمر كالآلة الصماء ، وإنما المقصود هو أن يكون هناك تنظيم للوقت ، ويمكن أن يكون الأساس في ذلك ماورد في صحف إبراهيم عليه السلام : (( ينبغي للعاقل مالم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له أربع ساعات ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكر في صنع الله ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب )) رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد . وكما وجه النبي صلى الله عليه وسلم حنظلة فقال : (( ساعة وساعة )) وليست كما يفهما اليوم بعض الناس بأنها ساعة للمعصية وساعة للطاعة ، بل هي وقت للجد والعمل والطاعة والعبادة وساعة لملاعبة الأهل والأولاد والاهتمام بأمور المعاش المباحة .
الشكوى تكثر في الإجازة الصيفية من الفراغ ، ويحتار الشباب في كيف يقضون أوقاتهم ، في هذه الفترة ينبغي على الأباء والمربين أن يضعوا الخطط المناسبة لشغل فراغ الشباب بما يناسبهم حتى لاينجرفوا عياذاً بالله نحو الإنحراف ، ولابد لهذه الخطة أن تشمل الجوانب الإيمانية ، والفكرية ، وتنمية المهارات الفردية ... الخ .(15/3)
فمن أمثلة الجوانب الإيمانية إلحاق البنت أو الابن بحلقات تحفيظ القرآن ، أو أخذهم لزيارة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض السيرة عليهم هناك ، أو أخذهم في رحلة خلوية يتم فيها التفكر في مخلوقات الله وبالذات في الليل وتناثر النجوم في السماء .
ومن أمثلة الجوانب الفكرية : عمل مسابقة داخل البيت لحفظ شيء من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحها وتوضع عليها جوائز مشجعة ، أو حفظ متن من متون العلم ، أو الأذكار الصباحية والمسائية حسب مستوى الأولاد .
ومن أمثلة تنمية المهارات الفردية : أن يصحب الأب إن كان ذا حرفة ابنه معه ليتعلم حرفة أبيه فإن كان تاجراً أخذ الولد معه ليتعلم فنون التجارة والكسب ، وإن كان صانعاً أخذه ليتعلم صنعة يجيدها وهكذا ، أو تسجيل الولد في دورة من دورات المركز المهني أو البنت في دورة من دورات اللجنة النسائية للندوة العالمية للشباب الإسلامي لتتعلم الخياطة أو التطريز أو نحوها .
كما أننا أيها الأحبة في الله في هذا البلد قد هيأت ضمن اهتمامها بالشباب مراكز صيفية مجانية تشرف عليها نخبة من أهل الفضل والعلم ، مهمتها استغلال أوقات الشباب فيما يعود عليهم بالنفع والفائدة ، وتساعد الأب على تربية أبنه تربية سوية بإذن الله ، وكان من فضل الله على أهل هذا الحي أن يكون أحد تلك المركز به ، فلنسعى أيها الأحبة في الله لاستغلال هذه الفرصة ونسجل أبنائنا ليعمروا أوقاتهم بالنفع والخير العميم .
مخاطر السياحة الخارجية
الحمد لله الذي شرع لنا أكمل الشرائع وتعبدنا بأكمل دين ؛ من تمسك به نجا من كل شر وبلاء مبين ، وترقى في سلم الفائزين ومن تفلت منه هلك مع الهالكين ، وانكب على وجهه في دركات الخاسرين ، أحمده سبحانه وأشكره على عظيم رحمته بعباده المتقين .
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كتب الفلاح والنجاح لعباده المتقين ، وجعل الخزي والذلة من نصيب المعرضين المعاندين ، وأشهد أن محمداُ عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً سرمدياً إلى يوم الدين.
أما بعد : فعليكم عباد الله بتقوى الله فإنها الركن الركين والحصن الحصين قال الخلاق العليم : { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا } .(15/4)
عباد الله إن الإجازة الصيفية على الأبواب ، وما أدراك ما الإجازة الصيفية هي فرصة يهرب فيها الإنسان بنفسه أو مع أهله من حر الصيف اللاهب ، وشمسه المحرقة إلى أماكن يطلب فيها الجو اللطيف ، والمناظر المريحة ، ولا بأس في ذلك . لكن .. لكن العجب كل العجب أن يفر المرء من حر الدنيا المؤقت إلى حر المعاصي المغضبة للملك الجبار ، يفر من بلد يعبد فيه الله إلى بلد يعصى فيه الله ، يفر من جو العفة والطهارة ، إلى جو الفساد والليالي الحمراء ، إلى حيث المرض والإيدز والهربز والسيلان والزهري والعياذ بالله ، يرى في الإجازة تحرر من عبودية الله ليصبح عبداً لشهوته وللشيطان ، يعجب الإنسان من هذا السعي المحموم نحو الهاوية والفساد ، فهذه وكالات السياحة تعلن عن تخفيضات وبرامج شيقة بزعمهم لقضاء الإجازة ، وهذا موظف قد رزقه الله وظيفة ورزقاً يأكله فدخل في جمعية أو أخذ يدخر من مرتبه استعداداً لقضاء الإجازة في بلد فيه فسق وفجور ، وهذا طالب نجح في الامتحانات فكافأه والده بإرساله في سفرة مع زملائه إلى بلد من بلاد الفسق والفجور وما يعلم أنه قد أورده مورد الهلاك ، وتلك زوجة أدخلت زوجها في دوامة من المشكلات لماذا يسافر بيت فلان ونحن لا نسافر ؟ أنت معقد ، أنت بخيل لا تود الإنفاق على ما يسر أهلك ، إن لم تجد فاقترض من أصدقائك وإذا عدنا سددهم ما اقترضنا ، وهكذا ... نماذج تمور في المجتمع بكافة الدرجات والمستويات ، وكل همها أن تقضي الإجازة ولو فيما يغضب رب الأرض والسموات . وأحب أن أقف مع هذه النماذج وقفات :
الأولى : مع من أعد للسفر إلى الخارج وهدفه الفساد ومعصية الله ، نقول له أما علمت أن الذي رزقك هذا المال الذي تُعِدُه لمعصية الله هو الله ، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، أما تخشى أن يسحب الله منك رزقه فتعود عالة تتكفف الناس فلا تجد من يعطيك كسرة خبز تسد بها جوعك ، ولا تجد قطعة قماش تستر بها عورتك ، أما سمعت الملك الديان وهو ينادي في الحديث القدسي فيقول : (( يا عبادي كلكم جائع فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم )) ، أما علمت أنك بتصرفك هذا تسعى إلى زوال النعمة عنك أما سمعت قول المنعم المتفضل سبحانه : { وإذ تأذَّنَ ربُّكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } ، أما تخشى وأنت قد حزمت حقائبك وأعددت نفسك لذاك السفر أن يفاجئك ملك الموت يطلبك في رحلة أخرى ، رحلة إلى الموت وسكرته ، إلى القبر وضمته وظلمته ووحشته ، فكيف تقابل ربك ..؟ ما هو عذرك .. ؟
أما خشيت أن يبتليك الله بمرض عضال تبدأ معه رحلة بطيئة إلى الموت ، ويكون فضيحة لك يُنبأ الناس عن ذنبك ، أما تفكرت في زوجتك الطاهرة العفيفة ما ذنبها ، أن تنقل إليها قذارة إثمك وخطيئتك ، ثم أما تخشى أن يسدد دين أعراض الناس التي عبثت فيها من عرضك ، من زوجتك ، أو ابنتك ، أو أختك ..؟(15/5)
الثانية : مع الأب الذي يظن أنه يكافئ ابنه نقول له لقد أهلكته ، وجنيت عليه وعلى نفسك ، تخيل نفسك كيف يكون حالك لو أن ابنك عاد محمل بمرض من تلك البلاد ، ثم ألم تعلم أن أكثر من بدأ طريق إدمان المخدرات إنما بدأه من رحلة لبلاد موبوءة فتعاطاها هناك ثم عاد أسير لها لا يستطيع الفكاك منها وانحدر للهاوية ، فهل يعجبك أن تكون أباً لمدمن مخدرات ؟ .
الثالثة : مع الأب الذي يأخذ زوجته وأولاده وبناته في رحلات عائلية لتلك البلاد ، فمن هذه العوائل من تكون نسائهم في أكمل حجاب فإذا تحركت الطائرة باتجاه الدولة الأخرى تبدل الحال فنزع الحجاب تماماً وأخذت المساحيق تلون الوجوه ، وفاحت رائحة العطر النفاذة ، كل هذا يتم وهم معلقون بين السماء والأرض ، وقد قص علينا الخبير العليم حال المشركين إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين لأنهم يعلمون مع شركهم أنه لا حافظ لهم من الغرق إلا الله ، مع أن من تحطم مركبه قد يجد قطعة خشب يعلق بها فيكتب الله له النجاة ، أو يقطع البحر سباحة أو غير ذلك من سبل النجاة ، لكن ما ظنكم بمن تحطمت به طائرته على ارتفاع الآف الأقدام ، فمن ذا الذي ينجيه ، ثم أليس المؤمن أولى من المشرك أن يكون قريباً من الله في تلك الحال ؟ ، وكأن أولئك النسوة تحجبن هنا في ديار الحرمين خوفاً من الناس وليس اتباعاً لمنهج الله . وإليكم هذه القصة العجيبة لهذه العينة من الناس رجل سافر بزوجته إلى بلاد يختلط فيها الرجال بالنساء ، والتقى فيها بصديق له فكان الصديق يحضر إلى مقر إقامته ويجالس زوجته بوجوده دون أن يعترض الرجل ، ثم بعد أن عادوا إلى الوطن أراد ذلك الصديق زيارة صديقه فلما قرع الباب قال : من ، فقال : أنا فلان صديقك فأمر أهله أن يحتجبوا ويفسحوا الطريق للضيف فتعجب الرجل وسأل صديقه ما الذي حدث ألم نكن نجلس سوياً في الإجازة ! .
وممن يذهب بعائلته يذهب بهم من أجل إسكاتهم فيضعهم في سكنهم ويذهب هو لإشباع نزواته ، وفي المقابل تجد أن من معه يشبعوا نزواتهم ، ومنهم من يأخذهم بغرض الترويح لا غير ، ومن هذا الصنف من يقع قي مخالفات دون أن يشعر فيأخذهم إلى المطاعم أو إلى المسارح أو نحوها من أما كن اللهو التي لابد وأن يتلوث أهله منها بشيء ، ثم الأمر الأخطر من ذلك هو ما نشرته إحدى الصحف من أنه قد تم ضبت نوع من اللبان انتشر في بلد إذا تناولته المرأة أصيبت بهياج جنسي والعياذ بالله ، فكيف به إذا تناولت ذلك اللبان أمه أو امرأته أو بنته أو أخته بدون قصد ، كما ضبط في بلد آخر رجل مصاب بمرض الإيدز ينكش أسنانه ليجرحها ثم يضع ذاك النكاش في العلبة السليمة لينشر ذلك المرض الخبيث بين السياح ، وثالث كان مصاب بنفس المرض فيقوم بجرح نفسه ووضع قطرات بسيطة من الدم على الآنية التي يقدم عليها الطعام إلى زبائن المطعم الذي يعمل به .(15/6)
أيها الأحبة في الله ولا أعرف على حد علمي أن سلف هذه الأمة كانوا يسافرون إلا لواحد من خمسة أمور : الحج أو العمرة أو التجارة أو طلب العلم أو الجهاد في سبيل الله ، أما السفر لمجرد الترفيه فلا أعلم أنه أُثر عنهم ، ولنا فيهم أسوة حسنة .
العاقل البصير لا يدع بلداً أساسها الأمن والأمان ليذهب إلى بلدٍ أساسها الخوف والجريمة ، لا يترك بلداً يأمن فيها بإذن الله وفضله على عرضه وماله إن تركه إلى بلد لا يأمن فيها ذلك ، إن الشريف العفيف لا يرضى أن يترك بلداً ظاهرها العفة والطهارة إلى بلدٍ نشرت فيها رايات الرذيلة ، لأنه يعلم أن الجو الموبوء مظنة العدوى .
أيها الأحبة في الله إن حكومة هذه البلاد قد وفقها الله فيسرت لمن أراد الراحة والمتعة الأماكن المناسبة لذلك ، كما أن الله قد حبا هذه البلاد أماكن عديدة تناسب قضاء الإجازات ، حتى غدا الناس يقصدونها من الخارج ، فمن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسجدها ومآثرها التاريخية التي ينبغي أن نطلع أبناءنا عليها ليعيشوا السيرة النبوية المطهرة وكأنها حية أمام أعينهم ، إلى جبال الجنوب ومناظرها الخلابة ، وطبيعتها الساحرة ، ونسمة هواءها العليل .
أخي الحبيب اعلم أن كل قرشاً تنفقه في بلادك سوف يعود بالخير عليك بإذن الله ولو بشكل غير مباشر ، وفيه قوة لاقتصاد بلادك ، وكل قرش تنفقه في بلاد أجنبية سيكون قوة لها فما بالك إن كانت تلك البلاد تعادي الإسلام وأهله ؟ ويكون في إخراجك للمال من بلادك أضعافا لها .
هي دعوة أيها الأحبة في الله إلى أن نقضي الإجازة في ربوع بلادنا ، وعلى أن نؤدب أنفسنا وأولادنا بآداب الإسلام أثناء ذلك فلا يترك الأب أبناءه المراهقين يزعجون نساء الغير ، كما لا يترك الأب بناته يتبرجن وكأنه جاء بهنَّ لعرضهنَّ للنظر .
هي دعوة أيها الأحبة في الله إلى أن نقضي الإجازة في ربوع بلادنا ، وعلى أن نؤدب أنفسنا وأولادنا بآداب الإسلام أثناء ذلك فلا يترك الأب أبناءه المراهقين يزعجون نساء الغير ، كما لا يترك الأب بناته يتبرجن وكأنه جاء بهنَّ لعرضهنَّ للنظر .
http://www.islamic-ef.org : المصدر(15/7)
أيها السائحون
الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
الخطبة الأولى:
مع شدة حر الصيف اللافح، ولأواء الشمس وهجيرها، وسخونة الأجواء التي يتصبب منها الجبين عرقاً؛ يستعد كثير من الناس لقضاء الصيف والإجازة، فحجوزات تؤكد، وتذاكر تقطع، وحقائب تجهز، وأحزمة تربط، وأموال ترصد، حيث يممون وجوههم قبل المصايف والمناطق المعتدلة الباردة، وترحل نجائبهم للبلاد الخارجية، وزيارةٌ واحدةٌ للصالات الخارجية بالمطارات ووكلات السفر والسياحة تؤكد واقع الناس، وما هم فيه حيث أجلبوا بخيلهم ورجلهم، وانطلقوا زرافات ووحداناً للسفر والسياحة، ذلك أن بعض المسلمين يجدون في شدة حر الصيف ولهيب سمومه عذراً ومسوغاً للسفر للبلاد الخارجية، سفراً بلا حدود، وانطلاقاً بلا غاية، وسعياً بلا هدف، ووجهة بلا مهمة، حتى لو كان في ذلك ما فيه من الوقوع في المحرمات، وإهمال الواجبات، والاختلاط والتبرج والسفور.
وهذه الكلمات هي رسالة إلى كل من يعنيهم الأمر من هواة السفر والترحال والسياحة، إنها وقفة سؤال وعتاب لهؤلاء، إلى الذين حملوا الصغير قبل الكبير، والعاجز قبل القادر، واصطحبوا النساء ومَنْ تحت ولايتهم إلى بلاد الكفر والنصرانية، ومراتع الإلحاد والإباحية، رسالة إلى الذين يريدون قضاء الإجازة والصيف بداعي اللهو والترفيه، والراحة والاستجمام، ولكنهم جنوا على أنفسهم، وضيعوا أولادهم، وأهملوا محارمهم، وغفلوا عن أعراضهم.
عباد الله: إن السفر والترحال والسياحة أمر ذو بال في واقع كل امرئ حي، فالإنسان مجبول على حب التنقل والضرب في الأرض، والناس لهم في السفر والإجازة والسياحة مقاصد شتى، ومآرب متنوعة، فهذا يريد أن يعلل ويرفه جسده، وذاك يريد أن يمتع عينيه بالمناظر الخلابة، وآخرون بدعوى الدراسة والعمل والتجارة، ونحن أبناء أمة كانت مطبوعة على الرحلة، ومولعة بالسفر والسياحة، فالعرب في الجاهلية كانوا يسافرون ويسيحون في الأرض، إما سداً للفاقة، أو طلباً للراحة، أو للقتال والغارة، فجاء الإسلام العظيم مشرقاً بنوره الوضاء فزكى مبدأ السياحة وقواه وسما به، وامتن الله على قريش حين ذكرهم بأنه هيأ لهم أسباب رحلتين عظيمتين منتظمتين إلى اليمن تارةً، وإلى الشام أخرى فقال سبحانه: ((لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف...)).(16/1)
لقد جاء الإسلام إلى الأعرابي الذي ينتقل ويسافر قطعاً للطريق، وسلباً للقوافل والأموال؛ ليجعله مجاهداً في سبيل الله، وليجعله سائحاً مسافراً يدعو إلى دين الله، كان يبحث عن منابع الماء، ومواقع القطر ليشرب منها، فإذ به يبحث عن منابع العلم لينهل منها، لقد جاء الإسلام لعادة العرب فجعلها عبادةً وسياحةً تعود بالأجر والثواب، فهذا سفر الحج والعمرة والهجرة والجهاد أكبر دليل على ذلك، جاء ليجعلها سياحةً وسفراً ورحلةً تعتبر بملكوت الله - جل وعلا -، وتنظر في آياته الباهرة ((قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق...))، وقال - تعالى-: ((فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين))، ولقد أنكر الله - جل وعلا - ونعى على أناس يسافرون ويسيحون ولا يتأملون في خلقه فقال - سبحانه -: ((وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون))، وهذا محمد - صلى الله عليه وسلم - سافر وانتقل وساح في الأرض مرات وكرات إبان شبابه قبل البعثة وبعد نبوته ما بين حج وعمرة، وهجرة وجهاد وتجارة.
وليس يخفى على الجميع أن السفر والسياحة وحب الاطلاع أصبحت في هذا الزمن من الأمور الترفيهية المطلوبة لدى عامة الناس خاصة بعد مواسم الدراسة وجهد العمل، السياحة مصطلح وموضوع نجد الناس أمامه على طرفي نقيض، فمنهم الرافض رفضاً قاطعاً مستدلاً بالسلبيات والأضرار الناتجة عنها، ومنهم المرحب فرحاً بالإيجابيات، وكل محق، ولكن كلا طرفي قصد الأمور ذميم، ونحن بوصفنا أمة إسلامية لا بد أن نتعامل مع المستجدات العصرية والأحدوثات الجديدة بروح الواقع والاحتواء لا الرفض والانزواء، ولابد أن نسخر هذه المصطلحات والأمور فيما ينفعنا ويعود بالخير علينا ديناً ودنيا.
ولا ريب أن الوسطية هي شعار الأمة الإسلامية قال الله - تعالى-: ((وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس))، والسياحة لها مفاهيم عدة، وقوالب شتى، ومناظير متعددة غير أن للمسلمين خاصة في بلاد الحرمين منظوراً ومفهوماً في السياحة يختلف عن غيرهم، فلا يمكن أن نستورد مفاهيم غيرنا فيها فهم يفهمونها على ليلاهم، ونحن نفهمها على قرآننا وسنة رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وبلادنا هذه حباها الله - جل وعلا - بمميزات كثيرة قلما يوجد نظيرها كاحتضانها للمقدسات الإسلامية والبقاع الطاهرة، فهي بلاد التوحيد، بلاد الحرمين وقبلة المسلمين، ومهوى أفئدة المسلمين جميعاً، وما تتمتع به من الإيمان والأمن والاستقرار، وحفظ الأعراض والأموال، لذا لابد من مراعاة خصوصية هذا البلد الدينية قبل الخوض في شأن السياحة.(16/2)
ولئن كانت السياحة عند القوم سفوراً وتعرياً، ولهواً ومتعةً جسديةً فهي في الإسلام عبادة يؤجر المرء عليها، ولها في القرآن والسنة الثناء الجميل، والذكر النبيل، فلقد وردت السياحةُ في كتابِ اللهِ وسنةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - تحملُ معاني ساميةً، وارتبطَ وصفُ السائحينَ بنماذجَ عاليةٍ من البشر، يقولُ - تعالى- في وصفِ الذين اشترى اللهُ منهُم أنفسَهم وأموالهم بأنَّ لهُم الجنة: ((التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ))(سورة التوبة:112)، والسائحون هم: الصائمون في قول أكثر المفسرين، واستدُلَ لهُ بقولهِ - تعالى- في وصفِ نساءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ((عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ))(سورة التحريم:5)، وبما وردَ في الحديثِ عن عائشةَ - رضي الله عنها - مرفوعاً: ((سِيَاحَةُ هَذهِ الأَمةُ الصِيَامُ))، وكذا فسرَ السياحةِ بالصيام؛ أَبو هريرةَ، وابن مسعودٍ، وابن عباسٍ، وعائشة وغيرهم - رضي الله عنهم -، وقال عطاء: السائحون: هُمُ الغزاةُ المُجاهِدُونَ في سبيلِ الله، وقيل السائحون: المُهاجِرون، وقيل: السفر في طلب العلم قال عِكرِمةَ السائحونَ: هم طلبةُ العلمِ، وقيل: سياحةُ القلب في معرفة الله ومحبته، قال الشيخ ابنُ سعدي - رحمه الله -: "والصحيح أن المراد بالسياحة السفر في القربات كالحج والعمرة، والجهاد وطلب العلم، وصلة الأقارب ونحو ذلك" أهـ.
هذا هو مفهوم السياحة في الإسلام!! سياحة تظهر دين الله، وتحميه وتنصره قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله" رواه أبو داود بإسناد صحيح، سياحة للنظر والتدبر، والتأمل والتفكر في ملكوت الله ((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ))(الأنعام:11)، وقال سبحانه: ((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ))(النمل:69)، وقال جل ذكره: ((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))(العنكبوت:20).
سياحة لطلب الرزق، وتأمين الأمة معيشياً، سياحة لطلب العلم والفكر، والخير والدعوة إلى الله، هذا مفهوم السياحة في الإسلام، وقد دُنِّسَ هذا اللفظُ حيثُ أصبحَ مُصطلحاً مُعاصِراً تُشَمُّ منهُ رائحةَ التلوثِ العقدي، والفسادَ الأخلاقي، والتحللَ من الضوابطِ والقيمِ، فإلى اللهِ المُشتكي، وحسبُنا اللهُ ونعم الوكيل.
والسياحة مفهومها الحالي يخالف مفهوم الإسلام طريقة وهدفاً فلماذا كان أسلافنا يسافرون؟! كانوا يسافرون دعوة إلى الله وجهاداً، والآن أصبح السفر والسياحة عند البعض للجنس والشهوة، والعبث واللهو!! لماذا سافر مصعب بن عمير - رضي الله عنه - سافر داعيةً ومعلماً للقرآن؟! لا ولياً للكفر، ولا مهادناً، ولا لاعباً، ولا لاهياً.(16/3)
لقد وطئ سلفنا الصالح بلاد الكفر وفرنسا وأوربا وآسيا لا جلوساً على الحانات، ولا ارتياداً للخمارات، ولا تصدراً لموائد القمار والمسارح، ولا جلوساً في مدرجات الكرة، ولا معانقة للباغيات والمومسات كلا!! بل وطئوها ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ظلم وجور الأديان إلى نور وعدل الإسلام، إنه لمن المحزن المبكي أن أصبحت السياحة والسفر إلى بلاد الكفار موضع افتخار بعض المخدوعين من المسلمين فهذا يفتخر أن ابتعث للدراسة هناك، أو أن له ولداً يدرس في الدول الغربية، وهذا يتبجح بقضائه الإجازة كل عام متنقلاً بين شواطئ أوروبا وسهولها وجبالها دون تفكير في النتائج أو تقدير للعواقب، ثم إن هؤلاء إذا ذهبوا ذابت شخصياتهم مع الكفار، فلبسوا لباسهم، واقتدوا بآثارهم، حتى النساء المسلمات يخلعن ثياب الستر والعفاف ليلبسن لباس الكافرات والداعرات؟!! فلماذا نعطي الدنية في ديننا؟! وكيف يستبدل المسلم الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!، وكيف يتنازل من علياء إيمانه إلى حضيض ومزبلة الكفر.
إن من أعجب العجب أن الكفار إذا جاؤوا إلى بلادنا لا يغيرون أزياءهم ولا يتحولون عنها؟! وبعض المسلمين على العكس من ذلك إذا ذهب إليهم تحول إلى عاداتهم، وجال في حاناتهم، وجاس في الملاهي والمسارح والشواطئ، يا عجباً لهؤلاء الذين ركبوا دابة السفر وامتطوا ثبج السياحة؟! يفرون من ديارهم ديار التوحيد والإيمان إلي ديار الكفر والطغيان، يهربون من ديار ملؤها الأمن والأمان إلى بلاد تتزايد فيها نسب الجرائم والقتل تزايد الثواني، يتولون عن سوح طاهرة مباركة يدوي فيها الآذان، وتعج بالتكبير، إلى ديار خواء تصلصل فيها أجراس الكنائس كل ذلك في رحلات عابثة كلها إسراف وتبذير، وليت هؤلاء حين رحلوا رحلوا دعوة إلى الله - تعالى- وتبليغ دينه، وليت هؤلاء يوم أن أنفقوا أنفقوا نصرةً للمجاهدين، أو سداً لحاجة المعوزين، أو إغاثةً للاجئين، ولكنهم - وللأسف - وأقولها بمرارة رحلوا وسافروا وساحوا للهوى والشيطان، إن أنفقوا فعلى لذة رخيصة وشهوة وضيعة، وإن جلسوا وساحوا فعلى شواطئ وأندية العراة، بل إن السائح المسلم يساوي عند الغرب وزنه ذهباً، فهو مثال للبذخ، يسكن في أرقي الفنادق، ويبذل المال في الحلال والحرام، ويتصدر موائد الخمرة والقمار.(16/4)
يا هؤلاء لئن كان السفر جبلاً يعبق بالهواء العليل فذلك موجود في بلادنا المحافظة، ولئن كانت السياحة سهولاً وبحراً عباباً فذلك موجود في ديارنا المسلمة، ولئن كانت السياحة علوماً تجتنى ومعارف تقتنى فالعالم الإسلامي هو ابن بجدتها، وهو منبع العلوم وموئلها، فلماذا الإصرار على السياحة في ديار الكفر والتثليث، والإلحاد والإباحية، دونما حاجة أو مصلحة أو ضرورة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا بريء من امرئ يقيم بين ظهراني المشركين))(رواه أبو داود والنسائي)، وقد استثنى العلماء من ذلك المجاهد في سبيل الله، والداعية إلى الله، والمسافر للعلاج أو لدراسة ما ينفع المسلمين أو للتجارة، كل ذلك مشروط بأن يكون مظهراً لدينه، قادراً على إقامة شعائره، قوي الإيمان وللضرورة حينئذ أحكامها.
وأنت يا من تهوى السياحة والسفر والترحال لا تنس حينما تدعوك المصلحة للسفر إلى ديار الكفار أو غيرها أنك سفير فوق العادة، تمثل دينك وأخلاق مجتمعك، فأنت تحمل مسؤولية عظيمة وهي أمانة تمثيل الإسلام، وبعض الناس كان سبباً في إعراض ونكسة أقوام عن هذا الدين شعر أم لم يشعر، فاحمل دينك بقوة، وأظهره بشجاعة قال - تعالى-: ((يا يحي خذ الكتاب بقوة))، وقال - سبحانه -: ((فخذها بقوة))، وقال - جل ذكره -: ((فاستمسك بالذي أوحي إليك)).
عباد الله: إن طائفة ممن يسافرون وللأسف الشديد يشوهون صورة الإسلام بسوء فعالهم وتصرفاتهم، يشوهونه عند من لا يعرف حقيقته، ويصدون عنه مَنْ يتطلع إليه ويريد الدخول فيه، ونتيجة لذلك خرج الكفار - والغرب بوجه أخص - بصورة قاتمة عن الإسلام والمسلمين، وأن الإسلام قمار وخمر، وغانية ولهو، وإسراف وبربرية؟! لأنه ظن أن هؤلاء يمثلون الإسلام، وهم سفراؤه، فيا هؤلاء كونوا خير السفراء، وبماذا يرجع إلينا هؤلاء المسافرون والسائحون؟! هل يرجع الواحد منهم لوطنه بالعلم والمال، وأسرار السلاح والتكنولوجيا، وبما ينفع الأمة في صراعها مع أعدائها؟ كلا بل يرجع محملاً بالإيدز والأدواء التي لا دواء لها!! يرجع مغسول العقل، ممسوخ الديانة، خائر القوى، وبجيوب فارغة!! وبعضهم يرجع إلينا في التوابيت ميتاً!!(16/5)
عباد الله: إن من المنكرات العظيمة التي تحدث بدعوى السياحة زيارة النُصب والأصنام والأوثان بدعوى أنها آثار تاريخية وإرث حضاري، وكذلك مشاهدة الألعاب السحرية كالسرك، وإتيان السحرة والكهنة والعرافين ومدعي علم الغيب من قارئي الكف والفنجان، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من أتى عرافاً فسأله فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) رواه مسلم، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) رواه أبو داود، ومن المنكرات التي تحدث في الإجازة والصيف إهمال الأولاد والبنين والبنات خاصة في السفر إلى المصايف، وعند المنتزهات والشاليهات، وتبدو صور الإهمال بجلاء في عدم أمرهم بالصلاة، وسهرهم المفرط، وإهمال أمر الستر والحجاب، فتجد المرأة تلبس العباءة الفاتنة كالعباءة المخصرة، أو الفرنسية، أو البنطال مما يجعلها فتنة للناظرين، وكذلك عدم تجنيبهم مواطن الفتنة والبلاء، فيزج بهم في أماكن يحدث فيها التبرج والسفور والاختلاط، يقولُ العلامةُ ابن باز - رحمهُ الله تعالى -: "السفرُ إلى البلادِ التي فيها الكُفر والضلال والحرية، وانتشارَ الفسادِ من الزنى وشُربِ الخمرِ وأنواعِ الكُفرِ والضلالِ فيهِ خطرٌ عظيمٌ على الرجلِ والمرأة، وكم من صالحٍ سافرَ ورجعَ فاسداً، وكم من مُسلمٍ رجعَ كافراً، فخطرُ السفرِ عظيمٌ، والواجبُ الحذرُ من السفرِ لبلادِهم، لا في شهرِ العسلِ ولا في غيره".
لقد أثبتت الدراسات أن كثيراً من الأمراض سببها السفر إلى الخارج، فقد ووُجِدَ في عيادةٍ واحدةٍ خاصة للأمراضِ التناسليةِ في السعوديةِ ما يُقارِبُ من مئةِ حالةٍ لمرضِ الهربس الجنسي مُعظَمُها لشبابٍ سافروا في الإجازةِ إلى أوروبا وأمريكا وجنوبَ شرقِ آسيا، وعادُوا منها بمرضِ الهِربس كما صرحَ بذلكَ أحدُ الأطباءِ السُعوديين لمجلةِ اليمامة!!، وقد حدثني أحد أطباء الأمراض التناسلية أن عيادته تزدهر بالمراجعين بعد نهاية فصل الصيف والإجازات!! كما أثبتتِ الدراساتُ الاجتماعيةُ أنَّ معظمَ مُتعاطي المُخدراتِ في السعوديةِ قد وقعُوا في تجربتِهم الأولى في رحلاتِهم السياحيةِ خارجَ السعودية!! ناهيكم عن تضييع الأهل والذرية في هذه الأسفار، وتعريضهم لمواطن الفساد والهلكة، ولسان حال الواحد منهم يقول:
وإذا سألتم عن أبي فأبي لهُ رسمٌ على بوابةِ السفراتِ
أرخى زمامي ثُمَّ راحَ يلُومني ويُهينني بقوارعِ الكلماتِ
أنا يا أبي الغالي ضحيةُ ثروةٍ فَتحت لقلبي أسوأَ الصفحاتِ
أغرقتني فيها وما راقبتَني وتركتنِي كالصيدِ في الفلواتِ
كم كُنتُ أبحثُ عنكَ يا أبتي فما ألقاكَ إلاَّ تائهُ النظراتِ
هلاَّ أبيتَ عليَّ أن أمشي إلى حتفي وأن أسعى إلى صبواتي
أرسلتَنِي للغربِ يا أبتي ولم تُشفق على عقلِي من السكراتِ
أنسيتَ أنَّ الغربَ سرُّ شقائنا وإليهِ تُنسبُ أبشعُ الآفاتِ(16/6)
فيا أيها الآباء والأولياء: الله الله في رعاية الأبناء ومن تحت أيديكم من النساء قال - تعالى-: ((يا أيها الذين قوا أنفسكم وأهاليكم ناراً))، واعلموا أنهم أمانة عندكم سوف تسألون عنها يقولُ - صلى الله عليه وسلم -: (كُلُكُم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيتهِ، فالإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيتهِ، والرجلُ راعٍ في أهلهِ ومسؤولٌ عن رعيتهِ، والمرأةُ في بيتِ زوجها راعيةً ومسؤولةً عن رعيتها) رواهُ البخاري ومسلم، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (كفى بالمرءِ إثماً أن يُضيِّعَ من يقوت) رواهُ أبو داود، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ الله سائلٌ كلُّ راعِ عمَّا استرعاهُ الله، حفظَ أم ضيَّعَ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتهِ) رواهُ ابن حبان، وحسنهُ الألباني، فأعد للسؤالِ جواباً، وللجوابِ صواباً.
ألا وإن من البلايا - عباد الله - ما أحدث في بعض الأماكن والمصايف من أمور منكرة كحفلات الأغاني الساهرة التي يجلب لها الفنانون والفنانات، وتعد لها المسارح الكبيرة، تلك الحفلات والمهرجانات والمناسبات التي عمودها الغناء وآلات المعازف، وخيمتها الغفلة عن ذكر الله - جل وعلا -، والغناء - يا عباد الله - من المحرمات التي استهان بها كثير من الناس إلا من عصم الله قال الله - تعالى-: ((ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم)) قال أكثر المفسرين: المراد بلهو الحديث في هذه الآية الغناء، ويحلف الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - بالله الذي لا إله إلا هو - ثلاث مرات - إنه الغناء، وكذا قالَ ابنُ عباس، وجابرُ، وعكرمةُ، وسعيد بنُ جبير، ومجاهدٌ ومكحول وغيرهم، (تفسير ابن كثير 3/703). قال الإمام أحمد: الغناء ينبت النفاق في القلب فلا يعجبني، وقال الفضيل بن عياض: الغناء رقية الزنا، واستماع الأغاني والمعازف سبب لأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة، قال ابن القيم: "والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارُب أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وفشت فيهم واشتغلوا بها إلا سلط الله عليهم العدو، وبُلو بالقحط والجدب، وولاة السوء" آهـ.
فتجنب - أخي المسلم - وجنب مَنْ تحت ولايتك مواقعَ اللهوِ والفسوقِ والعصيان كالحفلاتِ الغنائيةِ، والتجمُعاتِ المختلطة، فإنَّ اللهَ يُمهِلُ ولا يُهمل، وإنَّ اللهَ يَغَارُ وغيرتَهُ أن تُنتَهكَ حُرمَتَهُ يقولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: (في هذه الأمةِ خسفٌ ومسخٌ وقذف) فقالَ رجلٌ من المُسلمين: يا رسولَ اللهِ ومتى ذاك؟ قال: (إذا ظهرت القِيناتِ والمعازفِ، وشُربت الخُمور) رواهُ الترمذي وصححهُ الألباني، فلا تأمن من مكرِ اللهِ - تعالى-، ولا يأمن من مكرِ اللهِ إلاَّ القومُ الخاسرون.(16/7)
وفي السُنةِ النبويةِ تأكيدٌ على حُرمةِ الغناء ففي صحيحِ البخاري عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ليكُوننَّ من أمتي قومٌ يستحلونَ الحِرَ والحريرِ والخمرِ والمعازف)، وتأملوا كيفَ جُمعَ تحريمُ الغناءِ والمعازفِ مع تحريمِ الفروج، والحريرِ والخمر؟ وما فتئَ علماءُ الأمةِ الربانيون يُحذِرُونَ من فتنةِ وعبوديةِ الشهوات يقولُ الشافعي - رحمه الله -: "من لزمَ الشهواتِ لزمتهُ عبوديةُ أبناءِ الدنيا"(سير أعلام النبلاء 10/97)، ويقولُ ابنُ تيميةَ - رحمهُ الله -: "والعشقُ والشهواتُ إنَّما يُبتلى به أهلُ الإعراضِ عن الإخلاصِ لله، الذين فِيهم نوعٌ من الشركِ، وإلاَّ فأهلُ الإخلاصِ كما قال - تعالى- في حقِّ يوسفَ - عليه السلام -: ((كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلصِينَ))(سورة يوسف:24)(الفتاوى 15/421).
وأخيراً أحذر أخي المسلم، أختي المسلمة أن نكونَ ممن قالَ اللهُ فيهم: ((فَخَلفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلقَوْنَ غَيًّا))(سورة مريم:59).
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى سمع الله لمن دعا، والصلاة والسلام على النبى المجتبى، وآله وصحبه وعلى مَنْ على منهاجهم اقتفى, وبعد:
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
عباد الله: كلامنا عن السياحة والسفر والاصطياف لا يعني أن يكون المسلم نشازاً مع أهله، لا يرفههم ولا يدخل السعادة على قلوبهم!! هناك مجال للترفيه والراحة والتنزه ولكن بالسبل المباحة المأمونة التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع، هناك بدائل شرعية وبدائل مباحة ومن هذه البدائل:
- الذهاب للعمرة إلى بيت الله الحرام، أو زيارة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال - صلى الله عليه وسلم -: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجدَ الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضلُ من مئة ألف صلاة فيما سواه) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني.
- وكذلك السفر في بر الوالدين، وصلة الأرحام، وزيارة العلماء والصالحين في الله - تعالى-، وإجابة دعوات الأفراح والمناسبات التي ليس فيها منكرات قال - صلى الله عليه وسلم -: (من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم).
- وكذلك السفر لأجل الدعوة إلى الله قال - تعالى-: ((ومن أحسن قولاً ممن دعا على الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين))، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم))(16/8)
- ومن الأمور المعينة على استغلال الإجازة والفراغ - وهذا نوصي به الناس بعامة والشباب بخاصة - طلب العلم وتحصيله والسفر لأجله قال - صلى الله عليه وسلم -: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) رواه مسلم، ولقد كان السلف يرحلون في طلب العلم والمعرفة فهذا ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: "لو أعلم مكان أحد أعلم مني بكتاب الله تناله المطايا لأتيته" وقال البخاري - رحمه الله تعالى - في صحيحه: "رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد" أهـ، وقال الشعبي - رحمه الله -: "لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في سبيل كلمة تدله على هدى، أو ترده عن ردى؛ ما كان سفره ضائعاً" أهـ.
- وكذلك العناية بالقرآن الكريم والاشتغال به حفظاً وتلاوةً، وتعلماً وتعليماً قال - صلى الله عليه وسلم -: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
- ومن البدائل المتاحة والمتيسرة بحمد لله السياحة النقية، والنزهة البريئة إلى ربوع البلاد الإسلامية المحافظة التي تنعي أبناءها الذين هجروها، ويمكن للمسلم أن يجمع بين الراحة والعبادة، فيزور مكة، ويذهب للطائف، ومن ثم إلى جدة بشرط البعد عن مواطن الفتنة والبلاء.
- ويحمد لهذه البلاد المباركة المعطاءة ما وفرته من محاضن تربوية، وبرامج نافعة للجيل والشباب المسلم من حلق ومدارس لتحفيظ القران الكريم، وهاهي المراكز والنوادي الصيفية تأتي لتحفظ فلذات الأكباد من الضياع، ولتملأ الفراغ وتحرك الطاقات، وتستثمر القدرات...ألخ.
http://www.islamselect.com:المصدر(16/9)
إليك يا من عزمت على السفر إلى الخارج
عبد الرحمن الوهيبي
الحمد لله وبعد: لقد انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة سفر العائلات (الرجل وزوجته وأولاده ذكوراً وإناثاً) وقد يسافر الأبناء والبنات مع والدتهم دون والدهم وذلك لقضاء الإجازة في بلاد كافرة أو دول عربية التي تنتشر فيها المنكرات... فأصبح بعض بني قومي - هداهم الله - يتباهون بذلك ويفتخرون به بعد عودتهم لينشروا دعاية لتلك البلاد متجاهلين ما يترتب على السفر من مفاسد على الدين حيث ترتكب محرمات بحجة الضرورة كالتصوير ومفاسد على الأخلاق بما يرونه من أخلاق منحرفة وسلوكيات معوجة ومفاسد على العقيدة بما يقابلهم من شعوذة وسحر وكهانة كقراءة الكف ونحوها وقد قال: - صلى الله عيه وسلم - من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد- صلى الله عيه وسلم -، ومفاسد مالية حيث التبذير والإسراف في المباحات وكذلك في المحرمات كما يفعل كثير من الشباب حيث ينفقون على شهواتهم المحرمة الخمور والفواحش ودخول المراقص والملاهي الشيء الكثير.
لذا أصبحنا نرى في الأيام التي تسبق الإجازة ذهاب بعض الرجال بنسائه إلى محلات التصوير لتصويرهن (عند الرجال) بلا داع من حياء! أو زاجر من غيرة! أو حاجز من دين!! ليضعوا صورهن على جوازات السفر... والتصوير لهذا الغرض لا يجوز (كما يفتي علماؤنا) ولو كانت المصورة امرأة فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: {كل مصور في النار}، وقال: {من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ}، والسفر للنزهة والسياحة ليس ضرورة تبيح إرتكاب المحظور شرعاً. كما أن في بلادنا - ولله الحمد - من المناطق السياحية الجميلة ما يغني عن السفر للخارج كأبها والطائف وما حولهما.
والعجيب من كثير من المسافرين للخارج أنهم يحرضون غيرهم ويدعونهم تصريحاً أو تلميحاً للسفر بما ينشرونه من ثناء ومدح وبما يعودون به من صور متناسين قول المصطفى: {ومن سن سنة سيئة فعليها وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء} [رواه مسلم].
ومن صور مباهاتهم (شاهدنا في أمريكا... وزرنا في أوروبا... ودخلنا كنيسة في... والأعجب من ذلك أن بعض المسافرين شرقاً وغرباً ليس في برنامج إجازتهم وقت لزيارة مكة المكرمة وأداء العمرة، بل وقد يكونون من السائحين في الداخل؟
وقد سئل فضيلة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله - عن ظاهرة سفر العائلات لدول عربية أو غربية، آسيوية أو أوروبية أو أمريكية، ولأجل السفر لا بد من تصوير نفسه وأولاده وزوجته وأن الذي نعرفه من فتاوى علمائنا أن التصوير لا يجوز إلا للضرورة.(17/1)
مع ما في السفر لأي من تلك الدول من إضاعة للوقت وإنفاق للمال بكثرة في المباحات وربما المكروهات والمحرمات وكذلك سفور النساء وتبرجهن بكشف الوجه جزئياً أو كلياً، ومشاهدة أنواع المنكرات التي لم يتعودوا على رؤيتها في بلادهم مما يهون عليهم إرتكاب المحرمات ورؤية المنكرات فيما بعد. نرجو منكم إفادتنا عن حكم التصوير لذلك الغرض وهل يعتبر السفر للسياحة ضرورة تبيح للرجل تصوير زوجته ومحارمه. وكذلك السفر لتلك البلاد التي تنتشر فيها المنكرات المعلنة دون أن يكون لهم إستطاعة على إنكارها ولا على غض البصر عنها.. إلى آخر ما جاء في السؤال فأجاب فضيلته قائلاً:
حكم تصوير النساء ومفاسد السفر للخارج
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه:
وبعد فقد وردت أحاديث كثيرة في تحريم التصوير كقوله: {كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس فيعذبه في نار جهنم}، وقوله: {أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون}، وقوله: {من صور صورة كُلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ}، وقوله: {يقال لهم يوم القيامة أحيوا ما خلقتم} ونحوها من الأحاديث الصحيحة وهي عامة في كل التصوير منقوشة أو منحوتة أو مرسومة أو مجسدة أو لا ظل لها. وورد الأمر يطمس الصور وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة وحيث وجدت ضرورة في هذه الأزمنة لضبط الحدود والحقوق فقد رخص المشايخ والعلماء في الأشياء الضرورية كالحفائظ والجوازات، ونحوها لمن أراد السفر لعلاج، أو دراسة ضرورية أو نحوهما، فله أن يصور في الجواز لعدم التمكن إلا بذلك، فأما سفر السياحة والفرجة فليس من الضروري فأرى أنه لا يباح لأجله التصوير سيما السفر بالنساء والعوائل لأجل النزهة والتمشية فإنه يترتب عليه مفاسد كثيرة:
أولها: التصوير للمحارم بحيث يكشف عليهن رجال في الحدود ومداخل الدول مع تحريم كشف المرأة وجهها أمام الرجال الأجانب.
وثانيها: أن هذه الأسفار لا فائدة فيها أصلاً. بل هي إضاعة للوقت الثمين وذهاب للعمر في غير فائدة وإدعاء أن هذا من باب الإطلاع ومعرفة أحوال البلاد وما تحويه من المنافع ونحوها غير صحيح فإن المسافرين لها لا يجعلون سفرهم للعبرة والموعظة والتذكر وإنما يجعلونه لتسريح الأفكار وتقليب الأنظار.
وثالثها: ما في هذه الأسفار من إضاعة المال الذي ينفقه مثل هؤلاء وينتفع به قوم كفار هم أعداء للإسلام يقوون به على دعم الكفر والدعاية للأديان الباطلة وحرب الإسلام والمسلمين.
ورابعها: توسعهم في المباحات التي تشغل عن الطاعات وربما تناول الكثير من المكروهات وقد تجرهم إلى المحرمات فكثيراً ما نسمع أن أولئك المسافرين يقصدون الإباحية فيقعون في الزنا وشرب الخمور وسماع الأغاني وحضور مواضع الرقص والطرب ويصرفون في ذلك أموالاً طائلة في مقابل تناول المحرمات أو المكروهات ونفع أهل الكفر وحرب المسلمين.(17/2)
وخامسها: وقوع نساء المؤمنين في مخالفة الشرع حيث أن المرأة المسلمة تخلع جلباب الحياء وتكشف وجهها ورأسها وتبدي زينتها وتقلد نساء الكفار بحجة أنها لا تقدر على التستر بين نساء متبرجات فتقع في المعصية وتتشبه بالكافرات أو العاصيات ولا يقدر وليها على ردعها.
وسادسها: أن في السفر إلى تلك البلاد لغير ضرورة وسيلة إلى فعل المعاصي أو إحتقار المسلمين وإزدرائهم بحيث يسب التعاليم الإسلامية ويعظم قدر الكفار في القلوب، فننصح المسلم أن يحفظ نفسه وعقله ونساءه وأمواله ودينه ودنياه وأن لا يسافر إلا لضرورة شديدة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. [عبد الرحمن الجبرين: 18 / 2 / 1419 هـ].
أما مفاسد السفر للخارج سواءً كانت لدول أجنبية أو عربية فهي ومع تفاوت المنكرات كثيرة ومنها:
1) الإعجاب بالكفار (إذا كان السفر لبلاد كافرة) وبالتالي مدحهم والثناء عليهم بعد العودة وهذا وإن كان أقل من مدح المسلمين فهو حرام كما قال الشيخ إبن عثيمين. قال - تعالى -: لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... [المجادلة: 22].
2) أن كثير من المسافرين تعلقوا ببعض مقتنيات الكفار وملابسهم فجلبوها وافتخروا بلبسها وإن شئت فانظر إلى إنتشار لبس القبعات بين الشباب والسراويل القصيرة وأنواع البنطلونات بين النساء والفانيلات التي تحمل العبارات الأجنبية وغيرها.
3) نزع النساء للحجاب بكشف الوجه أو جزء منه بلا حياء لأن (الزوج أو الأب أو الأخ) رضي أو أمر مما نتج عنه تضايقهن من تغطية الوجه عند العودة لهذه البلاد مما أدى إلى ظهور موضة اللثام والنقاب بأنواعه ولا من شهم يغار، ولله در القائل:
ما كانت العذراء لتبدي سترها *** لو كان في هذي الجموع رجال!!
4) رؤية الأبناء والبنات المناظر المحرمة والمنكرات الظاهرة إبتداءً من المطارات، وعدم تجنب الأب أولاده لتلك المناظر يعتبر من سوء التربية وتعريضهم للفتنة فبئست والله التربية ويا لقبح هذا الصنيع الذي يعده بعض الآباء مكافأةً لأبنائه على نجاحهم.
قال - عليه الصلاة والسلام -: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} [متفق عليه]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: {إن الله سائل كل راع عما إسترعاه أحفظ أم ضيع} فهل نسي هؤلاء يوم السؤال والحساب؟
5) عدم الإنكار على من يفارقون الكبائر من الذنوب فضلاً عن الصغائر وهذا ترك لواجب يأثم به المسلم. مع عدم إستطاعة الآباء غض أبصارهم ولا أولادهم والنتيجة معلومة مرض للقلب وإثارة للشهوة وإستمراء للمنكرات وتعرض للعقوبات دنياً وأخرى.
6) نزع وخدش حياء الفتيات (خاصةً) بما يرينه من مشاهد فاتنة ومناظر مخجلة وتصرفات بهيمية، والنتيجة تشهد بها أحوال العائدات من السفر، فبالله عليك يا ولي الأمر هل سيعود الحياء للفتيات هنا بعد أن نزع هناك؟؟ فالله المستعان.(17/3)
7) تعود الشباب والفتيات على ما يحرم فعله شرعاً وتمنع ممارسته، كشرب الخمور ولعب القمار، ودخول الملاهي، والاختلاط، والرقص، واللباس شبه العاري للنساء، وقيادة النساء للسيارة، وحضور المباريات والمصارعة، وغيرها مما يجعلهم عند عودتهم يسخطون على بلادهم لخلوها من ذلك الذي يزعمونه تقدماً حضارياً وهو في الحقيقة انحطاط وتدهور أخلاقي وفساد اجتماعي ولكن صدق الله إذ يقول: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46].
8) تعلق قلوب الأبناء والبنات بل والزوجات بتلك البلدان مجاورةً كانت أو بعيدة، عربيةً أو أجنبية، بدليل أنك ترى من ذهب مرة واحدة لم يستطع ترك السفر بعد ذلك مهما كلفه الأمر حتى ظهرت في المجتمع فئة (المدمنون على السفر).
9) التساهل بعد العودة بالمنكرات في مجتمعهم لأن هؤلاء المسافرين فعلوا ورأوا ووجدوا أعظم منها في تلك البلاد فمن كشفت وجهها هناك ستستهجن من يأمرها بغطاء عينيها. ومن شرب الخمر هناك ينكر على ما يناصحه عن التدخين وهكذا، فاللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، واهدهم للحق يا أرحم الراحمين.
10) الثناء على اعتدال الجو في تلك البلدان والتسخط من جو هذه البلاد مما يوقع في سب الدهر.
أما فيما يتعلق بسفر الشباب خاصة بعد الزواج أو في الإجازات فإليك أخي المسلم ما تفضل به فضيلة الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان فيما يتعلق بالشباب الذين يسافرون بزوجاتهم وموقف أولياء أمور الفتيات من سفرهن مع أزواجهن فإليك أخي القاريء الأسئلة وأجوبتها:
فضيلة الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء - حفظه الله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد:
مما ابتلي به بعض شباب المسلمين في هذه الأزمنة السفر للخارج بعد زواجهم أو في الإجازات للنزهة والسياحة كما يزعمون حتى بعض أبناء الأسر المحافظة. رغم قيام الحجة عليهم بانتشار فتاوى العلماء في بيان حكم ذلك وأنه لا يجوز لتلك الأسباب... لذا نرجو التكرم بالإجابة على الأسئلة التالية ليعرف الآباء والأمهات واجبهم تجاه أبنائهم وبناتهم.
أولاً: إذا علم الأب أن ابنه سيسافر للخارج بعد زواجه فهل يجب عليه وجوباً أن يمنعه؟ وما الدليل على ذلك.
الجواب: يجب على الأب أن يمنع ابنه من السفر إلى الخارج إذا كان سفره لمجرد النزهة إذا كان يقدر على منعه لما في السفر من الضرر على دينه وعلى نفسه. وإن كان لا يستطيع منعه، فعليه بمناصحته وعدم إمداده بالمال لأن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان.
ثانياً: إذا علم والد الزوجة أن زوج ابنته سيسافر بها بعد الزواج مباشرة للخارج فهل يجب عليه أن يمنعها؟. وهل تجب عليها طاعة والدها بعدم السفر أم طاعة زوجها بالسفر للخارج للنزهة والترفيه؟
الجواب: لأبي الزوجة أن يمنعها من السفر إلى الخارج مع زوجها إذا كان السفر لمجرد النزهة وعلى الزوجة أن لا تطيع زوجها في ذلك السفر لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.(17/4)
ثالثاً: هل ترون أن على كل ولي الاشتراط عند عقد زواج ابنته ألا يسافر بها زوجها للخارج لكثرة انتشار هذه الفتنة والإعجاب بالدول الغربية الكافرة أو غيرها من الدول التي لا تحكم الشريعة؟
الجواب: نعم لولي المرأة أن يشترط عند عقد نكاحها أن لا يسافر بها إلى الخارج لمجرد النزهة لأن هذا الشرط من مصلحتها.
رابعاً: ما نصيحتكم للشباب المهزومين نفسياً أمام حضارة الغرب والمبهورين بتقدمها الصناعي المادي والذين يعتبرون السفر للخارج مفخرة يفتخرون بها خاصة بعد الزواج؟
الجواب: ننصحهم بتقوى الله والامتناع من هذا السفر لما فيه من الأخطار والأضرار الدينية والدنيوية وأن لا يغرهم ما عند الكفار من زهرة الحياة الدنيا فما عند الله للمؤمنين خير وأبقى.
خامساً: هل يشرع للمسلم إجابة دعوة الوليمة التي تقام للعائدين من الخارج بعد قضاء الإجازات أو أيام ما بعد الزواج حيث يستقبلون بالولائم المتتالية أم لا تجاب الدعوة لكونهم قادمين من سفر لا يجوز؟
الجواب: لا يستحسن إجابة الدعوة للوليمة التي تقام للقادم من سفر محرم لما في ذلك من تشجيعه والرضا بفعله، بل ينبغي هجره زجراً له ولأمثاله. [انتهى كلام فضيلة الشيخ].
ختاماً عزيزي ولي الأمر: يا من يعتز بدينه ويفتخر برجولته وقوامته: إن إلغاء قرار السفر والندم الآن وعدم الإستجابة للزوجة والأولاد (أهون) من الندم يوم القيامة على غش الرعية وخيانة الأمانة وإضاعة المسؤلية...
قارن أيها المسلم العاقل.. ثم فكر ثم قرر فأنت وحدك المسؤل غداً: يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ [الشعراء: 85]. يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ [عبس: 34] اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
http://www.kalemat.org المصدر:(17/5)
الإجازة الصيفية .. وقضية السفر للخارج
انتهى موسم الامتحانات لدى أبنائنا في المدارس، وبدأت الأسر تستنشق نسيم الراحة بعد موسم كامل من الكد والتعب وبذل الجهد.
ولا شك أن حاجة الجسم إلى الراحة بعد الكد، وإلى الهدوء بعد الضجيج، وإلى نوع استرخاء واستجمام بعد عام من الشد العصبي والضغط النفسي، والجهد البدني؛ هو من الأمور المسلّمة التي لا ينكرها إلا مكابر أو جاهل.
والإسلام في حقيقته لم يفرض على الناس أن يكون كلُّ كَلامهم ذكرًا، ولا كلُّ شرودهم فكرًا، ولا كل أوقاتهم صلاة وعبادة؛ بل جعل للنفس شيئًا من الترويح والإراحة المنضبطين بشرعة الإسلام.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لحنظلة: "ساعة وساعة".
وقال على فيما ذكره عنه الإمام ابن عبد البر: "أجمُّوا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكمة؛ فإنها تمل كما تمل الأبدان".
ومع بداية الإجازة من كل عام تطرق أبواب مجتمعاتنا قضية هامة لا ينبغي أن تفوت دون انتباه لقوة تأثيرها على الأفراد والمجتمعات، بل وفي كثير من الأحيان على ثقافة الأمة كلها، ففي مثل هذا الوقت من كل عام نرى كثيرا من الناس قد جمعوا أغراضهم، وحزموا حقائبهم، وهيئوا أنفسهم عازمين على السفر شرقًا أو غربًا، إما طلبًا للراحة والاستجمام، وإما طلبًا للنزهة والسياحة، وإما طلبًا للهو واللعب، وإما طلبًا لأمور يعلمها الله - عز وجل -. وإلى كل هؤلاء نقول: قبل أن ترفعوا أقدامكم عن بلدكم لتضعوها شرقًا أو غربًا تعالوا بنا لنقف وقفة صادقة نزن فيها الأمر على ميزان الشرع المطهر مرورًا بأمور لابد أن نذكرها، ولابد أن نتذكرها جيدًا:
أولاً: مهمة الإنسان في هذه الحياة:
لماذا خلقك الله؟ ولماذا أوجدك في هذه الحياة؟ يجيبك الله - عز وجل - فيقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: 56].
إذن فالله خلقك لعبادته، ومن أجل تلك العبودية سخر لك ما في السماوات وما في الأرض، وأرسل إليك الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وخلق الجنة والنار، ونصب الميزان، وضرب الصراط.
وإن من أعظم الظلم بعد كل هذا أن تظن أنك خلقت عبثًا أو أنك ستترك سدى دون حساب أو مساءلة - حاشا لله -: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115].
فالمسلم في هذه الحياة ليس حرًّا يفعل ما يهواه، وإنما هو عبد لله، والعبد ليس له تصرف في نفسه وإنما أمره بيد سيده ومالكه، لا يفعل شيئًا إلا بأمره، ولا يتحرك إلا من خلال طاعته وحكمه. فإذا علمت هذا وأيقنت أنك عبد لله، وجب عليك أن تكون كل حركاتك وسكناتك في طاعته، ووجب عليك أن تستغل كل ما أفاء به عليك للقيام بحق عبوديته: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام: 162].
فيا من عزمت على السفر انظر أولاً هل هذا السفر يقربك من الله ويدنيك من الجنة؟ أم أنه يبعدك عن الله ويقربك من النار؟ فإذا علمت فاختر لنفسك ما تشاء.
ثانيًا: الوقت هو الحياة:(18/1)
فالوقت هو رأس مال المسلم الذي يتاجر فيه مع ربه، ويطلب به السعادة في الدنيا والآخرة، وكل جزء يفوت من هذا الوقت خاليًا من العمل الصالح يفوت على العبد من السعادة بقدره.
ولذلك كان السلف - رضي الله عنهم - لا يفرطون في ساعة ولا في لحظة، بل ولا في نفس.
قال رجل لعامر بن قيس: قف أكلمك. قال: لولا أني أبادر لوقفت. قال: وماذا تبادر؟ قال: أبادر طلوع روحي.
وصدق - رحمه الله - فإن الوقت لا يقف محايدًا أبدًا؛ فهو إما صديق ودود ينفعك ويسرك، وإما عدو لدود يحزنك ويضرك.
قالت رابعة لسفيان: يا سفيان! إنما أنت أيام، فإذا مضى يوم مضى بعضك.
إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى يدني من الأجل
يسر المرء ما ذهب الليالي *** وكان ذهابهن له ذهابًا
يقول ابن الجوزي: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقيمة وقته فلا يضيع منه لحظة في غير قربة.
وقال علي - رضي الله عنه -: بقية عمر المرء ما لها ثمن يدرك بها ما فات ويحيي بها ما أمات.
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز *** عليه من الإنفاق في غير واجب
قال الحسن البصري: وقذتني كلمات سمعتها من الحجاج؛ سمعته يقول: إن امرءًا ذهبت ساعة من عمره من غير ما خلق له لحري به أن تطول حسرته يوم القيامة.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله - عز وجل - فيها".
وساعة الذكر فاعلم ثورة وغنى *** وساعة اللهو إفلاس وفاقات
فالمسلم ليس عنده وقت فراغ، وإنما وقته كله مشغول بطاعة ربه وعبادة مولاه، العبادة بمعناها الشامل والواسع، وإنما يكون الفراغ عن البطالين الذين لا يعرفون للوقت قيمة ولا للعمر قدرًا.
ثالثًا: لا مانع من الترويح المباح
إن الإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروحوا عن أنفسهم، ولا أن يدخلوا السرور على أهليهم وأولادهم طالما كان هذا الترويح في حدود الشرع وتحت قواعد الدين فلا غضاضة فيه، بل قد يكون مطلوبة في بعض الأحيان.
وقد سابق النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي زوجته أُمّنا عائشة - رضي الله عنها -، فسبقته، ثم سابقها مرة أخرى فسبقها؛ فقال: "هذه بتلك".
فالترويح جائز طالما كان منضبطًا بهدي الإسلام، أما إذا كان مما يضعف الإيمان ويهز العقيدة ويخدش الفضيلة ويوقع في الرذيلة؛ فهذا مما لا يقبله العقل ولا يقره الدين.
رابعًا: للسفر آداب وقواعد
إن السفر في الإسلام لا بأس به، ولكن له حدود مرعية وقواعد شرعية منها:
- أن يكون إلى بلد من بلاد الإسلام؛ حيث يأمن المرء على نفسه وعرضه وماله، وحيث يستطيع أن يظهر شعائر دينه.
- وبشرط ألا يكون سفر معصية.
فالسفر في هذه الحال إن كان لأمر مباح فهو جائز شرعًا - إن شاء الله -.
وأما السفر إلى بلاد الكفر؛ فهذا مما منعه الإسلام وحرمه إلا بشروط شديدة:
أولها: أن يكون لضرورة شرعية: كمرض لا علاج له إلا في تلك البلاد، أو علم لا يوجد إلا عندهم، وهو مما يحتاج له الإسلام، أو أي ضرورة أخرى معتبرة في شريعة رب الأرض والسماء.
ثانيها: أن يكون عند المسافر من العلم ما يحفظه ممن ورود الشبهات وهي كثيرة عند هؤلاء.(18/2)
ثالثها: أن يكون عنده من التقوى والخوف من الله ما يردعه عن الوقوع في الشهوات.
وبعد النظر في تلك الشروط تجد أن أكثر المسافرين إلى تلك البلاد لم تتوفر لهم هذه الشروط، وأنهم آثمون بسفرهم ومخالفتهم أمر ربهم.
إن قاعدة سد الذرائع ودرء المفاسد من قواعد الدين العظيمة، فلما كان السفر إلى تلك البقاع الموبوءة والمستنقعات المشبوهة مما يسبب وقوع كثير من المسلمين في الخنا والزنا والفجور وشرب الخمور لتوفر هذه الأمور في تلك البقاع، إذ لا دين عندهم يمنعهم ولا أخلاق تردعهم، فلما كان الأمر كذلك جاء الشرع الحكيم ليسد هذا الباب الخطير حفظًا للدين وصيانة للأعراض؛ فالحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: 26-28].
فإن كل ذي عقل وإنصاف لابد وأن يقر للإسلام بالحكمة في منع سفر أهله إلى بلاد الكفر حفاظًا عليهم من الوقوع في تلك البلايا التي ذكرناها، وكذلك حماية لهم من مفاسد السفر التي تعود على الجميع ومن هذه المفاسد:
1- تنكر كثير من الناس للدين ورفضهم تعاليمه:
وركونهم إلى قوانين الغرب وأساليب حياتهم حتى أصبح من شباب المسلمين من يضع المساحيق على وجهه وأحمر الشفاه تشبَّهًا بهؤلاء المخنثين من الغربيين، مع محبة الخنا والزنا، والسعي وراء الشهوات وطلب المنكرات مما يزيد هذا البلاء في بلاد المسلمين فيعرض الجميع لسخط العزيز الجبار.
2- تذمر الفتيات من الحجاب والدعوة إلى التفسخ والسفور:
فهي تريد أن تكون مثل هذه التي رأتها تمشي بين الرجال تجالسهم وتضاحكهم وتمازحهم، مظهرة زينتها وفتنتها، ولقد بدأ هذا يفشو بين نسائنا، فبدأت الوجوه تظهر بكثرة، وبدأ الحجاب ينسحب رويدًا رويدًا، وإلى الله نشكو ضياع الأمة وموت عمر.
3- تلاشي مفهوم الولاء والبراء:
بين المسلمين والكافرين، وارتفاع بغضهم من قلوب المسافرين، نتيجة للمخالطة والمعاشرة، وفي هذا ضياع الجهاد والدعوة للإسلام، بل والدفاع عنه إذا اقتضى الأمر ودعت الضرورة.
4-التعود على رؤية المنكر:
وهذه أكبر المصائب لأن كثرة مشاهدة المنكرات تجعل المرء يعتاد عليها حتى تصبح أمرًا هينًا في عينه لا يتأثر بها قلبه ولا تشمئز لها نفسه، بل ولا يستحي بعد ذلك أن يراه الناس على شيء منها، وفي هذا فشو المعاصي وانتشار المنكرات مما يؤذن بخراب البلاد ودمار العباد.
ولا تتوقف مفاسد هذا السفر على هذه الأمور ولكنها من أهمها ومن هنا نعرف صدق كلام ابن الجوزي - رحمه الله - حين قال: السياحة في الأرض لا لمقصود شرعي كعلم أو دعوة أو نحو ذلك منهي عنها".
فإذا كان هذا قولهم في السياحة التي لا معصية فيها، فكيف بسياحة التحلل والتفسخ؟.(18/3)
نسأل الله أن يجعلها أجازة مباركة مليئة بطاعة الله ومقربة إلى رضوانه...آمين.
http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?lang=A&id=133642(18/4)
الإجازة الصيفية أفكار وأراء
أبو عبدالله التويجري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
فقد طلب مني بعض إخواننا في الحي أن أقدم ورقة حول الإجازة فكتبتها على جهة السرعة ورغب إلي بعض الأخوة نشرها وهي ضميمة إلى جهودٍ متتابعة في هذا المجال.
من المعلوم لكل مسلم أن حياته مجال عمله ومزرعة آخرته فحياته لها معنى يختلف عن البهائم والأنعام ومن هم على شاكلتها أو أضل لذا لا يصح أن يوجد في قاموسه أو جدول أعماله ـ انقطاع أو توقف ـ فهو وإن توقف عن عمل نظامي أو بدني فإن قلبه ولسانه وفكره يكون عامراً بمعالي الأمور..وهو كذلك يعلم أن الصحف التي يكتب بها الملائكة لن تتوقف مادام له نفس يتردد أو عقل سليم.
والناس تجاه الإجازة لهم مذاهب في الأسلوب الذي يقضونها فيه، فهناك من يقف نفسه لطلب العلم واستثمار الفرص المتاحة في ذلك، ومنهم من ينفر في سبيل الله للدعوة وتعليم الناس ما يخفى عليهم.
ومنهم من يضرب في الأرض ابتغاء التجارة.
ومنهم من يذهب بعائلته إلى البلاد المقدسة.
ومنهم من يذهب بعائلته سياحة في أرجاء البلاد.
ولا شك أن لكل قوم ما يناسبهم ويلائم طرائقهم، لكن يجب تحري الشرع في كل ذلك وفق كل مطلب يقصده الإنسان.
وحول تلك الأمور أقدم بعض النصائح التي أراها مناسبة وهي تسمو بما لدى الأخوة من إضافات وقدرة فائقة على التطبيق.
1ـ تذكر فقه الأولويات وترتيبها حسب الأهمية وتنبه إلى مسألة أن ليس كل ملح عليك هو الأهم في حياتك وعلى أية حال تذكر أهمية التوازن في أخذ الأمور والاعتدال فهو أحد علامات النجاح والاستمرار.
2ـ اقرأ حول الموضوع سواء من الكتب أو المقالات أو استماع الأشرطة التي تخدم في رسم البرنامج والاستفادة من الوقت وعلى سبيل المثال (فتاوى وتوجيهات في الإجازة والرحلات) لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله -، و(ترتيب الأولويات طريق النجاح) لـ د. عبداللطيف الخياط، و(الفوضوية في حياتنا) عادل بن محمد العبد العالي، و(125 طريقة لحفظ الوقت) محمد بن صالح العبدالله، و(وصايا الأباء للأبناء) د. محمود شاكر سعيد.. وغيرها.
3ـ المحافظة على الرصيد العاطفي، إذ هناك من يحسن على عياله فترة الإجازة ويقدم لهم كثيراً من الخدمات.. ولكن يختم ذلك بنوع من التعامل الفظ الغليظ الذي يسحب كل ما لديه من أرصدة سابقة، وانظر في ذلك مقال لفضيلة الشيخ د. يحيى اليحيى في موقع (طيبة).
4ـ الترفيه المشروط، وأعني بذلك تضمين الترفيه والنزهة أهدافاً سامية واستثمار الأحداث التي يمر بها الإنسان والتعليق على المواقف سلباً أو إيجاباً، وأن لا تمر الأوضاع والحالات الاجتماعية دون فحص وتحقيق مع الدوافع والأسباب والنتائج.(19/1)
5ـ لا تخاطر برأس مالك، قد تأخذ بعض الأخوة عاطفة الأبوة ويغلب عليه الحنان فيجره ذلك إلى نوع من إمتاع الأهل بتعريضهم لبعض أماكن الفتن والشهوات، وقد يكون غافلاً عن الصور التي سوف تثبت في مخيلتهم والآثار السلبية التي تعلق في أذهانهم واكتساب بعض الانحرافات السلوكية، خاصة وأن هناك فئات من الشباب ومن في حكمهم ممن تأخرت مرحلة المراهقة عندهم لديهم سوء خلق وقلة حياء تجعلهم لا يقيمون للشرع ولا لغيره كبير اهتمام، بل وقد تصل الوقاحة إلى مضايقة الآخرين وإسماعهم ما يكرهون، فلا تعرض نفسك لإهانة هؤلاء السوقة والحثالة، (فلا يورد مصح على ممرض).
6ـ قبل أن تذهب ـ قف قليلاً ـ وتذكر هل تركت والديك أو أحدهما وذهبت لإيناس أولادك؟ هل خلّفت من يقوم برعاية مصالحك؟ هل أشعرت الجيران وكنت على تواصل معهم في سفرك؟.
وحاشاك أن تذهب مع الرفاق والأصحاب وتترك الأهل والذرية هملاً تتقاذفهم أمواج الفتن وأصحاب الأهواء والشهوات.
ومن رعى غنماً بأرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد
7ـ إياك وأسر العادة والشهوات والمألوفات، كم هم الذين يملكون قرارهم، لكن بعقل وإقناع ومشاركة للآخرين وكم هم الذين أوقعوا أنفسهم في شباك من العادات التي فرضوها على أنفسهم، والتزموا بها وأسسوا عليها اقتصادياتهم وعلاقاتهم فإذا نازعهم أحد على تعديل البرنامج أو تخلف بعض المحاور وجدت الانهزام أمام سور وهمي من التعارف على نمط معين من الأساليب والمطلوب أن يكون الإنسان جريئاً في التراجع عن الخطأ، جاداً في البحث عن طرائق أكثر إيجابية.
8ـ عند السياحة أو التنزه لاحظ مسألة الفروق الفردية بين الكبار والصغار والرجل والمرأة وكذلك ما جبلت عليه بعض النفوس، فإنه ليس من الحكمة حمل الناس على نمط معين من الترفيه أو السياحة.. ومن المهم استطلاع الرأس سلفاً وتداول بعض النقاط الترفيهية في الموضوع (جهةً، وقتاً، وسيلةً).
9ـ خذ كفايتك من النفقة لئلا تكون عالة على الآخرين من غير سرفٍ ولا مخيلة.
10ـ عند رسم البرنامج لأي مشروع ضع في الاعتبار العوائق والعوارض لتجعل فيه مرونة تمكنك من تطبيق ما تيسر من غير خلل.
11ـ قد يكون في المناطق التي تريد السفر إليها مناشط وبرامج دعوية أو علمية فمن الممكن المشاركة فيها وهي من ضمن منافع السفر، وإياك والتجمعات التي فيها منكرات أو الدخول في الهيشات.
هذا الحديث لمن ساح في الداخل وقد يفيد منه من أراد السياحة في الخارج ولهم حديث خاص يأتي إن شاء الله.
16/3/1423هـ
http://www.saaid.net المصدر:(19/2)
الإجازة الصيفية بين المتعة والفائدة..
تحقيق ـ سلام شرابي
أخيراً هلّت علينا شهور الإجازة وقد ودعنا المدارس والكراسات والكتب المدرسية وأغلقنا الباب وراء الاستيقاظ باكراً والنوم مع العصافير.. وفتحنا الأبواب على مصراعيها للرحلات والزيارات، للأعراس والسهر. تروج هذه الكلمات في أيامنا هذه وقد سمعتها من عدد من الفتيات وأنا أوزع لهن استبياناً حول الإجازة الصيفية ومدى الاستفادة منها..
لقد عكست نتائج الاستبيان الذي أجراه موقع (لها أون لاين) على مائة فتاة تراوحت أعمارهن بين 15 إلى 24 سنة في المراحل المتوسطة والثانوية والجامعيات.. واقع الإجازة لدى بناتنا وأسرهم.
ريشة في مهب الريح
من الصعب أن يترك الإنسان نفسه كريشة في مهب الريح، أينما تأخذه الرياح يمضي؛ إذ لابد من تخطيط لحياته يسير وفقه.. وفي الاستبيان الذي أجريناه كان الردُ على سؤالنا حول وجود تخطيط معين لقضاء الإجازة بأن 60% من العينة ليس بذهنهن أي مخطط لقضاء الإجازة الصيفية بينما 40% لديهن مخطط يسعون إلى تنفيذه.
وبالإجابة عمن هو المسئول عن التخطيط للإجازة الصيفية في الأسرة أجابت 33.3% منهن أنه ليس هناك مُخطَط ولا مُخطِط، بينما 26.6 قلن أنهن من يخططن كيفية قضاء أجازتهن، و13.3 كان الأب والأم هما من يضعان خطة الإجازة لأبنائهما، و6.6 كان الأب فقط من يخطط، ومثلها 6.6 الأم من تخطط، و6.6 بالاتفاق مع الأصدقاء.
كيف تقضين إجازتك
وعند سؤالنا عن كيفية قضاء الإجازة تنوعت الإجابات وغلبت السلبيةُ الإيجابيةَ في الاستفادة من أوقات الإجازة.
50% من الإجابات قالت بأنه لا شيء محدد تنوي فعله أو تفكر فيه وهي تعيش أيام الإجازة يوماً بيوم.
و 30% قالت أنها ستسافر لتستمتع بالإجازة، ومنهن من قالت أنها ستقضي إجازتها في التسوق وأخرى في المناسبات والأفراح، فيما بلغت نسبة من رغبن بالالتحاق بدورات كمبيوتر وإنكليزي أو تعلم الطبخ أو مركز صيفي 10% من العينة فقط.
كما تنوعت الإجابات حول كيفية قضاء ـ عينة الاستبيان ـ لإجازتهم الصيفية في السنوات الماضية، وكانت في غالبيتها إضاعة للوقت (أعراس، نوم، سهر، هبال ووناسة ـ حسب تعبير البعض ـ، كوفي شوب، التسوق، الملاهي، مشاهدة التلفاز).
وبلغت النسبة 5% فقط لمن يصلن رحمهن أو يلتحقن بدورات ومنتديات أو مراكز صيفية.
وعند المقارنة بين حال أفراد العينة في إجازتهم الماضية وما ينوون فعله في الإجازة الحالية تبين أن منهن من غيرت طريقة تفكيرها في قضاء الإجازة من التسلية وإضاعة الوقت إلى الحرص على استغلال الإجازة والاستفادة منها وهي نسبة قليلة جداً لكنها موجودة حيث جاء في إحدى الإجابات عن سؤالنا كيف أمضيت إجازتك الصيفية الماضية: "العلم عند الله.. لكن بالتخطيط سألتحق بمراكز للمواهب هذه السنة ولن تكون كسابقاتها..".
---------
نتائج استطلاع أجراه موقع لها أون لاين..
---------
فوق الغيوم
وعن سؤالنا هل تودين السفر في أيام الإجازة كانت النسبة الأكبر 86.6% من العينة ممن يرغبن في السفر، بينما 13.33% فقط لا يفضلن السفر وترك بيوتهم.(20/1)
وبلغت نسبة من يفضلن السياحة خارج المملكة 33.3 ومن الأسباب التي ذكرنها الرغبة في الاستمتاع بالطبيعة والإطلاع على عادات وثقافات الغير وزيارة أماكن جديدة.
وبلغت نسبة من فضلن السياحة في المملكة 26.3% وأسبابهن: المساهمة في دعم السياحة في الداخل، حيث أجابت إحداهن: "لماذا أدعم السياحة في الخارج وبلادنا أولى بذلك؟!".
وأخرى أجابت بأنها لا تحب زيارة بلاد الكفار.. وقالت ثانية بأن المعاصي المنتشرة في الخارج ستنغص عليها استمتاعها بالطبيعة، فلمَ السفر إذًاً؟!.
و 33.3% من الفتيات رغبن في الاثنين معاً (الداخلية والخارجية) المهم أن يحلقن فوق الغيوم.
وعن النوم في النهار والسهر في الليل أيام الإجازة أجابت 46% أنهن ينامون النهار ويسهرون الليل، بينما 46% قالت: لا.. الليل للنوم والنهار للاستمتاع والزيارات، و13% قالت أحياناً نسهر الليل وأحياناً ننامه.
ولدى سؤالنا عن التسجيل في الدورات كانت النسبة الأكبر لمن لم يسجلن ولا يرغبن بالتسجيل في أية دورة وقلن أن الإجازة للراحة فقط …
بينما اهتمت النسبة الأقل بالتسجيل في دورات بالحاسب والإنكليزي ومنهن من التحقت بدور تحفيظ القرآن والتدرب على نشر الدعوة عبر الانترنت.
القدوة الحسنة
ولعل نتيجة الاستبيان و النسب الماضية تشير بوضوح إلى ضياع ثلاثة أشهر على الأقل من كل سنة من عمر أبنائنا دون الاستفادة منها، هذا إن لم تعد هذه الأشهر ببعض العادات السلبية على الفرد وبالتالي الأسرة ككل، حول ذلك التقينا بالتربوية هدى حواس الجاسم "أستاذة التربية وعلم النفس" التي حدثتنا عن أهمية تربية أولادنا على الاستفادة من أيام الإجازة فتقول:
إن أهم ما يميز الإجازة هو امتلاكنا للوقت فيها والذي يمكن أن نوظفه بطريقة نستفيد فيها منه، و نربي أولادنا على ذلك، فمن المعروف أن الإجازة هي وقت فراغ، وعلينا أن نربيهم أولاً على الاستفادة من وقت الفراغ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" (رواه البخاري).
ولا تأتي تربيتنا لأولادنا على حسن استغلال الإجازة في وقت الإجازة فقط، بل إن هذه التربية تسبقها في أي وقت فراغ آخر، فعلى سبيل المثال يوم الجمعة يمكن الاستفادة منه، وكذلك أيام الأعياد، وحتى في أوقات المدرسة يوجد وقت فراغ يجب الاستفادة منه، فإن نحن عودنا أولادنا على أن يتم استغلال وقت الفراغ على مدار السنة في العبادة، كارتياد المساجد مثلاً، فإن هذا سينعكس على سلوكهم في الإجازة الصيفية.
كما علينا أن نحرص كل الحرص على أن نكون لأولادنا القدوة الحسنة في الاستفادة من الإجازة؛ لأن الأولاد يُقلّدون الآباء والأمهات في كل شيء تقريباً، فبقدر ما نستفيد نحن من إجازتنا بشكل يرضي الله عز وجل، ونبتعد عن معاصيه، بقدر ما ينعكس ذلك على سلوك أفراد الأسرة.(20/2)
نقطة أخرى أحب أن أذكرها هنا، وهي أن رفاق السوء يعتبرون من أهم المؤثرات المباشرة على طريقة قضاء الإجازة لأولادنا، فعندما يحدثهم أصدقاؤهم عن رحلة في الدول الأوروبية مثلاً وما فيها من لهو.. فإنهم سينشئون وفي قلوبهم شغف لارتياد هذه الأماكن، وكذلك إذا حدثهم زميل لهم عن قضاء قسم من الإجازة في مكة المكرمة، أو في صلة الرحم، واجتماعات الأسرة الكبيرة، فإنهم سيحبون ذلك.
وسألنا الأستاذة هدى الجاسم: هل ترين أن إجبار أولادنا على الانتساب إلى دورات علمية أو عملية قد يؤدي إلى ضغوطات نفسية عليهم خاصة بعد عام دراسي شاق؟
إذا نظرنا إلى الإجازة على أنها فترة ثلاثة أشهر كاملة تقريباً، عرفنا أن مسألة توظيف الإجازة في الرحلات أو الزيارات أو السفر أو أي شكل من أشكال التسلية لهو أمر صعب.
بالإضافة إلى ذلك فإن الدورات العلمية والعملية عادة ما تأخذ الوقت القليل من الإجازة، لذلك فإنني أرى أن مسألة توظيف الإجازة في إلحاق أبناءنا بالدورات العلمية والعملية، بالإضافة إلى دورات نشاطية ودورات تحفيظ قرآن أو من هذا القبيل لهو أمر ضروري للاستفادة من وقت فراغ كبير وضخم.
أضف إلى ذلك أنَّ تعود الأولاد على قضاء إجازتهم بدون عمل عقلي أو حفظي أو نشاط علمي أو عملي سيؤدي بهم إلى الركود والخمول والنوم، وأحياناً السهر واللهو، وهذا أمر سيئ للغاية، خاصة وأن أبناءنا مقبلين على فترة دراسية أخرى، وإذا تعودوا على الخمول أو الكسل، سيصعب عليهم معاودة النشاط الدراسي مرة أخرى مع بداية العام بشكل جيد.
على أن لا توظف الإجازة في الأمور العلمية والعملية (كما في السؤال) فحسب بل نحرص على التنويع بين ذلك الجانب والجانب الترفيهي أيضاً، مع الاهتمام بأمور الدين أيضاً كدورات تحفيظ القرآن التي تكثر في المساجد أيام الأجازات، وكذلك دورات الفقه والحديث والمحاضرات التي يلقيها بعض العلماء والفقهاء في المساجد والإكثار من أمور الخير التي تفيد في الدنيا والآخرة.
ولا بد أن أنبه هنا بألا تأخذ الدورات العملية أو العلمية كل أو معظم الإجازة لئلا يفقد الطالب إحساسه بالإجازة، ومن المفيد جدا أن تكون هذه الدورات قصيرة وبأوقات مناسبة.
وسألناها أيضاً: برأيك ما هي السلبيات التي قد تنجم على سلوك الأولاد إن تركناهم من غير توجيه أو تخطيط في الإجازة؟
إن قسماً كبيراً من المشاكل التي تحدث للشبان والفتيات تأتي في أوقات الإجازة؛ لأن الإجازة بالإضافة إلى كونها تتيح فرصة كبيرة من الفراغ الذي قد يؤدي بالبعض إلى اتخاذ وسائل جديدة وربما سيئة لتمضية الوقت، يُعتبر أيضاً مجالاً واسعاً لغياب الرقابة عليهم.
ففي أوقات الدراسة تشكل المدرسة عامل رقابة جيد يمتد عدة ساعات من اليوم، بالإضافة إلى ذلك اهتمام الأهل ومتابعة أعمال وإنجاز الأبناء وتحصيلهم العلمي، أما الإجازة، فإن فيها تغيب كامل لرقابة المدرسة، كذلك فإن غياب التحصيل العملي، يغيب معه مراقبة الأهل للأبناء، مما ينشأ عنه وقت فراغ بدون رقابة.(20/3)
فإذا ما زاد عليها عدم التوجيه الصحيح لهم في الاستفادة من الوقت، فإن رفاق السوء يتربصون بهم، والأعمال والعادات السيئة كثيرة وفي متناول اليد.
يظهر أن صحبة السوء مزلق مفسد لكثير من الأبناء، فكيف يمكن ـ يا أستاذة هدى ـ أن تجنب الأمهات بناتها أو أبناءها صحبة السوء التي تصبح خطرة خاصة في أوقات الفراغ والأجازات؟
يأتي هنا في المرتبة الأولى الرقابة الدائمة للأبناء، فمن غير الممكن أن نتركهم طوال فترة العام الدراسي دون رقابة، ثم نأتي ونراقبهم بشكل دقيق في أوقات الإجازة، صداقات المدرسة تشكل في الغالب الصداقات الدائمة بين الطلاب؛ لذلك فمن الملاحظ دائماً أن زميل المدرسة هو نفسه صديق الإجازة، بالإضافة إلى بعض الجيران والأقارب، لذلك معرفتنا السابقة برفاق الأبناء (في أوقات العام الدراسي) تنذرنا برفاق الإجازة، وحرصنا على رفاق الإجازة لأبنائنا تأتي استكمالاً لحرصنا على رفاق العام الدراسي.
ومن هنا يبرز الحرص الشديد من قبل العائلة على مسألة رفاق الأبناء، وأي استهتار أو تقاعس في هذه المهمة التربوية سيؤدي (لا سمح الله) إلى انحرافات خطيرة وكبيرة تحدث في مجتمعاتنا بدون أن يعرف الآباء، ليكتشفوا بعد فوات الأوان هذه الانحرافات التي ما كانت لتحدث لو أن الآباء شددوا على مسألة رفاق الأبناء.
من خلال استطلاع قمنا به تبين لنا أن نسبة كبيرة من الفتيات تفضل السفر في الإجازة وخاصة خارج المملكة، فما رأيك في هذا الموضوع وكيف يمكن أن نوجه أبناءنا إلى السياحة الداخلية؟
إن وسائل الإعلام المختلفة وخاصة الفضائيات، بالإضافة إلى المجلات والإنترنت والوسائل الأخرى تؤدي إلى إظهار صورة السفر إلى الخارج على أنه الإجازة الحقيقة التي يمكن أن ينالها الشاب أو الفتاة بعد عام دراسي حافل.
الإعلانات عن مهرجانات التسوق في الأجازات، وكذلك مهرجانات الصيف ومدن الألعاب تشكل عامل إغراء قوي للجميع. بالإضافة إلى ذلك فإن الأصدقاء والصديقات الذين سافروا خلال الإجازة إلى الخارج، يعطون صورة إيجابية للعطلة في الخارج.
ولكن حرص الآباء على تقديم صورة السياحة الداخلية الملتزمة بشكل إيجابي، مع تقديم عروض أخرى كشراء الأغراض الشخصية والألعاب والألبسة من مدن المملكة، فإن الأبناء سيحبون ذلك إن شاء الله.
وأيضاً كان من نتائج استطلاعنا أنه يغلب على العديد من أولادنا النوم في النهار والسهر في الليل أيام الإجازة، كيف يمكن أن تُعالج هذه المشكلة؟
كما قلنا سابقاً فإن القدوة الحسنة يأخذها الأبناء من الآباء والأمهات، ولعل الأب الذي يعود أولاده على صلاة الفجر طوال العام الدراسي، سيكون من الصعب على الابن نفسه أن يترك هذه الصلاة في أيام الإجازة.
بعض العادات الإيجابية التي نربيها في أولادنا وبناتنا، وخاصة الإسلامية منها، تنسجم مع الفطرة التي فطرنا الله عليها، لذلك سيكون من الصعب على الأولاد أو البنات أن يغيروها في أوقات الإجازة.(20/4)
وتأتي هنا دورات تحفيظ القرآن، وزيارات صلة الرحم، والنشاطات الرياضية والدورات العلمية والعملية، وقضاء قسم من الإجازة في مكة المكرمة والمدينة المنورة لتشكل عوامل إيجابية تساعد أبناءنا على قضاء إجازة مميزة ومفيدة.
إجازة عن العبادة!!
تقول الأميرة جواهر بن فرحان آل سعود للأسف أن مفهوم الإجازة عند البعض هي إجازة حتى عن طاعة الله تعالى بالسهر والنوم عن الصلاة، وإهمال واجباتنا الدينية وأهمها الصلاة في السفر والرحل وننسى أننا خلقنا في هذه الحياة من أجل طاعة الله بل أننا معنيون بعبادة الله بالإجازة أكثر من العمل.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم {إذا فرغت فانصب* وإلى ربك فارغب} فنحن مطالبون بتكثيف العبادة في الإجازة لا إهمالها.
وللأسف كثيراً ما نسمع النساء يعاتبن من ترسل أبناءها إلى دار التحفيظ في الإجازة فيقلن لها: حرام عليك حتى في الإجازة.. وينسين بقولهن هذا أن النوم والراحة يمكن أن نُحصّله في أي وقت، لكن العمل الذي نؤجر عليه لا يمكن تحصيله في كل وقت، ولا ندري هل يدوم والى متى.
مقترحات جربيها.. لن تندمي..
- بداية عليك الاتفاق مع والديك كيف ستقضين إجازتك؛ لأنهما أعرف منك وأخبر بأفضل الطرق والوسائل لقضاء إجازة ممتعة ومفيدة، كما أن التشاور معهما سيولد أفكار لم تكن في الحسبان.
وتذكري دائماً قبل القيام بأي أمر احتساب النية عند الترفيه؛ فإن المسلم مأجور في جميع أعماله إن أحتسب، فاحتسبي رحلتك وسفرك وأوقات الترفيه التي تقضينها بأنك تتقوين بها على عبادة الله وتسبحينه على روعة وجمال ما خلق.
- الذهاب في رحل عائلية و استشعار جمال الطبيعة وروعة ما خلق الله تعالى وإقامة مسابقات ثقافية وتقديم جوائز للفائزين.
- السفر والسياحة في مناطق المملكة الجميلة فمن أراد البحر (جدة والدمام) ومن أراد النسائم الباردة (أبها، الباحة) ومن أراد الأجر والمنفعة في الدنيا والآخرة (مكة والمدينة المنورة)
- القيام بزيارات عائلية تتحقق فيها المتعة وصلة الرحم واستغلال هذه الزيارات بالدعوة.
- المواظبة على الألعاب الرياضية كل صباح لما لها من فوائد جسدية ونفسية بالإضافة إلى المحافظة على الرشاقة.
- الذهاب إلى العمرة وحضور الدروس الشرعية في الحرم وزيارة المدينة المنورة وزيارة الأماكن التي وردت في السيرة كـ ( زيارة جبل أحد ـ الصعود إلى جبل الرماة ـ مقبرة شهداء أحد).
- المشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية للتعود على حب العطاء والسعادة بتحقيقه وبذل الخير واستغلال الوقت بما هو نافع.
- المشاركة في اللقاءات الصيفية للفتيات وتتضمن هذه اللقاءات برامج هادفة من مسابقات أو فقرات ترفيهية تثقيفية وتعليمية وإنشاء حوار هادف مع الفتيات في أمورهن ومشاكلهن.
- تصفح المواقع المفيدة في الإنترنت ودعم المنتديات الإسلامية واستغلال الرسائل الإلكترونية بالدعوة إلى الله.
- المطالعة وقراءة ما هو مفيد (سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، مجلات إسلامية، قصص مفيدة وممتعة).
- مشاهدة الأفلام الإسلامية والمحاضرات والدروس العلمية.(20/5)
- استغلال فترات الاجتماعات مثل الأعراس ـ التي تكثر في الإجازة الصيفية ـ وتقديم كلمة أو نصيحة مختصرة للالتحاق بمراكز تحفيظ القرآن الكريم مثلاً أو التذكير بالسنن المهجورة (صلاة الضحى، ركعتي الإشراق، زيارة المقابر، الصيام).
- المشاركة في الكتابة للمجلات ـ لمن تجد لديها ملكة الكتابة ـ بمقالات ومواضيع تود طرحها.
- الانتساب إلى الدورات العلمية ودورات الحاسب الآلي، ولا بأس من الانتساب إلى مطبخ العائلة لتتعلمين من والدتك الطبخ أو بعض أصناف الحلويات لتعدينها لهم في الرحل والزيارات.
- وفري 10 دقائق في كل يوم لحفظ خمس آيات من القرآن الكريم ستجدين رصيدك من الحفظ قد زاد بمقدار 450 آية عند نهاية الإجازة.
- أخيراً لابد أن يكون لك ساعات تناجي فيها ربك، تسبحينه وتستغفرينه وتدعينه فيجيب دعائك إن شاء الله.(20/6)
الإجازة الصيفية في بلادنا
د. أحمد عبدالقادر المهندس
في نهاية كل عام دراسي، ومع بداية الإجازة الصيفية، يخيم شعور بالفراغ، والرغبة في قضاء الإجازة سواء داخل المملكة أو خارجها.
والإجازة مهمة لكل إنسان قضى فترة طويلة في العمل أو التحصيل الدراسي.
وقضاء الإجازة الصيفية في الخارج مكلف مادياً، ويحتاج إلى اختيار جيد للأماكن التي نزورها، كما أن السفر إلى الخارج قد يكون محفوفاً بالمخاطر أحياناً..
والسياحة الداخلية هي البديل الأمثل لشريحة كبيرة من المواطنين، ولكنها تحتاج إلى مزيد من التنظيم والتوعية بها كمصدر من مصادر الراحة والاستجمام لأفراد الأسرة، ومصدر من مصادر تنمية هذا القطاع، وهو قطاع السياحة الداخلية، ولا شك أن قضاء الإجازة الصيفية في بلادنا مناسبة للتعرف على ما فيها من مناظر جمالية لا تقل أحياناً عما نراه في بعض الدول العربية مع برودة الجو وجمال الطبيعة.
لكن هناك بعض السلبيات التي تحتاج إلى العمل من أجل تلافيها، حتى يمكن أن تكون السياحة الداخلية جاذبة للأسرة السعودية ولمعظم المواطنين.
ويأتي هنا دور الإعلام في إبراز الإمكانات السياحية في المناطق السياحية بالمملكة، وأن يكون هناك دعم للسياحة الداخلية من الدولة مثل دعم القطاعات الأخرى كالزراعة مثلاً.
ومن أجل تشجيع المواطنين والأسرة السعودية في قضاء إجازاتهم ينبغي إنشاء الاستراحات المريحة على الطرق المؤدية للمناطق السياحية، وكذلك داخل المناطق السياحية.
ويمكن تلخيص بعض الأمور التي تساعد على تفعيل السياحة الداخلية، وبالتالي قضاء الإجازة الصيفية في بلادنا الحبيبة فيما يلي:
- تكثيف رحلات الخطوط السعودية لمناطق الجذب السياحي.
- تنظيم رحلات منتظمة للنقل الجماعي وبأسعار مخفضة للأسر والأطفال.
- مراقبة المساكن والحد من رفع أسعارها.
- مراقبة المحطات والاستراحات المقامة على الطرق السياحية، وإلزامها بإيجاد دورات مياه نظيفة، وأماكن مناسبة للصلاة، ومطاعم جيدة.
- مراقبة الأسعار الخاصة بالمأكولات وجودتها في المناطق السياحية.
- تفعيل دور الأندية والمراكز الصيفية سواء في المناطق السياحية أو غيرها، وأن يكون هناك تركيز على المهارات واكتشاف المواهب، وليس عقد المحاضرات والندوات لما في ذلك من فائدة للشباب والأطفال.
وآمل أن تقوم مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين بدور فاعل وايجابي في ذلك..
إن الإجازة الصيفية التي تمتد على مدى (90يوماً) تقريباً، ولحوالي (5ملايين) من الطلاب والطالبات تحتاج إلى مزيد من الاهتمام والعناية.. لتكون إجازة مفيدة للجميع..
والله ولي التوفيق.
http://www.alriyadh.com/2007/07/20/article266476.html(21/1)
الإجازة الصيفية والسفر إلى الخارج
عبد الرحمن السديس
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا عباد الله، خيرُ الوصايا الوصيّة بتقوى ربِّ البرايا، فتقواه - سبحانه - أنفع الذخائر للمسلم وأبقاها، وآكدُ المطاب وأقواها، في قفوها منازلُ الحقّ والتوفيق، وفي التزامها الاهتداء إلى الرأي الثاقبِ الوثيق، فاتقوا الله ـ رحمكم الله ـ في كلّ أحوالكم، في حلّكم وارتحالكم، وظعنِكم وانتقالكم، ومَن تنكّب سواء التقوى انقلب خاسئًا وهو حسير، فلبئس المولى ولبئس العشير.
أيّها المسلمون، في دوّامة التنامي الحضاريّ السريع، وفي خضمّ التقدم التقني المذهِل، في أعقاب هذا العصر الوثّاب، وما قابل ذلك من انحسار ملحوظ بل وذريع في الجانب القيَمي والأخلاقيّ والنفسي ، أورَث ذلك كلّه توسّعًا مذمومًا وانفتاحًا محمومًا في كثير من المجالات، واستحكامَ أنماط وعادات في الحياة المعاصرة، وحدوثَ ظواهر مستجدّة لم تكن على قدرِ مِن حسبان سلفِنا الصّالح - رحمهم الله -. ولتلك الموروثاتِ المعاصرة في شريعتنا بمقاصدها وأهدافها ضوابطُها وأحكامها وآدابها.
كما أسفرت هذه المدنيّة الماديّة عن تبرّم فئامٍ من الناس من المكث في بلدانهم والاستقرار في أوطانهم والتطلّع بنَهَم إلى التنقّل بين كثير من الأقطار، وحطّ عصا الترحال لجَوْب عددٍ من الأصقاع والأمصار، كلٌّ بحسب مقصده ومرامه وبغيته ومراده، وما أن يأفل نجمُ العام الدراسي وينبلج صبح الفصل الصيفيّ وتتوسّطَ شمس الإجازة كبدَ السماء وتسفح الوجوهَ بفيحها وأوارها وتشتدَّ لفحات الهواجر ويلتهب رَأْد الضحى[1] حتى ينزع الناس إلى مواطن الأفياء الظليلة النديّة والمياه الشفافة الرقراقة والأجواء المخمليّة النضرة، إجمامًا للنفوس، وتطلّبًا لمتناهي سكونها وهدوئها.
وفي غمرة هذه الأوقاتِ المحتدِمة تتبدّى ظاهرة جدُّ مقلقلة، وتبرز قضيّة على غاية من الأهمية، جديرةٌ بأن تسبر أغوارها، وتجلَّى مزاياها وعوارها. كيف وقد غالى في فهمها أقوامٌ ومعانيها، وشطّوا عن حقيقتها ومراميها؟! وأكبر الظنّ ـ يا رعاكم الله ـ أنها قد خالجت أذهانَكم، ولم تعُد خافيةً على شريفِ علمكم، تلكم ـ دام توفيقكم ـ هي قضيّة السفَر والارتحال والسياحة والانتقال.
معاشر المسلمين، الأصل في السَفر الإباحة، والأسفار قسمان: سفر للمعصية ـ عياذًا بالله ـ وسفر للطاعة، وسفر الطاعة يتضمّن الواجبَ كسفر الحجّ وتحصيل الرزق عند انعدامه ونحو ذلك، ومنه ما هو مستحبّ كزيارة البقاع المقدّسة، ومنه زيارةُ ذوي القربى وصلة الرحم والحبّ في الله، والسفر لطلب العلم وزيارةِ أهله وإغاثة الفقراء والمنكوبين. وأمّا السَفر المباح فما كان للتطبُّب والاتجار والتسبّب، وما كان للسياحة والنزهة وترويح النفوس، وتجرّد عن نيّة الثواب والطاعة، فالأمور بمقاصدها، ولكلّ امرئ ما نوى، والنيّة إذا حسنت تحيل العاداتِ إلى عبادات، وإذا عرفتَ فالزم.(22/1)
إخوةَ العقيدة، إنّ السفر الذي احتُسب فيه الأجر والثواب وحُرِص فيه على الطاعة وأنزه الآراب لهو بحقّ روضة للعقول، وبلوغ للأنس المأمول، وهو مَجْلاة للسّأم والكلال، وبُعدٌ عن الرّتابة والنمطيّة والإملال، وفضاءٌ رحب للاعتبار والادكار، ( قُلْ سِيرُواْ في الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ) [العنكبوت: 20].
إبّان السفر تتجلّى عظمة الخالق البارئ - سبحانه -، فتخشعُ له القلوب أمام بديع السموات والأرض، أمامَ بديع خلقِ الطبيعة الخلاّبة، وتسبّحه الروح لمفاتنها الأخّاذة الجذّابة، أراضٍ شاسعةٌ فِيح[2]، أنبتت أجملَ زهر بأطيب ريح، رياضٌ أُنُف وحدائق غُلب[3]، نخيل باسقات وواحات مُونقات، رواسٍ شمّاء وأرض مَدحيّة وسماء وأنهار تجري بأعذب ماء. ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَاهٌ مَّعَ اللَّهِ ) [النمل: 60]، ( أَمَّن جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلاهٌ مَّعَ اللهِ ) [النمل: 61].
فسبحان الله عباد الله، مشاهدُ في الطبيعة ذائعة، ومخلوقات بديعة رائعة، تدهِش الألباب، وفي إتقانها العجب العجاب، تفعِم النفسَ والقلب مسرّة وابتهاجًا، لكن شريطةَ أن تكونَ على ممسٍّ من القلب والروح والفكر. وسبحانَ الله، كم يغلب على كثير من الناس أن يمرّوا بهذه المناظر وكأنهم إزاءَها دونَ نواظر، (أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ التي في الصُّدُورِ )[الحج: 46]. يقول الإمام أبو الوفاء ابن عقيل - رحمه الله -: "فنعوذ بالله من عيونٍ شاخصة غير بصيرة، وقلوب ناظرةٍ غير خبيرة".
إخوة الإيمان، ومن الحثّ اللّطيف على السفر النافع المفيد قولُ الثعالبي - رحمه الله -: "من فضائل السفر أنّ صاحبه يرى من عجائب الأمصار وبدائع الأقطار ومحاسن الآثار ما يزيده علمًا بقدرة الله - تعالى -، ويدعوه شكرًا على نعمه"[4].
إن العُلا حدَّثتني وهي صادقة *** فيما تحدِّث أنّ العِزَّ في النُقَل
وهل بلغ الصحابة الأجلاء والسلف النبلاء والأئمة الفقهاء ما بلغوا مِن ذُرى القمَم وقصَب السبق بين الأمم إلا بالرحلة في طلب الحديث وتحصيل العلوم والمعارف. ومن المعروف أن الكُحْل نوع من الأحجار كالثّرى يرمى على الطرقِ، فإذا تغرّب جُعِل بين الجفن والحدَق.(22/2)
أيها المصطافون، أيها المسافرون، يا مَن عزمتم على جَوْب الأمصار والأقطار وركوب الأجواء والبحار واقتحام الفيافي والقفار وتحدي الشدائد والأخطار، تلبّثوا مليًّا، وتريّثوا فيما أنتم بسبيله، وليكن في نواياكم أسوتكم ونبيكم، حيث ارتحل من مكّة إلى المدينة، حاملاً النورَ والضياء والهدى والإصلاح، وكذلك صحابته الكرامُ في أثره، حيث كانوا لنشر رسالتهم الربانية المشرقة أجلَّ السفراء، وسار في ركابهم جِلّة العلماء، فشقّوا الأرضَ شقًّا، وذرعوها سفرًا وتسيارًا، طلبًا للعلم والإفادة والصلاح والسعادة، وتصعّدًا في مراقي الطّهر والنّبل، كلّ ذلك على كثرة المخاوف وشُحّ الموارد وخشونة المراكب وقلّة المؤانس، فهلاّ اعتبرنا بهم وشكرنا الباري جلّ في علاه على نعمِه السوابغ.
وفي زمننا هذا المتضخِّم بالدّعة والرفاه وجدب النفوس من الآمال الغوالي أصبَح السفر والتنقّل ظاهرةً جديرة بالاهتمام والتذكير بالآداب الشرعيّة والضوابط المرعية، كيف وبعض الناس يمتطون هذه الأيام متونَ الطائرات وأمثلَ المركبات، أإلى صلة الأرحام والقرابات؟ كلا، أإلى طلب العلم والأخذ من العلماء؟ كلا، أإلى الأعمالِ الخيريّة والدعويّة؟ كلا، أإلى مواطنِ الطهرِ والفضيلة؟ بكل الحُرقة: لا، وكلاّ، بل إلى مستنقعاتِ الآثام والشرور ومباءات المعاصي والفجور، لمبارزة الملك الديان، بالذنوب والعصيان، حيث أملى لهم الشيطان أنّ هاتيك المنتجعات والشطآن هي أدواء علاجِ الملل من حرّ الصيف اللافح وأجواءُ الترفيه والسياحةِ والاصطياف.
أيُّ دين وقيمٍ عند من يسافرون إلى مباءات الأوبئة الفتاّكة أجاركم الله؟! التي أسعرتها معطَيَات الحضارة السافرة، وألهبتها الشبكات الحديثة المذهلة، وأذكاها الجفاف الروحي واليباب الفكري والتّرف الماديّ الساحق، فكان هذا الفهم الخاطئ لمعنى السّفر والسياحة التي آضت عند بعض المنهزمين صناعةً للتفلّت من القيم والتنصّل من المبادئ والثوابت، في الوقت الذي تحولت فيه السياحة المعاصرة إلى استراتيجيات بنّاءة تخدِم المثُل والمبادئ، وتبنى على الفضائل العليا لتحقيق المصالحِ العظمى، مما كان سببًا في خَلط الأوراق لدى كثيرين بين السياحة البريئة والترويح المشروع وبين ضدّها، وبضدّها تتميز الأشياء.
حتى صُرفت فئام من الأمّة عن تأريخها وأصالتها وتراثها ولغتها، فأضحَوا مُزَعًا تائهين أسرَى الليلية والتقليد والتبعيّة والتقاليد المستوردَة النشاز، حين هبّت أعاصير الشهوات والملذّات، وثارت لوثات الخلل الفكريّ والأخلاقي والانحرافات على جملةٍ من السلوكيات في كثير من المجتمعات فتركتها في دياجير الظلمات.
وبنحو ذلك بعضُ الفتياتِ والأسر ممن حرِموا متانةَ الدين وقوّة الأخلاق وعمق الأصالة والأعراق، حيث هتك بعضهن ـ هداهن الله ـ حجابَ الطهر والاحتشام، ومما زاد الطينّ بِلة والدّاء علّة اصطحابُ البنين والبنات من المراهقين والمراهقات الذين سرعانَ ما تنغرز في أفئدتهم تلك الأوضاع الفاضحة والمشاهد المتهتِّكة.(22/3)
فيا سبحان الله! كيف تقضي المرأة سحابةَ عامِها كريمة معزّزةً ثمّ تسافر لتطّرح خمارها وحياءها، فاتنةً مفتَنة؟! أتقضي الفتاة ربيعَ عامها في جوٍّ مصون محافظ ثم تسافر لتبدّد حياءها وحشمتها؟! هل نحن رجالاً ونساءً في شك من ديننا؟! أولسنا على ثقةٍ من قيَمنا وثوابتنا؟! إذًا لماذا هذا الانفصام في الشخصيّة، والتناقض والازدواجية في قضايانا الاجتماعية؟!
وإنّكم لتأسفون أن يعلّق كلّ هذا على مشجب الترويح والترفيه، زعموا. ومحزُّ الصّواب أنّ هذا ضرب من خيانة الأمانةِ في التربية والتنشئة، والله - عز وجل - يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) [الأنفال: 27].
وهؤلاء وأمثالهم في كل مكان ـ إلا من رحم الله ـ كالغراب الأعصَم، لا يعودون من أسفارهم إلا بكآبة المنظر وسوء المنقلب وندامة المعتقد الذي استعاذ منه المصطفى. لطّخوا أبصارَهم فيما حرم الله، حتى غار منها ماء الحياء وروَاؤه، وجمعوا إلى العصيان عقوقَ ازدهار الأوطان، وهل أفرز صوَرًا من الإرهاب والإخلال بأمنِ المجتمع إلا ضروبٌ من الأسفار، غيرُ منضبطة بما في الشريعة والأسفار. وللأوطان في دمِ الشرفاء الأحرار حقوق واجبة وديونٌ مستحقَّة، مما يعظِم المسؤوليةَ في رعايتها حقَّ رعايتها وتنشئةِ الأجيال على أمنها وعنايتها.
أمّة الإسلام، وأنّى تندمل جروحنا النازفةُ وشروخُنا الراعِفة وفي الأمّة من لا يبالي بدين ولا قيمٍ ولا أمن ولا ذمم، فليت شعري! أبمثل هذا تبنى المجتمعات ويشاد صرح الحضارات؟! وليت شعري! أبمثلِ هذا تعمَر الأوقات وتدوم الخيرات والبركات وتستجلَب البهجة والسعادة والمسرات؟!
أيّها المسافرون، إنّ النار حفَّت بالشهوات، فلا يكلِمنّ الشيطان دينَكم بدعوى الترفيه والاصطياف في بقاع وبيئة شائكة.
ويا بغاةَ الشرِّ كفّوا وأقصروا، وتذكّروا وازدجروا.
وإلى الذين اضطرّوا إلى السفَر وعزَموا عليه، اللهَ اللهَ من إقامة شعائر دينكم، والاستمساك بأخلاقكم، والولاء لعقيدتكم وأمّتكم في عزّةٍ وإباء، وليكن منكم في السوَيداء أنَّ دينكم وقيمَكم في الذُرى جمالاً وجلالا، وفي القمة عزّة وكمالاً، فكونوا له خيرَ سفراء، وطبّقوه خير منهاج وأحسنَ مثالاً.(22/4)
أيّها الأحبّة في الله، شُكر النّعم رباطٌ تمنعنا من الإباق، وإنّنا لنشكر المنعمَ المتفضّل - سبحانه - أن طهّر ديار الحرمين من كثير من الأدران، وبسط في أرجائها ظلالَ الأمن والأمان، كما نلهج بالشّكر له جلّ جلاله وهو أهل الشكر أن خصَّ بلادنا المباركة بالجمال الخلاّب والمناخ الآسر الجذاب، تصدّر ذلك أمنٌ وارف الظلال، تفتقده كثير من الأصقاع، فحبّذا المروج الخضراء ونقاء النسيم والهواء والمواقعُ المنَمنَمة الفيحاء والجداول المنسابة بالريِّ والماء، مما يحقِّق المقصد المشروعَ من السّفر والسياحة، في أوفر أسباب الحشمة والوقار والعفاف، وفي سياج منيعٍ للدين والفضيلة، وفي بُعد عن أسباب الشر والفساد والرذيلة، أينما أرسلتَ رائدَ الطرف في هذا الثرى الأفيح. وكيفَ بكم إذا كانت السياحة تعبديّةً في عرصاتِ الحرمين الشريفين، إنها الطّهر والنماء والرقيّ في معارج الخير والسناء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ولقد منَّ الله على بلادِ الحرمين الشريفين حرسها الله، فجعلها واحةَ إيمان ودوحةَ أمن وأمان، حباها الله من مقوّمات السياحة الحسّية والمعنوية ما ليس لغيرها، ويأتي في الذؤابة منها تحكيمُ الشريعة التي فيها تحقيق مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد، ودرءُ المفاسد عنهم، والحفاظ على دينهم وأنفسهم وأموالهم وعقولهم وأعراضهم، ومجانبة مسالِك العنف والإرهاب والقتل والإرعاب وإراقةِ الدماء المعصومة بغير وجهِ حق والتعرّض للمسلمين والمعاهدين والمستأمَنين باعتداءٍ أو إيذاء، ونحو ذلك من صوَر الإفساد في الأرض ودروب النّسف والتفجير والعنفِ والتدمير. ويزيدُ الأمر خطورة حينما يصل الإجرام ذروتَه في أفضل البقاعِ مكةَ المكرمة والمدينةِ النبوية المنورة اللتَيْن لهما من الحرمة والمكانةِ والقدسية ما لا يخفى على كلّ ذي بصيرة. ومما زادَ الأمرَ ضِغثًا على أبالة مصاحفُ مفخّخة ومساجد متّخَذة وكرًا للجريمة والتستّر على أصحابها عياذًا بالله. لكنَّ الله بلطفه وكرمه، ثمّ بالجهود الموفَّقة المبذولة من ولاة الأمر نصرَ الله بهم دينه، أحبط هذه المحاولاتِ الإرهابية البائسة، وكشف عوارَها ومن يقف وراءها.
ألا فلتدومي سالمةً يا أرض الحرمين الشريفين، ولتعيشي هانئةً يا موئل العقيدة ومأرز الإيمان، فلقد أثبتِّ بفضل الله الخروجَ من الأزمات أكثرَ تماسكًا وأشدَّ تلاحمًا بحمد الله، ولتبقَي بإذن الله على مرّ الدهور وكرّ العصور شامةً في دنيا الواقع، ومثلاً يُحتذى، وأنموذجًا يقتفَى في الأمن والأمان، وبذلك تتضِّح لك ـ أخي السائح المبارك والمسافرَ الكريم ـ صورةُ الارتباط الوثيق بين الأمنِ والسياحة والسّفر والأمان.
ألا شاهت وجوهُ الأعداء المتربّصين، وخسئت أعمال المعتدين المفسدين المجرمين، وردّ الله كيدَ الكائدين إلى نحورهم، وحفِظ الله بلادنا وسائر بلاد المسلمين من شرّ الأشرار وكيد الفجار، إنّه خير مسؤول وأكرم مأمول.(22/5)
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافّة المسلمين والمسلمات من كلّ الذنوب والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه، فهو أهل التقوى وأهل المغفرَة.
----------------------------------------
[1] أي: رونق الضحى، وقيل: ارتفاعه حين يعلو النهار.
[2] أي: واسعة.
[3] أي: ملتفّة.
[4] انظر: الغرر السافر للزركشي (ص291) ـ ضمن مجلة الحكمة العدد العاشر ـ.
الخطبة الثانية
الحمد لله، غافِر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، هدانا إلى أقوم السّنن والآداب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له شهادةَ منيب أوّاب، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله خيرُ من خشي ربه بالغيب وإليه أناب، صلّى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ثواقب الأحساب، وعلى الصفوة الخيّرة من الأصحاب، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتّقوا الله عباد الله، واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ شريعتنا الغراءَ قد أحاطتِ المسافر بجملة من الأحكام والآداب، ابتداءً من العزم على السفر وإلى غاية الإياب منه.
منها أولاً: الإخلاصُ لله، وحسن المقصد وشرف الغاية ونبل الهدف.
ومنها ثانيًا: إذنُ الوالدين ورضاهما، قال الإمام الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: "ويحرُم السفر بغير إذنهما، لأنّ الجهاد إذا منِع مع فضيلته فالسّفر المباح أولى"[1].
ثالثًا: التماسُ الوصيّة والدعاء من أهل الصلاح والفضل، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله، إني أريد سفرًا فزوّدني، قال: ((زوَّدك الله التقوى))، قال: زدني، قال: ((وغفر ذنبَك))، قال: زدني بأبي أنت وأمي، قال: ((ويسَّر لك الخيرَ حيثما كنت))[2]. الله أكبر، يا لها من وصيّة، ما أعظمها وأجمعها.
رابعًا: توخِّي المرافِق المطاوع الموافق الذي يدلّك على الله مظهره، ويذكّرك إن غفلت مخبرُه، وما سمِّي السفر سفرًا إلا لأنّه يسفر عن أخلاق الرجال ومعادنهم وطباعهم.
خامسًا: الحرص على أدعية السفر، فهي حصنٌ حصين وكافية واقية من كلّ سوء بإذن الله، فيسَنّ للمسافر إذا استوى على دابّته أن يقول: سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف: 13، 14]، ((اللهم إنّا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى..)) الحديث[3].
وبعامّةٍ فعلى المسافر أن يكثرَ من ذكر الله - عز وجل - ودعائه، يقول - عليه الصلاة والسلام - فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((ثلاثُ دعوات مستجابات لا شكّ فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده))[4].ويجتهد المسافر في تمثّل أدعية السفر ومعرفة مواطنها.
سادسًا: فقه أحكام السفر وآدابه تعلّمًا ومساءلة لأهل العلم، وقوفًا على أحكامِ السفر وآدابه، كرخصةِ المسح على الخفين وقصرِ الصلاة وجمعِها ومدّةِ ذلك وكيفيّته ومعرفة اتجاه القبلة والمحافظة على الصلاة في أوقاتها وغير ذلك.(22/6)
أخي المسافر الكريم، وإذا قضيتَ نهمتَك من سفرك فعجّل بالرجوع إلى أهلك، واسلك طريقَ العودة غير متوانِ إلى ديارك، يقول: ((السفرُ قطعة من العذاب، يمنع أحدَكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمتَه فليعجّل إلى أهله)) خرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه[5].
ألا فاتّقوا الله عبادَ الله، واعلموا أنّ هذه الأحكام والآدابَ والأذكار لا تزال تحكِم المسلمَ بشريعته ودينه في السفر كما في الحضر، رفعًا للمشقّة والإصر، وتذكيرًا له بأنّه موصول بخالقه في أيّ زمان وعلى أيّة حال، والله المسؤول أن يسلِّم المسافرين في جوّه وبرّه وبحره من المسلمين، وأن يعيدَهم إلى بلادهم سالمين غانمين، إنّه جواد كريم.
هذا وصلّوا وسلّموا ـ رحمكم الله ـ على سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين وأفضل المقيمين والمسافرين نبينا محمد بن عبد الله كما أمركم بذلك ربكم ربّ العالمين...
----------------------------------------
[1] فتح الباري (6/141).
[2] أخرجه الترمذي في الدعوات، باب: ما يقول إذا ودع إنسانًا (3444)، والدارمي في الاستئذان (2671)، والروياني (1387)، والحاكم (2477)، وقال الترمذي: "حسن غريب"، وصححه ابن خزيمة (2532)، وهو في صحيح سنن الترمذي (2739).
[3] أخرجه مسلم في الحج، باب: ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره (1342) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
[4] أخرجه أحمد (2/258، 348، 478، 517، 523)، وأبو داود في الصلاة، باب: الدعاء بظهر الغيب (1536)، والترمذي في الدعوات، باب: ما ذكر في دعوة المسافر (3448)، وابن ماجه في الدعاء، باب: دعوة الوالد (3862)، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (2699)، والقرطبي في تفسيره (13/223)، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3115).
[5] صحيح مسلم:كتاب الإمارة، باب: السفر قطعة من العذاب (1927)، وأخرجه البخاري في الحج، باب: السفر قطعة من العذاب (1804).
25/5/1424
http://www.alminbar.net المصدر:(22/7)
الإجازة الصيفية وتربية الأبناء
الشيخ. عبد الرحمن صالح المحمود
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون! بعد أيام قليلة ينهي أبناءنا عامهم الدراسي بإنهاء الامتحانات وظهور النتائج، ولست بحاجة إلى التنبيه إلى ذلك، والوصية به؛ لأن البيوت مهتمة بهذا الأمر بما لا نزيد عليه، ودواعي الاهتمام المادية والمعنوية لدى الطلاب وأهلهم متوافرة، فنتائج الامتحانات تترتب عليها أمور كثيرة معروفة، وهذا الاهتمام مطلوب ولا اعتراض عليه، وكثيرٌ ما يقبل الدعاة إلى الله والموجهون في مثل هذه المناسبة إلى عقد مقارنة صحيحة وعظيمة ومهمة بين امتحان الدنيا ونتائجه، وامتحان الآخرة ونتائجه.
وامتحان الآخرة سيقع على الجميع، المتعلم وغير المتعلم، الكبير والصغير، العامي والجاهل، الذكر والأنثى، بل يتعدى ذلك إلى الحيوانات كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل إنه سيشمل المتمردين والمنكرين لذلك الامتحان، وسيقف الجميع بين يدي الله- تبارك وتعالى - للحساب والجزاء، حسابٌ وميزان توزن فيه مثاقيل الذر: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].
وينتهي هذا إلى الجزاء الحاسم الذي لا مفر منه: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7]، ولا ثالث لهما مطلقاً.
ووالله! إنه لا مقارنة بين الامتحانين، ويكفي في الامتحان الثاني أن نشير إلى ما ثبت في حديث الشفاعة العظمى لطلب فصل القضاء بين العباد، حين يحول كل نبي المسئولية إلى أخيه، ويقول - ويا لهول تلك المواقف! -: (إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله)، إنه غضب الجبار- تبارك وتعالى - لا غضب المخلوقين، وهو غضب خاص في ذلك اليوم، فأنى لنا - نحن المساكين- أن نقف، وأن نواجه ذلك الامتحان العظيم، ذلك الامتحان الذي ليس بين أي واحد منا وبينه إلا أن يقال: فلانٌ مات، وما أكثر أسباب الموت في كل زمان، وخاصة في هذا الزمان.(23/1)
أيها الإخوة المؤمنون! اسمحوا لي أن أعالج الموضوع من خلال زاوية أخرى، مع أن هذه الزاوية العظيمة السابقة زاوية لها أثر تربوي عظيم في حياة الإنسان على مختلف أحواله وعمره.
اسمحوا لي أن أنتقل إلى معالجتها من خلال زاوية أخرى تعود نتائجها إلى نفس الموضوع، المقارنة بين امتحان الدنيا وامتحان الآخرة، فأقول: إن الملاحظ على كثير منا فيما يتعلق بأولادنا ذكوراً وإناثاً هو تركيزنا على جانب واحد، وإهمال جانب آخر له أهمية كبرى، والجانب الذي نركز عليه ونعول عليه فيما يتعلق بأولادنا ودراستهم هو: الجانب العلمي المعرفي فقط. وأهم مظاهر هذا التركيز ما يلي:
أولاً: التركيز والتأكيد باستمرار على الشهادة ومستوى الطلاب فيها، فأهم شيء لدينا هو التفوق علمياً.
ثانياً: كون هذا الجانب هو المعول عليه في تقويم الطلاب لدى أهلهم وأسرهم، ولدى بقية المجتمع.
ثالثاً: حصر مهمة التعليم في جميع مراحله تقريباً بهذا الجانب، ويتم هذا بنسبة كبيرة أبدت أحياناً إلى إهمال الجوانب الأخرى، أو إضعافها بشكل كبير.
رابعاً: انتهى الأمر إلى أن أهم شيء لدى الشباب والشواب، ولدى أهلهم ومعارفهم هو النجاح في الامتحان ونيل الشهادة، وصار هذا هو المقياس، فكم من شاب يعتبر ناجحاً في الحياة؛ لأنه متفوق دراسياً، وإن كان يحمل مع ذلك أفكاراً فاسدة تناقض دينه، أو أخلاقاً رديئة لا يقبلها دين ولا خلق، ولما تحول الأمر إلى هذا المقياس، وصار التفوق العلمي والنجاح في الشهادة هو الذي يدندن عليه الجميع؛ حتى تحول إلى أن يكون هو القضية الكبرى عاطفياً لدى الابن والبنت، ولدى الأسرة، ولدى جميع الناس. ولما كان الأمر كذلك تحول إلى إضعاف الجانب الآخر في حياة أولادنا، ألا وهو الجانب التربوي، ونعني بشكل أخص: التربية على العقيدة والمنهج والخلق الإسلامية.
نحن نستقبل الإجازة الصيفية ذات الأثر العميق على أحوال وأخلاق أبنائنا جميعاً، فأدعوكم إلى التفكير جيداً في هذه القضية، وأهم ما يواجهه أبناؤنا تربوياً في هذه الأيام، ويشتد الأمر في وقت الإجازة ما يلي:
أولاً: البث المباشر الذي غزا كثيراً من البيوت، وهذا البث المباشر نوعان:
النوع الأول منه: تلفزيوني؛ حيث تنوعت المحطات العالمية الموجهة إلينا، وهي: محطات -بسبب قدراتها وبسبب دعمها- مختلفة التخصصات، منها: الفنية، والرياضية، بل والإباحية الخالصة، والتنصيرية، والمحطات الجادة -إن وجدت- لا تخلو من فواصل دعائية تحمل في طياتها ما عند الغرب من إباحية وأخلاق فاسدة، وهذا البث المباشر له أثر غائر وعميق على بيوتنا وأسرنا، وكم من فتى أو فتاة تحول منهج حياته الخلقي بسبب سهرة في ليلة واحدة على هذه المحطات.
النوع الثاني من البث المباشر: الإذاعي، فهناك محطات تنصيرية خالصة موجهة إلينا بشكل واضح وقوي، وتبث على مدار الساعات، وهناك محطات أخرى تجلب كل ما أنتجه العالم العربي والغربي من أقصاه إلى أقصاه من أغانٍ ماجنات، ومسلسلات مغرية؛ بحيث أدت إلى أن يتجه كثير من الناس إليها تاركين لغيرها.(23/2)
ثانياً: مما يواجه أبناؤنا وتواجه أسرنا المجلات والصحف، وهذه لا جديد فيها؛ لأنها من زمن قديم، ولكن الجديد ما يظهر كل يوم مما يتفنن فيه أصحابها بالإغراء، وطرق القضايا الحساسة من نواحي الخلق والعلاقات بين الرجل والمرأة والقضايا الأخرى.
ثالثاً: الأصحاب والزملاء: وهؤلاء لهم أثر كبير جداً على أولادنا، ونحن نعلم أن الإنسان مدني بطبعه يحب الاختلاط، وشبابنا يحبون الاختلاط، وليس هناك بد من هذا الاختلاط، والزمالة والصداقة على نوعين لابد أن تنتهي إليهما: إما صداقة طيبة تثمر ثماراً خيرة، وإما على الضد والعكس من ذلك تثمر مالا يحمد عقباه، ولما كان الأمر كذلك كان دور هؤلاء الأصحاب والزملاء في حياة أبنائنا كبيراً جداً.
رابعاً: السياحة، وخاصة السياحة الخارجية في فترة الصيف، ويتولى البث المباشر والمجلات والصحف الدعاية المغرية لذلك. وعوداً على بدء فاسمعوا واعجبوا -أيها الإخوة! - لما يفعله بعضنا حين يتفوق ولده علمياً، ما هي جائزة الشهادة؟ جائزته السياحة في بلد غربي، هذه هي الجائزة! انظروا كيف ترتبط المؤثرات بعضها ببعض، من خلال هذه الجوانب المتعددة، والأساس هو أننا ركزنا - فيما يتعلق بأولادنا - على الجانب العلمي فقط، أما الجانب التربوي المتعلق بالعقيدة والخلق والسلوك فهذا جعلناه أمراً ثانوياً إلا ما عصم الله - تعالى -.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل الكريم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم، واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون! وأمام هذه المؤثرات التربوية على أبنائنا ما هو الحل؟ هل نستسلم للأمر الواقع ونقول: أعداؤنا غزونا فماذا نصنع بهم؟ ألسنا مأمورين شرعاً باتخاذ الأسباب؟ أيها الإخوة في الله! إن شبابنا -والحمد لله- لا يزال يحتفظ بقدر كبير من الفطرة السليمة واليقظة الإيمانية متى ما حرك ذلك الشعور الإيماني، ووسائل التربية الذاتية في البيت والمسجد والمدرسة وغيرها حين تكون صالحة ومركزة وحين تستوي على سوقها؛ تؤدي -بمعونة من الله- إلى أنواع من الحصانة التي تجعل الشباب المسلم يتعالى بإيمانه، ودينه، وخلقه الإسلامي عن هذه الدناءات.
وسأضرب لكم مثالاً على هذا الذي أقوله: كم من شاب ذهب سابقاً للدراسة في بلاد الغرب، وما دفعه إلى ذلك إلا حب الحرية، والاستمتاع هناك بكل أنواع اللهو والفساد، وكثيراً ما كان هذا الشاب يكلم زملاءه، ويتحدث معهم قبل سفره عما سيواجه هناك، وما سيلاقيه ويتمتع به من لهو وعبث، وفعلاً يذهب الشاب إلى هناك؛ حيث لا رقيب ولا حسيب من أهل أو نظام يمنع من ذلك، بل إن نظام تلك البلدان يحمي ذلك.(23/3)
ويعيش فترة طويلة أو قصيرة يرى فيها بأم عينية بلاد الحرية، ويتمتع إن أراد بما شاء دون أن يحاسبه أحد، ولكن الذي يحدث أحياناً، بل يحدث كثيراً والحمد لله، أن هذا الشاب سرعان ما يستيقظ عنده إيمانه وعقيدته؛ فيرجع إلى ربه رجوعاً صحيحاً، ويعود إلى بلاده أصلب وأقوى إيماناً، بل يعود إلى بلاده داعية إلى الله - تبارك وتعالى -!. أيها الإخوة! هذه نماذج شاهدتموها جميعاً، ونحن نقول بالنسبة لما نشكوه من مشكلات البث المباشر ونحوه: حين نربي أولادنا على المنهج الصحيح، هل سيتعامل معها أبناؤنا كما تعامل بعض الشباب الذين عاشوا في بلاد الحرية؟ إن هذا البث المباشر يجب الوقوف دونه عملياً ونظرياً، والذي أقوله هنا هو توجيه لنا نحن الأسر.. نحن الآباء، بحيث لا نستسلم للأمر الواقع، ولا ندع الأمور تسير كما يراد لها.
علينا أن نصنع شيئاً تجاه هذا الغزو الخلقي والعقدي لأولادنا، فنعمل ونجد ونجتهد في تربية أولادنا، وإيقاظ إيمانهم، وتوجيههم التوجيه السليم؛ وهذا سيتحول - بإذن الله تبارك وتعالى - إلى رد فعل قوي جداً، يجعل الشاب يكون أكثر تمسكاً بإيمانه وصلتاً بربه.
كان الزنا مباحاً في الجاهلية، وحين بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حلالاً مباحاً عند الناس، وكان الزواني أنواعاً، وكان لهن رايات، بل كان الزوج يأمر زوجته حين يريد ولداً نجيباً أن تذهب إلى فلان أو فلان؛ لتعيش معه في الحرام لعله يولد له ولد شجاع، ومع ذلك حين بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوته، وحين تحولت تلك الدعوة إلى منهج تربوي؛ سرعان ما تخلى أولئك عما كانوا عليه؛ لأنهم وجدوا العقيدة والإيمان والطمأنينة النفسية، وجدوا السعادة الحقيقية، السعادة التي تعتمد أول ما تعتمد على قول الله- تبارك وتعالى -: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] هذا هو مقياس السعادة، يحبهم ويحبونه، وحين يكون الأمر كذلك يكون القلب سعيداً، وتكون النفس مطمئنة، أسأل الله- تبارك وتعالى - أن يجعلني وإياكم من أولئك. وهناك -أيها الإخوة! - أمور أخرى أحب أن أشير إليها في هذه المناسبة، وهي ذات أثر تربوي منها:
أولاً: التوجيه والتربية المبكرة لأولادنا؛ حتى ينشئوا على الإيمان والخلق، ويجب أن يكون هذا الاهتمام منذ الصغر، وأن يستمر إلى ما بعد ذلك، وهذه المسئولية يتحملها بشكل كبير البيت.
ثانياً: الدروس العلمية المتنوعة، وهذه لها أثرها وأهميتها التي لا تخفى، ولعل كون هذه الدروس ليست إلزامية، إضافة إلى أنه لا حوافز لها مادية مباشرة؛ لعل هذا يجعل حضور الإخلاص وطلب العلم لوجه الله - تعالى -أقوى وأكبر نفعاً.
ثالثاً: الاشتراك في الأنشطة المتنوعة الموثوقة، التي توجه التوجيه الطيب، ومنها: حلق تحفيظ القرآن الكريم، والمراكز الصيفية، والجولات الدعوية، والأنشطة الأسرية التي يرتبها الأب مع أولاده من خلال أسفار العمرة أو غيرها، والمهم أن الأب يرتب هذه الرحلة؛ ليستفيد منها جميع أفراد الأسرة.(23/4)
رابعاً: الزواج المبكر لأولادنا ذكوراً وإناثاً، وهذه وسيلة شرعية عظيمة تجنب أولادنا -بإذن الله- مزالق عديدة، ولقد نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشباب قائلاً: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج).
والزواج المبكر له آثار تربوية خاصة، لعل من أهمها: إكمال نصف الدين، وأرجو أن تفكروا في هذا ومدلوله في حياة الفتى أو الفتاة خلقاً وسلوكاً، كيف يتم إكمال نصف الدين؟ من خلال الزواج؛ لأن الزواج يقطع شروراً وآفات وأفكاراً ومنحدرات في حياة الإنسان لا يعلم مداها إلا الله - تعالى -، وحين يتم هذا الزواج تقطع هذه الوسائل ليتجه الإنسان اتجاهاً جديداً.
ومن آثاره: التعود على تحمل المسئولية، وهذا يؤدي إلى التخلي عن كثير من الأمور التي كان يفكر فيها ويفتح فيها خياله، فإنه مع الزواج ينتقل إلى واقع عملي يواجه فيه عدد من المسئوليات اليومية التي لا تنتهي، ومع مجيء الأولاد تكون المسئولية والإحساس الأبوي قد جعلت هذا الأب الجديد -ولو كان صغيراً- يتحول إلى معلم ومربي وموجه، مهما حاول التخلي عن ذلك.
ومن آثاره أيضاً: نقل الشباب والفتيات من أصدقاء ومحاضن كانوا عليها سابقاً إلى أجواء جديدة، وحين يكون الاختيار في الزواج على أساس من الشرط الشرعي (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، (وإذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)؛ حين يكون ذلك تتحول هذه المحاضن إلى محاضن تربوية عظيمة، ولكن المهم هو تسهيل أمر الزواج، حتى لا يتحول -كما هو الحال- إلى عقبة كبرى لا يجتازها إلا القلائل، وهذا مما ينبغي أن يتنبه له الجميع، وأن يطبقوه عملياً.
نقول للشباب: أقبلوا على الزواج، ولا تعوقنكم الأمور المادية؛ فسيغنيكم الله من فضله: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32]، وكم من شاب تحمل بعض الديون بسبب زواجه، وما انتهت سنته الأولى أو الثانية إلا وقد رزقه الله - سبحانه وتعالى - كفافاً، بل ما هو أعلى من الكفاف.
والزوجة إذا أتت إلى البيت تأتي ورزقها معها، والولد إذا جاء يأتي ورزقه معه، لست أنت الذي ترزقه حتى تقول: من أين أصرف لأولادي؟! افعل الأسباب الشرعية والمادية، وأقبل على هذا الباب العظيم؛ فإنه -والله- يسد فتناً عظيمة لا يعلم قدرها إلا الله.
أيها الإخوة الآباء! يجب علينا أن ننتبه إلى ذلك من خلال مراقبتنا لأولادنا وسلوكهم، ومن خلال تسهيل أمر الزواج لهم، فإنكم مأجورون على ذلك، إضافة إلى أنها مسئولية تتحملونها أمام الله تبارك وتعالى.
أيها الإخوة في الله! هذه لمحات وإشارات تتعلق بهذه المسألة التي تحدثنا عنها من خلال ما سنقبل عليه من الإجازة الصيفية، وما فيها من عقبات وعقبات، تتعلق بأخلاق أولادنا وتوجهاتهم، ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجه الشباب إلى أمور ربما نشير إليها في مناسبة لاحقة، ونعرض بنماذج منها حتى نستفيد منها تربوياً.(23/5)
اللهم! إنا نسألك أن تصلح أولادنا، اللهم! أصلح أولادنا ذكوراً وإناثاً، اللهم! جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم! إنا نسألك أن ترزقنا وإياهم الإيمان، اللهم! إنا نسألك أن ترزقنا وإياهم الإيمان والخلق الفاضل.
اللهم! طهر بيوتنا من كل رجس ودنس يا رب العالمين! اللهم! إنا نسألك أن تحبب إلينا وإليهم الإيمان، وأن تزينه في قلوبنا وقلوبهم، وأن تكره إلينا وإليهم الفسوق والعصيان، يا رب العالمين!
اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك المؤمنين المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم! انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم! قوِّ عزائمهم، اللهم! أنزل السكينة على قلوبهم.
اللهم! دمر أعداء الإسلام والمسلمين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين!
اللهم! إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم! اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأرحامنا وأساتذتنا، وكل من كان له فضل علينا يا أرحم الراحمين! اللهم! إنا نسألك أن توفق أولادنا جميعاً إلى النجاح في الدنيا والآخرة، اللهم! اجعل نجاحهم في الدنيا عوناً لهم على نجاح الآخرة، اللهم! اجعله بصيرة لهم في دينهم؛ حتى يكونوا عزاً لأمة الإسلام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=154081(23/6)
الإجازة الصيفية
د. رياض بن محمد المسيميري
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لهُ، ومنْ يُضلل فلا هاديَ له.
وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران: 102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)))النساء: 1).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب: 70-71).
أما بعدُ:
فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أما بعد: أيها المسلمون: ففي هذه الأيام، يتطلَّعُ أقوامٌ إلى الإجازةِ الصيفيةِ بفارغِ الصبر فهم يخرمونَ حقائبَهم، ويُعدُّون تذاكَرهم استعداداً لقضاءِ الإجازةِ خارجَ البلاد.
حيثُ تتنافسُ لندن وباريس وأسبانيا وجنيف وغيرها من عواصِم العالمِ ومنتجعاتِه، على اصطيادِ السُياحِ المسلمين، وتقديمِ كلِّ ما يعشقونه من أسبابِ البلاءِ والشرِ، والفتنه، حتى أضحى السفرُ إلى الخارج بدعوى السياحة والنزهة، أضحى مصيبةً من مصائب المسلمين وفواجعهم، تضاف إلى رصيدهمُ الضخم من المصائبِ والكوارث الاجتماعية، في عصرِ الانحطاطِ والتخلفِ، والهزيمةِ النفسيةِ المُرَّة،
أيها المسلمون: وممَّا يزيدُ الأمرَ سوءً، والبلاءَ بلاءً، هو قيام البعض باصطحاب أُسرِهم وفَلَذاتِ أكبادِهم، إلى تلكَ البلادِ البائسة، والبيئاتِ الموبوءةِ الملوثة، معرضينَ أنفسَهم وأهاليهِم إلى مخاطرَ عقديةٍ، وأخلاقيةٍ وسلوكية، لا يعلمُ مداها إلا اللهُ جلَّ جلاله. بل وأسوأُ من ذلك أن يجازفَ بعضُهم فيرسلُ أولادَه وبناتِه لوحدِهم إلى هناك، حين تُجبره ظروف عملِه على البقاء أو يفنى رصيدُه من الإجازات، أو يُفضلُ اختيارَ وجهةٍ أخرى بمفرده، تمنحُه مزيداً من الحريةِ والانطلاقة، فيا حسرةً على العباد! وبادئ ذي بدء أيها الأحبة في الله فإنَّنا حين نطرحُ موضوعاً كهذا، ونناقشُ قضيةً كهذه، ونُحذرُ من السفرِ إلى الخارج، فإنَّنا لا نُلقي الكلامَ جُزافاً، ولا ننطلقُ من عواطفَ وانفعالاتٍ جيَّاشة، ولكنَّنا ننطلقُ من منطلقاتٍ شرعية، وأدلةٍ ثابتةٍ في الكتاب والسُنَّة، تُحرِّمُ السفرَ إلى بلادِ الكُفارِ أو الإقامَة بين ظهرانيهم.(24/1)
ففي الحديثِ الثابتِ عنه - عليه الصلاة والسلام - يقول: ((أنا برئ من مسلم يبيتُ بين ظهرا ني المشركين، لا تترآى نارُهِما))[1].
وهو كما ترى أخي المسلم كلامٌ جادٌ لا يقبلُ التأويل، ووعيدٌ أكيدٌ لا يقبلُ الميوعة، يجسم النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلالهِ هذه القضيةَ الساخنة، وإن أبى ذلك عُشَّاقُ السفرِ والسياحةِ، وأشدُ من ذلك قولُه - عليه الصلاة والسلام -: ((من جَامعَ المشركَ، أو سكنَ معه فهو مثلُه))[2].
ومعنى الحديث من اجتمعَ مع المشركِ في بلده، أو سكنَ معه في بيتِه، فهو مثلُه في الشركِ، والكفر والإلحاد.
فرحماك يا إلهي رحماك يا الله!.
وأمَّا القرآنُ الكريم ففيه ما تتفطرُ له الأكباد، وترتعدُ له الفرائص، وتصطكُ له الأسنان، فحين تخلفَ نفرٌ من المسلمين عن الهجرةِ إلى المدينة، وآثروا البقاءَ في الأرضِ التي ولدوا فيها، والبلادِ التي نشأوا في جنباتِها، حيث تخلف أولئك وفضَّلوا البقاءَ بين ظهرا ني المشركين، إذا بالقرآنِ الكريم ينزلُ متوعداً ومتهدداً أولئك المتخلفين بنبرةٍ حادَّة، ولغةٍ جادة لا يفهمُها إلا العقلاءُ فقط.: ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) (النساء: 97).
فلم يُستثنْ من أولئك إلا المستضعفين من الرجالِ والنساءِ، والولدان، أرأيتَ أيها المسافر هذا الوعيدَ الشديد لأولئكَ المتخلفينَ في مكة، مع أنهم بالتأكيد لم يكونوا سياحاً، أو طُلاَّبَ مُتعة، ولكنَّهم كانوا هم أهلَ البلاد ورثوها كابراً من كابر، ونشاءُوا فيها منذ نعومةِ أظفارهم، ولينِ أكفهم.
أمَّا النبيُ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابهُ الطيبين، فقد امتثلوا أمرَ ربهِم فهاجروا من مكة بكلِّ طواعيةٍ واختيار، مع أنَّها أحبُ البلادِ إلى قلوبِهم، وأقربُها إلى نفوسِهم، هاجروا من مكة، يومَ كانتْ مكةُ دارَ كفرٍ وإلحادٍ، فالمسألةُ مسألةُ عقيدة، والقضيةُ قضيةُ جنةٍ ونار، وهما أمران لا يستخفُ بها إلا المغفلون، إذ أنَّ حبَّ أرضٍ ما، أو حبَّ السفرِ إلى هنا أو هناك، لا ينبغي أن يُقدمَ على ما يُحبُه اللهُ ورسولُه مهما كانتْ الأسبابُ والمبررات.
((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)) (الأحزاب: 36).(24/2)
فلا عجبَ إذاً أنْ يخرجَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - من بلدهِ وأرضهِ، ثم يقفُ على مشارفِها فيقول: والله يا مكة إنَّك أحبُ البلادِ إلى الله، ولولا أنَّ قومَك أخرجوني ما خرجت، لعلك عرفت الآن أيها المسافر أنَّنا لا ننطلقُ من فراغ، ولا نتقدمُ بين يدي اللهِ ورسولِه، ولكنَّنا ننطلقُ من أدلةٍ شرعية، ونصوصٍ ثابتة تُحرِّمُ السفَر إلى بلادِ الكفار دون مبرراتٍ مشروعة، وأنت تعلمُ - يا رعاك الله-أنَّ للسفرِ ضريبةً غاليةَ الثمن، يدفعُها المسافرُ على حسابِ عقيدتهِ وأخلاقهِ وسلوكه. فمخاطرُ السفر على العقيدةِ والأخلاقِ والسلوك، لا ينكرُها إلا مكابرٌ أو جاهل، أو شخصٌ لا يريدُ أن يفهم، فأمَّا مخاطرهُ العقدية، فأذكرُ منها جانبين فقط. أما الأول: فهو تمييعُ مفهومِ الولاءِ والبراء، وإذابةُ حاجزِ النُفرة من الكُفَّار، والدارسون لقضايا العقيدةِ وأصولِ الدين يدركونَ جيداً، أنَّ معاداةَ الكفارِ وبغضَهم، والنُفرَة منهم وكراهَيتهم، أصلٌ أصيل وركنٌ ركين من أصولِ العقيدة، فإذا كانَ الأمرُ كذلك فلنا أن نتساءلْ، هل من بُغضِ الكفارِ وكراهيتِهم، التسَابقُ إلى السفرِ إلى بلادِهم، والتفاخرُ في طولِ الإقامةِ بين ظهرانيهم؟! أجيبوا أيها المسلمون؟ أفتونا يرحمكم الله! وأمَّا الجانبُ الثاني: من خطرِه العقدي فهو تعريضُ الأهلِ والأولاد لمخاطِرَ المنصرين المنتشرينَ كالجراد في أماكنِ تجمعِ السُيَّاح، يهدونهم النشراتِ التنصيريه، ويدعونهم إلى عقيدتِهم الوثنية، واعتقادِ ما فيها من الخرافاتِ البَاطلة والخزعبلاتِ التافهة.
ويُرغبونهم في الذهابِ إلى كنائسِهمُ المهجورة وإحياءِِِ الصلواتِ فيها.
ناهيكَ عن برامجِهمُ الترفيهيةِ المجانية، على أنغام الموسيقى والأناشيد ِالكفرية المؤلهةِ للمسيح، والداعيةِ للتثليث، فلا تسل بعد ذلك عن مدى تأثرِ النساءِ والصبيان، وحتى البالغين بذلك السيلِ الجارف من التنصيرِ المركز.
أيها المسافر: وأمَّا المخاطرُ الأخلاقية: فما ظَنُّك ببلادٍ تَعدُ الفاحشةُ فيها هي الأصل، والعفةُ شذوذٌ وتخلفٌ ورجعية.
وما بالُك ببلادٍ إذا لم تتخذْ الفتاةُ عشيقاً لها بعد البلوغ، فهي مريضة! فهي مريضة بحاجة إلى عرضِها على طبيبِ الأمراضِ النفسية!(24/3)
يمنحُها الثقةَ بنفسِها، ويدعوها إلى بذلِ عرضها لأولِ عابرِ سبيلٍ تصادفُه، لتنعَم بالشفاءِ بعد ذلك، أيُّ فرصةٍ تقدمونها أيها المسافرونَ لأولادكم حين تصطحبونَهم إلى بلادٍ ينتشرُ فيها الزنا، ويُتخذُ البغاء تجارةً وحرفةً تتبناها الدولة، وتُمنح لأجلِها التصاريح، وتُجبى من ورائها الضرائب، أيُ جنايةٍ يرتكبُها أربابُ الأسر حين يسافرون بمراهقيهِم والشهوةُ تتأججُ في صدورهم إلى بلادٍ فيها كلُ شيءٍ إلا الفضيلة، وفيها كلُ شيءٍ إلا العفة، وفيها كلُ شيءٍ إلا الطُهرَ والنزاهة، أمَّا حاناتُ الخمور ففي كلِّ شارعٍ وناحيةِ طريق، يشربُها الفُسَّاقُ هناك كما يَشربونَ الماء، ويستنشقونَ روائحَها المنتنة كما يستنشقونَ الهواء، يشربُونها قياماً وقعوداً، جلوساً ورقوداً، غدواً وعشياً وحين يظهرون، فما الذي يردعُ المراهقين الصغارَ والكبار عن طرقِ بابِ التجربة؟ وهم يرونَ إعلاناتِها تملأُ الشوارع، وتُعرض عبرَ وسائلِ الإعلام بطريقةٍ مُغرية وأساليبَ ماكرة.
ما لذي يردعُ مراهقي الشبابِ والكهول عن الرشفةِ الأولى، وخطوةِ الألفِ ميل لتكونَ هي بدايةَ السقوط في شباكِ الإدمان الذي يصعُب علاجُه.
أيها المسافرون: وأمَّا المخدرات، فأنتم تعلمونَ جيداً أنَّ عصاباتِها ومُروجيها لا يكادُ يخلو منها حيٌ من أحياءِ تلك المدنِ البائسة، يتصيدونَ ضحاياهم بأساليب ملتوية وإغراءاتٍ مدروسة، يُقدمونَ المخدرات في يد، والداعراتِ في اليدِ الأخرى، ليقعَ المُغررون في براثنِهم، ويَسقطونَ في أَسارِهم، فلا تكادُ تقومُ لهم قائمةٌ بعد ذلك، فمن ذا الذي يأمنُ على نفسِه، أو على واحدٍ من أولاده أن تزلَّ به القدم، فيقعُ في شباكِ أولئك المجرمين، إما رغبةً تحت مطارقِ الإغراء، أو رهبةً تحت وَقع التهديد والإكراه، وإذا لم تكن تعرفْ ما المخدرات، فالمخدرات: عينان حمروان، وخدَّان غائران، ووجهٌ مُصفر، وجسمٌ هزيل، وعقلٌ معطل، ومروءةٌ ذاهبة، ورجولةٌ ممسوخة، وكرامةٌ مدفونة، وغيرةٌ مغتالة.(24/4)
أيها المسافرون: وأما المخاطرُ الأمنية، فنحنُ وأنتم عاجزونَ عن وصفِ حبلِ الأمنِ المضطرب، وجدارِ الطمأنينةِ المتداعي، ولكن حسبُنا إشاراتٌ عابرة، ولمحاتٌ سريعة، وتذكيراتٌ عاجلة، علَّها تكونُ كافيةً في تثنيكم عمَّا عزمتم عليه من السفر إلى تلكَ الديارِ المخيفة، حمايةً لأنفسكم، وحفظاً لأرواحِكم على الأقل إن لم يكنْ رغبةً في حفظِ عقائدكم وأخلاقكم، أو الوقوف عند حدودِ ربكم ومولاكم، فأنتم تعلمون أنَّ الجريمةَ في تلكَ البلاد لم تعدْ تأخُذ طابعَ الارتجالِ والفردية، ولكنَّها أصبحتْ اليوم جريمةً مُنظمة وعصاباتٍ مُدربة، وخبراءُ متمرسون جعلوا من الحياةِ جحيماً لا يُطاق، وعذاباً لا يُحتمل، وساد قانونُ الغاب، ومنطق هذا قويٌ وهذا ضعيف، وانطلقَ المجرمونَ والقتلةُ يسفكونَ دماءَ الناس، وينتهكونَ أعراضَهم في ظلِ غيبةِ الجزاءاتِ الرادعة، والعقوباتِ الحازمة، وأصبح دمُ الإنسان أرخصَ من دمِ البعوض، بحيث يكفي أن يرى المجرم ساعةَ يدٍ تُعجبُه، أو دولاراً يسيلُ له لُعابه حتى ينقضَ على فريسته بعدةِ طعنات ترديه قتيلاً دونَ أن يتحركَ أحدٌ لإنقاذِه، في ذلكَ العالمِ البهيميِ المخيف.
وقد بلغ من قوةِ نفوذِ عصاباتِ السرقةِ والإجرام، أن اقتسمتْ الأحياءَ والشوارع، وسيطرتْ كُلُّ عصابةٍ على حيٍ أو منطقةٍ ما، لتمارسَ إجرامَها وابتزازَها لكلِّ من يعبُر مناطقَ نُفوذِها، في غيبةٍ تامةٍ لرجالِ الأمن.
فأيُ نُزهةٍ وسياحةٍ تلك التي يبحثونَ عنها في تلك الأجواءِ المخيفةِ المضطربة.
أيها المسلمون: وقدْ يتشبثُ بعضُ المسافرين بحججٍ واهية، وأعذار ٍساقطة، فيدَّعي بعضُهم رغبَته في تعلمِ اللغةِ الأجنبية، أو إجراءِ الفحوصاتِ الطبي، أو نحوِها من الدعاوى، مع أنَّه يعلمُ جيداً أن تعلمَ اللغةِ الأجنبية أمرٌ ميسور من غير حاجةِ السفرِ إلى هناك، وأمَّا الفحوصات الطبية فلا يعجزُ عنها أصغر مستشفى في بلادنا!.
فليتق الله أولئك، وليعلموا أنهم إنَّما يخادعون أنفسَهم، وأما الله جلَّ جلاله فهو أجلُّ وأعظم من أن يخادعَه أحد، وليتذكروا أنَّهم مسؤولون عن إضاعتِهم الأمانة، وتبد يدِهم الأموالَ الطائلة في أسفارٍ لا مردود من ورائها، لو أحسنوا استخدامَها لروَّحوا عن أنفسهِم ترويحاً بريئاً، ولفرَّجوا عن فقراءِ المسلمينَ وضعفائِهم، إذ ربَّما كانت قيمةُ تذكرةٍ واحدةٍ في الدرجةِ الأولى إلى لندن أو باريس كافيةً لإعاشةِ أسرةٍ بأكملها لمدةِ عامٍ كامل، ولكنْ ما الحيلةُ وقد قستْ القلوبُ، وتبلدتْ الأحاسيسُ، وماتتْ الضمائرُ، وأصبحَ البعضُ يعيشُ لنفسِه وملذاتِه ورغباته، ولو ماتَ الآخرونَ أو احترقوا، أو طويت بُطونُهم من الجوعِ والفاقةِ والحرمان.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وأيا كم بالذكر الحكيم.
واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويضر وينفع، ألا إلى الله تصيرُ الأمور. وأصلي وأسلم على الرحمةِ المهداة، والنعمة المسداة، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد:(24/5)
فلسَّفرِ آثارُه الخطيرةِ على الفتاةِ المسلمةِ على وجهِ الخصوص، حيثُ بفسادِها تتمرغُ سمعةُ أهلِها ومكانتُهم بالتراب، ويشقى بها مجتمعُها كُلُه، فما بالك بفتاةٍ تحركُها العاطفة، تتابعتْ أمامَ عينِها مشاهدُ مريبة أصابتها بالذهولِ والدهشةِ، ثم ألِفتهَا واعتادتها، ثم عشقَتها بعد ذلك حتى اهتزتْ ثقتُها بمعتقداتِها وقناعتها، ثم أخذتْ تلك الاعتقاداتُ والقنا عات تتهاوى واحداً بعد الآخر مع كلِّ يومٍ يَمُر عليها في أرضِ المصيف.
ما ظَنُّك أيها المبارك! وما ظنُّك أيها المسافرُ!! بفتاةٍ ضعيفةٍ مسكينة، وجدتْ نَفسَها فجأةً في مجتمعٍ إباحي تُرتكب الفاحشةُ فيه على قارعةِ الطريق، ماذا تُراه يجولُ في خاطِرها ويتحركُ في نفسِها وهي ترى نظيرتَها الأوربيةَ والأمريكية قد حسرتْ عن فخذيها وذراعيها، وتأبطتْ ذراعَ شابٍ عربيد يجوبان الشوارع على أنغامِ الموسيقى الصاخبة.
فاتقوا الله أيها المسافرون: واحفظوا بناتِكم ماءَ وجوهِكم قبل أن تقعَ الكارثة، وينكسرَ الزجاج، ودعونا من الكلامِ الفارغ والثقةِ المزعومة، فالمرأةُ هي المرأة، والذئبُ هو الذئب، والشيطانُ حيٌ لم يمت.
أيها المسلمون: وقد يتحجج بعضُهم باعتراض الأُسرة وغضبِ الأبناء، ويتساءلُ عن البديل فأمَّا غضبُ الأسرةِ والأبناء فليس مقدماً على غضبِ اللهِ ونقمتِه. فامتناعُه عن السفرِ بهم ليس بغضاً لهم، وحنقاً عليهم، وإنما وقايةً لهم من النار واستجابةً لنداء الرحمن: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) (التحريم: 6).
ولربِ الأسرة ممارسةُ حقِّ القوامةِ على أهلِه وأولاده، وإقناعهمِ بالتي هي أحسن، ومداراتهم بالتي هي ألين، فإن استجابوا وإلا كان قولُه:
فليتكَ تحلُو والحياةُ مريرةٌ *** وليتَك ترضى والأنامُ غضابُ
إذا صحَّ منك الود فالكلُّ هين *** وكُلُّ الذي فوقَ الترابِ ترابُ
وأما البديل: فهو موجودٌ بحمد الله، فالبديلُ المباح متوفرٌ بكثرة فللترويح البريء ألفُ طريقةٍ وطريقة، فمصائفُنا في الجنوب مضربُ المثلِ في الجمالِ الخلاب، والطبيعةِ الجذابة، والرياضِ الغناء، فضلاً عن أجوائِها المعتدلة ومجتمعِها المسلمِ المحافظ. كما أنَّ الإقامةَ في الطائف تهيئ للمصطافِ الأجواء اللطيفةَ الممطرة، والمصائفَ الجميلةَ الممتعة فضلاً عن القُربِ من المسجِد الحرام، بحيثُ ينزلُ إليه المصطافونَ كلَّ أسبوعٍ أو أسبوعين، يجددونَ إيمانهم ويسعدُون قلوبَهم، ويحفظونَ أولادَهم وذرارِيهم.
هذا إذا كُنَّا نبحثُ عن الترويحِ البريء، والمتعةِ المباحة، أما إذا كانتْ هناك مآربُ أخرى فاللهُ يقول: ((اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير)) (فصلت: 40).(24/6)
اللهم إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ، والشوقُ إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،
اللهم زينا بزينةِ الإيمانِ واجعلنا هداةً مهتدين، لا ضاليَن ولا مُضلين، بالمعروف آمرين، وعن المنكر ناهين يا ربَّ العالمين، ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه إمام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلى أله وصحابته أجمعين.
وأرضي اللهم عن الخلفاء الراشدين أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعلي
اللهم آمنا في الأوطانِ والدور وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ، يا عزيزُ يا غفور، سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
__________
[1]- رواه ابن كثير في تفسيره عن أبي جعفر ابن جرير(ج/2 ص231).
[2] - رواه ابن كثير في تفسيره (ج/1 ص400).
11/5/1427 هـ
http://www.islamlight.net/index.php?option=content&task=view&id=2680&Itemid=41(24/7)
الإيدز في الدول العربية .. أرقام مخيفة
محمود الفطافطة
الأوطان - بحسب إحصائية عام 2005، فنحو خمسة ملايين شخص في العالم أصيبوا بفيروس اتش. اي. في المسبب للايدز.
وبهذا يصل عدد الأحياء الحاملين للفيروس وفقا لأرقام برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الايدز منذ تسجيل أول حالة عام 1981 إلى أكثر من 40، 3 مليون نسمة.
وما زالت إفريقيا تتصدر المناطق المتضررة حيث يعيش 60% من المصابين في إفريقيا، وتحتل النساء نسبة 77% منهم، مما يدل على انتشاره بشكل يفوق تقدم الجهود المبذولة لمكافحته.
غير انه يمكن الإشادة بحملات التوعية والرعاية الصحية المكثفة التي حققت نتائج في بعض الدول. فقد أظهرت الإحصائيات انخفاض عدد المصابين في كينيا وزيمبابوي وفي بعض أنحاء بوركينافاسو.
أما دول جنوب القارة الأخرى مثل بوتسوانا وليسوتووناميبيا وسوازيلاند فقد استقرت نسبة نمو الإصابة السنوي على 30%. فيما ترتفع الإصابات في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وروسيا نتيجة لممارسة الجنس دون الوقاية وتفشي العدوى بالمخدرات.
انخفاض نسبة السود الأميركيين
أظهرت تقارير الحكومة الأميركية انخفاضا في معدل إصابة السود الأميركيين بنسبة 5% سنويا منذ 2001. بيد أن ذلك لا ينكر من أن عدد السود المصابين بالايدز لا يزال يفوق نظرائهم من البيض.
فقد أظهرت التقارير أن عدد مرضى الايدز السود انخفض من 88، 7 في كل 100 ألف شخص في عام 2001، إلى 76، 3 في كل مائة ألف في 2004.
أما النسبة بين البيض فقد ارتفعت من 8، 7 في كل مائة ألف إلى 9 في كل مائة ألف.
وقد علل هذا الانخفاض نسبة لانخفاض مماثل في عدد السود المتعاطين للمخدرات، بما قلل من انتقال الفيروس عن طريق الحقن الملوثة.
كما أفادت التقارير بان ولاية نيويورك تحتوي على 20% من نسبة الإصابات بالايدز بالنسبة إلى إجمالي الإصابات المدن الأميركية.
بين شعور بالذنب وخوف من التبعات
في الدول العربية يعمد المصابون بفيروس نقص المناعة المكتسبة على إخفاء مرضهم، خشية نبذ المجتمع لهم وفقدان وظائفهم.
ففي مقابلة لسيدة تبلغ من العمر 40 سنة سميت باسم سارة، أصيبت بالفيروس من علاقة جنسية منذ 15 سنة.
وأشارت تملك الإحساس بالذنب والخوف من الفضيحة لكونها عزباء بالإضافة إلى الخوف من تبعات المرض على حياتها.
غير أن الشخص الوحيد الذي يعرف بمرضها هو شقيقتها.
وقالت سارة هي موظفة في بيروت، إنها تحرص على تناول العقاقير الضرورية.
وأضافت «عندما أتناول العقاقير فإنني ادعي أنها دواء لآلام في المعدة، فإذا علم أحد بمرضي فإنني أخشى أن يتم طردي في اليوم ذاته، ومن ثم عزلي».
وتابعت «حتى إذا أصيبت سيدة متزوجة من علاقة مع زوجها، فإنها ستجد نفسها متهمة من أقاربها. فنحن نعيش في مجتمع رجولي».
كما أشار بعض المرضى في الدول العربية إلى أن قلة الخبرة والوعي قد دفع بعض المستشفيات بعدم قبول مرضى الايدز.
ومن العادة أن تبرر هذه المستشفيات رفضها بكونها تفتقر إلى الكوادر المؤهلة أو الأجهزة المناسبة.(25/1)
وبحسب خبراء النفس فان المصابين يعانون بطريقة مزدوجة فهم يحسون بالذنب وبالخوف المستمر من «ضريبة المرض».
سببه في لبنان
ومن ناحية أخرى أشار بحث إلى أن سبب الانتشار في لبنان يعود للعلاقات الجنسية في 79% من الحالات، ومن ضمنها 23% بسبب العلاقات المثلية.
فيما يحذر الخبراء العرب من أن الخطر ليس فقط في زيادة أعداد المرضى فقط، وإنما لأنها بدأت تغزو الشباب. ويشار إلى أن العدد الحقيقي اعلي من الأرقام الحكومية الرسمية، فعدد كبير لا يعرفون أنهم حاملين للفيروس.
الهند الأولى في إصابات فيروس نقص المناعة
يوجد في الهند 5، 1 ملايين مصاب، كما أن بعض الخبراء يشيرون إلى أن الأرقام تفوق بكثير هذه التقديرات الحكومية، وأن الأرقام الحقيقية أكثر من ذلك بما يجعل الهند الأولى من حيث عدد الإصابات.
فالإحصائيات الرسمية لم تشمل من يحملون فيروس المرض دون العلم أو من يتكتمون على الإصابة.
المتزوجون سبب انتشاره
كشفت دراسة أن الرجال المتزوجين في الهند يقفون وراء انتشار فيروس HIV، وذلك عبر الممارسات الجنسية خارج نطاق الزوجية. ووجدت الدراسة أن رجال الأعمال والعاملين في قطاع السياحة هم الأكثر عرضة للإصابة بالعدوى.
وبذلك يدحض اعتقادات خاطئة في الهند من أن سائقي الشاحنات ومدمني المخدرات هم وراء انتشار الفيروس المميت. كما يفسر ظهور إصابات جديدة بين النساء المتزوجات من جراء علاقاتهن بأزواج مصابين.
وبينت النتائج أن ما يفوق 85% من الإصابة سببه ممارسة الجنس غير الآمن، فضلاً عن أن 3% انتقل إليهم الفيروس عبر حليب الأم، وبنفس المعدل أصيبت البعض من استخدام حقن ملوثة.
ووجهت الدراسة أصابع الاتهام إلى الرجال المتزوجين بكونهم جسرا يساعد على نقل ونشر الفيروس عبر ممارسة الجنس دون استخدام واق.
المعدلات ترتفع عربيا
كشف تقرير2005 أن الدلائل تشير إلى تزايد حالات العدوى بفيروس العوز المناعي البشري HIV المسبب للايدز في بلدان مثل الصومال والجماهيرية العربية الليبية والمغرب.
وقد تم تسجيل حالات جديدة عديدة في عام 2005 أكثرها في لبنان ومن ثم المغرب ومصر، فيما سجلت حاله مصابه بالايدز في العراق في تلك السنة.
بيد أن السودان يعد البلد الأكثر تأثرا بالايدز والعدوى.
فثبتت إصابة 2% بالفيروس بين النساء المترددات على عيادات الأمراض المنقولة جنسيا عام 2004، كما سجلت نسبة انتشار قدرها 1% بين طلاب الجامعةـ اغلبهن من الشابات.
السعودية
يشير بحث أجري في الرياض أن نصف حالات العدوى بالفيروس المناعي البشري وقعت خلال ممارسات جنسية بين الذكور والإناث، وان معظم المصابات هن زوجات انتقل إليهن الفيروس من أزواجهن.
أما الرجال فأصيبوا بالعدوى من ممارسة جنس مدفوع الأجر.
وكشف البحث أن نسبة 26% تُعزى إلى نقل الدم الملوث أو مشتقاته في فترة مبكرة من ظهور الوباء. وان غالبية الإصابات (57% منهم) سجلت في مدينة جدة، وتليها الرياض ثم الدمام وعسير والتقارير تؤكد ارتفاع حالات الإصابة في المملكة العربية السعودية..(25/2)
وللتفصيل، فقد وصل إجمالي المصابين بمرض الايدز عام 2002 الى721 حالة، منها 204 سعوديين و517 من غير سعوديين، وارتفعت عام 2003 إلى 1025 حالة، منها 238 سعوديا و787 غير سعوديين، وازدادت النسبة عام 2004 إلى 1111 حالة إصابة منها 262 سعوديا و849 غير سعوديين.
مصر
تشير المعلومات الرسمية المصرية إلى أن سبب الإصابات يعزي إلى الجنس غير المأمون بين الرجال والنساء في 50%، أو بسبب الشذوذ بين الرجال في 20%. كما لوحظ ارتفاع معدل السلوكيات المحفوفة بالخطر بين معاقري المخدرات. ففي دراسة وجد أن 50% من معاقري المخدرات يستخدمون إبرا غير معقمة.
من المتوقع حسب تقديرات الأمم المتحدة أن يرتفع عدد المصابين بالايدز في مصر إلى 5000، حيث أن كل حالة مكتشفة من الايدز يقابلها 3 حالات لم تكتشف.
في حين أن عدد المصابين بالمرض في عام 2003 بلغ 679.
وعدد مصابين بمرض الايدز في مصر وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الايدز يبلغ 3584 مصابا في 2005. » غير آن هذا العدد لا يزال قليلا، حيث يبلغ معدل الإصابة أقل من 2 لكل مليون نسمة سنويا.
المغرب والجزائر
على الرغم من انخفاض معدل انتشار الفيروس المسبب للايدز بين مترددات عيادات، فقد تضاعف للضعفين بين عامي 1999 و2003 ووصلت النسبة إلى 0. 13%. فيما ارتفع بشكل ملحوظ بين البغايا والمساجين إلى 2. 3% و0. 8% على التوالي.
أما في الجزائر فقد سجل في عام 2004 عدد مضاعف من حالات العدوى بفيروس الايدز 266 حالة مقارنة بعام 2003. فيما شهدت مستويات الإصابة بين البغايا تصاعدا لتصل إلى 17% في مدن الشمال، و9% في مدن الجنوب، مقارنة بنسبتهم التي لم تتعد 2% في عام 2000.
جمهوريتا ليبيا وإيران
تشكل حقن المخدرات السبب الرئيسي لعدوى الايدز بين الشباب الليبي فقد سببت 80% من الحالات المبلغة رسميا والتي وصلت إلى نحو10 آلاف حالة بنهاية عام 2004.
أما في إيران، فينتقل فيروس الايدز المناعي البشري المسبب للايدز على نطاق واسع بين معاقري المخدرات الذين بلغ عددهم نحو200 ألف شخص عام 2004.
اليمن
إجمالي الحالات المسجلة رسميا في اليمن للمصابين الأحياء بمرض الايدز بلغ 1549 حالة في عام 2004.
فيما قدرت حالات الإصابة عند الأطفال المبلغ عنها بـ 21 إصابة.
وتشكل النساء 30% من عدد الإصابات.
ويعتقد أن نمط انتقال الفيروس في اليمن من خلال انتشار البغاء، ويعزى 50% من الحالات للوافدين.
الأردن وسوريا والعراق
يعتقد أن ما بين 600 إلى ألف شخص يتعايشون مع مرض الإيدز في الأردن، حيث تنخفض نسبة انتشار هذا الفيروس انخفاضا شديدا (حوالي 0. 02%). بينما بلغ عدد الإصابات الجديدة بمرض الايدز في سوريا خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 2005، 341 حالة، منها 134 حالة لأجانب، و207 حالات لسوريين.
أما العراق فقد كشف في عام 2005عن وجود 72 أحياء مصابين بمرض نقص المناعة المكتسب «الايدز» مؤكدا أن جميع هذه الإصابات تخضع لمراقبة طبية صارمة.
أكثر من مليون أميركي(25/3)
كشفت الحكومة الأميركية الاثنين أن هناك أكثر من مليون اميركي يعتقد انهم يحملون فيروس الـ HIV المسبب للايدز.
وهذه الأرقام تعكس نجاح أدوية العلاج بإبقاء مزيد من المصابين بالفيروس على قيد الحياة لفترات أطول، إلا أنها تظهر في الوقت ذاته فشل الحكومة في الحد من عدد الإصابات بالمرض.
وقال الطبيب رونالد فالديسري، من مركز السيطرة على الأمراض والوقاية أن القفزة في البيانات تعكس الدور الفعال للعقاقير التي منحت المصابين بالمرض أمل العيش لفترات أطول.
وأضاف «رغم تطور العلاج لحاملي الفيروس، فانه لم يصل إلى هدف الوقاية من المرض.
الإيدز خرج عن السيطرة
أعلنت الأمم المتحدة أن مرض فقد المناعة المكتسب (الايدز) ينتشر في كل قارات العالم بسرعة بالرغم من الأموال الطائلة التي تنفق لمكافحته.
فقد أوضح الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، في عدة تصريحات أن عدوى الايدز تزداد انتشارا.
كما أوضح أن 12% فقط من المصابين بالايدز في الدول النامية يحصلون فعلا على مضادات الفيروس، بينما يتمكن 20% فقط من الاستفادة من الخدمات الوقائية..
من جهته قال المبعوث الخاص للأمم المتحدة لمكافحة الايدز ستيف ليوس « إن تزايد الأموال المخصصة لمكافحة هذا الوباء لم تمنع الايدز من الانتشار بصورة سريعة. وأن مشاكل بالغة تواجهنا في دعم القدرات الطبية والبنية الأساسية في البلدان التي يهاجمها الفيروس، وخاصة عندما يهاجم المرض الأطباء والممرضات والمزارعين، فكيف نواجه وباء في مجتمع يتمزق»؟.
الجنس السبب الرئيسي
أكدت دراسات علمية عديدة أن العلاقات الجنسية أصبحت السبب الرئيسي لنقل مرض الايدز للنساء، وليس الأدوات الملوثة المستخدمة في تعاطي أنواع المخدرات.
وأشارت إلى أن هناك تطورا كبيرا في أسباب الإصابة بالمرض بين النساء، حيث كانت نسبة المصابات عبر وسائل تعاطي المخدرات، تبلغ 53% في البداية، أما الإصابة عبر العلاقات الجنسية فلم تزد على 15%.
أما الآن، فقد ارتفعت نسبة المصابات عبر العلاقات الجنسية لتصل إلى أكثر من 73%.
الكويت
يؤكد مسئولو الصحة انه على مدى أكثر من عشرين عاما، تم اكتشاف حوالي مائة حالة لمواطنين في الكويت ممن تم إدخالهم لمستشفى الإمراض السارية للمتابعة والعلاج.. وهذا الانخفاض في عدد المصابين ينفي انتشار وباء هذا المرض الخطير.
فيما تبين أن عدد المصابين من غير الكويتيين يتجاوز الألف حالة وهؤلاء تم إبعادهم عن البلاد فور اكتشاف أمرهم. وبجدر بالذكر أن جميع إجراءات الوقاية الصحية المعمول بها في الكويت مطابقة تماما لتوصيات منظمة الصحة العالمية.
ومن جانبه أشار مصدر إلى أن اغلب حالات الإصابة في الكويت ناتجة عن الاتصال الجنسي خارج البلاد، وبان أول حالة للايدز في الكويت عام 1986 كانت لشاب كويتي يدرس خارج البلاد.
وللتوضيح فان ظاهرة انتشار الشذوذ الجنسي نتج عنها ظهور حالات الإصابة بالايدز بين الشباب، وبخاصة ممن يقيمون علاقات جنسية سواء في الداخل أو في الدول الأجنبية..
بتصرف.
http://fac4.maktoobblog.com المصدر:(25/4)
التحذير من السفر إلى بلاد الكفرة وخطره على العقيدة والأخلاق
لفضيلة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد:
فقد أنعم الله على هذه الأمة بنعم كثيرة وخصها بمزايا فريدة وجعلها خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله. وأعظم هذه النعم نعمة الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده شريعة ومنهج حياة وأتم به على عباده النعمة وأكمل لهم به الدين قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا }
ولكن أعداء الإسلام قد حسدوا المسلمين على هذه النعمة الكبرى فامتلأت قلوبهم حقدا وغيظا وفاضت نفوسهم بالعداوة والبغضاء لهذا الدين وأهله وودوا لو يسلبون المسلمين هذه النعمة أو يخرجونهم منها كما قال تعالى في وصف ما تختلج به نفوسهم: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً }
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } وقال عز وجل: { إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ }
وقال جل وعلا: { وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا }
والآيات الدالة على عداوة الكفار للمسلمين كثيرة. والمقصود أنهم لا يألون جهدا ولا يتركون سبيلا للوصول إلى أغراضهم وتحقيق أهدافهم في النيل من المسلمين إلا سلكوه ولهم في ذلك أساليب عديدة ووسائل خفية وظاهرة فمن ذلك ما ظهر في هذه الأيام من قيام بعض مؤسسات السفر والسياحة بتوزيع نشرات دعائية تتضمن دعوة أبناء هذا البلد لقضاء العطلة الصيفية في ربوع أوربا وأمريكا بحجة تعلم اللغة الإنجليزية ووضعت لذلك برنامجا شاملا لجميع وقت المسافر. وهذا البرنامج يشتمل على فقرات عديدة منها ما يلي:-
أ- اختيار عائلة إنجليزية كافرة لإقامة الطالب لديها مع ما في ذلك من المحاذير الكثيرة.
ب- حفلات موسيقية ومسارح وعروض مسرحية في المدينة التي يقيم فيها.
ج- زيارة أماكن الرقص والترفيه.
د- ممارسة الديسكو مع فتيات انجليزيات ومسابقات في الرقص.
هـ- جاء في ذكر الملاهي الموجودة في إحدى المدن الإنجليزية ما يأتي: (أندية ليلية، مراقص ديسكو، حفلات موسيقى الجاز والروك، الموسيقى الحديثة، مسارح ودور سينما وحانات إنجليزية تقليدية).
وتهدف هذه النشرات إلى تحقيق عدد من الأغراض الخطيرة منها ما يلي:
1- العمل على انحراف شباب المسلمين وإضلالهم.
2- إفساد الأخلاق والوقوع في الرذيلة عن طريق تهيئة أسباب الفساد وجعلها في متناول اليد.
3- تشكيك المسلم في عقيدته.(26/1)
4- تنمية روح الإعجاب والانبهار بحضارة الغرب.
5- تخلقه بالكثير من تقاليد الغرب وعاداته السيئة.
6- التعود على عدم الاكتراث بالدين وعدم الالتفات لآدابه وأوامره.
7- تجنيد الشباب المسلم ليكونوا من دعاة التغريب في بلادهم بعد عودتهم من هذه الرحلة وتشبعهم بأفكار الغرب وعاداته وطرق معيشته.
إلى غير ذلك من الأغراض والمقاصد الخطيرة التي يعمل أعداء الإسلام لتحقيقها بكل ما أوتوا من قوة وبشتى الطرق والأساليب الظاهرة والخفية وقد يتسترون ويعملون بأسماء عربية ومؤسسات وطنية إمعانا في الكيد وإبعادا للشبهة وتضليلا للمسلمين عما يرمونه من أغراض في بلاد الإسلام. لذلك فإني احذر إخواني المسلمين في هذا البلد خاصة وفي جميع بلاد المسلمين عامة من الانخداع بمثل هذه النشرات والتأثر بها وأدعوهم إلى أخذ الحيطة والحذر وعدم الاستجابة لشيء منها فإنها سم زعاف ومخططات من أعداء الإسلام تفضي إلى إخراج المسلمين من دينهم وتشكيكهم في عقيدتهم وبث الفتن بينهم كما ذكر الله عنهم في محكم التنزيل قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } الآية
كما أنصح أولياء أمور الطلبة خاصة بالمحافظة على أبنائهم وعدم الاستجابة لطلبهم السفر إلى الخارج لما في ذلك من الأضرار والمفاسد على دينهم وأخلاقهم وبلادهم كما أسلفنا وإرشادهم إلى أماكن النزهة والاصطياف في بلادنا وهي كثيرة بحمد الله والاستغناء بها عن غيرها فيتحقق بذلك المطلوب وتحصل السلامة لشبابنا من الأخطار والمتاعب والعواقب الوخيمة والصعوبات التي يتعرضون لها في البلاد الأجنبية. هذا وأسأل الله جل وعلا أن يحمي بلادنا وسائر بلاد المسلمين وأبناءهم من كل سوء ومكروه وأن يجنبهم مكايد الأعداء ومكرهم وأن يرد كيدهم في نحورهم كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه القضاء على هذه الدعايات الضارة والنشرات الخطيرة وأن يوفقهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.(26/2)
الترويح بين المشروع والممنوع
نادية محمد السعيد
لقد أحل الله - عز وجل - لعباده الطيبات، وأمرهم بالزينة حتى في مجال العبادات، فقال - تعالى -: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} [الأعراف: 32].
كما حث الإسلام على الترويح عن النفس؛ لإشباع حاجاتها النفسية، عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا بات أحدكم من الله فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع" رواه مسلم (1). أي إذا تعب ووجد صعوبة في قراءة القرآن، ولم يتدبر معناه فليرقد ويسترح.
كما أقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعض الأعمال والوسائل الترويحية بهدف إدخال السرور والبهجة والسعادة على الإنسان في حالات وظروف معينة وفق ضوابط شرعية، من ذلك مثلاً:
1- الأناشيد الطيبة في حالات الأفراح، والعمل، والجهاد في سبيل الله.
2- الفكاهة والمزاح الكريم الخالي من الكذب والفحش والسخرية.
3- الرياضة البدنية لبناء الجسد القوي ليعين صاحبه على العمل والجهاد في سبيل الله.
4- الرياضة الذهنية لتنمية القدرات العقلية، وباستخدام الوسائل الحلال.
5- الرحلات والسياحة الحلال للتنشيط والتدبر في خلق الله، ومعرفة أخبار الأمم الخالية.
كما حرم الإسلام العديد من وسائل وأدوات اللهو والترويح؛ لمخالفتها مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء مثل: الأغاني الخليعة والموسيقى والنرد (النردشير) وورق اللعب والرحلات والسياحة التي فيها المفاسد وتصد عن ذكر الله.
تعريف الترويح:
جاء في المنجد "روح بمعنى أنعش". ونقول: روح قلبه، أي: أنعشه، وروح بالجماعة أي: صلى بهم التراويح والمصدر هو "الترويح"(2).
وجاء في المعجم الوسيط: "ارتاح" يقال: ارتاح للأمر نشط به وسر، وارتاح الله له برحمته، أي: أنقذه من البلية.
ويقال رواح بين جنبيه: انقلب من جنب إلى آخر. وراوح بين رجليه: قام على كل منهما مرة (3).
وتعددت تعريفات المختصين للترويح وتباينت باختلاف نظرة من يقوم بتعريفه. من هذه التعريفات:
1- إعادة إنعاش الروح، وإحياء القوة بعد تعب.
2- إدخال السرور على النفس.
3- النشاط الذي يختاره الفرد ليمارسه في وقت فراغه.
4- مزاولة أي نشاط في وقت الفراغ بهدف إدخال السرور على النفس دون انتظار أي مكافأة.
5- نشاط تلقائي مقصود لذاته، وليس للكسب المادي، ويمارس في وقت الفراغ لتنمية ملكات الفرد رياضياً واجتماعياً وذهنياً.
من هنا نرى أن الترويح هو: نشاط هادف وممتع يمارس اختيارياً بدافعية ذاتية، وبوسائل وأشكال عديدة مباحة شرعاً، ويتم غالباً في أوقات الفراغ.
أولاً: الترويح المشروع:(27/1)
أباح الإسلام أموراً كثيرة في مجال اللهو واللعب يمكن للمسلمين أن يجدوا فيها ترويحاً لنفوسهم، وتخفيفاً عنها من أثقال الجد والكد، وفي الوقت نفسه يستغنون بها عن وسائل اللهو المحرم وأساليب الشيطان الصارفة عن ذكر الله وعن الصلاة، وهي مشروعة في الإسلام؛ وذلك لما ينشأ عنها من النفع الخاص أو العام ولا ينتج عنها مفاسد تطغى على تلك المنافع أو المصالح.
وهذا الترويح المشروع مبني على أسس يتحقق بها ما ذكرناه من المنافع والمصالح، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1- الإعانة على الجهاد في سبيل الله؛ وذلك بالتدرب على آلات القتال والركوب ونحو ذلك، فالجهاد في سبيل الله من أعظم الأمور في الإسلام؛ إذ فيه رفعة الأمة وعلو شأنها، فإنه ذروة سنام الإسلام؛ ولذلك فإن الترويح الذي يكون به عون على الجهاد في سبيل الله مأمور به المسلم شرعاً، مصداقاً لقوله - تعالى -: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله} [الأنفال: 60].
وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم- لما مر بنفر من أصحابه ينتصلون: "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً" (4).
وكذلك فإن السبق مشروع لما ينتج عنه من التدريب على الجهاد والإعانة عليه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- سابق الخيل التي اضمرت من الحضياء وأمدهم ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق.
واللعب بالحراب مشروع أيضاً لما فيه من التدريب على الجهاد ومزاولة ما يعين عليه ولنقرأ في ذلك ما رواه أبو هريرة قال: "بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بحرابهم إذ دخل عمر بن الخطاب فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : "دعهم يا عمر" (5).
2- إن هناك نوعاً من الترويح شرع في الإسلام؛ لما فيه من التقوية للجسم، والتعود على الفتوة والخشونة، وترك الرخاوة والنعومة، كما في العدو والمصارعة.
ورد أن ركانة صارع النبي - صلى الله عليه وسلم- فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم- (6).
وكذلك السباحة فيها تقوية للجسم وترويح كما أنها سبب من أسباب الأمان من الغرق فروي في أثر مرفوع: "كل شيء ليس من ذكر الله - عز وجل - فهو لغو وسهو إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعلم السباحة" (7).
وروي عن عمر أنه قال: "علموا أولادكم السباحة والرماية".
3- إظهار المرح والسرور في المناسبات السعيدة، فالمناسبات السعيدة كالعيد والزواج أبيح فيها شيء من اللهو والترويح، إذا كان ذلك في نطاق ما شرع الله - تعالى -، وليس فيها شيء مما نهى الله عنه، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : "يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا" (8).(27/2)
فإظهار الفرح والسرور في أيام العيد بما ذكر من غناء البنات الصغيرات بأناشيد خالية من الكلام المحرم وكان إنشادهن خالياً من التمايل والتكسر فلا بأس بذلك؛ لأن هذا واقع هذه الرخصة التي ثبتت بالسنة، وكذلك إظهار الفرح والسرور في مناسبات الزواج ثابت شرعاً، يدل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما روته عائشة - رضي الله عنها - أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : "يا عائشة، ما كان معكم من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو" (9).
فهذا النوع من الترويح مباح إذا حصل في أوقات المناسبات السعيدة وبخاصة في العيد أو في الزواج على أن يكون وفق ما وردت به الرخصة.
4- تسلية النفس بالقول المباح، فقد رخصت الشريعة الإسلامية بترويح النفس بالقول المباح كما في المزاح والمداعبة بين الأصحاب والأصدقاء شرط أن يكون ذلك حقاً فلا يشتمل على باطل، فلا مزاح ولا مداعبة بقول محرم، أو بما يثير الأحقاد والعداوة بين الأصدقاء فقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم- يمزح ولكنه لا يقول إلا حقاً.
فقد أتته يوماً عجوز أنصارية، فقالت: يا رسول الله، ادع الله لي أن يدخلني الجنة، فقال لها: "يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز، فولت المرأة تبكي، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم- وقال لها: أما قرآت قوله - تعالى -: {إنا أنشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكارا * عربا أترابا} [الواقعة: 35-37].
وكان رجل من أهل البادية اسمه زاهر يهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم- الهدية من البادية فيجهزه إذا أراد أن يخرج فقال: إن زاهر باديتنا ونحن حاضرته، وكان دميماً فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل، فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم- فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي - صلى الله عليه وسلم- حين عرفه، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: من يشتري العبد، فقال: يا رسول الله، إذاً والله تجدني كاسداً، فقال: "لكن عند الله لست بكاسد" أو قال "لكن عند الله أنت غال" (10).
والرسول - صلى الله عليه وسلم- في هذا كله لم يقل إلا حقاً، فمثل هذا المزاح تطيب به نفس المخاطب، وتكون المؤانسة.
ولا يجوز الإفراط في المزاح أو المداومة عليه؛ لأنه يشغل عن مهمات الحياة، ويؤذي الناس، ويسقط المهابة والوقار، وينتهي إلى الهذر، والهذر يسقط المروءة.
5- تثبيت أواصر المودة والمحبة بين الزوجين، وما ينمي تلك العلاقة، وما يحصل به الانبساط بينهما، فإن ذلك مشروع ويؤدي إلى أمر مقصود للشارع وهو صلاح الحال بين الزوجين، وبقاء تلك الرابطة على هذا الصلاح، وذلك بالمداعبة والملاعبة بينهما، يدل على ذلك ما رواه عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فإنهن من الحق" (11).(27/3)
فقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم- مشروعية ملاعبة الزوجة ومداعبتها وإن ذلك من الحق وليس من الباطل؛ وذلك لما ينتج عنه من الأثر المحمود من حسن العشرة الزوجية ودوامها.
ثانياً: الترويح الممنوع:
هناك نوع من الترويح حظره الإسلام، ولم يبح للمسلمين ممارسته، بل اعتبر الذين يمارسونه خارجين على مبادئ الإسلام وتعاليمه؛ إذ إن الترويح في الإسلام ليس بهدف ملء الفراغ، ولا قتل الوقت، ولا ممارسة اللهو، ولكن الأصل في الترويح هو ما يعود على الإنسان بالفوائد الجسمية والنفسية والعقلية، فإذا انتفت كل هذه الفوائد ولم يتحقق للإنسان منها شيء وجب على الأمة الجادة أن تحاربه، وأن تسد طريقه في وجوه الذين تسول لهم أنفسهم التلهي به، وبالتأمل في هذا النوع من الترويح الذي حرمته الشريعة الإسلامية فإنه يمكن إجمال أسباب تحريمها فيما يلي:
1- الدعوة إلى الفجور والخنا وإماتة الغيرة الدينية والشهامة، وإضعاف المعنويات ونمثل على ذلك بالغناء بالأشعار الغزلية والهزلية التي تثير الغرائز وتهيج الشهوات، وتسعّر في النفس نار الشوق إلى مواقعة الفعل الحرام، وانتهاك الأعراض، والاعتداء على الحرمات، ويتمثل أيضاً في الآلات الموسيقية والمعازف التي هي من أعظم الدوافع إلى وقوع الإنسان في الحضيض، وتنزل به إلى الحياة البهيمية، وتهيج فيه الغرائز الحيوانية، ويدعوه الشيطان بها إلى الفجور؛ ذلك أن الغناء رقية الزنى ومدخل إلى الشر والإثم والضلال، والصد عن سبيل الله، قال - تعالى -: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله} [لقمان: 6].
قال ابن عباس وابن عمر وابن مسعود - رضي الله عنهم -: هو الغناء وأشباهه.
2- الصد عن ذكر الله - تعالى -، والإلهاء عنه، وشغل الوقت بالباطل، ذلك أن هناك من الأقوال والأفعال ما نهى الشرع عن مباشرتها ومزاولتها؛ لأنها توقع الإنسان في حبائل الشيطان عند الإقدام عليها.
ونمثل على ذلك بالأقوال الباطلة المتضمنة للكذب والزور ولو كان ذلك على سبيل المزاح.
وكما في الألعاب التي ورد الشرع بتحريمها لما فيها من الضرر الذي يغلب ما فيها من جانب ضئيل من المصلحة إن وجد، وذلك مثل اللعب بالنرد (النردشير) ونحوه، فعن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لعب (بالنردشير) فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه" (12).
الضوابط الشرعية للترويح:
يحكم الترويح عن النفس ووسائله وأدواته مجموعة من الضوابط الشرعية العامة التي إذا التزم بها أصبح حلالاً، وإذا انحرف عنها أصبح حراماً، استنبطها الفقهاء من مصادر الشريعة الإسلامية لتكون دستوراً ملزماً للمسلمين عند الترويح عن أنفسهم. من هذه الضوابط ما يلي:
1- أن يكون الترويح بنية صادقة وخالصة للتقوية والتنشيط على الأعمال والعبادات والتقرب إلى الله - سبحانه وتعالى -، بمعنى أن تكون كل الأعمال والعبادات للتقرب إلى الله - سبحانه وتعالى -؛ لأن الأصل أن تكون كل الأعمال صالحة، ولوجه الله خالصة ليس فيها شيء لهوى النفس الأمارة بالسوء.(27/4)
ودليل ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" (13).
2- ألا يلهي الترويح عن عبادة الله وذكره، فكل ما يلهي عن ذكر الله فهو حرام، لقوله - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} [المنافقون: 9].
3- ألا يؤدي الترويح إلى المفاسد وارتكاب الذنوب والآثام، فكل ما يؤدي إلى حرام فهو حرام، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولقد حذرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: "إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه"(14).
4- ألا يلهي الترويح عن القيام بالفرائض والواجبات من العبادات والأعمال أو قضاء مصالح المسلمين أو الدعوة إلى الله - عز وجل - فالتوازن في حياة المسلم واجب.
5- ألا يكون الترويح مضيعة للوقت بدون نفع أو جدوى فالوقت هو الحياة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" (15).
6- عدم الإسراف في الترويح حتى لا يصل إلى درجة الإدمان، ويصبح لإشباع النفس الأمّارة بالسوء، ويخرج من مجال العبادات والطاعات، والإسراف في كل شيء محرم في الإسلام، قال - تعالى -: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأعراف: 31].
7- أن تكون وسائل وأدوات اللهو والترويح مشروعة، فعلى سبيل المثال لا الحصر: حرم الإسلام النرد (النردشير) وآلات الموسيقى ماعدا الدف، وحرم المصايف التي فيها العري والمجون والاختلاط بالفاسقين، كما حرم السياحة إلى أماكن المعصية، وحرم الرحلات المختلطة التي ترتكب فيها المعاصي.
الهوامش:
1- صحيح مسلم، المجلد الأول، حديث رقم 241، 242.
2- المنجد، طبعة رقم 17، ص: 285.
3- المعجم الوسيط، المطبعة الأميرية، القاهرة، 1939، ص: 332.
4- صحيح البخاري، الجزء السادس، ص: 91.
5- صحيح مسلم، المجلد الثاني، حديث رقم 893.
6- سنن أبي داود، الجزء الرابع- 340-341.
7- ابن القيم، الفروسية، دار الكتاب، بيروت، ص: 92.
8- صحيح البخاري، الجزء الثاني، 44، وصحيح مسلم، الجزء الثاني- 607-608.
9- صحيح البخاري، الجزء التاسع- 225.
10- البيهقي، السنن الكبرى، ج 10، ص: 248.
11- سنن ابن ماجه، ج 2 - 940.
وسنن الترمذي، ج4 - 174.
12- صحيح مسلم، المجلد الرابع، الحديث رقم - 2260.
13- صحيح البخاري، الكتاب الأول، الباب الأول، صحيح مسلم، الكتاب 33، حديث رقم 155.
14- صحيح البخاري، الكتاب الثاني، باب 39، صحيح مسلم، الكتاب 22، حديث رقم 107 و 108.
15- صحيح البخاري، الكتاب الثاني، باب 38.
http://jmuslim.naseej.com/Detail.asp?InNewsItemID=101793(27/5)
علوي بن عبد القادر السقاف الداعية القدوة والسفر للسياحة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد:
فقد ظهرت على بعض الدعاة في السنوات القليلة الماضية عددٌ من الظواهر السلبية، كان من أبرزها وربما أخطرها تراجع عدد منهم في أخذ الدين بقوة، ومجاهدة النفس على السير على خطى أسلافهم من أهل العلم والدعوة في القيام بأمر الشريعة، وتعظيم شعائر الله، الأمر الذي لا ينكره إلا مكابر، ولعل من أهم أسباب ذلك التراجع: تكالب أعداء الإسلام من خارج بلاد المسلمين ومن داخلها على شأن هذا الدين، وكثرة النقد اللاذع للمنهج الإسلامي الصحيح، ثم ما صاحب ذلك من نقدٍ آخر ذاتي، كان أكثر ميلاً إلى الهدم منه إلى البناء، لاسيما من بعض الدعاة الذين اعتورهم شيء من الهزيمة النفسية، ناهيك عن شيوع فتاوى برامج الفضائيات والمعتمدة على ما يسمى بالتيسير بصرف النظر عن الدليل، الأمر الذي أنتج تراجعاً عند بعض الدعاة عن ذلك النهج الذي كانوا عليه إلى آخر هجين بين التميع والتميز؛ كل ذلك وغيره أدى إلى هذا الضعف العام الذي تشهده ساحة الدعوة، وخاصة فيما يتعلق بتميز أولئك الدعاة في عبادتهم وخلقهم ومظهرهم وربما طريقة تعاملهم مع قضايا الشريعة وأمور الدعوة، الأمر الذي أفرز كثيراً من الظواهر المتعددة والمؤلمة والتي لم تكن تُعهد من قبل، وما ظاهرة السفر إلى خارج البلاد المحافظة التي يعيشون فيها، إلى أخرى مغايرة تماماً لتلك الطبيعة المحافظة، لا لشيء غير مجرد ما يعرف بالسياحة، أو الترويح عن النفس إلا من هذه الظواهر.
وهنا نقول، بأن مِن الدعاة إلى الله مَن لا يكترث لهذا التميز أصلاً، فليس هو مقصودنا بهذا الحديث، وإنما مقصودنا أولئك الإخوة الذين اعتادوا أخذ هذا الدين بقوة [فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا] (الأعراف:145)، وأقاموا الشريعة بمأخذ الجد، فحملوا همَّ هذه الدعوة شهورا متتابعة، طيلة العام باذلين أوقاتهم وجهدهم منشغلين بدعوتهم عن ترفيه أنفسهم وأهل بيتهم وأبنائهم ؛ فلا شك أن مثل هؤلاء قد يجدوا في أنفسهم، وفي من يعولون من أهلٍ وذرية، حاجة إلى شيء من الترفيه عن النفس بسفر أو نزهة أو ما شابه ذلك، وما من شك كذلك أن هذا أمر مباح لا بأس به، وقد يكون مطلوباً أحياناً، والأصل في السفر الإباحة، وقد يكون أحياناً مندوباً أو واجباً ، ومرادنا في هذه المقالة ذلك السفر والانتقال إلى بلاد يكثر فيها الفساد والمنكر، من تبرج وسفور وتناول للخمور، وغيرها مما لا يخفى على أحد، كل ذلك وهذا الداعية والقدوة المسافر إلى تلك البلاد، يشهد ذلك كله أو بعضه، لكنه عاجز عن إنكار شيء منه ، بل قد يلجأ إلى المكوث في موقع حدوث المنكر – كالمطارات، وأماكن التسوق، وبعض المطاعم، والطرقات - ساعات طوال، مشاهداً، أو مستمعاً، ...(28/1)
هذا، وترى كثيراً من هؤلاء الإخوة يتذرع بشبه واهية، لعل من أبرزها أنهم في رحلة إلى بلاد إسلامية، مع أن واقع كثيرٍ منها - للأسف - لا يختلف كثيراً عن أكثر بلاد الكفار من حيث مظاهر التبرج والسفور، والعري، وتناول الخمور، وفشوالمنكرات.
ثم إن المرء ليعجب من قيام البعض منهم بحَث الآخرين على الذهاب إلى تلك البلاد متذرعين بحجة المساهمة في تحسين الوضع الاقتصادي للمسلمين هناك، ولم يفرق أولئك الإخوة بين ما يمكن أن يقال للمفرِّطين من المسلمين الذين يريدون الذهاب إلى بلاد الكفر، وبين ما لا ينبغي على الدعاة فعله لا سيما من هم في موطن القدوة ، وكم هو نفيس كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن حضور الأماكن التي تكثر فيها المنكرات، مع العجز عن إنكارها، -وهذا يشمل السفر والحضر- ، يقول رحمه الله في مجموع الفتاوى (28/239) : ((ليس للإنسان أن يحضر الأماكن التي يشهد فيها المنكرات ولا يمكنه الإنكار، إلا لموجب شرعي، مثل أن يكون هناك أمر يحتاج إليه لمصلحة دينه أو دنياه لا بد فيه من حضوره، أو يكون مكرهاً، فأما حضوره لمجرد الفرجة وإحضار امرأته تشاهد ذلك؛ فهذا مما يقدح في عدالته ومُروءته إذا أصرَّ عليه، واللّه أعلم)) انتهى. وهذا مبنيٌ على ما هو مستقر ومعلوم من الشريعة بأن الأصل وجوب الإنكار باليد، أو اللسان، - والغالب أن ذلك متعذرٌ في أكثر تلك البلاد- فإن لم يمكن، فإنكار القلب هو أضعف الإيمان، والإنكار بالقلب كما قال العلماء يكون ببغض المنكر وهجرانه والبعد عنه لا بالذهاب إليه اختياراً دون مصلحة دينية أو دنيوية راجحة، كما هو ظاهر من كلام شيخ الإسلام وغيره، فمن تلك المصالح الدينية طلب العلم والدعوة إلى الله، ومن الدنيوية العلاج المتعذر في بلاد تخلو من تلك المنكرات، والتجارة التي لا بد منها، ونحو ذلك، أمَّا مجرد الذهاب لغرض الفرجة، أو النزهة، أو السياحة، فليست من ذلك في شيء، فكيف بمن يذهب بزوجته وأبنائه وبناته الذين بلغ بعضهم سن ما يعرف بالمراهقة؟!
هذا، ولو أن الداعية القدوة تأمل تلك المحاذير الشرعية والمفاسد الأخلاقية المترتبة على هذا النوع من السفر لأعاد النظر فيه، أو تردد قبل الإقدام عليه، لا سيما مع وجود نوع آخر من المنكرات، كاضطرار الداعية المسافر لوضع صور زوجته، وبناته، في جواز السفر ومن ثم رؤية الرجال لهن عند نقاط التفتيش، ومعابر الحدود وغيرها، ومن ذلك أيضا اعتياد أبناء الدعاة وبناتهم واستمراؤهم مشاهدة تلك المنكرات ، وهم مع ذلك يرون أباهم الداعية القدوة لا يحرك ساكناً، بل ربما اضطر أحيانا إلى محادثة نساء متبرجات و التعامل معهن!، ومن جهة أخرى فإن تكرار مثل هذا السفر، يولد لدى أسرة الداعية رغبة في مزيد منه حباً في التعرف على بلد جديد أو ثقافة مختلفة، ومما يؤسف له أن ترى كثيراً من أبناء أولئك الدعاة وبناتهم وأسرهم يتفاخرون بأسفارهم تلك، وربما حثوا غيرهم على القيام بها، ولنا أن نتخيل حال ذلك الجيل الذي يمثِّلُ فيه أبناءُ الدعاة وبناتهم محط النظر، ومقصد الاقتداء.(28/2)
وهنا نخاطب إخواننا الدعاة قائلين: إذا كان لا يسوغ لنا التوسع في فعل المباح في بعض الأوقات، فكيف يسوغ لنا الإقدام على فعلٍ، أقل ما يقال فيه، أنه من المشتبهات المفضية إلى الحرام؟! قال الأوزاعي رحمه الله: (كنا نمزح ونضحك فلما صرنا يقتدى بنا , خشيت ألا يسعنا التبسم) - سير أعلام النبلاء (7/132)- و قال ابن القيم في مدارج السالكين (2/26): ( قال لي يوماً شيخ الإسلام-قدس الله روحه-في شيء من المباح : هذا ينافي المراتب العالية وإن لم يكن تركه شرطاً في النجاة ).
فنصيحتي لهؤلاء الدعاة أن يعيدوا النظر في أسفارهم تلك، وليتذكروا أن ثمَّت من يقتدي بهم، وربما قلدهم في أفعالهم وتصرفاتهم، وأنهم بتصرفهم هذا يسيئون لأنفسهم، ولأبنائهم وبناتهم، ولدعوتهم ولطلابهم ومن يقتدي بهم، وليبحثوا عن بدائل تتناسب مع مقامهم الذي وضعهم الله فيه، وهي كثيرة ومتوفرة ولله الحمد.
وأخيراً قد يقول بعض هؤلاء إنَّ حجم التغيرات التي تشهدها الساحة تتجاوز الحديث في مثل هذه الموضوعات ، ففلسطين محاصرة، والعراق يحترق، وأفغانستان تُدَمَّر، وأنت تتحدث عن ظواهر سلبية عند بعض الدعاة وعن سفرهم للسياحة ، فأقول أولاً: إن كان الأمرُ كذلك –وهو كذلك- فكيف يسوغ لكم السفر للسياحة والنزهة وصرف الأموال فيها؟!، أما كان الأولى صرفها لرفع الحصار، وإخماد الحرائق، وبناء ما دُمِّر؟، ثم ثانياً: الآن فلسطين محاصرة والعراق يحترق وأفغانستان تدمَّر، نترك دعاتنا و أبناءنا تحاصرهم الشهوات، وتحرقهم الشبهات، وتدمرهم التنازلات ، أم نسعى لإنقاذ هؤلاء وهؤلاء؟!
والله من وراء القصد(28/3)
الزلزال ..عبرة وعظة
فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله الهبدان
لا تزال نذر الله تعالى على عباده تتابع ، تلك النذر والآيات التي تأتي بصور عديدة وأشكال متنوعة فتارة عبر رياح مدمرة ، وتارة عبر فيضانات مهلكة ، وتارة عبر حروب طاحنة ، وتارة عبر زلازل مروعة ..ولقد حدث في الأيام الماضية زلزال عظيم دمر الكثير من العمران ،فكم من عمارة شاهقة سقطت على من فيها ؟! وكم من منازل تهدمت على أصحابها ؟! هلك فيه ألوف من البشر وصل العدد بالأمس أكثر من أربعة ألف قتيل ، وشرد فيه خلق كثير ، وذلك كله في دقائق !! (( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ )) .
إن هذه الزلازل ما هي إلا عقوبة من الجبار جل جلاله على ما يرتكبه العباد من الإعراض عنه سبحانه وعن العمل بدينه وارتكاب محارمه والمجاهرة بها بدون حياء من الجبار ولا وجل من القاهر ..إنها آيات لأولي الألباب ودلالة على قدرة الله الباهرة ، حيث يأذن الله جل جلاله لهذه الأرض أن تتحرك بضع ثوان أو دقائق فينتج عن ذلك هذا الدمار العظيم ، وهذا الهلاك الفاجع ،الذي قد يروح ضحيته أكثر من ثمانمائة ألف قتيل كما حدث في شانكي بالصين في عام 1556م [1]…إن هذا كله وما يحدث من الرعب المجلجل للقلوب لعل الناس يعودون إلى ربهم ويتوبون إليه ويستغفرونه (( وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً)).
إن عقوبة الله إذا نزلت شملت الصالح والطالح ، الصغير والكبير ، الذكر والأنثى على حد سواء ثم يبعثون على نياتهم روى الإمام أحمد من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده ، فقلت يا رسول الله ، أما فيهم يومئذ أناس صالحون ؟ قال : بلى ، قلت : كيف يصنع بأولئك ؟ قال : يصيبهم ما أصاب الناس ، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان ) [2]
من يتأمل وضع بعض البلاد يجد ما يندى له الجبين من البعد عن الدين وتعاليمه فأحكام الشرع مستبعدة عن تطبقيها على واقع الناس ، أضف إلى ذلك ما يحدث من الأمور الشركية المنتشرة في أنحاء العالم الإسلامي.
يقول الله جل جلاله مبينا أن هذه المصائب التي تحل بالعباد ما هي إلا بسبب ذنوبهم ومعاصيهم : (( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) وقال جل شأنه : (( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ )) وقال جل شأنه عن الأمم الماضية : (( فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) .(29/1)
قال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ : ( وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان فتحدث فيها الزلازل العظام فيحدث من ذلك الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه والندم ، كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض ..: ( إن ربكم يستعتبكم ) وذكر الإمام أحمد عن صفية قالت : ( زلزلت المدينة على عهد عمر فقال : أيها الناس ، ما هذا ؟ ما أسرع ما أحدثتم . لئن عادت لا تجدوني فيها ) و ذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك : ( أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر ، فقال لها الرجل : يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة ؟ فقالت : إذا استباحوا الزنا ، وشربوا الخمور ، وضربوا بالمعازف ، غار الله عز وجل في سمائه ، فقال للأرض : تزلزلي بهم ، فإن تابوا ونزعوا ، وإلا أهدمها عليهم ، قال : يا أم المؤمنين ، أعذابا لهم ؟ قالت : بل موعظة ورحمة للمؤمنين ، ونكالاً وعذاباً وسخطاً على الكافرين ..) [3]
ولقد وضح صلى الله عليه وسلم أسباب هذه الزلازل فقال فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا اتخذ الفيء دولا ، والأمانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وتعلم لغير الدين ، وأطاع الرجل امرأته ، وعق أمه ، وأدنى صديقه ، وأقصى أباه ، وظهرت الأصوات في المساجد ، وساد القبيلة فاسقهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل مخافة شره ، وظهرت القينات والمعازف ، وشربت الخمور ، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع ) رواه الترمذي [4]
إذن هذه الزلازل من أشراط الساعة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرتها في آخر الزمان فقال فيما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ويتقارب الزمان وتكثر الزلازل ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج " قيل وما الهرج يا رسول الله ؟ قال : ( القتل القتل )) . وها أنتم ترون بأم أعيونكم كثرتها وتتابعها في هذا الزمن مصداقاً لقول نبينا صلى الله عليه وسلم
وتأبى نفوس أعرضت عن الله تعالى أن تتأخذ هذه الزلازل آية وعبرة ، وعظة ومذكر وتنسب هذه الزلازل إلى ظواهر طبيعية ولها أسباب معروفة ولا علاقة لها بأفعال الناس ومعاصيهم ويقولون كما قال من سار على دربهم ممن سبقهم : (( قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ )) فيعتبرون ذلك حالة طبيعية وليست عقوبة إلهية ، مما يجعلهم يتمادون في غيهم وفجورهم ويستمرون في عصيانهم وفسقهم فلا يتوبون إلى الله ولا يستغفرونه .(29/2)
ونقول لهؤلاء : إن الله جل جلاله بين أن هذه الزلازل كغيرها من آيات الله يخوف الله بها عباده ليقلعوا عن ذنوبهم ويرجعوا إلى ربهم ، وكونها تقع للأسباب معروفة لا يخرجها عن كونها مقدرة من الله تعالى على العباد لذنوبهم فهو مسبب الأسباب ، وخالف السبب والمسبّب ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)) (الزمر:62) فإذا أراد الله شيئا أوجد سببه ورتب عليه نتيجته ، كما قال تعالى : (( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)) (الاسراء:16)) .
فاتقوا الله عباد الله واعتبروا بما يجري حولكم وتوبوا إلى ربكم وتذكروا قول الله جل جلاله : (( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)) (الأنعام:67,65,64) .
كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار : ( أما بعد فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله عز وجل به العباد ، وقد كتبت إلى سائر الأمصار أن يخرجوا في يوم كذا ، فمن كان عنده شيء فليتصدق به فإن الله عز وجل قال : (()قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)) وقولوا كما قال آدم : (( قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وقولوا كما قال نوح : (( وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين )) وقولوا كما قال يونس : (( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )) [5]
أن ما وقع بالناس مما يكرهون فإنما هو من جراء ذنوبهم كما قال تعالى : (( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) (الروم:41).
نعم إن ما يحدث في الأرض اليوم من الزلازل المدمرة ، والحروب الطاحنة والفيضانات المهلكة التي يذهب فيها الأعداد الضخمة من البشر ..كل ذلك يحدث بسبب الذنوب والمعاصي كما قال الله تعالى : (( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) وقال سبحانه (( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) .
إن من يتأمل في مجريات حياتنا ، وفي واقعنا ومعاشنا فإنه سيصاب بالرعب الرهيب والفزع الشديد بسبب ما نراه من انتهاك حرمات الله وحدوده ، وتضيع وتفريط في أوامر الله تعالى وواجباته ..انظر إلى حال الناس في الصلاة ؟ كيف حالهم فيها ؟ وما مدى محافظتهم على الصلاة جماعة ؟ وكم الذين يواظبون على صلاة الفجر وصلاة العصر ؟(29/3)
وانظر إلى حال الناس مع أكل الربا والمبادرة إليه وحرصهم على المشاركة فيه ؟ ألم تنتشر بنوك الربا ؟ ألم تعلن الحرب على الله جل جلاله ؟ ألم تدعو إلى المساهمة فيها وبادر الناس إليها معرضين عن تهديد الله لهم (( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ )) .
ثم انظر إلى انتشار الرشوة بين الناس والتي لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي ، فما تقضى لك حاجة ، ولا ينجز لك عمل حتى تقدم مبلغاً من المال وإلا أصبحت معاملتك حبيست الأدراج ووضع في وجهك العراقيل .
وأشد من ذلك ما آل إليه حال النساء من تبرج وسفور إلى درجة عجيبة وبسرعة غريبة .
ومن المصائب العظام هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم التواصي به والقيام بحقه ، والذي يعتبر بوابة أمان للمجتمع من عذاب الله تعالى ومكره .
ومن البلايا التي جمعت الشرور وفاقت غيرها ولم يفرح الشيطان بمثل ما فرح بها تلك الأطباق السوداء التي فعلت فعلها في الأمة من تضيع دينها ، وهتك أخلاقها ، حتى وصل الأمر ببعض مشاهدي تلك الأطباق أن يقع أحدهم على محارمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..تعرض مشاهد في الأطباق لو رآها الحجر لتحرك فكيف بشاب بمراهق في ريعان شبابه وقوة شهوته ؟ !! فما أحلم الله ..ما أحلم الله .. ما أحلم الله..ولكن الله جل جلاله يمهل ولا يهمل ..إننا والله نخشى أن تنزل علينا عقوبة الله بسبب أمننا من مكر الله تعالى وعقوبته (( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ)) (النحل:46,45) .
والله إنها لعظة وعبرة يأتيهم عذاب الله وهم نائمون ، آمنون ، وقبيل الفجر يأتيهم الزلزل (( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون )) تصور نفسك في تلك اللحظات ما أنت صانع ؟ وما الذي يدور في خلدك ؟ وما الخواطر التي تمر بفؤادك ؟ لعلك رأيت تلك الطفلة الملقاة على الأرض وقد لقيت حتفها أتحب أن تكون هي ابنتك ؟ أو تلك المرأة التي انهدم عليها البناء أتود أن تكون تلك المرأة هي أمك ؟ هي زوجتك ؟ هي أختك ؟ هي بنتك ؟
إذن لم لا نتعظ بما يحدث لغيرنا ؟ لماذا لا نغير من واقعنا ؟ لماذا هذا الإصرار على معاصي الله تعالى والمجاهرة بها ؟ نرى بأم أعيننا الحوادث الممروعة ، والعقوبات المهلكة ولا نزال نصر على معصية الجبار جل جلاله ؟ هل بيننا وبين الله حسب أو نسب حتى نأمن من مكره وعقوبته ؟ وعذابه ونكاله ؟! ما الذي فعله ربنا حتى نعصيه ولا نطيعه ؟ ألم يخلقنا ؟ ألم يرزقنا ؟ ألم يعافنا في أموالنا وأبداننا ؟ أغرنا حلم الحليم ؟ أغرنا كرم الكريم ؟ (( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)) (لأعراف:99).(29/4)
يا من تعصي الله !! عد إلى ربك واتق الله ..إن سلمت من عقوبته في الدنيا ، فإن أمامك أهوالا وصعابا ، إن أمامك نعيما أو عذابا ، إن أمامك مواقف موهولة ،و والله الذي لا إله غيره ولا رب سواه ، لن تنفعك الضحكات ، لن تنفعك الأغاني والمسلسلات ، والأمور التافهات ، لن تنفعك الصحف والمجلات ، لن ينفعك الأهل والأولاد ، لن ينفعك الإخوان والأصحاب ، لن تنفعك الأموال ، لن تنفعك إلا الحسنات والأعمال الصالحات .
فلا تغرنكَ الدنيا وزينَتُها *** وانظر إلى فعلها في الأهلِ والوطنِ
وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمَعِهَا *** هل راحَ منها بغيرِ الزادِ والكفنِ
يا نفسُ كفي عن العصيان واكتسبي *** فعلا جميلا لعلَّ اللهَ يرحمني [6]
فبادر يا رعاك الله إلى إعتاق نفسك من النار ، وأعلنها توبة صادقة من الآن ، وتأكد أنك لن تندم على ذلك أبدا ، بل إنك سوف تسعد بإذن الله ، وإياك إياك من التردد أو التأخر في ذلك فإني ورب الكعبة لك ناصح وعليك مشفق ..
---------------------
[1] انظر جريدة الرياض 8/5/1420هـ فقد ذكرت أسوأ الزلازل عبر التاريخ .
[2] رواه أحمد (6/304) .
[3] الجواب الكافي ص 87-88 بتصرف .
[4] رواه الترمذي (2211) وقال :وفي الباب عن علي وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
[5] الجواب الكافي ص88 .
[6] مورد الظمآن (3/496)
المصدر : شبكة نور الإسلام
http://alhabdan.islamlight.net/(29/5)
السفر آدابه وأحكامه ومنكراته
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي سَخّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ، إِن في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الحقُ المنعمُ المتفضل رَبُّ العالمين ، جَعَلَ لكم من الفلكِ والأنعام ما تركبون ، لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمةَ ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سَخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد .
فيا أيها الناس :
أتقوا الله تعالى وأعبدوه وأشكروا له إليه ترجعون.
أيها المسلمون :
حديني إليكم في هذه الجمعةِ عن السَّفرِ وآدابهِ وأحكامهِ المهمه والمخالفاتِ التي تقع فيه .
مشعر المسلمين :
لقد مَنَّ الله سبحانه وتعالى علينا بنعمٍ عظيمه ، ومننٍ جسميه ، فله سبحانه الحمدُ في الأولى والآخرةِ وهو الحكيم الخبير .
ما هذا للإسلام وجعلنا من خيرِ أمّةٍ أخرجت للناس ( وما كنا لنهتدي لو لا أن هدنا الله ) .
أَما بعث فينا محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ :( لقد مَنَّ اللهُ على المؤمنينَ إذ بعثَ فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وأن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين ) .
أما وهبنا الأمنَ والاطمئنانَ والصحةَ في الأبدان ، ورغدَ العيش قال الله تعالى ( أولم يروا أنا جعلنا حرمناً آمناً ويختطف الناسُ من حوله أفا بالباطل يؤمنون وبنعمه الله هم يكفرون ) .. وقال الله تعالى : ( أولم نمكن لهم حرماً آمناً * إليه ثمراتُ كلِّ شيءٍ رزقناً من لدنا ولكنَّ أكثرهم لا يعلمون) .. ( وإن تعدوا نعمه الله لا تحصوها ) .. ( وما بكم من نعمهٍ فمن الله ) .
أما سَخّر لكم المراتب البرية والبحرية والجوية ، تنقُلكم من مدينةٍ إلى أخرى ، بل من قارةً إلى أخرى وبأسرع الأوقات قال سبحانه :( والأنعامَ خلقها لكم فيها دفءٌ ومنافعُ ومنها تأكلون .. ولكم فيها جمالٌ حين تريحونَ وحين تسرحون .. وتحمل أثقالكم إلى بلدٍ لم تكونا بالغيه إلا بشق الأنفس إِن ربكم لرؤوف رحيم .. والخيلَ والبغالَ والحميرَ لتركبوها وزينه ويخلق ما لا تعلمون ) .
أيها المسلمون :
( كم في إيجاد هذه المصنوعاتِ السائرةِ ) وتلك الوسائلِ الباهرة ، من آياتِ الإيمان المتكاثرة ، وكم أسبغَ اللهُ بها على العباد من نعمه الباطنةِ والظاهرة .
وكم في سوءِ استعماِلها من أنواع المخاطرة في الدنيا والآخرة ، فا شكروا الله تعالى على عظيم نعمتهِ ، استخدموا هذه الأشياءَ في طاعته، لتفوزوا برضاهُ وجنتهِ .
أيها المسلمون :
إن السفر هو قطعُ المسافات بنيه السفر وسُمّي سفراً لأنه يُسفرُ عن وجوه المسافرين وأخلاقهم فيُظهر ما كان خافياً منها روى أبن الدنيا أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ رأى رجلاً يُثني على رجل فقال : (أسافرت معه ؟ قال : لا قال أخالطته قال : لا قال : والله الذي لا إله إلا هو ما تعرِفُهُ ) .(30/1)
عباد الله : مع أن السفرَ قطمٌ من العذاب ومظنهٌ للتعب والنصب حتى وإن تطوّرت وسائلَ النقل ، وتيسرتِ السبل إلا أنه لا بد منه للناس إما لحجٍ أو عمره أو جهادٍ أو طلبِ علمٍ أو رزق أو صلةِ رحم أو غير ذلك كما قيل في فوائدة :
تغرّب عن الأوطان في طلبِ العلى .. وسافر ففي الأسفار خمسُ فوائدِ تفرُّج هّمٍ واكتسابُ معيشهٍ .. وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ .
قال بعضهم ( من فوائد السفر أن صاحبة يرى من عجائبِ الأمصار ، ومن بدائع الأقطار ومحاسن الآثار ، وما يزيده علماً بقدره الله ـ تعالى ويدعوه إلى أن يشكرَ نِعَمَهُ ).
ومن فوائد السفر : استجابة الدعاء روى أبو داود والترمذي عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :( ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٍ لا شك فيهنَ ، دعوةُ المظلوم ودعوةُ الوالد ودعوةُ المسافر ) ,
وعند سفر المسلم أو المسلمة يكتب له ما كان يعمل من الصالحات قبل السفر روى البخاري عن أبي موسى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( إذا مرضَ العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله مقيماً صحيحاً ) .
أيها المسلم المسافر :
عليك بوصية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد روى الترمذي أنَّ رجلاً قال : يا رسول الله : أريد أن أسافر فأوصني فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( عليك بتقوى الله والتكبيرِ على كل شَرَفٍ ( أي مرتفع ) فلما وَلّى الرجل قال : اللهم أطوله البعد وهوِّن عليه السفر ) وفي الترمذي أيضاً أنه جاء إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل فقال : ( يا رسول الله إني أريد سفراً فزوّدني قال : زوّدك الله التقوى قال زدني قال وغفر ذنبك قال زدني ـ بأبي أنت وأمي ـ قال " ويسَّرَ لك الخيرَ حيثُ ما كنت ) .
أيها المسلمون :
هذه تنبيهات أُذكِّر بها كل مسافر إضافة إلى ما سبق .
1. حينما يخطر ببالك السفر فعليك بصلاة الاستخارة ، ثبت في صحيح البخاري عن جابر بن عبدالله قال كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلمُنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمُنا السورةَ في القرآن يقول : إذا هَمَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير فريضة ثم ليقل : ( اللهمَّ إِني أستخيرك بعلمك واستقدرُك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدرُ ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلمُ أنَّ هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، أو قال : عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويَسّره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شَرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال : عاجل أمري وآجله فأصرفه عني وأصرفني عنه وأقدر لي الخيرَ حيث كان ثم أرضني قال ويسمي حاجته ) .
2. عليك برد المظالم وقضاءِ الديون وكتابه الوصية وجميع مالك أو عليك .(30/2)
3. أبحث عن رفقهٍ صالحه يعينونك على أمور دينك ودنياك وإياك أن تسافر وحدك ولا سيما بالليل روى البخاري والترمذي من حديث أن عمر أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكبٌ بليلٍ وحده ) وأخبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن (الراكبَ شيطان ، والراكبان شيطانان والثلاثهُ ركب )( رواه الترمذي وأبو داود وإسناده حسن هامش زاد المعاد 1/462 ) قال الخطابي ـ رحمه الله ـ ( معناه أن التفردَ والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان ، أوهو شيءٌ يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه وكذلك الاثنان ، فإذا صاروا ثلاثةً فهو ركب أي جماعةٌ وصحبه ) ( أ .هـ ) .
4. عليك أيها المسلم بتفقد ( سيارتِكَ ) وإصلاحها فإن هذا من الأخذ بالأسباب لئلا تلقي بنفسك وبمن معك إلى التهلكة وكلُّ شيءٍ بقضاءٍ وقدر.
5. لقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا سافر خرج من أول النهار وكان يستحب الخروجَ يوم الخميس ودعا الله ـ تبارك وتعالى ـ أن يبارك لأمتهِ في بكورها ) ( أ.هـ من زاد المعاد 1/468 ) وكان إذا وَدّع أصحابه في السفر يقول لأحدهم : (أستودع اللهَ دينكَ وأمانتَكَ وخواتيم عملِك ) .
6. عندما تركب سيارتك تذكر نعمة الله عليك وكبرِّ ثلاثاً كما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفعل ثم قل ( سبحان الله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون .. اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى .. اللهم هوى علينا سفرنا هذا ، وأطو عنا بُعده .. اللهم أنت الصاحبُ في السفر والخليفة في الأهل .. اللهم إني أعوذ بك مَنْ وعثاءِ السفر وكآبه المنظر ، وسوءِ المنقلب في المال والأهل ) ومعنى مقرنين : مطبقين الوعثاء هي الشدة والكآبة هي تغيّرُ النفس وضيقُ الصدر ، وسوءِ المنقلب أي المرجع .
7. مما يؤمر به المسافرون أن يؤمّروا عليهم أحَدَ هُم لأن الآراءَ تختلفُ في تعيين المنازلِ والطرق ومصالحِ السفر فبَالتأمير ينتظم أمر التدبير ، ويأمنون من الفُرقة والتنازع وقد روى أبو داود عن نافعٍ عن أبي سلمه عن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :( إذا كان ثلاثةُ في سفر فيؤمرا أحدهم ) قال نافع فقلنا لأبي سلمة فأنت أميرنا .
8. على المسافرين إذا نزلوا منزلاً أن يقولوا ما أرشدهم إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: ( مَنْ نزل منزلاً ثم قال : أعوذ بكلماتِ الله التامات من شر ما خلق لم يضَرهُ شيءٌ حتى يرتحل من منزله ذلك ) ( رواة مسلم ) وعليهم ألاَّ يتفرّقوا في الأودية والشعاب لما روى أبو داود عن ابي ثعلبه الخشني ـ رضي الله عنه ـ قال كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إِن تفرقكم في هذه الشعابِ والأوديةِ إنما ذلك من الشيطان فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا أنضمَّ بعضهم إلى بعض ) .(30/3)
9. أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا أشرف على مدينه أو قريةٍ يُريد دخولها يقول ( اللهم رَبَّ المساوات السبع وما أظلَلْنَ ، ورَبَّ الأرضين السبعِ وما أقللن ، ورَبَّ الشياطين وما أضللن ، وَرَبَّ الرياح وما ذرينَ أسألك خيرَ هذه القريةِ وخيرَ أهْلِهاَ ، وأعوذ بك مِنْ شَرّها وشَرِّ ما فيها ) ( أخرجه أبن السيني وأبن حيان والحاكم وسنده حسن " حسن الحافظ ابن حجر ) .
10. على المسافر عندما يريد إداء الصلاة أن يؤذن وإن كان وحدة ، وعليه يقصر الرباعية إلى ركعتين وإن احتاج إلى أن يجمع بين الظهر والعصِر ، أو بين المغربِ والعشاءِ فلا بأس ويفعل الأرفق به من جمع التقديم أو التأخير ، والحمد الله على رفع الحرج ويسرِ هذا الدين .
11. يجوز للمسافر أن يصلي النافلة وهو راكبٌ ولو إلى غير القبلة قال أبن عمر رضي الله عنهما
: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي وهو مقبلٌ من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهُهُ قال : وفيه نزلت ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) وقال ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوتر على البعير ) ( رواهما مسلم ) أمَّا سائق السيارة فإنه ينبغي ألاّ يفعل ذلك لما فيه من الأنشغال والمخاطرة .
أيها المسلمون :
يشرع للمسافر الاكثارَ من الدعاء وسؤال اللهِ من فضله فإنَّ دعاءَ المسافر مستجاب إذا كان أكله حلالاً واستوفى شروط الدعاء .
وإذا أرتفع المسافر أو علا جبلاً فليكبرّ وإذا هبط وادياً أو منخفضاًَ فعليه أن يسبح قال جابر ـ رضي الله عنه ـ
:( كنا إذا صعدِنا كبرنا وإذا تصوبنا سبحنا ) ( رواه البخاري ) ومعنى تصوبنا : أي نزلنا .
وفي حديث أبن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال ( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجيوشه إذا علوا الثنايا كبّروا وإذا هبطوا سبحوا ... )
أيها المسلم :
إذا قضيتَ حاجتك ، وأنتهت مهمتُك من سفرك ، فعجّل بالرجوع إلى أهلك ثبت في صحيح البخاري عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال ( السفر قطعةُ من العذاب : ( يمنَعُ أحدَ كم طعامَةُ وشرابه ونوقه فإذا قضى نَهْمَتَهَ " أي حاجته " فليعجِّل إلى أهله ) ( فتح الباري 3/778 ) فإذا قدم بلدَه أستحُبَّ له أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين اقتداءً برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد كان يفعله وأمر به جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهماـ حين قدم سفر
قال : ( أدخل فصل ركعتين ) ( رواه مسلم ) .
اللهم أهدنا ويَسِّر الهدى لنا ، وأغفرلنا وأرحمنا يا خيرَ الراحمين ، اللهم احفظ المسافرين من المؤمنين في برك وبحرك أجمعين .
" أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم "
الخطبة الثانية
أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريكَ له وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ( أما بعد ) .
فيا أيها المسلمون :(30/4)
اتقوا الله حَقَّ التقوى * أسباب سخط الجبار ـ سبحانه فإن أجسامكم ـ على النار ـ
ا تقوى .
أيها المسلمون :
إِن المسلم الموفّقَ هو المطيُع لله العاملُ بأحكامه في سفره ، وإقامته ، وهناك من الناس من يسافر فيرتكب منكراتٍ في سفره فيرجع من هذا السفر وهو مأزورٌ غير مأجور فمن منكرات السفر : السفرُ إلى خارج هذه البلاد باسم السياحة والنزهة ـ زعموا ـ لكن الواقع أنَّ مُعْظم هؤلاء إنما يسافرون لتلبيهِ شهوات النفس من اللهو والمتعة الحرام ، وارتكاب الفواحش وما الله بغافلٍ عما يعملون ، إن الأولى بالمسلم إذا اضطر إلى السفر إلى تلك البلاد أن يكون داعيةً إلى الله ، وقدوةً صالحة لغيرة إنَّ مما ينفطر له القلب حزناً وأسى أن يرى الإنسانُ بعضَ المنتسبين إلى الإسلام وهم يقيمون بين الكفار ويجالسونهم بدون ضرورة إلى السفر ، وينتقلون بين البلدان فلا ينطقون بالحق ، ولا يدعون إلى الخير ، ولا يجاهدون المنكر ، ولا يطالبون بالإصلاح ، بل ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ، ويضيعون الصلاة ويتبعون الشهوات فويلٌ لهم من عذاب الله فكم شوهوا جمال الإسلام عند من لا يعرِفُهُ بأفعالهم القبيحة ، وكم صدوا مَنّ يريد الدخولَ فيه بتصرفاتهم الخبيثة ومع الأسف الشديد فلا تزال الصحفُ والمجلات ومكاتبُ السياحة تتبارى في إبراز الإعلانات المغرية ، والدعايات المضللة ( مَنْ دعا إلى ضلالهٍ كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ) .
أيها المسلمون :
ومن منكرات السفر:ٍ سفرُ المرأة بدون محرم ولو كان معها نساءٌ على الصحيح من أقوال أهل العلم الخمسة أدلةٍ معلومة والأحكام الشرعية لا تتبدل بتطور وسائل النقل أو تغير الأزمنة ( وما كان ربك نسياً ) وواقع الناس لا يفرض نفسه على أحكام الشرع .
ومن منكرات السفر : زيارةُ أماكنِ العذاب مع اللهو والعبثِ والضحك والتقاطِ الصور التذكارية كزيارة ديار ثمود وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما مَرَّ بالحجر قال ( لا تدخلوا مساكنَ الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين ثم قَنَّع رأسه وأسرعَ السير حتى أجاز الوادي ، وأمرهم ألا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها وأمرهم أن يطرحوا العجين الذي عجنوه بهذا الماء ).
ومن منكرات السفر : استماع الغناء الذي بدؤهٌ من الشيطان ، وعاقبته سخطُ الرحمن ، وهو محرم في السفر وغيره .
أيها المسلمون :(30/5)
حَقُّ على كل عاقل أن يتذكر أنه في هذه الدنيا بقطع سفراً إلى الدار الآخرة وأنه ليس له حط على رحال السفر إلا في الجنة أو النار ، وزادُ هذا السفر الأخروي هو تقوى الله عز وجل التي ثمرُ الأعمال الصالحة قال تعالى ( وتزوّدوا فإنَّ خير الزادِ التقوى وأتقون يا أولي الألباب ) ثُمَّ صلوا وسلموا على محمدٍ النبي الكريم اللهم صلِ وسلم عليه وعلى آله وأزواجه ، وأرض اللهم عن أصحابه الأكرمين ، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أنصر هذا الدين ، وأذلَّ الكفر والكافرين ، اللهم دَمِّر اليهود والنصارى وسائر المفسدين ، اللهم عليك بالصرب الظالمين وجميعَ المنافقين ، اللهم أشدد عليهم وطأتك ، وأرفع عنهم عافيتكم يا رب العالمين ، اللهم أشف مرضانا ، وعافِ مبتلانا ، وأرحم موتانا ، وأقضى الدين عن حريتنا ، وأصلح ولاة المسلمين ، اللهم أجعل ولايتنا في من خافك واتقاك وأتبع رضاك يا رب العالمين ربنا آتنا في الدنيا حسنه وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
سبحان ربك رب العزةِ عما يصفون وسلام على المرسلين
والحمد الله رَبِّ العالمين(30/6)
السفر المذموم
ناصر الأحمد
ملخص الخطبة
1- ينقسم السفر إلأى مباح ومذموم وأمثلة كل نوع 2- التنبيه إلى خطر وأضرار السفر إلى بلاد الكفر أو ما يشابهها من أجل السياحة 3- من يجوز لهم السفر إلى بلاد الكفر وشروط ذلك
الخطبة الأولى
أما بعد:
إن الله جل وتعالى حبب السفر أو ما يسمى بالسياحة إلى نفوس كثير من خلقه، وجعل في السفر حكماً كثيرة، بل لقد اعتاد الناس الأسفار واتخذوها هواية واستفادت كثير من شركات السفر والسياحة من وجود هذه الرغبة لدى الناس، فسهلت لهم الكثير من ذلك، لابتزاز أموالهم.
والسفر أيها الأحبة، تختلف أنواعه بحسب المقاصد والأماكن، فهناك سفر مباح محمود، وهناك سفر محرم مذموم. فمن الأسفار السفر في طلب العلم كأن يسافر الرجل إلى بلد آخر لطلب العلم، وهذا السفر قد يكون واجبا وقد يكون نفلا، وذلك بحسب كون العلم واجبا أو نفلا، وقد رحل جابر بن عبد الله الصحابي الجليل، من المدينة مسيرة شهر في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه عن عبد الله بن أُنيس، حتى سمعه عنه. قال الإمام الشعبي: لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعا.(31/1)
وهناك السفر لأجل العبادة، كسفر الحج والعمرة والجهاد في سبيل الله، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد، مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى)). وهناك السفر المندوب: كسفر طلاب العلم بعضهم إلى بعض والالتقاء في منتديات علمية وطرح المسائل العلمية واستفادة بعضهم من بعض، ومنه تخصيص طلاب العلم السفر لزيارة بعض العلماء، للجلوس معهم، والتخلق بأخلاقهم وآدابهم، وتحريك الرغبة للاقتداء بهم، واقتباس الفوائد العلمية من أنفاسهم. وهناك السفر للهرب من بلد حفاظا على الدين، كأن يبتلى المؤمن في بلد ما في دينه، ويؤذى ويضيق عليه، ويلاحق في كل مكان فهذا يخرج ويبحث له عن أرض يعبد فيها ربه ويبلغ دين الله عز وجل، وللمؤمن في هذا قدوة بأنبياء الله ورسله، فغالب أسفارهم كان من هذا الباب، وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث هاجر من مكة إلى المدينة بعدما ضيقت قريش الخناق عليه وعلى أصحابه، وصار يراقب في كل مكان، وحصلت الأذية الجسدية لبعض الصحابة، فعندها هاجر المصطفى عليه الصلاة والسلام وترك مكة وهو يحبها، وذهب إلى المدينة ليعبد ربه سبحانه وتعالى. وهناك السفر للهرب من بلد حفاظا على البدن كأن ينتشر مرض في بلد، عفانا الله وإياكم، ويهلك الناس فيرحل عندئذ الشخص حفاظا على حياته وحياة أولاده، أو ترتفع الأسعار في بلد ما يصل إلى درجة أن يتضرر بعض فئات المجتمع في أبدانهم، ولا يتحملون البقاء، فيشرع أيضا لهؤلاء السفر للبحث لهم عن أرض يأكلون فيها لقمة العيش. وهناك السفر من أجل الدعوة إلى الله، كأن يسافر بعض الدعاة خصوصاً في الإجازات إلى داخل البلاد أو خارجها للالتقاء بالناس ونصحهم وإرشادهم في مساجدهم ومجتمعاتهم وإعطائهم بعض أساسيات الدين التي يجهلونها، وإلقاء بعض الخطب في مساجدهم، وفي هذا خير كثير ونفع عظيم بإذن الله عز وجل. وهناك السفر من أجل الفساد وارتكاب الفواحش وهذا أمره واضح ومكشوف، كسفر زرافات من الشباب في الإجازات إلى بلاد معروفة، بعضها مع كل أسف بلاد عربية وأخرى شرقية أو غربية، من أجل ذبح الفضيلة وهتك الستر والخلق وجلب الأمراض، إضافة إلى إضاعة الدين والخلق والمال نسأل الله العافية، وهؤلاء لاشك أنهم إذا رجعوا تعودوا على ما كانوا يمارسونه هناك، فيبحثون عنه هنا، وهم الآن في الغالب سبب انتشار كثير من الجرائم والمخالفات والأمراض في طول البلاد وعرضها وهناك السفر للتجارة، وهناك السفر للعلاج، وهناك السفر للسياحة والتنزه وغيرها من الأسفار. ولي مع هذا الأخير وقفة بمناسبة قرب الإجازة الصيفية وقد حزمت الحقائب ورتبت التذاكر وهو ما اعتاده بعض الناس مع بدأ إجازة المدارس وقدوم حر الصيف السفر للنزهة والسياحة والترفيه عن الأولاد والبحث عن الأماكن الباردة والشواطئ والأنهار وهؤلاء سفرهم لا يخلو من حالتين: أو قل السفر إلى مكانين، إما إلى أماكن مباحة، أو إلى أماكن محرمة. أما المحرم من هذا والمذموم، فهو السفر إلى بلاد الكفار أو إلى بلاد تشبه بلاد الكفار في كثير من(31/2)
الجوانب وكم في هذا السفر من مفاسد، يصطحب الشخص معه عائلته من نساء ومراهقين ومراهقات، بل ربما يصل الأمر ببعض العوائل أن يسافروا لوحدهم، والبعض يرسل الأولاد من بنين وبنات فقط، كل هذا بدعوى النزهة والسياحة، وعليك أن تتصور كم من المفاسد في هذه الأسفار وفي هذا النوع من السياحة.
إليكم أيها الأحبة طرفا من مفاسدها من ذلك: أن هؤلاء الأغنياء والمترفين ينفقون أرقاماً لا عد لها ولا حصر من الريالات. كم من الضربات هذه تؤثر في المجتمع شعروا أم لم يشعروا، فمن الناحية الاقتصادية سحب هذه الأرصدة وإخراجها خارج البلاد له تأثير كبير في اقتصادها، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فيها إنعاش لاقتصاد الدولة الأخرى، ودعم لأرصدتها، فإذا كانت تلك من بلاد الكفار، صار دعما بطريق غير مباشر، وإذا كانت دولة كافرة محاربة، أصبحت أيها الغني، مصدر شؤم على إخوانك المسلمين في بلدك ومعاوناً للكفار، علمت بذلك أم لم تعلم.(31/3)
كم كان جميلا، لو كان عند أغلب هؤلاء الذين يسافرون في الإجازات للخارج ويصرفون هذه الملايين أقول كم كان جميلا وحسنا – وأتحفظ على عبارة لو كان لديهم شيئا من الوطنية - وأستبدلها، لو كان لديهم ولاء لدينهم، لأن الوطنية ما هي إلا دعوة للتراب – فكم كان جميلاً أن يحركوا هذه الأموال في بلادهم، ويعملوا بها مشاريع نافعة، تعود عليهم هم شخصياً بالأرباح، وتعود على البلد بالنماء والخير والازدهار. ولكن مع كل أسف، سافروا للهوى والشيطان، وأنفقوا ما أنفقوا على ترف رخيص، وعلى بذخ في الأكل في أزهى المطاعم، والسكن في أرقى الفنادق، ونثر للمال ذات اليمين وذات الشمال، هذه واحدة. ومن مفاسد هذه الأسفار أيضا: أن فيها من المعاصي ما الله به عليم، إن أغلب تلك البلاد التي يصطاف بها الناس، بلاد تتعرى بها الأجساد المحرمة، على الشواطئ وغيرها، وتشرب فيها الخمور كالماء، وينتشر فيها الزنا انتشار النار في الهشيم، هذا كله فضلا عن الجو المادي الذي تقسو به القلوب، ناهيك عن الشبهات العقدية، والانحرافات السلوكية ناهيك أيضا عما ينتشر بين أولئك في تلك البلاد، من أمراض معدية قذرة، وأوبئة مستعصية مهلكة، فماذا يحصل هناك؟ إن أغلب المصطافين يأنسون بتلك المناظر وإلا لما ذهبوا إليها، ويعتادونها، وربما واقعوا البعض منها، ثم ينطلق المراهقون والمراهقات من الصغار والكبار، غير مصدقين ما هم فيه من فوضى وإباحية، لاسيما وقد اعتادوا في بلادهم جو المحافظة، وقطع الشهوات إلى حد ما. إضافة إلى اعتياد الأطفال على رؤية النساء العاريات، وسماع المعازف المحرمة، وتدرب المرأة على مخالطة الرجال، والجلوس في المطاعم، والتسوق بكل حرية، والاحتكاك بالأجانب، فيا لعجب المسلمين، يشهدون أن لا اله إلا الله، كيف يخلعون الكرامة، وينسلخون من الحياء، ويباشرون المعاصي وكأنها شيء مألوف، ويا لعجب لأناس قد يكونون هنا من رواد المساجد، ثم يرضى هناك أن يكون ديوثا في أهله وبناته وأولاده فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله في أنفسكم وفي أهليكم، فإن النفوس الضعيفة تألف هذه الأشياء رويداًً رويدا، إلى أن تلغ في حمئها كما يلغ الكلب في الإناء، وهي لا تشعر، فإذا أشربت النفس درجة، تهيأت للتي تليها ثم تلغ وتقع فيها، ثم تتهيأ للتي بعدها، حتى تقع في أكبر الفتن وهي لا تشعر.(31/4)
إن النفوس الضعيفة تأخذ كل ما يساق إليها وينتهي بها الأمر إلى إن تفقد خصائصها الإسلامية التي بها قوامها، ثم تميع وتذوب، أو تضمحل وتفنى، فلا تتعجب بعد ذلك أخي المسلم: إذا رأيت نماذج - ومع كل أسف - من أبنائنا شخصياتهم مهزوزة، لا تلمس فيهم الرجولة، يطيلون شعورهم كالإناث، يتمايلون وهم يمشون، فإنما رأيت أحد نتائج السفر إلى بلاد الكفار. قال الله تعالى: يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون إنها أيها المسلمون ناراً محرقة، أنقذوا أنفسكم، وأنقذوا معكم ذويكم، الذين تزعمون أنكم تحبونهم، أنسيتم أنكم تتقلبون في نعم الله صباح مساء، ثم أتظنون أن هذا سيدوم لكم، كلا والله، كل هذا سيترككم يوماً ما، حتى تعودوا حفاة عراة في حفرة مظلمة، يملأ التراب أفواهكم، عندها تتمنون ولو لحظة واحدة، أن تعودوا إلى الدنيا، فتنفقوا شيئا من هذا المال في سبيل الله، لكن بعد فوات الأوان. فاتقوا الله عباد الله أطيعوا أمره، واجتنبوا نهيه، واستغفروه من الذنوب والخطايا إنه هو الغفور الرحيم.
بارك الله لي ولكم. . .
الخطبة الثانية
أما بعد:
ومن مفاسد السفر إلى تلك البلاد الكافرة، أن المسلم لا يستطيع أن يظهر دينه كما أمره الله، وذلك لأنه ضعيف الشخصية أصلا، وإلا لو كان رجلا لأظهر دينه بقوة هناك، هل من يذهب إلى هناك لديه شعور بأنه يحمل ديناً عظيماً يشتمل على كل معاني الخير، صحة في الاعتقاد، ونزاهة في العرض، واستقامة في السلوك، وصدقا في المعاملة، وترفعا عن الدنايا، وكمالاً في الأخلاق؟ هل من يسافر إلى هناك لديه شعور بأن ما عدا الإسلام فهو انحطاط وهبوط ونزول وسفول إلى مهاوي الرذيلة ومواطن الهلاك؟ أم أن الغالب يذهب بشعور الإعجاب بالغرب والانبهار بما عندهم لذا تجده من هنا يغير ملابسه، ويتشبه بهم حتى لا يعرف هناك بأنه مسلم، والأمرّ من هذا أنه يجبر نساءه بالتكشف، نعوذ بالله من الخذلان.
ومن مفاسد هذه الأسفار، إنها لم تعد سراً، الجار يعلم عنها، وزملاء العمل، حتى من في الدول الأخرى، أصبحوا يعرفون بأن أثرياء دول الخليج هذا ديدنهم، فماذا تتصورون أن يقع في نفوس الفقراء المحتاجين، سواء القريبين أم البعيدين ممن لا يصلهم شيء من هؤلاء الأثرياء حتى ولا الزكاة المفروضة. بل قل ما هو موقف بعض مسلمي العالم ممن يبادون إبادة جماعية وتحتل أراضيهم وتنتهك أعراضهم، ويسحقون كالبهائم والعياذ بالله، وربما جلس الواحد منهم أياما بدون غذاء ولا مأوى، وهم يعلمون بأن إخوانهم في العقيدة – زعموا –، همّهم، أن تأتي الإجازة ثم تحزم الحقائب إلى بلاد الكفار، الذين هم أصلا يبيدون أولئك المسلمين، ولا يصلهم أي شيء من مساعدات أو غيرها، بل ولا يفكرون في أوضاعهم والله المستعان.(31/5)
أيها المسلمون: هذه بعض مفاسد السفر إلى بلاد الكفار فأقول وان لم يكن هناك أية مفسدة، يكفى في الموضوع، المنع الصريح الواضح في الإسلام من الإقامة بين ظهراني المشركين. روى أبو داود والترمذي قوله عليه الصلاة والسلام: ((أنا برئ من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين)). قال الله تعالى: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً . وقد استثنى العلماء من ذلك المجاهد في سبيل الله والداعية إلى الله والمسافر للعلاج أو لدراسة ما ينفع المسلمين أو للتجارة، كل ذلك مشروط بأن يكون مظهراً لدينه، عالماً بما أوجب الله عليه، قوي الإيمان بالله، قادراً على إقامة شعائره، وللضرورة حينئذ أحكامها.
أيها المسلمون: وأما السفر المباح والسياحة الجائزة، فهو كذهاب الكثيرين للتنزه في داخل البلاد، والإنسان محتاج للراحة في بعض الأحيان، ولا بأس من السفر مع الأولاد أحياناً بل قد يكون مطلوباً، لكننا نحذر من وقوعنا في بعض المحرمات في أسفارنا وإن كان السفر والسياحة في الداخل فمن ذلك:
سفر المرأة بغير محرم. هذا الأمر الذي كثر مع الأسف بين المسلمين، وتساهل الناس في هذا الموضوع، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على رقة الدين، وضعف الخوف من الله، وإلا فالنهي صريح واضح في هذا الشأن روى البخاري في صحيحه حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة وليس معها ذو محرم)) وجاء تفصيل المحرمية في حديث آخر عند البخاري وهو حديث أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو زوجها أو ابنها أو أخوها أو ذو رحم منها)).
ومن المحاذير: حضور الحفلات الغنائية والتي بدأت تنتشر بحجة السياحة، إن سماع الغناء والموسيقى محرم في الإسلام كما نعلم جميعاً أشد التحريم ويعد صاحبه فاسقاً، فكيف إذا صاحب ذلك اختلاط مع النساء وحصل فيه من التبرج ما الله به عليم، فإنه يزداد حرمة وإثماً بذلك. قال الله تعالى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله وقد حلف الصحابي الجليل عبدالله بن عباس أن المراد به الغناء. وفي صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: ((ليكونن من أمتي أقواماً يستحلون الحرى والحرير والخمر والمعازف)). ويمكنك أن تتنزه يا أخي أنت وأولادك وأن تنال قسطاً من السياحة المباحة وتبتعد عن أماكن الحفلات الغنائية، والمسارح الهابطة.(31/6)
ومن المحاذير: التساهل في مسألة الحجاب والستر بحجة السفر والسياحة، فيحصل من العوائل المعروفة هنا بالمحافظة والتساهل هناك، من تبرج بخفية واختلاط واحتكاك بالرجال في الأماكن العامة والحدائق والمنتزهات دون تحفظ، وتعريض المرأة نفسها لأمور هي في غنىً عنها، والأعجب هو سكوت الزوج والرضا بذلك، والله المستعان كل ذلك تحت مظلة: السياحة، ولا داعي للتضييق على الأهل والأولاد. يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها .
اللهم رحمة اهد بها قلوبنا، واجمع بها شملنا، ولمَّ بها شعثنا، ورد بها الفتن عنا. اللهم صلِّ على محمد. . .
موقع المنبر(31/7)
الشيخ / إبراهيم بن محمد الحقيل من أحكام السفر وآدابه (1)
السفر بين الطاعة والمعصية
الخطبة الأولى
الحمد لله؛ خلق البشر ليعبدوه، ورزقهم ليشكروه ولا يكفروه، نحمده على عظيم نعمه، ونشكره على تتابع مننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ خزائن السماوات والأرض بيده، وكل شيء هالك إلا وجهه [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ الله بَاقٍ]{النحل:96} وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بشر أمته وأنذرهم، وما من خير إلا دلهم عليه، ولا شر إلا حذرهم منه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وراقبوه فلا تعصوه، اتقوه في أنفسكم ورعاياكم، واتقوه في حلكم وترحالكم؛ فإنه سبحانه على كل شيء رقيب، وبكل شيء عليم، ولا تخفى عليه خافية من أقوالكم وأعمالكم ومقاصدكم [إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا] {الأحزاب:54} [وَإِنْ تَجْهَرْ بِالقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى] {طه:7-8}
أيها الناس: للنفوس البشرية إقبالها وإدبارها، ولها ضروراتها وحاجاتها، وقد راعى الإسلام ما في النفس البشرية من حب للشهوات؛ فأباح من الشهوات ما ينفعها وينشطها، وحرم عليها ما يضرها ويوبقها، وما من شهوة محرمة في دين الله تعالى إلا ويغني عنها ما هو خير وأنفع منها.
إن الإسلام وإن كان دين الجد والعمل، ويربي أتباعه على الاقتصاد في اللهو والعبث، ويوجههم إلى الآخرة عوضا عن الدنيا وملذاتها؛ فإنه كذلك أباح لهم من لذائذ الدنيا ما يكون عونا على الطاعة، وسببا لاجتناب المحرم.
وتكون هذه اللذات المباحة عبادات يؤجر عليها صاحبها إذا أحسن فيها النية؛ كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) رواه مسلم.
ولما قال حنظلة الأسيدي ـ رضي الله عنه ـ:( يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رأيُ عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: والذي نفسي بيده إنْ لو تداومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، ثلاث مرات)رواه مسلم.
ولما أراد عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن يأخذ نفسه بالجد، ويفرغها للعمل الصالح؛ رغبة في الآخرة، وإعراضا عن الدنيا؛ تعقبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سيرته تلك فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: يا عبد الله، ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم؛ فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا)رواه الشيخان.(32/1)
فأخذ النفس بالجد دائما قد يؤدي إلى الملل والسأم، ومن ثم ترك كل العمل، وقد نقل عن علي ـ رضي الله عنه ـ قوله: (أجمُّوا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكمة؛ فإنها تمل كما تمل الأبدان).
وكذلك الزيادة في اللهو والترويح، والانغماس في الملذات ـ ولو كانت مباحة ـ سبب لموت القلب، والإقبال على الدنيا، والإعراض عن الآخرة، والخيار في ذلك الموازنة بين حقوق الآخرة، وحظوظ النفس من الدنيا.
وللناس في الترويح والسعة مذاهب يتبعونها، وطرائق يسلكونها: من اتخاذ المزارع والضيعات، والخروج إلى المتنزهات والاستراحات، في أنواع من اللهو المباح وغير المباح.
ومن أشهر أنواع الترويح والتنفيس عن النفس البشرية : السفر من بلده إلى بلاد أخرى، إما لأنها مسقط رأسه، وبلد آبائه وأجداده، وإما لميزات أخرى دعته إليها، وجعلته يقدمها على غيرها.وغالب البشر يُقَدِّمون السفر كنوع من أنواع التنفيس على غيره من أنواع الترفيه والترويح، ويجعلونه تاجها ورأسها، ولا بدَّ منه في كل عام عند أكثر الناس ممن يطيقونه ويجدون نفقاته.
والسفر إما أن يكون سفر طاعة، وإما أن يكون سفر معصية، والمباح منه يؤول بالنية والعمل إلى أحدهما ولا بد.
ومن سفر الطاعة: السفر للجهاد أو الرباط، أو طلب العلم، أو صلة الرحم، أو زيارة الإخوان في الله تعالى.
ومن سفر المعصية: السفر للسرقة، أو قطع الطريق، أو الزنا، أو القمار، أو الخمر، أو غير ذلك من أنواع المحرمات.
والسفر للترويح والترفيه هو من المباحات التي تؤول إلى الطاعة أو إلى المعصية.
فإن سافر إلى بلد يقام فيها دين الله تعالى، ويحكم فيه بين أهلها بشريعته، وأحكام الإسلام فيها ظاهرة، والدين فيها عزيز، مع قيامه في نفسه وأهله ورفقته بما أمر الله تعالى من فعل المأمورات، واجتناب المحظورات، فهذا سفر مباح لا ضير على العبد فيه، ولا فيما أنفقه من نفقات عليه.
فإن اقترن بذلك نية صالحة من قصد إدخال السرور على أهله وولده، وجَعْلهم تحت علمه وبصره، وحفظهم من الفراغ ورفقة السوء في بلده، أو أراد بسفره نشاط نفسه وأهله على طاعة الله تعالى، والتفكر في عجائب خلقه وقدرته؛ كان سفره سفر طاعة، وله من الأجر فيه على حسب نيته، ونفقته فيه مخلوفة عليه إن شاء الله تعالى.
وأما إن كانت وجهة سفره إلى بلاد كافرة، الكفر فيها عزيز، والإسلام فيها ضعيف، وحرمات الله تعالى تنتهك فيها جهارا نهارا ولا نكير، فهذا سفر معصية لا خير فيه، وإثمه أكبر من نفعه. وهكذا إن سافر إلى بلاد تتسمى بالإسلام وليس الإسلام فيها ظاهرا، بل الظاهر فيها الكفر والفسوق والعصيان.ولم يرخص العلماء في السفر إليها إلا لضرورة لا بد منها، أو حاجة ملحة، بشرط أن يكون عند هذا المسافر ومن معه من رفقته علم يدفع به الشبهات، وأن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
فإن خشي على نفسه من الزيغ والضلال، أو كان ضعيفا أمام الشهوات، فالسلامة لا يعدلها شيء، ولعل ضرورته أو حاجته تندفع بغير هذا السفر، ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ومن ترك شيئا لله تعالى عوضه الله تعالى خيرا منه.(32/2)
إن السفر إلى بلاد تعج بأنواع الكفر والفسوق لمما يضر المسلم في دينه، فكيف إذا اصطحب معه أهله وولده، وهم أمانة في عنقه، وأضرار ذلك كثيرة، وآثامه عظيمة:
فمن اختار بلادا كافرة موطنا لسياحته، ومقرا لإجازته فقد أجاز لنفسه الإقامة بين ظهراني المشركين بلا ضرورة ولا حاجة، فيخشى عليه من براءة النبي صلى الله عليه وسلم منه؛ كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين).
فإن وقعت له مشكلة اضطرته إلى محاكمهم فقد تحاكم إلى الطاغوت بلا اختيار منه، وقد كان في عافية من ذلك.
ولو لم يكن في السفر من الحرج والإثم إلى بلاد يظهر فيها الكفر والفجور، ويعلن الناس به إلا أن هذا المسافر المسلم يرى المنكر فلا ينكره، فضلا عن أن يغيره ويزيله؛ لكان كافيا في صرفه عنه، والاستعاضة بما هو خير منه. وكم يمر به في يومه وليلته من منكرات يأثم بحضورها وعدم إنكارها؟ ولازمٌ على من حضر منكرا أن ينكره، فإن لم يستطع وجب عليه أن يفارق مكانه.
بل إن إدمانه على مشاهدة المنكرات يكون سببا في تغير قلبه، ورقة دينه؛ فإن سلم هو من أكثر ذلك لعزلته في مسكنه أو منتجعه؛ لم يسلم من معه من أهل وولد ورفقة، وآثامهم على رقبته.
وإن تغير أخلاق كثير من نساء المجتمع وفتياته فيما يتعلق بالحجاب الشرعي حتى استبدل به اللثام والنقاب واللباس الضيق، والتوسع في كشف الوجه، وإظهار الزينة، في أنواع من الغرور والاستعراض ما هو إلا من بلاء السفر والإعلام، فالمرأة الرحَّالة مع أهلها شرقا وغربا قد ألفت نزع الحجاب في غير بلدها، مع اختلاطها بالرجال، وبنزعها لحجابها نزع حياؤها، فثقل عليها أن تعيده كما كان إذا عادت إلى بلدها!! وكل هذه الآثام يتحملها وليها، مع بقاء إثمها عليها. نسأل الله تعالى أن يخفف عنا وعن المسلمين.
ومن أعظم ما يكون سببا للإعجاب بالكفار ومذاهبهم وأخلاقهم وطرائق عيشهم مثل هذه الأسفار المشئومة؛ حتى صارت المجاهرة بمديحهم علانية في الصحف وغيرها مع نهاية كل صيف، فكل كاتب معجب بهم، أقام صيفه في أحضانهم، يعود إلى بلده لينفث جهالاته وضلالاته على الناس، مدحا للكفار، وإعجابا بهم، وشتما في بلده وأهله وبغضا لهم، وهو يأكل من خيرهم، ويتفيأ ظلالهم، فما أجحده وما أنكره [قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ] {عبس:17}.
وما علم هذا المسكين المعجب بما لا يُعجب العقلاء من بني آدم أن الكفر أعظم الذنوب، وأن المتلبس به مهما كانت أخلاقه عالية، وابتسامته عريضة، وتعامله حسنا؛ فإن ذلك لا يقربه عند الله تعالى طرفة عين، بل هو ممقوت عند الله تعالى، وإن عمل صالحا في الدنيا عجلت له حسنته فيها؛ حتى لا يبقى له شيء عند الله تعالى يحاججه به ، فيوافي يوم القيامة حين يوافي ولا حسنة له، وقد استحق النار خالدا فيها مخلدا إن مات على كفره، فمن يُعْجَب بمن كانت هذه حالَه ومنزلتَه عند الله تعالى، وتلك نهايته في الدار الآخرة؟
والله لا يُعْجَب به، ولا يُثني عليه، ولا يرضى بحاله إلا مريض القلب، مغموص عليه في النفاق، أو جاهل أخرق لا يدري ما يقول.(32/3)
وكل الذين ينادون بالمشاريع التغريبية في بلاد المسلمين ما هم إلا ضحايا لهذه الأسفار المحرمة حتى لُوثت عقولهم بالشبهات، وتملكهم حبُ الشهوات، فهي التي تسيرهم في دعواتهم التخريبية في بلاد المسلمين، نسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية، وأن يكفي المسلمين شرور دعواتهم ومشاريعهم.
وإذا كانت هذه بعض أضرار السفر لبلاد الكفر والفجور فكيف يسوغ لعاقل أن يورد نفسه ومن يحب من أهله وولده هذه المهالك في الدين من أجل متعة عابرة، ولذة زائلة؟!
هذا إن سلم هو وأهله وولده من الوقوع في كبائر الذنوب، وعظائم الموبقات، وقلّ من الناس من يسلم؛ لغلبة الشهوة، وقوة الدافع، وغياب الرادع، إلا من عصمه الله تعالى، وقليل ما هم.
وكم نقل كثير من المسافرين أمراضا جنسية لأهلهم ومجتمعهم لا عافية منها إلا باجتناب ما حرم الله تعالى من الخبائث، والاكتفاء بالحلال الطيب.
ألا فاتقوا الله ربكم -أيها المسلمون- واجتنبوا ما حرم الله تعالى عليكم، وراقبوه في كل أحوالكم، واستعيضوا بالحلال الطيب عن الحرام الخبيث؛ فإن فيه الخير والبركة، وإن الحرام لا يُشبع منه، وعاقبته شقاء في الدنيا، وعذاب في الآخرة، واحفظوا أنفسكم ورعاياكم من أهل وولد من موجبات غضب الله تعالى
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ]{التَّحريم:6} .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وراقبوه، والزموا طاعته ولا تعصوه [وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ]{النور:52}.
أيها المسلمون: خلق الله تعالى الخلق لعبادته، وواجب على من رضي بالله تعالى ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا؛ أن يراقب الله تعالى في كل أحواله، وأن يصدر عن شريعته، وليس له أن يقدم هواه وهوى أهله وولده على أمر الله تعالى؛ فإن ذلك سبب الزيغ والضلال [فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] {النور:63} [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا] {الأحزاب:36}.
وقد جعل الله تعالى في الترويح الحلال، والسفر المباح؛ مندوحة وغنىً للمؤمن عن كل سفر محرم.(32/4)
ومن عجيب أمر بعض المسافرين أنهم ينفقون مالا عظيما في أسفارهم، لا ينفقون عشره في مجالات الخير، ونفع الناس، والصدقة على الفقراء.
وأعجب من ذلك أن واحدهم يزعم محبة الله تعالى، ومحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو في كل سنة يقطع آلاف الأميال في سفر محرم، ويُصَبِّر نفسه على الرَّهَق والعُسْر والزحام في المطارات وغيرها، ومكة والمدينة قريبتان منه، فيغيب عنهما سنة وسنتين، بل عشرا وعشرين، ولربما أنكر على ولده أو قرابته كثرة العمرة وزيارة المدينة، بحجة الزحام والحر ونحو ذلك، وهو لم يمنعه تكلف صعاب أعظم، ومسافات أطول، ونفقات أكثر من سفره المحرم، فأي حرمان وخذلان لمن كان هذا حالَه؟ نسأل الله تعالى السلامة والهداية.
ومن أبى مع ذلك كله إلا أن يختار السفر المحرم، ولم يقدر على كبح جماح شهوته، فعليه أن يتقي الله تعالى في سفره، وأن يراقب أهله وولده، وأن يدعو إلى الإسلام من خالطه من أهل الكفر، أو إلى الطاعة من رآه من المسلمين على معصية؛ لعله بذلك أن يُكفِّر بعض سيئات سفره.
وأما تركه لأهله وولده يسرحون ويمرحون كيف شاءوا، ويأتون من المنكرات ما أرادوا؛ فذلك من تضييع الأمانة، وخيانة الديانة، وهم متعلقون في رقبته يوم القيامة لا محالة، وكلكم راع ومسئول عن رعيته.
كما يجب عليه أن يلزم زوجه وبناته الحجاب الشرعي حتى لو كانوا في بلاد لا يلتزمه أهلها؛ إذ إن الوقوع في المحرم - وهو السفر إلى تلك البلاد- لا يسوغ المحرمات الأخرى.
ويجب عليه أن يلزم رفقته إقامة الصلاة في وقتها، فكم تنسى الصلاة في بلاد لا تُرى فيها المساجد إلا قليلا، ولا يُعلن بالنداء للصلاة فيها، فلعل من حافظ على دينه أن يرزقه الله تعالى وأهله وولده خشية وصلاحا في قلوبهم، تجعلهم يستغنون عما حرم الله تعالى عليهم بما أحل لهم، فيُعتقون من أَسر هذه المعاصي والآثام.
ولا يحل لمسلم أن يبدي إعجابه بأحوال الكفار، وما هم عليه من حسن المعيشة والحال دون أن يقرن ذلك بالتحذير من كفرهم، وبيان سوء عاقبتهم؛ لئلا يغتر بمديحه ضعاف القلب والإيمان.
والثناء على الكفار ومدحهم بإطلاق سبب لمحبتهم ومودتهم، ومحبة مناهجهم وطرائق عيشهم؛ والله تعالى يقول: [لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِالله وَاليَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ الله أَلَا إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المُفْلِحُونَ] {المجادلة:22} .
كما أنه سبب لتوليهم والله تعالى يقول: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ] {المائدة:51} .(32/5)
وهو كذلك سبب لتقليدهم، والتشبه بهم فيما أُعجب به منهم؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (من تشبه بقوم فهو منهم).
والواجب عليه إبراز قبائحهم، وإظهار معايبهم، وانتقاد طرائق عيشهم؛ تحذيرا لنفسه وأهله وللمسلمين من سلوك مسلكهم، وانتهاج نهجهم؛ لأنهم أهلُ النار إن لقوا الله تعالى على كفرهم، وأهلُ النار لا يمدحون بإطلاق، بل هم أهل المذمة والقدح، نسأل الله تعالى العافية من حالهم.(32/6)
السفر في الإجازات
الشيخ. ناصر بن محمد الأحمد
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله..
أما بعد:
أيها المسلمون: إن السفر في هذه الأيام أصبحت ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى نقاش ودراسة من قبل متخصصين في عدد من المجالات، وكأن السفر في الإجازة الصيفية صار لازماً، وهذا ليس بصحيح، فالسفر في الإجازة ليس أمراًً واجباً، والذين لا يسافرون ليسوا على خطأ إذ الأصل هو الإقامة والاستقرار.
تذهبُ إلى المطارات فتجدُ أرسالاً من البشر وفئاماً من الناس يسابقون الريح، وينافسون الآلات سرعةً واشتغالاً، قد حملوا حقائبهم، ونقلوا أغراضهم، وأعدوا عدتهم لأسفارٍ كثيرة ورحلاتٍ طويلة.
اشرأبت أعناقهم، وتطلعت أنفسهم إلى سياحة أثيرة، وتنقلات مثيرة، مع تباين في حقيقة أسفارهم واختلافٍ في آرائهم وأفكارهم. ويتملّكك العجب وأنت تقرأ عن السفر والمسافرين الإحصاءات المذهلة والأرقام الهائلة، ولا ينتهي عجبك وأنت ترى تلك الوفود، وقد أُقفلت الحجوزات، وتزاحمت على البوابات، وتسارعت لامتطاء المركبات، وكل ما يستهويهم هو تحقيق الرغبات.
بل لعل بعضهم ينسى في سبيل ذلك عقيدته وقيمهُ وأخلاقه، فيجعلها في عداد المخلَّفين والمخلَّفات، ولا يمنحها تأشيرة سفرٍ معه، فينزع رداء التقوى وجلباب الحياء قبل أن يطاول الفضاء.
أيها المسلمون: إن الإسلام لا يحجّر على أتباعه أن يروّحوا عن أنفسهم، أو يدخلوا السرور على أهليهم وأبنائهم، وأن يعملوا بالوسائل المباحة في ذلك شرعاً، فالترفيه البريء، والترويح المباح لا غضاضة على الإنسان فيه، بل قد يكون مطلوباً أحياناً لأغراض شرعية، وأهداف مرعية، لكن يجب أن يكون كل ترفيه وترويح في حدود ما هو مباح شرعاً، أما أن يُستغلّ ذلك فيما يُضعف الإيمان، ويهزّ العقيدة، ويخدش الفضيلة، ويوقع في الرذيلة، ويقضي على الأخلاق والقيم والمثل فلا وكلا.
أيها المسلمون: السفر على قسمين: سفر هرب، وسفر طلب.
فسفر الهرب: كأن تسافر من شر تهرب منه حفاظاً على نفسك أو دينك أو أهلك أو مالك، ومن أمثلة ذلك: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، ومنها الخروج من دار الكفر والبدعة التي لا يقدر الإنسان على ردها وإنكارها، قال الله - تعالى -: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [(140) سورة النساء]، وقال - تعالى -: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [(68) سورة الأنعام]، وروي عن مالك - رحمه الله - أنه قال: "لا يحل لأحدٍ أن يقيم بأرض يسب فيها السلف".(33/1)
وأما سفر الطلب: فهي كثيرة ومن أمثلته: سفر الهجرة، وذلك كسفر الأنبياء والصالحين، والسفر للجهاد، وكان ذلك أكثر سفر النبي والصحابة الكرام، ومنها السفر للحج والعمرة، ومنها السفر لطلب العلم، ومنها السفر للأماكن الفاضلة كالمساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال على سبيل القربة والتعبد والاعتكاف إلا إليها، ومنها السفر للتجارة والكسب الحلال وتحصيل الرزق عند انعدامه، ومنها السفر لزيارة ذوي القربى وصلة الرحم، ومنها السفر للتطبب والعلاج، ومنها السفر للنزهة وترويح النفوس، ومنها السفر للاعتبار كما في قول الله - تعالى -: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} [(9) سورة الروم]، ومنها السفر من أجل الدعوة إلى الله ونشر العلم الصحيح، والترغيب في دين الله - تعالى -، ولكن لهذا السفر ضوابطه، فإياك ثم إياك أن يكون السفر إلى الخارج لغرض الدعوة غطاءً للتمويه على الأهل وتخلصاً من تبعة المساءلة، فكم ذهب أناس بحجة الدعوة فعادوا وقد تغيّرت طباعهم ورقّ إيمانهم، وما خفي كان أعظم، فدخلوا في دهاليز الزواج بنية الطلاق. وما لم يكن لدى الداعية علم يتسلح به وينفع به، وتقىً يحول بينه وبين المحرّم فإن بقاءه في بلده أسلم لدينه وعرضه، ولن يعدم في بلاده وسائل يخدم من خلالها دينه وأمته ومجتمعه، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [(14-15) سورة القيامة)].
فهذه جملة من الأسفار الواجبة والمندوبة والمباحة، وأما غير ذلك من الأسفار فلا يليق بعاقل أن يضيع فيه وقته، أو يتعب فيه بدنه أو ينفق فيه ماله: {وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [(220) سورة البقرة] ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)).
أيها المسلمون: إنّ السفر الذي احتُسب فيه الأجر والثواب وحُرِص فيه على الطاعة لهو بحقّ روضة للعقول، وبلوغ للأنس المأمول، وهو مَجْلاة للسّأم والكلال وبُعدٌ عن الرّتابة والنمطيّة والإملال، وفضاءٌ رحب للاعتبار والادّكار {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [(20) سورة العنكبوت].(33/2)
إبّان السفر تتجلّى عظمة الخالق البارئ - سبحانه -، فتخشعُ له القلوب أمام بديع السموات والأرض، أمامَ بديع خلقِ الطبيعة الخلاّبة، وتسبّحه الروح لمفاتنها الأخّاذة الجذّابة، أراضٍ شاسعةٌ أنبتت أجملَ زهر بأطيب ريح، رياضٌ أُنُف وحدائق غُلب، نخيل باسقات وواحات مُونقات، رواسٍ شمّاء وأرض مَدحيّة وسماء وأنهار تجري بأعذب ماء {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ * أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} [} [(60)(61) سورة النمل] وسبحانَ الله، كم يغلب على كثير من الناس أن يمرّوا بهذه المناظر وكأنهم إزاءَها دونَ نواظر: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [(46) سورة الحج].
يقول الإمام أبو الوفاء ابن عقيل - رحمه الله -: "فنعوذ بالله من عيونٍ شاخصة غير بصيرة، وقلوب ناظرةٍ غير خبيرة". ومن الحثّ اللّطيف على السفر النافع المفيد قولُ الثعالبي - رحمه الله -: "من فضائل السفر أنّ صاحبه يرى من عجائب الأمصار وبدائع الأقطار ومحاسن الآثار ما يزيده علماً بقدرة الله - تعالى - ويدعوه شكراً على نعمه".
إن العُلا حدَّثتني وهي صادقة *** فيما تحدِّث أنّ العِزَّ في النُقَل
لا يُصلِح النفسَ وهي مدبرة *** إلا التنقلُ من حال إلى حال
وقال آخر:
إني رأيت وقوف الماء يفسده *** إن سال طاب وإن لم يجرِ لم يطبِ
والأُسْد لولا فراق الغاب ما افترست *** والسهم لولا فراق القوس لم يصبِ
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة *** لملَّها الناس من عُجم ومن عربِ
وهل بلغ الصحابة الأجلاء والسلف النبلاء والأئمة الفقهاء ما بلغوا مِن ذُرى القمَم وقصَب السبق بين الأمم إلا بالرحلة في طلب الحديث وتحصيل العلوم والمعارف؟ ومن المعروف أن الكُحْل نوع من الأحجار كالثّرى يرمى على الطرق، فإذا تغرّب جُعِل بين الجفن والحدَق.
أيها المسلمون: يا مَن عزمتم على جَوْب الأمصار والأقطار وركوب الأجواء والبحار واقتحام الفيافي والقفار وتحدي الشدائد والأخطار، تلبّثوا مليًّا، وتريّثوا فيما أنتم بسبيله، وليكن في نواياكم أسوتكم بنبيكم، حيث ارتحل من مكّة إلى المدينة، حاملاً النورَ والضياء والهدى والإصلاح، وكذلك صحابته الكرامُ في أثره، حيث كانوا لنشر رسالتهم الربانية المشرقة أجلَّ السفراء، وسار في ركابهم كوكبة من العلماء، فشقّوا الأرضَ شقًّا، وذرعوها سفراً وتسياراً؛ طلباً للعلم والإفادة والصلاح والسعادة، وتصعّداً في مراقي الطّهر والنّبل، كلّ ذلك على كثرة المخاوف وشُحّ الموارد وخشونة المراكب وقلّة المؤانس، فهلاّ اعتبرنا بهم وشكرنا الباري جلّ في علاه على نعمِه السوابغ.(33/3)
وفي زمننا هذا المتضخِّم بالدّعة والرفاه وجدب النفوس، أصبَح السفر والتنقّل ظاهرةً جديرة بالاهتمام والتذكير بالآداب الشرعيّة والضوابط المرعية، كيف وبعض الناس يمتطون هذه الأيام متونَ الطائرات وأمثلَ المركبات، أإلى صلة الأرحام والقرابات؟ كلا، أإلى طلب العلم والأخذ من العلماء؟ كلا، أإلى الأعمالِ الخيريّة والدعويّة؟ كلا، أإلى مواطنِ الطهرِ والفضيلة؟ بكل حُرقة: لا وكلاّ، بل إلى مستنقعاتِ الآثام والشرور ومباءات المعاصي والفجور، لمبارزة الملك الديَّان، بالذنوب والعصيان، حيث أملى لهم الشيطان أنّ هاتيك المنتجعات والشطآن هي أدواء علاجِ الملل من حرّ الصيف اللافح وأجواءُ الترفيه والسياحةِ والاصطياف. أيُّ دين وقيمٍ عند من يسافرون إلى مباءات الأوبئة الفتاّكة أجاركم الله؟! التي أسعرتها معطَيَات الحضارة السافرة، وألهبتها الشبكات الحديثة المذهلة وأذكاها الجفاف الروحي واليباب الفكري والتّرف الماديّ الساحق، فكان هذا الفهم الخاطئ لمعنى السّفر والسياحة التي آضت عند بعض المنهزمين صناعةً للتفلّت من القيم، والتنصّل من المبادئ والثوابت، مما كان سبباً في خَلط الأوراق لدى كثيرين بين السياحة البريئة والترويح المشروع وبين ضدّها، وبضدّها تتميز الأشياء. حتى صُرفت فئام من الأمّة عن تأريخها وأصالتها وتراثها ولغتها، فأضحَوا مُزَعاً تائهين أسرَى الليلية والتقليد والتبعيّة والتقاليد المستوردَة النشاز، حين هبّت أعاصير الشهوات والملذّات، وثارت لوثات الخلل الفكريّ والأخلاقي والانحرافات على جملةٍ من السلوكيات في كثير من المجتمعات فتركتها في دياجير الظلمات.
فيا سبحان الله! كيف تقضي المرأة سحابةَ عامِها كريمة معزّزةً ثمّ تسافر لتطّرح خمارها وحياءها، فاتنةً مفتَنة؟! أتقضي الفتاة ربيعَ عامها في جوٍّ مصون محافظ ثم تسافر لتبدّد حياءها وحشمتها؟! هل نحن رجالاً ونساءً في شك من ديننا؟! أو لسنا على ثقةٍ من قيَمنا وثوابتنا؟! إذًا لماذا هذا الانفصام في الشخصيّة، والتناقض والازدواجية في قضايانا الاجتماعية؟!.
وإنّكم لتأسفون أن يُعلّق كلّ هذا على مشجب الترويح والترفيه، زعموا وأنّى تندمل جروحنا النازفةُ وشروخُنا الراعِفة وفي الأمّة من لا يبالي بدينٍ ولا قيمٍ ولا أمنٍ ولا ذمم، فليت شعري! أبمثل هذا تبنى المجتمعات ويشاد صرح الحضارات؟! وليت شعري! أبمثلِ هذا تُعمَر الأوقات وتدوم الخيرات والبركات وتستجلَب البهجة والسعادة والمسرات؟!.
أيها المسلمون: إن السفر في الإسلام له حدود مرعية وضوابط شرعية، منها أن يكون السفر في حدود بلاد الإسلام المحافظة، أما أن يكون إلى بقاع موبوءة ومستنقعات محمومة وأماكن مشبوهة فلا، ما لم يكن ثمَّ ضرورة، مع المحافظة على شعائر الإسلام لاسيما الصلاة، وهل يُلقى بالحمل الوديع في غابات الوحوش الكاسرة والسباع الضارية؟!.
وقد ذكر أهل العلم شروطاً ثلاثة لجواز السفر إلى بلاد غير المسلمين:
أولها: أن يكون عند الإنسان دين يدفع به الشهوات.
ثانيها: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات.
ثالثها: الضرورة الشرعية كعلاج ونحوه.(33/4)
إن السفر إلى بلاد الكفار له مفاسد كثيرة منها:
- الإعجاب بالكفار وبالتالي مدحهم والثناء عليهم بعد العودة.
- ومنها: أن كثيراً من المسافرين تعلقوا ببعض مقتنيات الكفار وملابسهم فجلبوها وافتخروا بلبسها، وإن شئت فانظر إلى انتشار لبس القبعات بين الشباب والسراويل القصيرة، وأنواع البنطلونات بين النساء والفانيلات التي تحمل العبارات الأجنبية وغيرها.
- ومنها: نزع النساء للحجاب بكشف الوجه أو جزء منه بلا حياء؛ لأن الزوج أو الأب أو الأخ رضي أو أمر مما نتج عنه تضايقهن من تغطية الوجه عند العودة مما أدى إلى ظهور موضة اللثام والنقاب بأنواعه ولا من شهم يغار، ولله در القائل:
ما كانت العذراء لتبدي سترها *** لو كان في هذي الجموع رجال!
- ومن مفاسد السفر إلى بلاد الكفار: رؤية الأبناء والبنات المناظر المحرمة والمنكرات الظاهرة ابتداءً من المطارات، وعدم تجنب الأب أولاده لتلك المناظر يعتبر من سوء التربية وتعريضهم للفتنة، فبئست والله التربية ويا لقبح هذا الصنيع الذي يعده بعض الآباء مكافأةً لأبنائه على نجاحهم.
- ومنها: الثناء على اعتدال الجو في تلك البلدان والتسخط من جو بلده إذا رجع مما قد يوقع في سب الدهر.
فنسأل الله جل وتعالى البصيرة في ديننا.
نفعني الله وإياكم بهدي...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه...
أما بعد:
أيها المسلمون: إن للسفر المشروع سنناً وآداباً ينبغي معرفتها ومراعاتها:
أولاً: الإخلاصُ لله، وحسن المقصد وشرف الغاية ونبل الهدف.
ثانياً: طلب الصحبة في السفر لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب)) [إسناده حسن أخرجه مالك وأحمد وأهل السنن].
وروى البخاري في صحيحه: ((لو تعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده)).
فالشيطان أحرص ما يكون على المسافر، ولهذا أمر الرسول بالرفقة في السفر، الذي يدلّك على الله مظهره، ويذكّرك إن غفلت مخبرُه، وما سمِّي السفر سفراً إلا لأنّه يسفر عن أخلاق الرجال ومعادنهم وطباعهم.
ثالثاً: الإتيان بدعاء الركوب ودعاء السفر.
رابعاً: التماسُ الوصيّة والدعاء من أهل الصلاح والفضل: جاء رجل إلى رسول الله فقال: "يا رسول الله إني أريد سفراً فأوصني، قال: ((عليك بتقوى الله، والتكبير على كل شرف)) [رواه أهل السنن] وروى أبو داود والنسائي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ودَّع عبد الله بن عمر عند سفره، فقال: ((أستودع اللهَ دينك وأمانتَك وخواتيم عملك)).
خامساً: التسبيح عند هبوط الأودية، والتكبير إذا علا مرتفعاً، كما ثبت ذلك في حديث جابر وابن عمر -رضي الله عنهما-.
سادساً: توديع الأهل والأقارب وغيرهم.(33/5)
سابعاً: تعجيل العودة بعد الفراغ من الحاجة التي سافر لأجلها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نَهمته فليعجل رجوعه إلى أهله)) [متفق عليه]. والمراد بالعذاب الألم الناشئ عن المشقة، لما يحصل في الركوب والسير من ترك المألوف. ولقد سئل إمام الحرمين: "لم كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب على الفور: لأن فيه فرقة الأحباب".
ثامناً: متى ما كان السفر ملهياً عن طاعة الله أو مشغلاً عنها فلا خيرَ فيه، ولهذا نهي المسلم أن يسافر يوم الجمعة حتى لا تفوتَه الصلاة، وفي البخاري أن النبي قال لمالك بن الحويرث وصاحبٍ له: ((إذا كنتما في سفر فليؤذن أحدكما، وليؤمكما أقرؤكما لكتاب الله)).
تاسعاً: من نزل منزلاً أثناء السفر فليقل: ((أعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق، لم يضرّه شيء حتى يرتحل من ذلك المنزل)) [رواه مسلم عن خولة بنت حكيم].
قال القرطبي - رحمه الله -: "هذا خبر صحيح علمنا صدقه دليلاً وتجربةً، منذ سمعته عملت به، فلم يضرني شيء إلى أن تركته فلدغتني عقرب ليلة فتفكرت فإذا بي نسيته".
عاشراً: الدعاء في السفر مستجاب، وفي الحديث ((لا ترد دعوتهم وذكر منهم المسافر)) [أخرجه أهل السنن].
الحادي عشر: السير بالليل مستحب إذا لم تكن هناك مخاطر واضحة، فعن أنس أنه قال: ((عليكم بالدّلجة، فإن الأرض تطوى بالليل)) [رواه ابن خزيمة].
أما إذا انطوى السير بالليل على خطورة بيّنة، من نعاس سائق أو ضعف أنوار، أو عدم وضوح الطريق، أو وجود ضباب ونحوه فلا يجوز السير بالليل.
الثاني عشر: حسن التعامل مع وسيلة السفر: فإن المنبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
الثالث عشر: حمل بعض الهدايا عند العودة بحسب القدرة.
أيها المسلمون: وأخيراً أذكرك يا عبد الله بسفرك إلى الآخرة: فالعبد من حين استقرت قدمه في هذه الدنيا، فهو مسافر فيها إلى ربه، ومدة سفره هي عمره الذي كُتب له إلى أجله.
فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار، ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل سفره، فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل، فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر.
فنسأل الله - تعالى -...
اللهم...
13/5/1427هـ
http://alahmad.com/node/125(33/6)
السفر وأنواعه
محمد الداه بن أحمد الشنقيطي
الخطبة الأولى
قال الله - تعالى -: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء، وقال - تعالى -: أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله.
وإن من أعظم أسباب انشراح الصدر: التوحيد الخالص والعلم النافع ودوام الإنابة إلى الله - تعالى -ودوام ذكره - جل وعلا - على كل حال، والإحسان إلى الخلق بجلب النفع لهم ودفع الضر عنهم، ومنها إخراج الحسد والغش والخيانة والكبر والعجب والرياء والسمعة من القلب حتى يتسع للخير ويضيق عن الشر، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي قال: ((إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح، قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله))1.
عباد الله: إن البدن إذا كلّ وتعب طلب الراحة، وإن القلب إذا أجهد عمي وطلب الاستراحة، وإن المُنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وها هي الإجازة الصيفية قد أظلتنا نسأل الله لنا ولأبنائنا والمسلمين جميعاً الفوز والنجاح والتفوق والصلاح، وإن الناس إذا جاءت الراحة والإجازة السنوية بدأوا يفكرون ويخططون لها ويهتمون جداً لكيفية قضائها هل يقضونها في الشرقية أم في الغربية أم في الشمال أو في الجنوب أم الوسطى؟ هل يقضونها في الداخل أم في الخارج؟ أم هل يقضونها في السياحة والاعتبار والنظر في الآثار والديار؟ ولكل تفكيره وتدبيره فيما أحل الله لعباده وأباحه، وإننا نذكرهم قبل الشروع في الأسفار ومفارقة الديار بأنواع الأسفار وما يلزم المسافر من أحكام وآداب.
عباد الله، إن السفر على قسمين هرب أو طلب، أي إما شر تهرب منه حفاظاً على نفسك أو دينك أو أهلك أو مالك، وأمثلة ذلك كثيرة منها الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، ومنها الخروج من دار الكفر والبدعة التي لايقدر الإنسان على ردها وإنكارها قال الله - تعالى -: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً وقال - تعالى -: واذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين روي عن مالك - رحمه الله -: (لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسب فيها السلف) فكيف بأرض يسب الله فيها وملائكته وأنبياؤه وكتبه؟.(34/1)
وأما سفر الطلب فإن من أمثلته الهجرة وذلك سفر الأنبياء والصالحين والسفر للجهاد، وكان ذلك أكثر سفر النبي والصحابة الكرام، وهذا القرآن بين أيديكم والسيرة النبوية ومنها: السفر لطلب العلم وطلب العلم فريضة، ومنها السفر للأماكن الفاضلة كمساجد الأنبياء الثلاثة المعروفة التي لا تشد الرحال على سبيل القربة والتعبد والاعتكاف إلا إليها، ومنها السفر للتجارة والكسب الحلال، ومنها السفر للاعتبار: أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، فهذه جملة الأسفار الواجبة والمندوبة والمباحة وأما غير ذلك من الأسفار فلا يليق بعاقل أن يضيع فيه وقته أو يتعب فيه بدنه أو ينفق فيه ماله: والله يعلم المفسد من المصلح، ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)).
-----------------------------------------------
1 - رواه الحاكم (4/311)، وفيه عدي بن الفضل. قال الذهبي: ساقط. وانظر ميزان الاعتدال للذهبي رقم (5593). والبيهقي في شعب الإيمان ح (10552).
الخطبة الثانية
عباد الله: إن الله- تبارك وتعالى -امتن علينا بأن سخر لنا ما في السموات وما في الأرض وأباح لنا ما شرعه لنا وأذن لنا فيه: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور )ووصف لنا عباده الذين أكرمهم بأفضل الصفات وأدبهم بأجمل الآداب لنقتدي بهم: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، وقد قال في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: ((السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله)).
عباد الله: إذا كان ضرب في الأرض مباحاً وكانت هذه هي أنواع الأسفار التي يثاب عليها بالإضافة إلى صلة الرحم وزيارة الإخوان في الله - تعالى -فإن على المسلم أن يعرف أحكامها وآدابها وأن يستخير الله - تعالى -قبل الدخول فيها وأن يصحح نيته ومقصده ليسلم ويغنم إذ الأسفار فيها مخاطرة، وعلينا جميعاً أن ننصح أولئك الذين منّ الله عليهم بالصحة والعافية والمال وخلو البال ثم يسافرون أسفار محرمة والى بلاد كافرة ليتلفوا المال والصحة ويخسروا أنفسهم ودينهم ومروءتهم ويحملوا إلى ديارهم شؤم المعاصي والأمراض النفسية والبدنية.
عباد الله: هل يصح من عاقل أن يتعمد تدمير نفسه وماله مقابل العار والشنار ويحمل نفسه الموبقات والأوزار؟ إن بعض الناس هدانا الله وإياهم يفعلون ذلك وإن السكوت على صنيعهم، ذلك مما يجر خراب الديار، أيسافر المسلم إلى بلاد الفتن والتحلل؟ أتنفق مالك ووقتك وبدنك وأنت محاسب على ذلك لتصل إلى بلاد لا يذكر فيها اسم الله لا للعلاج ولا للتجارة ولا للعلم نعوذ بالله من الخيبة والخسران، إننا نذكر أنفسنا وإخواننا بنعم الله - تعالى -التي أجلها نعمة الإيمان والإسلام والأمن والصحة والعافية وتلك هي الدنيا بحذافيرها، عن عبيد الله بن محمص الأنصاري الخطمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: ((من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها))2.(34/2)
----------------------------------------
2 - رواه الترمذي وقال حديث حسن.
http://www.alminbar.net المصدر:(34/3)
( السفر إلى الخارج ضحايا وآلالام
حورية الدعوة
1 ـ تحقيق:
المكاتب السياحية تحارب الزواج
المسافرون للخارج أكثر الناس أمراضاً ومشكلات وإعراضاً عن الزواج
* رئيس محكمة الضمان والأنكحة:
- أكثر الشباب المغرم بالسفر يتزوج من غير رغبة فتحدث المشكلات
- شركات السفر والسياحة مسؤولة عن ضياع شبابنا
* د. عمر العيد:
- كم من أبناء المسلمين تأثر بالكفار؟ وكم من الأموال الطائلة أهدرت في المحرمات؟
- السياحة في الإسلام جهاد في سبيل الله
* د. الهويمل:
- لو لم يكن في السفر للخارج سوى رؤية المنكرات.. لكفى
- كثرة النظر للمنكرات والتبرج تجعل العين تألفها
* د. الحبيب:
- هناك مزلق خطير وهو ربط تقدمهم المادي بمعتقداتهم
- تنعدم سيطرة الأب وقوامته على أبنائه بسبب كثرة الأسفار
* د. الحديثي:
40% من المسافرين يتعرضون لأمراض مختلفة.. والإيدز ليس له أعراض سريعة الظهور
* الشيخ الشعلان:
تنبّه لجلساء ابنك.. وكل دقيقة من عمرك تقرّبك للآخرة
* الشيخ ابن سعيد:
- الفضائيات والإنترنت شجعت على السفر
- نلمس ونشاهد تغيرات تطرأ على بعض المسافرين حتى ماتت الغيرة لدى بعضهم
* الشيخ المهيدب:
- التشبّه بالكفار وراءه السفر.. والفتنة أشد من القتل
- المسافرون يدعمون ميزانيات الأعداء.. بل يسوقون للسفر
* الشيخ آل معجب:
المسافرون معرضون عن الزواج .. لماذا؟
****
أسفار وأوزار
* ما إن تبدأ الإجازة الصيفية حتى تتصاعد الأفكار وتتوالى الاقتراحات في كيفية قضائها وتزجية الفراغ فيها، ولعل هذه الأفكار لدى بعض الأسر مشاريع متكاملة يسبقها تفكير بما تم في الأعوام الماضية ومقارنات متوالية حيث تبرز النداءات بأهمية الراحة من مراحل الكد والنصب والمجالدة طوال العام.. ولكن من المآسي المحزنة أنه بعد كل هذا التفكير وعناء البحث ومقارنة البدائل تكون القرارات خاطئة والاختيارات مجافية للحق؛ ذلك أن النتيجة والمحصلة ذات خسران بيّن تحزم فيها الحقائب والسفر تجاه بلاد الكفر أو بلاد تشبهها معرضين عن حكم سفرهم لبلاد الكفار وبلدان الاختلاط والسفور بدعوى الترفيه، إنهم يبحرون نحو الغرق، والأدهى والأمر أن يقتاد لتلك الأسفار شباب وشابات يغامر بشبابهم ويزج بهم في أحضان الجهالة والفساد والسفه.
هناك حيث ما يحرم شرعاً يباح علناً وما تنفر منه الأخلاق السوية المسلمة يجدونه مبذولاً في الشوارع العامة وإنها إقامة بيّنة بين الكافرين والظالمين والمعرضين والجاحدين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين ) [ رواه أبو داود ].
في تلك الأسفار تهدر الكرامة وتضيع حدود الله جل وعلا يتشرب الأبناء الأوضار والنجاسات يعدونها حرية وتقدماً وهي والله انحدار مقيت نحو الهاوية وإنه العجب الذي يحار منه العقلاء كيف يفر أولئك الناس نحو الهلكة بعد أن أكرموا بالعيش بين جنبات المجتمع المسلم ولكنه الهوى والتخلي عن المسؤولية وإضاعة الأمانة المعلقة في أعناقهم والتي منها هؤلاء الأبناء. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) رواه البخاري.(35/1)
إن الوقت لا يقدر بمال البتة أنفاس لا تعود ولحظات لا ترجع وإضاعتها في السفر العابث غبن ظاهر ومحق بيّن، ومن أراد ترويحاً ففيما أباح الله غنى عما حرم الله قال تعالى: ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ).
وفي هذا التحقيق نتناول أبعاد هذا الموضوع
لنجلي حقائق مهمة حول هذا الشأن فإلى التحقيق:
----------------------
الإغراء بالفاحشة
----------------------
بداية يتحدث فضيلة الشيخ سعود بن عبد الله معجب رئيس محكمة الضمان والأنكحة بالرياض، فيذكر أن أعداء الإسلام وأصحاب المؤسسات والشركات السياحية وغير السياحية الذين لا همّ لهم إلا الحصول على المال رغّبوا الشباب بالسفر للخارج لبلاد الكفار أو للبلدان التي يكثر فيها الفساد وروّجوا لذلك بالإعلانات والدعايات المزيفة والإغراءات الكاذبة من رخص الأسعار وقلة التكاليف وطيب المقام حتى أوهموا أن من لم يسافر إلى تلك البلدان لم يتمتع بوقته وإجازته!! حتى أصبح السفر للخارج في نظر المخدوعين من أبناء المسلمين موضع افتخار، دون تفكير في العواقب والنتائج والأخطار التي تهدد دينه وتهدده هو ويعظم المصاب حين يسافر مع عائلته للسياحة وغيرها.
وبين فضيلة الشيخ محمد بن سعد السعيد إمام وخطيب جامع سلطانة الشرقي بالرياض حول هذا الموضوع موضحاً أن ما تقوم به وسائل الإعلام من قنوات مفسدة وصحف ومجلات وغيرها وبعض الشركات والمؤسسات ويستغل لذلك أيضا شبكات الإنترنت، حيث تعرض الصور الفاتنة والمناظر المثيرة التي تلهب مشاعر الشباب وتثير شهواتهم وتجعل الشاب دائم التفكير في شهواته ورغباته الجنسية.
ويذكر فضيلة الشيخ محمد بن هديب المهيدب إمام وخطيب جامع عبد العزيز بن عبد الله بن حسن آل الشيخ بالرياض أن أعداء الإسلام يخططون لسلب أموال المسلمين وإفساد دينهم والقضاء عليهم قال تعالى: ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) وقال تعالى: ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن يُنزّل عليكم من خير من ربكم ).
----------------------
العقيدة في خطر
----------------------
يقول الشيخ محمد المهيدب إن من أشد أضرار السفر للخارج ما يقع على العقيدة، حيث تظهر مولاة الكفار والتقرّب إليهم والتشبه بهم قال تعالى: ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) .
الشيخ الدكتور عمر بن سعود العيد الأستاذ المساعد بكلية أصول الدين قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- يوصي بقراءة كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم" فهو كتاب نافع مفيد يعلن فيه شيخ الإسلام رحمه الله البراءة من الكفار ومما هم عليه من الأخلاق والعادات كما يحذر رحمه الله من الجلوس معهم والتأثر بهم.(35/2)
ويوضح الشيخ محمد السعيد خطورة التأثر بعقائد الكفار، حيث حملات التنصير المستمرة ضد المسلمين لإغوائهم وإضلالهم فهم حريصون كل الحرص على تشكيك المسلمين في عقيدتهم وانحرافهم عن الصراط المستقيم قال تعالى: ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً ) .
----------------------
السهم المسموم
----------------------
مظاهر السفور والتبرج والفجور المنتشرة في الخارج أخطار محدقة بالمسافرين لتلك البلدان،
يقول فضيلة الشيخ الدكتور/ إبراهيم بن سليمان الهويمل الأستاذ المشارك بقسم القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض: المحاذير الشرعية في السفر لبلاد الكفار قصد السياحة والنزهة أهمها ما يقع على دين المرء، فالسفور والمنكرات متفشية في الشوارع فإذا سافر نظر لهذه المنكرات وهذا نقص على دين المسلم والنظر سهم مسموم من سهام إبليس ولو لم يكن في السفر إلا رؤية المنكرات وعدم القدرة على تغييرها لكفى ومع استمرار النظر إلى مظاهر السفور والتبرج يألف الناظر هذه المنكرات لتصبح أمراً معتاداً.
وفي هذا يذكر فضيلة الشيخ محمد المهيدب: أن نشوء المنكرات والترخيص لبيوت الفساد وإنتشار الرذيلة في تلك البلدان حتى أصبحت أجساد النساء تباع كالسلع واستباحة الكبائر والفواحش كالزنى واللواط وانتشار ذلك في الأماكن العامة كالحدائق وغيرها وكثرة أماكن الخمور وتفشي المخدرات هي أضر على المسلم من الموت أو القتل قال تعالى: ( والفتنة أشد من القتل ) هناك توأد الفضيلة باسم الحرية فكيف يكون موقف شاب مسلم لم يألف هذه المناظر وفتاة شرفت بالحياء والعفة والطهر ثم ترى هذه المشاهد لا شك أنه سيكون لذلك الآثار السلبية الوخيمة عليهم.
----------------------
الحضارة المزيفة
----------------------
ببريق حضارة الغرب المخادعة يخدع أبناء المسلمين، حيث يذكر الشيخ عمر العيد أن السفر لبلاد الكفار يحصل به محبة الكفار ومحبة مواطنهم وأماكنهم التي يرتادونها ويحصل أيضا التشبّه بهؤلاء الكفار والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من تشبّه بقوم فهو منهم ) رواه أحمد. فلا يجوز التشبّه بهم وكم من الناس حين سافروا أحبوا الكفار وأحبوا ديارهم والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( المرء مع من أحب ) رواه البخاري- وما يحصل من اكتساب أخلاقهم وما يتعاملون به وحتى مظهرهم كم من أبناء المسلمين تأثروا بهؤلاء الكفار في مظهرهم في شعورهم وألبستهم ورقصهم وزمرهم وفسقهم.
ويوضح فضيلة الشيخ سعود آل معجب قائلاً: يخدع الشاب بمظاهر الحضارة الزائفة والتي تقصي الأخلاق وتنحط قيمها وللأسف يخدع الشباب بحرية الفجور والفسق وتعظم تلك البلدان وأهلها في صدره ويهون أمر الإسلام وبلاد الإسلام في نظره فيعود مشبعاً بمظاهرهم وأخلاقهم ليكون عنصراً فاسداً في المجتمع، إنه لم يمعن النظر ولم يفكر في أنهم يفقدون أعظم أمر كرمنا الله تعالى به، ألا وهو دين الإسلام الذي إن تمسك به اطمأنت القلوب وحفظت الأعراض والأنفس والأموال.(35/3)
ويذكر الشيخ محمد السعيد أن من المآسي المشاهدة بعد قدوم المسافرين من الخارج تغير في المظهر والخلق؛ هذا يلبس لباسهم وهذا يتكلم بكلامهم وآخر اصطحب كلباً ناهيك عن تبرج وسفور النساء العائدات!!
ويحذّر الشيخ محمد المهيدب من خطورة التأثر بالكفار والتشبّه بهم ويذكر أيضاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى على عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ثوبين معصفرين قال " إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها " رواه مسلم.
ويقول سعادة الدكتور عبد الرحمن بن محمد الحبيب الأستاذ المساعد بقسم التربية " الإدارة التربوية" كلية التربية جامعة الملك سعود. إن هناك شبهة عظيمة ومزلقاً خطيراً ينتج عن السفر لبلاد الكفار ألا وهو ربط التقدم المادي وحياتهم المادية ربط ذلك بمعتقداتهم وأفكارهم وإشاعة أن هذا التقدم المادي نتاج تلك المعتقدات والأخلاق وهذا مزلق له عواقبه الخطيرة ولم يسلم منه الكبار من المتعلمين فما بالك بالشباب وهذا التأثر حاصل بدون سفر من خلال ما يرى ويسمع ويقرأ عبر وسائل الإعلام المضللة ولكن بلا شك فإن السفر لتلك البلدان ومعايشة الكفار تجعل التأثر أعمق وأبقى .
----------------------
الأموال المهدرة
----------------------
إسراف وتبذير يكتنف رحلات المسافرين يبذلون في ملذاتهم الأموال الطائلة والله جل وعلا يقول: ( ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً ). ويقول جل ذكره: ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) وفي ذلك يوضح فضيلة الشيخ الدكتور عمر بن سعود العيد: إن المسلم يحتاج إلى مال في سفره فكم من الناس ينفقون أموالاً طائلة على أمور محرمة تقضى للأسف في المنتزهات وتنفق على الزمر والطرب وعلى معاص وفسق والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن العبد سيسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه.
ويقول فضيلة الشيخ محمد السعيد إن من الآثار السلبية المترتبة على السفر للخارج صرف الأموال الباهظة في غير محلها حيث تنفق فيما يغضب الله تعالى وكم من شباب رجعوا لا يملكون إلا ثيابهم فقراء ذليلين بعد أن كانوا أغنياء مكرمين أهدروا أموالهم في الخمور ودور الخنا والفواحش – نسأل الله لهم الهداية - .
وفي ذلك يتحدث فضيلة الشيخ محمد بن هديب المهيدب مبيناً أن أموالاً طائلة تحول لبلاد الكفار وفي ذلك ولا شك دعم لاقتصادهم وإعانة لهم وإن المسافر ليتحمل نفقات باهظة من تذاكر الطيران وأجور الفنادق والضرائب المفروضة عليه وغيرها مما لو أنفق بعضه على الأسر المحتاجة لكفاهم لعام كامل أو يزيد.
ويقول فضيلة الشيخ عبد الله بن فوزان الفوزان القاضي بمحكمة الضمان والأنكحة بالرياض: بالنسبة للشباب خاصة المسافرين للخارج بصفة عامة فحدث ولا حرج يتحملون من الديون لهذا الغرض مجاراة للأصدقاء السيئين ناهيك عن النتائج السيئة بعد ذلك فهو يعود مفلساً وقد يحرم من عمله فيتسلّط على أهله ويؤذيهم وقد يلجأ للسرقة ومقارنة ذوي السلوك المنحرف وقد يقع في مهلكة المخدرات استعمالاً وترويجاً فيكون بذلك أهلك نفسه وآذى أسرته ومجتمعه.(35/4)
----------------------
حين تترك الأخلاق هنا
----------------------
يذكر الشيخ محمد المهيدب ما يحصل من كثير من المسلمات حين تسافر إلى تلك البلاد من نزع الحجاب وخلع اللباس الساتر مع التأثر بلباس الكافرات وهذا تحول سريع ظاهر فكيف بتحول الباطن إن المسلم عليه مراقبة الله جل وعلا في كل مكان قال تعالى: ( إن الله كان عليكم رقيباً ).
ويوضح الشيخ محمد السعيد الأخطار الوخيمة والآثار السلبية المترتبة على السفر للخارج، حيث يتحلل المسافر من خلقه ودينه مرتكبا صنوفاً شتى من المحرمات والموبقات، حيث الوقوع في الجرائم من زنا ولواط وخمور ومخدرات، فالغرب الكافر يعيش حياة بهيمية، بل أسوأ منها انحلال وسفور وخلاعة معلن بها واختلاط مقيت بين الرجال والنساء وعدم الغيرة على المحارم والذي يندى له الجبين حين تموت الغيرة من قلوب بعض الناس فتسير نساؤه سافرات الوجوه متبرجات بالزينة لا حول ولا قوة إلا بالله.
كما يحصل أيضا التعرف على نوعيات فاسدة من البشر وأجناس منحرفة فكرياً وعقدياً وأخلاقياً لا هم لهم سوى حياة الفسق والمجون والعربدة والسكر والعهر والتردد على أماكن الخمور والمراقص ودور الخنا والفواحش .
----------------------
أمراض السفر
----------------------
وعن هذا الموضوع يتحدث سعادة الدكتور مقبل بن عبد الله الحديثي استشاري الأمراض الباطنية والأمراض المعدية بمستشفى الملك خالد الجامعي ووكيل كلية الطب للشؤون الأكاديمية فيقول: إن المسافر للخارج أياً كان وجهة سفره أو هدفه من السفر فهو عرضة للعديد من الأمراض ومنها:
1 ـ الأمراض العامة وقد تصيب أي شخص بقدرة الله تعالى عند تغير البيئة التي يسكن فيها فهو قد ترك بيته وبرنامجه اليومي وتغير طعامه وشرابه، حيث يعتمد غالباً على المطاعم أثناء السفر وتتغير عليه أجواء المناخ فقد يصاب بالإرهاق والإجهاد، وقد يصاب بعض الأشخاص بالإعياء خاصة من لديهم أمراض مزمنة كالسكري أو أمراض القلب أو الكلى هؤلاء عرضة لانتكاس حالتهم أثناء أو بعد السفر.
وأيضاً المسافر عرضة لأمراض الإسهال التي تصيب 40% من المسافرين وتتراوح بين البسيط وبين شديد الخطورة ومن أسبابه التسمم الغذائي الناتج عن تناول الأطعمة الملوثة، حيث كثيراً ما يحدث عدم الاعتناء بالطرق الصحية عند تجهيز الغذاء في المطاعم ومن أمراض التسمم الخطيرة أمراض التيفوئيد أو حمى التيفوئيد.
2 ـ أمراض ناتجة عن السفر لمناطق موبوءة بأمراض كالملاريا وهذا يظهر في دول جنوب شرق آسيا ودول أفريقية وقد تكون تلك البلدان موبوءة أيضا بالأمراض الخطيرة الفيروسية أو الجرثومية وذلك يتضح أيضا عند السفر للدول الغربية وشمال أوربا.(35/5)
3 ـ الأمراض التناسلية [ الجنسية ] وهذه الأمراض الخطيرة تنتقل من شخص لآخر عن طريق الاتصال الجنسي فجريمة الزنى واللواط من أكبر أسباب انتقالها وهي إنما تنتقل بقدرة الله جل وعلا فهي عقوبة ينزلها الله على من يشاء وهي أيضاً ابتلاء. ولا تنتقل بالمعايشة العادية والأكل والشرب وإنما من أكبر أسبابها كما ذكرت الاتصال الجنسي وتنتشر أيضا بين متعاطي المخدرات لاستخدامهم الحقن أو أدوات ملوثة وهي أمراض كثيرة أذكر منها مرض السيلان ومرض الزهري ومرض الهربس التناسلي وبعض التقرحات أو البكتيريا التي تصيب الجهاز التناسلي .
وأخطر هذه الأمراض هو طاعون العصر أو فيروس نقص المناعة المكتسبة الذي يعرف بـ" فيروس الإيدز" وتلك الأمراض أهم أسباب انتقالها عن طريق الاتصال الجنسي ومعظم الحالات لا تظهر عليهم الأعراض فليس بالضرورة أن تظهر الأعراض على المصاب ومع ذلك تنتقل هذه الأمراض عن طريق الاتصال الجنسي وكثير من البغايا ليس لديهن أعراض ظاهرة عليهن ولكنهن حاملات للفيروسات والبكتيريا المسببة للأمراض آنفة الذكر، فقد تظهر المرأة صحيحة الجسم وبدون أي أعراض ومع ذلك تحمل مرض الإيدز أو جرثومة السيلان أو جرثومة الزهري وغيره وينتقل المرض بالتالي إلى الشخص الذي يتم معه الاتصال الجنسي وعلى ذلك فجريمة الزنى واللواط أساس لهذه البلايا والشرور ولقد حذّر الله جل وعلا من هذه الكبائر قال تعالى: ( ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً ). وقال تعالى محذراً من جريمة قوم لوط ( إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ) .
ووجد أن من البغايا من تقوم بنقل هذا المرض عن قصد، حيث تعلم أنها مصابة وتتعمد نقل المرض الجنسي الخبيث. علماً بأن الشخص قد يكون حاملاً للمرض لعدة سنوات ولم تظهر عليه الأعراض بعد، فحامل فيروس الإيدز قد لا يعلم به هو ولا من يخالطهم ولا الأطباء حتى يعمل التحليل المناسب. وهنا مكمن خطورة مرض الإيدز وغيره من الأمراض الجنسية، حيث ينقلها المصاب إلى زوجته فبعد العلاقات الآثمة في الخارج واقتراف الفاحشة جاء يحمل الفيروس أو الجرثومة ليهديها إلى زوجته وهو بهذا قد ارتكب جرماً عظيماً بدءاً بالفاحشة ثم الظلم الواقع على الزوجة المسكينة التي وثقت به وزد على هذا أن فيروس الإيدز يمكن أن ينتقل من الأم المصابة إلى الأولاد.(35/6)
وأحياناً يكون الذي قد أقام العلاقات المحرمة غير متزوج ثم يعود حاملاً للمرض الخطير ويقدم على الزواج وينقل هذا المرض إلى الزوجة المغلوبة على أمرها ولم تعلم بحاله وهذا غش وخداع، وعلى ذلك فإن الواجب على المسلم تقوى الله جل وعلا والالتزام بتعاليم الدين الإسلامي الذي يأمر بالعفة وتجنب الموبقات ويحذر من الاقتراب منها فالزنى واللواط ودواعيهما أهم أسباب انتقال هذا المرض بلا شك وحقيقةً فإن الابتعاد عن هذه الفواحش يمنع انتقال هذه الأمراض الخبيثة وأقول لكل من أغواه الشيطان وأقام العلاقات الجنسية المحرمة أقول له: أن يتوب إلى الله جل وعلا وأن يعود لإيمانه بربه وخوفه منه ويبادر لطاعة الله كما أحذره قبل اتصاله بزوجته أو قبل زواجه بالفحص الطبي المتكامل خاصة ما يتعلق بمرض الإيدز أو غيره من الأمراض الجنسية، فالله هو المطلع العلام وإخفاء هذه الأمراض خيانة للأمانة وجناية على الزوجة والأولاد والمجتمع.
----------------------
مآس واقعية
----------------------
ويذكر الدكتور مقبل حالات محزنة مؤسفة فيها العظة والعبرة عمن أصيبوا بهذه الأمراض الجنسية وخصوصاً مرض الإيدز حيث يقول:
- أحد الأشخاص أصيب بفيروس الإيدز بعد سفره لدولة قريبة ومارس الزنى مع بغي وكان ذلك مرة واحدة حسب إفادته لي والشخص لم يتزوج ونصحناه بالطبع بعدم الزواج حتى لا ينقل هذا المرض.
- شخص آخر اكتشفت إصابته ( بالإيدز ) بعد زواجه ولكن بحمد الله لم تصب زوجته بهذا المرض بعد، وكانت حياته مأساوية بسبب الإصابة بهذا الفيروس.
----------------------
نداء
----------------------
ويبيّن الدكتور مقبل أن هذه الآثار السلبية مترتبة على السفر للخارج ويدعو العاقل للتدبر والتأمل، فالتعرض للفتن والموبقات واضح جلي في بلاد الكفار وقد أفتى العلماء بحرمة السفر للخارج بدون مسوغ شرعي، فلا يجوز السفر للخارج لقصد السباحة والنزهة مثلاً وها هي المآسي المحزنة المترتبة على سفر الشباب أو العوائل وغيرهم طلباً للترويح عن النفس مما يوقع في الشرور والآثام.
----------------------
أم الخبائث
----------------------
ويقول د. مقبل الحديثي: المخدرات والخمور محرمة في شرع الله جل وعلا والإنسان الذي يخاف الله ويتقيه يجب عليه أن يتجنب المخدرات والخمور وأن يبتعد عن مواطنها ورفقاء السوء الذين يقودون إليها وهي منتشرة في الخارج وتحدث في المجتمعات المصائب والاضطرابات والمشكلات المعقدة دمرت الإنسان والأسر ونشرت الرعب بين أفراد المجتمع ومتناول الخمور أو المخدرات قليلها أو كثيرها معرض نفسه لعقوبة الله جل وعلا ويتوب الله على من تاب، وهو بشربه للخمور أو تعاطيه للمخدرات يتعرض لحالة السكر وفقدان العقل ويترتب على ذلك حوادث سير خطيرة أثناء القيادة أو حوادث أخرى، كذلك تفتك المخدرات والخمور بأعضاء الجسم فالخمرة تؤدي إلى تليّف الكبد وجملة أخرى من الأمراض الفتاكة، وعلى ذلك فهي والمخدرات هلاك العقل والجسد.(35/7)
ومن يتقي الله واجب عليه أن يخشاه أينما حلَّ وارتحل وسبحان علام الغيوب، والله جل وعلا يقول: ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) .
----------------------
محاذير
----------------------
وعند الضرورة الشرعية للسفر للخارج تبرز أمور متعددة منها:
* نقل الدم عند الإصابة بحادث مثلاً – نسأل الله أن يقي المسلمين – وهنا ننصح بالحيطة والحذر فقد يكون الدم ملوثا بالفيروسات أو الجراثيم ونصيحتي أن ينقل له الدم ممن يوثق بهم كرفقاء السفر الصالحين.
* لحم الخنزير محرّم في شرع الله المطهر وأنصح من سافروا – بمسوّغ شرعي طبعاً – التأكد من نوعية اللحم المقدم لهم والحرص على ذلك وأنبّه أن شحم الخنزير يدخل في مكونات كثير من الأطعمة فليحذر من ذلك.
* الخمر أم الخبائث وفي هذا الصدد أنبّه أن الكعكات كمثال والتي تقدم في المطاعم وغيرها تحوي نسباً من الخمر "الكحول" والواجب تجنبها وأمثال ذلك كثير.
وأوصي الأسر والشباب بتقوى الله تعالى وعلى أولياء الأمور تقع مسؤولية ضياع الأبناء بسفرهم للخارج وفي داخل هذا البلاد ما يغني ولله الحمد عن السفر للخارج وذلك عند الالتزام بشرع الله وطاعته جل وعلا.
----------------------
السفر وعزوف الشباب عن الزواج
----------------------
يذكر الشيخ سعود آل معجب فيقول: من الأضرار الملموسة والمشاهد في سفر الشباب للخارج انصراف الكثير منهم عن الذي حثهم الإسلام عليه يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) رواه البخاري.
فمع كثرة سفر الشاب وتردده على البلاد الفاسدة وتوغله في الآثام وممارسة الفواحش والرذائل في تلك البلدان تضعف عنده رغبة الزواج وينتج عن ذلك الضرر العظيم عليه وعلى مجتمعه بكثرة النساء العوانس فيفضي ذلك إلى الفساد لأن منع المشروع يفضي إلى غير المشروع.
----------------------
السفر والطلاق
----------------------
يذكر فضيلة الشيخ سعود آل معجب أن أهل الشاب كثير السفر يلحون عليه بالزواج فإذا تم زواجه من غير رغبة منه فإن ذلك قد يؤدي إلى الطلاق لإحساسه بالتقييد وعدم الحرية وانشغال فكره بالسفر إلى تلك البلاد التي تعوّد السفر إليها وما شاهده وما عمله فيها وانخداعه بالمظاهر الزائفة لأهل تلك البلاد فتهون عليه زوجته المسلمة العفيفة فيحصل منه المضايقة لها وإساءة عشرتها فيطلقها أو تطلب منه الطلاق للضرر الذي حصل عليها.
وربما أنه تزوجها وهو محمَّل بالأمراض والأوجاع التي اكتسبها من سفره المتكرر إلى البلاد الإباحية فتحصل العدوى وربما يحصل بينهما ولد فتكون المصيبة عظيمة على الأسرة بأكملها، بل على المجتمع نسأل الله العافية.(35/8)
وهناك أيضا أمر مهم فربما مع تكرار سفر الشاب للخارج للسياحة أو الدراسة والعمل وانخداعه بالمظاهر الزائفة التي عليها نساء تلك البلدان ربما يبذل قصارى جهده وماله للاقتران بإحدى النساء سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة ولا يخفى الضرر الناتج عن ذلك الزواج والتفصيل في هذا الموضوع أعني الزواج من الأجنبيات يحتاج إلى وقت ومساحة أكبر في هذه المجلة.
ويقول فضيلة الشيخ / عبد الله بن فوزان الفوزان: ما أكثر الخلاف والمنازعات بين الأزواج وزوجاتهم بسبب هذا السفر وكثير ما يلجأ للطلاق لهذا السبب وناهيك عما يترتب بعد الطلاق من تشتت الزوج والزوجة والأولاد. وإن هذه المنازعات ناشئة إما عن اختلاف الرغبات أين تكون وجهة السفر؟ أو رغبة أحد الأزواج في السفر دون الآخر.
----------------------
الآثار السيئة للسفر للخارج على التربية
----------------------
ويركز سعادة الدكتور عبد الرحمن بن محمد الحبيب على الجوانب التربوية وما يحدثه السفر للخارج من آثار سيئة عليها، حيث يقول: إن الإنسان في تربية وتعلم طوال حياته، حيث إن التربية والتعليم لا يقتصران على ما يتلقاه الإنسان من خبرات داخل مؤسسات التربية والتعليم.
فالإنسان يتربى ويتعلم من كل ما يراه ويسمعه ويعايشه في هذه الحياة في أي وقت وفي أي موقف.
من هذا المنطلق أقول: إن من يريد أن يزكي نفسه ويعلمها ما ينفعها عليه أن يبذل وسعه في ألا يعرف نفسه إلا على المعروف والطيب وما له أثر إيجابي عليها، وأن يجنبها الخبرات السيئة، وينطبق هذا المبدأ على من هم تحت يده وعليه مسؤولية تربيتهم. والسفر لبلاد الكفار للسياحة بلا شك يزيد من تعرضه هو وأبنائه لأفكار ومعتقدات وأنماط سلوك هي أبعد ما تكون عن الإيجابية، حيث سيرى وسيعايش المسافر السفور والتبرج وتداول أم الخبائث في المحلات والشوارع والحدائق العامة والملاهي وغير ذلك من مختلف المنكرات التي تعج بها تلك البلاد. وتختفي هناك نداءات التوحيد من مآذن المساجد ويسمع بدلاً منها قرع أجراس الكنائس ويختفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيظهر بدلاً منه الدعوة للمنكرات بأنواعها بأساليب لا تسأل عن براعتها في الجذب والإغراء ويختفي الحياء ويظهر بدلاً منه الوقاحة والجرأة على ما حرّم الله.
وكل ذلك وغيره من الأمور يكون لها بلا شك الأثر السلبي على الأفراد والأسر بصفة عامة وعلى الشباب بصفة خاصة.
ولا شك أن المعايشة والمخالطة في هذا الجو من الأخلاق لها أثرها المدمر على دين المرء وأخلاقه النابعة من تمسكه بهذا الدين.
أما مبدأ إتاحة الحرية وإطلاق العنان لها في تلك المجتمعات والتي تنطلق بلا حدود من الأخطار الرئيسة الناتجة عن السفر لبلاد الكفار، حيث إعجاب الشباب بهذا المبدأ واحتمال حصول ذلك كبير عندهم.
وهذا مهلك لشبابنا في معتقداتهم وأخلاقهم كأفراد، ومدمر للعلاقات الأسرية لأن من مظاهر هذه الحرية انعدام سيطرة الأب وقوامته على أبنائه وأسرته.
----------------------
عوامل تقود للسفر للخارج
----------------------(35/9)
ويذكر الشيخ محمد السعيد جملة من العوامل المحرّضة على السفر للخارج ومنها:
- عدم الخوف والخشية من الله عز وجل القائل في كتابه ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) مما يتولّد عن ذلك ضعف الوازع الديني، وعدم المبالاة والمجاهرة بالمعاصي الناتجة من عدم الحياء.
- عدم الفقه في الدين والجهل بأمور الشرع ومن ذلك عدم الاطلاع على فتاوى علماء الإسلام التي تحرّم السفر للبلدان الكافرة المنحلة إلا في حدود ضيقة، فلعل من يطلع على هذه الفتاوى ممن همَّ بالسفر لبلاد الإباحية أن يتقي ربه ويعيد حساباته مع نفسه ويتراجع وذلك خير وأبقى.
- وجود الفراغ عند البعض وكأن هذا الفراغ في نظره شر لابد منه ولابد من التخلص منه فليجأ للسفر للخارج لأنه وللأسف الشديد لم يعرف كيف ينظم وقته ويستفيد من إجازته على الوجه المشروع.
- الغنى المطغي والثراء الزائد عند البعض.
- النفس الأمارة بالسوء وإغواء الشيطان له.
- رفقاء السوء ودعاة الضلال خصوصاً من سبق له السفر وزلّت به القدم ويرغبون في إيقاع غيرهم فيما وقعوا وتورطوا فيه لدرجة أن بعضهم تصل به الجرأة إلى عرض صور المومسات الغانيات القذرة المشينة ليغرر بها الشباب ظلماً وعدواناً ونشراً للفاحشة.
- القدوة السيئة من بعض الآباء الذين فتنوا بالسفر للخارج مما يجرئ أبناءه على السفر وربما أعطى الوالد لولده تذكرة السفر كهدية لنجاحه وتفوقه في الدراسة.
- ما تقوم به أفراد العمالة الوافدة من مدح لبلدانهم المنحلة وتصويرها في أحسن صورة وأروع مشهد مما يرغَّب ويحفَّز الآخرين على السفر ويغرر بهم حتى وإن كانت تلك البلاد أسوأ بقاع العالم.
- وسائل الإعلام ودورها مع الشركات والمؤسسات السياحية في التغرير بشباب المسلمين وحملهم على السفر للخارج.
----------------------
نصيحة فضيلة الشيخ صالح الفوزان
----------------------
* فيما سُئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ما هي نصيحتكم للآباء الذين يرسلون أبناءهم للخارج في الصيف بحجة دراسة اللغة الإنجليزية أو السياحة.. وما هي نصيحتكم لمن يسافرون للخارج؟
- فأجاب: نصيحتي لهؤلاء الآباء أن يتقوا الله في أبنائهم فإنهم أمانة في أعناقهم يسألون عنها يوم القيامة، فلا يجوز لهم المغامرة بهؤلاء الأبناء بإرسالهم إلى بلاد الكفر والفساد خشية عليهم من الانحراف، وتعلّم اللغة الإنجليزية إن كانوا بحاجة إليها أمكنهم تعليمهم إياها في بلادهم بدون سفر إلى بلاد الكفار وأعظم من هذا خطر إرسالهم للسياحة. والسفر لهذا الغرض محرّم كما سبق في الجواب الأول، ونصيحتي لمن يسافرون للخارج من يجوز لهم السفر شرعاً أن يتقوا الله ويحافظوا على دينهم ويظهروه ويعتزوا به ويدعوا إليه ويبلغوه للناس وأن يكونوا قدوة صالحة يمثلون المسلمين تمثيلاً صحيحاً، وألا يبقوا في بلاد الكفار أكثر من الحاجة الضرورية، والله أعلم.
----------------------
النجاة والمخرج
----------------------(35/10)
إنه لا بد من وقفة للتذكر والاتعاظ ومراجعة النفس ومحاسبتها حتى تعود إلى رشدها وتلزم طريق الحق وأن تعلم عظم المخازي والرزايا التي يجرها السفر للخارج على الفرد وعلى الأمة المسلمة بأسرها.
فعن علاج هذه الظاهرة يذكر الشيخ محمد السعيد: أهمية التربية الإسلامية للناشئة وتحصينهم بالإيمان بالله تعالى وحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وتخويفهم بالله وعذابه الأليم لمن ترك سبيل الهداية وحاد عن جادة الصراط المستقيم.
أيضاً الحظر على وسائل الإعلام من نشر الدعايات المضللة والإعلانات المغررة والصور الفاتنة المشجعة على السفر للخارج، وتحذير الناشئة من أضرار القنوات الفضائية وما تحمله من الشرور والآثام وما يعرض عبر شبكات الإنترنت من الصور الفاحشة والأفكار الهدامة.
كما يحذّر الشيخ محمد المهيدب من أسلوب مريض ينتهجه بعض العائدين من الخارج ويدعو إلى أن يراجعوا أنفسهم ويتقوا الله جل وعلا، ذلك أنهم يدعون للسفر ويثنون على بلاد الكفار ويمدحونها بحجة المناظر الجميلة ويبين الشيخ محمد أن ترك هذا الأسلوب المجافي للصواب الداعي للإغواء يقلل من الإعلان والدعاية عن بلاد الكفار.
ومن الحلول التي يذكرها الشيخ عثمان بن عبد الرحمن الشعلان إمام مسجد الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين – حفظه الله – أن يتذكر المسافر أنه إنما يضيع عمره الذي لا يعود؛ فكل دقيقة تمضي تبعد عن الدنيا وتقرّب من الآخرة وإن المرء قد يخسر مالاً أو يفقد شيئاً وقد يستعيده ولكن أنى له أن يستعيد لحظة من عمره. وعلى ذلك فالسفر لتلك البلدان التي تظهر الكفر والفسق والدعارة والدياثة والإلحاد ومحاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إنه ولا شك إضاعة للوقت فيما حرّم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهي لذة عاجلة يعقبها الندم.
ويضيف الشيخ محمد السعيد حلولاً أخرى لمشكلة السفر للخارج منها:
- الحد من البعثات الخارجية واقتصارها على حدود الضرورة.
- عدم إعطاء السفهاء وصغار السن الأموال ليضيعوها في معصية الله، حيث تشجعهم تلك الأموال على السفر العابث.
- التحذير من مخالطة المنحرفين وقرناء السوء.
- تنظيم الوقت، وهو من أهم القضايا، حيث يجب أن تشغل النفس بطاعة الله ولا تترك في مهاوي الردى والآثام وأن توجّه للنافع المفيد والعمل الصالح.
----------------------
ضوابط السفر للخارج
----------------------
وفي هذا الموضوع يقول فضيلة الشيخ عمر العيد إن العلماء – رحمهم الله – ضبطوا له ضوابط فلابد أن تكون هناك مصلحة ضرورية، جهاد في سبيل الله ومن الجدير ذكره أن السياحة في الإسلام جهاد في سبيل الله وإعلاء كلمته ولم يكن معروفاً من قبل عن سلفنا – رحمهم الله تعالى – السفر لبلاد الكفار بغرض السياحة والنزهة وإنما هي عادة أخذت من الكفار أنفسهم.(35/11)
ويضيف فضيلته أن من الضوابط الشرعية أيضاً للسفر للخارج أن يكون بهدف الدعوة إلى الله تعالى وهؤلاء القوم الذين يسافرون إلى تلك الديار حين ينزلون لا تجدهم يسألون عن: أين المركز الإسلامي؟ أين المسجد؟ أين تجمع المسلمين وإنما يسألون عن الشواطئ وأماكن اللهو المليئة بالعري والخنا ويسألون عن مواطن الترفيه الفاسد، حيث الطرب والفسق والزمر والمجون.
ومن الضوابط طلب العلم الذي لا يوجد في بلاد الإسلام. ومع كل ذلك يشترط العلماء – رحمهم الله – أن يستطيع المسلم إظهار دينه فإن كان لا يستطيع إظهار معالم هذا الدين القويم فلا يجوز له السفر إلى تلك الديار.
----------------------
أين تقضي الإجازة
----------------------
حين يضع المرء أمامه الفرص المحرمة لقضاء الإجازة ويتجاهل الخيارات المباحة فإنه بذلك نفى عنه ميزان العدل في النظر لهذا الأمر فإن الترفيه عن النفس لا ينفصل عن طاعة الله والعمل بأمره والابتعاد عن المنكرات بشتى صورها.
وفي هذا الموضوع يتحدث الدكتور إبراهيم الهويمل مبيناً أن في بلادنا ولله الحمد ما يصرف عن السفر لغيرها، فبلاد فيها الحرمان الشريفان أعظم ترويح عن النفس أن يكون لها نصيب أوفر من الإجازة طلباً لراحة النفس وهدوئها وطمأنينتها كما أن للمرء الترويح عن نفسه بالسفر لمناطق في هذه البلاد أنعم الله عليها بالمناظر الجميلة والهواء العليل مع الإلتزام بآداب الإسلام من الحشمة والكرامة والبعد عن المحرمات.
كما يركّز الشيخ محمد المهيدب على نعمة الأمن ولله الحمد وأن استمرارها على هذه البلاد متوقف على تمسكها بكتاب ربَّها وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ويذكر فضيلته ما تعاني منه البلاد المنحلة والكافرة من ارتفاع نسبة الجريمة من قتل وسلب وهتك للعرض فلماذا يعرض المسلم نفسه وأهله لمثل هذه المخاطر؟
ويستطرد فضيلته أن في هذه البلاد ولله الحمد ما يعوّض عن السفر للخارج، فالأماكن الباردة لمن يتذمرون من الحر موجودة، والعلاج متوفر ولله الحمد وخير من كل ذلك أن يحفظ المرء دينه ويحمي نفسه وأهله في بلاد آمنة.
ويوضح الشيخ عثمان الشعلان عظم الأجر وجزيل الثواب لمن قصد بيت الله الحرام بمكة المكرمة وأدى العمرة والصلاة فيه وهي بمائة ألف صلاة ثم زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه وهي تعدل 1000 صلاة فيما سواه ثم مكثت في بلدك محافظا على أولادك غير مضيع للأمانة ألحقتهم بحلق تحفيظ القرآن الكريم وأرشدتهم لصلاة الجماعة خاصة صلاة الفجر.
وهنا لا يغفل دور المراكز الصيفية وأثرها في استثمار أوقات الشباب فيما يعود عليهم بالنفع والفائدة.(35/12)
ويقول فضيلة الشيخ محمد السعيد إن من مآسي السفر للخارج تضييع الأمانة، فالمسافر لخارج بلاده إن اصطحب أسرته فتلك مصيبة وإثم حيث جنى على نفسه وعليهم وإن تركهم وأهملهم فهذا سبب لضياعهم، حيث يفقدون الموجه والمربي. والأسوأ من ذلك تركهم للخادمة والسائق لتتعاظم الشرور والله جلَّ وعلا يقول ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة.. ) فعلى أولياء الأمور تقوى الله – جل وعلا – وإن كان ولابد فليكن قضاء الإجازة داخل هذه البلاد وأن يوضع لذلك الضوابط المشروعة والقواعد التي لا تتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية.
المرجع: مجلة الدعوة العدد 1745ربيع الأول1421هـ
2 ـ رسالة عاجلة إلى زوجي الحبيب
هذه رسالة لك وإلى كل الأزواج الصالحين ـ نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً ـ من زوجاتكم اللواتي يعانين من الصمت.. ولا يجرؤون على التصريح خشية السخرية منكم.. أو أنهن صرحن ولم يجدن آذاناً صاغية..
ما إن تبدأ الإجازة الصيفية إلا وأضع يدي على قلبي.. خشية المفاجأة المرتقبة: سأسافر إلى دولة كذا وكذا للنزهة والسياحة مع بعض الشباب..
قد لا تعلم كم أعاني من الضغوط الشديدة بسبب سفرك هذا.. أو لعلك تعلم ولا تبالي.. وإليك بعضاً من هذه الضغوط.. لعلها تحملك على مراجعة نفسك قبل الإقدام على السفر..
يا زوجي.. أنا وأنت من عائلة محافظة.. قلَّ من يسافر من شبابها للخارج.. ومن يفعل ذلك فلحاجة أو دعوة أو دراسة.. أما السياحة فنادراً ما يسافر لأجلها أحد منا.. وهؤلاء ترتسم حولهم علامات استفهام وتعجب كثيرة.. وأنت بسفرك هذا تثير هذه العلامات حول شخصك دونما حاجة.. صحيح أنني أثق بك وبرفقتك الصالحة.. لكن أهلي وإخوتي والناس ليسوا كذلك..!!
زوجي الحبيب.. يُفترض فيك أن تكون قدوة صالحة.. فإذا سافرت للخارج اقتدى بك الكثيرون ممن لا دين ولا خوف من الله يردعهم.. وهو كثير في مجتمعنا.. فهل تريد أن تبوء بإثمك وإثمهم؟! كذلك؟!!
أنت تعرف بلا شك أن كثيراً من العلماء أفتى بحرمة السفر للبلاد التي تكثر فيها الفتن.. ولا يخفى عليك أن هذه الدول تعج بالمنكرات والفتن التي تأتي إليك.. تطرق عليك بابك وتُلح عليك.. حتى وإن أعرضت عنها وامتنعت.. فاتق الله في نفسك واحذر حرص الشيطان فإن لم تقع هذه المرة فحتماً ستقع في مرات قادمة..
وإذا سافرت تركتني وأبناءك عند أهلي أسابيع قد تطول وقد تقصر.. وهم وإن صبروا واحتملوا سنة فلن يحتملوا كل سنة..
فارحمني ـ رحمك الله ـ من الإحراج والتجريح الذي أشعر به بسبب تصريحهم أو تلميحهم باستهجان سفرك هذا..
زوجي العزيز.. هذا غيض من فيض.. أرجو أن تقف عنده متأملاً.. لعل الله أن يهديك وتقلع عن هذه العادة السيئة.
التوقيع زوجتك
مجلة الأسرة العدد 109ربيع الثاني1423هـ(35/13)
السياحة .. ضد أدب الرحلات !
منير عتيبة
تندرج تحت اسم "أدب الرحلات" مجموعة كبيرة من الكتابات المختلفة في نواحٍ متعددة من حيث أسلوب الكاتب، ومنهج الكتابة، والغرض من الكتابة، والجمهور الذي يتوجه إليه الكاتب، واهتمامات كل منهما- الكاتب وجمهوره..إلى غير ذلك.. لكن هذه الكتابات تشترك كلها في أنها تصف رحلة يقوم بها شخص ما إلى مكان ما لسبب ما.. لهذا لا يعتبر الدكتور أحمد أبو زيد(1) الكثير من الكتابات الأنثروبولوجية من أدب الرحلات، برغم أن عمل الأنثروبولوجي يقوم أساساً على الانتقال من مجتمعه إلى مجتمع آخر ليقيم فيه ويدرسه عن قرب؛ للتعرف على عاداته وتقاليده وأساليب معيشته وأنساق البناء الاجتماعي فيه والقيم التي تحكمه إلخ.. وسبب رأى الدكتور أحمد أبو زيد هو أن الأنثروبولوجيين "لا يهتمون بتسجيل رحلاتهم ويقنعون بدراسة وتحليل وتفسير الأنساق الاجتماعية والأنماط الثقافية في تلك المجتمعات"؛ لذلك تكون كتاباتهم "على درجة عالية من التجريد الذي يكاد يقطع الصلة بينها وبين الواقع المشاهد الملموس".. فهو هنا يجعل الاهتمام بتفاصيل وقائع الرحلة شرطاً أساسيًّا لاعتبارها من أدب الرحلات؛ لأن تلك التفاصيل هي التي تعطي القارئ الفرصة لتوحيد ذاته بذات الرحالة، وكأنه هو نفسه يقوم بالرحلة من خلال قراءته لتفاصيلها وأحداثها.
نشط أدب الرحلات أساساً على أيدي الجغرافيين والمستكشفين الذين اهتموا بتسجيل كل ما تقع عليه عيونهم أو يصل إلى آذانهم حتى لو كان خارج نطاق المعقول، ويدخل في باب الخرافة.. حتى أن الدكتور صلاح الدين الشامي (رئيس قسم الجغرافيا بجامعة صنعاء) يرى أن: "الرحلة في البر أو الرحلة في البحر هي العين المبصرة التي قادت الاجتهاد الجغرافي".
وقد ازدهر أدب الرحلات العربي مع ازدياد الفتوحات واتساع رقعة الدولة الإسلامية وانتشار الأمن بين ربوعها.. فعرفنا الرحالة العظام أمثال: ابن بطوطة وابن جبير والمسعودي والإدريسي وغيرهم.. أما في الغرب فالعصر الذهبي لأدب الرحلات كان هو عصر المستكشفين الكبار فاسكو داجاما وماجلان وكولومبوس..
وبالإضافة إلى تسجيل رحلات الرحالة، هناك نوع آخر من أدب الرحلات هو القصص الخيالية الشعبية مثل: سندباد الذي يُعد رمزاً للرحالة المدمن للرحلة.. والقصص الأدبية مثل: قصة ابن طفيل عن "حي بن يقظان".. و"رسالة الغفران" لأبى العلاء المعرى.. و"روبنسون كروزو" لدانيل ديفو.. و"رحلات جليفر" لجوناثان سويفت.. إلخ
والملاحم الشعرية والأدبية الكبرى في تاريخ الإنسانية تعد كذلك من أدب الرحلات، مثل: ملحمة الأوديسا الإغريقية.. وملحمة جلجامش البابلية، وملحمة أبو زيد الهلالي العربية.. وغيرها؛ لأن هذه الملاحم تنبني في جوهرها على حكاية رحلة يقوم بها البطل لتحقيق هدف معين، وقد تنبني تلك الرحلات الأسطورية على بعض الوقائع التاريخية أو الشخصيات الحقيقية في عصر ما، ثم يترك الشاعر لخياله العنان؛ ليخلق الملحمة التي هي خلاصة رؤية المجتمع لقضاياه الكبرى في مرحلة زمنية معينة.(36/1)
بل إن أحدث أنواع الأدب ظهوراً وهو أدب الخيال العلمي يندرج هو الآخر تحت أدب الرحلات؛ لأنه يقوم في معظمه على فكرة الرحلة عبر الزمان الماضي والآتى، أو عبر المكان: الفضاء أو أعماق البحر أو باطن الأرض.
وعدد كبير من الروايات والقصص يمكن أن يندرج بصورة ما تحت مسمى أدب الرحلات.. فهذا المسمى الواسع كما نرى قادر على استيعاب أعمال ابن بطوطة وماركو بولو وتشارلز داروين وأندريه جيد وأرنست همنجواي ونجيب محفوظ وغيرهم.. رغم التباين الكبير فيما بينهم؛ لأن الفكرة التي تجمعهم هي فكرة الرحلة نفسها، الرحلة الزمانية أو المكانية أو النفسية.
ولكن الملاحظ كما يرى الدكتور أحمد أبو زيد- أن أدب الرحلات قد تراجع عما كان عليه في العصور السابقة وحتى أوائل القرن العشرين، وذلك على الرغم من أن العصر الحالي يعتبر بحق عصر الرحلة والسفر؛ نظراً للإمكانيات والتسهيلات الهائلة التي حدثت بحيث أصبح السفر جزءاً من الحياة العادية للرجل العادي والسياحة بمفهومها الحالي أصبحت بعكس ما كانت عليه الأوضاع في الماضي.. فالرحالة الأوائل كانوا أدباء ومؤرخين وجغرافيين ومكتشفين؛ لذلك جاءت كتاباتهم سجلاً وافياٌ ودقيقاً وعميقاً عن انطباعاتهم عن حياة الشعوب التي زاروها، ومظاهر سلوكهم وعاداتهم وتقاليدهم ونظمهم الاجتماعية والسياسية إلخ.. فكتابات هؤلاء تكشف عن درجة عالية من القدرة على الملاحظة الدقيقة والتحليل، كما نلاحظ في كتابات ابن فضلان مثلاً، أو كتاب البيروني "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة".. وكذلك كتابات الرحالة الأوروبيين في القرنين السابع عشر والثامن عشر وإن لم تخل كتابات هؤلاء من تحيز لثقافتهم الأوروبية، فضلاً عن إغراق بعضها في التخيلات والمبالغات والأحكام غير الدقيقة والافتراءات..
ولعل المسئولية الأساسية عن تخلف أدب الرحلات حالياً ترجع إلى حرمان المسافر من تجربة الرحلة الحقيقية بكل ما فيها من عمق وإثارة واكتشاف.. فقد أصبح السفر سهلاً ومتاحاً لكل الناس.. وفقد المسافر خصوصيته فيما يسمى بالرحلات الجماعية المنظمة سلفاً.. مما جعل "السائح" الحديث يحل محل "الرحالة" القديم.. فالرحالة يعنى التميز والفردية والأصالة والعمق.. والسائح هو المتابع السطحي الذي ترك أمور رحلته بيد غيره.. يرى بعيون من نظم الرحلة .. ويفهم ويصدر الأحكام المتعجلة النابعة من الآخرين وليس من ذاته.. فهذا التحول من الرحالة إلى السائح يعد أحد أهم أسباب تراجع أدب الرحلات حالياً.. يضاف إلى ذلك تقدم وسائل الاتصال خصوصاً التليفزيون والإنترنت بحيث يظن مستخدم هذه الوسائل أنه يعرف كل شيء عن العالم، وأنه زار كل مكان في العالم وهو جالس في بيته لم يتحرك من مكانه أمام شاشة التليفزيون أو الكمبيوتر .. مما يفقد الإنسان بكارة الدهشة واختلاجة القلب بالمعرفة القائمة على تجربة الاتصال الحي المباشر والتي كان يشعر بها الرحالة القدامى، وفقدناها الآن فيما فقدنا من مشاعر وأحاسيس كجزء من الثمن الباهظ الذي ندفعه من إنسانيتنا مقابل الرفاهية والحضارة المزعومة.(36/2)
http://www.islamonline.net المصدر:(36/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاةُ والسلام على من بعثه ربُّه هاديًا ومُبشِّرًا ونذيرًا ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين وسلّم تسليما كثيرًا. وبعد:
فإن الوقت هو رأس مال المسلم في هذه الحياة ، والإنسان أنفاسه محدودة ، وأيامه معدودة ، ولأهمية الوقت فقد أقسم الله ـ تعالى ـ به في القرآن في مواضع متعددة ، كما ورد في السنة المطهرة ما يدل على شرفه وعظيم شأنه ، فلا شيء أنفس للإنسان من عمره ، واستثماره بما يعود على المسلم بالنفع أمر مطلوب محمود ، لا سيما وأن الإنسان سيحاسب حسابًا عسيرًا عن عمره فيم أمضاه وأفناه.
وعمر الإنسان في هذه الدنيا هو موسم الزرع ، وفي الآخرة يكون الحصاد ، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر .
الإجازة في الإسلام
الترويحُ عن النفوس أمرٌ مطلوبٌ ، لأنَ القلوبَ تَكلُّ ، وإذا كلَّت عَمِيَّتْ .
عن حنظلة الأُسيدي ـ رضي الله عنه ـ قال لَقِيَني أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ فقال: (.كيف أنت يا حنظلة ؟ ) قال: ( قلت: نافق حنظلة. ) قال: (.سبحان الله! ما تقول ؟ ) قال: ( قلت: نكونُ عند رسول الله.^ ، يذكِّرُنا بالنَّار والجنَّة حتى كأنَّا رأى عين، فإذا خرجنا من عندِ رسول الله ^ ، عافَسْنا الأزواجَ ، والأولادَ ، والضّيعاتِ ؛ نسينا كثيرًا. ) قال أبو بكر: ( فوالله إنا نلقى مثل هذا. ) فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله ^ ، قلتُ: (.نافق حنظلةُ، يا رسولَ الله! ) فقال رسول الله ^: ((.وما ذاكَ ؟ )) قلت: ( يا رسول الله ، نكون عندك تذكرُنا بالجنَّة والنَّار ، حتى كأنَّا رأى عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضيعاتِ . نسينا كثيرًا . ) فقال رسول الله ^: (( والذي نفسي بيده، إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم ، وفي طرقكم ، ولكن ، يا حنظلة ساعةً وساعة .)) ثلاث مرار .[ رواه مسلم : 2750].
إذاً فالقلوب تحتاج إلى راحة . والنفوس تحتاج إلى شيء من الاستجمام .
مِن فوائد الإجازة
1 – طلب رضا الله ومرضاته :
ويكون ذلك بقصد بيت الله الحرام ، أو مسجد نبيِّه ^ ، أو مسراه فكّ الله أسرَه .
ويكون أيضًا بقصد زيارة الأقارب وصلة الأرحام ، إلى غير ذلك من المقاصد المشروعة المطلوبة .
2 – ليُعلم أن في دينِنا فُسحة :
روى الشيخان من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ((.والله لقد رأيت رسول الله ـ ^ ـ يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله ـ ^ ـ يسترني بردائه ، لكي أنظر إلى لعبهم ، ثم يقوم من أجلي ، حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن ، حريصة على اللهو )). [رواه مسلم:892 ، ونحوه في البخاري: 5236].
وفي رواية للإمام أحمد قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله ـ ^ ـ يومئذ : (( لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة )) .
3 – إدخالُ السرورِ على الأهل:(37/1)
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (( خرجتُ مع رسولِ الله ـ ^ ـ وأنا خفيفةُ اللحم فنزلنا منزِلا فقال لأصحابه: تقدموا . ثم قال لي: تعالي حتى أُسابقْكِ، فسابقني فسبقتُه ، ثم خَرَجْتُ معه في سفرٍ آخر ، وقد حملتُ اللحمَ ، فنزلنا منزلا، فقال لأصحابه : تقدموا ، ثم قال لي : تعالي أسابقْكِ، فسابقني فسَبَقَنِي ، فضرب بيده كتفي وقال :هذه بتلك )). [رواه أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى ، وغيرهم ، وهو حديث صحيح ].
وقوله ^: هذه بِتلك ، أي: واحدةً بواحدةٍ !
4 – إذهاب الملل والسآمة :
تملُّ النفوس من روتين الحياة ، وتصدأُ القلوب كما يصدأ الحديد. وإذا كَثُرَ تَكرارُ أمرٍ ما على النفوس ملَّتهُ ، وإن كان مما لا يُملُّ عادةً .
كان ابنُ مسعودٍ ـ ? ـ يُذكِّرُ أصحابَه كلَّ يومِ خميس، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن إنا نحبُّ حديثَك ونشتهيه ، ولودِدْنا أنك حدَّثتَنا كلَّ يوم ، فقال : ( ما يمنعني أن أُحدثَكُم إلا كراهيةُ أن أُمِلَّكَم . إن رسول الله ـ ^ ـ كان يتخولُنا بالموعظة في الأيامِ كراهيةَ السآمةِ علينا. ) . متفق عليه .
فإذا كان هذا فيما يتعلّق بذكر الله الذي هو غذاء القلوب، فما بالُكم بغيره ؟
قال بعضُ الحكماء: إن لهذه القلوب تنافرًا كتنافرِ الوحشِ فتألّفوها بالاقتصادِ في التعليم ، والتوسطِ في التقديم ، لتحسُنَ طاعتُها ، ويدوم نشاطُها .
وكان ابن عباس ـ ? ـ يقول لأصحابه إذا داموا في الدرس: أحمضوا. أي ميلوا إلى الفاكهة ، وهاتوا من أشعاركم ، فإن النفس تملّ .
5- ومن فوائد الإجازة أيضًا: تجديد النشاط ، وكسر الروتين ، والتّقوّي على العبادة :
وذلك أن النفس تشعر بالارتياح بعد قضاء إجازة ، بخاصة إذا صاحب ذلك تغيير مكان .
دخل النبي ـ ^ ـ المسجد ، فإذا حبلٌ ممدودٌ بين الساريتين فقال : (( ما هذا الحبل ؟ )) قالوا : هذا حبل لزينب ، فإذا فترت تعلَّقت به . فقال النبي ^: (( لا. حُلُّوه. لِيُصلِّ أحدُكم نشاطَه ، فإذا فَتَرَ فليقعد )). متفق عليه .
6 – السير في الأرض :
قال سبحانه وتعالى : ? قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا في الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ ? .
فسير المسلم في الأرض ينبغي أن يكون مسير نظر واعتبار وتفكّر . ويجب أن يكون وَفق قواعدَ وضوابط ، منها:
أ – ألَّا يمرّ بديار المُعذَّبين وآثارهم ، ولا يدخلها بقصد الفُرجة .
ب– ألَّا يكون السفر ولا تكون السياحة إلى بلاد الكفار لِعِظَم الأخطار .
جـ- أن يكون نظر تفكّر واعتبار لا نَظر فُرجةٍ وتفكُّه أو نظر شماتة .
د – ألَّا تُضيَّع الفرائض ، ولا يُفرّط فيها .
7 – من فوائد الإجازة: تآلف القلوب ، واجتماع أفراد الأسرة:
عندما ينهمك بعضُ الناس في عمله، يدفعُه ذلك أحيانًا ويحمِلُه على التفريط في حق أهله وأسرته ، فلا يكاد يجلس معهم سوى مرة في الأسبوع ، أو ينسى ذلك ولا يُعيره اهتمامًا ، وربما كان ذلك سببًا في ضياع بعض أفراد الأُسرة .(37/2)
فتأتي الإجازة لتجمعَ أفرادَ الأسرةِ وتؤلِّفَ بينهم ، ويحتاج ربَّ الأسرة إلى الجلوس مع أولاده بصدرٍ منشرح ، ونفسٍ مُطمئنة ، بعيدًا عن هموم العمل ؛ ليسمع مُشكلة هذا ، وهم ذاك ، وتسمع الأم هم بناتِها وما يُعانين منه من مُشكلات ، ونحوها .
وهذا أمرٌ يغفل عنه كثيرٌ من الناس ، فيُرجِّح عَمله على حقِّ أُسرتهِ . وربَّما حمَلَ همَّ عَملِه إلى بيته ؛ فحمله معه أفرادُ أُسرتِه . بل ربَّما حمله معه في إجازته وفي إجازة أُسرتِه. وربمَّا انشغل في إجازته عن أهله وولده ، وربما انشغلت بعض النساء العاملات بعمل لم يُكلَّفن به خلال إجازاتِهن مما ينتج عنه بُعدَ الأم والأب أحيانا عن البيت وذلك قد يؤدّي إلى تفكك الأُسر .
انظر - رعاك الله - إلى فقه سلمان الفارسي ?، فقد زار سلمانُ ـ ? ـ أخاه أبا الدرداء ?، فرأى أمَّ الدرداء متبذِّلة ، فقال لها: ما شأنك؟ قالت : أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا ، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا ، فقال له : كُل . قال : فإني صائم . قال : ما أنا بآكل حتى تأكل . قال : فأكل ، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم ، قال: نَم. فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال : نَم. فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قُم الآن ، فَصَلَّيَا، فقال له سلمان : إن لربك عليك حقًّا ، ولنفسك عليك حقًّا ، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حق حقّه، فأتى النبيَّ ـ ^ ـ فذكر ذلك له، فقال له النبي ^: (( صَدَقَ سَلمانُ )). [رواه البخاري: 1968].
والذي ذَكَرَ ذلك للنبي ـ ^ ـ هو أبو الدرداء كأنه يشتكي سلمان .
ومعنى ( متبذّلة ) أي: لابسة ثياب البذلة وهي المهنة ، أي أنها قد تركت الزينة . وعرَّضت عن إعراض زوجها عنها بقولها : أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا.
فانظر إلى فقهِ سلمانَ ?، كيف قدَّم الحقوق والواجبات على النوافل من الصيام وقيام الليل ، وما ذلك إلا لأن حقَّ الأهلِ أولى ، وهو ما أقرّه عليه الرسول ^. فكيف بمن يُضَيِّع الأوقات في السهر على المحرمات ويترك الحقوق والواجبات ؟!
قال ابن حجر رحمه الله: ( وفيه جواز النهي عن المستحبات إذا خُشي أن ذلك يُفضي إلى السآمةِ والمللِ وتفويتِ الحقوقِ المطلوبةِ الواجبةِ أو المندوبةِ الراجحِ فعلُها على فعلِ المستحب المذكور ).
ومثله قصة عبد الله بن عمرو ــ رضي الله عنهما ــ في الصحيحين أن رسول الله ـ ^ ـ قال له: (( ألم أُخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ )) قلت: إني أفعل ذلك. قال : (( فإنك إن فعلت هجمت عينك ، ونفهت نفسك ، و إن لنفسك حقًّا ، وإن لأهلك حقًّا ، فصم وأفطر ، وقم ونم )). [متفق عليه: 1153 ، 1159].
فانظر إلى إنكار النبي ـ ^ ـ عليه حين لم يُعطِ زوجته حقوقها، وإن كان مُشتغلاً بالعبادة ، ولو كان الأمر مباحًا أو يسيرًا لما أنكر عليه ، وما ذلك إلا ليُوازن بين حقوق أهله ونفسه .
أقسام الناس في الإجازة
ينقسم الناس في قضاء الإجازة إلى أقسامٍ عِدّة وفق رغباتِ نفوسهم واحتياجاتِهم :
فقسمٌ يقضيها في أداء واجب كـ برّ والدٍ ، أو صلة رحمٍ واجبةٍ ، ونحو ذلك .(37/3)
وقسمٌ يقضيها في القيام بمسنون كـ زيارة الأقارب ، أو زيارةِ الأصدقاء ، وأداءِ العمرة ، والدعوةِ إلى الله ، والتّفكّرِ في ملكوت السماوات والأرض ، ونحوِ ذلك .
وقسمٌ يقضيها في سفر مباح ، كـ سفرِ النُّزهة المباح ، وطلبِ برودة الجو ، أو البحث عن علاجٍ ، ونحوِ ذلك .
وقسم يقضيها في أمور مكروهه ، كأن يقضيها في اللهو والعبث ، أو في النوم ، أو يقضيها في سفرٍ من الأسفار من غير فائدة مرجوّة ، ولا هدفٍ منشود ، أو ربما مباهاةً للناس ، ولو أدى ذلك إلى تحمل الدَّيْن أو أدى إلى الإسراف أحيانا .
وقسمٌ يقضي إجازته في أمور محرمة ، كالسفر إلى بلاد الكفار أو بلاد العهر والفجور ، أو ما يُصاحب ذلك السفر من تهتّك وسفور ، أو تضييع لفرائض الله عز وجل .
وقسمٌ ينتظر الإجازة بصبرٍ نافدٍ ، فهو لها بالأشواق ، فإذا قَدِِمتْ طار مع رُفقته وترك أسرته ، وربما لجؤوا إلى الناس يستجدونهم ويطلبون منهم المساعدة ، وهو في لهو ولعب ، وربما في سفر مُحرّم .
هكذا يَمْضي بعضُ الناس وأسرتُه تتمنّى لو صحِبَهم في نُزهة برية أو رحلة خَلَوية ، أو شاركهم إجازة صيفية . تتمنّى أُسرتُه لو قضى معهم إجازةً واحدةً. ويتمنّى أهلُه لو أعطاهم شيئًا من حقِّهم المشروع . وقد تقدّم قول المصطفى ^ : (( إن لأهلك حقًّا )).
وتُشير بعضُ الأرقام والإحصاءات إلى أن :
63% من السياح يسافرون بصحبة الأصدقاء .
29% فقط مع العائلة .…
8% بمفردهم .
ولا شك أن قضاء الإجازة إذا كان في أمرٍ أصله مباحًا وصاحبته نيّةٌ صالحةٌ فإنها تُؤثّر في قبوله وعلو درجته ، ويؤجر المسلم عليه.
الترفيه بين المشروع والممنوع
الترفيه عن النفس والأهل والأولاد مطلوبٌ . مطلوبٌ لاستعادةِ النشاط ، وتغييِر الجو ، وكسرِ الروتين .
والترفيهُ لا يَحرُم لكونه مُجرّد ترفيه ، بل يحرم لما يُصاحبُه ، إما من تضييع فرائض الله ، أو من ارتكاب ما حرّم الله . أو تضييع الأولاد ذكورًا كانوا ، أو إناثًا .
وقد يُنكر بعض الناس على من يُسافر سفرًا مُباحًا لمجرّد الترويح عن النفس . وربما استدلُّوا بقوله عليه الصلاة والسلام : (( وليس من اللهو إلا ثلاثٌ : مُلاعبةُ الرجلِ امرأتَه ، وتأديبُه فرسَه ، ورميُه بقوسِه )). [رواه الإمامُ أحمد من حديثِ عقبةَ بنِ عامرٍ ?، ورواه النسائي في الكبرى من حديثِ جابر ? ].
وهذا لا يدلُّ على الحصر ؛ لأنه جاء غيرُ هذه الثلاث كما في رواية النسائي .
ثم إنه ثبت أن النبي ـ ^ ـ كان يُمازِح أصحابه ، لكنه لا يقول إلا حقًا . فقد مازَح ـ ^ ـ زاهراً والتزمه من خلفه وقال : (( من يشتري العبد )). [رواه أحمد: 12187]. والمواقف التي مزح فيها النبي ـ ^ ـ كثيرة ليس هذا مجال موضوعها.
كما ثبت عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يتمازحون، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال.
الأسرة والحياء(37/4)
تظن بعض الأُسر أن الحياءَ يكون في البيوت فحسب ، أو أنه حياءٌ ممن يُعْرَف ، ناسين أن الحياء يجب أن يكون حياءً من الله قبل أن يكون حياءً من الناس . وربما لفَتَ نظرَك تصرّفاتُ بعضِ الأسر ، في المجمّعات أو التّجمّعات أو المصايف والمتنزّهات ، حتى شُوهِدت بعض النساء تقود الدراجة النارية في مثل تلك الأماكن . وربما رأيت جلباب الحياء قد خُلِع بحجّة أن هذا ديدن الناس .
فيجب أن تتّصف الأُسر بالحياء في البيوت وخارجها ، والحياء خُلقٌ كريم ، والنبيُّ ـ ^ ـ كان يُوصف بأنه أشدُّ حياءً من العذراء في خِدرها كما في البخاري ومسلم .
فبأي شيءٍ وُصفَ النبي ^؟ وبأي شيء شُبِّه ؟
لقد وُصِف بالحياء ، بل بِشِدّةِ الحياء . فلنتأمل هذا الخُلق الكريم ، ولنحرص على المحافظة عليه .
قال ابن حبان : الواجب على العاقل لزوم الحياء ؛ لأنه أصل العقل ، وبذر الخير ، وتركه أصل الجهل ، وبذر الشر . والحياء يدل على العقل ، كما أن عدمه دال على الجهل:
يعيش المرء ما استحيا بخير
ويبقى العود ما بقي اللحاء
قال في روضة العقلاء: الحياء من الإيمان ، والمؤمن في الجنة ، والبذاء من الجفاء ، والجافي في النار ، إلا أن يتفضل الله عليه برحمته فيخلصه منه .
الأسرة والسفر
تكثُر الأسفار في الإجازات ، وتتنوّع الوجهات ، وتختلف المقاصد ؛ ومن هُنا تختلف نظرة الناس إلى السفر، وقد قيل :
تغربْ عن الأوطان والتمس الغنى…
وسافر ففي الأسفارِ خمسُ فوائدِ
تفرجُ همٍّ واكتساب معيشة
وعلمٌ وآدابٌ وصُحبةُ ماجدِ
وقال آخر :
إذا قيل في الأسفارِ خمسُ فوائدِ …
أقول وخمسٌ لا تقاسُ بها بلوى
فتضييعُ أموالٍ وحملُ مشقّةٍ
وهمٌّ وأنكادٌ وفرقةُ من أهوى
وأبلغ منه قوله عليه الصلاة والسلام : (( السفرُ قطعةٌ من العذاب )). [متفق عليه] ؛ ولهذا استعاذ النبي ـ ^ ـ من وعثاء السفر.
وفي الأسفار قد تحصُلُ المشاقّ ، ويقعُ التّعب ، ويحصلُ النّصَب . وعلى الأُسر إذا سافرتْ أن تحرص على أمور منها:
أولاً: الحرص على الهداية والكفاية والوقاية :
ثبت عند أبي داود من حديث أنس بن مالك ? ، أن النبي ـ.^ ـ قال : (( إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ولاقوة إلا بالله )) قال: (( يُقال حينئذ : هُديت وكُفيت ووُقيت ، قال : فيتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر : كيف له برجل قد هُدي وكُفي ووُقي ؟ )). [5095].
وعند أبي داود أيضًا عن أم سلمة قالت: ما خرج النبي ـ^ ـ من بيتي قطُّ إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: ((.اللهم إني أعوذ بك أن أَضلَّ أو أُضلَّ ، أو أَزلَّ أو أُزلَّ ، أو أَظلمَ أو أُظلمَ ، أو أَجهلَ أو يُجهل عليَّ )). [5094].
فإذا أرادت الأسرة أن تُغادر البيت فليكن هذا منهم على بال. ففي هذا الدعاء هدايةٌ وكفايةٌ ووِقاية .
ثانيًا : الحرص على مُصاحبةِ الخالق :(37/5)
احرص على مُصاحبةِ الخالق سبحانه وتعالى ؛ لِتُحفظ بحفظه. هل رأيت تلك السيارات التي تناثرت على جَنَبات الطريق ، فتناثرت تلك الأُسر ، وتطايرت حاجاتُها ، وأصابها ما أصابها . لا شك أن من أسباب ذلك عدم الحرص على الأدعية والأذكار . وقد يُعدُّ هذا ضربًا من المبالغة أو من التهويل ، وليس الأمر كذلك . تأمل هذا القَدْر من دعاء السفر الذي كان يدعو به رسولُ الله ^:
(( اللَّهُم إنا نَسألُكَ في سَفَرِنَا هذا البِرَ والتقوى ، ومِنَ العَمَلِ ما تَرضى . اللهم هَوِّنْ عَلينا سَفَرنا هذا واَطْوِ عنَّا بُعْدَه . اللَّهُم أنتَ الصَّاحبُ في السَّفَر والخليفةُ في الأهلِ . اللَّهُم إني أعُوذُ بكَ من وَعْثَاء السَّفر ، وكآبة المنَظر ، وسُوء المنُقَلب في المالِ والأهلِ )). [رواه مسلم ].
فإذا رأيت أن النفوس قد تغيَّرت في السفر ، فاعلم أن من أسباب ذلك عدم المحافظة على دعاء السفر ونحوه ، فإن دعاء السفر تضَمَّن الاستعاذة بالله من المشقة والهم والحُزن.
وكما أن المحافظةَ على الأذكار المختلفة سببٌ في حفظ اللهِ لِعبدِه ، فإن التفريط فيها قد يكون سببًا في وقوع ما يسوء . جاء رجل إلى النبي ـ ^ ـ فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال: (( أَمَا لو قُلتَ حين أمسيتَ: أعوذُ بكلماتِ اللهِ التاماتِ مِن شَرِ مَا خَلقَ ، لم تضرك )). [رواه مسلم].
وليس هذا من الشماتة ، فإن المُذكِّر قد يُذكِّر الناسَ بشيءٍ
وينساه ، فيُصاب هو . ولذا لما حدَّث أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان ـ ? ـ أن النبي ـ ^ـ قال : (( من قال : بسمِ اللهِ الذي لا يَضُرُ مع اسمه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهُوَ السميعُ العليمُ . ثلاث مرات حين يُمسي لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح . ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات ، لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي )).
فأصاب أبانَ بنَ عثمان الفالج ، فجعلَ الرجلُ الذي سمع منه الحديث ينظر إليه ، فقال له : مالك تنظر إليّ ؟ فو الله ما كذبتُ على عثمان ، ولا كذب عثمانُ على النبيِّ ^ ، ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها. وفي رواية : ولكني لم أقله يومئذ ليُمضيَ اللهُ عليَّ قدرَه .
[رواه أبو داود والترمذي ، وهو حديث صحيح ].
إذاً فلا يُتعجَّب أن يُقال إن ما يُصيب بعض الأُسر من الحوادث قد يكون بسبب تفريطهم في الأدعية والأذكار. فلتحرص الأسرة على اقتناء شيء من الكتيبات ، مثل كُتيِّب: " حِصْنِ المسلم " ففيه الكثير من الأدعية والأذكار ، وإذا انطلقت الأسرة مسافرة فليقرأ أحدُ أفرادِها دعاءَ السفر ، وليُردد من لم يحفظه من الصغار أو الكبار .
ثالثًا: أمور يُقطع بها الطريق:
لِقَطع المسافات الطويلة ، يمكن أن يستثمر الوقت بقراءة القرآن من بعض أفراد الأُسرة ، أو أن يروي أحدُهم قصة، وآخر يُلقي قصيدةً ، و آخر يطرح مسابقة.
ولإذهاب الملل والسآمة عن الصغار تُجلب لهم بعض الألعاب يلهون بها في داخل السيارة يقطعون بها السفر.
رابعًا: استثمار أوقات الإجابة:(37/6)
وبخاصة أن بعض الأسفار توافقُ آخرَ ساعةٍ من يوم الجمعة، حيث فيه ساعةُ إجابة ، فيَحسُن تذكيرُ أفراد الأسرة بهذه الساعة ، وحثِّهم على الدعاء .
خامسًا: التفكر في مخلوقات الله:
يمكن أن يُذكِّر أفراد الأسرة بعضهم بعضًا بآيات الله الكونية ليتأملوا ويعتبروا ، فإذا مرّوا بالإبل على الطريق تذكّروا قوله سبحانه: ? أَفَلا يَنْظُرونَ إِلى الإِبلِ كَيْفَ خُلِقَت.? ، وإذا مرّوا بالجبال ــ مثلاً ــ تذكروا ما يتعلّق بها من آيات ، وكيف أنها على عِظمِها تكون يومَ القيامةِ كالصُّوف . وهكذا .
وإذا أقبل الليل وهُم في سفرهم حَرصوا على أذكار المساء . وهناك بعض الكُتيّبات وبعض البطاقات التي توضع في الجيب يستحب الحصول عليها لحفظ أذكار الصباح والمساء والمحافظة على الإتيان بها.
ولا تُضَيِّق الأسرة على نفسها في سفرها ، ولتترخَّص بِرُخصِ السفر ، فإن الله يحُب أن تُؤتى رخصُه ، كما يكره أن تؤتى معصيتُه ، ومن ذلك الجمع والقصر ، وغيرها من رخص السفر.
أخطاء ومُنكرات
……يغفل بعض الناس عن استثمار إجازتهم ووقتهم بما يعود إليهم بالنفع والخير في الدارين ، ولذلك نجدهم ـ.هداهم الله ـ يقعون في أخطاء ومنكرات حري بهم الابتعاد عنها والتوبة منها ، ومن ذلك:
أولاً : السفر المُحرَّم إلى بلاد الكفر والعُهر:
فبعضُ الأُسر تتهيأ لهذه الإجازة ، فما أنْ تقفُ الإجازة على الأبواب إلا وقد وقفوا على أبوابِ المطارات وعَتباتِ الطائرات ، وعندها تُودَّعُ العباءات ، وتُلفُّ كالثوبِ الخَلِق ويُلفُّ معها الحياء ، وكأنهم لما غابوا عن بلادِهم غابوا عن عينِ الله . ولا شك أن هؤلاء قد استخفُّوا بِنظرِ الله ، بل جعلوه أهونَ الناظرين إليهم .
لقد ربطوا أمتِعَتَهم ليُسافروا إلى بلادٍ تُقتلُ فيها الفضيلة ، وتُوأدُ فيها العِفّة ، ولا وُجُود في أرضها للحياء ، وربما تفرّق أفرادُ الأُسرةِ عند وصولِهم فلا شأن لفردٍ بآخر ، وربما سافرت بعض الأسر إلى مثل تلك البلاد من غير وجودِ محرم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثانيًا : السهر :
في الإجازات تكثر الرحلات ، وتُتبادل الزيارات ، كما تكثر النُزهات البرية وبخاصة في ليالي الصيف ، ثم يمتد السهر إلى ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل، وينتج عن ذلك ما يأتي :
1– كثرة النوم ، مما يؤدِّي إلى إضاعة الصلوات ، وإهدار أنفسِ الأشياء ، وهو الوقت .
ومما يُلحظ خلال الإجازات أن بعض الأسر تسهر حتى ساعةٍ متأخرةٍ ، ويشدّ بعضُهم أَزر بعض على السهر ، ويتعاونون على ذلك ، ولكن لا تجد أحداً يَشُد من أزر أحد للبقاء حتى تؤدّى صلاةُ الفجر .
وقد لا تجد أحدًا من أفراد الأسرة يُعين آخر على تخصيص وقت لقيام الليل مثلاً ، أو قراءة القرآن ، أو التعاون على البر والتقوى .
2- الاعتماد الكامل على الخدم ، وترك الجميع يغطُّ في سُبات عميق .
ثالثًا : من الأخطاء والمنكرات :(37/7)
ما تُقيمُه بعضُ الأُسر من احتفالات لأبنائها الناجحين أو لبناتِها الناجحات ، و ليس في هذا بأس ، لكن الخطأ ما قد يصحبُ تلك الاحتفالات من موسيقا صاخبة ، أو أغانٍ ماجنة ورقصٍ، ونحو ذلك ، فليس هكذا تُشكر النعم ، وليس هكذا يحمد المولى ــ.جل شأنه ــ على نعمة النجاح والتوفيق.
رابعًا: جلوس بعض الأسر قريبًا من بعض:
بحيث لا يفصل بعضها عن بعض سوى أمتار ، وبخاصةً في البراري والمتنزّهات ، أو على شواطئ البحار ، مما لا يُؤمَن معه نظرةٌ مُحرَّمة ، أو التقاطُ صور ، وبخاصةً مع ظهور بعض أجهزة الجوال التي يُمكن من خلالها التصوير دون أن يشعر بذلك المُصوَّر .
خامساً: اصطحابُ بعضِ الآلاتِ الجالبةِ للشر والفتنة والرذيلة:
فعندما تخرج بعض الأُسر إلى الحدائق ، أو الشواطئ ، ونحوها فإن بعض الأسر تُصرُّ على اصطحاب بعض الآلات التي اعتادوا عليها ، فهي لهم بمنزلة الماء والهواء! ولا شك أن إراحة العيون بل القلوب من مثل تلك الآلات مطلبٌ مُلِحٌّ. فَلِمَ الحرص على اكتساب الذنوب وإزعاج الآخرين بأصوات الموسيقا ؟
ولتحرِص الأسرة وبخاصة عند السكن في الشقق والفنادق لِتحرِص على حجب القنوات السيئة ، أو إلغائها عن طريق إدارة الفندق أو الشَّقة ، فلقد قالت بُنيّةٌ لأبيها بعد أن رأت ما يُعرض في تلك القنوات. قالت : بابا اليوم شفت وحده ما عليها ثياب !.
ومما يُثير الحيرة والعجب إصرار بعض الناس على ارتياد الأماكن العامة ومُضايقة الآخرين ببعض التصرفات ، سواءًا كان ذلك بالتدخين وتلويث الهواء ، أم إزعاج الناس بأصوات الموسيقا ، أو قد يكون ذلك بتصرّفات بعض أفراد أسرته ، أو ترك المكان أشبهَ ما يكون بِمَزبَلَة !
سادسًا : أهمال الأبناء عند الذهاب للعمرة:
يخطىء بعض أولياء الأمور في حق أبنائه وبناته ، وقد يكون ذلك عن غير قصد ، إما لزيادة ثقته بهم ، أو حرصًا على استثمار وقته بالعبادة و البقاء في الحرم ، فيغفل عن متابعة أبناءه ، فتجدهم يذهبون ويجيؤن كيف شاءوا ، ولا يخفى ما يقع من مخالفات بسبب ذلك ، فعلى ولي الأمر أن يحرص على متابعة أبناءه وبناته ، ولا يتركهم يتجولون ويذهبون للأسواق وحدهم ، حتى لا يقع ما لا تحمد عقباه.
سابعًا : معاملة الخدم:
بعض الناس الذين ابتلوا بالخدم ، يغفلون عن إعطائهم حظّهم من الإجازة والفسحة ؛ مما يؤدي إلى تكليفهم ما فيه مشقة، ولئن كان الاعتماد على الخدم سائغًا عند بعض الناس في أيام الدراسة وأوقات العمل ، فلا يسوغ أبدًا الاعتماد عليهم في كل وقت ، حتى في أوقات الإجازات ، وعدم إعطائهم إجازات حتى في أيام الجُمَع ، وقد قال النبي ^ : (( إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه ، فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلةً أو أكلتين ، أو لقمةً أو لقمتين ، فإنه وَليَ حَرَّه وعِلاجَه.)). متفق عليه .
وقال عليه الصلاة والسلام : (( هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فأطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم )). متفق عليه .(37/8)
وهذا النص في حق الموالي ، فكيف بالأحرار ممن ألجأتهم أحوال الحياة وضيق المعيشة على خدمةِ الآخَرِين ؟
ولا شك أن الاعتماد على الخدم والسائقين في كل شيء خطأ، لأنه يُعوِّدُ أفرادَ الأسرةِ على الكسل والاتكالية ، والاعتماد على الآخرين في كل صغيرة وكبيرة .فمتى تتعلّم البنات ؟ ومتى يُعتمد على البنين ؟ ومتى يتحمّلون المسؤولية ؟
مشروعات مقترحة
لإجازة سعيدة ومثمرة
الإجازة هي فترة من عمر الإنسان ، والإنسان محاسب على كل لحظة من لحظات حياته ، قال تعالى: [مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد ? [ ق : 18 ]
وحيث إن وقت الإجازة ثمين ؛ فينبغي اغتنامه بما يعود بالنفع والفائدة ، كما أن تنويع النشاطات وتعدد المهارات التي يمكن مزاولتها في الإجازة أفضل من قصر ذلك على نشاط واحد ، لأنه أبعد للملل ، وأقرب للنفوس ، وأكثر فائدة. كما يُمكن تلخيصُ الأسلوب الأمثل للاستفادة من الإجازة و استغلالها في عدد من المشروعات التي يمكن أن يفكر المرء في أيِّها يصلح له ، وفيما يأتي بعض المُقتَرَحات للتذكير بها والاستفادة منها :
النوع الأول: هناك مشروعات نستطيع أن نطلق عليها: (.مشروعات تعبدية ), مثل العمرة، وحفظ القرآن الكريم ، ونحوها؛ فالإجازة فرصةٌ عظيمةٌ أن يرتب المرء فيها وقته، لأن يحفظ القرآن ، أو يحفظ أجزاءً منه ، ولو فكر الإنسان في حفظ وجهٍ من القرآن الكريم في كل يومٍ لحفظ في الأسبوع سبعة أوجه ، وحفظ في الشهر ثلاثين وجهاً ، وحفظ في الإجازة قرابة مئة وجه ، معنى ذلك أنه سوف يحفظ خمسة أجزاء من القرآن الكريم خلال الإجازة الصيفية ، وفى الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي ـ ^ ـ قال: (( مثل الذي يقرأُ القرآنَ وهو حافظٌ له ، مع السفرة الكرام البررة ، ومثل الذي يقرأ القرآن ، وهو يتعاهده ، وهو عليه شديدٌ ، فله أجران )). [ رواه البخاري: 4937 ] .
وهذا يعني أنه يمكن حفظ القرآن الكريم كاملاً خلال ست إجازات ، هذا لو لم يتم استثمار باقي العام ، أما لو استُثمِرَت أيام السنة بالطريقة نفسها ، فيمكن إنجاز الحفظ بأقل من سنتين تحفظ فيها القرآن كاملاً.
كما يُمكن أن يُستثمر بعض الوقت في حفظ شيء من السنة النبوية ، وتعلُّم الآداب التي يستفيد منها جميعُ أفرادِ الأسرة في حياتِهم وفي تعامُلاتِهم . ويُضاف إلى ذلك تعلّم شيء من سيرة النبي ^ ، ودراسة سيرِ بعض أصحابه رضوانُ الله عليهم ، فإن كثيراً من أولادنا يجهلون سيرته ^، بينما يحفظون أسماء الفنانين واللاعبين وسيرهم .
كما أن من أفضل الأمور التي يمكن أن يُستثمر فيها الوقت حفظ المتون العلمية فهي أساس العلم الشرعي وهو الخطوة الأولى في تلقي العلم الشرعي ، وقد سار السلف الصالح على هذا المنوال في تلقي العلم ونشره وترسيخه بين الناس .(37/9)
النوع الثاني: ما يمكن أن نطلق عليه: ( مشروعات علمية ) ، وهي كثيرة جداً ، منها : لزوم حلقات المشايخ ؛ فإن حلقات العلماء من أقوى المشروعات وأحسنها ، ومن أفضل ما يستثمر فيه المسلم وقته ، فمن الممكن أن يحرص الإنسان على متابعة هذه الدروس والحلق وتسجيلها وتلخيصها وكتابة بعض العناصر المهمة فيها والانتفاع بما يقال ويُلْقى فيها.
كما يمكن لجميع أفراد الأسرة الاستفادة من هذه الحلق والدروس العلمية التي تجمع العلمَ الغزير في الوقت اليسير، وذلك للرجال والنساء حيث تُوجد في كثيرٍ منها أماكن مخصصة للنساء .
ومن تلك المشروعات: البحوث العلمية ، فإن البحث من الوسائل التي لا يُغني عنها غَيرها ، وقد جرب ذلك الكثيرون . فربما يجلس الإنسانُ وقتاً طويلاً يقرأ فلا يستفيد كما يستفيد لو أعدَّ بحثًا ، وبخاصةً إذا كان البحث تحت إشراف شيخ ، أو معلم ، أو أستاذ ، أو أخ أعلم منه.
فيختار الشخص موضوعًا من الموضوعات التي تتناسب مع مستواه ، ويحاول أن يبحث عن عناصر هذا الموضوع ومراجِعِه ويوفرها ، أو يذهب إليها في المكتبات ، ويعد هذا البحث ويعرضه على أحد العلماء ، أو المشايخ ، أو طلاب العلم.
لكن يجب ألَّا يكون البحث فوق مستوى الباحث ، مثلاً طالب علم مبتدىء لا يصلح أن يأتي لقضية مازالت مشكلة عند العلماء ليعد بحثًا فيها، أو يقول ـ مثلاً ـ أريد أن أعد بحثًا في القراءات السبع والأحرف السبعة في القرآن الكريم ، نقول له: لا. لا. هذه قضية أعجزت كثيرًا من أهل العلم والخبرة فما بالك بالمبتدئين ، فالمرء إذا بحث بحثًا لا يتناسب مع مستواه ربما يصل إلى نتيجة خاطئة في هذا البحث ، أو ربما يعجز عن إكماله ، ومن ثم يقرر مقاطعة العلم وعدم الاستمرار في مثل هذه البحوث.
ومن المشروعات العلمية: الدراسات والدورات الصيفية، حيث إنَّ هناك دراسات صيفية في الجامعات ، حري أن يلتحق بها الشباب ، أو يلتحقوا بدورة تدريبية ، مثلاً : في الجمعيات الخيرية ، أو في الكهرباء ، أو دورة في الحاسب، أو اللغة الإنجليزية ، أو أي دورة في أي أمر مفيد للإنسان في دينه أوفي دنياه.
كما أن هناك أمرًا مهمًا يمكن استغلال الوقت فيه ، ألا وهو أن يرتب الإنسان لنفسه برنامجاً في قراءة مجموعة كبيرة من الكتب المفيدة ، ولكي يستمر الشاب في القراءة عليه أن ينوع ؛ لأنه لو أراد أن يقرأ كتبًا علمية بحتة ربما يمل، ولو قال أقرأ كتبًا في الفقه (كالمغني) ربما يقرأ في مجلد ثم يمل وينقطع، لكن الأفضل القراءة في كتب متنوعة ، بأن يقرأ مثلاً في كتب العقيدة ، والفقه ، والتاريخ ، والتراجم ، والسِّير ، والآداب ؛ لأن فيها تقوية للعزيمة ، وفيها بناءً وتربية . إن مما ينبغي لنا أن نكون من محبي قراءة الكتب النافعة.(37/10)
ومن المشروعات الاجتماعية : العمل مع الأهل ، إذا كان الأب مزارعًا مثلاً ، فما المانع من استغلال الإجازة في خدمته في أعماله الزراعية لنيل رضا الله ثم رضاه ، أو كان تاجرًا مساعدته في أعماله التجارية ، هذه الأمور تربي على الرجولة التي نحتاج إليها في نفوس شبابنا، ومن شأنها أن تُعد لنا رجالاً يمكن أن تعتمد عليهم الأمة.
ومن المشروعات ترتيب زيارات بين الأقارب ، والتّذكير بحقوقِهم وفضلِ صِلةِ الرّحم ، سواء كانوا قريبين أو بعيدين ، أو إقامة مخيمات للأسرة ، فبعض الأسر الآن أصبحت تقيم مخيمات، يتجمع فيها أفرادُ الأسرة في المنطقة وهذه بادرة طيبة جدًا ينبغي لنا تشجيعها ونشرها، وكل أسرة معروفة منتشرة يجمَعون أفراد الأسرة ويتعارفون ويتناصحون فيما بينهم ، ويقيمون أيامًا ثم يعودون .
هناك أيضًا الرِّحْلات الشبابية: كثير من أهل الخير يخرج للسياحة والاستجمام ، فيسافر إلى مناطق سياحية داخل المملكة ، فلو جعلوا ضمن برنامجهم القيام بجزء من الواجب في تعليم الناس الخير والصلاة والعبادة والوضوء، فكثيرٌ من الناس في بعض القرى النائية والهجر يجهلون حتى أيسر الأمور، فهناك من يجهلون الصلاة والوضوء وقراءة الفاتحة، فما الذي يمنع جماعة من الشباب أن تخرج هنا أو هناك لمثل هذا الأمر.
أيضًا هناك النشاطات المتنوعة، مثل: المراكز الصيفية التي يمكن أن يستفيد منها الشباب، ومن المهم قيامها على سواعد أناس مخلصين ، حافظين لحدود الله ؛ لأن المراكز يُقبل عليها شباب مبتدئون بسطاء عاديون هم بحاجة إلى التربية، فإذا لم يوجد في المركز مسؤولين يعتنون بتربية الأبناء تربية صحيحة ، وتوجيههم والأخذ بأيديهم؛ فقد لا يكون المركز على المستوى المطلوب.
مُقترحات وأفكار
للأبناء
?? ترتيب برنامج حفظ القرآن الكريم للبنين والبنات . ولو بُحِثَ عن حلقة جادةٍ لكان ذلك أكثر تشجيعًا لهم على الحفظ. وحبذا أن يقوم الابن بمعاونة الأب ، أو الأم ، أو مدرس الحلقة بقراءة ميسرة للتفسير . المهم أن يكون البرنامج مستمرًا ، وينبغي عدم الضغط على الابن ، بل استخدام التشجيع والترغيب ، وغرس محبة القرآن في نفوس الأبناء .
?? حفظ بعض الأذكار المهمة ، وهناك الكثير من الكتب والبطاقات ، مثل: حصن المسلم ، وأذكار طرفي النهار ، وغيرها ...
?? عمل زيارة للمكتبات (متاجر بيع الكتب) مع الأبناء. وتكون بعد تحفيز وترغيب للزيارة. ثم يترك الأمر للابن بمعاونة الأب ، أو المدرس ، أو الأخ باختيار كتيب أو أكثر وشرائها له كهدية إجازة . ولو أمكن غرس حب الكتاب والقراءة ، والترغيب في كتابٍ معينٍ قبل الزيارة لكانت النتيجة أفضل.
?? تسجيل الأبناء في المراكز الصيفية النافعة. مع الحرص على اختيار الأنفع والأقرب للنفوس لوجد الابن نتائج أكثر خلال الفترة الصيفية. ويمكن للأب إعطاء جوائز للمدرس ويطلب منه تشجيع ابنه في المسابقات ، أو إذا قام بعمل طيب. وهذا أدعى لترغيب الابن في الحضور للمركز ، إضافة إلى التعلق بالأعمال الطيبة والآداب السليمة .(37/11)
وبالنسبة إلى البنات ، فيمكن تسجيلهن في الدور النسائية المنتشرة بكثرة ولله الحمد .
?? عمل مسابقة ترتيب منزلية . فكل ابن يقوم بترتيب كل شيء في غرفة الأبناء من أدراج ، وفراش ، و أرضية ، وثياب. مع القيام بملاحظة مكان معين في المنزل ومتابعته. والفائز يحصل على جائزة تشجيعية وسط الشهر ، أو آخره . ولا مانع أن يفوزوا كلهم إن كانوا يجيدون الترتيب .
فخلال شهر أو شهرين ، أو خلال الإجازة سيكون الأبناء قد تعودوا على الترتيب ، وعلى الاعتماد على النفس ولو لم يكن هناك مسابقات ، فتوزيع الأدوار بين أفراد الأسرة يُقرِّب القلوب ، ويجلب المحبة وروح التعاون بينهم.
…
?? ترتيب زيارة إلى أحد الأقارب أو القريبات بين الفينة والأخرى مع الأبناء ، ليصلوا أرحامهم ويتعلموا ما ينفعهم وتتقوى روابطهم بأقاربهم .
?? عمل بعض الألعاب والمسابقات المفيدة والمناسبة للصغار. ويمكن أن تكون هذه الألعاب في الرحلات الأسرية، أو في داخل المنزل.
?? تقديم بعض الأشرطة الإسلامية المناسبة وبعض القصص المفيدة ليستفيدوا منها قراءةً وسماعًا ، ويمكن سؤالهم بعد ذلك عن بعض الأشياء الموجودة في الشريط أو الكتاب بأسلوب سهل ومحبب إلى أنفسهم .
?? تدريبهم على بعض المهارات ، وتنظيم بعض الدورات لهم في داخل المنزل ، أو في مكان مناسب يقدم هذه الدورات. مع مراعاة واقع المكان ومن يرتاده ونوعيتهم ، حتى لا يرتبطوا بأصدقاء سيئين .
ومن هذه الدورات: التدريب على الحاسب الآلي ، أو الطباعة السريعة ، أو الخط ، وغيرها ...
وتدريب الفتيات على ما يناسبهن ، مثل: بعض الأعمال المنزلية و إشعارهن بمكانهن في المنزل . ويكون لهن دور مع أمهن في رعاية المنزل ، وفي استلام مسؤولية رعاية أحد الأطفال.أو يعمل لهن دورة في الطبخ مثلاً ، أو ترتيب مكان معين في المنزل ، أو ترتيب بعض الأغراض المنزلية، ويكون ذلك تحت رعاية الأم وتدريبها وتشجيعها .
?? إقامة دورتين شرعيتين مهمتين ، مثلاً: واحدة في الوضوء ، والأخرى في الصلاة لتعليم أبناء الحي الذين يحضرون للمسجد مع مراعاة التطبيق العملي ، ويقوم بالدورات أئمة المساجد في مساجدهم مع أولياء الأمور ، أو ينفذها أولياء الأمور في منازلهم وفي رحلاتهم .
أفكار ومشروعات
للأسر
?? عمل درس أسري من قبل ربِّ الأُسرة . مثلاً تعليمهم أذكار الصباح والمساء ، أو آداب الصلاة ، أو الوضوء أو غيرها ، وتسميعهم إياه في اليوم الذي يليه وهكذا .
?? الخروج في رحلات عائلية ، وعمل مسابقه مخصصة للذكور وأخرى مخصصة للإناث ويكون هناك جوائز عينيه كالأشرطة الإسلامية والكتب المفيدة.
?? يمكن أن يكون البرنامج للدوريات الأسبوعية الأسرية في الاستراحات كالتالي :
أ- للرجال والشباب: بعد المغرب درس ثقافي أو اجتماعي ، أو مسابقات هادفة. بعد صلا ة العِشاء حتى يحين موعد العَشَاء فتره رياضية : لعب كرة قدم ، أو سلة، أو طائره ،أو سباحة .(37/12)
ب- للنساء والبنات: بعد المغرب درس تربوي أو مسابقات وألغاز ثقافية واجتماعيه ، بعد صلاة العشاء مسابقه وألعاب رياضية خفيفة وطريفة ، ويكون هناك جوائز تشجيعية للجميع .
?? عمل رحلة عمرة وإعداد بعض الأفكار والبرامج الثقافية الممتعة التي يمكن طرحها خلال الطريق ، أو في حالة البقاء في مكة المكرمة شرفها الله .
?? الالتقاء في حالة السفر مع إحدى الأسر ــ التي لها أبناء مميزون بالأدب والحرص ــ إن أمكن الاتفاق على هذا ، وفي هذه فائدة ترابط الأبناء ، واستفادة بعضهم من بعض. ويمكن عمل البرامج والمسابقات في ذلك حتى لا يتحول اللقاء من إيجابي إلى سلبي .
?? اصطحاب الأسرة للمحاضرات والدروس ، وتشجيع الأهل على المناقشة فيما بعد عما طُرح فيها . ويمكن توفير شريط المحاضرة الجيدة لمن لم يتمكنوا من حضورها لأي طارئ .
?? الاستماع إلى المحاضرات في المنزل من خلال النقل المباشر بالإنترنت . كما يمكن استغلال الأشرطة الموجودة في بعض المواقع الإسلامية خلال استخدام الإنترنت لأعمال أخرى .
?? تعلم صنعة جديدة. والعناية بالعمل الصيفي للطلاب.
أفكار ومشروعات
للكبار
?? حضور الحلقات والدورات العلمية التي تقام في الصيف و الذهاب إلى المخيمات الدعوية .
?? المشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية . فعمله توجيه للأبناء وتعويدهم على العطاء وبذل الخير ، وفي الوقت نفسه استغلال أوقاتهم بما هو نافع .
?? اللقاءات الصيفية للفتيات ( يوم واحد فقط ويمكن أن يتم في أحد المراكز النسائية ) وهي شبيهة بالمعسكرات الطلابية وتنفذ في يوم واحد فقط ، وتتضمن برامج هادفة من مسابقات ، وفقرات ترفيهية وتعليمية ، كذلك الحوار الهادف مع الفتيات في أمورهن ومشاكلهن ، مع أهمية ملاحظة مدى محافظة القائمات على اللقاء وأهليتهن قبل الإقدام عليه. ويمكن أن تتكرر هذه المعسكرات ، كما يمكن أن ينفذ برنامج مثله للفتيان .
?? وضع هدف يحاوَل الوصول إليه: من قراءة كتاب أو كتب معينة أو إعداد بحث معين .
?? اختيار سلسلة علمية من الأشرطة ( متناسبة مع المدة الزمنية للإجازة) ومحاولة سماعها ، و إذا أمكن تلخيصها .
?? توزيع بعض الكتيبات والأشرطة على الأقارب أو في مسجد الحي .
?? توزيع المجلات الإسلامية على الحلاقين ، وأماكن الانتظار في المستوصفات والمستشفيات ، وغيرها. وحبذا لو كان هناك تعاون مع مكتب الدعوة والإرشاد ، أو ما يشابهه حتى تتكاتف الجهود ويزداد التعاون .
?? دعم المنتديات الإسلامية على شبكة الإنترنت ، والقراءة والكتابة فيها وتكثير سواد المسلمين فيها . ودعوة وتشجيع من تعرفهم للاطلاع عليها . (مع الابتعاد عما يقسي القلب من المواقع والمنتديات السيئة أو غير الهادفة ) .
?? نسخ أقراص ( السي دي ) والتي تحتوي على البرامج الإسلامية والمحاضرات والدروس العلمية وغيرها مما وافق صاحبه على نشره ، وبيعها بسعر مخفض جدًا وذلك لنشر الدعوة والفائدة .(37/13)
?? القيام بتجميع جهاز حاسب آلي جديد ، من أجل التعرف عليه ، وعلى مكوناته ، ويمكن عمل ذلك مع أفراد الأسرة إن أمكن ، أو بالتعاون مع بعض الأصدقاء الذين يعرفون تركيب الحاسب الآلي .
?? زيارة المرضى من الأهل والمعارف واستغلال فرصة الإجازة في مثل هذه الأعمال الخيرية مع تبيين الأجر للأبناء وأثر الزيارة في المريض.
?? تكوين مشروعات مدرسية لنصح الطلاب أو الطالبات بعد الاختبارات في كيفية استغلال الإجازة والتنبيه لأهمية حلق الحفظ والمراكز الطلابية ، وغيرها.
ويمكن لهذه اللجنة وضع بعض الأوراق مع الشهادة وفيها بعض الإرشادات في كيفية استغلال الإجازة .
?? استثمار الهاتف في التنبيه على المحاضرات في المنطقة والمراكز النسائية ، والتنبيه على أهمية الاستماع إليها ، وذلك لإشعار الآخرين بأهميتها، وتحفيزهم كذلك على سماع المحاضرات بالأشرطة ، ولو كانت قديمة.
?? استغلال الرسائل الإلكترونية في الدعوة إلى الله . ووضع قائمة بالعنوانات المناسبة ، وإرسال الرسائل المفيدة والتنبيه على المحاضرات والبرامج النافعة .
?? عمل مسابقة في كتابة البحوث ، وتشجيع الأبناء على ذلك ولو كانوا صغارًا . وترتيب الجوائز عليها. وحبذا لو كان زمن المسابقة قصيرًا للبعد عن الملل.
?? مع الإجازة ووجود الوقت وكثرة القراءة العامة للمجلات والصحف ، فمن الضروري الحرص على قراءة المفيد منها ، والنصح لمن كتب كتابة سيئة وعرض ما ينبغي لنا إنكاره على العلماء والمشايخ وغيرهم .
?? البحث عن بعض السُنن المهجورة والعمل على إحيائها، مثل: صلاة الضحى ، وزيارة المقابر ، والصيام ، وغيرها ، وهناك كتب متعددة تعتني بمثل هذه الموضوعات.
أفكار ومشروعات
للنساء
?? استثمار فترات الاجتماعات مثل الأعراس وغيرها وتقديم كلمة موجزة في ذلك الجمع ، وإن كانت غير قادرة فإنها تطرح الموضوع على أصحاب الاجتماع ، وتدعوهم لإحضار من يقدم الكلمة. ويمكن لأي واحدة تقديم حديث مفيد مع من هم حولها أو تقديم النصيحة الخالصة الطيبة لإحدى الحاضرات للالتحاق بمركز تحفيظ القرآن الكريم مثلاً ، أو نصيحتها في منكر رأته.
?? التخطيط لعمل سلسلة دروس ودورات ، وبرامج مفيدة في المراكز الإسلامية والمخصصة بالنساء ، لتقديم النفع ولتطوير علمها وقدرتها الدعوية.
أفكار مخصصة للرجال
?? تكوين لجنة المسجد ، ومهمتها تفعيل عمل المسجد من خلال تطوير الخطبة ، والكلمات ، وحِلَق التحفيظ ، ولوحات المسجد ، ومكتبة المسجد ، والاتصال بجيران المسجد ، وتوصيل الخير لهم ، وغيرها من الوسائل .
?? الحرص على إنكار بعض المنكرات التي تواجهنا يوميًا بالطريقة الشرعية للإنكار ، في البقالات ، مثل: (.المجلات الخليعة ـ الدخان ، وغيرها ) ، وفي الأسواق ، مثل: ( التبرج والسفور ـ المعاكسات ) ، و في الحي ، مثل: ( الجيران الذين يهملون الصلاة ، أو دعوة وتوجيه أبناء الحي الذين يلعبون في وقت الصلاة ) .
مع الخدم والعمال(37/14)
?? ربط الخدم (وكذا الموظفين والعمال) غير الناطقين بالعربية بمكاتب دعوة الجاليات ، والتعريف بالمكتب ومعرفة ما يمكن أخذه للخادمة ، أو السائق ، أو العامل ، أو الاطلاع على المحاضرات المناسبة لهم .
?? تعليم الخادمة المسلمة اللغة العربية ، وكيفية قراءة القرآن الكريم ، وبعض العقائد والأحكام الشرعية الأساس باختصار .
إنها لفرصة عظيمة أن يقوم بعض أفراد الأسرة باستثمار الإجازة الصيفية بمثل هذه الأعمال الدعوية . ولا شك أن في هذا خير عظيم لمن فكر في أثر ذلك حين عودة الخادمة إلى بلادها وهي تحمل أثمن علم يمكن أن تتعلمه في بلاد المسلمين .
أفكار سريعة
?? تنظيم مسابقة إعادة ترتيب الأحاديث ، وذلك بكتابة الحديث بطريقة غير مرتبة ، وطلب إعادة ترتيب جمل أو كلمات الحديث ترتيبًا صحيحًا ، وبعد ترتيبها تقدَّم كلمة في شرح الحديث والفوائد المستخرجة منه .
ويُحرص على اختيار الأحاديث النافعة والتي تهم من تقدم لهم هذه المسابقة.
?? تعليق لوحة أسبوعية في المنزل تركز على بعض الأخلاق ، أو الحكم النافعة ؛ لتصبح هدف الأسرة خلال هذا الأسبوع .
?? إلقاء كلمة بعد الصلاة على أعضاء الأسرة وبخاصة في الرحلات البريه ، وغيرها عندما تصلي الأسرة مع بعضها صلاة جماعية .
?? المسابقات الثقافية المتنوعة : بحيث تُكتشف فكرة معينة وتصاغ على شكل مسابقة ، مثل: ( معكم على الهواء ، من سيربح المئة ، مسابقة حروف ) .
?? ركن الحكايات: ركن يُتحدث فيه عن الحكايات والقصص للأشبال .
?? فكرة الكسب الحلال : وتقوم الفكرة على الاتفاق مع الطفل للقيام بعمل إضافي ، ليس من الواجبات اللازمة عليه ، على أن يكون له مقابل على جهده مثل: طباعة بحث ، أو خطاب بالكمبيوتر ، سواء كان لأحد والديه ، أم لأحد الأقارب فيتعود الابن بذلك على الكسب الحلال وتحمل المسؤولية .
?? جلسة أسرية ( مع السيرة النبوية ) تُطرح بأسلوب قصصي جذاب ، عن طريق القراءة من كتاب في السيرة ، مثل: كتاب ( هذا الحبيب يا محب ) ، أو عن طريق طرح أسئلة متنوعة عن السيرة النبوية ، وسير الصحابة.
?? برنامج الطفل المنظم ، حيث يتولى الأطفال ترتيب ما يخصهم من ألعاب وملابس ونحوها ، ويشجعون على ذلك.
?? حصر أوقات الفراغ لدى كل فرد ، وتوجيه الأسئلة لكل فرد: ماذا تستطيع أن تحققه للأسرة؟ وتوزيع المسؤوليات بين أفراد الأسرة، (فلان ينبه للصلاة)، (فلان مسؤول النظافة) ، وإشراكهم في وضع برنامج الأسرة ، و تعيين مدة زمنية لتنفيذ البرنامج.
?? القيام ببعض الألعاب الجماعية مثل: القفز على الحبل بين أفراد الأسرة ، والركض الجماعي ، وشد الحبل ، وغير ذلك .
?? جلسة حوار لأبناء الأسرة لكشف الطاقات ولتصحيح الأخطاء.
?? أب الأسرة المكلف : تعيين قائد يومي للأسرة ونائبه ، والأفضل تغيير النائب كل فترة . أو تعيين ساعة لكل شخص يقوم بعمل الأب أو الأم .
?? برنامج دعاة المستقبل : فكرة البرنامج هي تعويد الابن الإسهام في أعمال الخير وذلك بعدة أساليب منها .(37/15)
? زيارة إحدى المؤسسات الخيرية أو مكاتب الدعوة ليتعرف عليها الابن ويسهم بأي شكل مهما كان يسيراً .
? إذا كان الابن يجيد استخدام الحاسب الآلي ، أو أنه صاحب خط جميل يمكن أن يقوم بكتابة حديث ، أو فائدة ، أو قصة جميلة ومن ثَمَّ يُعلقها في البيت أو في المسجد بعد التنسيق مع إمام المسجد .
?? شراء بعض الكتيبات والمطويات النافعة وجعل الطفل يقوم بتوزيعها بعد الصلاة عند باب المسجد بعد التنسيق مع إمام المسجد .
?? برنامج اللقاء الأسبوعي : فكرة البرنامج اختيار وقت في الأسبوع يجتمع فيه أفراد البيت ويقوم الأطفال بإعداد برنامج متنوع الفقرات ويمكن للأب أو الأم مساعدتهم في البدايات ، بعدها سيرى رب الأسرة ــ بإذن الله ــ أشكالاً من الإبداع قد لا يفكر فيها هو ، مما يثلج صدره ، ويشرح نفسه ، ويسر خاطره.
?? برنامج السؤال الأسبوعي: فكرته سؤال يعلق أسبوعيًّا في صحيفة مُعَدَّة لذلك في البيت وليكن مثلاً يوم السبت ، وآخر موعد لتسليم الإجابات هو يوم الجمعة ، ثم يعلق الجواب الصحيح واسم الفائز ويُطْرَح سؤال آخر ، وهكذا ويكون الفائز هو الذي يتكرر اسمه في الشهر أكثر وتقدم له جائزة .
?? فكرة الطفل البار : تقوم الفكرة على تعويد الطفل المساعدة في أعمال البيت ولو بشكل يسير جداً ؛ لكي لا يمل من العمل المطلوب منه ، وتشجيعه بالكلام والثناء ، أو بهدية ولكن لا تُجعل عادة حتى لا يكون عمله من أجلها .
?? فكرة المنافسات والألعاب الحركية لحاجة الطفل إليها :
? للأبناء مثلًا: سباق على الأقدام ، أو الدراجات ونحوها .
? للبنات أعمال منزلية ، ويقاس فيها المهارة والسرعة، مثل: إعداد شاي ، أو غسيل أوانٍ ، أو تنظيف ، أو تطريز.
?? المشاركة في إثراء المجلات بمقالات وموضوعات ترى أهمية طرحها.
?? الالتحاق بوظيفة في الإجازة الصيفية .
?? جمع بعض الأشرطة وكذلك الكتيبات والمجلات المفيدة وتوزيعها على المستوصفات أو صوالين الحلاقة وأماكن الانتظار بالمرافق العامة.
?? تقديم بعض الأشرطة لسيارات النقل والأجرة ليستفاد منها في الطريق.
?? محاولة التأليف والكتابة الصحفية والتدرب على ذلك.
?? دعوة غير المسلمين للإسلام عن طريق الكتب والنشرات والمطويات ، أو بتعريفهم بمكاتب الجاليات.
?? تعلم شيءٍ جديدٍ مثل: التبريد، والميكانيكا ، والكهرباء، والسباكة ، وأسرار الكمبيوتر ... إلى آخره.
نصائح وتوجيهات
حفظ القرآن:
القرآن كلام الله ، وأعظم كتاب تلقته البشرية ، فبقراءته يؤجر المسلم ، وينال حظه في الدنيا والآخرة ، ويستعان على حفظ القرآن الكريم ـ بعد توفيق الله ـ بما يأتي:
1- صدق الرغبة والاستعانة بالله عز وجل .
2- الالتحاق بإحدى جماعات تحفيظ القرآن الكريم، وهي منتشرة في أكثر مساجد المملكة ولله الحمد .
3- الحفظ على شيخ متقن .
4- تخير أفضل الأوقات للحفظ ، وهي متفاوتة من شخص لآخر .
5- التقيد بمصحف معين ( رسم مصحف معين ) لا يغيره .
6- معرفة تفسير ما يحفظ من آيات ، ويمكن الاستعانة ببعض التفاسير السهلة ، كتفسير ابن سعدي ، أو زبدة التفاسير ، أو غيرها .(37/16)
7- إتقان الآيات المتشابهات، وذلك عن طريق كثرة تكرارها ، أو حفظ أحد المتون في متشابهات القرآن، أو الاستعانة ببعض الجداول الجامعة للآيات المتشابهة .
8- المراجعة الدائمة، والتسميع على شيخ ، أو على أحد الاصدقاء أو على النفس، وعدم إهمال ذلك لأن القرآن سريع التفلت .
9- الاشتراك في المسابقات المتعلقة بحفظ القرآن، فإنها تشجع على سرعة الحفظ، مع ملاحظة الحذر من الرياء، حتى لا يكون الحفظ لأجل ثناء الناس أو لأجل جوائز تلك المسابقات .
10- أكل الحلال والاستقامة على طاعة الله عز وجل .
حفظ السنة النبوية :
ومن الكتب المختصرة التي يمكن حفظها في الإجازة :
1- الأربعين النووية للإمام النووي ، وتكملتها للحافظ ابن رجب الحنبلي .
2- عمدة الأحكام للمقدسي .
3- بلوغ المرام لابن حجر .
4- منتقى الأخبار لمجد الدين ابن تيمية .
5- اللؤللؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان .
6- مختصر صحيح البخاري ، أو مختصر صحيح مسلم .
7- مئة حديث للحفظ ، من مطبوعات شعبة توعية الجاليات بالزلفي ، وغيرها.
8- الجمع بين الصحيحين ، وهو متوافر بعدة طبعات.
حفظ المتون العلمية :
والمتون العلمية كثيرة ومتنوعة ، يختار منها المرء ما يناسبه كمتون العقيدة والفقه والحديث والأصول والمصطلح والنحو والقراءات ، وغيرها من العلوم النافعة.
وحفظ المتون مهم جدًّا في توسيع مدارك الطالب وتفتيح أبواب الطلب لديه، وحفظ المتون يزيد في قدرة الطالب في الحفظ، ويدفعه إلى مطالعة الشروح والحواشي، ولذلك قيل : مَن حفظ المتون حاز الفنون .
ومن المتون العلمية المهمة :
1- جامع المتون للحفظ ، من إصدار شعبة توعية الجاليات بالزلفي ، وهو كتاب جيب يجمع خمسة من أبرز المتون العلمية للمبتدئين :
2- جامع المتون لابن قاسم
وغير ها ...
طلب العلم :
يكون طلب العلم بأمور منها :
1- حضور مجالس أهل العلم العامة والخاصة .
2- حضور المحاضرات العلمية والندوات .
3- حضور الدورات العلمية العادية والمكثفة .
4- القراءة في كتب أهل العلم .
5- السفر لطلب العلم وحضور الدورات العلمية إذا لزم الأمر .
6- تلخيص بعض كتب أهل العلم .
7- تفريغ أشرطة العلماء المعدودين وتلخيصها .
8- دراسة بعض الأحاديث من ناحية أسانيدها والبحث عن طرائقها وشواهدها وتجميع ذلك .
9- إقامة دروس علمية بين الأصدقاء بحيث يقرأ أحدهم في كتاب والباقون يستمعون، أو يُحضِّر أحُدهم درسًا في مسألة معينة ويلقيه على أصدقائه فيكتسب بذلك ملَكَة الإلقاء .
الدعوة إلى الله تعالى :
الدعوة إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا يخفى فضلها ، و لها صور متعددة منها :
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مكان بقدر الاستطاعة .
2- تعليم الناس أمور دينهم والبدء بالأقرب فالأقرب .
3- دعوة غير المسلمين إلى الإسلام .
4- المساهمة في النشاطات الدعوية في المسجد والحي .
5- التعاون مع المسؤولين عن مكاتب الدعوة في النشاطات الدعوية المختلفة .
6- توزيع الكتب والأشرطة والنشرات المفيدة .
7- الذهاب إلى القرى والهجر التي يقلُّ فيها العلماء والدعاة لدعوة أهلها وتعليمهم أحكام دينهم .(37/17)
زيارة الحرمين الشريفين :
قضاء الإجازة في مكة والمدينة له فضل عظيم، ففي مكة : الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة ، ويمكن لزائر مكة كذلك أن يؤدي مناسك العمرة، وقد قال النبيُّ ^: ((.العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما )). [متفق عليه]. ويمكنه كذلك الإكثار من الطواف حول البيت، والشرب من ماء زمزم الذي قال فيه النبيُّ ^ : (( ماء زمزم لما شرب له )).
أما المدينة النبوية ، فإن الصلاة في مسجدها بألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام، وإذا ذهب الإنسان إلى المدينة ، فيمكنه أن يتشرَّف بالسلام على رسول الله ـ ^ ـ وصاحبيه ، ويمكنه كذلك أن يزور مقبرة البقيع ومقبرة الشهداء بأُحد، ولعلَّ ذلك يثير في نفسه شجوناً، فيتذكر ما كان عليه هؤلاء من صدقٍ وجهادٍ وتضحيةٍ وفداءٍ، فيتطلع إلى أن يكون مثلهم أو قريباً منهم .
ويمكنه كذلك أن يخرج إلى قُباء، ويصلي في مسجدها كما كان رسول الله ـ ^ ـ يفعل .
وليحذر زائر الحرمين الشريفين من المعصية فيهما، فإنها أعظم من المعصية فيما سواهما من الأماكن، قال ــ تعالى ــ في شأن الحرم المكي : ? وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ إلىمٍ ? . [الحج : 25 ].
تجارب واقعية
في المستشفى
يقول: مرض طفلي الصغير ، فذهبت به إلى المستشفى ، أخذت رقمًا وتوجهت إلى غرفة الانتظار، انتظارًا لدوري. لقد كان هناك عددٌ كبير ينتظرون ، ربما نتأخر أكثر من ساعة. الصمت يخيم على الجميع. يوجد عدد من الكتيبات الصغيرة استأثر بها بعض الأخوة .
جُلْتُ بطرفي في الحاضرين ، بعضهم مغمض عينيه لا تعرف فيم يفكر، وآخر يتابع نظرات الآخرين. والكثير تلمح في وجوههم القلق والملل من الانتظار .
يقطع السكون الطويل صوت المُنادِي برقم كذا ، تظهر الفرحة على وجه المُنادَى عليه ، يسير بخطوات سريعة ، ثم يخيم الصمت على الجميع .
لفت نظري شاب في مقتبل العمر ، لا يعنيه أي شيء حوله ، لقد كان معه مصحف جيب صغير يقرأ فيه، لا يرفع طرفه عنه. لم أفكر فيه كثيراً ، لكن عندما زاد انتظاري عن ساعة كاملة ، بدأت أفكر في أسلوب حياته ومحافظته على الوقت .
ساعة كاملة من عمري ماذا استفدت منها وأنا فارغ بلا عمل ولا شغل ، بل انتظار ممل.
أُذِّن لصلاة المغرب فذهبنا إلى الصلاة، وبعد الصلاة خرجت مع ذلك الفتى وأبديت له إعجابي به في محافظته على وقته. تحدثنا عن كثرة الأوقات التي تضيع من أعمارنا دون أن نستفيد منها ، أو حتى نندم عليها.
ذكر لي أنه أخذ مصحف الجيب هذا منذ سنة تقريبًا ، بعدما نصحه صديق له بالمحافظة على الوقت . وأكَّد لي أنه يقرأ في الأوقات التي لا يُستفاد منها أضعاف ما يقرأ في المسجد أو في المنزل . بل إن قراءته في المصحف زيادة على الأجر والمثوبة ـ إن شاء الله ـ تُبعد عنه الملل والتوتر .
ثم قال: متى تجد ساعة كاملة أو أكثر تقرأ فيها القرآن؟
تأملت كم من الأوقات تذهب عليَّ سدى! بل كم يومًا يمر عليَّ لا أقرأ القرآن فيه! جُلْتُ بناظري ، علمت أني محاسب والزمن ليس بيدي ، فماذا أنتظر؟ قطع تفكيري صوت المنُادي. ذهبت إلى الطبيب.(37/18)
بعدما خرجت من المستشفى ، أسرعتُ إلى المكتبة واشتريتُ مصحفًا صغيرًا . لقد قررتُ أن أحافظ على وقتي.
قرار صائب
وصلتني دعوه لمحاضره تلقيها مجموعة فتيات حول تجربتهن في حفظ القرآن خلال شهرين. تعجَّبتُ كثيرًا ، وأحسست أن الأمر مستحيل.
في المحاضرة ، ذكرت الفتيات أنهن حفظن القرآن خلال شهرين فقط في حلقة مكثفة ، وشرحن طريقتهن في الحفظ. كانت المحاضرة رائعة بحقَّ ، لقد تأثرت كثيرًا ، فقررت الالتحاق بحلقة مشابهة في إجازة الصيف المقبل.
مع بداية الإجازة سارعت بالتسجيل في حلقة لحفظ القرآن لمدة عشرة أسابيع. بدأنا يوم الاثنين: 3/ 5/ 1425 هـ لقد كان المكان مزدحمًا جدًا ، وهناك حماس ونشاطٌ زائد! لا أعرف كيف أصفه. سرني ما رأيت من حماس وإقبال كبير من النساء صغيرات وكبيرات. كانت سعادتي لا توصف عندما رأيت ذلك المنظر. كنا نحضر من الساعة: الثامنة صباحًا ، حتى: الثانية ظهراً ، ونحفظ في اليوم اثني عشر وجهًا من القرآن. في البدء كنت أولَ من يُسَمِّع ؛ وذلك لكوني حافظة للبقرة وآل عمران .
في يوم الثلاثاء من الأسبوع الثاني كان علينا حفظ تسعة أوجه من سورة النساء مع ثلاثة أوجه من آل عمران. كنت أعتقد أنني سأكون مثل السابق أولَ من يُسمِّع ، ولكن تغير الأمر علي. لم أكن قادرة على الحفظ بسرعة!
هل السورة صعبة؟ أم أن المشكلة فيَّ أنا؟ أم لأنني كنت حافظة للبقرة وآل عمران من قبل ، أم لكثرة الارتباطات مع الأسرة تلك الأيام التي كنت مُلْزَمة بها؟
اكتشفت مع نهاية الأسبوع الثاني أنه يصعب عليَّ التركيز والحفظ بوجود مجموعات كبيرة من الدارسات ؛ فأصبحت ارجع إلى المنزل، ولم أحفظ إلا خمسة أو ستة أوجه، بينما من المفترض عليَّ حفظُ اثني عشر وجهًا.
حاولت بشتى الأساليب أن أحفظ بشكل أسرع . استخدمت الكتابةً ، والسماع ، والترديد ، كما ركزت على الحفظ في المنزل.
مرت عليَّ لحظات فكرت فيها بأن أكتفي بحفظ عشرين جزءًا ، أو عشرة أجزاء. ولكن شي في داخلي يرفض هذه الفكرة ، فكنت كلما ضَعُفت همتي شكوت لصويحباتي فكن يرفعن معنوياتي ، ويقوين عزيمتي.
قاطعت الخروج للارتباطات الأسرية خصوصًا في الأسبوعين الأخيرين ، وإن لزم الأمر وخرجت فمصحفي معي ، أُسَمِّعُ وأحفظ.
كما مرت علي فترة جلست فيها ثلاثة أيام لم أحفظ سوى خمسة عشر وجها، مع أن المفترض حفظ ستة وثلاثين وجهًا.
كذلك سافرنا لمده عشرة أيام تقريبًا ، فكنت أحفظ وأُسَمِّع للأستاذه في الهاتف.
عندما وصلنا للجزء العشرين ، وقاربت الوصول إلى الهدف زادت همتي ، وقويت عزيمتي.
جاء يوم الجمعة وقد بقي عليَّ خمسة أجزاء ، لم يبقى سوى أسبوع واحد فقط ، أي يجب عليَّ حفظ جزء كامل يوميًا كي أختم القرآن. كنت أفتح على سوره الناس وأقول هل أصل إليها؟!
الحمد لله ، ضغطت على نفسي ـ وبتوفيق من الله ـ ختمت فجر الاربعاء. ذهبنا في اليوم الأخير ، وبدأت كل واحدة منا تُسَمِّع بدءًا من الضحى ، كلما جاء دور واحدة بكت. شعور لا أستطيع وصفه.(37/19)
جاء دوري بكيت وبكيت .اللهم لك الحمد. قرأت : سورة الاخلاص, الفلق , الناس ، ثم سجدت شكرًا لله على هذه النعمة. لقد أتممت حفظ كتاب الله.
الآن عرفت طعم السعادة التي كانت الفتيات الحافظات يتحدثن عنها في محاضرتهن التي كانت ـ بعد توفيق الله ـ السبب في التحاقي بحلقة القرآن.
وبرغم التعب التي تعبته خلال تلك العشر أسابيع ، إلا أنها كانت من أجمل أيام حياتي. لم يكن الأمر سهلاً ، لكن مع العزيمة وبتوفيق الله أتممت الحفظ.
علمًا أنني لم أكن صاحبة ذاكرة قويه ، بل على النقيض من ذلك فقد كان الحفظ صعبًا جدًا ، لكنه توفيق من الله. كما أنني لم أكتب هذه الكلمات إلا من أجل تشجيع غيري على حفظ كتاب الله.
تجربتي في حفظ كتاب الله
إنني إذ أخط لكم كلماتي ، فإنني لست أخطها فخرًا وإعلانًا، وإنما هي تجربة خضت غمارها ، فأردت أن تكون دافعًا لمن لم يلج في هذا الطريق أن يلجه ، ،وحافزًا لمن بدأ أن يُتم طريقه مستعينا بالله ، ولمن وصل إلى نهاية المطاف أن يسعى لتثبيت ما حفظ ، فإنه من السهل الوصول إلى القمة لكن الصعب أن تحافظ عليها ، وهو يسير على من يسره الله عليه، ثم إنني بهذه الكلمات أُذكِّر نفسي بنعم الله ـ عز وجل ـ عليَّ ، وأعترف بفضله وآلائه ، إذ أنَّ الاعتراف بالنعم أول سبيل لشكر المنعم سبحانه .
بدأت تجربتي في حفظ كتاب الله ـ عز وجل ـ منذ أن كنت طفلاً ، فقد أكرمني الله ـ عز وجل ـ بأبوين حرصا عليَّ أشد الحرص ، واعتنيا بتحفيظي كتاب الله ـ عز وجل ـ عناية بالغة، وكانت ترافقني في مسيرة الحفظ أختي الغالية ، وعند الخامسة ربيعا كنا ـ وبفضل الله عز وجل ـ قد أتقنا حفظ الجزء الثلاثين والتاسع والعشرين ، وأذكر حينها أن والدي ـ.حفظه الله ـ وعدنا بأن يشتري لنا جهاز كمبيوتر مكافأة على الحفظ ، وتم الشراء ، وما زال الكمبيوتر يذكرني بتلك الذكرى العزيزة على القلب .
لم يكن في منطقتنا مراكز نسوية للتحفيظ ، فبدأ والديَّ ـ.حفظهما الله ـ في مشروع حلقات تحفيظ لأبناء وبنات الحي بأن اتفقا مع الجيران على تنظيم حلقات للحفظ في مسجد الحي ، وهكذا بدأنا بحلقة صغيرة جدًّا في مصلى النساء ، ثم توسعت تلك الحلقة حتى ضاق المصلى بالطالبات ، فاستُؤجر أحد المنازل لتكمل فيه الطالبات حفظهن ، واستمرت حلقة الطلاب في المسجد ، ومع تطور الحلقة واتساعها تم شراء ذلك المنزل من قبل فاعلي خير ـ جزاهم الله خيرًا ـ وأعيد بناؤه ليفي بمتطلبات الدورات العلمية وفصول التحفيظ .
تابعتُ حفظي مع معلمات فاضلات كان لهن الفضل ـ.بعد الله عز وجل ـ في حفظي لكتاب الله وإتقان التجويد ، حفظت ما يقارب ثلاثة عشر جزءًا ، وكان عمري حينها ثلاث عشرة سنة . إلا أنَّ انطلاقتي الحقيقة في الحفظ بدأت بعد أن رأيت في المنام وكأن الشمس قد طلعت من مغربها والوضع مخيف ومرعب ، و كنت أبكي وأقول لأختي ألم أقل لك هاهي القيامة قد قامت ولم أكمل حفظ القرآن.(37/20)
بعد هذه الرؤيا تأملت حالي ، فإذا عمري ثلاثة عشر عامًا، وأحفظ ثلاثة عشر جزءًا ، كل جزء بسنة من عمري ، هل سأنتظر: سبعة عشر سنة أخرى حتى أكمل حفظ كتاب الله عز وجل؟ إنها معادلة صعبة للغاية لا يمكن أن أتقبلها، بدأت أحاسب نفسي ، أين الهمة التي تدعينها؟ إن الادعاء لا يجدي نفعًا إن لم يكن هناك بينة ؟
وبالفعل بدأت مع بدء العام الدراسي ، بالرغم من العقبات والصعوبات التي واجهتني في البداية ، لكنني حاولت فكنت لا أبدأ الدراسة إلا بعد حفظ ما تيسر من كتاب الله عز وجل ، حتى في الاختبارات النهائية ، كنت لا أبدأ إلا بعد الحفظ ، ووفقني الله ـ عز وجل ـ في دراستي ، وأعانني على حفظ كتابه فما إن بدأت إجازة نصف العام الدراسي إلا وقد أكملت حفظ كتاب الله، ويومها لا أعرف كيف حملتني الأرض ، كنت سأطير فرحًا ، شعور لا يمكن أن يخطه بنان، أو يُعبر عنه لسان ، لا يعرفه إلا من ذاق حلاوته ، كانت بشرى عظيمة جدًا لوالديّ ـ حفظهما الله ـ وألبسهما تاج الوقار ، فهما أصحاب الفضل بعد الله تعالى .
طريقتي في الحفظ : تتلخص في قراءة الوجه كاملًا ، ثم الحفظ آية تلو الآية ، ثم ربط الآيات بعضها ببعض ، ثم تسميع الوجه كاملًا ، وكانت كمية الحفظ في اليوم متفاوتة وَفْقَ الاستطاعة والتفرغ .
والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله .
مصادر هذا الكتاب:
الأسرة والإجازة ، عبدالرحمن السحيم
أربعون وسيلة لاستغلال الإجازة ، إبراهيم الدويش
الوقت أنفاس لا تعود ، عبدالملك القاسم
فن صناعة الفرص الذاتية ، خالد الدرويش
موقع: صيد الفوائد
موقع: المفكرة الدعوية
موقع: كلمات
موقع: الإسلام اليوم
موقع: حفاظ الوحيين(37/21)
السياحة الداخلية
د. سعيد بن زعير
يعد النشاط السياحي اليوم من أبرز النشاطات في مختلف البلاد وذلك لكثافة الأعداد البشرية التي تطمح لقضاء إجازة سياحية مهما كانت قصيرة وهذا الاتساع الهائل لمجالات النشاط السياحي لم يكن على هذا المستوى أو قريبا منه قبل عشر سنوات مثلا لكن المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية من جهة، وكثافة الإعلام السياحي من جهة أخرى كل ذلك ساهم في وجود هذه القفزة السياحية العالمية.
فالاتجاه العالمي إلى تقليل ساعات العمل وتوفير إجازات أكثر مع محاصرة الإعلام السياحي للأفراد جعل الكثيرين يخططون منذ وقت مبكر من العام لقضاء إجازة سياحية مهما كانت قصيرة.
إن النشاط السياحي أصبح واقعا ملموسا، والتعامل معه ودراسته والتخطيط له وتوجيهه وتوظيفه للمصالح العامة يتفق مع منطق الحكمة.
وإذا كان الكثير من دول العالم تعتمد على السياحة كمصدر أساسي لدفع دخلها. فان هذا لن يكون في بؤره اهتمامنا الآن خاصة أن إمكانياتنا السياحية لن تكون ذات جدوى اقتصادية في الوقت الحاضر على الأقل.
لكن الاهتمام بالسياحة وان لم يكن مجدي من الناحية الاقتصادية إلا أنه يمكن أن يكون وسيلة جيدة لتخفيف الإنفاق على السياحة الخارجية ذلك أن الكثير من العائلات عندما تحزم حقائبها للسفر تنشد جوا من الراحة وتغيير رتابة الحياة التي عاشتها السنة كاملة أو عدد من السنوات، فإذا توفر لها هذا الجو داخل البلاد فإنها سوف تفضله على السفر للخارج وما فيه من المعاناة والمشكلات الكثيرة من النواحي الأمنية والأخلاقية والتي بدأت كثير من العائلات تواجهها في رحلاتها الصيفية بشكل خاص.
فإذا نجحت السياحة الداخلية في جذب هذه الأعداد الكبيرة من العائلات فإنها ستوفر الكثير من الأموال التي تنفق في هذا المجال.
وليس تخفيف الإنفاق العائلي على السياحة هو الهدف الوحيد لتنشيط السياحة الداخلية ولكن هناك سلسلة من الأهداف المتتابعة والتي سوف تتحقق من أبرزها الجانب الإعلامي بمنجزاتنا الحضارية فالكثير من الأسر داخل المملكة لا تعرف أكثر من القرية أو المدينة التي تعيش فيها فإذا استطاعت السياحة الداخلية أن تجذب هذه الأسر وتشدها إلى المدن الداخلية والساحلية والمناطق السياحية كان لذلك اكبر الأثر في تعريف الأفراد بوطنهم ومنجزاته الحضارية الكثيرة والتي تعتبر معرفتها جزء من الثقافة الوطنية الهامة ويترتب على هذه المعرفة بأجزاء الوطن ومنجزاته الحضارة ارتفاع نسبة الانتماء للوطن والفخر به ومن ثم يصبح الأفراد وسائل إعلامية متحركة في هذا المجال.
ثم إن الأطفال الذين ينشأون داخل الأسرة وينتقلون معها في رحلاتهم السياحية الداخلية يصبح ذلك السلوك جزء من تكوينهم وتصبح السياحة الداخلية سلوكا دائما لهم بدلا من السياحة الخارجية التي تشكل نوعا من التهديد الثقافي لبعض قيمنا وسلوكياتنا والتي ذهب ضحيتها عدد من الشباب.(38/1)
وإذا نشطت السياحة الداخلية فان المستقبل المنظور كفيل بتطور صناعة السياحة ورسوخ تقاليدها لدى الفئة التي تقدم الخدمات السياحية في الداخل وهذا بدوره كفيل بحل كثير من المشكلات السياحية وتلافي العديد من العوائق التي تقف أمام نمو النشاط السياحي مما يحول دون تحقيق أهدافه.
ومن الأهداف الكبيرة التي ينبغي أن توظف السياحة لتحقيقها التعريف بالمملكة (الكيان كله فكرة عقيدته نظامه، تطوره، مواقعه الاجتماعي) وهذا الهدف قد تعجز عن تحقيقه الحملات الإعلامية المنظمة ويحقق من خلال السياحة.
ويمكن أن تستغل السياحة الداخلية في الدعوة إلى فضائل الإسلام وأخلاقه وسلوكه، فالسياحة العالمية الملوثة هي التصور الذي يحمله غالب الناس عن مفهوم السياحة ويستبعد الكثير منهم أن تكون السياحة وسيلة خير لتقديم الفضائل من خلالها أن الكثير من العرب والمسلمين يحجمون عن السياحة لهذا المفهوم السائد وهم على حق في ذلك لكن إذا استطاعت المملكة أن تهي من خلال إمكاناتها السياحية الجيدة مناخا نظيفا للسواح والمصطافين يجدون فيه الأمن والطمأنينة وقضاء الأوقات المناسبة بعيدا عن الخلل السياحي الذي يلف المنتجعات السياحية العالمية، فان ذلك سيكون بدون شك من أقوى وسائل الدعوة إلى الفضيلة بتقديم البديل الجيد ومن اقرب الأمثلة على إمكانية نجاح هذه التجربة ما نشاهده من إقبال المصطافين من دول مجلس التعاون الخليجي إلى المملكة وهم القادرون بإمكاناتهم المادية على الوصول إلى ابعد الأماكن السياحية العالمية لكن الرغبة في السياحة النظيفة هو الدافع الذي جعلهم يختارون المملكة لسياحتهم دون سائر الأماكن الأخرى.
إن الواقع الاجتماعي المتوازن الذي تعيشه المملكة يعتبر نموذجاً جيداً بالمقارنة بواقع المجتمعات العربية والإسلامية الأخرى، والكثير من أبناء تلك البلاد يتمنى الوصول إلى المستوى الاجتماعي المتوازن الذي نعيشه هنا وان السياحة قادرة على دعم ذلك التوجه وترسيخه في أذهان السواح والمصطافين والزائرين وهو جزء من رسالة المملكة العالمية الذي ينبغي أن توظف نفسها لتحقيقه وتستغل كل الوسائل الممكنة في سبيل ذلك الهدف النبيل.
عوائق السياحة الداخلية
قد تكون تكلفة أسبوعية تقضيهما في مكة أو أبها أو الدمام أكثر من كلفة أسبوعين تقضيهما في أي منتجع سياحي عالمي. هذه الحقيقة قد تكون من ابرز العوائق للسياحة الداخلية فالسائح الذي يبحث عن الراحة يحسب في نفس الوقت تكلفة تلك الراحة وإذا لم يكن لديه معايير أخرى غير التكلفة المادية فانه سوف يختار الأقل تكلفة.
ولعل من ابرز الأسباب لارتفاع تكلفة السياحة لدينا هو عدم نمو صناعة السياحة بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الدخل لدى الأفراد، والطفرة الاقتصادية السابقة مما جعل قوائم التكاليف التي أعدت في تلك الفترة تتميز بهذا الارتفاع غير المعقول أحيانا.(38/2)
ومع أن الارتفاع المبالغ فيه في التكاليف غير منطقي خاصة في الظروف الاقتصادية الراهنة إلا انه يعتبر من ابرز العوائق التي تحول دون تحقيق النمو السياحي. لذا فان الجهات ذات العلاقة بالأمر وعلى رأسها وزارة التجارة والشركات المحلية التي تعمل في مجال الخدمات السياحية مطالبة بالنظر بجدية في قوائم الأسعار لان ارتفاعها ليس في المصلحة بأي معيار فتخفيض الأسعار أحد الأسباب الرئيسية للربح على المدى البعيد، وهذه الحقيقة الاقتصادية هي التي جعلت الشركات العالمية ذات العلاقة بالخدمات السياحية تخفض أسعارها في سبيل الربح. ومن وسائل تخفيض التكلفة البساطة عند إنشاء مرافق الخدمات السياحية فالبذخ والإسراف في مظاهر المنشآت يرفع أسعار الخدمات التي تقدمها وبالتالي يحول دون تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها.
إن ارتفاع تكلفة السياحة في المملكة أمر غير منطقي حيث إن معظم أساسيات الخدمة السياحية متوفر فشبكة الطرق السريعة والمطارات المنتشرة على مساحة المملكة كلها وأسطول الطيران الهائل وشركة النقل الجماعي والمنتزهات والحدائق ذات المستوى الرفيع كل ذلك عامل جذب ووسائل أساسية لتخفيض التكلفة على السائح إلا إن الجوانب الأخرى ذات العلاقة كالفنادق والاستراحات أمرها يحتاج إلى عناية واهتمام للعمل على توفيرها بأسعار ارخص مما يعود على السياحة بشكل عام بالنمو والازدهار لتحقيق أهدافها.
وجدير بالملاحظة أن ترك السياحة دون تخطيط وإشراف يجعل نموها غير متوازن بل قد تنتقل أمراض السياحة العالمية وسلبياتها وبعض سلوكياتها المنحرفة إلينا دون أن نشعر بذلك ونجد أنفسنا بعد فترة زمنية أمام الأمر الواقع في مجابهة نوع من السياحة السيئة التي لا تتفق مع قيمنا ومبادئنا فتصبح عبئا علينا وعلى الأجيال القادمة كما واقع البلاد العربية الأخرى التي اخذ تسير في مجال التقليد للسياحة العالمية بكل مكوناتها الإيجابية والسلبية.
إن مفهوم السياحة ينبغي أن يحرر ويجرد مما علق به من تحلل في السلوك وبحث عن المتع الرخيصة لتبقى السياحة بأهدافها الثقافية النبيلة بعيدا عن الانحراف ليمكن توظيفها والاستفادة منها من النواحي الإعلامية والثقافية لدعم وسائل التربية والتعليم الأخرى وتثبيت الثقافة المحلية وتوسيع آفاقها في أذهان الصغار والشباب بشكل خاص. وكذلك تقديم الصور الجيدة لأوضاعنا الاجتماعية المستقرة للعالم كله والذي يفتقد هذا النوع من الاستقرار الذي ننعم به وبالتالي الدعوة إلى قيمنا ومبادئنا بطريق غير مباشر قد يكون أبلغ وأكثر تأثيرا من كثير من الوسائل المباشرة.
أن دخول رؤوس الأموال الخاصة في مجال السياحة مساهمة وطنية هامة لتنشيط هذا النوع من الخدمات وقد ترتفع الفوائد مع صلاح النية إلى ما يفيد في الآخرة والدنيا فعندما يهدف صاحب أحد المشاريع السياحية إلى توفير الخدمات لأبناء وطنه لإبعادهم من الأجواء السياحية المشبوهة في الخارج فانه بالإضافة إلى ما يحققه من ربح اقتصادي معقول لن يكون في الآخرة من الخاسرين...
http://www.saaid.net المصدر:(38/3)
السياحة بين الغفلة واليقظة
م. عبد اللطيف البريجاوي
عندما كنت أقرأ في بعض المعاجم اللغوية وقع بصري على معنى كلمة السياحة وهي من فعل سيح فوجدت أن لها معان عديدة ومتنوعة حيث وجدت لها معنى يشابه المصطلح الذي ظهر مؤخرا وهو السير في الأرض.
ورحت أسأل نفسي إذا كانت السياحة بهذا المعنى فإن الله أمرنا بالسير في الأرض في كثير من الآيات البينات الواضحات.
ثم إنني تتبعت هذه المعاني في القرآن الكريم لأصل إلى الفوائد المرجوة من هذا السير فوجدت أن الفوائد الإسلامية من السير في الأرض أو (السياحة كما يقولون) متعددة منها:
1- الإستبصار والتذكر والاعتبار قال - تعالى -" قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين" الأنعام (11)
"قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير" النمل(20).
2- التعارف بين هذه الشعوب وغيرها و التواصل الذي يؤدي إلى احتكاك مباشر ينشأ منه خير عظيم "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" (13) الحجرات.
3- المتعة والفائدة وإدخال البهجة للنفوس "أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أءله مع الله بل هم قوم يعدلون (60)" النمل. فمن يسير في الأرض ويرتحل يرى تلك الحدائق التي تضفي البهجة والسرور على النفس.
4- الدعوة إلى الله - سبحانه - وبيان الإسلام وما سار الصحابة في كل هذه الأرضين إلا رغبة منهم في الدعوة إلى الله - سبحانه -.
لكنه انتشرت في الآونة الأخيرة أنواع من فنون السياحة المختلفة والتي يطوف بعض الناس من خلال هذه الفنون بلاد العالم يتطلعون إلى الآثار الغابرة وينتقلون من مكان إلى آخر في العالم يصورون ويتصورون ويمدحون هذه الحضارة أو تلك ويكتبون عنها الذكريات يمرون بأبي الهول فينحنون أمامه ويشيدون بمن أنشأه ويصعدون الإهرامات وهم منبهرون بهذا البناء الفريد ويذهبون إلى تدمر وبصرى الشام وما تبقى من إيوان كسرى كل ذلك في إعجاب منهم بهذه الحضارات والأعجب من ذلك أنهم يأتون من بلاد بعيدة ويزورون المساجد المختلفة وينبهرون بالصناعة العمرانية الرائعة دون أن يتجاوز أحدهم خلف هذه الروعة العمرانية ليخترق وينطلق ويفكر لماذا بنيت هذه المساجد ولماذا دمرت هذه الحضارة أو تلك.
شاهدت الكثير من هؤلاء السياح في بلاد عديدة لكنني لم أجد ذلك السائح الذي يحول سياحته إلى فكرة وإلى عبرة أو إلى عبرة يغسل بها الغفلة التي حجبته عن الحقيقة الكبرى...
إن الإسلام يطلب منا أن نسير في الأرض وقد أكد على ذلك في أكثر من موضع ولكنه كان دائما يقفل أمر هذا السير في الأرض بالاعتبار والاستفادة من الدروس السابقة وبيان قهر الله لهذه الحضارة أو تلك وأن الأرض لله يورثها من يشاء عباده الصالحين.
وعن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم " متفق عليه(39/1)
ومعنى باكين أي معتبرين مستفيدين من الدروس التي مرت على هذه الحضارة
لكن و يا للأسف الشديد سياحتنا غافلة كل الغفلة عن أهدافها ومراميها محجوبة بعبارات منمقة وشهوات مسوقة لا تدري أين تنتهي ومن أين تبدأ تقف أمام المظهر دون الدخول إلى الأهداف والغايات
ما أغفل القلب الذي يضع الله بين يديه ما يدله عليه ثم يغفل عن ذلك ويبتعد ويتلهى!!!
ما أشقى الحياة عندما تتحول إلى صور لا عبرة فيها وذكريات لا وقود فيها يدفعنا إلى الأمام
إننا مدعون اليوم لتصحيح مفهوم السياحة وإزالة الغفلة التي تحجب الفوائد الجمة منها مطبقين قول الله " قل سيروا في الأرض..... "
فإذا كان لا بد أن نسير في الأرض فلا بد أيضا أن نعرف كيف نسير؟ ولماذا نسير؟
http://saaid.net المصدر:(39/2)
السياحة بين المفهوم الصحيح والمفهوم الخاطئ
خالد بن عبد الله الغليقة
المسؤول الكبير بذل نفسه وجهده لخدمة المجتمع وتنفيذ البرامج التي ترفع من مستوى أفراده، وتفعيل المشاريع التي ترقى بالمستوى اللائق بدولة عالية المبادئ، وسامية الأخلاق، ولها أصالة عريقة وشخصية متميزة، وتملك إمكانيات مادية ضخمة جدًّا جدًّا.
لكن…الواقع الذي يجب أن يعترف به كل من يعرف همة المسؤول الكبير ويخشى عليها أن تتحطم، ويحمل هم الجهود المبذولة والمادة الممنوحة ويخاف عليها من أن تنضب هو أن هناك مغايرة بين الواقع والمأمول الذي من أجله بذل المسؤول الكبير نفسه وجهده، وأن هناك مفارقة بين المشاهد والغاية المنشودة والتي من أجلها بذلت المادة الضخمة.
والسبب يكمن في نظري بالمسؤول الصغير، فهو المراسل والواسطة بين المجتمع وذاك المسؤول. ولهذا كانت مهمة السفير الكبيرة هو نقل الصورة الصحيحة لحكومته وبدقة متناهية خالية من رأيه الشخصي ونزعته النفسية، كساعي البريد في نقل الرسائل. ورأيه الشخصي ونزعته النفسية تأتي في المرتبة الثانية إذا طلب منه، فهذه مقدمة.
ومثالها قضية السياحة الداخلية: يتبين لمن يحمل غيرة على المجتمع، ولديه حسرة على ما يبذل لخدمته من قبل المسؤول الكبير أن المراسل أو السفير أو الواسطة بين المسؤول الكبير والمجتمع وهو المسؤول الصغير ينقل للمسؤول الكبير رأيه الشخصي ونزعته النفسية بدلاً من الصورة الصحيحة والواقع الصريح، فتبنى البرامج على هذا الرأي، وتبنى المشاريع من خلال تلك النزعة، فتصادم دين المجتمع وتعارض رؤيته وتخالف نفسيته، ولهذا لو طلب منه إحصائية أو استبيان أو استفتاء المجتمع على هذا الأمر لتأخر؛ لأنه نقل رأيه الشخصي، وأبان عن نزعته النفسية.
ولهذا أقول: من الذي قال: إن 70% من المجتمع السعودي يعرف السياحة بأنها إعطاء الحرية لممارسة السلوك المشين، كمضايقة الشباب للنساء في الأماكن العامة، وإساءة الأدب وسلوكيات لا تليق بهذا المجتمع الإسلامي، ولا بهذه الحكومة الإسلامية وخاصة في نظر الأجنبي، أو إن 60% من المجتمع السعودي يرى أن السياحة هي الخروج عن المألوف من الأخلاق الحسنة إلى السلوك الهابط، كإزعاج بقية السواح بالغناء الصاخب، ورقص الشباب أمام أعين الجميع! فهذا انفلات عن الأخلاق التي عرف بها هذا المجتمع من بين جميع الشعوب، وتميزت بها هذه الدولة من بين جميع الدول، وخاصة في نظر بقية الوافدين.
وأين الدراسة التي تقول: إن 50% من أهل هذا البلد الإسلامي يرى التلازم بين مفهوم السياحة، وترك المبادئ الإسلامية، كالتحول في قضية حجاب النساء، وإظهار المرأة شيئاً من زينتها المحرمة شرعاً عند الرجال، وجلوس الرجال في الأماكن العامة وقت الصلاة: مظاهر تخالف مبادئ هذا البلد الإسلامي في عين العقلاء مسلمهم وكافرهم.(40/1)
وأين الاستبيان، أم الاستفتاء الذي نتيجته أن 40% من هذا الشعب المتدين مستقر لديه بأن لا سياحة مع وجود رجل يمارس وظيفته الشرعية ومهمته الحكومية فيأمر بتطبيق المبادئ الإسلامية كالصلاة أثناء وقت الصلاة، وينهى النساء عن كشف زينتهن عند الرجال، ويعطل مسيرة تجار المخدرات، ويكسر زجاجة الخمر، ويقطع حبل شبكة الدعارة والخنا، ويكون سدًّا منيعاً أمام الموضات الغربية والمظاهر المستوردة في الهيئة والمظهر، وينهى عن مخالفة الأخلاق الحسنة التي عرف بها هذا المجتمع وهذه الدولة.
بعد هذا العرض يحق لنا أن نقول: إن 70% على الأقل - وعلى رأسهم الدولة - يرون أنه لا يلزم من السياحة التنازل عن المبادئ الشرعية، والتساهل في التخلي عنها.
فإن الدولة لم تقم إلا عليها في نظر أصحاب القراءة العميقة فقط للتاريخ السعودي، وهؤلاء الـ70% أنفسهم - والدولة نفسها - يطالبون بتعطيل مسيرة تجار المخدرات قبل ترويجها على أولادهم، وكسر زجاجة الخمر قبل أن تصل إلى فلذات أكبادهم، وقطع حبل شبكة الدعارة والخنا قبل الوقوع في الفضيحة والنيل من العرض والإخلال بالشرف، وقبل وقوع الفأس بالرأس.
يبقى من هذه النسبة 30% على الأكثر من المجتمع، وهم الذين يمارسون التساهل مع المبادئ الشرعية، ولديهم إخلال بالأخلاق الإسلامية، ويسعون لنشر الرذيلة، وانتهاك الفضيلة، ويخططون لإفساد العقول، وإمراض الأبدان، وعلى رأسهم المسؤول الصغير الذي لا ينقل للمسؤول الكبير هذه الصورة من المجتمع بهذه النسبة الكبيرة، والتي تزداد يوماً بعد يوم مع غياب الرقيب (رجل الحسبة) أو تغييبه، وكلما ازداد غيابه، زادت النسبة حتى يستفحل أمر المخدرات، ويستشري خطر الخمر، ويشتد حبل شبكة الدعارة، ويفلت الشباب من الدين - الذي هو عصمة المجتمع من الإجرام والإخلال بالأمن -، وما سبب ذلك إلا الثقة الزائدة من المسؤول الكبير بالمسؤول الصغير الذي لا ينقل هذه النسبة الكبيرة من المجتمع - والتي تزداد بمرور الأيام للمسؤول الكبير، بل ينقل عكس ذلك وهي أن 99% من المجتمع ما زال متمسكاً بالمبادئ الإسلامية ومتمسكاً بالأخلاق الطيبة! وليس هناك شبكة دعارة! ولا عصابة مخدرات! والشباب ما زالت همته في السماء! وهي في ارتفاع مع مرور الأيام! والشباب مهيئون للمستقبل الكبير! وقادرون على تحمل المسؤولية العظيمة، وليس هناك ما يروج له بعض - الغيورين - أن هناك نسبة من المجتمع يجب أن يمسك على يديها! وليس بصحيح ما يدعيه بعض الناصحين من أن هناك سفهاء في المجتمع يجب الحجر عليهم قبل أن يشتد عودهم فينشرون الفوضى بين الناس ويكثر خبثهم وينطبق عليهم قوله I لزينب بنت جحش - عندما سألته: أنهلك وفينا الصالحون، قال: " نعم إذا كثر الخبث".(40/2)
وأن استدلالهم على انفلات وسفاهة الشباب والشابات بما حصل في حي الفيصلية بالرياض، وما حصل في حي الهنداوية أو الكرنتينة في جدة، وما يحصل في بعض الشوارع في الدمام وغيرها من المناطق أيام الأعياد وساعات الخروج من الملاعب، وغير هذه الوقائع وتلك المشاهد، فكل هذا مبالغ فيه، وإعطاء الأمور أكبر من حجمها، وجعل من الحبة قبة.
وكذلك استدلالهم على خطر السفاهة والانفلات بقوله I: [مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذي في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً].
فهذا الاستدلال من هؤلاء الغيورين وأولئك الناصحين في غير محله، فالمجتمع ليس إلى هذا الحد، ولم يصل إلى هذا المستوى!
فهذه جناية المسؤول الصغير على المجتمع، وعلى الناس، وجنايته على الأمن والأمان، ومستقبل الشباب، وهذه جنايته على سمعة الشعب السعودي في أعين الوافدين، فهؤلاء الوافدين وصلوا وفي مخيلتهم مجتمع متدين لا يتنازل عن مبادئ دينه ولا تعرف السفاهة والسخافة لأخلاقه طريقًا شعب لم يخترق فكريًّا، ولم تغزوه جراثيم الحضارة الغربية، بل أخذ ما عندها من تقدم في العلوم الطبيعية والتجريبية، ونبذ ما لديها من تخلف في العلوم الإنسانية.
يتوقع القادم من خارج الحدود أن شباب هذا البلد الإسلامي متمسك بدينه، ومعتز بلغته، وقابض على هويته، فلا يتوقع الغريب أن يرى شباب هذا المجتمع يرتدي الجينز حيث وجد نفسه فيه، ولا يتصور أن يبصر شبابًا يلبسون لباساً تعلوه صورة لأحد مشاهير الغرب وباللغة الإنجليزية التي في الغالب لا يفهم معانيها ويشعر أثناء ذلك بالزهو، ويرى أن ذلك علامة الرقي والانتماء إلى التحضر! مظهرية جوفاء، ولهذا لا يعرف كيف صنع حزام البنطلون، ولا يدري من أي شيء صنع زرار القميص.
وقد أشار بعض المدركين لهذه المفارقة العجيبة والمظهرية الجوفاء بقوله: "أخذنا منهم السيجارة وما عرفنا نصنع السيارة".
وإن أبدى المسؤول الصغير خلاف هذه المفارقة، ونفى هذه المظهرية الجوفاء عند شبابنا، وأظهر عن سطحيته في تفسير الظواهر الاجتماعية، وأبان عن قصر نظره، وهذا من حسن الظن به وإلا في الحقيقة الكثير من هؤلاء معجب بالمظاهر الغربية ويرى أن المظهر الغربي طريق للتصنيع والتقنية والحضارة.
عوداً إلى الأجنبي وعلى الوافد من خارج الحدود، فلو سمح له بطرح المجاملة وتبني الصراحة لقال: " إ ن طمس الشاه ملك إيران لصورة الجمل ومحاربته لهذا الرمز كانت أضحوكة الأجانب في إيران، ومادة لسخريتهم من ملك يحارب جملاً تشبهاً بالغرب، وفي نفس الوقت الغرب يفتخر بتربية الفئران والجرذان ويقيم التجارب عليها ليستفيد منها".(40/3)
وإذا كان ماركيز الروائي العالمي (الغربي - النصراني) تفاجأ في نهاية رحلته إلى موسكو بعد إعجابه بالشارع الروسي لكونه متمسكاً بهويته، فلا تجد الدعاية الغربية، ولا النمط الأمريكي، وغير مخترق من قبل الثقافة الغربية، لكن في نهاية رحلته فاجأته مترجمته بسؤالها عن رائحة الكوكاكولا فقد خاب أمله، وصدمته بهذا السؤال، لكن يبدو أن الاختراق الفكري كان قد وصل فوهة البركان، يقيناً بأن هناك من كان يناصح المسؤول الكبير الروسي بأن هناك بداية بركان غربي في باطن الشباب الروسي، فإذا لم يُطفأ فسينفجر.
وهذا ما حصل في بقية الدول العربية والإسلامية: براكين مغطاة لا يسمح للناصح والنذير والغيور الكلام فيها، بل تجد من يحذَّر من الناصحين ويصفهم بأنهم يبالغون في حجم الكارثة، وينعتهم بأنهم يعطون الأمر أكبر من حجمه، ويجعلون من الحبة قبة، فمن أراد معرفة جناية هؤلاء المحذَّرين من الناصحين والمنفَّرين من الغيورين على المجتمع وعلى الدين والمبادئ، وعلى الأخلاق وعلى الفضيلة والشرف، وعلى الأمن والأمان: فليقرأ مسيرة الفساد في الدول العربية، وليستقرئ تاريخ الجمعيات السرية، والتكتلات الخفية في هذه الدول، ليعرف تفعيل عملية التدرج في المجتمع، وتفعيل سيناريو (مشروع الألف ميل يبدأ بخطوة)، فإذا قارن هذه المسيرة، وطابق هذا التاريخ على واقع هذه الدول وعلى شعوبها في الوقت الحالي فسيحكم على دعاة الفساد والرذيلة بالذكاء، وسيشهد لرؤساء هذه الجمعيات ودعاة تلك البرامج بالدهاء في رسم مخططاتهم وحبك تطبيق خططهم، والنجاح التام في تحويل هذه الدول وشعوبها إلى غربان، فهي تنازلت عن مبادئها، وطرحت أخلاقها لتلحق بأوروبا، وغيرت لغتها ومسخت هويتها لتكون غربية، ونسيت أو تناست تاريخها لتكون أمريكية، لكن النتيجة أن تحولت هذه الشعوب إلى غربان لم تستطع مجاراة الحمام في مشيتها، ونسيت مشيتها الأصلية، فالثمرة الفشل التام، فلا هي تقدمت في العلوم الطبيعية التجريبية والتكنولوجية، ولا هي تمسكت بمبادئها وأخلاقها وأصالتها، واعتزت بما لديها من تقدم في العلوم الإنسانية، بل وقفت في نصف الطريق بين حضارتين، وبين عقليتين في صحراء قاحلة وأضاعت الدنيا والآخرة.
http://saaid.net المصدر:(40/4)
السياحة في البلدان الأوربية
المفتي د . خالد بن علي المشيقح رقم الفتوى 15483 تاريخ الفتوى 9/5/1427 هـ -- 2006-06-06 تصنيف الفتوى مواضيع متنوعة-> الأسرة والمجتمع-> كتاب قضايا الأسرة السؤال
أرجو توضيح الحكم الشرعي في السفر للخارج، حيث إني متزوج وأرغب في السفر مع زوجتي للبلدان الأوربيه للسياحة وحيث إننا والحمد لله ملتزمان بالتعاليم الاسلامية،أرجو توضيح المسالة ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
حكم هذا الأمر لا يجوز؛ لأن السفر إلى بلاد الكفر لا يجوز إلا لحاجة أو لمصلحة شرعية، بشرط أن يأمن المسلم على نفسه من فتن الشبهات والشهوات، وأن يتمكن من إقامة دينه والمجاهرة به، إلخ،
وهذه الحاجات الضرورية لا توجد في أمر السياحة؛ لأنه لا حاجة في ذلك وليس هناك مصلحة شرعية ، والمسافر إلى تلك البلاد سيتعرض لا محالة لفتن الشهوات والشبهات، مما يعود بالأثر السئ على دين المرء المسلم وأخلاقه، فضلاً عن تسببك في تعريض زوجتك لهذه الفتن، وسؤالك بين يدي الله تعالى عن ذلك ، والله عزوجل يقول { ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ماأمرهم ويفعلون مايؤمرون} ( التحريم -6).
ثم العجب من قولك:أنا وزوجتي ملتزمان !! فسفرك للسياحة في بلاد الكفار يخالف مقتضى الالتزام الذي ذكرته ، بل مقتضى الالتزام الذي نصبت نفسك له أن تترك مثل هذا الأمر، وفي بلادنا وبلاد المسلمين الغنية عن السفر لبلاد الكفار .(41/1)
السياحة في بلاد الكفر
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
20/6/1429هـ
السؤال:
أنا فتاة، وأهلي سوف يسافرون لقضاء عطلة الصيف في بلد أوروبية (بريطانيا)، ما حكم ذهابي معهم لهذه البلد (لندن)، مع العلم أنني لا أستطيع أن أمنعهم من السفر إلى هذه البلد، ولا أستطيع أن امتنع عن السفر بالرغم من وجود أبي وبعض إخواني في البيت إلا أنني مرتبطة بوالدتي، ولا أستطيع أن أمكث في البيت بدونها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
أختي الفاضلة: قرأت سؤالك، وتأملت معاناتك مليِّاً، فتوارد عليّ شعوران تجاذباني وهما في غاية التنافر والاختلاف:
يتملَّكني شعورٌ بالإعجاب والإكبار لعقلك، فإني أرى نضجه، وأتلمس رجحانه في موقفك من مسألة السفر هذه، وكأني بك راغبة عنه لولا تعلّقك بأمِّك، لقد أعجبني منك هذا التعقُّل، وأكبرت فيك هذا التردد؛ فقلَّ أن تتردد فتاةٌ في مثل عمرك في هذا السفر، فضلاً عن أن تستفتي فيه أحداً.
وينتابني شعورٌ بالأسى والحسرة لهذه الظاهرة الخطيرة ألا وهي السفر لبلاد الكفر بالمال والأهل والولد، فالمال يذهب إلى الأعداء، والأهل والولد يرجعون بغير ما ذهبوا به، محمَّلين بالأوزار والشبهات والعادات السيئة، ويكفي منها التسخط على أوضاع المجتمع المحافظ نوعاً ما.
أختي الفاضلة: قد تكون المقاصد والبواعث بريئة لا تخرج في بداياتها عن مجرد النفرة من حر الصيف اللافح، وقصدِ التمتُّع بالطبيعة، وتغيير نمط الحياة الرتيب، لكن هل الذي يحدث هو فعلاً هذا، وهل تنتهي كما بدأتْ؟
الغالب - وبشاهدة الواقع - من أحوال هؤلاء السائحين في بلاد الكفر هو التجوُّزُ في كثير من المنكرات، والتردّد على مواطن ترتادها شياطين الإنس والجن؛ لتستثير كوامن الفتنة والشهوة، ولذا فنصيحتي إليك أن تجتهدي في صرف أهلك عن السفر إلى بريطانيا (أو غيرها من بلاد الكفر) إلى بلاد إسلامية محافظة، ولا تستيئسي في دعوتهم ونصحهم، ولكن باللين والرفق، فإن أبوا إلا السفر إلى هنالك فعليك بتذكيرهم بوجوب الاحتشام، والبعد عن مواطن الرذيلة، وتذكيرهم بأن تقوى الله والالتزام بشرعه لا يحده حدود دولة، ولا يختص بمكان دون مكان، ولا بزمانٍ دون زمان، بل الأمر على قاعدة: (اتق الله حيثما كنت).
إن كونهم عازمين على السفر لا يعفيك من النصيحة لهم، وتذكيرهم بتقوى الله، وتحذيرهم من مغبة معصيته.
كما أن رفضهم لنصحك إياهم بترك السفر لتلك الديار لا يعني أنهم لن ينتصحوا لك فيما سوى ذلك، ولا يعني أنه لا خير فيهم، ولا جدوى من نصحهم، فليكن أمرك معهم كما قال الأول: حنانيك بعض الشر أهون من بعض.
أما سؤالك: هل تذهبين معهم أم تمكثين في البيت مع أبيك وبعض إخوتك؟(42/1)
فالذي أنصحك به - أختي الفاضلة - هو ألا تسافري إلى تلك البلاد ما دمت قادرة على عدم السفر، فالسفر إلى تلك البلاد - كما تعلمين - لا يكاد يخلو من بعض المفاسد والفتن، خاصة لمن يقصد المدن الكبرى منها، والتي تعج بألوان من الفساد، ومظاهر من التفسخ في دعوة إلى الفاحشة بطريقة صارخة فجة تلاحق حتى الذاهل عنها.
وإن كنت لا تصبرين على فراق أمك، وتحتاجينها في ضرورات حياتك اليومية؛ فألحي عليها بعدم السفر إلحاحاً لا يفتقد اللطف، ولا يفارقه الأدب؛ فإن هي أبتْ إلا السفر فعسى أن تكوني معذورة في مرافقتها إلى هناك، ولكن بشرط المحافظة على الصلوات في وقتها، والتزام الحجاب الشرعي الكامل، فلا كشف للوجه، ولا لبس للضيق، وعليك بالبعد عن الاختلاط بالشباب، وعن مواطن الفتن.
وليكن قضاء وقتك في التمتع بما حباه الله تلك البلاد من جمال الطبيعة الخلابة، والتفكرِ فيما بثه الله فيها من بديع خلقه، واشغلي وقتك بما يفيدك: من القراءة في كتاب الله، وحفظ بعض السور، والقراءة في الكتب النافعة، فسوف تجدين في ذلك لذة تضارع لذة المقيمين على الشهوات والمعاصي، ولسوف تجدين في ذلك أُنساً لا يجده أولئك في معاقرة الخمرة، ومنادمة القينة.
وعليكِ أولاً وآخراً بتقوى الله في السر والعلن، والإقامة والظعن، فإن الله لا تخفى عليه خافية، وفقكِ الله، وهداك وثبتك، وحباك حب طاعته، واستعملك في مرضاته.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://islamtoday.net/questions/show-question-content.cfm?id=24482(42/2)
السياحة كلمة ومعنى
الشيخ د سعود الشريم
إن محور حديثنا ونقطة الارتكاز فيما سنطرحه هو ما يسمى في الكلام "السياحة"، وما تطرف منها لفظا ً ومعنى. هذه الكلمة تكاد تتواطأ أسهام الأغرار من الناس على أنها عبارة دالة بذاتها على معان منها: الترويح عن النفس، أو الاصطياف، أو الخروج عن القيود الشرعية أو العرفية، أو الارتقاء والتمدن واتساع الأفق الثقافي، أو بعبارة أخرى تلم الجميع: ’العولمة الحرة‘. وأين كان، هذا المعنى أو ذاك، فإنه لن يخرجنا هذا كله عن القول بصدق: إن هذه المعاني والمفاهيم للسياحة كلها مغلوطة، وليست من السياحة في ورد ولا صَدر ولا هي من بابه. ولأجل أن نؤكد على ما نقول بالدليل القاطع فإن هناك نصوصا ً من كتاب ربنا وسنة نبينا، - صلى الله عليه وسلم -، وأقوال السلف الصالح، كلها تدل على مفهوم للسياحة مغاير لما تعارف عليه جمهرة الناس.
يقول الله، - جل وعلا -: "التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون، " الآية. قال ابن مسعود وابن عباس وأبو هريرة وعائشة - رضي الله عنهم -، وغيرهم: "إن السائحين هم الصائمون. " ومثل ذلك قوله - تعالى -: "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا ً خيرا ً منكن، مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ً. " وقد قالت عائشة - رضي الله عنها -: "سياحة هذه الأمة: الصيام. " وقال بعض أهل العلم، كزيد بن أسلم وابنه: "السائحون هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم. " وثم إطلاق آخر لمعنى السياحة وهو السير للمطلوب الشرعي والبحث عنه، عبادة ً لله وقربى لديه، كالحج وزيارة المساجد الثلاثة، أو الغزو في سبيل الله أو نحو ذلك. فقد ثبت عند الترمذي في جامعه، أن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، إذا قَفَل من غزوة، أو حجٍ أو عمرة، كان مما يقول في دعائه: "آيبون تائبون عابدون سائحون لربنا حامدون، " الحديث. وإطلاق آخر للسياحة بمعنى عبادة الله في أرضه للمضطهدين في دينهم والمشردين عن أوطانهم، كما ثبت في صحيح البخاري من قصة هجرة أبي بكر، - رضي الله عنه -، إلى الحبشة حيث لقيه ابن الدَّغِنة فقال: "أين تريد يا أبا بكر؟ " فقال أبو بكر: "أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. " فقال ابن الدغنة: "إن مثلك لا يَخرج ولا يُخرج، " الحديث.
ما مضى ذكره إنما هي معان ٍ ممدوحة من معاني السياحة والذهاب على وجه الأرض في أصل الكلمة وحقيقتها. وفي المقابل، نجد سياحة مذمومة ممقوتة، نهى الشارع الحكيم عنها وأبدل الأمة خيرا منها. وهي السياحة في الأرض، على وجه العزلة والانطواء والبعد عن الناس ومخالطتهم والصبر على أذاهم لأجل التعبد وحده. فقد ثبت عن أبي أمامة، - رضي الله عنه -، أن رجلا ً قال: "يا رسول الله: ائذن لي في السياحة. " قال النبي، - صلى الله عليه وسلم -: "إن سياحة أمتي: الجهاد في سبيل الله. " رواه أبو داود في سننه وقدَّره بقوله: "باب النهي عن السياحة. "(43/1)
قال ابن عباس، - رضي الله عنهما -، في قوله - تعالى -: "ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم، إلا ابتغاء رضوان الله فما رَعوها حق رعايتها، " يقول، - رضي الله عنه -: "هذا عن ملوك بعد عيسى بن مريم بدلوا التوراة والإنجيل وكان بهم مؤمنون يقرؤون التوراة.." إلى أن قال، - رضي الله عنه -: "..فقال أناس منهم: نتعبد كما يتعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتخذ دُورا كما اتخذ فلان، وهم على شركهم. فلما بعث الله النبي، - صلى الله عليه وسلم -، ولم يبق منهم إلا قليل، انحط رجل من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وصاحب دَير من ديره فآمنوا به، وصدقوه، فقال - تعالى -: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله، يؤتكم كِفلين من رحمته. " رواه النسائي.
يقول ابن كثير، - رحمه الله -: "وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين، كما ثبت عند البخاري من حديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن. "
ما سبق ذكره بعض المعالم والشذرات حول مفهوم السياحة، الأصل والأساس، والذي كاد يُعدم معناه أو ينمحي، حيث أبدله الناس بهذا المفهوم العارم والذي سنسلط عليه بعض الضوء والمصارحة، ففي النصح بركة والحر تكفيه من ذلك الإشارة. فنقول: إن الترويح على النفس بما أباح الله لها هو مسرح للاستئناس البريء الخالي من الصخب واللغط، على حد قول النبي، - صلى الله عليه وسلم - لحنظلة بن عامر، - رضي الله عنه -: "ولكن، ساعة وساعة، " لا كما يقول أرباب التحرر: "ساعات لك، وساعة لربك، واستعن بالهزل على الجد، والباطل على الحق، " أو: "دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر! " كلا! فالبيت والمجتمع والإعلام كلهم خاضعون لحدود الله. ومتى تجاوزوا تلك الحدود، فما قدَروا الله حق قدره وما شكروه على آلائه.
قبل الإجازات نرى أقواماً يَعقدون الجلسات غير المباركة عن معاقد عزمهم في شد الرحال إلى مجاري الأنهار وشواطئ البحار في بلاد الكفار أو بلاد تشبهها، يفرون من الحر اللافح إلى البرد القارس، وما علموا أن الكل من فيح جهنم ونَفَسها الذي جعله الله لها في الشتاء والصيف.
رحلات عابثة تفتقر إلى الهدف المحمود والنفع المنشود، أدنى سوئها الإسراف والتبذير، ناهيك عما يشاهد هنالك من محرمات ومخازي لا يُدرى كيف يبيح المرء لنفسه أن يراها، وماذا سيجيب الله عن قوله: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم. "(43/2)
إننا نحتاج حقيقة ً إلى مصارحة مع أنفسنا وإلى استحضار عقولٍ وقلوبٍ ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. إننا لنسائل رواد السياحة بأوضح صور الصراحة، فنقول لهم: أفيدونا، يا هداكم الله: ما هي إيجابيات السياحة؟ وما هي سلبياتها؟ والجواب، أن ظننا فيهم، أن يقولوا: "إيجابياتها تكمن في التعرف على البلدان ومعرفة حضارات الأقوام ومشاهدة المناظر الخلابة والآثار العامرة.. " والرابع، يقال على استحياء: "قتل الأوقات ومجاراة الناس! "
وأما السلبيات فسيجيب عنها غيورون عقلاء على أنها "لا حصر لها، " غير أن من أبرزها: "السفر إلى بلاد الكفر، " والتي نهانا النبي، - صلى الله عليه وسلم -، عن الإقامة بها، وكذا "السفر بلا مَحْرم عند البعض، " ومثله "التساهل في الحجاب بالنقص منه أو نزعه بالكلية! " وكذا "رؤية المنكرات والعري والاختلاط بين الجنسين ورؤية الكفر بالله ورسوله وانتهاك محارم الله، " وقولوا مثل ذلك في الإسراف والتبذير، ناهيك عن البعد عن جو الإيمان وطاعة الله: فلا أذانٌ يُسمع ولا قرآنٌ يُتلى ولا ذكرٌ لله، إلا ما شاء الله. ومن دَعته محبته لله إلى أن يؤدي فريضة الله، فعلى استحياء أو تخوف أو في أماكن صخب يتعذر معها معرفة القبلة أو وقت الصلاة أو أن يفقه مما أدى شيئا!
وأما ندرة الطعام الحلال، فحدث عن ذلك ولا حرج. إضافة إلى خطورة ما ذكر على الأطفال والشباب والفتيات، وما يَعلق في أذهانهم من حب اللهو والإحساس بأن ما عند أولئك خيرٌ مما عندنا، وأننا نعيش في أجواء الكبت والمحاصرة وقيد الحرية!
وإذا كنا قد ذكرنا آنفا أن السياحة على وجه العزلة للتعبد، منهي عنها، فكيف بالسياحة على وجه اللهو واللعب: ألا إن النهي أشد والمغبة أسوأ. ولو لم يكن في ذلك إلا أن المرء يذهب بنفسه وذويه إلى بلاد السوء وأرض المعاصي والكفر بالله، فلا يدري: أيُختم له في بلد الإسلام، أم في بلد الكفر؟ أفي جو الطاعة والإيمان، أم في جو المعصية وأماكن اللهو والعبث؟ والأعمال بالخواتيم!(43/3)
وبعد، فثم سؤال آخر يطرح نفسه، ليَبين من خلاله وجه التناقض بين مآرب السياح وأرباب السياحة، وبين ما ألِفه بعضهم من جو الحفاظ والتدين. وصورة السؤال هي: "يا أيها السائح: هل أنت ممن سيقرأ دعاء السفر، إذا أردت السياحة في بلاد اللهو؟ " فإن كان باحثا ً عن الحق، فسيقول: "وهل يغفل المرء المسلم دعاء السفر؟ " قلنا له: "فماذا تقول في دعائك؟ " فسيجيبنا: "أقول الدعاء المشهور: اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا: البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى. " فنقول له: "حسبك قف! لقد قلت: البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى! فأين محل البر والتقوى والعمل المُرضي في سفرك؟! أيكون مشاهدة المنكر برا ً أو تقوى؟ أيكون الجلوس أمام ما يغضب الله برا ً أو تقوى؟ إن ذلك كله مما لا يُرضي الله، وأنت تسأله من العمل ما يُرضيه! ألا تدري ما هو البر؟ إن أجمع ما يصوره هو قوله، - جل وعلا -: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. " ألا تدري ما التقوى؟ "إنما يتقبل الله من المتقين. " ألا تدري ما العمل الذي يُرضي الله؟ "إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه. "
فعلينا أن نفيق، وليس عيبا ً أن يقع أمرؤ في الخطأ، وإنما العيب، كل العيب، أن يتمادى فيه ويكابر!
اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والثبات على دينك واتباع سنة نبيك، - صلى الله عليه وسلم -.
9/6/1423
18/08/2002
http://www.islamtoday.net المصدر:(43/4)
السياحة كلمة ومعنى
سعود الشريم
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده و رسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على طريقه واتبعوا نهجه وهداه، وعلى من تبعهم وحذا حذوهم ما تعاقب الأجدان، الليل والنهار.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. إلزموا حدود الله: فامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه. وحذار حذار من التفلت والحياد عن سبيله كما تتفلت الإبل في عُقُلها، فإنه ما من زمان يأتي إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم. وإنكم ستعرفون مِن الناس وتنكرون حتى يأتي على الناس زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله. ألا فمن استنصح الله وُفق، ومن اتخذ شِرعته نهجا هُدي للتي هي أقوم. فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون.
عباد الله: تكلم أهل الأصول وعلم البيان عن الكلام وماهيته، وأن من أقسامه ما يسمى ’الحقيقة‘. وأن الكلام الحقيقي قد يكون لغويا أو شرعيا أو عرفيا، كما هو في مظانه من مؤلفاتهم. والذي يفيدنا منه في هذا المقام هو أن الأصل في الألفاظ حمْلها على الحقيقة بواحد من أقسامها الثلاثة الآنفة. وإذا كان الأمر كذلك، فإن طغيان الجانب المادي واللهث وراء المحسوسات، المشغلة عن الدين والتدين و سلوك النهج القويم والدخول في دائرة الأخلاق التي تشمل الجميع، كان سببا ولا شك في قلب الحقائق وجعل الشين زيناً والمر حلواً ومثول صور شتى من اللامبالاة بقيم الألفاظ ودلالات الكلام وثمراته، كما جاء في بعض الأحاديث من تسمية الأشياء بغير اسمها، كما تسمى الخمرة عند أقوام بـ’المشروبات الروحية‘، والمخدرات ’كيوفات حيوية‘، وما أشبه ذلك. غير أن مما يروعنا، عباد الله، خلائق مقبوحة إنتشرت بين كثير من المجتمعات المسلمة في كافة الأقطار، دون مبالاة. أو بعبارة أخرى، على إغماض متعمد أو شبه متعمد من ذوي المسئوليات العامة من كافة الناس المكلفين. واستمرت موافقة الناس لها حتى حولها الإلف والمحاكاة إلى جزء لا يتجزء من الحياة العامة والتحسينات اللامحدودة.
ومن هنا، رأينا الإستهانة بالكلمة و حقيقتها التي وضعت لها. ورأينا قلة الإكتراث بالأمانات والمسئوليات الثقيلة. ورأينا القدرة على التكيف في قلب الحقائق إذا حل الهوى قلبا ً خاليا ً، فتمكن منه. ومن ثم، جُعل الجهل علما ً، وريادة ً وتطورا ً، والعلم جهلا ً والمعروف منكرا ً والمنكر معروفا ً، وهكذا دواليك.(44/1)
إن محور حديثنا أيها الناس ونقطة الإرتكاز فيما سنطرحه هو ما يسمى في الكلام "السياحة". نعم، السياحة، وما تطرف منها لفظا ً ومعنى. تلكم الكلمة، عباد الله، تكاد تتواطئ أسهام الأغرار من الناس على أنها عبارة دالة بذاتها على معان منها: الترويح عن النفس، أو الإصطياف، أو الخروج عن القيود الشرعية أو العرفية، أو الإرتقاء والتمدن واتساع الأفق الثقافي، أو بعبارة أخرى تلم الجميع: ’العولمة الحرة‘. وأين كان، هذا المعنى أو ذاك، فإنه لن يخرجنا هذا كله عن القول بصدق: إن هذه المعاني والمفاهيم للسياحة كلها مغلوطة، وليست من السياحة في ورد ولا صَدر ولا هي من بابته. ولأجل أن نؤكد على ما نقول بالدليل القاطع فإن هناك نصوصا ً من كتاب ربنا وسنة نبينا، صلى الله عليه وسلم، وأقوال السلف الصالح، كلها تدل على مفهوم للسياحة مغاير لما تعارف عليه جمهرة الناس.
يقول الله، جل وعلا: "التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون،" الآية. قال بن مسعود وبن عباس وأبو هريرة وعائشة رضي الله عنهم، وغيرهم: "إن السائحين هم الصائمون." ومثل ذلك قوله تعالى: "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا ً خيرا ً منكن، مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ً." وقد قالت عائشة رضي الله عنها: "سياحة هذه الأمة: الصيام." وقال بعض أهل العلم، كزيد بن أسلم وابنه: "السائحون هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم." و لذلك قال بعض السلف: " من لم يكن رُحلة، لن يكون رُحالة." أي من لم يرحل في طلب العلم للبحث عن الشيوخ والسياحة في الأخذ عنهم، سيبعد تأهله ليُرحل إليه.
وأقول أيها المسلمون: إن هذا القول كان أيام الخلافة الإسلامية وكون البلدان كالرقعة الواحدة، والله المستعان!
وثم إطلاق آخر لمعنى السياحة وهو السير للمطلوب الشرعي والبحث عنه، عبادة ً لله وقربى لديه، كالحج وزيارة المساجد الثلاثة، أو الغزو في سبيل الله أو نحو ذلك. فقد ثبت عند الترمذي في جامعه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا قَفَل من غزوة، أو حج أو عمرة، كان مما يقول في دعائه: "آيبون تائبون عابدون سائحون لربنا حامدون،" الحديث. وإطلاق آخر للسياحة بمعنى عبادة الله في أرضه للمضطهدين في دينهم والمشردين عن أوطانهم ، كما ثبت في صحيح البخاري من قصة هجرة أبي بكر، رضي الله عنه، إلى الحبشة حيث لقيه بن الدَّغِنة فقال: "أين تريد يا أبا بكر؟" فقال أبو بكر: "أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي." فقال بن الدغنة: "إن مثلك لا يَخرج ولا يُخرج،" الحديث.
ومن هذا المنطلق، دُونت المقولة المشهورة عن شيخ الإسلام، بن تيمية، رحمه الله، إبان إضطهاده وامتحانه: "ما يفعل أعدائي بي؟ إن سجني خلوة، وقتلي شهادة، وتشريدي سياحة." ولا يُعقل أيها المسلمون أن يسيح العالم المجاهد، المتقي، لأجل أن يلهو أو يعبث!(44/2)
ما مضى ذكره أيها الإخوة إنما هي معان ٍ ممدوحة من معاني السياحة والذهاب على وجه الأرض في أصل الكلمة وحقيقتها. وفي المقابل، نجد سياحة مذمومة ممقوتة، نهى الشارع الحكيم عنها وأبدل الأمة خيرا منها. تلكم، عباد الله، هي السياحة في الأرض، على وجه العزلة والإنطواء والبعد عن الناس ومخالطتهم والصبر على أذاهم لأجل التعبد وحده. فقد ثبت عن أبي أمامة، رضي الله عنه، أن رجلا ً قال: "يا رسول الله: إئذن لي في السياحة." قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "إن سياحة أمتي: الجهاد في سبيل الله." رواه أبو داود في سننه وقدَّره بقوله: "باب النهي عن السياحة."
قال بن عباس، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: "ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم، إلا إبتغاء رضوان الله فما رَعوها حق رعايتها،" يقول، رضي الله عنه: "هذا عن ملوك بعد عيسى بن مريم بدلوا التوراة والإنجيل وكان بهم مؤمنون يقرأون التوراة.." إلى أن قال، رضي الله عنه: "..فقال أناس منهم: نتعبد كما يتعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتخذ دُورا كما اتخذ فلان، وهم على شركهم. فلما بعث الله النبي، صلى الله عليه و سلم، ولم يبق منهم إلا قليل، إنحط رجل من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وصاحب دَير من ديره فآمنوا به، وصدقوه، فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وآمنوا برسوله، يؤتكم كِفلين من رحمته." رواه النسائي.
يقول بن كثير، رحمه الله: "وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإن هذا ليس بمشروع ألا في أيام الفتن والزلازل في الدين، كما ثبت عند البخاري من حديث أبي سعيد أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن."
فلا إله إلا الله: كم فيما مضى ذكره من عبر، ولا إله إلا الله كم يكفينا ذلك في تذكير أرباب السياحة العابثة. ألا سبحان الله: سياحة لأجل العزلة والتعبد منهي عنها، أفتكون سياحة اللهو والتخمة أحل وأنقى؟؟ لا إله إلا أنت، سبحانك، ولا نقول إلا ما يرضيك عنا.
تلك، عباد الله، بعض المعالم والشذرات حول مفهوم السياحة ،الأصل والأساس، والذي كاد يُعدم معناه أو ينمحي، حيث أبدله الناس بهذا المفهوم العارم والذي سنسلط عليه بعض الضوء والمصارحة، ففي النصح بركة والحر تكفيه من ذلك الإشارة. فنقول: إن الترويح على النفس بما أباح الله لها هو مسرح للإستئناس البريء الخالي من الصخب واللغط، على حد قول النبي، صلى الله عليه وسلم لحنظلة بن عامر، رضي الله عنه: "ولكن، ساعة وساعة،" لا كما يقول أرباب التحرر: "ساعات لك، وساعة لربك، واستعن بالهزل على الجد، والباطل على الحق،" أو: "دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر!" كلا! فالبيت والمجتمع والإعلام كلهم خاضعون لحدود الله. ومتى تجاوزوا تلك الحدود، فما قدَروا الله حق قدره وما شكروه على آلائه.(44/3)
إن المرء الجاد الخائف من ربه، وولي نعمته، ليس لديه متسع من الوقت أو الجهد لينفقه فيما يعود عليه بالوبال. لقد حرص كثير من الناس على تضخيم الترويح على النفس والبدن، حتى ظنوا بسبب ذلك أنهم مسجونون في بيوتهم وبلدانهم! إستصغروا ما كانوا يُكبرون من قبل، واستنزروا ما كانوا يستغفرون! أقفرت منازلهم من الأ ُنس، وألِفوا السياحة على مفهومهم القاصر، والجلوس في المنتديات حال الإغتراب، حتى أصبح المرء منهم في داره حاضرا ً كالغائب، مقيما ً كالنازح، يعلم من حال البعيد عنه ما لا يعلم من حال القريب منه.
قبل الإجازات، يَعقدون الجلسات غير المباركة عن معاقد عزمهم في شد الرحال إلى مجاري الأنهار وشواطيء البحار في بلاد الكفار أو بلاد تشبهها، يفرون من الحر اللافح إلى البرد القارس، وما علموا أن الكل من فيح جهنم ونَفَسها الذي جعله الله لها في الشتاء والصيف.
رحلات عابثة تفتقرإلى الهدف المحمود والنفع المنشود، أدنى سوءها الإسراف والتبذير، ناهيكم عما يشاهد هنالك من محرمات ومخازي لا يُدرى كيف يبيح المرء لنفسه أن يراها، وماذا سيجيب الله عن قوله: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم."
الجُل من السياح نهارهم في دُجنة وليلهم جَهْوَري، ألذ ما عند بعضهم سمر العشاق أو شَغل المشغولين بالفراغ. عبادتهم ندر وغوايتهم غمر. يأكلون الأرطال ويشربون الأسطال، ويسهرون الليل وإن طال، حتى يصير الصبح ليلا ً والليل صبحا ً، فيختل الناموس الذي خلق الليل والنهار من أجله. فلا يُرخي الليل سدوله إلا وقد سَحب اللهو ذيوله. وتمشت البلادة في عظام المرء حتى تترقى إلى هامه وتسْلم العقل، فيُخلع ثوب الوقار ويُلاطف بعبث مشين في سَفْسَف أو باطن من الأمر.
ومن ثم، تُعد تلك السجايا من السياحة الجاذبة. وكم يقال حينها:
هل لساهر في مثل هذا من نُزْح *** أو هل لليله من صبح
هيهات ثم هيهات، فتلك ليال طُف أجنحتها وظل أصحابها، وكيف يُرجى تقطيع ليال وافية الذوائب ممتدة الأطناب بين المشارق والمغارب؟ "وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا". ولا بِدْع حينئذ إذا عكست آمال هؤلاء وخابت أعمالهم فلم يرجعوا من سياحتهم إلا بنفاد المال في الدنيا وسوء المغبة في الأخرى.
إننا أيها المسلمون نحتاج حقيقة ً إلى مصارحة مع أنفسنا وإلى استحضار عقولٍ وقلوبٍ ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. إننا لنساءل رواد السياحة بأوضح صور الصراحة، فنقول لهم: أفيدونا، يا هداكم الله: ما هي إيجابيات السياحة؟ وما هي سلبياتها؟ والجواب، أن ظننا فيهم، أن يقولوا: "إيجابياتها تكمن في التعرف على البلدان ومعرفة حضارات الأقوام ومشاهدة المناظر الخلابة والآثار العامرة.." والرابع، يقال على إستحياء: "قتل الأوقات ومجاراة الناس!"(44/4)
وأما السلبيات فسيجيب عنها غيورون عقلاء على أنها "لا حصر لها،" غير أن من أبرزها: "السفر إلى بلاد الكفر،" والتي نهانا النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الإقامة بها، وكذا "السفر بلا مَحْرم عند البعض،" ومثله "التساهل في الحجاب بالنقص منه أو نزعه بالكلية!" وكذا "رؤية المنكرات والعري والإختلاط بين الجنسين ورؤية الكفر بالله ورسوله وانتهاك محارم الله،" وقولوا مثل ذلك في الإسراف والتبذير، ناهيكم عن البعد عن جو الإيمان وطاعة الله: فلا أذانٌ يُسمع ولا قرآنٌ يُتلى ولا ذكرٌ لله، إلا ما شاء الله. ومن دَعته محبته لله إلى أن يؤدي فريضة الله، فعلى إستحياء أو تخوف أو في أماكن صخب يتعذر معها معرفة القبلة أو وقت الصلاة أو أن يفقه مما أدى شيئا!
وأما ندرة الطعام الحلال، فحدثوا عن ذلك ولا حرج. أضافة إلى خطورة ما ذكر على الأطفال والشباب والفتيات، وما يَعلق في أذهانهم من حب اللهو والإحساس بأن ما عند أولئك خيرٌ مما عندنا، وأننا نعيش في أجواء الكبت والمحاصرة وقيد الحرية!
وأمثال ذلك أضعاف مضاعفة، بيد أن الحاصل في الأمر هو أن الإثم في السياحة المزعومة أكبر من النفع، والسلب أضعاف الإيجاب. ولو نظرنا إلى الخمرة، والتي يجمع المسلمون طُرا ً على تحريمها، يقول عنها، جل شأنه: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما." وإذا كنا قد ذكرنا آنفا أن السياحة على وجه العزلة للتعبد، منهي عنها، فكيف بالسياحة على وجه اللهو واللعب: ألا إن النهي أشد والمغبة أسوأ. ولو لم يكن في ذلك إلا أن المرء يذهب بنفسه وذويه إلى بلاد السوء وأرض المعاصي والكفر بالله، فلا يدري: أيُختم له في بلد الإسلام، أم في بلد الكفر؟ أفي جو الطاعة والإيمان، أم في جو المعصية وأماكن اللهو والعبث؟ والأعمال بالخواتيم!
ألا تسمعون، يا رعاكم الله، إلى ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ً وأكمل المئة بالراهب، حتى أتى عالما ً فقال له العالم: "ومن يَحُول بينك وبين التوبة؟ إنطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أ ُناسا يعبدون الله، فاعبد الله معهم. ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء." فانطلق، حتى إذا نَصَف الطريق، أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فجعلوا مَلكا حكما، فقال: "قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له." فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجُعل من أهلها! فيالله، أين أنتم يا عشاق السياحة؟ لقد كان مصير هذا التائب، الخائف الوجل، متعلقا ً بمدى قربه من أي القريتين! ألا ما أصعب الجواب، وما أسحق الهوة.(44/5)
وبعد، فثم سؤال آخر يطرح نفسه، ليَبين من خلاله وجه التناقض بين مآرب السياح وأرباب السياحة، وبين ما ألِفه بعضهم من جو الحفاظ والتدين. وصورة السؤال هي: "يا أيها السائح: هل أنت ممن سيقرأ دعاء السفر، إذا أردت السياحة في بلاد اللهو؟" فإن كان باحثا ً عن الحق، فسيقول: "وهل يغفل المرء المسلم دعاء السفر؟" قلنا له: "فماذا تقول في دعائك؟" فسيجيبنا: "أقول الدعاء المشهور: اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا: البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى." فنقول له: "حسبك قف! لقد قلت: البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى! فأين محل البر والتقوى والعمل المُرضي في سفرك؟! أيكون مشاهدة المنكر برا ً أو تقوى؟ أيكون الجلوس أمام ما يغضب الله برا ً أو تقوى؟؟ أن ذلك كله مما لا يُرضي الله، وأنت تسأله من العمل ما يُرضيه! ألا تدري ما هو البر؟ إن أجمع ما يصوره هو قوله، جل وعلا: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون." ألا تدري مالتقوى؟ "إنما يتقبل الله من المتقين." ألا تدري مالعمل الذي يُرضي الله؟ "إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه."
ألا فاتقوا الله، معاشر المسلمين. وليس عيبا ً أن يقع أمرؤ في الخطأ، وإنما العيب، كل العيب، أن يتمادى فيه ويكابر!
اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والثبات على دينك واتباع سنة نبيك، صلى الله عليه وسلم. اللهم ارزقنا من السعادة والطمأنينة والرضا بالمقسوم ما يغنينا عما عند غيرنا. اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك. بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة. أقول ما سمعتم وأستغفر الله، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله. أما بعد:(44/6)
فيا أيها الناس: إن ما مضى ذكره حول السياحة، بين المفهوم الصحيح والمفهوم الخاطيء وما أشرنا إليه من جهة التحريم والنهي، فإن المنع قد يُرفع عند الضرورة الملجئة، وللضرورة أحوالها. بَيْد أن هناك أمرا يجدر الإهتمام به وهو أن هذا المنع لا يدل من قريب ولا من بعيد على ألا يكون للمسلمين ما يسمى على لغة الكثيرين: "التنشيط السياحي." أو بعبارة أخرى أصح: "فرص إستغلال الأوقات،" لأجل أن يستغنوا عن السفر إلى بلاد الكفار أو ما يشابهها. وفي الوقت نفسه، لا يُفهم من هذه الدعوة أن يكون الحل في استجلاب ما عند غيرنا إلى أرضنا، فتكون الثمرة هي فحسب ’إستبدال المواقع!‘ فيكون حشفا وسوء كيل. بل ينبغي أن يكون الأمر أعظم وأجل. إنه مبني على كوننا مسلمين، نعمل ونسعى ونرتقي من خلال ما شرعه الله لنا. فإنشاء الدورات الصيفية والجمعيات الخيرية من تحفيظ للقرآن، أو تنشيط ثقافي نافع أو نحو ذلك مما يُستغل به أوقات الجمهور، وإن لزم الأمر فيُقتصر حينئذ على المباح، إذ ما بعد المباح إلا ما حرم الله، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟ مع الحذر الحذر أن تُقلب المفاهيم وأن تكون صورة التنشيط السياحي مثالا ً للهو والعبث والضج والضجيج والعزف والطرب، وبذل الوقت والمال فيما حرم الله ورسوله. فكم من مظاهر عريضة مفتعلة لها ضجيج وطنين يَصْدع الأسماع والأبصار تمتد ألوانها إلى أوقات متأخرة ليلا ً، ولسان الحال يقول:
يا ليل هل لك من صباح *** أم هل لصبحك من براح
ضل الصباح طريقه *** والليل ضل عن الصباح
ثم ينجلي أمرها *** فإذا هي هشيم تذروه الرياح
وإذا كنا نرى السفر إلى بلاد الكفار داءً يجب علاجه، فإن الله، جل وعلا، لم يجعل شفاء أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، فيما حرم عليها. وإن استئناس كثير من الغافلين بما حرم الله، لا يعني البتة التطلع إلى تنفيذ رغباتهم. والقاعدة الشرعية المقررة من خلال حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، أن: "من أرضى الناس، بسَخَط الله، سَخِط الله عليه وأسخط عليه الناس. ومن أرضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه، وأرضى الناس عنه."
ألا وإن بذل الأوقات في الغناء واللهو لمما حرم الله ورسوله. وكلما كانت المجاهرة به أظهر، كلما كان الخطر أشد والخَطْب أدهى وأمَر. وكل أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، معافى إلا المجاهرين. عن سهل بن سعد، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ." قيل: "ومتى ذلك يا رسول الله؟" قال: "إذا ظهرت المعازف والقَيْنات،" رواه بن ماجه والطبراني. والقينات هم المغنون والمغنيات. بل إن الأمر سيذهب إلى أبعد من هذا، إلى أن يأتي أقوام فيستحلون المعازف والأغاني على شدة ما ألِفوها واستمرؤها وقَل النكير لها. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف،" ذكره البخاري في صحيحه.(44/7)
وقد سئل الإمام أحمد، رحمه الله، عن الغناء فقال: "يُنبت النفاق في القلب." وقد قال الفضيل بن عِياض، رحمه الله: "الغناء رقية الزنا." وقال الإمام أحمد: "حدثنا إسحق بن عيسى الطباع، قال: سألت مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء، فقال: إنما يفعله عندنا الفساق." وقد حكى أبو بكر الآجري وغيره الإجماع على تحريمه.
ألا فاتقوا الله أيها المسلمون، وأقلِعوا عن معاصي الله في أرض الله، فإن الأجل يحل بغتة وكتاب الله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها؛ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ً وما عملت من سوء ، تود لو أن بينها وبينه أملا ً بعيدا ً؛ ويحذركم الله نفسَه والله رؤوف بالعباد."
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين، إنك حميد مجيد. وارضى اللهم عن خلفائه الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيك محمد، صلى الله عليه وسلم. اللهم أعز الإسلام و المسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمرأعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا ً مطمئنا ً وسائر بلاد المسلمين. اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين. اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، يا حي يا قيوم. اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم سُقيا رحمة، لا سقيا هدم ولا بلاء ولا عذاب ولا غرق ولا استدراك، يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
موقع صيد الفوائد(44/8)
السياحة مفهومها ، ضوابطها
فهد عبد العزيز الشويرخ
في عصر أصبح فيه للسياحة شأن عظيم، وصار الناس يستعدون لها، ويرصدون لها المبالغ الكبيرة من أموالهم، ويخصصون لها الكثير من أوقاتهم، حتى أصبحت عند الكثيرين من لوازم الحياة، ومن ضروريات ومتع الإجازات، وقد ازدهرت صناعة السياحة في هذا العصر، وتطورت وسائلها، وتنوعت طرقها بشكل كبير، وبلغت عائداتها مئات المليارات من الدولارات، وعدد السائحين مئات الملايين، هذا ويقدر عدد السائحين من بلاد الحرمين بأكثر من ثلاثة ملايين سائح، يصرفون مليارات الريالات سنوياً"، (1) وقد كان أسلافنا يجوبون الأرض شرقاً ومغرباً جهاداً في سبيل الله، ودعوة إلى دين الله، بأقوالهم وأفعالهم وسلوكهم وحسن تعاملهم(2) هذه هي سياحتهم، أما سياحة كثير من الناس في هذا العصر فهي بعيدة كل البعد عن سياحة السلف، فالسياحة عندهم تعني اللهو، واللعب، والمتعة.
لقد أولع الكثيرون بالسياحة، وأخذت بلباب عقولهم، مما أوقعهم في بعض المخالفات والتجاوزات، بل إن البعض منهم أصبحت السياحة لديه سياحةً ماديةً شهوانيةً، تقوم على الفساد، وهدم الأخلاق، وهتك الحياء، حتى غدت السياحة في كثير من وسائلها، وطرقها، وقنواتها، ومجالاتها، تقليداً للكفار؛ مما جعلها في بعض جوانبها استكمالاً لعملية الغزو الفكري، والتغريبي، الذي ابتليت به الأمة، فكان من الواجب بيان مفهوم السياحة من الناحية الشرعية، وضوابط السياحة.
مفهوم السياحة:
مفهوم السياحة لدى الكثيرين أنها: التنقل من بلد إلى بلد، أو داخل البلد الواحد، للترفية، واللهو، والمتعة، والتنزه، أما عند المشتغلين بدراسة ظاهرة السياحة فقد تعددت تعريفاتها "تبعاً لتعدد اهتماماتهم حتى خلصت بعض الدراسات إلى ثمانين تعريفاً مختلفاً للسياحة" (3) فما مفهوم السياحة في الإسلام؟
لقد وردت كلمة السياحة في مواضع من القرآن الكريم والسنة النبوية بمعان متعددة ومن المعاني التي وردت بها ما يلي:(45/1)
1- الصيام: يقول الله - عز وجل - في كتابه الكريم: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (111) التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين (112) {التوبة: 111، 112}، يقول الحافظ بن كثير - رحمه الله -: "عن عبد الله بن مسعود قال: السائحون الصائمون... وعن ابن عباس كل ما ذكر الله في القرآن السياحة هم الصائمون وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سياحة هذه الأمة الصيام وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير... وغيرهم: إن المراد بالسائحين الصائمون" (4) ويقول الله - عز وجل -: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا 5 {التحريم: 5}، قال ابن كثير - رحمه الله -: "وقوله - تعالى - "سائحات" أي صائمات قاله أبو هريرة وعائشة وابن عباس"(5).
2- الجهاد: من معاني السياحة في دين الإسلام الجهاد فعن أبي أمامة- رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله أئذن لي في السياحة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله" (6).
3- دوام الطاعة: يقول ابن القيم - رحمه الله -: "فسرت السياحة بالصيام وفسرت بالسفر في طلب العلم وفسرت بالجهاد وفسرت بدوام الطاعة" (7).
4- السفر في طلب العلم وتحصيل القربات: يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: "فسرت السياحة بالصيام، أو السياحة في طلب العلم، وفسرت بسياحة القلب في معرفة الله ومحبته والإنابة إليه على الدوام، والصحيح أن المراد بالسياحة السفر في القربات، كالحج، والعمرة، والجهاد، وطلب العلم، وصلة الأقارب، ونحو ذلك" (8).
وبهذا يتبين أنه لا علاقة لمعنى السياحة في الإسلام بما ارتبط في أذهان الناس من أن السياحة تعني السفر للخارج أو التنقل في الداخل للترفيه واللهو والمتعة والتي قد لا تنضبط في كثير من مجالاتها وقنواتها ووسائلها مع أحكام الإسلام وآدابه، فهذه سياحة مذمومة يجب على العاقل الابتعاد عنها، وعدم القرب منها، والاستسلام لمغرياتها.
والسياحة المذمومة هي التي يكون من آثارها وتبعاتها مخالفة أحكام الإسلام وآدابه، والإخلال بالأعراف، والقيم، والعادات، والتقاليد، طمعاً في جني الأموال، واجتذاب أكبر عدد من الناس، ولو كان ذلك على حساب الدين والأخلاق. فالسياحة المذمومة هي السياحة التي يزعم المنظرون لها أنها لا يمكن أن تتحقق إلا بمجانبة للفضائل، ونبذ للحياء، ومجاهرة بالقبائح، وانسياق وراء أمراض الأمم المعاصرة، وأدواء المجتمعات المنحرفة، وإفرازاتها المنتنة(9).(45/2)
وهذه السياحة المذمومة لا يمكن أن يقبلها ذوو النفوس المؤمنة؛ لأنهم يخشون عذاب الله وعقابه، ويعلمون أنهم يعيشون في نعمه، وقد توعد الله من لم يشكر نعمته بالعذاب الشديد قال الله - تعالى -: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد 7 {إبراهيم: 7}، وقال - عز وجل -: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون 112 {النحل: 112}، وقال الله - تعالى -: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا 16 {الإسراء: 16}.
إن على القائمين على أمر السياحة واجب كبير، يحتم عليهم أن ينظروا إليها بمنظور متكامل، فلا ينظر إلى الجانب الاقتصادي وحده مثلاً، وتغفل الجوانب الأخرى، وألا يكون الاهتمام بالجانب الاقتصادي على حساب أخلاقنا الإسلامية الحميدة، وآداب الإسلام العالية، (10) فالنظر إلى الجانب الاقتصادي وحده وإقصاء الجانب الشرعي، يؤدي إلى التغاضي عن مفاسد كثيرة فلا بد من النظر في الفوائد والمكتسبات، قبل طرح أي برامج سياحية، كما لا بد من التمعن في الآثار والتبعات منها، وأن يكون ذلك النظر والتمعن بالمنظور الشرعي، فكوننا مسلمين يحتم علينا أن تكون جميع برامجنا السياحية منضبطة بأحكام الإسلام، ولذا فإن السياحة التي تهز العقيدة، وتضعف الإيمان، وتخدش الفضيلة، وتوقع في الرذيلة، وتهتك الحياء، وتقضي على الأخلاق، سياحة لا يقبلها عاقل، فضلاً عن مؤمن يخاف ربه ويخشى عقابه، وفي مقابل هذه السياحة المذمومة هناك سياحة محمودة، وهي السياحة المنضبطة بالضوابط الشرعية، سياحة التأثير لا التأثر، سياحة الفضيلة لا الرذيلة، سياحة الالتزام لا الانفلات، السياحة التي القصد منها تغيير الجو والاستمتاع بما أنعم الله به من المناظر الجميلة، وطيب الهواء، وبرودة الجو مع المحافظة على الدين ومكارم الأخلاق، والبعد عن سفاسف الأمور، ويكون ذلك داخل البلاد، ويكتفى به عن السفر إلى خارج البلاد؛ تفادياً لما في ذلك السفر من مخاطر دينية وأمنية وأخلاقية(11).
والسياحة المحمودة: هي السياحة التي مفهومها الترفيه البريء والترويح المباح الذي لا غضاضة على الإنسان فيه، لكونه في حدود ما هو مباح شرعاً، فالإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروحوا على أنفسهم أو يدخلوا السرور على أهليهم وأبنائهم بالوسائل المباحة في ذلك شرعاً.
ضوابط السياحة:(45/3)
من أجل السياحة الداخلية تحرص بعض البلدان الإسلامية، على التقليل من عدد الناس الذين يسافرون إلى خارج بلدانهم، فتقيم الأماكن العامة للترويح عن النفس، لاستقطاب السياح إليها، وإقامة مثل هذه الأماكن من الأمور المباحة؛ شريطة أن لا تفوت حقاً، أو تضيع واجباً، أو تثقل بيت مال المسلمين، أو تستهلك الوقت فيما لا فائدة منه، لأن من أخلاق المسلمين الأساسية الجد في الأمور، والعزوف عن اللهو، واللعب، والهزل، وسفاسف الأمور، والبعد عن كل ما يضيع الأوقات دون ثمرات نافعات، إلا في حدود الملح اليسيرة، التي تروح عن النفس ضمن لمحات خاطفة، تخفف عنها ثقل العمل الجاد المثمر"(12)، ولذا فإن من غير المقبول أن تكون البرامج السياحة الموجودة بالداخل نسخة مكررة مما هو موجود بالخارج بحجة إقناع الناس بعدم السياحة بالخارج، فخروج الناس للسياحة الخارجية لا يبرر نقل مظاهر السياحة الخارجية المخالفة للتعاليم الإسلامية إلى الداخل، لأن خروجهم نتيجة ضعف الوازع الديني لديهم فيجب تقوية الوازع الديني عندهم، ثم إن نقل تلك المظاهر المخالفة للإسلام لن يمنع الكثيرين من السياحة بالخارج، فقد يأتي يوم يقولون: مللنا هذه الأماكن في بلادنا من كثرة التردد عليها، وعندها سيبحثون عن أماكن أخرى، وسوف يسافرون إلى بلاد الكفار، أو البلاد التي يكثر فيها الفساد من بلاد المسلمين.
إن من أهم الضوابط التي يجب أن يعتني بها من يقوم بوضع الخطط والبرامج للسياحة، كما يجب أن يعتني بها كل من يذهب للسياحة الآتي:
أولاً: أن لا يكون في البرامج السياحية ما يهز العقيدة، لأن العقيدة الصحيحة هي التي يبنى عليها قبول الأعمال، و بها تكون نجاة الإنسان وفوزه يوم البعث والنشور، وإن من الأمور التي تعرضها للاهتزاز ما يحدث في بعض البرامج السياحة من جلب السحرة والمشعوذين، باسم الألعاب البهلوانية والسيرك، مما حقيقته السحر التخيلي والقمرة، وادعاء أن المشعوذ يسحب السيارة بشعره ويثني الأسياخ بعينه، وهذا كله كذب وتدجيل وسحر وتخيل، وهو من جنس سحر قوم فرعون الذي قال الله فيه: فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى 66 {طه: 66} وقال - تعالى -: سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم 116 {الأعراف: 116} إن هذا الدجال لو طعنت عينه بدبوس صغير لانفقأت والسيارة لا يجرها إلا سيارة مثلها أو قوة تعادلها(13).(45/4)
ثانياً: أن لا يكون في البرامج السياحية إقامة للحفلات والمهرجانات الغنائية ودعوة المغنين والمغنيات، جاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(14) "يحرم على المسلم إقامة حفلات أو مهرجانات مشتملة على أمور منكرة كالغناء والموسيقى، وإذا تقرر أن إقامة هذه الحفلات والمهرجانات محرم فحضورها، وبذل الأموال فيها، وتشجيعها، والدعاية لها، كل ذلك محرم أيضاً؛ لأنه من إضاعة المال والأوقات فيما لا يرضي الله - سبحانه - ومن التعاون على الإثم والعدوان والله - تعالى - يقول: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب 2 {المائدة: 2} يقول فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين: "وحضور هذه الحفلات ومشاهدتها أو المشاركة فيها أو دعمها أو تأييدها كل ذلك حرام لا يجوز لأن الله - تعالى - يقول: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين 6 {لقمان: 6}، وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - وأرضاه يقسم بأن المراد به الغناء، وهو بلا شك ولا ريب إضلال عن سبيل الله وبعد عنه بقتل الأوقات وضياعها، وعن أبي عامر وأبي مالك الأشعري - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف"، (15) وعن أنس - رضي الله عنه - وأرضاه مرفوعاً (ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف) (16)، ولا شك أن ما يجلب هذه العقوبات محرم بل كبيرة من كبائر الذنوب... وعليه يحرم إقامة مثل هذه الحفلات الغنائية... وليتقي الله أولياء الأمور في أخذ أولادهم وأسرهم إلى هذه الأماكن وليعلموا أنهم آثمون بذلك وسيسألون غداً عما فعلوه"(17).
ثالثاً: أن لا يكون في البرامج السياحية من مهرجانات وحفلات وأمسيات ونحوها اختلاط للرجال بالنساء يقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: "لا يجوز حضور المهرجانات التي يكون فيها اختلاط بين الرجال والنساء"(18)؛ لأن ذلك من أعظم الدواعي والمقدمات التي تؤدي للوقوع في الفاحشة يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله -: "واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنى (19) كما أن اختلاط الرجال بالنساء محرم شرعاً، ويقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: "والكتاب والسنة دلا على تحريم الاختلاط، وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه"(20).
رابعاً: أن لا يترتب على حضور البرامج السياحية إضاعة الأوقات الطويلة وتبديد الأموال الكثيرة فالمسلم محاسب عن ماله ووقته يوم القيامة فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله {"لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟ "(21).(45/5)
خامساً: أن لا يكون في البرامج السياحية زيارة لآثار الأولين، ومساكن المعذبين، إلا وفق المنهج الشرعي فعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكون باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم" (22)، وهذا الحديث وإن كان ورد في ديار ثمود فيلحق به جميع مواضع العذاب؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب يقول الحافظ بن حجر - رحمه الله -: "وهذا يتناول مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم، وإن كان السبب ورد فيهم"(23).
سادساً: أن لا يكون في البرامج السياحية زيارة لآثار الصالحين، من الأنبياء، والرسل، والصحابة، والتابعين، وهي الأماكن التي سكنوا فيها، أو جلسوا عندها، أو نزلوا فيها؛ لأن تعظيمها ودعوة الناس لزيارتها لم يكن ذلك من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا من هدي السلف الصالح، وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(24)؛ ولأن إحياءها وتعظيمها وسيلة إلى الشرك، كما حصل لقوم نوح وأهل الكتاب لما عظموا آثار أنبيائهم وصالحيهم جرهم ذلك إلى الشرك، واستحقوا اللعنة على ذلك... وليس من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه إحياء المنازل والأمكنة التي صادف أن جلس أو نزل فيها بعض الصالحين والعناية بها، بل كانوا إذا انتهت حاجتهم منها تركوها ولم يهتموا بها، وقد ثبت أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - كان في السفر فرأى قوماً يبتدرون مكاناً فقال: ما هذا؟ فقالوا: مكان صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: مكان صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟ من أدركته الصلاة فيه فليصل و إلا فليمض، وقد قطع -رضي الله عنه - الشجرة التي وقعت تحتها بيعة الرضوان لما رأى الناس يذهبون إليها سداً لذريعة الشرك والبدع، وأقره على ذلك صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذين يدعون إلى إحيائها وحمايتها والعناية بها مخالفون لسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه(25).
هذا والله أسأل أن يوفق المسلمين في كل مكان وزمان للسياحة المنضبطة بأحكام الشريعة وآدابها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
________________________________
الهوامش:
1- انظر: أحكام السياحة وآثارها- هاشم ابن محمد ناقور ص: (265).
2- السياحة في ميزان الشريعة للشيخ – عبد الرحمن السديس مجلة الدعوة العدد: (1847).
3- أحكام السياحة وآثارها(16).
4- تفسير ابن كثير: (392/2).
5 - تفسير ابن كثير: (391/4).
6- سنن أبو داود كتاب الجهاد: (2478).
7- بدائع التفسير لابن القيم: (38/2).
8- تيسسر الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: (290/5).
9- السياحة في ميزان الشريعة للشيخ- عبد الرحمن السديس بتصرف يسير مجلة الدعوة العدد: (1847).
10- أحكام السياحة وآثارها. لهاشم محمد ناقور ص: (26).
11- السياحة وما عليها من ملحوظات لفضيلة الشيخ- صالح الفوزان مجلة الدعوة العدد: (1908).(45/6)
12- أحكام السياحة ص: (288) مصدر سابق.
13- السياحة وما عليها من ملحوظات مصدر سابق.
14- انظر الفتوى رقم: (20856) في 1420/3/15ه.
15- صحيح البخاري رقم الحديث (5268).
16- سنن الترمذي برقم: (2212) وصححه الألباني برقم: (5467) في صحيح الجامع.
17- فتوى لفضيلته مطبوعة في نشرة بعنوان: (حكم المهرجانات الغنائية).
18- المصدر السابق.
19- الطرق الحكمية لابن القيم (326).
20- خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله للشيخ عبد العزيز بن باز (3).
21- سنن الترمذي برقم: (2416) وحسنه الألباني برقم: (7299) في صحيح الجامع.
22- صحيح البخاري (423) وصحيح مسلم (2980).
23- فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر المجلد (6) كتاب الأنبياء - باب قول الله - عز وجل -: وإلى ثمود أخاهم صالحا.
24- صحيح مسلم (1718).
25- النهي عن تعظيم الآثار هو منهج السلف الصالح لأنه وسيلة للشرك: لفضيلة الشيخ- صالح الفوزان - مجلة الدعوة العدد (1832).
http://jmuslim.naseej.com المصدر:(45/7)
السياحة وآثرها على الأمة
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لهُ، ومنْ يُضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران: 102]. ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء: 1]. ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب: 70-71].
أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص وشرُّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكل محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أما بعد، أيُّها الأخوةُ في الله:
فإنَّ من الثمراتِ المُرةِ للهزيمةِ النفسية، التي يتجرعُها المُسلمونَ مُنذُ عُصُورِ الاندحارِ والانحدار، حينَ بَدّلُوا وغيَروا، ونبذوا كتابَ اللهِ وراءَهُم ظِهريا، إنَّ من الثمراتِ المُرةِ، لتلكَ الهزيمةِ، ذلكَ الاستعدادَ المُفرط، لتقديمِ كلَّ التنازلاتِ عن القِيمِ والمبادئ، وذلكَ التراجعَ المهين، عن كلَّ الثوابتِ والخُصوصيات، في سبيلِ إرضاءِ الآخرين، ومنحِهم كلِّ ما يشتَهُونَ باسمِ المَدنِيَةِ والحضارة، واللحاقِ بالركبِ الفائت، حتى لو كانَ اللحاقُ به، يعني فُقدانَ كلَّ شيءٍ وخسارةَ كُلَّ شيء، والاستخفافَ بكلِّ شيء، وشَيءٌ أدلَّ على ذلكَ ممَّا تُبذِلهُ دولٌ إسلاميةٌ عديدة، من جُهودٍ ضخمة، ومساعٍ حثيثة، لتطويرِ ما يُسمى بصناعةِ السياحةِ، ومحاولةِ جَذبِ أكبرَ عددٍ مُمكنٍ من السُيَاح الأجانب، بغضِّ النظرِ عن ديانتهِم ومعتقداتِهم، فضلاً عن أخلاقهمِ وسلوكياتِهم، والسباقُ لا يزالُ على أشدهِ، والتنافسُ ما أنفكَ يلتهبُ حماساً، لتحقيقِ أعلى الأرقامِ لأعدادِ الليالي الفُندقيةِ التي يقضِيها السُياحُ في حُجرِ الفنادق، والمُنتجعاتِ الخاصة!(46/1)
ونشطت نتيجةً لذلكَ دوائرُ السياحةِ في البلادِ المذكورةِ، في الترويحِ لأماكنِ الجَذبِ السياحي، عبرَ حملاتٍ دَعَائيةٍ ضخمة، مُصاحبةً بصورٍ ومناظرَ التُقطت بعناية، لمشاهدَ وثنية، ومزاراتٍ شركية، وأضرِحَةٍ وقبور، وبقايا العُصورِ والدُهُور، واجتهد القَائِمون على ذلكَ الإسفافِ المُهين، في تقديمِ كلِّ ما يهواهُ الآخرون، دُونَ أدنى نظرٍ لحلالٍ أو حرام، أو جائزٍ أو مكروه، فالمهمُ هُو إرضاءُ ذلكَ السائح، وإشباعُ فضولهِ، واستجداؤهُ بأن يكررَ الزيارةَ كلَّ عام، ووصلَ الأمرُ أن أصبحَ ضمنَ البرامجَ السياحية، ترتيبَ زياراتٍ على مدارِ الساعة، لزيارةِ المَساجِدِ والجوامعِ الشهيرة، والتقاطَ الصُورِ التذكاريةِ داخلَ أسوارها، وتحتَ منابِرِها في استخفافٍ مُهين، لقدسيةِ تلك البقاع، واستفزازٍ همجيٍ لشعورِ كلِّ مُسلم أبيّ.
أيُّها الأحبةُ في الله: وليس بخافٍ على كلِّ ذي لب، الآثارَ الخطيرةِ التي عانت ولا تزالُ تُعاني منها تلك البلاد، التي فتحت أبوَابها أمام السياحةِ الأجنبية، والتي تتخلص أولاً:
بسقوطِ حاجزَ النُفرةِ مع الأعداء، وذوبانِ عقيدةَ الولاءِ والبراء، فالكفارُ المُحارِبُون، والمُشرِكُون الوثنيون، أصبحوا يُشاطِرُون أبناءَ التوحيدِ مساكنهم، ويُقاسِمُونَهم لقمةَ عيشهم، ويلهُو صِبيَانَهم جميعاً فوقَ أرجوحةٍ واحدة، فهل بقيَ للدينِ بقيةً بعد سُقُوطِ هذا الأصلِ الأصيل، والركنِ الركين؟؟
أليسَ اللهُ - تعالى -يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ)) (سورة الممتحنة: 1).
فماذا بقيَ من الولايةِ والمودة؟!! لم نُؤثِرُهم بها، وقد شَاطَرونا كِسرةَ الخُبزِ وشربةَ الماء، واختلطت أنفَاسُنا بأنفاسِهم، واصطكَّت أكتافُنا بأكتافِهم في شَوارِعنا وأسواقِنَا، بل أيُّ سياجٍ سيبقى لحمى التوحيدِ، وصفاءَ العقيدةِ، ومللَ الكُفرِ، تحيطُ بأبناءِ المُسلمينَ من كلِّ جانب، فهذهِ صُلبانٌ تلمع، وتلكَ نواقيسُ تُضرب، وهاتِيكَ أبواقٌ تُنفخ، أيُّ توحيدٍ سيبقى وجيوشٌ من المُنصرِين ستزحفُ تحتَ غطاءِ تبادلِ الثقافات، وتعارفِ الشُعوبِ، واستكشافِ المجهُولِ، وهي تحملُ الأناجيلَ، ونشراتِ التبشيرِ والتخدير، والإلحادِ والكُفر، لتُغرِقَ بها بيوتَ المُسلمين، حقائِبُهم وجيوبهم؟!!
أما ثانيا: فلا تسل عن الانحدارِ الأخلاقي الذي آل ويؤولُ إليه أبناءُ الأمة، وقد وفدَ إلى بلادِهم أُناسٌ يَحمِلونَ كلَّ شيءٍ إلاَّ الفضيلة، ويتحلونَ بكلِّ شيءٍ إلاَّ العفة، ويمتازُونَ بكلِّ شيءٍ إلاَّ بالخلقِ النظيف، كم هن البغايا اللاتي سيفدنَ إلى ديارِ الإسلامِ باسمِ السِياحةِ واكتشافِ الجديد؟!! كم هُم حملةُ الأرجاسِ والأنجاس؟ الذين سيَغرِقُون شوارعَ المسلمين بعُريِّهم وتفسُخهم وانحِلالِهم ومجُونِهم؟!
فليتَ شِعري من أباحَ ذلك *** وورّطَ الأمةَ في المهالك(46/2)
أما ثالثا: فدُونكَ حبلُ الأمنِ الممزق،، وجدارُ الحِمايةِ المتصدع، بفعلِ عِصاباتِ الإجرامِ، وشُذُاذِ الآفاقِ، ومُروجِي المخدرات، وقُطَّاعِ الطريق، إلى كلِّ مُروءةٍ وأمانة، فلقد سَهُلت وسائلُ الاتصال، وحريةَ الانتقالِ لأولئكَ المُجرِمين، إنشاءَ عصاباتٍ وشبكاتٍ إجراميةٍ، مُدربةً لتنفثَ سُمُومها، وتُمارِسُ مُجونِها، وتنشرُ أخطارَها وآثارَها في كلِّ مكانٍ بوسائل عدة، ومسمياتٍ شتَّى، أعجبُها وأسخفُها مُسمَّى السياحة!!
أيُّها المسلمون:
وتبقى قضيةً بالغةَ الخُطورَةِ، وهي البعدُ النفسي للسائحِ الأجنبي، فالسائحُ في العُرفِ العالمي، هُو كائنٌ بشريٌّ مُدلل، يَجبُ أن تفرشَ لهُ الأرضَ ورُودَاً ورياحين، وأن تُسخِرَ كلَّ الإمكاناتِ من أجلِ عينيهِ، وإرضاءً لغرورهِ، وإشباعاً لغرائزهِ، وتلبيةً لنزواتِهِ، ويجبُ أن توفرَ لَهُ الحمايةَ الكافيةَ، ليُمارِسَ عربَدَتَهُ وفجوره، فلا غُرو أن تسمعَ عن إنشاءِ الشرطةِ السياحيةِ المناطِ بها السهرَ على حمايتهِ ورعايته، حتى لا يجرؤ إنسانٌ على إيذائهِ، أو تعكيرَ صفوَ مزاجهِ أو حتى مُطالبتهِ باحترامِ حُقوقِ الآخرين، كلُّ ذلكَ من أجلِ بريقٍ دنانيرهُ التي تملأُ جيوبه، ثُمَّ هُو شاعرٌ في قرارةِ نفسهِ أنَّهُ زائرٌ ثمين، مُرحبٌ فيه، مرغُوبٌ في طولِ إقامتهِ، فيُقدِمُ عليك بسُحنتهِ الشقراء، ونظارتِهِ السوداء، وفخذهِ العارية، فلا تسل بعدَ ذلكَ عن حجمِ تجاوزاتِهِ، ومبلغِ انتهاكاتِهِ لحُرمَاتِ الدين وحقوقَ العباد، واستفزازهِ لمشاعرِ كُلِّ حُرٍ غيور.
فيا شديدُ الطولِ والإنعامِ *** إليكَ نشكُو غُربةَ الإسلام!!
أيُّها المسلمون:
ألا إنَّ من العجائبِ ما يُردِدُهُ أقوامٌ لا خلاقَ لهم، يدعُونَنَا نحنُ المُسلمينَ في هذهِ الجزيرةِ المُباركةِ، جزيرةَ الإسلامِ ومعقلِ التوحيد، إلى اقتفاءِ آثارِ أولئكَ التائهين، وفتحِ المجالِ للسياحةِ الأجنبية، ومنافسةِ العَواصِمِ العالميةِ في استقطابِ أكبرَ قدرٍ مُمكنٍ من العلوجِ النصارى، وشُذَاذِ الآفاقِ بدعوى التنشيطِ الاقتصادي، وتعريفِ العالمِ بآثارِنِا وثقافاتِنِا، دعوةُ بعضِ الفَارِغِينَ إلى مُحاكاةِ الجهلةِ والمُتاجرينَ بالعقائد، في إحياءِ قُبورٍ عفا عليها الزمن، وسدانةِ مشاهدَ طواها النسيان، وإنَّهُ لم يكُن يوماً في تاريخِ الأمةِ أن افتخرَ حُماةُ التوحيدِ وحراسُ العقيدةِ بمشهدٍ من المشاهِدِ، أو مزارٍ من المزاراتِ، فضلاً عن التفكيرِ في تسييرِ زياراتٍ منظمة، إلى كهوفٍ وغيران، وجبالٍ ووديان، أو التزاحُمِ حولَ ديارِ القومِ المُعذَبَين كالآثارِ الثمودية، أو القبورِ الحاتميةِ الطائية.(46/3)
وحاشا بلادَ التوحيدِ أن تستبدلَ الذي هُو أدنى بالذي هُو خير، فتتخلى عن رِسالتِها الخالدة، ونُورِها الفياض، وإشعُاعِها الباهر، الذي ملأَ الدُنيا ببهائهِ وجماله، وتلهثُ وراءَ دعواتٍ مشبوهة، تُزينُ الباطلَ وتُنمقه، يقودُ لواءِها كُتَّابٌ وصحافيون، أجلَبوا بخيلِهم ورجلِهم دعوةً وكتابة، وصُراخاً وضجيجاً، لتقليدُ الأجنبي في كُلِّ شيءٍ، حتى صدقَ فيهم قول المعصوم : ((لو دخلوا جُحر ضبٍ لدخلتموه)).
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله يُعطي ويمنع، ويخفضُ ويرفع، ويضرُ وينفع، ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة، والنعمةِ المُسداة، وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين،
أمَّا بعدُ:
أيُّها الأخوةُ في الله:
يجبُ أن نُدركَ أننا أصحابُ رسالةِ، وأصحابُ عقيدة، وأصحابُ قضية، أصحابُ رسالةٍ يجبُ أن نحمِلها إلى الآفاقِ حتى لا يبقى بيتُ وبرٍ ولا مدرٍ إلاَّ أدخلهُ اللهُ الإسلامَ بعزِّ عزيزٍ أو بذُلِ ذليل، وأصحابُ عقيدةٍ يجبُ أن نرفعَ لوائها في كُلِّ وادٍ وناد، حتى يكونَ الدينُ كُلَّهُ للهِ ولو كَرِه المُشركون، وأصحابُ قضيةٍ يجبُ أن نحيا وأن نعيشَ من أجلها.
وقد فهمَ هذه الرسالة ووعى هذه الحقيقةِ أولئكَ الفوارسُ العظام، والجهابذةُ الكرامِ من أسلافِ هذه الأمة، فأقامُوا حِلَقَ التعليمِ في مساجِدِهم، وأُنشئت دُورَ الحديثِ، ومدارسُ التوحيدِ والفقهِ والأصول، ووفدَ الناسُ من كلِّ مكانٍ يطلُبُونَ العلومَ على أيديٍ، حُفَّاظُ الدُنيا وجهابذةُ الزمان، فساحَ الزائرونَ ورعايا البلادِ المفتوحةِ في بلادِ المسلمين، طلباً للعلمِ ونشدانا للثقافةِ الأصيلة، واختصَّت جزيرةُ الإسلامِ بمزيدٍ من الإشعاعِ الآخَّاذ، والسراجِ الوهاج، إلى هذا العصرِ الذي نعيشُيهُ، فظَلَ الوَافِدونَ يُقُدمُون لأداءِ منسكي الحجِّ والعمرة، ويرجِعُون وقد تخلص كثيرٌ منهم من خُرافات متراكمة..وبدع متمكنة..بفضل الله أولا ثم ما يُبذل من جهود ضخمة تبذلها الجهاتِ المختصة، من خلالِ جمٍّ غفيرٍ من الدُعاةِ والوعُاظ والمُوجِهِين، ينتشِرُونَ في مكةَ والمشاعرِ كلَّ عام، بالإضافةِ إلى ملايينَ النشراتِ الدعويةِ المؤصلة، توضعُ في أيدي أولئكَ الحجاجِ والمعتمرين، وإن ننسى فلا ننسى الجامعةَ الإسلاميةِ السلفيةِ العريقة، في مدينةِ رسولِ اللهِ حَرسَها اللهُ، وهي تستقطبُ مئاتَ الدارسينَ من أقطارِ المُعمورةِ يتلقَونَ عقيدةَ السلف، وقالَ اللهُ وقالَ رسولهُ ، ليرجِعوا بعد ذلك دُعاةً ومعلمين، فهذهِ بركاتُ الجزيرةِ، وهذهِ تجارتُها وتلكَ صِناعَتُها.
وخُلاصَةَ القولِ، إن كانَ من شَيءٍ نُقَدِمهُ للعالمِ فهُو كتابٌ وسنة، وإن كانَ من شيءٍ نتغنى بهِ ونفخرُ من أجلهِ فهُو وحيانِ شريفان، وكنزان عظيمان.. إن كان من شيء نقدمه لمن ينشدون الاطلاع على ثقافتنا فهو قرآن حكيم وذكر مبين من مثل قوله - تعالى -: ((لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ)).(46/4)
إن كانَ من شيءٍ نُقدِمهُ فهُو من مثلِ قولِ الله - تعالى -: ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)) (سورة المائدة: 72).
إن كانَ من شَيءٍ نُقدِمهُ فهُو من مثلِ قولهِ - تعالى -: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) (سورة الحج: 74، 73)
إن كانَ من شيءٍ نُقدمهُ فهُو من مثلِ قولِه ِ: ((فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)) (سورة الحج: 46، 45).
إن كان من شيءٍ نُقدمهُ فهُو سنة شريفة، بيضاءَ نظيفة، من مثلِ قوله : ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)) رواه مسلم[1]
إن كانَ من شيءٍ نُقدمهُ للدنيا كُلَّها فهو من مثل قوله r: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي)) رواه أحمد.
هذه بضاعَتُنا، وتلك رسالتنا.
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ، والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة.
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين، لا ضاليَن ولا مُضلين، بالمعروف آمرين، وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين، ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ، يا عزيزُ يا غفور، سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
--------------------------------------
[1] ورقمه (153) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
23/5/1426 هـ
30/6/2005
http://www.islamlight.net المصدر:(46/5)
السياحة والدعوة
السفر والسياحة من أبرز الأنشطة التي يمارسها الناس في الإجازة ، فالتنقل بين المدن والمناطق من أجل الاستجمام من أحب الأنشطة المحببة للنفس ، ولكي تكون هذه السياحة في ميزان حسناتنا يوم القيامة فإننا نقدم بعض الوسائل الدعوية اليسيرة التي يمكن أن تستفيد منها – أيها الأخ الكريم – أثناء سياحتك ، ومن تلك الأمور :
· حاول أن تزود أمكن الاستقبال والغرف والفنادق والشقق ببعض المجلات الإسلامية ، والنشرات والمطويات المتوفرة .
· أثناء طريقك - أخي الكريم- فإنك غالباً ما تمر بتجمعات لأصحاب الشاحنات المتخصصة في النقل الثقيل ، وهؤلاء بحاجة ماسة جداً إلى الملاحظة والمتابعة ، لأسباب عديدة من أهمها :
- كثرة التردد على الأماكن والطرق ، غالباُ ما تورث القلق والملل ؛ لهذا تجدهم يبحثون عن أي وسيلة مهما كانت لتطرد عنهم الملل .
- أن الغالبية العظى منهم يعيشون حالة مادية صعبة .
- أن فسادهم له أثر على غيرهم بشكل بين ، حيث يكونون وسائل مساعدة في نقل وتريج وسائل الدمار المتنوعة .
- إن اهداء أحدهم شريطاً أو مجموعة من اشرطة سوف يكون له أثر ليس باليسير عليهم ، بل إنهم يفرحون جداً بما تقدم إليهم ، ويطلبون منك المزيد .
· أثناء السفر إلى الخارج لظروف معينة ، حبذا لو تقوم بنقل العقيدة الصحيحة ، من خلال الكتيب والشريط والنشرات .
· عليك أختي المسلمة بالحرص التام على إظهار الحشمة والعفاف ، فهي أعظم وسيلة للدعوة ، فكل من رآك بهذه الحشمة تأثر ولو بعد حين ، فهي الرسالة الصامتة والقوية .
· على المرأة المسلمة أن تحرص على بناتها ، وأن تحافظ عليهن أثناء السفر ، وأن تشغل أوقاتهن بالنافع المفيد .
· في الإجازة تكثر حفلات الأعراس والرحلات العائلية ، فينبغي للأخت المسلمة أن تحرص على أخذ المطويات والكتيبات والأشرطة إلى أماكن تجمع النساء .
· في أثناء الجلوس مع الأخوات عليك أن تقضي الوقت بكل مفيد . إما بإعداد مسابقة ثقافية مصغرة ، أو بإلقاء موضوع معين ، وأخذ رأي الأخوات فيه .
· التفكير في الوسائل المفيدة لاستغلال أوقات الأطفال ، من إقامة المسابقات الخفيفة لهم ، وأنشطة متنوعة أثناء الرحلة ، مع التركيز على تنمية الجوانب الخيرة فيهم .
موقع المجلة الإسلامية
http://www.islammag.com/last.asp?comm=1&num=375&text_num=378(47/1)
الشباب المسلم والسياحة الغربية .. حقائق وآراء
وائل الظواهري
مع اقتراب الإجازة الصيفية تتوالى عروض الشركات السياحية في الظهور، وتحتل الإعلانات والبرامج السياحية مكانة كبيرة في الإعلام بأنواعه، ويبدأ الكثير من الشباب بالتوافد على هذه الشركات بحثًا عن المتعة والسفر والسياحة.
ومما يلفت الانتباه أن السياحة الخارجية تستحوذ على النصيب الأكبر من السياحة، بل إن السياحة إلى بلاد أوروبا وأمريكا تحتل المكانة العظمى عند كثير من الشباب، ففي دراسة أجريت في السعودية تبين أن إجمالي ما ينفقه المواطنون على السياحة الداخلية نسبة لا تتعدى 17% من إجمالي إنفاقهم الخارجي.
ومن العجب أن ما يقرب من ثلاثة ملايين سعودي ينفقون 30 مليار دولار سنوياً في قضاء إجازاتهم الصيفية خارج السعودية، وهو مبلغ ضخم جدا يمثل نسبة 15% من أرباح صادرات النفط. و هذه المبالغ الخيالية التي تنفق هنا وهناك لا ريب أنها تحتاج إلى وقفة تأمل من الشباب ولاسيما إذا كانت الوجهة لبلاد الغرب وأمريكا.
في السفر والسياحة فوائد جمة
إن في السياحة والسفر كما لا يشك أحد من الفوائد الشيء الكثير، ولكن السفر في الوقت نفسه يشتمل على سلبيات ومضار تقل وتكثر بحسب مكان السفر والغرض منه وما يتعلق بذلك.
يحدثنا الدكتور خالد القريشي (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ) عن بعض فوائد السفر فيقول:
1- انفراج الهم والغم: فمما عرف واشتهر بين الناس أن الملازم للمكان الواحد، أو الطعام الواحد قد يصاب بالسأم والملل منه، فتنتابه الرغبة في التجديد، وهذا حال بعض المقيمين، إذ قد يعتريهم ما يُضيّقُ صدورهم، ويغتمون به، فيصابون بالملل والسآمة ويحسون بالرتابة في حياتهم، فإذا سافر الواحد منهم تغيّرت الوجوه من حوله واختلفت المشاهد والأجواء عليه، فحينئذ يذهب همه وينشرح صدره.
2- اكتساب المعيشة: فإن من ضاق عليه رزقه في بلد نُصح بالسفر إلى بلاد أخرى طلباً للرزق، فالله سبحانه وتعالى يقول: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور}. فكم من رجل سافر لاكتساب الرزق ففتح الله عليه.
3- ومنها تحصيل العلم: فقد كان أسلافنا ومن نقتدي بهم من الأنبياء والصالحين، يرتحلون في طلب العلم، ويقطعون المسافات الطويلة أحياناً لأجل سماع حديث واحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- تحصيل الآداب: وذلك لما يُرى من الأدباء ولقاء العلماء والعقلاء الذين لا يردون بلده، فيكتسب من أخلاقهم ويقتدي بهم، فيحصل له من الأدب الشيء الكثير وتسمو طباعه.
5- صحبة الأمجاد: ويشهد لها الحس والواقع، فكم سافر إنسان فلاقى كرام الرجال وأطايبهم، فخالطهم وعاش معهم فاكتسب من آدابهم وأخلاقهم.
6 - استجابة الدعوة: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده" .
7- زيارة الأحباب من أقارب وأرحام وأصحاب، وهذا من أفضل القربات إلى الله سبحانه وتعالى.(48/1)
8- رفع الإنسان نفسه من الذل، إذا كان بين قوم لئام: لأنه قد يكون مثلاً: صاحب دين وهم أهل فسق، أو غير ذلك فتسقط منزلته بينهم، وقد يستخفون به، فإذا فارقهم إلى بلد آخر صار في عزٍّ وارتفعت منزلته.
وللضرر والعيوب نصيب
وإذا كانت هذه هي مزايا السفر وفوائده بشكل عام فإن فيه أيضًا عيوبًا وأضرارًا يجملها الدكتور كمال القريشي فيما يلي:
1- الحرمان من لذة الطعام والشراب والنوم، والحرمان من الأهل والأحباب والانقطاع عنهم مما يهيج الشوق والحنين إليهم، فلا يقر للمسافر قرار، ولا يجد في قلبه الراحة، بل يشعر بوحشة الغربة، وحرقة الفراق.
2- أنه يظهر مساوئ الأخلاق: وقد قالوا: لا تعرف صاحبك حتى تعصيه، أو تسافر معه .
3- اختلاط الأمور على المسافر، فقد يظن العدو صديقاً، والصديق عدواً، ونحو ذلك .
4- كثرة النفقات والتكاليف: التي تشق على المرء وترهقه مادياً، كالإنفاق على وسائل المواصلات، أو على الأكل والشرب، أو على السكنى في الفنادق ونحوها.
5- الذل في الغربة: إذ العادة أن المسافر ذليل في دار غربته، لا يعرفه أحد، ولا يعرفون منزلته في أهله وبين قومه، وقد يخفى عليهم كونه من أهل العلم والفضل، أو من أهل الرأي والعقل، أو صاحب منزلة علمية معينة فيستخفون به، ولا تكون له عندهم قيمة.
6- كثرة المخاطر التي يتعرض لها المسافر: سواء من جهة اللصوص، أم الحوادث التي قد يتعرض لها في طريقه، أو الهوام الضارة في أثناء رحلته، وغيرها من الأخطار والصعاب التي تواجه المسافر.
وكما نرى فإن هذه الفوائد والمضار إنما هي في السفر بشكل عام وليس من اللازم أن تتوفر في جميع الأسفار، فقد تحتوي بعض الأسفار على نسبة كبيرة من الفوائد، وقد يكون العكس هو الصحيح فما هو موقف السياحة إلى البلاد الكافرة من هذا الأمر وما هو الحكم الشرعي لهذه السياحة.
عندما تتحول السياحة إلى شر ووبال
لنتدبر ونفكر بعقل في أمر السياحة إلى تلك البلاد الكافرة، وننظر في حال الشباب الذين ذهبوا إليها، ماذا استفادوا وكم خسروا، وقبل الحكم على الشيء لا بد من معرفة مميزاته وعيوبه وإيجابياته وسلبياته، وإذا كان السفر إلى البلاد الكافرة فيه بعض الفوائد من اطلاع على حضارة معينة وتقدم مادي، فإن هذه الفائدة والتي لا تكاد توجد غيرها، فيه من المضار الشيء الكثير.
وبنظرة سريعة نجد أن غالب أولئك الشباب الذين ذهبوا للسياحة في تلك البلدان قد حصل لهم ما يلي:
- تأثر عقيدتهم التي هي أعظم ما يمتلكه الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وهي سبيل نجاته يوم القيامة، فإن الكفار لا يتركونهم دون أن يوقعوا في نفوسهم كثيرا من الشبهات التي تزعزع إيمانهم وتهز يقينهم بربهم، وهذا أمر مشاهد وملموس.
- ضياع كثير من القيم والأخلاق الفاضلة، فإن من ينظر إلى الفتيان والفتيات في المنتزهات والحدائق والشوارع قد تعروا من ملابسهم، وتبذلوا في كلماتهم، وتركوا الحياء جانباً والعفة خلفهم، لا شك أن ذلك له الأثر السيئ على الشاب، وهو من أسباب موت الغيرة في القلب شيئا فشيئا، فإن النفس إذا تعودت على شيء ألفته ولم تستنكره.(48/2)
ويعترف كثير من الشباب أنه بسفره إلى تلك البلدان فقد لذة العبادة والطاعة والقرب من الله جل وعلا، خاصة مع فقدان شعائر الدين ا لظاهرة، والتي هو عون للمسلم وسكن لنفسه وراحة لقلبه. كما أنه من الملاحظ أن رهطاً كبيرا من الشباب قد انزلق إلى المحرمات والمنهيات، بل وفي كثير من الأحيان كان هذا السفر سببا في الوقوع في الكبائر والفواحش، وكم من شاب كان محافظا على شعائر دينه فذهب إلى هناك فترك الفرائض وضيع الواجبات وانتهك الحرمات والله المستعان.
هدر للوقت !
لو جلست مع هؤلاء العائدين من بعض تلك البلاد لوجدت غالب حديثهم ينم عن إعجاب بما عند الكفار من التقدم الحضاري، وإن كان على حساب الأخلاق والدين والعرض، فالكثير من هؤلاء الشباب قد عاد منبهرا بما عند هؤلاء من حضارة زائفة زائلة، ويظن أن ذلك كان بسبب تركهم للدين وانطلاقهم كالأنعام ترعى بلا قيود ولا ضوابط.
1- اسأل هؤلاء الشباب ما هي الفائدة الحقيقة التي جنوها من جراء هذا السفر وهذه السياحة، فلن تجد إجابة شافية غير أنه كان إضاعة للوقت الثمين وذهابا للعمر في غير فائدة، خاصة وأن كثيرا من هؤلاء الشباب لا يجعلون سفرهم للعبرة والموعظة والتذكير وإنما يجعلونه لتسريح الأفكار وتقليب الأنظار والانطلاق في الشهوات.
2- لو تفكرت في تلك الأموال التي تنفق هنا وهناك، وتضيع فيما يعود على الكفار بالقوة الاقتصادية والمالية، ويعود على المنفق بالضرر في الدين والدنيا، لعلمت أن هذا السفر قد احتوى الشر والهلاك، فهذا قد استدان ليسافر، وذاك قد أنفق ما جمع طيلة العام، وهكذا دواليك حتى يعود كثير من الشباب مفلسًا لا مال له ولا متاع، ولو كان هذا المال قد أنفقه في تجارة أو في مشروع أو جهز به نفسه أو حتى تبرع به لكان له من وراء ذلك خير كثير .
3- فقدان الأمن والأمان على النفس والمال والعرض فكيف يمكن للمرء أن يأمن في بلاد أقل ما فيها السرقة، وليس للدم عندهم قيمة، فأي لذة في سفر تعتريه المخاطر والحتوف ؟!
السياحة من منظور شرعي
هذه جملة من تلك المفاسد التي تراها في أولئك الشباب العائدين من هذه البلاد الغربية، ولك أن تتساءل الآن ما هو الحكم الشرعي في ذلك، وهل الشريعة الإسلامية تعرضت لهذا الأمر ؟
يؤكد فضيلة الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري (القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض) أن إهدار المال في السياحة والتفاهات كفر بنعمة الله، فإن هذا المال من نعم الله العظيمة ا لتي يبتلي الله بها عباده لينظر أيشركون أم يكفرون وقد قال سبحانه : "وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " ، والشكر يكون بالمحافظة على هذا المال وإنفاقه فيما يعود بالنفع على النفس والآخرين.(48/3)
ويحذر الشيخ الخضيري الشاب الذي يضيع أمواله في هذه البلاد من عقوبة الله جلا وعلا القائل في كتابه العزيز: "ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعُم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " ويضيف : إن السفر إلى بلاد الكفر محرم في الشريعة الإسلامية إلا لضرورة علاج أو مصلحة للإسلام والمسلمين فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين " رواه أبو داود وغيره .
القرآن والسنة يحذران من البقاء في بلاد الكفار
أما الدكتور عبد المحسن العسكر (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فيقول : إن في قصة جرير بن عبد الله البجلي عبرة وعظة، لا بد للمسلم أن يتفكر فيها، فقد ثبت أنه قال : يا رسول الله بايعني واشترِط، فقال صلى الله عليه وسلم : " تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وأن تفارق المشركين" فانظر أيها المسافر كيف ألحق النبي صلى الله عليه وسلم مفارقة المشركين بأركان الإسلام ودعائمه العظام .
ويقول : إن الله جل وعلا ذكر في كتابه التحذير من الإقامة في بلاد الكفر والبقاء فيها فقال: " إن الذي توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جنهم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا "
فهؤلاء مسلمون في مكة بل هم من الصحابة أمرهم الله بالخروج من بلادهم لأنها بلاد كفر وكفار إذ ذاك، فلم يستجيبوا خوفا على أولادهم وأموالهم فحكم الله عليهم بهذا الحكم الشديد " فأولئك مأواهم جهنم " نعم هم في بلادهم ومسقط رؤوسهم وبلاد آبائهم من قبل. فكيف بمن يذهب إليهم وينفق أمواله عليهم فينفع شبابهم ورجالهم ويقوي اقتصادهم ويربح تجارتهم ؟! كل ذلك على حساب نفسه وأهله وإسلامه الذي هو في أمس الحاجة إلى هذا المال.
والجدير بالذكر أن اللجنة الدائمة للإفتاء التابعة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية قد أصدرت فتوى بشأن السفر إلى بلاد الكفر بناء على سؤال وارد إليها عن حكم السفر للسياحة في البلاد الكافرة مع عدم الاختلاط بهم وقد انتهت اللجنة بعد البحث إلى ما يلي:
لا يجوز السفر لبلاد أهل الشرك إلا لمسوغ شرعي وليس قصد الفسحة مسوغاً للسفر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"رواه أبو داود.
ولذلك ننصحك بعدم الذهاب لتلك البلاد ونحوها للغرض المذكور لما في ذلك من التعرض للفتن والإقامة بين أظهر الكفار ، وجاء في هذا المعنى أحاديث أخرى.
وأعضاء اللجنة هم فضيلة الشيخ عبدالله بن قعود وفضيلة الشيخ عبد الله بن غيدان وفضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي ورئيس اللجنة سماحة الشيخ عبد لعزيز بن عبد لله بن باز (رحمه الله) (راجع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء 2/68/فتوى رقم 4873 من المجلد الثاني )(48/4)
السفر لقصد شرعي وهدف سام
وكل ما سبق إنما يتضمن السفر للسياحة والنزهة والتفرج، أما إذا كان هناك مسوغ شرعي للسفر، كما لو كان للتجارة مثلا، أو كان للتعلم والفائدة بحيث لا توجد هذه العلوم عند المسلمين، أو كان المقصود العلاج الطبي ونحو ذلك، فإن الشريعة الإسلامية قد أباحته، ولكن بضوابط ويمكن من تتبع كلام العلماء أن نجمل تلك الضوابط والشروط فيما يلي:
1- أن يكون لدى الإنسان علم يدفع به الشبهات، لأن الكفار هناك يوردون شبهات على الناس، تكاد تعصف بهم حتى يصرفوهم عن دينهم.
2- أن يكون عند الإنسان دين يمنعه من الوقوع في الشهوات المحرمة، خاصة وأنهم لا يبالون هناك بما يفعلون، وكل شيء عندهم مباح في الجملة .
3- أن يكون الإنسان محتاجا إلى السفر إلى تلك البلاد، إما لعلاج أو لعلم ليس في بلاده اختصاص فيه، أو للدعوة إلى الله أو لغير ذلك من الأمور التي يحتاج إلى السفر إلى بلاد الكفر من أجلها.
4- القدرة على إظهار الدين وعدم موالاة المشركين. فقد أجمع المسلمون على أن من لم يستطع إظهار دينه هناك حرم علي
الأحد : 09/06/2002
المصدر : http://islamweb.net(48/5)
الشباب والإجازة
سامي بن خالد الحمود
مقدمة :
الحمد لله مدبر الشهور والأعوام .. ومصرف الليالي والأيام .. والصلاة والسلام على سيد الأنام ، وعلى آله الكرام وأصحابه الأئمة الأعلام ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد .
كان الوالدان في ترقب وحذر، وتخوف وأمل .. ينتظران على أحر من الجمر ، ما تؤول إليه نتيجة الأبناء في الامتحانات ، وقد أُبرمت الوعود، وزفت البشائر، بالهدايا القيمة والرحلات الممتعة ، إذا كانت النتائج مرضية مشرفة.
وأعلنت النتائج ، وبدأت الإجازة الصيفية الطويلة ، تلك الإجازة التي ينتظرها ملايين الطلاب والطالبات من أبنائنا وبناتنا ؛ ليستريحوا من عناء السهر والمذاكرة ، والذهاب يومياً إلى المدارس والجامعات والمعاهد .
نعم .. لقد بدأت الإجازة ، والله أعلم بما قضى الله فيها من الأقدار والأخبار .. الله أعلم كم فيها من رحمة تنتظر السعداء !! وكم فيها من بلية ومصيبة تنتظر الأشقياء !! نسأل الله العظيم بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين أن يجعل ما وهب لنا من زيادة العمر زيادة لنا في كل خير ، وأن يعصمنا فيها من كل بلاء وشر .
والكلام حول الشباب والإجازة سيكون بإذن الله تعالى في عناصر :
1- الوقت هو الحياة
2- أحوال الشباب في الإجازة
3- مشاريع في الإجازة
4- الشباب والسفر
5- منغصات الإجازة
1) الوقت هو الحياة :
اعلم أن الوقت الذي أنت فيه هو حياتك، إذا عمرته فإنما تعمر حياتك، وإذا قتلته فإنما تقتل نفسك .
ولأهمية الوقت ، فإن الله سبحانه وتعالى أقسم به في أوائل سور كثيرة .
{وَالْعَصْرِ إن الإنسان ...}
{وَالْفَجْرِ } ، {وَالضُّحَى} ، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، إلى غير ذلك من الآيات .
والله سبحانه يقول : ((فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة وقم إليها نشيطا فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة .
الوقت هو ثمرة العمر ، فهل ثمارنا طيبة أو خبيثة؟
يقول ابن القيم رحمه الله : ( السنة شجرة، والشهور فروعها، و الأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل ) .
قال الحسن البصري رحمه الله : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم على دراهمكم ودنانيركم .
وعامر بن عبد قيس – أحد التابعين – قال له رجل مرة : كلّمني . فقال له : أمسك الشمس ! وما ذلك إلا ليشعره بقيمة الوقت .
فماذا عسانا أن نقول بعد هذا ، وفينا من يتفنّن في تضييع الأوقات بتوافه الأمور والأشياء ، بل وبما يُغضب الله .
وههنا سؤال يحتاج إلى إجابة : متى يعرف المفرط قدر الوقت وقيمة العمل فيه؟
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم موقفين عظيمين يندم فيهما الإنسان على ضياع الوقت والحياة ، ويعلم أنه كان مغبوناً خاسراً في حياته .(49/1)
الموقف الأول : ساعة الاحتضار .. حينما ينزل الموت بالعبد المفرط (فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) .. إنه يريد تأخير الأجل ولو قليلاً من الوقت (إلى أجل قريب) .. إنه يريد فرصة من الوقت ليتدارك حياته بالعمل الصالح .
الموقف الثاني : في يوم القيامة .. حين يقول المفرط في جنب الله حين يرى العذاب (لو أن لي كرة فأكون من المحسنين) .. (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) .
خصائص الوقت :
وإذا أردنا أيها الأحبة أن ندرك أهمية الوقت وخطورته فلنتأمل بعض خصائصه . فمن خصائص الوقت:
1) أن ما مضى منه لا يعود ولا يمكن تعويضه . كما قيل : الوقت كالسيف ، إن لم تقطعه قطعك .
يقول الحسن : ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم ، أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني لأني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة .
قد تعوض المال .. قد تعوض الأولاد .. أم الوقت فلا يمكن تعويضه.
2) سرعة مروره وانقضائه ، فالوقت يمر مر السحاب ولا سيما بالنسبة للصحيح المعافى من الأمراض والهمومذ، فإنه سرعان ما يمر به الوقت ، كما قيل :
فقصارهن مع الهموم طويلةٌ وطوالهن مع السرور قصار
ومن العجيب ، ما جاء في السنة من أن الوقت يتقارب ويمضي سريعاً في آخر الزمان .
فعن أنس t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالضرمة بالنار" رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع .
3) أنه محدود بأجل مسمى ، وهذا الأجل مجهول بالنسبة للإنسان ، فأنت لا تدري متى تنقطع أنفاسك ويحل أجلك ، (فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) .
4) أنه أنفس ما يملكه الإنسان ، وليس كما قيل : الوقت من ذهب ، بل هو أغلى من الذهب .
5) أنه على الرغم من نفاسته وأهميته فإن أكثر الناس مغبونون فيه ، يقول الناطق بالوحي صلى الله عليه وسلم : {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ} [رواه البخاري عن ابن عباس ] .
قال ابن بطال: (كثير من الناس) أي أن الذي يوفق لذلك قليل.اهـ
وإنما يعرف قدر هاتين النعمتين من حرمها .
هل تأملت أخي الشاب ذلك الشاب الذي تعرض لحادث سيارة فأصبح مشلولاً مقعداً طوال حياته لتعلم كم أنت مغبون في صحتك .. وهل تأملت آخرين ممن يعيشون خلف القضبان وبين الجدران في السجون لتعلم كم أنت مغبون في فراغك .
ومن العجيب أنك قد ترى بعض المرضى والمشلولين والمسجونين يستثمرون أوقاتهم بصورة صحيحة وجيدة ، أما الذين أصح الله أجسادهم ، وعافاهم من الأمراض والمشغلات المقلقة ، فإنهم يتسابقون في تضييع الأوقات وقتلها .(49/2)
أخونا أحمد الشهري شاب مشلول من نزلاء مستشفى النقاهة ، لا يتحرك منه إلا رأسه !! وقد وضع له جهاز مطاطي تحت ذقنه لتحريك كرسيه لليمين أو الشمال ، ومع ذلك فهو يدعو إلى الله ويلقي الكلمات يحضر الدروس ويصلي على الجنائز .. وإذا تحدث لا تمل من حديثه وعلمه ، نسأل الله تعالى أن ينفع به ويبارك فيه .
ومن النماذج المشرقة مل نقله أحد الإخوة عن الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله ، من حرصه العجيب على اتباع الجنائز وزيارة المريض والصدقة .. وربما كان للشيخ كلمة يوم الخميس بجامع الراجحي ، فيلقي الكلمة ، ثم يتبع الجنازة ، ويزور مريضاً ، ويتصدق .. يطبق حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر : أنا . قال فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال : أبو بكر : أنا . قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ قال : أبو بكر : أنا . قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟ قال أبو بكر : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة " .
ويضاف إلى هذا الأمر ما عرف عن الشيخ من اشتغاله بالعلم وملازمة الدروس ، والحرص على الفوائد والمسائل ، وقد أدركت دروس شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله في أواخر عمره ، فكنت أتعجب عندما أرى الشيخ عبد العزيز الراجحي وقد شابت لحيته يزاحم صغار الطلاب بعد الدرس ليسمع إجابات الشيخ ابن باز وهو يمشي بعد الدرس . فنسأل الله ان يثبت الشيخ ويبارك في عمره .
6) أن هذا الوقت هو محل الحساب يوم القيامة ، وكل إنسان محاسب على أوقات عمره كلها وما يشغلها به من أعمال وأقوال، قال الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) .
روى الترمذي وغيره بسند صحيح عن أبي برزة الأسلمي عن النبي قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه فيم فعل فيه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه) . وفي رواية (وعن شبابه فيما أبلاه) كما في حديث ابن مسعود عند الترمذي ومعاذ عند البيهقي وغيره .
إذا عرفنا خصائص الوقت وشرفه وأهميته ، فإننا لا بد من استغلال الوقت بالأعمال النافعة في الدنيا والآخرة .
2) أحوال الشباب في الإجازة :
لقد بدأت الإجازة .. فيا ترى ماذا أعددننا لقضائها؟
من المؤسف أن نرى هذا الضياع الذي يعيشه الكثير من الشباب والفتيات في الإجازة .
بل إن كثيراً من المشاكل التي تحدث للشباب والفتيات تأتي في أوقات الإجازة؛ نظراً لوجود هذا الفائض الضخم الفراغ الذي قد يؤدي بالبعض إلى اتخاذ وسائل جديدة وربما سيئة لقضاء الوقت، إضافة لغياب الرقابة عليهم .
في حوارات سريعة مع بعض الطلاب في المرحلة المتوسطة بالمنطقة الشرقية ، حول قضاء الوقت في الإجازة ، كانت النتائج مدعاة للضحك وهي في ذات الوقت تنم عن مأساة يقع فيها أولادنا في الإجازة . ما هو أبرز شيء عملته في الإجازة؟ هذا يقول:
1. في السهر مع الاصدقاء على الكورنيش الى الفجر .
2. الدوران على السيكل من الساعة 8 مساء الى 10 صباحاً.
3. في النوم ولعب السوني .(49/3)
4. مع أصحابي الأكبر مني سناً بالدوران بالسيارة متنقلاً بين مدن المنطقة الشرقية .
5. الوناسة مع اصحابي وجلسات الغناء والرقص .
6. الذهاب لشاطيء نصف القمر والتفحيط والتطعيس .
وهكذا عند الفتيات .. ففي استبيان أجراه موقع (لها أون لاين) على مائة فتاة تراوحت أعمارهن بين 15 إلى 24 سنة في المراحل المتوسطة والثانوية والجامعيات حول وجود التخطيط لقضاء الإجازة تبين أن 60% من العينة ليس بذهنهن أي مخطط لقضاء الإجازة الصيفية بينما 40% لديهن مخطط يسعون إلى تنفيذه .
- وبسؤالهن عن كيفية قضاء الإجازة غلبت السلبيةُ على الإجابات.
50% من الإجابات قالت بأنه لا شيء محدد تنوي فعله أو تفكر فيه وهي تعيش أيام الإجازة يوماً بيوم .
30% قالت أنها ستسافر لتستمتع بالإجازة، ومنهن من قالت إنها ستقضي إجازتها في التسوق وأخرى في المناسبات والأفراح .
وبلغت نسبة من رغبن بالالتحاق بدورات علمية أو حاسب أو تعلم الطبخ أو مركز صيفي 10% من العينة فقط .
- أما بالنسبة للنوم في النهار والسهر في الليل أيام الإجازة .
أجابت 46% أنهن يسهرن الليل وينمن بالنهار .
46% قلن: إنهن ينمن بالليل ويجعلن النهار للاستمتاع والزيارات .
13% قلن: أحياناً نسهر الليل وأحياناً ننامه .
ولعل نتيجة هذا الاستبيان تشير بوضوح إلى ضياع ثلاثة أشهر على الأقل من كل سنة من عمر أبنائنا وبناتنا دون الاستفادة منها، هذا إن لم تتسبب هذه الأشهر في ظهور بعض العادات السلبية .
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((إن الله يبغض كلَّ جَعْظَريٍ جَوَّاظ ، سَخَّابٍ في الأسواق ، جيفةٍ بالليل ، حمارٍ بالنهار ، عالمٍ بالدنيا جاهلٍ بالآخرة)) . والحديث رواه ابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة وفي سنده كلام ، فقد صححه الألباني في صحيح الجامع ثم رجع عن تصحيحه في السلسلة الضعيفة .
والجعظري هو الفظ الغليظ المتكبر . والجواظ هو الجموع المنوع .
وتأمل في آخر الحديث .. كم من شاب ينطبق عليه هذا الوصف: سخاب في الأسواق (من السَّخَب وهو الضجة ورفع الصوت) ، جيفة بالليل ، حمار بالنهار ، عالم بالدنيا جاهل بالآخرة !!.
اسأل الشباب عن أسماء الفنانين والفنانات والممثلين والممثلات تجد علماً واسعاً بهذه القدوات السيئة وأخبارهم ونشاطاتهم ، وفي المقابل اسألهم عن المسائل الكبار المشهورة في التوحيد أو العبادات الواجبة تجد الجهل الذريع بهذه المسائل .
أخي الشاب .. الإجازة جزء من أعمارنا .. فلا ينبغي أن تكون عطلة من العمل ، ليس المسلم بالعاطل الباطل، بل هو عامل كادح حتى الموت ، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}.
الإجازة يا أخي ليست مضيعة للأوقات ، وليست فرصة للمعاصي والمنكرات ، فما دمنا نأكلُ من رزق الله ، ونمشي على أرضه ، ونستظلُ بسمائه ، ونستنشقُ من هواءه ، فلا ينبغي لنا أن نعصيه طرفة عين .(49/4)
ذكر ابن قدامة في كتاب التوابين عن يوسف بن الحسين قال : كنت مع " ذي النون المصري " على شاطئ غدير ، فنظرت إلى عقرب عظيمة على شط الغدير واقفة ، فإذا بضفدع قد خرجت من الغدير ، فركبتها العقرب فجعلت الضفدع تسبح حتى عبرت الغدير .
قال ذو النون : إن لهذه العقرب لشأنا ً، فامض بنا نتبعها .
فجعلنا نتبع أثرها ، فإذا رجل نائم سكران ..!! وإذا حية سامة قد جاءت فصعدت من ناحية سرته إلى صدره وهي تطلب أذنه ، فتمكنت العقرب من الحية السامة فضربتها ، فانقلبت الحية وهربت!! ورجعت العقرب إلى الغدير ، فجاءت الضفدع فركبتها فعبرت .
فحرّك ذو النون الرجل النائم ففتح عينيه ، فقال : يا فتى ، انظر مما نجّاك الله !! هذه العقرب أرسلها الله إليك ، فقتلت هذه الحية التي أرادتك بسوء !! ثم أنشد ذو النون يقول:
يا غافلا ً والجليل يحرسهُ من كل سوء يدب في الظلمِ
كيف تنام العيون عن ملكٍ تأتيه منه فوائد النعمِ
فنهض الشاب وقال : " إلهي ومولاي : هذا فعلك بمن عصاك !! فكيف رفقك ورحمتك بمن يطيعك ..؟!! "
ثم ولى ذاهبا ً ، فقلت : إلى أين ؟؟ فقال : إلى بيوت الله وإلى طاعة الله !! .
3) مشاريع في الإجازة :
أيها المبارك .. إذا أردت أن تستفيد من الإجازة ، وتكون فيها من الفائزين ، فلا بد من تحقق أمرين :
1) أن تستشعر قيمة الوقت، وأن له شأناً عند الله . وأن هذا الوقت هو رأس مالك؛ فإن ضيعته ضاعت حياتك ، وإن حفظته كنت أحد السابقين المفلحين .
2) لا بد من التخطيط والتنظيم والبعد عن الفوضى في استغلال الوقت .
من الصعب أن يترك الإنسان نفسه كريشة في مهب الريح، أينما تأخذه الرياح يمضي؛ لابد من تخطيط في استثمار الوقت واستغلاله .
بالتخطيط والتنظيم يمكن أن نحول الإجازة إلى فترة إيجابية في حياتنا نجني منها الأجر والفائدة وبناء النفس من جهة ، ونجد فيها المتعة والترويح عن النفس من جهة أخرى .
ولعلي أطرح بعض المشاريع التي يمكن أن نقوم بها في الإجازة ، وهذه المشاريع متنوعة يمكن للشاب أن يختار ما يناسبه من هذه المشاريع ، بحسب عمره ، أو مستواه العلمي ، أو درجة تدينه ، أو محل إقامته ، ونحو ذلك من المتغيرات .
1. المشاريع التعبدية : فنحن يمكن أن نجعل من الإجازة فرصة للتزود بالتقوى والعمل الصالح . مثل : أداء العمرة وقضاء بعض الأيام الإيمانية بجوار الحرمين الشريفين .. الاجتهاد في تلاوة القرآن الكريم ، وقيام الليل ، وغير ذلك من أنواع العبادة .
2. المشاريع العلمية : كحفظ القرآن الكريم ، وحفظ السنة ، وحفظ المتون ، وحضور دروس المشايخ ، وحضور المحاضرات والندوات ، وحضور الدورات العلمية ، ودورات تجهيز الجنائز ، وإعداد البحوث ، وسماع الأشرطة ، وتلخيص الكتب والأشرطة ، وغير ذلك من المشاريع العلمية .
هذا الأمر وهو طلب العلم الشرعي هو أولى ما شغلت به الإجازات ، وهو أعظم ما تُعبِّدَ اللهُ به .. ووالله ما وقع بعض شباب الأمة في الفتن إلا بضياع العلم المؤصل ، المؤسس على الكتاب والسنة .
3. المشاريع المعرفية المهاراتية : والتي تهدف إلى بناء النفس وتطوير الذات:(49/5)
أبناؤنا وبناتنا بحاجة إلى اكتساب مهارات أساسية هي من أعظم أسباب النجاح في الحياة العملية ، مثل : القراءة السريعة - الكتابة السريعة – البحث والتعامل مع المراجع - فهرسة المعلومات - النسخ على الآلة الكاتبة أو الحاسب - تصنيف المكتبات- ترتيب الأفكار وإعداد التقارير - العلاقات العامة – الخطابة والإلقاء - تشغيل الحاسب الآلي – استخدام برامج الحاسب الآلي ، وغيرها .
هذه المعارف والمهارات مهمة جداً في بناء الشاب .
خذ على سبيل المثال : القراءة .. من المؤسف أننا لا نقرأ ولا نشجع إخواننا وأبناءنا على القراءة والاطلاع .
في استبيان أجرته إحدى الصحف المحلية اتضح أن 90% من المواطنين لا يرون أن هناك تشجيعا لارتياد المكتبات العامة ، بل إن الغالبية منهم يجهل موقع المكتبة العامة في مدينته .
الكثير من أطفالنا لا يقرأون .. عقولهم متبلدة ، ورؤوسهم خاوية كالكرة .
نعم .. هناك بعض النشاطات القليلة المشكورة في بعض المؤسسات التعليمية أو الأهلية كمسابقات القراءة ومعارض الكتاب .
وقد زرت قبل أشهر معرض الكتاب للطفل بالرياض ، ورأيت فيه من إقبال الأسر والأطفال على الكتب والوسائل التعليمية ما يفرح ولله الحمد ، وهو جزء مما يجب علينا تجاه أبنائنا وبناتنا .
4. مشاريع دعوية : جولات دعوية للقرى خارج المدينة .. نشاطات دعوية في الأسواق والمتاجر والأرصفة وتجمعات الشباب.
هؤلاء الشباب الذين يجلسون على الأرصفة أو الطرق وقد يوجد معهم بعض المنكرات كالشيشة أو الموسيقى أو الآلات الموسيقية ، من حقهم علينا أن نمر عليهم مرور الكرام دون تنفير أو إثقال ، ونهدي لهم الكلمة الطيبة ، والمطوية الجميلة ، والشريط المؤثر .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : (هذا العصر عصر الرفق والصبر والحكمة ،وليس عصر الشدّة .. الناس أكثرهم في جهل ، في غفلة وإيثار للدنيا ، فلا بدّ من الصبر ، ولا بدّ من الرفق ؛حتى تصل الدعوة ، وحتى يبلّغ الناس ، وحتى يعلموا ، نسأل الله للجميع الهداية) . اهـ مجموع فتاوى ابن باز 8/376 ، 10/91
ولا شك أن شبابنا فيهم خير كثير بحمد الله .. وقد قام مجموعة من الأخوة قاموا بعمل استبيان حول من يجلسون في الطرقات وعلى الأرصفة واتضح أن 70% من الشباب يحبون الشباب المتدينين ، وقال 10% منهم إنهم يحبون بعض الشباب المتدينين ، وقال10% لا يحبون الشباب المتدينين لسبب أو لآخر .
وقد سئل كثير من الشباب هل تحب أن تكون متدينا ؟ فكانت النسبة 5ر99% يرغبون أن يكونوا متدينين .
5. مشاريع النشاط الجماعي : كالمراكز الصيفية ، والمخيمات الدعوية والتربوية ، والمخيمات البحرية ، والرحلات الطويلة أوالقصيرة ، مع العائلة أو مع الأقارب ، مع المركز ، مع الزملاء.
وهذه المشاريع تسهم في بناء شخصية المشارك ، واكتسابِه مهارات التواصل مع الآخرين ، والقدرة على التحمل ، والتكيف مع الظروف المتغيرة .
6. مشاريع إغاثية : كالمشاركة في الجمعيات الخيرية ، والقيام على الفقراء والمساكين ، وجمع ما يحتاجونه وتوزيعه عليهم .(49/6)
7. مشاريع تجارية ووظيفية : كالتجارة الصغيرة في سوق الخضار أو عند المساجد ، وكالوظائف المؤقتة في الشركات والمتاجر أو في الجهات الخيرية والدعوية .
8. الزيارات : كزيارة المكتبات ، والمعارض ، وصالات الألعاب ، وحدائق الحيوانات ، والمشاريع الخيرية ، والمشاريع الدعوية ، والمستشفيات ، ودور المعاقين ، وغيرها.
9. المشاريع المهنية : كتعلم مهنة في المصانع ، أو مراكز التدريب المهنية: كهرباء ، الكترونيات ، سباكة ، تبريد ، نجارة ، وغيرها من المهن .
10. الألعاب الرياضية المفيدة : كالدفاع عن النفس ، والسباحة والغوص ، وتعلم الفروسية ، وغيرها من الرياضات المفيدة للجسم .
والرياضة أمر مطلوب في حياة الشاب ، بشرط أن لا تفوّت واجباً ولا تضيع حقاً ولا تشتمل على أمر محرم ولا تكون غاية تستنوف حياة الشاب .
وقد سابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة ، وحث على تعلم الرمي ، وسابق بين الخيل في المدينة .
ومن لطائف ما روي عن الإمام البخاري ما نقله عنه محمد بن أبي حاتم ، قال: ((كان يركب إلى الرمي كثيراً ، فما أعلم أني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمُه الهدفَ إلا مرتين ، وكان لا يُسبَق)) .
4) الشباب والسفر :
أخي الشاب .. إلى أين تسافر ؟ وهل تعود من سفرك مأجوراً ، أو تعود مأزوراً ، أو تعود سالماً لا لك ولا عليك.
هذا التفصيل يجرنا إلى الحديث عن أنواع السفر .
السفر أنواع ، منه الواجب والمستحب والمباح والمحرم والمكروه .
فمن السفر المشروع : السفر لطلب العلم النافع .
وقد ألف أهل العلم وصنفوا في الرحلة في طلب العلم ، وجمع ميراث محمد صلى الله عليه وسلم . ورحل جابر بن عبد الله الصحابي الجليل، من المدينة مسيرة شهر في حديث عن رسول الله بلغه عن عبد الله بن أُنيس، حتى سمعه عنه .
قال الإمام الشعبي: لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعاً.
ولهذا لما سئل الشعبي عن هذا العلم الغزير الذي وهبه الله ، من أين لك هذا العلم؟ قال : بنفي الاعتماد ، والسير في البلاد (يعني السفر في طلب العلم) ،وصبر كالجماد ، وبكور كبكور الغراب .
من السنن الحسنة التي انتشرت في بلادنا المباركة سنة الدورات العلمية المكثفة التي تعقد في كثير من المدن ، ويسافر إليها الشباب من شتى الأماكن ليتلقوا مفاتيح العلوم ، والتأصيل العلمي في فنون العلم . فعلى الشاب أن يختار من هذه الدورات أو من مواد كل دورة ما يناسب مستواه العلمي ، ثم بعد ذلك يحرص على الاستفادة وجمع الفوائد ومراجعة العلم ، مع التأدب بآداب مجالس العلم . والتي ذكرها العلماء في كتب فضل العلم وآداب العالم والمتعلم ، وطرق الاستفادة من الشيوخ ، ومن الكتب المعاصرة النافعة كتاب (معالم في طريق طلب العلم) للشيخ عبد العزيز السدحان وفقه الله فهو كتاب مفيد مليء بالفوائد والتجارب في تلقي العلم وتحصيله والتأدب بآدابه .(49/7)
ومن السفر المشروع أيضاً السفر إلى بيت الله الحرام أو مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أولصلة الرحم وزيارة الأقارب ، فيرجع الشاب إن رجع من سفره مثاباً مأجوراً ، وإن مات مات على عمل صالح.
وتأملوا معي قصة هذا الشاب الذي خرج مع إخوانه لأداء العمرة .. وعندما وصلوا إلى مكة دخلوا المسجد الحرام ، وهم بلباس الإحرام ، كانوا مسافرين فقالوا : لعلنا نصلي أولاً ثم نؤدي العمرة ، صفوا للصلاة ، وتقدم الشاب يصلي بهم ، وبدأ يقرأ القرآن ، (والضحى والليل إذا سجى ، ما ودعك ربك وما قلى ، وللآخرة خير لك من الأولى ، ثم قال: ولسوف يعطيك ربك فترضى ، فتوقف لسانه ، ثم توقفت أنفاسه ، وخر بين يدي ربه ميتاً ، محرماً مصلياً قارئاً للقرآن . وسوف يرضى بإذن الله تعالى .
ومن أنواع السفر : السفر المباح : كالسفر للترويح البريء وإجمام النفس وهذا مباح في الأصل ، وقد يتحول إلى عبادة مستحبة كأن يكون عوناً للإنسان على الطاعة ، أو توسعة على الأهل والأولاد وإدخالاً للسرور عليهم في حدود الاعتدال .
ومن أنواع السفر : السفر المحرم ،كالسفر لبلاد الكفر بلا ضرورة ، وقد ذكر أهل العلم شروطاً ثلاثة لجواز السفر إلى بلاد غير المسلمين، أولها: أن يكون عند الإنسان دين يدفع به الشهوات، ثانيها: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات، ثالثها: وجود الحاجة للسفر كالعلاج أو الدعوة إلى الله أو تعلم علم ينفع المسلمين أو للتجارة، وكل ذلك مشروط بأن يكون مظهراً لدينه، عالماً بما أوجب الله عليه، قوي الإيمان بالله، قادراً على إقامة شعائره، ولديه من العلم والتقوى ما يحول بينه وبين التأثر بالشبه والشهوات .
ومن السفر المحرم أيضاً: السفر لبعض البلدان الفاسدة ، وقضاء الأوقات فيها على المحرمات.
يتهافت الشباب على وكالات السفر ليسافروا إلى تلك البلدان ، بل وحتى بعض كبار السن لم يسلموا من هذه المنكرات .
فهذا شيخ قد جاوز عمره الستين سنة ، سافر من هذه البلاد إلى إحدى البلدان المعروفة ليتعاطى الخمور ويقع في أحضان المومسات -عافاني الله وإياكم- فشرب في اليوم الأول ست زجاجات من الخمر، وشرب في اليوم التالي أكثر من ذلك، وشرب في اليوم الثالث اثنتي عشرة زجاجة؛ وبينما هو جالس مع أصحابه شعر بنوع من الغثيان ، فذهب ليتقيأ (أكرمكم الله) في دورة المياه . انتظره أصحابه طويلاً ثم ذهبوا إليه ليجدوه ميتاً ورأسه في محل قضاء الحاجة عافانا الله و إياكم من ذلك .
تحولت السياحة في عرف الكثير من الشباب إلى صياعة .. تحرر من الواجبات .. وارتكاب للمحرمات ، وتعاطي للمسكرات والمخدرات ، وسهرات مع النساء العاهرات .. يسافرون عبر بوابات المطار ، فيعودون عبر بوابات الإيدز والمخدرات ، بل قد يعود بعضهم وقد انسلخ من عقيدته ، وتمرد على دينه وأهله.
أخي الكريم .. يا من أعد العدة للسفر الحرام ، اسأل نفسك وأنت تدعو دعاء السفر : اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى .
هل تريد حقاً بهذا السفر البر والتقوى .(49/8)
وإذا عدت إلى بلادك بعد سفرك وأنت تقول: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ، فاسأل نفسك: أزاد إيمانك في سفرك هذا أم لا؟ أيسوؤك أن يعلم الناس ما الذي صنعته خلال سفرك أم لا؟.
هل بلغك خبر ذاك الشاب الذي ابتعد عن أهله فقلت غيرته واختلى بالمعاصي فمات بين يدي عاهرة؟ وهل سمعت بخبر من مات وقد ملأ بطنه بالشراب المحرم؟ أو ما علمت بوباء الإيدز والأمراض الجنسية التي فتكت بالملايين ممن ولغوا في المحرمات .
ومن المؤسف أن إحصائيات الإيدز في العالم لا زالت في ازدياد ، بما في ذلك الدول العربية والخليجية .
إنهم صرعى الشهوات الذين شغلتهم لذة الشهوة المحرمة عن تأمل عواقبها وعقابها .. مثلهم كما يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر كمثل الكلب .
يقول ابن الجوزي : إن الكلب قال للأسد: يا سيد السباع ، غيّر اسمي فإنه قبيح . فقال له: أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم . قال: فجربني ، فأعطاه شقة لحم ، وقال: احفظ لي هذه إلى غد وأنا أغيّر اسمك . فجاع وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر . فلما غلبته نفسه قال: وأي شيء باسمي وما كلب إلا أحسن اسم ، فأكل.
وهكذا الخسيس الهمة ، القنوع بأقل المنازل ، المختار عاجل الهوى على آجل الفضائل ، فالله الله في حريق الهوى إذا ثار ، وانظر كيف تطفئه . اهـ
كيف يكون السفر مباركاً :
القاعدة النبوية بإيجاز هي :(اتق الله حيثما كنت) .. كما عند الترمذي عن أبي ذر ، وهذا من جوامع الكلم .
تقوى الله تعني : المحافظة على أوامر الله ، واجتناب نواهيه .
تقوى الله ليست محددة بزمان ولا مكان ، وأنت عبد لله في جميع الأحوال .
ولا يليق بالعبد أن يعطي نفسه إجازة دينية في السفر ، والله يقول (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) .
مهمة الإنسان في هذه الحياة عبادة الله ، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ).
المسلم الحق ثابت على مبادئه، معتز بدينه وعقيدته، في كل زمان ومكان ، فمحياه كله لله، وأعماله جميعها لمولاه، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذالِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) .
وعلينا أن نتذكر قبل أن نسافر ، أننا كلنا مسافرون ، مسافرون في حياتنا وسائرون إلى الله.
كل إنسان في هذه الحياة مسافر إلى ربه كما يقول ابن القيم فمن الناس من يحط رحله في الجنة ومنهم من يحط رحله في النار ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور .
إنه السفر الذي لا بد له من التزود ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)
تزود للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العباد
أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد
5) منغصات الإجازة :
وكما أن للإجازة فوائد ومشاريع وثمرات ، فإن لها منغصات ومكدرات .
ولعلي أذكر بعض المنغصات التي يقع فيها الشباب في الإجازة الصيفية ، وهذه المنغصات على قسمين :
أ- منغصات محرمة في الأصل .
ب- منغصات مباحة في الأصل ، ولكن قد يقترن بها أو يطرأ عليها ما ينقلها من الحلِّ إلى الحرمةِ أو الكراهة .(49/9)
أ - المنغصات المحرمة :
1) السفر إلى بلاد الكفار :
فمن المعلوم أن الأصل في السفر إلى بلاد الكفار محرم .
فعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أنا بريء من كلِّ مسلمٍ يُقيمُ بين أظهُرِ المشركين " [1]
ويستثنى من ذلك ما دعت إليه الحاجة كطلب علم دنيوي أو طب أو تجارة لا توجد إلا عندهم أو لدعوتهم إلى الإسلام ونشره بينهم .
ولا شك ان السفر لبلاد الكفر له مفاسد كثيرة .. كم من مآسٍ رجع بها جمع من المسافرين من ديارهم بلغت ببعضهم إلى درجة الردة عن الدين والكفر بربِّ العالمين !
وكم عاد آخرون بالأمراض الفتاكة والأوبئة المهلكة أو بالإدمان على الخمور والمخدرات أو بالهزيمة النفسية والتردي المعنوي والكره للإسلام وأهله ودياره !
2) ضياع الصلوات :
قال تعالى :[ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيَّا * إلا من تاب ...] .
والإجازة يفترض أن تكون من أعظم أسباب الحرص على الصلوات والمحافظة عليها في بيوت الله كما أمر الله ، لتفرغ العبد عمَّا يشغله عنها ، فكيف تصبح الإجازة سبباً من أسباب تضييعها والتفريط فيها؟!
ترى بعض الشباب يضيع صلاته لانشغاله بالتفاهات كمتابعة المباريات أو الأفلام والمسلسلات أو لكثرة النوم والجلسات ، وغير ذلك مما يندى له الجبين وينقطع له حبل الوتين .
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في البخاري أنه قال: "مَن تركَ صلاةَ العصرِ فقد حَبِطَ عملُه" .. فكيف بمن يضيع الصلاة تلو الصلاة .
كيف يصل إلى السعادة من هجر محراب العبادة ؟! .. وكيف يتمتع بالإجازة من قطع صلته بالله سبحانه؟!
3) الترفيه المحرم :
يكثر الناس في الإجازة الصيفية من ألعاب التسلية والترفيه ، ولا شك أن الترويح عن النفس وإجمامها ببعض المباحات أمر مطلوب .
لكن هذا الأمر قد يتحول إلى منغص وأمر سلبي ، من وجهين :
أ- أن هذه الألعاب قد تستغرق الوقت آناء الليل وأطراف النهار ، وهذا من العبث الذي يضيع الأوقات ويهدر الطاقات .
ولهذا لا بد من ضبط الوقت وإعطاء كل أمر حقه .
ب- اشتمال بعض الألعاب على محظورات شرعية ، كالشطرنج ، أو القمار ، أو الموسيقى ، والصور المحرمة بل الخليعة كما في بعض ألعاب البلاي ستيشن ، وغيرها من المحظورات .
4) متابعة المسلسلات والأفلام والقنوات الفضائية :
إنها صورة محزنة لمن مضى عمره هباءً ، وهو ينظر إلى المسلسلات والأفلام والبرامج الترفيهية المليئة بالمنكرات من صور بعض الرجال العصاة والنساء الفاسقات في أوضاع مزرية وصورة مخزية ومناظر مشينة ، يلين لها الحديد ، وتذوب بها الجلاميد ، ويتابعها المحروم في كلِّ يوم ، متغافلاً عن آثارها السيئة وثمارها المرَّة .
عجباً لمن يرى الفتنة أمامه ، فيلقي فيها أقدامه ! .(49/10)
وقد روى عمران بن حصين t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" في هذهِ الأمَّةِ خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ " فقال رجل من المسلمين : يا رسول الله! ومتى ذلك ؟ . قال :" إذا ظَهرتِ القيانُ والمعازفُ وشُربتِ الخُمُور " رواه الترمذي وصححه الألباني . والقيان جمع قينة وهي المغنية من الإماء .
كيف لو رأى عليه الصلاة والسلام مغنيات الفيديو كليب ، وفنانات أفلام السهرة ، والأفلام المدبلجة ، وغيرها من البرامج السيئة .
لقد قادت الفضائيات الكثير من شبابنا وبناتنا إلى مسالك غير سوية.
فحدث عن شرخ التوحيد وتضليل الفكر والتلبيس على عقائد المسلمين .. وحدث عن الفجور وتأجيج الشهوات ، وتحريك الغرائز وظهور السافرات المتبرجات في التمثيليات والأفلام ونشرات الأخبار ، وإفساد الأزواج والزوجات والأبناء والبنات .. وحدث عن العنف وتعليم الجريمة والسرقة والمخدرات .
في تحقيق مع بعض المدمنات في الرياض قالت إحداهن: "رأيت فتيات يشربن كثيرا في الأفلام الأجنبية فحاولت التجربة" .
وتقول أخرى: "أشاهد الأفلام الأجنبية الجديدة وعندما أرى الأمريكيين يشربون ويضحكون أحس بأنهم هم الأشخاص الذين يعيشون حياة حقيقية "! .
أيها الأحبة .. ماذا نتوقع من أبناء مراهقين وفتيات مراهقات يتسمرون طوال اليوم أمام طبق قيمته 400 ريال في الملاحق والاستراحات يضع بين أيديهم أكثر من 300 قناة ، تعرض الخزي والعار في بيوت المسلمين .
5) الذهاب إلى المقاهي لشرب المحرمات :
فبعض الشباب تمضي عليه الساعات الطويلة وهو جالس في هذه المقاهي والملاهي مع غيره من الشباب يلعبون البلوت ، ويشربون الشيشة أوالمعسل ، إن نظروا نظروا إلى المحرمات في القنوات ، وإن استمعوا استمعوا المعازف المحرمة والكلمات الآثمة ، وإن تكلموا تكلموا في الغالب فيما لا ينفع ولا يرفع ، ويضر ولا يسر .
6) الذهاب للأماكن المحرمة كالحفلات الغنائية وأماكن الاختلاط :
بعض الحفلات الصيفية يكون فيها شيء من المنكرات والمخالفات الشرعية ، كسماع المعازف المحرمة ، والأغاني الماجنة ، أو اختلاط الرجال بالنساء .
وهذه الحفلات والأماكن يحرم على العبد المسلم أن يحضرها أو يشارك في إقامتها أو الدعوة إليها ، لأنها من مجالس الحرام كما أفتى بذلك أهل العلم .
7) مجالس الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء :
فقد يجلس بعض الشباب المجالس الطويلة يأكلون في لحوم الناس بالغيبة والنميمة ، والسخرية والاستهزاء ، واللعن والطعن ، والهمز واللمز ، والفحش والتفحش ، والقذف والعيب ، والرجم بالغيب ، وغيرها من آفات اللسان مما يغضب الرحيم الرحمن .
ب - المنغصات المباحة الأصل وطرأ عليها التحريم :
بعض المخالفات التي يقع فيها بعض الناس وهم يظنون أنها ليست كذلك لأن أصلها الجواز .
1) السفر إلى البلاد المسلمة التي يكثر فيها الفساد :
وكأنما السفر سبب من أسباب التفلُّت على أوامر الله ، وموسم من مواسم انتهاك حدود الله ، كالتفريط في الحجاب ، وتضييع الصلوات ، وحضور أماكن الرقص والفجور ، ومواطن الخلاعة والخنى والفواحش والزنى .
2) النوم الكثير بالنهار :(49/11)
النوم مطلوب ، لكن المبالغة فيه تخرجه عن غايته والحكمة التي خلق من أجلها ، فيكون من أسباب الخسارة في الدنيا والآخرة .
وقد ابتلي بعض الناس بحب النوم والإكثار منه ، فجعل الإجازة الصيفية كالبيات الشتوي .
وكثيراً ما يترتب على كثرة النوم ضياع الصلوات ، والتفريط في الواجبات ، والتفلت من الأعمال والالتزامات .
3) السهر الطويل بالليل :
تحوَّل بعض الناس إلى ما يشبه الخفَّاش الذي يظهر في الليل ويختفي في النهار ، فليله سهر طويل ، ويومه نوم عميق ، فيسهر على لهوه وغفلته ، وربما على معاصيه وآثامه ، حتى إذا دنا الفجر ، أقبل الشيطان على رأسه فثقّله ، وإلى جسده فكسَّله ، فأصبح يترنح ذات اليمين وذات الشمال ، وغلب عليه النوم ، واحتواه الكسل ، وقال له عدو الله : ارقد ، فإن عليك ليلٌ طويل !! ثم تكون صلاة الفجر أولى الضحايا .
4) التسكع في الأسواق :
لقد أصبحت الأسواق ـ وهي أبغض البقاع إلى الله ـ أفضل الميادين عند بعض الغافلين ليقتلوا فيها الوقت الثمين ، ويهدروا فيها العمر الغالي ، ويعرضوا أنفسهم لما لا قِبل لهم به من البلايا والرزايا .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها ، وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها " رواه مسلم .
وفي صحيح مسلم أن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال:" لا تكوننَّ إن استطعت أوَّل من يدخل السُّوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فإنَّها معركة الشيطان ، وبها ينصب رايته".
5) عالم الإنترنت :
مع ثورة المعلومات والاتصالات رأينا من يتفنن في تضييع وقته الثمين ، ويبدع في إهداره ، كحال أولئك الذين يمضون الساعات الطوال ، وهم عاكفون على الشبكة العنكبوتية [الإنترنت] وهم يتقلَّبون بين الصفحات والمواقع ، وقد يدفعهم الفضول إلى اختراق الممنوع ، والبحث عن كلِّ مثير أو محظور ، فيقعون في شراك هذه الشبكة المليئة بفتن الشبهات والشهوات .
وفي الآونة الأخيرة ظهر ما يسمى الحب الإلكتروني أو الحب عبر الإنترنت هو تلك العلاقات التي تقوم بين طرفين يتصلان ويتواصلان عبر الشبكة العنكبوتية، ويتبادلان المشاعر والعواطف على الشات المكتوب أو الصوتي .
ولعلي أطرح بعض مآسي هذه القضية :
فهذه الأم س . س من إحدى دول الخليج تشكو وتقول : ألزمت ابنتي بالحجاب في سن12، وأطاعاني برضا، وكانت العلاقة بيننا كلها ود واحترام ومصارحة، ولما بلغتا سن الخامسة عشرة والسابعة عشرة تغيرت طباعهما، ورفضتا الحجاب ، وأصبحتا تناقشاني بسوء أدب .
ثم اكتشفت من خلال مراقبتي لهما أنهما تتحدثان في الشات مع بعض الشباب، وعندما قررت أن أكون معهما أثناء جلوسهما على الانترنت؛ غضبتا علي وقاطعتاني لمدة أسبوعين .(49/12)
وشاب متزوج يقول : أنا شاب في بداية الثلاثينات من عمري، متزوج منذ 8 سنوات، في بداية حياتي الزوجية كنت مضرب المثل في العفة وغض البصر، لكن مع الأسف الشديد في السنوات الثلاث الأخيرة اتخذت اتجاها آخر؛ حيث بدأت أنظر إلى الفواحش في التلفاز وعبر الإنترنت وأصبحت الآن مدمنا، وحاولت جاهدا أن أتخلى لكن هيهات .. لم أرتكب فاحشة الزنى، لكني أشاهد بالعين وأتصل عبر الشات، وكم من مرة أخرج من بيتي للقاء إحداهن وأتراجع في آخر لحظة وأندم عن اللقاء، ثم أعود .
ومشرف في أحد المنتديات يقول: أنا مشرف بأحد المنتديات على النت، وأحببت مشرفة معي، أكلمها كثيرا على الماسنجر، وأستمتع بالحديث معها، وأترك كل شيء إلا هي، وأنتظرها لأوقات طويلة، وهى أيضا تنتظرني، ولكني لم أرها مطلقا .
وامرأة أخرى تكتشف أن زوجها كبير السن الذي يعمل معلماً بإحدى المدارس يحادث بعض الفتيات عن طريق الماسنجر .
هذه بعض المآسي ، وهي مؤشر خطر لتدارك الأمر ، وضبط استخدام شبكة الانترنت فيما ينفع دون ما يضر بالفرد والأسرة والمجتمع .
من آداب الدخول على مواقع ومنتديات الانترنت :
1. اختيار المواقع السليمة والمفيدة ،وعدم تجاوز الساحات المفيدة المعينة على الخير إلى غيرها.
2. الحذر من إضاعة الأوقات ؛ فإن عدداً من الناس يستزف معظم وقته في التصفح أو ساحات الحوار .
3. أن يتحلى المشارك في المواقع والمنتديات الإخلاص لله ، والبعد عن حب الثناء أو الإعجاب بالنفس ، أو الانتصار الشخصي .
4. لا بد أن يدرك الداخل إلى ساحات الحوار أنه يتعامل مع شخصيات كثيرة مجهولة ، ومن المعلوم عند أهل العلم أن المجهول لا يمكن أن يوثّق حديثه ، فكن على حذر من أخبار المجاهيل .
5. الحذر من الفتوى بغير علم ، وخوض الشاب فيما لا يحسنه ، فقد قال الله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) ، وقال سبحانه: ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) .
6. التزام الأدب الشَّرعي في المحادثة أو الرد أو النقد ، وعفّة اللسان حتى مع المخالف ، ولله كم من فكرة نبيلة رد الناس عن قبولها سوء أدب حاملها ، وفضاضة خلقه ، وصدق الله (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) .
7. الالتزام بعدم المحادثة مع الجنس الآخر لأن الغالب أن يكون ذلك مثيراً لكوامن النفس وإثارة الغرائز والشهوة ، وربما أدى ذلك إلى الفتنة والمفسدة .
8. عدم الدخول في الغرف المريضة البعيدة عن الأخلاق والقيم الاسلامية ، مثل الغرف الإباحية التي تثير الفاحشة والرذيلة ، وتفسد الشباب عن طريق الشذوذ والانحراف الجنسي .
9. الابتعاد عن المواقع التي تبث السموم في أفكار الشباب وتزعزع عقيدتهم ، مثل مواقع أهل البدع والفرق المنحرفة ، أو مواقع التنصير . ولا يجوز الدخول على هذه المواقع بدافع حب الاستطلاع ، أو الدخول معهم في المناقشة بدون علم .
10. التحلي بالحكمة في إنكار المنكر، ويجب أن لا يُستدرج المسلم إلى فخّ الدّعاية والإعلان لمواقع تعادي الإسلام فيروّجها - عن غير قصد - بين المسلمين فيكون الأثر عكسياً عليهم .(49/13)
وختاماً .. أسأل الله تعالى أن يبارك لنا في أوقاتنا ، وأن يجعل خير أعمارنا أواخرها ، وخير أعمالنا خواتمها ، وخير أيامنا يوم نلقاه .. وأن يصلح لنا النيات ، والأزواج والذريات ، وأن يجعلهم قرة أعين في الحياة وبعد الممات ، ويجعلنا للمتقين إماماً .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
--------
[1] صحيح سنن الترمذي (2/119) (1307) .(49/14)
الصيف وملايين الأوقات تحسب في خانات الفراغات
القلم ليس مرفوعا عن أيام الإجازات
د. علي بن عمر بادحدح*
(الصيف ضيعت اللبن) مثل عربي شهير يضرب لمن ضيع الفرصة، وفوت الغنيمة، وترك المجال الرحب الواسع، ولم يكن له من ذكاء عقله ومن شرف نفسه ومن قوة عمله ما يجعله محصلا لمكاسب دنياه ومدخرا لمآثر أخراه.
مثل يضرب بامرأة تزوجت رجلا شهما كريما، يغدق عليها طعاما وشرابا ولبنا سائغا للشاربين مع حسن معاملة وإجلال وإكرام، لكنها لم تقابل ذلك باعترافها بالنعمة وشكرها لها وانتفاعها منها، وحرصها عليها وقابلت ذلك بإعراض وتضييع، وبجحود وإنكار، فكانت العاقبة أن طلقها ثم تزوجها غيره، لم تجد عنده يدا مبسوطة بالكرم، ولا وجها مشرقا بالسرور، ولا معاملة محفوفة بالإعزاز والإكرام، فتندمت وتحسرت على ما فات عليها وما ضاع منها، لكنها لم تنحو باللائمة على غيرها، وإنما خاطبت نفسها تذكرها تفريطها، وتبين لها سوء تدبيرها، فقالت: (الصيف ضيعت اللبن)، ومضى مثلا لكل من أضاع الفرصة وفرط في الغنيمة.
وها نحن اليوم نبدأ موسم الصيف، وما أدراك ما موسم الصيف! ملايين الملايين من الأوقات التي تحسب في خانة الفراغات، والتي تصنف فيما يعرف بالعطلة، وهي: (اسم في لفظه ومعناه، واشتقاقه اللغوي مأخوذ من العطالة والعطل، وهو الخلو من الزينة في أصل اللغة، وهو هنا خلو عن العمل الجاد والانتفاع المثمر)، والاستغلال الهادف للطاقات المختلفة المتنوعة كلها من وقت ممتد، وعقل مفكر، وقوة وصحة وعافية وفرص وأبواب من الخير مشرعة، ثم قد ينتهي الزمان وينقضي الصيف بأيامه وأسابيعه وأشهره وسعته التي ليس فيها كثير من العمل المطلوب المكلف به، وحينئذ تعود مرة أخرى التسويفات..إذا جاء الصيف سأفعل، وإذا كانت الإجازة سأنجز، وإذا تخليت عن بعض الأعباء والمهمات سأفرغ لغيرها، ويمضي الإنسان بذلك دون أن يدرك أن ما يضيعه إنما هو جزء حقيقي مهم من عمره وحياته، وأنه يبدد من رصيده، ويفني من كنوزه ما قد يكون أقل القليل منه موضع ندامة وحسرة شديدة وأكيدة وعظيمة في وقت لا ينفع فيه الندم.
ولعلنا نذكر أمرين مهمين قبل حديثنا عن الصيف:
الأمر الأول: في المنهج الإسلامي الفراغ فرصة للعمل.
ويخطئ من يظن غير ذلك، ويعتقد أن الفراغ فرصة للنوم والكسل، ولعلنا نكتفي بالآية التي نتلوها كثيرا ونسمعها في صلواتنا كثيرا: {فإذا فرغت فانصب (7) وإلى ربك فارغب (8)} [الشرح: 7 - 8].
وقبل أن أذكر ما ذكره المفسرون من الصحابة والتابعين وغيرهم ندرك جميعا بمعرفتنا للغة العرب المعنى العام: إذا فرغت وانتهيت وصارت عندك فسحة من الوقت وشيء من الراحة فأي شيء تصنع؟ فانصب، وكلنا يعلم أن النصب هو التعب والمقصود به الجد والعمل الذي يجدد مرة أخرى الإنجاز ويحقق الخير بإذنه - سبحانه وتعالى -.
لنستمع - أيها الإخوة - إلى القلوب المؤمنة والأفهام المسلمة والنفوس الحية والهمم العالية كيف فسرت؟ وكيف فقهت هذه الآيات من كتاب الله - سبحانه وتعالى -..
عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: (إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل).(50/1)
وعن ابن عباس: (إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء).
وأما الحسن وزيد بن أسلم فروي عنهما قولهما: (إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب إلى عبادة ربك).
وعن مجاهد إمام التابعين من المفسرين: (إذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك).
وعن الجنيد: (إذا فرغت من أمر الخلق فانصب في عبادة الحق).
هل رأيتم في مجموع هذه الأقوال قولا يقول: إذا فرغت فنم؟ إذا فرغت فالْه والْعب؟ إذا فرغت فضيع الأوقات وانحر الساعات؟ هل سمعنا شيئا من ذلك؟
والذي نقلته لكم نقلته من نحو ثمانية أو تسعة تفاسير من أمهات كتب التفسير، ولو رجعتم إلى عشرات أخرى غيرها لم تضفروا إلا بمثل هذه المعاني الشريفة العظيمة التي ترجمها القاسمي - المفسر المتأخر المعاصر - ليجعل لها إطارا واسعا ومعنى شاملا حين قال: (إذا فرغت من عمل من أعمالك النافعة لك ولأمتك فانصب إلى عمل وخذ في عمل آخر واتعب فيه؛ فإن الراحة إنما تكون بعد التعب والنصب).
هذا فقه الإيمان، وهذه دلالة القرآن، وهذه نفوس أسلافنا وأفكارهم وعقولهم وهكذا ينبغي أن نفقه الأسس السليمة لا أن نسمح للمفاهيم المغلوطة أن تروج، فمع آخر يوم من انتهاء الاختبارات تسمع الطلبة والطالبات وهم يتوعدون بالنوم الطويل واللعب الكثير والسهو واللهو والغفلة، ويرون ذلك هو الميدان الصحيح، وهو العمل المطلوب ليس في يوم أو يومين! بل في أشهر معدودات متواليات، وليس هم الذين يقولون ذلك بل أسرهم وآباؤهم وأمهاتهم يوافقونهم في مثل هذا في الجملة، فهم يرون ألا يكلموهم وأن لا يوقظوهم من نومهم وسباتهم، وأن لا يثربوا عليهم في لهوهم وفراغهم وغير ذلك، بل ليس هؤلاء فحسب بل المجتمع في مجمله كأنما يقول لهم ذلك، وكأنما يؤكد لهم أن الرسالة المطلوبة هي مثل هذا اللغو واللهو والفراغ غير المجدي.
وقاعدة أخرى - أيها الأخوة الأحبة - المسؤولية حقيقة كلية في المنهج الإسلامي.
ليست هناك مسؤولية في زمان دون زمان.. لن يكون الحساب يوم القيامة على أيام الدراسة والعمل والقلم مرفوع عن أيام الإجازة أو العطل من قال هذا؟ ومن يتوهم هذا؛ فإنه لاشك على خطر عظيم، والمسؤولية كذلك لا ترتفع عن مكان دون مكان ليست هي في مكة المكرمة أو المدينة، فإذا كان في غيرها أو في خارج هذه البلاد أصبح الأمر آخر، وأصبح التصرف مختلفا وأصبح القول غير القول وغير ذلك ما نعلم كثيرا منه، إنها قضية واضحة كذلك: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا (36)} [الإسراء: 36].
ليست هناك حدود في الزمان أو المكان تخرج عن دائرة هذه المسؤولية: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (18)} [ق: 18].(50/2)
قول منكرة ومنونة؛ لتدل على العموم في سائر الأوقات وفي سائر الأحوال في الرضا والغضب أنت مسؤول عن قولك في العمل والإجازة أنت مسؤول عن فعلك في بلادك وفي خارجها أنت محاسب على أفعالك، والأمر في ذلك يطول والفقه الإيماني يدعو إلى أن يكون المرء المؤمن عاقلا، وأن يعمل مثلما يعمل التاجر، فالتجار - كما نعلم - في مواسمهم يشمرون عن ساعد الجد، ويفتقون العقول عن الأفكار والحيل والأساليب المناسبة لمزيد من الأرباح في هذه المواسم، وتجدهم يزيدون في الأوقات ويغتنمون الفرص في الإقبال وإتاحة الإمكانات والطاقات.. والنبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه المشهور يقول: (اغتنم خمسا قبل خمس)
استمعوا إليها لتروا أن معظمها متعلق بالزمان والوقت: (حياتك قبل موتك.. شبابك قبل هرمك.. فراغك قبل شغلك.. صحتك قبل سقمك). انظروا إلى الأوائل كلها متعلقة بالزمن.. كلها مربوطة بما يتيسر من هذا الزمان الممتد.
وهنا نستحضر الحديث العظيم عند الإمام البخاري في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).
امتداد في الزمن، وقوة في البدن، وتكاليف تنزلت بها الآيات وشهدت بها ووجهت إليها الأحاديث وأمة مهيضة الجناح متأخرة عن ركب الأمم يحدق بها الأعداء من كل مكان وتحيط بها المكائد في كل وجه وصوب، ثم بعد ذلك ملايين من الأبناء والبنات والأسر من هنا وهناك ضائعون في فلك لا نهاية له.. سائرون في طرق لا تفضي إلى خير ولا إلى علم ولا إلى عمل ولا إلى تقدم أو نحو ذلك إنها قضية خطيرة.
يحسبون - أيها الإخوة - في مقاييس الإنجاز والعمل في الدول والشركات الدقائق والساعات، ويقولون: إذا حصل أمر من الأمور وتعطلت الأجهزة أو تعطل العمل لأمر أو لآخر لمدة ساعة فيقولون: إن هذه الساعة من عدد كذا من الموظفين أصبحت تشكل كذا من الساعات الإنتاجية وتقدر بكذا من الملايين، وتقدر بكذا وكذا، وأما نحن فنضربها ونحسبها ثم نهبها للفراغ ونهدرها في الهباء وننحرها بلا نفع ولا فائدة.
إنها المسؤولية المناطة بنا جميعا أنا وأنت وهذا وذاك.. إن الشباب والشابات والأبناء والبنات جزء عظيم من المسؤولية مناط بآبائهم وأمهاتهم، وسبل التربية والتوجيه وسبل اغتنام الأوقات وغير ذلك مما نعلمه، إضافة إلى مسؤولية المجتمع في كل دوائره المختلفة.
ولعلي أقف هنا وقفات سريعة وليس مقامنا مقام تفصيل فيما ينبغي عمله أو فيما ننكره ونحذر منه ولكها ومضات مهمة:(50/3)
هناك أرباح وخسائر، وهناك رابحون وخاسرون متى يتضح ذلك؟ بعد نهاية الموسم وفي آخره، لكن هل ننتظر حتى يأتي آخر الموسم ونرى هل ربحنا أم خسرنا؟ أم نتنبه في أوله وبدايته حتى نأخذ الأسباب ونهيأ العدة، ونجتهد في أن نخرج من الموسم بأكبر ربح ممكن، بدلا من أن تكون الخسائر فادحة وليتها خسائر في جانب المادة فحسب.. إهدار للأوقات أو إهلاك للأموال أو غير ذلك، بل كثيرة هي الخسائر الفادحة من الإيمان الذي يضعف والحياء الذي يذبل، والهم التي تخور والعزائم التي تفتر، واللهو الذي يتمكن من النفوس، والعبث الذي يضيع العقول، والغفلة التي لا تنهض عزما ولا تقيم أملا ولا تحيي عملا في هذه الأمة.
أبواب الخير الكثيرة الخيرة مشرعة، واغتنموا لكم ولأبنائكم هذه الفرص من الوقت المتاح:
أولا: في ميدان القرآن الكريم:
المساجد التي تمتلئ بحلق التحفيظ، وكثير من الطلاب وأسرهم يقولون: ليس هناك وقت متاح في أوقات الدراسة! وإذا ذهبوا إلى المساجد فستضيع الأوقات عليهم عن الدراسة، وسيتأخرون فيها، فلنقبل منهم ذلك في أوقات الدراسة فماذا يقولون اليوم؟ وإضافة إلى ذلك الأبواب مشرعة في أنماط مختلفة متعلقة بالقرآن، فهناك الدورات القرآنية التي تتيح الفرص لتعلم القراءة والتجويد والتلاوة، ولحفظ الجديد ولمراجعة وتمكين المحفوظ القديم ونحو ذلك من الأمور الخيرة، إضافة إلى المسابقات القرآنية والمنافسات القرآنية العظيمة.. أبواب من الخير لو أننا أحسنا توجيه أبنائنا إليها ورغبناهم فيها لوجدنا تحقق موعود الله - عز وجل -: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (17)} [القمر: 17].
إنه يسير وإنه محبوب لا ينبغي أن نقول: (إنها إجازة فكيف نثقل عليهم بذلك) سبحان الله! هل في كتاب الله من ثقل على النفوس؟ هل فيه من هم أو غم على القلوب؟ أليس هو الذي تنشرح به الصدور؟ أليس هو الذي تطمئن به القلوب؟ أ ليس هو الذي تلتذ به الأسماع؟ أليس هو الذي تترطب به الألسنة؟ أليس هو الذي تعم به الخيرات والبركات؟ أليس هو الذي يبصر وينير العقول ويرشدها؟ أليس هو الذي يفتق الطاقات ويجعل المقبل عليه ذكيا فطنا، فضلا عن كونه زكيا نقيا طاهرا؟
لماذا نحرم أبناءنا؟ لماذا نقصر في حقهم؟ ونفرط في توجيههم إلى الخير الذي لهم؟ ولا نقول ليرتبطوا بالحلق أو بالقرآن ليلهم ونهارهم، فلا يكون عندهم فرصة لشيء من راحة، ولو قضوا ذلك في كتاب الله لما كان قليل. وباب آخر وهو: باب القراءة(50/4)
القراءة المجني عليها لا يعرف أبناؤنا كثيرا من كتاب ربهم، ولا من سنة نبيهم، ولا من سيرة مصطفاهم، ولا من صفحات تاريخهم، ولا من علوم شريعتهم، ولا من حقائق واقعهم، ولذلك تجد الطلاب وقد صاروا اليوم كأنما عقولهم ورؤوسهم فارغة حتى ما يقرؤونه في مدارسهم يقرؤونه ليفرغوه على أوراق الاختبارات، ثم يحاولون بكل جهد أن ينسخوه من عقولهم، وأن ينظفوها حتى لا يبقى فيها أي أثر من آثار تلك المعلومات والقراءات والفرصة سانحة والوقت متسع والمنهج لو أراد الآباء والأمهات ومؤسسات المجتمع والحكومة أن تبسط ميادين المنتزهات فحسب أين هي المكتبات؟ أين هي المسابقات؟ أين هي القراءات؟ أين هي المجالات التي ينبغي أن يأخذ بها أبناؤنا؟
وأستحضر هنا خبرا تافها سخيفا، لكنه أخذ حظا وافرا في وسائل الإعلام كلها قصة ابتكرتها امرأة إنجليزية قصة خرافية عن شخصية خيالية، وجعلت لها اسما ثم أصدرت لها كتابا فتلقاه القوم - وهم يقرؤون ويحبون أي شيء بالقبول العظيم - حتى توالت الأجزاء، وجنت هذه المرأة من هذه القصة ستمائة مليون جنيه إسترليني - كما يقولون - وعندما نزل الجزء الأخير نشر في الصحف أن المكتبات في بعض الدول الكبيرة المشهورة في بلاد الغرب سوف تداوم أربعا وعشرين ساعة حتى تلبي احتياجات الناس من الإقبال على هذا الكتاب.
قد نقول سخافة وقد نقول ضياع لكنهم يقرؤون وربما نجد سوق الكتاب وهو يشكو الحزن الأليم حتى إن ما يطبع باللغة العربية في العام الواحد لا يبلغ إلا خمس ما يطبع في بريطانيا وحدها فقط ويصدق حينئذ فينا قول أعدائنا إننا أمة لا نقر.
أنتم - معاشر الآباء - فضلا عن الشباب أليس في فرص الإجازات ميدان لنقرأ في السيرة.. لنقرأ في تاريخن.. لنقرأ ما ينفعنا لنعرف ما يجري حولنا وهذه قضية أخرى مهمة.
والثالثة: ميدان الترفيه
وهو أيضا يمكن أن يكون نافعا ومفيدا، لقد كان لهو السابقين من أسلافنا لهو بالخيل، وكان نور الدين زنكي القائد العادل المقاتل المجاهد العظيم كان لعبه بالكرة على الخيل يعطفها يمنة ويسرة يقول: (ما أريد بها إلا الاستعداد للجهاد).
وكم هي فرص الترفيه التي يمكن أن تكون نافعة ومفيدة، والمراكز الصيفية - بحمد الله - تقدم كثيرا من هذا النافع المفيد المثمر الذي يدخل السرور ويغير النفس، ومع ذلك يكسب المهارة الجديدة والمعلومة الجديدة والمعرفة الجديدة، إضافة إلى أجواء من الأخوة والتعاون وغير ذلك.
والعمل ميدان أيضا لاغتنام الوقت والاستفادة من الطاقات:
العمل للشباب والشابات في صور مختلفة ولو كان عملا ذاتيا ربما لا يكون له العائد المالي لكنه له عائد تربوي ونفسي.
والسفر وما أدراك ما السفر؟ وله في جانب السلبيات باب واسع، لكنه كذلك يمكن أن يكون نافعا ومفيدا إذا لم يكن في البلاد التي يعظم فسادها، ويكثر شرها وهي بلاد أعدائنا التي ننفق فيها أموالنا وغير ذلك من الأمور التي نعرفه.
وأبواب الخير في هذا كثيرة مشرعة، المهم أن نعرف أن الفراغ فرصة للعمل، وأن المسؤولية لا يستثنى منها شيء.(50/5)
ولاشك - أيها الإخوة الأحبة - أن هناك صورا محزنة، ومظاهر مؤسفة، وأحوالا مخزية نراها في هذه الفترة من الصيف، قد تحدث إلي بالأمس غيور، ظل يتابع الاتصال وهو يركز على وجوه النقد التي تصاحب كثيرا من ممارسات الصيف، فآثرت أن يكون حديثنا الأول هو حديث الإيجاب وحديث القواعد المؤسسة، وحديث الآيات البينة الواضحة، وحديث هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان النموذج الأمثل في اغتنام الأوقات، والذي كان مضرب المثل الحقيقي في حياة كل مسلم ومؤمن.
لكننا لابد كذلك أن ننبه إلى هذه السلبيات؛ لأنها لا تقع إلا منا نحن إما مباشرة وإما بطرق غير مباشرة، وهذه مآس كثيرة وهذه مشكلات عديدة:
أولها: مشكلات السهر والعبث
أكثر الشباب والشابات - بل وكثير من الأسر - عندما يأتي هذا الصيف لا يذوقون النوم في ليله أبدا ويسهرون الليل ينحرون أوقاته حتى الصباح، فإذا جاء الصباح قتلوه نوما وقتلوه كسلا وقتلوه سلبية، وهذا أمر ظاهر ومشاهد ولو أردت أن تجرب أن تتصل بأي بيت في صباح أي يوم لما وجدت لك مجيبا، ونرى ذلك بآثاره السلبية، فالشباب يصنعون - كما تعلمون - من التجمعات في الأماكن السكنية وفي أماكن المنتزهات ويصنعون ما هو معلوم من الأذية والمعاكسات والمغازلات وغير ذلك من الأمور المعلومة ومآس أخرى في مخازي الأسواق والمنتزهات ولعلنا هنا نتوجه إلى النساء والفتيات فإن الخروج المسف المكثر المتأخر إلى ما بعد منتصف الليل في هذه الأماكن مع قصد في التميع والتكسر، وعدم مراعاة لأحكام الحجاب وآداب الحياء ومراعاة الواقع الاجتماعي والأسري والتربوي؛ فإن هذا نعلم منه الكثير، وترى اليوم الأسواق وهي تعج بروادها كأنما كانوا في مجاعة فخرجوا يتطلبون قوتهم، أو كانوا قد عريت أجسامهم فخرجوا يشترون أكسية وأحذية أو نحو ذلك، ولاحرمة في التسوق، ولا غضاضة في قضاء الحوائج، لكنها بهذه الصورة والهيئة التي تكثر عند الناس حتى تكون كأنها جدول أعمال له في كل يوم ساعات أو له في كل أسبوع أيام والمسألة بقضاء الحاجة تنقضي في أوقات يسيرة لمن كان يطلب حاجته ويعرفها دون هذا العبث والنزهة التي تتدثر بدثار التسوق ونحو ذلك.
ومآس أخرى في السياحة والأسفار:
ليس أولها ما يصنعه كثير من النساء من نزع الحجاب مع أول درجات سلم الطائرة كأنما هناك مكان ليس فيه حكم لشرع الله أو كأنما هناك مكان يخلو ويخرج عن علم الله المحيط الشامل القائل - جل وعلا - في وصف علمه وشموله: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (19)} [غافر: 19].(50/6)
وهذه صور كثيرة نحن مسؤولون عنه.. قد نكون من أهلها وقد يكون بعض معارفنا أو جيراننا أو أقاربنا من أهلها، وقد يكون غيرهم من أهلها، ونحن نملك أن نقول كلمة ننصح بها أو نقدم رسالة نذكر بها، وأن نحذر مما يستهدفنا ونحن نمر في بلادنا وعلى مستوى أمتنا بأعظم هجمة شرسة تريد استئصال إسلامنا من جذوره، ونسخ تاريخنا من أصوله، وفوق ذلك كذلك نجد أننا نمر بأشد الظروف التي تكاد فيها أوضاع أمتنا في داخلها تموج بكثير من المتغيرات والاضطرابات، فهل يحسن بنا مع ذلك كله أن نبقى على غفلتنا، وأن نبقى على السر الأعظم في سبب بلائنا ونكباتنا ومصائبنا والسبب الأساس في تسلط أعدائنا وهو مخالفتنا لأمر الله وتنكبنا لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} [الروم: 41].
فالله الله في أبنائكم وبناتكم، والله الله في أوقاتكم وأيامكم ولياليكم وساعاتكم، والله الله في قلوبكم ونفوسكم، والله الله في الفرص العظيمة والأبواب المشرعة من الخير، لعل الله - سبحانه وتعالى - أن يعوضنا كثيرا مما فرطنا فيه، وأن يجعل هذه الأوقات المتاحة فرصة لننجز عملا نخدم به أنفسنا نعلي به إيماننا نعظم به أجورنا ننصر به أمتنا نقوي به مجتمعن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
http://www.aldaawah.com المصدر:(50/7)
العمل في قطاع السياحة
المفتي د . محمد بن عبدالعزيز المسند رقم الفتوى 11641 تاريخ الفتوى 25/5/1426 هـ -- 2005-07-02 تصنيف الفتوى السؤال
هل يعتبر العمل في قطاع السياحة والمتمثل بإصدار تذاكر الطيران وحجوزات الفنادق وإعداد الرحلات السياحية من الأعمال المباحة والتي لا تتعارض مع تعاليم الشرع؟ وبالرغم من أن هذه المكاتب تقوم بإصدار هذه التذاكر وحجز الفنادق في دولٍ مسلمة وفي دولٍ أخرى غير مسلمة وما قد يقع في مثل هذه الدول من معاصي ومحظورات؟ وهل في مثل هذا النشاط تعارض مع الآية القرآنية ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان))؟
أفتونا مأجورنا أطال الله في عمركم وبارك الله فيكم ولكم وجعل كافة جهودكم الكريمة في ميزان أعمالكم، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فمثل هذه الأعمال الأصل فيها الجواز ، ثم ينظر بعد ذلك فيما يغلب عليها:
فإن كان الغالب فيها هو السفر المحرم فلا شك أن العمل فيها من التعاون على الإثم والعدوان فلا يجوز .
أما إن كان العكس فالذي يظهر هو الجواز مع توجيه النصح للراغبين في السفر في اختيار الأماكن المناسبة وتجنب الأماكن الرديئة .
ولا شك أن التورع عن مثل هذه الأعمال هو الأفضل ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه والله الموفق .(51/1)
العمل في مجال السياحة
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/الإجارة والجعالة
التاريخ 05/07/1425هـ
السؤال
أعمل منذ ثلاث سنوات في مجال السياحة، الواضح جداً أن هذا المجال به شبه كبيرة من الحرام، أريد أن أترك العمل، لكنني لا أجد عملا آخر، والمال العائد من هذا المجال ما حكمه بعد ترك العمل؟ وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
في الحقيقة هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل:
إذا كان السائل يريد من السياحة ما يسمى بالفندقة- أي العمل في الفنادق- ونحو ذلك، أو العمل في منتزهات عامة، أو ما يسمى بالاستراحات في هذه البلاد الطاهرة، فهذا ليس باطلاً إذا لم يلتبس بإثم، فهو عمل - إن شاء الله- لا بأس به، ولكن إذا كانت هذه السياحة هي عبارة عن ممارسة السوء، وتهيئة الظروف للمحرمات، وشرب المسكرات، فهذا هو المحرم، فأنا لا أستطيع أن أطلق حكماً دون أن أعرف الموضوع بخصوصه، يعني إذا كان العمل بصفة عامة، وفي خدمات عامة للزوار الذين يزورون المنطقة، سواء كانوا مسلمين أو كانوا غير مسلمين لا فرق في ذلك إذا كان العمل مباحاً، فالراتب والأجرة التي يأخذها هي مباحة - إن شاء الله-، أما إذا كان العمل محرماً، ويغلب عليه الحرام فهذا لا يجوز، وبالتالي فإنه يمكن أن يتمسك بهذه الأجرة إذا كان محتاجاً أو فقيراً، ولكن عليه أن يبحث عن عمل آخر، وبخاصة إذا كان في بلد إسلامي، فهذه الأمور لا تطيب له، طبعاً نحن نظراً لمذهب أبي حنيفة نفرق بين العمل في بعض الأشياء في البلاد الإسلامية، والعمل في غيرها، إذاً الأمر يحتاج إلى تفصيل، وننصح السائل أن يتجنب المآثم والمحرمات التي قد تكون في ما يسمى بصناعة السياحة، وأن يأخذ الجانب الطيب، وجانب الترفيه والراحة البريء، وهو جانب - إن شاء الله - لا بأس به إذا لم يلتبس بإثم أو عمل غير مشروع. والله أعلم.(52/1)
الفطر وقصر الصلاة وجمعها في سفر السياحة
المفتي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء رقم الفتوى 3608 تاريخ الفتوى 30/8/1425 هـ -- 2004-10-14 تصنيف الفتوى الفقه-> قسم العبادات-> كتاب الصيام-> باب مايبيح الفطر السؤال
إذا كان السفر للسياحة: هل يجوز الفطر، وهل يجوز الجمع والقصر بالنسبة للصلاة؟
الجواب
إذا كانت المسافة مسافة قصر جاز الفطر والقصر والجمع، ولو كان السفر للسياحة؛ لعموم الأدلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر الفتوى: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 8/ ص 96 ـ 97) [ رقم الفتوى في مصدرها: 3996](53/1)
الهجرة.. حلم يداعب أحلام الشباب
خالد بركات
طوال نصف القرن الثاني من القرن العشرين.. لا يفتأ حلم الهجرة يداعب عقول الشباب في الوطن العربي على امتداد أقطاره.. يدفعهم إلى ذلك صعوبات كثيرة تواجههم في أوطانهم الأم، من بينها التكافؤ في الحصول على فرص العمل والدخل المحدود وتدني الخدمات الاجتماعية ونقص الحريات.
وعادة ما ترتبط أحلام المهجر في رؤوس الشباب بالثراء السريع والكفاءة العلمية والوجاهة الاجتماعية، إضافة إلى متعة الانتماء إلى الحضارة المنتصرة، وهو الأمر الذي يوقعهم كثيرا ضحية لإعلانات الهجرة المضللة التي تنشر في الجرائد، وتستغل الطموح الزائد وقلة الخبرة لدى الشباب لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
ولكن ما حدث بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 دفع الكثيرين إلى التروي قبل الإقدام على المغامرة التي اعتادوا القيام بها قبل التهيؤ لها، ودفعهم أيضا إلى مراجعة انبهارهم ببلاد المهجر التي لم تعد الفردوس المفقود للمهاجرين.
وفي لقاء مع مجموعة من الشباب الذين يسعون إلى الهجرة يقول "سامي علي" الحاصل على بكالوريوس السياحة والفنادق من جامعة حلوان بمصر: تخرجت منذ خمسة أعوام وحتى الآن لا أجد الوظيفة المناسبة، وتراودني فكرة الهجرة لأي دولة أجنبية، وسمعت من أصدقائي عن إمكانية النجاح في الخارج وسهولة الحصول على عمل بأجر مجزٍ، ولكنني الآن أفكر كثيرا بعد ما حدث في أمريكا خلال العام الماضي، فكثير من زملائي رجعوا من هناك، وهم يتحدثون عن سوء المعاملة وجلسات التحقيق، ونظرات الناس التي تلاحقهم في الشوارع بارتياب، والتي قد يصحبها أيضا دفعة باليد، أو سبة باللسان أو قذفة بحجر.
ويقول "يسري أحمد خليل" وهو موظف في إحدى شركات القطاع العام المصري: سافرت في الصيف إلى عدة دول أوروبية مثل هولندا وفرنسا وكندا، وانبهرت بهذه الدول جدا، فهي أكثر تنظيما وللأسف الشديد هي أيضا أكثر عدالة من الدول العربية، فلا يوجد لديهم منطق الواسطة في الحصول على فرص العمل، وطريق النجاح هناك واضح ومستقيم، وهو العمل الجاد، وليس العلاقات الشخصية، أو الرشوة والمحسوبيات، ولهذا السبب أحاول الحصول على فرصة للهجرة إلى أوروبا، وتقدمت بطلب هجرة إلى أمريكا ولكنه رفض وحمدت الله على ذلك حين وقعت أحداث سبتمبر.
ويقول صلاح الدين رمضان - 31عاما وعاطل عن العمل -: فشلت طوال عشر سنوات في الحصول على فرصة عمل ثابتة ومستقرة، وما أزال أبحث عن فرصة عمل تضمن لي دخلا جيدا لأكوّن أسرة، وأثناء بحثي في الصحف عن فرص العمل أطالع كثيرا إعلانات الهجرة، وأقرأ عن المكاتب التي تساعد على السفر، ورغم أن الحلم يداعبني كثيرا، ولكن قلبي لا يطمئن لهذه الإعلانات، وخاصة أنني سمعت أن كثيرين من الشباب دفعوا أموالا من دون طائل.
أما عادل شفيق - مصمم أزياء - فيقول: نسمع أن الأجور في الولايات المتحدة مرتفعة جدا في مهنة مثل مهنتي، وتصل في بعض الأحيان إلى عشرين ألف دولار شهريا، وهو رقم خيالي، ولكن لا أعرف مدى تقبل المجتمع الأمريكي للعرب والمسلمين بعد أحداث 11سبتمبر.
الهجرة العشوائية:(54/1)
ومن أشهر طرق الهجرة إلى الولايات المتحدة التي يندفع إليها الشباب ما يسمى بـ "اليانصيب الأمريكي"، وهو البرنامج السنوي الذي يفتح الطريق أمام راغبي الهجرة إلى أمريكا عن طرق القرعة العشوائية، ويتيح هذا البرنامج 55 ألف فرصة للهجرة والإقامة والعمل في إطاره سنويا، ويكون من حق هؤلاء بعد سنوات معدودة الحصول على الجنسية الأمريكية.
وعملية السحب في هذا "اليانصيب" تتم عن طريق الكمبيوتر لاختيار الفائزين، ورغم ذلك لا يخلو الأمر من محاولات استغلال الشباب لأخذ أموالهم، فعندما يقترب موعد برنامج اليانصيب السنوي تبدأ شركات أمريكية، وربما مصرية أيضا، بنشر إعلانات في الصحف عن تقديمها للمساعدة للشباب للحصول على الجرين كارد ورخصة للعمل في أمريكا، وعندما يتصل بهم الشاب يطلبون منه دولارات مقابل ملء الاستمارة الخاصة ببياناته، وهي ذات البيانات المطلوبة في برنامج الهجرة العشوائية، وكل الدور الذي تقوم به هذه الشركات هو إرسال هذه الاستمارات إلى العنوان المحدد لاستقبال الطلبات في أمريكا، بعد كتابة الاستمارات على الكمبيوتر.
ضياع ميزة المجانية:
وبذلك فبدلا من أن يستفيد الشاب من ميزة المجانية في هذا البرنامج فإنه يتحول إلى وسيلة للشركات التي تمارس الخداع للتغرير بالشباب، وهي في النهاية لا تتعرض لأي مساءلة قانونية لأن أوراقها تنص على أنها مجرد وسيط بين الراغب في الهجرة وبين الجهة التي ستتولى إجراء القرعة بنظام الكمبيوتر، وأنها لا تتدخل إطلاقا في عملية الاختيار أو ترجيح طلبات بعينها، لأنهم - كما يشيرون في إعلاناتهم - مكاتب مستقلة لا تتبع الحكومة، وهي معلومات حقيقية، ورغم كونها غير مطمئنة إلا أن الشباب يقبل على المغامرة بدافع أنه لن يخسر أكثر مما يخسره إذا استمر موجودا داخل وطنه.
ويتولى هذه الشركات في الأغلب محامون يقومون بإعداد معلومات تسهل مهمة الراغب في الهجرة، وتوضح له الشروط المطلوبة والبيانات المراد استكمالها باللغة العربية، وهي ذات البيانات الموجودة على موقع إدارة الهجرة الأمريكية باللغة الإنجليزية مجانا لمن أراد.
تفاصيل النظام:
وإذا راسلت أحد هذه المكاتب سيرسل إليك الوثيقة رقم 16 التي تتضمن تفاصيل نظام الهجرة باليانصيب الحكومي والاستمارة التي يجب على صاحب الطلب استيفاء بياناتها وهي عبارة عن عدة أوراق:(54/2)
الورقة الأولى: تشمل رد المكتب على الرسالة، وتوضح كيفية الاشتراك في نظام الهجرة المتنوع المعروف باسم يانصيب الجرين كارد، وتمنح التأشيرة لمواطني عدة دول، ومن ينجح في الفوز بهذه الفرصة يحق له العمل والإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية سواء الشاب بمفرده أم الأسرة المكونة من الزوجة والأولاد، وتقوم وزارة الخارجية الأمريكية بتحديد مكان سحب القرعة وتوقيتها، لذا دائما ما ينصح المكتب بسرعة المبادرة والاشتراك في اليانصيب لأن الفترة المتبقية محدودة، والتسجيل السريع من خلال هذا الإعلان يضمن للمشترك مكانا بين باقي المشتركين في الهجرة، ودائما ما يتوقع المكتب سرعة إغلاق باب الهجرة قريبا، وفي نهاية هذه الورقة يوصي المسؤول عن المكتب بسرعة الاستجابة باستيفاء البيانات المدونة بالاستمارة، وسوف يقوم المكتب بإعداد ملف للمشترك والرد في حالة الفوز في القرعة، وتتم الإجابة عن أي استفسار أو تساؤل بالفاكس أو البريد.
الورقة الثانية في "الوثيقة 16" تقول: مصاريف الفرد 50 دولارا و75 دولارا للأسرة، وفي الحالة الأخيرة يتم عمل طلب لكل فرد في الأسرة، وهذا معناه مضاعفة فرص الفوز، ويتم دفع المصاريف بالدولار الأمريكي، أو بالعملات الدولية المتداولة، ودائما ما يحاول المكتب الوسيط وصف نفسه كوكالة ذات صبغة قانونية.
الورقة الثالثة: تضم الإجابة عن عدة أسئلة تهم الراغب في الهجرة، فنظام اليانصيب الحكومي يخضع لإشراف الكونجرس الأمريكي لاختيار أعداد محددة من دول بعينها بطريق القرعة العشوائية، ولكي يشترك الشخص في هذه القرعة عليه أن يستوفي البيانات، وفي حالة فوزه يتم الاتصال به لتحديد موعد لإجراء مقابلة شخصية في أقرب قنصلية أمريكية لمنزله.
أما بالنسبة للحقوق الممنوحة للفائزين، فهي تعطي لهم حق الإقامة الدائمة والعمل داخل الولايات المتحدة وشغل الوظائف الحكومية المتاحة والتمتع بكافة الخدمات التي يحصل عليها المواطن الأمريكي مثل العلاج والتعليم، وأيضا الحق في ضمان أقاربهم الراغبين في الحصول على الجرين كارد مستقبلا، والمهاجر يمكنه الاحتفاظ بجنسيته الأصلية والحصول على الجنسية الأمريكية بعد عدة سنوات من إقامته هناك.
والشباب الذين يحق لهم الاشتراك في هذا اليانصيب، سواء كان زوجا أم زوجة أو عَزَبَ، من كان محل ميلاده في إحدى الدول التي يطبق عليها اليانصيب الحكومي للهجرة، والذي يشمل كل دول العالم ماعدا كندا والصين وكولومبيا وجمهورية الدومينيكان والسلفادور والهند وجاميكا وكوريا والمكسيك والفليبين وتايوان وإنجلترا وفيتنام.
أما الشروط المطلوبة للالتحاق فهي الحصول على مؤهل عال أو عامين من الخبرة في عمل ثابت، وتقديم عدد من الأوراق الرسمية ومنها صحيفة الحالة الجنائية وضمان اللياقة العقلية والصحية، وألا يكون الشاب قد سبق له الإصابة بمرض معد أو أدمن المخدرات.
وحصول الزوج على الجرين كارد يعني حصول الزوجة على نفس الفرصة وكذلك الأبناء غير المتزوجين تحت 21 سنة، والأوراق المطلوب إرسالها أيضا صورة جواز السفر وطلب الاستخدام وشيك بالمصاريف المطلوبة.(54/3)
الهجرة إلى كندا:
أما الهجرة إلى كندا فلا يتبع فيها نظام القرعة، ولكن تتم عن طريق التقدم بطلب إلى السفارة يتم بحثه، وعقد امتحانين للمتقدم لتحديد إمكانية قبوله بناء على درجة إجادته للغتين الرسميتين في البلاد (الإنجليزية والفرنسية) إضافة إلى مدة خبرته، ونوع التخصص الذي يجيده، ومستوى تعليمه، ووجود أقارب له في كندا من عدمه.
وفي حالة موافقة السفارة على عقد امتحان للمتقدم، فإنها تطلب منه رسوما باهظة تكون غير مضطرة إلى ردها في حالة رسوبه في الامتحان.
ولعبا على وتر زيادة فرص النجاح، يجد بعض المهاجرين السابقين إلى كندا من أصول عربية الفرصة سانحة لاستدرار أموال من جيوب أبناء شعوبهم الأصلية، ولذلك فإن الإعلانات تنشر في الصحف المصرية -مثلا- عن مكاتب تعمل على تسهيل الهجرة إلى كندا، ويدفع في مقابل الخدمات التي يقدمها هذا المكتب مبلغا كبيرا، ليزوده المكتب بنصائح حول كيفية التقدم والإجابة بنجاح على أسئلة الامتحان الشفهية والتحريرية، وكيفية اختيار الولاية التي يهاجرون إليها، وأفضل أشكال الهجرة التي يمكن قبول صاحبها.
إلى نيوزيلندا:
وبالمثل لا يختلف أسلوب الهجرة إلى نيوزيلندا التي تقع في آخر محطة في قطار العالم - على بعد 2000 كيلو متر جنوب استراليا، و2000 كيلو متر أخرى شمال القارة المتجمدة الجنوبية- لا يختلف أسلوب الهجرة إلى تلك الجزيرة النائية عن الهجرة إلى كندا التي تحتل معظم مساحة أمريكا الشمالية بتعداد سكان لا يزيد في الأولى (نيوزيلندا) عن 4 ملايين نسمة، وفي الثانية (كندا) عن 30 مليونا.
ولكن المفارقة التي يفاجأ بها الشاب هناك هو أن الدولة لا تقدم له خدمات كبيرة كمهاجر، وتترك عليه بالكامل عبء البحث عن عمل، ومواجهة صعوبات الحياة.
وربما لهذا السبب فإن الهجرة إلى كندا أو نيوزيلندا لا تصلح إلا لمن يملكون مخزونا وافرا من المال، وإلا فإن الراكب سيضطر إلى تكبد تكاليف تذكرة غالية الثمن للعودة من هناك خالي
http://www.islamweb.net المصدر:(54/4)
بعض أحكام السفر
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين؛ هدانا صراطا مستقيما، وشرع لنا دينا قويما [قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ] {الأنعام:161} نحمده على تتابع نعمه، وترادف آلائه ومننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أعلم الخلق بالله تعالى، وأتقاهم له، أعلى الله تعالى ذكره في العالمين، وجعله حجة على البشر إلى يوم الدين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أولي البر والهدى، وأصحاب الفضل والتقى، ومن تبعهم وسار على نهجهم واقتفى.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعملوا صالحا لغدكم؛ فإنكم مفارقون دنياكم إلى أخراكم، ومرتحلون عن قصوركم إلى قبوركم، ومسئولون عن أعمالكم؛ فأعدوا للسؤال جوابا، ولا يغرنكم الشيطان بالدنيا، فإنها لا تزن عند الله تعالى جناح بعوضة [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ] {فاطر:5-6}.
أيها الناس: إذا وسع الله تعالى على عباده في الرزق، وفتح عليهم أبواب الدنيا؛ فإنهم يُفْتَنون بها، ويتفننون في متعها وملذاتها؛ حتى تتحول الوسائل عندهم إلى غايات، والكماليات إلى ضرورات.
وفي هذا العصر بلغت الرفاهية بالكثيرين أوجها، وانتهت بهم إلى كمالها، في مآكلهم ومشاربهم ومراكبهم، وفي مساكنهم وملابسهم ومراقدهم، وفي حلهم وترحالهم.
وأضحت المتعة والرفاهية فنا من الفنون، وتجارة من التجارات؛ تدرس في المعاهد والجامعات، وتُخص بالتدريبات والدورات، ويتداعى لمشاريعها التجار والأغنياء:
فجامعات تمنح شهادات عليا في صنع لون من ألوان الطعام، وأخرى في نوع من أنواع الرياضات، وغيرها في السفر والسياحة حتى غدت هذه الوسائل والكماليات فنونا يُنفق عليها طائل الأموال، وتُفنى في تعلمها وصناعتها الأعمار؛ وذلك للترفيه عن الأغنياء وإسعادهم، على حساب الفقراء وتعاستهم.
هذا غير وسائل الترفيه المحرم من الرقص والتمثيل والغناء وأنواع الصناعات السينمائية والمسرحية والفكاهية التي ينفق عليها ما يفوق موازنات دول كاملة.
والسفر من أقدم ما عرف الإنسان من وسائل الرفاهية والترويح عن النفس وإجمامها، وقد عرفه الإنسان منذ القدم، وفيه من المنافع ما لا يخفى، كما أنه ينطوي على مخاطر وأضرار لا تُنكر، وقد ذكر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قطعة من العذاب؛ كما جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى نَهْمَته فليعجل إلى أهله)متفق عليه.(55/1)
والشريعة الغراء قد جاءت بأحكام وآداب للمسافر قبل سفره وأثنائه وبعده، يؤجر من تمسك بها، ويحرم خيرا كثيرا من فرط فيها.
وواجب على المسلم وهو يريد سفرا قريبا أو بعيدا أن يستشعر ما منَّ الله تعالى به عليه من عظيم النعم، وجزيل العطاء؛ فهو يسافر لمجرد النزهة والرفاهية، وآخرون غيره يسافرون بلا اختيار منهم، بل ألجأتهم إلى سفرهم الضرورة أو الحاجة:
فمنهم من يسافرون فرارا من الخوف والجوع، قد استبيحت أوطانهم، واحتلت ديارهم، ورفع أمنهم، واستحرَّ القتل فيهم، فالقادر منهم يفرُّ من بلده مهاجرا أو لاجئا قد خلَّف داره وأرضه وضيعته وراءه، لا يلوي على شيء إلا نجاة نفسه وأهله وولده.
وآخرون يَهْجُرون أوطانهم، ويفارقون أهلهم وأولادهم؛ ضربا في الأرض، وطلبا للرزق، قد شحت مواردهم في بلادهم، فبحثوا عن فضل الله تعالى في غيرها.
وآخرون قد أخذت الأمراض من أجسادهم حظها، فأطالت نهارهم، وأسهرت ليلهم، وحالت بينهم وبين لذة الطعام والشراب والنكاح، كلما سمعوا بطبيب شدَّوا رحالهم إليه، وإذا وصف لهم دواء جَدُّوا في تحصيله، يسافرون حين يسافرون لا للرفاهية والمتعة، وإنما للصحة والعافية التي لا يعرف كثير منا قدرها.
كل أولئك يسافرون حين يسافرون مكرهين، تحت سياط الضرورات والحاجات، فواجب على من أنعم الله تعالى عليه بالأمن والرزق والعافية أن يعرف فضل الله تعالى عليه إذ أعطاه وحرم غيره، وعافاه وابتلى سواه، فهو حين يسافر إنما يسافر لمتعة نفسه وأهله وولده، فليشكر الله تعالى على نعمه؛ فإن الشكر يزيدها، وإن كفرها يرفعها [وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ] {إبراهيم:7}
ومن دلائل شكر نعم الله تعالى عليه أن يتقي الله تعالى في سفره، فلا يقصد بلادا الكفر فيها عزيز، والإيمان فيها ضعيف، قد عجَّت بأنواع الشبه والانحرافات، وطفحت بعظائم المعاصي والموبقات، ومهما عظمت ميزاتها، واخضرت أرضها، وحسنت أجواؤها، فإن إعلان المعاصي فيها، مع عدم قدرته هو على إنكارها يلغي كل حسنة فيها، ويُحرِّم عليه البقاء فيها، وإذا كان المسلم مأمورا بمفارقة مجلس فيه منكر لا يستطيع تغييره ولو في وليمة يجب عليه حضورها فكيف إذن يسافر بأهله وولده إلى بلاد المنكرات والموبقات؟!
ويكره للمرء أن يسافر وحده، ولا يسافر الاثنان، بل لا بد من ثلاثة وهم الجماعة؛ اتباعا للسنة، وإبعادا للوحشة؛ لقول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ:( الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب) رواه الترمذي وحسنه.
وروى البخاري من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده).(55/2)
والسنة أن يؤمروا أحدهم في سفرهم، والأولى أن يختاروا أحكمهم وأعلمهم، وأكثرهم دراية بالسفر وحاجاته؛ جمعا للقلوب، وقطعا للاختلاف؛ فإن الاختلاف والتباغض في السفر لا يطاق، ويزيد من عذابه ومشقته، وقد روى أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)رواه أبو داود.
فإذا استوى على مركوبه أتى بما ورد من الذكر والدعاء مستحضرا نعمة الله تعالى عليه بما يسر له من المراكب، وسخر له من وسائل النقل التي حرمها غيره ممن لا يطيقون ثمنها، وهذا الدعاء الذي يقوله فيه نفعه وصلاحه لأنه يسأل الله تعالى أن يحفظه ويعينه في سفره، وأن لا يفجعه في نفسه أو أهله أو ماله، وحري به أن يستجاب له ما دام ممتثلا أوامر الله تعالى، مطبقا للسنة، روى ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون)رواه مسلم.
وجاء في حديث عبد الله بن سرجس ـ رضي الله عنه ـ قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال)رواه مسلم
والسنة إذا علا شرفا من الأرض أن يكبر الله تعالى، وهكذا إذا أقلعت به الطائرة، وإذا هبط واديا أن يسبح الله تعالى، وهكذا إذا هبطت به الطائرة؛ لما روى جابر ـ رضي الله عنه ـ فقال:(كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا) رواه البخاري.
وروى أحمد عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان النبي ص إذا صعد أكمة أو نشزا قال: اللهم لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حمد)
وروى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال: يا رسول الله، إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف، فلما أن ولى الرجل، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: اللهم اطو له الأرض وهون عليه السفر)رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
ولما كان المسافر إذا علا نشزا من الأرض، أو حلَّق في الهواء رأى من خلق الله تعالى ما رأى من جبال وبحار وغابات وعمران وغيره، وقد يعظم ذلك في نفسه ناسب أن يكبر الله تعالى، فيقر بأنه سبحانه أكبر مما يرى من عجائب خلقه.
وأيضا فإن الاستعلاء والارتفاع محبوب للنفوس؛ لما فيه من استشعار الكبرياء فشُرع لمن تلبس به أن يذكر كبرياء الله تعالى وأنه أكبر من كل شيء فيكبره ليشكر له ذلك، فيزيده من فضله.
وأما تسبيحه حال انخفاضه وهبوطه فهو تنزيه لله تعالى عن كل انخفاض وسفول.(55/3)
وإذا انبلج عليه السَحَرُ وهو في سفره قال ما جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول:سَمِع سامعٌ بحمد الله وحُسْن بلائه علينا، ربَّنَا صاحبْنَا وأَفْضِلْ علينا، عائذا بالله من النار)رواه مسلم. ومعناه: ليسمع سامع، ويشهد شاهد بحمدنا لربنا على نعمته، ثم يطلب حفظه وإعانته، ويتعوذ من النار.
فإذا نزل منزلا فاستعاذ بالله تعالى فإنه سبحانه يعيذه من شرور ذلك المكان وآفاته؛ كما قالت خولة السلمية ـ رضي الله عنها ـ : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك)رواه مسلم.
ويشرع للمسافر أن يكثر من الدعاء لنفسه وأهله وولده والمسلمين؛ لأن دعوة المسافر مرجوة الإجابة؛ كما جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة المظلوم) رواه أبو داود وصححه ابن حبان.
وعلى المسافر أن يتقي الله تعالى في سفره، فيلزم طاعته، ويجتنب معصيته، ويعتز بدينه، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويحفظ سمعه وبصره وجوارحه عما حرم الله تعالى عليه، فإنه إن كان غائبا عن أعين من يخافهم أو يستحي منهم فإن الله تعالى مطلع عليه، عالم بأقواله وأفعاله [إِنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ مِنَ القَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ] {الأنبياء:110} وفي أخرى [إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا] {الأحزاب:54} وفي ثالثة [يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ] {غافر:19} والملائكة الكرام يحصون عليه أفعاله وأقواله [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] {ق:18} [وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ] {الانفطار:12}.
وليحفظ أهله وولده؛ فإنهم رعيته، وأمانة الله تعالى عنده، والله تعالى قد أمرنا بأداء الأمانات، وبحفظ الأهل مما يوجب عذابه سبحانه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] {التَّحريم:6}. أسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يرزقنا العمل بما علمنا، إنه سميع مجيب.
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.(55/4)
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا] {الأحزاب:71} .
أيها المسلمون: يشرع للمسافر إذا قفل من سفره أن يكبر الله تعالى ويهلله ويحمده كلما علا مرتفعا حتى يبلغ بلده؛ كما جاء في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة إذا أوفى على ثنية أو فَدْفَدٍ كبر ثلاثا، ثم قال: لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)رواه الشيخان. وفي رواية لمسلم:(فلم يزل يقول ذلك حتى قدمنا المدينة).
والمسافر منهي عن مفاجأة أهله ليلا بمجيئه؛ لئلا يقع بصره على ما يكره من شعث امرأته أو ولده، أو عدم نظافة منزله، أو عدم تهيئة فراشه؛ فإن من عادة المرأة تبسطها في بيتها إذا غاب زوجها، واستعدادها له إذا علمت بمقدمه، وهذا مما يؤلف بين الزوجين. ووقوع عين الزوج على ما يكره من بيته أو زوجه أو ولده قد يؤدي إلى النفرة بينهما؛ والشارع الحكيم قد سدَّ منافذ الشقاق بين الزوجين، ودعا إلى ما يؤلف بينهما.
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلا، وكان يأتيهم غدوة أو عشية)رواه الشيخان.
وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يلتمس عثراتهم)
وفي لفظ قال جابر ـ رضي الله عنه ـ :كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل فقال: أمهلوا حتى ندخل ليلا، أي: عشاء؛ كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة)رواه الشيخان.
ومن أعلم أهله بوقت وصوله فإن النهي لا يتناوله، ومن نعم الله تعالى على الناس ما يسر لهم من وسائل الاتصال التي تزيل كثيرا من الحرج في ذلك.
والسنة إذا عاد من سفره فبلغ بلده أن يبدأ بالمسجد قبل بيته فيصلي فيه ركعتين؛ لما روى كعب بن مالك ـ رضي الله عنه ـ فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين) وروى جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ فقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فلما قدمنا المدينة قال لي: ادخل المسجد فصل ركعتين)رواه الشيخان.
ومن السنة أن يولم بعد عودته وليمة تسمى النقيعة، وهي وليمة يقيمها العائد من السفر، ويدعو الناس إليها، روى جابر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة) وفي رواية قال جابر ـ رضي الله عنه ـ: فلما قدم صِرارا-وهو موضع بظاهر المدينة- أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها)رواه الشيخان. وكان ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ لا يصوم أول قدومه من السفر لأجل الذين يغشونه للسلام عليه والتهنئة بالقدوم.(55/5)
أيها الإخوة: كانت تلك بعض أحكام السفر وآدابه، من أخذ بها كان ممتثلا للسنة، مأجورا في أسفاره، مع ما يحصل له من الأنس والمتعة المباحة، ومن أعرض عنها استهانة بها فقد حرم نفسه خيرا كثيرا، ومن تركها جهلا فقد قصر في تعلم ما ينفعه، ولا سيما إذا كانت أسفاره كثيرة.
فاعرفوا -عباد الله- ما ينفعكم، وتعلموا الضروري من أمور دينكم، والتزموا سنة نبيكم عليه الصلاة والسلام في كل شئونكم.
وصلوا وسلموا على نبيكم.(55/6)
بين التطلّع للخارج وكفاية الداخل
الشباب السعودي أين يتجه صيفاً؟
عبد الفتاح الشهاري - الرياض
17/5/1427هـ الموافق له 13/06/2006م
يستقبل الشباب والطلاب في السعودية هذه الأيام أشهر الإجازة الصيفية بعد مضي عام كامل قضوه في سباق طويل على مدى العام يتصيّدون فيه الدرجات والتقديرات، ويترقّبون في نهايته المحصلة بكل ما فيها من رهبة ووجل.
والإجازة الصيفية لا تفتأ تشكل هاجساً مهماً لدى المعنيين في التربية والتعليم، لما تحتضنه هذه الإجازة من وقت فراغٍ يمتد إلى ثلاثة أشهر، وهي فترة كفيلة بأن تساهم في بناء الطفل بإضافة صفة أو خصيصة على شخصية الطفل، أو المراهق سلباً كان أو إيجاباً، ولذا فقد رصدت وزارة التربية والتعليم السعودية ممثلة بالإدارة العامة للنشاط الطلابي مبلغ عشرة ملايين ريال ميزانية لأنشطة المراكز الصيفية التي تؤمن الوزارة بأن لها دوراً في بناء الشخصية المتوازنة للطالب في ضوء العقيدة الإسلامية الصحيحة، وتأكيد اللحمة بين أبناء المجتمع، مع التركيز على جانب الإثراء التربوي الحواري، وفتح المجال لمشاركة المفكرين.
المخيمات الصيفية:
المخيمات الصيفية جزء من الحياة الاجتماعية التي يعيشها المجتمع السعودي أثناء الإجازة الصيفية، وتهدف هذه المخيمات إلى إقامة التواصل بين الشباب المسلم وتربيتهم، وغرس روح الانتماء إلى الأمة في نفوسهم، وترسيخ مبدأ التضامن الإسلامي للمحافظة عليهم من الانحراف الفكري والأخلاقي، وتتنوع فعاليات هذه المخيمات، وبرامجها، وأنشطتها، والتي تحوي في عمومها على الجمع بين الجد، والمرح، والترويح، مما يساعد على اندماج الشباب وتفاعلهم مع فقرات البرامج التي تهدف إلى تنمية معارفهم وصقل مواهبهم، وإكسابهم مهارات جديدة.
صيف الخارج:
ومع الاهتمام الذي تحظى به المراكز الصيفية والمخيمات إلا أن ذلك لا يمنع من توجه العديد من العائلات السعودية إلى خارج البلاد لقضاء إجازاتهم الصيفية؛ ففي حين يفضل الكثيرون استثمار المال في البقاء داخل البلاد، إلا أن التنافس المحموم للوصول إلى أقصى البلاد السياحية الخارجية يجعل من جيوب الآباء مرتعاً خصباً لشركات السياحة والطيران، وتُعدّ (أستراليا) من أولى الدول الأجنبية الأكثر تفضيلاً لدى السائح السعودي، تأتي بعدها (تركيا)، ثم الدول الأوروبية، وتأتي (لبنان) في مقدمة الدول العربية، وبعدها (مصر)، غير أن الأحداث السياسية الأخيرة في (لبنان) أثرت قليلاً في معدل الإقبال، يوازيه تراجعٌ آخر عن السياحة في (شرق آسيا) بعد أحداث إعصار (تسونامي).(56/1)
عمر عبد الله الهادي - مدير إحدى الشركات التجارية - يقول: إنه على الرغم من اعترافه بما تملكه السعودية من مقومات سياحية لا يُستهان بها؛ إلا أن فكرة التوجه إلى الخارج لا تلغي بالضرورة مكانة المملكة السياحية، وإن السياحة الخارجية - من وجهة نظره - تُعدّ رافداً ثقافياً لدى الفرد أولاً، ثم إنها تغرس مفهوم المواطنة في نفوس الأبناء بشكل أكبر حينما يلمس هو وأبناؤه مقدار الفرق بين ما تعانيه تلك البلاد، وبين ما تتمتع به بلاده من نعمة الأمن والأمان، والخيرات الوفيرة.
أما المهندس عبد العزيز السلامي؛ فيرى أنه لا بد أن يقضي إجازته السنوية متنقلاً بين مناطق المملكة من الشرقية إلى الغربية إلى الجنوب، ويجد استمتاعاً كبيراً في ذلك، ويقول: إن الرحلة المكوكية الداخلية - كما يسميها - أصبحت جزءاً لا يتجزأ من روتينه السنوي، فهي قد حقّقت له علاقات وصداقات قويّة وناجحة خلال إجازته، وبعض تلك العلاقات وطّدت ارتباطه بعمله، بل حققت له نجاحات إضافية على الصعيد العملي، فهو بذلك - كما يقول - ضرب عصفورين بحجر واحد، سياحة قريبة من أهله وذويه، ونجاحات على الصعيد العملي.
السعوديات والصيف.. لا مكان للصخب:
الصيف للمرأة السعودية ربما يرتبط بشكل مباشر بالسياسة العامة للأسرة؛ إذ تتميز الأسرة السعودية بترابط النسيج الاجتماعي بين أفراد أسرتها، ولهذا فإن المرأة السعودية - وبحكم ارتباطها طوال العام - سواء بواجباتها المنزلية كأم، أو بواجباتها الدراسية كطالبة، أو بعلاقاتها الأسرية كأخت؛ تبحث أيضاً عن متنفس تلقي من خلاله ما على كاهلها من أرق وتعب طوال العام.
أم عبد الرحيم - ربة منزل وأم لأربعة أبناء، اثنان منهم في المدرسة في المرحلة الابتدائية - تقول: إن ارتباطي وفرحي بالإجازة الصيفية لا يقل عن سعادة أبنائي، وسعادتنا بالإجازة الصيفية ليس من باب السفر والتنقلات والرحلات فليس هذا في جدولنا هو المطمع الأول، بل إننا كبشر نحتاج جميعاً لمرحلة هدوء، واسترخاء أعصاب، بعد عامٍ مضنٍ من المهام والواجبات المختلفة.
بينما ترى (ابتهاج. م) بأنها تنوي استغلال إجازتها الصيفية بأخذ موافقة والدها للالتحاق بإحدى الدورات التأهيلية، فهي مؤمنة إيماناً قاطعاً بأن التأهيل التعليمي للفتاة وللذكور خاصة في مجال الحاسب أصبح هو البوابة الأولى لدخول سوق العمل الذي يشكو من ازدحام العاطلين على أبوابه لعدم حصولهم على مؤهلات تناسب هذا السوق، فهي - كما تقول - لا تريد أن تتخيل نفسها في يومٍ من الأيام تحتضن شهادتها الجامعية بعد أن تلفها ببرواز لتغلق عليها أبواب غرفتها.
المراكز التدريبية:
وفي هذا الإطار يشدّد عبد الله الردادي صاحب مركز "التقنية" لعلوم الحاسوب بجدة على أن فترة الإجازة الصيفية تُعدّ فترة تجارية للمراكز التدريبية في مجال اللغات وخصوصاً الحاسب، وحين سألناه: من أي الجنسين يطغى الإقبال؟ قال: إنه لا يستطيع أن يبت في الأمر؛ لأن هناك إقبالاً من كلا الجنسين بعكس باقي أيام العام، والذي يطغى فيه الذكور على الإناث.
ثلاث شرائح.. وصيف واحد:(56/2)
أحمد السبيعي - مدير أحد النوادي الرياضية بالمدينة المنورة - عندما تحدثنا إليه حول تقييمه لاستغلال الإجازة الصيفية بالمدينة المنورة قال: "إنه يمكن تصنيف الناس في استغلال الإجازة إلى عدة شرائح وفئات: فهناك فئة المراهقين، وهؤلاء عادة ما يلتحقون بالدورات الرياضية، أو بالأندية الصحية المتخصصة باللياقة، وبناء الأجسام وما إلى ذلك، وشريحة الشباب أو ممن هم في الثانوية العامة أو ما في مستواها؛ وهؤلاء يغلب عليهم الاتجاه إلى استغلال العطلة في الالتحاق بإحدى المهن، أو الوظائف الموسمية، والتي يكتسب بها خبرة عملية، ومردوداً مالياً يعينه على مصاريفه الخاصة، أو بما يلبي احتياجات أسرته، وشريحة ثالثة وهي الشريحة المتخرجة من الثانوية العامة، وهذه تتجه عادة إلى المراكز التدريبية، والمعاهد التأهيلية وخاصة في مجال الحاسب الآلي، أما باقي الأسر بشكل عام فإنها غالباً ما تتجه إلى قضاء الإجازة الصيفية في الحدائق والمتنزهات الداخلية، وقد يمتد السفر في كثيرٍ من الأحوال إلى السفر إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، والتوجه إلى جدة، أو إلى العاصمة الرياض، أو إلى المنطقة الشرقية".
لكن السبيعي يعتقد أن التصنيف الذي ذكره يخص المنطقة الغربية من السعودية بشكل عام دون سواها من المدن, فهي في نظره ذات طبيعة خاصة تتوافق الظروف الاجتماعية فيها بين سكانها.
بمثل هذا التنوع ينقضي الصيف في السعودية، بكثير من الفعاليات، والأنشطة، والسياحة، والثقافة، والتعليم، وعلى قدر دبيب الحياة في طول العام من خلال الارتباط بالمدارس فإن نفس القدر من الحركة بل قد يفوق تعيشه أجواء المملكة مع الإجازة الصيفية، ومن خلال ما تنظمه بعض محافظات المملكة كالرياض، وجدة، والمدينة المنورة من فعاليات ومهرجانات تسويقية يزداد إقبال قطاع كبير من المواطنين والمقيمين على المشاركة في هذه الفعاليات، لتضفي لمسة جمالية أخرى يزدان بها موسم الإجازات في السعودية.
http://www.islamtoday.net:المصدر(56/3)
فهد بن عبد العزيز السنيدي تائب من السفر
قاتل الله السفر...
جعل أقواماً يكتشفون أموراً كانت عنهم مغيبة!.
كنا نسمع بعض مسئولينا وهم يخرجون علينا صباح مساء ليتحدثوا عن كل جميل أحدثوه في فترة إدارتهم لمنشاة، أو وزارة، أو هيئة، أو إدارة صغيرة.
كان عندنا أكبر مطار في العالم، وأكبر إستاد رياضي في التاريخ.
شوارعنا ليس لها مثيل في الكوكب الصغير.
خدمات الماء والكهرباء لا يجارينا فيها أحد - حسب علم المسئول وقت التصريح - حتى لا يحرجه أحد عام 2100 للميلاد لو خرج الأحسن.
كنا نعتقد أن آخر نظام ينقصنا هو ربط الحزام، فتم تطبيقه والحمد لله!.
أمّا السياحة في بلادنا فحدث ولا حرج!.
فلا شيء أفضل من نظام الفنادق والشقق، ولا أحد أحسن انتظاماً من ملاك القرى السياحية، ولا شيء أنظف من منتجعات الطائف وأبها وشواطئ جدة والشرقية!.
كنا نظن أننا لن نهنأ براحة إن قفزنا البحر، ولن نجد أخلاقاً إذا تجاوزنا الحدود... ثقافة غذيت بها عقولنا من وسائل الإعلام، وتصريحات مسئولين غير مسئوله, وثقافة شعرية مترهّلة بزمن الماضي البئيس، الزمن الذي يسبق الريموت، وطائرات السفر لشركات متعددة تفتح لك أبوابها دون أن تقول لك كلاماً: (نعتز بخدمتكم) بل تصدقه بالفعل الحقيقي!.
كنا نظن أن الماء القراح لن نشربه إن تركنا أهلنا، وان الأكل الصحي لن نجده في غير مطاعمنا - قبل جولات البلدية الأخيرة - كنت أظن، وكنت أظن، وخاب ظني! وأحسن الشاعر لو أراد بها ظننا الميت المسكين!.
قاتل الله السفر...
هدم كل الظنون، وأحرق (ديسك) المعلومات السابقة، ليصدمني بدول فقيرة تملك قطارات أرضية متطورة تسير بدقة ونظام, وأخرى لديها إستاد رياضي يتسع لمائة ألف متفرج مع أنها فقيرة جدا!.
وثالثة تملك نظاماً سياحياً يحترم الإنسان قبل أن يخرج بطاقته البنكية أو محفظة نقوده... لا تجد فيها استفزازاً سياحياً لإنسانيتك ولا استهجاناً فكرياً لطلبك.
ورابعة ولدت قبل سنوات فهي من أحفادنا في العمر، تملك نظاماً لتسيير حياة مَنْ على أرضها بكل دقة وإتقان، فلست بحاجة إلى قاموس الثناء والاستعطاف للموظف أو المسئول! بل يكفي أن تقدم أوراقك كاملة، ولو كنت أخرساً.
قاتل الله السفر...
علمني أنّ الاتصالات في العالم قديمة، وان معلوماتي عن الهاتف وشبكته والانترنت وسرعته معلومات قديمة قبل عصر الأصفار في عام 2000 المخيف لنا!.
وعلمني أن قيادة السيارة فن وذوق وأخلاق، ولا خوف عليك البتة إن وقعت في يد رجل المرور، لأنه سينزل إليك مستأذناٍ في طلب هويتك، ويشرح لك أسباب الخطأ معتذراً إليك إن كانت دقات قلبك قد زادت عن الوضع الطبيعي!.
وعلمني السفر قاتله الله أن الصحة تاج.
والمستشفيات كثيرة تفتح لك الأبواب، والاستقبال في تلك الفنادق - آسف: المستشفيات - يزيل خمسة أرباع المرض عنك قبل أن تقابل الطبيب الذي اعتذر إليك لأنه تأخر عشر دقائق.(57/1)
علمني السفر أن الصباح الباكر متعة لا تعكرها الطرق المخيفة والزحام الخانق في بلدة يسكنها أكثر من عشرين مليون نسمة، يتحركون صباحاً إلى أعمالهم بكل راحة ويسر، يحملون معهم تفاحة يأكلونها في سياراتهم حتى لا يحتاجوا للطبيب ألف يوم.
قاتل الله السفر....
أراني معالم البلدان التي مضى عليها آلاف السنين، دون أن يكون مكتوباً عليها( بالبوية): عاش مروس، ويسقط النمل، وأموت فيك!.
بلدان عمرها قديم، تحافظ على كل ما تملك ويحمل لها هوية.
علمني السفر أن لا أحزن لأني احتجت أن انتقل من بلدة إلى أخرى داخل إحدى الدول، فبحثت في هاتفي عن أرقام أصدقائي ليفزعوا لي في الحجز، تذكرت أنهم في بلدي!.
توجهت للمكتب فقال: لي أي شركة تريد؟!، وأي وقت تريد؟! وأي سعر تريد؟! وأي خدمة تريد؟!.
هل هذه حقيقة أم سخرية؟! لا يا سيدي! (لاحظ العبارة) عندنا أكثر من خمس شركات طيران فأي شركة تريد؟!.
قاتل الله السفر...
كشف لي أن التجار أوفياء ليسوا لصوصاً!.
فالبضائع المتاحة واضحة، والرقابة عالية، والزبون هو صاحب الحق، فلك أن تشتري سلعة وتعيدها متى شئت! وأن تدخل المحل التجاري لتجد المعروض أمامك بكل وضوح ودون دجل، وتختار من البضائع ومن الصناعات ما شئت بقدر مالك.
أيها السفر:
لا تفرح علينا كثيراً، فليس في أروقتك أعظم وأشرف وأكرم بقعتين: مكة المكرمة، والمدينة المنورة. فلهما نسافر ومن أجلهما نتوجّه مهما حصل، فهما الأعظم والأكرم والأبقى، نسينا في حبهما كل الصعاب، وتجاوزنا في سبيلهما كل المشاق.
أدام الله عليهما نعمة الإسلام والأمن والأمان.(57/2)
تذكرة مسافر في الدنيا واليوم الآخر
تذكرة مسافر
أنواع السفر
1ـ سفر حرام ، وهو أن يسافر لفعل ما حرمه الله أو حَرّمه رسوله : - صلى الله عليه وسلم -، مثل : من يسافر للتجارة في الخمر، والمحرمات، وقطع الطريق، أو سفر المرأة بدون محرم .
2ـ سفر واجب، مثل : السفر لفريضة الحج، أو السفر للعمرة الواجبة ، أو الجهاد الواجب.
3ـ سفر مستحب، مثل : السفر للعمرة غير الواجبة، أو السفر لحج التطوع، أو جهاد التطوع.
4ـ سفر مباح ، مثل السفر للتجارة المباحة، وكل أمر مباح .
5ـ سفر مكروه، مثل : سفر الإنسان وحده بدون رفقة إلا في أمر لابد منه ؛ لقوله : - صلى الله عليه وسلم - : "لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده .
فهذه أنواع السفر التي ذكرها أهل العلم، فيجب على كل مسلم أن لا يسافر إلى سفر محرم، وينبغي له أن لا يتعمد السفر المكروه، بل يقتصر في جميع أسفاره على السفر الواجب، والمستحب، والمباح .
آداب ووصايا قبل السفر :
يستحب لمن أراد السفر أن يشاور من يعلم منه النصيحة والشفقة والخبرة ويثق بدينه ومعرفته قال تعالى {وشاورهم في الأمر} وإذا شاور وظهر أنه مصلحة استخار الله سبحانه وتعالى في ذلك فصلى ركعتين من غير الفريضة ودعا بدعاء الاستخارة [أفاده الإمام النووي في الأذكار] .
ـ فإذا استقر عزمه على السفر فليجتهد في تحصيل أمور منها :
1ـ أن يوصي بما يحتاج إلى الوصية به وليشهد على وصيته ويرد الودائع التي عنده أو يوصي غيره بردها إذا حدث له في سفره ما يمنه من تأدية هذه الودائع إلى أهلها .
2ـ يرد المظالم إلى أهلها ويتحلل منها لقول النبي : - صلى الله عليه وسلم - : "من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم الحديث" رواه البخاري .
3ـ يسترضي والديه وشيوخه ومن يندب إلى بره واستعطافه .
4ـ يتوب إلى الله ويستغفره من جميع الذنوب والمخالفات وليطلب من الله تعالى المعونة على سفره.
5ـ يجتهد في تعلم ما يحتاج إليه في سفره فإذا كان غازياً تعلم ما يحتاج إليه الغازي من أمور القتال، وإن كان حاجاً أو معتمراً تعلم مناسك الحجّ والعمرة أو استصحب معه كتاباً لذلك، وإن كان تاجراً تعلم ما يحتاج إليه من أمور البيوع ما يصح منها وما يبطل وما يحل وما يحرم... إلى غير ذلك . [أفاده النووي في الأذكار] .
6ـ وعلى المسافر أن يترك النفقة لأهله ولكل من يجب عليه نفقته عند سفره قال النبي : - صلى الله عليه وسلم - : "كفى بالمرء إِثماً أن يحبس عمّن يملك قوته" أخرج مسلم .
7ـ ويستحب للمسافر أن يقول أذكار المقيم ويزيد عليها الأذكار الخاصة بالسفر .
8ـ وعلى المسافر أن يعلم علم القبلة وعلم أوقات الصلاة لأنه في الحضر يكفيه من محراب متفق عليه يغنيه عن طلب القبلة، ومؤذن يراعي الوقت فيغنيه عن طلب علم الوقت، والمسافر قد يشتبه عليه علم القبلة وقد يلتبس عليه الوقت فلا بد من العلم بأدلة القبلة والمواقيت . [أفاده الغزالي في الإحياء] .
استحباب التوديع للمسافر :(58/1)
…يستحب للمسافر أن يودع أهله وقرابته وإخوانه، قال ابن عبد البر : إذا خرج أحدكم في سفر فليودع إخوانه، فإن الله جاعل في دعائهم بركة. قال : وقال الشعبي: السنة إذا قدم رجل من سفر أن يأتيه إخوانه فيسلموا عليه، وإذا خرج إلى سفر أن يأتيهم فيودعهم ويغتنم دعاءهم. وفي التوديع سنة مهجورة قل من يعملها، ألا وهي توديع المسافر بدعاء النبي : - صلى الله عليه وسلم - فعن قزعة قال: قال لي ابن عمر : هلمَّ أودعك كما ودعني رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - : "أستودع الله دينك، وأماناتك، وخواتيم عملك" . [رواه أبو داود] .
…وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (أراد رجل سفراً، فأتى رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أوصني، قال: "أوصيك بتقوى الله عز وجل، والتكبير على كل شرف" فلما مضى، قال : "اللهم ازوِ له الأرضَ، وهوّن عليه السفر" . [رواه البغوي] .
استحباب السفر يوم الخميس أول النهار :
من هديه في أسفاره ، أنه كان يحب الخروج في يوم الخميس، وكان يخرج في أول النهار، فعن كعب بن مالك رضي الله عنه: "أن النبي : - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الخميس في غزوة تبوك وكان يحب أن يخرج يوم الخميس" . [رواه البخاري] . وعند أحمد : "قلَّ ما كان رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - يخرج إذا أراد سفراً إلا يوم الخميس" . وعن صخر الغامدي ـ عن النبي : - صلى الله عليه وسلم - قال : "اللهم بارك لأمتي في بكورها" وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم من أول النهار، وكان صخر رجلاً تاجراً، وكان يبعث تجارته من أول النهار فأثرى وكثر ماله [رواه أبوا داود] .
استحباب لتأمير في السفر إذا كانوا ثلاثة فأكثر :
نادى الشرع بالاجتماع وعدم التفرق، وحث على ذلك ورغب فيه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم" [رواه أبو داود] . ولما كان السفر من الأمور التي يحصل بها الاجتماع والملازمة بين الناس، استحب للقوم المسافرون ـ الذين يبلغون ثلاثة فأكثر ـ أن يؤمروا أحدهم يسوسهم ويأمرهم بما فيه مصلحتهم ، وعليهم الطاعة والاتباع ما لم يأمر بمعصية الله، فإن فعلوا ذلك حصل لهم من اجتماع الكلمة، وسلامة الصدور، ما يجعلهم يقضون حاجتهم من سفرهم دون منغصات أو مكدرات تحدث بينهم . وفي حث النبي : - صلى الله عليه وسلم - على تأمير الثلاثة في السفر لأحدهم تنبيه منه : - صلى الله عليه وسلم - على الاجتماع الأعظم، والله أعلم .
كراهية الوحدة في السفر :(58/2)
وفيه حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي : - صلى الله عليه وسلم - قال : "لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده" [رواه البخاري ]. وفي الحديث فوائد: أن النبي : - صلى الله عليه وسلم - لم يخبر أمته بما يعلمه من الآفات التي تحدث من جراء سفر الرجل وحده مبالغة منه في التحذير من التفرد في السفر، وثانيها: أن النهي يعم الليل والنهار، وخص الليل في الحديث لأن الشرور فيه أكثر والأخطار فيه أكبر، وثالثها: أن النهي يعم الراكب والراجل، ولعل قوله : - صلى الله عليه وسلم - : "ما سار راكب بليل" أنه خرج مخرج الغالب، وإلا فالراجل في معنى الراكب، والله أعلم. وفي النهي عن الوحدة في السفر ـ أيضاً ـ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - : "الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب" [رواه أبو داود] .
النهي عن سفر المرأة بدون محرم :
نهى الشرع المطهر عن سفر المرأة بدون محرم ، لما قد يترتب عليه من الفتنة لها ولمن حولها من الرجال. والأحاديث الواردة في ذلك صريحة صحيحة لا مجال لتوهينها، ولا تأويلها، فقد روى الشيخان وغيرهما أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي : - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم" ولفظ مسلم : "لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها" [رواه البخاري، ومسلم] . وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه سمع النبي : - صلى الله عليه وسلم - يقول : "لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم" .
فقام رجل فقال يا رسول الله : اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخَرَجَتْ امرأتي حاجّةً قال: اذهب فحج مع امرأتك" . [رواه البخاري، ومسلم] . وكما ترى فإن النهي صريح في منع المرأة من السفر مسيرة يوم وليلة دون محرم لها، زوجها، أبوها، ابنها، أخوها، ونحوهم من محارمها . بل إن أمر النبي : - صلى الله عليه وسلم - الرجل الذي اكتتب في الغزو أن يلحق بأهله الذين خرجوا للحج لهو أبلغ دليل على تحريم سفر المرأة بدون محرم. قال النووي : فيه تقديم الأهم من الأمور المتعارضة، لأنه لما تعارض سفره في الغزو وفي الحج معها، رجح الحج معها لأن الغزو يقوم غيره في مقامه عنه بخلاف الحج معها [شرح صحيح مسلم] .
النهي عن اصطحاب الكلب والجرس في السفر :
نهى رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - عن اصطحاب الكلب والجرس في الأسفار، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس" [رواه مسلم] .
وسبب النهي عن الجرس لأنها مزامير الشيطان، جاء ذلك مصرحاً عند مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - : "الجرس مزامير الشيطان" . [رواه مسلم] .
دعاء السفر وما ورد فيه من أذكار :(58/3)
حفلت سنة النبي : - صلى الله عليه وسلم - بأدعية وأذكار، يقولها المسافر ابتداءً من وضع رجله على المركوب وحتى عودته لمحمله. فمنها :
أ / دعاء ركوب وسيلة السفر : عن علي بن ربيعة قال : شهدت علياً رضي الله عنه وأُتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله. فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال : {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} [الزخرف: 13ـ14] ثم قال: الحمد لله ثلاث مرات، ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . ثم ضحك، فقيل له، يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت النبي : - صلى الله عليه وسلم - فعل كما فعلت ثم ضحك، فقلت يا رسول الله: من أي شيء ضحكت؟ قال "إن ربك يعجب من عبده إذا قال افر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري" [رواه أبو داود، وصححه الألباني] .
ب/ ومن دعائه ـ أيضاً عند سفره وعودته . ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً ثم قال : {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} [الزخرف: 13ـ14] اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل .
وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: "آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون" [رواه مسلم].
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة، يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد ، هو على كل شيء قدير، آيبون تائبون، عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده ، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده" [رواه البخاري، ومسلم] .
ت/ الذكر عند علو الثنايا والهبوط من الأودية : ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، السابق ـ أنه قال في آخره : "وكان النبي : - صلى الله عليه وسلم - وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا، وإذا هبطوا سبحوا، فوضعت الصلاة على ذلك" . [رواه أبو داود، وصححه الألباني] .
ث/ دعاء دخول القرية ونحوها : قال ابن القيم: وكان : - صلى الله عليه وسلم - إذا أشرف على قرية يريد دخولها يقول: "اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها" [صححه الحاكم، ووافقه الذهبي] .
ج/ ما يستحب ذكره للمسافر في السحر . روى أبو هريرة ري الله عنه أن النبي : - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كان في سفر وأسحر يقول : "سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذاً بالله من النار" [رواه مسلم] .
فائدة :(58/4)
ينبغي للمسافر أن يغتنم سفره، يدعو لنفسه وآبائه وأهله ومن يحب وأن يجتهد في ذلك، ويتحرى الدعاء الجامع، مع الإلحاح والخضوع فللمسافر دعوة مستجابة فلا ينبغي التفريط فيها. روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي : - صلى الله عليه وسلم - قال : "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم" [رواه أبو داود، وحسنه الألباني] .
دعاء نزول المنزل :
قد يحتاج المسافر إلى النزول من مركوبه، للنوم، أو الأكل، أو قضاء الحاجة، والبرية فيها من الهوام والسباع والشياطين ما الله به عليم، فكان من نعمة الله علينا أن شرع لنا على لسان نبينا : - صلى الله عليه وسلم - ، دعاءً نقوله يحفظنا ـ بإذن الله ـ من شر كل مخلوق. فعن خولة بنت حكيم السُلمية رضي الله عنها ، قالت : سمعت رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - يقول : "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك" . [رواه مسلم] .
استحباب الاجتماع عند النزول وعند الأكل :
جعل الله في الاجتماع القوة والعزة والمنعة والبركة، وجعل في التفرق الوهن والضعف وتسلط الأعداء ونزع البركة. والقوم إن كانوا يسافرون جميعاً استحب لهم أن يجتمعوا في مكان نزولهم ومبيتهم، وكذا يجتمعون على أكلهم لتحصل البركة لهم .
أما الاجتماع عند النزول : فقد روى أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - : "إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان. فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال لو بسط عليهم ثوب لعمهم" [رواه أبو داود وصححه الألباني] .
والاجتماع على الطعام تحصل به البركة والزيادة، فعن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده: أن أصحاب رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: "فلعلكم تفترقون" قالوا نعم. قال : "فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه" [رواه أبو داود، وحسنه الألباني] .
رخص السفر :
من قواعد الشريعة (المشقة تجلب التيسير) ولما كان السفر قطعة من العذاب؛ لقوله : - صلى الله عليه وسلم - السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه، ونومه، فإذا قضى نهمته فليجعل إلى أهله" ، رتب الشارع ما رتب من الرخص، حتى ولو فُرِضَ خَلُّوه عن المشاق؛ لأن الأحكام تعلَّق بعللها العامة، وإن تخلفت في بعض الصور والأفراد فالحكم الفرد يُلحق بالأعم، ولا يفرد بالحكم، وهذا معنى قول الفقهاء رحمهم الله: "النادر لا حكم له" يعني لا ينقص القاعدة ولا يخالف حكمه حكمها، فهذا أصل يجب اعتباره، فأعظم رخص السفر وأكثرها حاجة ما يلي :
1ـ القصر؛ ولذلك ليس للقصر من الأسباب : غير السفر؛ ولهذا أضيف السفر إلى القصر لاختصاصه به، فتقصر الرباعية من أربع إلى ركعتين .(58/5)
2ـ الجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء في وقت إحداهما : والجمع أوسع من القصر، ولهذا له أسباب أُخر غير السفر: كالمرض، والاستحاضة، والمطر، والوحل، والريح الشديدة الباردة، ونحوها من الحاجات، والقصر أفضل من الإتمام، بل يكره الإتمام لغير سبب، وأما الجمع في السفر فالأفضل تركه إلا عند الحاجة إليه، أو إدراك الجماعة، فإذا اقترن به مصلحة جاز.
3ـ الفطر في رمضان من رخص السفر .
4ـ الصلاة النافلة على الراحلة وسيلة النقل إلى جهة سيره .
5ـ وكذلك المتنفل الماشي.
6ـ المسح على الخفين، والعمامة، والخمار، ونحوها، ثلاثة أيام بلياليهن لحديث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال : جعل رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم" وأما التيمم فليس سببه السفر، وإن كان الغالب أن الحاجة إليه في السفر أكثر منه في الحضر، وكذلك أكل الميتة للمضطر عام في السفر والحضر، ولكن في الغالب وجود الضرورة في السفر.
7ـ ترك الرواتب في السفر، ولا يكره له ذلك، مع أنه يكره تركها في الحضر، أما راتبة الفجر وصلاة الوتر، والصلوات المطلقة فتصلى حضراً وسفراً .
8ـ من رخص السفر ما ثبت عن النبي : - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إذا مرض العبد أو سافر كُتبت له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً" . فالأعمال التي يعملها في حضره: من الأعمال القاصرة على نفسه، والمتعدية يجري له أجرها إذا سافر، وكذلك إذا مرض، فيا لها من نعمة ما أجلها وأعظمها . أ،هـ.
صلاة التطوع في السفر :
من السنن المهجورة، صلاة المسافر التطوع على مركوبه ، فقلّ من تراه يصلي النافلة أو الوتر في الطائرة أو في غيرها من وسائل السفر. ونبينا : - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك على راحلته، ولا يلزم تحري القبلة في صلاة النافلة للمسافر إن كان راكباً لمشقة ذلك، والأفضل أن يستقبل القبلة عند الإحرام. روى ابن عمر رضي الله عنهما، قال : "كان رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومي إيماءً ، صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته" [رواه البخاري، ومسلم] . ولذا فإنه يستحب للمسافر ، أن يصلي النافلة والوتر على آلة السفر اقتداء بنبينا : - صلى الله عليه وسلم - .
حكم صلاة الفريضة على الطائرة أو غيرها :
مسألة : هل يجوز للمسافر أن يصلي الفريضة على الطائرة أو السيارة أو القطار إذا اضطر لذلك؟ أم يؤخرها حتى يصل إلى المكان الذي يتمكن أن يؤديها فيه؟ وهل يلزم التوجه إلى القبلة؟(58/6)
الجواب : أجابت اللجنة الدائمة عن سؤال مماثل فقالت: إذا كان راكب السيارة أو القطار أو الطائرة أو ذوات الأربع، يخشى على نفسه لو نزل لأداء الفرض، ويعلم أنه لو أخرها حتى يصل إلى المكان الذي يتمكن أن يصلي فيه فات وقتها، فإنه يصلي على قدر استطاعته، لعموم قوله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286] ، وقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن:16] ، وقوله تعالى : {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج:78] . وأما كونه يصلي أين توجهت المذكورات، أم لابد من التوجه إلى القبلة دوماً واستمراراً، أو ابتداءً فقط، فهذا يرجع إلى تمكنه ، فإذا كان يمكنه استقبال القبلة في الصلاة وجب فعل ذلك، لأنه شرط في صحة صلاة الفريضة في السفر والحضر، وإذا كان لا يمكنه في جميعها، فليتق الله ما استطاع، لما سبق من الأدلة [فتاوى اللجنة الدائمة] .
النوم في السفر :
قد يضطر المسافر على الطرق البرية على النوم للراحة من عناء السفر، ولما كان الشرع المطهر يرشد الناس لما فيه مصلحتهم العاجلة والآجلة؛ كان من جملة ذلك إرشاد المسافر لمكان نومه، حتى لا يؤذى من هوام الأرض ودوابها. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - : "إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها، وإذا عرستم [المعرس : الذي يسير نهاره ويعرس أي ينزل أول الليل، وقيل: التعريس النزول في آخر الليل] فاجتنبوا الطريق ، فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل" [رواه مسلم] .
قال النووي : وهذا أدب من آداب السير والنزول أرد إليه : - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع تمشي في الليل على الطرق لسهولتها، ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه، وتجد فيها من مرة ونحوها، فإذا عرس الإنسان في الطريق ربما مر منها ما يؤذيه، فينبغي أن يتباعد عن الطريق [شرح صحيح مسلم] .
ثم إنه ينبغي على المسافر إذا أراد نوماً، أن يتخذ ما في وسعه من الوسائل التي تعينه على الاستيقاظ لصلاة الفجر ، وفي زمننا هذا أصبحت تلك الوسائل ـ ولله الحمد ـ متيسرة وبأبخس الأثمان. ورسولنا : - صلى الله عليه وسلم - كان يحتاط لذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه : "أن رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - حين قفل من غزوة خيبر سار ليلة حتى إذا أدركه الكرى [أي: النعاس أو النوم] عُرس وقال لبلال: أكلأ لنا الليل" [رواه مسلم] ، وعند النسائي وأحمد من وراية جبير بن مطعم رضي الله عنه : "أن رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - قال في سفر له : من يكلؤنا الليلة لا نرقد عن صلاة الصبح؟ قال بلال: أنا ... ألحديث" .
وروى أبو قتادة رضي الله عنه قال : "كان رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في سفر فعرّس بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرّس قبيل الصبح نصب ذراعه ورأسه على في كفه" [رواه مسلم] .
كراهية قدوم المسافر على أهله ليلاً :(58/7)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : "نهى النبي : - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله ليلاً" وعند مسلم: "إذا قدم أحدكم ليلاً فلا يأتين أهله طروقاً حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة" وعنده أيضاً : "نهى رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم، أو يلتمس عثراتهم" [رواه البخاري، ومسلم] .
فينبغي للمسافر إذا رجع إلى أهله أن لا يدخل عليهم ليلاً، حتى لا يرى ما يكره في أهله من سوء المنظر. قال النووي : ... أنه يكره لمن طال سفره أن يقدم على امرأته ليلاً، بغتة، فأما من كان سفره قريباً تتوقع امرأته إتيانه ليلاً فلا بأس، كما قال في إحدى الروايات: إذا أطال الرجل الغيبة. وإذا كان في قفل عظيم أو عسكر ونحوهم واشتهر قدومهم ووصولهم وعلمت امرأته وأهله أنه قادم معهم وأنهم الآن داخلون فلا بأس بقدومه متى شاء لزوال المعنى الذي نهي بسببه، فإن المراد أن يتأهبوا وقد حصل ذلك ولم يقدم بغتة [شرح مسلم] قلت : ومثله إذا علموا بقدومه عن طريق أجهزة الاتصال ونحوها .
استحباب رجوع المسافر لأهله بعد قضاء حاجته وعدم الإطالة :
يستحب للمسافر إذا نال مراده من سفره أن يعود سريعاً إلى أهله، ولا يمكث فوق حاجته. وقد أرشد إلى هذا رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - . فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي : - صلى الله عليه وسلم - قال : "السفر قطعة من العذاب: يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه. فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله" [رواه البخاري، ومسلم] . قال ابن حجر: وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب استعجال الرجوع ولا سيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة ، ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا ، ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة على العبادة "فتح الباري" .
استحباب صلاة ركعتين في المسجد عند قدوم البلد :
من هديه : - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا قدم من سفر، فإن أول شيء كان يبادر إليه هو الصلاة في المسجد ركعتين. قال كعب بن مالك رضي الله عنه : [ إن النبي : - صلى الله عليه وسلم - : كان إذا قدم من سفر ضحى دخل المسجد فصلى ركعتين قبل أن يجلس ] [رواه البخاري، ومسلم] وهذه من السنن المهجورة، التي قل من يطبقها، فنسألك اللهم اتباعاً لسنة نبيك : - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطناً، وبالله التوفيق،،
ما يقوله المسافر إذا أشرف على مدينته :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : "كنا مع النبي : - صلى الله عليه وسلم - مقفلة من عسفان ورسول الله : - صلى الله عليه وسلم - على راحلته وقد أردف صفية بنت حيي، فعثرت ناقته فصرعا جميعاً ، فاقتحم أبو طلحة فقال: يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال : علينك المرأة. فقلب ثوباً على وجهه وأتاها فألقاه عليها، وأصلح لهما مركبهما فركبا واكتنفنا رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - . فلما أشرفنا على المدينة قال : آئبون، تائبون، عابدون لربنا حامدون، فلم يزل يقول ذلك حتى دخل المدينة" .(58/8)
جنبوا أبناءكم ذئاب الصيف
بقلم د .محمد فهد الثويني .
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله القائل : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ
وهذا موقف يتكرر كل سنة حيث يتفرغ الأبناء للعب والمرح السفر وغيرها من البرامج بعد الموسم الدراسي ، وذات مرة قلت لابني : إنها عطلة طويلة شهران ونصف فقال : لا يا أبي إنها (3) أشهر و(18) يوماً لطلبة الرابع المتوسط الناجحين إلي الأول الثانوي .
المهم أنه تظهر في العطلة عدة برامج وأنشطة صيفية تعد بالعشرات تشجع الآباء والأمهات علي إشراك أبنائهم في البرامج الصيفية والسؤال هنا : هل هذه البرامج صادقة من حيث المعني ( القيم ) والمضمون ؟
مصيدة الإغراءات?
لقد تصدر الكثير من تجار الصيف لهذه البرامج حتي يتصيدوا أولياء الأمور ويفضوا جيوبهم مقابل إعلانات مغرية صارفة مثل تعليم لغة أجنبية ، السياحة – الكاراتيه – الحرف اليدوية – تحفيظ القرآن – المهارات الاجتماعية ، و.. ..
خلال أسبوعين وبمبلغ يعادل .. كذا وكذا فعلاً إنهم ذئاب الصيف ، يضيعون أوقات الشباب وأموال الآباء والأمهات .
الصحبة? الصالحة
لذا أنصح أولياء الأمور بأن يستغلوا ما تبقى من وقت في التالي :
1- قضاء وقت عائلي تربوي ممتع .
2- إشراك الأبناء مع الصحبة الصالحة ولا أفضل من صحبة المسجد ( بيت الله ).
3- الاشتراك في البرامج الصادقة ويمكن اختيارها حسب التالي :
وجود المشرف المتخصص الخلوق صاحب الدين .?
التخصص في مجال واحد? تدور حوله البرامج والأنشطة .
يكون هذا البرنامج ذا أهداف واضحة ومعلنة .?
يشرف علي الشباب أشخاص مواطنون يعرفون الأعراف والقيم علي لغة أهلها .?
? تعادل التكلفة الخدمة المقدمة دون مبالغة .
تزكية هذه المؤسسات من خلال أشخاص? أو مؤسسات ناجحة ومعروفة .
خبرة كافية في مجال التربية أو التوعية للشباب .?
والله ولي التوفيق
http://www.waldee.com/المصدر(59/1)
حكم السفر إلى بلاد الكفر
أعتاد كثير من المسلمين السفر إلى بلاد الكفر دون حاجة ماسة غير التنزه والسياحة، وعادة ما يكون المنكر ظاهرا في تلك البلاد بل ترعاه حكوماتها، وقد تصاحب بعض الأسر المسلمة أبنائها من الأطفال والبالغين في السفر فيروا تلك المنكرات الأمر الذي قد يؤثر على دينهم وسلوكهم، إضافة إلى هدر الأموال، كما أن في بعض الدول الإسلامية من الأماكن السياحية ما يستعاض بها عن مثلها في دول الكفر والضلال.
وقد أفتى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله تعالى -
" أما السفر إلى تلك البلاد التي فيها الكفر والضلال والحرية وانتشار الفساد من الزنى وشرب الخمر وأنواع الكفر والضلال ففيه خطر عظيم على الرجل والمرأة، وكم من صالح سافر ورجع فاسدا، وكم من مسلم رجع كافرا، فخطر هذا السفر عظيم وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:(أنا بريء من كل مسلم يقيم! بين المشركين) وقال أيضا: (لا يقبل الله من مشرك عملا بعد ما أسلم أو يفارق المشركين إلى المسلمين) والمعنى حتى يفارق المشركين فالواجب الحذر من السفر إلى بلادهم، وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك والتحذير منه، اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله، فإن خاف على دينه الفتنة فليس له السفر إلى بلاد المشركين حفاظا على دينه وطلبا للسلامة من أسباب الفتنة والردة، أما الذهاب من أجل الشهوات وقضاء الأوطار الدنيوية في بلاد الكفر في أوربا وغيرها فهذا لا يجوز " بتصرف من كتابه مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -.
ويقول فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى -
" لا يجوز للإنسان أن يسافر إلى بلاد الكفر إلا بشروط ثلاث:
الشرط الأول: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات.
الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
الشرط الثالث: أن يكون محتاجا إلى ذلك مثل أن يكون مريضا أو يكون محتاجا إلى علم لا يوجد في بلاد الإسلام تخصص فيه فيذهب إلى هناك، أو يكون الإنسان محتاجا إلى تجارة، يذهب ويتجر وي! رجع. المهم أن يكون هناك حاجة، ولهذا أرى أن الذين يسافرون ألى بلد الكفر من أجل السياحة فقط أرى أنهم آثمون، وأن كل قرش يصرفونه لهذا السفر فإنه حرام عليهم وإضاعة لمالهم وسيحاسبون عنه يوم القيامة حين لا يجدون مكانا يتفسحون فيه أو يتنزهون فيه " بتصرف من كتاب شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين ج الأول
وقد أجابت إدارة الإفتاء بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت
عن سؤال حول حكم السفر إلى بلد غريب مع العلم أن هذا البلد يحل ما حرم الله - تعالى -من مجون وفحش، بما يلي: " أن الأصل في السفر الإباحة، إلا إذا خشي على دينه أو نفسه أو عرضه فإنه لا يجوز له أن يسافر إلى ذلك المكان الذي لا يأمن فيه على ما ذكر، وكذلك لا يجوز إنشاء السفر بقصد المعصية كالزنى وشرب الخمر " (فتوى رقم 45 ع / 91)
http://www.saaid.net المصدر:(60/1)
حكم السفر خارج الدول الإسلامية
السؤال:
كثير من الناس ابتلي بالأسفار خارج الدول الإسلامية التي لا تبالي بارتكاب المعصية فيها ولا سيما أولئك الذين يسافرون من أجل ما يسمونه شهر العسل. أرجو من سماحة الشيخ أن يتفضل بنصيحة إلى أبنائه وإخوانه المسلمين وإلى ولاة الأمر كيما يتنبهوا لهذا الموضوع.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فلا ريب أن السفر إلى بلاد الكفر فيه خطر عظيم لا في وقت الزواج وما يسمى بشهر العسل ولا في غيره من الأوقات، فالواجب على المؤمن أن يتقي الله ويحذر أسباب الخطر، فالسفر إلى بلاد المشركين وإلى البلاد التي فيها الحرية وعدم إنكار المنكر فيه خطر عظيم على دينه وأخلاقه وعلى دين زوجته أيضا إذا كانت معه، فالواجب على جميع شبابنا وعلى جميع إخواننا ترك هذا السفر وصرف النظر عنه والبقاء في بلادهم وقت الزواج وفي غيره لعل الله - جل وعلا - يكفيهم شر نزغات الشيطان.
أما السفر إلى تلك البلاد التي فيها الكفر والضلال والحرية وانتشار الفساد من الزنى وشرب الخمر وأنواع الكفر والضلال - ففيه خطر عظيم على الرجل والمرأة، وكم من صالح سافر ورجع فاسدا، وكم من مسلم رجع كافرا، فخطر هذا السفر عظيم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين)) وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((لا يقبل الله من مشرك عملا بعد ما أسلم أو يفارق المشركين)) والمعنى: حتى يفارق المشركين. فالواجب الحذر من السفر إلى بلادهم لا في شهر العسل ولا في غيره، وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك والتحذير منه، اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله وإخراج الناس من الظلمات إلى النور وشرح محاسن الإسلام لهم وتعليم المسلمين هناك أحكام دينهم مع تبصيرهم وتوجيههم إلى أنواع الخير، فهذا وأمثاله يرجى له الأجر الكبير والخير العظيم، وهو في الغالب لا خطر عليه لما عنده من العلم والتقوى والبصيرة، فإن خاف على دينه الفتنة فليس له السفر إلى بلاد المشركين حفاظا على دينه وطلبا للسلامة من أسباب الفتنة والردة وأما الذهاب من أجل الشهوات وقضاء الأوطار الدنيوية في بلاد الكفر في أوروبا أو غيرها فهذا لا يجوز، لما فيه من الخطر الدنيوية والعواقب الوخيمة والمخالفة للأحاديث الصحيحة التي أسلفنا بعضها نسأل الله السلامة والعافية.
وهكذا السفر إلى بلاد الشرك من أجل السياحة أو التجارة أو زيارة بعض الناس أو ما أشبه ذلك فكله لا يجوز لما فيه من الخطر العظيم والمخالفة لسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الناهية عن ذلك، فنصيحتي لكل مسلم هو الحذر من السفر إلى بلاد الكفر وإلى كل بلاد فيها الحرية الظاهرة والفساد الظاهر وعدم إنكار المنكر، وأن يبقى في بلاده التي فيها السلامة، وفيها قلة المنكرات فإنه خير له وأسلم وأحفظ لدينه.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
المصدر:
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الرابع
http://www.binbaz.org المصدر:(61/1)
حَيَّ على الزواج
أحمد بن عبد المحسن العساف
كم هيَ مخيفةٌ ومحزنة تلك الاحصائياتُ والأرقام التي تشيرُ إلى أعدادِ الفتياتِ المتأخرات عن سنِّ الزواج في البلدان الإسلامية ؛ ففي الجزائر أكثرُ من عشر ملايين امرأة تجاوزن سن الزواج حسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء ؛ وفي المغرب ثماني ملايين امرأة وفي مصر أربع ملايين امرأة طبقاً لإعلان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء وفي السعودية مليون وخمسمائة ألف امرأة حسبما أشارت دراسة أجرتها وزارة التخطيط قبل سبع سنوات وفي تونس مليون وثلاثمائة ألف امرأة كما في الإحصاء الحكومي قبل ثلاث سنوات ؛ وفي قطر بلغت النسبة 15? وارتفعت في الكويت إلى 18? ثم واصلت الصعود في البحرين إلى 20? من عدد النساء . وهذه الأرقام والنسب لمن تجاوزن ثلاثين عاماً الذي يوصفُ بأنه سنُّ العنوسة غالباً ؛ وهو سنٌّ مختلفٌ فيه بين بعض البلدان والدراسات طبقاً لاختلاف سنِّ الزواج ؛ فبينما يبلغُ سنُّ زواجِ الفتاةِ في اليمن ثمانيةَ عشرَ عاماً نجده في السعودية يصلُ إلى أربعٍ وعشرين سنةً ليرتفعَ في المغرب إلى ثمانيةٍ وعشرين عاماً وفي الأردن - وهي البلدُ الأقلُّ في عدد " العوانس " قياساً بغيرها من البلدان - يرتفعُ سنُّ الزواجِ إلى تسعةٍ وعشرين عاماً وفي تونس والجزائر ارتفعت السنُّ إلى ثلاثين سنة . ويتعاظمُ الخطبُ إذا ما علمنا أنَّ " عالم العنوسة " تنضمُ إليه عشراتُ أو مئاتُ الآلافِ من النساء سنوياً ؛ علماً أنَّ عدد اللواتي تجاوزن سنَّ الخامسةِ والثلاثين يبلغُ النصفَ تقريباً من بعضِ الأرقامِ المذكورةِ أعلاه- وهي أرقامٌ تحتاجُ إلى تحديث - ؛ ولا حولَ ولا قوةَ إلاَّ باللهِ العليِّ العظيم .
ومشكلةُ تأخرِ الزواجِ لدى الجنسين كارثةٌ اجتماعية خطيرة توازي أوتتفوقُ على مشكلاتٍ أخرى سياسيةٍ وعسكريةٍ وأمنية واقتصادية وتعليمية ومع ذلك فلم تأخذْ حيِّزَها المناسبِ من الاهتمامِ الرسمي وفي الأدبيات الفكرية والندوات والفعاليات الثقافية وفي عالم الإعلام دون إغفالِ بعض الجهود المشكورة التي بُذلت ولازال بعضها مستمراً غيرَ أنها تبقى محدودةَ الأثرِ بالنسبةِ إلى حجمِ المشكلة وانتشارها . وينبغي التذكيرُ بأنَّ كلِّ فتاةٍ عانسٍ يقابُلها رجلٌ عانسٌ تقريباً ؛ ويُقالُ للرجل " عانس " كما نقلَ ابنُ فارس في مُعْجَمِه عن الأصمعي وكفى بهما حُجة .
وإذا أردنا أن نستكشفَ أسبابَ بلوغِ المجتمع الإسلامي " المزواج " هذه الأرقامَ المروعة نقفُ على ما يلي- مع التنبيه إلى أنَّ بعضها أسبابٌ نادرةُ الوقوع- :
1. ابتعاد الناس عن الدين وضعف القيم الإسلامية في النفوس والواقع .
2. ضحالة الثقافة الشرعية فيما يخص الولاية والزواج والمهر والتعدد والعدل.
3. ضمور معاني الأسرة في النفوس وخاصة لدى الرجال .(62/1)
4. ارتفاع المهور وتكاليف الزواج بالإضافة إلى أن الخاطب في بعض المجتمعات يدفع مهراً شرعياً للفتاة إضافة إلى " إتاوات وضرائب " لأبيها وأمها وأخيها وقد تطول هذه السلسة الظالمة. والمهرُ ليس ثمناً للمرأة بل إيناسٌ لها وتلطفٌ معها قبلَ الاستمتاعِ بها وهو حقٌ خالص لها لا يشاركها فيه أحدٌ.
5. البطالة ؛ حيث يوجدُ في العالم العربي 25 مليون عاطل حسبما ذكر المديرُ العام لمنظمةِ العملِ العربية في الوقت الذي يستوعبُ العالمُ العربي 18 مليون موظف أجنبي ؛ وكشف تقريرٌ صدرَ عن مجلس الوحدة الاقتصادية التابع لجامعة الدول العربية أن 60% من البطالة العربية في قطاع الشباب .
6. الفقر لأن 23 % من سكان الدول العربية يعيشون تحت خط الفقر كما نشرت بعض الصحف.
7. العضل وهو الإضرار بالفتاة بمنع زواجها عقاباً أوحياءً أوحمقاً وسوء فهم وتقدير ؛ وقد يكون المنع بخلاً بمالها أو خوفاً عليه ؛ أو انسياقاً خلف عادات ما أنزل الله بها من سلطان .
8. غياب أثرِ القيِّم في أسرٍ كثيرةٍ من ناحيةِ إصلاح الأبناء والعائلة ابتداءً وتقويمهم إن حادوا عن صراط الله القويم.
9. الأثر الذي لا يُنكر لوسائل الإعلام كما سأشيرُ فيما بعد ؛ وقد عزا بعض الشباب انصرافهم عن الزواج إلى بعض الفضائيات التي يديرها نصارى العرب أو يمتلكها فسقة المسلمين .
10. وجود بدائلَ غيرَ شرعيةٍ للتنفيس عن الشباب؛ فكم من خليلةٍ منعت الشُبان من حليلة ! كما أنَّ رواجَ سوق الفاسقات منعَ زواجَ العفيفات الغافلات. وفي هذا السياق يبرز شذوذ الرجال وشذوذ النساء وهي مسألةٌ حرية بالدراسة شرط ألا يكون الدارس شاذاً !
11. الأحلام الوردية الخيالية التي ترسمها بعض البنات لشريك المستقبل ؛ ومثله الصفات التعجيزية التي يطلبها الشاب في رفيقة حياته ؛ وعجباً لمن يعترفُ بنقصه كيف يبحثُ عن كاملٍ يستحيل وجوده ؟
12. الدراسة؛ وهو سببٌ يُذكر على استحياء ! فمتى كان العلم ضد الزواج ؟ ولو كان فأيهما أولى للفتاة التي تسري غريزة الأمومة في روحها قبل جسدها ؟ ومن راقب طفلةً صغيرة وجد مصداق ذلك في حنانها مع ألعابها.
13. بعض العادات والرسوم الاجتماعية التي تنتشر غالباً في القرى والبادية؛ ومنها حجر البنت لابن عمها، وحرمان الصغيرة من نصيبها بحجة وجود أختها الأكبر إضافةً إلى بعض شروط المساواة والكفاءة في جوانب المال والتعليم والإعراض عن الزواج الجماعي أو المختصر.
14. مرورُ أحد أقارب أو معارف الفتى أو الفتاة بتجرِبةٍ سيئة أدت إلى رفضه أو رفضها الزواج وهذا سببٌ نادر .
15. غياب هذا الموضوع عن وسائل التأثير والاتصال والتوجيه، وإن كان حاضراً بدرجة لا تكفي وطريقةٍ غير مرضية أحياناً.
16. رَفْضُ التعدد من قبل الفتيات ؛ والإحجامُ عنه من قبل الرجال ؛ ونظرة بعض المجتمعات الإسلامية له بشيء من الريبة والتنقص .(62/2)
17. انتشار أنواع أخرى من " الزواج "؛ وبعضها يفتقد الأركان الشرعية للزواج مثل الزواج العرفي والزواج المدني وفي مصر وحدها رصدت دراسةٌ أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية عشر آلاف حالة زواج عرفي بين مديرٍ وسكرتيرته !. وبعض أنواع الزواج أفسده " الذواقة " من الرجال كزواج المسيار المعروف سابقاً بزواج النهاريات .
18. السياحة الجنسية ؛ وقد تكون بسفر الرجال للخنا والزنا عياذاً بالله أوسفرهم لما يتوهمونه زواجاً شرعياً وقلما يكون . وقد تكون السياحة بقدوم العاهرات للبلدان الإسلامية لممارسة البغاء ونشر الأوبئة ؛ وكم من بلدٍ " إسلامي " دَبَّ فيه العهر ودرج بما لا يصلح معه إلا فتحٌ إسلامي جديد ؛ وبعض البلدان الإسلامية ستكون في المستقبل القريب بؤرةً للأيدز والأمراض الجنسية في المشرق الإسلامي على ذمة منظمة الصحة العالمية . وقد زار صحفي فرنسي بلداً إسلامياً فلما عاد من مهمته الصحفية لم يزد على أن وصف ذلكم البلد العزيز على قلوبنا بأنه ماخور ؛ والمشتكى لله وحده ممن تسلطوا على عفاف المسلمات فيه .
19. الزواج من الأجنبيات وهو سبب ثانوي؛ والأجنبية المقصودة هنا النصرانية كما في التعريف الشرعي للأجنبي أنه أحد اثنين: إما الكافر أو مَنْ ليس محرماً.
20. مصادمة شرع الله بالقوانين الوضعية ؛ فالقانون المبكي في تونس يحرم التعدد ويعده جريمة ، والقانون المضحك في المغرب يلزمُ الزوجَ بأخذ موافقةٍ خطية من زوجه الأولى على التعدد !
21. انصراف الحكومات الإسلامية عن واجبها تجاه هذا الموضوع ؛ ونحن لا نحمِّل الحكومات جميع المسؤولية لكننا نطالبها بالالتفات للقضايا الاجتماعية بدءاً من الدقة والتحري في اختيار الوزراء المعنيين بالتربية والثقافة والشؤون الاجتماعية والإعلام والعدل ومروراً بالتخطيط للقضاء على العنوسة ضمن خطط التنمية وانتهاءً بمراقبة النتائج والتفاعل معها .
22. ترفعُ بعض الرجال عن الزواج بدعوى الانشغال بالعلم؛ وعجباً لهم فالزواج سنة إمام العلماء صلى الله عليه وسلم؛ وعزوبة قلة من العلماء لا يقاس عليها ألبته.
23. أنفةُ بعض النساء من الزواج تيهاً وكبراً ؛ وقد رُوي في تاريخ الهند المسلمة أن الأميرةَ زيب النساء ابنة الشاه محي الدين عالمكير- وهو سادسُ حاكمٍ مغولي للهند – لم تتزوج قط لغيرتها بأن تكون ضجيعةً لأحد الرجال لأنها كانت شاعرةً تسحرُ الألبابَ وتفلقُ القلوبَ ولا تضاهيها امرأةٌ في الهند بجودة القريحة وسلامة الفكرة ولطافة الطبع .
24. فقدان بعض الشباب لأهلية الزواج بسبب انغماسهم في الملذات والشهوات أو غرقهم في مستنقع المخدرات أو تلوثهم بالأوبئة الفتاكة أو كسلهم فلا تجارة ولا عمل ولا حرفة. وأذكر أن عميد إحدى الكليات الطبية قال لي قبل ثلاثة عشر عاماً: عندي خمسُ بناتٍ وإذا تأملتُ واقعَ الشبابِ حرتُ كيفَ سأرضى منهم أزواجاً لبناتي ! فاللهم صلاح القلوب ورقي العقول وزكاة النفوس .
25. أنَّ الأثرياء والمحسنين لم يلتفتوا إلى هذا الجانب في الهبات والأوقاف والصدقات والزكوات .(62/3)
ولا نمضي للحلول المقترحة قبل الوقوف عند وسائل الإعلام لنرى جرمها في حقِّ المجتمعات الإسلامية وخيانة بعضها التي تستوجب إصلاحاً بمبضعٍ أمضى من مقصِّ الرقيب وأحد؛ فمما جناه الإعلام العاهر دون الإعلام المحافظ:
1. تزهيد الرجال بالنساء من خلال عرض صور الفاتنات اللاتي لايوجد في النساء مثلهن ؛ وهؤلاء النسوة يقضين ساعاتٍ طويلةً للتزين على يد خبراء في تزيين الوجوه وتزييفها ؛ وأذكر أن رجلاً فتنته ممثلة ؛ فجهد حتى عرف عنوانها وسافر إليها حاملاً هديةً ثمينة ؛ فلما بلغ مسكنها وجده متواضعاً في حيٍّ شعبي وشاهدها بصورتها الحقيقية التي لا تلفت النظر بله الافتتان !
2. تزهيد النساء بالرجال لما يرين خلف الشاشات من صور الشباب المترفه المتأنق المثقف المقتدر مادياً و" الرومانسي " للغاية وهذا ما لا يوجد في الحقيقة .
3. الترويج للفجور والدعارة وكل قبيح من القول والفعل من خلال الإعلانات أو التعريف بالبرامج السياحية المشبوهة أو الإخبار عن طرق " الوقاية " من المرض والحمل ؛ ويكفي فتنة الرجال بكل قبيح وجهه حسن ليتجشم الشبان المصاعب لبلوغ الوحل ومن خاض في الوحل تلوث .
4. تحسين القبيح وتقبيح الحسن ؛ ونظرةٌ واحدة لحال المعدد في التمثيليات تكفي لتشويه هذا الحل الإسلامي الفاعل لمشكلة العنوسة ، وبالمقابل فنظرة للصديق مع صديقته كفيلةٌ بترويج هذا المبدأ الفاجر بين المسلمين .
5. عدم العناية بموضوع العنوسة وهي مشكلة عامة للجنسين ؛ ولو أن رجلاً ظلم امرأة مرة واحدة لكُتبت المقالات واستنفرت البرامج الحوارية طاقاتها للحديث عن هذه المأسأة !
6. تضخيم جانب عمل المرأة ودراستها على حساب الزواج والأسرة ، ولو شُغلت الصحافة والوزارات المعنية بموضوع عمل الشباب ومقاومة بطالتهم لعالجنا مشكلة البطالة الرجالية وأكثر من نصف مشكلة العنوسة .
7. إيهام المرأة باستغنائها عن الزوج؛ ولو افترضنا صحة ذلك فكيف لنا باستغنائها عن معاني الأمومة ؟ سيقول لنا المرجفون : تربي طفلاً أو طفلة من مجهولي النسب ؛ وحينها سنقول لهم : مَنْ الذي هيَّج غريزة والد هذا اللقيط المسكين وغريزة والدته ؟ وهل ابن البطن كابن الشارع ؟
8. لا توجد مساحة كافية في وسائل الإعلام للحديث عن مشاريع المساعدة على الزواج والتوفيق بين الجنسين بالحلال ؛ وقد يعود السبب إلى أحادية هذه الوسائل وإقصائها المتعمد لمن تخالفه ويخالفها حتى لو كان عمله مفيداً للمجتمع بأسره .
9. إشاعة المباهاة في الزواج من خلال الإغراق في نشر صور الحفلات والدعايات حتى للأشياء التافهة كقصائد عقد القران وقصائد ليلة الزواج وغيرها .
10. سوء أفكار بعض الكاتبات والإعلاميات تجاه الأسرة والمرأة؛ وقد تتبعت حال بعضهن فوجدت منهن المطلقة ومَنْ تجاوزت الخامسة والأربعين بلا زواج ولا أعجب من رغبتهن بتعميم التجربة الفاشلة.
وكما أنه ليس من داءٍ إلا جعل الله له دواءً كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام ؛ فكذلك هذه المشكلة الاجتماعية لها حلول متيسرة بحمدالله أو تحتاج بعض العناء والجهد ؛ فمنها :(62/4)
1. العناية بالدعوة الإسلامية نشراً وتعميماً على أن يأخذ البعد الاجتماعي فيها حيزاً مهماً.
2. إشاعة الثقافة الشرعية والعلمية في المجتمع من خلال عدة منافذ .
3. إصلاح مناهج التعليم بما يعزز مكانة الأسرة ودور الرجل والمرأة فيها وفقاً لشرع الله الحكيم لا حسب مؤتمرات الأمم المتحدة ومعاهداتها واتفاقياتها المصادمة للشرع والفطرة . ( للمزيد حولها يمكن الرجوع لكتاب العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية للدكتور فؤاد العبدالكريم ) .
4. نشر ثقافة المهر المعتدل والزواج المختصر ؛ ورفع مستوى التفكير والفهم لدى الأولياء والأسر أولى من تحديد المهور الذي لن يجدي نفعاً ؛ ومن ذلك قيام كبراء الأسر ومشايخ القبائل ووجهاء المجتمع بالتطبيق على أنفسهم حتى يكونوا موضع القدوة الفعلية لا القولية .
5. تجفيف منابع البطالة من خلال تأهيل الشباب والعناية بتوظيفهم ودعم المشاريع الصغيرة وإصلاح أنظمة العمل وتحجيم الاستقدام الأجنبي إلا فيما ليس منه بدٌّ على أن يكون مؤقتاً.
6. صرف مبالغَ ماليةٍ للنساء في بيوتهن- وقد ذكر د.عبدالعزيز المقبل عن دراسة بريطانية أن أُجرةَ المرأة العاملة في بيتها تماثلُ راتبَ جنرال في الجيش- ، وكذلك للعاطلين عن العمل الذين لم تستطع الدولة الإسلامية إعدادهم أو توظيفهم دون الكسول والمتراخي .
7. قيام القضاة في المحاكم بواجبهم تجاه ظاهرة العضل والإضرار بالمرأة ؛ وتطبيق شرع الله بمرتكبي الفواحش ومشيعيها .
8. مقاومة المشاريع التغريبية لإدماج المرأة في التنمية وتغيير أنظمة الأحوال الشخصية ورفع سن الزواج وإشاعة الفاحشة وهدم نظام الأسرة وكل مايدخل ضمن تطبيق بنود الاتفاقيات والمعاهدات الأممية الباطلة شرعاً ، وهذه المقاومة منوطة بالحكام والعلماء ومؤسسات المجتمع وكافة شرائح الشعب المسلم .
9. منع البغايا من دخول البلدان الإسلامية وهدم دور البغاء وضبط سفر الشباب إلى البؤر والمستنقعات بالتوعية والتحذير وفحص القادمين من الخارج ومنع سفر المتورطين والمشبوهين منهم؛ وأجزم أن منع سفرهم أيسر بكثير من منع سفر المعارضين والمشبوهين أمنياً وسياسياً.
10. إصلاح قطاع الإعلام بأنواعه؛ وإلزام المؤسسات الإعلامية بتبني مصالح الأمة الإسلامية؛ والاحتساب على من يخالف ومحاكمته وفق شرع الله العظيم.
11. إشاعة الثقافة الأسرية والفنون التربوية من خلال البرامج التدريبية لجميع أفراد الأسرة حتى تكون التربية هماً مشتركاً بين جميع الناس.
12. إلغاء كل قانون يخالف شرع الله فيما يخص الأسرة لأنه موضوعنا ؛ وفي كل الشؤون لأنه ديننا ، ومن ذلك البراءة من معاهدات الأمم المتحدة ورفضها أو رفض مايناقض الدين الإسلامي منها .
13. الوقف لصالح برامج المساعدة على الزواج ومؤسسات رعاية الأسرة لأن الزواج مسؤولية تربط الرجل بأهله ودياره ؛ على أن يمول هذا الوقف من أثرياء المسلمين ومن الدول والحكومات ؛ فتزويج الفتيان والفتيات أولى من كثير من الرياضات والفنون والمهرجانات والحملات الدعائية الجوبلزية !(62/5)
14. قيام فضليات النساء بشأن موضوع المرأة قياماً شرعياً لا مناص منه ؛ ويشمل ذلك الالتزام بالدفاع عن المرأة ضد المفسدين من خلال التعليم والثقافة والإعلام ؛ وبالاحتساب ضد العواهر ودور الخنا ؛ وإصلاح المفاهيم لدى بنات جنسهن تجاه الزواج والتعدد ؛ ودعوة النساء لتقليل الانفاق وترشيد الصرف ، فالنساء في الخليج ينفقن 7.1 مليار دولار سنوياً على مستحضرات التجميل والصحة ، وذكرت مجلة أسرتنا في عدد المحرم 1428 أن المرأة السعودية تصرف مليار ونصف المليار ريال سنوياً على العباءة و30% من هذا الرقم يذهب للعباءة المزخرفة .
15. تشجيع الزواج المبكر؛ وإنشاء مؤسسات للدلالة والتوفيق والإصلاح وإبرازها إعلامياً. ومن فضل الله وإحسانه أن هذه المؤسسات يقوم عليها الخيرة من المسلمين؛ بينما يجهد الفجرة لتخريب المرأة وقطعها عن الزواج والأمومة وتحويلها من أقدس متاع إلى أرخص متعة؛ وهذه أكبر فضيحة للتيار الليبرالي – أخلى الله منهم الديار وأراح العباد-.
16. التعدد ؛ فالنساء كثر وفي بعض الرجال عللٌ مانعة من الزواج ؛ وماانصراف الناس عن التعدد إلا بسبب الوهم الملقى في روع الرجال والنساء . ولم تكن العنوسة مشكلة في جيل الصحابة – رضوان الله عليهم- ومن بعدهم ؛ بل كانت المطلقة والأرملة تتزوج بمجرد انتهاء عدتها ؛ ومن نساء الصحابة مَنْ تزوجت أربعة من الأصحاب الميامين .
17. توفير المساكن المؤثثة بأسعار معقولة حتى لا تكون الندرة والغلاء سبباً لتأخير الزواج ؛ ومشاريع الإسكان الخيري مقصورة على العوائل الفقيرة وليتها تشمل المقبلين على الزواج .
18. تشجيع حفلات الزواج الجماعي حتى تنخفض تكلفة الزواج ؛ ولهذه المشاريع وجود في عدة مناطق سعودية وفي الأردن وغيرها .ومن التشجيع حضور العلماء والمسؤولين والوجهاء هذه الحفلات ومشاركة أبنائهم من ضمن المحتفل بهم .
19. حسن التربية للأطفال من الجنسين ؛ وتعظيم أمر الزواج في نفوسهم . وقد أخبرني رجلٌ عن امرأة عجوز أنها كانت تقول لبناتها في الصغر : للبنت رُبْعُ رَجُلْ ! ومن هذا الباب احتساب النساء المتزوجات في الرضا بالتعدد قضاءً على العنوسة وتكثيراً لسواد الأمة وحتى لا تكون المرأة الشيعية خيراً من السنية المتعففة الصينة .
20. تشجيع الشباب على الزواج ؛ فكل شاب عَزَبٍ – بلا عذر - قد أساء لنفسه ولفتاة عانس ولمجتمعه .
21. طَرْقُ موضوع الزواج من قبل الخطباء والمربين والعلماء على مدار العام وليس في مواسم الزواج فقط.
22. تضمين هذه المسألة في المشاريع الإصلاحية .
23. قيام ولاة أمور البنات والشباب بواجبهم الشرعي والعائلي تجاههم ؛ لأن بعض الأبناء لا يحيط بأمره من كل جهاته والبنت والولد ضيفان في بيت أهلهما حتى يؤسسا بيتاً جديداً وينبغي ألا تطول استضافتهما .
24. أن يكون تفاعلنا مع قضايا الأسرة والمرأة دائم مستمر لا انفعال صورة ينتهي بزوال المؤثر.(62/6)
25. استشراف المستقبل حول العنوسة ؛ فثم صراعات إقليمية وعولمة قادمة ومنظمة التجارة العالمية تفرض نفسها وقوانين تصاغ في الخفاء وحزب ماكر يكيد من داخل بلدان المسلمين ولا ندري بعدُ ما يكون غير أن الظن الحسن بربنا لا يتخلف والتفاؤل لا يتضاءل من حياتنا .
و أختم بنقلٍ عن العلامة الجزائري محمد البشير الإبراهيمي " أعضل هذه المشاكل وأعمقها أثراً في حياة الأمة وأبعدها تأثيراً في تكوينها مشكلة الزواج بالنسبة إلى الشبان ، فالواقع المشهود أن الكثير من شبابنا- وهم أملنا وورثة خصائصنا- يعرضون عن الزواج إلى أن يبلغ الواحد منهم سن الثلاثين فما فوق ، ويترتب على ذلك أن الكثيرات من شوابنا يتعطلن عن الزواج إلى تلك السن ، فيضيع على الجنسين ربيع الحياة ونسماته وأزهاره وبهجته وقوته ، ويضيع على الأمة نبات ذلك الربيع ، وثمر الخصب والنماء والزكاء فيه ، ثم تضيع بسبب ذلك أخلاق وأعراض وأموال ، وإذا زادت هذه الفاشية فشواً ، واستحكم هذا التقليد الفاسد ، فإن الأمة تتلاشى في عشرات من السنين " . ( آثار البشير الإبراهيمي ص 293 ج 3 ).
** كثير من الأرقام المذكورة في هذه المقالة من كتاب " أرقام تحكي العالم " لمحمد صادق مكي من إصدارات مجلة البيان ، وهو كتاب يمتع قارئه ويضحكه ويبكيه .
أحمد بن عبد المحسن العساف- الرياض
الجمعة 28 من شهر الله المحرم 1428
ahm_assaf@yahoo.com(62/7)
رسالة إلى مسافر
القسم العلمي بدار الوطن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه - أما بعد : -
أخي … يا من أعددت حقائب السفر قف معي قليلاً .
أخي ماذا نويت بسفرك هذا ؟
إن كانت نيتك طيبة فاستبشر بقوله صلى الله عليه وسلم : (من هم بحسنه فلم يعملها كتبها الله عنده حسنه كاملة) رواه البخاري
وإن كانت نيتك غير ذلك فأحذر من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (إنما الدنيا لأربعة نفر :
1- عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه ويعلم لله فيه حقا: فهذا بأفضل المنازل
2- وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول : لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته فأجرهما سواء.
3- وعبد رزقة الله مالا ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم فيه حقا فهذا بأخبث المنازل .
4- وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته: فوزرهما سواء) رواه أحمد والترمذي وصححه
هذا إن كنت عازماً على المعصية متى ما تيسرت لك .
أما إن تركتها لله فاستبشر بقوله صلى الله عليه وسلم : (ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة) رواه البخاري.
• فأحذر يا أخي، وأحذري يا أختي أن تتمنيا أن تكونا مثل فلان وفلان ممن سار في ركب الشيطان، واعلما: (أن النية قد تبلغ مالا يبلغ العمل) •
أي الأسفار تختار ؟
• السفر ثلاثة أنواع:
1- سفر محمود وهو إما واجب: كالحج، وطلب العلم، والخروج من بلد الكفر إلى بلاد الإسلام.
أو مستحب : كزيارة الأقارب والعلماء .
أو مباح: كالخروج لطلب المال حتى يكف نفسه عن السؤال
2- أو مكروه: كالخروج من بلد الوباء وفيه انتفت النية .
3- سفر مذموم: وهو إما حرام: كسفر العاق لوالديه، أو الذي يقصد الفساد.
قيل لبعض العلماء : أي الأسفار أفضل؟ قال: (الأفضل هو الأعوان على الدين)
قارن
قارن حالك مع من يذهب إلى مخيمات اللاجئين ليعين إخوانه، ويبذل جهده ووقته في ذات الإله تعالى وحده، ابتغاء مرضاته ونفعاً للمسلمين.
قارن حالك مع من يذهب إلى الأكباد الجائعة في أفريقيا لينفق في سبيل الله من ماله أو ما آتاه الله.
قارن حالك مع من يذهب للدعوة إلى الله، ونشر الإسلام، وانتشال من استطاع من براثن الجهل، والشرك، والضلال، فيا فوزك إن كنت مع هؤلاء الرهط الصالحين!
من صاحبك في السفر ؟
أيها المسافر :
الوحدة في السفر مذمومة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده) رواه البخاري . وذلك لأضرار الوحدة في الدين والدنيا .. كحرمانه من صلاة الجماعة، وحصول الوحشة والتعرض إلى المخاطر ، وفقدان المؤنس والصديق وغير ذلك.(63/1)
وحسبك هذا التوجيه النبوي في اختيار الصحبة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) متفق عليه
وأحذر أن تقول يوم القيامة: (يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا) الفرقان الآيتان: 28-29
وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم : (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) رواه الترمذي وحسنه
وأحذر من التقييم المزيف والمدح الكاذب، قال صلى الله عليه وسلم : (يقال للرجل ما أعقله، ما أظرفه، وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) متفق عليه .
حكم السفر إلى بلاد الكفار وبعض البلاد الإسلامية التي فيها منكرات وتكشف وسفور بقصد السياحة والنزهة.
• يقول الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين: (إن كان القصد التمشية والنزهة فنرى أن هذا السفر مكروه ولا ينبغي، لكثرة الفتن والأخطار، أما إن كان القصد الدعوة والتعليم ونشر الدين والنصح والتوجيه فنرى أن هذا السفر مستحب وفيه أجر لما فيه من إظهار شعائر الإسلام ومحاسنه والرد على من خرج عنه أو خالفه.
أما إن كان القصد التجارة وتنمية المال فيجوز سفرك بغير كراهة بشرط القدرة على إظهار الدين والجهر به، والتمسك بتعاليم الإسلام، أما إن كنت لا تقدر في هذا السفر على إظهار الدين كأن تضطر إلى أن تحلق لحيتك أو تترك الصلاة مع الجماعة، أو تترك الأذان للصلاة والنداء لها، وأنتم جماعة، أو كنت تخاف على نفسك من المداهنة أو التنازل عن بعض الأمور الشرعية، أو الوقوع في شيء مما يقع فيه المشركون من عبادة القبور، أو الذبح لها مجاراة للمشركين، من عبادة القبور، أو الذبح لها مجاراة للمشركين، فهنا يحرم السفر وإن كان لتجارة) من رسالة: المفيد في تقريب أحكام المسافر، ص119
الآثار المترتبة على السفر إلى بلاد الكفار:
• يقول الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله - يقول جل وعلا: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) والآيات الدالة على عداوة الكفار للمسلمين كثيرة، والمقصود أنهم لا يألون جهداً ولا يتركون سبيلاً للوصول إلى أغراضهم وتحقيق أهدافهم في النيل من المسلمين إلا سلكوه، ولهم في ذلك أساليب عديدة، ووسائل خفية وظاهرة، فمن ذلك: ما تقوم به بين وقت وآخر بعض مؤسسات السفر والسياحة من توزيع نشرات دعائية تتضمن دعوة أبناء المسلمين لقضاء الإجازات الدراسية وغيرها في ربوع أوربا وأمريكا بحجة تعلم اللغة، ووضع برامج شاملة لجميع وقت المسافر.
وتهدف هذا النشرات إلى تحقيق عدد من الأغراض الخطيرة منها ما يلي:
1- العمل على انحراف الشباب المسلمين وإضلالهم.
2- إفساد الأخلاق والوقوع في الرذيلة عن طريق تهيئة أسباب الفساد وجعلها في متناول اليد.
3- تشكيك المسلم في عقيدته.
4- تنمية روح الإعجاب والانبهار بحضارة الكفرة.
5- دفع المسلم للتخلق بالكثير من تقاليد الكفار وعاداتهم السيئة.(63/2)
6- التعود على عدم الاكتراث بالدين الإسلامي وعدم الالتفات لآدابه وأوامره.
7- تجنيد الشباب المسلم ليكونوا من دعاة السفر إلى بلاد الكفر بعد عودتهم من هذه الرحلة وتشبعهم بأفكار الكفرة وعاداتهم وطرق معيشتهم. كما أنصح أولياء أمور الطلبة خاصة بالمحافظة على أبنائهم، وعدم الاستجابة لطلبهم بالسفر إلى الخارج لما في ذلك من الأضرار والمفاسد على دينهم وأخلاقهم وبلادهم كما أسلفنا . من رسالة : دليل المسافر: ص52-53
من زرع حصد :
فيا لهف قلب من علق قلوب أبنائه وبناته بالسفر إلى بلاد المعاصي حتى صارت همهم وشغلهم الشاغل، فلا تأتي أجازه إلا وهم يسألون ويتشوقون للسفر لتلك البلاد.
فيا من علقت قلوب أبنائك وبناتك بالسفر لبلاد المعاصي: ستحصد في الدنيا حينما يكبر بك العمر أو تصاب بمرض تخليهم عنك حين تطلبهم فتجدهم مسافرين!
وستحصد في الآخرة حين تسأل عنهم أمام الله: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فتكون إجابتك أنك فرطت في المسؤولية في تنشئة أولادك تنشئة صالحة.
وستحصد في الآخرة حين تخسر قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل لترفع درجته يوم القيامة فيقول: أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك) .
وهنيئا لمن رعى مااستؤمن عليه، حين يجد ما عمل من خير محضراً .
للمرأة فقط
هناك امرأة نزعت حجابها بعد صعودها للطائرة ولما وجه لها أحد الأخوة النصيحة الغالية قالت: (مطاوعة) حتى في الطيارة!!
أختي هل هذه المرأة عرفت لم تحجبت ؟ إنها تعتقد أن الحجاب عادة وتقليد من عادات مجتمعها، فمتى فارقت هذا المجتمع تركت هذه العادة.
كيف يقر لها قرار وهي تعلم أنها من المعنيات بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما.. ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وأن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا) أخرجه مسلم
أختي ..اعلمي أنك تتحجبين لأن الله خالقك ورازقك ومن إليه مرجعك؛ أمرك بقوله تعالى (ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) الأحزاب (59).
فأنت مأمورة بالحجاب في كل مكان لأنك مهما سرت فأنت في ملك الله ومادمت في ملكه فلا مناص لك من اتباع أمره.
سفر المرأة بدون محرم
حذر الشارع من سفر المرأة بدون محرم فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم) رواه الشيخان
ممنوع دخول المسلمين
(المسارح، الأماكن المختلطة، المقاهي ، السينما …) لو فكرت بالدخول فقبل ذلك أسأل نفسك هذه الأسئلة:
• هل ترى فيها الوجوه الطيبة الخيرة التي تذكرك بالله عز وجل ؟!
• هل تحب أن يأتيك الموت وأنت فيها ؟!
• وهل إذا دخلها ابنك تعلّم فيها برك وطاعتك؟!
• وهل إذا دخلها ابنك تعلّم فيها الفضيلة وحسن الخلق؟!
• وهل تحب أن يكتب في صحيفة عملك أنك دخلت هذه الأماكن!
لا تنس أن عن يمينك ويسارك من يكتب جميع أعمالك وفي الختام تذكر قوله تعالى : (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) الإسراء ، الآية:36
شرب الخمور والمخدرات(63/3)
أخي المسافر:
أحذر الاقتراب من أم الخبائث والقائدة إلى الرذائل وتذكر قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) المائدة، الآية: 90
أحذر الإدمان فإن أوله كأس تشرب .
• وهل ترضى أن تكون ملعونا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
• وهل تقوى على طينة الخبال التي توعد الله بها شاربي المسكرات – قالوا يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: (عرق أهل النار أو عصارة أهل النار) رواه مسلم
القمار
عندما ترى إنساناً يحمل ورقة نقدية ويرميها في سلة المهملات فإنك لأول وهلة تتصور أن هذا الرجل فاقد لعقله، فإنك تتفق معي أن العاقل لا يمكن أن يفعل ذلك أنه يحس بقيمة هذه النقود وفائدتها.. فلتعلم إذاً أنه يوجد من هذه الفئة أناس كثيرون، وممن يتمتعون بكامل قواهم العقلية.. بل ويجدون في ذلك لذة ومتعة.
أليس الذين يلعبون القمار كذلك … ؟؟؟
لا بل هم أعظم من ذلك لأنهم يجمعون بين خسارة المال وعذاب الآخرة، بين سفاهة الدنيا وعذاب الآخرة… إن الله منحنا هذا المال ليؤدي وظيفة مهمة، وليكون لنا زاداً في هذه الحياة الدنيا، فكيف نفرط فيه هذا التفريط؟!!
للعقلاء
قد تسمع عن المغني الفلاني والمغنية الفلانية، فأنت لست بحاجة أن أبين لك تحريم ذلك فقد قال تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) لقمان الآية: 6
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخاري
ولكن ألست معي أن الأغاني بمجمعها تدور حول الحب والتعلق بالمحبوب وتحث على الزنا ؟!
أخي هل سمعت بعاطل عن العمل سارع للعمل بعد سماع الأغاني ؟!
أخي هل سمعت بعاق لوالديه برهما بعد سماع الأغاني ؟!
أخي هل سمعت بفاشل في دراسته تفوق بعد سماع الأغاني ؟!
أخي هل سمعت بعاص لله تاب وأقلع بعد سماع الأغاني ؟!
أخي هل سمعت بأمة قامت وعزت على أكتاف مغنيها ؟!
وبعد .. ما هو هدفك في سفرك ؟
إن كنت صادقاً بطلبك الجو البارد، والمناظر الخلابة، والأرض الخضراء فستجد ذلك ولله الحمد في مناطق بلادك العزيزة، وإن كنت تنوي غير ذلك قف مع قول الشاعر:
أتفرح بالذنوب وبالمعاصي *** وتنسى يوم يؤخذ بالنواصي
قد تتساءل وتقول أين أقضي إجازتي ؟ أين أقضي وقت فراغي؟
أخي … يعتقد بعض الناس أن وقت الإجازة وقت لهو ولعب وأن تنظيمه والاستفادة منه يخالف ما من أجله وضعت العطلة .. ألست ترى معي يا أخي أن هؤلاء يعدون الوقت مشكلة ونقمة؟
أخي إذا كان عمرك في هذه الحياة محسوباً بالدقائق والأنفاس ، فإن معنى ذلك أن كل دقيقة تمضي من وقتك تبعدك عن الدنيا وتقربك للآخرة ، ومعنى ذلك أن الدقيقة التي تمضي من وقتك دون فائدة تعد خسارة، ووبالاً عليك .. قد تخسر بعض المال وتستعيده، قد تفقد شيئا وتجده لكن هل تستطيع استرداد ساعة من وقتك بعد فواتها؟
لم لا تستغل هذه الأوقات :
1- في قراءة القرآن واستذكار ما حفظته.
2- في قراءة كتب نافعة.
3- في زيارة الصالحين.(63/4)
4- في زيارة الأرحام والأقارب.
5- في زيارة المقابر.
6- في زيارة المستشفيات سواء دور العجزة أو المعاقين أو المستشفيات العامة.
7- في الدعوة إلى الله في الهجر والبوادي.
8- في السفر إلى المناطق التي ليس فيها محاذير .
9- في السفر إلى بعض بلاد الفقيرة لتقديم المساعدة .
توجيهات هامة للمسافر
1- قدم الاستخارة فإن الله تعالى أجرى العادة بسلامة العاقبة عند حصول ذلك .
2- إذا حصل العزم ابدأ بالتوبة واخرج من مظالم الخلق واقض ما أمكنك من ديون وإذا تعذر القضاء استأذن من صاحب الدين .
3- اطلب رضا والديك والسماح لك بالسفر .
4- يستحب أن تكون الرفقة ثلاثة فأكثر .
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته في السفر
وأخيراً : إليك أخي المسافر هذه القبسات من الهدي النبوي في السفر :
• كانت أسفاره صلى الله عليه وسلم دائرة بين أربعة أسفار: سفره لهجرته، سفرة للجهاد وهو أكثرها، سفره للعمرة ، سفره للحج .
• الخروج يوم الخميس، من أول النهار .
• الدعاء عند الاستواء على دابة السفر، التكبير إذا علا ثنية، والتسبيح إذا نزل وادياً .
• التعجيل بالرجوع إلى الأهل بعد قضاء الوطر من السفر، وعدم مفاجأتهم بالدخول عليهم ليلاً.
• قصر الصلاة الرباعية، والفطر في شهر رمضان لمن كان سفره سفر طاعة .
فتاوى تهم المسافرين إلى الخارج
س : بعض المسافرين عند سفره إلى بعض بلاد الكفر أو بلاد المسلمين التي ينتشر فيها السفور والتكشف، يتساهل بكشف امرأته لوجهها بل أحياناً تكشف شيئا من شعرها بحجة أن أحداً لا يعرفها، وإذا نصح قال: إنها لو تسترت كاملاً لكانت ملفتة للنظر، فما حكم فعله؟
ج : فعله خطأ وجهالة، فإن الواجب عليه أن يأمرها بستر وجهها وشعرها وستر قدميها وساقيها ويجب عليه أن يمنعها من التكشف ولو كانت في بلاد غريبة ولو كان أهل تلك البلاد يستكرون الحجاب أو إذا تحجبت لفتت أنظارهم بل حتى لو كانوا ينظرون إليها أو يصورونها عندما تستتر أو نحو ذلك.. كل ذلك لا يمنعه من أن يلزمها بالتستر والاحتجاب حسب الاستطاعة والقدرة . لكن في بعض البلاد حتى البلاد الإسلامية إذا رأوها متسترة منعوها من الدراسة ونحوها، وجعلوها مخيفة أو مرهبة وضايقوها مضايقة شديدة في كل مكان، فهنا قد يكون هذا عذرا لها في أن تكشف وجهها أو بعضه عند شدة الضرورة وبقدر الحاجة فقط من غير توسع في ذلك. الشيخ ابن جبرين
س : هناك بعض العوائل التي تدعي التقدم والمدنية ترسل بناتها للدراسة في الخارج بمفردهن، فما حكم ذلك؟
ج : هذا لا يجوز أبداً، فأين الغيرة والأنفة من المنكرات ومن إقرارها؟ لا شك أن هؤلاء الذين يرسلون بناتهم ليدربهن الكفار الرجال قد ذهبت الغيرة والحمية من نفوسهم فإنهم مسؤولون عن هؤلاء البنات، ولو طلبت البنت أصلا أن تذهب فذهابها محرم أنها تذهب مع غير حرم، ثم أنها تتعلم على يدي رجال أجانب عنها مع تعرضها للفاحشة والفتنة منها أو بها، زيادة على أنها تتأثر غالبا بفتن الشبهات التي لا يسلم منها مثلها في تلك البلاد. الشيخ بن جبرين.
موقع صيد الفوائد(63/5)
رسالة إلى مصطاف
أغلى من الذهب
وهل هناك ما هو أغلى من الذهب؟!
نعم إنه الوقت، فالوقت هو الحياة وكفى!
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) صحيح الجامع 1077، يا بن آدم إنما أنت أيام مجموعة، إذا ذهب يومك ذهب بعضك!!
ضياع الوقت.... دمار لحياة العمر.
ضياع الوقت.... آفة هذا العصر.
ضياع الوقت.... يدمر آلاف الطاقات ويخفيها.
ضياع الوقت.... خسارة في الدنيا وندامة وغبن في الآخرة.
كم من شعوب بأسرها سقطت, وهوت لما استخفت بالوقت, واستهلكها الفراغ،وعمت في أرجائها البطالة
قال الحسن البصري - رحمه الله -: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد حرصاً منكم على دنانيركم ودراهمكم!! فحياة المؤمن والمؤمنة ليس فيها إجازة بل كلها طاعة, وعبادة لله رب العالمين (الدنيا ساعة.... فاجعلها طاعة) (النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية)
السياحة بين مفهومين؟!
السياحة – وللأسف – مفهوم قلب في هذا العصر عن حقيقته وعُمّي عن مقاصده. فالسياحة في القرآن والسنة بمعنى: الصيام، وطلب العلم، والجهاد في سبيل الله، وتأتي بمعنى الخروج للدعوة إلى دين الله، والفرار من الفتن لعبادة الله، ولطلب كل ما يقرّب إلى الله. قال – تعالى -: { الحامدون السائحون الراكعون...} وقال - صلى الله عليه وسلم -: (( إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله)) حديث حسن – المشكاة 724. ولكن هذا المفهوم أخذ في عصرنا الحاضر منحىً آخر, ومفهوماً مغايراً فالساحة في عرف كثير من الناس اليوم عبارة دالة على: الترويح عن النفس، الاصطياف، الخروج من القيود الشرعية والعرفية، الانفتاح العالمي في التمدن, والترفيه، التعرف على البلدان, والأمصار, والآثار، إعطاء النفس خلال الإجازة – كلما تشتهيه من منظور, أو مسموع, أو مطعوم, ولو كان من الحرام!! نسألك اللهم فعل الخيرات, وترك المنكرات, والثبات على دينك حتى الممات.
أنت... والدعاء؟
(الدعاء هو العبادة) كلمة نبوية جامعة، وأنت أخي المصطاف أحوج ما تكون في سفرك إلى الدعاء. فإذا خرجت من بيتك فقل: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله. فإنه يقال لك: هديت وكفيت ووقيت ويتنحى عنك الشيطان.
فإذا نويت السفر وركبت راحلتك وتجاوزت البنيان فادع وتأمل بما كان يدعو به - صلى الله عليه وسلم -في أسفاره: ((اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى....)) فلا تك بفعلك وسفرك مخالفاً لدعائك، ولا تكن بعيداً عن أهل البر والتقوى والعمل المرضي إذا نزلت منزلاً فأقرأ الدعاء المأثور: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) فإنه حفظ لك، ولأبنائك من كل مكروه بإذن الله – تعالى -.
ولا تنس أخي المسافر أن لك دعوة مستجابة وعدك بها حبيبك - صلى الله عليه وسلم - فادع لنفسك ولوالديك, وأبنائك, ولمريض من أقاربك، ولمنكوب من إخوانك المسلمين. فإنها دعوة مستجابة لهم.... ولك مثلها.
من آداب الرحلات
• أنوِ برحلتك وتنزُهُك رضى الله لكي تُؤجر عليها.(64/1)
• حدد المكان المناسب والأغراض التي تحتاجها في سفرك.
• أشرك أبناءك معك في مهام السفر والرحلة.
• اصطحب معك من أشرطة القرآن وأهل العلم ما يؤنسك.
• احرص على تغيير المنكر الذي تراه, أو تسمعه بكلمة طيبة, أو مناصحة رقيقة ((من رأى منكم منكراً فليغيره...)) رواه مسلم 6250.
• حافظ على أداء الصلاة في أوقاتها.
• احرص على أذكار الصباح والمساء والتفكير في مخلوقات الله العظيمة.
احذر!!!
• السفر للخارج ففيه مفاسد عظيمة على الدين والخلق.
• التنزه والرحلة وقت صلاة الجمعة ففيه تفريط بفريضة الله الواجبة.
• إيذاء الآخرين بالجلوس قريباً منهم, ومن عوائلهم.
• الذهاب لأماكن الاختلاط من حدائق, ومنتزهات, ومراكز ألعاب, وغيرها.
• التبول في الماء الراكد, أو قضاء الحاجة في ظل الناس, أو طريقهم.
• العبث بالمرافق العامة, أو وضع القاذورات بها فهي لك, ولغيرك.
(اترك المكان أفضل مما كان)
برامج مقترحة للأسرة المسلمة؟
• حفظ شيء من كتاب الله - عز وجل - فهو خير مشروع في هذه الإجازة لك ولأبنائك وأهلك.
• صلة الأرحام وزيارة الأقارب، فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله.
• نزهة بريئة ورحلة نظيفة مسلية مع الأقارب والأبناء فيها المتعة والمرح والترويح عن النفس بما أباح الله • إقامة مخيم صيفي للأسرة والأبناء بمشاركة بعض الأقارب أو الجيران أو غيرهم.
• شراء الألعاب المفيدة المسلية والأجهزة النافعة للأبناء والبنات حفظاً لأوقاتهم من الضياع.
• حضور البرامج الدعوية في المخيمات الدعوية التابعة لوزارة الشئون الإسلامية وغيرها.
• الحرص على حضور المحاضرات والندوات في المساجد وإحضار الأهل والأبناء لها.
• المشاركة في دورات شرعية أو تعليم الحاسب الآلي ونحوها.
• من أجمل ما يسجل لك في هذه الإجازة عمرة متقبلة لبيت الله الحرام قال - صلى الله عليه وسلم -: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي النار خبث الحديد) صحيح الجامع 2900.
• زيارة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)) صحيح الجامع 7332.
والمرأة والصيف
المرأة المسلمة حريصة على وقتها، لا تسمح بساعة منه تضيع دون فائدة، لأنها تشعر أنها محاسبة على الدقائق والثواني فأنعم وأكرم بامرأة:
• تشارك في مراكز تحفيظ القرآن الكريم
• تحضير المحاضرات والندوات وتستفيد منها
• تزور أقاربها وأخواتها وجيرانها
• تقيم البرامج المسلية المفيدة لأبنائها وبناتها
• تدرب بناتها على الأعمال المنزلية
• تطور وتجدد في ترتيب بيتها ونظامه
• بيتها عامر بذكر الله وآياته عبر إذاعة القرآن والأشرطة النافعة المباركة وغيرها.
احذري أيتها المباركة
• احذري التبرج والسفور فإنه معصية وكبيرة
• لا تكثري الخروج من المنزل، وخاصة للأسواق ونحوها.
• كوني محتشمة في لباسك، حييّة في مشيتك، بعيدة عن مواطن التهم، غير متعطرة ولا متلفتة.
• احذري السفر بدون محرم، واحرصي على مرافقته لك في كل ذهاب وإياب.(64/2)
• احذري ركوب الألعاب أو الدبابات أو نحوها في الحدائق العامة فإنه لا يليق بكِ وبحيائك وعفتك وطهارتك • إياك والاختلاط بغير المحارم مهما كان قريباً.
• لا تحضري حفلة زواج يُعصى الله فيها بغناء وغيره.
• لا تؤخري الصلاة عن وقتها فإنه ذنب عظيم.
• حافظي على سمعك وبصرك وجميع جوارحك من الحرام فإنها شاهدة لك أو عليك يوم يكثر الشهود يوم القيامة.
• تذكري أنك قدوة لأبنائك وبناتك ومجتمعك فكوني قدوة خير وصلاح ومعروف.
إرشادات ووصايا طبية
احرص على حمل حقيبة أدوات طبية للإسعافات الأولية.احم أبنائك من أشعة الشمس والتعرض لها. ابتعد عن الجلوس في أماكن المستنقعات المائية الموبؤة الملوثة.
مرورية
• تفقد سيارتك قبل السفر من كل النواحي.
• لا تسرع ففي التأني السلامة.
• لا تنشغل أثناء القيادة بأمر يؤثر على تركيزك
• تقيّد بحزام الأمان لك ولأطفالك.
• سافر وأنت متمتع براحة جسدية ونفسية.
• لا تواصل السير وأنت تشعر بالنعاس.
• إذا غادرت السيارة وأبناؤك فيها فأطفئها وتأكد من سلامة وقوفها.
• وفّر في سيارتك ما تحتاجه أثناء الطوارئ - لا قدر الله - (إطار احتياطي، سير، اشتراك الكهرباء، ما طور هوائي، ماء رديتر، ونحوها)
الحصاد الصيفي
لكل بداية نهاية، ولكل إجازة انقضاء ومع كل فرحة ترحة، ومع كل سرور حزن، فكم في هذه الإجازة من موظف لم يُتم إجازته! وكم من زميل لم يُباشر عمله بعد عطلته! وكم من أسرة تشتت شملها خلال هذه الإجازة! كم من حوادث ووفيات، ومصائب ونكبات. فأحمد الله أخي المصطاف أن حفظك في نفسك وأهلك وأولادك وعدت سالماً غانماً.
واسأل نفسك في ختام إجازتك: ماذا حملتها من عمل؟ فالإجازة ذهبت أو كادت بما فيها من خير أو شر، من طاعة أو معصية، من ذكرٍ أو غفلة.
وهكذا حال الدنيا فكلها سفر، ولكنه سفر طويل، سفر إلى الله والدار الآخرة.
قال داود الطائي: إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة، حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم!
سبيلك في الدنيا سبيل مسافر ولا بد من زادٍ لكل مسافر
ولا بد للإنسان من حمل عُدّةٍ ولا سيما إن خاف صولة قاهر
اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم أن نلقاك يا حي يا قيوم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://saaid.net المصدر:(64/3)
سياحة الصائمين في معاني ( لعلكم تتقون )
د. محمد عمر دولة
[1] مقدمة:
لا شكَّ أنَّ المتأمِّلَ في سِياقِ آياتِ الصيام؛ يُدرِكُ بالتدبُّرِ والتفكُّرِ معانيَ كثيرةً ودلالاتٍ عظيمةً لقولِ الله - عز وجل -: (يا أيّها الذين آمنوا كُتَِب عليكم الصِّيامُ كما كُتِب على الذين من قبلِكم لعلّكم تتقون أيّاماً معدوداتٍ فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعِدَّةٌ من أيّامٍ أُخَر وعلى الذين يُطيقونه فِدْيةٌ طعامُ مسكين فمن تطوَّعَ خيراً فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون شهرُ رمضانَ الذي أُنزِل فيه القرآنُ هُدًى للناسِ وبيِّناتٍ من الهُدى والفُرقانِ فمَنْ شَهِدَ منكم الشهرَ فلْيَصُمْهُ ومن كان مرضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيامٍ أُخَر يُرِيد الله بكم اليُسرَ ولا يُريد بكم العُسر ولتُكملوا العِدَّةَ ولتُكَبِّرُوا اللهَ على ما هداكم ولعلّكم تشكرون). [1]
[2] تسلية المسلمين:
فإذا تدبَّرْنا قولَ الله - عز وجل -: (يا أيّها الذين آمنوا كُتَِب عليكم الصِّيامُ كما كُتِب على الذين من قبلِكم)؛ أدركْنا سِرَّ ذكرِ الأممِ السالفة من قبلِنا التي فُضِّلتْ عليها أمتُنا تفضيلاً! فقد "ذكر أنه كما أوجبه عليهم، فقد أوجبه على الذين كانوا من قبلِهم؛ فلهم فيه أسوةٌ؛ وليجتهد هؤلاء في أداءِ هذا الفرض أكملَ مما فعلَهُ أولئك، كما قال - تعالى -: (لكلٍّ جعلنا منكم شِرعةً ومِنهاجاً ولو شاء اللهُ لجعلكم أمةً واحدةً ولكنْ ليبلوَكم فيما آتاكم فاسْتَبِقوا الخيرات) الآية". [2]
[3] استثارةُ هِمَمِ المسلمين:
فلهذا التعبيرِ القرآنيِّ البليغ: (يا أيها الذين آمنوا كُتَِب عليكم الصِّيامُ كما كُتِب على الذين من قبلِكم) دلالاتٌ كثيرةٌ وأغراضٌ عديدةٌ: "أحدُها: الاهتمامُ بهذه العبادةِ والتنويهُ بها؛ لأنها شرعها الله قبلَ الإسلامِ لمن كانوا قبل المسلمين، ثم شرعها للمسلمين؛ وذلك يقتضي اطِّرادَ صلاحِها ووفرةَ ثوابِها وإنهاضَ هِمَمَ المسلمين لتلقِّي هذه العبادةِ؛ كي لا يتميَّزَ بها من كان قبلَهم...فهذه فائدةُ التشبيهِ لأهلِ الهِمَمِ من المسلمين؛ إذْ ألحقهم بصالحِ الأمم في الشرائعِ العائدة بخيرِ الدنيا والآخرة، قال - تعالى -: (وفي ذلك فلْيتنافسِ المتنافسون)! [3] والغرضُ الثاني: أنَّ في التشبيهِ بالسابقين تهويناً على المكلَّفِين بهذه العبادة أن يستثقِلوا هذا الصوم؛ فإنَّ في الاقتداء بالغير أسوةً في المصاعب! فهذه فائدةٌ لمن قد يستصعب الصوم من المشركين فيمنعه وجودُه في الإسلام من الإيمان، ولمن استثقله من قريبي العهد بالإسلام.وقد أكَّد هذا المعنى الضمنيَّ قوله: (أياماً معدوداتٍ)! والغرضُ الثالث: إثارةُ العزائمِ للقيامِ بهذه الفريضةِ؛ حتى لا يكونوا مقصِّرين في قبولِ هذا العرض، بل يأخذوه بقوّةٍ تفوق ما أدَّى به الأممُ السابقة". [4]
[4] التقوى:(65/1)
وقد بيَّنَت الآياتُ الكريمة الغايةَ الكبرى من الصوم، في قولِ اللهِ - عز وجل -: (يا أيّها الذين آمنوا كُتَِب عليكم الصِّيامُ كما كُتِب على الذين من قبلِكم لعلَّكم)؛ "إنها التقوى! فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة؛ طاعةً لله، وإيثاراً لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس في البال، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقامَ التقوى عند الله، ووزنها في ميزانه؛ فهي غايةٌ تتطلع إليها أرواحهم، وهذا الصوم أداةٌ من أدواتها وطريقٌ موصلٌ إليها؛ ومن ثَمَّ يرفعها السياقُ أمام عيونِهم هدفاً وَضِيئاً يتَّجِهُون إليه عن طريقِ الصِّيام (لعلَّكم تتقون)! "[5]
وقال القرطبي: "(تتقون) قيل: معناهُ هنا: تضعفون؛ فإنه كلما قلَّ الأكلُ ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوةُ قلَّت المعاصي؛ وهذا وجهٌ مجازيٌّ حسنٌ، وقيل: لتتقوا المعاصي، وقيل: هو على العموم؛ لأنَّ الصيام كما قال - عليه السلام -: (الصيامُ جُنَّةٌ) و(وِجاء)، وسبب تقوى؛ لأنه يُميتُ الشهوات". [6]
وقد بيَّن المفسِّرون أنَّ تحصيلَ التقوى من الصيام ظاهرةٌ؛ "لما فيه من زكاةِ النفوسِ وطهارتها وتنقيتها من الأخلاطِ الرديئة والأخلاق الرذيلة"[7]؛ ذلك "أنَّ الصوم يُورث التقوى؛ لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى؛ فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهوِّن لذّاتِ الدنيا ورياستها؛ وذلك لأنّ الصوم يكسر شهوةَ البطن والفرج، وإنما يسعى الناسُ لهذين... فمَنْ أكثرَ الصومَ هان عليه أمرُ هذين وخفَّتْ عليه مؤنتهما؛ فكان ذلك رادعاً له عن ارتكابِ المحارمِ والفواحش، مهوِّناً عليه أمرَ الرياسة في الدنيا، وذلك جامعٌ لأسبابِ التقوى"! [8]
وللهِ درُّ ابنِ القيم حيث قال: "للصوم تأثيرٌ عجيبٌ في حفظِ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها؛ فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويُعِيدُ إليها ما استلبَتْه منها أيدي الشهوات؛ فهو من أكبر العونِ على التقوى، كما قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصيامُ كما كُتِبَ على الذين مِن قبلكم لعلكم تتقون). [9] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الصوم جُنَّة)، وأمر مَن اشتدّت عليه شهوةُ النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام، وجعله وِجاءَ هذه الشهوة". [10]
[5] استحضار سماحة الشريعة:
وقد راعت الشريعةُ التدرُّجَ في تشريعِ الصومِ؛ تخفيفاً على المسلمين، كما قال ابنُ القيِّم - رحمه الله -: "كان للصومِ رُتَبٌ ثلاثٌ: إحداها: إيجابُهُ بوصفِ التخيير، والثانية: تحتُّمُه، لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعمَ حرم عليه الطعامُ والشرابُ إلى الليلة القابلة، فنُسِخ ذلك بالرتبة الثالثة، وهي التي استقرَّ عليها الشرعُ إلى يوم القيامة". [11](65/2)
وقال ابن كثير في تفسير قول الله - تعالى -: (يُرِيد الله بكم اليُسر ولا يُرِيد بكم العُسر ولتُكملوا العِدَّةَ ولتكبِّروا اللهَ على ما هداكم ولعلكم تشكرون): "أي إنما رخص لكم في الفطر في حال المرض والسفر، مع تحتمه في حال المقيم الصحيح؛ تيسيراً عليكم ورحمةً بكم". [12]
[6] شكر الله - تعالى -:
ورحم الله صاحبَ الظلال حيث قال في تفسير قولِ الله - عز وجل -: (ولتكبِّروا اللهَ على ما هداكم ولعلَّكم تشكرون): "فهذه غايةٌ من غاياتِ الفريضة: أن يشعر الذين آمنوا بقيمة الهدى الذي يسَّره الله لهم، وهم يَجِدُون هذا في أنفسِهم في فترةِ الصومِ أكثرَ من كل فترةٍ! وهم مَكْفُوفُو القلوبِ عن التفكيرِ في المعصية، ومكفُوفُو الجوارحِ عن إتيانِها، وهم شاعِرُون بالهُدى ملموساً محسوساً! ليكبِّروا اللهَ على هذه الهداية، وليشكروه على هذه النعمة، ولتفيء قلوبهم إليه بهذه الطاعة، كما قال في مطلع الحديث عن الصوم: (لعلكم تتقون)؛ وهكذا تبدو مِنَّةُ الله في هذا التكليف الذي يبدو شاقاً على الأبدانِ والنفوس، وتتجلى الغايةُ التربويّةُ منه، والإعدادُ من ورائه للدورِ العظيمِ الذي أُخرِجتْ هذه الأمةُ لتؤدِّيَه أداءً تحرسه التقوى ورقابةُ الله وحساسيةُ الضمير"! [13]
[7] الحياءُ مِن الله - عز وجل -:
والحياءُ من ثمراتِ التفكُّر في نِعَمِ الله - عز وجل - على العبد، والصائمُ كثيرُ التفكُّرِ في ذلك؛ لصفاءِ ذهنِهِ ويقظةِ قلبِه. ورحم الله الإمامَ النوويَّ حيث قال: "قال العلماء: حقيقةُ الحياء خُلُقٌ يبعث على تركِ القبيحِ، ويمنع من التقصيرِ في حقِّ ذَوِي الحقِّ! ورُوِيَ عن أبي القاسم الجُنَيد - رحمه الله - قال: الحياء: رؤية الآلاءِ أي النِّعم ورؤية التقصير؛ فيتولَّدُ بينَهما حالةٌ تُسَمَّى الحياء! "[14]
[8] إحياء الوَرَع:
فالورعُ ثمرةُ الاستقامة واجتنابِ الشبهات، وهذا من أعظمِ الزاد في هذا الشهر الكريم؛ فالورعُ يحملُ صاحبَه على "تزكيةِ نفسِهِ وصَوْنِها وتأهيلِها للوُصُولِ إلى رَبِّها؛ فهو يصونها مما يشينها عنده ويحجبها عنه، ويصون حسناته عما يُسقِطها ويَضَعُها؛ لأنه يسيرُ بها إلى ربِّهِ، ويطلب بها رِضاه، ويصون إيمانَه بربِّهِ: من حُبِّهِ وتوحيدِهِ ومعرفتِهِ به ومراقبتِهِ إياهُ عما يُطفِئ نُورَه ويُذْهِبُ بهجتَهُ ويُوهِنُ قُوَّتَه! "[15]
[9] الزهد:
ولعلَّ طالبَ العلم يُدرِكُ من قولِ اللهِ - عز وجل -: (أياماً معدوداتٍ) الإشارةَ إلى الزهد في الدنيا؛ فإذا كان رمضانُ وهو أشرفُ الأوقات وموسم اليقظة؛ (أياماً معدودات)! فكيف بشهور الغفلات؟! ذلك أنَّ "المراد بالأيام من قوله: (أياماً معدودات) شهر رمضان عند جمهور المفسِّرين؛ وإنما عبَّر عن رمضان بـ(أيام) وهي جمعُ قِلةٍ، ووصف بـ(معدودات) وهي جمع قلة أيضاً؛ تهويناً لأمرِه على المكلَّفين، والمعدودات كنايةٌ عن القلة؛ لأنَّ الشيء القليل يُعَدُّ عدّاً". [16](65/3)
ولا ريبَ أنَّ الزهدَ ينمو في شهرِ الصومِ؛ لأنَّ الزهد في حقيقته كما قال سفيان الثوري: "قِصَرُ الأمل؛ ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباء! "[17] وقد فسّر أحمد الزهد كذلك في بعض ما نُقل عنه بقوله: "الزهد قصر الأمل واليأس مما في أيدي الناس! "[18] وهذا ظاهرٌ في حالِ الصائمين. و رحم الله النوويَّ حيث قال في شرح حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل): "قالوا في شرح هذا الحديث: معناه لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذْها وطناً. ولا تحدّث نفسك بطول البقاء فيها ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلّق بها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله"[19].
فالزهدُ إذنْ من أعظمِ ثمارِ الصومِ؛ لأن الصائمَ يتحرَّر فيه من الشهوات والتعلُّقِ بالدنيا؛ لاسيما والزهدُ لا يختصُّ بالمال، كما قال ابنُ رجب: "قال أبو سليمان الداراني: اختلفوا علينا في الزهدِ بالعراق. فمنهم من قال: الزهدُ في تركِ لقاء الناس، ومنهم مَن قال: في تركِ الشهوات، ومِنهم مَن قال: في تركِ الشبع، وكلامُهم قريبٌ بعضه من بعض. قال: وأنا أذهب إلى أنّ الزهد في تركِ ما يشغلك عن الله - عز وجل -! وهذا الذي قاله أبو سليمان حسنٌ، وهو يجمع معانيَ الزهد وأقسامَه وأنواعَه"[20].
[10] الاستقامة
ولا يخفى أنّ الصوم من أعظمِ أسبابِ الاستقامة؛ لما يتضمّنه من السعي الدائب إلى الطاعات والمراقبة الدائمة من اقترافِ السيِّئات، قال النووي: "قال العلماء: معنى الاستقامة لزوم طاعة الله تعالى". [21] فالصومُ يبعث على يقظة الفِكرةِ وذهابِ الغفلةِ؛ لأنّ العبد يعتريه الضعف في إيمانه والنقص في عمله والفتور في عزمه!
وقد بُشِّر أهل الاستقامة بولاية الله لهم ودفع الخوف والحزن عنهم وسكنى الجنات ونيل ما يريدون من الشهوات، كما قال - عز وجل -: (إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدَّعُون نُزُلاً مِنْ غَفورٍ رحيم). [22]
وقال ابن رجب - رحمه الله -؛ مصداقاً لذلك: "الطبقة الثانية من الصائمين من يصوم في الدنيا عما سوى الله؛ فيحفظ الرأس وما حوى، ويحفظ البطن وما عوى، ويذكر الموت والبلى، ويريد الآخرةَ فيترك زينةَ الدنيا؛ فهذا عيدُ فِطرِهِ يوم لقاء ربِّهِ وفرحِهِ برؤيتِهِ:
أهلُ الخصوصِ من الصُوَّامِ صومُهم *** صونُ اللسانِ من البُهتانِ والكذبِ!
والعارفون وأهلُ الأُنْسِ صومُهُم *** صونُ القلوبِ عن الأغيارِ والحُجُبِ! "[23]
-----
[1] البقرة 183-185.
[2] تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/279. جمعية إحياء التراث الإسلامي. ط5. 1420 هـ.
[3] المطففين 26.
[4] تفسير التحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر بن عاشور 2/156-157. الدار التونسية للنشر.
[5] في ظلال القرآن لسيد قطب 2/168. دار الشروق القاهرة. الطبعة الشرعية الثلاثون. 1422 هـ.(65/4)
[6] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/275-276. مكتبة الغزالي دمشق.
[7] تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/202.
[8] التفسير الكبير للرازي 5/60.
[9] البقرة 185.
[10] زاد المعاد من هدي خيرِ العبادِ لابن القيِّم 2/29. مؤسسة الرسالة بيروت. ط1. 1399 هـ.
[11] المرجع السابق 2/31.
[12] تفسير القرآن العظيم 1/283.
[13] في ظلال القرآن لسيد قطب 2/172.
[14] رياض الصالحين ص 294 295. المكتب الإسلامي بيروت. 1418 هـ.
[15] مدارج السالكين لابن القيم 2/25.
[16] تفسير التحرير والتنوير 2/161.
[17] الرسالة للقشيري ص 115.
[18] جامع العلوم والحكم ص 391.
[19] رياض الصالحين 226.
[20] جامع العلوم والحكم ص 391 392.
[21] رياض الصالحين ص 84.
[22] فصلت 30-32.
[23] لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لابن رجب ص 178. دار ابن حزم بيروت. ط1. 1414 هـ.
http://www.meshkat.net المصدر:(65/5)
سياحتك معنا هذا الصيف
عادل السلهام
ad88ad@gawab.com
في هذه الأيام ما أكثر الدعايات، وما أغزر الإعلانات، فلا تكاد تمر من شارع، أو تقف عند إشارة ضوئية فتقع عينك على لوحات قد لونت وزخرفت وكتبت عليها عبارات ساحرة مع مناظر تشد عقل الناظر إليها فما بين بحار وأنهار وما بين خضرة وأشجار وما بين ظلال ونسائم عطار. يقف الرائي مشدوهاً وهو يقلب نظره في تلك اللوحات يكاد يسيل لعابه لما يرى من تشويق وإثارة في هاتيكم الإعلانات.
ولكن ثمة سؤال واستفسار، ماذا يراد من وراء ذلك كله؟ الجواب السياحة والاستجمام.
نعم إنها دعايات الشركات السياحية، ثلاث أيام بلياليهن في مدينة كذا وكذا، متع نفسك وعائلتك في مدينة كذا وكذا لمدة عشرة أيام.. دلع نفسك وأهلك بصيف.. ليالي حمراء في.. وهلم جرا.. ثم ماذا بعد ذلك.. تجد التنافس فعشر أيام بـ 1500 ريال ثلاث أيام بـ 375 ريال إقامة فندقية مع تجول وسائق خاص لمدة خمس أيام بـ 2750 ريال يا بلاش.. والله أسعار ولا في الخيال.. هذا حال أولئك القوم قصاد السياحة، ومبتغي الاستجمام.. ولكننا هنا لنا شأن آخر..
فالإجازة هي زمن سيبدأ ثم ينقضي، وسرعان ما يدور الزمن دورته ومثلما تكلمت في هذا اليوم سيأتي يوم ونتكلم فيه عن وقت مضى وانقضى (كيف كان انقضائه؟!).. فالله الله! اعرفوا للأوقات شرفها،، واقدروها قدرها: (لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: وعن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه؟ أو كما قال - صلى الله عليه وسلم- .
فيا أخا الإسلام:
الوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
أخي في الله: لقد عرف الصالحون الأولون قيمة الوقت، وقصر العمر، وقلة الزاد، فشمروا عن ساعد الجد، وأعدوا العدة وبذلوا الجهد، فحازوا على الغنيمة وانطبق عليهم قول القائل: " من جد وجد، ومن زرع حصد ".
فهلموا بنا نقلب صفحات الإعلانات ونطالع الدعايات، نعم الدعايات ودعايات السياحة والاستجمام ولكن شتان بين السياحتين وفرق بين الاستجمامين.
سياحتنا التي نقصدها هي موجودة بيننا وتكون قريبة منا ولكن من الذي يسعى إليها ويشارك فيها ويؤكد حجزه بها ولا يكون حجزه انتظار.
هل عرفتم ما هي سياحتنا؟ وأين أماكنها؟ وما هي العروض التي تقدم فيها؟ إنها سياحة في ظلال الرحمن، واستجمام في واحات الإيمان.
أماكنها معروفة مكشوفة ليست دهاليز مظلمة أو قاعات حمراء معتمة، أو حانات مغلقة، ولا بأماكن تدار فيها كؤوس الخمر وتنظر فيها العيون إلى مسرح يعلوه الرقص والطرب، لا والله وحاشاها أن تكون كذلك لأنها أفضل بقاع الأرض وأقدس شيء فيها، إنها بيوت الرحمن.
نعم قد يستغرب سامع وكيف تكون السياحة فيها؟ أقول لا تستعجل، فكثير من بني البشر قد أعد العدة وجهز الحقائب وحزم الأمتعة، ليسافر في القادم من الأيام ويقضي شيئاً من عطلته في تلكم الديار شرقاً وغرباً. وعلى النقيض من ذلك فهناك من حزم أمتعته وشد أربطته وجهز حاله ليسافر في رحاب رحمانية، وينهل قطوفاً إيمانية.. فلله دره.. فقد قرأ إعلانا عن دورة قرآنية مكثفة مدتها شهر تزيد أو تنقص قليلاً.(66/1)
فسارع بحجز مكانه وتأكيد حجزه، وجعل همته: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه ".
والغريب أن بعض أولئك النفر لا يسافر لوحده في تلك الرحلة الرحمانية بل يشد على أيدي إخوانه ويحثهم على ذلك، فينال الأجر مضاعفاً.
فبالله عليكم أي السياحتين خير، ثم ما أن تنقضي مدة الدورة القرآنية إلا وترى الثمار اليانعة قد آتت أكلها وجاء وقت الحصاد فذلك قد حفظ القرآن في شهر، وذلك قد أكمل حفظ ما تبقى من القرآن، وذاك قد بدأ مشوار الحفظ بخمسة أو عشرة أو خمسة عشر جزءاً.
لا إله إلا الله، كم من مشمر سيبدأ بعد أيام رحلته، وكم من غافل سيزيد بعداً عن خالقه، وكلها أيام قلائل وسيجني كل واحد منهم ثمرة عمله وجزاء صنعته.
فهذه واحدة من تلك الرحلات المعلن عنها، فلها ركابها ولها عشاقها، ولها قاصدوها، وكم من المساكين من حرموا أنفسهم في خوض غمار تلكم الرحلة السياحية مع الظلال القرآنية؟ فالموفق من وفقه الله.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته.
وفي ثنايا الإعلانات السياحية ترى العيون إعلانات قد شدت العقل وسلبت اللب؛ لأنها كنز لا يقدر بثمن ولا يساويه كنز واحد من كنوز الدنيا.
إنها الدورات العلمية المكثفة التي لا تزيد مدتها عن أسبوعين أو ثلاثة تقريباً، فيكون فيها طلاب العلم مشغولون بالتحصيل والبحث والتزود من معين الشريعة السمحة جاعلين نصب أعينهم شعار: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ".
فلله درهم يعيشون مع سنة الحبيب - صلى الله عليه وسلم- زمناً يتبينون أحكام هذا الدين فيزدادون بالمعرفة خشوعا وذلاً وانكساراً لله رب العالمين، فيتمنون الدخول في قوله - تعالى -: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} وكم من حائر غافل حضر هذه المجامع العلمية وعاش فيها دهراً يسيراً فتبصر أمور دينه، وتفتحت مدارك نفسه فخشع قلبه وانكسرت نفسه ودمعت عينه على أوقات قضاها في لعب ولهو وخوض بالباطل. وهو الذي كان يظن نفسه أنه يعيش سعادة لا يعيشها غيره، ولكنها سرعان ما تبدلت النظرة وتغيرت الفكرة فليس الخبر كالمعاينة. فأكرم بها وأنعم من سياحة تقود العبد ليفوز برضا الرب.
وما زلنا نقلب النظر في تلك الإعلانات فيلفت الانتباه إعلاناً قد جمع بين زوايا متعددة ومواهب متنوعة.
فتجد المرح والمتعة، وتجد الجد والهمة العالية، وتجد الصحبة الصالحة، وتجد القدوات الحسنة، وغيرها مما لا يحصيه قلم الخطاط لكتابته في الإعلان.
هذه هي المراكز الصيفية (أو ما تسمى بالنوادي الصيفية). إنها أماكن يلتحق بها أصحاب الفئات العمرية الصغيرة ومن يكبرهم بقليل.
وهي منبع خصب لكل فضيلة فالقائمون عليها نخبة من الفضلاء نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحداً. قوم جندوا أنفسهم لتربية جيل صالح يكون منبته نباتاً حسناً.(66/2)
فيعلمونهم ويبصرونهم ويفقهونهم وذلك كله بأسلوب رائد في التعليم فهم جمعوا مع العلم جانب التربية، فيرى الفتى أو الشاب القدوة الحسنة متمثلة في شخص معلمه أو مشرفه فيتعلم منه الأدب والخلق الحسن قبل كل شيء، فلا يسمع الفتى إلا كلاما طيباً ولا يرى إلا فعلاً حسناً، فاسألوا كل من شارك في تلكم المراكز الصيفية ماذا استفاد وماذا انتفع، فبالله عليكم! هل توجد سياحة أو متعة تفوق سياحتنا الإيمانية؟! فاللهم متعنا بالإيمان، وارزقنا الفوز بالجنان، وارحمنا برحمتك يا رحيم يا رحمن.
1/6/2008م
http://www.islamselect.com(66/3)
صناعة السياحة
عبد الرحمن العبود
يراهن الكثيرون في عدم القدرة على صناعة سياحة داخلية في البلاد الإسلامية، وفق ضوابط شرعية تأخذ بمبدأ اللهو المباح المقرر في الشرع وتحيطه بسياج الثقافة الإسلامية التي تحافظ على الهوية الإسلامية، وتمنع من الانزلاق وراء بريق اللهو المفضي إلى نزع القيم والحشمة والعفاف، وجعل السياحة تتأرجح بين أمرين لا ثالث لها، إما سياحة مفتوحة تمارس فيها الأسرة جميع وسائل اللهو دون قيد أو ضابط أو عدم وجود تلك السياحة الناجحة مطلقاً.
هذا الفهم المغلوط عن السياحة ناتج في اعتقادي عن ضعف في التركيبة الذهنية لدى من يمارسه، وضعف في إدراك آلية صناعة السياحة على مستوى العالم العربي والإسلامي، وفق عاداته وثقافته الإسلامية.إننا نرى هنا وهناك في بعض البلاد الإسلامية سياحة ولكنها على طراز يحاكي البلاد الغربية، حتى يُخيّل إليك عند زيارتها أنها بلاد غير إسلامية لعدم وجود أي مظهر من مظاهر الإسلام فيها!!
فهذه البلاد ركزت على نقل عادات البلاد الأجنبية وجميع شؤونهم وحتى بعض طقوسهم الدينية لجذب السياح، وأهملت عاداتها وتقاليدها الإسلامية!! فهل السياحة في البلاد الإسلامية تفتقر إلى إبراز هويتها وثقافتها ونمذجتها في إطار ترفيه يناسب الصغير والكبير والرجل والمرأة والفرد والأسرة؟! إن وجود تقاطعات في المصالح لا سيما الاقتصادية منها وزيادة الدخل الاقتصادي السياحي يشكل عبئاً واختلافاً في الآراء بين المثقفين المحافظين، ومنظري السياحة الذين ينظرون من زاوية اقتصادية واحدة.وبهذا الاختلاف برزت مجموعة من الدول واشتهرت في الترويج للسياحة عبر وسائل غير مباحة جمعت بين (الكأس والمرأة) استقطاباً للسائحين فالغاية لديهم تبرر الوسيلة!! وأمام هذا التوجه تعالت أصوات تنادي بالسياحة الداخلية حفاظاً على الشباب من الوقوع في شراك الرذيلة ومصائدها، ولكن... وأمام هذا العالم الفسيح والبضاعة المزجاة والثقافات المتنوعة، ووسائل الإعلام المؤثرة هل نستطيع صناعة آلية سياحية تلبي حاجات المواطنين، وتستقطب السائحين من البلاد الأخرى؟
في وقت مضى كان الاعتقاد سائداً أن الأجواء الباردة شرط أساس للسياحة، ولكن في وقتنا الحاضر استطاعت كثير من الدول التي عرفت بأجواها الحارة أن تستقطب الأعداد الكبيرة من السائحين بأساليب حديثه مبتكرة، فأنشأت مدناً ترفيهية تحتوي على جميع الوسائل والمعارض والأسواق والمخترعات ومجهزة بالفنادق وأماكن الراحة والاستجمام، كل ذلك أدى إلى استقطاب أعداد كبيرة من مختلف أنحاء العالم.
ومن اللافت للنظر أن فئام من الناس انطبع في أذهانهم أنه لا توجد سياحة إلا بالملاهي الليلية ودور السينما التي تعرض المجون والخنا، واخذوا يراهنون على عدم نجاح السياحة الخالية من تلك الأماكن وهؤلاء هم من راهن في زمن مضى على عدم نجاح البنوك الإسلامية الخالية من الربا والتي أثبتت نجاحها، ونجحت في تقديم صورة مشرقة للعالم عن الاقتصاد الإسلامي.(67/1)
إن مفهوم السياحة في وقتنا الحاضر خرج عن المفهوم الضيق إلى المفهوم الواسع الذي يعتني بنشر الثقافة وهوية البلد وعاداته وتقاليده عبر برامج ترفيهية منتقاة لا تخلو من المتعة والفائدة، وبهذا المفهوم ينبغي أن ندرك أن بلاد الحرمين مؤهلة أن تستقطب الملايين، لا سيما أنها متنوعة التضاريس بين مناطق جبلية وأخرى ساحلية وأخيرة صحراوية، وفي ظل ذلك التنوع لابد أن تتوفر للزوار الخدمات المتكاملة المتطورة بأساليب راقية حديثة توفر للزائر السهولة في التنقل والراحة الاستجمام، مع وجود برامج متطورة تعطي للسائح الخيارات المفتوحة في التنقل وترشده إلى الاستفادة القصوى من سياحته، عبر برامج ومرشدين سياحيين متخصصين. فبلاد الحرمين مأوى أفئدة المسلمين وقلوبهم تهفو إليها؛ فحري أن يجد الزائر نموذجاً للسياحة المتكاملة الهادفة الخالية من المنغصات والمناظر التي تخدش الحياء، والتي غالباً ما ألفها السائح في البلاد الأخرى! وفي ديننا الإسلامي فسحة من الأمر وبديلاً عن ذلك فمن يستقري السنة النبوية يجد النماذج الرائعة العظيمة في تعامله - صلى الله عليه وسلم - ولعبه مع أهله ومع الصغار؛ فالترويح وسيلة إلى تجديد العزم والنشاط والعودة إلى العمل بهمة وعزيمة، وما أسوأ الحياة عندما تتحول إلى صور لا عبرة فيها، وذكريات ومواقف لا تدفع إلى العمل الجاد الدوؤب.
23/6/1427
19/07/2006
http://www.islamtoday.net المصدر:(67/2)
عبر وخواطر حول الإجازة والترفيه والترويح
الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
الخطبة الأولى
أيها المسلمون: إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فبعد تعب وجهد وعناء تميل النفوس إلى التجديد والتنويع، وترنو إلى الترويح واللهو المباح دفعاً للكآبة ورفعاً للسآمة ليعود الطالب بعدها إلى مقاعد الدراسة بهمة وقادة، ويرجع الموظف إلى عمله بعزيمة وثابة ذلك أن القلوب إذا سئمت عميت..والإجازة - يرعاكم الله - تجديد للنشاط وإذكاء للحركة وصفاء للأذهان وترويض للأجسام وتعليل لها حتى لا تصاب بالخمول والركود فيصبح جسماً هامداً وعقلاً غائباً.عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ آخَى النَّبِيُّ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً: فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ سَلْمَانُ قُمِ الْآنَ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: " إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ " فَأَتَى النَّبِيَّ r فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَدَقَ سَلْمَانُ) رواه البخاري.هنا يبين الإسلام عن مراعاةٍ لحاجات الإنسان النفسية ومتطلباته الروحية. الإسلام دين السماحة واليسر يساير فطرة الإنسان وحاجاته، فحين شاهد النبي الحبشة يلعبون قال « لتعلم يهود أن في ديننا فسحة إني أرسلت بحنفية سمحة » رواه أحمد. فبعض الناس لا يرى في الحياة إلا الجد المرهق، والعمل المتواصل، وآخرون يرونها فرصة للمتعة المطلقة والشهوة المتحررة، وتأتي النصوص الشرعية فيصلاً لا يشق له غبار، فيشعر بعدها هؤلاء وهؤلاء أن هذا الدين وسط وأن التوازن في حياة المسلم مطلب قال - تعالى -: (واتبع فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا.. الآية). نعم - يا عباد الله - إنها الموازنة المطلوبة بين سائر الحقوق والواجبات، فها هو الإسلام يراعي الإنسان عقلاً له تفكيره وجسماً له مطالبه ونفساً لها أشواقها.. قال ابن مسعود: (كان النبي يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السامة علينا) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: (كان يتخولنا أن نتحول من حالة إلى حالة) لأن السآمة والملل يفضيان إلى النفور والضجر، يقول علي بن أبي طالب: (إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم)، ويقول أيضاً: (روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلب إذا أكره عمي)، ويقول أبو الدرداء: (إني لا ستجم قلبي باللهو المباح ليكون أقوى لي على الحق)، وقال عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله -: (تحدثوا(68/1)
بكتاب الله وتجالسوا عليه وإذا مللتم فحديث من أحاديث الرجال).. وهذا إمامهم وقدوتهم محمد يقول: (يا حنظلة ساعة وساعة) رواه مسلم، وهذا ربهم وربنا - سبحانه وتعالى - يقول: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة.. الآية)، وبعد قراءة أحوالهم واستقراء سيرهم يحدد لنا سلف الأمة ضوابط اللهو المباح والترويح هاهم يروحون عن أنفسهم فلا يتجاوز أحدهم حدود الشرع المطهر، بعيداً عن المحرمات أو المكروهات، لم يكن ترويحهم هدفاً لذاته بل كان وسيلةً لتجديد الهمة مع تصحيح النية لعمل أفضل وإنتاج أكمل لذا لم يكن ترويحهم لمجرد تزجيه الأوقات وتضييعها وإمضاء الساعات دون مردود يقوي الجسم وينمي العقل. كان الصحابة يروحون عن أنفسهم بالمرح والمِزاح والتسلية ولا يقصرون في شيءٍ من حق الله - تعالى -وإذا جَدَّ الجِدُ كانوا هم الرجال كما ثبت من فعلهم أنهم كانوا يتبارحون - أي يترامون - بالبطيخ فإذا جد الجد كانوا هم الرجال وكما قال الأوزاعي عن بلال بن سعد- يرحمهما الله -: " أدركت أقواماً يشتدون بين الأغراض يضحك بعضهم إلى بعض فإذا كان الليل كانوا رهباناً، وهكذا كانوا- رضي الله عنهم - كما قال ابن تيمية - رحمه الله -: " فرساناً بالنهار رهباناً بالليل" وقال عمر بن الخطاب: " كان القوم يضحكون والإيمان في قلوبهم أرسى من الجبال" ترويحهم وضحكهم وسمرهم وسفرهم وترفيههم لا يضعف إيمانهم ولا يفسد أخلاقهم، لا يتعدى وقتُ الترويح على أوقات الصلاة وذكر الله وصلة الرحم وقراءة القرآن أولئك هم الرجال (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار) كانوا يروحون عن أنفسهم بعيداً عن سهر في ليل طويل، وسمر فارغ هزيل، يخل بحقوق كثيرة ومنها حق الجسم وحق الأهل وفوق ذلك حق الله - تعالى -وتبارك. إذا قرأنا سيرهم وتاريخهم نرى عدم الإفراط في استهلاك المباح لعلمهم بأن المهمة الكبرى للإنسان هي عبادة الله ولأن الوقت ثمين ومن منهج الإسلام عدم الإفراط في كل شيء حتى ولو كان في الصوم والصلاة والجهاد فكيف باللهو والترويح، كل ذلك حتى لا تُضَّيع الحقوق الأخرى وفي هذا يقول لأحد الصحابة رضي: (صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً) رواه البخاري. الصيد - كما تعلمون - مباح في الأصل، وقد يُفرِط فيه البعض فيهدر أوقاته، ويهلك أيامه يتتبعه من مكان إلى مكان مطارداً باحثاً ولاهثاً غافلاً، هنا نهى الإسلام عن هذا الإفراط حفاظاً على وقت المسلم الغالي ليكون في طاعة مديدة ومتوازناً لأداء حقوق كثيرة فقال: (من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل) رواه أحمد هذا فيمن يفرط في اللهو المباح فكيف بمن يفرط ويصرف أوقاته الثمينة وساعات عمره في أنماط ترويحية محرمة ينتهك محارم الله ويتجاوز مناهيه؟ كيف بمن يقدم حضور حفل أو وليمة أو فرح أو مبارة على فريضة من فرائض الله كيف بمن يلهو ويمزح ويضحك ويمرح بالسخرية من(68/2)
أحكام الله أو الاستهزاء بعباد الله يتهكم بأعراضهم ويسخر من أحوالهم.. سهرٌ وعبثٌ ونومٌ عن صلاة الفجر أو الظهر والعصر هكذا يقضي بعضهم الإجازة.. أليس هذا نكراناً لنعم الله وجريمة تنذر بالشؤم وتوجب سخط الإله؟! كان رسول الله يداعب أصحابه حتى تعجب الصحابة من مداعبته لهم وقالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا؟ قال: (إني لا أقول إلا حقاً) رواه الترمذي. عباد الله: الإجازة نعمة وقد تكون نقمة إذا لم تستثمر في ترويح مباح ولهو بريء وعمل مفيد يستغرق الصباح والمساء فإن هذا الفراغ الرهيب يعد مشكلة تقلق كل أب لبيب، وهل فساد الأبناء إلا من الفراغ. لقد هاج الفراغ عليه شغلاً وأسباب البلاء من الفراغ فهو كما قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى -: (إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل) فكم سهرة عابرة أسقطت فتى في أتون المسكرات والمخدرات وجلسةٍ عاصفة وقع البريء فيها في المهلكات. الفراغ جرثومة فساد تنتشر وتستفحل في مجتمعات الشباب فتحطم الجسد وتقتل الروح، الفراغ لص خابث وقاطع عابث وسارق خارب أفسد أناساً ودمر قلوباً وسبب ضياعاً وقد نبه النبي إلى غفلة الكثير عما وهبوا من نعمة الوقت والعافية فقال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفرغ) رواه البخاري من حديث ابن عباس قال ابن بطال: (كثير من الناس) أي أن الذي يوفق لذلك قليل أهـ.
الخطبة الثانية:(68/3)
أخي المسلم: إن الإجازة جزء من عمرك وحياتك ترصد فيها الأعمال وتسجل الأقوال، وأعلم أنك موقوف للحساب بين يدي ذي العزة والجلال، فإن الدنيا دار اختبار وبلاء، قال: " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسال عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ما له من أين اكتسبه وفيما أنفقه ".. واستشعار ذلك عباد الله - يجعل للحياة قيمة أعلى ومعان أسمى من أن يحصر المرء همه في دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها أو منصب يطلبه أو رفاهية ينشدها أو مال يجمعه حتى إذا انتهى راح يطلب المغريات الكاذبة، كلا ليس الأمر كذلك فالله - عز وجل - يقول: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "، ويقول - سبحانه -: " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون".. عباد الله: إن من الأمور التي تساهم وتساعد على استثمار الإجازة: العناية بالقران الكريم والاشتغال به حفظاً وتلاوةً وتعلماً وتعليماً قال: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه ". فيا أخي المسلم إذا أخذت قسطك من النوم والراحة، وتنعمت بأنواع الطعام، وحققت شيئاً من السعادة، فلا تنس غذاء قلبك بقراءة القرآن طلباً للحسنى وزيادة، لا تبخل على كتاب الله بساعة من أربع وعشرين ساعة. - والسفر إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة وزيارة مسجد رسول الله ، قال: (صلاة في مسجدي أفضلُ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجدَ الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضلُ من مائة ألف صلاة فيما سواه) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني. - وكذلك السفر في بر الوالدين وصلة الأرحام وزيارة العلماء والصالحين في الله - تعالى -وعيادة المرضى وإجابة دعوات الأفراح والمناسبات التي ليس فيها منكرات قال: " من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم ". - وكذلك السفر لأجل الدعوة إلى الله على علمٍ وهدىً وبصيرة قال - تعالى -: " ومن أحسن قولاً ممن دعا على الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين " وقال: " فوالله لن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم " - ومن الأمور المعينة على استغلال الإجازة وشغل الفراغ وهذا نوصي به الناس بعامة والشباب بخاصة طلب العلم وتحصيله والسفر لأجله قال: " ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " رواه مسلم. ولقد كان السلف يرحلون في طلب العلم والمعرفة فهذا ابن مسعود يقول: لو أعلم مكان أحد أعلم مني بكتاب الله تناله المطايا لأتيته "، وقال البخاري - رحمه الله تعالى - في صحيحه: " رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد " أهـ. وقال الشعبي - رحمه الله -: لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في سبيل كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعاً " أهـ. - ويحمد لهذه البلاد المباركة المعطاءة ما وفرته من محاضن تربوية وبرامج نافعة للشباب المسلم من حلق ومدارس لتحفيظ القران الكريم وهاهي المراكز والنوادي الصيفية تأتي لتحفظ فلذات الأكباد من الضياع ولتملأ الفراغ وتحرك الطاقات وتستثمر القدرات... ألخ فهي فرصة لإلحاق البناء والشباب بها. - ومن البدائل المتاحة والمتيسرة بحمد لله(68/4)
السياحة النقية والنزهة البريئة إلى ربوع البلاد الإسلامية المحافظة التي تنعي أبناءها الذين هجروها، ويمكن للسلم أن يجمع بين الراحة والعبادة فيزور مكة ويذهب للطائف ومن ثم إلى جدة. ختاماً نريدها إجازة في طاعة الله ليس فيها امرأة تتبرج، أو شهوة تتهيج أو نزعة إلى الشر تتأجج.. إجازة على ما يرضي الله لا على ما يسخطه.. إجازة تبني الجسم وتغذي العقل وتروح عن النفس.. والله من وراء القصد. اللهم أصلح الراعي والرعية والأمة الإسلامية، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور واعصمنا من الفتن والشرور وانصر عبادك المجاهدين في الثغور يا عزيز يا غفور، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المجاهدين الموحدين..
13/5/1427هـ
http://www.islamselect.com المصدر:(68/5)
فاحشة الزنا الأسباب والوقاية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد :
فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة .
عباد الله.. جاء الإسلام حريصاً بتشريعاته على سمو الأنفس وطهارتها ، ناهياً عن مواطن الريب، وأماكن الشبهة ، فبين الحلال وشرّف صاحبه ، ونهى عن الحرام ووضع الحدود الزاجرة له ، { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ } .
أجل لقد قضت سنة الله أن الأمم لا تفنى وأن القوى لا تضعف ولا تبلى إلا حين تسقط الهمم وتستسلم الشعوب لشهواتها ، فتتحول أهدافها من مثل عليا وغاية نبيلة إلى شهوات دنيئة متدنية فتصبح سوقاً رائجا للرذائل ، ومناخاً لعبث العابثين، فلا ثلبت أن تدركها السنة الإلهية بالهلاك والتدمير {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }.
أي مسلم يرضى أن يخدع في أهله وأي عاقل يرضى أن يكون سبباً في اختلاط الأنساب من حوله وأي مؤمن يرضى بالخيانة والخديعة والعدوان ، كل ذلك لا يرضاه المؤمن لنفسه كذلك أيضاً لا يرضاه لغيره وفي حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) .
لقد ربط الله السعادة وعلق الفلاح بخصال حميدة منها حفظ الفروج فكان فيما أنزل الله عزوجل :{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} تدل الآية على أن من قارف الزنا وتجاوز الحلال إلى الحرام فاته الفلاح ووقع في اللوم واتصف بالعدوان.
عباد الله.. وهذه الفاحشة - أعني فاحشة الزنا – لها أسباب وأبواب فمن أسبابها :
السفر إلى خارج البلاد وخصوصاً في أوقات الإجازات كمثل وقتنا هذا ، فمع وفرة المال في أيدي كثير من الناس تطلعوا إلى الخروج خارج البلاد لغرض النزهة والسياحة ، خرجوا إلى بلاد يسهل فيها الوقوع في هذا الذنب العظيم بل ينظم لذلك .
والواجب على المسلم أن يبتعد عن أسباب الفتنة ومواطن الريب، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال:( من سمع بالدجال فلينأ عنه ) أي فليبتعد عنه .
فالذهاب إلى تلكم المواطن والتي تكون سبباً للوقوع في هذا الذنب محرم ولا يجوز ،وعلى المسلم أن يصون دينه وخلقه .(69/1)
ومن أسباب الوقوع في هذه الفاحشة مشاهدة صور النساء ،وما ترك النبي صلى الله عليه وسلم أضر على الرجال فتنة من النساء ، وقد كثر في وقتنا الحاضر إطلاق البصر ومشاهدة الصور عن طريق الشاشات والمجلات .
ومن ذلك ما يوجد عند كثير من الناس من الاحتفاظ ببعض صور النساء في هاتفه النقال أو يحتفظ ببعض مقاطع الأفلام التي ترد عليه.
فالاحتفاظ بمثل هذه الصور أو بمثل هذه المقاطع أو استقبالها أو إرسالها أو تبادلها كل ذلك محرم ولا يجوز ومن الإعانة على الإثم والباطل ، قال الله عزوجل :{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
ومن الأسباب أيضاً اختلاط المرأة بالرجل في أماكن العمل فهذا من أعظم أسباب الفتنة والوقوع في الفاحشة، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( إياكم والدخول على النساء) فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مجرد الدخول على النساء ،فكيف بالجلوس مع المرأة على مائدة واحدة والعمل معها وتبادل الكلام !كل ذلك لاشك فيه و لاريب من أعظم أسباب الوقوع في هذا الذنب العظيم.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير صفوف الرجال أولها ، وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) وإنما كان صف المرأة الأخير خيراً لكونه أبعد من الاختلاط بالرجال ،وكذلك أيضاً كان صف الرجال الأخير فيه شر لكونه أقرب إلى النساء .
عباد الله.. ومن الأسباب أيضاً ما حرمه الشارع مما يكون وسيلة للوقوع في هذا الذنب العظيم فمن ذلك مصافحة المرأة فإن هذا محرم ولا يجوز ولو كان من وراء حائل.
ومن ذلك سفر المرأة بلا محرم ،ومن ذلك استماع الغناء ، ومن ذلك أيضاً ما يوجد من بعض الرجال والنساء من المعاكسات الهاتفية ، وتصيّد حرمات المسلمين ،وانتهاكها عن طريق هذه الهواتف ،فإن هذا محرم ولا يجوز .
فليتق الله المسلم في إخوانه المسلمين وفي حرماتهم .
عباد الله.. ومما يقي من هذا الذنب العظيم تجنب هذه الأسباب التي أشرنا إليها ومن ذلك أيضاً قوة الإيمان بالله عزوجل وذلك يكون بالجهاد والنية والصبر والتضحية وضبط زمام النفس ،والتعالي عن هذه الشهوات المحرمة .
والإيمان بإذن الله حرس للمؤمن عن الوقوع في المحرمات وهو درع يحمي صاحبه من المهلكات لكن الزنا يخرم هذا الحزام من الأمان ويدك هذا الحصن الحصين إلا أن يتوب المسلم إلى ربه وفي الحديث:( إن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء فإذا ازنى العبد نزع منه سربال الإيمان فإن تاب رد عليه) .
ولا يجتمع الإيمان مع الزنا وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فقالت عائشة حينما أوردت هذا الحديث : فإياكم وإياكم .
وفي الحديث أيضاً :( إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان كان عليه كالظلة فإذا انقلع رجع إليه الإيمان).(69/2)
عباد الله..إياكم وهذا الذنب العظيم فكم أذل من عزيز وأفقر من غني وأمرض من صحيح وحط من شرف ومروءة ، عاره يهدم البيوت ويطأطئ على الرؤوس ،يسوّد الوجوه البيضاء، ويخرس ألسنة البلغاء ، ينزع ثوب الجاه عمن قارفه ، يشين أفراد الأسرة كلها ،إنه العار الذي يطول حتى تتناقله الأجيال.
بانتشاره تضمر أبواب الحلال ويكثر اللقطاء ، وتنشأ طبقات بلا هوية ،طبقات شاذة قد تحمل على المجتمع بذور الشر ، حينما يعم يتعرض المجتمع للسقوط .
ليفكر من لم يتب قليلاً ، ليفكر في الصدور قبل الورود ، ليحسب لمستقبل الأيام ،وعواد الزمان قبل الوقوع في هذا الذنب ليخش خيانة الغير بحارمه .
اتقوا الله عباد الله في أنفسكم و محارمكم، اللهم احفظ علينا أسماعنا واحفظ علينا فروجنا يا ذا الجلال والإكرام ،أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والعاقبة للمتقين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .
عباد الله ..ومما يقي من هذا الذنب العظيم أن يتذكر المسلم رقابة الله عزوجل عليه وليكن مثل يوسف عليه السلام حين قال : { إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }.
ومما يقي منه أيضاً: أن يتذكر المسلم أن البعد عن هذا الذنب يرتب عليه فضل عظيم وأجر كبير فمما جاء في ذلك أن أسباب ظل الله للعبد يوم لا ظل إلا ظله البعد عن هذه الفاحشة ففي حديث أبي هريرة في الصحيحن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم : ورجل دعته ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله).
ومما يقي ويردع أن يتذكر ما يترتب على هذا الذنب من الأمراض المدمرة والأوباء القاتلة كمرض الإيذز : فالزنا من أعظم أسبابه وقد ذكرت موسوعة (ويكييديا) أنه قتل أكثر من خمسة وعشرين مليوناً ممن قارف هذه الفاحشة .
فضحايا هذا المرض الذي يسببه هذا الذنب أكثر من ضحايا الحروب والكوراث ، وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم :(يامعشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن وذكر منها : ولم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم ).
وها نحن اليوم نشهد نبوة النبي صلى الله عليه وسلم في المجتمعات التي تساهلت في هذا الذنب العظيم .
عباد الله .. ومما يقي أيضاً أن يتذكر المسلم أن البعد عن هذا الذنب سبب لتفريج الكربات كما في قصة الذين انطبق عليهم الغار فاستصرخ كل منهم ربه بعمل عمله وكان من أعمال أحدهم أنه راود يوماً امرأة في الحرام - وهي ابنة عمه - فلما وقع منها موقع الرجل من امرأته قالت له : يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فخاف الله وأقلع عنها وكان هذا العمل سبباً لرفع جزء من الصخرة عنهم .(69/3)
وكذلك يفرج الله عن عباده العارفين به حال الضراء إذا مسهم الضر وأصابهم البلاء .
عباد الله ..ومما يقي منه الزواج المشروع ، فعلينا أن نبادر بتزويج الشباب والشابات ولا نؤخر ذلك ، وإنك مما تأسف له أن تجد أن كثيراً من الشباب والشابات يؤخر زواجهم بغير حق ، يجب على الأب أن يزوج ابنه فإن هذا من النفقة الواجبة ،وعلينا أن نسهل أمور الزواج وأن نضع من تكاليفه فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
عباد الله.. ونحن في أول أيام إجازة الطلاب ، حافظوا على أوقات فراغكم وفراغ أولادكم، واجعلوا من وقتكم ما تستعينون به على طاعة أمر ربكم من اللهو المباح ، وما يقربكم من الله عزوجل من الطاعات المشروعة وتربية النفس وأخذها إلى معالي الأمور .
وتذكروا أنكم مسئولون عن وقتكم فهو عمركم ،واقتدوا بنبيكم وسلفكم الصالح ،واحذروا من تضييع الأوقات بالسهر المحرم عند الشاشات والقنوات والجلسات المحرمة التي يتخللها اللعب الباطل وشرب الدخان والشيش وتضييع الواجبات: من فرائض الله عزوجل وحقوق الآدميين.
أيها الشباب ... وأنتم في أول الإجازة سارعوا إلى مجالس الذكر وحلقات العلم فهي عنوان المجد ودليل الفلاح.
اللهم قنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عما سواك ، اللهم احفظ علينا أسماعنا وأبصارنا وفروجنا .
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين ،واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام مضطجعين يا ذا الجلال والإكرام.(69/4)
فاحشة الزنا
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، القوي الجبار ، شديد العقاب ، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب الأرباب ، ومسبب الأسباب ، وقاهر الصلاب ، وخالق خلقه من تراب ، قاصم الجبابرة ، وقاهر الفراعنة ، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعباد ، ليبين لهم الحلال والحرام ، وليحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه . . . أما بعد :
قلا شك أن الله تعالى خلق الخلق لعبادته سبحانه ، ولا يمكن ذلك إلا باتباع أوامره تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، واجتناب النواهي ، والبعد عن المحرمات ، والحذر من الكبائر ، فكل ذلك من السبل الموصلة إلى رضوان الله عز وجل ومن ثم يقر العبد بمغفرة ربه له ورحمته إياه ، ثم ينال بعد ذلك ما كان يصبو إليه العبد من دخول الجنة والنجاة من النار ، فمن أراد الجنة والفوز بها فطريقها واضح معلوم ، وكذلك النار والنجاة منها أيضاً واصح معلوم ، لا يغفل عنهما إلا حيوان لا عقل له أو من تشبه به من بني البشر ، فالله تعالى بحكمته البالغة ، وعلمه الذي وسع كل شيء بين للناس طريقي الخير والشر ، فقال تعالى : { إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً } ( الإنسان 3 ) ، وقال عز وجل : { إنا هديناه النجدين } ( البلد ) ، فيجب على العبد وجوباً أن يحكم عقله ويعمل رأيه في ذلك لاختيار الطريق الذي يوصله إلى مرضاة ربه وبالتالي إلى جنة عرضها السموات والأرض . ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر بكلام واضح لا يحتاج معه المرء إلى تفسير أو توضيح وذلك في بيان طريقي الخير والشر وأن الجنة والنار قد حفت كل منهما بما يناسبها وبما يدعو العبد للعمل به ليدخل الجنة وبما يحذر منه فيجتنب النار فقال عليه الصلاة والسلام : [ حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ] ( انظر صحيح الجامع 3147 ) ، فمن هذا المنطلق وجب على العبد أن يسعى في هذه الدنيا جاهداً كادحاً لإرضاء ربه ونبذ ما سواه من الشهوات والكبائر ، فاتباع الهوى سبب لوقوع العبد في المعصية وقد يزين له الشيطان هذه المعصية فيألفها العبد فيتخبط في المعاصي ويرتكب الكبائر غير مراع لما قد يحصل له من سوء الخاتمة عند إصراره على المعصية ، قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً } ( مريم 59 ) . قال ابن حجر الهيتمي : [ اعلم أن جماعة من الأئمة أنكروا أن في الذنوب صغيرة ، وقالوا بل سائر المعاصي كبائر . . . وإنما يقال لبعضها : صغيرة وكبيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها ، وقال جمهور العلماء : أ، المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر ، ولا خلاف بين الفريقين في المعنى ، وإنما الأولون فروا من هذه التسمية وكرهوا تسمية معصية الله صغيرة ] انتهى .(70/1)
وقال الذهبي : الكبيرة : ما نهى الله ورسوله عنه في الكتاب والسنة والأثر عن السلف الصالحين وقد ضمن اله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر والمحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات لقوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً } ( النساء31 ) ، وقال تعالى : { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة } ( النجم32 ) ] انتهى .
فالذي دعاني للكتابة في هذا الموضوع الهام والخطير جداً ما يراه كل منصف ، وطالب للحق ، من اقتراف كثير من المسلمين لكبيرتين هما من أكبر الكبائر والعياذ بالله ، وذلك جهلاً منهم ، بل عناداً منهم ، وعدم تقبل لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، فاندفع أولئك الناس كالذئاب البرية المتوحشة ، يفتك بعضهم ببعض من أجل إشباع غريزة ما تلبث أن تُنسى لذتها وتَبقى تبعتها ، ويُقاسى عذابها عاجلاً أو آجلاً ، فلقد تهافت بعض ضعاف العقول والنفوس ، وقليلي الدين ، وقاصري التفكير على هاتين الفاحشتين العظيمتين : فاحشة الزنا وفاحشة اللواط ، أعاذ الله المسلمين من شرهما وعاقبتهما .
وخوفاً على مرتكبيها وشفقة بهم أن يصيبهم الله بعذاب من عنده أو بأيديهم فيصبحوا على ما فعلوا بأنفسهم نادمين ، وأيضاً من واجب النصح والتناصح بين المسلمين ، وحق الأخوة بين المؤمنين ، بسبب ذلك أردت أن أذكر وأنصح إخواني المسلمين ممن استزلهم الشيطان وأوقعهم في حبائله ، وأوردهم شباكه ، أن أنصحهم وأعظهم محذراً من شرور تلك الفاحشتين وأليم عقابهما ، وآمراً لهم بالمعروف ، وناهياً لهم عن المنكر ، ومتعاوناً وإياهم على البر والتقوى ، ومبتعداً وإياهم عن الإثم والعدوان .
فأسأل الله جلت قدرته أن يكتب لي التوفيق والسداد والعون والإعانة ، وأن يجعل التوفيق حليفي ، وأن ييسر لي أمري ويحلل عقدة من لساني ويسدد قلمي ورأي وخواطري نحو هذا الموضوع ، كما أسأله سبحانه أن يهيئ له قلوباً صاغية وعقولاً واعية ونفوساً مطمئنة إنه نعم المولى ونعم النصير ، وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل ، وحان أوان الشروع في المقصود .
فأقول وبالله التوفيق :
فاحشة الزنا
إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وأوجدهم لغاية سامية ، واستخلفهم في الأرض لأمر عظيم ألا وهو عبادته وحده سبحانه دون سواه ، وأن يُطاع أبداً ، ولا يُعصى أبداً ، ولهذا قال تعالى : [ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ] ( الذاريات 56 ) ، ولقد فرط كثير من المسلمين بأوامر الله عزوجل ، وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم ، بل وارتكبوا مانهوا عنه فاستحلوا ما حرم الله عليهم من المعاصي والفواحش بلا خوف ولا حياء حتى غطى الران قلوبهم واستحقوا غضب الله ومقته .(70/2)
ولقد قرن الله سبحانه وتعالى الشرك والزنا واللواط بالنجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذنوب ، وإن كانت جميع الذنوب تشتمل على ذلك ، لكن الله عزوجل خص هذه الذنوب الثلاثة لغلظها وقباحة فاعلها ومرتكبها عند الله تعالى وشناعة وبشاعة فعلها ، واستقذار ممارسيها عند الله تعالى ، وعند عباده ، لما فيها من تعد لحدود الله ، وعدم مبالاة بأوامره سبحانه وأوامر نبيه عليه الصلاة والسلام ، فقال تعالى : { ياأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس } ( التوبة 28 ) ، وقال في حق اللواط : { ولوطاً أتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين } ( الأنبياء 74 ) ، وأما الزناة فجاء وصفهم صريحاً فقال تعالى : { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات } ( النور26 ) .
قال بن القيم رحمه الله تعالى : [ والمقصود بيان ما في الزنا واللواطة من نجاسة وخبث أكثر وأغلظ من سائر الذنوب ما دون الشرك ، وذلك لأنها تفسد القلب وتضعف توحيده جداً ، ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركاً ، فكلما كان الشرك في العبد أغلب كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر ، وكلما كان العبد أعظم إخلاصاً كان منها أبعد ، فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين ] .
وقال بن حجر رحمه الله : [ لقد عد العلماء الزنا من الكبائر ، وبعض الزنا أغلظ من بعض ، فالزنا بحليلة الجار ، أو بذات الرحم ، أو بأجنبية في شهر رمضان ، أو البلد الحرام ، فاحشة مشينة ] .
ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم كل الأسباب المؤدية إلى الزنا ، وجميع الدوافع الدافعة إليه ، فقال صلى الله عليه وسلم : [ أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ] ( النسائي وغيره ) ، وحذر نبي الأمة والرحمة من الدخول على النساء أو الاختلاط لأن ذلك مما قد يدفع ضعاف النفوس إلى ممارسة هذه الفاحشة العظيمة المشينة المحرمة ، فقال : [ إياكم والدخول على النساء ] ، فذكر له رجل ، فقال : أرأيت الحمو يارسول الله ، فقال : [ الحمو الموت ] ، أو كما جاء في الحديث ، فإذا كان هذا مع أخ الزوج ، فما بالنا بمن يتركون الرجال الأجانب يدخلون على نساءهم ومحارمهم دون أن يحرك ذلك ساكناً فيهم من شعور بالغيرة على أعراضهم ومحارمهم ، مدعين بذلك العفة لدى الجنسين ، وأقول : والله إنه ضعف في الدين ، وقلة حيلة لدى أولئك المساكين .(70/3)
ولهذا قال تعالى محذراً من الدخول على النساء : { وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب } ثم ذكر المولى جل وعلا الحكمة البالغة من ذلك فقال : { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } ( الأحزاب 53 ) ، وحرم الإسلام على المرأة أن تخرج أمام الرجال الأجانب وهي متخذة زينتها لما في ذلك من جنوح إلى الذنب والمعصية ، وإقبال على الفاحشة والرذيلة ، واستمالة ضعاف النفوس والإيمان والتقوى للإنجراف في بحر الفاحشة ، والوقوع في براثن الزانيات العاهرات الداعيات إلى البعد عن عالم الخفيات فاطر الأرض والسموات ، فقال تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آباءهن أو أباء بعولتهن أو أبناءهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نساءهن أو ماملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورا النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } ( النور31 ) ، ثم أمر المولى جلت قدرته عباده الذين لا ستطيعون النكاح ولا يجدون له طريقاً ومسلكاً ، أمرهم بالعفة إلى أن يكتب الله لهم ذلك ، فقال تعالى : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله } ( النور 33 ) .
وحذر الله تعالى عباده من كل ما من شأنه أن يكون ذريعة إلى فعل فاحشة الزنا ، من الستر وعدم الاختلاط بين الرجال والنساء ، وعدم التكسر في كلام النساء مع الرجال ، وعدم خروج المرأة من بيتها بغير محرم لأن ذلك يفضي إلى عواقب وخيمة ، فيه فساد هذه الأمة ، وجاء الخطاب صريحاً لأمهات المؤمنين ، وقصد به نساء الأمة أجمعين ، فقال تعالى : { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } ( الأحزاب 32/33 ) .(70/4)
ومع ذلك كله فقد استهان كثير من الناس اليوم بكثير من المحرمات حتى أصبحت لديهم كأنها من المأمورات ، فاختلط الحلال بالحرام عند تلك الفئة من الناس ، فأضحوا لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ، ومن هذه الفواحش التي لعب الشيطان بعقول مرتكبيها فاحشة ( الزنا ) ، وسوف نتطرق إلى هذا الموضوع الهام والفاحشة العظيمة التي حرمها الإسلام ، ويمقتها أصحاب العقول والإلمام ، ويأباها صاحب الدين والخلق ، بل ترفضها البهائم العجماوات ، ولا تقبلها على ما فيها من فقد للعقول والأفهام ، قال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق . . . } ( الأعراف 33 ) ، وقال تعالى : { ولا تقربوا الفواحش ماظهر منها وما بطن } ( الأنعام 151 ) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل ، من أجل ذلك مدح نفسه ، وليس أحد أغير من الله عز وجل ، من أجل ذلك حرم الفواحش ، وليس أحد أحب إليه العذر من الله عز وجل ، من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل ] ( مسلم ) .
ومن هذه الفواحش الزنا ، والزنا من أبشع الفواحش التي حرمها الله جل وعلا وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأجمعت الأمة قاطبة على تحريمه ، وهو من أقبح المعاصي والذنوب على الإطلاق ، ومن أعظم الجرائم ومن كبائر الذنوب والمعاصي ، لما فيه من اختلاط الأنساب الذي يبطل بسببه التعارف والتآلف والتعاون على الحق وفيه هلاك الحرث والنسل ، لأنه اشتمل على هذه الآثار القبيحة ، والنتائج السيئة ، ورتب الله عليه حداً صارماً وقاسياً ، وهو رجم الزاني بالحجارة حتى الموت إن كان متزوجاً ، والجلد والتغريب إن لم يكن متزوجاً ، ليحصل بذلك الارتداع والابتعاد عن هذه الفاحشة القبيحة ، والزنا من أكبر الكبائر بعد الكفر والشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، قال صلى الله عليه وسلم : [ اجتنبوا الكبائر وسددوا وأبشروا ] ( أحمد في صحيح الجامع برقم 146 ) .
وهو محرم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة الذي نقله كثير من أهل العلم ، قال تعالى : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } ( الإسراء 32 ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ إذا زنى العبد خرج منه الإيمان وكان كالظلة ، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان ] ( قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ) .(70/5)
فجاء التحريم مواكباً لما تقتضيه الطبيعة البشرية ، ولما يسببه الزنا من أضرار وأمراض بالغة ، سواءً العضوية أو النفسية أو الاجتماعية ، فالزنا يسبب أمراضاً خطيرة وفتاكة بالجسم ، ويؤدي إلى اضطراب المجتمعات ، وتفكك الأسر ، ولا أدل على ذلك من التفكك والضياع الذي تعيشه معظم الأسر الغربية وانحلال الحياء بسبب اقتراف فاحشة الزنا ، فمجتمع لا هم له إلا إشباع شهواته الغريزية ، ولذاته الجنسية ، ذاك مجتمع فاشل هابط ساقط ، ولا يأمن بعضه بعضاً لاستفحال هذه الفاحشة فيهم . فهم معرضون لشديد عقاب الله وأليم عذابه .(70/6)
فعند إقدام الزاني على الزنا وعند قيامه به في هذه الحالة قد ارتفع الإيمان فوق رأسه فهو بلا إيمان ، ففي هذه الحالة انتفى الإيمان من قلبه وجوارحه حتى يترك هذه المعصية ـ عياذا بالله من ذلك ـ فكيف إذا جاء ملك الموت لتنفيذ أمر الله وقبض الأرواح ، والزناة والزواني في هذه الحالة التي تغضب جبار السموات والأرض ، كيف سيكون المصير ؟ كيف وقد خرج الإيمان وجاء الموت ؟ على أي حال كان هذا الزاني وهذه الزانية ؟ إنهما كانا على حال تُغضب الله العزيز الجبار شديد العقاب ، فالله يمهل للظالم ولا يهمله ، وإذا أخذه لم يُفلته ، بل يأخذه أخذ عزيز مقتدر ، قال صلى الله عليه وسلم : [ إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } ( هود102 ) ، فهل هناك أقبح من أن يأتي رجل امرأة لا تحل له ؟ وهل هناك أفظع من أن يضع رجل نطفته في فرج حرام لا يحل له ؟ فكيف إذا داهم ملك الموت هؤلاء الزناة ؟ كيف سيكون الخلاص ؟ وأين المهرب والملتجأ ؟ وأين الناصرون ؟ وأين المنقذون ؟ وأين الآمرون بالزنا ؟ وأين شيطانهم الذي دفعهم لارتكاب تلك الفاحشة الشنيعة ؟ إن الشيطان الذي زين لهم القيام بالزنا وهون أمره في قلوبهم سيتخلى عنهم في ذلك الموقف العصيب الرهيب ، ومن ينفع إذا جاء الموت ، وغرغرت الروح وبلغت الحلقوم ، والله لن ينفع العاصي في تلك اللحظة أحد من الخلق أجمعين ـ فنسأل الله أن يحسن خاتمتنا ـ ويرد عليهم الشيطان في قول الله تعالى : { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لاغالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى مالا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب } ( الأنفال 48 ) ، ويقول جل وعلا : { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم } ( إبراهيم 22 ) ، ماذا سيقول الزناة لهادم اللذات ؟ ومفرق الجماعات ؟ ماذا سيقولون لملك الموت ؟ أيقولون أمهلنا حتى نتوب إلى الله ، أم يقولون انظرنا حتى نعاهد الله ألا نعود لمثل ذلك ؟ يقول الله جل شأنه في أمثال أولئك : { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون } ( المؤمنون 100 ) ، أتدري ما البرزخ ؟ إنه حياة القبر وما أعده الله للزناة والزواني فيه من ألوان العذاب التي لا يعلمها إلا هو سبحانه ، يقول تعالى : { وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لايفرطون * ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين } ( الأنعام 61/62 ) ، وقال تقدس في علاه : { قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال أخسئوا فيها ولا تكلمون } ( المؤمنون 106/107(70/7)
) . إن هناك من العذاب مالا تطيقة الجبال الراسيات ، فضلاً عن أن يطيقه إنسان اكتسى لحماً وعظماً ، أما كان لهؤلاء أن يصبروا على طاعة الله ، ويصبروا عن معاص الله ، ويعلموا أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، وقد أمروا بترك الزنا والابتعاد عنه وأوجد لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام طريقاً ومسلكاً يتبعه من لايستطيع الباءة والقدرة على الزواج من البنين والبنات ، فبين نبي الرحمة والهدى معالم الدين الحنيف لكافة الأمة ، كيف لا ؟ وقد قال الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } ( التوبة 128 ) ، فهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يبين الطريق الأمثل لمن لم يستطع الزواج والقدرة عليه بقوله عليه الصلاة والسلام : [ يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء ] ( البخاري ) ، ثم ماذا بعد الموت ؟ أين مصير الزناة والزواني ؟ يقول تعالى :{ ومن وراءهم برزخُ إلى يوم يبعثون } ( المؤمنون 100 ) ، البرزخ كما قلنا هو حياة القبر ، فماذا سيكون مصيرهم هناك ، إنه تنور ( فرن ) أسفله واسع وأعلاه ضيق يوضع فيه الزناة والزواني ويأتيهم العذاب والنار من تحتهم وهم يصرخون ويصيحون ، فمن ينصرهم في ذلك الموقف العسير ؟ فلا إله إلا الله ، ولاحول ولاقوة إلا بالله . اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة
ثم كيف بالزناة والزواني يخشون الناس ولايخشون الله ، ويستحيون من الناس ولايستحيون من الله ، ويستخفون من الناس ولايستخفون من الله . فتراهم يهربون إلى أماكن بعيدة حتى لا يراهم أحد من الناس ، ونسوا بل تناسوا أن الله يراهم وينظر إليهم في تلك اللحظات المشينة ، قال تعالى : { يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً } ( النساء 108 ) ، وقال تعالى : { أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين } ( التوبة 13 ) .(70/8)
ولكنه اتباع الهوى والشهوات ، والبعد عن خالق الأرض والسموات ، قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً } ( مريم 59 ) ، وغي هذا هو واد في جهنم بعيد قعره ، فيه من ألوان العذاب مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، نسي أولئك أنهم سيعودون إلى الله سبحانه وتعالى فيجازيهم بأعمالهم ، قال المولى جل وعلا : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون } ( المؤمنون 115 ) ، وأنه سيذكرهم ويقررهم بما عملوا ، فإن نسوا هم فإن الله لاينسى ، قال تعالى :{ في كتاب لايضل ربي ولا ينسى } ( طه52 ) ، نسوا أن الله سيسجل عليهم ذلك ويجدونه في صحائف أعمالهم ، وقال تعالى :{ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً } ( الكهف49 ) ، وقال تعالى :{ يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شئ شهيد } ( المجادلة6 ) .(70/9)
والآيات الدالة على البعث والحساب كثيرة وأن هؤلاء العصاة والبغاة سيعودون إلى الله ويحاسبون على أعمالهم الشنيعة التي أغضبت المولى جل وعلا ، وسيحاسبون على أفعالهم القبيحة التي لا يرضى عنها حتى من لا يؤمن بالله ، فالطباع السليمة لا ترضى مثل هذه الفاحشة التي توجب غضب الله وعقابه وسخطه ومقته ، وعندما بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء على ألا يشركن بالله شيئاً ولايسرقن ولا يزنين ، قالت هند بنت عتبة : أوَ تزني الحُرة ؟ ما كان نساء الصحابة رضوان الله عليهن يصدقن أن الحرة تزني ، ما كن يعرفن الزنا ، لأنه لم يكن موجوداً عند أهل الإيمان والتقوى ، فصاحب الزنا يشعر بأنه من أفسق الناس ومن أفجرهم ومن أجرم الناس على الإطلاق ، فهو أيضاً يُحس بوحشة وضيق في صدره من شناعة الجُرم والفاحشة التي قام بها فيتمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعه من قُبح ما فعل ، فإذا فعل فعلته التي فعل ، وانتهى من جرمه الذي عمل ، ضاق صدره وتألم قلبه لسوء فعلته ، وخساسة عمله فيُحس بقذارة ما فعل من فاحشة ( الزنا ) ويتمنى لو أنه لم يفعلها فيريد التوبة والعودة والإنابة إلى الله سبحانه ، والإقلاع عن تلك المعصية ، ولكن يأتيه الشيطان فيهون عليه تلك المعاصي والآثام ، ويُطمئِنُ قلبه بفعل تلك الذنوب العظام ، والكبائر الجسام ، والموبقات المهلكات ، فيهلكه بفعلها ويغرقه في لجج المعاصي والآثام فيقع فريسة سهلة للشيطان ، فتضيق عليه معيشته ويصبح كثير الشكوك وافر الظنون ، لأنه يخاف أن يفعل الناس بأهله الفاحشة كما يفعلها هو بمحارم الناس ( فكما تدين تدان ) ، قال صلى الله عليه وسلم : [ من وقاه الله شر ما بين لحييه ، وشر ما بين رجليه دخل الجنة ] ( السلسلة الصحيحة برقم 509 ) فصاحب الزنا يعيش بصير العين أعمى القلب ، ومن عمي قلبه فحياته فيها من التعاسة الشيء الكثير ، فهو خائف وقلق وفزع من هول تلك المعصية فيخاف من العقوبة في الدنيا ، أما الآخرة فقد نسيها ونسي الخالق سبحانه فالله سوف ينساه لأنه ماعرف لله حقاً ، وما ترك لله حداً ، فالجزاء من جنس العمل .
قال تعالى : { نسوا الله فنسيهم } ( التوبة 67 ) ، وقال تعالى : { استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون } ( المجادلة 19 ) .
أدلة تحريم الزنا :
أولاً : من الكتاب :(70/10)
قال تعالى : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } ( الإسراء32 ) ، وقال تعالى :{ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مُهاناً } ( الفرقان68/69 ) ، وقال تعالى :{ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولاتأخذ كم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ( النور2 ) ، ومما أنزله الله تعالى ثم نُسخ لفظاَ وبقي حُكماَ قوله تعالى :{ والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم } ورد ذلك في الحديث المتفق عليه ، ومعنى الشيخ والشيخة أي (الثيب والثيبة) ، وقال تعالى :{ الزاني لاينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لاينكحها إلا زان أو مشرك وحُرم ذلك على المؤمنين } ( النور3 ) ، وقال الإمام الفخر الرازي من أحسن ما قيل في تفسير هذه الآية أن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا والفسق لايرغب في الزواج منه النساء الصوالح ، ولا يرغب هو في ذلك ، وإنما يرغب في نكاح فاسقة مثله أو في مشركة ، والفاسقة الخبيثة لايرغب في نكاحها الرجال الصلحاء وينفرون منها ، ويتنحون عنها ، ولا يرغب فيها إلا من هو من جنسها من الفسقة والمشركين ، ومن أدلة تحريم الزنا قوله تعالى : { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } ( الأنعام151 ) ، وقال تعالى : { الخبيثت للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } ( النور26 ) ، فصاحب الزنا خبيث وصاحبة الزنا خبيثة والخبيث للخبيثة ، أما الطاهرون من هذه الفاحشة الشنيعة فهم الطيبون والطيبات فهؤلاء لبعضهم البعض ، هؤلاء من التزموا أوامر اله تعالى ، وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم فهم الفائزون المفلحون بإذن ربهم ، لتمسكهم بتعاليم دينهم وعدم العدول عنه قيد أنملة ، فهنيئاً لهم . وتعساً لمن رضي الزنا والهوى ديناً ومسلكاً وطريقاً .
ثانياً : من السنة :
في الزنا إماتة في قلب الزاني والزانية لروح الإيمان والتقوى والخوف من الجبار سبحانه ، ولا يقبل فاحشة الزنا ذو عقل أو همة أو من في قلبه غيرة .
قال صلى الله عليه وسلم : [ خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ] ( مسلم واحمد وغيرهما ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ] ( متفق عليه ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : [ ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له ] .(70/11)
وقال صلى الله عليه وسلم : [ ثلاثة لايكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابُ أليم : شيخٌ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر ] (مسلم وأحمد والنسائي) ، وقال صلى الله عليه وسلم :[ لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ] (متفق عليه) ، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن أعظم الذنب ذكر منها : [ أن تزاني بحليلة جارك ] ( متفق عليه ) ، وحليلة جارك يعني زوجة جارك .
وعن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إياكم والزنا ، فإن في الزنا ست خصال : ثلاث في الدنيا ، وثلاث في الآخرة . فأما اللواتي في الدنيا : فذهاب نور الوجه ، وانقطاع الرزق ، وسرعة الفناء . وأما اللواتي في الآخرة : فغضب الرب ، وسوء الحساب ، والخلود في النار ، إلا أن يشاء الله ] ( رواته ثقات وفيه انقطاع) .
ثالثاً : الإجماع :
أجمعت الأمة الإسلامية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا أجمعت الأمة على تحريم الزنا وأن الزاني يُرجم إن كان محصناً ، ويجلد ويُغرب إن كان غير محصن ، فرجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا ورجم الغامد ية ورجم التي زنا بها العسيف ( الأجير ) ورجم اليهوديين ، ثم بعد موته عليه الصلاة والسلام ، رجم الصحابة من زنا في عهدهم رضي الله عنهم أجمعين ، وتلقى الناس هذا الحكم وعملوا به إلى يومنا هذا في كل بلد تطبق أحكام الإسلام . (مجلة البحوث الإسلاميةج8 ) .
وقد أجمع أهل الملل على تحريمه ، فلم يحل في ملة قط . ولو أحل في ملة ما لكان ذلك مشاهداً عياناً بياناً ، ولعلم ذلك لارتكاب مستحليه علانية وجهراً لا خفية وسراً ، ولكن لما لم يحدث ذلك ولم ينقل عن أهل ملة من تلك الملل عُلم بذلك تحريمه في جميع الملل . ولذا كان حده أشد الحدود ، لأنه جناية على الأعراض والأنساب . وهو من جملة الكليات الخمس ، وهي حفظ النفس والدين والنسب والعقل والمال التي حرم الإسلام التعرض لها ، وجاء التحريم أيضاً في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع عندما حرم الدماء والأموال والأعراض بين المسلمين ، وأوضح عليه الصلاة والسلام أنها حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في عامكم هذا .
عقوبة الزنا :
أولاً : في الدنيا :
عقوبة الزاني والزانية الرجم إن كانا محصنين ، والجلد والتغريب إن لم يكونا محصنين ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم من زنا في عصره ، وكذلك الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم رجموا من زنا في عصرهم ، وقد تلقى المسلمون هذا الحكم بالقبول إلى يومنا هذا ، قال صلى الله عليه وسلم : [ لايحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، وذكر منها ( الثيب الزاني ) . . . ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ إذا ظهر الزنا والربا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ] ( الحاكم وصحح إسناده ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ] ( ابن ماجة ) .(70/12)
وقال صلى الله عليه وسلم : [ والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ] ( مسلم وغيره ) .
كيفية الجلد :
اتفق الفقهاء على أن الجلد يكون بسوط معتدل ، ليس رطباً ، ولا شديد اليبوسة ، ولا خفيفاً لا يؤلم ، ولا غليظاً يجرح ، ولا يرفع الضارب يده بحيث يبدو بياض إبطه ، ويفرق الجلدات على بدنه .
ويتقي المقاتل لأنها مواضع يسرع القتل إلى صاحبها بالضرب عليها ، والقصد من الحد الردع والزجر لا القتل ، ويجتنب الوجه لأنه أشرف أعضاء الإنسان ومعدن جمله فلا بد من تجنبه خوفاً من تجريحة وتقبيحة ، قال صلى الله عليه وسلم : [ إذا ضرب أحدكم فليجنب الوجه ] ( البخاري في الفتح وأحمد ) ، وقال علي رضي الله عنه للجلاد : [ أعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير ] . ويجلد الرجل قائماً ، والمرأة جالسة وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد .
كيفية الرجم :
إذا كان المرجوم رجلاً أقيم عليه حد الرجم وهو قائم ولم يوثق ولم يحفر له سواءً ثبت زناه ببينة أو بإقرار ، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء .
أما المرأة فيحفر لها عند الرجم إلى صدرها إن ثبت زناها ببينة ، لئلا تتكشف عورتها ، ويؤتى بحجارة متوسطة تملأ الكف ، ويضرب المرجوم حتى الموت ، ويخص بالرجم مقاتل المرجوم ، ويقف الناس صفوفاً كصفوف الصلاة وهذا قول الحنفية ، وقال الحنابلة : يسن أن يدور الناس حول المرجوم من كل جانب كالدائرة إن ثبت زناه ببينة ، ولا يسن ذلك إن ثبت زناه بإقرار ، وقال الشافعية : يحيط الناس به . ( الموسوعة الفقهية زنا ، رجم ، جلد ) .
فمن يطيق أن يفعل به هذا العذاب الأليم ، وهذا العقاب الشديد ، وهذا في الدنيا أما الآخرة فهي أشد وأبقى { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب } ( النساء 56 ) . أم كان له أن ينقذ نفسه من رق العبودية للشهوة والهوى ، ويقي جسده من نار تلظى . أما كان من الواجب عليك أن تتعظ بما حل بالأمم السالفة ، وما يحصل من سوء خاتمة لمن بلوا أنفسهم بفاحشة الزنا ممن نعاصرهم .
فاعتبروا يا أولي الأبصار !! .
ثانياً : في القبر :
يوضع الزناة والزواني في تنور ( فرن ) أسفله واسع وأعلاه ضيق ، وتعلق الزانيات بثديهن وتأتيهم النار من تحتهم وهم يصرخون ويتضأضأون ، ولكن هيهات هيهات لهم أن يخرجوا ، ففي الحديث الطويل الذي رواه البخاري رحمه الله عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : [ . . . وإنه قال لنا ( النبي صلى الله عليه وسلم ) ذات غداة : " إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما قالا لي انطلق ، وإني انطلقت معهما ، . . . ، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فأحسب أنه قال فإذا فيه لغط وأصوات ، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضئوا ، قلت ما هؤلاء ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، . . . ، إلى أن قال : فإني رأيت الليلة عجباً ؟ فما هذا الذي رأيت ؟ قالا لي : أما إنا سنخبرك : إلى أن قال : وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل التنور فإنهم الزناة والزواني ] وهذا هو مصيرهم في القبورإلى قيام الساعة ، والساعة أدهى وأمرّ .(70/13)
فهل من توبة ؟ وهل من عودة إلى الله سبحانه وتعالى ؟ وهل من معتبر ؟
ثالثاً : في الآخرة :
قال صلى الله عليه وسلم :[ ثلاثة لايكلمهم الله ولاينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم : وذكر منهم : شيخ زان ] ( مسلم وأحمد والنسائي ) .
فمن لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ، فمن ينظر في حاجته يوم القيامة ، فياله من موقف عصيب وشديد ، موقف وضع الزناة والزواني أنفسهم فيه بمحض إرادتهم ، فمن لم ينظر الله إليه فعاقبته وخيمة ، وخاتمته سيئة ، ومن لم ينظر الله إليه فأين مصيره وأين قراره ؟ هل هو في أعلى عليين ؟ أم في أسفل سافلين ؟ وهل يستوي هؤلاء العصاة مع من امتثل أوامر الله وأوامر رسوله عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى : { أفمن يُلقى في النار خير أمن يأتي آمناً يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير } ( فصلت 40 ) . وقال تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } ( يونس 26/27 ) .
فالعاصي هو الأعمى يوم القيامة ، وأما المبصر السامع فهو الطائع المتقي ، الخائف الوجل ، فهذا يمشي بنور الله عزوجل في هذه الحياة الدنيا ويوم القيامة له الأمن من ربه سبحانه ، قال تعالى : { أوَمن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون } ( الأنعام 122 ) .
وقال تعالى : [ الذي آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } ( الأنعام 82 ) .
وقال تعالى في شأن العُصاة العُمي يوم القيامة : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى } ( طه124/125/126 ) ، فهؤلاء نسوا الله ، نسوا أوامر الله عز وجل عصوا الله في الخلوة ما تذكروا الله في الرخاء ، فنسيهم وهم في أشد الحاجة إليه سبحانه تخلى الله عنهم لأنهم ما عرفوا لله طريقاً ، ما قدروا لله حقاً ، فالله سوف ينساهم في ذلك اليوم ، الذي يشيب فيه المولود ، ذلك اليوم الذي يفر فيه المرء من أمه وأبيه وأخيه وصاحبته وبنيه ، ولا يتذكر إلا نفسه ، يحتاج إلى حسنة فلا يجدها ، فأولئك العصاة من الزواني والزناة ، لم يتذكروا أن ورائهم موت وسكرة ، وقبر ووحشة ، ومنزل ووحدة ، ونار تلظى ، لا يصلاها إلا الأشقى ، فيالها من خسارة فادحة ، وندامة وأي ندامة .
أما من أطاعوا الله جل وعلا ، الذين اتقوا ربهم في السر والعلانية ، فلهم الجنات بإذن الله رب الأرض والسموات .
ولذلك ترتب على فعل فاحشة ( الزنا ) تلك العقوبة الصارمة في الحياة الدنيا ، والقبر ، والآخرة .
أسباب الزنا :
1. الاختلاط : ويحدث هذا كثيراً في المستشفيات والأسواق والملاهي والحدائق العامة وغيرها.(70/14)
وما دعوة أعداء الملة والدين للتبرج والاختلاط إلا لحقدهم الدفين على المسلمين لتمسكهم بدينهم القويم ، الذي هداهم إلى الصراط المستقيم ، ولهذا قال الله تعالى : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير } ( البقرة 120 ) .
ولقد جاءت فتاوى العلماء المصلحون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر جاءت موافقة لما جاء به كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من تحريم الاختلاط والتبرج والسفور ، فما انتشرت تلك الفواحش في كثير من المجتمعات إلى لبعدها عن منهج الله القويم ، ولتحليلها ما حرم الله ، ولاتباعهم دعاة الفساد ، ومن هم من المسلمين وعالة على العباد ، فضلوا وأضلوا كثيراً .
قال صلى الله عليه وسلم : [ لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون زوجاً أو ذا محرم ] ( مسلم )
وفتنة النظر إلى النساء الأجنبيات فتنة عظيمة لما تسببه من تعلق الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، فليحذر المسلمون من الوقوع في الزنا أو دواعيه لأن الأسباب مفضية إلى عواقب وخيمة وأخطار جسيمة .
وليحذر المسلمون من التمادي في الغي والباطل في السلام على النساء القريبات اللاتي لا يحللن لهم أو مصافحتهم ، فهذه هي الفتنة والمصيبة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إني لا أصافح النساء ] ، وقالت عائشة رضي الله عنها : [ والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ما كان يبايع النساء إلا بالكلام ] ، هكذا كان التوجيه النبوي الشريف لعامة الأمة دون تخصيص ، فمن أين أتى العلماء الذين يفتون في وسائل الإعلام الهابطة بجواز النظر والتبرج والاختلاط ؟ من أين استقوا تلك العلوم ؟ ومن أين جاءوا بتلك المعارف ؟ والدين كامل ولله الحمد والمنة : { فليحذر الذين يخافون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } ( النور 63 ) ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحجز صفوف الرجال عن النساء في الصلاة وهي عبادة بل أهم عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه ، فقال عليه الصلاة والسلام : [ خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ] وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شر الصفوف ، فعجباً لمن يريدون ويؤيدون الاختلاط في المدارس بين البنين والبنات ، ويا أسفاه على من يرضى بأن يجلس أجنبي بجانب قريبته ، أين الغيرة ؟ أين الخوف من الله ؟ والله لا يرضى بذلك إلا الديوث ، وهو الذي يقر فعل الفاحشة في محارمه ، عياذاً بالله من ذلك .
فالحذر الحذر من دعاة المدنية والتقدم الحضاري الزائف ، الذي يقوده من لادين لهم ولا خلق ، الذين لا همّ لهم إلا إخراج المرأة المسلمة من حياءها وحشمتها ، وخلع حجابها وعفتها ، وإبعادها عن دينها وعقيدتها حتى تكون فريسة لأهوائهم وشهواتهم ونزواتهم .(70/15)
وفيما سبق ذكره من الأدلة خير دليل وأفضل شاهد على منع كل ما يفضي إلى ( الزنا ) فلتراجع للفائدة .
2. غلاء المهور : فبعض الأولياء جعلوا بناتهم سلعاً تُباع وتُشترى ، فمن يُعطي فيها أكثر هو الفائز بها ، والحائز لها . أما صاحبة الشأن التي ستمضي بقية عمرها مع زوجها فلا رأي لها عند جهلة الناس وظلمتهم ، لا لشيء ؟ ولكن لحب المال والجاه . وما يدريك أيها الأب الكريم يارعاك الله أن ذلك الخاطب الذي لا يملك العقارات والسيارت والفلل والعمارات أنه عند الله خير من ذلك الغني المستكفي ، وما يدريك أن سعادة ابنتك مع من لا يملك الكثير خير من حياتها مع من يملك الكثير ، واسمع قول الله عز وجل إذ يقول : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } ( النور 32 ) ، ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أخذ إذن البنت في الزوج وعدم جبرها وقهرها على من لا ترغبه ولا تريده ، فقال عليه الصلاة والسلام : [ لا تنكح البكر حتى تستأذن ] ( البخاري ومسلم ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ البكر يستأذنها أبوها ] ( مسلم ) ، وعلى هذا لا يجوز للأب إكراه ابنته على الزواج بمن لا تريده ولو كان كفأ ، وقد جاءت فتاوى العلماء موافقة لذلك ، فقال الشيخ محمد بن عثيمين في فتاواه ما نصه : [ وعلى هذا فيكون إجبار الرجل ابنته للزواج برجل لا تريد الزواج منه يكون محرماً ، والمحرم لا يكون صحيحاً ولا نافذاً لأن إنفاذه وتصحيحه مضاد لما ورد فيه النهي ، وما نهى الشارع عنه ، فإنه يريد من الأمة ألا تتلبس به أو تفعله ، وعلى هذا فالقول الراجح يكون هذا الزواج فاسداً والعقد فاسد يجب النظر في ذلك من قبل المحكمة ] انتهى . ومن المعلوم أن رضى الزوجين شرط لصحة النكاح ، فمن زوج وليته بغير إذنها فالزواج باطل غير صحيح .
فكم هم الذين ندموا حين أجبروا بناتهم بالزواج ممن لا يرضونهن ولكن لا ينفع الندم بعدما حصل ما حصل ، فتصبح المسكينة رهينة غرفتها بعد طلاقها وقد لا يلتفت إليها أحد ، فتقع في مصيبة كان أهلها في معزل عنها .
3. حُجة إكمال الدراسة أو التدريس : فمن الفتيات من يتحججن بحجة إكمال الدراسة ، بل إن بعضهن يبقى قابعة في فصل واحد عدة سنوات حتى يفوتها قطار الزواج ، فتجد نفسها وقد بلغت من الكبر عتياً فلم يعد يلتفت إليها أحد لكبر سنها ، فتقع فيما لا تُحمد عُقباه . وكذلك لا يمتنع الفتاة بسبب انشغالها بالتدريس أو لجمع بعض المال من وظيفتها حتى يفوتها سن الزواج الذي يرغب فيه الشباب ثم تطلب الزواج فلا يقبل إليها إلا من يريد نقودها وما جمعته خلال تلك السنين العجاف ، فتعيش زوجاً أو عازباً حياة نكدة مليئة بالمنغصات ، فلا تعرف للحياة طعماً ولا للراحة سبيلا ولا للسعادة وجوداً . أختي الكريمة !! إذا أتاك خاطباً كفأ فاقبلي به لعل أن يديم السعادة بينكما ، ويرزقكما ذرية صالحة .(70/16)
4. أصدقاء السوء : اختر أيها الأب لأبنائك من الأصدقاء من يكون عوناً لهم على طاعة الله ورسوله ، وحذرهم من أصدقاء الشر والسوء ، وإذا أردت أن تعرف أخلاق ابنك فسأل عن قرينه وصاحبه فالجواب هناك .
5. الوسائل المعينة على الزنا : وهذه النقطة هي محور هام ينبغي لجميع أولياء الأمور التنبه لها ، فها هي البيوت قد اكتست حُلة من السواد والظلمة فوق أسطحها بما يسمى ( بالدش ) ، فهو الآن أساس كل بلاء وشر ونقمة ، وفساد وفتنة ، فهو والله يدعوا إلى الرذيلة والعهر والجريمة ، والفسوق والأعمال المشينة ، وقد يعرض في بعض برامجه ما يدعوا إلى الكفر والإشراك بالله تعالى ـ فلاحول ولاقوة إلابالله ـ فسبحان الله العظيم ، كيف يعرف أولئك المسلمون أن هذا شر وبلاء وفتنة ومع ذلك يدخلونه إلى بيوتهم أما علموا أنهم سيُسألون عن هذه الأمانة التي بين أيديهم من الأولاد والنساء ، قال صلى الله عليه وسلم : [ ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، والأب راع ومسؤول عن رعيته ] ( متفق عليه ) ، ومن الوسائل المعينة على فعل فاحشة الزنا ، جهاز ( الفيديو ) ، ( والتليفون ) ، إذا أساء الناس استخدامها فستكون من الوسائل الهدامة بلا شك ، ومن الأسباب أيضاً ( المجلات الخليعة ) ، ثم عمت البلوى وانتشرت اللأوى ، وصاحت البيوت بالآهات ، ودعت بالويلات بسبب ما يسمى ( بالإنترنت ) فاحذروا أيها الشباب واحذرن أيتها الشابات من الوقوع فريسة لمخططات أعداء الإسلام فلا تكونوا معاول عدم لأمتكم ، بل كونوا أداة بناء فعالة ترجوا الخير لأمتها .
6. الغناء : فقد قيل أن الغناء بريد الزنا ، وهو من الأسباب الرئيسة لوقوع صاحبه في الفاحشة ، وهو محرم بكتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإجماع الأمة .
وإليك أيها القارئ الكريم أدلة تحريم الغناء :
قال تعالى : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث لضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } ( لقمان 6 ) ، ولهو الحديث هو الغناء كما فسره ابن مسعود قال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، رددها ثلاثاً ، وقال ابن عباس : نزلت في الغناء وأشباهه .
وقال تعالى : { وأنتم سامدون } ( النجم 61 ) ، ومعناه الغناء ، واسمدي لنا : أي غني لنا .
وقال تعالى : { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } ( الإسراء 64 ) ، قال مجاهد : بصوتك : أي الغناء والمزامير . فالغناء صوت الشيطان ، والقرآن كلام الرحمن ، فاختر أي الكلامين تريد وتسمع .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا تبيعوا القينات ( المغنيات ) ، ولا تشتروهن ، ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام ، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث لضل عن سبيل الله } إلى آخر الآية . ( الصحيحة رقم 2922 ) .(70/17)
وقال عليه الصلاة والسلام : [ صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما : صوت مزمار ورنة شيطان عند نغمة ومرح ، ورنة عند مصيبة لطم حدود وشق جيوب ] ( القرطبي وصححه محققه وقال أخرجه الترمذي والبزار والمنذري في الترغيب والترهيب ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ( كناية عن الزنا ) والحرير والخمر والمعازف ( آلات اللهو والطرب والغناء ) ] ( البخاري ) .
وأقوال العلماء في ذلك معلومة مستفيضة .
7. وهناك وسائل أخرى كثيرة تدعوا إلى الشر والفاحشة . فانتبهوا أيها المسلون من عقوبة جبار السموات والأرض ، واحذروا من عذاب شديد العقاب ، واحذروا أن تهلككم الفواحش ثم بعد ذلك لاينفع الندم ، فالحذر الحذر من هذه الأجهزة الهدامة والمدمرة ، التي في ظاهرها النفع والفائدة ، وفي باطنها الضر والسم الزعاف .
8. التبرج والسفور : إذ كيف برجل يرى امرأة كاشفة الوجه واليدين والرجلين وحاسرة الرأس كاسية عارية تجوب الشوارع والأسواق بلا محرم ، ألا يطمع فيها من كان في قلبه مرض ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ صنفان من أهل النار لم أرهما : نساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ] ، قال سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في شرح الحديث السابق : ( وهذا تحذير شديد من التبرج والسفور ، ولبس الرقيق والقصير من الثياب ، والميل عن الحق والعفة ، وإمالة الناس إلى الفاحشة والباطل ) انتهى كلامه يرحمه الله .
9. الخضوع والتكسر في الكلام : فيوجد بعض النساء من تتكسر وتتميع في الكلام مع الرجال ولاسيما أصحاب المحلات التجارية ، ومنهن من تكثر من الضحك سواءً في التليفون أو مع بعض المحارم أو غيرهم مما قد يوقع الشيطان في قلب بعض أولئك شراً وهي لاتدري نتيجة هذا الضحك ، فانتبهي لذلك أيتها المسلمة .
10- التصوير بشتى أنواعه ووسائله : فعلى الرغم من التحريم والوعيد الشديد للمصورين ، فهو أداة يستخدمها مرضى العقول والقلوب ، عبيد الشهوة واللذة ، يستخدمونها لإرغام الضحية والتي قبلت بالتصوير لتهديدها وعمل الفاحشة بها ، ثم يتركونها ملطخة بثوب العار والفضيحة ، عندها لا ينفع الندم . والعتاب موجه للأولياء إذ كيف تسمح لمن هي تحت ولايتك أن تذهب إلى أي اجتماع تعرف أن فيه منكراً ومحرماً خصوصاً أنواع التصوير أو الاختلاط ، فإن رضيت بذلك ولا أظنك ترضى فأنت رضيت بفعل الفاحشة في أهلك ، فأنت ديوث ، والجنة حرام على الديوث ، وسيبقى عار ذلك الفعل في وجهك وأهل بيتك أينما ذهبت وأينما غدوت ، فقد تهدد زوجتك أو ابنتك أو أختك أو قريبتك ، وخوفاً منها ألا تنتشر صورها ترضى بما لم يقبله إنسان ، وإذا افتضح أمرها بحثت عن ستر تسترها به ، وعن سبب ذلك . فاقبل النصيحة واحفظ أهلك وعارك وشرفك ، وعش في بيتك قرير العين مستقر القلب ، وإياك ثم إياك من مجتمعات يسودها التصوير والضحك بين النساء والرجال .(70/18)
11- كتابة الرسائل الغرامية : فهي من وسائل الضغط والتهديد ، التي يستخدمها ضعاف النفوس ، وعباد الشهوات للوصول إلى بغيتهم ومطلبهم المحرم ، ولو أن الفتاة حينما أخطأت تابت إلى الله عز وجل وعادت وأنابت إلى غافر الذنب ، لجعل الله لها من كل ضيقاً مخرجاً ، ومن كل هم فرجاً ، ولجعل لها من أمرها يسراً .
أقول : لو حصل منها ما حصل من غواية شيطانية ، وأعطت الرسائل الغرامية فليس معنى هذا أنها تقع ضحية تلك الرسائل ، بل مع توبتها الصادقة تخبر أقرب من يكون إلى فهمها من محارمها حتى تصل إلى حل لتلك المشكلة التي وقعت فيها ، لحصل بإذن الله تعالى العلاج والحل لتلك المشكلة ، أو تستعين بمن يساعدها في ذلك الأمر ، ولكن لا ترضخ للتهديدات والتخويفات من لدن أولئك العصاة المجرمون ، لو احتاج الأمر لأن تخبر والديها بذلك حتى تنقذ نفسها من براثن السفلة الفسقة عشاق الهوى واللذة ، ولا تكون صيداً سهلاً ، فبدل أن تنقذ نفسها من مشكلة قد تبدوا بسيطة ولكنها مصيبة كبيرة ، تقع فيما هو أصعب وأقبح .
فاحذري أيتها الفتاة تلك الرسائل الغرامية القاتلة للعفة والشرف .
12- امتناع بعض الزوجات من فرش أزواجهن : مما قد يقع معه ضعاف الدين في فخاخ الفاحشة والرذيلة ، فأقول للمرأة : اتقي الله في زوجك ولا تكوني داعية له إلا فعل الزنا ، وكوني عوناً له على إحصان فرجه ، وإليك قول النبي صلى الله عليه وسلم : [ إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشها فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ] ( متفق عليه ) ، وفي رواية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها ] .
13- إهمال الرجال لحقوق النساء : إن من أهم حقوق للمرأة على الرجل إعطاؤها حقها في المبيت ، فبعض الرجال يهمل هذا الحق المهم بالنسبة للمرأة فتقع فريسة للأهواء والشهوات ، وتصبح صيداً سهلاً في أيدي اللاعبين بالأعراض ، فتورد نفسها وشرفها المهالك .
14- عدم القسم بين الزوجات : وهذه النقطة تخص التعدد ، فالبعض ممن لديه أكثر من امرأة تراه عابثاً لا عباً غير آبهٍ بما أمره الله به في قوله سبحانه : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } ( النساء 3 ) ، فالبعض من الناس أصحاب التعدد لا يعدل بين زوجاته بل يميز بين هذه وتلك ولا شك أن ذلك حرام ، ولا بد من العدل بين الزوجات في المبيت الذي هو آكد حقوق الزوجة على الزوج .
15- امتناع الأولياء عن تزويج بناتهم : ويحصل ذلك غالباً عند من ركنوا إلى الدنيا واطمأنوا بها ورضوها واتخذوها وطناً وسكناً ، فمنعوا بناتهم من الزواج من أجل أكل رواتبهن إن كن عاملات ، وهذا حرام ، فلا يجوز عضل البنات ومنعهن من الزواج ، ومن فعل ذلك فعليه من الله ما يستحق من العذاب والعقوبة ، وعلى الفتاة رفع أمرها بعد الله تعالى إلى من بيده الحل والربط ، فترفع أمرها إلى المحكمة لتنظر في أمرها وتتخذ ما تراه مناسباً لها .(70/19)
أختي بارك الله فيك : لا تستحيي من الحق بل اعرضي أمرك على ولاة الأمر خير لك من أن تقعي في أيدي المفسدين في الأرض فيضيع عرضك وشرفك ، ثم لا ينفع الندم .
وأنت أيها الأب الحنون : اتق الله في هذه الأمانة التي بين يديك ، فوالله إنك مرتحل من هذه الدنيا إلى حياة لا ونيس فيها ولا جليس إلا عملك ، فإن كان خيراً فاحمد الله ليل نهار ، وإن كان غير ذلك فالويل والثبور ، اتق الله في بناتك وارعهن حق الرعاية ، واحرص على تعليمهن ما ينفعهن من أمور الدين ، حتى يكن حجاباً لك من النار بإذن الله الواحد القهار ، واحذر من مغبة ظلمهن وعضلهن فيكن سبباً في دخولك النار ، فإذا بلغن سن الزواج فاحرص كل الحرص أن تنتقي لهن الأزواج الأخيار حتى تجني برهن وبر أبناءهن ، والله يرعاك ، ويسدد على الخير خطاك.
16- عدم تزويج الخاطب الكفء : فبذلك تقع مفاسد كثيرة ووخيمة بسبب عدم تزويج البنات للخاطب الكفء الذي تقوم حياته على أساس المخافة من الله تعالى ، ويعدل عن ذلك إلى الخاطب الذي يدفع في البنت المهر الكثير والمال الوفير ، أما سعادة البنت فلا قيمة لها عند بعض الأولياء ، وهذا من قلة الدين وضعف اليقين عند أولئك الأولياء ، الذين لا يريدون إلا الملايين ، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على تزويج الخاطب الكفء صاحب الخلق والأمانة والدين وقال : إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ، فبتزويج البنت إلى الخاطب غير الكفء تحصل المفاسد ، وتقع البنت ضحية لتلك الزيجة الظالمة المجحفة ، التي لا أساس لها إلا حب الدنيا الفانية على الآخرة الباقية ، فتنتهي أغلبها إن لم يكن كلها بالطلاق ، بسبب التعدي وعدم الاحترام ، وحب الظلم والانتقام ، من ذلك الزوج الصاخب اللوام . فإلى الله المشتكى من قسوة قلوب الأولياء .
17- إثقال كاهل الشباب بالطلبات : فما إن يأتي الشاب للخطبة إلا وكأنه كنز وقع في أيدي أهل المخطوبة ، فيطمع فيه الطامعون ، ويتلقفه اللاعبون واللاهون ، مع أن المهر ملك للفتاة ولا يحل لأحد كائناً من كان أن يأخذ منه شيئاً ولو كان يسيراً إلا برضاها من غير قهر ولا إكراه ، فتأتي الطلبات من سيارات وأراض وعقارات ، وذهب ومجوهرات ، حتى ينقل الخاطب إلى المصحات من هول تلك الطلبات ، فالأب يطلب ، والأم تريد ، والاخوة ينتظرون ، والأقارب يتطلعون .
وقد ذكر لي أحد الأخوة أن أحدهم تقدم لخطبة إحدى الفتيات فكان أن قدم له ورقة طويلة عريضة أثقل من الأثقال ، وتعجز عن حملها الأفيال ، كثيرة الطلبات والتعقيدات . وشاب آخر فرض عليه الذهب فقط حوالي اثنين وتسعين ألفاً من غير بقية الشروط المطلوبة ، أهكذا حث الدين الحنيف في أمور الزواج ؟ أهكذا يكون تزويج البنات ؟(70/20)
إنه والله التعقيد بذاته ، والطمع بعينه ، فالشاب ما إن يتخرج ويعمل لمدة سنة أو سنتين كي يجمع من المال ما يعف به فرجه عن الحرام ، إلا ويقابل بكثرة الطلبات وزيادة المهور ، فينحرف بسبب الطمع والجشع ، فاتقوا الله يا من بليتم أنفسكم بحب الدنيا ومتاعها الزائل ، واعلموا أنكم ستقدمون على ربكم فيسألكم عن تلك الأمانة الملقاة على عواتقكم والتي عجزت عنها الجبال الراسيات ، والأرض والسموات ، فأبين أن يحملنها خوفاً من عدم تحملها أو أداءها حق الأداء ، ثم تحملتها أنت أيها المسكين ، فاحرص أن تؤديها على أكمل وجه ، وتقوم بها خير قيام ، وإلا فالنار النار .
18- عدم نظر الخاطب إلى المخطوبة : وهذا حق من حقوق الخاطب أن يرى مخطوبته ، كيلا يقع ما لا تحمد عقباه ، فبعض الأولياء يعاند ويكابر عند هذه النقطة وكأن الشرع لم يأمر بذلك ، بل لقد أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن ينظر الخاطب إلى مخطوبته لأن ذلك أدعى لأن تدوم المودة والمحبة وحسن العشرة بين الزوجين ، قال صلى الله عليه وسلم : [ أنظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ] ( صحيح الترمذي ) .
فالنظر سبب بإذن الله تعالى لمواصلة المودة والعشرة الحسنة بين الزوجين ، أما من يمنع ذلك فقد يوقع ابنته في حرج شديد ، فقد لا تروق للزوج بعد الزواج لقلة جمالها أو لعاهة فيها أو غير ذلك من الأسباب فمن ثم يقع الطلاق ، وتحصل الفرقة بين الزوجين وتصبح هذه الفتاة حبيسة الجدران لا يرغب في نكاحها الشيب والشبان ، ثم قد يقع ما لم يكن في الحسبان ، فيكون الولي هو المتسبب في ذلك . فما أحرانا بالتمسك بالكتاب والسنة ، وما أحوجنا إليهما فمن تمسك بهما لن يضل أبداً .
19 - التساهل بلباس الصغيرات : فالتساهل بلباس الفتيات الصغيرات يُطمع من في قلبه مرض فتقع الصغيرات ضحية الموضات ، وإهمال الآباء والأمهات .
20- التشبه بنساء الكفار : ولا شك أن ذلك من الحرام مصداقاً لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم : [ من تشبه بقوم فهو منهم ] ، فالعتب كل العتب يقع على أولياء أمور النساء من أزواج وآباء واخوة ومحارم .
فعندما وقر الإيمان في قلوب بعض أولئك الكفار وعكفوا على دراسة الدين الإسلامي الحنيف وتبين لهم الحق من الباطل ، بدأ نساء من آمن منهم بلباس الحجاب الكامل ، مصدقين بذلك قول الله وقول رسوله عليه الصلاة والسلام ، غير آبهين بما يدور حولهم من تشكيك في الحجاب .(70/21)
وللأسف الشديد حال كثير من نساء المسلمين يبدلن شكر النعمة كفراً ، ويستبدلن الخير بالشر ، والحجاب والحياء بالسفور والبغاء ، ففسدت كثير من مجتمعات المسلمين اليوم بسبب اتباعهم للحضارة الزائفة التي لا يأخذون منها إلا مايضرهم ويتركون ما ينفعهم ، فهم كالأنعام بل هم والله أضل ، فالأم مدرسة يدرس على يديها الأبناء والبنات ، وهي راعية في بيت زوجها ومسؤولية عن رعيتها التي استرعاها إياها ربها سبحانه ، ثم زوجها الذي أعطها كل ثقته لتربي أولاده وبناته وفق شرع الله عز وجل من غير تقليد لأهل الكفر والشرك والإلحاد ومن اقتفى أثرهم من ضعاف النفوس من أهل هذا الدين الذين لا هم لهم إلا إخراج المرأة من دينها وحياءها ، وحجابها وحشمتها لتكون فريسة تشبع نزواتهم الغريزية ، ونزغاتهم الشيطانية .
فاحذري أيتها الأخت المباركة ، احذري بارك الله فيك ومتعك بالعقل والفهم أن تنجرفي وراء تيرات الحياة الفانية ، أو تنخدعي بمغريات الدنيا وبهرجتها ، واطلبي الحياة الباقية ، واخشي عذاب الله وعقابه ، وسخطه ومقته ، فوالله لن ينفعك من الله أحد من العالمين ، ولن ينقذك من عذاب الله إذا حل بك الإنس والشياطين .
وكوني أداة فعالة في مجتمعك ووطنك بتربيتك السليمة لأبنائك وفق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وكوني أداة بناء واحذري أن تكوني معول هدم تهدمين دينك وشرفك ومجتمعك ، وطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه ، وكوني مفتاح خير لأمتك ، وانتبهي أن تكوني مفاتحاً للشر ، سدد الله على الخير خطاك ، وحفظك الله ورعاك . ووفقك للخير أينما كنت .
21- الخلوة : وقد ذكرنا أدلة ذلك مستفيضة في نقطة سابقة فلتراجع .
22- الجهل : وهذا من أعظم الأسباب على الإطلاق ، فالجهل يوقع المسلم في شراك أهل الكفر والشرك ، وأصحاب الزيغ والإلحاد ، فيقع فيما لاتحمد عقباه ، فيصبح الحق عنده باطلاً والباطل حقاً ، بل يستوي لديه المعروف والمنكر ، فلا يعرف ولا ينكر ، فيورد نفسه المهالك .
23- التساهل في الدين : وهذا أيضاً من أعظم الأسباب على فعل فاحشة الزنا ، فتجد أن بعض الآباء وأولياء الأمور يتساهل بدخول الغريب غير المحرم على نساءه تساهلاً منه وثقة بغيره فتقع الطامة الكبرى والمصيبة العظمى ، فيقول : ياليتني ما سمحت لفلان بالدخول على البنات والنساء ، فلا ينفع الندم ؟
فلا يجوز التحابي والتساهل في دين الله عز وجل فيما لم يأذن به الله .
24- الفراغ : ذلك الجندي المجهول الذي يعمل في الشباب والشابات ليل نهار ، فالفراغ قاتل إذا لم يحسن المرء استغلاله فيما يعود عليه بالنفع عند الله عزوجل . وداع إلى فعل الفاحشة والمعصية ، فمعاشر الشباب والشابات حصنوا فروجكم بالصوم والعمل الذي يرضي ربكم سبحانه ، التحقوا بحلقات تحفيظ القرآن الكريم ، والمراكز الصيفية الهادفة التي يعني بها الشباب الأخيار ، وإياكم والخضوع للقنوات الفضائية ومقاهي الإنترنت ، أو كثرة الجلوس على الأرصفة والطرقات ، أو مصاحبة الأشرار والفساق . أصلح الله نياتكم وسدد أقوالكم وأفعالكم فيما يرضي ربكم .(70/22)
25- الطلاق : وقد يسأل سائل فيقول : كيف يكون الطلاق سبباً من الأسباب المؤدية إلى الزنا ؟ وأقول : نعم ، قد يكون الطلاق سبباً من الأسباب المباشرة لوقوع فاحشة الزنا والعياذ بالله ، فعندما تحدث الفرقة بين الزوجين يكون ضحية ذلك الأبناء ، فيتشرد الأبناء غالباً ، ويقعون في حيرة عند من يذهبون ؟ إلى الأم ؟ أم إلى الأب ؟ وناهيك عما يحصل لهم من حزن وقلق بسبب ذلك الفراق والطلاق ، فلا اهتمام ولا رعاية فكل مشغول بكيفية الانتقام من صاحبه .
ولو حصل زواج لأحدهما ـ أي الأبوان ـ أو كليهما لكانت الكارثة الكبرى ، فحتماً سيصبح الأبناء ضحية حقيقية لذلك الطلاق ، فتعبث بهم الأهواء ، ويكونون صيداً في أيدي العابثين ، ويصبحون عوناً لأهل الجريمة ، فلا مأوى ولا ملبس ولا مأكل ولا مشرب . فما عساها تكون النتيجة ؟
26- الخدم : وهذه من المصائب التي ابتلينا بها ، فقد يكون الخدم سبباً من أسباب الزنا ، إذا لم يحسن الأبوان العناية بهم ، وتعليمهم تعاليم الإسلام الحنيف التي تدعوا إلى عبادة الله وحده دون سواه ، وتدعوا إلى إحصان الفروج ، وتنهى وتحذر من ارتكاب الفواحش .
أما إذا أطلق لهم العنان وترك لهم الحبل على الغارب فستقع مفاسد كثيرة ومآسٍ عديدة ، للإباحية التي يعيشونها في بلادهم ، فقد يمارس الخدم الفاحشة مع أصحاب المنزل أو مع غيرهم من الجيران أو العمالة الأخرى فاحذر أخي رب الأسرة من شر تلك البلوى التي منينا بها في بلادنا .
فنسأل العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة .
27- السياحة الخارجية : وهي محور مهم ينبغي الوقوف عنده ، والحديث عنه ، فماذا يتعلم أولئك الذين يسيحون خارج البلاد المقدسة ؟ أيتعلمون القرآن ؟ أم السنة والأدب والأخلاق ؟ لا والله ، لا هذا ولا ذاك ؟ وإنما هي نزوات شيطانية يستقون فيها حضارة الغرب الزائفة ، التي لو فادت أهلها لما وصلوا إلينا جاهدين من أجل الإسلام وأهله ، ثم يرتضع أولئك السائحون من تقاليد الغرب الفاشلة الساقطة التي يقوم عليها إخوان القردة والخنازير . فهناك الإباحية والدعارة والفاحشة على مصراعيها لا زاجر ولا ناهي ، بل الكل ينادي ويدعوا إلى الرذيلة والفاحشة والبعد عن الخالق الواحد الماجد سبحانه .
هناك حرب للإسلام وأهله ، وتشويه للدين وناصره ، بل دعوة إلى النصرانية واليهودية الزائفة الكاذبة ، دعوة إلى الكفر والإلحاد .
ولقد حرم الله سبحانه السياحة إلى بلد الكفر من أجل النزهة والفرجة واللعب والعبث ، وإنما تكون السياحية الحقيقة من أجل طلب العلم أو الدعوة إلى الله سبحانه ، واعلم رب الأسرة أنك مسؤول أمام الله تعالى عن تلك الأمانة التي في عنقك وأولها نفسك التي بين جنبيك ثم أولادك وأزواجك ، فما عساك تقول لربك عند سؤالك . فأعد للسؤال جواباً ، وللجواب صواباً . وحذار من أن تكون سبباً لانتكاسة أبناءك وبناتك ، أو تكون داعياً ومسهلا لهم لارتكاب الفواحش الظاهرة والباطنة ، فتبوء بالإثم والتبعة ، ويتعلقون برقبتك يوم القيامة طالبين من ربهم سبحانه أن يقتص لهم منك يا مسكين .(70/23)
28- شرب الخمور والمسكرات : إذا غاب العقل استحكم الشيطان على بن آدم وحوله من إنسان خائف وجل من ربه إلى حيوان عدواني شهواني يطيع شهواته ويحقق رغباته ، فهو كالحيوان بل أضل سبيلاً ، نتيجة لفقد عقله وانطماس بصيرته .
وفيما ذكرنا من الأسباب كفاية بإذن الله لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وإلا فالقصص والوقائع كثيرة وهي شاهدة على ذلك . فاعتبروا بغيركم ، ولا تكوني عبرة لغيركم . فالسعيد من وعظ بغيره ، والشقي من وعظ به غيره .
أضرار الزنا :
للزنا أضرار عديدة وكثيرة جداً ولكن سنقتصر هنا على بعض منها :
1- الزنا يجلب الفقر : وذلك لما يقوم به الزاني من صرف أمواله فيما يُغضب الله ، وواقع كثير من الشباب هذا اليوم أن أحدهم إذا أخذ راتبه الشهري انطلق به إلى تلك البلاد ليفعل تلك الفاحشة الدنيئة ، والمعصية الشنيعة ، ونسي أولاده وأهله ، ونسي والداه اللذان سهرا وتعبا ليالٍ طويلة من أجله وأجل راحته ، وهما بحاجته بعد أن كبرا ، وحاجة أن يعطيهما بعضاً من ماله فكم كانا ينتظران هذا اليوم الذي يأتي ذلك الولد ليعطيهما جزئاً من الدين الذي عليه لوالديه ، ولكنه آثر وفضّل العاهرات والزانيات عليهما ، نسي ذلك المسكين أنه سيُحاسب على هذا المال من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ فماذا سيكون الجواب في ذلك اليوم الرهيب ؟
2. ظُلمة في وجه الزاني : هذه الظلمة والسواد في وجه الزاني سببها الرئيسي بعده عن الله ووجوده دائماً في الظلام متخفياً عن الناس فهو في ظلام دائم ، حتى اكتسى وجهه ظلمة وسواداً ، وهذا واقع ملموس قد لا يخفى على الكثير من الناس .
3. الزنا يوقع فيما هو أكبر منه : فقد يوقع صاحبه في كبائر الذنوب الأخرى ، فقد يقع صاحب الزنا في شرب الخمور ، فيؤدي به ذلك إلى ارتكاب جرائم أخرى كالقتل ، فيقتل من فعل بها الفاحشة ، فيورد نفسه المهالك ويقع في حد آخر من حدود الله ، كما قد يوقع صاحبه في السرقة من أجل الحصول على المال الذي سيساعده على ارتكاب المحرم .
4. نزع الإيمان من قلب الزناة : قال صلى اله عليه وسلم : [ لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ] ( متفق عليه ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ من زنى وشرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ] ( الحاكم والذهبي والمنذري ) ، فما فائدة الحياة بلا إيمان ، إن الحياة البهيمية أفضل من حياة لا إيمان فيها ، لأن الغاية التي من أجلها خلق الإنسان أغفلها أهل البغي والشر ، قال تعالى : { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا } ( الفرقان 44 ) .
5. ضعف الوازع الديني لدى الزناة : وهذا واضح معلوم فلو كان هناك إيمان وخوف من الخالق سبحانه وتعالى لما حصل ما حصل من الوقوع في هذه الفاحشة المشينة فبما أن دين الزناة في الحضيض الأسفل فقد يرضى بأن تُفعل الفاحشة بأهله وهو لايبالي بذلك وهذا من ضعف الإيمان والدين ، فهو بذلك ديوث لرضاه بفعل الفاحشة بأهله ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : [ لا يدخل الجنة ديوث ] .(70/24)
6. غضب الرب سبحانه وتعالى : فالله جل وعلا يغضب إذا انتهكت محارمه ، فالله عزوجل يغار وغيرته أن تنتهك محارمه ، فمن انتهك محارم الله فقد باء بغضب من الله ، ومن مات وهذه حاله ، وربه ساخط وغضبان عليه من جراء صنيعه القبيح ، وفعله المشين فيالحرمانه ، ويالخسارته التي لا تقدر بثمن من سوء ما قدم ، ويالها من كارثة وأي كارثة .
7. ذهاب حرمة فاعل الزنا وسقوطه من عين ربه ، ثم من أعين الناس ، فإذا عرف من يمارس الزنا لم يعد هناك من يحترمه بل يحتقره الجميع ، ولايقام له وزن عند الناس ، بل يُشار إليه بالسوء والقبح ، ويحذره الناس على محارمهم فلايُؤمن ، بل قال بعضهم أن من يُمارس الزنا لايمكن أن يُؤتمن على أولاده وبناته ـ نعوذ بالله من ذلك الشر ـ فيوصف صاحب الزنا بأسماء قبيحة مثل : الزاني والفاجر والفاسق والخائن وغيرها من الأسماء التي لا تليق بالمسلم .
8. ضيق القلب ووحشته : تجده ضيق الصدر لبعده عن الله وعن أوامر الله عزوجل ، ويحس بوحشة الذنب والمعصية كلما خلا بنفسه ، لأن نفسه تُحاسبه فيخاف العقوبة في الدنيا والآخرة .
9. فقد الحسنات يوم القيامة : ففعل الفواحش والمعاصي يذهب الحسنات .
10- انتشار الأمراض الفتاكة : وهذا ما يلاحظ على أهل الزنا ، فهم في هذا الزمان السبب الرئيسي لنقل جميع الأمراض الفتاكة والخطيرة والمهلكة ، فالزنا سبب لأمراض كثيرة منها : السيلان والزهري وهما مرضان خطيران يفتكان بصاحبهما ، وهاهو مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) مرض العصر ، وسببه المباشر والرئيسي هو العلاقات الجنسية المحرمة ، وهذا المرض لم يجد له الأطباء علاجاً حتى الآن ، فليحذر أولئك العصاة المارقون أن يختم الله عليهم بمثل هذا المرض فتكون النهاية وخيمة والخاتمة سيئة والعاقبة أليمة .
11- تفكك المجتمعات : فكم نسمع من الويلات والنكبات التي تحصل لكثير من الدول التي استباحت هذه الفاحشة العظيمة لما في ذلك من مخالفة لأوامر الله تعالى ، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، فأنت تلك المجتمعات وعلت فيها الصيحات مما حل بها من عذاب الله تعالى ، فتفككت تلك المجتمعات ، وخاف بعضها بعضاً ، وانعدم الحياء ، وقتلت العفة هناك ، فأصبحوا كالبهائم بل هم أضل سبيلا ، ومع فقد البهائم للعقل والتفكير فهي والله لا ترضى بما رضي به أولئك المجرمون المنحلون من فعل الفواحش والرذائل .
12- الوحدة الفردية : فيعيش أهل الزنا بمعزل عن الناس ، لمقت الناس لهم واحتقارهم إياهم ، والخوف من أن لصق عار هذه الفضية بمن يخالطهم ويجالسهم ، فلا يرغب في نكاحهم أحد ، ولا يريد صداقتهم أحد ، فهم في عزلة عن الناس كالمرض المعدي ، يرغب الجميع بترهم عن المجتمع لإفسادهم له .(70/25)
وأضرار الزنا كثيرة جداً ولكن فيما ذكرنا كفاية لمن أراد العبرة والعظة ، وهذا قليل من كثير ، فليرتدع أولئك عن فعل هذه الفاحشة المشينة وليعودوا إلى الله قابل التائبين وليعرفوا السبب الحقيقي لوجودهم على هذه الأرض ، وليعلموا أن الله لم يخلقهم عبثاً ولم يتركهم هملاً ، بل لا بد من الرجوع إلى الحي القيوم للجزاء والحساب ، من أجل فعل مثل هذه الفواحش .
طرق الوقاية من الزنا :
1. منع التبرج والاختلاط لأي سبب كان : فهاهم دعاة السوء وأصحاب الحضارة الزائفة هاهم يئنون ويصرخون من جراء خطر التبرج والسفور ودارت عليهم الدوائر ، فباءوا بتبعات ذلك كله .
2. تسهيل المهور : فإذا أتى الإنسان من يرضى دينه وأمانته وخلقه فعليه أن يزوجه ، وإذا لم يفعل الناس ذلك فستكون فتنة في الأرض وفساد كبير ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم لنا فيهم أسوة حسنة في تسهيل المهور ، وينبغي نصح أولئك الأولياء الذين لاهمّ لهم إلا جمع الأموال من وراء تزويج بناتهم ، ومن لم يرتدع منهم فلابد من رفع أمره إلى ولاة الأمر .
3. ردع السفهاء عن التعدي على النساء في الأماكن التي يرتادها النساء .
4. عدم خروج المرأة من بيتها إلا لحاجة ماسة جداً وشديدة ، ويكون الخروج مع محرمها .
5. عدم خروج المرأة مع السائق بأي حال من الأحوال .
6. منع الخلوة بين الرجال والخادمات في المنازل .
7. الحذر من الوسائل المعينة على الزنا ، وهي ما ذكرناها في أسباب الزنا .
8. التحذير من عواقب الزنا الوخيمة .
9. اجتناب النظر إلى النساء سواءً في الأجهزة المرئية أو المقروءة أو غيرها .
10- نشر مبادئ الفضيلة والأخلاق الحميدة بين الناس .
11- عدم خلوة المرأة بأي رجل أجنبي إلا ومعها محرمها .
12- طاعة الله ورسوله ، وذلك باتباع أوامرهما واجتناب نواهيهما ، قال تعالى : { تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهين } ( النساء13/14 ) .
13- اختيار الجليس الصالح : فاحذر أصدقاء السوء وعليك بالنصح لهم وإرشادهم إلى طريق الحق والصواب ، وعليك بمجالسة أهل الخير والصلاح فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم .
14- المداومة على قراءة القرآن : فالقرآن فيه تخويف ووعد ووعيد وتهديد لمن يفعل الفواحش مما قد يردع الإنسان عن فعلها .
15- أداء الصلوات جماعة في المساجد : فالصلاة ناهية عن فعل الفواحش بإذن الله تعالى :{ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } ( العنكبوت45 ) .
16- تذكر عذاب الله عزوجل وعقابه لمن يفعل هذه الفاحشة وغيرها من المعاصي .
17- الغيرة على المحارم . فالله جل وعلا يغار وغيرته سبحانه أن تنتهك محارمه ، فكيف لا تغار أنت أيها الإنسان على عرضك وشرفك . فبالغيرة يصعب وقوع الزنا بإذن الله تعالى .
18- كثرة الصيام .
19- الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة .
20- قراءة الكتب النافعة والمواضيع المفيدة التي تخص الزنا والتحذير منه .(70/26)
21- التفريق بين الأبناء في المضاجع : وهذا أمْرٌ أمَرَ به النبي صلى الله عليه وسلم ، محذراً من عواقب الخلطة بين الذكور والإناث في مكان واحد أثناء المبيت ولذلك جاء التحذير من الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة في التفريق بين الأبناء في المضاجع ، فقال صلوات ربي وسلامه عليه : [ مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليه لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ] ، وفي مستدرك الحاكم قال صلى الله عليه وسلم : [ إذا بلغ أولادكم سبع سنين ففرقوا بين فرشهم ، وإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم على الصلاة ] ( قال صحيح على شرط مسلم ) .
قصص وعبر :
***** قيل أن راهباً يُسمى برصيصاً كان يعبد الله ستين سنة ، وأن الشيطان أراد أن يغويه فما استطاع ، فعمد الشيطان إلى امرأة فأجنها وكان لها أخوة فقال الشيطان : لإخوتها عليكم بهذا القُس ، فيداويها ، فجاءوا بها إليه فداواها وكانت عنده ، فبينما هو يوماً عندها إذ أعجبته فأتاها فحملت ، فعمد إليها فقتلها ، فجاء إخوتها فطلبوها ، فقال الشيطان للراهب أنا من عمل بك هذا لأنك أتعبتني ، فأطعني أنقذك منهم ، فاسجد لي سجدة ، فلما سجد له ، قال : إني برئ منك ، إني أخاف الله . ( رواها بن جرير في تفسيره ) .
***** وفي واقعنا وفي زماننا هذا كثيرٌ من مآسي الزناة والزواني ، يحكى أن شاباً سافر إلى بلاد الكفر والفجور والفسق والسفور ، من أجل الزنا وشرب الخمور ، سافر هذا الشاب إلى تلك البلاد ، وفي يوم من الأيام وبينما هو في غرفته ينتظر تلك العاهرة أن تأتيه ، إذا بها قد تأخرت عن موعدها ، وعندما أتت ودخلت عليه غرفته ، شهق شهقة عالية وسجد لها ، فكانت هذه السجدة هي السجدة الأولى والأخيرة في حياته ، لكن لمن كانت هذه السجدة ؟ وما سببها ؟ وما نتائجها ؟
أخي الحبيب : إنه سوء الخاتمة ، أعاذنا الله من ذلك .
***** وقيل أن عابداً من بني إسرائيل عبد الله في صومعته ستين عاماً ، فأمطرت الأرض فاخضرت ، فنظر من صومعته ومعه رغيفان من الخبز فقال : لو نزلت فأذكر الله فأزداد من الخير ، فلما نزل لقيته امرأة فأخذ يكلمها وتكلمه حتى وقع ( زنا ) بها ، فأغمي عليه من شدة ما فعل ، فنزل الغدير ليستحم ووضع الرغيفان ، فمر سائل فأعطاه الرغيفان ، ثم مات ذلك العابد ، فعندما وزنت عبادة ستين سنة بتلك الزنية ، رجحت
الزنية بحسناته فخسر خُسراناً مبيناً ، إلا أن الله تغمده برحمته فوضع الرغيفان ، في ميزانه فرجحت حسناته .
أخي المسلم وأختي المسلمة : إن باب التوبة مفتوح فمن تاب تاب الله عليه وقد يُختم له بخاتمة حسنة ، ونتابع معاً بقية القصص ، قصص التائبين والعائد ين إلى الله .(70/27)
***** وفي قصة الثلاثة الذين سدت عليهم الصخرة باب الغار ، قال أحدهم : إنه كانت لي بنت عم فدعاها إلى الزنا فأبت وفي يوم من الأيام حصلت لها حاجة ماسة إلى المال فأتته تستقرضه فأبى إلا أن تُخلي بينه وبينها ، فرضيت نظراً لحاجتها الشديدة للمال ، فعندما جلس منها كما يجلس الرجل من أهله قالت له : لايحل لك أن تَفَضَ الخاتم إلا بحقه ، فتذكر قدرة الله عليه وأن الله سبحانه يراه ، قام عنها وأعطاها المال لوجه الله ، فقال : اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا ما نحن به ، فانفرجت الصخرة فخرجوا جميعاً .
***** وفي زماننا هذا ذهب شاب إلى إحدى الدول المجاورة للنزهة والتمتع ولم يخطر بباله الزنا نهائياً ، وفي يوم من الأيام إذا به يقع فيما لم يكن في الحسبان فوقع في الزنا ، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يقع فيها في الزنا ، فندم ندماً شديداً ، وحزن حزناً كبيراً ، وعاهد الله على التوبة ، وعاد إلى بلده والحزن يملأ قلبه ، والندم يملأ جوارحه وعاد إلى الله وبدأ الصلاة ، واخذ يُكثر من النوافل لعلّ الله أن يغفر له ، وفي يوم من الأيام وهو ساجد لله عزوجل أتاه الزائر الذي لاتقف له الأبواب والأقفال ، أتاه هادم اللذات ومفرق الجماعات ، أتاه ملك الموت ، وهو على أحسن حال وهو ساجد لله تعالى ، فانظر كيف ختم الله له بهذه الخاتمة الحسنة .
***** وذكر أن قصاباً ولع بجارية لبعض جيرانه ، فأرسلها أهلها في حاجة لهم إلى قرية أخرى فتبعها فراودها عن نفسها ، فقالت : لا تفعل ، لأنا أشد حباً منك لي ، ولكني أخاف الله . قال : فأنت تخافين الله وأنا لا أخافه ؟ فرجع تائباً .
إن الله جل وعلا يقبل توبة المذنب مالم تغرغر الروح ، أو تطلع الشمس من مغربها . فبادروا بالتوبة النصوح لعل الله أن يتوب عليكم .
***** وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله ، وذكر منهم النبي صلى الله عليه وسلم : [ ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها ، فقال : إني أخاف الله تعالى ] ( البخاري ) .
***** وقال بن الجوزي في كتابه ذم الهوى قال : [ كانت امرأة جميلة بمكة ، وكان لها زوج ، فنظرت يوماً إلى وجهها في المرآة ، فقالت لزوجها : أترى أحداً يرى هذا الوجه لا يفتن به ؟ قال : نعم . قالت : من ؟ قال : عبيد بن عمير . قالت : فائذن لي فيه فلأفتننه . قال : قد أذنت لك . قال : فأتته كالمستفتية ، فخلا معها ( ابتعد بها قليلاً ) في ناحية المسجد الحرام ( أي حتى لا يسمع من حوله سؤالها ) ، قال : فأسفرت عن مثل فلقة القمر ، فقال لها : يا أمة الله ! قالت : إني قد فتنت بك فانظر في أمري ، قال : إني سائلك عن شيء فإن أنت صدقتيني نظرت في أمرك ، قالت : لا تسألني عن شيء إلا صدقتك . قال : أخبريني لو أن ملك الموت أتاك لقبض روحك ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال : صدقت .
قال : فلو أدخلت في قبرك وأجلست للمساءلة ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة . قالت : اللهم لا . قال : صدقت .(70/28)
قال : فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين تأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال : صدقت . قال : فلو جيء بالموازين وجيء بك لا تدرين تخفين أم تثقلين أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال : صدقت
قال : فلو وقفت بين يدي الله للمساءلة أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال : صدقت . قال : اتقي الله يا أمة الله ، فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك .
قال : فرجعت إلى زوجها فقال : ما صنعت ؟ قالت : أنت بطال ونحن بطالون ! فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة ، قال : فكان زوجها يقول : ما لي ولعبيد بي عمير ، أفسد علي امرأتي ، كانت كل ليلة عروساً فصيرها راهبة .
هنيئاً لها تلك التوبة النصوح ، قبل مداهمة ملك الموت لقبض الروح ، وهنيئاً لها تلك التوبة التي تجب ما قبلها وتمحو ما سلف من الذنوب والمعاصي . وأصلح الله من كان على شاكلة زوجها من الضياع ، وألهمه رشده وصوابه قبل أن يُقتلع من فوق الأرض اقتلاع .
***** وقال بن الجوزي أيضاً : [ أن رجلاً أحب امرأة فأحبته ، فاجتمعا ، فراودته المرأة عن نفسه ، فقال : إن أجلي ليس بيدي ، وإن أجلك ليس بيدك ، فربما كان الأجل قد دنا ، فنلقى الله عاصيين ؟ فقالت : صدقت . فتابا وحسنت حالتهما .
***** حدث أبو محمد الشيباني ، قال : كان رجل بالبصرة له أكّار ( أي رجل يحرث له الأرض ) وكانت للأكار امرأة جميلة حسناء كثيرة اللحم ، فوقعت في نفس الرجل الغني ( أي أحبها ) ، ، فركب قاربه إلى قصره ، وقال للأكار : القط لنا من الرطب وصيره في الدواخل . ثم قال له : إيت به فلاناً وفلاناً ، فذهب به ، فلما مضى ، قال لامرأة الأكار : أغلقي باب القصر ، فأغلقته . ثم قال لها : أغلقي كل باب ، ففعلت ، فقال لها : هل بقي باب لم تغلقينه ؟ قالت : نعم باب واحد لم أغلقه . قال : وأي باب هو ؟ قالت : الباب الذي بيننا وبين الله عزوجل . فبكى ثم قام عرقاً وانصرف ولم يواقع الخطيئة .
فأين أولئك الذين لا يهناؤون ، ولا يهدأ لهم بال ، ولا يقر لهم حال إذا لم يرتكبوا الفاحشة ، أين أولئك الذين يمسون ويصبحون على الفواحش ليلاً ونهاراً ، أين أولئك من أولئك الرجال الذين ملأ الإيمان بالله والخوف منه سبحانه ملأ قلوبهم وجوارحهم ، وأين أولئك النساء عن تلكم اللاتي منعهن تقوى الله والحياء منه ، وخوفهن من عذاب القبر وشدة الحساب وعظمة الوقوف بين يديه الله سبحانه ، كل ذلك منعهن من فعل الفاحشة أو حتى التعرض لها .(70/29)
ثم أين أولئك عن نبي الله يوسف عليه السلام ، عندما دعته امرأة العزيز إلى نفسها ، وهيأت له جميع الوسائل المعينة على هذا الفعل ، وكانت على قدر من المال والجمال ، ولكن عندما وقر الخوف من الله سكنات القلب والجوارح فسيكون الجواب : ( معاذ الله ) ، كان هذا هو جواب يوسف عليه السلام ، جاء كالصاعقة ، لتلك المرأة ، لم تتوقع أن يكون الرفض هو الجواب ، لكنه الإيمان بالله واليوم الآخر ، وأن الإنسان لابد وأن يعود إلى خالقه ليجازيه على ما قدم في دنياه ، والخوف من عذاب الله ، ومن النار وعذابها وحميمها وزقومها .
فأين الخائفون من عذاب الله وسخطه ومقته وعقابه ، إذ كيف يُنعم الله على هؤلاء بشتى النعم ، من مأكل ومشرب وملبس ، وغير ذلك من النعم التي لا تُعد ولا تُحصى ، ثم يستغلون هذه النعم في معصية الخالق المنعم تعالى وتقدس ، فبدل أن يقابلوا هذه النعم وهذا الإحسان بالشكر والعرفان لله جل وعلا ، قابلوا ذلك كله بالكفر والعصيان وارتكاب المعاصي والآثام ، بدلوا نعمت الله كفراً وأحلوا أنفسهم دار البوار . أهكذا يكون جزاء هذا الإحسان ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
أقوال في التحذير من الذنوب :
* قال محارب بن دثار : إن الرجل ليذنب الذنب فيجد له في قلبه وهناً .
* سئل بن المسيب عن العبادة قال : التفكير في أمر الله والورع عما حرم الله عزوجل .
* وروي عن الحسن البصري أن كان إذا ذكر أهل المعاصي يقول : هانوا على الله فعصوه ، ولو عزوا عليه لعصمهم .
* وقال محمد بن كعب القرظي : ما عبد الله بشيء قط أحب إليه من ترك المعاصي .
* وقال بشر : إن العبد لذنب الذنب فيحرم به من قيام الليل .
* قال أبو الحسن المزين : الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب ، والحسنة بعد
الحسنة ثواب الحسنة .
* وقال أبي المعتمر بن سليمان : إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته .
* وقال الحسن : ما عصى الله عبد إلا أذله الله تبارك وتعالى .
* وقال الحسن : يا بن آدم ترك المعصية أيسر من طلب التوبة .
* وقال القائل : لا تنظر في صغر المعصية ، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت .
* وقال سفيان الثوري :
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها
من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عوقب سوء في مغبتها
لا خير في لذة من بعدها النار
* وقال حسين بن مطير :
ونفسك أكرم عن أشايا كثيرة
فما لك نفس بعدها تسعيرها
ولا تقرب الأمر الحرام فإنه
حلاوته تفنى ويبقى مريرها
* فتفكر ، رعاك الله ، في أن الذنوب تنقضي لذتها وتبقى تبعتها .
أمور يجب الحذر منها :
وهناك ثمة أمور وجب الحذر منها وتحذير الغافلين عنها ، وهي أمور داعية ومعينة على فعل الفواحش ، وقد تكون من الأسباب المباشرة إلى ارتكاب فاحشة الزنا ـ والعياذ بالله ـ فهي وسائل قد يتوصل منها إلى ما هو أكبر منها ، ومن هذه الأمور ما يلي :(70/30)
1. ترك المرأة تسافر بدون محرم : والمرأة هنا يقصد بها : الأم والأخت والبنت والزوجة والعمة والخالة وغيرهم من المحارم ، فيحرم سفر المرأة بدون محرم لأن ذلك يفضي إلى مفاسد عظيمة ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله : [ لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما ] ( احمد وغيره ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين إلا مع ذي محرم ] .
فترى المرأة تخاطب السائق والخياط وحتى صاحب الصيدلية والبائع وزوجها كالكيس لا يحرك ساكناً ، ولا يقول قولاً ، فلا غرو أن يحصل بذلك مفاسد عظيمة في المجتمع نحن في غنىً عنها .
2. الحرية في لبس الملابس : فلا مانع لدى كثير من أولياء أمور النساء ترك من تحت ولا يتهم أن يلبسن ما يصف البشرة ويكشف السوءة ، من البناطيل والمكشوف من اللباس ، وذلك بدعوى التقدم الحضاري والطفرة المادية ، وإذا أردنا الحقيقة فهي من أمور الجاهلية ولكن ما عساك تقول لمن أشربت نفسه حب التقليد الماجن المصادم للفطرة البشرية . أما الغيرة فلا مكان لها في قلوب أولئك الأولياء ، قال صلى الله عليه وسلم : [ لا شيء أغير من الله ] ( البخاري وغيره ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ إن الله يغار ، وإن المؤمن يغار ، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله ] ( البخاري ومسلم وغيرهما ) .
3. الأماكن العامة : فقد يخرج بعض الأولياء بمحارمهم إلى الأماكن العامة التي تكون المرأة فيها عرضة للنظر ، كما تطلق هي الأخرى نظرها هنا وهناك ، فيحدث الأمر والخطب الجلل .
وهناك أمور أكثر مما ذكرت ، ولعلي نهبت على أكثرها أهمية ، والله المستعان وعليه التكلان .
أطلق أسرك من نار جهنم ، بابتعادك عما حرم الله تعالى وحرم نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأقبل على جنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدها الله لعباده المتقين الخائفين الوجلين ، المنتهين عن محارم الله ، المتبعين لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
همسة :
همسة أهمسها في أذنك يا أخية ، محذراً إياك من الذئاب البشرية ، راقبي ربك عالم الخفية ، واحذري من كل رذيلة ورزية .
انتبهي أن تهتكي عرضك وعرض أهلك فهي المصيبة العظمى والطامة الكبرى فالمرأة لا عز لها بعد إيمانها إلا شرفها وحياؤها ، فإذا خلعت ذلك الحياء والشرف أصبحت فريسة في أيدي العابثين بالأعراض ، وأصبح يخشاك ويبتعد عنك أهل العفة والحياء ، فتصبحين منبوذة مبغوضة ، محتقرة منقوصة ، لا يَرغب بك أحد ، ولا يُلتفت إليك أبد ، بل تصبحين سلعة للذئاب البشرية لقضاء الوطر واللذة المحرمة ثم يبغضك كل الناس ، لأنك مبغوضة مرفوضة عند ربك ، ولو عرضت نفسك للزواج لما قبل بك إنسان ذا عفة ودين ، بل يهرب عنك الجميع ، لأنك دنست شرفك بالوحل والطين ، ولطخت نفسك وأهلك بثوب العار والفضيحة .(70/31)
أما تخافين الله ؟ احذري أن تكوني عقبة في زواج أخواتك بفعلك للزنا ، بل كوني قدوة صالحة ومثلا يُحتذى به في أخلاقك وتمسكك بدينك وشرفك وعفتك وحياءك ، وانتبهي من كل ما يدعوا إلى الفاحشة والرذيلة من أفلام خليعة ساقطة وهابطة ، واحذري التليفون والمعاكسات الفاشلة ، وحذار من المجلات المسمومة الموجهة المرسومة ، وكفي عن الموضة الأجنبية ، وإياك والتشبه بنساء الكفرة والفجور ، دعاة التبرج والسفور ، ودعي عنك مصاحبة صاحبات السوء والفساد ، والداعيات إلى قتل العفة لدى العباد .
أما تطمعين في مغفرة الرب الغفور ، إذاً اعملي لحياة القبور ، ويوم البعث والنشور ، ذلك اليوم الذي يشيب فيه المولود ولا يعرف فيه أحد أحداً ، تحتاجين إلى حسنة فلا تعطين فاتقي الله يا من تؤمنين بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولاً .
ثم عليك أيتها الأخت الكريمة أن تصاحبي الخيرات والطيبات من الصديقات والجارات والصالحات ، والزمي كتاب الله تعالى ففيه النور المبين الذي تمشين به في هذه الحياة الدنيا حتى تكوني على بينة وبصيرة بأمور دينك ودنياك . وأسأل الله سبحانه أن يثبتنا وإياك على صراطه المستقيم إنه سميع مجيب .
وهمسة أخرى :
أهمسها في أذنك أنت ، نعم أنت أيها الزاني فاتق الله في نفسك ، ارحم ضعفك من نار تلظى ، أعدها الله لمن أذنب وزنى ، فجسدك على النار لا يقوى ، فويل لك من عذاب لا تموت فيه ولا تحيى ، فالبدار البدار بالتوبة والتقوى ، والفرار إلى عالم الجهر والنجوى ، صاحب الجزاء الأوفى ، الله العلي الأعلى .
أيها الزاني ! اتق الله في أعراض المسلمين ، فوالله كما تدين تدان ، والجزاء من جنس العمل . يا من بليت نفسك بالزنا ! هل ترضى الزنا لأمك أو لابنتك أو لأختك أو لعمتك أو لخالتك أو لقريبتك ؟ لا أظنك إلا ستقول : لا ! إذاً كيف ترضاه لنساء المسلمين ؟ فكما أنك لا ترضاه لأهلك ، فكذلك كل إنسان لا يرضاه لأهله ، فكُفَ عن هذا الفعل المشين ، والعمل الخسيس القبيح قبل أن يداهمك هادم اللذات والشهوات ، ومفرق الجماعات والزناة ، ثم حين ذاك لا تنفع الحسرات والآهات ، ولا الصرخات والويلات . فيا من ظلمت نفسك وغيرك من المسلمين بالزنا والفعل المشين ، يقول ربك تعالى : { يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار } ( غافر52 ) ، أين أنت يا مسكين عندما يُنادى المؤمنون المتقون إلى جنات النعيم ، ثم تساق أنت ومن على شاكلتك إلى الجحيم والحميم ، فرحماك يا عليم يا حليم .(70/32)
تب إلى الله قابل التائبين ، والعافي عن المذنبين ، أنسيت الموت وسكرته والقبر وظلمته والصراط وزلته والحساب وشدته ، أنسيت قول الله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون } ( النور 30 ) . أنسيت قول الله تعالى لك ولغيرك : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً } ( الإسراء 32 ) ، أنسيت قول الله تعالى : { النار يعرضون عليها غدواً وعشياً } ( غافر 46 ) . إذا نسيت أنت ، فربك لاينسى : { وما كان ربك نسياً } ( مريم 64 ) وقال تبارك وتعالى : { في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى } ( طه 52 )
يا قاطعاً سبل الرجال وهاتكاً سبل المودة عشت غير مكرم
من يزني في قوم بألفي درهم في أهله يزنى بغير الدراهم
إن الزنا دين إذا استقرضته كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم
لو كنت حراً من سلالة مسلم ما كنت هاتكاً لحرمة مسلم
وسيتبع هذا الموضوع ، الموضوع الآخر ، وهو فاحشة اللواط بإذن الله تعالى .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .(70/33)
لبنان على شفير الهاوية
أحمد عبد الجبار - بيروت
03- 5- 2006
قد يقرأ البعض في العنوان تشاؤماً، وقد يُعرض عنه آخرون لدقة وحساسية ما يجري في فلسطين من استهداف وإذلال ليس للفلسطينيين فحسب، وإنما للأمة الإسلامية جمعاء، لكن ما دعاني لهذا العنوان هو خطورة ودقة الوضع السياسي والأمني في لبنان، وتداعياته وانعكاساته محلياً، وإقليمياً، ودولياً، إضافة إلى المؤامرات التي قد تمرر والعالم منهمك بالقضية الفلسطينية (قضيتنا الأولى بلا منازع).
* محلياً:
اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري كان الحدث الزلزال الذي ضرب لبنان وسوريا؛ والذي ما فتئت آثاره وأبعاده تتكشّف لنا يوماً بعد يوم.
الوضع السياسي الداخلي في لبنان يشهد احتقاناً لم يسبق له مثيل منذ انتهاء الحرب الأهلية، وما يسمى بالحوار الوطني يعكس تماماً خطورة الوضع، ويجسد العُقد التي أصبحت واحدتها معضلة؛ فما بالك مجتمعة!
ميثاق الطائف الذي أبرمته الفئات المتنازعة على أرض لبنان، والذي يفترض أنه عالج معظم التشنجات الطائفية، ووضع آليات تحول دون تفاقمها مستقبلاً؛ أصبح الآن شيئاً من التاريخ القديم، لا مكان له إلا في متاحف الوثائق والمخطوطات.
لبنان اليوم أكثر طائفية منه في أي عهد مضى، والقوى السياسية فيه (بما فيها من ينعتون أنفسهم بالعلمانيين) متخندقة على خطوط تمايز طائفية بحتة، أقول: (متخندقة) وأعنيها حرفياً، فالشيعة بفرعيهم: حزب الله وحركة أمل؛ لهم مواقع محصّنة على الصعيدين السياسي والعسكري، والموارنة بدأوا يُعدون لاسترجاع أمجاد القوات اللبنانية العسكرية في الوقت الذي يؤكد فيه قائدها نبذه للحلول العسكرية، وقناعته التامة بتحقيق ذلك من خلال السياسة والحوار، ولكن عندي من الأدلة المصوَّرة ما يثبت قيام "القوات" بتدريبات عسكرية تحت إشراف نديم بشير الجميل، وقد قاموا بإنتاج فيلم تحريضي قبل بضعة أشهر بعنوان: (حتى ما يموت الشهيد)؛ يخاطب الجيل الجديد من القوات، ويحرضهم على كل ما هو إسلامي، أو عربي، أو فلسطيني.
الأضعف في هذه المعادلة هم السنَّة، لأنهم وحتى هذه اللحظة لم يحددوا موقع خندقهم؛ ناهيك عن حفرة، ومع أنهم يقودون ما يسمى بقوى 14 آذار، إلا أنهم لا يملكون زمام المبادرة ولا القرار، بل يجدون أنفسهم في مرمى سهام المخوِّنين من الأطراف الأخرى، ولعل استهداف الرئيس الحريري دون غيره من المعارضين لسوريا من الأصوات العالية أمثال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط كان بسبب ضعفه "العسكري"، وأنه لا يملك عصابة، أو ميليشيا، أو "مقاومة" لرد الصاع، وزعزعة الأمن والاستقرار في البلد.
* إقليمياً:(71/1)
إن كانت سوريا فعلاً وراء الاغتيال فقد خابت جميع رهاناتها على إزاحة الحريري من الوجود، وأثبتت التجربة أن الجريمة كانت ضرباً من الغباء السياسي والاستخباراتي لم تحسب عواقبه بالشكل الصحيح، وسوريا أول من يطالب العالم بالنظر إلى النتائج لتبرئة ساحتها، حيث إنها كلها لا تصب في مصلحتها، فقد أرغمت على الخروج من لبنان، وفقدت الشيء الكثير من هيمنتها السياسية، والعسكرية، والاستخبارية، والاقتصادية، وألقت به وبقيادة الأغلبية السياسية فيه إلى الأحضان الأمريكية، مما يضع لبنان على شفير الهاوية، لأن سوريا لن تتحمل أن يصبح لبنان لقمةً سائغةً للأمريكان، ولن تتقبل الواقع الجديد الذي يشهد بأنها كانت السبب في ذلك، وبالتالي ستفعل المستحيل للحيلولة دون تقديمه لهم على طبق من فضة.
فإن كان لا بد من ذلك فستقدمه جمرة محترقة، أو رماداً كي لا تنعم به أمريكا، ولا الصهاينة من ورائهم، يعزز هذا التصور ما نشرته بعض الصحف والمجلات عن سعي المخابرات السورية إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، مما سيؤدي حتماً إلى حمام دم، ومجزرة طائفية رهيبة.
أما إن كان هناك متهمون آخرون في جريمة الاغتيال فلا بد أن يتصدر الموساد الإسرائيلي اللائحة، وقد كان كاتب هذه السطور أول من وجه أصابع الاتهام لهم يوم أن اهتزت بيروت بدوي الانفجار الذي أودى به، فمما لا شك فيه أنهم المستفيد الأول والأكبر من الحدث، ويملكون الدوافع والإمكانات، ومما لا شك فيه كذلك أنهم يدركون أن العالم بأسره وعلى رأسه المعارضة اللبنانية ستتهم سوريا (بغض النظر عما إذا كان المتهمون يعتقدون ذلك فعلاً) التي كانت في وضع سياسي لا يحسد عليه، وقد تحقق لإسرائيل جملة من المكاسب، منها:
فصل المسار اللبناني عن المسار السوري في مسألة التطبيع والاستفراد بلبنان.
زعزعة الاقتصاد اللبناني، الذي كانت جميع المؤشرات توحي بأنه قد تعافى، وذلك من خلال رؤوس الأموال الخارجية المستثمرة فيه، ومواسم السياحة التي يعتمد على حركتها أكثر من ثلثي الشعب، فقد فاق عدد السياح في صيف 2005 المليون سائح، ولا أظنه يخفى على أحد مصلحة إسرائيل في ضرب الجانبين.
الدفع بالطائفية السياسية إلى التوتر والانسداد، ومن ثم الزج بحزب الله وأعوانه في حرب طائفية ضروس تأكل الأخضر واليابس، وتؤمِّن حدودها الشمالية، وتقلب الموازين المحلية والإقليمية والدولية رأساً على عقب؛ مما قد يستدعي دخول قوات دولية لفض النزاع، وحفظ الأمن، وبالتالي تحاصر سوريا بالقوات الدولية في العراق ولبنان، وتوضع أمام خيارين أحلاهما مر: إما التطبيع مع إسرائيل، وإما مواجهة العزلة الدولية والإقليمية، والعقوبات الاقتصادية الخانقة.
* دولياً:
تُعتبر إيران الطرف الغائب الحاضر على المسرح اللبناني، ويخطئ من يقلل من حجم الدور الذي تلعبه في صناعة المشهد السياسي، بل وحتى الأمني، دورها هذا قد يتخذ شكلاً وحجماً مختلفاً، من خلال رسم ما ستؤول إليه المفاوضات مع وكالة الطاقة الدولية، وما قد تنفذه أميركا من تهديدات أو لا تنفذه.(71/2)
أما الأصابع الأمريكية العابثة فقد استباحت كل شيء في لبنان، وأصبح البيت الأبيض ومن يستقبله أو لا يستقبله من الرموز اللبنانية محط آمال أو مرمى سهام فرقاء النزاع، والسفير الأمريكي في لبنان في حركة يومية دون كلل أو ملل.
لا يمكن بحال أن نغفل الدور الفرنسي في كل هذا، فرنسا المتوثبة دائماً لدور أكبر، وحصة معتبرة في السياسة الدولية عامة، والشرق أوسطية خاصة، تحاول أن تسد ثغرات السياسة الأمريكية في المنطقة، وتقتات على الفتات الذي تخلفه لها أمريكا، فهي من ناحية تؤازر الضغط على سوريا، بينما تحاول في الوقت ذاته أن تظهر بمظهر الموالي للشعب الفلسطيني، أعوانها في لبنان أكثر من أن يعدّوا، من آل الحريري، إلى آل الجميل، مروراً بميشال عون، وسمير جعجع.
* ختاماً:
مهما كانت المجريات فإن مستقبل لبنان يبدو قاتماً، لأن زعاماته قد اختارت تقديم المصالح الذاتية الآنية على المصالح الوطنية الدائمة، ووضعوا أيديهم بأيدي الغرباء الطامعين، وتنكروا لشعبهم وتطلعاته وآماله.
لبنان اليوم يقف على شفا جرف هار، تهدده الزلازل الداخلية بالانهيار، وتعصف به أعاصير السياسات الدولية والأطماع الأمريكية لتهوي به إلى الوادي السحيق، لا نقول ذلك تشاؤماً، وإنما استقراء لواقع مرير.
http://www.alasr.ws:المصدر(71/3)
للمسافرين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه - أما بعد: -
أخي … يا من أعددت حقائب السفر قف معي قليلاً .
أخي ماذا نويت بسفرك هذا ؟
إن كانت نيتك طيبة فاستبشر بقوله صلى الله عليه وسلم: (من هم بحسنه فلم يعملها كتبها الله عنده حسنه كاملة) رواه البخاري
وإن كانت نيتك غير ذلك فأحذر من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الدنيا لأربعة نفر:
عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه ويعلم لله فيه حقا: فهذا بأفضل المنازل
وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته فأجرهما سواء.
وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم فيه حقا فهذا أخبث المنازل .
وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته: فوزرهما سواء) رواه أحمد والترمذي وصححه
هذا إن كنت عازماً على المعصية متى ما تيسرت لك .
أما إن تركتها لله فاستبشر بقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة) رواه البخاري.
فأحذر يا أخي، بحذري يا أختي أن تتمنيا أن تكونا مثل فلان وفلان ممن سار في ركب الشيطان، واعلما: (أن النية قد تبلغ مالا يبلغ العمل)
أي الأسفار تختار ؟
السفر ثلاثة أنواع:
سفر محمود وهو إما واجب: كالحج، وطلب العلم، والخروج من بلد الكفر إلى بلاد الإسلام.أو مستحب: كزيارة الأقارب والعلماء .
مباح: كالخروج لطلب المال حتى يكف نفسه عن السؤال أو مكروه: كالخروج من بلد الوباء وفيه انتفت النية .
سفر مذموم: وهو إما حرام: كسفر العاق لوالديه، أو الذي يقصد الفساد.
قيل لبعض العلماء: أي الأسفار أفضل؟ قال: (الأفضل هو الأعون على الدين).
قارن
قارن حالك مع من يذهب إلى مخيمات اللاجئين ليعين إخوانه، ويبذل جهده ووقته في ذات الإله تعالى وحده، ابتغاء مرضاته ونفعاً للمسلمين.
قارن حالك مع من يذهب إلى الأكباد الجائعة في أفريقيا لينفق في سبيل الله من ماله أو ما آتاه الله.
قارن حالك مع من يذهب للدعوة إلى الله، ونشر الإسلام، وانتشال من استطاع من براثن الجهل، والشرك، والضلال، فيا فوزك إن كنت مع هؤلاء الرهط الصالحين!
من صاحبك في السفر ؟
أيها المسافر:
الوحدة في السفر مذمومة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده) رواه البخاري . وذلك لأضرار الوحدة في الدين والدنيا .. كحرمانه من صلاة الجماعة، وحصول الوحشة والتعرض إلى المخاطر ، وفقدان المؤنس والصديق وغير ذلك.
وحسبك هذا التوجيه النبوي في اختيار الصحبة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) متفق عليه(72/1)
واحذر أن تقول يوم القيامة: (يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا) الفرقان الآيتان: 28-29
وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) رواه الترمذي وحسنه
وأحذر من التقييم المزيف والمدح الكاذب، قال صلى الله عليه وسلم: (يقال للرجل ما أعقله، ما أظرفه، وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) متفق عليه .
حكم السفر إلى بلاد الكفار وبعض البلاد الإسلامية التي فيها منكرات وتكشف وسفور بقصد السياحة والنزهة
يقول الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين: (إن كان القصد التمشية والنزهة فنرى أن هذا السفر مكروه ولا ينبغي، لكثرة الفتن والأخطار، أما إن كان القصد الدعوة والتعليم ونشر الدين والنصح والتوجيه فنرى أن هذا السفر مستحب وفيه أجر لما فيه من إظهار شعائر الإسلام ومحاسنه والرد على من خرج عنه أو خالفه.
أما إن كان القصد التجارة وتنمية المال فيجوز سفرك بغير كراهة بشرط القدرة على إظهار الدين والجهر به، والتمسك بتعاليم الإسلام، أما إن كنت لا تقدر في هذا السفر على إظهار الدين كأن تضطر إلى أن تحلق لحيتك أو تترك الصلاة مع الجماعة، أو تترك الأذان للصلاة والنداء لها، وأنتم جماعة، أو كنت تخاف على نفسك من المداهنة أو التنازل عن بعض الأمور الشرعية، أو الوقوع في شيء مما يقع فيه المشركون من عبادة القبور، أو الذبح لها مجاراة للمشركين، من عبادة القبور، أو الذبح لها مجاراة للمشركين، فهنا يحرم السفر وإن كان لتجارة) من رسالة: المفيد في تقريب أحكام المسافر، ص119
الآثار المترتبة على السفر إلى بلاد الكفار
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله - يقول جل وعلا: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) والآيات الدالة على عداوة الكفار للمسلمين كثيرة، والمقصود أنهم لا يألون جهداً ولا يتركون سبيلاً للوصول إلى أغراضهم وتحقيق أهدافهم في النيل من المسلمين إلا سلكوه، ولهم في ذلك أساليب عديدة، ووسائل خفية وظاهرة، فمن ذلك: ما تقوم به بين وقت وآخر بعض مؤسسات السفر والسياحة من توزيع نشرات دعائية تتضمن دعوة أبناء المسلمين لقضاء الإجازات الدراسية وغيرها في ربوع أوربا وأمريكا بحجة تعلم اللغة، ووضع برامج شاملة لجميع وقت المسافر.
وتهدف هذا النشرات إلى تحقيق عدد من الأغراض الخطيرة منها ما يلي:
العمل على انحراف الشباب المسلمين وإضلالهم.
إفساد الأخلاق والوقوع في الرذيلة عن طريق تهيئة أسباب الفساد وجعلها في متناول اليد.
تشكيك المسلم في عقيدته.
تنمية روح الإعجاب والانبهار بحضارة الكفرة.
دفع المسلم للتخلق بالكثير من تقاليد الكفار وعاداتهم السيئة.
التعود على عدم الاكتراث بالدين الإسلامي وعدم الالتفات لآدابه وأوامره.(72/2)
تجنيد الشباب المسلم ليكونوا من دعاة السفر إلى بلاد الكفر بعد عودتهم من هذه الرحلة وتشبعهم بأفكار الكفرة وعاداتهم وطرق معيشتهم. كما أنصح أولياء أمور الطلبة خاصة بالمحافظة على أبنائهم، وعدم الاستجابة لطلبهم بالسفر إلى الخارج لما في ذلك من الأضرار والمفاسد على دينهم وأخلاقهم وبلادهم كما أسلفنا . من رسالة: دليل المسافر: ص52-53
من زرع حصد
فيا لهف قلب من علق قلوب أبنائه وبناته بالسفر إلى بلاد المعاصي حتى صارت همهم وشغلهم الشاغل، فلا تأتي أجازه إلا وهم يسألون ويتشوقون للسفر لتلك البلاد.
فيا من علقت قلوب أبنائك وبناتك بالسفر لبلاد المعاصي: ستحصد في الدنيا حينما يكبر بك العمر أو تصاب بمرض تخليهم عنك حين تطلبهم فتجدهم مسافرين!
وستحصد في الآخرة حين تسأل عنهم أمام الله: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فتكون إجابتك أنك فرطت في المسؤولية في تنشئة أولادك تنشئة صالحة.
وستحصد في الآخرة حين تخسر قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل لترفع درجته يوم القيامة فيقول: أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك) .
وهنيئا لمن رعى مااستؤمن عليه، حين يجد ما عمل من خير محضراً .
للمرأة فقط
هناك امرأة نزعت حجابها بعد صعودها للطائرة ولما وجه لها أحد الأخوة النصيحة الغالية قالت: (مطاوعة) حتى في الطيارة!!
أختي هل هذه المرأة عرفت لم تحجبت ؟ إنها تعتقد أن الحجاب عادة وتقليد من عادات مجتمعها، فمتى فارقت هذا المجتمع تركت هذه العادة.
كيف يقر لها قرار وهي تعلم أنها من المعنيات بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما.. ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وأن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا) أخرجه مسلم
أختي ..اعلمي أنك تتحجبين لأن الله خالقك ورازقك ومن إليه مرجعك؛ أمرك بقوله تعالى (ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) الأحزاب (59).
فأنت مأمورة بالحجاب في كل مكان لأنك مهما سرت فأنت في ملك الله ومادمت في ملكه فلا مناص لك من اتباع أمره.
سفر المرأة بدون محرم
حذر الشارع من سفر المرأة بدون محرم فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم) رواه الشيخان
ممنوع دخول المسلمين
(المسارح، الأماكن المختلطة، المقاهي ، السينما …) لو فكرت بالدخول فقبل ذلك أسأل نفسك هذه الأسئلة:
هل ترى فيها الوجوه الطيبة الخيرة التي تذكرك بالله عز وجل ؟!
هل تحب أن يأتيك الموت وأنت فيها ؟!
وهل إذا دخلها ابنك تعلّم فيها برك وطاعتك؟!
وهل إذا دخلها ابنك تعلّم فيها الفضيلة وحسن الخلق؟!
وهل تحب أن يكتب في صحيفة عملك أنك دخلت هذه الأماكن!
لا تنس أن عن يمينك ويسارك من يكتب جميع أعمالك وفي الختام تذكر قوله تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) الإسراء ، الآية:36
شرب الخمور والمخدرات
أخي المسافر:(72/3)
أحذر الاقتراب من أم الخبائث والقائدة إلى الرذائل وتذكر قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) المائدة، الآية: 90
أحذر الإدمان فإن أوله كأس تشرب .
وهل ترضى أن تكون ملعونا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وهل تقوى على طينة الخبال التي توعد الله بها شاربي المسكرات – قالوا يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: (عرق أهل النار أو عصارة أهل النار) رواه مسلم
القمار
عندما ترى إنساناً يحمل ورقة نقدية ويرميها في سلة المهملات فإنك لأول وهلة تتصور أن هذا الرجل فاقد لعقله، فإنك تتفق معي أن العاقل لا يمكن أن يفعل ذلك أنه يحس بقيمة هذه النقود وفائدتها.. فلتعلم إذاً أنه يوجد من هذه الفئة أناس كثيرون، وممن يتمتعون بكامل قواهم العقلية.. بل ويجدون في ذلك لذة ومتعة.
أليس الذين يلعبون القمار كذلك … ؟؟؟
لا بل هم أعظم من ذلك لأنهم يجمعون بين خسارة المال وعذاب الآخرة، بين سفاهة الدنيا وعذاب الآخرة… إن الله منحنا هذا المال ليؤدي وظيفة مهمة، وليكون لنا زاداً في هذه الحياة الدنيا، فكيف نفرط فيه هذا التفريط؟!!
للعقلاء
قد تسمع عن المغني الفلاني والمغنية الفلانية، فأنت لست بحاجة أن أبين لك تحريم ذلك فقد قال تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) لقمان الآية: 6
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخاري
ولكن ألست معي أن الأغاني بمجمعها تدور حول الحب والتعلق بالمحبوب وتحث على الزنا؟!
أخي هل سمعت بعاطل عن العمل سارع للعمل بعد سماع الأغاني ؟!
أخي هل سمعت بعاق لوالديه برهما بعد سماع الأغاني ؟!
أخي هل سمعت بفاشل في دراسته تفوق بعد سماع الأغاني ؟!
أخي هل سمعت بعاص لله تاب وأقلع بعد سماع الأغاني ؟!
أخي هل سمعت بأمة قامت وعزت على أكتاف مغنيها ؟!
وبعد .. ما هو هدفك في سفرك؟
إن كنت صادقاً بطلبك الجو البارد، والمناظر الخلابة، والأرض الخضراء فستجد ذلك ولله الحمد في مناطق بلادك العزيزة، وإن كنت تنوي غير ذلك قف مع قول الشاعر:
أتفرح بالذنوب وبالمعاصي ... وتنسى يوم يؤخذ بالنواصي
قد تتساءل وتقول أين أقضي إجازتي ؟ أين أقضي وقت فراغي؟
أخي … يعتقد بعض الناس أن وقت الإجازة وقت لهو ولعب وأن تنظيمه والاستفادة منه يخالف ما من أجله وضعت العطلة .. ألست ترى معي يا أخي أن هؤلاء يعدون الوقت مشكلة ونقمة؟
أخي إذا كان عمرك في هذه الحياة محسوباً بالدقائق والأنفاس ، فإن معنى ذلك أن كل دقيقة تمضي من وقتك تبعدك عن الدنيا وتقربك للآخرة ، ومعنى ذلك أن الدقيقة التي تمضي من وقتك دون فائدة تعد خسارة، ووبالاً عليك .. قد تخسر بعض المال وتستعيده، قد تفقد شيئا وتجده لكن هل تستطيع استرداد ساعة من وقتك بعد فواتها؟
لم لا تستغل هذه الأوقات؟
في قراءة القرآن واستذكار ما حفظته.
في قراءة كتب نافعة.
في زيارة الصالحين.
في زيارة الأرحام والأقارب.
في زيارة المقابر.(72/4)
في زيارة المستشفيات سواء دور العجزة أو المعاقين أو المستشفيات العامة.
في الدعوة إلى الله في الهجر والبوادي.
في السفر إلى المناطق التي ليس فيها محاذير .
في السفر إلى بعض بلاد الفقيرة لتقديم المساعدة .
توجيهات هامة للمسافر
قدم الاستخارة فإن الله تعالى أجرى العادة بسلامة العاقبة عند حصول ذلك .
إذا حصل العزم ابدأ بالتوبة واخرج من مظالم الخلق واقض ما أمكنك من ديون وإذا تعذر القضاء استأذن من صاحب الدين .
اطلب رضا والديك والسماح لك بالسفر .
يستحب أن تكون الرفقة ثلاثة فاكثر .
من هدي النبي، صلى الله عليه وسلم، وتوجيهاته في السفر
وأخيراً: إليك أخي المسافر هذه القبسات من الهدي النبوي في السفر:
كانت أسفاره صلى الله عليه وسلم دائرة بين أربعة أسفار: سفره لهجرته، سفرة للجهاد وهو أكثرها، سفره للعمرة ، سفره للحج.
الخروج يوم الخميس، من أول النهار.
الدعاء عند الاستواء على دابة السفر، التكبير إذا علا ثنية، والتسبيح إذا نزل وادياً .
التعجيل بالرجوع إلى الأهل بعد قضاء الوطر من السفر، وعدم مفاجأتهم بالدخول عليهم ليلاً.
قصر الصلاة الرباعية، والفطر في شهر رمضان لمن كان سفره سفر طاعة .
فتاوى تهم المسافرين إلى الخارج
س بعض المسافرين عند سفره إلى بعض بلاد الكفر أو بلاد المسلمين التي ينتشر فيها السفور والتكشف، يتساهل بكشف امرأته لوجهها بل أحياناً تكشف شيئا من شعرها بحجة أن أحداً لا يعرفها، وإذا نصح قال: إنها لو تسترت كاملاً لكانت ملفتة للنظر، فما حكم فعله؟
ج فعله خطأ وجهالة، فإن الواجب عليه أن يأمرها بستر وجهها وشعرها وستر قدميها وساقيها ويجب عليه أن يمنعها من التكشف ولو كانت في بلاد غريبة ولو كان أهل تلك البلاد يستنكرون الحجاب أو إذا تحجبت لفتت أنظارهم بل حتى لو كانوا ينظرون إليها أو يصورونها عندما تستتر أو نحو ذلك.. كل ذلك لا يمنعه من أن يلزمها بالتستر والاحتجاب حسب الاستطاعة والقدرة . لكن في بعض البلاد حتى البلاد الإسلامية إذا رأوها متسترة منعوها من الدراسة ونحوها، وجعلوها مخيفة أو مرهبة وضايقوها مضايقة شديدة في كل مكان، فهنا قد يكون هذا عذرا لها في أن تكشف وجهها أو بعضه عند شدة الضرورة وبقدر الحاجة فقط من غير توسع في ذلك. الشيخ ابن جبرين
س هناك بعض العوائل التي تدعي التقدم والمدنية ترسل بناتها للدراسة في الخارج بمفردهن، فما حكم ذلك؟
ج هذا لا يجوز أبداً، فأين الغيرة والأنفة من المنكرات ومن إقرارها؟ لا شك أن هؤلاء الذين يرسلون بناتهم ليدربهن الكفار الرجال قد ذهبت الغيرة والحمية من نفوسهم فإنهم مسؤولون عن هؤلاء البنات، ولو طلبت البنت أصلا أن تذهب فذهابها محرم أنها تذهب مع غير حرم، ثم أنها تتعلم على يدي رجال أجانب عنها مع تعرضها للفاحشة والفتنة منها أو بها، زيادة على أنها تتأثر غالبا بفتن الشبهات التي لا يسلم منها مثلها في تلك البلاد. الشيخ بن جبرين.
http://www.aaraa.jeeran.com/islamic/kotob/figh-lilmosafreen.htm : المصدر(72/5)
لماذا يتزوّج الشباب المصري من مسنّات أوروبا؟
مروة حمزة - القاهرة
29/4/1429هـ الموافق له 5/05/2008م
قد تندهش عندما ترى شاباً في العشرين من عمره متزوجاً من سيدة أوروبية في الخمسين أو ربما الستين من عمرها، فلا يكاد يخلو شارع من شوارع المدن السياحية بمصر من عجوز أجنبية بصحبة شاب في العقد الثاني أو الثالث من العمر، فعلى سبيل المثال يؤكد المسؤولون بالمجلس المحلي لمدينة الأقصر التاريخية من أن 40% من أبنائها يتزوجون من أوروبيات مسنات، وبمباركة من أهاليهم، ونفس الشيء في مدينة شرم الشيخ الساحلية، ومدينة الغردقة.
وفي هذا التحقيق نحاول أن نعرف الأسباب التي أدت إلى تلك الزيجات، وهل هي ناجحة أم تكللت بالفشل في النهاية؟ فهناك أسئلة عديدة سنطرحها على أساتذة علم الاجتماع وعلماء النفس لكي نصل في النهاية إلى حلول لهذه الظاهرة، وختاماً سنتعرف على رأي ديننا الحنيف في هذه الزيجات.
مجرد صفقة:
في البداية تحدثنا إلى "محمود" (شاب في العشرين من عمره) تكلم معنا بكل جرأة وقال: "نعم تزوجت من عجوز أوروبية في الخمسين من عمرها؛ مقابل المال، فهي تدفع لي بسخاء، وقامت بشراء شقة وسيارة لي، وتعطيني مرتباً شهرياً كبيراً جداً، وبهذا المبلغ الضخم أساعد في تجهيز أخواتي، والذي دفعني لذلك أنه لا يوجد أي عمل في الوقت الحالي يوفر لي هذه المبالغ التي أحصل عليه، ولأنني أرفض أن أمارس الحرام أقوم بالتعرف على الأوروبيات سواء في عملي داخل الفندق، أو في أماكن تجمعهن بالنوادي والبارات، وبعد توطّد العلاقة أقوم بالزواج منها، وأطلب منها أن تساعدني بالمال، وأعدها أنني سألحق بها بعد أن نغادر إلى بلدها، وبمجرد أن تركب الطائرة أقوم بتطليقها".
أما سامي (36 عاماً)، وحاصل على بكالوريوس هندسة، وتزوج لأكثر من مرة من مسنات أجنبيات مختلفات الجنسيات، يقول: في البداية بعد تخرجي من الجامعة، وبعد أن أخفقت في أن أجد فرصة عمل بمؤهلي؛ لم أجد سوى العمل في مجال السياحة، متمنياً أن أتعرف على أي سيدة تريد الزواج من مصري، ولم تمر فترة طويلة حتى تعرفت على عجوز أوروبية تكبرني بعشرين عاماً، ومن البداية اتفقنا على أن تقوم بالصرف عليّ، وتعطيني كل ما أطلبه، على أن أسافر معها لبلدها، وفي المطار قمت بتطليقها، استمرت هذه الزيجات حتى حققت حلمي، وافتتحت مطعماً وهو ملكي الخاص، والآن أبحث عن فتاة مصرية كي أستقر معها، وأكمل باقي حياتي بجانبها، ولن أفكر ثانية في أي امرأة".
سحر اليورو:(73/1)
أما أحمد (29 عاماً) فيقول وبدون أي خجل: "أنا متخصص في الزواج من عجائز أوروبا، ولِمَ لا، وهن يدفعن لي بالدولار واليورو مبالغ لم تحققها لي أسرتي ولا شهادتي الجامعية؟ والسبب الذي دفعني لهذا أني حاصل على ليسانس حقوق، وبالطبع وقفت في طابور العاطلين حتى ضاقت بي الدنيا، فسافرت إلى الأقصر، وعملت في أحد الفنادق الكبرى، ومن هنا نصحني زملائي أن أبحث لي عن عجوز أوروبية كي أنعم بما ستعطيه لي من دولارات، وبالفعل أصبحت بالنسبة لي مهنة بجانب عملي في السياحة، وقمت بالتعرف على كثير من السيدات الأوروبيات اللاتي كنت أتزوج الواحدة منهن لفترة وبعدها أقوم بتطليقها بعد أن أكون قد حصدت ما أستطيع حصده، ومعظم زوجاتي كن في أعمار ما بين الخمسين والستين، والآن أنا متزوج من هولندية في الأربعين من عمرها"، وعندما سألته: هل ندمت على هذه الزيجات؟ قال بصراحة وجرأة: "لست نادماً على الإطلاق، بالعكس ندمت لأني لم أعمل في السياحة منذ تخرجي من الثانوية العامة، وانشغالي بالكلية التي لم أجن منها سوى شهادة الليسانس".
تذكرة عبور للغرب:
أما إبراهيم (33 عاماً) فيرى أن التعرّف على المسنات حقق له حلم حياته في السفر إلى القارة الأوروبية، ويقول: "ارتباطي بالزواج من امرأة أوروبية مسنة جعلني أحقق حلم حياتي في السفر إلى الغرب، وفي خلال خمس سنوات كنت قد حصلت على أوراق الإقامة الدائمة في بلدها الأوروبي، وأصبحت أعود لمصر وأسافر إلى أوروبا بكل سهولة، ولم أكن سأحقق هذا الحلم إلاّ بهذه الزيجة، وآجلاً أو عاجلاً سوف تنتهي هذه الزيجة التي اعتبرها مجرد تجربة ناجحة في حياتي".
طوق نجاة:
وبتوجّهنا للدكتور أحمد شاكر عبد الرحمن أستاذ في علم الاجتماع لتحليل هذه الظاهرة وتفسيرها أكد لنا أن معظم الشباب الذين يأتون إلى مدينة الغردقة أو شرم الشيخ أو أي مدينة سياحية يكون هدفهم الأساسي ليس العمل في مجال السياحة؛ ولكن البحث عن سيدة أجنبية للزواج، ولا يبالون بسن تلك السيدة، فهي تمثل البنك الذي يمدهم بالدولارات والعملات الأجنبية، ويقول د. عبد الرحمن: "فالعجوز الأوروبية بالنسبة لهؤلاء الشباب هي طوق النجاة الذي يحقق لهم جميع أحلامهم وطموحاتهم التي لم يستطيعوا تحقيقها منذ تخرجهم من الجامعة، وهي لا تطالبه بشبكة، ولا مهر، ولا أي متطلبات مادية، بل في سنة واحدة يحصل الشاب على مبالغ طائلة، خاصة في ظل هذه الظروف الصعبة، وأنا لا أعطي مسوغّات لهؤلاء الشاب، ولكني أحاول توضيح ما يفكرون به، فهذه الزيجات بالنسبة لهم - وإن كانت بالطبع غير متكافئة - إلاّ أنهم يرونها صفقة رابحة".(73/2)
وحول خطورة هذه الظاهرة يقول د. عبد الرحمن: "خطورتها تنعكس على المجتمع ككل؛ لأن الشباب يقلد بعضهم البعض، وستصبح هذه الزيجات مغرية لكثير من الشباب خاصة المحبطين منهم بسبب فشل المجتمع في منحهم العمل المناسب، وإخفاقهم في الزواج من فتيات في نفس أعمارهم؛ لطلبات الأهل التي لا تنتهي من شبكة ومهر وشقة، فأصبح الشاب يرى في هذه الزيجات كل المغريات، وهذه الزيجات ستؤدي إلى تزايد نسب العنوسة بين الفتيات اللاتي هن أولى بهؤلاء الشباب".
وعن إيجاد حلول لهذه الظاهرة يقول د. عبد الرحمن: "على المسؤولين في هذه المدن الساحلية إطلاق حملة للتوعية بأخطار الزواج من أجنبيات، ومواجهة الظاهرة، والحد من تناميها، ولابد وأن تتضمن الحملة الاستعانة بالعلماء والمؤسسات الإسلامية، ولجان المرأة بالأحزاب، ومؤسسات المجتمع المدني لإقناع الشباب في سن الزواج بأفضلية الاقتران بفتيات البلد المصريات".
بينما بالنسبة لمدينة الأقصر، ولأن شباب هذه المدينة أصبحوا يتركون الزواج من بنات بلدهم، ويتزوجون من أوروبيات سائحات في بلادهم مقابل المال أيضاً؛ فإن د.سمير فرج - رئيس المجلس الأعلى للأقصر - صرح أن نسبة زواج الشباب في المدينة من أوروبيات مسنات وغير مسنات في الفترة الأخيرة بلغ نحو 40% من أجل حلم الحصول على أموالهن، غير حلم السفر للخارج، وأكد د. فرج أن المجلس المحلي بمدينة الأقصر يسعى إلى الحد من ظاهرة الزواج من أجنبيات؛ بسبب انتشار العنوسة بين الفتيات، فلم يعد الشاب يتزوج من قريبته لارتفاع تكاليف الزواج، وتدهور الأوضاع الاقتصادية بصفة عامة، ورغبة الشاب في التخلص من الفقر، وأيضاً كتسهيل له للسفر إلى الخارج؛ فالشاب يعتقد أن زواجه من أوروبية سيحل كل مشاكله، وأشار د. فرج إلى أنه "لا بد من توفير فرص عمل للشباب في مدينة الأقصر كي يستطيع بناء حياته، وتكوين مستقبله".
مفاهيم وقيم غائبة:
وتوجهنا إلى الشيخ "خالد عبد الله" لتفسيره هذه الظاهرة من الناحية الدينية فقال: "أؤكد أولاً أن إقدام الشباب على الزواج من أجنبيات مسنة أو غير مسنة من أجل الانتفاع بمالها أو بجنسيتها يأتي نتيجة ظروف الحياة وتقلباتها؛ إذ أصبح العصر مادياً أكثر منه زمناً للقيم والفضائل، وطغيان الماديات وسيادة القيم الاستهلاكية هما المتهمان في انجراف الجيل الجديد وراء هذا المبدأ الذي يجعلهم يتزوجون وفق النظرة النفعية، ويتناسون الهدف الأسمى من وراء الرباط المقدس؛ فمن الضروري توعية الشباب تربوياً واجتماعياً بمفهوم الزواج الصحيح الذي يكفل دوام العشرة، ومن المهم تربية أبنائنا وبناتنا على القيم الفاضلة".(73/3)
وعن الحكم الشرعي يشير الشيخ خالد إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، هذا الحديث يحض على تفضيل الدين والأخلاق على المال والجمال، وقد أكد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الرجل الذي يتزوج امرأة لاستكمال دينه، ولغض بصره؛ يبارك فيه وفيها، ومن يتزوج امرأة لحسبها ونسبها لم يزده ذلك إلاّ ذلاً وفقراً، فهذا القول الحكيم يرينا أهمية الاختيار لمن أراد الزواج الذي يُراد به الدوام والاستمرار؛ لأن الزواج ليس نزوة أو مصلحة وتزول، بل هو أسمى من ذلك؛ ففيه سعادة الدنيا والآخرة وسكن النفس".
http://www.islamtoday.net/articles/show-articles-content.cfm?id=14&catid=155&artid=12543(73/4)
مخاطر السفر والوقاية منها
الخطبة الأولى
الحمد لله الحفيظ العليم؛ امتن ي، ونشكره على عباده بالنعم والخيرات، ودرأ عنهم السوء والمكروهات، وهداهم إلى نفعهم في الحال والمآل، ورزقهم الأمن والعافية والمال، نحمده على ما أعطانا ما على ما أولانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تفرد بربوبيته وألوهيته عن الأنداد والشركاء، وفي أسمائه وصفاته عن النظراء والأمثال، فتبارك اسمه، وتعالى جده، ولا إله غيره، سبحانه وبحمده. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ اصطفاه الله تعالى للعالمين نبيا ورسولا، وبعثه إلينا بشيرا ونذيرا؛ فعرَّفنا الطريق إلى ربنا، وعلمنا ما ينفعنا وما يضرنا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أعلى الله تعالى ذكرهم، ورفع قدرهم، وترضى عنهم، وجعلهم خيار أتباع خاتم رسله صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم -أيها المسلمون- بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، والحضر والسفر، وفي حال الضعف والقوة، والفقر والغنى، والمرض والصحة، والخوف والأمن؛ فإننا فقراء إلى الله تعالى، محتاجون إليه في كل شئوننا وأحوالنا، عاجزون عن تدبير أمورنا، فلا حول لنا ولا قوة إلا بربنا جل في علاه [يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى الله وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ] {فاطر:15-17}.
أيها الناس: من عظيم فضل الله تعالى، وامتداد نعمه على عباده أن سخر لهم الأرض وما عليها، فهم يسيرون فيها حيث شاءوا بأمر الله تعالى وتقديره [هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ] {يونس:22} وهيأ سبحانه لهم من المراكب ما ينقلهم في أسفارهم في برهم [وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] {النحل:8} وفي بحرهم [وَسَخَّرَ لَكُمُ الفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي البَحْرِ بِأَمْرِهِ] {إبراهيم:32}.
وفي عصرنا هذا فُتح للبشر في المراكب ما لم ُيفتح للسابقين منهم، في سرعة سيرها، وراحة مركبها، حتى بلغ الإنسان بها عنان السماء، وارتقى إلى الفضاء، وقطع من الفيافي والقفار في ساعات معدودة ما عزَّ على السابقين طيه في أشهر وسنوات، وهي المراكب الحديثة التي أشار الله تعالى إليها عقب ذكره جل وعلا ما عهده أهل الخطاب بالقرآن من الخيل والبغال والحمير فقال سبحانه [وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] {النحل:8} وهي السيارات والطائرات والقطارات، وما يستجد من المراكب إلى آخر الزمان.
وهذه الوسائل الحديثة التي قرَّبت المسافات، وخففت أعباء السفر ومشقته شجعت بني آدم على كثرة الأسفار، والارتحال بين البلدان لأغراض شتى، ومن طبع الإنسان محبته التجديد في حياته، والترويح عن نفسه وأهله وولده، واكتشاف ما لا يعلم من عجائب خلق الله تعالى، فكان ذلك من أهم أغراض السفر ومقاصده.(74/1)
والسفر قطعة من العذاب كما جاء في الحديث الصحيح، ومن عذابه ما يحتف به من مخاطر الطريق، واشتداد الغربة، وقلة المعين والنصير، وطمع المجرمين في المسافرين والغرباء، وكل هذه المخاطر تحيط بالمسافر منذ ذهابه إلى إيابه.
ومع وسائل المواصلات الحديثة زادت مخاطر الطريق على ما كان معهودا من قبل بسقوط الطائرات، وغرق البواخر، فيهلك من كان فيها.
وأكثر من ذلك حوادث السيارات التي تحصد الأرواح، وتفني الأسر، وتفجع الناس. وتزداد الحوادث، ويكثر الموت بها في المناسبات والإجازات بكثرة المتنقلين والمسافرين، وازدحام الطرق، واستعجال السائقين، والانخداع بإتقان صنعة المراكب وسرعتها، واستقامة الطرق واتساعها، حتى أفاد القائمون على المرور والطوارئ ومغاسل الموتى:«أن الناس لو علموا كم تحصد السيارات من الأرواح لهابوا سفرا بها» ولكنها حكمة الله تعالى في خلقه؛ فلا يرى أكثرهم الجنائز يؤتى بها إلى المقابر، ولا المصابين إلى الإسعاف، ولا يشهدون من تلك الحوادث المفجعة إلا ما وافقوه في طرقهم، وهو قليل بالنسبة لما لم يشاهدوه، ولم يعلموا عنه شيئا، فتوجل قلوبهم، وتتحرك ألسنتهم بالاسترجاع والدعاء، ولا يتعظون إلا قليلا ثم ينسون، ويسيرون كما سار غيرهم، ولا حافظ إلا ربنا جل جلاله، ولا يقع شيء إلا بأمره.
إن الحافظ هو الله تعالى؛ كما قال سبحانه [وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ] {سبأ:21} وقال يعقوب عليه السلام لما فقد يوسف وخشي أن يفقد أخاه معه [فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ] {يوسف:64}.
وقد أوكل عز وجل بالعباد ملائكة يحفظونهم من المخاطر والمفاجئات؛ كما قال سبحانه [وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً] {الأنعام:61} وفي آيةٍ أخرى [لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله] {الرعد:11}.
ولا أحد يحفظ من الله تعالى [قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ] {الأنبياء:42} وفي آية أخرى [قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً] {الأحزاب:17} وفي آية ثالثة [قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا] {الفتح:11}.
وأولى الناس بحفظ الله تعالى ورعايته في حلهم وترحالهم، وفي حال الأمن والخوف هم من حفظوا أوامر الله تعالى ففعلوها، وحفظوا نواهيه فاجتنبوها؛ كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عباس رضي الله عنهما:«يا غُلَامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ الله يَحْفَظْكَ احْفَظْ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ» رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وفي حفظ الأوامر قولُ الله تعالى [وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ] {المؤمنون:9} وقد جاءت في القرآن ثلاث مرات مما يدل على أهميتها، وفي حفظ النواهي قولُ الله تعالى [وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ] {المؤمنون:5} وتكررت في القرآن مرتين.(74/2)
والسفر مظنة تضييع الأوامر والنواهي؛ لغياب الرقيب من الناس، وكثرة الانشغال والانصراف إلى اللهو والترويح.
إن الإنسان في بلده تقيده عما لا ينبغي فعلُه قيود كثيرة يتحرر منها في سفره فلا يبقى إلا مراقبة الله تعالى، فظهور حفظ العبد لله تعالى وأوامره ونواهيه في السفر أكثر من ظهوره في الحضر؛ لتحرر العبد من القيود، وغياب الرقيب من البشر، فكان السفر امتحانا للعبد في صدقه مع الله تعالى، ومراقبته له، وحفظه لأوامره ونواهيه، بحفظ بصره عما حرم الله تعالى، وحفظ سمعه عن سماعه، وحفظ رجليه عن الذهاب إليه، وحفظ سائر جوارحه عن الحرام وقد روى أبو مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من حَفِظَ ما بين فُقْمَيْهِ وَفَرْجَهُ دخل الْجَنَّةَ»رواه أحمد، ورواه البخاري عن سَهْلِ بن سَعْدٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من يَضْمَنْ لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ له الْجَنَّةَ»
وإذا حفظ العبد ربه حفظه الله تعالى «احْفَظْ الله يَحْفَظْكَ» وحفظ الله تعالى للعبد يكون في دينه ودنياه؛ فيحفظ عليه دينه، ويعينه على نفسه وشيطانه، فيعبد الله تعالى في سفره كما يعبده في حضره، ويقيم دينه حال غيبته عمن يعرفونه كما يقيمه في حضرتهم، وإذا نازعته نفسه على ارتكاب شهوة محرمة في حال ضعف كان من حفظ الله تعالى له صرفه عنها، أو عدم قدرته عليها. ويعينه الله تعالى على حفظ سمعه وبصره وسائر جوارحه عن المحرمات، فلا يأسره شيء منها وإن أسر غيره، ويحفظه الله تعالى في نفسه من كوارث السفر ومخاطره، ويحفظ ماله من الضياع والسرقة، ويحفظ أهله وولده فلا يفجع فيهم، ويحفظ الله تعالى عليهم دينهم وأخلاقهم بصلاح والدهم ودعائه، ومراعاته أوامر الله تعالى في نفسه وأهل بيته؛ لأنه قد حظي بمعية الله تعالى له في سفره، ومن كان الله تعالى معه فلن يخشى أحدا، ولن ينال عدو منه شيئا، وقد قال الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام وهما يواجهان أطغى الطغاة، وأقسى الجبابرة [لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى] {طه:46} وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنهما في سفر الهجرة وقد أطبق المشركون عليهما من كل جانب، قال:«ما ظَنُّكَ يا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا»رواه الشيخان.
ألا فاتقوا الله ربكم في حلكم وترحالكم، واحفظوا دينكم في إقامتكم وأسفاركم؛ فحاجتكم إلى دينكم أعظم من حاجتكم إلى طعامكم وشرابكم ونفسكم، واعلموا أنكم مفتقرون إلى ربكم رغما عنكم؛ فإن قبلتم فقركم له، وسلمتم الأمر إليه، وأسلمتم له قلوبكم وأعمالكم أغناكم وحفظكم في أنفسكم وأهلكم وأولادكم، وإلا كان الهلاك والشقاء في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ * أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ] {الملك:20-21}(74/3)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ] {البقرة:281}
أيها المسلمون: أكثر الناس يحرصون على الأسباب المادية لاتقاء الحوادث والفواجع ولا سيما في الأسفار، ولكنهم يهملون الأسباب الشرعية، وهي أهم وأولى بالرعاية والمحافظة من الأسباب المادية، والجمع بينهما سبب لحفظ العباد ووقايتهم.
ومن الأسباب الشرعية لحفظ المسافرين ووقايتهم من مفاجئات الطريق، ومخاطر السفر؛ حسن توديع القرابة للمسافر بالدعاء الوارد في حديث قَزَعَةَ بنِ يحيى البصري رحمه الله تعالى قال: قال لي ابنُ عُمَرَ:«هَلُمَّ أُوَدِّعْكَ كما وَدَّعَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ» رواه أبو داود، ورواه ابن حبان عن مُجَاهِدٍ رحمه الله تعالى قال:«خَرَجْتُ إِلَى الْعِرَاقِ أَنَا وَرَجُلٌ مَعِي فَشَيَّعَنَا عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَنَا قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ أُعْطِيكُمَا وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا اسْتُوْدِعَ اللهُ شَيْئًا حَفِظَهُ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكُمَا وَأَمَانَتَكُمَا وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكُمَا» .
وهذا التوديع العظيم فيه دعاء بحفظ المودَع في أموره الدينية والدنيوية، ولا يحسن بالمودِعين للمسافرين الغفلة عنه .
وإن سافر دون أهله وولده فما أشدَّ حاجته إلى حفظهم حال غيبته عنهم فَيُوْدِعُهُم الله تعالى وهو خير حفيظ، قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه لِرَجُلٍ:«أُوَدِّعُكَ كما وَدَّعَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: اسْتَوْدَعْتُكَ الله الذي لاَ يُضَيِّعُ وَدَائِعَهُ»رواه أحمد.
والمحافظة على دعاء السفر مع فهم معانيه واليقين بما فيه سبب شرعي لحفظ المسافر فقد جاء فيه التعوذ بالله تعالى من «وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ في الْمَالِ وَالْأَهْلِ» وفي هذا استعاذة من المشقة والتعب، ومما يورث الهم والحزن، ومن أي سوء يصيب الأهل والمال.
وينبغي للمسافر أن لا يُفَرِّط في أدعية الصباح والمساء والنوم وأدبار الصلوات التي قد يشغله عنها شاغل، وهو في حال سفره أشد حاجة إليها من حال إقامته؛ لكثرة ما يحيط به من مفاجئات السفر ومخاطره، ومن قرأ آية الكرسي لا يزال عليه من الله تعالى حافظ ولا يقربه شيطان.(74/4)
ومن الأدعية النافعة لحفظ النفس والولد ما جاء عن عُثْمَانَ رضي الله عنه قال سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:«من قال في أَوَّلِ يَوْمِهِ أو في أَوَّلِ لَيْلَتِهِ بِسْمِ الله الذي لاَ يَضُرُّ مع اسْمِهِ شيء في الأَرْضِ وَلاَ في السَّمَاءِ وهو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لم يَضُرَّهُ شيء في ذلك الْيَوْمِ أو في تِلْكَ اللَّيْلَةِ »رواه أحمد
وعموم الدعاء ينفع العبد، فيرد القدر، ويدفع البلاء، ولا سيما الأدعية التي فيها تعوذ من البلاء؛ كما في حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال:« كان من دُعَاءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ»رواه مسلم.
وبر الوالدين، ووصل الأرحام، والإحسان إلى العباد، وإعانة المحتاجين بمال أو مشورة أو شفاعة أو غيره أسباب شرعية لحفظ العبد في نفسه وأهله وولده، كما ورد في الحديث أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالبعثة فخافه وقال لِخَدِيجَةَ رضي الله عنها:«لقد خَشِيتُ على نَفْسِي فقالت خَدِيجَةُ رضي الله عنها: كَلَّا والله ما يُخْزِيكَ الله أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ على نَوَائِبِ الْحَقِّ»رواه الشيخان.
والناس يغفلون عن الصدقة وهي من أهم أسباب الحفظ؛ كما جاء في حديث أبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ وَصَدَقَةُ السِّرِّ تطفئ غَضَبَ الرَّبِّ وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ في الْعُمُرِ»رواه الطبراني بسند حسن. وفي حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ عن مِيتَةِ السُّوءِ»رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
فحري بالمسلم أن يأخذ بهذه الأسباب الشرعية مع عنايته بالأسباب المادية ليحفظه الله تعالى في حضره وسفره، ويحفظه في أهله وماله وولده[فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ] وصلوا وسلموا على نبيكم...(74/5)
مسكين أنت أيها اللبناني
د. نهى قاطرجي
مسكين أنت أيها اللبناني...عنوان قد يشعر القارئ بمضمونه قبل أن يقرأ محتواه، ما الجديد الذي يمكن أن يأتي به هذا المقال أكثر من المشاعر الملتهبة والاستنكار الصارخ من شعب عانى الأمرين من ظلم العدو الطامع دوماً في أرضه ومياهه؟ ما الجديد الذي يمكن أن يأتي به والناس أصبحوا يرون ويشاهدون بأعينهم وفي اللحظة نفسها ما يجري في هذا البلد الذي لا تتعدى مساحته الـ 10452 كم مربع... هذا قبل أن يقرض اليهود بعضا من كيلومتراته...
مسكين هذا الشعب اللبناني ومن قبله الشعب الفلسطيني والعراقي والأفغاني، ومن بعده المصري والسعودي والقطري وكل مسلم يعتقد بأن بالسعادة تأتي عن طريق إنجاب الأولاد وجمع الثروات والتلهي بشؤون الدنيا، لذلك نجد كثيراً من أبناء هذا الشعب يرفضون الحرب الدائرة على الأراضي اللبنانية اليوم ويتمنون لو يستطيعون أن يبرموا اتفاقية سلام مع العدو معتقدين بأن هذا سيحميهم من بطشه وجبروته من جهة، ويجعلهم يعيشون آمنين سعداء في وطنهم وأرضهم من جهة أخرى. وقد تناسى هؤلاء أنهم يتعاملون مع أمة ضالة عرفت منذ فجر التاريخ بالغدر والخيانة ونقض العهود، لذا فتصرفها اليوم لا ينتج عن خطف أسير أو قتل جندي بل وفق أسطورة تاريخية تدعو إلى بناء دولة يهودية من النيل إلى الفرات تكون مقرا نهائيا لكل يهود العالم. لذلك تجدها تتحين الفرص لتحقيق حلمها عند أول مناسبة...
إن إسرائيل، وإن كانت تعلم علم اليقين بأنها لن تنجح في محاولتها بفرض الاستسلام على الشعب اللبناني، وبأنها ستلقى مقاومة عنيفة من أبناء هذا الشعب، ولكنها على الأقل ستستمر في منعه من العيش بسلام وكرامة، وتدفع بالكثير من أبنائه إلى الهجرة للتخلص من وحشية دولة لا يدري متى تقرر أن تهاجمه وتهدم ما بناه لسنوات طوال...
مسكين هذا الشعب اللبناني لسببين: الأول أنه وإن تمتع بهذه الزينة على الأرض لبعض الوقت، إلا أن هذا لن يدوم، لأن اليهود بالمرصاد وهم لا يحاربون بالسلاح فقط ولكن بالاقتصاد أيضا، وهم لا يؤمنون بحق الشعوب في الحياة لأنهم بنظرهم غوييم من الجنس الأدنى، خلقوا لخدمة هذا الشعب الآري المميز "شعب يهود". لذلك يسيطر أغنياء يهود على مقدرات العالم وخاصة في الدول الكبيرة وهم يستخدمون الاقتصاد سلاحاً يضغطون بواسطته على حكام الولايات المتحدة من أجل الحصول على دعمهم العسكري والأمني...(75/1)
أما السبب الثاني فإن من يفكر بالعيش بسلام فهو مسكين أيضا، لأنه يفكر بمنطق مخالف لسنن الله في الأرض. والله - سبحانه وتعالى - لم يخلق الإنسان في هذا الكون لإعمار الأرض ماديا فقط ولكن لينشر دين الإسلام، وهذا لا يكون دوما بالحوار والسلام بل بالحرب والقوة وإعداد العدة... فأين هذا المنطق من منطق كثير من مسلمي اليوم في لبنان وفي بعض الدول العربية التي تحكم بشرع الله... وأنا أتحدث هنا في الغالب عن الدول التي أبرمت معاهدات السلام أو تنتظر إبرامها. أين هؤلاء من قول الله - تعالى -: " لن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم" فهل يعتقد هؤلاء بأنهم إذا حافظوا على الصلوات وكافة العبادات قاموا بواجبهم تجاه دينهم وربهم... وهم بذلك يحافظون على إسلامهم ولم يتبعوا اليهود ولا النصارى، فهل تناسى هؤلاء بأن تصرفاتهم تدل على عكس ذلك، فما الفرق بين أي أميركي يعيش في أميركا وبين ذلك المسلم الذي يرضى أن تحكمه دولة مثل أميركا وهي التي قتلت المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان، وهي التي تدعم أكبر دولة إرهابية وتمدها بالسلاح وتدافع عنها أمام المجتمع الدولي، وهي التي ترفع سلاح الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد أي مشروع يمكن أن يدينها أو يهز من مشاعرها...
مسكين أنت أيها المواطن اللبناني الذي لم يشهد في تاريخه سوى الحروب والدمار، وهو وإن لم يعش المعارك العسكرية على أرضه في بعض الفترات، فإنه يشهد تلك الحرب الباردة على طاولات الحوار وفي جلسات البرلمان، والتي تكلفه من أعصابه أكثر مما تكلفه الحروب من أمواله، لذلك كفر هذا الشعب بحكامه ورؤسائه الذي يتبع كل واحد منهم لدولة يتحدث بلسانها وينقل برامجها وخططها.. لقد أدى التناقض في تركيبة الدولة وفي النظم الطائفي إلى استغلال دول العالم القريبة والبعيدة هذا التناقض من أجل زيادة حدة الانقسامات الداخلية لتنفيذ مآربها الخاصة... كل هذا والمواطن اللبناني مشغول بلقمة عيشه التي ضاقت يوما بعد يوم إلى أن دفعته للتخلي عن هويته اللبنانية واستبدالها بأخرى كندية أو فرنسية أو استرالية أو أميركية، يستعملها أثناء الحاجة كما هو الحال اليوم مع البعض النازحين الذين ناشدوا الرئيس ميتران والرئيس بوش إنقاذهم، فقال أحدهم " نحن مواطنون أميركيون نطالب الرئيس بوش بإنقاذنا". والحديث باللغة العربية طبعا. وإن كان المتحدث أبدى استعداده للحديث باللغة الانكليزية كي يصدقه الرئيس بوش، وقالت أخرى معترضة على عدم اهتمام السفارة الكندية برعاياها: " لقد تبين لنا اليوم أننا مواطنون من الدرجة الثانية".(75/2)
مسكين أنت أيها اللبناني الذي تنتظر الدعم والنصر من دول العالم الغربي، بينما في الحقيقة لست أول شعب يقتل ويباد فلقد سبقك الفلسطيني والعراقي وهاهو دورك الآن يأتي لتقف أمام عدسات مصوري العالم الذين يتسابقون في نقل مناظر الدم والجثث عبر الأقمار الاصطناعية.. كل هذا والعالم ينظر بإمعان وكأنه يشاهد فيلماً من أفلام الرعب التي تنتجها هوليود وتكلفها ملايين الدولارات، وهو إذا أخذته النخوة رفع صوته بالاستنكار في بعض الأحيان وبتقديم المساعدات في أحيان أخرى... وكأن من يقتل ليس بإنسان، مع أن هذه الدول نفسها تتبجح بدفاعها عن حقوق الإنسان وتبرم الاتفاقيات الدولية التي تحمي المدنيين أثناء الحروب، أين تطبيق هذه الاتفاقيات في لبنان وقبلها في فلسطين, وأفغانستان, والعراق؟ أين حماية حق المدنيين والناس يقتلون في هذه الدول مثل الجراد؟ أين كل هذا إن لم يكن مجرد شعارات واهية لا تطبق إلا على الدول الفقيرة والنامية ودول العالم الثالث والتي من بينها دول العالم العربي والإسلامي؟
أخيرا، مسكين أنت أيها اللبناني التي تفتخر بعروبتك وتنتظر الدعم من حكام وشعوب الدول العربية العاجزين حتى عن حماية أنفسهم، فالحكام مشغولون بحماية كراسيهم، والشعوب إما مقموعون عاجزون عن الوقوف في وجه حكامهم، وإما مشغولون بزيادة أموالهم التي كان للحرب فضل في زيادتها، " فمصائب قوم عند قوم فوائد"، وإن كانت خسارة بعض هؤلاء أكبر، فهم خسروا بلدا كانوا يعتبرونه متنفسا لهم ينفقون فيه أموالهم في وجوه العصيان والفسوق المنتشرة بكثرة في بلد قائم على " السياحة".
ما ورد سابقا يمثل صورة من صور هذا الشعب المسكين، ولكن ما لا يجب أن ننساه أن هناك في الجانب الآخر صورة مشرقة لذلك اللبناني المقاوم الذي رفض الاستكانة والذل وأدرك من هو عدوه الحقيقي ووجه حربه ضده وكسر بذلك أسطورة جيش لا يقهر.
http://www.abdelghafar.com المصدر:(75/3)
مصايف لبنان
د. نهى قاطرجي
إذا كان أذان المغرب يعتبر إيذاناً من الله - عز وجل - بانتهاء النهار وتعبه وبدء الليل وسكونه، وذلك وفقاً لما جاءت به الآية الكريمة: " وجعلنا النهار معاشاً * وجعلنا نومكم سباتاً "، سورة النبأ، الآيتان 9، 10 فإن أذان المغرب في بعض مصايف لبنان يعدّ إيذاناً ببزوغ نهار جديد تبدأ ملامحه بالوضوح بعد صلاة العشاء ليصل إلى ذروته بعد الساعة الثانية عشر ليلاً، ولينتهي مع صوت المؤذن وهو يصدح بأذان الفجر.
إن هذا الوضع باتت تتسابق على تطبيقه مصايف لبنان والذي يعتبره البعض عملاً إيجابياً لما فيه من تشجيع للسياحة، وباتت البلديات تنفق لأجله الأموال الطائلة، كما تقدم من أجل تشجيعه التسهيلات العديدة لأصحاب رؤوس الأموال من أجل استثمار أموالهم في مناطق أراضي هذه البلديات.
إن مما يُلحظ في هذا الموضوع هو اقتصار الخدمات السياحية، في مفهوم البعض، على المقاهي والمطاعم والنوادي الليلية المختلفة الأشكال والديكورات والأسماء، حتى أن بعض هذه المقاهي لم تعد تكتف باحتكار البر بل انتقلت إلى البحر والسماء، في محاولة منها لجلب أكبر عدد من الزوار، فتجد هنا سفينة راسية يخدمها بحارة يعملون على تأمين الراحة للمسافرين... وهناك مطعم استعار من الجنة اسمها، وحوّل اللبن المصفى إلى خمر ومنكر... وهنالك...
إن هذا الوضع الذي يزداد خطورة سنة بعد سنة يستدعي منّا وقفة محاسبة أمام محاولة البعض تلبيس الحق بالباطل عبر الادعاء بأن ما يحدث هو ظاهرة سياحية، وأنه لو لم يكن الأمر كذلك لفقد الوطن نسبة كبيرة من الدخل الذي يحتاجه لسد العجز المالي الذي يعانيه، ولتحولت بالتالي تلك السياحة إلى بلدان ومناطق أخرى يجد فيها السائح سعادته وينفق فيها ماله، وأن السياحة تعتبر مورداً أساسياً للبنان الذي لا يملك من الموارد الصناعية والتجارية والزراعية ما يملك منها غيره، لذا تميّز لبنان عن غيره بالخدمات السياحية والمناخ اللطيف.
وفي محاولة لردّ مزاعم هؤلاء نقول ما يلي:
1- كذب الادعاء بأن ما يحصل ليس بأمر جديد، إذ إن هذا أمر لا يمكن الأخذ به على إطلاقه، ذلك لأن الفساد والإباحية المنتشرَين اليوم لم يُعرفا على هذا النحو من الوضوح والمجاهرة من قبل، فلقد كان للسهر ولفعل المنكرات أماكن خاصة معروفة مستترة عن الأعين، لا يدخلها إلا من يقصدها، في حين تبقى المناطق الأخرى في منأى عن الفساد، مما يتيح للسائح الذي يبحث عن السياحة الحقيقية الموجودة في الطبيعة والمناخ المعتدل أن يقضي عطلة ممتعة في ظل إحساس تام بالأمان له ولعائلته.(76/1)
أما اليوم فلا يستطيع هذا السائح، كما المواطن، أن يمنع حواسه عن رؤية وسماع المنكرات المنتشرة قسراً أمامه... وإن فكّر في هذا الأمر فمن المؤكد أنه سيضطر إلى أن يصاب بتشنج عضلي نتيجة اضطراره إلى غض البصر الدائم، وذلك لأن الإباحية في اللباس المقترنة بالموضة لم تعد مقتصرة على فئة معينة من النساء، بل هي ظاهرة عامة تكاد تكون مشتركة بين فئة كبيرة من النساء على مختلف مشاربهم وطوائفهم وأعمارهم... هذا إضافة إلى الإباحية في تصرفات الشباب والفتيات الذين يملأون مقاعد المقاهي، والذين لا تتجاوز أعمارهم في بعض الأحيان أعمار الورود...
ويضاف إلى ذلك أبواق المعازف والأغاني التي تصل آفاقها قسراً إلى داخل البيوت، والتي لا تخلو من الإباحية هي أيضاً... خاصة مع قيام بعض المغنين، مسايرة للسهارى، بتحويل بعض الكلمات إلى أخرى تتوافق مع مناخ السهرة... فيتحول الشاي إلى خمر... والغزل إلى إباحية... فكيف يستطيع المرء أن يمنع نفسه من سد آذانه عن السماع... وهو إن نجح في ذلك فكيف سيستطيع أن يسد أذني عائلته وأبناءه عن السماع؟
2- العمل على مراعاة مطالب فئة معينة من الشباب الضائع... وإهمال لمطالب فئة كبيرة من الناس، سواء من داخل البلاد أو من خارجها، الذين يرفضون هذا الوضع، ويسوؤهم ما وصل إليه هذ البلد من فساد وفجور انعكس سلباً على سمعة البلد الخارجية التي تتبرع بنقلها محطات تلفازية أرضية وفضائية إضافة إلى بعض الصحف والمجلات، حتى بات أي شخص من خارج البلد يستغرب إذا علم بوجود مسلمين متدينين ملتزمين في هذا البلد... ولقد وصل الاستغراب بأحدهم، وهو المهاجر المقيم بإحدى الدول الأوروبية المنفتحة، أن أكد بأن الإباحية الموجودة في هذا البلد لا توجد في تلك البلاد نفسها التي تعتبر المصدّرة والسبّاقة في نشر الفساد.
أما على الصعيد الداخلي فقد انعكس هذا الوضع على المواطن اللبناني خوفاً وقلقاً على القيم والأخلاق الأسرية والاجتماعية التي يؤمن بها ويربي أبناءه عليها، إضافة إلى إحساسه بفقدان أدنى حقوقه الوطنية والإنسانية، ومن أهمها الحق بالراحة والسكون، ذلك لأن السائح الذي يأتي للوطن لفترة محددة، يكون في الغالب متفرغاً للسياحة والاستجمام، ينام متى يشاء ويستيقظ متى يشاء، أما ابن البلد فلا يستطيع ذلك، لأنه ملتزم بعمل يومي يحتاج نتيجته للتزود بقسط من الراحة كي يواصل عمله بشكل طبيعي في اليوم التالي، الأمر الذي لا يتوافر خلال فترة الصيف مما ينعكس سلباً على المواطن وعمله... وإذا أخذنا بعين الاعتبار ذلك الإنسان المريض الذي يحتاج إلى الراحة يمكن أن ندرك معاناة هذا المواطن المسكين.(76/2)
نقطة أخيرة من المفيد الرد عليها والتذكير بخطورتها في هذه المرحلة، وهي ادعاء البعض بأن ما يجري ليس جديداً على هذا البلد، فلقد كانت هذه المناطق طوال عهدها، وقبل الحرب الأهلية، مشهورة بخدماتها السياحية وبحفلاتها التي يحضرها أشهر المطربين والمغنين... وقد تناسى هؤلاء أو جهلوا أو بالأحرى لم يعتبروا بما نتج عن تلك الحرب من خراب هائل قضى على البنى التحتية ومعظم البنى الفوقية لتلك المناطق، والتي احتاجت إلى سنوات طويلة كي يعاد إعمارها من جديد... ألا يستحق ما حصل سابقاً أن يقف المرء وقفة تدبر مع الأسباب وراء هذا الدمار الذي ظهر في تلك المناطق، والتي تظهر معالمها في الآية الكريمة: " إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليه القول فدمرناها تدميرا"، سورة الإسراء، آية 16.
http://saaid.net المصدر:(76/3)
مع إقبال الإجازة الصيفية
سليمان السبيعي
أقبل الصيف وبدأت الاستعدادات للترويح عن النفس، وبدأ التخطيط لرسم وجهات سياحية جديدة في عالم رحب، استنفار من جميع أفراد الأسرة، حصر لجميع الاحتياجات، تنظيم لكل الحجوزات، وقبل ذلك ادّخار منذ شهور عدة لتكاليف الرحلة، كم هو جميل هذا التنظيم المقنن، وكم هو حسن أن نخطط بوقت كافي لقضاء إجازتنا الصيفية، والتي يستعد الجميع من خلالها أن يعيشوا أيام سعيدة فتُنسي الآباء هموم العمل والأبناء متاعب الدراسة، ولكن إن المتمعن لتلك السفريات السياحية يجد أننا ننفق خلالها مبالغ طائلة ونأكل من رصيد حساباتنا المخزنة، فنصرفها بلا ندم بل يكاد يكون السفر من الأشياء القليلة التي يبذل فيها المرء المال وهو يرسم على شفتيه الابتسامة كاملة وله حق في ذلك، ألسنا نجمع الأموال من أجل أن تسعدنا وهذه أحد سبل سعادتنا، و لكن لعلي أعرج بكم على سياحة أخرى، و عالم آخر نحلق فيه بارتفاعات منخفضة ونستطلع فيه أمور مهمة، وهي سياحة تستحق أن نسترعيها بعض اهتمامنا، حتى تكتمل كل سعادتنا، فهيّا بنا نحلق في سبيل آخر من سُبل السعادة وطريق آخر من طرق الخير والتي يجب أن نستحضرها ونحن ننفق الأموال الطائلة في سياحتنا الصيفية..
1 - إن أجمل ما نقضي فيه السياحة ما قرناه بطاعة، فيا رعاك الله فكر بأمرك قبل أن تجزم حقائبك، هل قمت بأهم سياحة ربانية واجبة مع القدرة وهي عمرة أو حجة لبلاد الله المحرمة، أو أرويت العين بروضة الرسول - عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم -، فكر بأمرك قبل أن تعقد أمر سفرك، وتذكر حالك قبل أن تعزم على وجهتك وتحدد اتجاهك، فإذ لم تكن أديت من قبل شعيرة العمرة ولم تنعم بالزيارة فهل جعلت طريق سفرك وبداية رحلتك من تلك المناطق أو تمر بتلك البقاع والتي هي أفضل البقاع على الأرض، أسأل كل مجرب، وأسأل كل مسافر، وأقرأ أعظم الرحلات، فلن تجد خلال حديثهم أو سطورهم أجمل من تلك المناطق، فبادر بها - أخي الحبيب - قبل أن تقترب منك شمس المغيب وأنت لم تملأ العين من أرض الحبيب.
2 - يغيب بعض الآباء بسياحة خاصة منفرد أو مع بعض أصدقائه لينعم برحلته دون أهله، فهل تذكرنا الصغار الذين تركناهم بين الجدران، وهل فكرنا بالشقائق ممن يكابدن من أجلنا أمور الحياة.رتب سفرك مع عائلتك واحتسب ما تنفقه على أهلك في سبيل الله، فهو خير سبيل تنفق فيه الأموال.
كما في قوله: «الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كانت له صدقة » [الصحيحين].
3 - قد ينفق بعض الأخوة الأموال الطائلة في السياحة وسبل الترفيه، وينسون أو يؤجلون أو يتساهلون في ركن من أركان الدين الواجبة، وهي فريضة الزكاة، والتي قرنت بالصلاة، وهي حق رب العالمين من أموالنا، ومن أجلها أو نسيها أو تساهل بها فليبادر لإجابة رب العالمين وتتميم هذا الركن العظيم، والتي قد يثقّلها الشيطان في أنفسنا برغم أنها قد تكلفنا شيئاً يسير من أموالنا السياحية والأموال المصروفة برحلات السنوية.(77/1)
4 - من السياحة السعيدة أن تختار الأماكن الفاضلة، وتبتعد عن مواطن الريبة، وأن تختار لنفسك وأهلك ما يرضاه ربك، فكم من إنسان اختار أقصى الأرض ليسعد أبناؤه فكان اجتهاده سبباً لهلاك أخلاقهم، وموت العفة في نفوس بناته، وبداية الشرارة التي تكاد أن تأكل الأخضر واليابس في أسرته، وأعلم أن مناظر العري والتفسخ والانحلال هي صور يختزنها الصغار وتعلق في نفوسهم مدى الحياة، وهي تأجج الفتنة في صدور الكبار مدى الحياة، وتجعلهم يبحثون فيما يطفئ تلك النار.
فاختار المناسب لك ولهم وضع أمراً هاماً أمام عينك دائماً فتذكر (أنهم أمانة في عنقك).
5 - في كل قارة هناك سياحة قلبية، فنعيش مع من نحب بكل آمالهم وآلامهم، وهذه تعتمد على تفقد إخواننا في الدين في كل قارة من القارات، القارة السوداء والقارة الصفراء والقارة اللاتينية، وفي كل شبر على هذه الأرض نجد فيه موطأ قدم ونفس مسلم من إخواننا في الدين، فمن باب البذل والتآخي أن لا ننسى إخواننا في تلك القارات من بذلنا وعطائنا، فلعلنا نبذل بعض الشيء الذي ننفقه في رحلاتنا لمن يقومون ببذل أنفسهم للدعوة إلى الله في تلك المناطق، فلنقتص من أموالنا السنوية ما نكفل به الدعاة الذين لا يفترون عن بذل أنفسهم وأوقاتهم لله - سبحانه وتعالى -، فتجدهم يتنقلون بين أطراف الأرض من أجل أن يرسخوا العقيدة الحقه، وينشروا الدين القويم، فمبلغ يسير يجعلك في صف هؤلاء، ومبلغ يسير تقتطعه من مالك يجعلك تفوز بمهنة الأنبياء، ويجعلك تدعو إلى الله وأنت تنعم بسعادة كاملة بين أبنائك وأسرتك في بيتك أو رحلتك.
6 - المسجد في الإسلام له أهمية بالغة، فهو مكان للعبادة، وملتقى للدعاة، ومركز للحلق، وركيزة من ركائز نشر الدين، ناهيك عن أنه مكان لاجتماع أهل البلد والحي، ففيه تلتقي النفوس مع باريها والأخوة مع أخوتهم، فبذل المال والمشاركة ببناء المساجد يجعلك ممن يدخل قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: « من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة ».
7 - الوسائل الحديثة والاتصالات السريعة والإعلام الفضائي أتاح أمام الجميع أن يتنقل ويحلق في الفضاء كيفما يشاء، وأن يصل صوته وحسه الإيماني إلى كل مكان، فهل فكرنا أن نسيح عبر النت بالتوجيه والإرشاد والنصح، وأن نكتب ما يبقى في عقبنا ويخلد لنا أعمالاً تزيد من رفعتنا، ونعمل عملاً يصب في ميزان حسناتنا.
8 - وهل قمنا بدعم الإعلام الإسلامي الناصح الصادق، عبر المشاركة في دعم القنوات الفضائية الإسلامية ودعمها بالاشتراك بها والمشاركة بالنصح والتوجيه أو على الأقل بدعمها من خلال توجيه الناس إليها وبث برامجها القيمة إلى الناس، أو المشاركة عبر رسائل قصيرة بناءة تفيد القارئ وتدعم القناة مادياً، أو المشاركة بالآراء السديدة عبر مواقعهم عبر الانترنت، فلا تحقرن من المعروف شيئاً وابذل واحتسب ذلك عند الله فهو مخلوف معوض بإذن الله - تعالى -.(77/2)
9 - المشاركة بدعم المواقع الإسلامية عبر الإنترنت ومواقع العلماء، وذلك عبر كتابات واقتراحات وآراء يتم فيها التصحيح والتوجيه والتنبيه والنصح والإرشاد، وكذلك من الممكن أن يتم المشاركة عبر رسائلهم المبثوثة عبر رسائل الجوال، و التي تكلف تقريباً 12 ريال شهرياً، فمنك دعم وبذل ومنهم تنبيه وإرشاد.
10 - هل اقتطعنا من مبالغنا جزءاً لدعم حلق القرآن الكريم وتعليمه، وبذل ذلك في سبيل الله، ففضل تعليم القرآن وتدريسه فضل عظيم يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: « خيركم من تعلم القرآن وعلمه » [رواه البخاري]، فهذا أجر وفير وكنوز تبقى ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
11 - كفالة يتيم تكلفنا جزء يسير من مبلغ رحلتنا، ونسعد عبرها بأن رسمنا السعادة على وجوه أيتامنا، فمن حقهم علينا أن نفكر بهم وأن نتلمس حاجاتهم، وأن نقف معهم في حياتهم، فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يدعونا لذلك، فعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا »، وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما... [رواه البخاري].
12 - الصدقات على المحتاجين وتنفيس كرب المكروبين سياحة جميلة في قلوب الضعفاء والمساكين، وهي سعادة تضاف لسعادتنا، وسلامة من أمراضنا، وتلبسنا رضاً من ربنا، وشكر لنعم رازقنا وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: « رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه » [في الصحيحين]، وأحب الأعمال إلى الله كما جاء في الحديث « سرور تدخله على مؤمن، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً » [رواه البيهقي وحسنه الألباني] فابذلها وأنفاقها هو تواصل مع أخوتنا ومشاركة لبناء مجتمع يقوم على التساند والتعاضد والتكاتف.
13 - يعمد البعض إلى أن يستمد ميزانية رحلاته ومصروفاته من ديون يحملها نفسه، أو أقساط تنكد عليه بقية أيامه وكل حياته، برغم أنه الواجب على المرء أن يبدأ رحلته بسداد كامل ديونه القديمة المستحقة، وأن لا يبقى عليه أي شيء بذمته، فالمسافر معرض للمخاطر وعودته إلى أرض وطنه في علم الغيب وتقصيره في حق من ديّنه شيء من إهمال حق الغير، فلنحرص أن نؤدي حقوق الغير وأن نسدد ما للآخرين من دين.
14 - دعم مراكز دعوة الجاليات، ومصادر التعريف بالدين الإسلامي، والمشاركة بتوزيع نشرات تعريفية عن الإسلام، أو الدلالة على بعض المواقع التي تشرح سماحة الدين الإسلامي.
وإلينا هذا المحفز لفضل الدعوة إلى الله قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: « من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ومن دعا إلى ضلالة كان له من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً » [رواه مسلم].(77/3)
15 - من الممكن أن يساهم المرء بدعم النشر الإسلامي، من خلال طباعة الكتب والنشرات أو توزيع الأشرطة الإسلامية، أو أن يشترك بمجلة شهرية إسلامية لا تكلفه 120 ريالاً، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « إذا مات المسلم انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له » [رواه مسلم].
في الختام: السبل والطرق كثيرة، ولكن هذه نافذة بسيطة لعلها تفتح أمامك أبواب العطاء لمشاريع أعظم وأنفع وأكبر... وأسأل الله أن يجعلنا من المنفقين في سبيله المخلفين بأموالنا، يقول - صلى الله عليه وسلم -: « ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً » [في الصحيحين].
نقلا عن: موقع كلمات للمطويات الإسلامية..
http://kalimataldoah.net/play.php?catsmktba=3760(77/4)
معنى السياحة في القرآن"
المجيب د.محمد بن سريّع السريّع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
القرآن الكريم وعلومه/تفسير آيات أشكلت
التاريخ 02/06/1427هـ
السؤال
ما تفسير كلمة (السائحون) الواردة في القرآن، وهل تعتبر السياحة في أيامنا هذه عبادة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيقول تعالى: "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ..." [التوبة:112].
واختلف المفسرون في معنى (السائحون) في الآية على أقوال، ولعل أقوى هذه الأقوال وأرجحها أنهم الصائمون، وهو المروي عن أبي هريرة، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة وسعيد بن جبير، ومجاهد، والحسن، والضحاك، وعطاء، وقتادة. وبه قال أكثر العلماء، كالطبري وابن قتيبة، والزجاج، والزمخشري، والبيضاوي، وابن كثير، وابن باز، ومن أدلة هذا القول:
ما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "(السائحون): هم الصائمون". رواه ابن جرير (12/11).
عن عبيد بن عمير قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن السائحين فقال: "هم الصائمون". رواه ابن جرير (12/10) وغيره، وقال ابن كثير: "وهذا مرسل جيد".
وأخرجه ابن جرير (12/11)، وابن مردويه من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كل ما ذكر الله في القرآن ذكر السياحة هم الصائمون" رواه ابن جرير (12/13).
وما يقوي هذا القول أنه هو المروي الثابت عن الصحابة -رضي الله عنهم-.
وقيل: هم المجاهدون، وبه قال عطاء لما أخرجه أبو داود (2486) أن رجلاً قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة. قال: "إن سياحة أُمتي الجهاد في سبيل الله تعالى". والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع.
وقد يقال: إن هذا أيضاً داخل في معنى الآية، فيكون معنى السياحة: الصيام، والجهاد لمن يجب عليه؛ لأن الله قال: "عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ ... سَائِحَاتٍ" [التحريم:5] ومن المعلوم أن النساء لا جهاد عليهن.
ومن الأقوال في الآية: أنهم طلبة العلم، أو المهاجرون، والله أعلم.
أما السياحة الآن فهي بمجردها لا تعتبر عبادة، إلا إذا اقترن بها ما هو عبادة، أو تعين على العبادة؛ كأن يسافر ليتفكر في عجائب صنع الله وبديع مخلوقاته، فيقوى إيمانه، وتنشط نفسه للعبادة، مع البعد عن إضاعة الأوقات، أو الانزلاق فيما لا يحل للمرء أن يأتيه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(78/1)
مفهوم السياحة
السياحة أو (الترفيه والترويح) من منظور إسلامي
ها هو الصيف قد أقبل، وشمس آب اللهاب تطارد الناس وتستحثهم على حزم حقائبهم بعيداً عن أشعتها الحارقة.
هناك الكثير من المنتجعات السياحية والمدن التي تغريك بطبيعتها الخلابة وجمال أجوائها بزيارتها وقضاء إجازة ممتعة في ربوعها وبين جنباتها..بعيداً عن صخب المدن الكبيرة وضجيجها اليومي وضغوط الدوام الرسمي وإيقاعه الممل.
فتعال - معي - أخي القارئ في سياحة ذهنية لنتعرف معاً على حكمة الشارع وسماحة الإسلام التي جاءت بالوسطية والاعتدال فلا غلو ولا رهبانية ولا شطط فيما يتعلق بالترويح والترفيه واللهو البريء، لنسلط الأضواء على هذا النوع من أنواع الأنشطة الإنسانية التي يمارسها الكبير والصغير على حد سواء.
توطئة:
لم تكن السياحة تمثل هاجساً لإنسان جزيرة العرب في قرون الإسلام الأولى لسببين:
أولهما: أن المسلمين كان همهم الأول وشغلهم الشاغل التوسع في الفتوحات وإظهار دين الله وتبليغ رسالة الإسلام وتعاليمه السمحة.
وثانيهما: الظروف البيئية المحيطة بذلك الإنسان حيث الطبيعة الصحراوية القاسية التي ألقت بظلالها السالبة على نمط حياته البدائية وأسلوب تفكيره، فقد كان العربي مكبلاً بأغلال الفقر والجهل، والسياحة والتجوال في الأرض- كما هو معلوم إنما هي ضرب من الترف عماده الاستطاعة واليسار، وهذا ما لم يكن متاحاً لبني يعرب وقتذاك.
فلا غرابة إذن أن تخلو كتب الأصوليين من الإشارة إلى السياحة وتسويد الصفحات حولها بالمعنى السائد عن هذا الفعل الإنساني في وقتنا الحاضر و(المسمى سياحة).
كثيراً ما يخلط البعض بين مصطلح السياحة المعاصر والذي يعني السفر من أجل الاستجمام والترويح عن النفس، وبين مفهوم السياحة التي ذمها وحذر منها المتقدمون من أهل العلم لمخالفتها هدي الإسلام والمتمثل في سياحة النساك وأهل التبتل من الزهاد، الأمر الذي يخرجها عن مضمونها ويبعدها عن مقاصد الشريعة، ويذهب بها إلى مشابهة المتنسكين من أهل الملل والنحل الفاسدة كالبوذية ومن في حكمها.
وحجة أولئك المانعين لهذا الفعل ما روي عن الإمام أحمد من أن (السياحة ليست من الإسلام في شيء) وكذا ما نقل عن ابن تيمية من أنه (أمر منهي عنه).
فهذه الأقوال محمولة على السياحة الخاصة بأهل الزهد المنقطعين عن الناس في الكهوف والمغارات، وفعلهم ذاك ما هو إلا رهبانية ابتدعوها من عند أنفسهم، لم تكتب عليهم ولم يؤمروا بها.
وإن محاولة إسقاط ذلك المفهوم المذموم على حال السياحة المعاصرة بمفهومها المستقر في الأذهان والمنصرف إلى الترويح والبعد عن جو الرتابة والملل، واستعادة الحيوية والنشاط، لا يصح مطلقاً، لأن إنزال تلك النصوص المروية عن أولئك الأعلام على واقع السياحة المعاصر تجريد لهذه النقول من سياقها الذي وردت فيه.
والصحيح أنها تأخذ حكم السفر، فإن كان القصد من السفر مباحاً، فهي مباحة والعكس صحيح، (فمدارها النية). وهو ما ذهب إليه أهل العلم المعاصرون.(79/1)
ومعلوم أن الآيات الكريمات التي وردت بلفظ السياحة في القرآن الكريم تعني (الصيام) كما ذهب إليه جمهور المفسرين وعلى رأسهم الحبر ابن عباس، وعائشة - رضي الله عنهما -، ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء بن رباح والضحاك وابن عيينة وغيرهم. وأعني الآيات الواردة في سورة التحريم (ا) (مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً) وسورة التوبة (2) (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون.. الآية).
وإليك أخي القارئ هذه النماذج التي تدل على سماحة الإسلام و أن من خصائصه الشمول والتوازن، فلم يطغ فيه جانب على حساب آخر.
• سماحة الإسلام وإبراز محاسنه المتمثلة في:
سماحه - عليه الصلاة والسلام - لعائشة اللعب بالبنات مع صويحباتها - مع جلالة قدره ومكانته عند الله، فداه أبي وأمي ويأتي التعليل قاطعاً الطريق على دعاة الرهبنة والكهنوت (لتعلم يهود إن في ديننا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة) (3)).
• دعوة إلى محاربة الرتابة والروتين:
إن التبسط مع الأبناء والزوجات وإدخال الأنس عليهم والمزاح معهم لا يعني بالضرورة أن الشخص قد انسلخ عن طابع الجدية والفطرة السوية،، بل هو مما جبلت عليه الفطر السليمة، وهو الذي يتوافق مع ما دعت إليه الشريعة من الموازنة بين احتياجات الروح والبدن، يقول - عليه الصلاة والسلام - لحنظلة- الذي جاءه يشكو قساوة قلبه وعدم ثباته على الحال التي يكون عليها قلبه حين يكون مع المعلم القدوة صلوات ربي وسلامه عليه- حين ينقلب إلى أهله فيعافس الأزواج والأولاد والضيعات نا سياً ما وعظ به عند الحبيب المصطفى - عليه السلام -، فيأتي الإرشاد (والذي نفسي بيده! أن لو تدومون على ما تكونون عندي من الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة يرددها ثلاث مرات) (4).
• إدخال البهجة والسرور في نفوس الناشئة:
إن مما تواترت روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبه مداعبة الصغار وإدخال السرور عليهم والاحتفاء بهم، ولعل في قصة الحسن والحسين اللذين كانا يحظيان برعاية خاصة من جدهما - عليه الصلاة والسلام -، ترجمة واضحة ودعوة صريحة، للاهتمام بالناشئة وصغار السن، وقد أخذ ذلك عنه الصحابة رضوان الله عليهم فكانوا يلاعبون أطفالهم، ويتوددون إليهم بالهدايا والمنح، فأين نحن من هذه النماذج الحية، حيث حل التجهم والعبوس مكان البسمة والانشراح، بحجة أن ذلك يتعارض مع هيبة الرجل وشخصيته.
• دعوة إلى كمال الأجسام ورياضة الأبدان:(79/2)
من أنواع الترفيه التي درج عليها الأوائل وشجعوا عليها أبناءهم حتى يتكامل بنيان الجسم مع سلامة العقل، مختلف الرياضات التي تنمي العضلات وتساعد على النشاط والقوة من ذلك رياضة الرماية، والسباحة، والغطس، وسباقات العدو على الأقدام وركوب الخيل والمبارزة بالسيف، والمصارعة، وكل ذلك مروي عن الرسول - عليه السلام - الذي ضرب لنا أروع الأمثلة في الترفيه والترويح مع الزوجة حين سابق أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في أحد أسفاره فسبقته في الأولى، وهي يومئذ رشيقة لم تحمل اللحم، فسابقها ثانية وقد حملت اللحم فسبقها وقال (هذه بتلك) (5). فأين أولئك الذين يتعللون بكثرة المشاغل ويتذرعون بالحجج الواهية عن إدخال السرور والمرح على أهلهم، وما علموا أن مما يؤجر عليه المرء إدخال السرور على أهل بيته، وهذه دعوة لنبذ التكرش والترهل، والتمتع بجسم رشيق معافى فأين المشمرون!.
• وهناك العديد من ألوان النشاط الترفيهي:
التي ينبغي مزاولتها والمداومة على ممارستها، رغبة في تجديد النشاط، والبعد عن جو الرتابة والملل وتنشيطاً للذهن وتجديدا للدورة الدموية، فالقلوب كما الأبدان تمل فلا بد من إجمامها بين الفينة والأخرى، كما قال علي - رضي الله عنه - (أجموا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان).
وأخيراً لو لم يكن في السياحة إلا ما ذكره الإمام الشافعي من الفوائد لكفى:
تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ما جد
وهذا غيض من فيض عن ما جاء في الترويح والترفيه من الفوائد، فالهدف هو تجدد النشاط وطرد الكسل والإقبال على العبادات بنهم وشوق، ولعل هذا ما يلحظه المتأمل لحكمة الشارع التي شرعت العيدين بعد جهد وعناء يقوم به العبد المسلم من القرب والعبادات والصوم والقيام والدعاء، فعيد الفطر المبارك يعقب صيام الشهر الفضيل المتضمن للقيام والصيام وأنواع القربات فيأتي العيد لتجديد النشاط والحيوية، وكذلك عيد الأضحى المبارك يأتي بعد الوقوف بعرفة وما فيه من دعاء ومشقة السفر والغربة، ولغير الحاج ما يتيسر من صوم الأيام العشر ويوم عرفة.
فالحمد الله على نعمة الإسلام وسماحة الشريعة الغراء التي جاءت بالتوازن والاعتدال ونبذ التطرف والغلو والكلال!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الآية (5) من سورة التحريم.
(2) من الآية (112) من سورة التوبة.
(3) رواه الإمام احمد في مسنده (6/16).
(4) رواه مسلم في (كتاب التوبة، فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة).
(5) رواه أبو داود الحديث رقم (2578).
http://tourism.albahah.net:9090 المصدر:(79/3)
مفهوم السياحة ومخاطرها
فضيلة الدكتور سليمان بن حمد العودة
الحمدُ للهِ خلقَ الخلقَ لحكمةٍ جليلةٍ محددة، ((وَمَا خَلقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)) (سورة الذاريات: 56).
وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدهُ لا شريكَ له، فاوتَ بينَ الناسِ في مسعاهُم إلى ربِّهم في هذهِ الحياة، ((إِنَّ سَعْيَكُمْ لشَتَّى)) (سورة الليل: 4).
وفاوتَ بينهم في منازلِ الآخرةِ، ((فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير)) (سورة الشورى: 7).
وأشهدُ أنَّ محمداً عبُدهُ ورسولهُ، حماهُ ربُّهُ عن الضلالةِ والغوايةِ، ((مَا ضَل صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)) (سورة النجم: 2).
اللهمَّ صلِ وسلم عليهِ وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسلينَ وارضِ اللهمَّ عن الصحابةِ أجمعين، والتابعينَ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
عبادَ الله:
اتقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلامِ بالعُروةِ الوثقى، وإيَّاكُم ومُحدثاتِ الأمور، ومُضِلاتِ الفتن، ((وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ})) (سورة آل عمران: 101). ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ)) (سورة لقمان: 33).
أيُّها المسلمون:
وهبَكُم اللهُ نعماً وأَودَعُكم أماناتٍ، وسوفَ يسألُكُم عن صنيعِكم بها، فالصحةُ نعمةٌ وأمانة، والمالُ نعمةٌ وأمانة، والوقتُ والشبابُ، والسمعُ والبصرُ والفؤادُ ونحوها من نعمِ الله، كُلَّها أماناتٍ استُودعتم إيَّاها، وستُسألُونَ عن نوعِ استخدامكم لها، وكلُكُم يقرأ قولهُ - تعالى -: ((إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)) (سورة الإسراء: 36)، ويعي قولهُ - صلى الله عليه وسلم - : ((لنْ تَزُول قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيامَةِ حَتَى يُسأل عَنْ أَربَع)) الحديث.
عباد الله:
ُذكرُ بهذه المسؤوليةِ على الدوام، وتشتدُ الحاجةُ أكثرَ وقتِ الفراغِ والإجازاتِ والعُطل، التي أعتادَ عددٌ من الناسِ السفرُ فيها، وقضاءَ الإجازةِ بنفسهِ أو بصحبةِ أهلهِ وأولادهِ، هُنا أو هناك، فإلى أينَ يذهَبُونَ؟ وبماذا يقضُونَ فراغهم؟ وكم يُنفِقُونَ؟ وبماذا يُنفِقُون؟ وكيفَ ذهبوا؟ وبمَ يرجِعُون؟ إنَّها أسئلةٌ مهمة، وإيرادُها على النفسِ قبلَ السفرِ من العقلِ والحكمة، والاستفادةُ منها والعَملُ بمقتضى الشرعِ فيها أثناءَ السفرِ إلى العودة، مؤشرٌ للصلاحِ ودليلُ الديانة.(80/1)
إنَّ حياتك أيُّها المسلمُ والمسلمةُ دقائقُ معدودة، وأنفاسٌ محددة، ولستَ تدري ولا غيركَ يدري - إلاَّ الله - ماذا تكسبُ غداً، ولا بأيِّ أرضٍ تموت، وإذا حفظكَ اللهُ - مُعظمُ الوقتِ - وجاهدتَ نفسَكَ عن مُقارفةِ الخنا والفجورِ والفسوقِ، فمنَ الحماقةِ أن تُحطِمَ هذا السياجُ الواقي، وترغبُ عن هذا الأمانُ الإلهي فترةً من حياتك، وقد يُختَمُ لكَ بها، فتكونُ الحسرةُ والندامة، إذ حلت بكَ سُوءُ الخاتمةِ، وتعرضتَ لمقتِ اللهِ وغضبه، إذا استُخدمت نعمُ اللهِ في معصيته، وليسَ يليقُ بكَ أن تأكلَ من رزقهِ وتعيشَ في أرضهِ، ثم أنتَ تُجَاهِرُهُ بالمعاصي، وهُو يَرَاكَ وإن لم تره.
إخوةَ الإسلام: ومصطلحُ السياحةِ مصطلحٌ يترددُ كثيراً، ولكنَّ الحديثَ عنهُ يكثرُ مع قُربِ الإجازةِ الصيفية، ورُبَما استهوت دعواتُهُ، بعضُ الناسِ غافلينَ عن حقيقتهِ ومخاطِرِه، فما مفهُومهِ في زمننا، وما هِي مخاطِرُهُ؟ وما مفهومُ السياحةِ الأصيلُ في شرِيعتنا، وما سياحتُنا أهلُ الإسلام؟ وما هيَ خصائصُنا ومسؤولياتِنا في بلادِ الحرمين؟
ودعونَا نبدأُ الحديثَ عن أصلِ السياحةِ في الإسلام، وما المرادُ بالسائحينَ في كتابِ اللهِ وسنةِ رسولهِ - صلى الله عليه وسلم - لقد وردت السياحةُ في كتابِ اللهِ وسنةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - تحملُ معاني ساميةً، وارتبطَ وصفُ السائحينَ بنماذجَ عاليةٍ من البشر، يقولُ - تعالى -في وصفِ الذين اشترى اللهُ منهُم أنفسَهم وأموالهم بأنَّ لهُم الجنة: ((التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ)) (سورة التوبة: 112).
وترددت عباراتُ العلماءِ في معنى السياحة، ومَنْ هُمُ السائحون؟ فقيلَ هُم الصائمون، واستدُلَ لهُ بقولهِ - تعالى -في وصفِ نساءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ((عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ)) (سورة التحريم: 5).
وبما وردَ في الحديثِ عن عائشةَ -رضي الله عنها- مرفوعاً: ((سِيَاحَةُ هَذهِ الأَمةُ الصِيَامُ)).
وقيل السائحونَ: هُم المُجَاهدون، واستدلَ لهُ بقولهِ - صلى الله عليه وسلم - -في الحديثِ الصحيح-: ((إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ)) (وهو في صحيح سنن أبي داود2/472).
وقيل السائحون: المُهاجِرون، وقيل: هُم الذين يُسافرون بطلبِ الحديثِ والعلم، وقيل: هُمُ الجائلُون بأفكارِهم في توحيدِ ربهم وملكوتهِ، وما خلقَ من العبرِ والعلاماتِ الدالةِ على توحيدهِ وتعظيمه.
قال القُرطُبي- يرحمه الله - مرجحاً قلتُ: (س ي ح) يدلُ على صحةِ هذهِ الأقوال، فإنَّ السياحةَ أصلُها الذهابُ على وجهِ الأرضِ كما يسيحُ الماءُ، (الجامع لأحكام القرآن 8/270).
أيُّها المؤمنون:(80/2)
وتأملوا ما جاءَ في سنةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - عن مفهومِ السياحةِ، بل ونهِيهِ عن نوعٍ من السياحة، ففي سُننِ أبي داود، وفي كتابِ الجهادِ فيه (بابٌ في النهي عن السياحة)، ثُمَّ أوردَ المصنفُ فيه حديثُ أبي أمامةَ - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله ائذن لي بالسياحةِ، قال النبيُ - صلى الله عليه وسلم - : ((إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ - تعالى -)).
تُرى ما نوعُ هذه السياحةِ التي طلبها هذا الصحابي، وأرشدهُ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - إلى خيرٍ منها؟ لقد استأذنَ هذا الصحابي - رضي الله عنه - في العُزلةِ عن الناسِ والتفرغَ للعبادةِ ومفارقةِ الأمصار، وسُكنى البراري والكهوفِ والجبال، فلم يأذن لهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لما في ذلكَ من تركِ العلمِ والجهاد، ولِما فيهِ من بُعدٍ عن الجمعةِ والجماعة، ودلَّهُ على الجهادِ لأنَّ فيهِ ذروةُ سنامِ الإسلام، وكُبتاً للكفرِ والظلال، كذا قال العلماء (بذل المجهود 11/383، 384).
وقالوا: ولا تشرعُ العزلةُ إلاَّ في أيامِ الفتنِ والزلازلِ في الدينِ، (ابن كثير/ تفسير آية التوبة 2/635، 636).
إخوةَ الإسلام:
فإذا كانَ هذا توجيههُ - صلى الله عليه وسلم - لمن رغبَ العزلةَ للعبادة، فكيفَ بمن يسيحُ في الأرضِ للفساد، وإهلاكِ الأوقاتِ، وتبذيرِ الأموالِ وانتهاكِ الحُرمات، والتفريطِ في الواجبات؟
إننا معاشرَ المسلمين أصحابُ رسالةٍ عظمى، ينبغي أن نعيها دائماً، ونسعى جاهدينَ لنشرِها وتبلِيغِها، وإنَّما أشرقَ الكونُ وغمَّ العدلُ، وانطوى بساطُ الظُلمِ يومَ أن أشرقت حضارتُنا ببعثةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - بعد أن عاشت البشريةُ ردحاً من الزمن، تتقلبُ في الفوضى وتسُودُها الصراعاتُ النكدة، ويُخَيِمِّ الجهلُ والاستبدادُ في أرجائِها، وذلكَ على أثرِ فترةٍ من الرسلِ غابت فيها تعاليمُ السماء، وسادَ فيها خُزعبلاتِ الجاهليةِ الأولى!
واليومَ وقد ضعُفَ سُلطانُ المسلمين، وتسلّمَ رايةَ القيادةِ غيرُ المسلمين، شاعت مفاهيمُ الجاهليةِ المعاصرة، وسادَ العالمَ قتلٌ هنا، وتشريدٌ هناك، ظلمٌ وعُدوان، وفسادٌ في القيم، وانهيارٌ في الأخلاق، ومسخٌ في التصوراتِ، والأدهى والأمر إنَّ هذا الفسادُ مُقنن، تُستخدمُ لهُ مصطلحُ (العولمة) ويُعمِمُ شرُّه عبرَ (القنوات الفضائية).
ويُرمى الرافضونَ لهُ، والمدرِكُونَ لأبعادهِ ومخاطرهِ (بالتطرف والأصولية)، وتدرجُ السياحةُ والفنُ الرخيصُ والرياضة، والنجوميةُ الوهميةُ ونحوها من الفسادِ الخُلقي والفكري في قوالبه، والهدفُ تخديرُ الناسِ وإبعادُهم عن الهدفِ الأسمى لوجُودِهم في هذه الحياة، وحملُهم في عربةِ القطارِ ذاتَ النهايةِ البائسةِ من حيثُ يشعُرُونَ أو لا يشعُرُون.
معاشر المسلمين:(80/3)
إنَّ الأخلاقَ والقيمَ العالية- في كلِّ أمةٍ أساسُ بقائِها، وهي بالنسبةِ لنا معاشرَ المسلمين جزءٌُ عظيم من ديننا، ومقوّمٌ أساسي من مقوماتِ حضارتِنا، وإذا أفلسنَا في هذا الجانبِ الخلقي، وقد غُلبنا من قبلُ في الجانبِ المادي التقني، فماذا يبقى لنا؟ أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم: ((يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لعَلكُمْ تُفْلِحُونَ)) (سورة آل عمران: 200).
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ عزَّ من أطاعهُ، وذُلِّ من عصاه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، يُمهل ولا يُهمل، ويُؤخِرُ العُقُوبةَ ولا يغفل، وأخذهُ أليمٌ شديد، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله، أخبرَ وهو الصادقُ الأمين ((ليَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ)) (البخاري مع الفتح 10/51).
اللهمَّ صلِّ وسلم عليهِ وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسلين.
إخوةَ الإيمان:
وهكذا يتبينُ لكم في العرضِ السابقِ الفرقُ في مفهومِ السياحةِ في الإسلام، وما آلَ إليه مفهومُها في هذا الزمان.
أجل إنَّ سياحتنا- أهلَ الإسلام- صيامٌ وجهاد، وهجرةٌ ودعوة، ورحلةٌ للعلمِ نافعةٌ، وسيرٌ في مناكبِ الأرضِ، وتأملٌ في ملكوتهِ، وإدراكٌ لعظمتهِ، وإقرارٌ بتوحيدهِ، أمَّا السياحةُ عندَ غيرنا - وبمفهومِها المعاصر- فهي كأسٌ وغانية، ومرقصٌ وبار، حفلاتٌ صاخبة، ولقاءاتٌ مختلطةٌ على الشواطئ، وفي القواربِ صورٌ فاتنة، وتهتكٌ وسفور، تبذيرٌ للأموالِ، وفحشٌ في الأقوالِ، وضياعٌ للأوقاتِ، وإسقاطٌ للأخلاقِ، وقتلٌ للمكرُمَاتِ، وابتزازٌ بشعٌ للأموال، وتصديرٌ لزبالةِ الأفكارِ وردِيءُ الثقافات، وطريقٌ لانتشارِ الأمراضِ الفتَّاكةِ، والوقوعِ في شبكةِ المخدرات. (انظر: جريدة الدعوة السعودية 10/2/1414هـ).
وفوقَ ذلك كلهِ، وأعظمَ التشكيكُ في المعتقد، ونشاطُ ناصبي الخيامِ، فقد ذكرت إحدى الصحفِ (شباكاً يُنصبُ لتنصيرِ المسلمين السائحين)، ثُمَّ ذكرتُ أنَّ هُناكَ مُنصِرين عرباً لتنصيرِ المُسلمين، رُبَمَّا جاءُوا من بلادِهم لهذهِ المهمة، وتلقُوا دروساً كنسيةً مطولةً لهذا الغرض؟ (جريدة المسلمون، عن الدعوةِ السعودية 10/2/1414هـ).
عباد الله:
ومما يُحزنُ القلبَ ويُعظمُ الخطبَ أن تتسللَ بعضُ هذه المفاهيمِ وتلك السلوكياتِ في السياحةِ المُعاصِرةِ إلى عالمنا الإسلامي، بل وقعَ ذلكَ أو جلُّهُ في أجزاءٍ من عالمنا، وذلكَ في مرحلةِ الضعفِ الروحي، والهزيمةِ الفكريةِ، وباتت السياحةُ تُمارسُ كرافدٍ اقتصادي، ومؤشرٍ للانفتاحِ على العالم، ولو كانَ ذلكَ على حسابِ الخُلقِ والدين، وإشاعةِ الفاحشةِ والرذيلة، واجتثاثِ القيم، وذبحِ الفضيلة.(80/4)
أيُّها المسلمون: وحمى الله بلاد الحرمين - فيما مضى- من عقاقيرُ هذه السياحةِ المُصدرة، فلم تُستبح حماها، ولم يعبث السُوَّاحُ الأجانبُ بأرضها، بقي مجتمعُها أصيلاً محافظاً لم يخترقهُ الآخرونَ بسلوكياتِهم المشينة، وأفكارِهم المُنحلة وأمراضهم الفتَّاكة، وبقيَ الأمنُ فيها مستتباً، والناسُ يُتخطفُونَ من حِولِنا، والسياحةُ والسُوَّاح سببٌ من أسبابِ هذا الخللِ الأمني.
ولكنَّا - عباد الله - بدأَنا نسمعُ مؤخراً عن دعواتٍ للسياحةِ في بلادِنا تستهدفُ العائلاتِ في المملكةِ والخليج، كما أُعلنَ في الصحفِ، وفيها إعلانٌ لحفلاتٍ غنائِيةِ، وتلميعٌ لنجومٍ وهمية، بل جاءَ في إحدى الصُحف الخبرُ التالي:
بعد النجاحِ الكبيرِ الذي خرجَ بهِ مهرجانُ صيفِ أبها العامَ الماضي الذي عدّهُ البعضُ أكبر تجمعٍ فنيّ غنائي عربي لنجوم الساحة الفنية، فقد أقرت اللجنةُ برامجَ حفلاتِ مهرجان صيفِ هذا العامِ الغنائيةِ الكبيرة، التي سيكُونُ للجمهورِ موعدٌ معها ومع كبار مُبدَّعي الأغنيةِ، في المنطقةِ الذين سَيصنعُونَ صيفاً ساخناً مليئاً بالفنِّ والطربِ والثقافةِ العامة، (عكاظ عدد 11940 في 20/1/1420هـ).
أيُّها المسلمون:
ينبغي أن تتميزَ سياحتُنا عن سياحةِ الآخرين، وإذا نجحنَا في صرفِ الناسِ عن السفرِ للخارج، فذلك أمرٌ مرغوبٌ ومحمود، ولكن شريطةَ ألاَّ نقعَ في المحظورِ بأيِّ لونٍ من الألوان، فالحكُمُ الشرعيُّ في المُحرمِ واحد، وإن اختلفَ المكانُ أو الزمان.
ونحنُ في بلادِ الحرمينِ لنا خصوصيةٌ تُميزُنا عن غيرنا، فسلوكياتُِنا محلُ نظرٍ وتقديرِ العالم الإسلامي، وفينا قبلتُهم، وفي بلادِنا محيا ومبعثُ ومماتُ نبيهم، ومن أرضِنا انطلقت راياتُ الجهادِ وحملَ الفاتحونَ العِلمَ والحضارةَ الحقَّةِ للعالم، فكُنَّا بحقٍّ مصابيحُ الدُجى، ودعاةَ خيرٍ، وسطَّرنَا صحائفَ من ضياء، فما نسيَ الزمانُ ولا نسينا، وبلادُنا اليومَ مُؤهَلةً للقيادةِ من جديد، بإمكانَاتِها، وعُلمائِها، وموقعَ المُقدساتِ فيها، وسلامةَ الفكرِ، وصحةَ المعتقد فيها، وذلك في خضمِ حربِ الأفكارِ وصراعِ المعتقدات، ولئن عَجزنا أو قصَّرنا في حملِ ذلكَ للناسِ في دِيارِهم، فأقلَ الواجبِ أن نحفظَ هذا الكنْز الكبيرِ، ونحافظُ على هذا التاريخِ المجيدِ في بلادنا، حتى يتذكرهُ من وفدَ إلينا، وتبقى أرضُنا جُذوةً لإحياءِ المشاعرِ الإسلامية، لا أن نستبدلَ الذي هُو أدنى بالذي هو خير.
إنَّ بلادنا - والحمد لله - غنيةٌ بموارِدها الاقتصاديةِ الأخرى، وخيرٌ لنا أن نُنَميها ونزيدُ من فاعِليَّتِها، من أن نلجَ من بوابةِ السيَاحةِ الضيقةِ لدعمِ اقتصادنا، بل بإمكانِنَا أن نُجددَ في مفهومِ السياحةِ، ونقترحَ أنماطاً مشروعةً تستجلبُ الآخرينَ دُونَ أن تُأثرَ على دِينهم وأخلاقِهم.(80/5)
إنَّها دعوةٌ للمسئولينَ، والعلماءَ والمفكرينَ والأولياءَ، للمحافظةِ على أصالتنا، وحمايةِ بلادِنا ومُجتمعِنا من سُمُومِ الآخرين، عبر بوابةِ السياحةِ، وقد تزدادُ مُستقبلاً فتكونُ بوابةُ انحرافٍ خُلقي، وباعثةٍ لمشكلاتٍ أمنية، وطريقاً لانتشارِ الأدواءِ والأمراضِ الفتَّاكة؟
إنني أُناشِدُ كلَّ غيورٍ، وصاحبَ مُواطنةٍ صالحةٍ للمساهمةِ في استدامةِ الأمنِ والإيمانِ في هذهِ البلادِ الطاهِرة، والبعدِ عن كلِّ أسبابِ الفسادِ والانحرافِ الخلقي، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - جاء - يوم بُعث - ليُتممَ مكارمَ الأخلاق، وجاءت شريعتُهُ ناهيةً عن اللهوِ والغفلةِ، وضياعِ الأوقاتِ، وتبذيرِ الأموال، وكانَ فيما أُوحي إليه: ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِل عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولئِكَ لهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)) (سورة لقمان: 6).
سُئلَ ابنُ مسعودٍ - رضي الله عنه - عن تأويلِ هذهِ الآية، فأقسمَ ثلاثاً هو الغناء، واللهِ الذي لا إلهَ إلاَّ هو، وكذا قالَ ابنُ عباس، وجابرُ، وعكرمةُ، وسعيد بنُ جبير، ومجاهدٌ ومكحول وغيرهم، (تفسير ابن كثير 3/703).
وفي السُنةِ النبويةِ تأكيدٌ على حُرمةِ الغناء، ففي صحيحِ البخاري: ((ليكُوننَّ من أمتي قومٌ يستحلونَ الحِرَ والحريرِ والخمرِ والمعازف)) (الفتح 10/51).
وتأملوا كيفَ جُمعَ تحريمُ الغناءِ والمعازفِ مع تحريمِ الفروج، والحريرِ والخمر؟ وما فتئَ علماءُ الأمةِ الربانيون يُحذِرُونَ من فتنةِ وعبوديةِ الشهوات.
يقولُ الشافعي - رحمه الله -: (من لزمَ الشهواتِ لزمتهُ عبوديةُ أبناءِ الدنيا) (سير أعلام النبلاء 10/97).
ويقولُ ابنُ تيميةَ - رحمه الله -: (والعشقُ والشهواتُ إنَّما يُبتلى به أهلُ الإعراضِ عن الإخلاصِ لله، الذين فِيهم نوعٌ من الشركِ، وإلاَّ فأهلُ الإخلاصِ كما قال - تعالى -في حقِّ يوسفَ- عليه السلام -: ((كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلصِينَ)) (سورة يوسف: 24) (الفتاوى 15/421).
وأخيراً أحذر أخي المسلم، أختي المسلمة أن نكونَ ممن قالَ اللهُ فيهم: ((فَخَلفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلقَوْنَ غَيًّا)) (سورة مريم: 59).
اللهمَّ احفظنا بحفظك، واكلأنَا برعايتك، وحبب إلينا الإيمانَ، وزينهُ في قُلوبِنا، وكره إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهمَّ احفظ بلادَنا وبلادَ المُسلمِينَ من كلِّ سُوءٍ ومكرُوه.
8/5/1426 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:(80/6)
مفهوم السياحة
عبد الله درويش الغامدي
الخطبة الأولى
أما بعد:
إننا لفي زمن قد تغيرت فيه كثير من المفاهيم الإسلامية، وانتشرت فيه المصطلحات الغريبة من شرقية وغربية، وابتعد الناس فيه عن معاني القرآن والسنة وقواعد اللغة العربية.
لقد حرص المستعمرون على أن يطمسوا كثيرا من الكلمات والمصطلحات الإسلامية التي تتعارض مع مبادئهم وإلحادهم. وذلك بإدخال كلمات ومصطلحات جديدة، أو تجريد بعض الكلمات الإسلامية من معانيها الحقيقية وصرفها إلى معاني أخرى تتوافق مع مصالحهم.
والأمثلة على ذلك كثيرة. وواقع المسلمين اليوم يدل على وجود خلل في فهم الكلمات العربية، ويدل على بعد عن إدراك كثير مما ورد في الكتاب والسنة من مصطلحات وكلمات.
وإننا في هذا اليوم سنورد مثالا واحدا على بعد الناس عن المعاني الشرعية وانصرافهم عن التفسير الإسلامي إلى التفسير الغربي لبعض المصطلحات.
وهذا المثال هو تغير مدلول كلمة السياحة في أذهان الناس.
لقد تحول الناس عن العمل بمدلول السياحة في الحضارة الإسلامية إلى العمل بمدلولها في الحضارة الغربية.
لقد وردت كلمة السياحة في عدة مواضع من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وليس فيها موضع فسرت فيه على ما تدل عليه في أذهان الناس اليوم.
وردت السياحة في القرآن صفة من صفات أهل الجنة من المؤمنين حيث قال - تعالى -: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين.
إن السياحة هنا صفة حميدة لأولئك الذين باعوا هذه البيعة وعقدوا هذه الصفقة التي هي أربح صفقة في تاريخ البشرية.
بعنا النفوس فلا خيار ببيعنا *** أعظم بقوم بايعوا الغفارا
فأعاضنا ثمنا ألذّ من المنى *** جنات عدن تتحف الأبرارا
فلمثل هذا قم خطيبا منشدا *** يروي القريض وينظم الأشعارا
ثم وردت كلمة السياحة مرة أخرى في وصف أفضل النساء اللاتي ينبغي أن يكن أزواجا للنبي. قال الله - تعالى -: ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا) .
فما هو معنى السياحة في هذه الآيات؟
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "وفسرت السياحة بالصيام، وفسرت بالسفر في طلب العلم، وفسرت بالجهاد، وفسرت بدوام الطاعة.
والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر الله ومحبته والإنابة إليه والشوق إلى لقائه، ويترتب عليها كل ما ذكر من الأفعال ولذلك وصف الله - سبحانه - نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - اللاتي لو طلق أزواجه بدله بهن، بأنهن سائحات، وليست سياحتهن جهادا ولا سفرا في طلب علم ولا إدامة صيام وإنما هي سياحة قلوبهن في محبة الله - تعالى -وخشيته والإنابة إليه وذكره.(81/1)
وتأمل كيف جعل الله الحمد والسياحة قرينتين هذا الثناء عليه بأوصاف كماله وسياحة اللسان في أفضل ذكره وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله كما جعل - سبحانه - العبادة والسياحة قرينتين في صفة الأزواج، فهذه عبادة البدن وهذه عبادة القلب".
لقد كانت السياحة قبل الإسلام تعني الرهبانية فقد كان الرهبان يسمون سياحا لأنهم يتركون الدنيا ويخرجون إلى الفلوات ليعيشوا مع الوحوش.
وعندما جاء الإسلام ذمهم على ذلك وقال الله فيهم ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم.
وعندما أراد بعض المسلمين الترهب والسياحة منعهم رسول الله وبين لهم أن ذلك المعنى ليس موجودا في دين الإسلام ثم بين لهم المعنى الصحيح للسياحة.
جاء ذلك في ما رواه أبو داود - رحمه الله - عن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن رجلا قال يا رسول الله ائذن لي في السياحة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله)).
فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن أمته سياحتهم الجهاد في سبيل الله.
وبهذا فقد أبطل الرسول ذلك المفهوم وأصبحت السياحة لفظة شرعية تعني الخروج للجهاد في سبيل الله - تعالى -، ومضى على ذلك المسلمون في عصور الإزدهار والعزة حتى كانوا لا يرون أن هناك سفرا إلا للغزو في سبيل الله أو الحج أو طلب العلم وكل ذلك من الجهاد.
وعندما جاءت هذه العصور المتأخرة وأصاب المسلمين الذلة والهوان وتركوا الجهاد وركنوا إلى الدنيا وأعجبوا بالحضيرة الغربية، نسوا هذا المفهوم الإيماني وأخذوا بالمفهوم الغربي المنحرف وأصبحت كلمة السياحة عندهم مرادفة للعبث واللهو والفسق والفجور والسير في الأرض بلا هدف، وإضاعة للأوقات، بل قل وإضاعة للحياء والدين والأخلاق والتنصل من الفضيلة والوقوع في الرذيلة.
لقد كان المسلمون في العصور العزيزة وفي القرون المفضلة وما بعدها إذا اقترب فصل الصيف بدأوا بالإعداد للسياحة وقاموا بحملات التنشيط السياحي والدعاية الإعلامية السياحية.
لكن ليس التنشيط الذي تعرفون ولا الدعاية التي تعايشون.
لقد كان التنشيط السياحي في ذلك الوقت ينطلق من المساجد والدعاية السياحية تطلقها منابر الجمعة.
لم تكن تعلن عن المغنين والمغنيات ولا عن الساقطين والساقطات ولا عن القمار والميسر والربا ولا الأسواق والتخفيضات، وإنما كانت تعلن قوله - تعالى -: يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.
لم يكن التنشيط السياحي إعدادا للمسارح والمراقص والملاهي وأدوات الميسر، ولكنه كان إعدادا للسلاح وإسراجا للخيول وتعبئة للجند وحثاً على جنة عرضها السماوات والأرض.(81/2)
كان التنشيط السياحي إعدادا للرجال وتدريبا للشباب وإرهابا للأعداء وقمعا للمنافقين وتمييزا للخبيث من الطيب. كان عملا ينبثق من قول الله - تعالى -: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون فإعداد القوة والإرهاب بها مما يعين على بيان الحق في أنواع من القلوب التي لا تستيقظ ولا تتبين الحق إلا على إيقاعات القوة التي تحمل الحق وتنطلق به لإعلان تحرير الإنسان.
كانت السياحة في ذلك الوقت تعني الجهاد، والجهاد يعني السياحة.
ولم يكن المسلمون يعلمون من لفظة السياحة إلا أنها الخروج في سبيل الله لإعلاء كلمة الله - تعالى -، فأين نحن من أولئك حين حرفنا هذه الكلمة.
إن سياحة هذه الأمة هي الجهاد في سبيل الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وأما السياحة التي هي الخروج في البرية من غير مقصد معين فليست من عمل هذه الأمة، ولهذا قال الإمام أحمد: ليست السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين".
ولا يكاد الصيف أن يأتي من كل عام إلا والمسلمون مستعدون "للصائفة".
والصائفة هي الغزوة السنوية التي كان يعقد ألويتها خليفة المسلمين ويؤمر عليها أشهر القادة، ويبعث بها إلى ثغر من الثغور لتقوم بواجب الجهاد في تلك السنة، وهي الحد الأدنى المطلوب من الجهاد في كل عام.
فكان المسلمون يخرجون في كل صيف غزوة إلى بلاد الكفار ويسمونها "الصائفة" وربما كان هناك صائفتين أو أكثر تخرج لملاقاة الكفار ودعوتهم وإدخالهم في دين الله أو إرغامهم على الدخول تحت حكم الإسلام ودفع الجزية أو قتالهم وكسر شوكتهم..كل ذلك عملا بقول الله - تعالى -: يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين.وقوله - تعالى -: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
فكان المسلمون يخرجون لهذه السياحة العظيمة فيعودون وقد أدخلوا أناسا في الإسلام وغنموا بلادا وأموالا، وكبتوا الكافرين، وأرهبوا الأعداء المتربصين، وقد علمنا التاريخ أن المسلمين لم يتركوا الجهاد إلا ويسلط الله عليهم الأعداء من كل جانب، وما أقاموا الجهاد في جبهة إلا وكبت الله أعداءهم على كل الجبهات، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
هذه هي سياحة الأمة المسلمة، وتلك هي برامج التنشيط السياحي لهذه الأمة.. برامج مكثفة ليس فيها عبث ولا لهو ولا بطالة ولا عطالة ولا عطلة ولا تضييع للأوقات ولا تهميش للصلوات ولا ارتكاب للمحرمات ولا تسكع على الأرصفة للمعاكسات وإيذاء المارين والمارات، ولا تهافت على الأسواق، ولكن قوة ونشاط وعبادة وعزة ورفعة وتعال على حطام الدنيا وإقبال على عمارة الآخرة وحفظ للوقت وحفظ للدين وحفظ لكرامة الأمة.(81/3)
أما سياحتنا في هذه الأيام فليس فيها ذكر للجهاد ولا للعبادة، بل هي تنصل من الجهاد والعبادة.
سياحة المسلمين في هذه الأزمنة هي السياحة على المفهوم الغربي الشهواني.
فالغربي يعمل طوال العام ويجمع المال في حرص وشح حتى إذا جاء وقت الإجازة عطل عقله وعطل تفكيره وعطل أخلاقه إن كان له بقية أخلاق ثم أصبح بهيمة من البهائم يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم.
وما هو إلا أن تحل الإجازة الصيفية حتى يركب الأب همٌ عظيم، لأنه لا بد له حسب المفهوم الحديث من السفر، فالإجازة تعني عند الأهل والأبناء السفر والخروج من البيت.
هذا المفهوم الخاطئ الذي ساهم بعض المدرسين في ترسيخه لدى الطلاب. فآخر سؤال يتلقاه الطالب من أستاذه قبل الإجازة هو: إلى أين ستسافر؟
وأول سؤال بعد الإجازة هو: إلى أين سافرتم؟ وكأن السفر في الإجازة ركن من الأركان الخمسة. حتى أن بعض الطلاب الذين لم يتسن لهم السفر يضطر أن يكذب تخلصا من الموقف المحرج أمام زملائه.
ويكون الأب المسكين تحت هذا الضغط فيضطر إلى السفر. ولكن إلى أين؟
يبحث في الدعايات السياحية، فيجد هذا يدعو إلى حفلة موسيقية، وهذا يدعو إلى مسرحية عبثية، وهذا يدعو إلى فساد.
وهذا يدعو إلى قمار، وهذا يدعو إلى ميسر، وهذا يدعو إلى متعة جنسية.
فإن ذهب إلى الخارج فالدمار والفساد والكفر المباح.
وإن ذهب إلى الداخل فضياع الأوقات وضياع الأخلاق وأكل أموال الناس بالباطل والإختلاط ومهرجانات التسويق والترويج التي تُظل تحتها الفساد المبطن والرذيلة المغلفة.
أسفا لبلاد الحرمين.
أراد الله - تعالى -أن تكون طاهرة، ويريد دعاة الشر أن تكون مدنسة.
إن من حق الحرمين علينا أن نصونهما ونصون سمعتهما عن أي أذى.
إن من حق الحرمين علينا أن لا نبرز بجانبهما أي معلم للهو والفساد.
لقد جعل الله البيت الحرام في واد غير ذي زرع حتى يكون قصده خالصا لوجه الله، فلا مصالح ولا ملاهي ولا شرك في النية، وإنما تهوي إليه أفئدة الناس لعظمته عند الله.
أما اليوم فإن كثيرا من الناس يقصد للعمرة، ولكن بعد قضاء وطره من اللهو واللعب والسياحة في الأرض والتسوق، ولسان حال يقول لبيك اللهم سياحة متمتعا بها إلى العمرة.
اهتماماتنا للأسف لم تعد تتعدى الرفاهية والمتعة والكماليات.
إن بلاد الحرمين يجب أن تتميز عن غيرها.. والسياحة بالمعنى الدارج خطر على البلاد والعباد.
هذه البلاد المباركة لا ينبغي أن يقدم فيها اللهو على الجد.
هذه البلاد المباركة لا يجوز أن تقام فيها الحفلات الغنائية المحرمة.
هذه البلاد المباركة لا يصح أن تعتز بقوم مكذبين مثل قوم صالح أو أصحاب الأخدود أو بقايا الأحقاف أو أي قوم عذبهم الله - تعالى -في الدنيا، وإنما تعتز هذه البلاد بكونها موطن الدعوة ومهبط الوحي ومأرز الإسلام.
والرسول أمرنا أن لا ندخل على القوم المعذبين.. أمرنا ألا ندخل مدائن ثمود إلا ونحن باكين حتى لا يصيبنا ما أصابهم من العذاب.(81/4)
وحين مر بالحجر قال: ((لا تشربوا من مائها شيئا ولا تتوضؤوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئا ولا يخرجن أحد منكم إلا ومعه صاحب له)) ففعل الناس إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر في طلب بعيره، فأما الذي خرج لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الذي خرج في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيىء فأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ألم أنهكم أن لا يخرج أحد منكم إلا ومعه صاحبه)) ثم دعا للذي خنق على مذهبه فشفي وأما الآخر فأهدته طيىء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة.
هذا حصل لمن عصى أمر الرسول مع أنه صاحب حاجة فكيف بمن يقيم الفنادق والملاهي بتلك المنطقة المعذبة.
أيها الأخ المسلم، إذا كان لا بد من السفر فليكن سفرك سفر طاعة.. وسفر صلة رحم.. وسفر تدبر وتفكر في مخلوقات الله - تعالى -.
ولا يكن ضغط الأولاد داعيا لك إلى المعصية، فأنت الراعي وأنت المسئول عن الرعية.
الخطبة الثانية
أما بعد:
تلك هي حال الأوائل وتلك سياحتهم وعزتهم، وهذه هي حالنا وهذه سياحتنا وخيبتنا.
فماهو الذي تغير وأين هو الخلل:
أما الديار فإنها كديارهم وأرى رجال الحي غير رجاله
أما الإسلام فلا يزال ناصعا كما هو، وأما المسلمين فحالهم يشكى إلى الواحد الأحد.
وآلمني وآلم كل حر ***سؤال الدهر أين المسلمونا؟.
ولا نملك من إجابة على هذا السؤال إلا أن نذكر الدهر بأمجادنا التي أقمناها في هذا العصر عصر الانحطاط.
سؤال الدهر عن قومي جحود وإجحاف بحق المسلمينا
أما سجلت يا دهر افتخارا ومجدا بالملاهي قد بنينا
ألم تسمع أغان صاخبات *** بعزف العود صغناها لحونا
لنا في كل يوم ألف نجم *** ونجم صاعد في الصاعدينا
ألم ترنا غزونا كل ناد *** ألم تر كم نساء قد سبينا
ألم تسأل نساء الشرق عنا *** ومن صولاتنا ماذا لقين
إذا ما كنت في شك وريب *** فسائل عن بطولتنا الصحونا
فصحن الرز نملأ جانبيه *** ونجعل فوقه كبشا سمينا
فمنا من يجاذبه شمالا *** ومنا من ينازعه يمينا
ونبلي فيه تمزيقا وطعنا *** ونفتح بطنه فتحا مبينا
كذلك من يحاول ظلم قومي *** سيصبح عبرة للعالمينا
سنمطره بإنكار وشجب *** فعند الحق نأبى أن نلينا
فدباباتهم في بيت لحم *** ومنتجعاتنا في طور سينا
فمنتصرون لكن للأعادي *** ومنتقمون لكن من أخينا
أيها الإخوة المسلمون، لطالما كان الأعداء يحلمون بفتح بلادكم أمام حملاتهم السياحية، ولطالما كانوا يحلمون بإخراج فتياتكم للعمل في المتنزهات والمرافق الترفيهية، ولطالما كانوا يحلمون بنشر الفاحشة والإباحية بينكم أيها المسلمون.
وإن من أبناء المسلمين أيضا من يسعى إلى هذا الهدف بقصد أو بغير قصد.
فاحذر يا أخي المسلم أن تكون منهم لأن الله - تعالى -قد توعدهم بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، فقال - جل وعلا -: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون.(81/5)
ثم احذر أن تكون ممن يعاون على ذلك البلاء أو يطمئن إليه أو يشارك في هذه المهرجانات التي يعصى فيها الله. فإن الله - تعالى -قد توعد بالنار كل من كان عونا للظلمة فقال - جل وعلا -: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون.
إن من واجبك أيها المسلم أن تفشل البرامج والمهرجانات التي فيها مخالفات شرعية وذلك بعدم المشاركة فيها وعدم الدخول عليها وعدم دعمها ولو بريال واحد، وذلك ليعلم الكفار والمنافقون بأنهم وإن وجدوا طريقا إلى بلاد المسلمين فإنهم لن يجدوا طريقا إلى قلوب المسلمين ولا إلى عقولهم.
فالمسلم عقله أثمن من أن يمنحه هدية لأعداء الإسلام. وقلبه أغلى من أن يفسده بالشهوة البهيمية.
22/2/1421
http://www.alminbar.net المصدر:(81/6)
مقدسات المسلمين بين الامتهان والإذعان
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد لله الذي خلق الخليقة وأعمالها ، وردها بنور الهداية عن الغواية وأمالها ، أحمده حمد من احتسى من النعم زلالها ، واكتسى سِربالها ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة تثبت الأقدام إذا زلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها ، وقال الإنسان مالها ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، أرسله والجاهلية تشرع ضلالها ، فلم يزل صلى الله عليه وسلم يكثر جدالها ، ويضيق مجالها ، ويدعو رجالها ، حتى عرفت حلالها وحرامها ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما خالفت الجَنوب في الهُبوب شَمالها ، وسلم تسليمًا كثيرًا . . وبعد :
اليوم يزحف العالم الكافر بمدنيته وبليته إلى العالم الإسلامي في محاولة مستميتة لطمس معالم هويته الذاتية، وجره إلى تقليد الأنماط الغربية في جميع النواحي الحياتية، العقدية والفكرية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها، يقول جل وعلا في كتابه المبين : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء } [ النساء89 ] ، وقال سبحانه : { وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا } [ البقرة109 ] ، وقال تعالى : { وَدَّت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ } [ آل عمران69 ] ، ويقول جل في علاه : { إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوء وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } [ الممتحنة2 ] .
إنهم يودون ذلك ، ويسعون إلى تحصيله وتحقيقه بكل ما يستطيعون ، { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ } [ البقرة217 ] ، { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [ البقرة120 ] .
يقول جل في علاه لنبيه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } [ الإسراء73 ] .
حقد دفين ، وخوف رهيب ، يملآن صدور أهل الكفر والعناد ، ويدفعانهم إلى محاربة الإسلام ، ومحاولة القضاء عليه وعلى أهله { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [ الصف8 ] .
ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، يقول أحدهم : " متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب ، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمدٍ وكتابه " .
هذا مكرهم ، { وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } [ آل عمران118 ] ، وصدق الله : { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً } [ النساء122 ] ، { وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبّهِ ظَهِيراً } [ الفرقان55 ] .(82/1)
لقد جنّد أعداء الإسلام كل ما وصلوا إليه من اختراع واضطلاع لحرب الإٍسلام وأهله ، وغزو بلاد المسلمين عقدياً وفكرياً ، ليحكموا القبضة عليها ، ويستولوا على مقومات الحياة فيها ، ولسان حالهم قول قائلهم : " كأس وغانية تفعلان بالأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع ، فأغرقوها في حب المادة والشهوات " .
حاصروا بلاد الإسلام بثورة إعلامية ، وتقنية اتصال عالمية ، وهاجموها بقنوات فضائية شهوانية شيطانية ، سم زعاف ، يقضي على الكرامة والعفاف ، وريح عاصف ، ومكر قاصف ، وهجمة شرسة مستعرة ، تتعرض لها أجيالنا الحاضرة ، تُفجّر غرائزهم ، وتدمر أخلاقهم ، وتشيع الرذيلة في صفوفهم ، وتجعلهم هائمين على وجوههم ، يبحثون عن سبيل مشروع أو غير مشروع لتصريف ما أثير من شهواتهم .
وأغرقت أسواق المسلمين بكثير من المحرمات والمنكرات ، ولم تسلم المرأة المسلمة من تلك الهجمة الحاقدة ، فحاربوا حجابها وجلبابها ، وسعوا في إغوائها وإغرائها بما تصنعه دور الأزياء الخليعة ، وبيوتات الموضة المنحلّة ، ودعوها إلى الاختلاط ، وأقلقوها وأهانوها ودنسوها.
وجاءت الدعايات المضللة تدعو المسلمين إلى السياحة والترفيه في بلاد الكفر والفجور ، بلاد خادعة للعقول، وغادرة للألباب ، ليس فيها إلا مصائد هلاك ، وفخوخ تلف ، وحياة عابثة صاخبة .
فإن كانت هذه هي حقيقة حياة المسلمين اليوم ، وهي الحقيقة فعلاً ، فعلى الأمة السلام ، لقد أوثقوا منا الأيدي والأقدام ، وكمموا الأفواه وسفهوا الأحلام ، واخذوا بالتلابيب والأكمام ، يبثون إلينا ما يريدون ، ويرسلون ما يرغبون ، أثقلونا بالشائعات ، وحشونا بالاختلاقات ، أكاذيب وافتراءات ، أفسدوا العقول ، وقادوا للمجهول ، شبابنا وقع في الفخاخ ، وأحكمت حولهم الحلقات ، والأمة تنظر بدهشة مشدوهة ، كمن يحلم في اليقظة ، نقلد ولا ندري ما نقلد ، نحاكي ولا نعرف من نحاكي .
شباب حول أعناقهم قلائد ، وأُحيطت معاصمهم بالسلاسل ، ناهيك عن الجنز الضيق ، وقبعات راعي البقر الأمريكي ، والله ثم والله إنها لمناظر تميت القلب كمداً ، وتهلك الغيور على الدين وعلى شبابه إهلاكاً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
لقد انبطح أبناؤنا انبطاحاً عجيباً غريباً للغرب الكافر ، وأخذوا منه كل ما من شأنه أن يسيء للعقيدة والدين ، وتركوا أفضل اختراعاتهم ، وأحسن صناعاتهم ، فمن شبابنا من ذهب للدراسة ليعود وينفع أمته ، وإذا به يتقلب بين أحضان المومسات الزانيات ، ومنهم من رضع عادات الكفر الضارة المريضة ، فعاد إلينا بخفي حنين ، وياليته عاد وبقي في بيت أبيه وأمه ، ولم ينقل لنا حمى الغرب الكافر ، لكنه أتى بالعدوى ، فأصاب بها كل من عرفه وسار معه ، حتى أفسد أيما إفساد ، فتخرج من بين يديه ثلة من الشباب الذين ضربتهم حمى الغرب المفلس .(82/2)
يرسلون إلينا من يدرب جيوشنا ، ومهندسينا ، وأطبائنا ، واقتصاديينا ، ويأخذون مقابل ذلك أموالاً طائلة ، يمكن أن تغيث الملهوفين من المسلمين ، والمستجيرين من رمضاء الفقر والفاقة ، ومع ذلك فهم ينقلون لنا أفكاراً غريبة ، وأشياء عجيبة ، ونحن نرسل لهم شباباً يستقون دينهم الفاسد ، ومعتقدهم البائد ، شبابنا هناك يغسلون الأطباق في المطاعم ، ويسجدون للنواعم ، يلمعون الأحذية ، ويغسلون السيارات والأبنية ، ويرون أنهم بذلك فعلوا ما لم يفعله عمرو بن العاص _ رضي الله عنه _ عندما فتح بيت المقدس ، بل إنهم مساكين يبذلون وينهكون في سبيل غاية دنيئة ، ومقصد رخيص ، فإلى متى تنساق الأمة وراء ترهات الأوهام ، وأضغاث الأحلام ؟ هل هؤلاء الشباب هم الذين سيحررون مقدسات المسلمين ؟ الجواب ستجده واضحاً جلياً عبر الشوارع والطرقات ، وفي المقاهي والملاهي ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
كانت هذه المقدمة مهمة في صلب موضوع أهم ، فبيت المقدس اليوم يرزح تحت الاحتلال الصهيوني اليهودي منذ ستين عاماً ، ولم تُحل هذه القضية ، ولم يُسمح لمسلم أن يزور المسجد الأقصى ليصلي فيه صلاة واحدة ، مع ما ترتب على ذلك من الأجر والثواب ، ولمن منعنا أحفاد القردة والخنازير من الثواب ، فلهم العقاب ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ : إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَإِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ، وَإِلَى مَسْجِدِي هاذَا " [ متفق عليه ] .
وانتقدت "جمعية الأقصى" لرعاية الأوقاف والمقدسات الإسلامية، داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948، الصمت العربي والإسلامي "المخجل"، تجاه العدوان الصهيوني على المسجد الأقصى.
وأصدرت الجمعية بيانًا، استنكرت فيه قرار سلطات الاحتلال الصهيوني مواصلة عمليات الحفريات والبناء في باب وحارة المغاربة، معتبرة أن ذلك القرار يؤكد النيات والمطامع الصهيونية في المسجد المبارك والقدس الشريف.
وحملت الجمعية حكومة أولمرت المسئولية الكاملة عن تلك الجرائم، مؤكدة أن أولمرت من أسوأ الحكومات الصهيونية التي عرفها الكيان، ولا يماثلها في درجة السوء سوى حكومة الإرهابي "أرييل شارون".
وحول طبيعة الحفريات الصهيونية في محيط المسجد الأقصى، أشارت الجمعية في بيانها إلى أن بناء الجسر في منطقة باب المغاربة، معد لخدمة المستوطنين فقط، الذين استولوا على الحي بأكمله، نظرًا لأن باب المغاربة مغلق منذ 10 سنوات ولا يسمح للمسلمين باستخدامه والمرور منه على الإطلاق، وفق ما ذكرته وكالة القدس برس.(82/3)
كما نبهت الجمعية في بيانها إلى ضرورة عدم الانخداع بالقرار الصهيوني الخاص بوقف بناء الجسر، مؤكدة أنه فور اكتمال التصاريح من بلدية الاحتلال سيباشر بالعمل فيه، مشيرة إلى ما تسرب من وثائق لوسائل الإعلام أن الشرطة اشترطت على موافقتها لبناء الجسر أن يصمم لاستيعاب دخول 300 شرطي في دفعة واحدة إلى باحة المسجد الأقصى، وسيبنى الجسر على نحو يستوعبهم، كما أن بعض الأوراق تتحدث عن تغيير معالم المنطقة وتوسيع حائط البراق.
وأضاف البيان، أن حكومة الاحتلال، تهدف إلى تعزيز مكانتها لدى المتطرفين الذي يعملون ليل نهار من أجل بناء الهيكل المزعوم، علمًا بأن اليهود يعتقدون أن باب الهيكل موجود في منطقة باب المغاربة، حسب وصفه.
وشددت الجمعية على أن الحركة الإسلامية في أراضي الـ48، "ستظل خط المواجهة الأول للدفاع عن شرف الأمة ومقدساتها, ولن تسكت أبدًا عن الضيم والظلم الذي يلحق بكل حجر من حجارة المسجد الأقصى".
يريدون إقامة دولة إسرائيل الكبرى، وأن تكون القدس عاصمةً لها، كما يطمحون ويطمعون إلى هدم المسجد الأقصى، وبناء هيكلهم المزعوم على أساسه، يريدون إبادة دولة التوحيد والقرآن ، وإنشاء دولة التوراة والتلمود على أنقاضها ، عليهم من الله ما يستحقون ، فعلى مبادرات السلام السلام ، مع قومٍ هذا ديدنهم عبر التأريخ، وتلك أطماعهم ومؤامراتهم .
ولعل ما شهدته الساحة الفلسطينية هذه الأيام من مشاهد مرعبة ومآسي مروِّعة حيث المجازر والمجنزرات، والقذائف والدبابات، جُثثٌ وجماجم، حصار وتشريد، تقتيلٌ ودمار، في حرب إبادة بشعة، وانتهاك صارخ للقيم الإنسانية، وممارسة إرهاب الدولة الذي تقوم به الصهيونية العالمية، مما لم ولن ينساه التأريخ، بل سيسجّله بمداد قاتمة، تسطّرها دماء الأبرياء، الذين رويت الأرض بمسك دمائهم، من إخواننا وأخواتنا على أرض فلسطين المجاهدة، الذين يُذبَّحون ذبح الشياه. عشراتُ المساجد دمِّرت، ومئات البيوت هُدّمت، وآلاف الأنفس أُزهقت، كم نساءٍ أيِّمت، وأطفالٍ يُتِّمت، ومقابر جماعية أقيمت، فإلى متى الذل والمهانة والضعف والهزيمة والاستسلام؟! أما آن لهذا الهوان أن ينتهي، وللضعف والذل أن ينقضي، وليلِ الليل الطويل أن ينجلي؟! فهل تفيق أمتنا من سباتها؟! نداءٌ حار إلى قادة المسلمين ، أن أدركوا فلسطين قبل أن تضيع ، واعملوا على إنقاذ الأقصى قبل أن يُستقصى ، واعملوا على رأب صدعكم ، ولم شملكم ، وحماية دينكم ومقدساتكم .
فاليوم يستفيد اليهود من تفكك المسلمين ، وتطاحنهم وتناطحهم ، مستغلين هذا الهياج في فلسطين والعراق ، في غفلة سرقوها ، وحيلة مرقوها ، وفي ذِروة تداعيات الأحداث في الأمة ، وفي ظل التهاب الأوضاع في المنطقة ، بل وفي خضمّ تفجّر القضايا في العالم ، ووسط هذا الصمت العالمي ، والتخاذل الدولي ، والغليان في الشارع الإسلامي ، قام اليهود بمحاولة لهدم المسجد الأقصى المبارك الذي بارك الله حوله ، أيدٍ قذرة ، وأصابع متسخة ، تهم بتهويد المسجد الأقصى ، وجعله أمراً قد انقضى .(82/4)
وهم يعلمون أن الشعوب العربية ستخرج في مظاهرات ومسيرات غضب، وأن الجامعة العربية قد تندد، وأن الحكام العرب قد يصفونهم بالانتهازيين، ولكن في النهاية، ستنتهي ثورة الغضب العربية العقيمة، بعد أن تكون الجرافات الإسرائيلية قد أنهت مهمتها، وأخفت باب المغاربة للأبد من المسجد الأقصى، وبات الحائط الغربي للمسجد الأقصى مهدداً بالسقوط أكثر من أي وقت مضى.
الدعوات التي أطلقها على الفور الفلسطينيون، ستخمد هي الأخرى، بعد أن تجد آذاناً "مغلقة" وبعد أن تقرر حكومات بعض الدول أن هذا الأمر "لا يدخل ضمن أمنها الداخلي" فتمنع أي نوع من أنواع الدعم للفلسطينيين.
ولعل أكثر الدعوات تأثيراً، تلك التي أطلقها الشيخ تيسير رجب التميمي (قاضي قضاة فلسطين)، والذي قال: "إن الكيان الصهيوني يرتكب جريمة تطهير عرقي بحق المقدسيين وبيوتهم وأحيائهم الإسلامية، ويواصل إغلاق القدس بجدار الفصل العنصري بهدف تحويلها إلى مدينة يهودية خالصة، وكما يواصل التغلغل في الحي الإسلامي وبناء الكنس والتجمعات اليهودية هناك". وأضاف "أن (إسرائيل) ترتكب مذبحة بحق مدينة القدس المحتلة، وبحق الأماكن الأثرية والتراث العالمي" داعياً الجميع ليكون على أهبة الاستعداد للتصدي لمخططاتها وللدفاع عن المسجد الأقصى المبارك.
مع كل أسف، ليس هناك من أحد سيكون على أهبة الاستعداد للدفاع عن المسجد الأقصى، فالكل مشغول في أوضاعه الخاصة والداخلية، ولم يعد هناك من أحد يستعد للدفاع، فالدفاع بات "عملاً إرهابياً" والدعم المالي بات "دعماً للإرهاب" والنصرة باتت الإرهاب بذاته.
هذا هو واقعنا يا فلسطين ، وهذا هو واقعنا يا أقصى ، لك الله يا فلسطين ، ولك الله يا أقصى .
لن تحرر أيها الأقصى الشامخ إلا برجال يخافون الله ويتقونه ، ويطيعونه ولا يعصونه ، يرقبون الله عز وجل ، ولا يرقبون غيره من البشر ، رجال كعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وصلاح الدين الأيوبي رحمه الله ، أولئك هم الفرسان الأبطال الفاتحين .
فإذا عزت الأمة اليوم عن ولادة مثل أولئك الرجال الأشاوس ، فصل على الأمة صلاة الميت بأربع تكبيرات لا ركوع لها ولا سجود ، واسأل الله أن يهيئ للأمة أبطالاً أنجاباًً فرساناً أحراراً .
يتحررون من رق العبودية لأمريكا والخضوع لها ، يتحررون من خشية إسرائيل والانبطاح لها ، يتحررون من سجن الشهوات ، يتحررون من معتقل النزوات ، يتحررون من تكديس الأموال في البنوك العالمية ، ليعملوا لله الواحد القهار ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [ محمد7 ] .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [ المائدة51 ] .(82/5)
وقال تعالى : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [ التوبة14 ] .
وتالله أيها المسلمون أنه يكفينا أن نبذل أقل عدد ، وأقل عتاد ، لنغلب الكفار ، مصداقاً لقول الله تعالى : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ آل عمران123 ] ، وقوله تعالى : { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } [ البقرة249 ] .
ويوم أن كانت القوى المؤمنة أكثر من قوى الكفر في غزوة حنين ، واغترت بقوتها وعددها وعتادها ، منوا بالهزيمة ، قال تعالى : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [ التوبة25 ] ، فالعبرة ليست بكثرة العدد ، ولا بمقياس القوة ، العبرة بقوة الإيمان ، ومدى التوكل على الواحد الديان ، الذي قال سبحانه : { إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [ آل عمران160 ] .
فإذا توكلنا على الله ، وانتهينا عن ذنوبنا ومعاصينا ، والتجأنا إلى المولى النصير ، حتماً سنحقق النصر والغلبة على الأعداء ، فيكفينا أن نبذل المستطاع ، والله تعالى سيكفينا العدو وهو ناصرنا بإذنه سبحانه ، فهو القوي العزيز ، وتأملوا قول الله تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [ الأنفال60 ] .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في فلسطين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في فلسطين، اللهم انصرهم على اليهود الغاصبين، اللهم انصرهم على اليهود الغاصبين، اللهم إن اليهود قد طغوا وبغوا وأسرفوا وأفسدوا واعتدوا وأنت الله لا إله إلا أنت القوي العزيز، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم وألق الرعب في قلوبهم واجعلهم غنيمة للمسلمين، وعبرة للمعتبرين، يا رب العالمين ، اللهم وانصر إخواننا المستضعفين في الشيشان، اللهم وانصرهم في كشمير، اللهم وانصرهم في كل مكان يا رب العالمين .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك(82/6)
من سنن وآداب السفر والسياحة
حمدان بن محمد الحمدان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، وبعد:
من سنن وآداب السفر والسياحة
في الصيف وغيره يشدّ الكثير من الإخوة الرّحال إلى حيث يوجد الوالدان أو أحدهما، أو إلى الأقارب والديار، أو إلى الأماكن السياحية هنا أو هناك.
لذا ينبغي بيان بعض الآداب والتعاليم الشرعية المتعلقة بذلك.. ومنها: مسألة السفر إلى بلاد غير المسلمين، أو حتى إلى بلاد مسلمين ولكن بلاد يقل فيها الإلتزام بتعاليم الإسلام وآدابه، وتتراجع فيها مظاهر الحياة الإسلامية، حتى تنعدم أو تكاد..
ينبغي ألا يسافر المسلم إلى بلاد كهذه، حتى لا يعود من سفره وقد جرح إيمانه، وخدش دينه، وتراجع إلتزامه وعبادته وتقواه! فبئس السفر ذلك الذي يورث لصاحبه هذه النتيجة وتلك العاقبة، فعن جرير أن رسول الله قال: { أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين }. قالوا: يا رسول الله! ولم؟ قال: { لا تراءى ناراهما } [أبو داود] أي أنه يجب أن يكون الحد الفاصل الجغرافي بين المسلم والمشرك موجوداً بحيث إذا أشعل أحدهما ناراً في الليل لا يراها الآخر، ويمكن تقدير المسافة في الأرض المنبسطة بثلاثة كيلو مترات تقريباً..!
هذا وإن في بلاد المسلمين الواسعة متسعاً لمن أراد النزهة والسياحة، وتباً لنزهة وسياحة على حساب الدين والتقوى والآخرة والأخلاق..!
فإذا كان السفر سفر طاعة كما في حال برّ الوالدين وصلة الرحم والأقارب، وزيارة الإخوة في الله، ورؤية المسلمين ودعوتهم إلى الله تعالى، وتفقد أحوالهم، وإغاثتهم وغير ذلك، أو كان سفراً مباحاً لا إثم فيه ولا معصية، فهناك جملة من السنن النبوية والآداب الإسلامية للسفر في ما يلي بعض منها:
(1) إذا وجدت النية للسفر فتستحب الاستخارة له ولغيره، فعن جابر أنه قال: { إذا همّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ( ويسمي حاجته) خير لي في ديني ومعاشي، وعاجل أمري وآجله فاقدره لي، ويسّره لي، وبارك لي فيه، وإن كنت تعلمه شراً لي في ديني ومعاشي، وعاجل أمري وآجله فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضّني به } [البخاري].
كما ينبغي للمسلم عموماً وللمسافر خصوصاً أن يكتب ويدوّن وصية إذا كان له شيء يوصي به. وينبغي أيضاً أن يقضي ويسدد ديونه.
(2) كان يحب أن يخرج يوم الخميس، قال كعب بن مالك: لقلما كان رسول الله يخرج إذا خرج من سفر إلا يوم الخميس. [البخاري].
(3) وكان إذا وضع قدمه في الركاب إستعداداً للركوب قال: { بسم الله }.
(4) فإذا استوى على ظهرها قال: { الحمد لله } ثلاثاً.
(5) و { الله أكبر } ثلاثاً.
(6) ثم يقول: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:14،13].
(7) ثم يقول مرة ثانية: { الحمد لله } ثلاثاً.(83/1)
(8) ويقول مرة ثانية أيضاً: { والله أكبر } ثلاثاً.
(9) ثم يقول: { سبحان الله } ثلاثاً.
(10) ثم يقول: { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت } [النسائي].
(11) ثم يقول: { اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل } [مسلم].
(12) وإذا رجع من السفر قالهن وزاد فيهن: { آيبون، تائبون، عابدون، حامدون، لربنا ساجدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده } [البخاري].
(13) ورد عنه أنه كان يقول: { أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من الضبنة في السفر - وهي ما تحت يده من مال وعيال ومن تلزم نفقته - وكآبة المنقلب، ومن الحور بعد الكور - الحور: النقض، والكور: اللف والإبرام - ومن دعوة المظلوم، ومن سوء المنظر في الأهل والمال } [أحمد]. تعوّذ من كثرة العيال في مظنة الحاجة وهو السفر، ومن فساد الأمور بعد استقامتها، أو من نقصانها بعد زيادتها.
(14) وكان إذا ودّع أصحابه في السفر يقول لأحدهم: { أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك } [أبو داود].
(15) يشرع للمسلم أن يطلب التوجيه من أهل الصلاح، فقد جاء إليه رجل، فقال: يا رسول الله، إني أريد سفراً، فزوّدني؟ فقال: { زوّدك الله التقوى } قال: زدني! قال: { وغفر لك ذنبك }. قال: زدني! قال: { ويسّر لك الخير حيثما كنت } [البيهقي].
(16) يشرع للمسافر أيضاً أن يخبر من يحب بعزمه على السفر فقد قال رجل للنبي : إني أريد سفراً! فقال: { أوصيك بتقوى الله! والتكبير على كل شرف } (أي كل مكان مرتفع)، فلما ولّى قال: { اللهم ازو له الأرض، وهّون عليه السفر! } [ابن حبان].
(17) وكان النبي وأصحابه إذا علوا الثنايا كبّروا، وإذا هبطوا سبّحوا، فوضعت الصلاة على ذلك ( أي في الوقوف التكبير، وفي الانخفاض التسبيح في الركوع والسجود) [أبو داود].
(18) وقال أنس: كان النبي إذا علا شرفاً من الأرض أو نشزاً قال: { اللهم لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حمد } [أحمد].
(19) وكان إذا كان يسير في مجموعة سار سيراً هادئاً، ويسمى ( العنق) فإذا وجد فراغاً أسرع قليلاً، ويسمى ( النّص). [ابن خزيمة].
(20) وكان يقول: { لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس } [مسلم].
(21) ورد عنه أنه دخل أهله (أي على أهله) قال: { توباً توباً، لربنا أوباً، لا يغادر علينا حوباً } [أحمد].
(22) وكان يكره للمسافر وحده أن يسير بالليل، قال: { لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار أحد وحده بليل } [البخاري].
(23) وكان يكره السفر للواحد بلا رفقة، فقد ورد عنه أنه قال: { الواحد شيطان، والاثنان شيطانان، والثلاثة ركب } [مالك وأحمد].
(24) وكان يقول: { إذا نزل أحدكم منزلاً فليقل: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه } [مسلم].(83/2)
(25) ورد عنه أنه كان إذا غزا أو سافر، فأدركه الليل قال: { يا أرض ربي وربك الله! أعوذ بالله من شرّك وشرّ ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما دب عليك، أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود، وحية وعقرب، ومن شر ساكن البلد، ومن شر والد وما ولد } [ابن خزيمة].
(26) وكان يقول: { إذا عرّستم (نزلتم في السفر) فاجتنبوا الطريق، فإنها طريق الدواب، ومأوى الهوامّ بالليل } [مسلم].
(27) وكان إذا رأى قرية يريد دخولها، قال حين يراها: { اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها } [ابن خزيمة].
(28) وكان إذا ظهر الفجر وبدا في السفر قال: { سمع سامع بحمد الله، وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا، وأفضل علينا، عائذاً بالله من النار! } [مسلم].
(29) وكان ينهى أن تسافر المرأة بغير محرم ولو مسافة بريد (20 كلم تقريباً) [رواه ابن خزيمة]، وهو عند البخاري ومسلم بلفظ: { لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم }.
(30) وكان يأمر المسافر إذا قضى نهمته (غرضه) من سفره أن يعجّل الأوبة ( الرجعة) إلى أهله. وأخبر أن { السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه } [البخاري].
(31) وكان ينهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً، إذا طالت غيبته عنهم، بل يدخل عليهم غدوة أو عشية [البخاري ومسلم]. وهذا من كمال الأدب وعظيم الاحترام بين رب الأسرة وزوجه وأفراد أسرته، وتقدير الخصوصيات بينهم، فمع أن البيت بيته، والملك ملكه، والأسرة أسرته، إلا أن الأدب النبوي اقتضى ألا يدخل الرجل بيته بعد السفر الطويل ( 3 أيام فأكثر) إلا في حال صحو ويقظة، وهذا إذا لم يتمكن من مهاتفتهم، وذلك حتى لا يشاهد الرجل في بيته ما يكره، ولكي لا ينزعج أفراد الأسرة أو بعضهم بدخول البيت وهم نائمون.
(32) وكان إذا قدم من سفر يلقّي (يستقبل) بالولدان من أهل بيته، قال عبد الله بن جعفر: قدم مرة من سفر فسبق بي إليه، فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة: إما حسن وإما حسين، فأردفه خلفه، قال: فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة. [مسلم].
(33) وكان يعتنق القادم من سفره ويقبّله، قالت عائشة: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله في بيتي، فأتاه، فقرع الباب، فقام إليه رسول الله يجرّ ثوبه، فاعتنقه وقبله. [الترمذي]. وعن الشعبي أن النبي تلقى جعفر بن أبي طالب فالتزمه، وقبّل ما بين عينيه [أبو داود].
(34) وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فركع فيه. [البخاري ومسلم].
(35) يستحب أن يقوم الأصحاب في السفر بتأمير واحد منهم يطيعونه، فعن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله : { إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم } [أبو داود].
(36) خير أعداد الأصحاب أربعة، فعن ابن عباس أنه قال: { خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب إثنا عشر ألفاً من قلة } [أبو داود].(83/3)
(37) كان النبي إذا نزل (الاستراحة) في السفر. فإن كان بليل اضطجع، وإن كان قبيل الصبح نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفه. [مسلم]، قال أهل العلم: إنما نصب ذراعه لئلا يستغرق في النوم، فتفوت صلاة الصبح..!
(38) السير بالليل مستحب إذا لم تكن هناك مخاطر واضحة، فعن أنس أنه قال: { عليكم بالدّلجة، فإن الأرض تطوى بالليل } [ابن خزيمة]. أما إذا انطوى السير بالليل على خطورة بيّنة، من نعاس سائق أو ضعف أنوار السيارة، أو عدم وضوح الطريق، أو وجود ضباب ونحوه فلا يجوز السير بالليل..!
(39) لا ينبغي للأصحاب التفرق عند النزول في مكان أثناء السفر بل الأفضل الاجتماع والتقارب، فعن أبي ثعلبة قال: كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرّقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله : { إن تفرّقكم في الشعاب والأودية، إنما ذلكم من الشيطان! } فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إلا انضمّ بعضهم إلى بعض. [أبو داود]. فتفرق الجماعة له سلبيات قد تكون خطيرة، إضافة إلى سلبية مخالفة هذه السنة النبوية الشريفة.
(40) ينبغي مساعدة من يحتاج إلى ذلك من الأصحاب في السفر،، فعن جابر قال: كان رسول الله يتخلف في المسير، فيزجي (يساعد) الضعيف، ويردف، ويدعو لهم. [أبو داود].
(41) يجب التزام أنظمة السير في السفر كما يجب التزامها داخل المدن، ولا يجوز الإخلال بها، لما في التزامها من طاعة من تلزم طاعتهم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء]، ولما في التزامها من تحقيق المصلحة ودفع المفسدة.
(42) ينبغي تفقد المركبة، والحرص على استيفائها شروط السلامة، ومتطلبات السفر، حتى لا يقع محذور أو مكروه، وربما يمكن أن تقاس على البهائم، قال : { اتقوا الله في هذه البهائم، فاركبوها صالحة.. } الحديث [أبو داود]. وقال أنس: كنا إذا نزلنا منزلاً لا نسبّح ( أي لا نصلي النافلة) حتى نحلّ الرحال. [أبو داود]. أي أننا مع حرصنا على الصلاة لا نقدّمها على حطّ الرحال وإراحة الدواب..
(43) دعاء السفر ترجى استجابته، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهنّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالدة على ولده! } [أبو داود].
(44) إذا خيف من أناس أو غيرهم فيقال: ( اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم ) [أبو داود].
وصايا لمن لزمه السفر إلى بلاد يقل فيها الإلتزام بالإسلام أو ينعدم
قد يكون السفر إلى مثل تلك البلاد أمراً لا مناص منه لسبب من الأسباب المشروعة، وحينئذ لابد من تقديم بعض الوصايا، مثل:
(1) أن يعلم المسافر أن الله تعالى مالك الملك كله، وخالق السموات والأرض جميعاً، وهو تعالى مطّلع على الإنسان وغيره في أي زمان ومكان ولا تخفى عليه سبحانه خافية.
(2) أن يعلم المسافر أنه قد تنتهي حياته في أية لحظة. فلا بد من الحذر من سوء الخاتمة.
(3) أن يحذر المسافر من الازدواجية الرديئة في الشخصية. فلا يكون إنساناً صالحاً في زمان أو مكان، وإنساناً منحرفاً غافلاً في زمان أو مكان آخر.(83/4)
(4) أنه بدلاً من أن يغفل المسافر تقليداً للغافلين.. بدلاً من ذلك يأخذ العبرة من حياة الغافلين ويشفق عليهم ويرحمهم.
(5) أن يضاعف المسافر الحرص على أداء حقوق الله تعالى عندما يجد نفسه في بيئة لا هية غافلة، لكي لا يتأثر بالغافلين.
(6) عدم الانخداع ببعض المظاهر البراقة في حياة الغافلين. فلو فتّش الإنسان عما وراءها لوجد المعاناة الكثيرة والمشكلات الخطيرة في حياتهم.
(7) أن يعلم المسافر أن الآخرين عندما يعلمون بأنه مسلم وعربي ومن جنسية معيّنة؛ فإنهم يعتبرونه ممثلاً وسفيراً للإسلام وللعرب وللجنسية التي يحملها، فهل يرضى الإنسان لنفسه أن يكون مفسداً لسمعة دينه وعروبته وجنسيته؟ إلى غير ذلك من الوصايا التي لا تخفى على اللبيب.
هذا ما تيسّر جمعه من سنن السفر وآدابه، التي يحسن بالمسلم أن يتفقّه فيها، ويعمل بها، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(83/5)
من مذكرات سائح في القرن العشرين *
موسى محمد هجاد الزهراني
ومن قال إن السياحة ليست سباحة في عالمٍ من التفسخ والانحلال! في القرن العشرين؟!. و إلا فكيف نفسر وجود بلدان عربية تدعي على استحياء أنها مسلمة ثم تجد فيها كل كلمة في قاموس الانحلال الخلقي علناً في شوارعها وفي مطاراتها وفنادقها ويا حسرتاه على فنادقها.
ساقتني الأقدار، وجرتني قدماي؛ إلى رحلة خارج البلاد؛ تستغرق أربعة أيام؛ مع رفيق لي قريب؛ لأمور عدة؛ ولغرضٍ لا يوجد بكثرة في بلادنا إلا بإسعارٍ كنار جهنم أو صيفِ تهامة في رابعة النهار في أحسن الأحول. وكان خط سير الرحلة يقتضي المرور على البحرين ثم إلى مطار دبي ثم الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وصلنا إلى (مملكة) البحرين! قرابة الخامسة مغرب الشمس؛ وعندما لامست أقدام سيارتنا أرض البحرين، صُعِقْتُ عند ما رأيت نساءً كاسيات عاريات؛ ناثرات الشعر على أكتافهم وهن يزاحمن الرجال حول إشارات المرور بسياراتهن الفارهة، وفتحتُ فمي مدهوشاً مشدوهاً لمِا رأيت..
كنا ثلاثة.. أنا المغلوب على أمره؛ وصاحبي رفيقُ الرحلة ودليلها؛ وصاحبٌ آخر سيوصلنا إلى مطار البحرين ثم يعود..
أما صاحباي فقد عجبا من تعجبي واستنكرا استنكاري؛ ولم يريا في الأمر كبير ضير لأنهما يسافران كثيراً فأصبحت تلك المناظر معتادةً لديهما! ومن حسن الحظ أيضاً أننا لأبد وأن نَمُرَّ على مكتب سفريات لأخذ تذاكر السفر! ففجأة مرة أخرى وإذا بي أقف أمام امرأة كاشفة الوجه تجلس على المكتب كادت تبتسم لولا أن صرفت وجهي عنها فتطوع صاحبي بالتفاهم معها وكأنه يقول لها:
معذرة فإن صاحبي هذا متخلف!!..
فما كدت أستفيق من هول الصدمة حتى رأيت في المطار (مطار البحرين) ما نسيت معه آلامي الأُوَل.. لقد رأيت-وكان لابد أن أرى كلما رفعت رأسي نساءً يبدو أنهن يخجلن من أن يُرى لباسهن أسفل من ركبهن حتى يكون في منتصف الفخذ والعياذ بالله يخشين أن يوصمن بالرجعية والتخلف في زمن التقدم إنْ هُنَّ سترن أجسادهن كما تفعل النساء المسلمات العفيفات!.
جفّ ريقي في حلقي وتلفّتُ حولي كي أرى معيناً لي على الإنكار بقلبه على الأقل؛ فلم أر أحداً! فالرجال يمرون بالنساء وكأنهم يمروّن بتماثيل؛ وليس بنساءٍ عاريات الأبدان يحركن شهوة الموتى!.
ولازال حُسنُ الحظ يُلقي بظلاله على هذه الرحلة المباركة! ؛ فقد أغلقت شركات الطيران أبوابها في وجوهنا؛ فترانا نتملق الموظفين وبعض الموظفات! يا حسرة؛ حتى استطعنا بعد جهود مضنية أشبه ما تكون بجهود الدول العربية لمنع الحرب على العراق من قبل أمريكا وبريطانيا؛ استطعنا أن نجد مقعدين متباعدين على متن طائرة تابعة لشركة طيران الخليج؛ حمدنا الله على ذلك.. وكان هذا يوم الثلاثاء 13/صفر/1424هـ.(84/1)
دلفنا من دهليز يأخذنا قسَراً إلى باب الطائرة فإذا امرأةٌ نصف جسدها مستور! تدعى مضيفة تقف على باب الطائرة لاستقبالنا وتحني رأسها سروراً برؤيتنا؛ أما أنا فكنت فظاً غليظ القلب ذا وجه صفيقٍ مقطب الجبين فانفضت من حولي.. وأما صاحبي فترقيعاً منه موقفي المشين؛حيّاها وكأنه يقول لها ما قال لصاحبتها من قبل! وكأنه يقول:
هذه مصيبة تورطتُ فيها إذ قبلت أن أسافر مع هذا (البلية)!.
استقلت الطائرة في كبد السماء.. وكنت أتوقع أن أسمع دعاء السفر كما تعودت سماعه في طائرات بلادي عذباً ندياً فلم أسمعه. وظللنا نتبادل النظرات وحركات الحواجب أنا وصاحبي عن بُعدٍ؛ والابتسامات هي الرسول بيننا فقد فرقوا بيننا في المضاجع!.
لحظاتٌ ساكنة مرت بي.. وفجأة أحسست برأسي يدور؛ والصداع يكاد يفجر رأسي عندما شممت رائحة أشبه ما تكون برائحة الصرف الصحي في إحدى شوارع (الثقبة) إذا طفح الكيل!، عرفت فيما بعد أنها رائحة خمرٍ؛ رغب أحد المسافرين (الأفاضل) تعديل مزاجه به كونه يُقدّم مجاناً على متن الطائرة! قاتله الله؛ إذ كيف يسعى في جنونٍ مَن عَقَل!..
والله لو ركب الإنسانُ حماراً وكان له عقلٌ (أعني الإنسانَ وليس الحمار)! لما تجرأ على أن يعصي الله - تعالى -؛ فكيف وهو معلقٌ بين السماء والأرض ويعلم أنه بخطأٍ ضئيلٍ أو خللٍ فنيٍ يحدثُ في الطائرة سينتقل مباشرة إلى الدار الآخرة!.
وصلنا إلى مطار (دبي) بعد أن بلغت الروحُ الحلقومَ وكان هذا حوالي الساعة 8: 15 مساءً.. ومدة الرحلة لم تتجاوز (50 دقيقة) كأنها بالنسبة لي أيامٌ طوال! ولولا أنني حملت معي أحب الأشياء إلى نفسي لأنصدع قلبي من الهمِّ.. فقد كان معي (مصحفي) الذي بحجم الجيب.. أنهلُ من آياته؛ وأتلذذُّ بخطابِ ربي جل و- تعالى - فكان نعم الأنيس ولولاه لمتُ كمداً..(84/2)
وُدعنا بمثل ما استُقبلنا به من حفاوةٍ وتكريم من قبل طاقم الطائرة! وقمنا بتعديل ساعاتنا بجعلها تتخطى حاجز الزمن بساعة.. فأصبحنا في طرفة عين في الساعة 9: 20 دقيقة مساءً … لقد بلغ إعجابي منتهاه بفخامة مطار (دبي).. جمال البناء؛ ونظافة الردهات والممرات؛ والتنظيم البالغ الدقة وأحسن ما في ذلك أنك لا تشم هناك رائحة التدخين أبداً.. والناس لا يزاحم بعضهم بعضاً! ولا يرتكبون المجازر التي اعتدنا على رؤيتها في المطارات (…) كي يصعدوا الطائرة قبل الآخرين أو يستلموا (عفشهم) قبلهم! بل لا تكاد تسمع صوتاً؛ أعجبني هذا.. وكدت أفرح له غير أنني عدت لكآبتي مرة أخرى بل أشد وأنكى.. لقد رأيت هذه المرة منظراً يعجز لساني عن وصفه فتركت القلم يعبر عنه قبل أن يجف حبره كما جف ريقي في حلقي من قبل! منظراً.. لم أتمالك نفسي إذ رأيته أن أجهشت بالبكاء حسرة وغماً!.. انه منظر زجاجات الخمور التي تعج بها معارض المطار وكأنهم يتحدون الله - تعالى -! ؛ أجزم بأنهم لا يؤمنون بقوله - تعالى - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) نظر إليَّ صاحبي وهز رأسه.. ولسان حاله يقول: كان الله في عونك وجبر مصيبتك!!. استقبلنا أحد الزملاء الأفاضل؛وهو صديق لرفيق رحلتي؛ فأنستنا ابتسامته وحسن استقباله وبشاشته وأدبه الكريم شيئاً مما ألمّ بنا وآلمنا.
أوصلنا إلى الشارقة، ولاحظتُ عند إحدى إشارات المرور رجلاً جالساً على كرسي يحمل بيديه صحيفة يقرؤها في منتصف الليل فقلت في نفسي هذا مجنون؛ والغريب في الأمر أنني الوحيد الذي أخرج رأسه من زجاج السيارة لينظر إلى هذا الرجل؛ أما بقية الناس فيمرون به دون أن يعيروه أدنى انتباه وكأنه أمرٌ عادي؛ فتعجبت واستحييت أن أسأل عنه صاحبيَّ؛ وعند إشارة أخرى رأيت نفس الرجل واقفاً وبيده الصحيفة فلما دققت النظر فإذا به تمثال فأخبرت أصحابي فانفجروا بالضحك من ضيق أفقي؛ فنزلنا في فندق تزينه أربع نجمات يتكون من 18طابقاً واسمه (........) يقف على بابه صاحبنا التمثال وبيده صحيفته …
وصعدنا إلى الدور السادس عشر ليكون مقر نزلنا؛ وكانت الغرفة التي نسكنها تطل على الشارقة من الجهة الشمالية الشرقية، فترى منظراً جميلاً جد جميل..
ترى على امتداد البصر عماراتها الشاهقة وحسن تصميمها؛ والأنوار تزينها بالليل وكأنها عقد لؤلؤ يتلألأ على نحر حسناء.. ثم تنظر بعيداً لترى شاطئ البحر بخضرته الداكنة وكأنه يحرس المدينة.. نمنا ليلتنا تلك بسلام.. ثم في صباح اليوم التالي.. هزنا الطرب إلى تناول قهوة تركية وملحقاتها في بهو الفندق ويدعونه "اللوبي" فذكرت بهذا الاسم اسماً؛ كلُّ الكوارث في الدنيا والحروب المدمرة تنبعُ من تحت قدميه وهو اللوبي الصهيوني في أمريكا الظالمة!!. فهون صاحبي عليَّ الأمر وقال لي ما معناه: لا تكن رجعياً هذا بهو الفندق والسلام!!(84/3)
عدنا إلى ما هربنا منه.. رؤية النساء الكاشفات السوق والأعناق! ؛ وكأن الرجال لا يعرفون صنع القهوة التركية وتقديم كسرة من البسكويت معها فجاؤا بامرأة كاسية عارية... لتفتن عباد الله؛ والله المستعان!!
قضينا يومنا فيما جئنا من أجله؛ وعدنا إلى الفندق كالّين كسلانين ثم نمنا مرهقين!؛ واستيقظت قبيل الفجر بساعةٍ على سماع أصواتٍ أفزعتني؛إنها أصواتٌ فاجرة؛تنبعث من وراء الباب الذي يفصل غرفتنا عن الغرفة المجاورة؛والله لقد شعرت بقلبي سيقفز من صدري من الخوف أن تنزل بنا مصيبة؛هل عرفتم ما الأمر؟!
نعم إنه كذلك ولن أفصّل فأكون داعية شرٍ! ؛ غرستُ رأسي في المخدة وبكيت من الحزن على عرضٍ ينتهك في أعظم ساعة من ساعات الليل.. قمت وأيقظت صاحبي. وصليت الفجر ودعوت الله كثيراً أن يحفظ بلادنا من كل عبثٍ ومن مكر العلمانيين الشهوانيين الذين يريدونها مأوى لمثل هذه الفواجع!.
خرجنا من الفندق لغرضنا المنشود؛ثم رغب مضيفنا (1) (جزاه الله خيراً فما أراد إلا خيراً) أن يعشينا في (دبي) كبسة عربية أصيلة! فذهبنا في زحام السيارات الشديد.. فما أن وصلنا إلى دبي حتى اتفقت الأرض والسماء على الهيجان فثارت العواصف المدمرة ورأينا أقسم بالله سحابةً سوداء مظلمة قريبة جداً من رؤوس العمائر تسير بسرعة عظيمة فقلت في نفسي هذا عذابُ قوم عاد! رأوا مثله فقالوا" (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) "فقال الله - تعالى -"(بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ؛ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) " فأخذت أدعو الله - تعالى - وألحُّ في الدعاء والمطر ينزل كالقنابل والريح تدمر كلَّ شيءٍ في طريقها حتى إن الأشجار أصبحت منقعرة في الشوارع كأعجاز نخل خاوية!! ورأيت السيارات كعلب الكرتون تتلاعب بها الريح؛ والناس يكاد المرأ منهم أو المرأة أن يستقل من الأرض؛ ولا سيما أصحاب الأجسام العظيمة النحول مثلي! صرخت في وجوه أصحابي: أرجعونا إلى الشارقة على الأقل نموت بها خيراً من أن نقضي نحبَنا هنا بين النساء العاريات!!. ؛ ضحكوا مني وحملوني قسراً إلى المطعم؛ فوصلناه بعد أن فقدنا الأمل في وصوله!.
في اليوم الثالث (يوم الخميس) نزلنا كعادتنا نطوف ونسعى ابتغاء حاجاتنا وكان الجو ماطراً جميلاً جداً.. ثم عدنا إلى الفندق ليلاً لنستريح من هم الـ.. بل من كل الهموم!. فما أن دخلنا حتى رأيت أمراً عظيماً (أضيفوه إلى قائمة المآسي التي قرأتم) رأيت رجلاً يعتلي منصة في (لوبي) الفندق ويحمل بيده آلة العود وبين يديه رجال كثير ونساء؛ اكتظ بهم البهو؛ والأخ يطربهم بصوتٍ كأنكر ما أنت سامع وقد ذكره الله في القرآن في سورة لقمان! (3).
التفتُّ لصاحبي مستنكراً وقبل أن أفتح فمي دفعني بقوةٍ إلى المصعد (يعني مللنا من انتقاداتك).. كان هذا ليلة الجمعة؛ الليلة التي ينبغي أن يُكثر من الصلاة والسلام فيها على سيد الأنام..(84/4)
في ذات مرة.. ونحن نسير برفقة مضيفنا صاحب الأخلاق العالية فعلاً في إحدى شوارع الشارقة، وجميعنا نركب سيارته من نوع (بي. أم. دبليو) قال رفيقي له: أسرع يا أخي! كأنك تمشي على بيض! قال: لا.. عيب.. ماذا سيقول عني الناس!! قلت: وماذا سيقولون عنك؟!
قال: سيقولون انظروا إلي صاحب رقم هذه اللوحة المميز.. لا يحترم نفسه ويسرع هذه السرعة!..
قلت: من أجل رقم في مؤخرة سيارتك تقول هذا؟. قال: نعم! أتعلم كم يساوي؟! إنه يساوي الآن يساوي ما يقارب السبعين ألف درهم..
قلت: عجيب!
قال: نعم.. فهو كنز؛ مثل الأراضي عندكم.. حصلنا عليه قبل (15) سنة.
عدت إلى نفسي: فقلت: أمِن أجل رقمٍ يكون لديه هذا الأدب الجم.. مع أنه في قمة الأدب كما أعلم!! بل أنني علمت عنه الشيء الكثير من أخلاق عالية فقدها أكثر شبابنا اليوم.. وفقه الله لكل خير..
أين الشباب الذين تمتلئ بهم مراقص وفنادق دبي مع المومسات ألا يراقبون نظر الله - تعالى - إليهم واطلاعه عليهم؟. وهو يعلم السر وأخفى ويرى ويسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء..
ويرى مجاري القوت في أعضائها *** ويرى كذلك تقلب الأجفان..
ويرى.. مد البعوض جناحها *** في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى مناط عروقها في نحرها *** والمخ في تلك العظام النحُل
صاحبي ازداد أدباً من أجل رقم له قيمه عند الناس؛ فأين الخوف من رب الناس؟ عند الكثير من الناس.
قُضي أمرنا هناك وصلينا صلاة الجمعة في إحدى مساجد الشارقة ولاحظت الكثرة الكاثرة من المسلمين الذين لا يتحدثون العربية من إخواننا الهنود والباكستانية أما غيرهم من الدول الأخرى كمصر والشام فقليل... ثم لا تسأل عن أصحاب (العُقُل)!.
عدنا إلى الفندق.. وتطوع صاحبي بفتح التلفاز فرأيت فيه مأساة أخرى... بعد صلاة يوم الجمعة 16/2/1424هـ ونقلتها القنوات الفضائية؛ أولَ خطبة جمعة تنقل من بغداد بعد سقوطها من جامع أبي حنيفة النعمان بالأعظمية وتولى خطابة الجمعة د/أحمد الكبيسي. نظرات سريعة على الخطبة يتبين لك من خلالها هشاشة الطرح ومخالفة السنة الصريحة!!
يحّيي الشيعة على صمودهم ويقول: بيض الله وجوهكم أيها الشيعة … الخ هرائه ثم لم أسمع كلمة واحدة تشيد بأهل السنة.. يريد بزعمه التقارب بيننا وبينهم ففضح نفسه وبين جهله بحقيقة الرافضة؛ وبكتب ابن تيمية التي عّرت الرافضة وهتكت أستارهم.. نعوذ بالله من الخذلان والمخذولين.
أنسي ابنَ العلقمي؟ وسقوط الخلافة بسبب الرافضة عام 656هـ أنسي أن سقوط بغداد في 8/2/1424هـ كان للشيعة الرافضة أدوار خفية فيه سواء أكان انتقاماً من صدام أم من أهل السنة.. ولست أقولها دفاعاً عن صدام البعثي المجرم بل عن أهل السنة.
فهم (أعني الرافضة) معروفون بولائهم لأهل الصليب والأديرة من قديم الزمان! تألمت لّما سمعت خطبته أشد الألم وقلت: لك الله يا عراق!
فمن محنة حجاجية إلى بعثية إلى صليبية إلى.....
علمت علم اليقين أن هذا أول بوادر الفشل في جمع المسلمين.. وهذا.. كمن أراد نفعاً فأضر!!(84/5)
والله الذي لا إله غيره ليصيبنّ العراق ما أصاب أفغانستان التي ما حكمّت القرآن والسنة والعقيدة الصحيحة أيام قوتها وبعد سقوط الاحتلال السوفيتي؛بل تناحرت أقطابها على السلطة وتبخرّ جهادها الطويل ضد الشيوعية..
ولما أعز الله طالبان في سنوات قليلة بفضله - تعالى - ثم بفضل تحكيمهم للعقيدة السلفية الصحيحة استتب الأمن حتى باتت أعظم قوة إيمانية تهدد الغرب الكافر والشرق على حدٍ سواء.. فمكروا مكراً كباراً حتى أسقطوها تحت أنظار المسلمين جميعاً.. وانظروا الآن ماذا حلَّ بهم؛هل عمرت ديارهم أمريكا؛أم كرزاي العميل؟!
حنانيك يا بغداد صبراً فربما *** يتاح لهذا الكفر سبْلٌ مطهر
ففي دار هارون الرشيد زلازل *** وآثار مجدٍ أحرقوه ودمروا
لماذا دموع الحزن لست وحيدة *** وأنت على الأيام عز ومفخر
فكل بلاد المسلمين مقابر *** وهم صور الأحجار تنهى وتأخر
تماثيل لكن ناطقات وإنما *** بلاء البلاد الناطق المتحجر
* * *
هزنا الشوق العظيم إلى بلادنا؛وشاقتنا مرابعها وعفة نسائها وحشمتهن رغم المخالفات إلا أننا لن نر ما رأيناه في (دبي) قطعا ً! شددنا الرحال!! براً على سيارة جديدة لأحدنا قدم بها من هناك فاستقبلنا رجال الجمارك السعودية استقبالاً يشبه استقبال الفاتحين في العصور الأولى للإسلام كخالد بن الوليد، وقتيبة بن مسلم، ومحمد الفاتح، وعقبة بن نافع، وموسى بن نصير!!
لا إله إلا الله.. كم يتمتعون به من الأخلاق والكرم! حتى إنهم ما قدموا لنا والله كأس شاي أو شربة ماء أو ابتسامة من طرف الشفتين..
ست ساعات كاملات ونحن نترجاهم ونتودد إليهم كي يرحموا من في الأرض يرحمهم من في السماء! ؛ فإذا ما ضاقت صدورهم منا في الثلث الأخير من الليل قام أحدهم وغاب عن مكتبه إلى حيث لا نعلم به!! ثم يعود بعد أن تخفق رؤوسنا على صدورنا من النوم الذي تحترق منه الأجفان؛ نحسُه كالملح بين أجفاننا! يعود إلينا بعد ساعات ليرانا كالذر في صور الرجال يغشانا الذل من كل مكان! ينظر إلينا شزراً.. فإذا ما قلنا له: اتق الله؛أخذته العزة بالأثم! قال: هذا النظام! فليس في قاموسهم اتق الله!. فإذا ما قلنا لهم: أين الإعفاء من الرسوم والمكوس الجمركية؛ لقد سمعنا أنه صدر أمره منذ زمن.. لم لا تطبقوه؛!
قال قائل منهم: حبر على ورق! إدفع وأنت ساكت يا مطوع!.
مبلغ إن دفعناه كله وصلنا إلى ديارنا التي تبعد (600) كيلو متراً على ظهور الحمير إن وجدنا في الربع الخالي حميراً!!
فلم نزل نتملقهم ونستدر عطفهم حتى عطفونا على جهاز الصراف الآلي؛ فأخطا صاحبي في إدخال الرقم السري لصراف شركة الراجحي ثلات مرات فغضب الجهاز فأقسم ألا يخرج لنا ريالاً واحداً! كان هذا مع أذان الفجر! ؛ وأتحدى رجلاً يخبرني أنه حدث له هذا الموقف فأنقذته شركة الراجحي المصرفية قبل مرور (24) ساعة على هذا الحدث؛ خلافاً للبنك الأهلي الذي يتواجد طاقمه على الرقم المجاني (24) ساعة يبدأ أحدهم بتحيته لك (باللهجة الجداوية المحبوبة! ) فيقول: كيف أقدر أخدمك يا عزيزي؟!(84/6)
ولست أقول هذا لأنني شريكاً لابن محفوظ! أو مدحاً في البنك الذي يتعامل في كثير من معاملاته بما لا يرضي الله - تعالى -! ؛ بل أقولها إحقاقاً للحق ولذكر محاسن تنقذ المسلم في أحلك الظروف..
حاولنا بكل وسيلة أن نتصل بشركة الراجحي المصرفية فباءت كل محاولاتنا بالفشل الذريع وعدنا نجرُّ أذيال الخيبة.. نسحب أرجلنا على الأرض سحباً كأننا خرجنا للتو من مستشفى الأمراض العقلية؛ فعدنا إلى (أحبابنا)!! رجال الجمارك.. عدنا إليهم وأخبرناهم بما حدث؛ ولأنهم يتمتعون بحسن ظنٍ يفوق الوصف فقد كذبونا!! وقالوا: امكثوا هنا يوماً أو يومين.. والله لن تتعدوا حتى تدفعوا! تعطل الجهاز أو لم يتعطل!.
رغم أننا رأينا سياراتٍ تُنهى أوراقها بابتسامة عريضة فنكتشف أنها لأناسٍ تجري في عروقهم الدماء المقدسة! ؛ فاقترحنا عليهم اقتراحاً طيباً؛ وهو أن نرسل لهم ما يريدون عبر حوالة بنكية؛ ونعطيهم العهود والمواثيق على ذلك؛ فنحن مسلمون ولا نأكل حراماً؛ وأخبرناهم بوظائفنا الدينية والدنيوية فأبوا أشد الإباء و (لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)!! فذهبنا أنا وصاحبي نعُدُّ نقودنا في جيوبنا مختلطةً؛بعضها ريالات سعودية وأخرى دراهم إماراتية.. حتى وفت بما طلبوه منا بعد أن كادت ألاَّ تفي؛ولم يبقى معنا إلا مائة وخمسون ريالاً لنقطع بها مسافة(600) كلم! فودعناهم شر وداع وودعونا بمثله ثم انطلقنا وأعينهم ترقبنا يخرج منها الشرر حنقاً وغيظاً!!.
نظرت إلى صاحبي نظر المغشي عليه من الموت ورماني هو بنظرة أخرى فيها كل معاني الذل وازدراء النفس من هذا الموقف الذي غابت فيه معاني لا إله إلا الله محمدٍ رسول الله وكل معاني الأخوة الإسلامية بل وأعراف الناس والرجال الكرماء.. بل وأعراف أناس من أولاد أبينا آدم! يسُمّون بَشَراً!! قال لي بلهجة حزينة بعد أن زفر زفرة كادت تخرج اللهب من جوفه: هون عليك!!
قلت: نعم.. لعل هذا ذنب ارتكبه أحدنا لا يعرفه فكان هذا الاستقبال ثمناً لعدم استغفاره منه!.
تبخَّر ذلك الشوق الذي كان يحدونا وتلك الأمنيات التي كانت تراودنا! ولم نعد نرغب إلا في أن ندس رؤوسنا بين صفحات القرآن الكريم ننهل من آياته العذِاب! لننسى مأساة هذا العذاب؛ وبعدها نسلم أرواحنا إلى منامها!؛ ولم نسلم أيضاً من سوء أخلاق رجال المرور في نقاط التفتيش؛ وعدم مراعاتهم لكل ما شرحناه من مآسٍ؛ وأزعجونا من أجل تعليق لوحة سوداء في مقدمة السيارة؛ فأقسمنا لهم أننا في صحراء قاحلة لا يوجد فيها ورشة؛ فكذبونا كأصحابهم الطيبين من قبل (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ).
هذا يا سادة ملخص سياحتي.. فإن كنتم استفدتم منها شيئاً فالحمد لله واشكروني عليها.. وإن كانت الأخرى فسأضيفها إلى قائمة مأساتي في هذه الرحلة!. والسلام عليكم..
--------
* - قلت العشرين تهكماً بمن يمجد التاريخ النصراني ويدعي أن هذا القرن هو قرن الحضارة؛ وأكرمت هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أنسب قرنها الخامس عشر إلى السوء.(84/7)
[1] - هو الأخ الفاضل / غانم بن محمد السعدي؛ ذو الخلق الجم؛ والأدب الفاضل؛ جزاه الله عنا كل خير. ورفع درجاته في الجنة فقد وجدناه نعم الأخ.
[2] - (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان: 19)
http: //www.almuslm.net المصدر:(84/8)
منكرات الإجازات الصيفية
سعود بن إبراهيم الشريم
الخطبة الأولى:
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ عنهم شذ في النار. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فقد غوى، ولن يضر الله شيئاً، بل لا يضر إلا نفسه.
أيها المسلمون، في مثل هذه الأيام البازغة يتجاذب فئامٌ من الناس أطراف الحديث عن أمر مهم يشترك في مطارحته معظمُ المجتمعات بمجموعها، كما أن الألسنة تلوك الحديث عنه على اختلافٍ في مشاربها، إيجاباً وسلباً، خلافاً وضداً؛ لأنه في الحقيقة أهلٌ للحديث عنه وكثرة المطارحات فيه عبر مجالات متنوعة كالمنابر مثلاً والأندية والإعلام في بعض صوره.
ذلكم ـ عباد الله ـ هو الحديث عما يُسمّى بالعطل الصيفية أو الإجازات السنوية، والتي أصبحت حقبة من الدهر لا يمكن الاستغناء عنها بوجه من الوجوه، بل لقد أجمعت الأقطار بأسرها على أن هذه المرحلة جزء من الصبغة الواقعية على مضمار الحياة السنوية، والتي لا يمكن تجاهلها على أرض الواقع، حتى إنها قد فرضت نفسها على أن تكون مصنَّفة ضمن البرامج المنظمة في الحياة السنوية العامة، وهي غالباً ما تكون غوغائية تلقائية ارتجالية، أي أنها مع الإحساس بها على أنها واقع لا بد منه إلا أنها ينقصها الهدف السليم، وتفتقر إلى الضوابط الزمانية والمكانية، فضلاً عن الضوابط الشرعية وما يحسن إبَّانَها وما يقبح.
إن حاجة الإنسان إلى الراحة بعد الكدّ وإلى الهدوء بعد الضجيج لهو من الأمور المسلَّمة والتي لا ينكرها إلا غِرٌّ مكابر، فالإسلام في حقيقته لم يفرض على الناس أن يكون كل كلامهم ذكراً، ولا كل شرودهم فكراً، ولا كل أوقاتهم عبادة، بل جعل للنفس شيئاً من الإراحة والترويح المنضبطين بشرعة الإسلام، بل إن حنظلة بن عامر - رضي الله عنه - قد شكا إلى النبي تخلل بعض أوقاته بشيء من الملاطفة للصبيان والنساء، فقال له رسول الله: ((ولكن ساعة وساعة)) رواه البخاري ومسلم[1]، وقد ذكر ابن عبد البر أن عليا - رضي الله عنه - قال: (أجمُّوا هذه القلوب والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان)[2]، ويقول ابن الجوزي: "لقد رأيت الإنسان قد حُمِّل من التكاليف أموراً صعبة، ومن أثقل ما حُمِّل مداراة نفسه وتكليفها الصبر عما تُحِبّ وعلى ما تكره، فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس".(85/1)
بهذا ـ عباد الله ـ يؤخذ مفهوم عام حول تخلل جدِّ المرء واجتهاده شيءٌ من الراحة وسكون الحركة الهائجة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه حول واقع كثير من المسلمين اليوم هو: إلى أي مستوى يصل إليه مُعاشر العطل الصيفية؟ وما هي الآلية الإيجابية التي تُستثمر فيها الأوقات وتراعى فيها قائمة الأولويات؟ وما هو المفهوم الحقيقي للعطلة؟ أيكون في النوم، أم هو في اللهو؟! أيكون في الأفراح، أم هو في السياحة، أو هو في الإخلال بالنواميس الكونية من حيث انقلاب الليل نهاراً أو النهار ليلاً، أو في المطالعات الحثيثة لما تبثه وسائل الإعلام الفضائية أو شبكات ما يسمَّى بالإنترنت الغازية؟!
إنها أسئلة متعددة مصدرها فؤاد كل مؤمن ومؤمنة ينازعهم فيها الضمير الحي المتيقظ والغيرة على الفراغ والصحة والشباب.
إن مثل هذه العطل برمّتها لهي أحوج ما تكون إلى دراسات موسَّعة تقتنِص الهدف الواعي وتستثمر الفرص السانحة إلى طريقة مثلى للإفادة منها في الإطار المشروع، من خلال دراسة الأنشطة الترويحية الإيجابية منها والسلبية، والربط بينها وبين الخلفية الشرعية والاجتماعية للطبقة الممارسة لهذه الأنشطة المتنوعة، ومدى الإفادة من الترويح والإبداع في الوصول إلى ما يقرب المصالح ولا يبعدها، وما يرضي الله ولا يسخطه، وتحليل الأفعال وردود الأفعال بين معطيات المتطلبات الشرعية والاجتماعية وبين متطلبات الرغبات الشخصية المشبوهة، وأثرِ تلك المشاركات في إذكاء الطاقات والكفاءات الإنتاجية العائدة للأسر والمجتمعات بالنفع العام في الدارين.
أيها المسلمون، إنه لأجل أن تُعرف المجتمعاتُ الواعية ومدى اهتمامها بأفرادها وإعمالها للطاقات المهدرة في صفوف شبابها وفتياتها، فلينظر إلى مواقفها مع العطل وأوقات الإجازات، وما توليه من الدراسات الجادة لعلاج الكم الهائل من السلبيات عبر هذه العطل. ولو أردنا أن نستطرد في حصر الممارسات الصيفية في كثير من المجتمعات لطال بنا المقام، غير أن ما لا يدرك كله لا يترك كله، والجزء قد يدل على الكل من باب اللزوم، ولأجل هذا فإن من المستحسن أن نبدي شيئاً من الوضوح والمصارحة حول ما تمتاز به هذه العطل من الممارسات التي تفتقر إلى الصحة، وتتسلل عن الضابط الشرعي لواذاً.
فمن هذه الممارسات الخاطئة في العطل هي تلكم العادات المقيتة وذلكم الانقلاب المشين في النظرة إلى الناموس الكوني بالنسبة لليل والنهار؛ إذ أننا نرى ممارسات جماهير الناس تكمُن بداهة باديَ العطلة في انقلاب الليل نهاراً والنهار ليلاً، فتجد نهارهم في دُجنة وليلهم جهورياً، وألذَّ ما عندهم سمرَ العشاق أو شغل المشغولين بالفراغ. تجد عبادتهم نزراً وغوايتهم غمراً. يقضون الليل في القيل والقال والضجيج والطنين والعزف والطرب، فيصعقون الأسماع ويخطفون الأبصار، حتى تمتد ألوان لهوهم إلى أوقات متأخرة من الليل، ولسان حالهم يقول: يا ليل هل لك من صباح أم هل لنجمك من براح؟ ضل الصباح طريقه، والليل ضل عن الصباح، فلا يرخي الليل سدوله إلا وقد جر اللهو ذيوله.(85/2)
وبذلك كله تفتقد النعمة العظمى التي جعل الله بها الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشوراً، وبذلك أيضاً تُفتقد القشعريرة في استشعار نعمة الله - تعالى -علينا في تعاقب الأجدَّين وهما الليل والنهار، كما في قوله - تعالى -: " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَاهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلَاهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " [القصص: 71-73].
عباد الله، ومن الممارسات الخاطئة في العطل تلكم العادات الممقوتة والرتابة المتكررة والتي تشرئب لها نفوس الكثيرين لا سيما في الأوساط النسائية ألا وهي مناسبات الأفراح وما أدراكم ما هي، والتي يُجلب عليها بالخيل والرجل والأموال والأولاد، اعدادات مكثفة وتشبث بكل أنواع التّهيؤ لتلك الأفراح، إسراف وتبذير يكتنف جُملة من الأفراح إلا ما رحم الله، إسراف في أماكن الأفراح، مغالاة في أجرتها وتباهٍ في جودتها، تسوُّقٌ وتسوق وتسوق مشوب بتبرج وسفور، كل ذلك سابق لجميع هذه المناسبات، تفاخر في الملبس، وتكاثر في المأكل والمشرب، ناهيكم عن غلاء المهور الذي أودى بكثير من الناس إلى الازدواجية في الحياة، فثلة من الناس يعيشون وكأنهم في عصر مضى، وثلة أخرى منهم كأنها تعيش في عصر لم يأت بعد. فكيف إذاً يلتقي الزوجان وبينهما عصر مديد؟! الشاب يعيش كفافاً، وأهل بعض الفتيات يعيشون إسرافاً، الشاب يريد الزواج وبعض أرباب الفتيات يريدون الفخر والمباهاة. جاء رجل إلى النبي فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي: ((على كم تزوجتها؟)) قال: على أربع أواق، يعني مائة وستين درهما، فقال له النبي: ((على أربع أواق؟! كأنما ينحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك)) الحديث رواه مسلم[3].
وثمتَ ممارسات أخرى خاطئة تفتح مصْراعيها إبان تلكم العطل الصيفية والإجازات السنوية، فها هي جملة من القنوات الفضائية تُعد للعطل عدتها، وتتأهب تأهّب الجند في منازلة العدو، تنافس في العروض، بذلٌ لصور الإغراء والافتتان، مشاهدُ تئِد الحياة وتبرز القحة، بثٌّ مكثف لما ينقض عرى تلك الأخلاق والسمات الحميدة التي قد يتلقاها الدارسون طوال العام الدراسي، فتكون تلكم القنوات معاول هدم ماضية تفتت ما بقي من الصخر الصلد في النفوس، برامج مطلقة لا تحكمها رقابة الواعين ولا ضمائر ذوي الغيرة والإدراك للزين والشين، تجتث آثارها جذور المجتمع من أصولها شعرنا بذلك جميعاً أم لم نشعر، بل يبث من خلالها ما يكون من دواعي الإخلال بالأمن سواء كان أمناً حسياً أو أمناً فكرياً؛ إذ تتحكم اللصوصية على أرض الواقع.(85/3)
والذي ينبغي علينا هنا أن نعلمه جميعاً هو أن لصوص الفكر والعقول ليسوا أقل خطورة من لصوص الأموال والأعراض، وكلاهما مدعاة للسبهلل والفوضى، المفرزين للممارسات الشاذة والإخلال الأمني المرفوض بداهة والمهدد لسفينة الأمان الماخرة.
إن الفكر الإعلامي هو مقبض رحى المجتمعات المعاصرة ولب توجيهها الفعال، به يبصَّر الناس وبه يغرَّبون، به تخدم قضايا المسلمين وتنصر وبه تطمس حقائقها وتهدر. وإذا أردت أن تعرف الأمة الجادة من الأمة المستهترة فانظر إلى إعلامها، فما يكون فيه من كمال واعتدال فإنه يكون كمالاً واعتدالاً في بنية أمنها الإعلامي وقرةَ عين لمجموع أفرادها، وما يطرأ عليه من ثقوب وأوخاز فإنه يكون مرضاً للأمة واعتلالاً يوردانها موارد الهلكة والتيه.
ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، وحذار حذار من أن تكون هذه العطل الصيفية مأدبات شيطانية أو صفحات سوداء في سجل العام الحافل بالعمل والنشاط والحركة والبعد عن أجواء الضياع والتهوّر والإلقاء بالنفس إلى التهلكة، " وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا " [النحل: 92]، واستعيذوا بالله من الحور بعد الكور كما كان النبي يستعيذ من ذلك.
قد قلت ما قلت، إن صوابا فمن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفاراً.
الخطبة الثانية:
الحمد لله العلي القدير، اللطيف الخبير، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن سار على طريقهم واتبع هداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:(85/4)
فإن هناك أمراً هو من الأهمية بمكان، إذ لا يقل عن سابقيه من الممارسات الخاطئة والمفاهيم المغلوطة في ثنايا هذه العطل الصيفية، ألا وهو ذلكم التطواف والتجوال في أنحاء العالم المترامي الأطراف، من خلال السفر إلى بلاد غير المسلمين، أو إلى بلاد تشبهها وإن تسمت بالإسلام أو بما يسمى في العرف المعاصر بلاد السياحة الحرة، ومن المعلوم بداهة أن المرء الجاد الخائف من ربه وولي نعمته ليس لديه متسع من الوقت أو الجهد لينفقه فيما يعود عليه بالوبال والخسران، وعلى العكس من ذلك فإن فئاماً من الناس حرصوا على تضخيم الترويح على النفس والبدن فظنوا بسبب ذلك أنهم مسجونون في بيوتهم وبلدانهم، استصغروا ما كانوا يُكبرون من قبل، واستندَروا ما كانوا يستغزرون، حتى ألفوا مبادئ السياحة بقطع النظر عما يعتريها من الاطلاع على السخف والوقاحة ومشاهدة ما حرم الله ورسوله من كفر وفسق وعري وسكر على ضفاف الأنهار وشواطئ البحار في بلاد الكفار. وأما العاقل من السياح والذي يعرف أن عليه واجبات وفرائض فإنه قد يضعف في أدائها أو يؤديها في تخوف على وجه المسارقة والاستحياء، أو يقيم صلواته وسط أماكن الصخب والعطب فيفقد لذة العبادة والسكينة والطمأنينة التي لا وجود لها وسط تلك الأماكن الملتهبة، ولله كم أحسن أبو حامد الغزالي في وصفه لأمثال بعض السياح بقوله: "وأما السياحة في الأرض على الدوام فمن مشوشات القلب، والبعض قد استخفوا عقولهم وأديانهم من حيث لم يكن قصدهم إلا الرياء والسمعة وانتشار الصيت، فلم يكن لهم حكم نافذ ولا تأديب نافع، فاتخذوا المتنزهات وربما تلقفوا ألفاظاً مزخرفة من أهل الطامات، فينظرون إلى أنفسهم وقد تشبهوا بالقوم في لفظهم وعباداتهم وعاداتهم ومن آداب ظاهرة في سيرتهم، فيظنون بأنفسهم خيراً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ويعتقدون أن كل سوداء تمرة، فما أغزر حماقة من لا يميز بين الشحم والورم، فهؤلاء بغضاء الله، فإن الله يبغض الشاب الفارغ، ولم يحملهم على السياحة إلا الشباب والفراغ" انتهى كلامه - رحمه الله -.
وقد نقل ابن مفلح - رحمه الله - عن ابن الجوزي - رحمه الله - قوله: "السياحة في الأرض لا لمقصود كعلم أو دعوة أن نحو ذلك منهي عنه"، وقال الإمام أحمد: "ما السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين لأن السفر يشتت القلب"، وقد سئل مرة ما تقول في السياحة قال: "لا، الترويحُ ولزوم المسجد".
ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، وانظروا في واقعكم اليوم تجاه هذه العطل والإجازات الصيفية، وليكن لكم مواقف جادة في إيجاد الكيفية المناسبة للإفادة منها وحفظ الأوقات فيها، وجعل الحديث عنها لا يقل أهمية عن أي أحاديث أخرى في برامج الناس العامة وظواهرهم المستشرية؛ لأن البيت والمجتمع والإعلام كلهم خاضعون لحدود الله ومتى تجاوزت هذه الحدود يوماً ما فما قدرتَ الله حق قدره.(85/5)
ولأجل أن تُدرك أهمية هذه المسألة فإنه يجب علينا جميعاً أن نعلم أن مواقعي هذه العطل على اختلاف مشاربهم لن يخرج أحد منهم عن سؤال من خمسة أسئلة إن لم يسأل عنها كلها، ألا وهي قول النبي: ((لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمسِ: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم)) رواه الترمذي[1].
هذا وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه وأيَّه بكم أيها المؤمنون، فقال - سبحانه وتعالى -: ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب: 56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...
----------------------------------------
[1] أخرجه مسلم في التوبة (2750) من حديث حنظلة - رضي الله عنه -، وليس هو عند البخاري.
[2] أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (659)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (2/129)، والسمعاني في أدب الإملاء والاستملاء (ص 68) من طريق النجيب بن السري عن علي، وهذا سند منقطع، انظر: مراسيل ابن أبي حاتم (ص 424-425).
[3] كتاب النكاح (1424) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
[1] أخرجه في صفة القيامة (2416) وقال: "هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث ابن مسعود عن النبي إلا من حديث الحسين بن قيس، وحسين بن قيس يضعّف في الحديث من قبل حفظه، وفي الباب عن أبي برزة وأبي سعيد"، وله شاهد أيضاً من حديث معاذ - رضي الله عنه -، ولذا حسنه الألباني في الصحيحة (946).
26/3/1423
http://www.alminbar.net المصدر:(85/6)
منكرات الصيف
أولا: ما المراد بمنكرات الصيف؟
1- تعريف المنكر لغة وشرعاً:
المنكر لغة: قال ابن فارس: "النون والكاف والراء أصلٌ صحيح يدل على خلاف المعرفة التي يسكن إليها القلب"[1]. والمنكر من الأمر: خلاف المعروف[2].
والمنكر شرعاً: هو كل ما لا يُعلم حسنُه من جهة الشرع، أو عُلِم قبحه من جهة الشرع[3].
2- تعريف الصيف:
الصيف واحد فصول السنة، وهو بعد الربيع الأول (الخريف) وقبل القيظ. وتصيّف من الصيف، كما يقال: تشتى من الشتاء. وأصاف القوم: دخلوا في الصيف. وصافوا بمكان كذا: أقاموا فيه صيفهم، فهم صائفون[4].
3- المراد بمنكرات الصيف:
والمراد بمنكرات الصيف: ما يصاحب الإجازة الصيفية من الأمور المستقبحة.
ثانيا: منكرات الأسواق:
الأسواق خلال الإجازة الصيفية تنشط لكثرة المناسبات السعيدة والأفراح عند الناس، ويصاحب هذا النشاط عادة منكرات عدّة، وبسبب الفراغ الذي يعانيه كثير من الشباب والشابات فإن الأسواق تصبح ميداناً نشطاً لتجمعاتهم. ولذلك جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها))[5]. فمن هذه المنكرات:
1- التبرج والسفور:
التبرج: مصدر تبرج، وتبرجت المرأة: أظهرت زينتها للرجال.
والسفور: هو الظهور، وسفرت المرأة عن وجهها: إذا كشفته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))[6].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيّما امرأة استعطرت فمرّت على قومٍ ليجدوا من ريحها فهي زانية))[7].
2- اختلاط النساء بالرجال:
عن علي رضي الله عنه قال: (ألا تستحيون أو تغارون؟! فإنه قد بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج)[8].
والعلوج: جمع عِلج، قال ابن الأثير: "الرجل من كفار العجم وغيرهم"[9].
3- إطلاق البصر في العورات:
قال الله تعالى: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذالِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:29، 30].
وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: ((يا علي، لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة))[10].
قال ابن القيّم: "فأما اللحظات فهي رائدة الشهوة ورسولها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق بصره أورد بصره موارد الهلكات"[11].(86/1)
وقال: "والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فالنظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة تقوى فتصير جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع. وفي هذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر على ألم ما بعده، قال الشاعر:
كل الحوادث مبدؤها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها *** كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والعبد ما دام ذا طَرْفٍ يقلبه *** في أعين الغيرِ موقوف على الخطرِ
يسر مقلته ما ضرّ مهجته *** لا مرحباً بسرورٍ عاد بالضرر"[12]
ثالثا: منكرات الأفراح:
1- الإسراف في الطعام:
2- الإسراف في الإنارة:
السرف: تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ} [الفرقان:67].
قال سفيان: "ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف، وإن كان قليلاً"[13].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما أَوْلَمَ النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أَوْلَمَ على زينب، أَوْلَمَ بشاة[14].
3- إلقاء الدراهم ونحوها:
يعرف عند الفقهاء بالنثار، وفيه تعريض ما في بعضها من ذكر الله للمهانة، قال تعالى: {وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ} [الحج:30]. وفيه دناءة لمن التقطه وذل، ولا ينبغي لمسلم أن يعرّض أخاه لذلك، ولا ينبغي لمسلم أن يلتقطه، ولذلك كرهه من كرهه من الفقهاء.
قال شرف الدين الحجاوي: "وكره النثار والتقاطه"، قال البهوتي: "لما يحصل فيه من النهبة والتزاحم، وأخذه على هذا الوجه فيه دناءة، وسخف"، وقال ابن القاسم: "النثار شيء يطرح في أيام التزويج من دراهم أو غيرها، وسئل أحمد عن الجوز ينثره، فكرهه، وقال: يعطون أو يقسم عليهم. وفي رواية: لا يعجبني انتهاب الجوز، وأن يؤكل، والسكر كذلك، وكُره التقاطه في عرسٍ أو غيره"[15].
4- اختلاط الرجال بالنساء:
ويحدث هذا كثيراً في الأفراح، ولقد كان النساء يعتزلن الرجال زمن النبي صلى الله عليه وسلم حتى في الطواف، قال عطاء: كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجرةً من الرجال لا تخالطهم[16].
قال ابن حجر: "قوله: (حَجْرة) بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها راء، أي: ناحية، قال القزاز: هو مأخوذ من قولهم: نزل فلان حَجرة من الناس أي معتزلاً، وفي رواية الكشميهني (حجزة) بالزاي، وهي رواية عبد الرزاق فإنه فسّره في آخره، فقال: يعني محجوزاً بينها وبين الرجال بثوب"[17].
وكان من أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن جعل للنساء باباً في المسجد خاصاً بهن حتى لا يختلطن بالرجال، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو تركنا هذا الباب للنساء))[18].
وعن نافع قال: إن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يُدخل من باب النساء[19].
5- الغناء والطرب:
وهذا المنكر وللأسف يعد ظاهرة منتشرة في الأفراح، والغناء ثبت تحريمه في الكتاب والسنة المطهرة.(86/2)
قال الله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى الأَمْوالِ وَالأولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} [الإسراء:64].
قال ابن كثير: "وقوله: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} قيل: هو الغناء. قال مجاهد: باللهو والغناء، أي: استخفهم بذلك"[20].
وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [لقمان:6].
ولهو الحديث هو الغناء، كما قال ابن مسعود: "الغناء، والله الذي لا إله إلا هو" يرددها ثلاث مرات[21].
وعن أبي عامر ـ أو أبي مالك ـ الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف))[22].
قال ابن القيم في المعازف: "وهي آلات اللهو كلها، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك"[23].
وقال الذهبي: "المعازف: اسم لكل آلات الملاهي التي يُعرف بها: المزمار، والطنبور، والشبابة، والصنوج"[24].
قال ابن عباس: (الدف حرام، والمعازف حرام، والكوبة حرام، والمزمار حرام)[25].
قال الخطابي: "والكوبة تفسر بالطبل، ويقال: هو النرد، ويدخل معناه كل وترٍ ومزهر ونحو ذلك من الملاهي"[26].
وعن إسحاق ابن الطباع قال: سألت مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء، فقال: "إنما يفعله عندنا الفسّاق"[27].
6- عدم دعوة الفقراء والمساكين:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((بئس الطعام طعام الوليمة، يدعى إليه الأغنياء ويترك المساكين، فمن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله))[28].
7- التصوير الفوتوغرافي عند النساء:
وهذا منكر عظيم، لأن فيه تصوير عورات المسلمين، يراهن البر والفاجر. وحتى لو ضمن تصويرهن بواسطة النساء، فإن الصورة تكون عرضة للسرقة أو الضياع.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأبي الهياج الأسدي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته[29].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون))[30].
والذين أباحوا التصوير للضرورة والحاجة لم يبيحوا أبداً تصوير المرأة بكامل زينتها لغير حاجة، لأن فساده جدُّ عظيم.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم))[31].
8- النوم عن صلاة الفجر:
وهذا المنكر نتيجة طبيعية بسبب تأخر حفلات الأفراح إلى ما بعد منتصف الليل. وفي هذا حرمان للنفس من خيرٍ عظيم، فعن عثمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلّى الصبح في جماعة فكأنما صلّى الليل كلّه))[32].(86/3)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم، ثم آمر رجلاً يؤم الناس، ثم آخذ شعلاً من نار فأحرِّق على من لا يخرج إلى الصلاة بعدُ))[33].
رابعا: منكرات السفر:
1- السفر إلى بلاد الكفر أو بلاد الإباحية والفساد لمجرد السياحة:
وهذا من المنكرات الظاهرة والمحرمات الواضحة، إذ السفر لبلاد يظهر فيها الشرك والفسوق واستحلال المحرمات لا يحل إلا لضرورة أو حاجة.
عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين)) قالوا: يا رسول الله، لِمَ؟ قال: ((لا تراءى ناراهما))[34].
2- السفر إلى شواطئ البحار حيث العري والفساد:
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كشف العورات والنظر إليها، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوبٍ واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد))[35].
3- السفر إلى الخارج بنية ارتكاب الرذائل:
قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء:32].
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه ضمنت له الجنة))[36].
4- الانشغال عن الصلوات وتضييعها:
وهذا المنكر يصبح ظاهرة متفشيّة في هذه الأيام، لأن الناس يُكثِرون من الخروج للتنزه والتفسح، وينسون الصلوات غالباً في زحمة انشغالهم ولهوهم.
قال تعالى: {فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4، 5].
قال ابن كثير: "إما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائماً أو غالباً، وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به، وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها"[37].
قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} [النساء:103].
والموقوت: المقدّر بالمواقيت، فتأخيرها عن الوقت الذي فرضت فيه دون عذرٍ كبيرة.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن للصلاة وقتاً كوقت الحج)[38].
وقال زيد بن أسلم: "منجماً، كلما مضى نجم جاء نجم"، وقال ابن كثير: "كلما مضى وقت جاء وقت"[39].
وعن العلاء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس بن مالك رضي الله عنه في داره بالبصرة، حين انصرف من الظهر، قال: فصلوا العصر، فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً))[40].
فإذا كانت صلاة من هذه حاله صلاة المنافق، فكيف هي صلاة من يؤخرها حتى يخرج الوقت كلّه دون عذر؟!(86/4)
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن ((لا تشرك بالله شيئاً، وإن قطعت وحرقت، ولا تترك صلاة مكتوبة، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة، ولا تشرب الخمر، فإنها مفتاح كل شر))[41].
قال ابن الأثير: "((فقد برئت منه الذمة)) أي: أن لكل أحدٍ من الله عهداً بالحفظ والكلاءة، فإذا ألقى بيده إلى التهلكة أو فعل ما حُرّم عليه أو خالف ما أُمر به خذلته ذمة الله تعالى"[42].
5- سفر المرأة بلا محرم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم))[43].
6- تشويه سمعة المسلمين بأفعال سيئة:
وفي هذا نوع صدٍ للكفار عن دين الله، قال الله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} [الممتحنة:5].
قال ابن مجاهد: "ومعناه: لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك، فيقولوا: لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا"[44].
ومثل ذلك لو رأوا تردي أخلاق المسلمين، لقالوا: لو كان دينهم حقاً، ما فعلوا هذا.
7- تساهل النساء المسلمات بالحجاب:
قال تعالى: {يأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لأزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59].
قالت أم سلمة: لما نزلت هذه الآية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} خرج نساء الأنصار، وكأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنه[45].
خامسا: إضاعة الأوقات:
1- قراءة المجلات والكتب والصحف التي تحض على الرذيلة:
2- مشاهدة الأفلام والمسرحيات:
3- مشاهدة مباريات كرة القدم والمصارعة:
4- الإغراق في الرياضة ولعب الكرة:
5- قضاء الساعات الطوال في مقاهي الإنترنت:
الوقت عمر الحياة وميدان وجود الإنسان.
الوقت من ذهب، بل هو أغلى من الذهب.
قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ} [سورة العصر].
قال ابن القيّم: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته، وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهر والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم، والبطالة، فموت هذا خيرٌ له من حياته"[46].
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك))[47].
وقال الحسن البصري: "يا ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضك"[48].
وقال: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم"[49].
قال ابن هبيرة:
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع[50](86/5)
وقال علي بن محمد البُستي:
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يداً *** ولم أقتبس علماً فما هو من عمري[51]
سادسا: بدائل مقترحة.
1- الرحلة إلى طلب العلم ومصاحبة العلماء.
2- الدروس والدورات العلميّة.
3- الاستفادة من الدورات المهنية والمهارات المكتسبة (اللغة الإنجليزية – الكمبيوتر – الكهرباء – النجارة...).
4- المراكز الصيفية الشرعية التي تحفظ أوقات كثيرٍ من شباب المسلمين.
5- السياحة في البلدان الإسلامية المعروفة بالمحافظة.
-----------------------------
[1] مقاييس اللغة، مادة: (نكر).
[2] لسان العرب، مادة: (نكر).
[3] تحفة الأحوذي (11/36).
[4] لسان العرب، مادة: (صيف).
[5] مسلم (671).
[6] مسلم (2128).
[7] الترمذي (2786)، والنسائي (8/153)، وقال الترمذي: "حسن صحيح".
[8] أخرجه عبد الله في زوائد المسند (1/133)، وفي سنده شريك بن عبد الله القاضي.
[9] النهاية في غريب الحديث، مادة: (علج).
[10] أحمد (5/353)، والترمذي (2777)، وأبو داود (2149)، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك"، وصححه الحاكم (2/212)، وهو في صحيح الترغيب (1903).
[11] الجواب الكافي (ص106).
[12] الجواب الكافي (ص106).
[13] المفردات، مادة: (سرف).
[14] البخاري (5168)، ومسلم (1428).
[15] حاشية الروض (6/416).
[16] البخاري (1618).
[17] الفتح (3/481).
[18] أبو داود (462)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (439).
[19] أبو داود (464).
[20] تفسير القرآن العظيم (5/91).
[21] تفسير ابن كثير (6/333).
[22] علقه البخاري بصيغة الجزم (5590)، وصححه الألباني في تحريم آلات الطرب (38).
[23] إغاثة اللهفان (1/260).
[24] السير (21/158).
[25] البيهقي (10/222).
[26] المعالم (5/268).
[27] تلبيس إبليس (244).
[28] مسلم (1432).
[29] مسلم (969).
[30] البخاري (5950)، مسلم (2109).
[31] البخاري (7758).
[32] مسلم (656).
[33] البخاري (657).
[34] أبو داود (2645)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (5304).
[35] مسلم (338).
[36] البخاري (6474).
[37] تفسير القرآن العظيم (8/514).
[38] تفسير القرآن العظيم (2/357).
[39] تفسير القرآن العظيم (2/357).
[40] مسلم (622).
[41] ابن ماجه (4034)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3259).
[42] النهاية في غريب الحديث، مادة: (ذمم).
[43] البخاري (1086)، ومسلم (827).
[44] تفسير ابن كثير (8/114).
[45] تفسير ابن كثير (6/471).
[46] الجواب الكافي (184).
[47] أخرجه الحاكم في مستدركه (4/341)، وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، ولم يتعقبه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3355)، لكن ذكر له البيهقي في الشعب علّة (7/263) وهي أن الصحيح أنه من رواية عمرو بن ميمون الأودي مرسلاً، كذا أخرجه ابن المبارك في الزهد (ص2)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/77)، وصححه الحافظ في الفتح (11/235).
[48] الحلية (2/148).
[49] شرح السنة (14/255).
[50] ذيل طبقات الحنابلة (1/281).
[51] جامع بيان العلم وفضله (1/61).
المصدر : موقع المنبر(86/6)
مهلا يا قوافل السياح
تركي العبدلي
ستنطلق قوافل السياح بعد أيام قلائل تجوب الأرض، وتقلع أسراب الطائرات متجهة إلى أقاصي الأرض، فمنهم من يبحث عن المناظر الخلابة والأجواء الساحرة، ومنهم من يفتش عن الأخبار الغريبة والعلوم العجيبة، ومنهم من يبحث في عادات الأمم وتقاليد الشعوب، حاملين معهم الأموال الطائلة عازمين على إنفاق أوقاتهم النفيسة وأعمارهم العزيزة في أصقاع المعمورة.
ولن أجعل من مقالي هذا حجر عثرة في طريقهم، بل أقول سيروا على بركة الله ما لم تغشو منكرا أو تقولوا زورا، ولكنني أريد أن أقول لكم كلمة، تنفعكم ولا تضركم، وتزيدكم ولا تنقصكم، وتسركم ولا تحزنكم، فيا ليتني أجد أذنا صاغية وقلب واع لما أقول.
إن السياحة ليست مشروعا طرأ على الأمم من غير نظير سابق، وليست اختراعا لم يعرف إلا في عصرنا، بل هو قديم قدم وجود الإنسان على الأرض، مذ رحلة آدم في بحثه عن حواء، ولكنها ذات وجوه فمنها السياحة للمتعة وهناك السياحة الطبية وهناك السياحة الاقتصادية وكذلك السياحة الاستكشافية العلمية...الخ.
ففي الإسلام كانت السياحة الاقتصادية - والتي كان يقوم بها تجار المسلمين والاستكشافية والتي كان يقوم بها جغرافيهم ومؤرخيهم - أبرز أنواع الأسفار في عصرهم.
كما أن السياحة الترفيهية والاستكشافية أبرز أنواع السياحة في هذا العصر، لكن للأسف أن النتائج هناك ليست كالنتائج هنا، فاؤلئك حرصوا أن يكونوا رسلا للإسلام حاملين همّ نشره بين الأمم ليخرجوهم من ظلمات الشرك والإلحاد إلى نور الإسلام، متمثلين بقوله - تعالى - (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) فهل تعلمون ماذا كانت نتائج سياحتهم وأسفارهم في أنحاء المعمورة؟ بأن الله أعطاهم بغيتهم فبارك الله لهم في مقصدهم الدنيوي وأغناهم من فضله، ولكن العظمة كل العظمة بأنهم لم يكونوا صناع مال فحسب بل صناع حياة، نعم لقد وهب الله الحياة الأبدية لأمم الأرض على أيديهم، فهذه اندونيسيا أكبر دولة إسلامية من حيث السكان ما كانت لولاهم، بل جنوب آسيا وعِدَّ من الدول فيها ما شئت، وهذه أفريقيا لا سيما جنوبها كالزنجبار وساحل العاج وغيرهما كثير فهل تعتقد أخي القارئ أن هذه الشعوب لولا جهود هؤلاء في الدعوة - بفضل من الله - عز وجل - كان لهم حظ من الإسلام، هل تعتقد أن المسلمين آنذاك عقدوا الاجتماعات المطولة، وعملوا ورش عمل لدعوة سكان هذه الدول أم إنه الدافع الإيماني لدى عامة المسلمين والذي دفع بأفرادهم بأن يقوموا جماعات وفرادى بإنقاذ البشرية من أوحال الكفر والضلال.
ألا ترغب أخي الحبيب - وكذلك أنت أختي الفاضلة - أن تكون من صناع الأمم والحضارات، ألا توجد بين خلجات نفسك تلك الجذوة الإيمانية التي لو نفخت فيها قليلا لأضاءت دروب البشرية؟(87/1)
اعلم أن القصر الشامخ، والصرح العظيم، والسد المنيع، إنما يبدأ بنيانه بتلك الطوبة الصغيرة التي يضعها العامل على الأرض مؤذنا بها بداية العمل، ألا تود أن تكون صاحب تلك الطوبة حتى تغمر نفسك ببحور الحسنات؟
ألم يقل نبيك - صلى الله عليه وسلم - (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا)؟ ألا تريد أن تغسل حياتك من الذنوب المتراكمة والخطايا المتزاحمة بفيض من النور الذي وعدنا الله به على الصراط (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)؟.
فيا أحبتي السياح إليكم ما جادت به نفسي من أفكار دعوية تكون من خلالها سائحا مسلما جامع بين رضى ربك ورضى نفسك، بين الواجب الديني والنصيب الترفيهي فترجع من سفرك محملا بحسنات الأعمال لا أوزارها، والدرجات العلى لا بدركات الهاوية، فأقول:
1- كن سفيرا لدينك قبل أن تكون سفيرا لبلدك، فكثير من السياح يحرصون على سمعة بلدهم فتجدهم يتجنبون كثيرا من الأخلاق والسلوكيات حتى لا يلصقوا ببلدهم صفة سيئة وهذا جيد بلا شك، لكن الواجب على السائح أن يكون - مع ذلك - سفيرا لدينه، سفيرا للإسلام، بأن يوضح للآخرين بأن ما يقوم به هو واجب شرعي قبل أن يكون التزام وطني.
2- احرص أن يكون معك بعض الكتيبات والأشرطة والتي تكون بلغة البلد التي تزمع السفر لها، لتيسر لك سبيل الدعوة وتكسر حاجز اللغة والذي قد يعيقك في الدعوة.
3- حادثة مهمٌ ذكرها، الـIPC لجنة للتعريف بالإسلام في الكويت، لاحظت في إحدى العطل الصيفية بأن هناك إقبال شديد على موقعها من احد الدول الأوربية وهي بريطانيا، وبعد التتبع وجدت أن السبب أن هناك فتاة لم يتجاوز عمرها الأربعة عشر، قامت بوضع لافتة عليها عنوان سايدIPC، فتارة تجول في الهايد بارك وتارة في الأسواق وتارة... الخ مما لفت أنظار المارة فضلا على أنها كانت توزع العنوان على من ترى في الأماكن التي تجوبها مما دفع الفضول بالناس للدخول على هذا الموقع! أفلا ترون أنها طريقة مجدية في الدعوة.
4- ما الذي يمنع من أن تجلس مع صاحب التاكسي والذي استأجرت سيارته طوال اليوم أو النادل في الفندق أو الذي يجلس بجانبك في ذلك القارب وأنت في رحلة بحرية، أو تغدو على ذلك الرجل والذي جلس بمفرده يستمتع بالمناظر الجميلة على قمة جبل فتضيفه بكأس من عصير ليكون مفتاح الحوار بينكما، أو تدعو مجموعة السياح للصلاة إن حان وقتها لاسيما إن كنت في بلد مسلم، فتذهب لذلك الغربي الذي أخذ يلتقط لكم الصور وأنتم في صلاتكم لتشكره! وتبين له معنى الصلاة في دينك.(87/2)
5- أن تلجأ لله بالدعاء بأن تكون مفتاح خير على هذه الأمة وداعية هدى ومبلغ للرسالة التي اصطفانا بها الله - تعالى -وجعلنا أمة وسطا، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه) فمن عزم على الخير وهداية الناس لاشك بأن مفاتيح الخير على يديه بعون من الله - تعالى -.
والآن فلتنطلق ركائبكم بحفظ ربكم، وأسأل الله الباري أن يحفظكم في حلكم وترحالكم، وترجعون لدياركم سالمين غانمين من خيري الدنيا والآخرة.
http://www.emanway.com المصدر:(87/3)
موقف الإسلام من السياحة
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هو موقف الإسلام من السياحة كمورد هام للدخل القومى ؟
الجواب
السياحة وهى الانتقال من مكان إلى مكان آخر لمشاهدة ما فيه من آثار أو للتنزه والتمتع بما فيه من مناظر أو مظاهر- أمر لا يمنعه - الدين فى حد ذاته ، بل يأمر به إذا كان الغرض شريفا ، فقد أمرت الآيات الكثيرة بالسير فى الأرض للاعتبار بما حدث للسابقين {أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمِّر الله عليهم وللكافرين أمثالها} محمد: 15 ، {قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين } النمل : 69 .
والحج نفسه سياحة دينية وعبادة مفروضة، وشد الرحال إلى المسجد الحرام بمكة ، وإلى المسجد النبوى بالمدينة ، وإلى المسجد الأقصى بالشام مرغوب فيه كما جاء فى الحديث الصحيح ، وذلك للعبادة وزيادة الأجر، والأمر بزيارة الإخوان والرحلة لطلب العلم وللتجارة كل ذلك سياحة مشروعة ، ونسب إلى الإمام الشافعى- ورحلته فى طلب العلم معروفة-دعوته إلى السفر لأن فيه خمس فوائد هي :
تفرج واكتساب معيشة * وعلم وآداب وصحبة ماجد ورحلات الصحابة والتابعين والسلف الصالح للجهاد والتجارة والأغراض العلمية معروفة ، وكذلك أخبار الرحالة المسلمين كابن بطوطة وابن جبير لها كتب مدون فيها علم كثير، ولا شك أن البلاد التى يرد إليها السائحون تكسب كثيرا من الناحية المادية والناحية الأدبية ، وتحرص كثيرا على أن يفد إليها السائحون ، وإذا كان الواقع يشهد بذلك فقد أشار إليه قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم {ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} إبراهيم : 370 .(88/1)
فأمره الله بأن يؤذن فى الناس بالحج ، فأذن وأتوه من كل فج عميق ، وعمر المكان وازدهر وسيظل كذلك إلى يوم الدين . وهذا الكسب يكون حلالا إذا لم يكن فيه ضرر سواء أكان هذا الضرر من السائحين أو من الجهة التى يزورونها ، وسواء أكان الضرر ماديا أم أدبيا ، فقد يكون بعضهم جواسيس أو أصحاب فكر أو سلوك شاذ يريدون نشره ، وهنا يجب منع الضرر، فمن القواعد التشريعية : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح . ومن تطبيقات هذه القاعدة قديما ، إعلان أبى بكر رضى الله عنه وكان أميرا للحج فى السنة التاسعة من الهجرة ألا يحج بعد العام مشرك ، وقد كان العرب يحرصون على الحج من أجل التجارة والمكاسب المادية وكان أهل مكة يستفيدون من ذلك كثيرا ويقومون بتسهيلات كثيرة للحجاج ، وأنشئوا خدمات ثابتة من أجل ذلك كالسقاية والرفادة كانوا يتنافسون فيها ويتوارثونها فحرم الإسلام على أهل مكة تمكين المشركين من الحج على الرغم من ضياع الكسب المادى أو الرواج التجارى أو الانتعاش الاقتصادى الذى كانوا يفيدون منه وذكر أن الله سيعوضهم خيرا مما فاتهم بسبب هذا الخطر، وجاء فى ذلك قول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء الله إن الله عليم حكيم } التوبة : 28 .
قال المفسرون : لما منع المسلمون الكافرين من الموسم وكانوا يجلبون الأطعمة والتجارات قذف الشيطان فى قلوبهم . الخوف من الفقر وقالوا : من أين نعيش ؟فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله . قال عكرمة :
أغناهم الله بإدرار المطر والنبات وخصب الأرض ، فأخصبت بتَالة وجُرَش -بلدان باليمن فيهما خصب -وحملوا إلى مكة الطعام وكثر الخير وأسلمت العرب ، أهل نجد وصنعاء ، فكثر حجهم وازدادت تجارتهم وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم .
والواجب أن توضع قوانين لتنظيم السياحة منعا لما يكون فيها من ضرر، وأملا فى زيادة ما يكون وراءها من خير(88/2)
نزهة النظر في بيان أحكام السفر
د. نايف بن أحمد الحمد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد : فنظرا لحلول إجازة نهاية العام وقد تهيأ كثير من الناس للسفر ناسب ذلك الحديث عن بعض الأحكام المتعلقة بالسفر والمسافرين أُوردها مذكرا بها نفسي وإخواني سائلا المولى جل جلاله التوفيق والسداد فأقول مستعينا بالله تعالى :
سبب تسميته سفرا :
سُمِّي السفر سفرا لأنه يُسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم فيظهر ما كان خافيا منها. ( لسان العرب 4/368 الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 242 ) ويُروى ذلك عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه . ( خلاصة البدر المنير 2/436) فتجد المرء تعرفه السنين الطوال ولم يُظْهِر لك من خُلقه إلا الحسن وما أن تسافر معه بضعة أيام فتراه ليلا ونهارا وعند أكله وشربه ونومه ومعاملته إلا ويُظهر لك أمورا قد لا يسرك معرفتها لذا فقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إذا شهد عنده رجل لا يعرفه سأل عنه ومما يسأل المزكي عنه : أسافرت معه ؟ فقد شهد شاهدان عنده فقال لهما : إني لا أعرفكما ولا يضركما أن لا أعرفكما ائتيا بمن يعرفكما . فأتيا برجل . فقال عمر : كيف تعرفهما ؟ قال : بالصلاح والأمانة . قال : هل كنت جارا لهما ؟ قال : لا . قال : هل صحبتهما في السفر الذي يسفر عن أخلاق الرجال ؟ قال : لا . قال : فأنت لا تعرفهما ائتيا بمن يعرفكما . رواه العقيلي في تاريخه والخطيب في كفايته والبيهيقي في سننه وضعفه العقيلي وقال : ما في الكتاب حديث في إسناده مجهول أحسن منه ا.هـ وصححه أبو علي ابن السكن . خلاصة البدر المنير 2/437 والتلخيص الحبير 4/197وقال صدقة بن محمد رحمه الله تعالى : يقال إن السفر ميزان القوم . رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1730) .
حكم السفر
السفر ينقسم إلى ثلاثة أقسام من ناحية الحكم الشرعي وهي :
الأول : سفر طاعة
كالسفر لأداء مناسك الحج أو العمرة أو الجهاد أو صلة الرحم أو زيارة مريض ونحو ذلك عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ الله له على مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فلما أتى عليه قال أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قال : أُرِيدُ أَخًا لي في هذه الْقَرْيَةِ قال هل لك عليه من نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا ؟ قال : لَا غير أنى أَحْبَبْتُهُ في اللَّهِ عز وجل قال : فَإِنِّي رسول اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قد أَحَبَّكَ كما أَحْبَبْتَهُ فيه ) رواه مسلم ( 2567) .
الثاني : سفر معصية(89/1)
كالسفر لارتكاب المحرمات أو سفر المرأة بدون محرم أو شد الرحال لزيارة القبور فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ النبي صلى الله عليه وسلم ( لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هذا وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) رواه البخاري ( 1132) ومسلم ( 1397) وعن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يقول ( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ولا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلا مع ذِي مَحْرَمٍ ) َقَامَ رَجُلٌ فقال : يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وأني اكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قال ( انْطَلِقْ فَحُجَّ مع امْرَأَتِكَ ) رواه مسلم (1341) .
الثالث : سفر مباح
كسفر التجارة والنزهة والسياحة البريئة والصيد وغيرها
قال الشافعي رحمه الله تعالى
تغرَّب عن الأوطان في طلب العلى *** وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تَفَرُّج همٍّ واكتسابُ معيشة *** وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجد
(ديوان الشافعي /74 فيض القدير 4/82يتيمة الدهر 5/40)
وقال عروة بن الورد
فسِرْ في بلاد الله والْتمس الغنى *** تعش ذا يسار أو تموت فتُعذرا
( أمثال الحديث 1/93)
رخص السفر
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال ( السَّفَرُ قِطْعَةٌ من الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فإذا قَضَى أحدكم نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إلى أَهْلِهِ ) رواه البخاري ( 2839) ومسلم (1927) قال النووي رحمه الله تعالى " معناه يمنعه كمالها ولذيذها لما فيه من المشقة والتعب ومقاساة الحر والبرد والسري والخوف ومفارقة الأهل والأصحاب وخشونة العيش " ا.هـ شرح النووي على صحيح مسلم 13/70 مرقاة المفاتيح 7/414 وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى " السفر قطعة من العذاب أي جزء منه والمراد بالعذاب الألم الناشئ عن المشقة لما يحصل في الركوب والمشي من ترك المألوف ... نهمته بفتح النون وسكون الهاء أي حاجته .. وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة واستحباب استعجال الرجوع ولا سيما مَن يخشى عليهم الضيعة بالغيبة ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة على العبادة " ا.هـ فتح الباري 3/ 623 وانظر : عمدة القاري 10/138 تنوير الحوالك 2/249
وسئل إمام الحرمين حين جلس موضع أبيه لِمَ كان السفر قطعة من العذاب ؟ فأجاب على الفور : لأن فيه فراق الأحباب . شرح الزرقاني للموطأ 4/506
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى " وفي هذا الحديث دليل على أن طول التغرب عن الأهل لغير حاجة وكيدة من دين أو دنيا لا يصلح ولا يجوز وأن من انقضت حاجته لزمه الاستعجال إلى أهله الذين يمونهم ويقوتهم مخافة ما يحدثه الله بعده فيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) "ا.هـ التمهيد لابن عبد البر 22/ 36
قال عبد القادر بن أبي الفتح(89/2)
إذا قيل في الأسفار خمس فوائد *** أقول : وخمس لا تُقاس بها بلوى
فتضييع أموال وحمل مشقة *** وهمٌّ وأنكاد وفُرقة مَن أهوى
( الضوء اللامع4/295 الموسوعة الشعرية/330)
ونظرا لتلك المشاق في السفر فقد رخص الشارع الحكيم للمسافر رخصا عديدة وخفف عنه جملة من الأحكام منها :
أولا : قصر الصلاة الرباعية بحيث تصلى ركعتين قال تعالى [وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً] (النساء:101) وعن يعلي بن أُمَيَّةَ قال قلت لِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ ( فليس عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا من الصَّلَاةِ إن خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فَقَدْ أَمِنَ الناس . فقال : عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ منه فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ( صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ الله بها عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ ) رواه مسلم (686) .
ثانيا : الجمع بين الصلاتين
فيسن للمسافر إذا جدَّ به السير أن يجمع بين الظهر والعصر وكذا المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير يفعل الأيسر عليه لحديث عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال : رأيت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ في السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حتى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ . رواه البخاري ( 1041) ومسلم (703) وعن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ارْتَحَلَ قبل أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وإذا زَاغَتْ صلى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ . رواه البخاري ( 1060) ومسلم ( 704) وعن مُعَاذٍ رضي الله عنه قال : خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جميعا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جميعا . رواه مسلم ( 706) .
ثالثا : الفطر في رمضان
قال تعالى [ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ] (البقرة:184) وعن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنهما قال : كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قد اجْتَمَعَ الناس عليه وقد ظُلِّلَ عليه فقال ( ماله ) ؟ قالوا : رَجُلٌ صَائِمٌ . فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( ليس من الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا في السَّفَرِ ) رواه مسلم ( 1115) وزاد في رواية أخرى ( عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الذي رَخَّصَ لَكُمْ ) .
رابعا : زيادة مدة المسح على الخفين(89/3)
عن شُرَيْحِ بن هَانِئٍ قال : أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عن الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ ؟ فقالت : عَلَيْكَ بِابْنِ أبي طَالِبٍ فَسَلْهُ فإنه كان يُسَافِرُ مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فَسَأَلْنَاهُ فقال : جَعَلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ . رواه مسلم (276) .
خامسا : عدم وجوب صلاة الجمعة على المسافر
لأن من شروط وجوب الجمعة الإقامة والمسافر ليس مقيما ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الجمعة في سفره قال ابن عمر رضي الله عنهما : ليس للمسافر جمعة . رواه عبد الرزاق 3/172 وقد حكاه ابن عبد البر رحمه الله تعالى إجماعا . الاستذكار 2/36 وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى " ولا صلى بهم في أسفاره صلاة جمعة يخطب ثم يصلي ركعتين بل كان يصلي يوم الجمعة في السفر ركعتين كما يصلي في سائر الأيام وكذلك لما صلى بهم الظهر و العصر بعرفة صلى ركعتين كصلاته في سائر الأيام و لم ينقل أحد أنه جهر بالقراءة يوم الجمعة في السفر لا بعرفة ولا بغيرها ولا أنه خطب بغير عرفة يوم الجمعة في السفر فعلم أن الصواب ما عليه سلف الأمة و جماهيرها من الأئمة الأربعة و غيرهم من أن المسافر لا يصلي جمعة " ا.هـ الفتاوى 17/480
فإن صلى المسافر الجمعة مع الإمام فإنه لا يجمع معها العصر لأن العصر إنما تُجمع مع الظهر لا الجمعة , والجمعة صلاة مستقلة لها أحكام خاصة فهي صلاة جهرية والظهر سرية , وهي ركعتان والظهر أربعا , وقبلها خطبتان والظهر لا خطبة قبلها , ووقتها يبدأ قبل الزوال بخلاف الظهر فلا يدخل وقتها إلا بعد الزوال وغير ذلك من الفروق ( انظر الشرح الممتع 4/582) أما إن صلى مع الإمام ونواها ظهرا مقصورة جاز له جمع العصر معها .
سادسا : التنفل على الراحلة
فيجوز للمسافر أن يصلي قيام الليل والوتر وصلاة الضحى وغيرها من النوافل داخل السيارة وهي تسير به أينما اتجهت لحديث سَعِيدِ بن يَسَارٍ قال : كنت أَسِيرُ مع عبد اللَّهِ بن عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فقال سَعِيدٌ : فلما خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمَّ لَحِقْتُهُ فقال عبد اللَّهِ بن عُمَرَ : أَيْنَ كُنْتَ ؟ فقلت : خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ . فقال عبد اللَّهِ : أَلَيْسَ لك في رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أسوة حَسَنَةٌ ؟ فقلت : بَلَى والله . قال : فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يُوتِرُ على الْبَعِيرِ . رواه البخاري (954) ومسلم (700)
وعن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي في السَّفَرِ على رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ إلا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ على رَاحِلَتِهِ .رواه البخاري ( 955) ومسلم(700) .
سابعا : ترك السنن الرواتب عدا سنة الفجر(89/4)
عن حَفْصِ بن عَاصِمِ بن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قال : صَحِبْتُ ابن عُمَرَ في طَرِيقِ مَكَّةَ قال : فَصَلَّى لنا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا معه حتى جاء رَحْلَهُ وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا معه فَحَانَتْ منه الْتِفَاتَةٌ نحو حَيْثُ صلى فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فقال : ما يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ ؟ قلت : يُسَبِّحُونَ . قال : لو كنت مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي يا بن أَخِي إني صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في السَّفَرِ فلم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ حتى قَبَضَهُ الله وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فلم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ حتى قَبَضَهُ الله وَصَحِبْتُ عُمَرَ فلم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ حتى قَبَضَهُ الله ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فلم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ حتى قَبَضَهُ الله وقد قال الله ( لقد كان لَكُمْ في رسول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ).رواه مسلم (689) .
وهذه الرخص الفعلية والتركية ينبغي على المسافر المحافظة عليها لقوله صلى الله عليه وسلم ( عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الذي رَخَّصَ لَكُمْ ) رواه مسلم (1115) من حديث جابر رضي الله عنه
وعَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( إن اللَّهَ يُحِبُ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ ) رواه أحمد (5866) قال المنذري رحمه الله تعالى : بإسناد صحيح . الترغيب والترهيب 2/87 وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ) رواه ابن حبان ( 354) فإتيان الرخص الشرعية عبادة يغفل عنها كثير من الناس فيشقون على أنفسهم بتركها ظانين أن الأفضل تركها بينما الأفضل والأكمل والأكثر أجرا هو اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم سفرا وحضرا عزيمة ورخصة , وهذه الرخص ذكر العلماء شروطا ثلاثة لجواز الترخص بها في السفر وهي :
الأول : أن يكون السفر مسافة قصر وهي أربعة برد ( انظر اختلاف العلماء للمروزي/45 الاستذكار 2/232 المغني 2/46 فتح الباري 2/566 ) وتعادل تسعة وثمانين كيلو متر على رأي كثير من العلماء لما رواه عطاء بن أبي رباح أن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم كانا يصليان ركعتين ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك . رواه البيهقي 3/137 وقد جاء عن ابن عمر ما يخالف ذلك فقد قصر فيما دون هذه المسافة وللعلماء أقوال كثيرة في مسافة القصر قال ابن تيمية رحمه الله تعالى " ولم يحد النبي صلى الله عليه وسلم قط السفر بمسافة لا بريد ولا غير بريد ولا حدها بزمان " ا.هـ الفتاوى 24/127 وفي صحيح مسلم (691) عن يحيى بن يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قال : سَأَلْتُ أَنَسَ بن مَالِكٍ عن قَصْرِ الصَّلَاةِ ؟ فقال : كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أو ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ - شُعْبَةُ الشَّاكُّ - صلى رَكْعَتَيْنِ .
الثاني : مفارقة محل الإقامة(89/5)
يظن كثير من المسافرين أن المسافر لا يحل له الترخص حتى يقطع مسافة القصر وهذا خلاف الصحيح بل للمسافر أن يترخص بتلك الرخص إذا تجاوز البنيان لحديث أَنَسِ رضي الله عنه قال صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مع النبي صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا والعصر بذي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ . رواه البخاري ( 1039) وعن علي بن ربيعة الأسدي قال : خرجنا مع علي رضي الله عنه ونحن ننظر إلى الكوفة فصلى ركعتين ثم رجع فصلى ركعتين وهو ينظر إلى القرية فقلنا له : ألا تصلي أربعا ؟ قال : حتى ندخلها . رواه البخاري 1/369 تعليقا ووصله عبد الرزاق (4321) قال الحافظ " إسناده صحيح " ا.هـ تغليق التعليق 2/421
الثالث : أن لا يكون السفر سفر معصية عند الجمهور
فهذه الرخص مشروعة لمن سفره سفر طاعة أو سفرا مباحا أما العاصي بسفره كقاطع الطريق فلا يترخص بها لأن الرخص لا تُناط بالمعاصي ومن ثم لا يستبيح العاصي بسفره شيئا من رخص السفر ( المجموع شرح المهذب 4/223 الأشباه والنظائر للسيوطي /95) وفي الإذن للعاصي بالترخص إعانة له على معصيته والعاصي لا يعان .
آداب السفر
للسفر آداب عديدة منها ما يكون قبله أو أثناءه أو قبيل الوصول أو بعد الوصول والعودة ومنها :
أولا : الاستخارة(89/6)
فيشرع لمن يريد سفرا أو غيره مما له بال أن يصلي ركعتين ويدعو بدعاء الاستخارة الوارد في حديث جابر رضي الله عنه قال : كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الْأُمُورِ كما يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ من الْقُرْآنِ يقول ( إذا هَمَّ أحدكم بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ من غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللهم إني أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ من فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ ولا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللهم إن كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هذا الْأَمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أو قال عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي ثُمَّ بَارِكْ لي فيه وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هذا الْأَمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أو قال في عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عنه وَاقْدُرْ لي الْخَيْرَ حَيْثُ كان ثُمَّ أَرْضِنِي به ) قال ( وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ) رواه البخاري ( 1109) قال ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى " هو عام أريد به الخصوص فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما والحرام والمكروه لا يستخار في تركهما فانحصر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه أمران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه " قال الحافظ ابن حجر معلقا " قلت وتدخل الاستخارة فيما عدا ذلك في الواجب والمستحب المخير وفيما كان زمنه موسعا ويتناول العمومُ العظيمَ من الأمور والحقير فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم " ا.هـ فتح الباري 11/ 184 قال العيني رحمه الله تعالى " فيه استحباب صلاة الاستخارة والدعاء المأثور بعدها في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها أما ما هو معروف خيره كالعبادات وصنائع المعروف فلا حاجة للاستخارة فيها نعم قد يستخار في الإتيان بالعبادة في وقت مخصوص كالحج مثلا في هذه السنة لاحتمال عدوٍّ أو فتنة أو حصر عن الحج وكذلك يحسن أن يستخار في النهي عن المنكر كشخص متمرد عاتٍ يخشى بنهيه حصول ضرر عظيم عام أو خاص " ا.هـ عمدة القاري 7/224 وقال ابن القيم رحمه الله تعالى " فعوض رسول الله أمته بهذا الدعاء عما كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير والاستقسام بالأزلام الذي نظيره هذه القرعة التي كان يفعلها إخوان المشركين يطلبون بها علم ما قسم لهم في الغيب ... والمقصود أن الاستخارة توكل على الله وتفويض إليه واستقسام بقدرته وعلمه وحسن اختياره لعبده وهي من لوازم الرضى به ربا الذي لا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك وإن رضي بالمقدور بعدها فذلك علامة سعادته " ا.هـ زاد المعاد 2/443-445
ثانيا : التوبة
وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة إقامة وسفرا قال تعالى [وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] (النور:31) .
ثالثا : قضاء الدين(89/7)
فجملة من الناس في هذا الزمان يستدين ويثقل كاهله بأموال كثيرة ليسافر ويتنزه بينما الواجب أداء الدين وإبراء الذمة منه لا زيادته فشأن الدين والتهاون بأدائه عظيم فالذي ينبغي على المسلم أن لا يستدين إلا لأمر يستدعي ذلك أما النزهة والسياحة فليست ضرورية ليستدان لأجلها فتجد الرجل يستدين مالا كثيرا للفسحة والنزهة ويمكث سنوات طوال يضيق على نفسه وعلى أهله النفقة بسبب ذلك فالعاقل لا يأخذ أموال الناس إلا عند الحاجة إليها يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( مَن مات وعليه دين فليس ثمَّ دينار ولا درهم ولكنها الحسنات والسيئات ) رواه الحاكم 2/ 32وصححه وعن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إلا الدَّيْنَ ) رواه مسلم (1886) قال النووي رحمه الله تعالى " ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين وإنما يكفر حقوق الله تعالى " ا.هـ شرح صحيح مسلم 13/29 والديباج على مسلم 4/477 تنوير الحوالك 1/307 وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى " وفيه دليل على أن أعمال البر المتقبلات لا يكفر من الذنوب إلا ما بين العبد وبين ربه فأما تبعات بني آدم فلا بد فيها من القصاص " ا.هـ التمهيد 23/232
وعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال ( مَن فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ وهو برئ من ثَلاَثٍ دخل الْجَنَّةَ الْكِبْرِ وَالدَّيْنِ وَالْغُلُولِ ) رواه أحمد (22423) والنسائي في الكبرى (8764) والحاكم2/34 وصححه .
رابعا : أن يترك المسافر نفقة لأهله
فنفقة الزوجة والأولاد واجبة على الزوج بلا نزاع فلا يحل له التفريط فيها وإنك لتعجب من بعض المسافرين الذين لا همَّ لهم سوى أنفسهم فتجد أحدهم يسافر للنزهة ناسيا بل متناسيا تلك الأمانة التي تحملها وهي حقوق زوجته وأولاده عليه فلا يترك لهم النفقة الكافية مدة سفره بل يتركهم عالة يسألون الناس بل إن بعضهم يبيع ذهب زوجته ظلما وعدوانا كي يسافر هو وزملاؤه عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنهما قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ من يَقُوتُ ) رواه أحمد (6495) وأبو داود ( 1692) والنسائي في الكبرى (9177) وصححه ابن حبان (4240) والحاكم 1/575.
خامسا : أن لا يسافر المرء وحده(89/8)
فمن سافر وحده خاصة للبلاد التي تنتشر فيها المحرمات فإنه عرضة للوقوع فيها لذا لابد من اختيار الصحبة الصالحة التي تعينه على الطاعة وتبعده عن مواطن الشبهات والشهوات عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب )رواه مالك (1764) وأحمد (6748) وأبو داود (2607) والنسائي في الكبرى( 8849) والحاكم 2/212 ولفظه : أن رجلا قدم من سفر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَن صحبت ) ؟ فقال : ما صحبت أحدا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب ).
سادسا : توديع الأهل وخاصة الوالدين
فعلى كل مَن يريد السفر أن يستأذن والديه قبل سفره فإن أذنا سافر وإلا ترك السفر وبعض الشباب هداهم الله تعالى آخر من يخبر بسفره والداه بل أحيانا لا يخبرهم إلا بعد وصوله مكان سفره بأيام بينما تجده قد أخبر زملاءه وأصدقاءه قبل سفر بأيام ويسألهم ألكم حاجة في تلك البلدة بينما والداه آخر من يعلم بذلك وهذا نوع من العقوق المذموم عن مُعَاوِيَةَ بن جَاهِمَةَ أن جاهمة رضي الله عنه جاء إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ الْغَزْوَ وَجِئْتُكَ أَسْتَشِيرُكَ ؟ فقال ( هل لك من أُمٍّ ) ؟ قال : نعم . فقال ( الْزَمْهَا فإن الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلِهَا ) ثُمَّ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ في مَقَاعِدَ شَتَّى كَمِثْلِ هذا الْقَوْلِ . رواه أحمد (15577) والنسائي (3104)وصححه الحاكم 4/167 وعن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو رضي الله عنهما قال : جاء رَجُلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُبَايِعُهُ قال : جِئْتُ لأُبَايِعَكَ على الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أبوي يَبْكِيَانِ . قال (فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا فأضحكهما كما أَبْكَيْتَهُمَا ) رواه أحمد (6490) وأبو داود(2528) والنسائي (4163) وصححه ابن حبان ( 419) والحاكم 4/168 وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من الْيَمَنِ فقال ( هل لك أَحَدٌ بِالْيَمَنِ ) ؟ قال : أَبَوَايَ قال ( أَذِنَا لك ) ؟قال : لَا . قال ( ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لك فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا ) رواه أبو داود (2530) وصححه ابن حبان (422) والحاكم 2/114 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى " قال جمهور العلماء : يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين لأن برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد فلا إذن " ا.هـ فتح الباري 6/140فإذا كان الإذن واجبا في الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام فكيف بسفر نزهة وسياحة .
أما كيفية التوديع فقد قال قَزَعَةُ : قال لي ابن عُمَرَ : هَلُمَّ أُوَدِّعْكَ كما وَدَّعَنِي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ ) رواه أحمد (4781) وأبو داود (2600) والنسائي في الكبرى(10360) وللحديث طرق أخرى .(89/9)
سابعا : أن يقول دعاء السفر
وهو الوارد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا اسْتَوَى على بَعِيرِهِ خَارِجًا إلى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قال ( سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لنا هذا وما كنا له مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ اللهم إِنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هذا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ ما تَرْضَى اللهم هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ اللهم أنت الصَّاحِبُ في السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ في الْأَهْلِ اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ في الْمَالِ وَالْأَهْلِ ) وإذا رَجَعَ قَالَهُنَّ وزاد فِيهِنَّ ( آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ ) رواه مسلم ( 1342) .
ثامنا : أن يخرج يوم الخميس
لحديث كَعْبِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يوم الْخَمِيسِ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وكان يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يوم الْخَمِيسِ . رواه البخاري(2790)
تاسعا : أن يكبر إذا صعد مرتفعا ويسبح إذا هبط واديا
لحديث جَابِرٍ رضي الله عنه قال : كنا إذا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وإذا نزلنا سَبَّحْنَا . رواه البخاري (2832) وبوَّب له ( بَاب التَّسْبِيحِ إذا هَبَطَ وَادِيًا ) وبوَّب له ثانيا ( بَاب التَّكْبِيرِ إذا عَلَا شَرَفًا ) .
عاشرا : أن يكثر من الدعاء في السفر
فالسفر موطن من مواطن إجابة الدعاء فعلى المسافر استغلال هذه الفرصة بالدعاء له ولوالديه وذريته وذوي رحمه والمسلمين بدعوة لعلها توافق ساعة استجابة فيفوز بخيري الدنيا والآخرة فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْوَالِدِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ) رواه أحمد (7501) وأبو داود (1536) وصححه ابن حبان (6629) .
الحادي عشر : إذا كان المسافرون جماعة أمَّروا أحدهم وأطاعوه في غير معصية
عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال ( إذا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ ) رواه أبو داود ( 2608) قال النووي " بإسناد حسن " ا.هـ رياض الصالحين / 192ولا شك أن تأمير أحدهم مما يخفف النزاع أثناء السفر خاصة مع اختلاف الرغبات فتجد بعضهم يرغب الوقوف هنا أو هناك ويخالفه غيره فلا بد من أمير يُرجع إليه لرفع الخلاف .
الثاني عشر : التحلي بالصبر والأخلاق الحميدة أثناء السفر وغيره
إذا أنت صاحبت الرجال فكن فتى *** كأنك مملوك لكل رفيق
وكن مثل طعم الماء عذب وبارد *** على الكبد الحرى لكل صديق
(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/242 )(89/10)
يُروى عن معاذ رضي الله عنه أنه قال : ( سافروا مع ذوي الجدود وذوي الميسرة لأن السفر يظهر خبايا الطبائع وكوامن الأخلاق وخفايا السجايا إذ الأبدان إذا تعبت ضعفت القوة المختلفة في القلة والكثرة لكون الطبائع تبعثها وتبين مقاديرها وزيادة بعضها ونقصان بعض فتظهر محاسن الأخلاق ومساوئها لأنها تميز الطبائع من القوة والقوى من الأحوال والسفر يأتي على مختلف الأهوية والأغذية فمن سافر مع أهل الجد والاحتشام يكلف رعاية الأدب وتحمل الأذى وموافقتهم بما يخالف طبعه فيكون ذلك تأديبا له ورياضة لنفسه فيتهذب لذلك ويهتدي إلى تجنب مساوىء الأخلاق واكتساب محاسنها وأما من سافر مع من دونه فكل من معه يحمل نفسه على موافقته ويتحمل المكاره لطاعته فتحسن أخلاقهم وربما يسوء خلقه فإن حسن الخلق في تحمل المكاره ) فيض القدير 4/82
قال أنس رضي الله عنه: ( خرجت مع جرير بن عبد الله في سفر فكان يخدمني وكان جرير أكبر من أنس ) رواه البخاري(2822)ومسلم(6380) وقال مجاهد : ( صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني )رواه ابن أبي عاصم في الجهاد(210)وابن عساكر 60/15 .
الثالث عشر : الرجوع إلى الأهل بعد قضاء الحاج
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( السَّفَرُ قِطْعَةٌ من الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ فإذا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إلى أَهْلِهِ ) رواه البخاري (2839) ومسلم (1927) وقد سبق قريبا بيان معناه .
الرابع عشر : أن يأتي بالدعاء المأثور قبل دخول القرية أو المدينة
وهو ما جاء في حديث صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها ( اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها ) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة /367 وصححه ابن حبان (2709) وابن خزيمة (2565) والحاكم 1/614 وحسنه الحافظ ابن حجر كما ذكره ابن علان في الفتوحات 5/174
الخامس عشر : أن يبدأ بالمسجد إذا رجع(89/11)
لحديث كَعْبَ بن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ لم يَتَخَلَّفْ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ غير غَزْوَتَيْنِ غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ وَغَزْوَةِ بَدْرٍ قال : فَأَجْمَعْتُ صدق رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى وكان قَلَّمَا يَقْدَمُ من سَفَرٍ سَافَرَهُ إلا ضُحًى وكان يَبْدَأُ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ . رواه البخاري ( 4400) ولحديث جَابِرَ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنه قال : اشْتَرَى مِنِّي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعِيرًا فلما قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ . رواه البخاري ( 2923) ومسلم (715) وهذه سنة من السنن المهجورة إذ قلَّ مَن يفعلها هذا الزمان فكأن هذه الصلاة شكر لله تعالى على سلامة الوصول وأن يبدأ إقامته بالصلاة التي هي صلة بين العبد وربه وهذه السنة والله تعالى أعلم خاصة بالرجال أما المرأة فإن صلت ركعتين في بيتها فلا بأس .
السادس عشر : أن لا يطرق أهله ليلا
عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا وكان يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أو عَشِيَّةً . رواه مسلم ( 1928) قال أهل اللغة : الطُروق بالضم المجيء بالليل من سفر أو من غيره على غفلة ويقال لكل آت بالليل طارق ولا يقال بالنهار . ( فتح الباري 9/340 شرح مسلم للنووي 13/71) وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من هذا النهي في حديث جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنه قال كنا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزَاةٍ فلما قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فقال ( أَمْهِلُوا حتى نَدْخُلَ لَيْلًا - أَيْ عِشَاءً - كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ ) . رواه مسلم ( 715) ومن الحكم كذلك ما جاء في رواية أخرى عن جَابِرٍ رضي الله عنه قال : نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أو يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ . رواه مسلم (715) وفي هذا العصر توفرت وسائل الاتصال فعلى المسافر أن يخبر أهله بمجيئه قبل وصوله بوقت كاف وهذا خاص بالزوج والله تعالى أعلم .
السفر للخارج
نعيش في هذه البلاد المباركة في أمن وأمان وطمأنينة واستقرار والحمد لله وهذا بفضل الله تعالى أولا وبتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية امتثالا لأمره تعالى فقلَّ أن تجد منكرا ظاهرا وذلك لوجود رجال الحسبة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمدعومين من ولاة أمر هذه البلاد ونجد كثيرا من أبناء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تهفوا نفوسهم لزيارة هذه البلاد والإقامة فيها لما يجدونه فيها من خير في دينهم ودنياهم ولكن مع الأسف إنك لتعجب من أقوام لا همَّ لهم سوى السفر خارج البلاد إلى بلاد غربية وشرقية لا تكاد تجد للإسلام فيها أثرا والإقامة هناك مدة شهر أو شهرين وللسفر للخارج وخاصة البلاد غير الإسلامية مضار لا تخفى على أحد منها على سبيل المثال لا الحصر :(89/12)
أولا : التعرض لكثير من المطاعن العقدية بكثرة طرح الشبه مع ضعف العلم وقلة السؤال مما قد يتسبب بتشكيك المرء ببعض المعتقدات الإسلامية .
ثانيا : ذهاب بعض المسافرين إلى الكهنة والعرافين والسحرة والمشعوذين وقراء الكف المأذون لهم بالعمل هناك جهارا نهارا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من أتى كَاهِناً أو عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يقول فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ) رواه أحمد (9532) والدارمي (1139) وابن ماجه (639) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الحاكم 1/49 قال الحافظ ابن حجر : " وله شاهد من حديث جابر وعمران بن حصين أخرجهما البزار بسندين جيدين " ا.هـ فتح الباري 10/217 وعند مسلم (2230) عن بَعْضِ أَزْوَاجِ النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من أتى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شَيْءٍ لم تُقْبَلْ له صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) .
ثالثا : التهاون بأداء الصلاة
فالمؤمن قوي بإخونه فمتى ما بعد عنهم فقد يضعف ويتساهل بأداء الواجبات عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما مِن ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ) رواه أحمد(21758) وأبو داود(547) والنسائي(847) وصححه ابن حبان (2101) وقال المراد بالجماعة جماعة الصلاة. والحديث حسنه النووي في رياض الصالحين 1/209
رابعا : إطلاق النظر وصعوبة غضه بسبب انتشار السفور وكشف العورات قال تعالى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) (النور:31) قال القرطبي –رحمه الله تعالى – في التفسير 12/227 : " وبدأ بالغض قبل الفرج لأن البصر رائد للقلب كما أن الحمى رائدة الموت "ا.هـ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم - لعلي :( لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية ) رواه أحمد 5/351 وأبو داود (2149) والترمذي (2777) من حديث بريدة -رضي الله عنه- وصححه الحاكم 2/212 وقال الترمذي " حديث حسن غريب " ا.هـ وفي صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله –رضي الله عنه- قال سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظرة الفجاءة ؟ فأمرني أن أصرف بصري .(89/13)
خامسا : تساهل بعض المسافرين بدخول المراقص والملاهي التي يعصى فيها الرحمن وتدار فيها الخمور مع رقص الفاتنات عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال : يا أَيُّهَا الناس إني سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول ( مَن كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَقْعُدَنَّ على مَائِدَةٍ يُدَارُ عليها بِالْخَمْرِ ) رواه أحمد (125) وأبو يعلى (251) بإسناد ضعيف ورواه الترمذي والحاكم من رواية جابر رضي الله عنه قال الترمذي : حسن غريب . وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم . وصححه الألباني رحمه الله تعالى في الإرواء(1949) .
سادسا : سهولة الحصول على المخدرات خاصة أن بعض الدول تأذن ببيعها في أماكن خاصة وفي ذلك ما فيه من الأضرار البالغة .
وغير ذلك من الأضرار التي لا تخفى على أحد وفي بلادنا والحمد لله أطهر بقعتين في العالم كله مكة والمدينة كما أن فيها من الأماكن الجميلة والباردة والبحار والرمال ما يغني عن السفر خارج البلاد وقد ذكر العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى أنه يشترط لجواز السفر للخارج شروطا :
1/ أن يكون عند المسافر علم يدفع به الشبهات .
2/ أن يكون عنده ورع يدفع به الشهوات .
3/ أن يكون محتاجا إلى ذلك .
4/ المحافظة على شعائر الدين .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حرر في 17/5/1427هـ
كتبه د. نايف بن أحمد الحمد(89/14)
هل السفر بقصد السياحة محرم ؟
سامي بن عبد العزيز الماجد
السؤال:
يدَّعي بعض الناس أن السفر لغرض السياحة محرَّم، وهم يستندون في دعواهم على حديث: "سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله" نرجو التكرم بإيضاح الأمر بالتفصيل على ضوء الحديث أعلاه.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
السياحة المنهي عنها في بعض الأحاديث والآثار، والتي ذمها أهل العلم في القديم ليست بالسياحة التي تعارف الناس عليها اليوم، ولكنها سياحةُ العُبّاد والزهاد، وهي الذهاب في الأرض للتعبد والترهب واعتزال الناس، وقد كانت هذه السياحة مما يتعبد به رهبان النصارى.
وقد عقد أبو داود - رحمه الله - في سننه باباً سماه: بابٌ في النهي عن السياحة (سنن أبي داود/ كتاب الجهاد) وأورد فيه حديث أبي أمامة رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله! ائذن لي في السياحة. فقال: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله". كما أخرجه الحاكم 2/83 وصححه، والبيهقي 9/161، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2172).
قال ابن تيمية (مجموع الفتاوى (10/642): (السياحة في البلاد لغير قصد شرعي، كما يفعله بعض النساك ـ أي ذهابهم في الأرض للتعبد والترهب واعتزال الناس ـ أمرٌ منهي عنه)، قال الإمام أحمد: (ليست السياحة من الإسلام في شيء، ولا هي من فعل النبيين والصالحين) أهـ.
وقال ابن كثير في تفسيره "عند تفسيره للآية 112 من سورة التوبة": (وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين) أهـ.
ويقابل هذه السياحة المذمومة سياحةٌ شرعية مستحبة، ندب الله إليها بالثناء على أهلها في كتابه، كما في قوله - تعالى -: "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ" [التوبة: من الآية112] وفي وقوله: "مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً" [التحريم: من الآية5].
وذهب جمهور المفسرين إلى أن المقصود بهذه السياحة هو الصيام، روي ذلك عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم- ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح والضحاك وابن عيينة وغيرهم.
وعلى ما تقدم فإن كل سياحة رغب إليها القرآن فهي التقرب إلى الله بالصيام، وكل سياحة ذمّها أهل العلم السابقون فهي سياحةُ العُبّاد والزهاد، وهي الذهاب في الأرض للتعبد والترهب واعتزال الناس.
وأما السياحة بمفهومها المعاصر وعرف الناس اليوم والتي تعني السفر للتنزّه والفرجة والاستمتاع وما إلى ذلك فمصطلح حادثٌ لا يصح أن تُنزّل عليه النصوص التي سيقت فيها السياحة مدحاً أو ذماً.(90/1)
وظاهرٌ من صورة السياحة بمفهومها المعاصر أنها مندرجة في حكم السفر، فإن كانت السياحة بقصد مباح إلى مكان لا يحرم قصده فهي سياحة مباحة حتى وإن تخللها ارتكابٌ لمعصية، وهذا ما يسمى عند الفقهاء بالمعصية في السفر، وهو أن يكون أصل السفر مباحاً لكن ارتكب المسافر أثناءه معصيةً ما، أما العاصي بسفره فهو الذي أنشأ السفر لقصد محرم؛ كارتكاب فاحشة أو إبرام عقدٍ ربوي مثلاً، وهذا (العاصي بسفره) هو الذي يحرم عليه في قول كثير من أهل العلم أن يترخص بشيء من رخص السفر؛ لأن الرخص ـ عندهم ـ لا تُستباح بالمعصية.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
5/8/1424هـ
http://www.islamtoday.net المصدر:(90/2)
هل السياحة لن تنجح إلا بالملاهي ودور السينما ؟!
يراهن الكثير على عدم القدرة على صناعة السياحة الداخلية في البلاد الإسلامية، وفق ضوابط شرعية تأخذ بمبدأ اللهو المباح المقرر في الشرع والمحاط بسياج الثقافة الإسلامية التي تحافظ على الهوية الإسلامية، والتي تمنع من الانزلاق وراء بريق اللهو المفضي إلى نزع القيم والحشمة والعفاف، وجعل السياحة تتأرجح بين أمرين لا ثالث لها إما سياحة مفتوحة تمارس فيها الأسرة جميع وسائل اللهو دون قيد أو ضابط أو عدم وجود تلك السياحة الناجحة مطلقاً.
هذا الفهم المغلوط عن السياحة ناتج في اعتقادي عن ضعف في التركيبة الذهنية لدى من يمارسه وضعف في إدراك آلية صناعة السياحة على مستوى العالم العربي والإسلامي، وفق عاداته وثقافته الإسلامية. إننا نرى في بعض البلاد الإسلامية سياحة ولكنها على طراز يحاكي البلاد الغربية حتى يخيل إليك عند زيارتها أنها غير إسلامية لعدم وجود أي مظهر من المظاهر الإسلامية فيها!!
فهذه البلاد ركزت على نقل عادات البلاد الأجنبية وجميع شؤونها وحتى بعض طقوسها الدينية لجذب السياح وأهملت عاداتها وتقاليدها الإسلامية!! فهل السياحة في البلاد الإسلامية تفتقر إلى إبراز هويتها وثقافتها ومزجها في إطار ترفيه يناسب الصغير والكبير والرجل والمرأة والفرد والأسرة ؟!
إن وجود تقاطعات في المصالح لا سيما الاقتصادية منها وزيادة الدخل الاقتصادي السياحي يشكل عبئاً واختلافاً في الآراء بين المثقفين المحافظين ومنظّري السياحة الذين ينظرون من زاوية اقتصادية واحدة. وبهذا الاختلاف برزت مجموعة من الدول واشتهرت في الترويج للسياحة عبر وسائل غير مباحة، استقطاباً للسائحين فالغاية لديهم تبرر الوسيلة!! وأمام هذا التوجه تعالت أصوات تنادي بالسياحة الداخلية حفاظاً على الشباب من الوقوع في شراك الرذيلة ومصائدها، ولكن وأمام هذا العالم الفسيح والبضاعة المزجاة والثقافات المتنوعة ووسائل الإعلام المؤثرة هل نستطيع صناعة آلية سياحية تلبي حاجات المواطنين وتستقطب السائحين من البلاد الأخرى؟ في وقت مضى كان الاعتقاد سائداً أن الأجواء الباردة شرط أساس للسياحة ولكن في وقتنا الحاضر استطاعت كثير من الدول التي عرفت بأجوائها الحارة أن تستقطب الأعداد الكبيرة من السائحين بأساليب حديثة مبتكرة فأنشأت مدناً ترفيهية تحتوي على جميع الوسائل والمعارض والأسواق والمخترعات ومجهزة بالفنادق وأماكن الراحة والاستجمام، كل ذلك أدى إلى استقطاب أعداد كبيرة من السياح في مختلف أنحاء العالم.
ومن اللافت للنظر أن فئات من الناس انطبع في أذهانهم أنه لا توجد سياحة إلا بالملاهي الليلية ودور السينما التي تعرض المجون، واخذوا يراهنون على عدم نجاح السياحة الخالية من تلك الأماكن وهؤلاء هم من راهن في زمن مضى على عدم نجاح البنوك الإسلامية الخالية من الربا والتي أثبتت نجاحها في تقديم صورة مشرقة للعالم عن الاقتصاد الإسلامي.(91/1)
إن مفهوم السياحة في وقتنا الحاضر خرج عن المفهوم الضيق إلى المفهوم الرحب الذي يعتني بنشر الثقافة وهوية البلد وعاداته وتقاليده عبر برامج ترفيهية منتقاة لا تخلو من المتعة والفائدة، وبهذا المفهوم ينبغي أن ندرك أن بلاد الحرمين مؤهلة أن تستقطب الآلاف لا سيما أنها متنوعة التضاريس بين مناطق جبلية وساحلية وصحراوية، وفي ظل ذلك التنوع الجغرافي لا بد أن تتوفر للزوار الخدمات المتكاملة المتطورة بأساليب راقية حديثة توفر للزائر السهولة في التنقل والراحة والاستجمام مع وجود برامج متطورة تعطي للسائح الخيارات المفتوحة في التنقل وترشده إلى الاستفادة القصوى من سياحته، عبر برامج ومرشدين سياحيين متخصصين. فبلاد الحرمين مهوى أفئدة المسلمين وقلوبهم تهفو إليها فحري أن يجد الزائر نموذجاً للسياحة المتكاملة الهادفة الخالية من المنغصات والمناظر التي تخدش الحياء والتي غالباً ما ألفها السائح في البلاد الأخرى! وفي ديننا الإسلامي فسحة من الأمر وبديل عن ذلك فمن يستقرئ السنة النبوية يجد النماذج الرائعة العظيمة في تعامله - صلى الله عليه وسلم - ولعبه مع أهله ومع الصغار فالترويح وسيلة إلى تجديد العزم والنشاط والعودة إلى العمل بهمة وعزيمة وما أسوأ الحياة عندما تتحول إلى صور لا عبرة فيها، وذكريات ومواقف لا تدفع إلى العمل الجاد الدؤوب.
ولعل الهيئة العليا للسياحة قد بدأت بخطوات رائعة نحو تقديم نموذج مدروس للسياحة الهادفة الممتعة. ونتمنى أن تتسارع خطاهم فنحن في سباق مع الزمن.
http://www.islamlight.net المصدر:(91/2)
هل يقتضي حديث سياحة أمتي الجهاد تحريم السياحة للنزهة؟
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 5/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
يدَّعي بعض الناس أن السفر لغرض السياحة محرَّم، وهم يستندون في دعواهم على حديث: "سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله" نرجو التكرم بإيضاح الأمر بالتفصيل على ضوء الحديث أعلاه.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
السياحة المنهي عنها في بعض الأحاديث والآثار، والتي ذمها أهل العلم في القديم ليست بالسياحة التي تعارف الناس عليها اليوم، ولكنها سياحةُ العُبّاد والزهاد، وهي الذهاب في الأرض للتعبد والترهب واعتزال الناس، وقد كانت هذه السياحة مما يتعبد به رهبان النصارى.
وقد عقد أبو داود -رحمه الله- في سننه باباً سماه: بابٌ في النهي عن السياحة (سنن أبي داود/ كتاب الجهاد) وأورد فيه حديث أبي أمامة - رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله! ائذن لي في السياحة. فقال: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله". كما أخرجه الحاكم 2/83 وصححه، والبيهقي 9/161، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2172).
قال ابن تيمية (مجموع الفتاوى (10/642): (السياحة في البلاد لغير قصد شرعي، كما يفعله بعض النساك ـ أي ذهابهم في الأرض للتعبد والترهب واعتزال الناس ـ أمرٌ منهي عنه)، قال الإمام أحمد: (ليست السياحة من الإسلام في شيء، ولا هي من فعل النبيين والصالحين) أهـ.
وقال ابن كثير في تفسيره "عند تفسيره للآية 112 من سورة التوبة": (وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين) أهـ.
ويقابل هذه السياحة المذمومة سياحةٌ شرعية مستحبة، ندب الله إليها بالثناء على أهلها في كتابه، كما في قوله تعالى: "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ" [التوبة: من الآية112] وفي وقوله: "مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً" [التحريم: من الآية5].
وذهب جمهور المفسرين إلى أن المقصود بهذه السياحة هو الصيام، روي ذلك عن ابن عباس وعائشة - رضي الله عنهم- ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح والضحاك وابن عيينة وغيرهم.
وعلى ما تقدم فإن كل سياحة رغب إليها القرآن فهي التقرب إلى الله بالصيام، وكل سياحة ذمّها أهل العلم السابقون فهي سياحةُ العُبّاد والزهاد، وهي الذهاب في الأرض للتعبد والترهب واعتزال الناس.
وأما السياحة بمفهومها المعاصر وعرف الناس اليوم والتي تعني السفر للتنزّه والفرجة والاستمتاع وما إلى ذلك فمصطلح حادثٌ لا يصح أن تُنزّل عليه النصوص التي سيقت فيها السياحة مدحاً أو ذماً.(92/1)
وظاهرٌ من صورة السياحة بمفهومها المعاصر أنها مندرجة في حكم السفر، فإن كانت السياحة بقصد مباح إلى مكان لا يحرم قصده فهي سياحة مباحة حتى وإن تخللها ارتكابٌ لمعصية، وهذا ما يسمى عند الفقهاء بالمعصية في السفر، وهو أن يكون أصل السفر مباحاً لكن ارتكب المسافر أثناءه معصيةً ما، أما العاصي بسفره فهو الذي أنشأ السفر لقصد محرم؛ كارتكاب فاحشة أو إبرام عقدٍ ربوي مثلاً، وهذا (العاصي بسفره) هو الذي يحرم عليه في قول كثير من أهل العلم أن يترخص بشيء من رخص السفر؛ لأن الرخص ـ عندهم ـ لا تُستباح بالمعصية.
والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(92/2)
وصية للمسافرين
عامر بن عيسى اللهو
الخطبة الأولى:
يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم واصفاً رسوله صلى الله عليه وسلم ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يألو جهداً في نصح أمته والسعي في مصالحهم بل إنه بأبي هو وأمي يشق عليه الأمر الذي يشق على أمته ويوقعهم في الحرج والضيق؛ كيف لا وقد حُفظ عنه عليه الصلاة والسلام في أحاديث متنوعة قوله ( لولا أن أشق على أمتي ) كما أنه صلى الله عليه وسلم يحب لأمته الخير ويسعى جهده في إيصاله إليهم، ويحرص على هدايتهم إلى الإيمان ، ويكره لهم الشر ويسعى في تنفيرهم عنه كما أنه شديد الرأفة والرحمة بهم ، فهو أرحم بنا من والدينا ومن كل رحيم في هذه الدنيا .
عباد الله :
ومن مظاهر رأفته صلى الله عليه وسلم ورحمته بأمته وحرصه على دلالتهم على الخير أنه كان يتعاهدهم بالوصية ، فكان يوصيهم ابتداء ويوصيهم إذا طلبوا منه الوصية؛ لأن التواصيَ بالحق من صفات المؤمنين الناجين من الخسارة في الدنيا والآخرة ( إن الإنسان لفي خسر () إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) .
ومن جملة وصاياه صلى الله عليه وسلم وصيته لمن أراد السفر نذكر ذلك ونحن على أبواب إجازة تكثر فيها الأسفار وتتعدد وجهات المسافرين، فما أحوجنا إلى التمسك بوصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أسفار.
وبين أيدينا وصية عظيمة وصّى بها النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه لما أراد أن يسافر إلى اليمن ، وكان معاذ رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة عظيمة ، فإنه قال له : يا معاذ والله إني لأحبك، وكان يردفه وراءه، وقال فيه : إنه أعلم الأمة بالحلال والحرام ، وإنه يحشر قبل العلماء برتوة – أي بخطوة – رواه الحاكم ، ومن فضله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله مفتيا وداعيا وحاكما في أهل اليمن ، وكان يشبهه بإبراهيم الخليل، وإبراهيم عليه السلام إمام الناس.
فعُلم من ذلك أن هذه الوصية وصيةٌ جامعة مانعة قد حوت الخير كله، فما هذه الوصية ؟
روى الترمذي في سننه بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل لما بعثه على اليمن : ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ).
قال ابن رجب رحمه الله: هذه الوصية جامعة لحقوق الله وحقوق عباده.(93/1)
نعم يا عباد الله : ما أحوجنا أن نقف مع هذه الوصية ونحن نحزم أمتعتنا ونعزم على السفر حتى يكون سفرُنا مبرورا، فإن كثيراً من المسافرين من يتزود لسفره بالتزود المعتاد المتعارف عليه من تهيئة وسيلة النقل وترتيب الأمتعة وأخذ الأموال، وربما غفلوا عن الزاد الحقيقي كما نبه الله تعالى المسافرين إلى الحج لهذه القضية المهمة فقال سبحانه وبحمده ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمْه الله وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى ) فالزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه وأخراه هم زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار وهو الموصل لأكمل لذة وأجلّ نعيم.
وهذا ما عناه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية فقال ( اتق الله حيثما كنت ) التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه، والتقوى من أعظم حقوق الله على العبد.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سريّة أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله . رواه مسلم . وكان من دعائه في السفر: اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى. رواه مسلم.
ولما كان حال معاذ رضي الله عنه حالَ انتقال من مكان إلى مكان أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى لزوم التقوى على كل حاله فقال ( اتق الله حيثما كنت ) فليست التقوى في بلد دون بلد أو حال دون حال، فكم من الناس من لا تتعدى تقواه حدود بلده فإذا تجاوز حدود بلده تجاوز معها حدود التقوى!! وكم من امرأة تتقي ربها ما دامت بين أهلها ومجتمعها فإذا حلّقت في الفضاء نزعت حجابها وهتكت سترها نازعة قبل ذلك تقوى الله من قلبها ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال صلى الله عليه وسلم ( تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ) متفق عليه. فما أجرأ الخلقَ على ربهم إذا تركوا التقوى أيظنون أن الله لا يراهم؟!!
كتب ابن السماك الواعظ إلى أخٍ له فقال: أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيّك في سريرتك ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حالك في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرُك، وليكثر منه وجلك، والسلام.
إن العجيب يا عباد الله أن بعض المسافرين ليس لهم قصد من السفر إلا تغيير جو الحر اللافح إلى الجو البارد العليل، ونسوا أنهم بتركهم لتقوى الله قد عرّضوا أنفسهم لحر شديد لا يطيقونه
( قل نار جهنم أشد حرّاً لو كانوا يفقهون ).
فالبدار البدار يا عباد الله إلى تحقيق التقوى والتمسك بها، فتقوى الله عوض من كل خلف، ليس من تقوى الله خلف.
بارك الله لي ولكم بالقرآن الكريم ..
الخطبة الثانية :
أيها الإخوة المؤمنون:(93/2)
لما كان العبد مأموراً بالتقوى في السر والعلانية مع ما عنده من ضعف في الإرادة، وتفريط في التقوى إما بترك بعض المأمورات أو بارتكاب بعض المحظورات جاءت الوصية الثانية من النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه بقوله ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) فإذا وقع المسافر أو غيره في مخالفة لأمر الله فعليه بالعودة والرجوع مباشرة إلى الله تعالى، فكل بني آدم خطّآء، وخير الخطّائين التوابون؛ لذلك قال الرحمن الرحيم في كتابه العزيز ( إن الحسنات يُذهبن السيئات )
وقد ذكر العلماء أن الذنوب يزول موجبها بأشياء منها التوبة والاستغفار، ومنها الأعمال الصالحة من الحسنات الماحية أو الكفارات المقدرة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : اعلم أن العناية بهذا – أي إتباع الحسنات للسيئات – من أشد ما بالإنسان الحاجة إليه .. فأنفع ما للخاصة والعامة العلم بما يخلّص النفوس بإتباع السيئات الحسنات، والحسنات ما ندب الله إليه على لسان خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم من الأعمال والأخلاق والصفات. أ.هـ
عباد الله :
ثم لما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في هاتين العبارتين حق الله تعالى، وضّح حق الناس فقال: ( وخالق الناس بخلق حسن ) فالمسافر لا بد أن يختلط مع أناس ربما لا يعرف أطباعهم وعاداتهم، فعليه أن يعاملهم بالحسنى، وأن يسعهم منه بسط الوجه وكف الأذى.
وليعلم المسافر أنه كالسفير لبلده في سفره فالناس يرون في أخلاقه أخلاق البلد الذي جاء منه لذلك كانت التبعة كبيرةً على من سافر من بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي أن يُمثّل صورة ناصعة عن بلده بامتثال الأخلاق الإسلامية والدعوة إلى الله تعالى على قدر الطاقة بالعلم والموعظة الحسنة، وتوضيح صورة الإسلام بالفعل قبل القول، والله وحده المسئول أن يحفظ المسلمين في حِلّهم وترحالهم وظعنهم وإقامتهم .
وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،(93/3)
وقفات مع السفر والمسافرين
عبد الرحمن السديس
الخطبة الأولى:
أما بعد: فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله - عز وجل - في كل ما نأتي ونذر، والاستجابة له - سبحانه - في كل ما نهى وأمر، ولزوم تقواه في الحضر والسفر، لتكن التقوى شعارنا ودثارنا: اتق الله حيثما كنت.
أيها المسلمون، قضيةٌ مهمةٌ وخطيرةٌ وظاهرة اجتماعية مؤرِّقة وكبيرة جديرةٌ برسم الخطط والمناهج، وإعداد العدد والبرامج، لتأصيلها والعناية بها وبذل مزيد من الجهد حيالها والاهتمام بها.
تلكم هي ما يحصل في مثل هذه الأيام من كلّ عام، حيث تشتد حرارة الصيف ويُلقي بسمومه اللافح على بعض أقطار المعمورة، مما يحمل كثيراً من الناس على الهروب إلى المصائف والمتنزَّهات، والفرار إلى الشواطئ والمنتجعات، والعزم على السفر والسياحة، وشدّ الأحزمة للتنقل والرحلات.
تذهبُ إلى المطارات فتجدُ أرسالاً من البشر وفئاماً من الناس يسابقون الريح وينافسون الآلات سرعةً واشتغالاً، قد حملوا حقائبهم ونقلوا أغراضهم وأعدوا عدتهم لأسفار كثيرة ورحلات طويلة. اشرأبت أعناقهم وتطلعت أنفسهم إلى سياحة أثيرة وتنقلات مثيرة مع تباين في حقيقة أسفارهم واختلافٍ في آرائهم وأفكارهم. ويتملّكك العجب وأنت تقرأ عن السفر والمسافرين الإحصاءات المذهلة والأرقام الهائلة، ولا ينتهي عجبك وأنت ترى تلك الوفود وقد أقفلت الحجوزات وتزاحمت على البوابات وتسارعت لامتطاء المركّبات، وكل ما يستهويهم هو تحقيق الرغبات. بل لعل بعضهم ينسى في سبيل ذلك عقيدته وقيمهُ وأخلاقه، فيجعلها في عداد المخلَّفين والمخلَّفات، ولا يمنحها تأشيرة سفرٍ معه، فينزع رداء التقوى وجلباب الحياء قبل أن يطاول الفضاء.
وفي خضمِّ هذه المشاهد والمناظر ودوَّامَة تلك الأحوال والمظاهر، وحيث إن الإجازة الصيفية هي الوقت الذي يحلو فيه السفر وتعذب فيه الرحلات ويُحرَّك فيه عصا الحِلّ والترحال والسفر والانتقال تعالوا ـ يا رعاكم الله ـ لنضع هذه القضية على الميزان الشرعي، ونعرضها على كتاب الله وسنة رسوله، مع إلماحةٍ إلى واقع بعض الناس فيها، وبيان الآثار السلبية عند غياب الضوابط الشرعية في هذه القضية الواقعية، ولنذكر أنفسنا وإخواننا المسلمين ببعض الوصايا النافعة والملامح الماتعة التي ينبغي أن يتذكرها المسافرون في أسفارهم والمرتحلون في تنقلاتهم.
إخوة العقيدة، إن الإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروّحوا عن أنفسهم، أو يدخلوا السرور على أهليهم وأبنائهم، وأن يعملوا بالوسائل المباحة في ذلك شرعاً. فالترفيه البريء والترويح المباح لا غضاضة على الإنسان فيه، بل قد يكون مطلوباً أحياناً لأغراض شرعية، وأهداف مرعية، لكن يجب أن يكون كل ترفيه وترويح في حدود ما هو مباح شرعاً، أما أن يُستغلّ ذلك فيما يُضعف الإيمان ويهزّ العقيدة ويخدش الفضيلة ويوقع في الرذيلة ويقضي على الأخلاق والقيم والمثل فلا وكلا.(94/1)
أيها الإخوة المسلمون، إن السفر في الإسلام لا بأس فيه، بل قد يكون مطلوباً لأغراض شرعية، يقول الثعالبي - رحمه الله -: "من فضائل السفر أن صاحبه يرى من عجائب الأمصار وبدائع الأقطار ومحاسن الآثار ما يزيده علماً بقدرة الله - تعالى -، ويدعوه شكراً على نعمه"[1]، وقد قيل:
لا يصلح النفوسَ إذا كانت مدبرة *** إلا التنقلُ من حال إلى حال
إني رأيت وقوف الماء يفسده *** إن سال طاب وإن لم يجرِ لم يطلب
والأُسْد لولا فراق الغاب ما افترست *** والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة *** لملَّها الناس من عُجْم ومن عرب
لكن السفر في الإسلام له حدود مرعية وضوابط شرعية، منها أن يكون السفر في حدود بلاد الإسلام المحافظة، أما أن يكون إلى بقاع موبوءة ومستنقعات محمومة وأماكن مشبوهة فلا، ما لم يكن ثمَّ ضرورة، مع المحافظة على شعائر الإسلام لا سيما الصلاة، وهل يُلقى بالحمل الوديع في غابات الوحوش الكاسرة والسباع الضارية؟!
وقد ذكر أهل العلم شروطاً ثلاثة لجواز السفر إلى بلاد غير المسلمين، أولها: أن يكون عند الإنسان دين يدفع به الشهوات، ثانيها: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات، ثالثها: الضرورة الشرعية كعلاج ونحوه.
فيا أيها المسافرون، هلاّ سألتم أنفسكم: إلى أين تسافرون؟ ولماذا تسافرون؟ أفي طاعة الله أسفاركم أم إلى معصيته ارتحالكم؟؟ فإذا كان سفركم طاعةً لله في منأًى عما يسخط الله فالحمد لله، وامضوا على بركة الله تكلؤكم عناية الله، وإن كان سفركم في معصية الله وفي غير طاعته ورضاه فاتقوا الله واستحيوا من الله، فإنه يراكم ومطلعٌ عليكم، " إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً " [النساء: 1].
يا أيها المسافرون، اجعلوا سفركم ابتغاء مرضاة الله، وإن كنتم تنوون في أسفاركم المعاصي فأنتم مدعوون إلى الرجوع عنها وتغيير هذه النية السيئة، مدعوُّون إلى التوبة والإنابة، " يا أَيُّهَا اَّلذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً "[التحريم: 8].
أخي المسافر المبارك، إن المسلم الواعي هو من أعمل فكره وأخذ من أحداث الناس عبرة، فكم من أناس سافروا طلبا لاقتراف الحرام وبَحْثاً عن المعاصي وقبيح الآثام فكان جزاؤهم الخيبة والخسران؛ أصابتهم الأمراض المستعصية، وانتقلت إليهم الجراثيم المعدية، بما كسبت أيديهم وبما اقترفوا من معصية باريهم.
أتفرح بالذنوب وبالمعاصي *** وتنسى يوم يؤخذ بالنواصي
إخوتي المسافرين، تحلَّوا بآداب السفر، قدموا الاستخارة والاستشارة، لا تنسوا دعاء السفر، وحسن اختيار الرفيق، وتفقّد المركبة، والأخذ بوسائل السلامة والأمان، وعدم تجاوز السرعة النظامية، فإن في الحوادث لا سيما حوادث السيارات لعبراً. عليكم بأداء حق الطريق والمحافظة على البيئة، واجعلوا سفركم دراسة في سِفر الحياة وقراءة وتدبراً في دفتر الكون.
وكتابيَ الفضاءُ أقرأ منه *** صوراً ما قرأتها في كتابي
وتفكراً في ملكوت الله *** وعظيم خلقه وبديع صنعه.
تلك الطبيعة قِف بنا يا سارِ *** حتى أريك بديع صُنع الباري(94/2)
فالأرض حولك والسماء اهتزتا *** لروائع الآيات والآثار
أيها المسافرون، ولما كان السفر قطعة من العذاب كما أخبر به المصطفى الأواب فيما أخرجه الشيخان في صحيحيهما[2]، جعل الله له رُخصاً تيسِّره مِنةً منه ورحمة. فاحرصوا على الأخذ برخص السفر، فإن الله يحب أن تؤتى رُخصُه كما يكره أن تؤتى معصيته.
واقتفوا هدي نبيكم في السفر، وكان من هديه قصرُ الصلاة الرباعية ركعتين، وإذا اشتد به السفر جمع بين الظهرين والعشاءين، وكان يقتصر على صلاة الفريضة، ولم يكن يصلي الراتبة إلا الوتر وسنة الفجر، فإنه لم يكن يدعهما حضراً وسفراً، ورخّص للمسافر أن يمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها، ونهى أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. خرجه الشيخان في صحيحيهما[3].
أخي المسافر الكريم، تجنّب المحاذير الشرعية من منكرات الحضر والسفر التي نهانا عنها الله - جل وعلا - في كتابه وحذرنا منها رسوله. تجنب الشرك بالله، فلا تخف إلا الله، ولا ترجُ إلا الله. لا تسافر إلى الأضرحة والقبور، ولا تدع أحدًا من دون الله. إياك والرياء، اجتنب المرابين والربا. ولا تقربوا الزنا فإنه من أقبح الأمور وأعظم الآثار والشرور. حذار من الخمور والمسكرات وتعاطي المخدرات، فإنها خرابٌ للدين، دمارٌ للعقل، كيف يسعى في جنون من عقل؟! بغيضةٌ إلى الرحمن، رجس من عمل الشيطان. لا تتعامل بالحرام، ولا تتاجر فيما يسخط الملك العلام، ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أخبر، يمدّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنى يستجاب له؟! خرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه[4].
لا تسافر مع الذين أُترِعت قلوبهم بحب الشهوات، ولا ترافق الذين خلت أفئدتهم من مراقبة رب الأرض والسموات، " وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً " [النساء: 27].
أيها المسلمون، من الناس من يطلق لنفسه وأسرته العِنان في السفر إلى بلاد موبوءة، ليفتن نفسه بالشهوات المحرمة والأفعال الآثمة، والمظاهر المخزية والأعمال المردية، في مواخير الفجور والزنا وحانات الغي والخنا، في دهاليز الميسر والقمار، وفي مستنقعات العار والشنار، بعيداً عن أنظار الخيرين وأهل الفضل المصلحين. فاحذروا مواقع الزلل وأماكن الخطأ والخطل، بل لقد وصل الحال ببعضهم وببعضهن أن تنزع جلباب حيائها قبل أن تغادر أرض بلادها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فيا من أخفيت نواياك في سفرك عن البشر، يا من قصدت مكاناً لا تقع فيه تحت عين ونظر، ألا تخشى سطوةً رب البشر وأنت تبارزه بالقبائح وتعامله بالفضائح؟!
ولا تحسبن الله يغفل ساعةً ولا أن ما تُخفي عليه يغيب(94/3)