السُّنَنُ والْمُبتدَعاتُ في الأعياد
تأليف
عبد الرحمن بن سعد الشثري
http://www.saaid.net/
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل في كلِّ زمان فترة من الرسل , بقايا من أهل العلم يَدعُونَ من ضلَّ إلى الهدى , ويَصبرونَ منهم على الأذى , يُحيون بكتاب الله الموتى , ويُبصِّرون بنور الله أهلَ العَمَى , فكم من قتيلٍ لإبليسَ قد أحيوه , وكم من ضالٍّ تائهٍ قد هَدَوه , فما أحسنَ أثرَهم على الناس , وأقبحَ أثرَ الناس عليهم , يَنفون عن كتاب الله تحريف الغالين , وانتحال المبطلين , وتأويل الجاهلين , الذين عقدوا ألوية البدع , وأطلقوا عقال الفتنة , فهم مختلفون في الكتاب , مُخالفون للكتاب , مُجمعون على مفارقة الكتاب , يقولون على الله , وفي الله , وفي كتاب الله بغير علم , يَتكلَّمون بالمتشابه من الكلام , ويخدعون جُهَّال الناس بما يُشبِّهون عليهم , فنعوذُ بالله مِن فِتَنِ الضالين ( ( ) خطبة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في كتابه : الرد على الجهمية والزنادقة ص55-57 .) .
والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله القائل : ( إنَّ الله لا يَقبضُ العِلمَ انتزاعاً يَنتزعُه مِنَ العبادِ , ولكنْ يَقبضُ العِلمَ بقبضِ العلماءِ , حتَّى إذا لم يُبْقِ عَالِمَاً اتَّخَذَ الناسُ رُؤساءَ جُهَّالاً , فَسُئِلُوا فأفتوا بغير علمٍ , فَضَلُّوا وأَضَلُّوا ) ( ( ) رواه الإمام البخاري واللفظ له ح100 ( بابٌ : كيفَ يُقبضُ العلمُ ) ؟ .
وقال رحمه الله تعالى : ( وكتبَ عمرُ بنُ عبد العزيز إلى أبي بكر بنِ حزمٍ : انظر ما كانَ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبهُ , فإني خِفتُ دُرُوسَ العلمِ وذهابَ العلماءِ , ولا تقبل إلاَّ حديثَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم , وليُفشُوا العلمَ , وليَجلسوا حتَّى يُعلَّمَ مَن لا يَعلَمُ , فإنَّ العلمَ لا يَهلِكُ حتَّى يكونَ سِرَّاً ) .(1/1)
ورواه الإمام مسلم ح2673 بابُ : رفع العلم وقبضه , وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان . ) .
والمَروِيِّ عنه صلى الله عليه وسلم قولُه : ( يَرثُ هذا العِلم من كلِّ خَلَفٍ عُدولُه , يَنفُونَ عنه تأويلَ الجاهلينَ , وانتحالَ المُبطلينَ , وتحريفَ الغالين ) ( ( ) رواه البيهقي في الكبرى ح20700 ( بابُ : الرجل من أهل الفقه يُسأل عن الرجل من أهل الحديث فيقول : كُفُّوا عن حديثه لأنه يغلط أو يُحدِّث بما لم يَسمع , أو أنه لا يُبصر الفتيا ) .
وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ج7/38 , وصحَّحه الإمام أحمد رحمه الله تعالى ( فتح المغيث للسخاوي ج1/297 ) .) .
ورضي الله عن صحابته والتابعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين .
أما بعد : فإنَّ خيرَ الحديثُ كتابُ الله , وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم , وشرَّ الأمورُ مُحدثاتها , وكل بدعة ضلالة ( ( ) رواه الإمام مسلم ح867 بابُ تخفيف الصلاة والخطبة . ) , وإنه مِنَ المعلوم مِنَ الدِّينِ بالضرورة , أنَّ ديننا الإسلامي دينٌ كاملٌ لا يحتاجُ إلى زيادة أو نقصان , صالِحٌ لكلِّ زمان ومكان .
وقد حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم من البدع والإحداث في الدين , فقال صلى الله عليه وسلَّم : ( مَنْ أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) ( ( ) رواه البخاري ح2550 بابُ إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود , ومسلم ح1718 باب نقض الأحكام الباطلة وردِّ محدثات الأمور .) .(1/2)
وقال صلى الله عليه وسلَّم : ( عليكم بسنتي وسنةِ الْخلفاء الراشدينَ المهديينَ , تَمسَّكوا بها , وعَضُّوا عليها بالنواجذِ , وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ , فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ , وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ) ( ( ) رواه أبو داود واللفظ له ح4607 بابٌ في لزوم السنة , وابن ماجة ح42 باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين , والترمذي وقال : حسنٌ صحيحٌ ح2676 باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع , والدارمي ح95 باب اتباع السنة , والحاكم وصحَّحه ح329 كتاب العلم , وابن حبان ح5 ذكر وصف الفرقة الناجية من بين الفرق التي تفترق عليها أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم , وصحَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى ج20/309 .) .
وذكرَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ( أنَّ تحذيرَ الأمة من البدع والقائلين بِها واجبٌ باتفاق المسلمين ) ( ( ) يُنظر : مجموع الفتاوى ج28/231 .) .
وإنه لا شيءَ أفسدَ للدين وأشدَّ تقويضاً لبنيانه من البدع , وإنَّ من أشدِّ وأخطر ما تساهلَ فيه بعضُ المسلمين إحداثُ أعيادٍ بدعيةٍ ما أنزلَ اللهُ بها مِن سلطان , و ( ما مِنْ عيدٍ في الناس , إلاَّ وسببُ وجودِه تنويهٌ بشعائرِ دينٍ , أو موافقة أئمة مذهبٍ , أو شيء مما يُضاهي ذلك ) ( ( ) حجة الله البالغة ج1/479 للدهلوي .) .
ولقد ظهرت في كثير من بلاد المسلمين احتفالاتٌ بأعيادٍ لَمْ تكنْ معروفةً في القرون الْمُفضَّلَة , كما سيأتي بيانُ كثير منها إنْ شاء الله تعالى , والمسلمونَ في حاجةٍ لمعرفة حكم هذه النوازل العقَدِيَّة ؟ .
وقد يقولُ قائلٌ : ما فائدةُ إخراج مثل هذه الرسالة بكشف حقيقة ( الأعياد الْمُحدَثة في الإسلام ) وأنَّ ذلك لن يُقدِّم ولَنْ يُؤخِّر إلاَّ أنْ يشاء الله ؟ .(1/3)
والجوابُ : أنَّ كتابَ الله تعالى , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلَّم : قد دلاَّ على أنه لا يزالُ في هذه الأمة طائفةٌ متمسكةٌ بالحقِّ الذي بَعَثَ الله به محمداً صلى الله عليه وسلَّم إلى قيام الساعة .
كقوله صلى الله عليه وسلَّم : ( لا تَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قائمةٌ بأمرِ الله لا يَضُرُّهُم مَنْ خَذَلَهُم ولا مَنْ خَالَفَهُمْ , حتَّى يأتِيَهُمْ أمرُ الله وهُم على ذلك ) ( ( ) رواه الإمام البخاري ح3641 بابُ سؤالِ المشركينَ أنْ يُريَهُمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم آيةً , فأراهُمُ انشقاقَ القَمَر .) .
وأنَّ أمته صلى الله عليه وسلَّم لا تجتمعُ على ضلالة ؟ .
لحديث ابن عمرَ رضي الله عنهما أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلَّم قالَ : ( إنَّ الله لا يَجْمَعُ أُمَّتِي - أو قال - أُمَّةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلمَ على ضَلالَةٍ , وَيَدُ الله على الجَماعةِ ) ( ( ) رواه الترمذي ح2167 باب ما جاء في لزوم الجماعة , وصحَّحه الألباني في المشكاة ج3/11 , وأما لفظ : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) فقد ضعَّفه العيني في عمدة القاري ج2/52 .) .
ففي النهي عن الأعيادِ الْمُحدَثةِ تكثيرُ هذه الطائفةِ المنصورةِ , وتثبيتُها , وزيادةُ إيمانها , فنسألُ الله المجيبَ أن يجعلني وإياكم منها .(1/4)
وأيضاً : لو فُرض أنَّ الناس لا يتركُون هذه الأعياد الْمُحدَثة , لكانَ في العلم بها معرفة القبيح , والإيمان بذلك , فإنَّ نفس العلم والإيمان بما كرهه الله خيرٌ , وإنْ لَمْ يُعمل به , بلْ فائدةُ العلم والإيمان أعظمُ من فائدة مجرَّد العَمَلِ الذي لَمْ يقترن به عِلْمٌ , فإنَّ الإنسان إذا عرَفَ المعروفَ , وأنكرَ المنكرَ : كانَ خيراً مِنْ أنْ يكونَ ميِّتَ القلب , لا يعرفُ معروفاً ولا يُنكر منكراً , ألا ترونَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ رأى منكم مُنكراً فليغيره بيده , فإنْ لَمْ يستطع فبلسانه , فإنْ لَمْ يستطع فبقلبه , وذلكَ أضعفُ الإيمان ) رواه مسلم ( ( ) ح49 بابُ بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان , وأنَّ الإيمان يزيد وينقص , وأنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان .) .
وفي لفظ : قال صلى الله عليه وسلَّم : ( مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ الله في أُمَّةٍ قبلِي إلاَّ كانَ له مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وأَصحابٌ يَأخذُونَ بسُنَّتِهِ ويَقتدُونَ بأَمْرِهِ , ثُمَّ إِنَّهَا تَخلُفُ مِن بَعْدهِمِ خُلُوفٌ , يقولونَ مَا لا يفعلونَ , ويَفعلونَ ما لا يُؤمَرُونَ , فمَنْ جاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُْوَ مُؤْمنٌ , ومَنْ جاهَدَهُمْ بلسانهِ فهو مؤمنٌ , ومَنْ جاهدهم بقلبه فهو مؤمنٌ , وليسَ وراءَ ذلكَ مِنَ الإيمانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ) ( ( ) رواه مسلم ح50 بابُ بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان , وأنَّ الإيمان يزيد وينقص , وأنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان .) .
وإنكارُ القلب هو : الإيمانُ بأنَّ هذا منكرٌ , وكراهته لذلك , فإذا حصلَ هذا , كانَ في القلب إيمانٌ , وإذا فَقَدَ القلبُ معرفة هذا المعروف وإنكار هذا المنكر , ارتفعَ هذا الإيمانُ من القلب .(1/5)
وأيضاً : فقد يستغفرُ الْمُحدِثون لهذه الأعياد الْمُحدَثة مع إصرارهم عليها , أو يأتوا بحسناتٍ تمحوها , أو تمحو بعضها , وقد يُقلِّلُون منها , وقد تَضعف همتهم في طلبها إذا عَلِمُوا أنها منكر .
ثمَّ لو فُرضَ أننا علمنا أنَّ الناسَ لا يتركونَ هذه الأعيادَ الْمُحدَثة , ولا يعترفونَ بأنها منكرٌ , لَمْ يكن ذلك مانعاً من إبلاغ الرسالة وبيان العلم , بل ذلك لا يُسقطُ وجوبَ الإبلاغ , ولا وجوبَ الأمر والنهي في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله , وقولِ كثيرٍ من أهل العلم , على أنَّ هذا ليس موضع استقصاء ذلك , ولله الحمد على ما أخبرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أنه : لا تزالُ مِنْ أُمته طائفة ظاهرة على الحق حتى يأتي أمر الله , وليس هذا الكلام من خصائص هذه المسألة , بل هو واردٌ في كلِّ منكرٍ قد أخبرَ الصادقُ صلى الله عليه وسلم بوقوعه ( ( ) يُنظر : اقتضاء الصراط المستقيم ج1/147-149 .) .
وبعد هذه المقدمة : أقول ومن الله تعالى وحده التوفيق :
إنه من المعلوم من دين الإسلام : أنَّ ( الله سبحانه جَعَلَ لكلِّ أُمة مَنْسكاً هم ناسكوه , لإقامةِ ذكره , والالتفات إلى شكره , فقال تعالى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) } ( ( ) الآية 34 من سورة الحج .) .
وقال الله سبحانه : { لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) } ( ( ) الآية 67 من سورة الحج .) .
( فالعيدُ : اسمٌ لِمَا يعودُ من الاجتماع العام على وجهٍ مُعتادٍ , عائد : إمَّا بِعَوْدِ السَّنَةِ , أو بعود الأسبوع , أو الشهر أو نحو ذلك .(1/6)
فالعيدُ : يَجمعُ أموراً , منها : يومٌ عائدٌ , كيوم الفطر , ويوم الجمعة .
ومنها : اجتماعٌ فيه .
ومنها : أعمالٌ تَتَبَعُ ذلك : من العبادات والعادات .
وقد يختصُّ العيد بمكان بعينه , وقد يكون مطلقاً , وكلٌ من هذه الأمور قد يُسمَّى عيداً .
فالزمان : كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة : إنَّ هذا يومٌ جعله الله للمسلمين عيداً ( ( ) رواه الإمام مالك في الموطأ ح144 بابُ ما جاء في السواك , والبيهقي في الكبرى ح1326 بابُ الاغتسال للأعياد , وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير ج1/449 ح2258 .) .
والاجتماع والأعمال : كقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : شَهِدتُ العيدَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ( ) رواه الإمام البخاري رحمه الله ح919 بابُ الخطبة بعد العيد . ) .
والمكان : كقوله صلى الله عليه وسلم : لا تتخذوا قبري عيداً ( ( ) رواه الإمام أحمد ح8790 , وابن أبي شيبة ح7542 في الصلاة عند قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإتيانه , وعبدالرزاق ح6726 في السلام على قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم , وأبو يعلى ح469 , وأبو نعيم في الحلية ج6/283 .
وقال الهيثمي : ( رواه أبو يعلى , وفيه حفص بن إبراهيم الجعفري , ذكره ابن أبي حاتم ولَمْ يذكر فيه جرحاً , وبقية رجاله ثقات ) مجمع الزوائد ج4/3 .
وجوَّد إسناده العلامة سليمان بن عبدالله بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله , ثمَّ ذكرَ استدلال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على ثبوت هذا الحديث عنده ( يُنظر : تيسير العزيز الحميد ص308 ) وقال الألباني : صحيح لغيره ( فضل الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ح20 ) . ) .(1/7)
وقد يكون لفظ العيد : اسماً لمجموع اليوم والعمل فيه , وهو الغالبُ , كقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم : دَعْهُمَا يا أبا بكرٍ , فإنَّ لكلِّ قومٍ عيداً , وإنَّ هذا عيدُنا ( ( ) رواه البخاري ح3716 بابُ مقدم النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم المدينة .) ) ( ( ) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ج1/441-442 لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .) , وسُمِّيَ العيدُ بهذا الاسم ( لِتكَرُّرهِ كلَّ عامٍ , أو لِعَودِ السرور بِعَوْدِهِ , أو لكثرةِ عوائدِ الله على عباده فيه ) ( ( ) شرح الزرقاني ج1/511 , وفيض القدير ج5/181 , والإقناع للشربيني ج1/186 , ومغني المحتاج ج1/310 , وأسنى المطالب في شرح روضة الطالب ج1/279 , وشرح المنهج ج2/92 , ونهاية المحتاج ج2/385 , والمجموع شرح المهذب للنووي ج2/5 , وأنيس الفقهاء لقاسم القونوي ص188 , والبناية في شرح الهداية للعيني ج2/849 , وكشاف القناع للبهوتي ج2/49-50 . ) .
قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد - عضو هيئة كبار العلماء - وفقه الله تعالى : ( وقد تعبَّد الله هذه الأمة المرحومة , أمة الإسلام بعيدين حَوْلِيْيَنِ في العام الواحد , هما : عيد الفطر , وعيد الأضحى .(1/8)
فعن أنسٍ رضي الله عنه قال : قدمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ ولهم يومانِ يلعبونَ فيهما , فقالَ : ما هذانِ اليومانِ ؟ قالوا : كُنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليةِ , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما : يومَ الأضحى , ويومَ الفطر ( ( ) رواه الإمام أحمد ح12025 , وعبد بن حميد ح1392 , وأبو داود ح1134 باب صلاة العيدين , والنسائي ح1556 كتاب صلاة العيدين , وأبو يعلى ح3841 , والحاكم وصحَّحه ح1091 كتاب صلاة العيدين , والبيهقي في شعب الإيمان ح3710 في ليلة العيد ويومهما , وصحَّحه النووي في خلاصة الأحكام ح2883 , والبغوي في شرح السنة ج4/292 , والحافظ في الفتح ج2/442 , والعيني في عمدة القاري ج6/270 , وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وهذا إسناد على شرط مسلم ) الاقتضاء ج1/432 .) .
فصلَّى الله وسلَّم على مَنْ أَتمَّ الله به النعمة على هذه الأمة , وأكملَ به الدين , وجعلَه خاتماً للأنبياء والمرسلين , وجعلَ شريعته ناسخةً لكلِّ شِرعةٍ ودين , ورَفَعَ بشريعته كلَّ جَهَالَة وبدعة , وَبَعَثَهُ داعياً أنْ لا يُعبد إلاَّ الله , وأنْ لا يُعبد الله إلاَّ بِمَا شَرَعَ , فكانَ مِنْ نِعَمِ الله على عباده في شرعه المطهَّر : سنة العيد لأهل الإسلام , فأنعمَ الله على المسلمين بعيدين زمانيين حَوْلِيْيَنِ , هما عيدا أهل الإسلام : عيد الفطر , وعيد الأضحى , ويُقال : عيد النحر , وشرعَ فيهما من مظاهر الاجتماع , والذكر , والتكبير والصلاة , والخطابة الجامعة , والتعظيم لله سبحانه من زكاة الفطر في عيد الفطر , ونحر الأضاحي في عيد الأضحى , وبذل الصدقات والإحسان إلى ذوي الحاجات , وإغنائهم عن السؤال ذلك اليوم ..(1/9)
ولهذا نهى صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم العيدين , فهما عيدانِ حَوْلِيَّانِ لا ثالثَ لهما في أيِّ عامٍ , ولا لأيِّ مُناسبةٍ , يتخللهما عيدٌ أسبوعي هو ( يوم الجمعة ) فَعَن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قالَ : قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : يومُ عَرَفَةَ , ويوم النحر , وأيام التشريق عيدُنا أهلَ الإسلام , وهي أيام أكل وشرب ( ( ) رواه أحمد ح17417 , وأبو داود ح2419 باب صيام أيام التشريق , والترمذي وصحَّحه ح773 باب ما جاء في كراهية الصوم أيام التشريق , والنسائي ح3004 في النهي عن صوم يوم عرفة , والبيهقي في الكبرى ح8245 باب الأيام التي نهي عن صومها , والحاكم وصحَّحه ح1586 كتاب الصوم , وابن حبان ح3603 ذكر العلة التي من أجلها نهى صلى الله عليه وسلم عن صيام هذه الأيام , وابن خزيمة وصحَّحه ح2100 باب ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن صوم يوم عرفة مجمل غير مفسر , والطبراني في الأوسط ح3185 , وصحَّحه الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق ج2/385 .) .
قال شيخ الإسلام : فإنه دليلٌ على مفارقتنا لغيرنا في العيد , والتخصيص بهذه الأيام الخمسة , لأنه يجتمعُ فيها العيدان : المكاني والزماني , ويطول زمنه , وبهذا يُسمَّى العيد الكبير , فلما كَمُلَت فيه صفات التعييد : حصر الحكم فيه لكماله , أو لأنه هو عيد الأيام , وليس لنا عيدٌ هُوَ أيامٌ : إلاَّ هذه الخمسة ( ( ) اقتضاء الصراط المستقيم ج1/448 .) .(1/10)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ : إنَّ يومَ الجمعة يومُ عيدٍ , فلا تجعلوا يومَ عيدكم يومَ صيامكم , إلاَّ أنْ تصوموا قبلَه أو بعده ( ( ) رواه أحمد ح8012 , وإسحاق بن راهوية ح524 , وابن خزيمة في صحيحه ح2161 باب الدليل على أن يوم الجمعة يوم عيد وأن النهي عن صيامه إذ هو عيد والفرق بين الجمعة وبين العيدين , والحاكم وصحَّحه ح1595 كتاب الصوم , وابن الضحاك في الآحاد والمثاني ح2512 , وحسَّن إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد ج3/199 , وصحَّحه القاري في مرقاة المفاتيح ج4/482 .) , فالأعيادُ في الإسلام محدودةٌ معلومةٌ .. ومِنْ هُنا , وطَرْداً لقاعدة الشريعة في : وقف العبادات على النصوص ومواردها , فلا يُعبد الله إلاَّ بما شرع سبحانه , وقاعدته في تحريم الابتداع في الدين , وقاعدته في تحريم التشبه بالكافرين , وبالأعجميين فيما اختُصُّوا به من أقوالٍ , وأفعالٍ , وهيئاتٍ , وما إلى ذلك ) ( ( ) عيد اليوبيل , بدعة في الإسلام للشيخ العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد ص5-8 بتصرف .) .
فصلٌ في
إخبارِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بوقوع التشبُّه بالكفار في هذه الأمة ؟ .
لقد أخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن وقوع التشبُّه بالكفار في هذه الأمة : ومن ذلك : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقومُ الساعةُ حتَّى تأخذَ أُمَّتِي بأخذِ القرون قبلَها شبراً بشبرٍ , وذراعاً بذراعٍ , فقيلَ يا رسولَ الله : كفارس والروم , فقال : وَمَنِ الناسُ إلاَّ أولئك ) ( ( ) رواه البخاري ح6888 باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : لتتبعن سنن من كان قبلكم .) .(1/11)
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كانَ قبلكم شبراً بشبرٍ , وذراعاً بذراعٍ , حتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تبعتموهُم , قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى , قال : فَمَنْ ) ( ( ) رواه البخاري ح6889 باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : لتتبعن سنن من كان قبلكم , ومسلم ح2669 باب اتباع سنن اليهود والنصارى .) .
قال النووي : ( والمرادُ بالشبر والذراع وجُحر الضبِّ : التمثيلُ بشدَّةِ الموافقة لَهُمْ في المعاصي والمخالفات ) ( ( ) شرح صحيح مسلم للنووي ج16/219-220 .) .
وقال شيخ الإسلام : ( وهذا كلُّه خَرَجَ منه مَخْرجَ الْخَبَر عن وقوع ذلك , والذَّمُّ لِمَنْ يفعله , كما كانَ يُخبِرُ عمَّا يفعله الناسُ بين يَدَيِّ الساعة من الأشراط والأمور المحرَّمات , فَعُلِمَ أنَّ مشابهتها هذه الأمة اليهود والنصارى , وفارس والروم , مِمَّا ذَمَّهُ الله ورسولُه , وهو المطلوب ) ( ( ) اقتضاء الصراط المستقيم ج1/147-149 .) .(1/12)
وقال رحمه الله : ( فَعُلِمَ بخبره الصِّدْقِ أنه في أمته قومٌ متمسِّكونَ بهديه , الذي هو دينُ الإسلام محضاً , وقومٌ منحرفونَ إلى شعبة من شُعَبِ اليهود , أو إلى شُعْبَةٍ مِنْ شُعَبِ النصارى , وإنْ كان الرجلُ لا يكفرُ بكلِّ انحراف , بل وقدْ لا يفسقُ أيضاً , بل قد يكون الانحرافُ كفراً , وقد يكونُ فسقاً , وقد يكون معصيةً , وقد يكونُ خطأً , وهذا الانحراف أمر تتقاضاه الطباع ويزينه الشيطان , فلذلك أُمِرَ العبدُ بدوام دعاء الله سبحانه بالهداية إلى الاستقامة التي لا يهوديةَ فيها ولا نصرانيةَ أصلاً ) ( ( ) اقتضاء الصراط المستقيم ج1/70 , ويُشيرُ رحمه الله تعالى إلى دعاء المسلم ربه تعالى في كلِّ يوم وليلة سبعة عشر مرة فأكثر : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) } الآيتان 6-7 من سورة الفاتحة . ) .
فصلٌ في
دلالة كتاب الله تعالى , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ,
وإجماع الأمة على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم ؟ .
لقد دلَّ كتاب الله تعالى , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وإجماع الأمة : على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم : فمن الكتاب الكريم :
1 - قوله تعالى : { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) } ( ( ) الآية 72 من سورة الفرقان .) .(1/13)
قال بعضُ السلف : كابن عباس رضي الله تعالى عنهما ( ( ) يُنظر : تاريخ بغداد ج12/13 , والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج13/79 , وأحكام أهل الذمة لابن القيم ج3/1244 , والدر المنثور للسيوطي ج6/282 .) , وأبو العالية ( ( ) يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/329-330 .) , وطاوس ( ( ) يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/329-330 .) , وابن سيرين ( ( ) يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/329-330 , وتفسير ابن أبي حاتم ج8/2737 .) , والضحاك ( ( ) يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/329-330 , وتفسير ابن أبي حاتم ج8/2737 , ومجموع الفتاوى ج25/327 , والفتاوى الكبرى ج2/101 , وأحكام أهل الذمة ج3/1244 .) , والربيع بن أنس ( ( ) يُنظر : تفسير ابن كثير ج3/330 , ومجموع فتاوى ابن تيمية ج25/327 , وزاد المسير لابن الجوزي ج6/109 .) , ومجاهد ( ( ) يُنظر : مجموع فتاوى ابن تيمية ج25/327 , والفتاوى الكبرى ج2/101 , وتفسير ابن كثير ج3/330 , وتفسير البغوي ج3/378 .) , وأحمد بن حنبل ( ( ) يُنظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج25/326 .) , وأبو الشيخ الأصبهاني ( ( ) يُنظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج25/327 .) والزجاج ( ( ) يُنظر : المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده ج9/102 .) , وعبدالملك بن حبيب - من أصحاب الإمام مالك - ( ( ) يُنظر : الفتاوى الكبرى ج2/100 .) , والعز بن عبد السلام ( ( ) يُنظر : تفسير العز بن عبدالسلام ج2/434 .) , وشيخ الإسلام ابن تيمية ( ( ) في غير ما موضع من كتبه , وخاصة كتابه العظيم : اقتضاء الصراط المستقيم .) , وابن القيم ( ( ) يُنظر : إغاثة اللهفان ج1/241 .) , وابن مفلح ( ( ) يُنظر : الفروع ج5/235 , والآداب الشرعية ج3/416 .) , والسمعاني ( ( ) يُنظر : تفسير السمعاني ج4/35 .) , وابن العربي ( ( ) يُنظر : أحكام القرآن لابن العربي ج3/453 .) , وأبو حيان ( ( ) يُنظر : تفسير البحر المحيط لأبي حيان ج6/473 .) , وابن منظور ( ( ) يُنظر : لسان العرب لابن(1/14)
منظور ج4/337 .) , والزبيدي ( ( ) يُنظر : تاج العروس ج11/462 للزبيدي .) , وغيرهم : أنَّ المرادَ بالزور في هذه الآية : أعياد المشركين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وأمَّا أعيادُ المشركين : فجَمَعَتِ الشبهة والشهوة : وهي باطلٌ : إذْ لا منفعة فيها في الدين , وما فيها من اللذة العاجلة : فعاقبتها إلى أَلَمْ , فصارت زوراً , وحضورُها : شهودُها .
وإذا كان الله قد مدحَ تركَ شهودِها , الذي هو مجرَّد الحضور , برؤيةٍ أو سماعٍ , فكيفَ بالموافقة بِمَا يزيدُ على ذلك , من العملِ الذي هو عَمَلُ الزور , لا مجرَّد شهوده ؟ ) ( ( ) الاقتضاء ج1/429 .) .
2 - قوله تعالى : { لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) } ( ( ) الآية 67 من سورة الحج .) .
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى : ( الأظهرُ في معنى قوله : { مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ } أي : مُتَعَبَّداً هم متعبدون فيه , لأنَّ أصلَ النُّسُك التعَبُّد , وقد بيَّن تعالى أنَّ مَنْسَكَ كلّ أُمَّةٍ فيه التقرُّب إلى الله بالذبح , فهو فردٌ من أفراد النسك , صرَّح القرآنُ بدخوله في عمومه , وذلكَ من أنواع البيان الذي تضمنها هذا الكتابُ المبارك ) ( ( ) أضواء البيان ج5/298 .) .(1/15)
وخصَّه بعض السلف ( بالعيد ) : كابن عباس رضي الله عنهما ( ( ) يُنظر : تفسير الطبري ج17/198 , التفسير الكبير للرازي ج23/56 , تفسير الثعلبي ج7/33 , تفسير البغوي ج3/297 , تفسير السمعاني ج3/454 , معاني القرآن للنحاس ج4/409 , أحكام القرآن للجصاص ج5/85 , الدر المنثور للسيوطي ج6/47 , فتح القدير للشوكاني ج3/453 . ) , والفرَّاء ( ( ) يُنظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج12/58 , تفسير البحر المحيط لأبي حيان ج6/341 , أحكام القرآن لابن العربي ج3/289 , فتح القدير للشوكاني ج3/452 . ) , والعز بن عبد السلام ( ( ) ( قال : حَجَّاً أو ذبحاً أو عيداً ) تفسير العز بن عبد السلام ج2/354 .) , وابن الهائم ( ( ) يُنظر : التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم ص304 .) , والسيوطي ( ( ) يُنظر : الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج1/322 . ) , وغيرهم , وممن ذكره من أهل العلم : شيخ الإسلام ابن تيمية ( ( ) يُنظر : اقتضاء الصراط المستقيم ج1/207 .) , والبيضاوي ( ( ) يُنظر : تفسير البيضاوي ج4/139 .) , والسجستاني ( ( ) يُنظر : غريب القرآن للسجستاني ص410و421 .) , وغيرهم .
3 - عن أنسٍ رضي الله عنه قال : ( قدمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم المدينةَ ولهم يومانِ يلعبونَ فيهما , فقال : ما هذانِ اليومانِ ؟ قالوا : كُنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليةِ , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ الله قد أَبدلكم بهما خيراً منهما : يومَ الأضحى , ويومَ الفطر ) ( ( ) تقدَّم تخريجه .) .(1/16)
واليومان هما : ( النيروز ( ( ) هو عيد رأس السنة , ومعناه اليوم الجديد , وهو أول يوم تتحول فيه الشمس إلى برج الحمل , ومدة احتفالهم به ستة أيام تبدأ من اليوم السادس من شهر حُزيران , وقال مقاتل رحمه الله : بأنه يوم الزينة الذي واعدَ فيه موسى صلى الله عليه وسلم فرعون وقومه ( التفسير الكبير ج22/63 , ويُنظر : لسان العرب ج5/416 , وبلوغ الأرب للألوسي ج1/348 , وعيد اليوبيل للعلامة بكر بن عبدالله أبو زيد ص15 ) .) , والمهرجان ( ( ) وأصله : ( مهركان ) بالفارسية , وهو اسم للشهر الذي مات فيه أحد ملوك الفرس , وهو أول يوم تتحول فيه الشمس إلى برج الميزان , وهو يوافق السادس والعشرين من أكتوبر , ومدة إقامته : ستة أيام .
( يُنظر : عيد اليوبيل ص15 , ونخبة الدهر للأنصاري ص379 , وصبح الأعشى للقلقشندي ج2/420-421 , وبلوغ الأرب للألوسي ج1/351-354 ) .) ) ( ( ) يُنظر : الفتح الرباني لترتيب المسند للساعاتي ج6/119 , وعون المعبود ج3/485 , وفيض القدير ج4/511 , ومرقاة المفاتيح ج3/490 .) .
وهما من أعياد المجوس ( ( ) هم القائلون بإثبات أصلين اثنين قديمين يقتسمان الخير والشر , والنفع والضر , والصلاح والفساد , يُسمٌّون أحدهما النور والآخر الظلمة .
( يُنظر : الملل والنحل للشهرستاني ص233 , والنهاية في غريب الحديث ج4/299 ) .) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( واستُنبط منه كراهةُ الفَرَحِ في أعياد المشركين , والتشبُّه بهم , وبالغَ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية فقالَ : مَنْ أَهدَى فيه بيضةً إلى مُشرِكٍ تعظيماً لليوم فقد كَفَرَ بالله تعالى ) ( ( ) فتح الباري ج2/442 .) .(1/17)
وقال المناوي رحمه الله : ( وكان السلف يُكثرون فيه الاعتكاف بالمسجد , وكان علقمة يقول : اللهم إنَّ هؤلاء اعتكفوا على كفرهم ونحن على إيماننا فاغفر لنا , وقال المجد ابن تيمية : الحديث يُفيدُ حرمة التشبيه بهم في أعيادهم لأنه لَمْ يُقرَّهما على العيدين الجاهليين , ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة , وقال : أبدلكم , والإبدالُ يقتضي ترك المبدل منه إذ لا يجتمع بين البدل أو المبدل منه , ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلاَّ في ترك اجتماعهما ) ( ( ) فيض القدير ج4/511 .) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه : ( والمحذورُ في أعياد أهلِ الكتابين التي نُقِرُّهم عليها ، أشدّ من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نُقِرُّهم عليها ، فإنَّ الأمة قد حُذِّروا مشابهة اليهود والنصارى ، وأُخبروا أنْ سيفعلُ قومٌ منهم هذا المحذور , بخلاف دين الجاهلية ، فإنه لا يعودُ إلاَّ في آخر الدهر ، عند اخترامِ ( ( ) قال ابن منظور : ( اخترم فلان عنَّا : مات وذهب , واخترمته المنية من بين أصحابه : أخذته من بينهم , واخترمهم الدهر وتخرَّمهم : أي اقتطعهم واستأصلهم , ويُقال : خرمته الخوارم إذا ماتَ , كما يُقال شعبته شعوب ) لسان العرب ج12/172 .) أنفسِ المؤمنين عموماً ، ولو لَمْ يكنْ أشدَّ منه ، فإنه مثله على ما لا يخفى , إذ الشرُّ الذي له فاعلٌ موجودٌ ، يُخافُ على الناس منه , أكثر مِن شرٍّ لا مقتضى له قوي ) ( ( ) اقتضاء الصراط المستقيم ج1/435 .) .
4 - وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال : ( نَذَرَ رَجُلٌ على عَهْدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم أنْ يَنْحَرَ إِبلاً بِبُوَانةَ ( ( ) بُوانة : ( هضبة وراء ينبع قريبة من ساحل البحر ) معجم البلدان لياقوت ج1/505 . ) , فأَتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم فقالَ : إنِّي نَذَرْتُ أنْ أنحَرَ إبلاً بِبُوَانةَ .(1/18)
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : هَلْ كانَ فيها وَثَنٌ مِنْ أوثانِ الجاهليةِ يُعبَدُ ؟ قالوا : لا .
قال : هلْ كانَ فيها عيدٌ مِنْ أعيادِهم ؟ قالوا : لا , قال النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم : أَوْفِ بِنَذرِكَ , فإنه لا وَفَاءَ لنذرٍ في معصية الله , ولا فيما لا يَملِكُ ابنُ آدَمَ ) ( ( ) رواه أبو داود ح3313 باب ما يُؤمر به من الوفاء , والبيهقي في الكبرى ح19926 باب من نذر أن ينحر بغير مكة , والطبراني في الكبير ج2/75 .
وصحَّح إسناده النووي في المجموع ج8/358 , وابن دقيق العيد كما في سبل السلام ج4/114 .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( أصل هذا الحديث في الصحيحين , وهذا الإسناد على شرط الصحيحين , وإسناده كلهم ثقاتٌ مشاهيرٌ , وهو متصلٌ بلا عنعنة ) الاقتضاء ج1/436 .
وصحَّحه ابن حجر في تلخيص الحبير ج4/180 , وابن الملقن في خلاصة البدر المنير ج2/422 , والشوكاني في الدراري المضية ج1/358 .) .
قال علي القاري : ( وهذا كلُّه احترازٌ من التشبُّه بالكفَّار في أفعالهم ) ( ( ) مرقاة المفاتيح ج6/551 .) .(1/19)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( فإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يُذبح في مكان كان الكفار يَعملون فيه عيداً ، وإنْ كانَ أولئك الكفار قد أسلموا وتركوا ذلك العيد ، والسائلُ لا يَتخذُ المكان عيداً ، بل يَذبحُ فيه فقط ، فقد ظهرَ أنَّ ذلك سدٌّ للذريعة إلى بقاء شيءٍ من أعيادهم ، خشيةَ أنْ يكونَ الذبحُ هناك سبباً لإحياء أمرِ تلك البقعة ، وذريعة إلى اتخاذها عيداً ، مع أنَّ ذلك العيد إنما يكون- والله أعلم - سُوقاً يتبايعون فيها ، ويلعبون , كما قالت الأنصار : يومان كنا نلعبُ فيهما في الجاهلية لَمْ تكن أعياد الجاهلية عبادة لهم ، ولهذا فرَّق صلى الله عليه وسلم بين كونها مكان وثن ، وكونها مكان عيد ، وهذا نهيٌ شديدٌ عنْ أنْ يُفعل شيء من أعياد الجاهلية على أي وجهٍ كان .. بل أعيادُ الكتابيين التي تُتخذ ديناً وعبادة أعظمُ تحريماً من عيدٍ يُتخذ لهواً ولعباً , لأنَّ التعبُّدَ بما يَسخطه الله ويَكرهه أعظمُ من اقتضاء الشهوات بما حرَّمه , ولهذا كان الشركُ أعظمُ إثماً من الزنا ، ولهذا كان جهادُ أهل الكتاب أفضل من جهاد الوثنيين , وكان مَنْ قتلوهُ من المسلمين له أجر شهيدين , وإذا كان الشارع قد حسم مادة أعياد أهل الأوثان ، خشيةَ أن يتدنَّسَ المسلمُ بشيءٍ من أمر الكفار , الذين قد يئس الشيطان أن يُقيمَ أمرهم في جزيرة العرب , فالخشيةَ من تَدَنُّسِهِ بأوضار ( ( ) الأوضار : جمع وضر ، و ( الوضر : الدرن والدسم ) أو ( وَسَخُ الدسم واللبن وغسالة السقاء ، والقصعة ونحوهما ) لسان العرب ج5/284 , مادة : وضر .) الكتابيين الباقين أشد ، والنهي عنه أوكد ، كيف وقد تقدَّم الخبرُ الصادقُ بسلوك طائفة من هذه الأمة سبيلهم ؟ .. وهذا يُوجبُ العلم اليقيني ، بأنَّ إمامَ المتقين صلى الله عليه وسلم كان يَمنعُ أُمَّتَهُ منعاً قوياً عن أعياد الكفار ، ويسعى في دروسها وطمسها بكل سبيل ، وليس في إقرار(1/20)
أهل الكتاب على دينهم ، إبقاء لشيء من أعيادهم في حق أمته ، كما أنه ليس في ذلك إبقاء في حق أمته ، لِمَا هم عليه في سائر أعمالهم ، مِن سائر كفرهم ومعاصيهم ، بل قد بالغَ صلى الله عليه وسلم في أمر أمته بمخالفتهم في كثيرٍ من المباحات ، وصفاتِ الطاعات , لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم ، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزاً ومانعاً عن سائر أمورهم ، فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم ، كان أبعد عن أعمال أهل الجحيم , فليس بعد حرصه على أمته ونصحه لهم غاية بأبي هو وأمي , وكل ذلك من فضل الله عليه وعلى الناس , ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون ) ( ( ) اقتضاء الصراط ج1/443-445 .) .
5 - عن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت : ( كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصومُ يومَ السبت ويومَ الأحد أكثرَ مِمَّا يصومُ من الأيامِ , ويقول : إنهما عيدَا المشركين , فأنا أُحِبُّ أنْ أُخالِفَهم ) ( ( ) رواه الإمام أحمد ح26793 , والنسائي في الكبرى ح2667 , والطبراني في الكبير ج23/402 , وابن حبان ح3646 ذكر ما يُستحب للمرء أن يصوم يوم السبت والأحد إذ هما عيدان لأهل الكتاب , وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وصحَّحه بعض الحفاظ ) الاقتضاء ج2/575 , وجوَّد إسناده شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى ح2451 مجموعة الحديث .) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : ( وأشار بقوله صلى الله عليه وسلم : يوما عيد إلى أنَّ يوم السبت عيدٌ عند اليهود , والأحد عيدٌ عند النصارى , وأيام العيد لا تُصام فخالفهم بصيامها ) ( ( ) فتح الباري ج10/362 .) .(1/21)
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ( فهذا نصٌّ في استحباب صوم يوم عيدهم لأجل مخالفتهم ... قال شيخنا أبو العباس بن تيمية قدس الله روحه : وقد يُقال يكره صوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من الأيام التي لا تُعرف بحساب العرب , بخلاف ما جاء في الحديث من يوم السبت والأحد , لأنه إذا قَصَدَ صوم مثل هذا الأيام العجمية أو الجاهلية , كان ذريعةً إلى إقامة شعار هذه الأيام , وإحياء أمرها وإظهار حالِها , بخلاف السبت والأحد , فإنهما مِنْ حساب المسلمين فليس في صومهما مفسدة , فيكون استحباب صوم أعيادهم المعروفة بالحساب العربي الإسلامي , مَعَ كراهة الأعياد المعروفة بالحساب الجاهلي العجمي توفيقاً بين الآثار ) ( ( ) حاشية ابن القيم ج7/52 .) .
6 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فَهُوَ مِنْهُم ) ( ( ) رواه الإمام أحمد ح5114 , وأبو داود ح4031 باب في لبس الشهرة , وابن أبي شيبة ح33016 , وعبدالرزاق ح20986 , وصحح سنده الحافظ العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأحياء من الأخبار ج2/65 , وحسن إسناده الحافظ في الفتح ج6/98 , وصحَّح إسناده شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، مجموع مؤلفات الشيخ ، قسم الحديث ج1/108 ، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود ح3451 : حسن صحيح ، ويُنظر : الإرواء 1269 رحمهم الله تعالى .) .(1/22)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وهذا الحديثُ أقلُّ أحواله : أنْ يقتضي تحريمَ التَشَبُّهَ بهم ، وإنْ كان ظاهره يقتضي كفرَ المتشبِّه بهم ، كما في قوله تعالى : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ tûüدJد="©à9$# (51) } ( ( ) الآية رقم 51 من سورة المائدة .) , وهو نظيرُ ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو أنه قال : مَنْ بَنَى بأرضِ المشركين , وصنعَ نيروزهم , ومهرجانهم , وتشبَّه بِهم حتَّى يموت , حُشِرَ معهم يوم القيامة ( ( ) رواه البيهقي في السنن الكبرى ح18642 ج9/234 , وصحَّح إسناده شيخ الإسلام في الاقتضاء ج1/457-458 .) , فقد يُحمل هذا على التشبُّه المطلق , فإنه يُوجبُ الكفر , ويقتضي تحريمَ أبعاض ذلك , وقد يُحمل على أنه منهم , في القدر المشترك الذي شابَهَهُم فيه , فإنْ كانَ كُفراً , أو معصيةً , أو شعاراً لَها , كان حُكمه كذلك , وبكلِّ حال : يقتضي تحريم التشبه بهم , بعلَّة كونه تشبُّهاً ) ( ( ) الاقتضاء ج1/237-238 .) .
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى : ( ففيه دلالةٌ على النهي الشديد , والتهديد والوعيد على التشبه بالكفار في أقوالهم , وأفعالهم , ولباسهم , وأعيادهم , وعباداتهم وغير ذلك من أمورهم التي لَمْ تُشرع لنا , ولا نُقرُّ عليها ) ( ( ) تفسير ابن كثير ج1/149 .) .(1/23)
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ( ومعناه إن شاء الله : أنَّ المسلم يتشبَّه بالمسلم في زَِيِّهِ فيُعرف أنه مسلم ، والكافرُ يتشبَّه بزيِّ الكافر فيُعلم أنه كافرٌ ، فيجبُ أنْ يُجبرَ الكافرُ على التشبُّه بقومه ليعرفه المسلمونَ به ) ( ( ) أحكام أهل الذمة ج2/736 .) , وقال أيضاً : ( فلأنَّ المشابهةَ في الزيِّ الظاهرِ تدعو إلى الموافقة في الهدي الباطن ، كما دلَّ عليه الشرعُ والعقلُ والحِسُّ ، ولهذا جاءت الشريعة بالمنع من التشبه بالكفار , والحيوانات , والشياطين , والنساء , والأعراب , وكلِّ ناقص ) ( ( ) الفروسية ص121 - 122 ، ويُنظر : إعلام الموقعين ج3/112 .) , وقال : ( وسِرُّ ذلك : أنَّ المشابهةَ في الهدي الظاهر ذريعةٌ إلى الموافقة في القصدِ والعمل ) ( ( ) أعلام الموقعين لابن القيم ج3/140 .) .
وقال الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى : ( والحديثُ دالٌّ على أنَّ مَن تشبَّه بالفساق كان منهم ، أو بالكفار أو بالمبتدعة في أيِّ شيءٍ مما يختصُّون به من ملبوسٍ أو مركوبٍ أو هيئةٍ ، قالوا : فإذا تشبَّه بالكافر في زيٍّ ، واعتقدَ أنه يكونُ بذلك مثله كفرَ ، فإنْ لِمْ يعتقد ففيه خلافٌ بين الفقهاء ، منهم من قال : يكفرُ ( ( ) وهو قول جمهور الفقهاء ، يُنظر : الموسوعة الفقهية ج26/99 كلمة شعار . ) وهو ظاهرُ الحديث ، ومنهم من قال : لا يكفرُ ، ولكنْ يُؤَدَّب ) ( ( ) سبل السلام ج4/348 .) .(1/24)
7 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بغيرنا ، لا تشَبَّهُوا باليهودِ ولا بالنصارى .. ) ( ( ) رواه الترمذي وضعَّف إسناده ح2695 باب ما جاء في كراهية إشارة اليد بالسلام , والطبراني في الأوسط ح7380 ج7/238 , والقضاعي في مسند الشهاب ح1191 ج2/205 , وجوَّده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ج25/331 , وقال في الاقتضاء ج1/85 : ( وإن كان فيه ضعفٌ فقد تقدَّم الحديث المرفوع : من تشبه بقوم فهو منهم , وهو محفوظ عن حذيفة بن اليمان أيضاً من قوله , وحديث ابن لهيعة يصلحُ للاعتضاد , كذا كان يقولُ أحمد وغيره ) وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية ج3/496 : ( وهو حسنٌ بما قبله ) أي بحديث : من تشبه بقوم .. وحسنه المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير ج2/329 , والألباني في صحيح سنن الترمذي ح2168 ، والصحيحة ح2194 .) .
قال الإمام عبد الرحمن بن حسن بن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى في مثل هذه النصوص : ( هذا من نصوص الوعيد ، وقد جاء عن سفيان الثوري وأحمد : كراهةَ تأويلها ليكونَ أوقعَ في النفوس ، وأبلغ في الزجر ، وهو يدلُّ على أنه يُنافي كمالَ الإيمانِ الواجب ) ( ( ) فتح المجيد ص339 .) .(1/25)
وقال الإمام ابن القيم قدَّس الله روحه : ( والمقصودُ الأعظم : ترك الأسباب التي تدعو إلى موافقتهم ومشابهتهم باطناً ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم سنَّ لأمته ترك التشبُّه بهم بكلِّ طريق ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( خالفَ هَديُنا هَدْيَ المشركين ) ( ( ) رواه البيهقي ح9304 كتاب الحج ، باب الدفع من المزدلفة قبل طلوع الشمس , بلفظ : ( .. هدينا مخالف هديهم .. هدينا مخالف لهديهم .. ) وأبو داود في مراسيله ح151 بلفظ : ( فخالفَ هديُنَا هديَ أهلَ الشركِ والأوثان ) , وصحَّحه الحاكم ح3097 , ووافقه الذهبي ج2/304 .) , وعلى هذا الأصل أكثر من مئة دليل ، حتى شرع لنا في العبادات التي يُحبُّها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، تجنُّبَ مشابهتهم في مجرَّد الصورة ) ( ( ) أحكام أهل الذمة ج3/1282- 1286 .) .
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى : ( ولَمْ يختلف أهل العلم منذ الصدر الأول في هذا ، أعني في تحريم التشبه بالكفار ، حتى جئنا في هذه العصور المتأخرة ، فنبتت في المسلمين نابتةٌ ذليلةٌ مُستعبَدةٌ ، هُجَيْرَاها وديدَنُها التشبُّه بالكفار في كل شيء ، والاستخدام لهم والاستعباد , ثم وَجَدُوا من الملتصقين بالعلم ، المنتسبين له من يُزَيِّنُ لهم أمرهم ، ويُهَوِّنُ عليهم أمرَ التشبه بالكفار في اللباس والهيئة ، والمظهر والخُلُق ، وكل شيء ، حتى صرنا في أمةٍ ليس لها من مظهر الإسلام إلاَّ مظهرَ الصلاة ، والصيام ، والحجِّ ، على ما أدخلوا فيها من بدعٍ ، بلْ من ألوانِ التشبه بالكفار أيضاً ) ( ( ) من تعليق الشيخ على مسند الإمام أحمد رحمهما الله تعالى ح6513 ج10/19 .) .(1/26)
8 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( نحنُ الآخِرونَ السابقونَ يومَ القيامة ، بَيدَ أنَّهم أُوتوا الكتابَ مِنْ قَبلِنا ، ثُمَّ هذا يَومُهُمُ الذي فُرضَ عليهم ، فاختلَفوا فيه فَهَدَانا الله لَهُ ، فالناسُ لنا فيه تَبَعٌ : اليهودُ غداً ، والنصارى بَعْدَ غَدٍ ) ( ( ) رواه البخاري واللفظ له ح876 بابُ فرض الجُمُعَةِ , ومسلم ح855 باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة .) .
وفي رواية : ( أَضَلَّ اللهُ عن الْجُمُعَةِ مَنْ كانَ قبلَنا , فكانَ لليهودِ يومُ السَّبْتِ , وكانَ للنَّصارى يومُ الأحد , فجاءَ اللهُ بنا , فهدَانا اللهُ ليومِ الْجُمُعَةِ , فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ والسَّبْتَ والأَحَدَ , وكذلكَ هُمْ تَبَعٌ لَنا يومَ القيامة , نَحْنُ الآخِرونَ مِن أهل الدُّنيا , والأوَّلَونَ يومَ القيامةِ , الْمقضِيُّ لَهُم قبلَ الْخَلائقِ ) وفي روايةِ واصلٍ : ( الْمَقْضِيُّ بينهُم ) ( ( ) رواه الإمام مسلم ح856 بابُ هداية هذه الأمة ليوم الجمعة .) .
وقد سَمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَة عيداً في غير موضع , ونهى عن إفراده بالصوم لِمَا فيه من معنى العيد , كما تقدَّم .
ووجه الاستدلال من الحديث : أنه صلى الله عليه وسلم ذكرَ أنَّ الْجُمُعَةَ لنا ، كما أنَّ السبت لليهود ، والأحد للنصارى ، واللام تقتضي الاختصاص ، وهذا الكلام يقتضي الاقتسام .. فإذا نحنُ شاركناهم في عيدِهم يومَ السبت ، أو عيد يوم الأحد ، خالفنا هذا الحديث ، وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي ، فكذلك في العيد الْحَوْلِي , إذْ لا فَرْقَ ، بل إذا كان هذا في عيدٍ يُعرف بالحساب العربي ، فكيف بأعيادِ الكافرين العجمية التي لا تُعرف إلاَّ بالحساب الرومي أو القبطي أو الفارسي أو العبري ونحو ذلك ( ( ) اقتضاء الصراط المستقيم ج1/450-451 .) .(1/27)
9 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : ( أَبغضُ الناسِ إلى الله ثلاثةٌ : مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ , ومُبْتَغٍ فِي الإسلامِ سُنَّةَ الجاهليةِ , وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بغيرِ حَقٍّ لِيُهْرِيقَ دَمَهُ ) ( ( ) رواه البخاري ح6882 بابُ مَنْ طلبَ دَمَ امرئٍ بغيرِ حَقٍّ .) .
قال شيخ الإسلام : ( فكلُّ مَن أرادَ في الإسلام أنَ يَعمل بشيءٍ مِنْ سُنَنِ الجاهليةِ دَخَلَ في هذا الحديث ) ( ( ) اقتضاء الصراط المستقيم ج1/76 .) , وقال الحافظ : ( وقيل : المرادُ من يريدُ بقاء سيرة الجاهلية , أو إشاعتها , أو تنفيذها , وسنة الجاهلية اسمُ جنسٍ يَعُمُّ جميعَ ما كان أهل الجاهلية يعتمدونه .. ) ( ( ) فتح الباري ج12/211 .) , والأعيادُ المستحدثة هي والله من سُنَنِ الجاهلية .
10 - قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( اجتنبوا أعداءَ الله في عيدهم ) ( ( ) رواه البخاري في التاريخ الكبير ح1804 , والبيهقي في السنن الكبرى ح18641 باب كراهية الدخول على أهل الذمة في كنائسهم والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم .) .
أليس في قول عمر رضي الله عنه ( نهياً عن لقائهم والاجتماع بهم فيه , فكيف بِمَنْ عَمِلَ عيدهم ) ( ( ) اقتضاء الصراط المستقيم ج1/455 .) .(1/28)
فهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه , والذي قال عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الله جعل الحقَّ على لسانِ عُمَرَ وقلْبِهِ ) ( ( ) أخرجه أحمد ح9202 , والترمذي وقال : حديث حسن ح3682 باب في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه , وابن حبان ح6889 ذكر إثبات الله جلَّ وعلا الحق على قلب عمر ولسانه , والحاكم ح4501 وصححه , وابن أبي شيبة ح31986 ما ذكر في فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه , وغيرهم .) , وأمَرَنا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به وبصاحبه أبي بكر رضي الله عنهما , فقال صلى الله عليه وسلم : ( اقتدوا باللذَيْنِ مِنْ بعدي أبي بكر وعمر ) ( ( ) رواه أحمد ح23293 , والترمذي ح3662 باب : في مناقب أبي بكر وعمر , والبزار ح2827 , والبيهقي في الكبرى ح16367 باب ما جاء في تنبيه الإمام على من يراه أهلاً للخلافة بعده , والحاكم في مستدركه ج4/370 كتاب الفرائض , وغيرهم , وقال الصنعاني : ( وله طُرُقٌ فيها مقال إلاَّ أنه يُقوِّي بعضها بعضاً ) سبل السلام ج2/11 .) .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ( ومِنَ الْمُحالِ أنْ يكونَ الخطأُ في مسألةٍ أفتَى بها مَنْ جعلَ اللهُ الحقَّ على لسانه وقلبه حظه , ولا يُنكره عليه أحدٌ مِن الصحابة , ويكون الصوابُ فيها حظَّ مَنْ بعدَه هذا مِن أَبيَنِ الْمحال ) ( ( ) إعلام الموقعين ج4/141 .) .(1/29)
11 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( لا تعلَّموا رطانةَ الأعاجمِ ( ( ) الأعاجم : جمع عجم , و ( العجم : خلاف العرب , والعجمي منسوب إليهم , والأعجم مَنْ في لسانه عُجمة عربياً كان أو غير عربي , اعتباراً بقلة فهمهم عن العجم , ومنه قيل للبهيمة عجماء , والأعجمي منسوبٌ إليه ) المفردات في غريب القرآن ص323 لأبي القاسم الحسين بن محمد ت502هـ .) , ولا تدخلوا على المشركينَ فِي كنائسهم يومَ عيدهم , فإنَّ السُّخطَةَ تَنْزِلُ عليهم ) ( ( ) رواه البيهقي في الكبرى ح18640 باب كراهية الدخول على أهل الذمة , وعبدالرزاق ح1609 باب الصلاة في البيعة , وابن أبي شيبة ح26281 , وصحَّح إسناده شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم ج1/455 , وابن القيم في أحكام أهل الذمة ج3/1246 .) .
قال البيهقي رحمه الله : ( وفي هذا كراهةٌ لتخصيص يوم بذلك لَمْ يجعله الشرع مخصوصاً به ) ( ( ) السنن الكبرى ج9/235 .) .
فهذا ( عمر رضي الله عنه نَهَى عن تعلُّم لسانهم , وعن مُجرَّد دخول الكنيسة عليهم يومَ عيدهم , فكيفَ بفعل بعضِ أفعالهم ؟ أو بفعل ما هو من مقتضياتِ دينهم ؟ أليست موافقتهم في العمل أعظم من الموافقة في اللغة ؟ أَوَ ليسَ بعض أعمال عيدهم أعظم من مُجرَّد الدخول عليهم في عيدهم ؟ وإذا كانَ السَّخَطُ يَنْزلُ عليهم يومَ عيدهم بسبب عملهم , فمَنْ يشركهم في العمل أو بعضه أليسَ قد تعرَّض لعقوبة ذلك ؟ ) ( ( ) اقتضاء الصراط المستقيم ج1/459 , والفتاوى الكبرى ج2/99 .) .
12 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : ( مَنْ بَنَى ببلادِ الأعاجمِ , وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُم ومهرَجَانَهُم , وتَشَبَّهَ بِهِم حتَّى يَموت وَهُوَ كذلك , حُشِرَ معهم يومَ القيامة ) ( ( ) رواه البيهقي في السنن الكبرى ح18642 باب كراهية الدخول على أهل الذمة في كنائسهم والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم , وصحَّح إسناده شيخ الإسلام في الاقتضاء ج1/457-458 .) .(1/30)
قال شيخ الإسلام قدَّسَ الله روحه : ( وهذا يقتضي أنه جَعَلَهُ كافراً بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور , أو جعلَ ذلك من الكبائر الموجبة للنار , وإنْ كان الأولُ ظاهرُ لفظه , فتكونُ المشاركةُ في بعض ذلك معصيةٌ , لأنه لو لَمْ يكن مُؤَثِّراً في استحقاق العقوبة لَمْ يَجُزْ جعله جزءاً من المقتضى , إذ المباح لا يُعاقبُ عليه , وليس الذمُّ على بعض ذلك مشروطاً ببعض , لأنَّ أبعاض ما ذكره يقتضي الذم مفرداً , وإنما ذكر - والله أعلم - مَنْ بَنَى ببلادهم , لأنَّهم على عهدِ عبد الله بن عمرو وغيره من الصحابة كانوا ممنوعين مِن إظهار أعيادهم بدار الإسلام , وما كانَ أحدٌ من المسلمين يَتَشَبَّهُ بهم في عيدهم , وإنما كان يتمكنُ مِن ذلك بكونه في أرضهم ) ( ( ) الاقتضاء ج1/459-460 .) .
13 - الإجماع : حيث اتفق ( الصحابةُ وسائرُ الفقهاء بعدَهم : أنَّ أهل الذمة مِن أهل الكتاب لا يُظهِرون أعيادَهم في دار الإسلام , وسَمَّوا الشعانين ( ( ) الشعانين : عيدٌ للنصارى يُقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصح , ويحتفلون فيه بحمل السعف , ويزعمون أنَّ ذلك ذكرى لدخول المسيح بيت المقدس .
( يُنظر : المعجم الوسيط ج1/488 , والاقتضاء ج1/478 ) .) , والباعوث ( ( ) هو خروج النصارى واجتماعهم كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر ( الاقتضاء ج1/321 ) .) , فإذا كانَ المسلمونَ قد اتفقوا على منعهم مِنْ إظهارها , فكيفَ يَسُوغُ للمسلمينَ فعلُها , أَوَ ليسَ فِعلُ المسلمِ لِهَا أشدُّ مِن فعل الكافر لَها , مُظهراً لها ؟ ) ( ( ) الاقتضاء ج1/454 . ) .
ومِمَّن ذكر اتفاق أهل العلم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى ( ( ) مجموع فتاوى سماحته ج3/105 .) .
14 - الاعتبار : وذلك مِنْ وجوهٍ عِدَّة ، منها :
الوجه الأول :(1/31)
( أنَّ الأعيادَ من جملة الشرع والمناهج والمناسك ، التي قال الله سبحانه وتعالى : { لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ } ( ( ) الآية 67 من سورة الحج .) , كالقبلة والصلاة والصيام ، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد ، وبين مشاركتهم في سائر المناهج ، فإنَّ الموافقة في جميع العيد ، موافقةٌ في الكفر ، والموافقةُ في بعض فروعه ، موافقة في بعض شُعَبِ الكفر ، بل الأعيادُ هي مِن أخصِّ ما تتميزُ به الشرائع ، ومِنْ أظهرِ ما لَها من الشعائر ، فالموافقةُ فيها موافقةٌ في أخصِّ شعائر الكفر ، وأظهرِ شرائعه ، ولا ريبَ أنَّ الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه , وأما مبدؤها فأقلُّ أحواله : أنْ يكونَ معصية ) ( ( ) اقتضاء الصراط المستقيم ج1/471-472 بتصرف يسير .) .
الوجه الثاني :(1/32)
( أنَّ ما يفعلونه في أعيادهم معصيةٌ لله , لأنَّه إما مُحدَثٌ مبتدعٌ ، وإما منسوخٌ ، وأحسنُ أحواله - ولا حُسْنَ فيه - أنْ يكونَ بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس , هذا إذا كان المفعولُ مِمَّا يُتديَّن به ، وأمَّا مَا يتبعُ ذلك من التوسُّع في العادات من الطعام واللباس ، واللعب والراحة ، فهو تابعٌ لذلك العيدِ الدينيِّ ، كما أنَّ ذلك تابعٌ له في دين الله : الإسلام , فيكون بمنزلة أنْ يتخذَ بعضُ المسلمين عيداً مُبتدَعاً يَخرجُ فيه إلى الصحراء ، ويفعلُ فيه من العبادات والعادات من جنس المشروع في يَوْمَيِ الفطر والنحر ، أو مثل أن ينصب بنية يُطاف بها وتُحَجُّ ، ويَصنعُ لِمَنْ يفعلُ ذلك طعاماً ونحو ذلك , فلو كَرِهَ المسلمُ ذلك ، لكانَ غيَّرَ عادَتَهُ ذلك اليوم ،كما يُغَيِّرُ أهلُ البدعة عادتهم في الأمور العادية أو بعضها ، بصنعة طعام وزينة لباس ، وتوسيع في نفقة ونحو ذلك ، من غير أن يَتعبَّدَ بتلك العادة الْمُحدَثة ، ألَمْ يكن هذا من أقبح المنكرات ؟ فكذلكَ مُوافقةُ هؤلاء المغضوبِ عليهم والضالِّينَ أشدُّ , وأهلُ الكتاب يُقَرُّونَ على دينهم المبتدَع والمنسوخ مُسْتَسِرِّين به ، والمسلم لا يُقَرُّ على مُبتَدَعٍ ولا منسوخٍ ، لا سِرَّاً ولا علانية ، وأمَّا مُشابهة الكفار فكمشابهة أهلِ البدع وأشدُّ ) ( ( ) اقتضاء الصراط المستقيم ج1/472-473 .) .
الوجه الثالث :(1/33)
( أنه إذا سُوِّغَ فعلُ القليل مِن ذلك ، أدَّى إلى فعل الكثير ، ثم إذا اشتُهِرَ الشيء دخَلَ فيه عوامُّ الناس ، وتناسَوا أصلَه ، حتى يَصيرَ عادةً للناس , بل عيداً ، حتى يُضاهى بعيد الله ، بل قد يُزاد عليه حتى يكاد أن يُفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر ، كما قد سوَّله الشيطانُ لكثيرٍ مِمَّن يدَّعي الإسلام ، فيما يفعلونه في أواخر صوم النصارى ، من الهدايا والأفراح ، والنفقات وكسوة الأولاد ، وغير ذلك لِلَّهِ مِمَّا يَصيرُ به مثل عيد المسلمين ) ( ( ) يُنظر : اقتضاء الصراط المستقيم ج1/473-482 .) .
الوجه الرابع :
إنَّ المشاركة في أعيادهم ينتج عنه فتور الرغبة في العيد الشرعي ومحبته ( فالعبدُ إذا أخذَ من غير الأعمال المشروعة بعضَ حاجته ، قلَّت رغبتُه في المشروع وانتفاعه به ، بقدر ما اعتاض من غيره ، بخلاف من صَرَفَ نهمته وهمَّته إلى المشروع ، فإنه تَعْظُمُ مَحبتُه له ومنفعته به ، ويتمُّ دينه ويَكملُ إسلامه , ولذا تَجدُ مَن أكثرَ سَمَاعَ القصائد لِطَلَبِ صلاح قلبه ، تنقصُ رغبته في سماع القرآن ، حتى رُبَّما كَرِهَهُ ...
ولهذا عظَّمت الشريعة النكيرَ على مَنْ أَحدَث البدع ، وكرهتها , لأنَّ البدع لو خرجَ الرجلُ منها كفافاً لا عليه ولا لَهُ ، لكانَ الأمرُ خفيفاً ، بلْ لا بُدَّ أنْ يُوجِبَ له فساداً ، منهُ :(1/34)
نقصُ منفعة الشريعة في حقِّه , إذ القلبُ لا يَتَّسِعُ للعوض والمعوض منه , ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في العيدين الجاهليين : ( إنَّ الله قد أبدَلَكُم بهما يومين خيراً منهما ) ( ( ) تقدَّم تخريجه .) , فيبقى اغتذاء قلبه من هذه الأعمال المبتدَعة ، مانعاً من الاغتذاء ، أو مِنْ كمال الاغتذاء بتلك الأعمال الصالحة النافعة الشرعية ، فيَفسُدُ عليه حالُه مِن حيثُ لا يشعر ، كما يَفسُدُ جَسَدُ المغتذي بالأغذية الخبيثة من حيث لا يشعر ، وبهذا يتبين لك بعض ضرر البدع ) ( ( ) اقتضاء الصراط المستقيم ج1/482-485 .) .
الوجه الخامس :
( أنَّ مُشابَهتهم في بعض أعيادِهم يُوجبُ سُرورَ قلوبهم ، بما هم عليه من الباطل .. فإنَّ ذلك يُوجب قوَّة قلوبهم ، وانشراحَ صدورهم ، وربما أطمعهم ذلكَ في انتهاز الفُرَص ، واستذلال الضعفاء ، وهذا أيضاً أمرٌ محسوسٌ ، لا يستريبُ فيه عاقلٌ , فكيف يجتمع ما يقتضي إكرامَهم بلا مُوجبٍ ، معَ شَرْعِ الصَّغَارِ فِي حَقِّهِم ؟ ) ( ( ) اقتضاء الصراط ج1/486 .) .
الوجه السادس :
( أنَّ مِمَّا يفعلونه في عيدهم : ما هو كفرٌ ، وما هو حَرَامٌ ، وما هو مُباحٌ لو تجرَّد عن مَفسدة المشابهة ، ثم التمييزُ بين هذا وهذا يَظهرُ غالباً ، وقد يَخفى على كثيرٍ من العامَّة ، فالْمُشابهةُ فيما لَمْ يَظهر تحريِمُه للعالِم ، يُوقعُ العامِّيَّ في أنْ يُشابِهَهُم فيما هو حرامٌ ، وهذا هو الواقعُ , والفرقُ بين هذا الوجه ، ووجه الذريعة - الوجه الثالث - أنَّا هناك قلنا : الموافقةُ في القليل تدعو إلى الموافقة في الكثير ، وهُنا : جنسُ الموافقة يُلَبِّسُ على العامَّةِ دينَهُم ، حتَّى لا يُميِّزوا بين المعروف والمنكر ، فذاكَ بيانٌ للاقتضاء من جهة تقاضي الطباع بإرادتها ، وهذا من جهة جهل القلوب باعتقاداتها ) ( ( ) اقتضاء الصراط ج1/486-487 .) .
الوجه السابع :(1/35)
( أنَّ الله تعالى جبل بني آدم - بل سائر المخلوقات - على التفاعل بين الشيئين الْمُتشابهين ، وكلَّما كانت الْمُشابهةُ أكثر كان التفاعلُ في الأخلاق والصفات أتم ، حتَّى يؤولَ الأمرُ إلى أن لا يَتميَّزَ أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط ... فالْمُشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة ، تُوجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي , ويظهر هذا في اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين ، فهم أقل كفراً من غيرهم ، والمسلمون الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى ، هم أقلّ إيماناً من غيرهم ممن جرَّد الإسلام ، والمشاركة في الهدي الظاهر توجب أيضاً مناسبة وائتلافاً ، وإنْ بَعُدَ المكان والزمان ..
فمشابهتهم في أعيادهم - ولو بالقليل - هو سببٌ لنوعٍ مَا مِن اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونةٌ ، وما كان مظنَّة لفساد خفي غير منضبط ، علق الحكم به ، وأدير التحريم عليه ، فنقولُ : مشابهتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في عين الأخلاق والأفعال المذمومة ، بل في نفس الاعتقادات ، وتأثير ذلك لا يظهر ولا ينضبط , ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر ولا ينضبط ، وقد يتعسَّر أو يتعذر زواله بعد حصوله لو تُفطِّنَ له ، وكل ما كان سبباً إلى مثل هذا الفساد فإن الشارع يُحرِّمه ، كما دلَّت عليه الأصول المقرَّرة ) ( ( ) اقتضاء الصراط ج1/487-488 بتصرف يسير .) .
الوجه الثامن :
( أنَّ المشابهة في الظاهر تُورثُ نوعَ مودَّةٍ ومحبة ، وموالاة في الباطن ، كما أنَّ المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر , وهذا أمرٌ يَشهدُ به الحسُّ والتجربة ، حتَّى إنَّ الرجلين إذا كانا من بلدٍ واحدٍ ، ثم اجتمعا في دارِ غُربة ، كان بينهما من المودة والائتلاف أمرٌ عظيمٌ ، وإنْ كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين ، أو كانا متهاجرين ...(1/36)
وكذلك تجدُ أرباب الصناعات الدنيوية يألفُ بعضهم بعضاً ما لا يألفون غيرهم .. وكذلك الملوك والرؤساء وإنْ تباعدت ديارُهم وممالكهم .. إلا أنْ يمنع من ذلك دِينٌ أو غَرَضٌ خاصٌّ , فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تُورث المحبة والموالاة لهم ، فكيف بالمشابهة في أمور دينية ؟ فإنَّ إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد ، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان , قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ #"uچ"|ء¨Z9$#ur أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ tûüدJد="©à9$# (51) "uژyIsù الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ ضعuچ¨B ڑcqممحچ"|،ç" ِNخkژدù يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ $sYt7 إءè? ×ouچح!#yٹ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ z'دAù'tƒ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ ¾دnد‰Yدم فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي ِNخkإ¦àےRr& نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ (#ûqمZtB#uن أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ ِNخkب]"yJ÷ƒr& ِNهk®Xخ) لَمَعَكُمْ ôMsـخ6xm أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) } ( ( ) الآيات 51-53 من سورة المائدة .) , وقال تعالى فيما يذمُّ به أهل الكتاب : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ ûسة_t/ ں@ƒدن¨uژَ خ) عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ y7د9¨sŒ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ 9چx6Y-B فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) 3"uچs? #[ژچدVں2 مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ tbrà$ح#"yz (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ؤcسة<¨Y9$#ur وَمَا tAح"Ré& إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ(1/37)
#[ژچدVں2 مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) } ( ( ) الآيات 78-81 من سورة المائدة .) , فبيَّن سبحانه وتعالى أنَّ الإيمانَ بالله والنبيِّ صلى الله عليه وسلم وما أُنزل إليه مُستلزمٌ لعدم ولايتهم ، فثبوتُ ولايتهم يُوجبُ عدمَ الإيمان , لأنَّ عدمَ اللازم يقتضي عدم الملزوم , وقال سبحانه وتعالى : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ حچ½zFy$# يُوَادُّونَ مَنْ ¨ٹ!$xm اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ (#ûqçR%ں2 آَبَاءَهُمْ أَوْ ِNèduن!$sYِ/r& أَوْ َOكgtR¨uq÷zخ) أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي مNخkح5qè=è% الْإِيمَانَ Nèdy‰ƒr&ur بِرُوحٍ مِنْهُ َOكgè=½zô‰مƒur جَنَّاتٍ "حچّgrB مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ tûïد$ح#"yz فِيهَا zسإجu' اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ tbqكsد=ّےçRùQ$# (22) } ( ( ) الآية 22 من سورة المجادلة .) , فأخبر سبحانه أنه لا يُوجدُ مؤمنٌ يُوادُّ كافراً ، فمن وادَّ الكفار فليس بمؤمن ، والمشابهةُ الظاهرةُ مَظنةُ الموادَّة ، فتكونُ محرمة ، كما تقدَّم تقرير مثل ذلك , واعلم : أنَّ وجوه الفساد في مشابهتهم كثيرةٌ ، فلنقتصر على ما نبهنا عليه ) ( ( ) اقتضاء الصراط المستقيم ج1/488-490 بتصرف يسير .) .
الوجه التاسع :
إنفاق كثير من الأموال , والجهود , وإضاعة الأوقات في سبيل هذه الأعياد , والمهرجانات الْمُحدَثة الْمُحرَّمة .
إلى غير ذلك من الوجوه .
فَمِمَّا تقدَّم يَتبيَّنُ لِمَنْ أرادَ الله هدايتَهُ أنَّ مشابهة الكفار على وجه العموم ، أو الخصوص - في أعيادهم - حرامٌ ومنافٍ للإيمان ، دلَّ على ذلك الكتاب , والسنة , والإجماع , والآثار , والاعتبار ، التي تقدَّم ذكر بعضها .(1/38)
فحذارِ ثُمَّ حذارِ أخي المسلم : من مشابهة أهل الكتاب وغيرهم ، في العادات , والتقاليد , والعبادات ، ظاهراً وباطناً , لأنَّهُ مَنْ تشبَّه بقومٍ فَهُوَ منهم .
وعليك أيضاً :
النصح والإرشاد بالتي هي أحسن لِمَنْ رأيتَهُ يُقلِّدهم ويتشبَّه بهم ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( الدينُ النصيحة , قلنا : لِمَنْ ، قال : لله , ولكتابه , ولرسوله , ولأئمةِ المسلمينَ , وعامَّتهم ) ( ( ) رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى ح196 باب : بيان أنَّ الدين النصيحة .) .
فلعلَّك تكون سبباً في أن يترك المتشبِّه مشابهتهم فينالك من الله الأجر والمثوبة ، لاسيما وأنَّ الذي يغلب على الظن : أنَّ أغلب الْمُقلِّدين لهم ليسَ عن اعتقاد ، وإنما هو مجرد تقليد أعمى ، يفعله عوام الناس وجهَّالهم .
فالواجبُ على الإنسان المسلم أن يبدأ بنفسه ومن تحت يده ، فيترك كل ما فيه مشابهة للكفار وغيرهم ، فالله سبحانه وتعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا (#ûqè% أَنْفُسَكُمْ ِ/ن3د=÷dr&ur نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ نou'$yfدtù:$#ur عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا ِNèduچtBr& وَيَفْعَلُونَ مَا tbrقگsD÷sمƒ (6) } ( ( ) الآية رقم 6 من سورة التحريم .) .
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ عبدٍ يسترعيه اللهُ رعيةً فلَمْ يُحِطْهَا بِنُصْحِهِ ، إلاَّ لَمْ يَجدْ رائحةَ الجنة ) ( ( ) رواه الإمام البخاري ح6731 باب : من استُرعي رعية فلم ينصح .) .(1/39)
وقال صلى الله عليه وسلم : ( كلُّكم راعٍ , وكلُّكم مسؤولٌ عنْ رعيَّته ، والإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عَنْ رعيَّته ، والرجلُ راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيَّته .. ) ( ( ) رواه الإمام البخاري ح853 باب : الجمعة في القرى والمدن , ومسلم ح1828 باب : فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر ، والحث على الرفق بالرعية ، والنهي عن إدخال المشقة عليهم .) .
وعليك بتوجيه ونصيحة من ابتُليَ بتقليدهم , فإنَّ تقليدهم ومشابهتهم من المنكر الذي يجب تغييره ، على حسب طاقة الإنسان وقدرته ، فإما أن يغيره بيده ، فإن لَمْ يستطع فبلسانه ، فإن لَمْ يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان .
وواجبُ الحكام والعلماء وطلاب العلم أكبر من واجب غيرهم ، في إنكار هذا المنكر وغيره , لقدرتهم على ذلك ، فالحكام بسلطانهم ، والعلماء بعلمهم .
فإذا اجتمع السلطان والعلم كان الجهد أكبر ، والفائدة أكثر في قمع البدعة وإظهار السنَّة , والشواهد على ذلك من التاريخ كثيرة .
وقد روي عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا : ( إنَّ اللهَ يَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن ) ( ( ) تاريخ بغداد ج4/107 , الجد الحثيث ح57 ص60 للعامري ت1143هـ , البداية والنهاية ج2/10 لابن كثير .) .
قال ابن كثير رحمه الله : ( أي : ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ما لا يمتنع كثير من الناس بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد , وهذا هو الواقع ) ( ( ) تفسير ابن كثير ج3/60 .) .
وقال الإمام عبدالله بن المبارك رحمه الله تعالى :
( اللهُ يدفعُ بالسلطان معضلةً عن ديننا رحمةً منه ودنيانا
لولا الشريعةُ لَمْ تَأمَنْ لنا سُبُلٌ وكان أضعفُنَا نَهْباً لأقوانا ) ( ( ) ذكره بهاء الدين الكندي في كتابه : السلوك في طبقات العلماء والملوك ج1/64 .) .(1/40)
قال ابن النحاس رحمه الله تعالى : ( واعلم أنَّ أقبح البدع وأشنعها موافقة المسلمين للنصارى في أعيادهم بالتشبه بهم .. وفي ذلك من الوَهَن في الدين , وتكثير سواد النصارى والتشبُّه بهم ما لا يخفى .. فالواجب على كل قادر أن يُنكر على أهل الذمة التظاهر بأعيادهم ومواسمهم , ويمنع من أراد من المسلمين التشبه بهم في شيء من أفعالهم ومأكلهم وملابسهم ومخالطتهم فيها , ومن يضلل الله فلا هادي له , وهو على كل شيء قدير ) ( ( ) تنبيه الغافلين لابن النحاس ص307-310 .) .
فصلٌ
متى بدأ الابتداع في الأعياد في الأمة الإسلامية
لم تبدأ إلاَّ بعد القرون الثلاثة المفضلة , وأظهرَ الدخولَ في الإسلام بعض المنافقين , فحاولوا إظهار بعض شعارات دياناتهم السابقة , عن طريق بعض سلاطين المسلمين , ويتجلَّى ذلك واضحاً في القرن الرابع الهجري , حيث انتشرت فيه أعياد الكفار والمشركين في ظل الدولة الرافضية الفاطمية ( ( ) بدأت هذه الدولة بدخول المعز محمد بن إسماعيل القاهرة سنة 362هـ , وانتهت بوفاة العاضد سنة 567هـ , وهي دولة رافضية باطنية , تنتسب زوراً وبهتاناً إلى أحد أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه , وظاهرهم الرفض , وباطنهم الكفر المحض , ويشهد عليهم علماء الأمة وأئمتها وجماهيرها بأنهم كانوا منافقين زنادقة , يُظهرون الإسلام ويُبطنون الكفر .
( يُنظر : الفرق بين الفرق ص272 , ومجموع الفتاوى ج35/120 , والبداية والنهاية ج11/291-369 , ووفيات الأعيان ج3/117-118 ) . ) وذكر مؤرخ الدولة العبيدية : المقريزي ستة وعشرين عيداً للدولة العبيدية , ومِنْ أشهرها :
الاحتفال برأس السنة الهجرية :(1/41)
في أول ليلةٍ في شهرِ مُحرَّم من كلِّ عام ( ( ) الخطط والآثار للمقريزي ج1/490 .) , وعيد رأس السنة : أَحَدُ أعياد اليهود ( ( ) يُنظر : تاريخ الإسرائيليين لشاهين بك مكاريوس ص101 , والإصحاح 10 , الفقرة 10 , وسفر المزامير الإصحاح 1 , الفقرة 1-3 , والخطط للمقريزي ج2/473-479 , وتاريخ اليعقوبي الشيعي ج1/66 .) .
ومنها : الاحتفال بأول العام :
ويعظمون فيه رؤسائهم ( ( ) الخطط للمقريزي ج10/490 .) , وهو أحد أعياد العرب بالجاهلية , وأحد أعياد المجوس ( ( ) عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات للقزويني ص44-52 .) .
ومنها : الاحتفال بعيدي النيروز , والْمهرجان :
فتُعطَّل فيه الأسواق والأعمال , ويقلُّ سعي الناس في الطرقات ( ( ) الخطط للمقريزي ج1/490-493 .) , وهما أيضاً : من أعظم أعياد المجوس ( ( ) تاريخ اليعقوبي الشيعي ج1/174 , وبلوغ الأرب للألوسي ج1/348 ومروج الذهب للمسعودي الشيعي ج2/217 , والآثار الباقية للبيروني ص215-218 , ونخبة الدهر للأنصاري ص277-278 , وصبح الأعشى للقلقشندي ج2/418-419 .) , ومن أعياد العرب في الجاهلية ( ( ) الفتح الرباني لترتيب المسند للساعاتي ج6/119 , وعون المعبود ج3/485 , وفيض القدير ج4/511 , ومرقاة المفاتيح ج3/490 .) .
ومنها : الاحتفال بميلاد المسيح :
فتُوزَّع فيه الهدايا والحلوى والسمك والشموع , وتوقد فيه الشوارع ( ( ) الخطط للمقريزي ج1/265-495 .) , وهو من أعياد النصارى , والمعروف بالكرسمس ( ( ) الإصحاح 2 ص52 , الفقرة 1-2-3 , وإنجيل لوقا الإصحاح 6 , الفقرة 13 , وتفسير الأناجيل المقدسة ج2/279 , والنصرانية والإسلام للطهطاوي ص236 .) .
ومنها : الاحتفال بعيد الغطاس :(1/42)
فتُنصبُ الخيام على السواحل , وتوقد الشموع , ويحضر المغنون والملهُّون , وتُشرب الخمور , وينزلون في البحر , وتُزاد فيه النفقةُ على الأولاد , وإدخال السرور عليهم ( ( ) الخطط للمقريزي ج1/265-266 , ومروج الذهب للمسعودي ج1/357 , والمدخل لابن الحاج ج2/59 , وتنبيه الغافلين لابن النحاس ص309 , والأمر بالإتباع للسيوطي ص69 .) , وَهُوَ من أعياد النصارى ( ( ) تفسير الأناجيل المقدسة ج2/296-297 , والآثار الباقية للبيروني ص293 , وصبح الأعشى للقلقشندي ج2/426 , والخطط للمقريزي ج1/265 , وبلوغ الأرب للألوسي ج1/258 , والإصحاح 1 , الفقرة 9-10 , والإصحاح 3 , الفقرة 11 , وسفر إنجيل يوحنا 1 , الفقرة 18-34 .) .
ومنها : الاحتفال بيومي السبت والأحد :
وهما عيدا اليهود ( ( ) فيحرم فيه العمل لديهم , بل جزاء العامل يوم السبت القتل , يُنظر : سفر الخروج الإصحاح 20 , الفقرة 8-12 , وسفر التكوين الإصحاح 2 , الفقرة 1-3 , وسفر العدد الإصحاح 15 , الفقرة 32 , وسفر نحميا الإصحاح 9 , الفقرة 14 , وسفر التثنية الإصحاح 5 , الفقرة 12-24 .) والنصارى ( ( ) الوصايا الإلهية العشر للأنبا يوحنا نوير 53-61 , وتفسير الأناجيل المقدسة التي تُقرأ في أيام الأحاد والأعياد , للأب لويس برسوم الفرنسيسكاني .) , فيُعطِّلُونَ فيه الأعمالَ الحكومية والأهلية , والمحلاَّت التجارية , تشبُّهاً باليهود , مُخالفين هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , حيثُ كان يتعمَّدُ مُحالفتهم بصومهما , فعن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت : ( كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصومُ يومَ السبت ويومَ الأحد أكثرَ مِمَّا يصومُ من الأيامِ , ويقول : إنهما عيدَا المشركين , فأنا أُحِبُّ أنْ أُخالِفَهم ) ( ( ) تقدَّم تخريجه .) .
ومنها : الاحتفال باليوبيل الفضي واليوبيل الذهبي :(1/43)
فاليوبيل الفضي بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على تولِّي الحاكم , أو إنشاء دولة , أو مؤسسة , أو نادي رياضي ... إلخ , واليوبيل الذهبي بمناسبة مرور خمسين عاماً .. أو مائة عام , أو خمسمائة عام وهكذا ( ( ) الديارات لأبي الندماء الشابشتي ص93 . ) , وهو من أعياد اليهود , فيُعطِّلُون زراعة الأرض التي يَمُرُّ عليها (49) سنة , وتكون السنة خمسون يوبيلاً , فيحتفلون بذلك ( ( ) تاريخ الإسرائيليين ص101 , الإصحاح 5 , الفقرة 8-12 , والآثار الباقية للبيروني ص281 , والخطط للمقريزي ج2/474-479 .) , إلى غير ذلك من الأعياد التي أحدثتها الدولة العبيدية الرافضية في الأمة الإسلامية , والتي ما زالت إلى اليوم .
فصلٌ
بعض الأعياد اليهودية والنصرانية
والتي يُنادي بها بعض الجهلة في العالم الإسلامي
عيد الأم :
يحتفل به النصارى في 21 مارس من كل عام , فتُقدَّمُ فيه التهاني والزهور للأم , والأصل في إحداث النصارى له : أنَّ عيسى - صلى الله عليه وسلم - له أمٌّ فقط ولا أبَ له .
وقيل : بسبب انتشار العقوق فيهم , فيبُرُّون أمهاتهم بالمراسلات والهدايا في ذلك اليوم , ثمَّ يعودون إلى عقوقهم حتى ذلك اليوم في السنة القادمة وهكذا ( ( ) يُنظر : العقلية الإسلامية وفكرة المولد , لعلي بن محمد العيسى ص125-126 .) , فدَعَى من تشرَّب بحبِّ النصارى , أو مَنْ كَثُرَ عقوقُهُ لأُمِّه بالاقتداء بالنصارى في إحياء الاحتفال بعيد الأم في المسلمين .
وقد سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : ( في أي يومٍ بالضبط يحتفل المسلمون بعيد الأم , وهل حقيقة أنه يوم ازدادت فاطمة الزهراء ؟ .
الجواب :(1/44)
لا يجوزُ الاحتفال بما يُسمَّى عيد الأم ولا نحوه مِن الأعياد الْمُبتدَعة , لقوله صلى الله عليه وسلَّم : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً ليسَ عليه أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ( ( ) تقدَّم تخريجه .) , وليس الاحتفالُ بعيد الأُمِّ مِن عَمَلِه صلى الله عليه وسلَّم , ولا مِن عمل أصحابه رضي الله عنهم , ولا مِن عَمَلِ سَلَف الأُمَّة , وإنما هو بدعةٌ وتشبُّهٌ بالكفار , وبالله التوفيق ) ( ( ) الفتوى رقم 7912 مجلَّة البحوث ج38/94 , فتاوى اللجنة الدائمة ج3/85-86 .) .
عيدُ الْميلاد :
الاحتفالُ في يوم مَولد الْمُحتَفِلِ أو الْمُحتَفَلِ لَهُ كلَّ عام , وذلك بتجهيزات خاصة كحلوى الميلاد , تعلوها الشموع المضاءة على حسب عدد سنوات عمر المحتفِل , وترديد كلمات أجنبية , وسبَبُ إحداث هذا العيد لدى النصارى : التفكك الاجتماعي والأُسريِّ , وضياع القيم الدينية , والانهماك بالدنيا , فأحدثوا هذا العيد لإظهار المودَّة والاجتماع الذي تفكك ( ( ) المصدر السابق ص128 , وقاموس العادات والتقاليد لأحمد أمين ص252 .) .
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : ( لا يجوزُ إقامة عيدِ ميلادٍ لأحدٍ , لأنه بدعةٌ , وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه قال : مَن أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فَهُوَ رَدٌّ ( ( ) تقدَّم تخريجه .) , ولأنه تشبُّهٌ بالكفار في عَمَلِهم , وقد قال عليه الصلاة والسلام : مَنْ تَشَبَّهَ يقومٍ فَهُوَ منهم ( ( ) تقدَّم تخريجه .) , وبالله التوفيق ) ( ( ) الفتوى رقم 5289 مجلة البحوث ج38/93 , فتاوى اللجنة الدائمة ج3/84 .) .
وسُئلت اللجنة الدائمة أيضاً السؤال التالي : ( الاحتفالات بالأعياد الدينية مثل : مولد النبي صلى الله عليه وسلم , والنصف من شعبان .. الخ , حسَبَ المناسبات , هل ذلك جائز ؟ .
الجواب : أولاً : الاحتفال بالأعياد البدعية لا يجوز .(1/45)
ثانياً : في السنة عيدان : عيد الأضحى وعيد الفطر , ويُشرعُ في كلٍّ منهما إظهار الفَرَحِ والسرور , وفعل ما شرعه الله سبحانه فيها من الصلاة وغيرها .
ثالثاً : لا يجوزُ أن يُقام احتفال بمولد النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم ولا لمولد غيره , لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلَّم لَمْ يفعل ذلك , ولَمْ يشرعه لأمته , وهكذا أصحابه رضي الله عنهم لَمْ يفعلوه , وهكذا سلفُ الأمة مِن بعدهم في القرون المفضَّلَة لَمْ يفعلوه , والخير كلُّه في اتباعهم .
رابعاً : الاحتفال بليلة النصف من شعبان بدعة , وهكذا الاحتفال بليلة سبع وعشرين من رجب التي يُسمِّيها بعض الناس بليلة الإسراء والمعراج كما تقدَّم في الفقرة الثانية , والله المستعان ) ( ( ) الفتوى رقم 5738 مجلة البحوث ج38/91 , فتاوى اللجنة الدائمة ج3/82-83 .) .
الاحتفالُ برأس القرن الهجري :
ولقد احتفلت بعض البلاد الإسلامية بمناسبة بداية القرن الخامس عشر الهجري ، وأُقيمت المحافل الخطابية ، وتبادل بعضهم التهاني بهذه المناسبة ، وهذا أمرٌ مُحدَثٌ مُبتدَعٌ ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الإحداث في الدين , فهذا منهي عن الاحتفال به قياساً على الاحتفال برأس السنة , وسبقَ أنْ عرفنا أنَّ عيد رأس السنة مِنْ أعياد اليهود ، وقلَّدهم فيه النصارى ، والتشبُّه بالكفار قد نهى عنه الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ، والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته المطهَّرة , ولَمْ يُؤثر عن السلف الصالح من التابعين وتابعيهم ، وعلماء الأمة المشهورين كالأئمة الأربعة وغيرهم ، ولا مَنْ جاء بعدهم : أنه احتفل برأس القرن الهجري , وما دام الأصلُ منهيٌّ عنه ، فكذلك يكون الفرع ، فيكونُ الاحتفال برأس القرن الهجري من الأمور المنهي عنها , لأنَّ الاحتفال به فيه مشابهة لأهل الكتاب .
عيدُ النساء , أو عيدُ المرأة :(1/46)
مِنْ أعياد الْمَجُوس , يَجُودُ فيه الرِّجالُ على النساء بالهدايا والاحترام ( ( ) الآثار الباقية للبيروني ص229 .) .
عيدُ الجلوس :
قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى : ( عيد الجلوس هو من طرائق اليهود والنصارى ، فإنَّ الأعيادَ كلها من باب العبادة ، فإنَّ تعظيم الزمان والأعياد المكانية مَا لأهلِ الإسلام إلاَّ المساجد الثلاثة , وما يتبع المسجد الحرام من المشاعر ، وغيره لا أبداً ) ( ( ) مجموع فتاوى سماحته ج3/106 , ويُنظر : فتوى لسماحته مع الشيخ محمد بن عبد اللطيف , والشيخ صالح بن عبد العزيز في هذا الموضوع في الدرر السنية ج4/239 .) .
وقال رحمه الله : ( من محمد بن إبراهيم إلى حضرة فضيلة الشيخ محمد البيز , رئيس محكمة الطائف , السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فقد نشَرَت جريدةُ البلاد في عددها رقم -240- الصادر يوم الجمعة الموافق -12- الجاري : أنَّ المشايخ توافدوا إلى قصر الحكم في الرياض لتهنئة جلالة الملك بيوم ذكرى جلوسه , ونقولُ : إنَّ هذا غَلَطٌ ، فإننا وإخواننا المشايخ لا نرَى ذلكَ سائغاً ، فَضْلاً عَنْ أنْ نُهَنِّئ الْمَلِكَ به ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ( الختم ) ( ص ـ م ـ 1290 في 28/5/1375هـ ) ( ( ) مجموع فتاوى سماحته ج3/106 .) .
العيدُ الوطني :
قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى عن اليوم الوطني : ( أما بعد : فإنَّ تخصيص يوم من أيام السنة بِخِصِّيصةٍ دون غيره من الأيام يكونُ به ذلك اليوم عيداً ، علاوة على ذلك أنه بدعةٌ في نفسه ومحرَّمٌ , وَشَرْع دِينٍ لَمْ يَأذَنْ به الله ، والواقعُ أصدقُ شاهد ، وشهادةُ الشرع الْمُطَهَّرِ فوقَ ذلك وأصدق ، إذ العيد : اسمٌ لِما يعودُ مجيؤه ويتكرَّرُ سواءً كان عائداً بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع , كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .(1/47)
ولَمَّا كان للنفوس من الوَلَعِ بالعيد ما لا يَخفى , لا يُوجد طائفةٌ من الناس إلاَّ ولَهُم عيدٌ أو أعيادٌ يُظهرون فيه السرورَ والفَرَح , ومُتطَلَّبات النفوس شَرْعَاً وطَبْعَاً مِن عباداتٍ وغيرها .. وقد منَّ الله على المسلمين بما شرَعَهُ لَهُم على لسان نبيِّه الأمين صلى الله عليه وسلم من العيدين الإسلاميين العظيمين الشريفين الْذَيْنِ يفوقان أيَّ عيدٍ كان ، وهما : عيدُ الفطر , وعيدُ الأضحى , ولا عيد للمسلمين سَنَوِيَّاً سِواهُما ، وكلُّ واحدٍ من هذين العيدين شُرعَ شُكراً لله تعالى على أداءِ رُكْنٍ عظيمٍ مِن أركان الإسلام .(1/48)
فعيدُ الفطر أَوجبه الله تعالى على المسلمين وشَرَعَهُ ومنَّ به عليهم شُكراً لله تعالى على توفيقه إيَّاهم لإكمال صيام رمضان , وما شَرَعَ فيه من قيام ليلِهِ , وغير ذلك من القُرُبات والطاعات المنقسمة إلى فرضٍ : كالصلاة , وصدقة الفطر , وإلى مندوبٍ : وهو ما سِوَى ذلك من القُرُبات المشروعة فيه ، وللجميعِ مِن المزايا ومزيدِ المثوبة ما لا يعلمه إلا الله تعالى , وعيدُ الأضحى شُرع شُكراً لله تعالى على أداءِ رُكْنٍ آخرَ مِنْ أركان الإسلام , وهو حَجُّ بيتِ الله الحرام ، وقد فَرَضَ الله فيه صلاةَ العيد ، وشَرَعَ فيه وفي أيام التشريق ذبح القرابين من الضحايا والهدايا التي المقصودُ منها طاعةُ الله تعالى , والإحسان إلى النفس والأهل بالأكل والتوَسُّع والهديَّة للجيران والصدقة على المساكين ، وشَرَعَ فيه وفي أيام التشريق وفي عيد الفطر من التكبير والتهليل والتحميد ما لا يَخفى ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام , وهي أيام أكل وشرب ( ( ) تقدَّم تخريجه .) , وفي حديث آخر زيادة وذكر لله تعالى ( ( ) رواه الأئمة مالك ح838 , وأحمد ح20742 , وأبو داود ح2813 باب في حبس لحوم الأضاحي , والنسائي ح4230 باب تفسير العتيرة , وغيرهم .) , كما مَنَّ تعالى بشرعه إظهار السرور والفرح , والبروز بأحسن مظهر وأكمل نظافة , والامبساط والفراغ في ذلك اليوم , والتهاني بذلك العيد , والراحة من الأعمال توفيراً للسرور والأنس وغير ذلك , وكل ذلك يدخل في مُسمَّى العيد , حتى أَذن فيه بتعاطي شيء من اللعب المباح في حقِّ مَنْ لَهُم مَيْلٌ إليه , كالجويريات والحبشة الذينَ لَهُم مِنَ الوَلَعِ باللَعِبِ مَا لَيسَ لغيرهم , كما أقرَّ فيه صلى الله عليه وسلم الجويريتين على الغناء المباح بين يديه صلى الله عليه وسلم ( ( ) روى مسلم ح892 باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد : ( عن(1/49)
عروة عن عائشة : أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتضربان , ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه فانتهرهما أبو بكر , فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وقال : دعهما يا أبا بكر , فإنها أيام عيد ) . ) , وأقرَّ الْحَبَشَةَ على اللعب بالدرق والحراب في المسجد يوم العيد ( ( ) روى البخاري ح443 باب أصحاب الحراب في المسجد , ومسلم واللفظ له ح892 باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد : عن عروة بن الزبير قال : قالت عائشة : ( والله لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي , والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم , ثُمَّ يقومُ من أجلي حتَّى أكونَ أنا التي أَنصرفُ , فاقدروا قدرَ الجارية الحديثة السنِّ , حريصة على اللهو ) .) ، وبذلك يُعرف : أنَّ المسلمين لَمْ يخلوا بحمد الله في السنة مِن عيد ، بل شُرع لهم عيدان اثنان ، اشتملَ كلُّ واحدٍ من العيدين من العبادات والعادات من الفرح والامبساط ومظهر مزيد التآلف والتوادِّ والتهاني به بينهم , ودُعاء بعضهم لبعضٍ على ما لَمْ يشتمل عليه سواهما من الأعياد .
وتعيين يوم ثالث من السنة للمسلمين فيه عدة محاذير شرعية :
أحدها : المضاهات بذلك للأعياد الشرعية .
المحذور الثاني : أنه مُشابَهةٌ للكفار من أهل الكتاب وغيرهم في إحداث أعيادٍ لَمْ تكن مشروعة أصلاً ، وتحريم ذلك معلومٌ بالبراهين والأدلَّة القاطعة من الكتاب والسنة ، وليسَ تحريم ذلك من باب التحريم المجرَّد ، بل هو من باب تحريم البِدَع في الدين ، وتحريمِ شَرْعِ دِينٍ لَمْ يأذن به الله , كما يأتي إن شاء الله بأوضح من هذا ، وهو أغلظُ وأفضعُ مِن الْمُحرَّمات الشهوانية ونحوها .(1/50)
وقد ألَّف شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية قدس الله روحه ونوَّر ضريحه في تحريم مشابهة الكفار ولا سيما في أعيادهم سفراً ضخماً سَمَّاه : اقتضاء الصراط المستقيم ، في مخالفة أصحاب الجحيم , ذَكَرَ فيه تحريم مشابهة الكفار بالأدلة من الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والآثار ، والاعتبار ، فذكرَ من الآيات القرآنية ما يَنيفُ على ثلاثين آية ، وقرَّر بعد كلِّ آيةٍ وجه دلالتها على ذلك , ثُمَّ ذكرَ من الأحاديث النبوية الدالة على تحريم مشابهة أهل الكتاب ما يُقارب مائة حديث ، وأعقبَ كلَّ حديث بذكر وجه دلالته على ذلك ، ثُمَّ ذكرَ الإجماع على التحريم ، ثُمَّ ذكرَ الآثار , ثُمَّ ذكرَ من الاعتبار ما في بعضه الكفاية ، فَمَا أجلَّ هذا الكتاب وأكبرَ فائدته في هذا الباب .
المحذور الثالث : أنَّ ذلك اليوم الذي عُيِّنَ للوطن الذي هو أولُ يوم من الميزان , هو يوم الْمَهْرَجان الذي هو عيد الفرس المجوس ، فيكونُ تعيينُ هذا اليوم وتعظيمُه تَشَبُّهاً خاصَّاً ، وهو أبلغُ في التحريم من التشبُّهِ العام .(1/51)
المحذور الرابع : أنَّ في ذلك من التعريجِ على السَّنَةِ الشمسية وإيثارِها على السَّنَةِ القَمَرية التي أَوَّلُهَا الْمُحَرَّم ما لا يَخفى ، ولو سَاغَ ذلك - وليس بسائغٍ البتة - لكانَ أولُ يومٍ من السنة القمرية أولَى بذلك ، وهذا عدولٌ عَمَّا عليه العربُ في جاهليتها وإسلامها ، ولا يَخفى أنَّ الْمُعتبر في الشريعة المحمديَّة بالنسبة إلى عباداتِها وأحكامها المفتقِرة إلى عَدَدِ وحسابٍ مِنْ عبادات وغيرها هي الأشهرُ القمرية ، قال تعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً uچyJs)ّ9$#ur نُورًا وَقَدَّرَهُ tAخ-$sYtB لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ y7د9¨sŒ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ tbqكJn=÷ètƒ (5) } ( ( ) الآية 5 من سورة يونس .) , وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما : إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب , الشهر هكذا وهكذا وهكذا ، وعقد الإبهام في الثالثة , ثم قال : الشهر هكذا وهكذا وهكذا , يعني : تمام الثلاثين , يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين ( ( ) رواه البخاري ح1809 باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم الهلال فصوموا , وإذا رأيتموه فأفطروا , وح1814 باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا نكتب ولا نحسب , ومسلم ح1080 باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال , والفطر لرؤية الهلال , وأنه إذا غُمَّ في أوله أو آخره أُكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً .) , فَوَقَّتَ العبادات بالأشهر القمرية من الصيام والحج وغير ذلك كالعدد ، وفضلَّ الله الأزمنة بعضها على بعض باعتبار الأشهر القمرية .(1/52)
المحذور الخامس : أنَّ ذلك شَرْعُ دِينٍ لَمْ يأذن به الله ، فإنَّ جنس العيدِ الأصلُ فيه أنه عبادةٌ وقُربةٌ إلى الله تعالى ، مَعَ ما اشتمل عليه مما تقدَّم ذكره ، وقد قال تعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } ( ( ) الآية 21 من سورة الشورى .) .
وأَنَا أذكرُ إنْ شاءَ الله أُنموذجاً مما استدلَّ به شيخ الإسلام رحمه الله في هذا الباب من الأصول الخمسة التي تقدَّمت الإشارةُ إليها ، إقامةً للحُجَّة ، وإيضاحاً للمَحَجَّة ، وبراءةً للذِّمَّة ، ونُصْحَاً لإمامِ المسلمين ولجميعِ الأُمَّة ، ثُمَّ أَنقلُ بعدُ مواضعَ مُفرَّقةً من كتابه المذكور ، ثُمَّ أذكرُ بعدَ ذلك خاتمةً دَعَت إلى ذكرها الضرورة .. ) إلى آخر ما ذكر سماحته رحمه الله تعالى .
ثُمَّ خَتَمَ سماحته بقوله :
( وأمَّا الخاتمة : فقد جاءَ الكتاب , والسنة , والإجماع , بوجوب طاعةِ الله ورسوله صلى الله عليه وسلَّم ، والرَّدِّ عندَ التنازع إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلَّم ، وتحريمِ الخروج عن سبيل المؤمنين ، وتحريمِ طاعة العلماءِ والعُبَّادِ والأُمراءِ في معصية الله ، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ (#ûqمYtB#uن أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ ÷Lنêôمu""uZs? فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ حچ½zFy$# y7د9¨sŒ ضژِچyz وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) } ( ( ) الآية 59 من سورة النساء .) , وقال تعالى : { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ¾د&دk!uqçR مَا تَوَلَّى ¾د&ح#َءçRur جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ #¶ژچإءtB (115) } ( ( ) الآية 115 من سورة النساء .) .(1/53)
وفي الصحيحين عن عليٍّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : لا طاعةَ في معصية , إنَّما الطاعةُ في المعروف ( ( ) رواه البخاري ح6830 باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام , وقول الله تعالى : { فَلَوْلَا uچxےtR مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ ×pxےح!$sغ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا (#ûqمèy_u' ِNخkِژs9خ) لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) } ويُسمَّى الرجلُ طائفة لقوله تعالى : { وَإِنْ بb$tGxےح!$sغ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا } فلو اقتتلَ رجُلان دَخَلَ في معنى الآية , وقوله تعالى : { إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ (#ûqمY¨ t6tGsù } , وكيف بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمراءه واحداً بعد واحدٍ , فإنْ سَهَا أحدٌ منهم رُدَّ إلى السنة , ومسلم ح1840 باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية .) , والآيات والأحاديث في هذا الباب أكثرُ مِنْ أنْ تُستقصى , فإنه لا طاعةَ لِمخلوقٍ في خِلاف مَا أَمَرَ اللهُ به ورسوله صلى الله عليه وسلَّم سواء كان من العلماء أو الأمراء والعُبَّاد .(1/54)
قال شيخ الإسلام إمامُ الدعوة قدَّس اللهُ روحه في : كتاب التوحيد , ما نصه : بابُ من أطاعَ العلماءَ والأمراءَ في تحريم ما أحلَّ الله , أو تحليل ما حرَّم الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله : وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يُوشكُ أن تَنزلَ عليكم حجارةٌ من السماء ، أقولُ : قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولونَ : قالَ أبو بكرٍ وعمر ؟! ( ( ) ذكره بهذا اللفظ واحتجَّ به الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين ج2/238 , ومعناه ثابت في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ح3121 , وابن عبد البر في جامع بيان العلم ج2/196 , والمقدسي في الأحاديث المختارة ح357 , وحسنه ابن مفلح في الآداب الشرعية ج2/74 , والهيثمي في مجمع الزوائد ج3/234 , وصححه أحمد شاكر , ولفظ الإمام أحمد : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( تمتَّعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم , فقال عروة بن الزبير : نَهى أبو بكر وعمر عن المتعة لِلَّهِ فقال ابن عباس : ما يقول عُرَيَّة , قال : يقول : نَهى أبو بكر وعمر عن المتعة , فقال ابن عباس : أُراهم سَيَهْلِكُون , أقول : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم , ويقول : نهى أبو بكر وعمر لِلَّهِ ) .) ، وقال الإمام أحمد بن حنبل : عجبتُ لقومٍ عرَفوا الإسنادَ وصحَّته ، يذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ ے¾دnحگِDr& أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) } ( ( ) الآية 63 من سورة النور .) أتدري ما الفتنة ؟ الفتنةُ : الشرك ، لعلَّه إذا ردَّ بعض قوله , أن يقع في قلبه شيءٌ من الزيغ فيهلِك ( ( ) ذكر هذا الأثر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه : الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم ج2/116-117 بلفظ : ( وقيل له - أي للإمام أحمد - : إنَّ قوماً يَدَّعون الحديثَ ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره , فقال : أعجبُ لقوم سمعوا(1/55)
الحديثَ , وعرفوا الإسناد وصحته , يَدَعُونَهُ ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره , قال الله : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ ے¾دnحگِDr& أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) } , وتدري ما الفتنة ؟ الكفر , قال الله تعالى : { وَالْفِتْنَةُ مژy9ٍ2r& مِنَ الْقَتْلِ } فيَدَعونَ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي ) وذكره ابن مفلح في الفروع ج6/375 بلفظ مُقارب .(1/56)
وذكر بعض العلماء قريباً من هذا الأثر عن الإمام مالك رحمه الله تعالى , يُنظر : الفقيه والمتفقه للخطيب ج1/379 , واعتقاد أهل السنة للالكائي ج1/144 , وذم الكلام وأهله للهروي ج3/115 , ومواهب الجليل للمغربي ج3/40 , والباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة ص21 . ) ، وعن عديِّ بن حاتم رضي الله عنه : أنه سمعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ هذه الآية : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } ( ( ) الآية رقم 31 من سورة التوبة .) الآية , فقلتُ له : إنا لسنا نعبدهم , قال : أليس يُحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه , ويُحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه , فقلتُ : بلى , قال : فتلك عبادتهم رواه أحمد والترمذي وحسَّنه ( ( ) رواه الترمذي ح3095 باب : ومن سورة التوبة , ولفظه : عن عدي بن حاتم قال : ( أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليبٌ من ذهب , فقال : يا عديُّ اطرَح عنك هذا الوثن , وسمعته يقرأُ في سورة براءة : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } قال : أَمَا إنهم لم يكونوا يَعبدونهم , ولكنهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئاً استحلُّوه , وإذا حرَّموا عليهم شيئاً حرَّموه ) , ورواه أيضاً : البيهقي في الكبرى ح20137 باب : ما يقضي به القاضي ويُفتي به المفتي فإنه غير جائز له أن يُقلِّد أحداً من أهل دهره , ولا أن يحكم أو يُفتي بالاستحسان , قال الله جل ثناؤه : { فَإِنْ ÷Lنêôمu""uZs? فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ حچ½zFy$# } .(1/57)
وحسَّنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان ص64 , واحتجَّ به الإمام ابن عبد البر : على فساد التقليد ( جامع بيان العلم وفضله ج2/109 ) .) ( ( ) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص419-427 .) انتهى , والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم , تحريراً في 19/5/1385هـ ) ( ( ) مجموع فتاوى سماحته ج3/107-121 .) .
فتَبَيَّنَ لنا أخي طالب الحقِّ مِمَّا مَضَى :
أنَّ الاحتفال بما يُسمَّى بالأعياد الوطنية بدعةٌ مُحدثةٌ , فكيف إذا أُضيفَ إليها : تركُ العمل في تلك الأيام , ففي ذلك تشبهٌ بأعياد اليهود والنصارى كعيد الغفران : في اليوم العاشر من الشهر السابع : حيث يَنقطعُ فيه اليهودُ عن العمل , وكذلك بعيدي النيروز والمهرجان ( ( ) الإصحاح 23 , الفقرة 26-27 , والإصحاح 16 , الفقرة 29-30 , الفكر الديني اليهودي لحسن ظاظا ص169 .) .
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى : ( وبلغني أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كانوا يكرهونَ أنْ يَترُكَ الرَّجُلُ العملَ يومَ الْجُمُعَةِ , كما تَرَكَتِ اليهودُ والنصارى العملَ في السبتِ والأحد ) ( ( ) المدونة الكبرى ج1/154 , ويُنظر : اقتضاء الصراط المستقيم ص135 ت/محمد حامد الفقي , وتنوير الحوالك ج1/94 , وشرح الزرقاني ج1/300 , وفيض القدير ج4/430 , وتيسير العزيز الحميد ص320 , والمدخل لابن الحاج ج2/153 .) .
يومُ النظافة :
قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى : ( بلغني أن هناك يوماً في السنة عند الموظفين والمدارس يُسمَّى - يوم النظافة - وقد احتُفلَ به في جدة ، وأُبدي لجلالتكم حفظكم الله : أنَّ تخصيصَ هذا اليوم والاحتفال به أَمرٌ لا يُجيزه الشرعُ حيثُ يكونُ بصفة العيد ، ولا عيدَ لأهل الإسلام غير أعيادهم التي سَنَّها الشرعُ ، ومِا سواها فَحَدَثٌ باطلٌ يَنهى عنه الإسلامُ ويمنعه .(1/58)
أمَّا النظافة فأمرُها معروفٌ ، وهي مطلوبةٌ في كلِّ وقتٍ ، لا تُخَصَّصُ بوقتٍ دونَ وقتٍ . قف . بلغني هذا الخبرُ وعَسَى أنْ لا يكونَ صحيحاً وغَيْرَتُكم للشرعِ وحِمايتكم له تأبَى إقرارَ هذا الشيء وأمثالِه تولاكم الله بتوفيقه , محمد بن إبراهيم ( ص - م - 229 في 16/8/1379هـ ) ( ( ) مجموع فتاوى ورسائل سماحته ج3/121-122 .) .
عيدُ الْحُبِّ :
سُئل سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى السؤال التالي : ( فقد انتشر في الا?ونة الأخيرة الاحتفال بعيد الْحُبِّ - خاصة بين الطالبات - وهو عيدٌ من أعياد النصارى ، ويكون الزَّيُّ كاملاً باللون الأحمر الملبس , والحذاء , ويتبادلن الزهور الحمراء ، نأمل من فضيلتكم بيان حكم الاحتفال بمثل هذا العيد ، وما توجيهكم للمسلمين في مثل هذه الأمور , والله يحفظكم ويرعاكم ؟ .
فأجاب رحمه الله تعالى : ( الاحتفال بعيد الْحُبِّ لا يجوز لوجوه :
الأول : أنه عيدٌ بدعيٌّ لا أساسَ له في الشريعة .
الثاني : أنه يدعو إلى العشق والغرام .
الثالث : أنه يدعو إلى اشتغال القلب بمثل هذه الأمور التافهة المخالفة لهدي السلف الصالح رضي الله عنهم .
فلا يَحِلُّ أنْ يُحدَثَ في هذا اليوم شيء من شعائر العيد سواء كان في المآكل ، أو المشارب ، أو الملابس ، أو التهادي ، أو غير ذلك .
وعلى المسلم أن يكون عزيزاً بدينه , وأن لا يكون إِمَّعَةً يَتَّبِعُ كلَّ ناعقٍ .
أسأل الله تعالى أن يُعيذ المسلمين من كل الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يتولانا بتوليه وتوفيقه .
كتبه محمد الصالح العثيمين في 5/11/1420هـ ) ( ( ) مجموع فتاوى ورسائل سماحته رحمه الله تعالى ج16/199-200 .) .
ومن المنكرات التي أُحدثت في عيدي الفطر والأضحى :(1/59)
ما يُسمَّى بالعَرْضَاتِ الشعبية , يُبتدئ اللعبُ بِها في أولِ يومٍ من أيام العيد , وتستمرُّ ثلاثةَ أيام غالباً , قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى : ( العرضاتُ التي توجد في هذه السنوات أيامَ الأعياد مِمَّا يُنافي العيد ، وهو مِنَ الباطلِ لا مِنَ السرور ، ثُمَّ اتخاذه عيداً لا يجوزُ , كثيراً مَا يَلْتَبِسُ على الناس عَرْضَات العيد ، مَنْ قالَ إنَّ الصحابةَ يَعرِضُون يومَ العيدِ ؟ والْحَبَشَةُ لَهُمْ مَيْلٌ إلى أشياء مُباحةٍ في الأصل مِنْ ناحيةِ القول والعَمَلِ ، أمَّا الأشياءُ التي هي مواسمُ الفَسَادِ وأهلِ الفَسَادِ والاختلاطِ الذي لا يَجوزُ , وتركُ الصلوات بعض الأحيان فإنه سُكْرٌ بِخَمرِ الهوى .
سُكْرُ هَوَىً وسُكْرُ مُدامةٍ فمتَى يُفيقُ مَنْ بهِ سُكْرَانِ ( ( ) يُنظر : فتاوى شيخ الإسلام ج15/425 , تاريخ مدينة دمشق ج36/208 , مدارج السالكين ج3/308 , الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني ص360 , تاج العروس للزبيدي ج12/55 .)
وقد كان في العام الماضي وقبله بعام يأخذ ثلاثة أيام ، وهذا من عادات الجاهلية ، وقد صَدَرَ الأمرُ بتركه في هذه البلاد , وأظنُّ في البلدان التي يكونُ من شأنها ، ولَمْ يكن في نجدٍ قبل .
الحاصلُ : أنَّ هذا أمرٌ جاهليٌ يُبْطَل .. ) ( ( ) مجموع فتاوى سماحته ج3/123-124 .) .
وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى في الفتوى رقم 18093 في 18/8/1416هـ : ( بأنَّ العرضة الشعبية التي تُقام في يوم عيد الفطر بضرب الطبول إلى وقتٍ متأخِّرٍ من الليل , وإنفاقِ الأموالِ فيها عَمَلٌ مُنكرٌ , لا سِيَّما وأنها بعدَ شَهْرِ عبادةٍ عظيمةٍ وهو شهرُ رمضان المبارك ) .(1/60)
وتطوَّر الأمرُ من العرضات الشعبية إلى مهرجاناتٍ غنائية ومسرحيات تُقام في أيام الأعياد , والعُطل الصيفية , تُصرف عليها الأموال , والجهود , والأوقات , ويكثرُ فيها التبَرُّجُ والسفور , ويقعُ في بعضها الاختلاط , وتكثرُ لَها الدِّعايات في الصحف والشوارع , في وقتٍ تدَاعت على المسلمين أُممُ الكفر من كلِّ جانب , واحتُلَّت بعض أقطار المسلمين , وغُيِّرَ بعضُ دينهم , وانتُهكت بعض أعراضهم , ونحنُ في مهرجانات ومسرحيات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .(1/61)
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الفتوى رقم 20856 في 15/3/1420هـ : ( يحرمُ على المسلم إقامة حفلات , أو مهرجانات مشتملة على أمورٍ مُنكرَةٍ كالغناء , والموسيقى , واختلاط الرجال بالنساء , وإحضار السحرة والمشعوذين , للأدلة الشرعية الكثيرة الدالة على تحريم هذه الأمور , وأنها من أسباب الوقوع فيما حرَّم الله من الفواحش والفجور , وقد توعَّد الله عزَّ وجل مَن أحبَّ شيوع الفاحشة بين المؤمنين ودعا إلى ذلك وأعان عليه بالعذاب الأليم فقال سبحانه : { إِن الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا دouچ½zFy$#ur } ( ( ) الآية 19 من سورة النور .) , وإذا تقرَّر أنَّ إقامة هذه الحفلات والمهرجانات مُحرَّمٌ , فحضورها , وبذل الأموال فيها , وتشجيعها , والدعاية لها , كلُّ ذلك مُحرَّمٌ أيضاً , لأنه من إضاعة المال والأوقات فيما لا يُرضي الله سبحانه , ومن التعاون على الإثم والعدوان , والله تعالى يقول : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ بb¨urô‰مèّ9$#ur وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) } ( ( ) الآية رقم 2 من سورة المائدة .) , وفي الحديث المتفق على صحته أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن إضاعة المال ( ( ) روى البخاري ح2277 باب ما ينهى عن إضاعة المال , وقول الله تعالى : { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) } و { لَا كxد=َءمƒ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) } وقال في قوله : { y7è?4qn=|¹r& x8قگكDù's? أَنْ x8مژّI¯R مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي $sYد9¨uqّBr& مَا نَشَاءُ } وقال : { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ مNن3s9¨uqّBr& } والحجر في ذلك وما ينهى عن الخداع .(1/62)
ومسلم ح593 باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة والنهي عن منع وهات وهو الامتناع من أداء حق لزمه أو طلب ما لا يستحقه : عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قالَ : قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الله حرَّم عليكم عُقوقَ الأمهات , وَوَأدَ البنات , ومنعَ وهات , وكره لكم قيلَ وقالَ , وكثرةَ السؤال , وإضاعةَ المال ) .) , وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ) انتهى .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى : ( لا يجوزُ حضور المهرجانات التي يكون فيها أغاني ومغنيين , أو أغاني ومغنيات , أو اختلاط بين الرجال والنساء , وبذل الأموال في الوصول إلى ذلك حرامٌ , لأنَّ ذلك إضاعة للمال وبذلٌ له فيما لا يُرضي الله تعالى , ونسأل الله العافية وأن يعصمنا وإخواننا المسلمين من أسباب سخطه وعقوبته , وأن يجعل ما رزقنا عوناً لنا على طاعته لا على معصيته إنه سميعٌ مجيب ) انتهى .
وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين وفقه الله تعالى : ( .. وعليه يحرمُ إقامة مثل هذه الحفلات الغنائية , وليتقي الله القائمون على ذلك , وليتقي الله أولياء الأمور في أخذ أولادهم وأُسرهم إلى هذه الأماكن , وليعلموا أنهم آثمون بذلك , وسيُسألون غداً عمَّا فعلوه , وليعلموا أنَّ الترفيه والترويح عن النفس يكون في طاعة الله مِن حفظٍ لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , والصيام وزيارة الحرمين والجهاد في سبيل الله , ونشر دين الله والدعوة إليه , وغير ذلك مِن أعمال الخير والبرِّ , كما يحصل ذلك بالترفيه عن النفس بالأمور المباحة كتعلُّم السباحة والرمي وركوب الخيل بالإضافة إلى ركوب البحر .. ) الخ .(1/63)
وقال ابن النحاس رحمه الله تعالى : ( وكلُّ هذه الأفعال بِدَعٌ مُستَهجَنةٌ , وعوائدُ مُستقبحةٌ , وحوادثُ لا يرضاها الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - , ولا أحدٌ عنده غيْرَة على دينه , وفيها مِن تعظيم مواسم أهل الكتاب , وتغبيطهم بدينهم الباطل , والتشبُّه في أفعالهم القبيحة شَرْعاً وعُرفاً ما لا يحتاجُ في تقبيحه إلى دليل , ولا يتوقف فيه إلاَّ مَنْ ضلَّ عن سواء السبيل , وهو مِن أفحش البِدَعِ وأقبحِ المناكير , ومَنْ يُضلِلِ اللهُ فما لَهُ مِنْ هاد ) ( ( ) تنبيه الغافلين لابن النحاس ص309 .) .
وقال العلامة الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد وفقه الله تعالى : ( ومِنَ المعلوم أنه يَجبُ على مَنْ نَهى عن الاحتفالات البدعية , ومنها : الاحتفال بعيد مولد النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم , والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج , والاحتفال بليلة النصف من شعبان , والاحتفال برأس العام الهجري والميلادي , والاحتفال برأس القرن الهجري وغيرها من الأعياد الْمُبتدَعة لدى العالم الإسلامي , والتِي أدخلَها الْمُضلِّلُون , يجبُ على الناهين عن هذه الأعياد البدعية , وجوباً أوليَّاً , أن يُعلنوا النهيَ عن الاحتفالات الوطنية والقومية , وعن ترك الأعمال فيها , ومَنْ لَمْ يفعلْ فهو متناقضٌ ومضطربٌ شاءَ أمْ أبى , وهذا من اتباع الهوى .(1/64)
ولذا وجبَ على أهل العلم والْهُدى : البيانُ عن تحريم الأعياد الْمُحدَثة وترك الأعمال فيها , و بهذا يُقيم حملَةُ الشريعة الْحُجَّة على الْخَلْق حَسَبَ الوسع , وهذا من طاعة الله تعالى , وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلَّم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , الذي فيه صلاحُ المعاش والمعاد , وهو من أفضل الأعمال , ومِن كَمال محبة الله تعالى , ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم , ومحبَّة ما شرع الله سبحانه وأَمَرَ به , وكراهة ما نَهى عنه , وعلى هذا يجمعُ الله القلوب , ويُؤلِّف بينها , وتجري الأحوال على جادَّة واضحة لا اختلاف فيها ولا اضطراب , ولا لَبْسَ فيها ولا غُموض .
ولا تَتِمُّ مصالح الآدميين إلاَّ بالاجتماع والتعاون على البِرِّ والتقوى , وأمَّا السكوتُ عن بيان الأحكام فهو من أعظم أسباب الفتن , واختلاط الأحوال , وخفاء الشريعة , وتقلُّص نورها , وظهور البدع والضلالات وأهلها , وإلى الله تعالى وحده الْمُشتَكى مِنْ أُناسٍ يَعكسُون القضيَّة , ويَطيبُ لَهُم التشبُّه بِحَطَبِ جهنَّم , مِنَ الْمَغضوب عليهم ومن الضالين , وكيفَ نعتقدُ كفرهُم ونُعلنُ البراءَة منهم , ثمَّ يقوم بعض المسلمين بالنَّوْبَةِ عنهم , فيُقيمون الأعياد البدعية ...
والمسلمُ مَنْ إذا ذُكِّرَ تَذَكَّر , وإذا بُصِّرَ تبَصَّرَ , رزَقَنا الله جميعاً البصيرة في دينه القويم , ولا حولَ ولا قوة إلاَّ بالله العزيز الحكيم ) ( ( ) عيد اليوبيل بدعة في الإسلام للعلامة الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد ص5-27 بتصرُّف وزيادة .) .
وأختم رسالتي هذه بما رواه يزيد بن عميرة رحمه الله تعالى قال :(1/65)
( كان معاذُ لا يجلسُ مَجلِساً للذكر إلاَّ قال : الله حَكَمٌ قِسْطٌ ، هلَكَ الْمُرتابون ، إنَّ مِنْ ورائكم فِتَناً يَكثرُ فيها المالُ ، ويُفتحُ فيها القرآنُ ، حتى يَأخُذَهُ المؤمنُ والمنافقُ ، والرَّجلُ والمرأةُ ، والصغيرُ والكبيرُ ، والعبدُ والْحُرُّ ، فيوشِكُ قائلٌ أنْ يقول : ما للناس لا يَتَّبعونِي وقدْ قرأتُ القرآنَ ، ما هُمْ بمُتَّبِعيَّ حتَّى أَبتدَعَ لَهم غيرَهُ ، فإيَّاكم وما ابتُدعَ فإنَّ ما ابتُدع ضلالةٌ ، وأُحذِّركم زَيْغَةَ الحكيمِ ، فإنَّ الشيطانَ قد يقولُ كلمةَ الضلالةِ على لسان الحكيم ، وقد يقولُ المنافقُ كلمةَ الحقِّ ، قالَ : قلتُ لمعاذ : ما يُدرينِي رحمكَ الله أنَّ الحكيمَ قد يقولُ كلمةَ الضلالةِ ، وأنَّ المنافقَ قدْ يقولُ كلمةَ الحقِّ ، قال : بلى ، اجتنب مِِِنْ كلام الحكيمِ المشتهِرَاتِ التي يُقالُ لها : ماهذه ، ولا يَثْنِينَّكَ ذلكَ عنه ، فإنه لعلَّه أنْ يُراجع ، وتلَّقَ الحقَّ إذا سمعته ، فإنَّ على الحقِّ نوراً ) ( ( ) رواه أبو داود ح4611 بابُ لزوم السنة , وعبد الرزاق في مصنفه ح20750 , والحاكم في المستدرك ح8422 كتاب الفتن والملاحم , وقال : ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) . ) .
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه :
( كانَ الناسُ يسألونَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنتُ أسِأَلُه عن الشرِّ مخافةَ أنْ يُدركنِي ، فقلتُ يا رسول الله : إنا كنَّا في جاهلية وشرٍّ ، فجاءنا اللهُ بهذا الخيرِ ، فهل بعدَ هذا الخير شرٌّ ؟ .
قال صلى الله عليه وسلم : نعم لِلَّهِ فقلتُ : هل بعد ذلك الشرِّ من خيرٍ ؟ قال صلى الله عليه وسلم : نعم , وفيه دَخَنٌ , قلتُ : وما دَخَنُه ؟ قال صلى الله عليه وسلم : قومٌ يستنونَ بغير سُنَّتِي ، ويهدونَ بغير هديِي ، تعرفُ منهم وتُنكر .(1/66)
فقلتُ : هل بعد ذلك الخير مِنْ شرٍّ ؟ قال صلى الله عليه وسلم : نعم قومٌ من جلدتنا ! ويتكلمونَ بألسنتنا لِلَّهِ قلتُ يا رسول الله : فما ترى إنْ أدرَكني ذلك ؟ قال صلى الله عليه وسلم : تلزمُ جماعةَ المسلمينَ وإمامهم لِلَّهِ فقلتُ : فإنْ لَمْ تكنْ لَهم جماعةٌ ولا إمامٌ ؟ قال صلى الله عليه وسلم : فاعتزلْ تلكَ الفِرَقَ كُلَّها ، ولو أنْ تعضَّ على أصلِ شجرةٍ ، حتى يُدركَكَ الموتُ وأنتَ على ذلك ) ( ( ) رواه البخاري ح3411 باب علامات النبوة في الإسلام , ومسلم واللفظ له ح1847 باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ، وفي كل حال ، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة .) .
قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى : ( قال أبو العالية : تعلَّموا الإسلام , فإذا تعلَّمتمُوه فلا ترغبوا عنه , وعليكم بالصراط المستقيم , فإنه الإسلام , ولا تنحرفوا عن الصراط يميناً ولا شمالاً , وعليكم بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلَّم , وإياكم وهذه الأهواء , انتهى .
تأمَّل كلامَ أبي العالية هذا ما أجلَّهُ , واعرف زمانه الذي يُحذِّرُ فيه من الأهواء التي من اتبعها فقد رَغبَ عن الإسلام , وتفسير الإسلام بالسنة , وخوفه على أعلام التابعين وعلمائهم من الخروج عن السنة والكتاب !! يتبين لك معنى قوله تعالى : { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ Nد=َ™r& } ( ( ) الآية 130 من سورة البقرة . ) .
وقوله : { وَوَصَّى بِهَا قO؟دd¨uچِ/خ) بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ¢سة_t6"tƒ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ tbqكJد=َ،-B (132) } ( ( ) الآية رقم 131 من سورة البقرة .) .(1/67)
وقوله تعالى : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ zO؟دd¨uچِ/خ) إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } ( ( ) الآية 130 من سورة البقرة.) , وأشباه هذه الأصول الكبار التي هي أصل الأصول , والناس عنها في غفلة , وبمعرفته يتبين معنى الأحاديث في هذا الباب وأمثالها , وأمَّا الإنسانُ الذي يقرأها وأشباهها , وهو آمنٌ مطمئنٌ أنها لا تنالُه !! ويظنها في قومٍ كانوا فبادوا !! { أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) } ( ( ) الآية 99 من سورة الأعراف . ) ) ( ( ) كتاب فضل الإسلام ص28-29 لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى .) .
{ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ àMù=ھ.uqs? وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) } ( ( ) الآية 88 من سورة هود .) .
وفَّق اللهُ علماء وحُكَّامَ المسلمين وشعوبهم للصواب والإخلاص في الأقوال والأعمال ، ونفعَ بِهم البلاد والعباد ، وأعانهم على ذكره , وشكره , وخشيته , وحسن عبادته ، ونُصرة كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأعانهم على ترك الأعياد الْمُحدَثة , وهداهم لِمَا اختُلف فيه من الحقِّ بإذنه ، إنه سبحانه يهدي مَن يشاءُ إلى صراط مستقيم .
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم .
كتبه
عبدالرحمن بن سعد الشثري ( ( ) آمل منك أخي الكريم : موافاتي باقتراحاتك وملاحظاتك على 0555775888 والمؤمن مرآة أخيه , والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .)(1/68)