هذا البحث:
يتناول بالتحليل معنى السلب في دلالته المعجمية وفي اصطلاح العلماء ـ إن وجد ـ ومظاهره في لغتنا العربية ؟ وهل ورد السلب مصطلحا لغويا مقننا في دراسات اللغويين القدماء أو المحدثين ؟
السلب ومظاهره في العربية
دراسة تطبيقية على رواية شجرة البؤس
دكتور
علاء إسماعيل الحمزاوي
قسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة المنيا
تقديم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، سبحانك اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. وبعد:
فقد عقد ابن جنى في خصائصه بابا للسلب قصد به نفي الدلالة الإيجابية للفعل أو الاسم الضامن معناه من التغيير بالزيادة في بنية الكلمة، كالفعل (أعجم) الذي يدل على البيان والوضوح في حين أن مادته المعجمية تدل على الإبهام، وقد سُلب هذه الدلالة بدخول الهمزة عليه، وساق ابن جنى عدة أمثلة للتدليل على صواب رأيه بأن السلب هو نفي الدلالة الموضوعة سابقا للفعل أو الاسم الضامن معناه .(1/1)
لفت نظري هذا المصطلح وجذب انتباهي، بل وأثار في ذهني مجموعة تساؤلات: ماذا يعنى السلب في دلالته المعجمية وفي اصطلاح العلماء إن وجد؟ وما مظاهره في لغتنا العربية ؟ وهل هي مقصورة على ما ذكره ابن جنى؟ أم تتعدى ذلك ؟ وهل ورد السلب كمصطلح لغوي مقنن في دراسات اللغويين القدماء أو المحدثين ؟ وغير ذلك من التساؤلات التي حاولت قدر جهدي أن أجد إجابة عنها من خلال هذه الدراسة التي ابتغيت منها تحديد مفهوم المصطلح وتتبعه في الدراسات العربية القديمة والحديثة معتمدا في ذلك على كتب المصطلحات، ثم رصد لمظاهره في العربية ، وآثرت أن يتم ذلك من خلال التطبيق على عمل روائي تدور أحداثه فيما يقرب من مائتي صفحة، وهو عمل جدير بالدرس اللغوي المتنوع الجوانب؛ لما يحتويه من تراكيب وأساليب تميز صاحبه عن أقرانه في لغته ، هذا العمل هو رواية شجرة البؤس للأديب الدكتور طه حسين(1)، ذلك الكاتب الذي تميز بأسلوب لغوي أثرت فيه ظروفه الخاصة لاسيما كف بصره وثقافته الفرنسية؛ حيث المنهج الديكارتي القائم على الشك من أجل الوصول إلى اليقين، فهذا المنهج الفرنسي لاقى هوىً داخل الكاتب نتيجة كف بصره فاعتنقه ، وانعكس ذلك على كتاباته وآرائه وأسلوبه اللغوي فكثُرت عنده مظاهر السلب في أعماله الأدبية والنقدية على حد سواء، ومن شاء فليقرأ روايته (ما وراء النهر)؛ حيث بلغت نسبة النفي فيها 46% من إجمالي نسبة التراكيب في الرواية(2)،
__________
(1) اعتمدنا على طبعة (17) دار المعارف ـ مصر 1998
(2) انظر: د.محمد عبد الرحمن : أنماط النفي في رواية ما وراء النهر ..مجلة كلية الدراسات العربية بالمنيا 1998(1/2)
وكذلك الرواية التي نحن بصدد تناولها؛ حيث تقترب نسبة السلب في تراكيبها من نسبة النفي في رواية ما وراء النهر، وكذلك دراسته عن الشعر الجاهلي، فمن يقرأ هذه الأعمال الثلاثة لا يجد فرقا في الأسلوب والتراكيب ، فالأسلوب واحد والتراكيب تسير على نهج واحد في كل أعماله ، مما جعله يتميز بأسلوب لغوي في كتاباته عن غيره ، من أجل هذا اخترت عملا من أعماله وكان شجرة البؤس لكثرة مظاهر السلب فيها عن غيرها ولأن كثيرا من أعماله دُرس دراسة لغوية. أضف إلى ذلك أن كل اختيار قابل للنقد
وتبدأ محاور الدراسة بتحديد مفهوم السلب من خلال المعاجم اللغوية ومعاجم المصطلحات والدراسات اللغوية إن وُجدت ، ثم عرض لمظاهره والتي حصرتها في خمسة مظاهر، ثم القيام بحصر وإحصاء للجمل المسلوبة الدلالات وتوزيعها على مظاهر السلب المختلفة ، وتحليلها تحليلا تركيبيا دلاليا، ثم يتبع ذلك الحديثُ عن دور السلب في توكيد الدلالة الإيجابية أو المثبتة للجملة من خلال محور "الإثبات المؤكد بالسلب"، ثم تعرض الدراسة لتصنيف الجمل من حيث الوظائف النحوية التي تشغلها، وذلك في المحور الأخير منها ، ثم تختتم برصد لأهم ما أسفرت عنه من نتائج يتلوها قائمة بالمراجع التي أعانت على إتمام البحث.
المفهوم والمظاهر(1/3)
إنه بعد جملة من القراءات في المعاجم اللغوية القديمة لمعرفة دلالة هذا المصطلح تبين للباحث أن المعاجم لم تختلف في أن السلب ـ بإسكان اللام ـ هو الأخذ بخفة والاختطاف والاستلاب الاختلاس(1)، ومن ذلك قوله تعالى: "وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه" الحج 73، ولم تشر المعاجم القديمة إلى أن السلب بمعنى النفي، ولعل ثمة تقاربا دلاليا بين السلب بمعنى الأخذ والاختلاس، والسلب بمعنى النفي، فاختلاس المعنى وأخذه من الشيء هو نفيه عنه. وقد جاءت الإشارة صريحة بأن السلب بمعنى النفي في بعض المعاجم الحديثة مثل معجم الصحاح في اللغة والعلوم، فقد ورد فيه ـ إضافة إلى ما سبق ـأن سالب negative في الإنجليزية وnegatif الفرنسية يدل على نفي ينصب على مفهوم الحد أو رابطة القضية، والسلب negation عمل ذهني قوامه رفض قضية ما أو فكرة ما ، والسلبي وصف لمن ينحو منحى غير إيجابي في القول أو العمل ، والسلبية حالة تؤدى إلى البطء والتردد في الحركة وقد تنتهي إلى توقفها وتطلق أيضا على اتجاه عام يقوم على الإضراب وعدم التعاون(2).
__________
(1) راجع معاجم الصاحب بن عباد : المحيط في اللغة وابن فارس: مقاييس اللغة والمجمل في اللغة، والفيومي: المصباح المنير والفيروزابادي: القاموس المحيط وابن منظور: لسان العرب.
(2) انظر: نديم وأسامة مرْعشيلَى: الصحاح في اللغة والعلوم "تجديد صحاح الجوهري" المصطلحات العلمية والفنية للمجامع والجامعات العربية ـ بيروت (معجم)(1/4)
والسلب بمعنى النفي ضد الإيجاب ورد كمصطلح عند الحكماء والمنطقيين؛ فقد ذكر التهانوي أن السلب عند المنطقيين والحكماء يطلق على مقابل الإيجاب، قالوا: الإيجاب والسلب قد يراد بهما الثبوت واللاثبوت، فثبوت الشيء إيجاب وانتفاؤه عنه سلب. وجاء في المعجم الوسيط : سلب القضية (في علم المنطق) نفي فيها النسبة بإدخال أداة السلب(1).
والسلب بمعنى النفي ضد الإيجاب ورد عند علماء البلاغة كمصطلح من مصطلحات علم البديع ، فقد ذكر أبو البقاء الكفوي أن السلب والإيجاب في البديع هو أن تبنى الكلام على نفي شيء من جهة وإثباته من جهة أخرى، والأمر به من جهة والنهي عنه من جهة أخرى، وما أشبه ذلك كقوله تعالى: "فلا تخشوا الناس واخشون" وقوله: "ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما"، وفي الشعر نحو قوله:
وننكر إن شئنا على الناس قولهم ولا ينكرون القول حين نقول(2)
وكان السلب أحد المصطلحات التي أوردها الجرجاني في تعريفاته، وعرفه بأنه انتزاع النسبة(3)، ونقل د.أحمد مطلوب في معجمه مجموعة أقوال عن علماء البلاغة منها ما نقله عن العسكري أن السلب والإيجاب هو أن تبنى الكلام على نفي الشيء من جهة وإثباته من جهة أخرى ، أو الأمر به من جهة والنهي عنه في جهة، وما يجرى مجرى ذلك كقوله تعالى: "ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما"، وقول السموأل:
وننكر إن شئنا على الناس قولهم ولا ينكرون القول حين نقول
وقول البحترى :
فابقَ عمر الزمان حتى نؤدى شكر إحسانك الذي لا يؤدى
__________
(1) انظر: كشاف اصطلاحات الفنون جـ3 / 629 ، وانظر: المعلم بطرس البستانى: محيط المحيط (س ل ب) و د.إبراهيم أنيس وآخرون : المعجم الوسيط (س ل ب) .
(2) انظر : أبو البقاء الكفوى : الكليات (معجم في المصطلحات والفروق اللغوية جـ3/35) وانظر كذلك بطرس البستانى : مرجع سابق (س ل ب) .
(3) انظر : الجرجانى : التعريفات ـ مصطلح السلب . (معجم مصطلحات)(1/5)
وذكر د.مطلوب أيضا أن الإيجاب والسلب هو أحد أنواع التقابل التي تحدث عنها قدامة بن جعفر في قوله: "ومما جاء في الشعر من التناقض على طريق الإيجاب والسلب قول عبدالرحمن القس:
أرى هجرها والقتل مثلين فاقصرا ملامكم فالقتل أعفي وأيسر
وأضاف د/مطلوب نقلا عن التبريزى أن السلب والإيجاب هو أن يوقع الكلام على نفي شيء وإثباته في بيت واحد. ونقل عن المصري في بديع القرآن أن السلب والإيجاب هو بناء الكلام على نفي الشيء من جهة وإيجابه من جهة أخرى ، أو أمر بشيء من جهة ونهي عنه من غير تلك الجهة(1).
وذكر د.بدوي طبانة أن إفادة عموم السلب من الأغراض البلاغية التي تقتضي المسند إليه، وذلك إذا كان المسند إليه مقرونا بما يفيد العموم كلفظ (كل) والمسند مقرونا بحرف نفي، نحو: كل إنسان لم يقم، فإن ذلك يفيد نفي القيام عن كل فرد من أفراد الإنسان، ولو تأخر المسند إليه (لم يقم كل إنسان) لأفاد ذلك نفي الحكم عن جملة الأفراد لا عن كل فرد فقط ، فالتقديم يفيد عموم السلب ونفي الشمول(2).
فالسلب بمعنى النفي ضد الإيجاب أو الإثبات هو المقصود من هذه الدراسة، وبهذا المعنى لم نجده عند أحد من اللغويين أو النحويين العرب سوى ابن جنى الذي عقد له بابا في خصائصه، وأشار إليه في كتابه سر صناعة الإعراب، وقد اعتبره معنى زائدا على أصل وضع الكلمة في اللغة، إذ يقول: "اعلم أن كل فعل أو اسم مأخوذ من الفعل أو فيه معنى الفعل فإن وضع ذلك في كلامهم على إثبات معناه لا سابهم إياه"(3)، وفي موضع آخر يقول: "فكأنه إنما كثر فيما كان ذا زيادة من قبل أن السلب معنى حادث على إثبات الأصل الذي هو الإيجاب"(4).
__________
(1) انظر : د.أحمد مطلوب : معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (مصطلح السلب)
(2) انظر : د.بدوى طبانة : معجم البلاغة العربية ص 667 ط 1983 دار العلوم
(3) انظر : ابن جنى : الخصائص 3/75 . ت. مجمد الطيب النجار ـ بيروت
(4) انظر : المرجع السابق 3/80(1/6)
ويؤكد ابن جنى أن السلب بمعنى النفي في قوله: "وذلك قولك: قام، فهذا لإثبات القيام وجلس لإثبات الجلوس وينطلق لإثبات الانطلاق وكذلك الانطلاق ومنطلق وجميع ذلك وما كان مثله إنما هو لإثبات هذه المعاني لا لنفيها. ألا ترى أنك إذا أردت نفي شيء منها ألحقته حرف النفي، فقلت: ما فعل ولم يفعل ولن يفعل ولا تفعل ونحو ذلك"(1)
ومع أن ابن جنى يضع السلب مرادفا للنفي بالأدوات المعروفة في العربية فإنه لم يهدف إلى ذلك من عقده هذا الباب ، وإنما هدَف إلى السلب أو النفي بوسيلة أخرى تتضح لنا في قوله: "...ثم إنهم مع هذا قد استعملوا ألفاظا من كلامهم من الأفعال ومن الأسماء الضامنة لمعانيها في سلب تلك المعانى لا إثباتها، ألا ترى أن تصريف (ع ج م) أين وقعت في كلامهم إنما هو للإبهام وضد البيان، ومن ذلك العجم لأنهم لا يفصحون..ثم إنهم قالوا: أعجم وأعجمت الكتاب إذا بينته وأوضحته، فهو إذاً لسلب معنى الاستبهام لا إثباته. ومثله تصريف (ش ك و) فأين وقع ذلك فمعناه إثبات الشكو والشكوى والشكاة وشكوت واشتكيت، فالباب فيه كما تراه لإثبات هذا المعنى؛ ثم إنهم قالوا: أشكيت الرجل إذا زلت له عما يشكوه ، فهو إذاً لسلب معنى الشكوى لا لإثباته، وفي الحديث: "شكونا إلى رسول الله حرّ الرمضاء فلم يشكنا"، أى فلم يفسح لنا في إزالة ما شكوناه من ذلك إليه. ومن ذلك (أ ث م) أين هي وقعت لإثبات معنى الإثم نحو أثم يأثم وآثم وأثيم، وهذا كله لإثباته، ثم إنهم قالوا: تأثّم أى ترك الإثم"(2).
__________
(1) انظر : المرجع نفسه 3/75
(2) انظر : نفسه 3/76 : 81(1/7)
ويحدد ابن جنى الصيغ التي تحمّل الكلمة دلالة السلب في قوله بأن "أفعلت وإن كانت في غالب أمرها تأتى للإثبات والإيجاب نحو: أكرمت زيدا أى أوجبت له الكرامة، فقد تأتى (أفعلت) يراد بها السلب والنفي، وذلك نحو: أشكيت زيدا إذا زلت له عما يشكوه، ومثله قوله عز وجل (إن الساعة آتية أكاد أخفيها) تأويله أكاد أظهرها أى أكاد أزيل خفاءها، ونظيره: أشكلت الكتاب أى أزلت عنه إشكاله، وقالوا أيضا: عجّمت الكتاب، فجاءت (فعّلت) للسلب أيضا، ونظير (عجّمت) في النفي والسلب قولهم (مرّضت) الرجل أى داويته ليزول مرضه. ونظير (أفعلت وفعّلت) في السلب (تفعّلت)؛ قالوا: تأثمت أى تركت الإثم ، وإن كانت (تفعّلت) في أكثر أحوالها تأتى للإثبات(1).
ويزعم الباحث أن ابن جنى كان بدعا من اللغويين العرب في تناوله موضوع السلب وتخصيص باب له في خصائصه ، كما كان بدعا من اللغويين والبلاغيين في إضافة مظهر جديد للسلب هو السلب من خلال التغيير بالزيادة في بنية الكلمة بجانب مظهر السلب من خلال أدوات النفي المعروفة في لغة العرب.
ومع ذلك فإن الباحث يضيف ـ إلى ما ذكر ابن جني ـ ثلاثة مظاهر أخرى للسلب بمعنى النفي والجحد ضد الإيجاب والإثبات هي : السلب من خلال الدلالة المعجمية لبعض الأفعال، والسلب من خلال أدوات الشرط الامتناعية، والسلب من خلال الاستفهام الإنكارى.
مظاهر السلب في النص
__________
(1) انظر : سر صناعة الإعراب 1/36 : 39(1/8)
انطلاقا من مفهوم السلب السالف الذكر ، واعتمادا على عملية الحصر والإحصاء لجمل السلب في الرواية، والتي بلغ عددها ألفا وخمسمائة وثلاثا وأربعين جملة(1)تمثل 44% من نسبة عدد سطور الرواية البالع عددها ثلاثة آلاف وخمسمائة وستة وعشرين سطرا في مئة وإحدى وثمانين صفحة تمثل ستة وعشرين فصلا تدور فيها أحداث الرواية ـ من خلال ذلك ـ يمكن أن نرصد مظاهر السلب على النحو التالى :
أولا : السلب من خلال الدلالة المعجمية : ويمثله إحدى وتسعون جملة .
ثانيا : السلب من خلال التغيير بالزيادة في البنية : ويمثله جملتان .
ثالثا : السلب من خلال أدوات النفي: (ألف وثلاثمائة وست وستون جملة).
رابعا: السلب من خلال أدوات الشرط الامتناعية: (خمس وسبعون جملة).
خامسا : السلب من خلال الاستفهام الإنكارى : ويمثله خمس جمل .
ولن نعرض لكل الجمل التي تمثل المظاهر المختلفة، وإنما سنكتفي بمجموعة جمل كنماذج للتطبيق ، مع مراعاة أننا سنختار جملا تمثل جميع الأنماط التي وردت عليها كل الجمل في المظاهر المختلفة.
وآثرنا أن نبدأ التحليل وفقا للترتيب السابق؛ لأنه ترتيب يتفق مع ترتيب عناصر اللغة، فالمعنى المعجمى للكلمة يأتى في الرتبة الأولى ، ثم المعنى الناتج عن تغيير في البنية التي تسبق التركيب ، ويجئ السلب في التركيب من خلال أدوات النفي قبل أدوات الشرط ؛ لأنه لا خلاف بين العلماء على وظائف أدوات النفي الدلالية، في حين أن ثمة خلافا بينهم على الوظائف الدلالية لأدوات الشرط، أما مجئ السلب من خلال الاستفهام الإنكاري في نهاية المظاهر فلأنه مرتبط بسياق النص وليس حرا مطلقا .
__________
(1) قليل من جمل السلب في الرواية مثبتة مؤكدة الإثبات من خلال انتقاض وسيلة السلب، وسنعقد مبحثا لتلك الجمل بعنوان "سلب السلب" .(1/9)
أما ترتيب الأنماط داخل كل مظهر على النحو الذي سنراه وبخاصة أنماط السلب من خلال أدوات النفي فقد اعتمدنا فيه على عدد نماذج النمط؛ حيث جعلنا الأسبقية في الترتيب للأنماط التي كثرت نماذجها عن غيرها.
أولا : السلب من خلال الدلالة المعجمية:
أ ـ النماذج :
1ـ فرأى الحكومة تريد أن تستكره الناس على أن يعملوا في الجيش 1/12
2ـ وقال لها في صوت يريد أن يرتفع ولكن صاحبه يكرهه على الانخفاض 3/20
3ـ قال خالد وفي عينيه دمعتان تريدان أن تسقطا ولكنه يعلقهما21/137
4ـ وعلىّ يهمّ أن يراجع الشيخ فيما سمع ولكنه لا يجرؤ 1/15
5ـ وهمّ علىّ أن يسأله ولكنه نهض 1/15
6ـ فهم علىّ أن يجيب ولكن الشيخ لم يمكّنه 12/75
7ـ وكان خالد يودّ لو رزقته امرأته غلاما 6/34
8ـ وكان علىّ يودّ لو جاءه ابنه بغلام ولكن الله أراد وإرادة الله نافذة 6/34
9ـ يودون لو أقام عند كل واحد منهم جزءا من السنة ولكن عليا مصمم على أن يبقى في داره ليعيش في غرفة أم خالد 25/173
10ـ أما أنا فأحب أن أكون كاتبا في المديرية 10/65
11ـ قال خالد : وأما أنا فأحب أن أكون كاتبا في المحكمة الشرعية 10/65
12ـ كان في نفسه شعور بحزن مقيم حاول هو أن يفهمه فلم يستطع 17/108
13ـ فلم يكن بد من أن ينهض علىّ بهذه الحقوق وقد حاول فلم يستطع 17/108
14ـ وقد تقدمت السن بابنه خالد حتى كاد يبلغ العشرين 1/13
15ـ يوشك الذي يلتمس الجمال عند زوجه أن يعرض نفسه لكثير من المكروه 4/22
16ـ قال علىّ وقد كاد صوته يحتبس في حلقه 5/27
17ـ لسانه يوشك أن يتلو الآية الكريمة ولكنه يمسك لسانه في جهد شديد 7/37
18ـ يحيطها بشيء من عطف يوشك أن يكون قسوة 8/45
19ـ وكاد علىّ يغضب ولكن كيف يكون الغضب على الشيخ ؟ 13/81
20ـ لقد كدنا أن نفترق أشهرا ولكن الشيخ أذن لى في أن أؤجّل الحج 13/84(1/10)
21ـ وكان الحاج مسعود يسكن داره في طرف من أطراف القرية يوشك أن يكون قرية من قراها ، بل توشك الدار نفسها أن تكون قرية صغيرة 15/93
22ـ ظن أنها قد كادت تبلغ غايتها 1/11
23ـ ترك امرأته عند أبويها وقد ظن أنها راضية واعتقد أنه راض 6/33
24ـ زعمت أنها جنية البيت وزعمت أنك قد تزوجت اليوم 7/40
25ـ يظن أن التقوى هي التي تدفعه إليهما وما كان يدفعه إليهما إلا الهرب من هذه الحياة البغيضة 9/50
26ـ فذلك شيء أكاد أعتقد أنه أبعد منالا من أن يبلغه طمع الطامعين 24/169
27ـ ثم يأبى خالد أن يتعمق هذه الخواطر 6/33
28ـ لكن الله أبى أن يتم عليه هذه النعمة 10/59
29ـ فقد أبى أن يرسل ابنه إلى الكتاب 15/89
30ـ وقلما كانوا يردونهم عن هذا الخطأ الذي يصوَّر مثلا نادرا للمودة 10/63
31ـ لا تكلف نفسك عدلا لا تطيقه وقلما يطيقه الناس 12/77
32ـ ويمسك نفسه أن تخرج عن طهورها 6/35
ب ـ التحليل :
من خلال عملية الحصر والإحصاء لجمل السلب بمختلف مظاهرها؛ إضافة إلى التعرف على الدلالات المعجمية للكلمات تبيّن أن السلب المتحقق من الدلالة المعجمية محصور في مجموعة من الأفعال ، كل منها يمثل جملة فعلية تحمل سلبا لمعنى جملة أخرى مرتبطة بها نحويا ودلاليا في إطار جملة مركبة من جملتين بينهما علاقة ربط بالتجاور juxtaposition أو بالتبعية subordination(1)
__________
(1) حول الربط بالتجاور والربط بالتبعية انظر :
Blachere:Grammaire de l,arabe classique. pp.417,432 Paris 1975(1/11)
ويمكن تصنيف هذه الأفعال تصنيفا دلاليا إلى أربع مجموعات: أفعال الرغبة، وأفعال القرب ، وأفعال الظن ، وأفعال الرفض . ومن خلال الحصر والإحصاء الذي نتجت عنه النماذج السابقة يتضح أن أفعال الرغبة تتمثل في الأفعال: أراد، همّ، ودّ، أحب، حاول. وأفعال القرب يمثلها الفعلان: كاد ، أوشك. أما أفعال الظن فتتمثل في الأفعال : ظنّ ، زعم، اعتقد . وأما أفعال الرفض فيمثلها الأفعال: أبى، أمسك ، قلما.(1/12)
وبالنظر إلى الدلالات القاموسية لكل هذه الأفعال نجد أن درجة السلب تختلف في تحققها يقينا أو ظنا أو قربا من مجموعة لأخرى ، فأفعال الظن تفيد سلب درجة اليقين من الدلالة الإيجابية للجملة التابعة(1)، أما أفعال القرب فتفيد سلب الدلالة وإن كانت درجة الإيجاب قريبة التحقق(2)،
__________
(1) عقد ابن فارس بابا أسماه الخصائص ، ومما قال فيه : "ومن الخصائص في الأفعال قولهم: ظننتنى وحسبتنى وخلتنى، لا يقال إلا فيما فيه أدنى شك ، ولا يقال: ضربتُنى". (الصاحبى في فقه اللغة 204 ط أولى بيروت 1997) وذكر االغلايينى أن الفعل (زعم) يستعمل للظن الفاسد، فيقال فيما يُشكّ فيه أو فيما يُعتقد كذبه ومن عادة العرب أن من قال كلاما وكان عندهم كاذبا قالوا: زعم فلان؛ ولهذا جاء في القرآن في كل موضع ذُم القائلون به. (جامع الدروس1/43 ط بيروت1995) وإذا كانت أفعال الظن تفيد الشك وعدم التحقق في غالب أمرها فقد يقتضى السياق إفادتها تحقق الدلالة الموجبة للجملة التابعة كما في قوله تعالى: "الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون" البقرة 46 . وهي في كل شواهدها تفيد سلب درجة التحقق للدلالة الموجبة .
(2) قال أبوعبيدة : كاد للمقاربة في الآية "لم يكد يراها" أى لم ير ولم يقارب، ويقولون: (كاد النعام يطير) فهذه المقاربة للشبه ولا يكون. (الصاحبى في فقه اللغة 116) وزعم قوم أن نفي (كاد) إثبات للخبر وإثباتها نفي له، وردّ السيوطي عليهم بأنها كسائر الأفعال نفيها نفي وإثباتها إثبات إلا أن معناها المقاربة، ولا يلزم من مقاربتها الفعل وقوعه، فقولك: كاد زيد يقوم، معناه قارب القيام ولم يقم، ومنه: "يكاد زيتها يضئ" أي أنه يقارب الإضاءة إلا أنه لم يضئ..انظر: همع الهوامع 2/146 : 147(1/13)
وأما أفعال الرغبة فلا تحمل من دلالة الإثبات والإيجاب للجملة التابعة سوى النية والرغبة في التحقق(1)، وقد تتحقق فتكون الجملة مثبتة الدلالة، وقد لا تتحقق فتكون الجملة مسلوبة الدلالة، وكلاهما مقيد بسياق النص، فحينما نقول مثلا: (حاول محمد أن يصلح بين صديقيه وقد وفّقه الله في ذلك)، فالمعنى هنا موجب مثبت وفعل الرغبة تمهيد لوقوع هذا المعنى بمثابة النية التي تسبق العمل، وحينما نقول : (حاول محمد أن يصلح بينهما فلم يفلح في ذلك) فدلالة الجملة التابعة لفعل الرغبة مسلوبة، وهذا السلب جاء من خلال فعل الرغبة مرتبطا بالسياق، كأننا قلنا: لم يفلح محمد في محاولته .
__________
(1) من أفعال الرغبة الفعل (ودّ) قال عنه ابن فارس في قولهم ( وددتك عندنا): "قال قوم: هو من الإخبار ؛ لأن معناه ليس إذا قال القائل (ليت لى مالا) فمعناه ليس لى مال. وآخرون يقولون : لو كان خبرا لجاز تصديق قائله أو تكذيبه ، وأهل العربية مختلفون فيه على هذين الوجهين". الصاحبى 141 ومن أفعال الرغبة فعل الإرادة (أراد)، ومما يدل على أنه يفيد السلب للفعل الأساس بعده أن نفيه أبلغ في السلب من نفي الفعل الأساسي، أو كما يقول الألوسي: "نفي إرادة الفعل أبلغ من نفيه" انظر: روح المعاني 9/264(1/14)
وإذا كانت أفعال الرغبة مرتبطة بالسياق في إفادتها دلالة السلب للجملة التابعة؛ فإن أفعال الرفض منها ما يدل على السلب بمادته المعجمية كالفعل (أبى)(1)، ومنها ما هو مرتبط بالسياق في إفادته دلالة السلب للجملة التابعة كالفعل (أمسك)؛ فحينما نقول: (أمسك محمد القلم ليكتب) فدلالته الإيجاب، وحينما نقول: (أمسك محمد لسانه أن يتكلم) فالسياق يجعل الفعل يفيد السلب للجملة التابعة، ومنها ما يحمل أكثر من دلالة في مادته المعجمية إحداها السلب كالفعل (قلّ) ، وقد أشار النحويون إلى ذلك؛ حيث ذكروا أنه يدل على التقليل ويدل على النفي، وإذا لحقته (ما) الزائدة خلصت دلالته للنفي، وصار بمعنى (ما) أو (لا) النافيتين، وقال ابن هشام(2): (قلّ) تستعمل للنفي قبل الكفّ بـ(ما)، يقال: قلّ أحد يعرف هذا إلا زيد؛ ولهذا استعمل (أحد) وصحّ إبدال المستثنى بدلا من (أحد) أو من ضميره، ومن ذلك قول الشاعر:
قلّما يبقى على هذا القلقْ صخرةٌ صمّاءُ فضلا عن رمَقْ
وكذلك استشهدوا على أن (قلما) للنفي بقوله تعالى: "قليلا ما يؤمنون" أى لا يؤمنون، ولعل دخوله على الفعل الناقص الناسخ (برح) دليل على على أنه يفيد السلب؛ لأنه يقوم بوظيفة حرف النفي في قولهم:
قلما يبرح اللبيب إلى ما يورث المجد داعيا أو مجيبا
أي لا يزال اللبيب داعيا، ويقال: قلما يفعل ذلك إلا كريم، أي لا يفعله إلا كريم(3).
__________
(1) ذكر القرطبي عن الزجاج أن (أبى) تدل على المنع أو الامتناع، فهي تضارع النفي. انظر: الجامع لأحكام القرآن ـ تفسير الآية 32 من سورة التوبة.
(2) انظر: المسائل السفرية في النحو ص 12
(3) انظر: الغلايينى: جامع الدروس العربية 1/57، 58(1/15)
وإذا نظرنا لجملة النماذج من الناحية التركيبية نجد أن كل نموذج يمثل جملة مركبة من جملتين إحداهما جملة فعل السلب والأخرى هي الجملة التالية لها المسلوبة الدلالة بفضل فعل السلب ، وعلاقة الربط بينهما إما علاقة التجاور أو علاقة التبعية، أما علاقة التبعية فهي تعنى ربط الجملة الثانية بالجملة الأولى بواسطة الحرف المصدرى (أنّ) المشددة كما في نماذج أفعال الظن، و(أن) الخفيفة الناصبة كما في بعض نماذج أفعال الرغبة وبعض أفعال الرفض وبعض أفعال القرب، و(لو) بمعنى (أن) الخفيفة كما في بعض نماذج أفعال الرغبة .
والجملة المسلوبة المعنى المسبوقة بالحرف المصدرى في نماذج أفعال الرغبة والظن والرفض تمثل عنصرا توسيعيا للجملة النواة التي هي جملة فعل السلب؛ حيث تشغل جميعها وظيفة واحدة هي وظيفة المفعول وهي وظيفة ثانوية في التركيب. أما الجملة المسلوبة في أفعال القرب فهي تمثل عنصرا أساسيا من عنصرى الجملة الاسمية النواة ؛ لأنها تشغل وظيفة خبر الفعل الناسخ الذي يعد هو من وجهة نظرنا عنصرا توسيعيا للجملة الاسمية.
أما علاقة التجاور فتعني ربط جملة فرعية بجملة أساسية برابط دلالي، وقد تشغل الجملة الفرعية وظيفة نحوية متعلقة بالجملة الأساسية وقد لا تشغل. وتتمثل علاقة التجاور في نماذج الفعل (كاد) ما عدا نموذجا واحدا هو قوله (لقد كدنا أن نفترق أشهرا)؛ حيث إن علاقة الربط بينهما هي علاقة التبعية، وهذا التنوع في تركيب جملة (كاد) متوافق مع كلام النحويين؛ لأنهم أشاروا إلى أن الخبر كثيرا ما يقترن بأن مع (أوشك) ويقل تجرده معه، بينما يكثر تجرده من (أن) مع (كاد) ويقل اقترانه بها؛ تشبيها لها بـ(عسى)(1).
__________
(1) انظر: الزمخشرى: المفصل في علم العربية 269 ط ثانية بيروت بدون تاريخ(1/16)
ولا يصلح أن يؤول (أن + يفعل) بمصدر صريح ؛ لأنه بالتأويل لا يستقيم التركيب والمعنى، ولذا نرجح أن تكون (أن) زائدة وإن أثّرت في إعراب الفعل فنصبته(1)
كذلك تتضح علاقة التجاور في شاهدى الفعل (قلما) ، غير أن الجملة الثانية لا تشغل وظيفة نحوية مرتبطة بالجملة الأولى جملة فعل السلب من وجهة نظر النحاة؛ لأن الفعل عندهم لا عمل له، وبالتالي فلا فاعل له؛ لأن الفعل لحقته (ما) الزائدة فكفته عن العمل ولا فاعل له لجريانه مجرى النفي(2)والباحث يرى أن (ما) أكدت معنى النفي وأن الفعل عامل فيما بعده مثل (ليس) فهي نافية وعاملة في الجملة الاسمية، وعلى ذلك فالجملة المسلوبة بعد الفعل في محل رفع فاعل، ومن ثم تشغل وظيفة أساسية هي وظيفة المسند إليه، وسنعرض لذلك فيما بعد.
ثانيا : السلب بالتغيير في بنية الكلمة:
__________
(1) بعض المستشرقين يرفضون فكرة وجود "النصب" في الفعل العربى ، فذكر برجشتراسر أن العربية ابتدعت مضارعا منصوبا ، مختصة بذلك وحدها دون سائر أخواتها . انظر: التطور النحوى 89 ط القاهرة 1982 (تعليق رمضان عبد التواب) وزعم أندريه رومان أن المضارع المنصوب من أوهام العرب ، يقول : " التصريف ذو الصائت المفتوح (a) لا يمكن أن يكون مميَّزاً إلا بشكل جزئى عن التصريفات الأخرى في الإطار التركيبي، ولهذا فهو غير موجود ، وهو ليس سوى مظهر خداعى يوجد عن طريق تشابه التراكيب بـ /ـأَنْ ?an / و /ــأَنَّ ?anna/ . انظر :Andre Roman : Grammaire de l,arabe. P.Paris 1990 وانظر ترجمة هذا الكتاب بعنوان : النحو العربي . د.خلف عبدالعزيز ود.علاء إسماعيل ص 62 دار حراء بالمنيا 2000
(2) انظر : الغلايينى : جامع الدروس 1/57(1/17)
هذا المظهر هو مقصد ابن جنى من حديثه عن السلب ؛ يقول : "ثم إنهم استعملوا ألفاظا من كلامهم من الأفعال ومن الأسماء الضامنة لمعانيها في سلب تلك المعانى لا إثباتها؛ ألا ترى أن تصريف (ع ج م) أين وقعت في كلامهم إنما هو للإبهام وضد البيان ومن ذلك العجم ؛ لأنهم لا يفصحون .. ثم إنهم قالوا أعجمت الكتاب إذا بيّنته وأوضحته ، فهو إذاً لسلب معنى الاستبهام لا إثباته"(1).
وفي موضع آخر يقول : إن "أفعلت وإن كانت في غالب أمرها تأتى للإثبات والإيجاب نحو أكرمت زيدا أى أوجبت له الكرامة ؛ فقد تأتى (أفعلت) يراد بها السلب والنفي ، وذلك نحو : أشكيت زيدا إذا زلت له عما يشكوه ، ومثله قوله عز وجل (إن الساعة آتية أكاد أخفيها) تأويله أكاد أظهرها أى أكاد أزيل خفاءها، ونظيره: أشكلت الكتاب أى أزلت عنه إشكاله. وقالوا أيضا: عجّمت الكتاب، فجاءت (فعّلت) للسلب أيضا، ونظير (أفعلت وفعّلت) في السلب (تفعّلت)؛ قالوا: تأثمت أى تركت الإثم، وإن كانت (تفعّلت) في أكثر أحوالها تأتى للإثبات(2).
ويبدو من خلال هذا النص أن ابن جنى حدد التغيير في البنية بالزيادة الطارئة على أصل وضعها ، وقد أكد هذا الأمر في نص آخر، يقول فيه: "وأكثر ما وجدت هذا المعنى من الأفعال فيما كان ذا زيادة ؛ ألا ترى أن أعجم ومرّض وتأثم ، كل واحد منها ذو زيادة ، فكأنه إنما كثر فيما كان ذا زيادة من قبل أن السلب معنى حادث على إثبات الأصل الذي هو الإيجاب، فلما كان السلب معنى زائدا حادثا لاق به من الفعل ما كان ذا زيادة من حيث كانت الزيادة حادثة طارئة على الأصل الذي هو الفاء والعين واللام، كما أن التأنيث لما كان معنى طارئا على التذكير احتاج إلى زيادة في اللفظ علما له.."(3)
__________
(1) انظر : الخصائص 3/75
(2) انظر : سر صناعة الإعراب 1/36 : 39
(3) انظر : الخصائص 3/80(1/18)
وما ورد في النص الروائي ممثلا لهذا المظهر فعل واحد في جملتين هما: قوله "فإن تكن نفيسة قادرة على الرحلة إلى القاهرة فالخير أن تمرّض هناك". وقوله "وإن تكن غير قادرة على الرحلة مرّضناها هنا حتى يكون لها حظ من برء".
فالفعل (مرض) خفيفا يحمل دلالة المرض والألم ، فإذا زدنا حرفا ليغيّر بنية الفعل من (فَعَلَ) إلى (فَعَّلَ) بالتشديد سُلب الفعل دلالته الأصلية وهي المرض وصارت له دلالة أخرى هي الشفاء أو إزالة المرض . وقد أشار ابن جنى إلى هذا في قوله "ومنه تصريف (مرض) ؛ إنها لإثبات معنى المرض ، نحو مرض يمرض وهو مريض ومارض ومرضى ، ثم إنهم قالوا: مرّضت الرجل أى داويته من مرضه حتى أزلته عنه.."(1).
ثالثا: السلب بأدوات النفي:
تمثل جمل السلب بأدوات النفي النصيب الأكبر من جمل السلب في النص بمختلف مظاهرها ؛ حيث بلغ عدد جمل السلب بالأدوات النافية ألفا وثلاثمائة وستا وستين جملة من ألف وخمسمائة وثلاث وأربعين جملة إجمالى جمل السلب.
__________
(1) انظر : الخصائص 3/75(1/19)
وإذا جاز لنا أن نصنّف جمل السلب في هذا المظهر وفاقا لنوعية النمط التركيبي إلى ثلاثة أنماط : الجملة الفعلية وبلغ عدد جملها ألفا ومائة وثلاثا وثلاثين جملة، والجملة الاسمية وبلغ عدد جملها مائة وسبعا وثلاثين جملة، والجملة المنسوخة بفعل وعدد جملها مائتان وأربع وستون جملة ، فلا يمكن أن نصنف الأدوات النافية مع جملها هذا التصنيف الثلاثى، وإنما نصنفها تصنيفا ثنائيا: أدوات نفي الجملة الفعلية وأدوات نفي الجملة الاسمية، أما الجملة المنسوخة فهي داخلة في إطار الجملة الفعلية ؛ لأنها تعامل مع أدوات النفي وفقا لشكلها التركيبي المتوافق مع الجملة الفعلية ، فتقبل جميع أدواتها(1)، وهذا ما يدفع إلى القول بأن العلاقة بين الأداة النافية والجملة المنفية بها علاقة شكلية، تعتمد على شكل الجملة، أى على بنيتها السطحية، بصرف النظر عن عناصر إسنادها.
أدوات نفي الجملة الفعلية وأنماطها:
تنوعت أدوات النفي الخاصة بالجملة الفعلية، وكذلك الجملة المنسوخة بفعل ما بين : لا ، لم ، ما ، لن ، لمّا . كما تنوعت أنماط الجمل الفعلية المنفية مع هذه الأدوات في النص على النحو التالى :
أ ـ أنماط الجملة الفعلية المسلوبة بـ( لا):
__________
(1) لعل هذا الأمر دفع بعض العلماء قديما مثل سيبويه وابن هشام ، وحديثا مثل مهدى المخزومى وبلاشير وغيرهم إلى القول بأن الجملة المنسوخة بفعل جملة فعلية . انظر في ذلك د.علاء الحمزاوى : التعبيرات الاصطلاحية في الأمثال دراسة تركيبية دلالية ـ مبحث العناصر التوسيعية للجملة الاسمية ـ دكتوراه م. بجامعة المنيا 1997(1/20)
بلغ عدد الجمل الفعلية المسبوقة بـ(لا) ستمائة وخمسا وخمسين جملة، توزعت على نمطين من حيث الوظيفة الدلالية : نمط إخبارى وعدد جمله خمسمائة وثمان وعشرون جملة ، ونمط إنشائى وظيفته النهي(1)، وعدد جمله ثمان وعشرون جملة تنوعت وظائفها الدلالية ما بين:
ـ الالتماس: "قال خالد: لا تعبث بأورادنا فإنى أخاف عليك عاقبة هذا العبث" 10/65
ـ الرجاء: "اجترأ مسعود فقال: سبحان الله ثم اتجه إلى الشيخ وهو يقول: إنا كغيرنا من الناس نصيب ونخطئ .. فلا تعذبنا بهذا الإعراض" 18/120
ـ النصح: "استمع لى يا مسعود! احذر صديقك عليا؛ إنه يدور حولك لتزوجه إحدى بناتك فلا تفعل ، فإنه مزواج مطلاق" 12/75
ـ النهي المباشر : "قال سليم وقد استيأس من ابنه : أنت وما تشاء ولكن لا تجهر بذلك حتى أفضى به إلى عمك" 24/165
ونلحظ أن استخدام الكاتب للحرف (لا) للتعبير عن وظيفة النهي مرتبط بالحوار؛ لذلك قلّت نسبة الجمل الممثلة لهذه الوظيفة عنده، ولعل ذلك مرتبط بظروفه الخاصة؛ لذلك نجده يؤكد أساليبه بأكثر من وسيلة كالنداء المرتبط بالنهي في كثير من نماذج جمل السلب من خلال النهي في النص.
أما أنماط الجمل المسبوقة بـ(لا) النافية الإخبارية فقد تنوعت إلى عدة أنماط نبيّنها على النحو التالى :
1ـ لا + مضارع أساسى :
ـ تحولا عن مجلسيهما إلى مصطبة في ناحية من نواحى الحجرة لا تخلو من ترف 1/7
ـ شرب الرجلان قهوتهما في أناة وبطء لا يقول أحد منهما لصاحبه شيئا1/7
ـ فيجب أن يعلم ..ويعرف أن الشيخ لا يهدى إليه عروسا رائعة 2/18
ـ أفلا نؤذن عليا بما آذننا به مولانا الشيخ ؟ 18/118
2ـ لا + مضارع ناسخ :
ـ اتخذت لنفسها من قلبه مكانا فلا تبرحه 5/27
__________
(1) النهي نفي خاص بالمخاطب في زمن المستقبل ، وفي هذه الحالة تقوم (لا) بوظيفة نحوية خاصة هي الجزم . ابن السراج : الأصول 2/156 ط ثالثة بيروت 1988
وانظر : Blachere : grammaire de l,arabe classique. P. 401(1/21)
ـ وإنما استقرت هذه الآراء في نفسه لا تبرحها 15/90
3ـ لا + مضارع ناسخ + مضارع أساسى :
ـ ولا يكاد يتجاوز هذه الأصناف إلى غيرها من العروض 1/9
ـ ولا تكاد الصبية تقطب وجهها لما يقطب له الأطفال وجوههم إلا اتخذ الشيطان أبشع ما يؤذن له أن يتخذه من الصور 7/37
4ـ لا + مضارع مساعد + أن + مضارع أساسى :
كانت تتحدث إليه بأن الشباب لا ينبغى أن يلتمسوا عند أزواجهم جمالا 4/22
ـ يفعل ذلك فيما بينه وبين نفسه ثم لا يملك أن يجهر به 6/31
ـ كانت تزعم له أن الشباب لا ينبغى أن يطلبوا عند أزواجهم الحسن الذي يدعو إلى الفتنة 6/33
ـ رأيته بنفسى فلا أستطيع أن أكذّبه 21/140
ـ فهذه أشياء لا يمكن أن تؤرخ باليوم ولا بالشهر 24/159
5ـ لا + مضارع أساسى + لا + اسم :
ـ لا يعرف عدلا ولا دينا ولا قانونا 1/13
ـ يحس أنه لا يكتسب علما ولا معرفة 6/31
ـ لا يحدثه بقليل ولا بكثير فيما بينه وبين سميحة وأمها من الاختلاف 7/36
ـ أما أنا فلا أحسن صلاة ولا صوما ولا عبادة 16/106
6ـ لا + ماض أساسى :
ـ ويقام عليها من القصور ما لا عين رأت .. ولا خطر على قلب بشر 17/109
ـ ما تسمعت عليكما ولا احتجت إلى أن أتسمع إليكما 16/106
ـ ولا داعبت نفسه شيئا قط كما داعبت هذا الضوء الضئيل 7/41
7ـ لا + مقدر محذوف اختصارا (لنفي كلام سابق) :
ـ نراك قبل سفرك يا عبدالرحمن ؟ قال عبدالرحمن : لا يا مولاى 8/48
ـ أترانى كنت ابنا للشيخ ؟ قال مسعود : لا 13/80
ـ قال علىّ : وستقيم معهن ، قال خالد : أما هذه فلا 14/86
ـ قال الرجلان معا : أو تفعلين ؟ قالت منى : ولِمَ لا 21/138
8ـ لا + مقدر + ناف مغاير :
ـ أفترى نفيسة قد شكت إليك بعض قسوتى عليها في الدعابة والمزاح ؟ قال عبدالرحمن وهو يقبل ختنه : لا والله ما شكت إلىّ نفيسة شيئا 6/35
- قال: فقد كنت تتسمعين علينا إذأً، قالت زبيدة: لا والله ما تسمعت عليكما16/101
ـ التحليل :(1/22)
إذا ما أعدنا قراءة النماذج السابقة نجد أن الحرف (لا) في نماذج النمط الأول يفيد مجرد سلب نسبة الحدث للمسند إليه مع اختلاف زمن السلب من نموذج لآخر ما بين الحال والاستقبال أو الاستمرار ، ففي النموذج الأول تفيد (لا) زمن الاستمرار، وفي النموذجين الثانى والثالث تفيد زمن الحال ، وفي الرابع والخامس تفيد زمن المستقبل، وتحديد عنصر الزمن يبدو واضحا بفضل السياق، وليس ثمة قرينة لفظية لتحديد عنصر زمن الحدث المسلوب، ولم يكن في ذلك مخالفة مع قواعد النحاة ؛ إذ إنهم أنفسهم اختلفوا في تحديد الزمن الواقع فيه الحدث المسلوب، يقول ابن هشام عن (لا) : "ويتخلص المضارع بها للاستقبال عند الأكثرين وخالفهم ابن مالك لصحة قولك : (جاء زيد لا يتكلم) بالاتفاق على أن الجملة الحالية لا تصدر بدليل استقبال"(1).
ويؤكد الزمخشرى وابن يعيش على أن دلالة (لا) نفي الفعل في المستقبل فيقول الأول: "ولا لنفي المستقبل"، ويقول الآخر: "وأما لا فحرف ناف أيضا موضوع لنفي المستقبل"(2).
أما نموذجا النمط الثانى فدلالة الفعل المنفي فيهما واحدة وهي توكيد المعنى المثبت في الجملة السابقة عليه في النوذجين وهو الاستقرار، وهذه الدلالة ثابتة للفعل الناقص (برح) مع أداة النفي.
وأما نموذجا النمط الثالث فقد وردا بهذا الشكل بصورة إجبارية؛ إذ إن الفعل الناسخ فيهما (كاد) من أفعال المقاربة التي تستوجب أن يكون الخبر جملة فعلية فعلها مضارع، والسلب فيهما مؤكد ؛ لأن أداة النفي دخلت على فعل المقاربة، وسلبه يعد ضربا من التوكيد في سلب الدلالة من المسند الذي تمثله الجملة الفعلية.
__________
(1) انظر: مغنى اللبيب 322 ط خامسة دار الفكر بيروت 1979 وانظر كذلك ابن يعيش: شرح المفصل 8/111 ط بيروت عالم الكتب بدون تاريخ
(2) انظر : انظر : ابن يعيش : شرح المفصل 8/108(1/23)
وعلى شاكلة نماذج النمط السابق في توكيد دلالة السلب جاءت نماذج النمط الرابع المكون من حرف النفي (لا) + فعل مساعد + أن + مضارع أساسى؛ لأن دخول الفعل المساعد في التركيب يزيد من نسبة توكيد سلب المعنى من الفعل الأساسى، ووظيفة التوكيد هذه التي يحملها الفعل المساعد تكون في حالة السلب أو النفي فقط ، وتُفقد في حالة الإيجاب ؛ حيث إنه في حالة الإيجاب يحمل الفعل المساعد درجة من درجات السلب للفعل الأساسى قد تستمر، فيكون الفعل الأساسى مسلوب المعنى ، وقد تنقطع فتكون دلالة الفعل الأساسى مثبتة إيجابية ، وقد أشرنا إلى ذلك في المظهر الأول من مظاهر السلب.(1/24)
ولا يبعد عن النماذج السابقة نماذج النمط الخامس ؛ فكلها تحمل دلالة التوكيد في السلب، غير أن التوكيد فيها ليس في معنى الفعل ، بل في سلب معانى العناصر التوسيعية الملحقة بالجملة الدنيا المسلوبة الحدث ؛ حيث تكرر الحرف (لا) أكثر من مرة في كل نموذج قبل الأسماء المعطوفة على المفعول، كما في قوله عن التركى: "لا يعرف عدلا ولا دينا ولا قانونا ولا يعرف احتشاما" ، فتكرار الحرف النافي في العناصر التوسيعية يحمل دلالة التوكيد في السلب ؛ لأنه حرف زائد ، وهذا ما أشار إليه النحاة والمفسرون عند حديثهم عن حروف الزيادة في القرآن(1)، فقد نقل السيوطى عن طائفة من العلماء أن الزائد جئ به للتوكيد(2)، وقال ابن تيمية : "لا يذكر القرآن لفظا زائدا إلا لمعنى زائد ، وإن كان في ضمن ذلك التوكيد"(3)وذكر الرضى الاستراباذى أن الزائد له فائدتان : معنوية ولفظية ، فأما المعنوية فهي زيادة تأكيد المعنى الثابت وتقويته ، وأما اللفظية فهي تزيين اللفظ"(4).
__________
(1) انظر: د.صالح الوهيبى : اختلاف العلماء في الحروف الزائدة في القرآن. مجلة جامعة الملك سعود ـ كلية الآداب (1) المجلد (13) 2001
(2) انظر : السيوطى : الأشباه والنظائر 2/158 : 165 ط 1985
(3) انظر : مجموع فتاوى ابن تيمية 16 ط بيروت 1398هـ
(4) انظر : شرح الكافية لابن الحاجب 4/463(1/25)
وثمة احتمال آخر للحرف المكرر من حيث وظيفته ، وهو أن يكون الحرف جاء لنفي جملة فعلية محذوفة ومذكور مفعولها ، وهذا رأى جماعة من النحويين(1). وعلى ذلك تكون البنية العميقة للجملة متمثلة في أربع جمل : لا يعرف عدلا ولا يعرف دينا ولا يعرف قانونا ولا يعرف احتشاما. وأنا أرجح أن يكون الحرف المكرر زائدا لتوكيد نسبة السلب وأن ما بعده منفي بالحرف الأول؛ لأنه معطوف على المنفي قبله، والدليل على ذلك أنه يجوز حذف الحرف المكرر من الجملة، والعناصر التوسيعية منفية بواسطة حرف العطف؛ لأنه يُعطف به في الإيجاب والنفي، وهذا ما أشار إليه سيبويه فيما نقله السيرافي عنه في قوله بـ"إن سيبويه حينما تحدث عن حروف العطف بدأ بالواو ؛ لأنها أقوى حروف العطف ؛ لأنها تعطف بها في الإيجاب والنفي والجحد ، وفي كل ضرب من الفعل ، تقول في الجحد: ما قام زيد وعمرو، وفي الإيجاب: قام زيد وعمرو"(2).
هذا .. وقد استعمل طه حسين ذلك النمط التركيبي في مواضع أخرى من الرواية، كقوله: "ما رأيت كاليوم رجلا يشبه النساء وامرأة تشبه الرجال 21/131" وقوله: "لا تشارك في جدّها وهزلها إلا أيسر المشاركة" 23/157
أما نماذج النمط السادس فهي مختلفة عن نماذج الأنماط السابقة من حيث شكل النمط؛ إذ دخلت (لا) على جملة فعلية فعلها ماض، ولم يكن في ذلك مخالفة لقواعد النحو العربى؛ فإن كان الأصل فيها دخولها على الفعل المضارع الذي يحمل زمن الاستمرار ـ أو الحال أو الاستقبال حسب القرينة السياقية ـ فإنهم لم يمنعوا دخولها على الفعل الماضى ، واستدلوا على ذلك بعدة نماذج؛ منها قوله تعالى "فلا صدق ولا صلى" أى لم يصدق ولم يصلِّ(3).
__________
(1) انظر : ابن هشام : مغنى اللبيب 464
(2) انظر : شرح كتاب سيبويه ـ مخطوط ورقة 218 تحت التحقيق. د/عوض القوزى
(3) انظر : ابن يعيش : شرح المفصل 8/108(1/26)
ومن ثم نخلص إلى أن (لا) حرف نفي صالح للدخول على الجملة الفعلية بفعليها الماضى والمضارع، وبالتالى فهي صالحة للأزمنة الثلاثة دون قيد، وإن كان الكاتب قد استعملها في كل نماذج هذا النمط في سياق جملة مركبة منفية بناف آخر ثم جاءت (لا) في سياق عطف، وقد استعمل الكاتب معها الظرف (قط) الحامل دلالة المضى من الزمن في النموذج الأخير؛ مما يؤكد صلاحية دخولها على الفعل الماضى، وقد صرح النحويون بذلك شريطة تكرارها أو سبقها بناف آخر.
وأما في نماذج النمط السابع فالحرف (لا) جاء مفردا لسلب دلالة جملة محذوفة تفهم من الكلام السابق للحرف ، وهذا نمط من أنماط الإيجاز في التركيب؛ حيث تكون (لا) حرف جواب يفيد النفي بعد سؤال مثبت، وكثيرا ما تحذف الجملة بعدها.
وعلى شاكلة هذه النماذج جاءت نماذج النمط الثامن ، غير أنها زادت عليها بناف مغاير بعده جملة فعلية تعتبر إجابة عن السؤال المطروح سلفا، والمغايرة في أدوات النفي داخل التركيب يعد ضربا من ضروب التوكيد في السلب، وقد استخدم الكاتب النافي (ما) ليحمل الدلالة الزمنية التي يحملها الحرف (لا).
ب ـ أنماط الجملة الفعلية المسلوبة بـ(لم):
بلغ عدد الجمل الفعلية المسلوبة بواسطة النافي (لم) خمسمائة وستا وثلاثين جملة تنوعت على الأنماط التالية :
1ـ لم + مضارع أساسى :
ـ فهي لم تُتخذ من الطين 1/7
ـ ولكن صاحبه القاهرى لم يتح له ذلك 1/8
ـ ولم يعرف أن أسرته احترفت شيئا غير التجارة 1/9
ـ ولكنه لم يتجر في الماشية 1/12
2ـ لم + مضارع أساسى + ظرف :
ـ ولم يقدر قط أن الموت فرق بينه وبينها 5/27
ـ يغرس هذه الشجرة في قلب صبية لم تبلغ بعد الثالثة من عمرها 6/33
ـ فإذا هي لم تُكلف قط بزوجها كما تكلف به الآن 7/39
ـ لم يمدد إلى شيء من ذلك يده بعد لأنه لم يزل في صلاته 7/42
ـ كان شديد النشاط لم يشعر بعد بالضعف ولم يحتج بعد إلى الراحة 10/61(1/27)
ـ سمع أن صغرى بناته جميلة رائعة الجمال لم تبلغ الرابعة عشرة من عمرها بعد 15/94
3ـ لم + مضارع أساسى + ناف مغاير :
ـ وقد ارتحل عبد الرحمن في بعض شأنه التجارى .. في ذلك الوقت الذي لم تكن فيه القطر ولا السيارات 1/11
ـ كانت مباركة لم يحسّ في أيامها ضيقا ولا ضنكا 9/50
4ـ لم + مضارع ناسخ :
ـ وكان واضحا أن أحدهما لم يكن من أهل الإقليم 1/7
ـ كان يعيش في أيام لم تكن حياة الأبناء فيها شيئا مادام آباؤهم ناهضين بما كان ينهض به الآباء 10/57
5ـ لم + مضارع ناسخ + ناف مغاير :
ـ والشيء الذي لا شك فيه أن أخلاق هذه الفتاة لم تكن مطردة ولا منسجمة ولا ملائمة للمألوف من أخلاق أترابها 1/10
ـ وإذا لم تكن الفتاة جميلة رائعة الجمال ولا حسنة بارعة الحسن فلا أقل من أن تكون صناعا 23/155
6 ـ لم + مضارع ناسخ + مضارع أساسى :
ـ ولم يكد الرجلان يأخذان مجلسيهما حتى أقبل الخادم..1/7
ـ ولم يكن النهار يكفيه ليرضى حاجته من هذه الزيارات 4/23
ـ ولم يكن يقدر أنه سينتهي بامرأته إلى الموت 5/27
ـ ويلقى إليها كلمات حلوة لعلها لم تكن تخلو من تكلف 23/151
7ـ لم + مضارع ناسخ + مضارع أساسى + ناف مغاير :
ـ ولكنى لم أكن أقطع بذلك ولا أجرؤ على تقديره عن أن أحدثك فيه 1/16
ـ فهو لم يكن يفكر في جمال ولا حسن ولم يكن يحفل بالولد ولا بتدبير أمر المنزل ولم يكن يشفق من وحدة ولا يبتغى أنيسا 4/22
ـ لولا أن أزواجه وبنيه لم يكونوا يقدرون أزمته في تجارة ولا يعرفون من ضيق ذات يده شيئا 17/109
ـ لأنه لم يكن يبتغى استعلاء ولا جاها ولا بعد صوت 19/130
8ـ لم + مضارع ناسخ + ماض :
ـ ولم يكن خالد قد شرب القهوة بمحضر أبيه قبل اليوم 7/43
ـ فلم يكن علىّ قد أنبأه بأكثر من أن ابنته مريضة 8/45
9ـ لم + مضارع مساعد + مضاع أساسى :
ـ ثم انصرفا ولم يستطع علىّ أن يراجع الشيخ في شيء 1/16
ـ فنام حيث هو ولم يرد أن يأوى إلى الفراش 5/28(1/28)
ـ ولم يرد مع ذلك أن يستريح ولا أن يشرب القهوة 8/46
ـ ولم تحاول أم خالد أن تصرف ابنها عن هذا الزواج ولا أن تنفره منه 4/22
10ـ لم + مضارع ناسخ + مضارع مساعد + مضارع أساسى :
ـ لأنهم لم يكونوا يستطيعون أن يصنعوا شيئا 26/183
ـ التحليل :
الحرف (لم) من العناصر التوسيعية الخاصة بالجملة الفعلية(1)ذات الفعل المضارع وتحمل ثلاث وظائف : وظيفة عامة هي النفي ، ووظيفة خاصة بالتأثير الإعرابى على الفعل وهي الجزم ، ووظيفة خاصة بتحديد زمن الفعل في المضى، وهذا ما نص عليه النحويون ، فقد صرح ابن السراج بأن (لم) من الحروف الجازمة التي لا يقع موقعها غيرها ولا تحذف من الكلام إذا أريدت، وهي تدخل على الأفعال المضارعة واللفظ المضارع والمعنى معنى الماضى، تقول: لم يقم زيد أمس"(2). ويقول ابن عصفور: "(لم) وهي لنفي الفعل الماضى المنقطع"(3).
وإذا ما أعدنا قراءة النماذج السابقة نجد أن (لم) جاءت متبوعة بالفعل الأساسى، في نماذج النمطين الأول والثانى، والنفي بها مؤكد في نماذج النمط الثانى من خلال الظرف (قط) الذي يدل على الماضى المنقطع، والظرف (بعد) الذي يدل على الماضى المتصل بالحاضر.
وجاءت (لم) متبوعة بالمضارع الناسخ في إطار جملة اسمية منسوخة بفعل؛ وظيفته وضع الجملة الاسمية في إطار زمنى محدد من خلال التركيب الذي يجمع الأداة مع الفعل(4)، والزمن المحدد هنا هو الماضى المنقطع كما في نموذجى النمط الرابع.
__________
(1) العناصر التوسيعية ثلاثة أنواع : عناصر خاصة بالجملة الاسمية كالحروف الناسخة، وعناصر خاصة بالجملة الفعلية كأدوات النفي (لم ، لن ، لما) وأدوات الاستقبال (السين وسوف)، وعناصر مشتركة كالتوابع وغيرها .
(2) انظر : الأصول 2/156 وانظر كذلك ابن جنى : اللمع 192 ط ثانية 1985
وانظر كذلك: Blachere : Grammaire..p 404
(3) انظر : المقرب 297 ط سابعة بغداد 1986
(4) انظر : Blachere : Ibid. p.391(1/29)
وفي نماذج النمط السادس جاءت (لم) متبوعة بالمضارع الناسخ فالمضارع الأساسي في إطار تركيب يعبر عن زمن الماضى المستمر، وهو أحد الأزمنة النحوية التي يعبر عنها فعلان الأول ناسخ ماض والثانى أساسى مضارع، وسلب دلالة المسند في هذا التركيب مؤكد من خلال سلب الفعل الناسخ؛ لأن سلب الفعل الناسخ يؤكد بالضرورة سلب الفعل الأساسى .
وهذه الدرجة من توكيد سلب دلالة الفعل تتحقق في نماذج النمط التاسع؛ لأن السلب واقع على الفعل المساعد ، فسلبه توكيد للسلب في الفعل الأساسى التالى له، وتزيد نسبة توكيد السلب في الفعل الأساسى حينما يقع السلب على فعل ناسخ بعده فعل مساعد يعقبه فعل أساسى، كما في نماذج النمط العاشر.
ولم تنته صور التوكيد عند هذا الحد من العرض ، فهناك صور أخرى لتوكيد سلب المعنى من الفعل الأساسى ، وذلك حينما يؤكد الماضى الأساسى بأداة توكيد مناسبة له، كما في نماذج النمط الثامن .
وقد يبدو التوكيد في معنى السلب من خلال تكرار الأداة ، والسلب المؤكد في مثل هذه الحالة هو سلب دلالة العنصر التوسيعى المعطوف على عنصر توسيعى مرتبط بالفعل المسلوب الدلالة ، كما في نماذج النمطين الخامس والسابع، وإن كانت نسبة السلب أكثر توكيدا في نماذج النمط السابع لطبيعة التركيب فيها .(1/30)
تبقى الإشارة إلى أن الكاتب كثيرا ما استعمل الظرف (بعد) مع (لم)، وفي هذا تناقض لمعنيهما؛ لأن (لم) تدل على النفي في الماضى المنتهي أو المنقطع، وبالتالي يناسبه الظرف (قط) الذي استعمله الكاتب في مواضع كثيرة من الرواية، وأن الظرف (بعد) يشير إلى زمن المستقبل ، وبالتالى يناسبه الظرف (لما) الذي يدل على النفي في الماضى المتصل بالحاضر مع توقع حدوثه في المستقبل. وهذا الاستعمال من الكاتب له احتمالان أحدهما نستبعده عن الكاتب وهو أنه لم يفرق في الاستعمال بين دلالات الحروف والظروف، والآخر أن الكاتب تعمد أن يستعمل الحرف (لم) بدلالة (لما) وهذا ما نرجحه والدليل أنه استعمله في مواضع كثيرة من كتاباته الأدبية والنقدية الأخرى حتى صار استعمال هذا التركيب سمة من سمات الكاتب اللغوية، ولننظر إلى قوله في رواية ما وراء النهر(1): "وأصغرهم علىّ لم يتجاوز الثانية عشرة بعد صـ16" وقوله: "ولم يحن حينه بعد 103"، وفي كتابه في الشعر الجاهلى يقول: "حركة النقد هذه بالقياس إلى اليونان والرومان لم تنته بعد95" ويقول كذلك: "ولكنى لم أفرغ بعد من أمر هذه العصبية 95" وفي موضع ثالث يقول: "لم تكن تكتب شعرها بعد 99"، وهذا الأمر جائز لغويا، بيد أنه صالح في مواضع دون مواضع؛ كما قال ابن جنى(2)؛ والكاتب في ذلك شأنه شأن غيره في استعمال ما هو مخالف للقاعدة النحوية، فالنحويون واللغويون أنفسهم استعملوا مثل هذا التركيب، ولننظر مثلا إلى ابن فارس في قوله: "وإنما كان كذا لأن الشيء كان وإن لم يكن بعد"(3)، وابن هشام في قوله: "..وهو دليل على أن التوفية لم تقع بعد وأنها ستقع"(4).
__________
(1) يمكن العودة إلى د.محمد عبدالرحمن : أنماط النفي في رواية ما وراء النهر ـ النفي بـ(لم)
(2) انظر : الخصائص : باب استعمال الحروف بعضها مكان بعض
(3) انظر : الصاحبى في فقه اللغة 99
(4) انظر : مغنى اللبيب 372(1/31)
كذلك مما تجدر الإشارة إليه استعمال الكاتب (لعل) مع الماضى في مواضع متعددة من الرواية، كقوله : "لعلها لم تكن تخلو من تكلف 151"، و"لعل عواطف خفية كانت تعبث بهذا القلب الكريم 184"، و"أتذكرين أم رضوان أم لعلك نسيتها138". وهذا الاستعمال اختلف فيه النحويون؛ لأن (لعل) تفيد الترجى في المحبوب والإشفاق من المكروه ، وكلاهما واقع في الاستقبال، فكيف تستعمل مع الماضى؛ ومن هنا جاء اختلاف النحاة ، فمنعه بعضهم وأجازه آخرون(1). والباحث يرى أن (لعل) هنا تحمل دلالة أخرى هي دلالة الاحتمال مثل (ربّ) ، ومثلها في ذلك مثل (عسى) التي تفيد الرجاء والإشفاق ، وتأتى كذلك للاحتمال(2)، وقد استعمل الكاتب (لعل) بمعنى (عسى) في مواضع كثيرة من الرواية كما في قوله: "فلعل الله أن يردّ إلى نفيسة صحتها106" و"لعله أن يفتح لقلبها البائس فرجة أمل 106" و"فلعله أن يرى لنا في الأمر رأيا126" ، وهذا الاستعمال متوافق مع كلام العرب والنحاة ؛ إذ أجازوا دخول (أن) على خبر (لعل) حملا على (عسى)(3).
ج: أنماط الجملة الفعلية المسلوبة بـ(ما):
بلغ عدد الجمل الفعلية المسبوقة بـ(ما)أربعا وتسعين جملة ، توزعت على الأنماط التالية :
1ـ ما + ماض أساسى :
ـ علام أصبر وفيم أمتحن .. وما أنكرت شيئا 6/35
ـ والله يا أبت ما تكلفت شيئا 18/120
ـ وما علمت أن امرأتى تكلفت شيئا 18/120
2ـ ما + ماض أساسى + ظرف
ـ فما أحب شيئا قط كما أحب شروق الشمس 7/41
ـ ثم قال في ابتسامة ما رأيت قط أعذب منها 9/56
3ـ ما + ماض أساسى + ناف مغاير :
ـ فما رأيت امرأة أقبح من ابنتى شكلا ولا أبشع منها منظرا 1/8
ـ ما رأيت كاليوم جدلا ولا شغبا 16/101
ـ ما رأيت أطول ولا أحدّ من هذا اللسان 17/113
4ـ ما + ماض ناسخ :
ـ والله ما هكذا كان فيك الأمل يا غزالى 12/73
__________
(1) انظر : ابن هشام : مغنى اللبيب 380
(2) انظر : Blachere : ibid p.269
(3) انظر : ابن هشام : المرجع السابق 379(1/32)
5ـ ما + ماض ناسخ + مضارع أساسى :
ـ وما كنت أعرف أن الشيخ يعلم أن لى ابنة 1/17
ـ وما كان لها أن تفعل 4/22
ـ وما كان الشيخ ليقبل أن يزرأ أحد من أصحابه في حاله قليلا أو كثيرا 11/68
6ـ ما + ماض ناسخ + مضارع مساعد + مضارع أساسى :
ـ وما كان ينبغى أن نتحدث فيه وأنت غائب 15/99
7ـ ما + مضارع أساسى :
ـ قال عبدالرحمن : ما أدرى 1/14
ـ وما أشك في أنه سيقبل مسرعا 7/44
ـ وما أرى أنه سيغم علينا غدا ، وما أرى أننا سنكمل شعبان 12/72
ـ فما أدرى ماذا أقول 15/99
8ـ ما + مضارع مساعد + مضارع أساسى :
ـ ما أظنه يطول 16/107
ـ وما ينبغى أن نتحرى الدقة حين نسمع شيوخنا يتحدثون 1/15
ـ وما ينبغى لها أن تثير ابنها على أبيه 4/22
ـ فما ينبغى أن أتخلف عن مصاحبة الشيخ 9/56
ـ وما ينبغى لها أن تحمل 12/77
ـ التحليل :(1/33)
تعد (ما) من أدوات النفي العامة، تقتحم الجملة الاسمية والجملة الفعلية بفعليها الماضى والمضارع على حد سواء، وإن كان النفي بها مع الماضى مؤكدا؛ لأن جملتها المثبتة تكون مؤكدة بـ(لقد)، يقول سيبويه: "إذا قلت: (فعل) فإن نفيه (لم يفعل)، وإذا قلت : (قد فعل) فإن نفيه (لمّا يفعل) وإذا قال: (لقد فعل) فإن نفيه (ما فعل)، وإذا قال: (هو يفعل) أى هو في حال فعل فإن نفيه (ما يفعل) ، وإذا قال: (هو يفعل) ولم يكن الفعل واقعا فنفيه (لا يفعل) ، وإذا قال : (ليفعلنّ) فنفيه (لا يفعل)، وإذا قال : (سوف يفعل) فإن نفيه (لن يفعل).."(1)، وعلى ذلك جاءت نماذج النمط الأول ، ويمكن أن تزداد نسبة التوكيد في السلب إذا اقتحم الجملة ظرف مختص بالزمن الماضى كما في نماذج النمط الثانى ، وقد يتنوع السبب في توكيد السلب، فبدلا من الظرف نجد أداة نفي أخرى في التركيب المسلوب بـ(ما)، كما في نماذج النمط الثالث. ولا فرق بين دخول (ما) على فعل أساسى وفعل ناسخ في الدلالة على السلب سوى أن السلب في الفعل الناسخ هو سلب للمسند أو الخبر؛ لأن الفعل الناسخ لا يحمل حدثا أو معنىً ما ، كما في نماذج النمط الرابع، وإذا جاء في التركيب فعل ناسخ بعده مضارع أساسى يمثل المسند يكون السلب مؤكدا؛ لأن هذا التركيب يدل على زمن الماضى المستمر ، وبالتالى فالسلب مستمر في زمن المضى، كما في نماذج النمط الخامس ، ومن وسائل التوكيد في السلب ـ إضافة إلى ما سبق ـ لام الجحود التي تقتحم الجملة المنفية(2)، فإذا اجتمعت لام الجحود مع فعل ناسخ منفي بـ(ما) وفي خبره مضارع أساسى كان السلب أكثر توكيدا مما سلف، وهذا ما نجده في النموذج الأخير من النمط الخامس .
__________
(1) انظر : سيبويه : الكتاب 3/117 تحقيق عبد السلام هارون
(2) انظر : الغلايينى : جامع الدروس العربية 2/176(1/34)
وثمة صورة أخرى للتركيب يكون السلب فيها أكثر توكيدا ، وذلك حينما يجمع التركيب المنفي فعلا ناسخا ومضارعا مساعدا ومضارعا أساسيا على التوالى، كما في النمط السادس.
أما دخول (ما) على جملة فعلها مضارع فهي تفيد سلب الدلالة في زمن محدد هو زمن الحاضر ، يقول سيبويه : "..وإذا قال : (هو يفعل) أى هو في حال فعل فإن نفيه (ما يفعل)، وإذا قال : (هو يفعل) ولم يكن الفعل واقعا فنفيه (لا يفعل).."(1)، ولا يحمل التركيب بهذه الصورة توكيدا في السلب، كما في نماذج النمط السابع. ويصير السلب مؤكدا إذا دخلت (ما) على فعل مساعد بعده الفعل الأساسى كما في نماذج النمط الثامن .
دـ أنماط الجملة الفعلية المسلوبة بـ(لن) :
بلغ عدد الجمل الفعلية المسبوقة بـ(لن) اثنتين وعشرين جملة؛ تمّ توزيعها على الأنماط التالية :
1ـ لن + فعل أساسى :
ـ فإنها لن تحتمل الضرائر 12/77
ـ فإن خالدا لن يتزوج قبل أن يحول الحول على موت حميه 16/106
ـ لن تأذن بأن يفرق مفرق بينها وبين ابنتها 20/137
ـ قال خالد : حاش لله ! لن يكون هذا وانا حىّ 21/137
2ـ لن + فعل ناسخ :
ـ ولست أشك في أن حظى من رضوان الله لن يكون أقل من حظك 22/145
3ـ لن + فعل مساعد + فعل أساسى :
ـ أحس ذات يوم أنه لن يستطيع أن يثبت لهذه الشياطين الجديدة 9/52
ـ ألم أقل لك إنك لن تستطيع أن تنفر معنا 13/83
ـ التحليل :
__________
(1) انظر : سيبويه : مرجع سابق 3/117(1/35)
لن : من أدوات النفي الخاصة بالجملة الفعلية ذات الفعل المضارع، وهي ذات وظائف ثلاث: النفي وهو وظيفة دلالية عامة ، والتأثير الإعرابى على الفعل والمتمثل في النصب ، والتحديد الزمنى ؛ إذ تحصر الفعل المضارع في زمن المستقبل، فهي نفي لـ(سيفعل أو سوف يفعل) ، يقول سيبويه: "وإذا قال: (سوف يفعل) فإن نفيه (لن يفعل).."(1)، ويقول ابن فارس: "لن : تكون جوابا للمثبت أمرا في الاستقبال، يقول: سيقوم زيد، فتقول: لن يقوم، وحكى عن الخليل أن معناها (لا أن) بمعنى ما هذا وقت أن يكون كذا.."(2)ويقول ابن يعيش: "اعلم أن (لن) معناها النفي وهي موضوعة لنفي المستقبل، وهي أبلغ في نفيه من (لا)؛ لأن (لا) تنفي يفعل إذا أريد به المستقبل، و(لن) تنفي فعلا مستقبلا قد دخل عليه السين أو سوف"(3)وهذا واضح في نماذج النمط الأول ونموذج النمط الثانى المحتوى على جملة اسمية مستقبلية الزمن من خلال تركيب (لن يكون)، ويتأكد السلب حينما يقع بين (لن) والفعل الأساسى فعل مساعد، كما في نماذج النمط الثالث.
هـ: أنماط الجملة الفعلية المسلوبة بـ(لمّا):
لم يتجاوز عدد الجمل المسلوبة بواسطة (لما) خمس جمل ، كلها تمثل نمطا تركيبيا واحدا هو :
ـ لما + فعل مضارع أساسى : ومن نماذجه قوله:
ـ توفي عنه أبوه محمد ولما يبلغ السنتين من عمره 10/62
ـ فقد ماتت زبيدة ولما تتقدم بها السن 22/145
ـ وقد عرفت سميحة الدموع ولما تتم السابعة عشرة من عمرها 23/154
ـ التحليل :
__________
(1) انظر : الكتاب 3/117
(2) انظر : الصاحبى في فقه اللغة 120
(3) انظر : شرح المفصل 8/111 وانظر : Blachere : Ibid. p. 401(1/36)
لمّا: من الأدوات النافية الخاصة بالجملة الفعلية ذات الفعل المضارع، وهي تقوم بثلاث وظائف : وظيفة دلالية عامة هي النفي ، ووظيفة خاصة بالتأثير الإعرابى على الفعل هي الجزم ، ووظيفة خاصة بزمن الفعل ؛ حيث تنقل زمن الفعل المضارع من الاستمرار إلى الماضى المتصل بالحاضر مع توقع حدوث الحدث في المستقبل، يقول ابن عقيل: "ولمّا يقم عمرو: لا يكون النفي بلما إلا متصلا بالحال"(1).
ويفرق الغلايينى تفريقا دقيقا بين (لم) و(لما) بقوله: "لم : للنفي المطلق، فلا يجب استمرار نفي مصحوبها إلى الحال، بل يجوز الاستمرار ويجوز عدمه، ومنه قوله تعالى (لم يلد ولم يولد)؛ ولذلك يصحّ أن تقول: لم أفعل ثم فعلت، وأما (لما) فهي للنفي المستغرق جميع أجزاء الزمن الماضى حتى يتصل بالحال ؛ لذلك لا يصح أن تقول (لما أفعل ثم فعلت)؛ لأن معنى قولك (لما أفعل) أنك لم تفعل حتى الآن، وقولك (ثم فعلت) يناقض ذلك؛ لهذا تُسمَّى حرف استغراق. والمنفي بـ(لم) لا يتوقع حصوله، والمنفي بـ(لما) متوقع حصوله، فقولك : لما أسافر ، فسفرك منتظر"(2).
فإذا ما نظرنا للنماذج السابقة نجد أن النموذجين الأول والثالث متوافقان مع قواعد النحاة، أما النموذج الثانى فغير متوافق ؛ لأن فعل الموت من حيث دلالته لا يصلح مع (لما)؛ حيث إنه ليس هناك توقع لتقدم السن بعد الموت، ومن ثم كان ينبغى على الكاتب أن يستخدم هنا (لم)؛ وبناء على ذلك فالكاتب غير موفق في هذا الاستعمال ، ويمكن أن يكون قد اعتاد على استعمال الحروف بعضها مكان بعض، وإن كان كذلك فهو أيضا غير موفق في مثل هذا التركيب.
أدوات نفي الجملة الاسمية وأنماطها:
تنوعت أدوات النفي الخاصة بسلب الجملة الاسمية ما بين : ليس ولا وما وإنْ، كما تنوعت أنماط الجملة الاسمية المسبوقة بهذه الأدوات على النحو التالى:
__________
(1) انظر : شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 4/26 ط 20 القاهرة 1980
(2) انظر : جامع الدروس العربية 2/184(1/37)
أـ أنماط الجملة الاسمية المسلوبة بـ(ليس) :
بلغ عدد الجمل الاسمية المسبوقة بـ(ليس) تسعا وسبعين جملة ، يمكن توزيعها على الأنماط التالية :
1ـ ليس + اسمها + خبرها (اسم مفرد):
ـ إذا تقدم للفرز رُد لأنه ليس صالحا للخدمة العسكرية 1/12
ـ كان يجد نوعا آخر من الشعور ليس أقل من هذا النوع تأثيرا في قلبه10/60
ـ سأنصرف طاعة لأمرك ولكنى لست راضيا 12/76
2ـ ليس + اسمها + جار زائد + خبرها (اسم مفرد):
ـ ليس وجهي بالرائع 6/30
ـ ولسنا بالمغفلين ولا بالحمقى 10/65
3ـ ليس + جار زائد + اسمها + خبرها (شبه جملة):
ـ وليس من شك في أن أم خالد أذعنت لأمر الشيخ طائعة 3/20
ـ ولكن ليس من شك في أن أم خالد لم تكد تكد ترى نفيسة حتى ارتاعت 3/40
ـ وليس من شك في أن طرفا منها يصل إلى هذا الرأس المتقد 7/40
4ـ ليس + خبرها (شبه جملة) + اسمها :
ـ ربما اضطرت إلى شيء بين ذلك ليس فيه اطمئنان ولا ثورة 1/10
ـ واستطاع أن يترك لابنه علىّ ثروة ليس بها بأس 1/12
ـ ولكن الشيء الذي ليس فيه شك هو أن المرأة البائسة قد فقدت ثقتها بالزوج 5/26
ـ وهو كذلك هامد جامد كأن ليس له حظ من حياة 7/42
ـ وليس في هذا شيء من بدع 10/57
5ـ ليس + اسمها + خبرها (جملة فعلية) :
ـ ولست أفرق بين الولد مخافة الإملاق 10/58
ـ ولست أدرى ماذا أصاب الناس في هذا العام 12/73
ـ فليس يعنى الناس ما يصيبك من خير و شر 17/112
ـ التحليل :(1/38)
لا خلاف بين العلماء في أن (كان وأخواتها) أفعال ـ ناقصة أو تامة ـ إلا (ليس) فقد اختلفوا فيها ، أفعل هي أم حرف؟ ، وعلى الرغم من أن غالبية الآراء رجحت كون (ليس) فعلا فإن الباحث يتفق مع القلة التي رجحت كونها حرفا(1)، وهو حرف ذو وظيفتين : وظيفة دلالية عامة هي النفي، ووظيفة نحوية هي التأثير الإعرابى على الجملة الاسمية، وقد اعتمد الباحث في رأيه هذا على عدم قبول (ليس) لشروط الفعل إلا شرطا واحدا(2)هو قبولها ضمائر الرفع المتصلة.
ومن المحتمل أن تكون (ليس) في أصل وضعها اللغوي فعلا، ثم تجمدت فانتفت عنها كل شروط الفعل إلا ما ذكرنا واستعملت على صورة واحدة، وفي هذه الحالة تكون الجملة الاسمية بعدها غير موضوعة في إطار زمنى محدد ، وإنما تدل على الثبات في الإخبار المسلوب الدلالة.
__________
(1) انظر : د.علاء الحمزاوى : التعبير الاصطلاحي في الأمثال 73 : 74 وللمزيد ينظر: ابن السراج : الأصول 2/228 ط ثالثة بيروت 1998 والزمخشرى : المفصل 268 وابن يعيش : شرح المفصل 7/97 وابن عقيل : شرح الألفية 1/262 وابن هشام : مغنى اللبيب 387 والأزهرى: تنقيح الأزهرية 73 ط/أولى بيروت 1992 ود.تمام حسان : اللغة العربية معناها ومبناها 131 ط القاهرة 1973 ود.مهدى المخزومى: في النحو قواعد وتطبيق 137 ط ثالثة 1985 وانظر: Blachere : Grammaire de l;arabe classique . p. 403
Andre Roman : Grammaire de l;arabe. pp.104 ,105
(2) شروط الفعل من وجهة نظر الباحث :
ـ أن يكون في الماضى مفتوح العين أو مضمومها أو مكسورها
ـ أن يقبل التصريف والاشتقاق .
ـ أن يقبل أدوات الجملة الفعلية كأدوات الشرط والنفي والاستقبال والتوكيد .
ـ أن يشغل وظيفة المسند في الجملة .
ـ أن يدل على زمن ما (ماض أو مستمر : حال واستقبال) .
ـ أن يقبل ضمائر الرفع المتصلة .
ـ أن يستعمل منه المصدر مع مفعوله في جملة واحدة نحو (ضربت زيدا ضربا مبرحا)(1/39)
وإذا سلمنا جدلا بأنها فعل وفاقا لرأى الأغلبية فالجملة مسلوبة في زمن الحال(1)غير مؤكدة من داخلها كما في نماذج النمط الأول، وإذا أريد توكيد سلب أحد عنصري نواتها سُبق بحرف جر زائد ؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى وقوة المعنى من قوة اللفظ(2)، وزيادة المعنى هي التوكيد، وهذا واضح في نماذج النمط الثاني؛ حيث أكد الكاتب دلالة السلب في عنصر المسند (الخبر) بحرف الباء الزائد، وقد يتحول التوكيد في السلب من عنصر المسند إلى عنصر المسند إليه كما في نماذج النمط الثالث؛ حيث أكد الكاتب المسند إليه بحرف (من) الزائد، والمسند إليه المؤكد السلب هنا هو الشك، وهذا يعنى توكيد الإثبات في جملة الخبر.
__________
(1) يقول الزمخشرى : "وليس معناه نفي المضمون في الجملة ، تقول : ليس زيدا قائما الآن ولا تقول: ليس زيد قائما أمس أو غدا" انظر : المفصل 268 ويقول خالد الأزهرى: "ليس فعل لنفي الحال عند الإطلاق والتجرد عن القرينة" تنقيح الأزهرية 73 ط أولى بيروت 1992
(2) اللفظ الزائد هو اللفظ الذي يستقيم التركيب بإسقاطه ؛ ومن ثم فالزائد لا يسلب اللفظ المتصل به وظيفته في الجملة، إن كان مبتدأ قبل الزيادة ظل مبتدأ بعد اتصاله بالزائد، وإن كان خبرا ظل خبرا، وإن كان فاعلا ظل فاعلا، وإن أثر على شكله الإعرابى. وقد ذكر الرضى الاستراباذى أن "الزيادة لها فائدتان: معنوية ولفظية ، فأما المعنوية فهي زيادة تأكيد المعنى الثابت وتقويته، وأما اللفظية فهي تزيين اللفظ". انظر: شرح الكافية 4/463 ومن قبل الاستراباذى عقد ابن جنى بابا أسماه قوة المعنى لقوة اللفظ وتناول فيها أمثلة كثيرة مثل (خشن واخشوشن). انظر: الخصائص ج3(1/40)
ولم يقف الكاتب عن هذا الحد من توكيد السلب لعنصري الإسناد، بل يبرع في تنوع مظاهر ذلك، فيضيف إلى ما سبق مظهرا آخر متمثلا في الترتيب المخالف بينهما، فيقدم المسند على المسند إليه، بصرف النظر عن أن إمكانية المخالفة واجبة أو جائزة، فإن كانت المخالفة على سبيل الجواز فالمخالفة هدفها توكيد سلب المعنى المقصود من المسند؛ وإن كانت على سبيل الوجوب، فالتوكيد في السلب يكون بتنكير عنصر المسند إليه؛ لأن التنكير يفيد التعميم، والتعميم في السلب يفيد التوكيد، وهذا ما نجده في نماذج النمط الرابع.
أما نماذج النمط الخامس فإنى آثرت أن أؤخرها لأنها تختلف في التركيب عن كل نماذج الأنماط الأربعة السابقة عليها في أنها تمثل جملة مركبة؛ إذ جاء عنصر المسند فيها جملة فعلية فعلها مضارع وهو يدل على التجدد والاستمرار، وليس في ذلك توكيد، وبالنظر في نماذج هذا النمط نلحظ أنه كان بإمكان الكاتب تحريرها في شكل تركيبي بسيط يمثل جملة فعلية، ومن ثم فالكاتب تعمد أن يلجأ إلى استعمال هذه الجملة المركبة التي خبرها جملة فعلية فاعلها هو في معناه المبتدأ، ولا أدرى يقينا لماذا لجأ الكاتب إلى هذا التركيب في كثير من الجمل في الرواية، هل هو مجرد تنوع في الأداء التركيبي ما بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية أو الجملة البسيطة والجملة المركبة؟ أم أن التركيب المعقد يلائم طبيعة الكاتب وظروفه الخاصة؟ أم مردّ ذلك تأثره باللغة الفرنسية ذات النمط التركيبي الواحد هو النمط الاسمى؟ كلها تفسيرات قابلة للنقاش، ولا نستطيع أن نجزم بأى منها أو بغيرها.
ب ـ أنماط الجملة الاسمية المسلوبة بـ(لا):
بلغ عدد الجمل المسبوقة بـ(لا) اثنتين وأربعين جملة تشمل الأنماط التالية:
1ـ لا + اسمها + خبرها (شبه جملة) :
ـ ويدفعه إلى ما لا صلاح له من الأمور 7/41
ـ ولكن قضاء الله لا مردّ له 7/42
ـ وحكمة الله لا تأويل لها 7/42
ـ ونظر ذات يوم فإذا هو أعزب لا زوج له 5/28(1/41)
ـ تكلفه من النفقة ما لا طاقة له ولا قدرة له عليه 11/71
2ـ لا + اسمها + خبرها (جملة فعلية) :
ـ ويقام عليها من القصور ما لا عين رأت ولا أذن سمعت .. 17/109
3ـ لا + خبرها (شبه جملة) + لا + اسم :
ـ لا تخرج منها إلا إلى جوار أبيها في تلك الدار التي لا لغو فيها ولا تأثيم 26/188
4 ـ لا + محذوف مقدر + خبرها :
ـ وإذا لم تكن الفتاة جميلة رائعة الجمال .. فلا أقل من أن تكون صناعا تحسن الإشراف على البيت 23/155
ـ ولا علينا بعد ذلك أن يسعدا أو يشقيا أحدهما أو كلاهما 1/8
5ـ تركيب لاسيما :
ـ وتحس الأشياء إحساسا دقيقا جدا ولا سيما حين تتصل بها من قريب أو بعيد 1/10
ـ فقد كانت سميحة آية في الجمال ولا سيما حين تقدمت بها السن شيئا6/30
ـ التحليل :
حرف (لا) الذي يقتحم الجملة الاسمية كعنصر توسيعى سابق يقوم بوظيفة دلالية عامة هي النفي ، ويشغل وظيفة نحوية خاصة بالتأثير الإعرابى على الجملة الاسمية بعده فيعمل عمل (إنّ) من نصب للمبتدأ ورفع للخبر في بعض المواضع، ويعمل عمل (ليس) في بعض المواضع ، وقد تنتفي عنه هذه الوظيفة النحوية وفي هذه الحالة يصلح لاقتحام الجملة الاسمية والجملة الفعلية على سواء.
وعن عملها عمل (إن) يقول ابن هشام: "أن تكون عاملة عمل إن، وذلك إذا أريد بها نفي الجنس على سبيل التنصيص، وتسمى حينئذ لا التبرئة"(1).
أما عملها عمل (ليس) فهو قاصر على أهل الحجاز ومشروط بعدة شروط: ألا يتقدم خبرها على اسمها، ولا يتقدم معمول خبرها اسمها إلا إذا كان شبه جملة، وألا تزاد بعدها (إن) الخفيفة، وألا ينتقض نفيها بـ(إلا)، وأن يكون اسمها وخبرها نكرتين، ويندر كون اسمها معرفة، وأن يراد بها نفي الواحد لا نفي الجنس(2)
__________
(1) انظر : مغنى اللبيب 313
(2) انظر في ذلك : ابن عقيل : شرح الألفية 1/312(1/42)
وتكون (لا) العاملة صاحبة الصدارة في الجملة، يقول ابن السراج عن حروف الصدارة: "هذه الحروف عاملة كانت أو غير عاملة، فلا يجوز أن يقدم ما بعدها على ما قبلها، ومن ذلك (لا) التي تعمل في النكرة النصب ، لا تكون إلا صدرا ولا يجوز أن يقدم ما بعدها على ما قبلها"(1).
فإذا نظرنا لنماذج أنماطها السالفة نجد أن (لا) فيها جاءت في صدر الجملة، وهي في نماذج النمط الأول صالحة لأن تكون نافية للجنس وأن تكون نافية للواحد، وكونها نافية للجنس أقوى في توكيد النفي من كونها نافية للواحد.
وقد يحذف أحد عنصرى النواة في جملة (لا) إذا علم من السياق، ومن ذلك حذف اسمها في نماذج النمط الرابع، وتقديره في النموذج الأول ضمير الشأن وفي النموذج الثانى كلمة (بأس). أما حذف الخبر فالعلماء مختلفون فيه من حيث وجوب حذفه وجوازه إذا عُلم، فبنوتميم والطائيون من العرب يلتزمون حذفه، والحجازيون يجيزون الحذف والإثبات، والحذف عندهم أكثر، ومن ذلك تركيب لاسيما في نماذج النمط الخامس، واستعمال الكاتب لهذا التركيب يدل على أنه يؤكد ما بعد (لاسيما) عما قبله.
وإذا تكررت (لا) جاز أن نعملهما عمل (إن) وأن نعملهما عمل (ليس)، وأن نهملهما، وأن نعمل الأولى عمل (إن) ونعمل الثانية عمل ليس، ويجوز أن نعمل إحداهما عمل إن أو ليس ونهمل الأخرى. وقد ورد على ذلك مجموعة نماذج تخضع لكل هذه القواعد، وهي نماذج النمط الثانى والثالث، والتكرار يفيد التوكيد.
ج ـ أنماط الجملة الاسمية المسلوبة بـ(ما) :
بلغ عدد الجمل المسبوقة بـ(ما) تسع جمل تمثل الأنماط التالية :
1ـ ما + اسم (مبتدأ) + جار زائد + اسم (خبر)
ـ فما أنا بالمعلم 15/92
ـ عاطفة مؤلمة تشبه الغيرة وما هي بالغيرة 20/133
2ـ ما + جار زائد + اسم (مبتدأ) + شبه جملة (خبر)
ـ وما من شك في أن الذي أقصه من أنباء هذه الأسرة يمكن أن يقص مثله من أنباء أسر أخرى 25/169
__________
(1) انظر : الأصول 2/234(1/43)
3ـ ما + اسم (مبتدأ) + إلا + اسم (خبر)
ـ رفع رأسه إلى علىّ وقال : وما توفيقى إلا بالله 7/44
ـ وما أبناؤهم إلا ظلال لهم 10/57
ـ وما هي إلا ساعات لمن يقطع الطريق ماشيا 20/129
ـ التحليل :
ما : حرف متعدد الوظائف تبعا للسياق الذي يرد فيه، ومن وظائفه العامة وظيفة النفي أو السلب وهي وظيفة دلالية؛ يقوم بها الحرف حينما يقتحم الجملة الاسمية والجملة الفعلية على حد سواء ، ولا يتعداها مع الجملة الفعلية، في حين أنه يشغل وظيفة نحوية خاصة مع الجملة الاسمية ، وهي أنه يعمل عمل ليس من رفع للمبتدأ ونصب للخبر، غير أن هذه الوظيفة مقصورة على لغة أهل الحجاز، ومشروطة بعدة شروط هي: ألا يتقدم خبرها على اسمها، وألا يتقدم معمول خبرها على اسمها إلا إذا كان شبه جملة، وألا تزاد بعدها إنْ الخفيفة، وألا ينتقض نفيها بـ(إلا)(1)، فإن انتقض شرط من هذه الشروط فقد الحرف هذه الوظيفة الخاصة واقتصر على الوظيفة الدلالية فحسب.
وإذا نظرنا لنماذج الأنماط الثلاثة نجد أن نماذج النمطين الأول والثانى (ما) فيهما مؤهلة لأن تعمل عمل (ليس)؛ حيث توافرت فيها الشروط السابقة، ونماذج النمطين مؤكدة من خلال الحرف الزائد، وقد وقع التوكيد على عنصر المسند في النمط الأول ووقع على عنصر المسند إليه في النمط الثانى أما نماذج النمط الثالث فـ(ما) فيها فقدت الوظيفة الخاصة، فلا تعمل عمل (ليس)؛ لأن نفيها منتقض بـ(إلا) ، وهذه النماذج مثبتة مؤكدة الإثبات من خلال (ما .. لا)، وسنتحدث عن ذلك في مبحث "سلب السلب".
دـ أنماط الجملة الاسمية المسلوبة بـ(إنْ):
لم يستخدم الكاتب هذه الأداة إلا في جملتين اسميتين ؛ إحداهما ذات ترتيب اعتيادى والأخرى ذات ترتيب مخالف؛ الجملة الأولى هي قوله: "ثم قال خالد: إن هي إلا أحلام يا سعيد 10/65" والثانية هي قوله "أصبح بخير يا بنى إن ورائى إلا خير 7/43".
__________
(1) انظر : الغلايينى : جامع الدروس العربية 2/292(1/44)
و(إن) في الجملتين بمعنى (ما) النافية وهي تعمل عملها بشروطها، ومن ثم فهي مهملة في الجملتين لأن نفيها منتقض بـ(إلا)، وبالتالى فالتركيب في الجملتين مثبت مؤكد الإثبات، ويبدو أن السبب في ندرة نماذج (إن) في الرواية راجع إلى أنها كثيرا ما تستخدم بهذه الصورة المثبتة المؤكدة الإثبات.
ـ أنماط الجملة المسلوبة بـ(غير):
بلغ عدد الجمل التي احتوت على (غير) كأداة اسمية للنفي تسع جمل، منها:
ـ وكان عدد هذا يزيد من عطف أبويها حتى كانت من غير شك آثر الثلاثة عند أبيها وأمها 1/11.
ـ قال : ردهما إلى لعبهما فقد كانتا تلعبان من غير شك 8/47
ـ والذين لم يصحبونى قد رأوا من غير شك هذه السفن الكثيرة 12/73
ـ وأتاح له حياة فارغة تؤذيه من غير شك 10/60
ـ التحليل :
من معانى (غير) أنها تستخدم كأداة نفي اسمية ، وقد جاءت في كل الجمل عند الكاتب لسلب الشك مسبوقة بالجار الزائد الذي يفيد التوكيد، وسلب الشك توكيد للإيجاب والإثبات في الجملة الأساسية، وعلى ذلك فالجمل كلها جمل مؤكدة الإثبات من خلال سلب الشك بـ(غير). ومن ثم فالأولى أن تدخل هذه الجمل في إطار (سلب السلب) الذي سنتحدث عنه فيما بعد .
ـ أنماط الجملة المسلوبة بـ(دون) :
بلغت عدد الجمل المسلوبة بـ(دون) كأداة نفي اسمية ثمانى جمل، منها:
ـ سنصوم هذا العام دون أن نشقى بالعمل 12/74
ـ وقد ينفق الأسبوع دون أن يراهما 16/104
ـ تنفق مالك الكثير دون أن تدخر شيئا 24/166
ـ وكانوا يرون أن أثاث الدار يبلى شيئا فشيئا دون أن يُجدد 25/175
ـ التحليل :
((1/45)
دون) اسم يستخدم كأداة نفي اسمية، ويأتى بعده اسم مفرد مجرور بإضافته إليه أو جملة فعلية مرتبطة به من خلال (أن) الخفيفة المصدرية، وقد وردت (دون) في كل نماذجها في النص الروائى متبوعة بأن مع الجملة الفعلية؛ ويجوز أن يحل محلها حرف نفي آخر، فنقول مثلا: "سنصوم هذا العام ولا نشقى بالعمل" بدلا من النموذج الوارد في النمط ، ولكن استخدام (دون) يعطى ربطا قويا بين الجملة المثبتة السابقة والجملة المنفية اللاحقة.
رابعا : السلب بأدوات الشرط الامتناعية:
الامتناع انتفاء، والانتفاء سلب ، ومن ثم كان هذا المظهر من مظاهر السلب في العربية، وأدوات الشرط الامتناعية هي (لو ، لولا ، لوما)، وما ورد منها عند الكاتب (لو ، لولا)، وعدد الجمل المسلوبة بهما خمس وسبعون جملة، يمكن توزيعها على النحو التالى.
أـ الجمل المسلوبة بـ(لو):
بلغ عدد الجمل المسبوقة بـ(لو) كأداة امتناع أو سلب أربعا وأربعين جملة، يمكن توزيعها على الأنماط التالية :
1ـ لو + فعل ماض + لام + فعل ماض :
ـ لو قال الشيخ هذه المقالة للحاج مسعود لأجهش بالبكاء 14/88
ـ عفا الله عن الشيخ فلو كان أبوه حيا لكنت رابع ثلاثتكم 15/98
ـ ولو كنت مكانك لانصرفت من عند الشيخ إلى أبى لأبشره بهذه الخطبة 15/98
ـ وتضطرهم إلى أمور لو استطاعوا لاجتنبوها 17/108
ـ لو استطاع لطلق إحداهما 22/174
ـ لو شئت لتركت لهم مالا كثيرا 25/174
2ـ لو + قد + فعل ماض + لام + فعل ماض :
ـ ولو قد فهمنا عنهم كنه ما يريدون لكنا مثلهم 1/15
ـ ولو قد فعل لردت نفيسة إلى خير ما كانت عليه من الصحة والعافية 7/44
ـ ولو قد رأيتها لرأيت شرا عظيما 16/104
ـ فلو قد كنت منهم مثلك لجاز أن يجد لى عملا 20/135
3ـ لو + فعل ماض + ما + فعل ماض :
ـ لو عاش عبد الرحمن ما بيعت هذه الدار 14/85
ـ لو كان حيا ما فرّق بينى وبين ابنتى 20/132
4ـ لو + فعل ماض + لما + فعل ماض :(1/46)
ـ ولو عرفت أنك سترد إلى قلبه الهدوء لما تحرجت وترددت 17/116
ـ ولو كان حقا لما رأيت أبى في الليلة الأولى لوفاة أمى 19/124
ـ ولو كان هذا حقا لما رأيت أمى في الليلة الثانية 19/124
5ـ لو + مصدر مؤول + جملة استفهامية :
ـ أترين لو أن روحيهما التقيا أكانا يطلبان إلىّ هذا الذي تواعدا عليه 19/124
6ـ لو + مصدر مؤول + لام + فعل ماض :
ـ لو أنها ولدت للحاج مسعود غلاما أو غلامين لكانت له معها سيرة غير سيرته20/133
7ـ لو + فعل ماض + مقدر :
ـ يصومان ويدعوان وفي قلب كل منهما خاطر ضئيل : لو رزقنا الله غلاما مكان الصبية.. 6/35
ـ هي متعتها صبية وصديقتها شابة وأختها إذا تقدمت بها السن حتى لو تزوجت 24/159
ـ نعم ! أختها لأمها حتى لو تزوجت 24/15
ـ التحليل :
تشغل (لو) عدة وظائف دلالية ؛ حيث إنها تأتى حرفا مصدريا بمعنى (أن) غير أنها لا تنصب، كما في قولك (وددنا لو تأتون عندنا) ، وتأتى حرفا للعرض والطلب نحو (لو تنزل عندنا فتصيب خيرا) ، وتأتى حرفا للشرط مفيدة الامتناع والانتفاء، امتناع الجواب لامتناع الشرط(1)، يقول ابن فارس: إنها "تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره، تقول: لو حضر زيد لحضرت، فامتنع هذا لامتناع هذا"(2). ورجح ابن عقيل وابن هشام رأى سيبويه بأنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره(3).
__________
(1) اختلف النحويون في إفادتها الامتناع ، فصرح به بعضهم ومنعه آخرون . وللمزيد من التفاصيل في ذلك يمكن العودة إلى ابن هشام : مغنى اللبيب 337 وما بعدها.
(2) انظر: الصاحبى في فقه اللغة 119
(3) انظر: شرح ابن عقيل 4/47 ومغنى اللبيب 337 وما بعدها(1/47)
ويرى الباحث أنه لا فرق دلاليا بين رأى سيبويه ومن تابعه من جهة ورأى ابن فارس ومن مثله من جهة أخرى ؛ فالذي كان سيقع لوقوع غيره هو ما لم يقع لعدم وقوع غيره، فكأنه امتناع لامتناع. وذكر الفراء أن (لو) تأتى بمعنى (إن) الشرطية، ومن ذلك قوله تعالى "ولو كره الكافرون" بمعنى (وإنْ كره)، ولولا أنها بمعنى (إنْ) الشرطية لاقتضت جوابا ؛ لأنها لابد لها من جواب ظاهر أو مضمر، ومنه قولك (لأكرمنك وإن جفوتنى، ولو جفوتنى)(1).
والغالب أن يليها فعل ماض معنى وزمنا ، وقد يأتى مضارعا ، وقد يقع بعدها مصدر مؤول من (أن ومعموليها) فيكون فاعلا لفعل محذوف تقديره (ثبت)، ويكون جوابها فعلا ماضيا أو منفيا بـ(ما) أو مضارعا منفيا بـ(لم)، وإذا كان جوابها ماضيا مثبتا فالأكثر أن يقترن باللام، ويقل الاقتران إذا كان منفيا بـ(ما) ويمتنع إذا كان منفيا بـ(لم). وقد أطلق الفرنسى بلاشير على جملة (لو) الجملة المزدوجة الدالة على افتراض غير محقق(2).
وعلى الرغم من عدم إجماع النحاة على وظيفة الامتناع لامتناع فإن (لو) في نماذج الأنماط كلها تفيد الامتناع لامتناع ، ومن ثم فهي تحمل دلالة السلب، وكل النماذج متوافقة مع القواعد المذكورة آنفا ، وقد جاءت (لو) حاملة دلالة السلب لجملتى الشرط والجواب من غير توكيد في نماذج النمط الأول، ودلالة السلب المؤكد لجملتى الشرط والجواب في نماذج النمط الثانى؛ وذلك من خلال الحرف (قد) في جملة الشرط و(اللام) في جملة الجواب، واقتصر السلب على جملة الشرط دون توكيد في نماذج النمط الثالث؛ لأن جملة الجواب انتقض سلبها بدخول (ما) النافية عليها ، فتحول السلب فيها إلى إثبات مؤكد، وازدات نسبة توكيد الإثبات في نماذج النمط الرابع بدخول لام الجواب عليها.
__________
(1) انظر : ابن فارس : الصاحبى 119
(2) انظر : Blachere : Grammaire.. p. 464(1/48)
وفي نماذج الأنماط الأربعة جاءت جملة الشرط فعلية فعلها ماض، ومثلها جملة الجواب، وهذا هو الأساس في جملتى (لو). وذكرنا أنه يمكن أن يحل مصدر مؤول محل جملة الشرط الفعلية، وقد جاء المصدر المؤول (أنّ ومعموليها) في النمط الخامس والنمط السادس، ونلحظ أن جملة الجواب في النمط الخامس جملة استفهامية تحمل دلالة الإنكار، والإنكار سلب لأنه نفي، ومن ثم فالجملة مثبتة مؤكدة أما جملة الجواب في النمط السادس فهي مؤكدة السلب من خلال لام الجواب.
وقد يحذف جواب (لو) إذا فُهم من سياق النص ؛ كما في النموذج الأول من النمط السابع، أما النموذجان الثانى والثالث من النمط نفسه فإنى أعتقد أن (لو) فيهما بمعنى (إن) الشرطية، والجواب محذوف يفهم من السياق، وقد فرق بلاشير بين جملة الشرط الاعتيادية وجملة الشرط التي يحذف جوابها، فأسمى الأولى phrase double واصطلح على الثانية بالمصطلح phrase concessive أى الجملة الإضرابية(1)، وذكر أن مثل هذا النمط يحتوى على جملتين إحداهما أساسية والأخرى إضرابية ، وهي تأتى دائما تالية للجملة الأساسية ، وتتركب من (وإنْ..) أو (ولو..)، وتستخدم (وإن..) لاستبعاد فكرة غير محققة في الجملة الأساسية؛ نحو (أنا معه وإن لم يعرفنى) وتستخدم (ولو..) إذا كانت الجملة تعبر عن افتراض فيه شكّ incertitude(2).
ب ـ الجمل المسلوبة بـ(لولا) :
بلغ عدد الجمل المسلوبة بـ(لولا) إحدى وثلاثين جملة شملت عدة أنماط نوضحها على النحو التالي:
1 ـ لولا + اسم + لام + فعل ماض :
ـ لولا فضل من إيمان وبقية من تقوى لثارت نفسه 7/41
ـ لولا ما كان من موت عبدالرحمن وسفر على لتحدث علىّ إلى الشيخ بهذا الزواج 13/82
2ـ لولا + مصدر مؤول + لام + فعل ماض :
ـ ولولا أنى أشفق عليك لسألتك افي حاجة أنت إلى مال 1/14
ـ ولولا أنى أشفق عليك لسألتك افي حاجة أنت إلى مال 1/14
__________
(1) انظر : Blachere : Grammaire..p. 467
(2) انظر : مرجع سابق 467(1/49)
ـ ولولا أنها كانت قوية النفس حازمة لأظهرت من روعها ولوعتها ما كان خليقا أن يؤذى الفتاة وأمها 3/20
ـ لولا أن الباشا كان من أتباع الشيخ ومريديه لشكّ في هذا الكرم 12/74
3ـ لولا + اسم + مقدر :
ـ ولم يكد علىّ يسمع هذا الكلام حتى ثار وهمّ أن يبطش بصاحبه لولا بقية من حلم15/95
ـ وقد هم الشباب أن يبالغوا في مساءته فيردوا عليه ما حمل من الهدايا لولا بقية من رشد وفضل من وقار 26/182
ـ كاد يفسد ويدركه الانجذاب لولا لطف الله وكرامة الشيخ 9/51
4ـ لولا + مصدر مؤول + مقدر :
ـ فجزع لذلك جزعا شديدا كاد يخرجه عن طوره لولا أنه كان مؤمنا حقا 5/27
ـ وكاد يخرج من المحنة ظافرا لولا أن الله قد ابتلاه بمحنة أخرى 10/59
ـ وكاد يسلك طريق عمه الشيخ لولا أن الحوادث أدبته فأحسنت تأدبيه 22/145
ـ التحليل :
((1/50)
لولا) حرف شرط امتناعى يدل على امتناع الشيء لوجود غيره، ومن ذلك قوله تعالى: "فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون"(1). ولم تقتصر (لولا) على هذه الوظيفة الدلالية ، وإنما لها وظيفة أخرى أشار إليها ابن فارس في قوله "وقد يكون (لولا) بمعنى (هلا) كقوله تعالى (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا)(2)، وذكر مثل ذلك ابن عقيل في قوله بأن "لولا لها استعمالان: أحدهما أن تكون دالة على امتناع الشيء لوجود غيره، وتلزم حينئذ الابتداء، فلا تدخل إلا على مبتدأ، ويكون الخبر بعدهما محذوفا وجوبا، ولا بد لها من جواب(3)، فإن كان مثبتا قرن باللام غالبا، وإن كان منفيا بـ(ما) تجرد عنها غالبا ، وإن كان منفيا بـ(لم) امتنع اقترانه باللام. والاستعمال الثانى هو الدلالة على التحضيض، وتختص حينئذ بالفعل نحو (لولا ضربت زيدا)، فإن قصدت بها التوبيخ كان الفعل ماضيا، وإن قصدت بها الحث على الفعل كان مستقبلا بمنزلة الأمر، كقوله تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا ) أى لينفر"(4).
وذكر ابن فارس استعمالا آخر لـ(لولا) هو أن تكون حرف نفي بمعنى (لم)، ومنه قوله تعالى "فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض" بمعنى لم يكن(5).
__________
(1) انظر في ذلك ابن فارس : الصاحبى في فقه اللغة 119
(2) انظر : المرجع السابق
(3) قد يحذف لوجود دليل عليه كقوله تعالى "ولولا فضل الله عليكم ورحمته وان الله تواب حكيم" والتقدير: لولا فضل الله عليكم لهلكتم" .
(4) انظر : شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 4/55 ط 20 القاهرة 1980
(5) انظر : الصاحبى في فقه اللغة 120(1/51)
فإذا نظرنا لكل نماذج الأنماط الواردة سلفا نجد أنها لا تخرج عما ذكرنا من قواعد وأحكام لـ(لولا) الامتناعية، وقد جاءت جملة الشرط اسمية محذوفة الخبر وجملة الجواب مؤكدة السلب بلام الجواب في نماذج النمط الأول، وحل محل الجملة الاسمية المصدر المؤول من أنّ ومعموليها في نماذج النمطين الثانى والرابع أما جملة الجواب فقد ذكرت مسبوقة بلام الجواب في النمطين الأول والثانى، وهي مؤكدة السلب من خلال لام الجواب. وقد تحذف جملة الجواب من التركيب إذا دلّ عليها السياق، وهذا ما حدث في نماذج النمطين الثالث والرابع ؛ حيث إن جملة الشرط مسبوقة بجملة خبرية فعلية مرتبطة بجملة أخرى فعلها يحمل معنى السلب من دلالته المعجمية، فكأن (لولا) أكدت السلب الكائن في الجملة السابقة عليها من خلال الفعل الذي يفيد السلب في مادته المعجمية ولننظر مثلا إلى قوله: "فجزع لذلك جزعا شديدا كاد يخرجه عن طوره لولا أنه كان مؤمنا حقا" فالخروج مسلوب بـ(كاد) وتأكد سلبه بـ(لولا) في التركيب الشرطى.
خامسا: السلب بالاستفهام:
بلغت عدد الجمل المسلوبة الدلالة من خلال الاستفهام خمس جمل، وأدوات الاستفهام فيها هي : (الهمزة ، هل ، كيف)، على النحو التالي:
1ـ الهمزة :
ـ أترانى قصرت في بعض حقوق التجارة فأجلت لك أو لغيرك حقا ؟ 1/14
ـ أتراك أحسست منى حاجة إلى التأجيل والمهلة ؟ 1/14
ـ أترانى كنت ابنا للشيخ ؟ 13/80
2ـ هل :
ـ وهل حال مثلى تخفي على مثلك ؟ 1/14
3ـ كيف :
ـ كيف أنساها ولم يبعد عهدى بها ؟ 21/138
ـ التحليل:(1/52)
السلب بالاستفهام لا يدخل نطاق علم النحو بقدر ما هو أحد مظاهر علم المعاني بل لا يكون مظهرا نحويا إلا باعتبار أن وظيفة العلمين واحدة وهي تأدية المعنى، بصرف النظر عن التفرقة الخفيفة التي أشار إليه السكاكي حينما عرّف كلا منهما، حيث قال معرّفا علم النحو: "اعلم أن علم النحو أن تنحو معرفة كيفية التركيب فيما بين الكلم لتأدية أصل المعنى مطلقا بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب، وقوانين مبنية عليها؛ ليحترز بها عن الخطأ في التركيب من حيث تلك الكيفية"(1)، وعرّف علم المعانى بقوله: "اعلم أن علم المعنى هو تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره؛ ليحترز بالوقوف عليها من الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضى الحال ذكره، وأعنى بتراكيب الكلام التراكيب الصادرة عمن له فضل تمييز ومعرفة وهي تراكيب البلغاء لا الصادرة عمن سواهم"(2).
__________
(1) انظر : مفاتيح العلوم 75
(2) انظر : مفاتيح العلوم 161(1/53)
والاستفهام ضد الإخبار أو هو الاستخبار كما قال ابن فارس(1)، والاستخبار طلب خبر ما ليس عند المستخبر، وجملة الاستفهام أن يكون ظاهره موافقا لباطنه كسؤالك عما لا تعلمه، فتقول : ما عندك ؟ ومن رأيت؟ وقد يخرج الاستفهام عن معناه الحقيقى إلى معان إخبارية تحمل دلالات أخرى غير الاستفهام كدلالة التعجب كما في قوله تعالى "ما أصحاب الميمنة" أو دلالة التوبيخ كما في قوله تعالى "أذهبتم طيباتكم" أو دلالة التفجع نحو قوله تعالى: "ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها" أو دلالة الاسترشاد نحو قوله "أتجعل فيها من يفسد فيها" أو دلالة التقرير نحو قوله "ألست بربكم" أو دلالة الإنكار نحو "أتقولون على الله ما لا تعلمون" أو دلالة النفي نحو "فمن يهدى من أضل اللهُ"، فظاهره استخبار والمعنى: لا هادى لمن أضل الله ، والدليل على ذلك قوله تعالى في العطف: "وما لهم من ناصرين" ومنه قوله "أفأنت تنقذ من في النار" أى لست منقذهم.
وقد عقد ابن جنى بابا في نقض الأوضاع إذا ضامها طارئ عليها، وذكر أن من ذلك لفظ الواجب إذا لحقته همزة التقرير عاد نفيا، وإذا لحقت النفي عاد إيجابا، وذلك كقوله تعالى "أأنت قلت للناس" أى ما قلت لهم، وأما دخولها على النفي فكقوله عز وجل: "ألست بربكم" أى أنا كذلك ، وإنما كان الإنكار كذلك لأن منكر الشيء إنما غرضه أن يحيله إلى عكسه وضده ، فلذلك استحال به الإيجاب نفيا والنفي إيجابا"(2).
ولا يتحول الاستفهام إلى معنى الإنكار إلا إذا كان المستفهم عنه باطلا (أى المنكر في الدلالة العميقة)؛ يقول الرازى: "الاستفهام على سبيل الإنكار إنما يتوجه على كلام باطل"(3).
__________
(1) انظر : ابن فارس : الصاحبى 134،135
(2) انظر : الخصائص 3/269
(3) انظر: مفاتيح الغيب 4/82 ود. محى محسب: البحث الدلالي في مفاتيح الغيب 195(1/54)
وذكر ابن هشام أن الهمزة تخرج عن الاستفهام الحقيقي؛ فترد لثمانية معان، منها الإنكار الإبطالي، ومثّل له بشواهد قرآنية كثيرة منها قوله تعالى: "أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا"(1).
والنماذج الخمسة موجبة اكتسبت دلالة السلب من خلال أدوات الاستفهام (الهمزة وهل وكيف)، والنموذج الأخير يحمل مع السلب دلالة التعجب.
سلب السلب:
السلب ضد الإثبات أو الإيجاب كما ذكر البلاغيون ، والإيجاب هو الأصل في دلالات التراكيب والجمل داخل النص ، ومن ثم فالسلب معنى زائد على الأصل يقابله زيادة في البنية؛ ولذلك فالجمل المسلوبة هي في أصلها مثبتة موجبة ثم اقتحمتها زوائد تكسبها دلالة السلب، كما مر بنا، ولكن إذا أراد الكاتب أن يؤكد معنى مثبتا في جملة ما فإن وسائل التوكيد متعددة؛ منها أن يتجه إلى سلب الجملة ثم ينتقض السلب بوسيلة أخرى(2)، وهذا ما أسميناه بـ(سلب السلب)، ويمكن أن نصطلح عليه بـ(الإثبات المؤكد بالسلب)، فتصير الجملة مثبتة مؤكدة الإثبات، وقد لجا الكاتب إلى هذا المظهر التوكيدى كثيرا في الرواية، فزاد عدد الجمل المؤكدة الإثبات بواسطة السلب عن مائتى جملة ، تنوعت فيها مظاهر سلب السلب ومنها :
__________
(1) انظر : مغني اللبيب 24 وما بعدها
(2) أكثر من مائتي جملة وردت في الرواية مؤكدة الإثبات من خلال سلب السلب.(1/55)
ـ استخدام الكاتب كلمات معينة تحمل في موادها المعجمية دلالة السلب مع أدوات النفي في سياق جملة مثبتة يريد توكيدها، مثل كلمة (بُدّ) كما في قوله: "فلم يكن بد من أن يقترن هذان الشابان ومن أن يصير إليهما هذا المال1/11"، وقوله: "فلم يكن بد من أن يتخذ الأصدقاء من عملائه التجار 1/11". وكذلك الكلمات (محالة، غرابة، شك(1) ومن ذلك قوله: "ويؤكد بينه وبين نفسه أنه سيراجع الشيخ لا محالة ليعرف منه ما أراد1/16"، وقوله: "فلا غرابة في أن تشغلنا حياته عن حياة ابنه خالد10/58"، وقوله: "ولم يشك خالد في أن روحا من الله قد مسّها فردّها إلى الدعة والهدوء 7/40"، وقوله: "وليس من شك في أن أم خالد أذعنت لأمر الشيخ طائعة3/20"، وقوله: "فقد كانتا تلعبان من غير شك8/47" .
ـ كذلك من مظاهر سلب السلب بغية توكيد دلالة الإثبات في الجملة استخدام الكاتب الأفعال الناسخة المقترنة وجوبا بحرف نفي (مازال ، مابرح ، ما انفك)، فهذه الأفعال تفيد السلب في بنيتها، ودخول حرف النفي عليها يجعلها تفيد الإثبات المستمر المؤكد لدلالة المسند(2)، ومن أمثلة ذلك قوله: "ثم لا يزال يمضى أمامه ويمتد من جميع أقطاره حتى يوقظ الأرض والسماء جميعا7/41"، وقوله: "مازال أحب الطعام إليه الثريد والكشك22/148"، وقوله: "اتخذت لنفسها من قلبه مكانا استقرت فيه فلا تبرحه5/90".
__________
(1) ذكر السيرافي أن "قولك : هذا زيد لا شك فيه كقولك هذا زيد حقا" . انظر: شرح كتاب سيبويه ورقة 222
(2) انظر : الغلايينى : جامع الدروس 2/179 وانظر: د.عبده الراجحى: التطبيق النحوى 122 ط بيروت بدون تاريخ(1/56)
ـ استخدام الكاتب (أداة النفي مع إلا) كما في قوله: " لم أر ابنتى منذ كان هذا الزواج إلا رحمت الفتى1/8" ، وقوله: "لا يتصور التركى إلا ظالما غاشما1/13"، وقوله: "وما علمتك إلا برا كريما6/35". وقد يُحل الكاتب حرف الاستفهام (هل) محل حرف النفي حاملا دلالة الاستفهام مع النفي المؤكد، كقوله: "وهل خلق النساء في هذه الحياة إلا لطاعة الأزواج 20/134"، وقوله: "وهل سالم إلا حذاء يعيش من عمل يده23/155". وهذا التركيب عربى فصيح استخدمه القرآن كثيرا، كقوله تعالى "ومن يغفر الذنوب إلا الله"، وقد عرف النحاة هذا المظهر التركيبي، واصطلحوا عليه بـ(الاستثناء المفرّغ) أى الاستثناء الناقص المنفي، ودرسه البلاغيون تحت مصطلح القصر كأسلوب من أساليب المعانى العربية.
ـ كذلك من مظاهر سلب السلب بهدف توكيد دلالة الإثبات عند الكاتب استخدامه لأداة الامتناع في الجملة الشرطية مع أداة نفي في جملة جوابها؛ فالامتناع مع النفي توكيد للإثبات في جملة الجواب ومنه قوله: "ولو كان أبوه حيا ما فرّق بينى وبين ابنتى20/134"، وقوله: "لو عاش عبد الرحمن ما بيعت هذه الدار14/85"، وقوله "لولا أن الشيخ أمر بهذا الزواج المشئوم لما صمم عليه5/26" وقوله "لولا ذلك لما ساق إليه هذا الرزق17/117".(1/57)
ـ كذلك استخدم الكاتب همزة الاستفهام التقريرى مع أداة نفي ليؤكد دلالة الإثبات في الجملة، وهذا ما نص عليه العلماء، يقول ابن فارس عن الاستفهام: "ويكون استخبارا في اللفظ ، والمعنى تقرير، نحو قوله تعالى: (ألست بربكم)(1)، وسبق أن ذكرنا أن ابن جنى عقد بابا في نقض الأوضاع إذا ضامها طارئ عليها، وذكر أن من ذلك لفظ الواجب إذا لحقته همزة التقرير عاد نفيا، وإذا لحقت النفي عاد إيجابا، وذلك كقوله تعالى "أأنت قلت للناس" أى ما قلت لهم، وأما دخولها على النفي فكقوله عز وجل: "ألست بربكم" أى أنا كذلك، وإنما كان الإنكار كذلك لأن منكر الشيء إنما غرضه أن يحيله إلى عكسه وضده، فلذلك استحال به الإيجاب نفيا والنفي إيجابا"(2)، وقد علل فخر الدين الرازى انصراف الاستفهام إلى التقرير بقوله: "إن الكلام إذا كان ظاهرا جليا ثم ذكر على سبيل الاستفهام وتفويض الجواب إلى المسئول كان ذلك أبلغ وأوقع"(3)، وذكر ابن هشام(4)أن من دلالات الهمزة الإنكار مضيفا قائلا: "ومن جهة إفادة الهمزة نفي ما بعدها لزم ثبوته إن كان منفيا؛ لأن نفي النفي إثبات، ومنه(أليس الله بكاف عبده) أي الله كاف عبده، ولهذا عطف (ووضعنا) على (ألم نشرح لك صدرك) لما كان معناه شرحنا.
ومما جاء عند الكاتب من ذلك قوله: "ألسنا قد أمرنا بالزواج10/57"، وقوله: "ألم يكن قد طلق زينب13/82"، ولعل استخدام الكاتب لحرف التوكيد (قد) في جملة الاستفهام يعطى همزة الاستفهام مع حرف النفي دلالة التوكيد، ويزيد من توكيد دلالة الإثبات في الجملة.
__________
(1) انظر : الصاحبى في فقه اللغة 135
(2) انظر : الخصائص 3/269
(3) انظر : مفاتيح الغيب 17/93
(4) انظر : مغني اللبيب 24،25(1/58)
ويرى الباحث أن استخدام هذا النمط التركيبي يعد خاصية من خصائص أسلوبه اللغوي؛ حيث إنه يستخدم السلب ليمهد به المعنى المثبت ، وقد يراوح ما بين التراكيب المثبتة والتراكيب المسلوبة؛ ليؤكد بذلك حقائق يريد توكيدها، ولعل هذا الأسلوب مرتبط بطبيعة الكاتب الخاصة وتأثير كف البصر على فكره، فهو يلجأ إلى الشك من أجل الوصول إلى الحق، وقد ساعده على ذلك المذهب الديكارتى القائم على الشك للوصول إلى اليقين؛ لذلك اعتنقه وعمل به، بل وروّج له في العالم العربى، وكان من آثار ذلك كتابه "في الشعر الجاهلى".
الوظائف النحوية لجمل السلب:
إذا أعدنا النظر في تراثنا اللغوي نجد أن النحويين لم يعتنوا بالجملة اعتناءهم باللفظ المفرد من حيث الوظيفة النحوية داخل النص ، وإن كانت ثمة عناية فهي قليلة؛ حيث إنهم تناولوها في أماكن متفرقة تبعا لموضوعات النحو كالشرط والعطف والحال والنعت والصلة، ولعل أبرز من اعتنى بالجملة ابن هشام؛ إذ عقد لها بابا في مغنيه ، وتناول فيه الوظائف النحوية التي يمكن أن تشغلها الجملة مكان اللفظ المفرد، أما المحدثون فقد اعتنوا بالجملة كثيرا وأفردوا لها مباحث خاصة بها تتناول أنواعها وأنماطها(1).
__________
(1) انظر د.علاء الحمزاوى : التعبيرات الاصطلاحية في الأمثال العربية دراسة تركيبية دلالية ـ المبحث الخاص بمفهوم الجملة ، وفيه رصد لكثير من المحدثين الذين تناولوا الجملة في مباحث مستقلة. (رسالة دكتوراه مخطوطة بجامعة المنيا 1997)(1/59)
وسنعتمد في تصنيف الجمل من حيث الوظائف النحوية على منهج ابن هشام في مغنى اللبيب، وهو منهج قائم على تصنيف الجمل تصنيفا ثنائيا: جمل لها موقع من الإعراب، وجمل ليس لها موقع من الإعراب، وكذلك المنهج الوظائفي الذي يقسم الوظائف النحوية إلى نوعين: الوظائف الأساسية وهي التي يشغلها العنصران الأساسيان ـ عنصرا الإسناد ـ اللذان يشكلان الجملة النواة phrase noyau، والوظائف الثانوية وهي التي تشغلها العناصر التوسيعية في الجملة elements d expansions ، وهذه العناصر التوسيعية لا تؤثر إزالتها مطلقا على العلاقة القائمة من قبل بين عنصرى الإسناد ولا وظيفة لها إلا التحديد أو التخصيص أو التوكيد، كالمفعول والنعت والحال(1)، والعناصر الأساسية والثانوية وردت عند النحويين تحت مصطلحى العمدة والفضلة(2).
وفي ضوء ذلك يكون التصنيف ثنائيا: جملا ليس لها وظائف نحوية وهي الجمل المستقلة تركيبيا عن غيرها في النص، وجملا ذات وظائف نحوية وهي التابعة لغيرها المرتبطة بها تركيبيا، وهذا الصنف الأخير نصنفه أيضا تصنيفا ثنائيا: جملا تابعة ذات وظيفة أساسية، وهي التي تشغل عنصرا أساسيا من عنصرى النواة (المسند والمسند إليه) وجملا تابعة ذات وظائف ثانوية، وهي الجمل التي تمثل عناصر توسيعية للجملة النواة .
وإذا ما أعدنا قراءة جمل السلب في الرواية نجد أنها نوعان جمل مستقلة نحويا، أى ليس لها وظيفة نحوية، وقد بلغ عددها ستمائة وسبع جمل، وجمل تابعة لغيرها نحويا أى لها وظائف نحوية داخل النص، وقد بلغ عددها تسعمائة وسبعا وعشرين جملة. أما النوع الأول فلم يشمل كل ما ذكره النحاة من أنواع للجمل التي ليس لها محل من الإعراب، وإنما اقتصر على الأنواع الآتية :
ـ الجملة الاستئنافية :
__________
(1) انظر : سليم عمر: اللسانيات العربية الميسرة ـ علم التراكيب 88 ط الجزائر 1990
(2) انظر : ابن عقيل : شرح ألفية ابن مالك ـ الجزء الأول ـ باب تعدى الفعل ولزومه(1/60)
ومثال لذلك قوله "ولم يكد الرجلان يأخذان مجلسيهما حتى أقبل الخادم 1/7". وقوله: "ولم تحاول أم خالد أن تصرف ابنها عن هذا الزواج 4/22".
ـ جملة الصلة :
ومثال لذلك قوله: "والشيء الذي لا شك فيه أن أخلاق هذه الفتاة لم تكن مطردة1/1". وكذلك قوله: "ونزهه عن هذه المدارس التي لا يتعلم الصبيان فيها شيئا 1/12"
ـ الجملة الاعتراضية :
ومثال لذلك قوله: "ويؤكد بينه وبين نفسه أنه سيراجع الشيخ ـ لا محالة ـ ليعرف منه ما أراد1/16".
ـ جملة جواب الشرط غير الجازم:
ومثال لذلك قوله: "ولو قد فهمنا عنهم كنه ما يريدون لكنا مثلهم1/5". وقوله: "ولولا فضل من إيمان وبقية من تقوى لثارت نفسه7/41".
ـ الجملة التابعة لجملة ليس لها محل من الإعراب:
ومثال لذلك قوله: "ولم تعرف أم خالد أن زوجها قد خالف عن أمرها، بل لم تعرف منه إلا برا بها 5/26". وقوله: "ثم انصرفا ولم يستطع علىّ أن يراجع الشيخ في شيء 1/16".
وأما النوع الثاني وهو الجمل التي لها وظائف نحوية فهو صنفان من حيث نوع الوظيفة النحوية:
الصنف الأول: جمل تشغل وظيفة أساسية:
وهي تلك التي تمثل أحد عنصرى الإسناد، وقد بلغ عددها ثلاثمائة وإحدى وستين جملة ، ومعظمها شغل وظيفة المسند داخل جمل اسمية وجمل منسوخة بحرف أو بفعل، ومن أمثلة ذلك:
ـ جمل شغلت وظيفة خبر المبتدأ:
مثل قوله: "فهي لم تتخذ من الطين واللبن 1/7" . وقوله :"فهو لم يفكر في جمال ولا حسن 4/22. وقوله: "وهي لم تخلق ابنتها جميلة 6/32".
ـ جمل شغلت وظيفة خبر ناسخ فعلى :
ومن ذلك قوله: "وكان أبوه لا يكره هذا منه 1/13". وقوله: "وقد ينبغى أن تعلموا إن كنتم لا تعلمون أن الله لا يخلق فما إلا أطعمه 10/57" .
ـ جمل شغلت وظيفة خبر ناسخ حرفي:
ومن ذلك قوله: "ولكن صاحبه القاهرى لم يتح له ذلك 1/8". وقوله "ولكنه لم يتجر في الماشية 1/12" وقوله: "ولكن قضاء الله لا مردّ له 7/42".(1/61)
وقد استوقف الباحث جملة السلب الواقعة في جواب الشرط، فنحاتنا لم ينظروا إليها باعتبار وظيفتها النحوية داخل التركيب الشرطى الذي يمثل جملة مركبة من الشرط والجزاء ، فلم يذكروا لنا : هل هي تشغل وظيفة أساسية في الجملة المركبة أي وظيفة المسند أو المسند إليه ؟ أم أنها تشغل وظيفة ثانوية كأنها من مكملات جملة الشرط ؟ . ومن ثم كان علينا أن نجيب عن هذا السؤال ، بصرف النظر عن قبول الإجابة أو رفضها من وجهة نظر أخرى .
لعل مفهوم جملة الشرط من المفاهيم الغامضة عند النحاة؛ لأن مجمل ما ذكروه أن الشرط يسبق الجزاء والجزاء تابع له ؛ لذلك يقول أحد الباحثين: "إننا لا نكاد نجد عند نحاتنا تعريفا متكاملا للجملة الشرطية .. وأن النحاة تذبذبوا في نظرتهم للجملة الشرطية ، هل هي جملة واحدة أم جملتان؟"(1).
وقد انتهت بهم نظرتهم التفكيكية وتقيدهم بهيكل التصنيف الثنائى للجمل إلى الغفلة عن خصائص التركيب الشرطى من الداخل ، وانشغلوا بقضايا الشكل، وأبرزها التقدير والبحث عن العامل في جملة الجزاء؛ ولذا حاول بعض الباحثين أن يدركوا ما لم يدركه النحاة من أن جملتى الشرط والجزاء جملة واحدة وتعبير لا يقبل الانشطار ؛ لأنهما يعبران عن فكرة واحدة(2).
__________
(1) انظر: د.عبد السلام المسدى : الشرط في القرآن 21 ط تونس 1985
(2) انظر: د.مهدى المخزومى : في النحو نقد وتوجيه ط بيروت 1964(1/62)
ويرى الباحث أن جملتى الشرط والجزاء جملة واحدة تتكون من عنصرين أساسيين هما نواة الجملة؛ لا يتم المعنى إلا بهما معا، وكلا العنصرين جملة يربط بينهما رابط لفظى، هذا الرابط يفقد كل جملة معناها إذا حذفت الأخرى ، ويعود إليها المعنى إذا حذفنا الرابط، ولعل ابن السراج أدرك ذلك؛ إذ فطن إلى أن جملتى الشرط والجزاء جملة واحدة، يقول: "ولا بد للشرط من جواب ، وإلا لم يتم الكلام ، وهو نظير المبتدا الذي لا بد له من خبر، فلو قلت: زيد، لم يكن كلاما، فإذا قلت: منطلق، تم الكلام"(1)
وتابع ابن يعيش ابن السراج في إدراكه، فقال: "فالجملة الأولى كالمبتدأ والثانية كالخبر، فهو من التام الذي يزاد عليه فيصير ناقصا نحو (قام زيد) فهذا كلام تام، فإذا زدت (إن) صار ناقصا لا يتم إلا بالجواب"(2). ويقول في موضع آخر: "وتدخل (إنْ) على جملتين فتربط إحداهما بالأخرى وتصيرهما كالجملة"(3). ويبدو من هذا النص أن ابن يعيش قارب هنا الإحساس الواضح والإدراك بتكامل التركيب الشرطى نحويا.
ويرى بعض الباحثين أن الجملة الأساسية هي جملة الجزاء وأن الجملة التابعة أو الفرعية هي جملة الشرط المصدرة بالرابط(4). وهذا الرأى لم يبعد كثيرا عن رأى الكوفيين بأن الجواب حقه التقديم؛ لأن قولك: "إن تضرب أضرب" كان عندهم "أضربُ إن تضرب"(5).
وهذه الرؤية يقابلها رؤية نحوية أخرى مؤداها أن جملة الجواب متعلقة بالجملة الأولى غير مستغنية عنها، وأن الجملة الشرطية عندهم ثلاثة أجزاء : الرابط الشرطى وجملة الشرط وجملة الجزاء(6).
__________
(1) انظر: الأصول 2/158
(2) انظر: شرح المفصل 8/156
(3) انظر: المرجع السابق 8/156
(4) انظر: Blachere : Grammaire .. p.455
(5) انظر: د.مهدى المخزومى : مدرسة الكوفة 287 ط ثانية القاهرة 1985
(6) انظر: ابن السراج: الأصول 2/158، ابن جنى : اللمع 193، الزمخشرى: المفصل في علم العربية320(1/63)
وفي ضوء ما سبق يرى الباحث أن جملتى الشرط والجواب جملة واحدة مكونة من عنصرين أساسيين هما المسند والمسند إليه، وأن جملة الجزاء أو الجواب تمثل المسند إليه وجملة الشرط تمثل المسند؛ ومن ثم فالجملة الواقعة جوابا لشرط جازم تشغل وظيفة أساسية؛ لأنها تقوم بدور المسند إليه في الجملة النواة ، ومما ورد من ذلك في جمل السلب في الرواية قوله: "ثق بأنك ستندم وبأنك إن أقمت هذا الزواج لم تزد على أن تغرس في دارك شجرة البؤس 3/21" .
وإذا استبعدنا الجانب الشكلى الخاص بالإعراب في جملتى الشرط والجزاء، واعتمدنا فحسب الجانب الوظيفي في التركيب أدخلنا في وظيفة المسند جملة (لم يستوثق من ابنه أول النهار) من قوله: "كان علىّ قد قدّر في نفسه أنه إذا لم يستوثق من ابنه أول النهار لم يظفر به إلا حين يتقدم الليل 4/24"، وجملة الجواب تمثل المسند إليه، ومن ثم فوظيفة كل منهما أساسية، على الرغم من أن جملة الشرط في محل جر مضاف إليه بعد الظرف وأن جملة الجواب لا محل لها من الإعراب، تبعا لوجهة نظر نحاتنا القدامى ومن سار على هديهم في هذا الأمر.
واعتمادا على الجانب الوظيفي في الجملة يمكننا أن نقول: إن الجملة الفعلية الواقعة بعد الفعل الجامد (قلما) الذي يؤدى وظيفة النفي هي جملة تشغل وظيفة أساسية؛ لأنها حلت محل الفاعل، على الرغم من أن النحاة قرروا أن الفعل لا فاعل له، ولكننا اعتمدنا في رأينا على تشبيه (قلما) بـ(ليس)؛ فكلاهما جامد يفيد النفي فيما بعده و(ليس) عامل فيما بعده، فلِمَ لا يعمل (قلما) فيما بعده؟ ومن ذلك جملة (يطيقه الناس) في قوله: "لا تكلف نفسك عدلا لا تطيقه وقلما يطيقه الناس".
والصنف الثانى : جمل تشغل وظائف ثانوية :
هي تلك الجمل التي تمثل العناصر التوسيعية للجملة النواة، وقد بلغ عددها خمسمائة وستا وستين جملة من إجمالى جمل السلب المرتبطة بغيرها نحويا، وقد اقتصرت على الوظائف التالية:
ـ وظيفة المفعول به :(1/64)
ومن ذلك قوله: "قال عبدالرحمن: ما أدرى 1/14" (مقول القول)، وقوله: "أفهمت معنى الآية التي تلاها الشيخ ؟ قال: لم أفهمها 1/15" (مقول القول).
ـ وظيفة النعت :
ومن ذلك قوله: "قال أبو خالد في صوت لا تظهر عليه العناية بما سمع..1/8"، وقوله: "ربما اضطرت إلى شيء بين ذلك ليس فيه اطمئنان ولا ثورة.. 1/10"
ـ وظيفة الحال:
ومن ذلك قوله: "وكان علىّ يكره الترك كرها شديدا لا يتصور التركى إلا ظالما غاشما 1/13" وقوله: "وخالد يدعوه ويدعوه لا يفتر لسانه عن ترديد هذين الدعائين 7/42".
ـ وظيفة المضاف إليه:
ومن ذلك قوله: "بل تحسّ آثاره حين لا تلقاهما 1/10".
واعتمادا على منهج النحاة نضيف تحت وظيفة المضاف إليه جملة (لم يستوثق من ابنه أول النهار) من قول الكاتب "إذا لم يستوثق من ابنه أول النهار لم يستوثق به إلا حين يتقدم الليل".
ونستطيع أن نرتب الوظائف السابقة كلها من حيث عدد الجمل التي تمثل كل وظيفة ترتيبا تنازليا على النحو التالى: وظيفة المسند (خبر المبتدأ ثم خبر الناسخ الحرفي ثم خبر الناسخ الفعلى)، وظيفة الحال، وظيفة النعت، وظيفة المفعول، وظيفة المضاف إليه، وظيفة المسند إليه.
خاتمة
في الختام نرصد أهم ما أسفرت عنه الدراسة من نتائج نطمح أن تكون مفيدة مثمرة وهي نتائج قابلة للنقاش؛ لأنها تمثل وجهة نظر صاحبها:
ـ قصد الباحث بالسلب النفي الذي هو ضد الإيجاب والإثبات، وهذا ما لم تصرح به المعاجم اللغوية التراثية، وإنما أشارت إلى أن معناه الأخذ بخفة والاختلاس، ولعل بينهما تقاربا دلاليا، فاختلاس المعنى وأخذه من التركيب هو نفيه عنه وقد أشارت بعض المعاجم الحديثة إلى الدلالة المعنىّ بها البحث.(1/65)
ـ السلب كمصطلح بمعنى النفي بمفهومه الواسع اعتنى به المنطقيون والحكماء، وكذلك البلاغيون الذين درسوه في علم البديع، في باب الطباق على أنه ضد الإيجاب. ولم يلق المصطلح أية عناية من اللغويين القدماء أو المحدثين، ولم يرد في دراساتهم سوى ابن جنى الذي تناوله عرضا في كتابه سر صناعة الإعراب، وعقد له بابا في كتابه الخصائص، وقد قصد منه النفي من خلال التغيير بزيادة في بنية الكلمة، وأكثر ما يأتى في الأفعال ثم في الأسماء الضامنة لمعانيها، وحصره في ثلاث صيغ فعلية: ( أفعلت، فعّلت، تفعّلت) وساق مجموعة أمثلة على ذلك ذكرناها في موضعها.
ـ انتهي الباحث إلى أن مظاهر السلب خمسة: السلب من خلال الدلالة المعجمية لبعض الأفعال، والسلب من خلال التغيير في بنية الكلمة، والسلب من خلال أدوات النفي، والسلب من خلال أدوات الشرط الامتناعية، والسلب من خلال الاستفهام الإنكارى.
ـ انطلاقا من مفهوم السلب السالف الذكر، واعتمادا على عملية الحصر والإحصاء بلغ عدد جمل السلب في الرواية ألفا وخمسمائة وثلاثا وأربعين جملة تمثل 44% من نسبة عدد سطور الرواية البالع عددها ثلاثة آلاف وخمسمائة وستة وعشرين سطرا في مئة وإحدى وثمانين صفحة تمثل ستة وعشرين فصلا تدور فيها أحداث الرواية.
ـ شكلت جمل السلب في الرواية المظاهر الخمسة للسلب على النحو التالى:
أولا : السلب من خلال الدلالة المعجمية : ويمثله إحدى وتسعون جملة.
ثانيا : السلب من خلال التغيير بالزيادة في البنية : ويمثله جملتان.
ثالثا : السلب من خلال أدوات النفي : ألف وثلاثمائة وست وستون جملة.
رابعا: السلب من خلال أدوات الشرط الامتناعية : خمس وسبعون جملة.
خامسا : السلب من خلال الاستفهام الإنكارى : ويمثله خمس جمل.(1/66)
ـ السلب من خلال الدلالة المعجمية اقتصر على مجموعة أفعال معينة تقتضى أن يرد بعدها جملة تامة فعلية أو اسمية تربط بينهما علاقة ربط بالتجاور أو بالتبعية في إطار جملة مركبة، وقد تكون الجملة المسلوبة عنصرا أساسيا أو عنصرا توسيعيا في الجملة المركبة ، وبالتالى فهي تشغل وظيفة أساسية أو وظيفة ثانوية تبعا لنوعية العنصر، وقد شمل هذا المظهر أفعال الرغبة وأفعال القرب وأفعال الظن وأفعال الرفض، وتختلف درجة تحقق السلب من مجموعة لأخرى.
ـ السلب بالتغيير في بنية الكلمة اقتصر على فعل واحد هو (مرّض) على وزن (فعل) بمعنى إزالة المرض وقد ورد مرتين في الرواية، ومن ثم فهذا المظهر كان أقل المظاهر في عدد الجمل التي تمثله.(1/67)
ـ السلب من خلال أدوات النفي أخذ نصيب الأسد من إجمالي جمل السلب في الرواية، وقد تنوعت أدوات النفي ما بين الأدوات الحرفية والأدوات الفعلية والأدوات الاسمية، وجملتها (لا، لم، ما، لن ، لمّا، ليس، لا، ما، إنْ، غير، دون)، وكان النصيب الأكبر تمثيلا من جمل السلب لأدوات نفي الجملة الفعلية؛ حيث بلغ عدد الجمل الفعلية المسلوبة ألفا ومائة وثلاثا وثلاثين جملة في مقابل مائة وسبع وثلاثين جملة اسمية، ومائتين وأربع وستين جملة اسمية منسوخة بفعل ، وكثرة الجمل الفعلية مثبتة كانت أو مسلوبة الدلالة تتوافق مع طبيعة العمل الروائى الذي يصور مجموعة من الأحداث متغيرة ولعل سمة التغير والتجدد في الأحداث داخل العمل الروائي أدى إلى كثرة استخدام حرف النفي (لا) مع الجملة الفعلية حاملا دلالة الزمن المستمر ما بين الحاضر والمستقبل؛ حيث بلغ عدد الجمل الفعلية المسلوبة بـ(لا) خمسمائة وستا وخمسين جملة، وجاء بعد (لا) في كثرة عدد الجمل المسلوبة الحرف (لم) ومختص بنفي الجملة الفعلية في الزمن الماضي، وبلغ عدد الجمل الفعلية المسلوبة بـ(لم) خمسمائة وستا وثلاثين جملة، ومعظمها جاء في إطار تركيب يحمل دلالة الزمن الماضى المستمر (لم يكن يفعل)، أى جملة اسمية منسوخة بفعل الكينونة وخبرها جملة فعلية فعلها مضارع. أما باقى الأدوات من حيث كثرة جملها فهي على الترتيب التالى: (ما) وجملها الفعلية أربع وتسعون جملة وجملها الاسمية تسع جمل، (ليس) وجملها تسع وسبعون جملة، (لا) وجملها الاسمية اثنتان وأربعون جملة، (لن) وجملها اثنتان وعشرون جملة، (لمّا) وجملها تسع جمل، (غير) وجملها بنوعيها تسع جمل، (دون) وجملها الفعلية المرتبطة بأن وجوبا ثمانى جمل، (إنْ) ونماذجها جملتان.(1/68)
ـ على الرغم من كثرة شواهد الجمل الفعلية في الرواية كما تبين من الإحصاء، فإن الباحث لاحظ ميل الكاتب إلى الاستخدام بكثرة للجملة الاسمية التي خبرها جملة فعلية فاعلها ضمير يعود على المبتدأ ، ولعل ذلك يعود إلى تأثر الكاتب باللغة الفرنسية ذات النمط التركيبي الواحد ، هو النمط الاسمى ، وهو أحد نمطى الجملة العربية، وربما يعود ذلك إلى طبيعة الغرض السردى في العمل الروائى الذي يقتضى التنوع في التراكيب الممكنة.
ـ السلب بأدوات الشرط الامتناعية اقتصر على ( لو ، لولا) ، وجمل السلب بـ(لو) بلغت أربعا وأربعين جملة، بينما بلغت جمل السلب بـ(لولا) إحدى وثلاثين جملة، وعلى الرغم من تعدد دلالات (لو) فإنها في كل النماذج تدل على الامتناع.
ـ السلب بالاستفهام مقصور على الاستفهام الإنكارى ، وأدواته في الرواية (الهمزة وهل وكيف)، ونماذجه لم تتعدَ خمس جمل .
ـ لمس الباحث أن الكاتب نوع وسائل التوكيد للجمل المثبتة في الرواية، ومن تلك الوسائل وسيلة (سلب السلب) أى يستخدم الكاتب وسيلتى سلب تنتقض إحداهما الأخرى، وقد زاد عدد الجمل المثبتة المؤكدة من خلال (سلب السلب) عن مائتي جملة، أما مظاهر (سلب السلب) عند الكاتب فقد تنوعت ما بين استخدام أداة نفي مع كلمات تحمل دلالة السلب في موادها المعجمية مثل (بدّ، شك، غرابة، محالة، زال، برح)، واستخدام أداة نفي مع (إلا)، واستخدام أداة الامتناع مع أداة نفي في جوابها، واستخدام همزة الاستفهام التقريري مع أداة نفي.
ـ صنف الباحث جمل السلب من حيث الوظائف النحوية إلى نوعين: جمل ليس لها وظيفة نحوية وهي الجمل المستقلة في التركيب عن غيرها، وجمل ذات وظائف نحوية، وهي الجمل المرتبطة تركيبيا بغيرها في النص، وهذه نوعان: جمل ذات وظائف أساسية وهي تلك التي شغلت عنصرا أساسيا من عنصرى الجملة النواة، وجمل ذات وظائف ثانوية، وهي تلك التي شغلت عناصر توسيعية للجملة النواة.(1/69)
ـ الوظيفة الأساسية التي أخذت نصيب الأسد في عدد الجمل هي وظيفة المسند التي تمثلت في خبر المبتدأ ثم خبر الناسخ الحرفي ثم خبر الناسخ الفعلى، أما الوظائف الثانوية البارزة فهي على الترتيب التنازلى التالى: وظيفة الحال، وظيفة النعت، وظيفة المفعول وقد اعتمد الباحث في هذا التصنيف على منهجين: منهج النحاة القدماء والمنهج الوظائفي الحديث.
قائمة المراجع
ـ د.طه حسين : رواية شجرة البؤس . ط 17 دار المعارف ـ مصر 1998
(مصدر الدراسة).
ـ الأزهرى (خالد) : تنقيح الأزهرية . ط أولى بيروت 1992
ـ الاستراباذى (رضى الدين) : شرح الكافية في النحو لابن الحاجب.
ـ الألوسي: روح المعاني. ط أولى دار إحياء التراث العربي. بيروت 1999
ـ برجشتراسر : التطور النحوى . تعليق د.رمضان عبدالتواب . ط القاهرة 1982
ـ البستانى (بطرس) : محيط المحيط (معجم) .
ـ التهانوى : كشاف اصطلاحات الفنون (موسوعة اصطلاحات العلوم الإنسانية) .
ـ ابن تيمية : مجموع فتاوى ابن تيمية . ط بيروت 1398هـ
ـ ابن جنى: الخصائص. ت. محمد الطيب النجار. دار الكتاب العربى بيروت
ـــــ : اللمع . تحقيق حامد المؤمن . ط ثانية 1985
ـ حسان (د.تمام) : الأصول دراسة أبيستمولوجية للفكر اللغوي العربي. ط1982 ـــــــــ : اللغة العربية معناها ومبناها . ط القاهرة 1973
ـ حسين (د.طه) : في الشعر الجاهلى . تقديم د.عبدالمنعم تليمة 1998
ـ الحمزاوى (د.علاء إسماعيل) : التعبير الاصطلاحي في الأمثال العربية ـ دراسة تركيبية دلالية رسالة دكتوراه 1997ـ مخطوطة بجامعة المنيا .
ـ الراجحى (د.عبده) : التطبيق النحوى . ط بيروت بدون تاريخ
ـ الزمخشرى : المفصل في علم العربية . ط ثانية بيروت بدون تاريخ
ـ ابن السراج : الأصول في النحو. ت: عبد الحسين الفتلى ط ثالثة بيرت 1988
ـ سيبويه : الكتاب . تحقيق عبد السلام هارون .
ـ السيرافي : شرح كتاب سيبويه . مخطوط ـ تحت التحقيق ـ د.عوض القوزى(1/70)
ـ السيوطى : الأشباه والنظائر ط 1985 .
ــــــ : همع الهوامع. ت: د/عبد العال سالم مكرم. ط/الكويت 1975
ـ طبانة (د.بدوى): معجم المصطلحات البلاغية. دار العلوم للطباعة والنشر1983
ـ ابن عباد : المحيط في اللغة (معجم)
ـ ابن عصفور : المقرب .تحقيق أحمد عبدالستار ط سابعة بغداد 1986
ـ ابن عقيل : شرح ألفية ابن مالك تحقيق محمد محى الدين ط 20 القاهرة 1980
ـ عمر (سليم) : اللسانيات العربية الميسرة ـ علم التراكيب ط الجزائر 1990
ـ الغلايينى (مصطفي) : جامع الدروس العربية ط بيروت 1995
ـ ابن فارس : الصاحبى في فقه اللغة ط أولى بيروت 1997
ــــــ : مجمل اللغة (معجم) تحقيق زهير عبد المحسن سلطان .
ــــــ : مقاييس اللغة (معجم)
ـ الفيروزابادى : القاموس المحيط (معجم)
ـ القرطبي : تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن).
ـ الكفوى (أبو البقاء) : الكليات (معجم في المصطلحات والفروق اللغوية)
ـ المخزومى(د.مهدى) : في النحو قواعد وتطبيق . ط ثالثة 1985
ـــــــــــ : في النحو نقد وتوجيه . ط بيروت 1964
ـــــــــــ : مدرسة الكوفة . ط ثانية القاهرة 1958
ـ مرعشيْلَى (نديم وأسامة) : الصحاح في اللغة والعلوم (معجم) .
ـ المسدى : الشرط في القرآن على نهج اللسانيات الوصفية ـ ط/ تونس 1985
ـ مطلوب (د.أحمد) :معجم المصطلحات البلاغية .
ـ ابن منظور : لسان العرب (معجم)
ـ ابن هشام: المسائل السفرية في النحو. ت: حاتم الضامن. ط/1 بيروت 1983
ـــــ : مغنى اللبيب. ت: مازن المبارك. ط خامسة دار الفكر بيروت 1979
ـ الوهيبى (د.صالح): الحروف الزائدة في القرآن م. جامعة الملك سعود 1421
ـ ابن يعيش : شرح المفصل . ط عالم الكتب بيروت بدون تاريخ
Blachere : Grammaire de l`arabe classique . Paris 1975
Roman (Andre) : Grammaire de l`arabe . Paris 1990
فهرس الموضوعات
تقديم ... 3
المفهوم والمظاهر ... 5
مظاهر السلب في النص ... 11
السلب من خلال الدلالة المعجمية: ... 14(1/71)
السلب بالتغيير في بنية الكلمة: ... 21
السلب بأدوات النفي: ... 23
أدوات نفي الجملة الفعلية وأنماطها: ... 24
أدوات نفي الجملة الاسمية وأنماطها: ... 42
السلب بأدوات الشرط الامتناعية: ... 52
السلب بالاستفهام: ... 59
سلب السلب: ... 62
الوظائف النحوية لجمل السلب: ... 66
خاتمة ... 73
قائمة المراجع ... 78
فهرس الموضوعات ... 81
المؤلف هو
ـ د/علاء إسماعيل الحمزاوي ـ من مواليد 1967م المنيا ـ مصر.
ـ حصل على درجة الليسانس في الآداب (لغة عربية) 1990 جامعة المنيا (جيد جدا).
ـ حصل على دبلوم الدراسات العليا (تمهيدي الماجستير) 1992 جامعة المنيا (جيد).
ـ حصل على درجة الماجستير في العلوم اللغوية 1995 جامعة المنيا (ممتاز).
ـ حصل على درجة الدكتوراه في العلوم اللغوية 1998 بمرتبة الشرف من جامعة المنيا وجامعة لوميير (كلية اللغات والترجمة) بفرنسا.
له من الدرسات والبحوث
ـ الخصائص اللغوية لرواية حفص دراسة في البنية والتركيب.
ـ التعبير الاصطلاحي في الأمثال العربية دراسة تركيبية دلالية.
ـ الأفعال اللاشخصية في القرآن الكريم تحليل تركيبي دلالي في ضوء علم اللغة التقابلي.
ـ الجملة الدنيا والجملة الموسعة في كتاب سيبويه دراسة وصفية تحليلية.
ـ السلب مفهومه ومظاهره في العربية دراسة تطبيقية على "شجرة البؤس".
ـ البنى التركيبية للأمثال العامية دراسة وصفية تحليلية.
ـ الأمثال العربية والأمثال العامية مقارنة دلالية.
ـ موقف شوقي ضيف من الدرس النحوي دراسة في المنهج والتطبيق.
ـ دور اللهجة في التقعيد النحوي دراسة إحصائية تحليلية في ضوء "همع" السيوطي.
ـ أثر الصناعة النحوية والاقتضاء الدلالي في تنوع الوقف القرآني.
ـ نحو العربية (رؤية جديدة) أندريه رومان. ترجمة عن الفرنسية بالاشتراك.(1/72)