9- مذبحة معرة النعمان : اشتدت المنازعات الداخلية بين الصليبيين حول إمارة أنطاكية، على أن كثرة القتلى والجيف في ساحة المدينة نتج عنه انتشار وباء في معسكر الفرنجة، ذهب ضحيته بضعة آلاف منهم، من بينهم المندوب البابوي (أدهمار) وقد دفع ذلك الوضع الغزاة هؤلاء إلى القيام بغزوات وجولات خارج أنطاكية، حتى يبتعدوا عن منطقة الوباء، فكان غزوهم لمعرة النعمان، فاستغاث أهلها لصاحب حلب (رضوان) وصاحب حمص (جناح الدولة) فلم ينجدهم أحد(1)، ولم يكن لدى أهلها من الامكانات، ما يمكنهم من المقاومة طويلاً فاضطروا إلى الاستسلام، إلا أن الصليبيين كعادتهم لم يحترموا الأمان الذي أعطوه لأهل المعرة (2).
وإنما غدروا بهم، ورفعوا الصلبان فوق البلد .. ونهبوا ما وجدوه، وطالبوا الناس بما لا طاقة لهم به (3). وقد قدر عدد القتلى من المسلمين في معركة معرة النعمان، أكثر من عشرين ألف رجل وامرأة وصبي في حين قدرهم ابن الأثير بما يزيد عن مائة ألف، ويصف تلك المذبحة بقوله : سار الفرنج إلى معرة النعمان، فنازلوها وحاصروها، وقاتلهم أهلها قتالاً شديداً، ورأى الفرنج منهم شدة ونكاية في قتالهم .. ثم دخلوا المدينة ووضعوا في أهلها السيف ثلاثة أيام قتلوا فيها ما يزيد على مائة ألف وسبوا السبي الكثير وملكوه، وأقاموا أربعين يوماً(4)، وقد ذكر (رنسيمان) في تاريخه أن الصليبيين عندما دخلوا المدينة. أمعنوا في قتل كل من يصادفهم، واقتحموا الدور ونهبوها وأحرقوها(5)، وقد وثاها الشاعر وجيه بن عبد الله التنوخي بابيات حزينة باكية، تأسف على موت أهلها، وضياع دورها فقال ؟.
هذه بلدة قضى الله يا صاح
عليها كما ترى بالخراب
__________
(1) تاريخ السلاجقة في بلاد الشام ص 207.
(2) زيدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم (2/141 – 142).
(3) ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي ص 136.
(4) الكامل في التاريخ نقلاً عن الجهاد والتجديد ص 102.
(5) تاريخ الحروب الصليبية (1/369).(2/230)
فقف العيسَى وقفة وابك من
كان بها من شيوخها والشباب
واعتبر إن دخلت يوماً إليها
فهي كانت منازل الأحباب
وأخيراً خرج الصليبيون في معرة النعمان على رأس جيش يقوده " ريموند " نحو بيت المقدس، أما "بوهيموند" فاختار البقاء في أنطاكية، وأسس فيها إمارة له. فتحولت الحملة الصليبية الأولى نحو بيت المقدس بعد أن ظلت قرابة خمسة عشر شهراً في شمالي بلاد الشام (1)، تصول وتجول، ولا نجد من يردها إلى ديارها خائبه صاغرة.
ثالثاً : تأسيس مملكة بيت المقدس :
استغل الفاطميون فرصة ضعف الأتراك السلاجقة وتخاذل امرائهم أثر اندحارهم إمام الصليبيين عند أنطاكية، ومقتل عدد كبير منهم فسار أمير الجيوش المصرية الأفضل بن بدر الجمالي في شعبان
سنة 491ه /1098م على رأس قواته إلى القدس، وأعتقد الأراتقة حكام بيت المقدس التابعون للسلاجقة بأن تحصينات القدس العظيمة، والمقدرة الحربية لقبائلهم التركمانية ستمكنهم من الصمود حتى تأتيهم النجدة من دقاق حاكم دمشق، وكان في القدس أنذاك معظم بني أرتق وهم سقمان وايلغازي وابن عمهما سونج وابن أخيهما ياقوتي (2)، وجماعة من أقاربهما ورجالهما وخلق كبير من الأتراك، وحاول الأفضل في البداية أن يتبع الأساليب السليمة لتحقيق أغراضه فراسل كل من سقمان وايلغازي يلتمس منهما تسليم القدس من غير حرب ولا سفك دماء، فلم يجيباه إلى ذلك (3) وعند ذاك بدأ بقتال البلد، ونصب عليه نيفا وأربعين منجنيقاً فهدمت مواضع من سوره وقاتلهم أهل البلد واستمر القتال والحصار نيفاً وأربعين يوماً (4)، ويظهر أن الأخوين أيلغازي وسقمان كانا واثقين بجيشهم ومساندة عشيرتهم من التركمان إلا أن الفاطميين العبيديين استطاعوا تضييق الحصار وفتحت المدينة بالآمان عام 491ه وسار سقمان وايلغازي ومن معهما إلى دمشق سنة 491ه / 1098م،
__________
(1) الجهاد والتجديد للناصر ص 103.
(2) القدس عشية الغزة الصليبي ص109.
(3) المصدر نفسه ص 109.
(4) المصدر نفسه ص 109.(2/231)
ثم غادروا دمشق (1). إن الدولة العبيدية الفاطمية ساهمت في الاحتلال الصليبيين للمنطقة، فبدلاً أن تقف مع السلاجقة ضد الصليبيين راسلتهم وطلبت منهم الصلح، فقد كان الأفضل بن بدر الجمالي صاحب السلطة الفعلية في مصر، عندما سمع بأن الصليبيين، الذين وصلوا إلى بلاد الشام، اشتبكوا مع الأتراك السلاجقة، أعداء الدولة الفاطمية العبيدية، فكّر في عقد تحالف معهم ضد هؤلاء، فأرسل سفارة اجتمعت بزعمائهم أمام أنطاكية في شهر صفر 491ه/ كانون الثاني 1098م وعرضت عليهم مشروع التحالف الذي تضمن البنود التالية :
ينفرد الصليبيون بحكم أنطاكية وشمال بلاد الشام.
تحتفظ مصر ببيت المقدس وجنوب بلاد الشام.
يسمح للصليبيين بزيارة الأماكن المقدسة في فلسطين، وتكون لهم الحرية الكاملة في أداء شعائرهم الدينية، على ألا تزيد مدة إقامتهم فيها عن شهر واحد، وألا يدخلوها بسيوفهم.
يتعاون الطرفان في القضاء على السلاجقة (2).
على أن سفارة الأفضل إلى الصليبيين، على الرغم من الحفاوة التي استقبلت بها، لم تؤدِ إلا إلى نتيجة واحدة، وهي وقوف الصليبيين على مدى الخلاف السائد بين الفاطميين والسلاجقة في بلاد الشام، ومن ثمَّ استقَّر رأيهم بعد استيلائهم على أنطاكية على إرسال حملة للاستيلاء على بيت المقدس (3).
إن المتتبع لدراسة التاريخ في مرحلة اغتصاب أوروبا لبلاد الشام وبيت المقدس في بداية القرن الخامس الهجري ونهاية العاشر الميلادي والانفراد بالمسلمين، ومحاولة القضاء عليهم سبقة عدة أمور منها :
__________
(1) المصدر نفسه ص 110.
(2) تاريخ الفاطميين في شمال إفريقية، محمد طقوش ص 428.
(3) المصدر نفسه ص 428.(2/232)
زرع دولة شيعية مؤسسها يهودي أو مجوسي، سمّى نفسه المهدي، ترفع شعار الإسلام، بإدعاء انتسابها إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن فاطمة، تهدف إلى عزل دول الشمال الإفريقي، وخاصة مصر عن بقية بلاد الشام أثناء تعرضه للغزو الصليبي. هذه الدولة كانت لها مراسلات وسفارات مع الأوروبيين الصليبيين الذين عادوا لاغتصاب بيت المقدس، وأرض الشام ومصر، وعرضوا التعاون معهم ضد السلاجقة وسنرى بإذن الله في دراستنا المستقبلية طلبهم من الصليبيين المعاونة ضد نور الدين زنكي وأسد الدين شيركوه وصلاح الدين.
أن حكام هذه الدولة حرصوا على هدم الخلافة العباسية، التي كانت تحتاج إلى من يدعمها ويساندها ويأخذ بيدها بدلاً من الحرص على هدمها، لأن الخلافة هي السياج الحامي بعد الله لبلاد المسلمين من كيد أعدائها.
ظهور الباطنية القرامطة مؤسسها أبو سعيد الجنابي رأس القرامطة سنة خمس وثمانين ومائة ه الذين يدعون انتسابهم إلى علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – والذين عملوا على هدم الخلافة العباسية، وإفساد عقيدة الأمة العجيب أنهم قصدوا دمشق في جحفل عظيم، فقاتلهم نائبها فهزموه عدة مرات، وكان ذلك بقيادة يحي بن زكرويه الذي أدعى عند القرامطة أنه محمد بن عبد الله بن إسماعيل ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد كذب في ذلك.
حرص حكام الدولة التي تسمى زوراً وبهتاناً بالدولة الفاطمية على إفساد عقيدة السلف، عقيدة الرافضة بالقوة على الأمة، وقتل أهل السنة والجماعة، وعلمائهم وفقهائهم، وسب الخلفاء الراشدين وصحابة رسول الله – رضوان الله عليهم – على المنابر، كما أن بعض حكامهم قد أدعوا الألوهية.
عزل مسلمي مصر عن إخوانهم في بلاد الشام والشمال الإفريقي وأثناء العزل جرى القضاء على المقاومة الإسلامية ببيت المقدس وبلاد الشام والاستيلاء عليها (1).
__________
(1) أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ الطريق إلى بيت المقدس ص 69.(2/233)
لم يكن نجاح النصارى في انتراع بيت المقدس من أيدي الفاطميين مصادفة بلا خلفيات، لا .. بل الذي يدرس تاريخ الروافض، بل إن الذي يدرس تاريخ الشيعة الروافض الباطنيين ويتعرف على هويتهم المشبوهة يسهل عليه استيعاب حقيقة الأمر الذي سارت عليه الأحداث، فالدولة الفاطمية الرافضة كانت إحدى الحركات الباطنية التي أعملت معاول الهدم في صرح الأمة الإسلامية، وكانت أيضاً سبباً في ضعف دولة الخلافة العباسية في التضحية بالأرض المقدسة، وتعامر الطرفان عن الخطر الصليبي منشغلين بالصراع بينهما. وما أشبه الليلة بالبارحة عندما انشغل العرب والترك بالنزاع بينهما حتى استلب النصارى الإنجليز أرض فلسطين ثم أسلموها إلى اليهود ولا تزال الليالي تشبه البارحات، لقد بلغ من عمالة الفاطميين أو بالأحرى الباطنيين العبيديين الراوافض – أن استعانوا بالصليبيين للقضاء على السلاجقة الأتراك، وفي الوقت الذي كان الصليبيون في طريقهم إلى القدس، وكانت مدن الشام تتساقط تحت أقدامهم، كان الفاطميون والسلاجقة يتناولون التنازع على المدينة المقدسة متجاهلين خطر الجيش النصراني ولم يحرك قائد الفاطميين ساكناً إلا عندما جاء الخبر بحصار الصليبيين للقدس (1)، ولاحت الفرصة الذهبية لأهل الصليب لكي ينفثوا أحقاد قرون خلت في جسد الأمة الإسلامية، ولكي يحققوا حلماً دينياً وهدفاً سياسياً ومغنماً اقتصادياً لا تعوض فرصته خاصة أن الوقت كان في بداية الألفية الثانية التي اعتقدت طوائف كثيرة من النصارى أن المسيح عيسى بن مريم سيعود فيها إلى الأرض ليحكمها كلها من القدس، انطلاقاً مما يسمي بالعقيدة الألفية التي كانت سبباً في عصرنا هذا أيضاً لتعاون النصارى مع اليهود في السيطرة على بيت المقدس كله استعداداً لمقدم الألفية الثالثة، ألفية المسيح (2).
__________
(1) قبل الكارثة نذير ونفير ص 129.
(2) المصدر نفسه ص 130.(2/234)
1- مقدمات الاحتلال : ما أن استولى الصليبيون على نيقية حزيران عام 1097م بعد حصار دام شهراً، حتى زحفوا إلى أسكي شهر التي سقطت بأيديهم في أول تموز/ يوليو من العام نفسه، ثم إلى مدينة الرها، ثم وصلوا إلى أنطاكية، فاحتلوها بعد حصار طويل كما مّر معنا واتجه الصليبيون بعد ذلك جنوباً فاحتلوا معرة النعمان ثم أخلوها بعد أن أحرقها وقتلوا من أهلها " ما يزيد على مائة ألف " (1)، ثم احتلوا " حصن الأكراد " نم انطرطوس وهي طرطوس الحالية " بعدد من الأدلاء والجنود " (2) وفي 16 أيار مايو 1099م غادر الصليبيون طرابلس وتابعوا تقدمهم جنوباً فاجتازوا البترون وجبيل ووصلوا في 19 آيار، مايوا إلى الحدود الفاطمية على نهر الكلب ولم يكن للفاطميين عساكر في ممتلكاتهم الشمالية، باستثناء بعض الحاميات في بعض المدن
الساحلية (3)، مما أتاح للصليبيين التقدم بسهولة وبلا مقاومة، فدخلوا بيروت بلا قتال، ثم تقدموا نحو صيدا فبلغوها في 20آيار 1099م، ولكنهم لقوا مقاومة عنيفة من حاميتها، إلا أنهم استطاعوا التغلب عليها وتابعوا تقدمهم نحو صور حيث بقيت حامية صور خلف الأسوار ولم تناجزهم العداء (4). وتابع الصليبيون تقدمهم بعد أن غادروا صور بتاريخ 23 آيار 1099م، فبلغوا ضواحي عكا في 24 آيار دون أن يلقوا مقاومة تذكر، ثم وصلوا إلى حيفا، فقيسارية حيث أقاموا أربعة أيام استأنفوا بعدها، تقدمهم نحو الرملة فبلغوها في 3 حزيران 1099م وفي 6 حزيران تابع الصليبيون تقدمهم نحو بيت المقدس فبلغوا أسوارها مساء 7 حزيران حيث عسكروا (5).
2- القوى المتواجهة :
__________
(1) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي ص 54.
(2) المصدر نفسه ص54.
(3) المصدر نفسه ص 54.
(4) الحروب الصليبية (1/411).
(5) المصدر نفسه (1/411 – 414).(2/235)
- القوات الصليبية : بلغ عدد القوات الصليبية التي وصلت إلى أسوار القدس وتمركزت حولها وبدأت بمحاصرتها نحو أربعين ألفاً من مختلف الأعمار ذكوراً وإناثاً، وكان عدد الرجال المقاتلين منهم نحو عشرين ألفاً، وقد انتشر الصليبيون حول القدس، على امتداد بعض أسوارها، وليس كلها، وذلك بسبب نقص عدد قواتهم (1)، ورغم أن القوات الصليبية كانت مزودة بأحدث الأسلحة وآلات الحصار والتدمير، فإنها وجدت نفسها عاجزة عن تنفيذ حصار كامل ومطبق حول المدينة بسبب نقص كبير في عدد المقاتلين من جهة وبسبب نقص في آلات الحصار من جهة أخرى، كما أن إطالة أمد الحصار حول القدس سوف يؤثر سلباً على معنويات الجند الذين هم آتون من بلاد باردة إلى أرض قاحلة لا ظل فيها ولا أشجار، وفي صيف حار لاهب لن يستطيع أولئك الجند تحمل حرارته، لذا قرر القادة أن يُعّدوا لهجوم عاجل على المدينة (2).
__________
(1) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي ص 55.
(2) المصدر نفسه ص 57.(2/236)
قوات المسلمين : كان المسلمون، في داخل أسوار مدينة القدس، في وضع دفاعي متين فالمدينة بحد ذاتها، تعتبر من أضخم المعاقل والحصون في ذلك الزمان، فأسوارها التي يقف الصليبيون قبالتها، تكاد تكون عصّية على الاختراق أو الاجتياز، إضافة إلى ذلك تظل القدس عصية على أي هجوم من جهاتها الثلاث : من الشرق والجنوب الشرقي حيث يلفها وادي قدرون أو وادي جهنم، ومن الجنوب حيث يلفها وادي هنّوم أو وادي الربابة، ومن الغرب حيث يلفها وادي الروث أو وادي تيروبيون، فهي إذن محصنة، من هذه الجهات بتحصينات طبيعية، إضافة إلى ما تمنحها أسوارها وحصن داود الواقع في منتصف السور الغربي، والذي يسيطر على جزء كبير من محيط المدينة، من مناعة وقوة (1). يضاف إلى ذلك الخنادق التي حفرها المدافعون خارج الأسوار، في الزاويتين الشمالية الشرقية والشمالية الغربية، وفي الجهة الشمالية من السور، لكي تعيق تقدم المهاجمين، وهكذا، لم يكن ممكناً مهاجمة المدينة إلا من الجهتين : الشمالية، والشمالية الغربية فقط، وهي الجهات التي ركز الصليبيون، في حصارهم عليها (2)وكان في المدينة حامية مؤلفة من مصريين وسودانيين تقدر بألف مقاتل بينما تداعت أعداد كبيرة من الحصون القائمة في المناطق المجاورة ومن الريف للدفاع عن المدينة، فبلغ عدد المدافعين عنها نحو أربعين ألف محارب شجاع مجهزين تجهيزاً رائعاً بحسب قول الصوري (3). والصوري لا يؤكد ذلك بل، يقول وذكرت إحد الروايات ونعتقد أن هذا العدد مبالغ فيه كثيراً (4).
__________
(1) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي ص 57.
(2) المصدر نفسه ص 57.
(3) المصدر نفسه ص 59.
(4) المصدر نفسه ص 59.(2/237)
- قائد الحامية : كان قائد تلك الحامية هو الحاكم الفاطمي نفسه (افتخار الدولة) الذي ما إن علم باقتراب الصليبيين من أسوار المدينة، حتى باشر باتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها، فطمر كل الينابيع والآبار الواقعة خارج المدينة كي يحرم المهاجمين من التزود بمياهها، وأخرج منها المسيحيين أهلها، خيشة أن يتعاطف هؤلاء مع أبناء دينهم المهاجمين، فيوقعوا الاضطراب والفوضى في المدينة، ورغبة منه في توفير ما يمكن أن ينفقوه من زاد وغذاء للمسلمين المحاصرين (1).
- أسلحة المدافعين عن المدينة : وأما أسلحة المسلمين المدافعين عن المدينة، فإنها كانت بحسب زعم رنسيمان والصوري تضاهي أسلحة الصليبيين نوعية وتفوقها عدداً، خصوصاً وأنهم أي المسلمين، كانوا قد احتاطوا لهذا الأمر فجمعوا الأخشاب اللازمة لصنع الآلات الحربية الملائمة للدفاع عن المدينة المحاصرة كالمجانيق وسواها، وأنشأوا داخل الأسوار، آلات حربية معادلة في ارتفاعها لارتفاع آلات الصليبين، وبينما كان الصليبيون يجهدون بدورهم، لإعداد آلات الحصار التي تنقصهم من سلالم ومجانيق، كان المسلمون لا يفتأون يراقبون تصرفاتهم بواسطة حراس يقظين كانوا قائمين على الأسوار باستمرار، ثم يضاهونهم في صنع آلات مماثلة (2)، ويقول الصوري في ذلك كانت الآلآت الحربية التي يضعها تُصنع من مواد أفضل من المواد التي صُنعت الآتنا منها، وقد قاموا بهذا الحماسة المثلى، حتى لاتكون آلات حربهم أدنى من ألاتنافي الإنشاء أو في المادة. وكان الحراس يراقبون، من على الأسوار والبروج كل ما أنجز في جيشنا، وبشكل خاص ما تعلق بالوسائل التي ارتبطت بالآت الحرب، حيث نقلوا على الفور، جميع تفاصيل ما راقبوه إلى الرجال الرئيسيين للقدس، الذين تنافسوا بمهارة، وكافحوا في سبيل محاكاة أعمال المسيحيين (3).
__________
(1) الحروب الصليبية (1/421).
(2) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي ص 60.
(3) المصدر نفسه ص 61.(2/238)
3- الحصار : ركَّز الصلييون كل قواتهم على الأماكن التي تقَّربهم من الأسوار، وذلك لعدم توفر العدد الكافي من المقاتلين لفرض حصار على المدينة بكاملها، فاتخذ روبرت النورماندي موضعه على امتداد السور الشمالي في حين حاصر كل من جودفري وتانكِرد المدينة من الناحية الغربية، وتمركز ريموند الضجلى إلى الجنوب من موضعهما حيث أقام على جبل صهيون، أما القطعان الشرقي والجنوبي الشرقي فكانا مكشوفين لم يحرسهما أحد. واجهت المحاصِرين، في بادئ الأمر، عدة مشكلات حالت بينهم وبين الاستيلاء على المدينة فوراً لعل أهمها :
* مقاومة الحامية الفاطمية، إذ توافر لافتخار الدولة المؤن والماء والأسلحة التي تفوَّقت على أسلحة الصليبين، وأمل أن يصمد في وجه الحصار المدة الكافية لوصول النجدة التي طلبها من القاهرة.
* تأمين الماء نتيجة ما اتخذه افتخار الدولة من تدابير كانت ناجعة وقوية الأثر وللحصول على الماء كان لابد للصليبيين أن يسيروا ستة أميال أو أكثر، مما يعرَّضهم لهجمات المسلمين كما أخذت مؤونهم في النفاذ.
* الحرارة المرتفعة وقسوتها عليهم.
* تجدد النزاع بينهم حول مصير بيت المقدس، وملكية بعض المراكز الهامة الأخرى مثل بيت لحم.
* انتشار إشاعة بينهم أن جيشاً فاطمياً كبيراً قد خرج من القاهرة، وهو في طريقه لإنقاذ
المدينة (1). وتبين لهم أنهم لن يستطيعوا الصمود لحصار طويل، وينبغي عليهم أن يبادروا بالهجوم على المدينة والاستيلاء عليها (2).
__________
(1) تاريخ الفاطميين ص 435.
(2) المصدر نفسه ص 435.(2/239)
4- الهجوم الأول للقوات الصليبية : قرر القادة الصليبيون سن هجومهم على المدينة في فجر اليوم السادس للحصار (أي في فجر 13 حزيران يونيو)، وأعطيت الأوامر للقوات بالاستعداد للهجوم بالعتاد الكامل، وبحماية دروعهم، وأذيعت تلك الأوامر " بصوت المنادي" وعلى الجميع من أدناهم على أعلاهم في اليوم السباق للهجوم، أي اليوم الخامس للحصار(1) وفي الساعة المحددة، انطلق الصليبيون باتجاه السور " بكل ما يدخرون من حماسة. وهاجموا السور الخارجي للمدينة من الجهة الشمالية واستمر القتال ضاربا بين الفريقين من الفجر الباكر وحتى حوالي الساعة السابعة من النهار، حين استطاع المهاجمون أن يدمروا القسم الخارجي من السور الشمالي وأن يتغلبوا على حامية السور التي انكفأت إلى الداخل لتدافع عن الأسوار الداخلية، وأصبح السور الخارجي تحت سيطرة المهاجمين، لولا أن هؤلاء افتقدوا الوسائل اللازمة لتسلق السور الذي احتلوه، من سلالم وأوهاق وحاولوا تسلقه جاهدين، ولكن دون جدوى فعادوا أدراجهم إلى مراكزهم الأساسية، بعد خسارة لا يستهان بها في الرجال (2).
__________
(1) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي ص 61.
(2) المصدر نفسه ص 62.(2/240)
5- العودة إلى الاستعداد للقتال : تدارس القادة الصليبيون الوضع، بعد فشل هجومهم على المدينة في اجتماع عقد لهذه الغاية بتاريخ 15 حزيران، فقرروا التوقف عن تنفيذ أي هجوم ريثما يتم الإعداد العسكري للمعركة الحاسمة، وكان هذا الإعداد العسكري للمعركة الحاسمة، وكان هذا الإعداد يقتضي الإسراع في إنشاء ما يحتاجه الجيش من آلات التدمير والاقتحام، وأهمها المجانيق وسلالم التسلق، وكانوا يفتقرون إلى المواد اللازمة لصنع هذه آلالات، وأهمها الأخشاب والحبال والمسامير والأقفال، ولكنهم تدبروا أمر الأخشاب من المناطق البعيدة عن القدس حيث تكثر الأشجار واستطاع تنكرد والكونت روبرت كونت النور ماندي، وكونت الفلاندر الحصول على كميات من هذه الأخشاب التي نقلت إلى المعسكرات على ظهور الإبل والعربات والأسرى المسلمين، بينما تدبروا أمر الحبال والمسامير والأقفال من سفينتين، مبحرتين من جنوى رستا في ميناء يافا وكان المسلمون قد أخلوا المدينة وهي تحمل لهم مؤناً وأسلحة ومعدات للحصار. ونشط العمال الحرفيون من حدادين ونجارين، بإشراف غودفروا بإشراف غودفروا وريموند دي سان جيل في إعداد آلات الحرب اللازمة من مجانيق وعرّادات وأوهاق وكباش دك وآلات أخرى، كما صنعوا أبراجاً خشبية تطل على السور وتشرف عليه وهي برج غودفروا ريموند، وبرج تانكرد (1) في هذه الأثناء، وبينما كان الاستعداد للهجوم الحاسم يجري بطيئاً في معسكرات الصليبيين، كانت معاناة هؤلاء من افتقارهم إلى الماء والزاد تزداد، فقد وصلوا، في بحثهم عن الماء حتى نهر الأردن، وكانت الأغنام والأبقار المعدة لإطعام الجند تنفق، بدورها، جوعاً وعطشاً، ومن شدة الحر، وذلك رغم مساعدة المسيحيين من أهل البلاد أولئك الذين أظهروا الولاء للصليبيين، فأضحوا أدلاءَّ يرشدونهم إلى الينابيع والغابات الواقعة من الجهات المجاورة(2)، ومع
__________
(1) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي ص 63.
(2) المصدر نفسه ص 63.(2/241)
ذلك، فقد كان عليهم أن يدفعوا عن مواقعهم غارات المسلمين وكمائنهم، وسهام حامية المدينة وقذائفها. وفوق ذلك كله، فقد دب الخلاف بين قادة الحملة، وخصوصاً بين تانكرد الذي كان قد استولى على بيت لحم ورفع لواءه فوق كنيسة المهد، مما أغضب باقي القادة، كما دبّ الخلاف بينهم حول مسألة مستقبل القدس بعد احتلالها هذا بالإضافة إلى المعاناة اليومية للجند، حيث كان يموت العديد منهم، يومياً، ظمأَ وحراً وجوعاً، مما دفع بالكثيرين إلى التخلي عن الحملة ومحاولة العودة إلى بلادهم (1).
ويتحدث كل من " غروسيه " و " الصوري " و " رنسيمان " عن الوسائل التي استخدمها القادة الصليبيون لرفع معنويات جندهم التي انهارت إلى حد كبير، وخصوصاً عندما سرت في صفوفهم إشاعة عن تحرك جيش من مصر باتجاه القدس لتخليصها من حصار الفرنجة لها وكان ذلك في أول تموز/ يوليو، فعمدوا يوم 8 تموز إلى إعلان الصوم الكامل، والحج، وجماعة، إلى جبل الزيتون، بقيادة رجال الدين والقادة العسكريين، وسار الصليبيون جميعاً إلى " الجبل المقدس " وخرج الجند المسلمون إلى الأسواق يشاهدونهم وهم يسخرون وعلى الجبل، ألقى كل من القديس بطرس الناسك وريموند أجيل قسيس ريموند وأرنولف روز قسيس روبرت النورماندي عظة ألهب بها عواطف الجند والقادة وحماستهم، فعادوا، وقد نسوا، جميعهم، ما كان بينهم من شاحنات، ليعملوا، يداً واحدة في سبيل
" تحرير" بيت المقدس (2).
6- الهجوم الحاسم : بدأ الصليبيون هجومهم على القدس ليل 13 – 14 تموز/ يوليو 1099م على محورين :
المحور الأول : شمال – جنوب بقيادة، غودفروا دي بويون ومعه روبرت كونت الفلاندر وروبرت كونت النورماندي، وتانكرد. وهو من باب الساهرة باتجاه الحرم الشريف.
__________
(1) المصدر نفسه ص 63.
(2) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي ص 64.(2/242)
المحور الثاني : جنوب شمال، بقيادة ريمونددي سان جيل كونت تولوز ومعه بعض النبلاء والقادة، وهو من جبل صهيون " قبالة باب صهيون، باتجاه القلعة أو حصن داود ووافقاً لما ذكره المؤرخ ريموند آغيلرز، وهو شاهد عيان للمعركة، بلغ عدد المهاجمين 12 ألف مقاتل من المشاه 1200 أو 1300 مقاتل (1). إلا أن المهاجمين لم يتمكنوا من إحراز أي تقدم طيلة اليوم الأول 14 تموز، إذ إنهم كانوا يجابهون بما ترميه عليهم آلات الحرب ومعدات القذف من نبال وقسي وسهام وقذائف حجرية وخرق مبللة بالزيت ومشتعلة وقوارير ملتهبة ونار إغريقية، بينما كانت حجارتهم تسقط على أسوار المدينة وتحصينات المسلمين بلا أية فعالية تذكر، نظراً لأن المسلمين حصنوا تلك الأسوار والتحصينات " بأكياس مليئة بالقش والتبن " وبالحبال والمنسوجات والعوارض الخشبية الضخمة والفرش المحشوة بالحرير، وكانت هذه تشكل، بطراوتها وليونتها عازلاً بين الحجارة المقذوفة وتلك الأسوار والتحصينات، إلا أنه، في صباح اليوم التالي أعتمد المهاجمون أسلوباً آخر في القتال (2).
__________
(1) المصدر نفسه ص 66.
(2) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي 66.(2/243)
- عمليات المحور الأول المحور الشمالي : بدأت عمليات هذا المحور، بقيادة غودفروا دي بويون، ليل 13 – 14 تموز/ يوليو، بمحاولة تقدم من جهة باب الساهرة نحو السور، يصحبها طمر الخندق العريض، والعميق المحفور حوله من الخارج بغية دفع آلات الحرب والبروج المتنقلة نحوه، ولكن الرمايات الكثيفة التي نفذتها حامية المدينة، على هذا المحور، بمختلف أنواع الأسلحة، أعاقت تقدم المهاجمين إلى حد كبير فبينما كان المهاجمون يجهدون لدفع بروجهم وآلات حربهم نحو السور بغية السيطرة عليه وعلى التحصينات القائمة خلفه، كان المدافعون يجهدون في عرقلة أعمال المهاجمين هذه برميهم بالقذائف المشتعلة، والنبال المحملة بالكبريت الملتهب والإسفلت والزيت، أو أي شيء آخر يزوَّد ألسنة النيران بالوقود بالإضافة إلى ما كانت ترميه المجانيق وآلات الحرب الأخرى من نبال وسهام وحجارة ضخمة وكان المهاجمون ينشطون في إطفاء الحرائق التي كانت تشتعل، من جراء ذلك، في آلاتهم الحربية. وهكذا انقضى اليوم كله دون أن يحقق المهاجمون تقدماً يذكر، خصوصاً وأن رماياتهم على سور المدينة وتحصينات حاميتها لم تكن فعّاله بالقدر الكافي، وذلك بسب التدابير التي اتخذها المدافعون عن ذلك السور وتلك التحصينات وما أن بدأ الليل يقترب حتى بدأ النزاع يخّف ورمايات الفريقين تقّل تدريجياً، دون أن يتخطّى أي منهما عن حذره وسلاحه، ومرليل 14 – 15 والفريقان على حذرهما وسلاحهما، يرقب كل منهما تحركات خصمه لمنع وقوع أي ضرر عليه، فبينما كان المدافعون حذرين كي لا يتسلل العدو إلى داخل المدينة عن طريق إحداث ثغرة في الصور، أو تسلق التحصينات (1)، لذا كان الخوف والحذر مستمرين ومتبادلين بين الفريقين طيلة ليل 14 – 15 تموز/ يوليو إلا أن القتال مالبث أن استؤنف صباح يوم 15 تموز، وذلك عندما أستأنف غودفروا هجومه بعنف، على السور، محاولاً أن يقترب منه ببرجه المتحرك وآلات حربه،
__________
(1) المصدر نفسه ص 67.(2/244)
وكان البرج مغطّى بجلود الحيوانات المسلوخة حديثاً وذلك لحماية الجسور من النار الإغريقية (1)، والتي يرميها المسلمون واستطاع غودفروا، بعد جهد ومشقة، أن يصل ببرجه إلى حافة السور، وأن يمَّد، عند ظهر ذلك اليوم، جسراً من البرج إلى السور، عند باب الساهرة، وكان " غودفروا " وأخوه " يوستاس" في الطابق العلوي من البرج، عندما تقدم اثنان من مقاتليه " وهما ليتولد وجبلبرت من تورناي " واقتحما السور، فتبعها كل من غودفروا وأخيه، فكانوا أول من دخل مدينة القدس من المقاتلين الصليبيين صبيحة يوم 15 تموز، يوليو 1099م. وما لبث، بعد ذلك، أن تدافع المهاجمون نحو السور يتسلقونه بسلالمهم وأوهاقهم، على رأسهم روبرت كونت الفلاندر وروبرت كونت النورماندي وتانكرد، مما جعل المدافعين يتراجعون، مذعورين، نحو الحرم الشريف لكي يجتموا به ولكن المهاجمين تبعوهم إلى المسجد الأقصى حيث جرت، كما يذكر مؤرخ " صليبي " مجهول " مجزرة " كان من نتيجتها أن " مشى رجالنا في الدم حتى كعوب أقدامهم "(2) بعد ذلك، وزع غورفروا المهام على قادة الفرق، فأرسل منهم من يفتح " باب العمود " للقوى التي كانت لا تزال خارج المدينةن كما أرسل فرقة اقتحمت المدينة من الشرق، من باب يهوشافاط. أما تانكرد، فتقدم، من تلقاء نفسه، نحو " الحرم الشريف " حيث كانت " قبة الصخرة " بما تزخر به من ثروة ذكر ابن الأثير أنها كانت نيفاً وأربعين قنديلاً من الفضة، وزن كل قنديل 3600درهم، وتنوراً لا مصباحاً كبيراً " من فضة وزنه أربعون رطلاً بالشامي، و... من القناديل الصغار 150قنديلاً نقرة، ومن الذهب نيفاً وعشرين قنديلاً " فغنمهما كلها وغنم الصليبيون من المسجد الأقصى، كما يذكر ابن الأثير أيضاً مالا يقع عليه الإحصاء (3)، وكان قد لجأ إلى سطح المسجد مئات من المسلمين أعطاهم " تانكرد " الأمان
__________
(1) حروب القدس في التاريخ الإسلامي ص 68.
(2) المصدر نفسه ص 68.
(3) الكامل في التاريخ (8/405).(2/245)
وأعطاهم رايته ضماناً لهم، إلا أنهم، في اليوم التالي، ذبحوا جميعاً، ذبح النعاج، على أيدي جنود صليبيين دخلوا الحرم الشريف وقتلوهم جميعاً بلا استثناء لولد أو شيخ أو امرأة، غير عابئين بالأمان الذي أعطاهم إياه تانكرد، ولا برايته التي رفعوها اعتقاداً منهم أنها
ستحميهم (1).
- عمليات المحور الثاني " المحور الجنوبي " : بدأ ريمون، كونت تولوز، يّعد للهجوم قبل ثلاثة أيام من بدئه، أي من تاريخ 12 تموز/يوليو، حيث كان عليه أن يطمر خندقاً عريضاً وعميقاً يفصل بين السور من الخارج وبين مواقعه، ويجعل وصوله إلى السور، مع برجه وآلات حربه، صعباً إن لم يكن مستحيلاً وقد لاقى ريموند مشقة كبيرة في أداء هذه المهمة، خصوصاً وأن نيران الحامية " ومنها النار الإغريقية " التي كانت تقذف عليه من داخل السور، ومن حصن داود أو القلعة لم تكن لتوفر له الراحة والأمان لبلوغ المهمة، ومع ذلك فإن ريموند استطاع، مساء 14 تموز/ يوليو، أن يدفع ببرجه المتنقل فوق الخندق، ويبلغ به السرور، بعد ذلك، وليل 14 – 15 تموز بدأ ريموند وقواته محاولة صعبة للتقدم من جبل صهيون قبالة باب النبي داود باتجاه او حصن داود. وقد لقي المهاجمون، على هذا المحور، مقاومة أشد من تلك التي لقبها المهاجمون على المحور الأول، خصوصاً، وأن حاكم المدينة أو قائد حاميتها (افتخار الدولة) كان يقود الجبهة المواجهة لريموند وقواته. واستمر القتال طيلة ظهر 15 تموز، وفي هذه الأثناء، كان غودفروا قد احتل الجهة الشمالية وتوغل في المدينة دون أن يعلم ريموند بالأمر، لا خصمه، افتخار الدولة، الذي كان يقاتل في مواجهته إلا أن صرخات الجنود المنتصرين وصيحات الرعب والفزع التي كانت تصدر عن المسلمين الهاربين من وجه المهاجمين أيقظت افتخار الدولة على الحقيقة المرة، كما نبهت ريموند إلى انتصار خلفائه في الجهة الشمالية، فأنكفأ افتخار الدولة
__________
(1) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي ص 69.(2/246)
برجاله نحو القلعة أو حصن داود ليعتصم فيها، بينما تقدم ريموند إلى السور فأنزل الجسر عليه من برجه المتنقل بدون مقاومة، ورفع سلالمه إلى الأسوار، ودخل المدينة من دون أدنى إعاقة (1)، من قبل المسلمين الذين كانوا قد تخلوا، نهائياً عن القتال، وفتح ريموند الباب الجنوبي (باب النبي داود) عليه السلام لمقاتليه فدخلوا المدينة منتصرين. أما افتخار الدولة، فقد طلب من ريموند الأمان لكي يخرج ورجاله من القلعة ويغادروا المدينة، فأمنه ريموند، وخرج افتخار الدولة ورجاله عسقلان حيث انضموا إلى ما تبقى في فلسطين من جيوش تابعة للدولة الفاطمية. وهكذا سقطت القدس كلها، بيد الغزاة الصليبيين، يوم الجمعة الخامس عشر من تموز عام 1099م الموافق للثالث والعشرين من شعبان عام 492ه، وذلك بعد حصار دام 39 يوماً من 7 جزيران/ يوليو(2).
__________
(1) المصدر نفسه ص 70.
(2) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي ص 70.(2/247)
7- وحشية الحضارة الغربية الصليبية : يذكر ابن الأثير أن الصليبيين قتلوا، في المسجد الأقصى ما يزيد عن سبعين ألفاً منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبّادهم وزهّادهم (1) أما من كان في القدس من اليهود، في هذا الأثناء وكان افتخار الدولة قد سمح لهم بالبقاء في المدينة بينما أمر المسيحيين بالخروج منها خشية أن يتعاطفوا مع أبناء دينهم، فقد لجأوا إلى كنيسهم إلا أن المقاتلين الصليبيين حشروهم جميعاً في معبدهم الكبير حيث لجأوا، وأحرقوا المعبد، وهّم بداخله، فقضوا جميعهم حرقاً بحجة أنهم ساعدوا المسلمين (2). ويقول ابن القلانسي في ذلك، وهو قد عاش هذه الفترة وزامنها : وقتل خلق كبير وجمع اليهود في الكنيسة وأحرقوها عليهم (3)، ويذكر رنسيمان أن مذبحة القدس تركت أثراً عميقاً في جميع العالم وأن عدد ضحاياها ليس معروفاً بالضبط. وأن القدس خلت بعد هذه المذبحة، من سكانها المسلمين واليهود، وأنه " لم يثر التعصب الإسلامي، من جديد، إلا التعصب المسيحي الذي دلّ عليه ما لجأ إليه الصليبيون من سفك الدماء (4)، ويصف الأسقف وليم الصوري هذه المذبحة وصفاً تقشعر له الأبدان، إذ يقول : بات من المحال النظر إلى الأعداد الكبيرة للمقتولين دون هلع، فقد انتشرت أشلاء الجثث البشرية في كل مكان وكانت الأرض ذاتها مغطاة بدم القتلى، ولم يكن مشهد الجثث التي فصلت الرؤوس عنها، والأضلاع المبتورة المتناثرة في جميع الاتجاهات، هو وحده الذي أثار الرعب في كل من نظر إليها فقد كان الأرهب من ذلك هو النظر إلى المنتصرين أنفسهم وهم ملطخون بالدم من رؤوسهم إلى أقدامهم .. ويروى أنه هلك داخل حرم الهيكل فقط، قرابة عشرة آلاف من الكفرة بالإضافة إلى القتلى المطروحين في كل مكان من المدينة، في الشوارع
__________
(1) الكامل في التاريخ (8/405).
(2) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي ص 70.
(3) ذيل تاريخ دمشق ص 222.
(4) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي ص 71.(2/248)
والساحات، حيث قدّر عددهم أنه كان مساوياً لعدد القتلى داخل حرم الهيكل، وطاف بقية الجنود خلال المدينة بحثاً عن التعساء الباقين على قيد الحياة، والذين يمكنهم أن يكونوا مختبئين في مداخل ضيقة وطرق فرعية للنجاة من الموت، وسحب هؤلاء على مرأى الجميع وذبحوا كالأغنام، وتشكل البعض في زمر واقتحموا المنازل حيث قبضوا على أرباب الأسر وزوجاتهم وأطفالهم وجميع أسرهم، وقتلت هذه الضحايا أو قذفت من مكان مرتفع حيث هلكت بشكل مأساوي(1).
__________
(1) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي ص 71.(2/249)
ووصف شاهد عيان افرنجي المذبحة التي أحدثها الصليبيون بالقدس بقوله : شاهدنا أشياء عجيبة إذ قطعت رؤوس عدد كبير من المسلمين وقتل غيرهم رمياً بالسهام أو أرغموا على أن يلقوا بأنفسهم من فوق الأبراج .. وكنا نرى في الشوارع أكوام الرؤوس والأيدي والأقدام (1). ووصف ذلك افرنجي آخر كان مرافقاً للصليبيين : كان رجالنا يخوضون حتى كعوبهم في دماء القتلى (2)، وقد انطلق الصليبيون في جميع أنحاء المدينة يستولون على الذهب والفضة من داخل المساجد والدور، واستمر الصليبيون في القتل والنهب لمدة أسبوع (3). وإصدر قادة الصليبيين أمراً بطرح جثث المسلمين خارج المدينة التي امتلئت بالجثث فقام بهذه المهمة العدد القليل من المسلمين الذين وقعوا أسرى بيد الصليبيين ولم يقتلوا، وفقراء الجيش الصليبي مقابل راتب يومي والقوهم أمام أبواب المدينة وتعالت أكوامهم حتى حاذت البيوت ارتفاعاً وما تسنى لأحد قط أن سمع أو رأى مذبحة مثل هذه المذبحة الصليبية : لقد رأينا، في كل شوارع المدينة وأحيائها، تلال من الرؤوس والأيدي والأرجل. لقد كان الناس يمشون علنا وبهدوء على جثث الرجال والخيل يستطرد : إنني لا أقدم في وصف هذا، سوى القليل من الرعب الذي شاهدته، وإذا أنا وصفت كل ما شاهدته فلن تصدقوني (4)، وإننا لنستذكر، أمام وحشية الحضارة الغربية وهمجية الروح الصليبية هذه ما قاله المفكر الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب : إذ قال : لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب(5) ، ولا شك أن رجال الدين المسيحي لهم دور أساسي في هذه المذبحة، فقد كانوا يحفزون الصليبين للانتقام للسيد المسيح ابتداء بالبابا أوربان الثاني وانتهاء برجال الدين المرافقين للحملة الصليبية(6)
__________
(1) قصة الحضارة (4/25).
(2) أعمال الفرنجة ص 118 القدس عشية الغزو الصليبي ص 122.
(3) القدس عشية الغزو الصليبي ص123.
(4) حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي ص 73.
(5) المصدر نفسه ص 73.
(6) القدس عشية الغزو الصليبي ص123.(2/250)
.
8- دور رجال الدين المسيحي في سقوط القدس : ويظهر دور رجال الدين المسيحي في سقوط القدس بصورة جلية، فبعد أن اشتدت مقاومة المسلمين لهم، مع اشتداد درجة حرارة الجو عليهم، وانعدام مياه الشرب، شعر رجال الدين المسيحي بالإحباط والوهن الذي أصاب الصليبيين وقد قام أحد القساوسة وأشاع بأنه رأى الأسقف أدهيمر في منامه يأمره أن ينبه الصليبيين بالكف عن أنانيتهم، وأن يصدقوا النية في أداء المهمة التي خرجوا من أجلها، وأن يتجهوا بقلوب صافية إلى الله، وأكد لهم أن النصر سيتم لهم خلال أيام قلائل، على أن يخرجوا حفاة في موكب يسيرون به حول أسوار بيت المقدس (1). وعلى الفور عقد قادة الحملة الصليبية الأولى اجتماعاً يدرسون فيه كيفية تنفيذ ما طلبه أدهيمر في هذه الرؤيا. ويصف المؤرخ اللاتيني توديبود – أحد المشاركين في هذه الأحداث فيقول : عقد قادتنا اجتماعاً أوصاهم فيه المطران والقساوسة – حفاة الأقدام – يرتدون ملابس الكهنوت المقدسة، يحملون في أيديهم الصلبان .. ينشدون المزامير، ويدعو السيد عيسى المسيح لتخلص المدينة المقدسة، والقبر المقدس من أيدي الكفرة، وأن يصنعها بين أيادي المسيحيين حتى يتمكنوا من أداء طقوسه المقدسة .. وكان جميع رجال الدين يرتدون نفس الملابس ويحيط بهم جميعاً على الجانبين الفرسان وتابعيهم بكل عدتهم وعتادهم (2)، وعندما رأى المسلمون موكب الصليبيين الحفاة وهم يطوفون حول أسوار بيت المقدس، وقفوا على طول أسوار المدينة يحملون المصاحف المغطاة بالقماش على أسنة الرماح وينفرد – توديبود كشاهد العيان – بهذا الوصف الدقيق لرد فعل المسلمين على مسيرة الصليبيين حول بيت المقدس، فأوضح أن المسلمين عندما رأوا ذلك المشهد، ساروا على نفس الطريقة على طول أسوار المدينة يحملون رمحاً مغطاة
__________
(1) دور الفقهاء والعلماء المسلمين في الشرق الأدني في الجهاد ضد الصليبيين ص 245.
(2) دور الفقهاء والعلماء المسلمين في الشرق الأدنى ص 245(2/251)
بقماش مرسوم عليه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم ولما وصل المسيحيون عند كنيسة القديس ستيفن، بينما وقف المسلمون يصيحون ويهتفون فوق الأسوار، ويدقون طبولهم في ضجيج وصخب وجعلوا المسيحيين عرضة لكل ما يستطيعون ويقدرون عليه من سخرية واستهزاء (1)، ويستكمل توديبود وصفه قائلاً : وكان أسوأ ما في الأمر أن المسلمين أقدموا على تحطيم الصليب المقدس بقطعة من الخشب أمام أعين المسيحيين جميعاً .. ذلك الصليب الذي أراق المسيح دمه عليه وافتدى بذلك خلاص البشرية جميعاً .. وإمعاناً في أذية المسيحيين فقد قذفوا بحطامه من فوق الأسوار وهم يصيحون استهزاء بالصليب(2) ، وعندئد ازداد حماس الصليبيين فقاموا بهجوم شامل على بيت المقدس في اليوم التالي للمسيرة، وسقطت المدينة في أيديهم على الرغم من المقاومة العنيفة التي قام بها المسلمون لصد الصليبيين عن مدينتهم، ولما دخل الصليبيون المدينة قاموا بعمل مذبحة رهيبة لكل من وجدوه بالمدينة (3). وهكذا يتضح لنا كيف كان رجال الدين المسيحي يستغلون قوة تأثير العامل الديني على عقول المسيحيين فيقوموا بترويج الإشاعات والأساطير ذات الطابع الديني لإثارة مشاعر المقاتين ارتفاعاً ويتفانون في القتال حتى ينتصروا ويحققوا أغراضهم وأطماعهم الاستعمارية في الأراضي المقدسة، هذا في الوقت الذي لم نعثر فيه في بطون المصادر الإسلامية ما يفيد عن دور جدي للفقهاء والعلماء في تلك الفترة الزمنية يعتمد على إلقاء الخطب الحماسية التي تذكر المقاتلين بامجاد المسلمين الأول وانتصاراتهم أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين – رضوان الله عليهم – من بعده فتزداد حماستهم وترتفع روحهم المعنوية مما يساعد على مواصلة القتال والانتصارات على أعداء الدين وتحرير بلادهم من براثن الإستعمار الصليبي، ولعل ذلك مرجعه إلى هول المفاجأة التي أصابت العالم
__________
(1) المصدر نفسه ص 246.
(2) المصدر نفسه ص 246.
(3) المصدر نفسه ص 246.(2/252)
الإسلامي وقتئذ بالعدوان الصليبي على المنطقة فضلاً عن انصراف العلماء والفقهاء لفض بعض المنازعات القائمة بين أقطاب العالم الإسلامي حينئذ وهم العباسيين والفاطميين والسلاجقة والعمل على توحيد جهودهم لمواجهة العدو الصليبي ومن ناحية أخرى ربما يكون أولئك الفقهاء لم يدركوا أهمية المناطق التي استولى عليها الصليبيون مثل الرها وأنطاكية، ولكن عندما فقدوا بيت المقدس أفاقوا من هول الصدمة وبدأوا يتحركون ويباشرون جهودهم فقام كثير من الفقهاء والعلماء والقضاة في بلاد الشام بدور كبير في توعية الناس في كل مكان بهذا الخطر الفظيع، وبضرورة الوقوف صفاً واحداً لصد هذا العدوان الغاشم، فخرجت جماعات كثيرة من مسلمي بلاد الشام وبصحبتهم الكثير من العلماء والفقهاء، واتجهوا إلى بغداد واستغاثوا بالخليفة العباسي وبالسلطان، السلجوقي، واجتمعوا بالناس في المساجد وأعلموا الجميع بما لاقاه المسلمون من مذابح بشعة على أيدي الصليبيين، وألقوا الشعر في ديوان الخليفة في بغداد يحثون فيه أولي الأمر على سرعة إنجاد أهل الشام حماية للدين وللمحارم، فاضطر الخليفة إلى الاستجابة وقام بندب الفقهاء للخروج إلى البلاد لتحريض الملوك على الجهاد، وعلى الرغم من قيام الفقهاء بالمهمة على الوجه الأكمل، إلا أن ذلك لم يأت بطائل ولم يحرك ساكنا، فعاد الفقهاء إلى بغداد (1)، وجدير بالذكر أن المؤرخ ابن الأثير قام بالتعقيب على حالة التفكك التي أصابت العالم الإسلامي في تلك الفترة، والتي أدت إلى ضياع صرخات واستغاثات المسلمين بلا استجابة من قبل أولى الأمر، فأرجعها إلى اشتغال الحكام والملوك المسلمين وعساكر الإسلام بقتال بعضهم بعضاً، مما ساعد على تفرق المسلمين واختلاف الأهواء وتمزق الأموال (2).
__________
(1) دور الفقهاء والعلماء المسلمين في الشرق الأدنى ص 248.
(2) المصدر نفسه نقلاص عن الكامل في التاريخ ص 248.(2/253)
9- فشل الفاطميين في استعادة البيت المقدس : كان سقوط بيت المقدس في أيدي الصليبيين بمثابة الضربة القاصمة التي وجهت إلى العالم الإسلامي بصفة عامة، وإلى الدولة الفاطمية بصفة خاصة – وبرز صراع على المصالح بين الفاطميين والصليبيين – فأخذ الوزير الفاطمي الأفضل بن بدر الجمالي يفكر جدياً في استعادة هذه الجزء من الأراضي الإسلامية، فأخرج من مصر ثلاث حملات حربية في الفترة الممتدة من 495 – 499ه/1101 – 1105م موجهة ضد القوات الصليبية الموجودة في فلسطين لكي يثبت للصليبيين مدى يقظة الدولة الفاطمية وغيرتهم على كل شبر من الأراضي التابعة لهم، ولكن باءت هذه المحاولات الثلاث بالفشل، ولم تحقق الهدف المنشود لها وهو استعادة بيت المقدس وفي أثناء محاولة الصليبيين صد هذه الحملات الثلاث قيادة بلدوين الأول ملك بيت المقدس، قام بعض رجال الدين المسيحي بأدوار بارزة لحث الصليبيين على الشجاعة والوقوف بصلابة في مواجهة الجيوش الفاطمية، مستخدمين في ذلك كل الوسائل كالمشاركة في حمل السلاح للقتال، والوعظ والخطب في جموع الصليبيين، وحمل الصلبان أمام الجيوش لتحميس الصليبيين على القتال بشجاعة، فمن تلك المواقف التي سجلت لرجال الدين المسيحي موقف رئيس الشمامسة – أرنول مالكورن – الذي خطب خطبة حماسية لإثارة مشاعر المقاتلين لصد حملة المصريين على الرملة(2/254)
سنة 495ه/1101م، وكذلك ما قام به المندوب البابوي موريس من تلاوة نصوص لإدخال الطمأنينة في نفوس المقاتلين بعد أن انتابهم الرعب عندما رأوا ضخامة القوات الفاطمية، ثم قام الملك بلدوين بعد ذلك بحمل الصليب المقدس أمام المقاتلين الصليبيين ليدخل الطمأنينة في نفوسهم، وخطب في المقاتلين خطبة دينية بأنفسهم وتمسكهم بالأمل في النصر (1). وكان لهذه الخطبة بالفعل أثرها الكبير على الصليبيين، فعادت إليهم الثقة والشجاعة وهتفوا بصوت عال قائلين : ساعدنا يارب ساعدنا يارب. ثم قبلوا الصليب المقدس وقاموا بالصلاة لله حتى ينصرهم في تلك المعركة، وفي الوقت نفسه وصلت معونات من غرب أوروبا لتعزيز هذه القوات فساعدت على زيادة قوة وشجاعة الصليبيين، وتحقق بذلك النصر على المسلمين في حملة الرملة الأولى عام 495ه/1101م وكذلك برز دور روبرت روان – مطران مدينة الرملة أثناء الحملة الفاطمية الثانية على الرملة سنة 495ه/1102م حيث تذكر بعض المصادر اللاتينية المعاصرة لتلك الأحداث، أن هذا المطران عقد اجتماعاً مع كبار أهالي المدينة للتشاور معاً، عقب استيلاء المسلمين عليها، وتقرر في هذا الاجتماع ضرورة إرسال مندوب عنهم إلى الملك بلدوين الأول بيافا لطلب النجدة منه (2)، وهكذا نجد رجل الدين الغربي يقوم أحياناً محل حاكم المدينة في التصدي لقوات العدو عند أي هجوم مفاجئ على المدن الصليبية وهذا ما نلمسه بالنسبة لوضع الفقهاء والعلماء داخل مدنهم وقد انتهى الصراع عند مدينة الرملة بانتصار الفاطميين انتصاراً كبيراً نتج عنه إبادة كل أفراد الجيش الصليبي باستثناء بلدوين الذي تمكن من الفرار إلى يافا (3).
__________
(1) دور الفقهاء والعلماء المسلمين في الشرق الأدنى ص 249.
(2) دور الفقهاء والعلماء المسلمين في الشرق الأدنى ص 250.
(3) المصدر نفسه ص 250.(2/255)
وأما بالنسبة للحملة الثالثة التي أرسلها الوزير الفاطمي الأفضل إلى الرملة سنة 498ه/1105م، فقد لعب أثناءها أفريمار بطريك بيت المقدس دوراً هاماً وخطيراً، فعندما تقابل الجيشان الفاطمي والصليبي في مفترق الطرق عند الرملة خشى الملك بلدويني من التفوق العددي للقوات الفاطمية فأرسل مندوباً عنه برسالة إلى أفريمار – يطلب منه أن يتفرغ إلى الله هو والعامة من الشعب وأن يكثروا من الصلاة والصوم والزكاة ليكون هذا بمثابة فدية أو قربانا إلى الله لمساعدة الفرنج حتى النصر، وليحمي الله الفرنج من أية هزيمة قد تلحق بهم. كما طلب منه الملك بلدوين أيضاً أن يعظ الناس ويحثهم على ضرورة التطوع لحمل السلاح والإسراع إلى ميدان القتال للانضمام لإخوانهم لمساندتهم في حروبهم ضد المسلمين (1)، وفي الحال أمر افريمار بدق أجراس الكنائس، فاجتمع الناس جميعاً عنده، فخطب فيهم قائلاً : يا أصدقائي ... يا خدم المسيح لقد حضر هذا المبعوث من قبل الملك بلدوين ليخبرنا أن المعركة ستبدأ مع المسلمين عند الرملة. ومن أجل تحقيق النصر يتحتم علينا التضرع إلى الله، وكثرة الصلاة، وأخبرنا هذا المندوب الملكي بأن الملك قد أخر بدء المعركة إلى الغد حتى يوافق هذا اليوم عيد القيامة المجيد ولذلك فأنني أطلب منكم جميعاً إقامة الصلوات والتعبد طوال هذه الليلة، وعند بزوغ فجر الغد توجهوا حفاة إلى الأماكن المقدسة بالمدينة، تاركين وراءكم كل شهواتكم، مذللين أنفسكم، متضرعين إلى الله بكل التقوى والإيمان لينقذنا من أيدي الأعداء، ولينصرنا عليهم. أما عن نفسي فإنني ذاهب في الحال للوقوف بجوار الملك.. وأعلموا جيداً بأنني سوف أحث جميع القادرين منكم على حمل السلاح على أن يأتوا معي لسد حاجة الملك من المقاتلين (2)، وكان لهذا النداء صدى كبيراً لدى كثير من المسيحيين الموجودين في القدس فسرعان ما
__________
(1) المصدر نفسه ص 251.
(2) دور الفقهاء والعلماء المسلمين في الشرق الأدنى ص 251.(2/256)
تقدم أكثر من مائة وخمسين مقاتل أبدوا رغبتهم في الانضمام إلى المعسكر الصليبي بالرملة لمناصرة زملائهم وفي صباح اليوم التالي ذهب برفقة هؤلاء المتطوعين كثير من القساوسة وعلى رأسهم أفريمار بطريرك بيت المقدس حاملاً الصليب المقدس، وقد وصلت هذه الجموع برئاسته إلى الملك بلدوين، وكان أفريمار قد أحضر الصليب المقدس معه حتى تتم البركة به، وعند وصولهم استقبلهم الملك فرح وسرور عظيمين وارتفعت الروح المعنوية لدى المقاتلين الصليبيين، وقاموا جميعاً بأداء صلاة الشكر والدعاء لله قبل أن تبدأ المعركة (1)، عند طلوع فجر يوم المعركة – هو يوم الأحد 14 ذي الحجة 498ه 27 أغسطس 1105م، وركب حصانه وأخذ يغدو ويروح أمام صفوف الصليبيين ويباركهم، ليرفع من روحهم المعنوية ويشجعهم على القتال بنفوس مطمئنة بأن النصر سيكون حليفهم (2)، فكان لهذه الجهود جميعها تأثيراً كبيراً وشديداً في زيادة حماس المقاتلين الصليبيين تحت قيادة الملك بلدوين، فلم يبالوا بقلة عددهم أمام أعداد المسلمين الهائلة، وكان النصر للجيش الصليبي في نهاية هذه المعركة وبهذا النصر الصليبي انتهت المحاولات الكبرى التي قامت بها الخلافة الفاطمية لاستعادة فلسطين من قبضة الصليبيين (3)، وجدير بالذكر أنه على الرغم من كثرة ما كتبه المؤرخون اللاتين القدامى عن بطولات رجال الدين المسيحي أثناء حملات الرملة الثلاث، فإننا لم نجد في كتابات المؤرخين المسلمين الذين تناولوا الكتابة عن تلك الفترة أية إشارات توضح لنا دور علماء الدين الإسلامي وفقهائه في تلك الأحداث، وربما يرجع السبب في ذلك إلى أنهم كانوا يسجلون تاريخهم على منهج الحوليات، فيركزون على أهم الأحداث دون كتابة التفاصيل الدقيقة المصاحبة لهذه الأحداث، ولهذا لم نعثر من قريب أو بعيد على معلومات توضح لنا موقف علماء وفقهاء
__________
(1) المصدر نفسه ص 252.
(2) المصدر نفسه ص 252.
(3) الكامل في التاريخ (8/479) دور الفقهاء ص 253.(2/257)
المسلمين من هذه الحملات (1).
رابعاً : سقوط المدن الساحلية لبلاد الشام :
1- سقوط طرابلس : ففي عام 492ه/1099م عندما اقتربت جحافل العدو الصليبي من أسوار طرابلس أسرع حاكمها فخر الملك بن عمار إلى مهادنتهم بتقديم الأموال والهدايا وبعض الجياد لهم، لإحساسه بعدم استعداده لمواجهتهم بعد حتى لا يعرض نفسه والمسلمين وإمارته للإبادة على أيديهم ونحن لا نستبعد أن الدافع وراء انتهاج القاضي فخر الملك بن عمار وغيره من حكام المدن الإسلامية لسياسة المهادنة مع الصليبيين في ذلك الوقت، هو تمزق شمل المسلمين وعدم وجود قوة إسلامية كبرى تستطيع الوقوف في وجه هذا الخطر الصليبي، خاصة بعد أن انكشف أمر الاتفاق الذي تم بين الفاطميين والصليبيين وما ترتب عليه من هزيمة السلاجقة في أنطاكية وهو أن يقف الفرنج عند أنطاكية ويستولى الفاطميون على بيت المقدس ويساعدوا الصليبيين ضد السلاجقة، على أية حالة لم تفلح سياسة المهادنة التي اتبعها ابن عمار مع الفرنجة إذ قام ريموند الضجلي بالهجوم على طرابلس وفرض عليها حصاراً شديداً سنة 495ه/1101م حيث كان يطمع في تأسيس إمارة مستقلة بها أسوة برفاقه من القادة الصليبيين في كل من الرها وأنطاكية وبيت المقدس ولما شعر فخر الملك بحرج موقفه اضطر إلى طلب النجدة من حمص ودمشق غير أنه لم يظفر بطائل وانهزم أمام الصليبيين، فاضطر القاضي ابن عمار إلى مهادنة الصليبيين مرة أخرى على مال وخيل فوافقوا ورحلوا عن طرابلس إلى انطرسوس واستولوا عليها في جمادى الآخر من السنة نفسها (2)، ولكن ريموند أعاد الكرة مرة أخرى وهاجم مدينة طرابلس منتهزاً فرصة وصول أسطول جنوي إلى اللاذقية في سنة 497ه/شتاء 1103م ولكنه فشل هذه المرة أيضاً بفضل شجاعة القاضي فخر الملك بن عمار وصبره وعدم يأسه وتشجيعه لأهل طرابلس على مواصلة المقاومة لدفع الأعداء عن بلدهم، فاضطر ريموند إلى أن
__________
(1) دور الفقهاء والعلماء ص 253.
(2) المصدر نفسه ص 86.(2/258)
يتجه بالأسطول الجنوني في العام نفسه لمهاجمة ثغر جبيل التابع لابن عمار فاستولوا عليه وغدروا بأهله (1)، وهكذا أصبح القاضي فخر لملك بن عمار معزولاً تماماً عن المدن المجاورة بعد أن جرد الصليبيون طرابلس من جميع المدن التابعة لها، ولم يبق أمامه سوى الاستيلاء على مدينة طرابلس نفسها بوصفها العاصمة الطبيعية للإمارة التي يحلم بتكوينها، ولذلك بنى ريموند قلعة على الجبال المواجهة طرابلس عرفت باسم قلعة صنجيل، ليتخذها قاعدة يسيطر بها على طرابلس، فقام القاضي ابن عمار بجهود كبيرة مع أهالي طرابلس لهدم هذه القلعة وإحراقها مما ترتب عليه موت ريموند الفجلي متأثراً بحروقه التي أصيب بها أثناء حريق هذه القلعة في جمادي الأولى سنة 498ه/فبراير 1015م ولكن الفرنج كانوا قد صمموا بعد ذلك على استئناف الحصار البري حول مدينة طرابلس عن طريق قلعة ضجيل فاضطر القاضي ابن عمار إلى طلب نجدة عاجلة من سقمان بن أرتق التركماني، صاحب حصن كيفا(2) ، فلم يدخر وسعاً في التحرك تجاه طرابلس، ولكنه توفى في الطريق، فانقطع بذلك آخر أمل لبنى عمار في الحصول على مساعدة خارجية تمكنهم من إنقاذ طرابلس (3) فاضطر القاضي ابن عمار إلى أن يعتمد على أهالي المدينة فأخذ يعد العدة استعداداً لمواجهة الصليبيين بقدر الإمكانيات المتاحة في المدينة، فقام بجمع الأموال من بعض التجار الأغنياء من سكان طرابلس ووزعها على المجاهدين ليسد العجز الناتج عن كثرة ما سبق أن قدمه الصليبيين من أموال وذهب عندما عقد الهدنة معهم وعلى الرغم من أن هذا المسلك الذي اتبعه القاضي ابن عمار مع التجار يعتبر تصرفاً ضرورياً شرعياً لاستكمال العدة وتجهيز الجيش بما يلزمه من معدات لمواجهة العدو
__________
(1) تاريخ العظيمي ص 377.
(2) هي بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على نهر دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر وهي لصاحب آمد من ولد داود بن سقمان بن أرتق.
(3) ذيل دمشق ص 146 – 147 وفيات الأعيان (1/191).(2/259)
(1)، وأنه لم يقم بذلك من فراغ وإنما من واقع مسؤوليته التي تحتم عليه كحاكم للبلاد أن يستعين بأموال الرعية أو الاقتراض من التجار والأغنياء لسد هذا العجز في الأموال الموجودة بالبلد لمصلحة الإسلام والمسلمين وعلى الرغم من كل ذلك فإن هؤلاء التجار المسلمين قد خرجوا إلى الصليبين وقالوا لهم : إن صاحبنا صادرنا فخرجنا إليكم لنكون معكم (2)، ولم يكتفوا بذلك التصرف المشين، وإنما كشفوا للصليبين عن الأماكن التي ترد منها الميرة والمؤن لابن عمار. هذا بدلاً من أن ينفقوا أموالهم في سبيل الله عملاً بقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون " (الصف ، آية : 10 – 11). وعلى الفور قام الصليبيون بتشديد الحصار على هذه الأماكن التي كشفها أولئك التجار الصليبيين حتى يمنعوا دخول أي شيء إلى البلد، فيضطر ابن عمار وأهل طرابلس للاستسلام لهم ولكن على الرغم من ذلك فقد استمرت المدينة في مقاومتها للحصار ثلاث سنوات أخرى بفضل الله ثم بعزيمة ابن عمار وقوة إيمان أهل طرابلس ورفضهم الاستسلام من ناحية وافتقار الصليبيين إلى أسطول بحري يحكم الحصار على طرابلس من جهة البحر من ناحية أخرى، ولكن لما استبد اليأس من فك هذا الحصار وضاقت الأقوات وقلت بطرابلس، اضطر القاضي فخر الملك ابن عمار إلى ترك طرابلس والخروج إلى بغداد في رمضان سنة 501ه/مارس 1108م، لطلب النجدة من زغيم العالم الإسلامي في المشرق آنذاك وهما الخليفة العباسي المستظهر بالله والسلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه السلجوقي 499ه - 509ه/1105 – 1115م وقبل أن يترك فخر الملك طرابلس استناب بها ابن عمه أبا المناقب فعصى فيها، فقبض عليه أصحاب فخر الملك وتولوا الأمور بطرابلس (3)
__________
(1) دور الفقهاء والعلماء والمسلمين في الشرق الأدنى ص 88.
(2) الكامل في التاريخ (8/491).
(3) ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي ص 160.(2/260)
، ومكث القاضي فخر الملك ببغداد أربعة شهور أكرمه فيها كل من الخليفة والسلطان أحسن إكرام. ويصف ابن الأثير الحفاوة التي قوبل بها قائلاً : وسير الخليفة خواصه وجماعة أرباب المناصب فلقوه وأنزله الخليفة وأجرى عليه الجراية العظيمة، وكذلك فعل السلطان وفعل معه مالم يفعل مع الملوك الذين معهم أمثاله. وهذا جميعه ثمرة الجهاد في الدنيا ولأجر الآخرة أكبر (1). ومع ذلك فإن فخر الملك لم يظفر بطائل من الخليفة والسلطان. وعاد إلى دمشق في محرم 502ه/1109م وهنالك علم بأن طرابلس أصبحت تابعة للفاطميين إذ أن أهلها قد ضاق بهم الحصار الصليبي المضروب عليهم، فراسلوا الوزير الأفضل الفاطمي يطلبون منه أن يبعث إليهم والياً من قبله يتولى إدارة المدينة ويرسل لهم الغلة والميرة فاستجاب لهم الأفضل وأرسل إليهم من قبله شرف الدولة بن أبي الطيب والياً على طرابلس (2)، وهكذا عاد القاضي فخر الملك بن عمار من بغداد ليجد نفسه بلا وطنه وبلا أهله، إذ أن الوالي الفاطمي قبض على أهل بيته وأصحابه وذخائره وآلاته وأثاثه، وحمل الجميع إلى مصر في البحر (3). ولذلك أقام فخر الملك بن عمار في دمشق عند أتابك طغتكين، الذي أقطعة الزبداني
وأعمالها (4)، ثم ما لبثت طرابلس أن سقطت بأيدي الصليبيين في ذي الحجة 502ه/1108م واستمر الحال بفخر الملك على هذا الوضع حتى خرج في سنة 516ه/1122م إلى مصر حيث يقيم أهله. وهناك قرر له الخليفة الفاطمي الآمر 496 – 524ه/1102 – 1129م داراً أعدت له وقرر له راتباً في كل شهر (5)، ويمكن أجمال أسباب سقوط طرابلس في النقاط الآتية :
* ضعف الجبهة الإسلامية.
* استهتار الفاطميين بالموقف في طرابلس.
__________
(1) الكامل في التاريخ (8/517، 518).
(2) ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي ص 161.
(3) دور الفقهاء والعلماء المسلمين في الشرق الأدنى ص 90.
(4) المصدر نفسه نقلاً عن ذيل تاريخ دمشق ص 165.
(5) طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي ص 122 إلى 130.(2/261)
* مساعدة الجنوية والمردة للصليبيين.
* استيلاء الصليبيين على المدن المحيطة بطرابلس (1).
وقد حّدد أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي ثلاثة أسباب لسقوط طرابلس وهي : تقاعس الفاطميين عن المسير إليها تلك المدة الطويلة، ثايناً : ضعف العسكر الذي أرسلوه مع أسطول مصر، ولو كان لعسكر الأسطول قوة لدفع الفرنج من البحر عن البلد حسب الحال، ثالثاً : عدم خروج الأفضل بنفسه على رأس العساكر المصرية، هذا مع قوتهم من العساكر والأموال والأسلحة (2). وقد استسلمت طرابلس للغزاة بشروط عدم الاعتداء على الأهالي والممتلكات، لكنهم كالعادة، لم يفوا بشروط الأمان، فنهبوا الأموال، وأسروا الرجال وسبوا النساء والأطفال وغنموا من الأمتعة وكتب العلم الموقوفة مالا يحصى (3)، وأكمل الصليبيون احتلال بقية مدن إمارة طرابلس فاستولوا على : بانياس وجبلة، وحصن الأكراد، وبدأت إمارة طرابلس في النمو، وصار تاريخها مرتبطاً بتاريخ إمارة أنطاكية من جهة، وتاريخ مملكة بيت المقدس من جهة أخرى (4).
__________
(1) النجوم الزاهرة (5/179 – 180).
(2) الكامل في التاريخ (8/534).
(3) المصدر نفسه.
(4) الحركة الصليبية (1/297).(2/262)
2- سقوط بيروت : تهيأ للملك بلدوين الحرية ليواصل توسيع حدود مملكته وتطَّلع إلى المدن الساحلية مثل عسقلان في الجنوب، وصور وصيدا وبيروت في الشمال. والمعروف أن كلاً من عسقلان وصور تُعُّد من الحصون المنيعة وتنزل فيها حاميات عسكرية قوية وبالتالي يقتضي إخضاعها استعدادات عسكرية قوية وبعد ان سقطت كل من جبيل وعرقة وطرابلس بيد الصليبيين، وفرت هذه الأخيرة قاعدة مناسبة لهم، فوجَّهوا اهتمامهم للاستيلاء على بيروت، فحاصرها بلد وين براً وبحراً، ولما لم يتمكَّن من اقتحامها طلب مساعدة من صليبي طرابلس وغيرهم من الشمال، ومن نصارى لبنان، فاستجاب لطلبه برتراند، صاحب طرابلس، وجوسلين صاحب تل باشر، كما اجتمع بأمراء النصارى في جبيل، وشنَّ الخلفاء غارة مفاجئة على بلاد وقرى الغرب المحيطة ببيروت، فنهبوها وأحرقوها، وقتلوا وأسروا كل من وجدوه من أهلها (1)، ثم حاصروا بيروت، ووضعوا أبراجاً لينصبوها على أسوارها، لكنهم جوبهوا بمقاومة شديدة من جانب سكانها بقيادة حاكمها عضد الدولة التنوخي، وفي الوقت الذي كان فيه القتال دائراً وصل أسطول فاطمي يتألف من تسع عشرة سفينة فاصطدم بالأسطول الصليبي المحاصر للمدينة، وتغلَّب عليه، وأسر بعض قطعه وتمكَّن الأسطول الفاطمي من دخول الميناء، وهو يحمل الغلال والميرة، مما أعطى السكان الأمل والصمود والدفاع عن مدينتهم، تجاه هذا الوضع العسكري، استنجد بلدوين بالجنوية، فأمدُّوه بأربعين سفينة مشحونة بالمقاتلين، فتقَّوى بهم، وضَّيق الحصار على بيروت، وهاجمها بكل قواته البرية والبحرية يوم الجمعة (21 شوال 503ه/13نيسان 1110م) فاشتد القتال بين الطرفين، وقُتل قائد الأسطول الفاطمي وخلق كثير من المسلمين ولم ير الإفرنج من ما تقدم وتأخر أشد من حرب هذا، لدرجة أن القتال استمر بشكل متواصل ليل نهار، حتى ملك الصليبيون المدينة بالسيف. وفشلت السفن
__________
(1) أخبار الأعيان في جبل لبنان (2/506 ، 507) الشدياق.(2/263)
الفاطمية التي قدمت من صور وصيدا في كسر الطوق البحري، وحاول عضد الدولة التنوخي الهرب مع جماعة من أعوانه، لكنه وقع في الأسر، وقتله الصليبيون، ونهُبت بيروت، وسُبي من كان فيها، وبلغ عدد القتلى عشرين ألفا (1)، وخرجت من مصر نجدة فاطمية لمساعدة بيروت قوامها ثلاثمائة فارس، لكن وقعت في كمين نصبه الصليبيون عند نهر الأردن (2).
3- سقوط صيداً : اهتم الفاطميون والسلاجقة الذين تناوبوا على حكم صيداً بتحصينها، فقد قام الوالي الفاطمي سعد الدولة الأفضلي بعمارة برج فيها في (491ه/1098م) وحصنّها أميرها مجد الدولة التنوخي في عام 494ه/1101م مما جعلها تقوى على الصمود في وجه الصليبيين لبعض الوقت (3)، وجرت عدة محاولات صليبية للاستيلاء عليها، وفي أوائل عام 504ه/ صيف 1110م وصل إلى عطا سبعون مركباً يحمل عشرة آلاف مقاتل نرويجي بقيادة سيجورد، أحد ملوك النرويج. وما إن علم بلدوين بوصولهم حتى سارع لاستقبالهم، وأظهر اغتباطه بقدومهم وأحاطهم بكل مظاهر الحفاوة والتشريف، وأقنع الملك النرويجي بمشاركته في الاستيلاء على صيدا، كما استدعى برتراند، حاكم طرابلس، فجاء بقواته وانضم إليهما، وبدأ الحلفاء في فرض حصار بري وبحري على صيدا في 13ربيع الآخر/19 تشرين الأول وقطعوا طرق الإمدادات إليها، ومع ذلك قام أسطول فاطمي أبحر من ثغر صور بمهاجمة السفن النرويجية، كاد أن يبيدها كلها، لولا أن وصل في الوقت المناسب أسطول بندقي يقوده دوق البندقية أورديلافو فالييري، فاشترك مع الأسطول النرويجي في حصار، المدينة، ومهاجمتها من جهة البحر، وعجزت السفن الفاطمية أن تمد أهل صيدا بما يحتاجون إليه من سلاح وعتاد ومقاتلة ومؤن(4)، ولما ضاق الحال بأهل صيدا من شدة الحصار الصليبي المفروض حول المدينة
__________
(1) تاريخ الفاطميين د. محمد طقّوش ص 455.
(2) ذيل تاريخ دمشق ص 269.
(3) أخبار الأعيان في جبل لبنان (2/506 – 507).
(4) ذيل تاريخ دمشق ص 273، تاريخ الفاطميين ص 457.(2/264)
براً وبحراً، وفشلت جميع محاولاتهم لإنقاذ المدينة من الوقوع في براثن الصليبيين ويئسوا من وصول أي نجدة إليهم، لم يجدوا بداً من التسليم بالتفاوض مع الملك بلدوين، فخرج قاضي صيدا ومعه جماعة من شيوخها إلى الملك بلدوين للتفاوض معه من أجل الأمان، فأمنهم بلدوين على أنفسهم وأموالهم وعساكرهم، وترك لهم حرية الاختيار أما البقاء بصيدا آمنين وأما المسير إلى أي مكان يرغبونه دون أن يمنعهم أحد، وحلف لهم على ذلك (1)، ثم سلمت المدينة للصليبيين في 20 جمادي الأولى 504ه/4 ديسمبر 1110م وخرج الأهالي في جماعات غفيرة إلى دمشق وبقي فيها من أراد البقاء (2). وقد قام الدكتور محمد مؤنس عوض بدراسة عن الحملة الصليبية النرويجية التي قادها الملك سيجورد ودوره في دعم الحركة الصليبية وظهر بالنتائج الآتية :
توافرت عدت دوافع مجتمعة دفعت بالنرويج في عهد سيجورد وأخويه أيستين وأولاف للمشاركة في المشروع الصليبي من خلال الحملة الصليبية النرويجية التي قادها الملك النرويجي سيجورد، وكانت المملكة الصليبية في أشد الحاجة إلى الدعم البشري، والبحري لمواصلة إسقاط المدن الاستراتيجية الهامة على الساحل.
أفادت المصادر التاريخية النرويجية في تسليط الضوء على رحلة الملك النرويجي وكذلك تعاونه مع الصليبيين كما قدمت المصادر التاريخية الصليبية الأخرى تفاصيل هامة عن الدعم العسكري النرويجي للمملكة الصليبية.
__________
(1) ذيل تاريخ دمشق ص 171.
(2) دور الفقهاء والعلماء المسلمين في الشرق الأدني ص 91.(2/265)
أثبتت فعاليات تلك الحملة الصليبية النرويجية أن الحركة الصليبية ظاهرة أوروبية عامة أشتركت فيها كافة الشعوب الأوروبية بصورة أو بأخرى، ولم يحل الموقع الجغرافي النائي دون مشاركة النرويجيين في إحداثها وعلى ذلك لم يكن الأمر قاصراً على فرنسا، وإنجلترا، وألمانيا، وإيطاليا، بل أن النرويج كانت لها بصمتها هي الأخرى، مع ملاحظة أن الدور النرويجي لم يكن بنفس الحجم الكبير الذي كان للدور الفرنسي والإنجليزي وكذلك فعاليات المدن التجارية الإيطالية.
أثبتت فعاليات الحملة الصليبية النرويجية أن الوجود الصليبي في بلاد الشام لم يكن يستطيع الاعتماد على إمكاناته الذاتية في مواجهة المحيط الإسلامي العام هناك، خاصة خلال المرحلة المبكرة من تاريخ الصليبيين في المنطقة. وجاءت أحداث تلك الحملة لتكون حلقة في سلسلة طويلة من النجدات، والحملات الأوروبية القادمة من الغرب الأوروبي، ومن الضروري بمكان ملاحظة أن تلك الحملة النرويجية هي جزء لا يتجزأ من المشروع الصليبي العام الذي لم يتوقف طول تلك المرحلة وهذا يؤدي بنا إلى تصور دارسة تاريخ الحروب الصليبية في بلاد الشام على اعتبار عدد الحملات الرئيسية المعروفة والتي استهدفت الشام ومصر وتونس من الممكن أن يجعلنا نغفل أهمية حملات صليبية أخرى فرعية مثل الحملة الصليبية النرويجية وغيرها من الحملات الأخرى التي لم تحظ بذت الاهتمام الذي وجه للحملات الرئيسية وبالتالي فمن الإنصاف القول بأن رؤية المشروع الصليبي كمشروع واحد عام من الممكن أن تجنبنا الرؤية المجزأة والتي قد لا تقدر أهمية الحملات الفرعية التي ساهمت بدورها هي الأخرى في تكوين جسد المشروع الصليبي ككل وقد كان دعم الملك النرويجي سيجورد للحركة الفرنجية الصليبية خلال المرحلة من 1107 -1110م /501 – 504ه(1).
__________
(1) الحروب الصليبية دراسات تاريخية ونقدية، محمد مؤنس عوض ص 41.(2/266)
تقول الكاتبة كارين ارمسترونغ : ... إن الحملات الصليبية لم تكن مجرد حركة هامشية في العصور الوسطى، بل كانت حركة محورية بالنسبة للهوية الغربية التي كانت قيد التبلور في ذلك الحين وهي ما فتئت مستمرة إلى يومنا هذا، ناهيك عن أنها أظهرت الدين في أشنع صوره (1).. خلال عام 1983م أمضيت بعض الوقت في إسرائيل لإجراء أبحاث وإعداد سلسلة تلفزيونية عن المسيحية المبكرة للقناة البريطانية الرابعة، وأثناء وجودي هناك، وجدت نفسي المرة تلو المرة وجهاً لوجه مع الحملات الصليبية. وأنت في إنكلترا قد تمر بضعة شهور من غير أن تتبادر إلى ذهنك الحملات الصليبية حتى ولو مرة واحدة، لكن ذلك مستحيل ببساطة وأنت موجود في إسرائيل، ففيها تطالعك باستمرار كنائس وقلاع ومدن بأكملها بناها الصليبيون. ولأول مرة، أصبحت الروح الصليبية حقيقة تاريخية ملموسة بالنسبة لي، فقلت لنفسي : هذه ليست أساطير غامضة، فإني ما يقرب من ألف عام، حين كانت أوروبا لا تزال ترتع في الهمجية وأبعد ما تكون عن التمدن، شّق آلاف المسيحيين طريقهم بجهد جهيد نحو الشرق الأوسط، وأنشأوا دولاً وممالك هناك، وكانت تلك أولى مستعمراتنا ومجرد حدوث ذلك ليبدو للمرء أمراً غير عادي البتة. ولعل ما سحرني بنوع خاص، قلاع الصليبيين وحصونهم الضخمة، واكتشافي أنها بنيت على امتداد حدود دويلاتهم، فثمة سلسلة من القلاع الصليبية في إسرائيل، ولبنان، وسوريا والأردن ولا عجب إذن أن يكون الإسرائيليون والفلسطينيون كلاهما على معرفة جيدة بالحملات الصليبية بأدق تفاصيلها فالاسرائيليون لا يخفون أن مشاريع الاستيطان الضخمة التي ينفذونها على التلال المحيطة بمدينة القدس إنما تشبه الحصون الصليبية شبها بيَّناً : فالناس الذين يقطنون تلك المجمعات السكنية يرون أنفسهم حُماة لأورشليم اليهودية من العرب. فلكي يهاجم القدس، سيجد الجيش العربي الغازي أنه مضطر إلى شق طريقه عبر تلك
__________
(1) الحرب المقدسة ص 11.(2/267)
المستوطنات المدينة الكثيفة السكان في خط النار، كما اكتشفت أن الدراسات الصليبية مزدهرة في الجامعة العبرية بالقدس وهذا مالم يُفاجئني أبداً. فأطلال وأوابد القلاع الصليبية قمينة بتذكير المرء بأن ثمة دولة غربية أخرى قد زرعت نفسها في عالم إسلامي معاد لها وأنها كانت قلقة، على ما يبدو بشأن أمنها القومي، تماماً كقلق دولة إسرائيل اليوم، ولم يكن قد خطر لي في السابق قط أن أقرن المشروع الصليبي الغربي والملتبس جداً في القرون الوسطى، بالنزاع القائم حالياً في الشرق الأوسط لكن سرعان ما بدا الأمر غاية في السهولة حين كنت في إسرائيل (1).
المبحث الرابع : أسباب نجاح الحملة الصليبية الأولى :
نجحت الحملة الصليبية إلى حد كبير في تثبيت وتأسيس أربع إمارات لاتينية : الأولى في أعالي الفرات وهي الرها، والثانية في أعالي الشام وهي أنطاكية، والثالثة على الساحل الشامي وهي طرابلس، أما الرابعة، فكانت في قلب فلسطين وهي بيت المقدس (2)، إضافة إلى أربع بارونيات كبرى هي : صيدا ويافا وعسقلان والجليل، وأثنى عشر إقطاعاً تسلمها أصحابها من الملك الصليبي مقابل تقديم فروض الولاء والطاعة له وتتمثل في : أرسوف، حبرون، الداروم، قيسرية، نابلس، يبسان حيفا، تبنين بانياس، كيفا، اللد، وبيروت (3) وجدير بالذكر أن هذا النجاح الذي حققه يرجع إلى عدة عوامل وأسباب ساهمت فيه منها :
أولاً : إنعدام الوحدة السياسية في العالم الإسلامي :
__________
(1) الحرب المقدسة ص 15.
(2) دور الفقهاء ووالعلماء في الشرق الأدنى ص 37.
(3) المصدر نفسه ص 37.(2/268)
بدأ الضعف يتسرب إلى جسم الدولة العباسية المترامية الأطراف في العقود الأخيرة من القرن الثاني للهجرة، الثامن الميلادي، عندما بدأت بعض الولايات البعيدة عن مركز الدولة في بغداد، تنفصل مكونة دولاً مستقلة وتعجز الخلافة عن إعادتها للسيطرة المركزية، فقد تأسست دولة الإدارسة في أقصى المغرب عام 172ه - 788م (1)، كما تأسست دولة الأغالب في تونس 184ه - 800م،
ثم قامت الدولة الفاطمية على أنقاض دولة الأغالبة في تونس عام 297ه/909م، وفي مصر قامت الدولة الطولونية عام 254ه/868م، أعقبتها الدولة الإخشدية عام 323ه/935م وفي
__________
(1) دور نور الدين محمود في نهضة الأمة 24.(2/269)
عام 358ه/969م استولى الفاطميون على مصر وجعلوا القاهرة عاصمة دولتهم، وهكذا خرج المغرب الإسلامي ومصر بشكل تدريجي من حيث الزمان والمكان عن نطاق الدولة العباسية، وظهرت خلافة جديدة تسيطر على النصف الغربي من العالم الإسلامي وتسعى للسيطرة على النصف الشرقي الذي أصابه ما أصاب النصف الأول من حيث قيام الدول المستقلة، فقد قامت الدولة الطاهرية في خراسان عام 205ه/820م وتبعتها الدولة الصفارية عام 254ه/867م، ثم غلبت على المنطقة السامانية التي تأسست عام 204ه/819م في بلاد ما وراء النهر ثم امتد نفوذها لتشمل جميع البلاد التي كانت تتبع للدولة الصفارية، وكان نفوذ الخلافة العباسية تتحول من سلطة سياسية إدارية روحية إلى سلطة روحية فقط، ولم يبق للخليفة سوى ذكر اسمه في خطب الجمعة متبوعاً باسم السلطان الغالب على البلاد، ويعود السبب الرئيسي في ضعف الخلافة العباسية وتلاشي سلطتها (1)، إلى أسباب كثيرة ليس هنا مجال بحثها، وقد تمكن الأتراك في عهد المعتصم (218 – 227ه) وكانت لهم حظوة في عهده وقربهم وأسند لهم المناصب العليا في مركز الدولة والولايات واعتمد عليهم في حراسة قصره، حتى تطاولوا على الناس وكثرت شكاوي الناس من ظلمهم في بغداد، فبنى لهم المعتصم مدينة سامراء وجعلها عاصمة لهم ومن حوله حاشيته من الأتراك، فزاد نفوذهم وصاروا وحدهم المتسلطين على أمور الخلافة والدولة حتى صاروا هم الذين ينتخبون الخليفة الذين يريدون ويعزلون من لا يوافق رغباتهم وأهواءهم، وفي عام 334ه/945م استولى البويهيون الشيعة على العراق وأضافوه إلى دولتهم التي تأسست قبل ذلك في فارس وصاروا هم المتسلطين على شؤون الخلافة وتعسفوا في معاملة الخليفة حتى إنهم عذبوا بعض الخلفاء وسجنوا بعضهم وقتلوا البعض الآخر، وكان بإمكانهم إنهاء الخلافة العباسية والدعوة للخلافة الفاطمية في العراق وباقي المشرق الإسلامي، خاصة بعد استيلاء الفاطميين
__________
(1) المصدر نفسه ص 25.(2/270)
على مصر، لكنهم لم يفعلوا ذلك، ليس حفاظاً على الخلافة العباسية، بل حفاظاً على سلطانهم ودولتهم من أن تزول لصالح الفاطميين، الذين تمكنوا من بسط سيطرتهم على بلاد الشام وشبه جزيرة العرب، وأخذوا يبثون دعاتهم في العراق لإنهاء الخلافة العباسية وضم باقي المشرق الإسلامي لدولتهم، وفي عام 447ه/1055م استغل أحد دعاتهم ضعف سلطة البويهيين وأثار فتنة في بغداد تمكن خلالها مع مؤيديه من إلقاء القبض على الخليفة وحبسه، فاستنجد الخليفة بالسلطان طغرل بك سلطان السلاجقة الذين كانوا قد أسسوا دولتهم عام 427ه/1037م في بعض مناطق خراسان، ثم توسعوا جنوبا وغرباً في أراضي الدولة البويهية التي كانت قد ضعفت كما تقدم وسارع سلطان السلاجقة إلى استغلال الفرصة فتوجه إلى العراق وقضى على الفتنة، وعلى الدولة البويهية وأعاد للخليفة اعتباره، ولكن البساسيري الذي تأثر بدعوة الفاطميين استولى على بغداد بعد أن غادرها طغرل بك 450ه/1058م وأقام الدعوة فيها للخليفة الفاطمي المستنصر بالله، إلا أن طغرل بك عاد إلى بغداد من جديد وقضى على داعية الفاطميين واستقرت الأوضاع في العراق لصالح دولة السلاجقة السنيين، الذين أظهروا قدراً كبيراً من الاحترام للخليفة، ولكنهم أبقوه رمزاً دينياً بدون قوة وصلاحيات، وعندما اجتاح الصليبيون بلاد الشام عام 492ه/1099م كانت الخلافة العباسية عاجزة تماماً عن القيام بأي رد فعل سوى توجيه الرسل إلى سلاطين السلاجقة لمعالجة الأمر (1).
ثانياً : الصراع على السلطنة في داخل البيت السلجوقي :
__________
(1) دور نور الدين محمود في نهضة الأمة ص 27.(2/271)
خلف السلطان ألب أرسلان السلجوقي عند وفاته سنة 465ه/1072م دولة متحدة الأركان قوية الجانب يحكمها ولداه السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان الأكبر في المشرق والعراق وتاج الدولة تتش بن ألب أرسلان الأصغر في بلاد الشام كتابع لأخيه الأكبر. واستمر هذا الاستقرار زمن السلطان ملكشاه (465ه - 485ه/1072 -1092م لاتباعه سياسة والده ووزيره نظام الملك الذي توفي سنة 485ه/1092م ثم تبعه ملكشاه ووزيره في السنة المذكورة قد أدت إلى خلق فراغاً سياسياً في صفوف العالم الإسلامي عامة والسلاجقة خاصة وكانت سبباً حقيقياً في تفكيك وحدة السلاجقة الذين أصبحوا ثلاث قوى تتصارع فيما بينها، قوة السلاجقة بزعامة قلج أرسلان الأول في آسيا الصغرى، وقوة سلاجقة الشام بزعامة تاج الدولة تتش، وقوة سلاجقة فارس والعراق بزعامة السلطان بركياروق بن ملكشاه ومن ينازعه من اخوته (1)، وقد تحدثت بنوع من التفصيل ما جرى من الحوادث بين السلاجقة عامة بعد وفاة السلطان ملكشاه، علماً بأن النزاعات والحروب لم تقتصر على سلاطين وأمراء السلاجقة بل اشترك فيها أمراء بني مزيد في العراق والخليفة العباسي المسترشد (512 -529ه) وقد أدى هذا الصراع إلى استنزاف إمكانيات دولة السلاجقة وإنشغال سلاطينها وولاتها عن الخطر الفرنجي الداهم إلا من بعض الجهود الثانوية التي تم توجيهها لمقاومة الفرنجة تحت ضغط الرأي العام الإسلامي الذي أخذ يتبلور على أيدي بعض رجال الدين من العلماء والقضاة الذين كان لهم الفضل الأكبر بعد الله في يقظة الأمة وإعادتها إلى جادة الصواب، وإثارة الهمم لمقاومة العدوان الفرنجي، وبعد أن تطور الرأي العام في المشرق الإسلامي وخاصة في بغداد إلى غضب وانتفاضة شعبية اضطر السلطان محمد لتوجيه والي الموصل الأمير مودود بن التونتكين لجهاد الفرنجة ومن بعده قام بعض ولاة الموصل والجزيرة بجهود طيبة للحد من توسع الفرنجة في
__________
(1) الجهاد ضد الصليبيين في الشرق الإسلامي ص 35.(2/272)
بلاد الشام والجزيرة، لكنها كانت جهوداً فردية غير منتظمة ولم تلق من سلاطين السلاجقة الاهتمام والدعم المطلوبين، الأمر الذي مكن الفرنجة من الاستيلاء على أغلب بلاد الشام بالإضافة لمنطقة الرها في الجزيرة وظل الوضع على هذا الحال حتى تأسست الدولة " الزنكية " بالموصل عام 521ه/1127م على يد عماد الدين زنكي والد نور الدين محمود زنكي عندها انتظم أمر الجهاد ضد الفرنجة (1) واستمرت الحلقات المباركة في عهد نور الدين وصلاح الدين ودولة المماليك.
ثالثاً : الدولة الفاطمية :
__________
(1) دور نور الدين محمود في نهضة الأمة ص 34.(2/273)
الفاطميون لا صلة لهم بيت النبوة، والدولة الفاطمية هي دولة باطنية، وهذا رأي أكثر علماء الأمة الذين حققوا نسبهم وعلموا بواطنهم وأسرارهم وقد سأل الشريف ابن طباطبا ملكهم المعز العبيدي الذي فتح مصر عن نسبة فسّل سيفه، وقال : هذا نسبي، ونثر الذهب، وقال : هذا حسبي (1)، فهم أولاد ميمون القداح بن ديصان اليهودي، قال أبو سامة عن عبيد الله المهدي مؤسس الدولة الفاطمية : كان زنديقاً خبيثاً عدواً للإسلام، متظاهراً بالتشيع، حريصاً على إزالة الملة الإسلامية، قتل من الفقهاء والمحدثين والصالحين جماعة كثيرة (2) قال الذهبي : وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد، لما شهدوه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه، وقد رأيت في ذلك تواريخ عدة لصدق بعضها بعضاً، وخرج كثير من العلماء والعباد مع أبي يزيد الخارجي لقتال القائم بن عبيد الله وقالوا : نكون مع أهل القبلة ضد من ليس من أهل القبلة (3)، وخّرب الفاطميون القيروان سنة 449ه، وجلا علماؤها إلى الأقطار ومات منهم كثير (4). وصلتهم بالقرامطة الملاحدة صلة أكيدة ودعوتهم دعوة واحدة (5)، يقول ابن خلكان : كان العاضد شديد التشيع متغالياً في سب الصحابة، وإذا رأى سنّياً استحل دمه (6). قال الإمام الشاطبي : أما الدّجالون فمنهم معد من العبيدية الذين ملكوا إفريقية، فقد حكى عنه أنه جعل المؤذن يقول : أشهد أن معداً رسول الله، فهّم المسلمون بقتله " أي المؤذن " ثم رفعوه إلى معد ليروا هل هذا عن أمره، فلما انتهى كلامه إليه قال : أردد عليهم أذانهم لعنهم الله (7)، وكل الإرهاب الذي زرعه الحشاشون في العالم الإسلامي، إنما هو ثمرة من ثمار الدعوة الإسماعيلية العبيدية في مصر، وحسن الّصباح
__________
(1) وفيات الأعيان (2/80).
(2) الورضتين في أخبار الدولتين ص 201.
(3) السير (15/154).
(4) الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي (2/165).
(5) واقدساه (1/260).
(6) وفيات الأعيان (3/110).
(7) الاعتصام للشاطبي (21/97).(2/274)
زعيم قعلة الموت الذي أرسل رجاله يقتلون العلماء والأمراء المجاهدين إنما تلقى الدعوة على أيدي أصحابها في مصر، والدروز في بلاد الشام من آثار دعوة الدولة العبيدية، وهم يؤلَّهون الحاكم العبيدي، وعلاقتهم بإسرائيل علاقة جيدة (1)، وفي عهد المستعلي والآمر : تولى الوزارة الأفضل بن بدر الجمالي وفي عهده تولى يهودي شؤون قصر أم الخليفة فاشتد نفوذه وأسند مناصب الدولة لليهود، والأفضل هذا كان في أيامه نكبة القدس (2) فعندما وصلته أخبار الزحف الفرنجي من آسيا الصغرى باتجاه بلاد الشام وانشغال السلاجقة بمواجهتهم في منطقتي أنطاكية والجزيرة والرها اعتبر الأفضل أن الفرصة سانحة لاستعادة المناطقة الداخلية من بلاد الشام فأرسل وفداً إلى قادة الحملة الفرنجية وهم يحاصرون أنطاكية ليتفق معهم على اقتسام بلاد الشام بحيث يكون شمالها للفرنجة وجنوبها للفاطميين، واستقبل قادة الحملة الفرنجية الوفد الفاطمي بالترحيب وأظهروا الرغبة في التعاون مع الفاطميين ولكنهم لم يفصحوا عن حقيقة نواياهم حول القدس ولم يحصل الوفد الفاطمي منهم على
__________
(1) واقدساه (1/260).
(2) المصدر نفسه (1/262).(2/275)
جواب (1)واضح إلا أن الأفضل بدأ بتنفيذ خطته التي كان محورها استعادة القدس ودمشق مستغلاً انشغال السلاجقة بالمواجهة مع الفرنجة فسار بجشيه إلى فلسطين وحاصر القدس في الوقت الذي كان الفرنجة يحاصرون أنطاكية، وبعد قتال شديد على الأسوار وفي المدينة استولى الفاطميون على القدس في شعبان 491ه/1098م أرسل الأفضل وفداً آخر إلى قادة الحملة الفرنجية بعد أن توغلوا جنوباً باتجاه القدس، يعرض عليهم ما سبق عرضه الوفد الأول بالإضافة إلى السماح لهم بالحج إلى القدس بكل حرية بشرط أن يكونوا بدون سلاح، ولكن الفرنجة كانوا في هذه المرة واضحين في ردهم الذي كان سندخل القدس بسلاحنا دون إذن من خليفة القاهرة (2)، وهذا ما تّم. ووصف الذهبي عموم جيوشهم بأنهم أهل شر وزعارة لاسيما من تزندق منهم وقد ذاق المسلمون منهم من القتل والنهب والسبي حتى أن أهل صور استنجدوا بالنصارى الروم من ظلمهم وجورهم وأخذهم النساء من الحمامات
__________
(1) المصدر نفسه (1/262).
(2) المصدر نفسه ص 36.(2/276)
والطرق (1). وقد وصف ابن كثير ملوك الدولة العبيدية : بأنهم من أنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة، وقد ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد، وقَّل عندهم الصالحون من العلماء، وكثر بأرض الشام .. الدرزية والحشيشية، وتغلّب الفرنج على الساحل (2). فهؤلاء ما دافعوا عن القدس لما حاصرها الصليبيون مقاومة تذكر(3) . قال ابن خلكان معلقاً : ولو كانت في يد الأرتقية " أمراء الشام من الأتراك " لكان أصلح للمسلمين (4) ولو لم يكن لهؤلاء الباطينة إلا قتلهم للصالحين لكفى .. وقبل احتلال الصليبيين للقدس، قتل الباطنية عام 485ه الوزير نظام الملك وفي التاريخ عظة وعبرة : أنه ما ضعف المسلمون إلا في عهود دول البدع والزنادقة، وكل هوان وذل حلّ بديار المسلمين إنما هو من آثار البعد عن دين الله عز وجل، وتفشي البدع والواقع خير شاهد (5).
رابعاً : سقوط الخلافة الأموية بالأندلس :
__________
(1) سير أعلام النبلاء (16/468).
(2) البداية والنهاية نقلاً عن واقدساه ص 262.
(3) واقدساه ص 262.
(4) وفيات الأعيان (1/179).
(5) واقدساه ص 263.(2/277)
ففي سنة 422ه سقطت الخلافة الأموية في الأندلس ودخلت البلاد في فترة جديدة عرفت بعصر ملوك الطوائف امتدت من 422ه إلى 484ه وتسمية هذا العصر كفيلة للدلالة على ما وصلت إليه الدولة من تخاذل وتفرق واضطراب وتناحر، حتى أنه حكم في النصف الأول من القرن الخامس الهجري نحو عشرين أسرة مستقلة في عشرين مدينة أو مقاطعة ويسمى هؤلاء بملوك الطوائف ومن أشهرهم بنو عباد باشبيلية وبنو حمود الأدراسة بمالقة والجزيرة، وبنو زيري بغرناطة وبنو هود بسرقسطة، وكان أقواهم بني ذي النون الذين ملكوا طليطلة وحكموا بلنسية ومرسية والمرية(1) ، وكان هؤلاء الملوك يدفعون الأتاوات لملك إسبانيا المسيحي الذي استطاع أن ينتزع من أيديهم كثيراً من المدن والمقاطعات لذلك استنجد ملوك الطوائف بيوسف بن تاشفين أمير المرابطين بمراكش، ولم تحل سنة 495ه حتى استطاع يوسف بن تاشفين أن يضم الأندلس لدولة المرابطين. وقد فصلت ذلك في كتابي عن دولة المرابطين. وحينما قامت الدعوة للحروب الصليبية في مؤتمر كليرمونت سنة 1095م كانت الحرب على أشدها بين المسيحيين والمسلمين في شبه جزيرة أيبيريا (2)، وأصبح ميزان القوى متأرجحاً بين الفريقين دون أن يتمكن أحدهما من أحراز نصر حاسم على الآخر، ولهذه الأسباب لم تكن أسبانيا في حالة تسمح لها بالاشتراك الفعلي في حروب خارج أراضيها سواء من جانب المسلمين أو المسيحيين، فقد كانت أسبانيا مسرحاً لحرب صليبية غربية أو بمعنى آخر حركة استرداد قام بها المسيحيون الغربيون ضد مسلمي أسبانيا، وحينما استولى الصليبيون على بيت المقدس، أعلن البابا " باسكال الثاني " الحرب الصليبية في أسبانيا ضد المسلمين، لذلك بدأ الأسبان المسيحيون يشهرون الحرب الصليبية في إسبانيا ذاتها وحاصروا سرقسطة لمدة قصيرة سنة 494ه ولكن الفرصة لم تكن سانحة لتحقيق هذا المشروع لأن
__________
(1) الحروب الصليبية المقدمات السياسية ص 282.
(2) الحروب الصليبية المقدمات السياسية ص 283.(2/278)
المرابطين استعادوا بلنسية بعد ذلك بقليل، ومن ثم اضطر النصارى إلى فك الحصار (1)، وهكذا لم يكن مسلمو أسبانيا في حالة تسمح لهم بأن يرسلوا أي نجدة ضد الصليبيين في الشرق ذلك لأنهم كانوا مشغولين بالصراع ضد مسيحي أسبانيا، هذا إلى جانب النزاع فيما
بينهم (2).
خامساً : دور النصارى الذين كانوا يعيشون في بلاد الشام :
كان المسيحيون يشكلون عنصراً مهماً من العناصر السكانية في بلاد الشام، وكانوا ينقسمون في بلاد الشام إلى عناصر مختلفة فمنهم المسيحيون السوريون، والأرمن واليونان، أما المسيحيون السوريون فقد قاموا بدور ملحوظ بالنسبة للحملة الصليبية الأولى، فقد تعاونوا مع الصليبيين في انتزاع بيت المقدس من المسلمين ولتوضيح موقف مسيحي الشام من الحملة الصليبية الأولى تذكر أنه كان لمساعدة مسيحي ارتاح أثر كبير في استيلاء الفرنج عليها سنة 490ه/ 1097م، حيث قام سكان البلد المسيحيون بذبح الحامية الموجودة في ارتاح (3)وعندما اقترب الصليبيون من أنطاكية لم يجدوا صعوبة في التماس الأصدقاء في داخل المدينة ذلك أنه انضم إلى المعسكر الصليبي عدد كبير من المسيحيين من سكان أنطاكية الذين دأبوا على الاتصال بأقاربهم في داخل المدينة من خلال باب القديس جورج في الغرب، فتيسر للصليبيين الوقوف على ما يحدث داخل أنطاكية (4)، وقد قاسى الصليبيون من المجاعة التي لحقت بهم أثناء حصار أنطاكية حتى أنه كان يموت شخص من بين كل سبعة أشخاص، ولذلك سارع النصارى والأرمن بتقديم كل ما استطاعوا جمعه إلى المعسكر الصليبي (5)، وكان للنصارى أيضاً دور ملحوظ في استيلاء الفرنج على معرة النعمان 491ه،1098م وعندما اشتد الجوع والعطش بالصليبيين المحاصرين لبيت المقدس سنة 492ه قام النصارى بدور المرشدين إلى
__________
(1) المصدر نفسه ص 284.
(2) المصدر نفسه ص 284.
(3) المصدر نفسه ص 284.
(4) الشرق الأوسط والحروب الصليبية للعريني (1/237).
(5) الحروب الصليبية المقدما السياسية ص 269.(2/279)
مناطق الغابات والينابيع، كما أنهم ساعدوا صنجيل الفرنجي في حصار طرابلس سنة 495ه (1)، وأما الأرمن فيتضح موقفهم عندما وصل الصليبيون إلى منطقة أرمينية في جبال طوروس فقد مد لهم سكانها من الأرمن المسيحيين يد المساعدة وأحسنوا استقبالهم ومعاملتهم وزودوهم بكل ما كانوا يحتاجون إليه من مؤن وأقوات ولولا ذلك لأخفق الفرنج في مواصلة الزحف ولألحق بهم السلاجقة هزيمة منكرة، ولكن هذه المساعدات التي تلقوها من الأرمن هيأت لهم الجو لمواصلة العدوان المسلح والتوغل في الشرق
الإسلامي (2).
سادساً : موقف بعض الإمارات العربية من الغزو الصليبي :
عندما توجه الصليبيون نحو بيت المقدس بعد احتلال أنطاكية، وجعلوا طريقهم على الساحل،
__________
(1) الكامل في التاريخ (8/446).
(2) الحروب الصليبية المقدمات السياسية ص 270.(2/280)
بدأت الاتصالات بينهم وبين أمراء المدن الشامية، الذين رأوا في زوال قوة السلاجقة فرصتهم للاستقلال ببعض المدن مثل حمص، وطرابلس وشيزر، تاركين المصلحة العامة للإسلام والمسلمين خلف ظهورهم، وقد قبل هؤلاء أن يدخلوا في طاعة الصليبيين، والنزول على شروطهم وتقديم المعونة والأدلاء لهم (1). وقد فرح بنو منقذ أصحاب شيزر، وبنو عمار أصحاب طرابلس وهم من البيوتات العربية العريقة بهزيمة السلاجقة، وأقبلوا يمدون المعونة للغزاة من الصليبيين (2)، ومن الوقائع الغريبة والمواقف المريبة أن الأمير عز الدين أبو العساكر سلطان بن منقذ صاحب شيزر، أجرى اتصالات مع ريموند عندما كان الأخير في كفر طاب، وتعهد له بألا يعترض طريق الصليبيين عند اختراقهم إقليم شيزر، وأن يقدم لهم ما يحتاجون إليه من غذاء فضلاً عن أنه أرسل دليلين في 17 يناير، ليرشدا الصليبيين في عبور إقليم نهر العاصي، وقد تم فعلاً تنفيذ تلك الاتفاقية (3)، وعندما وصلت طلائع الغزو الصليبي مدينة مصياف خرج إليهم أميرها، وقعد معهم اتفاقية اتجه بعدها نحو سهل البقاع، وسروا بما وجدوه فيه من خيرات، ثم توجهوا نحو حصن الأكراد وحاصروه حتى سقط في أيديهم في
__________
(1) جهاد المسلمين في الحروب الصليبية ص 107 ، 108.
(2) نور الدين محمود : حسين مؤنس ص 85.
(3) الحركة الصليبية (1/179) د. سعيد عاشور.(2/281)
29 يناير 1099م (1)، ويذكر ابن الأثير أن الصليبيين : ساروا إلى حمص وحصروها فصالحهم صاحبها جناح الدولة (2)، وهكذا كان أمراء المدن الشامية متفككى الكلمة في ذلك الوقت وكل منهم يحاول فقط أن يحتفظ بإمارته دون النظر إلى الهدف العام وهو الوقوف في وجه العدو الغاشم، ولما كان كل واحد منهم لايستطيع بمفرده أن يقف في وجه الصليبيين، لذلك نجد أن معظمهم أخذ الأمان له ولسكان امارته في مقابل بعض المساعدات للصليبيين ، وهذا يدل على تغلل أسباب الضعف المعنوي في نفوس أولئك الأمراء والتي منها :
ضعف الوازع الديني عند كثير من الأمراء.
الأنانية وحب الذات.
الجبن والخور الذي أصاب كثيراً من الناس.
الحرص على المصالح الدنيوية.
ضعف عقيدة الولاء والبراء.
سابعاًً : دور الباطنية الإسماعيلية الرافضة في عرقلة الجهاد ضد الصليبين :
شهدت بلاد الشام ظهور فرقة الإسماعيلية أو الباطنية التي أدت إلى زيادة تفكك القوى الإسلامية في بلاد الشام والجزيرة ويمكن القول أن توصيد الإسماعيلية الباطنية بحلب واتساع نفوذهم في بلاد الشام قد أدى إلى ظهور عامل جديد من عوامل تفكك وحدة المسلمين عامة والسلاجقة خاصة ذلك التفكك الذي تعرضت له بلاد الشام في عصر الحروب الصليبية الأمر الذي أدى بهذه الفرقة إلى مساعدة الصليبيين في الاستيلاء على بعض معاقل المسلمين، أو تهيئة المناخ المناسب لسقوطها بيد الصليبين، كان حدث في أفاميه سنة 500ه/11074م (3)، وقد لعبت هذه الفرقة دوراً خبيثاً شريراً في عرقلة الجهاد في مرحلة الصراع مع الغزاة، إذ كانت خناجر غادرة تطعن قادة الأمة، من فقهاء ووزراء، وكان تاريخها صفحات سوداء ملطخة بدماء الأبرياء من أهل السنة (4).
__________
(1) الحركة الصليبية (1/108).
(2) الكامل في التاريخ (5/401).
(3) الجهاد ضد الصليبيين في الشرق الإسلامي ص 59.
(4) الجهاد والتجديد ، محمد الناصر ص 140.(2/282)
1- تعاونهم مع الصليبيين : كان أول ظهور للحشاشين في بلاد الشام عام 498ه عندما أرسل الحسن بن الصباح داعيتهم : الحكيم المنجم، الذي تمكن من إفساد ما بين الأخوين دقاق حاكم دمشق، ورضوان صاحب حلب، ثم تحالف مع رضوان، واستماله إلى نحلتهم، وأقام داراً للدعوة الإسماعيليةفي حلب وبعد هلاك رضوان فتك خلفه ألب أرسلان الأخرس بالباطنية وقتل مقدهم " أبا طاهر الصائغ " وقتل أعيانهم وحبس الباقين، وهرب آخرون منهم قاصدين بلاد الإفرنج وتفرقوا في البلاد (1)، واشتد نفوذهم في حلب ثانية أيام داعيتهم " بهرام " وعظم أمره، وهو في غاية التستر، وأخذ يدعو أوباش الناس، فتبعه الجهال وسفهاء العوام، وانتقل إلى دمشق، ودعا إلى مذهبهم، وأظهر شخصيته، وأعانه على ذلك وزير طغتكبن " أبو طاهر المزدقاني " فعظم شره .. وخاف من أهل دمشق فطلب من طغتكين حصناً يأوى إليه هو وأتباعه، فأشار عليه المزدقاني بتسليمه قلعة "بانياس" الواقعة غربي دمشق، فاستلمها وتجمع فيها أصحابه (2)، ويعتبر ابن الأثير أن تسليمهم هذا الحصن كان كارثة على البلاد، إذ عظم خطب بهرام، وصار يدعو أوباش الناس وطغامهم إلى مذهبهم، فحلت المحنة بظهوره، واشتد الحال على الفقهاء والعلماء وأهل الدين، ولاسيما أهل السنة، إلا أنهم لا يقدرون أن ينطقوا بحرف واحد خوفاً من سلطانهم طغتكين – أولا، ومن شر الإسماعيلية ثانياً (3). وأفاق طغتكين على شرورهم، لكنه هلك قبل أن يفعل ضدهم شيئاً، وعندما خلفه ابنه تاج الملك بوري – في حكم دمشق، أفرط الوزير المزدقاني في حماية الباطنية، والعطف عليهم ثم تآمر مع الصليبيين، فعرض عليهم أن يسلمهم مدينة دمشق مقابل إعطائه هو والباطنيين مدينة صور بدلاً منها، وأبُرمت الاتفاقية، وحدد أحد أيام الجمعة لتنفيذها، بينما يكون المسلمون في المساجد، فتفتح أبواب دمشق للفرنجة
__________
(1) المصدر نفسه ص 140.
(2) المصدر نفسه ص 141.
(3) الكامل في التاريخ نقلاً الجهاد والتجديد ص 141.(2/283)
بسهولة، ولكن المؤامرة كشفت قبل موعد تنفيذها، فقتل – بوري – وزيره الخائن، وأحرق جثته وعلق رأسه على باب القلعة، ونادى بقتل الباطنية، فقتل منهم ستة آلاف نفس، واستمر أهل دمشق يذبحون فيهم، فأفنوهم تقطيعاً بالسيوف وذبحاً بالخناجر في منتصف رمضان من عام 523ه (1). وعند ذلك استنجد داعيتهم إسماعيل العجمي في بانياس بالصليبيين ليحموه وأصحابه، وعرض عليهم مقابل ذلك تسليم بانياس إليهم، وتسلل الباطنية إلى البلدان المجاورة، بعد أن سلموا المدينة لهم (2).
2- اغتيال القادة المسلمين : كان الاغتيال من الأسلحة الرهيبة التي استخدمها الباطنيون لتنفيذ أغراضهم والتخلص من خصومهم وظلت حركة الحشاشين الباطنية إسفيناً في قلب المجتمع الإسلامي، ساهمت في تمزيقه ونشر الرعب في أرجائه، مما ساهم في احتلال بلاده (3)، فقد كانت حركة الحشاشين مصدراً للانحلال السياسي والاجتماعي طيلة عصر الحروب
الصليبية .. وأصبحت عصابة سرية فريدة من نوعها ومدربة على أساليب القتل
__________
(1) الكامل في التاريخ (8/668 ، 669).
(2) الكامل في التاريخ (8/669).
(3) الجهاد والتجديدص 143.(2/284)
المنظم ... فذهب ضحية إجرام الباطنيين عدد كبير من قادة الجهاد الإسلامي وخيرة رجاله ولم يسلم من بطشهم المخلصون في المجتمع الإسلامي (1) وكان أول ضحايا الاغتيال والغدر الوزير السلجوقي نظام الملك عام 485ه، كما قتلوا عدداً من الوزراء منهم ابو طالب السميرمي وزير السلطان محمود السلجوقي، ذبحوه ومثلوا به نيفاً وثلاثين جراحة، كما قتلوا وزير السلطان سنجر معين الملك أحمد بن الفضل (2) وقتلوا الوزير فخر الملك ولد نظام الملك، قتلوه وهو صائم يوم عاشوراء جاءه صبي " وهو خارج من داره " يصيح : ذهب المسلمون ولم يبق من يكشف مظلمة ولا يأخذ بيد ملهوف، فاستمع إليه رحمة به، فطعنه الباطني بسكين وقتله(3) واغتالوا عدداً من الولاة والأمراء منهم جناح الدولة حسين صاحب حمص، صهر رضوان صاحب حلب قتلوه عندما نزل من القلعة ليصلي الجمعة في المسجد الكبير، هجم عليه ثلاثة من الحشاشين في لباس الدراويش وقتلوه / 495ه وكان وقتها يتهيأ لقتال الصليبيين، وينتقد رضوان، لتهاونه في قتالهم، فتآمر على اغتيال زوج أمه(4) ، وكان رحمه الله أميراً مجاهداً يباشر الحروب بنفسه(5) ، ومن جرائم الحشاشين قتلهم القائد المجاهد الأمير مودود بن النوكتين في ساحة المسجد الأموي عام 507ه وقد هزم الصليبيين في أكثر من موقعة، وكان رحمه الله صائماً رفض أن يفطر(6) ، كما قتلوا والي الموصل، آقسنقر البرسقي
__________
(1) أثر الحركات الباطنية في عرقلة الجهاد ص183 – 184.
(2) ذيل تاريخ دمشق، ابن القلانس ص 324.
(3) الكامل في التاريخ نقلاً عن الجهاد والتجديد ص 144.
(4) الجهاد والتجديد ص 145.
(5) النجوم الزاهرة (5/168).
(6) البداية والنهاية نقلاً عن الجهاد والتجديد ص 145.(2/285)
عام 520ه هجموا عليه وهو يصلي الجمعة في جامع الموصل، وثب عليه بضعة عشر نفراً من الفدائيين، وطعنوه بخناجرهم، وقتل رحمه الله بعد أن جرح ثلاثة منهم بيده وكان رجلاً عادلاً عابداً متهجداً قاد الجيوش ضد الصليبيين مراراً (1)، ولم يتورع الباطنيون عن قتل من تمكنوا من الوصول إليه من خلفاء الدولة العباسية : ومن هؤلاء الخليفة المسترشد، وكان رحمه الله عالماً تقياً فاضلاً بليغاً، عارفاً بالفتوى، هجموا عليه في خيمته واغتالوه ومثلوا به قاتلهم الله وكان ذلك عام 529ه (2)، كما اغتالوا ولده الخليفة الراشد في أصبهان عام 532ه ودفن فيها رحمه الله، قتله الباطنية وكانوا في خدمته، وعندما كان يريد القيلولة، ودفن في ظاهر أصفهان (3) وأما العلماء والفقهاء : فقد اغتالوا عدداً منهم، نذكر على سبيل المثال، أبو القاسم بن إمام الحرمين قتله الباطنية غدراً عام 492ه، والفقيه أحمد بن الحسين البلخي قتله الباطنية غدراً عام 494ه والفقيه عبد اللطيف بن الخجندي قتله الباطنية غدراً عام 523ه والفقيه أبو المحاسن الروياني قتله الباطنية غدراً عام 502ه والقاضي أبو العلاء مساعد النيسابوري قتله الباطنية بجامع أصبهان 499ه والقاضي عبيد الله بن علي الخطبي قتله الباطنية بالجامع وهو يؤدي صلاة الجمعة عام 502ه والقاضي صاعد بن عبد الرحمن أبو العلاء قتله الباطنية يوم عيد الفطر بنيسابور عام 502ه والقاضي أبو سعد محمد بن نصر الهروي هجم عليه قوم من الباطنية في جامع همذان وقتلوه عام 518ه والواعظ أبو جعفر ابن المشاط كان يدرس للناس في الجامع ولما نزل من على كرسيه وثب عليه باطني وقتله عام 498ه والواعظ أبو المظفر الخجندي وكان يدرس للناس في الجامع ولما نزل من على كرسيه وثب عليه باطني وقتله(4)
__________
(1) الكامل في التاريخ نقلاً عن الجهاد والتجديد ص 145.
(2) الكامل في التاريخ (8/712 ، 713).
(3) الروضتين لأبي شامة (1/31).
(4) الجهاد والتجديد ص 148، 149.(2/286)
وقد قام محمد حامد الناصر بعمل جدول أسماء القادة والعلماء الذين اغتيلوا بيد الباطنية (1) وعلق بعد ذلك بقوله : يتبين لنا ضخامة الدور البشع لتلك الحركات في القضاء على فاعلية الأمة وحيويتها في الصراع الدائر بين المسلمين والغزاة الصليبين ويتضح لنا من سلسلة الاغتيالات وتوقيتها، ونوع شخصياتها ملاحظات في غاية الأهمية منها :
أن الذين قتلوا على يد الباطنيين، كانوا يمثلون مراكز القيادة والتوجيه في ميادين السياسية والفكر والجهاد في سبيل الله .
وأن تصفية هؤلاء كان خدمة متعمدة لخدمة الصليبيين من جهة ولقيادة المذهب الإلحادي الخبيث من جهة أخرى.
أن كثير من ضحايا الاغتيال قتل وهو صائم، أو في وقت تأدية صلاة الجمعة أو خلال مجلس للوعظ الديني والإفتاء في بيوت الله.أن أكثرهم كان يشهد لهم بالصلاح والتقوى والصيام والتهجد والمحافظة على الصلوات مع جماعة المسلمين والإثخان في جيوش الصليبيين (2).
__________
(1) الجهاد والتجديد ص 148، 149.
(2) المصدر نفسه ص 149 ، 150.(2/287)
3- إشاعة الرعب والخوف في المجتمع الإسلامي : لم يقتصر دور الباطنيين على اغتيال القادة، ولا على التعاون مع الصليبيين، وإنما كانوا ينشرون الرعب بين الناس بشتى السبل كانوا يقطعون الطريق ويعتدون على سكان القرى المجاورة لهم فيذبحونهم ويستولون على ما لديهم من مال ومتاع، ولم تسلم القوافل المارة بجوار قلاعهم من القتل والنهب، فأصبح الناس لا يأمنون على أنفسهم، ولا على أولادهم وأموالهم وبلغت جرأتهم أنهم كانوا يخطفون الناس من الشوارع والحارات بأغرب الوسائل وكان الرجل إذا تأخر عن بيته عن الوقت المعتاد، تيقّن أهله من قتله، وقعدوا للعزاء به، وحذر الناس، حتى صاروا لا ينفرد أحدهم في مسيرة وقد أخذ الباطنية مؤذناً، عن طريق جار له باطني، فقام أهله للنياحة عليه، فأصعده الباطنية إلى سطح داره، وأروه أهله كيف يلطمون ويبكون، وهو لا يقدر أن يتكلم خوفاً منهم (1)، واشتد الخوف والرعب من جرائمهم حتى إذا جاء الليل أخفوا جميع ما لديهم من مال ومتاع في أماكن مجهولة غير معروفة خوفاً من هجماتهم وأخذهم إياها، فإذا أصحوا أخرجوها ثانية (2)، ولم يسلم الحجاج من بطش الباطنيين ففي عام 498ه تجمعت قوافل الحجاج مما وراء النهر وخراسان والهند، فوصلوا خوار الري، وهي قرية من أعمال بيهق من نواحي نيسابور، فباغتهم الباطنية وقت السحر، ووضعوا فيهم السيوف، وقتلوهم، وغنموا أموالهم ودوابهم، ولم يتركوا شيئاً إلا أخذوه (3)، وفعلوا مثل ذلك عام 552ه في حجاج خراسان فقتلوهم جميعاً، ولم يبق منهم إلا العدد اليسير، وكان فيهم الأئمة والعلماء والزهاد والصلحاء وفي الصباح طلع على القتلى والجرحى أحد الباطنية، وهو ينادي : يا مسلمون! ذهبت الملاحدة، فمن أراد الماء سقيته، فكان كلما رفع رأسه جريح وتكلم بكلمة أجهز عليه ذلك
__________
(1) الكامل في التاريخ نقلاً عن الجهاد والتجديد ص 151.
(2) الجهاد والتجديد ص 151.
(3) الكامل في التاريخ نقلاً عن الجهاد والتجديد ص 151.(2/288)
الباطني وقتله، حتى لم يبق الخبيث منهم أحداً (1)، ونتيجة لهذا الوضع، أصبح الناس غير آمنين، فكأنهم غرباء على بعضهم، فقطعت الأرحام، وتفككت الروابط، وزادت الفرقة بين الناس وازداد الخوف بين الناس، حتى صار كثير من العلماء والكتاب لا يتحدثون عنهم إلا بالتلميح والتورية كي لا تنالهم أيدي الباطنية، من هؤلاء مؤرخ الدولة السلجوقية، العماد
الأصفهاني (2)، في كتابه : تاريخ آل سلجوق(3) ، فما أشبه الليلة بالبارحة، وها هو التاريخ يعيد نفسه فهل من متعظ (4) ؟
4- فتوى ابن تيمية في الحركات الباطنية : سئل شيخ الإسلام عن الإسماعيلية وما تفرع عنها من حشاشين وقرامطة ومحمرة أو خّرمية، وما شابههم فأجاب رحمه الله :
إن هؤلاء وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين، مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشييع، وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه، ولا بأمر ولا نهي، ولا ثواب، ولا عقاب، ولا جنة ولا نار، ولا بأحد من المرسلين، قبل محمد صلى الله عليه وسلم (5).
__________
(1) الكامل في التاريخ نقلاً عن الجهاد والتجديد ص 151.
(2) أثر الحركات الباطنية في عرقلة الجهاد ص 210.
(3) المصدر نفسه ص 152.
(4) الجهاد والتجديد ص 152.
(5) فتاوى ابن تيمية (35/149).(2/289)
ثم بين رحمه الله أخطارهم على المسلمين : فقال : إذا كانت لهم مُكنة سفكوا دماء المسلمين، كما قتلوا مرة الحجاج وألقوهم في بئر زمزم، وأخذوا الحجر الأسود، وبقي عندهم مدة وقتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم مالا يحصى عدده إلا الله تعالى (1). ثم بين رحمه الله تواطؤهم مع الصليبيين فقال : ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية، إنما استولى عليها النصارى من جهتهم، وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين فهم مع النصارى على المسلمين، ومن أعظم المصائب عندهم فتح المسلمين للسواحل، وانقهار النصارى، بل ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار (2).
وأشار رحمه الله إلى مهادنة العبيديين والفاطميين للصليبيين : وتفريطهم في بيت المقدس فقال : فهؤلاء المحادون لله ورسوله، كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها، فاستولى النصارى على الساحل، ثم بسببهم، استولوا على القدس الشريف وغيره (3).
وبين تعاونهم مع المغول فقال : ثم إن التتار مادخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم فإن منجَّم هولاكو الذي كان وزيرهم وهو " النصير الطوسي" كان وزيراً للحشاشين في آلموت وهو الذي أمر بقتل الخليفة وبولاية هؤلاء (4).
وبين رحمه الله حكم التعامل معهم فقال : .. وأمّا استخدام هؤلاء في ثغور المسلمين، أو حصونهم، أو جندهم، فإنه من الكبائر، وهو بمنزلة من يستخدم الذئاب لرعي الغنم، فإنهم من أغش الناس للمسلمين، ولولاة أمورهم (5) ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ، ويجب قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يضلوا غيرهم، ويحرم النوم معهم في بيوتهم ورفقتهم والمشي معهم، وتشييع
جنائزهم (6).
ثامناً : انتشار الفكر الشيعي الرافضي والباطني :
__________
(1) المصدر نفسه ص (35/150).
(2) المصدر نفسه (35/151).
(3) المصدر نفسه (35/151 - 152).
(4) المصدر نفسه (35/151 - 152).
(5) الفتاوى (35/155 - 162).
(6) المصدر نفسه (35/155 – 162).(2/290)
هل كان يتصور أن يصمد المسلمون أمام الصليبيون وقد تفشى الرفض وانتشرت البدع وقامت للمبتدعة دول. فالعبيدون الفاطميون بمصر (297 – 567ه) والبويهيون وقد تملكوا مقاليد الأمور في بغداد وأهانوا الخلفاء أسوأ إهانة والقرامطة وما فعلوه بالحجيج سنة 317ه، بل بأهل دمشق سنة 360ه فقد أوقعوا بأهلها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ومحاولتهم إضعاف الدولة العباسية، وبنو حمدان (317 -394ه) بحلب، والأسديون في الحلة (403 – 545ه) لم يكتفوا بإماراتهم بل شاركوا في أحداث الدولة العباسية من إثارة الفتن على الخليفة، فهذا دبيس أميرهم يرغم على الجلاء عن الحلة فيذهب إلى الشام ويساعد الروم في حصار حلب على شرط أن يتملكها بعد الانتصار على المسلمين، ولكن الحملة تفشل ويعود دبيس إلى الحلة فيقُتل من قبِل السلطان مسعود السلجوقي ولقد تعاون الأسديون مع أرسلان البساسيري الداعي إلى طاعة العبيديين في مصر، فالأسديون لتشيعهم ساعدوا هذا المارق، كما ساعدوا الروم ضد المسلمين (1)فنتشار الفكر الشيعي الرافضي والباطني كان من العوامل التي ساعدت على احتلال الصليبيين لبلاد الشام في الحملة الصليبية الأولى.
تاسعاً : تدهور الحياة الاقتصادية قبل الغزو الصليبي :
تجمعت الأموال في يد حفنة قليلة لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً وتركوا البلاد قاعاً صفصفاً يعانون شظف العيش بدون تأنيب ضمير أو حس (2)، ولعلنا نستطيع إيجاد أبرز مظاهر هذا الخراب الاقتصادي وما تبعه من مفاسد فيما يلي :
الإسراف والتبذير : عند علية القوم، إذ أصبح تكديس الأموال عندهم أمراً شائعاً، والنهب من أموال الدولة أمراً عادياً وإليك بعض الأمثلة.
__________
(1) واقدساه (1/357).
(2) الجهاد والتجديد ص 71.(2/291)
وجد في قصور العاضد آخر خلفاء الفاطميين : الحواصل والأمتعة والملابس والمفارش شيء باهر، ومن ذلك سبعمائة يتيمة من الجوهر، عدا الزمرد والياقوت، واستمر بيع محتويات القصر نحوا من عشر سنين (1).
والوزير الفاطمي بدر الجمالي كان قد خلف ثروة وجدت بعد وفاته منها : ستمائة ألف ألف دينار عينا، ومائتا وخمسون إردباً دراهم، وخمسة وسبعون ألف ثوب أطلسي، وثلاثون راحلة أحقاب ذهب عراقي، ودواة ذهب فيها جوهر قيمته اثنا عشر ألف دينار (2). ولما قتل ولده الأفضل وزير الفاطمية بعد أبيه بدر الجمالي، عام 515ه نُقل من أمواله – بأمر الخليفة – مالا يعلمه إلا الله تعالى، ووجد من الأعلاق النفسية والأشياء الغريبة مالاً يوجد مثله (3).
ويصف ابن كثير جانباً من حياة أبي نصر أحمد بن مروان الكردي والي بلاد بكر وميافارقين المتوفى (453ه) فيقول : ملك هذه البلاد اثنين وخمسين سنة، وكان عنده خمسمائة سرية سوى من يخدمهن، وعنده خمسمائة خادم، وكان عنده من المغنيات شيء كثير، كل واحدة مشتراها بخمسة آلاف دينار، وكان يحضر مجلسه من آلات اللهو والأواني ما يساوي مائتي ألف دينار (4).
ويصف كذلك جهاز زواج ابنة السلطان ملكشاه عام 480ه فيقول : في المحرم من هذا العام نقل جهاز ابنة السلطان ملكشاه إلى دار الخلافة على مائة وثلاثين جملاً مجللة بالديباج الروحي، غالبها أواني الذهب والفضة، وعلى أربعة وسبعين بغلة مجللة بأنواع الديباج الملكي وأجراسها وقلائدها من الذهب والفضة، وكان على ستة منها اثنا عشر صندوقاً من الفضة، فيها أنواع من الجواهر والحلي(5).
__________
(1) البداية والنهاية نقلاً عن الجهاد والتجديد ص 71.
(2) وفيات الأعيان (2/160 -162.
(3) الكامل في التاريخ نقلاً عن الجهاد والتجديد ص 72.
(4) الكامل في التاريخ نقلاً عن الجهاد والتجديد ص 72.
(5) البداية والنهاية (16/107).(2/292)
وقلد الجند والأمراء والوزراء : في الجشع والنهب فكانوا إذا نشبت فتنة بين السلاطين والملوك أو بين أمرائهم، استغلوا الفرصة ونهبوا المدن والمحلات التجارية والبيوت وتفنن التجار في رفع الأسعار، وخاصة خلال ندرة الأقوات والحاجات وكانت عساكر السلاطين تعيث فساداً في أموال الناس وقرى الفلاحين (1). هذا وصف موجز لحال الأمراء والوزراء بينما كان الأمر مختلفاً تماماً عند العلماء والأدباء وعامة الناس (2).
__________
(1) هكذا ظهر جيل صلاح الدين ص 22.
(2) الجهاد والتجديد ص 73.(2/293)
غلاء الأسعار وانتشار المجاعات : كثرت الضرائب على المواطنين وتفننت الدولة في طرق الابتزاز حتى أن الحجاج كانوا يدفعون الكثير من الضرائب للبلد الذي يمرون فيه، كما كان يفعل الفاطميون مع حجاج المغرب في مصر : ومن عجز عن الأداء حبس، وربما فاته الوقوف بعرفة، حتى أسقط السلطان صلاح الدين المكوس والضرائب عن الحجاج بمكة (1)، وغلت الأسعار بشكل مذهل، فقد روى ابن تغري بردي : أن رجلاً باع داراً بالقاهرة، كان اشتراها قبل ذلك بتسعمائة دينار، بعشرين رطل دقيق، وبيعت البيضة بدينار وذلك عام 428ه. وعم الوباء والقحط بالعراق والشام كذلك وسائر أرجاء العالم الإسلامي، فكان الناس يأكلون الميتة من الحيوانات وينبشون قبور الموتى من البشر، أما الأغنياء، فكانوا يشترون الرمانة والسفرجلة بدينار، كان ذلك ما بين 484 – 489ه (2) ويصف ابن كثير الحالة العامة من غلاء الأسعار والمجاعات لعام ويصف ابن كثير الحالة العامة من غلاء الأسعار والمجاعات لعام 462ه ومن غرائب ذلك قوله : بأنه قد نزل الوزير في مصر يوماً عن بغلته، فغفل عنها لضعفه من الجوع، فأخذها ثلاثة نفر فذبحوها وأكلوها، فأخذوا وصُلبوا، وما أصبحوا إلا وعظامهم بادية، قد أخذ الناس لحومهم فأكلوها وكان لا يجسر أحد أن يدفن ميتة نهاراً، وإنما يدفنه ليلاً خفية، لئلا ينبش فيؤكل (3).
__________
(1) البداية والنهاية نقلاً عن الجهاد والتجديد ص 74.
(2) النجوم الزاهرة (5/15 – 17).
(3) البداية والنهاية نقلاً عن الجهاد والتجديد ص 75.(2/294)
اضطراب الأمن وإهمال المصالح العامة : أصبحت الصفة العامة للحياة الاجتماعية الشغب واضطراب حبل الأمن، ولطالما تمرد اللصوص حتى في قلب العاصمة بغداد، ولربما احتلوا بعض وفي غمرة هذه الفوضى انصرف المجتمع إلى الانشغال بقضاياه اليومية الصغيرة، فكانوا كأهل الجاهلية همة أحدهم بطنه وفرجه لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً (1)، فما أشبه الليلة بالبارحة وكانت الخلافة العبيدية تقدم الهبات لشيوخ القبائل، فإذا انقطعت الأموال، شقت القبائل عصا الطاعة، فتشن الغارات المدمرة على مختلف بلدان الشام ومدنها (2). يضاف إلى ذلك قطع الطرق على قوافل التجار، ونهب أصحابها وكان التركمان يشتركون في مثل هذه الغارات (3). وقد أهملت شؤون الزراعة والري، فكثرت الفيضانات، في دجلة والفرات، وأهلكت المرافق العامة، كما أهملت الطرق، وشؤون الأمن، ونهبت المحلات التجارية والبيوتات من قبل اللصوص(4) ، وأضف إلى ذلك غارات الأعراب على الريف ونهب المحاصيل، ونتيجة لكل ذلك كانت المجاعات، رغم كثرة الخيرات وخصوبة الأراضي لو وجدت لها حافظاً وسلمت من أيدي العابثين (5).
عاشراً : ضعف الدولة البيزنطية :
__________
(1) الروضتين لأبي شامة (1/7).
(2) الجهاد والتجديد ص 75.
(3) هكذا ظهر جبل صلاح الدين ص 54.
(4) المصدر نفسه ص 54.
(5) الجهاد والتجديد ص 75.(2/295)
تعرضت الدولة البيزنطية في أواخر القرن الخامس الهجري إلى ضعف شديد من قبل السلاجقة، على إقاليمها الآسيوية، كما تعرضت في الوقت ذاته لخطر النورمان وضغطهم على أقاليمها الأوروبية، الأمر الذي أدى إلى ضعفها، وبالتالي تراجعها أمام هذين الضغطين، فتراجعت أمام السلاجقة بعد هزيمتها في معركة ملاذكرد معهم كما تراجعت أمام الذين انتزعوا منها آخر معاقلهم في إيطاليا، ووجهوا أنظارهم نحو الشاطئ الشرقي للبحر الأدرياتي، وخاصة بعد أن انتزعوا صقلية من المسلمين، بل لقد طمعوا في القسطنطينية نفسها، وأخذ النورمان بعد ذلك يحلمون بمواصلة الحرب ضد المسلمين في الشرق، فاتجه فريق من المغامرين منهم نحو الدولة البيزنطية، ودخلوا البيزنطيين أمام السلاجقة والأناضول واشتبكوا مع البيزنطيين في مواقع كثيرة كما زحف روبرت النورماني على القسطنطينة نفسها لكنه اضطر إلى العودة إلى إيطاليا وترك قواته في بلاد البلقان لابنه بوهيمند الذي صار فيما بعد بطلاً من أبطال الحملة الصليبية الأولى وكان النورمان قد أوقعوا في الأمبراطورية القسطنطينية خسائر كثيرة، حتى كادت تسقط بأيديهم قبل الغزو الصليبي، الأمر الذي فتح لهم طريق الشرق ويسّر زحف الصليبيين في هذه الديار (1).
الحادي عشر : تمرس فرسان الإفرنج على الحرب والإمدادات الأوروبية المستمرة لهم :
__________
(1) الوطن العربي والغزو الصليبي ص 30.(2/296)
ويجب ألا يغرب على البال تمرس فرسان الإفرنج بالحرب في بلادهم، فالعصر عصر إقطاع وفروسية ونشأ الفارس منُذ الصغر على الفروسية ويذكر المؤرخون المعاصرون أنه كانت لفرسان الإفرنج حملة مشهورة كان المسلمون يفسحون لهم الطريق أو يتظاهرون بالانهزام ليتفرق الفرسان وينفصلوا عن المشاة فيتمكن المسلمون من مهاجمتهم من الجوانب والخلف، واعتمد المسلمون في حربهم معهم على القوس والسهام كثيراً، وماذا تفعل السهام بهذه الكتل الحديدية المتحركة، فالفارس والحصان تغطيهما الدروع ومع الزمن اكتسب المسلمون خبرة في حربهم فكان ذلك سبباً من أسباب انتصارهم عليهم ويجب عند ذكر قوة الصليبيين أن لا ننسى الامدادات الأوروبية لهم من سفن وحجاج وفرسان تأتي إليهم كل عام (1).
__________
(1) الحروب الصليبية والأسرة الزنكية ص 22.(2/297)
وبعد هذا، فقد لاحظنا من خلال ما مّر ذكره في أحوال الأمّة قبل الهزائم التاريخية الكبرى عند هجوم الصليبيين على العالم الإسلامي أن الفرقة حفرت بين دوله خنادق بعيدة القاع فأمس بعضها يتربص بالبعض الآخر، ويتمنى له الدمار، فالدولة الفاطمية في الشمال الإفريقي ومصر تغير على الدولة العباسية في العراق والشام والحجاز والدولة الأموية في الأندلس تتمنى البوار للفريفين، كي يؤول إليها الميراث الدسم. والفرقاء المشاكسون محصورون في أحقادهم لا يحُّسون الزحف الصليبي القادم من الغرب، ولا الزحف التتاري القادم من الشرق، أيرضى الإسلام عن هذه الضغائن الخسيسة، أو ينتظر من أصحابها أن يخدموا عقائده وشرائعه(1) ، ولاحظنا بأن الخلفاء العباسيين في غاية الضعف والهوان، فقد هرب الخليفة العباسي " القائم بأمر الله " بعدما سقطت بغداد في أيدي الفاطميين واعتقله أحد البدو، ولكن الملك السلجوقي " طغرك بك " استنقذه وردّه إلى عاصمة ملكه، فكأفاه الخليفة على حسن صنيعه ولقّبه ملك المشرق والمغرب، وأطلق يده في إدارة الدولة واضطر إلى تزوجيه بأبنته رغم أنفه، ومات الملك السلجوقي فورثه ابن ألب أرسلان ومات الخليفة العباسي وورثه عباسي آخر لقب نفسه " بالمقتدي " وكان شاباً في التاسعة عشر من عمره ولم يكن الشاب الشريف النسب قديراً على الإدارة فتولاها عنه سلجوقي آخر يدعى " ملكشاه " وهو ابن ألب أرسلان الذي توفي بعد حياة عامرة بالجهاد وقد استبَّد " ملكشاه " بالسلطة – بعد وفاة نظام الملك الوزير الصالح – وازدرى الخليفة، وبلغ من احتقاره له أن أمره بترك بغداد، وتضّرع الخليفة إليه أن يمهله شهراً فأبى بعد إلحاح إلاَّ أن يمهله عشرة أيام وحسب، وشاء الله أن يموت " ملكشاه " قبل انقضاء الأجل المضروب وتكتمت زوجته نبأ موته، وذهبت إلى الخليفة المهَّدد طالبة أن يوليَّّ ابنه مكانه، وكان الولد لا يبلغ من العمر خمس سنين،
__________
(1) هموم داعية، محمد الغزالي ص 40.(2/298)
ولكنَّ الخليفة المقتدي ولاّه ومنحه لقب ناصر الدين والدنيا : أرأيت هذا الهزل كله؟ إنّها مساخر يحار المرء كيف تقع باسم الإسلام في عاصمة الإسلام !! ومتى يحدث هذا السخف في دفََّة الحكم ؟ يحدث وملوك أوروبا وبابا الفاتيكان ورجال الكنيسة يصرخون بضرورة الثأر من المسلمين والإجهاز على دين محمد صلى الله عليه وسلم، لكن هذه الصيحات لا يبلغ صداها رجال السياسة العليا في بلادنا، إنَّهم ينادون من مكان بعيد، إنَّهم غرقى في شهواتهم الشخصية، ومطامعهم العرقية، لقد فهموا من الإسلام شيئاً واحداً، وأنَّ الوحي الأعلى نزل ليخص أفراد أسرتهم بمكنة ممتازة، فبعد خمسة قرون أو أقل أو أكثر من شروق الإسلام يرى شاب مسكين من ولد العباس أنّه جدير بقيادة العالم الإسلامي أو يرى نظير له من بني أمية أنَّ المسلمين على شاطئ الأطلسي يجب أن يدينوا له بالطاعة ألم يكن أجداده الأمجاد عُمُداً في بطحاء مكّة قديماً ؟! ولو انتقل الإسلام إلى غرب الأطلسي واعتنقه سكان الأمر يكتين فينبغي أن يدخلوا في سلطانه، إن أي عباسي أو فاطمي عديم الكفاية يغنيه هذا الانتساب ليطلب أمراً لا يعرف له رأسا من ذنب، والغريب أن صاحب الرسالة قال لابنته فاطمة يا فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم اعملي لنفسك لا أغني عنك من الله شيئاً ثم جاء بعد ذلك من ينتسب إلى فاطمة بالحق أو الباطل ليتذرع بهذا النسب إلى قيادة المسلمين (1)!!
__________
(1) هموم داعية ص 41.(2/299)
الحق أن الأجهزة العليا للدولة الإسلامية لحقها عطب مبكرَّ من جراءِ هذه الدعاوي، وأن غلبة التافهين على مناصب الخلافة العباسية أو الفاطمية أصاب الأُمّة الإسلامية بجرح غائر، ما زال ينزف حتى أفقدها الحياة، ومكَّن منها الأعداء، ثّم كان سبباً في أن ناساً من أهل الطموح والقدرة رأوا العجز الفاضح لأبناء هذه الأسُر، فنحَّوهم عن السلطة، واحتازوها لأنفسهم ولما كان التطلع والإدَّعاء شائعين بين الناس، فقد تهارش على الحكم طامعون كثيرون، واصبح الاستيلاء على مقاليد الحكم مطلباً ميسوراً لكل من يملك سيف المعز وذهبه ويديه أن يستخفي في هذا الجو ذوو المروءة والشرف والعفاف والتقى، فماذا يصنعون ؟ وبأيَّ سلاح يقاتلون ؟ لنطِو هذا التعليق السريع، ولنعد أدراجنا إلى بلاد الشام قبيل الحملة الصليبية الأولى، عندما كان أولاد العباس، والدولة الفاطمية العبيدية، وأولاد أمية في الأندلس يتنافسون على مقاليد الحكم في العالم الإسلامي. وفي مقدمة جيَّدة كتبها الشيخ علي محمد يوسف، المدَّرس بكلية الشريعة بجامعة قطر، عن ابن الجوزي جاءت هذه العبارات في وصف المسلمين قبيل الهجوم الصليبي : بينما هم في غمرة انقسامهم عن أنفسهم إذ برز عدو يرفع شعار الصليب يريد القضاء عليهم واقتلاع الإسلام من جذوره.(2/300)
وقد قدمت أُولى الحملات الصليبية سنة 492ه وقال عنها ابن الجوزي : وردت الأخبار بأنَّ الإفرنج ملكوا أنطاكية ثّم جاؤوا معَّرة النعمان فحاصروها، وقتلوا ونهبوا وقيل : إنهم قتلوا ببيت المقدس سبعين ألف نفس وكانوا قد خرجوا في ألف ألف (1). ونقف عند عبارة ابن الجوزي، قيل : إنهم قتلوا سبعين ألفاً !! الأمر عنده، وعند سكّان بغداد، وفي مركز الخلافة الإسلامية لا يعد وأن يكون إشاعة، إنَّ دار الخلافة آخر من يعلم، وأنّى لها العلم ورجال الدولة في شغل بصيد المتع ونشدان الملّذات والتقاتل على السلطة كان الحكم مغنماً يستحق المخاطرة أبلغ أُولئك الخلفاء والسلاطين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثر صرف الخلافة عن ابنه ضناً عليه بمتاعها ومغارمها قائلاً : بحسب آل الخطاب أن يحاسب واحد منهم عن المسلمين، كانت الخلافة أيام الرجل الكبير عبئاً ومغرماً، ثم جاءت أيام الملك العضوض فأصبحت بقرة حلوباً فلما هجم الصليبيون على فلسطين كان التقطع في كيان الأمَّة الكبيرة قد بلغ مداه، ولولا أن مذبحة بيت المقدس طمَّت وعمّت واستحال حصر أنبائها لبقي النائمون نياماً ولم تلبث دولة الخلافة غير قليل حتى دفعت ثمن بلادتها حتى اجتاحها التتار، وجعلوها خبراً كان، ولم تغن عنها الألقاب الخادعة من مسترشد بالله، ومقتف لأمر الله، ومستنجد بالله، وناصر لدين الله. .. إلخ إن الظن لا يغني من الحق شيئاً فكيف بالكذب الصراح ؟ والمسلمون إذا لم يصدقوا الله فلا يلومون إلا
أنفسهم (2):
__________
(1) هموم داعية ص 42.
(2) هموم داعية ص 43.(2/301)
أثر الاستبداد على الدين والحياة : قد يقال : أين جهاد العلماء في مقاومة هذه الفوضى ؟ والجواب يقتضينا شيئاً من التفصيل، فإنَّ أصحاب العقول الكبيرة والهمم البعيدة حاربهم الاستبداد السياسي وفضَّ مجامعهم، فضاقت الدائرة التي يعملون فيها، وتضاءل الأثر الذي يُرتقب منهم والمرء لا يسعه إلاَّ الحزن لمصائر قادة الفكر الديني الذين قتلوا أو أهينوا وحيل بينهم وبين نفع الجماهير، مع غياب هؤلاء انفسح المجال لعارضي الأحاديث الذين يخبطون في السنة الشريفة خبط عشواء ولفقهاء الفروع الذين خدعوا العوام بسلعهم وأوهموهم أنهم يشرحون لباب الدين وشعب الإيمان الكبرى، وهم في الحقيقة يذكرون تفاصيل ثانوية يكثر فيها الأخذ والرد ولا تمس جوهر العقيدة أو الشريعة. إن الأحاديث الشريفة – بعد تمحيص سندها – تحتاج إلى الفقيه الذي يضعها موضعها في الإطار العام للإسلام الحنيف (1).
معارك في فقه الفروع : أما فقهاء الفروع فقد زادو الطين بلَّة وزحموا أوقات الناس بصور من الأحكام تكتنفها التهاويل المزعجة، مع أنها لا تستحق هذا الجهد ولا هذا الوقت ثم أعلنوا حرباً غير شريفة على من يخالفهم في تلك الأحكام الجزئية روى ابن الجوزي عن الشيخ ابن عقيل، قال : رأيت الناس لا يعصمهم من الظلم إلا العجز !! لا أقول : العوام، بل العلماء. كانت أيدي بعض الحنابلة مبسوطة في أيام ابن يوسف – الحاكم السابق – فكانوا يتسلطون بالبغي على أصحاب الشافعي في الفروع – التي يخالفونهم فيها – حتى لا يمكنَّوهم من الجهر بالقنوت، وهي مسألة اجتهادية – يعنى لا حرج في الاختلاف فيها – فلما جاءت أيام النظام ومات ابن يوسف، وزالت شوكة الحنابلة استطال عليهم أصحاب الشافعي استطالة السلاطين الظَّلمة فاستعدوا علهيم وآذوا عامتهم بالسعايات، والفقهاء بالنبذ والاتهام بالتجسيم.
__________
(1) المصدر نفسه ص 44.(2/302)
قال ابن عقيل : فتدبرت أمر الفريقين فإذا هم لم تعمل فيهم آداب العلم، وهل هذه إلا أفعال العسكر ؟ يصولون في دولتهم ويلزمون المساجد في بطالتهم (1).
وذكر ابن الجوزي عن أبي نصر القشيري – الواعظ بالنظامية – أنه كان يذم الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم، فرموه بالحجارة حتى وصلت إلى حاجب الباب، وتقاتل القوم مرة بسببه حتى وقع بينهم قتلى وجرحى وحرق ونهب إلى أن أرسل الخليفة من أخمد الفتنة يحدث هذا التمزق في الأمة الإسلامية والعالم الصليبي يحترق شوقاً إلى ضرب الإسلام في عقر داره ومحو أعيانه وأثاره وعلام الخلف
والتظالم ؟ على قضايا تركها كفعلها، أو فعلها كتركها لا يخدش إيمانا ولا يجرح المروءة وهل في قنوت الفجر إن فعلناه أو تركناه ما يضير ؟
__________
(1) المصدر نفسه ص 45.(2/303)
إن الُعرْي عن الأخلاق، وإبطان الكره للآخرين، والعجب بالنفس هو الجريمة التي أرتكبها نفر من فقهاء الفروع، غرّتهم بضاعتهم فقّدموها للناس مقرونة بالغلو، ولم يبالوا بما تتركه من فرقة، وفساد المتدينين من أهل الكتاب صدر عن هذا المنبع زوّقوا الشعارات وخرّبوا القلوب فقال الله فيهم : " وما اختلف فيه إلا الذين أُوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم " ( البقرة ، آية : 213). وكانت عقبى الشقاق وعوج الصفوف واضطراب الحكم وحب الرياسة أن اقتحم الصليبيون والتتار حدود الأمَّة المختلفة وفعلوا بها الأفاعيل (1)، ما أشبه الليلة بالبارحة لأني (2) أرى العلل القديمة تتجمع، ونذر العاصفة المدمَّرة يبدو في الأفق البعيد، بل إنَّ الأعداء شرعوا في الهجوم، والأرض الإسلامية تُنتقص من أطرافها، والخطط توضع لضرب القلب بعد قص الأجنحة !! نجح الصليبيون في تنصير أربعة أخماس الفلبين ثم اتجهَّوا إلى جزر أندونيسيا يحملون الخطة ذاتها، وقد محو المعالم الإسلامية من " سنغافورة " وهم الآن يبعثرون طلائعهم في شرق وجنوب آسيا، والكاثوليكية تسعي وترى ضرورة إزالة الإسلام من إفريقية وبابا الفاتيكان يتنقل بين أقطار شتى ليطمئن إلى نجاح الخطَّة المرسومة ويزيدها ضراوة !! كيف لا يقشعر جلد المؤمن وهو يطالع هذه الأنباء ؟ كيف يطيب له منام أو طعام (3) ؟ وموازيا للغزو الصليبي التنصيري الجديد، التغلغل الباطني في إفريقيا وآسيا والجاليات المسلمة في أوروبا وكندا وأمريكا وتواصلهم مع الأقليات في البلدان الإسلامية، فالمشاريع الغربية الصليبية والباطنية المفسدة تنخر في هذه الأمة العظيمة، والمسلمون في العالم أجمع ينتظرون من علمائهم ومفكريهم بلورة مشروع إسلامي عقائدي سياسي على أصول الإسلام الصحيح للوقوف أمام هذين الخطرين العظيمين.
__________
(1) هموم داعية ص 46.
(2) المصدر نفسه ص 46.
(3) المصدر نفسه ص 47.(2/304)
وها هي الأمَّة الإسلامية أحسسَّت الخطر المحدق وهبّت لتحيا، وعلائم الصحو تنتشر بسرعة مع اقتراب الفزع واكفهرار الجو وإني لمؤمَّل الخير من وراء هذا الصحو الشامل، بيد أني أحُذر من الأمراض القديمة، من فساد السياسة بالفرقة، وفساد الثقافة بالجهل والهوى ومن الناحية العلمية يجب أن نتعاون في المتفق عليه، ونتسامح في المختلف فيه، ونتساند صفاً واحداً في مواجهة الهجمة الجديدة على ديننا وأرضنا حتى نردها على أعقابها وعلى أهل المسؤولية الإسراع في جمع القوى، وسد الثغرات وحشد كل شيء لاستنقاذ الإسراع في جمع القوى، وسد الثغرات وحشد كل شيء لاستنقاذ وجودنا المهَّدد، إنّ أي امرئ يشغل المسلمين بغير ذلك إمَّا منافق يمالئ العدو ويعينه على هزيمتنا، وإمَّا أحمق يمثل دور الصديق الجاهل، ويخذل أمُتَّه من حيث لا يدري وكلا الشخصين ينبغي الحذر منه وتنبيه الأمَّة إلى شَّره (1).
__________
(1) هموم داعية ص 47.(2/305)
ولا بد من الالتزام بعوامل النهوض والأخذ بأسباب النصر والتي منها، صفاء العقيدة، ووضوح المنهج، وتحكيم شرع الله في الدولة ووجود القيادة الريانية التي تنظر بنور الله، وقدرتها في التعامل مع سنن الله في تربية الأمم، وبناء الدول وسقوطها، ومعرفة علل المجتمعات، وأطوار الأمم، وأسرار التاريخ، ومخططات الأعداء من الصليبيين والملاحدة والفرق الباطنية، والمبتدعة وإعطاء كل عامل حقه الطبيعي في التعامل معه، فقضايا فقه النهوض والمشاريع النهضوية البعيدة المدى متداخلة متشابكة لا يستطيع استعابها إلا من فهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وارتبط بالفقه الراشدي المحفوظ عن سلفنا العظيم فعلم معالمه وخصائصه وأسباب وجوده وعوامل زواله، واستفاد من التاريخ الإسلامي وتجارب النهوض، فأيقن بأن هذه الأمة ما فقدت الصدارة قط وهي وفيه لربها ونبيها صلى الله عليه وسلم وعلم بأن الهزائم العسكرية عرض يزول، أما الهزائم الثقافية فجرح مميت والثقافة الصحيحة تبني الإنسان المسلم، والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، والدولة المسلمة، على قواعدها المتينة من كتاب الله وسنة رسوله، وهدى الخلفاء الراشدين ومن سار على نهجهم، وعبقرية البناء الحضاري الصحيح هي التي أبقت صرح الإسلام إلى يومنا هذا بعد توفيق الله وحفظه.(2/306)
دروس بالغة وعبر مفيدة : لماذا الحديث عن مآسينا في التاريخ وعن هذه الذكريات الفظيعة الآن ؟ لأنّ التاريخ يعيد نفسه، والهجوم على الأرض الإسلامية يتجدَّد في هذا العصر، فالمطلوب منّا طال الزمان أو قصر أن نرتد عن ديننا وأن نتنازل عن بلادنا وأحوال المسلمين صورة قريبة الملامح من صورتهم قبل الهجوم الصليبي الأوّل، والفجوات الواقعة بين شتَّى الحكومات هي، وكذلك البعد عن تعاليم الدين، وإتخاذ القرآن مهجوراً ونسيان محمد وسيرته وسنته والسؤال الذي يبحث عن إجابة ماذا كان موقف الفقهاء من الحكام الذين جلبوا هذه الهزائم وأحلُّوا قومهم ؟ لا أعنى محاكمة ناس ماتوا، وانتقلوا إلى دار أخرى يلقون فيها جزاءهم، إنما أعني : كيف بلي المسلمون بأولئك الرؤساء ؟ كيف وصلوا إلى مناصبهم ؟ هل ناقش الفقهاء الطرق التي وصلوا بها إلى الحكم ؟ هل كانت هناك أجهزة تشير عليهم وتضبط أعمالهم ؟ وإذا فقدت الدولة هذه الأجهزة فهل اقترح وجودها وضمن بقاؤها ؟ هناك حكَّام ارتدوا بتعاونهم مع الصليبيين، فهل أعلن ارتدادهم ؟ وكيف تمر خيانة عظمى بهذه السهولة ؟ وهناك حكَّام، أضعفوا الجبهة الداخلية بمظالمهم ومآثمهم فكيف تركوا يمهدون لسقوط البلاد بين أيدي أعدائها ؟ إن المسلمين الذين جاء في وصفهم أنّهم جسد واحد، صعقهم شلل رهيب، فكان كل عضو يقطع ويمزق وبقية الجسد لا يدري أولا يحس، كيف حدث هذا ؟ ومن المسؤول ؟ ترى ماذا يشغل فقهاؤنا ومفكرينا إذا كانت حياة الدين كله في مهب العواصف ؟ ما هي القضايا الأهم التي تشد انتباههم ويبدؤون فيها ويعيدون ؟ وإذا كان المسلمون حملة دعوة عالميَّة، فهل درسوا العالم حولهم وعرفوا ما يسوده من ملل ونحل ؟ وهل عرفوا العدو والصَّديق ؟ وإذا قيل لهم – في كتابهم عن المتربصين بهم : " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا " (البقرة : 217). فهل فتحوا عيونهم على مكامن الخطر واتَّخذوا أسباب الحيطة ؟ كيف بوغتوا(2/307)
بالهجوم الصليبي ؟ وبعدما بوغتوا به، كيف تقاعسوا عن ردَّه ؟ ماهي الملذات وأنواع الترف التي فتنتهم عن دينهم ؟ وهل جفَّت منابعها أم بقيت تجعل الحكم مغنما لا مغرماً ؟ وتجعل المناصب العليا مصيدة للحرام لا خدمة للصالح العام، إن فساد نفر من الحكام جرّ على ديننا وأمتنا بلايا عظيمة، إن الخونة الذين مهدوا لسقوط أنطاكية والقدس وغيرهما نسلوا في عصرنا هذا من يمهد لضياع عواصم الإسلام كلها(1) والسكوت لا يجوز في القارات الخمس تعطي الشعوب الحق في أن تستبقي الحاكم الذي تحب، وتستبعد الحاكم الذي نكره، فما الذي يجعل الأمَّة الإسلامية تشد عن هذه القاعدة في أغلب أقطارها وأرتقت أجهزة الشورى ارتقاءً عظيماً، وتطورت محاسبة الحكام تطوراً جذريا، فكيف تبغى لحاكم في بلادنا عصمة ؟ وكيف يبقى فوق المساءلة ؟ وظفر الفرد في أرجاء الدنيا بضمانات لصون دمه وماله وعرضه، ومثوله أمام قضاء عادل حصين إذا بدر منه خطأ، فلماذا يحرم الفرد عندنا مما توفر لغيره من خلق الله ؟ وعجبت (2) لمتحَّدثين في الإسلام يسكتون عن هذه القضايا ويستمرئون الثرثرة في قضايا أخرى لا تمس الحاضر ولا المستقبل وإنما تشغل الفراغ وتقتل الوقت وحسب وكل شيء بأذهانهم إلا قضايا الحرية الفكرية والسياسية وحقوق الأفراد والشعوب مع أن هناك من الحاكمين من يرفض علانية الولاء للإسلام، ومن يطوَّح بنصف أصوله العلمية في التراب، ومن يأبى باستهانة تنفيذ شرائعه، ومن يفخر بتحلله من روابط العقيدة، ومن لا يرى بأساً بتحليل الحرام وتحريم الحلال، ومن لا يبالي بقتل الألوف المؤلفة من الناس توطيداً لسلطاته !! كيف يصح الرضا عن هؤلاء ؟ ونريد – والإسلام يتعّرض لمحنة كبرى – أن نحدد المواقف .. إن أعداءنا لم يكتموا من نيَّاتهم شيئاً لأنهمَّ لم يروا أمامهم ما يبعث الكتمان أو الحذر. اليهود يقولون : لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون
__________
(1) هموم داعية ص 54.
(2) المصدر نفسه ص 54.(2/308)
الهيكل. والمعنى واضح يقولون : خلقت إسرائيل لتبقى .. بل يهددون بنسف هيئة الأمم، إذا أتّخذت قراراً فصل إسرائيل !! هل بقي غموض حول أوضاعنا بعد تصريحات الفريقين ؟
إن المعركة في حقيقتها – ليست حشد بضعة ملايين من اليهود في فلسطين لسبب أو لآخر .. إن المعركة حول الوجود الإسلامي كله وتساؤل القوم هو : لماذا يبقى الإسلام أكثر مما بقي ؟ واليهود والنصارى معاً يؤمنون بالعهد القديم، ويرون أن إسرائيل حقيقة دينية لا تقاوم، ولا يجوز تركها، فإذا تحَّدد موقف أعداء الإسلام على ما رسموا هم فما هو موقفنا ؟ أنستسلم للفناء، وندع ديننا ورسالتنا للجزارين الجدد أم ماذا (1) ؟
معالم المنهج للصحوة الإسلامية : إن العالم الإسلامي لا يبيع دينه، ويؤثر أن يهلك دونه، ولا يغض من موقفه نفر شذاذ من الخونة والجبناء، فقدوا الدين والشرف، ونشدوا العيش على أي حاجة، وبأي ثمن !! ولكن نحسن الوقوف أمام عدو الله وعدوَّنا يجب أن تتوفر لجبهتنا الآتية :
يعود الولاء للإسلام : ويستعلن الانتماء إليه، وفي حرب تعلن علينا باسم الدين لا مجال لإطفائها بالتنكر لديننا (2) ولا بد أن يكون المنهج الذي كان عليه رسول الله وأصحابه وخلفاؤه الراشدون واضحاً لا لبس فيه حتى نخرج من أوحال البدع ومستنقعات الخرافة والأوهام التي تبث في الأمة باسم الإسلام الحبيب العزيز.
إننا نرى الآن في صراع المسلمين مع خصوم الإسلام في بعض دياره يغيب الإسلام، ويضخم البعد الوطني القطري على حسب الدين والعقيدة، وربما يتبين هذا الطرح بعض المحسوبين على طلاب العالم أو علمائه، وهذا هو الانتحار، وطريق الدمار بل هو قّرة عين الأعداء سواء من الداخل أو الخارج.
__________
(1) هموم داعية ص 55.
(2) المصدر نفسه ص 56.(2/309)
الولاء الشكلي للإسلام مخادعة محقورة ويجب أن تعود الروح لعقائدنا وشعائرنا وشرائعنا، والمسلم الذي يستحي من طرح عقيدته ومنهجة وتاريخه بينما يستعلن الباطنيون الجدد ببدعهم وخرافاتهم ولا يستحي اليهودي من عقيدته وشعائره في أرقى العواصم، فهذه هزيمة تحتاج لعلاج عظيم وإلا إذا استمر هذا الحال ببعض المسلمين فيكون نصر الله بعيداً عنهم حتى يأتي من يستعلي بعقيدته ودينه وأخلاق الإسلام وفرائضه وسننه، .. إلخ فسيتحقق نصر الله.
يُقصى من ميدان التدين العلماء الذين يحرقون البخور بين أيدي الساسة المنحرفين، ويزينون لهم مجونهم ونكوصهم، والعلماء الذين يشغلون الناس بقضايا نظرية عَفى عليها الزمن، أو خلافات فرعية لا يجوز أن تصدع الشمل أو تمزق الأهل، والعلماء الذين يظلمون الإسلام بسوء الفهم، ويرونه في سياسة الحكم والمال ظهيراً للاستبداد والاستغلال وإضاعة الشعوب إن المسلمين في المشارق والمغارب مهيؤون ليقظة عامة تحمي كيانهم وتستبقي إسلامهم، وهم كارهون أشَّد الكره لأن تكون الأحوال المعاصرة صورة طبق الأصل لما كان عليه المسلمون قبل الهجوم الصليبي في العصور الوسطى (1).
إن سنن الله تعالى تقتص من المستضعفين المفَّرطين، كما تقتص من المجرمين المعتدين، إن من عوامل الهدم وإبر التنويم تعمل في هذه الأمة المثخنة من الداخل والخارج حتى يتم الإجهاز الكامل عليها، وقد استطاع الاستعمار الثقافي والفكر الباطني خلق جيل مهزوز الإيمان والفقه، ضعيف الثقة بربه، ومنهجه ودينه وأمته ونفسه، فهو يعطي الدنية في دينه غير مبالي بعواقب الأمور، إننا بحاجة إلى يقظة عامة تتناول أوضاعنا كلها حتى نحسن الدفاع عن وجودنا ورسالتنا في عالم لا تسمع فيه إلا أصوات الجبارين من أصحاب المشاريع الشيطانية أو ومن ثم نتمكن من الهجوم على أعدائنا في الداخل والخارج في عقائدهم، وأفكارهم وثقافتهم وهو يتهم.
__________
(1) هموم داعية ص 56.(2/310)
الثاني عشر : استراتيجية الحملة الصليبية بعد الاحتلال :
يهمنا هنا أن نشير إلى أن القوى الفرنجية المحتلة والتي قُدر وخُطط لها أن تعيش في بيئة غريبة كان لابد لها من اتباع مجموعة من الاستراتيجيات القابلة للتطوير تهدف في مجملها إلى الإبقاء على صبغة الاحتلال لأمد طويل ومن هذه الاستراتيجيات.
المحافظة بقدر الإمكان وبمختلف الوسائل على أهم سبب من أسباب نجاحها ألا وهو العمل على إبقاء المحيط الإسلامي مشتتاً بقدر الإمكان، لأن ذلك يلغي إمكانية مواجهتها بقوة واحدة مقتدرة، وفي سبيل ذلك عملت بدءاً وباستمرار على احتلال مناطق ذات أهمية استراتيجية تخدم غرض عزل مناطق القوة الإسلامية عن إمكانية التلاقي والتوحد، وكان سبيلها في ذلك احتلال الُرها لتمنع أو تعيق الاتصال بين العراق وبلاد الشام، كما هو الحال لا حقاً بالسيطرة على مناطق جنوبي بلاد الشام الكرك والشوبك بهدف إعاقة أو تعطيل الاتصال ما بين مصر وبلاد الشام، هذا على صعيد الجغرافيا الطبيعية أما على صعيد الجغرافيا البشرية، فقد حرصت القوى الصليبية على إدامة الصراع العرقي والمذهبي بين أطراف المحيط الإسلامي وقد اتبعت في ذلك وسائل ترغيب وترهيب، وسياسة تحالف مع قوى ضد أخرى، وقد ساعدها في ذلك إلى حدود معينة العداء ما بين طرفي الصراع الإسلامي الشيعة والسنة، كما ساعدها وجود أقلية مسيحية أمكن لها استغلال بعض قواها للتحالف معها، والتآمر على محيطها العربي.
ركزت القوى الصليبية في احتلالها على مناطق تؤمن لها الاتصال بمركز إنطلاقها في الغرب الأوروبي، ولذلك ركزت على احتلال سواحل بلاد الشام ضماناً لذلك، وابتعدت قدر الإمكان عن السيطرة على المناطق الداخلية خشية فقدانها لهذه الميزة، وحتى لا تكون محصورة بين قوى إسلامية على افتراض الخوف من توحيد هذه القوى لاحقاً بما يلحق بها ضرراً يؤدي إلى زوالها.(2/311)
عملت القوى الصليبية على إيجاد تحالفات مع قوى يمكن أن تمدها بالمساعدة في مراحل مختلفة، إما لعداء هذه القوى للمحيط الإسلامي، رغبة في تحقيق امتيازات اقتصادية، وفي هذا الصدد يمكن ملاحظة تحالفها بدءاً مع بيزنطة ثم مع المدن الإيطالية أو بعضها، وأخيراً إمكانية التحالف مع القوى المغولية (1) التي كانت فيما بعد أخطر قوة تهدد كيانات المنطقة الإسلامية.
حرصت القوى الصليبية منُذ بداية تأسيس كياناتها في الشرق الإسلامي على معالجة المشكلة السكانية التي عانت منها نقصاً مقابل الكثافة الإسلامية، وقد تعاملت القوى الصليبية مع هذه المشكلة على صُعد مختلفة وبوسائل متعددة كانت قابلة للتطوير بحسب مقتضيات الأحوال وتطوراتها، ومن ذلك أنها اتبعت سياسة التقتيل والتهجير للمسلمين من مناطق احتلالها، ثم عدلت ذلك في فترات لاحقة ضمن إطار إبقاء العناصر السكانية إذا كان ذلك يخدم مصالحها، كما عملت في نفس السياق على استقطاب مهاجرين إلى مناطق السيطرة الصليبية سواء أكان ذلك من الغرب الأوروبي أو من مناطق أرمينيا أو من نصارى المنطقة الإسلامية، كما أنها لجأت إلى عسكرة المجتمع الصليبي ليكون المجتمع بكافة فئاته وطبقاته قادراً على أداء الخدمة العسكرية لعلاج مشكلة النقص السكاني، ولا أدل على ذلك من أن الجماعات الدينية في المجتمع الصليبي كانت في مراحل من التواجد الصليبي أكثر الفئات تطرفاً في المجال العسكري مثل جماعات الداوية، والاسبتاريه(2).
__________
(1) دراسات في تاريخ الأيوبيين والمماليك ص 27.
(2) دراسات في تاريخ الأيوبيين والمماليك ص 28.(2/312)
ركزت القوى الصليبية على بناء تحصينات عسكرية بخبراتها الذاتية أو تقليداً للخبرات التي وجدتها في المنطقة الإسلامية، وروعي في هذه التحصينات أن تكون أشبه بمحطات إنذار مبكر تكون قادرة على رصد التحركات الإسلامية، ولذا روعي في اختيار مواقعها في أن تكون في مقابلة التجمعات الإسلامية الهامة أو على مناطق تهدد مصالح إسلامية كتلك التي أقيمت على مقربة من الطرق التجارية.
اعتمدت القوى الصليبية وبناء على تجارب حروبها مع الطرف الإسلامي أسلوب الحرب السريعة الخاطفة، هذه الحرب التي لا تحتاج إلى قوات كبيرة وبنفس القدر يُخطط لها أن تختار أهدافاً منتقاة ضمن معايير زمنية نضج المحاصيل مما لا يكلفها قوة عسكرية كبيرة ولكنها بنفس الوقت تكون قادرة وفق هذا الأسلوب على إلحاق أذى كبير بالطرف الإسلامي.
لجأت القوى الصليبية إلى سياسة عقد الهدن وتقديم بعض التنازلات لبعض الأطراف الإسلامية في سبيل التفرغ لقوى إسلامية أخرى وكانت هذه الإستراتيجية ناجحة في فترة التفكك الإسلامي بل وقادها ذلك إلى حد التدخل إلى جانب طرف ضد آخر إما بعرض صليبي على هذا الطرف أو باستدعاء وطلب من بعض الأطراف الإسلامية.
عملت القوى الصليبية وبمختلف الوسائل على إبقاء روح الحروب الصليبية قوية في الغرب الأوروبي لضمان استمرار الحملات الصليبية واستمرار تقديم المساعدات للكيانات الصليبية في الشرق.
ركزت القوى الصليبية مع مرور الزمن على تبني استراتيجية مفادها، أن ضمان وجودها في بلاد الشام يقتضي السيطرة على مصر أو إخراجها من ساحة الصراع بأي شكل من الأشكال وعلى ذلك نجد أن الحملات الصليبية اللاحقة كان جزءاً منها موجهاً بدرجة رئيسة إلى مصر والمتتبع لتاريخ الحركة الصليبية يدرك أن الصليبين حققوا بعض النجاحات في هذا الصدد مستغلين حالات عداء كانت تثور بين حكام مصر وبعض مناطق بلاد الشام.(2/313)
لجأت بعض الأطراف الصليبية إلى القيام بحملات عسكرية تهدف إلى ضرب المعنويات الإسلامية وتهديد المسلمين في مقدساتهم كما حصل حين غامرت بعض هذه القوى مثل أمير الكرك والشوبك بالتعدي على الأماكن المقدسة في الحجاز، كما لجأت إلى ضرب بعض المقومات الاقتصادية والدينية مثل تهديد طرق التجارة وقوافل الحج وقامت بهذا الدور في مراحل معينة إمارة الكرك والشوبك الصليبية التي كانت تتبع لمملكة بيت المقدس الصليبية.
لم تغفل الإمارات الصليبية والبابوية الداعمة لها وبعض رجال الدين والمفكرين أن يطوروا استراتيجية جاءت نتيجة لفشل الاستراتيجيات العسكرية، هذه الإستراتيجية التي تدعو إلى محاولة السيطرة بطرق بعيدة عن الأسلوب العسكري وإنما عن طريق التنصير والدعوة لزيادة عمليات التبشير بالدين المسيحي بين المسلمين، ونحن هنا لا نناقش إمكانية نجاح وفشل هذه الاستراتيجية بقدر ما يهمنا الإشارة إلى أن ذلك كان إحدى البدائل التي سعى الفرنجة لاستخدامها لتحقيق أغراضهم.
صورت القوى الصليبية نفسها على أنها المدافعة عن المسيحية في بلاد الشرق بغض النظر عن اختلافاتهم المذهبية، حيث صُورت الحركة الصليبية على أنها جاءت لنجدة بيزنطة ضد الخطر الإسلامي السلجوقي، كما صورت زحفها على أراضي المنطقة الإسلامية بأنه يهدف إلى تحرير المسيحيين الشرقيين من نير السيطرة الإسلامية وضمنت من وراء ذلك مساعدات من الطوائف الأرمنية والسريانية في بدايات سيطرتها على المناطق الإسلامية، ولكن هذه الاستراتيجية المرحلية بدأت تتلاشى مع مرور الزمن (1).
__________
(1) دراسات في تاريخ الأيوبيين والمماليك ص 31.(2/314)
إن هذه الاستراتيجيات وإن كانت عامة تخص جميع الصليبيين، إلا أن ذلك لم يمنع من استخدام استراتيجيات مرحلية وخاصة بكل إمارة حسب ظروفها مما يعني أن بعض هذه الإمارات ربما اتخذ وتبني سياسة تخالف هذه المبادئ العامة ومن استعراض هذه الاستراتيجيات يبدو لنا أن القوة الإسلامية يقاس نجاحها في مقاومة هذا الخطر الصليبي بمدى تبنيها استراتيجيات واتباعها وسائل تحد من خطر هذه الاستراتيجيات الصليبية، إما عن طريق تبني استراتيجيات مضادة أو منع الطرف الصليبي من تطبيق استراتيجياته على أرض الواقع وهذا يمكن أن نلمحه من خلال تطورات ردود الفعل الإسلامية على التحدي الصليبي بدءاً من عهد عماد الدين ونور الدين زنكي وصولاً إلى مرحلة صلاح الدين الأيوبي واستكمالاً لما تم في عهد الدولة المملوكية، على ان لا يُفهم من ذلك أن هذا التطور في رد الفعل الإسلامي في العهود الزنكية والأيوبية والمملوكية كان دائماً في الإطار الإيجابي بل إن ما حصل أحياناً هو أن الطرف الإسلامي أو بعض قواه أو أفراده ساعد في نجاح الاستراتيجيات الصليبية (1)وهذا ما سيأتي بيانه في دراساتنا بإذن الله تعالى عن الزنكيين والأيوبين والمماليك.
المحبث الخامس : حركة المقاومة الإسلامية في العهد السلجوقي ما بين الغزو الصليبي وظهور عماد الدين زنكي :
أولاً : الفقهاء والقضاة واستجابتهم لمقاومة الغزو الصليبي :
أيقظت صدمة سقوط القدس غفوة العديد من الفقهاء والقضاة وأدركوا حقيقة ذلك الغزو بعد أن هدد وجودهم ومكانتهم في مدن تلك البلاد فضلاً عن الأرض والعقيدة الإسلامية ولذلك بادر فقهاء وقضاة الشام من دمشق وحلب وطرابلس للاستنجاد بالسلطة المركزية ببغداد، والامارات المحلية باعتبارها تملك القوة العسكرية القادرة على مواجهة ذلك الغزو(2) .
__________
(1) دراسات في تاريخ الأيوبين والمماليك ص 31.
(2) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي ص 68.(2/315)
1- استنجاد فقهاء وقضاة دمشق بخلافة بغداد : لم تكن دمشق في البداية هدفاً لذلك الغزو، ولكن فقهاءها وقضاتها أدركوا خطورته على مدينتهم التي كانت لا تختلف عن القدس، فهي ملتقى لطلاب العلم والفقهاء والقضاة من أقاليم الخلافة الإسلامية كافة، وخاصة عندما عرفوا ما حل برفاقهم هناك، ولذلك اتفقوا على إرسال وفد من قبلهم (عام 492ه/1098م) برئاسة قاضي دمشق زين الإسلام محمد بن نصر أبو سعد الهروي ت 519ه إلى مركز الخلافة الشرعية وبغداد، ومدن كبيرة في بلاد العجم، وشرفت له الحال؛ وعظمت رتبته وعلاجته كما يقول السبكي. ولذلك كان اختياره إشارة واضحة لضخامة المخاوف والآمال التي كانت تجول بأذهان فقهاء الشام وقضاتها(1) ، وقد استقبله الخليفة العباسي المستظهر بالله (486 – 512ه)(1091 – 1118م) مع جماعته وأورد في الديوان كلاماً في حال المسلمين في القدس والشام، والتهديدات الصليبية لوجودهم، ولكن دون جدوى، ولذلك فكر القاضي الهروي في خطة ذكية لإثارة السكان في بغداد كوسيلة للضغط على الخليفة حتى يرغمه في التفكير جدياً بطلبهم ودعوتهم عن طريق استخدام الجوامع في بغداد مركز الرأي العام الإسلامي هناك وهذه هي المرحلة الثانية (2)من مهمتهم وقال ابن الأثير في ذلك : وورد المستنفرون من الشام في رمضان إلى بغداد، صحبة القاضي أبي سعد الهروي – فأوردوا في الديوان كلاماً أبكى العيون وأوجع القلوب، وقاموا بالجامع يوم الجمع، فاستغاثوا، وبكوا وأبكوا، وذكروا ماداهم المسلمين بذلك الشريف المعظم من قتل الرجال وسبي الحريم والأولاد، ونهب الأموال، فلشدة ما أصابهم أفطروا فأمر الخليفة أن يسير القاضي أبو محمد الدامغاني، وأبو بكر الشاشي وأبو القاسم الزنجاني، وأبو الوفاء بن عقيل، وأبو سعد الحلواني (3) إلى السلطان السلجوقي
__________
(1) المصدر نفسه ص 68، المنتظم (9/195 – 224).
(2) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي 68.
(3) الكامل في التاريخ (8/408).(2/316)
بركياروق في أصفهان مقر السلطة السياسية والعسكرية الفعلية لمساعدة فقهاء دمشق في طلبهم، ولكي يتخلص من عبئهم، ويحمله مسؤولية تلك المهمة حتى أن اختياره لأولئك الفقهاء كان ذكياً هو الآخر، لأن البعض منهم تشير ألقابهم إلى أن أصولهم من مناطق فارس وبلاد ما وراء النهر – دامغان – مفارقين – زنجان وأنهم لربما بإمكانهم التأثير في سلاجقة فارس، لإمدادهم بالقوة العسكرية، فالدامغاني ولي قضاء نيسابور، والشاشي ولد بميافارقين ودامغان لم تبعد كثيراً من أصفهان ولكن هدف الوفد كان بعيداً عن التحقيق، وعند وصول ذلك الوفد إلى مدينة حلوان علم بمقتل الوزير السلجوقي مجد الملك البلاساني، واختلاف سلاطين السلاجقة ببلاد فارس حول حكم المنطقة وبذلك عاد الوفد من بغداد دون أن يكمل نجاحاً (1)، وعاد القاضي ورفقته بغير نجدة ولا قوة إلا بالله (2)، ودافعت دمشق عن نفسها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً كما سيأتي بيانه بإذن الله وفي عام 513ه/ 1120م عندما حاصر الصليبيون دمشق أرسل أميرها وفداً آخر للخلافة العباسية في بغداد يطلب لطلب نجدتها مرة أخرى. وترأس هذا الوفد القاضي عبد الوهاب بن عبد الواحد الشيرازي الدمشقي الذي كان آنذاك شيخ الحنابلة بالشام إلى الخليفة المسترشد بالله (512-529ه) وذلك لمكانة العائلة الشيرازية بدمشق آنذاك لكونها تحتل زعامة الفقه الحنبلي في تلك المدينة، وتدير العديد من المؤسسات الدينينة في القضاء والوعظ والتدريس، وإمامة الجوامع وعلى الرغم من أن القاضي الشيرازي قد تمكن من مقابلة الخليفة العباسي في بغداد الذي خلع عليه ووعده بالإنجاد إلا أن مهمته لم تؤت بالشيء الجديد كما هي الحال بالنسبة لمهمة زميله الهروي، ويبدو أن الخلافة العباسية كانت عاجزة لا تملك شيئاً غير الوعود بالمساعدة ولعل
__________
(1) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي ص 70.
(2) ذيل تاريخ دمشق ص 233 ، 234 ، موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي ص 70.(2/317)
القاضي الشيرازي أدرك هو الآخر عجز السلطة السياسية والشرعية في بغداد ولجأ للاعتماد على النفس والعودة إلى دمشق وتعبئة سكانها للدفاع عنها، حيث كان له مجلس يعظ فيه للجهاد، ويلقى تأييداً من حكام المدينة حتى وفاته عام 536ه (1).
2- القاضي الأمير : فخر الملك بن عمار والاستنجاد بالإمارات المحلية وخلافة بغداد : في بداية الغزو الصليبي لبلاد الشام هادن فخر الملك الغزاة وأمدهم بالمال والمرشدين ليبعدهم عنه لكن ما أن تحقق هدفهم في أخذ بيت المقدس حتى تفرغوا له وحاصروا طرابلس وتوجه ابن عمار في طلب النجدة من الامارات المحلية في مدن الشام والجزيرة ، واستطاع أن يقاوم الحصار، وراسل السلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه شارحاً له حالة طرابلس وأحوال بلاد الشام أمام مخاطر
__________
(1) الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (2/89 – 199).(2/318)
ذلك الغزو(1) : وتتابعت المكاتبات إلى السلطان محمد بن ملكشاه من فخر الملك بن عمار، صاحب طرابلس بعظيم ما أرتكبه الإفرنج من الفساد في البلاد، وتملك المعاقل والحصون بالشام والساحل والفتك في المسلمين، ومضايقة طرابلس، والاستغاثة إليه والاستصراخ والحصن على تدارك الناس بالمعونة ، ولم يكن من أمر ذلك السلطان إلا أن يبادر بالكتابة إلى أميريه في الحلة حيث الأمير سيف بن صدقة، وجكرمش أمير الموصل وحثهما على نجدة ابن عمار وتقويته بالمال والرجال على الجهاد، وأنه سيمنحهما منطقتي الرحبة وما على الفرات إن هما ساعداه (2)، وأرسل السلطان محمد حملة بقيادة " جاولي سقاوة " بحجة أنها متجهة لنجدة ابن عمار في طرابلس، فاستولى على الموصل بدلاً من نجدة طرابلس، التي لم يتوجه إليها إطلاقاً (3) وأدرك القاضي ابن عمار عجز القوى الإسلامية المحلية كلها عن نجدته، وقرر التوجه بنفسه إلى بغداد مقر الخلافة العباسية ووصل الأمير محملاً بالهدايا والتحف الثمينة(4)، ورغم الحفاوة التي استقبل بها في بغداد إلا أن رحلته لم تحقق نجاحاً في الأهداف التي سعى من أجلها، كما هو الحال لمدينة دمشق وقضاتها الهروى
والشيرازي (5).
__________
(1) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي .
(2) موقف فقهاء دمشق ص 76.
(3) المصدر نفسه ص 76.
(4) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصّليبي ص 77.
(5) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصّليبي ص 77.(2/319)
3- استنجاد فقهاء وقضاة حلب بخلافة بغداد : وكان لعائلة ابن أبي جرادة الدينية المتولية أمر القضاء والإمامة بحلب دور تحمل تلك المهمة في طلب نجدة من بغداد، عندما تعرضت حلب هي الأخرى بحكم موقعها الاستراتيجي لخطر الغزو الصليبي عام (504ه/1111م) فقد أرسلت وفداً من الفقهاء وأعيان البلد، والذي يبدو كان برئاسة قاضي حلب أبي غانم هبة بن أبي جرادة إلى بغداد، وكان يعتقد بتحقيق هدفه في نجدتها، لأن وجوده بحلب كان بسبب علاقته الوطيدة بالسلطة الشرعية ببغداد (1)، وأمام فشل ذلك القاضي وجماعته في عدم التمكن، من مقابلة الخليفة العباسي المستظهر بالله أدركوا حقيقة ضعف ذلك الخليفة عن قرب، وأن السلطة الفعلية ليست بيده بل بيد السلطان السلجوقي، لذا بدأوا به أولاً بإثارة السكان ضده، حيث دخلوا الجامع الذي يقرب داره يوم الجمعة، فأنزلوا الخطيب عن المنبر وكسروه.. وصاحوا لما لحق الإسلام من الإفرنج. وشرحوا للناس ما حل بإخوانهم المسلمين في حلب وأعماله ومدن بلاد الشام من تدمير وخراب على أيدي الغزاة الصليبين، مما أدى إلى استجابة الناس وشحذ همهم؛ لكنهم لم يستطيعوا الوصول إلى مقر السلطان بركيارق، الذي منعهم حّراسه من مقابلته. غير أنه أوعز إلى حّراسه ليبلغوهم أنه سيرسل قواته لإنجادهم (2). وقرّر فقهاء حلب التوجه مّرة أخرى إلى الخليفة المستظهر بالله نفسه : فاندفعوا إلى دار الخليفة بعد أن دخلوا جامع القصر، ومنعوا الناس من الصلاة وشرحوا أمرهم لهم، فثار الناس من حولهم(3) ، وكان ذلك الأمر قد أجبر الخليفة العباسي على ضرورة مقابلتهم وقولهم له : أما تتقي الله أن يكون ملك الروم أكثر حمية منك للإسلام حتى أرسل إليك في جهادهم (4). وهنا يشير النص السالف الذكر إلى أن وجود فقهاء حلب ببغداد عام 504ه/1111م قد تزامن مع وصول وفد الدولة
__________
(1) المصدر نفسه ص 78.
(2) ديل تاريخ دمشق ص 276.
(3) موقف فقهاء الشام ص 79.
(4) الكامل في التاريخ (8/541).(2/320)
البيزنطية إلى بغداد أيضاً؛ للتفاهم مع الخليفة العباسي والسلطان السلجوقي حول إمكانية توحيد جهودهما لمواجهة الخطر الصليبي لبلاد الشام مؤكداً للجانب الإسلامي بأن الإمبراطور البيزنطي الكسيوس كومنيوس : قد منعهم من العبور إلى بلاد المسلمين وحاربهم (1) ويفهم من هذه الرواية أن الجانب البيزنطي أراد الاستعانة بالجانب الإسلامي لمواجهة ذلك الخطر الصليبي، خاصة بعدما نقض الصليبيون الاتفاقية المُبرمة مع البيزنطيين (عام 490ه/1096م) والتي تضمنت إرجاع الممتلكات البيزنطية في بلاد الشام في حالة استعادتها من الجانب الإسلامي. على أية حالة لم يكن فقهاء حلب أوفر حظاً مع خلافة بغداد عن بقية وفود المدن الشامية الأخرى. رغم ما أشار إليه ابن كثير أن فقهاء بغداد وعلى رأسهم الفقيه "ابن الدغواني" قد استجابوا لفقهاء حلب، وقرروا الخروج معهم لجهاد الصليبيين في بلاد الشام، ولما علموا بما آلت إليه تلك المدن من وقوعها تحت الغزو الصليبي رجعوا إلى بغداد ولم يفعلوا شيئاً (2)، ومهما يكن من أمر تلك الرواية يبدو أن فقهاء حلب قد سئموا من نجدة الخلافة في بغداد، وتوجهوا للاستغاثة بالإمارات المحلية لنجدتهم (3).
__________
(1) الكامل في التاريخ نقلاً عن موقف فقهاء الشام وقضاتها ص 80.
(2) البداية والنهاية نقلاً عن موقف فقهاء الشام وقضاتها ص 80.
(3) موقف فقهاء الشام وقضاتها ص 91.(2/321)
4- دور الفقهاء والقضاة في التحريض على الجهاد بالكتابة والتأليف : لم تكن الاستجابة من قبل الفقهاء والقضاة في بلاد الشام ضد الغزو الصليبيين مقتصرة على الاستغاثة وطلب النجدة، بل تعدت إلى العديد من الوسائل الأخرى التي من بينها الكتابة والتأليف في الجهاد ضد ذلك الغزو، لتهيئة الأجواء الفكرية، وتثقيف المسلمين عامة، حيث نالت اهتماماً كبيراً من جلمة الفقهاء والعلماء قبل وأثناء الغزو الصليبي، فقد كانت حاجة العصر للتعبئة الفكرية، ونشر الثقافة الإسلامية، أصبحت من الأمور الأساسية آنذاك في وقت كانت بلاد الشام تخوض صراعاً سياسياً، ومذهبياً عسكرياً انعكس على تدوين التاريخ في الشرق العربي، وظهور العديد من المصنفات والتراجم حول سير السلاطين والملوك والأسر الحاكمة وأحداث القتال، والصراع ضد الصليبيين ولذلك اندفعت فئة الفقهاء والقضاة إلى تنوير مجتمعاتها الإسلامية، الذي جاء مجسداً عبر مؤلفاتهم وكتبهم خلال مجموعتين : الأولى ركزت على التأليف والوعظ بصورة تقليدية؛ وتوضيح أمو وأركان الدين الحنيف للناس، والثانية التي توجهت للتحريض والتأليف في الجهاد، وحيث المسلمين عليه، لأنها أدركت الضعف العام في إيمان المسلمين عليه وتركهم لأمور دينهم لذلك كتبت الكثير من المصنفات قبل وأثناء الغزو الصليبي في بلاد الشام والذي يهمنا هنا مؤلفات التي حرضت على الجهاد الإسلامي وتعبئة المسلمين بأمور دينهم للوقوف بوجه ذلك الغزو (1) ومن أبرز أولئك الفقهاء :
__________
(1) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي ص 93.(2/322)
- الفقيه على بن طاهر السلمي (431 – 500ه / 1039 – 1106م ) : هو علي بن طاهر بن جعفر القيسي السلمي الدمشقي الشافعي، كان من علماء بلاد الشام وعلى إثر مجئ ذلك الغزو تحول إلى واعظ ومحرض على الجهاد، بالقائه الخطب والدروس في المساجد التي تنقل فيها عبر مدن بلاد الشام وفلسطين، حيث جسد ذلك في كتابه الجهاد، الذي جاء عقب سقوط بيت المقدس عام 492ه/1098م. وذلك من خلال إحدى خطبه التي حث فيها المسلمين على الجهاد ضد الغزو: فإن المجاهدين لهذه الطائفة الظافرين بهم الموفقين في إخراجهم من بيت المقدس وغيرها من هذه البلاد (1)، وركز السلمي في أبوابه الأولى من كتابه الجهاد على العديد من القضايا والأفكار الهامة التي كانت عليها : بلاد الشام، والعالم الإسلامي آنذاك. مبتدئاً سياسة صليبية عامة استهدفت الأندلس وصقلية وبلاد الشام. إذ أنه أول من نبه إلى وحدة أهداف الحروب الصليبية سواء في الأندلس، أو في صقلية أو في بلاد الشام، تلك الفكرة التي أخذها المؤرخون فيما بعد، وطوروها فقد ذكر ابن الأثير : وكان ابتداء دولة الإفرنج واشتداد أمرهم وخروجهم إلى بلاد الإسلام، واستيلائهم على بعضها سنة ثمان وسبعين وأربعمائة فملكوا مدينة طليطلة، وغيرها من بلاد الأندلس .. ثم قصدوا سنة أربع وثمانية وأربعمائة جزيرة صقلية وملكوها .. فلما كانت سنة تسعين وأربعمائة خرجوا إلى بلاد الشام (2). وأدرك أن ضعف العالم الإسلامي، وتشرذمه وتجزئته هو العامل الرئيسي وراء نجاح الغزو الصليبي في المشرق أو المغرب الإسلاميين وليس قوة الصليبيين أنفسهم : وركز على التجزئة السياسية لبلاد الشام بصورة خاصة، لأنه عاش وأحس بالمعاناة هناك، وتثاقل السكان عن جهادهم (3)، وذكّر السلمي المسلمين بفكرة استمرارية الجهاد سواء في الحرب أو السلم كجزء من سياسة عامة يجب على
__________
(1) المصدر نفسه ص 93.
(2) الكامل في التاريخ (8/397).
(3) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي ص 94.(2/323)
الأمراء والخلفاء المسلمين القيام بها كشرط أساسي للمواجهة الناجحة، ففي كل عام يجب على الأمير المسلم القيام بحملة خارج ديار الإسلام لا لطمع، أو لغنيمة يبتغيها، وإنما للمحافظة على دار الإسلام من عدوان غير المسلمين، وإشعارهم بالرهبة وقوة المسلمين بالاستمرار تجسيداً للرأي القائل في العصر الحاضر بضرورة نقل المعارك إلى ارض العدو دوماً (1)، وذكر السلمي الأمراء المسلمين بأن ذلك الغزو لم يكن هدفه الأرض والعقيدة فقط وإنما هدفه هو إزالتهم من سلطاتهم، وإخراجهم من البلاد التي تحت أيديهم، وذلك بهدف إثارة حميتهم، وحثهم على الجهاد(2) ، وطلب من عامة الناس مساندة أمرائهم وقادتهم المجاهدون الذين يتبعون السلف الصالح لمواجهة تلك المحنة، وطرد الصليبيين (3)، والقارئ لكتاب السلمى في الجهاد يدرك مباشرة عمق المعاناة التي كان يعانيها السلمي وهو الفقيه الذي يرى بيت المقدس تنتهك حرمته، وتداس قدسيته، ولذلك أول ما حث عليه هو تخليص بيت المقدس من أيدي أولئك الغزاة (4). فاجتهدوا رحمكم الله في هذا الجهاد لعلكم تكونوا الظافرين بمزية هذا الفتح العظيم (5)، ويعتبر السلمي أول من أدرك ضرورة الوحدة الجهادية بين بلاد الشام والعراق، ومدن آسيا الصغرى، قبل عصر الوحدة الإسلامية ضد الصليبيين بقيادة آل زنكي والأيوبيين (6)ويعتبر في هذا المجال من الرّواد؛ ودعا السلمي المسلمين إلى تطهير النفوس وإصلاحها، فهي الأساس وحدة إسلامية لعقد العزم والإصرار على مجاهدة ذلك الغزو : وقدموا جهاد أنفسكم على جهاد أعدائكم فإن النفوس أعدى لكم منهم، وأردعوها عما هي عليه من عصيان خالقها سبحانه تظفرون بما تؤملونه من النصرة عليهم (7). إن الغزو الصليبي لبلاد الشام من وجهة نظر
__________
(1) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي ص 95.
(2) المصدر نفسه ص 95.
(3) المصدر نفسه ص 96.
(4) المصدر نفسه ص 97.
(5) المصدر نفسه ص 97.
(6) المصدر نفسه ص 97.
(7) المصدر نفسه ص 98.(2/324)
السلمي لم يأت من فراغ وإنما أدرك ضعف المسلمين لعدم تمسكهم بدين الله الحنيف ولذلك اجتهد في نصحهم بالعودة إلى الله وتطهير النفوس؛ بالرجوع إلى كتاب الله، والإقلال عما تقدم منهم، والنهوض إلى قرع باب الجهاد : وليكن قصدكم بجهادكم هذا إرضاء ربكم، والذب عن أنفسكم، وعن غيركم من إخوانكم ليمحص لكم ثواب غزوكم (1) ولا يكون ذلك أمام تقدم الغزو الصليبي، وأخذه لمدن عديدة إلا المبادرة إليهم، والمرابطة على المدن التي لم تحصل في
__________
(1) المصدر نفسه ص 98.(2/325)
أيديهم (1) ، فإن النفير إليهم وقصدهم في البلاد التي قد تملكوها علينا إنما هو حرب يقصد بها الدفاع عن النفوس، والأولاد والأهل والأموال والحراسة لما بقي بها الدفاع عن النفوس، والأولاد والأهل والأموال والحراسة لما بقي في أيدينا من البلاد(2) ، وكانت دعوة السلمي للمسلمين عامة لوحدة القوى الإسلامية : شامها وجزريها ومضريها. ونصحهم باتباع منهاجه في تطهير النفوس وإصلاحها فهي الأساس في وحدة إسلامية لعقد العزم والإصرار على مجاهدة ذلك الغزو : وقدموا جهاد أنفسكم على جهاد أعدائكم فإن النفوس أعدى لكم منهم، واردعوها عما هي عليه من عصيان خالقها سبحانه تظفرون بما تؤلمونه من النصرة عليهم (3)، حيث رأى : إن لم يتناس الحكام المسلمون أحقادهم وخلافاتهم فإنهم ما زالوا على جاهلية غير مقتدين بالمثل النابع من التراث عند الشدائد تذهب الأحقاد (4)، واستمر السلمي في مواضع عديدة من كتاب الجهاد يحث ويحرض ويعظ وينبه، ويعلم الحكام عامة على ضرورة الجهاد بخطبه ودروسه التي ألقاها في الجامع الأموي بدمشق، وفي مدن بلاد الشام وفلسطين في اثنين وثلاثين بابا (5)، ولم يترك شاردة ولا واردة في الجهاد إلا وتطرق إليها (6) ونلاحظ أن السلمي في كتابه الجهاد تطرق إلى توضيح التجزئة والتشرذم في المشرق الإسلامي، وخاصة في بلاد الشام من ضعف القوى الإسلامية، وتفككها مع ضعف الإيمان بفرض الجهاد، وهي نقطة استغلها الغزاة، ولكنه عالج ذلك الخلل بطرحه قضية تطهير النفوس، والعودة إلى التمسك بدين الله الحنيف؛ وإصلاح الأمر فيما بينهم، والاقدام على الجهاد لمواجهة ذلك الغزو، وأنه لا يتم ذلك إلا بوحدة القوى الإسلامية، لذا جاء كتابه الجهاد عاماً، لم يخصصه لسلطة سياسية معينة أو لفئة من المسلمين من بلاد
__________
(1) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي ص 98.
(2) المصدر نفسه ص 98.
(3) المصدر نفسه ص 98.
(4) المصدر نفسه ص 98.
(5) المصدر نفسه ص 98.
(6) المصدر نفسه ص 98.(2/326)
الشام مثلاً وفق رؤية إسلامية مبنية على إسناد متين تمثل في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وكتب السير والمغازي، والتفاسير وربط موضوعاتها بالخطر الصليبي على بلاد الشام، وهذا دليل على مدى إطلاعه وفكره الثاقب في جمع المعلومات وتسخيرها في مكانها المناسب(1)، ونلاحظ من خلال البحث بأن الدعوة الأولى للجهاد لم تصدر عن مجالس الحكام بل صدرت من محافل الفقهاء والعلماء المسلمين من أساتذة وعلماء وفقهاء وكتّاب، ويعتبر السلمي من أوائل من حث على الجهاد ومن ضمن تيار الرفض العام الإسلامي المدعوم من قِبل الفقهاء والقضاة (2) لقد كتب السلمى كتابه في فترة مبكرة من تلك الحروب وهذا دليل على ذكائه وفطنته في إدراكه لمشاكل بلاد الشام المعقدة، ولكن إن لم تتوفر الظروف العامة لإنجاح دعوته للجهاد في تلك الفترة المبكرة ذاتها، فهو قد ساهم في كتابه للتمهيد لمرحلة الزنكيين والأيوبيين. ولقد قام الأستاذ رمضان حسن الشاوش بدراسة وتحقيق، كتاب الجهاد للسلمي وقدمه كرسالة ماجستير لجامعة الفاتح بطرابلس الغرب عام 1992(3)م.
5- المشاركة الفعلية للفقهاء والقضاة في ساحات الجهاد : إن من أبرز الأمثلة على مشاركة أولئك الفقهاء للعساكر النظامية في ساحات القتال للتعبير عن حالة الإيمان المثالية بالجهاد، والدفاع عن الأرض والنفس كانت حالة القاضي أبو محمد عبد الله بن منصور المعروف بابن صليحة قاضي حصن جبلة، الذي تولى إمارة وقضاء ذلك الحصن بعد وفاة أبيه منصور
__________
(1) المصدر نفسه ص 99.
(2) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي ص 99.
(3) المصدر نفسه ص 93.(2/327)
عام 494ه/1100م وكان ذا خبرة عسكرية جيدة لأنه أحب الجندية واختار الجند فظهرت شهامته (1)، وقد برزت مواهب ذلك الأمير القاضي عند محاصرة الإفرنج حصن جبلة للاستيلاء عليه عام (494ه/1100م) واستخدامه لما يسمى اليوم بالحرب النفسية أولاً؛ وذلك عندما خطط بدهاء، لنشر الذعر بين صفوف قوات الفرنج، حيث أظهر أن السلطان بركيارق
قد توجه إلى الشام (2)، لمساعدته، مما أثار الفرنج، والقلق بين عسكر الفرنجة، ورحيلهم فيما بعد. وعندما أدرك الفرنجة حقيقة تلك الخدعة، عادوا فحاصروا المدينة مرة أخرى، ولكن كرر ذلك القاضي تلك الحيلة بصورة أخرى، ونشر بين صفوف الصليبيين : أن المصريين قد توجهوا لحربهم ومساعدته هذه المرة ولذلك تركوا محاصرة ذلك الحصن ، ويبدو أن الفرنجة لم يكن لديهم المعلومات الكافية عن حالة الحصن، ولا عن عدد قوات ذلك القاضي وإلا لما تركوا محاصرة ذلك الحصن في المرتين السابقتين، ولكن سرعان ما فطن الإفرنجة لتلك الحرب النفسية وأهدافها، فعادوا لمحاصرة الحصن للمرة الثالثة في شهر شعبان عام 494ه، إلا أن ذلك القاضي أدرك أن الفرنجة قد عرفوا أساليبه القديمة ولذلك لجأ إلى أسلوب جديد لمواجهة أولئك الفرنجة بأن : قرر مع النصارى الذين بها في الحصن، واتفق معهم على إرسال وفد منهم إلى الفرنجة للتفاهم حول تسليم الحصن وإرسال مجموعة من فرسانهم لاستلام الحصن، وأن : يبعثوا ثلاثمائة رجل من أعيانهم وشجعانهم، فوافق الفرنجة على ذلك ويبدو أن القاضي ابن صليحة قد نصب الكمين لهم (3) : فلم يزالوا يرقون في الحبال واحد بعد واحد وكلما صار عند ابن صليحة، وهو على السور رجل منهم قتله إلى أن قتلهم أجمعين، فلما أصبحوا رمى الرؤوس إليهم (4)، ورغم ذلك لم يسترح الصليبيون للطعم والفخ
__________
(1) الكامل في التاريخ نقلاً عن موقف فقهاء الشام ص 120.
(2) موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي ص 120.
(3) موقف فقهاء الشام وقضاتها ص 120.
(4) المصدر نفسه ص 121.(2/328)
الذي نصبه لهم قاضي جبلة، وتحقيق ذلك النجاح. ولذا قرروا أخذها منه بأية وسيلة، ونصبوا على البلد برج خشب، وهدموا أبراجاً من أبراجه. ولكن ما يملكه ذلك القاضي من الدهاء والحيلة جعله يفطن لذلك الخطر المحدق به، حيث لم يركن للهدوء والاستسلام، وإنما بادر إلى وضع خطة ذكية على غرار تلك الخطط الناجحة التي كبدت ذلك الغزو الخسائر والفشل أكثر من مرة. ولذلك عمل هذه المرة على استدراج الصليبين في كمين آخر وضعه لهم بخطة محكمة حيث أحدث ثقوباً في أسوار المدينة. ويبدو أنه كان السور الخلفي، وذلك لتسهيل مهمة خروج مجموعة من جيشه ونقب في السور نقباً (1)، وعندما خرج القاضي ابن صليحة وجيشه من الأبواب لقتالهم تظاهر بالهزيمة أمامهم. بحيث انطوت الحيلة على أولئك الغزاة الذين لم يفطنوا لها، وبادروا إلى مطاردته حتى أبواب المدينة في الوقت الذي استغل فيه جنده الفرصة في الخروج من تلك الثقوب، والتفوا من حوله، فأتوا الفرنج من ظهورهم فولوا منهزمين(2) ، إن القاضي ابن صليحة لابد له وأن أطلع على فنون الحرب، وبعض الأساليب العسكرية الإسلامية، فأسلوب الحرب النفسية ليست جديدة على التراث العسكري الإسلامي في الفترة الصليبية، إذ استخدم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ذلك الأسلوب في غزوة الخندق من العام الخامس للهجرة عند ما حفر الخندق وهزم جيوش الأحزاب، وكذلك معركة مؤتة في السنة الثامنة للهجرة عندما حول القائد خالد بن الوليد المعركة من الهزيمة إلى النصر على الروم وذلك باستخدامه الحرب النفسية عن طريق تكثيف الغبار بفرسانه حتى ظن أولئك الروم بوصول الإمدادات إلى المسلمين فولوا منهزمين، وانسحب الجيش الإسلامي من أرض المعركة دون أية خسائر أخرى، وقد طبق تلك الحرب النفسية في العديد من المعارك الأخرى، والتي من بينها معركة اليرموك عام 13ه عندما عمل على تقسيم قواته، بحيث جعل الميمنة
__________
(1) المصدر نفسه ص 121.
(2) الكامل في التاريخ (8/425).(2/329)
ميسرة والخلف إلى الأمام وبهذا الأسلوب العسكري التكتيكي أرهب جيوش الروم الكبيرة العدد وأوقع بهم الهزائم (1).
6- تحريض الفقهاء والقضاة على القتال في ساحات المعارك : تبرز شخصية القاضي أبو الفضل الخشاب قاضي حلب المعروف في هذا المجال، فعندما أشتد الحصار الصليبي على حلب عام 513ه/1119م) أقبل القاضي ابن الخشاب يحرض الناس على القتال وهو راكب على حجر وبيده رمح حيث ألقى فيهم خطبة بليغة، استنهض بها همهم وألهب مشاعرهم، فأبكى الناس وعظم في أعينهم، حتى أقدموا على قتال الغزاة (2)، ورغم تمكن الحلبيين من تخليص مدينتهم في ذلك العام لم يتردد الصليبيون من محاولة أخرى لأخذ حلب عام 518ه/1124م وذلك عندما قاموا بتخريب كل القرى المجاورة لحلب، حتى لا يقدموا المساعدة لمدينة حلب ونزل الفرنج حران ثم حلب من ناحية مشهد الجف من الشمال، وكان للقاضي ابن الخشاب دور في التحريض على قتال ذلك الغزو، بل كان له دور في تحريض الأمير أقسنقر البرسقي أمير الموصل وسيأتي في بيان ذلك بإذن الله عند الحديث عن دور أمراء السلاجقة في الموصل ودمشق وغيرها في ضد هجمات الصليبيين.
ثانياً : الشعراء ودورهم في حركة المقاومة :
قام بعض الشعراء بدور كبير في تحريض المسلمين ووصف أحوال الأمة وطبيعة الغزو الصليبي الذي احتل البلاد وهتك الأعراض ومن أشهر هؤلاء ما قاله القاضي الهروي وقيل لأبي المظفر الأبيوردي القصيدة التي أولها :
مزجنا دماءً بالدموع السواجم
فلم يبق منا عرضه للمراجم (3)
وشر سلاح المرء دمع يفيضه
إذا الحرب شُبَّت نارها بالصوارم (4)
__________
(1) موقف فقهاء الشام وقضاتها ص 122.
(2) المصدر نفسه ص 129.
(3) المراجم : جمع مرجم وهو القبيح من الكلام.
(4) شُبَّت : سُعَذرت اشتدت.(2/330)
إنه، في هذا المطلع، يصّرح ببكاء الناس بكاءً أنزل الدم من العيون لشدته واستمراره، وأنهم بكوا حتى لم يبق فيهم مجال للذم، ولكنه ولا يلبث أن يفطن إلى أن البكاء على شدته، لن يغني في شيء في معركة لا يسعّر نيرانها إلا السيوف القواطع ومنها
فإِيها بني الإسلام إن وراءكم
وقائع يلحقن الذُرا بالمناسم
أتهويمةً في ظلَّ أمن وغبطٍة
وعيشٍ كنّوار الخميلة ناعم (1)
وكيف تنام العين ملء جفونها
على هفوات أيقظت كلَّ نائم
وأخوانكم بالشام يُضحي مقيلهُم
ظهور المذاكي أوبطون القشاعم (2)
تسومهم الروم الهوان، وأنتم
تجرون ذيل الخفض، فعل المسالم (3)
وهنا يستصرخ الشاعر المتخلفين عن القتال مع أخوانهم المسلمين في بلاد الشام، فيبدأ هذه المقطوعة بتوجيه نداء حار للمسلمين : إيهاً بني الإسلام أنِ اصُحوا من نومكم فمادهكم من الغزو يجعل أعزتكم أذلة. ثم يعجب لهم ولنومهم، إذ كيف ينامون ملء عيونهم ويعيشون ناعماً آمناً وغير بعيد منهم تجري فظائع الأمور التي تقع على رؤوس أخوانهم من أهل الشام، فلا يجدون وقتاً قصيراً ينامون فيه في بيوتهم، فجلّ أوقاتهم على صهوات خيولهم يحاربون أو تكتب لهم الشهادة فتتخطفهم نسور الجو ولا من يدفن جثثهم، وربما يقعون تحت إذلال أعدائهم من الفرنجة، أما أنتم فيبدو عليكم التقلب في ثبات النعمة كما أنكم مسلمون أو متحالفون مع الأعداء ومنها :
وكم من دماء قد أبيحت ومن دمىًَ
تواري حياءً حسنها بالمعاصم (4)
بحيث السيوف البيض محمرة الظبا
وسمُر العوالي دامياتُ اللَّهاذِم (5)
وبين اختلاس الطعن والضرب وقفة
تظل لها الولدان شيب القوادم
وتلك حروب من يغب عن غمارها
ليسلم يقرع بعدها سنَّ نادم
__________
(1) الهوم : النوم الخفيف . نّوار : زهر . الخميلة : الشجر الملتف.
(2) المذاكي : مذكيه وهي الفرس : قشاعم : جمع وهو قشعم وهو النسر المسن.
(3) الخفض : الغنى.
(4) نصوص من أدب عصر الحروب الصليبية عمر الساريس ص 26.
(5) المصدر نفسه ص 26.(2/331)
سَللن بأيدي المشتركين قواصناً
ستُغْمد منهم في الطُلا والجماجم (1)
يكاد لهن المستجنُّ بطيبة
ينادي، بأعلى الصوت، يا آل هاشم
وفي هذه الأبيات يصور شراسة المعارك التي وقعت بين المسلمين وأعدائهم من الفرنجة، فقد أبُيحت فيها دماء كثيرة من المسلمين ولقد اقتحم فيها على النساء خدورهن وما وجدن ما يدفعن به عن أجسامهن المصونة غير معاصمهن المشتبكة حياءً وخوفاً، وقد اشتدت هذه الحروب واستحّر فيها القتل حتى بدت أسنَّة السيوف والرماح حمراء لا هبة، وحتى أن الصبيان ربما يظهر في شعرهم الشيب لما فيها من هول الطعن والضرب ثم يعود لتنبيه المتخلفين بأنهم سوف يندمون على تخلفهم عن الاشتراك في هذه الحروب، التي يعود ليتحدث عن أخطارها فيهّون من شأن الأعداء وأسلحتهم فما استلّوه من سيوف قاطعة تعود إلى نحورهم وجماجمهم. وفي آخر الآبيات يؤكد فظاعة هذه الحروب بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، في ضريحه الطاهر في المدينة المنورة يستنجد على الأعداء، بالعرب والمسلمين وليس بآل هاشم فحسب (2).
أرى أمتي لا يشرعون إلى العدا
رماحهم، والدين واهي الدعائم
ويجتنبون النار خوفاً من الردى
ولا يحسبون العار ضربة لازم
أترضى صناديد الأعاريب بالأذى
ج
ويغضي على ذلًّ كماة الأعاجم (3)؟
فليتهم إذ لم يذودوا حمية
عن الدين، ضنوا غيره بالمحارم
وإن زهدوا في الأجر، إذ حمي الوغى
فهلاً أتوه رغبة في الغنائم ؟
__________
(1) المصدر نفسه ص 26.
(2) نصوص من أدب عصر الحروب الصليبية عمر الساريسي ص 26.
(3) المصدر نفسه ص 26 العنديد : المقاتل الشديد والكماة : جمع كمي، وهو لا بس السلاح.(2/332)
ويرى الشاعر قعود بعض بني قومه عن الجهاد فيتألم لذلك ألماً يصور معه واقعهم المتخاذل عن نصرة دينهم الذي يحاول الأعداء إضعافه، جبناً وخوفاً وغفلة عما يلحق بهم من العار في حالة الهزيمة، ويعجب لشجعان المسلمين، من عرب ومن عجم، كيف يقبلون بهذا كله ثم يقلب لهم أسباب الدفاع عن الدين وعن البيضة تقليباً منطقياً، فيه الألم الذي يعصر قلبه، والتبكيت الذي يهز أحاسيسهم من الأعماق، فيطالبهم بالدفاع عن الدين أولاً فإن لم ينهضوا له فليحموا محارمهم من النساء والبلدان والعقار، وهذا أضعف الإيمان، أن يهتموا بالدنيا وعَرضَها من غنائم وأسلاب إن فقدوا الثأر للدين والخروج ونيل الشهادة !! وفي نهاية القصيدة يبلغ به الألم مبلغاً أشد فعلاً وتأثيراً، فيكشف لهم عن مستقبل أيامهم وما يلاقون فيه من إذلال وصغار في أيام أبنائهم الوارثين للخنوع إن قبلوا باحتلال الأعداء لبلادهم، ثم يهددهم بعار تسليم النساء للأعداء إن هم ظلوا على ما هم عليه من الخنوع والجبن والقعود عن الجهاد ولم يزل الشاعر يستصرخهم والحرب مستعرة، ليغيروا على المعتدين غارة شعواء تلقي الفرنجة درساً قاسياً، كما تعّودوا في كل مرة يهاجمون فيها بلاد الإسلام :
لئن أذعنت تلك الخياشيم للبَُرى
فلا عطست إلا بأجدع رغم (1)
دعوناكم والحرب تدعو ملحة
إلينا بألحاظ النسور القشاعم (2)
تراقب فينا غارة عربية
تطيل عليها الروم غَضَّ الأباهم (3)
فإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه
رمينا إلى أعدائنا بالجرائم (4)
وقال شاعر آخر في الغزو الصليبي لبيت المقدس :
أحلَّ الكفُر بالإسلام ضيماً
يطول عليه للدين النحيب
فحقُّ ضائع وحمىً مباح
وسيف قاطع ودم صبيب (5)
وكم من مسلم أمسى سليباً
__________
(1) الخيشوم : أقصى الأنف، البُري : جمع بُرة وهي حلقة من صفر أو غيره.
(2) في أحد جانبي أنف البعير للتذليل أو في أنف المرأة للزينة.
(3) القشعم : النسر المسن.
(4) الكامل في التاريخ (8/407).
(5) صبيب : أي سائل.(2/333)
ومسلمة لها حرم سليب
وكم من مسجد جعلوه ديراً
على محرابه نُصبَ الصليب
دم الخنزير فيه لهم خَلوقٌ
...
وتحريف المصاحف فيه طيب (1)
أمور لو تأملهن طفل
لطفَّل في عوارضه المشيب (2)
أتسبى المسلماتُ بكل ثغر ؟
وعيش المسلمين إذن يطيب
أما لله والإسلام حق ؟
يدافع عنه شبان وشيب
فقل لذوي البصائر حيث كانوا
أجيبوا الله، ويحكم، أجيبوا(3)
ويبدو للمتأمل في هذه الأشعار أنها تسجل مشاعر الإنسان المسلم في مرحلة غزو الأفرنج وظفرهم من مراحل الحروب الصليبية وأبرز هذه المشاعر :
__________
(1) الخلوق والخلاق : ضرب من الطيب أعظم أجزائه الزعفران.
(2) أي برز وظهر والعارضان : جانبا الوجه.
(3) البصائر جميع بصيرة : وهي قوة الإدراك والفطنة النجوم الزاهرة (5/151).(2/334)
الشعور الديني : فالأبيوردي يستصرخ بني الإسلام " فإيهاً بني الإسلام " لأن الأعداء مشركون " سللن بأيدي المشركين " سللن بأيدي المشركين " فهو بعد نداء المسلمين عامة يؤمل ألا يقبل بهذا الغزو لا صناديد الأعاريب ولا كماة الأعاجم، كما أنه يرى أن الرسول – عليه السلام – يستفظع هذا الغزو ويدعو قومه لدرئه؛ وفي الوقت الذي يدعوهم للصمود والثبات في وجه الغزاة يقلب لهم أسباب هذا الصمود وعوامله فيطالبهم بأن يتذكروا أولاً، ثواب الله في الآخرة عليه، فإن تناسوا هذه، فيطالبهم، بأن لم أن يذبوا عن محارمهم على الأقل وربما كان هذا الشعور الديني في القصيدة البائية أكثر بروزاً ووضوحاً من سابقتها، فمنذ الكلمة الأولى يطلعنا الشاعر على أن الصنيم قد حل أولاً بالإسلام، ثم أخذ يعدد ألوان هذا الصنيم المتعددة مهتماً بما حدث للمساجد من تحويل إلى أديرة، وبما ارتفع على محاريبها من صلبان، ومما أخذ يفوح فيها من رائحة لحم الخنزير أو المصاحف المحروقة، وإنه ليربط ربطاً محكماً بين ما يكاد يقشعر له شعر رأسه من سبي النساء وبين العيش الهنيء للمسلمين المتخلفين عن الجهاد، ويتجمع الحسّ الإسلامي عند هذا الشاعر المؤمن المجاهد، فيصرخ في وجه القعدة المتخاذلين صرخة تهز أعماقهم أما لله والإسلام(2/335)
حق ؟؟ إن هذا هو الأساس الثابت وراء هذا الأدب الإسلامي الملتزم بقضايا الأمة وهمومها؛ إن كل الحروب بما فيها رد للغزو أو نفير للجهاد : أجيبوا الله ويحكم أجيبوا " ، والويل والثبور لمن يتخلف عن تلبية نداء هذا الداعي. أما مكانة القدس في قلوب المسلمين في ذلك العهد وفي كل عهد فهي مما يكمل هذا الشعور ويؤكد عليه؛ فبعد الانتصار على حاكم مملكة أنطاكية النصراني، وبعد فتح مصر ثم توحيدها مع الشام تحت القبضة الإسلامية، وبعد فتح حلب، بعد هذا كله لم يكن النداء التالي إلا الشروع في العمل لتخليص القدس والمسجد الأقصى من أسر المشركين وتطهيره من مظاهر الشرك والدنس(1).
الشعور الاجتماعي : ويتبع الإحساس بما حاق بالدين إحساس بالهوان الذي ألم بالمسلمين أنفسهم " تسومهم الروم الهوان " وهم إما عى صهوات الخيل وإما في بطون طيور الجو، وكم من دماء قد أبيحت، فحقٌ ضائع وحمى مباح " وكم من مسلم أمسى سليباً " إن شعور بالضياع والهزيمة أمام هذه الزحوف الغازية في حالة تقاعس بعض المسلمين عن شد أزر بعض في ساعات العسرة.
أرى أمتى لا يشرعون إلى العدا
رماحهم والدين واهي الدعائم
__________
(1) نصوص من أدب عصر الحروب الصليبية ص 32.(2/336)
ومما يثقل كاهل الإنسان المسلم، الذي يعيش هذه الآلام، ما يحيق بنساء المسلمين في المجتمع الإسلامي، من سبي وقهر واغتصاب فما عسى النساء الجميلات أن يدفعن عن أنفسهن إذى دُخلت عليهنَّ خدورهن من أقطارها ؟ وما عسى المعاصم النسائية التي تشابكت لتواري النفس من الخجل ولئلا تقع عيون علوج الأعداء المهاجمين في عيونهم ما عساها أن تدفع عنهن من الشرور المقتحمة ؟ وغاية ما يهدد به هذا الشاعر المتألم بني قومه أن يخلي بين النساء وسائر المحرمات وبين الأعداء إذا هم ظلوا متخاذلين عن المشاركة في الجهاد لدفع عدوان أعداء الله (1)، ومما يدلل على عمق تأثير هذا الشعور في النفس المسلمة أن شاعر القصيدة البائية عدد أصناف الشقاء التي حاقت بالمسلمين، إثر الغزو الصليبي، بألم، حتى إذا ما وصل إلى صورة سبي النساء المسلمات صرخ بأعلى صوته، ومن أعماق إحساسه، بسؤال يهز أعماق السامعين أتسبي المسلمات بكل ثغر ؟؟ وذلك مقابل مالا يليق لدى الطرف الثاني من اهتمام المسلمين " وعيش المسلمين إذن يطيب ؟ " ويتبع هذه الأسئلة سؤال آخر يضرب في أعماق هذه المشاعر كلها، وهو ما ذكرنا من شعور ديني متألم " أما لله والإسلام حق ". فالله، سبحانه، لا يرضى أن تسبي المسلمات وهو القائل : " أذُن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير " (سورة الحج، آية : 39). وهو القائل " ولله العزة ولرسوله، وللمؤمنين " ( المنافقون، آية : 8). هل في هذا الإلحاح على الألم الشديد مما حاق بنساء المسلمين إثر هذه الحروب، بقايا من الإحساس القبلي بعار العشيرة، إذا أضيمت نساؤها ؟ لو سلمنا بوجوده فإننا نلمح في الوقت نفسه، أن الإسلام طالب بالدفاع عن الحمى والمحرمات، والنساء أولى هذه المحميات في الإسلام (2).
__________
(1) نصوص من أدب عصر الحروب الصَّليبية ص 33.
(2) نصوص من أدب عصر الحروب الصَّليبية ص 33(2/337)
الشعور النفسي : وإذا كان الشعور الاجتماعي يتسع أفقه لحمل هموم المجتمع الإسلامي بجميع أفراده بأن الفرد المسلم، على النطاق الفردي، قد أخذ يحسُّى بمجموعة من الأحاسيس الطاحنة تحت وطأة هذا الغزو الغاشم من جهة، وتخلف الكثيرين من أبناء الإسلام من جهة أخرى وأولى مشاعر الفرد في هذه الجو، هو الحزن الشديد الذي لف نفوس جميع الأفراد لفاً، فأول ما نطقت به كلمات الأبيوردي هو البكاء الذي لم يذرف الدموع، فحَسب ولكنه استنزال الدم من العيون بعد أن جفت الدموع !! وسرعان ما يزداد هذا الحزن حينما يفتح الشاعر عينيه على الحقيقة المرة : ما نفع الدموع في معركة لا تتكلم فيها إلا السيوف المواضي ؟ وهنا تحدق الشرور بنفسية هذا الشاعر، ومن هذا الإحساس العاصف ينبت استنجاد الشاعر بأهله من المسلمين، للنهوض والرد على هذا الخطر المحدق " فإيها بني الإسلام " وما نفع الفرد، حينما تحيط به الأخطار، إن لم يكن له أهل يمنعونه ؟ ونخرج بمثل هذا الحزن العاصف حينما نقرأ القصيدة البائية ونحس بخفقان له أهل يمنعونه ؟ ونخرج بمثل هذا الحزن العاصف حينما نقرأ القصيدة البائية ونحس بخفقان قلب صاحبها المضطرب، لكثرة ما رأى وأحس وعاش من الأخطار التي تهددت وجوده ووجود أهله فحقوقهم ضائعة ودماؤهم سائلة، ورجالهم كنسائهم في السبى والنهب، وبلادهم مباحة، ومساجدهم غدت أديرة، وجدران صلبان، وحينما يبلغ الحزن مبلغ هز الأعماق تخرج الصرخات والاستنجاد والتذكر بحقوق الله في الجهاد والذب عن الحياض ونكاد نلمح مثل هذه المشاعر الفردية الحزينة حينما يأخذ الشعراء في تزيين فتح القدس للقادة الفاتحين بمختلف ضروب الإقناع، فقد كان هذا الأمل يداعب نفوس المسلمين، جميع المسلمين، منُذ أن فتحوا عيونهم على قبلتهم الأولى فوجدوها في أيدي أعداء الله.(2/338)
تصوير الحروب : وتكاد قصيدة الأبيوردي تنفرد بتصوير ما وقع بين المسلمين وبين أعدئهم المهاجمين من حروب، قبل استيلاء الصليبيين على مقدساتهم، وهذه مأثرة إيجابية تحسب لها، فالقدس لم يستول عليها الأعداء دون قتال، وإلا لكان هذا دليلاً على الضعف والخور، فهذه الحروب تسعّرها السيوف القاطعة، وحينما كان الهجوم صمد لهم أبناء الشام الأبطال حتى يظل الواحد منهم على صهوة جواده ليل نهار حتى تختلف رجلاه على عنق فرسه فتتخطفهم سباع الأرض أو نسور الجو، كما قال أحد خطباء العصر الأموي، كما أن النساء اللواتي اقتحمت عليهن خدورهن دافعن بعد أن استحر القتال بين رجالهن وبين الأعداء :
بحيث السيوف محمرة الظبا
وسمر العوالي داميات اللهاذم
وبين اختلاس الطعن والضرب وقفة
تظل لها الولدان شيب القوادم
إنها صدمات تصير لها الولدان شيباً، كما ورد في القرآن الكريم عن أهوال يوم القيامة؛ إنها حروب يستل فيها المشركون سيوفاً قاطعة لكن المدافعين عن حرمات الإسلام يردون هذه السيوف المعتدية إلى نحو أصحابها ورؤوسهم، أجل إن المقاومة الإسلامية قد هبت في وجوه المعتدين مُنذ أن وطئت أقدامهم النجسة أراضي المسلمين في سواحل بلاد الشام الشمالية، وظلت راية الجهاد مرفوعة لرد المعتدين، حتى خرج آخر صليبي معتدٍ من هذه الديار الإسلامية، بعد قرنين من الصراع المستمر (1).
__________
(1) نصوص في أدب عصر الحروب الصليبية ص 35.(2/339)
الدعوات إلى الجهاد : إن أحزان الشعراء والأفراد وشعورهم بالضياع أمام ما رأت أعينهم من مصير الدين الذي صار، بهذا الغزو الصليبي، واهي الدعائم، ومن فظائع شتت شمل أهلهم المسلمين وسبت نساءهم وأذلت رجالهم، بعد القتال الشديد، وحولت مساجدهم إلى كنائسح إن هذا الحزن الجارف لم يقعد بهؤلاء الشعراء عند مرحلة البكاء وذرف الدموع وتصوير ما حاق بالناس من مصائب، إنه حملهم على أن يسلكوا السبيل الأصوب في مثل هذه المواقف، فقد أصبح الشاعر نذيراً لأمته بالشرور التي ستطبق عليهم في الدنيا وبغضب الله في الآخرة إذا هم ظلّوا متقاعدين عن الجهاد لدرء الأخطار، فلقد قال الشاعر لأهله إن الدموع لا تغني في حروب السيوف، فدعاهم للتجمع والرد فوراءهم ما يذل الأغزة. ويبكتُهم على تقاعدهم ليهبوا للجهاد :
أتهويمة في ظل أمن وغبطة
وعيش كنّوار الخميلة ناعم
وقابل لهم بين الصورتين غير المتوازنتين.قتال فريق من المسلمين وتقاعد الفريق الآخر، وما أفعل قوله وأشد تأثيره : أرى أمتي لا يشرعون إلى العدا... إلخ البيت. فقوله أمتي فيها الإيجاز والتأثير ومنطقة النداء والدعوة ومرة يمدحهم بالشجاعة والنخوة ويذكرهم بهما ليهبوا للجهاد، ومرة يناقشهم في أسباب الدفاع والصمود، أما حينما يخامره الشك في أن يستمعوا إلى نداءاته هذه كلها يلجأ للتأثير عليهم من جهة أخرى هي جهة التذكير بالنساء والأعراض واحتمال وقوعها تحت أيدي الأعداء المهاجمين وكذلك يفعل الشاعر المجهول، فبعد أن يصور لهم ما حاق بأهاليهم من شقاء وهوان يدعوهم، بصريح العبارة، إلى تلبية نداء الله بالجهاد والثأر للكرامة الإسلامية، ديناً ومتدينين وبلاداً ومسلمين (1).
الشاعر ابن الخياط : أبو عبد الله أحمد بن محمد ابن الخياط : فقد حاول هذا الشاعر تحريك همة عضب الدولة زعيم الجيوش في دمشق فقال قصيدة طويلة يحثه على إعداد العدة للجهاد مطلعها قوله :
__________
(1) نصوص من أدب عصر الحروب الصّليبية ص 36.(2/340)
فدتك الصَّواهل قُبَّا وجرداً
وشُمُّ القبائل شيباً ومرداً
وذلت لا سيافِك البيض قضباً
ودانت لأَرماحك السُّمر مُلْدا (1)
إلى أن يقول :
وإني لمهد إليك القريض
يُطوى على النُّصح والنصُّح يُهدَى
إلى كم وقد زخر المشركون
بسيل يُهال له السيل سداً
و
وقد جَاشَ من أرض إفرنجة
جيوش كمثل جبال تردا
أنوماً على مثل هدَّ الصفاة
وهزلا وقد أصبح الأمر جِدَّاً
وكيف تنامون عن أعين
وترتم فاسهر تموهنَّ حقداً
بنو الشرك لا يُنكرون الفساد
ولا يعرفون مع الجور قصداً
ولا يردعون عن القتل نفساً
ولا يتركون من الفتك وجُهداً
فكم من فتاة بهم أصبحت
تدق من الخوف نحراً وخداً
وأمَّ عواتق ما إن عرفن
حَّرا ولا ذُقن في الليل برداً
تكاد عليهنَّ من خيفة
تذوب وتتلف حزناً ووجدا
وبعد أن وصف الشاعر حال المشركين وقسوتهم، وحال المسلمين معهم بدأ يحرض عضب الدولة على الجهاد فقال :
فحاموا عن دينكم والحريم
محاماة من لا يرى الموت فقداً
وسُدُّوا الثغور بطعن النحور
فمن حق ثغر بكم أن يُسَدَّا
فقد أَينعت أَرؤس المشركين
فلا تغفلوها قِطافأ وحصداً
فلابد من حدَّهم أن يُفلَّ
ولابد من ركنهم أن يُهَدّا (2)
وكانت لجهود العلماء والفقهاء والقضاة والأدباء والشعراء أثر في تقوية حركة المقاومة المسلحة والتي قادها أمراء السلاجقة والتي سيأتي الحديث عنها بإذن الله في الصفحات القادمة.
ثالثاً : قادة الجهاد من السلاجقة قبل عماد الدين زنكي :
__________
(1) ديوان ابن الخياط ص 182.
(2) ديوان ابن الخياط ص 182 وما بعدها.(2/341)
من الحقائق المسلم بها في تاريخ الحركة الصليبية، أن حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين انبعث لأول مرة في بلاد المشرق الإسلامي من منطقة الجزيرة وهي تقع بين دجلة والفرات مجاورة لبلاد الشام وتشتمل على ديار مصر وديار بكر، وسميت الجزيرة لوقوعها بين نهري دجلة والفرات، وتمتاز منطقة الجزيرة بأنها صحية الهواء جيدة الريع والنماء، واسعة الخيرات، بها مدن جليلة وحصون منيعة وقلاع كثيرة (1)، ومن الأسباب التي جعلت حركة المقاومة تبعت من منطقة الجزيرة هي :
إن منطقة الجزيرة أول اقطار المسلمين في المشرق الإسلامي أكتوت بنار الخطر الصليبي عندما استولى الصليبيون على الرها وتأسست بها أولى الإمارات الصليبية سنة 490ه/1097م، فأدرك السكان خطر توغل الصليبين في بلادهم، مما بعث المسلمين على التفكير الجدي في المبادرة إلى مهاجمة الصليبيين.
أن منطقة الجزيرة قد ظهرت شخصيتها منُذ عصر صدر الإسلام بسبب مجاورتها لأطراف الدولة البيزنطية، مما نشأ عنه خطر شديد على المسلمين أيام الأمويين والعباسيين فأصبحت خط الدفاع الأول عن ثغور المسلمين ضد الروم، وبعد الغزو الصليبي أصبحت منطقة الجزيرة تواجه إمارة الرها الصليبية التي شكلت أكبر خطر على الخلافة العباسية في بغداد.
شهدت منطقة الجزيرة خلال النصف الثاني من القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي دخول الأتراك السلاجقة إليها مع ما اشتهروا به من حبهم لتربية الخيول والمغامرة مع حماسهم للإسلام بسبب قرب عهدهم به، وانتمائهم للمذهب السني وأمد السلاجقة التركمان منطقة الجزيرة بدماء جديدة شديدة التحمس إلى الجهاد في سبيل الله، وبعكس القوى الإسلامية الأخرى في بلاد الشرق الإسلامي التي خبث جذوة الحماس الديني في نفوسها وخمدت روح القتال لديها (2).
__________
(1) الجهاد ضد الصليبيين في الشرق الإسلامي ص 135، نور الدين محمود والصليبيون، حسن حبشي ص 11.
(2) الإمارات الأرتقية في الشام والجزيرة ص 201.(2/342)
الثروات الضخمة والموارد الكبيرة التي حوتها منطقة الجزيرة بسبب توفر مصادر المياه، وخصوبة الأرض؛ وسعة الرقعة الزراعية وكثرة المراعي اللازمة للخيل والماشية، الأمر الذي مكنها من مد المجاهدين بمصدر لا تنفذ من المؤن والعتاد.
هذا فضلاً عن الحصانة الطبيعية التي تمتعت بها كبرى مدن وقلاع الجزيرة التي انطلقت منها حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين مثل الموصل وآمد وماردين وحصن كيفا وغيرها، إذ أن تلك المدن التي امتازت بحصانة جغرافية فريدة جعلت اقتحامها عنوة أمراً بالغ الصعوبة وبالتالي أصبحت في مأمن من الهجمات الصليبية المضادة، ولا يستبعد أن يكون قد اختمر في نفوس زعماء حركة بعث فكرة الجهاد الإسلامي ما يمثله وجود إمارة الرها الصليبية في منطقة الجزيرة من خطورة بالغة على مركزه بالإضافة إلى خوفهم من تقدم الصليبيين جنوباً للقضاء على الخلافة العباسية في
بغداد(1) ومن هنا فلاغرو أن تبعث فكرة الجهاد الإسلامي منطقة الجزيرة بقصد انتزاع الرها من أيدي الصليبين (2).
__________
(1) الجهاد الصليبيين في الشرق الإسلامي ص 137.
(2) المصدر نفسه ص 138.(2/343)
1- جهاد قوام الدولة كربوقا صاحب الموصل : وقد أتخذت فكرة المقاومة الإسلامية مظهرها العملي منُذ سنة 491ه/1097م حيث قام قوام الدولة كربوقا صاحب الموصل بجمع ما استطاع جمعه من العساكر بقصد منع أنطاكية من السقوط بيد الصليبيين ولكن كربوقا لم يلبث أن توقف في الطريق حيث حاصر الرها لمدة ثلاثة أسابيع فأعطى بذلك فرصة كبيرة للصليبين جدوا فيها لفتح أنطاكية، وقد تم لهم ذلك، ولو أن كربوفا أنفذ إلى أنطاكية مباشرة لا سلمه ياغى سيان مدينة أنطاكية، وتغيرت ظروف المحاصرين (1) ولكن كربوقا رفع الحصار عن الرها حين سمع بسقوط أنطاكية بيد الصليبين، وعبر الفرات إلى الشام وأقام بمرج دابق حيث اجتمع هناك دقاق بن تتش صاحب دمشق وظهير الدين طغتكين أتابك دقاق، وجناح الدولة حسين صاحب حمص، وأرسلان تاشي صحاب سنجار، وسقمان بن أرتق صاحب بيت المقدس، وغيرهم من الأمراء ممن ليس مثلهم في القدوة والكفاية على حد قول
__________
(1) المصدر نفسه ص 138.(2/344)
ابن الأثير (1). وانضم الأمراء جميعاً تحت قيادة كربوغا وساربهم صوب أنطاكية في سنة 491ه/1097م التي كانت قلعتها لا تزال في أيدي المسلمين، فاقتربوا منها وشددوا عليها الحصار حتى تغير موقف الصليبين وساءت حالتهم، إذ وجدوا. أنفسهم محاصرين من الداخل والخارج، فتعرضوا لأزمة قاسية بسبب قلة الغذاء مما اضطرهم إلى أكل الجيف وأوراق الشجر(2)، ودفع ذلك الصليبيين إلى إرسال وفد إلى كربوقا يطلبون منه الأمان ليخرجوا من أنطاكية، غير أن كربوقا رفض طلبهم وقال لهم : لا تخرجون إلا بالسيف(3)، وهذا ما دفع أحد رجال الدين المسيحيين واسمه بطرس " بوشلميوا " إلى اختلاق قصة الحربة المقدسة التي أدت إلى رفع معنويات الصليبيين والتفافهم حول زعمائهم، فقويت نفوسهم على الاندفاع تجاه المسلمين والخروج من الباب جماعات متفرقة حتى تكامل خروجهم فزحفوا على المسلمين وهم في غاية من القوة والكثرة فكسروا المسلمين وفرقوا جموعهم (4)، وهكذا فشل كربوقا في قيادة التحالف الإسلامي الذي أراد من ورائه منع سقوط أنطاكية في أيدي الصليبيين
سنة 491ه/1097م وقد ذكر المؤرخون أسباب فشل كربوقا في منع سقوط أنطاكية في أيدي الصليبيين في الوقت الذي كان فيه الصليبيون قد وصلوا إلى درجة من الضعف والتدهور داخل أنطاكية ومن هذه الأسباب :
ما ذكره مؤرخ أعمال الفرنجة من أن كربوقا صاحب الموصل قد أضاع ثلاثة أسابيع في حصار الرها مما مكن الصليبيين من الاستيلاء على أنطاكية، والاحتياط بما عسى أن يطرأ لهم من هجوم مباغت سواء من المسلمين الذين كانوا داخل قلعة أنطاكية أو من إخوانهم في بلاد الشام وغيرها (5).
__________
(1) الكامل في في التاريخ (8/4000).
(2) المصدر نفسه (8/400) الجهاد ضد الصليبيين ص 138.
(3) الكامل في التاريخ (8/400).
(4) المصدر نفسه (8/400).
(5) تاريخ الحروب الصليبية (2/328).(2/345)
عدم وجود تجانس بين قوات كربوقا التي تكونت من العرب والترك وغيرهم، ثم ما قام به رضوان صاحب دمشق من بث روح الشقاق بين العرب والترك.
عدم وجود خطة عسكرية واضحة أمام كربوغا، ولعل أبرز ما يوضح ذلك هو عدم رغبة كربوقا في السماح لرجاله بتوجيه الضربة القاضية للصليبيين وهم يخرجون جماعات متفرقة من أنطاكية. وهذا يعود إلى أن كربوقا كان يخشى على ما يبدو من أنه إذا فعل ذلك فسوف لا يقضى إلا على مقدمة الصليبيين (1).
سوء معاملة كربوقا لمن معه من الأمراء، كانت سبباً من أسباب هزيمته وفشله، فقد شرع بنوع من الاستعلاء عليهم : ظناً منه أنهم يقيمون معه على هذا الحال، مما أدى إلى استيائهم من تصرفاته (2).
__________
(1) المصدر نفسه (2/350).
(2) الجهاد ضد الصليبين ص 140.(2/346)
ارتفاع الروح المعنوية عند الصليبيين بعد اختلاق قصة الحربة المقدسة، بالإضافة إلى ما قام به زعماء الصليبيين قبل وصول كربوقا إلى أنطاكية من مراسلة دقاق صاحب دمشق وأخباره أن مطامعهم لا تتعدى الاستيلاء على ما كان بيد الإمبراطور البيزنطي في شمال الشام (1)، لا يمنع هذا من القول بأن محاولة كربوقامنع أنطاكية من السقوط بيد الصليبيين كانت نقطة انطلاق في بعث فكرة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين وكشفت للصليبيين عن مدى قوة المسلمين في حالة اتحادهم، كما أنها رسمت الطريق الصحيح لمن أتى بعده من زعماء المسلمين الذين أخذوا على عواتقهم حمل لواء الجهاد الإسلامي ليكملوا المسيرة من بعده، وتتمثل هذه الحقيقة إذا علمنا أن عماد الدين زنكي قد عاش في كنف كربوقا بعد موت والده (2)على أن كربوقا صاحب الموصل قد وافته المنية عند مدينة خوى بأذربيجان سنة 495ه/1102م أثناء النزاع بين السلطان بركيارق بن ملكشاه وأخوه محمد بن ملكشاه، فخلت الموصل من أحد الزعماء الذين لم يشغلهم، النزاع القائم بين السلاجقة عن مواصلة العمل على بعث فكرة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين (3).
__________
(1) الجهاد ضد الصليبيين ص .
(2) دول الإسلام للذهبي (2/25).
(3) تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 62.(2/347)
2- جهاد جكرمش صاحب الموصل وسقمان بن أرتق صاحب ماردين وديار بكر : جعلت وفاة أتابك الموصل كربوغا الموقف مائعاً وأدت إلى إثارة الحرب الأهلية ذلك أن كربوغا أوصى بالولاية من بعده إلى سُنقرجه، وهو أحد أمرائه، وأمر الأتراك بطاعته لكن نازعه موسى التركماني نائبه في حصن كيفا، بعد أن استدعاه أعيان الموصل، واستطاع أن يقتل منافسه ويفوز بحكم الموصل بوصفه نائباً عن السلطان بركيارق (1)، واستغل شمس الدولة جكر مش صاحب جزيرة ابن عمر، فرصة الاضطرابات، ليتدخل في النزاعات الداخلية، فزحف إلى نصيبين واستولى عليها، فهرب موسى إلى الموصل وتحصَّن بها، وهناك حاصره جكرمش مدة طويلة واضطر موسى إلى الاستعانة بسقمان الأرتقي في ديار بكر، فعرض عليه إعطاءه حصن كيفا ومنحه عشرة آلاف دينار، مقابل مساعدته، قَبِل سقمان هذا العرض وقَدم له مساعدة عسكرية فاضطر جكر مش إلى فك الحصار عن الموصل ولما خرج موسى لاستقبال سقمان، قتله بعض غلمانه في الطريق فتشتَّت جيشه، وعاد سقمان مسرعاً إلى حصن كيفا، فاستولى عليه بينما تقدم جَكَرمش إلى الموصل ودخلها وسط ترحيب سكانها (2).
تولى جكرمش إمارة الموصل عام 495ه - 500ه/1101 – 1106م وعقد تحالف مع
__________
(1) المصدر نفسه ص 63.
(2) المصدر نفسه ص 63.(2/348)
سقمان بن أرتق أمير الأراتقة في ديار بكر، استهدف التصدي لتقدم الصليبيين شرقاً باتجاه قلب الجزيرة، إذ كان للانتصارات السريعة التي أحرزها الصليبيون، واعتزامهم الاستيلاء على حران الواقعة مفرق الطرق إلى العراق والجزيرة والشام، مستغلين فرصة الصراع بين الأمراء المسلمين، فضلاً عما يعنيه الاستيلاء على حران من قطع الصلة بين المسلمين في بلاد فارس والعراق والجزيرة والشام، وإعطاء الصليبيين فرصة لمهاجمة الموصل، وتأمين الرها، والسيطرة على إقليم الجزيرة، كان لهذه العوامل جميعاً الأثر الحاسم في تناسي كل من جكرمش وسقمان خلافاتهما القديمة، والعمل سوية لإيقاف تقُّدم الصليبيين (1).
أ - معركة البليخ وانتصار المسلمين على الصليبيين " وتسمى معركة حران " :
__________
(1) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 95 عماد الدين خليل.(2/349)
أرسل كل من جكرمش وسقمان إلى صاحبه يدعوه إلى الاجتماع لتلاقي أمر حّران ويعلمه أنه قد بذل نفسه لله تعالى وثوابه : فأجاب كل منهما صاحبه، واجتمعا على الخابور عند رأس العين، حيث عززا تحالفهما وتوجها على رأس عشرة آلاف فارس من الترك والعرب والأكراد لمنازلة الرها قبل أن يتعرضا للهجوم، وعندما سمع بلدوين الثاني أمير الرها نبأ احتشادهم في رأس العين أرسل إلى جوسلين وبوهمند يستنجد بهما، واقترح عليهما أن يحَّولا وجهة الهجوم بأن يقوما بمحاولة لمنازلة حران، وبعد أن أبقى بلدوين حامية صغيرة في الرها اتخذ طريقه إلى حران على رأس جماعة صغيرة من الفرسان والأرمن، وانحاز إليه بالقرب من حران كل من جوسلين أمير تل باشر وبوهمند أمير أنطاكية، وابن أخته تانكرد، وبطريرك إنطاكية، وجيش ضم فرسان الصليبيين وأمراءهم وعدداً كبيراً من الأرمن ورجال الدين، بلغ عدده نحو ثلاثة آلاف فارس، ونحو ثلاثة أمثال هذا العدد من الرجالة، والواقع أن هذا الجيش يمثل القوة الضاربة الكاملة لدى صليبيين شمالي الشام، عدا حاميات الحصون، وعندما احتشد هذا الجيش أمام حران كان جكرمش وحليفه لا يزالان يزحفان نحو " الرها " (1). كاد الصليبيون أن يستولوا على حران، بعد وقت قصير من فرض الحصار عليها، إلا أن الخلاف الذي نشب بين بلدوين لي بور، وبوهمند، وإصرار كل منهما على رفع رايته على المدينة بعد الاستيلاء عليها، ساعد على صمود حران، وأتاح للمسلمين فرصة التحرك لقتال الصليبيين قبل سقوط هذا الموقع بأيديهم، وتم اللقاء بين الطرفين على نهر البليخ في التاسع من شعبان، حيث أظهر المسلمون الهزيمة، فتبعهم الصليبيون نحواً من فرسخين، فأعاد المسلمون الكرة عليهم، وأبادوا معظم قواتهم(2)، وغنموا مقادير كبيرة من الأموال والممتلكات (3)
__________
(1) الحروب الصليبية رنسمان (2/71 – 72) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص96.
(2) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 96.
(3) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 96.(2/350)
، وكان بوهمند أمير أنطاكية وابن أخته تانكر، قد كمَنا خلف إحدى المرتفعات لينقضّا على المسلين من مؤخرتهم حين يشتد القتال، فلما خرجا شاهدا هزيمة رفاقهم ونهب معسكراتهم، فأقاما في أماكنهما إلى الليل، ومن ثم تسللاً هاربين، فتبعهما المسلمون وقتلوا وأسروا من أصحابها عدداً كبيراً، بينما تمكّنا هما من الفرار إلى الرها. أما بلدوين وجوسلين فقد تم أسرهما. وكان بلدوين قد انهزم مع جماعة من قواده وخاضوا نهر البليخ، إلا ان الأوحال أعاقت تحرُّكهم السريع؛ فلحقهم قائد تركماني من أصحاب سقمان وتمكن من أسرهم؛ حيث حمل بلدوين إلى سيده سقمان (1).
ب- الخلاف بين جكرمش وسقمان : وعندما رأى أصحاب جكرش أنّ قوات سقمان قد استولت على حصة الأسد من غنائم الصليبيين قالوا لسيدهم : أي منزلة تكون لنا عند الناس وعند التركمان إذا انصرفوا بالغنائم دوننا ؟ وحسنوا له اختطاف بلدوين، فأرسل جكرمش بعض أصحابه، حيث تمكنوا من اختطاف بلدوين، فأرسل جكرمش بعض أصحابه، حيث تمكنوا من اختطاف الأمير الصليبي من معسكر سقمان. فلما علم هذا بما حدث، وكان خلال ذلك غائياً عن مقره، شق عليه الأمر، وتهيأ أصحابه للقتال، إلا أنه مالبث أن ردّهم وقال لهم : لا أوثر شفاء غيظي بشماته الأعداء بالمسلمين(2)، ومن ثّم تقَّدم على رأس قواته، وأخذ سلاح الصليبيين وراياتهم، وألبس أصحابه ملابسهم وأركبهم خيلهم وجعل يأتي حصون إقليم شبختان من ديار بكر، فيخرج الصليبيون منها، ظناً منهم أن أصحابهم قد انتصروا فيجابههم سقمان ويقضي عليهم ويقتحم حصونهم، وتمكن بذلك من وضع يده على عدد من حصون المنطقة، وقفل عائداً إلى مقر إمارته في ديار بكر (3).
__________
(1) المصدر نفسه ص 97.
(2) الكامل في التاريخ (8/466).
(3) المصدر نفسه (8/466) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 97.(2/351)
ج- هزيمة جكرمش : قرر جكرمش المضي في القتال بعد عودة حليفه، وقام باقتحام قلاع الصليبيين في إقليم شبختان الممتد إلى شرق الرها، ليحمي مؤخَّرته، ومن ثم واصل السير إلى الرها نفسها وإذ أدى تمهل الصليبين من قبل إلى الأبقاء على حران بأيدي المسلمين، فقد أبقى الرها للمسيحيين ما حدث من تمهل المسلمين إذ توفر لتانكرد من الوقت ما يكفي لإصلاح وسائل الدفاع وبذا استطاع أن يردَّ أول هجوم قام جكرمش، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ما أظهره الأرمن والمحليون من الولاء والبسالة غير أن ما أحس به تانكرد من ضغط شديد، حمله على المبادرة بالاستنجاد ببوهمند، ومع أن هذا كان يواجه مشاكل عديدة، إلاَّ أنه رأى لا بَّد من جعل الأسبقية لدرء الخطر عن الرها، فنهض لمساندة ابن أخته، غير أنه عطله ما كانت عليه الطرق من أحوال سيئة. واستبَّد اليأس بتانكرد فأمر رجال الحامية بأن يتخذوا أماكنهم للهجوم قبل بزوغ الفجر، وتحت جنح الظلام انقضَّ رجاله على الأتراك الذين استغرقوا في نومهم مطمئنين، واكتمل الانتصار الصليبي بوصول بوهمند، فهرب جكرمش مذعوراً، وخلف من ورائه معسكره الزاخر بالثروة فانتقم الفرنج من هزيمة حران، وتم احتفاظهم بالرها (1) وكان من بين الأسرى الذي وقعوا في يدي تانكرد أميرة سلجوقية من عقائل بيت جكرمش الذي بلغ من تقديره لهذه السيدة أنه بادر لافتدائها مقابل مبلغ كبير من المال 15 ألف بيزنت، أو مبادلتها بالكونت بلدوين نفسه، وبلغت بيت المقدس أنباء هذا العرض، فأسرع الملك بلدوين بالكتابة إلى بوهمّند بألاَّ يجعل هذه الفرصة تفلت حتى يتم إطلاق سراح بلدوين. غير أن بوهمّند وتانكرد احتاجاً إلى المال على حين أن عودة بلدوين سوف تخرج تانكرد من وظيفته الحالية – كمسؤول على الرها – ليعود إلى أنطاكية ولذا ردَّا على رسالة الملك : أنه ليس من الدبلوماسية في شيء أن يظهروا لهفتهما الشديدة على قبول العرض، على حين
__________
(1) الحروب الصليبية ص 98.(2/352)
أنهما إذا تردّدا في القبول ربما لجأ جكرمش إلى زيادة الفدية. غير أنه في تلك الأثناء تم اتفاقهما مع جكرمش على قبول عرضه النقدي، وبذا بقي بلدوين في الأسر (1).
د- نتائج معركة البليحّ أو حرّان : كانت لمعركة البليخ نتائج بالغة الأهمية على الصعيدين الإسلامي والصليبيين، لعل أهمها :
أوقفت تقدم الصليبيين وتوسعهم باتجاه الشرق على حساب المسلمين، وقضت على آمالهم في التقدم نحو العراق وإتمام سيطرتهم على إقليم الجزيرة.
تلاشت أحلام بوهيموند في السيطرة على حلب، وتحويل إمارة إنطاكية إلى دولة كبيرة، وقضت على آمال الصليبيين بقطع الاتصال بين القوى الإسلامية في الشام والجزيرة وآسيا الصغرى عن طريق الاستيلاء على حلب.
قرَّرت مصير إقليم الرها. ذلك أن هذه الإمارة تعرضت لكثير من المتاعب الداخلية التي أضعفتها وبخاصة من جانب الأرمن الذين سرعان ما أبدوا تذمراً من الحكم اللاتيني بفعل تعسف هؤلاء مع الكنيسة الأرمينية، واضطهاد رجالها مما دفع الأرمن إلى الاتصال بالأتراك وأضحى احتمال سقوطها في أيدي المسلمين وشيكاً (2).
أتاحت للمسلمين فرصة استعادة الأملاك التي خسروها في السابق، وضُمَّت إلى إمارة أنطاكية.
أضحى تانكْرِد، بعد أسر بلدوين، وصياً على إمارة الرها، كما أصبح بوهيموند أقوى الأمراء الصليبيين في الشمال.
أدَّت ظروف الانتصار إلى زيادة التقارب بين القوى الإسلامية والبيزنطيين ضد عدوهم المشترك وأوضح ابن القلانسي خطورة النتائج بقوله : وكان نصراً حسناً للمسلمين، لم يتهيأ مثله، وبه ضعفت نفوس الإفرنج، وقلَّت عدتهم، وفلتَّ شوكتهم ، وقويت نفوس المسلمين، وأرهفت عزائمهم في نصرة الدين، ومجاهدة الملحدين، وتباشر الناس بالنصر عليهم، وأيقنوا بالنكاية فيهم والإدالة منهم.
حَّطمت أسطورة أن الصليبيين لا يقهرون (3).
__________
(1) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 99.
(2) تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 65.
(3) المصدر نفسه ص 95.(2/353)
استغل الإمبراطور البيزنطي الكسيوس فقد استغل فرصة ضعف مركز بوهمند إثر تعّرضه للانتقاد بسبب عدم افتدائه لرفيقه بلدوين، فضلاً عن التزامه بالمعاهدات التي كان عقدها مع الإمبراطور الذي راح يشجع الانتفاضات التي قام بها سكان قليقية ضد حكامهم النورمان، كما أوعز إلى قواته بالاستيلاء على عدد من المدن والمواقع التي كان تانكرد قد استولى عليها من قبل، واشترك الأسطول البيزنطي في السيطرة على بعض المدن الساحلية بين اللاذقية وطرطوس، يضاف إلى ذلك أن البيزنطيين تمكنوا من استغلال قواعدهم البحرية في قبرص لتقديم المساعدات لريموند الضجلي – عدو بوهمند الدود – الذي كان يسعى لتأسيس إمارة حول طرابلس تحاذي أنطاكية من الجنوب في الوقت الذي لم يتقدم فيه أحد من القدس لنصرة بوهمند ومساعدته في هذه المحنة (1).
وهكذا قدر لجكرمش، بتحالفه مع سقمان، أن يلعب دوراً خطيراً في تاريخ الحروب الصليبية، وأن يقدم وحليفه للعالم الإسلامي، أول نصر حاسم على الصليبيين، فتح به الطريق لظهور قيادات وأحلاف إسلامية وجهت الضربات المتتالية للقوى الصليبية، تلك القيادات التي بدأت بمودود حاكم الموصل السلجوقي، وانتهت بصلاح الدين، عبر إيلغازي وبلك الأرتقيين، وآق سنقر البرسقي، ثم عماد الدين ونور الدين الزنكيين (2).
__________
(1) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 100.
(2) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 102.(2/354)
و- مواصلة جكرمش للجهاد ورغم بعض البوادر السلبية التي أعقبت انتصار المسلمين في البليخ فإن جكرمش ظل يطمح لتحقيق انتصارات أخرى في هذا الميدان، وبعد أقل من سنتين أتيح له ذلك عندما تلقى في أواخر عام 499ه - 1106م أمراً من السلطان محمد بالقيام بحملة جديدة لمهاجمة الصليبيين، فاتصل بأمراء المنطقة وتمكن من تشكيل حلف يضم رضوان أمير حلب وإيلغازي الأرتقي أمير ماردين وألبي تمرتاش صاحب سنجار والأصبهبذ صاوا أحد كبار أمراء فارس إلاَّ أن ما طرحه إيلغازي على الأمراء المذكورين، أعاق تنفيذ الخطة المقترحه؛ إذ طلب منهم أن يبدؤوا حملتهم ضد جكرمش بقصد الاستيلاء على الموصل لكسب رضا السلطان محمد الذي كان يحقد على حاكم الموصل بعض تصرفاته، فضلاً عن إمكانية الاستفادة المباشرة من ميزان الموصل وإمكانياتها المالية والعسكرية ضد الصليبيين فوافقه زملاؤه على ذلك ومضوا سوية لمهاجمة نصيبين التابعة لحاكم الموصل. إلا نواب جكرمش هناك نجحوا – بتوجيه من سيدهم في الموصل – في إثارة النزاع والكراهية بين رضوان وإيلغازي، فاغتنم رضوان فرصة إقامة وليمة أمام أسوار نصيبين وقام باختطاف إيلغازي وتكبيله واعتقاله، إلا أن أتباعه من التركمان تمكنوا من تخليصه، وقاموا بهجوم مباغت على معسكر رضوان أرغمه على الانسحاب والعودة إلى حلب وبذا تمزق هذا التحالف قبل أن يخطو خطوة واحدة صوب هدفه الأساسي في قتال الصليبيين (1)، إلا أن ذلك كله لم يثني جكرمش عن عزمه على مهاجمة أعدائه الحقيقيين، إذ إنه ما أن تمكن من إحباط مساعي الأمراء المتحالفين ضده حتى بادر بشن الهجوم على الرها، إلا أنه مالبث أن عاد إلى الموصل ليواجه متاعب جديدة تجاه السلاجقة بعد أن نجح في التغلب على هجوم قامت به عساكر، ريتشارد (سالرنو) الذي كان يحكم الرها آنذاك نيابة عن بلدوين المأسور. ولم يمضى وقت قصير على ذلك حتى تحرك قلج أرسلان، سلطان سلاجقة الروم، لمهاجمة
__________
(1) المصدر نفسه ص 103.(2/355)
الرها، فانتهز نواب جكرمش الفرصة وأرسلوا إليه يستدعونه يسلموا إليه البلد، فتقَّدم قلج أرسلان إلى هناك ودخل حران، وفرح به الناس لأجل جهاد الفرنج (1)، وأقام هناك أياماً اضطر بعدها للعودة إلى بلده بسبب مرض شديد ألّم به تاركاً في حران جماعة من أصحابه لحمايتها (2)، ويبدو أن شخصية قلج أرسلان بدأت تطغى، بما تمتع به من قوة واستقلال ونفوذ، على شخصيات رفاقه من الأمراء المسلمين في المنطقة بسبب خلافاتهم المستمرة، وتطاحنهم الدائم من أجل تحقيق مكاسب إقليمية محدودة فضلاً عن أن المشاكل التي جابهت جكرمش في الموصل، وتدهور علاقته مع السلاجقة صرف اهتمامه كلية عن ساحة الجهاد ضد الصليبيين، الأمر الذي أدّى إلى أن يستقطب قلج أرسلان اهتمام نواب جكرمش في حران فاستدعوه وسلمَّوه البلد، مما يفسر لنا – كذلك – ما حدث بعد قليل من استدعاء قلج أرسلان من قبل أهالي الموصل كي يتولى حكمهم، إثر مقتل حاكمهم السابق جكرمش(3).
3- قلج أرسلان وجهاده الكبير في آسيا الصغرى : لم يكد الغرب الأوروبي يعلم بنبأ النجاح الذي حقَّقته الجموع الصليبية في بلاد الشام وفلسطين حتى تحمَّس كثير من الأمراء الذين لم يشاركوا من قبل في الذهاب إلى الشرق، تدفعهم مطامع شخصية دنيوية وهي الحصول على الغنائم والضياع فضلاً عن مطامع دينية وهي الحصول على الثواب والغفران، ويُذكر بأن الصليبيين في الشرق كانوا بحاجة ماسَّة إلى محاربين ومستعمرين بهدف :
مواصلة الحرب ضد المسلمين.
استئناف عملية التوسع.
حراسة ما حقّقوه من مكاسب.
المحافظة على هذه الحقوق ضد أي محاولة استرداد من جانب المسلمين.
__________
(1) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 103.
(2) الكامل في التاريخ نقلاً عن المقاومة الإسلامية ص 104.
(3) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 104.(2/356)
استجاب المجتمع الغربي لهذه الظاهرة، وانبعث منه صحوة صليبية أسفرت عن تدفق جموع صليبية أخرى إلى الشرق. وشكَّل اللمبارديون أولى تلك الجموع، فغادروا إيطاليا في
عام 494ه/1101م بقيادة أنسلم بوي رئيس أساقفة ميلان، وصحبه عدد من الأمراء من بينهم ألبرت كونت بينادرات ، جيوبرت كونت بارما، وهيوكونت مونتيبلو (1)، ويبدو أن هذه المجموعة اللمباردية على الرغم من وفرة عدد المشتركين فيها، لم تِكن تختلف كثيراً من حيث النوعية عن جموع العامة السابقة، بدليل أنهَّها لم تضم سوى عدد قليل من الفرسان المحاربين، تألفَّت غالبيتها العظمى العامة الذين لا يحسنون القتال، ويفتقرون إلى النظام، ولما وصلوا إلى ضواحي القسطنطينية ارتكبوا أعمال السلب والنهب مما حمل الأمبراطور البيزنطي على الإسراع بنقلهم إلى آسيا الصغرى، وذلك في جمادي الأولى/آذار واستقروا في نيقوميدية بانتظار وصول جموع أخرى (2)، وفعلاً لم تلبث أن وصلت مجموعة أخرى من الفرنسيين بقيادة ستيفن بلوا، وانضم إليه عدد من الأمراء أمثال ستيفن كونت برجنديا وهيوكونت بروي، وبلدوين كونت جرانبريه، وهيوبييرفون أسقف سواسون بالإضافة إلى سرية ألمانية وعبرت هذه المجموعة البوسفور، وعسكر أفرادها عند نيقية على مقربة من المعسكر اللمباردي، وبلغ عدد أفراد المجموعتين بين مائتين وثلاثمائة ألف مقاتل، وعين الأمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين صديقه ريموند تولوز، قائداً عاماً عليهم، وألحق بهم جماعة من الجنود البيزنطيين بقيادة تسيتاس (3).
__________
(1) تاريخ سلاجقة الروم في آسيا ص 96.
(2) المصدر نفسه ص 96.
(3) الكامل في التاريخ نقلاً عن تاريخ سلاجقة الروم ص 97.(2/357)
معركة مرسيفان : تحرك الجيش الصليبي الضخم من نيقوميدية إلى دور يليوم بهدف الوصول إلى الأراضي المقدسة، على أن يعيد أثناء زحفه فتح الطريق الذي يجتاز آسيا الصغرى، لذلك أوصى الأمبراطورستيفن بلو بأن يسلك الجيش الطريق الذي سلكته الجموع الصليبية السابقة الذي يجتاز دوريليوم وقونية، غير أن اللمبارديين رفضوا التوجه إلى الأراضي المقدسة إلا بعد فك أسر بوهيموند الذي اتخذوه مثلاً يُحتذى وبطلاً لهم، والمحارب الوحيد الذي يثقون به ليقودهم إلى النصر، وأصّروا بأن تتوجه الحملة إلى كمبادوكية ويذكر ابن الأثير أن هدف تلك الجموع الصليبية كانت تخليص بوهيموند من الأسر(1)، وعلى الرغم من احتجاج بعض القادة الأمراء لقلج أرسلان، فاستولوا عليها وتابعوا طريقهم إلى كنغري الواقعة في جنوب بافلاجونيا كي يسلكوا الطريق الرئيسي المؤدي إلى أماسية ونيكسار وحتى يعرقل التقدم الصليبي، واتَّبع أسلوب البدو بتخريب البلاد أثناء أنسحابه وحرق كل ما يمكن أن يستفيد الصليبيون منه وبخاصة مواد التموين وفي الوقت نفسه، أخذت القوى التركية تتجمَّع في تحالف جديد لمواجهة الخطر الصليبي، فبادر كمشتكين أحمد الدانشمند بتجديد تحالفه مع قلج أرسلان، كما حثَّ رضوان صاحب حلب على أن يرسل عدداً من الجنود (2)، وصل الصليبيون إلى كنغري فألفوا الأتراك فيها بكامل قوتهم، واستعصت عليهم المدينة لمناعتها، فاضطروا إلى متابعة سيرهم بعد أن نهبوا القرى المجاورة لكن التعب بدأ يظهر عليهم بسبب النقص في المؤن، وشدة الحرارة، ومضايقة الأتراك واقترح ريموند، حتى يجنَّب الجيش الدمار المخفَّف أن يتوجه صوب الشمال الشرقي إلى قسطموني، ومنها إلى إحدى المدن البيزنطية على ساحل البحر الأسود. على أن الرحلة إلى قسطموني كانت بطيئة وشاقة بسبب نفاذ المؤن وتدمير الأتراك للمحاصيل الزراعية، وردمهم للآبار، وتعَّرض
__________
(1) تاريخ سلاجقة الروم في آسيا ص 97.
(2) الحروب الصليبية (2/43) رنسيمان.(2/358)
الصليبيون بهجوم تركي مفاجئ فتفرقوّا ولا يلوون على شيء قبل أن يعيد ريموند لمَّ شعثهم ولما وصلوا إلى أطراف قسطموني، كان على ريموند أن يشق طريقاً بين الجموع التركية إلى الساحل، على أن اللمباردين، أصُّروا مجدداً على التوجه إلى الشرق، ونزل باقي الأطراف على رأيهم مرغمين (1).
واجتاز الجيش الصليبي نهر هاليس إلى بلاد الدانشمدين ووصل أفراده إلى مدينة مرسيفان الواقعة في منتصف الطريق بين النهر وأماسية (2). وعندما أدرك الأتراك أن القوة الصليبية أصبحت منهكة تقَّدموا نحوها وإصطدموا بها، ولم يمض وقت طويل حتى تضعضع الصليبيون وفرُّوا من أرض المعركة تحت ضغط القتال مخلفين وراءهم نساءهم ورهبانهم ولجأ ريموند إلى تل صغيراً احتمى به إلى أن أنجده الفرنسيون والألمان، ثم هرب خلال الليل بعدما يئس من إحراز أي نصر، وترك وراءه المعسكر الصليبي ومن كان به من غير المحاربين ليقع غنيمة في أيدي الأتراك (3). تلت المعركة عملية مطاردة لم ينج منها إلا الفرسان، وبلغت خسائر الصليبيين أربعة أخماس الجيش (4)، واستولى الأتراك على كميات كبيرة من الأسلحة، وغنموا كثيراً من الأسرى بيعو رقيقاً ولم يلبث ريموند أن وصل إلى بافرا، المينا البيزنطي الصغير على البحر الأسود قرب سينوب، وأقلتّه من هناك سفينة بيزنطية إلى القسطنطينية(5)، ويشير المؤرخ اللاتيني ألبرت أوف أكس، أن ريموند تلقى رشوة من الأتراك كي يقود الجيش إلى قسطموني، وهذا مستبعد، لأن من يتتبع سير الحملة وما رافقها من أحداث يلمس مدى ما بذله ريموند من جهد في إقناع اللمبارديين بعدم التوجه إلى بلاد الدانشمنديين أولاً، ثم محاولته إخراج الجيش من المأزق التي أوقع نفسه فيها ثانياً، وما اختياره للطريق إلى قسطموني إلا نتيجة لما تعَّرض له
__________
(1) تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصغرى ص 98.
(2) المصدر نفسه ص 98.
(3) المصدر نفسه ص 98.
(4) المصدر نفسه ص 98.
(5) تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصغريى ص 99.(2/359)
الجيش من متاعب وأما فراره من أرض المعركة، فناتج عن إدراكه بعدم جدوى متابعة القتال بعد أن وليَّ اللمبارديون الأدبار وتبعهم البجناك المرتزقة (1).
ب - معركة هرقلة الأولى : محت الكارثة التي حلَّت بالصليبيين في مرسيفان، الشهرة، التي أكتسبها هؤلاء نتيجة انتصارهم في دويليوم وزاد من أثرها أنها لم تكن الكارثة الأخيرة. إذ، في الوقت الذي غادر فيه اللمبارديون مدينة نيقوميدية، وصل إلى القسطنطينية جيش فرنسي بقيادة وليم كونت نيفر على رأس خمسة عشر ألف من الفرسان والمشاة وحرص وليم على اللحاق باللمبارديين على وجه السرعة، فغادر القسطنطينية إلى نيوقوميدية، وعلم فيها أن الجموع الصليبية مضت في طريقها إلى أنقرة فسار إلى هذه المدينة ووصل إليها بسهولة. لكن لم يكن أحد يعلم بالجهة التي سارت إليها هذه الجموع، لذلك لم يسع الكونت إلاًّ أن توجه نحو قونية، ولما وصل إليها ضرب الحصار عليها، وتولت حامية تركية سلجوقية الدفاع عنها، وما قام به من محاولات للاستيلاء عليها باءت بالفشل فتركها (2). كان السلاجقة وحلفاءهم قد فرغوا، في غضون ذلك، من إبادة الجموع اللمباردية، وعلم قلج أرسلان وكمشتكين أحمد دانشمند بقدوم هذا العدو الجديد، وإذا لا زالت تغمرهما حرارة الانتصار، سارا نحو الجنوب، وسبقا وليم إلى هرقلة وسارت عساكر نيفر ببطء من قونية متوجهين نحو الشرق، ولما وصلوا إلى مكان قريب من هرقلة، وكان التعب قد استبَّد بهم، هاجمهم الأتراك، فانهارت مقاومتهم بعد معركة لم تستمر طويلاً، ولقي الجيش الفرنسي بأسره مصرعه، باستثناء الكونت وستة من أتباعه (3).
__________
(1) المصدر نفسه ص 99.
(2) المصدر نفسه ص 99.
(3) المصدر نفسه ص 99 ، 100(2/360)
ج- معركة هرقلة الثانية : في الوقت الذي كانت فيه حملة نيفر تجوس آسيا الصغرى، وصلت الدفعة الأخيرة من تلك الجموع الصليبية إلى القسطنطينية، وتألَّفت من فرنسيين وألمان بقيادة وليم التاسع دوق أكويتين، وولف الرابع دوق بافاريا، وبلغ عدد أفرادها ستين ألف مقاتل خرجت هذه الجموع من القسطنطينية باتجاه قونية، وسلكت الطريق نفسه الذي سلكه، بوهيموند، من قبل، وانتهج الأتراك تجاهها الخطط نفسها التي طبَّقوها من قبل، باحراق الغلال وإتلاف المؤن وطمر الآبار، ولما وصل أفراد هذه المجموعة إلى قونية وجدوا المدينة خاوية وكانت الحامية السلجوقية قد أخلتها بعد أن قاومت حملة نيفر، وحملت معها كل ما كان فيها من مؤن، كما جّردت البساتين والحدائق من كل ما يمكن أن يفيد الصليبيين (1)ولم يمكث الصليبيون في قونية وغادروها إلى هرقلة عن طريق يبلغ طوله خمسة وخمسون ميلاً، فعانوا من المتاعب الكثيرة حتى اشتد بهم الجوع والعطش وكان الأتراك يتخطفونهم بالقتل بين الحين والآخر ولما دخلوا إلى المدينة وجدوها مهجورة(2)، تربَّص المسلمون في هذا الوقت بالصليبيين، وكمنوا لهم في الغابات المحيطة بهرقلة، وباغتوهم وهم يشربون من ماء ذلك النهر المتفجر وراء المدينة، وعندما اضطرب نظامهم، انقضَّ عليهم الأتراك وأبادوهم عن آخرهم، باستثناء قلة قليلة استطاعت النجاة بصعوبة، من بينهم وليم التاسع وولف الرابع وتوجها إلى طرسوس ومنها إلى أنطاكية (3).
د- نتائج معارك قلج أرسلان السابقة : أنتهت كل مجموعة من المجموعات الثلاث، نهاية محزنة أثَّرت نتائجها في سير الحركة الصليبية من جهة وفي الأتراك بعامة والسلاجقة بخاصة من جهة أخرى وأهم هذه النتائج هي : -
__________
(1) تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصغرى ص 100.
(2) المصدر نفسه ص 100.
(3) تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصغريى ص 100.(2/361)
ثأر السلاجقة لم حلَّ بهم في دوريليوم، فلن يجري بعدئذ طردهم من الأناضول كما رفعت الانتصارات المتتالية روحهم المعنوية.
ظل الطريق الذي يجتاز آسيا الصغرى إلى بلاد الشام غير آمن للجيوش الصليبية والبيزنطية على السواء على الرغم من نجاح المجموعات الصليبية الأولى في اقتحامه، فخشي المهاجرون الصليبيون سلوك هذا الطريق البري الذي يجتاز القسطنطينية إلى إيسوس، مالم يكونوا في جيوش ضخمة، ولم يعد بوسعهم القدوم إلا بحراً مع ما يتطلَّب ذلك من مصاريف إضافية لم يتمكنَّ من دفعها إلا القليل. وظل هذا الطريق البري مغلقاً في وجه الصليبيين عدة أعوام (1).
القى الصليبيون اللوم على البيزنطيين بما حلّ بهم من مصائب وحّملوهم مسؤولية ما حدث. وتردَّدت الشائعة بينهم أن ريموند كان يُنفَّذ تعاليم الأمبراطور عندما أخرج الجيش الذي يقوده عن طريق المرسوم ليلقى أفراده حتفهم في كمين سبق إعداده، والواقع أن اللاتين أرادوا التماس كبش فداء يتحمَّل مسؤولية أخطائهم، فألقوا اللوم على البيزنطيين، وعدُّوهم مسؤولين عّما حلَّ بهم من كوارث(2).
لم يلبث قلج أرسلان أن أزداد افتخاراً بعد هذه الانتصارات وشاركه سائر أتراك الأناضول، وأضحى بوسعه أن يعيد سيطرته على جوف الهضبة، ثم أقام في عاصمته قونية الواقعة على الطريق الرئيسي الذي يربط القسطنطينة لبلاد الشام (3).
استأنف الدانشمنديون فتوحهم في وادي الفرات دون عائق وبلغوا أطراف إمارة الرها، كما فتحوا ملطية وأسروا حاكمها في 23 ذي الحجة 495ه/ 18 أيلول 1102م.
أعاد رحيل الصليبيين إلى بلاد الشام، الخصومة والتنافس بين السلاجقة والدانشمنديين، وتنازع البيتان التركيان الكبيران حول امتلاك ملكية وفدية بوهيموند، فتفكَّكت بذلك جبهة الأتراك في المنطقة (4).
__________
(1) تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصغرى ص 101.
(2) المصدر نفسه ص 101.
(3) المصدر نفسه ص 101.
(4) المصدر نفسه ص 101.(2/362)
أثر وفاة قلج أسلان : راسل زنكي بن جكرمش قلج أرسلان الأول يستنجد به وكان آنذاك في ملطية، ووعده بتسليمه الموصل والأعمال التابعة لها، واستغل السلطان قلج السلجوقي هذه الفرصة للتوسع على حساب الأمراء المتنازعين، فأسرع لنجدة زنكي،
ولما علم جاولي بمسيره، انسحب من المدينة، لا سيما وقد توفي جكرمش فجأة وهو في الأسر، وكان ينوي اتخاذه أداة للمساومة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فأنه أدرك أن لقلج أرسلان الأول من القوة ما لايستطيع مجابهته في معركة سافرة، لذلك قّرر تكوين حلف مناهض له حتى يدعم موقفه(1) ، لكن قلج أرسلان الأول تمكَّن من دخول الموصل وسط ترحيب السكان، وقد وعدهم باحترام حرياتهم وأجرى فيها بعض الترتيبات الإدارية (2)،
وأما جاولي، فقد انسحب إلى سنجار، وأجرى مباحثات مع كل من إيلغازي الأرتقي ورضوان صاحب حلب، واتفق في نهايتها على طرد قلج أرسلان الأول في الموصل، والتوجه بعد ذلك لمهاجمة أنطاكية وانتهت الحرب ضد قلج أرسلان الأول بهزيمته وغرقه في نهر
الخابور (3) في عام 500ه/1107م(4)، ويعتبر قلج أرسلان الأول من الشخصيات الفذَّة التي أنجبتها سلاجقة الروم، وتأثر الشرق الأدنى بمختلف فئاته بموته.
فسلاجقة الروم الذين لم يظهر بينهم زعيم قوي يحل محل قلج أرسلان تعرَّضوا لضغظ متزايد من جانب الأمبراطورية البيزنيطية التي جدَّدت تدخلها في شؤونهم الداخلية، واستطاع الكسيوس كومنين أن يعيد، باطمئنان، سيطرته على المناطق الغربية لآسيا الصغرى وعلى امتداد ساحلها الجنوبي.
__________
(1) تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 68.
(2) المصدر نفسه ص 68.
(3) نهر الخابور : نهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة.
(4) الكامل في التاريخ (8/502).(2/363)
أطالت وفاة قلج أرسلان من عمر دولة السلاجقة العظام، ما يقرب من مائة عام. ذلك أن الانقسامات الحادة داخل الدولة بين السلاطين والأمراء للسيطرة على العرش، وكثرة الحروب الداخلية بينهم بالإضافة إلى الأخطار الخارجية التي أحاقت بهم، كخطر الحشيشية والخطر الصليبي، وشجَّع قلج أرسلان على التدخل في شؤون الشرق للسيطرة على مقاليد الحكم، وليوحَّد من جديد كل القوى السلجوقية في المشرق وكانت باستطاعته تحقيق حلمه هذا، فالظروف السياسية الداخلية والخارجية مواتيه غير أن وفاته أنقذت السلاجقة العظام من الزوال وأطالت أمد عمرها.
تُعدُّ وفاة قلج أرسلان مرحلة بالغة الأهمية في انفصال سلاجقة الروم عن سلاجقة المشرق. ذلك أن الأخطار الداخلية والخارجية التي أحاقت بدولة السلاجقة العظام حالت بينهم وبين التدخُّل في شؤون الفروع السلجوقية الأخرى وبخاصة في بلاد الشام وآسيا الصغرى، والجدير بالذكر أن دولة سلاجقة الروم كانت لا تزال حتى ذلك الوقت تابعة أسمياً للسلاجقة العظام، ولم تستقل تماماً إلا في عام 552/1157م (1).
حرم موت قلج أرسلانن سلاجقة الشام من قوة كانت كفيلة بإقامة الوحدة بينهم، ذلك أن السيادة السلجوقية في بلاد الشام، أخذت تتقلصَّ سريعاً، لأن ابنى تتُشى، رضوان ودقاق لم يتمتعا بالمقدرة السياسية التي تمكَّنهما من مواجهة الأوضاع القلقة التي عاشتها بلاد الشام في أواخر القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، وأوائل القرن التالي، ولعل أكبر مظهر لانحلال سلطان السلاجقة في بلاد الشام والعراق وغيرهما، هو ظهور عدد كبير من البيوت الحاكمة التي تجمعها رابطة الاتصال بالبيت السلجوقي وظهرت من تلك البيوت، وحدات سياسة أطلق عليها اسم الأتابكيات وعلى أصحابها اسم الأتابك (2).
__________
(1) تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصغرى ص 111.
(2) تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصغرى ص 111.(2/364)
أزالت وفاة قلج أرسلان خطراً شديداً عن صدر الأمبراطورية البيزنطية في وقت حرج،
إذ كان بوهيموند يستعد لمهاجمة بلاد البلقان في عام 501ه/1107م انطلاقاً من حصن دورازو المنيع وقد ضحى الكسيوس كومنين بحدود بلاده الجنوبية الشرقية من أجل إنقاذ دورازو، فعقد معاهدة مع قلج أرسلان حصل بموجبها منه على مساعدة عسكرية، إلا أن وفاته المفاجئة، وعدم وجود شخصية قوية تحل محله، أعطاه الفرصة ليتفَّرغ وهو مطمئن، لمواجهة خطر بوهيموند، الذي انهزم أمامه عام 502ه/1108م(1).
جعلت وفات قلج أرسلان الموقف في آسيا الصغرى مائعاً إذا أن أكبر أولاده الأربعة وهو ملكشاه أضحى أسيراً في يد السلطان محمَّد بعد معركة الخابور، بينما استولت أرملته على ملطية والأقاليم الشرقية بمساعدة الأمير أيدبر الذي اعترف بسيادة طغرل أرسلان، أصغر أولاد قلج أرسلان، على بلاد الروم، أما الإخوان الآخران، وهما مسعود وعرب، فقد عاش الأول في بلاد الدانشمنديين في حين استقر الثاني في قوينه (2).
لم يكن انهيار الحكم المركزي لسلاجقة الروم لصالح البيزنطيين، لأن أولئك استمروا في شنَّ الغارات على أراضي الأمبراطورية على بعض الحصون في المناطق الحدودية(3)، على أنه لم يشأ أن يغامر بالقيام إلى قيليقية أو إلى بلاد الشام، وكان هذا التصرف منه لصالح السلاجقة الذين تفَّرغوا لمعالجة مشكلاتهم الداخلية(4) .
__________
(1) المصدر نفسه ص 112.
(2) المصدر نفسه ص 112.
(3) المصدر نفسه ص 112.
(4) المصدر نفسه ص 112.(2/365)
4- جاولي سقاوة : بعد وفاة قلج أرسلان وغرقه في نهر الخابور عام 500ه/1107م أضحى بوسع جولي أن يدخل الموصل، غير أن ما أقترن به حكمه من الوحشية لم يلبث أن جعله مكروهاً عند الناس كما أنه لم يزد عن جكرمش فيما أظهره من الاعتراف بسلطة السلطان محمد على الرغم من أنه خطب باسمه في الموصل (1)، إذ أعلن استقلاله وقطع كل صلة به، مما دفع السلطان محمد لأن يعهد في شهر ذي القعةدة عام 501ه/شهر حزيران عام 1108م إلى أحد رجاله، وهو مودود بن التونتكين بطرد جاولي من الموصل والحلول مكانة في حكمها (2)، وهكذا اضطر جاولي إلى الفرار مجدَّداً من الموصل، وذهب إلى الجزيرة حيث التفَّ حوله جميع أعداء الدولة السلجوقية وعلى رأسهم قبيلة بني مزيد العربية، كما لم يتردد في محالفة القوى الصليبية المجاورة، فأطلق سراح بلدوين الثاني دي بورج أمير الرها، وعقد معه تحالفاً ضد السلاجقة (3). ودخل مودود الموصل وسط ترحيب السكان في شهر صفر عام 502ه/ شهر أيلول
عام 1108م (4).
5- شرف الدولة مودود بن التونتكين 501ه - 507ه/1108م -1113م :
__________
(1) الكامل في التاريخ نقلاً عن تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 68.
(2) الكامل في التاريخ نقلاً عن تاريخ الزنكيين في الموصل ص 68.
(3) تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 68.
(4) الباهر لابن الأثير ص 17.(2/366)
يحتل مودود مكانة خاصة في تاريخ الجهاد ضد الصليبيين، وقد أسهمت في تكوين هذه المكانة عوامل عدة أهمها – لا ريب – الفترة المبكرة التي ظهر فيها، والطابع الإسلامي العميق لشخصيته المتفانية في سبيل أهداف المسلمين الكبرى، وسياسته الداخلية العادلة السمحة وقدرته – بناء على ذلك كله – على تزعُّم حركة الجهاد وإيجاد نوع من التنسيق، ربما لأول مرّة، بين كافة القوى الإسلامية في ساحات الجهاد، الأمر الذي لن نجده متبلوراً وناضجاً إلاَّ في عهد الأراتقة وزنكي فيما بعد.. وأخيراً نجاحه في وضع الصليبيين في موضع الدفاع، وتحقيقه عدداً من الانتصارات، جاء أحدها عند مرتفعات طبرية في قلب فلسطين، بعيداً عن الساحة التي درج عليها الصراع بين ولاة الموصل السابقين وأعدائهم... ثم جاء مقتله السريع، إثر ذلك، في جامع دمشق على أيدي الشيعة الباطنية الأعداء الشرسين لحركة الجهاد والمقاومة، والحزن العميق الذي شمل جماهير المسلمين بعيد اغتياله والكلمات المخلصة التي فاه بها قبيل استشهاده ... جاء ذلك كله لكي يؤكد مكانة مودود الإسلامية كبطل من أبطال الحروب الصليبية ورائد من رواد الجهاد الأولين (1).
__________
(1) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 112.(2/367)
أ- حملة مودود الأولى ضد الرها : في عام 503ه - 1109م بعد أشهر قليلة من استتباب الأمر له في الموصل وبعدأن تلقَّى أمراً من السلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه بالتحرك لقتال الصليبيين فبدأ مودود بتشكيل تحالف إسلامي ضم الأمير إيلغازي الأرتقي أمير ماردين بعساكره من التركمان، وسقمان القطبي أمير أرمينية المعروف باسم شاه الأرمن وعدد كبير من المتطوعين (1)وكان هذه أول مرة يجتمع فيها هذا العدد من الأمراء المسلمين لقتال الصليبيين، ولهذا تُعدُّ هذه الحملة فاتحة عهد جديد من النضال ضد الصليبيين، ونقطة تحول هامة من التفرق والتخاذل إلى التجمع والهجوم (2)وما إن علم الصليبيون في الرها بحشود المسلمين حتى انفذ بلدوين دي بورج رسولاً إلى بيت المقدس يلتمس النجدة العاجلة من الملك بلدوين، متجاهلاً الاستعانة بـ " تانكرد"صاحب أنطاكية، إذ كان يشك في نواياه، وباتفاقه مع المسلمين ضد الرها وكان الملك بلدوين آنذاك يحاصر مدينة بيروت، ولم يتحرك إلا بعد أن أستولى عليها، فأسرع بالمسير نحو الشمال، وصحبه برترام أمير طرابلس، وانظم إليه قرب سميساط، بعض زعماء الأرمن وعلى رأسهم كوغ باسيل، فوصل إلى الرها في آخر شهر ذي الحجة/أواخر شهر تموز، وظل الأتابك مودود يحاصر الرها مدة شهرين دون أن يتمّكن من اختراق استحكاماتها، فلما تراى له جيش بيت المقدس، رفع الحصار عنها وتراجع إلى حّران وفق خطة عسكرية محكمة، وانضم إليه طغتكين أتابك دمشق (3)، وقّرر الملك بلدوين مطاردة الجيوش الإسلامية، إلا أنه كان عليه أن يوحَّد كلمة الصليبيين قبل أن يقوم بهذا العمل، فاستدعى تانكْرِد صاحب أنطاكية، ونجح في تحقيق المصالحة بينه وبين أمير الرها (4)، وكان مودود قد أمعن في انسحابه
__________
(1) المصدر نفسه ص 113، تاريخ الزنكيين في الموصل ص 69.
(2) نور الدين محمود، حسين مؤنس ص 123.
(3) ابن القلانسي ذيل تاريخ دمشق ص 271.
(4) تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 70.(2/368)
لاستدراج الصليبيين إلى مكان بعيد عن قاعدتهم، ثم تطويقهم بعد أن ينحرف فجأة إلى الشمال لكن عملية المطاردة توقفت فجأة، وانفرط عقد التحالف الصليبي، لأنه تضافرت عدة دوافع جعلت الصليبيين يتوقفون عن المطاردة ويتراجعون من المنطقة لعل من أهمها :
قد تلقّى الملك بلدوين تحذيراً مبكراً بخطة مودود، ففكّ الحصار عن قلعة شناو التي تقع إلى الشمال الغربي من حّران، كما تلقّى إنذاراً من بيت المقدس بتحرك فاطمي ضد بيروت، فقَّرر التخليَّ عن الحملة (1).
راجت شائعات في الأوساط الصليبية، بأن رضوان صاحب حلب يستعد لمهاجمة أنطاكية في ظل غياب أميرها، فاضطر تانكرد إلى التخلي عن الحملة.
وبناء على نصحية الملك، بأن لا جدوى من محاولة حماية الجهات الواقعة شرقي نهر الفرات، أوعز بلدوين إلى السكان بالجلاء إلى الجهات الواقعة على الضفة اليمنى، واحتفظ بحاميات عسكرية في حصني الرها وسروج الكبيرين، وبعض القلاع الصغيرة، مع تدعيم الإمكانات الدفاعية لها. أما مودود فقد اكتفى بمهاجمة مؤخرة الصليبيين العابرين وعاد إلى الموصل (2).
__________
(1) تاريخ الزنكييين في الموصل وبلاد الشام ص70.
(2) المصدر نفسه ص 70.(2/369)
ب- حملة مودود الثانية ضد الرها : جاءت الجولة الثانية بعد أقل من سنتين، إثر الاستنفار الذي دعا إليه وفد من أهالي حلب قدم إلى بغداد للدعوة إلى الجهاد، بعدما رأوا من تمادي رضوان في إذعانه للصليبين، والهزائم المتتالية التي مُنيَ بها مسلمو الشام والتي يسقط على أثرها عدد من المواقع بأيدي الأعداء. وقد استفز نداء الوفد الحلبي جماهير بغداد وفقهاءها، فقاموا بتظاهرة واسعة طالبوا المسؤولين خلالها، خلفاء وسلاطين بضرورة إعلان الجهاد وتسيير الجيوش لوقف الزحف الصليبي، .. وقد أسرع الخليفة بإعلام السلطان السلجوقي بما جرى، وطلب منه الاهتمام بالأمر والإسراع بالاستجابة " لنداءات المسلمين، فأصدر هذا أوامره على الفور إلى واليه على الموصل الأمير مودود بتشكيل تحالف إسلامي جديد جاعلاً القيادة الإسلامية لابنه الملك مسعود (1)، واجتمع تحت قيادة مودود، حاكم الموصل، جميع حكام الأقاليم في دولة السلاجقة، سقمان القبطي صاحب خلاط (2)، وتبريز (3)، وبعض ديار بكر، وإيلغازي الأرتقي الذي أناب عنه ابنه أياز، والأميران الكرديان أحمديل صابح مراغة (4)، وأبو الهيبجاء صاحب إربل، فضلا عن بعض أمراء فارس بزعامة الأميرين أيلنكي وزنكي ابني بُرسُق أمير همذان (5)بدأت قوات التحالف عملياتها العسكرية في شهر محرم عام 505ه شهر تموز عام 1111م بفتح عدة مواقع صليبية شرقي الفرات ثم اتجه أفرادها لحصار الرها، أثارت الحملة الذعر بين السكان، لكن في الحقيقة لم تغيَّر الموقف فيها، فقد أعيت المسلمين بسبب مناعتها وصمود أهلها، عندئذ رأى مودود أن يعبر الفرات لمهاجمة تل باشر (6)، فتحولت قوات المسلمين إليها كي
__________
(1) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 115 نقلاً عن الكامل في التاريخ.
(2) قصة أرمينية الوسطى.
(3) تبريز : من أشهر مدن أذريبيجان.
(4) مراغة : أعظم وأشهر بلاد في أذربيجان.
(5) ذيل تاريخ دمشق ص 278 – 279.
(6) تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 73.(2/370)
يجّروا أعداءهم إلى عبور الفرات فيتمكنوا منهم إلا أن هذا كان خطأً من قادة المسلمين، لأن الصليبيين تمكنوا لدى عبورهم الفرات من نقل مقادير كبيرة من الميرة والأعتدة والأقوات إلى الرها فقويت من بعد ضعف كاد يوقعها بأيدي المسلمين لو استمروا على حصارهم لها(1). ومالبث جوسلين صاحب تل باشر، الذي تعرض لضغط القوات الإسلامية، أن تمكن من رشوة القائد الكردي أحمديل الذي كان الجزء الأكبر من قوات المسلمين بمعيته فانسحب متراجعاً بالرغم من معارضة سائر الأمراء (2). ولم يمض وقت طويل حتى استنجد رضوان بمودود واستدعى قواته للقدوم إلى حلب كي يعملوا سوية من هناك ضد المواقع الصليبية، فغادر مودود باشر متجهاً إلى حلب على رأس قواته، وما أن ابتعدوا عن تل باشر حتى خرج إليهم جوسلين، على رأس قوة من فرسانه، وتمكن من مهاجمة مؤخرتهم، وقتل ما يقرب من ألف رجل منهم، وعاد إلى بلده مثقلاً بالغنائم ولم تكن دعوة رضوان لمودود صادقة، فلم تكد القوات الإسلامية تقترب من حلب حتى أقفل رضوان بوجهها الأبواب، واتخذ من إجراءات الحيطة لمنع المظاهرات أن أمر باعتقال عدد كبير من أعيان المدينة واتخذهم رهائن ولم يسع مودود إلا أن يتحّرك بجيشه جنوباً إلى شيزر بعد أن أغار على عدد من المواقع الصليبية في الشمال وفي شيزر اجتمع به طغتكين الذي كان قد توجه إلى بغداد طالبا المساعدة لاستعادة طرابلس، إلا أنه خاف أن تؤخذ منه دمشق فشرع في مهادنة الصليبيين سراً وأما تانكرد الذي عسكر أمام شيزر فإنه تراجع إلى أفامية، وأرسل إلى الملك بلدوين يستنجد به، فاستجاب له هذا وبعث إلى سائر الفرسان في الشرق الصليبي ليلحقوا به فانضم إليه عدد كبير منهم، كما قام تانكرد باستدعاء أتباعه من سائر جهات أنطاكية. وأما مودود فقد تحصن خلف أسوار شيزر قبل أن يكتمل حشد الصليبيين الذين
__________
(1) نهر الذهب للغزي (3/82).
(2) مرآة الزمان (8/35 – 36) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 116.(2/371)
بلغ عددهم نحو ستة عشرة الف مقاتل كان على رأسهم ملك بيت المقدس، وأمراء الرها وأنطاكية وطرابلس، ورفض مودود أن يجرَّوه أعداءه إلى معركة حاسمة. إلا أن الأمور لم تجر على نحو طيب في جيشه، إذ إن طغتكين لم يشأ أن يبذل له المساعدة إلاًّ بعد أن تعهد مودود بالمضي في حملته إلى الجنوب لقتال الصليبيين في فلسطين رغم خطورة هذه المحاولة من الناحية العسكرية وأما برسق الكردي فأصابه المرض وأراد أن يعود إلى بلاده، ومات سقمان القطبي فجأة فانسحبت عساكره صوب الشمال حاملة جثمانه، وبادر أحمديل إلى الانسحاب بعساكره محاولاً انتزاع جانب من ممتلكات سقمان ولم يعد بوسع مودود القيام بالهجوم نظراً لتناقض قواته يوماً بعد يوم كما أنه لم يكن راغباً في أن يقضي الشتاء بعيداً عن الموصل، فقفل عائداً إليها (1). كان لتلك البوادر السيئة من قبل بعض الأمراء أثرها المباشر على إمكان تحقيق أي نصر حاسم ضد الصليبيين، كذلك الذي حققه جكرمش وسقمان في معركة البليخ. وقد أظهرت هذه الأحداث مدى تفكُّك القيادات الإسلامية وعدم وحدتها، في الوقت الذي تجمعت فيه القوى الصليبية في شمالي الشام وجنوبه، وحققت لبلدوين ملك بيت المقدس نوعاً من الزعامة على سائر أمراء الصليبيين (2) . كانت سياسة رضوان في إمارة حلب شراً كلها، فقد هادن الإسماعيلية والصليبيين، وحالفهم ضد خصومهم من المسلمين، إذ انضم إلى صاحب أنطاكية الصليبي ضد صاحب الموصل جاولي عام 501ه وعندما هاجم الأمير مودود صاحب الموصل أنطاكية وتل باشر، رفض رضوان مساعدته وأغلق مدينة حلب في وجهه بل تحالف مع " تنكرد" الصليبي صاحب أنطاكية ضد المجاهدين، وبقيت أبواب المدينة مغلقة سبع عشرة ليلة في وجه الجيش الإسلامي (3)،
__________
(1) مرآة الزامن (8/35 – 36).
(2) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 118.
(3) زبدة الحلب (2/159).(2/372)
ولم يحفظ له الصليبيون هذه المواقف فحاصروا حلب عام 504ه واشتد الحصار، حتى أكل الناس الميتات وورق الشجر، وفرضوا على رضوان مبلغاً من المال كان بجمله إليهم سنوياً (1)، وحصل الإسماعيلية الباطنية الرافضية على مكانة مرموقة في حلب، بفضل تشيع رضوان لآرائهم، ومساعدته لهم، ومن ثم صار يستخدمهم في اغتيال خصومه
السياسيين (2)، وكان يميل إلى الفاطميين، فخطب للمستعلي في بلاده، ولوزيره الأفضل، ودامت الخطبة لها عامين في حلب وكان ذميم السيرة، قّرب الباطنية، وعمل لهم دار دعوة في حلب فكثروا وهلك سنة 507ه (3)، وصفه المؤرخ أبو المحاسن فقال : كان شحيحاً بخيلاً قبيح السيرة، وليس في قلبه رحمة للرعية، وكانت الفرنج تغير وتسبي .. ولا يخرج إليهم (4)، خلفه ابنه ألب أرسلان المعروف بالأخرس، فنكب الإسماعيلية وقتل زعيمهم أبا طاهر الصائغ، وبقية زعماء تلك الطائفة .
__________
(1) الكامل في التاريخ (8/544).
(2) الجهاد والتجديد ص 119.
(3) الكامل في التاريخ 08/552) سير أعلام النبلاء (19/315).
(4) النجوم الزاهرة (5/205).(2/373)
ج- حملة مودود الثالثة ضد الرها : ومع أن مودوداً وجد نفسه وحيداً في حركة الجهاد إلا أنه قام في شهر ذي القعدة 505ه/ شهر أيار 1112م، بمهاجمة الرها فجأة، وحاصرها لكن المدينة صمدت في وجه الحصار، فرأى عندئذ أن يترك حولها قوة عسكرية ويهاجم سروج في شهر محرم عام 506ه/ شهر تموز عام 1112م بوصفها المعقل الثاني للصليبيين شرقي الفرات. وبهذه الخطة العسكرية يكون مودود قد قسَّم قواته وأضعفها متخلياً عن حذره في مواجهة الصليبيين، وكانت النتيجة أن الحق به جوسلين صاحب تل باشر وهزمه وقتل عدداً كبيراً من رجاله، فلم يسعه عند ذلك إلا التراجع نحو الرها، لكن جوسلين سبقه إليها لمساعدة بلدوين دي بورج في الدفاع عنها، وفي الوقت الذي كانت تدور فيه هذه الأحداث، تآمر الأرمن في الرها ضد بلدوين، واتصلوا بمودود ليخلصَّهم من حكم الصليبيين، وجرى الاتفاق على أن يساعدوه في الاستيلاء على قلعة تسيطر على القطاع الشرقي من المدينة، مما يمكنه بعد ذلك من الاستيلاء على بقية المدينة بسهولة، لكن وصول جوسلين السريع حال دون تنفيذ الاتفاق ورُدَّ المسلمون على أعقابهم، فلم يتمكنوا من انتزاع المدينة من أيدي الصليبيين (1).
__________
(1) تاريخ الزنكيين عن الموصل وبلاد الشام ص 76.(2/374)
د- حملة مودود ضد إمارة بيت المقدس : معركة الضبرة (1) ظل مودود متمسكاً بفكرة جهاد الصليبيين وهي المهمة التي عهد إليه بها السلطان محمد السلجوقي، بوصفه ممثله في إقليم الجزيرة وبلاد الشام، فتحرك في مطلع عام 507ه/شهر حزيران عام 1113م على رأس تحالف إسلامي لقتال الصليبيين في بيت المقدس بناءً على استنجاد طغتكين أتابك دمشق به، بعد أن تعرضت إمارته لهجمات شديدة من صليبيين بيت المقدس، الذين نفذوا من وادي التيم إلى البقاع، ووصلوا إلى بعلبك، وانضم : تميرك صاحب سنجار، وأياز بن إيلغازي، وأباز بن إيلغازي أمير ماردين إلى هذا التحالف (2) وكان هدف المسلمين منطقة فلسطين. فنجحوا في استدراج الملك بلدوين إلى أراضي دمشق حتى جسر الصبرة، الواقع في المجرى الأعلى لنهر الأردن وفي الثالث عشر من شهر محرم حدث اللقاء الذي انتهى بانتصار المسلمين، ونزلت بالصليبيين هزيمة ساحقة، فارتد ملك بيت المقدس إلى طبرية (3)، ولم يلبث أن وصل لنجدته روجر أمير أنطاكية، وبونز أمير طرابلس، في حين لم يستطع أمير الرها الحضور لأن إمارته كانت بحاجة إلى حماية دائمة (4)، ومضى المسلمون في زحفهم، بعد المعركة، حتى بلغوا طبرية، غير أنهم لم يغامروا فقرروا الأنسحاب إلى
دمشق (5). وكان ذلك أول مرة تتعاون الموصل ودمشق في حرب الصليبيين في مملكة بيت المقدس وتكمن أهمية الأتابك مودود في أنه : أعاد للمسلمين الثقة بأنفسهم، فتحولوا من الدفاع إلى الهجوم في علاقاتهم مع الصليبيين وبلور فكرة الاتحاد بين المسلمين، وأعطاها بُعداً سياسياً وعسكرياً، فأضحى أمراؤهم على استعداد للتعاون المثمر بنوايا صادقة (6).
__________
(1) الضبرة : موضع بالأردن مقابل لعقبة . أفيق ، بينه وبين طبرية ثلاثة أميال .
(2) الكامل في التاريخ (8/550).
(3) المصدر نفسه (8/550).
(4) ذيل تاريخ دمشق ص 294 – 297.
(5) المصدر نفسه ص 297.
(6) تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 77.(2/375)
و- مقتل مودود : سيَّر مودود وحليفه رسولا إلى السلطان السلجوقي في أصفهان يبشرانه بما تمّ على أيديهما من فتح وبعثوا مع الرسول بعض ما غنموه، وعدداً من أسرى الفرنج ورؤوسهم إلا أن بُعد المسلمين عن بلادهم، وانقطاع الإمداد والتموين عنهم، واشتداد البرد عليهم، اضطرهم إلى وقف عملياتهم في المنطقة والعودة إلى دمشق في الحادي والعشرين من ربيع الأول على أمل الرجوع ثانية لقتال الصليبيين عند حلول الربيع، وبعد أن يتلقى مودود جواب السلطان على رسالته، والتعليمات التي سيصدرها بهذا(2/376)
الصدد (1)ودخل جامع دمشق يوم الجمعة في ربيع الأول، ليصلى فيه، وطغتكين، فلما فرغوا من الصلاة وخرج إلى صحن الجامع ويده في يد طغتكين، وثب عليه باطني فضربه فجرحه أربع جراحات وقتل الباطني، وأخذ رأسه، فلم يعرفه أحد فأحرق، وكان مودود صائماً، فحمل إلى دار طغتكين، واجتهد به ليفطر فلم يفعل وقال : لا لقيت الله إلا صائماً، فمات من يومه رحمه الله (2)، وتأثر المسلمون لمصرع بطل من أبطال الجهاد، اشتهر بإخلاصه وتفانيه وجرأته، وحزنوا عليه حزناً عميقاً لاختفائه السريع، بعد الانتصار العظيم الذي حققه مع حليفه في قلب البلاد الصليبية، وبعد الخطط التي كان على اعتزام تنفيذها هناك؛ وقد عبرت جماهير دمشق عن حزنها وغضبها، حيث شهدت المدينة اضطرابا لم تشهد له مثيلاً منُذ فترات بعيدة، ولم يهدئ من روع الناس سوى أملهم بنجاة القائد من الجراح التي أثخنته، لكنهم ما أن سمعوا نبأ استشهاده بعد ساعات قلائل، حتى عادوا – ثانية – إلى ما كانوا عليه(3) ، وكتب ملك القرنج في بيت المقدس كتاباً إلى طغتكين جاء فيه : إن أمة قتلت عميدها، يوم عيدها، في بيت معبودها، لحقيق على الله أن يبيدها (4)!! غير أن ملك الفرنج وغيره من أمراء الصليبيين تجاهلوا أو تعمدو التجاهل آنذاك، إن ما هو أكثر عوناً لهم وأشد خطراً على كل محاولة إسلامية لقتالهم، ليست هي الأمة التي ظنوا أنها قتلت عميدها في بيت معبودها. فقد عرفنا موقف هذه الأمة من مقتل بطلها المجاهد، إنما هي تلك الفرقة الباطنية- الرافضة – التي قامت على مذهب جديد، شديد الميل إلى التدمير كان قد أنشأة في بلاد فارس، شخص يدعى الحسن بن الصباح وقد تحدثنا عنه وقد دعمته الدولة الفاطمية الرافضية الباطنية ولم تكن كراهية الحشاشين هؤلاء للمسيحيين تزيد على بغضهم
__________
(1) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 122.
(2) الكامل في التاريخ (8/551).
(3) تاريخ دمشق لابن القلانسي ص 187 – 188.
(4) الكامل فيالتاريخ (8/551).(2/377)
للمسلمين السنيين(1) ، وما نشاهده اليوم خير دليل على ذلك.
ز- هل يصح اتهام طغتكين حاكم دمشق بقتل مودود ؟ وبعد استشهاد مودود انتشرت شائعات تقول : إن طغتكين هو الذي حّرض على قتل مودود لحرصه على الاحتفاظ باستقلاله في دمشق، ولما ساوره من القلق على بقاء القائد العام لجند السلطان في دمشق، وما يترتب على ذلك من تهديد لاستقلاله(2) ، ولم يحّد من هذه الشائعات قيام طغتكين بقتل الجاني تبرئة لنفسه، إذ اعتبره الرأي العام هو الجاني، غير أنهم التمسوا له العذر بما دبره مودود من خطط للاستيلاء على دمشق (3)، إلاَّ أن كلاَّ من ابن القلانسي، وسبط ابن الجوزي – اللذين يميلان بعض الميل لأتابكة دمشق – ينفيان هذه التهمة عن طغتكين أشد النفي، فيقول أولهما : فقلق أتابك طغتكين لوفاته على هذه القضية وتزايد حزنه وأسفه، وكذلك سائر الأجناد والرعية (4)، ويقول ثانيهما : وقلق طغتكين لوفاة مودود على هذا الشكل وحزن حزناً شديداً وكذا سائر الناس وذكر بعضهم أن طغتكين خاف منه فوضع عليه من قتله، وليس بصحيح، فإن طغتكين كان أحب الناس إليه، وحزن عليه حزناً لم يحزنه على أحد، وشقَّ ثوبه عليه، وجلس في عزائه سبعة أيام، وتصَّدق عنه بمال جزيل (5)، وقد رجح الدكتور عماد الدين خليل رواية المذكورين لأنهما من سكان الشام وبسب قربهما الزمني أو المكاني من الأحادث المذكورة وإطلاعهما الشامل على دقائق العصر الذي يتكلمان عنه وقال عن روايات ابن الأثير والذين نقلوا عنه والمؤرخين الغربيين فلا تعدو أن تكون استنتاجاً وتخميناً، لاسيما وأن هذه ليست أول، ولا آخر، مرة يتصَّدى فيها الباطنية لاغتيال زعماء الجهاد الإسلامي؛ فضلاً عن أن انتصار مودود وحليفه في فلسطين يعود بالنفع على إمارة دمشق
__________
(1) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 124.
(2) آل سلجوق لأصفهاني ص 158 – 159.
(3) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 122.
(4) تاريخ دمشق ص 187 – 188.
(5) مرآة الزمان (8/51).(2/378)
قبل غيرها، بما يحدثه في صفوف قوات بيت المقدس من إرباك وبما يقدمه لأتابكية دمشق وأراضيها من حماية (1)، وإلى مذهب إليه الدكتور عماد الدين خليل أميل ودافع الدكتور السيد عبد العزيز سالم وابنته الدكتورة سحر عبد العزيز دفاعاً مستميتاً عن براءة طغتكين في كتابهما تاريخ مصر الإسلامية حتى نهاية العصر الفاطمي (2). ولقد كان ظهير الدين طغتكين من أمراء السلطان تتشى بن ألب أرسلان السلجوقي الذي زوجه بأم ولده دُقاق، وبعد مقتل تتش، تولى ابنه دقاق السلجوقي، الذي زوجه بأم ولده دُقاق، وبعد مقتل تتشى تولى ابنه دقاق، وصار طغتكين مقدم عسكره، ثم تملك بعد دقاق، وكان شهماً شجاعاً مهيباً مجاهداً في الفرنج، مؤثراً للعدل(3) . ولو لا أن الله أقام طغتكين للإسلام بإزاء الفرنج،(4) لكانوا غلبوا على دمشق، فقد هزمهم غير مرة، وأنجده عسكر الموصل مع مودود، ومع البرسقي، وكان قد سار إلى بغداد في خدمة السلطان محمد بن ملكشاه، فبالغ في احترامه(5) ، ولقد واجه طغتكين الصليبيين للدفاع عن إمارته أكثر من مرة، ونازلهم في أكثر من موقع، فقد استرد بصرى وصرخد/ 498ه وحاصر حصن (علعال) قرب طبرية وهدمه وقتل
حاميته / 499ه وخرج إلى طبرية وأسر صاحبها، وقتله في دمشق/500ه (6)، وانضم
عام 506ه إلى قوات شرق الدولة مودود صاحب الموصل، فحققا نصراً في طبريه،
__________
(1) المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي ص 123.
(2) تاريخ مصر الإسلامية حتى نهاية العصر الفاطمي ص 473 إلى 475.
(3) الجهاد والتجديد في القرن السادس الهجري ص 120.
(4) الجهاد والتجديد في القرس السادس الهجري ص 120.
(5) سير أعلام البنلاء (19/519).
(6) الجهاد والتجديد ص 121 نقلاً عن الكامل في التاريخ.(2/379)
عام 507، إلا أن مقتل مودود في دمشق، أثار السلطان محمد بن ملكشاه عليه.. ولذلك بدأ طغتكين يتحالف مع الصليبيين للوقوف في وجه القوات التي أرسلها السلطان محمد إليه سنة 508ه، بقيادة برسق صاحب همذان (1)، ثم عقد هدنة مع ملك بيت
المقدس – بلدوين الأول – بسبب نزاعه مع جيرانه المسلمين في وقت كان ملك بيت المقدس لا يرجو أكثر من مسالمة أهالي دمشق (2)، واتفق الطرفان على عقد هدنة : مدتها بضع سنوات على أن يقتسم الطرفان أرض السواد، بحيث يكون ثلث دخلها للفرنج، والثلث الثاني لسلاجقة الشام، والثلث الأخير للفلاحين المسلمين(3) . ويبدو أن تمسك صاحب دمشق بإمارته، وخوفه من ضياعها، كان هاجساً قوياً دفعه إلى هذه المواقف المتناقضة، وشأنه شأن غيره من أمراء الأقاليم آنذاك (4) وقد وصف الإمام الذهبي سياسته بقوله : وكان طغتكين سيفاً مسلولاً على الفرنج، ولكن له خرمة، من ذلك إيواؤه لبهرام داعي الإسماعيلية في دمشق، بعد أن كان متخفياً، فأكرمه وبالغ في إكرامه إتقاء لشره، حتى اتبعه الغوغاء والسفهاء، ثم أعطاه قلعة بانياس سنة 520ه، فعظم الخطب وتوجع أهل الخير، وتستروا من سبّهم لا يستطيعون من السلطان، إلى أن كشف خياناتهم وخيانة الوزير المتواطيء معهم – المزدقاني – ابنه تاج الملوك بوري، فقتل الوزير ووضع جنده السيف في الملاحدة الإسماعيلية، وقتلوا نحواً من ستة آلاف نفس، وذلك في عام 523ه، إلا أن الرجل له حسنات منها مد العون لزعماء حركة بعث فكرة الجهاد الإسلامي في الجزيرة وشمال الشام وقام بمساعدة الفاطميين وغيرهم من حكام المسلمين في بلاد الشام لوقف الزحف الصليبي على كثير من بلاد الشام وواجه الصليبيين وجها لوجه للدفاع عن أملاكه مستغلاً في ذلك قواته أحيانا أخرى (5)
__________
(1) الاعتبار لأسامه بن منقد ص 120.
(2) الجهاد والتجديد ص 121.
(3) الكامل في التاريخ (8/527 ، 528).
(4) الجهاد والتجديد ص 122.
(5) الجهاد ضد الصليبيين في الشرق الإسلامي ص 166.(2/380)
وعلى أية حال فإن ظهير الدين طغتكين لم يعمر طويلاً فقد توفي سنة 522ه/1128م بعد أن بذل كل ما أمكنه بذله في صد الصليبيين عن دمشق وغيرها من بلاد الشام مع ما كان عليه من حسن السيرة وأثاره العدل في الرعية، بعد أن استخلف على دمشق ابنه تاج الملوك بوري (1) وبالجملة فسيرة الرجل جيدة فقد نجح في المحافظة على دمشق من السقوط بيد الصليبيين، بالإضافة على تكوين جبهة إسلامية متحدة تتكون من الموصل وحلب ودمشق، وذلك بما أبداه من تعاون صادق مع أولئك الرجال للوقوف صفاً واحداً في وجه الصليبيين، مما ساعد على بلورة فكر الجهاد الإسلامي وتوحيد الجبهة الإسلامية في أذهان بعض قادة المسلمين وعلى رأسهم عماد الدين زنكي (2) وقال ابن الجوزي متحدثاً عن طغتكين بأنه : كان شهماً عادلاً حزن عليه أهل دمشق حين وفاته، فلم تبق محلة ولا سوق إلا والمآتم قائم فيه لعدله وحسن سيرته، حكم الشام خمساً وثلاثين سنة ما بين (497-522ه) وسار بسيرته ابنه، فترة ثم تغير وظلم (3).
ح- ما ترتب على حملات بطل الإسلام مودود من نتائج : وعلى الرغم الاخفاق الذي حل بحملات بطل الإسلام مودود إلا أنها تمخضت عن عدد من النتائج المهمة في مسار تاريخ حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين، ويمكن إجمالها في الآتي :
إن إمارة مودود – على قصر مدتها – تعد نقطة تحول في تاريخ الصراع الإسلامي – الصليبي خلال تلك المرحلة المبكرة، فقد صارت فكرة الجهاد حقيقة واقعة (4)، ووجدت فارسها المخلص الذي حمل لواءها ما يقرب من نصف المدة التي تولى فيها أمر إمارة الموصل (5).
__________
(1) النجم الزاهرة (5/234) الجهاد ضد الصليبيين ص 172.
(2) الجهاد ضد الصليبيين ص 172.
(3) سير أعلام النبلاء (19/519 – 520).
(4) شرف الدين مودود ص 150 عبد الغني رمضان.
(5) الحروب الصليبية بين الشرق والغرب ص 156.(2/381)
يمكن اعتبار حملات مودود مقدمة لحملات عماد الدين زنكي مع عدم إغفال الفارق الزمني في صورة الثلاثة عقود الفاصلة بين إنجاز كل منهما والتي أدت إلى سقوط إمارة الرها الصليبية عام 1144م/539ه حيث أن مودوداً وجه حملاته الأولى إلى الرها وتل باشر، وعمل على إرهاق أهلها على نحو نصفه بأنه المقدمة الأولى لجهود زنكي ضدها، على اعتبار أن قافلة الجهاد متصلة قائداً من بعد قائد.
كشفت حملات مودود عن الضعف الذي كانت عليه القوى الإسلامية في بلاد الشام والجزيرة وعدم إخلاص بعضها لقضية الجهاد ضد الغزاة الصليبيين (1).
__________
(1) المصدر نفسه ص 156.(2/382)
وعلى الرغم من الدور الرائد الذي قام به مودود؛ إلا أننا نجد البعض يرى أن عماد الدين زنكي هو الذي وضع أساس حركة الجهاد ضد الصليبيين (1)، وفي هذا اجحاف بدور تلك القيادة السلجوقية وواقع الأمر : أن المؤرخين الذين أرخوا لتلك المرحلة من تاريخ الصراع الإسلامي الصليبي انبهروا لحجم الإنجاز الكبير الذي قام به عماد الدين زنكي من حيث إسقاط أول إمارة صليبية أقيمت في المنطقة، فتصوروا أن المراحل السابقة عليه ليست ذات قيمة كبيرة على الرغم من أنها كانت الممهدة الحقيقية لإنجاز عام 1144م/539ه لا تغفل أيضاً أن الدعاية السياسية الناجحة والفعالة التي قدمها المؤرخ العراقي الفذ ابن الأثير من خلال كتابه الباهر لمؤسس البيت الزنكي قد جعلت المؤرخين يتأثرون بها بصورة أو بأخرى، على نحو جعل سابقي عماد الدين زنكي في مثل ذلك – الموقف – من حيث تقويم دورهم التاريخي، ويكفي مودود فخراً أنه نجح في ضرب الوجود الصليبي في الجليل، وهي منطقة لم تصل إليها فعاليات المسلمين منُذ قرابة عقدين من الزمان، ويكفيه أنه ألحق الهزيمة بمؤسس مملكة بيت المقدس الصليبية، ونستطيع أن نصل إلى رؤية محددة من خلال أن قادة الجهاد الإسلامي كل يكمل الآخر، ولا خصومة بينهم، وما قام به مودود أفاد – فما بعد – القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي، ولذا فبالإمكان القول؛ اليوم الصنبرة وغداً حطين؛ وهذا ما أثبته السياق العام لتاريخ تلك المنطقة في القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي (2) وعلى أية حالة عند مقارنة جهد مودود بسابقيه في صورة كربوغا، وجكرمش، وجاولي سقاوة سيتضح لنا أنها أدوار متدرجة ومتصارعة، فكربوغا انحصر أمره في نجدة أنطاكية وجكرمش زاد الأمر من خلال تحالفه مع سقمان بن ارتق على نحو أدى إلى الانتصار في معركة حران 498ه/1104م أما مودود فإن دوره أكثر تعاظماً على نحو أدى
__________
(1) المصدر نفسه ص 157.
(2) الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب ص 157.(2/383)
إلى هزيمة الصليبيين في معركة الصنبرة عام 507ه/1113م، وهو أمر يثبت لنا أنه خلال نحو تسعة أعوام فقط تم الحاق هزيمتين كبيرتين بالصليبيين، غير أن العقبة القائمة تمثلت في عدم الأفادة من كل من الانتصارين في اجتياح مناطق الأعداء، وتحقيق انتصار سريع خاطف يصعب على الصليبيين تعويض خسائرهم من جرانه غير أن بقايا ظاهرة التشرذم السياسي، والتباغض بين القيادات الإسلامية كان عائقاً دون تحقيق ذلك (1).
__________
(1) المصدر نفسه ص 158.(2/384)
6- نجم الدين إيلغازي صاحب ماردين : ارتبطت حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين ارتباطاً شديداً بزعماء الموصل الذين كانوا تحت طاعة السلاجقة وأدت وفاة السلطان محمد بن ملكشاه سنة 512ه/1117م إلى ازدياد تدهور أحوال السلاجقة في العراق، فسعى السلطان محمود بن محمد ملكشاه إلى استدعاء آقسنقر من الموصل لتوليته شحنكية بغداد (1) الأمر الذي أفقد الموصل مكانتها القيادية في بعث حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبين مؤقتاً، وانتقال هذه القيادة إلى نجم الدين إيلغازي صاحب ماردين، واستهل ايلغازي أعماله بالاستيلاء على حلب سنة 511ه/1117م، لأهميتها بالنسبة لآية قيادة عسكرية وسياسية تسعى لمجابهة الصليبيين وذلك لما كانت تتمتع به من مركز استراتيجي حيوي من النواحي البشرية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، وكانت حلب تقع بين امارتين صليبيتين هما الرها وأنطاكية، وفي نفس الوقت يمكنها الاتصال بالقوى الإسلامية التركمانية المنتشرة في منطقة الجزيرة. لذا كان الاستيلاء عليها بمثابة فتح الطريق لقيادة حركة الجهاد، وذلك ما حدث فعلاً بالنسبة لنجم الدين إيلغازي وابن أخيه بلك بن بهرام ومن بعدهما آقسنقر البرسقي وعماد الدين زنكي ونور الدين محمود فيما بعد (2). وأما عن تفاصيل استيلاء نجم الدين إيلغازي على حلب سنة 511ه/1117م فقد تجدد بها من الحوادث ما أطمع الصليبيين في الاستيلاء عليها حيث بلغت حداً من الضعف والضائقة الاقتصادية مما أعجز أهلها عن تقديم القوت لدوابهم ولكن خوف أهلها من أن تسقط بيد الصليبيين قد أخبرهم على استدعاء نجم الدين إيلغازي وتسليمه حلب في السنة المذكورة، واستهل ايلغازي أعماله بحلب بفرض سيطرته على بعض المواقع التابعة لها كبالس، ومصادرة بعض رجال حلب للحصول منهم على مال يهادن به الصليبيين، فاستوحش منه أهل حلب
__________
(1) الوافي بالوفيات (9/310) النجوم الزاهرة (5/214).
(2) الإمارات الأرتقية في بلاد الشام والجزيرة ص 234 – 235.(2/385)
وجندها – على حد قول ابن العديم – مما اضطره إلى مغادرتها إلى ماردين بعد أن استخلف في بالس موجة الغلاء التي مروا بها في نفس السنة 511ه/1117م، فأرسلوا إلى الصليبيين يسلموها إليهم فاضطر إيلغازي إلى العودة على رأس قوة من التركمان إلى حلب، فلما شعر الصليبيون بالخطر، انسحبوا عنها فتسلمها ايلغازي للمرة الثانية، وعاد إلى ما ردين بعد أن عقد معهم هدنة بعدم اعتداء أي منهما على ممتلكات الطرف الآخر (1).
نقض الصليبين للهدنة : ولكن الصليبيين وجدوا الفرصة سانحة بعد خروج إيلغازي وأغاروا على عزاز وشددوا الحصار عليها حتى اضطر من بها من المسلمين إلى التسليم، واضطر أهل حلب إلى مراسلة الصليبيين وطلبوا منهم التمسك بالهدنة التي كان قد عقدها معهم إيلغازي وأن يسلموهم أي أهل حلب تل هراق ويؤدون لهم القطيعة المقررة على حلب عن أربعة أشهر ومقدارها ألف دينار ويكون لهم من حلب شمالاً وغرباً (2) وغضب نجم الدين إيلغازي لما وصلت إليه أخبار حلب، ولكنه لم يستطع العودة إليها وانقاذها مما هي فيه لقلة عساكرها فاتجه إلى شرق منطقة الجزيرة بقصد جمع المعساكر في الوقت الذي أبلغ فيه ظهير الدين طغتكين عن رغبته في الاجتماع به سنة 512ه/1118م واجتمعا على قلعة دوسر بهدف القيام بدفع الصليبيين عن حلب ولكن ذلك لم يتيسر لهما، الأمر الذي دفع الصليبيين إلى إحكام السيطرة على مداخل حلب بعد أن استولوا على بزاغة فتردت الأحوال بحلب حتى بلغت حد التلف على حد قول ابن العديم (3)، ولم يجد أهل حلب بدا من الاستعانة بالخلافة العباسية والدولة السلجوقية في بغداد، إلا أنهم لم يغاثوا نظراً لإنشغال السلاجقة بالمنازعات الأسرية فيما بينهم من جهة وضعف الخلافة العباسية من جهة أخرى.
__________
(1) زيدة الحلب (2/180) الجهاد ضد الصليبيين في الشرق الإسلامي ص 152.
(2) زيدة حلب (2/185 – 186).
(3) المصدر نفسه (2/186).(2/386)
إعلان النفير ضد الصليبيين : لم يتيسر لنجم الدين ايلغازي لقاء الصليبيين فقد فارق طغتكين وعاد إلى ماردين بجمع العساكر تمهيداً للعودة للجهاد والالتقاء مع الصليبيين في معركة حاسمة (1) وفي ماردين حشد نجم الدين إيلغازي ما يزيد على عشرين ألفاً من
التركمان(2) . بقصد قتال الصليبيين الذين ضيقوا على حلب حتى كادت أن تعدم القوت. وأرسل إيلغازي رسله إلى بغداد لإعلان النفير ضد الصليبيين وإعلام الخليفة العباسي المسترشد بالله والسلطان السلجوقي محمود بن محمد بن ملكشاه بما فعله الصليبيون بالديار الجزرية وانهم ملكوا قلعة عند الرها وقتلوا صاحبها بن عطير (3)وكان نجم الدين إيلغازي قد تواعد مع ظهير الدين طغتكين في سنة 512ه/1118م على ملاقاة الصليبيين في شهر صفر من السنة التالية 513ه/1119م بالشام. وتوجه إيلغازي قبل الموعد المحدد إلى الرها وشدد عليها الحصار، مما اضطر من بها من الصليبيين إلى مصالحته، لقاء تنازلهم عن الأسرى المسلمين الموجودين بها فأجابهم إيلغازي وشرط عليهم عدم التوجه لمساعدة أمير أنطاكية في حالة حدوث قتال معه فأجابوه وقد كانت هذه خطوة صائبة من إيلغازي تمكن بموجبها من عزل إحدى قوى الصليبيين عن مد العون للقوى الأخرى وهذا دليل واضح على رضوخ الصليبيين في منطقة الجزيرة إلى مطالب الأمراء المسلمين(4).
__________
(1) المصدر نفسه (2/186).
(2) المصدر نفسه (2/186).
(3) الجهاد ضد الصليبيين في الشرق الإسلامي ص 153.
(4) الإمارات الأرتقية في بلاد الشام والجزيرة ، عماد الدين خليل ص 241.(2/387)
معركة ساحة الدم : وبعد أن أطمأن إيلغازي إلى أنه لن يتعرض إلى طعنة الصليبيين من الخلف توجه إلى بلاد الشام وقد انضم إليه أسامه بن المبارك بن شبل الكلابي والأمير طغان أرسلان صاحب بدليس وارزن، وواصل سيره حتى بلغ قريباً من الإثارب بأرض سرمدا في ربيع الأول سنة 513ه/1119م وهناك انتظر وصول ظهير الدين طغتكين. وكان الصليبيون بقيادة روجر صاحب أنطاكية قد نزلوا بتل عقرين وشرعوا في بناء حصن لهم هناك ولم يدر بخلدهم أن نجم الدين ايلغازي سيباغتهم هناك لضيق الطريق، ثم لتوهمهم أن المسلمين سينالون الإثارب أوزردنا، حتى أن الغَرور قد أصابهم لاعتقادهم بحصانة موقعهم، فأرسلوا إلى إيلغازي يقولون له : لا تتعب نفسك بالمسير إلينا فنحن واصلون إليك (1). ولما طال انتظار ايلغازي لوصول حليفه، لبى رغبة الأمراء الذين كانوا معه في التعجيل بمباغتة الصليبيين، فما شعر الصليبيون إلا ورايات المسلمين قد اقبلوا وأحاطوا بهم من كل جانب. وذلك يوم الجمعة السادس عشر من ربيع الأول من السنة 513ه/1119م. وخرج قاضي حلب أبو الفضل بن الخشاب وخطب في المسلمين خطبة بليغة استنهض فيها عزائم المسلمين على الجهاد، فحمل المسلمون على الصليبيين حملة واحدة من جميع الجهات فكانت السهام على الصليبيين كالجراد في الوقت الذي أخذتهم السيوف من سائر نواحيهم، فلم يفلت منهم غير يسير بينما كان الباقون بين قتيل وجريح وكان ضمن القتلى روجر صاحب أنطاكية الذي كان قد تعجل لقاء المسلمين قبل وصول قوات بيت المقدس وطرابلس وغيرها ووقع في الأسر نيفا وسبعين من فرسان الصليبيين ومقدميهم، وحاولوا أن يفتدوا نفوسهم بمبلغ ثلاثمائة ألف دينار فلم يقبل منهم نجم الدين ايلغازي بل أمر بقتلهم جميعاً (2)، وقد عرفت هذه الوقعة عند المؤرخين اللاتينيين، ومن نقل عنهم من المؤرخين
__________
(1) زبدة الحلب (2/190) الجهاد ضد الصليبيين ص 154.
(2) الجهاد ضد الصليبيين ص 154 نقلاً عن الكامل في التاريخ.(2/388)
المحدثين باسم ساحة الدم لكثرة ما قتل فيها من الصليبين والتي لم يقتل فيها من المسلمين سوى العدد القليل (1).
الابعاد التي حققها الانتصار على الصليبيين في معركة ساحة الدم : إن أهمية ما حل بالصليبيين لم يقف عند حد النصر العسكري الذي حققه نجم الدين ايلغازي عليهم، بل تعداه إلى أنه قد صاحب هذا النصر قيام جبهة إسلامية متحدة من الأمراء المسلمين في الشام والجزيرة إضافة إلى أنها جعلت حلب من منأى عن أخطار الصليبيين خصوصاً بعد استيلاء نجم الدين ايلغازي على حصن قريب من الإثارب في السنة نفسها فضلا عن أنها كانت كارثة فادحة حرمت أنطاكية من زعيمها روجر مما جعل السريان والأرمن بأنطاكية يتشككون في موقعهم إلى جانب الصليبيين وهذا على ما يبدو ما دفعهم إلى التأمر للخلاص من الصليبيين الغربيين فيما بعد (2)، وذكر ابن العديم أن نجم الدين ايلغازي نزل بعد انتهاء المعركة إلى خيمة روجر ليسلم إليه المسلمون الغنائم التي حصلوا عليها ولكنه رد جميع الغنائم للمقاتلين ولم يأخذ منهم إلا سلاحاً يهديه لملوك الإسلام ليبعث في نفوسهم حب الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين (3)واستطاع ايلغازي أن يحقق سلسلة من الانتصارات في شمال الشام هيأت للمسلمين جوا من الهدوء والاستقرار. فقد استطاع المسلمون أن يلحقوا بالنجدة الصليبية التي أتت بزعامة بلدوين ملك بيت المقدس لنجدة، روجر صاحب أنطاكية هزيمة ساحقة (4)، ولم يكتف نجم الدين ايلغازي بهذا بل اجتمع في أرتاح بحليفه طغتكين واتفقا على مهاجمة الاثارب وزردنا، فاستطاعا الاستيلاء عليهما من الصليبيين، ثم سار إيلغازي إلى دانيث بنفر قليل من المسلمين والتقى ببلدوين ملك بيت المقدس وروبرت صاحب زردنا ودارت بين
__________
(1) الشرق الأوسط والحروب الصليبية (1/473) الإمارات الأرتقية ص 242.
(2) الاعتبار ص 40 ، 41، الحركة الصليبية (1/492).
(3) زبدة الحلب (2/190) الجهاد ضد الصليبيين ص 155.
(4) الجهاد ضد الصليبيين 155.(2/389)
الطرفين معركة في جمادي الأولى من السنة 513ه/1119م أسفرت عن انتصار نجم الدين ايلغازي وهزيمة الصليبيين الذين احتموا بحصن هاب بعد مطاردة نجم الدين لهم (1). ثم عاد نجم الدين ايلغازي إلى حلب بينما التقى رجاله في طريق عودتهم بصاحب زردنا روبرت الأبرص وبصبحته قوة ايلغازي مما اضطر من سلم من الصليبيين إلى العودة إلى حصن هاب بعد مطاردة نجم الدين لهم(2). ثم عاد نجم الدين ايلغازي إلى حلب بينما رجاله في طريق عودتهم بصاحب زردنا روبرت الأبرص وبصحبته قوة من الصليبيين فهاجمتهم قوة إيلغازي مما اضطر من سلم من الصليبيين إلى العودة إلى حصن هاب، في الوقت الذين وقع فيه الأبرص أسيراً في أيدي المسلمين فحملوه إلى ايلغازي بحلب، وأنفذه بدوره إلى طغتكين بدمشق حيث قلته صبرا (3)، وفي أواخر جمادي الأولى سنة 513ه/1119م غادر ايلغازي حلب إلى ماردين بسبب الضائقة المالية التي مر بها إضافة إلى أن حلب كانت من الضعف بحيث جعلته لا يستطيع البقاء فيها(4) .
__________
(1) زبدة الحلب (2/190) الجهاد ضد الصليبيين ص 156.
(2) زبدة الحلب (2/190).
(3) تاريخ الحروب الصليبيين ص 156.
(4) الجهاد ضد الصليبيين ص 156.(2/390)
حصار أنطاكية وعقد الهدنه مع ملك بيت المقدس : وبالرغم من انشغال نجم الدين ايلغازي ببعض الأمور الإدارية في ماردين، فقد جمع جيشاً من التركمان عبر بهم الفرات إلى بلاد الشام في سنة 514ه/1120م واجتمع بطغتكين وسارا إلى أنطاكية حيث ضرب عليها حصاراً، فلم يتمكنا منها، فدخلا إلى قنسرين، وحاصراها يوماً وليلة، ولم ينالا منها شيئاً، وعندها أشار ظهير الدين طغتكين على صاحبه برفع الحصار عنها وأن يعود كل منهما إلى بلده، فقبل نجم الدين ايلغازي مشورة صاحبه، وتفرق عساكره من التركمان واضطر ايلغازي إلى عقد هدنه مع ملك بيت المقدس بلدوين الثاني على أن يكون للصليبيين المعرة وكفر طاب والبارة وضياع من جبل السماق، وعلى أن يكون أمد هذه الهدنة نهاية السنة (1) .
__________
(1) المصدر نفسه ص 156.(2/391)
نقض الهدنة : لم يتقيد الصليبيون بهذه المعاهدة، فقد أغار جوسلين صاحب تل باشر في السنة نفسها 514ه/1120م على بعض البلاد التابعة لحلب، مما اضطر أهل حلب إلى ارسال احتجاج شديد اللهجة إلى بلدوين الثاني ملك بيت المقدس يخبرونه فيه باعتداءات جوسلين على المسلمين، ولكنه رد عليهم بقوله : مالي على جوسلين يد (1). ولم يقف الصليبيون عند هذا الحد بل أغار الصليبيون بأنطاكية على بلد شيزر وأسروا جماعة من المسلمين وطالبوا أمير شيزر العربي أبو العساكر سلطان بن منقذ ببعض المطالب التعسفية مما اضطره إلى مصالحتهم على مال يدفعه إليهم(2). وبالإضافة إلى ذلك فقد استغل الصليبيون فرصة خلو حلب من ايلغازي فشنوا في صفر من سنة 515ه/1121م هجوماً على الأثارب واغار على حلب نفسها، وفرض عليها حصاراً شديداً أدى إلى وقوع خمسين أسيراً من أهلها في يده ونجح الحلبيون في استنقاذ اخوانهم وأجبروه على التراجع عنها إلى أنطاكية (3) وعلى ما يبدو فإن نجم الدين ايلغازي قد اضطر إلى البقاء في ماردين بعض الوقت مما دعاه إلى مراسلة ولده سليمان بن ايلغازي النائب عنه في حلب يأمره بعقد صلح مع الصليبيين، حصل الصليبيون بموجبه على سرمين وبلدة ليلون وبعض الجهات الزراعية المحيطة بحلب، والأثارب (4).
__________
(1) المصدر نفسه ص 156 ، 157.
(2) المصدر نفسه ص 157.
(3) زبدة الحلب (2/199) الجهاد ضد الصليبيين ص 157.
(4) زبدة الحلب (2/199 – 205) الجهاد ضد الصليبيين ص 157.(2/392)
تمرد سليمان بن ايلغازي على أبيه : وعلى الرغم من أن الصلح الذي عقده سليمان بن ايلغازي لم يكن في صالح فإن سليمان بن ايلغازي لم يسع إلى علاج ما استجد بحلب من الفوضى والاضطراب، بل أعلن عصيانه على والده وأعلن استقلاله بحلب، وقد شجعت هذه الخطوة من قبل سليمان بن ايلغازي الصليبيين على مضايقة حلب والاستيلاء على بعض المواقع المحيطة بها في جمادي الآخرة من سنة 515ه/1121م، ومطالبة صاحبها سليمان بالتنازل عن الأثارب لبلدوين الثاني ملك بيت المقدس، ولكن سكان الأثارب من المسلمين رفضوا الخضوع للصليبيين الأمر الذي أجبر بلدوين على التراجع إلى أنطاكية ومنها إلى بيت المقدس (1).
__________
(1) زبدة حلب (2/199) الجهاد ضد الصليبيين ص 157.(2/393)
القضاء على التمرد : وأما نجم الدين ايلغازي، فإنه ما أن سمع بعصيان ابنه بحلب حتى قدم إليها على وجه السرعة، فعاقب من كان وراء عصيان ابنه، فلما رأى سليمان ما حل باعوانه، من عقاب شديد خاف على نفسه وهرب إلى دمشق وطلب من صاحبها طغتكين حق اللجوء، ولم تم لايلغازي القضاء على الفتنة بحلب استناب بها ابن أخيه بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار بن ارتق، وعقد هدنة جديدة مع الصليبيين لمدة سنة كاملة، وكان هدف ايلغازي من عقد تلك الهدنة مع الصليبيين هو كسب الوقت حتى يتمكن من العودة إلى ديار بكر وحشد ما يمكن حشده من قوات ليعيد الكرة على الصليبين، إضافة إلى خوفه من قيام الصليبيين بغارة على حلب فلا يستطيع ابن أخيه صدهم (1)، وفي ماردين استطاع نجم الدين ايلغازي أن يحشد أكبر عدد من التركمان ثم سار بهم إلى بلاد الشام في شهر ربيع الآخر سنة 516ه/1122م، مستغلاً في ذلك الشقاق الذي حصل بين بلدوين ملك بيت المقدس ويونز صاحب طرابلس، ولكن نجم الدين ايلغازي لم يستطيع أن يحقق نصراً حاسماً على الصليبيين، وبالرغم من انضمام بلك بن بهرام بن أرتق وظهير الدين طغتكين إلى جانبه غير أنه لم يمكن الصليبيين بأن يمدوا نفوذهم وسيطرتهم على حلب (2).
__________
(1) الإمارات الارتقية ص 260.
(2) زبدة الحلب (2/205) الجهاد ضد الصليبيين ص 158.(2/394)
وفاة ايلغازي وأثر ذلك على المسلمين : في شهر رمضان من سنة 516ه/1122م أحس ايلغازي بتدهور صحته فعاد إلى ميافارقين حيث وافته منيته هناك، وبقدر ما كانت وفاة نجم الدين ايلغازي خسارة فادحة للمسلمين في بلاد الشام والجزيرة عامة فإن المصيبة كانت أعظم على أهل حلب الذين عظمت عليهم وفاته، لأن نجم الدين ايلغازي كان قد قطع أمل زعماء الصليبيين في الاستيلاء عليها، ولم تصنف أهمية وفاة نجم الدين ايلغازي إلى هذا الحد، بل أدت إلى أن امارته قد تفككت وقسمت بين أولاده حسام الدين تمرتاش الذي حصل على ماردين، وابنه سليمان الذي حصل على ميافارقين، بينما بقيت حلب من نصيب ابن أخيه سليمان بن عبد الجبار بن ارتق، واحتفظ بلك بن بهرام بن أرتق بقلعة خرتبرت وضم إليها حران فيما
بعد (1)، ويضاف إلى ذلك أن حلب التي كانت تعتمد على عساكر التركمان الذين كان يحشدهم ايلغازي من شمال الجزيرة قد افتقرت هذا العنصر البشري الذي رجح كفة المسلمين على الصليبيين في عهد ايلغازي مما جعلها عرضة لغارات الصليبيين، وضعف مركز صاحبها سليمان بن عبد الجبار بن ارتق عن دفع الصليبيين الذين استغلوا وفاة نجم الدين وأغاروا بقيادة بلدوين الثاني ملك بيت المقدس على بزاعة وبالس على نهر الفرات، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل استطاع الملك الصليبي الاسيتلاء على قلعة البيرة، حتى أصبحت حلب محاطة بالصليبيين من جميع الجهات، مما حتم على سليمان بن عبد الجبار أن يعقد مع الصليبيين صلحاً سنة 517ه/1123م تنازل بموجبه لهم عن حصن الأثارب(2).
__________
(1) الشرق الأوسط والحروب الصليبية (1/480 – 481) للعريني.
(2) الكامل في التاريخ (8/632).(2/395)
7- بلك بن بهرام بن ارتق : يأسر ملوك الصليبيين : بلك بن بهرام صاحب قلعة (خرتبرت) استلم راية الجهاد بعد عمه "ايليغازي – صاحب ماردين" كان خصماً عنيداً للصليبيين وكان يتطلع للقضاء عليهم لا في منطقة الجزيرة فقط بل وفي بلاد الشام وقد استهل أعماله العسكرية أثناء مرض عمه نجم الدين ايلغازي في رجب سنة 516ه/1122م بحصار الرها، ولكنه لم يستطع النيل منها بعد فترة طويلة من الحصار، مما اضطره إلى الانسحاب عنها، لذا رأى الصليبيون الذين بالرها إنه لا بد من الاستعانة بجوسلين صاحب الأطماع الكثيرة وخصم المسلمين العنيد، الذي كان وقتذاك مع بلدوين ملك بيت المقدس بالبيرة مستغلين في ذلك تفرق عساكر بلك بن بهرام بن ارتق عقب عودته من الرها، إلا أن بلك بن بهرام استطاع أن ينصب لجوسلين ومن معه من الصليبيين كميناً عند سروج بأرض موحلة ومشبع بمياه الأمطار فلم تتمكن خيولهم من الإسراع بسبب هذا الوحل، في الوقت الذي سلط عليهم بلك ورجاله الذين لا يتجاوز عددهم أربعمائة فارس وابلاً من السهام فلم يفلت منهم إلا القليل، وأسر جوسلين وابن خالته جاليران صاحب البيرة في سنة 516ه/1122م. وقد ترتب على هذا الانتصار الذي حققه بلك بن بهرام على الصليبيين ضياع قوة الصليبيين المعنوية في بلاد الشام وازدياد حماسة المسلمين وتطلعهم إلى الوثوب على الصليبيين من كل ناحية (1)، وحاول بلك بن بهرام بن ارتق أن يحصل من جوسلين ومن معه من الصليبيين الذين وقعوا في الأسر على تنازل منهم عن الرها، مقابل اطلاق سراحهم ولكنهم رفضوا قائلين : نحن والبلاد كالجمال، متى عقر جمل حول رحله إلى آخر والذي بايدينا قد صار بيد غيرنا (2)عندها حمل بلك بن بهرام أسراه إلى قلعة خرتبرت ووكل بهم من يحرسهم وتوجه سنة 517ه/1123م إلى حصن كركر التابع لإمارة الرها بقصد الاستيلاء عليه
__________
(1) نور الدين محمود والصليبيون حسن حبشي ص 20.
(2) الجهاد ضد الصليبيين في الشرق الإسلامي ص 160.(2/396)
(1)، وأدرك بلدوين ملك بيت المقدس الذي أصبح وصياً على الرها مضافاً إلى وصايته على أنطاكية أن من واجبه التحرك لتخليص جوسلين من الأسر ومنع كركر من السقوط بيد بلك بن بهرام وافهام المسلمين بأن قوة الصليبيين لا زالت قوية باطشة وخرج بلدوين على رأس جيشه حتى وصل عند الضفة الشرقية لنهر سنجه أحد روافد الفرات تجاه معسكر بلك بن بهرام الذي كان قد رفع الحصار عن كركر وعاد لمواجهة بلدوين الثاني ملك بيت المقدس، ودار القتال بين الطرفين في التاسع عشر من شهر صفر سنة 517ه/1123م، وانهزم الصليبيون بالرغم من قلة قوات المسلمين، ولم تقف أهمية الوقعة عند حد انتصار بلك بن بهرام بل تعدته إلى أن بلدوين ملك بيت المقدس قد وقع في أسر بلك في بن بهرام بالإضافة إلى استيلائه على حصن كركر، وحمل بلك أسيره الجديد إلى خرتبرت وضمه إلى جوسلين ومن معه من زعماء الصليبين وفرسانهم(2) . وهكذا خلت امارات الصليبيين، الرها، وأنطاكية، ومملكة بيت المقدس من زعمائها الذابين عنها، مما أدى إلى اضطراب وضع الصليبيين في الجزيرة وبلاد الشام ولكن القوى الإسلامية في بلاد الشام لم تستطع وقتذاك أن تهتبل هذه الفرصة والانقضاض على اماراتهم والقضاء على شأفة الصليبيين (3).
__________
(1) زبدة الحلب (2/206) الجهاد ضد الصليبيين في الشرق الإسلامي ص 160.
(2) نور الدين محمود والصليبيين ص 20.
(3) الجهاد ضد الصليبيين في الشرق الإسلامي ص 160.(2/397)
محاصرة الصليبيين لحلب : أما بلك بن بهرام بن أرتق فإنه بعد أن جمع أسراه في قلعة خرتبرت توجه إلى حران للاستيلاء عليها في ربيع الأول من سنة 517ه/1123م، بهدف التقوي بها، فتم له ذلك وكان بلك بن بهرام يطمع في الاستيلاء على حلب من سليمان بن عبد الجبار عقب استيلائه على حران لأنه كان يدرك أهمية حلب الاستراتيجية، وأنه لن يحقق آية نتيجة حاسمة على الصليبيين مالم يضم حلب إلى امارته كي تكون له قاعدة في بلاد الشام، يستطيع من خلالها التحرك في ميدان فسيح، وليتفرغ لقتال الصليبيين (1)، لذلك فرض بلك
__________
(1) الامارات الارتقية ص 268.(2/398)
بن بهرام على حلب الحصار حتى اضطر من بها إلى تسليمها إليه في صباح يوم الثلاثاء غرة جمادي الأولى سنة 517ه/1123م (1). إلا أن بلك بن بهرام لم يستطع المضي قدماً في جهاد الصليبيين بالشام حيث وصله نبأ تمكن جوسلين من الفرار من الأسر بمعونة جماعة من الأرمن الذين كان بلك بن بهرام قد أحسن إليهم بخرتبرت، فعاد على وجه السرعة إلى خرتبرت في رجب من نفس السنة 517ه/1123م واستطاع إعادة الأمن بها ونقل الأسرى المتبقين فيها إلى حران بعد معاقبة الأرمن الذين كانوا بها (2). وأما جوسلين صاحب الرها الذي هرب من الأسر فقد استطاع تكوين جيش من صليبيين بيت المقدس وأنطاكية، واتجه به صوب حلب وضيق على من بها من المسلمين، ولم يكتف بهذا، بل أقدم على نبش قبور الموتى من المسلمين في البلاد المحيطة بها وظل محاصراً لها حتى شهر رمضان من السنة نفسها 517ه/1123م ولما لم يستطع النيل منها عاد إلى تل باشر، على أن حلب لم تسلم من حصار الصليبيين بعد عودة جوسلين إلى تل باشر، بل تعرضت لحصار آخر من صليبيين أنطاكية، أدى إلى قطع الصلة بينهما وبين غيرها من البلاد الإسلامية في الشام، تلك البلاد التي كانت تزودها بالمؤن(3) . وجد بلك بهرام بن أرتق إنه لابد من الاستعانة بآقسنقر البرسقي صاحب الموصل وبظهير الدين طغتكين صاحب دمشق لرفع الظلم عن أهل حلب ولا نزال ضربة بالصليبيين يستطيع بعدها بلك بن بهرام العودة إلى حلب واقرار الأوضاع بها، فوصل إليه سنة 517ه/1123م كل من صاحب الموصل آقسنقر البرسقي وصاحب دمشق طغتكين على رأس قوتهما فعبر بهم الفرات ونزلوا على عزاز، ولكن الصليبيين الذين كانوا قد تجمعوا بها تمكنوا من طرد المسلمين، فعاد كل منهم إلى بلده، ودخل بلك بن بهرام حلب في سنة 518ه/1124م وتخلص من بعض المناوئين له وقضى على فوضى قطاع الطرق،
__________
(1) الكامل في التاريخ (8/632 ، 633)
(2) الجهاد ضد الصليبيين في الشرق الإسلامي ص 161.
(3) المصدر نفسه ص 161.(2/399)
وتزوج باحدى بنات رضوان بن تتشى لتوثيق صلته بالسلاجقة، واتخذ من حلب عاصمة له من بلاد الشام، وقاعدة انطلاق لتوجيه الضربات ضد الصليبيين ولم يكتف بهذا بل نقل إليها أسراه من حران واعتقلهم في قلعة حلب ويبدو أن ما قام به بلك بن بهرام من نقل أسراه إلى حلب إنما كان بقصد الاطمئنان عليهم من أية محاولة لانقاذهم أثناء بعده عنهم، والدليل على ذلك أنه حين جهز فرقة عسكرية في صفر من سنة 518ه /1124م لقتال الصليبيين بعزاز، لم يخرج معهم خوفاً من أن يغدر به بعض سكان حلب المعارضين له ويطلقوا سراح أسراه(1).
مقتل بلك بن بهرام : لم يمهل الأجل بلك بن بهرام وبينما كان يحاصر الفرنجة عند قلعة منبج وافته المنية بسهم طائش أصابه فقتله لا يدري من رماه، واضطرب عسكره، وتفرقوا وبمقلته فقد المسلمون فيه رجلاً أثبتت أعماله إنه زعيم وقائد حاول جمع كلمة المسلمين في الشام والجزيرة ضد الصليبيين ويمكن القول إنه بمقتل بلك بن بهرام سنة 518ه/1124م انتهت مرحلة قيادة الأراتقة لحركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين، على الرغم من أن حسام الدين تمرتاش بن إيلغازي قد استطاع الاستيلاء على حلب عقب مقتل بلك بن بهرام إلا أن حلب لم تتمتع في أيامه بأوضاع مستقرة، بل فسدت أحوالها وضعف أمر المسلمين بها حيث، الهاه الصبى واللعب عن التشمير والجد والنظر في أمور الملك ولم يقف حسام الدين عند هذا الحد من الخمول وعدم المبالاة بجهاد الصليبيين، بل قبل وساطة أبي العساكر سلطان بن منقذ صاحب شيزر في إطلاق سراح بلدوين ملك بيت المقدس، الذي كان في أسر بلك
__________
(1) زيدة الحلب (2/216 – 217) الجهاد ضد الصليبيين ص 164(2/400)
بن بهرام (1)، الأمر الذي أدى إلى ازدياد حماس الصليبيين في النيل من المسلمين، وهذا بالطبع كان له أثر كبير في تصدي الصليبيين بصلابة لحركة بعث فكرة الجهاد الإسلامي في المرحلة التالية التي قادها كل من آقسنقر البرسقي صاحب الموصل وظهير الدين صاحب دمشق (2).
8- جهاد أمير الموصل آق سُنقُر البرسقي لانقاذ حلب :
أ- حلب تتصدى للصليبيين : تعرضت حلب لضغط الصليبيين وهجماتهم مراراً عديدة بدأت مع فجر الغزو الصليبي لبلاد الجزيرة والشام وكان أبرزها وأخطرها ولاريب حصار عام 518ه وقد أدرك هؤلاء الغزاة الأهمية البالغة لهذه المدينة وما كانت تتمع به من مركز استراتيجي حيوي من النواحي البشرية والعسكرية والسياسية والاقتصادية وخطوط المواصلات، فهي تقع في مركز وسط حصين بين امارتين صليبيتين، هما : الرها شرقاً في الجزيرة الفراتية، وإنطاكية غرباً على البحر المتوسط في نفس الوقت الذي يمكنها الاتصال بالقوى الإسلامية التركمانية المنتشرة في الجزيرة والفرات والأناضول وشمالي الشام مما يعد أساساً حيوياً لاستمرار حركة الجهاد وتحقيق أهداف حاسمة ضد الصليبيين وفي المقابل فإن إسقاط حلب وضمها إلى الكيان الصليبي سوف يؤمن المواصلات بين الرها وأنطاكية، ويعجل إقامة وحدة سياسية وعسكرية بينهما، كانت ستلعب ولا شك دوراً خطيراً لصالح الغزاة (3).
__________
(1) الجهاد ضد الصليبيين ص 162 ، 163.
(2) المصدر نفسه ص 163.
(3) دراسات تاريخية ص 12 ، 13.(2/401)
وإذا أدرك الحلبيون عدم جدوى بقاء حلب على هذه الأوضاع القلقة، وضرورة تسليمها لأمير قوي، أرسلوا إلى ايلغازي الأرتقي حاكم ديار بكر يطلبون منه القدوم لتسليمها إياه، فتقدم هذا إلى حلب عام 511ه، وتولَّى مقاليد الأمور فيها، وفرض سيطرته على المواقع التابعة لها، ولكن انشغال الرجل بأمور ولايته في ديار بكر كان يضطره في كثير من الأحيان إلى الغياب عن حلب وإدارة ظهره لمشاكلها وكان الصليبيون يستغلون ذلك ويشددون هجماتهم على حلب والمناطق المحيطة بها، حتى إذا توفي الرجل في رمضان عام 516ه سعى الصليبيون لاستغلال الفرصة وانقسام إمارته بين أبنائه وانعزال حلب عن القوى المقاتلة في ديار بكرلتحقيق انتصارات سريعة في شمال الشام، ولكن ظهور ابن أخيه بلك بن بهرام وتوليَّة قيادة حركة الجهاد ضد الغزاة؛ قطع الطريق على هؤلاء، وأنقذ حلب من خطر محقق، غير أن مقتل بلك بعد سنتين من توليه الحكم وانتقاله إمارته إلى ابن عمه حسام الدين تمرتاش الذي تميز بالضعف والانهزامية، فتح الطريق ثانية أمام الصليبيين لكي يشددوا النكير على حلب ويحققوا حلمهم بالسيطرة عليها، ويصف المؤرخ ابن العديم كيف تدهورت الأوضاع في حلب إثر تولَّي تمرتاش الحكم، ويقول : فأما تمرتاش فإنه لما ملك حلب، ألهاه الصبا واللعب عن التشمير والجد والنظر في أمور الملك، ففسدت الأحوال وضعف أمر المسلمين بذلك (1). وقد بدأ تمرتاش ولايته بإطلاق سراح بلدوين الثاني ملك بيت المقدس الذي كان بلك قد أسره في إحدى معاركه ضد الغزاة، وذلك لقاء مبلغ تافه من المال، وقد أطلقه تمرتاش من معتقله وأحضره إلى مجلسه، فأكلا وتشاربا وخلع عليه تمرتاش قباءً ملكياً، وأعيد إليه الحصان الذي كان قد أخذه منه بلك يوم أسره (2). ولم يلبث تمرتاش – بعدها – أن انسحب إل ولايته في ديار بكر لكي يتبع سياسة انعزالية فلا يرمي بسهم ضد الغزاة وبهذا اتيحت
__________
(1) زبدة حلب (2/220).
(2) الاعتبار ص 103، 120 – 121.(2/402)
لهؤلاء الفرصة – كرة أخرى – لتضييق الخناق على حلب والسعي لتحقيق هدفهم الذي عجزوا عنه في السنين السابقة، وهكذا شهدت حلب في عام 518ه حصاراً من أخطر ما تعرضت له في تاريخ الحروب الصليبية الطويل(1).
ب- خيانة دبيس بن صدقة المزيدي أمير الحلة : بدأت المحاولة له بخيانة تقدم بها أحد الأمراء العرب : دبيس بن صدقة المزيدي أمير الحلة الواقعة جنوبي بغداد، والهارب من وجه الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية بسبب استفزاره المستمر لهما وتآمره عليهما، قال للصليبيين بأن له أنصاراً في حلب، وأنهم متى رأوه على رؤوس المهاجمين سلموا إليه البلد ومما قاله للصليبيين : إن أهلها شيعة وهم يميلون إليّ لأجل المذهب، فمتى رأوني سلموا البلد إليَّ، وبذل لهم على مساعدته بذولاً كثيرة (2)ووعد بلدوين أمير إنطاكية وجوسلين أمير الرها بأنه سيقدم لهما الكثير لقاء مساعدتهما له، وقال لهما : إنني أكون في حلب نائباً عنكم مطيعاً لكم (3). وتمكن أخيراً – من التوصل مع الصليبيين إلى اتفاق تكون حلب بموجبه له، أما الأموال فتكون لهم، فضلاً عن بعض المواقع القريبة من حلب (4)، وتقدم بلدوين على رأس قواته ونزل على نهر قويق قريباً من حلب، وأفسد المناطق الزراعية المحيطة به، ثم رحل إلى حلب فنزل عليها في أواخر شعبان 518ه، وتقدم جوسلين أمير الرها بصحبة دبيس بن صدقة (5)- وكان دبيس شيعياً كآبائه (6)- صوب ناحية أخرى من أعمال حلب، وقاما بتدمير مزروعاتها، وقدرت الخسائر بما يقرب من مائة ألف دينار، ومن ثم رحلا ونزل مع بلدوين على حلب، واجتمع بهم هناك خونة، آخرون من أجل تطمين مصالحهم واقتسام الغنائم في حالة سقوط حلب : سلطان شاه بن
__________
(1) دراسات تاريخية د. عماد الدين خليل ص 14.
(2) الكامل في التاريخ (8/642).
(3) ذيل تاريخ دمشق ص 212.
(4) الاعتبار ص 103 ، زبدة حلب (2/222 – 223).
(5) دراسات تاريخية د. عماد الدين خليل ص 15.
(6) سير أعلام النبلاء (19/613).(2/403)
رضوان السلجوقي، عيسى بن سالم بن مالك العقيلي، ياغي سيان بن عبد الجبار الأرتقي .. وفرضوا جميعاً الحصار على حلب من شتى جهاتها (1). ووطَّنوا أنفسهم على المقام الطويل، وأنهم لا يغادرونها حتى يملكوها، وبنوا البيوت لأجل البرد والحر(2)، فضلاً عن ثلاثمائة من الخيام، بينما لم يكن في حلب يومها سوى خمسمائة فارس (3).
ج- أعمال استفزازية صليبية ضد أهالي حلب : بدأ الغزاة بشن هجماتهم الدورية على حلب، وقطعوا أشجارها، وأفسدوا بساتينها وزروعها في محاولة لتدمير اقتصادياتها التي تعتمد على الزراعة بالدرجة الأولى، كما قاموا بتخريب مشاهد المسلمين ونبشوا قبور موتاهم، وسلبوا أكفانهم، وجعلوا من توابيتهم أوعية يتناولون بها طعامهم وعمدوا إلى من لم تتقطع أوصاله منهم فربطوا في أرجلهم الحبال وسحبوهم أمام أنظار المسلمين المحاصرين في حلب، وجعلوا يصيحون : هذا نبيكم محمد !! وأخذت جماعة منهم مصحفاً من المشاهد المحيطة بحلب وصاحوا : يا مسلمين أبصروا كتابكم !! ثم ثقبه أحدهم بيده ثم شده بخيطين وربطه بأسفل برذون قريب فراح هذا يروث عليه .. وكلما أبصر صاحبه الروث يتساقط على المصحف الشريف صفق بيديه وضحك عجباً
وزهواً (4) .
__________
(1) زبدة حلب (2/225 – 226).
(2) الكامل في التاريخ (8/642).
(3) زيدة حلب (2/224 – 225) دراسات تاريخية ص 15.
(4) دراسات تاريخية ص 15.(2/404)
د- المقاومة الحلبية الشعبية : لم يكتف الصليبيون بهذا بل راحوا يمثلون بكل من يقع بأيديهم من المسلمين، فاضطر هؤلاء إلى مجاراتهم بالمثل، وكان يقود المقاومة الإسلامية القاضي أبو الفضل بن الخشاب الذي كان قد تمرّس عن أعمال الدفاع منُذ بداية العقد، وكان يملك شعبية واسعة في حلب فأصدر أوامره بتوجيه ضربات مباشرة في قلب معسكرات الغزاة فكانت جماعة من مقاتلي حلب تخرج سراً لتغير على هذه المعسكرات، فتقتل وتأسر وتقفل عائدة من حيث أتت ... وفي الوقت نفسه كانت الرسل تتردد بين الطرفين للتوصل إلى اتفاق ولكن دون جدوى (1).
__________
(1) المصدر نفسه ص 16، ذيل تاريخ دمشق ص 212.(2/405)
و- استنجاد أهالي حلب بأمير ديار بكر : ضاق الأمر بالمسلمين في حلب واعتصرهم الإرهاق والجوع، فاتفق أميرهم بدر الدين الأرتقي وجماعة من كبار المسؤولين على إرسال وفد من زعماء حلب إلى ديار بكر للاستنجاد بأميرها حسام الدين تمرتاش وتسلَّل أعضاء الوفد الثلاثة ليلاً ومضوا إلى ماردين – قاعدة ديار بكر – ليستغيثوا بأميرها علَّه يولي اهتماماً لما تعانيه حلب من ويلات وعندما وصلوا إلى هناك كان حسام الدين منهمكاً في الاستيلاء على بلاد أخيه سليمان الذي كان توفي في تلك السنة، الأمر الذي دفعه إلى إهمال شؤون حلب وعدم الاستجابة لمطالب وفدها، وقد بقي أعضاء هذا الوفد فترة من الوقت في ماردين يحثون حسام الدين على التوجه إلى حلب لانقاذها من الحصار، وهو يعدهم ويمنيهم ويماطلهم دون أن يقدم على أي إجراء فأعلموه أنهم لا يريدون سوى أن يصل بنفسه، والحلبيون يكفونه أمر الغزاة (1) إلا أن مساعيهم فشلت وفي نهاية المطاف تمكن الوفد الخلاص من مراقبة حسام الدين التي فرضها عليهم حتى لا يغادروا ماردين للاستنجاد بأمير آخر، خوفاً من ازدياد ضعف مركزه وفقدانه مدينة حلب، واستطاع الوفد الاتصال بوالي الموصل السلجوقي آق سنقر البرسقي (2).
__________
(1) دراسات تاريخية ص 16.
(2) زبدة حلب (2/227) دراسات تاريخية ص 17.(2/406)
ز- آق سنقر البرسقى واستجابته لاستغاثة أهل حلب : كان البرسقي حينذاك مريضاً، وكان الضعف قد بلغ منه مبلغاً عظيماً، فمنع الناس من الدخول عليه إلاَّ الأطباء ووصل إلى دبيس من أخبره بذلك، فأعلن البشائر في عسكره وارتفع عنده التكبير والتهليل، ونادى بعض أصحابه أهل حلب : قد مات من أملتم نصره؛ فكادت أنفس الحلبييين تزهق (1)، وعندما استؤذن للوفد الحلبي بالدخول أذن البرسقي لهم، فدخلوا عليه واستغاثوا به. وشرحوا له الأخطار التي تحيق بحلب ومدى الصعوبات التي يعانيها أهل المدينة، فأجابهم الرجل : إنكم ترون ما أنا الآن فيه من المرض، ولكني قد جعلت لله عليَّ نذراً لئن عافاني من مرضي هذا لأبذلن جهدي في أمركم والذب عن بلدكم وقتال أعدائكم ولم تمض ثلاثة أيام على مقابلته تلك حتى فارقته الحمى، وتماثل للشفاء، وسرعان ما ضرب خيمته بظاهر الموصل، ونادى قواته لأن تتأهب لقتال الصليبيين وإنقاذ حلب، وفي غضون أيام معدودات غدا جيشه على أهبة الاستعداد فغادر الموصل متجهاً إلى الرحبة، وأرسل من هناك إلى طغتكين أمير دمشق وخير خان أمير حمص يطلب منهما مساعدته في إنجاز مهمته، فلبى هذان الأميران دعوته وبعثا عساكرهما للإنضمام إلى جيش البرسقي الذي كان قد تحرك آنذاك صوب بالس القريبة من حلب وأرسل من هناك إلى مسؤوليها وشرط عليهم – تسليم قلعة حلب لنوابه لكي يحتمّى بها في حالة انهزامه أمام الصليبين فأجابوه إلى طلبه، وما أن استتب الأمر لهؤلاء النواب وأطمأن الرجال إلى وجود حماية أمينة في حال تراجعه، حتى بدأ زحفه صوب مواقع القوات الصليبية التي تطوَّق حلب (2). وصلت قوات طلائع البرسقي حلب يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي الحجة من سنة 518ه وما أن أقترب البرسقي بقواته المنظمة حتى أسرع الصليبيون في التحول إلى منطقة أفضل من الناحية الدفاعية، فعسكروا في جبل جوسن
__________
(1) دراسات تاريخية ص 17.
(2) نهر الذهب للغزي (3/86 -87) دراسات تاريخية ص 18.(2/407)
على الطريق إلى أنطاكية، وهكذا غدوا في حالة الدفاع بعد أن كانوا مهاجمين، وخرج الحلبيون إلى خيامهم فنالوا منها ما أرادوا، بنيما اتجه قسم آخر منهم لاستقبال البرسقي والاحتفاء به لدى وصوله، وقد أدرك الرجل ما يرمي إليه الصليبيون بانسحابهم واتخاذهم موقفاً دفاعياً، فلم يتسرع بمهاجمتهم قبل أن يعيد تنظيم قواته من جديد، خوفاً من نزول هزيمة فادحة بعساكره قد تعرض حلب للسقوط، وأرسل طلائعه الكشفية لرد القوات المتقَّدمة إلى معسكراتها في حلب وقال موضحاً خطته هذه : ما يؤمننا أن يرجعوا علينا ويهلك المسلمون؟ ولكن قد كفى الله شرهم، فلندخل إلى البلد ونقويه وننظر إلى مصالحه، ونجمع لهم إن شاء الله، ثم نخرج بعد ذلك إليهم. ومن ثم دخل البرسقي حلب، وبدأ بحل مشاكلها ورفع مستواها الاقتصادي والاجتماعي، فنشر العدل وأصدر مرسوماً برفع المكوس والمظالم المالية وإلغاء الصادرات، وعمَّت عدالته الحلبيين جميعاً بعدما منوا به من الظلم والمصادرات وتحكم المتسلطين طيلة فترة الحصار الصليبي(1)، ولم يكتف البرسقي بذلك، بل قام بنشاط واسع بجلب المؤن والغلال إلى المدينة كي يخفف من حدة الغلاء، ويقضي على الضائقة التي يعانيها الحلبيون، وما لبث النشاط الزراعي في منطقة حلب أن عاد إلى حالته الطبيعية، حيث أستأنف المزارعون العمل في الأراضي التي شَّردوا عنها، كما عاد النشاط التجاري إلى سابق عهده اعتماداً على ما تمتعت به المنطقة من أمن واستقرار (2)، وهكذا استطاع البرسقي أن يحطم الطوق الذي أحاط به الصليبيون حلب، وأن يخلصَّ هذا الموقع الهام من أخطر محنة جابهته طيلة الحروب الصليبية ويوحده مع الموصل لأول مرة منُذ بدء هذه الحروب، الأمر الذي أتاح لهذا القائد ولعماد الدين زنكي من بعده أن يفيد من هذه الوحدة لتحقيق انتصارات عديدة ضد الغزاة (3)يقول
__________
(1) زبدة حلب (2/229 – 230) دراسات تاريخية ص 19.
(2) دراسات تاريخية ص 19.
(3) المصدر نفسه ص 20.(2/408)
المؤرخ الإنكليزي المعاصر ستيفن رنسيمان : ... سرعان ما غدت الإمارة التي شكلها البرسقي نواة لما قام بعدئذ بالشام من دولة إسلامية متحدة زمن الزنكيين والأيوبيين والمماليك، ولم يكن الصليبيون الذين وحد بينهم نظام الملكية في بيت المقدس، يواجهون قبل ذلك زادت من ضعفها، وما حدث – إذن – من توحيد حلب مع الموصل يعتبر بدء توحيد الجبهة الإسلامية التي قدر لها أن تقضي في يوم من الأيام على قوة الصليبيين في الشام (1).
ح- مقتل البرسقي : في سنة 520ه ثامن ذي القعدة، قتل قسيم الدولة آقسنقر البرسقي صاحب الموصل، بمدينة الموصل قتلته الباطنية يوم جمعة بالجامع وكان يصلي الجمعة مع العامة وكان قد رأى تلك الليلة في منامه أن عدة من الكلاب ثاروا به، فقتل بعضها، ونال منه الباقي ما أذاه فقص رؤياه على أصحابه، فأشاروا عليه بترك الخروج من داره عدة أيام فقال : لا أترك الجمعة لشيء أبداً، فغلبوا على رأيه، ومنعوه من قصد الجمعة، فعزم على ذلك، فأخذ المصحف يقرأ فيه، فأول ما قرأ " وكان أمر الله قدر مقدوراً " (الأحزاب، آية : 38)، فركب إلى الجامع على عادته، وكان يصلي في الصف الأول، فوثب عليه بضعة عشر نفساً عدة الكلاب التي رآها، فجرحوه بالسكاكين، فجرح هو بيده منهم ثلاثة وقتل رحمه الله، وكان مملوكاً تركياً خيراً، يحب أهل العلم والصالحين، ويرى العدل ويفعله وكان من خير الولاة يحافظ على الصلوات في أوقاتها، ويصلي من الليل متهجداً (2).
__________
(1) الشرق الأوسط والحروب الصليبية (1/345 ، 485 – 486).
(2) الكامل في التاريخ (8/651).(2/409)
ط- الباطنية من أخطر معوقات حركة الجهاد : أثبت الباطنية عداءهم الكامل لقادة الجهاد الإسلامي في ذلك العصر، وكأن خناجرهم المسمومة كانت تشق للصليبيين طريقاً نحو تثبيت أقدامهم في بلاد الشام والجزيرة على حساب المسلمين وهكذا أثبتت وقائع التاريخ كيف التقى قادة الجهاد الإسلامي في ذلك العصر في بعض الأحيان – في الشهادة – فمن قبل اغتيل شرف الدين مودود، والآن نجد آق سنقر البرسقي يلقى نفس المصير، وقد عكس ذلك كله : أن مسلك الإسماعيلية النزارية في ذلك الحين كان من أخطر معوقات حركة الجهاد ضد الغزاة نظراً لوجود عدوين في وقت واحد أمام القيادات المسلمة السنية على نحو عكس المشاق البالغة التي واجهت أولئك القادة (1) في الدفاع عن عقيدة الأمة ودينها وأعراضها.
__________
(1) الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب ص 161.(2/410)
هذا وإن كان أقسنقر البرسقي قد استشهد فإن قائمة المجاهدين عامرة ومتأهبة للقتال في سبيل الله، ففي ربيع الآخر من عام 521ه/1127م عهد السلطان محمود إمارة الموصل إلى عماد الدين زنكي وبظهوره على مسرح الأحداث بدأت صفحة جديدة في ميزان القوى بين المسلمين والصليبيين (1)، وقد بدأ عماد الدين بتكوين جبهة إسلامية متحدة ضد الصليبيين فسيطر على القلاع القريبة منه مثل جزيرة ابن عمر ونصيبين وسنجار وبلاد الخابور وحران، ثم أتجه تفكيره بعد ذلك للاستيلاء على حلب، أكبر المراكز الإسلامية بشمال الشام، وواتته الفرصة عندما علم باضطراب الأحوال بها وتهديد كل من جوسلين الثاني صاحب الرها بوهيمند الثاني صاحب أنطاكية لها، فسارع عماد الدين زنكي إليها فلقيه أهلها بالبشر ودخل البلد في يوم الاثنين 13 جمادي الآخرة سنة 522ه/ يونيو 1128م (2)واستولى عليه ورتب أموره وأقطع أعماله الجنود والأمراء، ويؤكد ابن الأثير على أهمية هذا الفتح بقوله : ولولا أن الله تعالى من على المسلمين بولاية الشهيد لكن الفرنج استولوا على الشام جميعه (3). وسوف يأتي الحديث عن عماد الدين والأسرة الزنكية في كتابنا القادم بإذن الله تعالى عن الحروب الصليبية في عهد الزنكيين وسيرة نور الدين محمود الشهيد الملك العادل .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
جدول بأسماء القادة والعلماء الذين اغتيلوا بيد الباطنية :
اسم المغتال ... السنة ... كيفية وقوع حادث الاغتيال
الخليفة المسترشد بالله العباسي ... 529ه ... هجم عليه بضعة عشرة من الباطنية وطعنوه بالخناجر، ثم مثلوا به.
الخليفة الراشد العباسي ... 532ه ... اغتيل غدراً في أصبهان.
__________
(1) دور الفقهاء والعلماء المسلمين في الشرق الأدنى في الجهاد ضد الصليبيين خلال الحركة الصليبية ص48.
(2) الكامل في التاريخ (8/663).
(3) الكامل في التاريخ (8/664).(2/411)
الوزير نظام الملك السلجوقي ... 585ه ... تقدم إليه باطني في صورة مستغيث ولما اقترب منه طعنه بسكين وقتله.
الوزير نظام الملك (أبو نصر) ... 503ه ... وثب عليه جماعة من الباطنية وهو يؤدي الصلاة في الجامع وجرحوه عدة جراحات.
الوزير أبو المحاسن عبد الجليل الدهستاني ... 495ه ... عدا عليه شاب باطني وجرحه عدة جراحات مات بعدها.
الوزير الكمال أبو طالب السميرمي ... 516ه ... وثب عليه الباطنية وهو سائر في طريق ضيق وقتلوه.
الوزير معين الملك (أبو نصر) ... 521ه ... وثب عليه باطني وهو غافل مطمئن فقتله، وكان هذا الباطني يعمل سائساً لخيل معين الملك ليصل إلى هدفه.
الوزير عضد الدين أبو الفرج بن رئيس الرؤساء ... 573ه ... تقدم إليه جماعة من الباطنية في صورة فقراء ومعهم رقاع وهو في طريقه إلى الحج فتقدم إليه أحدهم وضربه بسكين وتبعه ثان وثالث حتى قتلوه.
الوزير نظام الملك مسعود بن علي ... 596ه ... قتله الباطنية غدراً.
الوزير فخر الملك أبو المظفر علي بن نظام الملك ... 500ه ... تقدم إليه شاب من الباطنية وهو يتظلم وفي يده رقعة، وبينما كان يقرؤها الوزير وثب عليه ذلك الشاب بخنجر كان معه وقتله.
(1) الكامل : جـ 8/ 200.
(2) الكامل : جـ 8/319.
(3) هذا الجدول نُقل من كتاب الجهاد والتجديد ص 146 ، 147.
جدول بأسماء القادة والعلماء الذين اغتيلوا بيد الباطنية :
اسم المغتال ... السنة ... كيفية وقوع حادث الاغتيال
الأمير بلكابك سرمز ... 493ه ... طعنه الباطنية بسكاكينهم غدراً فقتلوه.
الأمير مودود ... 507ه ... وثب عليه الباطنية بعد فراغة من أداء صلاة الجمعة في جامع دمشق وقتلوه.
الأمير أحمد بن إبراهيم الروادي ... 510ه ... تقدم إليه رجل من الباطنية وهو يتظلم ويبكي ومد إليه رقعة سأله أن يوصلها له إلى السلطان، فلما أخذها منه وثب عليه ذلك الرجل على الفور بسكينه وقتله.(2/412)
الأمير قسيم الدولة آقسنقر البرسقي ... 520ه ... هجم عليه بضعة عشر نفراً من الباطنية في الجامع وهو يؤدي صلاة الجمعة فقتلوه.
الأمير تاج الملوك بوري بن طغتكين ... 525ه ... هجم عليه اثنان من الباطنية وحاولا قتله، لكنه برئ من جراحه فيما بعد ولكنه توفي في السنة التي بعدها متأثراً بأحد تلك الجراح.
الأمير آقسنقر الأحمديلي ... 527ه ... قتله الباطنية غدراً.
الأمير أغلمش ... 614ه ... قتله الباطنية غدراً.
الأمير شهاب الدين الغوري ... 602ه ... قتله الباطنية غدراً وخوفاً منه ومن بطشه.
جدول بأسماء القادة والعلماء الذين اغتيلوا بيد الباطنية :
اسم المغتال ... السنة ... كيفية وقوع حادث الاغتيال
أمير من أمراء جلال الدين بن خوارزم شاه ... 264ه ... قتله الباطنية غدراً.
الأمير جناح الدولة حسين ... 495ه ... وثب عليه ثلاثة من الباطنية في الجامع بعد فراغه من أداء صلاة الجمعة وقتلوه.
الأمير خلف بن ملاعب ... 499ه ... قتله الباطنية غدراً.
الأمير شمس الملوك إسماعيل بن بوري ... 529ه ... قتله الباطنية غدراً.
الأمير برسق الكبير ... 490ه ... قتله الباطنية غدراً.
الأمير سيف الدين أخو علاء الدين الغوري ... 547ه ... قتله الباطنية غدراً.
السلطان داود بن السلطان محمود ... 538ه ... قتله الباطنية غدراً.
السلطان بكتمر ... 589ه ... تقدم إليه من الباطنية في زي الصوفية، وقدم إليه أحدهم قصة فأخذها وضربه بسكين على الفور وقتله.
السلطان صلاح الدين الأيوبي ... 570ه ... حاولوا قتله داخل معكسر جيشه لكنهم فشلوا
السلطان صلاح الدين الأيوبي ... 571ه ... حاولوا قتله وهو محاصر لحلب لكنهم فشلوا.
النائب نصر خان بن أرسلان خان محمد ... 524ه ... قتله الباطنية غدراً.
المقرب جوهر ... 547ه ... تعرض إليه جماعة من الباطنية في زي نساء واستغثن به، فوقف يسمع كلامهم، فوثبوا عليه وقتلوه.(2/413)
أبو صالح بن العجمي ... 573ه ... وثب عليه جماعة من الباطنية في الجامع وقتلوه.
أخو الأمير قتادة أمير مكة ... 608ه ... وثبوا عليه بمنى أيام الحج وقتلوه.
أبو القاسم ابن إمام الحرمين ... 492ه ... قتله الباطنية غدراً.
الفقيه أحمد بن الحسين البلخي ... 494ه ... قتله الباطنية غدراً.
جدول بأسماء القادة والعلماء الذين اغتيلوا بيد الباطنية :
اسم المغتال ... السنة ... كيفية وقوع حادث الاغتيال
الفقيه عبد اللطيف بن الخجندي ... 523ه ... قتله الباطنية غدراً.
الفقيه أبو المحاسن الروياني ... 502ه ... قتله الباطنية غدراً.
القاضي أبو العلاء مساعد النيسابوري ... 499ه ... قتله الباطنية بجامع أصبهان.
القاضي عبيد الله بن علي الخطيبي ... 502ه ... قتله الباطنية بالجامع وهو يؤدي صلاة الجمعة.
القاضي صاعد بن عبد الرحمن أبو العلاء ... 502ه ... قتله الباطنية يوم عيد الفطر بنيسابور
القاضي أبو سعد محمد بن نصر الهروي ... 518ه ... هجم عليه قوم من الباطنية في جامع همذان وقتلوه.
الواعظ أبو جعفر ابن المشاط ... 498ه ... كان يدرس للناس في الجامع ولما نزل من على كرسيه وثب عليه باطني وقتله.
الواعظ أبو المظفر الخجندي ... 496ه ... وكان يدرس للناس في الجامع ولما نزل من على كرسيه وثب عليه باطني وقتله.
وبعد الإطلاع على الجدول السابق، يتبين لنا ضخامة الدور البشع لتلك الحركات في القضاء على فاعلية الأمة وحيوتيها، في الصراع الدائر بين المسلمين والغُزاة الصليبيين.
ويتضح لنا من سلسلة الاغتيالات وتوقيتها، ونوع شخصياتها ملاحظات في غاية الأهمية منها :
أن الذين قتلوا على يد الباطنيين، كانوا يمثلون مراكز القيادة والتوجيه في ميادين السياسة والفكر والجهاد في سبيل الله.
وأن تصفية هؤلاء، كان خدمة متعمدة لخدمة الصليبيين من جهة ولقيادة المذهب الإلحادي الخبيث من جهة أخرى.(2/414)
أن كثيرً من ضحايا الاغتيال قتل وهو صائم، أو في وقت تأدية صلاة الجمعة أو خلال مجلس للوعظ الديني والإفتاء في بيوت الله (1).
الخاتمة
وبعد فهذا ما يسره الله لي من جمع وترتيب وتحليل تضمنتها فصول هذا الكتاب الذي سميته دولة السلاجقة والمشروع الإسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، فما كان فيه من صواب فهو محض فضل الله عليَّ فله الحمد كما ينبغي لجلاله وله الثناء كما يليق بكماله، وله المجد كما تستدعيه عظمته وكبرياؤه وما كان في هذا الكتاب من خطأ فاستغفر الله تعالى وأتوب إليه، والله ورسوله بريء منه، وحسبي أني كنت حريصاً ألاّ أقع في الخطأ، وعسى ألاّ أحُرم من الأجر، وأدعو الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب إخواني المسلمين وأن يذكرني من يقرؤه في دعائه فإن دعوة الأخ لأخيه في ظهر الغيب مستجابة إن شاء الله تعالى وأختم هذا الكتاب بقول الله تعالى : والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " (الحشر، آية : 10).
فهذا الكتاب تحدث عن حقبة مهمة من تاريخنا في العراق والشام، فقد قاوم أجدادنا البواسل التغلغل الباطني في الأمة وتصدوا للغزو الخارجي ولا يزال الصراع مستمراً والغلبة بإذن الله تعالى للإسلام والمسلمين في نهاية المطاف، كما إننا على يقين برجوع العراق إلى أحفاد الصحابة ونور الدين وصلاح الدين وصالحي أهل العراق، كما أن فلسطين سوف ترجع بإذن الله تعالى لأمتنا الإسلامية مهما طال الزمن وأختم هذا الكتاب بقول الشاعر أحمد بن عقيلان :
أنا مؤمن أن اليهود وإن طغوا
ستؤول دولتهم إلى أيدينا
والله لن يحظو بنوم هانئ
ج
ما دام عرق الدين ينبض فينا
إسلامنا لا يقبل استسلامنا
اسأل به كسرى وقسطنطينا
وأسأل عماد الدين عن حصن الرُّها
وأسأل صلاح الدين عن حطينا
__________
(1) التحديد والجهاد في القرن السادس الهجري ص 150.(2/415)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
فهرس المصادر والمراجع
الوزارة العباسية من 447ه/590ه، سميعة عزيز محمود، جامعة بغداد كلية الآداب، رسالة ماجستير، 1411ه/1990م.
الكامل في التاريخ، لابن الأثير، ط دار الفكر، بيروت 1398ه/1978م.
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، مطبعة دائرة المعارف، العثمانية بحيدر آباد الدكن، الطبعة الأولى 1359ه.
دولة السلاجقة، حسنين عبد المنعم محمد، مكتبة الأنجلو المصرية، 1975م.
راحة الصدور، وآية السرور في تاريخ الدولة السلجوقية، ترجمة إبراهيم أمين الشواربي،
وعبد المنعم محمد حسنين وفؤاد عبد المعطي الصياد، دار القلم، القاهرة 1379ه.
المختصر في أخبار البشر، عماد الدين إسماعيل ابن أبي الفداء طبع بمصر.
نظام الوزارة في الدولة العباسية، الدكتور محمد مسفر الزهراني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1406ه/1986م.
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، تغري بردى، جمال الدين أبي المحاسن الأتابكي.
وفيات الأعيان، شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان، مراجعة وزارة المعارف العمومية الطبعة الأخيرة، دار المأمون، مصر 1936م.
خلفاء بني العباس ووزراءهم في شعر العصر السلجوقي، علي جواد الطاهر، مجلة الأستاذ، كلية التربية، جامعة بغداد المجلد الثامن، عام 1960م.
البداية والنهاية، لابن كثير، الحافظ عماد الدين ابن أبي الفداء إسماعيل ابن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، مركز البحوث والدراسات بدار هجر مصر، الطبعة الأولى 1419ه.
تاريخ الفارقي، أحمد بن يوسف بن علي الفارقي، حققه وقدم له بدوي عبد اللطيف عوض، دار الكتب اللبناني، بيروت 1974م.
طبقات الشافعية، جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي تحقيق عبد الله الجبوري، دار العلوم 1401ه.
سير أعلام النبلاء، تصنيف شمس الدين محمد أحمد بن عثمان الذهبي، مؤسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة.(2/416)
الفخري، محمد بن علي طباطبا المعروف بأبن الطقطقي الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، المطبعة الرحمانية، مصر 1345ه/1927م.
عيون التواريخ للكتبي، محمد بن شاكر الكتبي، تحقيق فيصل السامر ونبيلة عبد المنعم، دار الحرية للطباعة، بغداد 1397ه/1977م.
الأنباء في تاريخ الخلفاء، ابن العمراني محمد بن علي بن محمد، تحقيق قامس السامرائي.
النبراس في تاريخ بني العباس، صححه وعلق عليه عباس العزاوي مطبعة المعارف، بغداد 1365ه/1946م.
أخبار الدول المنقطعة، أبو الحسن علي بن منصور بن حسين الأزدي، مؤسسة حماده للخدمات والدراسات الجامعية الأردن أربد، طبعة عام 1999م.
النظم الحربية عند السلاجقة، د. نائف بن حمود بن محمد أبو قريحة، الطبعة الأولى 1423ه.
بغداد مدينة السلام، ريجارد كوك، ترجمة فؤاد جميل ومصطفى جواد، جامعة بغداد 1962م.
أخبار الدولة السلجوقية، تصحيح محمد إقبال، لاهور 1933م.
فن الحرب الإسلامي، بسام العسلي، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1409ه ، 1988م.
تاريخ دولة آل سلجوق، محمد بن محمد بن حامد الأصفهاني، اختصار الشيخ الإمام الفتح بن علي بن محمد البداري الأصفهاني دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثالثة 1400ه/1980م.
تاريخ الخلفاء، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.
السلاجقة في التاريخ والحضارة، د.أحمد كمال الدين حلمي دار السلاسل الكويت، الطبعة 1406ه - 1986م.
غيات الأمم في التيات الظلم، المشهور بالغياثي، أمام الحرمين، أبو المعالي عبد الملك
بن عبد الله، تحقيق مصطفى حلمي وفؤاد عبد المنعم أحمد، دار الدعوة، الإسكندرية، 1979م.
التحفه الملوكية في الدولة التركية، بيبرس المنصوري تاريخ دولة المماليك البحرية في الفترة من 648 – 711ه هجرية نشر عبد الحميد صالح حمدان الدار المصرية الطبعة الأولى 1987م.(2/417)
تاريخ البيهقي، أبو الفضل، محمد حسين، ترجمة يحي الخشاب، وصادق نشأت، ط. دار النهضة العربية، بيروت 1982م.
تاريخ إيران، شاهين مكاريوس، مطبعة المقتطف، القاهرة، 1898م.
سياست نامة، أو سير الملوك، نظام الملك الحسن بن علي بن اسحاق الطوسي ترجمة يوسف حسين بكار، دار الثقافة، قطر 1407ه - 1987م.
الشرق الإسلامي في العصر الوسيط، نيكيتا ايليسف، ترجمة منصور أبو الحسن، دار الكتب الحديث.
التبر المسبوك في نصيحة الملوك، لمحمد الغزالي، تحقيق محمد أحمد دمج، الطبعة الأولى بيروت 1407ه - 1987م.
الحضارة الإسلامية، في العصور الوسطى، أحمد عبد الرزاق أحمد.
جيش مصر في أيام صلاح الدين، مكتبة النهضة المصرية 1959م.
الأحكام السلطانية والولايات الدينية للماوردي، علي بن محمد بن حبيب، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان 1402ه/1982م.
تاريخ العراق في العصر السلجوقي، حسين أمين، مطبعة الإرشاد 1385ه/1965م.
إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد الغزالي، دار الندوة الجديدة، بيروت لبنان.
رسوم السلاجقة ونظمهم الاجتماعية، محمد محمود إدريس، دار الثقافة للطباعة 1983م.
العرب والأتراك، عبد الكريم غرايبة، دراسة لتطور العلاقة بين الأمّتين خلال ألف سنة، جامعة دمشق 1961م.
بدائع السلك في طبائع الملك، محمد بن علي الأزرق، تحقيق علي سامي النشار، منشورات وزارة الإعلام، بغداد 1977م.
تفريج الكروب في تدبير الحروب مؤلف مجهول، مؤلفه ألفه للملك الناصر فرج بن برقوق.
قيام الدولة العثمانية، محمد كوبريلي، ترجمة أحمد السعيد سليمان، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1993م.
نظام الإقطاع عند السلاجقة وأثره فيهم علياء بنت يحي الجبيلي، رسالة ماجستير غير منشورة بكلية الآداب للبنات بالرياض عام 1412ه/1992م.
تاريخ ابن أبي الهيجاء، عز الدين محمد بن أبي الهيجاء الأربلي، تحقيق صبحي عبد المنعم أحمد، الطبعة الأولى، القاهرة 1413ه/1993م.(2/418)
نور الدين محمود، الرجل التجربة، عماد الدين خليل، دار القلم، 1400ه/1980م.
تاريخ حلب، محمد علي العظيمي تحقيق إبراهيم زعرور، دمشق، 1984م.
صبح الأعشى في صناعة الإنشا، أحمد بن عبد الله بن أحمد القلقشندي، شرحه محمد حسين شمس الدين، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1407ه/1987م.
تاريخ الزمان، أبو الفرج جمال الدين بن هارون، ترجمة إسحاق رمله، دار المشرق، بيروت، 1991م.
إمارة حلب في ظل الحكم السلجوقي محمد ضامن، دار أسامه، دمشق، بيروت 1990م.
الحرب عند العرب، إبراهيم مصطفى المحمود، دار القلم، دمشق، 1985م.
مختصر سياسة الحروب، للهرثمي صاحب المأمون، تحقيق عبد الرؤوف عون، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، مطبعة مصر بالقاهرة.
الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب، قاضي القضاة أبي الفضل محمد ابن الشحنة، حلب، دمشق 1404ه/1984م.
الحروب الصليبية، سميل، ترجمة سامي هاشم المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، 1982م.
خطط الشام، محمد كرد علي، مكتبة النورى، دمشق 1403ه/1983م.
تبصرة أرباب الألباب في كيفية النجاة في الحروب من الأسواء ونشر اعلام الأعلام في العدد والآلات المعينة على لقاء الأعداء، مرضي بن علي بن مرضي الطرسوسي، تحقيق كلود كاهن.
تاريخ البيمارستانات في الإسلام، أحمد عيسى، دار الرائد العربي، بيروت، لبنان 1401ه/1981م.
الخدمات العامة في بغداد، عبد الحسين مهدي الرحيم وزارة الأوقاف، بغداد 1987م.
عالم الصليبيين، يوشع براور، ترجمة قاسم عبده قاسم ومحمد خليفة حسن، دار المعارف 1981م.
نظم دولة سلاطين المماليك ورسومهم في مصر دراسة شاملة للنظم السياسية، عبد المنعم ماجد، مكتبة الأنجلو المصرية، 1979م.
العراضة في الحكاية السلجوقية لابن النظام، محمد بن محمد بن عبد الله، ترجمة عبد النعيم محمد حسنين، وحسين أمين، مطبعة جامعة بغداد 1979م.(2/419)
النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، بهاء الدين يوسف بن رافع بن شداد، تحقيق جمال الدين الشيال، الطبعة الأولى 1964م.
الجيش الأيوبي في عهد صلاح الدين، محسن محمد حسين، مؤسسة الرسالة، بيروت 1406ه/1986م.
الأوضاع الحضارية في بلاد الشام في القرنين الثاني عشر والثاني عشر الميلاد، محمد الحويري، دار المعارف القاهرة، 1979م.
العلاقات السياسة والكنيسة بين الشرق البيزنطي والغرب اللاتيني في العصور الوسطى، عادل زيتون، دار دمشق 1400ه/1980م.
الصليبيون في الشرق، ميخائيل زابوروف، ترجمة إلياس شاهين، دار التقدم، موسكو، 1986م.
تاريخ الحملة إلى القدس، فوشيه الشارترى، ترجمة زياد العسلي، دار الشروق، عمان 1990م.
مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، شمس الدين أبي المظفر يوسف بن قزاغلي، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الهند 1370ه/1951م.
تاريخ بلاد الشام في العصر العباسي، أحمد علي إسماعيل 132ه - 463ه، دار دمشق 1984م.
الحروب الصليبية، سهيل زكار، دار حسان، دمشق 1404ه/1984م.
بناء الجبهة الإسلامية المتحدة وأثرها في التصدي للصليبيين، محمد الحويري، دار المعارف 1992م.
تاريخ بخارى، أرمينوس فامبري، نهضة الشرق، القاهرة، 1987م.
بنو مرادس الكلابيون في حلب وشمال الشام وسياستهم الخارجية مع دولتي الفواطم والروم، محمد أحمد عبد المولى دار المعرفة الجامعية الإسكندرية 1405ه/1985م.
السياسة السلجوقية في العراق، فاضل مهدي بيان، مجلة المؤرخ العربي العدد الثامن عشر 1981م.
التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، تحقيق عبد القادر أحمد طليمات، دار الكتب الحديثة بالقاهرة ومكتبة المثنى بغداد، 1382ه/1963م.
تاريخ الموصل، سعيد الديوه جي، مطبوعات المجمع العلمي العراقي 1402ه/1982م.
رائد نصر المسلمين على الصليبيين نور الدين محمود سيرة مؤمن صادق، حسين مؤنس، الدار السعودية 1408ه/1987م.(2/420)
جيش مصر، في أيام صلاح الدين، نظير سعداوي، مكتبة النهضة المصرية 1959م.
الفتح القسى في الفتح القدسي، للعماد الأصفهاني، أبو عبد الله محمد بن صفي الدين، تحقيق محمد محمود صبح، الدار القومية للطباعة والنشر.
الحرب عند العرب، إبراهيم مصطفى المحمود، دار القلم، دمشق، 1985م.
الإسلام في حضارته ونظمه، الإدارية والسياسية والأدبية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والفنية أنور الرفاعي دار الفكر؛ دمشق 1402ه/982م.
الألقاب الإسلامية في التاريخ والوثائق والآثار، حسن الباشا، القاهرة، 1978م.
التاريخ العباسي إبراهيم أيوب، الشركة العالمية للكتب بيروت 1989م.
الحضارة الإسلامية في بغداد في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري 467ه - 512ه دار النفائس 1404ه/1984م.
نساء الخلفاء المسمى جهات الأئمة الخلفاء من الحرائر والإماء، تاج الدين علي بن انجب، تحقيق مصطفى جواد، دار المعارف بمصر، تاج الدين علي ابن انجب.
الإدارة التربوية في المدارس في العصر العباسي، محمد علي الرجوب، مؤسسة حماده للدراسات الجامعية والنشر والتوزيع الأردن أربد.
المدرسة مع التركيز على النظاميات للسامرائي، حسام الدين مؤسسة آل البيت، الأردن.
نظم التعليم عند المسلمين، عارف عبد الغني، دار كنانة للطباعة والنشر، دمشق.
التعليم الإسلامي بين الأصالة والتجديد، فاروق السامرائي رسالة دكتوراه في الدعوة والتربية الإسلامية، الجامعة الإسلامية 1989م.
نظام الملك، الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي د. عبد الهادي محمد رضا محبوبة، الدار المصرية اللبنانية.
تاريخ التربية عند الإمامية، وأسلافهم من الشيعة بين عهدي : الصادق والطوسي، عبد الله فياض، مطبعة أسعد بغداد 1972م.
التاريخ السياسي والفكري د. عبد المجيد أبو الفتوح دار الوفاء، المنصورة بمصر، الطبعة الثانية، 1408 – 1988م.
تاريخ التربية الإسلامي، أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية القاهرة.(2/421)
أصول التربية الإسلامية وأساليبها للنحلاوي.
منهج الإمام الشافعي في إثبات العقيدة د. محمد عبد الوهاب العقيل، أضواء السلف، الرياض، الطبعة الثانية 1425ه - 2004م.
ابن الحنبلي وكتابة الرسالة الواضحة في الرد على الأشاعرة دراسة وتحقيق، علي بن عبد العزيز بن علي الشبل، مجموعة التحف النفائس الدَّولية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1420ه - 1002م.
تهذيب الأسماء واللغات لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، إدارة الطباعة المنيرية.
الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى 138ه.
ضعيف الجامع الصغير، محمد ناصر الدين الألباني المكتب الإسلامي.
توالي التأسيس، لمعالي محمد بن إدريس، للحافظ بن حجر، حققه أبو الفداء عبد الله القاضي دار الكتب العلمية بيروت ط 1 ، 1406ه.
صفة الصفوة لابن الجوزي، توزيع مكتبة الباز، مكة المكرمة ط2 1399ه.
ديوان الشافعين جمع محمد عفيف الزغبي، مكتبة المعرفة ط3، 1392ه.
آداب الشافعي ومناقبه، الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، تحقيق د. عبد الغني عبد الخالق.
الرسالة للإمام الشافعي، تحقيق وشرح أحمد شاكر، ط2 1399ه مكتبة دار التراث بالقاهرة.
نخبة الفكر، للحافظ ابن حجر، شرح الشيخ حماد بن محمد الأنصاري دار العدوي ط1.
الأحكام في اصول الأحكام، سيف الدين علي بن محمد الآمدي، دار الفكر 1401ه.
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول محمد بن علي الشوكاني، دار المعرفة
بيروت – 1399ه.
الأم، للإمام الشافعي، دار المعرفة – بيروت.
إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الجوزية مطابع الإسلام – القاهرة – 1400ه.
شرح السنة لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي، تحقيق شعيب الأرناؤوط المكتب الإسلامي دمشق 1400ه.
فتح الباري، الحافظ ابن حجرالمكتبة السلفية.(2/422)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الالكائي، تحقيق د/ أحمد بن سعد الغامدي، دار طيبة الرياض.
شرح النووي على مسلم، دار أحياء التراث العربي – بيروت.
موطأ الإمام مالك، صححه ورقمه محمد فؤاد عبد الباقي داء إحياء الكتب العربية.
لسان العرب ابن منظور، دار صادر.
مفيد العلوم ومبيد الهموم للقزويني.
مجموع فتاوى ابن تيمية، جمعه عبد الرحمن بن قاسم، توزيع دار الوفاء المنصورة.
تفسير القرطبي لأبي عبد الله القرطبي.
طبقات الشافعية للسبكي، طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي ط1، 1384ه.
التجديد في الفكر الإسلامي د. عدنان محمد أسامة، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى رجب 1424ه.
المدخل إلى المذهب الشافعي، د.أكرم يوسف عمر القواسمي دار النفائس، الأردن عّمان، الطبعة الأولى، 1423ه /2003م.
شعبة العقيدة بين أبي الحسن الأشعري والمنتسبين إليه في العقيدة، لأبي بكر خليل إبراهيم الموصلي، دار الكتاب العربي لبنان، الطبعة الأولى 1410ه - 1990م.
تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن ت 571ه، نشر دار الكتاب العربي، بيروت سنة 1399ه.
تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، دار الكتاب الغربي بيروت، بدون تاريخ.
موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول لابن تيمية على هامش كتاب منهاج السنة النبوية، نشر مكتبة الرياض بدون تاريخ.
اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية لابن القيم، نشر المكتبة السلفية بالمدينة بدون تاريخ.
موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، لابن تيمية على هامش كتاب منهاج السنة النبوية، نشر مكتبة الرياض بدون تاريخ.
اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية لابن القيم، نشر المكتبة السلفية بالمدينة بدون تاريخ.
اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للمرتضى الزبيدي، طبع دار الفكر، بدون تاريخ.(2/423)
جلاء العينين في محاكمة الأحمدين : لابن الآلوسي البغدادي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
غاية الأماني في الرد على للنبهاني، لأبي المعالي، محمود شكري الآلوسي، المطبعة العربية بلاهور سنة 1403ه.
المنتقى للذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي.
تذكرة الحفاظ للذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت بدون تاريخ.
رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري لابن درباس، أبو القاسم عبد الملك بن عيسى، تحقيق الدكتور علي ناصر الفقهي، الطبعة الأولى سنة 1404ه.
مختصر العلو، للذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد، اختصار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي سنة 1401ه.
الديباج المذهب لابن فرحون المالكي، برهان الدين إبراهيم بن علي، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
رجال الفكر والدعوة في الإسلام، لأبي الحسن الندوي، دار ابن كثير.
الرسائل الشمولية د. عبد العزيز الحميدي، دار عيون المعرفة، دار المعرفة، دار الدعوة، الإسكندرية.
اعتقاد أهل السنة والحديث شرح جملة ما حكاه عنهم أبو الحسن الأشعري وقّرره في مقالاته د. محمد عبد الرحمن الخميس.
موقف ابن تيمية من الأشاعرة للدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود، مكتبة الرشد، الرياض الطبعة الأولى 1415ه - 1995م.
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لابن تيمية، أشرف على طبعه، علي الصبح المدني، مطبعة المدني.
درء التعارض العقل والنقل، لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود 1980م.
النبوات، لابن تيمية، ط دار الكتب العلمية، بيروت 1402ه/1982م.
الاستقامة، لابن تيمية تحقيق محمد رشاد سالم ط الأولى 1403ه/1983م.
القاعدة المراكشية، لابن تيمية تحقيق ناصر سعد الرشيد، رضا نعسان معطي، دار طيبة، الرياض.
منهاج السنة النبوية لابن تيمية تحقيق محمد رشاد سالم.(2/424)
الصفدية، لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم ط 1396ه/1976م، شركة مطابع حنيفة، الرياض.
العقيدة النَّظامية لإمام الحرمين عبد الملك الجويني، دراسة وتحقيق الدكتور محمد الزُّبيدي دار سبيل الراشاد، بيروت، دار النفائس بيروت طبعة 1424ه.
شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، ط مصورة، المكتب التجاري، بيروت.
فقه إمام الحرمين، للدكتور عبد العظيم الديب، دار الوفاء، الطبعة الثانية 1409ه - 1988م.
دراسة في السياسة الشرعية عند فقهاء أهل السنة للبغدادي، أحمد مبارك البغدادي، مكتبة الفلاح الكويت، الطبعة الأولى 1408ه 1987م.
الفكر الاقتصادي عند إمام الحرمين الجويني د. رفيق يونس.
العلو للعلي الغفار في صحيح الأخبار وسقيمها للذهبي، صححه/ عبد الرحمن محمد عثمان، ط الثانية، 1388ه/1968م، الناشر المكتبة السلفية في المدينة المنورة.
مختصر العلو للعلي الغفار للذهبي، اختصره الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ط الأولى 1401ه/1981م المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت.
الإمام الغزالي، صالح الشامي، دار القلم، دمشق الطبعة الأولى 1413ه - 1993م.
التصوف بين الغزالي وابن تيمية، د.عبد الفتاح محمد سيد أحمد، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى 1420ه - 2000م.
المنقذ من الضلال، لأبي حامد محمد.
أبو حامد الغزالي والتصوف، عبد الرحمن دمشية، دار طيبة، الرياض، الطبعة الثانية.
الغزالي بين مادحيه وناقديه للغزالي، الطبعة الثالثة 1413ه 1992م.
الجهاد من الهجرة إلى الدعوة والدولة، محمد الرحموني دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى 2002م.
فضائح الباطنية للإمام أبي حامد الغزالي، اعتنى به وراجعه محمد علي القطب، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، الطبعة الأولى 1412ه - 2000م.
أبو حامد الغزالي دراسات في فكرة وعصر وتأثيره منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سلسلة : ندوات ومناظرات رقم 9.(2/425)
تهافت الفلاسفة، لأبي حامد الغزالي، تحقيق، سليمان دنيا.
تاريخ فلاسفة الإسلام في الشرق والغرب، محمد لطفي جمعه.
المستصفى من علم الأصول، للغزالي، تحقيق محمد مصطفى أبو العلا، مكتبة الجندي، القاهرة.
سنن الترمذي، ط عبد الوهاب عبد اللطيف ط الأولى.
إلجام العوام عن علم الكلام، لأبي حامد محمد محمد الغزالي.
فيصل التفرقة للإمام الغزالي.
تلبيس إبليس، أو نقد العلم والعلماء لابن الجوزي صححه وعلق عليه محمد منير الدمشقي إدارة الطباعة المنبرية، القاهرة.
مسألة المعرفة ومنهج البحث عند الغزالي د. أنور الزعبي المعهد العالمي للفكر الإسلامي، دار الفكر دمشق – سورية، الطبعة الأولى 1420ه - 2000م.
هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، دار القلم دبي الإمارات الطبعة الثالثة 1423ه - 2002م.
تطور مفهوم النظرية التربوية الإسلامية، ماجد عرسان دار القلم، دبي الإمارات.
الحقيقة في نظر الغزالي د. سليمان دنيا، دار المعارف، الطبعة الخامسة.
الغزالي للشرباصي.
منهج أهل السنة في تقويم الرجال ومؤلفاتهم للصويان أحمد بن عبد الرحمن الصّويان، دار الوطن، الرياض الطبعة الثانية، 1417ه.
صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، دار الفكر، الطبعة الأولى 1411ه - 1991م.
التصوف الإسلامي في مراحل تطوره، د. عبد المحسن سلطان، دار الآفاق العربية طبعة 1423ه/2003م.
صحيح مسلم، تحقيق، محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1992م.
سكب العبرات للموت والقبر والسكرات، سيد حسين العفاني، مكتبة معاذ بن جبل، الطبعة الأولى 1420ه- 2000م.
البغوي ومنهجه في التفسير، عفاف عبد الغفور، دار الفرقات للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولى 1402ه - 1982م.
جهود علماء السلف في القرن السادس الهجري في الرد على الصوفية د. محمد أحمد بن على الجوير، مكتبة الرشد الطبعة الأولى 1424ه - 2003م.(2/426)
مقدمة أصول التفسير، لابن تيمية، تحقيق الدكتور عدنان زرزور ط 1 دار القرآن الكريم الكويت 1971م.
شرح السنة : أبو محمد الحسن بن مسعود البغوي ت 516ه تحقيق شعيب الأرناؤوط، محمد زهير الشاويشى ط. المكتب الإسلامي بيروت 1971م.
مصابيح السنة، لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي.
كشف الظنون، حاجي خليفة وكالة المعارف 1943م.
تاريخ الأدب العربي، كارل بروكلمان.
مشكاة المصابيح، الخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني ط المكتب الإسلامي.
تدوين السنة النبوية د. محمد مطر الزهراني، دار الخضيري، الطبعة الثانية 1419ه
1998م.
دروس وتأميلات في الحروب الصليبية لأبي فارس، دار جهينة، الأردن عمان، الطبعة الأولى 1422ه - 2002م.
هجمات مضادة في التاريخ الإسلامي د. عماد الدين خليل مكتبة النور، مصر الجديدة، الطبعة الأولى 1407ه - 1986م.
الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط د. علي محمد الصَّلاَّبي، دار المعرفة الطبعة الأولى 2005م.
تاريخ دولتي المرابطين والموحدين للصَّلاَّبي، دار المعرفة، بيروت لبنان الطبعة الأولى 2005م.
نهاية الأندلس، محمد عبد الله عنان.
الحروب الصليبية في شمال إفريقية وأثرها الحضاري الدكتور ممدوح حسين، دار عمار، الأردن، عمان الطبعة الأولى 1419ه - 1998م.
تاريخ الحروب الصليبية، محمود سعيد عمران، دار النهضة العربية، بيروت الطبعة الثانية 1999م.
من أجل فلسطين، حسين أدهم جرار، مؤسسة الزيتونة عمّان، الأردن، الطبعة الأولى 1419ه - 1998م.
الحركة الصليبية، سعيد عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية الطبعة الرابعة 1986م.
الإسلام وحركة التاريخ، أنور الجندي.
الحروب الصليبية، أرنست باكر نقله إلى العربية الدكتور السيد الباز العريني، دار النهضة العربية، بيروت.
دور الفقهاء والعلماء في الجهاد ضد الصليبيين د. آسيا نقلي، مكتبة العبيكان الرياض، الطبعة الأولى 1423ه/2002م.
مملكة بيت المقدس الصليبية، عمر كمال توفيق.(2/427)
العدوان الصليبي على العالم الإسلامي، صلاح الدين نوار دار الدعوة، للطبع والنشر والتوزيع.
الحروب الصليبية والأسرة الزنكية، شاكر أحمد أبو زيد الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الإنسيانية.
الجهاد والتجديد في القرن السادس، محمد حامد الناصر مكتبة الكوثر الرياض، الطبعة الأولى 1419ه - 1998م.
أثر الشرق الإسلامي في الفكر الأوروبي خلال الحروب د. عبد الله بن عبد الرحمن الربيعي، الرياض 1415ه.
الشرق الأدنى في العصور الوسطى " الأيوبيون " د. السيد الباز العريني – دار النهضة العربية للطباعة والنشر 1967م.
قصة الحضارة، ول ديورانت – ترجمة محمد بدران – طبع لجنة التأليف والترجمة 1957م.
الغزو الصليبي والعالم الإسلامي، د. علي عبد الحليم محمود، دار التوزيع والنشر الإسلامية، الطبعة الأولى 1414ه - 1993م.
التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية د. أحمد شلبي.
الوسيط في تاريخ فلسطين في العصر الإسلامي الوسيط أ – فاروق عمر فوزي أ.د محسن محمد حسين، دار الشروق.
تاريخ الوطن العربي والغزو الصليبي، د. خاشع المعاضيدي د. سوادي عبد محمد دريد عبد القادر نوري، الطبعة الثانية 1986م.
أسباب الضعف في الأمة الإسلامية، للوكيل، د. محمد سيد الوكيل، دار المجتمع جّده، الطبعة الأولى 1414ه - 1994م.
أوروبا في العصور الوسطى، سعيد عبد الفتاح عاشور.
جهاد المسلمين في الحروب الصليبية، د. فايد حماد عاشور مؤسسة الرسالة، بيروت، شارع سوريا، الطبعة الأولى 1401ه - 1981م.
الحروب الصليبية المقدمات السياسية د. عليه الجنزوري، الهيئة العامة المصرية العامة للكتاب.
العرب والروم اللاتين في الحرب الصليبية الأولى دكتور جوزيف نسيم يوسف دار النهضة العربية، بيروت، طبعة ثالثة 1981م.
الحرب الصليبية العلاقات بين الشرق، محمد مؤنس.
حضارة العرب، غوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر، نشر إحياء الكتب العربية القاهرة 1995م.(2/428)
الحرب الصليبية الأولى د. حسن حبشي طبعة القاهرة 1947م.
الحرب المقدسة الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم كارين أرمسترونغ، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان ترجمة سامي الكعكي.
الخلفية الأيديولوجية للحروب الصليبية د. قاسم عبد الله عين للدراسات والبحوث الإنسانية، الطبعة الأولى 1999م.
دراسات في تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب.
تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصغرى، د. محمد سهيل طقّوس، دار النفائس، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1423ه/2002م.
تاريخ السلاجقة في بلاد الشام، محمد سهيل طقوش دار النفائس، لبنان، بيروت الطبعة الأولى 1423ه - 2002م.
إمارة أنطاكية دراسة في علاقتها السياسية بالقوى الإسلامية، طلب صبار محل الجنابي، جامعة بغداد، كلية التربية، رسالة دكتوراه لم تطبع.
القدس عشية الغزو الصليبي، دراسة في أحوالها السياسية والإدارية، عباس عبد الستار الزهاوي، رسالة ماجستير.
تاريخ الفاطميين في شمال إفريقية، محمد طقوش دار النفائس، بيروت ، لبنان.
أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ الطريق إلى بيت المقدس، د. جمال عبد الهادي محمد
د. وفاء محمد رفعت دار التوزيع والنشر الإسلامية، الطبعة الثانية 2001م.
قبل الكارثة نذير ونفير، عبد العزيز بن مصطفى كامل سلسلة تصدر عن المنتدى الإسلامي.
حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي، اللواء الركن د. ياسين سويد، دار الملتقى، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1997م.
موقف فقهاء الشام وقضاتها من الغزو الصليبي492 – 660ه جمال محمد سالم خليفة، مركز جهاد الليبيين للدراسات الطبعة الأولى 2000م.
طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي، الدكتور السيد عبد العزيز سالم مؤسسة شباب الجامعة.
أخبار الأعيان في جبل لبنان، الشيخ طنوس بن يوسف الشدياق، بيروت، لبنان، 1954م.
الحروب الصليبية دراسات تاريخية ونقدية، محمد مؤنس، الطبعة الأولى 1999م، الشرق للدعاية والإعلان عمان الأردن.(2/429)
دور نور الدين محمود في نهضة الأمة، عبد القاد أحمد أبو صيني، معهد التاريخ العربي والتراث العلمي بالعراق.
الروضتين في أخبار الدولتين.
الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي.
واقدساه د. سيد حسين العفّاني، مكتبة معاذ بن جبل، دار العفاني، الطبعة الأولى
1421ه - 2001م.
الاعتصام للشاطبي، ضبطه وصححه، أحمد عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط2، عام 1411ه - 1991م.
أثر الحركات الباطنية في عرقلة الجهاد ضد الصليبين : إعداد الطالب يوسف إبراهيم الزاملي – رسالة ماجستير – جامعة أم القرى – مكة المكرمة 1407ه.
هموم داعية، محمد الغزالي، دار القلم دمشق، الطبعة الثالثة 1421ه - 2000م.
دراسات في تاريخ الأيوبيين والمماليك د. نعمان محمود جبران د. محمد حسن العمادي، مؤسسة حماده للخدمات والدراسات الجامعية الأردن الطبعة الأولى 2000م.
نصوص من أدب عصر الحروب الصليبية عمر الساريسي، دار المنارة، جدة السعودية، الطبعة الأولى 1405ه - 1985م.
ديوان ابن الخياط.
الإمارات الارتقية في الشام والجزيرة، عماد الدين خليل.
دول الإسلام للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، مؤسسة الرسالة، الطبعة السابعة 1410ه - 1990م.
تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام، د.محمد سهيل طقوش، دار النفائس، الطبعة الأولى 1419ه - 1999م.
المقاومة الإسلامية للغزو الصليبي، عماد الدين خليل دار ابن كثير، الطبعة
الأولى 429ه - 2005م.
نهر الذهب في تاريخ حلب، كامل حسين بن محمد الحلبي، 1926م.
تاريخ مصر الإسلامية حتى نهاية العصر الفاطمي، د. السيد عبد العزيز سالم د. سحر السيد عبد العزيز سالم، مؤسسة شباب الجامعة الإسكندرية.
الاعتبار لأسامة بن منقذ حّرره، فيليب حتى، مكتبة الثقافة الدينية.
شرف الدين مودود، عبد الغني رمضان .
الوافي بالوفيات للصدفي، صلاح الدين خليل بن أيبك.(2/430)
زبدة الحلب في تاريخ حلب، كمال الدين عمر بن أحمد بن هبة الله، تحقيق سامي دهان، ط دمشق 1370ه/1951م.
الشرق الأوسط والحروب الصليبية، السيد الباز العريني، ط القاهرة 1383ه/1963م.
الجهاد ضد الصليبيين في الشرق الإسلامي، مسفر بن سالم بن عريج الغامدي، دار المطبوعات الحديثة، الطبعة الأولى 1406ه - 1986م.
دراسات تاريخية، د. عماد الدين خليل، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، 1426ه - 2005
ماهية الحروب الصليبية، الايديولوجية، الدوافع – النتائج د. قاسم عبده قاسم، منشورات ذات السلاسل، الكويت، الطبعة الثانية 1993م.
الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب، دكتور محمد مؤنس عوض، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، الطبعة الأولى 1999م/2000م.
دراسات في تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الوسطى، جوزيف نسيم يوسف، مؤسسة الشباب الجامعية الإسكندرية.
الفتوح الإسلامية عبر العصور، د. عبد العزيز بن إبراهيم العُمري، مركز الدراسات والإعلام.
تاريخ الترك في آسيا الوسطى، ترجمة، أحمد العيد للسيد بارتولد، مطبعة الأنجلو المصرية 1378ه - 1958م.
كتاب السلوك، أحمد المقريزي.
نهاوند، شوقي أبو خليل، دار الفكر، دمشق، سوريا.
الخلافة العباسية السقوط والإنهيار، فاروق عمر فوزي دار الشروق، طبعة عام 1998م.
تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام، محمد سهيل طقوس، دار النفائس، لبنان، بيروت.
العصر العباسي، د. خالد عزام، دار أسامه الأردن، عمان، الطبعة الأولى 2003م.
تاريخ الأمم والملوك للطبري، محمد بن جرير الطبري، دمشق،
دار الفكر 1399ه - 1979م.
الدولة العثمانية والشرق العربي، محمد أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
فتوح البلدان للبلاذري.
الدولة السلجوقية منُذ قيامها، سميرة الجبوري رسالة علمية نقشت بجامعة بغداد، وهي جزء من متطلبات درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلام، عام 1995م.(2/431)
أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ، أحمد يوسف القرماني، عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط1 1412ه، 1992م.
تاريخ بخارى منُذ أقدم العصور، للنرشخي، أبو بكر محمد بن جعفر عرّبه عن الفارسية، وحققه د. أمين بدوي نصر الله الطرازي، دار المعارف، القاهرة ط3.
الدويلات الإسلامية في الشرق، محمد علي حيدر عالم الكتب، القاهرة 1974م، محمد علي حيدر.
العالم الإسلامي في العصر العباسي، د. حسن أحمد محمود د. أحمد إبراهيم الشريف، دار الفكر العربي.
تاريخنا بين تزوير الأعداء وغفلة الأبناء، يوسف العظم، دار القلم دمشق، الطبعة الأولى 1419ه - 1998م.
نهاية الآرب في فنون الأدب، أحمد عبد الوهاب النويري، الهيئة المصرية للكتاب، 1395ه.
دخول الترك الغز إلى الشام د. شاكر مصطفى.
الفكر السامي في تاريخ الفكر الإسلامي للحجوي.
الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي د. رشاد عباس معتوق، جامعة أم القرى، معهد البحوث وإحياء التراث الإسلامية مكة المكرمة طبعة 1418ه - 1997م.
القرامطة أول حركة اشتراكية في الإسلام، طه الولي، دار العلم للملايين – بيروت/ الطبعة الأولى 1981م.
أعيان الشيعة، محمد الأمين العاملي، مطبعة الإنصاف – بيروت 1950م.
الإنسان في فكر إخوان الصفا، د. عبد اللطيف محمد، مكتبة الأنجلو المصرية دار العلم للطباعة – القاهرة.
الفرق بين الفرق للبغدادي، أبو منصور، عبد القاهر بن طاهر البغدادي، طه عبد الرؤوف سعد، طبعة مؤسسة الحلبي وشركاه بالقاهرة.
أصول الدين للبغدادي، لأبي منصور عبد القاهر التميمي البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت ط 2، 1400ه - 1980م.
أصول الإسماعيلية د. سليمان عبد الله السّلومي دار الفضيلة، الرياض، الطبعة الأولى، 1422ه - 2001م.
المحلى لابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد.
إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ابن القيم، تحقيق محمد الفقي، مطبعة الحلبي عام 1357ه.(2/432)
مختصر سيرة الرسول، محمد بن عبد الوهاب، مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة.
اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، أحمد بن علي المقريزي، تحقيق الشيال، طبع في القاهرة عام 1387ه.
المجالس المؤيّدية، تحقيق وتعليق محمد عبد الغفار.
الأحوال السياسية والدينية في بلاد العراق والمشرق الإسلامي في عهد الخليفة القائم بأمر الله العباسي، محمود عرفه محمود، الحولية العاشرة، كلية الآداب الكويت.
تطورات الأحداث السياسية بني العباسيين والفاطميين بتول إبراهيم العباسي، جامعة بغداد، جزء من متطلبات درجة الماجستير لم تُطبع.
سياسة الفاطميين الخارجية، جمال سرور، دار الفكر المعاصر.
الوزارة العباسية 447ه/90 العهد السلجوقي سمعية عزيز محمود، جامعة بغداد، رسالة ماجستير لم تُطبع.
أيعيد التاريخ نفسه، محمد العبده، المنتدى الإسلامي.
قيام الدولة العثمانية د.عبد اللطيف عبد الله د. عبد اللطيف عبد الله دهيش، الطبعة الثانية 1416ه - 1995م مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة.
في التاريخ الشامي، شاكر مصطفى.
تاريخ طرابلس د. السيد عبد العزيز سالم.
التاريخ الإسلامي، الدولة العباسية، محمود شاكر المكتب الإسلامي.
المجتمع الإسلامي، أحمد رمضان.
سراج الملوك للطرطوشي.
السلاطين في المشرق العربي، د. عصام محمد شبارو طبعة 1994م، دار النهضة العربية، بيروت – لبنان.
تاريخ الدولة الفاطمية، د. محمد طقوش، دار النفائس.
حركة الحشاشين، محمد عثمان.
تاريخ الحركات السرية، محمد عنان.
الإسماعيلية المعاصرة، محمد أحمد الجوير، دار طيبة الرياض، الطبعة الثانية.
الحركات الباطنية في العالم الإسلامي د. محمد أحمد الخطيب، دار عالم الكتب، الطبعة الأولى 1404ه - 1984م.
تاريخ الدعوة الإسماعيلية، مصطفى غالب.
التسلل الباطني في العراق، مكي خليل، رسالة جامعية نُقشت بالعراق.(2/433)
دولة الإسماعيلية في إيران، محمد السعيد جمال الدين، الدار الثقافية، القاهرة، الطبعة الأولى 419ه/1999م.
دول الإسلام، للذهبي.
حول الأدب في العصر السلجوقي د. محمد التونجي مكتبة قورينا، بنغازي، طبعة سنة 1974م.
الدولة السلجوقية في عهد السلطان سنجر، د. يحي حمزة عبد القادر الوزنة، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة الطبعة الأولى 1424ه - 2004م.
تاريخ الإسلام، حسن إبراهيم حسن، مكتبة النهضة المصرية 1982م ط2.
سلاجقة الشام والجزيرة في الفترة ما بين 435 – 570 د. ارشيد يوسف، طبعة عام 1409ه - 1988م.
الشرق الإسلامي قبيل الغزو المغولي، د. حافظ أحمد حمدي، دار الفكر العربي، القاهرة.
تاريخ الأعظمية، مدينة الإمام الأعظم أبي حنيفة النعُّمان، تأليف الخّطاط وليد الأعظمي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1420ه/1999م.
سياسة الخليفة الناصر لدين الله الداخلية، أحلام النقيب، رسالة علمية، نقشت في العراق، لم تطبع.
الجيش وتأثيراته في سياسة الدولة الإسلامية منُذ تأسيسها وحتى سقوط بغداد.
الموسوعة العامة لتاريخ المغرب والأندلس، نجيب زبيب، دار الأمير، الطبعة الأولى
1415ه - 1995م.
دراسة في الفرق في تاريخ المسلمين والخوارج الشيعة د. أحمد محمد جلي.
فرق معاصرة، غالب العواجي.
فهرس الكتاب
الفصل الأول ... : ... السلاجقة، أصولهم وسلاطينهم ... 18
المبحث الأول ... : ... أصولهم ومواطنهم وبداية ظهورهم ... 18
أولاً : اتصال الأتراك بالعالم الإسلامي ... 19
ثانياً : بداية ظهور السلاجقة. ... 20
ثالثاً : المشرق الإسلامي قبيل ظهور السلاجقة. ... 21
السامانيون ... 21
الغزنويون ... 24
محمود الغزنوي. ... 25
الصراع الغزنوي السلجوقي. ... 27
معركة دندانقان وقيام السلطنة السلجوقية. ... 28
نتائج معركة دانقان ... 28
القراخانيون. ... 30
البويهيون. ... 31
لمحة تاريخية عن البويهيين. ... 31
تشيع البويهيين ... 32(2/434)
إهانتهم للخلفاء ... 32
وزراءهم ... 33
ه - الصلة بين البويهيين والقرامطة ... 33
موقفهم في حماية حدود الدولة الإسلامية. ... 34
البويهيون والإقطاع العسكري ... 34
مناصرة الأمراء البويهيين لحركة التشيع وإثارة التفرقة والنعرات الضيقة. ... 35
إنشاء مراكز شيعية متخصصة في التأليف والتعليم في بغداد والنجف والكاظمية. ... 38
إشاعة الآراء المنحرفة للفلاسفة مثل حركة إخوان الصفا ... 40
نهاية الدولة البويهية. ... 41
اجتماع السلاجقة على زعامة طغرل بك وتوسع دولتهم ... 41
تنظيم إدارة الدولة في عهدها الأول : ... 42
اعتراف الخليفة العباسي بالسلاجقة ... 43
اتساع رقعة الدولة ... 44
التوسع نحو الأناضول ... 47 ...
المبحث الثاني ... : ... علاقة السلاجقة بالخلافة ودخول العراق والقضاء على الدعوة الشيعية الرافضية والباطنية. ... 47
أولاً : النفوذ الفاطمي العبيدي في العراق وفتنة البساسيري ... 49
النفوذ الفاطمي العبيدي في العراق وفتنة البساسيري ... 49
عقيدتهم وصلتهم بالقرامطة ... 50
حكم العلماء في الفرق الباطنية ... 51
المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي داعية الفاطمية العبيدية ... 54
فتنة البساسيري في العراق ... 57
التواصل بين البساسيري والمؤيد هبة الله الشيرازي ... 57
الجهود التي بذلها المؤيد هبة الله الشيرازي لدعم فتنة البساسيري ... 58
استيلاء البساسيري على بغداد وإقامة الخطبة فيها للفاطميين ... 60
مقتل رئيس الرؤساء أبو القاسم بن المسُلمة والانتقام من أهالي ... 61
القائم بأمر الله وعبادته ودعاؤه الذي علق على الكعبة ... 63
دعاء القائم بأمر الله الذي علق على الكعبة المشرفة ... 64
رسالة الخليفة القائم بأمر الله من أسره إلى طغرل بك ... 64
دخول طغرل بك بغداد ولقاؤه بالخليفة القائم بأمر الله ... 66
مقتل البساسيري ... 67
ه - محاربة السلاجقة للدعوة الفاطمية العبيدية ... 67(2/435)
دخول الدولة السلجوقية في صراع مع الروم ... 69
خطبة طغرل بك بغداد ولقاؤه بالخليفة وزواجه منها ووفاته ... 69
دخول الملك طغرل بك على بنت الخليفة ووفاته ... 70
الوزير السلجوقي الأول عميد الملك الكندري ... 71
المبحث الثالث ... : ... ألب أرسلان (محمد) الأسد الشجاع ... 73
أولاً : اجتماع الكلمة عليه ... 73
ثانياً : سماحه للسيدة زوجة طغرل بك وابنة الخليفة بالرجوع إلى بغداد ... 73
ثالثاً : جهاده في سبيل الله ... 74
رابعاً : حملة السلطان ألب أرسلان على الشام وضم حلب. ... 75
حصار حلب وإخضاعها صلحاً للدولة السلجوقية ... 77
تحرك محمود بن نصر أمير حلب للمصالحة ... 78
التوغل السلجوقي في جنوب بلاد الشام ... 79
خامساً : موقعة ملاذكرد ... 80
تآمر ملك الروم على الإسلام ... 81
ثم أرسل السلطان ألب أرسلان المصالحة على ملك الروم ... 81
اندلاع المعركة وانتصار المسلمين ... 82
نتائج ملاذكرد 463ه ... 83
وفاة السلطان ألب أرسلان : الأسد الشجاع ... 86
المبحث الرابع ... : ... السلطان ملكشاه ... 87
أولاً : تربية ملكشاه على إدارة السلطنة وتوطيد الملك له ... 87
تربيته على إدارة السلطنة ... 87
تولي السلطنة ... 87
خروج عمّه والقضاء عليه ... 88
ثانياً : اهتمامه بالرعية وشيء من عدله ومواقفه ... 89
تفقده للرعية ... 89
تشييعه لركب الحجاج العراقي ... 90
مناصرة المظلومين ... 90
دعاؤه لله أن ينصر الأصلح للمسلمين ... 90
الستر على أعراض المسلمين ... 91
واعظ مع ملكشاه ... 91
إقامة العدل مع الأمراء ... 91
المال مال الله والعباد عبيده ... 92
إني أغار على هذا الوجه الجميل من النار ... 92
أقمت لك جيشاً يسمى جيش الليل ... 92
زواج الخليفة المقتدي بابنة ملكشاه ... 92
وصف جهاز ابنة السلطان ملكشاه وزفتها ... 93
ثالثاً : الاستقرار السلجوقي في بلاد الشام ... 93
الاستيلاء على دمشق ... 94(2/436)
زوال الإمارة المرداسية وقيام الإمارة العقيلية في حلب ... 95
علاقة مسلم بن عقيل مع تتش ألب أرسلان في الشام ... 97
حملة مسلم بن عقيل على دمشق 475ه ... 97
مقتل شرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي سنة 478ه ... 97
النزاع بين تتش وسليمان بن قتلمش ... 98
السلطان ملكشاه يتسلم حلب ... 99
رابعاً : تأسيس سلطنة سلاجقة الروم 470ه - 479ه ... 100
خامساً : الحسن بن الصباح والدعوة النزارية الإسماعيلية الحشيشية ... 101
السيطرة على قلعة الموت 483ه ... 102
مراتب ودرجات أعضاء الدعوة النزارية الباطنية ... 102
مهام الدعاة ... 103
مراحل الدعوة ... 105
منطلقات الحركات الباطنية ... 106
من أساليب الباطنية ... 110
رسالة السلطان جلال الدين ملكشاه إلى حسن الصباح ... 112
جواب حسن الصَّباح إلى السلطان ملكشاه السلجوقي ... 114
دولة الإسماعيلية في إيران ... 119
نظام الملك ومشروعه في محاربته للمد الباطني ... 120
المبحث الخامس : وفاة الخليفة القائم بأمر الله وتولي أمر الخلافة المقتدي بالله ... 120
أولاً : وفاة الخليفة القائم بأمر الله ... 120
ثانياً : خلافة المقتدي بالله ... 121
ثالثاً : تدهور العلاقة بين ملكشاه والمقتدي ... 122
رابعاً : نظام الملك ... 123
ضبطه لأمور الدولة التعور النظري لها عند نظام الملك ... 124
التصور النظري للدولة عند نظام الملك ... 125
اهتمام نظام الملك بالتنظيمات الإدارية ... 126
نظام الملك والتفكير الاقتصادي ... 127
عناية نظام الملك بالمنشآت المدنية ... 129
أثره في النهوض بالحركة العلمية والأدبية ... 129
شيء من عبادته وتواضعه ومدح الشعراء له ... 130
وفاته 485ه ... 132
المبحث السادس : عهد التفكك وضعف وانهيار الدولة السلجوقية ... 133
أولاً : اعتراف الخليفة العباسي بمحمود بن ملكشاه سلطاناً ... 134
القتال على عرش السلطنة بين بركيارق وتركان خاتون ... 135
وفاة محمود بن ملكشاه ... 137(2/437)
ثانياً : انتصار بركيارق واعتراف الخليفة العباسي به سلطانا للسلاجقة سنة 487ه ... 137
النزاع بين بركيارق وعمه تتش على عرض السلطنة 488ه ... 137
منافسة أرسلان أرغوت بركيارق على السلطنة ... 138
ثالثاً : النزاع بين بركيارق وأخويه محمد وسنجر على عرش السلطنة ... 139
رابعاً : وفاة بركيارق وتولي محمد بن ملكشاه السلطنة ... 141
موعظة رهيبة بليغة يحضرها السلطان محمد بن ملكشاه ... 142
نصيحة الإمام الغزالي لمحمد بن ملكشاه ... 144
محاربته للباطنية ... 146
وفاة السلطان محمد بن سنجر ... 150
خامساً : الخليفة العباسي المستظهر بالله ... 151
قيام المستظهر للتراويح واهتمامه بالقرآن الكريم ... 152
من أقول المستظهر ... 153
موقف الإمام الغزالي من المستظهر ... 153
علاقة المستظهر بالمرابطين ... 154
موقف المستظهر من الحملات الصليبية ... 155
صراع سلاطين السلاجقة وموقف المستظهر منهم ... 156
وفاة المستظهر ... 156
سادساً : سنجر والسلطنة السلجوقية ... 157
بسط سنجر نفوذه على بقية الدولة السلجوقية ... 158
النزاع بين محمود ومسعود ابنا محمد بن ملكشاه ... 159
البداية الفعلية بين الخلافة العباسية والدولة السلجوقية ... 159
اضطراب الأحوال بين الخليفة العباسي المسترشد بالله والسلطان محمود ... 160
القتال بين عماد الدين زنكي وأحد خواص الخليفة ... 160
حكمة السلطان سنجر في التعامل مع محمود ابن أخيه ... 161
السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي ... 162
- وفاة السلطان مسعود عام 547ه ... 163
سابعاً : الخليفة المسترشد بالله العباسي ... 164
بيعته ... 164
من صفاته وشعره ... 165
جهود الخليفة المسترشد بالله في إرجاع هيبة الخلافة ... 166
حصار الخليفة المسترشد بالله للموصل ... 166
القتال بين الخليفة والسلطان مسعود ووقوعه في الأسر ومقتله ... 167
ثامناً : الخليفة الراشد بالله ... 169(2/438)
الخلاف بين السلطان مسعود والخليفة الراشد ... 169
عزل الخليفة الراشد ... 169
تتبع السلطان مسعود الراشد ... 170
مقتل الراشد ... 170
تاسعاً : مظاهر السيطرة على الخلافة ... 171
نقل مقر الحكومة خارج بغداد ... 171
الأصهار إلى البيت السلجوقي ... 172
تفويض السلطة ... 172
ولاية العهد ... 172
شارات الخلافة ... 173
الألقاب ... 173
إعادة تشكيل الجيش ... 174
بداية انتعاش الخلافة العباسية ... 177
عاشراً : نهاية الدولة السلجوقية وزوالها ... 179
الفصل الثاني : نظام الوزارة العباسية في العهد السلجوقي ... 182
المبحث الأول : صفات وزير الخليفة العباسي والسلطان السلجوقي ... 182
أولاً : صفات وزير الخليفة العباسي ... 182
العلم ... 183
الرأي السديد ... 183
العدل ... 183
الكفاية ... 183
السياسة ... 184
الشؤون الدينية ... 184
قوانين الوزارة ... 185
البلاغة وحسن الترسل ... 185
المحبة لدى العامة والخاصة ... 185
المعرفة بقواعد ديوان الخلافة ... 186
ثانياً : صفات الوزير السلجوقي ... 187
محبة العلم والعلماء ... 187
سداد الرأي ... 187
العدل ... 187
الصلاح والفقه ... 187
إجادة اللغتين العربية والفارسية ... 187
الكفاية ... 188
تدبير البلاد والجيوش ... 188
الشهامة والصبر ... 188
المبحث الثاني : ميزات وخصائص ومراسيم تقليد الوزير العباسي والسلجوقي وألقابهم ... 189
أولاً : مراسيم تقليد الوزير العباسي ... 189
ثانياً : مراسيم تقليد الوزير السلجوقي ... 190
ثالثاً : ألقاب الوزير العباسي ... 191
رابعاً : ألقاب الوزير السلجوقي ... 192
خامساً : امتيازات وشارات الوزير السلجوقي ... 193
سادساً : امتيازات وشارات الوزير السلجوقي ... 195
المبحث الثالث : صلاحيات الوزير العباسي والسلجوقي ... 196
أولأ : الإدارية ... 196
السياسية ... 198
المالية ... 199
العسكرية ... 200
ثانياً : صلاحيات الوزير السلجوقي ... 201
الإدارية ... 201(2/439)
السياسية ... 202
المالية ... 203
العسكرية ... 203
المبحث الرابع : العزل والمصادرة لوزراء بني العباس والسلاجقة ... 204
أولاً : العزل والمصادرة لوزراء بني العباس ... 204
ثانياً : العزل والمصادرة لوزراء سلاطين السلاجقة ... 206
ثالثاً : المنافسة والمساومة على منصب الوزارة العباسية ... 207
رابعاً : المنافسة والمساومة على الوزارة السلجوقية ... 208
المبحث الخامس : أشهر وزراء الخلفاء العباسيين والسلاجقة ... 211
أولاً : أشهر الخلفاء العباسيين ... 211
فخر الدولة بن جهير ... 211
عميد الدولة ابن جهير ... 212
الوزير أبو شجاع بن الحسن الروذراوري ... 214
الوزير الحسن بن علي بن صدقة ... 216
الوزير شرف الدين علي بن طراد الزينبي ... 218
الوزير عون الدين بن هبيرة ... 219
ثانياً : من وزراء سلاطين دولة السلاجقة ... 221
الوزير نصير الدين أبو المحاسن سعد الآبي ... 221
الوزير كمال الملك السميرمي ... 221
الوزير كمال الدين محمد بن الحسين الخازن ... 222
الفصل الثالث : النظم الحربية عند السلاجقة ... 224
المبحث الأول : أسس الإدارة العسكرية السلجوقية ... 224
أولاً : مقومات الفكر العسكري السلجوقي ... 224
التنشئة العسكرية لأبناء ... 225
الجهاد في سبيل الله ... 226
الحرص على كسب ولاء الجيش وقادته ... 227
الخبرة والتجربة ... 228
الإخلاص والتضحية ... 229
الحيطة والحذر والمتابعة ... 229
العلاقة بين الجند وقادتهم والتدرج في الرتب العسكرية ... 230
الجمع بين الرأي والتدبير والقوة العسكرية ... 231
ثانياً : الاعتماد على أجناس مختلفة ... 232
ثالثاً : زيادة عدد أفراد الفرق العسكرية ... 233
رابعاً : التقسيم العشري ... 234
أمراء المئين مقدموا الألوف ... 234
أمراء الطبلخاناه ... 234
أمراء العشرات ... 235
أمراء الخمسات ... 235
خامساً : الإقطاع العسكري ... 235
خصائص الإقطاع عند السلاجقة ... 236(2/440)
عوامل التوسع في الإقطاع العسكري ... 237
موقف العلماء من الإقطاع ... 238
سادساً : الرهائن ... 239
سابعاً : الإعداد المعنوي للجيش ... 240
المبحث الثاني : نظم الإدارة العسكرية عند السلاجقة ... 241
أولاً : المناصب القيادية ... 241
الأمير الحاجب الكبير ... 241
الاسفهسلار، قائد القواد أو القائد العام ... 243
أمير الحرس ... 244
المقدم ... 244
العميد ... 245
الشحنة ... 245
الأتابك ... 246
قاضي العسكري ... 246
الذردار ... 247
سلاح دار ... 247
ثانياً : ديوان عرض الجيش ... 247
تنظيم سجلات أسماء الجند ... 248
عرض الجيش ... 248
تحديد المهام الموكله إلى الجند ... 249
الإشراف على النواحي التموينية ... 249
الإشراف على النواحي المالية ... 249
الإشراف على التسليح ... 250
الإشراف على زي الجند ... 250
ثكنات الجند ... 251
ثالثاً : أقسام الجيش السلجوقي ... 251
القوة النظامية ... 251
القبائل التركمانية ... 251
فرق الولايات ... 252
قوات الأمراء ... 253
قوات المدن والمتطوعة والأوباش ... 253
الطلائع ... 254
الجاويشة ... 254
فرق المنزل ... 254
رابعاً : عناصر الجيش ... 255
الأتراك ... 255
العرب ... 255
الأكراد ... 256
الفرس ... 256
الديلم ... 256
الأرمن ... 256
خامساً : فرق الجيش ... 256
الرجالة ... 256
الفرسان ... 256
النشابة والنفاطيون والمنجنيقيون والدبابون ... 257
سادساً : التعليم والتدريب العسكري ... 258
سابعاً : حجم الجيش السلجوقي ... 259
ثامناً : العيون والجواسيس ... 260
تاسعاً : الإسناد العسكري ... 260
الإمدادات العسكرية بالجند ... 260
المهندسون ... 261
حمل الأثقال ... 261
التموين ... 262
عاشراً : الإسناد الطبي ... 262
الحادي عشر : الخيل ودورها في الجيش السلجوقي ... 263
الثاني عشر : الموارد المالية للجيش السلجوقي ... 263
الثالث عشر : شعار السلاجقة وأعلامهم ... 264(2/441)
المبحث الثالث : الأسلحة والتحصينات الحربية ... 265
أولاً : الأسلحة الفردية الخفيفة ... 265
الأسلحة الهجومية ... 265
الأسلحة الوقاية والدفاع عن النفس ... 265
الترس ... 265
الدرع ... 266
البيضة ... 266
ثانياً : الأسلحة الجماعية الثقيلة ... 266
المنجنيق والعرادة ... 266
الدبابة والبرج ورأس الكبش ... 266
ثالثاً : أسلحة العرض والزينة ... 266
رابعاً : نظام حماية المدن ... 267
خامساً : وسائل الحصار ... 267
سادساً : صناعة الأسلحة وخزائنها ... 267
المبحث الرابع : الخطط والفنون القتالية ... 267
أولاً : القدرة على التحرك ... 267
السرعة ... 268
استخدام الكمائن ... 268
التراجع الزائف ... 269
خطة تطويق العدو ... 269
المباغتة والمفاجأة ... 270
ثانياً : الرمي بالسهام ... 270
ثالثاً : الالتحام مع العدو ... 271
مرحلة الالتحام الأوّلي ... 271
مرحلة الالتحام الكامل ... 271
رابعاً : الاستنزاف ... 272
خامساً : سياسة الأرض المحروقة ... 272
سادساً : التأثير على جيش العدو ... 273
سابعاً : السيطرة على الطرق ... 274
ثامناً : السيطرة على موارد المياه ... 274
تاسعاً : التأمين العسكري ... 275
عاشراً : المهام الخاصة الطارئة ... 275
المهام الحربية ... 276
مهام الحراسة ... 276
الحادي عشر : نظام التعبئة ... 277
المبحث الخامس : أثر نظم السلاجقة في الدولة الزنكية والأيوبية والمماليك ... 277
أولاً : الدولة الزنكية ... 277
ثانياً : الأيوبيون والمماليك ... 278
أجناس وعناصر الجند ... 279
تكوين الجيش ... 279
فرق الجيش ... 279
الخطط والفنون القتالية ... 280
وسائل نقل الأخبار ووسائل الاتصال ... 280
الإقطاع العسكري ... 281
التقسيم العشري ... 281
الألقاب العسكرية ... 282
المبحث السادس : المرأة في العهد السلجوقي ... 283
أولاً : زوجة طغرل بك ... 283
ثانياً : تركان خاتون زوجة السلطان ملكشاه ... 284(2/442)
ثالثاً : خاتون بنت ملكشاه زوجة المستظهر ... 284
رابعاً : قهرمانة المقتدي ... 285
خامساً : خاتون السفرية ... 286
سادساً : عالمات وزاهدات وواعظات في العهد السلجوقي ... 286
سابعاً : اختلاط النساء بالرجال ... 287
الفصل الرابع : المدارس النظامية في عهد السلاجقة ... 288
المبحث الأول : نشأة المدارس وأهدافها ... 288
أولاً : نشأتها ... 288
ثانياً : الأهداف التعليمية للمدارس الإسلامية وخصوصاً النظامية ... 293
ثالثاً : وسائل النظام في تحقيق الأهداف وحله للمشاكل ... 294
الأماكن ... 294
اختيار الأساتذة والعلماء ... 295
تحديد منهج الدراسة ... 296
توفير الإمكانات المادية ... 297
تطلع الأساتذة إلى التدريس بالنظامية ... 298
حله للمشاكل ... 298
رابعاً : تنظيم الهيئة التدريسية ... 300
تعيين الأساتذة وفصلهم ... 300
مراتب التدريس ... 300
مرتبة الصدر ... 301
مراتب المتعلمين ... 301
الكتاب المدرسي ... 301
القبول والتخرج ... 302
الإجازة ... 302
خامساً : أثر المدارس النظامية في العالم الإسلامي ... 303
المبحث الثاني : الإمام الشافعي وأثره في المدارس النظامية ... 304
أولاً : اسمه ونسبه وشيء من سيرته ... 304
اسمه ونسبه ... 304
لقبه ... 305
مولده ونشأته ... 305
مكان ولادته ... 305
نشأته وطلبه للعلم ... 305
رحلته إلى المدينة ولقاؤه بالإمام مالك ... 306
رحلته إلى اليمن ... 307
محنته ... 308
رجوعه إلى مكة وحضور الإمام أحمد إلى مجالسه ... 309
رحلته الثانية إلى العراق ... 310
رحلته إلى مصر ... 311
وفاته ... 312
ثانياً : أصول الشافعي في إثبات العقيدة ... 313
الأصل الأول : الالتزام بالكتاب والسنة ... 313
الأصل الثاني : خبر الآحاد ومكانته عند الإمام الشافعي ... 314
الأصل الثالث : تعظيمه لفهم الصحابة واتباعه لهم رضي الله عنهم ... 316
الأصل الرابع : مجانية أهل الأهواء والبدع والكلام وذمهم ... 317(2/443)
ثالثاً : عقيدته في الإيمان ومنهجه في إثباتها ... 317
حقيقة الإيمان ودخول الأعمال في مسماه ... 317
زيادة الإيمان ونقصانه ... 318
حكم مرتكب الكبيرة ... 319
رابعاً : توحيد الألوهية ... 319
الحكمة من خلق الجن والإنس ... 319
تسوية القبر ... 320
البناء على القبور وتجصيصها ... 320
بناء المساجد على القبور ... 320
زيارة القبور ... 321
رأي الإمام الشافعي في الحلف بغير الله ... 321
خامساً : طريقة الشافعي في الاستدلا على وجود الله ... 321
سادساً : توحيد الأسماء والصفات ... 323
سابعاً : عقيدته في الصحابة ... 324
فضل الخلفاء الراشدين ودرجتهم بين الصحابة ... 325
سكوته عما شجر بين الصحابة ... 326
موقفه من أصحاب الفرق البدعية والشيعة الرافضة ... 326
الشافعي واتهامه بمذهب الشيعة الرافضة ... 327
ثامناً : عناصر المنهج في فقه الإمام الشافعي ... 329
تاسعاً : هل الإمام الشافعي من المجددين ؟ ... 330
دفاعه عن عقيدة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ... 330
تدوينه علم أصول الفقه ... 330
نصرته للنسة ... 330
المبحث الثالث : الإمام أبو الحسن الأشعري ... 332
أولاً : اسمه ونسبه وموطنه ومولده ومكانته العلمية ... 332
ثانياً : المراحل التي مرّ بها ... 334
ثالثاً : سر عظمة الأشعري في التاريخ ... 338
أبو الحسن الأشعري يشرح عقيدته التي يدين بها ... 339
مصدر العقيدة عن أبي الحسن الأشعري ... 339
العلاقات بين العقليات والحسيَّات والعقيدة والديانات ... 340
اجتماع أهل السنة على المعتزلة وأهل البدع ... 341
اتجاهات أهل السنة في بداية القرن الرابع ... 343
ميادين الصراع الفكري في العصر الحديث ... 344
بعض مؤلفات أبي الحسن الأشعري ... 345
اجتهاده في العبادة ... 346
رابعاً : عقيدة أبي الحسن الأشعري التي مات عليها ... 347
خامساً : جهود الأشاعرة في الدفاع عن الكتاب والسنة ... 350(2/444)
وصفهم بأنهم من أهل السنة في مقابل المعتزلة ... 351
ردودهم على الباطنية والملاحدة وغيرهم ... 351
دفاعهم عن السنة وردودهم على أهل البدع ... 352
جهودهم في كسر سورة المعتزلة والجهمية ... 353
إنصاف ابن تيمية لأعلام الأشاعرة يرحمهم الله جميعاً ... 353
موقف ابن تيمية من أبي الحسن الأشعري ... 354
موقف ابن تيمية من الباقلاني ... 356
موقف ابن تيمية من الجويني ... 356
ثناء ابن تيمية على الغزالي ... 356
المبحث الرابع : أشهر علماء المدارس النَّظامية في العهد السلجوقي ... 358
أولاً : أبو إسحاق الشيرازي ... 358
شيوخه وتلاميذه ... 358
مكانته وثناء الناس عليه ... 358
مؤلفاته وشيء من شعره ... 360
وفاته ... 361
ثانياً : إمام الحرمين عبد الملك الجويني ... 362
شيوخه ... 362
تلامذته ... 364
ثناء العلماء عليه ... 364
من أخلاقه وصفاته ... 365
القيمة العلمية لكتاب الإمام الجويني غياث الأمم ... 367
عودته إلى مذهب السلف ورجوعه عن علم الكلام ... 368
مؤلفاته ... 371
وفاته ... 372
المبحث الخامس : الإمام الغزالي، من كبار علماء المدارس النظامية ... 373
أولاً : اسمه ونسبه ونشأته ... 373
اسمه ونسبه ... 373
نشأته ومولده ... 373
اجتهاده في طلب العلم ... 374
ملازمته إمام الحرمين ... 374
تعيينه مدرساً على نظامية بغداد ... 375
من أسباب نبوغ الغزالي وشهرته ... 375
التحول الكبير الذي غير مجرى حياته ... 376
عودته للتصدي للتعليم ... 377
الترتيب الزمني لمؤلفات الغزالي ... 378
ثانياً : موقف الغزالي من الشيعة الباطنية ... 380
بنية كتاب فضائح الباطنية ... 381
مضمون الكتاب ... 381
البعد السياسي في كتابات الغزالي ... 384
ثالثاً : موقف الغزالي من الفلاسفة والفلسفة ... 385
دراسته للفلسفة ... 386
ضربة قاصمة ... 387
تأثير كتاب تهافت الفلاسفة ... 390
خلاصة عمل الغزالي في ميدان الفلسفة ... 390(2/445)
موقف الغزالي بين العقل والنقل ... 391
انتصار الفكر السني في العهد السلجوقي ... 392
رابعاً : الغزالي وعلم الكلام ... 393
خامساً : الغزالي والتصوف ... 395
بدء طريق التصوف عند الغزالي ... 397
نتائج الدراسة ... 398
تصوف بغير شيخ ... 400
نقد الغزالي للصوفية ... 400
قلة المتصوفة ... 400
فساد المتصوفة ... 401
الغرور والجهل ... 401
سقوط التكاليف ... 402
أثر الغزالي في التصوف ... 403
ضرورة العلم الشرعي ... 403
رفض الغزالي للتأويلات الباطنية ... 403
جعل من التصوف علم أخلاقي عملي ... 403
تصحيح مفهوم الزهد ... 404
سادساً : دور أبي حامد الغزالي في الإصلاح ... 405
منهج الغزالي في الإصلاح ... 405
صفات منهج الغزالي في الإصلاح ... 406
تشخيص الغزالي لأمراض المجتمع الإسلامي ... 407
فساد رسالة العلماء ... 407
انحراف الألفاظ عن مدلولاتها ... 409
نقد السلاطين الظلمة ... 410
نقده للبدع والمنكرات التي حدثت في المجتمع ... 413
ميادين الإصلاح عند الغزالي ... 414
العمل على إيجاد جيل من العلماء والمربين ... 414
وضع منهاج جديد للتربية والتعليم ... 415
بناء العقيدة الإسلامية ... 416
ميدان تهذيب النفس والإرادة ... 416
ميدان دراسة العلوم الفقهية ... 417
ميدان الحكمة والإعداد الوظيفي ... 417
إحياء رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... 418
نقد السلاطين الظلمة ... 419
محاربة المادية الجارفة والسلبية الدينية وتصحيح التصور السائد عن الدنيا والآخرة ... 419
الدعوة للعدالة الاجتماعية ... 419
محاربة التيارات الفكرية المنحرفة ... 420
الإصلاح في ميدان الفكر ... 421
دور العقل ... 421
رفض التقليد ... 421
الدعوة إلى الكتاب والسنة ... 422
الالتزام بمنهج السلف ... 423
سابعاً : الغزالي وعلم الحديث ... 424
ثامناً : كتاب إحياء علوم الدين ... 425
تاسعاً : موقف الغزالي من الاحتلال الصليبي ... 429(2/446)
آراء بعض المعاصرين في سكوت الغزالي عن الحروب الصليبية ... 430
الدكتور زكي مبارك ... 430
الدكتور عمر فروخ ... 431
الدكور يوسف القرضاوي ... 431
الدكتور ماجد عرسان الكيلاني ... 432
كتاب إلجام العوام في آخر عمره ... 433
اقبال الغزالي على القرآن الكريم وصحاح الأحاديث ... 435
وفاته ... 435
عاشراً : الإمام البغوي وجهوده في خدمة الكتاب والسنة في العهد السلجوقي ... 437
معالم التنزيل في التفسير ... 437
شرح السنة للحافظ البغوي ... 440
مصابيح السنة ... 441
الحادي عشر : شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي ... 442
اعتزازه بالمذهب الحنبلي ... 442
كتابه منازل السائرين ... 443
من مكائد خصومه ... 444
دعاء الإمام الجويني له ... 444
تقديمه لكتاب أبي عيسى الترمذي على البخاري ومسلم ... 444
في مجلس نظام الملك ... 445
مصدر رزقه ... 445
سنة وفاته ... 445
الفصل الخامس : الحروب الصليبية في العهد السلجوقي ... 447
المبحث الأول : الجذور التاريخية للحروب الصليبية واستمرارها إلى يومنا هذا ... 447
أولاً : البيزنطيون ... 447
ثانياً : الأسبان ... 448
ثالثاً : الحركة الصليبية ... 449
رابعاً : حركة التفاف الصليبيين ... 453
خامساً : الاستعمار ... 455
المبحث الثاني : أهم أسباب ودوافع الصليبيين ... 456
أولاً : الدافع الديني ... 458
ثانياً : الدافع السياسي ... 460
ثالثاً : الدافع الاجتماعي ... 462
رابعاً : الدافع الاقتصادي ... 463
خامساً : تبدل ميزان القوى في حوض البحر المتوسط ... 464
سادساً : استنجاد أمبراطور بيزنطة بالبابا أوربان الثاني ... 468
سابعاً : شخصية البابا أوربان الثاني ومشروعه الشامل للغزو الصليبي ... 469
أوربان الثاني يعقد مجمعاً كنسياً في جنوب فرنسا ... 470
الخطبة التي ألقاها أوربان الثاني ... 471
ما يستنتج من خطاب البابا أوربان الثاني ... 472
الاجتماع الاستشاري للبابا بعد خطابه ... 476(2/447)
حملة الدعاية الصليبية ... 477
العقلية التنظيمية لأوربان الثاني ... 477
بطرس الناسك ... 478
غفلة المسلمين عما يدبر لهم ... 479
المبحث الثالث : بدء الحرب الصليبية الأولى ... 480
أولاً : حملة العامة الغوغاء ... 480
ثانياً : حملة الأمراء ... 482
موقف اليهود من الحروب الصليبية ... 483
موقف الإمبراطور البيزنطي من حملة الأمراء ... 484
سقوط نيقية ... 485
معركة دوريليوم ... 486
نتائج معركة دوريليوم ... 487
سقوط قونية وهرقلة ... 488
إمارة الرها ... 488
إمارة انطاكية ... 490
مذبحة معرة النعمان ... 494
ثالثاً : تأسيس مملكة بيت المقدس ... 495
مقدمات الاحتلال ... 498
القوى المتواجهة ... 499
الحصار ... 501
الهجوم الأول للقوات الصليبية ... 502
العودة إلى الاستعداد للقتال ... 502
الهجوم الحاسم ... 504
وحشية الحضارة الغربية الصليبية ... 507
دور رجال الدين المسيحي في سقوط القدس ... 509
فشل الفاطميين في استعادة البيت المقدس ... 511
رابعاً : سقوط المدن الساحلية لبلاد الشام ... 514
سقوط طرابلس ... 514
سقوط بيروت ... 517
سقوط صيدا ... 518
المبحث الرابع : أسباب نجاح الحملة الصليبية الأولى ... 521
أولاً : انعدام الوحدة السياسية في العالم الإسلامي ... 522
ثانياً : الصراع على السلطنة في داخل البيت السلجوقي ... 523
ثالثاً : الدولة الفاطمية ... 524
رابعاً : سقوط الخلافة الأموية بالأندلس ... 526
خامساً : دور النصارى الذين كانوا يعيشون في بلاد الشام ... 527
سادساً : موقف بعض الإمارات العربية من الغزو الصليبي ... 528
سابعاً : دور الباطنية الإسماعيلية الرافضة في عرقلة الجهاد ضد الصليبيين ... 529
تعاونهم ضد الصليبيين ... 529
اغتيال قادة المسلمين ... 530
إشاعة الرعب والخوف في المجتمع الإسلامي ... 533
فتوى ابن تيمية في الحركات الباطنية ... 534
ثامناً : انتشار الفكر الشيعي الرافضي والباطني ... 535(2/448)
تاسعاً : تدهور الحياة الاقتصادية قبل الغزو الصليبي ... 536
عاشراً : ضعف الدولة البيزنطية ... 538
الحادي عشر : تمرس فرسان الإفرنج على الحرب والإمدادات الأوروبية المستمرة لهم ... 539
أثر الاستبداد على الدين والحياة ... 541
معارك في فقه الفروع ... 542
دروس بالغة وعبر مفيدة ... 544
معالم المنهج للصحوة الإسلامية ... 546
الثاني عشر : استراتيجية الحملة الصليبية بعد الاحتلال ... 547
المبحث الخامس : حركة المقاومة في العهد السلجوقي ما بين الغزو الصليبي وظهور عماد الدين زنكي ... 551
أولاً : الفقهاء والقضاة واستجابتهم لمقاومة الغزو الصليبي ... 551
استنجاد فقهاء وقضاة دمشق بخلافة بغداد ... 551
القاضي الأمير فخر الملك بن عمار والاستنجاد بالإمارات المحلية وخلافة بغداد ... 553
استنجاد فقهاء وقضاة حلب بخلافة بغداد ... 553
دور الفقهاء والقضاة في التحريض على الجهاد بالكتابة والتأليف ... 555
المشاركة الفعلية للفقهاء في ساحات الجهاد ... 558
تحريض الفقهاء والقضاة على القتال في ساحات المعارك ... 560
ثانياً : الشعراء ودورهم في حركة المقاومة ... 561
ثالثاً : قادة الجهاد من السلاجقة قبل عماد الدين زنكي ... 571
جهاد قوام الدولة كربوقا صاحب الموصل ... 573
جهاد جكرمش صاحب الموصل وسقمان بن أرتق صاحب ماردين وديار بكر ... 575
معركة البليخ وانتصار المسلمين على الصليبيين وتسمى معركة حران ... 576
الخلاف بين جكرمش وسقمان ... 577
هزيمة جكرمش ... 577
نتائج معركة البليخ أو حّران ... 578
مواصلة جكرمش للجهاد ... 580
قلج أرسلان وجهاده الكبير في آسيا الصغرى ... 581
معركة مرسيفات. ... 582
معركة هرقلة الأولى ... 584
معركة هرقلة الثانية ... 585
نتائج معارك قلج أرسلان السابقة ... 585
أثر وفاة قلج أرسلان ... 586
جاولي سقاوة ... 588
شرف الدولة مودود بن التونتكين ... 589
حملة مودود الأولى ضد الرها ... 590(2/449)
حملة مودود الثانية ضد الرها ... 591
حملة مودود الثالثة ضد الرها ... 594
حملة مودود ضد إمارة بيت المقدس ... 594
مقتل مودود ... 595
هل يصح اتهام طغتكين حاكم دمشق بقتل مودود ؟ ... 596
ما ترتب على حملات بطل الإسلام مودود من نتائج ... 599
نجم الدين إيلغازي صاحب ماردين ... 601
بلك بن بهرام بن أرتق : يأسر ملوك الصليبيين ... 607
جهاد أمير الموصل آق سُنقر البرسقي لانقاذ حلب ... 611
حلب تتصدى للصليبيين ... 611
خيانة دبيس بن صدقة المزيدي أمير الحلة ... 612
أعمال استفزازية صليبية ضد أهالي حلب ... 613
المقاومة الحلبية الشعبية ... 614
استنجاد أهالي حلب بأمير ديار بكر ... 614
آق سنقر البرسقي واستجابته لاستغاثة أهل حلب ... 614
مقتل البرسقي ... 616
الباطنية من أخطر معوقات حركة الجهاد ... 617
الخاتمة ... 622
فهرس المراجع والمصادر ... 623
فهرس الكتاب ... 643
المؤلف في سطور
الدكتور علي محمد محمد الصَّلاَّبيَّ
ولد في مدينة بنغازي بليبيا عام 1383ه/1963م.
حصل على درجة الإجازة العالية " الليسانس " من كلية الدعوة وأصول الدين من جامعة المدينة المنورة بتقدير ممتاز، وكان الأول على دفعته عام 1413/1414ه الموافق 1992/1993م.
نال درجة الماجستير من جامعة أم دُرمان الإسلامية كلية أصول الدين قسم التفسير وعلوم القرآن عام 1417ه/1996م.
نال درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية بمؤلفه : " فقه التمكين في القرآن الكريم " جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان عام 1999م.(2/450)