بسم الله الرحمن الرحيم
مسيرة ركب الشيطان عبر تاريخ الإسلام
الزيدية
الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده و رسوله ، صلوات الله و سلامه عليه ..
و بعد :-
فإن من أكبر الفرق على الإطلاق وأكثرها انتشاراً ، هي فرقة الشيعة على تعدد طوائفها واختلاف نحلها ، بدءاً بالسبئية أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي الذي كان رأساً في إذكاء نار الفتنة والدس بين صفوف المسلمين ، إلى الرافضة الاثنا عشرية في يومنا هذا ، حيث كانت و لا تزال هذه الفرق ، وبالاً و شراً على المسلمين على طول تاريخهم ، وفي جميع مراحل حياتهم ، و قد تأثر الشيعة في كثير من عقائدهم الباطلة بالعقائد اليهودية و الفارسية وغيرها .
و قد أخذ كثير من فرق الشيعة بالتمويه على الناس للدخول في فرقتهم ، مستغلين في ذلك حب الناس لآل البيت ، و مع مرور الزمن استطاع الشيطان أن يضل هذه الفرقة ضلالاً بعيداً ، و يغويهم عن الصراط المستقيم إغواءً عظيماً ، و صاروا أخطر على المسلمين من الخوارج .(1/1)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (2/477-482) :و هؤلاء الرافضة الشيعة إن لم يكونوا شراً من الخوارج المنصوصين ، فليس دونهم ... ، فإن أولئك إنما كفّروا عثمان وعلياً وأتباع عثمان وعلي فقط ، دون من قعد عن القتال أو مات قبل ذلك ، والرافضة كفرت أبابكر وعمر و عثمان وعامة المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان الذين رضي الله عنهم و رضوا عنه ، وكفروا جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المتقدمين والمتأخرين ... ، ولهذا يكفرون أعلام الملة .. و يستحلون دماء من خرج عنهم و يسمون مذهبهم مذهب الجمهور .. و يرون أن كفرهم أغلظ من كفر اليهود والنصارى ؛ لأن أولئك عندهم كفار أصليوّن و هؤلاء مرتدون ، و كفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي ؛ و لهذا السبب يعاونون الكفار على الجمهور من المسلمين كما عاونوا التتار على المسلمين ، و كانوا من أعظم الأسباب في خروج جنكيز خان ملك الكفار إلى بلاد الإسلام ، و في قدوم هولاكو إلى بلاد العراق ، وهم مع هذا يعطلون المساجد التي أمر الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه ، فلا يقيمون فيها جمعة ولا جماعة ، و يبنون على القبور المكذوبة مساجد يتخذونها مشاهد ، حتى إن مشائخهم من يفضلها على حج البيت الذي أمر الله به و رسوله ، و وصف حالهم يطول .(1/2)
ومازال أمر هؤلاء الشيعة في زيادة حتى بلغ بطائفة القرامطة و هم من غلاتهم أن يروّعوا الآمنين من المسلمين في أنحاء عديدة من الدولة الإسلامية ويعيثوا في الأرض فساداً حتى آل بهم الحال إلى اجتياح البلد الحرام ، و هتكوا الحرمات ، و سفكوا دماء الحجيج ، و دفنوا القتلى في بئر زمزم ، و قلعوا باب الكعبة وأخذوا الحجر الأسود معهم ، حيث مكث عندهم اثنين وعشرين سنة من عام 317-339 هـ - ، وألحدوا في الحرم إلحاداً بالغاً عظيماً ، وقتلوا من العلماء والحفاظ خلقاً كثراً ، و من الناس من لا يحصيهم إلا الله ، وهابت الدولة جانبهم وكسروا جيوشها في عدة مواقع ، وإنما حمل هؤلاء على هذا الصنع أنهم كفار زنادقة ، و قد كانوا ممالئين للفاطميين الذين نبغوا في هذه السنة ببلاد إفريقية من أرض المغرب .
ثم ابتلي المسلمون حين ضعف أمر الخلافة بطائفة من الشيعة وهم البويهيون حيث استطاعوا أن يسيطروا على مقاليد الحكم في بغداد ، وأن يهينوا الخلفاء العباسيين الذي ليس بيدهم من الأمور شيء ، و قد أراد البيهويون نزع الخلافة من العباسيين وإعطائها لإخوانهم العبيديين بزعمهم أنهم من آل البيت ، ثم عدلوا عن ذلك . و قد لاقى أهل السنة في عهد بني بويه ، الكثير من المآسي والنكبات ، فكانت لا تمر سنة واحدة إلا و يحدث بين الرافضة وأهل السنة كثير من المصادمات والفتن ، حيث كان الرافضة في يوم عاشوراء من كل عام يفعلون بدعتهم الشنعاء و يغلقون الأسواق ، و تخرج نساؤهم حاسرات سافرات نائحات على الحسين و يلطمن وجوههن ، و يكتبون على أبواب المساجد لعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، كما يلعنون أبابكر و عمر وعثمان ، وكان الحكام البويهيون يأمرون بذلك ، و يذودون عن إخوانهم الرافضة ، و كان هؤلاء البويهيون على صلة بالقرامطة والعبيديون في مصر .(1/3)
واستطاع بنو حمدان وهم من الشيعة أيضاً أن يقيموا لهم دولة في حلب والموصل و ما جاورهما ، وإن كان لنبي حمدان في صد غارات الروم وجيوشهم ، فإن لهم من التشيع والتواطؤ مع القرامطة شيء عظيم . راجع البداية والنهاية (11/270) .
كما نجح العبيديون ينسبون زوراً و بهتاناً إلى فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً في بسط سلطتهم على بلاد المغرب و مصر والشام ، و قد امتلأت البلاد رفضاً و سبأ للصحابة من بني بويه و بني حمدان و العبيديين ، و كل ملوك البلاد مصراً و عراقاً و و شاماً و خراسان وغير ذلك من البلاد كانوا رفضاً ، و كذلك الحجاز وغيره ، وغالب بلاد المغرب ، فكثر السب والتكفير منهم للصحابة . البداية والنهاية (11/247) .
و قد كان هؤلاء العبيديون أشر حالاً وأكثر وبالاً ، و قد حكم العلماء بكفرهم و فسوقهم و فجورهم وأنهم ملحدون ، زنادقة معطلون ، و للإسلام جاحدون ، قد عطلوا الحدود و أباحوا الفروج ، وأحلوا الخمر و سفكوا الدماء ، و سبّوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية . انظر : الوثيقة التي أصدرها العلماء في بغداد عام ( 402 هـ ) بشأن العبيديين ، في الكامل لابن الأثير (9/236) و البداية والنهاية (11/369) .
و قد استمرت هذه النبتة الرافضية الباطنية الخبيثة قريباً من ثلاثمائة سنة ، حتى زالت على يد الملك العادل الصالح السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ، و في عهد هذه الدولة الأسود استحوذ الفرنج على سواحل الشام وبلاد الشام كلها ، حتى بيت المقدس ، و لم يبق مع المسلمين سوى حلب و حمص وحماة و دمشق و بعض أعمالها ، و جميع السواحل مع الفرنج ، و النواقيس النصرانية والطقوس الإنجليزية تضرب في شواهق الحصون والقلاع . البداية والنهاية (11/256) و (13/219) .(1/4)
وقد استطاع الصليحيون أيضاً وهم من غلاة الشيعة أن يقيموا لهم دولة في اليمن استمرت قرابة القرن من الزمن ، حاولوا خلالها ضم الحجاز لهم وكانوا دعاة للعبيديين في مصر ، و كانوا أيضاً من غلاة الشيعة الذين يسعون إلى هدم العقيدة وتقويض شرائع الإسلام ، شأنهم في ذلك شأن القرامطة والعبيديين وغيرهم من طوائف الباطنية الأشرار .
والجدير بالذكر وهو مما يؤسف له حقاً ؛ أن هذه الدول أو أكثرها قام على أكتاف السنة ، ولو أن هؤلاء لم يساعدوا على قيامها ، أو لو أنهم قاوموها لانهارت بأقرب فرصة ، و لكن غفلة عوام السنة تجعلهم ألعوبة بيد أعدائهم ، يضربون بهم ، و يقيمون العروش على أكتافهم ، فقبائل كتامة لم تكن شيعية أو إسماعيلية قبل أن يتلاعب بهم أبو عبد الله الشيعي أحد المؤسسين للدولة العبيدية - ، وهم الذين أقاموا الدولة العبيدية ، والبيهيون حكموا بغداد عاصمة الخلافة ، و كان من العلماء والوزراء السنة من يعمل معهم و يساعدهم . انظر : أيعيد التاريخ نفسه ( ص 61 ) .
و في أثناء حكم هؤلاء الشيعة الروافض اشرأبت أعناق اليهود والنصارى وقويت شوكتهم وصاروا أكابر بعد أن كانوا صاغرين ، و وصل بعضهم إلى كراسي الوزارة ، وألحقوا بالمسلمين من المظالم ما الله به عليم و استطاع الصليبيون في عهدهم الأسود أن يستولوا على بيت المقدس دون أن يبذل واليها من قبل العبيديين أدنى مقاومة ، و لكن الله عز وجل أبطل مكر الشيعة وأوهن كيدهم ، و حل الخلل والضعف في دولهم و مكن لدينه وأظهره على دين الشيعة ومذهبهم ، و ذلك بظهور دولتين سنيتين قويتين ، و هم الغزنويون والسلاجقة .
فأما الغزنويون فقد أعادوا للجهاد قيمته و رفعوا رايته و وصلت فتوحاتهم إلى الهند وأحرقوا كتب العبيديين و رفضوا دعوتهم حين دعوهم وقتلوا داعيتهم ، و قتلوا من الباطنية خلقاً كثيراً . البداية والنهاية (12/30-32 ) .(1/5)
وأما السلاجقة فقد استطاعوا أن ينقضوا على البويهيين الرافضة في بغداد ، و يحرروا الخلافة العباسية من رقبتهم ، بعد أن وصل بهم الحال في آخر الأمر أن دعوا على المنابر لخليفة العبيديين ، وأرادوا أن يكون للشيعة كامل السلطان وعظيم الهيمنة على ديار الإسلام كلها ، و لكن الله فضحهم وسلبهم ملكهم و رد كيدهم في نحرهم ، وجعل تدميرهم في تدبيرهم ، بأن قيض الله لهذه الأمة من أظهر دينه وأعلى كلمته و هم السلاجقة الذين ردوا للخلافة اعتبارها و مكانتها ، وأبطلوا ما كان يفعله الروافض من السب للصحابة ومن البدع الشنيعة الأخرى ، و خرج التوقيع من ديوانهم بكفر من سب الصحابة وأظهر البدع . البداية والنهاية (12/86 ، 99 ) .
و نتيجة لغفلة المسلمين وتهاون خلفائهم ، تمكن الرافضي الخبيث ابن العلقمي من الوصول إلى وزارة الخلفية العباسي المستعصم بالله ، فكانت النتيجة لتلك الغفلة والثقة بأمثال ابن العلقمي من الروافض أن حل بالدولة الإسلامية والخلافة العباسية من الاجتياح الهمجي والاحتلال البربري من قبل هولاكو وجيشه من التتار المجرمين ، حيث قتل الخليفة و قتل من أهل بغداد ما يقدر في بعض الروايات بمليون و ثمانمائة ألف قتيل ، فيهم من العلماء والحفاظ والفقهاء والأمراء والأعيان الجم الغفير ، و كل ذلك كان بسبب ممالأة هذا الوزير الرافضي ومصانعته لهولاكو وقطعان التتار الهمج . البداية والنهاية (13/215) .(1/6)
و بعد ردح من الزمن تمكن الشيعة الصفويون من أن يقيموا لهم دولة قوية في فارس ، قامت بينها و بين الدولة العثمانية كثير من المصادمات العنيفة والحروب الضارية ، و قد عملت هذه الدولة الشيعية على نشر المذهب الشيعي في الأناضول ، و هي الموطن الأصلي للدولة العثمانية ، و لقي المذهب الشيعي استجابة واسعة بين رعايا الدولة و بخاصة في شرق الأناضول ، و لكن السلطان سليم الأول أحس بالخطر الشيعي القادم ، فجيش الجيوش و جند الأجناد واستطاع أن ينزل الهزيمة بالشاه إسماعيل ملك الصفويين ، و دخل عاصمتهم تبريز ، واستولى على كثير من الأقاليم التي كانت تحت يدهم ، و لكنه لم يقض عليهم تماماً بسبب انشغاله بالحروب والفتوحات في الشرق العربي الإسلامي . الدولة العثمانية دولة مفترى عليها (1/18-19 ) . ولا تزال طوائف الرافضة إلى يومنا هذا تسيطر على فارس وتعمل على نشر مذهبها في أنحاء العالم .
و هكذا كان هؤلاء الروافض الباطنية على تباين نحلهم واختلاف طوائفهم العدو الأكبر والخطر الأعظم على المسلمين ، وكانوا و مازاوا خنجراً مسموماً استعمله أعداء الإسلام من تتار و صليبيين و يهود من أجل هدم هذا الدين ، و قد رأيناهم حينما وصلوا إلى الحكم سرعان ما ألقوا بأقنعتهم المزيفة وكشفوا عن وجوههم الخبيثة ، وظهر ما كان مختفياً من الحقد والكراهية ضد المسلمين ، فاضطهدوهم و قتلوهم وعذبوهم ، و لولا أن الدين محفوظ من عند الله ، وأن الله يبعث له من يجدده و يظهره لاستطاع هؤلاء الأشرار القضاء على الإسلام ، وإبادة المسلمين نهائياً ، فالشيعة هي الفرقة الكبرى والشوكة المسمومة التي تولت كبر شق عصا المسلمين وتفريق كلمتهم ، وإضعاف أمرهم ، و كما قال شيخ الإسلام : فبهذا تبين أنهم شر من عامة أهل الأهواء و أحق بالقتال من الخوارج . مجموع الفتاوى (28/482) . بتصرف من كتاب : الانحرافات العقدية والعلمية (1/51-64) .(1/7)
و بعد هذا العرض السريع لأهم دول الشيعة و عن كيفية تكونها و الأحداث التي مرت بها الأمة الإسلامية في عهدهم ، منذ أن ظهرت فرقة السبئية إلى اليوم ، نصل من خلال ذلك إلى الحديث عن موضوع بحثنا وهو الحديث عن طائفة الزيدية .
يتكون البحث من مقدمة و خمسة مباحث وخاتمة :-
المقدمة : و هي عبارة عن تمهيد للموضوع ، أذكر فيه بشكل مختصر بداية ظهور التشيع وانتشاره في العالم الإسلامي ، ثم ذكر مباحث الموضع .
المبحث الأول : سيكون الحديث فيه عن تعريف التشيع و عن بدايته ومراحل تطوره ، مع ذكر أشهر الأسماء و الفرق التي عرف بها .
المبحث الثاني : ترجمة للإمام زيد بن علي رضي الله عنه ، مع الحديث عن سبب خروجه حتى مقتله و آرائه رضي الله عنه .
المبحث الثالث : التحقيق في صحة نسبة كتاب ( المجموع ) ، الموجود الآن عند الزيدية إلى زيد بن علي رضي الله عنه .
المبحث الرابع : الحديث عن طائفة الزيدية ، بداية ظهورها ، و مناطق نفوذها و انتشارها ، و الفرق التي تشعبت منها .
المبحث الخامس : الزيدية في التاريخ المعاصر ، موقفها من أهل السنة ، وموقف أهل السنة منها ، و الحكم عليها ..
الخاتمة : و فيها نتائج البحث .
و لا أعد هذا البحث في عداد البحوث ، ولا أذكره مصنفاً بين المصنفات ، فلم أرِدْ به وضعاً بين هذا ، أو ذلك ، و ما هو إلا ما تيسر من التقدير ، و تقدر من التيسير ، و حفظ لما نذكر ، و ذكر لما نحفظ ، و الله أسأل صدق النية و حسن القصد .
و بالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل .
المبحث الأول : تعريف التشيع و بداية ظهوره ومراحل تطوره مع ذكر أشهر الأسماء و الفرق التي عرف بها .
أولاً : تعريف التشيع :-(1/8)
التعريف اللغوي : الشيعة هي الفرقة من الناس ، كقوله تعالى{إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعاً لست منهم في شيء}[الأنعام/159] . أو فرقاً وأحزاباً كقوله تعالى{إن فرعون على في الأرض وجعل أهلا شيعاً}[القصص/4] ، و الشيعة أيضاً : قوم يرون رأي غيرهم ، و بمعنى الأتباع والأنصار ، و تشايع القوم : أي صاروا شيعاً ، والتشيع بمعنى : الأهواء المختلفة ، كقوله تعالى{أو يلبسكم شيعاً}[الأنعام/65] ، والتشيع بمعنى الإشاعة ، كقوله تعالى{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم} [النور/19] ، أي تفشوا الفاحشة . انظر : لسان الرب لابن منظور (8/189) و القاموس المحيط للفيروز آبادي (ص 949) و قاموس القرآن للدامغي (ص 271 ) .
قال الأزهري في تهذيب اللغة (3/61) : والشيعة أنصار الرجل وأتباعه ، و كل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة .
و قال الزبيدي في تاج العروس (5/405) : كل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة ، و كل من عاون إنساناً وتحزب له فهو شيعة له ، وأصله من المشايعة و هي المطاوعة والمتابعة .
التعريف الاصطلاحي : اختلفت وجهات نظر العلماء في التعريف بحقيقة الشيعة ، ونوجز هنا أقولهم :-
قال ابن حزم : بأنهم من قال بأفضلية علي رضي الله عنه على سائر الصحابة رضوان الله عليهم ، وأحقيته بالإمامة ، و من ثَمّ ولده من بعده . الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/113) .
وقال ابن منظور : تطلق الشيعة في الأصل على من تولى علياً و بنيه و أقر بإمامتهم . و قال أيضاً : فالشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي صلى الله عليه وسلم و يوالونهم .لسان العرب (8/189) .(1/9)
و قال الشهرستاني : و هم الذين شايعوا علياً رضي الله عنه على الخصوص ، و قالوا بإمامته وخلافته نصاً و وصية إما جلياً وإما خفياً ، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده ، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره ، أو بتقية من عنده . الملل والنحل ، هامش الفصل في الملل والنحل لابن حزم (1/195) .
وقال الفيروز آبادي في القاموس المحيط (3/49) : و قد غلب هذا الاسم على كل من يتولى علياً وأهل بيته ، حتى صار اسماً لهم خاصة .
والتعريف الراجح والجامع إن شاء الله من كل ما تقدم هو : اسم لكل من فضل علياً على الخلفاء الراشدين قبله رضي الله عنهم ، ورأى أن أهل البيت أحق بالخلافة ، وأن خلافة غيرهم باطلة .
ثانياً : بداية التشيع :-
اختلف مؤرخو الفرق في تحديد بداية التشيع اختلافاً كثيراً بالنسبة لظهور الفرق الأخرى ، لأن عقائد الفرق وثيقة الاتصال بالأحداث التاريخية ، كعقيدة الخوارج ظهرت وقت التحكيم ، ولا يختلف فيه مؤرخ وباحث ، أما التشيع فقد كانت عدة حوادث تاريخية لها أثر بالغ في المذهب الشيعي .
فهناك أحداث تاريخية رُبط بينها و بين ظهور التشيع ، أما الشيعة فيرون أن التشيع بدأ من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد ذكر هذا الرأي كل من : محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة وأصولها (ص 118) ، و محمد حسين الزين في كتابه الشيعة في التاريخ ( ص 29-31 ) ، و هو ما ذكره النوبختي أيضاً في فرقه (ص 39) و هو ما أكده الخميني في عصرنا الحاضر في كتابه الحكومة الإسلامية (ص 136) ، بل ذهب حسن الشيرازي إلى القول : بأن الإسلام ليس سوى التشيع والتشيع ليس سوى الإسلام ، والإسلام والتشيع اسمان مترادفان لحقيقة واحدة أنزلها الله ، و بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم . انظر : الشعائر الحسينية (ص 11 ) .(1/10)
و قولهم هذا ما هو إلا محاولة منهم لفك ارتباط عقيدتهم بأصول يهودية و فارسية . راجع : دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين لأحمد الجلي (ص 153) ، و فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام لغالب بن علي عواجي (1/172) .
و يرى آخرون أنه ظهر في آخر أيام عثمان رضي الله عنه و قوي في عهد علي . انظر : رسالة في الرد على الرافضة (ص 42) .
في حين يرى بعضهم أنه ظهر في معركة الجمل حين تواجه علي و طلحة والزبير ، و قد تزعم هذا القول ابن النديم حيث ادعى أن الذين ساروا مع علي واتبعوه سموا شيعة من ذلك الوقت . الفهرست (ص 249) .
و يرى آخرون أنه ظهر يوم معركة صفين ، و هو قول لبعض علماء الشيعة كأبو حمزة وأبو حاتم . انظر : الشيعة والتشيع ( ص 25) .
ويرى آخرون أنه بعد مقتل الحسين رضي الله عنه ، و هو قول كامل مصطفى الشيبي و هو شيعي ؛ حيث زعم أن التشيع بعد مقتل الحسين أصبح له طابع خاص . الصلة بين التصوف والتشيع ( ص 23) .
والذي يترجح أن التشيع قد ظهر في زمن عثمان رضي الله عنه ، لكنه لم يتخذ صورة عامة أو حزباً مستقلاً إلا بعد موقعة صفين وانقسام جيش علي رضي الله عنه إلى أتباع وخارجين ، بمعنى أن التشيع كحزب ظهر في صفين ، حين انشقت الخوارج وتحزبوا في النهروان ، فظهر في مقابلهم أتباع وأنصار علي . راجع : مقدمة رسالة في الرد على الرافضة للمقدسي (ص 41-42) .
و لما كانت كلمة الرفض مرادفة للتشيع في بعض الأحيان ، فلابد من أن أذكر بداية ظهور كلمة الرفض .
ومعنى الرافضة :-
الرفض في اللغة : يأتي بمعنى الترك ، يقال رفض يرفض رفضاً ، أي ترك ، وعرفهم أهل اللغة بقولهم : والروافض كل جند تركوا قائدهم . الصحاح للجوهري (3/1078) و القاموس المحيط (ص 344) ، و هذا هو معنى الرفض في اللغة .(1/11)
وأما تعريف الرفض في الاصطلاح : فإنه يطلق على تلك الطائفة ذات الأفكار والآراء الاعتقادية ، و الذين رفضوا خلافة الشيخين وأكثر الصحابة ، و زعموا أن الخلافة في علي و ذريته من بعده بنص من النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن خلافة غيرهم باطلة .
سبب تسميتهم بالرافضة :-
أطلقت هذه التسمية على الرافضة لأسباب كثيرة :
1 - قيل : إنهم سموا رافضة لرفضهم إمامة زيد بن علي ، و تفرقهم عنه . البداية والنهاية (9/330) ، كما سيأتي .
2 - و قيل : سموا رافضة لرفضهم أكثر الصحابة ، و رفضهم لإمامة الشيخين . مقالات الأشعري (1/89) .
3 - و قيل : لرفضهم الدين . نفس المصدر .
و لعل الراجح هو الثاني ، ولا منافاة بينه و بين الأول ، لأنهم كانوا رافضة يرفضون الشيخين و قد رفضوا زيداً كذلك إذ لم يرض مذهبهم كما سيأتي
اتفق جمهور المحققين والباحثين أن إطلاق هذه التسمية يعود تاريخها إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، حينما خرج على هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم (ت 125 هـ ) الخليفة الأموي في سنة (121 هـ ) . انظر : منهاج السنة لابن تيمية (1/34-35 ) ، و رسالة في الرد على الرافضة (ص 66 ) .
لكن لا يعني هذا أنهم لم يكونوا موجودين قبل هذه الحادثة ، والذي يدل على أنهم وجدوا قبل انفصالهم عن زيد بن علي هو طلبهم الذي طلبوه من زيد بإعلان البراءة من الشيخين ، وأن يوافقهم على أهوائهم ، لكن زيداً خيّب آمالهم ، فانفضوا عنه .. و سبب ذلك يعود إلى تشبعهم بأفكار اليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ ، وانحرافهم التام عن التشيع لأهل البيت الذي كان عبارة عن الحب والمناصرة .
ثالثاً : مراحل تطوره :-(1/12)
و بمعرفتنا لبداية التشيع والرفض لابد أن نعلم أنه لم يكن المتشيعون بنفس الدرجة في كل عصر ، وبالتالي يختلفون في مدى الغلو ، بمعنى أن تشيعهم لا يتجاوز تقديمهم علياً على عثمان رضي الله عنهما ، أما خلافة الشيخين رضي الله عنهما فإنهما مفضلين على غيرهما ، و هذا كان أول عهد التشيع ، فقد قيل لشريك بن عبد الله القاضي من أهل الكوفة ولي القضاء بها ، وكان عدلاً فاضلاً عابداً شديداً على أهل البدع ( ت 177 أو 178 ) التقريب لابن حجر (ترجمة 2787) : أنت من شيعة علي وأنت تفضل أبا بكر وعمر ، فقال : كل شيعة علي على هذا ، هو يقول أي علي رضي الله عنه على أعواد هذا المنبر : خير الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر ، أفكنا نكذبه و الله ما كان كذاباً . راجع : منهاج السنة (1/13) .
لذلك كان يكثر هذا في التابعين وتابعيهم من الدين والورع والصدق ، و لو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية ، و هذه مفسدة بينة ، أما الغالي في زمانهم فكان هو من تكلم في عثمان والزبير و طلحة ومعاوية و طائفة ممن حارب علياً رضي الله عنهم أجمعين ، وتعرض لسبهم . راجع : ميزان الاعتدال للذهبي (1/6) .
و لكن هذا الذي كان غال في زمانهم هو أمر هين في زمان من بعدهم ، فهناك غلو أعظم منه يتمثل في تقديم علي على الشيخين رضي الله عنهما ، ومع ذلك فإنهم يعتبرون خلافتهما ، و هؤلاء هم أتابع زيد بن علي كما سيأتي - إذا لم يتجاوزوا هذا القول .
ثم جاء غلو أعظم و بدعة أكبر و هو المتمثل في الرفض الكامل ، و هم الذين يحطون من قدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، والدعاء إلى ذلك ، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة . ميزان الاعتدال للذهبي (1/6)(1/13)
حيث بدأ التشيع بعد ذلك يأخذ جانب التطرف والخروج عن الحق ، وبدأ الرفض يظهر وبدأت أفكار ابن سبأ تؤتي ثمارها الشريرة ، فأخذ هؤلاء يظهرون الشر ، فيسبون الصحابة و يكفرونهم و يتبرؤون منهم ، و لم يستثنوا منهم إلا القليل كسلمان الفارسي وأبي ذر و المقداد وعمار بن ياسر و حذيفة ، و حكموا على كل من حضر ( غدير خم ) بالكفر والردة ؛ لعدم وفائهم بزعمهم ببيعة علي و تنفيذ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي في ذلك الحدث .
وأخيراً بلغ التشيع عند الغلاة إلى الخروج عن الإسلام ، حيث نادى هؤلاء بألوهية علي ، و قد تزعم هذه الطبقة ابن سبأ ، و وجد له آذاناً صاغية عند كثير من الجهال و من الحاقدين على الإسلام .
رابعاً : أشهر الأسماء التي عرف بها :-
1 - الشيعة : وهو أشهر اسم من أسمائهم ، و يشمل جميع فرقهم ، ولا خلاف بين العلماء في إطلاقه عليهم كاسم علم .
2 - الرافضة : و قد أطلقه عليهم بعض العلماء فجعله اسماً لجميع الشيعة .
3 - الزيدية : و هي تسمية لبعض الناس من أتباع زيد بن علي ، يطلقونها على جميع الشيعة . انظر : الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة (ص 146) .
و كل هذه الأسماء الثلاثة وردت من خلال كتابات بعض العلماء عن طائفة الشيعة ، واختيار كل منهم للاسم الذي يطلقه عليهم لا أن هذه التسميات بالاتفاق أو بهذا الترتيب .
والواقع أن إطلاق اسم الرافضة على عموم الشيعة بمن فيهم بعض فرقهم كالزيدية التي نشأت في نهاية القرن الأول للهجرة غير سديد ، لأن التسمية رافضة إنما أخذت من قول زيد بن علي لبعض الشيعة : رفضتموني ، فسموا رافضة ، و ليس معنى هذا أنهم لم يكونوا على عقيدة الرفض بل هم رافضة ، و لهذا طلبوا من زيد أن يكون رافضياً مثلهم فامتنع . لكن لم تجر هذه التسمية عليهم قبل ذلك ، ومعنى هذا أن الشيعة كان لهم وجود قبل زيد تحت أسماء أخرى كما سيأتي بيانه .(1/14)
و كذا إطلاق اسم الزيدية على جميع فرق الشيعة يرد عليه اعتراض ، فقد كانت الشيعة لهم وجود قبل زيد الذي تنسب إليه الزيدية متمثلاً في فرق السبئية والكيسانية ، ثم إن الزيدية لا تقول بكل مقالات الشيعة الغلاة ، بل بينهما خلافات حادة في كثير من الآراء ، وهو واضح من موقف زيد نفسه ، فلم يرفض زيد خلافة الشيخين ولم يسبهما .
و يتضح من هذا أن إطلاق اسم الشيعة على كل طوائف التشيع لا يرد عليه اعتراض إذا أريد به اسم علم ، بغض النظر عن صدق هذا الاسم عليهم أو عدم صدقه ، فقد يكون الاسم من المسلمين و صاحبه من الملحدين ، و قد يكون العكس ، فلا تأثير للأسماء في الحقيقة والواقع و هذا ينطبق على الزيدية في الوقت الحاضر كما سيأتي - . راجع : فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام (1/178-179) .
خامساً : أشهر فرق الشيعة :-
انقسمت الشيعة إلى فرق عديدة ، أوصلها بعض العلماء إلى ما يقارب سبعين فرقة . راجع مختصر التحفة الاثنى عشرية .
و بدارسة تلك الفرق يتضح أن منهم الغلاة الذين خرجوا عن الإسلام و هم يدّعون التشيع ، ومنهم دون ذلك ، و يمكن أن نقتصر على ذكر أشهر فرق الشيعة والتي كان لها دور بارز في العالم الإسلام وهي :
1 - السبئية . 2 - الكيسانية . 3 المختارية . 4 - الرافضة . 5 - الزيدية .
و سأعرف بهذه الفرق بصورة سريعة حتى نصل إلى موضوع البحث وهو الحديث عن فرقة الزيدية .(1/15)
1 السبئية : وهم أبتاع عبدالله بن سبأ اليهودي ، و هو أول من أسس التشيع على الغلو في أهل البيت ، و قد بدأ ينشر آراءه متظاهراً بالغيرة على الإسلام و مطالباً بإسقاط الخليفة إثر إسلامه المزعوم ، ثم دعا إلى التشيع لأهل البيت وإلى إثبات الوصية لعلي إذ أنه كما يزعم ما من نبي إلا وله وصي ، ثم زعم بعد ذلك أن علياً خير الأوصياء بحكم أنه وصي خير الأنبياء ، ثم دعا إلى القول بالرجعة ، ثم إلى القول بألوهية علي ، وأنه لم يقتل بل صعد إلى السماء ، إلى غير ذلك من أباطيله الكثيرة ، و رغم تفاهة هذه الدعاوى إلا أنها وجدت مؤيدين ومناصرين .
2 - الكيسانية : بدأ ظهور هذه الفرقة بعد مقتل علي رضي الله عنه وعرفوا بهذه التسمية واشتهروا بموالاتهم لمحمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية ، و ظهر تكونهم بعد تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنهما . مقالات القمي (ص 26 ) .
و قالوا بأن من خالف ابن الحنفية فهو مشرك كافر ، و قد اختلف في كيسان زعيم الكيسانية ، فقيل : إن كيسان رجل كان مولى لعلي بن أبي طالب ، و قيل : بل كان تلميذاً لمحمد بن الحنفية ، و قيل : بل هو المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب ، وقد كان يلقب بكيسان . وهذا غير صحيح ؛ لأن قيام الكيسانية كان قبل ظهور أمر المختار . راجع : الملل والنحل للشهرستاني (1/147) و مقالات القمي (ص 21) .
3 - المختارية : تنسب إلى المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب ، و الواقع أن هذه الفرقة كانت في الأصل جزء من فرقة الكيسانية ، و حينما جاء المختار انضم إليه هؤلاء و كونوا بعد ذلك فرقة المختارية .
4 - الرافضة : و هم الذين رفضوا زيد بن علي وتفرقوا عنه ، و رفضوا أيضاً أكثر الصحابة وإمامة الشيخين . راجع : مقالات الأشعري (1/89) .
وهم الواجهة البارزة في عصرنا الحاضر للتشيع ، و قد تعددت فرق الروافض منها :-(1/16)
1 - المحمدية : وخلاصة أمر هذه الطائفة أنهم يعتقدون أن الإمام والمهدي المنتظر هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي المعروف بالنفس الزكية . انظر أخبار هذه الفرقة في الفرق بين الفرق (ص 240-242) .
2 - الاثنا عشرية : وهم القائمون اليوم في أكثر بقاع الأرض ، و سبب تسميتهم بهذا الاسم هو اعتقادهم بإمامة اثني عشر رجلاً من آل البيت ثبتت إمامتهم حسب زعمهم بنص النبي صلى الله عليه وسلم .
5 - الزيدية : و هم موضوع البحث و سيأتي الحديث عنهم بشيء من التفصيل .
المبحث الثاني : ترجمة زيد بن علي ، و سبب خروجه ومقتله رضي الله عنه و آرائه ..
تمهيد :-
بعد قتل الحسين بن علي رضي الله عنه ، ظهرت معظم الفرق التي تزعم التشيع ، بل وأخذت دعوى التشيع تتصاعد في الغلو ، و في أيام علي بن الحسين بن علي الملقب بزين العابدين ، طمع الشيعة في استجلابه إليهم ، غير أنه كان على ولاء تام و وفاء كامل لحكام بني أمية متجنباً لمن نازعهم ، بل إن يزيد بن معاوية و هو الخليفة كان يكرمه و يجلسه معه . راجع التشيع والشيعة (ص 204) .
و قد أنجب علي بن الحسين عدداً من الأولاد منهم :-
زيد بن علي بن الحسين ، و محمد بن علي بن الحسين المكنى بأبي جعفر الباقر ، و عمر بن علي بن الحسين وتسمية علي بن الحسين ابنه باسم عمر إفحام لكذب الشيعة فيما يدعون من كراهية علي لأبي بكر و لعمر ؛ حيث إنهم يجنبون أولادهم التسمية باسم خيار الصحابة - .
و قد اختلف الشيعة في أمر زيد بن علي و محمد بن علي أيهما أولى بالإمامة بعد أبيهما ؟(1/17)
فذهبت طائفة إلى أن الإمامة لزيد فسموا زيدية ، و هؤلاء يرتبون الأئمة ابتداءً بعلي بن أبي طالب ، ثم ابنه الحسن ثم الحسين ، ثم هي شورى بعد ذلك بين أولادهما كما ترى الجارودية ، وهي فرقة من غلاة الزيدية ، راجع المقالات والفرق (ص 18) ، ثم ابنه علي بن الحسين زين العابدين ، ثم ابنه زيد وهو صاحب هذا المذهب ثم ابنه يحيى بن زيد ، ثم ابنه عيسى بن زيد كما ترى الحصينية منهم ، كما قال القمي في المقالات والفرق (ص 74) - ، و بعد ذلك يشترطون في الإمام أن يخرج بسيفه سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين ، و ذهبت طائفة أخرى إلى أن الإمامة لمحمد بن علي بن الحسين المكنى بأبي جعفر الباقر ، انظر التشيع والشيعة (ص 204) .
أولاً : ترجمة زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه :-
هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، ولد سنة ( 80 هـ ) تقريباً ، و توفي سنة (122 هـ ) ، أمه أم ولد ، كانت أمة أهداها المختار إلى علي زين العابدين ، فأنجبت له زيداً .
كان زيد كما تذكر كتب التراجم : شخصية فذة ، صاحب علم و فقه وتقوى ، اتصل بواصل بن عطاء وأخذ عنه ، واتصل بأبي حنيفة وأخذ عنه ، وكان أبو حنيفة يميل إلى زيد ويتعصب له .
وبعض العلماء كالشهرستاني يصرح بتلمذة زيد لواصل بن عطاء ولأبي حنيفة ، لكن الأستاذ أبو زهرة يرى أنها ليست تلمذة بمعنى الكلمة ، وإنما كان اتصاله بزيد على سبيل المذاكرة لتساويهما في العمر ؛ إذ إن واصل بن عطاء و زيد بن علي ولدا في سنة ( 80 هـ ) ؛ و لكن هذا لا يمنع أن يتتلمذ و يتأثر زيد بواصل بن عطاء ، وأن يتتلمذ كذلك على أبي حنيفة ، فإن تأثر زيد بهما وتأثر الزيدية بعد ذلك بالمعتزلة والحنفية ظاهر على سبيل التلمذة لا المذاكرة التي يذهب إليها أبو زهرة ، و لهذا قيل : ( الزيدية معتزلة في الأصول ، حنفية في الفروع ) . راجع : فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام (1/199) .(1/18)
روى عن أبيه زين العابدين وأخيه الباقر وعروة بن الزبير و أبان بن عثمان بن عفان ، وعنه ابن أخيه جعفر بن محمد وشعبة و الأعمش و سعيد بن خثيم وابن أبي الزناد ، وغيرهم . راجع ترجمته في كل من الكتب التالية : سير أعلام النبلاء للذهبي (5/389-391) و تهذيب الكمال للمزي (10/95-98) و طبقات ابن سعد (5/325) و طبقات خليفة (ص 258) والتاريخ الكبير للبخاري (3/403) و شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (1/158-159) و في غيرها من كتب التاريخ كأنساب الأشراف للبلاذري و المنتظم لابن الجوزي ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي ونحوها من الكتب المستوعبة لتراجم الرجال .
ثانياً : سبب خروجه و مقتله رضي الله عنه :-
خرج زيد على الخليفة الأموي وأشهر السلاح في وجهه ، فما هو الدافع لزيد بن علي لهذا الخروج ؟(1/19)
حسب ما تذكر كتب المصادر : أن زيداً خرج على بني أمية منكراً للظلم والجور ، وبعضها يذكر أنه لم يكن يريد الخروج ، ولا طلب الخلافة ، و لكن حدث في تصرف هشام بن عبد الملك وعماله إهانات وإساءة لزيد لم يطق أن يعيش معها مسالماً لهشام بن عبد الملك ، و ذلك أن زيداً أحس أن والي المدينة من قبل هشام وهو خالد بن عبد الملك بن الحارث ، و والي هشام على العراق يوسف بن عمر الثقفي يتعمدان الإساءة له ، و ربما تصور أن ذلك بإيعاز من الخليفة نفسه ، فقرر أن يذهب للشام و يشرح أمره لهشام ليزيل ما فيه نفسه من تخوف أن يثور عليه زيد ، لكن حدث ما لم يكن في حسبانه ، فقد قابله الخليفة مقابلة غير لائقة به ، حاصلها : أن زيد وقف بباب هشام فلم يؤذن له بالدخول مدة ، فكتب له كتاباً يشرح أمره و يطلب الإذن فكتب هشام في أسفل الكتاب : ارجع إلى أميرك بالمدينة ، فعزم زيد على مقابلته وقال : والله لا أرجع إلى خالد أبداً ، و دار بينهما نقاش كان في نهايته أن خرج زيد متوجهاً إلى الكوفة . فجاءه أهلها و عاهدوه على نصرته ، ثم نكسوا على أعقابهم حين تراءى الجمعان ، جيش الخلافة و هؤلاء الأوباش ، و في هذا الموقف الحرج قام هؤلاء و سألوه ليأخذوا حجة في الهرب و لرداءة معتقدهم قالوا : له : إنا لننصرك على أعدائك بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر و عمر اللذين ظلما جدك علي بن أبي طالب ، فقال زيد دون نفاق - : إني لا أقول فيهما إلا خيراً ، و ما سمعت أبي يقول فيهما إلا خيراً ، و قد كانا وزيري جدي ، فلما سمعوا هذا الجواب تفرقوا عنه و رفضوه ، فقال لهم : رفضتموني ؟ - فسموا رافضة و بقي في شرذمة قليلة سرعان ما قضي عليهم ، و قتل زيد . انظر : الكامل لابن الأثير (5/229-235 و 242-247) و البداية والنهاية لابن كثير (9/329-330) و مروج الذهب للمسعودي (3/217-220) و مقاتل الطالبين للأصفهاني ( ص 86-102) . و يجب أن تدرك المبالغات التي ذكرها المسعودي(1/20)
والأصفهاني بناء على تشيعهما .
ثالثاً : آراء زيد بن علي رضي الله عنه :-
للشيعة عموماً آراء متضاربة متناقضة وأفكار تأثرت بجهات شتى من وثنية و مجوسية و يهودية و نصرانية إلا القليل منهم .
أما بالنسبة لزيد فإن آراءه كما ذكر علماء الفرق والمؤرخون نوجزها فيما يلي :
1 في السياسة : يرى زيد جواز ولاية المفضول ، أي إن الإمامة عنده ليست وراثة ، فإذا اقتضت المصلحة تقديم المفضول فلا بأس بذلك ، و كان مع تفضيله لعلي على أبي بكر يرى أن خلافة الشيخين خلافة صحيحة ، حيث يقول : ( كان علي بن أبي طالب أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها ، وقاعدة دينية راعوها ، من تسكين ثائرة الفتنة ، و تطييب قلوب العامة ، فإن عهد الحرب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً ، و سيف أمير المؤمنين من دماء المشركين من قريش لم يجف بعد ، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي ، فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد ، و كانت المصلحة أن يكون القيام بهذا الشان لمن عرفوا باللين والتودد والتقدم بالسن والسبق في الإسلام ، والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ) . راجع كلامه في هذا الشأن في الملل والنحل للشهرستاني (1/155) .
و في كلامه هذا بعض الأمور التي فيها نظر ، فإن الصحابة ما كانوا ليحقدوا عليه أي على علي رضي الله عنه - قتل أقربائهم من المشركين ، وأما الشدة فإن عمر كان أشهر منه فيها ، و قد ولاه الصحابة أمرهم .(1/21)
2 - القول بعدم عصمة الأئمة أو وصايتهم من النبي صلى الله عليه وسلم ، كما تقول الإمامية و بعض فرق الزيدية ، فإن زعمهم عصمة الأئمة أو وصايتهم كان أساسه الاعتقاد الخاطئ أن تولي الأئمة كان من النبي صلى الله عليه وسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتصرف إلى بوحي ، و من غير المعقول أن يختار الله و رسوله الأئمة ثم يجري عليهم الخطأ في أحكامهم و هم المرجع للدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
و لكن زيداً لم يلتفت إلى هذا القول الخاطئ والاعتقاد الباطل فيما قيل عنه . انظر : الإمام زيد لأبو زهرة (ص 191) ، و لكن الزيدية في عصرنا الحاضر يقولون بعصمتهم ، انظر : نصيحة الإخوان (ص 4) .
3 - لم يقل بالمهدي المنتظر ولا بالغائب المكتوم ، في حين زعمت الجارودية من الزيدية أن محمد بن عبد الله بن الحسن لم يمت ، وأنه يخرج و يغلب ، و فرقة أخرى زعمت أن محمد بن القاسم حي لم يمت ، وأنه يخرج و يغلب ، و فرقة قالت مثل ذلك في يحيى بن محمد صاحب الكوفة . انظر : مقالات الإسلاميين للأشعري (1/141) .
4 - حكم في مرتكب الكبيرة بأنه في منزلة بين المنزلتين تبعاً لرأي المعتزلة ، و قيل : إنه خالفهم في تخليده في النار ، و قال : لا يخلد في النار إلا غير المسلم . الإمام زيد لأبو زهرة (ص 204) .
و لكن الشعري في المقالات (1/149) ينقل عن فرق الزيدية القول بتخليد مرتكب الكبيرة في النار ، كما تقول الخوارج والمعتزلة ، وأنهم مجمعون على ذلك .
5 - قال بالإيمان بالقضاء والقدر من الله تعالى ، وأن العبد فاعل لفعله حقيقة ، و له قدرة واختيار بتمكين الله له ، و بها يحاسب فيثاب أو يعاقب كما يذكره عنه أبو زهرة في كتابه الإمام زيد (ص 208) . رغم أن الزيدية معتزلة في الأصول بسبب تلمذة زيد على واصل بن عطاء زعيم المعتزلة .(1/22)
6 - لم يقل بالبداء على الله ، و هو القول بحدوث حوادث جديدة متغيرة في علم الله على حسب ما يحدث - ، و هذا القول تزعمته الكيسانية وكثير من الروافض ، واعتقاده كفر ، و مذهب زيد أن علم الله تعالى أزلي قديم ، وأن كل شيء بتقديره سبحانه ، وأن من النقص في علم الله أن يغير إرادته لتغير علمه ، ولم يتأثر بعقائد الإمامية في هذا . الإمام زيد (ص 211) و مواقف الرافضة منه في مقالات الإسلاميين (1/113) .
7 - لم يقل بالرجعة المزعومة عند الشيعة ، و هي بدعة غريبة ، و هي أن كثير من العصاة سيرجعون إلى الدنيا و يجازون فيها قبل يوم القيامة ، و ينتصف أهل البيت ممن ظلموهم ، كما أنه يرجع أقوام آخرون لا عقاب عليهم لينظروا ما يحل بمن ظلم أهل البيت . مقالات الأشعري (1/144- 145) .
لكن هل استمر الزيدية على هذه المبادئ التي قيلت عن زيد ؟
الجواب : قطعاً لا ، فقد جاءت طوائف حرفت مذهب زيد ، و رفضوا خلافة الشيخين ، كما هو مذهب الجارودية و السليمانية ، و البترية أو الصالحية ، و النعيمية ، و اليعقوبية سيأتي الحديث عن هذه الفرق و معتقداتها - ، كما وأنهم قالوا بالرجعة ، وعصمة الأئمة وغير ذلك من الأقوال .
توقفنا في الحلقة الماضية عند الحديث عن زيد بن علي و عن أسباب خروجه و عن أهم آرائه ، واليوم إن شاء الله سوف يكون الحديث حول تحقيق نسبة بعض الكتب إلى زيد بن علي رحمه الله ..
المبحث الثالث : التحقيق في نسبة كتاب ( المجموع ) لزيد بن علي رضي الله عنه ..
طبع هذا المسند والذي يعرف أيضاً بالمجموع الفقهي مرتين في ميلانو بإيطاليا سنة (1919 م ) باعتناء غريفيني ، و صور بالأوفست مرات في بيروت و غيرها ، و طبع في مصر سنة (1340 هـ ) في ( 399 ) صفحة ، و كتب على غلافه : ( و هو ما رواه عن أبيه عن جده ، و يسمى بالمجموع الفقهي ، لذكره بعض المسائل الفقهية ، نفع الله به آمين ، جمعه عبد العزيز بن إسحاق البغدادي رحمه الله ) .(1/23)
و قام على طبعه عبد الواسع بن يحيى الواسعي، و قدم له مقدمة تعوزها الدقة ، و فيها أشياء باطلة ، و قرظ له بعض علماء الأزهر ، و هم : محمد بخيت المطيعي ، و عبد القادر بن أحمد بدران الدمشقي ، و عبد المعطي السقا ، و وضع طابعه في المقدمة سؤال و جوابه في الزيدية لبكر بن محمد عاشور الصدفي مفتي الديار المصرية آنذاك - ، و الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر آنذاك - .
و قد لام هؤلاء الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى ؛ فقال بصدد كلامه على هذا الكتاب : و مما يؤسف له أن يقرظه بعض أفاضل العلماء من شيوخنا علماء الأزهر ، غير متحرين معرفة ما فيه من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا ناظرين إلى عاقبة وثوق العامة ممن لا يعرف الصحيح من السقيم بوجود توقيعاتهم على مدائح لهذه الأكاذيب ، و لله الأمر من قبل و من بعد . التعليق على المحلي (2/75) .
وتكلم هذا الكلام بصد تعليقه على قول ابن حزم : فإن قيل : فإنه قد روي من طريق زيد عن أبيه عن جده عن علي ؛ قلت : يا رسول الله ! أمسح على الجبائر ؟ قال : نعم ، امسح عليها . انظر نحوه في مطبوع مسند زيد ( ص 74-75) . قلنا أي الشيخ أحمد شاكر - : هذا خبر لا تحل روايته ؛ إلا على بيان سقوطه لأنه انفرد به أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي ، و هو مذكور بالكذب . أ هـ . المحلي (2/75) .
قال الشيخ أحمد شاكر معلقاً على كلام ابن حزم و قبل ما ذكرناه عنه آنفاً : أبو خالد هذا وضاع ، قال وكيع : كان في جوارنا يضع الحديث ، فلما فطن له ؛ تحول إلى واسط . و قال أحمد : يروي عن زيد عن آبائه أحاديث موضوعة ؛ يكذب . وقال ابن معين : كذاب غير ثقة ولا مأمون ، وأحاديثه التي يرويها هي التي عرفت باسم مسند زيد ، أو المجموع الفقهي . التعليق على الحلى (2/75) .(1/24)
فالعجب من قول ناشر هذا الكتاب (ص 1 ) عن هذا الكذاب : إن الأئمة من أهل البيت متفقون على الاحتجاج به والرواية عنه والاعتراف بفضله !! والأعجب منه أن السيد يحيى بن الحسين بن المؤيد بالله جمع رسالة في توثيق أبي خالد هذا ، كما قال الشوكاني في ترجمته في البدر الطالع (2/330) .
و لست هنا بصدد تفصيل كلام جهابذة الجرح والتعديل على أبي خالد هذا ، وإنما همي هنا الإشارة إلى أن هذا الكتاب مكذوب على الإمام زيد رحمه الله ، و لذا ؛ قال أحمد شاكر أيضاً في تقديمه لعمل محمد فؤاد عبد الباقي في القيام بمراجعة ترجمة مفتاح كنوز السنة ( ص : ع ) في معرض حديثه عن الأصول التي فهرسها د . أ . ي . فنسنك ما نصه : ( .. والكتاب الرابع عشر : المسند المنسوب لإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، المتوفى شهيداً سنة (122 هـ ) ، و هذا الكتاب عمدة في الفقه عند علماء الزيدية من الشيعة ، لو صحت نسبته إلى الإمام زيد عليه السلام ؛ لكان أقدم كتاب موجود من كتب الأئمة المتقدمين ؛ إلا أن الراوي له عن زيد رجل لا يوثق بشيء من روايته عند أئمة الحديث ، و هو أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي ، رماه العلماء بالكذب في الرواية ، قال الإمام أحمد بن حنبل في شأنه : كذاب يروي عن زيد بن علي عن آبائه أحاديث موضوعة ) . أ هـ .
ولا يفوتني في الختام أن أنبه على ما يلي :
أولاً : جامع هذا المسند كما على غلافه عبد العزيز بن إسحاق البغدادي ، قال عنه الناشر ( ص 13) : ( كان ثقة عالماً فاضلاً ، عارفاً بالفقه ) ، و قبل ذلك : ( و روى عنه .. ومحمد بن أبي الفوارس ) .(1/25)
قلت : أسند الخطيب في تاريخه (10/458-459) عن أبن أبي الفوارس هذا قوله في جامع هذا المسند ما نصه : ( كان البقال هذا أحد المتكلمين من الشيعة ، و له كتب مصنفه على مذهب الزيدية ، يجمع حديثاً كثيراً ) ، قال : ( و كان له مذهب خبيث ، و لم يكن في الرواية بذاك ،سمعت منه أجزاء فيها أحاديث رديّة ، و لذا ترجمه الذهبي في الميزان (2/623) و تاريخ الإسلام ( وفيات 351-380) ، وابن حجر في اللسان (4/25) و ترجمته مظلمة في هذه الكتب و غيرها .
ثانياً : الراوي لهذا المسند عن أبي خالد الواسطي الكذاب ، هو إبراهيم بن الزِّبرقان ، قال عنه ناشر هذا المسند ( ص 13) : ( وثقه ابن معين ، و روى عنه الحافظ أبو نعيم ) .
قلت : ولم يسلم من غمز .. قال عنه أبو حاتم في الجرح والتعديل (1/100) : ( يكتب حديثه ولا يحتج به ) .
ثالثاً : أما الراوي عن ابن الزبرقان ؛ فهو نصر بن مزاحم ، و هو رافضي جلد ، واتهمه أبو خيثمة بالكذب ، و رماه جميع من الجهابذة كما تراه في ترجمته في الميزان (4/253) و غيره .
رابعاً : ذكر الشوكاني في البدر الطالع (2/330) في ترجمة السيد يحيى بن الحسين بن الإمام المؤيد بالله محمد بن الإمام القاسم بن محمد الشهاري الزيدي ، أنه قد تصرف في هذا الكتاب ؛ فقال : ( و رأيت بخط السيد يحيى بن الحسين و هو ابن الإمام القاسم بن محمد أن صاحب الترجمة تواطأ هو وتلامذته على حذف أبواب من مجموع زيد بن علي ، و هو ما فيه ذكر الرفع والضم والتأمين و نحو ذلك ، ثم جعلوا نسخاً و بثوها في الناس ، و هذا أمر عظيم وجناية كبيرة ، و في ذلك دلالة على مزيد الجهل و فرط التعصب ، و هذه النسخ التي بثوها في الناس موجودة الآن ؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله ) . أ هـ .(1/26)
خامساً : قد سلك الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الإمام زيد ( ص 233-275) مسلكاً غريباً في إثبات نسبة هذا الكتاب لإمام زيد ضارباً أقوال أئمة الجرح والتعديل عرض الحائط ، مع أن فيه نقولاً في عدم صحة هذا الكتاب عن علماء لم نذكرهم ، فاقتضى التنبيه والتنويه ، و الله الموفق .
و الخلاصة .. هذا الكتاب مكذوب و منحول على الإمام زيد والإسناد إليه مظلم ، و رجاله غير ثقاة ابتداءً من جامعه إلى الراوي له عنه . راجع : كتب حذر منها العلماء مشهر حسن سلمان (2/271-275) ، حيث أجاد في نقد هذا الكتاب وأفاد . وانظر أيضاً كتاب : المخرج من الفتنة للشخ مقبل بن هادي الوادعي ( ص 76) .
و إتماماً للفائدة أعرج على ذكر بعض الكتب والرسائل التي نسبت إلى زيد بن علي رضي الله عنه ، فمن هذه الكتب :-
كتاب : ( الوصية ) و في سنده من لا يعرف إلا الحافظ أحمد بن محمد بن سيعد بن عقدة ، و هو ضعيف .
كتاب : ( النير الجلي في قراءة زيد بن علي ) و هو كتاب في القراءة ، ألفه أبو حيان التوحيدي ، وأبو حيان هذا من زنادقة القرن الرابع ، واسمه علي بن محمد بن العباس البغدادي ، له ترجمة في سير أعلام النبلاء (17/119) ، قال عنه الذهبي : ( إنه ضال ملحد ، و ذكر عن بعضهم أنه كان كذاباً قدح في الشريعة وقال بالتعطيل ) ، و ذكر الذهبي عن أبي الفرج بن الجوزي أنه قال : ( زنادقة الإسلام ثلاثة : ابن الراوندي و أبو حيان التوحيدي ، وأبو العلاء المعري ، وأشدهم على الإسلام أبو حيان ؛ لأنهما صرحا و هو مجمج ولم يصرح .
كتاب : ( الرد على القدرية ) وكتاب : ( الرد على المرجئة ) و ليس لهما أسانيد .
كتاب : ( التفسير ) و هو من طريق عمرو بن خالد الواسطي ، و قد تقدم الحديث عن عمرو بن خالد هذا .(1/27)
وعلى كل فلم يثبت إلى زيد بن علي رحمه الله نسبة كتاب ، والذي ظهر لي أن الزيدية سرّق ، سرقوا الكلام على العقيدة من كتب المعتزلة ، أخرجها لهم من العراق القاضي جعفر بن أحمد بن عبدالسلام في القرن السادس ، و سرقوا الغلو في أهل البيت من الرافضة من العراق ، و سرقوا الفقه من كتب الحنفية .
أما في علم الحديث فقد قال علامة اليمن محمد بن إبراهيم بن الوزير في كتابه ( الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم ) : ( أنه لا يجوز الرجوع إلى شيء من كتب الزيدية في علم الحديث ؛ لأن علم الحديث مبني على أصلين : أحدهما علم الرجال ، والآخر علم العلل ، و ليس للزيدية كتاب في هذين الفنين . راجع كتاب : المخرج من الفتنة للشيخ مقبل ( ص 76 77 ) .
المبحث الرابع : بداية ظهور الطائفة الزيدية و مناطق انتشارها و نفوذها والفرق التي تشعبت منها ..
بعد أن خرج زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه على الدولة الأموية ، التف حوله أوباش الكوفة و أعلنوا له الولاء ، بل ألحوا عليه في الخروج و وعدوه بالنصرة والمؤازرة كما ذكرنا في المبحث الثاني - .
و بعد أن دارت الحرب بين الذين خرجوا مع زيد ومع جيش الخلافة ، و تخاذل الكثير من أهل الكوفة عن نصرته و طلبهم منه أن يعطيهم رأيه في الشيخين أبي بكر و عمر رضي الله عنهما في تلك الظروف الحالكة ، و قوله تلك المقولة التي كان سبباً في اتخذ أهل الكوفة إياها ذريعة للهرب و خذلان زيد أنه لم يعلن البراءة من الشيخين بل ترحم عليهما و أثنى عليهما ، فلم ينل هذا الرد استحسان الشيعة جميعاً ففارقوه ، و حدث ما حدث و قتل زيد في تلك المعركة الغير متكافئة ، و كان ذلك في سنة (122 هـ ) . انظر : الطبري (7/180-181) و الكامل في التاريخ (5/242-243) .(1/28)
و كان مع زيد في تلك المعركة ابنه يحيى الذي استطاع الفرار إلى خراسان و لكن الجيوش الأموية طاردته حتى قتل بعد ثلاث سنوات من مقتل أبيه عام (125 هـ ) . الطبري (7/227-230) .
و رغم هذه النهاية المريرة لزيد وابنه يحيى ، فقد استمر الزيدية من وافق زيد في مقولته في الشيخين في الخروج ، فخرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي المعروف ( بالنفس الزكية ) بالمدينة ضد بني العباس و قتل في ( 14 / رمضان من عام (145 هـ ) . الكامل (5/529-550) .
كما خرج من بعده أي من بعد محمد النفس الزكية أخوه إبراهيم بالبصرة و قتل بها في ( 25 / ذي القعدة من نفس العام ) . المرجع نفسه (5/560-570) .
و خرج أيضاً الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي في خلافة الهادي و قتل عام (169 هـ ) . الكامل (6/90-94) ، و خرج يحيى بن عبد الله أخو محمد النفس الزكية أيام الهادي والرشيد . الكامل (6/125-126) .
واستطاع أحد أئمة الزيدية و يسمى الحسن بن زيد ، ويلقب بالحسن الأطروش ، أن يؤسس دولة زيدية في أرض الديلم جنوب بحر الخزر عام ( 250 هـ ) . انظر : تاريخ الفرق الزيدية (229-260 ) .(1/29)
كما استطاع الزيدية أيضاً من إقامة دولة لهم في أرض اليمن ، وأقامها الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين من ولد القاسم الرسي حفيد إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، و ذلك أن الهادي ذهب إلى اليمن عام ( 280 هـ ) و دعا إلى مذهبه هناك و لكن لم يجد عوناً من اليمنيين ، ثم عاد إلى اليمن ثانية عام (284 هـ ) و ذهب إلى صعدة و كان التوفيق حليفه ، فبويع بالإمامة و سعى إلى إقامة حكم إسلامي ، وعمل على جمع شمل الناس على كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، واستطاع إقامة العدل و إصلاح أمر الناس وإقامة حدود الله ، و دخل في حروب شديدة ضد القرامطة الإسماعيلية أكثر من سبع وعشرين سنة و توفي بصعدة عام ( 325 هـ ) . انظر : تاريخ اليمن السياسي (ص 174-177) . و بعدها استطاع الإسماعيلية من التغلب على اليمن وانتهت بذلك دولة الزيود في اليمن .
و بعد حوالي ألف عام من هذا التاريخ استطاع الزيدية استرداد اليمن مرة ثانية إذ قاد الإمام يحيى بن منصور بن حميد الدين ثورة ضد الأتراك عام ( 1322 هـ ) ، و استطاع أن يؤسس دولة زيدية استمرت حتى سبتمبر عام ( 1962 م ) حيث قامت الثورة اليمنية ، و انتهى بذلك حكم الزيود ، و لكن لا زالت اليمن معقل الزيود و مركز ثقلهم . انظر : بيان مذهب الباطنية و بطلانه ، مقدمة الناشر ( ص : و ، ز ) .
فرق الزيدية :-
قد خلف من بعد زيد جماعات متعددة التزم بعضها بالآراء التي نادى بها زيد ، و انحرف بعضها و مال عن تلك الآراء ، ويُذكر من هذه الجماعات أو الفرق : الجارودية ، و السليمانية ، والصالحية .(1/30)
أما الجارودية : فهم أتباع أبي الجارود زياد بن المنذر الكوفي ( ت 150 أو 160 هـ ) ، و قد وصف المحدثون أبا الجارود بأنه كذاب ليس بثقة و أنه كان رافضياً يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و يروي في فضائل أهل البيت أشياء مالها أصول . انظر : تهذيب التهذيب لابن حجر (3/386-387) . قال عنه ابن حجر في التقريب (1/270) : رافضي ، كذبه يحيى بن معين .
و يبدو أن أبا الجارود قد وقع تحت تأثير الرافضة ومن ثم جاءت آراؤه فيها كثير من التطرف والانحراف ، فرغم قوله بأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي رضي الله عنه بالوصف دون التسمية ، ذهب إلى أن الناس قد قصّروا ، حيث لم يتعرفوا الوصف ولم يطلبوا الموصوف ، و نصبوا أبا بكر باختيارهم ، فكفروا بذلك . الملل والنحل للشهرستاني (1/157-158) .
وتطرفت جماعات من الجارودية أكثر من ذلك فقالت بغيبة الأئمة ونادت برجعتهم و ذهبوا إلى أن محمد بن عبد الله الإمام لم يتقل و هو بعد ( حي ) و سيخرج و يملأ الأرض عدلاً ، و زعمت طائفة أخرى من الجارودية أن علم ولد الحسن والحسين رضي الله عنهم كعلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيحصل لهم العلم قبل التعلم فطرة و ضرورة . الملل والنحل (1/159) .
بل ردد بعضهم عبارات شبيهة بعبارات الرافضة في هذا الصدد فقالوا مثلاً : الحلال حلال آل محمد صلى الله عليه وسلم ، والحرام حرامهم والأحكام أحكامهم ، و عندهم جميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، كله كاملاً عند صغيرهم و كبيرهم ، الصغير منهم و الكبير في العلم سواء ، لا يفضل الكبير منهم الصغير . المقالات للقمي (ص 72) .(1/31)
أما السليمانية أو الجريرية : فهم أتباع سلميان بن جرير ، و قد ذهبوا إلى أن الإمامة شورى وأنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين ، وأنها قد تصلح في المفضول وإن كان الفاضل أفضل في كل حال ، كما يثبتون إمامة الشيخين : أبي بكر و عمر رضي الله عنهما . المقلات للأشعري (ص 68) .
لكن ذهبوا إلى أن الصحابة رضوان الله عليهم تركوا الأصلح بتركهم مبايعة علي لأنه أولاهم بذلك و ذلك خطأ ، و لكنه لا يوجب كفراً و لا فسقاً ، إذ أنه خطأ اجتهادي ، غير أن سليمان بن جرير ذهب إلى تكفير عثمان رضي الله عنه للأحداث التي أحدثها بزعمهم - ، كما أكفر عائشة والزبير و طلحة رضي الله عنهم ، بإقدامهم على قتال علي رضي الله عنه ، هذا في الوقت الذي رفض فيه آراء الرافضة في التقية والبداء . الملل والنحل للشهرستاني (1/159-160) والحور العين لنشوان الحميري ( ص 155) .
أما الصالحية : فهم أتباع الحسن بن صالح بن حي ، و هو كوفي ولد عام ( 100 هـ ) و توفي عام (160 هـ ) و خرّج له البخاري و مسلم في باب الأدب ووثقه الجمهور و قيل إنه ثقة فقيه عابد ، و لكنه رمي بالتشيع المعتدل - . التقريب ( 1/167) .
و قد ذهب الصالحية إلى مذهب السليمانية في الإمامة ، و لكنهم توقفوا في أمر عثمان والحكم عليه بالإيمان أو الكفر ، و قالوا إن الأخبار الواردة في حقه و كونه من المبشرين بالجنة توجب الحكم بصحة إسلامه وإيمانه و كونه من أهل الجنة ، بينما الأحداث التي أحدثها من استهتاره بتربية بني أمية و نبي مروان واستبداده بأمور لم توافق سيرة الصحابة توجب الحكم بكفره ، فقالوا إنا تحيرنا في أمره و توقفنا في حاله و وكلناه إلى أحكم الحاكمين . الملل والنحل (1/161) .(1/32)
و هناك فرق أخرى مثل : المخترعة ولم يذكر إلى من تنتسب ، و فرقة المطرفية أصحاب مطرف الشهابي ، و هي فرقة غالية ترى أن سب السلف ثوابه عظيم ، و هم أكثر أهل الزيدية غلواً في السب والأذى ، و هناك فرقة اليعقوبية أصحاب يعقوب . راجع هذه الفرق في كتاب : عقائد الثلاث و السبعين فرقة لأبي محمد اليمني (1/452-458) .
و قد وصف أبو زهرة في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية (1/47) الزيدية بأنهم : ( أقرب فرق الشيعة إلى الجماعة الإسلامية ، وأكثر اعتدالاً ، و تشيعهم نحو الأئمة لم يتسم بالغلو ؛ بل اعتبروهم أفضل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، واعتدلوا في مواقفهم تجاه الصحابة ، فلم يكفروهم و خصوصاً من بايعهم علي رضي الله عنه واعترف بإمامتهم ) .
هكذا قال عنهم ، والذي يظهر لي أن هذا الحكم غير صحيح على جميع الزيدية كما يظهر من آراء كل طائفة التي ذكرت - ، فإن بعض طوائفهم رافضة خلّص ، و هم الذي خرجوا عن مبادئ زيد وآرائه ، سواء كانوا متقدمين أو متأخرين .
فقد قسم أبو زهرة في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية (1/52) الزيدية من حيث الاعتقاد إلى قسمين :-
1 المتقدمون منهم ، المتبعون لأقوال زيد ، و هؤلاء لا يعدون من الرافضة ، و يعترفون بإمامة الشيخين أبي بكر و عمر رضي الله عنهما .
2 - و قسم من المتأخرين منهم ، و هؤلاء يعدون من الرافضة ، و هم يرفضون إمامة الشيخين و يسبونهما و يكفرون من يرى خلافتهما .
و كلامه هذا فيه نظر ، كما سبق وأن بينا معتقدات كل طائفة من طوائف الزيدية المتقدمين .
المبحث الخامس : الزيدية في التاريخ المعاصر ، موقفها من أهل السنة ، وموقف أهل السنة منها ..
أولاً : الزيدية في التاريخ المعاصر ، و موقفها من أهل السنة ..(1/33)
لقد انقرضت فرق الزيدية المختلفة التي أشرنا إليها ، أو ذابت في فرق الشيعة الأخرى ، و ما بقي من الزيود الآن فهم متمسكون بآراء تلتقي بجملتها مع آراء المعتزلة وأصولهم ، والرافضة في معتقداتهم .
أما بالنسبة لموقفها من أهل السنة فإنه يمكننا أن نحكم عليهم من خلال الحديث عما لاقاه أهل السنة في اليمن خلال هذه الفترة ، وربطه مع عصر مؤلف كتاب عقائد الثلاث و السبعين فرقة : أبو محمد اليمني ، فهذا المؤلف كان موجوداً سنة ( 540 هـ ) ولم يعرف عن هذا المؤلف أكثر من هذا ، حيث بقي تاريخ ولادته و وفاته أو أي شيء يخص أو يتعلق به أو ما يشير إلى شخصه مجهولاً ، بل إن الذي يظهر من خلال ما عرف من عصره الذي عاش فيه في اليمن و هو عصر سيطرة الإسماعيلية على بلاد اليمن ، أنه تعمد إخفاء شخصيته ، حيث إن المؤلف كتب هذا الكتاب و فضح و كشف أباطيل الباطنية التي كانت تملأ كبتهم ، و كانوا يلبسون به على العوام وأشباه العوام ، و بما أنه كان يعيش تحت دولتهم و يصطلي بنار فتنتهم ، و يسمع و يرى ما يدعون إليه من الباطل والضلال ، فكشف من أمرهم ما لم يصل إليه غيره ولم يتمكن منه سواه ، و مرد ذلك كما قال : ( و ذلك أني خبير بهم جداً لقرب الدار من الدار ، و لكثرة ما قرأت من كتبهم الشنيعة و عرفت معناها و رموزاتها المؤدية إلى تعطيل الشريعة والمؤلفة في الأمور الوضعية .. ) ثم ذكر عدداً من كتبهم . ( عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/512-513) ، هذا و مثله كثير و سبب مقنع تمام الإقناع بضرورة إخفاء المصنف رحمه الله تعالى لشخصه والاكتفاء بكنيته التي من المؤكد أنه كذلك غير مشتهر بها ، بل إنه يحترس عند عزو بعض الأقوال لمعاصريه فلا يذكر أسماءهم ، و من أمثله ذلك قوله : ( وأخبرني من أعرفه بنسبه و باسمه في وقتنا هذا ) ثم ذكر قوله . عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/424) ، و قد كشف عن الإسماعيلية من الضلال والفساد ما لم يكشفه من سبقه بمثل عمله ، مع(1/34)
دقة في توخي الصواب والبعد عن الهوى ، قال رحمه الله تعالى : ( ولم أقل ذلك كذباً بسبب البغضة بيني و بينهم ، وإن كنت وإياهم كما قال الأول :
ولن يراجع قلبي حبهم أبداً وكنت من بغضهم مثل الذي ركنوا
وإنما الصدق أولى بالرجل من سواه ) عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/512) .
فلو علم طواغيت الإسماعيلية عن شخص هذا الكاتب لركبوا الصعب والذلول في القضاء عليه ، كما هي سجيتهم ، و قد تحدث المؤلف رحمه الله عن الزيدية وأسهب في الحديث عن فرقهم و طوائفهم و معتقداتهم و كان مع كل طائفة يختم حديثه بقوله فالحذر منهم ، و كان في حديثه عن هذه الفرقة الزيدية ضمن حديثه عن الفرق التي يقال لهام الرافضية .
والآن نأتي للحديث عن الزيدية في العصر الحاضر ، ففي عام ( 1337 هـ ) عندما قرر الترك الجلاء على بلاد اليمن خشي الشوافع أهل السنة من سيطرة الزيدية على بلادهم .
يقول العبدلي مؤرخ حضرموت في كتابه هدية الزمن في أخبار ملوك لحج و عدن ( ص 263) : ( و لما تحقق اليمانيون الشافعية جلاء الأتراك عن البلاد اليمانية ذعروا ، و جاء كثير من أعيان اليمن الأسفل من مشايخهم و ساداتهم و زعمائهم إلى عدن يستفهمون عن مصيرهم فلم يوافق طلبهم هوى الباعة ، وأعرض عنهم الوكيل السياسي في عدن ، و عادوا خائبين ، و لم ينفعهم إخلاصهم للأتراك و جهادهم بالنفس والنفيس مع ( علي سعيد باشا ) نفعاً ، فلم يعنهم الأتراك على نبيل أمانيهم بل أعانوا الإمام عليهم .و حاول بعض الشافعية المقاومة فلم تتحد كلمتهم و ساق الإمام جيشاً من قبائل الزيدية و ضباط الأتراك على حبيش ؛ فنشبت معارك دموية استدامت ستة أشهر ثم هزمت جموع الشافعية وأذعن جميعهم لحكم الإمام والسيطرة الزيدية على كره منهم ) .
و في بلاد الضالع استمرت المعارك بين الزيدية والشوافع عامين كاملين كانت الحرب فيها سجالاً . نفس المصدر السابق ( ص 276) .(1/35)
وعندما قام الصلح بين الشيخ ( محمد صالح الأخرم ) من مشايخ الشافعية ومندوب الإمام ( يحيى ) لم يعد الشيخ محمد صالح إلى بلاده حتى وضع أعز أقاربه رهينة ، ولم تمض أشهر حتى ملأ السيد يحيى أمير جيش قعطبة السجون من أبناء الأشراف الردفانيين وغيرهم ، يسوقهم العريفة بالحبل والسوط مكبلين بالحديد كالمجرمين وأذاقوهم من سوء المعاملة والغطرسة مالا يتحمله الأحرار ، بل ما دونه حريق النار ، و لم ينج من سوء المعاملة حتى الشيخ محمد صالح الأخرم نفسه ؛ اعتقلوه في قعطبة سبعة أشهر ولم يرحموا ضعفه ولا شيخوخته ولم يتخلص إلا بعد أن افتدي نفسه وأتباعه بوافر المال و رهن خيرة الرجال . هدية الزمن (ص 277) .(1/36)
و في شهر ربيع الثاني من تلك السنة ( 1346 هـ ) ألقت الطيارات البريطانية على مدن اليمن منشوراً أنذرت فيه الزيود بأنه عند حدوث أي تعد جديد من العساكر الزيدية سيقابل بإلقاء القنابل ، و في شهر شعبان دخل جماعة من الزيدية إلى بلاد آل قطيب واختطفوا الشيخ ( مقبل عبد الله ) عم الشيخ آل قطيب والشيخ ( عبد النبي العلوي ) لا يجوز التمسي بهذا الاسم لأنه من باب التعبيد لغير الله عز وجل شيخ آل علي ، فأنذرت الطيارات أمير جيش قعطبة أن يرفع النساء والأطفال في ظرف ( 24 ) ساعة ، وابتدأ إلقاء القنابل بعد انتهاء تلك المدة فعلاً واستمرت ثلاثة أيام ، و في ( 25 ) رمضان أذاعت الطيارات المنشور الآتي ، و نصه : ( إلى أهل المذهب الشافعي في اليمن و في المحمية البريطانية ، بعد السلام ، لقد علمتم أنه بناء على انتهاك حرمة المحمية البريطانية من الأمام والزيود وتعديهم عليها ، أجبرنا على إلقاء القنابل على حامية الزيود ، وبما أن هذه الحاميات أقامت نفسها بينكم فلعلكم قاسيتم من تأثير هذه القذائف ما قاسيتم ، فذلكم ذنب الزيود لا ذنبنا ) . هدية الزمن (ص 283) . و لم يتمكن أمراء الشوافع من طرد الزيود من بعض المدن إلا بمساعدة الطائرات الإنجليزية . المصدر السابق (ص 286) .(1/37)
و هكذا وقع الشوافع ( السنة ) بين فكي كماشة ، حيث كان الزيود واضطهاداتهم من جانب ، والنيران الحامية التي كانت تمطر بها قراهم من قبل الطائرات الإنجليزية بسبب ملاحقة الزيود من جانب آخر . و ما من شك في أن الإنجليز قد افلحوا إلى حد كبير في استغلال العداء بين الشوافع ( السنة ) و الزيود في إضعاف الطائفتين ؛ لمزيد من تثبيت أقدامهم في المنطقة ، على أن ذلك لا يعفي الزيود الحانقين من تبعة قتالهم ومحاولتهم إخضاع الشوافع ( السنة ) واضطهادهم ، ولا غرابة من وقوف الشوافع ( السنة ) مع الدولة العثمانية السنية في وجه القوات الزيدية ، وعلى كل حال فمهما بلغت مظالم الأتراك فلا تعد شيئاً في مقابل الزيدية الشيعية .
و ما وقع من الزيود من ظلم و قتال وإخضاع للشوافع السنة منسجم تماماً مع ما آل إليه المذهب الزيدي عند المتأخرين من رفض و سب للصحابة رضوان الله عليهم ، و قد عانى علماء اليمن المتحررون من أغلال المذهب الزيدي كـ ( الصنعاني و الشوكاني ) وغيرهما من غلو هؤلاء الزيدية في الرفض و حنقهم على الصحابة و كتب السنة . راجع كتاب : الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين و آثارهما في حياة الأمة ، علي بن بخيت الزهراني (1/584-588) .
يقول الشيخ محمد أبو زهرة : ( و من بعد ذلك ضعف المذهب الزيدي ؛ والمذاهب الشيعية الأخرى قد غالبته ، أو طوته ، أو لقحته ببعض مبادئها ، و لذلك كان الذين حملوا اسم هذا المذهب من بعده لا يجوزون إمامة المفضول ، فأصبحوا يعدون من الرافضة ، و هم الذين يرفضون إمامة الشيخين أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ، و بذلك ذهب من الزيدية الأولى ابرز خصائصها ) . تاريخ المذاهب الإسلامية (1/51) .(1/38)
وعلى كل فلا نطيل الكلام ، فحالهم في العقيدة معتزلة ، و ناهيك بعقيدة تنبذ كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعتمد على الفلسفة . و في الفقه على أبي حنيفة ، و قد قال بعضهم : إذا أردت أن توافق الحق فخالف أبا حنيفة . و في التشيع ينتهي بهم الحال إلى الرفض ، حتى قال بعضهم : ائتني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضياً كبيراً .
وقد سُؤل الشيخ مقبل بن هادي - حفظه الله - عنهم فقال : هم بعيدون عن السنة ، ثم ذكر مقولة : ائتني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضياً كبير . راجعها في : بغية الطالب الألمعي لفتاوى المحدث العلامة مقبل بن هادي الوادعي ( ص 1 ) .
و مما ينبغي أن يعلم أنهم أصبحوا ليسوا بزيدية كما يدّعون ، و لقد أحسن والد محمد بن إسماعيل الأمير إذ يقول :
يدعون أنهم زيدية وهم عن نهجه بمعزل .
و يقول إسحاق بن المتوكل مورداً إشكالاً على المذاهب الزيدية لا يستطاع حله :
أيها الأعلام من سادتنا ومصابيح دياجي المشكل
خبرونا هل لنا من مذهب يقتدى في القول أو في العمل
أم تركنا هملاً نرعى بلا سائم نقفوه نهج السبل
فإذا قلنا ليحيى قيل لا ههنا النص لزيد بن علي
و إذا قنا لزيد حكموا أن يحيى قوله النص الجلي
قرروا المذهب قولاً خارجاً عن نصوص الآل فالبحث وسل
ثم من ناظر أو جادل أو رام كشفاً لقذى لم ينجل
قدحوا في دينه واتخذوا عرضه مرمى سهام المنصل .
راجع كتاب : المخرج من الفتنة للشيخ مقبل بن هادي الوادعي ( ص 77-78) .(1/39)
وكم سمعنا و شاهدنا كيف كانوا أي الزيدية - يرحبون بالشيوعية خاصة بعد رحيل الاستعمار رحيل اسمي فقط ينضمون إلى صفوفه من أجل ضرب أهل السنة ، فخيبهم الله ، فلا سَلِمَ لهم دينهم و لم يستطع الشيوعيون أن يحققوا لهم ما وعدوهم به من ضرب أهل السنة ، و لقد صدق أبو محمد ابن حزم رحمه الله حيث يقول : ما نصر الله الإسلام بمبتدع . فلو رأيت المخذولين من أهل صعدة يوزعون نسيخة الضليل المبتدع أحمد بن زيني دحلان ( فتنة الوهابية ) ، بل لقد جمعوا كتب الطاعنين في السنة حتى ولو كان المؤلف نصرانياً أو علمانياً ، المهم أن يكون فيها طعن على السنة و أهلها ، فخيبهم الله .
وما يلاقيه شيخنا أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله و باقي طلبة العلم في اليمن في الوقت الحالي من التضييق و محاولا القتل المستمرة ، من قبلهم و من إخوانهم الصوفية ، لعرفت مدى الحقد الذي يحمله هؤلاء الرافضة ، عليهم من الله ما يستحقون ، و صدق والله ابن حزم رحمه الله حين يقول : إن الله ابتلى الإسلام بالصوفية و الشيعة . و الأمر كما قال ابن حزم ، فإن هاتين الطائفتين باب فتنة ، و آلة لكل مناوئ للإسلام .
ثانياً : موقف أهل السنة من الشيعة عموماً و الزيدية خصوصاً والحكم عليهم ..
يسأل كثير من الدارسين عن حكم الشيعة .. هل هم كفار خارجون عن الملة ، أم هم في عداد الفرق الإسلامية ؟
و بغض النظر عن اختلاف وجهات نظر العلماء في الحكم عليهم ، و بغض النظر أيضاً عما يورده كل فريق من أدلة على ما يذهب إليه ، فإن الواقع يدل على أن الحكم على الشيعة أو غيرهم من الفرق بحكم واحد يحتاج إلى تفصيل ..
فأما بالنسبة للشيعة بخصوصهم فالذي اتضح لي :-(1/40)
1 - أن الشيعة ليسوا جميعاً على مبدأ واحد في غير دعوى التشيع ، فمنهم الغلاة الخارجون عن الملة بدون شك وهم أغلب الشيعة الموجودة اليوم في مختلف أنحاء العالم - ، و منهم من يصدق عليهم أنهم مبتدعون متفاوتون في ابتداعهم ، فبعضهم أقرب من البعض الآخر .
2 - أن التثبت من تكفير المعين أمر لابد منه ، إذ ليس كل من انتسب إلى طائفة خارجة عن مذهب السلف في بعض القضايا يحق تكفيره .
3 - ليس معنى التثبت في تكفير المعين أننا لا نطلق على الطائفة الخارجة عن الحق ألفاظ التبديع و التضليل والخروج عن الجماعة ؛ لأن ذلك الحكم خاص بتعيين الأفراد لا الجماعة عموماً ، خصوصاً من وجدنا نصاً فيهم ، كالخميني في وقتنا الحاضر .
و على هذا فالحكم العام على الشيعة أنهم ضلال فساق خارجون عن الحق ، هالكون مع الفرق التي أخبرت عنها الأحاديث ، حكم لا غبار عليه .
4 - اتضح أن الشيعة عندهم مبادئ ثابتة في كتبهم المعتمدة ، قررها رجالاتهم المعتبرون قدوة في مذاهبهم ، و من قال ولو ببعض تلك المبادئ فلا شك في خروجه عن الملة الإسلامية ، ومنها :-
أ - قولهم بتحريف القرآن ، وأنه وقع فيه الزيادة والنقص حين جمعه أفاضل الصحابة رضوان الله عليهم ، كما صرح بذلك الطبرسي في كتاب : ( فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب ) و في غيره من كتب الشيعة ، و انتظارهم أيضاً مصحف فاطمة كما يزعمون .
ب - غلوهم فيأئمتهم و تفضيلهم على سائر الأنبياء ، كما ملئت بذلك كتبهم القديمة ؛ مثل الكافي ، و ما كتبه الخميني في العصر الحديث .
جـ - غلوهم في بُغض الصحابة ممن شهد الله لهم بالفوز والنجاة ، كأبي بكر و عمر و عثمان وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها و حفصة و غيرهم رضي الله عنهم أجمعين ، وردهم شهادة أم المؤمنين رضي الله عنها ، و بقاؤهم على عداوتها وإفكهم عليها ، واعتبارها عدوة و ليست بأم ، و هذا حق ؛ فإنها ليست لمثل هؤلاء بأم ، فهي أم للمؤمنين فقط .(1/41)
د - قولهم بالبداء على الله تعالى ، و تنزه سبحانه و تعالى عن ذلك .
و مواقف أخرى يصل خلافهم فيها إلى سلب العقيدة الإسلامية من جذورها في كل قلب تشبع بها .
وأما من لم يقل بتلك المبادئ ، و كان له اعتقادات أخرى لا تخرجه عن الدين ، فإنه تقام عليه الحجة ثم يحكم عليه بعد ذلك حسب قبوله الحق أو رده له . راجع كتاب : فرق معصرة تنتسب إلى الإسلام و بيان موقف الإسلام منها ، للدكتور غالب بن علي عواجي (1/324-325) .
والله أعلم بالصواب والحمد لله رب العالمين .
الخاتمة ..
و في ختام هذا البحث أحمد الله أن وفقني إلى إتمامه و بيان ما فيه ، و قد تبين لنا من خلال ذلك كيف أن الانحراف عن الإسلام و عن المذهب الصحيح بدأ منذ وقت مبكر في تاريخ أمتنا الإسلامية .
كما وأننا قد عرفنا الحكم الشرعي في فرقة الزيدية و أبطلنا المقولة التي تنادي بأن الزيدية أقرب فرق الشيعة إلى أهل السنة على إطلاقه ، و بيننا تفصيل ذلك .
و قد أشرنا إلى خطأ بعض المؤرخين الذين تناولوا الحديث عن حياة زيد بن علي رحمه الله من نسبة بعض الكتب المزيفة والمزورة إليه ، و قد أشرنا إلى عدم صحة نسبة أي كتاب له رحمه الله .
و أخيراً و إن حاولت الكتابة وفق منهج المحدثين ، لا أدَّعي أنني متقن لهذا المنهج عالم بكوامنه ، بل أنا قليل البضاعة في هذا المجال ، فرحم الله امرءاً عرف قدر نفسه .
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفع بهذا البحث من اجتالته الشياطين عن الطريق الصحيح ، و يهدي الحيارى من دياجير التشيع و الرفض و يعيدهم إلى الطريق المستقيم .(1/42)
و على كل حال فهي محاولة مبتدئة مني تحتاج إلى تشجيع و نقد هادف بنّاء ، يوجهها نحو الأفضل مستقبلاً إن شاء الله تعالى ، فإن أصبت فمن الله وحده ، و له الشكر على ذلك ، و إن تكن الأخرى فمن نفسي و شيطاني ، و حسبي أن للمجتهد أجراً إذا أخطأ ، فأرجو أن لا يفوتني الأجر في كلتا الحالتين بإذن الله تعالى ، ولست بمستغنٍ عن أي ملاحظة تسد نقصاً هو من طبيعة عمل البشر ، ولنا لقاء آخر في حلقات أخرى ومع فرقة أخرى ومع مسيرة ركب الشيطان عبر تاريخ الإسلام .
أصلح الله أحوال المسلمين ووقاهم الشرور و الفتن ، و أسأله أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم .
اللهم لا تعذب لساناً يخبر عنك ، ولا عيناً تنظر إلى علوم تدل عليك ، ولا قدماً تمشي إلى خدمة دينك ،
ولا يداً تكتب في سبيلك . اللهم آمين .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . و صلى الله على سيدنا محمد .
وتقبلوا تحيات أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..(1/43)