الزناد
في شرح
لمعة الاعتقاد
للإمام
موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة
رحمه الله
( 541ــ 620 )
شرح
فضيلة الشيخ
علي بن خضير الخضير
( مقدمة )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .
فقد يسر الله شرح كتاب لمعة الاعتقاد للإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة رحمه الله ( 541ــ 620 ) .
وأردت من هذا المساعدة حسب القدرة والاستطاعة في شرح اللمعة ، وذكر بعض القضايا المعاصرة ، والربط بذلك ، وسميته الزناد من باب أنه مساعد ومعين على الفهم والتقريب , ومن معاني الزند المساعدة والإعانة ، قال ابن منظور رحمه الله في لسان العرب 3/196 ( تقول لمن أنجدك وأعانك : ورت بك زنادي ) .
نسأل الله التوفيق والإعانة .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه : علي بن خضير الخضير
القصيم ــ بريدة
نبذة عن مؤلف لمعة الاعتقاد
هو عبد اللَّه بن أحمد من ذرية عمر بن الخطاب ، وهو قرشي عدوي ، ولد قبيل منتصف القرن السادس تقريباً عام 541هـ ، وتوفي عام 620هـ ، وولد في فلسطين وعاش في دمشق في الشام .
عصر المصنف :
فقد كان عصره وهو عصر النصف الثاني من القرن السادس يمتاز بثلاث ميزات :
1 - ظهور عقائد الأشاعرة في عصره وانتشارها بين الناس ، بل إن الدولة كان منهجها الرسمي في العقائد هي الأشعرية وهي دولة الأيوبيين خصوصاً صلاح الدين الأيوبي رحمه الله مع أنها كانت دولة مجاهدة .
2 - تسلط الصليبيون واستيلائهم على فلسطين وقد استولى الصليبيون على فلسطين وكان عمر المصنف رحمه الله 8 سنوات ، مما سبب هجرة أفراد عائلته إلى دمشق .
3 - وجود الرافضة قبحهم الله في عصر المصنف وكانت لهم دولتهم في ذلك الوقت وهي دولة الرافضة العبيديين الملاحدة لعنهم الله في مصر الذين قضى عليهم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وجزاه خيرا .(1/1)
وقد شارك المصنف في عصره وقام بالجهاد العلمي والتعليمي العقدي ، حيث ألّف كتباً لبيان عقيدة أهل السنة والجماعة والرد على عقائد الأشاعرة التي تفشت في عصره .
مؤلفاته :
منها كتابه لمعة الاعتقاد في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات والقدر واليوم الآخر وما يتعلق فيه وما يجب تجاه الصحابة والموقف من أهل البدع.
وألف رسالة في مسألة العلو في جزأين . ومسألة العلو تعتبر من أخطر المسائل المثارة في عصر المصنف ، حيث أن الأشاعرة لا يثبتون العلو لله تعالى.
وألّف رسالة في تحريم النظر في كتب أهل الأهواء ، ورسالة في ذم التأويل ، وكتاب آخر في القدر .
والملاحظ على هذه الكتب أنها ضد الأشاعرة وتعنيهم بالدرجة الأولى كما أنها تعني أيضا المعتزلة والخوارج والجهمية .
وقد أشار إلى هذه المؤلفات ابن العماد في كتابه شذرات الذهب ، المجلد الخامس ص88.
وهذه عادة العلماء الربانيين التصدي للعقائد المنحرفة الموجودة في عصرهم وتأليف الكتب والرسائل فيها .
كما أن المصنف أيضاً شارك في الجهاد المسلح لإعلاء كلمة اللَّه وهو ما يسمى اليوم زورا بالتطرف والأصولية ، حيث خاض الجهاد ضد الصليبيين في طردهم من فلسطين وكان عضو فعّالاً في جيش صلاح الدين الذي قابل الصليبيين حتى أخرجهم من القدس .
كما قاتل العبيديين حتى قضى عليهم .
كما أن له مؤلفات في الجانب العلمي الفقهي :
منها المغني ، والكافي ، والعمدة . كما ألف في الأصول : روضة الناظر .
المسألة الثانية سبب تأليف الكتاب:
كما أشرنا سابقاً أن عصر المؤلف هو آخر القرن السادس انتشرت فيه عقائد الأشاعرة فألف هذا الكتاب للرد عليهم .
المسألة الثالثة : مقدمة المصنف :
جعل المصنف لكتابه مقدمة اشتملت على ثلاثة مواضيع نذكرها على وجه الاختصار
1 - افتتاحية المقدمة .
2 - بين طريقة السلف في أحاديث وآيات الصفات .(1/2)
3 - التحذير من مخالفة طريقة السلف بما يسمى بالابتداع في الأسماء والصفات والعقائد .
وسوف نفصل ما حوت المقدمة كالتالي :
قال المصنف :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المحمود بكل لسان ، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان ، ولا يشغله شأن عن شأن ، جل عن الأشباه والأنداد ، وتنزه عن الصاحبة والأولاد ، ونفذ حكمه في جميع العباد ، لا تمثله العقول بالتفكير ، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير ، { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (1) ، له الأسماء الحسنى ، والصفات العلى { الرحمن على العرش استوى . له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى . وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى}(2) أحاط بكل شيء علماً ، وقهر كل مخلوق عزة وحكماً ، ووسع كل شيء رحمة وعلماً { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً } (3)).
الشرح :
افتتح المصنف رحمه الله المقدمة بالبسملة والحمد والثناء على اللَّه بذكر بعض أسمائه وصفاته. فبدأ بالبسملة والبداءة بها سنة اقتداء بفاتحة الكتاب حيث بدأ اللَّه الفاتحة ببسم اللَّه الرحمن الرحيم ، واقتداء أيضاً بكتاب نبي اللَّه سليمان عليه الصلاة والسلام : {وإنه بسم اللَّه الرحمن الرحيم } (4) .
الدليل الثالث ما ثبت في الصحيح من حديث أبي سفيان (5) حيث كتب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتابا إلى هرقل ابتدأه بـ " بسم اللَّه الرحمن الرحيم " . هذا ما يتعلق بالبسملة.
__________
(1) ... سورة الشورى : 11
(2) ... سورة طه : 5-7 .
(3) ... سورة طه : 110 .
(4) ... سورة النمل : 30 .
(5) ... أخرجه البخاري في صحيحه 1/7 (ح7) ، ومسلم في صحيحه 3/1393 (ح1773) .(1/3)
أما الحمد له ، فالبداءة بها سنة وكان من هدي النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا افتتح الخطب حمد اللَّه وأثنى عليه كما جاء في مسلم ، ذكره جابر (1). أما حديث : " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع " ، وفي رواية : " أبتر " . هذا حديث ضعيف، فإنه مرسل من حديث الزهري ، وقد أشار إلى ضعفه أبو داود في السنن في كتاب الآداب في أوله . هذا ما يتعلق بالحمد له .
ثم ذكر المصنف الثناء على اللَّه سبحانه بذكر بعض أسمائه وبعض صفاته وذلك بطريقتين:
1 - الثناء على اللَّه عزوجل بذكر الصفات الثبوتية والأسماء الثبوتية فذكر صفة العلم والقهر والرحمة والحكم .
2 - الثناء على اللَّه بذكر الصفات المنفية المتضمنة للكمال فنزه اللَّه عن الأشباه والأنداد وعن الصاحبة والولد ونزهه أن يكون له مثيل أو أن الناس يعرفون كيفية صفاته . هذا ما يتعلق بافتتاحية المقدمة .
والملاحظ على هذه الافتتاحية أنها اشتملت على أكثر أجناس الافتتاحيات الشرعية ، وهي ثلاث أجناس :
أ - جنس البسملة .
ب - جنس الحمد له .
جـ - جنس الثناء على اللَّه .
وبقي جنس واحد لم يذكره المؤلف وهو جنس ذكر آيات من القرآن في الافتتاحية وهي آيات التقوى الثلاثة ، وهي ما تسمى بخطبة الحاجة ، وظاهر صنيع المؤلف أنه لا مانع من الجمع بين الافتتاحيات أو جمع أكثرها .
قال المصنف :
( موصوف بما وصف به نفسه في كتابه العظيم ، وعلى لسان نبيه الكريم .
وكل ما جاء في القرآن ، أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن ، وجب الإيمان به ، وتلقيه بالتسليم والقبول ، وترك التعرض له بالرد والتأويل، والتشبيه والتمثيل ) .
الشرح :
المسألة الثانية من مسائل المقدمة :
__________
(1) ... ذكره مسلم في كتاب الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والخطبة برقم (1973) .(1/4)
هي بيان طريقة السلف والقرون المفضلة في آيات وأحاديث الصفات ، وهي تبتدأ من قول المصنف : " موصوف بما وصف به نفسه في كتابه العظيم إلى آخر كلام الشافعي " .
ملخص هذا الكلام :
1 - أن طريقة السلف في صفات اللَّه أنهم يصفون اللَّه عز وجل بما وصف به نفسه سواء كانت الصفة بالقرآن أو فيما صح من السنة .
2 - أنهم يؤمنون بها وذكر المصنف حكم الإيمان بها وأنه واجب فقال : " وجب الإيمان به " .
3 - تلقيها بالتسليم والقبول . والتسليم : هو الانقياد وضده الترك . والقبول: وضده الرد .
4 - ترك التعرض لأحاديث وآيات الصفات أي ترك الاعتراض .
والترك يكون لخمسة أمور " أشار إليها المصنف " :
أ - هو الرد : ويقصد به الإنكار والتكذيب .
ب - التأويل : ويقصد به صرفها عن ظاهرها وعن معناها اللغوي .
جـ - التشبيه : وهو أن يقول أن صفات اللَّه تشبه كذا مما هو معروف عند الناس.
د - ترك التمثيل للصفات : أي لا يقال صفات اللَّه مثل كذا والفرق بين التشبيه والتمثيل :
أن التشبيه هو تشبيه الصفات بأن يجعلها تشبه كذا ، أي أن هناك شبه في بعض الوجوه بين صفات اللَّه وصفات المخلوقين .
أما التمثيل : أن يقول أن صفات اللَّه مثل كذا تماماً ، والمثلية أن يكون مثله في كل شيء .
أما التشبيه فيكون مثله في بعض دون بعض .
هـ - عدم التعرض لكيفية صفات اللَّه عز وجل .
هذه هي طريقة السلف في صفات اللَّه وهي طريقة مجمع عليها عند السلف وهي جارية في كل صفة من صفات اللَّه ، وتنطبق عليها الأمور السابقة الأربعة التي قبل هذا التقسيم .
وذكر الدليل الذي يدعم طريقة السلف السابقة ويتمثل استدلاله بثلاثة أشياء:
1 - إما آية .
2 - أو قول إمام من أئمة السلف وهو الإمام أحمد .
3 - أو قول إمام من أئمة السلف وهو الإمام الشافعي .
نأخذ الآية { والراسخون في العلم } :(1/5)
الشاهد من الآية : { يقولون آمنا به } : وقولهم آمنا به يشمل التسليم والقبول. ومن مقتضى الإيمان وصف اللَّه بما وصف به نفسه ، وتدل أيضاً بالإلزام على ترك خمسة أمور في الصفات ، وهي :
الرد - التأويل - التشبيه - التمثيل - التكييف .
فشملت هذه الآية طريقة السلف : بالتضمن والمقتضى واللازم .
وقبل الدخول في الدليل الثاني نحتاج إلى التعليق على بعض كلمات قالها المصنف :
قال المصنف :
{ وما أشكل من ذلك ، وجب إثباته لفظاً ، وترك التعرض لمعناه ، ونرد علمه إلى قائله ، ونجعل عهدته على ناقله ، اتباعاً لطريق الراسخين في العلم، الذين أثنى اللَّه عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالى : {والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} (1) ، وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا اللَّه } (2) فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ ، وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم ، ثم حجبهم عما أمَّلوه ، وقطع أطماعهم عما قصدوه ، بقوله سبحانه : { وما يعلم تأويله إلا اللَّه }
الشرح :
التنبيه الأول :
قول المصنف : ( وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظاً وترك التعرض لمعناه). هذه الجملة انتقدها الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه خصوصاً لفظة " إثباته لفظاً وترك التعرض لمعناه " .
وقال : إنه قد يفهم منها التفويض في الصفات ، وهو أنه يثبت الألفاظ ويجهل المعنى ولا يوجب التعرض له بمعناه .
وقال : الأولى ترك هذه اللفظة الموهمة مع أنه ذكر أن المؤلف سلفي المعتقد وليس بمفوض " اهـ .
وكلام الشيخ محمد بن إبراهيم صحيح لو أخذت هذه الكلمة وعزلت عن السياق . أما من يقرأ ما قبلها وما بعدها يدرك أن المصنف أراد ترك التعرض للكيفية، ولذا قال : وما أشكل من ذلك .
__________
(1) ... سورة آل عمران : 7 .
(2) ... سورة آل عمران : 7 .(1/6)
والمراد بالمشكل هنا : هي كيفية الصفة ، وأما كيفية الصفة فلا يتعرض لمعناها التكييفي ، ولفهم كلام المصنف أكثر لابد من تفسير الآية التي استدل بها المصنف { وما يعلم تأويله إلا اللَّه والراسخون في العلم } (1) .
توضيح كلمة : وما أشكل من ذلك :
اعتمد المصنف على آية { والراسخون في العلم ..} وتفسيرها يوضح معناها، والمصنف قصد بالمشكل هو المتشابه بالآية .
والمتشابه المقصود به في الآية : ما استأثر اللَّه تعالى بعلمه ، ومنه الكيفية في صفات اللَّه ، فمعرفة الكيفية في صفات اللَّه هو من المتشابه .
ومن الأدلة على أن المقصود بالمتشابه هو ما استأثر اللَّه بعلمه ما يلي :
1 - قراءة ابن مسعود رضى الله عنه توضح ذلك ، فقد ذكر ابن أبي داود في كتابه المصاحف ص67 ذكر بسنده إلى الأعمش قال : حدثنا أبو عبد اللَّه محمد بن يحيى ، حدثنا خلاد بن خالد بن يزيد عن الحسين الجعفي ، قال سمعت زائدة يسأل الأعمش، فقال الأعمش في قراءتنا كذا وكذا ، ثم ذكر آيات في سورة البقرة يقرأ بها عبد اللَّه بن مسعود ، ثم ذكر آيات من سورة آل عمران يقرأ بها ابن مسعود ، قال : وفي قراءة عبد اللَّه إن حقيقة تأويله إلا عند اللَّه .
وقال صاحب كتاب القراءات وأثرها في التفسير وهو محمد بازمول قال في الحاشية : وإسناده حسن .
وهذه القراءة تبين معنى المتشابه وأن المقصود به حقيقة التأويل وما يعلم حقيقة المتشابه إلا اللَّه ، مثل حقيقة كيفية الآخرة وقيام الساعة ، ومنه حقيقة وكيفية الصفات
2 - أن معنى التأويل في القرآن يقصد به حقيقة الشيء فقوله ما يعلم تأويله إلا اللَّه أي حقيقته .
__________
(1) ... آل عمران : 7 .(1/7)
ولفظ القرآن بالتأويل يقصد به الحقيقة . قال الشنقيطي : " والحقيقة هو الاحتمال الغالب في القرآن " . قال تعالى : { هذا تأويل رؤياي من قبل } (1) ، وقوله تعالى : { هل ينظرون إلا تأويله } (2) ، أي حقيقته ، وقوله : { هل ينظرون إلا تأويله } ، وقوله : { ولما يأتهم تأويله } (3) .
وأحسن التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن ، فيكون معنى { وما يعلم تأويله } أي حقيقته .
3 - أن جمهور السلف اختاروا الوقوف على لفظة " إلا اللَّه " ثم يكملون "والراسخون في العلم..." . فإذا كان الوقف على هذا أصبح التأويل لا يعلمه إلا اللَّه ، وأما الراسخون فيؤمنون بالمتشابه . وذكر الشنقيطي أن هذا مذهب الجمهور (4) ، وذكر ابن جرير في تفسيره للآية أن هذا قول مالك.
4 - أن ابن قدامة تكلم عن هذه الآية في روضة الناظر واختار هناك أن المقصود بالمتشابه في آية آل عمران هو ما استأثر اللَّه تعالى بعلمه ، واختار أيضاً الوقف على قوله ( إلا اللَّه ) . وقال لأن اللَّه ذم مبتغي التأويل ولو كان ذلك للراسخين معلوماً لكان مبتغيه ممدوحاً لا مذموماً . ولأن قوله "آمنا به" يدل على نوع من التفويض والتسليم لشيء لم يقفوا على معناه ، فكلامه يفسر بعضه بعضاً ويحمل بعض كلامه على بعض .
5 - أنه اختيار ابن جرير إمام المفسرين ، الوقف على " إلا اللَّه " وأن المتشابه بالآية ما استاثر اللَّه بعلمه مما لم يكن لأحد علمه .
ومن هذه الأدلة الخمسة يتضح أن قصد المؤلف من قوله ( وما أشكل ذلك ) أن المقصود الكيفية ، كيفية الصفات .
وقوله ( وجب إثباته لفظاً ) هو معنى قول السلف أمروها كما جاءت .
__________
(1) ... يوسف : 100 .
(2) ... الأعراف : 53 .
(3) ... يونس : 39 .
(4) ... ذكره في أضواء البيان في تفسير سورة آل عمران ص211.(1/8)
ومعنى ( ترك التعرض لمعناه ) أي ترك التعرض لحقيقة الصفة من حيث الكيفية. وعلى ذلك يكون المصنف استخدم أسلوبا كان معهوداً عندهم ، وهو أنهم إذا أرادوا عدم التعرض للكيفية قالوا : ولا نتعرض لمعناه ، يقصدون به عدم التعرض للكيفية أو للمعنى الباطل .
ومثل ذلك قول الإمام أحمد الذي ذكره المصنف قال : ( نؤمن بها ونصدق بها لا كيف ولا معنى ) ويقصد بقول ولا معنى في كلام أحمد : أي المعنى الباطل وهو التأويل في اصطلاح المتأخرين ، وهو صرف اللفظ عن معنى راجح إلى معنى مرجوح ، ومما يدل على ذلك ما نقله الذهبي في سير أعلام النبلاء لما ترجم للخطيب البغدادي ذكر عقيدة الخطيب الموافقة لمذهب السلف إلى أن قال : " كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ... إلى أن قال : فإذا قلنا : إن للَّه يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها اللَّه لنفسه ، فلا نقول أن معنى اليد القدرة ولا نقول السمع والبصر العلم . والشاهد قوله ولا نقول أن معنى اليد القدرة ، فجعل تسمية اليد بالقدرة معنى ، فأصبح باصطلاحهم إذا نفوا المعنى في صفات اللَّه يكون المقصود به شيئان
1 - نفي الكيفية أي لا تكييف .
2 - نفي المعنى الباطل وهو التأويل .
ومن قال إن اليد هي القدرة فقد جعل لها معنى . هذا إذا أطلقت كلمة معنى. أما إذا قال : " لا كيفية ولا معنى " فجمع بين المعنى والكيفية كما فعل الإمام أحمد فيحمل المعنى على التأويل الباطل .(1/9)
وبذلك نكون قد انتصرنا لقول المؤلف وأنه كلام سليم على اصطلاحهم وأنه موجود في كلام السلف نفي المعنى بل موجود في كلام السلف نفي التفسير فيقولون ولا نفسرها . كما نقل الذهبي في سير أعلام النبلاء عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال أبو عبيد : وقال عبد العزيز الماجشون في رسالته في الرد على الجهمية ونقلها ابن تيمية في الحموية ، قال في المقدمة بعدما حمد اللَّه وأثناء عليه قال : وكلّت الألسن عن تفسير صفته ، فمعنى نفي التفسير في كلام السلف أي نفي الكيفية أو التأويل الباطل مثل كلمة نفي المعنى .
ومثله أسلوب درج عليه السلف في آيات الصفات أمِرّوها كما جاءت، أي لا تكيفوا ولا تذكروا معنى باطل . لكن إذا مرت هذه العبارات في كلام السلف فالأولى أن نوضح معناها ونفسره كما هو اعتقاد السلف ، لا أن ننتقدهم على هذه الألفاظ ونخطئهم بها وهو أسلوب دارج عندهم ويرحم الله الجميع .
مسألة :
قول المصنف ( وما أشكل من ذلك .. ) وقع خلاف في تفسير معنى كلام المصنف، وماذا يقصد بالإشكال ، على ثلاثة أقسام :
1 - منهم من فسر كلام المصنف أي مشكل باعتبار بعض الصفات ، وقالوا أن هناك بعض الصفات قد تكون مشكلة مثل صفة النزول والاستواء والصورة ، من حيث الإشكالات التي تأتي على هذه الصفات مثل قولهم عند إثبات النزول هل يخلو منه العرش ؟ ، وإذا كان مستوٍ على العرش هل هو أكبر منه أم مساوٍ له ، وقالوا : إن المصنف يقصد هذا وقالوا أن الصفات المشكلة يجب إثباتها لفظاً دون التعرض لمعناها .
2 - ومنهم من قال إنه مشكل باعتبار الأشخاص وإن الإشكال أمر نسبي حسب علم الشخص وجهله وما كان مشكل عند شخص قد لا يكون مشكلا عند آخر، والواجب على من أشكل عليه لقصور فهمه أو علمه وجب إثباته لفظاً وترك التعرض لمعناه .
3 - أن المقصود بالإشكال عند المصنف الكيفية بالصفات فلا نتعرض لمعنى الكيفية، وإنما نثبت الألفاظ .(1/10)
وهذا القول هو الراجح لأنه هو مقصود المصنف كما وضحنا ذلك في شرحنا لآية { وما يعلم تأويله إلا اللَّه } ، وأما القولان السابقان فهما صحيحان باعتبار المعنى لكن المصنف ما أراد ذلك .
فصل
قال المصنف :
( قال الإمام أبو عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل - رضي اللَّه عنه - في قول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - : " إن اللَّه ينزل إلى سماء الدنيا " (1) ،أو " إن اللَّه يرى في القيامة"(2) وما أشبه هذه الأحاديث : نؤمن بها ، ونصدق بها ، لا كيف ، ولا معنى ، ولا نرد شيئاً منها ، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ، ولا نرد على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - .
ولا نصف اللَّه بأكثر مما وصف به نفسه ، بلا حدٍّ ولا غاية { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (3) ، ونقول كما قال ، ونصفه بما وصف به نفسه ، لا نتعدى ذلك ، ولا يبلغه وصف الواصفين ، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ، ولا نزيل عنه صفةً من صفاته لشناعةٍ شُنّعت ، ولا نتعدى القرآن والحديث ، ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتثبيت القرآن .
قال الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعي - رضي اللَّه عنه - : آمنت باللَّه وبما جاء عن اللَّه على مراد اللَّه ، وآمنت برسول اللَّه ، وبما جاء عن رسول اللَّه ، على مراد رسول اللَّه .
وعلى هذا درج السلف ، وأئمة الخلف ، رضي اللَّه عنهم ، كلهم متفقون على الإقرار ، والإمرار ، والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب اللَّه ، وسنة رسوله ، من غير تعرض لتأويله .
الشرح
__________
(1) ... رواه مسلم في صحيحه 1/522 (ح658) ، والنسائي في سننه 6/125 ، (ح10318) ، والدرامي في سننه 1/413 (ح1480) .
(2) ... رواه البخاري في صحيحه 1/203 ، (ح529) ، ومسلم في صحيحه 1/439 (ح633) .
(3) ... سورة الشورى : 11 .(1/11)
ثم بعد ذلك ذكر المصنف دليلاً ثانياً من أدلة طريقة السلف في الصفات وهو كلام الإمام أحمد ، مما يبين طريقة السلف ، فقال الإمام أحمد : " إن اللَّه يُرى في القيامة " ، قال أحمد : نؤمن بها ونصدق بها لا كيف ولا معنى . فكلام أحمد يشمل الآتي :
1 - الإيمان بالصفات والتصديق بها كما جاءت .
2 - ترك التعرض للمعنى الباطل ، مثل التشبيه أو التمثيل أو التحريف أو التعطيل ، فلذا قال ولا معنى .
3 - ترك الإنكار والتكذيب لها والرد ، ولذا قال ولا نرد على رسول اللَّه .
4 - الاقتصار على وصف اللَّه بما وصف به نفسه بدون تعدي ولا زيادة ، ولذا قال: " ولا نزيل عنه صفة من صفاته ولا نتعدى القرآن والحديث " .
وهنا كلمات ناقشوا فيها الإمام أحمد ، وهي ثلاث كلمات . في قوله : "ولا معنى" ، وفي قوله : " بلا حد ولا غاية " .
فبعض أهل العلم انتقد هذه الكلمات والجواب على هذه الانتقادات هو مثل الجواب على المصنف في قوله : " ولا نتعرض لمعناها " .
فيكون قصد الإمام أحمد المعنى الباطل وهذا هو أسلوب من أساليبهم ولا مشاحة في الاصطلاح . ومن الخطأ تخطئة المتقدمين باصطلاح المتأخرين.
وقول الإمام أحمد " بلا حد " هذه اللفظة تكلم بها السلف لما أحدثها الجهمية وإلا قبل ذلك ما كانوا يتكلمون بها . وكانوا يتكلمون بها في مجال الرد. ويعنون بالحد إذا أثبتوه إن لله حد بمعنى أنه بائن عن خلقه ، وإذا نفوه قصدوا أنه لا يُحاط به ولا يُعلم انتهائه ، وتكلم عن مسألة الحد الدارمي في الرد على بشر المريسي وأيضاً ابن المبارك ، فكانوا يقصدون بها قصداً صحيحاً .
- ثم ذكر الدليل على طريقة السلف ، وهو كلام الشافعي ، ثم ذكره بنصه قال :" آمنت باللَّه وما جاء عن اللَّه على مراد اللَّه ، وآمنت برسول اللَّه وبما جاء عن رسول اللَّه على مراد رسول اللَّه " .
وملخص كلام الشافعي :
1 - الإيمان بالصفات والتصديق بها .(1/12)
2 - الإقرار بها وإثباتها على طريقة القرآن والسنة بلا تأويل ولا تكييف ولا تحريف
واختيار المصنف كلام الشافعي يعتبر اختياراً دقيقاً وقصداً حسناً لأن عصر المصنف عصر الأشاعرة ، وكان اعتقادهم هو السائد وكانوا ينتسبون للشافعي باعتبار المذهب ، فإيراد كلام إمامهم وأنه على طريقة السلف ، هو رد ضمني على أنهم غير مقتدين بإمامهم في الأسماء والصفات .
ثم علق المصنف على كلام الإمامين وقال على هذا درج السلف وأئمة الخلف، كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات ، فحكى إجماع السلف على ثلاثة أمور في الصفات :
1 - الإقرار ويقصد به الإيمان والتصديق والتسليم والإذعان .
2 - الإمرار أي ترك التمثيل والتكييف والتحريف والتأويل .
3 - الإثبات ، وهو وصف اللَّه بها.
قال المصنف :
وقد أمرنا بالاقتفاء لآثارهم ، والاهتداء بمنارهم . وحذّرنا المحدثات ، وأخبرنا أنها من الضلالات ، فقال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " (1).
وقال عبد اللَّه بن مسعود - رضي اللَّه عنه - : اتَّبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم .
وقال عمر بن عبد العزيز - رضي اللَّه عنه - كلاماً معناه : " قف حيثُ وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا ، وببصر نافذ كفوا ، ولهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، فلئن قلتم: حدث بعدهم ، فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم ، ولقد وصفوا منه ما يشفي ، وتكلموا منه بما يكفي ، فما فوقهم محسِّر ، وما دونهم مقصِّر ، لقد قصَّر عنهم قوم فجفوا ، وتجاوزهم آخرون فغلوا ، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم .
__________
(1) ... أخرجه أحمد في مسنده 4/120 (ح17125) ، وأبو داود في سننه 4/200 (ح4607) .(1/13)
وقال الإمام أبو عمر الأوزاعي - رضي اللَّه عنه - : " عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول " .
وقال محمد بن عبد الرحمن الأذرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها : هل عَلِمها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ ، أو لم يعلموها ؟ قال: لم يعلموها . قال : فشيء لم يعلمه هؤلاء علمته أنت ؟ قال الرجل : فإني أقول : قد علموها . قال : أفوسعهم أن لا يتكلموا به ، ولا يدعوا الناس إليه ، أم لم يسعهم ؟ قال : بلى وسعهم ، قال : فشيء وسع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءه ، لا يسعك أنت ؟ فانقطع الرجل ، فقال الخليفة - وكان حاضراً - لا وسّع اللَّه على من لم يسعه ما وسعهم .
وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، والأئمة من بعدهم ، والراسخين في العلم ، من تلاوة آيات الصفات ، وقراءة أخبارها ، وإمرارها كما جاءت ، فلا وسَّع اللَّه عليه ) .
الشرح:
المسألة الثالثة من مسائل المقدمة :
التحذير من الابتداع في الدين وانتهاج غير طريقة السلف في الأسماء والصفات والعقائد :
وذكر نصوصاً في التحذير من الابتداع ، ومنه الابتداع في صفات اللَّه ووصفه بما لم يصف به نفسه ، وفائدة هذه المسألة : أن الابتداع في الدين بغير طريقة السلف في نصوص الصفات محرم ويؤدي إلى الانحراف .
والنصوص التي ذكر المصنف خمسة :
أ - حديث: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ... " رواه أبو داود والترمذي.
ب - كلام ابن مسعود في التحذير من الابتداع حيث قال : " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ".
د - كلام عمر بن عبد العزيز بقوله : " قف حيث وقف القوم فإنهم عن علم وقفوا ... إلى قوله هدى مستقيم " .
هـ - كلام الأوزاعي : " عليك بآثار السلف وإن رفضك الناس " .(1/14)
و - وهي عبارة عن مناظرة بين سني ومبتدع ، وهي تعتبر منهج في الرد على المبتدعة، ومنهج في مناقشة المبتدعين . والمناظر هو عبد الرحمن الأذرمي ناظر الجهمي أحمد بن أبي دؤاد في زمن الواثق . والمصنف قد اختصرها هنا . وقد ذكرها ابن بطة في ( الإبانة ) في كتاب الرد على الجهمية ، لما ذكر المناظرات التي قيلت بين يدي الملوك .
وخلاصة هذه المناظرة أن أي مبتدع في الدين يوجه له سؤال : هل ما أحدثته علمه الرسول أم لم يعلمه . فالجواب لا يخلو من أمرين : إما أن يقول : علمه ، أو : لم يعلمه. فإن قال لم يعلمه فنقول : كيف اهتديت إلى شيء لم يعلمه الرسول ولا الصحابة . وإن قال : علمه فنقول : هل فعله الرسول ودعا الناس إليه ؟ فإن قال : دعى الناس إليه يطالب بالإثبات . وإن قال : لا . نقول له : شيء لم يدعو إليه الرسول لا خير فيه .
وقد سبق الأذرمي في هذه الطريقة في المناظرات ابن مسعود ، فقد روى عنه ابن وضاح في كتاب البدع في مقدمة الكتاب : أن ابن مسعود مر على قوم ابتدعوا طريقة في التسبيح والذكر ، فقال لهم : " لقد هديتم إلى ما لم يهتدي إليه نبيكم ، أو أنكم لتمسكن بذنب ضلالة " .
باب
ثم عقد المصنف فصلا بذكر بعض صفات اللَّه عز وجل ، وذكر ما يقارب من ثماني عشرة صفة لله سبحانه ، هي كالتالي :
1 ـ صفة الوجه لله تعالى
2 ـ ثم صفة اليدين لله تعالى
3 ـ ثم النفس لله تعالى
4 ـ ثم المجيء
5 ـ والإتيان لله تعالى
6 ـ ثم الرضى لله تعالى
7 ـ ثم المحبة لله تعالى
8 ـ ثم الغضب لله تعالى
9 ـ ثم السخط لله تعالى
10 ـ ثم الكراهية لله تعالى
11 ـ ثم النزول لله تعالى
12 ـ ثم العجب لله تعالى
13 ـ ثم الضحك لله تعالى
14 ـ ثم الاستواء لله تعالى
15 ـ ثم العلو لله تعالى
16 ـ ثم الكلام لله تعالى
17 ـ ثم رؤية المؤمنين لله تعالى يوم القيامة
18 ـ ثم صفة أنه تعالى فعال لما يريد ومعها ذكر صفتي الإرادة والمشيئة تبعا .(1/15)
هذا على وجه الإجمال ، أما على وجه التفصيل فهي كالتالي :
ذكر المصنف آيات الصفات ، وذكر مجموعة من الأحاديث ، ومجموعة الصفات التي ذكر ثماني عشرة صفة وكان أحياناً ، إذا ذكر مجموعة من الصفات يعقب بعد ذلك بالتذكير بمذهب السلف في الصفات ، وقد يطيل التعقيب أحياناً ، وقد يختصر أحياناً .
فذكر في البداية ثلاث عشرة صفة ثم عقب بعد ذلك ، وذكر قاعدة السلف في الصفات وهذا هو التعقيب الأول ، ثم عاد مرة أخرى بذكر بعض الصفات ، فذكر صفتين مهمتين ، يدور دائماً حولهما الجدل ، وهي صفة العلو والاستواء ، ثم عاد للتعقيب مرة أخرى ، وذكر منهج السلف ، فنقل عن مالك طريقة السلف ، ثم ذكر صفة الكلام لله عز وجل وأطال فيها ثم تكلم عن القرآن وأطال في ذلك أيضاً ، وذكر صفة الإرادة والتقدير وأطال في ذلك ، وذكر رؤية المؤمنين لله يوم القيامة وأطال في ذلك ثم بعد ذلك انتهى من آيات وأحاديث الصفات التي ذكر.
والملاحظ على المصنف رحمه اللَّه عندما يتحدث عن الصفات لله تعالى الملاحظات التالية :
1 - أنه يقتصر على ذكر إثباتها وأن السلف يثبتونها ويستدل على ذلك ولا يذكر مذاهب المعطلة في الصفات .
2 – أنه يختصر غالبا فلا يذكر إلا دليلا واحدا لكل صفة ماعدا بعض الصفات التي ذكرها في آخر بحثه .
3 ـ أنه لم يذكر حكم من أنكر صفة من الصفات .
4 - لا يهتم بالرد على مذهب المعطلة ومناقشة شبهاتهم .
ويبدو أنه وضعه فقط لبيان مذهب السلف بالأدلة هذا هو مقصده واللَّه أعلم، ولذا سوف نحاول إن شاء اللَّه ذكر مذاهب المعطلة ؛ لأنه بضدها تتبين الأشياء كما قيل.
والآن نبدأ بمشيئة الله بالتفصيل في ذكر ما ذكره المصنف من الصفات وسوف نبحث كل صفة إن شاء الله على شكل مسائل .
: فنقول وبالله التوفيق :
أولاً : صفة الوجه لله تعالى :
قال المصنف
( فمما جاء من آيات الصفات قوله عز وجل : { ويبقى وجه
ربك } (1) ) .
الشرح
__________
(1) ... سورة الرحمن : 27 .(1/16)
ذكر المصنف الآية: { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } (1) ، واقتصر على آية واحدة . وهناك آيات كثيرة في القرآن وأحاديث كثيرة تدل على صفة الوجه لله ، ومن أكثر الكتب بسطاً لهذه الصفة الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد، وقد بسط القول فيها خصوصاً الأحاديث ، وعقد ثلاثة أبواب لهذه الصفة ، ومثله ابن منده في كتابه التوحيد ، فقد تكلم عن هذه الصفة ، وكذلك اللالكائي في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة ، وقبلهم الدار مي في رده على طاغوت الجهمية بشر المريسي . وقبلها كتب السنة ، السنة لعبد اللَّه بن الإمام أحمد والسنة للخلال .
أما مذهب أهل السنة والجماعة في صفة الوجه :
أهل السنة والجماعة يثبتون أن لله عز وجل وجهاً موصوفاً بالجلال والإكرام ، قال ابن خزيمة في كتابه التوحيد في باب إثبات الوجه ، قال فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز واليمن وتهامة والشام مذهبنا أن نثبت لله ما أثبته لنفسه من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين ثم قال في الباب الذي بعده ، نحن نقول وعلمائنا جميعاً في جميع الأقطار أن لمعبودنا عز وجل وجهاً كما أعلمنا في محكم تنزيله فذوَّاه ( أي وصفه بأنه ذو جلال ) وحكم له بالبقاء ونفى عنه الهلاك ونقول أن لوجه ربنا عز وجل من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجه كل شيء أدركه بصره "
مذاهب الناس في صفة الوجه :
أ - مذهب أهل السنة والجماعة وقد مضى الكلام عنه .
__________
(1) ... الرحمن : 27 .(1/17)
ب - مذهب الجهمية وهو نفي صفة الوجه لله عز وجل ويؤلون ما جاء في القرآن من ذكر الوجه لله بأربع كلمات أنه الذات أو القبلة أو الثواب أو الأعمال الصالحة، فيقولون : ويبقى وجه ربك أي ذاته ، أي يبقى اللَّه ، ويقولون في قوله : { إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى } (1) ، أي : إبتغاء الثواب . وفي قوله : { فثم وجه اللَّه } (2) ، أي : القبلة . وقد رد عليهم الدارمي في كتابه: الرد على بشر المريسي، فتناول تأويل الجهمية ورد عليهم ردوداً مفحمة .
جـ - المعتزلة : ومذهبهم في صفة الوجه مثل الجهمية ، فهم ينفون الوجه عن اللَّه عزوجل ويؤولون ذلك بالذات ، أو بأن وجه اللَّه هو اللَّه وقد نقل الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين المجلد الأول ص290، مذاهب الناس في الوجه، وذكر مذهب المعتزلة ونسب إلى أبي الهذيل المعتزلي أنه قال إن وجه اللَّه هو اللَّه ، وأن غيره قال الذات ، انتهى .
ولعله يقصد النظام وهو من أئمة المعتزلة ، والأشعري خبير بمذهب المعتزلة فقد استمر أربعين سنة على الاعتزال ولذلك فأن أقواله مهمة في معرفة اعتقاد المعتزلة وغيرهم .
وهناك من ينتسب إلى السنة وإلى الحديث وإلى الحنابلة لكنه خلط ، واضطرب بصفة الوجه ، فمره يفسرها بتفسير المعتزلة ومره بمذهب المفوضة ومرة بمذهب السلف ، وهو ابن الجوزي رحمه الله ، ففي كتابه : " دفع شبه التشبيه0 " اختار مذهب المعتزلة في تفسير الوجه، وفي كتابه " تلبيس إبليس" ذهب مذهب المفوضة ، وفي كتابه " مجالس ابن الجوزي " ذهب مذهب السلف وأهل السنة ، مما يدل على اضطرابه وتخليطه في هذه الصفة .
__________
(1) ... الليل : 20 .
(2) ... البقرة : 115 .(1/18)
د - الكلاّبية : وهؤلاء يثبتون صفة الوجه لله تعالى كأهل السنة ويثبتون جميع الصفات الذاتية لله كالوجه واليد والعين ، ابتداءً من إمامهم عبد اللَّه بن سعيد بن كلاّب ، وكذا الأشعري فإنه يثبت صفة الوجه لله تعالى كما في كتابه الإبانة ص35، والأشعري على الصحيح أنه كُلاّبي ، وقد ذكر ذلك عنه ابن حجر في كتابه " لسان الميزان " ، لما ترجم لعبد اللَّه بن سعيد بن كلاّب ، قال : " وقد مشى الأشعري على طريقته " .
ومن الكلاّبية الذين أثبتوا صفة الوجه ( القلانسي ) والحارث المحاسبي ، المتصوف ، وابن مهدي الطبري والباقلاني ، كما أثبتها بعض المحدثين الذين فيهم كلاّبية، كالبيهقي وابن فورك . والبيهقي في كتابه " الأسماء والصفات " ، وابن فورك في كتابه " مشكل الحديث " ، قد أثبتوا صفة الوجه لله عز وجل .
والبيهقي رحمه اللَّه تأثر بالكلاّبية في باب صفات اللَّه الاختيارية ومثله شيخه ابن فورك .
وخلاصة مذهب الكلاّبية المحضة أو من تأثر بهم في بعض الوجوه فإنهم يثبتون صفة الوجه كأهل السنة والجماعة .
هـ - مذهب المجسّمة والمشبّهة : فإنهم يثبتون لله وجها كوجه المخلوقين ، تعالى اللَّه عن ذلك علواً كبيراً ، وقد رد عليهم ابن خزيمة في كتابه التوحيد في باب إثبات الوجه، وذكر مذهبهم الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين (1) .
و - مذهب الماتريدية : فهؤلاء ينفون صفة الوجه ولا يثبتونها ، ويفسرون الوجه بتفسيرات الجهمية ، أنها الذات أو الثواب أو القبلة ... إلخ .
ز - الأشاعرة : وهؤلاء قسمان :
1 - أوائل الأشاعرة : فهؤلاء في الحقيقة كلاّبية كأبي الحسن الأشعري ، والباقلاني، وهؤلاء يثبتون صفة الوجه .
2 - متأخري الأشاعرة : ويسمون الأشاعرة المحضة ، فهؤلاء ينفون صفة الوجه عن اللَّه عزوجل ويفسرون آيات الوجه بمعنى الذات أو الثواب أو الجزاء أو الأعمال الصالحة إلا أنهم يضيفون تفسيراً خاصاً بهم وهو (الرضى) .
__________
(1) ... 1/290 .(1/19)
مسألة : هل كل آية في القرآن ذكر فيها الوجه مضافاً إلى اللَّه هي من آيات الصفات ؟
الجواب : نعم ، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة ومنسجم مع أصولهم .
مسألة: هل الأحاديث الوارد فيها صفة الوجه مضافاً إلى اللَّه هي من أحاديث الصفات ؟
الجواب : نعم ، وهذه القاعدة أن اللَّه إذا أضاف الوجه إليه فهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف إلا في آية واحدة ، اختلف فيها السلف هل هي من آيات الصفات ، أم لا ؟ وهي قوله تعالى : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه اللَّه } (1) ، هذه الآية يتناولها أهل البدع ويفسرونها بتفسير لا يثبتون فيه وجه اللَّه ، وهذا ليس غريباً عنهم ؛ لأنهم لا يثبتون صفة الوجه لله في الآيات التي هي أصرح من هذه الآية ، كقوله : { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام }، لكن السلف المثبتون للوجه اختلفوا في تفسير هذه الآية على قولين :
- الأول : قاله مجاهد والشافعي واختاره ابن تيمية أنها ليست من آيات الصفات ، وإنما يراد به القبلة ، وقد رواه ابن جرير عن مجاهد ، وذكر ابن تيمية في الفتاوى لما تكلم عن الواسطية أن الاشاعرة أوردوا عليه هذه الآية وقال : إن السلف أولوها بالقبلة ، فقال هذه الآية ليست في محل النزاع ، المراد بها القبلة .
- الثاني : أنها من آيات الصفات وتدل على صفة الوجه لله تعالى ، وهذا الذي اختاره الدارمي في رده على بشر المريسي ، واختاره ابن خزيمة في كتابه (التوحيد) فقد ذكراه ضمن آيات الصفات التي تدل على صفة الوجه لله تعالى ، واختارها ابن القيم في كتابه مختصر الصواعق المرسلة 2/180 . وأطال النفس في ذلك ، وذكر الأقوال ، وعند تفسيرها بالقبلة شدد في الأمر ، وهذا القول يدل عليه الأصل ، ولأنها صفة أضيفت إلى اللَّه عز وجل .
__________
(1) ... البقرة : 115 .(1/20)
وقد ذكر ابن القيم أحاديث كثيرة توضح أن الآية تدل على الصفة وهو مبحث قوي ، والخلاف يسير في هذا ، فما دام أنهم يثبتون صفة الوجه لله تعالى، لكن في هذه الآية بالذات فسروها بأنها القبلة أو الجهة كما قال الشافعي . ولا شك أن هذا القول الثاني أي أنها من آيات الصفات هو الراجح وهو أيضا أقوى وأكثر احتياطاً وفيه سد لباب التأويل، ثم هو جاري على الأصل في الصفات المضافة إلى اللَّه تعالى .
بعض المسائل المتعلقة بصفة الوجه لله تعالى :
1 - ما جاء في الأحاديث من ذكر سبحات وجه اللَّه تعالى ، فما هي السبحات ؟
قبل تفسيرها نذكر الأحاديث الوارد فيها ذكر السبحات :
حديث أبي موسى مرفوعاً : " إن اللَّه لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، إلى أن قال: حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"(1) .
أما تفسير السبحات فقد قال الإمام أبو عبيد في كتابه غريب الحديث لما تكلم عن الحديث - لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره - قال : السبحة هي جلال وجهه ونوره (2) .
وفسر السبحات أيضاً الإمام الدارمي في كتابه الرد على بشر المريسي ، قال : السبحات أي الجلال والنور ، وقال مرة : لو كشف الحجب لأحرقت نور الرب وجلاله، وقال مرة : لو أدركه شيء من سبحات وجهه في الدنيا لاحترق .
ويتضح من كلام الإمامين أن السبحات مضافة إلى وجه اللَّه ، وأنها من صفات الوجه ، ولذا قال ابن خزيمة في كتاب ( التوحيد ) أن لوجه ربنا عز وجل من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء، وفسر ابن خزيمة السبحات بالنور والضياء والبهاء ، فأصبح السبحات صفة للوجه، وهذا هو التفسير الراجح .
__________
(1) ... أخرجه مسلم في صحيحه 1/161 (ح179) .
(2) ... غريب الحديث 3/173 .(1/21)
وجاء عن بعض أهل السنة أنه فسر السبحات بنور الذات ، وبعضهم فسر السبحات بالنور المخلوق وأنه هو معنى حديث : " إن اللَّه احتجب عن خلقه بالنور، وإن السبحات هي التي رآها الرسول عليه الصلاة والسلام لما عرج به، وقيل له هل رأيت ربك ؟ فقال : نور أنّى أراه " (1).
وبعضهم فسرها بمحاسن الوجه ، وهذا التفسير قريب من تفسير ابن خزيمة بأنها الضياء والبهاء لأن هذا محاسن للوجه .
وأما تفسير السبحات بنور الذات ففيه توسع لأن السبحات نُسبت إلى الوجه لا إلى الذات كما في الحديث : " حجابه النور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " (2) رواه مسلم ، في كتاب الإيمان.
والراجح في المسألة التفسير الأول الذي عليه الأئمة الثلاثة أبو عبيد والدارمي وابن خزيمة ، إذ أن السبحات صفة مضافة إلى الوجه . أما التفسير الثاني أنها نور الذات فهو تفسير ابن القيم نقله عنه الشيخ عبد اللطيف في الرسائل والمسائل النجدية (3) ، أما تفسيرها بأنها نور مخلوق هذا ضعيف .
2 - مسألة الحجب التي احتجب اللَّه بها عن خلقه .
وهي مسألة يذكرها بعض أهل السنة عند ذكر الوجه ويجعلونها من المسائل التابعة للوجه كما فعل الدارمي في رده على الطاغية بشر المريسي .
وقد ثبت في القرآن والسنة ذكر الحجب ، أما في القرآن قوله تعالى : { وما كان لبشر أن يكلمه اللَّه إلا وحياً أو من وراء حجاب } (4).
ومن السنة : فقد جاء في الصحيح من حديث صهيب (5): " إذا دخل أهل الجنة الجنة ... إلى أن قال : فيكشف الحجاب " ، ثم ذكر الرؤية دليل على أن الحجاب من مسائل رؤية وجه اللَّه سبحانه وتعالى .
__________
(1) ... رواه مسلم في صحيحه 1/161 (178) ، وأبو داود في سننه 1/64 (ح474) .
(2) ... سبق تخريجه .
(3) ... 3/100 .
(4) ... سورة :
(5) ... سبق تخريجه .(1/22)
وحديث أبي موسى مرفوعاً : " حجابه النور " . وروى الدارمي وغيره0 عن ابن عمر موقوفاً عليه احتجب اللَّه عن خلقه بأربع ، بنار ونور وظلمة ونور.
وجاء شاهد لحديث ابن عمر ، جاء عن عبد اللَّه بن عمرو موقوفاً عليه أن اللَّه احتجب بأربع ، وروى الدارمي بسنده عن زرارة بن أبي أوفى مرفوعاً أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سأل جبريل : هل رأيت ربك ، قال بيني وبينه سبعين حجاباً من النور، رواه البيهقي في الأسماء والصفات ، وابن خزيمة في التوحيد .
وخلاصة المسألة : أن الحجب ثابتة وأن اللَّه احتجب عن خلقه بحجب عدة ، والله أعلم بها من حيث العدد والماهية وإن كان جاء في بعض الآثار أنها أربع وفي بعضها سبعين فالله أعلم ، ومن حيث الماهية وإن كان جاء في بعض الآثار أنه نور ، نار ، ظلمة فالله أعلم .
مسألة : هل من صفات الوجه أن يقال له صورة أي للوجه صورة ؟
3 - جاء في حديث أبي هريرة مرفوعاً قال : " من قاتل فليجتنب الوجه، فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن " (1) .
أما بالنسبة للحديث هذا فقد رواه ابن أبي عاصم في السنة، ورواه غيره، لكن الحديث ضعيف ؛ لأن فيه ابن لهيعة ، وهو ضعيف الحديث ، وفي هذه المسالة نقول الله أعلم
أما من حيث إثبات الصورة لله ، فإن أهل السنة بالإجماع يثبتون الصورة لله عزوجل، وقد دل على ذلك حديث متفق عليه، فإن اللَّه خلق آدم على صورته، وفي رواية على صورة الرحمن .
__________
(1) ... أخرجه البخاري في صحيحه 2/902 (2420) ، ومسلم في صحيحه 4/2016 (2612).(1/23)
والصحيح في الضمير أنه يرجع إلى اللَّه عز وجل ، وهذا هو اختيار جميع السلف، وقد نقل الإجماع ابن تيمية ، حيث قال في نقض التأسيس لم يكن بين السلف والقرون المفضلة الثلاثة نزاع في أن الضمير عائد إلى اللَّه عز وجل، فإنه مستفيض من طرق متعددة عن عدد من الصحابة، وقال مرة : علماء الأمة لم تنكر إطلاق القول بأن اللَّه خلق آدم على صورة الرحمن بل كانوا متفقين على إطلاق مثل هذا .
وجاء عن بعض السلف إعادة الضمير على المضروب ، وهذا القول اختاره ابن خزيمة في كتاب التوحيد ، لكنه ضعيف جداً ، وهذا القول محجوج بإجماع السلف قبله ، وممن أعاد الضمير إلى غير اللَّه من السلف : أبي ثور ، وأبي الشيخ الأصبهاني، ذكر ذلك عنهما الدكتور عبد اللَّه الدميجي في تعليقه على الشريعة للآجري (1) ، وهناك قول ثالث في إرجاع الضمير لآدم أي أن اللَّه خلق آدم على صورته ، وهذا القول هو قول الجهمية وأهل الكلام ولا يجوز القول به . وقد قال الإمام أحمد : من قال إن اللَّه خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي .
مسألة: ذكر البخاري رحمه اللَّه تعالى في صحيحه في تفسير سورة القصص ، قوله تعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه } (2) ، قال البخاري : يقال إلا ملكه ، ويقال : إلا ما أريد به وجهه ، انتهى .
وهذا فيه إشكال ، ووجه الإشكال تفسير الوجه بالملك ، وتفسير الوجه بإرادة الثواب أو الإخلاص ، ولكن الإشكال يزول إذا عرفنا مسألتين :
أ - أن البخاري على مذهب السلف في مسألة الوجه بل إنه في آخر صحيحه في كتاب التوحيد ، قال : باب ما جاء في كل شيء هالك إلا وجهه ، وذكر حديث الاستعاذة بوجه اللَّه مما يدل على أنه يثبت الوجه .
ب - أن البخاري في نقله لمن فسر الوجه بالملك ، قال ( يقال ) وهذه صيغة تمريض تدل على أنه لم يثبت القول ، وإنما ذكره رحمه اللَّه لبيان ضعفه . ومما سبق في كلام البخاري تبين لنا حسن صنيعه رحمه اللَّه .
__________
(1) ... 3/1147 .
(2) ... القصص : 88 .(1/24)
والغريب أيضاً أن ابن جرير الطبري في تفسير سورة القصص لما فسر قوله : {كل شيء هالك إلا وجهه} قال : اختلف في معنى إلا وجهه ، وذكر أقوالا ثم قال ، وقال بعضهم إلا ما أريد به وجهه ، وأبهم ابن جرير القائل على خلاف عادته في ذكر السند إلى من ينقل عنهم التفسير من السلف . علماً بأن ابن جرير من أهل السنة ومن أئمة السلف يثبت الوجه على طريقة السلف .
2- صفة اليدين لله تعالى :
قال المصنف :
وقوله سبحانه وتعالى { بل يداه مبسوطتان }
الشرح
المسألة الأولى :
المصنف رحمه اللَّه ذكر الصفة الثانية من صفاته سبحانه وتعالى ، وهي صفة اليدين ، واستدل عليها بآية واحدةٍ ، وهي قوله تعالى : {بل يداه مبسوطتان}(1) واختيار المصنف آية في ذكر التثنية أقوى رداً على المعطلة في إثبات اليدين لله كما سوف نوضح ذلك إن شاء اللَّه
المسألة الثانية :
وصف اليدين ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة والإجماع بأن له يدين اثنتين.
المسألة الثالثة :
من صفات اليدين ، ذكر ابن القيم في مختصر الصواعق (2) الوجوه التي وردت في صفات اليدين فقال : فلفظ اليد ورد في الكتاب والسنة ، وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع وروداً متنوعاً متصرفاً مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقية من الإمساك والقبض والطي ، والبسط والمصافحة والحثيات ، والنضح باليد إلى أن قال والمسح وأنه مسح ظهر آدم بيده وذكر الرفع والخفض وذكر الهز ، انتهى بتصرف .
فيدل ما سبق على أن هذه الاشياء من أعمال اليد فإن اللَّه يمسك بها، ويقبض ... إلخ .
مذاهب الناس في صفة اليدين لله تعالى :
1 - مذهب أهل السنة والجماعة إثبات اليدين لله .
2 - مذهب ابن حزم حيث أثبت أن لله أيدي كثيرة ، فقال في كتابه الدرة فيما يجب اعتقاده (3) قال : إن لله يداً ويدين وأيدي .
__________
(1) ... المائدة : 64 .
(2) ... 2/171 .
(3) ... الدرة لابن حزم ص248.(1/25)
3 - مذهب أبو العباس القلانسي الرازي الكلاّبي وهو معاصر لأبي الحسن الأشعري، قال : إن اليد صفة واحدة لا صفتان .
4 - مذهب المشبهة وهم الذين يثبتون لله أيدي كأيدي الناس ، أمثال هشام بن الحكم الرافضي ، وهشام بن سالم الجواليقي ، وداود الجواربي .
وكل هؤلاء يسمون الهشامية ، وهم روافض ومذهبهم إثبات أن لله جميع أعضاء الإنسان إلا الفرج واللحية ، تعالى اللَّه عن ذلك علواً كبيراً .
وقال هشام بن سالم : إن اللَّه على صورة الإنسان وأن له يد ورجل وأذن وأنف وذكر أشياء ، وهذا المذهب ذكره أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (1) .
5 - مذهب المجسمة ، وهم المقاتلية أصحاب مقاتل بن سليمان فمذهبهم أن اللَّه جسم وجثة على صورة الإنسان ، له جوارح وأعضاء وهو مع هذا لا يشبه غيره، ذكر ذلك عنهم الأشعري في مقالات الإسلاميين (2) ، والفرق بين المشبهة والمجسمة فرق واحد وهو أن المجسمة يثبتون أن لله جسما وينفون عنه أنه يشبه غيره ، والمشبهة يثبتون أن اللَّه له جسم ويشبهونه بغيره .
6 - مذهب المعطلة من الجهمية والمعتزلة والماتريدية والأشاعرة المحضة أي متأخري الأشاعرة ، فإنهم ينفون اتصاف اللَّه بصفة اليد ويؤولونها بأحد عشر تفسيراً : القدرة ، القوة ، الملك ، النعمة ، السلطان ، العطاء ، الرزق ، الخزائن، البركة ، الكرامة ، العناية .
7 - مذهب الكلاّبية ، ومتقدمي الأشاعرة ، فهؤلاء مثل أهل السنة ، فيثبتون صفة اليدين لله عز وجل ولا يؤولونها .
مسألة :
إن للَّه سبحانه وتعالى يدان توصف إحداهما باليمنى واختلفوا في مسمى الثانية على أقوال وهذا الخلاف داخل في مذهب أهل السنة والجماعة :
القول الأول :
__________
(1) ... مقالات الإسلاميين 1/290 .
(2) ... مقالات الإسلاميين 1/282 .(1/26)
أن الثانية تسمى اليمنى أيضاً ، فكلتا يديه يمين ، واستدلوا بالحديث الصحيح " كلتا يديه يمين " (1) وهو قول الإمام أحمد ، راجع طبقات الحنابلة لأبي يعلى (2) ، فإنه قال كما صح الخبر عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كلتا يديه يمين ، الإيمان بذلك . انتهى .
واختاره ابن خزيمة في كتاب التوحيد ، وانتصر لذلك ونفى أن تسمى شمالا، وقال في أول كلامه ، إن مذهبنا ومذهب أهل الأثر ، وذكر إثبات اليد وقال : ونقول كلتا يديه يمين لا شمال فيهما، وذكره أيضاً ابن بطة في كتابه "الإبانة" في كتاب الرد على الجهمية ، ذكر باب كلتا يديه يمين.
القول الثاني :
أنها تسمى بالشمال ( أي اليد الثانية ) واستدلوا بحديث رواه مسلم من حديث ابن عمر أنه قال ثم يطوي الأرضين بشماله (3)، وذهب إلى هذا القول الدارمي، والشيخ محمد بن عبد الوهاب في آخر كتاب التوحيد وأبي يعلى في كتاب (إبطال التأويل) . وزاد الدارمي أنها تسمى (يسار) أيضاً ، أي شمال أو يسار، واستدلوا على ذلك بحديث سلمان في إثبات الشمال، والحديث إن اللَّه خمّر طينة آدم بيده ، فخرج كل طيب بيمينه ، وكل خبيث بشماله، وأما استدلالهم باليسار، فهو حديث أبي الدرداء مرفوعاً : " خلق اللَّه آدم حين خلقه فضرب كتفه الأيمن فأخرج ذرية بيضاء إلى أن قال : وضرب كتفه اليسرى فقال للتي في يمينه إلى الجنة ولا أبالي، وقال للتي بيساره إلى النار ولا أبالي " (4) .
القول الثالث :
__________
(1) ... رواه مسلم في صحيحه 3/1458 (ح1827) ، وأحمد في مسنده 2/160 (ح6492) ، والنسائي (المجتبى) 8/221 (ح5379).
(2) ... 1/313 .
(3) ... رواه مسلم في صحيحه 4/2148 (ح2788) .
(4) ... رواه أحمد وعبد اللَّه بن أحمد في السنة1059 ، والبزار برقم (2) ، 6/441 .(1/27)
أن اليد الثانية تسمى الأخرى ولا يطلق عليها يمينا ولا يسارا ولا شمالا، وإنما يقال اليد الأخرى ، ودليلهم في ذلك ما رواه أبو داود من حديث ابن عمر : " ثم يطوي الأرضين بيده الأخرى " .
والراجح في المسألة : القول الأول ، وهي أن تسمى الثانية يمين ، أما الرد على أدلة المخالفين ، فحديث ابن عمر في مسلم في ذكر الشمال فوصف الشمال شاذ ، تفرد بها عمر بن حمزة وضعّفها البيهقي في الأسماء والصفات (1) .
ورواه نافع وعبد اللَّه بن مقسم رويا حديث ابن عمر عند البخاري ومسلم ولم يذكرا الشمال، وأما حديث سلمان أنه أخرج كل خبيث بشماله ، هذه ضعفها البيهقي في الأسماء والصفات ص327 ، أما حديث أبي الدرداء ، الشاهد قوله : " وقال للتي في يساره " لم نتمكن من بحث صحة الحديث، ولعله يتيسر فيما بعد بحثه .
صفة الأصابع لله تعالى ومن يثبتها :
بعض أهل العلم يجعلون الأصابع تابعة لليد ويجعلون من صفة اليد لله الأصابع لها، لأن هذا مقتضى اللغة العربية ، وهذا ما يفهمه العربي حينما يقال له ذلك .
لكن الأحسن أن يحتاط في المسألة ، ويسكت عن نسبة الأصابع إلى اليد ، إنما يقال له أصابع أو لله أصابع ، ولذا السلف يقولون : إثبات الأصابع لله ولا يقولون إثبات الأصابع ليد اللَّه ونسبتها إلى اللَّه في قول أصابع اللَّه أدق وأحوط ، مع أن القول الأول له قوة من ناحية دلالة اللغة العربية عليه فالأول أقوى دليلا والثاني أحوط لمن أشتبه عليه ، ونسأل الله أن لا يكون في كلامنا هذا شيء من التنطع المذموم والتعمق ونستغفر الله ونتوب إليه واللَّه أعلم .
__________
(1) ... ص324.(1/28)
وأما ثبوت الأصابع لله فقد جاء ثبوتها في السنة بأحاديث صحيحة منها حديث : " يضع السموات على إصبع " (1)، وهو في الصحيح من حديث ابن مسعود وكذلك حديث أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن ، وأهل السنة والجماعة مجمعون على إثبات الأصابع لله على ما يليق بجلاله .
ومذاهب الناس في إثبات الأصابع على أقسام :
1 - أهل السنة والجماعة وهم على إثبات الأصابع لله عز وجل .
2 - الذين يؤولون الأصابع كتأويل اليد ، فيؤولونها بالقدرة والملك ... إلخ . وهذا مذهب الجهمية والمعتزلة ومتأخري الأشاعرة والماتريدية ، ويضاف على ذلك آخرون أثبتوا اليدين كما مر معنا لكنهم أولوا الأصابع كالبيهقي وشيخه ابن فورك .
3 - من أنكر إثبات الأصابع لله ونفى صحة ورود ذلك كالخطابي ، نقل ذلك عنه السفاريني في عقيدته جـ1 لما تكلم عن صفة الأصابع لله عز وجل.
مسألة : عدد الأصابع وهل يثبت لله عدد محدد للأصابع كما أثبتنا أن له يدان اثنتان ؟
الذي ورد في حديث ابن مسعود خمسة أصابع ، وفي حديث تقليب القلب ذكر إصبعين ، فنثبت هذا العدد لأنه ورد . ونقول : " آمنا بما جاء عن اللَّه على مراد اللَّه وبما جاء عن رسول اللَّه على مراد رسول اللَّه " ، ونسكت عن تحديد ذلك، ونقول : اللَّه أعلم . ويسعنا ما وسع من قبلنا من ترك تحديد العدد مع إثبات ما ورد .
مسألة : الكف :
أهل السنة والجماعة على أن لله كفا ، واستدلوا بحديث رواه مسلم لما ذكر الصدقة ، قال ما تصدق أحد بصدقة ... إلى أن قال : فتربوا في كف الرحمن " (2). وأهل السنة والجماعة يثبتون الكف لله ، وأما المعطلة فيؤولونها كتأويل اليد .
مسألة : هل يقال أن اليد هي الكف أم بينهما فرق ؟
__________
(1) ... رواه البخاري في صحيحه 4/1812 (ح4533) ، ومسلم في صحيحه 4/2147 (ح2786) .
(2) ... البخاري 2/511 (ح1344) ، ومسلم 2/702 (1014) .(1/29)
هذه المسألة لا أذكر فيها شيئا الآن عن السلف ، ولعل اللَّه يُيسر فيها شيء فيما بعد ، لكن من ناحية لغة العرب فإنهم أحياناً يطلقون لفظ الكف على اليد فيكون معناهما واحد وأحياناً يجعلون اليد أوسع من الكف ، أما بالنسبة لله تعالى فهذا يحتاج لنصوص من القرآن أو السنة أو كلام السلف ، لكن لا ننسى أن القرآن والحديث مبني على اللغة العربية وجاء بما يفهمه العرب ، والعربي يفهم من الكف ما هو دارج معروف وكذا في الأنامل والأصابع وهذا من حيث المعنى ، أما الكيفية فلا تُعرف إنما هي من أمور الغيب لا يعلمها إلا الله ، وكلامنا هنا هو نفس كلامنا السابق في مسالة الأصابع
مسألة : الأنامل : هل نثبتها لله عز وجل ؟
أهل السنة والجماعة يثبتون ذلك لأنه ورد في الحديث فيما رواه أحمد والترمذي وابن خزيمة وهو حديث صحيح ويسمى حديث ( اختصام الملأ الأعلى ) ، قال الرسول عليه الصلاة والسلام : " فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري " (1) .
والشاهد قوله ( أنامله ) فأضافها إليه من باب إضافة الصفة إلى الموصوف . وقد أثبت الأنامل ابن تيمية في رده على الرازي في كتابه نقض أساس التقديس ، لما أول الرازي الأنامل بالعناية (2) .
وفي هذا الحديث دليل على إثبات الكف لله ، وأما عدد الأنامل فينظر هل ورد عن السلف شيء في ذلك فيثبت وألا نقف حيث وقفوا . ومثله عدد الكف هل يقال إن اللَّه له كفان كاليدين ، وهل يقال أن فيهما كف يمنى ؟ الجواب : إن ورد شيء عن السلف في ذلك فنقول بما قالوا وأن لم يرد فنقف حيث وقفوا ، أما الآن فلا يحضرني شيء .
مسألة : الساعد والذراع : فهل يثبت لله ساعد وذراع ؟
__________
(2) ... راجع كتاب صفات اللَّه ، تأليف : علوي السقاف .(1/30)
هذه المسألة لا زالت محل بحث . والبيهقي تكلم عن أحاديث الساعد في كتابه "الأسماء والصفات" ،فقال : باب ماذكر في الساعد والذراع ثم ذكر بسنده حديثا هو ( ساعد الله أشد من ساعدك وموسى الله أحد من موساك ) وفسره بالقدرة والنفوذ والقوة قال ويوضح ذلك أن معنى موساه أي قطعه أسرع من قطعك اهـ . ثم ذكر أحاديث الذراع مثل ( غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار ) وحديث ( خلق الملائكة من نور الذراعين ) ولم يجعل ذلك من باب الصفة لله تعالى ، اهـ مختصرا . وهذا صحيح لأن الأحاديث التي ذكر في الذراع لم تُظف لله .
وذكر الشيخ مرعي المقدسي في كتابه أقاويل الثقات ص 163 قال : وأما الساعد والذراع فقال القرطبي : أسند البيهقي وغيره حديث ( ساعد الله أشد من ساعدك الخ .... وذكر البيهقي حديث ( خُلقت من نور الذراعين ) قال مرعي : إن الذراع جاء مطلقا غير مظاف إلى الله ، وقال إن الساعد يطلق بمعنى القوة والتدبير قال : ويوضح ذلك قوله وموسى الله أحد من موساك يعني قطعه في مقدورا ته أسرع من قطعك اهـ .
وذكر بعض المؤلفين أن أبا يعلى الحنبلي ذكر الساعد في كتابه إبطال التأويلات لكن لم أجده في الأجزاء التي عندي فالله أعلم . أما بالنسبة للذراع فقد اختار أبو يعلى أن الذراع صفة من صفات الله ج 1/204 تحقيق الحمود . وهل الذراع بمعنى الساعد عند أبي يعلى ، فيكون بذلك مثبتا للساعد ؟ الله أعلم .
هذا ما تيسر جمعه ، ولازالت المسألة تحتاج إلى بحث أكثر ، ولا زال في النفس حاجة إلى تطلع أكثر لعل الله ييسر بحثا أوسع .
مسألة : وهي بعض الأحاديث والآيات التابعة لهذه المسألة وفيها خلاف هل هي من آيات الصفات أم لا ؟
1 - قال تعالى : { والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون } (1) ، هذه الآية ليست من آيات الصفات والسبب لأن الأيدي ليست مضافة إلى اللَّه سبحانه بخلاف آيات الصفات ، على أننا نقول بإثبات اليد لله عز وجل .
__________
(1) ... الذاريات : 47 .(1/31)
2 - حديث " الحجر الأسود يمين اللَّه في الأرض " (1). هذا الحديث تكلم عنه الدارمي في كتابه الرد على بشر المريسي ، وقال : لقد علمنا يقيناً أن الحجر الأسود ليس بيد اللَّه نفسه . إن يمين اللَّه معه على العرش غير بائن منه ، وتأويله عند أهل العلم الذي يصافح الحجر الأسود ويستلمه كأنما يصافح اللَّه . انتهى .
الصفة الثالثة : صفة النفْس لله تعالى
قال المصنف : وقوله تعالى إخبارا عن عيسى عليه السلام أنه قال { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك }
الشرح
ذكر المصنف آية واحدة للتدليل على إثبات هذه الصفة لله سبحانه وتعالى ، وأهل السنة والجماعة يثبتون صفة النفس لله تعالى ، أما الأدلة على ذلك ، ما ذكر المصنف ، قوله تعالى : { ويحذركم اللَّه نفسه } (2) ، وقوله : { كتب على نفسه الرحمة } (3) ، وحديث : " إني حرمت الظلم على نفسي " (4) رواه مسلم ، وحديث: " لئن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي " (5) متفق عليه .
إلا أن السلف رحمهم اللَّه اختلفوا في ما هو المراد من صفة النفس بعد ما أثبتوا النفس لله ، على قولين :
القول الأول :
__________
(1) ... المستدرك على الصحيحين 1/627 (1681) ، صحيح ابن خزيمة 4/221 (2737) .
(2) ... آل عمران : 28 .
(3) ... الأنعام : 12 .
(4) ... رواه مسلم في صحيحه 4/1994 (ح2577) .
(5) ... رواه البخاري في صحيحه 6/2694) (ح6970) ، مسلم صحيحه 4/2061 (ح2675).(1/32)
أن النفس بمعنى الذات الإلهية بصفاتها ، وهو الذي اختاره ابن تيمية ، وقد قال في الفتاوى (1) : ونفسه هي ذاته المقدسة ، وقال في الفتاوى (2) : ويراد بنفس الشيء ذاته وعينه ، ثم استدل بآية : { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}(3) ، وقوله : { كتب على نفسه الرحمة } ، وآية : { ويحذركم اللَّه نفسه} وذكر حديث : " فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي " . وقال إن النفس في هذه المواضع بمعنى الذات المتصفة بصفاتها عند جمهور العلماء ، وليست الذات المنفكة عن الصفات ولا المراد بها صفة الذات ، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات . كلا القولين خطأ . انتهى .
واختيار ابن تيمية رحمه اللَّه مرجوح خلاف الصحيح كما سوف يأتي إن شاء اللَّه تعالى .
القول الثاني :
إن النفس صفة من صفات اللَّه كغيرها من الصفات واختار هذا القول ابن خزيمة في كتاب التوحيد ، وابن قدامة في كتابه هذا - لمعة الاعتقاد - واختاره أيضاً عبد الغني المقدسي في عقيدته ، واختاره أيضاً أبو يعلى في كتابه إبطال التأويلات(4)، واستدلوا على ذلك أنها جاءت مضافة إلى اللَّه من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، كما في الآية التي ذكر المصنف { ولا أعلم ما في نفسك } ، وقوله : { كتب ربكم على نفسه الرحمة } (5) .
وهذا هو الصحيح في المسألة أن النفس صفة من صفات اللَّه .
مسألة : مذهب المعطلة في صفة النفس لله تعالى :
هم لا يثبتون لله تعالى صفة النفس ، كغيرها من الصفات ، وجميع المعطلة من الجهمية والمعتزلة والكلاّبية والأشاعرة يفسرون النفس في الآيات السابقة بمعنى الذات، والفرق بين كلامهم وكلام ابن تيمية : أنهم يقولون أن النفس الذات المجردة. وابن تيمية يقول أن النفس بمعنى الذات المتصفة بالصفات .
__________
(1) ... 14/196 .
(2) ... 9/292 وما بعدها .
(3) ... المائدة : 116 .
(4) ... 2/442 .
(5) ... الأنعام : 54 .(1/33)
مسألة : ( وذكرناها من باب الاستطراد ) :
صفة النَفَس : هل تثبت لله أم لا ؟
جاءت أحاديث منها حديث أبي هريرة مرفوعاً : " من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس اللَّه عنه كربة من كرب يوم القيامة " (1) رواه مسلم.
وحديث أبي بن كعب مرفوعاً : " في النهي عن سب الريح فإنها من نفس الرحمن"(2). صححه الترمذي .
ومعنى النفس : أي التنفيس ، كما قال أبو يعلى في إبطال التأويلات (3) . وعليه فالتنفيس من أفعال اللَّه كالتفريج وهي من صفات اللَّه المتعلقة بالمشيئة .
ومنها قوله عليه السلام : " إني أجد نفس الرحمن من هاهنا - وأشار إلى اليمن-" (4)
وهذه الأحاديث : الملاحظ أن النفس مضاف إلى اللَّه ، فهل هو من باب إضافة المخلوق إلى الخالق أم من باب إضافة الصفة إلى اللَّه ؟ أم يقال أنها مظافة إلى الله لكن السياق بين نوع الاظافة فهي مثل الحجر الأسود يمين الله ثم فسر ذلك .
ذكر صاحب كتاب صفات اللَّه تأليف علوي السقاف وهو سلفي المعتقد في باب الصفات ص256 أنها من باب الصفات، وقال إنها من باب الصفات الفعلية لله وأن معنى النفس بمعنى التفريج، مثل جاء فرج اللَّه أي تفريج اللَّه .
__________
(1) ... رواه مسلم في صحيحه 4/2074 (ح2699) ، وأبو داود في سننه 4/287 (ح4946) ، والترمذي في سننه 4/34 (ح1425) .
(2) ... أخرجه النسائي في السنن الكبرى 6/231 (ح10769) ، والترمذي في سننه 4/521 (ح2252) .
(3) ... 1/250 .
(4) ... رواه الطبراني في الكبير 7/60 ، ورواه البزار في المسند ، راجع : كشف الأستار (1689) ، ورواه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات 2/209، وحديث رواه في المسند 2/541 ، بلفظ: " وأجد نفس ربكم من قبل اليمن " .(1/34)
وقد أثبت النفس بمعنى التنفيس كل من أبي يعلى (1) واختاره وذكر أنه اختيار شيخه أبي عبد الله ، والأزهري (2) ، واختار ابن قتيبة (3) أن النفس بمعنى التنفيس
والفرج والتفريج .
الصفة الرابعة والخامسة : صفة المجيء والإتيان لله تعالى
قال المصنف : وقوله سبحانه { وجاء ربك } وقوله تعالى { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله }
الشرح
وأهل السنة والجماعة يثبتون المجيء لله ، قال تعالى : { وجاء ربك } (4) ، ويثبتون الإتيان . قال تعالى : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللَّه } (5) ، وهي من الصفات المتعلقة بمشيئة اللَّه ، فمتى شاء جاء وأتى .
مسألة : مذهب المعطلة في هاتين الصفتين :
جميع المعطلة ينكرون هذه الصفة ويفسرون المجيء والإتيان بعدة تفسيرات :
1 - الإتيان : أي إتيان أمره تعالى ، فيقولون وجاء ربك قالوا فيه حذف والمعنى : جاء أمر ربك . وقوله : { إلا أن يأتيهم اللَّه } أي أمر اللَّه ، قالوا بدليل قوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك } (6) .
2 - أو يفسرون الإتيان والمجيء بإتيان ومجيء بعض المخلوقات ، فمعنى وجاء ربك ، أي : ملائكة ربك ، أو عذاب ربك، وكلامهم هذا كله باطل .
فالآيات صريحة في إثبات المجيء والإتيان لله تعالى .
مسألة : هل المجيء والإتيان صفة واحدة أم لا ؟
ظاهر صنيع المؤلف أنه جعلهما صفتين ؛ لأن من عادته جعل آية لكل صفة وهنا جعلهما في آيتين مستقلتين .
__________
(1) ... في إبطال التأويلات 1/250 .
(2) ... في تهذيب اللغة 13/9 .
(3) ... في كتابه تأويل مختلف الحديث ص249 ، ط. المكتب الإسلامي .
(4) ... الفجر : 22 .
(5) ... البقرة : 210 .
(6) ... النحل : 33 .(1/35)
وذكر الهراس في شرحه على النونية أنهما صفتان ، وقال أيضاً في شرحه للواسطية أنهما صفتان ووافقه على ذلك علوي السقاف في كتابه صفات اللَّه ص38 أنهما صفتان ، وأيضاً العلامة عبد العزيز الرشيد شارح الواسطية المسمى التنبيهات السنية ذكر أنهما صفتان ص88 ، 89 ، قال : أفادت الآيات إثبات أفعاله الاختيارية فالإتيان والنزول والمجيء والاستواء كلها أنواع أفعاله .
وفي النفس شئ مما قالوا ويشكل على ذلك أن سياقها واحد وأسبابها واحدة ومتعلقها واحد .
والذي يظهر لي - واللَّه أعلم - أنهما صفة واحدة وليست صفتين . والدليل على ذلك :
1 - أن من فرّق بينهما يستدل بآية : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللَّه في ظلل}، وبالمجيء بآية : { وجاء ربك } وسبب المجيء والإتيان واحد ، وهو من أجل الفصل بين الخلائق يوم القيامة فيكون جاء في الآية هي نفس معنى أتى لأنه جاء وأتى لشيء واحد وهو الفصل بين الخلائق حينما تشقق السماء بالغمام ، فسببهما واحد وزمانهما واحد .
2 - الدليل الثاني : ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً وهو حديث قدسي (1) : " إذا تلقاني عبدي بشبر تلقيته بذراع ، إلى أن قال : وإذا تلقاني بباع جئته " أتيته بأسرع . قال النووي : هكذا هو في أكثر النسخ والشاهد قوله ( جئته أتيته ) .
3 - المعنى اللغوي : فإن معنى أتى هي معنى جاء لغةً ، واللَّه أعلم .
4 ـ قاعدة بعض السلف أنه إذا اختلف المتعلق كانت صفتين ، مثل صفة الرحمن والرحيم فإنهم جعلوهما صفتين لأن متعلقهما مختلف فتعددت لذلك ، ونحن نقول نفس الكلام تمشيا وقياسا على ذلك .
الصفة السادسة : صفة الرضى
قال المصنف : وقوله تعالى { رضي الله عنهم ورضوا عنه }
الشرح
واستدل المصنف بآية واحدة ، وهي قوله تعالى : { رضي اللَّه عنهم ورضوا عنه } (2) .
مسألة : مذهب أهل السنة والجماعة في هذه الصفة :
__________
(1) ... رواه مسلم في صحيحه 4/2061 (ح2675) .
(2) ... المائدة : 119 .(1/36)
أهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفة لله تعالى ، فمتى شاء رضي .
مذهب المعطلة :
أما المعطلة بجميع أصنافهم فإنهم ينكرون صفة الرضى لله ويفسرونها بعدة تفسيرات ، إما بمعنى الثواب ، ومعنى رضي اللَّه عنهم أي أثابهم ، وأحياناً يفسرونها بمعنى الثناء ، رضي اللَّه عنهم أي أثنى عليهم ، وهذا كله إلحاد في صفات اللَّه .
ويرد عليهم : بأن الثواب والثناء من آثار الرضى ، ومن نتائج وثمرات الرضى، وليس هو الرضى نفسه ، ففرق بين الصفة وآثارها .
الصفة السابعة : صفة المحبة
قال المصنف : وقوله تعالى { يحبهم ويحبونه }
الشرح
استدل المصنف عليها بآية واحدة ، وهي قوله : { يحبهم ويحبونه } (1) .
مسألة :
السلف يثبتون صفة المحبة لله وهي من الصفات المتعلقة بالمشيئة فهو يحب من شاء وما شاء متى شاء .
مسألة : مذهب المعطلة في هذه الصفة :
المعطلة بجميع أصنافهم ينكرون هذه الصفة ؛ لأن إثباتها يقتضي التجسيم وحلول الحوادث لله تعالى ، ويفسرون المحبة بالإثابة والثواب أو بالنصر والتأييد ، وقاعدتهم أنهم يفسرون المحبة بآثارها وثمراتها .
والرد عليهم كما سبق في صفة الرضى .
الصفة الثامنة ، والتاسعة والعاشرة : صفة الغضب والسخط والكراهية
قال المصنف :
وقوله تعالى في الكفار { غضب الله عليهم } وقوله تعالى { اتبعوا ما أسخط الله }وقوله تعالى { كره الله انبعاثهم }
الشرح
وهذه ثلاث صفات أثبتها أهل السنة والجماعة .
أما دليل صفة الغضب : قوله تعالى : { غضب اللَّه عليهم } (2) .
ودليل صفة السخط : قوله تعالى : { واتبعوا ما أسخط اللَّه } (3) .
وصفة الكراهية : قوله تعالى : { كره اللَّه انبعاثهم } (4) .
وهذه الثلاث صفات من الصفات المتعلقة بالمشيئة ، فمتى شاء غضب وسخط وكره .
مسألة : هل هي صفة واحدة أم هي ثلاث صفات ؟
__________
(1) ... المائدة : 54 .
(2) ... الممتحنة : 13 .
(3) ... محمد : 28 .
(4) ... التوبة : 46 .(1/37)
هي ثلاث صفات ، وهو ظاهر صنيع السلف يجعلونها ثلاث صفات ؛ لأن متعلقها مختلف وآياتها مختلفة وأسبابها مختلفة ، فمثلاً : الكره جاء في سياق ذكر المنافقين ، والسخط في سياق عن الكافرين ، والغضب أحياناً يغضب على الكفار ، وفي بعض النصوص توعد بالغضب لعصاة الموحدين ، فلما اختلف متعلقاتها أصبحت صفات مثل الرحمن والرحيم ، فإنهما صفتان ؛ لأن متعلقهما مختلف ، فالرحمن عام لجميع الخلق ، والرحيم خاص بالمؤمنين . هذا على أحد قولي السلف في متعلق الصفتين .
مذهب المعطلة في هذه الثلاث صفات :
هو الإنكار والتعطيل ، ويفسرون هذه الصفات بآثارها ومقتضياتها ، فيقولون غضب اللَّه عليهم أي عذبهم أو يفسرونها بالانتقام وعدم التوفيق والخذلان ، فقوله: { كره اللَّه انبعاثهم } (1) أي لم يوفقهم .
الصفة الحادية عشر : صفة النزول
قال المصنف : ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا )
ذكر المصنف لذلك دليلاً من السنة : " ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا"(2) الحديث .
مسألة : مذهب أهل السنة والجماعة في صفة النزول :
أنهم يثبتونه لله في كل ليلة إلى السماء الدنيا ، وهذه الصفة من الصفات المتعلقة بالمشيئة .
مسألة : مذهب المعطلة في هذه الصفة :
1 - مذهب الجهمية والمعتزلة ومتأخري الأشاعرة والماتريدية : كل هؤلاء ينكرون صفة النزول ، ويفسرون النزول إما بنزول أمره ، وإما بنزول ملائكته أو رحمته .
2 - مذهب الكلاّبية : وهؤلاء يثبتون النزول لله ، ويقولون : إن النزول صفة من صفات اللَّه ، لكن حينما يفسرون هذه الصفة ، يفسرونها بتفسير يدل على أنه مخلوق ، فيقولون : معنى ينزل اللَّه ، أي أنه فعل يفعله اللَّه في السماء الدنيا سماه نزولاً، ومعنى كونه فعلا ، أي شيء مفعول مخلوق .
__________
(1) ... التوبة : 46 .
(2) ... سبق تخريجه .(1/38)
فكلامهم تماماً مثل كلام الجهمية ، إلا أنه مخفف العبارة أو مغلّف بغلاف يخدع الناظرين، فإذا قالوا إنه من صفات اللَّه الفعلية ظن الظان أنهم يثبتون الصفة كالسلف ، لكن إذا قالوا فعل يفعله اللَّه في السماء ، انفضح أمرهم ، لأنهم يجعلونه مخلوقاً ، أو شيئا مفعولاً ، وعلى هذا المذهب البيهقي في الأسماء والصفات ، وكذا أبو الحسن الأشعري والباقلاني ، وكذلك ابن كلاب إمامهم.
مسائل في صفة النزول لله تعالى :
1 - هل يقال : إن اللَّه ينزل إلى السماء الدنيا بدون حركة ولا انتقال ؟
الجواب أن نفي الحركة والانتقال أو إثباتهما يحتاج لدليل لذا يُسكت عن ذلك ويقال كما قال اللَّه ينزل ونقف حيث وقف السلف فهم عن علم وقفوا ولا ننفي أو نثبت الحركة أو الانتقال إلا أن بعض السلف ذكر النزول بحركة وانتقال في باب الردود لما ردوا على الكلاّبية .
2 - أورد المعطلة شبهات حول صفة النزول وقالوا إن اللَّه ينزل في الثلث الأخير من الليل فيلزم أن اللَّه دائم نازلا لأنه لا يخلو مكان من ليل ؟
والجواب :أن يقال : إن اللَّه ليس كمثله شيء ، فكما أن اللَّه يسمع الأصوات ولا يشغله صوت عن صوت ولا يقال إذا كان يسمع هذا الصوت فإنه ينشغل عن الصوت الآخر ولا يقال إنه لكثرة الأصوات فيلزم أن اللَّه دائم يسمع فقط.
مثال آخر : الحساب يوم القيامة فإن لله يحاسب الخلق في ساعة واحدة ولا يشغله محاسبة عن محاسبة ، كما أنه يرزق الخلق في ساعة واحدة ، ويميت ويحيي ولا يشغله عمل عن عمل لأن اللَّه ليس كمثله شيء وإنما هذا المخلوق الضعيف الذي إذا تكلم أو انشغل في عمل انصرف عن الأشياء الأخرى أو إذا نزل في مكان لم ينزل في غيره في ساعته (1).
__________
(1) ... ومن أراد مزيد الرد ففي كتاب ابن تيمية واسمه شرح أحاديث النزول ص68 ، 106 ، ورسالة ابن رجب في فضل علم السلف ص6، وشرح الهراس لكتاب التوحيد لابن خزيمة لما ذكر صفة النزول لله تعالى .(1/39)
الصفة الثانية عشر : صفة العَجَب لله سبحانه وتعالى
قال المصنف : وقوله ( ( يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة ) )
الشرح
ومذهب أهل السنة والجماعة إثبات هذه الصفة على ما يليق بجلاله ، واستدل المصنف بحديث إثبات صفة العجب لله سبحانه ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : " يعجب ربنا من الشاب ليست له صبوة " (1).
مذهب أهل الكلام في صفة العجب ، فكلهم من غير استثناء ينفون هذه الصفة لله تعالى ، ويفسرونها بالإثابة والعطاء والتوفيق ، فكل طوائف المعطلة ينفونها من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية .
وجاء عن بعض السلف عدم إثبات هذه الصفة لله مثل شريح رحمه الله فإنه اعتقد أن الله لا يعجب لأن العجب يكون من جهل السبب والله منزه عن الجهل (الفتاوى 20 /33) ولكن لكل جواد كبوة .
الصفة الثالثة عشر: صفة الضحك لله تعالى
قال المصنف : وقوله ( ( يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة ) )
الشرح
مذهب المعطلة في صفة الضحك :
كل المعطلة ينفون هذه الصفة ويفسرونها بالقبول ، ثم بعد ذلك علق المصنف رحمه اللَّه بالإجمال في ذكرمذهب السلف .
مسألة :
هناك من أهل السنة من أول صفة الضحك لله كابن عبد البر رحمه اللَّه ، فإنه
لم يثبت هذه الصفة لله وإنما أولها ، وتأويله لهذه الصفة لا يخرجه عن مسمى أهل السنة والجماعة ؛ لأن القاعدة : أن من كان موافقاً لأهل السنة في المنهج وفي الأصول ويرى إثبات الصفات لله ، ويثبت ما أثبته اللَّه لنفسه لكنه قد يزلّ في صفة أو صفتين ، فيؤولها ولكن لكل جواد كبوة ، لكن يبقى من أهل السنة والجماعة .
فصل
ثم بعد ذلك أجمل المصنف مذهب أهل السنة والجماعة في باب الصفات .
قال المصنف :
__________
(1) ... رواه أحمد في مسنده 4/151 (ح17409) .(1/40)
فهذا وما أشبهه مما صح سنده وعدلت رواته نؤمن به ولا نرده ولا نجحده ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره ولا نشبهه بصفات المخلوقين ولا بسمات المحدثين ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لا شبيه له ولا نظير { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } وكل ما تخيل في الذهن أو خطر بالبال فإن الله تعالى بخلافه اهـ
ويلاحظ في كلام المصنف أمور ، تعتبر قواعد في باب الأسماء والصفات ، فذكر ما يأتي :
1 ـ الإيمان بالأسماء والصفات .
2 ـ أنكر الرد المنافي للقبول والانقياد ، وأنكر الجحد ، ومنه التكذيب المنافي للإقرار والتصديق ، ونفى التأويل وقيد نفي التأويل ، بالتأويل المخالف لظاهر النص والسياق ، ونفى التشبيه المنافي للتوحيد ، ثم استدل المصنف على القواعد التي أصّلها بقوله تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (1) .
ثم بعد ذلك عاد المصنف بإثبات جملة من صفات اللَّه تعالى ، إلا أن هذه الصفات التي سوف نتحدث عنها مهمة جداً ، وتمس واقع المصنف وهي من أهم الصفات التي كثر فيها الكلام والمعارك مع أهل الكلام خصوصاً الأشاعرة ، ولذلك يلاحظ في الصفات التي سوف يذكرها أنه يطيل في الاستدلال ، ويكثر من الآيات والأحاديث التي تثبتها مما يدل على أن المصنف يواجه صراع فكري مع مبتدعة زمانه من أهل الكلام ، خصوصاً الأشاعرة في ذلك .
والصفات التي أطال المصنف النفس فيها ست صفات :
1 ـ الاستواء .
2 - العلو .
3 - كلام اللَّه .
4 - ما يتعلق بالقرآن .
5 ـ صفة رؤية المؤمنين لربهم ، وأنه يُرى تعالى يوم القيامة .
6 ـ صفة أنه فعال لما يريد .
وبهذه الصفات الست ختم الفصل الذي يتعلق بمذهب السلف في باب الأسماء والصفات ، وسوف نتناول هذه الصفات إن شاء اللَّه على ترتيب المصنف .
وهي الصفة الرابعة عشر
الاستواء : ( وهو تابع للترقيم السابق )
قال المصنف :
__________
(1) ... الشورى : 11 .(1/41)
ومن ذلك قوله تعالى { الرحمن على العرش استوى } ،....... إلى أن قال : وذكر الخبر إلى قوله ( ( وفوق ذلك العرش والله سبحانه فوق ذلك ) ) فهذا وما أشبههه مما أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله ولم يتعرضوا لرده ولا تأويله ولا تشبيهه ولا تمثيله
سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقيل يا أبا عبد الله { الرحمن على العرش استوى } كيف استوى فقال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ثم أمر بالرجل فأخرج .
الشرح
المسألة الأولى : معنى الاستواء :
الاستواء لغة : يطلق على العلو والاستقرار والقصد والارتفاع .
شرعاً : يطلق على علو اللَّه واستقراره على العرش ، وأهل السنة والجماعة يثبتون استواء اللَّه على عرشه بهذا المعنى ، علا واستقر وارتفع وبعضهم يضيف قعد وجلس.
المسألة الثانية : معنى العرش :
العرش يطلق على سرير الملك .
وأما شرعاً : فهو مخلوق عظيم خلقه اللَّه تعالى ثم استوى عليه وهو سقف العالم وله قوائم .
المسألة الثالثة : مذاهب الناس في الاستواء على العرش :
أما مذهب أهل السنة والجماعة فقد مضى ، أما المعطلة فكلهم ما عدا الكلاّبية ومتقدمي الأشاعرة ينفون هذه الصفة ، وهم الجهمية والمعتزلة ومتأخري الأشاعرة والماتريدية ، فهم ينفون صفة الاستواء على العرش لله تعالى ، ويقولون : استوى بمعنى استولى ، ويفسرون العرش بالملك ، أي استولى على الملك .
مذهب الكلاّبية ومتقدمي الأشاعرة كأبي الحسن الأشعري والباقلاني وبعض ممن تأثر بهم كالبيهقي، فهؤلاء يثبتون أن اللَّه استوى على العرش ولكن يفسرونه بتفسير دقيق قد يخفى على الناظر ، فيظن أنهم موافقون لأهل السنة وتفسيرهم كالتالي :
يقولون : أن اللَّه استوى على العرش وهي صفة من صفات اللَّه ، وهي من الصفات الفعلية لله ومعنى أنها صفات فعلية أي أن اللَّه فعل فعلاً على العرش سماه استواءً .(1/42)
والناظر في هذا الكلام يقول : هذا مذهب السلف ، لكنهم يقصدون أنه فِعْل أي مفعول أي أن هذا الفعل الذي فعله اللَّه على العرش مخلوق بائن عن ذاته، وهنا يتضح أنهم يؤولون هذه الصفة لأنهم لا يجعلونها من الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئة اللَّه ، وإنما يجعلونها من باب المفعول ، ومثل صفة الاستواء تماماً وعلى منهج هؤلاء صفة النزول ، فإنهم يقولون أن النزول صفة من صفات اللَّه الفعلية بمعنى أن اللَّه فَعَل فعلاً في السماء ، أي خلق شيئاً في السماء وسماه نزولاً .
وهذا هو كلام البيهقي وابن فورك وهو مذهب الكلاّبية في صفات اللَّه الاختيارية ، التي تتعلق بالمشيئة .
مسألة : هل يقال : إن اللَّه استوى على العرش بمماسه له أو بدون مماسه :
الجواب : مثل هذه العبارات يسكت عنها السلف فلا يتكلمون عنها نفياً ولا إثباتاً لعدم ورود ذلك .
والقاعدة : أن صفات اللَّه توقيفية فلا يتحدث بنفي أو إثبات إلا بدليل وذهب بعض العلماء إلى النفي ، فيقولون : إن اللَّه استوى على العرش بلا مماسه ، وهذا قول ضعيف . وقد يفعله بعض السلف الصالح في باب الردود .
مسألة : هل إذا نزل اللَّه إلى السماء الدنيا يخلو منه العرش أو لا ؟
هذه المسألة مثل التي قبلها ، فيقال : إن اللَّه ينزل إلى السماء الدنيا ويقال إن اللَّه على عرشه ويسكت عن قضية خلو العرش ، وذهب بعض أهل الحديث وهم قليل ، ومنهم ابن منده ، وقال : إن اللَّه إذا نزل إلى السماء الدنيا خلا منه العرش ، وهذه من المآخذ على ابن منده ، والقاعدة أن نقف حيث وقف القوم فإنهم عن علم وقفوا .
الصفة الخامسة عشر : صفة العلو
قال المصنف :(1/43)
وقوله تعالى { أأمنتم من في السماء } وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ( ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك ) ) وقال للجارية ( ( أين الله ) ) قالت في السماء قال ( ( أعتقها فإنها مؤمنة ) ) رواه مالك بن أنس ومسلم وغيرهما من الأئمة وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحصين ( ( كم إلها تعبد ) ) قال سبعة ستة في الأرض وواحدا في السماء قال ( ( من لرغبتك ورهبتك ) ) قال الذي في السماء قال ( ( فاترك الستة واعبد الذي في السماء وأنا أعلمك دعوتين ) ) فأسلم وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول ( ( اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي ) )
وفيما نقل من علامات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الكتب المتقدمة أنهم يسجدون بالأرض ويزعمون أن إلههم في السماء .
وروى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ( إن ما بين سماء مسيرة كذا وكذا ) ) وذكر الخبر إلى قوله ( ( وفوق ذلك العرش والله سبحانه فوق ذلك ) ) فهذا وما أشبههه مما أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله ولم يتعرضوا لرده ولا تأويله ولا تشبيهه ولا تمثيله
سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقيل يا أبا عبد الله { الرحمن على العرش استوى } كيف استوى فقال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ثم أمر بالرجل فأخرج .
الشرح
المسألة الأولى :
يلاحظ أن المصنف رحمه اللَّه أطال في مسألة العلو واستدل بأدلة كثيرة ، فاستدل بآية ثم استدل بأربعة أحاديث ، واستدل بنقل أيضاً ، في حين أن الصفات التي قبل هذه الصفة لم يطل فيها النَفَس ولم يحشد لها أدلة كثيرة ، والسبب واللَّه أعلم أن قضية العلو من أكثر القضايا التي دارت حولها المعارك الكلامية بين أهل السنة والأشاعرة والمصنف عاش في عصر استطال فيه الأشاعرة ومن ثم أكثر من الأدلة لإثبات هذه الصفة العظيمة .
المسألة الثانية : مذهب السلف في مسألة العلو :(1/44)
مذهبهم إثبات العلو لله على ما يليق بجلاله سواء أكان علو الذات أو علو القدر أو علو القهر ، فهذه ثلاث علوات ثابتة لله تعالى ، ويثبتون لله جهة العلو، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصر ، بل دل على إثبات العلو القرآن والسنة والإجماع والعقل والفطرة ، بل حتى البهائم تثبت لله العلو ، فإنها ترفع وجهها وبصرها إلى السماء ، وقد نقل الصابوني في كتاب عقيدة أهل الحديث إجماع السلف على إثبات صفة العلولله وأن منكر العلو كافر .
المسألة الثالثة : مذهب أهل الكلام في العلو :
1 ـ مذهب الكلاّبية والأشاعرة الأولى ومثلهم الكرّامية : أنهم يثبتون العلو لله بأنواعه الثلاثة ، علو القدر وعلو القهر وعلو الذات .
2 ـ مذهب الجهمية والمعتزلة والماتريدية ومتأخري الأشاعرة : فهؤلاء يثبتون لله علو القدر والقهر فهو عالي في قدره وقهره وصفاته وينفون علو الذات وعلو المكان، ويقول الجهمية أنه في كل مكان ، وأما الماتريدية والأشاعرة فيقولون لا خارج العالم ولا داخله ولا متصل ولا منفصل ولا فوق ولا تحت .
المسالة الرابعة : بماذا يفسر أهل البدع الآيات المثبتة للعلو ؟
الجواب : أنهم يفسرونه بعلو القدر والقهر والملك ، ويقولون في قوله تعالى : {أأمنتم من في السماء } (1) يقولون : أأمنتم من ملكه السماء ، ويرد عليهم أن ملك اللَّه في السماء والأرض ، وكذا في حديث : أين اللَّه ، قالت : في السماء ، أي : ملكه في السماء . وقد ختم المصنف الحديث عن صفة العلو ، وذكر إجماع السلف على إثبات العلو .
مسائل في صفة العلو :
1 ـ هل يثبت لله الجهة أنه في جهة العلو ؟
الجواب : نعم بإجماع السلف .
2 ـ هل يُسأل عن اللَّه بالأين ، أي : يقال أين اللَّه ؟
الجواب : نعم ، بإجماع السلف لحديث : " أين اللَّه ؟ قالت : في السماء ".
مسألة :
__________
(1) ... الملك : 16 .(1/45)
يرد في الآيات والأحاديث عبارة ( في السماء ) مثل قوله تعالى : {أأمنتم من في السماء} (1)، وكما في الحديث الصحيح : قال : " أين اللَّه ؟ قالت: في السماء " (2)، فما معنى في السماء ؟
الجواب : أن تحديد تفسير كلمة في يتوقف على ما المقصود بكلمة السماء ، فإن قُصد بكلمة ( السماء ) بمعنى العلو فإن ( في ) على بابها ويكون في السماء أي في العلو .
وإن قُصد بالسماء أي السموات السبع المعهودة، فمعنى في ، أي : على ، ويكون المعنى اللَّه على السموات فوق عرشه ، وكلا المعنيين صحيح . وهو مذهب أهل السنة والجماعة .
الصفة السادسة عشر : صفة الكلام :
قال المصنف :
قوله : ( ومن صفات اللَّه تعالى ، أنه متكلم بكلام قديم ، يسمعه منه من شاء من خلقه ، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة ، وسمعه جبريل عليه السلام ، ومن أذن له من ملائكته ورسله ، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة، ويكلمونه ، ويأذن لهم فيزورونه ، قال اللَّه تعالى : { وكلم اللَّه موسى تكليماً}(3) ، وقال سبحانه : { يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي بكلامي } (4) ، وقال سبحانه : { منهم من كلم اللَّه } (5) ، وقال سبحانه : { وما كان لبشر أن يكلمه اللَّه إلا وحياً أو من وراء حجاب } (6) ، وقال سبحانه: {فلما أتاها نودي يا موسى . إني أنا ربك} (7) ، وقال سبحانه : {إنني أنا اللَّه لا إله إلا أنا فاعبدني } (8) ، وغير جائز أن يقول هذا أحد غير اللَّه .
__________
(1) ... الملك : 16 .
(2) ... رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة برقم (836) ، والنسائي في السهو برقم (1203) ، وأبو داود في الصلاة برقم (795).
(3) ... سورة النساء : 164 .
(4) ... سورة الأعراف : 144 .
(5) ... سورة البقرة : 253 .
(6) ... سورة الشورى : 51 .
(7) ... سورة طه : 12 ، 13 .
(8) ... سورة طه : 14 .(1/46)
وقال عبد اللَّه بن مسعود - رضي اللَّه عنه - : إذا تكلم اللَّه بالوحي، سمع صوته أهل السماء ، روي ذلك عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - .
وروى عبد اللَّه بن أنيس عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " يحشر اللَّه الخلائق يوم القيامة عراة حفاة غرلاً بهما فيناديهم بصوت يسمعه من بَعُدَ ، كما يسمعه من قرُب : أنا الملك ، أنا الديان " (1).رواه الأئمة ، واستشهد به البخاري .
وفي بعض الآثار : أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار ، فهالته ففزع منها، فناداه ربه : يا موسى ، فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت . فقال : لبيك ، لبيك، اسمع صوتك ، ولا أرى مكانك ، فأين أنت ؟ فقال : أنا فوقك ، وأمامك ، وعن يمينك ، وعن شمالك ، فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى ، قال : كذلك أنت يا إلهي ، أفكلامك أسمع ، أم كلام رسولك ؟ قال : بل كلامي يا موسى).
الشرح :
المسألة الأولى :
وهذه الصفة من الصفات التي دار حولها العراك والجدال بين أهل السنة والمبتدعة ، ولذلك المصنف أطال فيها الكلام ، وأطال فيها الأدلة عن القرآن والسنة.
المسألة الثانية : مذهب أهل السنة والجماعة في صفة الكلام :
أهل السنة والجماعة يثبتون الكلام لله تعالى ، وهو من صفات اللَّه وهي صفة قديمة النوع حادثة الآحاد ولذا قال المصنف (متكلم بكلام قديم ) أي قديم باعتبار النوع ،متعلق بالمشيئة باعتبار الآحاد ، متى شاء تكلم ومتى شاء لم يتكلم ، وأن اللَّه يتكلم بكلام مسموع ، ولذا قال المصنف يسمعه منهم من شاء من خلقه سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة ، وسمعه جبريل عليه السلام ، ومن أذن له من ملائكته ورسله .
المسألة الثالثة : مذهب أهل الكلام :
__________
(1) ... أحمد 3/495 (ح16085) .(1/47)
1 - مذهب الكرامية : وهم يثبتون الكلام لله ، وأنه كلام مسموع كأهل السنة ويقولون إن كلام اللَّه يتعلق بالمشيئة وهو ليس أزلي ويعبرون عنه إنه حادث النوع والآحاد وهذه عبارتهم ومعنى هذه العبارة أنه يتعلق بالمشيئة من حيث النوع والآحاد
2 - مذهب الكلابية : وهم يثبتون الكلام لله وأنه صفة من صفات اللَّه لكنه كلام نفسي أي في نفس اللَّه ليس له صوت ولا يسمع منه ، وقالوا : إنما يسمع من كلام اللَّه النفسي هو حكاية عن كلام اللَّه ويقولون أن الكلام قديم النوع والآحاد.
3 - مذهب الأشاعرة : وهو نفس كلام الكلابية تماماً سواء بسواء إلا أنهم يقولون الذي يُسمع من كلام اللَّه هو عبارة عن كلام اللَّه .
4 - مذهب المعطلة من الجهمية والمعتزلة : وهو نفي الكلام عن اللَّه ، فلا يتكلم ، وليس الكلام صفة له ، وما يُنسب إلى اللَّه من كلام إذا جاء في القرآن أو السنة فمعناه أن اللَّه خالق الكلام ، قالوا مثل ما يقال إن اللَّه يخلق الرزق فكذلك يخلق الكلام ، واستدل المصنف بست آيات لإثبات الكلام واستدل بحديثين وببعض الآثار .
فصل
قوله : ( ومن كلام اللَّه سبحانه القرآن العظيم ، وهو كتاب اللَّه المبين ، وحبله المتين ، وصراطه المستقيم ، وتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين ، منزل غير مخلوق ، منه بدأ ، وإليه يعود ، وهو سور محكمات ، وآيات بينات ، وحروف وكلمات .(1/48)
من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ، له أول وآخر ، وأجزاء وأبعاض ، متلو بالألسنة ، محفوظ في الصدور ، مسموع بالآذان ، مكتوب في المصاحف ، فيه محكم ومتشابه ، وناسخ ومنسوخ ، وخاص وعام ، وأمر ونهي { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد } (1) ، وقوله تعالى : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً } (2) ، وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا { لن نؤمن بهذا القرآن } (3) وقال بعضهم : { إن هذا إلا قول البشر } (4) ، فقال اللَّه سبحانه وتعالى : { سأصليه سقر } (5) ، وقال بعضهم : هو شعر ، فقال اللَّه تعالى : { وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين } (6) ، فلما نفى اللَّه عنه أنه شعر ، وأثبته قرآناً ، لم يبق شبهة لذي لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات ، وحروف وآيات ، لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد: إنه شعر ، وقال عز وجل: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون اللَّه } (7) ولا يجوز أن يتحداهم بالإتيان بمثل ما لا يدري ما هو، ولا يعقل ، وقال تعالى : { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله ، قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي } (8) ، فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم . وقال تعالى : { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } (9) ، وقال تعالى : { إنه لقرآن كريم . في كتاب مكنون . لا يمسه إلا المطهرون } (10) .
__________
(1) ... سورة فصلت : 42 .
(2) ... سورة الإسراء : 88 .
(3) ... سورة سبأ : 31 .
(4) ... سورة المدثر : 25 .
(5) ... سورة المدثر : 26 .
(6) ... سورة يس : 69 .
(7) ... سورة البقرة : 23 .
(8) ... سورة يونس : 15 .
(9) ... سورة العنكبوت : 49 .
(10) ... سورة الواقعة : 77-79 ..(1/49)
بعد أن أقسم على ذلك، وقال تعالى : { كهيعص } (1) . { حم عسق } (2) ، وافتتح تسعاً وعشرين سورة بالحروف المقطعة . وقال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - : " من قرأ القرآن فأعربه ، فله بكل حرف منه عشر حسنات ، ومن قرأه ولحن فيه ، فله بكل حرف حسنة " ، حديث صحيح وقال عليه الصلاة والسلام : " اقرؤوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم لا يجاوز تراقيهم يتعجلون أجره ولا يتأجلونه "(3).
وقال أبو بكر وعمر - رضي اللَّه عنهما - : " إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه " .
وقال علي - رضي اللَّه عنه - : " من كفر بحرف فقد كفر به كله ، واتفق المسلمون على عد سور القرآن ، وآياته وكلماته ، وحروفه . ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة ، أو آية ، أو كلمة ، أو حرفاً متفقاً عليه ، أنه كافر ، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف ) .
الشرح :
مسألة : المصنف رحمه الله تكلم في هذا المقطع عن مسألة وهي القرآن هل هو من كلام اللَّه أو ليس من كلامه ؟
وهذا امتداد لصفة الكلام لله عز وجل إلا أن المصنف أفرد القرآن بفصل مستقل مع أنه من كلام اللَّه ، والسبب في ذلك لأن المعطلة في زمانه ينكرون أن القرآن كلام اللَّه ، بل إن هذا مُطْبق عليه عند جميع المعطلة ، ومن ثم أكثر فيه المصنف من ذكر الأدلة من الآيات والأحاديث .
المسألة الثانية :
1 - مذهب أهل السنة في القرآن :
أهل السنة بالإجماع يقولون : إن القرآن كلام اللَّه منزّل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود .
2 - مذهب المعطلة من الجهمية والمعتزلة والماتريدية والأشاعرة :
يقولون : إن القرآن كلام اللَّه لكنه مخلوق .
3 - مذهب الواقفية : وهم الذين يقولون أن القرآن كلام اللَّه ، ثم يقفون ولا يقولون مخلوق أو غير مخلوق ، ويوقفون على ذلك .
__________
(1) ... سورة مريم : 1 .
(2) ... سورة الشورى : 1 .
(3) ... رواه أحمد في مسنده 3/64 (ح11632) .(1/50)
4 - اللفظية : وهم الذين يقولون ألفاظنا بالقرآن مخلوقة ، أو لفظي بالقرآن مخلوق ، وهؤلاء قسم من الجهمية ويقصدون بقولهم ألفاظنا مخلوقة يقصدون باللفظ الملفوظ أي القرآن ويقصدون باللفظ كلمات اللافظ أو المتكلم وهذه الطائفة نشأت في عصر المتوكل ، لما انهزم الجهمية وانكسروا بعدما كانوا أعزة في عصر المأمون والواثق والمعتصم ، فلما جاء المتوكل وبدأ يحارب الجهمية فبدأوا يتسترون بهذا القول، فبدل أن يقول القرآن مخلوق كما كانوا يصرحون في وقت عزتهم استبدلوها بعبارة لا تثير الناس وهي عبارة ملبسة وتحتمل حقاً وباطلاً ، فقالوا ألفاظنا مخلوقة ويريدون بذلك القرآن وهؤلاء اكتشفهم الإمام أحمد ومن معه ولذلك كفروهم ، وقالوا إنهم جهمية .
مسألة :
جاء عن بعض السلف أنه يقول : أفعال العباد مخلوقة واللفظ جزء من أفعال العباد ويقصد باللفظ التلفظ أي أن أصواتنا وكلامنا نحن مخلوقة ، وأما الملفوظ الذي هو القرآن فليس بمخلوق ، ومن السلف من قال : أفعال العباد مخلوقة ، لما سئل عن مسألة اللفظ ، وهذا كلام قاله الإمام البخاري والإمام ابن قتيبة وابن تيمية فيما بعد ، وألّف فيه ابن قتيبة رسالة بعنوان اختلاف اللفظ ، وانتصر لهذا القول ، وحصلت للبخاري بسبب هذه العبارات مشكلة ووقع في صراع مع بعض أهل السنة في قصة معروفة وجاء ابن تيمية وصوب قول البخاري ، وانتصر له ، وقال : إن لفظي بالقرآن مخلوق إن أراد التلفظ فهو مخلوق وإن أراد الملفوظ وهو القرآن فهذا هو قول الجهمية .
وما حصل بين البخاري وبعض أهل الحديث يعتبر أول خلاف وقع بين أهل الحديث ، وهو أول خلاف تبعه فرقة وتحزب ، وكلام ومواقف معينة ، وهذا الأمر أصبح واضحا الآن ، وجرى تقسيم الناس عليه على ما قال ابن تيمية من قال لفظي بالقرآن مخلوق يستفسر منه ماذا تريد، وعلى ضوء تفسيره يحكم عليه هل هو من الجهمية أو ممن يرى رأي البخاري .(1/51)
إلا أننا يمكن أن نستفيد مما جرى بين البخاري وبين من خالفه من أهل السنة أن الألفاظ التي تشبه ألفاظ المبتدعة أن الأولى تركها وعدم التلفظ بها حتى لا يحصل أخذ ورد أو يتكئ عليها أهل البدع وينتصرون بها ، ولذا فإنه فيما يبدو لي والله أعلم أن كلام البخاري مرجوح وأن الحق مع من عارض البخاري وعلى رأسهم محمد بن يحيى الذهلي ؛ لأن ذلك الزمان زمن جهمية فإذا قال أهل السنة التلفظ بالقرآن مخلوق ، أو أفعال العباد مخلوقة كجواب لسؤال هل الألفاظ مخلوقة؟ وإن كانوا يقصدون قصداً حسناً ، لكن العبارة فيها لبس، قد يساء فيها الظن ويحصل انتصار وتشجيع لأهل البدع ، فكان الأولى تركها لا سيما أنها تحدث بلبلة وشحناء وأهل السنة غنيون عنها وإن كان أيضاً ما فعله معارضي الإمام البخاري مرجوح أيضاً ، حيث أنهم قاموا بإجراءات عملية من الهجر والطرد ، ما كان ينبغي أن تحصل ، غفر اللَّه ورحم الجميع وهم أفضل منا وأحسن ، لكنها مواقف تربوية يستفاد منها قاعدة في الألفاظ الموهومة والألفاظ التي معناها حق لكن عباراتها تشبه عبارات أهل البدع ، ثم إذا حدثت هذه العبارات الموهومة وجب على أهل السنة المناصحة ومعذرته بذلك ولا يتخذ ضده مواقف من الهجر والصراع الذي يسبب الفرقة . لكن لابد من توضيح الحق والرد على المخالف من أهل السنة في قوله المعين .
المسألة :
كلمة منزل غير مخلوق ، هذه العبارة كثير ما يقولها السلف ودائماً يجعلونها بعد قولهم القرآن كلام اللَّه يقولون منزل غير مخلوق ، وقولها واجب لأن تركها يثير شبه ممن لم يذكرها لاحتمال أن هذا المتكلم يرى أن القرآن مخلوق لذا فيجب إضافتها .(1/52)
وكذا عبارة : منه بدأ ، يجب إضافتها ، ومعنى منه : من هنا ابتدائية أي أن الكلام صدر من اللَّه وتكلم اللَّه به ، وأما أهل البدع فإنهم يقولون من اللوح المحفوظ بدأ أو يقولون من جبريل بدأ أو من محمد بدأ ، فيرون أن العبارات مخلوقة جاء بها جبريل أو الرسول ، أو خلقت في اللوح المحفوظ وأخذها جبريل ، وأما كلمة: وإليه يعود فإظافتها من باب الاستحباب ، وكلمة إليه : الضمير يعود إلى القرآن والسلف يفسرون العود إلى اللَّه بتفسيرين :
1 - أن القرآن صدر من اللَّه كما تقول منه وإليه فيكون وإليه يعود تأكيداً لكلمة منه بدأ .
2 - إليه يعود ، أي : يرفع فإنه جاء في الآثار أن القرآن في آخر الأيام يرفع من الصدور إلى اللَّه .
ثم تكلم المصنف عن اعتقاد أهل السنة في القرآن ، وكلها تأكيدات يقصد بها الرد على أهل البدع ، فمنها قوله : إن القرآن له أول وآخر وأجزاء وأبعاض وأنه متلو بالألسنة محفوظ بالصدور مسموع بالآذان ، إلخ كلامه رحمه اللَّه .
ثم استعرض الأدلة فبدأ بالأدلة من القرآن لإثبات أن القرآن كلام اللَّه ثم الأدلة من السنة ، وختم حديثه ببيان حكم من أنكر القرآن فقال نقلاً عن علي بن أبي طالب من كفر بحرف منه فقد كفر به كله ، وقال : ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفق عليه أنه كافر .
فصل
رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة
قال المصنف :
والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم ويزورونه ويكلمهم ويكلمونه قال الله تعالى { وجوه يوئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } وقال تعالى { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون }
فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضى وإلا لم يكن بينهما فرق .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ( إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ) ) متفق عليه .
وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير.
الشرح(1/53)
تكلم المصنف هنا عن الرؤية يوم القيامة وأفرد لها فصلاً مستقلاً ، فقال : " والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم .
والرؤية فيها مسائل :
1 - أن المصنف تكلم عن الرؤية يوم القيامة ، لكن قبل يوم القيامة هل هناك رؤية ؟ وهل يُرى اللَّه في الدنيا ؟
المسألة فيها مذهبان فيما أعلم :
الأول : مذهب الصوفية : وهؤلاء يرون أن اللَّه يُرى في الدنيا يقظة وأن الأولياء يرون اللَّه في الدنيا فيكلمهم ويكلمونه .
الثاني : مذهب السلف وهو أن اللَّه لا يُرى في الدنيا بإجماع السلف ، واستدلوا بقوله تعالى : { لن تراني ولكن انظر إلى الجبل } (1) .
لكن اختلف السلف في النَّبِيّ خاصة هل رأى ربه في الدنيا أم لم يره ، والخلاف وقع بين الصحابة :
القول الأول : أنه لم يره ببصره ولا بعين رأسه .
واستدلوا لهذا - وهو قول الجمهور - بحديث عائشة : من قال إن الرسول رأى اللَّه فقد أعظم على اللَّه الفرية .
واستدلوا بحديث أبي ذر لما سأله : هل رأيت ربك ؟ قال : نور أنَّى أراه .
والقول الثاني : أنه رآه .
واستدلوا بقول اللَّه تعالى : { ولقد رآه نزلة أخرى } (2) ، وقوله : {ثم دنى فتدلى. فكان قاب قوسين أو أدنى} (3) ، وحديث : " رأيت ربي بأحسن صورة" (4).
والصحيح القول الأول .
ثم هل رآه رؤية قلب ومنام في الدنيا أم لا ؟
والصحيح أنه رآه في المنام ، وهو اختيار ابن تيمية ، وهو مضمون قوله عليه السلام : " رأيت ربي في أحسن صورة " ، وهذا المشهور بحديث اختصام الملأ الأعلى . وهذا الحديث ألف فيه ابن رجب رسالة .
2 - هل يرى في الآخرة يوم القيامة ؟
هذه المسألة فيها مذاهب :
__________
(1) ... سورة الأعراف : 143 .
(2) ... النجم : 13 .
(3) ... النجم : 8 .
(4) ... رواه الترمذي في سننه 5/366 (ح3233) ، والدارمي 2/170 (ح2149) ، وأحمد 1/368 (ح3484) .(1/54)
أ - مذهب أهل السنة والجماعة : وهو أن اللَّه يُرى في الآخرة في موضعين ، في عرصات القيامة ، يراه المؤمنون بأبصارهم ، ذكر ذلك ابن تيمية في الواسطية ، وقال : يرونه سبحانه في عرصات القيامة ، ويُرى أيضاً في الجنة وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله : ويزورهم ويزورونه ويكلمهم ويكلمونه ، إلا أن المؤمنين يتفاوتون في الرؤية على حسب درجاتهم ، فمنهم من يراه كل يوم ومنهم من يراه كل جمعه، ومنهم من يره فوق ذلك ، والرؤية أعظم نعيم الجنة .
واختلف أهل السنة والجماعة بالنسبة لرؤية الكفار لربهم يوم القيامة ، وقد ظهر الخلاف في هذه المسألة تقريباً في القرن الثالث على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن الكفار لا يرون اللَّه بحال من الأحوال سواء كان كافراً أصلياً أم مرتداً ، أو كان ممن يظهر الإيمان ويُسر الكفر وهم المنافقون أو غيرهم ، فلا يرى أحدٌ من هؤلاء اللَّه عز وجل يوم القيامة، وهذا هو الذي اختاره المصنف ، ولذا قال : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } [ المطففون 15 ]
فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضى وإلا لم يكن بينهما فرق اهـ وعليه أكثر العلماء .
القول الثاني : أن الكافر الأصلي لا يراه أما المنافق وهو من يظهر الإيمان ويبطن الكفر ، فإنه يراه في عرصات القيامة ، ثم يحتجب اللَّه عنهم ، واختار هذا ابن خزيمة في كتاب التوحيد .
القول الثالث : أن الكفار يرونه لكنها رؤية عذاب كاللص حينما يراه السلطان، واستدلوا على ذلك بأحاديث اللقاء والكلام ؛ لأن اللَّه يكلم الكافر، وعندهم أن الكلام واللقاء يستلزم الرؤية . والله اعلم بالراجح في هذه المسالة ، لكن الأول أقوى .
مسألة : مذاهب الناس في الرؤية :(1/55)
أ ـ مذهب الأشاعرة : وهم يثبتون الرؤية ويقولون أن اللَّه يُرى يوم القيامة ، لكن يقولون يُرى لا عن مواجهة لأنهم لا يثبتون العلو ، وأيضاً يقولون لا عن معاينة ، ويجعلون رؤيته رؤية علمية ، بمعنى العلم واليقين والكشف، وهذا في الحقيقة نفي للرؤية ، وإنما يتسترون بقولهم إن اللَّه يُرى ، فإذا قيل كيف يُرى ؟ هل يرونهم بأبصارهم ؟ قالوا : لا ، وإنما يرونه بقلوبهم .
ب ـ والماتريدية ، وهم مثل مذهب الأشاعرة كما سبق .
جـ - مذهب المعتزلة والجهمية والخوارج والرافضة ، وهؤلاء ينفون الرؤية ويقولون إن اللَّه لا يُرى لا في الدنيا ولا في الآخرة .
وذكر المصنف الأدلة التي تدل على الرؤية :
1 - قوله تعالى : { إلى ربها ناظرة } (1) .
2 - قوله تعالى : { كلا إنهم عن ربهم يؤمئذٍ لمحجوبون } (2) ، والدليل يكون بمفهوم المخالفة . فإذا كان الكفار يومئذ عن ربهم محجوبون ، فيدل بمفهوم المخالفة أن المؤمنين ليسوا محجوبين بل يرونه .
3 - من السنة : حديث " إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر " .
وأشار المصنف في آخر البحث إلى مسألة متعلقة بحديث (3) : " إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر " ، فقد يقول قائل : إن قوله " كما ترون القمر " أن الكاف للتشبيه ، وأنه تشبيه اللَّه تعالى بالقمر ، فرد المصنف على هذا الاستشكال ، وقال : إن التشبيه هو تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي ، ويدل على ذلك أن اللَّه لا شبيه له ولا نظير له .
فصل في القضاء والقدر
قال المصنف :
__________
(1) ... القيامة : 23 .
(2) ... المطففين : 15 .
(3) ... أخرجه البخاري في صحيحه 1/209 (ح547) ، 1/277 (ح773) ، ومسلم في صحيحه 1/163 (ح182) .(1/56)
ومن صفات الله تعالى أنه الفعال لما يريد لا يكون شيء إلا بإرادته ولا يخرج شيء عن مشيئته وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ولا محيد عن القدر المقدور ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور أراد ما العالم فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه ولو شاء أن يطيعوه جميعا لأطاعوه ،
خلق الخلق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم يهدي من يشاء برحمته ويضل من يشاء بحكمته قال الله تعالى { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } وقال الله تعالى { إنا كل شيء خلقناه بقدر } وقال تعالى { وخلق كل شيء فقدره تقديرا } وقال تعالى { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } وقال تعالى { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا }
وروى ابن عمر أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما الإيمان قال ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ) فقال جبريل صدقت رواه مسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره )
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه الحسن بن علي يدعو به في قنوت الوتر ( وقني شر ما قضيت )
ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه بل يجب أن نؤمن ونعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثة الرسل قال الله تعالى { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل }
ونعلم أن الله سبحانه ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك وأنه لم يجبر أحدا على معصية ولا اضطره إلى ترك طاعة قال الله تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } وقال تعالى { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم } فدل على أن للعبد فعلا وكسبا يجزى على حسنه بالثواب وعلى سيئه بالعقاب وهو واقع بقضاء الله وقدره .
الشرح :
وفيه مسائل :(1/57)
المسالة الأولى : لماذا ذكر المصنف مسألة القضاء والقدر وأتبعها بمبحث الصفات ؟
الجواب : نص عليه المصنف فقال : ومن صفات اللَّه تعالى أنه فعال لما يريد ، ثم ذكر أن من صفات اللَّه الإرادة والمشيئة ، ومن ثم فإن المصنف لم يخرج عن باب الصفات ، فهو يقضي ويقدّر وله المشيئة والإرادة .
والأصل في هذا الفصل أنه لذكر صفة أنه تعالى فعّال لما يريد ، وذكر صفتي المشيئة والإرادة لله تعالى ثم بعد ذلك ذكر بعض مسائل القضاء والقدر ؛ لأنهما لهما علاقة بصفة المشيئة والإرادة وأنه فعّال لما يريد ، ثم ذكر عشر مسائل من المسائل التابعة للقضاء والقدر وهي :
1 - مسألة ارتباط القضاء والقدر بالمشيئة والإرادة ، قال المصنف : ( لا يكون شيء إلا بإرادته ولا يخرج شيء عن مشيئته )وهي إحدى مراتب القضاء والقدر .
2 - مسألة عموم القضاء والقدر من قوله : ( وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ) .
3 - مسألة نفوذه ولزومه ( ولا محيد عن القدر المقدور ) .
4 - مسألة اللوح المحفوظ وعلاقته بالقدر (ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور) وهذه مرتبتة من مراتب القدر.
5 – مسألة تعلق الإرادة بأفعال العباد ( أراد ما العالم فاعلوه ) .
6 - مسألة الخذلان وعدم العصمة من قوله ( ولو عصمهم لما خالفوه ) .
7 - - مسألة تعلق المشيئة بأفعال العباد ( ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه ) .
8 - مسألة خلق أفعال العباد ( خلق الخلق وأفعالهم ) .
9 - ومن مسائل القدر مسألة الضلال والهداية من قوله ( يهدي من يشاء برحمته ويضل من يشاء بحكمته ) .
10 – مسألة تقدير الأرزاق والآجال ( وقدّر أرزاقهم وآجالهم ) .
هذه عشر مسائل من مسائل القدر عادة يبحثها العلماء في باب القضاء والقدر فأشار إليها المصنف إشارات سريعة وبيّن فيها مذهب السلف في ذلك واعتقادهم في كل مسألة من المسائل العشر .
ثم في آخر فصل القضاء والقدر بحث أربع مسائل تابعة للقدر وهي :(1/58)
1 - مسألة الاحتجاج بالقدر في المعصية وعدم الطاعة ، ولذا قال : ( ولا يجعل قضاء اللَّه وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه ) .
2 - مسألة الاستطاعة في الأوامر والنواهي فعلاً أو تركاً فقال (ونعلم أن الله سبحانه ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك ) .
3 - مسألة الجبر والاختيار من قوله : ( وإنه لم يجبر أحداً على معصية ولا اضطرّه إلى ترك طاعة ) .
4 ـ - مسألة الكسب وعلاقته بالقدر من قوله ( أن للعبد فعلاً وكسباً يجزى على حسنه بالثواب وعلى سيئه بالعقاب وهو واقع بقضاء اللَّه وقدره ) .
فالمجموع أربعة عشرة مسألة متعلقة بالقدر .
المسالة الثانية : المصنف قال في بداية الفصل ( القضاء والقدر) وهنا عطف القدر على القضاء والواو تقتضي المغايرة فهل بينهما فرق أم هما بمعنى واحد ؟
الجواب : أن القضاء والقدر كمسألة الإسلام والإيمان ، إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ، فإذا افترقا فذكر القدر لوحده أو القضاء لوحده يدخل معنى هذا في معنى هذا ، وأما إذا اجتمعا فإنه يختص كل منهما بمعنى ، فيكون معنى القدر يأتي بمعنى التقدير أي ما قدره اللَّه في الأزل ، وعلمه وكتبه ، ويكون معنى القضاء أي الخلق وهو ما يقضيه في خلقه من إيجاد وعدم ، فيشمل مرتبة الخلق ، وعلى هذا المعنى فالقدر يسبق القضاء فإن اللَّه يقدر الشيء علما ومشيئة وكتابة ثم يقضيه وجوداً .
مذهب أهل السنة والجماعة في القضاء والقدر :
أهل السنة والجماعة يؤمنون بالقضاء والقدر ويقسمونه أربع مراتب ، أشار إليها ابن تيمية في الواسطية ، وهي كالتالي :
أ - مرتبة العلم : وهو أن اللَّه عالم كل شيء ، وعلم ما سيكون وما لم يكن، وهذه المرتبة أثبتها أهل السنة ، بل أثبتها جميع المذاهب ، ما عدا غلاة المعتزلة وهم القدرية الأولى ، وهؤلاء عاصروا ابن عمر وكفّرهم .
ب - مرتبة المشيئة : وهي مشيئة اللَّه وإرادته لما علمه وكتبه أن يكون .(1/59)
جـ - مرتبة الكتابة : وهو أن اللَّه كتب في اللوح المحفوظ ما سيكون وهذه أيضاً أنكرها غلاة المعتزلة كما سبق ، وأقر بها جميع المذاهب .
د - مرتبة الخلق : وهو خلق الاشياء وإيجادها على وفق ما علمه وشاءه وكتبه، وهذه المرتبة هي التي يطلق عليها القضاء إذا اجتمعت مع القدر ، فالمراتب التي قبلها يطلق عليها القدر .
ب - مذهب المعتزلة وهم قسمان :
1 - غلاة المعتزلة : ويسمون القدرية ، فهؤلاء ينكرون علم اللَّه للأشياء ومشيئته لها وكتابته لها ، لأنهم إذا أنكروا علمه لها فمعلوم أنهم سوف ينكرون ما بعد العلم من المشيئة والكتابة والخلق لها .
2 - المعتزلة غير الغلاة : وهم الذين يثبتون علم اللَّه للأشياء ، ويثبتون لله الكتابة ، لكن بالنسبة للمشيئة والخلق ، يقولون هناك أشياء شاءها اللَّه وخلقها ، وهي كل شيء ما عدا أفعال العباد ، فهذه علمها اللَّه وكتبها ولكن لم يشأها ولم يخلقها.
جـ - مذهب الجبرية : وهم الجهمية والاشاعرة والرافضة وهؤلاء يقولون أن العباد مجبورون على أفعالهم ، لم يخلقوها ، بل اللَّه أجبرهم عليها ، ولذا سموا جبرية .
استدل المصنف على ذلك بأدلة منها قوله تعالى : { إنا كل شيء خلقناه بقدر} (1) ، وقوله : { وخلق كل شيء فقدره تقديراً } (2) ، وقوله : { ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها}(3)، وقوله : { من يرد اللَّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام } (4) .
ثم استدل من السنة بحديث جبريل : " وأن تؤمن بالقدر خيره وشره "(5).
د - هل نحن مأمورون بالرضى بكل ما يقضيه اللَّه ويقدره ؟
فيه تفصيل :
أما القضاء والقدر الذي هو فعل اللَّه ، فهذا نرضاه كله وهو خير كله وهو عدل كله لأنه فعل اللَّه وأما المقضي وهو فعل العباد ففيه تفصيل :
__________
(1) ... القمر : 49 .
(2) ... الفرقان : 2 .
(3) ... الحديد : 22 .
(4) ... الأنعام : 125 .
(5) ... رواه مسلم في صحيحه 1/36 (ح8) .(1/60)
فيه ما يُحب من أفعال العباد وهو طاعتهم وفيه ما يبغض كمعاصيهم ، فمثلاً القتل من حيث أن اللَّه كتبه وشاءه فإنا نرضى ونسلم ، أما بالنسبة للقاتل وهو فعله، فهذا نسخطه ولا نرضاه ، إن كان عدواناً ونحبه ونرضاه إن قتل الكفار .
5 - قوله : " وبالقدر خيره وشره " هل القدر فيه شر ؟
نقول أما باعتبار فعل اللَّه ليس فيه شر كما في الحديث الصحيح : " والشر ليس إليك " (1) ، وأما بالنسبة للمقضي ففيه شر ، فالشيطان شر وأفعاله شر ، قال تعالى : { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس } .
6 - هل يُنسب الشر إلى اللَّه مفرداً ؟
الملاحظ في الكتاب والسنة أن الشر يُنسب إلى السبب كقوله : { من شر ما خلق } (2) ، أو يُحذف فاعل الشر كقوله : { وأنّا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً } (3) ، وكما في حديث : " والشر ليس إليك".
مسألة : الاحتجاج بالقدر على المعاصي :
قال المصنف : ولا نجعل قضاء اللَّه وقدره حجة لنا ، فليس القدر حجة للعاصي، أن يعصي ثم يقول : هذا شيء قدره اللَّه . أو يمتنع من الطاعة ، ويقول : لو شاء اللَّه لجعلني أفعلها ، فالحجة لله وكل ميسر لما خُلق له ، بل هي سنة الجاهلية. قالوا : { لو شاء الرحمن ما عبدناهم } (4) ، وقوله : { ولو شاء اللَّه ما أشركنا}(5) .
أما الاحتجاج بالقدر في المصائب فلا مانع مثل لو فعل الإنسان الأسباب ، أسباب السلامة لّما سافر لكن وقع له حادث له أن يقول (قدر اللَّه وما شاء فعل) وهذا قدر كتبه اللَّه عليّ فيما لو احتج عليه محتج .
__________
(1) ... رواه مسلم في صحيحه 1/534 (ح771) .
(2) ... الفلق : 2 .
(3) ... الجن : 10 .
(4) ... الزخرف : 20 .
(5) ... الأنعام : 148 .(1/61)
ب - وكذا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعايب إذا تاب منها كما لو احتج عليه محتج ، في ذنوب فعلها سابقاً لكن تاب منها، فله أن يقول : قدرها اللَّه علي لكن بشرط أن يقول ذلك بعد أن تاب منها ، لحديث قصة المحاجة بين آدم وموسى عليهما الصلاة السلام .
فصل
عن الإيمان
قال المصنف
والإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان قال الله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } فجعل عبادة الله تعالى وإخلاص القلب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كله من الدين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) فجعل القول والعمل من الإيمان وقال تعالى { فزادتهم إيمانا } وقال { ليزدادوا إيمانا }
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال برة أو خردلة أو ذرة من الإيمان ) فجعله متفاضلا .
ثم ذكر المصنف مسائل الإيمان وما يتعلق بها :
المسألة الأولى : تعريف الإيمان :
لغة : هو بمعنى التصديق والإقرار ، قال تعالى : { وما أنت بمؤمن لنا } أي بمصدق
ووقع خلاف في تعريف الإيمان شرعاً على النحو التالي :
1 - مذهب أهل السنة والجماعة : أن الإيمان قول وعمل واعتقاد ، وهذا بإجماع السلف . قال البخاري في كتابه خلق أفعال العباد : أدركت ألفاً من العلماء كلهم يقولون : الإيمان قول وعمل .
2 - مذهب الجهمية : ويسمون غلاة المرجئة ، والإيمان عندهم المعرفة والعلم فقط ، ولا يدخلون غيره في مسمى الإيمان ، فمن عرف اللَّه وعلم بالله فهو مؤمن كامل الإيمان ، وذكر مذهبهم هذا ابن بطة في كتابه " الإبانة الكبرى".(1/62)
وذكره أيضاً ابن تيمية في كتابه " الإيمان " ، وذكره أبو يعلى في كتابه "الإيمان" ، وذكره أبو عبيد في كتابه " الإيمان " ، وذكره أبو الحسن الأشعري في كتابه "مقالات الإسلاميين" ، لما ذكر اعتقادات المرجئة ويلزم من كلامهم أن إبليس مؤمن لأنه يعرف اللَّه ، ويلزم منه أن فرعون وقريشاً وأبا طالب من أهل الإيمان ؛ لأن عندهم العلم والمعرفة بالله تعالى ، ولذلك سموا غلاة المرجئة .
3 - - مذهب الكرامية : عندهم الإيمان قول اللسان فقط فلا يُدخلون التصديق وإنما هو المعرفة مع القول ، فمن عرف اللَّه وقال بلسانه كلمة التوحيد فهو مؤمن، وهم يقولون أن المنافق مؤمن وهذا نص كلامهم لأنهم يقولون : لا إله إلا اللَّه ، وفي الآخرة كفار مخلدون ، وفي الدنيا مؤمنون ، وهم يأتون في المرتبة الثانية في الغلو بعد الجهمية .
4 ـ مذهب الأشاعرة : وهم في باب الإيمان مرجئة ، وقولهم قريب من قول الجهمية ، وإن كانوا أحسن منهم باعتبار ، إلا أنهم أضافوا مع المعرفة التصديق ، فقالوا " الإيمان هو المعرفة والتصديق".
5 - مذهب الماتريدية : وهم طائفة من المرجئة ، ومذهبهم أن الإيمان هو المعرفة
بالإضافة إلى الإقرار والتصديق ولكن لا يُدخلون العمل في مسمى الإيمان ، وهم في هذا كالاشاعرة .
6 ـ مذهب مرجئة الفقهاء : ومذهبهم في الإيمان أن القول والتصديق مع بعض أعمال القلوب كالمحبة والتعظيم وعدم الاستخفاف فالإيمان قول واعتقاد وبعض أعمال القلوب ذكر ذلك عنهم الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين لما تكلم عن المرجئة المحضة وقاله ابن تيمية في كتابه الإيمان .(1/63)
7 ـ مذهب المرجئة المعاصرة ( ويدخل معهم في ذلك العصرانيين في الجملة ) : فهؤلاء عندهم الإيمان هو المعرفة وأيضاً التصديق والإقرار ولا يدخلون العمل في مسمى الإيمان وهذه فرقة فيهم وأكثرهم يُدخلون العمل في مسمى الإيمان ، لكن الأعمال ليست شرطاً إنما هي شرط للكمال، ولا يكفرون بالأعمال ، وإنما الكفر عندهم الاستحلال والتكذيب ، وإذا صدر من إنسان كفراً أو أعمالاً دلت النصوص على أنه كفر لم يكفروا بها حتى يظهر بلسانه الاستحلال أو التكذيب .
8 - مذهب الخوارج والمعتزلة : عندهم أن الإيمان قول وعمل واعتقاد كمذهب السلف إلا أن معنى العمل عندهم كل الطاعات ، أي كل الطاعات إيمان وكلها شرط في الإيمان ويكفر إذا تركها ، والسلف عندهم الأعمال منها ما هو شرط يكفر بتركه ومنها ما هو واجب يفسق بتركه ومنها ما هو مندوب . المراجع: الإيمان لأبي عبيد ، مقالات الإسلاميين للأشعري .
9 ـ إما الخوارج المعاصرة اليوم فهم من يكفر الناس ( أي المجتمعات المسلمة ) بدون تفصيل ، أو من يكفر بالعموم باعتبار الأفراد والأعيان ولا يستثني أحدا منهم ، وبعضهم لا يكفر بالعموم لكن عنده توقف وتبين فيمن ظاهره الإسلام اليوم حتى يتضح إسلامه .
10 ـ أما مذهب الحكام والعلمانيين اليوم في الإيمان فهو الصلاة والحج والصيام فقط أما السياسة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة وقضايا المرأة والتعليم والاجتماع والتغيير والمواجهة فليست من الإيمان بل هي تطرف وإرهاب وتدخل فيما لا يعني . أما غلاة العلمانية كالشيوعيين والحداثيين فهم لا يعترفون أصلا بالدين قاتلهم الله جميعا ولعنهم لعنا كبيرا .
هذا مذاهب الناس في الإيمان .
قال المصنف : ( والإيمان قول باللسان ) فجعل القول باللسان ، مثل الشهادتين ، وهذه أعلى إيمان اللسان ، ومثل التسبيح والتهليل وقراءة القرآن ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأمثال ذلك .(1/64)
قال : ( وعمل بالأركان ) فجعل العمل يدخل في مسمى الإيمان .
قال : ( بالأركان ) وهذا قد يقال إن فيه إشكال وهو ماذا يقصد بها ؟
فهل يقصد بالأركان الجوارح ؟
فإذا كان كذلك ، فصحيح أن عمل الجوارح من الإيمان لكن يبقى عليه عمل القلب وعمل القلب من أعظم أعمال الإيمان ، ومن ثم يكون كلامه ناقصاً .
هذا إذا فسرنا الأركان بالجوارح فيكون خرج عمل القلب ، ويقصد بعمل القلب كالمحبة والخشية والخوف والانقياد والقبول والاطمئنان والتوكل والخضوع إلى غير ذلك من أعمال القلوب التي هي من أعظم الإيمان .
وإن فسرنا قوله بالأركان أي الأركان الخمسة التي هي أركان الإسلام فالعمل بالأركان الخمسة هو إيمان لكن يبقى بقية الأعمال الأخرى كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهذه ليست من الأركان الخمس وهي من الإيمان . وقلت الكلام السابق تنزلا ، لأنه يوجد من يقول هذا الكلام ، ومن ينتقد كلام العلماء السابقين بناء على ما عنده من مصطلحات خاصة يحاكم إليها من قبله ؟ وللتخلص من هذه الطريقة ومعرفة الصواب فيها لابد أن تعرف شيئين :
أ ـ السياق الذي قيل فيه هذا الكلام .
ب ـ معرفة هل للقوم اصطلاح معين فيما قالوا أم لا ؟ .
إذا ضبطت هاتين المسالتين أمكن بعد ذلك معرفة هل ممكن أن يُناقشوا فيما قالوا أم لا . ثم نعود الآن ونقول ما هو السياق الذي قيل فيه ما سبق ؟
هم قالوا ذلك في سياق الرد على المرجئة ، الذين يجعلون من ترك الأركان أو بعضها مؤمنا ، فنصوا على الأركان في الرد على أولئك .
ثم العبارات التي قالها المصنف هنا متبع فيها لمن قبله فقد قال بها الرزيان ،وابن بطة في الإبانة وغيرهم . والخلاصة أنه تنصيص متضمن للرد ، وهذه طريقة سلفية في التعريفات .(1/65)
قوله : ( وعقد بالجنان ) ويقصد بالعقد أي الاعتقادات وهي ما في القلب من عقيدة ، ويسمي بعض السلف عقد الجنان بقول الجنان ، ومحلة في القلب محل التصورات والعلم والفكر ، وهو التصديق بكل ما جاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام والعلم به ومعرفته لكن معرفة مصحوبة بصدق واطمئنان .
قال : ( يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان ) وهذه مسألة زيادة الإيمان ونقصانه والناس في هذا مذاهب :
1 - مذهب السلف : وهو أن الإيمان يزيد وينقص .
2 - قول المرجئة قاطبة : سواء منهم الجهمية والكرامية أو الأشاعرة أو مرجئة الفقهاء ، فكلهم يقولون الإيمان لا يزيد ولا ينقص بل هو شيء واحد ؛ لأن الإيمان عندهم التصديق وهو لا يزيد ولا ينقص ، وكذا المعرفة والعلم ما عدا بعض المرجئة المعاصرة فإن الإيمان يزيد وينقص عندهم كمذهب السلف.
3 - مذهب الخوارج والمعتزلة : عندهم الإيمان لا يزيد ولا ينقص لأنه إن نقص فهو كفر ، ولا يمكن أن تقع فيه الزيادة ، إلا أن المعتزلة عندهم تفصيل في مسألة الزيادة ، فهو باعتبار الإيمان لا يزيد ولا ينقص، أما باعتبار المكلف والتكليف يزيد ، فالغني الذي عنده مال التكليف عليه أكثر فيجب عليه الزكاة ، فهو أكثر إيماناً من الفقير الذي لا تجب عليه الزكاة ، فمن هذه الحيثية إيمان هذا أزيد من إيمان ذاك . راجع تحقيق كتاب الإيمان لأبي يعلى ، الحاشية صفحة397، تحقيق الخلف ، حول هذا الموضوع
وعند هؤلاء الطوائف ما عدا أهل السنة أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص ، ولا يتفاضل الناس في الإيما ن، فإيمان أبي بكر كإيمان أي شخص من المؤمنين ، وإيمان الصحابة كإيمان التابعين .
مسألة :
جاء عن مالك أنه يزيد وينقص . راجع التمهيد 9/252 ، والفتاوى لابن تيمية 7/506. وجاء عنه في رواية ابن القاسم أن مالكا قال يزيد وتوقف في النقصان ،(1/66)
ومشى على هذا القول بعض المالكية ظنا منهم أن الإمام مالكا قاله فقالوا أن الإيمان يزيد ولا ينقص ، وهذا القول ضعيف وهجره السلف وتركوه ، فلا يعول عليه ، ذكر ذلك ابن رجب في "فتح الباري" لما شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري .
مسألة : - ذكر المصنف مسألة وهي " أسباب الزيادة " ، فقال : وهي الطاعة ، وذكر أسباب النقص ، وهي المعصية .
مسألة : الإيمان له أول فهل له نهاية - سقف ينتهي إليه - ؟.
الجواب : له أول وليس له نهاية ، ذكر ذلك الإمام ابن بطة في كتابه الإبانة الصغرى ، في فصل " الإيمان " .
مسألة : في مرجئة الفقهاء وفي الأشاعرة وفي الماتريدية :
مر علينا أنهم لا يدخلون العمل في مسمى الإيمان ، ولا يسمون الأعمال إيماناً، فماذا يسمونها .
الجواب : يسمونها ثمرات الإيمان ، أو شعائر الإيمان ، أو نتائج الإيمان ، أو دلائل الإيمان ، لكن مهما كان الحال لا يسمونها إيماناً .
ولذا يُنتبه فيكون الإنسان على حذر حينما يقرأ بعض كتب العقيدة أو فضائل الأعمال ، فإذا أرادوا أن يذكروا الفضائل قالوا : شعائر الإيمان ، أما السلف يقولون كتاب الإيمان فيذكرون الأعمال .
ثم ذكر المصنف عدة أدلة على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص ، فذكر ثلاثة أدلة من القرآن ودليلين من السنة .
ثم ذكر في آخر الفصل مسألة تفاضل الإيمان وهو عند السلف يتفاضل ويقع التفاضل على شيئين : أ - الإيمان يتفاضل . ... ب - المؤمنون يتفاضلون فيه .
فالإيمان بعضه أفضل من بعض ، فالشهادة إيمان وهي أفضل من الصلاة وهكذا، والمؤمنون يتفاضلون ، فالأنبياء أفضل ، وأبو بكر مثلاً أفضل أمة محمد وهكذا ، والصحابة أفضل من التابعين ، وهكذا .
ولذا قال المصنف -لما ذكر الإيمان- ( فجعله متفاضلاً ) .
فصل : الإيمان بالمغيبات(1/67)
قال المصنف : ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا نعلم أنه حق وصدق وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه مثل حديث الإسراء والمعراج وكان يقظة لا مناما فإن قريشا أنكرته وأكبرته ولم تنكر المنامات .
ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فرد عليه عينه )
ومن ذلك أشراط الساعة مثل خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله وخروج يأجوج ومأجوج وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها وأشباه ذلك مما صح به النقل .
وعذاب القبر ونعيمه حق وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه وأمر به في كل صلاة .
وفتنة القبر حق وسؤال منكر ونكير حق والبعث بعد الموت حق وذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور { فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما فيقفون في موقف القيامة حتى يشفع فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويحاسبهم الله تبارك وتعالى وتنصب الموازين وتنشر الدواوين وتتطاير صحف الأعمال إلى الأيمان والشمائل { فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا } والميزان له كفتان ولسان توزن به الأعمال { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون } ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حوض في القيامة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأباريقه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا والصراط حق يجوزه الأبرار ويزل عنه الفجار .(1/68)
ويشفع نبينا صلى الله عليه وسلم فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر فيخرجون بشفاعته بعدما احترقوا وصاروا فحما وحمما فيدخلون الجنة بشفاعته ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات قال تعالى { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون } ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين .
والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان فالجنة مأوى أوليائه والنار عقاب لأعدائه وأهل الجنة فيها مخلدون { إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون } .
ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال ( ( يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت ) )
الشرح
أما لماذا الحق المصنف هذا الفصل بفصل المغيبات ؟ لأنه مطلوب فيها الايمان ، ونص المصنف على ذلك حينما قال : ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر المصنف حكم الإيمان بالمغيبات وأنه واجب ، وهو أصل من أصول أهل السنة والجماعة .
ثم ذكر المصنف قدر الواجب باعتبار الكمية ، فقال ( كل ما أخبر به ) فلابد من الإيمان بجميع المغيبات كلها ، لكن على وجه الإجمال ، فلو ترك واحداً منها فقد خرج من الدين .
واشترط المصنف شرطين في هذا الأصل :
الأول : أن تأتي هذه الإخبارات بالمغيبات من جهة الشرع ، ولذا قال بكل ما أخبر به النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، ويقصد ما أخبر به النَّبِيّ سواء ما جاء من جهة القرآن - وهذا نوع - أو من جهة السنة - وهذا نوع - أو ما أخبر به الصحابة ، مما لا مجال للرأي فيه ، أما المغيبات التي تأتي من جهة العقل والطب الحديث ، هذا لا يقصده المصنف ولا يتعلق به حكم ، وهناك أشياء مغيبات يثبتها الطب الحديث مثلاً ، فهذا لا يلزم أن يؤمن بها الناس وليست من الأصول مثل كريات الدم الحمراء والبيضاء والذرة .
الثاني : أن يصح بذلك الخبر فيأتي بالقرآن - فهذا صحيح - وإن أتى عن طريق السنة فيشترط أن يكون الحديث صحيحاً .(1/69)
والمصنف أفاد أنه لا يشترط في المغيبات أنه يمكن إدراكها بالعقل وأنها لابد أن تكون معقولة المعنى وفي حدود الشيء المعقول ، فهذا ليس شرطاً إلا عند أهل البدع والعصرانيين ، ولذا قال المصنف : ( سواء في ذلك ما عقلناه أوجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه ) .
س : هل يشترط أن يكون من أحاديث التواتر بحيث لو جاء من طريق الآحاد لا يقبل ؟
أما عند أهل البدع فهم لا يقبلون أحاديث الآحاد في العقائد بل لابد من التواتر، ومذهب السلف أن حديث الآحاد يكفي إذا صح .
ثم ذكر المصنف المطلوب في المغيبات ، والجواب أن المطلوب هو الإيمان مع التصديق ، ولذا قال المصنف ، ونعلم أنه حق وصدق .
مسالة : ما هو كيفية الإيمان بالمغيبات ، وحدها الواجب ، وهل يجب أن نؤمن على التفصيل أم يكفي الإيمان الإجمالي ؟
الجواب : يكفي الإيمان الإجمالي ، فيكفي أن تؤمن بالملائكة إجمالاً وباليوم الآخر إجمالاً ... إلخ .
أما التفصيل فهو فرض كفاية ، فيجب على العلماء وأئمة الدين أن يعرفوا تفاصيل المغيبات ، فيعرفوا عدد الملائكة فيما ذكر ومهمة جبريل وميكائيل ، وأنواع الملائكة وصفاتهم على التفصيل ، وكذا اليوم الآخر ، والموازين والحساب وكيف يكون الحساب على وجه الدقة والتفاصيل والجزئيات .
ثم بعد ذلك ضرب المصنف أمثلة بالمغيبات التي يجب الإيمان بها ولم يرد الاستيعاب وإنما التمثيل ، وهي كالتالي :
1 - بدأ بمثال الإسراء والمعراج فيجب الإيمان به وأنه كان يقظة لا مناماً ، وكذا الإيمان بما دار وحصل في ليلة الإسراء والمعراج إجمالاً لعموم الناس وتفصيلاً على العلماء .(1/70)
2 - قصة موسى عليه السلام مع ملك الموت ، فهذه من الأمور الغيبية التي صح بها النقل فيجب الإيمان بها ، وأجمل المصنف قصة موسى مع ملك الموت ، فقال في القصة : إن ملك الموت جاء إلى موسى ليقبض روحه فلطمه موسى ففقأ عينه، وهذه قصة ثابتة في الصحيحين ، وقد أنكرها المعتزلة قديماً وأنكرها العصرانيون حديثاً كما سيأتي ، وليس المقصود الآن بسط تفاصيل هذه القصة ، إنما المقصود إنها غيب يجب الإيمان به .
3 - الإيمان بأشراط الساعة وهذا هو الغيب الثالث الذي يجب الإيمان به سواء كانت أشراط الساعة الصغرى أم الكبرى ، وذكر المصنف خمسة من أشراط الساعة ولم يقصد الاستيعاب ، فذكر الدجال ، ثم عيسى عليه الصلاة والسلام ، ثم يأجوج ومأجوج ، ثم الدابة ، ثم طلوع الشمس من مغربها . ثم قال المصنف وأشباه ذلك، ولم يرد الاستيعاب ، فهناك المهدي مثلاً ، وهو أول الساعات الكبرى، وخاتمة العلامات النار التي تسوق الناس إلى المحشر .
4 - ثم ذكر عذاب القبر وما يتعلق به وهو أمر غيبي يجب الإيمان به ، وأحوال القبر ثلاثة ، كلها منسوبة للقبر :
أ - نعيم القبر وهذا يحصل للمؤمنين .
ب - عذاب القبر وهذا يحصل للكفار عموماً وقد يحصل لبعض العصاة ممن شاء اللَّه أن يعذبه .
جـ - فتنة القبر فمن جملة فتنة القبر سؤال منكر ونكير .(1/71)
5 - ما يتعلق باليوم الآخر ، ابتداءً بالبعث إلى دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، وذكر من أحداث اليوم الآخر نفخ إسرافيل الصور وذكر الحشر، وهو جمعهم في صعيد واحد ، ثم الوقوف بعدما يحشرون ويجمعون يقفون مدة طويلة ، ثم أحداث الشفاعة وهو أنهم يملّون من طول القيام ، فيستشفعون بالأنبياء حتى يشفع الرسول عليه الصلاة والسلام ، ثم يبدأ الحساب فيجيء اللَّه للحساب ، ثم نصب الموازين ونشر الدواوين ، ثم حوض النَّبِيّ عليه الصلاة والسلام، وبعد الحساب وأخذ الصحف ، ثم الصراط ثم دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، ثم بعد ذلك شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشفاعة الموحدين .
ثم ذكر من المغيبات مسألة ذبح الموت ، فقال : ( ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ... إلخ ) .
هذا ما يتعلق بأحداث الآخرة ، ثم يبقى من في الجنة خالدون لا يفنون ، ومن في النار خالدون فيها لا يفنون أبداً .
وهذا كله يجب الإيمان به إجمالاً لطائفة وتفصيلاً لطائفة ، والإيمان بالمغيبات من أصول أهل السنة والجماعة ، وخالف في ذلك العصرانيون ، فأنكروا هذا الأصل وأنكروا المعجزات والمغيبات ولم يؤمنوا إلا بالماديات ، والمحسوسات ، وقد لخص صاحب كتاب (العصرانيون بين مزاعم التجديد) ، تأليف "محمد الناصر" لخص منهج العصرانيين ، وموقفهم من المعجزات والغيب.(1/72)
أما بالنسبة لغيبيات القيامة فهم يفسرونها على التمثيل والتصوير ، فحملة العرش تصوير لكمال العزة ، وأخذ الكتاب بالشمال واليمين من باب التمثيل والتصوير ، وأن معنى اليمين الابتهاج والسرور ، وكذلك شككوا في معجزة انشقاق القمر في عصر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وكذا معجزة تكثير الطعام في تبوك والخندق، والجن يرون أنهم نوع من الميكروبات الخفية ، وبعضهم جعل الميكروبات نوعاً من الجن، واستدلوا بحديث الطاعون وخز الجن ، على أن الجن ميكروبات تسبب مرض الطاعون ، وأول بعضهم حديث " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " (1)، وأنها الجراثيم التي تجري من خلال جسم الإنسان ، وكذا ردوا الأحاديث التي فيها شيء من المغيبات ، كحديث " نزول عيسى " ، وحديث الدجال والجساسة ، وحديث أن النَّبِيّ سُحر وحديث الإسراء والمعراج ، وحديث وقوع الذباب بالإناء، وأنكروا حديث : " إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع ... " (2)، وأنكروا حديث قصة موسى مع ملك الموت ، وحديث إسلام شيطان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، إلى غير ذلك .
__________
(1) ... رواه البخاري في صحيحه 2/717 (ح1934) ، ومسلم في صحيحه 4/1712 (ح2174).
(2) ... أخرجه البخاري في صحيحه 3/2433 (ح6221) ، ومسلم في صحيحه 4/2036 (ح2643).(1/73)
وهؤلاء أغلبهم من تلامذة العلماني محمد عبده ، أخطرهم في ذلك المسمى محمود أبو ريّة ، ومنهم أحمد أمين ورشيد رضا في فترة من فترات حياته فإنه نهج منهج إنكار الغيبيات ، لكنه رجع في آخر حياته إلى مذهب السلف، وهذه المدرسة - مدرسة العصرانيين - تعتبر خالفت السلف في هذا الأصل العظيم وهو الإقرار بالمغيبات ونهجوا منهج الإلحاد في هذا الباب ، ولازالت هذه المدرسة موجودة ولها امتداد في واقعنا الحالي ، وفي السنوات المتأخرة ظهروا في الخليج والجزيرة ، وهم الآن يمرون بمرحلة التحالف مع الحكام والعلمانيين قاتلهم الله جميعا ، ومرحلة إيجاد تيار شعبي لهم داخل الجزيرة ولهم صحفهم ومنتدياتهم في الإنترنت ولهم نواديهم وصوالينهم العفنة أخزاهم الله .
فصل
قال المصنف :
ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته ولا يقضى بين الناس في القيامة إلا بشفاعته ولا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته .
صاحب لواء الحمد والمقام المحمود والحوض المورود وهو إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم أمته خير الأمم وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام
وأفضل أمته أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم علي المرتضى رضي الله عنهم أجمعين لما روى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي [ أفضل هذه الأمة بعد نبيها ] أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره .
وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه أنه قال خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ولو شئت لسميت الثالث .
وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ( ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر ) ) .(1/74)
وهو أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لفضله وسابقته وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة على جميع الصحابة رضي الله عنهم وإجماع الصحابة على تقديمه ومبايعته ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة ثم من بعده عمر رضي الله عنه لفضله وعهد أبي بكر إليه ثم عثمان رضي الله عنه لتقديم أهل الشورى له ثم علي رضي الله عنه لفضله وإجماع أهل عصره عليه .
وهؤلاء الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ( ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ) ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( ( الخلافة من بعدي ثلاثون سنة ) ) فكان آخرها خلافة علي رضي الله عنه .
ونشهد للعشرة بالجنة كما شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( ( أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وسعد في الجنة وسعيد في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ) ) .
وكل من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم شهدنا له بها كقوله ( ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) ) وقوله لثابت بن قيس ( ( إنه من أهل الجنة ) )
الشرح
هذا الفصل يتحدث عن خصائص الرسول وصفاته ، ويتحدث تبعاً لذلك عن فضائل أمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ثم تحدث تبعاً لذلك عن فضائل بعض أفراد الأمة ، وعليه فالبحث ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
- قسم في فضائل الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
- قسم في فضائل أمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشكل عام .
- قسم في فضائل أفراد من هذه الأمة .
أما القسم الأول : فهو خاص بصفات الرسول وفضائله . قال فيه المصنف : (ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته ولا يقضى بين الناس في القيامة إلا بشفاعته ولا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته .(1/75)
صاحب لواء الحمد والمقام المحمود والحوض المورود وهو إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم أمته خير الأمم وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام )
وهي كالتالي:
1 - ذكر المصنف أول صفة من صفات الرسول فقال ( رسول اللَّه ) وقبل وصفه بالرسالة بدأ بذكر اسمه فذكر اسم محمد ، وهذا أشهر أسماء الرسول ، قال تعالى : { محمد رسول اللَّه } (1) ، وجاء في القرآن تسميته بأحمد ، قال تعالى : {ومبشراً برسول من بعدي اسمه أحمد}(2) ، ووردت أسماء للرسول ، في السنة كثيرة .
2 - ثم ذكر صفة ثانية للرسول ، فقال : ( وخاتم النبيين ) ومعنى خاتم النبيين أي آخر النبيين ، فليس بعده نبي ، أما نزول عيسى في آخر الزمان في عصر المهدي فليس معنى ذلك أن عيسى ينقض مسالة ختم الرسالة والنبوة بالنبي صلى الله عليه وسلم .
3 - ثم ذكر صفة من صفات الرسول وهي في نفس الوقت من فضائله ، فقال ( سيد المرسلين ) ، فوصفه بالسيادة ، وتعني الشرف وأنه مقدمهم وكبيرهم، وقيد السيادة هنا فقال ( سيد المرسلين ) والسيادة إذا قيدت جاز إطلاقها ، فيقال : "سيد المرسلين" ، و"سيد بني آدم" ، و "سيد الأنصار" ، وقد جاء في الحديث عند أبي داود من قوله عليه السلام : " السيد اللَّه " (3)، أي على وجه الكمال والإطلاق.
4 - ثم ذكر صفة من صفاته وهي من فضائله وخصائصه وهي أنه صاحب الشفاعة العظمى وذكرها مرة أخرى وقال صاحب المقام المحمود ، ويقصد به الشفاعة العظمى .
5 - ثم وصفه بأنه صاحب لواء الحمد ويقصد بذلك أنه يحمد اللَّه محامد عظيمة قبل أن يؤذن له بالشفاعة العظمى .
__________
(1) ... الفتح : 29 .
(2) ... الصف : 6 .
(3) ... أخرجه أبو داود في سننه 4/254 (ح4806) ، وأحمد في مسنده 4/24 (ح16350) .(1/76)
6 - ثم وصفه بأنه صاحب الحوض وهذه ليست من خصائص الرسول بل من صفاته ، فإن كل نبي له حوض ، ولكن حوض النَّبِيّ عليه السلام أعظمها وأشرفها، وأكبرها، وقوله ( المورود ) أي يرده المؤمنون من هذه الأمة ، وزمن الورود في عرصات القيامة في أرض الموقف والمحشر .
7 - ثم قال ( إمام النبيين ) وقد أمّهم عليهم السلام في ليلة الإسراء والمعراج.
9 - ومن صفاته وأيضاً من الخصائص ، قال ( وخطيبهم ) والضمير يعود على الأنبياء .
هذه بعض صفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، منها ما اختص بها الرسول ، ومنها ما شاركه غيره فيها ، ولم يقصد المصنف الاستيعاب ، وإلا خصائص الرسول كثيرة .
مسألة :
ثم ذكر المصنف حكم من لم يؤمن به ، فقال : ( لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته ) وقوله لا يصح ، لا نافية ، نفت الصحة ، وعلى ذلك فمن لم يؤمن برسالته فهو كافر .
مسألة : معنى الإيمان برسالته :
معناه هو قول وعمل واعتقاد ، هذا معنى الإيمان بالرسالة ، ومعنى القول أي يشهد برسالته ، ومعنى الاعتقاد أن يحصل في قلبه العلم برسالة الرسول والتصديق بذلك ، ويقصد بالعمل شيئان :
أ - عمل القلب ، وهو محبة الرسول واليقين والصدق والإخلاص والقبول لرسالته - صلى الله عليه وسلم -
ب - عمل الجوارح وهو الانقياد لأوامر الرسول وعملها بالجوارح ، وطاعته بذلك، وهذا جزء من كلام السلف في الإيمان .
أما مذاهب الناس في الإيمان برسالة الرسول ، فهي كالتالي :
1 - الكرامية : وهؤلاء عندهم الشهادة بالرسالة للرسول ، هو قول فقط ، فمن قال بلسانه : أشهد أن محمداً رسول اللَّه ، فهو عندهم مؤمن كامل الإيمان بالرسالة .
2 - الجهمية : وعندهم أن الإيمان بالرسالة هي قول القلب ، ويُقصد بقول القلب العلم والمعرفة ، فمن علم وعرف أن محمداً رسول اللَّه فهو مؤمن بالرسالة كامل الإيمان .(1/77)
3 - الأشاعرة : فهؤلاء مرجئة في باب الإيمان ، وعندهم أن الإيمان بالرسالة هي علم القلب ومعرفته ، إلا أنهم أضافوا التصديق ، فمن علم برسالة الرسول وعرفها وصدق بها فهو مؤمن بالرسالة كامل الإيمان ، والأشاعرة والجهمية لا يشترطون القول .
4 - الماتريدية : وهم كالأشاعرة الإيمان بالرسالة عندهم هو تصديق القلب بالرسالة والإقرار القلبي بها ولا يشترطون القول ولا أعمال القلوب في الإيمان بالرسالة .
5 ـ مرجئة الفقهاء ، وطريقة الإيمان بالرسالة عندهم ، هي مجموع كلام الكرامية والجهمية والأشاعرة مع زيادة وعلى هذا الإيمان عندهم : قول اللسان والعلم والمعرفة والتصديق ، ويضيفون بعض أعمال القلوب مثل محبة الرسول وتعظيمه واحترامه يدخلونه في مسمى الإيمان بالرسالة .
فمن أقر بهذه الثلاثة فهو مؤمن بالرسالة كامل الإيمان ، إلا أن بعضهم ويضاف الاطمئنان بالقلب مع المحبة والتوقير للرسول ... إلخ .
6 - الخوارج والمعتزلة : فالإيمان بالرسالة عندهم قول واعتقاد وعمل كمذهب السلف إلا أن الفرق أنهم يشترطون كل عمل ، فإذا خالف الرسول ولو في عمل واحد فهو كافر ، وأما السلف فيقولون من خالف الرسول في عمل فيه تفصيل، فبعضها يكفّر بالمخالفة ، كما لو خالف أمر الرسول بترك الصلاة ، أو خالف أمر الرسول فتولى الكفار من الأمريكان وغيرهم ، أو خالف أمر الرسول فشرع قانوناً ، فهنا يكفر . أما إن خالف أمر الرسول فعمل الكبائر كالزنا والكذب أو ترك الواجبات كصلاة الجماعة في المسجد ، فهذا لا يكفر لكن ناقص الإيمان بالرسالة وهو من أهل الوعيد .
7 - مذهب العلمانيين : عندهم الإيمان بالرسالة هي الإقرار بعبقرية الرسول وأنه من عظماء التاريخ ويقرون بذلك لكن يعتبرونه عظيما كغيره من العظماء .
القسم الثاني : فضائل الأمة الإسلامية :
ذكر المصنف أن هذه الأمة هي أفضل الأمم ، فقال : ( ولا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته ) ، ثم قال : ( وأمته خير الأمم ) .(1/78)
هذا ما يتعلق بفضل الأمة الإسلامية ، وهي أيضاً من أعظم الأمم باعتبار الكمية، فهم أكثر الأمم مؤمنين ، كما جاء في الصحيح ، ثم عرضت الأمم فرأيت سوادا عظيما ثم رأى أعظم من ذلك وهي أمته .
وأما عدد الأمم فهي سبعون أمة كما جاء في الحديث : " إنكم توفون سبعين أمة يوم القيامة " (1) ، وأفضل هذه الأمم أمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقد جاء في الحديث أنهم ثلثي أهل الجنة ، وجاء في الحديث أن الصفوف في المحشر مائة وعشرين صفاً ، منها ثمانون صفاً من هذه الأمة ، وأفضل أمة الإسلام الصحابة .
القسم الثالث : فضائل بعض أفراد هذه الأمة :
قال المصنف : وأفضل أمته أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم علي المرتضى رضي الله عنهم أجمعين لما روى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي [ أفضل هذه الأمة بعد نبيها ] أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره (
وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه أنه قال خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ولو شئت لسميت الثالث .
وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ( ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر ) ) .
وهو أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لفضله وسابقته وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة على جميع الصحابة رضي الله عنهم وإجماع الصحابة على تقديمه ومبايعته ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة ثم من بعده عمر رضي الله عنه لفضله وعهد أبي بكر إليه ثم عثمان رضي الله عنه لتقديم أهل الشورى له ثم علي رضي الله عنه لفضله وإجماع أهل عصره عليه .
__________
(1) ... الترمذي 5/226 (ح3001) ، وابن ماجة 2/1433 (ح4287) ، (ح4288).(1/79)
وهؤلاء الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ( ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ) ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( ( الخلافة من بعدي ثلاثون سنة ) ) فكان آخرها خلافة علي رضي الله عنه .
ونشهد للعشرة بالجنة كما شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( ( أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وسعد في الجنة وسعيد في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ) ) .
فأفضل هذه الأمة بعد الرسول عليه السلام هو أبو بكر ، قال المصنف : (وأفضل أمته أبو بكر الصديق) وهذا بالإجماع .
الثاني عمر بن الخطاب ، ووصفه بأنه ( الفاروق ) وهذا الوصف نبوي ، وصفه الرسول عليه السلام ، كما أن وصف أبو بكر الصديق نبوي .
ثم عثمان ، أما تفضيل أبو بكر وعمر هذا بالإجماع ، وأما عثمان فهذا بإجماع المهاجرين والأنصار حيث قدموا عثمان على علي بالخلافة ، ولم يختلف الصحابة بأن عثمان هو الشخص الثالث في الفضل بعد أبي بكر وعمر ، لكن في عصر التابعين اختلفوا ، فهناك بعض السلف وهم قلة ، قدموا علياً ، لكنهم رجعوا عن ذلك فيما بعد ، وبعض السلف توقف فلم يفضل أحداً على أحد ، ، لكن استقر مذهب التابعين فيما بعد على تفضيل عثمان على علي ثم هجر القول بأفضلية علي وكذلك التوقف وأصبح من الأصول تقديم عثمان على علي في الخلافة والفضل .
ثم وصف المصنف عثمان بذي النورين وهذه الصفة والله أعلم جاءت في عصر التابعين ، فقد نقل اللالكائي بسنده عن حسين الجعفي أنه قال : أتدري لماذا سموا عثمان بذي النورين ، قال لأنه ما من أحد نكح ابنتي نبي من لدن آدم حتى محمد عليه السلام غير عثمان ، فيكون سبب التسمية ؛ لأنه تزوج بنتي رسول اللَّه.(1/80)
ثم بالأفضلية علي رضي اللَّه عنه ، وسماه المصنف ( المرتضى ) أما سبب التسمية والله أعلم أنها مأخوذة من الحديث الصحيح في البخاري ، أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قال له : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون لموسى ، إلا أنه لا نبي بعدي " (1)، والشاهد قوله : " أما ترضى " .
ثم بعد ذلك بقية العشرة ، فهم أفضل الصحابة بعد الأربعة ، وهم الستة الباقون وهم طلحة والزبير والسعدان ( سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ) والعبدان ( عبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة ) ، ثم أهل بدر وعددهم ثلاثمائة وبضع عشر ، ثم يليهم أهل بيعة الرضوان وأهل أحد ، ثم من أسلم بعد صلح الحديبية إلى فتح مكة ، ثم من فتح مكة إلى موت الرسول عليه السلام .
هذا باعتبار الافراد ، أما باعتبار الجنس ، فأفضل هذه الأمة المهاجرون ، ثم الأنصار، ثم من أسلم بعد الحديبية إلى وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
مسألة :الخلافة وترتيبها والأحق بها :
الخلافة : أما بالنسبة للخلافة فقد أجمع السلف أن أحق الناس بالخلافة أبوبكر، ثم عمر ، ثم عثمان، ثم علي بن أبي طالب ، وهذا بإجماع السلف ، فمن قدم أو أخر في هذا الترتيب فهو مبتدع عند أهل السنة والجماعة ، ومن قال : إن علياً أحق من عثمان ، فهذا ضال ، وهو أضل من حمار أهله ، كما قال ابن تيمية في الواسطية، فإن مسألة الخلافة وترتيب الخلفاء على النحو السابق ، هذا بإجماع السلف، ولم يخالف فيه أحد ، أما مسألة التفضيل ، فقد وقع خلاف في عثمان وعلي ، ثم استقر السلف على تفضيل عثمان على علي .
ثم ذكر المصنف الأدلة على ترتيب الخلفاء في الأحقية ، فأما الدليل على أحقية أبي بكر ، فهي كالتالي :
1 - لفضله . 2 - لسابقته . 3 - تقديم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - له في الصلاة على جميع الصحابة .
__________
(1) ... رواه البخاري في صحيحه 3/1359 (ح3503) ، وأحمد في مسنده 1/173 (ح1490).(1/81)
4 ـ إجماع الصحابة على تقديمه ومبايعته ، ولم يكن اللَّه ليجمعهم على ضلالة .
أما الأدلة على أحقية عمر : فذكره المصنف كالتالي : وذكر سببين :
السبب الأول : فضل عمر . الثاني : عهد أبي بكر إليه .
أما أدلة أحقية عثمان بالخلافة بعد عمر : ذكر المصنف دليلاً واحداً ، وهو تقديم أهل الشورى له ، ويمكن أن يضاف شيئاً واحداً وهو إجماع الناس على توليته واختيارهم له .
أما الأدلة على أحقية علي بالخلافة : ذكر المصنف دليلين على ذلك :
1 - فضله . 2 - إجماع أهل عصره عليه .
وسمى المصنف هؤلاء الاربعة بالخلفاء الراشدين المهديين ، وأن خلافتهم خلافة نبوة ، واستدل بدليلين :
1 - قوله عليه السلام : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين " .
2 - حديث : " الخلافة من بعدي ثلاثون سنة " (1) ، فكان آخرهم خلافة علي بن أبي طالب .
مسألة : هل هناك خلفاء راشدون غير هؤلاء الأربعة :
بعض أهل العلم يضيف عمر بن عبد العزيز ، ويجعله من الخلفاء الراشدين ، وبعضهم يضيف المهدي ، لما ذكر النَّبِيّ عليه السلام من سيرته .
ثم انتقل المصنف إلى مسألة الشهادة ، وهل يُشهد لأحد بالجنة أم لا ، ثم ذكر قاعدة ، أن كل من شهد له النَّبِيّ عليه السلام بالجنة يُشهد له بالجنة ، وذكر العشرة المبشرين بالجنة ، وذكر بعض الصحابة كالحسن والحسين وثابت بن قيس ولم يُرد المصنف الاستيعاب ، وإلا هناك من شُهد له بالجنة كبلال وعبد اللَّه بن سلام وخديجة وحمزة ... إلخ ، فكل من جاء فيه حديث خاص صحيح النسبة فإنه يُشهد له.
مسألة : بقية الصحابة الذين لم يُشهد لهم بالجنة ، فهل يُشهد لهم ؟
الصحيح أن الصحابة كلهم يُشهد لهم بالجنة ويدل على ذلك أدلة :
1 - قوله تعالى : { لقد تاب اللَّه على النَّبِيّ والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة } (2) . وهذه في المهاجرين والأنصار.
__________
(1) ... الترمذي 4/503 (ح2226) ، وأحمد 5/220 (ح21969) .
(2) ... التوبة : 117 .(1/82)
2 - أما غيرهم ففيه قوله.: { لا يستوي منكم من أنفق قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة ... وكلاً وعد اللَّه الحسنى } (1) ، أي الجنة ، وكلاً أي الصحابة كلهم وعدهم اللَّه الحسنى . مع وعده تعالى لأهل الحسنى ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها ) الآية .
3 ـ قوله : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من اللَّه ورضواناً وينصرون اللَّه ورسوله أولئك هم الصادقون . والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون . والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} (2) . وأولى من يدخل فيه الصحابة أهل ما بعد الهجرة .
4 ـ قوله تعلى ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ، الآيات ) وكل الصحابة آمنوا معه .
أما الأحاديث فمنها : حديث ( أنتم شهداء الله في أرضه ) فالصحابة مشهود لهم بالعدالة بالإجماع . وحديث ( خير القرون قرني الحديث ) .
واختاره ابن حزم في كتابه الدرة ص 367 قال : وجميع الصحابة ممن صحبه ولو يوما من غير المنافقين في الجنة قطعا اهـ .
__________
(1) ... الحديد : 10 .
(2) ... الحشر : 8-10 .(1/83)
واستدلوا أيضاً بحديث رواه الضياء في المختارة ، قال عليه السلام : " لا تمس النار رجل رآني " (1). وأيضا بعموم حديث ( الله الله في أصحابي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ) رواه الترمذي وحسنه وغربه وحسنه السيوطي وصحح ابن حبان ورواه أحمد . وعموم حديث ( من سب أصحابي فعليه لعنة الله الحديث ) رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني رحمه الله في الجامع . وعموم حديث ( لا تسبوا أصحابي فإن الله قد أمرني بالاستغفار لهم ) ذكره ابن بطة في الإبانة الصغرى ص119 ، ورواه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة 4/1319.
مسألة : هل يُشهد للتابعين بالجنة ؟
أما التابعون فقد ذهب بعض العلماء إلى أنه يُشهد لهم بالجنة ، واختار هذا القول عبد الغني النابلسي في كتابه لمعة الأنوار في المقطوع لهم بالجنة أو النار .
وقال نشهد أيضاً للتابعين بالجنة ، واستدل على ذلك بالحديث السابق : "لا يمس النار رجل رآني ، ولا رأى من رآني" ، والقول الثاني عدم الشهادة.
إلا أن بعض السلف شهد لبعض التابعين بالجنة كعمر بن عبد العزيز ، والحسن البصري، والإمام أحمد ، فقد كان أبو ثور يحلف أن أحمد بن حنبل في الجنة ، ذكر ذلك ابن تيمية في الفتاوى .
وهل يُشهد لأحد غير هؤلاء ؟
ذهب بعض أهل العلم إلى أن من استفاض الثناء عليه فإنه من أهل الجنة، واستدلوا بالحديث الصحيح لما مرت جنازة فأثنوا عليها خيراً ، فقال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وجبت ، فلما سألوه قال : وجبت الجنة ، ثم قال : أنتم شهداء اللَّه في الأرض(2).
وما هو الضابط لذلك ؟
__________
(1) ... رواه الترمذي في سننه 5/694 ، (ح3858) .
(2) ... رواه البخاري في صحيحه 1/460 (ح1301) ، ومسلم في صحيحه 2/655 (ح949) ، والترمذي في سننه 3/373 (ح1058).(1/84)
الضابط أنه إذا شهد له علماء الأمة وأهل الحل والعقد من أهل السنة والجماعة ، فهذا يكون شهادة له بالجنة ، لقوله : " أنتم شهداء اللَّه " يقصد الصحابة، ومن كان مثل صفات الصحابة في العدل والإنصاف ممن يعرف التعديل والقدح والإنصاف فهم شهداء اللَّه ، وكل عصر له شهداء ، وكل مكان فيه شهداء لله في أرضه إلى قيام الساعة ، ومن ذلك المهدي فقد جاء الثناء عليه في الحديث وكمالك والشافعي وأئمة أهل الحديث .. إلخ .
فصل
قال المصنف :
ولا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم لكنا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء .
ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بعمل .
الشرح
بعد أن انتهى المصنف من الشهادة لأهل الفضل والثناء أنهم من أهل الجنة ، انتقل فقال: هل يشهد لأحد غيرهم بجنة أو نار ؟
الجواب : أن غير السابقين مما ذكر ، كالمسلم العادي الذي لم ينتشر فضله ، فهذا لا يشهد له بالجنة ، لكن يُرجى له الجنة ، وكذا لا يُشهد لأحد منهم بنار، وإنما يخاف على المسيء من النار ، فجعل الأمر دائر بين الرجاء للمحسن والخوف على المسيء
وقول المصنف ( ولا نجزم ) نفى الجزم ، وقوله ( نجزم ) ولم يقل لا أجزم بالإفراد لأنه أراد باللفظ أهل السنة ، وقوله ( من أهل القبلة ) يُقصد بأهل القبلة هو من أتى بالتوحيد ( شهادة أن لا إله إلا اللَّه ) ولم يأتِ بناقض ، هذا تعريف أهل القبلة شرعاً ، ويشترط شرطان :
أ - أن يأتي بالشهادتين ، وهذا شرط إيجابي .
ب - أن لا يأتي بناقض من نواقض الإسلام وهذا شرط سلبي .
فإذا لم يأت بالتوحيد فليس من أهل القبلة ، وإن أتى بالتوحيد وأتى بناقض فليس من أهل القبلة ، أما الذين ليسوا من أهل القبلة كالجهمية ، فهؤلاء عندهم ناقض وهو إنكارهم للأسماء والصفات ، وغيره من المكفرات التي عندهم .(1/85)
ومثل الرافضة اليوم فهم ليسوا من أهل القبلة لوجود نواقض فيهم، وكالعلمانيين والحكام المرتدين في وقتنا ممن يدعي الإسلام فهم ليسوا من أهل القبلة لوجود ناقض ، ويشمل الحداثين والقوميين والبعثيين والديمقراطيين والاشتراكيين وغيرهم من الطوائف الأخرى الذين ليسوا من أهل القبلة ، وفائدة ذلك أن من مات من هؤلاء الطوائف على ذلك . لا يدخل في هذه المسألة ، ولا يقال لا نشهد له بالنار ، ويدل على ذلك أن من مات من المرتدين يشهد له بالنار .
ويدل لذلك حديث بني المنتفق وهو حديث صحيح ، فأتوا النَّبِيّ عليه السلام وسألوه في حديث طويل عمن مات من أهل الفترة فقال النَّبِيّ عليه السلام : " لعمر اللَّه ما أتيت عليه من قبر عامري أو قرشي من مشرك فقل : أرسلني إليك محمد فأبشرك بما يسوءك تجر على وجهك وبطنك في النار "(1) ، قال ابن القيم في (الهدى) من فوائد الحديث أنه يُشهد على من مات على الشرك بالنار .
2 - قصة المرتدين ، فإنهم لما تابوا وطلبوا الصلح من أبي بكر شرط عليهم شرط ، وقال حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار " (2)، والشاهد قوله: " وقتلاكم في النار " ، فدل على أنه يجوز الشهادة على المرتد إذا مات على الردة بالنار.
ثم تطرق المصنف إلى مسألة التكفير وهل يكفّر أحد من أهل القبلة أم لا يكفر.
قال المصنف : ( ولا نكفر أحد من أهل القبلة بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بعمل ) .
تكلم المصنف عن حكم تكفير أهل القبلة ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ما المقصود بكلمة "بذنب" ، وكلمة "بعمل"
هاتان الكلمتان قد تفهم خطأ ، وقد تفهم أحياناً على وجه التعميم ، فيظن أن كلامه عام وليس كذلك ، فيقصد "بذنب" أي المعاصي، التي تسمى الكبائر ، ومثله كلمة" بعمل" فإنها تطلق على ثلاثة أشياء :
__________
(1) ... مسند الإمام أحمد 4/13 (16251) .
(2) ... رواه أحمد في مسنده 1/387 (ح2609) .(1/86)
أ - على الكبائر : كالسرقة والزنا والغيبة والنميمة واللواط وما شابه ذلك فهذا لا يكفر به أهل السنة والجماعة .
ب - الشرك الأصغر ، فهذا أيضاً يدخل ضمن كلام المصنف فلا يكفر بالشرك الأصغر .
جـ - الصغائر وهي ما جاء تحريمها بالشرع ولم يرد فيها وعيد خاص ، فهذه لا يكفر بها أهل السنة والجماعة .
وهناك ذنوب لم يقصدها المصنف هنا كالشرك الأكبر والكفر الأكبر ، فهذه يكفر فيها أهل السنة والجماعة ، سواء كان كفراً أكبر اعتقادي أو عملي أو قولي.
وقول المصنف ( بعمل ) يراد به عمل المعاصي .
المسألة الثانية : قول المصنف ( أهل القبلة ) ما القصود بهم :
يقصد أهل القبلة طوائف :
أ - السابقون .
ب - المقتصدون .
وهذان القسمان هم أهل المدح والثناء وهم أهل الجنان ، قال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللَّه}(1) وهؤلاء لا يكفرون.
جـ - الظالم لنفسه ، وهم أهل التوحيد الذي فعل شيء من المعاصي ومات عليها، أو مصراً عليها ، ويشترط في هؤلاء حتى يسموا أهل القبلة ، أن يأتوا بالتوحيد ، وأن لا يأتوا بناقض من نواقض الإسلام .
د - المبتدعة : أو الذين فيهم بدعة ، بشرط أن تكون بدعتهم غير مكفرة ، كالذين يحيون ليلة النصف من شعبان وكتقديم الخطبة على الصلاة في العيد ، وترك بعضهم للتكبير علناً ، وكتأخير الصلاة لآخر وقتها الضروري ، ومثل الكلابية ومثل متقدمي الأشاعرة كأبي الحسن الأشعري والباقلاني ، ومثل الكرامية فإنهم مبتدعة ومثل الخوارج الأولى ويسمون المحكّمة ، فهؤلاء مبتدعة وليسوا كفاراً . ومثل مرجئة الفقهاء ، هذه الطوائف هي التي تسمى أهل القبلة .
المسألة الثالثة : أهل القبلة ينقسمون إلى قسمين :
أ - أهل القبلة بالحقيقة ، بمعنى أنه يجوز إطلاق هذا الاسم عليهم ، وهم الطوائف السابقة .
__________
(1) ... سورة فاطر : 32 .(1/87)
ب - أهل قبلة بالادعاء والانتساب أو لمجرد التعريف ، أو باعتبار ما قبل التكفير ، وهو كل من انتسب إلى القبلة وقد قام به مكفر ، فتسميته بأهل القبلة زور وبهتان . ولا يجوز إطلاق هذا الاسم عليه.
وهذا القسم لم يرده المصنف ، وهم طوائف يتسمون بأهل القبلة وهم كفار ، وهم كالتالي : الجهمية ، وغلاة المعتزلة : فهؤلاء على الصحيح كفار .
الرافضة : وهم ليسوا من أهل القبلة على الحقيقة وهم كفار ، علماؤهم وعوامهم
عباد القبور : وهؤلاء مشركون بالإجماع وليسوا بمسلمين ، نقل تكفيرهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، في نواقض الإسلام - الناقض الثاني - ، وقبله نقله ابن تيمية كما في كشاف القناع ، أن من جعل بينه وبين اللَّه وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة كفر إجماعاً .
الصوفية الذين عندهم كفريات ، كالاستغاثة بالأولياء ونحو ذلك ، فهؤلاء مشركون وإن تسموا بأهل القبلة .
العلمانيين : بجميع أصنافهم ، فإنهم كفار وإن تسموا بالإسلام ، أو قالوا نحن دولة إسلامية وحكام مسلمين ، وهم في حقيقة الأمر علمانيون كفار .
وأصناف العلمانيين مثل : الحداثيين والديمقراطيين والبرلمانيين والبعثيين والقوميين ، والشيوعيين والاشتراكيين ، فهؤلاء كلهم كفار سواء كانوا كتّاباً أو صحفيين أو سياسيين أو إعلاميين أو مثقفين أو عسكريين ، أو اقتصاديين إلخ.
ومنهم من يتسمى بالإسلاميين وقد قام بهم مكفر كالإسلاميين الذين يبيحون التشريع لغير اللَّه أو الذين يتحالفون مع العلمانيين ، ويستلزم من تحالفهم مع العلمانيين أن يفعلوا كفرا عالمين به فهؤلاء كفار وإن ادعوا أنهم إسلاميون .
ومن هذه الطائفة صنف يسمى العصرانيين ، وهم الذين يدعون تطوير الشريعة لكي تواكب العصر ، أو تطوير أصول الفقه لكي يواكب العصر ، وأمثالهم ممن يفعل مكفرا من هؤلاء .
فصل
قال المصنف : ونرى الحج والجهاد ماضيا مع طاعة كل إمام برا كان أو فاجرا وصلاة الجمعة خلفهم جائزة .(1/88)
قال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ( ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله ولا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل والجهاد ماض منذ بعثني الله عز وجل حتى يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والإيمان بالأقدار ) ) رواه أبوداود.
الشرح :
ثم تكلم المصنف عن مسائل الإمامة وما يتعلق بها .
وهي مسائل تتعلق بالموقف تجاه الأئمة والحكام وماذا يجب لهم .
قال المصنف ( ونرى ) ولم يقل ( وأرى ) وإنما عبر بقوله (نرى) وفاعل( نرى) جماعة والسبب لأن المصنف يتكلم عن مذهب أهل السنة والجماعة ، مثل ما قال قبله (ونشهد) وقال ( ولا نجزم ) مما يدل على أنه ينقل اعتقاد أهل السنة والجماعة في مسألة الواجب للأئمة .
وذكر المصنف ثلاث شعائر : الحج ، والجهاد ، والجمعة . على أن هذه الشعائر الثلاث تفعل مع الأئمة ولا يخالفون فيها ويتعاون معهم عليها ، وقبل أن ندخل في تفاصيل هذه المسالة ينبغي أن نعرف من هم الأئمة المقصودون هنا ؟.
الجواب : الأئمة ينقسمون ثلاثة أقسام :
1 - أئمة العدل : فهؤلاء يجب إقامة الحج والجهاد والجمعة معهم ، وغيرها من الشعائر الأخرى .
2 - الأئمة الفساق : وهم على قسمين :
أ - أئمة فساق فسق متعدي : وهم ما يسمون أئمة الجور والظلم ، فيظلمون الناس في أموالهم وأعراضهم ويجورون في الأحكام لكنهم مسلمون ، لم يخرجوا بهذا الظلم والجور عن الإسلام .
ب - أئمة فسق غير متعدي : مثل الأئمة الذين يشربون الخمر ويزنون ويأكلون الربا ، وهؤلاء أحسن حال أئمة الجور وكلا الصنفين يقام معهم الحج والجهاد والجمعة .(1/89)
3 - الأئمة الكفار والعلمانيين والأئمة المرتدين : فهؤلاء ليس لهم شيء من هذه الحقوق ، أما صلاة الجمعة فلا تجوز الصلاة خلفهم ، وإذا أجبروا الناس بالصلاة خلفهم ، صلوا وأعادوا صلاتهم ، وكذا لا يصل خلفهم العيد ولا بقية الصلوات ، كالكسوف وغيرها ومثله صلاة الفريضة ، فلا يصل خلفهم ، وأما الجهاد ، فالواجب أن يجاهدوهم ، ويجب على أهل الحل والعقد وعلماء المسلمين أن يجاهدوهم ويقاتلوهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ، فإن لم يستطيعوا وجب تكفيرهم واعتقاد كفرهم وعدم إمامتهم وعدم الذب عنهم ويصبر حتى يأتي اللَّه بالفرج ،( للتفريق بين الأسماء والأحكام ) ولكن لو قام الجهاد ( جهاد الدفاع ، أي دفع الصائل ) ورفعوا رايته ، كما لو صالت دولة على دولة شعبها مسلم وحاكمها كافر ثم أعلن هذا الحاكم الكافر الجهاد ضد الصائل ، فهنا لا مانع من الجهاد معه ضد الصائل ، كما قال عليه السلام : " إن اللَّه ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " (1). فهناك يقاتل مع المسلمين ولو كان الحاكم كافرا ما دام ان المصلحة للمسلمين للدفع عنهم ،
وقد تحالف الرسول أول ما جاء للمدينة مع اليهود على أن يشتركوا بالدفاع عن المدينة ، مع أن اليهود كفار ، ومثله حلف الفضول فقد اشترك الرسول قبل البعثة مع الكفار في نصرة المظلوم ويأتي بسط أكثر لهذه المسالة بعد أسطر إن شاء الله .
وأما الحج ، فلو أقام الحاكم الكافر الحج فإنه يُحج معه .
وقول المصنف ( ونرى الحج ) ثم قال ( ماضياً ) بمعنى أنه لا يُترك الحج من أجل كفر الحاكم ، أو يُهجر الحج أو تهجر مكة لأن الإمام كافر ، والسبب أن الحج فرض واجب ، فلا يجوز تركه من أجل كفر الحاكم هذا الأول .
__________
(1) ... رواه البخاري في صحيحه 3/1114 (ح2897) ، ومسلم 1/105 (ح111) .(1/90)
الدليل الثاني : حج أبي بكر ، لما حج قبل السنة العاشرة مع الناس وفيهم كفار ، الدليل الثالث : وكان الصحابة يحجون قبل الفتح إلى مكة ويعتمرون مع أن الحكم في مكة للكفار، فلم يمنع عمل هذه الشعيرة وإن كان هناك كفار .
الرابع : قوله تعالى : { ومن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } ، فسبب نزول الآية أن الصحابة تحرجوا أن يطوفوا بالمسعى لأنه فيها أوثان في ذلك الوقت ، فنزلت هذه الآية لنفي الحرج أن يؤدوا السعي وإن كان فيها أوثان وشرك .
ولم يذكر المصنف العمرة لأنها تختلف ، فليس لها وقت معين كالحج وإنما هي راجعة للشخص ، متى شاء اعتمر .
وقوله ( والجهاد ماضياً ) لابد من قيد في الجهاد ، فيقصد به الجهاد الشرعي ، هذا هو الماضي مع الأئمة ويشترك فيه أهل السنة جنوداً ، وهو إما جهاد هجومي لمقاصد إسلامية ، أو جهاد للدفاع عن أنفسهم وحرمتهم . وضده الجهاد الدنيوي ، وهو أن يقاتل الإمام من أجل إدخال بعض البلاد في حوزته وملكه ظلماً ، أو كجهاد المسلمين ظلماً ، أو يجاهد حمية ، أو يجاهد لنصرة كفار ، فكل هذه الأنواع الدنيوية ، لا يجوز إعانة الإمام عليها سواء كان مسلماً أو كافراً ، جائراً أو فاسقاً.
وقوله ( وصلاة الجمعة خلفهم جائزة ) قوله : خلفهم ؛ لأنهم كان من عادة الحكام أن يكونوا أئمة صلاة الجمعة ، وهذه العادة اختلفت في هذا الوقت ، فالآن نادراً ما يكون إماماً ، وينتقل الحكم إلى نوابه أي من عينهم ليصلوا بالناس.
وقول المصنف ( جائزة ) أراد أن الصلاة خلفهم صحيحة وتجوز ، والجواز هو أحد الأحكام الخمسة ، أي فليس بواجب ولا مستحب ، لكنه مباح ، وكل مباح يفيد أنه ليس محرما ولا مكروها ، وهذا إذا لم يأمر أو يعاقب أو يتضمن مفسدة أكثر، أما إذا عاقب أو تضمن مفسدة ، فيكون إما واجب أو مستحب ، فيختلف الحكم.(1/91)
ويقاس على الجمعة الصلوات الباقية كالعيدين والكسوف والاستسقاء والفرائض، وهذا أيضاً إذا كان المسجد واحدا ، أما إذا تعددت المساجد ، مثل أن يكون بالمدينة مسجدان للجمعة ، فالسنة أن يصلي مع الإمام العادل إذا لم يكن هناك مشقة .
وقد صلى بعض الصحابة كابن عمر خلف الحجاج وصلى ابن مسعود خلف عقبة .
وقول المصنف ( براً كان أو فاجراً ) البر معروف وهو العدل ، وأما الفجور فماذا يقصد به المصنف ؟ يحتمل أنه يقصد الظلم والجور أو يقصد الفسق، وهذا صحيح.
بقي لو كان الفجور فجور كفر وردة فهنا فيه تفصيل ، أشياء تفعل معه وأشياء لا تفعل معه ، فأما الحج فيفعل معه ، وأما الجهاد فعلى التفصيل السابق ، فيفرق بين الجهاد الهجومي والجهاد الدفاعي ، وبين الجهاد الشرعي والجهاد الدنيوي على ما سبق لما تكلمنا عن الأئمة الكفار .
وأما الشيء الذي لا يجوز أن يُفعل معهم فهي الصلاة ، فلا يجوز أن يصلى خلفهم ، فإن كان يضرب الناس ويقهرهم عليها ، صلوا معه وأعادوها ، والدليل على ذلك فعل السلف مع الأئمة لما كانوا جهمية فإنهم كانوا يعيدون الصلاة ويصلون قبل أن يأتوا إليهم.
ونقل ابن سحمان عن شيخه عبد اللطيف مقررا له (نقل اتفاق أهل العلم على تكفير الجهمية واتفاقهم أيضا على أن الصلاة لاتصح خلف كافر جهمي ، ثم قالا وقد يفرق بين من قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها وبين من لاشعور له بذلك وهذا القول يميل إليه شيخ الإسلام في المسائل التي قد يخفى دليلها على بعض الناس ) كشف الشبهتين ص 20-21-65-66-97 ، ثم قاس على الجهمية فقال وقد يفعله المؤمن مع غيرهم من المرتدين إذا كان لهم شوكة ودولة والنصوص في ذلك معروفة مشهورة اهـ 0
والمصنف اقتصر على ثلاث شعائر وبقي شعائر أخرى كإقامة الحدود وإقامة الثغور والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .(1/92)
والجواب : أن المصنف لم يرد الاستيعاب ، وإلا حكم هذه الأمور حكم الجهاد والحج ، ولم يذكر المصنف أيضاً الصيام ، أما الصيام فقد جاء في الحديث : "الصوم يوم تصومون" (1)، فيقال : إذا كان الإمام يهتم بالصيام ويعتمد على الرؤية الشرعية فيقام معه ويُفطر معه براً كان أو فاجراً مسلماً أو كافراً ، وإن كان لا يهتم بالطرق الشرعية وإنما بالحساب فهنا يتحرى الإنسان بالطرق الشرعية ولا يتبعه إلاّ إن خشي على نفسه من ضرب أو سجن ، فيصوم ويفطر سراً , فإن تعذر عليه الطرق الشرعية جاز أن يبتدأ وينتهي معهم من أجل ضرورة إقامة هذه الشعيرة .
بالنسبة للزكاة ، فإن كان الأئمة أهل عدل تدفع لهم الزكاة وإن كانوا أئمة جور ويصرفونها في غير مصارفها ، فيجوز ( ولاحظ كلمة يجوز ) دفعها لهم كما كان ابن عمر يدفع زكاته إلى أئمة الجور وهذا إن طلبوها منه ، ولكن لا يتقصدهم ويذهب إليهم.
وأما إن كانوا كفاراً فلا يجوز الدفع إليهم إلاّ إن خشي على نفسه ويتحيل على أن لا يدفع إليهم شيئاً .
ثم ذكر المصنف الدليل على هذه المسألة وهو حديث أنس مرفوعاً قال : "ثلاث من أهل الإيمان ، ثم قال : والجهاد ماضٍ منذ بعثني اللَّه عز وجل حتى يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ، ولا عدل عادل " (2) رواه أبو داود .
قضايا معاصرة :
سبق أن ذكر المصنف أن مذهب أهل السنة والجماعة الجهاد مع الأئمة المسلمين سواء كانوا أبراراً أو فجاراً ، هذه مسألة يتبعها قضايا معاصرة ، وهي كالتالي :
1 - ما الحكم لو كان جزء من الجيش فجارا أو مبتدعة فهل يشترك معهم في الجهاد ؟
__________
(1) ... رواه الترمذي في سننه 3/80 (ح697) ، والدارقطني في سننه 2/164 (ح35).
(2) ... رواه أبو داود 3/18 (ح2532) .(1/93)
الجواب : نعم ؛ لأن قول المصنف ونرى الجهاد مع كل بر وفاجر فإنه يشمل سواء كان الفاجر هو الإمام أو قائد الجيش أو كان الفاجر متبوعاً ، وهم بعض الجيش ، ولذا لو قام الجهاد الإسلامي ( ولاحظ قيد إسلامي ) ، وكانت القيادة فاجرة أو أفراد الجيش فساقاً أو فجاراً فلا مانع من الجهاد معهم ويدل عليه غزوة حنين حيث خرج مع النَّبِيّ عليه السلام اثنا عشر ألف ، منهم ألفان من مسلمة الفتح ، لم يمض على إسلامهم سوى شهرين حتى إن بعضهم قال : " اجعل لنا ذات أنواط " (1).
ويدل عليه أيضاً : أن في بعض غزوات النَّبِيّ عليه السلام كان يشترك معهم فجار، كالغزوة التي اشترك فيها رجل ثم قتل نفسه .
وكذا في غزوة أحد التي شارك فيها المنافقون ، ولكن إذا شارك معنا فجار أو فسقة أو مبتدعة فيجب نصحهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع ردّ المخذل منهم والمثبط وكبته والحذر منه . مع التنبيه أنه لو طلب كفار ( وهم ضعفاء مخذولون على شكل أفراد ) فلا يجوز تمكينهم من الجهاد معنا ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( فكيف بالجماعات والدول ؟ ؟ ) ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " ارجع فلن نستعين بمشرك " (2)، رواه مسلم.
2 - قوله ( ونرى الجهاد مع الفجار ) هناك فرق بين كون الإمام فاجراً وبين كون الراية فاجرة ، بينهما فرق عظيم ، فإذا كان الإمام فاجراً بمعنى أنه لم يأت بالمكفر ، لكن يجاهد جهاداً شرعياً ، أو لمقاصد شرعية ، هذا هو المقصود ، أن يجاهد معه .
أما لو كانت الراية فاجرة بمعنى أن هدف القتال دنيوي أو لإغراض غير شرعية فهنا لا يقاتل معهم ، ما دامت الراية فاجرة ، بل ولو فرضنا جدلا أن الإمام عادل ورايته فاجرة لم يجاهد معه .
__________
(1) ... رواه الترمذي في سننه 4/475 (ح2180) ، وأحمد في مسنده 5/218 (ح21947).
(2) ... رواه مسلم في صحيحه 3/1449 (ح1817) ، والترمذي في سننه 4/127 (ح1558).(1/94)
3 - لو قام جماعة بمجاهدة العلمانيين وجب على أهل السنة مساعدتهم ولو كانت هذه الجماعة من المبتدعة أو الفساق أو قاموا بمجاهدة الحكومة الكافرة، وجب علينا إعانتهم بما نستطيع من قول أو فعل . وفي وقت مجاهدتهم للعلمانيين وللحكام الكفار نكف عن مهاجمة المبتدعة أو الفساق لأن هذا الوقت يحتاج إلى اجتماع ومساعدة والكف عنهم نصرة نوعاً ما ومهاجمتهم خذلان نوعاً ما ، ولا يعني ذلك أننا لا نراهم مبتدعة أو ضُلاّل ، بل هم أهل ضلال ومبتدعة ، ووقت الأمن نتكلم عن بدعهم ، لكن إذا انتصبوا للجهاد وجب مساعدتهم ، وهذا كله داخل في قول المصنف ( ونرى الجهاد مع كل بر وفاجر ) .
فصل
قال المصنف : ومن السنة تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم قال الله تعالى { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا } وقال تعالى { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لاتسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )
الشرح :
ثم انتقل المصنف بعد ذلك إلى مسألة موالاة الصحابة وفيها مسائل :
الأولى : قوله : ( ومن السنة ) أراد بالسنة ما يضاد البدعة ولم يرد السنة الاصطلاحية التي هي بمعنى ما يثاب فاعله امتثالاً ولا يعاقب تاركه ، وإنما أراد أنها هي طريقة أهل السنة والجماعة .
الثانية : قوله : ( تولي أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ) قوله تولي أراد موالاة الصحابة ، فالتولي هنا قول وعمل واعتقاد ، واجب للصحابة ، ثم قسم المصنف هذا التولي إلى ثلاثة أقسام :
أ - موالاة اعتقادية .
ب - موالاة عملية .
جـ - موالاة قولية .(1/95)
أما الموالاة الاعتقادية فهي قول المصنف : ( واعتقاد فضهلم ومعرفة سابقتهم وهذا يسمى قول القلب وهو العلم والمعرفة ) .
الموالاة العملية : أشار إليها بقوله ( ومحبتهم ) وما يتبع ذلك من احترامهم والثناء عليهم بالقلب ، وقولنا عملية يشمل عمل القلب وهو المحبة والاحترام والتوقير لهم ، ويشمل أيضاً عمل الجوارح ، وهي نصرتهم ومتابعتهم والعمل بأعمالهم.
الموالاة القولية : وهي قول اللسان ، وأشار إلى ذلك بقوله ( وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم ، والكف عن ذلك مساوئهم وما شجر بينهم ) وهذه أربعة أمور تكون باللسان ، منها ثلاثة إيجابية أي مطلوب فعلها وهي الثلاث الأول، ومنها واحد سلبي ، أي المقصود عدمه وهو الكف والحبس عن التكلم فيهم، والكف وحده لا يكفي فلابد من الثناء والترحم والاستغفار .
ثم ذكر المصنف دليلين لذلك : الأول : قوله تعالى : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا ... } (1) .
الثاني : قوله تعالى : { محمد رسول اللَّه والذين معه أشداء على الكفار}(2) ، هذا من القرآن .
ثم ذكر المصنف مسألة سب الصحابة ، وسبب ذكر مسألة السب لأن السب يضاد التولي فمن سب الصحابة أو أحداً منهم فهذا ينافي تولي الصحابة ، أما حكم سب الصحابة فهو على النحو التالي :
1 - أن يسبهم كلهم أو أكثرهم فهذا كافر بالإجماع .
2 - أن يسب بعضهم أو الواحد منهم أو النفر القليل ، فهذا على قولين :
الأول : أن سب الواحد والاثنين من الصحابة من غير المشهورين كالخلفاء والعشرة أنه لا يكفر واستدلوا بالحديث الذي ذكره المصنف : " لا تسبوا أصحابي..." (3) وهذا نهي والنهي يقتضي التحريم ولم يذكر أنه كفر .
قالوا : وكذا خالد بن الوليد تكلم في عبد الرحمن بن عوف ولم يكفر بهذا السب .
__________
(1) ... الحشر : 11 .
(2) ... الفتح : 29 .
(3) ... أخرجه البخاري 5/695 (ح3861) ، ومسلم 4/1967 (ح2540) .(1/96)
الثاني : أن سب الواحد منهم يكفر بشرط أن يعرف أن الذي سبه صحابي ثم يعاند ، فهذا يكفر ويدل عليه قوله عليه السلام : " إن اللَّه جعل لي أصحاب وجعل لي منهم وزراء وأصهار فمن سبهم فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين"رواه الحاكم(1) .
الدليل الثاني : أن اللَّه ذكر أنه رضي عنهم قال تعالى { لا يستوي منكم من أنفق)
فكل الصحابة مرضي عنهم وهم من أهل الجنة ، وقال تعالى : { يوم لا يخزي اللَّه النَّبِيّ والذين آمنوا معه } ويقصد بهم الصحابة من باب أولى .
فمن سب أحداً منهم فقد كذب هذه الآيات وأمثالها ، وهذا هو الصحيح أن من سب واحداً منهم يكفر بعد التعريف والمعاندة ،هذا إن كان سبه سب غيض ومعادة وبغض وفي الحديث عن الأنصار لا يسبهم إلا منافق . أما سب التأويل فحكمه حكم المسائل الخفية يكفر إذا فهم الحجة وعاند . وهو فيما أعلم قول الإمام أحمد بن حنبل كما في كتاب السنة لابنه عبد اللَّه فقد سمى من سب واحداً رافضيا خبيثا لا يقبل اللَّه منه صرفاً ولا عدلاً . وسماه أبو زرعة زنديقا كما نقل عنه الخطيب البغدادي في " الكفاية " . وسماه يحيى بن معين دجالا لمن سب واحداً ، وقال عليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين .
مسألة : الطوائف التي خالفت في موالاة الصحابة ، وهم الخوارج والرافضة:
فهؤلاء لا يتولون الصحابة ، أما في وقتنا الحاضر فهناك االعصرانيون ، وقسم منهم علمانيون ، والقسم الآخر يسمون زورا (إسلاميين معتدلين متنورين عقلانيين ، عليهم من الله ما يستحقون ) وهم يتهجمون على الصحابة وخصوصاً عثمان ومعاوية وعبد اللَّه بن الزبير وغيرهم .
فصل
__________
(1) ... مستدرك الحاكم 3/732 (ح6656) .(1/97)
قال المصنف : ومن السنة الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء أفضلهم خديجة بنت خويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم .
الشرح
ثم تكلم المصنف عن موالاة أزواج النَّبِيّ عليه الصلاة والسلام ، وفيه مسائل:
الأولى : قوله ( ومن السنة ) :
وهذه يقصد بها طريقة السلف ، فمن خالف فيها فهو مبتدع ، أما الواجب لزوجات النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقد مضى جزء منه وهو الواجب للصحابة ، فإنهن داخلات فيما سبق ، ويضاف على ذلك :
1 - اعتقاد أنهن أمهات المؤمنين .
2 - وأنهن طاهرات ومبرئات .
3 - واعتقاد أنهن أزواجه في الدنيا والآخرة .
ثم تعرض المصنف إلى مسألة المفاضلة بين زوجات النَّبِيّ عليه السلام .
والمسألة خلافية على ثلاثة أقوال :
ذكر ذلك ابن القيم في جلاء الأفهام ، والسفاريني في عقيدته :
القول الأول : أن أفضلهن خديجة .
القول الثاني : أن أفضلهن عائشة .
القول الثالث : التوقف في عدم التفضيل .
وهناك قول رابع لم يذكره ابن القيم ، لكن ذكره بعض أهل العلم وهو أن أفضلهن فاطمة بنت الرسول عليه السلام .
أما المصنف عليه رحمة اللَّه فقد اختار قولاً وسط ولذا قال (أفضلهم خديجة بنت خويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق) ، ووافقه عليه ابن تيمية في الواسطية وهو عدم التفضيل مطلقاً ، ولكن كل واحدة لها فضل باعتبار ، فباعتبار السبق والنصرة فالأفضلية لخديجة ، وباعتبار العلم والنفع العام فالأفضلية لعائشة ، انتهى كلام ابن تيمية وابن قدامة .
ونضيف أنه باعتبار النسب فالأفضلية لفاطمة .
مسألة : هذا بالنسبة لخديجة وعائشة بقي بقية زوجات النَّبِيّ كأم سلمة وحفصة ، إلخ ، فما المفاضلة بينهن ؟(1/98)
لم أجد أحداً تكلم في هذا الموضوع ، فكل المفاضلة لعائشة وخديجة ويسكتون على ذلك ، ويسعنا ما وسع السلف وهو السكوت .
مسألة : من قذف زوجات النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - :
الجواب : أنه يكفر بالقذف وهو كفر عملي أكبر ، فمن اتهم أحداً منهن بالزنا أو غيره كفر ، ولا يقال ما هو اعتقادك .
فصل
قال المصنف : ومعاوية خال المؤمنين وكاتب وحي الله أحد خلفاء المسلمين رضي الله عنهم .
الشرح
ثم تكلم المصنف عن معاوية رضي اللَّه عنه وما الواجب تجاهه ، وقبل أن نذكر ما يجب له ، نتساءل : لماذا نص على معاوية بالذات ؟
الجواب : للرد على الرافضة الذين تكلموا في معاوية ونزيد أيضاً للرد على العصرانيين والعلمانيين وأذنابهم ؛ لأنهم يتكلمون في معاوية أيضاً .
الواجب لمعاوية : سبق ذكره ، فإن ما يجب للصحابة يجب لمعاوية ؛ لأنه فرد منهم، فأضاف المصنف أمور تتعلق بمعاوية هي كالتالي :
1 - أنه خال المؤمنين ، لكنها ليست خصوصية تامة لمعاوية ، بل واللَّه أعلم يشاركه فيها كل من كان أخاً لأحد زوجات النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كابن عمر فإنه خال المؤمنين لأنه أخٌ لحفصة ، وكذا أولاد أبي بكر ، وقد سمى الآجري في الشريعة معاوية خال المؤمنين
2 - أنه كاتب وحي اللَّه تعالى فهو مؤتمن وأمين .
3 - أنه أحد خلفاء المسلمين .
وحكم من سب معاوية سبق ذكره قبل قليل في حكم من سب الصحابة حسب التفصيل السابق .
فصل
قال المصنف : ومن السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله
ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار الخليفة وسمي أمير المؤمنين وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين .
الشرح :
ثم انتقل المصنف إلى ما يجب للأئمة والولاة ، وفيه مسائل :
الأولى : أن هذا حكم في ولاة المسلمين :(1/99)
أما إن كان الحكام كفاراً أو مرتدين أو علمانيين ، فإنه لم يقصدهم المصنف . وقد مر علينا أن الحاكم الكافر والعلماني يجب الخروج عليه مع القدرة على ذلك وعدم المفسدة إن وجد جيش يغلب على الظن الإطاحة به .
ويدل عليه حديث عبادة بن الصامت قال : " بايعنا رسول اللَّه على السمع والطاعة ، وأن لا ننازع الأمر أهله إلاّ أن تروا كفراً بواحاً " (1) .
هذا منطوق الحديث ، ومفهوم المخالفة في الحديث أنه إذا رأينا كفراً بواحاً فلا سمع ولا طاعة ، بل ننازعهم على الأمر فهم ليسوا أهله .
وقد نقل القاضي عياض الإجماع على وجوب الخروج على الحاكم الكافر ولا سمع له ولا طاعة ، نقله أبو يعلى والماوردي في الأحكام السلطانية والنووي في شرح مسلم وابن حجر في فتح الباري .
ولذا المصنف قال ولأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين ، وذكره لهذين الوصفين يخرج الأئمة الكفار ، والعلمانيين والملاحدة وأمثالهم ، سواء كانوا كفاراً أصليين أو طرأ عليهم الكفر .
الثاني : ما هو الواجب للأئمة الشرعيين :
ذكر المصنف أربعة أشياء : فأوجب شيئين وحرم شيئين :
فالواجبان:
1 – السمع .
2 ـ - الطاعة .
أما المحرمان :
1 - الخروج عليهم .
2 – مخالفتهم .
وقول المصنف برهم وفاجرهم ، أما البر فهو معروف ، وأما الفاجر فيقصد به من أتى بالكبائر والمعاصي ، سواء كانت قاصرة عليه أو متعدية إلى غيره بشرط أن لا يأتي بمكفر ، فإن كان فجوره فجور كفر ، فهذا لا يدخل لأنه قال : الأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين .
والمصنف هنا عرّف من هو إمام المسلمين أو أمير المؤمنين ، ومن هو الذي يسمى خليفة ، فقال : ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بسيفه ، حتى صار خليفة ، فأصبح الخلفاء على قسمين :
أ - من تولى الخلافة والإمامة عن اختيار من الناس ورضا ، ويقصد بالاختيار اختيار أهل الحل والعقد ، وهذا أفضل الخلفاء .
__________
(1) ... أخرجه البخاري 6/2588 (ح6647) ، ومسلم 3/470 (ح1709).(1/100)
ب - من تولى الخلافة بالقوة والسيف حتى غلب على الناس ، ويسمى إمام الغلبة ، فهذا أيضاً يعترف له بالخلافة إذا استقر له الأمر .
فصل
قال المصنف :
ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم وترك الجدال والخصومات في الدين وترك النظر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم وكل محدثة في الدين .
وكل متسم بغير الإسلام والسنة مبتدع كالرافضة والجهمية والخوارج والقدرية والمرجئة والمعتزلة والكرامية والكلابية ونظائرهم فهذه فرق الضلال وطوائف البدع أعاذنا الله منها .
وأما بالنسبة إلى إمام في فروع الدين كالطوائف الأربع فليس بمذموم فإن الاختلاف في الفروع رحمة والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم مثابون في اجتهادهم واختلافهم رحمة واسعة واتفاقهم حجة قاطعة .
نسأل الله أن يعصمنا من البدع والفتنة ويحيينا على الإسلام والسنة ويجعلنا ممن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحياة ويحشرنا في زمرته بعد الممات برحمته وفضله آمين .
وهذا آخر المعتقد والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
الشرح
ثم بعد ذلك ذكر المصنف الموقف من أهل البدع ومسألة الانتساب والتسمي والانتماء
فالكلام الأول : في الموقف من أهل البدع .
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : تعريف أهل البدع :
يقصد بأهل البدع هو كل من التزم عقائد تخالف عقائد أهل السنة والجماعة ، ويقصد بالعقائد ما هو مخالفه لأصول أهل السنة والجماعة كأمثال المعتزلة والرافضة والأشاعرة والمرجئة إلخ .
فذكر منهم المصنف ثماني طوائف من أهل البدع ، هم كالتالي حسب ذكر المصنف لهم :
1 - الرافضة 2 - الجهمية 3 - الخوارج 4 - القدرية 5 - المرجئة 6 ـ المعتزلة . 7 - الكرامية . 8 - الكلابية .(1/101)
ونذكر من الطوائف المبتدعة اليوم على التفاوت بينهم في التكفير وعدمه منهم الزيدية والبهايئة والنصيرية والدرزية والقاديانية والبابية والباطنية الإسماعيلية والتيجانية والمرجئة المعاصرة والعصرانيين والانهزاميين وجماعة التبليغ والأخوان المسلمين أهل التحالف مع الحكومات والعلمانيين وحزب التحرير الإسلامي والخوارج المعاصرة الذين يكفرون بالعموم بدون استثناء ويجعلون الأصل اليوم فيمن يظهر الإسلام الكفر أو التوقف .
والملفت للنظر أن المصنف لم يذكر الأشاعرة مع أنهم مبتدعة معاصرون له .
وكذا الماتريدية مع أنهم معاصرون له ، ويضاف إلى هذه الأصناف الطوائف المبتدعة المعاصرة التي على أصل يخالف أصول أهل السنة .
المسألة الثانية : هناك فرق بين قولنا مبتدع ورجل فيه بدعة :
أما الرجل المبتدع فهو من التزم عقيدة من عقائد أهل البدع مما يخالف أصول أهل السنة ، أما من يقال فيه بدعة ، فهو من أهل السنة والجماعة في الأصول وعقائده هي عقائد أهل السنة والجماعة ، لكن تلبس ببدعة ، مثل إحياء ليلة النصف من شعبان ، ومثل بدع بني أمية كتقديم خطبة العيد على الصلاة أو التزام تأخير الصلاة لآخر وقتها ، ومثل ابتداع أذكار معينة وأمثال ذلك ، ومثل من عطل صفة من صفات الله دون التزام بأصل التعطيل في الصفات أو بعضها ، فهؤلاء لا يسمون مبتدعة، وإنما يقال من أهل السنة وفيهم بدعة ، وهذا الصنف الأخير لا يقصد المصنف هنا ، ولا ينزل عليه كلام أهل السنة إذا تحدثوا عن أهل البدع .
المسألة الثالثة : ما هو الموقف من أهل البدع ؟
المصنف ذكر موقفين : موقف يتعلق بالكلام ، وموقف يتعلق بالسكنى والمخالطة .
أما الموقف الأول ، فقال ( ومن السنة هجران أهل البدع ) ويقصد بالهجران ترك كلامهم والسلام عليهم وتهنئتهم ، وكل كلام يدل على السرور والمحبة ونحو ذلك .(1/102)
أما الكلام الدنيوي البحت ، كما لو عقد معه بيع أو شراء أو أراد استرجاع حق له عليهم ، مثل وديعة له على مبتدع أو قرض فكلّم المبتدع لأخذ حقه فلا مانع . فقد توفي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي .
وأما الموقف الثاني المتعلق بالسكنى والمخالطة فقال المصنف ( ومباينتهم ) والمباينة مفاعلة بمعنى المجانبة ، أي تكون في جانب وهم في جانب ، وهي بمعنى المباعدة ، فلا تسكن معهم في بيت واحد .
وهذان الشيئان - المقاطعة الكلامية وعدم المساكنة - تعتبر أصل من أصول أهل السنة والجماعة في هذا الباب ، وهي أصل في هذه المسألة ، إلاّ أنه قد يخرج عن هذا الأصل فيما لو لم يستطع أوأكره على ذلك ، أو اضطر ضرورة شرعية فيجوز ترك هذا الأصل مؤقتاً إلى وقت زوال المانع ، ثم يعود إلى ذلك الأصل .
ومثله أيضاً : لو رجى قبول هذا المبتدع ، وظن أنه يقبل الحق فكلمه أو ساكنه فلا مانع بشرط أن يأمن على نفسه ، ويدل عليه أدلة :
1 - ما ثبت في الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام زار أبا طالب يدعوه إلى اللَّه . فهذا الحديث أصل في زيارة الكافر والمبتدع إذا رجي القبول .
2 - ما رواه الإمام أحمد أن الرسول زار يهودياً جاراً له يدعوه إلى الإسلام فأسلم .
3 - أن الرسول كان يغشى أسواق الكفار بمكة يدعوهم إلى اللَّه .
ثم قال المصنف : ( وترك الجدال والخصومات في الدين ) .
قوله ( ترك الجدال ) هل الألف واللام للعموم ، أي المقصود أن يترك مطلق الجدال ، حتى مع المسلمين ، أم هي للخصوص ويقصد بها ترك جدال المبتدعة ؟ الثاني ، وسبب الترجيح السياق لأن السياق مع المبتدعة ، وعلى ذلك فيكون هذا أمر ثالث بالنسبة للمبتدعة ، مضى منه اثنان وهو مقاطعتهم كلامياً والابتعاد عنهم بدنياً .
ويضاف هذا الثالث وهو ترك الجدال معهم ، ويقصد بالجدال ترك الحوار والمناقشة معهم ، وهل هذا عام باعتبار الأشخاص ، أم خاص ؟(1/103)
الجواب : أنه ليس على عمومه ، وإنما هناك طائفة لابد أن تجادل المبتدعة وآخرون يتركون الجدال . أما الطائفة التي تجادل فهم العلماء وليس كل عالم ، بل عالم خبير بمذهب هؤلاء المبتدعة المطلع على نقاط الضعف والتناقض في مذهبهم ؛ لأن المجادلة كالمبارزة في القتال ، ولذا لا يجوز المبارزة إذا التقاء الجيشين إلاّ من كان قوياً شجاعاً متدرباً على المبارزة .
أما الآخرون الذين يتركون الجدال فمثل عوام أهل السنة وشباب الصحوة ، وطلبة العلم غير المطلعين وأمثال هؤلاء .
أما حكم جدال المبتدعة فهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين. ويتعين الواجب أكثر إذا أثاروا من البدع ما يُخشى أن يفتن المؤمنين ، وقد كان السلف يردون على أهل البدع مثل كتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد ، والرد على الجهمية للدارمي ، وكتاب الرد على بشر المريسي للدارمي أيضاً .
وقول المصنف (والخصومات في الدين ) أي ومن السنة ترك الخصومات في الدين . والظاهر واللَّه أعلم أن واو العطف في الخصومات أنه العطف على الترك، فيكون كلام المصنف : ومن السنة ترك الجدال في الدين وترك الخصومات في الدين.
على ذلك فلابد من التفريق بين الجدال والخصومات ؛ لأن الترك منصب عليهما ، فيكون الجدال واللَّه أعلم أن يترك الحوار والنقاش الطارىء معهما ، وأما الخصومات فهو أن ينتصب شخص ويعد نفسه للجدال ويتتبع المبتدعة للحوار معهم وعلى ذلك فالخصومات أخص من الجدال .
وقول المصنف ( في الدين ) هل المقصود أن لا يناقش ويجادل في الدين مع المسلمين ؛ لأنه يورث البغضاء أم المقصود الخصومات مع المبتدعة ؟
يحتمل الأمران والثاني أقرب ، أي يترك الخصومات مع المبتدعة ، إلاّ ما استثني وهذا يؤدي إلى وجود طائفة قادرة علمياً على الجدال مع المبتدعة، متفرغة وتكون مهمتها متابعة المبتدعة والتصدي لهم ومخاصمتهم .(1/104)
وقول المصنف ( في الدين ) ليس لها مفهوم وليس معنى ذلك أن لا يخاصمون في الدين ويجوز أن يخاصمون في الدنيا . فالجواب ليس كذلك ، وإنما قوله في الدين ، هذا قيد لبيان الواقع ، وليس له مفهوم .
ثم تكلم المصنف عن كتب المبتدعة ودروسهم ومحاضراتهم وأشرطتهم .
فقال : ( ومن السنة ترك النظر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم ) .
ويقاس على النظر السماع فلا يسمع أشرطتهم ، ومثله الرؤيا فلا يرى أشرطتهم المنظور بالآلات المرئية ، ويقاس عليه قضية معاصرة وهي النظر في كتب العلمانيين وأشرطتهم وصحفهم ومجلاتهم ، وكذا وسائل إعلامهم المسموعة كالمذياع أو المرئية .
أما السبب في المنع من النظر في كتب المبتدعة عدة أسباب :
1 - خشية الافتتان والتأثر بها .
2 - لأنها تلهي عن أمر إما واجب أو أفضل منه .
3 - لما يتضمن من الترويج لهم وتكثير سوادهم والمساعدة على نشر كتبهم ، أما الدليل على ذلك ، فقد نهى النَّبِيّ عليه السلام عمر بن الخطاب لما رآه يقرأ بالتوراة وزجره عن ذلك .
ويقاس عليه النظر في كتب العلمانيين وصحفهم وحضور أنديتهم لما يخشى من التأثر بهم ، كما هو حاصل اليوم من تأثر الشباب بالصحف وما فيها من الكفريات والصور .
ثم بعد ذلك ذكر المصنف الموقف من البدع ، أما الموقف من البدع فيجب تركها والابتعاد عنها .
وضابط البدعة ذكره المصنف ، فقال : (وكل محدثة في الدين بدعة) ، وقوله
( في الدين ) هذا قيد مهم ؛ لأنه يخرج الأحداث في أمور الدنيا ، فلا يسمى بدعة على الصحيح ، كطريقة بنيان البيوت إذا أحدثت على غير طريقة الصحابة ، فلا تسمى بدعة ، ومثل وسائل المواصلات ، فلا تسمى بدعة ، إنما هي في الدين ، مثل إحياء ليلة النصف من شعبان ، ومثل الذكر الجماعي ، وبدع الجنائز والأعياد إلخ.
ثم تكلم المصنف عن مسألة الانتساب والتسمي والانتماء .
وقسمه إلى قسمين:(1/105)
1 - الانتساب العقائدي : وضابطة أن ينتسب إلى طائفة لها عقيدة تخالف عقيدة أهل السنة والجماعة .
أما هذا فحكمه حرام ولا يجوز ومن فعله فهو مبتدع ويكون حكمه حكم الطائفة التي انتسب إليها . فإن كانت مبتدعة بدعة غير مكفرة كالمرجئة والكلابية والكرامية فيكون مبتدع ولا يكفر .
أما إن انتسب إلى طائفة بدعتها مكفرة كالرافضة والجهمية والقدرية والنصيرية والدرزية ( وقد أفتى ابن تيمية بكفرهم في فتوى مشهورة ) والقاديانية ( وقد أفتى علماء باكستان بكفرهم ، وعلماء رابطة العالم الإسلامي ) والبهايئة والبابية والباطنية ( أفتى بكفرهم المجمع الفقهي الإسلامي ) وكذا الانتساب إلى العلمانية بجميع أصنافهم من شيوعيين أو اشتراكيين أو حداثيين أو برلمانيين أو ديمقراطيين أو عصرانيين أو قوميين أو وطنيين .... الخ . فحكمه حكمهم إن كان يعرف مذهبهم وكفرياتهم .
وذكر المصنف ثمان طوائف الانتساب إليها بدعة ، وهم : الرافضة ، والجهمية ، والخوارج ، والقدرية ، والمرجئة، والمعتزلة ، والكرامية ، والكلابية .
ووصف المصنف هذه الطوائف بوصفين :
1 ـ أنهم فرق الضلال .
2 ـ أنهم طوائف بدع .
ومثله اليوم الانتساب إلى الطوائف المبتدعة المعاصرة على التفصيل السابق والمصنف لم يقصد الاستيعاب ، ولذلك قال ونظرائهم ، ومن نظرائهم الأشاعرة والزيدية والفلاسفة والإسماعيلية والبهائية ، والقاديانية ، والنصيرية والتيجانية، والإباضية ، ومن الفرق المعاصرة التي لها عقائد كالعلمانية والديمقراطية والعصرانية والقومية والحداثية ، والصوفية والبعثيين ... الخ .
القسم الثاني : وهو الانتساب الفقهي إلى إمام من أئمة الدين ، مثل الانتساب إلى الإمام أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة . أما هذه فأجازها المصنف وقال : لا بأس بها وقال ليس بمذموم ، واختاره أيضاً ابن تيمية ( في كتابه الوصية الكبرى ) إلاّ أن حكم الانتساب إلى المذاهب الأربعة فيه خلاف على قولين :(1/106)
القول الأول : وهو قول بعض أهل الحديث أنه يحرم الانتساب إلى أحد الأئمة الأربعة وأمثالهم ، وقالوا : إن الانتساب الفقهي مثل الانتساب العقائدي يحرم .
واستدلوا بعدة أدلة :
1 - قوله تعالى : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا فاختلفوا } (1) .
وجه الدلالة : أن الانتساب الفقهي تفرق .
2 - قال تعالى : { واعتصموا بحبل اللَّه جميعاً ولا تفرقوا } (2) .
وجه الدلالة : أن الانتساب الفقهي تفرق وتحزب .
3 - قال تعالى : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء}(3).
وجه الدلالة : أن الانتساب الفقهي تفرق .
4 - أن القرون المفضلة مضت وليس فيها انتساب فقهي ، فهي من البدع المحدثة.
5 - قالوا سداً للذريعة ، فإنه يؤدي إلى الانقسامات والتفرق .
القول الثاني : أن الانتساب الفقهي جائز ، وهو اختيار المصنف هنا ، واختاره ابن تيمية في ( الوصية الكبرى ) ، وهو اختيار كل من انتسب إلى الأئمة الأربعة ، إلاّ أنهم اشترطوا عدم التحزب والتعصب، فإن أدى إلى ذلك ، فهو محرم .
قالوا : وتحمل أدلة القول الأول على التعصب .
واستدلوا : بأن بعض الصحابة لما قال : يا للمهاجرين ، وقال الآخر : ياللأنصار ،غضب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وسمى ذلك دعوى جاهلية مع أن التسمي بالأنصار والمهاجرين اسم إسلامي جائز ، بل هو من أسماء الثناء والرفعة لكن لما استغل استغلال تفرق وتحزب أصبح محرماً .
مسألة :
بقي قضية معاصرة لم يتكلم عنها المصنف وإن كان بعضها موجودا في عصره كالانتساب إلى القبائل والمدن والدول والحكام و الجماعات .
القبائل مثل التميمي ونحوه والمدن كالنجدي ، والدول كالمصري واليمني .
والقاعدة أن كل انتساب يؤدي إلى محرم أو كفر أو كذب أو موالاة محرمة أو تحزّب وتعصب وفرقة أو مداهنة فهو محرم .
__________
(1) ... آل عمران : 105 .
(2) ... آل عمران : 103 .
(3) ... الأنعام : 159 .(1/107)
أما الانتساب الذي هو النسب فهذا واجب ويحرم ترك الانتساب إلى آبائه أو قبيلته إلا إن كان هناك عذر شرعي . لحديث : " من انتسب إلى غير أبيه فقد كفر " (1) .
ثم ختم المصنف كتابه بمسألة الاختلاف في الفروع هل هو مذموم أو ممدوح ؟ وهل هو رحمة أم لا ؟
فقال : فإن الاختلاف في الفروع رحمة والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم مثابون في اجتهادهم واختلافهم رحمة واسعة واتفاقهم حجة قاطعة .
نسأل الله أن يعصمنا من البدع والفتنة ويحيينا على الإسلام والسنة ويجعلنا ممن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحياة ويحشرنا في زمرته بعد الممات برحمته وفضله آمين .
وهذا آخر المعتقد والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
فقوله : إنه رحمة أي توسعة على أمة محمد بمعنى أنه من اتبع أحداً من العلماء المجتهدين المعتبرين لا يعنف ، وبمعنى أن الناس لا يلزمون اتباع مجتهد واحد ، ويقصد بالناس العوام وكل من ليس له أهلية الاجتهاد وسائر الناس.
ومن معانيها أيضاً أن الإنسان لو اتبع إماماً مجتهداً معتبراً وقول هذا الإمام باعتبار الواقع خطأ فإنه معذور في ذلك وهذه من الرحمة ، لكن الاختلاف إن جر إلى تحزب وتعصب وجر إلى تظلم وتعدي أحدهم على الآخر فهذا ليس رحمة وإنما نقمة وذنب.
قوله : ( نسأل اللَّه أن يعصمنا من البدع والفتنة ويحيينا على الإسلام والسنة ويجعلنا ممن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحياة ويحشرنا في زمرته بعد الممات برحمته وفضله آمين ) .
الشرح :
ثم ختم المصنف كتابه بالدعاء ( بثلاث دعوات ) :
الأولى : طلب العصمة من البدع والفتن له ولسائر المسلمين .
الثاني : دعا بطلب الحياة على الإسلام والسنة.
الثالث : دعا بأن يكون من أتباع محمد في الدنيا والآخرة.
ثم ختمه بالصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________
(1) ... أخرجه البخاري 6/2485 (ح6385) ، ومسلم 1/79 (ح61) .(1/108)
انتهى شرح المقصود والحمد لله رب العالمين .
الفهرس العام
الرقم الموضوع الصفحة
1 ـ مقدمة الشارح ................................................................2
2 ـ نبذة عن مؤلف لمعة الاعتقاد .............................................3
3 ـ مقدمة المؤلف ( ابن قدامة ) ومسائلها ..................................4
4 ـ مسالة قول المصنف ( وما أشكل من ( الصفات ) والدفاع عنه......7
5 ـ فصل في كلام بعض أئمة السلف في الصفات .......................10
6 ـ مسالة : التحذير من الابتداع في الأسماء والصفات ................11
7 ـ باب مجمل في ذكر الصفات التي ذكرها المؤلف ..................13
8 ـ ذكر صفة الوجه لله تعالى ومسائلها ...................................14
9 ـ ذكر صفة اليدين لله تعالى ومسائلها...................................20
10 ذكر صفة النفس لله تعالى ومسائلها ..................................24
11 ـ ذكر صفة المجيء والإتيان لله تعالى ومسائلها ..................26
12 ـ ذكر صفة الرضى لله تعالى ومسائلها .............................27
13 ـ ذكر صفة المحبة لله تعالى ومسائلها..............................28
14 ـ ذكر صفة النزول لله تعالى ومسائلها .............................29
15 ـ ذكر صفة العجب لله تعالى ومسائلها .............................30
16 ـ ذكر صفة الضحك لله تعالى ومسائلها ............................31
17 ـ ذكر صفة الاستواء لله تعالى ومسائلها ............................32
18 ـ ذكر صفة العلو لله تعالى ومسائلها ................................33
19 ـ ذكر صفة الكلام لله تعالى ومسائلها ...............................35
20ـ المسائل المتعلقة بالقرآن .............................................37
22 ـ مسالة رؤية المؤمنين لله تعالى يوم القيامة.......................40(1/109)
23 ـ فصل في القضاء والقدر والمسائل المتعلقة بذلك ...............42
24 ـ فصل المتعلق بالإيمان ..............................................46
25 ـ فصل : الإيمان المتعلق بالمغيبات ................................50
26 ـ فصل في فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم .................55
27 ـ فضائل الأمة الإسلامية .........................................57
28 ـ فضائل بعض أفراد الأمة .......................................57
29 ـ فصل في الشهادة بجنة أو نار ..................................61
30 ـ المسائل المتعلقة بالإمامة .......................................63
31 ـ مسائل الصحابة وتوليهم ........................................68
32 ـ المسائل المتعلقة بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ......69
33 ـ ما يتعلق بمعاوية رضى الله عنه .............................70
34ـ المسائل المتعلقة بالإمامة........................................71
35 ـ المسائل المتعلقة بالبدعة وأهل البدع ........................72
36 ـ مسائل الانتساب والتسمى .....................................76
37 ـ الخاتمة ...........................................................78
38 ـ الفهرس العام ....................................................78(1/110)