الزاد في أحاديث الجهاد
محمد بن علي بن عثمان آل مجاهد
حقوق الطبع محفوظة لكل مسلم على أن لا يتم حذف أو إضافة شيء إلى مادة الكتاب
5
?????? ?????? ?????????????? ???????????
المقدمة :
الْحَمْدُ للهِ حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ، اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَاوَات وَالأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ ، فاغفر لِي مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلهِي لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ.
والصلاة والسلام على أشرف خلق ورسل الله ، سيدنا ونبينا محمد نبي الرحمة ونبي الملحمة ، الذي أعطاه ربه ستاً لم يعطهن أحد غيره - صلى الله عليه وسلم - وهن : أُعْطِيَّ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْ بِالرُّعْبِ مسيرة شهر، وَأُحِلَّتْ لِه الْغَنَائِمُ ، وَجُعِلَتْ له الأَرْضُ طَهُوراً وَمَسْجِداً ، وَأُرْسِلَ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً ، وَخُتِمَ بِه - صلى الله عليه وسلم - النَّبِيُّونَ أما بعد:
تداعت علينا الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها وذلك كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها، قال: قلنا: يا رسول الله ، أمِنْ قلة بنا يومئذٍ؟ قال: أنتم يومئذٍ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ، ينتزع المهابة من قلوب عدوّكم ، ويجعل في قلوبكم الوهن ، قال : قلنا: وما الوهن؟ قال : حبُّ الحياة، وكراهية الموت ». (1)(1/1)
هذا الكتاب واستكمالاً لهذه السلسلة والتي أقوم فيها بتجميع أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - ضمن عنوان واحد بدأتها بمائة حديث عليها مدار الإسلام ، ثم بأحاديث الاستعاذة في كتاب : مما تعوذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يأتي الشقيق الثالث لهذه السلسلة وهو:« الزاد في أحاديث الجهاد » ، اللهم تقبل هذا العمل خالصاً لوجهك الكريم وانفع به إخوتي وأخواتي ، وانصرنا اللهم على من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل اللهم تدبيره تدميره ، اللهم لا تقم لهم راية واجعلهم لمن خلفهم آية يا قوي يا عزيز، اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ.
العبد الفقير إلى الله
خادم القرآن والسنة
محمد علي عثمان مجاهد
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في المسند حديث رقم :22019، ومن حديث ثوبان مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم .
6
الحديث الأول
ذروة سنام الإسلام الجهاد(1/2)
- عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْماً قَرِيباً مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عنِ النَّارِ، قَالَ: « لَقَد سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عَلَيْهِ: تَعْبُدُ الله وَلاَ تُشْرِكْ بِهِ شَيْئَاً، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِىءُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوفِ الَّليْلِ ، قَالَ: ثُمَّ تَلاَ : ? ????????????? ???????????? ???? ????????????? ?????????? ?????????? ? (1) حَتَّى بَلَغَ ? ???????????? ? (2) ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ : قُلْتُ: بَلَى رَسُولَ الله قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإسْلاَمُ، وَعُمودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ . ثمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله ، قَالَ: فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا . فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أمّك يَامُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلاَ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ».(3)(1/3)
قال المباركافوري ـ رحمه الله في تحفة الأحوذي :«الصوم جنة» بضم الجيم الترس أي مانع من النار أو من المعاصي بكسره الشهوة وضعف القوة. وقال في النهاية: الصوم جنة أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات، والجنة الوقاية انتهى. «والصدقة تطفىء الخطيئة» من الاطفاء أي تذهبها وتمحو أثرها، أي إذا كانت متعلقة بحق الله تعالى، وإذا كانت من حقوق العباد فتدفع تلك الحسنة إلى خصمه عوضاً عن مظلمته«وصلاة الرجل من جوف الليل» مبتدأ
ــــــــــــــــ
(1) [ سورة السجدة:من الآية 16]
(2) [ سورة السجدة:من الآية 17]
(3) أخرجه الترمذي باب ما جاء في حرمة الصلاة ، حديث رقم: 2683، وقال أبو عِيسَى: هَذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه.
7(1/4)
خبره محذوف أي كذلك يعني تطفئ الخطيئة. أو هي من أبواب الخير والأول أظهر. ? ????????????? ???????????? ? أي تتباعد «عن المضاجع» أي المفارش والمراقد {يدعون ربهم} بالصلاة والذكر والقراءة والدعاء «ألا أخبرك برأس الأمر كله» أي بأصل كل أمر «وعموده» بفتح أوله أي ما يقوم ويعتمد عليه «وذِروة سنامه» بكسر الذال وهو الأشهر وبضمها وحكي فتحها أعلى الشيء والسَنام بالفتح ما ارتفع عن ظهر الجمل قريب عنقه «قال رأس الأمر» ـ أي أمر الدين ـ الإسلام» يعني الشهادتين وهو من باب التشبيه المقلوب، إذ المقصود تشبيه الاسلام برأس الأمر ليشعر بأنه من سائر الأعمال بمنزلة الرأس من الجسد في احتياجه إليه وعدم بقائه دونه «وعموده الصلاة» يعني الاسلام هو أصل الدين إلا أنه ليس له قوة وكمال، كالبيت الذي ليس له عمود فإذا صلى وداوم قوى دينه ولم يكن له رفعة فإذا جاهد حصل لدينه رفعة وهو معنى قوله: «وذروة سنامه الجهاد» وفيه إشعار إلى صعوبة الجهاد وعلو أمره وتفوقه على سائر الأعمال، والجهاد من الجهد بالفتح وهو المشقة، أو بالضم وهو الطاقة لأنه يبذل الطاقة في قتال العدو عند فعل العدو مثل ذلك «ألا أخبرك بملاك ذلك كله» الملاك ما به إحكام الشيء وتقويته، من ملك العجين إذا أحسن عجنه وبالغ فيه، وأهل اللغة يكسرون الميم ويفتحونها والرواية بالكسر وذلك إشارة إلى ما ذكر من أول الحديث إلى هنا من العبادات، وأكده بقوله كله لئلا يظن خلاف الشمول، أي بما تقوم به تلك العبادات جميعها «فأخذ» أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «بلسانه» الباء زائدة والضمير راجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «قال كف» الرواية بفتح الفاء المشددة أي امنع «هذا» إشارة إلى اللسان أي لسانك المشافة له، وتقديم المجرور على المنصوب للاهتمام به وتعديته بعلى للتضمين، أو بمعنى عن، وإيراد اسم الاشارة لمزيد التعيين أو للتحقير وهو مفعول كف، وإنما أخذ عليه الصلاة والسلام(1/5)
بلسانه وأشار إليه من غير اكتفاء بالقول، تنبيهاً على أن أمر اللسان صعب .والمعنى لا تكلم بما لا يعنيك، فإن من
8
كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ولكثرة الكلام مفاسد لا تحصى «وإنا لمؤاخذون» بالهمز ويبدل، أي هل يؤاخذنا ويعاقبنا أو يحاسبنا ربنا «بما نتكلم به» يعني بجميعه إذ لا يخفى على معاذ المؤاخذة ببعض الكلام «ثكلتك» بكسر الكاف أي فقدتك وهو دعاء عليه بالموت على ظاهره، ولا يراد وقوعه، بل هو تأديب وتنبيه من الغفلة وتعجيب وتعظيم للأمر «وهل يَكُب» بفتح الياء وضم الكاف من كبه إذا صرعه على وجهه بخلاف أكب فإن معناه سقط على وجهه وهو من النوادر، وهو عطف على مقدر أي هل تظن غير ما قلت وهل يكب «الناس» أي يلقيهم ويسقطهم ويصرعهم «على وجوههم أو على مناخرهم» شك من الراوي، والمنخر بفتح الميم وكسر الخاء وفتحهما ثقب الأنف والاستفهام للنفي خصهما بالكب لأنهما أول الأعضاء سقوطاً «إلا حصائد ألسنتهم» أي محصوداتها، شبه ما يتكلم به الانسان بالزرع المحصود بالمنجل وهو من بلاغة النبوة، فكما أن المنجل يقطع ولا يميز بين الرطب واليابس والجيد والردي، فكذلك لسان بعض الناس يتكلم بكل نوع من الكلام حسنا وقبيحاً. والمعنى لا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم من الكفر والقدف والشتم والغيبة والنميمة والبهتان ونحوها والاستثناء مفرغ، وهذ الحكم وارد على الأغلب أي على الأكثر لأنك إذا جربت لم تجد أحداً حفظ عن السوء ولا يصدر عنه شيء يوجب دخول النار إلا نادراً . (1)
- - -
ـــــــــــــــــــــ
(1) تحفة الأحوذي للمباركافوري في شرح سنن الترمذي ، كتاب الإيمان ، ج7 ص347.
9
الحديث الثاني
مات على شعبة من النفاق من لم يغزو أو يحدث نفسه بالغزو(1/6)
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ». (1)
قَالَ ابْنُ سَهْمٍ: « قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: فَنُرَى أَنَّ ذلِكَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ».
أضواء على الحديث:
قال النووي ـ رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم :
قول عبد الله بن المبارك: فنُرَى أن ذلك كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » قوله: نرى بضم النون أي نظن وهذا الذي قاله ابن المبارك محتمل، وقد قال غيره إنه عام، والمراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف فإن تَرْكَ الجهاد أحد شعب النفاق .
قلت : الجهاد لا ينقطع حتى تقوم الساعة فالصحيح أن هذا الحديث عام والله أعلم .
والنِّفاق في اللغة : فعل المنافِق. و النِّفاقُ: الدخول في الإِسلام من وجْه والخُروج عنه من آخر، مشتقٌ من نَافِقَاء اليربوع ، وقد نافَقَ مُنافَقة ونِفاقاً، وهو اسم إِسلاميّ لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو الذي يَسْترُ كُفْره ويظهر إِيمانه وإِن كان أَصله في اللغة معروفاً. يقال نافَقَ يُنافِق مُنافقة ونِفاقاً، وهو مأْخوذ من النافقاء من النَّفَق وهو السَّرَب الذي يستتر فيه لستره كُفْره.(2)
ـــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في صحيحه واللفظ له باب : ذم من مات ولم يغز حديث رقم : 4887. ، مسند أحمد حديث رقم 8801 مسند أبي هريرة ـ رضي الله عنه.واللفظ له ، سنن أبي داود باب كراهية ترك الغزو حديث رقم : 2503،سنن النسائي الصغرى باب : التشديد في ترك الغزو .(3099) ، (4269 )
(2) لسان العرب بتصرف، النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير.
10
النفاق في الشرع :(1/7)
أما النفاق في الشرع فمعناه إظهار الإسلام وإبطان الكفر والشر . سمي بذلك لأنه يدخل في الشرع من باب ويخرج منه من باب آخر . وعلى ذلك نبه الله تعالى بقوله:? ?????? ????????????????? ???? ???????????????? ??(1) أي الخارجون من الشرع وجعل الله المنافقين شراً من الكافرين فقال: ? ?????? ?????????????????? ? ?????????? ????????????? ???? ????????? ?(2)وقال تعالى : ? ?????? ?????????????????? ????????????? ?????? ?????? ???????????? ?(3)وقال :
? ???????????????? ?????? ???????????? ?????????? ????? ?????????????? ???????? ????????????? ????? ???????????? ??? ? ????????????? ??????? ???????????? ?????? ???????? ???????? ??????? ????????? ????? ????????? ???????????? ???? ?(4)
أنواع النفاق :
النفاق نوعان : الأول : النفاق الاعتقادي ، الثاني :النفاق العملي.
النوع الأول : وهو النفاق الاعتقادي ، وهو النفاق الأكبر الذي يُظْهِرُ صاحبه الإسلام ويُبْطِنُ الكفر ـ وهذا النوع مُخْرج من الدين بالكلية ، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار ـ وقد وصف الله أهله بصفات الشر كلها من الكفر وعدم الإيمان، والاستهزاء بالدين وأهله ، والسخرية منهم ، والميل بالكلية إلى أعداء الدين لمشاركتهم لهم في عداوة الإسلام وهؤلاء موجودون في كل زمان ولاسيما عندما تظهر قوة الإسلام ولا يستطيعون مقاومته في الظاهر ، فإنهم يُظْهِرونَ الدخول فيه لأجل الكيد له ولأهله في الباطن . ولأجل أن يعيشوا مع المسلمين ويأمنوا على دمائهم وأموالهم فيُظْهِرالمنافق إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به لا يؤمن بالله وأن الله تكلم بكلام أنزله على بشر ، جعله رسولاً للناس ، يهديهم بإذنه ، وينذرهم بأسه ، ويخوفهم عقابه .(1/8)
وقد هتك الله أستار هؤلاء المنافقين ، وكشف أسرارهم في القرأن الكريم ، وجلى لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر . (5)
ــــــــــــــــــ
(1) [ سورة التوبة:من الآية 67]
(2) [ سورة النساء:من الآية 145]
(3) [ سورة النساء:الآيتان من 142]
(4) [ سورة البقرة:الآيتان 9-10]
(5) كتاب التوحيد تأليف فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان نقلاً عن رسالة لابن القيم في بيان صفات المنافقين.ص20 الفصل الرابع النفاق تعريغه أنواعه .
11
النوع الثاني : النفاق العملي وهو عمل شيء من أعمال المنافقين مع بقاء الإيمان في القلب ، وهذا لا يُخْرج من الملة لكنه وسيلة إلى ذلك وصاحبه يكون فيه إيمان ونفاق وإذا كثر صار بسببه منافقاً خالصاً والدليل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقا خَالِصاً. وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ. حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهد غدر ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ « وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَة مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ».(1)
فمن اجتمعت فيه هذه الخصال الأربع فقد اجتمع فيه الشر ، وخلصت فيه نعوت المنافقين . ومن كانت فيه واحدة منها صار فيه خصلة من النفاق فإنه قد يجتمع في العبد خصال خير وخصال شر وخصال إيمان وخصال كفر ونفاق . ويستحق من الثواب والعقاب بحسب ما قام به من موجبات ذلك ، ومنه التكاسل عن الصلاة مع الجماعة في المسجد ، فالنفاق شر وخطير جداً وكان الصحابة يتخوفون من الوقوع فيه قال ابن مليكة : أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه .
الفروق بين النفاق الأكبر والنفاق الأصغر :
(1) أن النفاق الأكبر يخرج من الملة ، والنفاق الأصغر لا يخرج من الملة .
((1/9)
2) أن النفاق الأكبر اختلاف السر والعلانية في الاعتقاد والنفاق الأصغر اختلاف السر والعلانية في الأعمال دون الاعتقاد .
(3) أن النفاق الأكبر لا يصدر من مؤمن ، وأما النفاق الأصغر فقد يصدر من المؤمن.
(4) أن النفاق الأكبر في الغالب لا يتوب صاحبه ، ولو تاب فقد اختلف في قبول توبته عند الحاكم . بخلاف النفاق الأصغر ، فإن صاحبه قد يتوب إلى الله فيتوب الله عليه. (2)
ـــــــــــــــــــــ
(1) متفق عليه : أخرجه مسلم باب بيان خصال المنافق حديث رقم : 172، أخرجه البخاري في: 2 كتاب الإيمان: 24 باب علامة المنافق .
(2) كتاب التوحيد تأليف فضيلة الشيخ : صالح بن فوزان الفوزان.ص21:22
12
الحديث الثالث
لا عمل يعدل الجهاد
- عن أبي حَصِين أنَّ ذَكوانَ حدَّثهُ أنَّ أبا هريرةَ ? حدَّثهُ قال: «جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله ? فقال: دُلَّني على عمل يَعدِلُ الجِهادَ. قال: لا أجِدهُ. قال: هل تَستطيعُ إذا خرَجَ المجاهدُ أن تدخُلَ مَسجِدَك فتقومَ ولا تَفْتُرَ، وتَصومَ ولا تُفِطَر؟ قال: ومن يَستطيعُ ذلك؟ قال أبو هريرةَ ?: إنَّ فرَسُ المجاهدِ ليَسْتَنُّ في طِوَلهِ، فيُكتبُ لهُ حسَناتٍ». (1)
أضواء على الحديث :
قوله: «يعدل الجهاد» أي: يساويه ويماثله. قوله: «قال: لا أجده» كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أي: قال: لا أجد عملاً يعدل الجهاد. قوله: «قال: هل تستطيع»، كلام مستأنف من النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: «قال: ومن يستطيع؟» كلام الرجل المذكور. قوله: «ليستن»، أي: ليمرح بنشاط ، وأصله من الاستنان ، وهو العَدْو. قال الجوهري: الاستنان أن يرفع رجليه ويطرحهما معاً، ويقال: أن يلح في عدوه مقبلاً أو مدبراً، ومن جملة الأمثال: استنت الفصال حتى القرعى، يضرب لمن يتشبه بمن هو فوقه. قوله: «في طوله»، بكسر الطاء المهملة وفتح الواو، وهو: الحبل الذي تشد به الدابة.(1/10)
ويمسك طرفه ويرسل في المرعى. قوله: « فيكتب له حسنات» أي: يكتب له الاستنان حسنات. (2)
ذكر الحافظ بن حجر في الفتح : قوله: قال: « ومن يستطيع ذلك» وهذه فضيلة ظاهرة للمجاهد في سبيل الله تقتضي أن لا يعدل الجهاد شيء من الأعمال.
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري باب: فضل الجهاد والسير ، حديث رقم: 2726. والحديث أخرجه النسائي في الجهاد أيضاً . وأبو حَصِين هو : بفتح الحاء المهملة وكسر الصاد المهملة: واسمه عثمان بن عاصم الأسدي، وذكوان، بفتح الذال المعجمة: أبو صالح السمان الزيات.
(2) عمدة القاري ، باب فضل الجهاد والسير ،ج14ص78.
13
اشتمل حديث الباب على تعظيم أمر الجهاد، لأن الصيام وغيره مما ذكر من فضائل الأعمال قد عدلها كلها الجهاد حتى صارت جميع حالات المجاهد وتصرفاته المباحة معادلة لأجر المواظب على الصلاة وغيرها، ولهذا قال ?: «لا تستطيع ذلك» وفيه أن الفضائل لا تدرك بالقياس وإنما هي إحسان من الله تعالى لمن شاء، واستدل به على أن الجهاد أفضل الأعمال مطلقا لما تقدم تقريره. وقال ابن دقيق العيد: القياس يقتضي أن يكون الجهاد أفضل الأعمال التي هي وسائل لأن الجهاد وسيلة إلى إعلان الدين ونشره وإخماد الكفر ودحضه، ففضيلته بحسب فضيلة ذلك والله أعلم. (1)
- - -
ــــــــــــــ
(1) فتح الباري ، باب فضل الجهاد والسير ، ج6ص6.
14
الحديث الرابع
عقوبة ترك الجهاد
- عن ابنِ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ـ قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله ? يَقُولُ: «إذَا تَبَايَعْتُمْ بالْعِينَةِ وَأخَذْتُمْ أذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُم». (1)(1/11)
ولفظ الإمام أحمد ـ رحمه الله :عن شَهْر بن حَوْشَب عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما : ولقد سمعتُ رسول الله ? يقول: «لئِنْ أَنتم اتبعتم أَذنابَ البقر، وتبايعتم بالعِينَة، وتركتم الجهاد في سبيل الله، ، ليُلزمنَّكُم الله مذلةً في أَعناقكم، ثم لا تُنزَع منكم حتى ترجعوا إِلى ما كنتم عليه، وتتوبوا إِلى الله» (2)
أضواء على الحديث :
«إذا تبايعتم بالعِينة» قال الجوهري: العين بالكسر السلف.
وقال في القاموس: وعين أخذ بالعينة بالكسر أي السلف أو أعطى بها. قال والتاجر باع سلعته بثمن إلى أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن انتهى. قال الرافعي: وبيع العينة هو أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر انتهى.
وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد، وجوز ذلك الشافعي وأصحابه ـ كذا في النيل. وقد حقق الإمام ابن القيم عدم جواز العينة ونقل معنى كلامه العلامة الشوكاني في النيل. « وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع» حمل هذا على الاشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد « وتركتم الجهاد » أي المتعين فعله « سلط الله عليكم ذُلاً» بضم الذال المعجمة وكسرها أي صَغَاراً ومسكنة ومن أنواع الذل الخراج الذي يسلمونه كل سنة لملاك الأرض. وسبب هذا الذل والله أعلم أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الإسلام وإظهاره على كل دين عاملهم الله بنقيضه وهو إنزال الذلة بهم فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعز مكان.
ـــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود في سننه ، باب: في النهي عن العينة ، حديث رقم: 3463، قال المنذري: وفي إسناده إسحاق بن أسيد أبو عبدالرحمن الخراساني نزيل مصر لا يحتج بحديثه. وفيه أيضاً عطاء الخراساني وفيه مقال.هذا ولقد صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة ، المجلد الأول ، حديث رقم : 11.
((1/12)
2) أخرجه الإمام احمد في المسند ، في مسند ، عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ، حديث رقم: 5553.
(3) عون المعبود في شرح سنن أبي داود .
15
الحديث الخامس
من جهز غازياً فقد غزا
- عن زيدُ بنُ خالدٍ ? أنَّ رسولَ الله ? قال: «مَن جَهَّزَ غازِياً في سبيلِ الله فقد غزا، ومَن خَلَفَ غازِياً في سبيل الله في سبيل الله بخير فقد غزا». (1)
أضواء على الحديث :
قوله - صلى الله عليه وسلم - : « من جهز غازياً فقد غزا .. » أي حصل له أجر بسبب الغزو، وهذا الأجر يحصل بكل جهاد وسواء قليله وكثيره ولكل خالف له في أهله بخير من قضاء حاجة لهم وإنفاق عليهم أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته، وفي هذا الحديث الحث على الإحسان إلى من فعل مصلحة للمسلمين أو قام بأمر من مهماتهم. (2)
- - -
ـــــــــــــــ
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في صحيحه باب : من جهز غازياً ، حديث رقم : 2778.، وأخرجه مسلم باب : فضل إعانة الغازي في سبيل الله ، حديث رقم : 4858.
(2) شرح النووي لصحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله ج13ص34.
16
الحديث السادس
من أكبر الكبائر التولي يوم الزحف
- عن أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقاتِ قَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَما هُنَّ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِناتِ الْغافِلاتِ». (1)
أضواء على الحديث :(1/13)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «اجتنبوا»، أي: ابتعدوا، من الاجتناب من باب الافتعال من الجنب، وهو أبلغ من: أبعدوا واحذروا ، ونحو ذلك قوله تعالى: ? ????? ?????????????? ????????????? ? (2) لأن نهي القربان أبلغ من نهي المباشرة. قوله - صلى الله عليه وسلم - : «الموبقات» أي: المهلكات ، وهو جمع موبقة، من أوبق : وبق يبق وبوقاً إذا هلك من ، باب: ضرب يضرب، وجاء أيضاً: وبق يوبق وبقاً، من باب: علم يعلم ، وجاء من باب: فعل يفعل بالكسر فيهما، قوله: «الشرك بالله»، أي: أحدها: الشرك بالله ، الشرك جعل أحد شريكاً لآخر، والمراد هنا: اتخاذ إلَه غير الله . قوله: «والسحر» أي: الثاني : السحر، وهو في اللغة: صرف الشيء عن وجهه قوله - صلى الله عليه وسلم - : «وقتل النفس»أي الثالث: من السبع الموبقات: قتل النفس. قوله - صلى الله عليه وسلم - : «وأكل الربا» أي: الرابع: أكل الربا، وهو فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال، كما عرف في الفقه. قوله: «وأكل مال اليتيم»، أي: الخامس: أكل مال اليتيم، وهو المنفرد في اللغة، وهو: من مات أبوه وهو ما دون البلوغ، «والتولي يوم الزحف» أي: السادس: الفرار عن القتال
ـــــــــــــــــ
(1) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان باب : بيان الكبائر وأكبرها ، أخرجه البخاري في: 55 كتاب الوصايا: 23 باب قول الله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا).
(2) [ سورة الإسراء:من الآية 32]
17(1/14)
يوم ازدحام الطائفتين ويقال: التولي الإعراض عن الحرب والفرار من الكفار والزحف الجماعة الذين يزحفون إلى العدو أي يمشون إليهم بمشقة، من زحف الصبي إذا دب على أسته. قوله: «وقذف المحصنات»، أي: السابع: قذف المحصنات، القذف الرمي البعيد، استعير للشتم والعيب والبهتان كما استعير للرمي، والمحصَنات جمع محصنة، بفتح الصاد، اسم مفعول أي: التي أحصنها الله تعالى وحفظها من الزنا، وبكسرها، اسم فاعل أي: التي حفظت فرجها من الزنا. قوله: «المؤمنات»، احترز به عن قذف الكافرات فإن قذفهن ليس من الكبائر وإن كانت ذمية فقذفها من الصغائر لا يوجب الحد وفي قذفه الأمة المسلمة التعزير دون الحد. قوله: «الغافلات»، كناية عن البريئات لأن البرىء غافل عما بهت به من الزنا. (1)
- - -
ــــــــــــــــ
(1) عمدة القاري ، ج14 ص 60.
18
الحديث السابع
الجهاد أحد مفاتح مكفرات الذنوب
- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ? أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ? أَنَّه قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ: «أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالإِيمَانَ بِاللهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ» فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ?: «نَعَمْ إنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ?: «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ?: «نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ. إلاَّ الدَّيْنَ. فَإنَّ جِبْرِيل ? قَالَ لِي ذَلِكَ». (1)
أضواء على الحديث :(1/15)
قوله - صلى الله عليه وسلم - للذي سأله عن تكفير خطاياه إن قتل: «نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم أعاده فقال إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك» فيه هذه الفضيلة العظيمة للمجاهد وهي تكفير خطاياه كلها إلا حقوق الآدميين، وإنما يكون تكفيرها بهذه الشروط المذكورة وهو أن يقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، وفيه أن الأعمال لا تنفع إلا بالنية والإخلاص لله تعالى .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :« مقبل غير مدبر» لعله احتراز ممن يقبل في وقت ويدبر في وقت والمحتسب هو المخلص لله تعالى فإن قاتل لعصبية أو لغنيمة أو لصيت أو نحو ذلك فليس له هذا الثواب ولا غيره وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - إلا الدين ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين وإنما يكفر حقوق الله تعالى. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : «نعم، ثم قال بعد ذلك: إلا الدين» فمحمول على أنه أوحي إليه به في الحال ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : « إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك» والله أعلم. (2)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في صحيحه باب : من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه، حديث رقم: 4836.
(2) شرح مسلم للإمام النووي ، كتاب الإمارة ، باب من قتل في سبيل الله ، ج13 ص26.
19
الحديث الثامن
باب الجهاد أحد أبواب الجنة الثمانية(1/16)
- عن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللهِ هذَا خَيْرٌ؛ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، يَا رَسُولَ اللهِ مَا عَلَي مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ: نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ»(1)
أضواء على الحديث :
قوله - صلى الله عليه وسلم - : « من أنفق زوجين في سبيل الله» واختلف في المراد بقوله: «في سبيل الله» فقيل أراد الجهاد، وقيل: ما هو أعم منه، والمراد بالزوجين إنفاق شيئين من أي صنف من أصناف المال من نوع واحد .
وقوله: « هذا خيرٌ » ليس اسم التفضيل ، بل المعنى هذا خير من الخيرات، والتنوين فيه للتعظيم وبه تظهر الفائدة. (2)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ » قال العلماء: سمي باب الريان تنبيهاً على أن العطشان بالصوم في الهواجر سيروى وعاقبته إليه وهو مشتق من الري.
وقال النووي ـ رحمه الله : فذكر باب الصلاة والصدقة والصيام والجهاد. قال القاضي: وقد جاء ذكر بقية أبواب الجنة الثمانية في حديث آخر في باب التوبة.(1/17)
وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس. وباب الراضين. فهذه سبعة أبواب جاءت في الأحاديث. وجاء في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم يدخلون من الباب الأيمن فلعله الباب الثامن والله أعلم . (3)
ـــــــــــــــــ
(1) متفق عليه ، اللؤلؤ والمرجان ، باب : من جمع الصدقة وأعمال البر ، أخرجه البخاري في: 30 كتاب الصوم: 4 باب الريان للصائمين .
(2) فتح الباري ، كتاب الصوم ، باب الريان للصائمين، ج4 ص134.
(3) شرح النووي ، كتاب الزكاة ، ج7ص94.
20
الحديث التاسع
الجهاد يرفع الدرجات في الجنان
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبّاً، وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ. فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ. يَا رَسُولَ اللهِ فَفَعَلَ. ثُمَّ قَالَ: « وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ. مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» قَالَ: وَمَا هِيَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: الْجَنَّةِ. مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» قَالَ: وَمَا هِيَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ. الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». (1)
أضواء على الحديث :(1/18)
قوله - صلى الله عليه وسلم - « وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ. مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» قال القاضي عياض ـ رحمه الله: يحتمل أن هذا على ظاهره وأن الدرجات هنا المنازل التي بعضها أرفع من بعض في الظاهر، وهذه صفة منازل الجنة كما جاء في أهل الغرف أنهم يتراؤون كالكوكب الدري، قال: ويحتمل أن المراد الرفعة بالمعنى من كثرة النعيم وعظيم الإحسان مما لم يخطر على قلب بشر ولا بصفة مخلوق ، وأن أنواع ما أنعم الله به عليه من البر والكرامة يتفاضل تفاضلاً كثيراً، ويكون تباعده في الفضل كما بين السماء والأرض في البعد، قال القاضي: والاحتمال الأول أظهر وهو كما قال والله أعلم. (2)
وفي الحديث فضيلة للجهاد برفع الدرجات .
- - -
ـــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم كتاب الإمارة ، باب : ما أعد الله تعالى للمجاهد ، حديث رقم: 4835.
(2) شرح النووي ، كتاب الإمارة ، ج13 ص25.
21
الحديث العاشر
جزاء من قاتل سمعة ورياء(1/19)
- عن عُقْبَةَ بنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ أَنَ شُفَيّاً اْلأَصْبَعِي ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ المَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْت بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ. فَلَّمَا سَكَتَ وَخَلاَ قُلْتُ لَهُ: أَسْأَلُكَ بِحَقِّ وَبِحَقِّ لما حَدَّثْتَنِي حَدِيثاً سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله ? عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ، فَقَالَ أَبو هريرة ? : أَفْعَلُ لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثاً حَدَّثَنِيِه رَسُولُ الله ? عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ، ثم نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً، فمكَثْنَا قَلِيلاً، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: لأُحَدِّثَتَّكَ حَدِيثاً حَدَّثَنيِه رَسُولُ الله ? فِي هَذَا البَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ وقَالَ: أَفْعَلُ لأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثاً حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ الله ? أَنَا وَهُوَ فِي هَذَا البَيْتِ مَامَعَنَا أَحدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَديدَةً، ثم مَالَ خَارَّا عَلَى وَجْهِهِ فَأَسْنَدْتُهُ طَوِيلاً، ثُم أَفَاقَ فَقَالَ : حدثني رَسُولُ الله ? أَنَّ الله تَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى العِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ القُرْآنَ، وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ الله، وَرَجُلٌ كَثِيرُ المَالِ، فَيَقُولُ الله لِلقَارِىءِ: أَلَمْ أُعَلِمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ.(1/20)
قالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ قالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ الَّليلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ الله لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ المَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ، وَيَقُولُ الله لَهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فلانٌ قَارِىء، فَقَدْ قِيْلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ المَالِ، فَيَقُولُ الله: أَلَمْ أُوَسِّع عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قالَ بَلَى يَا رَبِّ. قالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ، فَيَقُولُ الله لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ المَلاَئِكَةُ لَهُ كَذَبْتَ، وَيَقُولُ الله: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَوَادٌ وَقَد قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ في سَبِيلِ الله فَيَقُولُ الله لَهُ: فِيمَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ أَمَرْت بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فقاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ. فَيَقُولُ الله لَهُ كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ المَلاَئِكَةُ كذَبْتَ، وَيَقُولُ الله : بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَن فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ الله ? عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ: «أُولِئَكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ الله تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ
22(1/21)
يَوْمَ القِيَامَةِ». قالَ الْوَلِيدُ أبُو عُثْمَانَ المَدائِنيُّ: فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بن مسلم أَنَّ شُفَيّاً هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا. قال أَبُو عُثْمَانَ: وحدثني العَلاَءُ بنُ أَبي حَكِيمٍ أَنَّهُ كَانَ سَيَّافاً لِمُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُل ، فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا عن أَبي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ فُعِلَ بِهؤلاءِ هَذَا فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيداً حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ، وَقُلْنَا قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُل بِشَرٍ، ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عن وَجْهِهِ وَقَالَ: صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ:
... ? ??? ????? ???????? ???????????? ????????????? ???????????? ???????? ??????????? ??????????????? ????????? ?????? ????????? ??? ????????????? ???? ???????????????? ?????????? ??????? ?????? ? ??????????? ??????? ?????????????? ???????? ??? ????????? ????????? ??????????? ???? ???????? ????????????? ???? ? (1) » (2).
أضواء على الحديث :
قال الحافظ في الفتح الرياء بكسر الراء وتخفيف التحتانية والمد وهو مشتق من الرؤية والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها، والسمعة بضم المهملة وسكون الميم مشتقة من سمع والمراد بها نحو ما في الرياء، لكنها تتعلق بحاسة السمع والرياء بحاسة البصر.وقال الغزالي: الرياء مشتق من الرؤية، والسمعة من السماع، وإنما الرياء أصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإرائهم الخصال المحمودة.
«(1/22)
ثم نَشغ» بفتح النون والشين المعجمة بعدها غين معجمة أي شهق حتى كاد يغشى عليه أسفاً أو خوفاً قاله المنذري. وقال الجزري في النهاية: النشغ في الأصل الشهيق حتى يكاد يبلغ به الغشي وإنما يفعل الإنسان ذلك تشوقاً إلى شيء فائت وأسفاً عليه ومنه. حديث أبي هريرة أنه ذكر النبي ? فنشغ نشغة أي شهق وغشى عليه انتهى .
و« مال خاراً » من الخرور أي ساقطاً «فأسندته». « وكل أمة جاثية » قال في القاموس: جثا كدعا ورمى جثواً وجثياً بضمهما جلس على ركبتيه أو قام على
ــــــــــــ
(1) [ سورة هود:الآيتان 15-16]
(2) أخرجه الترمذي باب : ما جاء في الرياء والسمعة ، حديث رقم : 2422 وقال أبو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب.
23
أطراف أصابعه . «يدعو» أي الله تعالى «به» الضمير راجع إلى من «رجل جمع القرآن» أي حفظه « قُتِلَ » بصيغة المجهول « فماذا عملت » من العمل «فيما علمت» من العلم «كنت أقوم به» أي بالقرآن «اناء الليل واناء النهار» أي ساعاتهما.
«(1/23)
فقد قيل ذلك» أي ذلك القول فحصل مقصودك وغرضك «ألم أوسع عليك» أي ألم أكثر مالك «حتى لم أدعك» أي لم أتركك من ودع يدع ، «جواد» أي سخي كريم ، «جرئ» فعيل من الجرة فهو مهموز، وقد يدغم أي شجاع « تسعر» من التسعير أي توقد. والحديث دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال تعالى : ? ?????? ??????????? ??????? ?????????????? ?????? ??????????? ????? ????????? ? (1) وفيه أن العمومات الواردة في فضل الجهاد وإنما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصاً وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات كله محمول على من فعل ذلك لله تعالى مخلصاً. قال في التقريب: العلاء بن أبي حكيم يحيى الشامي سياف معاوية ثقة من الرابعة «قد فعل بهؤلاء» أي القارىء والشهيد والجواد المذكورين في الحديث ? ??? ????? ???????? ???????????? ????????????? ???????????? ? (2) يعني بعمله الذي يعمله من أعمال البر. نزلت في كل من عمل عملاً يبتغي به غير الله عز وجل ? ???????? ??????????? ??????????????? ? (3) يعني أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا، وذلك أن الله سبحانه وتعالى يوسع عليهم الرزق ويدفع عنهم المكاره في الدنيا ونحو ذلك ? ?????? ????????? ??? ?????????????? ? (4) أي لا ينقصون من أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا بل يعطون أجور أعمالهم كاملة موفورة ? ???????????????? ?????????? ??????? ?????? ? ??????????? ??????? ?????????????? ???????? ??? ????????? ????????? ? (5) أي وبطل ما عملوا في الدنيا من أعمال البر ? ??????????? ???? ???????? ????????????? ? (6) لأنه لغير الله. (7)
ــــــــــــــــ
(1) [ سورة البينة:من الآية 5]
(2) [ سورة هود:من الآية 15]
(3) [ سورة هود:من الآية 15]
(4) [ سورة هود:من الآية 15]
(5) [ سورة هود:من الآية 16]
(6) [ سورة هود:من الآية 16]
((1/24)
7) تحفة الأحوذي للمباركفوري ، أبواب الزهد ، باب ما جاء في السمعة والرياء ، ج7 ص87.
24
الحديث الحادي عشر
من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
- عن أَبي موسى - رضي الله عنه - قال: جاءَ رجُلٌ إِلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسولَ اللهِ، ما القِتالُ في سَبيلِ اللهِ؟ فإنَّ أَحدَنا يقاتِلُ في سَبيلِ اللهِ؟ فإنَّ أَحدَنا يقاتِلُ غضباً ويُقاتِلُ حَمِيَّةً. فرَفعَ إِليه رأسَهُ ـ قال: وما رَفعَ إليهِ رأْسَهُ إِلا أَنَّهُ كان قائماً ـ فقال: « مَنْ قَاتَلَ لِتَكونَ كلمةُ اللهِ هي العُلْيا فهوفي سَبيلِ اللّهِ عزَّ وجلَّ». (1)
أضواء على الحديث :
قال الحافظ ـ رحمه الله ـ في الفتح : المراد بكلمة الله دعوة الله إلى الإسلام، ويحتمل أن يكون المراد أنه لا يكون في سبيل الله إلا من كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة الله فقط بمعنى أنه لو أضاف إلى ذلك سبباً من الأسباب المذكورة أخل بذلكوفي إجابة النبي - صلى الله عليه وسلم - بما ذكر غاية البلاغة والإيجاز، وهو من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - ، لأنه لو أجابه بأن جميع ما ذكره ليس في سبيل الله احتمل أن يكون ما عدا ذلك كله في سبيل الله وليس كذلك، فعدل إلى لفظ جامع عدل به عن الجواب عن ماهية القتال إلى حال المقاتل فتضمن الجواب وزيادة، يحتمل أن يكون الضمير في قوله: «فهو» راجعاً إلى القتال الذي في ضمن قاتل أي فقتاله قتال في سبيل الله، واشتمل طلب إعلاء كلمة الله على طلب رضاه وطلب ثوابه طلب دحض أعدائه وكلها متلازمة. (2)
وقوله ?: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكونَ كلمةُ اللهِ هي العُلْيا فهوَ في سَبيلِ اللهِ » فيه بيان أن الأعمال إنما تحسب بالنيات الصالحة، وأن الفضل الذي ورد في المجاهدين في سبيل الله يختص بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا . (3)
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه ، باب : من سأل وهو قائم عالماً ، حديث رقم: 123.
((1/25)
2) فتح الباري ، كتاب الجهاد والسير ، ج6 ص34.
(3) شرح النووي لصحيح مسلم كتاب الإمارة ج13 ص42.
25
الحديث الثاني عشر
رهبانية هذه الأمة الجهاد
- عن أنس بن مالك ? قال: قال رسول الله ?:«إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَهْبَانِيَّةً، وَرَهْبَانِيَّةُ هذِهِ الأُمَّةِ الجِهَاد في سَبِيلِ الله». (1)
ولفظ أحمد ـ رحمه الله ـ عن أنس بن مالك ? عن النبي ? قال: «لِكُلِّ نَبِيٍّ رَهْبَانِيَّةٌ، وَرَهْبَانِيَّةُ هذِهِ الأُمّةِ الجِهادُ في سَبِيلِ الله عَزَّ وَجَلَّ» . (2)
وعند ابن حبان ـ رحمه الله ـ في صحيحه من حديث أبي ذر ا - رضي الله عنه - الطويل : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أوْصِني. قَالَ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ الأمْرِ كُلِّهِ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي، قَالَ: «عَلَيْكَ بِتِلاوَةِ القُرْآنِ، وَذِكْر اللهِ، فَإِنَّهُ نُورٌ لَكَ في الأرْضِ، وَذُخْرٌ لَكَ في السَّمَاء». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، زِدْنِي: قَالَ: «إِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضِّحِكَ، فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ، وَيَذْهَبُ بنورِ الْوَجْهِ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي ، قَالَ: «عَلَيْكَ بالصَّمْتِ إلا مِنْ خَيْرٍ، فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيْطَانِ عَنْكَ، وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي، قَال: «عَلَيْكَ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي».(3)
شرح الحديث :
قال ابن منظور ـ رحمه الله : التَّرَهُّبُ التَّعَبُّدُ، وقيل: التَّعَبُّدُ في صَوْمَعَتِهِ. قال: وأَصل الرَّهْبَانِيَّة من الرَّهْبةِ، ثم صارت اسماً لِما فَضَل عن المقدار وأَفْرَطَ فيه . والرَّهْبانيةُ: مصدر الراهب، والاسم الرَّهْبَانِيَّةُ. و تَرَهَّب الرجل إِذا صار راهِباً يَخْشَى الله.
ــــــــــــــــــــ
((1/26)
1) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد باب : فضل الجهاد ، حديث رقم : 1349 ، وقال رواه أبو يعلى وأحمد وفيه: زيد العَمِّي، وثقه أحمد وغيره، وضعفه أبو زرعة وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(2) أخرجه أحمد في المسند ، حديث رقم: 13518.
(3) أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم : 360.
26
وقال ابن الأثير : ورهْبَنَة النصارى. وأصلُها من الرَّهْبة: الخوف، كانوا يترهَّبون بالتخلّي من أشغال الدنيا، وترْكِ ملاذِّها، والزُّهد فيها، والعُزلة عن أهلها، وتعمُّد مشاقِّها، حتى إن منهم من كان يخْصي نفسه، ويضع السِّلسلة في عُنُقه، وغير ذلك من أنواع التعذيب، فنفاها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام ونهى المسلمين عنها. والرُّهبان: جمع راهب، وقد يقع على الواحد ويُجمع على رهابين ورهابنة. والرهبنة فعلنة، منه ، أو فعْللة على تقدير أصلية النون وزيادتها. والرهبانية منسوبة إلى الرَّهْبنة بزيادة الألف.
ومعنى قوله: « عليك بالجهاد فإِنه رَهْبانِيَّة أُمتي »؛ يُريد أَنَّ الرُّهْبانَ، وإِن تركوا الدنيا وزَهِدوا فيها، وتَخَلَّوْا عنها، فلا تَرْكَ ولا زُهْدَ ولا تَخَلِّيَ أَكثرُ من بذل النفس في سبيل الله؛ وكما أَنه ليس عند النصارى عَمَلٌ أَفضلُ من التَّرَهُّب، ففي الإِسلام لا عَمَل أَفضلُ من الجهاد؛ ولهذا قال ذِرْوة: سَنامُ الإِسلامِ الجهادُ في سبيل الله . (1)
- - -
ـــــــــــــــ
(1) النهاية لابن الأثير .
27
الحديث الثالث عشر
أحد ثلاثة يحبهم الله الثابت عند لقاء العدو(1/27)
- عن أبي ذَرَ - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال : « ثلاثةٌ يُحبهم اللهُ: رجلٌ أتى قوماً فَسَأَلهمْ باللَّهِ ولَمْ يسألْهمْ بقرابةٍ بينهمْ وبينهُ، فتخلّف رجلٌ بأعقابهم، فأعطاهُ سِرّاً لا يَعْلَمُ بعطيتِه إلا اللهُ والذي أعطاهُ، وقَوْمٌ سارُوا ليلَهمْ حتى إذا كانَ النومُ أحبَّ إليهمْ، نزلوا، فوضَعُوا رؤوسَهمْ ، فقامَ يتملَّقُني ويتلو آياتي ، ورجلٌ كانَ في سَريَّةٍ، فلَقُوا العَدُوَّ، فهُزِمُوا وأقبلَ بصَدْرِه حتى يُقْتَلَ أو يُفْتَحَ لهمْ».(1)
شرح الحديث :
... قال القرطبي ـ رحمه الله : المحبّة عند العرب إرادةُ الشيء على قصد له. وقال الأزهري: محبة العبد لله ورسوله طاعته لهما واتباعه أمرهما؛ قال الله تعالى: ? ????? ???? ??????? ??????????? ?????? ?????????????????? ????????????? ?????? ? (2). ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران؛ قال الله تعالى: ? ????????? ?????? ??? ???????? ??????????????? ? (3) أي لا يغفر لهم. وقال سهل بن عبد الله: علامة حُبِّ الله حب القرآن، وعلامة حب القرآن حب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وعلامة حب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حب السنة، وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبيّ وحب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة أن يحب نفسه، وعلامة حب نفسِه أن يبغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزّاد والبُلْغَة. (4)
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا، نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا، فَأَحِبَّهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ : إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، وَيُوضعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ . (5)(1/28)
وقوله « يتملقني » : المَلَقُ: الوُدّ واللطف الشديد، وأَصله التليين، وقيل: المَلَقُ شدة لطف الودّ، وقيل: الترفق والمداراة، والمعنيان متقاربان ، مَلِقَ مَلَقاً وتَمَلَّقَ وتَمَلَّقَهُ و تَمَلَّقَ له تَملُّقاً و تِمِلاقاً أَي تودد إِليه وتلطف إليه.
ــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان حديث رقم 4861.
(2) [ سورة آل عمران:من الآية 31]
(3) [ سورة آل عمران:من الآية 32]
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
(5) متفق عليه،باب إذا أحب الله عبداً حببه إلى عباده ،أخرجه البخاري في كتاب التوحيد،باب كلام الرب مع جبريل.
28
الحديث الرابع عشر
ما يثبط عن فرض الجهاد إلا شيطان
- عن سَبْرَةَ بنِ أبي فاكِهٍ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «إِنَّ الشَّيْطَانَ قعدَ لابنِ آدمَ بطريقِ الإِسلامِ، فقالَ لَهُ: تُسْلِمُ وتَذَرُ دِينَكَ وَدِين آبائكَ، فعصاهُ، فأَسْلَمَ، فغفرَ لَهُ، فَقَعَدَ لَهُ بطريقِ الهِجْرَةِ فَقَالَ لهُ: تُهَاجِرُ وتَذَرُ أَرْضَكَ وسَمَاءكَ، فعصاهُ فَهَاجَرَ، فقعدَ لَهُ بطريقِ الجِهَادِ، فقالَ لَهُ: تُهَاجِرُ وتَذَرُ أَرْضَكَ وسَمَاءكَ، فعصاهُ فَهَاجَرَ، فقعدَ لَهُ بطريقِ الجِهَادِ، فقالَ لَهُ: تُجَاهِدُ وهو جَهْدُ النَّفْسِ والمالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ المَرْأةُ ويُقْسَمُ المالُ فَعَصَاهُ فجاهَدَ» ، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «فَمنْ فَعَلَ ذلِكَ، فَمَاتَ، كانَ حَقّاً على الله أن يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أو قُتِلَ كَان حقاً على اللهِ أن يُدْخِلَهُ الجنةَ، وإن غَرِقَ كانَ حَقّاً على اللهِ أن يُدْخِلَهُ الجنَةَ ، أو وَقَصَتْهُ دَابَّةٌ كانَ حقاً على اللَّهِ أن يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ».(1)
شرح الحديث :(1/29)
والجِهَاد بكسر الجيم أصله لغة المشقة، يقال: جهدت جهاداً بلغت المشقة. وشرعاً بذل الجهد في قتال الكفار، ويطلق أيضاً على مجاهدة النفس والشيطان والفساق.
هذا ولقد قسم العلامة المحدث ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ الجهاد إلى ثلاثة عشر قسماً :
أولاً: جهاد النفس وينقسم إلى أربع مراتب :
(1) أن يجاهدها على تَعَلُّم الهُدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها عِلمُه شقيت في الدارين .
(2) أن يجاهدها على العمل به بعد علمه ، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها .
ـــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان ، ذكر إيجاب الجنة للمهاجر والغازي ، حديث رقم: 4503 واللفظ له ، وأخرجه أحمد والنسائي.
29
(4) أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهُدى والبينات ولا ينفعه علمُهُ ولا يُنجيه من عذاب الله .
(5) أن يُجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله .
ثانياً : جهاد الشيطان فمرتبتان :
(1) جهاده على دفع ما يُلقي إلى العبد من الشُبهات والشكوك القادحة في الإيمان .
(2) جهاده على دفع ما يُلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر قال تعالى : ????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????(1) فأخبر أن إمامة الدين إنما تُنال بالصبر واليقين فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة واليقين يدفع الشكوك والشبهات .
ثالثاُ : جهاد الكفار والمنافقين :
وهو أربع مراتب : بالقلب واللسان والنفس وجهاد الكفار أُخص باليد وجهاد المنافقين أُخص باللسان.
رابعاً : جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات :(1/30)
وهو ثلاث مراتب : الأولى باليد إذا قدر فإن عجز ، انتقل إلى اللسان فإن عجز جاهد بقلبه .
فهذه ثلاثة عشر مرتبة للجهاد (2) .
ومما يبينه الحديث هو أن الشيطان يبذل قصارى جهده لكي يمنع المسلم ويصده عن الجهاد بالنفس والمال ، فلا يمنع فرض الجهاد إلا شيطان.
- - -
ـــــــــــ
(1) سورة السجدة آية (24)
(2) زاد المعاد في هدي خير العباد ، ج3 ص9 : 11 مؤسسة الرسالة الطبعة السادسة والعشرون 1412 هـ ، 1992م
30
الحديث الخامس عشر
الهجرة و الجهاد وجهان لعملة واحدة
- عن أبي الخير أن جنادة بن أبي أمية حدَّثه «أن رجالاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بعضهم: إن الهجرة قد انقطعت، فاختلفوا في ذلك ، قال: فانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إن أناساً يقولون إن الهجرة قد انقطعت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد».(1)
أضواء على الحديث :
لا يتم الجهاد إلا بهجرة ولا الهجرة والجهاد إلا بالإيمان قال تعالى :
????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????(2)?وبيَّنَّ الحديث أن الهجرة لا تنقطع مادام هناك جهاد وأصل الهجرة:
الهِجْرة لغةً: الهِجْرَةَ والهُجْرةُ بضم الهاء : الخروج من أرض إلى أرض والمهاجرون: الذين ذهبوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصل المُهاجرة عند العرب : خروج البدوي من باديته إلى المُدن وسمي المهاجرون مُهاجرين لأنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نشأوا بها لله ولحقوا بدار ليس لهم بها أهل ولا مال حين هاجروا إلى المدينة فكل من فارق بلده من بدوي أو حضري أو سكن بلداً آخر فهو مُهاجرٌ.(3)(1/31)
كذلك الجهاد هو خروج من أرض إلى أرض فهو هجرة ويترك فيه المجاهد مسكنه وماله وعرضه .والجهاد لم ولن ينقطع في الأمة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يَزالُ طائِفَةٌ مِنْ أُمَّتي ظاهِرينَ علَى الْحَقِّ حَتّى تَقومَ السّاعَةُ» . (4)
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في المسند حديث جنادة بن أمية ، حديث رقم: 16284 ، ورجاله رجال الصحيح.
(2) سورة البقرة آية (218)
(3) لسان العرب لابن منظور
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك ، عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ،باب لا يزال الدين قائماً يقاتل عليه المسلمون ، حديث رقم: 8440.
31
الحديث السادس عشر
لغدوة أو روحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس
- عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: « لَقابُ قَوسٍ في الجنة خيرٌ مما تطلُعَ عليهِ الشمسُ وتغربُ. وقال: لغَدوةٌ أو رَوحة في سبيلِ الله خير مما تطلُعُ عليهِ الشمسُ وتغربُ». (1)
عن أنسِ بنِ مالكٍ - رضي الله عنه - عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: « لغَدْوةٌ في سبيلِ الله أو رَوحةٌ خيرٌ منَ الدُّنيا وما فيها» (2)
أضواء على الحديث :
قوله - صلى الله عليه وسلم - : « لقاب قوس أحدكم» أي قدره ، وقيل: القاب ما بين مقبض القوس وسيته، وقيل: ما بين الوتر والقوس، وقيل: المراد بالقوس هنا الذراع الذي يقاس به، وكأن المعنى بيان فضل قدر الذراع من الجنة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لغَدوةٌ أو رَوحة » والغدوة بالفتح المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه ، والروحة المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها.
قوله: «في سبيل الله» أي الجهاد. (3)(1/32)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب»، وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - إنما هو على ما استقر في النفوس من تعظيم ملك الدنيا، وأما التحقيق: فلا تدخل الجنة مع الدنيا تحت أفعل . فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة. وقد يكون المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا ، مما تطلع عليه الشمس وتغرب حتى لو أنفقها كلها في طاعة الله تعالى.
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري كتاب الجهاد ، باب الغدوة أو الروحة في سبيل الله ، حديث رقم :2733.
(2) أخرجه البخاري كتاب الجهاد ، باب الغدوة أو الروحة في سبيل الله ، حديث رقم :2732.
(3) فتح الباري ، كتاب الجهاد والسير ، ج6 ص17.
32
الحديث السابع عشر
كيف سيلقى من لم يجاهد الله ـ عز وجل ؟
- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ لَقِيَ الله بِغَيْرِ أَثَرٍ مِنَ الْجِهَادِ لَقِيَهُ وَفيهِ ثِلْمَةٌ» . (1)
أضواء على الحديث :
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ لَقِيَ الله » أي من لقي الله يوم القيامة ، وقوله ?: «بِغَيْرِ أَثَرٍ مِنَ الْجِهَادِ » الأَثر، بالتحريك: بقي من رسم الشيء. والتأْثير: إِبْقَاءُ الأَثر في الشيء. و أَثَّرَ في الشيء: ترك فيه أَثراً. والآثارُ: الأَعْلام وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لَقِيَهُ وَفيهِ ثِلْمَةٌ» تَثَلّم: كسر حَرْفَه. قال ابن السكيت: يقال في الإِناء ثَلْم إِذا انكسر من شَفَتِهِ شيء، وفي السيف ثَلْم. و الثُّلْمة: الموضع الذي قد انْثَلم، وجمعها ثُلَم، وقد انْثَلَم الحائط و تَثَلَّم. (2) وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «نَهى عن الشُّرب من ثُلْمة القَدح» أي مَوْضع الكَسْر منه. (3)
- - -
ـــــــــــــــــــ
((1/33)
1) أخرجه الحاكم في المستدرك باب من لقي الله بغير أثر من جهاد، حديث رقم: 2461، وقال : هذا حديث كبير في الباب غير أن الشيخين لم يحتجا بإسماعيل بن رافع، واخرجه الترمذي،باب في ثواب الشهيد، حديث رقم 1667، وقال أبو عيسى هذا حديثٌ غريبٌ مِنْ حديثِ الوَلِيدِ بن مُسْلِمٍ عن إسماعيلَ بنِ رَافِعٍ. وإسماعيلُ بنُ رَافِعٍ قد ضَعَّفَه وقد رُوِيَ هذا الحديثُ مِنْ غَيْرِ هذا الوجْهِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وحديثُ سَلْمَانَ إسْنَادُهُ لَيْس بِمُتَّصِلٍ. محمدُ بنُ المُنْكَدِرِ لَمْ يُدْرِكْ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ. وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن أيُّوبَ بنِ مُوسَى عن مَكْحُولٍ عن شُرَحْبِيلَ بنِ السِّمْطِ عن سَلْمَانَ عنِ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخرجه ابن ماجه ، باب التغليظ في ترك الجهاد ، حديث رقم: 2834.
(2) لسان العرب لابن منظور.
(3) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير.
33
الحديث الثامن عشر
الذين يثبتون عند لقاء العدو في الصف الأول هم أفضل المجاهدين عند الله ـ عز وجل
- وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أَفْضَلُ الجِهَادِ عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ الذينَ يُلْتَقَوْنَ في الصَّفِّ أَلاوَّلِ فَلا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا، أُوْلَئِكَ يَتَلَبَّطُوْنَ في الغُرَفِ العُلى مِنَ الجَنَّةِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ إذا ضَحِكَ إلى قَوْمٍ فَلا حِسَابَ عَلَيْهِمْ». (1)
أضواء على الحديث :(1/34)
هذا الحديث وغيره يوضح فضلاً للمجاهدين الذين يثبتون ولا يفرون عند لقاء العدو فهم يتلبطون ، و تَلَبَّطَ أَي اضْطَجَعَ وتَمَرَّغَ. و التَّلَبُّط: التَّمرُّغُ. ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - « أُولئك يَتَلَبَّطُون في الغُرَفِ العُلى مِنَ الجَنَّةِ» أَي يَتَمَرَّغُون ويَضْطَجِعُون ، ويقال: فلان يَتَلَبَّطُ في النَّعيم أَي يتمرَّغُ فيه. (2)
- - -
ــــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد للهيثمي ، باب ما جاء في الشهادة وفضلها ، حديث رقم: 4159، وقال : رواه الطبراني في الأوسط، من طريق عنبسة بن سعيد بن أبان، وثقه الدارقطني كما نقل الذهبي، ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(2) لسان العرب لابن منظور.
34
الحديث التاسع عشر
النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف
- عن أبي مسعودٍ ? قال : جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ، فَقَالَ: هذِه في سَبِيل اللهِ، فَقَالَ رسولُ اللهِ ?: « لَك بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ سَبْعُ مِئَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ». (1)
أضواء على الحديث :
كل نفقة فيها الحسنة بعشر أمثالها إلا النفقة في سبيل الله ، قال تعالى :
? ????????? ?????????? ???????????? ?????????????? ? ????????? ?????? ???????? ???????? ????????????? ?????? ????????? ? ????? ??????????? ???????????? ????????? ??????????? ??????????? ????? ???????????? ??????????? ??????? ??????? ????? ?. (2)
ناقة مخطومة : والخَطْمُ من كل دابة: مُقَدَّمُ أَنفها وفمها نحو الكلب والبعير، والخِطامُ كل حبل يُعَلَّقُ في حَلْقِ البعير ثم يُعْقَدُ على أَنفه وناقة مَخْطُومةٌ، ونوق مُخَطَّمةٌ: شُدِّدَ للكثرة. (3)
VVV
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه ، حديث رقم :4559.
(2) [ سورة البقرة:الآية 261]
(3) لسان العرب لابن منظور.
35
الحديث العشرون
ارجع فلن أستعين بمشرك(1/35)
- عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ ، النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ : خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ بَدْرٍ. فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ. قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ. فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَأَوْهُ . فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : جِئْتُ لأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ. قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :« تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟ » قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَارْجِعْ. فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ». قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى. حَتَّى إذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ. فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ. قَالَ: «فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ». قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَه بِالْبَيْدَاءِ. فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ «تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : «فَانْطَلِقْ». (1)
أضواء على الحديث :
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في شرحه لصحيح مسلم:(1/36)
قوله: « عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ ، النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ بَدْرٍ. فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ » هكذا ضبطناه بفتح الباء وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم، قال : وضبطه بعضهم بإسكانها وهو موضع على نحو من أربعة أميال من المدينة . قوله - صلى الله عليه وسلم - : «فارجع فلن أستعين بمشرك» وقد جاء في الحديث الآخر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه» فأخذ طائفة من العلماء بالحديث الأول على إطلاقه، وقال الشافعي وآخرون : إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين ودعت الحاجة إلى الاستعانة به استعين به وإلا فيكره، وحمل الحديثين على هذين الحالين.
ــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير ، باب كراهة الاستعانة بغير المسلمين في الغزو ، حديث رقم:4656.
36
وإذا حضر الكافر بالإذن رُضِخ له ـ أي أُعطي القليل من العطية ـ ولا يسهم له، هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والجمهور، وقال الزهري والأوزاعي: يسهم له والله أعلم . قول عائشة ـ رضي الله عنها: « ثُمَّ مَضَى حَتَّى إذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ». هكذا هو في النسخ حتى إذا كنا فيحتمل أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت مع المودعين فرأت ذلك، ويحتمل أنها أرادت بقولها كنا كان المسلمون والله أعلم. (1)
وقال صاحب المهذب ، أبو إسحاق الشيرازي :(1/37)
وإذا أراد الخروج ـ أي للغزو ـ عرض الجيش ولا يأذن لمخذل ولا لمن يعاون الكفار بالمكاتبة لقوله ـ عز وجل : لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة قيل فى التفسير لأوقعوا بينكم الاختلاف وقيل لأشرعوا فى تفريق جمعكم ولأن فى حضورهم إضراراً بالمسلمين ولا نستعين بالكفار من غير حاجة لما روت عائشة ـ رضى الله عنها ـ أن رسول الله ? خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين فقال له تؤمن بالله ورسوله قال : لا قال: «فارجع فلن أستعين بمشرك» فإن احتاج أن يستعين بهم فإن لم يكن من يستعين به حسن الرأي فى المسلمين لم نستعن به لأن ما يُخَاف من الضرر بحضورهم أكثر مما يرجى من المنفعة ، وإن كان حسن الرأي فى المسلمين جاز أن نستعين بهم لأن صفوان بن أمية شهد مع رسول الله ? فى شِرْكِه حرب هوازن وسمع رجلاً يقول : غلبت هوزان وقتل محمد فقال : بفيك الحجر لرب من قريش أحب إلى من رب من هوزان ، وإن احتاج إلى أن يستأجرهم جاز لأنه لا يقع الجهاد له وفى القدر الذى يستأجر به وجهان أحدهما لا يجوز له أن تبلغ الأجرة سهم راجل لأنه ليس من أهل فرض الجهاد فلا يبلغ حقه سهم راجل كالصبى والمرأة والثانى وهو المذهب أنه يجوز لأنه عوض فى الإجارة فجاز أن يبلغ قدر سهم الراجل كالأجرة فى سائر الإجارات . (2)
ـــــــــــــــــ
(1) شرح النووي لصحيح مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب :كراهة الاستعانة في الغزو بكافر، ج12 ص155.
(2) المهذب ج: 2 ص: 230 ، لإبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ، أبو إسحاق ، دار الفكر بيروت.
37
وقال الحافظ بن حجر ـ رحمه الله ـ في الفتح :(1/38)
قوله: ـ البخاري ـ باب : إنَّ الله يُؤَيدُ الدينَ بالرَّجلِ الفاجر ، ذكر فيه حديث أبي هريرة ? في قصة الرجل الذي قاتل وقال النبي ? «إنه من أهل النار» وظهر بعد ذلك أنه قتل نفسه ، وقال المهلب وغيره: لا يعارض هذا قوله ?: «لا نستعين بمشرك» لأنه إما خاص بذلك الوقت، وإما أن يكون المراد به الفاجر غير المشرك. قلت: الحديث أخرجه مسلم، وأجاب عنه الشافعي بالأول، وحجة النسخ شهود صفوان بن أمية حنيناً مع النبي ? وهو مشرك وقصته مشهورة في المغازي، وأجاب غيره في الجمع بينهما بأوجه غير هذه منها أنه ? تفرس في الذي قال له «لا أستعين بمشرك» الرغبة في الإسلام فرده رجاء أن يسلم فصدق ظنه، ومنها أن الأمر فيه إلى رأي الإمام، وفي كل منهما نظر من جهة أنها نكرة في سياق النفي فيحتاج مدعي التخصيص إلى دليل. وقال الطحاوي: قصة صفوان لا تعارض قوله: «لا أستعين بمشرك» لأن صفوان خرج مع النبي ? باختياره لا بأمر النبي ? له بذلك، قلت: وهي تفرقة لا دليل عليها ولا أثر لها، وبيان ذلك أن المخالف لا يقول به مع الإكراه ، وأما الأمر فالتقرير يقوم مقامه. قال ابن المنير: موضع الترجمة من الفقه أن لا يتخيل في الإمام إذا حمى حوزة الإسلام ، وكان غيرعادل أنه يطرح النفع في الدين لفجوره فيجوز الخروج عليه، فأراد أن هذا التخيل مندفع بهذا النص، وأن الله قد يؤيد دينه بالفاجر، وفجوره على نفسه. (1)
وقال منصور بن يونس :
ويحرم أن يستعين بكفار لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ? خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين فقال له تؤمن بالله ورسوله قال لا قال فارجع فلن أستعين بمشرك متفق عليه ولأن الكافر لا يؤمن مكره وغائلته لخبث طويته ، والحرب تقتضي المناصحة والكافر ليس من أهلها إلا لضرورة لحديث الزهري أن النبي ? استعان بناس من المشركين في حربه رواه سعيد وروى
ــــــــــــــــــ
((1/39)
1) فتح الباري كتاب الجهاد والسير ،باب إنَّ الله يُؤَيدُ الدينَ بالرَّجلِ الفاجر ،ج6 ص5.
38
أيضا أن صفوان بن أمية شهد حنيناً مع النبي ? وبهذا حصل التوفيق بين الأدلة والضرورة مثل كون الكفار أكثر عدداً أو يخاف منهم وحيث جاز اشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين فإن كان غير مأمون عليهم لم يجز كالمرجف وأولى ، و يحرم أن يعينهم المسلم على عدوهم إلا خوفاً من شرهم لقوله تعالى : لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ومن تولى منهم أي من الكفار ديواناً للمسلمين انتقض عهده إن كان ويحرم أن يستعين مسلم بأهل الأهواء كالرافضة في شيء من أمور المسلمين من غزو وعمالة وكتابة وغير ذلك لأنه أعظم ضرراً لكونهم دعاة بخلاف اليهود والنصارى . (1)
بعد استعراض لأراء بعض من الأئمة في الاستعانة بغير المسلم في الغزو :
قلت وبالله التوفيق :
بالنظر إلى الموقفين ، موقف هذا الرجل الذي أتى إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وصفوان بن أمية - رضي الله عنه - ، نجد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد توسم في الاثنين الإسلام فاستعان بصفوان رجاء إسلامه ولم يستعن بهذا الرجل رجاء إسلامه أيضاً وهذا ما حدث للرجلين.
وليس الغرض من استعانته بصفوان هو تقوية شكيمة المسلمين فلقد كان المسلمين بعد فتح مكة هم الأكثر عدداً وعدة وقوة. وإنما كان ذلك في بداية الإسلام ولكي يؤلف الرسول - صلى الله عليه وسلم - قلوب هؤلاء على الإسلام ، بالإضافة إلى أن الاثنين هما اللذان عرضا على الرسول المساعدة ، ولقد تم نسخ ذلك بالأحاديث الصحيحة: فلا يجوز الاستعانة بالمشركين أو اليهود أو النصارى وهو الذي أمر بإخراجهم والله أعلم.(1/40)
فعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ـ رضي الله عنهما ـ يَقُولُ : أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، حَتَّى لاَ أدع إِلاَّ مُسْلِماً». (2)
وعن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما : « أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أوْصَى بِثَلاَثَةٍ فَقالَ: أخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِن جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوٍ ممَا كُنْتُ أجِيزُهُمْ». (3)
ــــــــــــــــ
(1) كشاف القناع ج: 3 ص: 63.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه ، حديث رقم :4548، باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب .
(3) أخرجه ابو داود في سننه واللفظ له ، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب ، حديث رقم 3031، ومن جزء من حديث طويل متفق عليه ، اللؤلؤ والمرجان ،باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه ، أخرجه البخاري في: 56 كتاب الجهاد: 176 باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ، باب مرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ووفاته، وأخرجه أحمد في المسند ، في مسند عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما .
39
الحديث الثالث والعشرون
من آداب الغزو
- عن حُميدٍ قال: سمعتُ أنساً - رضي الله عنه - يقول: «كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا قوماً لم يُغِرْ حتّى يُصبحَ، فإن سمعَ أذاناً أمْسك ، وإن لم يَسمَعْ أذاناً أغارَ بعدَ ما يُصبح. فَنزَلْنا خَيبرَ ليلاً». (1)
أضواء على الحديث :
قوله:«لم يُغِرْ»، بضم الياء: من الإغارة وذلك لأنه إذا لم يعلم حال القوم هل بلغتهم الدعوة أم لا فينتظر بهم الصباح ليستبين حالهم بالأذان وغيره من شعائر الإسلام.(1)(1/41)
قال القاضي: أي كان يتثبت فيه ويحتاط في الاغارة حذراً عن أن يكون فيهم مؤمن فيغير عليه غافلاً عنه جاهلاً بحاله. قال الخطابي: فيه بيان أن الأذان شعار لدين الاسلام لا يجوز تركه، فلو أن أهل بلد أجمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه(1) . قوله: «ليلاً» نصب على الظرف أي: في الليل.
- - -
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه ، باب دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم إلى ..، حديث رقم: 2876.
(2) عمدة القاري باب دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الإسلام ج14 ص210.
(3) تحفة الأحوذي للمباركفوري ، أبواب السير عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ج5 ص192.
40
الحديث الثاني والعشرون
الرسول ينهى عن قتل النساء والصبيان
- عن نافعٍ أن عبدَ الله ? أخبرَهُ «أنَّ امرأةً وُجِدَت في بعضِ مَغازي النبيِّ ? مقتولةً، فأنكرَ رسولُ الله ? قتلَ النساءِ والصبيان». (1)
أضواء على الحديث :
قال النووي ـ رحمه الله : أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء: يقتلون. وأما شيوخ الكفار فإن كان فيهم رأي قتلوا ، وفي الرهبان خلاف قال مالك وأبو حنيفة: لا يقتلون والأصح في مذهب الشافعي قتلهم. (1)
- - -
ـــــــــــــــــــــ
(1) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان كتاب الجهاد والسير ، باب تحريم قتل النساء والصبيان ،أخرجه البخاري كتاب الجهاد باب : قتل الصبيان في الحرب ، حديث رقم : 2947.
(2) شرح صحيح مسلم للنووي ، كتاب الجهاد والسير ، باب تحريم قتل النساء والصبيان في القتال .
41
الحديث الثالث والعشرون
من وصايا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمجاهدين(1/42)
- عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ ? قَالَ كَانَ رَسُولُ الله ? إذَا أَمَّرَ أَميراً عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَريَّةٍ أَوْصَاه في خَاصَّتِهِ بتَقْوَى الله وَمَنْ مَعَهُ منَ الْمُسْلِمينَ خَيْراً ثُمَّ قَالَ اغْزُوا بِاْسمِ الله فِي سَبيلِ الله قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً وَإذا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكينَ فادْعُهُمْ إلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ «أَوْ خِلاَلٍ» فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجابُوكَ فَاقْبَل مِنهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذلِكَ فَلَهُمْ مَا للْمُهَاجِرينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإنْ أَبَوْا أَن يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَبِ الْمُسْلِمِينَ يَجْري عَلَيْهِمْ حُكْمُ الله الَّذِي يجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنينَ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ فَإنْ هُمْ أَجَابُوكَ فاقْبَلْ منْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإنْ هُم أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِالله وَقَاتِلْهُمْ وَإذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ وأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّة الله وَذمّة نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ الله وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإنَّكُمْ أَن تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُحُفِرُوا ذِمَّةَ الله وَذِمَّةَ رَسُولِهِ وَإذَا حَاصَرْتَ أهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ الله فَلاَ تَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ الله وَلكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى(1/43)
حُكْمِكَ فَإنَّكَ لاَ تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ الله فِيهمْ أَمْ لاَ » (1)
أضواء على الحديث :
قوله: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: «اغْزُوا بِاْسمِ الله فِي سَبيلِ الله قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً » أما
ـــــــــــ
(1) أخرجه مسلم باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها ، حديث رقم: 4476.
42(1/44)
السرية فهي قطعة من الجيش تخرج منه تغير وترجع إليه، قال إبراهيم الحربي: هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها، قالوا:سميت سرية لأنها تسري في الليل ويخفي ذهابها وهي فعيلة بمعنى فاعلة، يقال سرى وأسرى إذا ذهب ليلاً. قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ولا تغدروا» بكسر الدال والوليد الصبي، وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها وهي تحريم الغدر وتحريم الغلول وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا وكراهة المثلة، واستحباب وصية الإمام أمراءه وجيوشه بتقوى الله تعالى والرفق باتباعهم، وتعريفهم ما يحتاجون في غزوهم وما يجب عليهم وما يحل لهم وما يحرم عليهم وما يكره وما يستحب. قوله - صلى الله عليه وسلم - :«وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيّهن ما أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم» قوله:«ثم دعهم إلى الإسلام » هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم ثم ادعهم ، قال القاضي عياض ـ رحمه الله : صواب الرواية ادعهم بإسقاط ثم، وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد وفي سنن أبي داود وغيرهما لأنه تفسير للخصال الثلاث وليست غيرها. وقال المازري: ليست ثم هنا زائدة بل دخلت لاستفتاح الكلام والأخذ.(1/45)
قوله - صلى الله عليه وسلم - :«ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين» معنى هذا الحديث أنهم إذا أسلموا استحب لهم أن يهاجروا إلى المدينة، فإن فعلوا ذلك كانوا كالمهاجرين قبلهم في استحقاق الفيء والغنيمة وغير ذلك، وإلا فهم أعراب كسائر أعراب المسلمين الساكنين في البادية من غير هجرة ولا غزو فتجري عليهم أحكام الإسلام، ولا حق لهم في الغنيمة والفيء، وإنما يكون لهم نصيب من الزكاة إن كانوا بصفة استحقاقها. قال الشافعي: الصدقات للمساكين ونحوهم ممن لا حق له في الفيء والفيء للأجناد، قال : ولا يعطى أهل الفيء من
43
الصدقات ولا أهل الصدقات من الفيء واحتج بهذا الحديث. وقال مالك وأبو حنيفة: المالان سواء ويجوز صرف كل واحد منهما إلى النوعين. وقال أبو عبيد: هذا الحديث منسوخ قال: وإنما كان هذا الحكم في أول الإسلام لمن لم يهاجر ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: ? ???????????? ????????????? ??????????? ????????? ???????? ? (1) وهذا الذي ادعاه أبو عبيد لا يسلم له.(1/46)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم» هذا مما يستدل به مالك والأوزاعي وموافقوهما في جواز أخذ الجزية من كل كافر عربياً كان أو عجمياً كتابياً أو مجوسياً أو غيرهما. وقال أبو حنيفة ـ رحمه الله : تؤخذ الجزية من جميع الكفار إلا مشركي العرب ومجوسهم. وقال الشافعي ـ رحمه الله : لا يقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس عرباً كانوا أو عجماً، ويحتج بمفهوم آية الجزية وبحديث: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ويتأول هذا الحديث، على أن المراد بأخذ الجزية أهل الكتاب لأن اسم المشرك يطلق على أهل الكتاب وغيرهم وكان تخصيصهم معلوماً عند الصحابة.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - » قال العلماء: الذمة هنا العهد، وتُخفروا بضم التاء أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته أمنته وحميته، قالوا: وهذا نهي تنزيه أي لا تجعل لهم ذمة الله فإنه قد ينقضها من لا يعرف حقها وينتهك حرمتها بعض الأعراب.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» هذا النهي أيضاً على التنزيه والاحتياط، وفيه حجة لمن يقول ليس كل مجتهد مصيباً بل المصيب واحد وهو الموافق لحكم الله تعالى في نفس الأمر، وقد يجيب عنه القائلون بأن كل مجتهد مصيب بأن المراد أنك لا تأمن أن ينزل على وحي بخلاف ما حكمت، وهذا المعنى منتف بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - . (2)
ـــــــــــــــــ
(1) [ سورة الأنفال:من الآية 75]
((1/47)
2) شرح النووي لصحيح مسلم ، باب : تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها ج12 ص31.
44
الحديث الرابع والعشرون
جواز الخداع في الحرب
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ». (1)
أضواء على الحديث :
قوله ?: «الحرب خدعة» فيها ثلاث لغات مشهورات اتفقوا على أن أفصحهن خَدْعَة بفتح الخاء وإسكان الدال، قال ثعلب وغيره: وهي لغة النبي ?. والثانية بضم الخاء وإسكان الدال والثالثة بضم الخاء وفتح الدال. واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب وكيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل، وقد صح في الحديث جواز الكذب في ثلاثة أشياء: أحدها في الحرب قال الطبري إنما يجوز من الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب فإنه لا يحل، هذا كلامه، والظاهر إباحة حقيقة نفس الكذب لكن الاقتصار على التعريض أفضل والله أعلم. (1)
- - -
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في صحيحه ، باب : جواز الخداع في الحرب حديث رقم: 4494، وعن جابر باب : جواز الخداع في الحرب حديث رقم: 4439.
(2) شرح النووي لصحيح مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب : جواز الخداع في الحرب ، ج12 ص38.
45
الحديث الخامس والعشرون
من دعاء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المشركين
- عن عبْدَ الله بنَ أبِي أوْفَى ـ رضي الله تعالى عنهما ـ يَقولُ دعَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأحْزَابِ علَى المُشْرِكِينَ فقال اللَّهُمّ مُنْزِلَ الكِتَابِ سَرِيعَ الحِسَابِ اللَّهُمَّ اهْزِم الأحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وزَلْزِلْهُمْ » . (1)
أضواء على الحديث :(1/48)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «اللهم»، يعني: يا الله يا منزل الكتاب، أي: القرآن. قوله: «سريع الحساب» يعني: يا سريع الحساب، إما أن يراد به أنه سريع حسابه بمجيء وقته، وإما أنه سريع في الحساب. قوله: «إهزمهم»، أي: إكسرهم وبدد شملهم، ويقال: قوله: إهزمهم وزلزلهم دعاء عليهم أن لا يسكنوا ولا يستقروا ولا يأخذهم قرار، وقال الداودي: أراد أن تطيش عقولهم وترعد أقدامهم عند اللقاء، فلا يثبتون.
والزلزلة من زلزلت الشيء إذا حركته تحريكاً شديداً، ومنه: زلزلة الأرض، وهي اضطرابها. (2)
r r r
ــــــــــــــــــ
(1) متفق عليه ، أخرجه البخاري كتاب الجهاد ، باب : الدعاء على المشركين بالهزيمة ، حديث رقم 3392. أخرجه مسلم كتاب الجهاد والسير ، باب : استحباب الدعاء بالنصر ، حديث رقم: 4479.
(2) عمدة القاري ، كتاب الجهاد والسير باب الدعاء على المشركين ، ج14 ص203.
46
الحديث السادس والعشرون
دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند اللقاء
- عن أنَسِ بنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قالَ : « كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا غَزَا قالَ اللَّهُمَّ أنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِكَ أحُول وَبِكَ أصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ» (1)
أضواء على الحديث :
قوله ? : « اللهم أنت عضدي »: بفتح مهملة وضم معجمة أي معتمدي فلا أعتمد على غيرك. وقال في القاموس: العضد بالفتح وبالضم وبالكسر وككتف وعنق ما بين المرفق إلى الكتف. والعضد الناصر والمعين، وهم عضدي وأعضادي قوله ? : « ونصيري»: أي معيني عطف تفسيري قوله ? : « بك أحول»: أي أصرف كيد العدو وأحتال لدفع مكرهم، من حال يحول حيلة وأصله حولة. قاله القاري : قوله ? : « وبك أصول» : أي أحمل على العدو حتى أغلبه وأستأصله، ومنه الصولة بمعنى الحملة: « وبك أقاتل»: أي أعداءك. (2)
???
ــــــــــــــــــــ
((1/49)
1) أخرجه أبو داود ، كتاب الجهاد ، باب : ما يُدعى عند اللقاء ، حديث رقم: 2633 ، وأخرجه الترمذي والنسائي. وقال الترمذي: حديث حسن غريب .
(2) عون المعبود ، كتاب الجهاد ، باب ما يدعي عند اللقاء ، ج7 ص295.
47
الحديث السابع والعشرون
دعاء الرجوع من الغزو
- عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ـ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ?، إِذَا قَفَلَ مِنْ الْجُيُوشِ أَوِ السَّرَايا أَوِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، إِذَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ، كَبَّرَ ثَلاَثاً. ثُمَّ قَالَ: «لاَ إِله إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. آيِبُونَ تَائبُون عَابِدُونَ سَاجِدُونَ. لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ. وَنَصَرَ عَبْدَهُ. وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ». (1)
أضواء على الحديث :
قوله: «قفل من الجيوش» أي رجع من الغزو. وقوله: «إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر» معنى أو في ارتفع وعلا، والفَدْفَد بفائين مفتوحتين بينهما دال مهملة ساكنة وهو الموضع الذي فيه غلظ وارتفاع، وقيل هو الفلاة التي لا شيء فيها، وقيل غليظ الأرض ذات الحصى، وقيل الجلد من الأرض في ارتفاع وجمعه فدافد. قوله - صلى الله عليه وسلم - : «آيبون» أي راجعون. قوله - صلى الله عليه وسلم - : «صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده» أي صدق وعده في إظهار الدين وكون العاقبة للمتقين، وغير ذلك من وعده سبحانه {إن الله لا يخلف الميعاد} ، و{هزم الأحزاب وحده} أي من غير قتال من الآدميين، والمراد الأحزاب الذين اجتمعوا يوم الخندق وتحزبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل الله عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وبهذا يرتبط قوله - صلى الله عليه وسلم - : «صدق الله تكذيباً لقول المنافقين والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله(1/50)
ريحاً وجنوداً لم تروها وبهذا يرتبط قوله - صلى الله عليه وسلم - : «صدق الله تكذيباً لقول المنافقين والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً» هذا هو المشهور أن المراد أحزاب يوم الخندق، قال القاضي وقيل: يحتمل أن المراد أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن والله أعلم. (2)
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في صحيحه ، باب ما يقول إذا قفل من سفر ، حديث رقم: 3232.
(2) شرح النووي لصحيح مسلم ، كتاب الحج ، باب : ما يقال إذا رجع من سفر الحج وغيره ، ج9 ص95.
48
الحديث الثامن والعشرون
من أوقات إجابة الدعاء عند البأس
- عن مُوسَى بنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ عن أبي حَازِمٍ عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ ? قال قال رَسُولُ الله ?: «ثِنْتَانِ لا تُرَدَّانِ أوْ قَلَّ مَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النّداء ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحَمُ بَعْضُهُ بَعْضاً» . (1)
وقال مُوسَى وَحَدَّثني رِزْقُ بنُ سَعِيدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عن أبي حَازِمٍ عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ عن النَّبيِّ ?: «وَتَحْتَ المَطَرِ» .
أضواء على الحديث :
« ثنتان»: أي دعوتان ثنتان «لا تردان»: بصيغة المجهول «عند النداء»: أي الأذان«وعند البأس»: بهمزة بعد الموحدة أي القتال « حين يلحم بعضهم بعضاً»: قال في مرقاة الصعود: بالحاء المهملة المكسورة وأوله مضموم انتهى. والمعنى حين يشتبك الحرب بينهم ويقتل بعضهم بعضاً.
«وتحت المطر»: أي ودعاء من دعا تحت المطر، أي وهو نازل عليه لأنه وقت نزول الرحمة.(1/51)
وقال أبو داود السجستاني: والبأس بالهمز الشدة في الحرب، والنداء ممدود وهو الأذان بالصلاة، وقوله يلحم بعضهم بعضاً بفتح الياء وسكون اللام وفتح الحاء المهملة أي يشتبك الحرب بينهم ويلزم بعضهم بعضاً. يقال: لحمت الرجل إذا قتلته، ويقال ألحمه القتال ولحمه إذا غشيه ، وكذا إذا نشب فيه فلم يبرح والملحمة الحرب وموضع القتال مأخوذ من اشتباك الناس واختلافهم كاشتباك لحمة الثوب بالسدا وقيل مأخوذ لكثرة القتل فيها. (2)
ـــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود باب: الدعاء عند اللقاء ، حديث رقم: 2541، وأخرجه ابن خزيمة وليس فيه وتحت المطر ، والنسائي ، والحاكم وصححه .
(2) عون المعبود ، كتاب الجهاد ، باب الدعاء عند اللقاء، ج7 ص214.
49
الحديث التاسع والعشرون
الدعاء عند اللقاء
- عن أبي بُردة أن عبدَ اللَّهِ بن قَيْسٍ حدّثه أن النبيَّ ? كان إذا أصابَ قَوْماً قال: «اللَّهمَّ إنا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ».(1)
أضواء على الحديث :
قوله ?«اللَّهمَّ إنا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ»: يقال جعلت فلاناً في نحر العدو أي قبالته وحذاءه ليقاتل منك ويحول بينك وبينه، وخص النحر بالذكر لأن العدو به يستقبل عند المناهضة للقتال. والمعنى نسألك أن تصد صدورهم وتدفع شرورهم وتكفينا أمورهم وتحول بيننا وبينهم. (2)
- - -
ـــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان ذكر ما يستعين المرء به ربه رقم الحديث 4675 ، وأخرجه أبُو دَاوُدَ بإسناد صحيح، وأخرجه الحاكم في المستدرك باب : دعاؤه إذا خاف قوماً برقم : 2670 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وأكبر ظني أنهما لم يخرجاه، وأخرجه أحمد من حديث أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ برقم: 19374، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى ، باب : ما يقال إذا خاف قوماً برقم 10338، باب : الدعاء عند اللقاء وبرقم : 8537.
((1/52)
2) عون المعبود في شرح سنن أبي داود ، كتاب الوتر ، اب ما يقول الرجل إذا خاف ، ج4 ص395.
50
الحديث الثلاثون
تفتح أبواب السماء عند الصف في سبيل الله
- عن سَهْلِ بنِ سَعدٍ ? قال: قال رَسُولُ اللهِ? : «سَاعَتَانِ لا تُرَدُّ عَلَى دَاعٍ دَعْوَتُهُ، حِينَ تُقَامُ الصَّلاة ، وَفِي الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللهِ».(1)
وفي رواية عنه ، قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ? : «سَاعَتَانِ تُفْتَحُ فِيهِما أَبْوَابُ السَّماءِ: عِنْدَ حُضُورِ الصَّلاةِ، وَعِنْدَ الصَّفِّ في سبيل اللهِ». (2)
أضواء على الحديث :
بين الحديث أنه من أوقات إجابة الدعاء هو وقت الصف في سبيل الله عند بدء مقاتلة أعداء الله وأعداء رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فعلى المجاهدين أن يتحروا هذه الأوقات وأن يجتهدوا بالدعاء فيها والتوسل إلى الله بأن ينصرهم على عدوهم ، وذلك بعد أن يأخذوا بالأسباب وأن يعدوا لهم قدر استطاعتهم من القوة .
الله الله الله
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه ، ذكر استحباب الاجتهاد في الدعاء ، حديث رقم: 1275.
(2) أخرجه ابن حبان في صحيحه ، حديث رقم: 1198.
51
الحديث الحادي والثلاثون
يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة
- عن خَالِدِ بنِ زَيْدٍ عن عُقْبَة بنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يُدْخِلُ بالسَّهْمِ الوَاحِدِ ثَلاَثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صُنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالرَّامِي بِهِ وَمُنَبِّلَهُ وَارْمُوا وَارْكَبُوا وَإنْ تَرْمُوا أحَبُّ إلَيَّ مِنْ أنْ تَرْكَبُوا لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ إلاَّ ثَلاَثٌ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ وَمُلاَعَبَتُهُ أهْلَهُ وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ. وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ فَإنَّهَا نِعْمَةٌ تَرَكَهَا أوْ قَالَ كَفَرَهَا».(1)(1/53)
أضواء على الحديث :
قوله - صلى الله عليه وسلم - « بالسهم الواحد »: أي بسبب رميه على الكفار. قال في المصباح: السهم واحد من النبل وقيل السهم نفس النصل. وقال النبل : السهام العربية ، وهي مؤنثة ولا واحد لها من لفظها بل الواحد سهم فهي مفردة اللفظ مجموعه المعنى «ثلاثة نفر الجنة»: بالنصب فيهما على المفعولية «صانعه»: بدل بعض من ثلاثة «يحتسب في صنعته الخير»: أي حال كونه يطلب في صنعة السهم الثواب من الله تعالى «والرامي به»: أي كذلك محتسباً ـ والاحتساب هو طلب الأجر من الله ، وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم - «ومُنبِّله»: بتشديد الموحدة ويخفف أي مناول النبل ففي النهاية: نبلت الرجل بالتشديد إذا ناولته النبل ليرمي به، وكذلك أنبلته.
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود باب : في الرمي ، حديث رقم :2514، واللفظ له ، وأخرجه أحمد في المسند ، حديث عقبة بن عامر الجهني برقم: 17008، والنسائي في السنن الكبرى باب تأديب الرجل فرسه ، برقم :4382، وأخرجه الحاكم في المستدرك ، باب : إن الله يُدْخِلُ بالسهم الواحد ثلاثة ، حديث رقم: 2506، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وله شاهد على هذا الاختصار صحيح على شرط مسلم.
52(1/54)
قال الخطابي: وقد يكون ذلك على وجهين أحدهما أن يقوم مع الرامي بجنبه أو خلفه ومعه عدد من النبل فيناوله واحداً بعد واحد، والوجه الآخر أن يرد عليه النبل المرمي به «ليس من اللهو إلا ثلاث»: قال الخطابي: يريد ليس المباح من اللهو إلا ثلاث. قال في مرقاة الصعود: وعلى هذا ففيه حذف اسم ليس ولم يجزه النحاة ولا حذف خبرها والاقتصار على الاسم. وقد روى الترمذي هذا الحديث بلفظ «كل شيء يلهو به الرجل فهو باطل إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته امرأته فإنهن من الحق» وهذه الرواية لا إشكال فيها وبها يعرف أن الأول من تصرف الرواة. وقال معن في التنقيب في شرح اللفظ الأول يعني ليس من اللهو المستحب انتهى «تأديب الرجل فرسه»: أي تعليمه إياه بالركض والجولان على نية الغزو «رغبة عنه»: أي إعراضاً عنه «أو قال كفرها»: شك من الراوي أي ستر تلك النعمة أو ما قام يشكرها من الكفران ضد الشكر. (1)
vvv
ـــــــــــــــــ
(1) عون المعبود كتاب الجهاد ، باب في الرمي، ج7، ص189.
53
الحديث الثاني والثلاثون
لا تزال طائفة من أمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم
- عُميرُ بن هانىء أنه سمعَ معاوية - رضي الله عنه - يقول: «سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يزالُ من أُمَّتي أمةٌ قائمةٌ بأمرِ الله لا يضرُّهم مَن خذَلَهم ولا من خالَفَهم، حتى يأتيَهم أمرُ الله وهم على ذلك». قال عُمَير: فقال مالكُ بنُ يُخامِرَ: قال مُعاذُ: «وهم بالشام»، فقال معاوية - رضي الله عنه - :هذا مالكٌ يزعمُ أنه سمعَ مُعاذاً يقول: «وهم بالشام».(1)(1/55)
- عَنْ ثَوْبَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ. لاَ يَضُرهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ. حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ قُتَيْبَةَ «وَهُمْ كَذَلِك». (2)
- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلى أَبْوَابِ دِمَشْقَ وَمَا حَوْلَهُ، وعَلى أَبْوَابِ بَيْتِ المَقْدِسِ ومَا حَوْلَهُ، لا يَضُرُّهُمْ خُذْلاَنُ مَنْ خَذَلَهُمْ، ظَاهِرِينَ عَلى الحَقِّ إلى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ». (3)
- عن ثَوْبَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئمَّةَ المُضِلِّينَ. قال وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاَ تَزَالُ طَائِفةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله»(4)
ــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه ، باب : سؤال المشركين أن يريهم .. ، حديث رقم : 3561.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه ، باب قوله لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم، حديث رقم: 4906.
(3) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ، باب ما جاء في فضل الشام ، حديث رقم 26661 ، وقال : رواه أبو يعلى ورجاله ثقات، وأخرجه الطبراني عن مرة البهزي ولفظه : لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوأهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، قيل: وأين هم قال: بأكناف بيت المقدس.
(4) أخرجه الترمذي في سننه ، باب : ما جاء في الأئمة المضلين ، حديث رقم: 2265 ، وقال أبو عيسى: هذَا حديثٌ حسن صَحِيحٌ.
54
أضواء على الحديث :(1/56)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» ـ في رواية مسلم ـ الثانية ، وأن المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم - حتى يأتي أمر الله من الريح التي تأتي فتأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة. وأن المراد برواية من روى «حتى تقوم الساعة» أي تقرب الساعة وهو خروج الريح. وأما هذه الطائفة فقال البخاري: هم أهل العلم. وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم. قال القاضي عياض: إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث. قلت: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين: منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض، وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة، فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن ولا يزال حتى يأتي أمر الله المذكور في الحديث. وفيه دليل لكون الإجماع حجة وهو أصح ما استدل به له من الحديث. وأما حديث « لا تجتمع أمتي على ضلالة» فضعيف والله أعلم. قوله - صلى الله عليه وسلم - :« على من ناوأهم » هو بهمزة بعد الواو أي عاداهم وهو مأخوذ من نأى إليهم ونأوا إليه أي نهضوا للقتال.
وقيل في عمدة القاري : ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونوا متفرقين في أقطار الأرض. (1)
ـــــــــــــــ
(1) شرح النووي لصحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، باب : باب قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ، ج13 ص65.
55(1/57)
قال المباركفوري ـ رحمه الله ـ في التحفة : شارحاً رواية الترمذي التي أخرجها في سننه: قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إنما أخاف على أمتي أئمة مضلين» أي داعين إلى البيع والفسق والفجور «على الحق» خبر لقوله لا تزال أي ثابتين على الحق علماً وعملاً «ظاهرين» أي غالبين على الباطل ولو حجة. قال الطيبي: يجوز أن يكون خبر بعد خبر وأن يكون حالاً من ضمير الفاعل ثابتين على الحق في حالة كونهم غالبين على العدو «لا يضرهم من خذلهم» أي لثباتهم على دينهم «حتى يأتي أمر الله» متعلق بقوله لا تزال قال في فتح الودود أي الريح التي يقبض عندها روح كل مؤمن ومؤمنة. (1)
- - -
ـــــــــــــــــ
(1) تحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي ، كتاب الفتن ، باب : باب ما جاء في الأئمة المضلين، ج6ص408.
56
الحديث الثالث والثلاثون
غزو النساء
- عنْ أنَسٍ ? قال لَمَّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عنِ النَّبِيِّ ? قال ولَقَدْ رَأيْتُ عائِشة بِنْتَ أبِي بَكْرٍ وأُمَّ سُلَيْمٍ وإنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أرَى خَدَمَ سُوقِهما تَنْقُزَانِ القِرَبَ وقال غَيْرُه تَنْقُلانِ القِرَبَ علَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ في أفْوَاهِ القَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِها ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتفْرِغَانِهَا فِي أفْوَاهِ القَوْمِ. (1)
أضواء على الحديث :(1/58)
بَوبَ البخاري على غَزْوهُنَّ وقِتَالِهنَّ، وليس في الحديث أنهن قاتلن، فأما أن يريد إن إعانتهن للغزاة غزو، وإما أن يريد أنهن ما ثبتن للمداواة ولسقي الجرحى إلاَّ وهن يدافعن عن أنفسهن. وهو الغالب، فأضاف إليهن القتال لذلك. قيل: كلا الوجهين جيد. ويؤيد الوجه الأول ما رواه أبو داود في سننه من حديث حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه: « أنَّها خَرَجَتْ مَعَ رَسُولِ الله ? في غَزْوَةِ خَيْبَرَ سَادِسَ سِتّ نِسْوَةٍ، فَبَلَغَ رَسُولُ الله ? فَبَعَثَ إلَيْنَا فَجِئْنَا، فَرَأيْنَا فِيهِ الْغَضَبَ، فَقَالَ: مَعَ مَنْ خَرَجْتُنَّ وَبإذْنِ مَنْ خَرَجْتُنَّ، فَقُلْنَا: يَارَسُولَ الله خَرَجْنَا نَغْزِلُ الشَّعْرَ وَنُعِينُ بِهِ في سَبِيلِ الله ، وَمَعَنَا دَوَاءٌ لِلْجَرْحَى وَنُنَاوِلُ السِّهَام وَنَسْقِي السَّوِيقَ، فقال: قُمْنَ. حَتَّى إذَا فَتَحَ الله عَلَيْهِ خَيْبَر أسْهَمَ لَنَا كما أسْهَمَ لِلرِّجَالِ. قال : فَقُلْتُ لَهَا: ياجَدَّةُ وَمَا كَانَ ذلِكَ؟ قالَتْ: تَمْراً». (2)
فهذا فيه: ونناول السهام، يعني للغزاة، والمناول للغازي أجره مثل أجر الغازي ـ كما سبق الكلام في حديث الرمي أن السهم الواحد يدخل الله به ثلاثة الجنة ،كما للمناول السهم للرامي في غير الغزاة، وأجر المناول في الغزاة بطريق الأولى.ويؤيد الوجه الثاني: ما رواه مسلم من حديث أنس ? : أن أم سليم اتخذت خنجراً يوم حنين، فقالت:« اتَّخَذْتُهُ إنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ »،
فهذه أم سليم اتخذت عدة لقتل المشركين وعزمت على ذلك، فصار حكمها حكم الرجال المقاتلين ، وذكر بعضهم حديث أبي داود المذكور وغيره مثله ، ثم قال:
ـــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري ، باب :غزو النساء وقتالهن ، حديث رقم: .882
((1/59)
2) أخرجه أبو داود كتاب الجهاد ، باب : المرأة والعب يحذيان من الغنيمة ، حديث رقم: 2730.وجدة حشرج هي أم زياد الأشجعية ، وإسناد هذا الحديث ضعيف.
57
ولم أر في شيء من ذلك التصريح بأنهن قاتلن. والتلويح يغني عن التصريح فيحصل به المطابقة على الوجه الذي ذكرناه، ثم قال هذا القائل: يحتمل أن يكون غرض البخاري بالترجمة أن يبين أنهن لا يقاتلن وإن خرجن في الغزو فالتقدير بقوله: وقتالهن مع الرجال، أي: هل هو سائغ أو إذا خرجن مع الرجال في الغزو ويقتصرن على ما ذكر من مداواة الجرحى ونحو ذلك. انتهى. قلت: لم يكن غرض البخاري هذا الاحتمال البعيد أصلاً ولا هذا التقدير الذي قدره، لأنه خلاف ما يقتضيه التركيب، فكيف يقول: هل هو سائغ؟ بل هو واجب عليها الدفع إذا دنى منها العدو، وكما في حديث أم سليم فافهم.
«(1/60)
وأم سليم»، هي أم أنس بن مالك. قوله: «المشمرتان»، من التشمير، يقال: شمر إزاره إذا رفعه ، وشمر عن ساقه وشمر في أمره أي: ، وشمر للأمر، أي: تهيأ له. قوله: «خدم سوقهما»، الخدم بفتح الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة: الخلاخيل، الواحد: خدمة، وقيل : سمي موضعها من الساقين خدمة، وجمعه: خدام، بالكسر ويقال: سمي الخلخال خدمة لأنه ربما كان من سيور مركب فيه الذهب والفضة، والخدمة في الأصل: السير، والمخدم موضع الخلخال من الساق، ويقال: أصله أن الخدمة سير عليها مثل الحلقة تشد في رسغ البعير ثم تشد إليها شرايح نعله، فسمي الخلخال: خدمة لذلك، وقيل: الخدمة مخرج الرِجل من السراويل ، والسوق، بالضم جمع: ساق. قوله: «تنقزان»، من النقز، بالنون والقاف والزاي، وهو الوثب، وقال الداودي: معناه: بسرعان المشي كالهرولة. وقال غيره: معناه الوثوب، ونحوه في حديث ابن مسعود أنه: كان يصلي الظهر والخلائق تنقز من الرمضاء، أي: تثب، يقال: نقز ينقز من باب نصر ينصر، وقال الجوهري: نقز الظبي في عدوه ينقز نقزاً ونقزاناً أي: وثب، والتنقيز التثويب، وقال الخطابي: أحسب الرواية: تزفران، بدل: تنقزان، والزفر حمل القرب الثقال. قلت: مادته زاي وفاء وراء، قال الجوهري: الزفر، مصدر قولك: زفر الحمل يزفره زفراً أي: حمله، وأزفره أيضاً، والزفر بالكسر الجمل، والجمع أزفار، والزفر أيضاً القربة، ومنه قيل للإماء اللواتي يحملن القرب: زوافر، وقيل: الزفر البحر الفياض، فعلى هذا كانت تملأ القرب حتى تفيض. قوله: «القرب»، بكسر القاف: جمع قربة، وفي «التلويح» ضبط
58(1/61)
الشيوخ القرب، بنصب الباء وهو مشكل ، لأن تنقزان لازم ووجهه أن يكون النصب بنزع الخافض، أي: تنقزان بالقرب، وأما على رواية: تزفران وتنقلان، فلا إشكال على ما لا يخفى. قيل: كان بعض الشيوخ يرفع القرب على الابتداء، والخبر محذوف، والتقدير: القرب على متونها، فتكون الجملة الإسمية في موضع الحال بلا واو، وقيل: وجد في بعض الأصول: تنقزان، بضم التاء، فعلى هذا يستقيم نصب القرب، أي: تحركان القرب بشدة عدوهما، فكانت القرب ترتفع وتنخفض مثل الوثب على ظهورهما. قوله: «وقال غيره»، أي: قال البخاري: قال غير أبي معمر عن عبد الوارث: تنقلان القرب من النقل، باللام دون الزاي، وهي رواية جعفر بن مهران عن عبد الوارث أخرجها الإسماعيلي. قوله: «ثم تفرغانه»، من الإفراغ، بالغين المعجمة، يقال: فرغ الماء بالكسر يفرغ فراغاً مثل سمع سماعاً، أي: صب، وأفرغته أنا أي: صببته. فإن قلت: ما وجه قوله: أرى خدم سوقهما. قلت: قال النووي: الرؤية للخدم لم يكن فيها نهي، لأن يوم أحد كان قبل أمر النساء بالحجاب، أو لأنه لم يقصد النظر إلى بعض الساق، فهو محمول على أن تلك النظرة وقعت فجأة بغير قصد إليها، قيل: قد تمسك بظاهره من يرى أن تلك المواضع ليست بعورة من المرأة وليس بصحيح.(1/62)
و اختلف في المرأة: هل يسهم لها؟ قال الأوزاعي: يسهم للنساء، لأنه - صلى الله عليه وسلم - أسهم لهن بخيبر، وأخذ المسلمون بذلك وبه، قال ابن حبيب، وقال الثوري والكوفيون والليث والشافعي: لا يسهم لهن ولكن يرضخ لهن محتجين بقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن يزيدَ بن هُرْمَز: «أنَّ نَجْدَةَ الْحَرُورِي كَتَبَ إلى ابنِ عباسٍ يَسْأَلهُ هَل كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَغْزُو بالنِّسَاءِ؟ وهل كانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ فكتَبَ إليه ابنُ عباسٍ: كَتَبْتَ إلَيَّ تَسْأَلُنِي هَل كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بالنِّسَاءِ، وكانَ يَغْزُو بِهِنَّ فيُدَاوِينَ المَرْضَى ويُحْذَينَ من الغَنِيمَةِ، وأمَّا بسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ بِسَهْمٍ» (1)» (2).
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي باب :ما يُعطى الفئ ، حديث رقم: 1559وقال أبو عيسى : وفي البابِ عن أنسٍ وأُمِّ عَطِيَّةَ.
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، والعملُ على هذا عندَ أكثر أهلِ العلمِ وهو قولُ سفيانَ الثوريِّ والشافعيِّ. وقال بعضُهم: يُسْهِمُ للمرأةِ والصَّبيِّ وهو قولُ الأوزاعيِّ. و قال: وأسْهَمَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ للصِّبْيَان بِخَيْبَرَ وأسْهَمَتْ أئمَّةُ المسلمينَ لكُلِّ مَوْلُودٍ وُلِدَ في أرْضِ الْحَرْبِ قال الأوزاعيُّ: وأسْهَمَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ للنِّسَاء بِخَيْبَرَ، وأخَذَ بذلكَ المسلِمُونَ بعدَهُ. ومَعْنَى قولِهِ ويُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ يقولُ يُرْضَخُ لَهُنَّ بشيء من الغَنِيمَةِ يُعْطِينَ شَيْئاً.
(1) عمدة القاري باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال ، ج14ص156.وذلك بتصرف.
59
الحديث الرابع والثلاثون
مداواة النساء الجرحى في الغزو(1/63)
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ. وَنِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ مَعَه إذَا غَزَا. فَيَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى». (1)
- عنْ خالِدِ بنِ ذَكْوَانَ عنْ رُبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بنِ عَفْرَاءَ ـ رضي الله عنها وعن أبيها : قالَتْ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رسولِ الله ?، نَسْقِي القَوْمَ ونَخْدمُهُمْ ونَرُدُّ القَتْلَى والجَرْحَى إلى المَدِينَةِ». (2)
- عنْ خالِدِ بنِ ذَكْوَانَ عنْ الرُبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ـ رضي الله عنها وعن أبيها «كنّا معَ النبيِّ ? نَسْقي، ونُداوِي الجَرحى، ونَرُدُّ القَتلى إلى المدينة». (3)
وفيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة. وتقدر بقدرها فيما يتعلق بالنظر والجس باليد وغير ذلك .قال ابن بطال: ويختص ذلك بذوات المحارم ثم بالمتجالات منهن لأن موضع الجرح لا يلتذ بلمسه بل يقشعر منه الجلد، فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ولا مس، ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم، وقال الأوزاعي تدفن كما هي، قال ابن المنير: الفرق بين حال المداواة وتغسيل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة. والضرورات تبيح المحظورات. (4)(1/64)
ويجوز أن يأذن للنساء لما روت الربيع بنت معوذ قالت كنا نغزو مع رسول الله ? فنخدم القوم ونسقيهم الماء ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة ويجوز أن يأذن لمن اشتد من الصبيان لأن فيهم معاونة ولا يأذن لمجنون لأنه يعرضه للهلاك من غير منفعة وينبغى أن يتعاهد الخيل فلا يدخل حطبا وهو الكسير ولا ينظر وهو الكبير ولا ضرعا وهو الصغير ولا أعجف وهو الهزيل لانه ربما كان سببا للهزيمة ولانه يزاحم به الغانمين فى سهمهم ويأخذ البيعة على الجيش ألا يفر لما روى جابر ? قال كنا يوم الحديبية ألف رجل وأربعمائة فبايعناه تحت الشجرة على ألا نفر ولم نبايعه على الموت يعنى النبى ? . (5)
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم باب غزوة النساء مع الرجال ، حديث رقم: 4683.
(2) أخرجه البخاري ، باب هل يداوي الرجل ، المرأة والمرأة الرجل، حديث رقم: 5551.
(3) أخرجه البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، باب : باب مُداواة النساء الجَرحى في الغَزْو، حديث رقم: 2816.
(4) فتح الباري ، كتاب الجهاد والسير ، باب : باب مُداواة النساء الجَرحى في الغَزْو، ج6ص94.
(5) المهذب ج: 2 ص: 230 ، لإبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ، أبو إسحاق ، دار الفكر بيروت.
60
الحديث الخامس والثلاثون
فضل غزو البحر
- قال عُميرٌ : فحدَّثَتْنا أمُّ حَرامٍ ـ رضي الله عنها : أنها سمعتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول «أوَّلُ جَيشٍ من أمَّتي يَغزون البحرَ قد أوجَبوا». قالت أمُّ حَرامٍ: قلتُ يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: «أنتِ فيهم». ثمَّ قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : «أوَّلُ جيشٍ من أمَّتي يَغزون مدينةَ قيصرَ مَغفورٌ لهم». فقلتُ: أنا فيهم يا رسولَ الله؟ قال: «لا».(1)
أضواء على الحديث :(1/65)
قوله: «يغزون مدينة قيصر» يعني القسطنطينية، قال المهلب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر، ومنقبة لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر. وتعقبه ابن التين وابن المنير بما حاصله: أنه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص إذ لا يختلف أهل العلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - مغفور لهم مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتى لو ارتد واحد ممن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتفاقاً فدل على أن المراد مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم. وأما قول ابن التين يحتمل أن يكون لم يحضر مع الجيش فمردود، إلا أن يريد لم يباشر القتال فيمكن فإنه كان أمير ذلك الجيش بالاتفاق. وجوز بعضهم أن المراد بمدينة قيصرالمدينة التي كان بها يوم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك المقالة وهي حمص وكانت دار مملكته إذ ذاك، وهذا يندفع بأن في الحديث أن الذين يغزون البحر قبل ذلك وأن أم حرام فيهم، وحمص كانت قد فتحت قبل الغزوة التي كانت فيها أم حرام والله أعلم. قلت: وكانت غزوة يزيد المذكورة في سنة اثنتين وخمسين من الهجرة، وفي تلك الغزاة مات أبو أيوب الأنصاري - صلى الله عليه وسلم - فأوصى أن يدفن عند باب القسطنطينية وأن يعفى قبره ففعل به ذلك ، وفي الحديث أيضاً الترغيب في سكنى الشام، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «قد أوجبوا» أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة. (2)
ــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري باب : ما قيل في قتال الروم ، حديث رقم: 2857.
(2) فتح الباري كتاب الجهاد والسير ، باب ما قِيلَ في قِتالِ الرُّوم، ج6ص120.
61
الحديث السادس والثلاثون
الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخبرنا بفتح روما(1/66)
- وعن أَبي قَبِيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ فسُئِل: أيُّ المدينتين تفتح أولاً، القسطنطينية أو رُومِيَة؟ قال: فدعا عبد الله بصندوق له حَلَق، فأخرج منه كتاباً، فقال عبد الله: بينا نحن حَوْلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكتب، إذ سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً»، يعني: القسطنطينية » (1)
أضواء على الحديث :
القسطنطينية ، كان إسمها بِزَنْطِيَة فنزلها قسطنطين الأكبر وبنى عليها سوراً ارتفاعه أحد وعشرون ذراعاً وسماها باسمه وصارت دار ملك الروم ، ولقد تم فتحها ، في عهد الخلافة العثمانية ولم تبقى غير روميه . سيفتحها المسلمون حتماً كما أخبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم . (2)
- - -
ــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ، باب : فتح القسطنطينية ورومية ، حديث رقم: 58201، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي قَبِيل وهو ثقة.، وأخرجه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين .
62
الحديث السابع والثلاثون
من الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر
- عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «أفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍأوْ أمِيرٍ جَائِرٍ» . (1)
- عن أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: « إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِر » . (2)
أضواء على الحديث :
«(1/67)
أفضل الجهاد»: أي من أفضله بدليل رواية الترمذي ـ الرواية الأولى ـ إن أعظم الجهاد «كلمة عدل» وفي رواية لابن ماجه كلمة حق، والمراد بالكلمة ما أفاد أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر من لفظ أو ما في معناه ككتابه ونحوها «عند سلطان جائر»: أي ظالم إنما صار ذلك أفضل الجهاد لأن من جاهد العدو كان متردداً بين رجاء وخوف لا يدري هل يغلب أو يغلب وصاحب السلطان مقهور في يده، فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف فقد تعرض للتلف وأهدف نفسه للهلاك فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجل الخوف . قاله الخطابي وغيره : «أو أمير جائر»: الظاهر أنه شك من الراوي. (2)
- - -
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود في سننه باب : الأمر والنهي ، حديث رقم :4340.
(2) أخرجه الترمذي في سننه ، باب : أفضل الجهاد كلمة عدل ، وقال أبو عِيسَى: وفي البابِ عن أبي أُمَامَةَ. وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ.
(3) عون المعبود ، كتاب الملاحم ، باب : الأمر والنهي ، ج4 ص487
63
الحديث الثامن والثلاثون
الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال دون الرجوع بشيءٍ أفضل أو يساوي العمل الصالح في أيام العشر من ذي الحجة.
- عن ابنِ عبَّاس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسولُ الله ?: «مَا مِنْ أيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أحَبُّ إلى الله مِنْ هَذهِ الأيَّامِ العَشْرِ» ، فقالُوا يا رسولُ الله: ولا الجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ فقالَ رسولُ الله ?:« ولا الجِهَادُ في سَبِيلِ الله ، إلاّ رَجُلٌ خَرجَ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ من ذَلِكَ بِشَيْءٍ» . (1)
أضواء على الحديث :(1/68)
قوله ?: «ما من أيام» من زائدة «العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» أي العشر الأول من ذي الحجة. قال الطيبي: العمل مبتدأ وفيهن متعلق به والخبر أحب والجملة خبر ما أي واسمها أيام ومن الأولى زائدة والثانية متعلقة بأفعل وفيه حذف، كأنه قيل ليس العمل في أيام سوى العشر أحب إلى الله من العمل في هذه العشر. قال ابن الملك: لأنها أيام زيارة بيت الله والوقت إذا كان أفضل كان العمل الصالح فيه أفضل وذكر السيد اختلف العلماء في هذه العشر، والعشر الأخير من رمضان فقال بعضهم: هذه العشر أفضل لهذا الحديث، وقال بعضهم: عشر رمضان أفضل للصوم والقدر، والمختار أن أيام هذه العشر أفضل ليوم عرفة وليالي عشر رمضان أفضل لليلة القدر، لأن يوم عرفة أفضل أيام السنة، وليلة القدر أفضل ليالي السنة، ولذا قال ما من أيام ولم يقل من ليال كذا في الأزهار وكذا في المرقاة «ولا الجهاد في سبيل الله» أي أفضل من ذلك «إلا رجل» أي إلا جهاد رجل «لم يرجع من ذلك» أي مما ذكر من نفسه وماله «بشيء» أي صرف ماله ونفسه في سبيل الله فيكون أفضل من العامل في أيام العشر أو مساوياً له. (2)
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي باب ما جاء في الأيام العشر من ذي الحجة ، حديث 752.و قال أبو عيسى: حَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ.
(2) تحفة الأحوذي أبواب الصوم عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ج3 ص401.
64
الحديث التاسع والثلاثون
الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتمنى الجهاد والقتل في سبيل الله ـ عز وجل.(1/69)
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ? قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ?: «تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ جهاداً في سَبِيلي، وَإِيمَاناً بِي، وَتَصْدِيقاً بِرُسُلِي. فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. أَوْ أَرْجِعَهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ. نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ أَبَداً. وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ. وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً. وَيَشق عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ الله فَأُقْتَلُ. ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ. ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ»._(1)
أضواء على الحديث :(1/70)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاداً إلى قوله: أن أدخله الجنة» وفي الرواية الأخرى: «تكفل الله» ومعناهما أوجب الله تعالى له الجنة بفضله وكرمه سبحانه وتعالى، وهذا الضمان والكفالة موافق لقوله تعالى: ? ?????? ?????? ??????????? ???? ??????????????? ???????????? ??????????????? ???????? ?????? ???????????? ?(1) الآية. قوله سبحانه وتعالى: {لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي} هكذا هو في جميع النسخ جهاداً بالنصب وكذا قال بعده : {وإيماناً بي وتصديقاً} وهو منصوب على أنه مفعول له، وتقديره لا يخرجه المخرج ويحركه المحرك إلا للجهاد والإيمان والتصديق. قوله: {لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي وإيماناً بي وتصديقاً برسلي} معناه لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص لله تعالى.
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم باب في فضل الجهاد ، حديث رقم 4815.
(2) [ سورة التوبة:من الآية 111]
65
قوله في الرواية الأخرى: «وتصديق كلمته» أي كلمة الشهادتين وقيل تصديق كلام الله في الأخبار بما للمجاهد من عظيم ثوابه . قوله تعالى: {فهو علي ضامن} ذكروا في ضامن هنا وجهين: أحدهما: أنه بمعنى مضمون كماء دافق ومدفوق ، والثاني: أنه بمعنى ذو ضمان. قوله تعالى: {أن أدخله الجنة} قال القاضي: يحتمل أن يدخل عند موته كما قال تعالى في الشهداء: ? ???????????? ????? ?????????? ?????????????? ? (1) وفي الحديث: «أرواح الشهداء في الجنة» قال: ويحتمل أن يكون المراد دخوله الجنة عند دخول السابقين والمقربين بلا حساب ولا عذاب ولا مؤاخذة بذنب، وتكون الشهادة مكفرة لذنوبه كما صرح به في الحديث الصحيح.(1/71)
قوله:« أَوْ أَرْجِعَهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ. نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ».قالوا معناه ما حصل له من الأجر بلا غنيمة إن لم يغنم، أو من الأجر والغنيمة معاً إن غنموا، وقيل: « أو »هنا بمعنى الواو أي من أجر وغنيمة.
ومعنى الحديث أن الله تعالى ضمن أن الخارج للجهاد ينال خيراً بكل حال ، فإما أن يستشهد فيدخل الجنة، وإما أن يرجع بأجر، وإما أن يرجع بأجر وغنيمة.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : « وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ» أما الكَلْمُ بفتح الكاف وإسكان اللام فهو الجرح، ويكْلم بإسكان الكاف أي يجرح، وفيه دليل على أن الشهيد لا يزول عنه الدم بغسل ولا غيره، والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته أن يكون معه شاهد فضيلته وبذله نفسه في طاعة الله تعالى، وفيه دليل على جواز اليمين وانعقادها بقوله: « والذي نفسي بيده» ونحو هذه الصيغة من الحلف بما دل على الذات ولا خلاف في هذا، قال أصحابنا: اليمين تكون بأسماء الله تعالى وصفاته أو ما دل على ذاته. قال القاضي: واليد هنا بمعنى القدرة والملك. قوله - صلى الله عليه وسلم - : « وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ
ـــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:من الآية 169]
66(1/72)
سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ أَبَداً »أي خلفها وبعدها، وفيه ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الشفقة على المسلمين والرأفة بهم ، وأنه كان يترك بعض ما يختاره للرفق بالمسلمين ، وأنه إذا تعارضت المصالح بدأ بأهمها ، وفيه مراعاة الرفق بالمسلمين والسعي في زوال المكروه والمشقة عنهم. قوله - صلى الله عليه وسلم - :« لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ الله فَأُقْتَلُ. ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ. ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ» فيه فضيلة الغزو والشهادة، وفيه تمني الشهادة والخير وتمني ما لا يمكن في العادة من الخيرات، وفيه أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين. (1)
rrr
ـــــــــــــــــــ
(1) شرح النووي كتاب الإمارة ، باب فضل الجهاد ، ج13 ص18.
67
الحديث الأربعون
سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله
- عن أبي أمامة ? أن رجلاً قال: يا رسول الله ائذن لي في السياحة، قال: «إِنَّ سِياحَةَ أُمّتي الْجِهادُ في سَبيلِ الله» . (1)
أضواء على الحديث :
السياحة في اللغة : من ساح في الأرض يسيح إذا ذهب فيها، والمراد مفارقة الأمصار وسكنى البراري وترك الجمعة والجماعات. وأصلِه من السَّيح وهو الماءُ الجاري المنْبَسِطُ على وجه الأرض.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إن سياحة أمتي الْجِهادُ في سَبيلِ الله» قال في السراج المنير: كأن هذا السائل استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذهاب في الأرض قهراً لنفسه بمفارقة المألوفات والمباحات واللذات، وترك الجمعة والجماعات، وتعليم العلم ونحوه، فرد عليه ذلك كما رد على عثمان بن مظعون في التبتل. (2)
- - -
ــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك ، كتاب الجهاد ، باب : سياحة الأمة الجهاد في سبيل الله ، حديث رقم : 2439، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ورَوَاهُ أبُو دَاوُدَ في كتاب الجهاد ، باب في النهي عن السياحة.
((1/73)
2) عون المعبود ، كتاب الجهاد ، باب في النهي عن السياحة، ج7ص164.
68
الحديث الحادي والأربعون
فضل الرباط
- عَنْ سَلْمَانَ ? قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ? يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْر وَقِيَامِهِ. وَإِنْ مَاتَ، جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ».(1)
أضواء على الحديث :
قوله ?: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْر وَقِيَامِهِ. وَإِنْ مَاتَ، جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ» هذه فضيلة ظاهره للمرابط وجريان عمله عليه بعد موته فضيلة مختصة به لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء صريحاً في غير مسلم: «كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة». قوله ?: «وأجرى عليه رزقه» موافق لقول الله تعالى في الشهداء: ? ???????????? ????? ?????????? ?????????????? ? (2) ، وحديث « أن أرواح الشهداء تأكل من ثمار الجنة». قوله ?: «أمن الفتان» ضبطوا أمن بوجهين: أحدهما: أَمن بفتح الهمزة وكسر الميم من غير واو. والثاني: أُومن بضم الهمزة وبواو، وأما الفُتان فقال القاضي: رواية الأكثرين بضم الفاء جمع فاتن ، قال: ورواية الطبري بالفتح، وفي رواية أبي داود في سننه «أومن» من فتاني القبر. (3)
???
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في صحيحه باب فضل الرباط في سبيل الله ، حديث رقم: 4894.
(2) [ سورة آل عمران:من الآية 169]
(3) شرح النووي لصحيح مسلم، كتاب الإمارة باب : فضل الرباط، ج13 ص52.
69
الحديث الثاني والأربعون
رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها(1/74)
- عن سهلِ بنِ سعدٍ الساعديِّ ? أن رسول الله ? قال:« رِباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ منَ الدُّنيا وما عليها.ومَوضعُ سَوطِ أحدِكم من الجنةِ خيرٌ منَ الدُّنيا وما عليها، والرَّوحةٌ يَروحُها العبدُ في سبيلِ الله أوِ الغَدْوَةُ خيرمنَ الدُّنيا وما عليها»(1)
أضواء على الحديث :
الرِباط بكسر الراء وبالموحدة الخفيفة ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم، قال ابن التين: بشرط أن يكون غير الوطن، قاله ابن حبيب عن مالك ، وفيه نظر في إطلاقه فقد يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدو، ومن ثم اختار كثير من السلف سُكْنَى الثغور، فبين المرابطة والحراسة عموم وخصوص وجهي ، وقال تعالى : ? ????????????????? ?????????? ?????????? ??????????? ???????????? ???????????? ????????????? ?????? ??????????? ????????????? ????? ?(2)وعن الحسن البصري وقتادة ? ??????????? ? على طاعة الله ? ???????????? ? أعداء الله في الجهاد ? ????????????? ? في سبيل الله. وعن محمد بن كعب القرظي: اصبروا على الطاعة وصابروا لانتظار الوعد ورابطوا العدو واتقوا الله فيما بينكم. وعن زيد بن أسلم: اصبروا على الجهاد وصابروا العدو ورابطوا الخيل. قال ابن قتيبة أصل الرباط أن يربط هؤلاء خيلهم وهؤلاء خيلهم استعداداً للقتال، قال الله تعالى: ? ??????????????? ????? ???? ??????????????? ???? ???????? ????? ????????? ?????????? ? (3) وأخرج ذلك ابن أبي حاتم وابن جرير وتفسيره برباط الخيل يرجع إلى الأول. وفي الموطأ عن أبي هريرة مرفوعاً «وانتظار الصلاة فذلكم الرباط» .
ـــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري كتاب الجهاد ، باب : فضل رباط يوم في سبيل الله .
(2) [ سورة آل عمران:الآية 200]
(3) [ سورة الأنفال:من الآية 60]
70(1/75)
وهو في السنن عن أبي سعيد وفي المستدرك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن الآية نزلت في ذلك، احتج بأنه لم يكن في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزو فيه رباط انتهى. وحمل الآية على الأول أظهر، وما احتج به أبو سلمة لا حجة فيه ولا سيما مع ثبوت حديث الباب، فعلى تقدير تسليم أنه لم يكن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رباط فلا يمنع ذلك من الأمر به والترغيب فيه، ويحتمل أن يكون المراد كلاّ من الأمرين أو ما هو أعم من ذلك. وأما التقييد باليوم في الترجمة (1) وإطلاقه في الآية فكأنه أشار إلى أن مطلقها يقيد بالحديث، فإنه يشعر بأن أقل الرباط يوم لسياقه في مقام المبالغة، وذكره مع موضع سوط يشير إلى ذلك أيضاً. (2)
قوله: « خير من الدنيا وما عليها» تقدم من حديث أنس ـ رضي الله عنه. (3)
- - -
ـــــــــــــــــــ
(1) ترجمة البخاري للباب : فضلِ رِباطِ يومٍ في سبيلِ الله وقولِ الله ـ عزَّ وجلَّ: {يا أيُّها الذينَ آمنُوا اصبِروا وصابِروا ورابطوا واتقوا الله لعلَّكم تفلحون}.
(2) فتح الباري ، كتاب الجهاد والسير ، باب فضل الجهاد ، ج6ص101.
(3) الحديث الثامن عشر ، ص31.
71
الحديث الثالث والأربعون
الرباط في سبيل الله من أفضل الجهاد
- عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أَوَّلُ هَذَا الأمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلاَفَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكاً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكَادَمُونَ عَلَيْهَا تَكَادُمَ الحَمِيْر فَعَلَيْكُمْ بِالجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جِهَادِكُمْ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رِبَاطِكُمْ عَسْقَلانُ». (1)
أضواء على الحديث :(1/76)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «أَوَّلُ هَذَا الأمْرِ» أي أول العصر النبوي وبدء بعثته - صلى الله عليه وسلم - والكَدْم: تَمَشْمُشُ العَظم وتَعَرُّقُه، وقيل: هو العَض بأَدنى الفم كما يَكْدُمُ الحمار، وقيل:هوالعَض عامة، كدَمه يَكْدُمُه ويَكْدِمُه كَدْماً، وكذلك إِذا أَثَّرْت فيه بحديدة؛ والكَدْم والكَدَمُ:أَثَرُ العض، وجمعه كُدُوم. و الكَدْم: اسم أَثر الكَدْم. يقال: به كُدُومٌ.(2)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :« فَعَلَيْكُمْ بِالجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جِهَادِكُمْ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رِبَاطِكُمْ عَسْقَلانُ» هي من الوصايا النبوية لأمته - صلى الله عليه وسلم - بالجهاد وبالرباط وأصل المرابطة أن يربِط الفريقان خيولهم في ثغر، كل منهما معدٌّ لصاحبه فسمي المقام في الثغور رباطاً. وعَسْقَلانُ: اسم مدينة وموضع بفلسطين وهي عَرُوس الشَّام.
- - -
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد باب : كيف بدأت الإمامة ، حديث رقم : 4698، وقال : رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(2) لسان العرب باب الكاف ـ كدم.
72
الحديث الرابع والأربعون
موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر
- عن مجاهدٍ عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - أنهُ كانَ في الرِّبَاطِ، فَفَزِعُوا إلى السَّاحِلِ، ثُمَّ قيلَ : لا بأسَ، فانصرفَ النَّاسُ وأبو هريرةَ واقفٌ، فمرَّ بهِ إنسانٌ فقالَ: ما يُوقِفُكَ يا أبا هريرةَ، فقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «مَوْقِفُ سَاعَةٍ في سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ قِيامِ لَيْلَةِ القَدْرِ عِنْدَ الحَجَرِ الأَسْوَدِ».(1)
أضواء على الحديث :
في هذا الحديث وما سبقه من أحاديث يوضح فضل الرباط في سبيل الله حتى أن ساعة في سبيل الله خير من قيم ليلة القدر ومعلوم مافي هذه الليلة من خير قال تعالى : ليلة القدر خير من ألف شهر.(1/77)
وأخرج الحاكم عن مجاهد أيضاً ، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما: أن النبيّ ? قال: «أَلا أُنَبّئُكُمْ بِلَيْلَةٍ أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، حَارِسٌ حَرَسَ في أَرْضِ خَوْفٍ لَعَلَّهُ أَنْ لا يَرْجِعَ إِلى أَهْلِهِ» (2) .
???
ـــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه ، حديث رقم :4513، وقال أبو حاتِم: سَمِعَ مجاهدٌ من أبي هُريرة أحاديثَ معلومةً بيَّن سماعهُ فيها عُمَرُ بنُ ذَرَ، وقد وَهِمَ من زعم أنه لم يَسْمَعْ من أبي هريرة شيئاً، لأن أبا هريرة مات سنة ثمانٍ وخمسين في إمارةِ معاوية ، وكان مولدُ مجاهدٍ سنة إحدى وعشرين في خلافةِ عمرَ بنِ الخطاب، ومات مجاهد سنةَ ثلاث ومئَةٍ، فدلَّ هذا على أن مجاهداً سَمِعَ أبا هُريرة.
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك ، باب : ذكر ليلة أفضل من ليلة القدر ، حديث رقم : 2464، وقال : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه .
73
الحديث الخامس والأربعون
عينان لا تمسهما النار
- عن ابنِ عباسٍ ـ رضي الله عنهما ـ قال: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «عَيْنَانِ لا تَمسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحرُسُ في سبيلِ الله» . (1)
أضواء على الحديث :(1/78)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «عينان لا تمسهما النار» أي لا تمس صاحبهما، فعبر بالجزء عن الجملة، وعبر بالمس إشارة إلى امتناع ما فوقه بالأولى، رواية «أبداً» وفي رواية «لا تريان النار» ، «عين بكت من خشية الله» وهي مرتبة المجاهدين مع النفس التائبين عن المعصية سواء كان عالماً أو غير عالم « وعين باتت تحرس » وهي مرتبة المجاهدين في العبادة وهي شاملة لأن تكون في الحج أو طلب العلم أو الجهاد أو العبادة، والأظهر أن المراد به الحارس للمجاهدين لحفظهم عن الكفار. قال الطيبي قوله - صلى الله عليه وسلم - : « عين بكت » هذا كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه لقوله تعالى : ? ????????? ????????? ?????? ???? ????????? ??????????????????? ? (2) حيث حصر الخشية فيهم غير متجاوز عنهم، فحصلت النسبة بين العينين عين مجاهد مع النفس والشيطان وعين مجاهد مع الكفار. (3)
- - -
ــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي باب ما جاء في الحرس في سبيل الله ، حديث رقم : 1642 ، وقال أبو عيسى وفي البابِ عن عُثْمَانَ وأبي رَيْحَانَةَ. وحديثُ ابنِ عباسٍ ـ رضي الله عنهما ـ حديثٌ حسنٌ غريب لا نَعْرِفُهُ إلاَّ مِنْ حديثِ شُعْيْبِ بنِ رُزَيْقٍ.
(2) [ سورة فاطر:من الآية 28]
(3) تحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي للمباركفوري ، أبواب الجهاد ، ج5 ص216.
74
الحديث السادس والأربعون
الأمر النبوي بالرمي إذ هُوَ مِن سُنَّةِ إسماعيلَ ـ ?
- عَنْ سَلَمَةَ بنِ الأكوعِ ? قال : خَرَجَ رسولُ اللَّهِ ? على قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يتناضَلُونَ بالسّوق فقالَ: «ارْمُوا بني إسْمَاعِيلَ، فإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِياً، وأنا مَعَ بني فُلانٍ لأحدِ الفَرِيقَيْنِ»، فأَمْسَكُوا أيدِيَهُمْ، فقالَ: «مَا لَكُمْ ارْمُوا»، قالوا: كَيْفَ نَرْمِي وأَنْتَ مَعَ بني فلانٍ، قالَ: «ارْمُوا وأَنَا مَعَكُمْ كُلّكُمْ».(1)
أضواء على الحديث :(1/79)
قوله: يتناضلون، أي: يترامون. في الحديث فضيلة تعلم الرمي والحث عليه وذلك لأنه من واجبات الجهاد وعن استمرارية الإعداد يقول الرسول ? يقول:« سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ ويَكْفِيكُمُ اللهُ ، فلا يَعْجِزْ أَحَدُكُمْ أنْ يَلْهُوَ بأسْهُمِهِ».(2)
قياساً على ذلك يجب على الجيوش الإسلامية أن تحسن الإعداد والتدريب على كافة أنواع الرماية وتنتج كافة الأسلحة الحديثة ، وتطور هذه الأسلحة ومنها أسلحة الرماية المختلفة ، وبصفة مستمرة لكى تكون رادعة لمن يفكر أن يستبيح الدم المسلم.
ومن الدروس المستفادة من هذا الحديث : أن من صار السلطان عليه في جملة المناضلين له أن لا يتعرض لذلك كما فعل هؤلاء القوم حيث أمسكوا لكون النبي ? مع الفريق الآخر خشية أن يغلبوهم فيكون النبي ? مع من وقع عليه الغلب فأمسكوا عن ذلك تأدباً معه.
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان كتاب الجهاد ، ذكر الأمر بالرمي وتعليمه ، حديث رقم : 4603، وأخرجه البخاري باب : نسبة اليمن إلى إسماعيل.
(2) أخرجه ابن حبان كتاب الجهاد ، حديث رقم : 4607.
75
الحديث السابع والأربعون
الجنة تحت ظلال السيوف
- عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي ، وَهُوَ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ? «إِنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ» فَقَامَ رَجُلٌ رَثُّ الْهَيْئَةِ. فَقَالَ : يَا أَبَا مُوسَى آنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ ? يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ : فَرَجَعَ إلَى أَصْحَابه فَقَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلاَمَ. ثُمَّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَأَلْقَاهُ. ثُمَّ مَشَى بِسَيْفِهِ إلَى الْعَدُوِّ . فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ». (1)
أضواء على الحديث :(1/80)
قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح مسلم : قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف» قال العلماء: معناه إن الجهاد وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة وسبب لدخولها. (2) وقال المباركفوري ـ رحمه الله ـ في شرحه لسنن الترمذي: وقال المناوي: هو كناية عن الدنو من العدو في الحرب بحيث تعلوه السيوف بحيث يصير ظلها عليه يعني الجهاد طريق إلى الوصول إلى أبوابها بسرعة ، والقصد الحث على الجهاد . (3)
وقال الخطابي: معنى ظلال السيوف الدنو من القرن حتى يعلوه بظل سيفه لا يولي عنه ولا ينفر منه، وكل ما دنا منك فقد أظلك. (4)
« رث الهيئة» قال في النهاية: متاع رث أي خلق بال . وقوله: «كسر جفن سيفه» هو بفتح الجيم وإسكان الفاء وبالنون وهو غمده.
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم باب ثبوت الجنة للشهيد ، حديث رقم: 4872، أخرجه الحاكم في المستدرك ، كتاب الجهاد ، باب في : الجنة تحت ظلال السيوف ، حديث رقم: 2429، وصححه .
(2) شرح النووي لصحيح مسلم ، كتاب الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد ، ج13 ص38.
(3) شرح سنن الترمذي للمباركفوري، أبواب الجهاد ، باب ما ذكر أن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف ، ج5ص242.
(4) عون المعبود ج7 ص94.
76
الحديث الثامن والأربعون
ألا إن القوة الرمي
- عَنْ أَبِي عَلِيَ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيَ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ - رضي الله عنه - ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَقُولُ ? ??????????????? ????? ???? ??????????????? ???? ???????? ? (1) أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ. أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ. أَلاَ إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ». (2)
أضواء على الحديث :(1/81)
قوله - صلى الله عليه وسلم - في تفسير قوله تعالى: ? ??????????????? ????? ???? ??????????????? ???? ???????? ? « ألا إن القوة الرمي قالها ثلاثاً» هذا تصريح بتفسيرها ورد لما يحكيه المفسرون من الأقوال سوى هذا، ووردت كثير من الأحاديث في فضيلة الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله تعالى، وكذلك المشاجعة وسائر أنواع استعمال السلاح، وكذا المسابقة بالخيل وغيرها كما سبق في بابه، والمراد بهذا كله التمرن على القتال والتدرب والتحذق فيه ورياضة الأعضاء بذلك. (3)
- - -
ــــــــــــــــــ
(1) [ سورة الأنفال:من الآية 60]
(2) أخرجه مسلم في صحيحه ، باب : فضل الرمي والحث عليه ، حديث رقم 4902.
(3) شرح النووي لصحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، ج13 ص52.
77
الحديث التاسع والأربعون
شهادة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعامر بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ بأنه جاهد مجاهد بالرغم من أنه قتل بسلاحه(1/82)
- عن سَلمةِ بن الأكْوع - رضي الله عنه - قال:« خرجنا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبرَ، فسرْنا ليلاً، فقال رجلٌ من القوم لعامرٍ: يا عامر ألا تُسمِعُنا من هُنَيهاتِك؟ وكان عامرٌ رجلاً شاعراً، فنزَلَ يَحدو بالقَوم يقول: اللّهمَّ لولا أنتَ ما اهتَدينا ولاتَصدَّقنا ولاصلَّينا فاغفِرْ فِداءً لك ما اتقينا وثبِّتِ الأقدامَ إن لاقينا وأَلْقِيَنْ سَكِينةً علينا إنّا إذا صيحَ بنا أبَينَا وبالصِّياح عَوَّلوا علينا فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَن هذا السائق؟ قالوا: عامرُ بن الأكْوع، قال: يَرحمه الله. قال رجلٌ من القوم: وَجَبَت يا نبيَّ الله، لولا أمتعْتَنا به. فأتينا خيبرَ فحاصرناهم، حتى أصابتْنا مَخْمصةٌ شديدة. ثم إِنَّ اللّهَ تعالى فتحها عليهم. فلما أمسى الناسُ مساءَ اليوم الذي فُتِحَت عليهم أوقدوا نِيراناً كثيرة، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ما هذهِ النيرانُ؟ على أيِّ شيءٍ تُوقِدون؟ قالوا: على لحم، قال: على أيِّ لحم؟ قالوا: لحمُ حُمرِ الإِنسيةِ . قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : اهريقوها واكسرِوها. فقال رجلٌ: يا رسولَ الله، أونهرِيقها ونغسِلها. قال: أو ذاك. فلما تَصافَّ القومُ كان سيفُ عامرٍ قَصيراً ، فتناوَل بهِ ساقَ يهوديٍّ ليضربَه، ويرجعُ ذبابُ سَيفهِ فأصابَ عَينَ رُكبة عامر فمات منه. قال: فلما قفلوا قال سلمةُ: رآني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيدي. قال: مالكَ؟ قلتُ له: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامِراً حَبِط عمله: قال - صلى الله عليه وسلم - : كذَب من قاله ، إِنَّ لهُ لأَجرَين ـ وجمع بين إصبعيهِ ـ إنه لجاهِدٌ مجاهد، قلَّ عرَبيٌّ مشى بها مِثله». حدثنا قتيبة حدَّثنا حاتم قال: «نَشأَ بها». (1)
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الجهاد والسير ، باب : غزوة خيبر.
78
أضواء على الحديث :(1/83)
قال الحافظ بن حجر ـ رحمه الله ـ في الفتح :
قوله: «خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر، فسرنا ليلاً، فقال رجل من القوم لعامر: يا عامر ألا تسمعنا» لم أقف على اسمه صريحاً، وعند ابن إسحق من حديث نصر بن دهر الأسلمي أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع وهو عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان: «انزل يا ابن الأكوع فاحد لنا من هنيهاتك» ففي هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أمره بذلك. قوله: «من هنيهاتك» في رواية الكشميهني بحذف الهاء الثانية وتشديد التحتانية التي قبلها، والهنيهات جمع هنيهة وهي تصغير هنة كما قالوا في تصغير سنة سنيهة. ووقع في الدعوات من وجه آخر عن يزيد بن أبي عبيد «لو أسمعتنا من هناتك» بغير تصغير. قوله: «وكان عامر رجلاً شاعراً» قيل: هذا يدل على أن الرجز من أقسام الشعر، لأن الذي قاله عامر حينئذ من الرجز. وقد تقدم في الجهاد من حديث البراء بن عازب وأنه من شعر عبدالله بن رواحة، فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ماتواردا منه، بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر، أو استعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة. قوله: «فاغفر فداء لك ما اتقينا» أما قوله فداء فهو بكسر الفاء وبالمد، وقد استشكل هذا الكلام لأنه لايقال في حق الله، إذ معنى فداء لك نفديك بأنفسنا وحذف متعلق الفداء للشهرة، وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء، وأجيب عن ذلك بأنها كلمة لا يراد بها ظاهرها بل المراد بها المحبة والتعظيم مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ. وقيل: المخاطب بهذا الشعر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمعنى لا تؤاخذنا بتقصيرنا في حقك ونصرك، وعلى هذا فقوله: «اللهم» لم يقصد بها الدعاء،
وإنما افتتح بها الكلام، والمخاطب بقول الشاعر «لولا أنت» النبي - صلى الله عليه وسلم - إلخ، ويعكر عليه قوله بعد ذلك:
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا(1/84)
فإنه دعا الله تعالى ويحتمل أن يكون المعنى فاسأل ربك أن ينزل ويثبت والله أعلم. وأما قوله : «ما اتقين » فبتشديد المثناة بعدها قاف للأكثر، ومعناه ما تركنا من
79
الأوامر، و «ما» ظرفية، وللأصيلي والنسفي بهمزة قطع ثم موحدة ساكنة أي ما خلفنا وراءنا مما اكتسبنا من الآثام، أو ما أبقيناه وراءنا من الذنوب فلم نتب منه. وللقابسي «ما لقينا» باللام وكسر القاف والمعنى ما وجدنا من المناهي، ووقع في رواية قتيبة عن حاتم بن إسماعيل :«ما اقْتَفينا» بقاف ساكنة ومثناة مفتوحة ثم تحتانية ساكنة أي تبعنا من الخطايا من قفوت الأثر إذا اتبعته، وكذا لمسلم عن قتيبة وهي أشهر الروايات في هذا الرجز.
قوله: «وألقين سكينة علينا» في رواية النسفي «وألق السكينة علينا» بحذف النون وبزيادة ألف ولام في السكينة بغير تنوين، وليس بموزون.
قوله: «إنّا إذا صيح بنا أتينا» بمثناة، أي جئنا إذا دعينا إلى القتال أو إلى الحق، وروي بالموحدة كذا رأيت في رواية النسفي، فإن كانت ثابتة فالمعنى إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا.
قوله: «وبالصياح عولوا علينا» أي قصدونا بالدعاء بالصوت العالي واستغاثوا علينا، تقول: عولت على فلان وعولت بفلان بمعنى استغثت به. وقال الخطابي: المعنى أجلبوا علينا بالصوت، وهو من العويل. وتعقبه ابن التين بأن عولوا بالتثقيل من التعويل ولو كان من العويل لكان أعولوا. ووقع في رواية إياس بن سلمة عن أبيه عند أحمد في هذا الرجز من الزيادة:
إن الذين قد بغوا علينا ...
إذا أرادوا فتنة أبينا ...
ونحن عن فضلك ما استغنينا ...
وهذا القسم الأخير عند مسلم أيضاً.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «من هذا السائق» في رواية أحمد فجعل عامر يرتجز ويسوق الركاب وهذه كانت عادتهم إذا أرادوا تنشيط الإبل في السير ينزل بعضهم فيسوقها ويحدو في تلك الحال.(1/85)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «قال يرحمه الله» في رواية إياس بن سلمة «قال غفر لك ربك» قال: وما استغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإِنسان يخصه إلا استشهد ، وبهذه الزيادة يظهر السر في
80
قول الرجل «لولا أمتعتنا به» . قوله : «قال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله ، لولا أمتعتنا به» اسم هذا الرجل عمر - صلى الله عليه وسلم - سماه مسلم في رواية إياس بن سلمة ولفظه «فنادى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو على جمل له: يا نبي الله لولا أمتعتنا بعامر» وفي حديث نصر بن دهر عند ابن إسحق «فقال عمر - رضي الله عنه - : وجبت يارسول الله» ومعنى قوله لولا أي هلا، وأمتعتنا أي متعتنا أي أبقيته لنا لنتمتع به أي بشجاعته، والتمتع الترفه إلى مدة، ومنه أمتعني الله ببقائك.
قوله: «فأتينا خيبراً» أي أهل خيبر.
قوله: «فحاصرناهم»ذكر ابن إسحق أن أول شيء حاصروه ففتح حصن ناعم، ثم انتقلوا إلى غيره قوله: «حتى أصابتنا مخمصة» بمعجمة ثم مهملة أي مجاعة شديدة،
قوله: «وكان سيف عامر قصيراً فتناول به ساق يهودي ليضربه» في رواية إياس بن سلمة «فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب ...
شاكي السلاح بطل مجرب ...
إذا الحروب أقبلت تلهب ...
قال فبرز إليه عامر فقال:
قد علمت خيبر أني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فصار عامر يسفل له أي يضربه من أسفل، فرجع سيف ـ أي عامر ـ على نفسه. قوله: «ويرجع ذباب سيفه» أي طرفه الأعلى وقيل: حده. قوله: «فأصاب عين ركبة عامر» أي طرف ركبته الأعلى فمات منه، وفي رواية يحيى القطان «فأصيب عامر بسيف نفسه فمات» وفي رواية إياس بن سلمة عند مسلم «فقطع أكحله فكانت فيها نفسه» وفي رواية ابن إسحق «فكلمه كَلْماً شديداً فمات منه». قوله: «فلما قفلوا من خيبر» أي رجعوا. قوله: «وهو آخذ يدي» في رواية الكشميهني «بيدي» وفي رواية قتيبة
81
«(1/86)
رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاحباً» أي متغير اللون، وفي رواية إياس «فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي ». قوله: «زعموا أن عامراً حبط عمله» في رواية إياس «بطل عمل عامر قتل نفسه» وسمي من القائلين أسيد بن حضير، في رواية قتيبة وعند ابن إسحق «فكان المسلمون شكوا فيه وقالوا إنما قتله سلاحه» ونحوه عند مسلم من وجه آخر عن سلمة. قوله: «كذب من قاله» أي أخطأ. قوله: «إن له أجرين» في رواية الكشميهني «لأجرين» وكذا في رواية قتيبة، وكذا في رواية ابن إسحق «إنه لشهيد، وصلى عليه».
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إنه لجاهد مجاهد» كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما وكسر الهاء والتنوين، والأول مرفوع على الخبر. والثاني إتباع للتأكيد، كما قالوا جاد مجد. ووقع لأبي ذر عن الحموي والمستملي بفتح الهاء والدال، وكذا ضبطه الباجي، قال عياض: والأول هو الوجه. قلت: يؤيده رواية أبي داود من وجه آخر عن سلمة «مات جاهداً مجاهداً» قال ابن دريد : رجل جاهد أي جاد في أموره ، وقال ابن التين : الجاهد من يرتكب المشقة، ومجاهد أي لأعداء الله تعالى.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «قلَّ عربي مشى بها مثله» كذا في هذه الرواية بالميم والقصر من المشي، والضمير للأرض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة.(1/87)
قوله: «قال قتيبة نشأ» أي بنون وبهمزة، والمراد أن قتيبة رواه عن حاتم بن إسماعيل بهذا الإِسناد فخالف في هذه اللفظة. وروايته موصولة في الأدب عنده، وغفل الكشميهني فرواها هنالك بالميم والقصر، وحكى السهيلي أنه وقع في رواية «مشابهاً» بضم الميم اسم فاعل من الشبه أي ليس له مشابه في صفات الكمال في القتال، وهو منصوب بفعل محذوف تقديره رأيته مشابهاً، أو على الحال من قوله «عربي» قال السهيلي: والحال من النكرة يجوز إذا كان في تصحيح معنى، قال السهيلي أيضاً: وروى «قل عربياً نشأ بها مثله» والفاعل مثله، وعربياً منصوب على التمييز لأن في الكلام معنى المدح، على حد قولهم عظم زيد رجلاً، وقل زيد أدباً. (1)
ــــــــــــــــــ
(1) فتح الباري ، كتاب المغازي ، باب : غزوة خيبر ، ج7ص529.
82
الحديث الخمسون
الرسول يُخبر بقتال اليهود وأن الحجر والشجر سوف يتكلم
- عن عبدِ الله بنِ عمرَ ـ رضيَ الله عنهما ـ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «تُقاتِلونَ اليهودَ حتّى يَخْتبىءَ أحدُهم وراءَ الحجَر فيقول يا عبدَ الله ، هذا يهوديٌّ ورائي فاقتُلْه».(1)
- عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ـ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ، فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ». (2)
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُود . فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ. حَتَّى يَخْتَبِىءَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ. فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي. فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلاَّ الْغَرْقَدَ. فَإِن مِنْ شَجَرِهم». (3)(1/88)
أضواء على الحديث :
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «تقاتلون» فيه جواز مخاطبة الشخص والمراد غيره ممن يقول بقول ويعتقد اعتقاده، لأنه من المعلوم أن الوقت الذي أشار إليه - صلى الله عليه وسلم - لم يأت بعد، وإنما أراد بقوله: «تقاتلون» مخاطبة المسلمين. ويستفاد منه أن الخطاب الشفاهي يعم المخاطبين ومن بعدهم، وهو متفق عليه من جهة الحكم. وإنما وقع الاختلاف فيه في حكم الغائبين: هل وقع بتلك المخاطبة نفسها، أو بطريق الإلحاق؟ وهذا الحديث يؤيد من ذهب إلى الأول. وفيه إشارة إلى بقاء دين الإسلام إلى أن ينزل عيسى - عليه السلام - ، فإنه الذي يقاتل الدجال، ويستأصل اليهود الذين هم تبع الدجال.
وفي رواية مسلم :قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود» والغرقد نوع من شجر الشوك معروف ببلاد بيت المقدس وهناك يكون قتل الدجال واليهود.(4)وقال أبو حنيفة الدينوري: إذا عظمت العوسجة صارت غرقدة. قوله: «فتسلطون عليهم» من التسليط، أي تغلبون عليهم«حتى يقول الحجر الخ»هذا من أشراط الساعة (5).
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه ، باب قتال اليهود ، حديث رقم: 2858.
(2) أخرجه مسلم بابلا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت، حديث رقم : 7287.
(3) أخرجه مسلم ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، حديث رقم : 7288.
(4) فتح الباري ، كتاب الجهاد والسير ، باب قتال اليهود، ج6،ص121.
(5) شرح النووي لصحيح مسلم ، كتاب الفتن وأشراط الساعة ، ج18 ، ص29.
83
الحديث الحادي والخمسون
الرسول يُخبر بقتال هؤلاء القوم من الترك(1/89)
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «تُقَاتِلُونَ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ قَوْماً نِعَالُهُمُ الشَّعَر . كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ. حُمْرُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الأَعْيُنِ ذلف الأنوف». (1)
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ التُّرْكَ قَوْماً وُجُوهُهُمْ كَالْمَجَانِّ الْمُطْرَقَةِ. يَلْبَسُونَ الشَّعَرَ، وَيَمْشُونَ فِيه».(2)
أضواء على الحديث :(1/90)
قال النووي ـ رحمه الله :قوله - صلى الله عليه وسلم - : «كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» أما المجان فبفتح الميم وتشديد النون جمع مجن بكسر الميم وهو الترس ، وأما المطرقة فبإسكان الطاء وتخفيف الراء هذا هو الفصيج المشهور في الرواية وفي كتب اللغة والغريب، وحكى فتح الطاء وتشديد الراء والمعروف الأول، قال العلماء: هي التي ألبست العقب وأطرقت به طاقة فوق طاقة، قالوا: ومعناه تشبيه وجوه الترك في عرضها وتنور وجناتها بالترسة المطرقة. قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ذلف الآنف» هو بالذال المعجمة والمهملة لغتان المشهور المعجمة، وممن حكى الوجهين فيه قال: رواية الجمهور بالمعجمة وبعضهم بالمهملة والصواب المعجمة وهو بضم الذال وإسكان اللام جمع أذلف كأحمر وحمر ومعناه فطس الأنوف قصارها مع انبطاح ، وقيل هو غلظ في أرنبة الأنف، وقيل تضامن فيها وكله متقارب. قوله - صلى الله عليه وسلم - : «يلبسون الشعر ويمشون فيه» معناه ينتعلون الشعر كما صرح به في الرواية الأخرى نعالهم الشعر وقد وجدوا في زماننا هكذا، وفي الرواية الأخرى : «حمر الوجوه»أي بيض الوجوه مشوبة بحمرة، وفي هذه الرواية صغار الأعين، وهذه كلها معجزات لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد وجد قتال هؤلاء الترك بجميع صفاتهم التي ذكرها - صلى الله عليه وسلم - صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنف عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة ينتعلون الشعر فوجدوا بهذه الصفات كلها ، وقاتلهم المسلمون مرات ، ونسأل الله الكريم إحسان العاقبة للمسلمين في أمرهم وأمر غيرهم وسائر أحوالهم وإدامة اللطف بهم والحماية وصلى الله على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.(3)
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم باب : لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء ، حديث رقم: 7263.
((1/91)
2) أخرجه مسلم ، باب :لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء ، حديث رقم :7262.
(3) شرح النووي لصحيح مسلم ، كتاب الفتن وأشراط الساعة ، ج18 ، ص29.
84
الحديث الثاني والخمسون
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الجهاد
- عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ ? أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيَ بَعَثَهُ الله فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ. ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمِ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ. فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ». قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَحَدَّثْتُ عَبْدِ اللهِ بْنَ عُمَرَ فَأَنْكَرَهُ عَلَيَّ. فَقَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَنَزَلَ بِقَنَاةَ. فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُهُ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَلَمَّا جَلَسْنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثْتُهُ ابْنَ عُمَرَ.
أضواء على الحديث :(1/92)
الحواريون المذكورون فاختلف فيهم ، فقال الأزهري وغيره: هم خلصان الأنبياء وأصفياؤهم، والخلصان الذين نقوا من كل عيب، وقال : غيرهم: أنصارهم، وقيل: المجاهدون، وقيل: الذين يصلحون للخلافة بعدهم. قوله ?: «ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف» الضمير في« إنها » هو الذي يسميه النحويون ضمير القصة والشأن، ومعنى تخلف تحدث وهو بضم اللام. وأما الخُلُوف فبضم الخاء وهو جمع خلْف بإسكان اللام وهو الخالف بشر. وأما بفتح اللام فهو الخالف بخير، هذا هو الأشهر. وقال جماعة من أهل اللغة منهم أبو زيد: يقال كل واحد منهما بالفتح والإسكان، ومنهم من جوز الفتح في الشر، ولم يجوز الإسكان في الخير، والله أعلم. قوله: فنزل بقناة هكذا هو في بعض الأصول المحققة بقناة بالقاف المفتوحة وآخره تاء التأنيث وهو غير مصروف للعلمية والتأنيث، وهكذا ذكره أبو عبد الله الحميدي في الجمع بين الصحيحين ووقع في أكثر الأصول، ولمعظم رواة كتاب
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الإيمان ، باب النهي عن المنكر من الجهاد ، حديث رقم: 142.
85
مسلم بفنائه بالفاء المكسورة وبالمد وآخره هاء الضمير قبلها همزة ، والفناء ما بين أيدي المنازل والدور، وكذا رواه أبو عوانة الأسفرايني . قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ في رواية السمرقندي بقناة وهو الصواب ، وقناة واد من أودية المدينة عليه مال من أموالها، قال: ورواية الجمهور بفنائه وهو خطأ وتصحيف.
قوله ?: « يهتدون بهديه » هو بفتح الهاء وإسكان الدال أي بطريقته وسمته. (1)
- - -
ـــــــــــــــــ
(1) شرح النووي لصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، ج2 ص19.
86
الحديث الثالث والخمسون
أحد ثلاثة كان حق على الله عونهم المجاهد(1/93)
- عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «ثَلاَثَةٌ حَقٌّ على الله عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ في سَبِيلِ الله ، والمُكَاتَب الَّذِي يُرِيدُ الأدَاءَ، والنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ» .
أضواء على الحديث:
قوله - صلى الله عليه وسلم - :« ثَلاَثَةٌ حَقٌّ على الله عَوْنُهُمْ» أي ثابت عنده إعانتهم، أو واجب عليه بمقتضى وعده معاونتهم « المُجَاهِدُ في سَبِيلِ الله » أي بما يتيسر له الجهاد من الأسباب والآلات «والمُكَاتَب الَّذِي يُرِيدُ الأدَاءَ» و المُكَاتَبُ: العَبْدُ يُكاتَبُ على نَفْسه بثمنه، فإِذا سَعَى وأَدَّاهُ عَتَقَ. ، «والنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ» أي العفة من الزنا. قال الطيبي: إنما آثر هذه الصيغة إيذاناً بأن هذه الأمور من الأمور الشاقة التي تفدح الانسان وتقصم ظهره، لولا أن الله تعالى يعينه عليها لا يقوم بها، وأصعبها العفاف لأنه قمع الشهوة الجبلية المركوزة فيه، وهي مقتضى البهيمة النازلة في أسفل السافلين . (1)
- - -
ـــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي كتاب: أبواب الجهاد ، باب : باب ما جاء في المجاهد والمكاتب والناكح وعون الله إياهم ، و قال أبو عيسى حديثٌ حسنٌ. وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه ، والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.
(2) شرح سنن الترمذي ، أبواب الجهاد ، ج5 ص 239 ، بتصرف
87
الحديث الرابع والخمسون
بر الوالدين من الجهاد
- عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو ـ رضي الله عنهما ـ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ. فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ « فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ ». (1)
أضواء على الحديث :(1/94)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ففيهما فجاهد» أي خصصهما بجهاد النفس في رضاهما، ويستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضده إذا فهم المعنى، لأن صيغة الأمر في قوله: «فجاهد» ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما لهما، وليس ذلك مراداً قطعاً، وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد وهو تعب البدن والمال، ويؤخذ منه أن كل شيء يتعب النفس يسمى جهاداً، وفيه أن بر الوالد قد يكون أفضل من الجهاد، وأن المستشار يشير بالنصيحة المحضة، وأن المكلف يستفصل عن الأفضل في أعمال الطاعة ليعمل به لأنه سمع فضل الجهاد فبادر إليه، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه فدل على ما هو أفضل منه في حقه ، ولولا السؤال ما حصل له العلم بذلك. (2)
وفيه حجة لما قاله العلماء أنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما إذا كانا مسلمين أو بإذن المسلم منهما، فلو كانا مشركين لم يشترط إذنهما عند الشافعي ومن وافقه، وشرطه الثوري،هذا كله إذا لم يحضر الصف ويتعين القتال وإلا فحينئذ يجوز بغير إذن. وأجمع العلماء على الأمر ببر الوالدين وأن عقوقهما حرام من الكبائر. (3)
ــــــــــــــ
(1) متفق عليه أخرجه مسلم في صحيحه ، باب : بر الوالدين ، حديث رقم: 6456وأخرجه البخاري في كتاب الأدب باب لا يجاهدُ إلا بإذن الأبَوَين.
(2) فتح الباري ، كتاب الجهاد والسير ، باب الجهاد بإذن الأبوين ، ج6ص136.
(3) شرح النووي لصحيح مسلم ،كتاب البر والصلة والآداب، باب : بر الوالدين وأنهما أحق به، ج16 ، ص87.
88
الحديث الخامس والخمسون
أي الأعمال أفضل؟
- عن أبي هُرَيرة ? : «أنَّ رسولَ اللهِ ? سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ فقال: «إِيمانٌ باللهِ ورَسولهِ». قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». قيل: ثُمَّ ماذا؟ قال: «حَجٌّ مَبْرور»» (1)
أضواء على الحديث :(1/95)
قال ابن بطال: أن العمل ينال درجات الآخرة، وأن الإيمان قول وعمل، ويشهد له الحديث المذكور، وأراد به هذا الحديث، ثم قال: وهو مذهب جماعة أهل السنة. قال أبو عبيدة: وهو قول مالك والثوري والأوزاعي ومن بعدهم. ثم قال: وهو مراد البخاري بالتبويب، وقال أيضا في هذا الحديث: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الإيمان من العمل، وفرق في أحاديث أخر بين الإيمان والأعمال، وأطلق اسم الإيمان مجرداً على التوحيد، وعملَ القلب، والإسلام على النطق وعمل الجوارح، وحقيقة الإيمان مجرد التصديق للقول والعقد، وتمامه بتصديق العمل بالجوارح، فلهذا أجمعوا أنه لا يكون مؤمن تام الإيمان إلا باعتقاد وقول وعمل، وهو الإيمان الذي ينجي رأسا من نار جهنم، ويعصم المال والدم، وعلى هذا يصح إطلاق الإيمان على جميعها، وعلى بعضها من: عقد أو قول أو عمل وعلى هذا لا شك بأن التصديق والتوحيد أفضل الأعمال إذ هو شرط فيها.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «أفضل» أي: الأكثر ثواباً عند الله ، وهو أفعل التفضيل من فضَل يفضُل، من باب: دخل يدخُل، ويقال: فضِل يفضَل من باب: سمِع يسمَع، حكاها ابن السكيت ، وفي «العباب»: فضلته فضلاً أي: غلبته بالفضل، وفضل منه شيء ،
ـــــــــــــــــ
(1) متفق عليه أخرجه البخاري ، باب : من قال أن الإيمان هو العمل ، حديث رقم: 26. أخرجه مسلم أيضاً في كتاب الإيمان، وأخرجه النسائي أيضاً نحوه.
89(1/96)
والفضل والفضيلة خلاف النقص والنقيصة. قوله: «الجهاد» مصدر جاهد في سبيل الله مجاهدة وجهاداً، وهو من الجهد بالفتح، وهو المشقة وهو القتال مع الكفار لإعلاء كلمة الله؛ والسبيل: الطريق، يذكر ويؤنث. قوله: «حج مبرور» الحج في اللغة: القصد، وأصله من قولك: حججت فلاناً أحجه حجاً إذا عدت إليه مرة بعد اخرى، فقيل: حج البيت، لأن الناس يأتونه في كل سنة، وفي الشرع: الحج، قصد زيارة البيت على وجه التعظيم. وقال الكرماني: الحج قصد الكعبة للنسك بملابسة الوقوف بعرفة. والمبرور: هو الذي لا يخالطه إثم. وقيل: هو المقبول، ومن علامات القبول أنه إذا رجع يكون حاله خيراً من الحال الذي قبله، وقيل: هو الذي لا رياء فيه، وقيل: هو الذي لا تتعقبه معصية، وهما داخلان فيما قبلهما، والبر، بالكسر: الطاعة والقبول.
ومما يستفاد من هذا الحديث :(1/97)
الدلالة على نيل الدرجات بالأعمال. ومنها: الدلالة على أن الإيمان قول وعمل. ومنها: الدلالة على أن الأفضل بعد الإيمان الجهاد، وبعده الحج المبرور. فان قلت: في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : «أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها» ثم ذكر بر الوالدين، ثم الجهاد. وفي حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما: «أي الاسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف». وفي حديث أبي موسى - رضي الله عنه - : «أي الإسلام افضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده». وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه - سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أي العمل أفضل؟ قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها» الحديث ولم يذكر فيه الحج، وكلها في الصحيح. والسؤال هنا هو كيف يمكن الجمع بين هذه الروايات ؟ والإجابة من وجهين: أحدهما: أنه جرى على اختلاف الأحوال والأشخاص، كما روي أنه، عليه السلام، قال: حجة لمن يحج أفضل من أربعين غزوة ، وغزوة لمن حج أفضل من أربعين حجة، والآخر أن
90(1/98)
لفظة : من، مرادة، والمراد من أفضل الأعمال، كذا. كما يقال: فلان أعقل الناس، أي من أعقلهم، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : «خيركم خيركم لأهله». ومعلوم انه لا يصير بذلك خير الناس. قلت: وبالجواب الأول أجاب القاضي عياض، فقال: أعلم كل قوم بما لهم إليه حاجة،وترك ما لم تدعهم إليه حاجة، أو ترك ما تقدم علم السائل إليه أو علمه بما لم يكمله من دعائم الإسلام ولا بلغه عمله، وقد يكون للمتأهل للجهاد الجهاد في حقه أولى من الصلاة وغيرها، وقد يكون له أبوان لو تركهما لضاعا، فيكون برهما أفضل، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «ففيهما فجاهد» وقد يكون الجهاد أفضل من سائر الأعمال عند استيلاء الكفار على بلاد المسلمين. قلت: الحاصل أن اختلاف الأجوبة، في هذه الأحاديث لاختلاف الأحوال، ولهذا سقط ذكر الصلاة والزكاة والصيام في هذا الحديث المذكور في هذا الباب، ولا شك أن الثلاث مقدمات على الحج والجهاد، ويقال: إنه قد يقال: خير الأشياء كذا، ولا يراد أنه خير من جميع الوجوه في جميع الأحوال والاشخاص، بل في حال دون حال، فإن قيل: كيف قدم الجهاد على الحج، مع أن الحج من أركان الاسلام، والجهاد فرض كفاية؟ يقال: إنما قدمه للاحتياج إليه أول الإسلام، ومحاربة الأعداء، ويقال: إن الجهاد قد يتعين كسائر فروض الكفاية، وإذا لم يتعين لم يقع إلاَّ فرض كفاية، وأما الحج فالواجب منه حجة واحدة، وما زاد نفل فإن قابلت واجب الحج بمتعيّن الجهاد، كان الجهاد أفضل لهذا ولأنه شارك الحج في الفرضية، وزاد بكونه نفعاً متعدياً إلى سائر الأمة، وبكونه ذباً عن بيضة الإسلام.(1/99)
وقد قيل: ثم ، ههنا للترتيب وقيل: ثم لا يقتضي ترتيباً، فإن قابلت نفل الحج بغير متعيّن الجهاد، كان الجهاد أفضل لما أنه يقع فرض كفاية، وهو أفضل من النفل بلا شك؛ وقال إمام الحرمين في كتاب «الغياثى»: فرض الكفاية عندي أفضل من فرض العين من حيث أن فعله مسقط للحرج عن الأمة بأسرها، وبتركه يعصى المتمكنون منه كلهم، ولا شك في عظم وقع ما هذه صفته، والله اعلم. (1)
ــــــــــــ
(1) عمدة القاري ، باب : من قال أن الإيمان هو العمل ، ج1ص183.
91
الحديث السادس والخمسون
من أفضل الجهاد حج ميرور
الحج جهاد النساء
- عن عائشةَ أمِّ المؤمنينَ ـ رضيَ اللهُ عنها ـ أنها قالت: يا رسُولَ اللهِ، نَرَى الجهادَ أفضلَ العملِ، أفلا نُجاهدُ؟ قال: «لا، ولَكُنَّ أفضلَ الجهادِ حجٌّ مَبْرور».(1)
- عن عائشةَ أُمِّ المؤمنينَ ـ رضي الله عنها ـ «عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سألَهُ نِساؤهُ عنِ الجهادِ فقال: نِعمَ الجهادُ الحجُّ». (2)
أضواء على الحديث :
قول عائشة ـ رضي الله عنها: «نَرى الجهاد أفضل العمل» وهو بفتح النون أي نعتقد ونعلم، وذلك لكثرة ما يسمع من فضائله في الكتاب والسنة. وقد رواه جرير عن صهيب عند النسائي بلفظ « فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل من الجهاد». قوله: « ولكن أفضل الجهاد» اختلف في ضبط «لَكُنَّ» فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة، قال القابسي: وهو الذي تميل إليه نفسي. وفي رواية الحموي لكن بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك، والأول أكثر فائدة لأنه يشتمل على إثبات فضل الحج وعلى جواب سؤالها عن الجهاد، وسماه جهاداً لما فيه من مجاهدة النفس، وجعل الحج أفضل الجهاد. (3)
- - -
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري باب: فضل الحج المبرور، حديث رقم : 1502.
(2) أخرجه البخاري باب: جهاد النساء، حديث رقم : 2811.
(3) فتح الباري ، ج4 ص464.
92
الحديث السابع والخمسون
الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله(1/100)
- عن صَفوانَ بن سُليمٍ يرفعُه إلى النبيِّ ? قال « الساعي على الأرملةِ والمِسكين كالمجاهد في سبيلِ الله ، أو كالذي يصوم النهارَ ويقومُ الليل». (1)
أضواء على الحديث :
قوله ?: «باب الساعي على الأرملة» أي في مصالحها، والمراد بالساعي الكاسب لهما العامل لمؤنتهما، والأرملة من لا زوج لها سواء كانت تزوجت أم لا، وقيل هي التي فارقت زوجها، قال ابن قتيبة: سميت أرملة لمايحصل لها من الإرمال وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج، يقال أرمل الرجل إذا فني زاده. (2)
vvv
ــــــــــــــــ
(1) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان باب: فضل الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم أخرجه البخاري في صحيحه باب: الساعي على الأرملة ، حديث رقم: 5869
(2) شرح النووي لصحيح مسلم ، كتاب الزهد ، باب فضل الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم ، ج18، ص89.
93
الحديث الثامن والخمسون
فهو بمنزلة المجاهد
- عن أبي هريرة ? قال: سمعت رسول الله ? يقول «من جاء مسجدي هذا، لم يأته إلاَّ لخير يتعلمه أو يعلمه، فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله . ومن جاء ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره».(1)
أضواء على الحديث :
قوله - صلى الله عليه وسلم - :« من جاء مسجدي هذا» هو مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو أحد ثلاثة مساجد والتي لا يشد الرحال إلا إليها قال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - «لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلاّ إلى ثلاثةِ مَساجِدَ: المسجدِ الحرامِ، ومسجدِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومسجد الأقصى». (2)
وفضيلة شد الرحال إليها لأن معناه عند جمهور العلماء لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها.(1/101)
وقال - صلى الله عليه وسلم - في فضل الصلاة فيه : «الصَّلاةُ في المَسْجِدِ الحَرَامِ بِمِئَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ، والصَلاَةُ فِيْ مَسْجِدِي بِألْفِ صَلاَةٍ، والصَّلاَةُ فِيْ بَيْتِ المَقْدِسِ بِخَمْسِ مِئةٍ صَلاةٍ»(3) وفي الحديث فضل العلم والعلماء والحث على طلب العلم وطالب العلم بمنزلة المجاهد. وأخرج الحاكم : «مَنْ جاءَ مَسْجِدَنا هذا يَتَعَلَّمُ خَيْراً وَيُعَلِّمُهُ، فَهو كالْمجَاهِدِ في سَبيلِ الله ،« وَمَنْ جاءَ بِغَيْرِ هذا كانَ كالرَّجُلِ يَرى الشَّىْءَ يُعْجِبُهُ وَلَيْسَ لَهُ» وَرُبَّما قالَ: «يَرى الْمصَلّينَ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَيَرى الذّاكِرينَ وَلَيْسَ مِنْهُمْ»(4)
ــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن ماجه في سننه باب : في فضل العلماء والحث على طلب العلم ، وفي مصبح الزجاجة : هذا إسناد صحيح احتج مسلم بجميع رواته. رواه الحاكم في المستدرك من طريق حميد بن صخر وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا بجميع رواته ثم أخرجاه، قال: «ولا أعلم له علّة».قلت: قد أعلّه الدارقطني في علله بأنه اختلف فيه على سعيد المقبري، عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث، عن كعب الأحبار قوله، ورواه ابن عجلان عن المقبري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن كعب قوله.وقول عبد الله بن عمر أشبه بالصواب.وقول الحاكم: إن الشيخين احتجا بجميع رواته فيه نظر فلم يحتج البخاري بحميد ولا أخرج له في صحيحه، وإنما روى له في كتاب «الأدب المفرد» حديثين، نعم أخرج له مسلم في صحيحه. رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر في مسنده عن المقري، عن حيوة، عن أبي صخر حميد بن صخر به، وأبو يعلى الموصلي حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة فذكره.ج1ص73.
(2) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان ، باب لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد ، أخرجه البخاري في: 20 كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة: 1 باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة.
((1/102)
3) مجمع الزوائد للهيثمي ، حديث رقم : 3785 وقال : رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات ، وفي بعضهم كلام، وهو حديث حسن.
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك ، باب من جاء المسجد لتعلم خير ، حديث رقم ، 315.
94
الحديث التاسع والخمسون
حرمة نساء المجاهدين كحرمة أمهاتهم
- عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ?: «حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ ، كَحُرْمَةِ أُمهَاتِهِمْ. وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ، فَيَخُونُهُ فِيهِمْ، إِلاَّ وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ. فَمَا ظَنُّكُمْ؟». (1)
أضواء على الحديث :
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ، كَحُرْمَةِ أُمهَاتِهِمْ » هذا في شيئين: أحدهما: تحريم التعرض لهن بريبة من نظر محرم وخلوة وحديث محرم وغير ذلك. والثاني: في بِرهِنَّ والإحسان إليهن وقضاء حوائجهن التي لا يترتب عليها مفسدة ولا يتوصل بها إلى ريبة ونحوها. و الذي يخون المجاهد في أهله: يُأخَذُ يوم القيامة من حسناته ، قوله - صلى الله عليه وسلم - : « فما ظنكم» معناه ما تظنون في رغبته في أخذ حسناته والاستكثار منها في ذلك المقام أي لا يبقى منها شيئاً إن أمكنه والله أعلم. (2)
- - - -
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم باب : حرمة نساء المجاهدين ، حديث رقم ، 4864.كما أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وابن حبان .
(2) شرح النووي ، كتاب الإمارة ، باب : حرمة نساء المجاهدين وإثم من خانهم فيهن ، ج13ص36.
95
الحديث الستون
الله لا يقبل من العمل إلا من كان خالصاً لوجهه الكريم(1/103)
- عن مِكْرَزٍ رَجُلٍ مِن أهل الشام مِن بني عامرِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غالبٍ عن أبي هُريرة ? أن رجلاً قال: يا رَسُولَ الله رَجُلٌ يُرِيدُ الجِهَادَ في سَبيلِ اللهِ وهو يَبْتَغِي مِنْ عَرَضِ الدنيا قالَ رَسُولُ اللهِ ?: «لا أَجْرَ لهُ» فَأَعْظَمَ ذلكَ الناسُ، وقالوا للرجل: عُدْ لِرسُولِ اللهِ ، فَلَعَلَّكَ لَمْ تَفْهَمْهُ، قالَ: فقالَ الرجلُ: يا رَسُول الله: رجلٌ يُرِيدُ الجهادَ في سبيلِ اللهِ وهُوَ يبتغي مِنْ عَرَضِ الدُّنيا؟ قالَ: «لا أَجْرَ لَهُ» فأعظمَ ذلكَ الناسُ، وقالوا للرجلِ: عُدْ لرسولِ اللهِ، فقالَ لَهُ الثالثةَ: رَجُلٌ يريدُ الجهادَ في سبيلِ اللَّهِ وهو يبتغي مِنْ عَرَض الدُّنيا؟ قال: «لا أجرَ لَهُ». (1)
أضواء على الحديث :
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا أجرَ لَهُ» الأَجْرُ: الجزاء على العمل ، والمراد أن من ابتغى بجهاده أي عرض من عرض الدنيا فإنه لا ثواب له في الآخرة .
وما يستفاد من الحديث : أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم.
- - -
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه حديث رقم: 4547.
96
الحديث الواحد والستون
إخلاص النية في الجهاد في سبيل الله
رجل صدق الله فصدقه الله(1/104)
- عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ ?: « أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ ? فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ثُمّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ. فَأَوصَى بِهِ النَّبِيُّ ? بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ ? سَبْياً فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُم فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إلَيْهِ فَقَالَ: مَا هذَا؟ قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ ? فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ ? فَقَالَ: مَا هذَا؟ قَالَ: قَسَمْتُهُ لَكَ قَالَ : مَا عَلَى هذَا اتَّبَعْتُكَ وَلكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إلَى ههُنَا وَأَشَارَ إلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الجَنَّةَ فَقَالَ: إن تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ فَلَبِثُوا قَلِيلاً ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ ? يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ ?: أَهُوَ هُوَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: صَدَقَ الله فَصَدَقَهُ ، ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيّ ? فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ ? ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَان فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلاَتِهِ اللَّهُمَّ هذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِراً فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيداً أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذلِكَ».(1)
أضواء على الحديث :(1/105)
قال السندي ـ رحمه الله : قوله: «أهاجر معك» أي أسكن معك مهاجراً «غنم» كسمع غَنِمَ الشيءَ غُنْماً: فاز به. « والغَنِيمة، والغُنْم، والمَغْنَم، والغنائم» وهو ما أصِيب من أموال أهل الحَرْب، «قسم» بكسر القاف بمعنى النصيب «ما على هذا الخ» أي ما آمنت بك لأجل الدنيا ولكن آمنت لأجل أن أدخل الجنة بالشهادة في سبيل الله «أُرمى» على بناء المفعول «إن تصدق الله» هو بالتخفيف من الصدق في الموضعين من باب نصر أي إن كنت صادقاً فيما تقول وتعاهد الله عليه يجزك على صدقك بإعطاء ما تريده «فصلى عليه» فهذا يدل على الصلاة على الشهيد. (2)
ـــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه النسائي في السنن الصغرى باب الصلاة على الشهداء ، حديث رقم: 1954،وأخرجه الحاكم في المستدرك ، برقم 6582 وصححه على شرط مسلم.
(2) شرح السندي ، كتاب الجنائز ،ج4ص299.
97
الحديث الثاني والستون
جهاد النفس أحد أنواع الجهاد
- عن فَضَالَةَ بنَ عُبْيْدٍ - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قال: «كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ على عَمَلِهِ إلاَّ الَّذِي مَاتَ مُرَابِطاً في سبيلِ الله فإنَّهُ يُنْمي لَهُ عَمَلَهُ إلى يَوْمِ القيامَةِ ويَأْمَنُ من فِتْنَة الْقَبْرِ» وسَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « المُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ».(1)
وفي رواية لابن حبان : عن فَضَالَة بنُ عبيدٍ - رضي الله عنه - ، قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوداعِ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بالمؤمنِ: مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ على أموالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ، والمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ ويَدِهِ، والمجاهِدُ مَنْ جاهَدَ نفسهُ في طَاعَةِ اللَّهِ، والمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الخطايا والذنوبَ».(2)
أضواء على الحديث :(1/106)
قوله - صلى الله عليه وسلم - «كل ميت يختم» بصيغة المجهول ، «على عمله» أي لا يكتب له ثواب جديد ، «فإنه ينمي له عمله» بفتح الياء وكسر الميم أي يزيد، ويجوز أن يكون بضم الياء وفتح الميم من الإنماء أي يزاد عمله بأن يصل إليه كل لحظة أجر جديد، فإنه فدى نفسه فيما يعود نفعه على المسلمين، وهو إحياء الدين بدفع أعدائهم من المشركين «ويأمن فتنة القبر» أي مع ذلك، ولعله بهذا امتاز عن غيره الوارد في حديث مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً: إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، الحديث.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «المجاهد من جاهد نفسه» أي قهر نفسه الأمارة بالسوء على ما فيه رضا الله من فعل الطاعة وتجنب المعصية، وجهادها أصل كل جهاد، فإنه لم يجاهدها لم يمكنه جهاد العدو الخارج. (3)
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي في سننه ، باب : ما جاء في فضل من مات مرابطاً ، حديث رقم : 1623 ، قال أبو عيسى وفي البابِ عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ وَجَابِرٍ ، حديثُ فَضَالَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
(2) أخرجه ابن حبان في صحيحه ، حديث رقم: 4770.
(3) شرح سنن الترمذي للمباركفوري ، أبواب الجهاد ، باب ما جاء في فضل من مات مرابط ، ج5ص199.
98
الحديث الثالث والستون
من أنواع الجهاد
جهاد بالمال ، وبالنفس ، وباللسان
- عن أنس - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:«جاهِدوا الْمُشْرِكينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» (1)
أضواء على الحديث :(1/107)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : « جاهدوا المشركين بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ »: قال في السبل: الحديث دليل على وجوب الجهاد بالنفس وهو بالخروج والمباشرة للكفار، وبالمال وهو بذله لما يقوم به من النفقة في الجهاد والسلاح ونحوه، وباللسان بإقامة الحجة عليهم ودعاؤهم إلى الله تعالى والزجر ونحوه من كل ما فيه نكاية للعدو ? ????? ???????????? ???? ??????? ???????? ??????? ?????? ????? ????? ?????? ????????? ? (2) ». (3)
... وهذه الآية فصل الخطاب فيما يقوم به المجاهد من أي عمل جهادي فيه نكاية بالعدو.
rrr
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك باب : ذكر ليلة أفضل من ليلة القدر ، حديث رقم :2466، هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، أخرجه أبو داود باب :ترك الغزو، حديث رقم: 2505، والدارمي باب جهاد المشركين باللسان رقم 2433 ، والبيهقي في السنن باب أصل فرض الجهاد .
(2) [ سورة التوبة:من الآية 120]
(3) شرح عون المعبود ، كتاب الجهاد ، باب كراهية ترك الغزو ، ج7ص181.
99
الحديث الرابع والستون
إذاً تعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله
- عن عامر ابن سعد ابن أبي وقاص عن أبيه سعد ?:« أن رجلا جاء إلى الصلاة والنبي ? يصلي بنا فقال حين انتهى إلى الصف: اللهم ائتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين. فلما قضى النبي ? الصلاة قال: من المتكلم آنفا؟ قال الرجل: أنا يا رسول الله فقال النبي ?: إذاً تعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله».
أضواء على الحديث:(1/108)
قوله - صلى الله عليه وسلم - :« إذاً تعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله».وأصلُ العقر: ضَرْب قوائِم البعير أو الشاةِ بالسيفِ وهو قائمٌ . والشهيد في اللغة : الشهيد في الأصل من قُتِلَ مُجَاهِداً في سبيل الله والجمع شهداء ، ثم أُتسع فيه فأطلق على من سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - من المبطون والغَرق والحرق وصاحب الهدم وذات الجنب وغيرهم ، وفي الحديث: أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ورق الجنة ، والاسم الشهادة ، واستشهد قتل شهيداً ، وتشهد طلب الشهادة، والشهيد : الحي ، وسمي شهيداً لأن ملائكته شهود له بالجنة وقيل: لأنه حي لم يمت كأنه شاهد أي حاضر وقيل: لأن ملائكة الرحمة تشهده وقيل : لقيامه بشهادة الحق في أمر الله حتى قُتِلَ وقيل : لأنه يشهد ما أعد الله له من الكرامة بالقتل ، وقيل غير ذلك فهو فعيل بمعنى فاعل وبمعنى مفعول على إختلاف التأويل ، وسُئِلَ النضر بن شميل في تفسير الشهيد الذي يُسْتَشْهَدُ فقال :الحيّ أَي هو عند ربه حيّ ، وعن قول فلان شَهِيد فقال: فلان حيّ أَي عند ربه حيّ ، متأولاً قول الله ـ عز وجل : ? ????? ???????????? ?????????? ??????????? ? ????????? ?????? ??????????????? ????? ???????????? ????? ?????????? ?????????????? ? (2)
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه باب : عند الانتهاء إلى الصف ، 456.
(2) [ سورة آل عمران:الآية 169]
100
كأن أرواحهم أحضرت دار السلام أحياء وأرواح غيرهم أخرت إلى البعث وهذا قول حسن .(1/109)
وقال ابن الأنباري : سمي الشهيد شهيداً لأن الله وملائكته شهود له بالجنة وقيل سموا شهداء لأنهم ممن يُستَشْهد يوم القيامة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأمم الخالية قال الله ـ عز وجل : ? ??????????????? ??????????? ????? ????????? ???????????? ??????????? ?????????? ??????????? ? (1) وقال أبو إسحق الزجاج جاء في التفسير أن أمم الأنبياء تكذب في الآخرة من أرسل إليهم فيجحدون أنبياءهم هذا فيمن جحد في الدنيا منهم أمر الرسل فتشهد أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بصدق الأنبياء وتشهد عليهم بتكذيبهم ويشهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه بصدقهم ، قال أبو منصور: والشهادة تكون للأفضل فالأفضل من الأمة، فأفضلهم من قُتِلَ في سبيل الله ، مُيِزُواعن الخلق بالفضل وبَيَّنَ الله أنهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ثم يتلوهم في الفضل من عَدَّهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - شهيداً ، فإنه قال : المبطون شهيد، والمطعون شهيد ، قال : ومنهم أن تموت المرأة بجمع ودَلَّ خبر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن من أنكر منكراً وأقام حقاً ولم يَخَفْ في الله لومة لائم أنه في جملة الشهداء لقوله ـ رضي الله عنه : ما لكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس أن لا تعزموا عليه قالوا : نخاف لسانه فقال: ذلك أحرى أن لا تكونوا شهداء قال الأزهري : معناه والله أعلم أنكم إذا لم تعزموا وتقبحوا على من يقرض أعراض المسلمين مخافة لسانه لم تكونوا في جملة الشهداء الذين يُسْتَشْهَدُونَ يوم القيامة على الأمم التي كذبت أنبياءها في الدنيا .(1/110)
ومن أسماء الله ـ عز وجل :الشهيد ، قال أبو إسحاق : الشهيد من أسماء الله الأمين في شهادته قال : وقيل الشهيد : الذي لا يغيب عن علمه شيء ، والشهيد الحاضر وفعيلٌ من أبنية المبالغة في فاعل فإذا اعتبر العلم مطلقاً فهو العليم وإذا أضيفت إليه الأمور الباطنة فهو الخبير ، وإذا أُضيفت إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد ، وقد يُعْتَبَرُ مع هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة (1).
ــــــــــــ
(1) [ سورة البقرة: من الآية 143]
(2) لسان العرب ج: 3 ص: 242 بتصرف .
101
من هو الشهيد شرعاً ؟:
هناك عدة أحاديث ذُكرت في تعريف الشهيد شرعاً من أمته - صلى الله عليه وسلم - منها: قوله - صلى الله عليه وسلم - : « الشُّهَدَاءُ خَمْسةٌ: المَطْعُونُ، والمبطُونُ والغَرقُ، وَصَاحبُ الهَدمِ ، والشَّهيدُ في سبيل الله » (1)(1/111)
وفي رواية مالك في الموطأ من حديث جابر بن عتيك - رضي الله عنه - : « .. الشهداء سبعة سوى القتل فى سبيل الله - .. » فذكر المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم وصاحب ذات الجنب والحرق والمرأة تموت بجمع ، وفى رواية لمسلم : « من قتل فى سبيل الله فهو شهيد ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد » وهذا الحديث الذى رواه مالك صحيح بلا خلاف وان كان البخارى ومسلم لم يخرجاه فأما المطعون فهو الذى يموت فى الطاعون كما فى الرواية الأخرى : «الطاعون شهادة لكل مسلم» وأما المبطون فهو صاحب داء البطن وهو الاسهال وقيل هو الذى به الاستسقاء وانتفاخ البطن وقيل هو الذى تشتكى بطنه وقيل هو الذى يموت بداء بطنه مطلقا وأما الغرق فهو الذى يموت غريقا فى الماء ، وصاحب الهدم من يموت تحته ، وصاحب ذات الجنب معروف وهى قرحة تكون فى الجنب باطناً والحريق الذى يموت بحريق النار ، وأما المرأة تموت بجمع فهو بضم الجيم وفتحها وكسرها والضم أشهر قيل : التى تموت حاملا جامعة ولدها فى بطنها ، وقيل هى البكر والصحيح الأول وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : « ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد » فمعناه بأى صفة مات ، قال العلماء : « وإنما كان هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها » .
ـــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري باب : الشهادة سبع سوى القتل ج3 ص1044 باب فضل التهجير ج1 ص232 حديث 645 ، أحمد ج2 حديث 8257 مسند أبي هريرة ، حديث رقم 10668، سنن النسائي الكبرى في الطاعون ج4 ص363 حديث 7529 ، الترمذي باب ما جاء في الشهداء من هم حديث رقم 1057 ، وقال : وفي الباب عن أنس وصفوان بن أمية وجابر بن عتيك وخالد بن عُرْفطة وسليمان بن صُرد وأبي موسى وعائشة وقال أبو عيسى : حديث أبي هريرة حديثٌ حسنٌ صحيح .
102
واعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام :(1/112)
أحدها : المقتول فى حرب الكفار بسبب من أسباب القتال فهذا له حكم الشهداء فى ثواب الآخرة وفى أحكام الدنيا وهو أنه لا يُغَسَّل ولا يصلى عليه .
الثانى : شهيد فى الثواب دون أحكام الدنيا وهو المبطون والمطعون وصاحب الهدم ومن قتل دون ماله وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيداً فهذا يُغَسَّل ويُصَّلَى عليه وله فى الآخرة ثواب الشهداء و لا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول .
الثالث : من غل فى الغنيمة وشبهه ممن وردت الآثار بنفى تسميته شهيداً إذا قُتِلَ فى حرب الكفار فهذا له حكم الشهداء فى الدنيا ،فلا يغسل ولا يصلى عليه وليس له ثوابهم الكامل فى الآخرة والله أعلم (1) .(1/113)
والسؤال هنا كيف الجمع بين الروايات المختلفة في تعريف الشهيد يقول الحافظ بن حجر ـ رحمه الله ـ في الفتح وقد جاءت ترجمة البخاري ـ رحمه الله ـ للباب الشهادة سبع سوى القتل وذكر البخاري في حديثه الشهداء خمسة : قال الإسماعيلي الترجمة مخالفة للحديث وقال ابن بطال : لا تخرج هذه الترجمة من الحديث أصلاً وهذا يدل على أنه مات قبل أن يُهَذِبَ كتابه وأجاب ابن المنير بأن ظاهر كلام ابن بطال أن البخاري أراد أن يُدْخِلَ حديث جابر بن عتيك - رضي الله عنه - فأعجلته المنية عن ذلك وفيه نظر قال ويحتمل أن يكون أراد التنبيه على أن الشهادة لا تنحصر في القتل بل لها أسباب أُخَر وتلك الأسباب اختلفت الأحاديث في عددها ففي بعضها خمسة وفي بعضها سبعة والذي وافق شرط البخاري الخمسة فنبه بالترجمة على أن العدد الوارد ليس على معنى التحديد انتهى وقال بعض المتأخرين يحتمل أن يكون بعض الرواة يعني رواة الخمسة نسي الباقي وهو احتمال بعيد لكن يقربه ما تقدم من الزيادة في حديث أبي هريرة عند مسلم وكذا وقع لأحمد من وجه آخر عنه والمجنوب شهيد يعني صاحب ذات الجنب والذي يظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - أعلم بالأقل ثم أعلم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك .
ــــــــــ
(1) شرح النووي على صحيح مسلم ج: 13 بتصرف.
103
الحديث الخامس والستون
فضل من أوقف في سبيل الله
- عن أبي هُرَيْرَةَ ? يقُولُ: قالَ النَّبِيُّ ? «مَنِ احتبسَ فَرَساً في سَبِيلِ الله، إيماناً بِالله، وتَصْدِيقاً بِوَعْدِهِ، فَإنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ ورَوْثَهُ وبَوْلَهُ في مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ»(1)
أضواء على الحديث :(1/114)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «مَنِ احتبسَ فَرَساً في سَبِيلِ الله » حَبَّسَه: أَمسكه عن وجهه. والحَبْسُ: ضدّ التخلية. والمعنى أنه اخْتَصَه وخَصَّهُ في سبيل الله ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «إيماناً»، نصب على أنه مفعول له أي: ربطه خالصاً لله تعالى امتثالاً لأمره. قوله: «وتصديقاً بوعده» عبارة عن الثواب المترتب على الاحتباس، ويقال: بوعده، أي: للثواب في القيامة. وقال الطيبي: تلخيصه أنه احتبس امتثالاً واحتساباً، وذلك أن الله تعالى وعد الثواب على الاحتباس، فمن احتبس فكأنه قال: صدقت فيما وعدتني. قوله: «شِبَعَهُ»، بكسر الشين أي: ما يشبه به. قوله: «ورِيَّه»، بكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف: من رويت من الماء، بالكسر أروي رياً ورياً وروياً أيضاً، مثل: رضي، ووقع في حديث أسماء بنت يزيد أخرجه أحمد: ومن ربطها رياء وسمعة... الحديث. وفيه: فإن شبعها وجوعها... إلى آخره، خسران في موازينه. قوله: «وروثه» أراد به ثواب ذلك، لا أن الأرواث توزن بعينها، وروى ابن بنت منيع من حديث علي مرفوعاً: من ارتبط فرساً في سبيل الله فعلفه وأثره في موازينه يوم القيامة. وروء ابن أبي عاصم من حديث المطعم بن المقدام عن الحسن
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه باب من احتبس فرساً في سبيل الله ، حديث رقم: 2788.
104
عن سهل بن الحنظلية يرفعه: من ارتبط فرساً في سبيل الله كانت النفقة عليه كالماد يده بصدقة لا يقبضها، وروى ابن ماجه من حديث محمد بن عقبة القاضي عن أبيه عن جده عن تميم الداري ?: سمعت رسول الله ، ? يقول: «من ارتبط فرساً في سبيل الله فعالج علفه ، كان له بكل حبة حسنة. وفيه : أن النية يترتب عليها الأجر. وفيه: أن الأمثال تضرب لصحة المعاني . وقيل: يستفاد من هذا الحديث أن هذه الحسنات تقبل من صاحبها لتنصيص الشارع على أنها في ميزانه، بخلاف غيرها، فقد لا تقبل فلا تدخل الميزان. (1)(1/115)
ويستفاد من هذا الحديث أيضاً: أن من المصارف الشرعية للوقف هي في سبيل الله ويتمثل ذلك في إقامة التصنيع الحربي الإسلامي القوي فيجب على المسلمين أن يمتلكوا وسائل التصنيع الحربي المتقدم في جميع المجالات الحربية وأن يحتسبوها ويحتبسوها في سبيل الله .
- - -
ـــــــــــــ
(1) عمدة القاري ، باب من احتبس فرساً في سبيل الله ، ج14 ، ص145.
105
الحديث السادس والستون
من خرج في سبيل الله مجاهداً فمات أو قتل فهو شهيد.
- عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ فَصل في سَبيلِ الله فَماتَ أَوْ قُتِلَ فهو شهيد أو وَقَصَهُ فَرَسُهُ أَوْ بَعيرُهُ أَوْ لَدَغَتْهُ هامَةٌ أَوْ ماتَ على فِراشِهِ بِأَيِّ حَتْفٍ شاءَ الله ، فَإِنَّهُ شَهيدٌ وَإِنَّ لَهُ الْجَنَّةَ»» (1) .
أضواء على الحديث :
قوله : - صلى الله عليه وسلم - : «من فصل في سبيل الله » : أي خرج من منزله . ومنه قوله تعالى ? ????????? ???????? ???????? ????????????? ? (2) «في سبيل الله»: أي للجهاد ونحوه «أو وقصه»: أي صرعه فدق عنقه «أو لدغته»:بالدال المهملة والغين المعجمة أي لسعته «هامة»: بتشديد الميم. قال الخطابي: هي إحدى الهوام وهي ذوات السموم من القاتلة كالحية والعقرب ونحوهما «أو بأي حتف»: بفتح وسكون أي أيٍّ نوع من الهلاك. (3)
- - -
ـــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود في سننه ج: 3 ص: 9 باب فيمن مات غازياً حديث 2499 ، وأخرجه الحاكم في مستدركه حديث رقم 2457 ، باب لا تتمنوا لقاء العدو ، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
(2) [ سورة البقرة:من الآية 249]
(3) عون المعبود كتاب الجهاد ، باب : فيمن مات غازياً ، ج7ص176.
106
الحديث السابع والستون
المجاهد الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى لما يرى من فضل الشهادة(1/116)
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ. لَهَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ. يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الدُّنْيَا . وَلاَ أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إلاَّ الشَّهِيدُ فَإنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ فِي الدُّنْيَا . لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ». (1)
أضواء على الحديث :
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ. لَهَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ. يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الدُّنْيَا. وَلاَ أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إلاَّ الشَّهِيدُ .. .. إلى آخره». هذا من صرائح الأدلة في عظيم فضل الشهادة والله المحمود المشكور.
- - -
ـــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم ، باب فضل الشهادة في سبيل الله ، حديث رقم 4823.
107
الحديث الثامن والستون
من المجاهدين في سبيل الله والذين قُتلوا من كلم الله كفاحاً
- فعن طَلْحَةَ بنَ خِرَاشٍ ، قالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله ـ رضي الله عنهما ـ يَقُولُ:« لَقِيَنِي رَسُولُ الله ? فَقَالَ لِي : « يَا جَابر ماَلِي أَرَاكَ مُنْكَسِراً ؟ » قُلْتُ يَا رَسُولَ الله اسْتُشْهِدَ أَبي قتل يوم أحد وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْناً، قالَ: قال: «أَفلاَ أَبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ الله بِهِ أَبَاكَ؟» قالَ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ:« مَا كَلَّمَ الله أَحَداً قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابِهِ وَأَحْيَى أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحاً، فَقَالَ: تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِيكَ، قالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً ، قالَ الرَّبُ عز وجل إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي : { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} قالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : ? ????? ???????????? ?????????? ??????????? ? ????????? ?????? ??????????????? ? (1) الآيَةِ» » (2).(1/117)
أضواء على الحديث :
والد جابرهو عبد الله بن عمرو بن حرام - رضي الله عنه - وكان عبد الله عَقَبِيًّا بَدْرِيًّا نَقِيْباً، كان نقيبَ بني سَلِمة هو والبَرَاءِ بن مَعْرُور، ذكره عُرْوة، وابن شهاب، وموسى بن عقبة وابن إسحاق وغيرهم فيمن شهد بدراً وأُحُداً، وقتل يوم أحد شهيداً ، ودفن هو وعمرو بن الجموح في قبرٍ واحد، كان عمرو بن الجموح على أخته هند بنت عمرو بن حرام . قوله - صلى الله عليه وسلم - : « فكلمه كفاحاً» أي مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول ، « تحييني» من الإحياء مضارع بمعنى الأمر أي أحيني« ثانية» أي مرة ثانية ، وفي الحديث فضيلة عظيمة لعبد الله بن عمرو بن حرام - رضي الله عنه - لم تُسْمعُ لغيره من الشهداء في دار الدنيا .
ــــــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:من الآية 169]
(2) أخرجه الترمذي باب :ومن سورة آل عمران وقال أبوعيسَى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجهِ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بنِ إِبْرَاهِيمَ. وَرَوَاهُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله بنِ المَدِينيِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْحَدِيثِ هَكَذَا عن مُوسَى بنُ إبْرَاهِيمَ. وَقدْ رَوَى عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيلٍ عن جَابِرٍ شَيْئاً مِنْ هَذَا ، كما أخرجه ابن حبان في صحيحه حديث 6098 ، وصححه الحاكم وأخرجه في باب وصية أبي جابر قبل الاستشهاد ، حديث رقم 4694، وطلحة بن خراش وثقه ابن حبان وقال : في الثقات يخطئ .
108
الحديث التاسع والستون
الجهاد باللسان
- عن عبدِ الرحمنِ بنِ كَعْبِ بن مالك عن أبيه أنه قالَ : يا رسولَ اللَّهِ ما تَرَى في الشِّعْرِ قال: «إِنَّ المُؤْمِنَ يُجاهد بسَيْفِهِ ولِسَانِهِ ، والذي نفسي بيدهِ لكَأَنَّما تَنْضَحُونَهم بالنَّبْلِ» (1)
أضواء على الحديث :
معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - :« تَنْضَحُونَهم بالنَّبْلِ» يقال: نَضَحُوهم بالنَّبل، إذا رموهم. (2)(1/118)
وممن كان يجاهد بلسانه شعراء رسول الله ? حسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة ـ رضي الله عنهم جميعاً ـ وكان رسول الله ? ينصب لحسان منبراً في المسجد يقوم عليه قائماً يفاخر عنه ? ورسول الله ? يقول: إن الله يؤيد حسان بروح القُدس ما نافح عن رسول الله .
وروي أن الذين كانوا يهجون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مشركي قريش : أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله الزبعري وعمرو بن العاص ، وضرار بن الخطاب .وقال قائل لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - :« اهج القوم الذين يهجوننا» فقال: إن أذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إن علياً ليس عنده ما يُراد من ذلك » ثم قال : « ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأسيافهم أن ينصروه بألسنتهم ؟ »
فقال حسان : « أنا لها وأخذ بطرف لسانه وقال : والله ما يسرني به فيقول بين بُصرى وصنعاء قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « كيف تهجوهم وأنا منهم ؟ وكيف تهجو أبا سفيان وهو ابن عمي ؟ »
فقال : « يا رسول الله لأسلنك منهم كما تُسل الشعرة من العجين ».
فقال : « ائت أبا بكر فإنه أعلم بأنساب القوم منك ».
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان حديث رقم : 4617.
(2) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير.
109
فكان يمضى إلى أبا بكر ليقفه على أنسابهم فكان يقول كُف عن فلانة وفلانة واذكر فلانة وفلانة فجعل يهجوهم فلما سمعت قريش شعر حسان قالوا هذا الشعر ما غاب عنه ابن قحافة .(1/119)
وقال ابن سيرين : انتدب لهجو المشركين ثلاثة من الأنصار : حسان وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة فكان حسان وكعب بن مالك يعارضانهم مثل قولهم في الوقائع والأيام والمآثر ويذكرون مثالبهم وكان عبد الله بن رواحة يُعَيرهم بالكفر وبعبادة ما لا يسمع ولا ينفع فكان قوله أهون القول عليهم وكان قول حسان وكعب أشد القول عليهم فلما أسلموا وفَقِهُوا كان قول عبد الله أشد القول عليهم . (1)
مما يستفاد من هذا الحديث :
ينبهنا هذا الحديث إلى أهمية الجهاد بالكلمة والتي تتمثل في عصرنا الحالي بالسلاح الإعلامي ومدى تأثيره الهام فيجب على الأمة أن تتنبه إلى ضرورة العمل على أن تصل كلمتها إلى عقر دار من يناصبها الأعداء بكافة الوسائل التكنولوجية الحديثة ، كذلك استخدام هذه الأدوات في الدعوة إلى الله وإلى رسوله والتعريف بمبادئ هذا الدين الحنيف.
- - -
ــــــــــــــــــ
(1) من كتاب هؤلاء دعا لهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنفس المؤلف ، الطبعة الأولى ، 1422هـ ، دار طويق للنشر والتوزيع، ص65،66.
110
الحديث السبعون
لا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم
- عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال : قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ الله حتى يَعُودَ اللَّبنُ في الضَّرْعِ، ولا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ في سبيلِ الله وَدُخَانُ جَهَنَّمَ»(1)
أضواء على الحديث :(1/120)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يَلِجُ النَّارَ »أي لا يدخلها ، « رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ الله فإن الغالب من الخشية امتثال الطاعة واجتناب المعصية ،«حتى يَعُودَ اللَّبنُ في الضَّرْعِ» هذا من باب التعليق بالمحال كقوله تعالى : ? ??????? ?????? ?????????? ? ????? ???????????? ? (2) «ولا يجتمع» أي على عبد، كما في رواية غير الترمذي «غبار في سبيل الله ودخان جهنم» فكأنهما ضدان لا يجتمعان، كما أن الدنيا والآخرة نقيضان. (3)
- - -
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه التِّرمِذِيُّ باب : ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله ، حديث رقم: 1635، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح.
(2) [ سورة الأعراف:من الآية 40]
(3) تحفة الأحوذي ، أبواب الجهاد ، باب : ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله ، ج5 ص209.
111
الحديث الحادي والسبعون
من جرح في سبيل الله طبع بطابع الشهداء
- عن معاذِ بنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قالَ: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ جُرِحَ جَرْحاً في سَبِيلِ الله، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ يَدْمى، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، والرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ، ومَنْ جُرِحَ في سَبِيلِ الله طُبِعَ بِطَابَعِ الشُّهَدَاءِ» (1) .
أضواء على الحديث :
الطابع : هو الخاتم، يريد أَنه يَخْتِمُ عليها، وفي الحديث أن للشهداء طابع وعلامة تميز من جرح ومن قتل في سبيل الله .وبأن هذا الجرح سوف ياتي يوم القيامة «اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، والرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ» وفي الحديث إثبات الشهادة لمن جرح في سبيل الله .
- - -
ـــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه ذكر إثبات الشهادة لمن جرح في سبيل الله حديث رقم 3155.
112
الحديث الثاني السبعون
الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحرض المؤمنين على
الجهاد والقتال في سبيل الله(1/121)
- عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: « مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أصْحَابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشِعْبٍ فيهِ عُيَيْنَةٌ مِنْ مَاء عَذْبَةٌ فأعْجَبَتْهُ لِطِيبِهَا، فقال: لَو اعْتَزَلْتُ الناسَ فَأَقَمْتُ في هذا الشِّعْبِ وَلَنْ أفْعَلَ حتى أسْتَأْذِنَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَذَكَرَ ذلكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : « لا تَفْعَلْ فإنَّ مقَامَ أحَدِكُمْ في سَبيلِ الله أفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهِ في بَيْتِهِ سَبْعِينَ عاماً، ألاَ تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ، ويُدْخلَكُمْ الْجَنَّةَ؟ اغْزُوا في سَبِيلِ الله مَنْ قَاتَلَ في سَبِيلِ الله فُوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» (1) .
أضواء على الحديث :
قوله: « مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أصْحَابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشِعْبٍ » الشعب في اللغة: الشعب بالكسر الطريق في الجبل ومسيل الماء في بطن أرض، أما انفرج بين الجبلين انتهى . والظاهر أن المراد هنا هو المعنى الأخير« فيهِ عُيَيْنَةٌ » تصغير عين بمعنى المنبع « مِنْ مَاء » قال الطيبي: صفة عيينة جيء بها مادحه لأن التنكير فيها يدل على نوع ماء صاف تروق بها الأعين وتبهج به الأنفس «عَذْبَةٌ» بالرفع صفة عيينة وبالجر على الجوار أي طيبة أو طيب ماؤها. قال الطيبي: وعذبة صفة أخرى مميزة لأن الطعم الألذ سائغ في المريء، ومن ثم أعجب الرجل وتمنى الاعتزال عن الناس« فأعجبته» أي العيينة وما يتعلق بها من المكان« فقال» أي الرجل « لو اعتزلت الناس» لو للتمني ويجوز أن تكون لو امتناعية، وقوله : « فأقمت في هذا الشعب» عطف على اعتزلت، وجواب لو محذوف أي لكان خيراً
ــــــــــــــــ
((1/122)
1) أخرجه الترمذي ، باب : في الغدو والرواح في سبيل الله ، حديث رقم : 1653، وقال أبو عيسى هذا حديث حسنٌ ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ، باب : يوم في سبيل الله خير من الف يوم ، حديث رقم : 2423 ، وصححه على شرط الشيخين ، وأخرجه أحمد في المسند في مسند أبي هريرة ـ رضي الله عنه ، حديث رقم : 10560.
113
لي « فذكر ذلك» أي ما خطر بقلبه « فقال: لا تفعل» نهى عن ذلك لأن الرجل صحابي وقد وجب عليه الغزو ، فكان اعتزاله للتطوع معصية لاستلزامه ترك الواجب، ذكره ابن الملك تبعاً للطيبي « فإن مقام أحدكم» قال القاري بفتح الميم أي قيامه . وفي نسخة يعني من المشكاة بضمها وهي الاقامة بمعنى ثبات أحدكم « في سبيل الله» أي بالاستمرار في القتال مع الكفار خصوصاً في خدمة سيد الأبرار«أفضل من صلاته بيته» يدل على أن طلبه كان مفضولاً لا محرماً« سبعين عاماً» قال القاري: المراد به الكثرة لا التحديد فلا ينافي ما ورد أن رسول الله - رضي الله عنه - قال: مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل عند الله من عبادة الرجل ستين سنة، رواه الحاكم عن عمران بن حصين، وقال على شرط البخاري. ورواه ابن عدي وابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ولفظه: قيام أحدكم انتهى.
« ألا» بالتخفيف للتنبيه « تحبون أن يغفر الله لكم» أي مغفرة تامة « يدخلكم الجنة» أي إدخالاً أولياً « اغزوا في سبيل الله » أي دوموا على الغزو في دينه تعالى « من قاتل في سبيل الله فواق ناقة» قال في القاموس: الفواق كغراب هو ما بين الحلبتين من الوقت ويفتح، أو ما بين فتح يدك وقبضها على الضرع انتهى. وقال في المجمع: هو ما بين الحلبتين لأنها تحلب ثم تترك سريعة ترضع الفصيل لتدر ثم تحلب. (1)
- - -
ــــــــــــــــــ
(1) تحفة الأحوذي ،شرح سنن الترمذي ، أبواب الجهاد ، باب : في الغدو والرواح في سبيل الله ، ج5 ص232.
114
الحديث الثالث السبعون
أي الناس أفضل؟(1/123)
- عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: « قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ قَالُوا: ثُمَّ مَنْ قَالَ: مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ» (1)
أضواء على الحديث :
قوله: «أي الناس أفضل؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : « رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه قيل: هذا عام مخصوص وتقديره هذا من أفضل الناس وإلا فالعلماء أفضل وكذا الصديقون كما جاءت به الأحاديث. قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ثم مؤمن في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره» فيه دليل لمن قال بتفضيل العزلة على الاختلاط وفي ذلك خلاف مشهور، فمذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن ومذهب طوائف أن الاعتزال أفضل ، وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في زمن الفتن والحروب أو هو فيمن لا يسلم الناس منه ولا يصبر عليهم أو نحو ذلك من الخصوص ، وقد كان الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين فيحصلون منافع الاختلاط كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وحلق الذكر وغير ذلك، وأما الشعب فهو ما انفرج بين جبلين وليس المراد نفس الشعب خصوصاً بل المراد الانفراد والاعتزال وذكر الشعب مثالاً لأنه حال عن الناس غالباً، وهذا الحديث نحو الحديث الآخر حين سئل - صلى الله عليه وسلم - عن النجاة فقال: «أملك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك».(2) ». (3)
ـــــــــــــــــــــ
(1) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان باب : فضل الجهاد والرباط ، أخرجه البخاري في: 56 كتاب الجهاد: 2 باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله .
((1/124)
2) أخرجه الترمذي باب :ما جاء في حقظ اللسان ، حديث رقم: 2448.
(3) شرح النووي كتاب الإمارة ،باب فضل الجهاد والرباط ، ج13 ص30. أحمد ،عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه.
115
الحديث الرابع والسبعون
للشهيد عند الله ست خصال
- عن المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « للشهيد عند الله ست خصال: يُغْفَرُ لَهُ في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة، ويُجَارُ من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُوضَعُ على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويُزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحورِ العين ، ويشفع في سبعين من أقاربه» (1).
أضواء على الحديث :(1/125)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «للشهيد عند الله ست خصال» لا يوجد مجموعها لأحد غيره «يُغْفَرُ له» بصيغة المجهول ، «في أول دُفْعة» بضم الدال المهملة وسكون الفاء هي الدفقة من الدم وغيره قاله المنذري: أي تمحي ذنوبه في أول صبة من دمه. وقال في اللمعات: الدفعة بالفتح المرة من الدفع، وبالضم الدفعة من المطر، والرواية في الحديث بوجهين وبالضم أظهر أي يغفر للشهيد في أول صبة من دمه، «ويُرى» بضم أوله على أنه من الإراءة ويفتح ،«مقعده»منصوب على أنه مفعول ثان والمفعول الأول نائب الفاعل أو على أنه مفعول به وفاعله مستكن في يرى وقوله - صلى الله عليه وسلم - :«من الجنة» متعلق به. قال القاري: وينبغي أن يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ويرى مقعده»على أنه عطف تفسير لقوله: يغفر له لئلا يزيد الخصال على ست، ولئلا يلزم التكرار في قوله «ويجار من عذاب القبر» أي يحفظ ويؤمن إذ الإجارة مندرجة في المغفرة إذا حملت على ظاهرها روى «يأمن من الفزع الأكبر»قال القاري: فيه إشارة إلى قوله تعالى: ? ??? ?????????????? ?????????? ????????????? ? (2) قيل هو عذاب النار، وقيل العرض عليها، وقيل هو وقت يؤمر أهل النار بدخولها، وقيل ذبح الموت فييأس الكفار من التخلص من النار بالموت، وقيل وقت إطباق النار
ـــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي في سننه برقم: 1664 ، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب.
(2) [ سورة الأنبياء:من الآية 103]
116(1/126)
على الكفار، وقيل النفخة الأخيرة لقوله تعالى: ? ????????? ? ????????? ????????? ??? ? ??????????????? ????? ? ??????????? ??????? ??? ?????? ??????? ????? ??????? ????? ????????? ????????? ???? ??????? ???????????? ???? ? (1) انتهى «ويوضع على رأسه تاج الوقار» أي تاج هو سبب العزة والعظمة. وفي النهاية: التاج ما يصاغ للملوك من الذهب والجواهر «الياقوتة منها» أي من التاج، والتأنيث باعتبار أنه علامة العز والشرف أو باعتبار أنه مجموع من الجواهر وغيرها «ويزوج» أي يعطي بطريق الزوجية «اثنتين وسبيعن زوجة» في التقييد بالثنتين والسبعين إشارة إلى أن المراد به التحديد لا التكثير، ويحمل على أن هذا أقل ما يعطي ولا مانع من التفضل بالزيادة عليها قاله القاري «من الحور العين» أي نساء الجنة، واحدتها حوراء وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها، والعين جمع عيناء وهي الواسعة العين «ويشفَع» بفتح الفاء المشددة على بناء المجهول أي يقبل شفاعته. (2)
- - -
ــــــــــــــ
(1) [ سورة الزمر:من الآية 68]
(2) تحفة الأحوذي ، أبواب الجهاد ، باب في ثواب الشهيد، ج5ص244.
117
الخامس والسبعون
لا تتمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاثبتوا
- عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النَّضْر مولى عمرَ بن عبيد اللَّه وكان كاتباً له قال: «كتب إليه عبدُ الله بن أبي أوفى فقرأته فإِذا فيه: إنَّ رسولَ الله ? قال: لا تتمنَّوا لقاءَ العدُوّ وسَلوا اللهَ العافية». (1)
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا». (2)(1/127)
وعن عبدِ اللهِ بنِ عمروٍ ـ رضي الله عنهما ـ أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «لا تتمنَّوا لقاءَ العدوّ، واسألوا اللهَ العافيةَ، فإذا لقِيتُموهم فاثبتوا وأَكثروا ذكرَ اللَّهِ، فإنْ أجلبوا وضَجّوا فعليكُم بالصمتِ». (3)
وفي رواية لأبي داود ـ رحمه الله : قالَ: « كَتَبَ إلَيْهِ عَبْدُ الله بنُ أبِي أوْفَى حِينَ خَرَجَ إلى الْحَرُوْرِيَّةِ إنَّ رَسُولَ الله ? فِي بَعْضِ أيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ قالَ: يَاأيُّهَا النَّاسُ لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ وَسَلُوا الله العَافية ، فَإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ. ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ مُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ». (3)
أضواء على الحديث :
قوله ?: «لا تمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموهم فاصبروا».(4)وفي الرواية الأخرى: «لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية »إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والإتكال على النفس والوثوق بالقوة وهو نوع بغي، وقد ضمن الله تعالى لمن بغى عليه أن ينصره ولأنه يتضمن قلة الإهتمام بالعدو واحتقاره، وهذا يخالف الاحتياط والحزم ، وتأوله بعضهم على النهي عن التمني في صورة خاصة، وهي إذا شك في المصلحة فيه وحصول ضرر وإلا فالقتال كله فضيلة وطاعة والصحيح الأول، ولهذا تَمَمَهُ ? بقوله ?: « واسألوا الله العافية». وقد كثرت
ــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري ، باب كراهية تمني لقاء العدو ، حديث رقم: 7076.
(2) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان باب : كراهية تمني لقاء العدو.
(3) أخرجه الدارمي ، باب لا تتمنوا لقاء العدو، حديث رقم: 2442.
(4) أخرجه أبو داود باب : في كراهية تمني لقاء العدو ، حديث رقم: 2632.
118(1/128)
الأحاديث في الأمر بسؤال العافية ، وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن في الدين والدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العافية العامة لي ولأحبائي ولجميع المسلمين. وأما قوله ?: « وإذا لقيتموهم فاصبروا» فهذا حث على الصبر في القتال وهو آكد أركانه، وقد جمع الله سبحانه آداب القتال في قوله تعالى: ? ???????????????? ??????????? ??????????? ?????? ????????? ??????????? ??????????????? ????????????? ?????? ???????? ???????????? ????????????? ???? ????????????? ?????? ???????????? ????? ??????????????? ???????????????? ???????????? ???????????? ??????????????? ?????? ?????? ???? ????????????????? ???? ????? ??????????? ????????????? ????????? ??? ???????????? ????????? ?????????????? ????????? ????????????? ??? ???????? ??????? ??????????? ????? ???????????? ??????? ???? ? (1)
... وأما قوله ?: «واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» فمعناه ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيوف في سبيل الله ومشي المجاهدين في سبيل الله فاحضروا فيه بصدق واثبتوا (2).
وفي الحديث: دلالة على جواز الرواية بالكتابة دون السماع(3).
- - - - -
تم بحمد الله
اللهم انفع به اخوتي من المسلمين والمسلمات وتقبله منى يا أرحم الراحمين واجعله اللهم في ميزان حسناتي يوم ألقاك يوم لا يكون العبد وبين ربه ترجمان ، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين، في كل مكان ، في أفغانستان وفي كشمير وفي الشيشان ، وفي أكناف بيت المقدس ، اللهم انصر الاسلام و المسلمين على إخوان القردة والخنازير ، اللهم انصرنا اللهم على اليهود ومن شايعهم ، وحرر المسجد الأقصى من براثن اليهود ، وارزقنا فيه يا الله صلاة قبل الممات وصلى اللهم على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
محمد علي عثمان مجاهد(1/129)
ـــــــــــــــــــــ
(1) [ سورة الأنفال:الآيات 47:45]
(2) شرح النووي لصحيح مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب : كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء وتقدم معان أخرى عند شرح الحديث السابع والأربعون في معنى ظلال السيوف .
(3) عمدة القاري ، باب كراهية تمني لقاء العدو،ج15ص7
أهم المراجع
121
قائمة بأهم المراجع
1ـ القرآن الكريم
2 ـ الموطأ لإمام دار الهجرة مالك بن أنس ت179 مكتبة الحديث دار العر يس ـ لبنان .
3 ـ سنن أبي داود للإمام سليمان بن الأشعث السجستاني 275مكتبة الحديث دار العر يس ـ لبنان .
4 ـ المسند للإمام أحمد بن حنبل الشيباني ت241 مكتبة الحديث دار العريس ـ لبنان .
5 ـ سنن الدارمي للإمام : أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، ت255، دار العر يس ـ لبنان .
6 ـ الجامع الصحيح للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ت 256 دار العر يس .
7 ـ صحيح مسلم للإمام : مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ت261 دار العر يس.
8 ـ سنن ابن ماجه للإمام أبي عبد الله عمر القزويني ت270 دار العر يس.
9 ـ جامع الترمذي للإمام محمد بن عيسى الترمذي ت 279 دار العر يس.
10 ـ المجتبى من السنن للإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ت303 دار العر يس.
11 ـ مسند أبي يعلى للإمام : أحمد بن علي بن المثنى الموصلي التميمي ت 307. عبد اللطيف للمعلومات.
12 ـ المعجم الكبير والصغير والأوسط ، أيو القاسم : سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني 360.
13 ـ صحيح بن خزيمة لمحمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر السلمي النيسابوري ت311 دار العر يس ، مكتبة الحديث الشريف الإصدار الثالث .
14 ـ صحيح ابن حبان لمحمد بن حبان أحمد أبو حاتم التميمي البستي ت354 مكتبة الحديث دار العر يس .
15 ـ المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم النيسابوري ت 405 مكتبة الحديث دار العر يس .(1/130)
16 ـ السنن الكبرى للبيهقي للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ت 458.
17 ـ النهاية في غر يب الحديث والأثر لأبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمد المعروف بابن الأثير ت606.
18 ـ الجامع لأحكام القرآن للإمام أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري القرطبي ت 671. دار العريس.
19 ـ شرح النووي لصحيح مسلم للإمام محي الدين أبي زكريا بن شرف النووي الدمشقي ت 676 دار العريس مكتبة الحديث الشريف الإصدار الأول .
122
20 ـ رياض الصالحين للإمام محي الدين أبي زكر يا يحي بن شرف النووي الدمشقي ت 676 طبعات مختلفة أهمها طبعة دار الوراق ـ الرياض / مؤسسة الرسالة.
21 ـ لسان العرب للعلامة جمال الدين أبي الفضل محمد بن مكرم بن منظور الأنصاري المصري ت 711 دار صادر .
22 ـ زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام : أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي ت751 ، ابن القيم الجوزية تتمة المكتبة الإسلامية دار الباحث ـ الأردن.
23 ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ت 807 مكتبة الحديث الشريف دار العر يس الإصدار الثالث.
24 ـ القاموس المحيط للشيخ / مجد الدين أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي الشيرازي ت/817.
25 ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري لشيخ الإسلام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني ت 852 مكتبة الحديث الشريف / دار العريس .
26 ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري للشيخ العلامة بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني ت855.
27 ـ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للعلامة علي المتقي علاء الدين الهندي : 975 دار الباحث ( إليكتروني ) الأردن .
28 ـ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ / عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ. ت1285.راجع حواشيه وصححه وعلق عليه سماحة الشيخ / عبد العز يز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ، دار الفيحاء ـ دمشق ـ دار السلام ، الرياض .(1/131)
29 ـ تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للعلامة محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري ت 1353 مكتبة الحديث الشريف دار العريس الإصدار الأول ، الثالث.
31 ـ تفسير السعدي للشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي ت1376. دار العريس ، مكتبة علوم القرآن والتفاسير .
45 ـ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم للشيخ/ محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي ، وطبعات أخرى .
32 ـ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان للشيخ / محمد فؤاد عبد الباقي ، دار العريس .
31 ـ كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ الدكتور / صالح بن فوزان الفوزان ـ أمد الله في عمره ـ من إصدارات المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بمحافظة الداوادمي .
الفهرس
125
رقم الحديث ... الموضوع ... الصفحة
ـ ... المقدمة ... 5
1 ... ذروة سنام الإسلام الجهاد. ... 6
2 ... مات على شعبة من النفاق من لم يعزو أو يحدث نفسه بالغزو. ... 9
3 ... لا عمل يعدل الجهاد. ... 12
4 ... عقوبة ترك الجهاد . ... 14
5 ... من جهز غازياً فقد غزا. ... 15
6 ... من أكبر الكبائر التولي يوم الزحف. ... 16
7 ... الجهاد أحد أكبر مفاتح مكفرات الذنوب. ... 18
8 ... باب الجهاد احد أبواب الجنة الثمانية. ... 19
9 ... الجهاد يرفع الدرجات في الجنان. ... 20
10 ... جزاء من قاتل سمعة ورياء. ... 21
11 ... من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. ... 24
12 ... رهبانية هذه الأمة الجهاد. ... 25
13 ... أحد ثلاثة يحبهم الله ، الثابت عند لقاء العدو. ... 27
14 ... ما يثبط عن فرض الجهاد إلا شيطان. ... 28
15 ... الهجرة والجهاد وجهان لعملة واحدة. ... 30
16 ... لغدوة أو روحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس. ... 31
17 ... كيف سيلقى من لم يجاهد الله ـ عز وجل؟ ... 32
18 ... الذين يثبتون عند لقاء العدو هم أفضل المجاهدين . ... 33
19 ... النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف. ... 34
20 ... ارجع فلن أستعين بمشرك. ... 35
21 ... من آداب الغزو. ... 39
22 ... الرسول ينهى عن قتل النساء والصبيان. ... 40
23 ... من وصايا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمجاهدين. ... 41(1/132)
24 ... جواز الخداع في الحرب. ... 44
25 ... من دعاء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المشركين. ... 45
126
رقم الحديث ... الموضوع ... الصفحة
26 ... دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند اللقاء ... 46
27 ... دعاء الرجوع من الغزو. ... 47
28 ... من أوقات إجابة الدعاء عند البأس. ... 48
29 ... الدعاء عند اللقاء. ... 49
30 ... تفتح أبواب السماء عند الصف في سبيل الله. ... 50
31 ... يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة. ... 51
32 ... لا تزال طائفة من أمته ? ظاهرين لا يضرهم من خذلهم. ... 53
33 ... غزو النساء. ... 56
34 ... مداواة النساء الجرحى في الغزو. ... 59
35 ... فضل غزو البحر. ... 60
36 ... الرسول ? يُخبرنا بفتح روما. ... 61
37 ... من الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر. ... 62
38 ... جهادٌ أفضل أو يساوي العمل الصالح في أيام عشر ذي الحجة. ... 63
39 ... الرسول ? يتمنى الجهاد والقتل في سبيل الله ـ عز وجل. ... 64
40 ... سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله. ... 67
41 ... فضل الرباط. ... 68
42 ... رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها. ... 69
43 ... الرباط في سبيل الله من أفضل الجهاد. ... 71
44 ... موقف ساعة في سبيل الله خيرمن قيام ليلة القدر. ... 72
45 ... عينان لا تمسهما النار. ... 73
46 ... الأمر النبوي بالرمي إذ هم من سنة إسماعيل ـ عليه السلام. ... 74
47 ... الجنة تحت ظلال الاسيوف. ... 75
48 ... ألا إن القوة الرمي. ... 76
49 ... شهادة الرسول ? لعامر بن الأكوع بأنه جاهد مجاهد . ... 77
50 ... الرسول يخبر بقتال اليهود وأن الحجر والشجر سوف يتكلم. ... 82
127
رقم الحديث ... الموضوع ... الصفحة
51 ... الرسول يُخبر بقتال هؤلاء القوم من الترك. ... 83
52 ... الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوع من أنواع الجهاد. ... 84
53 ... أحد ثلاثة كان حق على الله عونهم . ... 86
54 ... بر الوالدين من الجهاد. ... 87
55 ... أي الأعمال أفضل. ... 88
56 ... من أفضل الجهاد حج مبرور ، الحج جهاد النساء. ... 91
57 ... الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله. ... 92
58 ... فهو بمنزلة المجاهد. ... 93
59 ... حرمة نساء المجاهدين كحرمة نسائهم. ... 94
60 ... الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم. ... 95(1/133)
61 ... إخلاص النية في الجهاد في سبيل الله. ... 96
62 ... جهاد النفس أحد انواع الجهاد. ... 97
63 ... من أنواع الجهاد. ... 98
64 ... إذاً تعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله. ... 99
65 ... فضل من أوقف في سبيل الله. ... 103
66 ... من خرج في سبيل الله مجاهداً فمات أو قتل فهو شهيد. ... 105
67 ... المجاهد الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى. ... 106
68 ... من المجاهدين في سبيل الله من كلم الله كفاحاً. ... 107
69 ... الجهاد باللسان. ... 108
70 ... لا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم. ... 110
71 ... من جرح في سبيل الله طبع بطابع الشهداء. ... 111
72 ... الرسول?يحرض المؤمنين على الجهاد والقتال في سبيل الله ... 112
73 ... أي الناس أفضل؟ ... 114
74 ... للشهيد عند الله ست خصال. ... 115
75 ... لا تتمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاثبتوا. ... 117(1/134)