الروايات المتعارضة في غزوة بدر
جمعاً وتوثيقاً
د. محمد بن محمد العواجي
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - قسم التاريخ
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد × الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والتقى.
وبعد:فإن المؤلفات والأبحاث التي كتبت عن السيرة النبوية كثيرة جداً، وإن مناهج تلك الأبحاث والمؤلفات التي كتبت متعددة المشارب، فترى مؤلفات تهتم بتمييز الصحيح من السقيم، وأخرى تهتم باستخراج الفوائد والعبر، وثالثة تهتم باستخراج الأحكام الفقهية، ورابعة تهتم بالجوانب الاقتصادية،وخامسة تهتم بالجوانب السياسية وهكذا، ذلك لأن السيرة النبوية العطرة جنة غناء تحتوي على كل أنواع الزهور، وكل يقطف منها ما يراه جميلاً، وكلها جميلة، ولا يدرك ذلك إلا من أمعن النظر فيها، وهذا البحث زهرة من تلك الزهور.(1/1)
وكان سبب اختيار الموضوع أنه عند ما أسندت إليَّ تدريس مادة السيرة النبوية في كليات الجامعة الإسلامية بالمدينة، كانت تواجهني بعض الأسئلة من بعض الطلاب النبلاء في كيفية الجمع بين بعض المسائل التي ظاهرها التعارض في السيرة النبوية، وكنت أجيبهم من خلال ما يذكره العلماء من الجمع حول تلك المسائل، وخاصة الحافظ ابن حجر- رحمه الله-، فهو من أكثر من اهتم بذلك على حد علمي، فما من مسألة يظهر فيها التعارض،إلا ووجّهها توجيهاً حسناً، وجمع بين رواياتها، في أغلب المسائل، وذلك من خلال كتابه العظيم "فتح الباري شرح صحيح البخاري" وفي كتاب "المغازي" من صحيح البخاري على وجه الخصوص.ولما كانت الأسئلة تتوالى من الطلاب سنة بعد أخرى، خاصة من الطلاب الوافدين ممن يعيشون بين أقليات إسلامية، ودرسوا في بعض المراحل الثانوية على أيدي بعض المستشرقين الذين يشككون في السُّنَّة عامة، وفي السيرة على وجه الخصوص، عزمت على جمع المسائل المتعارضة في السيرة النبوية كلها- العهد المكي والمدني- مع ذكر أقوال العلماء في الجمع بين تلك المسائل، فتجمعت لدي مسائل كثيرة جداً قد يستغرق إخراجها مجتمعة وقتاً طويلاً، فرأيت أن أجعلها في حلقات متواصلة إن شاء الله - عز وجل - بدءاً من "غزوة بدر الكبرى"،لكونها أول غزوة حصل فيها قتال بين المسلمين والمشركين، ولكونها أيضاً أول غزوة فرق الله - عز وجل - فيها بين الحق والباطل في أول لقاء بين الفريقين، لهذا كانت جديرة بالاهتمام والبدء بها، ملتمساً الإرشاد والتوجيه من الإخوة الزملاء أصحاب التخصص وإبداء الرأي حول القيمة العلمية لهذه المسائل.
اشتمل البحث على ستة عشر مسألة
المسألة الأولى: عدد حراس قافلة أبي سفيان.(1/2)
1- ذكر ابن شهاب الزهري في مغازيه أن عدد الذين كانوا يحرسون قافلة أبي سفيان، سبعون راكباً، فقال رحمه الله: " فمكث رسول الله × بعد قتل ابن الحضرمي شهرين ثم أقبل أبو سفيان بن حرب في عير قريش من الشام ومعه سبعون راكباً من بطون قريش... " (1).
2- ذكر ابن إسحاق أن عددهم ثلاثون أو أربعون، قال رحمه الله: "...ثم إن رسول الله × سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلاً من الشام في عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش وتجارة من تجاراتهم، وفيها ثلاثون رجلاً أو أربعون، منهم مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وعمرو بن العاص بن وائل بن هشام(2)...".
فرواية الزهري ذكرت أن عدد حراس القافلة سبعون، بينما رواية ابن إسحاق ذكرت ثلاثين أو أربعين.
ولم أجد كلاماً للعلماء في الجمع بين الروايتين، ويمكن الجمع بينهما بما يلي:
1- رواية ابن إسحاق ذكرت الأحرار من قريش فقط.أما رواية الزهري فذكرت الأحرار والحلفاء والموالي.والله أعلم.
2- لو نظرنا إلى الروايتين من حيث الصحة والضعف،لوجدنا رواية الزهري أقوى.
المسألة الثانية: في اختلاف الروايات الواردة حول حامل اللواء يوم بدر.
__________
(1) مرويات الإمام الزهري [محمد بن مسلم ت 124هـ] في المغازي، 1/197- 198، جمع ودراسة: محمد بن محمد العواجي، ط: الأولى 1425هـ منشورات عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية. وانظر: مغازي [ موسى بن عقبة ت141هـ]، 122- 123، جمع ودراسة وتخريج: محمد با قشيش، نشر جامعة بن زهر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أغادير، المغرب.
(2) السيرة النبوية، لابن إسحاق [ محمد بن إسحاق ت151هـ]( تهذيب ابن هشام)[ عبد الملك بن هشام ت218هـ]، 1/606، تحقيق: مصطفى السقا، وآخرين، ط الثانية 1375هـ، مطبعة الحلبي، مصر.(1/3)
1- قال ابن إسحاق: "... ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير - رضي الله عنه - بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وكان مع النبي × رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، يقال لها العُقاب، والأخرى مع بعض الأنصار"(1).
2- وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان لواء النبي × يوم بدر مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ..(2).
الجمع بين الروايتين:
يتوقف الجمع بين هاتين الروايتين على تعريف اللواء والراية، وهل هما كلمتان مترادفتان لشيء واحد؟ أم أنهما متغايرتان لكل منهما معنى مستقل؟.
* تعريف اللواء والراية:
اللواء، والراية، والعلم : كلمات مترادفات وضعت لمعنى واحداً.(3)
__________
(1) السيرة النبوية، لابن إسحاق ( تهذيب ابن هشام، 1/612).
(2) المعجم الكبير، للطبراني، [أبو القاسم سليمان بن أحمد ت360هـ]، 6/5، رقم الحديث(5355)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، ط: الثانية، الجمهورية العراقية، وزارة الأوقاف والشؤون بكر807هـ]، 6/93، دار الكتاب العربي، ط: الثانية، 1402هـ: وفيه الحجاج بن أرطأة، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات.
(3) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، [أبو الحسن علي بن محمد الجزري ت606هـ] 4/279، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، نشر المكتبة الإسلامية. ، و2/291، ومجمل اللغة، لابن فارس[أبو الحسين أحمد ت395هـ]، 3/624، تحقيق: زهير عبد المحسن، ط: الثانية، 1406هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. ولسان العرب، لابن منظور[أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأفريقي ت711هـ]، مادة: لوى، وريا، دار لسان العرب، بيروت، إعداد يوسف خياط، وفتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر[أبو الفضل أحمد بن علي ت852هـ]، 6/126، تحت شرحه للحديث رقم(2974) ط: السلفية، 1380هـ.(1/4)
قال ابن حجر: "والراية بمعنى اللواء، وهو العلم، وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادفهما"(1).
وعلى هذا مشى كثير من العلماء، حيث يعبرون باللواء تارة، وبالراية أخرى، ويقصدون بذلك شيئاً واحداً، من ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - وفيه: فقال النبي × : "لأعطين الراية - أو قال: "ليأخذن -غداً رجل يحبه الله ورسوله"(2)،... الحديث.
وما أخرجه أحمد من حديث بريدة - رضي الله عنه - بلفظ" إني دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله(3)..." الحديث.
فحديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - ذكر فيه اللواء، وحديث بريدة ذكر فيه الراية، والقصة واحدة .
وقال ابن سعد: في معرض حديثه عن بدر: ... وعقد رسول الله × الألوية، فكان لواء رسول الله × يومئذ الأعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ، ولواء الخزرج مع الحُباب ابن المنذر - رضي الله عنه - ، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ - رضي الله عنه - ...(4).
فيظهر أن اللواء والراية لفظتان مترادفتان لشيء واحد.
لذلك قال الحافظ ابن حجر بعد ذكره لحديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - الذي أخرجه البخاري، وحديث بريدة - رضي الله عنه - الذي أخرجه أحمد: وهذا مشعر بأن الراية واللواء سواء(5).
__________
(1) فتح الباري، 7/477، تحت شرحه لحديث رقم (4056).
(2) صحيح البخاري[أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ت256هـ] مع الفتح، 6/126، رقم الحديث ( 2975).
(3) مسند[ أحمد بن حنبل ت241هـ]، 38/97- 98، رقم الحديث( 22993). تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، ط: الأولى، 1417هـ/ مؤسسة الرسالة.
(4) الطبقات الكبرى، لابن سعد[محمد ت230هـ]، 2/14، دار صادر، بيروت.
(5) فتح الباري، 6/127، تحت شرحه لحديث رقم(2975).(1/5)
* أما في الاصطلاح: فقد فرق بعض العلماء بين اللواء والراية،منهم ابن إسحاق، حيث فرق بين اللواء والراية كما في ا لرواية السابقة، والترمذي كما ذكر الحافظ ابن حجر، حيث قال(1): وقد جنح الترمذي إلى التفرقة (أي بين اللواء والراية) فترجم بالألوية وأورد حديث جابر - رضي الله عنه - : أن رسول الله × دخل مكة ولواؤه أبيض(2)، ثم ترجم للرايات وأورد حديث البراء - رضي الله عنه - : أن راية رسول الله × كانت سوداء مربعة من نمرة(3). وحديث ابن عباس رضي الله عنهما : كانت رايته سوداء ولواؤه أبيض(4).
قال الحافظ ابن حجر بعد ذكره للأحاديث المتقدمة: "وهو ظاهر في التغاير، فلعل التفرقة بينهما عرفية"(5).
__________
(1) فتح الباري، 7/477.
(2) سنن الترمذي[أبو عيسى محمد بن عيسى ت279هـ]، 4/195- 196، رقم الحديث(1679)، تحقيق: أحمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، ط: الثانية، 1398هـ، مطبعة البابي الحلبي، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد حسنه الألباني[محمد ناصر الدين ت1420هـ] في صحيح سنن الترمذي، رقم الحديث(1372) مكتب التربية العربي لدول الخليج العربي، الرياض، ط: الأولى، 1407هـ. وأخرجه ابن ماجه [أبو عبد الله بن يزيد القزويني ت 273هـ] في السنن، 2/941، رقم الحديث(2817)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، 1395هـ، وقد حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، رقم الحديث(2274)، مكتب التربية العربي لدول الخليج العربي، ط: الأولى، 1407هـ.
(3) سنن الترمذي، 4/196، رقم الحديث(1680)، وقال: هذا حديث حسن غريب، وقد صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، رقم الحديث(1373).
(4) المصدر السابق، رقم الحديث( 1681). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، رقم الحديث(1374).
(5) فتح الباري، 7/477.(1/6)
وذكر الحافظ ابن حجر نقلاً عن أبي بكر بن العربي قوله: اللواء غير الراية، فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح(1).
قال الحافظ ابن حجر: وقيل: اللواء دون الراية، وقيل:اللواء العلم الضخم(2)، والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار، والراية يتولاها صاحب الحرب.(3)
وقال المباركفوري: واللواء: بكسر اللام والمد، قال في الُمْغرب: اللواء علم الجيش، وهو دون الراية، لأنه شقة ثوب يلوى ويشد إلى عود الرمح، والراية علم، ويكنى أم الحرب، وهو فوق اللواء.(4)
وبناء على ذلك، فالجمع بين الروايتين المتقدمتين على القول بالترادف:
أنه كان هناك لواءان، أحدهما كان يحمله مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وهو اللواء الأعظم ،والآخر كان يحمله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، والاختلاف في التعبير لا يضر طالما أن المعنى واحد.
__________
(1) المصدر السابق، 6/126.
(2) المصدر السابق.
(3) يدل على ذلك ما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى، 2/ 14، من أن اللواء يومئذ كان مع مصعب بن عمير - رضي الله عنه - . وذكر الواقدي [محمد بن عمرت207هـ] في معرض حديثه عن غزوة أحد قال: "... ودفع اللواء الأعظم إلى مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ، ودفع لواء الأوس إلى أسيد بن الحضير - رضي الله عنه - ، ودفع لواء الخزرج إلى سعد أو الحُباب. المغازي، 1/225. تحقيق: مارسدن جونسن، عالم الكتب، ط: الثالثة، 1404هـ.
(4) تحفة الأحوذي، شرح سنن الترمذي، للمباركفوري [محمد بن عبد الرحمن ت 1353هـ]، 5/326.(1/7)
أما على القول بأن هناك فرقاً بين اللواء والراية، فيمكن الجمع بينهما على أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان حاملاً اللواء حتى بدأ القتال ثم ناوله مصعب بن عمير - رضي الله عنه - بإذن من النبي ×، خاصة وأن علياً - رضي الله عنه - كان أحد الثلاثة(1) الذين نزلوا إلى أرض المعركة لمبارزة الثلاثة(2) الذين نزلوا من قريش، وفي هذه الحالة لابد أن يحمله عنه رجل آخر لعله كان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ، أو أن مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ناوله علياً - رضي الله عنه - في فترة من فترات المعركة ليصلح من شأنه، فرآه الراوي فظن أنه لواء آخر. والله أعلم.
المسألة الثالثة: في تأريخ خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر.
وردت روايات عدة في تاريخ خروجه × وأصحابه إلى بدر، وهي على النحو التالي:
1 - ذكر ابن إسحاق أنه × خرج في ليال من شهر رمضان(3).
2- ذكر ابن هشام أنه × خرج يوم الاثنين لثمان ليال خلون من شهر رمضان.(4)
3- ذكر الواقدي أنه × خرج يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان(5).
4-ذكر ابن سعد أنه × خرج يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان (6) .
5-ذكر الطبري أنه × خرج يوم السبت لثلاث ليال خلون من شهر رمضان(7) .
__________
(1) الآخران هما: حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - ، وعبيدة بن الحارث - رضي الله عنه - . السيرة النبوية، لابن إسحاق ( تهذيب ابن هشام، 1/625).
(2) الثلاثة الذين من قريش هم: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة. المصدر السابق.
(3) السيرة النبوية، لابن إسحاق( تهذيب ابن هشام، 1/612) بدون إسناد.
(4) المصدر السابق.
(5) مغازي الواقدي، 1/21.
(6) الطبقات الكبرى، لابن سعد، 2/12، بدون إسناد.
(7) تاريخ الأمم والملوك، لابن جرير الطبري[أبو جعفر محمد بن جرير، ت310هـ]، 2/431، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دارسويدان، بيروت لبنان.(1/8)
فهذه خمس روايات وردت في تاريخ خروجه × إلى بدر، وكل رواية تذكر تاريخاً مغايراً للأخرى فكيف يجمع بينها؟
والجواب:
1- أنه لا تعارض بين رواية ابن إسحاق وبين الروايات الأخرى، لأن ابن إسحاق ذكر ليال دون تحديد لتلك الليالي.
2- تبقى الروايات الأربع الأخرى لم أجد أحداً من العلماء جمع بينها حسب ما وقفت عليه، فإذا نظرنا إلى هذه الروايات نجدها روايات ضعيفة ,فرواية ابن هشام والطبري وردتا بدون إسناد، ورواية الواقدي وابن سعد وردتا بصيغة الإسناد الجمعي فيه الثقة والضعيف بل والمتروك،ولم تتبين رواية الثقات من غيرهم،لكن بما أنها من الأمور التي لا علاقة لها بالأحكام التشريعية فيتساهل فيها.(1/9)
3- قد اتفق الجمهور على أن الوقعة حصلت صبيحة يوم الجمعة(1) السابع عشر(2) من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية من الهجرة(3) .
__________
(1) انظر في ذلك: الطبقات الكبرى لابن سعد، 2/21، حيث قال: وهذا الثبت أنه يوم الجمعة، وقال ابن عبد البر [أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري ت463هـ] في الاستيعاب، 1/13، تحقيق: علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، ط: الأولى 1415هـ دار الكتب العلمية: " الأكثر على أن وقعة بدر كانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان. وقال ابن عساكر[أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله ت571هـ] في تاريخه( قسم السيرة النبوية، 1/56)، دراسة وتحقيق: محب الدين أبي سعيد بن غرامة العمروي، ط: الأولى، 1415هـ، دار الفكر، بيروت.: " والمحفوظ أنها كانت يوم الجمعة". وقال ابن كثير[أبو الفداء إسماعيل بن كثيرت774هـ] في التفسير، 2/313: " وهو الصحيح عند أهل السير والمغازي".
(2) صح ذلك عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عند عبد الرزاق[عبد الرزاق بن همام ت211هـ] في المصنف، رقم الحديث(7697)، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الثانية، 1403هـ، وانظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد، 2/21، ومصنف ابن أبي شيبة [عبد الله بن محمد ت235هـ]، 14، 353، تحقيق: عبد الخالق الأفغاني،، ومختار أحمد الندوي، الدار السلفية، 1399هـ. وتاريخ [خليفة بن خياط ت240هـ]، 58، تحقيق: أكرم ضياء العمري، دار طيبة للنشروالتوزيع، الرياض، ط: الثانية، 1402هـ. ودلائل النبوة للبيهقي [أبو بكر أحمد بن الحسين ت485هـ]، 3/127، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، ط: الأولى، 1412هـ، دار الوعي، حلب.
(3) المصادر السابقة.(1/10)
وقد ورد أن الوقعة كانت يوم الاثنين، لكنه قول شاذ.(1)
وقد حاول الحافظ ابن حجر -رحمه الله -الجمع بين من قال : إن الوقعة كانت يوم الاثنين وبين من قال إنها كانت يوم الجمعة، فقال: "يجمع بينهما بأن يوم الاثنين يوم الخروج، ويوم السابع عشر يوم الوقعة"(2).
وهذا القول لا يستقيم لأن حديث عامر البدري فيه أن الوقعة كانت صبيحة يوم الاثنين لسبع عشرة من رمضان .(3)، وأيضاً حسابياً لا يتفق هذا القول مع قول الجمهور من أن الوقعة كانت يوم الجمعة السابع عشر من رمضان.فعلى رواية ابن سعد(4) تكون الوقعة يوم الخميس السادس عشر من رمضان علماً بأنه قد ذكر أن الوقعة كانت صبيحة يوم الجمعة السابع عشر.
وعلى رواية ابن هشام تكون الوقعة يوم الجمعة التاسع عشر من رمضان.
__________
(1) انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد، 2/21، حيث أورد رواية عن عامر البدري: " أن الوقعة كانت يوم الاثنين". ثم قال: "... وحديث يوم الاثنين شاذ. " وقال ابن كثير في التفسير، 2/ 313، نشر دار المعرفة، بيروت، 1388هـ.: " وقول الجمهور مقدم عليه".
(2) انظر التلخيص الحبير، لابن حجر[ احمد بن علي ت852هـ]، 4/89، تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني، المدينة المنورة، 1384هـ.
(3) انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للهيثمي، 6/89، دار الكتاب العربي، بيروت، ط: الثانية، 1402هـ.
(4) الطبقات الكبرى، لابن سعد، 2/19.(1/11)
أما رواية الطبري التي تذكر أنه × خرج لثلاث ليالٍ خلون من شهر رمضان فحسابياً يكون خروجه × يوم الجمعة اليوم الثالث من رمضان، وهي توافق ما ذكره الجمهور من أن الوقعة كانت يوم الجمعة السابع عشر من رمضان، لكن تبقى المسافة التي قطعها × وجيشه من المدينة إلى بدر، فبالنظر إلى الرواية نجد أن المسافة استغرقت أربعة عشر يوماً من المدينة إلى بدر، وهي مدة طويلة، علماً بأن المسافة من المدينة إلى بدر لا تتجاوز (150) كيلاً(1).
وعلى هذا يمكن ترجيح رواية الواقدي.(2) والله أعلم.
المسألة الرابعة (في عدة أصحاب بدر).
وردت روايات عدة في عدد من شهد بدراً مع النبي ×، كل رواية تذكر رقماً مغايراً لما في الأخرى وهي:
1- الرواية الأولى: أنهم كانوا 300 وبضع عشرة رجلاً.(3)
2-الرواية الثانية: أنهم كانوا (319)، رجلاً.(4)
__________
(1) انظر: معجم المعالم الجغرافية للسيرة النبوية، [ لعاتق بن غيث البلادي]، 41، ط: الأولى، 1402هـ، دار مكة.
(2) علماً بأنه قد وصف عند المحدثين بأنه متروك، كما قال ابن حجر[ أحمد بن علي]في تقريب التقريب، 498، تحقيق: محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا حلب، ط: الأولى،. 1406 ولكن. بما أن مثل هذا مما ليس له علاقة بالأحكام التشريعية والعقائد، فإن كلامه هنا معتمد، ذلك لأن الحافظ ابن كثير قال فيه: " والواقدي عنده زيادات حسنة، وتاريخه محرر غالباً، فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار" البداية والنهاية، 3/234، مكتبة المعارف، بيروت، ط: الثانية، 1978هـ. وهذه شهادة عظيمة من ابن كثير للواقدي.
(3) صحيح البخاري، رقم الحديث(3957)، و(3958)، و(3959)إشراف الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ،. دار السلام للنشر والتوزيع، الريا ض، ط: الأولى، 1420هـ.
(4) صحيح مسلم [أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري ت261هـ]، رقم الحديث(1763). إشراف: الشيخ: صالح آل الشيخ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، ط: الأولى، 1420هـ.(1/12)
3 - الرواية الثالثة: أنهم كانوا (316) رجلاً (1)
4 - الرواية الرابعة: أنهم كانوا (314) رجلاً.(2)
5 - الرواية الخامسة: أنهم كانوا (315) رجلاً (3)
6 - الرواية السادسة: أنهم كانوا (313) رجلاً.(4)
7 - الرواية السابعة: أنهم كانوا (318) رجلاً.(5)
8 - الرواية الثامنة: أنهم كانوا (317) رجلاً.(6)
__________
(1) مغازي موسى بن عقبة، 126 بدون إسناد.
(2) السيرة النبوية، لابن إسحاق( تهذيب ابن هشام، 1/706). بدون إسناد.
(3) سنن أبي داود[ سليمان بن الأشعث ت275هـ]، 3/79، رقم الحديث(2747)، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار إحياء السنة، بدون ذكر الطبع، وهو حديث حسن كما قال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/252، رقم الحديث( 2386)، مكتب التربية لدول الخليج العربي، ط: الأولى، 1407هـ. وأخرجه الحاكم[أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسايوري ت405هـ] في المستدرك، 2/123-124، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في الدلائل، 3/37-38.
(4) مسند أحمد، 4/103، رقم الحديث ( 2232)، وقد ضعف المحققون إسناده. وقد ذكر هذا العدد الطبري في تاريخه، 2/431، وأخرجه البيهقي في الدلائل، 3/40، من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق.
(5) تاريخ الأمم والملوك، للطبري، 2/341، بدون إسناد.
(6) مسند البزار [أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ت292هـ]، ( البحر الزخار، 1/306، رقم الحديث: 196)، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن، بيروت، ط: الأولى 1409هـ. وانظر: مجمع الزوائد لليهثمي، 6/96، ثم قال: رواه البزار ورجاله ثقات. وانظر أيضاً: كشف الأستار له، رقم الحديث( 1784)تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، ط: الثانية، 1404هـ. وقد ذكر هذا العدد الطبري في تاريخه، 2/431، بدون إسناد.(1/13)
9-الرواية التاسعة: أنهم كانوا (305) رجلاً.(1)
10-الرواية العاشرة: أنهم كانوا(نيفاً(2) على ثلاثمائة).(3)
11- الرواية الحادية عشرة: أنهم كانوا (300) .(4)
فهذه إحدى عشرة رواية كل واحدة منها تذكر رقماً مغايراً للأخرى.
ومن خلال استعراض كلام العلماء في عدد من شهد بدراً مع النبي × تبين لي أنه ليس بينها تعارض، بل يمكن الجمع بينها على النحو التالي:
__________
(1) مغازي الواقدي، 1/23-24، ثم قال بعد قوله: " وهم ثلاثمائة وخمسة... ، وثمانية تخلفوا، فضرب لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بسهامهم وأجورهم... " وهو هنا يوافق رواية ابن إسحاق في روايته كما تقدم، وكذلك قال ابن سعد في الطبقات الكبرى، 2/12.
(2) النَّيِّف: بفتح النون وتشديد التحتانية، وقد تخفف: كل ما زاد على العقد فنيِّف حتى يبلغ العقد الثاني، القاموس المحيط.
(3) مصنف ابن أبي شيبة، 7/357، تحقيق: محمد عبد السلام شاهين، ط: الأولى، 1416هـ. دار الكتب العلمية. وتفسيرالطبري ( جامع البيان عن تأويل آي القرآن) للطبري، 9/127، دار المعرفة، بيروت، ط: الثالثة، 1398هـ.
(4) المعجم الأوسط، للطبراني[أبو القاسم سليمان بن أحمد ت360هـ]، 6/ 34، رقم الحديث( 5714)، تحقيق أبي معاذ طارق بن عوض الله محمد، وأبي الفضل عبد المحسن بن ابراهيم الحسيني، دار الحرمين، 1415هـ. وفيه يحيي بن عبد الحميدالحمَّاني، وهو ضعيف كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 6/93.(1/14)
1- أن رواية مسلم التي ذكرت (319) رجلا(1)، تعني كل من حضر الغزوة حكماً وحساً، بمعنى أنه عد الذين باشروا القتال والذين لم يباشروه، كمن تخلف لعذر، كعثمان بن عفان - رضي الله عنه - وغيره كما سيأتي، وضم إليهم أيضاً من استصغر ولم يؤذن له في القتال، كالبراء وابن عمر، فقد أخرج البخاري حديث البراء وفيه أنه قال:"استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر(2)".ووجه الدلالة من هذا الحديث كما قال الحافظ ابن حجر:أن ذلك وقع عند حضور القتال، فعرض من يقاتل، ورد من لم يبلغ أو كانت تلك عادة النبي × (3). كما أنه يحتمل أنه ضم إليهم أنس بن مالك - رضي الله عنه - فقد أخرج أحمد بسند صحيح عنه - رضي الله عنه - أنه سئل: هل شهدت بدراً؟ فقال: وأين أغيب عن بدر(4)؟، قال الحافظ ابن حجر: وكأنه حينئذ كان في خدمة النبي × (5). أي أنه كان صغيراً لكنه لم ُيرَدّ بل بقي لخدمة النبي ×.
ومن هذا القبيل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقد روى أبو داود بسند صحيح عنه - رضي الله عنه - قال: "كنت أميح(6) الماء لأصحاب بدر"(7).
__________
(1) صحيح مسلم، رقم الحديث( 1763).
(2) صحيح البخاري، رقم الحديث( 3956)، و(3957)، و( 3958).
(3) فتح الباري، 7/ 291- 292.
(4) ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، 7/ 292، والعيني [أبو محمد محمود بن أحمد ت855هـ] في عمدة القاري، 14/ 73، ولم أجده في مسند أحمد فلعله في كتبه الأخرى. والله أعلم.
(5) فتح الباري، 7/ 292.
(6) الميْح: أن تدخل البئر فتملأ الدلو لقلة مائها. القاموس.
(7) سنن أبي داود، رقم الحديث( 2731)، وقد حكم عليه الألباني في صحيح سنن أبي داود، رقم الحديث( 2371) بالصحة.(1/15)
ومن هذا القبيل أيضاً: حارثة بن سراقة - رضي الله عنه - ، حيث خرج نظاراً وهو غلام يوم بدر فأصابه سهم فقتل(1).
وعلى هذا فرواية مسلم ذكرت جملة من حضر بدراً حساً وحكماً فبلغوا (319) رجلاً، وتحمل الروايات التي ذكرت (300وبضع عشرة) رجلاً، ومنها رواية البخاري على ذلك، حيث إن البضع من ثلاثة إلى تسعة(2) .
2- يجمع بين الروايات التي ذكرت (313) والتي ذكرت (314) والتي ذكرت (315) بما جاء في حديث عامر بن عبد الله البدري عند سعيد بن منصور مرسلاً قال: خرج رسول الله × إلى بدر، فقال لأصحابه تعادوا، فوجدهم (314) رجلاً، ثم قال لهم تعادُّوا فتعادوا مرتين، فأقبل رجل على بكر له ضعيف وهم يتعادون فتمت العدة (315) رجلاً(3)...
وبما رواه الطبراني، والبيهقي في الدلائل، من حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - وفيه: أمرنا رسول الله × أن نتعادَّ ففعلنا فإذا نحن (313) رجلاً(4).
قال الحافظ ابن حجر بعد ما ذكر الروايات المتقدمة: "وهذه الرواية لاتنافي التي قبلها لاحتمال أن تكون الأولى لم يُعَد النبي × ولا الرجل الذي أتى آخراً..."(5).
بمعنى أن الرواية التي ذكرت (313) رجلاً لم يذكر فيها النبي × ولا الرجل الذي أتى على جمله الضعيف،ثم عَدت الرواية الأخرى النبي × فصاروا (315) رجلاً.
__________
(1) مسند أحمد، 19/ 276، رقم الحديث( 12252)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرين، وقد صححوا إسناده. وقوله: نظاراً: أي ينظر ما يجري بين الناس. قاله السندي. انظر المصدر السابق. ، حاشية رقم( 2).
(2) القاموس.
(3) سنن [ سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني 227هـ]، 2/ 313، رقم الحديث ( 4056)، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1405هـ.
(4) المعجم الكبير، للطبراني، 4/ 174، رقم الحديث( 4056)، ودلائل النبوة للبيهقي، 3/ 37، وفي سنده ابن لهيعة، وهو ضعيف.
(5) فتح الباري، 7/ 292.(1/16)
3- وأما الروايات التي ذكرت (316) رجلاً و(317) و(318)، فتحمل على ما يلي:
أ- أن رواية (316) رجلاً،أهملت ذكر من حضر مع النبي × لخدمة الجيش، كأنس بن مالك - رضي الله عنه - ،وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وحارثة بن سراقة - رضي الله عنه - الذي خرج نظاراً كما مر.
ب- أن رواية (317) رجلاً ، أهملت ذكر اثنين ممن تقدم ذكرهم.
ج- أن رواية (318) رجلاً ، أهملت ذكر واحد ممن تقدم ذكرهم.
4- أن رواية الواقدي التي ذكرت (305)، وكذا رواية الطبري التي ذكرت (300) ونيفاً تحملان على من باشر القتال في الغزوة، وإهمال ذكر من لم يباشر القتال، أو من تخلف لعذر كما نصت على ذلك رواية الواقدي.
5- أما الرواية الأخيرة التي ذكرت (300) رجل فقط، فهي مخالفة لقول الجمهور، ولا يمكن حملها على ما تقدم، لأننا لوجمعنا إليها من تخلف لسبب ما، فلن تبلغ (300 و بضع عشرة) رجلاً، والله أعلم.
6- يتلخص مما تقدم :
1- أن من حدد عدة أهل بدر (319) أو (300 وبضع عشرة) رجلاً فالصواب حليفه، لورود ذلك في صحيح مسلم وفي صحيح البخاري على الترتيب في العبارة.
2- أنه لا يجوز تخطئة من يقول بغير ذلك ما عدا ما ورد في الرواية الأخيرة، وذلك لإمكانية الجمع بين تلك الروايات. والله أعلم بالصواب.
المسألة الخامسة: في عدد من شهد بدراً من المهاجرين والأنصار
وقفت على إحدى عشرة رواية، كل رواية تذكر عدداً مغايراً لما في الأخرى من حيث عدد المهاجرين والأنصار الذين شهدوا بدراً مع النبي × ، وهي كما يلي:
الرقم ... المهاجرون ... الأنصار ... المجموع ... المصادر
1 ... 60 ونيف ... ونيف ... وبضع عشرة ... البخاري،رقم الحديث (3956).
2 ... - ... البخاري،رقم الحديث (4026).(1/17)
3 ... البخاري،رقم الحديث (4027)،والواقدي في المغازي، 1/157(1).
4 ... ابن إسحاق(تهذيب ابن هشام،1/6.6).
5 ... مغازي الواقدي،1/157 .
6 ... الرسل والملوك،للطبري،2/431 ، ودلائل النبوة للبيهقي،3/40 .
7 ... الطبقات الكبرى، لابن سعد،2/20،ومصنف ابن أبي شيبة،7/363 .
8 ... 80 ونيف ... 240ونيف ... أكثر من:320 ... المستدرك، للحاكم،3/21 (2).
9 ... المصنف،لابن أبي شيبة،7/363 .
10 ... المغازي للواقدي،1/157 .
11 ... الطبقات الكبرى،لابن سعد،2/20 .
ويظهر من هذه الروايات أنها مختلفة،لأن كل واحدة تذكر رقماً مغايراً لما في الأخرى، لكنها في الحقيقة تتفق في النتيجة ما عدا الرواية الأولى، والثانية، والثالثة، والثامنة، فيظهر عدم مطابقة نتيجتها للروايات الأخرى، لكن يمكن التوفيق بينها كما يلي:
1- أما الرواية الأولى، وهي رواية البخاري التي تذكر عدد المهاجرين بأنهم كانوا (60 ونيف) والأنصار (240) ونيفاً، فإننا إذا علمنا أن النيِّف ما بين العقدين، فإن هذه الرواية ستكون موافقة تماماً للروايات الأخرى، وهذه الرواية التي ذكرها البخاري توافق روايته السابقة في تحديد عدد جيش المسلمين الذي حضر الغزوة حيث ذكر أن عددهم (300وبضع عشرة رجلاً).
وعلى هذا فرواية البخاري هذه تجمع سائر الروايات الأخرى، شريطة ألا يزيد العدد الكلي عن (319) رجلاً كما سيأتي في رواية مسلم في المسألة الخامسة.
__________
(1) لم أر أحداً من المتقدمين حسب ما وقفت عليه ذكر عدد سهمان المهاجرين بأنها كانت مائة قبل البخاري سوى الواقدي في مغازيه عن عروة بن الزبير، وهذا يدل على إمامته في المغازي، وأن عنده زيادات حسنة، وتاريخه محرر غالباً وأنه من أئمة هذا الشأن الكبار كما قال ابن كثير- رحمه الله- في البداية والنهاية، 3/234.
(2) قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر قول الحاكم: إن المهاجرين كانوا نيَّفاً وثمانين: " وهو خطأ في هذه الرواية لإطباق أصحاب شعبة على ما وقع في البخاري"، فتح الباري، 7/ 291.(1/18)
2- وأما الرواية الثانية، والتي تذكر أن عدد المهاجرين (81) رجلاً، فإن عدد الأنصار (232) ويكون المجموع (313) رجلاً أو عدد الأنصار (230 ونيف) فيكون العدد الإجمالي (300وبضع عشرة) رجلاً كما هي روايته السابقة، وعلى هذا فلا تعارض، لكن الحافظ ابن حجر حاول الجمع بين حديث البراء - رضي الله عنه - ، وهي الرواية التي ذكرت أن المهاجرين كانوا زيادة على (60) رجلاً، وهذه الرواية التي ذكرت (80) رجلاً، فقال:" يجمع بينها بأن حديث البراء أورد فيمن شهدها حساً، وحديث الباب - يقصد هذا الحديث- فيمن شهدها حساً وحكماً، ويحتمل أن يكون المراد بالعدد الأول الأحرار، والثاني بانضمام مواليهم وأتباعهم(1)" اهـ .
3- أما الرواية الثالثة والتي أخرجها البخاري أيضاً عن عروة عن أبيه قال: "ضربت يوم بدر للمهاجرين بمائة سهم" فإن الحافظ ابن حجر قد نقل كلام العلماء حول ذلك فقال: "... قال الداودي: هذا يغاير قوله "كانوا إحدى وثمانين" قال: فإن كان قوله: "بمائة سهم" من كلام الزبير فلعله دخله شك في العدد، ويحتمل أن يكون من قول الراوي عنه، قال: وإنما كانوا على التحرير أربعة وثمانين، وكان معهم ثلاثة أفراس، فأسهم لها سهمين سهمين،وضرب لرجال كان أرسلهم في بعض أمره بسها مهم، فصح أنها كانت مائة بهذا الاعتبار،اهـ كلام الداودي. ثم قال الحافظ : قلت: هذا الذي قاله أخيراً لا بأس به، لكن ظهر أن إطلاق المائة إنما هو باعتبار الخمس، وذلك أنه عزل خمس الغنيمة، ثم قسم ما عداه على الغانمين على ثمانين سهماً عدد من شهدها ومن ألحق بهم ، فإذا أضيف إليه الخمس كان ذلك من حساب مائة سهم، والله أعلم.(2)أهـ .
__________
(1) فتح الباري، 7/ 326، تحت شرحه لحديث رقم ( 4027).
(2) المصدر السابق.(1/19)
4- وأما الرواية الثامنة التي أخرجها الحاكم؛ فإنها تذكر أن عدد المهاجرين والأنصار (320) رجلاً من دون النيِّف المذكور في الرواية، وقد ذكر الإمام مسلم كما مر في المسألة الخامسة أن عدد المسلمين الذين شهدوا بدراً كانوا (319) رجلاً ولم أجد أحداً من علماء المغازي والسير ذكر عدداً أكثر مما ذكره مسلم، وعلى هذا فرواية الحاكم يقال عنها ما ذكره الحافظ ابن حجر(1).
المسألة السادسة: عدد أفراس المسلمين يوم بدر.
وردت روايات في ذكر عدد أفراس المسلمين يوم بدر, وهي:
1- أخرج الإمام أحمد في المسند عن علي - رضي الله عنه - قال: "ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله × تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح"(2).
وقد ذكر ابن إسحاق كما عند البيهقي في الدلائل(3)، في حديثه عن بدر أن المسلمين كان لهم فرس واحد.
__________
(1) انظر هامش رقم (2) من المسألة الخامسة.
(2) المسند، 2/299، رقم الحديث(1023) وإسناده صحيح كما قال المحقق، وأخرجه أبو يعلى[أحمد بن علي بن المثنى الموصلي ت307هـ] في مسنده رقم الحديث(280)، تحقيق: حسين سليم أسد، ط: الأولى، 1412هـ دار الثقافة العربية، دمشق وبيروت. وابن خزيمة [أبو بكر محمد بن إسحاق ت311هـ] رقم الحديث (899)، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، ط: الأولى، 1399هـ. وابن حبان [أبو بكر محمد بن أحمد ت354هـ]، في صحيحه، ( الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، لعلاء الدين الفاسي، رقم2257)، والبيهقي في الدلائل، 3/38-39، 49، وأخرجه البيهقي أيضاً في الدلائل من طريق الشعبي عن علي - رضي الله عنه - ، ومن طريق أبي إسحاق السبيعي عن البراء - رضي الله عنه - .
(3) دلائل النبوة، 3/29-30.(1/20)
وقد جزم الحافظ ابن حجر بأن المسلمين لم يكن لهم يوم بدر إلا فرس واحد، حيث قال: "ولم يثبت أنه شهدها فارس غير المقداد"(1).
2- أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال له: "ما كان معنا إلا فرسان، فرس للزبير، وفرس للمقداد بن الأسود، يعني يوم بدر"(2).
__________
(1) انظر: شرح الزرقاني [محمد عبد الباقي بن يوسف ت1122هـ]على المواهب اللُّدنِّيِّة، 1/40، دار المعرفة، ط: الثانية، 1393هـ.
(2) مستدرك الحاكم، 3/20. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. والحق أن حميد بن زياد وأبو معاوية عمار بن معاوية الدُّهني لم يرو لهما البخاري في صحيحه، انظر: تقريب التهذيب، لابن حجر، 81، و408، حيث قال: في الأول: صدوق يهم، وفي الثاني: صدوق يتشيع.
وهذه الرواية تخالف الرواية السابقة لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - التي ذكر فيها أنه لم يكن للمسلين سوى فرس واحد، وهي أصح من هذه الرواية. وسيأتي الجمع بينهما قريباً إن شاء الله.
ولهذه الرواية شواهد منها:
ما أخرجه الطبراني في الكبير، 1/ 120، رقم الحديث(231) عن البهَّي قال: كان يوم بدر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارسان، الزبير بن العوام على فرس على الميمنة، والمقداد بن الأسود على فرس على الميسرة، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 6/ 83: وهو مرسل.
ومنها: ما أخرجه ابن سعد في الطبقات، 3/103، وابن أبي شيبة في المصنف، 14/ 377، عن هشام بن عروة قال: " لم يكن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر غير فرسين، أحدهما عليه الزبير. وهو مرسل أيضاً.
ومنها ما أخرجه الطبراني أيضاً في الكبير، 11/ 394، رقم الحديث( 12105) من طريق مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما، " أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر مائة ناضح وناضح، وكان معه فرسان، يركب على أحدهما المقداد بن الأسود، ويتروَّح الآخر مصعب بن عمير، وسهل بن حنيف... "قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 6/ 69: وفيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان، وهو ضعيف. وقال عنه مرة: متروك. المصدر السابق، 6/ 107.
ومنها: ما أخرجه الطبراني أيضاً في الكبير، 11/165- 166، رقم الحديث( 11377) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " لم يقاتل الملائكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ، ولم يكن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخيل إلا فرسان، أحدهما للمقداد بن الأسود، والآخر لأبي مرثد الغنوي" وفي الأوسط، 6/ 83، رقم الحديث( 9125) بلفظ: لم تقاتل... ،. قال الهيثمي في المجمع، 6/ 83، وفيه عبد العزيز بن عمران وهو ضعيف. وقال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب، 358: متروك.
ومنها ما أخرجه ابن سعد في الطبقات، 2/ 24، من رواية يزيد بن رومان: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن معه يوم بدر إلا فرسان، فرس للمقداد بن عمرو، حليف الأسود خال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي، حليف حمزة بن عبد المطلب... ". ويزيد بن رومان، ( ت سنة 130) فا لرواية معضلة أو مرسلة في أحسن الأحوال.(1/21)
أما الواقدي فقد استعمل أسلوباً راقياً في تعامله مع الروايات التي تذكر عدد أفراس المسلمين فقال: "قالوا: وكان معهم فرسان، فرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي، وفرس للمقداد بن عمرو البهراني، حليف بني زهرة، ويقال: فرس للزبير، ولم يكن إلا فرسان، ولا اختلاف عندنا أن المقداد له فرس(1).
- لم أقف إلا على رواية واحدة- حسب اطِّلاعي- تذكر أن للمسلمين ثلاثة أفراس ذكرها ابن سعد في الطبقات ضمن سياقه لرواية يزيد بن رومان المتقدمة وفيها" ... قال قتيبة في حديثه: "كانت ثلاثة أفراس، فرس عليه الزبير بن العوام"(2).
فيتلخص مما سبق أن هناك ثلاثة أقوال في قضية عدد خيالة المسلمين.
القول الأول: الروايات التي تذكر أنه لم يكن مع المسلمين يوم بدر إلا فرس واحد، وهي أصحها.
القول الثاني: الروايات التي تذكر أن للمسلمين فرسان: وهي من حيث الصحة تأتي في المرتبة الثانية.
وبالرغم من اتفاقهم في من كان يملك الأول واختلافهم في من كان يملك الثاني، إلا أنه يمكن الجمع بينهما كما سيأتي:
__________
(1) مغازي الواقدي، 1/ 27.
(2) الطبقات الكبرى، 2/24. والمراد بقتيبة: قتيبة بن بن سعيد بن جميل الثقفي، ت سنة 240هـ، وهو ثقة ثبت. انظر: التقريب، لابن حجر، 454.(1/22)
أما القول الثالث: الذي قاله قتيبة بن سعيد بن جَميل الثقفي ونقله ابن سعد كما تقدم ، وهو أنه كان للمسلمين يوم بدر ثلاثة أفراس...،فإننا إذا طبقنا المنهج الحديثي على هذه الرواية فإنها لا ترتقي إلى درجة الصحة، بل ولا إلى الحسن، لكن باعتبار أن هذه الروايات ليس لها تعلق بالأحكام التشريعية والعقائد، فإنه يمكن قبولها، وبالتالي يجمع بينها وبين ما تقدم بما ذكره الزرقاني في شرحه على المواهب اللدنِّية ، حيث قال بعد ذكره للروايات التي تذكر بأن لهم فرسان، وثلاثة،قال: ... واستشكل هذا بما رواه أحمد بإسناد صحيح عن علي - رضي الله عنه - قال: "ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد..." وأجيب: بحمل النفي على بعض الأحوال دون الباقي، لكن في التقريب، للحافظ ابن حجر، لم يثبت أنه شهدها فارس غير المقداد(1)....
قلت: ولعل مراد الزرقاني- رحمه الله - بقوله: "... وأجيب بحمل النفي..." : أي أن الرواية الصحيحة التي أخرجها أحمد في المسند عن علي - رضي الله عنه - والتي تذكر فرساً واحداً ، أنه رأى فرساً واحداً أولاً عليه المقداد - رضي الله عنه - ، فعبر بما رأى، ثم رأى فرساً آخر عليه الزبير بن العوام - رضي الله عنه - فذكر مرة أخرى أن للمسلمين فرسان، كما في رواية الحاكم عن علي - رضي الله عنه - ، وكما في الروايات الأخرى عن غير علي - رضي الله عنه - . وتحمل رواية قتيبة على تَروُّح الزبير ومرثد بن أبي مرثد - رضي الله عنه - على الآخر، بمعنى أن للمسلمين فرس واحد غير فرس المقداد - رضي الله عنه - يركب عليه الزبير مرة ثم ينزل، فيركب عليه مرثد - رضي الله عنه - مرة، وهكذا، فرأى الراوي الزبير على فرس ثم ترجل عنه، فركبه مرثد - رضي الله عنه - مرة فرآه الراوي فظن أنها ثلاثة أفراس فذكر ذلك. والله أعلم.
__________
(1) شرح الزرقاني على المواهب اللدُنِّية، 1/ 409.(1/23)
المسألة السابعة: رد زعيم الأنصار على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "أشيروا علي أيها الناس" هل هو سعد بن عبادة، أم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - ؟
1- أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس - رضي الله عنه - : أن رسول الله × شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة(1) فقال: إيانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها ، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْك(2) الغِماد(3) لفعلنا، قال: فندب(4) رسول الله ×، فانطلقوا حتى نزلوا بدراً(5)...
__________
(1) هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن حرام الأنصاري، الخزرجي، سيد الخزرج، كان يكنى أبا ثابت، وأبا قيس، كان أحد النقباء ليلة العقبة، اختلف في شهوده بدراً، الإصابة، لابن حجر، 2/ 30، نشر دار الكتاب العربي.
(2) قال النووي [أبو زكريا يحيي بن شرف الدين ت676هـ]: بَرْك: بفتح الباء وإسكان الراء، هذا هو المشهور في كتب الحديث وروايات المحدثين... ، ثم قال: وقال بعض أهل اللغة: صوابه كسر الراء... ، واتفق الجميع أن الراء ساكنة. النووي على شرح مسلم، 12/ 124- 125، ط: الثانية، 1392هـ، دار الفكر، بيروت.
(3) الغِماد: قال النووي: وأما الغماد، فبغين معجمة مكسورة ومضمومة، لغتان مشهورتان، لكن الكسر أفصح، وهو المشهور في روايات المحدثين، والضم هو المشهور في كتب اللغة. المصدر السابق.
(4) قوله: فندب يفهم منه أن هذه المشورة أنها كانت بالمدينة قبل الخروج إلى بدر، كما فهم ذلك الحافظ ابن حجر كما سيأتي.
(5) صحيح مسلم، رقم الحديث( 1779). وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، 7/362، رقم الحديث( 36697) عن أنس - رضي الله عنه - ، وابن حبان في صحيحه 7/ 109، رقم الحديث( 4701)، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف، 5/348، رقم الحديث ( 9727) عن عكرمة مطولاً لكنه مرسل، وابن سعد في الطبقات، 2/ 24، لكن فيه"....فقال سعد بن عبادة أو سعد بن معاذ... "، وهو مرسل أيضاً.(1/24)
الحديث.
فهذه الروايات تنص على أن الذي تحدث نيابة عن الأنصار هو سعد بن عبادة - رضي الله عنه - ، لكن الجمهور يرى أن المتحدث نيابة عن الأنصار إنما هو سعد بن معاذ(1) سيد الأوس.
2- فقد أخرج ابن إسحاق حديث بدر مطولاً عن جمع من شيوخه الثقات عن عروة بن الزبير عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيه:...ثم قال رسول الله ×: "أشيروا علي أيها الناس"، وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس، وأنهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا : يا رسول الله إنا برءاء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا،فإذا وصلت إلينا، فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله × يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم، فلما قال ذلك رسول الله × ، قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل(2)... الحديث.
__________
(1) هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرؤ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاري الأوسي، شهد بدراً باتفاق، ورمي بسهم يوم الخندق، فعاش بعد ذلك شهراً حتى حكم في بني قريظة، ثم انتقض جرحه، فمات سنة خمس، الإصابة، 2/ 27.
(2) السيرة النبوية، لابن إسحاق ( تهذيب ابن هشام، 1/ 606)، وما بعدها. وقول سعد - رضي الله عنه - أخرجه ابن عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح، 7/ 287، كما نقل قول سعد - رضي الله عنه - الزرقاني في شرح المواهب اللدنية، 1/ 413، وعزاه لابن عائذ.(1/25)
وقد جمع الحافظ ابن حجر(1)- رحمه الله- بين القولين فقال بعد ذكره لرواية مسلم التي تنص على أن القائل عن الأنصار سعد بن عبادة - رضي الله عنه - :...، وفيه نظر،لأن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - لم يشهد بدراً وإن كان يُعدُّ فيهم لكونه ممن ضُرب له بسهمه(2)،
ويمكن الجمع بأن النبي × استشارهم في غزوة بدر مرتين:
الأولى: وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان، وذلك بيِّين في رواية مسلم ولفظه:" أن النبي × شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان.
__________
(1) فتح الباري,7/288.
(2) السبب في كون النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب له بسهم مع أنه لم يشهد بدراً، ما ذكره ابن سعد من أ ن سعداً - رضي الله عنه - كان يتهيأ إلى الخروج إلى بدر... فنهش قبل أن يخرج فأقام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لئن كان سعداً - رضي الله عنه - لم يشهدها لقد كان عليها حرصاً". ثم قال: " وروى بعضهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب له بسهمه وأجره وليس ذلك بمجمع عليه ولا ثبت، ولم يذكره أحد ممن يروي المغازي في تسمية من شهد بدراً... "الطبقات الكبرى، لابن سعد، 3/ 614، وانظر أيضاً: مستدرك الحاكم، 3/ 252.(1/26)
والثانية: كانت بعد أن خرج(1)...، ووقع عند الطبراني أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية، وهذا أولى بالصواب.(2)
المسألة الثامنة: في من قال: لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى، هل هو المقداد أم غيره؟.
وردت في ذلك روايات هي كما يلي:
__________
(1) وذلك عندما وصل الروحاء، فقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف، 7/ 353-354، رقم الحديث( 6649) قصة المشاورة عن محمد بن عمرو الليثي عن جده قال: " خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس، فقال: " كيف ترون؟... "الحديث. والروحاء تبعد عن المدينة(74) كيلاً، انظر: المعالم الأثيرة في السنة والسيرة، محمد شراب [محمد محمد]، 130، ط: الأولى، 1411هـ، دار القلم، دمشق.
(2) فتح الباري، 7/288، تحت شرحه لحديث رقم (3952) وقد أخرج البخاري في صحيحه رقم الحديث (3952) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن المقداد قال مقولته عند ما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو على المشركين... "، وقد ذكر ابن إسحاق( تهذيب ابن هشام، 1/ 615) أن مشورة المقداد كانت عند ما وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - الصفراء... ". والصفراء: وادٍ يبعد أوله عن المدينة ( 51) كيلاً، انظر: المعالم الأثيرة في السنة والسيرة، 150.(1/27)
1- أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ولفظه: شهدت من المقداد ابن الأسود مشهداً لأن أكون صاحبه أحب إليَّ مما عدل به(1): أتى النبي × وهو يدعو على المشركين(2) فقال: "لا نقول كما قال قوم موسى +َ=ydّŒ$$sù أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } (3) ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك"، فرأيت النبي × أشرق وجهه وسره(4).
فرواية البخاري هذه تذكر أن المقداد - رضي الله عنه - هو صاحب المقولة.
__________
(1) قوله مما عُدل به: بضم المهملة وكسر الدال المهملة، أي: وُزِن، أي: من كل شيء يقابل ذلك من الدنيويات، وقيل: من الثواب. أوالمراد الأعم من ذلك، والمراد المبالغة في عظمة ذلك المشهد، وأنه لو كان خُيِّر بين أن يكون صاحبه وبين أن يحصل له ما يقابل ذلك كائناً ما كان، لكان حصوله له أحب إليه. فتح الباري، 7/ 287.
(2) ذكر ابن إسحاق ( تهذيب ابن هشام، 1/ 615) أن تلك المقولة كانت عند ما وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - وادي الصفراء. وذكر ابن أبي شيبة في المصنف، 7/ 353-354، رقم الحديث( 36649) ان المشاورة ومقولة المقداد كانت عند ما وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الروحاء. والروحاء والصفراء مكانان متقاربان، فلا يظهر تعارض.
(3) الآية من سورة المائدة رقم ( 24).
(4) صحيح البخاري، رقم الحديث( 5239).(1/28)
2- أخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن عمرو الليثي عن جده قال: خرج رسول الله × إلى بدر حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال: "كيف ترون؟" فقال أبو بكر: يا رسول الله بلغنا أنهم بكذا وكذا، قال: ثم خطب الناس فقال: "كيف ترون؟" فقال عمر مثل قول أبي بكر، ثم خطب فقال: "ما ترون؟" فقال سعد بن معاذ: إيانا تريد؟، فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم، ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك، ولا نكون كالذين قالوا من بني إسرائيل: اذهب أنت وبك فقاتلا إنا معكما متبعون...(1).
وهذه الرواية تذكر أن صاحب المقولة هو سعد بن معاذ - رضي الله عنه - .
3- وأخرج الإمام أحمد في المسند عن أنس - رضي الله عنه - قال: لما سار رسول الله × إلى بدر خرج فاستشار الناس، فأشار عليه أبو بكر، ثم استشارهم فأشار عليه عمر، فسكت، فقال رجل من الأنصار: إنما يريدكم ، فقالوا يا رسول الله، والله لا نكون كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن والله لو ضربت أكبادها حتى تبلغ برك الغماد لكنا معك(2).
وهذه الرواية تذكر أن الأنصار قالوا تلك المقولة دون ذكر اسم معين.
4- وأخرج الإمام أحمد أيضاً عن عتبة بن عبيد السلمي: أن النبي × قال لأصحابه: "قوموا فقاتلوا" قالوا: نعم يا رسول الله، ولا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: انطلق أنت وربك يا محمد فقاتلا ، وإنا معكما نقاتل(3).
__________
(1) مصنف ابن بي شيبة، 7/ 353- 354، رقم الحديث( 36649). وهو حديث مرسل، فإن محمد بن عمرو وهو علقمة بن وقاص الليثي، تابعي وليس بصحابي كما ذكر ذلك ابن حجر في التقريب، 397.
(2) مسند أحمد، 19/ 79، رقم الحديث ( 12022)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرين، وقد ذكر المحققون بأن إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(3) مسند أحمد، 29/ 193، رقم الحديث ( 17645)، وقال محققوا المسند: إسناده حسن.(1/29)
وهذه الرواية تذكر أن أصحابه -من دون تحديد -هم الذين قالوا تلك المقولة.
فكيف يجمع بينها؟.والجواب على ذلك:
1- يمكن الجمع بين تلك الروايات بأن يُقال: إن القائل الأول لتلك المقولة العظيمة المقداد بن عمرو - رضي الله عنه - كما في رواية ابن مسعود في الصحيح، وبما أن هذه المقولة قد أعجب بها الرسول × وأصحابه كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : "لقد شهدت مشهداً من المقداد بن الأسود لأن أكون صاحبه أحب إليَّ مما عدل به..."، وقوله في نهاية الحديث: ... فرأيت النبي × أشرق وجهه وسره(1). فيكون سعد بن معاذ - رضي الله عنه - قالها لما أعجبته مقولة المقداد، وزاد عليها قوله: "ولئن سرت حتى تبلغ برك الغماد من ذي يمن..."(2).
2- أما الرواية التي تذكر أن الأنصار قالوا:... يا رسول الله والله لا نكون كما قالت بنو إسرائيل(3)...". فليس معناها أن الأنصار كل واحد منه قال تلك المقولة، وإنما يمكن أن يقال إن مقولة سعد - رضي الله عنه - كانت عنه وعن الأنصار جميعاً، خاصة وأنه عبر بنون الجمع.
3- أما الرواية الثالثة التي أخرجها الإمام أحمد والتي تدل على أن الذين قالوا تلك المقولة هم الصحابة دون تحديد، فليس فيها أنهم قالوا تلك المقولة في غزوة بدر(4)، ولو سلمنا أنهم قالوها في غزوة بدر، فإن مقولة المقداد - رضي الله عنه - تعبر عن رأيه ورأي الصحابة جميعاً - رضي الله عنهم - .
__________
(1) البخاري، رقم الحديث ( 5239).
(2) مصنف ابن أبي شيبة، 7/ 353-354، رقم الحديث ( 36649).
(3) مسند أحمد، 19/ 79، رقم الحديث( 1202).
(4) انظر: مسند أحمد، 19/ 190، رقم الحديث( 17641).(1/30)
4- قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله - عند شرحه لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - الذي يدل على أن القائل "والله لا نقول(1)..." هو المقداد بن عمرو - رضي الله عنه - ، وأخرج ابن مردويه من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص عن أبيه عن جده نحوه، لكن فيه أن سعد بن معاذ - رضي الله عنه - هو الذي قال ما قال المقداد، والمحفوظ أن الكلام المذكور للمقداد - رضي الله عنه - كما في الحديث، وأن سعد بن معاذ إنما قال: لو سرت بنا حتى تبلغ برك الغماد لسرنا معك(2). ولم يزد على ذلك.
5- أن الرواية التي تذكر أن سعد بن معاذ - رضي الله عنه - هو الذي قال تلك المقولة مرسلة ولا تقوى لمعارضة ما في صحيح البخاري.
المسألة التاسعة: في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هذا مصرع فلان..." هل كان ذلك قبل الوقعة، أم في يومها؟.
1- ذكر ابن إسحاق في حديثه عن بدر أن قول النبي ×: "والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم"(3)، كان عندما اجتاز الصفراء، ونزوله بوادي ذَفِران.(4)
أي أن ذلك كان قبل أن يصل إلى بدر بيوم تقريباً.
__________
(1) البخاري، رقم الحديث( 5239).
(2) فتح الباري، 7/ 28.
(3) السيرة النبوية، لابن إسحاق(تهذيب ابن هشام، 1/614-615).
(4) ذفران: بفتح الذال المعجمة، وكسر الفاء، وهي قريبة من الصفراء التي ذكرها ابن إٍسحاق، والصفراء تبعد عن المدينة(51) كيلاً، انظر: معجم المعالم الجغرافية، لعاتق بن غيث البلادي، 131، و176-177.(1/31)
2- أخرج مسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال:" كنا مع عمر - رضي الله عنه - بين مكة والمدينة...ثم أنشأ يحدثنا(1) عن أهل بدر، فقال: إن رسول الله × كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس ، يقول : هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله(2)...".
والحديث يدل على أن ذلك كان في الليلة التي سبقت الغزوة.
3- وأخرج الإمام مسلم عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله × شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان...، فندب رسول الله × الناس فانطلقوا حتى نزلوا بدراً... قال فقال رسول الله × "هذا مصرع فلان"، قال: ويضع يده على الأرض ههنا وههنا، قال: فما ماط(3) أحدهم عن موضع رسول الله × (4).
الجمع بين الروايات:
1- أن الروايتين اللتين ذكرهما الإمام مسلم- رحمه الله- ليس بينهما تعارض
فالأولى: تدل على أن تلك المقولة كانت عندما نزل النبي × بدراً.
والثانية: تذكر أن ذلك كان قبل الوقعة بيوم.
2- قال في البداية: ولا مانع من الجمع بين ذلك بأن يُخبر به قبل الوقعة بيوم أو أكثر، وفي حديث آخر أن يخبر به قبل ذلك بساعة يوم الوقعة.(5)
المسألة العاشرة: في الجمع بين قوله تعالى { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ Wxٹخ=s%... } الآية. وبين قوله تعالى: { tb$ں2‰s% لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ $tGs)tGّ9$#... } الآية.
__________
(1) أي عمر - رضي الله عنه - أنشأ يحدث الناس، وفيهم أنس - رضي الله عنه - .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي، 12/124-126، قال الحافظ ابن حجر: وهذا وقع وهم ببدر في الليلة التي التقوا في صبيحتها. الفتح، 7/282.
(3) قوله: فما ماط: أي: تباعد، النووي على شرح مسلم، 12/126.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي، 17/205-206.
(5) سبل الهدى والرشاد، للصالحي [محمد بن يوسف الشامي ت 942هـ]، 4/84، وشرح المواهب اللدنيَّة للزرقاني، 1/414.(1/32)
1- قال تعالى: + وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ 'qمBW{$# " (1).
2- وقال: { tb$ں2‰s% لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا py¥دù تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِن فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ } (2).
فالآية الأولى تدل على أن كل طائفة ترى الطائفة الأخرى قليلة جداً، بينما الآية الثانية تدل على العكس من ذلك، فالفرقة الكافرة ترى الفرقة المؤمنة مثليهم.
فكيف يجمع بين الآيتين؟
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- بعد ذكره للآية الأولى: "وليس هذا معارض لقوله تعالى :" قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين..." الآية فإن المعنى في ذلك على أصح القولين: إن الفرقة الكافرة ترى الفرقة المؤمنة مثلي عدد الكافرة على الصحيح أيضاً، وذلك عند التحام الحرب والمسابقة، أوقع الله الوهن والرعب في قلوب الذين كفروا، فاستدرجهم أولاً بأن أراهم إياهم عند المواجهة قليلاً، ثم أيد المؤمنين بنصره فجعلهم في أعين الكافرين على الضعف منهم حتى وهنوا وضعفوا وغلبوا، ولهذا قال تعالى: { وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِن فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ } (3).
المسألة الحادية عشرة: في مناداته × أصحاب القليب في بدر.
وردت روايات تدل على أن النبي × خاطب مجموعة من المشركين ممن قتلوا في بدر بعد أن ألقاهم النبي × في القليب، فأسمعهم الله - عز وجل - كلام نبيه ×, وهي:
__________
(1) الأنفال: آية (44).
(2) آل عمران: آية (13).
(3) البداية والنهاية، 3/269.(1/33)
1- ما أخرجه البخاري في صحيحه عن قتادة قال: ذكر لنا أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن أبي طلحة أن نبي الله ×، أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً(1) من صناديد قريش ، فقذفوا في طوي(2) من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعَرَصَة(3) ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشدَّ عليها رحلها ، ثم مشى واتبعه أصحابه، قالوا : ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركي(4)، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال النبي ×: "والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"، قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله، توبيخاً وتصغيراً ونقمة، وحسرة وندما(5).
__________
(1) ذكر الحافظ ابن حجر أسمائهم جميعاً، انظر الفتح، 7/302، تحت شرحه لحديث رقم(3981).
(2) الأطواء: جمع طوي، وهي البئر التي طويت وبنيت بالحجارة. المصدر السابق.
(3) العَرَصَة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس بها بناء، القاموس المحيط، عرص.
(4) شفة الركي: أي طرف البئر، والركي: بفتح الراء وكسر الكاف، وتشديد آخره، البئر قبل أن تطوى. المصدر السابق. ثم قال الحافظ ابن حجر: ويجمع بين الروايتين بأنها كانت مطوية فاستهدمت فصارت كالركي، المصدر السابق.
(5) صحيح البخاري مع الفتح، 7/300، رقم (3976)، ومسلم بشرح النووي، 17/207. وأخرجه ابن إسحاق( تهذيب ابن هشام، 1/639) عن أنس بألفاظ مختلفة، والمعنى واحد.(1/34)
2- وأخرج البخاري أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:" وقف النبي × على قليب بدر فقال: "هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟" ثم قال: "الآن يسمعون ما أ قول" فذُكر لعائشة فقالت: إنما قال: "إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق" ثم قرأتْ قوله - عز وجل - : { إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } (1) حتى قرأت الآية(2).
فالحديثان ظاهرهما يدل على أن الأموات يسمعون كلام الأحياء، لكن القرآن الكريم يعارض ظاهر الحديثين المتقدمين.
فقد وردت آيات تدل على ذلك منها:
1- قوله - عز وجل - : { إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } (3).
2- وقوله - عز وجل - : { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ " (4).
فالآيتان تدلان على عدم سماع الأموات كلام الأحياء، وهذا هو الأصل المتعارف عليه عند الصحابة، إلا في حالات مخصوصة، كسماع الميت بعد دفنه قرع نعال الحي عند مغادرته المقبرة.(5) ولذلك سأل عمر - رضي الله عنه - النبي ×، فقال: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟... وإنكار عائشة رضي الله عنها لذلك يدل على أن الأموات لا يسمعون كلام الأحياء، ولذلك احتاجت إلى تأويل الحديث بقولها: " إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأت الآية، وأن عمر وهمَ في قوله" يسمعون".
والجمع بين تلك الأحاديث والآيات الكريمة:
1- قال البيهقي: "... واستدلالها- أي عائشة- رضي الله عنها- بقوله تعالى:"إنك لا تسمع الموتى: فيه نظر، لأنه لم يسمعهم وهم موتى، لكن الله - عز وجل - أحياهم حتى أسمعهم كما قال قتادة توبيخاً لهم وتصغيراً وحسرة وندامة.(6)
__________
(1) صحيح البخاري، رقم (3980).
(2) الآية من سورة النمل، رقم (80).
(3) الآية من سورة النمل، رقم (80).
(4) الآية من سورة فاطر، رقم (22).
(5) انظر: البخاري، رقم (1338) ومسلم، رقم(2870).
(6) دلائل النبوة، 3/93-94.(1/35)
2- قال ابن حجر: قال الإسماعيلي: كان عند عائشة - رضي الله عنه - من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه، ولكن لا سبيل إلى رد كلام الثقة إلا بنص يدل على نسخه أو تخصيصه أو استحالته، فكيف والجمع بين الذي أنكرتْه وأثبته غيرها ممكن؟ لأن قوله - عز وجل - : +y7¨Rخ) لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى " لا ينافي قوله ×: "إنهم الآن يسمعون" لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من الُمسمع في أذن السامع، فالله - عز وجل - هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه × بذلك(1).
3- ذكر بعض العلماء أن ذلك من خصوصياته × بأن خاطبهم بعد موتهم وأسمعهم الله - عز وجل - كلام نبيه × كما في حديث ابن عمر: "إنهم الآن يسمعون ما أقول..." حيث قيد - صلى الله عليه وسلم - سماعهم بـ"الآن"(2).
المسألة الثانية عشرة: في عدِّ النبي × أمية بن خلف من أهل القليب وهو ليس منهم
أخرج ابن إسحاق عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أمر رسول الله × بالقتلى أن يطرحوا في القليب، طرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف، فإنه انتفخ في درعه فملأها فذهبوا ليحركوه فتزايل(3) لحمه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة(4)...الحديث.
فهذه الرواية تدل على أن أمية بن خلف لم يلق في القليب مع من ألقي.
__________
(1) فتح الباري، 7/304.
(2) روح المعاني، للألوسي [أبو الفضل محمود ت1270هـ]، 3/94. وانظر تفصيلاً أوسع في" سبل الهدى والرشاد، للصالحي، 4/84-85. ، ومرويات غزوة بدر للعليمي [أحمد محمد باوزير]، 251-258.
(3) أي: تفرق. لسان العرب. زيل.
(4) السيرة النبوية، لابن إسحاق، (تهذيب ابن هشام، 1/628-629).(1/36)
1- وأخرج ابن إسحاق عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : وسمع أصحاب رسول الله × من جوف الليل وهو يقول:"يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل ابن هشام، فعدد من كان منهم في القليب: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟(1)... الحديث.
وهذه الرواية تدل على أن أمية بن خلف كان من أهل القليب.
والجمع بين الروايتين كما يلي:
قال الحافظ ابن حجر بعد ذكره قول النبي ×: "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم لكن لا يستطيعون أن يجيبوا"، قال رحمه الله: وفي بعضه نظر، لأن أمية بن خلف لم يكن في القليب، لأنه كان ضخماً، فانتفخ فألقوا عليه من الحجارة والتراب ما غيبه، لكن يجمع بينهما بأنه كان قريباً من القليب فنودي فيمن نودي، لكونه كان من جملة رؤسائهم(2).
المسألة الثالثة عشرة: في قاتل أبي جهل
__________
(1) المصدر السابق.
(2) فتح الباري، 7/902، تحت حديث رقم(3981).(1/37)
1- قال ابن إسحاق في حديثه عن بدر: ... وكان أول من لقي أبا جهل، كما حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة، عن ابن عباس وعبد الله بن أبي بكر قد حدثني ذلك، قالا: قال معاذ بن عمرو بن الجموح ، أخو بني سلمة: سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة(1)...، وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، قال: فلما سمعتها جعلته من شأني، فعمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطَنَّت(2) نصف ساقه، فوالله ما شبهها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة(3) النوى حين يضرب بها، قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال، فلقد قاتلت عامة يومي، وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها...، ثم مر بأبي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته، فتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل(4)....
__________
(1) الحرجة: الشجرة الكثيرة الأغصان. الإملاء المختصر، في شرح غريب السير، لأبي ذر الخشني [محمد بن مسعود ت604هـ]، 2/38. تحقيق: عبد الكريم خليفة، ط: الأولى، 1412هـ، دار النشر، عمان.
(2) أطنت قدمه: أي أطارت قدمه. المصدر السابق.
(3) المرضخة: الحجر الذي يكسر به النوى. المصدر السابق.
(4) السيرة النبوية، لابن إسحاق، (تهذيب ابن هشام، 1/634-635). وسنده حسن.(1/38)
2- وقال ابن إسحاق أيضاً: وزعم رجال من بني مخزوم، أن ابن مسعود - رضي الله عنه - كان يقول : قال لي: لقد ارتقيت مرتقاً صعباً يا رويعي الغنم، قال : ثم احتززت رأسه، ثم جئت به رسول الله ×، فقلت : يا رسول الله: هذا رأس عدو الله أبي جهل، قال: فقال رسول الله ×: "آلله الذي لا إله إلا غيره"- قال : وكانت يمين - عز وجل - قال: قلت نعم, والله الذي لا إله غيره ، ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله × فحمد الله.(1)
__________
(1) السيرة النبوية، لابن إسحاق(تهذيب ابن هشام، 1/636). وقد أخرج الإمام أحمد قصة ابن مسعود - رضي الله عنه - وأنه قتل أباجهل في أكثر من موضع من المسند، انظر: 6/374- 357، رقم الحديث(3824)، و7/278، رقم الحديث(4246)، وأبو داود في السنن، رقم الحديث(2709) وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داود، 2/527، رقم(2357).(1/39)
3- أخرج البخاري من حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - : بينا أن واقف في الصف يوم بدر، نظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضْلَعَ(1) منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم: هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله ×، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده(2) حتى يموت الأعجل منا(3)، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا(4) إلى رسول الله × فأخبراه، فقال: "أيكما قتله؟" قال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: "هل مسحتما سيفيكما؟" فقالا: لا، فنظر في السيفين، فقال: "كلا كما قتله"(5). سَلَبه(6) لمعاذ بن عمرو بن الجموح. وكانا معاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح(7).
__________
(1) هو بفتح أوله وسكون المعجمة وضم اللام، جمع ضلع، وهي القوة, أي بين رجلين أقوى منهما. فتح الباري، 6/248.
(2) بفتح السين، وهو الشخص، المصدر السابق.
(3) حتى يموت الأعجل منا: أي الأقرب أجلاً. المصدر السابق.
(4) ذكرتْ رواية ابن إسحاق المتقدمة أن معوذاً قاتل حتى قتل، ورواية البخاري هذه تذكر أن معاذ بن عفراء ذهب مع معاذ بن عمرو بن الجموح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ن فيجمع بينهما بأن معوذاً - رضي الله عنه - رجع إلى القتال بعد المحاورة فقتل.
(5) صحيح البخاري، رقم الحديث (3141) ومسلم رقم(1752). واللفظ للبخاري.
(6) هو ما يأخذه أحد القِرْْنَيْن في الحرب من قرنه مما يكون عليه ومعه من سلاح وثياب ودابَّة وغيرها. النهاية في غريب الحديث، 2/387.
(7) صحيح البخاري,رقم الحديث(3141)(1/40)
4- وأخرج البخاري رواية أخرى عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي ×: "من ينظر ما صنع أبو جهل؟" فانطلق ابن مسعود - رضي الله عنه - فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، قال: أأنت أبو جهل؟ . قال: فأخذ بلحيته قال: وهل فوق رجل قتلتموه؟ أو رجل قتله قومه(1)؟.
فهذه الرواية تذكر أن الَّلذيْن قتلا أبا جهل ابنا عفراء، من دون ذكر اسميهما.
فخلاصة ما تقدم: أن رواية ابن إسحاق الأولى تفيد أن معاذ بن عمرو بن الجموح سمع المشركين يذكرون أبا جهل، فجعله من شأنه، فحمل عليه فقتله، ثم مر به وهو عقير، معاذ بن عفراء فضربه حتى أثخنه، فتركه وبه رمق...
أما روايته الثانية، فتفيد أن ابن مسعود لقي أبا جهل قبل أن يموت، فحاوره ثم حز رأسه فأتى به النبي ×.
وأما رواية البخاري رقم (3) فهي توافق ابن إسحاق في اسم اللذين قتلا أبا جهل وأن أحدهما : معاذ بن عمرو بن الجموح، والثاني: معاذ بن عفراء، وعند ابن إسحاق: معوذ،لكن رواية البخاري تذكر أن معاذاً ومعوذاً شدا عليه جميعاً حتى طرحاه.
وأما رواية البخاري الأخرى، رقم (4): فهي توافق روايته المتقدمة، رقم(3) إلا أن فيها أنهما ابنا عفراء دون ذكرٍ لاسميهما.
الجمع بين ذلك:
__________
(1) صحيح البخاري، رقم الحديث(3962)، ورقم(3963).(1/41)
قال الحافظ ابن حجر: "وعفراء والدة معاذ، واسم أبيه الحارث، وأما معاذ بن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء، وإنما أطلق عليها تغليباً، ويحتمل أن تكون أم معوذ أيضاً تسمى عفراء، أو أنه كان لمعاذ أخ يسمى معاذاً باسم الذي شركه في قتل أبي جهل ، ظنه الراوي أخاه"، ثم ذكر الحافظ ابن حجر رواية ابن إسحاق الأولى، فقال: "فهذا الذي رواه ابن إسحاق يجمع بين الأحاديث، لكنه يخالف ما في الصحيح من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه رأى معاذاً ومعوَّذاً شدا عليه جميعاً حتى طرحاه، وابن إسحاق يقول: إن ابن عفراء هو معوَّذ، وهو بتشديد الواو، والذي في الصحيح، معاذ، وهما أخوان، فيحتمل أن يكون معاذ بن عفراء، شد عليه مع معاذ بن عمرو بن الجموح، كما في الصحيح، وضربه بعد ذلك، معوَّذ حتى أثبته، ثم حز رأسه ابن مسعود، فتجتمع الأقوال كلها"(1).
وإطلاق كونهما قتلاه، يخالف في الظاهر حديث ابن مسعود أنه وجده وبه رمق، وهو محمول على أنهما بلغا به بضربهما إياه بسيفيهما منزلة المقتول حتى لم يبق به إلا مثل حركة المذبوح، وفي تلك الحالة لقيه ابن مسعود، فضرب عنقه، والله أعلم(2) ".
المسألة الرابعة عشرة: في سبب تخلف طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد رضي الله عنهما.
وردت روايتان عن سبب تخلف طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - وسعيد بن زيد - رضي الله عنه - عن بدر، وإعطائهما رسول الله × سهميهما بل وأجر من شهدها.
فتذكر الرواية الأولى: أنهما كانا بالشام(3) ولم يكونا حاضرين وقت خروج النبي × للغزوة.
__________
(1) فتح الباري، 7/296، تحت حديث رقم (3962).
(2) المصدر السابق.
(3) ذكر الذهبي في السير، 1/25، تحقيق: شعيب الأرناؤوط،، ط: الثانية، 1403هـ، مؤسسة الرسالة. والحافظ ابن حجر في الإصابة، 2/ 229، في ترجمة طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - أن سبب تغيبه عن بدر هو وسعيد بن زيد أنهما كانا في تجارة لهما بالشام.(1/42)
أما الرواية الثانية: فتذكر أن النبي × أرسلهما يتحسسان خبر عير قريش ولم يكونا بالشام لغرض التجارة.
1- ذكر ابن إسحاق في معرض حديثه عمن شهد بدراً طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - وسعيد بن زيد - رضي الله عنه - ، فقال:" ...وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم، كان بالشام، فقدم بعد أن رجع رسول الله × من بدر فكلمه، فضرب له بسهمه، فقال: وأجري يا رسول الله؟ قال: "وأجرك"(1)، ثم قال: "... وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب، قدم من الشام بعدما قدم رسول الله × من بدر، فكلمه، فضرب له رسول الله × بسهمه، قال: وأجري يا رسول الله؟ قال: "وأجرك"(2).
__________
(1) السيرة النبوية، لابن إسحاق، (تهذيب ابن هشام، 1/682).
(2) المصدر السابق، وقد ذكر هذه الرواية موسى بن عقبة، انظر: مغازيه، 174، جمع ودراسة وتخريج، محمد با قشيش.(1/43)
2- وأما الرواية الثانية فقد أخرجها الواقدي عن جمع من شيوخه قال: قالوا: ولما تحيَّن(1) رسول الله × انصراف العير من الشام ندب أصحابه للعير، وبعث رسول الله × طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - وسعيد بن زيد - رضي الله عنه - ، قبل خروجه من المدينة بعشر ليال يتحسسان خبر العير حتى نزلا على كَشَد(2) الجهني بالنخبار(3) من الحوراء، والنخبار من وراء ذي المروة، على الساحل، فأجارهما وأنزلهما، ولم يزالا مقيمين عنده في خباء حتى مرت العير، فرفع طلحة وسعيد على نشز(4) من الأرض، فنظرا إلى القوم وإلى ما تحمل العير، وجعل أهل العير يقولون:يا كشد: هل رأيت أحداً من عيون محمد؟ فيقول: أعوذ بالله، وأنى عيون محمد بالنخبار؟ فلما راحت العير باتا حتى أصبحا ثم خرجا وخرج معهما كشد خفيراً(5) حتى أوردهما ذا المروة، وساحلت العير، فأسرعت، وساروا الليل والنهار فرقاً من الطلب، فقدم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد في اليوم الذي لاقاهم رسول الله × ببدر، فخرجا يعترضان النبي × فلقياه بتُربَان(6)، بين مَلَل(7)
__________
(1) الحين: الوقت، القاموس، حين.
(2) ذكر الصالحي في سبل الهدى والرشاد، 4/19، نقلاً عن عمر بن شبَّة، أنهما نزلا على كثيِّر بن مالك الجهني.
(3) النخبار: لم أجد من عرَّفه، ولكنه قريب من الحوراء، كما قال المؤلف، والحوراء: بفتح أوله ممدود، تأنيث أحور: فُرضة من فرض البحر تلقاء ينبع، كانت ترفؤ إليها السفن من مصر لمن يريد المدينة، المعالم الأثيرة، 105.
(4) النشز: المكان المرتفع. القاموس نشز.
(5) خفيراً لهما: أي أجارهما ومنعهما، وآمنهما. القاموس، خفر.
(6) تربان: بضم الأول ثم السكون: واد نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طريقه إلىبدر، المعالم الأثيرة، 72.
(7) ملل: واد من أودية المدينة، يطؤه الطريق إلى مكة- عن طريق بدر- على مسافة(41) كيلاً... ، ويقال: فرش ملل)، وكذلك ( الفريش). المصدر السابق..(1/44)
والسَّيالة(1)، على المحجة، وكانت منزل ابن أُذينة الشاعر، وقدم كشد بعد ذلك، فأخبر النبي × سعيد وطلحة إجارته إياهما فحياه رسول الله × وأكرمه وقال: ألا أقطع لك ينبع؟ فقال: إني كبير وقد نفد عمري، ولكن اقطعها لابن أخي، فقطعها له.(2)
الجمع بين الروايتين:
1- أنه في حال الأخذ بالروايتين دون طرح لأحدهما يمكن الجمع بينهما،بأن يكون طلحة وسعيد رضي الله عنهما كانا قد تجهزا للخروج إلى الشام للتجارة، وفي نفس الأمر يتحسسان خبر العير فلقيا أخبار العير فرجعا يخبران النبي × بذلك، لكنهما لم يدركاه بالمدينة، ثم حصل منهما طلب إشراكهما في الأجر والغنيمة،فتم لهما ذلك. والله أعلم.
2- بالنظر إلى الروايتين نجد أن الرواية الأولى هي الأقوى وهي التي تفيد أن طلحة وزيداً كانا في تجارة لهما بالشام.
ويبدو لي أن رواية الواقدي هي الأقرب إلى الصواب من الناحية النظرية؛ لأن كثيراً من الصحابة كانوا غائبين عن المدينة وقت الوقعة ومع ذلك لم يقسم لهم النبي × من الغنيمة ولم يشركهم في الأجر، فكون طلحة وزيد - رضي الله عنه - ما خرجا في خدمة النبي × فكأنهما من الجيش، لذلك أشركهما في الأجر. أما إذا قبلنا الجمع المذكور فيمكن الأخذ بالروايتين. والله اعلم.
المسألة الخامسة عشرة: في عدد الملائكة الذين شهدوا بدراً مع المسلمين.
__________
(1) السيالة: على وزن سحابة، موضع بين مكة والمدينة، يبعد(47) عن المدينة في جنوبها الغربي. المصدر السابق.
(2) مغازي الواقدي، 1/19-20، والطبقات الكبرى، لابن سعد، 3/216عن شيخه الواقدي، وفيها اختلاف يسير في السياق، والمعنى واحد، وسبل الهدى والرشاد، للصالحي، 4/19، نقلاً عن عمر بن شبة، وزاد بعد قوله: فأ قطعها له: فا بتاعها منه عبد الرحمن بن أ سعد بن زرارة. و ذكر ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء، 1/136، نقلاً عن ابن سعد. وانظر: الزرقاني في شرحه على المواهب اللدنية، 1/409.(1/45)
1- قال تعالى: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } (1).
2- قال تعالى: { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ } { بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ } (2).
فالآية الأولى ذكر الله - عز وجل - فيها أنه أمد المسلمين بألف.
والآية الثانية ذكر الله - عز وجل - فيها الإمداد بثلاثة آلاف ثم بخمسة.
الجمع بين الآيات:
ذهب العلماء في الجمع بين هاتين الآيتين مذهبين :
الأول: أنه لا تعارض بين الآيتين، لأن الإمداد بالألف كان يوم بدر، والإمداد بالثلاثة والخمسة كان يوم أحد،ولكنه مشروط بالصبر، ولم يحصل الصبر فلم يحصل الإمداد. وهذا قول الضحاك ومقاتل وإحدى الروايتين عن عكرمة.(3)
الثاني: أنه كان يوم بدر(4)،وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والرواية الأخرى لعكرمة، واختاره جماعة من المفسرين.
قال هؤلاء(5): فلما استغاثوا أمدهم الله - عز وجل - بتمام الثلاثة آلاف، ثم أمدهم بتمام خمسة آلاف لما صبروا والتقوا، فكان هذا التدريج ومتابعة الإمداد أحسن موقعاً وأقوى لنفوسهم وأسر لها من أن يأتي به مرة بعد مرة.(6)
__________
(1) الأنفال,آية(9).
(2) آل عمران,آية(124).
(3) انظر: زاد المعاد، لابن القيم، [أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي، ت 751]3 /177-178، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط الثانية 1405هـ. وتفسير ابن كثير، 1/401، نشر دار المعرفة، بيروت، 1388هـ.
(4) قال الحافظ ابن حجر في الفتح، 7/285: وهو المعتمد.
(5) أي أصحاب القول الثاني.
(6) زاد المعاد، لابن القيم، 3/177-178.(1/46)
أما ابن كثير فله رأي آخر في الجمع بين الآيتين،قال: فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية(1) على هذا القول(2) وبين قوله تعالى في قصة بدر: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } .
فالجواب: أن التنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها لقوله - عز وجل - : +ْüدùدٹَگكD" بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم أُلوف أُخر مثلهم.(3)
وأما ابن جرير الطبري، فيرى أنه لا تعارض بين الآيتين المتقد متين في سورة الأنفال وآل عمران، فقد أخبر الله - عز وجل - بأنه أمد المسلين بألف فقط يوم بدر. ولم يثبت في خبر صحيح أنه أمدهم بثلاثة ولا بخمسة، هذا في بدر، أما في أُحد فيذكر- رحمه الله- أن الدلالة على أنهم لم يمدوا أبين منها في أنهم أمدوا، وذلك أنهم لو أمدوا لم ينهزموا ويُنال منهم ما نيل منهم.(4)
المسألة السادسة عشرة: في قوله - صلى الله عليه وسلم - لمن شهد بدراً: "لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" كيف يجمع بين هذا وبين إقامة عمر - رضي الله عنه - الحد على قدامة بن مظعون - رضي الله عنه - عندما شرب الخمر متأولاً، وهو من أهل بدر؟.
__________
(1) يعني قوله - عز وجل - : " إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين، بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين"
(2) أي القول بأن الوعد كان يوم بدر. والقول الثاني: أن هذا الوعد كان يوم أحد.
(3) تفسير ابن كثير، 1/401. وانظر: فتح الباري لابن حجر، 7/285، وسبل الهدى والرشاد، للصالحي، 4/82-83.
(4) جامع البيان في تفسير القرآن، 4/52.(1/47)
1- أخرج البخاري في صحيحه عن علي - رضي الله عنه - قال: بعثني رسول الله × وأبا مرثد والزبير -وكلنا فارس -قال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ(1) فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين" ... فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه، فقال: "أليس من أهل بدر؟" فقال: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال:اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة -أو قد غفرت لكم-فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم(2).
فظاهر قوله: "اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة" - أو "فقد غفرت لكم" -أن كل من شهد بدراً من المسلمين وعمل عملاً يستحق عليه العقوبة فإنه مغفور له ولا يعاقب عليه. لكن:
__________
(1) روضة خاخ: موضع بقرب حمراء الأسد من حدود العقيق في نواحي المدينة، المعالم الأثيرة، 107.
(2) صحيح البخاري، رقم (3983).(1/48)
2- أخرج عبد الرزاق في مصنفه: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - استعمل قدامة بن مظعون(1) - رضي الله عنه - على البحرين وهو خال حفصة، وعبد الله بن عمر،فقدم الجارود، سيد عبد القيس، على عمر من البحرين، فقال: يا أمير المؤمنين إن قدامة شرب فسكر، ولقد رأيت حداً من حدود الله حقاً علي أن أرفعه إليك، فقال عمر من يشهد معك؟ قال: أبو هريرة، فدعا أبا هريرة فقال: بم تشهد؟ قال: لم أره يشرب، ولكني رأيته سكران... ثم كتب إلى قدامة أن يقدم إليه من البحرين...، فقال عمر لقدامة: إني حادُّك، فقال: لو شربت كما يقولون ما كان لكم أن تجلدوني، فقال عمر: لم؟ قال قدامة: قال تعالى: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } (2)، فقال عمر: أخطأت التأويل، إنك إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله عليك...، فأمر بقدامة فجلد(3)....
الجمع بين الروايتين:
__________
(1) هو قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي، أخو عثمان، يكنى أبا عمرو، كان أحد السابقين الأولين، وهاجر الهجرتين وشهد بدراً، توفي سنة ست وثلاثين في خلافة علي وهو ابن ثمان وستين سنة، وقيل مات سنة ست وخمسين، انظر: الإصابة، 2/28- 229).
(2) المائدة، آية (93).
(3) مصنف عبد الرزاق، 9/240-242، رقم الحديث (17076).(1/49)
1- قال الحافظ ابن حجر: وقد استشكل قوله:" اعملوا ما شئتم"، فإن ظاهره أنه للإباحة وهو خلاف عقد الشرع، وأجيب: بأنه إخبار عن الماضي، أي: كل عمل كان لكم فهو مغفور، ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي، ولقال: فسأغفر لكم، وتُعُقِّب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب، لأنه × خاطب به عمر منكراً عليه ما قال في أمر حاطب، وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين، فدل على أن المراد ما سيأتي، وأورده في لفظ الماضي مبالغة في تحقيقه.(1)
2- وقيل: إن صيغة الأمر في قوله: "اعملوا" للتشريف والتكريم، والمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك، وأنهم خُصُّوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة، وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت، أي كل ما عملتموه بعد هذه الواقعة من أي عمل كان فهو مغفور.(2)
3- وقيل: إن المراد ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورة.(3)
4- وقيل: هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم، وفيه نظر ظاهر لما سيأتي في قضية قدامة بن مظعون حين شرب الخمر في أيام عمرو حدَّه عمر، فهاجره بسبب ذلك، فرأى عمر في المنام مَنْ يأمره بمصالحته، وكان قدامة بدرياً.
والذي يفهم من سياق القصة الاحتمال الثاني، وهو الذي فهمه أبو عبد الرحمن السلمي التابعي الكبير، حيث قال لحيان بن عطية: قد علمت الذي جرأ صاحبك(4) على الدماء، وذكر له هذا الحديث(5)، وسيأتي ذلك في باب استتابة المرتدين.
__________
(1) فتح الباري، 7/305-306.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
(4) يقصد بصاحبه: علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لأن أبا عبد الرحمن السلمي، كان يفضل عثمان - رضي الله عنه - على علي - رضي الله عنه - ، وحيان بن عطية كان يفضل علياً على عثمان - رضي الله عنه - . انظر: المصدر السابق، 12/309، تحت حديث رقم(6939).
(5) المصدر السابق، 7/305-306.(1/50)
واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة،لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها والله أعلم.(1)اهـ. كلام الحافظ ابن حجر.
قلت: ويمكن أن يقال أيضاً أن من عمل عملاً من أهل بدر يستحق عليه العقوبة فإن الله - عز وجل - يهيئ له أسباب التوبة قبل الممات، أو يقام عليه الحد الذي يكفر الذنب، ومعلوم أن إقامة الحدود في الدنيا كفارة لصاحبها في الآخرة.(2)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .
وبعد: فالحمد لله الذي أعانني على إتمام هذا البحث، وسوف أو جزما توصلت إليه من خلال النقاط التالية:
1- إن المسائل المتعارضة بلغت ست عشرة مسألة.
2- إن هذه المسائل تنقسم إلى قسمين:
أ- قسم لها علاقة بالأحكام التشريعية والعقائد، وقد بلغت خمس مسائل،هي: المسألة التاسعة، والعاشرة، والحادية عشرة، والخامسة عشرة، والسادسة عشرة.
ب- وقسم ليس له علاقة بالأحكام التشريعية والعقائد، وهي بقية المسائل، وعددها إحدى عشرة مسألة.
3- إن جميع تلك المسائل ظاهرها متعارض،لكن بعد محاولة الجمع بينها ظهر أنه لا تعارض فيها،إلا في روايتين: الأولى: رواية الطبراني في الأوسط في المسالة الرابعة رقم (11)، ورواية الحاكم في المسألة الخامسة رقم (8)، فإنهما مخالفتان لما هو أصح منهما.
4- تبين أن الروايات الضعيفة التي تخالف الصحيحة ظاهراً يمكن الجمع بينها وبين الروايات الصحيحة في أكثر المسائل، وسيجدها القارئ الكريم في ثنايا البحث.
5- تبين أيضاً أن الروايات الضعيفة التي تخالف الروايات الصحيحة ظاهراً يمكن الجمع بينها وبين الروايات الصحيحة، وبالتالي فلا ينبغي إهمالها.
__________
(1) المصدر السابق.
(2) انظر: صحيح البخاري، رقم الحديث (18).(1/51)