الرسالة الفصيحة في فهم حديث
الدين النصيحة
إعداد:
عبد العلي بلامين
Bellamine_abdelali@yahoo.fr
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله وصحبه وسلم .
أما بعد:
فهذا بحث متواضع قمت بإعداده تحت عنوان"الدين النصيحة " أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع به.
1 - نص الحديث:
قال الإمام مسلم:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قُلْتُ لِسُهَيْلٍ: إِنَّ عَمْرًا حَدَّثَنَا عَنْ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِيكَ. قَالَ: وَرَجَوْتُ أَنْ يُسْقِطَ عَنِّي رَجُلًا. قَالَ: فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ أَبِي كَانَ صَدِيقًا لَهُ بِالشَّامِ. ثُمَّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.
2 - درجة صحة الحديث
هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الإيمان: ( باب: بيان أن الدين النصيحة ) رقم 55 - من رواية سهيل عن عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري.(1)ورواه أيضاً من طريق رَوْح بن القاسم قال: حدثنا سهيل عن عطاء بن يزيد أنه سمعه وهو يُحدث أباصالح عن تميم الدَّاري بمثله.(2)
__________
(1) راجع جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي ص: 86 / دار المعرفة - الدار البيضاء - الطبعة الأولى: 1419 هـ
(2) راجع فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني. ج 1 ص: 187 / تحقيق الشيخ عبد العزيز بن باز. دار الفكر - 1993م - 1414 هـ(1/1)
وأخرج البخاري في صحيحه ما تضمنه هذا الحديث ضمن كتاب الإيمان - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " وقوله تعالى: " إذا نصحوا لله ورسوله" رقم 57. " - عن جرير بن عبد الله قال: " بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".
فالبخاري رحمه الله جعل الحديث الذي أخرجه مسلم عن تميم الدَّاري عنوانا لآخر باب في كتاب الإيمان، ولم يُخرجه - البخاري - مُسندا لكونه على غير شرطه، لكنه نبَّه بإيراده على صلاحيته في الجملة(1)، وأنه عمل بمقتضاه في الإرشاد إلى العمل بالحديث الصحيح دون السقيم(2).
ونصيحة البخاري للمسلمين تكمن في جمعه للأحاديث الصحيحة وتبويبها لهم وإخراجها بهذا التصنيف الرائع فكانت نصيحة نقيةً صافية من شوائب الأحاديث السقيمة.
ورُوي هذا الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة اختلف فيها العلماء، يقول ابن رجب الحنبلي:" وقد رُوي عن سهيل وغيره عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخرَّجه الترمذي من هذا الوجه، فمن العلماء من صححه من الطريقين جميعاً، ومنهم من قال: إن الصحيح حديث تميم والإسناد الآخر وَهم "(3)وقال البخاري في تاريخه:" لا يصح إلا عن تميم"(4)
وللحديث طُرقٌ دون هذه في القوة، منها ما أخرجه أبو يعلى من حديث ابن عباس والبزار من حديث ابن عمر.(5)
3 - شرح الألفاظ:
الدين: الإسلام كله ، إذ مدار الإسلام على هذا الحديث.
النصيحة في اللغة والاصطلاح:
__________
(1) راجع فتح الباري ج 1 ص: 187
(2) راجع فتح الباري ج 1 ص: 190
(3) جامع العلوم والحكم ص:86
(4) فتح الباري ج 1 ص: 187
(5) المصدر نفسه.(1/2)
يُقصد بالنصيحة في اللغة: الخُلوص من الشوائب، فيقال: عَسَلٌ ناصح أو نَصوحٌ، إذا لم يَشُبْهُ شيءٌ، وكلُّ شيء خَلَصَ، فقد نَصَحَ، ونَصَحَ القولَ إذا أخلَصهُ لهُ، فالنُّصح نقيض الغشّ(1)
كما يُقصد بها التئام شيئين بحيث لا يكون ثَمَّ تنافرٌ بينهما، فالنُّصحُ مصدرُ قولك: نَصَحتُ الثوبَ إذا ِخِطْتُهُ ومنه يُقال للإبرة: المِنْصَحَة وللخيّاط: النَّاصح، ويُقال للأرض المُتَّصِلة بالغيث أو المُتَّصِل نباتها بعضه ببعض: أرضٌ منصوحةٌ(2)
والنصيحة اصطلاحا: إخلاص النية من الغشّ للمنصوح له.ويعبر عنها ابن حجر العسقلاني قائلا:" والمعنى أنه يَلِمُّ شَعْثَ أخيه بالنُّصح كمَا تَلِمُّ المِنْصَحةُ، ومنه التَّوبة النَّصوح، كأنَّ الذَّنْبَ يُمَزِّقُ الدِّين والتَّوبة تخِيطُهُ "(3)
الدين النصيحة: يُحتمل أن يُحمل على المبالغة، أي: معظم الدين النصيحة، كما قيل في حديث " الحج عرفة"، ويُحتمل أن يُحمَل على ظاهره لأن كل عمل لم يُرِدْ به عامله الإخلاص فليس من الدين.(4)
وقال الخطابي: النصيحة كلمة جامعة معناه حيازة الحظ للمنصوح له، وهي من وجيز الكلام، بل ليس في الكلام كلمة مفردة تستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة.(5)
قالوا: لمن يا رسول الله ؟: واللام هنا في قولهم: "لمن" للاستحقاق، يعني: من يستحقُّها في الدّين؟ فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".(6)
النصيحة لله: إخلاص الإيمان به وتوحيده وإخلاص العبادة له.
__________
(1) راجع لسان العرب ج:2 ص: 615/ دار صادر - بيروت - الطبعة السادسة: 1417 هـ - 1997 م
(2) راجع لسان العرب ج: 2 ص: 617
(3) فتح الباري ج:1 ص: 187
(4) فتح الباري ج:1 ص: 187
(5) المصدر نفسه.
(6) سلسلة شرح كتاب الأربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ - الشريط الثالث - نشر إذاعة طريق الإسلام على شبكة الإنترنت، إنتاج مؤسسة طيبة بالرياض.(1/3)
النصيحة للكتاب: العمل بما فيه والدفاع عنه ونشر مبادئه.
النصيحة للرّسول: بطاعته وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر.
النصيحة للأئمة: أي الحكام بطاعتهم وإرشادهم للحكم بما أنزل الله، أو هم العلماء بإجلالهم وحسن الظن بهم.
لعامة المسلمين: وهم ما عدا الأئمة، وذلك بإرشادهم لما يُصلحهم.(1)
4 - الفكرة المحورية:
وجوب الامتثال لأوامر الله والرسول صلى الله عليه وسلم ومحبتهما، ويتجلى ذلك في العمل بالكتاب والسنة، والسمع والطاعة للإمام في الأمور الشرعية، وتحقيق التناصح بين عامة المسلمين بالإخلاص وحب الخير لهم.
5 - المعنى الإجمالي:
هذا الحديث عظيم الشأن ومن جوامع كلم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعليه مدار الإسلام، فلو عمل أفراد المسلمين وجماعتهم بما تضمنه من معاني النصيحة لنالوا سعادة الدنيا والآخرة ولعاشوا إخوة متحابين تجمعهم عقيدة واحدة وراية واحدة ومنهج واحد في حياتهم.
قال الحافظ أبو نعيم: هذا الحديث له شأن عظيم، وعن أبي داود أن هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه.وذكر محمد بن أسلم الطوسي أنه أحد أرباع الدين.(2)
وقال النووي: بل هو وحده مُحصِّل لغرض الدين كلِّه(3)لأنه منحصرٌ في الأمور التالية:
1 - النصيحة لله:
وذلك بالإيمان به سبحانه وتعالى والاعتقاد الجازم بأنه ربُّ كلّ شيء ومليكه، وأنَّه الخالق وحده، المُدَبِّر للكون كلِّه، وأنه هو الذي يسنحق العبادة وحده لا شريك له، وأن كل معبود سواه، فهو باطل وعبادته باطلة، قال تعالى:" ذلك بأن الله هو الحقُّ وأنَّ ما تَدْعونَ من دُونه هو الباطل وأنَّ الله هو العليُّ الكبير" الحج 60، وأنه سبحانه وتعالى مُتَّصفٌ بصفات الكمال ونعوت الجلال، منزَّه عن كلّ نقص وعيب.
__________
(1) إيضاح المعاني الخفية في الأربعين النووية لمحمد تاتاي ص:62 / الطبعة الأولى: 1418هـ - 1998 م
(2) راجع جامع العلوم والحكم ص: 86
(3) فتح الباري ج: 1 ص: 187(1/4)
وهذا هو التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصّفات.(1)
" توحيد الربوبية:
والنصيحة لله في ربوبيته تتجلى في الإقرار بأن الله وحده هو الخالق للعالم، وهو المدبر، المُحيي، المُميتُ، وهو الرزّاق، ذو القوة المتين المُتصرّف في هذا الملكوت وحده، لاشريك له في ربوبيته، ولا في تدبيره للأمر، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، يحكم ما يشاء، ويفعل ما يُريد.
والإقرار بهذا النوع مركوز في الفطر، لا يكاد ينازع فيه أحد من الأمم، قال تعالى: " ولَئِن سألتَهم مَن خَلَقَهُم ليقولُنَّ الله " الزخرف 87 ، وقال تعالى: " ولئن سألتَهُم مَن خَلَق السَّماواتِ والأرضَ لَيَقُولُنَّ خلقهُنَّ العزيز العليمُ " الزخرف8 ، وقال : تعالى" قُل مَن رَبُّ السماوات السبعِ وربُّ العرشِ العظيمِ سَيَقُولُونَ لله" المؤمنون 89 - 90
فيذكر الله عن المشركين أنهم يعترفون لله بالربوبية والانفراد بالخلق والرِّزق والإحياء والإماتة.
وفي كلِّ شيءٍ لهُ آية تَدُلُّ على أنَّه واحدُ
ولم يُنكر توحيد الرّبوبية ويجحد الربَّ إلا شواذٌّ من المجموعة البشرية- هل تُحسُّ منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً- لم يُحَقِّقوا النصيحة لله، وإنما حقّقوها للطبيعة والمادة اللتين تشهدان أنه لا إله إلا الله.(2)
" توحيد الألوهية:
__________
(1) الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والردّ على أهل الشرك والإلحاد للدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان ص:29/ دار بن خزيمة - الرياض - الطبعة الثانية 1417 هـ - 1997 م
(2) راجع الارشاد إلى صحيح الاعتقاد ص: 30 - 31 بتصرف يسير(1/5)
والنصيحة لله في ألوهيته هي أن يُعبد وحده بجميع أنواع العبادات، وألا يُتَوَجَّه بشيءٍ من العبادات إلا له سبحانه وتعالى، فمن دعا غير الله، أو ذبح أو نذر لغير الله، أو استعان أو استغاث بميت أو حيٍّ حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله، فقد أشرك الشرك الأكبر وأذنب الذنب الذي لا يُغفَرُ إلا بالتوبة، كما يُفعل اليوم عند الأضرحة المبنية على القبور، فإن الله لا يرضى أن يُشرَك معه في عبادته أحد، لا مَلَك مُقرَّب ولا نبيٌّ مُرسَل ولا وليّ ولا غيرهم، قال تعالى: " إنَّ الله لا يغفِرُ أن يُشْرَكَ به" النساء 47 وقال تعالى:" فلا تدعوا مع الله أحداً " الجن 18 وقال تعالى:" واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئاً" النساء 36 .(1)
فكل عبادة تُوُجِّهَ بها إلى غير الله فهي خروج عن النصيحة لله، وعن أداء الحقِّ له سبحانه وتعالى.
" توحيد الأسماء والصفات:
والنصيحة لله في أسمائه وصفاته تكمن في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من صفات الكمال، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه رسوله من صفات النَّقص، على حدِّ قول الله تعالى: " ليس كمثله شيءٌ وهو السميعُ البصير" الشورى 9(2)
فالغلو في الصفات بالتجسيم ترك للنَّصيحة، والجفاء بالتعطيل ترك للنصيحة.
والنصيحة بالتئام ما بينك وبين الله عز وجل في شأن أسمائه وصفاته أن تُثْبِتَ له الأسماء الحُسنى، والصِّفات العُلى، من غير تمثيل ولا تعطيل، ومن غير تحريف ولا تأويل يَصرِفُها عن حقيقَتِها اللائقة بالله جل وعلا.
ومن النَّصيحة لله جل وعلا أن يُحبَّ، وأن يُتَّبَعَ أمرُهُ، وأن تُتَّبَعَ شريعته، وأن يُصَدَّق خبَرُه، وأن يُقبِلَ
عليه المرء بقلبه مُخلِصاً له الدّين.
__________
(1) راجع الارشاد إلى صحيح الاعتقاد ص: 36
(2) الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ص:161(1/6)
فالإخلاص في الأقوال والأعمال حقٌّ لله جلَّ وعلا، والذي لا يُخلص فيهما - من جهة الرياء.. - ما أدى الذي لله جل وعلا.(1)
فهذه الأمور كلُّها واجبة الإقامة بجميع الجوارح وحسب الطاقة، يقول ابن رجب الحنبلي :" فالفرض منها - أي النصيحة - مجانبة نهيه وإقامة فرضه بجميع جوارحه ما كان مطيقا له، فإن عجز عن الإقامة بفرضه لآفة حلت به من مرض أو حَبْس، أو غير ذلك عزم على أداء ما افْتُرض عليه متى زالت عنه العلة المانعة له، قال الله عز وجل:" ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم" (التوبة 92 ) فسماهم محسنين لنصيحتهم لله بقلوبهم لما مُنِعوا من الجهاد بأنفسهم، وقد تُرفع الأعمال كلها عن العبد في بعض الحالات ولا يرفع عنهم النصح لله، فلو كان من مرض بِحَالٍ لا يمكنه عمل شيء من جوارحه بلسان ولا غيره غير أنَّ عقله ثابت لم يسقط عنه النُّصح لله بقلبه وهو أن يندم على ذنوبه، وينوي إن صحَّ أن يقوم بما افترض الله عليه ويجتنب ما نهاه عنه وإلا كان غير ناصح لله بقلبه"(2)
ومن الأمور المستحبة في حقه تعالى أن يُراقِب المسلم اللهَ دائماً في السِّرِّ والعَلَن، فيما يأتي وما يذَر من الأمور المُستحبَّة، وأن يستحضر مقامه بين يدي الله دائماً في الآخرة، ونحو ذلك مما يدخل في المُستحبات، فإن النَّصيحة فيه لله مُستحبَّةٌ.(3)
__________
(1) سلسلة شرح كتاب الأربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ - الشريط الرابع - نشر إذاعة طريق الإسلام على شبكة الإنترنت، إنتاج مؤسسة طيبة بالرياض.
(2) جامع العلوم والحكم ص: 88
(3) سلسلة شرح كتاب الأربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ - الشريط الرابع - نشر إذاعة طريق الإسلام على شبكة الإنترنت، إنتاج مؤسسة طيبة بالرياض.(1/7)
إذاً فالنَّصيحة لله مُنْقَسِمةٌ إلى مَا أوجبه الشَّرعُ في حقِّ الله، فيكون واجباً، وإلى ما استحبه، فيكون من النَّصيحة المُستَحَبَّة.
2 - النصيحة للكتاب:
ومعنى ذلك أن يُعْطَى القرآن حقه، و يُوقَن بأنه كلام الله تعالى، وأنه الحجة البالغة إلى قيام الساعة.وأن هذا القرآن فيه الهدى والنور، قال تعالى: " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" الإسراء 5
وكذلك:
" 1 - الإيمان بمتشابهه كالإيمان بمحكمه
2 - العمل بما جاء به من أحكام وتشريعات.
3 - الدفاع عنه عند طعن الطاعنين، وتأويل المُحرّفين، ولا يتم ذلك إن اتخذنا القرآن الكريم الذي هو مصدر علوم الأولين والآخرين وراء ظهورنا، أو زيَّنّا به حجراتنا ومراكبنا على هيئة تمائم وتعاويذ...."(1)
يقول الإمام النووي كلاما نفيسا جامعاً لما ينصح به كتاب الله تعالى: " وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاعنين والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه"(2)
3 - النصيحة للرّسول:
__________
(1) إيضاح المعاني الخفية في الأربعين النووية ص: 63
(2) صحيح مسلم بشرح الإمام النووي (المجلد الأول ج: 2 ص: 33 ) / دار الفكر - بيروت - 1415 هـ / 1995 م(1/8)
قال الإمام النووي رحمه الله:" وأما النصيحة للرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حيا وميتا، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته ونشر شريعته ونفي التهمة عنها واستثارة علومها، والتفقه في معانيها والدعاء إليها، والتلطف في تعلمها وتعليمها وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته أوتعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك"(1)
ومن النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤمن العبد بأنه -عليه الصلاة والسلام- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن كل دعوة للرسالة بعده -عليه الصلاة والسلام- كذب وزور وباطل وطغيان، وأنه يُحَب -عليه الصلاة والسلام- لأمر الله جل وعلا بذلك، فتُقَدَّمَ مَحَابُّه على مَحَابّ العبد.(2)
4 - النصيحة لأئمة المسلمين:
أما لفظ "ولي الأمر" فإنه في الأصل يُعْنَى به الإمام العام للمسلمين؛ لأن ولاة الأمر في عهد الخلفاء الراشدين، وفي عهد معاوية، كانوا يجمعون بين فهم الدنيا وفهم الشريعة.
وأما بعد ذلك فقد قال العلماء: إن ولاة الأمر -كلًّا فيما يخصه - ، هم العلماء والأمراء؛ فالأمراء في الأمور الدنيوية وكل ما يتعلق بالمسلمين العامة، والعلماء في الأمور الدينية.(3)
" العلماء:
__________
(1) صحيح مسلم بشرح الإمام النووي (المجلد الأول ج: 2 ص: 33 )
(2) سلسلة شرح كتاب الأربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ - الشريط الرابع - نشر إذاعة طريق الإسلام على شبكة الإنترنت، إنتاج مؤسسة طيبة بالرياض.
(3) المصدر نفسه(1/9)
والنصيحة لهم - يعني العلماء- أن تحبهم لأجل ما هم عليه من الدين، وما يبذلون للناس من العلم والخير، وأن يُنصَروا فيما يقولونه من أمر الشريعة، وفيما يبلغونه عن الله -جل وعلا-، وأن يُذَبَّ عنهم ، وعن أعراضهم، وأن يحبوا أكثر من محبة غيرهم من المؤمنين؛ لأن الله - جل وعلا- عقد الولاية بين المؤمنين بقوله: " والمؤمنونَ والمؤمناتُ بعضُهمُ أولياءُ بعضٍ" التوبة 71
يعني: بعضهم يحب بعضا، وينصر بعضا، ومن المعلوم أن أعلى المؤمنين إيمانا هم الراسخون في العلم، أو هم أهل العلم العاملون به، كما قال -جل وعلا-: "يَرْفَعِ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُم والذِينَ أُوتوا العلمَ دَرَجَاتٍ " المجادلة 11
فالنصيحة لأهل العلم أن يُحَبُّوا، وأن يذب عن أعراضهم، وأن يُؤخذ ما ينقُلونه من العلم، وأن يُنصروا فيما نصروا فيه الشريعة ، وأن تُحْفَظ لهم مكانتهم ، وهذه كلها حقوق واجبة لهم؛ لأن لهم في الملة مقام عظيم، وإذا طُعِنَ في أهل العلم، أو لم تُبْذَل لهم النصيحة الواجبة بهذا المعنى، فإن ذلك يعني أن الشريعة تضعف في الهيبة في نفوس الناس؛ فإنه إذا نِيلَ من العالم، أو لم يُنْصَر، ولم يُحْتَرم فإن الشريعة تضعف في نفوس الناس، فإنه إنما ينقلها أهل العلم.(1)وما أفلح قومٌ - والله - أهانوا علماءهم، واستخفُّوا بهم، وضربوا بأقوالهم عرض الحائط، وما تخلَّقَ رجلٌ أهان من أعزه الله بفقه شريعته.(2)
" الأمراء والحُكام:
__________
(1) سلسلة شرح كتاب الأربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ - الشريط الرابع - نشر إذاعة طريق الإسلام على شبكة الإنترنت، إنتاج مؤسسة طيبة بالرياض.
(2) إيضاح المعاني الخفية في الأربعين النووية ص:63(1/10)
قال الإمام النووي رحمه الله: "وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم. قال الخطابي رحمه الله: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم، إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يُغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح."(1)
__________
(1) صحيح مسلم بشرح الإمام النووي (المجلد الأول ج: 2 ص: 33 - 34)(1/11)
فالنصيحة لأئمة المسلمين أن يُعْطَوا حقهم الذي أعطاهم الله -جل وعلا-، وبينه -تعالى- في الكتاب، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة؛ من طاعتهم في المعروف، قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "( سورة النساء:الآية 58 ) ، وعدم طاعتهم في المعصية ، لكن لا يجوز الخروج عليهم بسببها ،لقوله صلى الله عليه وسلم " أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ "(1)و" مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً "(2)وقال صلى الله عليه وسلم: " عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ "(3)فلا يجوز منازعة ولاة الأمور ولا الخروج عليهم إلا أن يظهر منهم كفر بواح (أي ظاهر مكشوف) وكانت لهم قدرة على ذلك، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج رعاية للمصالح العامة، وللقاعدة الشرعية المجمع عليها( أنه لا يجوز إزالة الشَّر بما هو شَرٌّ منه بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه) وأما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين.
__________
(1) أخرجه مسلم، وأحمد، وغيرهم من حديث عوف بن مالك الأشجعي-رضي الله عنه-. وأوله: (خِيَارُ أَئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ...).
(2) "( أخرجه مسلم، وأحمد، وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه )
(3) أخرجه مسلم، والنسائي وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ).(1/12)
أيضًا من النصيحة لهم أن تنبههم على ما يخطئون فيه، وما يتجاوزون فيه الشرعية لمن وصل له، وهذه المرتبة -كما قال ابن دقيق العيد في شرحه وغيره-: هذه فرض كفاية تسقط بفعل البعض من أهل العلم ونحوهم.(1)
وهذه النصيحة الخاصة لولاة الأمر لها شروط وضوابط:فمن ذلك أن تكون النصيحة برفقٍ، وسهولة لفظ؛ لأن حال ولي الأمر - في الغالب- أنه تعزّ عليه النصيحة، إلا إذا كانت بلفظ حسن. وقد قال -جل وعلا- لموسى وهارون: "فقولا له قولا ليِّناً لعله يتذكَّر أو يخشَى" طه 43
ومن الشروط في ذلك أن تكون النصيحة لولي الأمر سرًّا وليست بعلن؛ لأن الأصل في النصيحة بعامة -لولي الأمر ولغيره- أن تكون سرا بمعنى: أنه لا يعلم بها من جهة الناصح إلا هو، وألا يتحدث بها - بأنه نصح الأمير-؛ لأنه ربما أفسد المراد من النصيحة بذكره ، وصعب قَبول النصيحة بعد اشتهار أن ولي الأمر قد نُصِح.
وفي صحيح البخاري -أيضا-: " أن أسامة بن زيد جاءه جماعة، وقالوا له: ألا تنصح لعثمان؟ ألا ترى ما نحن فيه؟ فقال: أما إني لا أكون فاتح باب فتنة وقد بذلته له سرًّا " أو كما جاء عن أسامة بن زيد في صحيح البخاري .
__________
(1) سلسلة شرح كتاب الأربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ - الشريط الرابع - نشر إذاعة طريق الإسلام على شبكة الإنترنت، إنتاج مؤسسة طيبة بالرياض.(1/13)
فدل ذلك على اشتراط أن تكون النصيحة سرًّا.(1)وسُئل مالك بن أنس: أيأتي الرّجل إلى السلطان فيعظه وينصح له ويندبه إلى الخير ؟ فقال: إذا رجا أن يسمع منه، وإلا فليس ذلك عليه.(2)وقال أبو عمر: " إن لم يكن يتمكن نُصح السلطان فالصَّبر والدّعاء فإنهم كانوا ينهون عن سبِّ الأمراء "(3)وإلى غير ذلك من الشروط والآداب التي سيأتي ذكرها في النُّصح للعامة.
5 - النصيحة لعامة المُسلمين:
وأما النصيحة لعامة المسلمين فهي إرشادهم لما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، بأن يُحبوا في الله، وأن يُنصروا في الحق، وأن يُتعاون معهم على الخير والهدى، وألا يُتعاون معهم على الإثم والعدوان، وأن يُبيَّن لهم الحق.
و أن تَبْذُل وتحكم فيهم بشرع الله، وأن تعطيهم حقهم، وأن تلزمهم بأمر الله -جل وعلا- إذا كانوا تحت يدك، وهذا على قدر الاستطاعة.(4)
قال ابن الصلاح: "والنصيحة لعامة المُسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم وتعليمهم أمورَ دينهم ودنياهم وستر عوراتهم... ونُصرتهم على أعدائهم والذّبّ عنهم ومجانبة الغشّ والحسد لهم، وأنْ يُحبَّ لهم ما يُحبُّ لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه."(5)
فالواجب على العاقل لزوم النصيحة للمسلمين كافة وترك الخيانة لهم، لكن النُّصح يجب أن يكون بأدب وضوابط: ومنها:
1 - أن تكون خالصة لله ،لا من أجل الاستهزاء أو التعيير ...
__________
(1) سلسلة شرح كتاب الأربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ - الشريط الرابع - نشر إذاعة طريق الإسلام على شبكة الإنترنت، إنتاج مؤسسة طيبة بالرياض. (بتصرّف يسير )
(2) التمهيد لابن عبد البر ج: 21 ص:284 / دار النشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب - 1387 هـ
(3) المصدر نفسه ج:21 ص: 287
(4) سلسلة شرح كتاب الأربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ - الشريط الرابع - نشر إذاعة طريق الإسلام على شبكة الإنترنت، إنتاج مؤسسة طيبة بالرياض. (بتصرّف يسير )
(5) جامع العلوم والحكم ص: 89 - 90 .(1/14)
2 - أن تكون بالسِّرّ.قال: الفضيل: " المؤمن يَستُر وينْصَحُ والفاجر يهتِكُ ويُعيِّرُ "(1)وقال ابن رجب الحنبلي: وكان السلف يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر على هذا الوجه، ويُحِبُّون أن يكون سرّاً فيما بين الآمر والمأمور، فإن هذا من علامات النُّصح، فإن النّاصح ليس له غرضٌ في إشاعة عُيوب من يَنْصَحُ له، وإنما غرضُه إزالة المفسدة التي وقع فيها."(2)
فشتان بين من قَصدُه النصيحة وبين من قَصدُه الفضيحة، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلا على من ليس من ذوي العقول الصحيحة.(3)
3 - أن تكون وجيزة وليّنَة، قال تعالى: " ادْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" النحل 125 وقال تعالى مخاطباً نبيّه " ولو كنتَ فَظّاً غليظَ القَلبِ لانفضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فاعفُ عَنْهُم واسْتَغْفِر لَهُم وشَاوِرْهُم في الأمر " آل عمران 159
4 - أن تكون من المطبقين لها، حتى لا ينطبق عليك قول الله تبارك وتعالى: " أتامُرونَ النَّاس بالبِّرّ وتَنْسَوْن أنفسكُم وأنتم تَتْلُونَ الكتَابَ أفلا تَعْقِلُونَ " البقرة 43
5 - أن تُلقى النصيحة بطريقة التواضع.
6 - أن تتخيّر المكان والزمان والمناسبة التي يُسدى فيها نُصحه وإرشاده تماماً، مثلما تتخيّر الأسلوب والعبارات اللائقة.
6 - التعليق:
يعتبر حديث "الدين النصيحة" خلاصة لما تهدف إليه الشريعة الإسلامية عقيدةً وعبادةً ومعاملةً.
فهذا الحديث على وجازة ألفاظه وبلاغة عباراته، يُمكن تنزيله على ما نعيشه في مجتمعنا:
__________
(1) الفرق بين النصيحة والتعيير لابن رجب الحنبلي ص:17/ تحقيق : بشير محمد عيون /مكتبة دار البيان - مكتبة المؤيد - الطبعة الأولى: دمشق - بيروت 1413 هـ / 1992 م
(2) المصدر نفسه ص: 18
(3) المصدر نفسه ص: 19(1/15)
1 - بعض الناس في مجتمعنا - هداهم الله - يدعون غير الله في أي مكان، ولو لم يكونوا عند القبر، كمن يقول: يا رسول الله! عند قيامه أو مفاجأته بشيء غريب!! أو يقول: المدد يا رسول الله لِلَّهِ أو: يا فلان... وإذا نُصِحوا قالوا: نحن نعلم أن هؤلاء ليس لهم من الأمر شيء، ولكن هؤلاء أناس صالحون، لهم جاه عند الله، ونحن نطلب بجاههم وشفاعتهم!!
فنسي هؤلاء - غفر الله لهم - قول الله تبارك وتعالى: " ويعبدون مِن دون الله ما لا يَضُرُّهم ولا يَنْفَعُهم ويَقولون هؤلاء شُفعاؤنا عند الله قُلْ أَتُنَبِّئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سُبحانَهُ وتعالى عمَّا يُشْرِكون" يونس:18، وقوله تعالى: " ألاَ لله الدّينُ الخالِصُ والذين اتخَذوا من دونه أولياءَ ما نَعْبُدهم إلاَّ لِيُقَرّبونا إلى الله زُلْفَى إنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُم في ما هُم فيه يَخْتَلِفون إنَّ الله لاَ يَهدي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار"
2 - انتشار الرَّذيلة والفسق بين أفراد المجتمع، فتارة تسمع من يسبُّ الله تبارك وتعالى، وتارة تسمع من يَسُبُّ الدِّين وهلم جرّاً، فإذا نَصَحتَهم وأردت الخير لهم، كان جزاءك الشَّتْمُ والتعيير بأنواع الألقاب المشهورة " تَزمُّتِ وتطَرُّف، وتَعقُّد .."، قال تعالى: "هل جزاء الاحسان إلاَّ الاحسان"الرحمن 59
ولله درّ الشاعر حين قال:
لَقَد أسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيّاً ولكن لاَ حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي
وَلَوْ ناراً نَفَخْتَ بها أضاءتْ ولكن أنْتَ تَنْفُخُ في رَمَادِ(1/16)
3 - تَفَشِّي الغش والكذب والحَسد بين أفراد المُجتمع، فالبائع يَغشّ في البيع فلا يُقيم الوزن بالقسط، والتاجر يكذب في تجارته والمعلّم يغش التلاميذ بتهاونه في شرحه وتبليغه الرسالة، والأب يغش أبناءه فلا يُربيهم على طاعة الله عز وجل ولا يسأل عنهم وعن أحوالهم. والطالب يسألُ صديقه حول ما قاله الأستاذ في غيابه، فيُضَلِّلُه.فأين محبة الخير لعامة المسلمين والنُّصْح والإخلاص لهم؟.
4 - لقد طغت الأقوال على الفِعال في أيامنا هذه ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأصبح الناصح غير منصوح في حدِّ ذاته، بحيث يقف الرّجل أمام الملأ فيُحلِّلُ ويُحرِّم، ويُوعِظُ ويُوَجِّه، ويُبَشِّرُ ويُحَذِّرُ فتذرف من أقواله الدموع، وتتسربل القلوب بالخشوع.
ثُمَّ تراه إذا فارق مجلسهُ فارق مبادئه، وأقواله وخالفها بفعل الحرام وإتيان الموبقات والعياذ بالله، قال تعالى:" أتامُرونَ النَّاس بالبِّرّ وتَنْسَوْن أنفسكُم وأنتم تَتْلُونَ الكتَابَ أفلا تَعْقِلُونَ " البقرة 43،
5 - بعض الناس - غفر الله لهم - ينصحون عامة المسلمين بشدة وقوة، فيكونون سبباً في ابتعاد المنصوح عن الحق ،قال تعالى: " ادْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" النحل 125 وقال تعالى مخاطباً نبيّه صلى الله عليه وسلم: " ولو كنتَ فَظّاً غليظَ القَلبِ لانفضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فاعفُ عَنْهُم واسْتَغْفِر لَهُم وشَاوِرْهُم في الأمر " آل عمران 159
وصلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المصادر والمراجع
1 - القرآن الكريم برواية ورش.
2 - جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي / دار المعرفة - الدار البيضاء - الطبعة الأولى: 1419 هـ
3 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني. / تحقيق الشيخ عبد العزيز بن باز. دار الفكر - 1993م - 1414 هـ.
4 - لسان العرب / دار صادر - بيروت - الطبعة السادسة: 1417 هـ - 1997 م.(1/17)
5 - سلسلة شرح كتاب الأربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ - الشريط الثالث و الرابع - نشر إذاعة طريق الإسلام على شبكة الإنترنت، إنتاج مؤسسة طيبة بالرياض.
6 - إيضاح المعاني الخفية في الأربعين النووية لمحمد تاتاي / الطبعة الأولى: 1418هـ - 1998 م.
7 - الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والردّ على أهل الشرك والإلحاد للدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان / دار بن خزيمة - الرياض - الطبعة الثانية 1417 هـ - 1997 م.
8 - صحيح مسلم بشرح الإمام النووي (المجلد الأول) / دار الفكر - بيروت - 1415 هـ / 1995 م.
9 - التمهيد لابن عبد البر/دار النشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب - 1387 هـ
10 - الفرق بين النصيحة والتعيير لابن رجب الحنبلي / تحقيق : بشير محمد عيون /مكتبة دار البيان - مكتبة المؤيد - الطبعة الأولى: دمشق - بيروت 1413 هـ / 1992 م(1/18)