عبر فيه بأول المفيدة للتخيير فدل على أن الترتيب المذكور في غيره من الأحاديث ليس مراداً (وأجاب) الجمهور بأن أو في هذا الحديث ونحوه للتقسيم لا للتخيير تقديره يعتق أو يصوم إن عجز عن العتق أو يطعم إن عجز عنهما وتبينه الروايات الأخرى(1).
وعن مالك أنه قال: الإطعام أحب إلى من العتق(2)وعنه في رواية أن الكفارة لا تكون إلا بالإطعام (لحديث) عباد بن عبد الله بن الزبير "أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: أتى رجب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في رمضان فقال: يا رسول الله احترقت فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ما شأنك ؟ فقال أصبت ؟ أهلي قال: تصدق قال والله مالي شيء ولا أقدر عليه قال أجلس فجلس فبينما هو على ذلك أقبل رجل يسوق حماراً عليه طعام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن المحترق آنفاً ؟ فقام الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تصدق بهذا: فقال يا رسول الله أعلى غيرنا ؟ فوا الله إنا لجميع مالنا شيء قال كلوه" أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقي(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... {222}
__________
(1) انظر ص227 ج7 نووي مسلم.
(2) انظر ص117 ج2 معالم السنن.
(3) انظر ص94 ج10- الفتح الرباني. وص 215 ج4 فتح الباري (إذا جامع في رمضان) وص 228 ج7 نووي. وص 133 ج10- المنهل العذب المورود وص 223 ج4 بيهقي (واحترقت) أي ارتكبت ما يوجب الحرق بالنار ففيه إطلاق اسم المسبب على السبب و (ما شأنك) كذا في رواية أحمد وعند أبي داود (ما شأنه).(2/41)
وفي قوله – احترقت وأصبت أهلي- دليل على أنه تعمد الجماع وقد اقتصر فيه على الإطعام فدل على أن الكفارة لا تكون إلا به (ورد) بأن الحديث مختصر فلا حجة فيه على ما ذكر فقد رواه عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر عن عباد بن عبد الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في ظل فارع فجاءه رجل من بني بياضة فقال. احترقت وقعت بامرأتي في رمضان قال: أعتق رقبة قال لا أجدها قال أطعم ستين مسكيناً قال ليس عندي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق من تمر فيه عشرون صاعاً فقال تصدق به فقال ما نجد عشاء ليلة. قال فعد به على أهلك. أخرجه ابن خزيمة والبخاري في التاريخ والبيهقي وقال: الزيادات في هذه الرواية تدل على حفظ أبي هريرة ومن دونه لتلك القصة وقوله فيه عشرون صاعاً، بلاغ بلغ محمد بن جعفر. وقد روي في حديث أبي هريرة خمسة عشر صاعاً وهو أصح(1). ... ... ... {223}
ولم يذكر في هذا الحديث الصيام وقد ذكر في حديث أبي هريرة والقصة واحدة فحفظ أبو هريرة ما لم تحفظه عائشة فالأخذ بحديثه حق. وأيضاً في حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر للرجل الخصال الثلاث.
(
__________
(1) انظر ص223 ج4 بيهقي (كفارة من أتى أهله في رمضان) و (فارع) بالعين المهملة حصن بالمدينة يعرف بحصن حسان بن ثابت (وهو أصح) لا منافاة بين الروايتين لا مكان الجمع بأن من روي عشرين صاعاً أراد أصل ما كان في العرق (بفتحتين) الكتل. ومن روي خمسة عشر أراد ما أخذه الرجل.(2/42)
جـ) ظاهر الأحاديث أن الكفارة تلزم الرجل دون المرأة وبه قال الأوزاعي والحسن وهو أصح قولي الشافعي مستدلين بإفراده في الحديث في قوله: خذ هذا وتصدق به. وقوله: هل تستطيع هل تجد وبعدم إعلام النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بوجوب الكفارة عليها مع الحاجة إلى البيان (ورد) بأنه لا حاجة تدعو إلى بيان حكم الكفارة في حق المرأة لأنها لم تعترف ولم تسأل. واعتراف الزوج عليها لا يوجب عليها حكماً ما لم تعترف وأنها واقعة حال فالسكوت عنها لا يدل على حكم لاحتمال أن تكون المرأة غير صائمة لعذر كمرض أو سفر أو غير مكلفة أو طهرت من حيضها في أثناء النهار. والتنصيص على الحكم في حق بعض المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين (ولذا) قال الحنفيون: الكفارة تلزم المرأة إن كانت مختارة لا مكرهة (وقال) مالك: تلزمها إن كانت مختارة وتلزم زوجها إن كانت مكرهة. وأما الأمة المكلفة فكفارتها على سيدها ولو مختارة (وقال) أحمد: لا تلزم المرأة إن كانت مكرهة وإن كانت مختارة فقيل تلزمها لأنها هتكت حرمة رمضان بالجماع وقيل لا تلزمها (قال) أبو داود: سئل أحمد عمن أتى أهله في رمضان أعليها كفارة؟ فقال ما سمعت أن على امرأة كفارة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ولم يأمر المرأة بشيء مع علمه بوجود ذلك منها ولأنه حق مالي يتعلق بالوطء من بني جنسه فكان على الرجل كالمهر. وإن أكرهت المرأة على الجماع فلا كفارة عليها اتفاقاً وعليها القضاء عند الحنفيين وهو المشهور عن احمد والثوري والأوزاعي لأنه جماع في الفرج فأفسد الصوم كما لو أكرهت بالوعيد ولأن الصوم عبادة يفسدها الوطء ففسدت به على كل حال كالصلاة والحج ويفارق الأكل فإنه يعذر فيه بالنسيان بخلاف الجماع وكذا إذا وطئها نائمة وبهذا قال مالك في النائمة.(2/43)
وقال في المكرهة عليها القضاء وكفارتها على زوجها (وقال) الشافعي وابن المنذر: إن كان الإكراه بوعيد حتى فعلت أفطرت وإن كان إلجاء لم تفطر وكذا إن وطئها وهي نائمة لأنها لم يوجد منها فعل، فلم تفطر كما لو صب في حلقها ماء بغير إختيارها وروي عن أحمد أن كل أمر غلب عليه الصائم ليس عليه قضاء ولا غيره وعليه فلا قضاء عليها إذا كانت ملجأة أو نائمة(1).
(فائدة) إن تساحقت امرأتان فلم ينزلا فلا شيء عليهما وإن أنزلتا فسد صومهما وهل يكون حكمهما حكم المجامع فيما دون الفرج إذا أنزل أو لا يلزمهما كفارة مجال فيه وجهان أصحهما أنه لا كفارة عليهما لأن ذلك ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص عليه فيبقى على الأصل وإن ساحق المحبوب فأنزل فحكمه حكم من جامع دون الفرج فأنزل (وإن) جومعت المرأة ناسية الصوم فلا كفارة عليها كما إذا أكرهت وعليه القضاء عند مالك وهو رواية عن أحمد وقال الحنفيون والشافعي لا قضاء عليها وروي عن أحمد لأنه مفطر لا يوجب الكفارة فأشبه الأكل. وإن أكره الرجل على الجماع فسد صومه وعليه الكفارة عند بعض الحنبلية. لأن الإكراه على الوطء لا يمكن لأنه لا يطأ حتى ينتشر ولا ينتشر إلا عن شهوة فكان كغير المكره (وقال) أبو الخطاب: لا كفارة عليه وهو مذهب الحنفيين ومالك والشافعي، لأن الكفارة إما أن تكون عقوبة أو ماحية الذنب ولا حاجة إليها مع الإكراه لعدم الإثم (لحديث) إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه(2).
(
__________
(1) انظر ص58 ج3 مغنى ابن قدامة.
(2) تقدم رقم 211 ص477 (ما يفسد الصوم).(2/44)
وأما) إن كان نائماً بأن كان عضوه منتشراً في حال نومه فاستدخلته امرأته فلا قضاء عليه ولا كفارة وكذلك الملجأ بأن غلبته في حال يقظته على نفسه عند الشافعي لأنه حصل بغير اختياره فلا يفطر به. وظاهر كلام أحمد أن عليه القضاء وهو مذهب الحنفيين ومالك لأن الصوم عبادة يفسدها الجماع فاستوى في ذلك حالة الاختيار والإكراه كالحج. ولا يصح قياس الجماع على غيره في عدم الإفساد لتأكيد بإيجاب الكفارة وإفساده للحج من بين سائر محظوراته(1).
(ثانياً) تناول مفطر عمداً: يجب القضاء والكفارة- عند الحنفيين- بتناول غذاء أو دواء وكل ما فيه نفع للبدن ويميل إليه الطبع وتنقضي به شهوة البطن كالأكل والشرب ومنه شرب الدخان المعروف وتناول الأفيون والحشيش ونحوها من المكيفات وكذا ابتلاع ريق زوجته أو حبيبه تلذذاً (وقالت) المالكية: تجب الكفارة بتناول أي مفسد من مفسدات الصيام السابقة ما عدا إنزال المذي مطلقاً وبعض صور إنزال المني بأن خرج بمجرد نظر أو فكر مع لذة معتادة بلا استدامة (لحديث) أبي هريرة أنّ رجلاً أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعتين أو يطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال: خذ هذا فتصدق به، فقال: يا رسول الله ما أحد أحوج مني، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه وقال له: كله" أخرجه مالك ومسلم والدارقطني والبيهقي وأبو داود(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... {224}
هكذا رواه مالك وابن جريج وغيرهما عن الزهري بعموم المفطر الذي يشمل الأكل وغيره.
(
__________
(1) انظر ص59 و 60 و 61 ج3 مغنى ابن قدامة.
(2) انظر المراجع رقم 221 ص 387.(2/45)
وعن) عامر بن سعد عن أبيه أنه قال "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أفطرت يوماً من شهر رمضان متعمداً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعتق رقبة أو صم شهرين متتابعين أو أطعم ستين مسكيناً" أخرجه الدار قطني(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... {225}
(استدل) الحنفيون ومالك بهذين الحديثين ونحوهما على أن من أفطر متعمداً في رمضان بالأكل وغيره لزمته الكفارة غير أن الحنفيين قيدوا المفطر بما يتغذى به عادة أو يتداوى به أو يميل إليه الطبع. أما ما لم تجر العادة بالتغذي به كالعجين والحصاة والنواة والملح الكثير ففيه القضاء فقط (وقال) الشافعي وأحمد وداود الظاهري: لا كفارة في مفطر إلا الجماع مستدلين بحديث أبي هريرة السابق أو الباب(2)فإنه صلى الله عليه وسلم رتب فيه الكفارة على الجماع وحملوا الأحاديث التي فيها مطلق الإفطار على المقيدة بالجماع ولأن وجوب الكفارة ثبت على خلاف القياس بالنص والنص عليها ورد في الجماع والأكل والشرب ونحوهما ليست في معناه، لأنه أشد حرمة وفيه الحد إن كان زنا فالنص الوارد فيه لا يشمل غيره.
(ورد) بأن من أوجب الكفارة في غير الجماع أوجبها بالنصوص المتقدمة لا بالقياس (قال) شمس الدين السرخسي: ولنا حديث أبي هريرة أن رجلاً قال يا رسول الله أفطرت في رمضان فقال من غير مرض ولا سفر؟ فقال نعم أعتق رقبة. وذكر أبو داود أن الرجل قال شربت في رمضان (وقال) علي رضي الله عنه: إنما الكفارة في الأكل والشرب والجماع. ثم نحن لا نوجب الكفارة بالقياس إنما نوجبها استدلالاً بالنص(3).
(
__________
(1) انظر ص251 الدارقطني.
(2) تقدم رقم 219 ص384 و 385 (ما يوجب القضاء والكفارة).
(3) انظر ص73 ج3 المبسوط.(2/46)
ثالثاً) تناول مفطر مع ظن المبيح: ويجب القضاء والكفارة- عند الحنفيين ومالك – على من تناول مفطراً مع ظن المبيح للفطر كمن أفطر عمداً بعد الغيبة ونحوها من كل ما أجمع العلماء على أنه غير مفسد للصوم- كدهن الشارب- ولو بلغه حديث ما صام من ظل يأكل لحوم الناس أخرجه ابن أبي شيبة ولم يعلم أنه مؤول بذهاب الثواب لاتفاق العلماء على عدم الأخذ بظاهره وأن الغيبة غير مفسدة للصوم (وكذا) تجب الكفارة عند الحنفيين على من تناول مفطراً عمداً بعد أن احتجم أو حجم غيره فظن فساد صومه لخطأ ظنه إلا إذا أفتاه ففيه يعتمد على فتواه بفساد الصوم بالحجامة أو بلغه حديث أفطر الحاجم والمحجوم(1)ولم يعلم تأويله، فلا كفارة عليه حينئذ وإن علم أنه منسوخ ثم أكل بعد الحجامة تلزمه الكفارة (وقالت) المالكية: لا كفارة عليه، لأنه تأول تأويلاً قريباً مستنداً فيه لموجود وهو الحديث المذكور. ومن أفطر متأولاً بقريب التأويل، لا كفارة عليه لأنه لا انتهاك عنده. وإنما هو جاهل وهناك بعض صوره:
(1) فمن أفطر ناسياً فظن لفساد صومه الإباحة فأفطر ثانياً عامداً فلا كفارة عليه.
(2) وكذا من أصبح جنباً فظن إباحة الفطر فأفطر عمداً.
(3) وكذا من تسخر في الجزء الملاقي للفجر من الليل فظن بطلان صومه فأفطر وأما من تسحر قرب الفجر فظن فساد صومه فأفطر فعليه الكفارة لأنه تأويل بعيد.
(4) ومن قدم من سفر ليلاً فظن أنه لا يلزمه صوم صبيحة قدومه فبيت الفطر وأصبح مفطراً فلا كفارة عليه.
(5) وكذا من سافر دون مسافة القصر تظن أن مثل هذا السفر يبيح الفطر فبيته.
(
__________
(1) تقدم رقم 196 ص362 (الحجامة).(2/47)
6) وكذا من رأى هلال شوال نهاراً يوم الثلاثين فاعتقد أنه يوم عيد فأفطر(1)، وأما من أفطر عمداً بلا تأول أو بتأول بعيد- وهو ما استند فيه لمعدوم- فعليه الكفارة ولهذا أمثلة (منها) أن من عادته الحمى في يوم معين فبيت نية الفطر من الليل ظاناً أنه مباح فعليه الكفارة ولو حم في ذلك اليوم (ومنها) المرأة تعتاد الحيض في يوم معين فبيتت نية الفطر لظنها إباحته في هذا اليوم لمجيء الحيض فيه ثم أصبحت مفطرة فعليها الكفارة، ولو جاء الحيض في ذلك اليوم حيث نوت الفطر قبل مجيئه.
(الثاني) شروط الكفارة: يشترط لوجوبها تسعة شروط:
(1) أن يكون الصائم مكلفاً فلا كفارة على صبي ومجنون، لأنها عقوبة وهما ليسا من أهلها.
(2) أن يكون مختاراً فلا كفارة على مكره لعدم إثمه بالفطر.
(3) أن يكون متعمداً الفطر فلو أفطر ناسياً أو مخطئاً فلا كفارة عليه كما تقدم.
(4) أن يكون عالماً بتحريم الفطر في رمضان ولو جهل وجوب الكفارة عليه فلا كفارة على من جهل حرمة الفطر كحديث عهد بالإسلام أفطر عمداً مختاراً وعليه القضاء عند مالك والحنفيين (وقال) الشافعي: لا قضاء عليه (وقال) أحمدك لا يشترط لوجوبها الاختيار ولا العمد بتحريم الوطء في نهار رمضان. فيجب- عنده- القضاء والكفارة بالوطء في نهار رمضان في قبل أو دبر، أو ميتة أو بهيمة سواء كان الواطئ متعمداً أو ساهياً أو عالماً أو جاهلاً مختاراً أو مكرهاً أو مخطئاً كمن وطئ وهو يعتقد أن الفجر لم يطلع ثم تبين أنه وطئ بعد الفجر لما تقدم.
(
__________
(1) انظر ص644 ج1- الفجر المنير (فلا كفارة) لاستناده في (1) لموجود وهو الفطر أولاً ناسياً. وفي (2) لاستناده لإصباحه جنباً. وفي (3) لاستناده إلى احتمال الأكل وقد طلع الفجر. وفي (4) لاستناده إلى عدم تبيت النية وفي (5) لاستناده إلى قوله (فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدة من أيام أخر) وفي (6) لاستناده إلى حديث: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته.(2/48)
5) ألا يطرأ عليه ما يبيح الفطر من سفرٍ أو مرضٍ، فلو أفطر بعد حصول المرض أو السفر فلا كفارة عليه عند الحنفيين خلافاً للثلاثة، أما لو أفطر قبل حصول المبيح فلا تسقط الكفارة اتفاقاً.
(6) أن يكون غير مبال بحرمة الشهر وهو من أفطر غير متأول أو متأولاً تأويلاً بعيداً فإن كان متأولاً تأويلاً قريباً فلا كفارة عليه عند الحنفيين ومالك كما تقدم(1).
(7) أن يصل المفطر إلى الجوف من الفم، فلو وصل شيء إلى حلق الصائم ورده فلا كفارة عليه، وإن وجب القضاء في المائع الواصل إلى الحلق، وكذا لو وصل شيء من الأذن أو العين أو نحوهما مما تقدم فلا كفارة وإن وجب القضاء على ما تقدم بيانه.
(8) تبييت النية: فلو لم يبيتها وأفطر نهاراً فعليه القضاء فقط اتفاقاً.
(9) أن يكون الفطر في أداء رمضان، فإن كان في غيره كقضاء رمضان وصوم المنذور والكفارة والنفل فلا كفارة فيه (قال) ابن رشد: اتفق الجمهور على أنه ليس في الفطر عمداً في قضاء رمضان كفارة- لأنه ليس له حرمة زمان الأداء أعنى رمضان- إلا قتادة فإنه أوجب عليه القضاء والكفارة. وروي عن ابن القاسم وابن وهب عليه يومين قياساً على الحج الفاسد(2)وهو قياس مع وجود النص فلا يعول عليه.
(
__________
(1) تقدم في بحث تناول مفطر مع ظن المبيح ص498.
(2) انظر ص215 ج1 بداية المجتهد.(2/49)
الثالث) ما يسقط الكفارة: يسقطها أحد أمرين: (1) طرو مبيح للفطر- كحيض أو نفاس أو مرض أو جنون أو سفر- فمن أفطر متعمداً ثم طرأ عليه مبيح مما ذكر تسقط الكفارة عنه عند الحنفيين لأنه صار في آخر النهار على حال لو كان عليهما في أوله يباح له الفطر فتسقط الكفارة للشبهة (وقال) مالك والشافعي وأحمد والليث: من جامع في أول النهار ثم مرض أو جنَّ أو حاضت امرأة أو نفست في أثناء النهار، لم تسقط الكفارة، لأن ما ذكر معنى طرأ بعد وجوب الكفارة فلم يسقطها كالسفر ولأنه أفسد صوماً واجباً في رمضان بجماع تام فاستقرت الكفارة عليه كما لو لم يطرأ عذر(1).
(
__________
(1) انظر ص62 ج3 مغنى ابن قدامة (قال) ابن رشد: وسبب هذا الخلاف أن المفطر بشيء فيه اختلاف، فيه شبه من غير المفطر ومن المفطر. فمن غاب أحد الشيهين أوجب له ذلك الحكم. وهذان الشبهان أوجبا فيه الخلاف أعنى هل هو مفطر أو غير مفطر؟ ولكون الإفطار شبهة لا يوجب الكفارة عند الجمهور وإنما يوجب القضاء فقط: مال أبو حنيفة إلى أن من أفطر متعمداً للفطر ثم طرأ عليه في ذلك سبب مبيح للفطر أنه لا كفارة عليه كالمرأة تفطر عمداً ثم تحيض باقي النهار وكالصحيح يفطر عمداً ثم يمرض والحاضر يفطر ثم يسافر فمن اعتبر الأمر في نفسه أعنى أنه مفطر في يوم جاز له الإفطار فيه لم يوجب عليهم كفارة وذلك أن كل واحد من هؤلاء قد ظهر أنه أفطر في يوم جاز له الإفطار فيه. ومن اعتبر الاستهانة بالشرع أوجب عليه الكفارة، لأنه حين أفطر لم يكن عنده علم بالإباحة وهو مذهب مالك والشافعي (انظر ص215 ج1 بداية المجتهد).(2/50)
ب) حصول شبهة تدرأ الكفارة فلو أخبر جماعة شخصاً بطلوع الفجر وهو يأكل فصدقهم وقال: إذا لم أكن صائماً آكل حتى أشبع ثم ظهر أن أكله الأول قبل طلوع الفجر وأكله الأخير بعد الطلوع فلا كفارة عليه عند الحنفيين؛ لأن إخبارهم بطلوع الفجر أورث شبهة أثرت في كونه صوماً تاماً وإن كان المخبر واحداً فعليه الكفارة- عدلاً كان المخبر أو غير عدل- لأن شهادة الفرد في مثل هذا لا تقبل فلا تورث شبهة(1)(ولو) نوى الصوم في رمضان قبل الزوال ثم أفطر عمداً لا تلزمه كفارة عند النعمان؛ لأن عدم تبييت النية شبهة بها نقص الصوم فتدرأ الكفارة (وقال) الصاحبان: عليه الكفارة؛ لأنه بفطره عمداً بعد نية صحيحة انتهك حرمة الشهر قطعاً وعلى قياس هذا لو صام يوماً من رمضان بمطلق النية ثم أفطر تلزمه الكفارة عند النعمان لمكان الشبهة خلافاً لهما(2).
(10) الأعذار المبيحة للفطر
تقدم أن ترك الصوم وإفساده لغير عذر حرام أما بعذر فلا يحرم وحيث اختلف الحكم بتحقق العذر وعدمه فلابد من بيان الأعذار المسقطة لإثم الفطر والمبيحة له وهي تسعة:
(1) المرض: يباح الفطر في رمضان لمن دخل عليه وخاف- بغلبة ظن أو تجربة أو إخبار طبيب مسلم حاذق غير ظاهر الفسق- من الصوم المرض إذا كان صحيحاً أو زيادته أو بطأه إذا كان مريضاً لقوله تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر(3)" (وفي) حديث معاذ بن جبل في أحوال الصيام قال: ثم إن الله تعالى أنزل الآية الأخرى "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن- إلى قوله- فمن شهد منكم الشهر فليصمه" فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح. ورخص فيه للمريض والمسافر. وثبت الإطعام الكبير الذي لا يستطيع الصيام، أخرجه احمد وأبو داود والبيهقي بسند صحيح(4). ... ... ... {226}
__________
(1) انظر ص277 ج2 البحر الرائق (ما يفسد الصوم وما لا يفسده).
(2) انظر ص276 منه.
(3) سورة البقرة: آية 185.
(4) انظر هامش ص281.(2/51)
وعلى هذا أجمعت الأئمة: فإن تحمل المريض وصام مع هذا فقد فعل مكروهاً لما يتضمنه من الإضرار بنفسه وتركه تخفيف الله وقبول رخصته. ويصح صومه ويجزئه لأنه عزيمة أبيح تركها رخصة فإذا تحمله أجزأه كالمريض الذي يباح له ترك الجمعة إذا حضرها. والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام كالمريض الذي يخاف زيادة المرض في إباحة الفطر لأن المريض إنما أبيح له الفطر خوفاً مما يتجدد بصيامه من زيادة المرض وتطاوله والخوف من تجدد المرض في معناه (قال) أحمد- فيمن به شهوة غالبة للجماع يخاف أن تنشق أنتياه- له الفطر. وقال في الحارية تصوم إذا حاضت فإن جهدها الصوم فلتفطر ولتقض يعني إذا حاضت وهي صغيرة إذا كانت تخاف المرض بالصيام فيباح لها الفطر وإلا فلا(1).
(2) السفر: يباح الفطر للمسافر سفر قصر وإن لم يضره الصوم، لأن السفر الطويل لا يعري عن المشقة وهي لا تنضبط فاعتبر مظنتها لقوله تعالى: "فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر". (ولحديث) عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "أأصوم في السفر؟- وكان كثير الصيام- فقال: "إن شئت فصم وإن شئت فأفطر" أخرجه الجماعة والبيهقي وقال الترمذي حسن صحيح(2){227}
__________
(1) انظر ص17 ج3 شرح المقنع.
(2) انظر ص97 ج زرقاني الموطأ. وص 100 ج10 الفتح الرباني. وص 129 ج4 فتح الباري (الصوم في السفر والإفطار) وص 237 ج7 نووي. وص 146 ج10 المنهل العذب المورود. وص 41 ج2 تحفة الأحوذي. وص 262 ج1 ابن ماجه. وص 243 ج4 بيهقي.(2/52)
وهو نص في إثبات الخيار للمسافر بين الصوم والإفطار وأنه يصح صوم الفرض للمسافر وأن صومه في السفر ليس واجباً. وظاهره أنه سأل عن مطلق الصوم فرضاً أو غيره فلا يكون فيه حجة على من منع صوم رمضان في السفر. لكن قد صرح برمضان في أحاديث (منها) حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حرٍ شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحه" أخرجه مسلم(1) ... {228}
ثم الكلام هنا في ستة فصول:
(1) صوم المسافر: دلت أحاديث الباب على جواز صيام رمضان وفطره للمسافر وبه قال عامة العلماء. واختلفوا في الأفضل منهما (فقال) الحنفيون ومالك والشافعي والثوري: الصوم في السفر أفضل لمن قوي عليه والفطر أفضل لمن يقو على الصيام؛ لقوله تعالى: "وأن تصوموا خير لكم" و(لحديث) أبي الدرداء السابق ففيه فطر من اشتد عليهم الحرّ من الصحابة ولم يقو على الصيام وصيام النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة ، لأنه لم يجهدها (وحديث) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوة فصام ذلك حسنٌ ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن" أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي(2) ... ... {229}
(
__________
(1) انظر ص238 ج7 نووي (جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر).
(2) انظر ص102 ج10 الفتح الرباني (جواز الفطر والصوم في السفر) وص 234 ج7 نووي وص 245 ج4 بيهقي. و (لا يجد) بكسر الجيم أي لا يحقد على غيره.(2/53)
وقال) أحمد وإسحاق: الفطر أفضل (لحديث) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان في سفر فرأى رجلاً قد اجتمع الناسُ عليه وقد ظلل عليه فقال ماله؟ قالوا هذا رجلٌ صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس البر أن تصوموا في السفر" أخرجه أحمد ومسلم(1) ... ... {230}
__________
(1) انظر ص106 ج10 الفتح الرباني (أفضلية الفطر في السفر) وص 233 ج7 نووي.(2/54)
تمسك بعض الظاهرية بهذا وقال إذا لم يكن من البر فهو من الإثم فدل على أن صوم رمضان لا يجزئ في السفر. وحمله أحمد على الكراهة (ورد) بأن الحديث معناه إذا شق عليكم وخفتم الضرر كما يدل عليه سياق الحديث وصوم النبي صلى الله عليه وسلم في السفر في شدة الحر ولو كان إثماً لكان أبعد الناس منه (قال) الخطابي: الحديث مقصور على من كان في مثل حال من سيق له فالمعنى ليس من البر أن يصوم المسافر إذا كان الصوم يؤديه إلى مثل هذه الحال بدليل صيام النبي صلى الله عليه وسلم في سفره ولتخييره في حديث حمزة الأسلمي بين الصوم والإفطار. ولو لم يكن الصوم براً لم يخيره فيه(1)(وعن) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنهم ينظرون فيما فعلت. فدعا بقدحٍ من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فأنظر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن أناساً صاموا فقال "أولئك العصاة أولئك العصاة" أخرجه مسلم والترمذي وقال حديث حسن صحيح(2){231}
(
__________
(1) انظر ص124 ج2 معالم السنن (اختيار الفطر).
(2) انظر ص232 ج7 نووي وص 40 ج2 تحفة الأحوذي (كراهية الصوم في السفر) و (كراع) بضم الكاف و (الغميم) بفتح الغين المعجمة واد أمام عسفان على نحو ثلاثة مراحل من مكة (وقال) الترمذي: قال الشافعي: إنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "ليس من البر الصيام في السفر" وقوله – حين بلغه أن ناساً صاموا- "أولئك العصاة" فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله تعالى. فأما من رأى الفطر مباحاً وصام وقوي على ذلك فهو أعجب إلى (انظر ص 41 ج2 تحفة الأحوذي).(2/55)
وأجيب) بأنه محمول على من تضرر بالصوم لقوله: إن الناس قد شق عليهم الصيام أو أنهم أمروا بالفطر أمراً جازما لبيان جوازه فخالفوا الواجب. وعلى التقديرين لا يكون الصائم في السفر عاصياً إذا لم يتضرر به (وقال) ابن عمر: لأن أفطر في رمضان في السفر أحب إلي من أن أصوم، أخرجه البيهقي(1)وهذا اجتهاد من ابن عمر فلا حجة فيه أو محمول على من يضعفه الصوم (والقول) الأول أعدل المذاهب.
(
__________
(1) انظر ص245 ج4 بيهقي (من اختار الصوم في السفر إذا قوي عليه).(2/56)
ب) فطر المسافر: يجوز للمسافر في أثناء الشهر الفطر ولو شهد أول رمضان في الحضر (لحديث) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد- وهو ماءٌ بين عسفان وقديد- أفطر وأفطروا قال الزهري: وإنما يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الآخر فالآخر" أخرجه البخاري(1) ... ... ... ... ... ... ... {232}
__________
(1) انظر ص2 و 3 ج8 فتح الباري (غزوة الفتح في رمضان). (وذلك على رأس ثمان سنين ونصف...) هكذا في رواية معمر وهو وهم الصواب على رأس سبع سنين ونصف وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت سنة ثمان. ومن ربيع الأول إلى رمضان نصف سنة. فالتحرير أنها سبع سنين ونصف (انظر تمامه بص 3 ج8 فتح الباري) و (الكديد) بفتح فكسر مكان فيه ماء بينه وبين المدينة نحو سبع مراحل وعلى مكة من مرحلتين والمرحلة يقطعها المسافر في يوم. و (عسفان) بضم فسكون موضع بين مكة والمدينة على نحو ثلاث مراحل من مكة و (قديد) بالتصغير موضع بين مكة والمدينة (وقد) غلط بعض العلماء في فهم هذا الحديث فتوهم أن الكديد فريب من المدينة وأن قوله: فصام حتى بلغ الكديد. كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة فزعم أنه خرج منها صائماً فلما بلغ الكديد في يومه أفطر في نهار رمضان واستدل بهذا على أنه إذا سافر بعد طلوع الفجر صائماً له أن يفطر في يومه. ومذهب الحفنيين ومالك والشافعي والجمهور: أنه لا يجوز الفطر في هذا اليوم وإنما يجوز لمن طلع عليه الفجر في السفر. واستدلال هذا القائل بالحديث من العجائب لأن الكديد وكراع من الغميم على سبع مراحل أو أكثر من المدينة (انظر ص230 و 231 ج7 نووي).(2/57)
فيه دليل لمذهب الجمهور أن الصوم والفطر جائزان وفيه أن المسافر له أن يصوم بعض رمضان دون بعض ولا يلزمه بصوم بعضه إتمامه(1)(وقال) ابن عباس: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في رمضان فصام وصام المسلمون معه حتى إذا بالكديد دعا بماء في قعبٍ وهو على راحلته فشرب والناس ينظرون بعلمهم أنه قد أفطر فأفطر المسلمون" أخرجه احمد(2) ... ... ... ... ... ... ... {233}
المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه استمروا يصومون من خروجهم من المدينة حتى بلغوا كديداً. وهذه المسافة تستغرق نحو سبعة أيام ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فشرب ليعلم الناس أنه قد أفطر فأفطروا (وفيه) دليل على أن فضيلة الفطر للمسافر لا تختص بمن أجهده الصوم أو خشي العجب والرياء أو ظن به الرغبة عن الرخصة بل يلتحق بذلك من يقتدي به ليتابعه من وقع له شيء مما ذكر ويكون الفطر في حقه حينئذ أفضل للبيان.
__________
(1) انظر ص230 ج7 نووي مسلم.
(2) انظر ص113 ج10 الفتح الرباني (من شرع في الصوم ثم أفطر) و (القعب)- بفتح فسكون- قدح من خشب.(2/58)
والأحاديث في هذا كثيرة وكلها تدل (أولاً) على أن للمسافر أن يفطر في أثناء الشهر ولو استهل رمضان في الحضر فإن النبي صلى الله عليه وسلم استهل رمضان عام الفتح وهو بالمدينة ثم سافر في أثنائه لعشر مضين منه وصام حتى بلغ الكديد بعد سبعة أيام ثم أفطر وبهذا قال عامة العلماء(1)(ثانياً) تدل الأحاديث على أن من نوى الصوم وهو مسافر يجوز له الفطر وهو مذهب الجمهور وبه قطع أكثر الشافعية، وقال بعضهم: ليس له أن يفطر.
(
__________
(1) عامة العلماء) وشذ عبيدة السلماني وأبو مجاز وسويد بن غفلة فقالوا: لا يباح لمن سافر في أثناء الشهر الفطر لقوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وهذا قد شهده وهو مقيم (ورد) بأن الأحاديث الصحيحة الكثيرة دلت على أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد أول الشهر وهو مقيم ثم سافر بعد عشر منه ثم أفطر بعد سبعة أيام من سفره وقوله تعالى "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" معناه من شهد كله خالياً من الأعذار فليصمه ومن شهد بعضه كذلك صام ما لم يطرأ عليه مبيح للفطر وإلا أفطر.(2/59)
جـ) متى يفطر من خرج مسافراً؟ يباح لمن خرج مسافراً الفطر متى جاوز مساكن البلد، لقول عبيد بن جبير. ركبت مع أبي بصرة الغفاري من الفسطاط إلى الإسكندرية في سفينة فلما دفعنا من مرسانا أمر بسفرته فقربت ثم دعاني إلى الغداء وذلك في رمضان فقلت: يا أبا بصرة والله ما تغيبت عنا منازلنا بعد، فقال: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لا، قال: فكل فلم نزل مفطرين حتى بلغنا ما حوزنا" أخرجه أبو داود والبيهقي والدارمي وأحمد وهذا لفظه(1) ... ... ... ... ... ... ... {234}
(
__________
(1) انظر ص158 ج10 المنهل العذب المورود (متى يفطر المسافر إذا خرج؟) وص 246 ج4 بيهقي وص10 ج2 دارمي. وص 117 ج10 الفتح الرباني (وابن جبير) بالتصغير كان ممن بعث به المقوقس مع مارية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فله صحبة (والفسطاط) بضم أو كسر فسكون في الأصل المدينة التي فيها مجمع الناس. والمراد هنا مصر القديمة التي بناها عمرو بن العاص (والسفرة) في الأصل يصنع للمسافر وتطلق على ما يوضع فيه الطعام مجازاً و (الغداء) بالدال الطعام يؤكل أول النهار و (أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) استفهام إنكاري أي لا يترك الأكل فإن في تركك له إعراضاً عن العمل بسنة النبي صلى الله عليه وسم إذا قال الصحابي: من السنة كذا. فهو في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وما حوزنا) بشد الواو وفتح الزاي أي الموضع الذي ضمنا وأردنا السفر إليه.(2/60)
دل) الحديث (أ) على أنه يجوز لمن بيت نية الصوم ثم سافر نهاراً أن يفطر وهو الأصح عن أحمد واختاره المزني (قال) الخطابي: وشبهوه بمن أصبح صائماً ثم مرض في يومه فإن له أن يفطر للمرض. وكذلك من أصبح صائماً ثم سافر، لأن كلاً من المرض والسفر مرخص حدث في أثناء النهار (ورد) بأن السفر لا يشبه المرض، لأن السفر من فعله والمرض يحدث من غير اختياره فيعذر فيه لا في السفر(1)(وقال) الحنفيون ومالك والشافعي والأوزاعي: لا يباح له فطر ذلك اليوم، لأن الصوم عبادة تختلف بالحضر والسفر، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة (وأجابوا) عن الحديث (أولاً) بأن أبا بصرة لعله ثبت عنده بنوع اجتهاد أنه يجوز الإفطار إذا نوى الصوم بالليل، وإلا فلا نص عن النبي صلى الله عليه وسلم (ثانياً) أنه يحتمل أن أبا بصرة كان مقيماً في فسطاطه فخرج منها ليلاً قبل الصبح ولم ينو الصوم، فصار مسافراً فجاز له الإفطار لما فارق بيوت مصر من الجهة التي ركب فيها السفينة(2).
(2) ودل الحديث أيضاً على أنه لا يجوز لمن خرج مسافراً الفطر حتى يجاوز مساكن البلد. وبه قال الأئمة الأربعة والجمهور، لظاهر قوله في الحديث (ما تغيبت عنا منازلنا بعدُ) أي أتأمرنا بالطعام قبل بعدنا عن البيوت. قال: ذلك مستغرباً لظنه أن الفطر لا يجوز للمسافر وهو يرى العمران. فلا يباح له الفطر حتى يخلف البيوت وراء ظهره ويخرج من بين بنيانها.
(
__________
(1) انظر ص126 ج2 معالم السنن.
(2) انظر ص160 ج10 المنهل العذب المورود (الشرح).(2/61)
د) مسافة السفر المبيح للفطر: أقل مسافة يباح فيها الفطر للمسافر ثلاثة أميال أي فرسخ (5565 متر) عند الظاهرية (روي) روي منصور الكلبي أن دحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق مرة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط (وذلك ثلاثة أميال) في رمضان ثم إنه أفطر وأفطر معه ناسٌ وكره آخرون أن يفطروا. فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت النوم أمراً ما كنت أظن أني أراه، إن قوماً رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقول ذلك للذين صاموا ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك- أخرجه احمد والطحاوي وأبو داود وهذا لفظه والبيهقي، ومنصور الكلبي قال ابن المديني: مجهول ووثقه العجلي وباقي رجاله ثقات يحتج بهم في الصحيح(1).
القرية من دمشق هي قرية مزة- بكسر الميم وشد الزاي- كان يسكنها دحية وهي قرية كبيرة بينها وبين دمشق نصف فرسخ، والمسافة التي بينها وبين المحل الذي انتهى سير دحية إليه كالمسافة التي بين مصر العتيقة وبين قرية عقبة، ولعلها أميال. وقد رأى دحية أن هذه المسافة يرخص فيها للصائم بالفطر، ولذا أفطر وأفطر بعض من معه وعاب على من صام، لأنه فهم أن صيامهم ليس بقصد العزيمة بل هو إعراض عن رخصة الإفطار في السفر أو أنه يرى أن الفطر واجب بالسفر (قال) الخطابي: يحتمل أن يكون دحية إنما صار في ذلك إلى ظاهر اسم السفر، وقد خالفه غير واحد من الصحابة فكان ابن عمر وابن عباس لا يريان القصر والإفطار في أقل من أربعة برد وهما أفقه من دحية وأعلم بالسنة(2).
(
__________
(1) انظر ص118 ج10 الفتح الرباني. وص 160 ج10 المنهل العذب المورود (قدر مسيرة ما يفطر فيه) وص 241 ج4 بيهقي.
(2) انظر ص127 ج2 معالم السنن (والبرد) بضمتين جمع بريد. فتكون المسافة بالليل ثمانية وأربعين ميلاً. وبالكيلو متر نحواً من تسعة وثمانين كيلو متراً عند غير الحنفيين وعندهم 83.5ك ونصف كما تقدم في مسافة القصر (انظر ص44 ج4 الدين الخالص).(2/62)
وقال) الليث بن سعد: الأمر الذي اجتمع الناس عليه ألا يقصروا الصلاة ولا يفطروا إلا في مسيرة أربعة برد في كل بريد اثنا عشر ميلاً (قال) البيهقي: قد روينا في كتاب الصلاة: ما دل على هذا عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر. والذي روينا عن دحية الكلبي إن صح ذلك فكأنه ذهب فيه إلى ظاهر الآية في الرخصة في السفر، وأراد بقوله: رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أي في قبول الرخصة لا في تقدير السفر الذي أفطر فيه(1)، وإذا قال الأئمة الأربعة والجمهور: لا يجوز الفطر للمسافر إلا في مسافة تقصر فيها الصلاة والخلاف في فطر المسافر كالخلاف في قصر المسافر الصلاة فكل سفر يبيح قصر الصلاة فهو مبيح لفطر الصائم(2).
(
__________
(1) انظر ص241 ج4 بيهقي.
(2) فهو مبيح لفطر الصائم) قال ابن رشد: ذهب الجمهور إلى أنه إنما يفطر في السفر الذي نقصر فيه الصلاة وذلك على حسب اختلافهم في هذه المسألة. وذهب قوم إلى أنه يفطر في كل ما ينطلق عليه اسم سفر وهم أهل الظاهر (وسبب) اختلافهم معارضة ظاهر اللفظ للمعنى وذلك أن ظاهر اللفظ أن كل من ينطلق عليه اسم مسافر فله أن يفطر لقوله تعالى (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) وأما المعنى المعقول من إجازة الفطر في السفر فهو المشقة. ولما كانت لا توجد في كل سفر وجب أن يجوز الفطر في السفر الذي فيه المشقة. ولما كان الصحابة كأنهم مجمعون على الحد في ذلك وجب أن يقاس ذلك على الحد في تقصير الصلاة (انظر ص206 ج1 بداية المجتهد).(2/63)
هـ) مدة فطر المسافر: هي مدة السفر، فللمسافر الفطر حتى يرجع إلى وطنه أو ينوي الإقامة خمسة عشر يوماً فأكثر بموضع واحد يصلح لإقامته عند الحنفيين والثوري والمزني والليث بن سعد (وقال) الأئمة الثلاثة: المسافر إذا نوى إقامة أقل من أربعة أيام أفطر، وإن نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج صام وقد تقدم في بحث مدة القصر أدلة كل(1)، وأما من لم ينو الإقامة بل عزم على الرجوع إلى بلده متى قضى حاجته فإنه يفطر مدة انتظاره قضاء حاجته عند الحنفيين ومالك وأحمد، وروي عن الشافعي لما تقدم في بحث مدة القصر، (ولقول) ابن عباس رضي الله عنهما: صام النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ الكديد- الماء الذي بين قديد وعسفان- أفطر فلم يزل مفطراً حتى انسلح الشهر" أخرجه البخاري(2). ... ... ... ... ... ... {235}
كان فتح مكة لثلاث عشرة أو ست عشرة أو سبع عشرة أو ثماني عشرة خلت من رمضان على الخلاف في ذلك (وفي الحديث) دليل على أن المسافر إذا أقام ببلد متردداً جاز له أن يفطر مدة تلك الإقامة كما يجوز له أن يقصر كما تقدم في بحث قصر الصلاة(3).
(و) انقطاع حكم السفر: ينتهي السفر بأحد أمور ثلاثة (أ) نية الإقامة بموضع صالح لإقامته مدة معينة على ما تقدم بيانه (ب) الرجوع إلى المكان الذي ابتدأ منه السفر (ج) نية الرجوع إليه قبل أن يقطع مسافة القصر. أما إن نوى الرجوع بعد قطعها فإنه لا يلزمه الصوم إلا إذا دعا بالفعل. فإذا حصل واحد مما ذكر في أثناء نهار رمضان وهو مفطر، لزمه الإمساك عند الحنفيين والثوري والأوزاعي وهو رواية عن أحمد، لأنه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصوم فإذا طرأ أوجب الإمساك كقيام النية بالرؤية.
(
__________
(1) انظر ص59 ج4 الدين الخالص.
(2) انظر ص2 ج8 فتح الباري (غزو الفتح).
(3) انظر ص49 وما بعدها ج4 الدين الخالص.(2/64)
وقال) مالك والشافعي: يستحب له الإمساك. وروي عن أحمد، لحرمة الشهر ولا يجب، لأنه أبيح له الفطر أول النهار ظاهراً وباطناً، فإذا أفطر كان له استدامة الفطر كما لو دام العذر. وتقدم تمام الكلام في هذا في بحث من صار أهلاً للصيام(1).
(3 و 4) الحمل والرضاع: الحامل هي التي في بطنها جنين. والمرضع التي شأنها الإرضاع وإن لم تباشره. والمرضعة هي المباشرة له بإلقام ثديها الصبي. فيباح للحامل والمرضع الفطر إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما ولو رضاعاً- بغلبة الظنّ بنحو تجربة أو إخبار طبيب ثقة- من حصول ضرر بالصوم كضرر المريض. وللمرضع الفطر بشرب دواء أخبر الطبيب الثقة أنه يمنع استطلاق بطن الرضيع مثلاً (لحديث) أنس بن مالك الكعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام" أخرجه أحمد والأربعة والبيهقي وحسنه الترمذي(2) ... ... ... ... {236}
(دل الحديث) على أنه يباح للحامل والمرضع الإفطار إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما وبه يقول عامة العلماء. واختلفوا في لزوم القضاء والفدية عليهما (فقال) ابن عباس وابن عمر: عليهما الفدية بلا قضاء إذا خافتا على ولدهما (روي) سعيد ابن جبير عن ابن عباس أنه قال إذا خافت الحاملُ على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان يفطران ويطعمان مكان كل يومٍ مسكيناً ولا يقضيان صوما أخرجه ابن جرير الطبري(3).
(
__________
(1) تقدم ص350.
(2) انظر ص126 ج10 الفتح الرباني (الصيام للمريض والحامل والمرضع) وص 153 ج10 المنهل العذب المورود وص 318 ج1 مجتبي وص 263 ج1 ابن ماجه وص 42 ج2 تحفة الأحوذي (الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع) وص 231 ج4 بيهقي.
(3) انظر ص 80 ج2 جامع البيان.(2/65)
وعن) نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكيناً مداً من حنطة. أخرجه مالك والبيهقي(1).
(وقال) الحنفيون: يباح الفطر للحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما وعليهما القضاء عند القدرة ولا فدية عليهما لعدم النص عليها في الحديث (وبهذا) قال مالك في الحامل (وقال) في المرضع: إذا خافت على ولدها أو نفسها ولم تجد أجرة ترضعه بها عليها الفطر والقضاء والفدية لكل يوم مد (وقال) الشافعي وأحمد: يباح لهما الفطر وعليهما القضاء فقط إن خافتا على أنفسهما فقط أو مع ولدهما. أما إن خافتا على الولد فقط فعليهما القضاء لأن حالهما لا ينقص عن حال المريض وعليهما الفدية أيضاً لكل يوم مد من غالب قوت البلد عند الشافعي لأنهما يطيقان الصوم وقد قال الله تعالى: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين(2)" (وقال) أحمد: الواجب مد بر أو نصف صاع شعير والخلاف فيه كالخلاف في إطعام المساكين في كفارة الجماع. فإن عجزتا عن الإطعام سقط عنهما بالعجز ككفارة الوطء بل أولى لوجود العذر. وقيل لا يسقط(3).
(
__________
(1) انظر ص116 ج2 زرقاني الموطأ. وص 230 ج4 بيهقي.
(2) سورة البقرة آية 184.
(3) انظر ص21 ج3 شرح المقنع.(2/66)
5) الكبر:- بكسر ففتح- الطعن في السن يطلب من الشيخ الهرم والمرأة العجوز إذا لحقهما بالصوم مشقة أن يفطروا ويطعما لكل يوم مسكيناً مداً من بر عند الشافعي وأحمد ونصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو صاعا من تمر أو شعير أو زبيب أو قيمة ذلك عند الحنفيين إن قدر وإلا استغفر الله تعالى وطلب منه العفو والاقالة (قال) ابن عباس رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليه. أخرجه الدارقطني والحاكم وصححاه(1)(والظاهر) أن هذا موقوف. ويحتمل أن المراد رخص النبي صلى الله عليه وسلم فبني الفعل للمجهول للعلم بالفاعل. فإن الترخيص إنما يكون توقيفاً. ويحتمل أنه فهمه ابن عباس من الآية "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" وهو الأقرب (وقال) مالك: الشيخ الفاني والمرأة الفانية يفطران ولا شيء عليهما لأنهما تركا الصوم للعجز فلا تجب فدية كالمريض الذي اتصل مرضه بالموت. وهذا قياس مع النص فلا يعول عليه.
(
__________
(1) انظر ص250 الدارقطني.(2/67)
هذا) ولو كان الشيخ الفاني مسافراً فمات قبل الإقامة لا يلزم الإيصاء بالفدية لأنه إنما ينتقل من الصوم إلى الفدية عند لزومه وهو لا يلزم المسافر. والفدية لا تكفي إلا عن صوم هو أصل بنفسه لا بدل عن غيره، فلو لزمته كفارة يمين أو قتل فلم يجد ما يكفر به وهو شيخ عاجز عن الصوم أو لم يصم حتى عجز عنه لا تكفيه الفدية لأن الصوم هنا بدل عن غيره. هذا ويجوز في الفدية طعام الإباحة عند الحنفيين وهو أكلتان مشبعتان (وقال) غيرهم لا يجوز بل لابد فيها من التمليك وإن قدر الشيخ أو العجوز على الصوم بعد الفدية، لزمه القضاء لأنه وجد أياماً أخر ولأن شرط وقوع الفدية خلفاً عن الصوم دوام العجز عنه (وعن) أحمد- فيمن أطعم مع يأسه ثم قدر على الصيام- روايتان (الأولى) لا يلزمه لأن ذمته قد برئت بأداء الفدية الواجبة عليه فلم يعد إلى الشغل بما برئت منه كمن كان مريضاً لا يرجي برؤه أو شيخاً لا يستمسك على الراحلة فأقام من يحج عنه ويعتمر فيجزيء عنه وإن عوفي (الثانية) يلزمه القضاء لأن الإطعام شرع لليأس وقد تبينا ذهاب اليأس فأشبه من اعتدت بالشهور عند اليأس من الحيض ثم حاضت(1).
(6) يباح الفطر لمن أكره عليه بملجئ كالقتل أو قطع عضو.
(7) ويباح الفطر للمجاهد لا علاء كلمة الدين ولو مقيماً إذا خاف الضعف عن الجهاد إذا استمر صائماً.
(
__________
(1) انظر ص80 ج3 مغنى ابن قدامة.(2/68)
8 و 9) ويباح الفطر لمن خاف الهلاك أو نقصان العقل أو الضرر من جوع أو عطش شديدين إن لم يفطر لقوله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"(1)
وقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج)(2)(ولحديث) ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا ضرر ولا ضرار" أخرجه أحمد بسند حسن(3) ... ... ... ... ... {237}
(
__________
(1) سورة البقرة آية 195. و(بأيديكم) الباء زائدة وقال المبرد: بأيديكم، أي بأنفسكم تعبير للبعض عن الكل. وقيل هو مثل مضروب للاستسلام يقال: ألقي فلان بيده في أمر كذا إذا استسلم. و (التهلكة) مصدر من هلك يهلك هلاكاً وتهلكه أي لا تأخذوا فيما يهلككم. قال أسلم أبو عمران: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة. فحمل رجل على العدو فقال الناس: مه مه لا إله إلا الله يلقي بيده إلى التهلكة؟ فقال أبو أيوب الأنصاري: إنما نزلت هذا الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله عز وجل (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية. أخرجه الثلاثة وصححه الترمذي والحاكم وهذا لفظ أبي داود انظر ص320 ج2 عون المعبود (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة- الجهاد).
(2) سورة الحج آية 78.
(3) انظر رقم 9899 ص431 ج6 فيض القدير.(2/69)
تتميم) من أفطر لعذر مما سبق ومات قبل زواله لا يلزمه قضاء ولا وصية بالفدية، لأنه لم يدرك عدة من أيام أخر وهذا مجمع عليه (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي(1) ... ... ... ... ... {238}
ومن أفطر لعذر زوال قبل الموت بقدر ما فاته يلزمه قضاؤه، لإدراكه عدة من أيام أخر وإن لم يزل الذر بقدر ما فات بل زال أياماً أقل من الفائت ثم حل الموت، لزمه القضاء بقدر أيام زوال العذر. فإن كان قضاها فيها وإلا لزمه الوصية بالفدية عن كل يوم يلزمه قضاؤه.
فمن أفطر لعذر. وتمكن من القضاء ولم يقض أو أفطر لغير عذر ومات ولم يقض أطعم عنه من له التصرف في ماله عن كل يوم مسكيناً (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكيناً" أخرجه الترمذي وقال: لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه. والصحيح عن ابن عمر موقوف وأخرجه ابن ماجه من طريق آخر مرفوعاً(2) ... ... ... ... {239}
__________
(1) انظر ص109 ج15 نووي (وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم). وص 2 ج2 مجتبي (وجوب الحج) وص 253 ج4 بيهقي.
(2) انظر ص43 ج2 تحفة الأحوذي. وص 274 و 275 ج1 ابن ماجه (ومن مات وعليه صيام رمضان) (فليطعم) مبني للفاعل. أي فليطعم ولي الميت بدل كل يوم مسكيناً وروي مبنياً للمفعول ومسكين نائب فاعل.(2/70)
و(لذا) قال الحنفيون: لا يصام عن الميت مطلقاً ويطعم عنه وليه إن أوصى به عن كل يوم لزم نصف صاع من بر أو دقيقة أو سويقة أو صاعاً من تمر أو شعير أو زبيب أو قيمة ذلك (وقال) مالك والشافعي في الجديد: يطعم عنه وليه مداً من طعام عن كل يوم، لقول ابن عباس لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد من حنطة أخرجه النسائي في الكبرى بسند صحيح(1)(وقالت) عائشة رضي الله عنها: "لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم" أخرجه عبد الرازق والبيهقي(2).
(هذا) ويلزم أن يكون الإطعام من ثلث ما تركه من عليه الفدية إن كان له وارث وإلا فمن الكل إن أوصى. والوصية لازمة إن كان له مال وإن لم يوص لا يلزم الإطعام عند الحنفيين ومالك وإن تبرع به الولي أو غيره صح وله الثواب عند الشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون ومالك: لا يسقط الواجب عن الميت لعدم نيته وفعل الغير لا يقوم مقام فعله بلا إذنه. والزكاة والصلاة كالصوم وكل صلاة في الفدية كصوم يوم على الصحيح عند الحنفيين (وقال) المحدثون والليث بن سعد والزهر كما والشافعي في القديم: يجوز الصوم عن الميت مطلقاً لا فرق بين قضاء رمضان والنذر والكفارات (لعموم) حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" أخرجه أحمد والشيخان والبيهقي وأبو داود وقال: هذا في النذر وهو قول أحمد بن حنبل(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... {240}
المعنى أن من مات من المكلفين وعليه قضاء صيام لازم من فرض رمضان أو نذر أو كفارة صام عنه وليه. والمراد به كل قريب ولو غير عاصب على الصحيح.
(
__________
(1) انظر ص257 ج4 الجوهر النقي. وص 263 ج2 نصب الراية.
(2) انظر ص257 ج4 بيهقي (من قال: يصوم عنه وليه).
(3) انظر ص255 ج4 بيهقي. وص 143 ج10 المنهل العذب المورود. والحديث تقدم رقم 100 ص93 (القرب تهدي إلى الميت).(2/71)
وقال) بريدة رضي الله عنه "بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت فقال وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شعر أفأصوم عنها؟ قال صومي عنها قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال حجي عنها" أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وقال حسن صحيح(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... {241}
(وقال) أحمد وإسحق: من مات وعليه صيام صاله عنه وليه ما عليه من نذر ويطعم عنه عن كل يوم من رمضان مداً (لقول) ابن عباس "جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت: نعم. قال: فصومي عن أمك" أخرجه الشيخان وهذا لفظ مسلم(2) ... ... ... ... ... ... ... {242}
والفرق بين النذر وغيره أن النيابة تدخل العبادة بحسب خفتها والنذر أخف حكماً لكونه لم يجب بأصل الشرع وإنما أوجبه الناذر على نفسه (وأجاب) الجمهور عن هذه الأحاديث.
(ا) بأنها مصروفة عن الظاهر للإجماع على أن من مات وعليه صلاة لا يصلي عنه مع أنها دين عليه فكذا الصوم، لأن كلاً منهما عبادة بدنية.
(
__________
(1) انظر ص132 ج9 الفتح الرباني، وص 25 ج8 نووي (قضاء الصوم عن الميت) وص 25 ج2 تحفة الأحوذي (المتصدق يرث صدقته).
(2) انظر ص140 ج4 فتح الباري، وص 24 ج8 نووي (قضاء الصوم عن الميت).(2/72)
ب) وبأنها معارضة بما تقدم من الأحاديث الدالة عن منع الصيام عن الغير ولذا أفتى ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما- فيما تقدم- بخلاف ما روياه فدل ذلك على أن العمل على خلاف ما رويا، لأن فتوى الراوي خلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ ويبعد عن مقام الصحابي أن يرجع عما رواه ويفتي بضده، إلا لاطلاعه على ناسخ نسخ ما رواه (ويؤيد) النسخ قول مالك في الموطأ: إنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يسأل: هل يصوم أحد عن أحد أو يصلي أحد عن أحد؟ فيقول: لا يصوم أحد عن أحد. ولا يصلي أحد عن أحد(1).
(والظاهر) ما ذهب إليه أحمد من أنه لا يصام عمن مات وعليه صوم رمضان ويصام عمن مات وعليه نذر وبه يجمع بين الأحاديث (قال) ابن قدامة بعد كلام: إذا ثبت هذا فإن الصوم ليس بواجب على الولي لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين ولا يجب على الولي قضاء دين الميت وإنما يتعلق بتركته إن كانت له تركة فإن لم يكن له تركة فلا شيء على وارثه لكن يستحب أن يقضي عنه لتفريغ ذمته وذلك رهانه كذلك ههنا ولا يختص ذلك بالولي بل كان من صام عنه قضى ذلك عنه وأجزأ لأنه تبرع فأشبه قضاء الدين عنه(2).
(11) بدع رمضان
قد تبين ما ينبغي للعاقل أن يتخلى عنه في هذا الشهر المبارك من التفريط واللغو وغيرهما من الرذائل(3)وما يلزم أن يتحلى به فيه من الفضائل لكن الشيطان لبني الإنسان بالمرصاد لا يألو جهداً في أن يحسن لهم ما يخرجون به عن طريق الجادة "قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين(4)" فقد زين لهم بدعاً ومخالفات ما أنزل الله بها من سلطان فارتكبوها في هذا الشهر العظيم المبارك شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران والرضا والإحسان لمن أخلص فيه للرحيم الرحمن.
(
__________
(1) انظر ص111 ج2 زرقاني الموطأ (النذر في الصيام والصيام عن الميت).
(2) انظر ص83 ج3 مغنى ابن قدامة.
(3) تقدم ص367 و 372.
(4) سورة ص آية 82 و 83.(2/73)
منها) ما يفعله بعض الجهلة عند رؤية هلال رمضان من رفع أيديهم قائلين هل هلالك جل جلالك. شهر مبارك علينا وعليك ونحوه مما تقدم في بحث ما يقال عند رؤية الهلال(1)(ومن) المخالفات الفظيعة ما يقع بعد رؤية هلال رمضان وهلال شوال من صباح النساء ولطمهن الخدود على من لم يحل عليه الحول من الأموات وهن على سطوح الدور والمنازل (والأقبح) من ذلك خروجهن بعد ذلك إلى المقابر واختلاطهن بالرجال يرتكبن أقبح الفواحش وقد ترك رعاتهن لهن الحبل على الغارب ناسين قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها. والخادم راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته. والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته. فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن ابن عمر(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... {243}
يعني كلكم ملزم بحفظ ما يطالب به من أمر رعيته إن كان والياً وعن عدم الخيانة إن كان مولياً عليه والكل مسئول في الآخرة عن رعيته هل وفاهم حقوقهم وقام بمصالحهم الدينية والدنيوية؟ فإن وفي ما عليه من الرعاية فله الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإلا طالبه كل واحد من رعيته بحقه "يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبه وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه(3)". (وأفاد) الحديث أن الراعي إنما أقيم لحفظ ما استرعاه. وهو يشمل المنفرد إذ يصدق عليه أنه راع في جوارحه باستعمالها فيما خلقت له من طاعة الله تعالى: "إنَّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً(4)".
__________
(1) تقدم ص339.
(2) انظر رقم 6370 ص38 ج5 فيض القدير.
(3) سورة عبس: آية 24-27.
(4) سورة الإسراء: آية 36.(2/74)
يقع هذا (ولا عمل) بقول الله تعالى: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وءاتين الزكاة وأطعن الله ورسوله(1)" ولا ارتداع مما قال ابن عباس: "لعن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم زائرات القبور" أخرجه أحمد والأربعة والحاكم(2). ... ... ... ... ... {244}
وإنما لعن لأنهن مأمورات بالقرار في البيوت. فأي امرأة خالفت ذلك وكان يخشى منها أو عليها الفتنة، فقد استحقت الطرد عن رحمة الغفار والابتعاد عن منازل الأبرار ويحرم عليها زيارة القبور أو تكره على ما تقدم بيانه في بحث زيارة النساء القبور(3)(ومن) البدع تأخير الفطر بعد تحقق الغروب بقصد التمكين فهو خلاف السنة، لما تقدم في آداب الصيام(4).
(ومنها) ما يفعله كثير من الناس من وضع الطعام قبل الغروب والالتفاف حوله والنظر إليه زاعمين أن ذلك طاعة وأن الطعام يستغفر لهم لصبرهم عنه- مع حضوره وحاجتهم إليه- امتثالاً لأمر ربهم وخشية منه واحتراماً لرمضان شهر الصبر والصيام.
(ومنها) فطر الجهلة على غير الحلو والماء بل يسرعون إلى تناول الدخان والتمباك ونحوهما وفي ذلك شغفهم ولذتهم وراحتهم كما يزعمون. مع أن تناول ما ذكر ممنوع مطلقاً كما تقدم في بحث (صيانة المسجد عن الروائح الكريهة(5)
(ومنها) ما ابتدعه الجهلة في صلاة التراويح وقد تقدم بعضه في بحثها(6).
(ومنها) إنارة المنائر في رمضان وزيادة النور في المساجد، فإنه إسراف وتبذير لم يكن من فعل السلف وهو حرام سيما إذا كان من مال الوقف.
(
__________
(1) سورة الأحزاب: آية 33.
(2) تقدم رقم 13 ص10 (التحذير من إيقاد السرج على القبور).
(3) تقدم ص86.
(4) تقدم ص440 و 441.
(5) تقدم ص210 ج3 الدين الخالص.
(6) تقدم ص266 ج5 الدين الخالص.(2/75)
ومن) أفظع المخالفات ما يفعله بعض الأعيان من إحضار قارئ يقرأ القرآن في حجرة صغيرة بينما هم يسمرون مع زائريهم في الحجرات الفخمة. والكل في لهو وإعراض عن كلام الله لا ينصتون إليه ولا يتعظون بآياته بل يرفعون أصواتهم بالقيل والقال وأمور الدنيا على القرآن ويعبثون ويشربون الدخان ويقهقهون كأنهم في مقهى أو مسرح ناسين قول الله تعالى: "وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون"(1)وإذا رآهم على هذه الحال مرشد خاف مولاه فأمرهم بترك هذا الهذيان وبالتدبر لما يتلى عليهم من كلام الله عز وجل أبوا وأصروا واستكبروا استكباراً ولجهلهم وعدم تدبرهم يقرأ القاريء آيات العذاب والغضب واللعنة والطرد والوعيد فلا خوف ولا خشوع ولا خضوع بل يكون منهم الاستحسان وإظهار الرضا بقولهم الله الله غافلين عن قول الله تعالى: "ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون"(2).
(فعلى) العقلاء أن يتأدبوا في مجلس القرآن لأنهم حينئذ في حضرة الرحيم الرحمن الواحد القهار العزيز الجبار وأن يمنعوا العبث والريح الكريه ورفع الصوت والاشتغال بغير تدبر الآيات وأن يعملوا بما يتلى عليهم فيقفوا عند الحدود فلا يراهم مولاهم حيث نهاهم ولا يفقدهم حيث أمرهم.
(ومنها) تعجيل السحور فهو خلاف السنة لما تقدم(3).
(
__________
(1) آية 204 سورة الأعراف. و (الإنصات) الإصغاء عند القراءة وقيل الاستماع في الجهرية والإنصات في السرية. أمرهم الله تعالى بالاستماع للقرآن والإنصات ليدبروا ما فيه من الحكم والمصالح ولينتفعوا بمواعظه وآدابه وأوامره وقيل هذا خاص بالصلاة عند قراءة الإمام ولا يخفى أن اللفظ أوسع من هذا فيكون الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في كل حال وعلى أي صفة واجب على السامع.
(2) آية 21 سورة الحشر.
(3) تقدم ص450.(2/76)
ومنها) التسحير وهو مناداة بعض الناس في الشوارع والحارات والطرق بكلمات يوقظون بها الناس للسحور فإن هذا لم يكن في شهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر به ولم يكن من فعل من مضي والخير كله في الاتباع والشر في الابتداع. ومما يزيد الطين بلة أن المسحرين يقومون إلى التسحير بعد نصف الليل فيكون لا فائدة في السحور ولا يساعد على أداء العبادة على وجهها الأكمل بلا مشقة. وإذا تسحر مبكراً فإنه يكسل عن قيام الليل لغلبة النوم عليه بخلاف ما إذا تسحر قريباً من طلوع الفجر فإنه يشتغل بعده بالطهارة لصلاة الصبح ثم يقضي وقته في ذكر الله حتى تطلع الشمس ثم ينصرف إلى عمله نشطاً (وبهذا) يحصل له التهجد ليلاً ويخف عليه الصوم نهاراً وينضبط حاله ولكنا نرى الناس في هذا الزمن يسهرون في المقاهي ودور الملاهي بزعم إحياء ليالي رمضان والاحتفاء به حتى إذا انتصف الليل قاموا إلى السحور وبعدها ينامون ولا يوقظهم إلا حر الشمس.
(ومن) الهذيان ما يفعله المسحرون في الأسبوع الأخير من رمضان من قولهم: لا أوحش الله منك يا شهر رمضان لا أوحش الله منك يا شهر الصيام. لا أوحش الله منك يا شهر القرآن. وغير ذلك.
(ومن) المحدث الاحتفال بإحياء ليلة القدر في المساجد فإنه بدعة منكرة فيه مفاسد تقدم بيانها في بحث المواسم غير الشرعية(1).
(12) الموضوع في الصيام
وقد تحركت وبذلت الجهود في تخريج ما ثبت في الصيام من الأحاديث مبيناً حالها من صحة وحسن وضعف ونذكر هنا بعض الأحاديث الموضوعة لئلا يغتر بعض الجاهلين وهو أنواع المذكور منها هنا ستة:
(الأول) ما قيل في رمضان وهو: (1) ما روي ابن عدي عن أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً: لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان قال ابن الجوزي موضوع آفته أبو معشر نجيح ليس بشيء(2).
(
__________
(1) تقدم ص157 ج5 الدين الخالص.
(2) انظر ص5 ج2 اللآلئ المصنوعة.(2/77)
2) ما روي ابن حبان عن أصرم بن حوشب بالسند إلى أنس مرفوعاً: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نادي الجليل رضوان خازن الجنة فيقول: لبيك وسعديك. فيقول هييء جنتي وزينها للصائمين من أمة محمد ولا تغلقها عنهم حتى ينقضي شهرهم. ثم ينادي جبريل يا جبريل فيقول: لبيك ربي وسعديك. فيقول: أنزل إلى الأرض فغل مردة الشياطين عن أمة محمد لا يفسدوا عليهم صيامهم ولله في كل ليلة من رمضان عند طلوع الشمس وعند وقت الإفطار عتقاء يعتقهم من النار الخ بطوله قال ابن الجوزي لا يصح أصرم كذاب(1).
(3) ما روي عن عثمان بن عبد الله القرشي بالسند إلى أبي هريرة مرفوعاً: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إلى خلقه الصيام وإذا نظر إلى عبد لم يعذبه أبداً. ولله عز وجل في كل يوم ألف ألف عتيق من النار. فإذا كان ليلة النصف من شهر رمضان أعتق الله فيه مثل جميع ما أعتق وإذا كان ليلة خمس وعشرين أعتق الله فيها مثل جميع ما أعتق وإذا كان ليلة تسع وعشرين أعتق فيها مثل جميع ما أعتق في الشهر كله. وإذا كانت ليلة الفطر ارتجت الملائكة وتجلي الجبار جل جلاله مع أنه لا يصفه الواصفون فيقول للملائكة- وهم في عيدهم من الغد يوحي إليهم- يا معشر الملائكة ما جزاء الأجير إذا وفى عمله؟ فتقول الملائكة: يوفي أجره. فيقول الله تعالى: أشهدكم أني قد غفرت لهم. قال السيوطي موضوع فيه مجاهيل والمتهم فيه عثمان. يضع(2).
(4) ما روي ابن الناقور في خماسياته عن إبراهيم بن هدبة عن أنس مرفوعاً: لو أن الله عز وجل أذن للسماوات والأرض أن تتكلم لبشرت الذي يصوم شهر رمضان بالجنة. قال السيوطي: ابن هدبة كذاب(3).
(5) ما قيل: يوم صومكم يوم نحركم. وفي لفظ: يوم رأس سنتكم. قال العجلوني، لا أصل له كما قاله الإمام أحمد والزركشي والسيوطي(4).
(
__________
(1) انظر ص56 ج2 اللآلئ المصنوعة.
(2) انظر ص57 منه.
(3) انظر ص58 منه.
(4) انظر ص398 ج2 كشف الخفاء.(2/78)
6) ما روي الدارقطني عن الحارث بن عبيدة الكلاعي قال: حدثنا مقاتل ابن سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله: من أفطر يوماً في شهر رمضان في الحضر فليهد بدنة. فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعاً من تمر المساكينَ قال السيوطي: مقاتل كذاب والحارث ضعيف(1).
(7) ما روي الدارقطني عن محمد بن صبيح عن عمر بن أيوب الموصلي بالسند إلى أنس مرفوعاً: من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا عذر كان عليه أن يصوم ثلاثين يوماً. ومن أفطر يومين كان عليه أن يصوم ستين ومن أفطر ثلاثة كان عليه أن يصوم تسعين يوماً. قال الدارقطني: لا يثبت عمر بن أيوب لا يحتج به ومحمد بن صبيح ليس بشيء(2).
(
__________
(1) انظر ص60 ج2 اللآلئ المصنوعة.
(2) انظر ص60 ج2 اللآلئ المصنوعة.(2/79)
الثاني) ما قيل في الصوم المطلق وهو: (1) ما روي الخطيب عن إبراهيم ابن عبد الله بالسند إلى أنس مرفوعاً: إن الله تعالى أوحى إلى الحفظة أن لا تكتبوا على صوام عبيدي بعد العصر سيئة قال الدارقطني: إبراهيم بن عبد الله ليس بثقة حدث عن قوم ثقات بأحاديث باطلة منها هذا(1)(2) ما روي تمام عن موسى الطويل عن أنس مرفوعاً: من أفطر على تمرة من حلال، زيد في صلاته أربعمائة صلاة قال السيوطي: موسى يضع(2)(3) ما روي ابن عدي عن الحسن بن علي العدوي عن خراش بن عبد الله عن أنس مرفوعاً: من تأمل خلق امرأة حتى يتبين ثم حجم عظامها ورأى ثيابها وهو صائم فقد أفطر. قال السيوطي: موضوع العدوى وشيخه كذابان وإنما يروي عن حذيفة قال: من تأمل خلق امرأة من وراء الثياب أبطل صومه(3)(4) ما روي الدارقطني عن سعيد بن عنبسة عن بقية عن محمد بن الحجاج عن جابان عن أنس مرفوعاً: خمس يفطرن الصائم وينقضن الوضوء: الكذب والنميمة والغيبة والنظر بشهوة واليمين الكاذبة قال السيوطي: مووضع سعيد كذاب والثلاثة فوقه مجروحين(4).
(والثالث) ما قيل في صوم البيض- وهو ما روي ابن شاهين عن عبد الملك ابن هرون عن أبيه عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده مرفوعاً: صوم البيض أول يوم يعدل ثلاثة آلاف سنة. واليوم الثاني يعدل عشرة آلاف سنة واليوم الثالث يعدل ثلاث عشرة ألف سنة. قال السيوطي موضوع. هرون لا يحتج به وابنه عبد الملك كذاب يضع(5).
(
__________
(1) انظر ص59 منه.
(2) انظر ص59 منه.
(3) انظر ص60 منه.
(4) انظر ص60 ج2- اللآلئ المصنوعة.
(5) انظر ص60 ج2- اللآلئ المصنوعة.(2/80)
الرابع) ما قيل في صوم ذي الحجة وهو: (1) ما روي ابن عدي عن محمد ابن المحرم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة أن شاباً كان صاحب سماع فكان إذا هل هلال ذي الحجة الحرام أصبح صائماً فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما يحملك على صيام هذه الأيام؟ قال: إنها أيام المشاعر وأيام الحج عسى الله أن يشركني في دعائهم فقال: لك بكل يوم عدل مائة رقبة تعتقها ومائة رقبة تهديها إلى بيت الله ومائة فرس تحمل عليها في سبيل الله فإذا كان يوم التروية فلك عدل ألف رقبة وألف بدنة وألف فرس تحمل عليها في سبيل الله. فإذا كان يوم عرفة فلك عدل ألفي رقبة وألفي بدنة وألفي فرس تحمل عليها في سبيل الله وصيام سنتين قبلها، وسنتين بعدها قال السيوطي لا يصح محمد بن المحرم كذاب(1)
(2) وما روي ابن عدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مرفوعاً: من صام العشر فله بكل يوم صوم شهر وله بصوم يوم التروية سنة وله بصوم يوم عرفة سنتان. قال ابن الجوزي لا يصح الكلبي كذاب(2). (3) ما قيل: من صام يوم ثمانية عشرة من ذي الحجة كتب الله صيام سنتين شهراً قال العجلوني: ذكره الحلبي في سيرته من غير عزو لأحد ثم نقل عن الحافظ الذهبي أنه حديث منكر جداً. بل كذب فقد ثبت في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهراً هذا باطل(3).
(4) ما روي ابن عدي عن أحمد بن عبد الله الهروي عن وهب بن وهب بسنده إلى ابن عباس مرفوعاً من صام آخر يوم من ذي الحجة وأول يوم من المحرم فقد ختم السنة الماضية وافتتح السنة المستقبلة بصوم جعل الله له كفارة خمسين سنة قال السيوطي: الهروي ووهب كذابان(4).
(
__________
(1) انظر ص60، 61 ج2 منه.
(2) انظر ص61 ج2 منه.
(3) انظر ص258 ج2 كشف الخفاء.
(4) انظر ص61 ج2 اللآليء المصنوعة(2/81)
الخامس) ما قيل في المحرم وهو: (1) ما روي أبو نعيم عن موسى الطويل عن أنس مرفوعاً: من صام تسعة أيام من أول المحرم بني الله له قبة في الهواء ميلاً في ميل لها أربعة أبواب قال السيوطي: موضوع آفتة موسى(1). (2) ما روي عن حبيب بن أبي حبيب بالسند إلى ابن عباس مرفوعاً: من صام يوم عاشوراء كتب الله له عبادة ستين سنة بصيامها وقيامها. ومن صام يوم عاشوراء أعطى ثواب عشرة آلاف ملك وذكر مبالغات في الجزاء والثواب ليس عليها أثارة صدق قال السيوطي آفته حبيب(2).
(السادس) ما قيل في رجب (ومنه) ما روي الديلمي عن أنس مرفوعاً رجب شهر الله وشعبان شهري. ورمضان شهر أمتي. ذكره ابن الجوزي في الموضوعات بطرق(3). (وقال) المناوي: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب إلا خير: كان إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في وجب(4)ولم يثبت غيره بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب(5).
(13) الاعتكاف
ذكر بعد الصوم لأنه شرط في الاعتكاف الواجب اتفاقاً وكذا في غيره على الأصح كما يأتي، ولأن الاعتكاف مؤكد في العشر الأواخر من رمضان (وهو) في اللغة اللبث والحبس على الشيء خيراً كان أم شراً (قال) الله تعالى: "عن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد"(6).
__________
(1) انظر ص61 ج2 اللآليء المصنوعة
(2) انظر ص61 ج2 اللآليء المصنوعة
(3) انظر ص423 ج1 كشف الخفاء.
(4) أخرجه ابن أحمد والبيهقي وابن ماجه عن أنس مرفوعاً اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان (انظر ص186 ج1 كشف الخفاء).
(5) انظر ص18 ج4 فيض القدير.
(6) سورة الحج: آية 25.(2/82)
أي الملازم المسجد الحرام والطارئ عليه (وقال) تعالى: "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم(1)" أي يلازمون عبادتها وفي الشرع المكث في مسجد جماعة- وهو ماله إمام ومؤذن ولو لم تصل فيه الخمس- مع النية. فاللبث ركن والنية شرط. وهو مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة (قال) الله تعالى: "ولا تباشرهن وأنتم عاكفون في المساجد(2)" فالاختصاص بالمساجد وترك الوطء المباح، دليل على أن الاعتكاف قربة (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً" أخرجه البخاري وأبو داود والدارمي والبيهقي وابن ماجه(3){245} (وسببه) النذر إن كان واجباً والنشاط الداعي إلى طلب الثواب إن كان تطوعاً.
(وحكمه) مشروعية الاعتكاف الترغيب في جميع القلوب على الله تعالى بالخلوة مع خلو المعدة والإقبال على طاعة الله تعالى والتنعم بذكره والإعراض عما سواه (وهو) مرغب فيه شرعاً لا سيما في العشر الأواخر من رمضان (روي) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله عز وجل" أخرجه احمد والترمذي وقال: حسن صحيح(4) ... ... ... ... ... {246}
(وقالت) عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر ويقول: "التمسوها في العشر الأواخر" يعني ليلة القدر. أخرجه أحمد بسند جيد(5) ... ... ... ... {247}
(
__________
(1) سورة الأعراف: آية 138.
(2) سورة البقرة: آية 187.
(3) انظر ص201 ج4 فتح الباري (الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان) وص 239 ج10 المنهل العذب المورود. وص 27 ج2 دارمي وص 314 ج4 بيهقي وص 276 ج1 ابن ماجه.
(4) انظر ص244 ج10- الفتح الرباني. وص 68 ج2 تحفى الأحوذي (الاعتكاف).
(5) انظر ص244 ج10 الفتح الرباني (فضل الاعتكاف).(2/83)
هذا) والمعتكف ينبغي أن يكون قلبه معلقاً بالمسجد وأن يكون مرابطاً فيه فإن الملائكة تجالسه. فإن غاب بحثوا عنه وإن مرض عادوه ولا يحرم من دعائهم واستغفارهم له وهو في ضيافة الله وإكرامه يلحظه بعنايته ويكلؤه برعايته (روي) أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن للمساجد أوتاداً، الملائكة جلساؤهم إن غابوا يفتقدوهم وإن مرضوا عادوهم. وإن كانوا في حاجة أعانوهم" أخرجه أحمد وفيه ابن لهيعة. وأخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن سلام. وقال: صحيح على شرطهما(1) ... ... ... {248}
(وقال) أبو الدرداء رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسجد بيت كل تقي وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة" أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار وقال: إسناده حسن ورجاله رجال الصحيح(2) ... ... ... ... ... {249}
ثم الكلام ينحصر في عشرة فروع:
(1) حكم الاعتكاف: اتفق العلماء على مشروعية الاعتكاف واختلفوا في صفته (فقال) الحنفيون: هو ثلاثة أقسام (الأول) سنة مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان لما تقدم (ولحديث) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ويقول: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" ثم اعتكف أزواجه من بعده اخرجه البيهقي والسبعة إلا ابن ماجه(3). {250}
__________
(1) انظر ص242 منه.
(2) انظر ص22 ج2 مجمع الزوائد (لزوم المساجد) و (الروح) بفتح الراء الراحة.
(3) انظر ص314 ج4 بيهقي. وص 261 ج10- الفتح الرباني (اعتكاف النساء) وص 193 و 194 ج4 فتح الباري. وص 68 ج8 نووي. وص 229 ج10- المنهل العذب المورود. وص 68 ج2 تحفة الأحوذي.(2/84)
فالمواظبة عليه مع عدم الإنكار على من لم يفعله دليل أنه سنة (الثاني) واجب وهو ما لزم بالنذر المطلق كقوله: لله على أن اعتكف كذا. أو المعلق كقوله إن شفا الله فلاناً لاعتكفن كذا (وأصله) حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال "أوف بنذرك" أخرجه الستة والدارقطني (وقال) الترمذي: حسن صحيح(1) ... ... ... ... {251}
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا قالوا: إذا أسلم الرجل وعليه نذر طاعة فليف به وقال بعضهم: لاعتكاف إلا بصوم. وقال آخرون: ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجب على نفسه صوماً واحتجوا بحديث عمر وهو قول أحمد وإسحاق(2)(الثالث) مستحب وهو ما يكون في غير وقت السنة والواجب (لحديث) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اعتكف إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" أخرجه الديلمي في مسند الفردوس وفيه من لا يعرف(3). ... ... ... ... ... ... ... ... {252}
(ومشهور) مذهب مالك رضي الله عنه أن الاعتكاف مندوب وقيل سنة في رمضان لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم فيه. مندوب في غيره (وقالت) الشافعية والحنبلية: الاعتكاف سنة إن لم ينذر وإلا كان واجباً.
(
__________
(1) انظر ص195 ج4 فتح الباري (الاعتكاف ليلاً) وص 124 ج11 نووي وص 240 ج3 عون المعبود (من نذر في الجاهلية) وص 144 ج2 مجتبي. وص372 ج2 تحفة الأحوذي (وفاء النذر) وص 277 ج1 ابن ماجه. وص 246 الدارقطني (وليلة) وفي رواية يوماً. ولا معارضة لأن اليوم يطلق على مطلق الزمن ليلاً أو نهاراً. أو أن النذر كان ليوم وليلة ولكني يكتفي بذكر أحدهما عن الآخر. فرواية يوم أي بليلته. ورواية ليلة أي مع يومها.
(2) انظر ص373 ج2 تحفة الأحوذي.
(3) انظر رقم 8480 ص74 ج6 فيض القدير.(2/85)
2) زمن الاعتكاف: مشهور مذهب مالك أن أفله يوم وليلة. وقيل ثلاثة أيام وقيل عشرة (وقال) الحنفيون: أقل النفل منه لحظة غير مقدرة بزمان فيحصل بمجرد المكث مع النية ولو ماراً بالمسجد ليلاً أو نهاراً وأقل الواجب يوم لاشتراط الصوم فيه على ما يأتي (وقالت) الشافعية: أقله لحظة وهو مشهور مذهب أحمد. والمستحب أن لا ينقص عن يوم خروجاً من خلاف من أوجبه. فينبغي لكل جالس في المسجد لانتظار أو لعمل أخروي أو دنيوي أن ينوي الاعتكاف فيثاب عليه ما لم يخرج من المسجد فإذا خرج ثم دخل جدد النية وليس للاعتكاف ذكر مخصوص ولا فعل آخر سوى اللبث في المسجد بنية الاعتكاف(1)ولا حدّ لأكثره عند الثلاثة (وقال) مالك: أكثره شهر (قال) عبد الحافظ: وأقل الاعتكاف المندوب عشرة وأكثره ما زاد عن شهر وما نقص عن عشرة لأنه عليه الصلاة والسلام لم ينقص عنها هذا هو الراجح وقيل العشرة أكثر المندوب فيكره ما زاد عليها وفي كراهة ما دونها قولان(2). هذا ومن نذر اعتكاف يومين فأكثر ناوياً الليل والنهار أو لم ينو شيئاً أو نوى الليالي فقط لزمه اعتكاف الأيام بلياليها السابقة مع التتابع وإن لم يلتزمه وكذا إذا نذر اعتكافها بأيامها المتأخرة عند الحنفيين لأن ذكر الأيام أو الليالي بلفظ الجمع يتناول ما بإزائها من الليالي والأيام لقوله تعالى: "قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً"(3)وقوله:"ءايتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا"(4)والخطاب لسيدنا زكريا . والقصة واحدة ولو نوى بالأيام النهار خاصة، تصح نيته لأنه نوى حقيقة كلامه فلا يلزمه اعتكاف الليالي . ولو نذر اعتكاف ليلة لا يلزمه شيء ، لعدم الصوم . وعن أبي يوسف يلزمه اعتكافها بيومها ( لحديث ) عمر السابق(5)(
__________
(1) انظر ص67 ج8 نووي مسلم.
(2) انظر ص665 ج1- الفجر المنير.
(3) سورة آل عمران: آية 41.
(4) سورة مريم: آية 10.
(5) تقدم رقم 251 ص419..(2/86)
وقال ) النووي : إذا نذر اعتكاف يوم لم يلزمه معه ليلة إلا أن ينويها فإذا نواها لزمها اعتكافها مع اليوم ، لأن اليوم قد يطلق ويراد به اليوم بليلته. ولو نذر اعتكاف شهر دخلت الأيام والليالي اتفاقاً. لأن الشهر اسم لما بين الهلالين . ولو نذر اعتكاف يومين لزمه يومان اتفاقا وكذا ليلتان عند الحنفيين وروي عن أحمد ( وقال ) مالك والشافعي : لا تلزمانه لأن اليومين تثنية يوم وليس في اليوم ليلة فكذا في اليومين . وهل تلزمه ليلة؟ الراجح عند مالك والشافعي وأحمد أنه إن نوي التتابع أو صرح به لزمته الليلة وإلا فلا(1).
(
__________
(1) انظر ص496 و 497 ج6 مجموع النووي.(2/87)
3) شروط الاعتكاف: يشترط لصحته سبعة شروط (الأول والثاني) الإسلام والتمييز فلا يصح من كافر ولا غير مميز لأنهما ليسا أهلاً للعبادة. أما الصبي المميز فيصح اعتكافه (الثالث) النية وهي شرط عند مالك والشافعي فلا يصح بدونها (الرابع) الطهارة من الحدث الأكبر فلا يصح ابتداء من حائض ولا نفساء عند مالك والشافعي وأحمد لأن مكثهما في المسجد معصية (وقال) الحنفيون: الخلو من الحيض والنفاس شرط لصحة الاعتكاف المنذور دون المسنون في ظاهر الرواية وكذا لا يصح من جنب عند الشافعي واحمد (وقال) الحنفيون ومالك: الخلو من الجنابة شرط لحل الاعتكاف لا لصحته فلو اعتكف الجنب صح اعتكافه مع الحرمة ولو طرأ الحيض أو النفاس أو الردة أو الجنابة في أثناء الاعتكاف لزمهم الخروج من المسجد وبطل الاعتكاف(1)ويصح الاعتكاف المرأة ولو متزوجة والعبد كما يصح صيامهما لكن يحرم عليهما الاعتكاف بغير إذن الزوج والسيد ولو خالفا صح مع الحرمة(2)(الخامس) الكف عن شهوة الفرج في الاعتكاف الواجب مع الذكر والعلم بالتحريم عند الشافعي. ولا يشترط الذكر والعلم عند الثلاثة. فيحرم على المعتكف أمور المذكور منها- مع ما يفسد الاعتكاف- اثنا عشر:
(1) الوطء ولو ليلاً خارج المسجد لقوله تعالى: "ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد"(3)ويفسد اعتكافه بالوطء وإن لم ينزل ولو ناسياً عند الحنفيين ومالك وأحمد، لأن الليل محل للاعتكاف وحالة المعتكف مذكرة كحالة الصلاة فلا يعذر بالنسيان (وقال) الشافعي: لا يفسد اعتكافه بالوطء ناسياً كالصوم. ولا كفارة في وطء المعتكف في غير رمضان عند الثلاثة وهو المشهور عن أحمد.
(
__________
(1) وبطل الاعتكاف) هذا بالنسبة للحيض والنفاس والردة مجمع عليه. وبالنسبة للجنب عند الشافعي وأحمد. أما عند الحنفيين ومالك فاعتكاف الجنب صحيح مع الحرمة.
(2) انظر ص476 ج6 مجموع النووي.
(3) سورة البقرة: آية 187.(2/88)
2) ويحرم عليه مقدمات الوطء كاللمس والقبلة بشهوة، لأنها مؤدية إليه. ويفسد اعتكافه بالإنزال عن مباشرة في غير الفرج كاللمس والقبلة والتبطين والنفخيذ، لأن ما ذكر مع الإنزال في معنى الجماع. وإن أنزل بتفكر أو نظر لا يفسد اعتكافه عند الحنفيين وأحمد وهو قول للشافعي وعنه يفسد وهو مذهب مالك. وكذا إن باشر بشهوة ولم ينزل فهو حرام إجماعاً ولا يفسد اعتكافه عند الحنفيين وأحمد. وروي عن الشافعي لأنها مباشرة لا تفسد صوماً ولا حجا فلا تفسد الاعتكاف كالمباشرة بغير شهوة (وقال) مالك: يفسد اعتكافه وهو رواية عن الشافعي، لأنها مباشرة محرمة فتفسده كما لو أنزل.
(3) ويفسد اعتكافه بالردة إجماعاً لقوله تعالى: "لئن أشركت ليحبطن عملك"(1)وبالردة صار ليس من أهل الطاعة، وإن عاد للإسلام لا يلزمه قضاؤه عند الحنفيين وملك والشافعي، لأن الإسلام يجب ما قبله (وقال) أحمد: يلزمه القضاء تغليظاً عليه.
(4) ويفسد بالسكر الحرام ولو ليلاً عند مالك والشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون لا يبطل الاعتكاف بالسكر ليلاً.
(5) ويفسد الاعتكاف- ولو تطوعاً عند مالك والحسن بن زياد- بالأكل أو الشرب عمداً نهاراً (وقال) الشافعي وأحمد: إنما يفسد بما ذكر الاعتكاف المنذور لا المسنون وهو ظاهر الرواية عن الحنفيين(2).
(6 و 7) ويفسد الاعتكاف بالجنون والإغماء المنافيين للصوم عند الحنفيين ومالك والشافعي ولكنه لا يبتدئ الاعتكاف بعد زوالهما بل يبني على ما تقدم منه ويقضي الأيام التي حصلا فيها إن كان الصوم واجباً في الاعتكاف (وقال) احمد: يبطل الاعتكاف بالجنون لا بالإغماء.
(
__________
(1) سورة الزمر: آية 65.
(2) والأصل في هذه أن ما منع لأجل الاعتكاف كالجماع والخروج من المعتكف يستوي فيه السهو والليل وغيرهما وما منع لأجل الصوم كالأكل لا يستوي فيه العمد والنهار وغيرهما.(2/89)
8 و 9) ويفسد بالحيض والنفاس ولو قلت مدة الاعتكاف عند الحنفيين مالك واحمد. وبعد زوال المانع تبني على ما تقدم منه لأنها معذورة (وقالت) الشافعية: إنما يفسد الاعتكاف بهما إذا كانت مدة الاعتكاف المنذورة تخلو غالباً عنهما بأن كانت خمسة عشر يوماً فأقل في الحيض وتسعة أشهر فأقل في النفاس في النفاس. أما إذا كانت مدة الاعتكاف لا تخلو غالباً عنهما بأن كانت تزيد على ما ذكر فلا يفسد بهما.
(10) ويفسد بارتكاب كبيرة لا تبطل الصوم كالغيبة وترك الجمعة عمداً ثلاث مرات متوالية على قول مشهور عند المالكية. والآخر لا يفسد. وهو مذهب الأئمة الثلاثة.
(11) ويفسد عند أحمد بنية الخروج من الاعتكاف وإن لم يخرج خلافاً للأئمة الثلاثة.
(12) ويفسد بالخروج من المعتكف لغير حاجة طبيعية أو ضرورية أو شرعية على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى في بحث خروج المعتكف.
( الشرط ) السادس أن يكون اعتكاف الرجل في مسجد تقدم فيه الجماعة عند الحنفيين وأحمد ( لقول ) ابن عباس رضي الله عنهما : إن أبغض الأمور إلى الله تعالى البدع وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور، أخرجه البيهقي(1)( وقال ) علي رضي الله عنه : لا اعتكاف إلا في مسجد جماعةٍ . أخرجه عبد الرازق وابن أبي شيبة(2)( روي ) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان . قال نافع : "وقد أراني عبد الله المكان الذي يعتكف فيه رسول الله من المسجد" أخرجه مسلم وابن ماجه وأبو داود وهذا لفظه(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... {253}
__________
(1) انظر ص316 ج4 بيهقي.
(2) انظر ص491 ج1 نصب الراية.
(3) انظر ص66 ج8 نووي. وص277 ج1- ابن ماجه. وص 235 ج10 المنهل العذب المورود (أين يكون الاعتكاف؟).(2/90)
ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في غير المسجد (وقال) مالك: يصح الاعتكاف في كل مسجد ولا يشترط أن يكون جامعاً إلا لمن تجب عليه الجمعة زمن اعتكافه "ابتداء" كمن نذر اعتكاف ثمانية أيام فأكثر "أو انتهاء" كمن نذر أربعة أولها السبت فمرض بعد يومين وصح يوم الخميس فيلزمه الاعتكاف في الجامع بمكان تصح فيه الجمعة اختياراً. ولا يصح في رحبته وطرقه المتصلة لأنها لا تجوز الجمعة فيها إلا لضرورة الضيق. وإن اعتكف من تلزمه الجمعة في غير الجامع وقد نذر أو نوى أياماً تدركه فيها الجمعة خرج لها وجوباً وبطل اعتكافه ويقضيه. فإن لم يخرج إثم وصح اعتكافه إلا أن يترك الجمعة ثلاث مرات متوالية فيجري على الخلاف في الكبائر هل تبطل الاعتكاف؟ فتركها مرة بلا عذر صغيرة خلافاً لأصبغ، وتركها ثلاثاً كبيرة(1)(قالت) الشافعية: لا اعتكاف إلا في المسجد والأفضل أن يكون في المسجد الجامع ولا يعتكف في غيره إذا كان اعتكافه بتخلله جمعة. أما المرأة فلها أن تعتكف في المسجد وإن لم تقم فيه الجماعة وليس لها أن تعتكف في بيتها عند مالك والشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون: لها الاعتكاف في مسجد بينهما وهو افضل لأن صلاتها فيه أفضل. بل يتعين العمل به في هذا العصر الذي عمت فيه الفتن وانتشر الفساد وخلع في برقع الحياة وإذا اعتكف في المسجد استحب لها أن تستر بشيء لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما أردن الاعتكاف أمرن بأخبيتهن فضربن في المسجد ولأن المسجد يحضره الرجال.
__________
(1) انظر ص661 ج1 الفجر المنير.(2/91)
وخير لهم وللنساء أن لا يرونهن ولا يرينهم ولا بأس أن يستتر الرجل أيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بخبائه فضرب ولأنه أستر له وأخفى لعمله (قال) أبو سعيد الخدري: اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم فسمعهم يجهرون بالقراءة وهو في قبلة له فكشف الستور وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة أو قال في الصلاة" أخرجه أحمد والنسائي وصححه النووي(1) ... {254}
(
__________
(1) انظر ص202 ج1 الفتح الرباني (والمناجي) المحدث وسمي المصلي مناجياً ربه لأنه يخاطبه بقوله: إياك نعبد وإياك نستعين والله تعالى يعلم السر وأخفى فلا داعي للجهر المشوش.(2/92)
فائدة) سطح المسجد كالمسجد في الاعتكاف وغيره اتفاقاً (وكذا) رحبته منه عند الحنفيين والشافعي ورواية عن أحمد وعنه أنها ليست منه فليس للمعتكف الخروج إليها، وهو قول مالك (والمنارة) التي في الرحبة يجوز للمؤذن وغيره صعودها ولا يبطل الاعتكاف بصعودها (ولها) أربع أحوال (إحداها) أن تكون مبنية داخل المسجد فيستحب الأذان فيها لأنه طاعة (الثانية) أن تكون في رحبته فالحكم فيها كذلك، لأن الرحبة من المسجد ولو اعتكف فيها صح اعتكافه على ما تقدم (الثالثة) أن تكون خارج المسجد ورحبته إلا أنها متصلة به ولها باب إليه فله أن يؤذن فيها لأنها متصلة به (الرابعة) أن تكون خارج المسجد غير متصلة به ففيها خلاف(1). (السابع) يشترط لصحة الاعتكاف مطلقاً الصوم عند مالك وروي عن أحمد. وهو شرط في صحة على أن اعتكف الواجب دون غيره في ظاهر الرواية عند الحنفيين حتى لو قال الله عليّ أن اعتكف يوماً بلا صوم لزمه الاعتكاف والصوم (وعن) الحسن بن زياد أن الصوم شرط للاعتكاف مطلقاً. ورجحه الكمال بن الهمام (لقول) عائشة رضي الله عنها: "السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع" أخرجه البيهقي وأبو داود(2) ... ... {255}
(وعن) ابن عمر أن عمر رضي الله عنه جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوماً عند الكعبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اعتكف وصم" أخرجه أبو داود والبيهقي. وفيه عبد الله بن بديل، ضعفه الدارقطني، واثنى عليه غيره. قال ابن معين وأبو حفص في الثقات: مكي صالح وذكره ابن حبان في الثقات(3){256}
__________
(1) انظر ص507 ج6 مجموع النووي.
(2) انظر ص321 ج4 بيهقي، وص 246 ج10 المنهل العذب المورود., (المعتكف يعود المريض).
(3) انظر ص252 ج10- المنهل العذب المورود. وص 316 ج4 بيهقي (المعتكف يصوم).(2/93)
وزيادة الثقة مقبولة، وقد روي لزوم الصوم للمعتكف عن ابن عباس وعائشة وغيرهما. (روي) الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من اعتكف فعليه الصوم. (وروي) عطاء عن عائشة قالت: من اعتكف فعليه الصوم(1). (وعن) عطاء عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: المعتكف يصوم أخرجه البيهقي(2). (وعن) القاسم بن محمد ونافع مولى ابن عمر قالا: لا اعتكاف إلا بصيام، لقوله تعالى: "ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد" فذكر تعالى الاعتكاف مع الصيام. أخرجه مالك في الموطأ وقال: والأمر على ذلك عندنا أنه لا اعتكاف إلا بصيام(3).
(وقال) الشافعي: الصوم ليس شرطاً لصحة الاعتكاف بل يصح اعتكاف لحظة لأنه يصح اعتكاف لحظة واحدة على ما تقدم وهو مشهور مذهب أحمد (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" أخرجه البيهقي وقال تفرد به عبد الله بن محمد بن نصر وأخرجه الحاكم وصححه وتصحيحه غير مسلم لأنه لم يرفعه غير عبد الله بن محمد وهو مجهول الحال(4). ... {257}
وعليه فالراجح القول باشتراط الصوم في الاعتكاف ولو تطوعاً (قال) ابن القيم: ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطراً قط، بل قالت عائشة رضي الله عنها: لا اعتكاف إلا بصوم ولم يذكر الله سبحانه وتعالى الاعتكاف إلا مع الصوم فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف(5).
(
__________
(1) انظر ص488 ج2 نصب الراية.
(2) انظر ص318 ج4 بيهقي.
(3) انظر ص130 ج2 زرقاني الموطأ (ما لا يجوز الاعتكاف إلا به).
(4) انظر ص318 ج4 بيهقي وص 439 ج1 مستدرك.
(5) انظر ص171 ج1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف).(2/94)
هذا) والخلاف في لزوم صوم المعتكف المتطوع وعمده مبني على الخلاف في أن اعتكاف التطوع مقدر بيوم أولاً على ما تقدم فمن قال إنه مقدر وهم الجمهور اشترط الصوم ومن قال: إنه غير مقدر لم يشترطه (قال) ابن قدامة: إذا قلنا إن الصوم شرط لم يصح اعتكاف ليلة مفردة ولا بعض يوم ولا ليلة وبعض يوم لأن الصوم المشترط لا يصح في أقل من يوم ويحتمل أن يصح في بعض اليوم إذا صام اليوم كله لأن الصوم المشروط وجد في زمن الاعتكاف ولا يعتبر وجود المشروط في زمن الشرط كله(1)
(4) وقت الدخول في المعتكف: من نوى اعتكاف يوم وليلة أو أكثر يدخل معتكفة قبل غروب الشمس عند الجمهور والأئمة الأربعة (لحديث) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين- وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه – قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر" أخرجه البخاري(2) ... {258}
وجه الدلالة أن العشر بدون هاء اسم لعدد الليالي وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين (وقال) الأوزاعي والثوري والليث بن سعد: يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح (لحديث) عمرة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه. وإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فأمر ببنائه فضرب" (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه وأبو داود(3) ... {259}
(
__________
(1) انظر ص122 ج3 مغنى ابن قدامة.
(2) انظر ص114 ج4 فتح الباري (الاعتكاف في العشر الأواخر).
(3) انظر ص246 ج10- الفتح الرباني (وقت الدخول في المعتكف). وص 68 ج8 نووي. وص 276 ج1 ابن ماجه وص 231 ج10- المنهل العذب المورود (فأمر ببنائه فضرب) أي أمر بخيمته التي فيها فنضبت.(2/95)
وأجاب) الأولون عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد أول الليل معتكفاً ولكنه لم يدخل المكان الذي أعدة للاعتكاف إلا بعد صلاة الصبح.
(5) ما يستحب للمعتكف: يستحب له الاشتغال بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة. والذكر يشمل التسبيح والتهليل والتحميد والكبير والاستغفار والحوقلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء والتفكر في آيات الله تعالى. والطواف بالكعبة ودخولها في معنى الصلاة وكذا يستحب له عند الحنفيين والشافعية استذكار الحديث ودراسة العلم وسير الأنبياء والصالحين وكتابة أحكام الدين وغير ذلك من القرب وهو رواية عن أحمد (وقالت) المالكية: يكره اشتغاله بقربة غير ذكر الله تعالى والصلاة والتلاوة وهو رواية عن أحمد وإنما كره الاشتغال بالعلم- غير العيني- غير أنه أفضل من صلاة النافلة، لأن المقصود من الاعتكاف صفاء القلب ورياضة النفس وهو إنما يحصل غالباً بالذكر والصلاة لا بالاشتغال بالعلم. وكذا يكره عند مالك كتابة قرآن إن كثر ولا بأس باليسير وإن كان تركه أولى وكذا يكره صلاته على جنازة وإن وضعت بقربه أو كانت لجار أو صالح، لكونها مظنة الاشتغال مع الناس. وكذا يكره مشي لأذان على منار أو سطح أو غيرهما، لأنه كالخروج من المسجد. فإن أذن في موضعه أو بقربه جاز. وكذا يكره المشي للإقامة ولعيادة مريض بالمسجد إلا أن يكون قريباً منه فلا بأس أن يسلم عليه ولا يقوم ليعزي أو يهني(1)(وندب) مكث في المسجد ليلة العيد لمعتكف عشر رمضان الأواخر ليمضي من معتكفه إلى المصلي لو صل عبادة، وكذا لو اعتكف أقل من العشر وكان آخر اعتكافه آخر يوم من رمضان فيندب له المكث ليلة العيد فإن كانت ليلة العيد أثناء اعتكافه فهل يجب عليه المكث أولاً؟ لأنه لا يصوم صبيحة تلك الليلة. والراجح الأول.
__________
(1) انظر ص667 ج1- الفجر المنير.(2/96)
لكن إن خرج ليلة العيد أو يومه إثم ولا يبطل اعتكافه مراعاة للمقابل (وندب) مكثه بآخر المسجد ليبعد عمن يشغله بالحديث (وندب) الاعتكاف برمضان لكونه سيد الشهور (وندب) أن يكون بالعشر الأخير منه لمصادفة ليلة القدر الغالب وجودها في رمضان أو في العشر الأخير منه(1).
(6) ما يباح للمعتكف: يباح له أمور المذكور هنا ثمانية:
(أ) استخدام زوجته في غسل رأسه وتسريح شعره وإخراج بعض بدنه من المسجد لهذا الغرض (لقول) عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في المسجد فيصغي إليّ رأسه فأرجله وأنا حائض" أخرجه أحمد وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فيخرج إليّ رأسه من المسجد فأغسله وأنا حائض(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... {260}
(ب) ويجوز للمعتكف التنظف والغسل والحلق والتزين إلحاقاً بالترجل ولا يكره له إلا ما يكره في المسجد (قال) الخطابي: في حديث عائشة أن ترجيل الشعر مباح للمعتكف وفي معناه حلق الرأس وتقليم الأظفار وتنظيف الأبدان من الشعث والدرن(3)وللرجل أن يتطيب ويلبس الرفيع من الثياب وليس ذلك بمستحب (قال) أحمد: لا يعجبني أن يتطيب لأن الاعتكاف عبادة تختص مكاناً ترك الطيب فيها مشروعاً كالحج وليس ذلك بمحرم لأنه لا يحرم اللباس ولا النكاح فأشبه الصوم(4).
__________
(1) انظر ص669 ج1 منه.
(2) انظر ص251 ج10- الفتح الرباني (ما يجوز فعله للمعتكف) و (يجاور) أي يعتكف (فأرجله) بشد الجيم أي أسرحه.
(3) انظر ص140 ج2 معالم السنن.
(4) انظر ص151 ج4 مغنى ابن قدامة.(2/97)
ولا يجوز للمرأة المعتكفة في المسجد التطيب لأنه داعية إلى تعلق قلوب الرجال بها في المسجد(1)(جـ) ويباح عند الجمهور للمعتكف وغيره الوضوء في المسجد إلا أن يقذره أو يتأذى به الناس فإنه يكره (وعن) مالك أنه مكروه تنزيهاً للمسجد (وقال) الحنفيون يكره التوضؤ فيه إلا في موضع أعدّ لذلك (وعن) أحمد روايتان (إحداهما) لا يكره لقول أبي العالية حدثني من كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "توضأ النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وضوءاً خفيفاً" أخرجه أحمد والبيهقي(2) ... ... ... ... ... ... {261}
(والأخرى) يكره لأنه يبل من المسجد مكاناً يمنع المصلين من الصلاة فيه ولا يسلم من أن يبصق في المسجد أو يتمخط وإن خرج من المسجد للوضوء وكان تجديداً بطل اعتكافه لأنه خروج لما له منه بد وإن كان وضوءاً من حدث لم يبطل لأن الحاجة داعية إليه(3).
(د) ويباح للمعتكف عقد النكاح ومراجعة امرأته في المسجد اتفاقاً، لأن الاعتكاف عبادة لا تحرم الطيب فلم يحرم النكاح كالصوم ولأن النكاح طاعة وحضوره قربة ومدته لا تتطاول فيتشاغل به عن الاعتكاف فلم يكره فيه كتشميت العاطس ورد السلام(4).
(
__________
(1) انظر ص668 ج1- الفجر المنير.
(2) انظر ص372 ص4 بيهقي (من توضأ في المسجد).
(3) انظر ص151 ج3 مغنى ابن قدامة.
(4) انظر ص151 ج3 مغنى ابن قدامة.(2/98)
هـ) ويباح للمعتكف عقد البيع والشراء المحتاج إليه في المسجد بلا إحضار السلع فإنه مكروه تحريماً، لما فيه من شغل المسجد وجعله كالدكان وكذا يكره له تحريماً- عند الحنفيين وأحمد وعلى الصحيح عند الشافعي- عقد البيع والشراء لغير الحاجة الأصلية كالتجارة، لأنه منقطع إلى طاعة الله تعالى فلا يشتغل بأمور الدنيا (روي) عمرو بن شعيب عن أبيه عن ابن عمرو قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع في المسجد" (الحديث) أخرجه أحمد والأربعة وحسنه الترمذي(1). ... ... ... ... ... {262}
(وعن) الشافعي أنه يجوز للمعتكف أن يبيع ويشتري ولا يكثر منه فإن أكثر كره (وقال) مالك: يكره للمعتكف البيع والشراء في المسجد. ولو كان محتاجاً لشراء قوته خرج لشرائه (رأى) عمران القصير رجلاً يبيع في المسجد فقال يا هذا إن هذا سوق الآخرة. فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا. وإذا منع من البيع والشراء في غير حال الاعتكاف ففيه أولى (فأما) الصنعة فلا يجوز منها ما يكتسب به لأنه بمنزلة التجارة بالبيع والشراء ويجوز ما يحتاج إليه من ذلك إذا كان يسيراً مثل أن ينشق قميصه فيخيطه أو ينحل شيء يحتاج إلى ربط فيربطه لأن هذا يسير تدعو الحاجة إليه فجرى مجرى ليس قميصه وعمامته وخلعهما(2).
(
__________
(1) انظر ص64 ج3- الفتح الرباني (ما تضان عنه المساجد) وص 232 ج1 المنهل العذب المورود (التحلق يوم الجملة قبل الصلاة) وص 117 ج1 مجتبي. وص 267 ج1 تحفة الأحوذي. وص 131 ح1 ابن ماجه.
(2) انظر ص148 ج3 مغنى ابن قدامة.(2/99)
و) ويباح للمعتكف الأكل والشرب في المسجد اتفاقاً على وجه لا يؤدي إلى تقذير المسجد أو تضييقه على مصل (وقالت) المالكية: يكره أكل المعتكف بفناء المسجد أو رحبته فإن أكل خارجاً عما ذكر بطل اعتكافه، لأنه مشى في غير عمل الاعتكاف والمطلوب أن يأكل فيه على حدة أو في المنارة ويغلق عليه(1)(ويجوز) للمعتكف وغيره أن يضع المائدة في المسجد ويغسل يده بحيث لا يتأذى بغسالته أحد وغن غسلها في الطست فهو أفضل ويستحب للآكل أن يضع سفرة ومحوها ليكون أنظف للمسجد وأصون(2)ولا يجوز أن مخرج لغسيل يده لأن له من ذلك أبداً.
(ز) ويباح للمعتكف الكلام للحاجة وتوديع زائره وزيارة امرأته له (لقول) صفيه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي يقلني فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم على رسلكما إنها صفية بنت حيي. قالا: سبحان الله يا رسول الله فقال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو قال شيئاً" أخرجه البيهقي والسبعة إلا الترمذي(3). ... ... ... ... ... ... ... {263}
(
__________
(1) انظر ص666 ج1- الفجر المنير.
(2) انظر ص534 ج6 مجموع النووي.
(3) انظر ص321 ج4 بيهقي. وص 253 ج10 الفتح الرباني (ما يجوز للمعتكف فعله) وص 197 ج4 فتح الباري (هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟) وص 156 ج14 نووي، وص 243 ج1- المنهل العذب المورود، وص 278 ج1- ابن ماجه (فانقلبت) أي أردت الرجوع إلى بيتي و(يقلني) – بفتح فسكون- أي يردني إلى منزلي. و(إن الشيطان يجري..) وفي رواية للبخاري: يبلغ. وقد قيل: هو على ظاهره وان الله تعالى أقدره على ذلك (وقيل) هو على سبيل الاستعارة من كثرة وسوسته وكأنه لا يفارقه كالدم فاشتركا في شدة الاتصال وعدم المفارقة (انظر ص199 ج4 فتح الباري.(2/100)
ح) ويجوز للمعتكف- عند غير المالكية- دخول بيته لحاجة الإنسان التي لابد منها كالبول والغائط وغسل الجنابة (وقالت المالكية: يكره دخوله محل أهله كزوجة- لئلا يطرأ عليه ما يفسد اعتكافه- ولو كان دخوله لحاجة من بول أو غائط فإن لم يكن به أهله لم يكره كما إذا كان أهله في علو المنزل ودخل هو أسفله والمراد محل أهله القريب من المسجد. أما البعيد فيبطل اعتكافه بدخوله إن أمكن غيره(1).
(7) خروج المعتكف: لا يخرج المعتكف من معتكفه ليلاً أو نهاراً إلا لو أحد من أمور ثمانية: (الأول) حاجة طبيعية كبول أو غائط وإزالة نجاسة واغتسال من جنابة باحتلام (الثاني) حاجة ضرورية كانهدام المسجد وإخراج ظالم له كرهاً وخوف على نفسه أو ماله من ظالم فلا يفسد اعتكافه بخروجه لذلك اتفاقاً (لقول) عائشة: "وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل عليّ رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إلا إذا أراد الوضوء وهو معتكف" أخرجه أحمد(2) ... ... ... ... ... ... {264}
(
__________
(1) انظر ص666 ج1- الفجر المنير وفيه (فإن قيل) لم كره دخوله منزل أهله مع أنه يجوز مجيء زوجته إليه وأكلها معه وحديثها له؟ (يجاب) بأن المسجد وازع وزاجر لهما ولا وازع في المنزل.
(2) انظر ص252 ج10 الفتح الرباني (ما يجوز فعله للمعتكف) و (إلا إذا أراد الوضوء) إلا بمعنى أو والمعنى: وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان من بول أو غائط أو غسل أو إذا أراد الوضوء لأن المساجد لم يكن بها حينئذ ماء للوضوء.(2/101)
قال) ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول لأن هذا مما لابد منه ولا يمكن فعله في المسجد وفي معناه الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به فله الخروج إليه وإن بغته القيء فله أن يخرج ليتقابأ خارج المسجد وكل ما لابد منه ولا يمكن فعله الخروج إليه ولا يفسدا اعتكافه ما لم يطل(1)(الثالث) حاجة شرعية كصلاة جمعة وعيد فيخرج في وقت يمكنه إدراك الجمعة مع الإمام ويصلي بعدها السنة أو ستاً ولو أتم اعتكافه في مسجد الجمعة صح مع الكراهة التنزيهية لمخالفته ما التزمه بلا ضرورة (وقالت) المالكية والشافعية: لا يعتكف في غير المسجد الجامع إذا كان اعتكافه المنذور يتخلله جمعة فإن اعتكف في غيره وخرج للجمعة ونحوها، بطل اعتكافه (الرابع والخامس) الحيض والنفاس: فإذا حاضت المعتكفة أو نفست، لزمها الخروج من المسجد إلى البيت – عند الأئمة الأربعة- أو إلى رحبة المسجد عند مالك. وهو رواية عن أحمد (لقول) عائشة: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب" أخرجه أبو داود والبخاري في التاريخ وصححه ابن خزيمة وحسنه ابن القطان(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... {265}
ويفسد اعتكافها كما تقدم وإن انقطع الحيض تعود إلى معتكفها.
(
__________
(1) انظر ص132 ج3 مغنى ابن قدامة.
(2) انظر ص309 ج3- المنهل العذب المورود (الجنب يدخل المسجد) وتقدم رقم 563 ص370 ج1- الدين الخالص طبعة ثانية و (شارعة) أي أبوابها مفتحة فيه (وحسنه) قال ابن سيد الناس: إن التحسين لأقل مراتبه لثقة رواته. فلا حجة لابن حزم في رده.(2/102)
السادس) العدة: وإذا لزم المعتكفة عدة وفاة أو فراق لزمها الخروج لقضاء العدة في بيت الزوج عند الشافعي وأحمد (وقال) مالك: لا تخرج حتى يتم اعتكافها لأن الاعتكاف المنذور واجب والاعتداد في البيت واجب فقد تعارض واجبان فيقدم أسبقهما(1)وإذا خرجت للعدة هل يبطل اعتكافها؟ فيه طريقان: (أصحهما) لا يبطل حتى إذا نذرت متتابعاً أكملت العدة ثم عادت إلى المسجد وبنت على ما مضى وإذا لزمها الخروج للعدة فمكثت في الاعتكاف ولم تخرج عصت وأجزأها الاعتكاف(2).
(السابع والثامن) العيادة وصلاة الجنازة- فيجوز للمعتكف إعتكافاً مستحباً الخروج من معتكفه لعيادة مريض وصلاة جنازة لأن كلاً مما ذكر تطوع. والأفضل عدم الخروج- إن لم يتعين عليه- للجنازة. وإن خرج لما لابد منه فسأل عن المريض في طريقة ولم يعرج عليه جاز ولم يبطل اعتكافه. فإن وقف بطل اعتكافه (قالت) عائشة رضي الله عنها: إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة (الحديث) أخرجه مسلم وابن ماجه(3)ولا يفسد إعتكاف التطوع- في ظاهر الرواية عند الحنفيين- بالخروج بغير عذر كالخروج لعيادة المريض وتشييع الجنازة، بناء على أن اعتكاف التطوع غير مقدر فله أن يعتكف ساعة من نهار أو نصف يوم أو ما شاء من قليل أو كثير أو يخرج فيكون معتكفاً ما أقام تاركاً ما خرج. ويفسد بما ذكر عند مالك والحسن بن زياد والشافعي وأحمد بناء على أنه مقدر بيوم كالصوم(4)(أما) المعتكف اعتكافاً منذوراً أو مؤكداً فلا يخرج لعيادة مريض ولا لصلاة جنازة، لأنه لا ضرورة إلى الخروج لأن عيادة المريض من الفضائل وصلاة الجنازة فرض كفاية تسقط عنه بقيام الباقين بها فلا يجوز إبطال الاعتكاف لأجلها.
(
__________
(1) انظر ص152 ج3 مغنى ابن قدامة.
(2) انظر ص516 ج6 مجموع النووي.
(3) انظر ص208 ج3 نووي. وص 277 ج1 ابن ماجه (المعتكف يعود المريض...).
(4) انظر ص115 ج2 بدائع الصنائع.(2/103)
ولما تقدم) عن عائشة قالت: السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة(1)يعني أنه لا يخرج من معتكفه قاصداً عيادة مريض أو صلاة جنازة.
(وبهذا) قالت الأئمة الثلاثة وهو الصحيح عن أحمد والمشهور عنه أنه لا يخرج لذلك إلا أن اشتراطه (وحاصل) مذهب المالكية أنه لا يجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة المريض ولا لتشييع الجنازة ولا للصلاة عليها ولو تعينت فإن خرج بطل اعتكافه ولو مرض أحد أبويه أو هما خرج وبطل اعتكافه، لأن في عدم خروجه عقوقاً أما جنازتهما معاً فلا يخرج على مشهور المذهب وأما جنازة أحدهما فيخرج لئلا يكون عدم خروجه عقوقاً للحي منهما.
(فوائد) (أ) متى يخرج معتكف العشر الأواخر من رمضان؟ (قال) مالك وأحمد: يستحب له البقاء في المسجد حتى يخرج إلى صلاة العيد وإن خرج بعد غروب شمس آخر رمضان أجزأه (وقال) أبو حنيفة والشافعي: يخرج بعد غروب الشمس (قال) سحنون وابن الماجشون: إن رجع إلى بيته قبل صلاة العيد فسد اعتكافه. وسبب الاختلاف هل الليلة الباقية من حكم العشر أم لا؟(2).
(ب) إذا أنذر اعتكافاً متتابعاً وشرط الخروج منه إن عرض عارض مثل مرض خفيف أو عيادة مريض أو شهود جنازة أو زيارة أو صلاة جمعة أو شرط الخروج لطلب علم أو لغرض آخر صح شرطه، وإذا قضى العمل الذي شرطه وخرج له لزمه العود والبناء على اعتكافه. فإن آخر العود بعد قضاء العمل بلا عذر بطل تتابعه ولزمه استئناف الاعتكاف ولو نذر اعتكافاً متتابعاً وقال في نذره إن عرض مانع قطعت الاعتكاف. فإذا عرض المانع الذي شرطه انقضى نذره وبرثت ذمته منه وجاز الخروج ولا رجوع عليه. ولو قال على أن اعتكف رمضان إلا أن أمرض أو أسافر فمرض أو سافر فلا شيء عليه ولا قضاء.
(
__________
(1) تقدم رقم 255 ص541 (شروط الاعتكاف)
(2) انظر ص222 ج1 بداية المجتهد.(2/104)
جـ) إذا مات وعليه اعتكاف فهل يطعم عنه؟ (قال) مالك وأحمد: لا يطعم عنه وهو الصحيح عند الشافعي. وقال أبو حنيفة: يطعم عنه. وعن ابن عباس وعائشة وأبي ثور أنه يعتكف عنه.
(د) لو نذر أن يعتكف شهر رمضان من هذه السنة. فإن كان النذر في شوال لم ينعقد وإن كان قبله انعقد فإن لم يعتكف حتى فات رمضان، لزمه القضاء متتابعاً أو متفرقاً(1).
(8) ما يكره للمعتكف: يكره له أربعة أمور: (أ) يكره له تحريماً الصمت بالكلية إن اعتقده قربة (لحديث) علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل" أخرجه أبو داود بسند حسن(2). ... ... ... ... ... ... ... {266}
فإن سكت غير معتقد انه قربة فلا كراهة (لحديث) ابن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صمت نجا" أخرجه أحمد والترمذي بسند فيه ابن لهيعة. وأخرجه الطبراني بسند رجاله ثقات(3). {267}
والصمت عن الشر متعين على المعتكف وغيره (لحديث) أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه(4). {268}
فإن نذر الصمت في اعتكافه أو غيره لم يلزمه الوفاء به إجماعاً لما تقدم أن أبا إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه(5).
(
__________
(1) انظر ص537 – 542 ج6 مجموع النووي.
(2) انظر ص81 ج3 عون المعبود (متى ينقطع اليتم) (والصمات) بضم أوله السكوت.
(3) انظر رقم 8819 ص171 ج6 فيض القدير.
(4) انظر ص20 ج2 نووي (إكرام الجار والضيف) وص 204 ج2- ابن ماجه.
(5) تقدم رقم 206 ص471 (ما يكره للصائم).(2/105)
فائدة) لا يجوز لأحد أن يجعل القرآن بدلاً من الكلام لأنه استعمال له في غير ما هو له فأشبه استعمال المصحف في التوسد ونحوه وقد جاء لا تناظروا بكتاب الله، قيل معناه لا تتكلم به عند الشيء تراه كأن ترى رجلاً قد جاء في وقته فتقول: وجئت على قدر يا موسى أو نحوه(1).
(ب) يكره للمعتكف الكلام إلا بما فيه ثواب من قرآن وذكر وغيرهما من أنواع الطاعة. ويجتنب مالا يعنيه من الأقوال والأفعال ولا يكثر الكلام لأنه من كثر كلامه سقطة (روي) أبو بصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه أخرجه الترمذي وابن ماجه وحسنه النووي وصححه ابن عبد البر(2).{269}
ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش. فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف ففيه أولى. ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك. ويستحب للمعتكف إذا سبه إنسان أن لا يجيبه كالصائم. فإن أجابه أو سب غيره أو جادله بغير حق، كره لم يبطل اعتكافه. ويبطل ثوابه أو ينقص(3).
(جـ) يكره عند مالك اعتكافه وليس معه كفاية واشتغاله بغير الذكر والصلاة والتلاوة كما تقدم.
(
__________
(1) انظر ص150 ج3 مغنى ابن قدامة.
(2) انظر رقم 8342 ص12 ج6 فيض القدير.
(3) انظر ص534 ج6 مجموع النووي.(2/106)
د) يكره عنده إخراج القاضي للمعتكف لمقاضاته قبل تمام اعتكافه إن لم يكن فارا باعتكافه من دفع الحق ولم تطل مدة الاعتكاف بحيث تضر برب الحق وإلا وجب إخراجه في الحالة الأولى وبطل اعتكافه ولا كراهة في إخراجه في الثانية وإذا دعى المعتكف لتحمل شهادة إن كان اعتكافه تطوعاً ولم يتعين بالتحمل فالأولى-عند غير مالك- ألا يخرج وإن تعين عليه التحمل لزمه الخروج، لأن ذلك واجب. وإن كان اعتكافه واجباً لم يلزمه الإجابة سواء أكان متتابعاً أم لا، لأنه مشتغل بفرض فلا يلزمه قطعه. وهل يباح له الخروج؟ ينظر فإن لم يكن شرط التتابع جاز الخروج، لأنه لا يبطل بخروجه عبادته فإذا عاد بني وإن كان شرط التتابع لم يجز الخروج لأنه يبطل ما مضى من عبادته وإبطال العبادة الواجبة لا يجوز(1)(وقالت) المالكية: لا يخرج لأداء شهادة وإن تعينت عليه بل يذهب القاضي للمسجد أو تنقل عنه الشهادة لعدم تمكنه من الحضور كالمريض.
(9) قضاء الاعتكاف: الاعتكاف مستحب وواجب (أ) فمن اعتاد اعتكاف أيام تطوعاً أو نواها ولم يدخل في الاعتكاف لعذر أو غيره يستحب له أن يقضيه اتفاقاً (لحديث) أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فسافر سنة فلم يعتكف فلما كان في العالم المقبل اعتكف عشرين يوماً. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي بسند جيد وصححه ابن حبان والحاكم(2). ... ... {270}
يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر سنة فلم يعتكف العشر في رمضان فاعتكف في العالم القابل عشرين يوماً عشرة قضاة عما فاته في العام السابق استحباباً وعشرة عن العام الحاضر ويحتمل أن الاعتكاف كان واجباً عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم نصوصه فقضاه على سبيل الوجوب.
(
__________
(1) انظر ص515 ج6 مجموع النووي.
(2) انظر ص247 ج10 الفتح الرباني. وص 230 ج10 المنهل العذب المورود (الاعتكاف) وص 276 ج1- ابن ماجه. وص 314 ج4 بيهقي.(2/107)
ومن) دخل في اعتكاف متطوعاً فله إتمامه وله الخروج منه متى شاء. وإن خرج يستحب له قضاؤه عند الشافعي وأحمد وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، لأن الاعتكاف لبث وإقامة فلا يتقدر بيوم كامل كالوقوف بعرفة وكل لبث فهو اعتكاف لا تتوقف صحته على تمام اليوم (وقال) مالك والحسن بن زياد يلزمه إتمامه فإن قطعه لأن الشروع في التطوع موجب للإتمام(1)عندهما صيانة للمؤدي عن البطلان كما في صوم التطوع وصلاة التطوع ومست الحاجة هنا إلى صيانة المؤدي لأن القدر المؤدي انعقد قربة فيحتاج إلى صيانته بالمضي فيه.
(
__________
(1) قوله الشروع في موجب الخ) مسلم لكن بقدر ما اتصل به الأداء ولما خرج فما أوجب إلا ذلك القدر، فلا يلزمه أكثر من ذلك (انظر ص115 ج2 بدائع الصنائع).(2/108)
قال) الترمذي: واختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى. فقال مالك: إذا انقضى اعتكافه وجب عليه القضاء واحتجوا بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشراً من شوال(1).
(
__________
(1) الحديث أخرجه السبعة إلا الترمذي وفي لفظ البخاري: فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشراً من شوال انظر ص195، 196 ج4 فتح الباري (اعتكاف النساء) وليس فيه لفظ: خرج من اعتكافه عند واحد ممن خرجه فهو لا يدل على المدعي بل يدل على خلافه فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه ولو كان واجباً لما تركه وأزواجه تركن الاعتكاف بعد نيته وضرب أبنيتهن له ولم يوجد عذر يمنع وإنما فعله تطوعاً لأنه كان إذا عمل أثبته كما قضى السنة التي فاتته بعد الظهر وقبل الفجر فتركه له دليل على عدم الوجوب لتحريم ترك الواجب وقضاؤه لا يدل على الوجوب لأن قضاء السنة مشروع. (فإن قيل) إنما جاز تركه ولم يؤمر تاركه من النساء بقضائه لتركهن إياه، قبل الشروع. (قلنا) فقد سقط الاحتجاج لاتفاقنا على أنه لا يلزم قبل شروعه فيه فلم يكن القضاء دليلاً على الوجوب مع الاتفاق على انتفائه ولا يصح قياسه على الحج والعمرة لأن الوصول إليهما لا يحصل في الغالب إلا بمشقة شديدة واتفاق مال كثير ففي إبطالهما تضييع لماله وإبطال لأعماله الكثيرة وقد نهينا عن إضاعة المال وإبطال الأعمال. وليس في ترك الاعتكاف بعد الشروع فيه مال يضيع ولا عمل يبطل فإن ما مضى من اعتكافه لا يبطل بترك اعتكاف المستقبل (انظر ص120 ج3 مغنى ابن قدامة).(2/109)
وقال) الشافعي: إن لم يكن عليه نذر اعتكاف أو شيء أوجبه على نفسه وكان متطوعاً فخرج فليس عليه قضاه إلا أن يجب ذلك اختياراً منه قال الشافعي وكل عمل لك ألا تدخل فيه فإذا دخلت فيه وخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة(1)وهذا هو الحق. وقد انعقد الإجماع على أن الإنسان لو نوى الصدقة بمال مقدر فأخرج بعضه لم تلزمه الصدقة بباقيه وهو نظير الاعتكاف لأنه غير مقدر بالشرع.
(ب) يجب على من نذر اعتكافاً أو أفسده بخروج وغيره- مما تقدم في الشرط الخامس للاعتكاف(2)- أن يقضيه اتفاقاً إذا قدر على القضاء لأنه إذا فسد التحق بالعدم فيحتاج إلى القضاء جبراً للفوات. ويقضى بالصوم لأنه فات مع الصوم فيقضيه معه. غير أن المنذور وإن كان اعتكاف شهر بعينه يقضي قدر ما فسد لا غير ولا يلزمه الاستقبال كالصوم المنذور في شهر بعينه إذا أفطر يوماً أنه يقضي ذلك اليوم ولا يلزمه الاستئناف كما في صوم رمضان وإذا كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الاستقبال لأنه يلزمه متتابعاً فيراعي فيه صفة التتابع وسواء فسد بصنعه بلا عذر كالحرج والجماع والأكل والشرب في النهار إلا الردة- عند الحنفيين ولا يسقط القضاء عند الثلاثة- أو فسد بصنعه لعذر كما إذا مرض فاحتاج إلى الخروج فخرج أو بغير صنعة رأساً كالحيض والجنون والإغماء الطويل، لأن القضاء يجب جبراً للفائت. والحاجة إلى الجبر متحققة في هذا كله، إلا أن سقوط القضاء في الردة- عند الحنفيين- عرف بالنص وهو قوله تعالى "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف"(3) وقول النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام يجب ما قبله(4).
(
__________
(1) انظر ص71 ج2 تحفة الأحوذي.
(2) تقدم ص535 – 536.
(3) سورة الأنفال: آية 38.
(4) تقدم رقم 99 ص169 (سقوط الزكاة).(2/110)
وإن نذر) اعتكاف شهر بعينه ففات بعضه، قضاه لا غير وإن فاته كله قضى الكل متتابعاً لأنه لما لم يعتكف حتى مضى الوقت صار الاعتكاف ديناً في ذمته فإن قدر على قضائه فلم يقضه أيس من حياته، يجب عليه أن يوصي بالفدية لكل يوم طعام مسكين لأجل الصوم لا لأجل الاعتكاف كما في قضاء رمضان. وإن قدر على البعض دون البعض فلم يعتكف فكذلك إن كان صحيحاً وقت النذر. فإن كان مريضاً وقته فذهب الوقت وهو مريض حتى مات فلا شيء عليه. وإذا نذر اعتكاف شهر بغير عينه فجميع العمر وقته وفي أي وقت أدّى كان مؤدياً لا قاضياً.
وإذا لم يؤد وأيس من حياته يجب عليه أن يوصي بالفدية كما في قضاء رمضان. فإن لم يوصي حتى مات سقط عنه في أحكام الدنيا عند الحنفيين ومالك حتى لا تؤخذ الفدية من تركته ولا تجب على الورثة إلا أن يتبرعوا بها (وقال) الشافعي وأحمد لا تسقط وتؤخذ من تركته وتعتبر من جميع المال(1).
(10) إحياء العشر الأواخر من رمضان: يستحب فيها الاجتهاد في الطاعة وإحياؤها بالعبادة وحث الأهل والأولاد ولو صغاراً يقدرون على إحيائها (لقول) عليّ رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة" أخرجه الترمذي باختصار. ورواه الطبراني في الأوسط وكذا أبو يعلي مختصراً بسند حسن. وقال الترمذي: حسن صحيح(2). ... ... {271}
__________
(1) انظر ص118 ج2 بدائع الصنائع.
(2) انظر ص69 ج2 تحفة الأحوذي. وص 174 ج3 مجمع الزوائد (العشر الأواخر من رمضان).(2/111)
وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ليصادف في هذه العشر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر (وعن) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر" أخرجه احمد والشيخان والبيهقي وابن ماجه(1). ... ... ... ... ... {272}
(والمراد) بشد المئزر الاجتهاد في الطاعة زيادة على العادة (وقيل) هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادة. والمراد بإحياء الليل استغراقة بالصلاة وغيرها والجد في الطاعة "وقول" بعضهم: يكره قيام الليل كله محمول على المداومة عليه. وأما قيام ليلة أو ليلتين إلى العشر فليس بمكروه، ولذا اتفقوا على استحباب إحياء ليلتي العيدين والعشر الأخير من رمضان. وفي أحاديث الباب الحث على الاهتمام بتجويد الخاتمة نسأل الله تعالى التوفيق والإكرام وحسن الختام. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
((تنبيه)) قد بينا أهم المراجع التي استعنا بها في تخريج أحاديث هذا الجزء ومراجع النصوص العلمية فانتظر بصفحتي 375 ، 376 من الجزء السابع من الدين الخالص.
__________
(1) انظر ص246 ج10- الفتح الرباني وص 192 ج4 فتح الباري (العمل في العشر الأواخر من رمضان) وص 70 ج8 نووي. وص 313 ج4 بيهقي. وص 276 ج1- ابن ماجه (والمئزر) – بكسر الميم والهمز – الإزار.(2/112)
وإلى هنا ما تم يسر الله تعالى من تنقيح وتحرير وتنسيق ما ترك السيد الوالد الشيخ محمود خطاب- عمه الله تعالى بالرحمة والإحسان- من أصول الدين الخالص والتعليق عليه مع ضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان المراجع أسأل الله ذا الكرم العميم أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم. وأن ينقع به النفع العميم. إنه هو البر الرحيم. وقد استعنت بحول الله تعالى وقوته على إتمام قسم العبادات على النسق الذي سلكته في تنقيح الكتاب. فألفت (إرشاد الناسك. إلى أعمال المناسك) وتم طبعه وعم نفعه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأل الله تعالى أن يمن على من فضله بإتمام الكتاب على هذا النظام المستطاب وإكمال مقاصده على وجه يرضيه ويرضي به عن عبده الفقير إلى رعايته وإعانته وتوفيقه. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه واقتفى بأثره،،
11 شعبان 1970هـ ... ... ... ... ... أمين محمود خطاب
17 مايو 1951م ... ... ... ... ... من العلماء المدرسين بالجامعة الأزهرية.
---
نبذة مختصرة عن محقق هذا الكتاب
فضيلة الإمام الشيخ أمين محمود خطاب ثاني أنجال المؤلف، ولد بسبك الأحد مركز أشمون في سنة 1304هـ/1884م، والتحق بالأزهر فحضر على كبار شيوخه وحصل على العالمية في رجب سنة 1329هـ/ يونية سنة 1916م، فعين مدرساً بالمعاهد الدينية الأزهرية بالوجهين القبلي والبحري والقاهرة، ثم عين مدرساً بكلية الشريعة، ثم بكلية أصول الدين، وتتلمذ عليه عدد من الدعاة والوعاظ والعلماء.(2/113)
وقد شارك في الدعوة إلى الكتاب والسنة، فكان وكيلاً للجمعية الشرعية في حياة والده، وبعد وفاته تولى إمامة أهل السنة. وعني بالبحث العلمي والتأليف فأذاع مؤلفات والده بنشرها وتحقيقها، ومنها: المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود فزاد فيه الأجزاء من الحادي عشر إلى الرابع عشر، وحقق كتاب الدين الخالص وأثمه بإصدار الجزء التاسع منه، وعزم على استكمال المعاملات، ولكنه توفي في سنة 1387هـ /1968م قبل أن يتمكن من إصدار باقي الكتاب. واقتصر على الأجزاء التسعة، فشرع فضلة نجله الورع الشيخ يوسف أمين خطاب إمام أهل السنة في إعادة طبع هذا الجزء الثامن، متمنياً أن يتم إصداره في حياته. وعندما استشعر دنو أجله ألقى على جماهير المصلين بالمسجد الكبير بالخيامية عقب صلاة الجمعة كلمة وصاهم فيها بالالتفاف حول الجمعية الشرعية وبذل غاية الجهد في سبيل إنجاح مقاصدها لتظل مؤسسة إسلامية تحمل مشعل الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله الكريم. وطلب منهم متابعة طباعة هذا الجزء. ثم توفي بعد ثلاثة أيام يوم الاثنين 30 صفر 1396هـ الموافق أول مارس 1976م رحمه الله وطيب ثراه وجعل الجنة مثواه.
وقد أنعم الله علينا بمتابعة هذا العمل الجليل بعد توقف طويل، وحين ذللت المصاعب، تابعت مراجعة الملازم الباقية بمعونة مدير مطبعة السعادة الحاج علي إسماعيل جزاه الله خيراً. وأسأل الله سبحانه أن يتقبل هذا العمل وأن يحسن لحاقنا بالصالحين، ويحشرنا معهم غير مبدلين ولا مغيرين، والحمد لله على تمام نعمته،،
دكتور عبد العظيم حامد خطاب
المدرس بكلية التربية جامعة القاهرة
7 من شهر شعبان 1399هـ ... ... 2 من يولية 1979م
الفهرس
الأسباب الموجبة لعذاب القبر ... محظورات القبر
الأسباب المنجية منه فضل سورة تبارك الملك ... النهي عن البناء عليه
فضل الصلاة والصيام والحج والذكر والأمر والنهي ... النهي عن القعود عليه
المشي بالنعلين بين القبور ... النهي عن المشي عليه والكتابة عليه(2/114)
دفن أكثر من واحد في قبر ... النهي عن الزيادة عليه وعن الصلاة إليه أو عليه. التحذير من اتخاذ القبور مساجد
كيف يجهز من مات البحر ومن ماتت حاملاً؟ ... التحذير من إيقاد السرج عليها
كيف تدفن نصرانية ماتت حاملاً بمسلم؟ من مات وفي بطنه مال هل يشق؟ ... النهي عن الذبح عند القبر
(نبش القبر) من دفن بلا صلاة يصلي على قبره ... سؤال القبر وفتنته
هل ينبش قبر من دفن بلا كفن أو في أرض مغصوبة؟ ... ليس السؤال خاصاً بهذه الأمة
نقل الميت ... الأعمال الصالحة تدافع عن صاحبها عدد السؤال
من وصى بنقله لغير الحرمين لا تنفذ وصيته ... سؤال القبر حق، دليل من أنكره
(إعداد القبر) ... الجواب عنه. غير المقبور يسأل.
العذاب الأدنى عذاب القبر، عذاب المنافقين ... سؤال الكافر. عذاب القبر ونعيمه وضغطته
ضغطته تعم الصالح والصالح غير الأنبياء ... (وضع الجريد على القبر)
المذاهب في تعريف الشهيد وتجهيزه ... الرد على من زعم أن الروح لا تعود إلى الميت في قبره
هل يصلي عليه؟ حكمة عدم غسله ... الجواب عن شبه منكري عذاب القبر. الأحكام في الدنيا على البدن وفي البرزخ على الروح
الراجح مشروعية الصلاة عليه ... أحكام الآخرة عليهما
الشهيد غير المكلف وغير الطاهر ... يرى المحتضر ما لا يراه من بجواره
إذا ماتت الحائض في المعركة أتغتسل؟ ... تسليم الحجر والشجر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتساع القبر وضيقه
(كفن الشهيد). هل يكفن في غير ثيابه؟ من لا يعتبر شهيداً. أقسام الشهيد. ... عذاب البرزخ يعم المقبور وغيره، ودائم ومنقطع
بدع المقابر ... حياة الشهداء في البرزخ. مصير أرواحهم
دعاء الأولياء بما لا يملكون عمل جاهلي. النذر لهم باطل ... شهيد الدنيا فقط. شهيد الآخرة
سكوت العالم على المنكرات لا يبيحها هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الزيارة ... (التعزية) حكمها وفضلها
(القرب تهدي إلى الميت) ... فضل الصبر على موت الولد
قضاء النذر عن الميت. قضاء الصوم عنه ... تعزية المرأة جيرانها، حكمة التعزية. وقتها. لفظها(2/115)
انتفاعه بعمل الغير. رد دعوى نسخ آية "وأن ليس للانسان إلا ما سعى (هامش) ... جواب التعزية. تعزية الذمي. الجلوس للتعزية.
المذاهب في وصول ثواب العبادة إلى الميت. هل القراءة تنفعه؟ ... بعض ما يرتكب من المنكرات في الجلوس لها
أخذ الأجرة على الرقية. إهداء الثواب إلى الميت. ... أدلة حرمة تعاطي الدخان
هلي هدي ثواب العمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ... مأتم الأربعين والعام
المذاهب في قراءة القرآن عند القبر ... (صنع الطعام لأهل الميت) استشهاد جعفر بن أبي طالب
أدلة من استحبها والرد عليها ... كراهة الاجتماع على طعام يصنعه أهل الميت
الراجح أن القراء عند القبر بدعة مكروهة ... كراهة نقل الطعام إلى المقابر في الخميس والمواسم
زيارة النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه ... (زيارة القبور) حكمتها
دليل إيمانها. الجواب عن حديث "إن أبي وأباك في النار" (هامش) ... أسباب نجاة أبويه (هامش)
ما يقوله الزائر ... كيفية الزيارة: من يحتج يوم القيامة نار الاختبار (هامش)
زيارة النساء لم منعن من الزيارة؟ متى تجور لهن؟ ... كيفية السلام على الموتى
دليلها ... الزكاة تعريفها
حكمتها. منعها ... وقت افتراضها. سببها
أنواع عذاب مانع الزكاة (قتاله) ... وزر من اتخذ الخليل فخراً . شدة هول القيامة على الكافر وخفته على المؤمن (هامش)
فضل الزكاة ... مانعها يقتل عقوبة لا كفراً. من ادعى النبوة في عهد الصديق (هامش)
شروط الزكاة. هل على المرتد زكاة ... مراتب الإنفاق على الأهل وغيرهم
دليل من قال بلزومها ... الزكاة في مال غير المكلف
لا تحل أموال العباد إلا بالتراضي أو طلب الشرع. هل على العبد زكاة؟ ... الجواب عنه. الحق أنها لا تجب
لا زكاة على من لم يملك النصاب ... زكاة الصداق والموقوف وغير المملوك
هلي لزم كمال النصاب في كل الحول! ... لا زكاة في مال غير الخارج من الأرض حتى يحول عليه الحول
زكاة مال المدين. الدين يمنع وجوب الزكاة. ... مبدأ الحول. هل العلم بفرضية الزكاة شرط في وجوبها؟(2/116)
الراجح عدم اشتراطه (شروط صحة أداء الزكاة) ... هل دين الله تعالى يمنعها، هل التمكن من أدائها شرط في وجوبها؟
وقت تأديتها. الترهيب من تأخير إخراجها ... هل للفقير سرقة مقدار الزكاة؟
كيف تؤدي زكاة الزرع بعد الموت؟ ركن الزكاة. أنواعها. ... قضاء الزكاة. المذاهب فيه
الراجح اشتراط السوم فيها ... (زكاة النعم)
المذاهب فيما يجب فيما زاد على 120 من الإبل. ... (زكاة الإبل)
(زكاة البقر) ... ما يؤخذ في الزكاة عند عدم السن المطلوب
إعطاء رب المال أكثر من الواجب عليه (زكاة الغنم) ... هل بعد الأربعين فيها وقص؟
العيب المانع من الإجزاء في الزكاة ... مالا يؤخذ في زكاة الماشية
(مالا زكاة فيه) الرقيق والخيل ... توقي كريم المال في الزكاة
ما يجب في المستفاد وقد هلك الأصل ... البغال والحمير. صغار النعم
الجمع والتفريق ... العوامل. الأوقاص
تراجع الخليطين. شروط الخلطة ... الخلطة
(زكاة الأثمان) زكاة الفضة مقدار الأوقية والدرهم ... جواب الحنفيين عن أدلتها
زكاة الذهب ... نصاب الفضة بالدرهم والعملة
هل في زكاة النقد عفو؟ ... المثقال والعملة الذهبية نصاب الذهب بالدينار والعملة
ضم النقدين. كيفيته ... الراجح أنه لا عفو فيه زكاة المخلوط والمغشوش
هل كسر الحلي يمنع زكاته؟ يعتبر نصابه بالوزن ... زكاة الحلي. المذاهب فيه
شروط زكاته ... (زكاة الدين) أقسامه
الحق لزوم الزكاة في الأوراق المالية ... مبدأ حول المقبوض منه
(زكاة العروض) حكمها ... كيف تزكي أسهم الشركات وأوراق الديون!
شروط صيرورة العرض للتجارة ... مناقشة ما ورد في زكاتها
متى يبتدأ حول التجارة (زكاة المستفاد) أقسامه ... كيف تزكي العروض؟
هلاك ما عجلت زكاته ... (تعجيل الزكاة) شرط جوازه
(زكاة الزرع والثمار) ... (تأخير الزكاة)
من عليه زكاة الخارج من الأرض المؤجرة ... حكمها. سببها. شروط افتراضها متى تصير أرض الذمي خراجية
هل تتحول الأرض من عشرية إلى خراجية والعكس ما تجب فيه زكاة الزرع ... لا يشترط في زكاة الزرع والتكليف والحرية. الحق أنه يجمع بين الخراج والعشر(2/117)
دليل من قصرها على بعض الحبوب ... قدر النصاب فيما لا يكال، المذاهب في زكاة الزرع
قدر الواجب فيها ... وقت وجوبها
سقوط الزكاة لا تسقط باستهلاك المال. هل تسقط بالردة ... لا تحسب النفقات في زكاة الخارج
حكمته، ما يتركه الخارص للزارع ... خرص البلح والعنب
دليل عدم مشروعيته. الجواب عما ورد بمشروعيته ... المذاهب في حكم الخرص. ثمرته
زكاة الزيتون والرمان بيان آية (وءاتوا حقه يوم حصاده) ... ضم الحبوب والثمار
إخراج الطيب بيان آية؛ أنفقوا من طيبات ما كسبتم (هامش) ... المذاهب في زكاة الزيتون
هل في العسل زكاة؟ ... دفع القيمة
الراجح عدم وجوب الزكاة فيه ... هل له نصاب؟
المستخرج من المعدن. أقسامه ... (المعدن والركاز)
مكان المعدن. أقسامه. مكان الركاز أقسامه ... المذاهب في زكاة المعدن
هل يعتبر فيه نصاب؟ ... ما يجب في الركاز
ضم المعادن (زكاة الرؤوس) ... من عليه الخمس؟ مصرفه.
سببها، حكمتها، الرد على من زعم نسخها. ... حكم زكاة الفطر. دليلها
عبده الكافر؟ ... شروطها. هل على المسلم فطرة
هل التكليف شرط في وجوبها؟ ركنها وثمرتها. من تجب عليه وعنه ... المذاهب فيمن تجب عليه الفطرة
وقت وجوب زكاة الفطر وقت أدائها ... هل على الحد فطرة حفيده؟ وهل على الأب فطرة أولاده الكبار ووالديه؟ وهل على الزوج فطرة زوجته؟
الواجب في زكاتها وقدره ... المذاهب في تقديمها على صلاة العيد. حكم تأخيرها عن يومه
قدر الصاع ... الدقيق والسويق في الفطرة
(إخراج القيمة). المذاهب في جواز دفعها وفيما تخرج منه ... وزن القدح؟
سقوطها، مصرفها (مصرف الزكاة) الفقير والمسكين ... مكان أدائها
شروطه. المذاهب فيما يعطاه ... العامل على الزكاة
من يعطي منهم عند غير الحنفيين ... المؤلفة قلوبهم
الغارم. أقسامه ... الرقاب
يعطي الغارم من الزكاة ولو غنياً أو عاصياً سبيل الله المذاهب في المراد منه ... هل يعطي المدين الهاشمي من الزكاة
ابن السبيل، توزيع الزكاة على مستحقيها ... لا يعطي الحاج من الزكاة للحج(2/118)
هل يعطي العبد منها؟ الغني، المذاهب فيه ... القريب أحق بها، شروط من تدفع له
الزجر عن السؤال والحث على الكسب ... من يحرم عليه السؤال، أقسام الغني
هل تدفع المرأة زكاتها لزوجها؟ ... الغني المحرم للسؤال، الغني بغيره
تحريم الصدقة على بني هاشم ... الهاشمي ومولاه، آل النبي صلى الله عليه وسلم
لا تدفع الزكاة فيما لا تمليك فيه ... حكم صدقة التطوع للآل ومواليهم
المذاهب في دفع الزكاة لمن ظنه مستحقاً وتبين خلافه ... يكفي دفعها لغير المكلف. الخطأ في مصرفها
هل للإمام المطالبة بزكاة المال الباطن هل تدفع للأمراء ولو ظلموا؟ ... من يطالب بأدائها، مالها نوعان
مكان صرفها ... شروط ولاية أخذها
متى يبيعها الساعي؟ ... متى يجوز نقلها؟ المذاهب فيه
فضل إخفاء الصدقة وإظهار الزكاة ... ما يطلب من المزكي والآخذ
صدقة الجسدر كعتا الضحى تجزيء عنها ... (صدقة التطوع)
تصدق المرأة والولد والخادم من مال المالك ... كل معروف صدقة
الصدقة الجارية. أنواعها ... التصدق على الصالحين
نهي الصائم عن اللغو والرفث، ما يتحلى به ... (الصيام) تعريفه، ركنه، فضله
(وقت الصوم) ما يرجع إلى أصله ... فضل صيام المجاهد الصيام والقرآن يتشفعان للعبد
ما يثبت به الهلال ... ما يرجع إلى وصفه، وقت صوم التطوع، وقت الصوم غير المعين، وقت صوم رمضان
لا تكفي شهادة الواحد في الإفطار بم يثبت الهلال إذا لم يكن بالسماء مانع من الرؤية؟ ... أحوال رؤيته، الشهادة برؤيته
ما يترتب على عدم الحكم برؤية اثنين الهلال. ما يلزم من رأوا هلال شوال ليلة 29 من رمضان ... من رأى الهلال ورد قوله
لا يثبت الهلال بقول الحساب ... اختلاف المطالع. المذاهب فيه
ما يقال عند رؤية الهلال ... الرد على من زعم الاعتماد على قول المنجمين في ثبوت الهلال
ما يلزم المغمي عليه والمجنون في رمضان ... (شروط الصيام)
من نوى في رمضان صوم غيره وقع عن رمضان، ما يلزم فيه تعيين النية ... تعريف النية، حكمها، كيفيتها(2/119)
صوم النفل بالنية نهاراً، صوم عاشوراء كان فرضاً تم نسخ ... وقت نية الصوم. ما يلزم فيه تبييتها
هل على المجنون والسكران قضاء الصوم؟ العلم بافتراضه، لا صوم على العاجز عنه ... هل يجب تجديد نية الصوم لكل يوم؟ شروط وجوب الصوم
(أقسام الصيام، صيام رمضان) دليله وأركان الإسلام ... ما يلزم من لزمه الصيام في أثناء النهار
أحوال مشروعيته ... حكمة مشروعيته
مبدأ فرض الصوم ... إباحة الفطر لمبتدئ السفر قبل الفجر بيان قوله "وعلى الذين يطيقونه" هامش
فضل رمضان ... فضل صيام رمضان
التفريط في رمضان ... الطاعة في رمضان
حرمة تقديم الطعام وبيعه نهاراً للمكلف بالصيام (هامش) ... وعيد من تهاون في صيامه
(الصوم الفرض غير المعين) ما يلزم فيه التتابع ومالا يلزم فيه ... كف الصائم جوارحه عما لا يرضي
أحوال صومه ... (الصوم المنهي عنه) يوم الشك
صوم العيدين ... هل يصام عن واجب غير رمضان؟
صوم أيام التشريق ... حكمة النهي عن صومهما
إفراد السبت أو الأحد بصيام ... صوم يوم الجمعة
وصال الصوم ... كراهة إفراد يوم النيروز والمهرجان بالصوم. صوم الدهر
صوم المرأة وزوجها حاضر ... الصوم في النصف الثاني من شعبان
(صوم التطوع) صوم ستة أيام من شوال ... لا يتطوع ضيف يصوم بلا إذن رب المنزل
الصوم في الأشهر الحرم ... صوم شوال والأربعاء والخميس والجمعة
صوم يوم عرفة ... صوم تسع ذي الحجة
الطاعة في عشر ذي الحجة ... حكم صومه بعرفة
صوم عاشوراء ... صوم المحرم
الصوم قبل يوم عاشوراء وبعده التوسعة في يوم عاشوراء ... أدلة من قال إنه لم يفرض من قبل والجواب عنها
صوم يوم الاثنين والخميس ... بدع عاشوراء
صوم أيام البيض ... صوم ثلاثة أيام من كل شهر
صيام ثلاثة أيام معينة ... صيام ثلاثة أيام متفرقة
صوم رجب ... صوم داود عليه السلام
مفاسد زيارة النساء المقابر ... نهي عمر عن صومه. بدع رجب
صوم شعبان ... صلوات غير مشروعة وأحاديث موضوعة في رجب
حكم الاحتفال بليلة النصف والدعاء ... نصف شعبان
صوم الأعزب، فطر الصائم المتطوع ... صوم الشتاء(2/120)
المختار إباحة فطره واستجاب القضاء ... ماذا على متطوع أفطر لعذر أو غيره؟
تعجيل الفطر ... (آداب الصيام) صوم الخواص وخواصهم
ما يفطر عليه الصائم؟ ... الفطر قبل صلاة المغرب
دعاء الصائم عند الفطر ... كيف يفطر الصائم؟
السحور ... دعاؤه لمن فطره
السواك للصائم ... الإقلال من الطعام
(ما يباح للصائم) الكحل ... المختار عدم كراهته بعد الزوال
الدهن. الحقنة ... مذهب مالك وأحمد فيه
مضغ الصائم الطعام الحجامة والفصد ... تبرد الصائم. حكم الاحتقان تحت الجلد وفي العروق والشرايين
يكره للصائم بلع ريقه بعد جمعه ... الحق أنها غير مفطرة الصائم يصبح جنباً
مبالغته في المضمضة والاستنشاق ... (ما يكره للصائم). ذوق شيء مفطر. مضغ الصائم اللبان
أحوال القبلة والمباشرة ... قبلته ومباشرته
صمت الصائم. كثرة نومه نهاراً شمه الروائح الزكية ... حكم نظر الصائم بشهوة إلى امرأته وإدامة الفكر
احتلام الصائم. حجامته ... (مالا يفسد الصوم) تناول مفطر ناسياً
مسائل في القيء (ما يفسد الصوم) ما يوجب القضاء فقط ... إدهانه. غلبة القيء
الحقنة المفسدة للصوم تعمد القيء ... هل يفطر المكرة والمخطئ، لرد على من زعم انه لا فطر بغير الطعام والشراب
من أفطر بظن غروب الشمس ولم تغرب. من أكل شاكاً في طلوع الفجر أو في غروب الشمس ... المذاهب فيما يلزم الصائم إذا أنزل بلا جماع
لا يلزم التتابع في قضاء رمضان ... ماذا على من جامع وقد طلع الفجر ومن تعمد الأكل بعد أكله ناسياً؟
(الكفارة في رمضان) ... تأخير قضائه إلى رمضان الذي بعده
هل تسقط الكفارة بالعجز عنها؟ ... ما يوجب القضاء والكفارة. الجماع
هل على المرأة كفارة ... الرد على من زعم أنه لا كفارة إلا بالإطعام
تناول مطر مع ظن المبيح ... ما يترتب على تساحق المرأتين والمحبوب جماع المكرة والنائم. تناول مفطر عمداً
ما يسقطها ... شروط الكفارة
صوم المسافر ... (الأعذار المبيحة للفطر)
متى يفطر من خرج مسافراً؟ ... فطره
مدة فطر المسافر ... مسافة السفر المبيح للفطر
الكبر ... انقطاع حكم السفر. الحمل والرضاع(2/121)
فدية ما فات من الصوم ... فطر المكره والمجاهد ومن اشتد جوعه وعطشه. قضاء ما فات لعذر
(بدع رمضان) ... هل يصام عن الميت؟ متى يلزم الإطعام عمن فاته صوم؟
(الموضوع في الصيام) ... بدعة التسحير
سببه. حكمته. فضله حكمه ... الاعتكاف (دليله)
زمنه ... أقسامه
مكانه ... شروطه
هل يؤذن المعتكف في المنارة؟ صوم المعتكف ... أين تعتكف المرأة؟ الاعتكاف في سطح المسجد ورحبته
متى يخرج المعتكف في آخر رمضان؟ ... وقت الدخول في مكان الاعتكاف، ما يستحب للمعتكف
هل للمعتكف أن يتوضأ في المسجد؟ عقد النكاح في المسجد، حكم البيع فيه ... ما يباح للمعتكف، جواز التنظف والحلق
خروج المعتكف لحاجة ... ليس له الاكتساب في المسجد. هل يباح له الأكل فيه؟
متى يخرج المعتكف العشر الأواخر من رمضان ... الخروج للحيض والنفاس والعدة والعيادة
هل يخرج المعتكف للمقاضاة والشهادة؟ ... ما يكره للمعتكف
قضاء الاعتكاف المنذور ... قضاء الاعتكاف المستحب
دليل الكتاب ... إحياء العشر الأواخر من رمضان
الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق
... وبعد أن اطلعت على كتاب الدين الخالص لإمام أهل السنة الشيخ محمود محمد خطاب السبكي بتحقيق ابنه وخليفته من بعده فضيلة الشيخ أمين محمود خطاب رحمهما الله تعالى قد اقتنعت بان هذا الكتاب هو أشمل كتاب تناول فقه العبادات على نهج قويم، وكل ما صدر من عمالات في الفقه أو مختصرات إنما اعتمدت عليه ونقلت منه كمصدر أصلي موثق. وقد بين فيه مؤلفه رحمه الله تعالى كل حكم فيه معتمد على كتاب الله تعالى وعلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل السلف الصالح.(2/122)
... ولا ريب أن الملم بشيء من الفقه حين يقرا أي بحث من أبحاث هذا الكتاب يرى فيه الأصالة والعمق والدقة والتحقيق الموضوعي والعلمي. ويرى إسناد كل حكم إلى مصدره الأصلي وأخذ الأحكام من مظانها التي لا يتطرق إليها الشك مما يدل على أمانة علمية ملموسة وسعة اطلاع على أمهات المصادر، رحم الله المؤلف والمحقق وغفر الله لنا ولهم وجزاهما الله خير الجزاء،،،(2/123)
الدين الخالص
أو
إرشاد الخلق إلى دين الحق
وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيي السنة ومميت البدعة
صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد
محمود محمد خطاب السّبكى
المتوفى فى الرابع عشر من ربيع الاول سنة 1352هـ -7يوليو سنة 1933م
عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه عالى الجنان
الجزء التاسع
عنى بنتقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه وضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان حالها وغريبها ومراجعها خليفة الشيخ الامام المرحوم السيد
أمين محمود خطاب
المتوفى فى السابع والعشرين من ذى القعدة 1387هـ - 26 فبراير 1968م رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره
روضة من رياض الجنة وحشره مع الصالحين
حقوق الطبع محفوظة له
الطبعة الثالثة سنة 1401هـ - 1980م
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله الذي جعلَ البيت الحرام مثابةً للناس وأَمناً ، وأَمرنا بأَن نتخذ مقام إبراهيم مُصَلًّى . وعَهِدَ إلى إبراهيم وإِسماعيل أَن يُطَهِّرا بيته للطَّائفين والعاكفين والركَّع السُّجود . وأَشهد أَن لاَ إلهَ إلاَّ الله وحده لاَ شريك له . القائل { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } (1)وأَشهد أَن سيدنا محمداً عبده ورسوله . المنَزَّل عليه (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (2).
اللَّهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على سيدنا محمدٍ القائل : { خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم } (3)وعلى آله الأَطهار ، وصحابته الأَخيار ، ومن نَسَكَ منسكَهم واهْتَدَى بهديهم وتَبِعَهم بإِحسان .
(
__________
(1) سورة آل عمران ، الآية 97 .
(2) سورة البقرة ، الآية 196 .
(3) أخرجه البيهقى من حديث جابر ، انظر ص 125 ج5 ( الإيضاع فى وادى محسر ) .(1/1)
أَمَّا بعد ) فيقول العبدُ الفقيرُ على رحمة رَبِّه القدير أَمين بن محمود ابن محمد بن أَحمد بن خطَّاب السُّبكي: هذا جزءٌ لطيفٌ في بيان أَعمال الحج والعُمْرة ومناسكهما عند الأَئمَّة الأَعلام مع بيان أدلتها النقلية وحكمها الشرعيَّة . ولم آلُ جهداً في بيانِ حالِ الحديث صِحَّةٌ وحسناً وغيرهما مع عَزْوِه لمخرجيه . وأَردتُ بالإمامين : مالِكاً وأَحمد (1)
__________
(1) مالك ) هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر بن الحارث الأصبحى المدنى ، إمام دار الهجرة وأحد أئمة المذاهب المتبوعة ، وهو من تابعى النابعين . ولد سنة 95 خمس وتسعين هـ . ومات بالمدينة فى صفر سنة 179 تسع وسبعين ومائة عن أربع وثمانين سنة . وهو إمام الناس فى الفقه والحديث . أجمع العلماء على أمانته وجلالته وعظيم سيادته وتبجيله وتوقيره و الإذغان له فى الحفظ والتثبت وتعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " روى " أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة . أخرجه الحاكم والترمذى – وقال : هذا حديث حسن – قال عبد الرزاق وسفيان بن عيينة : إنه مالك بن أنس . انظر ص 6 ج1 تيسير الوصول وص 114 ج3 منه ( مالك بن أنس رحمه الله ) وقال فى التيسير : ولما حج الرشيد سمع عليه الموطأ وأعطاه ثلاثة آلاف دينار ثم قال له : ينبغى أن تخرج معنا فإنى عزمت على أن أحمل الناس الموطأ ، فقال : أما حمل الناس على الموطأ فليس إلى ذلك سبيل فإن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم افترقوا بعده فى البلاد ، فعند أهل كل مصر علم ، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم : اختلاف أمتى رحمة . وأما الخروج معك فلا سبيل إليه . قال صلى الله عليه وسلم : المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون . وهذه دنانيركم كما هى فلا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..ومناقبه أكثر من أن تحصى ، رحمة الله عليه . انظر ص 7 ج1 تيسير الوصول .
و ( أحمد ) هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد ، ينتهى نسبة إلى نزار بن معد بن عدنان : أحد الأئمة المتبوعين ، مجمع على جلالته وأمانته وورعه وزهادته ولد ببغداد فى ربيع الأول سنة 164 أربع وسنين ومائة . وتوفى فى ربيع الأول سنة 241 إحدى وأربعين ومائتين ، عن سبع وسبعين سنة . وله مسند فيه أربعون ألف حديث . وقيل ثلاثون ألفاً . المكرر منها عشرة آلاف . وقال : جعلته حجة بينى وبين الله . ولم يلتزم رحمة الله الصحة فى مسنده وإنما أخرج ما لم تجمع الناس على تركه . ومناقبه كثيرة .(1/2)
رضي الله عنهما . وبالأئمة الإمامين والشَّافعي (1) ،
__________
(1) الشافعى ) هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ابن السائب بن عبيد بن عد يزيد بم هاشم بن عبد المطلب القرشى . يجتمع نسبه مع النبى صلى الله عليه وسلم فى جده عبد مناف . وهو أحد الأئمة المجتهدين . قال : ولدت بعسقلانى فلما أتى على سنتان حملتنى أمى إلى مكة . وقيل ولد بغزة فى رجب سنة 150 خمسين ومائة أهـ. ومات بمصر ليلة الجمعة الأخيرة من رجب سنة 204 أربع ومائتين أهـ عن أربع وخمسين سنة . تفقه فى مكة على مسلم بن خالد الزنجى ثم قدم المدينة فلزم الإمام مالكاً وقرا عليه الموطأ حفظاً . وكان سنه إذا ذاك ثلاث عشرة سنة . ثم رحل إلى اليمن واشتهر بها ، ثم رحل إلى العراق وجدّ فى طلب العلم ونشر علم الحديث ونسر السنة واستخرج منها الأحكام. وفى آخر سنة 199 تسع وتسعين ومائة أهـ رحل إلى مصر وألف كتابه الجديد والأم والإملاء الصغير والأمالى الكبرى وكتاب الرسالة وغيرها ، وأحبه أهل مصر وغيرهم لعلمه وفضله وتقواه . ورحل الناس إليه من سائر الأقطار . " روى " أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اهد قريشاً فإن عالمها يملأ طباق الأرض علماً ( الحديث ) أخرجه الخطيب وابن عساكر بسند حسن. انظر رقم 1460 ص 105 ج2 فيض القدير وعن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تسبوا قريشاً فإن عالمها يملأ الأرض علماً ( الحديث ) أخرجه أبو داود الطيالسى ( انظر ص 39 و 40 الطيالسى ) قال أبو نعيم عبد الملك بن محمد الفقيه : المراد بعالم قريش الإمام الشافعى رضى الله عنه ، لأنه من قريش ومن علماء هذه الأمة . وقد ظهر علمه وانتشر فضله لا نعلم إحاطتها بأحد إلا الشافعى رحمه الله تعالى . ومناقبه كثيرة شهيرة ، وفضائله أكثر من أن تحصى ..(1/3)
وبالشَّيخَيْن : البُخارى ومُسْلماً (1) ، وبالثلاثة : أبا داود والنسائى والترمذى (2)
__________
(1) البخارى ) هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة . ولد يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة 194 أربع وتسعين ومائة هـ . وتوفى ليلة الفطر سنة 256 ست وخمسين ومائتين ، وله اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشر يوماً . ولم يعقب ولداً ذكراً . طلب العلم وله عشر سنين ، وقال : خرجت كتابى الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث وما وضعت فيه حديثاً إلا وصليت ركعتين . وجملة ما بصحيحه 7275 خمسة وسبعون ومائتان وسبعة آلاف حديث بما فيها المكرر وبحذفه أربعة آلاف حديث و ( مسلم ) هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى النيسابورى . ولد سنة 204 أربع ومائتين . وتوفى لست بقين من رجب 261 إحدى وستين ومائتين ، وله سبع وخمسون سنة . أخذ الحديث عن قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والقعنبى وغيرهم من أئمة الحديث . قدم بغداد غير مرة وحدّث بها . وأخذ عنه الحديث خلق كثير ، وقال : صنفت المسند من ثلاثمائة ألف حديث .
(2) أبو داود ) هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدى السجستانى . ولد سنة 202 اثنتين ومائتين . وتوفى بالبصرة لأربع عشرة ليلة بقيت من شوال سنة 275 خمس وسبعين ومائتين . وله ثلاث وسبعون سنة . قال : كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث فانتخبت منها 4800 ثمانمائة وأربعة آلاف حديث . ضمنتها هذا الكتاب ( يعنى السنن ) وما ذكرت فى كتابى حديثاً أجمع الناس على تركه . قال الخطابى : لم يصنف فى علم الدين مثل كتاب السنن لأبى داود . وانظر ترجمته وافيه ص 15 – 19 ج1 – المنهل العذب المورود .
و ( النسائى ) هو أبو عبد الرحمن بن شعيب بن على بن بحر . ولد سنة 215 خمس عشرة ومائتين . ومات بمكة سنة 303 ثلاث وثلاثمائة وله ثمان وثمانون سنة ، وكان شافعى المذهب . ساله بعض الأمراء عن كتابه السنن : أكله صحيح ؟ فقال : فيه الصحيح والحسن وما يقاربهما ، قال : فاكتب لنا الصحيح منه مجرداً ، فصنف المجتبى ( السنن الصغرى ) فهو المجتبى من السنن .
و ( الترمذى ) هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذى . ولد سنة 200 مائتين ، وتوفى بترمذ ليلة الاثنين الثالث عشر من رجب سنة 279 تسع وسبعين ومائتين ، وله تسع وسبعون سنة . وله تصانيف كثيرة فى عالم الحديث . وجامعه من أحسن الكتب وأكثرها فائدة . ومن كان فى بيته فكأنما فى بيته نبى يتكلم .(1/4)
وبالأربعة الثلاثة وابن ماجه (1) وبالخمسة الشيخين والثلاثة ، وبالستة الشيخين والأربعة ، وبالسبعة أحمد والستة ، وبالجماعة السبعة ومالِكاً .
وسميتُه "إرشاد النَّاسِك ، إِلى أَعمال المنَاسِك " (2) وهو الجزءُ التَّاسع من الدِّين الخالِص . ويشتمل على مقدمة وأَحد عشر مقصداً وخاتمة . أَسأَل الله تعالى أَن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وسبباً للفوز بجنَّاتِ النَّعِيم ، وأَن ينفع به النَّفْع العَمِيم . إِنه على ما يشاءُ قدير ، وهو حَسْبى ونِعَم الوكيل .
المقدمة
فى فضل السفر وآدابه وأذكاره
السَّفَر وإِن كان فيه مشَقَّةٌ علَى النَّفس ، ففيه فوائدٌ دُنيوية وأُخروية جَلِيلة " روى " أَبو هريرة أَنَّ النبي صلى
الله عليه وسلم قال : ( سَافِرُوا تَصِحُّوا واغْزُوا تستغنُوا ) . أَخرجه أَحمد . وفى سنده ابن لهيعة متكلم فيه ، لكن حسنه السيوطى وصححه المناوي(3) . ... ... ... ... ... ... ... ... { 1 }
__________
(1) ابن ماجه ) هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزوينى إمام متقن مقبول بالاتفاق . ولد سنة 209 تسع ومائتين . ومات يو الاثنين لثمان بقين من رمضان سنة 293 ثلاث وتسعين ومائتين . وسننه أحد الكتب السنة التى تلقتها الأمة بالقبول . اشتملت على شئون انفرد بها عن غيره. والمشهور أن ما انفرد به يكون ضعيفاً غالباً . وقد حكم ابو زرعه على أحاديث كثيرة منه بأنها باطلة أو ساقطة أو منكرة . وعدد أحاديثه أربعة آلاف .
(2) الناسك : العابد . والمناسك : جمع منسك بفتح السين وكسرها ، وهو العبادة ومكانها وزمانها . وتسمى أفعال الحج كلها مناسك .
(3) انظر ص 53 ج5 الفتح الربانى .(1/5)
كان فى السَّفَر الصِّحَّة لِمَا فيه من الحَرَكة والهواءِ الطَّلْق اللَّذين يعودان علَى البَدَن بالنَّفْع . وعن أَبى هريرة رضى الله عنه أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( ما مِنْ خارج يخرجُ من بيتِهِ إلاَّ بِبَابه رايتان راية بيد ملَك وراية بيد شيطان . فإِنْ خَرَجَ لِمَا يحب اللهُ عزَّ وجلَّ اتبعه الملَك برايته فلم يَزَل تحت راية الملَك حتى يرجع إلى بيِته . وإن خرج لِمَا يُسخط الله اتبعه الشَّيطان برايته . فلم يَزَل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته ) . أخرجه أحمد والبيهقى والطبرانى فى الأوسط بسند جيد (1). ... ... ... ... ... ... { 2 }
هذا ويطلب ممن عزم على السَّفَر التحلِّى بآداب . المذكور منها هنا تسعة:
( 1 ) أن يُوصى بما يحتاج إلى الوصيَّة به ، ويُشْهِد علَى وصيته ويستحل كل من بينه وبينه معاملة ويسترضى والديه وشيوخه ومن يندب إلى بره واستعاطفه . ويتوب إلى الله ويستغفره من جميع الذنوب ويهتم بتعلم ما يحتاج إليه في سفره فإن كان حاجا أو معتمراً تعلم مناسك الحج والعمرة .
(
__________
(1) انظر ص 54 منه . والمراد براية الملك أنه فى رعاية الله تعالى وحفظه من الشيطان ومن كل سوء وكونه تحت راية الشيطان كناية عن تسلطه عليه وارتكابه مالا يرضى الله .(1/6)
2 ) ومنها أن يستشير فى السفر من يعلم منه النصيحة والشفقة والصلاح والاستقامة ، لقوله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } (1) ، ثم يستخير الله تعالى فيصلِّى ركعتين من غير الفريضة ويدعُو بدُعاء الاستخارة ، لقول جابر رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُعَلِّمنا الاستخارةَ كما يعلِّمنا السورةَ من القرآن يقول : ( إذَا هَمّ أَحدكم بالأَمر فَلَيركَعْ ركعتين من غير الفريضة ثم ليَقُل : اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْتَخِيرُك بعِلْمكَ وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ ، وأَسأَلُكَ من فَضْلك العَظيِم ، فإِنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِر ، وتَعْلَم ولاَ أَعْلَم ، وأَنتَ عَلاَّم الغُيُوب . اللَّهُمَّ فإِن كنتَ تَعْلَم أَنَّ هَذَا الأَمَر " يُسُمِّى ما يُريد " خَيْرٌ لى في دِينى ومَعَاشِي ومَعَادِى وعاقبةِ أَمرِى فاقْدُرْهُ لى ويَسِّرْهُ وبارك لى فيه ، اللَّهُمَّ وإِن كُنْتَ تَعْلَمه شَرًّا لى فى دِينى ومَعَاشِى وعاقبةِ أَمرِى ، فاصْرِفْنى عنه واصْرِفْهُ عنِّى ، واقْدُر لى الخيرَ حيث كان ، ثم رَضِّنى به . أَخرجه السبعة إِلاَّ مُسْلِماً وقال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح(2) . { 3 }
( 3 ) ويُستحبُّ أَن يكون السَّفَر يوم الخميس ، لقول كعب بن مالك رضي الله عنه : قَلَّمَا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا أَراد سَفَراً إِلاَّ يوم الخميس . أَخرجه أَحمد والبخارى وأَبو داود بسند جيد (3) { 4 }.
__________
(1) سورة آل عمران ، الآية 159 .
(2) انظر ص 46 ج5 الفتح الربانى . وص 32 ج3 فتح البارى ( التطوع مثنى مثنى – التهجد بالليل ) وص 197 ج8 النهل العذب ( الاستخارة ) وص 76 ج2 مجتبى وص 215 ج1 – سنن ابن ماجه ، وص 348 ج1 تحفة الأحوذى .
(3) انظر ص 59 ج5 الفتح الربانى ، وص 70 ج6 فتح البارى ( من أحب إلى السفر يوم الخميس ) وص 35 ج3 سنن أبى داود ( فى أى يوم يستحب السفر ؟ ) .(1/7)
وذلك لأَن يوم الخميس يَوْمٌ مُبَارَكٌ تُرْفَعُ فيه أَعمال العباد إلى الله تعالى.
( 4 ) ويُستحبُّ لمريد السَّفَر أَن يطلب الوصيَّةَ والدُّعَاءَ من أهل الخير والصَّلاح ، لحديث أَبى هريرة رضي الله عنه : ( أَنَّ رَجُلاّ جاءَ إِلى النبى صلى الله عليه وسلم يُريد سفراً فقال : يا رسول الله أَوْصِنى قال : أُوصِيكَ بتَقْوَى الله والتكبير على كل شَرَفٍ . فَلَمَّا ولَّى الرَّجُلُ قالَ النَّبى صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ ازْوِ لُه الأَرض وهَوِّن عليه السَّفَر ) . أَخرجه أَحمد والترمذى وحسنه وأَخرج ابن ماجه صدره (1). { 5 }
وعن أَنس بن مالك رضى الله عنه ـ قال ( جاءِ رَجُلٌ إِلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إِنِّى أُرِيُد سفراً فَزَوِّدْنى فقال : زَوَّدَكَ الله التَّقوى ، قال : زِدْنى . قال : وغفَر ذنبك . قال : زِدْنى بأَبى أَنت وأُمى ، قال: ويَسَّرَ لكَ الخير حيثما كُنت ) . أَخرجه النسائى والحاكم والترمذى وحسنه (2) { 6 }
(
__________
(1) انظر ص 59 ج5 الفتح الربانى ، وص 91 ج2 سنن ابن ماجه ( فضل التكبير فى سبيل الله ) وص 244 ج4 تحفة الأحوذى . ( الشرف ) بفتحتين : المكان المرتفع . وزى الأرض : طيها وتقريب البعيد .
(2) انظر ص 244 ج4 تحفة الأحوذى ( ما يقول إذا ودع إنساناً ) .(1/8)
5 ) ويُستحبُّ للمُقِيم تَوْدِيع المسافر ، لقول قَزَعة : قال لى ابن عمر : هَلَُّم أُوَدِّعْكَ كما وَدَّعنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ( أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكَ وأَمانَتَكَ وخواتيِمَ عملك ) . أَخرجه أَحمد وأَبو داود . وكذا أَحمد والترمذى من حديث سالم بن عبد الله وقال : هذا حديث حسن صحيح (1) { 7 }
(6) ويُستحبُّ لمريد السَّفَر السَّلاَم علَى إِخْوانه وتوديعهم ، لحديث أَبي هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذا أَراد أَحدكم سَفَراً فَلْيُسَلِّم على إِخوانه فإِنهم يزيدونه بدعائهم إلى دعائه خيراً ) . أَخرجه الطَّبرانى فى الأَوسط وفيه يحيى بن العلاء البُجَلى ضعيف(2) { 8 } .
وعن أَبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ أَراد أَن يُسَافِرَ فَلْيَقُلْ لمنْ يَخْلُف: أَسْتَوْدِعكُم الله الذى لا تضيع ودائعه ) . أَخرجه ابن السنى (3) { 9 }
(7) ويُستحبُّ لمريد السَّفَر أَن يُصَلِّى ركعتين قبل خروجه ، لقول عبد الله بن مسعود : ( جاءَ رجُل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إِنِّى أُريد أَن أَخرج إِلى البحرَيْنِ في تجارة . فقال : صَلِّ ركعتين ) أَخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون(4) { 10 }
(
__________
(1) انظر ص 59 ج5 الفتح الربانى ، وص 34 ج3 سنن ابى داود ( الدعاء عند = الوداع ) ، وص 244 ج4 تحفة الأحوذى ، وأستودع الله دينك، أى طلب من الله حفظ دينك ، والمراد بالمانة الأهل ومن يخلفه والمال الذى عند الأمين . والخواتيم : جمع خاتم وهو ما يختم به العمل .
(2) انظر ص 210 ج3 مجمع الزوائد ( ما يفعل إذا أراد السفر ) .
(3) انظر ص 152 تحفة الذاكرين . ودائع الله : الأمور التى فوض أربابها أمرها إلى الله تعالى .
(4) انظر ص 283 ج2 مجمع الزوائد ( الصلاة إذا أراد سفراً ) .(1/9)
8 ) ويُستحبُّ له اتخاذ رفيق يأْنَسُ به ويتعاون معه على مشاقّ السَّفَر ، لحديث ابن عمر ( أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الوَحْدَةِ : ( أَن يَبِيتَ الَّرجُل وحده أَو يُسَافر وحده ). أخرجه أحمد وحسنه السيوطى(1){11}
وعن عمرو بن شعيب عن أَبيه عن جده ( عبد الله بن عمرو ) أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( الَّراِكبُ شيطانٌ والَّراكِبَانِ شيطانان والثلاثة ركب ) .
أَخرجه الإِمامان والأَربعة إلاَّ النسائى بسند حسن وصححه ابن خزيمة والحاكم (2) ... ... ... { 12 }
وحكمة النَّهْى عن ذلك أَن الواحد لو مات فى سَفره قد لا يجد من يقوم بشأْنه ، وكذا الإِثنان إِذا ماتا أَو إِذا مات أَحدهما لا يجد الآخر من يعينه بخلاف الثلاثة ، ففى الغالب أَنه لا يخشى عليهم شئٌ من ذلك. وهذا زجر أَدب وإِرشاد ، لما يخشى على الواحد من الوحشة ، وليس بحرام. ومحله إذا لم يَدْعُ إِلى الانفراد داع كالتجسس وتعرُّف أَحوال العدو فإِنه يجوز ، لقول جابر رضي الله عنه : نَدَبَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ( الحديث ) أخرجه البخارى (3) ... ... ... ... ... ... ... ... { 13 }
(
__________
(1) انظر ص 63 ج5 الفتح الربانى .
(2) انظر ص 211 ج4 زرقانى الموطأ ( الوحدة فى السفر .. ) وص 64 ج5 الفتح الربانى ، وص 36 ج3 سنن أبى داود ( الرجل يسافر وحده) وص 90 ج2 تيسير الوصول ( الرفقة – السفر ) والمراد بالراكب المسافر وحده ولو ماشياَ ، سمى لأنه أشبه الشيطان فى المخالفة ( والثلاثة ركب ) أى هم الذين يستحقون أن يسموا ركباً لكونهم محفوظين من الشيطان .
(3) انظر ص 84 ج6 فتح البارى ( السير وحده – الجهاد ) .(1/10)
9 ) ويُستحبُّ للمُقِيم توصية المسافر بالدُّعاءِ له فى مواطن الخير ، لقول عمر رضى الله عنه : ( استأْذَنْتُ النبى صلى الله عليه وسلم فى العمرة ، فَأَذِنَ لى وقال : لا تَنْسَنَا أُخَىّ من دعائك ) . أَخرجه أَبو داود والترمذى وقال : هذا حديث حسن صحيح والحاكم وصححه (1) ... ... ... ... ... { 14 }
أذكار السفر
المراد بها ما يشمل الدُّعاءَ ، وهى أَنواع : المذكور منها هنا عشرة :
( 1 ) يُستحبُّ للمسافر الدُّعاء فإِنه مُستجابٌ : لحديث أَبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٍ : دعوةُ المظلوم ، ودعوةُ المسافر ، ودعوةُ الوالد لولده ) . أَخرجه أَحمد والأَربعة إَلاَّ النسائى ، وحسنه الترمذى ، وفى سنده أبو جعفر المدنى لا يعرف اسمه (2) ... ... { 15 }
( 2 ) ويُستحبُّ له الدعاءُ عند نهوضه وخروجه من بيته وركوب الدَّابة ونحوها : لقول أَنس رضى الله عنه: ( لم يُرِد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً قَطّ ، إِلاَّ قال حين يَنْهَضُ من جُلُوسِه : اللَّهُمَّ لَكَ انتشرتُ ، وإِليك توجهتُ ، وبكَ اعتصمتُ . اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقْتى وأَنتَ رجائى . اللَّهُم اكْفِنى ما أَهَمَّنى وما لا أَهْتَمّ له وما أَنتَ أَعْلَم بِه منِّى . اللَّهُمَّ زَوِّدْنى التَّقْوَى واغْفِرْ لى ذَنبى ، وَوَجِّهْنى للخير أَيْنما توجَّهتُ ، ثم يخرج ) . أَخرجه ابن جرير وأَبو يعلى ، وفى سنده عمر بن مساور ضعيف (3) ... ... ... ... ... ... { 16 }
__________
(1) انظر ص 161 ج8 المنهل العذب ( الدعاء ) وص 275 ج4 تحفة الأحوذى .
(2) انظر ص 195 ج8 المنهل العذب ( الدعاء بظهر الغيب ) وص 299 ج2 سنن ابن ماجه ( دعوة الوالد والمظلوم ) وص 118 ج3 تحفة الأحوذى ( دعاء الوالدين ) وص 244 ج4 منه ( دعوة المسافر ) .
(3) انظر ص 130 ج 10 مجمع الزوائد ( ما يقول إذا نهض للسفر ) .(1/11)
وعن رَجُل عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( ما مِنْ مُسْلم يخرج من بيِته يُريدُ سَفَراً أَو غيره فقال حين يخرج : باسم الله ، آمنتُ بالله اعتصمتُ بالله ، توكلتُ على الله ، لا حولَ ولاَ قُوَّةَ إَلاَ بالله ، إلاَّ رُزق خيرَ ذلك المخرج وصُرِف عنه شَرّ ذلك المخرج ) . أَخرجه أَحمد بسند فيه من لم يسم وبقية رجاله ثقات (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 17 }
وعن علّى رضى الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أَراد سَفَراً قال : اللَّهُمَّ بكَ أَصُولُ وبكَ أَحُولُ وبكَ أَسِيرُ ) . أَخرجه أَحمد والبزار بسند رجاله ثقات (2) ... ... ... ... { 18 }
وقال علّى بن ربيعة : رأَيت عليًّا رضى الله عنه أَتى بدابة ليركبها ، فلمَّا وضع رجْله فى الركاب قال : باسم الله ، فلمَّا استَوَى عليها قال : { سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } . ثم حَمِدَ الله ثلاثاً وكَبَّر ثلاثاً ، ثم قال : سُبحانك لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنتَ قد ظِلَمْتُ نَفْسِى فاغْفِرْ لى ، إِنَّهُ لا يَغْفِر الذُّّنُوب إِلاَّ أَنتَ. وقال : رأَيتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم فَعَلَ مثل ما فَعَلْتُ ( الحديث ) . أَخرجه أَحمد والثلاثة ، والحاكم بأَسانيد صحيحة (3). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 19 }
__________
(1) انظر ص 65 ج1 مسند أحمد .
(2) انظر ص 75 ج5 الفتح الربانى . و ( أصول ) أسطو واقهر . و ( أحول ) بالحاء المهملة ، أى أتحرك أو أحتال وأدافع .
(3) انظر ص 66 ج5 الفتح الربانى . وص 34 ج3 سنن أبى داود ( ما يقول الرجل إذا ركب ) وص 244 ج4 تحفة الأحوذى . و ( مقرنين ) من أقرن الشئ أطاقه ، أى وما كنا مطبقين قهره وركوبه إلا بتسخير الله إياه .(1/12)
وعن ابن عمى رضى الله عنهما أَن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بَعيِره خارجاً إلى سَفَر كَبَّر ثلاثاً ثم قال : { سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْألُكَ فى سَفَرنَا هَذَا البرّ والتَّقْوَى ومن العَمَل ما تَرْضَى . اللَّهُمَّ هَوِّن عَلَيْنَا سَفَرنَا هَذَا واطْو عَنَّا بُعْدَه . اللَّهُمَّ أَنتَ الصَّاحب فى السَّفَر والخليفة فى الأَهل . اللَّهُم إِنِّى أَعوذُ بكَ من وَعْثَاءِ السَّفَر وكآبةِ المنقَلَبِ وسُوءِ المنظر فى الأَهل والمال وإِذا رجَعَ قالهنّ وزاد فيهنّ : آيِبوُنَ تَائِبُون عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ . أَخرجه أَحمد ومسلم والثلاثة (1) { 20 }
( 3 ) ويُستحبُّ للمُسَافر التَّكْبير والتَّحْميد والتَّمجيد عند صُعُوده والتسبيح عند هبوطه . لحديث أَنس رضى الله عنه ( أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد أَكمة أَو نَشْراً قال : اللَّهٌمَّ لك الشَّرَف على كل شَرَف ولك الحمد على كل حال ) . أخرجه أحمد وأبو يعلى . وفيه زياد النميرى وثق على ضعفه وبقية رجاله ثقات ، قاله الهيثمى (2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 21 }
__________
(1) انظر ص 69 ج5 الفتح الربانى ، وص 110 ج9 نووى مسلم ( الذكر إذا ركب دابته مسافراً .. ) وص 33 ج3 سنن أبى داود ( ما يقول المسافر .. ) وص 245 ج4 تحفة الأحوذى ( ما يقول إذا ركب دابة ) و " وعثاء " – بفتح فسكون – من الوعث وهو فى الأصل أرض فيها رمال ، والمراد به هنا مشقة السفر . و ( سوء النظر فى الأهل ) مرض بعضهم أو فقده أو غير ذلك .
(2) انظر ص 77 ج5 الفتح الربانى ، وص 133 ج10 مجمه الزوائد ( ما يقول إذا أشرف على مكان مرتفع ) و ( الأكمة ) بفتحات : ما ارتفع قليلا عن سطح الأرض . و ( النشز ) – بفتح فسكون : المكان المرتفع . وأو للشك .(1/13)
وقال جابر رضى الله عنه : ( كُنَّا نُسَافِرُ مع النبى صلى الله عليه وسلم ، فإِذا صَعِدْنا كَبَّرْنا وإِذَا هَبَطْنَا سَبَّحْنَا ) . أَخرجه أَحمد والبخارى والنسائى (1) ... ... ... ... ... ... ... { 22 }
(4) ويُستحبُّ للمُسَافر إِذا أَمْسَى بأَرض أَن يدعو بما فى حديث عبد الله بن عمر قال : ( كان رسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا غَزَا ، أَو سافر فأَدركَهٌ اللَّيلُ قال : يا أَرضُ ، رَبِّى ورَبُّك اللهُ . أَعوذ بالله من شَرِّكِ وشَرِّ ما فيكِ ، وشَرِّ ما خُلِقَ فيكِ ، وشَرِّ ما يَدُبُّ عليكِ . أُعوذ بالله من شَرِّ كل أَسَدٍ وأَسْوَدَ وحَيَّةٍ وعقربٍ ، ومن شَرِّ ساكن البلد ، ومن شَرِّ وَالدٍ وما وَلَدَ ) أَخرجه أَحمد وأَبو داود بسند جيد (2). ... ... ... { 23 }
(
__________
(1) انظر ص 77 ج5 الفتح الربانى ، وص 83 ج6 فتح البارى ( التسبيح إذا هبط وادياً ) .
(2) انظر ص 76 ج5 الفتح الربانى ، وص 34 ج3 سنن أبى داود ( ما يقول الرجل إذا نزل المنزل ) و ( الأسود ) العظيم من الحيات ، وساكن البلد : الجن . والمراد بالبلد : المأوى . والوالد : إبليس . وما ولد : الشياطين . والمراد الاستعاذة من كل حيوان صغير وكبير .(1/14)
5 ) ويُستحبُّ لمن ركب البحر أَن يدعو بما فى حديث ابن عباس أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم : ( أَمَانُ أُمَّتى من الغَرَقِ إِذا رَكِبُوا السفنَ أَو البحر أَن يقولوا : { باسم الله الملكِ وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(1) بِسْمِ اللّهِ مَجْرَيهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } (2). أخرجه الطبرانى فى الكبير والأوسط . وفى سنده نهشل بن سعيد متروك ... (3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 24 }
وقد حدث فى هذا الزمان المركبات البخارية والكهربائية والسيارات والطائرات ، فينبغى أَن يقول عند ركوبها ما يقال فى مثلها هيئة .
( 6 ) ويُستحبُّ لمن نزل منزلاً أَن يدعو بما فى حديث خَوْلةَ بنتِ حكيم السُّلَمِية أَن النَّبى صلى الله عليه وسلم قال : ( من نَزَلَ منزلاً ثم قال : أَعوذُ بكلماتِ الله التَّامَّاتِ من شَرِّ ما خَلَق ، لم يَضُرَّهُ شيءٌ حتى يرتَحِلَ من منزله ذلك ) . أَخرجه الإِمامان ومسلم والترمذى ، وقال : هذا حديث حسن صحيح(4) ... ... { 25 }
(
__________
(1) سورة الزمر ، الآية 67 ( وما قدروا الله إلخ ) أى ما عرفوه حق معرفته ( والأرض جميعاً قبضته ) أى تحت قهره وسلطانه (مطويات بيمينه) أى بقدرته .
(2) سورة هود ، من الآية 41 .
(3) انظر ص 132 ج10 مجمع الزوائد ( ما يقول إذا ركب البحر ) .
(4) انظر ص 210 ج4 زرقانى الموطأ ( ما يؤمر به من الكلام فى السفر ) وص 377 ج6 مسند أحمد ( حديث خولة بنت حكيم .. ) وص 31 ج17 نووى مسلم ( الدعوات والتعوذ ) وص 242 ج4 تحفة الأحوذى ( ما يقول إذا نزل منزلا ) .(1/15)
7 ) ويُستحبُّ أن يدعو وقت السَّحر بما فى حديث أَبي هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم إذا كان فى سفر وأَسْحَر يقول : ( سَمَّعَ سامع بحمد الله ونعمته وحُسْن بلائه علينا ، رَبَّنَا صاحِبنا وأَفضل علينا عائذاً بالله من النار ) . أَخرجه مسلم والحاكم وزاد : يقول ذلك ثلاث مرات ويرفع بها صوته(1) { 26 }
( 8 ) ويُستحبُّ لمن رأَى بلداً يقصدها الدعاءَ بما فى حديث عطاء ابن أَبى مروان عن أَبيه عن كعب عن صهيب أَن النبى صلى الله عليه وسلم لم يَرَ قرية يريد دخولها إِلاَّ قال حين يراها : ( اللَّهُمَّ ربَّ السَّمواتِ السَّبْعِ وما أَظْلَلْنَ، وربَّ الأَرَضين السَّبع وما أَقْلَلْنَ ، وربَّ الشياطين وما أَضْلَلْنَ ، وربَّ الرِّياح وما ذَرَيْن : أَسْأَلك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ، ونعوذُ بك من شَرِّها وشَرِّ أَهلها وشَرِّ ما فيها ) . أَخرجه ابن حبان ، والحاكم وصححاه ، والطبرانى بسند رجاله رجال الصحيح غير عطاءٍ وأَبيه . وكلاهما ثقة . قاله الهيثمى(2) { 27 }
__________
(1) انظر ص 39 ج17 نووى مسلم ( الأدعية ) و ( سمع ) بشد الميم المفتوحة ، أى بلغ سامع قولى هذا لغيره . وضبطه بعض العلماء بكسر الميم مخففة . ومعناه : شهد شواهد على حمدنا لله على نعمه وحسن بلائه . والبلاء من الله تعالى قد يكون بالنعمة وهو المراد هنا ( وصاحبنا) فعل دعاء . دعا الله تعالى أن يصاحبه بالعون ويتفضل عليه حال كونه عائذاً به من النار .
(2) انظر ص 135 ج10 مجمع الزوائد ( ما يقول إذا رأى قربة ) وسؤال خير القرية والتعوذ من شرها ، إنما هو باعتبار ما يحدث فيها من الخير والشر . وأما هى فلا خير لها ولا شر .(1/16)
وأَن يدعو بما فى حديث ابن عمر رضى الله عنهما قال : ( كُنَّا نُسَافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإِذا رَأَى قريةٌ يُرِيدُ أَن يَدْخُلَهَا قال : اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا فيها ثلاثاً ، اللَّهُمَّ ارزقنا جََناها وحَبِّبْنَا إَلى أَهلها وحَبِّبْ صالحى أَهلَها إلينا ) . أَخرجه البطرانى فى الأَوسط بسند جيد (1) ... ... ... ... ... ... { 28 }
( 9 ) ويُستحبُّ لمن رجع من السَّفَر أَن يُكَبِّر على كل شرفٍ ثلاثاً ويقول ما فى حديث ابن عمر رضى الله عنهما . قال : ( كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا قَفَل من غَزْوٍ أَو حَجٍّ أَو عُمْرَةٍ إِذا أَوْفَى على ثنيةٍ أَو فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثلاثاً ثم قال : لاَ إِلهَ إِلاَّ الله وحده لا شريك له ، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شئ قدير . آيِبُون تائبون عابدون ساجدون لربِّنَا حامدون ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ ، ونَصَرَ عَبْدَهُ ، وهَزَمَ الأَحزاب وحده ) . أخرجه الشيخان(2) { 29 }
(
__________
(1) انظر ص 134 ج10 مجمع الزوائد ( ما يقول إذا رأى قربة ) و ( الجنى ) = بفتحتين فى الأصل : ما يجتنى من الشجر . وكأنه عبر به عن فوائد القرية المنتفع بها . ويحتمل أن يراد ما يجتنى من الثمر ، لأنه أعظم فوائد الأرض .
(2) انظر ص 401 ج3 فتح البارى ( ما يقال إذا رجع من الحج .. ) وص 112 ج9 نووى مسلم . و ( أوفى ) ارتفع وعلا ( والثنية ) بفتح الثاء وكسر النون وشد الياء ( والفدفد ) بفتح فسكون ففتح : المرتفع أو الفلاة التى لا شئ فيها . وقيل هو الغليظ من الأرض ذات الحصى .(1/17)
10 ) ويُستحبُّ لمن أَشرف على بلده أَن يقول ما فى حديث أَنس رضى الله عنه قال : ( أَقبلنا مع النبى صلى الله عليه وسلم حتى إِذا كُنَّا بظهر المدينة قال : آيِبُون عابدون لربِّنَا حامدون ، فلم يَزَلْ يقول ذلك حتى قَدِمْنَا المدينة ) . أَخرجه مالك والشيخان (1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 30 }
المقصد الأول فى الحج
الحجُّ أَحد أَركانِ الإِسلام المذكورة فى حديث حنظلة بن أبى سفيان عن عِكرمة بن خالد عن ابن عمر رضى الله عنهما أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( بُنِىَ الإِسلامُ على خَمْسٍ : شهادةِ أَنْ لاَ إِلهَ إلا اللهُ وأَنَّ مُحمداً رسولُ الله ، وإِقامِ الصَّلاَةَ وإِيتاء الزَّكاةِ وحَجِّ الْبَيْتِ وصِيَامِ رمضان ) . أَخرجه أَحمد والشيخان والنسائى والترمذى وقال : هذا حديث حسن صحيح(2) ... ... ... ... ... ... ... { 31 }
__________
(1) انظر ص 278 ج3 زرقانى الموطأ ( جامع الحج ) وص 117 ج6 فتح البارى ( ما يقول إذا رجع من الغزو 9 وص 113 ج9 نووى مسلم (ما يقال إذا رجع من الحج وغيره ) .
(2) انظر ص 78 ج1 الفتح الربانى ، وص 38 ج1 ، فتح البارى ( الإيمان ) وص 177 ج1 نووى مسلم ( أركان الإسلام ) وص 298 ج2 مجتبى ( على كم بنى الإسلام ؟ ) و 352 ج3 تحفة الأحوذى ( بنى الإسلام على خمس ) والحديث جاء فى رواية أحمد والبخارى والنسائى ورواية لمسلم بتقديم الحج على الصيام ، وفى رواية الترمذى تقديم الصيام على الحج . وفى رواية لمسلم من طريق سعد بن عبيدة عن ابن عمر تقديم الصوم على الحج . فقال رجل : الحج وصيام رمضان . فقال أبن عمر : لا ، صيام رمضان والحج . هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الحافظ : فيه إشعار بأن رواية حنظلة مروية بالمعنى إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر على الرجل أو سمعه ثم نسيه .(1/18)
وهو بفتح الحاءِ وكسرها ، لغة القصد إلى معظم ، وشرعاً قصد البيت الحرام لأَداءِ أَفعالٍ مخصوصة من الطواف والسعى والوقوف بعرفة فى وقتها محرماً بالحج ، وهو من الشرائع القديمة . " قال " محمد بن كعب القرظى أو غيره : ( حج آدم عليه السلام فلقيته الملائكة فقالوا : بَرّ نسكك يا آدم لقد حججنا قبلك بأَلفى عام ) . أخرجه الشافعى(1) . { 1 }
وقد روى أنه ما من نبى إِلاَّ حَجَّ .
ثم الكلام بعد ينحصر فى ستة مباحث :
( 1 ) حكمه : هو فرض على المستطيع من الإِنس والجن ، لقوله تعالى : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (2) } قال ابن علان : دخل فى الناس الجنِّى بناءً على أَنه من نَوَسَ إِذا تحرك . فيجب الحج على المستطيع من الجن(3) ، وأَجمعت الأُمة على أَن الحج فرض فى العمر مرة واحدة ، لحديث ابن عباس رضى الله عنهما : ( أَن الأَقْرَعََ بنَ حابسٍ سأَلَ النبى صلى الله عليه وسلم فقال : الحجُّ فى كل سنةٍ أَو مَرَّةٌ واحدةٌ ؟ فقال : بَلْ مَرَّةٌ واحدةَ ، فمن زادَ فتطوع ) . أَخرجه أَحمد والبيهقى والدارامى والحاكم وصححه والأربعة إلاَّ الترمذى (4) ... ... ... ... ... ... ... ... { 32 }
(
__________
(1) انظر ص 285 ج1 بدائع المنن .
(2) الآية 97 من سورة آل عمران . قال البيضاوى : وضع من كفر موضع من لم يحج ، تأكيداً لوجوبه وتغليظاً على تاركه .
(3) انظر ص 78 ج7 دليل الفالحين .
(4) انظر ص 15 ج11 الفتح الربانى ، وص 326 ج4 السنن الكبرى ، وص 29 ج2 سنن الدارمى ( كيف وجوب الحج ) وص 441 ج1 مستدرك ، وص 2 ج2 مجتبى ، وص 257 ج10 المنهل العذب ، وص 108 ج2 سنن ابن ماجه .(1/19)
2 ) تعلم أحكام النسك : يجب على من يريد الحج والعمرة أَن يتعلم أَحكامهما مما يجب ويحرم ويكره ويباح ؛ لأَن الله تعالى لا يقبل عبادة الجاهل ، قال الله تعالى : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } (1) ، وعن أَنس أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال : { طلبُ الْعِلُمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ } . أخرجه ابن عدى والبيهقى وغيرهما من طرق . قال النووى : ضعيف وإِن كان معناه صحيحاً . وقال السيوطى : جمعت له خمسين طريقاً وحكمت بصحته لغيره ... (2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 33 }
__________
(1) سورة النحل ، الآية 43 .
(2) انظر رقم 5264 ص 267 ج4 فيض القدير .(1/20)
قال العلماء : ما وجب عليك عمله وجب عليك العلم به ، فأَول ذلك أَن ينظر المكلَّف إِذا وجب عليه الحج فى أَمر الزاد وما ينفقه فى حجه ، فيكون ذلك من أطيب جهة تمكنه ؛ لأَن الحلال يعين على الطاعة ويبعد عن المعصية ، فعلى العاقل أَن يتحرَّز من الشُّبهات فإِن عجز عن ذلك فليفترض مالاً حلالاً ليحج به ، فإِن الله تعالى طَيِّبٌ لا يقبل إِلاَّ طَيِّباً ( روى ) أَبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذا خرج الحاجُّ بنفقةٍ طيبةٍ ووضَعَ رِجْلَهُ فى الغَرْزِ ، فنادَى : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، ناداهُ منادٍ من السماءِ : لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ ، زَادَُك حَلالٌ وراحِلَتُكَ حلالٌ وحجُّكَ مبرورٌ غير مَأْزُور ، وإِذا خرج بالنفقةِ الخبيثةِ فوضَعَ رِجْلَهُ فى الغَرْزِ فنادَى : لَبَّيْكَ ناداهُ منادٍ من السماءِ : لا لَبَّيْكَ ، ولاَ سَعْدَيْكَ ، زَادُكَ حرامٌ ونفقَتُكَ حرامٌ وحجُّكَ مَأْزُورٌ غير مبرور ). أَخرجه الطبرانى فى الأَوسط (1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 34 }
(
__________
(1) انظر ص 114 ج2 الترغيب والترهيب . وأخرج البزار نحوه بسنده فيه سليمان ابن داود اليمانى . وهو ضعيف . انظر ص 209 ج3 مجمع الزوائد ( الحج بالحرام ) والغرز بفتح فسكون ، ركاب الدابة .(1/21)
وعن ) أَبى هريرة أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ الله تعالى طَيِّبٌ لا يقبلُ إِلاَّ طَيِّباً ، وإِن الله تعالى أَمَرَ المؤمنين بما أَمَرَ به المُرْسَلِينَ ، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (1) } ، وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ (2) } ، ثم ذكَر الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يمدُّ يديهِ إِلى السماء يا ربِّ يا ربَّ ومَطْعَمُهُ حرام ومَشْرَبُهُ حرام وملبسُهُ حَرَام وغُذِّى بالحرام ، فَأَنَّى يُستجابُ لذلك ) . أَخرجه أَحمد ومسلم والترمذى(3) ... ... ... ... ... ... { 35 }
واعلم أَن عماد الدِّين وقوامَه هو طِيبُ المطعم . فمنْ طاب مكسبه زكا عمله . ومن لم يطب مكسبه خيِفَ عليه َألاَّ تُقْبل صلاتُه وصيامُه وحجُّه وجميعُ عمله ؛ لأن الله تعالى يقول : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } (4)، ويُرْوَى لبعض الأَئِمَّة.
إِذَا حَجَجْتَ بمالٍ أَصْلُه سُحْتُ فَمَا حَجَجْتَ ولكِنْ حَجَّتِ الْعِيرُ
لا يَقْبَلُ اللهُ إِلاَّ كُلَّ صَالِحَةٍ (5) ما كُلّ مَنْ حَجَّ بيتَ اللهِ مَبْرُورُ
( 3 ) متى فرض الحج ؟ : الصحيح أَنَّهُ فُرِض سنة تسع من الهجرة ، وأَمَّا قوله تعالى: { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } (6) فإِنها وإِن نزلت سنةَ سِتًّ فليس فيها فريضةُ الحج وإِنما فيها الأَمُر بإِتمامِه وإِتمامِ الْعُمْرَةِ بعد الشُّرُوع فيهما ، وذلك لا يقتضى وجوب الابتداءِ .
(
__________
(1) سورة المؤمنون ، الآية 51 .
(2) سورة البقرة ، الآية 17 .
(3) انظر ص 381 ج1 تفسير ابن كثير .
(4) عجز الآية 27 من سورة المائدة . وصدره : " واتل عليهم نبا ابنى آدم " .
(5) ويروى : إلا كل طيبة .
(6) سورة البقرة ، الآية 196 .(1/22)
4 ) تأخير الحج : هو فرض على التراخي عند الشافعى ومحمد بن الحس ، فلا يأْثم المستطيع بتأْخيره إِن حجَّ قبل مَوْتِه ، وإِلاَّ تَبَيَّنَ إِثمه بالتأْخير . ( قال ) الربيع بن سليمان : أَنبأَ الشافعى قال : نَزَلَتْ فريضةُ الحجَّ على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة وافتتحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكةَ فى شهر رمضان ، وانصرف عنها فى شوال واستخلف عليها عتَّاب بن أَسِيد فأَقام الحج للمسلمين بأَمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قادر على أَن يحج وأَزواجُه وعامةُ أَصحابه ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تَبُوكَ ، فبعث أَبا بكرٍ فأَقَامَ الحَجَّ للناس سنةَ تسعٍ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قادِرٌ على أَن يحجَّ ولم يحجَّ حتى سنة عشر ، فاستدللنا على أَن الحج فرضه مرةٌ فى العمر ، أَوله البلوغ وآخره أَن يأْتي به قبل مَوْتِه. أخرجه البيهقي (1) { 2 }
وقال : واستدل أَصحابنا بحديث كعب بن عُجْرة على أنها ـ يعنى فريضة الحج ـ نزلت زمن الحديبية ، فقد حَدَّثَ عبد الرحمن بن أَبى ليلى أَن كعبَ بن عُجْرة رضى الله عنه قال : وقف علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورأسِى يتهافت قملاٌ ، فقال : أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ ؟ قلتُ: نَعَمْ يا رسول الله ، قال : فاحْلَقْ رَأْسَكَ ، ففىَّ نزلت هذه الآية : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } ( الحديث ) أخرجه الشيخان(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 36 }
__________
(1) انظر ص 341 ج4 سنن البيهقى ( تأخير الحج ) .
(2) انظر ص 11 ج4 فتح البارى ( قوله الله تعالى : أو صدقة ) وص 119 ج8 نووى مسلم ( حلق الرأس للمحرم .. ) .(1/23)
فثبت بهذا نزول قوله تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } زمن الحديبية . ( وعن ابن مسعود ) وغيره أنه قال فى قوله تعالى: { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } أَقيموا الحج والعمرة لله . أخرجه البيهقي(1) { 3 }
( وقال ) مالك وأَبو يوسف وأَحمد وبعض الشافعية : الحج فرض على الفور ، فيأْثم المستطيع بتأْخيره ، لقوله تعالى: { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } والأَمر على الفور ( وعن ابن عباس ) أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من أَراد الحج فَليَتعجَّلْ ) أَخرجه أَحمد وأَبو داود وابن ماجه والدارمي (2) ... ... ... { 37 }
وأجاب الأولون : ( ا ) عن الآية بأَن الأَمر المجرد عن القرائن لا يقتضى الفور . وعلى فرض أَنه يقتضيه فيصرفه إلى التراخى ما تقدم من فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأَكثر أَصحابه.
( ب ) وعن الحديث بأَنه لا يدل على الفورية ؛ لأَنه فوض فعله إلى إِرادته ؛ أَو أَن الأَمر بالتعجيل للندب جمعاً بين الأدلة . فالظاهر القول بأَن الحج فرض على التراخى ، لقوة أَدلته ، وإِن كان الأَفضل للمستطيع التعجيل بقدر الإمكان ؛ لأَن الأَجل غير معلوم .
(
__________
(1) ص 341 ج4 سنن البيهقى ( تأخير الحج ) .
(2) انظر ص 15 ج11 الفتح الربانى ، وص 271 ج10 المنهل العذب ( تعجيل الحج ) ، وص 107 ج2 سنن ابن ماجه ( الخروج إلى الحج ) وص 28 ج2 سنن الدارمى ( من أراد الحج فليستعجل ).(1/24)
5 ) فضل الحج : الحج من أَفضل العبادات ، وله فضل عظيم وثواب جزيل ، جاءَ فى فضله أَحاديث (منها) حديث أَبى هريرة أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( أَفضلُ الأَعمالِ عند الله إِيمانٌ لا شكَّ فيه ، وغَزْوٌ لا غُلول فيه ، وحَجٌّ مَبْرُور) . قال أَبو هريرة : حَجٌّ مبرورٌ يُكَفِّر خطايا تلك السنة ، أَخرجه أَحمد وابن حبان(1){ 38 }
( وعن أبى هريرة ) أَن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال : { مَنْ حج فلم يرفثْ ولم يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) . أَخرجه أَحمد والشيخان والدارمى والأربعة إلا أبا داود (2) ... ... ... ... { 39 }
(
__________
(1) انظر ص 3 ج11 الفتح الربانى ، و ( لا شك فيه ) أى لم يشك فيما علم من الدين بالضرورة كالتوحيد والبعث وافتراض أركان الإسلام (والغلول) السرقة من الغنيمة قبل القسمة ، وهو من الكبائر ، قال تعالى : " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " ( والمبرور ) من البر وهو الطاعة ، مالا يخالطه إثم ، وقيل هو المقبول ، وعلامته أن يرجع خيراً مما كان ، فلا يعاود المعاصى ،ويصير عابداً ذاكراَ بعد أن كان غافلا.
(2) انظر ص 6 ج11 الفتح الربانى ، وص 245 ج3 فتح البارى ( فضل الحج المبرور ) وص 119 ج9 نووى مسلم ، وص 31 ج2 سنن الدارمى ، وص 3 ج2 مجتبى ، وص 108 ج2 سنن ابن ماجه ، وص 78 ج2 تحفة الأحوذى ، وفيه : غفر له ما تقدم من ذنبه (فلم يرفث) مثلث الفاء فى الماضى والمضارع ، والأفصح أنه من باب نصر ، والرفث : الجماع أو فحش القول ( والفسوق ) ارتكاب المعاصى والسباب، وهو منهى عنه مطلقاً وفى الحج أشد ( ورجوعه كيوم ولدته أمه ) كناية عن غفر الذنوب كلها .(1/25)
وعن عبد الله ) بن عمرو أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( إَنَّ الله عزَّ وجلَّ يُبَاهِى ملائكَتَهُ عَشِيَّةَ عرفة بأَهل عرَفةَ ، فيقول : انظروا إلى عِبَادِى أَتَوْنى شُعثاً غُبْراً ) . أَخرجه أَحمد والطبرانى فى الكبير بسند رجاله موثقون (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 40 }
(
__________
(1) انظر ص 7 ج11 الفتح الربانى ، والمراد بالمباهاة إظهار فضل الحجاج للملائكة وهذا بالنسبة لمن حج بمال حلال قاصداً وجه الله تعالى مخلصاً له ( وشعثاً ) بضم فسكون ، أى لم ينظفوا أبدانهم وملابسهم ( وغبراً ) أى علاهم غبار الأرض .(1/26)
وقال ) ابن عمر رضى الله عنهما : ( كنت جالساً مع النبى صلى الله عليه وسلم فى مسجد منى ، فأَتَاهُ رَجُلُ من الأَنصار ورجلٌ من ثقيف ، فسلما ثم قالا : يا رسول الله جئنا نسأَلك . فقال : إِن شئتُما أَخبرتكما بما جئتُما تسأَلاني عنه فعلْتُ ، وإِن شئتُما أَن أَمْسِك وتسأَلاني فعلْتُ . فقالا : أَخبرنا يا رسول الله . فقال الثقفي للأَنصارى : سَلْ ، فقال : أَخبرنى يا رسول الله فقال : جئتنى تسأَلنى عن مَخْرجك من بيتك تَؤمّ البيت الحرام ومالك فيه ، وعن ركعتيك بعد الطواف ومالَك فيهما ، وعن طوافك بين الصَّفا والمروة ومالك فيه ، وعن وقوفك عَشيَّةَ عرفة ومالك فيه ، وعن رَمْيك الجِمَارَ ومالك فيه ، وعن نحرك ومالك فيه ، وعن حلقك رأْسك ومالك فيه ، وعن طوافك بالبيت بعد ذلك ومالك فيه مع الإفاضة . فقال : والذى بعثك بالحق لَعَنْ هذا جئت أَسأَلك. قال : فإِنك إِذا خرجتَ من بيتك تَؤُمّ البيت الحرام لا تضع ناقَتُكَ خُفًّا ولا ترفعه إِلاَّ كَتَب الله لك به حسنةٌ ومحا عنك خطيئة ، وأَمَّا ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بنى إسماعيل ، وأَمَّا طوافك بالصَّفا والمروة بعد ذلك كعتق سبعين رقبة ، وأَمَّا وقوفك عَشِيَّةَ عرفة فإِن الله تعالى يهبط(1) إلى سماءِ الدنيا فيباهى بكم الملائكةَ يقول : عبادِى جَاءُونى شَعْثاً من كل فج عميق يرجون جنتى ، فلو كانت ذنوبكم كعددِ الرَّمْل أَو كقطر المطر أو كزَبَدِ البحر لغفرتها، أَفِيضُوا عبادى مغفوراً لكم ولمن شفعتم له . وأَما رميك الجِمارَ فلك بكل حصاةٍ رميتها تكفيرُ كبيرة من الموبقات . وأَمَّا نحرك فمدْخور لك عند ربك . وأَمَّا حلاقك رأْسَك فلك بكل شَعْرَةٍ حلقتها حسنة وتمحى عنك بها خطيئة .
__________
(1) الهبوط فى الأصل : الانتقال من علو إلى أسفل ، وهو مستحيل فى حق الله تعالى ، فالحديث مصروف عن ظاهره بإجماع السلف والخلف .(1/27)
وأَمَّا طوافك بالبيت بعد ذلك فإِنك تطوف ولا ذنبَ لك ، يأْتى ملَك حتى يضعَ يديه بين كتفيك فيقول : اعمل فيما يُستقبل فقد غُفِرَ لك ما مَضَى ) . أخرجه الطبرانى فى الكبير والبزار واللفظ له . وقال : وقد رُوِى هذا الحديث من وجوه ، ولا نعلم له أحسنَ من هذا الطريق . قال المنذرى فى الترغيب : وهى طريق لا بأْس بها رواتها كلهم موثقون . ثم قال: ورواه ابن حبان فى صحيحه(1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 41 }
( 6 ) الحث على الحج : قد ورد فى التحذير من ترك المستطيع الحج أَو تأْخيره ما فيه مُزْدَجر لمن اتَّعَظَ واعتبر ، ( روى ) أَبو أُمامة أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( من لم يحبسه مرضٌ أَو حاجةٌ ظاهرةٌ أَو سلطانٌ جائر فلم يحجَّ فليمُتْ إِنْ شَاءَ يهودِيًّا وإِنْ شَاءَ نصرانيًّا ) . أَخرجه أَحمد فى الإيمان والدارمى والبيهقى وقال : وهذا وإن كان إِسناده غير قوى فله شاهد من قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه (2) ... ... { 42 }
يُشِيرُ إِلى قول عمر رضى الله عنه : لقد هَمَمْتُ أَن أَبعث رَجَالاً إِلى أَهل الأَمصار فلينظروا كل مَنْ كان له جَدَةٌ ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ما هم بمسلمين . أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح(3) { 4 }
المقصد الثانى : فى شروط الحج
للحج شروط ثمانية ، وهى الإِسلام ، والعقل ، والبلوغ ، والحرية ، والعلم بافتراضه لمن أَسلم فى دار الحرب ، والاستطاعة ، والوقت ، وعدم الجماع قبل الوقوف بعرفة . وهى أَربعة أَنواع :
( الأَول ) ما هو شرط فرض وصحة ، وهو اثنان :
(
__________
(1) انظر ص 274 ج3 مجمع الزوائد ( فضل الحج ) ، وص 110 ج2 الترغيب .
(2) انظر ص 79 ج2 تحفة الأحوذى ، وص 28 ج2 سنن الدارمى ( من مات ولم يحج ) وص 334 ج4 سنن البيهقى والإيمان كتاب للإمام أحمد غير المسند .
(3) انظر ص 79 ج2 تحفة الأحوذى . و ( جدة ) بكسر ففتح ، المال والغنى .(1/28)
ا ) الإِسلام فلا يفترض الحج ولا يصح من كافر أَصلى على الصحيح عند غير مالك ؛ لأَنه غير مخاطب بأَداء فروع الإِسلام كالصلاة والحج . ولا يجوز أَمره بالأَداء بشرط تقديم الإيمان ؛ لأَنه أَصل فلا يكون تبعاً . وعليه فلا يعذب على تركه عذاباً زائداً على عذاب الكفر عند الحنفيين . وقالت الشافعية والحنبلية : يُعَذَّب وإِن لم يطالب بأَدائه فى الدنيا . وأَما مَنْ لم يعتقد افتراضه فهو معاقب اتفاقاً على تركه الاعتقاد ( وقالت ) المالكية : الإِسلام شرط صحة فقط ؛ لأَن الكافر مخاطب بفروع الشريعة عندهم على المعتمد . وعليه فيعذب على ترك الحج عذاباً زائداً على عذاب الكفر.
هذا ، ومن حج ثم ارْتَدَّ ثمَّ أَسلم لا يلزمه إعادة الحج عند الشافعى. وقال الحنفيون ومالك: يلزمه إعادته لأَن وقته العمر،فلمَّا حُبط بالردة ثم أَدرك وقته مسلماً لزمه إِعادته كما يلزمه إعادة فرض أَداه فارتد ثم أسلم فى الوقت.
( ب ) والعقل : فلا يفترض ولا يصح الحج من مجنون اتفاقاً ، لأنه غير مكلف وليس من أَهل العبادة ، وكذا المعتوه وهو ناقص العقل .
حج الصبى والرقيق :
( النوع الثانى من الشروط ) ما هو شرط للافتراض والإجزاءِ وهو البلوغ والحرية ، فلا يفترض الحج على صبىّ لعدم تكليفه ، ولا على عَبْدٍ ولو مأْذوناً له فى الحج ولو بمكة ، لعدم ملكه الزَّاد والرَّاحِلة.
ولو حجَّ الصَّبى والعبد صَحَّ حَجُّهما ولا يجزئهما عن حجة الإسلام ، لقول جابر بن عبد الله رضى الله عنهما : حَجَجْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساءُ والصِّبيان فلَبَّيْنَا عن الصِّبيان ورمينا عنهم . أخرجه أحمد . وفى سنده أَشعث بن سِوار وثَّقه بعضهم وضَّعفه الأكثر(1) ... ... ... { 43 }
(
__________
(1) انظر ص 30 ج11 الفتح الربانى .(1/29)
وقال ) السائب بن يزيد رضى الله عنه : حجَّ بى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع وأَنا ابن سبع سنين . أخرجه أحمد والبخارى والترمذى وصححه (1) ... ... ... ... { 44 }
وقال : قد أَجمع أَهل العلم على أَن الصبى إِذا حجّ قبل أَن يُدْرِك فعليه الحج إِذا أَدرك . وكذلك المملوك إذا حجّ فى رِقِّهِ ثم أُعتق فعليه الحج إِذا وجد إلى ذكل سبيلاّ أهـ.
( وعن ابن عباس ) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( أَيَّما صبىّ حجَّ ثم بلغ الحنث فعليه أَن يحجّ حجةٌ أُخرى ، وأَيَّما عبدٍ حجَّ ثم أُعتق فعليه أَن يحج حجة أُخرى ) . أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند رجاله رجال الصحيح(2) ... ... ... ... ... ... ... ... { 45 }
( وقال ) ابن عباس : أَيَّما مملوك حج به أَهله فمات قبل أَن يُعتق فقد قضى حجهّ . وإِنْ عَتق قبل أَن يموت فليحجج . وأَيَّما غلامٌ حجَّ به أَهله فمات قبل أَن يُدْرِكَ فقد قضَى حجته وإِن بلغ فيلحجَّ . أخرجه الشافعى(3) { 5 }
دل ما ذكر على أَن حج الصبى ولو غير مميز صحيح منعقد . ويحرم الولى عن غير المميز ويجرده من المخيط ويلبى عنه ويطوف به ويَسْعَى ، ويقف به بعرفة ويرمى عنه . وبه قال الأَئمة الأَربعة والجمهور.
(
__________
(1) انظر ص 30 منه ، وص 51 ج4 فتح البارى ( حج الصبيان ) وص 112 ج2 تحفة الأحوذى . و ( حج بى ) مبنى للمفعول عند أحمد والبخارى . وعند الترمذى : حج بى أبى .
(2) انظر ص 205 ج3 مجمع الزوائد ( حج الصبى قبل البلوغ .. ) .
(3) انظر ص 290 ج1 بدائع المنن .(1/30)
فائدة ) إذا بلغ الصبىّ أَو عَتق العبد يوم عرفة أَو قبله غير مُحْرِمَيْنِ فَأَحْرَمَا وَوَقَفَا بعرفة وأَتَمَّا المناسك أَجْزَأَهُمَا عن حجَّةِ الإِسلام إِجماعاً. وإِن بلغ الصبىّ وعتق العبد وهما مُحْرِمان وأَتما المناسك أَجزأَهما عن حجَّةِ الإِسلام عند الشافعى وأحمد ؛ لأنهما وَقَفَا بعرفة وهما أَهل له فأَجزأَهما كما لَوْ أَحْرَمَا حينئذ . وقال مالك : لا يجزئهما ، واختاره ابن المنذر . وقال الحنفيون : لا يجزئ العبد . أَمَّا الصبى فإِن جَدَّدَ الإِحرام بعد البلوغ وقبل الوقوف بعرفة أَجزأَه وإِلاَّ فَلا ؛ لأَن إِحرامهما لم ينعقد واجباً فلا يجزئ عن الواجب كما لو بقيا على حالهما . وإذا بلغ الصبىّ وعتَق العبد بعد الوقوف بعرفة فعادا إليها قبل طلوع فجر يوم النحر أَجزأَهما عن حجة الإسلام عند الشافعى وأَحمد ؛ لأَنهما أَدركا الوقوف وهما أَهل للوجوب ، ( وقال ) أَبو حنيفة ومالك : لا يجزئهما عن حجة الإسلام كما تقدم . وإِن لم يعودا إلى عرفة أَو عادا بعد طلوع فجر يوم النحر لم يجزئهما عن حجة الإسلام اتفاقاً، ويتمان حجهما تطوعاً ، لفوات الوقوف المفروض ، ولا دم عليهما ؛ لأنهما حَجَّا تطوعاً بإِحرام صحيح ، فأَشبها البالغ الذى يحج تطوعاً .
حج من أسلم فى دار الحرب :
( الثالث ) ما هو شرط لافتراض الحج فقط ، وهو اثنان :
( أ ) العلم بافتراض الحج : بإِخبار رَجُلَين ، أَو رَجُل وامرأَتَين ، أَو واحد عَدْل – فى حق من أَسلم فى دار الحرب . فلو أَسلم حربى فى دارهم ولم يعلم بافتراض الحج وهو مستطيع ثم علم فقيراً لا يلزمه . ولو أَسلم فى دارنا لزمه الحج وإِن لم يعلم بافتراضه ، لأَنه لا يعذر بجهله .
وهو شرط وجوب وصحة عند مالك ، فلا يجب الحج ولا يصح من حربى أَسلم فى دارهم ولم يعلم بافتراضه .
( ب ) الاستطاعة : وهى شرط لافتراض الحج إجماعاً . وتتحقق بأُمور منها .
((1/31)
1 ) القُدْرَة على الزَّاد الذى يصح به بَدَنه . فمن اعتاد نحو اللحم إِذا قدر على خُبز وجُبن لا يعدّ مستطيعاً والمعتبر نفقة الوسط .
( 2 ) القُدْرَة على الرَّاحِلة المختصة به لمن لا يمكنه المشْى بلا مشَقَّة لبعده عن مكة . والمراد بالراحِلة المركب سواءٌ البرى والبحرى والهوائى كالطائرات . ودليل ذلك حديث قتادة عن أَنس رضى الله عنه أَنه لما نزل قوله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } قيل يا رسول الله ، ما السبيل ؟ وقال : الزَّاد والراحلة . أَخرجه الدار قطنى والحاكم وصححه والبيهقى ؛ وقال : المحفوظ عن قتادة عن الحسن عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلاً (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 46 }
أما الزَّاد فهو أَن يملك ما يكفيه ويكفى من يعوله حتى يرجع . وأَما الرَّاحِلة فيشترط أَن تبلغه مقصوده ذهاباً وإياباً سواء أَكانت ملكه أم مؤجرةٌ بأُجرةٍ معتدلة يَقْدِرُ على دفعها بلا غُبن . ولا تتحقق الاستطاعة بإِعارةِ الزَّادِ والرَّاحِلة ولا إباحتهما. فلو بَذَل الابن لأَبيه الزَّاد والراحلة وأَباحَهُما له لا يلزمه الحج ولا يلزمه قبول ما بذله ؛ لأنَّ شرط الفرضية لا يلزم تحصيله عند عدمه.
__________
(1) انظر ص 254 سنن الدار قطنى ، وص 442 ج1 مستدرك ، وص 330 ج4 سنن البيهقى ( الرجل يطبق المشى ولا يجد زاداً ولا راحلة فلا يجب عليه الحج ) .(1/32)
هذا ، ويُشْتَرط فيهما أَن يكونا فاضِلَيْن عن نفقَتِه ونَفَقَةِ مَنْ تلزمه نفقته حتى يعود ، وعن حوائجه الأصلية ؛ فلا تثبت الاستطاعة بثياب يلبسها ومتاع يحتاجه ودار يسكنها ولو كبيرة تفضل عنه بخلاف دار لا يسكنها وضيعة يملكها فإنه يلزمه بيعها ليحج من ثمنها . وهذا مذهب الحنفيين والشافعى وأحمد ( وقالت ) المالكية : الاستطاعة : هى إمكان الوصول إمكاناً عادياً مع الأمن على النفس والمال بلا مشَقَّة فادِحَة ولو بلا زَادٍ وراحلةٍ لذى صنعة تقوم به وقدر على المشى . فيقوم مقام الزاد الصنعة الكافية كخياطة وحلاقة وطب . ويقوم مقام الراحلة القدرة على المشى ؛ فلا يجب الحج على غير المستطيع إلاَّ أنه إذا تكلفه صَحَّ ووقع فَرْضاً.
هذا . ومن الاستطاعة عند غير الحنفيين أُمُورٍ خمسة :
( 1 ) عدم المانع الحسىّ الذى يمنع عن الذهاب إلى الحج ، كالحبس والخوف من سلطان يمنع الناس من الخروج إلى الحج .
( 2 ) خلو المرأة من عدة مطلقها ؛ لأن المعتدة من طلاق ولو رَجْعِيًّا عليها ملازمة البيت الذى كانت فيه وقت الفرقة ، فلا تخرج منه ليلاً ولا نهاراً ولون بإِذن الزوج إلا لضرورة لقوله تعالى : { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } (1) . وقال أحمد : لها أن تخرج إلى الحج فى عدةٍ الطلاق البائن دون الوفاة؛ لأن لزوم المنزل واجب فى عدة الوفاة دون عدة البائن . وأما معتدة الرجعى فكالزوجة .
( 3 ) أَمْن الطريق .
( 4 ) وجود زَوْجٍ أَو مَحْرَمٍ مُكَلَّفٍ أَو مُرَاهِق غير فاسق مع المرأَة .
(
__________
(1) انظر ص سورة الطلاق ، من الآية 1 .(1/33)
5 ) صِحَّة البَدَنِ من الآفاتِ المانعة من القيام بما لابُدَّ منه . وهذه عند الحنفيين شروط للزوم أَداءِ الحج على المختار ، وهو رواية عن أحمد ، فإِن فَقَد بعضها مع تحقق شروط الافتراض ، لا يلزمه الأَداءَ بنفسه بل يلزمه إحجاج الغير عنه أَو الإيصاء به عند الموت. وهناك بيان الثلاثة الأَخيرة :
1- أمن الطريق : يُشْتَرَط للزومِ أَداءِ الحجِّ أَمْنُ الطريق على نفسِه ومالِه ، بأَن يكونَ الغالب فيه السَّلاَمة ولو بالرِّشْوة . وقتلِ قطاع الطريق بعض الحجاج عُذر يُسقط لزوم الحج . وهل ما يؤخذ فى الطريق من نحو المكس والكوشان عُذر ؟ المعتمد ـ لا ـ عند الحنفيين ؛ لأن أًمْن الطريق شرط للزوم الأَداءِ عندهم . فيلزم المستطيع الإِيصاءَ عند خوف الطريق ؛ لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما سُئل عن الاستطاعة فَسَّرَها بالزَّاد والرَّاحِلة ؛ فلو كان أَمْنُ الطريق منها لذكَره . ومحل الخلاف فى لزوم الإيصاءِ إِذا مات قبل حصول الأمَْن وإِلاَّ لزم اتفاقاً.
((1/34)
وقالت ) المالكية والشافعية : أَمْن الطريق شرط وجوب وهو من أَسباب الاستطاعة وما يؤخذ من المكس ونحوه عذر يسقط الحج إَن تَعَدَّدَ أَو أُجْحِفَ بصاحِبِه وإِلاَّ فلاَ عند المالكية . وعند الشافعية يُعَدّ عذراً وإِن قَلَّ المأْخوذ . وإِما الخفارة فجائزة وتوزع بحسب ما يخفر من الأمتعة . أَما الدال على الطريق فإِنه يأْخذ على الرءُوس. وهو رواية عن أحمد . وقيل : إِن كان فى الطريق عدو يطلب خفارة لا يلزمه الحج وإن كانت يَسِيرة لأَنها رِشْوَة . وقيل : إِن كانت لا تُجْحِف بماله لَزِمه الحج لإمكان بذلها(1) . وإِذا كان لابُدَّ للحاجِّ من اجتيازِ البحر جازَ له ركُوبه إِن غلبت السلامة وإلاَّ فلا . فإِن كان هائجاً لا يجوز ركوبه لا لحج ولا لغيره حتى يَهْدَأَ ( لقول ) أَبى عمران الجونى : حدثنى بعض أَصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ بَاتَ فوق بيتٍ ليس له إِجَّار فوقع فمات فقد بَرِئَتْ منه الذمة ، ومن ركب البحر عند ارتجاجه فمات فقد بَرِئَتْ منه الذمة . أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (2) ... ... ... ... ... ... { 47 }
__________
(1) انظر ص 168 ج3 مغنى .
(2) انظر ص 27 ج11 الفتح الربانى . و ( الإجار ) بكسر الهمزة وشد الجيم : السور يرد الساقط ، والمراد بالذمة العهد ، لأن لكل واحد عهداً من الله تعالى بالحفظ ، فإذا القى بيده إلى التهلكة انقطع عنه ذلك العهد . و ( الارتجاج ) الاضطراب .(1/35)
2- حج المرأة : يشترط للزُوم حَجِّهَا وجُود زَوْجٍ أَو محرمٍ مُكَلَّفٍ أَو مُرَاهِق غير فاسِق معها ؛ لأَنها يَحْرُمُ عليها أَن تُسَافِر بلاَ محرَم أَو زَوْج ، لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تُسَافِر امرأَة إِلاَّ ومعها ذُو محرم . وجاءَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فقال : إِنِّى اكتتبت فى غزوة كذا وكذا وامرأَتى حاجَّة قال فارجع فحجّ معها . أَخرجه الشافعى والشيخان وأحمد . وهذا لفظه(1) ... ... { 48 }
والأَحاديث فى هذا كثيرة وهى تشمل كل سفرٍ ومنه الحج . والمحرم كل من حرمُ عليه نكاح المرأَة على التأْبيد بسبب مُباح لحرمتها(2) كالأَب والابن والأَخ وابن الأَخ ونحوهم . فليس من المحرم :
( 1 ) زوج أُخت المرأَة وعمتها وخالتها وأُمها إِذا فارق هذا الأُم قبل الدخول ـ فإن حُرمة من ذكر ليست على التأْبيد .
( ب ) وكذا مَنْ يحرم على التأْبيد لا لسبب مباح كوطءِ الشبهة فإِنه لا يوصف بالإِباحة ، ولا غيرها من الأَحكام . فلا يحلُّ للمرأَةِ الخروجَ للحجِّ إذا لم يكن معها محرم أَو زَوْج ، ولا يجوزُ لها الخروج عند الحنفيين وأَحمد مع امرأَة أَ!و أَكثر أَو رفقة مأْمونين ؛ لأَّن خوف الفتنة قائم حينئذ ( وقالت ) المالكية : لها أن تخرج مع رِفْقَةٍ مأْمونة إِذا كان بينها وبين مكة يوم وليلة ( وقالت ) الشافعية : لها أَنتخرج مع نسوة ثقات ولو بعدت المسافة (وقيل) : لها الخروج مع امرأََة حرة مسلمة ثقة ، مستدلين :
(
__________
(1) انظر ص 290 ج1 بدائع المنن ، وص 53 ج4 فتح البارى ( حج النساء ) وص 109 ج9 نووى مسلم ( سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره ) وص 38 ج11 الفتح الربانى .
(2) و ( لحرمتها ) خرج به المرأة الملاعنة فإنها حرام على الملاعن على التأييد تغليظاً عليهما لا لحرمتها فلا يحل سفرها معه .(1/36)
أ ) بما روى إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أَن عمر رضى الله عنه أَذِنَ لأَزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى الحج ، فبعث معهن عثمان ابن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما . أَخرجه البخارى
والبيهقى (1) { 6 }
( ب ) وبظاهر قوله تعالى : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } فإِن لفظ الناس يتناول الذَّكَر والأُنثى ، والاستطاعة تتحقق بوجود الزَّاد والرَّاحلة ؛ ولأَنَّ الغرض من وجُودِ المحرم أَو الزَّوْج معها الأَمن عليها ، وهو يحصل بجماعة النساء وبالرفقة المأْمونة.
( وأجاب ) الأَوَّلُون :
( أ ) بأَن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف محرمان لأُمهات المؤمنين .
( ب ) وبأَن الآية لا تتناول النساءَ حال عدم وجود الزوج والمحرم معها ؛ لأَن المرأَة لا تقدر على الركوب والنزول بنفسها فتحتاج إلى من يعاونها على ذلك ، وليس هذا لغير الزوج المحرم فلم تكن مستطيعة عند عدمهما . ومعلوم أَن خوف الفتنة عند اجتماعهن غير مأْمون.
(
__________
(1) انظر ص 51 ج4 فتح البارى ( حج النساء ) وص 326 ج4 سنن البيهقى .(1/37)
فائدة ) لا يلزم الزوج ، ولا المحرم السفر مع المرأَة إِذا لم يُوجَد غيره عند الحنفيين ومالك ، وهو الصحيح عند أَحمد والشافعى ؛ لأَن فى الحج مشقة شديدة فلا تلزم أَحداً لأَجل غيره ، كما لا يلزمه أَن يحجّ عنها إذا كانت مريضة . وإذا مات محرم المرأَةِ فى الطريق ، قال أَحمد : إِذا تباعدت مضت فحجَّت لأَنه لابُدَّ لها من السفر بلا محرم فمضيها إلى الحج أَوْلَى إذا كان فرضاً . أَمَّا إِذا كان تطوعاً وأَمكنها الإِقامة فى بلد فهى أَوْلَى من سفرها بلا محرم . وليس للرجل منع امْرَأَتِه من حجة الإسلام عند الحنفيين وأَحمد ، وهو الصحيح عن الشافعى ؛ لأَنه فرض فليس له منعها منه . ويُسْتَحَبُّ أَن تستأْذِنه فإِن أَذن وإِلاَّ خرجت بلا إِذْنِه . فأَمَّا حج التطوع فله منعها منه إجماعاً ، وليس له منعها من الحج المنذور ؛ لأَنه واجب عليها فأَشبه حجة الإسلام . والأَصَحّ عند الشافعية أَنَّ له مَنْعَها عن الحج الفرض لكونه على التراخى ، ولما روى نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى امْرَأَةٍ لها زَوْج ولها مال ولا يِأْذَن لها فى الحج : ليس لها أَن تَنْطَلِقَ إِلاَّ بإذن زَوْجِهَا . أخرجه الدار قطنى ، وفيه العباس بن محمد بن مُجاشِع . حاله غير معروف (1) ... ... ... ... { 49 }
( وأجاب ) الجمهور بأَنه محمول على حجّ التطوع جمعاً بين الأدِلَّةِ.
__________
(1) انظر ص 257 سنن الدار قطنى .(1/38)
3 - الحج عن الغير : تقدم أَن صِحَّةَ البدَنِ مَّما تتحقَّق به الاستطاعة فهى شرطٌ لوجوب الحجِّ عند أَبى حنيفة ومالك والشافعى وأَحمد فى رواية ، فالْمُقْعَد والزَّمِن والمفلوج والمريض والشيخ الكبير الذى لا يثبت على الراحلة بنفسه ومقطوع الرِّجْلَين والأَعمى وإِن وَجَدَ قائداً عند أَبى حنيفة ، لا يجب عليهم الحج ولا يلزمهم إِحجاجُ الْغَيْرِ عنهم ولا الإيصاء به عند الموت . ( وقال ) أبو يوسف ومحمد وأحمد فى رواية : صِحَّةُ البَدَنِ شرطٌ لِلزُوم أَداء الحج ، فلا يلزم المقْعَد ومَنْ معه الأداء بأَنفسهم ، وعليهم إِنابة غيرهم ليحجَّ عنهم إِن كانوا مستطيعين ، ويجزئُهم حجه إِنْ دام العجز إلى الموت ، فإِنْ زال حَجُّوا بأَنفسهم . ومحل الخلاف إذا لم يقدر من ذكر على الحج وهو صحيح ، فإِنْ قدر ثم عجز قبل الخروج تقرر فى ذمته فيلزمه إحجاج غيره عنه من منزله اتفاقاً . ودليل ذلك حديث ابن عباس رضى الله عنهما أَن امْرَأَةٌ مِن خَثْعَم قالت : يا رسول الله ، إِنَّ فريضةَ اللهِ على عِبادِه فى الحجِّ أَدركَتْ أَبى شَيْخاً كبيراً لا يستطيُع أَن يَثْبُتَ على الرَّاحِلة ، أَفأَحُجَ عنه ؟ قال : نَعَمْ . وذلك فى حجَّةِ الوَداع . أخرجه مالك والشافعى والشيخان وأبو داود والنسائى . وأخرج نحوه الدارمى (1) ... ... ... { 50 }
__________
(1) انظر رقم 86 ص 101 ج1 تكملة المنهل ( الرجل يحج عن غيره ) وباقى المراجع بهامش 2 ص 106 منه .(1/39)
وقال الترمذى : وقد صَحَّ عن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الباب غير حديث ، والعمل على هذا عند أهل الْعِلم . وبه يقول الثورى وابن المبارك والشافعى وأحمد وإسحاق ، يرون أَن يُحَجَّ عن الميت . وقال مالك : إذا أَوْصَى أن يَحُجَّ عنه حُجَّ عنه . وقد رخَّص بعضهم أن يُحَجَّ عن الحىّ إذا كان كبيراً وبحال لا يقدر أن يحجَّ ، وهو قول ابن المبارك والشافعى (1)، وهو أَيضاً قول أحمد وابن حبيب المالكى والمختار عند الحنفيين ، فيجوز عندهم الحج عن الْغَيْر سواءٌ أَوجب عليه الحج حال الصِّحَّة أم حال العجز بأَن قدر على الإنابة ، وحاصِل مذهبهم أنه تجوز النيابة فى نفل الحج مطلقاً. ولا تجوز فى فرضه إلاَّ بشَرْطِ العجز المستمر إلى الموتِ ويقع عن المحجوج عنه . ويُشْترط النِّيَّة عن المحجوج عنه ، ويندب ذكره فى التلبية ، بأَن يقول النائب : لَبَّيْكَ عن فلان ، وأَن يكون النائب حُرَّا ذكَراً بالغاً ، عالماً بالمناسِك قد حج عن نفسه . ويُكْرَه إِنابة العبد والمرأَة ، ومَنْ لم يحج عن نفسِه ، وليس للنائب أن يوكل غيره فى الحج عن الآمر وإنْ مَرِضَ فى الطريق ، إلاَّ إنْ قيل له : اصنع ما شِئْتَ ، فله حينئذٍ أَن يوكل غيره فى الحج عن الآمر وإن كان المأْمور صحيحاً . ( وقال ) مالك والليث : لا يحج أحد عن أحد إلاَّ عن مَيِّتٍ لم يحجَّ حجةَ الإسلام وأَوْصَى بها ؛ لأَن الحج عبادة لا تدخله النيابة مع القُدْرَة ، فلا تدخله مع العجز ؛ لأن العبادة فُرِضَتْ للابتلاء وهو لا يوجد فى العبادة البدنية إلاَّ بإتعاب البدن فيها ( ورد ) بأن الاستطاعة كما تكون بالنفس تكون بالغير "فإن قول " الخثعمية :إن فريضة الله على عباده فى الحج أدركَتْ أبى شيخاً كبيراً .
__________
(1) انظر ص 113 ج2 تحفة الأحوذى ( الحج عن الشيخ الكبير والميت ) .(1/40)
" يفيد " أن افتراض الحج لا يشترط له القدرة على السفر ، وقد أقَرَّهَا النبى صلى الله عليه وآله وسلم ، فهو يؤيد أن الاستطاعة المعتبرة ليست بالبدَنِ خاصَّة وإنما هي بالزَّادِ والراحِلة ، ومنه يعلم أن الراجح القول بجواز النيابة فى الحج عند الداعية . ( قال ) ابن قُدَامة : ولا يجوز أن يستنيب فى الحج الواجب مَنْ يقدر عليه بنفسه إجماعاً . والحج المنذور كحجة الإسلام ، فأَمَّا حج التَّطَوُّع فثلاثة أقسام :
( الأول ) أن يكون ممن لم يُؤَدِّ حجة الإسلام ، فلا يجوز أَن يستنيب فى التطوع ؛ لأنه لا يصح أن يفعله بنفسه فبنائه أَوْلى .
( الثاني ) أن يكون أدَّى حجة الإسلام وهو عاجز عن الحج بنفسه ، فيصح أَن يستنيب فى التطوع اتفاقاً ؛ لأَن ما تجوز الاستنابة فى فريضته تجوز فى نفله .
( الثالث ) أن يكون أَدَّى حجة الإسلام وهو قادِرٌ على الحج بنفسه ، فهل له أَن يستنيب فى حج التطوع ؟ فيه قولان :
( أ ) يجوز عند الحنفيين وهو رواية عن أحمد ؛ لأنها حجة لا تلزمه بنفسه فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب . وتكره الإنابة فيها عند مالك .
( ب ) لا يجوز عند الشافعى . وهو رواية عن أحمد ؛ لأنه قادر على الحج بنفسه فلا يجوز له أن يستنيب فيه كالفرض (1). وبقى الكلام فى أمرين .
(
__________
(1) انظر ص 180 ج3 مغنى(1/41)
1 ) حج الصرورة عن غيره : الصَّرورة مَنْ لم يَحُجَّ عن نفسِهِ ، مأْخوذ من الصَّر وهو الحبس . فمن ترك الحج مع الاستطاعة فقد منع الخير عن نفسه . وقد اختلف العلماء فى حجه عن غيره، فمنعه الشافعى وأحمد، لحديث ابن عباس : أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول : لَبَّيْكَ عن شُبْرمة ، قال: من شُبْرُمة ؟ قال : أَخ لى أَو قريب لى . قال حَجَجْتَ عن نفسك ؟ قال : لا ، قال : حُجّ عن نفسك ثم حُجّ عن شُبرمة . أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان وصححه . والبيهقى وقال : وقال إسناده صحيح وأخرجه الشافعى موقوفاً على ابن عباس(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 51 }
( وقال ) الحنفيون ومالك : حج الصَّرورة المستطيع عن غيره مكروه كراهةَ تحريم ؛ لأنه يتضيق عليه فى أول سِنى الإمكان فيأْثم بتركه . وكذا لو تَنَفَّل لنفسه ومع ذلك يصحّ حجه ؛ لأن النَّهْى ليس لعين الحج المفعول ، بل لغيره وهو خَشْيَةَ ألاَّ يُدْرِك الفرض ، إذ الموت فى سنة غير نادر . فعلى هذا يحمل قوله عليه الصلاة والسلام ـ حُجّ عن نفسك ثم حُجّ عن شُبرمة ـ على الوجوب لا على الفرضية فلا ينفى الصحة.
فوائد ( الأولى ) مِنْ عليه حجة الإسلام وحجة نذر ، لَزِمَهُ تقديم حجة الإسلام عند الشافعى وأحمد ، لما روى شُعبة عن سليمان أبو أبى سليمان أنه سمع أنس بن مالك يقول ـ فيمن نَذَرَ أَن يَحُجَّ ولم يَحُجَّ قطّ ـ قال : لِيَبْدَأْ بالفريضة . أخرجه البيهقى(2) { 7 }
( وقال ) الحنفيون ومالك : له أن يَحُجَّ حجَّةَ النَّذْر ثم يَحُجَّ حجَّةَ الإسلام من قابل .
(
__________
(1) انظر رقم 88 ص 107 ج 1 تكملة المنهل ( الرجل يحج عن غيره ) وباقى المراجح بهامش 2 و 3 ص 109 منه . والرجل الملبى " نبيشة " بالتصغير ابن عبد الله .
(2) انظر ص 339 ج4 سنن البيهقى ( الرجل ينذر الحج وعليه حجة الإسلام ) .(1/42)
الثانية ) إذا أَمَرَهُ اثنانِ بالحجِّ عن كُلٍّ منهما ، فإِنْ أَحْرَمَ بحجةٍ عنهما معاً وقع الحج عنه . ولهما الرجوع بما أَخذه منهما . وإِنْ أَحْرَمَ عن أَحدهما مبهماً ، فإِن عينه قبل الوقوف بعرفة انصرف إليه ، وإلاَّ انصرف إلى نفسه وضمن ما أخذ .
( الثالثة ) لو أّحْرَمَ بحجّ عن أَحد أَبَوَيْهِ أَو عنهما بلا أَمرهما ثم عينه عن أحدهما صَحّ ؛ لأنه من قبيل جعل الثواب للغير لعدم الأمر فتلغو نيته . وهذا مندوب إليه ؛ لحديث ابن عباس رضى الله عنهما : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ حَجَّ عن أَبَوَيْه أَو قضى عنهما مَغْرَماً بُعِثَ يوم القيامة مع الأبرار . أخرجه الدار قطنى وضَّعفه ، والطبرانى فى الأوسط ، وفى سنده صلة بن سليمان العطار متروك (1) ... ... ... { 52 }
( 2 ) الاستئجار للحج ونحوه : يجوز إجارة النفس للطاعة كالحج والعمرة وتعليم الفقه وغيره من العلوم والقرآن والأذان والإمامة ، لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إِنَّ أَحَقَّ ما أَخَذْتُمْ عليه أَجراً كنابُ الله. أخرجه البخارى (2) ... ... ... ... ... ... ... { 53 }
وهو وإِنْ كان وَارِداً فى الرقية فهو يدل على جواز أخذ الأُجْرَةِ على تعليم القرآن ؛ لأن الْعِبرة بعموم اللفظ. وبهذا قال الشافعى وأَحمد فى رواية . وهو المفتى به عند الحنفيين ( وقالت ) المالكية : يُكْرَه للشخص إجارة نفسه للطاعة كالحج وقراءَة القرآن وتعليم العلم ، لحديث الجارود ابن المُعَلَّى : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ طَلَبَ الدنيا بعملِ الآخرةِ طُمِسَ وَجْهُهُ ومُحِى ذِكْره وأُثبتَ اسمه فى أَهل النار . أخرجه الطبرانى وأبو نعيم(3){54}
__________
(1) انظر ص 272 سنن الدار قطنى ، وانظر رقم 8630 ص 116 ج6 فيض القدير .
(2) انظر ص 155 ج 10 فتح البارى ( الشروط فى الرقية – الطب ) .
(3) انظر ص 261 ج2 كشف الخفاء .(1/43)
وللمحجوج عنه أَجْرُ النفقة التى أنفقها النائب ، وله دعاؤه أيضاً ، ولا يسقط حَجُّ الفرض عن المحجوج عنه ولا يكتب له نفلاً أَيضاً ، لأنه لا يقبل النيابة . ويكتب نفلاً للأجير . ويجوز عند مالك أخذ الأُجْرَة على تعليم الأطفال القرآن والأذان ولو مع الصلاة . أما أَخْذُ الأُجْرَةِ على الإمامة وحدها فيكره إن كانت من المصَلِّين لا من الوقف أو من بيت المال ، فإنه يجوز ويكون من باب الإعانة على الطاعة . ومنه ما يؤخذ على التدريس ونحوه مَّما وقف لأجله من وظائف الطاعات(1) .
( فوائد ) ( الأولى ) قال ابن قدامة : وإن استأْجر ليحجَّ عنه أو عن مَيِّتٍ اعتبر فيه شروط الإجارة من معرفة الأُجْرَة . وما يأْخذه أُجْرَةٌ له يملكه ويباح له التصرف فيه والتوسع به فى النفقة وغيرها ، وما فضل فهو له، وإن أُحْصِر أو ضَلَّ الطريق أو ضاعت النفقة منه فهو فى ضمانه وعليه الحج . وإنْ مات انفسحت الإجارة لتلف المعقود عليه . ويكون الحج أيضاً مَن موضع بلغ إليه النائب ، وما لزمه من الدماء ، فعليه لأن الحج عليه (2).
( الثانية ) قال النووى : أعمالُ الحجِّ معروفة ، فإن علمها المتعاقدان عند العقد صحت الإجارة ، وإن جَهِلها أحدهما لم تصحٌ . وهل يشترط تعيين الميقات الذى يُحرم منه الأجير ؟ فيه قولان أصحهما لا يشترط تعين الميقات الذى يُحرم منه الأَجير ؟ فيه قولان أَصحهما لا يشترط ، ويحمل على ميقات تلك البلد فى العادة الغالبة . والثانى يشترط ؛ لأن الإحرام قد يكون من الميقات وفوقه ودونه . والغرض يختلف بذلك فوجب بيانه(3) .
( الثالثة ) حاصل مذهب الحنفيين فى مسألتين فى حج النائب :
(
__________
(1) انظر ص 80 ج2 حكمة البصير لفهم مجموع الأمير .
(2) انظر ص 182 ج3 مغنى ( الاستئجار للحج ) .
(3) انظر ص 121 ج7 شرح المهذب .(1/44)
أ ) أنه لو أحرم شخص عن الآمر فأُحْصِر فالدم على الآمر عند أبي حنيفة ومحمد وإن كان ميتاً . وعلى المأْمور الحج من قابل من ماله . وكذا لو فاته الحج ولا يضمن النفقة . وأما دم التمتع والقران والجناية فعلى المأْمور اتفاقاً . وإن جنى بالوطء قبل الوقوف بعرفة ، فَسَد الحج وضمن النفقة ، ولزمه الحج من قابل .
( ب ) ولو أَوْصَى شخص بالحج عنه فخرج رجل يَحُجّ عنه فمات فى الطريق أو سرقت نفقته يُحَجُّ عن الميت من منزله من ثلث ما بقى من ماله عند أبى حنيفة (1) ( وقال ) أبو يوسف ومحمد : يُحَجُّ عنه من حيث مات المأْمور ، غير أَن محمداً قال: يُحَجُّ عنه بما بقى من المال المدفوع إلى الحاج إِنْ بقى منه شيءٌ وإِلاَّ بطلت الوصية. وقال أَبو يوسف : يُحَجُّ عنه بما بقى من الثلث الأول ، فإِنْ كانت التركة مائة جنيه مثلاً ونفقة الحج خمسة وعشرين فدفعها الوصىّ إِلى مَنْ يَحُجَّ عن الميت فسُرِقَتْ فى الطريق . فعند الإمام يأْخذ ثلث ما بقى من التركة ، فإن سُرِقَ ثانياً ثُلث الباقى وهكذا ، ( وقال ) أَبو يوسف : يأْخذ ما بقى من الثلث ، فإِن سُرِقَ ثانياً لا يأْخذ شيئاً . وقال محمد: إِنْ سُرِقَ كل ما دفع أَولاً بطلت الوصية ، وإن بقى منه شيءٌ يُحَجُّ به لا غير . فالخلاف فى موضعين:
( أ ) فيما يدفع ثانياً ، وقول الإمام فيه أوجَه.
(
__________
(1) يراعى فى هذا ما يأتى فى الفائدة الرابعة ص 41 .(1/45)
ب ) وفي المحل الذى يلزم الإحجاج منه ثانياً . وهو مبنى على أَن السفر أَيبطل بالموت؟ قال الإمام نَعَمْ ، لحديث أبى هريرة رضى الله عنه : أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا ماتَ الإِنسانُ انْقَطَعَ عنه عمله إِلاَّ من ثلاثة : مِنْ صَدَقَةٍ جارِيةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفُع بِه أَوْ وَلَد صَالِح يَدْعُو له . أخرجه مسلم والثلاثة (1) ... { 55 }
وقال الصاحبان : لا يبطل السفر بالموت ، وهو أَوْجَه ، لحديث أَبى هريرة رضى الله عنه : أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال : مِنْ خَرَجَ حاجاً فمات كُتب له أَجْرُ الحاجِّ إلى يوم القيامة ، ومَنْ خَرَجَ مُعتمراً فمات كُتب له أَجْرُ المعَتمِر إلى يوم القيامة . أخرجه الطبرانى فى الأوسط والبيهقى وأبو يعلى . وفيه جميل بن أبى ميمونة . ذكره ابن حبان فى الثقات (2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 56 }
والحديث الأَول إِنما يَدُلُّ على انقطاع العمل . والكلام فى بطلان القدر الذى وجد من العبادة والثواب . وهو غير العمل . وانقطاع العمل لا يستلزم انقطاع ما وجد منه .
( الرابعة ) يُشْترط فى حج المأْمور أن يُحرم من مِيقَاتِ الآمر عند الحنفيين إن اتَّسَعَ ثُلث مال الميت لنفقة حج المأْمور ، وإن لم يتَّسع يَُحَجّ عنه من حيث يبلغ استحساناً ، فلو كان ثلُث ماله لا يسَعَ إِلاَّ أَن يحجّ عنه من مكة جاز الحج عنه منها . وهذا بحث هام ينبغى علمه ، فإِن كثيراً من الناس يمنعون إخراج البدل من مكة مع قِلَّةِ النفقة.
وقت الحج : النوع الرابع من شروط الحج ما هو شرط صحة فقط . وهو اثنان :
(
__________
(1) انظر ص 117 ج3 سنن أبى داود ( الصدقة عن الميت – الوصايا ) وباقى المراجع بهامش 4 ص 74 ج8 الدين الخاص ( القرب تهدى إلى الميت ) .
(2) انظر ص 208 ج3 مجمع الزوائد ( فرض الحج والعمرة ) .(1/46)
1 ) الوقت الذى لا يصح شئٌ من الحج إِلاَّ فيه وهو شوال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة ، لقوه تعالى: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } (1) . قال ابن عمر : أَشْهُر الحجّ شوالٌ وذُو القَعدة وعشر من ذِي الحَِّجة . أَخرجه البخارى معلقاً . ووصله ابن جرير والدار قطني بسند صحيح عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر(2) { 8 }
ورواه البيهقى عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وابن الزبير(3) ، وبهذا قال الحنفيون والشافعى فى الجديد وأحمد . وقال مالك والشافعى فى القديم : زمن الحج : شوال وذو القعدة وذو الحجة بتمامه ، لقول أَبى أُمامة رضى الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } قال : شوالٌ وذو القَعدة وذو الحجة . أَخرجه الطبرانى فى الصغير والأَوسط . وفيه حُصَين بن مخارق . قال الطبرانى : كُونى ثقة . وضعَّفه الدار قطنى وبقية رجاله موثقون . قاله الهيثمى ... (4) ... ... ... ... ... ... { 57 }
وهذا الحديث ضعيف كما تَرَى . فالحق أَن زمن الحجَّ شوال وذو القَعدة وعشر من ذِي الحجَّة . هذا . ولا يَصِحُّ الإِحرامُ بالحجِّ قبل أَشهر عند الشافعى ، لقول ابن عباس رضى الله عنهما : مِنَ السُّنَّةِ أَلاَّ يُحْرِ م بالحج إِلاَّ فى أَشهر الحج . أخرجه البخارى معلقاً ووصله الحاكم والدار قطني والبيهقى بسند صحيح (5){ 9 }
__________
(1) سورة البقرة ، الآية 197 .
(2) انظر ص 270 ج3 فتح البارى ( قول الله تعالى : الحج أشهر معلومات ) .
(3) انظر ص 342 ج4 سنن البيهقى ( بيان أشهر الحج ) .
(4) انظر ص 218 ج3 مجمع الزوائد ( أشهر الحج ) .
(5) انظر ص 271 ج3 فتح البارى ( قول الله تعالى : الحج أشهر معلومات ) وص 343 ج4 سنن البيهقى ( لا يهل بالحج فى غير أشهره ) .(1/47)
وقول الصَّحَابى " من السنة " فى حكم المرفوع : ( وقال ) الحنفيون ومالك وأَحمد : يَصِحُّ الإِحرام بالحج قبل أَشهره مع الكراهة ، لقوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } أخبر الله تعالى أَن الأَهِلَّة كلها مواقيتُ للناس والحج فيصح الإحرام به فى جميع السُّنة كالعمرة ( ورد ) بأَن الآية مجملة بينت بآية { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } فالراجح والاحتياط أَلاَّ يحرم بالحج قبل أَشهره . أَما بقية أَعماله فلاَ تَصِحُّ قبل أَشهره اتفاقاً .
( فائدة ) سيأْتى أن المتمتع يحرم بالحج يوم الترْوِيَةِ أَو قبله .
( ب ) عدم الجِماع فى أَحَد سَبِيلَىْ آدمىّ حىّ مُشْتهى قبل الوقوف بعرفة ، فإِن ذلك يفسد الحج كما سيأْتى إِنْ شَاء الله تعالى .
المقصد الثالث : فى أركان الحج
هي جمع ركن وهو ما تتوقَّفُ عليه صِحَّةُ الحج ولا يجبر تركه بِدَمٍ ولا غيره . وأَركانُ الحجِّ عند الحنفيين الوقوف بعرفة وأَكثر طواف الإفاضة ، وهو أَربعة أَشواطٍ وباقى السَّبعة واجب . وعند مالك وأَحمد أَركانه أَربعة :
( ا ) الإحرام ـ وهو قَصْدُ الحج وِنيَّتِه . ... ( ب ) الوقوف بعرفة.
( ج ) السَّعْى بين الصَّفَا والمرْوَة . ... ... ( د ) طَوَافُ الإِفَاضَة.
والمشهور عن الشافعى أَن أَركانه ستة : هذه الأَربعة ، والحلق أَو التَّقْصِير . وترتيب معظم الأَركان بأَن يقدم الإحرام على جميعها ، والوقوف بعرفة على طَوَافِ الإِفَاضَةِ ، وهناك بيانها مفصلة :
( أ ) الإحرام(1/48)
هو عند الحنفيين الدخول فى أحَدِ النسكين ( الحجّ والعمرة ) أو فيهما بالنِّيَّة مع التَّلْبِية أَو فعلٍ يتعلقُ بالحج كتقليد الهدْى وسوقه ؛ لأَن الإحرام عَزْمٌ على الأَداءِ فلا بد فيه من ذِكْرٍ أَو فِعْلٍ يدلٌ عليه وهو التلبية وسوق الهدْى أو تقليده . والمشهور عند الأَئمة الثلاثة أَن الإِحرام هو نية أَحَدِ النسكين أَوْهُما دُونَ التلبية . وهو شَرْطٌ لِصِحَّةِ الحجِّ عند الحنفيين ابتداءَ ، ولذا صَحَّ تقديمه على أَشْهُرِ الحجِّ مع الكَراهة . وله حكم الركن انتهاءَ ، ولذا لا يجوز لمن فاتَهُ الحج البقاءُ على الإحرام ليقضى به من عام قابل ( وقال ) غير الحنفيين : الإحرام ركن ، لقوله تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (1) ، والإخلاص النِّيَّة ؛ لأنه عملٌ من أَعمال القلب ( وعن ) عُمر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : { إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّات } ( الحديث ) أخرجه السبعة (2). { 58 }
__________
(1) سورة البينة ، الآية 5 .
(2) انظر ص 17 ج2 – الفتح الربانى . وص 8 ج1 فتح البارى ( بدء الوحى ) وص 53 ج13 نووى مسلم ( إنما الأعمال بالنية – الجهاد ) وص 262 ج2 سنن أبى داود ( فيما عنى به الطلاق والنيات ) وص 24 ج1 مجتبى ( النية فى الوضوء ) وص 288 ج2 سنن ابن ماجه (النية – الزهد) .(1/49)
أي صِحَّةُ الأَعمالِ بالنِّيَّة . وقد أَجمع العلماءُ على أَنها فرض فى الحج وغيره من مقاصد العبادات . هذا ، والثابت بالدليل أَن شرط النية علمه بقلبه : أى نسك يُؤَدِّى . والنية محلها القلب ولم يَرِد التَّلَفُّظ بهما عن أَحَدٍ ممن يُقْتَدَى بهم ( قال ) الكمال ابن الهمام : ولم نَعْلَم عن الرُّوَاة لنسكه عليه الصلاة والسلام أَن روى واحد منهم أَنه سمعه عليه الصلاة والسلام يقول : تّوَيْتُ الْعُمْرَة ولا الحجّ (1).هذا . والكلام فى الإحرام ينحصر فى خمسة مباحث:
( 1 ) ما يطلب للإحرام : يطلب من مريد الإحرام أُمور ستة :
1- التنظيف : إِذا أَراد شخص الإحرام بنسك ندب له قَصُّ أَظافره وشَارِبه وحلْق عَاَنتِه ونَتْفِ إِبطَيْه . ثم يَتَوَضَّأُ أَو يَغْتَسِل ولو صَبِيًّا أَو حائضاً أَو نفساءَ ؛ لأَنه للنظافة . والغُسْلُ أَفْضَلُ ، لقول ابن عمر رضى الله عنهما : مِنَ السُّنة أَن يغتَسِلَ إِذا أَراد الإِحرام وإِذا أِراد دخول مكة . أخرجه البزار والدار قطنى والحاكم وصححه(2){ 10 }
(
__________
(1) انظر ص 138 ج2 فتح القدير ( الإحرام ) .
(2) انظر ص 217 ج3 مجمع الزوائد ( الاغتسال الإحرام ) وص 256 سنن الدار قطنى ، وص 447 ج1 مستدرك .(1/50)
وقالت ) عائشة رضى الله عنها : نُفِسَتْ أَسماءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بمحمد بن أبى بكر بالشجرة ، فأَمر النبى صلى الله عليه وسلم أَبا بكر أَن يَأْمُرَها أَن تَغَْتََََسلِ وتُهِلَّ . أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه والبيهقى والدارمى ، وأخرج الأَئمة نحوه من حديث القاسم عن أسماء ... (1) ... ... ... ... ... ... { 59 }
( وعن ) ابن عباس رضي الله عنهما أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إِنَّ النفساءَ والحائض تَغْتَسِلُ وتُحْرِمُ وتَقْضِى المناسِك كُلَّها غير أَنهما لا تطوف بالبيْتِ حتى تَطْهُرَ. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي . وقال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه (2) ... ... ... ... ... ... ... { 60 }
__________
(1) انظر ص 133 ج8 نووى مسلم ( إحرام النفساء ) وص 289 ج10 المنهل العذب ( الحائض تهل بالحج ) وص 111 ج2 سنن ابن ماجه (النفساء والحائض تهل بالحج ) وص 33 ج2 سنن الدارمى ، وص 143 ج2 زرقانى الموطأ ( الغسل للإهلال .. ) وص 4 ج2 بدائع المنن، وص 128 ج11 الفتح الربانى . و ( نفست ) بضم النون وفتحها وكسر الفاء ، أى ولدت . و ( الشجرة ) سمرة بذى الخليفة كان يحرم منها النبى صلى الله عليه وسلم .. وفى رواية الأئمة : ولدت بالبيداء . وهو مكان بذى الخليفة .
(2) انظر ص 127 ج11 الفتح الربانى ، وص 290 ج10 المنهل العذب ( الحائض تهل بالحج ) وص 118 ج2 تحفة الأحوذى ( ما تقضى الحائض من المناسك ) .(1/51)
دَلِّتْ هذه الأَحاديث على مشروعية الغُسْل لمنْ يريدُ الإِحرام فيغتسل بنية غُسْل الإحرام وهو غسل للنظافة ، ولذا لا ينوب التيمم عنه عند العجز عند الحنفيين وأحمد . ويُشْتَرط عند المالكية اتصال هذا الغُسْل بالإحرام كاتصال غًسْل الجمعة بالرَّواح . فلو اغْتَسَل غَدْوَةٌ وأَحرم ظهراً لم يجزه ولا يضر الفصل بشَدِّ الرِّحال وإصلاح الحال . هذا ويُسَنُّ الغُسْل أَيضاً لدخول مكة وللوقوف بعرفة ، لقول نافع : كان ابن عمر رضى الله عنهما يغْتَسِلُ لإحرامه قبل أَن يُحْرِمَ ولدخول مكة ولوقوفه عَشِيَّة عرفة . أخرجه مالك (1) ... { 11 }
( وقال ) النووى : يَغْتَسِل المحرم لسبعة مواطن : للإحرام ودخول مكة ، والوقوف بعرفة ، والوقوف بالمزدلفة ، ولرَمْى الجِمَار الثلاث فى أَيام التشريق . يَغْتَسِلُ فى كلِّ يومٍ من الأَيام الثلاثة غُسْلاً واحداً لرمْى الجمرات . ولا يُسْتَحَبُّ الغُسْل لرمْى جمرة العقبة يوم النَّحْر ؛ لأَنَّ وقته من نِصْفِ اللَّيل إلى آخر النهار فلا يجتْمع له الناس فى وقتٍ واحد(2) .
2- لباس المحرم : يُسَنُّ لمنْ يُرِيدُ الإحرام أَن يَلْبسَ :
( أ ) إِزَاراً مِنَ الوسَط ويُكْرَه شَدُّ حَبْل ونحوه عليه .
(
__________
(1) انظر ص 144 ج2 زرقانى الموطأ ( الغسل للإهلال ) .
(2) انظر ص 213 ج7 شرح المهذب .(1/52)
ب ) رِدَاٌء مِنَ الكَتِف غَسِيلين أَو جَدِيدَيْن أَبْيَضَيْن . لقول ابن عباس رضى الله عنهما : انْطَلَقَ النبى صلى الله عليه وآله وسلم مِنَ المدينة بعدما تَرَجَّلَ وادَّهَنَ ولَبِسَ إِزَارَهُ ورِدَاءَهُ هُوَ وأَصحابُه . ولم ينه عن شَيْءٍ من الأَرْدية والأزُر تُلبس إِلاَّ المزعْفرةَ التى تَردَع الجلد حتى أَصبح بذى الحُلَيفة ركب راحلته حتى استوى على البيداءَ أَهلَّ هو وأَصحابهُ ( الحديث ) أخرجه البخارى ... (1) ... ... ... ... ... { 61 }
3- التطيب : ويُسَنُّ التَّطَيُّب قبل الإحرام للرَّجُل والمرأَةِ ولا يَضُرُّ بقاءُ لَوْنه بعد ؛ لقول عائشة رضى الله عنها : كُنَّا نخرجُ مع النبى صلى الله عليه وسلم إلى مكة فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بالسُّك المطَّيب عند الإحرام . فإذا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ على وَجْهِهَا فَيَرَاهُ النبى صلى الله عليه وسلم فلا يَنْهَاهَا . أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى(2) { 62 }
( وعنها ) قالت : كُنْتُ أُطَيِّبُ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لإِحرامِه قبل أَن يُحِْرم ، ولإِحْلاَلِه قبل أَن يطوف بالبيت. أخرجه الشافعي والجماعة والدرامي. ... ... ... ... ... { 63 }
دلَّ الحديثانِ على استحبابِ التطَيُّبِ عند الإحرام ، وأنه لا يَضُرُّ بقاء أثره بعده . وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسُف والشافعي وأحمد .
(
__________
(1) انظر ص 262 ج3 فتح البار( ما يلبس المحرم .. ) و ( المزعفرة ) المصبوغة بالزعفران ( وتردع الجلد ) أى تلطخه ، والردع : أثر الطيب.
(2) انظر رقم 106 ص 142 ج1 تكملة المنهل ( ما يلبس المحرم ) وباقى المراجع بهامش 3 ص 142 منه ، و ( نضمد ) أى نلطخ ، و (السك) بضم السين ، نوع من الطيب .(1/53)
وقال ) مالك ومحمد بن الحسن : يكره التطيب بما يبقى أَثره بعد الإحرام ، لحديث صفوان بن يعلى بن أُمية عن أبيه أن رجلاً أتى النبى صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرَّانة قد أَهلّ بعمرةٍ وهو مُصَفِّر لحيته ورَأْسَه وعليه جُبَّة ، فقال : يا رسول الله أَحْرَمْتُُ بعمرةٍ وأنا كما تَرَى ، فقال : انْزَعْ عنك الجبَّة واغسل عنك الصُّفرة . أخرجه الشافعى والجماعة إلاَّ ابن ماجه ... (1) ... ... ... ... ... ... ... { 64 }
( وأجاب ) الأَوَّلون عنه بأَنَّهُ منسوخ كما قال الشافعي ؛ لأنه كان فى عام الجعرانة سنة ثمان ، وأَحاديث عائشة فى حجة الوداع سنة عشر.
ومنه تعلم أَن الراجح القول الأَوَّل لِقُوَّةِ أَدِلَّتِه.
4- خضاب المرأة : ويُستحبُّ للمرأَةِ الْخِضَاب للإحرام ، وإن لم يكن لها زوج أَو كانت عَجوزاً . فتُخضِّب يَدَيْهَا إِلى الكُوعَيْن وتمسَحُ وَجْهَهَا بشىْءٍ مِنَ الحِنَّاء ليستتر لونُ البَشرَة ؛ لأنها تُؤْمَرُ بكَشْف الوجْه وهي محرمة ، وقد ينكَشِف الكَفَّان أَيضاً ؛ ولأن الحِنَّاء من زِينة النساء ، فاستحبت عند الإحرام كالتّطَيُّب وتَرْجِيل الشَّعْر . وبُكْرَه لها الْخِضَاب بعد الإحرام ؛ لأنه من الزِّينة وهي مكروهة للمحرم.
__________
(1) انظر رقم 96 ص 122 ج1 تكملة المنهل ( الرجل يحرم فى ثيابه ) وباقى المراجع بهامش 4 ص 125 منه . و ( الجعرانة ) بكسرتين وشد الراء : موضع بين المزدلفة وعرفة على ستة عشر كيلو متراً من مكة .(1/54)
5- تلبيد الشعر : ويُطلب من مُريد الإحرام أَن يُلَبِّد رأْسَهُ بصَمْغ ونحوه حِفْظاً له من الشَّعَث والقَمْل والانتشار ، لقول ابن عمر رضى الله عنهما : سمعتُ النبى صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّداً . أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي والبيهقى ... (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 65 }
دلَّ على استحبابِ تَلْبِيدِ الشَّعْر للمحرم رِفْقاً به وبُعْداً عن أَسباب الأَذَى. وبه قال الشافعى وأَحمد . وكذا الحنفيون ومالك إذا كان يَسيراً لا يُؤدى إِلى سَتْر رأْس الرَّجُل . أَما الكثير الذى يستر رُبْعَ الرأْس فأَكثر ، فحرام يلزم فيه دم باستدامته حال الإحرام يوماً فأَكثر . وعليه يحمل ما رَوَى الصَّلْتُ ابْنُ زُبَيْدٍ عن غير واحد من أَهله أَن عُمَر رضى الله عنه وَجَدَ رِيحَ طِيب ، وهو بالشجرة ، فقال : مَّمنْ رِيحُ هذا الطيب ؟ فقال :كثير بن الصلت : مِنِّى، لَبَّدْتُ رأْسِى وأَردتُ أَلاَّ أَحْلِقَ فقال عُمر:اذهب إلى شَرَبة فادْلُك رأْسَك حتى تُنْقِيَه ، ففعل ذلك . أخرجه مالك(2){12}
__________
(1) انظر ص 357 ج3 فتح البارى ( من أهل ملبداً ) وص 89 ج8 نووى مسلم ( التلبية .. ) وص 295 ج10 المنهل العذب ( التلبيد ) وص 10 ج2 مجتبى ، وص 36 ج5 سنن البيهقى ( من أهل ملبداً ) .
(2) انظر ص 156 ج2 زرقانى الموطأ ( الطيب فى الحج ) والشجرة ، وسمرة بذى الخليفة . و ( الشربة ) بفتحات : الماء المجتمع حول النخلة .(1/55)
أَمَّا لو دام أَقلَّ من يوم وليلة ففيه صَدَقة كصَدقة الفِطِر . أَمَّا المرأَةُ فلا تمنع من تَغْطِيةِ رَأْسِهَا فى الإحرام . هذا ، ومن لَبَّدَ رَأْسَهُ أَو ضَفَّره أَو عقَص شعره لَزِمَهُ الحلق عند الإحلال عند مالك والشافعى وأحمد ، لحديث عبد الله بن رافع عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ للإِحرام فقد وَجَبَ عليه الحلق . أخرجه ابن عدى . وعبد الله بن رافع ضعيف . وقال الدار قطنى ليس بالقوى(1) ... ... { 63 }
( وقال ) الحنفيون : مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ أَو ضَفَّرها فله الحلق أَو التَّقْصِير ، لقول ابن عباس : مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ أَو عَقَص أَو ضَفَّر فإِنْ كان نَوَى الحلق فَلْيَحْلِقْ ، وإِنْ لم يَنْوِه فإِن شاءَ حلق وإِن شاءَ قَصَّر . ذكَره البدر العيني {13}
وأجابوا عن حديث ابن عمر بأَن فى سنده عبد الله بن رافع ، وهو ضعيف ، فلا حجة فيه . أَفاده البدر العيني (2).
6- ركعتا الإحرام : ويُستحبُّ لمريد الإحرام أَن يُصَلى رَكعتين فى غير وقت كراهة يَنْوِى بهما سُنَّةَ الإحرام ، ويقرأْ فيهما بعد الفاتحة : قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون والإخلاص ، وتُجْزئُ المكتوبة عنهما كتَحِيَّة المسجد. ودليله قولُ ابن عُمَر رضى الله عنهما : كان النبى صلى الله عليه وسلم يركَعُ بِذِى الْحُلَيْفَةِ ركعتين ، ثم إذا اسْتَوَتْ به الناقة قائمة عند مسجد ذِى الْحُلَيْفَةِ أَهَلِّ بهؤُلاء الكلمات ( الحديث ) . أخرجه مسلم (3) ... ... ... { 67 }
__________
(1) انظر ص 159 ج9 عمدة القارى ( من أهل ملبداً ) .
(2) انظر ص 159 ج9 عمدة القارى ( من أهل ملبداً ) .
(3) انظر ص 89 ج8 نووى مسلم ( التلبية .. ) .(1/56)
وهذه الصَّلاَة مجمعٌ على استحبابها فى غير وقت كراهة ، فإن كان فى الميقات مسجد اسْتُحِبَّ أَن يُصَلِّيها فيه ، وإِلاَّ صَلاَّهَا حيثُ يُحْرِم . قال القاضى حسين وغيره : لو صَلَّى فريضةً كَفَتْ عن رَكْعَتَي الإحرام كتَحِيَّة المسجِدِ تندرج فى الفريضة . قال النووى : وفيما قالوه نظر لأَنها سُنَّة مقصودة فينبغى ألا تندرج كسُنَّةِ الصُّبح (1).
( الثانى ) أَماكن الإَحرام : قد حدد الشارع للإحرام بالنسك أَمكنة لا يحلُّ لمرِيد مكة مجاوزتها بلا إِحرام وهي خمسة :
( الأول ) ذو الْحُلَيْفَةَ لأَهل المدينة وكل من يمرّ به .
( الثانى ) ذات عِرْقٍ لأَهل العراق وكل من يمرّ به (2).
( الثالث ) جُحْفة على ساحل البحر الأحمر الشرقى ، وقد ذهبت أَعلامها ولم يبق إِلاَّ رسوم . ولذا صار النَّاسُ الآن يُحْرِمُنون من رابغ ـ مدينة فى شمالها ـ احتياطاً ، وهي ميقاتٌ لأَهل مِصْر والشام ومن يمرّ عليها من الغربيين .
(
__________
(1) انظر ص 221 ج7 شرح المهذب .
(2) ذو الحليفة ) بضم الحاء مصغراً : موضع فى الجنوب الغربى للمدينة بينه وبين مسجدها نحو 18 ثمانية عشر كيلو متراً ، وشمال مكة بينهما 450 خمسون وأربعمائة كيلو متر ، ومنها أحرم النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع لأربع بقين من ذى القعدة سنة عشر من الهجرة ، وتسمى العوام الآبار – التى بها – آبار على يزعمون أنه قاتل الجن بها . وهو كذب . و ( ذات عرق ) بكسر العين وسكون الراء : موضع فى الشمال الشرقى لمكة على بعد 94 أربعة وتسعين كيلو متراً .(1/57)
الرابع ) قَرْن المنازل(1) لأهل نَجْدٍ ومن سَلَكَ طَريقهم .
( الخامس ) يَلَمْلَم (2) لأهل اليمن ومَنْ يمر بطريقهم . هَكَذَا وَقَّتَ النبى صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت لأَهْلِهَا ولمنْ يمرّ بها . ( روت ) عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأَهل المدينةِ ذَا الْحُلَيْفَةَ، وَلأهل الشام ومَصْر الْجُحْفَةَ وَلأَهل العراق ذاتَ عِرْقٍ ،ولأهل نَجْدٍ قَرْناً ولأهل اليمن يَلَمْلَمَ .أخرجه النسائى(3){68}
(
__________
(1) جحفة ) بضم فسكون : قرية فى الشمال الغربى لمكة على بعد 187 سبعة وثمانين كيلو متر ، وكانت تسمى مهيعة فنزلها إخوة عاد فجاءتهم سيل فأجحفتهم فسميت الجحفة ، و ( رابغ ) قرية فى الشمال الغربى لمكة على بعد 204 أربعة ومائتى كيلو متر . و ( قرن المنازل ) بفتح القاف وسكون الراء : جبل مطل على عرفات شرقى مكة بميل قليل إلى الشمال على بعد 94 أربعة وتسعين كيلو متراً .
(2) يلملم ) بفتحتين فسكون ففتح : جبل جنوب مكة على 94 أربعة وتسعين كيلو متراً . وهو ميقات لأهل تهامة من اليمنيين والهنود الذين يمرون عليه أو يحاذونه . أما أهل نجد اليمن فيمرون على قرن المنازل أو يحاذونه ، فهو ميقاتهم دون يلملم . انظر رسم رقم 1 ص 54 .
(3) انظر ص 7 ج2 مجتبى ( ميقات أهل العراق ) .(1/58)
وعن ابن عباس ) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأهل المدينة ذا الحليفةِ ؛ ولأهل الشام الْجُحْفَة ولأهل نَجْدٍ قَرْنَ المنازل ، ولأهل اليمن يَلَمْلَم . قال : فَهُنَّ لَهُنَّ ولمن أتَى عليهنَّ من غير أَهلهنَّ ممن أراد الحج والعمرة ، ومن كان دونهن فَمُهَلَّهُ من أهله حتى أهلُ مكةُ يُهِلُّون منها. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى وأخرجه الشافعى مختصراً (1) ... ... ... ... ... ... ... { 69 }
__________
(1) انظر ص 105 ج11 الفتح الربانى ، وص 247 ج3 فتح البارى ( مهل أهل مكة .. ) وص 82 ج2 نووى مسلم ( مواقيت الحج ) وص 280 ج10 المنهل العذب ، وص 6 ج2 مجتبى ( ميقات أهل اليمن ) وص 302 ج1 بدائع المنن . و ( مهل ) بضم الميم وفتح الهاء : موضع الإهلال أى الإحرام ( حتى أهل مكة ) برفع أهل ، مبتدأ خبره يهلون ، وهذا بالنسبة لمن أراد الإحرام بالحج فقط أو به مع العمرة . أما من أراد الإحرام بالعمرة فقط فيلزم أن يخرج إلى الحل ويحرم منه .(1/59)
وفي رواية لأبى داود : فَهُنَّ لهم " أى فالمواقيت المذكورة ميقات لأهل هذه الجهات " ولمنْ أَتَى عليها من غير أهلها ، سواءٌ مَنْ كان له مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ أم لاَ . فمنْ له مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ وفى طريقه مِيقَاتٌ قبل مِيقَاتِه كالشامى يمرّ بذى الْحُلَيْفَةَ قبل الجحفة ( فعند ) الشافعى وأحمد : يجب أن يُحْرِمَ من ذى الحليفة . ( وقال ) مالك : يندب له الإحرام منها ، وهو المشهور عند الحنفيين ، فإن لم يُحْرِم منها لَزِمَهُ الإحرام من الْجُحْفة . وقال الحنفيون أيضاً: يجوز للمدَنىّ أَن يجاوز ذا الحليفة بلا إحرام ويُحْرِمَ من الجحفة أو من محاذاتها . ( روى ) نافع أن عبد الله بن عمر أَهَلَّ من الفُرْع . أخرجه مالك والبيهقى(1) ... { 14 }
وقال : قال الشافعى : وهذا عندنا أَنَّهُ مَرَّ بميقاتِه لم يُرِد حَجاً ولا عُمْرَةٌ ثم بدا له من الفُرْع فَأَهَلَّ منها ، أَو جاءَ الفُرْعَ من مكة أو غيرها ، ثم بدا له الإهلال فَأَهَلَّ منها . هذا ، ومن سلك طريقاً بين ميقاتين بَرُّا أَو بحراً، فعند الحنفيين يَجْتَهد ويُحْرِم إذا حْاذَى ميقاتاً منهما . والأَبْعَدُ من مكة أَوْلَى بالإحرام منه ، وهو ظاهِرُ المالكية . وعند أحمد يتعَيَّنُ الإحرام من أَبعدهما ، وهو الأصح عند الشافعية.
__________
(1) انظر ص 159 ج2 زرقانى الموطأ ( مواقيت الإهلال ) وص 29 ج5 سنن البيهقى ( من مر بالميقات لا يريد حجاً ولا عمرة .. ) و (الفرع) بضم فسكون : موضع شمال مكة وجنوب ذى الحليفة .(1/60)
هذا ويصح لمريد النسك عند الحنفيين الإحرام قبل هذه المواقيت ، وهو أَفضلُ لمنْ يأْمَنُ الوقوع فى محظوراتِ الإحرام ، وهو قول للشافعى صححه الرافعى ، لحديث أُمِّ سلمة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ أَهَلَّ بحَجَّةٍ أَو عُمْرَةٍ من المسجد الأَقْضَى إلى المسجد الحرام ، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ وما تَأَخَّر أو وَجَبَتْ له الجنة . أخرجه أحمد بسند لا بأْس به ، وأَبو داود وابن ماجه والبيهقى بسند غير قوى(1) ... { 70 }
وقال مالك وأحمد : يُكْرَهُ الإحرامُ قبل الميقات ، وهو أَصَحُّ القولين عند الشافعية . وصححه النووى.
هذا ، وظاهر قوله فى حديث ابن عباس(2) ـ ممن أَراد الحجَّ والعمرة ـ أَن الإحرام من هذه المواقيت إنما يجبُ على مَنْ مَرَّ بها قاصِداً فسكاً دون مَنْ لم يُرِده ، فلو أَنَّ شخصاً مَرَّ بميقاتِه وهو لا يريد نسكاً ثم أراده فإنه يُحْرِم حينئذٍ ولا يجب عليه دم عند الشافعى . ( وقال ) أبو حنيفة وأحمد والجمهور : يلزمه دَمٌ إِنْ لم يرجِعْ إلى الميقات ، لأنه لا يجوزُ لمريد مكة مجاوزة الميقات بلا إحرام وإِنْ لم يُرِد نسكاً . ومَنْ فَعَل أَثِمَ ولزمه دم ، لما روى عطاءٌ أَن ابن عباس رضى الله عنهما قال : إذا جاوز الوقْت فلم يُحْرِم حتى دخل مكة رجع إلى الوقت فأَحرم . فإِنْ خَشِىَ إِنْ رجع إلى الوقت فَوَّت الحج فإنه يُحْرِم ويُهْرِيق لذلك دماً. أخرجه إسحق بن راهويه(3) . { 15 }
__________
(1) انظر ص 111 ج11 الفتح الربانى ـ، و ص 276 ج10 المنهل العذب ( المواقيت ) وص 122 ج2 سنن ابن ماجه ( من أهل بعمرة من بيت المقدس ) ولم يذكر فيه الحج ، وص 3 ج5 سنن البيهقى ( فضل من أهل من المسجد الأقصى .. ) .
(2) حديث ابن عباس ) تقدم رقم 69 ص 51 .
(3) انظر ص 281 ج10 المنهل العذب ( المواقيت ) .(1/61)
فهذا المنطوق أَوْلَى من المفهوم المخالف فى قوله ـ ممن أَراد الحج والعمرة ـ إِنْ ثَبَتَ أَنه من كلام النبى صلى الله عليه وسلم دون كلام الرَّاوِى . وهذا بالنسبة لمن كان خارج الميقات . أَما مَنْ كان فيه أو داخله ، فَيَحِلُّ له دخول مكة لحاجةٍ بلا إحرامٍ لكثرةِ دخوله . وفي إلزامِه بالإحرام كلما دَخَلَ حَرَج . وهو مدفوع بقوله تعالى: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمُ فى الدِّين مَنْ حَرَج (1) } . وكذا مَنْ أَراد دخول مكة لقتالٍ مباحٍ أَو لخوفٍ من عَدُوّ لا يلزمه الإحرام ؛ لأنَّ النبى صلى الله عليه وسلم وأَصحابه دخلوا يوم الفتح بلا إحرام ، وكذا مَنْ جاوَزَ الميقاتَ لحاجةٍ فى غير مكة لا يلزمه الإحرام اتفاقاً. ومَتَى بدا له الإحرام يُحْرِم من موضعه ولا شىْءَ عليه عند مالك والشافعى وأبى يوسف ومحمد . وعن أحمد أنه يلزمه الرجوع إلى الميقاتِ والإحرام منه.
هذا ، ومن كان مَسْكَنه دون هذه المواقيت ـ بأَن كان بين مكة وأَحدها ـ فإِحرامه من بَلَدِه اتفاقاً لقوله فى حديث ابن عباس رضى الله عنهما : ومَنْ كان دُونَهُنَّ فَمُهَلَّه من أَهلهِ.
(
__________
(1) بعض آية آخر الحج .(1/62)
فائدة ) للحرم المكِّى حدود قد نُصِبَتْ عليها أَعلام فى خمس جهاتٍ تحيط بمكة . فعلى حَدِّه من جهة الشرق ، الجعرانة بينه وبين مكة 16 ستة عشر كيلو متراً. وعلى حَدِّه من الشمال الشرقى ( العراق ) وَادِى نَخْلة بينه وبين مكة نحو 14 أَربعة عشر كيلو متراً . وعلى حَدِّه من جهة الشمال ، التنعيم على طريق المدينة بينها وبين مكة 6 ستة كيلو مترات . ومن جهة الغرب بميل قليل إلى الشمال ( من جهة جُدة ) الحديبية وتسمى اليوم الشميسى، وهي التى وقعت بها بَيْعَةَ الرضوان بينها وبين مكة نحو 15 خمسة عشر كيلو متراً. ومن جهة الجنوب أَضاه (كنواه) على طريق اليمين بينها وبين مكة 12 اثنا عشر كيلو متراً وهذه الأعلام أحجار مُتْقَنَة النحت مرتفعة نحو متر ، تقوم مُتَحَاذِية على جانبى كل طريق من هذه الطرق (انظر رسم رقم 1 ).
( الثالث ) التلبية : هى منْ لَبَ بالمكان ، وأَلَبَّ إذا أَقام به ، فالملَبِّى يُخْبر عن إقامته وملازمته لعبادةِ الله تعالى . والمراد هنا العبادة المعهودة وهى الحج . والتلبية مشروعة بالسُّنة وإِجماع الأُمة ، شرِعَتْ للتنبيه على إِكرام الله تعالى لعباده بأَنَّ وفودهم على بَيْنِةِ إِنما كان باستدعاء منه تعالى . ثم الكلام فيها ينحصر فى ستة مباحث :
1- حكم التلبية : هى سُنَّةٌ عند الشافعى وأحمد ، وهو رواية عن مالك وقال الحنفيون : هى شَرْطٌ من شروط الإحرام لا يَصحُّ بدونها للأمر بها فى حديث أُم سَلمَة رضى الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يا آلَ مُحمدٍ مَنْ حَجَّ منكم فَلْيُهِلَّ فى حجِّه أَو حجَّته . أخرجه أحمد وابن حبان بسند جيد(1) { 71 }
__________
(1) انظر ص 178 ج11 الفتح الربانى ( فليهل ) أى فليلب . والشك من عبد الله ابن أحمد .(1/63)
ويقوم مقامها ما فيى معناها من تسْبِيحٍ وتهليل وسوق الهدْى وتقليده والتوجُّه معه . ومشهور مذهب مالك أَنها واجبة وفى تركها هَدْى . وحكى عن الشافعى ( ويُسَنُّ ) اتصالها بالإحرام عند الشافعى وأحمد ، ويجب عند مالك . ويشترط عند الحنفيين . وفى تركها أو ترك اتصالها بالإحرام مع الطول ، هَدْى عند القائل بالوجوب وبالشرطية إلاَّ إذا انعقد الإحرام بدونها من قولٍ أو فعلٍ متعلق به .
2- لفظ التلبية : هو ما وَرَدَ : ( 1 ) فى قوله ابن عباس رضى الله عنهما : كانت تلبية النبى صلى الله عليه وسلم : لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ لاَ شَريكَ لَكَ لَبَّيْكَ . إِن الحمدَ والنعمةَ لَكَ والملكَ ، لاَ شَرِيكَ لكَ . وقال : انْتَه إليها فإنها تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم . أَخرجه أَحمد بسند رجاله ثقات ... (1) ... ... { 72 }
(ب) وفى قول ابن مسعودْ رضى الله عنه : كان من تلبيةِ النبى صلى الله عليه وسلم : لَبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَريكَ لكَ لَبَّيْكَ . إِنَّ الحمدَ والنعمةَ لَكَ . أخرجه النسائى(2) . ... ... ... ... { 73 }
__________
(1) انظر ص 176 ج11 الفتح الربانى . ولبيك بالتثنية . والغرض منها التكثير وهو منصوب بفعل محذوف ، أى أجيبك إجابة بعد إجابة ( إن الحمد إلخ ) بكسر الهمزة مستأنف وبفتحها للتعليل . أى أجيبك مرة بعد أخرى ، لأن الحمد والنعمة لك . والكسر أجود . وفى تقديم الحمد على النعمة إشارة إلى عموم معنى الحمد ، وهو أنه تعالى يستحق الحمد لذاته ، أنعم أو لم ينعم ( والملك ) بالنصب عطف على الحمد ، ولذا يوقف عليه . ويجوز رفعه على أنه مبتدأ والخبر محذوف ، أى والملك لك كذلك .
(2) انظر ص 18 ج2 مجتبى ( كيف التلبية ) .(1/64)
وأَجمعَ العلماءُ على استحبابِ الاقتصار على ما ثَبَتَ مرفوعاً إلى لنبى صلى الله عليه وسلم ( واختلفوا ) فى الزيادة عليه ( فقال ) أبو حنيفة ومحمد والشافعى وأحمد : لا بأْس بالزيادة التى فى حديث نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما أن تلبية صلى الله عليه وسلم : لَبَّيْكَ اللهم لَبّيَّكَ ،لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّسْكَ ، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لَكَ والملكَ ، لاَ شَرِيكَ لَكَ قال نافع : وكان ابن عمر يزيد فى تلبيته : لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك ، والخيرُ بيَدَيْكَ ، لَبَّيْكَ والرغباءُ إِلَيْكَ والعمل . أخرجه الشافعى والجماعة والدارمى والبيهقى (1) ... ... ... ... ... { 74 }
( وقال ) جابر بن عبد الله رضى الله عنهما : أَهَلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكَرَ التَّلْبية مثل حديثِ ابنِ عمر . قال جابر : والناس يزيدون : ذا المعارج ونَحْوَهُ مِنَ الكلام ، والنبى صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئاً . أخرجه أبو داود (2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 75 }
__________
(1) انظر ص 89 ص 109 ج1 تكملة المنهل العذب ( كيفية التلبية ) وباقى المراجع بهامش 1 ص 113 منه( وسعديك ) منصوب بمحذوف ، أى أسعدنى إسعاداً بعد إسعاد ، أو أسعد بإجابتى طاعتك سعادة بعد سعادة ( والرغباء إليك ) بفتح الراء والمد كالنعماء . ويروى بضمها والقصر ، مثل النعمى من النعمة ، أى أن الضراعة والمسألة والرغبة إليك يا من بيده الخير . ( والعمل ) أى العمل لو جهك ومرضاتك وبتوفيقك .
(2) انظر رقم 90 ص 113 ج1 تكملة المنهل العذب ( كيف التلبية ) ( والناس يزيدون إلخ ) أى يلبون بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويزيدون عليها : لبيك ذا المعارج ، أى مصاعد الملائكة وهى السموات لأن الملائكة تعرج فيها . وقال قتادة : المعارج : الفواضل والنعم ، لأن إفضاله الله تعالى على عبادة وإنعامة مراتب .(1/65)
والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يسمعهم يأْتون بهذه الزيادة ونحوها فلا ينكر عليهم ، فسكوته صلى الله عليه وسلم يدل على جوازها . ( وقال ) مالك وأبو يوسف : تُكْرَهُ الزيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قَوْلٌ للشافعى ، واختاره الطحاوي ، لما روى عامر بن سعد بن أبى وَقَّاص أن أباه سمع رَجُلاً يقول : لَبَّيْكَ ذَا المعارج لَبَّيْكَ . فقال : سعد : إنه لذو المعارج ، ولكِنَّا كُنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : لاَ نَقُولُ ذلك. أخرجه أحمد والبيهقى والطحاوى بسند رجاله رجال الصحيح . وأخرج الشافعى نحو(1) { 16 }
قال الطحاوى : فهذا سعد قد كَرِهَ الزيادة على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمهم من تلبية ، فبهذا نَأْخُذ . ولكن الراجح عدم كَرَاهة الزيادةِ لما تَقَدَّم ؛ ولأنَّ التلبيةَ المأثورةَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست منحصرةً فيما فى حديث ابن عمر.
( فائدة ) : لا يُلبى بغير العربية إلاَّ إنْ عجز عنها عند مالك والشافعى وأحمد ( وقال ) الحنفيون : تَصِحُّ التلبية وما يقومُ مقامها من ذِكْر بغير العربية وإن أَحْسَنها ، ولابُدَّ أَن تكون باللسان ، فلو ذكَرها بقلبه لم يَعْتَدّ بها . والأَ!خْرَس لا يلزمه تحريك لِسَانه على المختار ، بل يُسْتَحَبُّ كما فى الصلاة.
__________
(1) انظر ص 20 ج2 بدائع المنن ، وانظر باقى المراجع بهامش 2 ص 112 ج1 تكملة المنهل العذب ( كيف التلبية ) .(1/66)
3- الجهر بها : يُطْلَبُ رَفْعُ الصَّوْتِ بالتَّلبية رفعاً لاَ يَضُرّ بالملِّبى ولا بغيرِه ؛ لحديث السائب بن خَلاَّد رضى الله عنه : أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : أَتانى جبريل عليه السلام فقال : مُرْ أَصحابك فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُم بالتلبية . أخرجه الأئمة والأربعة والدارمى والبيهقى والحاكم وصححه ، وقال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح ... (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 76 }
( وعن يزيدَ ) بنِ خالد الجهنىّ أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : جاءَنى جبريل عليه السلام فقال : يا مُحمد مُرْ أَصحابك فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بالتَّلْبية فإنها من شعائر الدِّين . أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال : صحيح الإسناد (2) ... ... ... ... ... ... ... ... { 77 }
( ولذا ) قال الحنفيون والشافعى فى الجديد والجمهور : يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بالتلبية . ومَشْهُور مذهب مالك أنه يُسْتَحَبُّ التوسُّط بها فلا يجهر جداً ولا يسرّ حتى لا يَسْمَعَه مَنْ يَلِيه ( وقال ) أحمد : لا يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بها فى الأمصار ومساجدها إِلاَّ فى مكة والمسجد الحرام ومسجد مِنّى وعرفة ؛ لما رُوِى أَنَّ ابنِ عباس سمع رَجُلاً يُلبى بالمدينة فقال: إنَّ هذا لَمجنُون إِنما التلبية إِذا برزَت . ذكَره ابن قدامة(3) ... { 17 }
(
__________
(1) انظر رقم 91 ص 113 ج1 تكملة المنهل العذب ( كيف التلبية ) وباقى المراجع بهامش 4 ص 116 منه .
(2) انظر ص 180 ج11 الفتح الربانى ، وص 112 ج2 سنن ابن ماجه ( رفع الصوت بالتلبية ) وص 450 ج1 مستدرك .
(3) انظر ص 259 ج3 مغنى .(1/67)
وقال ) ولأنَّ المساجد إنما بُنِيَتْ للصلاة ، وكَرَاهَة رَفْع الصَّوت فيها عامة إلاَّ للإمام ، أَما مكَّةَ فَتُسْتَحَبُّ التلبية فيها ؛ لأنها محل النسك , وكذا المسجد الحرام وسائر مساجد الحرم وعرفة (1) ، وهذا في حق الرَّجُل . أَما المرأَةُ فلا يُسْتَحَبُّ لها رَفْعُ الصَّوت بالتَّلْبية بل تُسْمِع نفسها , لقول ابن عمر : لا تَصْعَدُ المرأَةُ فوق الصَّفَا والمرْوَةِ ولا تَرْفَعْ صَوْتَهَا بالتلبية . أخرجه البهيقي (2) { 18 }
وهذا مجمع عليه ، فإِن رَفَعَتْ صَوْتَهَا لا يحرم لأنه ليس بِعَوْرَة على الصحيح ، بل هو مَكْرُوه .
4- فضل التلبية : قد ورد ما يَدُلُّ على أَنَّ لها فَضْلاّ عظيماً وأًجراً جَزِيلاً ( روى ) سَهْلُ بن سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّى إِلاَّ لَبَّى مَنْ عَنْ يميِنه وشمالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَو شَجَرٍ أَو مَدَرٍ حتى تنقطعَ الأَرضُ مِنْ هاهُنَا وهَاهُنَا . أخرجه ابن ماجة والبيهقي والترمذي , والحاكم وصححه (3) {78}
(
__________
(1) ص 259 ج 3 مغنى ابن قدامة .
(2) ص 46 ج 5 سنن البيهقي ( لا ترفع المرأة صوتها بالتلبية ) .
(3) ص 112 ج 2 سنن ابن ماجة ( التلبية ) وص 43 ج 5 سنن البيهقي ( التلبية في كل حال ) وص 84 ج 2 تحفة الآحوذي ( فضل التلبية ) وص 451 ج 1 مستدرك . و ( حتى تنقطع الأرض الخ ) يعني أنه يلى جميع ما على يمينه وشماله من حجر الأرض ومدرها وشجرها إلى منتهاها من الشرق والغرب . وفائدة الناسك من تلبية ما ذكر معرفة فضل هذا الذكر وأن له عند الله فضلا ومكانة ويحتمل أن يكتب له ثواب ذلك لأنه متسبب فيه .(1/68)
وعن ) أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما أَهَلَّ مُهِلَ قَط ولا كَبَّرَ مُكّبِّر قَط إلاَّ بُشِّرَ , قِيلَ يا رسول الله ، بالجنَّةِ ؟ قال : نَعَم . أخرجه الطبراني في الأوسط بإِسنادَيْن رجال أحدهما رجال الصحيح (1) { 79 }
والأحاديث في هذا كثيرة , ولذا أَجمعَ العلماءُ على عِظَمِ فَضْل التلبية ؛ وقالوا : يُسْتَحَبُّ الإِكثار منها ويُسَنُّ الإتيان بها عند الانتقال من حال إلى حالٍ كعَقِبِ الصَّلاَة ولو نَفْلاً ، وكلما عَلاَ شَرَفاً أَو هَبَطَ وَادِياً أَو لَقيَ أَحداً أَو دَخَلَ في وقت السَّحَر , وهو الثلُث الأَخِير مِنَ اللَّيل ( قال ) خَيْثَمة : كانوا يَسْتَحِبُّون التلبية عند سِتّ : دُيُرَ الصَّلاة , وإذا استقَلَّتْ بالرَّجُل رَاحِلَته , وإذا صَعِدَ شَرَفاً أو هَبَطَ وَادياً وإِذا لَقِيَ بعضُهم بعضاً بالأسْحَار . أَخرجه ابن أَبي شيبة (2) . وخَيْثَمة تابعي { 19 }
ويُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّر التلبية – كلما أَخذ فيها – ثلاث مراتٍ متوالياتٍ . ويجوزُ ردّ السَّلام في أَثنائها ، ولكن يُكْرَهُ لغيره السلام عليه حالها . وإذا رَأَي شيئاً يُعْجِبُه قال : لَبَّيْك إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَة ، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم ( قال ) مُجاهد : كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر في التلبية : لَبَّيْك اللَّهُمَّ لَبَّيْك ، فذكَر التلبية ثم قال : لَبَّيْك إِن العَيْشَ عَيْشُ الآخرة . أخرجه الشافعي والبيهقي (3) ... ... { 80 }
__________
(1) ص 224 ج 3 مجمع الزوائد (الإهلال والتلبية ) .
(2) ص 33 ج 3 نصب الراية ( مواضع إكثار التلبية ) و ( الشرف ) بفتحتين , المكان المرتفع . و ( الوادي ) المكان المنخفض .
(3) ص 10 ج 3 بدائع المنن وص 45 ج 5 سنن البيهقي ( كيف التلبية ) .(1/69)
5- مدة التلبية : يُلَبِّي المحرم بالحجِّ من وقت الإحرام إلى رَمْي جَمْرَةِ العقبة يوم النَّحْر بأَول حَصَاةٍ , لما روى ابن عباس عن الفَضْل أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَزَلْ يُلَبِّي حتى بَلَغَ الجمرة : أخرجه الشافعي والسبعة ، وهذا لفظ مسلم (1) {81 }
( وقال ) ابن مسعود رضي الله عنه : رَمَقْتُ النبي صلى الله عليه وسلم فلم يَزَلْ حتى رَمَى جَمْرَةَ العقبة بأَوَّلِ حَصَاةٍ . أخرجه البيهقي (2) ... ... { 82 }
دَلَّ ما ذُكر على أَنَّ الحاجَّ يَسْتَدِيُم التلبية حتى يشرع في رَمْي جَمْرَةِ العقبةِ غَدَاةَ يوم النَّحْر . وهو مذهب الحنفيين والجمهور وكذا الشافعي وأحمد في رواية . قال الإمام الرافعي : والسُّنة أَن يُكَبِّرُوا مع كلِّ حَصَاةٍ ويقطعوا التلبية إذا ابتدءُوا بالرَّمْي (3) ( وقال ) أَبو الفرج بن قدامة : ويُسْتَحَبُّ قَطْعُ التلبية مع أَول حَصَاةٍ (4) ومِمَّنْ قال يُلَبِّي الحاج حتى يرمى جمرة العقبة : عطاءُ وطاوسٌ والنخعي وسعيد ابن جُبَيْر وابن خزيمة ، وقال الترمذي : وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق , لما روى ابن عباس عن الفَضْل قال : أَفَضْتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات فلمَ يَزَلْ يُلَبِّى حتى رَمَى جَمْرَةَ العقبة ويُكَبِّر مع كل حصاةٍ ثم قَطَعَ التلبية مع آخر حصاةٍ . أَخرجه البيهقي وابن خزيمة (5) ... ... ... ... { 83 }
__________
(1) أنظر : رقم 92 ص 116 ج 1 تكملة المنهل العذب ( متى تقع التلبية ؟ ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 118 منه .
(2) ص 137 ج 5 سنن البيهقي ( التلبية حتى يرمي جمرة العقبة )
(3) ص 370 ج 7 فتح العزيز شرح الوجيز .
(4) ص 451 ج 2 – الشرح الكبير .
(5) ص 127 ج 5 سنن البيهقي ( التلبية حتى يرمي جمرة العقبة ) .(1/70)
وقال : هذا حديثٌ صحيح مفسر لما أُبْهِمَ في الروايات الأُخرى وأَن المراد حتى أَتَمَّ رَمْى جمرة العقبة . لكن هذا ليس بمتعين ، لقوله في الرواية الأولَى : فلَمْ يَزَلْ يُلَبِّى حتى بَلَغَ الجمرة . وقوله في حديث ابن مسعود : حتَّى رَمَى جمرةَ العقبةِ بأَوَّلِ حصاةٍ ، قال البيهقى : تكبيره مع كل حصاةٍ كالدليل على قطعة التلبية بأَول حصاةٍ . وقوله : يُلَبِّى حتى رَمَى الجمرةَ أَراد به حتى أَخَذَ في رَمْيها ( وقال ) مالك : يُلَبِّى حتى يدخل مكة فيقطعها حتى يطوف ويَسْعَى , ثم يُعَاوِدُها حتى زوال الشمس يوم عرفة ثم يقطعها , لقول نافع: كان عبد الله بن عمر يقطَعُ التلبيةَ في الحجِّ إذا انتهى إلى الحرم حتى يطوف بالبيت وبين الصَّفَا والمرْوَةَ ثم يُلَبِّى حتى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إلى عرفة ، فإذا غَدا ترك التلبية . أخرجه مالك (1) { 20 }
( وعن ) عَلِىّ رضي الله عنه أَنه كان يُلَبِّى في الحجِّ حتى إذا زاغت الشمسُ من يوم عرفة قَطَعَ التلبية . أَخرجه مالك (2) { 21 }
وقال : وذلك الأمر الذي لم يَزَلْ عليه أَهلُ الْعِلْم ببلدنا (3) .
وهذا مَرْدُودٌ بما تَقَدَّم من الأحاديث الصحيحةِ الدَّالَّةِ على أَن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مازال يُلَبِّى حتى بلغ جمرة العقبة . قال ابن العربي : وهذه كلها آراء وأصحها حديث الفَضْل المذكور (4) .
(
__________
(1) ص 173 ج 2 زرقاني الموطإ ( قطع التلبية ) . و (يطوف ) يعني طواف القدوم .
(2) ص 173 ج 2 زرقاني الموطإ ( قطع التلبية ) . و (يطوف ) يعني طواف القدوم .
(3) ببلدنا ) يعني المدينة المنورة .
(4) تقدم رقم 81 ص 60 .(1/71)
أَما المعتمر ) فيقطَعُ التلبيةَ إِذا استلم الحجَر الأَسْود ؛ لحديث ابن عباس أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُلَبِّى المعتمر حتى يستلم الحَجَر . أخرجه أبو داود وأخرجه نحوه الترمذي والبيهقى (1) { 84 }
وظاهرة أنه يُلَبِّى حال دخوله المسجد وبعد رُؤْيةِ البيت وحال مَشْيه حتى يشرع في استلام الحجَر ثم يقطَعُ التلبية . ويستثنى منه الأوقات التي ورد فيها دعاءٌ مخصوص . وبهذا قال الأئمة الثلاثة والجمهور ( وقال ) مالك : إِنْ أَحْرَمَ بالعمرة من الميقات قَطَعَ التلبية بدخولِ الحرَم , وإِنْ أَحْرَمَ مِنَ الجِعرَّانة أَو التنعيم قطعها إذا دخل بيوت مكة (روى) نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يترك التلبية في الُعْمرة إذا دخل الحرم . أخرجه مالك (2) {22}
قال الُّزرقاني : وبه قال مالك في المحرم من الميقات ( وقال ) مجاهد : كان ابن عمر يُلَبِّى في العمرة حتى إِذا رَأَى بيوتَ مكة ترك التلبية وأَقبل على التَّكْبير والذِّكْر حتى يَسْتَلم الحجر . أخرجه البيهقى (3) { 23 }
ودليل الجمهور أَقْوَى .
__________
(1) انظر رقم 94 ص 119 ج 1 تكملة المنهل العذب ( متى يقطع المعتمر التلبية ؟) وباقي المراجع بهامش م ص 120 منه .
(2) ص 173 ج 2 زرقاني الموطإ ( قطع التلبية )
(3) ص 104 ج 5 سنن البيهقي ( لا يقطع المعتمر التلبية حتى يفتح الطواف )(1/72)
6- ما يقال بعد التلبية : يُسْتَحَبُّ الدُّعاء والصَّلاَة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التلبية , لما رََى خُزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا فرغ من تَلْبِيتِه سَأَلَ الله عز وجل رضوانه ومَغْفِرتَهُ واسْتَعَاذَ برحمتِه مِنَ النَّارِ ( روى ) عمارة بن خُزيمة بن ثابت عن أَبيه : أَن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيتِه سَأَلَ الله رضوانه وَمَغْفِرَتَهُ واستَعَاذَ برحمتِه مِنَ النَّار . وقال القاسم بن محمد : كان يُؤْمَر ( يعنى المحرم ) إذا فرغ من تلبيته أَن يُصَلِّى على النبي صلى الله عليه وسلم . أخرجه البيهقى (1) { 85 }
( وقال ) خُزيمة بن ثابت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من تلبيتِه سَأَلَ الله تعالى مَغْفِرَتَهُ ورضوانه واسْتَعْتَقَهُ مِنَ النَّار . أخرجه الطبراني في الكبير ، وفيه صالح بن محمد بن زائدة وثقه أحمد وضعفه غيره (2) { 86 }
( الرابع ) ما يحل للمحرم : يحل للمحرم سبعة أُمور .
__________
(1) ص 46 ج 5 سنن البيهقي ( ما يستحب من القول في أثر التلبية )
(2) ص 224 ج 3 مجمع الزوائد ( الإهلال والتلبية ) .(1/73)
1- الاغتسال : يباح للمحرم بحجّ أَو عُمْرَةٍ غَسْلُ رَأْسِه وبَدَنِه بِرِفْقٍ , لحديث عبد الله بن حُنَيْن أَنَّ ابن عباس والمِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ , اختلفا بالأَبْوَاءِ فقال ابنُ عباس : يَغْسِلُ المحرِمُ رَأْسَهُ . وقال المسَوَر : لا يَغْسِل , فأَرْسَلَني ابنُ عباس إلى أبي أَيُّوبَ الأنصاريّ فوجَدْتُه يَغْتَسِلُ بين القرنين وهو يَسْتَتِرُ بثَوْبٍ فَسَلَّمْتُ عليه ، فقال : مَنْ هذا ؟ فُقْلتُ : أَنا عبد الله بن حُنَيْن أَرسَلَنى إِليك ابنُ عباس يَسْأَلُكَ كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَأْسَهُ وهو مُحْرِم ؟ فوضع أَبو أَيُّوبَ يَدَهُ على الثَّوْبِ فطأْطأَهُ حتى بَدَا لي رَأْسَهُ , ثم قال لإنسانٍ يَصُبّ عليه الماءَ : اصْبُبْ , فَصَبَّ على رأْسِه ثم حَرَّكَ رَأْسَهُ بيَدَيْهِ فأقبل بهما وأدبر فقال : هكذا رأيته صلى الله عليه وآله وسلم يفعل . أخرجه الشافعي والجماعة إلا الترمذي (1) { 87 }
فهو يَدُلُّ على جواز اغتسالِ المحرم . وقد أجمعوا على أنه يغتَسِلُ من الجنابة . واختلفوا في غسله تبرداً , وفي دَلْكِ رَأْسِه بيده إذا أمِنَ سقوط شعر منه . فقال الحنفيون والشافعي وأحمد والجمهور : يجوز بلا كراهة لهذا الحديث . ( روى ) عكرمة أن ابن عباس رضي الله عنهما دخل حماماً وهو بالجحفة وهو مُحرم ، وقال : ما يَعْبَأُ الله بأَوْساخنا شيئاً . أخرجه البيهقى وابن أبى شيبة (2) { 24 }
(
__________
(1) انظر رقم 116 ص 152 ج 1 تكملة المنهل العذب ( المحرم يغتسل ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 155 منه . و ( الأبواء ) بفتح الهمزة وسكون الباء , قرية شمال الجحفة . بها قبرا آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم . و ( القرنان ) خشبتان قائمتان على رأس البئر ؛ أو بناءان تمد بينهما خشبة البكرة .
(2) ص 63 ج 5 سنن البيهقي . ( دخول الحمام في الإحرام ) و ص 31 ج 3 نصب الراية.(1/74)
وقال ) ابن عباس رضي الله عنهما : المحرم يَشُمُّ الرَّيْحَانَ ويدخل الحمامَ ويَنْزِعُ ضِرْسَهُ ويَفْقَأُ القُرْحة ، وإذا انْكَسَر ظُفره أَماطَ عنه الأذَى . أخرجه الدار قطني والبيهقى بسند صجيح . وقال المنذرى : حسن ورجاله ثقات (1) { 25 }
( وقال ) مالك : يُكْرَهُ للمحرم الغسل بلا جَنابة , لما رَوَى نافع أن عبد الله ابن عُمر كان لا يغسل رَأْسَه وهو مُحْرم إلاَّ مِنَ الاحتلام . أخرجه مالك (2) { 26 }
وقال : سمعتُ أهل العِلْم يقولون : لاَ بَأْس أن يَغْسِلَ الرَّجُل المحرم رَأْسَهُ بالغَسُول بعد أن يَرْمِى جَمْرَةَ العقبة وقبل أن يحلق رأسه . وذلك أنه إذا أراد رمى جمرة العقبة فقد حَلَّ له قَتْل الْقُمَّل وحَلْقُ الشَّعر وإَلقَاءُ التَّفَث ولبس الثِّيَاب (3) . هذا . ويجوزُ للمحرم غَسْلُ رَأْسِه بالسدر والخطمىّ مع الكَرَاهَةِ عند الشافعية أن لم يَنْتِف شَعْراً ولا فِدْية عليه . وروى عن أَحمد . ( وقال ) أَبو حنيفة ومالك : يحرم ما ذكر وفيه الْفِدْية . وقال أَبو يوسُف ومحمد: عليه صدقة , لأن الخطمىّ تُسْتَلَذُّ رائحتُه ويُزيل الشَّعَث ويقتل الهوامَّ , فوجَبَتْ فيه الْفِدْية كالْوَرْس .
__________
(1) ص 261 سنن الدارقطني . وص 63 ج 5 سنن البيهقي ( دخول الحمام في الإحرام ).
(2) ص 147 ج 2 زرقاني الموطإ ( غسل المحرم ) .
(3) الغسول كصبور وهو كالغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من سدر وخطمي ونحوهما . و ( التفث ) بفتح الفاء ,الوسخ .(1/75)
2- تظلل المحرم : يجوزُ للمحرم التظلُّلِ بثّوْبٍ ونحوه من حَرّ أَو غيره , لقول أَمّ الحُصَين رضي الله عنها: حَجَبْتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الوداع , فرأَيْتُ أُسامة بن زَيْدٍ وبِلاَلاً وأَحَدُهما آخِذٌ بخِطام ناقِة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ حتى رَمَى جَمْرَةَ العقبة . أخرجه احمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي (1) { 88 }
( وقال ) عبد الله بن عامر : خرجتُ مع عُمر رضى الله عنه فكان يطرح النَّطْعَ على الشجرةِ فيستظلُّ به ، يَعْنى وهو مُحْرِم . أخرجه ابن أبي شيبة (2) { 27 }
( ولذا ) قال الحنفيون والشافعي : يُبَاحُ للمحرم أن يُظَلِّلَ رَأْسَهُ بثَوْبٍ ومِظَلة ومِحْمَل ونحوها مَّما لا يصيب رَأْسَهُ أَو وَجْهَهُ .
(
__________
(1) ص 402 ج 6 مسند أحمد ( حديث أم الحصين الأحمسية ... ) وانظر رقم 110 ص 146 ج 1 تكملة المنهل العذب ( المحرم يظلل ) وباقي المراجع بهامش 4 ص 147 منه .
(2) ص 33 ج 3 نصب الرواية ( تظلل المحرم ) و ( النطع ) بفتح النون وكسرها وفتح الطاء وسكونها , ما يتخذ من جلد .(1/76)
وقال ) أحمد : يُبَاُح له أن يُظَلِّلَ رَأْسه بثَوْب ونحوه , ويُكْرَهُ تنزيهاً الاستظلال بالهودج ونحوه (وقالت) المالكية : يباح للمحرم اتقاءَ الشمس والريح والمطر والبرد عن وجهه أَوْ رأْسِه بغير ملتصق بهما ، بل بمرتفع ثابتٍ كبناءٍ وخِباءٍ وشَجَرٍ وسَقْفِ ويَدٍ وإِنْ كان المتقى في محمل مقبب بقبةٍ ثابتةٍ بقسمِير ونحوه , كما يجوزُ الاستظلال بالبعير . وإِن كان المحمَل غير مقبب بأَن رفع عليه ثوباً واستتر به فيفتدى وجوباً أَو ندباً وإِن كان مريضاً وكذا يفتدى لو أَلصق يده أَو غيرها برأْسِه أَوْ وَجْهِه إِن طال الإِلصاق . ويجوز الاتقاءَ بثوبٍ ونحوه يُنْصَبُ على عصا , ومنه المظلة والبرد لا في غيرهما كريحٍ وشمس فلا يجوزُ سائراً اتفاقاً ولا نازلاً عند مالك لأنه لا يثبت . وهذا التعليل يقتضى أن الثوب إذا ربط بحبالٍ وأَوتادٍ يجوز الاستظلال به لأنه حينئذ كالخباء (1) ( قال ) البيهقي : حديث أُمِّ الحصين حديث صحيح , يعنى أن الراجح القول بجواز استظلال المحرم مطلقاً لقوة دليله . هذا وأجمعوا على أنه لو قَعَدَ تحت خَيْمَةٍ أو سقفٍ جاز . وإِن دخل تحت أستار الكعبة حتى غَطَّتْهُ فإِن كانت لا تُصِيب رأْسَهُ ولا وَجْهَهُ فلا بأْس ، وإلاَّ كره تحريماً .
3- الحجامة : يجوزُ للمحرم الحجامة لضرورةٍ بلاَ إزالة شعر , لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وهو مُحْرِم في رَأْسِه مِنْ صُدَاعٍ وَجَدَهُ . أخرجه السبعة والبيهقى (2) { 89 }
__________
(1) انظر ص 751 وما بعدها ج 1 – الفجر المنير .
(2) انظر رقم 111 , 112 وهامش 4 ص 148 ج 1 تكملة المنهل العذب ( المحرم يحتجم )(1/77)
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو مُحْرم على ظهر القَدَم من وَجَعٍ كان به . أخرجه احمد وأبو داود والنسائي والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين (1) { 90 }
دَلَّ ما ذُكرِ على جواز الحجامة للمحرم لِعُذْرٍ . وعليه أجمع العلماءُ وعلى جوازِ الفَصْدِ ورَبْطِ الْجُرْح والدمل وقطع الْعِرْقِ وقَلْع الضرس وغير ذلك من وجُوِه التَّدَاوِي إذا لم يكُنْ فيه ارتكاب ما نُهِى عنه المحرم من تناوُلِ الطيبِ وقطع الشَّعْر , ولا فِدْيَةَ عليه في شئ من ذلك .
4- شد الهميان : هو بكسر فسكون , ما تجعل فيه النقود . ويجوز للمحرم شَدُّهِ في وسطه ولو كان ما فيه نقود غيره عند الحنفيين والشافعي وأحمد والجمهور , كما يجوزُ له التَّخَتُّم وشَدِّ ساعٍة على ساعِدِهِ واتخاذ موضع لحفظِ النقودِ بالإزَارِ , لقول ابن عباس رضي الله عنهما:لا بَأْس بالْهِمْيَان والخاتم للمحرم . أخرجه البيهقي(2) {28}
وأخرج نحوه عن عائشة رضي الله عنها ( وقالت ) المالكية : يجوزُ شَدّ الْهِمْيَان لنفَقَتِه فقط , فلا يجوزُ شَدُّهُ فارِغاً أو للتجارة أو لنفقةٍ غيره فقط , فإن فَعَلَ هذا افْتَدَى , ويُشَدُّ على الجلد تحت الإزار . فأن شده فوقه افتدى . ويشد بإدخال أطرافه أثقابه . وأن شده لنفقته ونفقة غيره فلا بأس . فإنْ فرغت نفقته دون نفقة الغير وجب ردها له أن أمكن وإلا افتدى (3) وهذا التفصيل لا دليل عليه . فالراجح مذهب الجمهور .
__________
(1) انظر رقم 113 ص 149 منه وباقي المراجع بهامش 1 ص 150 منه .
(2) ص 69 ج 5 سنن البيهقي ( المحرم يلبس المنطقة والهميان للنفقة ).
(3) انظر ص 753 ج 1 – الفجر المنير .(1/78)
5- الاكتحال : يجوز للمحرم الاكتحال بغير مُطَيَّبٍ لعذر ، لما روى عثمان بن عفان رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم – إذا اشتكى عينيه – يَضْمُدهما بالصَّبر . أخرجه الدارمى وأخرج نحوه احمد ومسلم والثلاثة (1) { 91 }
( وقال ) نافع : كان ابن عُمر رضي الله عنهما إذا رَمِدَ وهو مُحْرم أَقطر في عينيه الصَّبِرَ إَقطاراً وقال : يكتحل المحرم بأي كحل إذا رَمِدَ ما لم يكتحل بطيب ومن غير رمد . أخرجه البيهقي (2) { 29 }
( وقالت ) شُميسة : اشتكَتْ عيني وأنا مُحْرِمة , فسأَلْتُ عائشة عن الكحل فقالت : اكتحلي باى كحل شِئْتِ غير الإثمد أو قالت : غير كل كحل أسود ، أما إنه ليس بحرام ولكنه زِينة ونحن نكرهه وقالت : أن شئت كحّلتك
بصبر ، فأَبَيْتُ . أخرجه البيهقي (3) { 30 }
ولذا أجمع العلماءُ على جواز الكحل للمحرم للتَّدَاوِي لا للزِّينة .
6- نظر المحرم في المرآة : هُوَ مُبَاحٌ اتفاقاً إذا لم يَكُنْ للزِّينة ( قال ) ابن عباس : لا بَأْس أن ينظر في المرآه وهو مُحْرِم . أخرجه البيهقي (4) { 31 }
وعن نافع عن ابن عمر أنه نظر في المرآه وهو مُحْرم . أخرجه البيهقي (5) { 32 }
(
__________
(1) ص 71 ج 2 سنن الدارمي ( ما يصنع المحرم إذا اشتكى عينيه ) وانظر رقم 114 ص 150 ج 1 تكملة المنهل العذب ( يكتحل المحرم ) وباقي المراجع بهامش 1 و 2 ص 152 منه . و ( يضمد ) بتخفيف الميم من بابي نصر وضرب . وبشدها . أي يضع عليهما الدواء . و ( الصبر ) بكسر الباء ويسكن , الدواء المعروف .
(2) ص 63 ج 5 سنن البيهقي ( المحرم يكتحل بما ليس بطيب ) .
(3) ص 63 ج 5 سنن البيهقي ( المحرم يكتحل بما ليس بطيب ) .
(4) ص 64 منه ( المحرم ينظر في المرآة ) .
(5) ص 64 ج 5 من سنن البيهقي .(1/79)
وقال ) أحمد : إذا كان يُرِيدُ بالنظر زِينَةٌ فلا . قِيلَ : فكيف يريد زِينَةٌ ؟ قال : يريد شعرة فَيُسَوِّيها . فإن نَظَرَ فيها لحاجة كمداواة جُرْحٍ أو إزالة شَعْرٍ يَنْبُت في عَيْنِه ونحوه مما أباح الشَّرْعُ له فعله ، فلا بَأْس ولا فِدْيةَ عليه بالنظر في المرآة على كل حال.
7- ويباح للمحرم وغيره قتل الغراب والحدأَة والحيَّة والعقرب والسَّبُع والنَّمِر والذئب والفأْرة والكلب العقور ( قالت ) حَفْصَةُ زَوْجُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خَمْسٌ مِنَ الدَّواب كلُّها فاسِق لا حَرَجَ على مَنْ قتلهنَّ : الْعَقْرَبُ والْغَراب والحدأَة والفأر والكلب العقور . أخرجه مسلم والبيهقي . وأخرج نحوه احمد والبخاري وكذا أبو داود والنسائي عن ابن عمر (1) { 92 }
( وعن ) سعيد بن المَسَّيبِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يَقْتُلُ المحرم الحيَّةَ والذئب . أخرجه أبو داود في المراسيل وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بسند رجاله ثقات (2) { 93 }
(
__________
(1) ص 116 ج 8 نووي مسلم ( ما يندب للمحرم وغيره قتله .. ) وص 210 ج 5 سنن البيهقي ( ما للمحرم قتله من الدواب ... ) وص 285 ج 6 مسند أحمد ( حديث حفصة أم المؤمنين .. ) وانظر رقم 123 ص 162 ج 1 تكملة المنهل العذب ( ما يقتلا لمحرم من الدواب ) وباقي المراجع بهامش 2 ص 165 منه .
(2) ص 265 , 266 ج 11 بلوغ الأماني شرح الفتح الرباني .(1/80)
وعن ) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : ما يقتل المحرم ؟ قال : الحية والعقرب والفويسقة ويرمي الغراب ولا يقتله والكلب العقور والحدأة والسبع العادي . أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي والترمذي وقال : هذا حديث حسن والعمل على هذا عند أهل العلم (1) { 94 }
وفي سنده يزيد أبي زياد وهو ضعيف وأن أخرج له مسلم .
دلت هذه الأحاديث على أن ما يباح للمحرم قتله ثمانية :
... 1- الكَلْبَ العَقُور , والمراد به عند الجمهور كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب , لقوله تعالى : { يسألونك ماذا أحل لهم ؟ قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين } (2) فاشتقها من اسم الكلب ( وقال ) الحنفيون : المراد به الكلب خاصة ، ولا يلحق به في هذا الحكم سوى الذئب .
... 2- والغراب الأبقع , وهو الذي في ظهره أو بطنه بباض .
... 3- والعقرب ويقال للذكر والأنثى , وقد يقال للأنثى عقربة ، وللذكر عقربان . وقيل : العقربان , دويبة طويلة كثيرة القوائم .
__________
(1) ص 136 ج 2 سنن ابن ماجه ( ما يقتل المحرم ) وانظر رقم 123 ص 166 ج 1 تكملة المنهل العذب ( ما يقتل المحرم من الدواب ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 167 منه ( والفويسقة ) تصغير فاسقة . وهي الفأرة . سميت فاسقة لكثرة إفسادها . قال يزيد بن أبي زياد : قلت لأبي سعيد : ولم سميت الفأرة الفويسقة ؟ قال : استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فقام إليها فقتلها وأحل قتلها . أخرجه الطحاوي ( انظر ص 385 ج 1 شرح معاني الآثار ) .
(2) المائدة : 4 . والمعنى : وأحل لكم صيد ما علمتموه من الكواسب للصيد – وهي سباع البهائم والطير كالكلب والصقر – حال كونكم مكلبين أي معلمين الجارحة. ويتحقق تعلمها في ذي الناب بترك الأكل من الصيد ثلاثاً متوالية . وفي ذي المخلب بالرجوع إذا وعى بعد الإرسال .(1/81)
4- والحدأة كعنبة (1) والتاء فيه للوحدة , وروى الحدأ بكسر ففتح فهمز بلا مد .
5- والفأرة بهمزة ساكنة وتسهل . أجمع العلماء على جواز قتلها للمحرم ( وعند ) المالكية خلاف في جواز قتل الصغير منها الذي لا يؤذي .
6- والحيَّةُ أجمعوا على جواز قتلها في الحل والحرم .
7- والذئب وقد ألحقه الحنفيون بالكلب لنه كلب برى .
8- والسبع الذي يعدو بنابه على غيره . وهو يشمل كل حيوان مفترس الذئب والنمر والفهد والأسد . فللمحرم قتل ما ذكر ولا جزاء عليه .
(الخامس) محرمات الإحرام : أي ما يحرم بسببه ، وهو قسمان :
(أ) ما يفعله المحرم خاصَّا به وهو الجماع ودواعيه ولبس لمخيط وإزالة الشعر وقلم الأظافر والتطيب وتغطية الرأس والوجه وعقد النكاح .
(ب) وما يفعله لغيره وهو إزالة شعر الغير والتعرض لصيد البر ولو في الحل . وأما قطع شجر الحرم فحرمته لا تختص بالمحرم . وهاك البيان :-
يحرم بالإحرام تسعة عشر أمراً.
(1) الجماع ودواعيه كالتقبيل واللمس بشهوة والتعرض للنساء بفحش القول.
(2) والخروج عن طاعة الله تعالى وهو قبيح في ذاته وفي حالة الإحرام أقبح .
(3) والمخاصمة مع الرفقة والخدم وغيرهم .
__________
(1) وفتح الحاء فيه خطأ .(1/82)
وهذا كله مجمع على تحريمه لقوله تعالى : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } (1) وهو نهى بصيغة النفي كأنه قيل : فلا يكوننَّ في الحج رفث ولا فسوق ولا جدال .
__________
(1) البقرة من آية : 197 وصدرها : الحج أشهر معلومات . و ( الرفث ) الجماع . وقال ابن عباس : هو غشيان النساء والقبلة والغمز وأن يتعرض لها بفحش القول . و ( الفسوق ارتكاب المعاصي . و ( الجدال ) الماء والمخاصمة مع الرفقة والخدم إلا أن يستعقب خادما لأمر ارتكبه أو يضر به لإهمال وقع منه , فلا بأس , لقول أسماء بنت أبي بكر : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجا حتى إذا كنا بالعرج نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست عائشة إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم وجلست إلى جنب أبي. ولأبي لكر غلام جلس ينتظره إلى = = أن يطلع عليه فطلع , ليس معه بعيره , فقا : أين بعيرك ؟ فقال أضللته البارحة , فقال أبو بكر : بعير واحد تضله ؟ فطفق يضربه والنبي صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول : انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع ؟ أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي بسند رجاله ثقات .وفيه ابن إسحاف مدلس وقد عنعن ( انظر المراجع بهامش 1 ص 122 ج 1 تكملة المنهل العذب ) هذا ويستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم : انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع ؟ أن الولى للمحرم ترك عتاب الخادم إذا ارتكب ما يعاب .(1/83)
4- لبس المخيط : وهو ما يحيط بالجسد أو بعضه بخياطة أو غيرها . فيحرم على الرجل المحرم لبسه إلا النعل الذي لا يغطى المفصل الذي في وسط القدم . قلا يلبس قميصاً ولا سراويل ولا قباء ولا قلنسوة ولا عمامة ولا قفازاً ولا خفين إلا ألا يجد نعلين فيقطع الخفين اسفل من الكعبين ، لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : ما يلبس المحرم ؟ فقال : لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويل ولا ثوباً مسه ورسٌ ولا زعفرانٌ ولا خفَّين إلا ألا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين . أخرجه الشافعي والجماعة والدارمي والدار قطني والبيهقي (1) { 95 }
__________
(1) ص 147 ج 2 زرقاني الموطإ ( ما ينهي عنه من لبس الثياب في الإحرام ) وص 191 ج 11 – الفتح الرباني . وص 258 ج 3 فتح الباري ( ما لا يلبس المحرم من الثياب ) وص 8 ج 2 مجتبي ( النهي عن الثياب المصبوغة .. ) وص 86 ج 2 تحفة المحرم ..(1/84)
والمراد بالكعبين العظمان الناتئان عند مفصل السَّاق والقدم عند الجمهور ( وقال ) محمد بن الحسن : الكعب هنا العظم الذي في وسط القدم عند مقعد الشراك . حمله على هذا احتياطاً . وقد اجمعوا على أن المذكور في الحديث مختص بالرَّجُل دون المرأة . فلا يحرم عليها إلا الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس والنقاب والقفازان , لحديث ابن عمر رضي عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفَّازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبطت من ألوان الثياب معصفراً أو خز أو حلياً أو سراويل أو قمصا أو خفا . أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم بسند رجاله رجال الصحيح إلا ابن إسحق وهو حجة (1) { 96 }
فلا يجوزُ للمحرم لبس شئ مما ذكر إجماعاً .
هذا . وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم :
(
__________
(1) وص 32 ج 2 سنن الدارمي . وانظر رقم 100 ص 128 ج 1 تكملة المنهل العذب ( ما لا يلبس المحرم ) وباقي المراجع بهامش 7 ص 132 منه . و ( البرانس ) جمع برنس بضم فسكون . وهو كل ثوب رأسه منه أو قلنسوة طويلة . و ( السراويل ) فارسي معرب . وهو ثوب خاص بالنصف الأسفل من البدن . و ( الورس ) بفتح فسكون . نبت أصفر طيب الريح يصبغ به .
( ) ص 486 ج 1 مستدرك . وانظر رقم 104 ص 137 ج 1 تكملة المنهل العذب ( ما لا يلبس المحرم ) وهامش 3 ص 139 منه . و ( القفاز) بضم القاف وشد الفاء , جورب اليدين . و ( النقاب ) ما يستر الوجه . ومنه البرقع الذي فصل لستر الوج . وقيل هو الخمار الذي يشد على الأنف . و ( الخز ) بفتح فشد , ثياب تنسج من صوف وإبرايسم أو إبرايسم فقط , وهو نوع من الحرير . و ( الحلي ) بفتح الحاء وسكون اللام . وبضم الحاء وكسر اللام وشد الياء , ما تتحلى به المرأة من سوار وغيره .(1/85)
1) بالقميص والسراويل على ما في معناهما ، وهو ما كان محيطاً أو مخيطاً معمولا على قدر البدن أو عضو منه كالقباء والجبة والقفازين ، لقول يعلى بن أمية : رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابياً قد أحرم وعليه جبة فأمره ينزعها . أخرجه الترمذي (1) ... ... ... ... ... ... ... { 97 }
(ب) ونبه النبي صلى الله عليه وسلم بالعمامة والبُرنس على كل سائر للرأس مخيطا أو غيره حتى العصابة فإنها حرام , فإن احتاج إليها لشجة أو صداع أو نحوهما شدها ولزمته الفدية .
(ج) ونبه بالخفين على كل ساتر للرجل من حذاء وجورب وغيرهما . وهذا في حق الرجال .
(د) ونبه بالورس والزعفران على ما في معناهما وهو الطيب ، فيحرم على الرجل والمرأة جميع أنواع الطيب في الإحرام .
(
__________
(1) ص 87 ج 2 تحفة الأحوذي ( الذي يحرم وعليه قميص ... ) .(1/86)
وحكمة ) تحريم اللباس المذكور على المحرم وأمره بلبس الإزار والرداء أن يبعد عن الترفه ويظهر بمظهر الخاشع الذليل , وليتذكر كل وقت أنه محرم فيكثر من أذكار الإحرام ويجتنب محظوراته ، وليتذكر به الموت ولباس الأكفان ، وليتذكر البعث والناس حفاة عراة مهطعين إلى الداعي ، وأجمعوا على تحريم لباس ما صبغ بالزعفران أو الورس ونحوهما مما يقصد به الطيب . هذا ، ومن لم يجد إزار ولا نعلين , يشق السراويل ويقطع الخف أسفل من الكعبين عند الحنفيين ومالك . وإذا لبس كلا على حاله لزمته الفدية , لقوله صلى الله عليه وسلم : إلا ألا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين (1) . ( وقال ) الشافعي : لا يشق السراويل ويقطع الخف أسفل من الكعبين . وروي عن أحمد : وإذا لبس كلاٌّ على حاله لا فدية عليه , لأنه لو وجبت فدية لبينها النبي صلى الله عليه وسلم . والمشهور عن أحمد أن من لم يجد إزاراً ولا نعلا يلبس السراويل والخف على حالهما ولا فدية عليه , لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات وقال : إذا لم يجد المحرم إزاراً فليلبس السراويل ، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين . أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان والبيهقي والدارمي . وكذا أبو داود والنسائي مختصراً (2) { 98 }
(
__________
(1) هذا عجز الحديث رقم 95 ص 72 .
(2) انظر رقم 105 ص 141 ج 1 تكملة المنهل ( ما يلبس المحرم ) وباقي المراجع بهامش 4 منه .(1/87)
وأجاب ) الأوَّلون : بأن هذا المطلق محمول على المقيد بقطع الخفين ، ويؤيده أن حديث ابن عباس روى موافقا لحديث ابن عمر في قطعهما ( فقد ) روى جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا لم يجد إزاراً فليلبس السراويل وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين . أخرجه النسائي بسند صحيح (1) { 99 }
والزيادة من الثقة مقبولة ، فالأولى قطع الخفين عملا بالحديث الصحيح وخروجا من الخلاف وأخذا بالاحتياط .
( فائدتان ) ( الأولى ) قيدوا اللبس الممنوع منه المحرم بالمعتاد ، فلو ارتدى القباء أو ائتزر القميص جاز ، ولو لبس القباء ولم يدخل يديه في كميه ولم يزرّه جاز مع الكراهة , ولا دم عليه عند الحنفيين وأحمد ( وقال ) مالك والشافعي : عليه الفدية , لقول نافع : وجد ابن عمر القرَّ وهو محرم فقال : ألق على ثوباً ، فألقيت عليه برنساً فأخرجه وقال : تلقى على ثوباً قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبسه , أخرجه أحمد وأبو داود بسند جيد. وأخرجه البيهقى نحوه (2) { 33 }
( وأجاب ) الأولون بأن هذا من ورع ابن عمر وتوقيه , كره أن يلقى عليه البرنس ، وسائر العلماء إنما يكرهون لبسه مع إدخال يديه في كميه .
(
__________
(1) ص 10 ج 2 مجتني ( الرخصة في لبس الخفين في الإحرام لمن لا يجد نعلين ) .
(2) انظر أثر 6 ص 140 ج 1 تكملة المنهل العذب وباقي المراجع بهامش 1 ص 141 منه . و ( القر ) بضم فشد , البرد الشديد .(1/88)
الثانية ) دل حديث ابن عمر رقم 96 (1) ( أولاً ) على أنه يحرم على المرأة المحرمة لبس القفازين . وبه قال مالك وأحمد وهو الأصح عن الشافعي والمشهور عند الحنفيين ( وقال ) محمد بن الحسن : يجوز للمرأة المحرمة لبس القفازين ، وهو رواية المزني عن الشافعي وقول لمالك مستدلين بحديث ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه . أخرجه الدارقطني والبيهقى بسند فيه مقال (2) { 100 }
والراجح القول الأول , فأن حديث ابن عمر دلَّ بمنطوقه على تحريم لبسها القافزين . وحديث إحرام المرأة في وجهها يدل مفهومه على جواز القفازين . وحديث إحرام المرأة في وجهها يدل مفهومه على جواز القفازين . ودلالة المنطوق أقوى سيمّا وأن حديث ابن عمر صحيح , وحديث إحرام المرأة في وجهها ضعيف .
( ثانيا ) دلَّ حديث ابن عمر على أنه يجوز للمحرمة لبس المعصفر ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون : لا تلبس المعصفر ، وهو المصبوغ بالعصفر إلا إذا كان غسيلا لا ينفض ولا يوجد له ريح .
5- لبس ما صبغ بمطيب : ويحرم على المحرم ولو أنثى لبس ثوب صبغ بما له رائحة طيبة كورس أو زعفران اتفاقاً , إلا أن كان غسيلا لا ينفض ولا يوجد ريحه ، فيحل لبسه للمحرمة عند غير مالك , لما روى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تلبسوا ثوباً مسه ورس أو زعفران أن يكون غسيلا , يعني في الإحرام . أخرجه ابن عبد البر والطحاوي (3) { 101 }
(
__________
(1) تقدم ص 73
(2) ص 286 سنن الدراقطني . وص 47 ج 5 سنن البيهقي ( المرأة لا تنتقب في إحرامها .. ) .
(3) ص 269 , 370 ج 1 شرح معاني الآثار ( لبس ثوب منه ورس أو زعفران في الإحرام )(1/89)
وقال ) مالك : يكره لبس المزعفر ونحوه إلا أن يكون غسل وذهب لونه، فقد سئل عن ثوب مسه طيب ثم ذهب ريح الطيب منه هل يحرم فيه ؟ قال : نعم لا بأس بذلك ما لم يكن فيه إصباغ أو ورس.ذكره في الموطإ (1)
6- التطيب : يحرم على المحرم ولو أنثى التطيب في الثوب والبدن إجماعاً , لما روى أسلم مولى عمر أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب بذي الحليفة فقال : مَّمِنْ هذا الريح ؟ فقال معاوية : مِنِّى ، أم حبيبة طببتني . فقال عمر : عزمت عليك لترجعنَّ فلتغْسِلَنَّه . أخرجه مالك وأحمد والبزار وزاد بعد الأمر بغسله : فأني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : الحاجُّ الشَّعِث التَّفِل . ورجال أحمد رجال الصحيح ؟ (2) { 102 }
وإذا تطيب أو لبس ما نهى عنه , لزمته الفدية إن كان متعمداً بالإجماع , وكذا إذا كان ناسياً عند الحنفيين ومالك .
( وقال ) الشافعي وأحمد : لا فِدْيةَ على الناسي لما تقدم في حديث يعلى ابن أمية من قوله صلى الله عليه وسلم له : تنزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة (3) لم يأمره بالفدية وقد لبس في إحرامه جاهلا . والناسي في معناه ( وأجاب ) عنه الحنفيون ومالك بأنه كان قبل التحريم ، فلذا لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالفدية . وأما بعد التحريم فلا فرق بين الجاهل والناسي والعامد ، فمن غطى رأسه ولو ناسيا يوما إلى الليل ، فعليه الفدية عند الحنفيين ، وأن كان أقل من ذلك فعليه صدقة ، وعن مالك يلزمه صدقة إذا أنتفع بذلك أو طال لبسه .
__________
(1) ص 151 ج 2 زرقاني الموطإ ( لبس الثياب المصبغة في الإحرام ) .
(2) ص 156 منه ( الطيب في الحج ) وص 218 ج 3 مجمع الزوائد ( الطيب عند الإحرام ) و ( الشعت ) بكسر العين مغبر الرأس لعدم تعهده. و ( التفل ) بكسر الفاء تارك الطيب حتى توجد منه رائحة كريهة .
(3) تقدم رقم 64 ص 47 .(1/90)
7- الدهان : ويحرم على المحرم دهن رأسه وبدنه بزيت أو شيرج عند الحنفيين لما فيه من الزينة والحاج أشعت أغبر ( روى ) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم : انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا . وأخرجه البيهقي (1) { 103 }
( وقال ) مالك : لا يجوزُ للمحْرِم أن يدهن أعضاءه الظاهرة – كالوجه واليدين والرجلين – بزيت أو شيرج أو سمن ، ويجوز دهن الباطنة ، وهي ما يوارى باللباس لعدم ظهور الزينة ( وقالت ) الشافعية : يحرم استعمال ما ذكر في شعر رأسه ولحيته ويجوز في بدنه , لحديث فرقد السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدهن عند الإحرام بالزيت غير المقتت . أخرجه أحمد والبيهقى والترمذي وقال : مقتت : مطيب هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي ، وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد وروي عنه الناس (2) {104}
وقال الحافظ في التقريب : فرقد بن يعقوب السبخى بفتحتين وخاء معجمة , صدوق عابد ، لكنه لَيِّن الحديث كثير الخطأ .
وإذا لم يثبت الحديث تعين المصير إلى حديث آخر ، وهو أن الشرع إنما منع المحرم من استعمال الطيب ، والدهن ليس منه ، فلا يثبت تحريمه ، وإنما مُنع في الرأس واللحية لأنه يرجل الشعر ويزينه فتجب به الفدية ، فإن استعمله في رأسه وهو أصلع جاز لأنه لبس فيه تزيين .
وإن استعمله في رأسه وهو محلوق لم يجز لأنه يحسن الشعر إذا نبت . والمشهور عن أحمد ألا فدية على من ادهن بزيت أو سيرج سواء كان في بدنه أو رأسه (3) .
__________
(1) ص 58 ج 5 سنن البيهقي ( الحاج أشعث لأغبر ... ) و ( شعثا غبرا ) بضم فسكون جمع أشعث وأغبر .
(2) ص 99 ج 11 – الفتح الرباني . وص 58 ج 5 سنن البيهقي ( المحرم يدهن جسده غير رأسه ولحيته ما ليس بطيب ) وص 123 ج 2 تحفة الأحوذي .
(3) انظر ص 283 ج 7 شرح الهب(1/91)
8- التخضيب : يَحْرُم على المحرم ولو أنثى التخضيب بالحناء عند الحنفيين , لأنه زينة والحناء طيب كما قاله أبو حنيفة الدينورى وغيره من أهل اللغة (1) ( وقالت ) أم سلمة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تطيبي وأنت محرمة ولا تمسى الحناء فإنه طيب . أخرجه ابن عبد البر في التمهيد والبيهقي في المعرفة ، والطبراني في الكبير ، وفيه ابن لهيعة ، وفيه كلام وحديثه حسن . قال الهيثمى (2) { 105 }
( وقال ) مالك والشافعي وأحمد : الحنَّاء ليس بطيب , لقول كريمة بنت همام الطائية : كنا في مسجد الحرام وعائشة فيه ، فجلسنا إليها ، فقالت لها امرأة : يا أم المؤمنين ما تقولين في الحناء والخضاب ؟ قالت : كان خليلي لا يحب ريحه . أخرجه البيهقي (3) { 106 }
قال في الجوهر النقي : كريمة بنت همام لم أقف على حالها ( وقال ) البيهقي : وفيه كالدلالة على أن الحناء ليس بطيب ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ولا يحب ريح الحناء . ( والظاهر ) القول الأول , لأنه إن سلم أن الحناء ليس بطيب فهو زينة وترفه .
( فائدتان ) ( الأولى ) إذا وضع الطيب في مطبوخ أو مشروب ولم يبق له طعم ولا لون ولا ريح وتناوله المحرم فلا فدية عليه اتفاقا ، وأن بقيت رائحته وجبت الفدية بأكله عند الشافعية ( وقال ) الحنفيون : لا فدية لأنه لم يقصد به الترفه بالطيب (4) . ( الثانية ) يجوز للمحرم الجلوس عند العطار ولا فدية عليه عند الجمهور ، وكره ذلك مالك ، وقال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن . وأجمعوا على أنه له دهن بدنه بما ذكر وعلى أن المحرم ممنوع من استعمال الطيب في جميع بدنه (5) .
__________
(1) ص 61 ج 5 – الجوهر التقي .
(2) ص 218 ج 3 مجمع الزوائد ( الطيب عند الإحرام ) وص 61 ج 5 الجوهر النقى .
(3) ص 61 ج 5 سنن البيهقي ( الحناء ليس بطيب ) .
(4) ص 282 ج شرح المهذب .
(5) ص 282 منه .(1/92)
9- شم الورد ونحوه : يحرم على المحرم استعمال وشم ما ينبته الآدمي للطيب ويتخذ منه طيب – عند الشافعي وأحمد – كالورد والبنفسج والياسمين والريحان والنرجس ، فإن فعل ذلك ففيه الفدية , لأنها تجب في الطيب المأخوذ منه فتجب في أصله . وعن أحمد أنه لا فدية فى شم الورد , لأنه زهر كسائر الأزهار ، والأولى تحريمه , لأنه ينبت للطيب ويؤخذ منه فأشبه الزعفران والعنبر . وأن مس من الطيب ما يعلق بيده كماء الورد والمسك المسحوق فعليه الفدية , لأنه استعمل الطيب ( وعن ) أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الريحان أيشمه المحرم والطيب والدهن ؟ فقال لا . أخرجه البيهقي وابن شيبه (1) { 34 }
( قال ) جابر : إذا شم المحرم ريحاناً أو مس طيباً أهراق لذلك دما (2) { 35 }
( وقال ) الحنفيون ومالك : يكره شم ما ذكر ولا فدية فيه . وروى عن أحمد : لأنه لا يتخذ منه طيب فأشبه العصفر . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يكره شم الريحان للمحرم . أخرجه البيهقي بسند صحيح(3){36}
وقال عثمان بن عفان وابن عباس : شم الريحان حلال لا فدية فيه ، وهو قول أكثر الفقهاء ، وهو الموافق ليسر الدين . قال ابن قدامة : وإن مس مالا يعلق بيده كالمسك غير المسحوق ، وقطع الكافور والعنبر فلا فدية لأنه لم يستعمل الطيب ، فإن شمه فعليه الفدية لأنه يستعمل هكذا ، وإن شم العود فلا فدية عليه لأنه لا يتطيب به هكذا(4) (
__________
(1) ص 57 ج 5 سنن البيهقي . ( من كره شمه للمحرم )
(2) ص 153 ج 9 عمدة القاري ( الطيب عند الإحرام ) .
(3) ص 57 ج 5 سنن البيهقي . ( من كره شمه للمحرم )
(4) ص 294 ج 3 مغني .
ص 293 5 منه . و ( القيصوم ) فيعول نبات صحراوي طيب الرائحة . ( والأترج ) بضم فسكون فضم فشد , وفي لغة ترنج نوع من الفاكهة .(1/93)
وقال ) أما مالا ينتبه الآدمي للطيب ولا يتخذ منه طيب كالشيح والقيصوم والفواكه كالأترج والتفاح والسفرجل وما ينبته الآدمي لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر فمباح شمه ولا فدية فيه . وقد روي أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يحرمن في المعصفرات (1)
10- إزالة الشعر : يحرم على المحرم إجماعاً إزالة شعره بلا عذر ، لقوله تعالى : " وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ "(2) ، والمراد إزالة الشعر كيفما حلقا وقصا ونتفا وغيرها ، وشعر باقي الجسد ملحق بشعر الرأس . ويجب على وليّ الصَّبي المحرم أن يمنعه من إزالة شعره وتجب به الفدية ، سواء شعر الرأس واللحية والشارب والإبط والعانة وسائر البدن . ولو حلق المحرم رأس الحلال لا يجوز عند الحنفيين فإن فعل فعليه صدقة. ويجوز ولا فدية فيه عند مالك والشافعي وأحمد . وأما حك المحرم رأسه فمباح إجماعا ، لكن يكون برفق لئلا ينتف شعرا ً.
__________
(1) ص 293 5 منه . و( القيصوم ) فيعول نبات صحراوي طيب الرائحة . ( والأترج ) بضم فسكون فضم فشد , وفي لغة ترنج نوع من الفاكهة.
(2) البقرة آية 196 . والهدى ما يهدي إلى الحرم من الغنم . ومحله الحرم عند الحنفيين وأحمد لقوله تعالى : ثم محلها إلى البيت العتيق , وقوله هدياً بالغ الكعبة . وقال مالك والشافعي : محله موضع الحصر .(1/94)
11- قلم الظفر : ويحرص على المحرم أخذ ما طال من ظفره بلا عذر إجماعاً ، وكذا أخذ ظفر غيره ولو حلالا عند الحنفيين ، لأن قطع الظفر إزالة جزء يترفه به فحرم كإزالة الشعر ، فإن انكسر فله إزالته من غير فدية لأنه يؤذيه ويؤلمه كالشعر النابت في عينه ، فإن قص أكثر مما أنكسر فعليه الفدية لذلك الزائد , كما لو قطع من الشعر أكثر مما يحتاج إليه ، وأن احتاج إلى مداواة قرحة فلم يمكنه إلا بقص إظفاره فعليه الفدية . وقال ابن القاسم المالكي : لا فدية عليه ، وأن وقع في أظفاره مرض فأزالها فلا فدية عليه , لنه أزالها لعذر فأشبه قصها لكسرها .
12- ستر الرأس : ويحرم على الرجل تغطية رأسه كلا أو بعضا مما يستر به عادة كالثوب والقلنسوة ( الطاقية ) والعمامة والطربوش ، فلا شئ في سترها بنحو طبق أو قفة أو يد عند الثلاثة . ( وقال ) مالك : يحرم على الرجل ستر رأسه بكل ساتر كطين وعجين وجيز ودقيق وعمامة ويد . فإذا ألصقها برأسه وطال زمنه افتدى . وعن ابن عاشر : يجوز الاتقاء باليد ولا فدية لأنها لا تعد ساتراً (1) ، وهذا هو الظاهر .
13- ستر الوجه : ويحرم على المحرم تغطية وجهها إجماعا وتستر منه مالا يتم ستر الرأس إلا به , ولها أن تسدل على وجهها ثوباً متجافياً عنه لحاجة – كبرد وحر ، أو خوف فتنة ونحوها – ولغير حاجة ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه . أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي (2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 107 }
__________
(1) انظر ص 479 ج 1 – الفجر المنير .
(2) انظر رقم 109 ص 145 ج 1 تكملة المنهل العذب ( في المحرمة تغطي وجهها ) وباقي المراجع بهامش 2 ص 146 منه .(1/95)
وإن أصاب الثوب وجه المحرمة بغير اختيار ورفعته في الحال فلا فدية وإن كان عمداً أو استدامته لزمتها الفدية ( وكذا ) يحرم على المحرم تغطية وجهه كلاُّ أو بعضا بما يستر به عادة عند الحنفيين ( وقال ) مالك : يحرم عليه ستره كلا أو بعضاً بكل ساتر كطين وعجين وجير ودقيق ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا وقصته راحلته وهو محرم فمات , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا . أخرجه الشافعي والسبعة والبيهقي وهذا لفظ مسلم (1) {108}
فهو يدلُّ على أنه لا يجوز للمحرم تغطية رأسه ولا وجهة لأنَّ قوله : فإنه يبعث مُلَبِّياً يدل على أن العلة الإحرام . وعن نافع أن ابن عمر كان يقول : ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم . أخرجه مالك والبيهقي وصححه(2) { 37 }
(
__________
(1) ص 210 ج 1 بدائع المنن و ص 120 ج 2 تحفة الأحوذي ( المحرم يموت في إحرامه ) وص 54 ج 5 سنن البيهقي ( لا يغطي المحرم رأسه.. ) وباقي المراجع بهامش 2 ص 227 ج 7 – الدين الخالص ( غسل الميت ) و ( وقصته ) وقص من باب وعد أي رمته فدقت عنقه .
(2) ص 152 ج 2 زرقاني الموطإ ( تخمير المحرم وجهه ) و ص 54 ج 5 سنن البيهقي ( لا يغطى المحرم رأسه ويغطي وجهه ) و ( العرج بفتح فسكون قرية على 3 مراحل من المدينة . و ( القطيفة ) كساء له خمل . و ( أرجوان ) بضم فسكون فضم , صوف أحمر .(1/96)
وقال ) الشافعي وأحمد والجمهور : لا إحرام في وجه الرجل فله تغطيته دون المرأة , لقول عبد الله بن عامر بن ربيعة : رأيت عثمان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غَطَّى وجهه بقطيفة أرجوان . أخرجه مالك والبيهقي بسند صحيح .(1) { 38 }
ودليل القول الأول أقوى .
14- نكاح المحرم : ويحرم على المحرم عقد النكاح لنفسه أو غيره بولايةٍ أو وكالة عند مالك والشافعي وأحمد ، لحديث أبان بن عثمان عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يَنْكِحٌُ المحْرِمُ ولا يُنْكَح ولا يَخْطُب . أخرجه الشافعي والجماعة إلا البخاري وليس في الترمذي : ولا يخطب (2) { 109 }
( وقال ) الترمذي : هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق لا يَرَوْنَ أن يتزوج المحرم , وأن نكح فنكاحه باطل . ( وقال ) الحنفيون : يجوز للمحرم عقد النكاح لنفسه وغيره بولاية أو وكالة , لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم . أخرجه السبعة وزاد البخاري : وبنى بها وهو حلال (3) {110 }
(
__________
(1) ص 152 ج 2 زرقاني الموطإ ( تخمير المحرم وجهه ) و ص 54 ج 5 سنن البيهقي ( لا يغطى المحرم رأسه ويغطي وجهه ) و ( العرج بفتح فسكون قرية على 3 مراحل من المدينة . و ( القطيفة ) كساء له خمل . و ( أرجوان ) بضم فسكون فضم , صوف أحمر .
(2) انظر رقم 117 ص 115 ورقم 118 ص 156 ج 1 تكملة المنهل ( المحرم يتزوج ) وباقي المراجع بهامش 3 ص 156 منه . و (لا ينكح) بفتح فسكون فكسر أي لا يتزوج ( ولا ينكح ) بضم فسكون فكسر أي لا يتزوج غيره.
(3) انظر رقم 120 ص 158 ج 1 تكملة المنهل ( المحرم يتزوج ) وباقي المراجع بهامش 7 ص 160 منه .(1/97)
قال ) الترمذي : واختلفوا في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة ، لأنه صلى الله عليه وسلم تزوجها في طريق مكة ، فقال بعضهم : تَزَوَّجها وهو حلال ، وظهر أمر تزويجها وهو محرم ثم بنى بها وهو حلال بسرف في طريق مكة (1) . ورجح قول الجمهور , لأن حديث عثمان فيه بيان قانون كلى للأمة . وأما حديث ابن عباس ففيه حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم . ( وقال ) الحنفيون : حديث ابن عباس أرجح فقد أخرجه السبعة فلا يعارضه حديث عثمان , لأن البخاري لم يخرجه . والأصل في أفعال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم العموم إلا أن قام دليل الخصوصية ولا دليل .
(15) تعرض المحرم للصيد – يحرم على المحرم قتل كل صيد برى مأكول وحشى بأصله واصطياده لقول الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم" (2) . والمراد صيد البر لأن صيد البحر حلال , لقوله تعالى : " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة " (3) , وكذا يحل للمحرم بالإجماع ما ليس بصيد كالبقر والغنم والإبل وغيرها من الحيوان الإنسى .
__________
(1) ص 89 ج 2 تحفة الأحوذي . ( ما جاء في الرخصة في ذلك ) .
(2) آية 95 المائدة .
(3) آية : 96 المائدة . والمراد بالبحر كل ماء يوجد فيه صيد بحري . والمراد بطعامه ما لفظه البحر , وقيل ما يطعم من الصيد أي ما يحل أكله وهو السمك ونحوه ( وللسيارة ) أي المسافرين يتزودونه بجعله قديداً .(1/98)
16- ويحرم على المحرم الإعانة على قتل صيد البر المأكول الوحشى بدلالة أو إشارة أو إعارة آله إن اتصل بها القبض ، ولم يكن المدلول عالماً بالصيد وصدق الدال ، لأن ما حرم قتله حرمت الإعانة على قتله إجماعاً وإن أعان على قتله فقتل لم يجب عليه الجزاء ، لأن ما لا يلزمه حفظه لا يضمنه بالدلالة على إتلافه ، ودليل ذلك حديث أبى قتادة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف بعض أصحاب لهم محرمين وهو غير محرم ، فرأي حماراً وحشياً فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه ، فأبوا ، فسألهم رمحه ، فأبوا ، فأخذ رمحه فشدَّ على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحابا لنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بعضهم ، فلما أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك ، فقال : إنما هي طُعمة أطعمكموها الله تعالى . أخرجه الأئمة ومسلم وأبو داود والبيهقي والطحاوي (1) {111}
وعند الشيخين أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار غليها ؟ قالوا : لا ، قال : فكلوا ما بقى من لحمها (2) . وهذا يدل على أن مجرد الأمر من المحرم للصائد بأن يحمل على الصيد والإشارة منه , يوجب عدم الحل \لمشاركته للصائد .
__________
(1) انظر رقم 127 ص 174 ج 1 تكملة المنهل العذب ( لحم الصيد للمحرم ) وباقي المراجع بهامش 5 ص 175 منه . و ( القصة ) كانت في عمرة الحديبية , ففي رواية يحيى ابن أبي كثير عن ابن أبي قتادة أن أباه قال : انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية , ولم يحرم أبو قتادة لأنه لم يقصد العمرة .
(2) انظر المراجع بهامش 3 ص 107 منه .(1/99)
17- ويحرم على المحرم تنفير الصيد وإتلافه وبيعه وشراؤه , لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة : إن هذا البلد حرمة الله يوم خلق السموات والأرض , فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة , وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده , ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها , فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر , فإنه لقينهم ولبيوتهم . فقال إلا الإذخر . أخرجه الشيخان والبيهقي ، وكذا أبو داود مختصراً ، وهذا لفظ مسلم (1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 112 }
دل ( أولا ) على حرمة قطع شوك الحرم . وبه قال الجمهور . ( وقال ) بعض الشافعية : لا يحرم قطعه لأنه مؤذ , لكنه قياس في مقابلة النص فلا يعول عليه ( قال القرطبي ) خص الفقهاء الشجر المنهي عن قطعه بما ينبت بلا صنع آدمي . أما ما ينبته الآدمي فيجوز قطعه عند الجمهور . ( وقال ) الشافعي : في الجميع الجزاء . وقد اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم , غير أن الشافعي أجاز قطع السواك ، وأجاز أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها .
(
__________
(1) انظر رقم 278 ص 207 ج 2 تكملة المنهل العذب وباقي المراجع بهامش 2 ص 207 منه . و ( لا يعضد ) أي لا يقطع ( ولا ينفر ) من التنفير وهو الإزعاج ( واللقطة ) بفتح القاف وقد تسكن , الملقوط . أي لا تحل لقتطها إلا لمن يعرفها أبداً ولا يتملكها ( والخلا ) بفتح الخاء مقصوراً البنات الرطب ومده في الحديث خطأ واختلاؤه قطعه والخلاء بالمد المكان الخالي ( والإذخر ) بكسر فسكون فكسر نبت طيب = الريح تسقف به البيوت بين الخشب وبسدبه الخلل بين اللبنات في القبور وفت حهمزته خطأ ( والفتن ) بفتح فسكون , الحداد والصائغ أي يحتاج إليه من ذكر في وقود النار .(1/100)
ثانيا ) دل قوله صلى الله عليه وسلم : ولا ينفر صيده ، على حرمة إتلافه ، لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى .
( ثالثاًَ ) دل قوله صلى الله عليه وسلم : ولا يختلي خلاها ، على تحريم رعى الرطب من نبات الحرم , لأنه أشد من القطع والاحتشاش ، أما اليابس فيجوز قطعه على الأصح عند الشافعية .
18- أكل المحرم لحم الصيد : يحرم على المحرم أكل لحم صيد البر إلا إذا لم يصد لأجله ولا أعان عليه ولا أشار , لحديث المطلب بن عبد الله عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم . أخرجه الشافعي وأحمد والثلاثة والحاكم والدار قطني والطحاوي والبيهقي , وفي سنده عمرو بن عمرو مختلف فيه , وإن كان من رجال الصحيح (1) { 113 }
(
__________
(1) انظر رقم 126 ص 172 ج 1 تكملة المنهل العذب ( لحم الصيد للمحرم ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 173 منه .(1/101)
قال ) الترمذى : حديث جابر حديث مفسر (1) ، والمطلب لا نعرف له سماعا من جابر . والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لا يرون بأكل الصيد للمحرم بأسا إذا لم يصطده أو يصد من أجله . ( قال ) الشافعي : هذا أحسن حديث روى في هذا الباب وأقيس , وهو قول أحمد وإسحاق (2) ، وبمقتضاه قال مالك أيضا والجمهور : فإن صاده أو صيد له فهو حرام سواء صيد له بإذنه أم بغير إذنه ، أما إن صاده حلال لنفسه ولم يقصد المحرم ثم أهدى من لحمه المحرم أو باعه له لم يحرم عليه ( وقال ) الحنفيون : لا يحرم على المحرم ما صيد له بغير إعانة ولا إشارة منه , لحديث عمير بن سلمة الضمري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالعرج , فإذا هو بحمار عقير فلم يلبث أن جاء رجل من بهز , فقال : يا رسول الله ، هذه رميتي فشأنكم بها , فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه فقسمه بين الرفاق ( الحديث ) أخرجه الإمامان والنسائي والبيهقي . وهذا لفظ أحمد . وصححه ابن خزيمة (3) ... ... { 114 }
__________
(1) مفسر ) أي مبين لأنه صريح في أنه لا يحل ما صاده المحرم أو صاده له حلال .
(2) ص 90 ج 2 تحفة الأحوذي ( ما جاء في أكل الصيد للمحرم ) .
(3) انظر المراجع بهامش 1 ص 172 ج 1 تكملة المنهل العذب . و ( العرج بفتح فسكون , قرية جنوب ذي الحلفية . و ( عقير ) أي معقور مقتول .(1/102)
19- ويحرم على المحرم كسر بيض الصيد وحلبه وبيعه وشراؤه ، لحديث على بن زيد حدثنا عبد الله بن الحارث قال : كان أبي الحارث على أمرٍ من أمر مكة في زمن عثمان ، فأقبل عثمان رضي الله عنه إلى مكة ( الحديث ) وفيه : ثم قال على : أنشد الله رجلا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى ببيض النعام ، فقال صلى الله عليه وسلم : إنا قوم حًرًم أطعموه أهل الحل فشهد دونهم من العدة من الأثنى عشر , فثنى عثمان وركه عن الطعام فدخل رحله وأكل ذلك الطعام أهل الماء . أخرجه أحمد . وعلى بن زيد فيه كلام وقد وثق (1) { 115 }
دل على أن كل طير وصيد حرم على المحرم صيده يحرم عليه بيضه ، فإن أتلفه ضمنه بقيمته عند الحنفيين والشافعي وأحمد . ( وقال ) مالك : يضمنه بعشر ثمن أصله (2) .
( تتميم ) : لا شئ على المحرم عند الحنفيين والشافعي في قتل البعوض والبراغيث والبقَّ ( وقال ) مالك: إذا قتل الذباب والقمل يتصدق بشيء من الطعام . ( وقال ) الحنفيون : يحرم على المحرم قتل لقمل , وروى عن أحمد لأنه يترفه بإزالته فحرم كقطع الشعر , ولحديث عبد الرحمن بن أبي ليل عن كعب بن عجرة قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا كثير الشعر ، فقال : كأن هوام رأسك تؤذيك ؟ قلت : أجل ، قال فاحلقه واذبح شاة نسيكة أو صم ثلاثة أيام , أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين . أخرجه الشافعي وهذا لفظه. والجماعة بألفاظ متقاربة وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح (3) { 116 }
__________
(1) ص 239 ج 11 – الفتح الرباني ( فشهد دونهم من العدة ) أي شهد على بيض النعام بعض الأثنى عشر . وأهل الماء ) أي المقيمون بهذا المكان من أهل الحل .
(2) ص 332 ج 7 شرح المهذب .
(3) انظر رقم 130 ص 179 ج 1 تكملة المنهل العذب ( الفدية ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 182 منه . و ( نسيكة ) أي ما يجزئ في الأضحية .(1/103)
فلو كان قتل القمل وإزالته مباحا لم يكن كعب يتركه حتى يصير كذلك , ولأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإزالته ، والصئبان كالقمل لأنه بيضه , ولا فرق بين قتل القمل ورميه لحصول الترفه به . ويجوز للمحرم حك رأسه برفق كيلا يقطع شعراً أو يقتل قملا . فإن تفلي المحرم أو قتل قملا فلا فدية فيه , لأن كعب بن عجرة حين حلق رأسه قد اذهب قملاً كثيراً ولم تجب عليه فدية إلا للحلق (1) ، ولو ظهر القمل في بدنه وثيابه فله إزالته ولا فدية اتفاقاً ، بخلاف قمل الرأس لأنه يتضمن إزالة الأذى من الرأس وقد ورد فيه النص .
هذا . ويستحب عند الحنفيين والشافعي وأحمد قتل القراض للمحرم وغيره ، فللمحرم أن يقرض بعيره . وكرهه مالك . وروي عن سعيد ابن المسبب أنه قال في المحرم يقتل قراضاً : يتصدق بتمرة أو تمرتين (2) ، والله تعالى ولى التوفيق .
( ب ) الوقوف بعرفة
عرفة واد بين المزدلفة والطائف , يمتد من علمي عرفة إلى جبل عرفة الذي يحيط بالوادي من الشرق على هيئة قوس , وفي طرفه من الجنوب الطريق إلى الطائف , وفي طرفه من الشمال لسان يبرز إلى المغرب يسمى جبل الرحمة , وسفحه الجنوبي هو حد عرفة الشمالي , وفي طرفه الغربي صخرة عالية هي موقف الخطيب , وفي أسفله مصلى تسمى مسجد الصخرات والمسافة من علمي على عرفة إلى فح جبل الرحمة تبلغ نحو خمسمائة وألف متر . ( أنظر رسم رقم 2 )
__________
(1) ص 304 ج 3 شرح ابن قدامة .
(2) ص 334 ج 7 شرح المهذب .(1/104)
هذا . والوقوف بعرفة يتحقق بالوجود في أي جزء من أجزائها محرماً واقفاً أو راكباً أو مضطجعاً عالما أنها عرفة أو غير عالم في وقته ( وهو ركن ) من أركان الحج إجماعاً لحديث عبد الرحمن بن يعمر قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة وأتاه ناس من أهل نجد فقالوا يا رسول الله كيف الحج ؟ فقال : الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه . أخرجه أحمد وهذا لفظه والأربعة والبيهقي والحاكم وصححه الترمذي (1) { 117 }
وقال : والعمل عليه عند أهل العلم أنه من لم يقف بعرفات قبل طلوع الفجر , فقد فاته الحج ولا يجزئ عنه أنه جاء بعد طلوع الفجر ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل , وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق (2) . ثم الكلام ينحصر في ثمانية مباحث :
(1) وقت الوقوف – هو ما بين زوال شمس يوم عرفة وطلوع فجر يوم النحر عند الحنفيين ومالك والشافعي والجهور, لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقف بعد الزوال وكذا الخلفاء الراشدون
(
__________
(1) انظر رقم 217 ص 94 ج 2 تكملة المنهل ( من لم يدرك عرفة ) وباقي المراجع بهامش 3 ص 96 منه . و « يعمر » بفتح فسكون ففتح أو ضم . و " جمع " بفتح فسكون المزدلفة وليلتها هي ليلة النحر .
(2) ص 102 ج 3 تحفة الأحوذي . ( من ادرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج )(1/105)
قال) ابن إسحاق : حدثنى نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال : غدا رسول الله صلى الله تعالى وآله وسلم من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل بنمرة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم راح فوقف على الوقوف من عرفة . أخرجه أحمد وأبو داود , وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث فهو حجة (1) ... ... { 118 }
وفي حديث ابن يعمر : فمن جاء قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد أدرك الحج " فكان " فعل النبي صلى الله عليه وسلم بيانا لأول الوقت " وقوله " بيانا لآخره . ويكفي عند الحنفيين والشافعي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا وهو مشهور مذهب مالك غير أنه أن وقف بالنهار وجب عند الحنفيين ومالك وأحمد مدّ الوقوف إلى ما بعد الغروب . أما إذا وقف ليلا فلا واجب في حقه . ومشهور مذهب الشافعي أن مد الوقوف إلى الليل سنة. ( وقال ) أحمد : وقت الوقوف بعرفة ما بين طلوع فجر يوم عرفة وفجر يوم النحر . ويكفي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا لحديث عروة بن مُضرِّس الطائى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من صلى معنا صلاة الغداة بجمع ووقف معنا حتى نفيض وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهاراً فقد تم حجه عجز حديث أخرجه أحمد والأربعة والبيهقى . وقال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح (2) { 119 }
__________
(1) انظر رقم 84 ص 147 ج 2 تكملة المنهل ( الخروج إلى عرفة ) وص 114 ج 12 – الفتح الرباني . و ( نمرة ) بفتح فكسر : موضع جنوب عرفة . ( ومهجراً ) أي ذاهبا وقت الهاجرة وهو شدة الحر .
(2) انظر رقم 218 ص 97 ج 2 تكملة المنهل العذب ( من لم يدرك عرفة ) وباقي المراجع بهامش 2 ص 98 منه . و ( مضرس ) بضم ففتح فشد الراء مكسورة .(1/106)
وجه الدلالة أن لفظ الليل والنهار مطلق يشمل كل النهار ( وأجاب ) الجمهور عنه بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لم يقفوا إلا بعد الزوال ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله ( فالراجح ) الذي يشهد له العقل والنقل ما ذهب إليه الجمهور من أن وقت الوقوف بعرفة يبتدئ من زوال شمس يوم عرفة .
( 2 ) مكان الوقوف : عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة لحديث سليمان بن موسى عن جُبير بن مُطعم رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : كل عرفات موقف وارفعوا عن بطن عُرفة ( الحديث ) أخرجه أحمد والبزار الطبراني في الكيير بسند رجاله موثقون . قاله الهيثمى (1) ... ... ... { 120 }
قال بن عبد البر : أجمع العلماء على أن من وقف بعرنة لا يجزئه , والأفضل الوقوف عند الصخرات موقف النبي صلى الله عليه وسلم أو بالقرب منها . وأما ما اشتهر من الاهتمام بالوقوف على جبل الرحمة وترجيحه على غيره فخطأ مخالف للسنة .
( 3 ) آداب الوقوف – يسن لمريد الوقوف بعرفة أمور . ( منها ) الغسل لما تقدم (2) ( ومنها ) أن يقف راكبا عند الصخرات مستقبلا القبلة رافعا يديه للدعاء حامدا مهللا مكبرا ملبيا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم داعيا ربه باجتهاد وحضور قلب اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
(
__________
(1) ص 122 ج 12 – الفتح الرباني . وص 251 ج 3 مجمع الزوائد ( الخروج إلى منى وعرفة ) . و ( عرنة ) بضم ففتح واد غرب عرفة . انظر رسم 2 ص 92 .
(2) تقدم عن ابن عمر أثر رقم 11 ص 45 .(1/107)
4 ) دعاء عرفة : ويستحب الإكثار من ذكر الله تعالى والدعاء يوم عرفة فإنه يوم إجابة الدعاء وإفاضة الخير من الجواد الكريم الرءوف الرحيم . ويستحب أن يدعو بالمأثور ( ومنه ) ما في حديث موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله عن على رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلى بعرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ، اللهم اجعل في قلبي نوراً , وفي صدري نوراً , وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً . اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأعوذ بك من وساوس الصدر وشتات الأمر وفتنة القبر . اللهم أني أعوذ بك من شر ما يَلج في الليل وشر ما يلج في النهار وشر ما تُهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر . أخرجه البيهقي وقال : تفرد به موسى بن عبيدة وهو ضعيف ولم يدرك أخوه عليا (1) { 121 }
ومن الأدعية المختارة : رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ : اللهم أني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً , وأنه لا يغفرا لذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني رحمة أسعد بها في الدارين ,
__________
(1) ص 117 ج 5 سنن البيهقي . و ( بواثق الدهر ) مهلكاته .(1/108)
وتب على توبة نصوحا لا أنكثها أبداً وألزمني سبيل الاستقامة لا أزبغ عنها أبداً . اللهم أنقلني عن ذل المعصية إلى عز الطاعة واكفني بحلالك عن حرامك . وأغني بفضلك عمن سواك , ونور قلبي وقبري واغفر لي الشر كله , واجمع لي الخير . اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى . اللهم يسرني لليسرى وجنبنى العسرى وارزقني طاعتك ما أبقيتني , أستودعك منى ومن أحبابي والمسلمين أدياننا وأدناتنا وخواتم أعمالنا وأقوالنا وأبدلنا وجميع ما أنعمت به علينا (1) ولا يتكلف السجع في الدعاء . ويستحب أن يخفض صوته به وأن يكرر كل دعاء ثلاثا ويكثر من التلبية رافعاً بها صوته وليدْع لنفسه ولوالديه ومشايخه وأقاربه وأصدقائه وكل من أحسن إليه وسائر المسلمين , وليحذرْ من التقصير في شئ من هذا فأن اليوم لا يمكن تداركه وينبغي أن يكرر الذكر والاستغفار والتوبة من جميع المخالفات مع الندم الشديد .
(5) حكمة الوقوف : وحكمة مشروعية الوقوف بعرفة : أن الحجاج إذا اجتمعوا بها آملين رغباً ورهباً سائلين خوفاً وطمعاً وهم بين مقبول ومخذول , يتذكرون موقف القضاء ( يَوْمَ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسَ إلا بإذنه فَمِنْهُمْ شَقٌي وَسَعِيدٌ ) ولا تخفي الثمرات العمرانية المترتبة على اجتماع أطراف العالم الإسلامي في ساحة تجمع وفودهم , وتضم شتيتهم , ويقوم فيها خطيبهم يدلهم على ما فيه سعادتهم الباقية وهدايتهم الخالدة فلو شاءوا لا تنفعوا أعظم انتفاع في الدين والدنيا والآخرة .
(6) فضل يوم عرفة : قد ورد في فضله أحاديث :
(
__________
(1) انظر ص 116 ج 8 شرح المهذب .(1/109)
منها ) حديث عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من يوم أكثر من أن يُعتِق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي (1) . { 122 }
( وعن ) طلحة بن عُبيد الله بن كَرِيز عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما رُؤى الشيطان يوماً هو فيه أَصغر ولا أَدْحَر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأَى من تَنَزُّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام , إلا ما رأُي يوم بدر . قيل وما رأي يوم بدر يا رسول الله ؟ قال : أما إنه قد رأي جبريل يزَع الملائكة . أخرجه مالك مرسلا والحاكم موصولا (2) { 123 }
(7) مسائل في الوقوف – ( الأولى ) أجمع العلماء على أنه يصح وقوف غير الطاهر , كالجنب والحائض.
( الثانية ) لا يصح وقوف المغمي عليه عند الشافعي وأحمد . ( وقال ) الحنفيون ومالك : يصح .
(
__________
(1) ص 116 ج 9 نووي مسلم ( فضل يوم عرفة ) وص 44 ج 2 مجتبي ( ما ذكر في يوم عرفة ) وص 123 ج 2 سنن ابن ماجة ( الدعاء بعرفة ) وص 118 ج 5 سنن البيهقي ( فضل عرفة ) و ( ليدنو ) أي بقرب إليهم بالرحمة والمغفرة والفضل .
(2) ص 280 ج 2 زرقاني الموطإ ( جامع الحج ) و ( يزع ) بفتحتين أي يصف الملائكة القتال ويمنعهم عن الخروج من الصف .(1/110)
الثالثة ) إذا ضاق وقت العشاء والوقوف بأن كان لو مكث ليصلى العشاء في الطريق يطلع الفجر قبل وصوله إلى عرفة ولو ذهب ووقف يفوت وقت العشاء . ( فقيل ) يدع الصلاة ويذهب لعرفة . ورجحه المالكية واختاره بعض الحنفيين والنووي ارتكاباً لأخف الضررين لسهولة قضاء الصلاة بخلاف الحج ( وقيل ) يصلى العشاء قبل الفجر ولو فاته الوقوف , لأن تأخير الوقوف لعذر مع إمكان التدارك في العام القابل جائز وليس في الشرع ترك فرض حاضر لتحصيل فرض آخر . واختاره بعض الحنفيين والرافعي والشافعي ( وقيل ) يصلى ماشياً موميا ثم يقضبه احتياطياً وهو قول حسن وجمع مستحسن .
( الرابعة ) إذا التبس هلال ذي الحجة ووقفوا بعرفة بعد إكمال ذي القعدة , ثم تبين بشهادة أن ذلك اليوم كان يوم النحر فوقوفهم صحيح وحجهم تام , ولا تقبل الشهادة لأن التدارك غير ممكن . وفي الأمر بإعادة الحج حرج بين فوجب أن يكتفي به عند الاشتباه بخلاف ما إذا وقفوا يوم التروية , لأن التدارك ممكن في الجملة , بأن يزول الاشتباه في يوم عرفة .
هذا ولو شهد شهود يوم التروية (1) أن هذا اليوم يوم عرفة , فإن أمكن إمام الحج أن يقف مع الناس أو أكثرهم قبلت الشهادة للتمكن من الوقوف فإن لم يقفوا فاتهم الحج . وإن لم يمكنه أن يقف ليلا مع أكثر الناس لا تقبل الشهادة ويقفوا من الغد .
(8) بدع عرفة : تقدم أن يوم عرفة فضله عظيم , فيه يتجلى الله على العباد ويعمهم بالرحمة والإحسان , ويباهي بهم الملائكة وأهل السماء . وتقدم بيان ما ينبغي للمؤمن أن يتحلى به في هذا اليوم من صالح الآداب وخير الأعمال , لكن الشيطان للإنسان بالمرصاد . أقسم بعزة الله تعالى أنه يغوي الناس ويبعدهم عن الطريق القويم فحَّسن لهم بدعاً ارتكبوها في هذا اليوم المبارك ما أنزل الله بها من سلطان . منها .
(
__________
(1) يوم التروية اليوم الثامن من ذي الحجة .(1/111)
1) التعريف بغير عرفة : وهو اجتماع الناس بعد عصر يوم عرفة في المساجد أو غيرها يدعون ويهللون ويكبرون تشبها بمن بعرفة فقد كرهه قربة في غيره ( قال ) شعبة : سألت الحكم وحماداً عن اجتماع الناس يوم عرفة في المساجد , فقالا هو محدث . ونحوه عن إبراهيم النخعي . ذكره البيهقي (1) { 39 }
(2) ومنها ما اعتاده بعض العوام في هذه الأزمان , من إيقاد الشمع بحبل عرفة ليلة التاسع أو غيرها يصطحبون الشمع من بلادهم لذلك . وهذه ضلالة فاحشة ارتكبوا فيها أنواعاً من القبائح ( منها ) إضاعة المال في غير وجهه ( ومنها ) إظهار شعائر المجوس في الاعتناء بالنار ( ومنها ) اختلاط الرجال بالنساء .
( ومنها ) تقديم دخول عرفة على وقتها المشروع . فعلى ولي الأمر وكل من تمكن من غزالة هذه البدع أن يزيلها .
(3) ومنها اعتقاد العامة أن جبل الرحمة هو الأصل في الوقوف بعرفة دون باقي بقاعها . وهذا خطأ بل أفضلها موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصخرات عن يسار الجبل .
(4) ومنها حضور الحجاج عرفة بعد دخول وقت الوقوف فإن المطوفين يخرجون بهم ظهر يوم عرفة من مكة إلى عرفات رأساً فيفوتون عليهم بعض السنن وهي الخروج من مكة بعد شمس يوم التروية إلى منى وصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والبيات بها حتى يصلى صبح يوم التاسع , والتوجه بعد طلوع شمسه من منى إلى عرفة والنزول بنمرة ثم خطبة إمام الحج بعد الزوال والجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم بمسجد نمرة . كل هذه السنن يفوتها المطوفون على الحجاج جهلاً وتفريطاً . ومن الناس من يحضرون عرفة وقت الوقوف لأنهم يرحلون في اليوم الثامن من مكة إلى عرفة رأساً وإنما السنة ما تقدم بيانه . (2)
(جـ) طواف الركن
(
__________
(1) ص 117 ج 5 سنن البيهقي ( التعريف بغير عرفات) .
(2) ولذا تبعث الجمعية الشرعية الرئيسية بالقاهرة سنويا مع الحجاج مرشد أو أكثر يرشد الناس إلى المناسك فيؤدونها كاملة على الوجه الصحيح المشروع .(1/112)
الثالث ) من أركان الحج طواف الزيارة يعني زيارة مكة . ويسمى طواف الإفاضة . وهو مجمع على ركنيته . قال الله تعالى : { وَلَيَّطوَّفوا بِالبَيْتِ الْعَتِيق } (1) غير أن الحنفيين يرون أن الركن أربعة أشواط والثلاثة الباقية واجب . ( ويدخل ) وقته بطلوع فجر يوم النحر عند الحنفيين ومالك ( وقال ) الشافعي وأحمد : يدخل وقته بنصف ليلة النحر ولا آخر لوقته لكن يجب فعله في يوم من أيام النحر عند الحنفيين . فإن أخره عنها كره ولزمه دم . ومذهب المالكية أنه يجب فعله يوم النحر أو في يوم بعده من أيام ذي الحجة , فإن أخره عنها كره ولزمه دم . هذا وفعله يوم النحر أفضل لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى . أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي (2) { 124 }
فيسن للحاج النزول من منى إلى مكة يوم النحر لطواف الركن .
ولكن غالب الحجاج قد أماتوا هذه السنة في هذا الزمان فلا يطوفون طواف الركن إلا بعد نزولهم من منى بعد رمى الجمار في اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق . والكلام بعد ينحصر في عشرة مباحث :
( 1 ) شروط الطواف – يشترط لصحته تسعة شروط : الطهارة من الحدث والنجس وستر العورة والنية والطواف بجميع البيت سبعة أشواط وداخل المسجد ووراء حجر إسماعيل ومحاذاة الحجر الأسود بجميع بدنه والترتيب , وهو أن يطوف على يمينه والموالاة . وهاك تفصيلها .
(
__________
(1) الحج آية : 29 .
(2) انظر رقم 261 ص 173 ج 2 تكملة المنهل العذب ( الإفاضة في الحج ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 174 منه . و ( أفاض ) أي طاف طواف الإفاضة . و ( فصلى الظهر بمنى ) ولا ينافيه ما يأتي في حديث جابر الآتي في ( حج النبي صلى الله عليه وسلم ) من قوله : فصلى الظهر بمكة . لأن المراد أنه صلى الله عليه وسلم الظهر بمكة أول الوقت ولما رجع إلى منى صلاها ثانيا بأصحابه متنقلا . انظر ص 29 ج 2 تكملة المنهل العذب .(1/113)
الأول ) الطهارة من الحدث والنجس فلا يصح من محدث حدثا أصغر أو أكبر , ولا من متنجس بدنه أو ثوبه عند مالك والشافعي والجمهور وهو المشهور عن أحمد , لما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها , غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر (1) .
والمراد بالطهارة هنا الغسل لما في حديث عائشة قالت : دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابكي فقال : أنفستِ : يعني الحيضة قلت نعم قال : أن هذا شئ كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضى الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي ( الحديث ) أخرجه مسلم (2) { 125 }
نهيت الحائض والنفساء عن الطواف حتى ينقطع الدم وتغتسل "قالت"عائشة رضي الله عنها: أن أول شئ بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت (الحديث) أخرجه الشيخان والبيهقي (3){126}
( وقال ) الحنفيون : الطهارة من الحدث ليست شرطاً في الطواف بل واجبة وهو رواية عن أحمد . فلو طاف محدثاً حدثاً أصغر صح طوافه ولزمه شاة . وإن طاف جنبا أو حائضا صح ولزمه بدنة ويعيده ما دام بمكة ( وأما الطهارة ) من النجس في الثوب والبدن والمكان فهي سنة مؤكدة عند الحنفيين لا تجبر بدم لقوله تعالى : { وَلْيَطَّوَّفُوا بالْبَيْت الْعَتيق } . وهو يتناول الطواف بلا طهارة قياسا على الوقوف بعرفة وسائر أركان الحج .
( وأجاب ) الأولون عن الآية : ( أ ) بأنها عامة فيجب تخصيصها بما ذكر من الأحاديث .
(
__________
(1) تقدم رقم 60 ص 45 ( التنظيف )
(2) ص 146 ج نووي مسلم ( وجوه الإحرام ) و ( أنفست ) بفتح النون وتضم وكسر الفاء أي أحضت .
(3) ص 310 ج 3 فتح الباري ( من طاف بالبيت إا قدم مكة .. ) وص 220 ج 8 نووي مسلم ( المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل السعي ) وص 86 ج 5 سنن البيهقي ( الطواف على الطهارة ) .(1/114)
ب) وبأن الطواف بغير طهارة مكروه عند الحنفيين ولا يجوز حمل الآية على طواف مكروه لأن الله تعالى لا يأمر بالمكروه ( والجواب ) عن قياس الطواف على الوقوف وغيره , أن الطهارة ليست واجبة في غير الطواف من أركان الحج فلم تكن شرطاً في غيره . بخلاف الطواف فأنها واجبة فيه عند الحنفيين (1) .
( الثاني ) من شروط الطواف ستر العورة عند مالك والشافعي وأحمد والجمهور , لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أَمَّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر : لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان . أخرجه الشيخان والنسائي والبيهقي (2) { 40 }
( وقال ) الحنفيون : ستر العورة فى الطواف واجب . فمن طاف عريانا أعاد ما دام في مكة . فإن خرج منها لزمه دم وهذا فائدة عده واجباً هنا مع أنه فرض مطلقاً .
( الثالث ) يشترط لصحة طواف الوداع والتطوع النية إجماعاً وكذا طواف الإفاضة والعمرة عند أحمد , لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه صلاة والصلاة لا تصح إلا بالنية اتفاقا ( وقال ) الحنفيون ومالك والشافعي : يجزئ الحاج طواف الركن والعمرة والقدوم بلا نية لأن نية النسك تسرى عليه كالوقوف بعرفة وغيره .
(
__________
(1) ص 18 ج شرج المهذب .
(2) ص 314 ج 3 فتح الباري ( لا يطوف بالبيت عريان ) ص 115 ج 9 نووي مسلم وص 40 ح 2 مجتبي ( خذوا مناسككم عند كل مسجد ) وص 87 م سنن البيهقي ( لا يطوف بالبيت عريان ).(1/115)
الرابع ) يشترط أن يكون الطواف سبعة أشواط من الحجر الأسود إليه ولو ترك خطوة من السبع لم يحسب طوافه وأن أنصرف عن مكة ولا يجبر بدم ولا بغيره عند مالك والشافعي وأحمد والجمهور , لقول ابن عمر رضي عنهما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين ثم خرج إلى الصفا.أخرجه الشيخان (1) { 127 }
( وقال ) الحنفيون : ركن الطواف أربعة أشواط وباقيه واجب يجبر بالدم .
( الخامس ) أن يكون الطواف داخل المسجد الحرام فلا يجوز خارجه اتفاقاً .
(
__________
(1) ص 316 ج 3 فتح الباري ( من صلى ركعتي الطواف خلف المقام ) وص 218 , 219 ج 8 نووي مسلم ( المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل السعي .. ) .(1/116)
السادس ) أن يكون وراء حجر إسماعيل , لقول ابن عباس رضي الله عنهما : من طاف بالبيت فليطف وراء الحِجْر ولا تقولوا الحطيم . أخرجه البخاري (1) { 41 }
وعن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الحِجْر من البيت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت من ورائه . قال الله تعالى : { وَلْيَطَّوَّفوا بالْبَيْتِ الْعَتِيق } . أخرجه البيهقي (2) { 128 }
__________
(1) ص 267 , 268 ج 1 تسير الوصول (الطواف وراء الحجر ) . (والحجر) بكسر فسكون : فضاء شمال الكعبة محاط بقوس من البناء على شكل صف دائرة طرفاه إلى زاوية البيت الشمالية والغربية ارتفاعه 1,31 متر وسمكة 1,52 متر . والفضاء الذي بينه وبين حائط البيت هو المعروف بمحجر إسماعيل . ويدخل إليه من فتحتين بينه وبين البيت : شرقية واتساعها 2,3 متر . وغربية اتساعها 2,23 متر . والمسافة التي بين طرفي محيط الحجر وهو المسمي بالحطيم ثمانية أمتار , والتي بين منتصف جدار الكعبة الشمالي ووسط تجويف الحطيم 8,4 أمتار. وليس الحجر كله من البيت بل نحو ثلاثة الامتار التي من البيت مقدره بسته أذرع « روت » عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد شرك لهدمت الكعبة فأزلقها بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشا أقتصرتها حيث بنت الكعبة . أخرجه مسلم والبيهقى ص 91 ج 9 نووي مسلم (نقض الكعبة وبناؤها) وص 89 ج 5 سنن البيهقي (موضع الطواف) (أنظر رسم 3) ص 105 .
(2) ص 90 ج 5 سنن البيهقي ( موضع الطواف ) .(1/117)
ولهذا قال مالك والشافعي وأحمد والجمهور : يشترط لصحة الطواف كونه خارج الحجر والشاذِرْوان(1) فإن طاف ماشياً عليه ولو في خطوة لم تصح طوفته , لأنه طاف في البيت لا بالبيت ( وقال ) الحنفيون : الطواف وراء الحجر واجب يجبر تركه بدم .
( السابع والثامن ) يشترط البداءة في الطواف مطلقا من الحجر الأسود . وأن يمشي عن يمينه جاعلاً البيت عن يساره في الطواف , لقول جابر رضي الله عنه : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتي الحجر الأسود فاستلمه ثم مشى عن يمينه فرَمَل ثلاثاً ومشى أربعا . أخرجه مسلم والنسائي . (2) { 129 }
دل على أن الطائف يبتدئ من الحجر الأسود متيامناً جاعلاً البيت عن يساره . وهو شرط عند مالك وأحمد والشافعي , وواجب عند الحنفيين . فإن تركه لم يصح عند الثلاثة وأعاده عند الحنفيين مادام بمكة . وإن لم يعده لزمه دم . وكذا لو نكِّس الطواف فجعل البيت عن يمينه لم يجزئه عند الثلاثة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلا لبيت في الطواف على يساره وقال : لتأخذوا عنى مناسككم . ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فكان الاتباع فيها لازماً كالصلاة . ( وقال ) الحنفيون : يعد الطواف ما كان بمكة فأن رجع لزم دم , لأنه ترك هيئة فلم تمنع الإجزاء .
(
__________
(1) الشاذروان ) بشين معجمة وذال مفتوحة أو مكسورة وراء ساكنة , القدر الذي ترك من عرض الأساس خارجا عن عرض الجدار مرتفعا عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع .
(2) ص 196 ج 8 نووي مسلم ( حجة النبي صلى الله عليه وسلم ) وص 39 ج 2 مجتبي ( الرمل من الحجر إلى الحجر ) و ( الرمل ) بفتحتين: الإسراع في المشي مع هز الكتفين .(1/118)
التاسع ) يشترط لصحة الطواف موالاته عند مالك وأحمد . فإن فرق بين أجزائه استأنف إلا أن يكون التفريق يسيرا – ولو لغير عذر – أو كثيراً لعذر . ( وقال ) الحنفيون : الموالاة بين أجزاء الطواف سنة وهو الصحيح عن الشافعي . فلو فرق تفريقا كثيراً بغير عذر لا يبطل طوافه بل يبني على ما مضى منه . ولو أقيمت الصلاة المكتوبة وهو في الطواف النفل استحب قطعه للصلاة ثم يبني . وأن كان طوافاً مفروضاً كره قطعه لها . وإذا عرضت له حاجة ضرورية وهو في الطواف قطعه فإذا فرغ بنى وأن طال الفصل . وإذا أحدث في طوافه ولو عمداً لا يبطل ما مضى من طوافه على الصحيح عند الحنفيين والشافعي فيتوضأ ويبنى عليه (1) .
( 2 ) واجبات الطواف – للطواف واجبات غير ما تقدم منها .
( 1 ) المشى فيه عند الحنفيين ومالك إلا لعذر يمنعه منه . فلو ركب فيه بلا عذر أعاده وإلا لزمه دم . وإن ركب لعذر فلا شئ عليه اتفاقاً « لقول » جابر بن عبد الله رضى الله عنهما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليُشرِف وليسألوه فإن الناس غَشَوْه . أخرجه الشافعي وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي . (2) { 130 }
« وعن » أم سلمة رضي الله عنها أنها قدمت وهي مريضة فذكرت ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ( الحديث ) أخرجه الشافعي والسبعة إلا الترمذي (3) . { 131 }
__________
(1) ص 47 ج 8 شرح المذهب
(2) أنظر رقم 154 ص 214 ج 1 تكملة المنهل العذب ( الطواف الواجب ) وباقي المراجع بهامش 3 ص 215 منه . و ( غشوه ) بفتح الشين مخففة أي أزدحموا عليه
(3) انظر رقم 156 ص 216 ج 1 تكملة المنهل العذب ( الطواف الواجب ) وباقي المراجع بهامش 3 منه .(1/119)
دل الحديثان على مشروعية الركوب في الطواف لمرض أو حاجة ككونه إماما يعلم الناس المناسك . أما إن ركب لغير عذر فعليه دم عند الحنفيين ومالك ( وقال ) الشافعيون : لا شئ عليه وهو الصحيح عن أحمد (والراجح) الأول لأنه لا دليل في طوافه صلى الله عليه وسلم راكباً على جواز الطواف راكباً بلا عذر , لأنه طوافه صلى الله عليه وسلم راكباً هو وأم سلمة كان قبل أن يحوَّط المسجد . فإذا حُوط امتنع الركوب داخله إذ لا يؤمن التلويث(1) .
( 2 ) ( ومنها ) صلاة ركعتين عند المقام أو حيث تيسر من المسجد بعد كل طواف ولو تطوعا ( وهي ) واجبة عند الحنفيين وهو قول لمالك والشافعي للأمر بها في قوله تعالى : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى(2) ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ( وعن جابر ) رضي الله عنه أن لنبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة طاف بالبيت سبعاً وأتى المقام فقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى . فصلى خلف المقام , ثم أتى الحجر فاستلمه ( الحديث ) أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح (3) { 132 }
وأخرجه النسائي وفيه : فصلى ركعتين والمقام بينه وبين البيت (4) .
(
__________
(1) ص 318 ج 3 فتح الباري الشرح ( المريض يطوف راكبا)
(2) البقرة 125 . ومقام إبراهيم : الحجر الذي كان يقوم عليه وقت بناء الكعبة وهو يليها من الشرق على حدود المطاف . حرر ابن جماعة أ، ارتفاعه 7/8 الذراع وأنه مربع ضلعه من كل جهة ¾ الذراع . وقد أقاموا عليه قبة ذات أربعة أعمدة محاطة بمقصورة نحاسية مربعة , كل ضلع منها نحو أربعة أمتار . أنظر رسم 3 ص 105 و (مصلى ) أي صلوا إليه بأن يكون بين المصلي والكعبة . ولا يصح حمله على مكان الصلاة لأنه لا يصلى فيه بل عنده .
(3) ص 93 ج 2 تحفة الأحوذي ( يبدأ بالصفا .. )
(4) ص 138 ج 2 مجتبي ( كيف يطوف أول ما يقدم .. ) .(1/120)
وهذه ) الصلاة تصح في أي مكان عند الجمهور ولا تفوت إلا بالموت ولا يجبر تركها بدم على الصحيح . ومشهور مذهب المالكية أنها تابعة للطواف , فأن صلاها في غيره أعاد مادام متوضئا . ( وقال ) أحمد : صلاة الطواف سنة وهو الأصح عند الشافعية , وقالوا : الأمر في الآية للاستحباب ( ويسن ) أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قبل يا أيها الكافرون , وفي الثانية قل هو الله أحد . لحديث جابر رضي الله عنه ‘ن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى . فصلى ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب , وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد , ثم عاد إلى الركن فاستلمه , ثم خرج إلى الصفا . أخرجه النسائي (1) { 133 }
هذا . ولا يقوم مقام صلاة الطواف غيرها كركعتي الفجر عند الحنفيين ومالك وهو قول للشافعي . « قال » إسماعيل بن أمية : قلت للزهري عن عطاء يقول : تجزئ المكتوبة عن ركعتي الطواف , فقال : السنة أفضل لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم أسبوعا إلا صلى . أخرجه البخاري معلقاً (2) { 134 }
ومشهور مذهب أحمد أن المكتوبة تجزئ عنها وهو الصحيح عند الشافعية . هذا ( ولا بأس ) بالصلاة بمكة إلى غير سترة , لقول المطلب بن أبي وداعة : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين فرغ من سبعه جاء حاشية المطاف فصلى ركعتين وليس بينه وبين الطوافين أحد . أخرجه النسائي وابن ماجة وقال : هذا بمكة خاصة(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 135 }
(
__________
(1) ص 40 ج 2 مجتبي ( القراءة في ركعتي الطواف )
(2) ص 315 ج 3 فتح الباري ( صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين ) .
(3) انظر المراجع بهامش 3 ص 333 ج 2 ـ الدين الخالص ( ترك السترة ) و ( سبعه ) بفتح فسكون أو بضمتين , أي لما فرغ من أشواط الطواف السبعه(1/121)
وتؤدي ) هذه الصلاة في أي وقت عند الشافعي وأحمد وبعض الحنفيين , لحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال : يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار . أخرجه الشافعي وأحمد والثلاثة وصححه الترمذي (1) { 136 }
( وقال ) أبو حنيفة ومالك : لا تصلى في الأوقات المنهى عن الصلاة فيها , لما روي حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن عبد القارى أخبره أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح فلما قضى عمر طوافه نظر فلم ير الشمس فركب حتى أناخ راحلته بذي طوى فصلى ركعتين . أخرجه مالك بسند على شرط الشيخين (2) { 42 }
« وعن عطاء » أن عائشة رضي الله عنها قالت : إذا أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر أو العصر فطف وأخر الصلاة حتى تغيب الشمس أو حتى تطلع فصل لكل أسبوع ركعتين . أخرجه ابن أبي شيبة بسند حسن { 43 }
( وأجاب ) الأولون عن هذين الأثرين بأنهما لا يعارضان حديث جبير المرفوع الصحيح .
مسائل – ( الأولى ) إذا قلنا صلاة الطواف واجبة فلا تجوز من قعود مع القدرة على القيام على الأصح كسائر الواجبات . وقيل تجوز كما يجوز الطواف راكباً ومحمولا مع القدرة على المشي . وعلى أنها سنة يجوز فعلها قاعداً كسائر النوافل(3) ويجهر فيها ليلاً ويسر نهاراً .
(
__________
(1) انظر رقم 167 ص 231 ج 1 تكملة المنهل العذب ( الطواف بعد العصر ) وباقي المراجع بهامش 2 ص 222 منه .
(2) ص 213 ج 2 زرقانى الموطإ ( الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف ) . ( والقاري ) بشد الياء نسبة إلى القارة بطن من خزيمة . و (ذو طوي ) مثلث الطاء موضع قريب من مكة به آبار تعريف بآبار الزاهر .
(3) ص 52 ج 8 شرح المذهب .(1/122)
الثانية ) تطلب الصلاة عقب كل طواف . فأن طاف أكثر من طواف ثم صلى لكل طواف ركعتين جاز ولكنه ترك الأفضل عند الشافعي وأحمد . وكرهه الحنفيون ومالك , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله .
( الثالثة ) تمتاز هذه الصلاة بأنها تدخلها النيابة فأن النائب في الحج يصلها وتقع عن المحجوج عنه على الأصح لأنها من أعمال الحج .
( الرابعة ) إذا حج الصبي فأن كان مميزاً طاف بنفسه وصلى ركعتيه وأن كان غير مميز طاف به وليه وصلى ركعتي الطواف وتع عن الصبي على الأصح تبعاً للطواف(1) .
( الخامسة ) يستحب الدعاء عقب صلاة الطواف خلف المقام بما أحب من أمر الآخرة والدنيا . ويستحب أن يدعو بما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف المقام ركعتين ثم قال : اللهم هذا بلدك والمسح\جد الحرام وبيتك الحرام وأنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك أتيتك بذنوب كثيرة وخطايا جمة وأعمال سيئة . وهذا مقام والعائذ بك من النار فاغفر لي أنك أنت الغفور الرحيم . اللهم أنك دعوت عبادك إلى بيتك الحرام وقد جئت طالباً رحمتك مبتغياً مرضاتك وأنت مننت على بذلك فاغفر لي وارحمني أنك على كل شئ قدير . ذكره صاحب الحاوي(2) .
(3) سنن الطواف – للطواف سنن المذكور منها هنا ثلاث عشرة :-
(1) الاضطباع – وهو جعل الناسك وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر . وهو سنة عند الحنفيين والشافعي وأحمد والجمهور , لحديث يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت مضطبعاً وعليه برد أخضر . أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والدارمي البيهقي والترمذي وصححه(3) { 137 }
«
__________
(1) ص 54 ج 8 شرح المذهب .
(2) ص 55 منه
(3) أنظر رقم 157 ص 217 ج 1 تكملة المنهل العذب ( الاضطباع في الطواف ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 217 منه .(1/123)
وعن » ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من جعرانة فاضطبعوا أرديتهم تحت آباطهم وقذفوها على عوأنقهم اليسرى . أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي بسند رجاله رجال الصحيح (1) { 138 }
شرع الاضطباع لأنه يعين على الرمل في الطواف .
( وقال ) مالك : لا يستحب لأنه لا يعرف ولم ير أحداً يفعله ( ورد ) لثبوته بالأحاديث الصحيحة الكثيرة . وقد اتفقت النصوص على استحبابه وتعلى أنه يسن في طواف العمرة وطواف واحد في الحج وهو طواف القدوم أو الإفاضة . ولا يسن في صلاة الطواف ولا للمرآة اتفاقاً لأن حالها مبنى على الستر .
(2) الرمل بفتحتين . وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطأ وتحريك المنكبين . ويسن في الأشواط الثلاثة الأول إجماعاً ويمشى في الباقي على رسله بسكينة ووقار « لقول » ابن عمر رضي الله عنهما : رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثاً ومشى أربعاً . أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي(2) . { 139 }
شرع لإظهار القوة والنشاط . ولا يسن إلا في طواف العمرة وفي طواف يعقبه سعى في الحج وهو طواف القدوم أو الإفاضة ولا يشرع تداركه : فلو تركه في الثلاثة لم يقضه في الأربعة الباقية لأن هيئتها السكينة والتمهل ( ولا يشرع ) للنساء , لقول ابن عمر رضي الله عنهما : ليس على النساء سعي بالبيت ( أي رمل ) ولا بين الصفا والمروة . أخرجه البيهقي(3) { 44 }
(
__________
(1) أنظر رقم 158 ص 217 ج 1 تكملة المنهل العذب , وباقي المراجع بهامش 2 ص 219 منه
(2) ص 18 ج 12 ـ الفتح الرباني . وص 7 ج 9 نووي مسلم ( استحباب الرمل في الطواف . ) وص 38 ج 2 مجتبي ( كم بمشي ) وص 115 ج 2 سنن ابن ماجه ( الرمل حول البيت ) وص 83 ج 5 سنن البيهقي .
(3) ص 84 ج 5 سنن البيهقى ( لا رمل على النساء ) .(1/124)
3 و 4 و 5) ويسن في بدء الطواف استقبال الحجر الأسود مهللاً مكبراً اتفاقاً رافعاً يديه كالصلاة عند الحنفيين والشافعي وأحمد , لقول ابن عمر رضي الله عنهما : استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر وأستلمه ثم وضع شفتيه يبكي طويلاً فالتفت فإذا عمر يبكي فقال : يا عمر ههنا تسكب العبرات . أخرجه الحاكم وقال : حديث صحيح الإسناد وأقره الذهبي(1) . { 140 }
« وعن عمر » رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : يا عمر أنك رجل قوى لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف أن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله فهلل وكبر . أخرجه الشافعي وأحمد . وفيه رأوا لم يسم(2) . { 141 }
« وعن طلحة » بن مصرف عن إبراهيم النخعي قال : ترفع الأيدي في سبعة مواطن في افتتاح الصلاة , وفي التكبير للقنوت في التوتر , وفي العيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبجمع وعرفات وعند
الجمرتين . أخرجه الطلحاوي (3) . { 45 }
« وكان » مالك رحمه الله لا يرى رفع اليدين , لقول المهاجر المكي . سئل جابر بن عبد الله عن الرج ... ... ل يرى البيت أيرفع يديه ؟ قال : ما كنت أرى أحداً يفعل هذا إلا اليهود وقد حججنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فلم يكن يفعله . أخرجه الثلاثة والطلحاوي والبيهقي فلم يكن يفعله . أخرجه الثلاثة والطلحاوي والبيهقي(4) { 142 }
( وأجاب ) عنه الأولون بأنه فيا لرفع عند رؤية البيت . وما روينا في الرفع عند استلا الحجر .
(
__________
(1) ص 454 ج 1 مستدرك
(2) ص 43 ج 2 بدائع المنن . وص 34 ج 12 ـ الفتح الرباني
(3) ص 391 ج 1 شرح معاني الآثار ( رفع اليدين عند رؤية البيت ) والمراد بالجمرتين الصغرى والوسطي .
(4) أنظر رقم 144 ص 200 ج 1 تكملة المنهل المذهب ( رفع اليدين إذا رأي البيت ) وباقي المراجع بهامش 2 , 3 , 4 , 6 ص 202 منه .(1/125)
6 و 7 ) ويسن استلام الحجر الأسود بوضع يديه عليه وتقبيله بلا صوت أن استطاع بلا إيذاء وإلا مسه بشيء كيداً أو عود وقبله أو أشار إلى الحجر بنحو عصا مكبرا مهللا حامداً الله تعالى مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم , لقول الزبير بن عربي : سألت بن عمر رضي الله عنهما عن الحجر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله . فقلت أرأيت أن زحمت عليه أو غلبت عليه فقال ابن عمر : اجعل أرأيت باليمن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله . أخرجه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود الطيالسي . وهذا لفظه (1) ... ... { 143 }
__________
(1) ص 33 ج 12 الفتح الرباني . وص 309 ج 3 فتح الباري ( تقبيل الحجر ) وص 39 ج 2 مجتبي ( العلة في سعي النبي الله عليه وسلم بالبيت ) وص 254 مسند الطيالسي ( الزبير ابن العربي عن ابن عمر .. ) .(1/126)
وظاهرة أن ابن عمر لم ير الزحام عذراً في ترك الاستلام . وهو محمول على ما إذا لم يؤد الاستلام حينئذٍ إلى إيذاء وإلا اكتفي بما يتيس كما تقدم في حديث عمر رضي الله عنه (1) « وعن » ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أكب على الركن فقال : أني لأعلم أنك حجر ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبلك وأستلمك ما أسلمتك ولا قبلتك , لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة . أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي بألفاظ مختلفة . وهذا لفظ أحمد . وأخرج السبعة نحوه عن عباس بن ربيعة عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال : أني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح(2) ... ... { 144 }
__________
(1) انظر الحديث رقم 141 ص 113 .
(2) ص 33 ج 12 ـ الفتح الرباني . وص 38 ج 2 مجتبي ( كيف يقبل ) وص 74 ج 5 سنن البيهقي . وانظر رقم 147 ص 205 ج 1 تكملة المنهل العذب ( تقبيل الجمر ) وباقي المراجع بهامش 4 ص 207 منه . ( لا تضر ولا نفع ) أي إلإ بإذن الله تعالي . وقد ورد أنه ينفع من استلمه بالشهادة له يوم القيامة بإذن الله تعالي « روي » ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يأتي هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق . أخرجه أحمد والحاكم وصححه وابن ماجه والترمذي وحسنه . انظر المراجع بهامش 1 ص 206 ج 1 تكملة المنهل العذب .(1/127)
وإنما قال ذلك عمر رضي الله عنه , لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشى عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية . فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان . قاله الطبري (1) .
« وقال » نافع : رأيت ابن عمر استلم الحج بيده ثم قبل يده وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله . أخرجه مسلم (2) { 145 }
والأحاديث في هذا كثيرة صريحة في مشروعية استلام وتقبيل الحجر الأسود دون غيره . وحكمة ذلك أنه لما جعل مبدأ للطواف منعاً لاضطراب الطائفين استحق أن يكرم ويقبل ( وخص ) بهذا لما ثبت من فضله . وقد اتفق العلماء على أن هذا للرجال دون النساء .
(8) ويسن أيضاً وضع الخد على الحجر الأسود , لقول ابن عباس رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الركن يعني الأسود ويضع خده عليه . أخرجه أبو يعلي . وفي سنده عب الله بن مسلم بن هرمز. وهو ضعيف (3) { 146 }
« وقال » سويد بن غفلة : رأيت عمر قبل الحجر والتزمه وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بك حفيا . أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي (4) { 147 }
وجه الدلالة أن وضع الخد من معاني الالتزام . فيستحب أن يستلمه ثم يقبله ثم يضع جبهته عاليه . وبهذا قال الحنفيون والشافعي وأحمد والجمهور . وقال : مالك وضع الجبهة عليه بدعة . قال عياض : وقد شذ في هذا عن العلماء (5) .
(
__________
(1) ص 300 ج 3 فتح الباري . الشرح ( ما ذكر في الحجر الأسود ) .
(2) ص 15 ج 9 نووي مسلم ( استلام الركنين اليمانيين .. ) .
(3) ص 241 ج 3 مجمع الزوائد ( الطواف والرمل والاستلام ) .
(4) ص 17 ج 9 نووي مسلم ( تقبيل الحجر الأسود ) وص 74 ج 5 سنن البيهقي . و( حفيا ) أي معتنيا .
(5) ص 16 ج 9 نووي شرح مسلم .(1/128)
9) ويسن الدعاء عند استلام الحجر بما شاء من خيرى الدنيا والآخرة , وبالمأثور أفضل ( ومنه ) ما روي الحارث عن على رضي الله عنه أنه كان يقول إذا استلم الحجر : اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك واتباعا لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم . أخرجه البيهقي والطبراني في الأوسط , والحارث ضعيف وقد وثق . وأخرجه الطبراني في الأوسط بسند رجاله رجال الصحيح عن ابن عمر (1) { 46 }
(10) ويسن استلام الركن اليماني لحديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ما تركت استلام هذين الركنين اليماني والحجر الأسود منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمها في شدة ولا في رخاء . أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي (2) { 148 }
« وقال » ابن عمر : لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من الأركان إلا اليمانيين . أخرجه الطحاوي والسبعة إلا الترمذي (3) { 149 }
والمراد باليمانيين الركن الذي فيه الحجر الأسود والركن اليماني . واقتصر صلى الله عليه وسلم على استلامها , لأن ركن الحجر الأسود فيه فضيلتان كونه على قواعد إبراهيم ووجود الحجر فيه . فلذا يستلم ويقبل . وفي الركن اليماني فضيلة واحدة وهي كونه على قواعد إبراهيم . ولذا يستلم فقط , وأما الركنان الآخران فليس فيهما شئ من ذلك فلذا لا يستلمان ولا يقبلان .
(11) ويسن الدعاء والذكر في الطواف بالوارد ( ومنه )
(
__________
(1) ص 79 ج 5 سنن البيهقي ( ما يقال عند استلام الركن ) وص 240 ج 3 مجمع الزوائد .
(2) ص 15 ج 9 نووي مسلم ( استلام الركنين اليمانيين ) وص 39 ج 2 مجتبي . وص 76 ج 5 سنن البيهقي .
(3) انظر رقم 148 ص 207 ج 1 تكملة المذهل العذب. و(اليمانيين)بتخفيف الياء المثناه التحتية على المشهور , لأن الألف عوض من ياء النسبة.(1/129)
أ ) ما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي البيت فيستلم الحجر ويقول : باسم الله والله أكبر . أخرجه أحمد من حديث طويل(1) { 150 }
( ب ) ما في حديث سعيد بن جبير قال . كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : احفظوا هذا الحديث وكان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان يدعو به بين الركنين : رب قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل عائبة لي بخير . أخرجه الحاكم بسند صحيح (2) { 151 }
« وقال » أبو العباس الأصم : أنبأنا الربيع قال : قال الشافعي رضي الله عنه : أحب كلما حاذي به ( يعني بالحجر الأسود ) أن يكبر وأن يقول في رمله : اللهم اجعله حجا مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً . ويقول في الأطواف الأربعة : اللهم اغفر وارحم , واعف عما تعلم , وأنت الأعز الأكرم . اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . أخرجه البيهقي (3) . { 47 }
هذا . ولا بأس بقراءة القرآن في الطواف عند الحنفيين والشافعي وهو مشهور مذهب أحمد , لقول عبد الله بن السائب رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بين الركن اليماني والحجر : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . أخرجه الشافعي وأحمد البيهقي . وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححاه(4) { 152 }
__________
(1) ص 67 ج 12 ـ الفتح الرباني .
(2) ص 455 ج 1 مستدرك ( واخلف على .. ) أي اجعل لي عوضا حاضرا عما غاب على وفات أو مالا أتمكن من إدراكه .
(3) ص 84 ج 5 سنن البيهقي ( القول في الطواف ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 230 منه .
(4) ص 46 ج 2 كشف الخفاء . وص 459 ج 1 مستدرك . وص 85 ج 5 سنن البيهقي ( إقلام الكلام بغير ذكر الله في الطواف ) .(1/130)
وعن مالك وأحمد أنه يكره قراءة القرآن في الطواف . وهو مردود بالحديث ( ويستحب ) أن يدع الحديث في الطواف إلا بذكر أو قراءة أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو مالا بدمنه , لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الطواف بالبيت صلاة ولكن الله أحل فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير . أخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي (1) . { 153 }
(12) ويسن للطائف الدنو من الكعبة إجماعاً لأن القرب من البيت في الصلاة أفضل فكذا فيا لطواف وهذا بشرط ألا يؤذي ولا يتأذي للزحمة . فأن تأذي أو آذى بالقرب فالبعد أولى .
وهذا في حق الرجل , أما المرأة فيستحب لها ألا تدنو من الكعبة حال طواف الرجال بل تكون في حاشية المطاف بحيث لا تخالط الرجال . ( ويستحب ) لها أن تطوف ليلا فأنه أصون لها ولغيرها ؛ فأن كان المطاف خالياً من الرجال استحب لها القرب من الكعبة كالرجل . وأصله حديث ابن جريح قال : أخبرني عطاء – إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال – قال : كيف تمنعهن وقد طاف نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجال ؟ قلت أبعد الحجاب أو قبل ؟ قال : لقد أدركته بعد الحجاب : قلت كيف يخالطن الرجال ؟ قال لم يكن يخالطن . كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم فقالت امرأة : أنطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت: عنك وأبت فكن يخرجن متنكراتٍ بالليل فيطفن مع الرجال ( الحديث ) أخرجه البخاري والبيهقي (2) ... { 154 }
فقد دل على طواف النساء ليلا متنكرات .
__________
(1) ص 311 ج 3 فتح الباري ( طواف النساء مع الرجال ) وص 78 ج 5 عبد الملك و ( حجرة ) بفتح فسكون أي ناحية من الناس معتزلة .
(2) ص 38 ج 8 شرح المذهب .(1/131)
هذا . وأن تعذر الرجل القرب من الكعبة مع الرمل للزحمة فأن رجا فرجة استحب أن ينتظرها ليرمل أن لم يؤذ بوقوفه أحداً وأن لم يرجها فالمحافظة على الرمل مع البعد عن البيت أفضل من القرب بلا رمل (1) .
(13) وليس للطائف أن يكون خاشعاً خاضعاً متذللاً حاضر القلب ملازم الأدب ظاهراً وباطناً ملاحظاً أن الطواف صلاة فيتأدب بآدابها مستشعراً بقلبه عظمة من يطوف بيته (2) .
(4) مكروهات الطواف – يكره في الطواف أمور المذكور منها هنا ستة عشر :
(1) ترك سنة من سنته , كالرمل والاضطباع والاستلام والتقبيل والدعاء ولا يلزمه لترك ما ذكر دم .
(2) وتكره المبالغة في الإسراع في الرمل , بل يرمل على العادة .
(3 و 4) ويكره الأكل والشرب في الطواف وكراهة الشرب أخف ( وقال ) الشافعي : لا بأس بشرب الماء في الطواف , وتركه أحب , لما روي ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب ماء فيا لطواف . أخرجه البيهقي والحاكم وصححه { 155 }
(5) ويكره للطائف وضع يده على فيه كما في الصلاة إلا أن يحتاج إليه أو يتثاءب فيضع يديه على فيه , لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه فأن الشيطان يدخل . أخرجه مسلم (3) { 156 }
( 6 – 11 ) ويكره للطائف أن يشبك أصابعه أو يفرقع بها وأن يطوف وهو يدافع البول أو الغائط أو الريح , أو وهو شديد التوقان إلى الأكل وما في معنى ذلك كما تكره الصلاة في هذه الأحوال (4) .
(12) ويكره في الطواف الكلام بغير ذكر الله تعالى ولو تلبية .
(13 – 16 ) ويكره فيه أنشاد الشعر إلا ما قل . وبيع وشراء وطواف شخص عن غيره قبل أن يطوف عن نفسه (5) .
(
__________
(1) ص 46 منه .
(2) ص 85 ج 4 سنن البيهقي ( الشرب في الطواف ) وص 460 ج 1 مستدرك
(3) ص 122 ج 18 نووي مسلم ( تشميت العاطس وكراهة التثاؤب ) .
(4) ص 46 ج 8 شرح المذهب .
(5) ص 719 ج 1 ـ الفجر المنير(1/132)
4) أنواع الطواف – الطواف أربعة أقسام
( الأول ) طواف الركن وقد تقدم بيانه (1) .
( الثاني ) طواف القدوم ويسمى طواف التحية , وطواف اللقاء . وهو سنة عند الحنفيين والشافعي وأحمد , لأنه تحية الكعبة فلا يجب كتحية المسجد . و « تقدم » أن عائشة رضي الله عنها قالت : أن أول شئ بدأ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت أخرجه الشيخان والبيهقي (2) . دل الحديث على أن تحية المسجد الحرام الطواف فيطلب ممن دخله ولو غير محرم الابتداء بالطواف إلا أن دخل في وقت منع الناس فيه من الطواف أو كان عليه فائتة أو خاف فوت المكتوبة أو التوتر أو سنة الراتبة . أو الجماعة , فيقدم ما ذكر على الطواف ثم يطوف . ( وقال ) مالك وبعض الشافعية : طواف القدوم واجب على من قدم مكة محرماً بالحج من الحل ولو مقيما بمكة ثم خرج إليه . وهو الحق , لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم مبين لمجمل واجب هو قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت « وعن جابر » رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لتأخذوا مناسككم . فأني لا أدري لعلى لا أحج بعد حجتي هذه . أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي . وساقه البيهقي أيضاً بلفظ : خذوا عني مناسككم لعلى لا أراكم بعد عامي هذا (3) . ... { 157 }
__________
(1) انظر ص 91 وما بعدها
(2) تقدم رقم 126 ص 102
(3) انظر رقم 234 ص 123 ج 2 تكملة المنهل العذب ( رمي الجمار ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 124 منه . وانظر ص 125 5 سنن البيهقي ( الإيضاع في وادي محسر )(1/133)
وهذا يستلزم وجوب كل فعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حجه إلا ما خصه دليل . وأما من أحرم بعمرة أو بحج من الحرم , فليس عليه طواف قدوم ولا دم كما لا يجب على ناس وحائض ونفساء ومغمي عليه ومجنون حيث بقى عذرهم بحيث لا يمكنهم الإتيان بالقدوم , وكذا لا قدوم على من زاحمه الوقت وضاق عليه بحيث يخشى بالتشاغل به فوات الحج (1) هذا , ويطلب في طواف القدوم ما يطلب في طواف الركن من شروط وواجبات وسنن , ومنها الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى كما تقدم .
( الثالث ) طواف الوداع – بفتح الواو ويسمى طواف الصدر بفتحتين وطواف آخر عهد بالبيت . وهو الطواف عند إرادة السفر من مكة .
وهو واجب لغير الحائض والمكي – وهو من كان مقيما داخل المواقيت – عند الحنفيين والشافعي وأحمد . فلا يجب على من كان داخلها ولا على الحائض . ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما : قال : أمر الناس
أن يكون آخر عهدهم بالبيت , إلا أنه خفف عن المرأة الحائض . أخرجه الشيخان (2) { 158 }
وقال مالك طواف الوداع سنة لا شئ في تركه وهو قول للشافعي لأنه لو كان واجباً لما خفف عن الحائض ( ورد ) بأن التخفيف دليل الإيجاب على غيرها . فالحق أنه واجب .
ولطواف الوداع وقتان .
(1) وقت استحباب وهو عند إرادة السفر .
(
__________
(1) ص 720 ج 1 ـ الفجر المنير
(2) ص 379 ج 3 فتح الباري ( طواف الوداع ) وص 79 ج 9 نووي مسلم . و ( أمر ) مبني للمفعول والآمر النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث موفوع .(1/134)
2) ووقت جواز وأوله بعد طواف الزيارة إذا كان عازماً على السفر . فلو طاف له ثم أطال الإقامة بمكة بلا نية الإقامة لا يلزمه إعادته عند الحنفيين ولا آخر له ما دام بمكة . فلو طاف في أي وقت وقع أداءً . ولو سافر ولم يطفه لزمه الرجوع لطوافه ما لم يجاوز الميقات . فأن جاوزه فله أن يمضي وعليه دم , وهو أفضل , وله أن يرجع محرماً بعمرة , فإذا فرغ منها طاف للوداع ولا شئ عليه بتأخيره عند الحنفيين . وقال غيرهم شرط الاعتداء بطواف الوداع ألا يقيم بعده فوق ساعة فلكية وإلا أعاده , ومن سافر ولم يطفه رجع أن كان قريباً بأن كان بينه وبين مكة دون مسافة القصر وإلا أرسل دما عند من يرى وجوبه , وكذا من لم يمكنه الرجوع لعذر . ولو لم يرجع القريب الذي يمكنه الرجوع لا يلزمه أكثر من دم .
فائدة : ليس على المعتمر طواف الوداع , لأنه لم يرد إلا في الحج وقال الثوري : يجب على المعتمر أيضاً (1) .
( الرابع ) طواف التطوع . وهو سنة , فينبغي للناسك أن يغنتم مدة إقامته بمكة ويكثر الاعتمار والطواف والصلاة بالمسجد الحرام (2) .
(6) مسائل – ( الأولى ) من كان عليه طواف الركن فنوى غيره عن نفسه أو عن غيره تطوعا أو وداعا أو قدوما وقع عن طواف الركن كما لو أحرم بتطوع الحج أو العمرة وعليه فرضهما فأنه ينعقد عن الفرض . ولو نذر أن يطوف فطاف عن غيره , فأن كان زمان النذر معيناً لم يجز أن يطوف فيه عن غيره اتفاقا . وأن كان غير معين أو معيناً وطاف في غيره قبل أن يطوف للنذر لا يجوز أن يطوف عن غيره على الصحيح كطواف الإفاضة (3) .
( الثانية ) لو طاف المحرم وهو لابس المخيط ونحوه صح طوافه وعليه الفدية , لأن تحريم اللبس لا يختص بالطواف فلا يمنع صحته .
(
__________
(1) ص 306 ج 2 سبل السلام .
(2) ص 207 ج 8 شرح المذهب ( ويكثر الاعتمار) أي الإتيان بعمرة يحرم بها من الحل . فإن تكريرها في السنة مشروع كما يأتي
(3) ص 55 ج ى8 شرح المذهب(1/135)
الثالثة ) إذا حاضت المرأة ولم تنك طافت للإفاضة لزم من معها من محرم أو زوج أو أجير الإقامة معها مدة اكثر الحيض وزيادة ثلاثة أيام عند مالك ( وقال ) الشافعي : لا يلزم الأجير الانتظار .
(7) بدع الطواف – تقدم بيان ما ينبغي أن يتحلى به الطائف من صالح الأعمال , وجميل الخصال التي يرجى لمن أتى بها على وجهها الرضا والقبول , ولكن الشيطان العدو اللدود لبني الإنسان , حسن لهم بدعا ارتكبوها في الطواف منها .
(1) التمسح بحيطان الكعبة غير الحجر الأسود والركن اليماني اللذين شرع استلامهما دون غيرهما .
(2) ومنها تقبيل غير الحجر الأسود , والتمسح بمقام سيدنا إبراهيم وتقبيله والطواف حوله .
(3) ومنها ما ابتدع المطوفون من تلقينهم الحجاج في الطواف وغيره أدعية مخترعة بأصوات مرتفعة تشوش على الطائفين والمصلين .
(4) ومنها اختلاط الرجال والنساء بشكل مريع في الطواف وغيره بحال يخجل منه وجه الحياء . فترى صفوف النساء أمام صفوف الرجال وكم حدث من تهتك وفتن . وهناك عند الحجر الأسود ترى الموت الأحمر من مزاحمة الرجال للنساء . والشرطة واقفون على يمين الحجر وشماله , لا لإبعاد النساء عن الرجال بل لتمكين من يعطيهم النقود من استلام الحجر وإلا دفع عنيفاً . وكذلك يكون الأمر في المشاهد الكريمة بمكة والمدينة إن أعطى الشرطة منها رضوا بكل منكر يفعل وإلا فهم الساخطون المنكرون .
(5) ومن البدع المستقبحة خروج المودع إلى الوراء مستقبلا البيت ماشياً إلى الخلف , فهو مكروه لعدم الورود , بل يخرج وظهره إلى البيت . والأدب والتعظيم بالقلب . والله تعالى ولي الهداية والتوفيق .(1/136)
فظائع المطوفين – من المطوفين من كل همهم جمع المال بأي طريق كان ويعاملون الحجاج معاملة شاذة ويرون أن مالهم غنيمة مباحة يوحون إلى أوليائهم بجدة ومكة بتحصيل ضرائب من الحجاج فادحة وإلا لاقوا في الوصول إلى مصالحهم المرين . وأفظع من هذا حملهم الحجاج على دفع أثمان الدماء الواجبة أو الأضاحي لم يزعم أنهم أدوى بالثمن وأعرف بالمستحقين . واليقين انهم لهت آكلون وإذا لم يأخذوا من الحجاج أثمانهم استولوا في المذبح على الذبائح وباعوها أو فرقوها على معارفهم وأحبابهم ومن العجيب أنهم لا يتورعون عن الاختلاط الشائن بالسيدات والبنات . فترى أحدهم متأبطا امرأة يجرى بها حول الكعبة أو في المسعى أو عند الجمرات . وهناك يكون المس والاحتكاك ويبلغ الشيطان مناه . والأفظع والأدهى استمرارهم على لهوهم حتى وقت الآذان وأقام الصلاة مع الإمام فترى المقاهي بهم عامرة والطرقات غاصة والمنازل مزدحمة . وهذا قليل من كثير . فليكن الحاج على حذر منهم وعلى بينة من أمره ومعرفة بالمناسك حتى يؤديها على الوجه المرضى . ولعل الحكومة السعودية تعد لمن يرغب في التطويف دراسة خاصة يعقبها اختبار ومن تحين حاله يعطي إجازة بعمله .
((1/137)
9) ما بعد الطواف – وبعد الطواف يصلى ركعتيه على ما تقدم بيانه ثم يأتي زمزم (1) ويشرب من مائها ويستحب ان يكثر منه وأن ينوي بشربه ما يريد من أمور الآخرة والدنيا وأن يستقبل القبلة ويسمى ويسرب ثلاثاً يقول في كل مرة : اللهم إني أسألك علماً نافعاً وقلبا خاشعا ونوراً ساطعاً ورزقاً واسعاً وشفاء من كل داء . ثم يقول: اللهم غني أشربه لتغفر لي اللهم اغفر لي . أو اللهم إني أشربه مستشفياً به اللهم فاشفني ونحو هذا ؛ فإذا فرغ حمد الله تعالى . وقد جاء في هذا أحاديث ( منها ) حديث محمد بن حبيب الجارودي ثنا سفيان بن عيينة عن ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ماء زمزم لما شرب له فإن شربته تستشفي به شفاك الله . وإن شربته مستعيذاً أعاذك الله . وإن شربته ليقطع ظمأك قطعه . قال : وكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال : اللهم أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاء من كل داء . أخرجه الحاكم وقال حديث صحيح الإسناد إن سلم من الجاوردي (2) { 159 }
«
__________
(1) زمزم يئر في المسجد الحرام شرقي الحجر الأسود بينها وبين الكعبة 28,5 نصف متر وثمانية وعشرون مترا سميت زمزم لكثرة مائها , وقبل لضم هاجر رضي الله عنها ماءها حين أنفجر وزمها إياه . انظر رسم 3 ص 105 .
(2) ص 374 ج 1 مستدرك .(1/138)
وحديث » محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال : كنت عند ابن عباس فجاءه رجال فقال من أين جئت؟ قال من زمزم فقال أشربت منها كما ينبغي ؟ فقال وكيف ؟ قال إذا شربت منها فاستقبل القبلة ثم اذكر اسم الله وتنفس ثلاثاً وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله تعالى فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم . أخرجه ابن ماجة والبيهقي بسند صحيح رجاله ثقات (1) . { 160 }
(10) الوقوف بالملتزم – الملتزم بضم الميم وفتح الزاي ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة . يستحب للناسك بعد طواف الوداع أن يأتي الملتزم فيضع صدره وبطه وخده الأيمن على حائط البيت ويبسط يديه على الجدار جاعلاً يده اليمنى مما يلي الباب واليسرى مما يلي الحجر الأسود متعلقاً بأستار الكعبة ويدعوا بما أحب من خيرى الدنيا والآخرة متحسراً على فراق البيت , لحديث المثني بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال : طفت مع عبد الله بن عمرو فلما فرغنا من السبع وكنا في دبر الكعبة فقلت ألا تتعوذ بالله من النار ؟ قال نعوذ بالله من النار . ثم مضى حتى استلم الحجر وأقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطها بسطا وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله . أخرجه أبو داود والبيهقي وابن ماجه والمثني ضعيف (2) ... ... ... ... ... { 161 }
«
__________
(1) ص 129 ج 2 سنن ابن ماجه ( الشرب من زمزم ) وص 147 ج 5 سنن البيهقي ( ولا يتضلعون ) أى يشبعون من ماء زمزم من تضلع امتلأ شبعا أو ريا .
(2) انظر رقم 172 ص 240 ج 1 تكملة المنهل العذب ( الملتزم ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 242 منه .(1/139)
وعن ابن عباس » رضي الله عنهما أنه كان يلتزم ما بين الركن والباب ويقول : ما بين الركن والباب يدعى الملتزم لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه . أخرجه البيهقي بسند ضعيف (1) { 48 }
والضعيف يعمل به في فضائل الأعمال .
فائدتان : ( الأولى ) ذكرا لحسن البصري في رسالته لأهل مكة أن الدعاء يستحب في خمسة عشر موضوعا : في الطواف وعند الملتزم , وتحت الميزان , وفي البيت « الكعبة » وعند زمزم , وعلى الصفا والمروة , وفي المسعى , وخلف المقام . وفي عرفات وفي المزدلفة ومنى وعند الجمرات الثلاث (2) فينبغي الحرص على الدعاء في هذه المواضع بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ومنه : اتللهم وفق ولاة الأمور في بلاد الإسلام لإزالة المنكرات والمخالفات وإقامة الحدود والعمل [أحكام التنزيل . اللهم لا تجعل لكافر على مسلم ولاية وطهر البلاد من أهل الشرور والفساد . ووفق المؤمنين للتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل والوقوف عند الحدود الشرعية والإخلاص لله الواحد المعبود . وصلى الله على النبي وعلى آله .
(
__________
(1) ص 164 ج 5 سنن البيهقي ( الوقوف في الملتزم ) .
(2) ص 261 ج 8 شرح المذهب .(1/140)
الثانية ) لا باس بنقل ماء زمزم إلى غير مكة , لحديث عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تحمل ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله . أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب والحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد « ورد » بأن في سنده خلاد بن يزيد قال البخاري لا يتابع على حديثه . وأخرجه البيهقي من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن العلاء أبو كريب ثنا خلاد بن يزيد ( السند ) وقال : ورواه غيره عن أبي كريب وزاد فيه : حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأداوي والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم (1) ... { 162 }
د- السعي بين الصفا والمروة (2)
__________
(1) ص 123 ج 2 تحفة الأحوذي ( حمل ماء زمزم ) وص 485 ج 1 مستدرك . وص 202 ج 5 سنن البيهقي ( الخروج بماء زمزم ) . و (الأداوى) كفتاوي جمع إداوة بكسر الهمزة , المطهرة .
(2) الصفا ) في الأصل جمع صفاه وهي الحجر العريض الأملس . المراد به هنا مكان عال في أصل جبل أبي قبيس جنوب المسجد قريب من باب الصفا . وهو شبيه بالمصلي طوله ستة أمتار وعرضه ثلاثة وارتفاعه نحو مترين يصعد إليه بأربع درجات ( والمروة ) =(1/141)
السعي بينهما سبعة أشواط – البدء مرة والعود أخرى – هو الركن الرابع للحج لا يصح إلا به ولا يجبر بدم ولا غيره عند مالك والشافعي ورواية عن أحمد ( وقال ) الحنفيون : السعي واجب يجبر بدم . وهو الصحيح عن أحمد , لحديث حبيبة بنت أبي تجراه قالت : رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره وهو يقول : اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي . أخرجه الشافعي وأحمد والدارقطني والبيهقي . وفي يوجد رسم سنده عبد الله بن المؤمل . وثقه ابن حبان وقال : يخطئ وضعفه غيره (1) ... ... ... ... { 163 }
قال ابن المنذر : أن ثبت فهو حجة في الوجوب ( ويقويه ) حديث صفيه بنت شيبة أن امرأة أخبرتها أنها سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : كتب عليكم السعي فتسعوا . أخرجه أحمد . وفي سنده موسى بن عبيده وهو ضعيف . قاله الهيثمى (2) { 164 }
__________
(1) = في الأصل واحد المروة . وهي الحجارة البيض . والمراد به هنا مكان مرتفع في أصل جبل قعيقعان في الشمال الشرقي للمسجد الحرام قرب باب السلام . وهو شبيه بالمصلي . وطوله أربعة أمتار في عرض مترين وارتفاعه نحو مترين . يصعد إليه بخمس درجات . والشارع الذي بين الصف والمروه هو المسعى . وسيأتي وصفه إن شاء الله تعالي . وقد أدخل في المسجد الحرام بمقتضى التوسعة السعودية سنة 1375 هـ . (انظر رسم ص 130 ورسم 5 ص 131 )
( ) ص 49 ج 2 بدائع المنن . وص 77 ج 12 – الفتح الرباني . وص 270 سنن الدار قطني . وص 98 ج 5 سنن البيهقي ( السعي بين الصفا والمروة ) و ( تجراه ) بكسر التاء أو فتحها فسكون الجيم فراء مهملة . والضمير في ( يدور به ) يرجع إلى الركعتين , أي تدور إزاره بركبتيه .
(2) ص 247 ج 3 مجمع الزوائد ( ما جاء في السعي ) ولعل المرأة هي حبيبة التي في الحديث الأول .(1/142)
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسعي . والأمر للفريضة عند المالك والشافعي « وقال » الحنفيون : هو ظني فلا يفيد إلا الوجوب وهو الصحيح عند أحمد .
« وقال » الترمذى : وأختلف أهل العلم فيمن لم يطف بين الصفا والمروة حتى رجع . فقال البعض : أن لم يطف بينهما حتى خرج من مكة فأن ذكر وهو قريب منها رجع فطاف بينهما وأن لم يذكر حتى أتى بلادة أجزأه وعليه دم . وهو قال الثوري . وقال بعضهم : لا يجزئه وهو قال الشافعي لأن الطواف بينهما ركن لا يجوز الحج إلا به (1)
ثم الكلام ينحصر في ستة مباحث .
(1) ـ شروط السعي ـ يشترط لصحة السعي خمسة شروط : ( الأول ) كونه بعد طواف ولو تطوعا . وهو شرط عند مالك والشافعي وأحمد . واختاره صاحب اللباب من الحنفيين . والأصح عندهم أنه واجب لقول أبى هريرة رضى الله عنه ـ في قصة فتح مكة ـ : أقبل النبي صلى الله عليه وسلم فدخل مكة فأقبل إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يكر الله عز وجل ودعا بما يشاء أن يدعو . أخرجه أبو داود والبيهقي (2) ... ... ... ... ... ... ... { 165 }
فإن لم يتقدمه طواف بطل عند الثلاثة . ولزم فيه دم عند الحنفيين .
(
__________
(1) ص 93 ج2 تحفة الأحوذي ( يبدأها بالصفا قبل المروة ) .
(2) انظر رقم 146 ص 203 ج 1 تكملة المنهل العذب (رفع اليدين إذا رأى البيت) و ص 93 ج 5 سنن البيهقي ( الخروج إلى الصفا والمروة ).(1/143)
الثاني ) البدء في السعي بالصفا والختم بالمروة . وهو شرط عند مالك والشافعي وأحمد . واختاره صاحب اللباب من الحنفيين والأصح عندهم أنه واجب , وأنه واجب لحديث جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعا رمل ثلاثا والمروة ومشي أربعا ثم قرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى . فصلى سجدتين وجعل المقام بينه وبين الكعبة ثم استلم الركن ثم خرج فقال : أن الصفا من شعائر الله . فابدءوا بما بدأ الله به . أخرجه النسائي والدار قطني من عدة طرق . وصححه ابن حزم (1). { 166 }
قال الترمذي : والعمل علي هذا عند أهل العلم أنه يبدأ بالصفا قبل المروه . فإن بدأ بالمروة قبل الصفا لم يجزه ويبدأ بالصفا (2)
( الثالث ) قطع كل ما بين الصفا والمروة . فلو بقى منها بعض خطوة لم يصح سعيه حتى لو كان راكبا اشترط أن يسير دابته حتى تضع حافرها على الجبل أو إليه . ويجب على الماشي أن يلصق ـ في الابتداء والانتهاء ـ رجلة بالجبل بحيث لا يبقى بينهما فرجة عند الشافعي (3) ويجب على الماشي أن يلصق ـ في الابتداء
( وقال ) غيره : لا يطلب إلصاق العقب بالصفا والمروة , لأنه تنطع وتشديد وإنما المراعى في ذلك الشأن والعادة (4)
( الرابع ) كون السعي في المسعى (5)
__________
(1) ص 40 ج 2 مجتبي ( القول بعد ركعتي الطواف ) وص 270 سنن الدارقطني .
(2) ص 93 ج 2 تحفة الأحوذي ( يبدأ بالصفا قبل المروة ) .
(3) ص 69 ج 8 شرح المهذب .
(4) ص 725 ج 1 الفجر المنير .
(5) المسعى شارع عمومي بين الصفا والمروة . طوله نحو أربعمائة متر . من الصفا إلى الميل الأول 80 ثمانون مترا . وبين الميلين 70 سبعون مترا . وبعدهما إلى المروة نحو 250 خمسين ومائتي متر . وعرضه عشرون متراً . وقد بني في التوسعة السعودية من طابقين . وأقيم في وسط المسعى حاجز مرتفع قليلا جعله قسمين أحدهما للذهاب من الصفا والآخر للإياب من المروة (انظر رسم 4 ص130 ورسم ه ص 131)(1/144)
فلا يجوز السعي في غير موضعه لأنه مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره كالطواف . وموضع السعي بطن الوادي . فأن التوي شيئا يسيرا أجزأه وأن عدل حتى دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا (1)
( الخامس ) موالاة السعي بلا تفريق كثير عند مالك ورواية عن أحمد . فأن جلس خفيفا بين أشواطه للراحة أجزاه . وأن طال أو فعل ذلك عبثا ابتدأه . ولا يبيع ولا يشتري ولا يقف مع أحد يحدثه . فأن فعل وكان خفيفا لا يضر . وأن طال بطل وأعاده ولا يقطعه لإقامة صلاة بالمسجد إلا أن ضاق وقتها فيصليها ويبني . وأن دافعه البول أو الغائط توضأ وابتدأ السعي أن طال الفصل . والكلام فيه أخف من الكلام في الطواف (2) ( وقال ) الحنفيون والشافعي والجمهور : الموالاة بين أشواط السعي سنة . وهو ظاهر مذهب أحمد . فلو تخلل فصل يسير أو طويل بينها لم يضر . ولو أقيمت الصلاة وهو في أثناء السعي قطعه وصلاها ثم بنى عليه (3) .
(2) واجبات السعي – للسعي واجبات أخر .
( منها ) (1) المشي فيه مع القدرة عند الحنفيين ومالك . فلا يركب إلا لعذر لا يقدر معه على المشي أو لداع آخر كتعليم الناس . وعليه يحمل ما تقدم عن جابر رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليًشرف وليسألوه فأن الناس غشوه (4) . فلو سعى راكباً بلا عذر لزمه هدى .
(
__________
(1) ص 76 ج 8 شرح المهذب .
(2) ص 724 ج 1 – الفجر المنير .
(3) ص 73 , 79 ج 8 شرح المهذب .
(4) تقديم رقم 130 ص 170 ( واجبات الحج ) .(1/145)
وقال ) الشافعي وأحمد : المشي في السعي سنة : لقول أبي الطفيل : قلت لابن عباس : حدثني عن الركوب بين الصفا والمروة , فأن قومك يزعمون أنه سنة . فقال : صدقوا وكذبوا . قلت : ما صدقوا وكذبوا ماذا ؟ قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فخرجوا حتى خرجت العواتق . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف وهو راكب ولو نزل لكان المشى أحب إليه . أخرجه أحمد وهذا لفظه . وأخرجه مسلم وأبو داود والبيهقي مطولا (1) . { 167 }
فلو سعى راكبا جاز ولكنه خلاف الأولى ولا دم عليه . ولو سعى به غيرة محمولا جاز , لكن الأولى سعيه بنفسه أن لم يكن صغيراً أو له عذر كمرض .
(2) ويجب على من طلب منه طواف القدوم تقديم السعي على الوقوف بعرفة عند مالك وأحمد . وهو سنة عند الحنفيين وجابر عند الشافعية .
(3) ويجب على من لم يطلب منه طواف قدوم تأخير السعي عن طواف الركن عند مالك وأحمد . وهو سنة عند الحنفيين وجائز عند الشافعية .
(3) سنن السعي – وللسعي سنن أخرى المذكور منها هنا أربع عشرة :
(1) يسن الخروج للسعي من باب الصفا .
(
__________
(1) ص 84 ج 12 – الفتح الرباني . وص 10 ج 9 نووي مسلم ( الرمل في الطواف . ) ورقم 159 ص 219 ج 1 تكملة المنهل العذب ( في الرمل ) وص 100 ج 5 سنن البيهقي . ( وكذبوا ماذا ) زاد أحمد في رواية فقال : صدقوا قد طاف بين الصفا والمروة على بعير . وكذبوا ليست بسنة ( والعواتق ) جمع عاتق وهي البكر البالغة أو المراهقة . سميت بذلك لأنها عتقت من ابتذالها في الخروج والتصرف الذي تفعله الطفلة الصغيرة ( ولا يضرب عنده أحد ) أي كما يفعل بين يدي الملوك , لذلك ازدحموا عليه فركب صلى الله عليه وسلم دفعاً للزحام . ولولا شدة الزحام لنزل لأن المشي أحب إليه , فكيف يكون الركوب سنة . فهم كذبوا في قولهم : هذا سنة .(1/146)
2) وتسن الموالاة بين السعي والطواف عند الحنفيين ومالك وأحمد . فلو فرق بينهما ولو كثيراً جاز ولا دم عليه ( وقالت ) الشافعية : يجب عدم الفصل بينهما بالوقوف بعرفة . فأن تخللها الوقوف لم يجز السعي بعده قبل طواف الإفاضة بل يتعين حينئذ السعي بعد طواف الإفاضة .
( 3 – 6 ) ويسن الصعود على كل من الصفا والمروة , والذكر والدعاء عليهما بما أحب . والمأثور أفضل, لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثا ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير . ويصنع ذلك ثلاث مرات ويدعو . ويصنع على المروة مثل ذلك . أخرجه الإمامان النسائي والبيهقي (1) { 168 }
( ويدعو ) أي يدعو ثلاث مرات على المشهور عند الجمهور . قيل يكرر الذكر ثلاثاً والدعاء مرتين (وقال) نافع : سمعت ابن عمر وهو على الصفا يدعو يقول : اللهم أنك قلت : أدعوني استجب لكم وأنك لا تخلف الميعاد . وأني أسألك كما هديتني للإسلام ألا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم . أخرجه مالك والبيهقي بسند صحيح على شرط الشيخين (2) { 49 }
«
__________
(1) ص 217 ج 2 زرقاني الموطإ ( البدء بالصفا في السعي ) وص 85 ج 12 – الفتح الرباني . وص 41 ج 2 مجتبي ( التكبير على الصفا ) وص 93 ج 5 سنن البيهقي ( الخروج إلى الصفا .. ) .
(2) ص 218 ج 2 زرقاني الموطإ ( البدء بالصفا .. ) وص 94 ج 5 سنن البيهقي ( الخروج إلى الصفا ... )(1/147)
وعن » نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول على الصفا : اللهم اعصمنا بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك , وجنبنا حدودك . اللهم اجعلنا نحبك ونحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك ونحب عبادك الصالحين . اللهم حببنا إليك وإلى ملائكتك وإلى أنبيائك ورسلك وإلى عبادك الصالحين . اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى وأغفر لنا في الآخرة والأولى واجعلنا من أئمة المتقين . أخرجه البيهقي (1) { 50 }
والمرأة في ذلك كالرجل عن لم تزاحم .
( 7 – 9 ) ويسن في السعي المشي على هينته من الصفا إلى الميل الأول – وهو عمود بجوار باب البغلة – ثم يرمل الرجل إلى الميل الثاني وهو بجوار باب على . ثم يمشي إلى المروة , لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل من الصفا مشى حتى ذا أنصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى يخرج منه . أخرجه الإمامان والنسائي بسند جيد (2) { 169 }
(10) ويسن الذكر والدعاء في السعي بما أحب . ومن المأثور : رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم أنك أنت الأعز الأكرم . اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
( 11 , 12 ) ويسن للسعي الطهارة من الحدث والنجس وستر العورة عند الأئمة الأربعة والجمهور . فلو سعى محدثا ولو حدثا أكبر أو متنجسا أو مكشوف العورة صح سعيه ولا دم عليه . لكن كشف العورة حرام . وكذا يحرم على الجنب والحائض , لأن المسعى ادخل في المسجد .
(
__________
(1) ص 94 منه .
(2) ص 221 ج 2 زرقاني الموطإ ( جامع السعي ) وص 80 ج 12 – الفتح الرباني . وص 42 ج 2 مجتبي ( موضع المشي ) و ( انصبت قدماه ) بشد الباء أي انحدرتا بسهولة . و ( سعى ) أي أسرع في المشي ( حتى يخرج منه ) أي من بطن الوادي فيمشي على العادة .(1/148)
13) ويسن للناسك أن يتحرى لسعيه وطوافه وقت الخلوة وإذا ازدحم الناس لزمه التحرز من إيذائهم . ويستحب للمرأة أن تسعى ليلا لأنه أستر وأسلم لها ولغيرها من الفتنة . فأن طافت نهاراً اجاز وتسدل على وجهها ما يستره بلا مماسته البشرة (1) .
(14) ويسن عند الجمهور الاضطباع في كل السعي .
(4) مكروهات السعي – يكره في السعي أمور منها .
(1) ترك سنة من سننه .
(2) ويكره صلاة ركعتين على المروة بعد السعي , لنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم :
(3) ويكره تكرير السعي , لأنه لا يشرع في الحج إلا سعي واحد لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف هو ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً . أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي (2) . { 170 }
(5) كيفية السعي – إذا طاف الناسك وصلى ركعتين وشرب من ماء زمزم واستلم الحجر , يستحب أن يخرج من باب الصفا برجله اليسرى قائلا : باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك , ثم يصعد على الصفا حتى يرى الكعبة ويستقبلها ويكبر ويهلل ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بالمأثور , وبما احب من خيري الدنيا والآخرة كما تقدم (3) ثم ينزل من الصفا فيمشي على مهل قائلا: اللهم أحيني على سنة نبيك وتوفني على ملته وأعذني من مضلات الفتن برحمتك يا أرحم الراحمين . أخرجه البيهقي من قول ابن عمر (4) . { 51 }
__________
(1) انظر رقم 168 ص 233 ج 1 تكملة المنهل العذب ( طواف القارن ) وباقي المراجع بهامش 1 منه . والمراد بالطواف السعي لقوله تعالى « فلا جناح عليه أن يطوف بهما» .
(2) ص 75 ج 8 شرح المهذب .
(3) انظر حديث رقم 168 ص 136 وأثرى رقم 49 , 50 ص 137 .
(4) ص 95 ج 5 سنن البيهقي ( الخروج إلى الصفا والمروة .)(1/149)
فإذا وصل بطن الوادي سعى بين الميلين الأخضرين سعياً شديداً قائلا: رب اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم . أخرجه البيهقي من قول ابن مسعود وابن عمر (1) { 52 }
ثم يمشي على مهل حتى يصل المروة فيرقى عليها ويفعل كما فعل على الصفا . وهذا شوط . ثم يعود من المروة إلى الصفا وهكذا حتى يكمل سبعة أشواط . وقد جاء في كيفية السعي أحاديث أجمعها حديث جعفر بن محمد عن أبيه قال : دخلنا على جابر رضي الله عنه فذكر الحديث ( في حج النبي صلى الله عليه وسلم ) قال : ثم خرج من الباب إلى الصفا ثم قرأ « عن الصفا والمروة من شعائر الله » ثم قال : نبدأ بما بدأ الله به فرقى على الصفا حتى إذا نظر البيت كبر وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير , لا إله إلا الله وحده أنجر وعده وصدق عبده وغلب الأحزاب وحده ثم دعا ثم رجع إلى هذا الكلام . ثم نزل حتى إذا نصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فرقى عليها حتى نظر إلى البيت فقال عليها كما قال على الصفا حتى كان آخر الطواف على المروة (2) .
(6) أصل مشروعية الطواف والسعي – الطواف والسعي من مناسك الحج وشعائره من عهد سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام . وقد ثبت أن هاجر أم إسماعيل سعت بين الصفا والمروة سبعا عند حاجتها للمساء حتى هداها الله تعالى إلى زمزم .
(
__________
(1) ص 95 ج 5 سنن البيهقي ( الخروج إلى الصفا والمروة .)
(2) هذا بعض حديث جابر الطويل الآتي في ( حج النبي صلى الله عليه وسلم ) و ( أنجز ) أي وفي ( وعده ) بإظهار الدين ( وصدق ) بشد الدال ( عبده ) محمداً صلى الله عليه وسلم بتأييده بالمعجزات . وفي رواية أبي داود : ونصر عبده ( وغلب الأحزاب وحده ) أي هزمهم يوم الخندق بلا قتال من المسلمين , قال تعالى : فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها ( ثم رجع إلى هذا الكلام ) أي إلى الذكر حتى كرره والدعاء ثلاثاً .(1/150)
قال ) ابن عباس رضي الله عنهما : أقبل إبراهيم بإسماعيل عليهما السلام وأمه وهي ترضه ومعها شنة حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاه فيه ماء , ثم قفي إبراهيم منطلقا , ثم قال : وجعلت أم إسماعيل ترضعه وتشرب من ذلك الماء , فلما نفد عطشت وعطش ولدها فجعلت تنظر إليه يتلوى , فانطلقت كراهة أن تنظر إليه , فوجدت الصفا أقرب جبل يليها فقامت عليه , ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً ؟ فلم تر أحداً فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها , ثم سعت سعى الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها , فنظرت هل ترى أحداً ؟ فلم تر أحداً ففعلت ذلك سبعا , فذلك سعى الناس بينهما سبعاً ( الأثر ) أخرجه البخاري (1) { 53 }
وحكمة مشروعية الطواف والسعي , ما فيها من الأمر والطاعة وإحياء سنن المرسلين وتعظيم الشعائر التي أمر الله بتعظيمها « قالت » عائشة رضي الله عنها : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمى الجمار لإقامة ذكر الله . أخرجه أحمد وأبو داود والدارمي والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح (2) { 171 }
«
__________
(1) ص 203 ج 3 تيسير الوصول ( قصة إبراهيم وإسماعيل وأمه .) و ( شنة ) بفتح فشد النون , أي قربة بالية صغيرة . و ( الدوحة ) الشجرة العظيمة .
(2) انظر رقم 161 ص 226 ج 1 تكملة المنهل العذب ( الرمل ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 227 منه .(1/151)
وأما الرمل » فيهما والاضطباع فهما خاصان بهذه الأمة . والحكمة فيها إظهار نشاط المسلمين وقوتهم , « قال » ابن عباس رضي الله عنهما : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب , فقال المشركون : أنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى . فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما قالوا : فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين . فلما رأوهم رملوا قالوا : هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى وهنتهم هؤلاء أجلد منا . قال ابن عباس : فلم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي والبيهقي (1) . { 172 }
(هـ) الركن الخامس من أركان الحج على الصحيح عند الشافعية . وقال غيرهم : هو واجب يجبر تركه بدم . والمراد بالحلق إزالة شعر الرأس بأي آلة أو بالنورة أو بالنتف أو الإحراق . والأفضل كونه بالموسى أن أمكن . وأن لم يمكن كالأقرع وجب إمرار الموسى على رأسه عند الحنفيين ( وقال ) غيرهم : يسن إمراره أن أمكن , لما روي عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما في الأصلع : يمر الموسى على رأسه . أخرجه الدار قطني والبهيقي بسند فيه يحي بن محمد الجاري صدوق يخطئ . قال البهيقي : وروى ذلك عن عبد الله بن عمر العمرى عن نافع عن ابن عم كذلك موقوفاً (2) { 54 }
__________
(1) ص 82 ج 5 سنن البيهقي ( كيف كان بدو الرمل ) وانظر رقم 160 ص 222 ج 1 تكملة المنهل العذب ( الرمل ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 225 منه . و ( يقدم ) بفتح الدال من باب تعب ( ويرمل ) بضم الميم من باب طلب ( والإبقاء ) بكسر فسكون , الرفق .
(2) ص 270 سنن الدارقطني . وص 103 ج 5 سنن البيهقي ( الأصلع أو المحلوق يمر الموسى على رأسه ) و ( الأصلع ) من انحسر شعر مقدم رأسه .(1/152)
والمراد بالتقصير أن يأخذ الناسك ذكراً أو أنثى من شعر كل الرأس قدر الأنملة . والحلق والتقصير ثابتا بالكتاب والسنة والإجماع . قال تعالى : « لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين (1) » وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقي (2) { 173 }
« وعن » ابن عباس عن معاوية قال : قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة . أخرجه أحمد ومسلم (3) [174]
ويستحب ألا ينقص في الحلق عن قدر الأنملة من أطراف الشعر . والتخيير بين الحلق والقص في حق الرجل عند عدم العذر . فلو تعذر أحدهما لعارض تعين الآخر . هذا . ويتعين التقصير في حق المرأة , ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير . أخرجه أبو داود والدار قطني والطبراني والبيهقي بسند قوي وحسنه الحافظ ابن حجر (4) { 175 }
وهذا مجمع عليه . ويكره لهن الحلق عند الحنفيين والشافعي لأنه بدعة في حقهن وفيه مثلة ( وقال ) الجمهور : يحرم عليهم الحلق ولو بنت عشر سنين , لحديث على رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة رأسها . أخرجه الترمذي وقال : فيه اضطراب . وزاد رزين : فيا لحج والعمرة وقال : إنما عليها التقصير (5) { 176 }
__________
(1) الفتح : آية 27 .
(2) انظر رقم 243 ص 139 ج 2 تكملة المنهل العذب ( الحلق والتقصير ) وباقي المراجع بهامش 4 ص 140 منه .
(3) ص 190 ج 12 – الفتح الرباني . وص 231 ج 8 نووي ومسلم ( تقصير المعتمر من شعره ) و ( عند المروة ) يفيد أن هذا كان في عمرة كما صرح به عند النسائي . انظر ص 43 ج 2 مجتبي ( أين يقصر المعتمر ) .
(4) انظر رقم 247 ص 146 ج 1 تكملة المنهل العذب ( الحلق والتقصير ) وباقي المراجع بهامش 5 ص 147 منه .
(5) ص 109 ج 2 تحفة الأحوذي ( الحلق والتقصير ) وص 277 ج 1 تيسير الوصول .(1/153)
وهذا أن لم يكن برأسها أذى . فأن كان جاز لها الحلق لضرورة كما يجوز لولى الصغيرة جداً حلق رأسها. ثم الكلام ينحصر في ستة مباحث :
( 1 ) الحلق نسك – هو نسك واجب في الحج يجبر بالدم عند الحنفيين ومالك . وهو ظاهر مذهب أحمد . والأصح عند الشافعية أنه ركن يفسد الحجر بتركه ولا يجبر بالدم ( وروى ) عن احمد وأبي يوسف والشافعي أنه ليس بنسك . وإنما هو إطلاق من محظور كان محرماً بالإحرام فأبيح عند الحل كاللباس والطيب وغيرهما من محظورات الإحرام . وعليه فلا شئ على تاركه مستدلين بقول أبي موسى الأشعري : قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالأبطح فقال : بم أهللت ؟ قلت لبيك بحج كحج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أحسنت ثم قال لي : اذهب ثم طف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم أحلل ففعلت ما أمرني ( الحديث ) أخرجه أحمد والشيخان (1) { 177 }
أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإحلال من العمرة قبل الحلق فدل على أنه ليس بنسك ( ورد ) بأن الأمر بالإحلال مجمل بينه النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منه من الحلق والذبح . فلما كان الحلق مشهوراً استغنى عن ذكره . والصحيح أنه نسك , لحديث جابر رضي الله عنه أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد أهلوا بالحج مفرداً فقال لهم : أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا . (الحديث) أخرجه الشيخان (2) { 178 }
أمرهم بالتقصير والأمر للوجوب ولأن الله تعالى وصفهم به بقوله : محلقين رءوسكم ومقصرين . ولو لم يكن من المناسك لما وصفهم به كاللبس وقتل الصيد .
(
__________
(1) ص 138 ج 11 – الفتح الرباني . وص 363 ج 3 فتح الباري ( الذبح قبل الحلق ) وص 198 ج 8 نووي مسلم ( جواز تعليق الإحرام ) و ( الأبطح ) بطحاء مكة . وهو المحصب .
(2) ص 278 ج 3 فتح الباري ( التمتع والقران . ) وص 166 ج 8 نووي مسلم ( وجوه الإحرام ) .(1/154)
2 ) وقت الحلق – يجب كون الحلق في الحرم وفي أيام النحر عند أبي حنيفة ومالك وروى عن احمد , لقول معمر بن عبد الله العدوى : كنت أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ( الحديث ) وفيه : فلما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه بمنى أمرني أن أحلقه ( الحديث ) أخرجه أحمد والطبراني في الكبير. وفي سنده عبد الرحمن بن عقبة مولى معمر ولم يوثق ولم يجرح (1) { 179 }
فكان فعله صلى الله عليه وسلم بيانا للمطلق في قوله تعالى : لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين فأن أخرجه عن أيام النحر ولو قليلا أو ناسياً فعليه دم , لأنه نسك عن أخره عن وقته ( وقال ) محمد بن الحسن والشافعي : يجب كون الحلق أو التقصير بالحرم دون أيام النحر . وهو مشهور مذهب أحمد . أما اختصاصه بالحرم فلقوله تعالى : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله (2) ومحله الحرم , ولقوله تعالى : ثم محلها إلى البيت العتيق (3) .
وأما عدم اختصاصه بأيام النحر , فلحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : زرت قبل أن أرمي . قال لا حرج . قال : حلقت قبل أن أذبح . قال لا حرج . قال : ذبحت قبل أن أرمي قال لا حرج . أخرجه البخاري (4) { 180 }
__________
(1) ص 187 ج 12 – الفتح الرباني . وص 261 ج 3 مجمع الزوائد ( الحلق والتقصير ... ) و ( أرحل ) أي أشد الرحل على البعير للنبي صلى الله عليه وسلم .
(2) البقرة : 196 وقوله : ( ولا تحلقوا رءوسكم ... ) معطوف على وأتمو الحج ؛ لا على قوله : فإن أحصرتم , لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما حصروا بالحديبية حلقوا خارج الحرم . أما في حال الأمن فلا يحلق حتى يبلغ الهدي محله ويفرغ من أعمال النسك .
(3) الحج آية 33 أي محل ذبح الهدى , حيث ينتهي إلى البيت وما يليه من الحرم .
(4) ص 362 ج 3 فتح الباري ( الذبح قبل الحلق ) .(1/155)
وجه الدلالة أنه أجاز تقديم الحلق على الرمي . يدخل وقته من نصف ليلة النحر أو بطلوع فجر يومه على ما يأتي . فأن أخر الحلق عن أيام النحر جاز ولا دم عليه , لأن الله تعالى بين أول وقته بقوله : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله . ولم يبين آخره فمتى أتى به أجرأه .
( 3 ) مقدار ما يؤخذ من الرأس في النسك – يجب حلق أو تقصير كل الرأس , لقوله تعالى : لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين , محلقين رءوسكم ومقصرين . والرأس اسم للجميع . فالآية تدل على طلب حلق كل الرأس أو تقصيره , لأنه ليس فيها ما يدل على التبغيض « وتقدم » عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع (1) . « وهو يدل » أيضاً على وجوب استيعاب حلق الرأس , لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه وقال : خذوا عنى مناسككم . وهو مذهب مالك وأحمد وبه قال محققو الحنفيين ( وقال ) أبو حنيفة : يكفي حلق الربع أو تقصيره كالمسح في الوضوء ( وعن ) أبي يوسف يجب حلق النصف ( وقال ) الشافعي : يجزئ في الحلق والتقصير ثلاث شعرات . ولكن الدليل يقتضي وجوب الاستيعاب . وأما المرأة فتقصر من كل قرن مثل الأنملة عند الحنفيين والشافعي وأحمد ( وقال ) مالك : تأخذ من جميع قرونها أقل جزء ولا يجوز الاقتصار على بعضها .
(
__________
(1) تقدم رقم 173 . ص 142 ( الحلق أو التقصير .)(1/156)
4 ) كيفية الحلق – يسن في الحلق أن يبدأ بالشق الأيمن من رأس المحلوق وأن كان على يسار الحلق , لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها , ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق : خذوا وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر , ثم جعل يعطيه الناس . أخرجه أبو داود ومسلم والبيهقي. وهذا لفظهما (1) { 181 }
وبهذا قال الجمهور . ويستحب لمن حلق أو قصر أن يقلم أظفاره ويأخذ من شاربه , لما روى مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه . أخرجه البيهقي وقال : ورواه ابن جريح عن نافع وزاد فيه : وأظفاره (2) { 55 }
( 5 ) فضل الحلق – هو في حق الرجل أفضل من التقصير بالإجماع . لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : اللهم ارحم المحلقين , قالوا : والمقصرين ؟ قال : والمقصرين . أخرجه الجماعة إلا النسائي (3) { 182 }
(
__________
(1) انظر رقم 244 ص 140 ج 2 تكملة المنهل العذب ( الحلق والتقصير ) وباقي المراجع بهامش 6 ص 143 منه . و ( يعطيه .. ) أي يعطي الناسي شعر رأسه . ففي رواية لمسلم : فحلق شقه الأيمن فقسمه فيمن يليه . وأعطى أبا طلحة شعر الشق الأيسر .
(2) ص 104 ج 5 سنن البيهقي ( من أحب أن يأخذ من شعر لحيته وشاربه ... )
(3) انظر رقم 242 ص 136 ج 1 تكملة المنهل العذب ( الحلق والتقصير ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 139 منه .(1/157)
6 ) ثمرة الحلق – إذا حلق الحاج أو قص يوم النحر حل له كل شئ من محظورات الإحرام إلا الجماع ودواعيه القريبة كالقبلة واللمس بشهوة بخلاف النظر ولو إلى الفرج فأنه لا يجب به دم وأن أنزل , لحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شئ إلا النساء . أخرجه احمد والدارقطني والبيهقي . وفي سنده ابن أرطاة متكلم فيه (1) { 183 }
وفي الباب أحاديث كثيرة تقويه . وكلها تدل على أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر حل له كل شئ ما عدا النساء . وهذا هو التحلل الأصغر . والنحلل الأكبر يكون بطواف الإفاضة بعد ما ذكر , وبالسعي بين الصفا والمروة أن لم يكن سعى عقب طواف القدوم . فمتى فعل المحرم ذلك حل له كل شئ من محرمات الإحرام بالإجماع .
مجمل أركان الحج
قد علمت بيان خمسة منها ( اثنان ) متفق عليهما , وهما الوقوف بعرفة ومعظم طواف الإفاضة وباقيه ركن عند مالك والشافعي وأحمد . وواجب عند الحنفيين (2) ( وثلاثة ) مختلف فيها وهى :
( أ ) الإحرام وهو ركن عند مالك والشافعي وأحمد . وشرط عند الحنفيين .
( ب ) والسعي بين الصفا والمروة . وهو ركن عند مالك والشافعي ورواية عند أحمد .
(
__________
(1) ص 186 ج 12 – الفتح الرباني . وص 279 سنن الدار قطني . وص 136 ج 5 سنن البيهقي ( ما يحل بالتحليل الأول ) .
(2) انظر ص 91 ( الوقوف بعرفة ) وص 100 ( طواف الركن ) .(1/158)
ج ) والحلق أو التقصير . وهو ركن عند الشافعي على الأصح من أنه نسك . وواجب عند الحنفيين ومالك وأحمد على ما تقدم (1) . وهذه الأركان ( منها ) ما يفوت الحج بتركه ولا يؤمر تاركه بشيء وهو الإحرام ( ومنها ) ما يفوت الحج بفواته ويؤمر تاركه بالتحلل من الحج بعمرة وبالقضاء في العام القابل وهو الوقوف بعرفة على ما يأتي بيانه في الإحصار والفوات أن شاء الله تعالى ( ومنها ) مالا يفوت الحج بفواته ولا يحلل منه أصلاحتى يؤديه . وهو طواف الإضافة والسعي والحلق . ( وأما الترتيب ) بين معظم الأركان فركن عند الشافعي وشرط عند غيرة . فيشترط تقديم الإحرام على جميعها , وتقديم الوقوف بعرفة على طواف الركن . ويشترط كون السعي بعد طواف صحيح ولا يشترط تقدم الوقوف بعرفة على السعي بل صحيح سعيه بعد طواف القدوم . وهو أفضل ولا ترتيب بين طواف الركن والحلق (2) .
المقصد الرابع في واجبات الحج
وهى جمع واجب وهو هنا ما يجب بتركه دم ويصح الحج ولو تركه عمدا ولكنه يأثم .
وواجبات الحج كثيرة منها:
( أ ) المتفق على وجوبه وهو أربعة : الإحرام من المقيات , ورمى الجمال , والذبح للمتمتع والقارن والبعد عن محرمات الإحرام .
( ب ) ومنها ما قيل فيه بالوجوب وغيرة , وهو تسعة :
( 1 ) التلبية . وهى واجبة في المشهور عن مالك , وشرط للإحرام لا يصح إلا بها عند الحنفيين . ويقوم مقامها ما في معناها , وسنة عند الشافعي وأحمد . وهو رواية عن مالك على ما تقدم (3)
( 2 ) وطواف القدوم – وهو واجب عند مالك وسنة عند غيرة كما تقدم (4)
( 3 ) وصلاة الطواف وهو واجبة بعد كل طواف عند الحنفيين وهو قول لمالك والشافعي . وسنة عند أحمد وهو الأصح عند الشافعي كما تقدم (5) .
(
__________
(1) تقدم الإحرام ص 43 وما بعدها , والسعي ص 129 وما بعدها . والحلق 142 وما بعدها .
(2) ص 266 ج 8 شرح المهذب .
(3) تقدم ص 55 .
(4) تقدم ص 121 .
(5) تقدم ص 108 .(1/159)
4 ) والسعي بين الصفا والمروة . وهو واجب يجبر بدم عند الحنفيين وهو الصحيح عند أحمد . وركن عند مالك والشافعي وهو رواية عن أحمد كما تقدم (1) .
( 5 ) ومد الوقوف بعرفة – أن وقف نهارا – إلى ما بعد الغروب . وهو واجب عند الحنفيين ومالك وأحمد . وسنة عند الشافعي كما تقدم (2) .
( 7,6 ) والمبيت بمزدلفة والوقوف بها .
( 8 ) والحلق أو التقصير . وهو ركن عند الشافعي . وواجب عند الثلاثة كما تقدم (3) .
( 9 ) وطواف الوداع . وهو واجب عند الحنفيين والشافعي وأحمد . وسنة عند مالك كما تقدم (4) . وهاك بيان ما لم يتقدم بيانه وهو ستة :
( أ ) الإحرام من المقيات (5) - وهو واجب اتفاقا , لحديث ابن عباس رض الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تجاوزوا المقيات إلا بإحرام . أخرجه ابن أبى شيبة والطبراني في الكبير . وفي سنده خصيت الجزرى . وفيه كلام وقد وثقه جماعة (6) { 184 }
" وعن أبى الشعثاء " أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز المواقيت غير محرم . أخرجه الشافعي والبهقى (7) { 56 }
(
__________
(1) تقدم ص 129 .
(2) تقدم ص 93 .
(3) تقدم ص 142 وما بعدها .
(4) تقدم ص 122 , 123
(5) الميقات لغة الحد مأخو1 من الوقت وهو الزمان , ثم صار حقيقة شرعية في كل من الزمان والمكان . والمراد به هنا الميقات المكاني الذي لا يحل لمريد مكة مجاوزته بلا إحرام . وقد تقدم بيانه بـ ص 49 وما بعدها وبرسم 1 ص 54 .
(6) ص 15 ج 3 نصب الراية . وص 216 ج 3 مجمع الزوائد ( الإحرام من الميقات ) .
(7) ص 302 ج 1 بدائع المنن . وص 29 , 30 ج 5 سنن البيهقي ( من مر بالميقات ... ) .(1/160)
ب ) المبيت بمزدلفة (1) - المبيت بها ليلة النحر بعد النزول من عرفة واجب عند أحمد .
__________
(1) المزدلفة : بضم فسكون ففتح فكسر , واد يمتد من غربا إلى المأزمين شرقا . طوله نحو أربعة آلاف متر . سمي بذلك لمجئ الناس إليه في زلف ( أي ساعات ) من الليل . ويقال لها جمع بفتح فسكون لاجتماع الناس بها ( وهي ) من الحرم وفيها يرى على يمين السائر إلى عرفة المشعر الحرام على بعد 2548 متر من أول الوادي من جهة المحسر ( وهو ) جبل بالمزدلفة . سمي بذلك لأن الجاهلية كانت تشعر عنده هداياها ( أي تضر بها في صفحة سنامها حتى يسيل منها الدم ) ويسمى قزح ويحيط جدران ارتفاع كل منهما أربعة أمتار في عرض ثلاثة . والمسافة بينهما ستون متراً وفي نهاية المزدلفة يضيق الوادي إلى خمسين متراً عرضاً في مسافة طولها 4372 متر تنتهي إلى الميلين اللذين هما حد الحرم من جهة عرفة . وهما بناءان أقل من بناء المشعر الحرام . والمسافة بينهما مائة متر . وهذا الوادي يسمى وادي المأزمين . مثنى مازم بكسر الزاي وهو الطريق بين الجبلين . وفي جنوبهما طريق ضب يستحب سلوكه حال الذهاب إلى عرفة . ثم يتسع الوادي ويسمى وادي عرنة وبه مسجد نمرة . ويسمي جامع إبراهيم . وهو مسجد كبير طوله تسعون متراً في عرض ثمانين محاطا بالبواكي وفي وسطه مجرى ماء يأتيه الماء من مجرى عين زبيدة . وفي شماله إلى الشرق بقليل علمان . وهما عمودان أقيما للدلالة على حد عرفة الغربي . بينهما وبين العلمين المحددين للحرم من الشرق 1553 متر . انظر رسم 2 جبل عرفات ص 92 .(1/161)
ويجب عند الشافعية البيات بها ساعة في الصف الثاني من الليل ( وقال ) الحنفيون ومالك : البيات بها سنة , لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم : ودفع صلى الله عليه وسلم ( يعنى من عرفة ) وقد شنق للقصواء الزمام ويقول بيده المني : أيها الناس السكينة السكينة حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والشتاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما ثم اضطجع صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر (1) . ( ويستقط ) وجوب المبيت بمزدلفة لعذر كضعف أو خوف زحام أو فوات رفقة , لقول عائشة رضى الله عنها : كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة , فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع بليل فأذن لها , ووددت أنى كنت استأذنته فأذن لي . أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه (2) ... ... ... { 185 }
" وقال " ابن عباس رضى الله عنهما : أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله . أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه (3) { 186 }
__________
(1) هذا بعض حديث جابر الآتي في ( حج النبي صلى الله عليه وسلم ) . و ( الفصواء ) بفتح القاف والمد , فاقه النبي صلى الله عليه وسلم .
(2) ص 165 ج 12 – الفتح الرباني . وص 344 ج 3 فتح الباري ( من قدم ضعفة أهله بليل .. ) وص 38 ج 9 نووي مسلم ( تقديم دفع الضعفة .. من مزدلفة .. ) وص 126 ج 2 سنن ابن ماجة ( من تقدم من جمع إلى منى ) و ( ثبطة ) بفتح فسكون أو كسر , أي بطيئة الحركة لسمنها . وودت عائشة رضي الله عنها أن تكون كسودة لما رأت في نفسها من الضعف عن تحميل مشاق الزحام .
(3) انظر ص 81 ج 2 تكملة المنهل العذب ( التعجيل من جمع ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 82 منه .(1/162)
والمعنى ابن عباس رضى الله عنهما كان من الضعفة الذين أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا من المزدلفة ليلا إلى منى . وهذا إذن عام لكل ضعيف في الدفع إلى منى قبل الفجر لرمى جمرة العقبة قبل الزحام . وهذا متفق عليه .
( ج ) الوقوف بمزدلفة – يجب الوقوف بها بعد طلوع فجر يوم النحر وقبل طلوع الشمس عند الحنفيين وأحمد وروى عن الشافعي , لحديث على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى جمعا نصلى بهم الصلاتين المغرب والعشاء ثم بات حتى أصبح , ثم أتى قزح فوقف عليه فقال : هذا الموقف وجمع كلها موقف ( الحديث ) أخرجه أحمد – وهذا لفظه – وأبو داود الترمزى
وقال : هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقد رواه غير واحد عن الثوري مثل هذا . والعمل على هذا (1) { 187 }
" وعن جابر " رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لتأخذوا مناسككم (2) فإذا ضم هذا إلى ما قبله دل على وجود الوقوف بمزدلفة . ( وقال ) مالك الوقوف بما سنة لا دم في تركه . وهو المشهور عند الشافعية ثم الكلام ينحصر في خمسة مباحث :
( 1 ) ركن الوقوف بمزدلفة – وهو وجود الحاج بوادي مزدلفة ولو محمولا أو ناعما أو مغمى عليه أو على دابة وأن لم يعلم أمها مزدلفة لأنها لا يفوته حينئذ إلا النيبة وهى ليست شرطا . وأو مر بها بلا وقوف كفي . ولا يشترط له الطهارة عن الجنابة والحيض , لأنه عبادة لا تتعلق بالكعبة فتصح بلا طهارة كالوقوف بعرفة .
(
__________
(1) انظر رقم 206 ص 77 ج 2 تكملة المنهل العذب ( الصلاة بجمع ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 79 منه .
(2) تقدم رقم 157 ص 122 ( أنواع الطواف ) .(1/163)
2 ) مكانه – يصح الوقوف بأي جزء من مزدلفة إلا وادي محسر , لما تقدم عن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل عرفات موقف وار فعور عن بطن عرفة . وكل مزدلفة موقف وارفعوا عن محسر(1) ( الحديث ) ( وقد ) استبدل الناس بالوقوف على قزح الوقوف على بناء مستحدث في وسط المزدلفة . والصحيح صحة الوقوف عليه لحديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وقفت هاهنا بعرفة وعرفة كلها موقف . ووقفت هاهنا بجمع وجمع كلها موقف أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه (2) { 188 }
والمعنى وقفت على قزح وجميع المزدلفة موقف , لكن أفضلها قزح . والسنة استمرار الوقوف على قزح للذكر والدعاء إلى أن يسف الصبح إسفارا واضحا , لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم : وصلى الفجر " يعنى بالمزدلفة " حين تبين له الصبح بآذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فحمد الله وكبرة وهلله ووحدة ودعاه فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس (3) .
(
__________
(1) تقدم رقم 120 ص 94 ( مكان الوقوف ) و ( محسر ) بضم ففتح فكسر السين مشددة , واد بين منى ومزدلفة سمي بذلك , لأن فيل أبرهة كل فيه وأعيا فتحسر أصحابه لذلك [ انظر رسم 9 ] .
(2) ص 195 ج 8 نووي ومسلم ( حجة النبي صلى الله عليه وسلم ) وص 79 ج 2 تكملة المنهل العذب ( الصلاة بجمع ) وص 123 ج 2 سنن ابن ماجة ( الموقف بعرفات ) .
(3) هذا بعض حديث جابر الآتي في ( حج النبي صلى الله عليه وسلم ) .(1/164)
3 ) وقت الوقوف بمزدلفة – وقته من طلوع فجر يوم النحر إلى طلوع شمسة , لقول عمرو بن ميمون : صلى بنا عمر بجمع الصبح ثم وقف وقال : أن المشركين كانوا لا يفيضوا من جمع حتى تطلع الشمس , وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم ثم أفاض قبل تطلع الشمس . أخرجه السبعة إلا مسلما وهذا لفظ أحمد . وقال الترمذى : هذا حديث صحيح (1) { 189 }
فمن وجد بمزدلفة في هذا الوقت , فقد أدرك الوقوف وأن لم يبت بها . ومن لم بوجد بها فيه فاته الوقوف عند الجمهور . وقال الشافعي : يجوز الوقوف بمزدلفة في النصف الأخير من ليلة النحر (2) .
(4) سنن الوقوف بمزدلفة – يسن لذلك ستة أمور :
() يسن الغسل للوقوف بمزدلفة بعد نصف الليل فأن لم يجد ماء تيمم ( وهذه ) الليلة جمعت أنواعاً من الفضل ( منها ) شرف الزمان والمكان , فأن مزدلفة من الحرم وقد اجتمع فيها وفد الله ومن لا يشقى بهم جليسهم . فيطلب إحياؤها بأنواع العبادة من صلاة وتلاوة وذكر ودعاء وتضرع (3) .
(2) ويسن التعجيل بصلاة الصبح ليتسع وقت الوقوف بمزدلفة ولما تقدم عن جابر (4) .
(
__________
(1) ص 80 ج 2 تكملة المنهل العذب ( الصلاة بجمع ) وباقي المراجع بهامش 2 ص 81 منه .
(2) ص 136 ج 2 بدائع الصنائع .
(3) ص 126 ج 8 شرح المهذب .
(4) تقدم ص 153 بعض حديث جابر في ( حج النبي صلى الله عليه وسلم )(1/165)
3) ويسن أن يأتي المشعر الحرام ويقف عنده أو يرقى عليه مستقبلا القبلة داعياً ذاكراً ملبياً , لما تقدم في حديث جابر (1) ( ومما يدعى ) به في المشعر : اللهم كما وقفتنا فيه ورأيتنا إياه ؛ فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك : فإذا أفضتم من عرفات اذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وأن كنتم من قبله لمن الضالين . ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله أن الله غفور رحيم (2) ويكثر من قوله : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
(4) ويستحب النزول من مزدلفة بعد الإسفار جداً وقبل طلوع الشمس عند الحنفيين والشافعي وأحمد والجمهور , لما تقدم عن عمرو بن ميمون أن عمر رضي الله عنه قال : أن المشركين كانوا لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس (3) .
( وقال ) مالك : يدفع من مزدلفة قبل الإسفار . والحجة مع غيره .
(5) ويستحب أن يسير بسكينة ووقار في غير وادي محسرٍ , لما في حديث مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى جمعاً ثم أردف الفضل بن عباس وقال : أيها الناس أن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل فعليكم بالسكينة . فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى مني . هذا عجز حديث وأخرجه أبو داود والبيهقي (4) { 190 }
(
__________
(1) تقدم ص 153 بعض حديث جابر في ( حج النبي صلى الله عليه وسلم )
(2) البقرة : آية 198 و 199 .
(3) تقديم رقم 189 ص 154 .
(4) ص 57 ج 2 تكملة المنهل العذب ( الدفع من عرفة ) وص 126 ج 5 سنن البيهقي ( من لم يستحب الإيضاع ) و ( ليس بإيجاف ) أي ليس التقرب إلى الله تعالى بحمل ( الخيل والإبل ) على سرعة المشي ( فما رأيتها ) أي الخيل والإبل ( رافعة يديها ) أي مسرعة .(1/166)
6) ويستحب الإسراع بوادي محسرٍ لو ماشيا وتحريك دابته لو راكبا قدر رمية حجر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ( فقد ) روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أوضع في وادي محسر . أخرجه النسائي (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 191 }
« وعن » نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يحرك راحلته في بطن محسر قدر رمية بحجر . أخرجه مالك والبيهقي (2) . { 57 }
وحكمة مشروعية الإسراع ببطن محسر أن النصارى كانت تقف به فخالفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإسراع فيه « روى » المسور بن مخرمة أن عمر رضي الله عنه كان يوضع ويقول :
إليك تعدو قلقاً وضينها
مخالفا دين النصارى دينها
أخرجه البيهقي (3) { 58 }
ويستحب للمار بوادي محسر أنشاد هذا البيت .
(5) فوت الوقوف بمزدلفة – أن فات لعذر مما تقدم فلا بأس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفه أهله ولم يأمرهم بالفدية . وأن كان فواته لغير عذر فعليه دم عند من قال بوجوبه .
(
__________
(1) ص 49 ج 2 مجتبي ( الإيضاع في وادي محسر ) و ( أوضع ) أي أسرع .
(2) ص 238 ج 2 زرقاني الموطإ ( السير في الدفعة ) وص 126 ج 5 سنن البيهقي ( الإيضاع في وادي محسر ) .
(3) ص 126 ج 5 سنن البيهقي ( الإيضاع في وادي محسر ) . و ( الوضين الحبل كالحزام . ودين النصارى منصوب . ودينها مرفوع . والمعني أنا ناقتي تعدو إليك يا رب مسرعة في طاعتك قلقا وضينها من كثرة السير والإجهاد البالغ في طاعتك والمراد صاحب الناقة فهو لا يفعل فعلا لنصارى ولا يعتقد اعتقادهم .)(1/167)
د) رمي الجمار – الجمار جمع جمرة , وهي الحجر الصغير . ورميها لغة القذف بالحصى وشرعا القذف بالحصى في زمان ومكان وعدد مخصوص كما يأتي بيانه أن شاء الله تعالى ( والجمار ) التي ترمي ثلاث بمنى . الصغرى التي تلي مسجد الخيف , والوسطى بينها وبين جمرة العقبة . والكبرى جمرة العقبة (1) ثم الكلام ينحصر في خمسة عشر مبحثاً .
( 1 ) حكم الرمي – يجب رمي جمرة العقبة يوم النحر ورمي الجمار الثلاث كل يوم من أيام التشريق الثلاث , لحديث جابر أن النبي صلى الله يوجد رسمة عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر ضحى , ورمى في سائر أيام التشريق بعد ما زالت الشمس . أخرجه السبعة والبيهقي وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح (2) { 192 }
« وقال » عبد الرحمن بن عثمان التيمي : امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرمي الجمار بمثل حصى الحذف في حجة الوداع . أخرجه الطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (3) { 193 }
(
__________
(1) جمرة العقبة بأول منى من جهة مكة على يسار الداخل إلى منى , وهي حائط مبنى بالحجر ارتفاعه نحو ثلاثة أمتار في عرض مترين . أقيم على صخرة مرتفعة على الأرض بنحو متر ونصف . وأسفل هذا الحائط حوض من البناء تسقط به حجارة الرمي . بينها وبين الجمرة الوسطى 116.77 مترا . وبين الوسطى والصغرى 156.40 مترا . وليس لموضع الرمي حد معلوم , غير أن كل جمرة عليها علم وهو عمود مرتفع فيرمي تحته وحوله ولا يبعد عنه احتياطا . وحد بعضهم بثلاثة أذرع من كل جانب إلا في جمرة العقبة فليس لها إلا وجه واحد لأنها تحت جبل . ( انظر رسم 6 ص 158) .
(2) ص 174 ج 12 – الفتح الرباني وص 128 ج 2 سنن ابن ماجة ( رمي الجمار .. ) وانظر رقم 235 ص 124 ج 2 تكملة المنهل العذب . وباقي المراجع بهامش 2 ص 126 منه .
(3) ص 285 ج 3 مجمع الزوائد ( رمي الجمار ) و ( الخذف ) بفتح فسكون , الرمي والمراد الحصى الصغار كحب الفول بطرفي الإبهام والسبابة .(1/168)
ولذا ) اتفق الأئمة الأربعة والجمهور على أن رمي الجمار واجب يجبر بدم .
(3) وقت الرمي – أيام الرمي أربعة : يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة .
( أ ) أما يوم النحر فترمى فيه جمرة العقبة فقط . ولرميها أربعة أوقات ( وقت ) أداء من طلوع فجر يوم النحر إلى فجر اليوم الثاني ( ووقت ) استحباب من طلوع شمس يوم النحر إلى الزوال . ( ووقت ) إباحة من زواله إلى الغروب ( ووقت ) كراهة قبل طلوع شمسه وبعد غروبها عند عدم العذر , وإلا فلا كراهة في رمي الضعفة قبل طلوع الشمس , ولا في رمي الرعاة ليلا , لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر نساءه وثقله من صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد وألا يرموا الجمرة إلا مضجعين . أخرجه الطلحاوي والبيهقي (1) . { 194 }
« وعن » ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاة الإبل أن يرموا بالليل . أخرجه البزار . وفي سنده مسلم بن خالد الزنجي ضعيف وقد وثق (2) { 195 }
« وعن » ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم ضعفة أهله بغلس ويأمرهم ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس . أخرجه الثلاثة وصححه الترمذي (3) { 196 }
(
__________
(1) ص 412 ج 1 شرح معاني الآثار ( وقت رمي جمرة العقبة للضعفاء ... ) وص 132 ج 5 سنن البيهقي ( الوقت المختار لرمي جمرة العقبة) و ( الثقل ) بفتحتين , متاع المسافر وحشمه .
(2) ص 260 ج 3 مجمع الزوائد ( رمي الرعاء بالليل )
(3) ص 103 ج 2 تحفة الأحوذي ( تقديم الضعفة من جمع بليل ) و ص 83 ج 2 تكملة المنهل العذب ( التعجيل من جمع ) وص 50 ج 2 مجتبي ( النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس ) .(1/169)
وفي هذا ) الحديث النهي عن الرمي حتى تطلع الشمس . وفيما قبله جواز الرمي قبل الطلوع ( فأثبت ) الحنفيون ومالك وأحمد في المشهور عنه : يجوز رمي جمرة العبة من بعد نصف ليلة النحر , لحديث عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة ليلة النحر , فرمت قبل الفجر ثم أفاضت ( الحديث ) أخرجه أبو داود والبيهقي وإسناده صحيح (1) { 197 }
( وأجابوا ) عن الأحاديث السابقة بأنها محمولة عل الاستحباب جمعا بين الروايات ( قال ) ابن عبد البر : أجمع أهل العلم على أن من رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقتها . فإن أخر رميها إلى الليل بلا عذر رمى ليلا مع الكراهة ولا دم عليه عند الحنفيين والشافعي , وروي عن مالك , لما روي نافع أن ابنة أخ لصفية بنت أبي عبيد امرأة ابن عمر نفست بالمزدلفة فتخلفت هي وصفية حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر فأمرهما ابن عمر أن ترميا الجمرة حين قدمتا ولم ير عليهما شيئا . أخرجه مالك والبيهقي (2) {59}
« وعن » مالك أن عليه دما , لأنه لم يرم في الوقت المطلوب . وقال أحمد : أن أخر رمي جمرة العقبة إلى الليل لم يرمها حتى تزول شمس الغد .
( والذي ) دلت عليه الأحاديث أن وقت رمي جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس لمن لا رخصة له . ومن كان له رخصة كالنساء والصبيان والضعفة يجوز له الرمي قبل ذلك من نصف ليلة النحر الأخير ولا يجزئ قبله إجماعاً .
(
__________
(1) ص 84 ج 2 تكملة المنهل العذب رقم 211 ( التعجيل من جمع ) وص 133 ج 5 سنن البيهقي ( من أجاز رميها بعد نصف الليل ) .
(2) ص 262 ج 2 زرقاني الموطإ ( الرخصة في رمي الجمار ) وص 150 ج 5 سنن البيهقي ( تأخير الرمي عن وقته حتى يمسي ) .(1/170)
ب ) وأما أيام التشريق وهي يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة , فللرمي فيها ثلاثة أوقات ( وقت ) أداء من الزوال إلى طلوع شمس الغد ( ووقت ) استحباب من الزوال إلى الغروب ( ووقت ) كراهة من غرب شمسه إلى طلوعها من الغد . ( فأول ) وقت لرمي في أيام التشريق بعد الزوال , لقول ابن عباس رضي الله عنهما : رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمار عند زوال الشمس أو بعد زوال الشمس . أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه (1) { 198 }
« وعن » نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا ترمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس . أخرجه البيهقي (2) { 60 }
( وبه ) قال الأئمة الأربعة غير أن أبا حنيفة أجاز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال لما روى طلحة بن عمرو عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عباس قال : إذا أنتفخ النهار من يوم النفر الآخر حل الرمي والصدر أخرجه البيهقي وقال : طلحة بن عمرو المكي ضعيف (3) { 61 }
( فالراجح ) ما ذهب إليه الجمهور من أنه لا يجوز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال كاليومين قبله .
(3) مكان الرمي – مكانه في يوم النحر , عند جمرة العقبة . وفي لأيام التشريق عند الجمرة الأولى والوسطى والعقبة ( ويعتبر ) في ذلك مكان وقوع الجمرة لإمكان الرمي حتى لو رماها من مكان بعيد فوقعت الحصاة عند الجمرة أجزأه وأن لم تقع عندها لم يجزه إلا إذا وقعت بقرب منها (4) .
(
__________
(1) ص 218 ج 12 – الفتح الرباني . وص 128 ج 2 سنن ابن ماجة ( رمي الجمار أيام التشريق ) وص 104 ج 2 تحفة الأحوذي ( الرمي بعد زوال الشمس ) .
(2) ص 149 ج 5 سنن البيهقي ( الرمي أيام التشريق بعد الزوال ) .
(3) ص 152 ج 5 سنن البيهقي . و ( الانتفاخ ) الارتفاع ( والصدر ) بفتحتين الانصراف من منى .
(4) ص 138 ج 2 بدائع الصنائع .(1/171)
4) مأخذ الحصى – ويستحي أن يأخذ حصى الرمي من مزدلفة أو من مكان آخر , لحديث الفضل بين العباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم غداة يوم النحر : التقط لي حصى فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف فوضعتهن في يده فقال : بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين , فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين . أخرجه البيهقي بسند حسن أو صحيح على شرط مسلم (1) { 199 }
( ويكره ) أخذ الحصى من موضع الرمي عند الحنفيين والشافعي وأحمد , لأنه حصى من لم يقبل حجه , لأن ما قبل من الحصى يرف وما لم يقبل يترك , لقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : قلنا يا رسول الله هذه الجمار التي يرمي بها كل عام فنحتسب أنها تنقص فقال : أنه ما تقبل منها يرفع ولولا ذلك لرأيتموها أمثال الجبال. أخرجه الدارقطني والبيهقي والطبراني في الأوسط بسند فيه يزيد بن سنان التميمي وهو ضعيف . وأخرجه الحاكم وصححه وقال : يزيد بن سنان ليس بالمتروك (2) { 200 }
( وقال ) مالك : أن رمى بحصاة أخذها من الجمرة لا يجزئه لأنها حصى مستعملة . وهذا لا يستقيم على أصله , لأن الماء المستعمل عنده مطهر يجوز الوضوء به . فالحجارة المستعملة أولى (3) .
(
__________
(1) ص 127 ج 5 سنن البيهقي ( أخذ الحصى لرمي جمرة العقبة .. ) .
(2) ص 128 ج 5 سنن البيهقي ( أخذ الحصى لرمي جمرة العقبة ) وص 289 سنن الدار قطني . و ص 260 ج 3 مجمع الزوائد ( رمي الجمار) و ص 146 ج 1 مستدرك .
(3) ص 156 ج 2 بدائع الصنائع .(1/172)
5) عدد الحصى – هو سبعون حصاة سبع ترمى يوم النحر وإحدى وعشرون يرمى بها في كل يوم من أيام التشريق . فيجب أن ترمي كل جمرة بسبع حصيات عند الحنفيين ومالك والشافعي والجمهور وروي عن أحمد, لقول جابر رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة التي عند الشجرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف . رمي من بطن الوادي ثم أنصرف إلى المنحر فنحر . أخرجه النسائي (1) . { 201 }
وعن أحمد أنه أن رمى بخمس حصيات أجزأه قال ابن قدامة : والأولى ألا ينقص في الرمي عن سبع حصيات . فأن نقص حصاة أو حصاتين فلا بأس ولا ينقص أكثر من ذلك . واستدل له بما روي أبو مجلز قال : سألت ابن عباس عن شئ من أمر الجمار فقال : ما أدرى رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو سبع . أخرجه أبو داود والنسائي (2) { 202 }
( والصحيح ) مذهب الجمهور لقوة أدلته ( وأجابوا ) عن قول ابن عباس بأنه شك . وشك الشاك لا يقدح في جزم الجازو . ومتى أخل بحصاه واجبة من الأولى لم يصح رمي الثانية حتى يكمل الأولى . فأن لم يدر من أي الجمار تركها بنى على اليقين (3) .
(6) قدر حصى الرمي – يستحب كونه قدر حصى الخذف وهو صغار الحصى قدرحبة الفول اتفاقا لما تقدم (4) . ولقول جابر رضي الله عنه : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة بمثل حصى الخذف . أخرجه مسلم والنسائي (5) . { 203 }
(
__________
(1) ص 51 ج 2 مجتمي ( عدد الحصى التي يرمي بها الجمار ).
(2) ص 134 ج 2 تكملة النهل العذب رقم 240 ( رمي الجمار ) وص 51 ج 2 مجتبي ( عدد الحصى التي يرمي بها الجمار ) .
(3) ص 478 ج 3 مغنى لبن قدامة .
(4) انظر رقم 193 ص 159 ورقم 199 ص 162 , ورقم 201 ص 163
(5) ص 47 ج 9 نووي مسلم ( استحباب كون حصى الجمار بقدر حصى الخذف ) وص 51 ج 2 مجتبي ( المكان الذي ترمي منه جمرة العقبة )(1/173)
وعن ) أحمد أن الرمي بصغير الحصى واجب , فأن رمى بحجر كبير لا يكفي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمثل حصى الخذف ونهى عن تجاوزه . والأمر للوجوب والنهي يقتضي بفساد المنهى عنه ولأن الرمي بالكبير ربما آذى من يصيبه ( وقال ) الجمهور : يجزئه مع الكراهة .
( 7 ) جنس الحصى – يجوز عند الحنفيين الرمي بكل ما كان من جنس الأرض حجراً أو طيناً أو آجراً (1) أو تراباً أو غيرها للأحاديث المطلقة في الرمي . ورمي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحصى محمول على الأفضلية لا الجواز توفيقاً بين الدلائل . ( وقال ) مالك والشافعي وأحمد : لا يجوز الرمي إلا بالحجر فلا يجوز بالرصاص والحديد والذهب والفضة والزرنيخ والكحل ونحوها , لما تقدم من امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرمي بالحصى . وهذا ما يشهد له الدليل .
( 8 ) كيفية الرمي – تقدم أن الرمي يكون يوم النحر وأيام التشريق
(
__________
(1) الآجر : الطوب المحرق(1/174)
أ ) فيستحب لرمي جمرة العقبة يوم النحر أن يقف الرامي في بطن الوادي قريباً من المرمى بحيث يراه , جاعلاً الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه , ويأخذ الحصاة بطرفي إبهامه وسبابته ثم يرميها بسبع حصيات صغار متفرقة . فلو رماها جملة لم تكف إلا عن واحدة ويكبر مع كل حصاة قائلا : باسم الله والله أكبر ترغيما للشيطان وحزبه . اللهم اجعل حجي مبروراً وسعيي مشكوراً وذنبي مغفوراً , لقول عبد الرحمن بن يزيد : كنت مع عبد الله بن مسعود حتى انتهى إلى جمرة العقبة فقال : ناولني أحجاراً فناولته سبعة أحجار فقال لي : خذ بزمام الناقة , ثم عاد إليها فرمى بها من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب يكبر مع كل حصاة وقال : اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً , ثم قال / ههنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة . أخرجه أحمد والبيهقي . وفي رواية له : هكذا رمي الذي أنزلت عليه سورة البقرة (1) . ... ... { 204 }
هذا . ويقطع التلبية مع أول حصاه أو بعد الفراغ من رمى جمرة العقبة على ما تقدم بيانه في بحث مدة التلبية (2) ولا يقف عند جمرة العقبة بعد الرمي , لما روي مقسم عن أبن عباس رضى الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رمى جمرة العقبة مضى ولم يقف . أخرجه ابن ماجة وفي سنده سويد بن سعيد مختلف فيه (3) { 205 }
(
__________
(1) ص 178 ج 12 – الفتح الرباني . وص ج 5 سنن البيهقي ( رمي الجمرة من بطن الوادي ) . ( وقال اللهم .. الخ ) لفظ البيهقي : حتى إذا فرغ قال اللهم اجعله حجاً مبروراً . و ( ههنا ) يعني أن هذا المكان هو الذي كان يقوم فيه النبي صلى الله عليه وسلم وخص سورة البقرة بالذكر لما فيها من أحكام المناسك .
(2) انظر ص 60 .
(3) ص 126 ج 2 سنن ابن ماجة ( إذا رمى جمرة العقبة لم يقف عندها ) .(1/175)
ب ) ويبدأ في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة برمي الجمرة الصغرى وهى التي في الشمال الغربي لمسجد الخيف (1) فيرميها بعد الزوال بسبع حصيات متفرقات يكبر مع كل حصاة كما في رمي يوم الفجر . ويقف بعد تمام الرمي مستقبلا القبلة حامدا مهللا مصليا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ويدعو طويلا رافعا يديه حذاء منكبية مستغفرا لنفسه وأبوية والمؤمنين . خاضعا خاشعا حاضر القلب . ثم يتوجه إلى الجمرة الوسطى فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة . ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو طويلا ثم يأتي جمرة العقبة ويرميها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ولا يقف عندها للذكر والدعاء , لعدم وروده ولضيق المكان ولفراغه من رمي اليوم . والدعاء في صلب العبادة أفضل منه بعد الفراغ منها . والأصل في هذا أن كل رمي ليس بعده رمي في ذلك اليوم لا يقف عنده . وكل رمي بعده رمي في اليوم يقف عنده اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم .
__________
(1) الخيف )بفتح فسكون ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء فيه . وبه سمي مسجد الخيف . وهو مسجد عظيم فيسح مستطيل الشكل في الجنوب الشرقي من الجمرة الصغرى . بمنى على يعد 647 متر يتخذه حجاج المغاربة والدكارنة كبيت للسكن أيام منى , ينصبون فيه خيامهم ويؤدون به أعمالهم العادية من طبخ وغسل وغيرهما . وقد زادوا الطين بلة فجعلوا الجهة لشمالية منه محل قضاء حاجتهم . وهذا أمر تشمئز منه الطباع ويمنعه الشرع الذي أمر بتطهير المساجد وتطييبها . وكان الأجدر بالحكومة السعودية أن تعني بذلك = =المسجد العناية اللائقة به وتكلف من يقوم بتنظيفه , ويمنع العابثين به مما يحدثونه فيه . ولعلها سمعت رجاء الراجين . [ انظر رسيم 6 ص 158 ] .(1/176)
ودليل ذلك ما روي الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رمي الجمرة الأولي التي تلي المسجد رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة , ثم ينصرف ذات اليسار إلى بطن الوادي فيقف ويستقبل القبلة رافعا يديه , يدعو وكان يطيل الوقوف , ثم يرمي الثانية بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة , ثم ينصرف ذات اليسار إلى بطن الوادي فيقف ويستقبل القبلة رافعا يديه , ثم يمضي حتى يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر عند كل حصاة ثم ينصرف ولا يقف . قال الزهري : سمعت سالم بن عبد الله يحدث بمثل هذا عن أبية عن النبي صلى الله عليه وسلم . أخرجه أحمد والبخاري والبيهقي (1) { 206 }
__________
(1) ص 219 ج 12 – الفتح الرباني . وص 278 ج 3 فتح الباري ( الدعاء عند الجمرتين ) وص 148 ج 5 سنن البيهقي ( الرجوع إلى منى أيام التشريق والرمي بها ... ) .(1/177)
ثم يرمي الجمار الثلاث في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة بعد الزوال إلى آخر الليل كما في اليوم الحادي عشر . ثم هو مخير إن شاء رجع من مني إلى مكة قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر عند مالك والشافعي وأحمد أو قبل طلوع فجر اليوم الثالث عشر عند الحنفيين . وإن شاء أقام فيرمي فيه الجمار الثلاث من بعد الفجر عند أبي حنيفة . ( وقال ) أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد : لا يرمي فيه إلا بعد الزوال كغيره كما تقدم في وقت الرمي في أيام التشريق (1) فيرمي الصغرى ثم الوسطي يكبر مع كل حصاة ويدعو بعدهما . ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها ( وهذه ) الكيفية هي المسنونة . والواجب منها أصل الرمي بصفته السابقة في رمي جمرة العقبة . وهو أن يرمي بما يسمي حجرا أو بما هو من جنس الأرض , وأما الدعاء والذكر وغيرهما فمستحب لا شئ عليه في تركة لمن تفوت به الفضيلة . ( ويشترط ) الترتيب بين الجمرات عند مالك والشافعي وأحمد . فيبدأ بالجمرة الصغرى ثم الوسطي ثم جمرة العقبة , لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتيها في الرمي وقال : خذوا عني مناسككم. فلو ترك حصاة من الأولي أو جهل فلم يدر من أي جمرة تركها , جلها من الأولي . فيرمي إليها حصاة ثم يرمي الجمرتين الأخريين ليسقط الواجب بيقين ( وعند ) الحنفيين خلاف في أن الترتيب بين الجمرات واجب أو سنة . اختار الكمال ابن الهمام أنه سنة , لحديث العلاء بن المسيب عن رجل يقال له الحسن أنه سمع ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : من قدم من نسكه شيئا أو أخره فلا شيء عليه . أخرجه البيهقي (2) { 207 }
ولو ترك حصاه من البعض لا يدرى من أيتها أعاد لكل واحدة حصاه ليبرأ بيقين ( وأجاب ) الأولون عن حديث ابن عباس بأنه إنما ورد في تقديم نسك عن نسك لا في تقديم بعض النسك علي بعض .
(
__________
(1) تقدم بـ ص 161 وما بعدها .
(2) ص 144 ج 5 سنن البيهقي ( التقديم والتأخير في عمل يوم النحر ) .(1/178)
9) سنن الرمي ـ هي كثيرة تقدم بعضها ( ومنها ) أنه يسن في رمي يوم النحر أن يكون بعد طلوع الشمس ومن بطن الوادي جاعلا الكعبة عن يمينه ومني عن يساره راكعا مكبرا مع كل حصاة ولا يقف عندها ويقطع التلبية عند أول حصاة ويرفع يديه حال الرمي حتى يري بياض إبطه . وأن يكون الرمي باليمني وبالمثل حصى الخذف ( وبسن ) في رمي أيام التشريق أن يكون قبل الغروب وأن يستقبل القبلة راجلا وأن يقف بعد رمي الأولي والوسطى داعيا رافعا يديه وأن يوالي بين الحصيات والجمرات .
( ومنها ) أنه يستحب عند الحنفيين الركوب في جمرة العقبة في كل أيام الرمي والترجل في رمي الصغرى والوسطى ( قال ) أبو يوسف : كل رمي بعده فالمشي أفضل وكل رمي لا رمي بعده فالركوب أفضل ( وقال ) مالك والشافعي : يستحب لمن وصل منى راكبا أ، يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا . وأما من وصلها ماشيا فيرميها ماشيا . وأما اليومان الأولان من أيام التشريق فالسنة أن يرمي فيهما كل الجمرات ماشيا . وفي اليوم الثالث يرمي راكبا وينفر إلى مكة ( وقال ) أحمد : يستحب أن يرمي ماشيا , لما روي نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمي الجمار مشي إليه ذاهبا وراجعا . أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 208 }
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وقال بعضهم : يركب يوم النحر ويمشى في الأيام بعده . أراد بهذا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله , لأنه روي عنه صلي الله عليه وسلم أنه ركب يوم النحر ولا يرمي فيه إلا جمرة العقبة (2) يعنى أن الذي ثبت على النبي صلى الله عليه وسلم الركوب لرمي جمرة العقبة يوم النحر والمشي بعد ذلك مطلقا . وهذا أولي بالاتباع .
(
__________
(1) ص 105 ج 2 تحفة الأحوذي ( في رمي الجمار راكبا ) .
(2) ص 105 ج 2 تحفة الأحوذي ( في رمي الجمار راكبا ) .(1/179)
قال ) نافع : كان ابن عمر رضي الله عنهما يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر ولا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا ذاهبا وراجعا . ويخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا ماشيا ذاهبا وراجعا . أخرجه أحمد البيهقى . وأخرج أبو داود عجزه . وفي سنده عبد الله بن عمر بن حفص وفيه مقال (1)
(وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا . أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه (2) فهما يدلان على طلب الركوب لرمي يوم النحر والمشي لرمي أيام التشريق .
(10) ما يكره في الرمي ـ يكره فيه ترك سنه من سنن الرمي وتقديم متاع الحاج قبل نفره لما فيه من شغل البال ( قال ) عمر رضي الله عنه إن قدم ثقله قبل النفر فلا حج له . أخرجه ابن أبى شيبة (3) { 62 }
يعني فلا حج له كامل .
( 11 ) النيابة في الرمي ـ من كان مريضا أو مغمى عليه أو ضعيفا لا يستطيع الرمي يوضع في يده الحصى يرميه أو يرمى عنه غيره . ولو رمى شخص حصاتين إحداهما لنفسه والأخر للآخر جاز . ومن كان محبوسا أو ذا عذر يمنعه من مباشرة الرمي استناب من يرمى عنه , لحديث أبى الزبير عن جابر قال : حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم . أخرجه ابن ماجة (4) { 211 }
(
__________
(1) انظر رقم 233 ص 122 ج تكملة المنهل ( رمي الجمار ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 123 منه ( ولا يأتي سائرها ... ) أي كان لا يأتي الجمرات الثلاث بعد يوم النحر إلا ماشيا .
(2) ص 182 ج 12 – الفتح الرباني . وص 126 ج 2 سنن ابن ماجة ( رمي الجمار راكباً ) وص 104 ج 2 تحفة الأحوذي ( ما جاء في رمي الجمار راكبا ) .
(3) ص 88 ج 3 نصب الراية .
(4) ص 127 ج 2 سنن ابن ماجة ( الرمي عند الصبيان ) .(1/180)
وينبغي ) أن يستنيب العاجز حلالا أو من قد رمى عن نفسه . فإن استناب من لم يرم عن نفسه فينبغي أن يرمى عن نفسه ثم عن المستنيب . فلو اقتصر على رمى واحد وقع عنه لاعن المستنيب . وإذا رمى النائب ثم زال عذر المستنيب وأيام الرمي باقية , فالأصح أنه يستحب له إعادة الرمي بنفسه ولا يلزمه . وهذا إذا رمى النائب قبل زوال العذر . أما إذا رمى بعد زواله فيلزم المستنيب فعله اتفاقا (1) .
( 12 ) ترك الرمي وتأخيره – إذا ترك الرمي كله حتى غربت شمس آخر أيام التشريق أو ترك رمى يوم أو أكثره بأن ترك رمى أربع حصيات فأكثر من يوم النحر أو إحدى عشرة فيما بعده لزمه دم واحد عند الحنفيين , لقول عطاء بن أبي رباح : من نسى جمرة واحدة أو الجمار كلها حتى يذهب أيام التشريق فدم واحد يجزيه البيهقى (2) { 63 }
__________
(1) ص 245 ج 8 شرح المهذب .
(2) ص 153 ج 5 سنن البيهقي ( من ترك شيئاً من الرمي ... ) .(1/181)
ولو أخر رمي يوم أو أكثر إلى آخر أيام التشريق قضاه على الترتيب ولزمه بالتأخير دم عند أبى حنيفة خلافا لأبى يوسف محمد , لأن رمي كل يوم مؤقت عنده خلافا لهما . وإن أخر رمي يوم إلى الليل ورمي قبل طلوع فجر اليوم الثاني فلا شيء عليه اتفاقا . ولو ترك أقل رمي يوم بأن ترك أقل من أربعة يوم النحر أو ترك عشرا فأقل فيما بعده , رمي ما ترك أو صدق لكل حصاة صدفة كصدقة الفطر إلا أن يبلغ مجموع الصدقات قيمة دم فينقص منها ما شاء . ( وقالت ) المالكية : إن ترك حصاة أو حصاتين لزمه دم . ( وقالت ) الشافعية : من ترك حصاة من السبع حتى مضت أيام التشريق لزمه مد طعام . ومن ترك ثنتين فعلية مدان . ومن ترك ثلاثة فأكثر فعليه دم . ومن ترك شيئا من رمي أول أيام التشريق عمدا أو سهوا تداركه في اليوم الثاني أو الثالث . وإن ترك رمي الثاني تداركه في الثالث على الصحيح . ولو ترك رمي بعض الأيام فتداركه فلا دم عليه . وإن لم يتداركه وجب الدم . وإن ترك رمي يوم النحر وأيام التشريق فقيل عليه دم , لأن الجميع نسك واحد . وقيل يلزمه أربعه دماء , لأن رمي كل يوم نسك مستقل وإن ترك الرمي في اليوم الثالث سقط , لفوات أيام الرمي ولزمه دم , لقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : من نسى من نسكه شيئا أو تركه فليرهق دما . أخرجه البيهقي (1) { 64 }
(
__________
(1) ص 152 ج 5 سنن البيهقي ( من ترك شيئا من الرمي ...) .(1/182)
13 ) حكمة الرمي ـ المقصود من رمي الجمار الانقياد والتعبد لله تعالى وحده بما لا حظ للنفس فيه اقتداء بسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام . « روي » ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما أتى إبراهيم عليه السلام المناسك عرض له الشيطان عند جمره العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض . ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض . ثم عرض له في الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض . قال ابن عباس : الشيطان ترجمن ومله أبيكم تتبعون . أخرجه البيهقي (1) { 212 }
( فالحكمة ) في رمي الجمار إظهار الرق والعبودية لرب البرية , وامتثال الأوامر الدينية , وإظهار الأسف على ما أرتكبه الإنسان من الخطايا والتغيظ على المغرى بما هو الشيطان الذي يتمثله الإنسان في موضع الجمرات , ويتخيل أنه يغريه بالمعاصي وهو يزجره ويطرده ولسان حالة يقول : اخسأ يا لعين فإني وإن أطعتك في الماضي فقد صممت على عدم طاعتك في المستقبل فاذهب عني .
( 14 ) النفر بعد الرمي ـ النفر بفتح فسكون النزول من منى إلى مكة بعد رمي أيام التشريق وهو نوعان
( الأول ) الخروج من منى بعد رمي الجمار في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة قبل غروب شمسه عند مالك والشافعي وأحمد ( وقال ) الحنفيون : للحاج النفر إلى مكة ما لم يطلع فجر اليوم الثالث عشر من ذي الحجة , لأنه لم يدخ اليوم الآخر فجاز له النفر كما جاز قبل الغروب . لكن يكره له النفر بعد الغروب . فلو نفر قبل طلوع الفجر فلا شيء عليه وقد أساء لأنه ترك السنة (2) .
(
__________
(1) ص 153 ج 5 سنن البيهقي ( بدء الرمي ) .
(2) ص 159 ج 2 بدائع الصنائع .(1/183)
الثاني ) النفر بعد رمي جمار اليوم الثالث عشر من ذي الحجة . وإليهما الإشارة بقول الله تعالي : فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقي (1) .
( 15 ) المبيت بمعنى (2) ليالي التشريق ـ يجب البيات بمنى ليالي التشريق الثلاث لمن يتعجل وليلتي الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة لمن تعجل عند مالك . وهو الصحيح عند الشافعي وأحمد , لما روى عبد الرحمن بن فروخ قال : قلت لابن عمر إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال . فقال : أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بات بمنى وظل . أخرجه أبو داود والبيهقى (3) { 213 }
أحد من وراء العقبة وكان يأمرهم أن يدخلوا منى . أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقى (4) { 65 }
(
__________
(1) 203 –البقرة . والمعنى انه لى إثم على من تعجل فنفر في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة ولا على من أن أخر النفر إلى اليوم الثالث عشر.
(2) منى : قرية من الحرم بينها وبين المعلى ( مقبرة مكة ) 8807 متر يرى داخلها في مبدأ طريقها جمرة العقبة على اليسار وهي حد من منى من جهة مكة ثم يرى على يساره مسجد البيعة في المكان الذي بايع فيه الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة عمه العباس رضي الله عنه , ثم يتسع الوادي اتساعا عظيما بعرض 637 متر . وطوله من جمرة العقبة إلى وادي محسر 528 متر وهذا الوادي يشقه طريق من الغرب إلى الشرق في أوله جمرة العقبة ثم الجمرة الوسطى ثم الصغرى . ويرى في جنوبه مسجد الخيف .
(3) ص 107 ج 2 تكملة المنهل العذب ( يبيت بمكة ليالي منى ) وص 153 ج 5 سنن البيهقي ( لا رخصة في البيتوتة بمكة ليالي منى ) .
(4) انظر المراجع بهامش 2 ص 108 ج 2 تكملة المنهل العذب [ انظر رسم 6 ص 158 ] .(1/184)
والواجب ) بيات معظم الليل فمن ترك مبيت ليلة دم . وإن ترك ليلته لزمه دمان . وإن ترك ثلاث ليال لزمه ثلاثة دماء عند مالك . وقالت الشافعية والحنبلية في المشهور عنهم : إن ترك ليلة لزمه مد طعام . وإن ترك ليلتين لزمه مدان وإن ترك الليالي الثلاث لزمه دم . وقال الحنفيون : البيات بمني ليالي التشريق سنة لا شئ على من تركه وقد أساء لمخالفته السنة هذا وقد اتفق الفقهاء على سقوط المبيت بمنى ليالي التشريق عن ذوي الأعذار كالسقاة ورعاة الإبل فلا يلزمهم شئ بتركه , لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له . أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة (1) { 214 }
( وعن عاصم ) بن عدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى . أخرجه الإمامان والأربعة والبيهقي والحاكم بألفاظ متقاربة وصححه الترمذي (2) . { 215 }
وإذا غربت الشمس والرعاة بمنى لزمهم المبيت تلك الليلة ورمى الغد عند غير الحنفيين . ويجوز لأهل السقاية أن ينفروا بعد الغروب لأن عملهم بالليل بخلاف الرعي (3) . ( وترك ) المبيت ناسيا كتركه عامدا ولا يرخص للرعاة في ترك جمرة العقبة يوم النحر ولا في تأخير طواف الإفاضة عن يوم النحر . فإذا أخرجوه عنه كان مكروها ( ومن ) لا عذر له إذا لم يبت ليلتي اليومين الأولين من أيام التشريق ورمى في الثاني وأراد النفر الأول ليس له ذلك لأنه لا عذر له . وإنما جوز لعامة الناس أن ينفروا الأول ليس له ذلك لأنه لا عذر له . وإنما
__________
(1) انظر رقم 227 ص 109 ج 2 تكملة المنهل العذب ( يبيت بمكة ليالي منى ) وباقي المراجع بهامش 2 ص 110 منه .
(2) انظر رقم 238 ص 131 ج 2 تكملة المنهل العذب ( رمي الجمار ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 133 منه .
(3) ص 247 ج 8 شرح المهذب .(1/185)
جوز لعامة الناس أن ينفروا لأنهم أتوا بمعظم الرمي والمبيت . ومن لا عذر له لم يأت بالمعظم فلم يجز له (1) .
( هـ ) الذبح للقارن والمتمتع – القارن هو من جمع بين الحج والعمرة في إحرام واحد . والمتمتع من أحرم بالعمرة وأداها أو أكثر طوافها في أشهر الحج ثم تحلل منها وحج في عامة بلا نزول بأهله . ويجب على كل ذبح شاة أو بدنة أو سبعها في الحرم يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة عند الأئمة الأربعة والجمهور , لقوله تعالى « فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استير من الهدى » (2) والتمتع بلغة القرآن وعرف الصحابة يشمل القران والتمتع في اصطلاح الفقهاء . والهدى اسم لما يذبح من النعم ( الإبل والبقر والغنم ) على جهة القربة إلى الحرم .
( و ) ترتيب أعمال يوم النحر – هي الرمي والذبح لغير المفرد والحلق وطواف الركن . ويجب الترتيب بين الرمي والذبح والحلق عند أبي حنيفة وابن الماجشون المالكي , لما تقدم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر . ثم قال للحلاق : خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر . ثم جعل يعطيه الناس (3) . ( وقال ) ابن عباس رضي الله عنهما : من قدم شيئاً من حجة أو أخره فليهرق دما . أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة بسند صحيح على شرط مسلم (4) { 66 }
(
__________
(1) ص 248 ج 8 شرح المهذب .
(2) البقرة : 196
(3) تقدم رقم 181 ص 147 ( كيفية الحلق )
(4) ص 424 ج 1 شرح معاني الآثار ( من قدم نسكا قبل نسك ) وص 142 ج 5 – الجوهر النقي ( التقديم والتأخير في عمل يوم النحر ) .(1/186)
وقال ) أبو يوسف ومحمد الشافعي وأحمد : الترتيب المذكور سنة فلا شئ في الحلق قبل الرمي والذبح ولا في نحر القارن قبل الرمي , لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل في حجة الوداع فقال : يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح فأومأ بيده وقال : لا حرج وقال رجل : يا رسول الله ذبحت قبل أن أرمي فأومأ بيده وقال : لا حرج . أخرجه البيهقي والسبعة إلا الترمذي . وهذا لفظ أحمد . وأخرجه مسلم من حديث ابن عمرو وأيضاً (1) { 216 }
فلا دم ولا إثم على من خالف هذا الترتيب , ولا فرق في ذلك بين عالم وجاهل وعامد وناس عند الجمهور: وفرق أحمد في رواية بين الناسي والجاهل وغيرهما فقال : إن ترك الترتيب ناسياً أو جاهلاً فلا شئ عليه وإن أخل به عامداً عاملا , ففي وجوب الدم روايتان (2) .
( وقالت ) المالكية : يجب تأخير الحلق والإفاضة عن رمي جمرة العقبة , فتقديم أحدهما على الرمي يوجب دما . وأما تقديم الرمي على النحر وتقديم النحر على الحلق وتقديمهما على طواف الركن , فمندوب . وهو محمل الحديث (3) والراجح أن الترتيب بين أعمال يوم النحر سنة .
ويسن كون الذبح والحلق قبل زوال يوم النحر .
المقصد الخامس في سنك الحج
السنن جمع سنة . والمراد بها هنا عمل من أعمال الحج سلا إثم في تركه ولا دم , لكنه مسئ فوت على نفسه فضل السنة . وهي كثيرة تقدم كثير منها في ثنايا الكلام في الأركان والواجبات . وله سنن أخرى منها :
(
__________
(1) ص 206 ج 12 – الفتح الرباني . وص 57 ج 9 نووي مسلم ( تقديم الذبح على الرمي ... ) وانظر رقم 246 ج 2 تكملة المنهل العذب (والحلق والتقصير) وباقي المراجع بهامش 3 ص 146 منه .
(2) ص 461 3 مغني ابن قدامة .
(3) ص 735 ج 1 – الفجر المنير .(1/187)
1 ) الخطب في الحج – وهي أربع : يوم السابع من ذي الحجة بمكة , ويوم عرفة ويوم النحر بمنى ويوم النفر الأول بها أيضاً , لحديث أبي الزبير عن جابر عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر رضي الله عنه فخطب الناس فحدثهم عن مناسكهم حتى إذا فرغ قام على رضي الله عنه فقرأ على الناس براءة حتى ختمها ثم خرجنا معه حتى إذا كان يوم عرفة قام أبو بكر رضي الله عنه فخطب الناس فحدثهم عن مناسكهم حتى إذا فرغ قام على رضي الله عنه فقرأ على الناس براءة حتى ختمها , ثم كان يوم النحر فأفضنا , فلما رجع أبو بكر رضي الله عنه خطب الناس فحدثهم عن إفاضتهم وعن نحرهم وعن مناسكهم . فلما فرغ قام على رضي الله عنه فقر على الناس براءة حتى ختمها . فلما كان يوم النفر الأول قام أبو بكر رضي الله عنه فخطب الناس فحدثهم كيف ينفرون وكيف يرمون فعلمهم مناسكهم . فلما فرغ قام على رضي الله عنه فقرأ على الناس براءة حتى ختمها . أخرجه النسائي والبيهقي . وهذا لفظه (1) { 217 }
( وبهذا ) قال الشافعي . وقال الحنفيون ومالك : خطب الحج ثلاثة يوم السابع والتاسع والثاني عشر من ذي الحجة . ( وقال ) أحمد : ليس في السابع خطبة وهاك بيانها :
(
__________
(1) ص 43 ج 2 مجتبي ( الخطبة قبل يوم التروية ) وهو الثامن من ذي الحجة . وص 111 ج 5 سنن البيهقي ( الخطب ... في الحج ) و ( يوم النفر الأول ) اليوم الثاني عشر من ذي الحجة .(1/188)
أ ) خطبة السابع – يسن للإمام أو أمير الحج – عند الحنفيين ومالك والشافعي – أن يخطب الناس في اليوم السابع من ذي الحجة خطبة واحدة بمكة بعد صلاة الظهر يعلّم الناس فيها مناسك الحج من الخروج إلى منى والصلاة والبيات بها ليلة التاسع , ثم الإفاضة إلى عرفة والصلاة بها وسائر الأعمال المطلوبة من الحاج إلى زوال يوم عرفة , لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قبل التروية بيوم خطب الناس وأخبرهم بمناسكهم . أخرجه البيهقي بسند جيد (1) ... ... ... { 218 }
ولو كان اليوم السابع يوم جمعة , خطب للجمعة وصلاها , ثم خطب هذه الخطبة , لأن السنة فيها التأخير عن الصلاة . وشرط خطبة الجمعة تقدمها على الصلاة فلا تدخل إحداهما في الأخرى (2) . ولا يقول أحمد بهذه الخطبة , لأن الظاهر أنه لم يصح عنده الحديث فيها . وهاك بيان ما يذكر فيها :
(
__________
(1) ص 111 ج 5 سنن البيهقي .
(2) ص 81 ج 8 شرح المهذب .(1/189)
1 ) التوجه إلى منى : يستحب للحاج أن يخرج من مكة بعد شمس ثامن ذي الحجة , راكباً إلى منى ملبياً داعياً بما شاء متجها إلى الشمال ماراً بالمعلى (1) على يساره في نهاية مكة . وقصر الشريف عبد المطلب على يمينه وفي جنوبه الشرقي جبل الحجون , وهو حد المحصب من جهة مكة , ثم يتجه إلى الشرق , فيجد على يساره جبل النور في الشمال الشرقي لمكة , ثم يسير حتى يجد على يساره سبيل الست وهو حد المحصب من جهة منى(2) فإذا وصل إلى منى استحب أن يقول : اللهم هذا منًى وهذا ما دللتنا عليه من المناسك , فمُنّ علينا بجوامع الخيرات, وبما مننت به على إبراهيمَ خليلك ومحمدٍ حبيبك . ويصلى بمسجد الخيف الظهر والعصر والمغرب والعشاء , ويبيت بمنى حتى يصلىَ صبح يوم عرفة , لقول جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم . فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى وأهلّوا بالحج , وركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر , ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس (3) ( والبيات ) بمنى ليلة التاسع سنة بالإجماع , فلا شئ على من تركه . (
__________
(1) المعلى بفتح فسكون مقبرة مكة الشمال بينها وبين باب السلام 1042 متر .
(2) جبل النور , جبل شامخ في أعلاه قمة عالية وفي ميسرتها غار حراء الذي كان يتعبد فيه النبي صلى الله عليه وسلم وابتدأ نزول الوحي عليه فيه , وطول المحصب 2387 متر . وبينه وبين منى . 3210 متر . [ انظر رسم 9 ] المشاعر بين مكة وعرفة .
(3) هذا بعض حديث جابر الآتي في ( حج النبي صلى الله عليه وسلم ) ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة سمي بذلك لأنهم كانوا يعدون فيه الماء الذي يرتوون به بمنى وما بعدها , لأن تلك الأماكن لم يكن فيها وقتئذ آبار ولا عيون أما الآن فقد كثرت فيها المياه واستغنوا عن حملها من مكة .(1/190)
ولا بأس ) أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين , وكرهه مالك وكره الإقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي إلا إن أدركه وقتُ الجمعة بمكة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج . هذا هو الوارد . وهذا هدى النبي صلى الله عليه وسلم . وقد تقدم أن غالب الحجاج قد أماتوا هذه السنة وابتدعوا الذهاب من مكة إلى عرفة رأسا يوم التاسع أو قبله (1)
( 2 ) السير إلى عرفة – ويسن التوجيه من منى بعد طلوع الشمس يوم عرفة إلى عرفات داعياً ملبياً مهللا مكبراً , لقول محمد بن أبي بكر الثقفي : سألت أنس بن مالك رضي الله عنه ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية كيف كنتم تصنعون في التلبية مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم ؟ قال : كان يلبي الملبي فلا يُنْكَر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه ويهلل المهلل فلا ينكر عليه . أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة (2) { 219 }
__________
(1) تقدم ص 99 , 100 .
(2) ص 54 ج 2 بدائع المتن . وص 117 ج 12 – الفتح الرباني . وص 331 ج 3 فتح الباري ( التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة .. ) وص 30 ج 9 نووي مسلم وص 44 ج 2 مجتبي ( التكبير في المسير إلى عرفة ) وص 122 ج 2 سنن ابن ماجة ( الغدو من منى إلى عرفات ) .(1/191)
هذا . ويمر الحاج في سيره إلى عرفة بوادي محسِّر ثم بالمزدلفة , ثم بوادي المأزمين (1) . وفي جنوبه طريق ضب يستحب سلوكه حال الذهاب إلى عرفة . فإذا وصل إليها استحب له النزول بنمرة ويغتسل بها للوقوف بعرفة , ولا يدخلها إلا وقت الوقوف بعد الزوال . ( وأما ) ما يفعله كثير من الناس من دخولهم أرض عرفة ليلة التاسع أو يومه قبل الزوال , فخطأ وبدعة منابذة للسنة . ففي حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقُبَّة من شعر فضربت له بنمرة فسار صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش أنه واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز صلى الله عليه وسلم حتى أتي عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها . والمعنى أن قريشاً كانت في الجاهلية تقف بالمشعر الحرام وكان سائر العرب يقفون بعرفات . فظنت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولكنه تجاوزوه إلى عرفات , لقوله تعالى : ثم أفيضوا من حيث أَفَاضَ النَّاسُ (2) أي سائر العرب غير قريش . وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة , لأنها من الحرم وكانوا يقولون نحن أهل حرم اله فلا نخرج منه .
(
__________
(1) مثنى مأزم كمسجد , وهو الطريق الضيق بين الجبلين .
(2) سورة البقرة : 199 .(1/192)
ب ) خطبة يوم عرفة – يستحب للإمام – هند الحنفيين ومالك والشافعي – أن يخطب يوم عرفة قبل صلاة الظهر خطبتين خفيفتين يعلم الناس فيهما المناسك التي من زوال يوم عرفة إلى ظهر يوم النحر كالجمع بين الظهر والعصر يوم عرفة والوقوف بعرفة والإفاضة منها إلى مزدلفة وجمع المغرب والعشاء بها والمبيت والوقوف بها والرمى والذبح يوم النحر وطواف الركن . ويحثهم فيها على كثرة الدعاء . والتهليل والتلبية في الموقف , لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم : فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له في بطن الوادي فخطب الناس وقال : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا . ألا إن كل شئ من امر الجاهلية تحت قدمي موضوع . ودماء الجاهلية موضوعة . وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب – كان مسترضعا في بني سعد – فقتلته هذيل . وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله فاتقول الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله . وإن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف . وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله وأنتم مسئولون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت .(1/193)
فقال بأصبعيه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس اللهم أشهد اللهم اشهد الهم أشهد (1) . ( وقال ) أحمد : يخطب بعد الزوال خطبة واحدة خفيفة يفتتحها بالتكبير ويعلم الناس فيها المناسك , ثم يأمر بالآذان ويصلى الظهر مبكراً , لقول سالم بن عبد الله بن عمر : كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج أن يأتم بعبد الله بن عمر في الحج , فلما كان يوم عرفة جاء ابن عمر وأنا معه حين زاغت الشمس ؛ فصاح عند فسطاطة أين هذا ؟ فخرج إليه , فقال ابن عمر الرواح فقال : آلآن ؟ قال نعم : قال أنظرني أفيض على ماء , فنزل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما حتى خرج الحجاج فسار بيني وبين أبي .
__________
(1) هذا بعض حديث جابر الآتي ( فأجاز ) أي جاوز المزدلفة ولم يقف بها ( حتى اتى ) أي قارب ( عرفة ) فهو مجاز لقوله ( فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ) فإن نمرة ليست من عرفة ( فرحلت ) بكسر الحاء أي جعل عليها رحل ( موضوع ) أي باطل ( وابن ربيعة ) إياس أو حارثة كان طفلا يجبو بين البيوت فأصابه حجر من هذيل من حرب كانت بين بني سعد وبني ليث . و ( كلمة الله ) الإيجاب والقبول وقيل كلمة التوحيد إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم ( وألا يوطئن ) أي لا يأذن في دخول بيوتكم أحداً تكرهون دخوله ولو امرأة أو محرما لهن ( فقال ) أي أشار بأصبعيه ( وينكبها ) من باب نصر أي يميلها إلى الناس . ويريد بذلك أن يشهد الله عليهم " فإن قيل " ليس في هذه الخطبة شئ من المناسك " قلنا " اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بفعله المناسك لأن الفعل أوضح من القول على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم أحيانا ما يلزمهم من القول ثم خص هذه الخطبة بأهم الأحكام العامة التي يحتاج الناس إليها ولا يسعهم جهلها ؛ لأن اليوم يوم اجتماع . وإنما ننتهز مثل هذه الفرصة لمثل هذه الأحكام التي يراد تبليغها إلى جمهور الناس .(1/194)
فقلت له : إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فاقصر الخطبة وعجل الوقوف , فقال ابن عمر : صدق . أخرجه البخاري (1) { 67 }
ويستحب ان يخطب على منبر إن وجد , وإلا فعلى مرتفع من الأرض أو على بعير (وهناك) بيان المناسك التي تؤدي بين ظهر يوم عرفة وظهر يوم النحر .
( 1 ) الجمع بين الظهر والعصر – وبعد خطبة عرفة ينزل الإمام فيصلى بالناس الظهر والعصر مقصورين , جامعاً بينهما بمسجد نمرة بآذان وإقامتين : لحديث جعفر بن محمد عن أبيه أن جابر بن عبد الله قال : سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له حتى إذا انتهى إلى بطن الوادي خطب الناس , ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر , ثم أقام فصلى العصر , ولم يصل بينهما شيئاً . أخرجه النسائي (2) { 220 }
دل الحديث : ( أ ) على جواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وهو سنة إجماعا .
( ب ) وعلى أنه يؤذن للأولى ويقام لكل منهما . وبه قال الحنفيون والشافعي . وهو رواية عن أحمد (وعنه) أنه يقام لكل بلا أذان ( وقال ) مالك : يؤذن لكل ويقام . وما دل عليه الحديث أولى بالاتباع .
(
__________
(1) ص 333 ج 3 فتح الباري ( قصر الخطبة بعرفة ) .
(2) ص 100 ج 1 مجتبي ( الجمع بين الظهر والعصر بعرفة ) .(1/195)
جـ ) وعلى أن الأذان بعد الخطبة . وبه قال مالك وأحمد . فبعد الخطبتين يؤذن ويقام للعصر ه وعلى أن الأذان بعد الخطبة . وبه قال مالك وأحمد . فبعد الخطبتين يؤذن ويقام للعصر (1) . ( وقال ) أبو حنيفة ومحمد : يؤذن قبل الخطبة كالجمعة بعد صعود الإمام المنبر , وإذا فرغ المؤذن من الأذان قام الإمام وخطب ( وقال ) الشافعي : يؤذن والإمام يخطب الثانية , لقول الشافعي : أخبرنا إبراهيم ابن محمد وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال : فراح النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الأولى ثم أذن بلال , ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الأذان , ثم أقام بلال فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر . أخرجه الشافعي والبيهقي . وقال : تفرد بهذا التفصيل إبراهيم بن محمد ويرده . قول الشافعي : ثنا إبراهيم وغيره (2) { 221 }
(
__________
(1) ص 731 ج 1 – الفجر المنير .
(2) ص 54 ج 2 بدائع المنن . وص 114 ج 5 سنن البيهقي ( الخطبة يوم عرفة ) .(1/196)
والحديث ) الأول أصح فهو أولى بالاتباع . ويسر بالقراءة فيهما ولا يتنقل بينهما إجماعاً . فإن اشتغلوا بينهما بتطوع أو غيره أعادوا الأذان للعصر , لأن الأصل يؤذن لكل مكتوبة , وإنما عرف ترك الأذان للعصر يوم عرفة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو لم يتنفل بينهما فبقى الأمر عند الصلاة بينهما على الأصل (1) . (ويشترط) لجواز الجمع بعرفة عند أبي حنيفة صلاتهما مع الإمام أو نائبه . وكونه محرما فيهما بحج لا بعمرة . وصحة صلاة الظهر . فلو فسدت أعادها منفردة وبعيد العصر في وقته . ولو صلى الظهر وحده إو في جماعة مع غير الإمام أو كان غير محرم فيهما للحج ثم أحرم فصلى العصر في وقت الظهر , لا يجوز , لن تقديم الصلاة على وقتها شرع على خلاف القياس – بعرفة – لمن صلى مع الإمام وكان محرما بهما , وما شرع على خلاف القياس بنص يقتصر عليه . ( وقال ) أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد : لا يشترط لجوز الجمع بعرفة إلا الإحرام بالحج في العصر . فلا تشترط الجماعة فيهما , لقول نافع : كان ابن عمر إذا فاتته الصلاة مع الإمام جمع بينهما . أخرجه البخاري معلقا (2) { 68 }
__________
(1) ص 152 ج 2 بدائع الصنائع ( بيان سنن الحج والترتيب في أفعاله ) .
(2) ص 333 ج 3 فتح الباري ( الجمع بين الصلاتين بعرفة ) وقد وصل هذا التعليق إبراهيم الحربي عن نافع أن ابن عمر كان إذا لم يدرك الإمام يوم عرفة جمع بين الظهر والعصر في منزله .(1/197)
وهذا هو الموافق ليسر الدين . ويجوز الجمع لكل من بعرفة من مكي وغيره . وهذا الجمع بعرفة ومزدلفة سببه الحج عند الحنفيين ومالك وبعض الشافعية وهو الحق . ( وقال ) أكثر الشافعية : الجمع بهما للسفر . فمن كان حاضراً أو مسافراً دون مسافة القصر كأهل مكة لم يجز له الجمع . وأما قصر الصلاة فلا يجوز لأهل مكة عند الحنفيين والشافعي وأحمد ( وقال ) مالك : لهم القصر كما ان لهم الجمع , لما روي ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم مكه صلى بهم ركعتين ثم انصرف فقال : يا أهل مكة أتموا صلاتكم فأنا قوم سفر , ثم صلى عر ركعتين بمنى قال مالك : ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئاً . أخرجه مالك (1) {69}
دل قوله ( ولم يبغنا ) أن أهل مكة يقصرون بمنة وعرفة . وهذا هو الحق ؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل صحيح صريح يفيد تحديد مسافة القصر بل الرخصة منوطة بالسفر مطلقاً (2) .
__________
(1) ص 256 ج 2 زرقاني الموطإ ( صلاة منى ) .
(2) انظر تحقيقه ص 48 ج 4 – الدين الخالص .(1/198)
فائدة : يجمع الإمام بين الصلاتين ويصلى الأولى منهما ظهراً ولو يوم جمعة عند مالك . قال في الموطإ وشرحه : والأمر الذي لا خلاف فيه عندنا أن الإمام لا يجهر بالقراءة في الظهر يوم عرفة وأن الصلاة يومه إنما هي ظهر وإن وافقت الجمعة , للإجماع على أن حجته صلى الله عليه وسلم كانت يوم الجمعة . وفي حديث جابر بعد ذكر الخطبة : ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر (1) ( وقال ) في الذخيرة : جمع الرشيد مالكا وأبا يوسف فسأل أبو يوسف مالكا عن إقامة الجمعة بعرفة , فقال مالك : لا يجوز لأنه عليه الصلاة والسلام ولم يصلها في حجة الوداع . فقال أبو يوسف : قد صلاها لأنه خطب خطبتين فصلى بعدها ركعتين وهذه جمعة . ( فقال ) مالك : أجهر بالقراءة كما يجهر بالجمعة ؟ فسكت أبو يوسف وسلم , أي فالخطبة لمجرد التعليم لا أنها خطبة جمعة (2) .
( 2 ) الوقوف بعرفة – وبعد الجمع بين صلاة الظهر والعصر يأتي الحاج عرفة وينتظر بها إلى الغروب مكثراً من التهليل والتكبير والدعاء كما تقدم (3) .
( 3 ) الإفاضة من عرفة – فإذا غربت شمس يوم عرفة أفاض الحجاج مع الإمام فلا يتقدمون عليه ولا يتأخرون إلا للزحام , ويسن أن يسير على كل هينته , لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من عرفة فسمع وراءه زجراً شديداً وضربا للإبل , فأشار بسوطه إليهم وقال : أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع أخرجه البخاري (4) ... ... { 222 }
__________
(1) ص 251 ج 2 زرقاني الموطإ ( الصلاة بمنى يوم التروية والجمعة بمنى وعلافة ) .
(2) ص 731 ج 1 – الفجر المنير .
(3) ص 91 إلى ص 96 .
(4) ص 339 ج 3 فتح الباري ( الأمر بالسكينة عند الإفاضة من عرفة ) والإيضاع الإسراع .(1/199)
وإذا وجد فرجة يسرع بلا إيذاء أحد , لما روي هشام بن عروة عن أبيه قال : سئل أسامة بن زيد كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع ؟ " يعني من عرفة " قال :كان يسير العنق وإذا وجد فجوة نص . أخرجه مالك والشافعي والستة إلا الترمذي (1) .
( ويسن ) للحجاج الإكثار من الذكر والتلبية حال إفاضتهم لقوله تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ (2) وقوله فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا (3) } ويسيرون من طريق المأزمين إلى مزدلفة ؛ ويستحب لهم النزول بقرب جبل قزح . ويقولا لحاج عند دخولها : اللهم هذا جمع أسألك أن ترزقني فيه جوامع الخير كله فإنه لا يعطيها غيرك الله رب المشعر الحرام ورب زمزم والمقام ورب البيت الحرام والبلد الحرام , أسألك أن تصلح لي ديني وذريتي وتشرح لي صدري وتطهر قلبي وترزقني الخير كله وأن تقيني من الشر كله . إنك ولي ذلك والقادر عليه . ويستغفر كثيراً .
(
__________
(1) انظر رقم 193 ص 62 ج 2 تكملة المنهل العذب ( الدفع من عرفة ) وباقي المراجع بهامش 1 , 3 ص 63 منه . و ( العنق ) بفتحتين السير السهل الوسط و ( النص ) الإسراع في السير .
(2) البقرة آية 189 .
(3) البقرة آية 200 .(1/200)
4 ) لجمع بمزدلفة – فإذا أتى مزدلفة يجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير بأذان واحد وإقامتين لا يتنفل بينهما , لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم : ودفع صلى الله عليه وسلم ( يعني من عرفة ) وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن أرسلا ليصب مورك رحله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتي المزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين وليم يسبح بينهما شيئا (1) .
دل الحديث :( أ ) على الجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة وهو واجب عند الحنفيين سنة عند غيرهم .
( ب ) وعلى أنه يؤذن للأولى ويقام لكل منهما . وبه قال الشافعي في الصحيح عنه وأحمد في رواية وزفر وعبد الملك بن المجشون المالكي واختاره الطلحاوي . ( وقال ) الحنفيون : يجمع بينهما بأذان وإقامة واحدة , لحديث أشعت بن سليم عن أبيه قال : أقبلت مع ابن عمر من عرفات إلى المزدلفة فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل حتى آتينا المزدلفة فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل حتى آتينا المزدلفة فأذن وأقام أو أمر إنسانا فأذن وأقام فصلى بنا المغرب ثلاث ركعات ثم التفت إلينا فقال الصلاة فصلى بنا العشاء ركعتين ثم دعا بعشائه . فقيل لابن عمر في ذلك . فقال . صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أخرجه أبو داود (2) ... { 224 }
__________
(1) هذا بعض حديث جابر الآتي . و ( شنق ) أي ضم وضيق ورفع رأسها بالزمام ( والمورك ) المرفقة عند قادمة الرحل يضع الراكب رجله عليها ليستريح ويقول بيده ) أي يشير بها ( والحبل ) بالحاء المهملة التل من الرمل . و ( لم يسبح ) أي لم يصل بينهما ناقلة .
(2) انظر رقم 204 ص 74 ج 2 تكملة المنهل العذب ( الصلاة بجمع ) .(1/201)
ويأتي عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بإقامتين وهو الصحيح (1) ( وقال ) مالك : يجمع بينهما بأذانين وإقامتين , لقول عبد الرحمن ابتن يزيد : حج عبد الله بن مسعود فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريباً من ذلك فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين . ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى العشاء ركعتين ( الأثر ) أخرجه البخاري (2) . { 70 }
وهذا الأثر يخالف حديث جابر الصحيح ( وعن ) الشافعي وأحمد : أنه يجمع بينهما بإقامتين , لحديث سالم بن عبد الله ابن عمر رضي اله عنهما قال : فقال جمع النبي صلى اله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع وهي المزدلفة . صلى المغرب ثلاثاً ثم سلم ثم أقام العشاء فصلاها ركعتين ثم سلم ليس بينهما سبحة , أخرجه البخاري والنسائي وعندهما : كل واحدة منهما بإقامة الطلحاوي .وهذا لفظه (3) ... ... {225 }
__________
(1) يأتي رقم 225 .
(2) ص 340 ج 3 فتح الباري ( من أذن وأقام لكل واحدة منهما ) .
(3) ص 339 منه ( من جمع بينهما ولم يتطوع ) وص 47 ج 2 مجتبي ( الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة ) وص 411 ج 1 شرح معاني الآثار .(1/202)
وقال : فهذا يخبر أنه صلاهما بإقامتين , والذي رويناه عن جابر رضي الله عنه من هذا أحب إلينا . وذلك لتعارض روايتي ابن عمر وعدم إمكان الجمع بينهما (1) لأن النبي صلى اله عليه وسلم لا يحج إلا مرة واحدة . وحديث جابر مقدم عليهما , لاتفاق مسلم وغيره عليه . فالراجح أن يؤذن للمغرب ويقام لكل منهما ( ويشترط ) عند أبي حنيفة ومحمد لجواز الجمع بين المغرب والعشاء أن يكون بمزدلفة . وأن يكون محرما بحج . فلا تجوز صلاة المغرب في غير المزدلفة كعرفة والطريق , لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة حين وقعت الشمس حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء فقلت الصلاة يا رسول الله , فقال : الصلاة أمامك , فركب . فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره ثم أقيمت الصلاة فصلى العشاء ولم يصل بينهما شيئاً . أخرجه مالك والشافعي والشيخان وأبو داود (2) ... ... { 226 }
وقوله : الصلاة أمامك , المراد وقتها , وهو يدل على وجوب الإعادة إن صلاها في غير المزدلفة , لأنه أداها قبل وقتها الثابت بالحديث (3) .
( وقال ) مالك : يشترط لجواز الجمع بمزدلفة الوقوف مع الإمام والدفع معه من غير عذر , وكون الجمع بعد مغيب الشفق . فإن قدمهما عنه تفسد العشاء الشفق أعادهما ندبا بها .
__________
(1) هما رقما 224 , 225 .
(2) انظر رقم 195 ص 64 ج 2 تكملة المنهل العذب ( الدفعة من عرفة ) وباقي المراجع بهامش 5 ص 65 منه . و ( الشعب ) بكسر فسكون الطريق بين الجبلين ( ولم يسبغ الوضوء ) يعني أنه استنجى فقط . وسماه وضوءا من الوضاءة وهي النظافة .
(3) ص 171 ج 2 فتح القدير على الهداية .(1/203)
هذا . ويقصر المسافر العشاء أما أهل مزدلفة وعرفة ومنى فيتمون في أماكنهم . فإن عجز عن لحاق الناس في سيرهم إلى المزدلفة لضعف به أو بدابته , يجمع الصلاتين بعد الشفق بأي حال كان وإن وقف مع الإمام . وإن لم يقف معه يصلى كل فرض في وقته من غير جمع , لأن الجمع إنما شرع لمن وقف مع الإمام ( وقال ) في الذخيرة : ومن دفع من عرفة حين غربت الشمس ولم تكن به علة ولا بدابته وهو يسير بسير الناس فلا يصلى المغرب والعشاء إلا بالمزدلفة , فإن صلى قبلها أعاد إذا أتاها , لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الصلاة أمامك , قيل لمالك : فإن أتى المزدلفة قبل الشفق ؟ قال : هذا مما لا أظنه يكون ولو كان ما أحببت له أن يصلى حتى يغيب الشفق (1) . ( وقال ) الشافعي وأحمد وأبو يوسف :
يشترط لجواز الجمع بمزدلفة السفر فقط , فلو جمع بينهما في وقت المغرب أو العشاء بمزدلفة أو غيرها جاز . والخلاف مبنى على أن الجم للنسك أم للسفر ؟ فعند هؤلاء الجمع للسفر وعند الأولين الجمع للنسك (2) وهذا ما يشهده له الدليل .
( 5 ) أما المبيت بمزدلفة , والوقوف بها والإفاضة منها إلى منى وترتيب أعمال يوم النحر , فقد تقدم بيانها (3) .
__________
(1) ص 722 ج 1 – الفجر المنير .
(2) ص 148 ج 8 شرح المهذب .
(3) انظر ص 151 و 152 و 155 و 176 .(1/204)
هذا . وقد جمع مناسك الحج من الوقوف بعرفة إلى طواف الركن حديث على رضي الله عنه قال : وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال : هذه عرفة وهو الموقف وعرفة كلها موقف , ثم أفاض حين غربت الشمس, وأردف أسامة بن زيد وجعل يشير بيده على هينته , وللناس يضربون يمينا وشمالا لا يلتفت إليهم ويقول : يا أيها الناس عليكم السكينة . ثم أتى جمعا فصلى بهم الصلاتين جميعاً . فلما أصبح أتى قزح ووقف عليه وقال هذا قزح وهو الموقف . وجمع كلها موقف , ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر فقرع ناقته , فخبت حتى جاوز الوادي فوقف وأردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها , ثم أتى المنحر فقال : هذا المنحر ومنى كلها منحر , واستفتته جارية شابة من خثعم فقالت : إن أبي شيخ كبير وقد أدركته فريضة الله في الحج أفيجزئ أن أحج عنه ؟ قال حجي عن أبيك . فأتاه رجل فقال : يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق قال : أحلق ولا حرج فقال : يا رسول اللهه إني أفضت قبل أن أحلق قال : أحلق ولا حرج أو قصر ولا حرج . وجاء آخر فقال : يا رسول الله إني ذبحت قبل أن أرمي : فقال : أرم ولا حرج . ثم أتى البيت فطاف به ثم أتى زمزم فقال : يا بني عبد المطلب لولا أن يغلبكم عليه الناس لنزعت . أخرجه ابن أحمد في زوائد المسند , والترمذي بسند جيد وقال : هذا حديث حسن صحيح . وهذا لفظه (1) ... { 227 }
(
__________
(1) ص 84 ج 11 – الفتح الرباني . وص 100 ج 2 تحفة الأحوذي ( عرفة كلها موقف ) .(1/205)
ج ) خطبة يوم النحر – وبعد رمي جمرة العقبة يوم النحر يخطف الإمام الناس – عند الشافعي وأحمد – خطبة يعلمهم فيها مناسك اليوم منى للبيات بها ليالي التشريق ورمى الجمار يوم الحادي عشر من ذي الحجة , لقول رافع بن عمر المزني : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغله شهباء وعلى رضي الله عنه عبر عنه والناس بين قائم وقاعد . أخرجه أبو داود والبيهقي بسند حسن والنسائي بسند صحيح (1) { 228 }
دل الحديث على أن هذه الخطبة كانت وقت الضحى يوم النحر قبل طواف الإفاضة ولكن القائلين بمشروعيتها يقولون إنها تكون بعد الظهر يوم النحر بمنى بعد طواف الإفاضة . والحديث اولى بالاتباع . ويستحب للحجاج حضور هذه الخطبة والاغتسال لها والتطيب بعد التحلل ولو الأول (2) . ( وقال ) عبد الرحمن بن معاذ التيمي : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا . فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السبابتين ثم قال بحصى الخذف , ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد . ثم نزل الناس بعد ذلك . أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي وأبو داود . وهذا لفظه (3) ... ... { 229 }
( وقال ) الحنفيون ومالك : لا خطبة يوم النحر للحج ( وأجابوا ) بأن المذكور في الحديثين ونحوهما وصايا عامة لا أنها خطبة من شعائر الحج ( ورد ) بأن الرواة سموها خطبة كما سموا التي بعرفات .
(
__________
(1) انظر رقم 224 ص 104 ج 2 تكملة المنهل العذب ( أي وقت يخطب يوم النحر ؟ ) وباقي المراجع بهامش 3 ص 105 منه . و ( يعبر عنه) أي يبلغ حديثه من هو بعيد .
(2) ص 219 ج 8 شرح المهذب .
(3) انظر رقم 225 ص 106 ج 2 تكملة المنهل العذب ( ما يذكر الإمام في خطبته بمنى ) وباقي المراجع بهامش 2 ص 108 منه . و ( فتحت ) مبنى للمفعول .(1/206)
د ) الخطبة الرابعة في احج – قال الحنفيون ومالك : يستحيب للإمام بعد صلاة ظهر يوم الحادي من ذي الحجة أن يخطب خطبة واحدة يعلم فيها الناس باقي المناسك من رمي الجمار في أيام التشريق والرجوع من منى إلى مكة والنزول بالمحصب وطواف الوداع . لقول سراء بنت نبهان : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع : هل تدرون أي يوم هذا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم , قال : هذا أوسط أيام التشريق , قال : هل تدرون أي بلد هذا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا المشعر الحرام ثم قال : إني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد هذا ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام حكرمة يومكم هذا فيبلدكم هذا , حتى تلقوا ربكم , فيسألكم عن أعمالكم , ألا فليبلغ أدناكم أقصاكم , ألا هل بلغت ؟ فلما قدم المدينة لم يلبث إلا قليلا حتى مات صلى الله عليه وسلم . أخرجه البيهقي (1) { 230 }
دل الحديث على ان هذه الخطبة كانت في أوسط أيام التشريق لا في أولها . ولذا قال الشافعي وأحمد : هذه الخطبة تكون يوم الثاني عشر من ذي الحجة.
( 2 ) النزول بالمحصب – المحصب كمحمدا , واد بين جبل النور والحجون ويسمى الآبطح والبطحاء وخيف بني كنانة (2) . ( ويسن ) للحاج النزول به إذا نفر من منى إلى مكة يوم الثالث عشر من ذي الحجة ويصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء . ويهجع هجعة ليلة الرابع عشر , ثم يدخل مكة ويطوف طواف الوداع , لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء , ورقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به . أخرجه البخاري والبيهقي (3) . { 231 }
(
__________
(1) ص 151 ج 5 سنن البيهقي ( خطبة الإمام بمنى أوسط أيام التشريق ) .
(2) الخيف ) بفتح فسكون , ما انحدر من الجبل وارتفع عن المسيل .
(3) ص 383 ج 3 فتح الباري ( من صلى العصر يوم النفر بالأبطح ) و ص 160 ج 5 سنن البيهقي ( الصلاة بالمحصب .. ) ( فطاف به ) أي طواف الوداع .(1/207)
وبهذا ) قال الحنفيون والشافعي وأحمد . قال الترمذي : وقد استحب بعض أهل العلم نزول الأبطح من غير أن يروا ذلك واجباً . قال الشافعي :
نزول الأبطح ليس من النسك في شئ إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
( وقالت ) المالكية : يندب للحاج غير المتعجل النزول بالمحصب في غير يوم الجمعة بعد رمي يوم الثالث عشر من ذي الحجة . أما المتعجل فلا يندب له التحصيب لإحيائه السنة إلا أن يكون متعجلا أو يوافق نفره يوم الجمعة (2) ( والحكمة ) في ذلك شكر الله تعالى على إظهار دينه بعد ما أراد المشركون إخفاءه .
(
__________
(1) ليس من النسك في شئ ) أي أنه سنة مستقلة ليس من المناسك . انظر ص 211 ج 2 تحفة الأحوذي .
(2) ص 744 ج 1 – الفجر المنير .(1/208)
روى ) الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا ونحن بمنى : نحن نازلون غداً بخيف بني كنابة حيث تقاسموا على الكفر . وذلك أن قريش ا وبني كنانة تحالفت على بني هاشم وبنى المطلب ألا يناحكوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه أحمد والشيخان . وهذا لفظ مسلم . وأبو داود والبيهقي (1) {
__________
(1) انظر رقم 271 ص 192 ج تكملة المنهل العذب ( التحصيب ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 193 منه . و ( تقاسموا أي تحالفوا . وقد فسره الزهري بقوله : وذلك أن قريشا الخ ( حتى يسلموا ) بضم فسكون ( رسول الله ) إلى قريش . ليقتلوه وذلك أنه لما جهر النبي صلى = =الله عليه وسلم ومبالغته في ذلك وعدم ردهم إلى قريش كطلهم , كبر ذلك عليهم جدا وأجمعوا على مقاطعة بني هاشم وبنى المطلب مقاطعة تامة في البيع والشراء والنكاح والمخالطة والصلح ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله للقتل . وفي ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة سنة 617 ميلادية كتبوا بذلك صحيفة علقوها بجوف الكعبة توكيدا لأمرها . كتبها منصور بن عكرمة ابن عامر أو غيره فشلت يده . وانحاز بنو المطلب وبنو هاشم ما عدا أبا لهب إلى أبي طالب ودخلوا معه في شعبه وبقوا محصورين فيه نحو ثلاث سنوات حتى أنفقوا ما معهم وتضوروا جوعا وعريا . ولحقتهم مشقة عظيمة وقطعت عنهم الميرة ( الطعام ) والمادة حتى بلغهم من الجهد ما بلغهم . ثم أطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم أن الأرضة ق لحست ما في الصحيفة من جور وقطيعة رحم . ولم يبق فيها إلا إسم الله . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب بذلك وأخبر أبو طالب من معه فخرجوا إلى المسجد فقال أبو طالب لقريش : أخبرني ابن أخي وهو لا يكذب أن الأرضة لحست من في الصحيفة إلا اسم الله تعالى ..فإن كان صادقا نزعتم عن سوء رأيكم , وإن كان كاذبا دفعته إليكم لتفعلو معه ما ترون فأتوا بالصحيفة وفتحوها فإذا هي كما قال الصادق الأمين فسقط في أيديهم ولكن لم يؤثر ذلك فيهم لشقوتهم . فقال أبو طالب : علام نحبس ونحصر وقد بان الأمر ؟ ثم دخل هو ومن معه بين الكعبة وأستارها وقال : اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم منا . ثم انصرفوا إلى الشعب . وهنا تلاوم رجال من قريش على ما صنعوا ببني هاشم والمطلب واجتمع خمسة من سادتهم على طرف الحجون بأعلى مكة وتعاهدوا على نقض الصحيفة وهم : هشام بن عمرو العامري , وزهير بن أمية المخزومي ( وكانا من المؤلفة ) والمطعم بن عدى النوفلي ( مات كافرا ) وأبو البخترى ( بفتح فسكون ) بن هشام ( مات كافرا يوم بدر ) وزمعة بن أسود الأسدي . ولما أصبحوا جاء زهير فطاف بالبيت ثم قال : يا أهل مكة إنا نأكل الطعام ونلبس الثيلب وبنو هاشم هلكى والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة . فقال أبو جهل : كذبت والله . فقال له زمعة : وأنت والله أكذب ما رضينا كتابتها حين كتبت . وقال الآخرون مثله . فقال أبو جهل : هذا أمر قضى بليل تشوور فيه بغير هذا المكان . ثم قام المطعم إلى الصحيفة فشقها ثم خرجوا إلى من بالشعب وأمروهم بالخروج إلى مساكنهم ففعلوا . وكان ذلك في السنة العاشرة من البعثة .
( 1 ) مكة : لها أسماء ذكر في القرآن منها أربعة :-
( أ ) مكة : قال الله تعالى " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن اظفركم عليهم " ( 24 – الفتح ) أي كف أيدي المشركين عن المسلمين وأيدي المسلمين عن المشركين لما جاءوا يصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه عن البيت عام الحديبية . وهي المراد ببطن مكة ( وقيل ) إن ثمانين رجلا من أهل مكة نزلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قبل التنعيم متسلحين يريدون أخذه فأخذهم المسلمون ثم عفوا عنهم . رو ثابت عن أنس أن ثمانين رجلا نزلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم عند صلاة الصبح يريدون قتله فأخذوا فأعتقهم . فنزلت : وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم الآية . أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح . ص 164 ج 1 تيسير الوصول ( سورة الفتح ) وأخرجه أحمد بلفظ : لماك أن يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجل من أهل مكة في السلاح من قبل جبل التنعيم فدعا عليهم فأخذوا ونزلت هذه الآية ( انظر ص 276 ج 18 – الفتح الرباني ) سمين مكة لقلة مائها .
( ب ) بكة – قال تعالى : " إن أول بيت وضع للناس ببكة مباركا وهدى للعالمين " ( 96 – آل عمران ) قالت اليهود إن بيت المقدس أفضل من الكعبة لكونه مهاجر الأنبياء ( بفتح الجيم ) وفي الأرض المقدسة . فرد الله عليهم .
( أولا ) بهذه الآية : نبه بكونه أول متعبد ( بفتح الباء المشددة ) على أنه أفضل من غيره .
( ثانيا ) بقوله : " فيه آيات بينات مقام إبراهيم " أي وليس ذلك في بيت المقدس .
( ثالثا ) بقوله : " ومن دخله كان آمنا " أي وليس ذلك في بيت المقدس .
( رابعا ) بقوله : " ولله على الناس حج البيت " أي وليس ذلك في بيت المقدس . سمية بكة لازدحام الناس في الطواق يقال بك القوم ازدحموا .
( ج ) أم القرى : قال تعالى : " وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها " ( آية 92 – الأنعام ) يعني مكة. وخصت بالذكر لأنها أعظم القرى شأنا ولأن بها أول بيت وضع للناس ولكونها قبلة هذه الأمة ومحل حجهم . فالإنذار لأهلها مستتبع لإيذار أهل الأرض . والمراد بمن حولها جميع أهل الأرض .
( د ) البلد الأمين /: قال تعالى " وهذا البلد الأمين " يعني مكة وصفت بالأمين لأمان من دخلها قال تعالى : " أنا جعلنا حرما آمنا , يقال : أمن الرجل أمانة فهو أمين . ( وهي )" عاصمة الحجاز طولها من الشمال إلى الجنوب ثلاثة كيلو مترات وعرضها من الشرق إلى الغرب نصف ذلك ( وهي ) ببطن واد محاط بسور جبلي . ومداخلها أربعة : في الشمال الشرقي الطريق إلى منى , وفي الجنوب الطريق إلى اليمن وفي الشمال الغربي الطريق إلى وادي فاطمة . وفي الغرب الطريق إلى جدة ( وجبالها ) سليلتان : =
= ( أ ) شمالية تتكون من الفلج غربا ثم قعيقعان ثم جبل الهندي ثم جبل لعلع ثم جبل كدا ( بفتح الكاف والمد ) وهو في أعلى مكة . ومن جهته دخل النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وفي حجة الوداع . وبالقرب منه ذو طوى واد به آبار الزاهر . ونزل به النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وبات به ليلة الأحد لأربع خلون من ذي الحجة سنة عشر . وصلى به الصبح ثم اغتسل ودخل مكة .
( ب ) وجنوبية تتكون من جبل عمر غربا . ثم جبل كدى ( بضم أوله مقصورا ) ثم كدى ( مصغرا ) يميل إلى الجنوب ثم جبل أبي قبيس شرقي مكة ثم جبل خندمة ( وأهم ) شوارعها طريق يقطعها من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي يبتدئ من جرول أول الشيخ محمود مارا بباب العمرة ثم أمام التسكية المصرية ثم القشاشية إلى آخر مكة من جهة المعلى وعرض هذا الطريق بين ثمانية أمتار وعشرة وعشرين [ انظر رسم ص7 ص 200 ] .(1/209)
232 }
دخول مكة (1) إذا أراد المحرم دخول مكة طلب منه ثمانية أمور .
( 1 ) يسن له الغسل ولو حائضا أو نفساء عند غير المالكية أما هم فقد قاموا : لغيرا لحائض والنفساء وتقدم بيانه في الغسل لدخول مكة (2) .
( 2 ) ويستحب المبيت بذي طوى . لقول ابن عمر رضي الله عنهما : بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى حتى اصبح يدخل مكة وكان ابن عمر يفعله. أخرجه الشيخان { 233 }
( 3 ) ويستحب – عند الحنفيين – دخول مكة نهاراً . وهو الأصح عن الشافعي ,لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة نهاراً . أخرجه أحمد والترمذي .وقال هذا حديث حسن (3){234}
ولعل الحكمة في هذا إظهار الشعائر الدينية ولاسيما إذا كان الداخل ممن يقتدي به .وأما دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة ليلا في عمرة الجعرانة ,فلبيان الجواز .
( 4 ) ويستحب دخول مكة من الثنية العليا التي تشرق على الحجون (4) لقولا عائشة رضي الله عنها : لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها .أخرجه الشيخان وأبو داود والبيهقي والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح (5) { 235 }
(
__________
(1) ص 310 ج 1 – الدين الخالص طبعة ثانية .
(2) ص 281 ج 3 فتح الباري ( دخول مكة نهاراً أو ليلاً ) وص 5 ج 9 نووي مسلم ( المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة ... ) و ( ذو طوى ) مثلث الطاء , موضع في الشمال الغربي لمكة . به آبار الزاهر .
(3) ص 7 ج 12 – الفتح الرباني . وص 91 ج 2 تحفة الأحوذي ( دخوله صلى الله عليه وسلم مكة نهاراً ) .
(4) الحجون بفتح الحاء جبل بأعلى مكة مشرف على مقبرتها .
(5) انظر رقم 143 ص 200 ج 1 تكملة المنهل العذب ( دخول مكة ) وباقي المراجع بهامش 1 منه .(1/210)
والمختار ) أن دخول مكة من الثنية العليا مستحب لكل محرم يريد دخول مكة . وإن لم تكن الثنية في طريقه يعتدل إليها . والحكمة في مخالفة الطريق أنه صلى الله عليه ولم خرج من مكة مختفياً فأراد أن يدخلها ظاهرا غالبا . ( وقيل ) دخل من العليا تعظيما للمكان وخرج من السفلى لما فيه من فراقه .
( 5 ) ويسن لداخل مكة أن يحتفظ في دخوله من إيذاء الناس في الزحمة . ويتلطف بمن يزاحمه ويلحظ بقلبه جلال البقعة التي هو فيها والكعبة التي هو متوجه إليها , ويمهد عذر من زاحمه , ويدخل خاشع القلب خاضع الجوارح داعيا بما شاء ( وروى ) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخوله : اللهم البلد بلدك والبيت بيتك جئت أطلب رحمتك وأؤم طاعتك , متبعا لأمرك راضيا بقدرك مبلغا لأمرك . أسألك مسألة المضطر إليك , المشفق من عذابك , أن تتقبلني وأن تتجاوز عنب برحمتك , وأن تدخلني جنتك (1) .
( 6 ) ويستحب لداخل مكة أن يبدأ بالمسجد الحرام (2)
__________
(1) ص 7 ج 8 شرح المهذب .
(2) المسجد الحرام من عهد سيدنا إبراهيم إلى عهد النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وعهد الصديق رضي الله عنه , ليس له جدار يحيط به وكانت الدور محيطة به وكانت حدوده حدود المطاف الآن ( وقد ) زيد فيه عدة زيادات :
( أولاً ) في سنة 17 هـ اشترى عمر رضي الله عنه دورا من اهلها وسعه بها . وأبي بعضهم أن يأخذ الثمن وامتنع من البيع فوضع أثمانها عمر في خزانة الكعبة فأخذوها . وقال لهم إنما نزلتم على الكعبة فهو فناؤها ولم تنزل الكعبة عليكم . ثم جعل على المسجد جدار قصيرا دون القامة . .
( ثانياً ) في سنة 26 اشترى عثمان رضي الله عنه دورا واسه بها المسجد ( وقد أبى ) قوم البيع فهدم عليهم دورهم فصاحوا به فأمر بحبسهم حتى شفع فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فأخرجهم وجعل للمسجد أروقة ( وهي البواكي ) .
(
ثالثاً ) وفي سنة 64 هـ اشترى عبد الله بن الزبير دورا وسع بها المسجد من جانبيه الشرقي والجنوبي توسعة كبيرة .
( رابعاً ) وفي سنة 75 هـ حج عبد الملك ابن مروان فأمر برفع جدر المسجد وسقفه بالساج .
( خامسا ) ثم وسعه ابنه الوليد وسقفه بالساج المزخرف وأزره من داخله بالرخام وجعل له شرفا (*) .
( سادسا ) ثم أمر ابو جعفر المنصور زياد بن عبد الله الحارثي أمير مكة بتوسعة المسجد فوسعه في المحرم سنة 137 هـ من جانبيه الشمالي والغربي فزاده ضعف ما كان عليه .
( سابعا ) وفي سنة 140 هـ حج أبو جعفر المنصور ورأى حجارة حجر إسمماعيل بادية فأمر عاملة زياد بن عبد الله بتغطيتها بالرخام ليلا فنفذ أمره .
( ثامنا ) في سنة 161 هـ وسع المهدي بن المنصور المسجد من الجانب الجنوبي والجانب الغربي حتى صار على ما هو عليه اليوم ما عدا زيادة دار الندوة وزيادة باب إبراهيم الآتيتين . ونقل إليه اساطين الرخام من مصر وغيرها . وأنفق في ذلك أموالا طائلة .
( تاسعا ) في سنة 281 هـ أمر المعتضد العباسي أن يجعل ما بقى من دار الندوة – في الجهة الشمالية للمسجد – مسجدا يوصل بالمسجد الحرام فجعلت مسجداً به أساطين وأورقة مسقفة بالساج المزخرف . وفتح لها في جدار المسجد 12 اثنا عشر باب وجعل لها من الخارج ثلاثة أبواب . وتسمى زيادة دار الندوة . وطولها من الشمال إلى الجنوب 64 أربعة وستون ذراعا . وعرضها 70 سبعون ذراعا . وفي سنة 306 هـ وصلت هذه الزيادة بالمسجد وصولا أكمل من الأولى حتى صار من بها يرى الكعبة كلها .
( عشراً ) في سنة 376 هـ أمر جعفر المتقدر بالله أن يبني في الجهة الغربية من المسجد مسجد يوصل به فنفذ أمره . وتسمى هذه الزيادة زيادة باب إبراهيم وطولها ¾ 56 ذراعا . وعرضها 52 زراعاً .
( حادي عشر ) وفي سنة 979 هـ أمر السلطان سليم الثاني ( ** ) ببناء المسجد الحرام . على أكمل إتقان وأبدع نظام وأن يستبدل السقف بقباب دائرة بالأروقة ليؤمن من تآكل الخشب فكلف الوالي على مصر سنان باشا . فاختار هذا الأمير أحمد بك كتخدا ( اسكندر باشا ) والي مصر سابقا القيام بهذه المهمة فاستصحب معه كبير المهندسين بمصر المعلم محمد المصري فوصلا إلى مكة المكرمة في آخر ذي الحجة سنة 979 هـ وبدئ في العمل منتصف ربيع الأول سنة 980 هـ وفي اليوم السابع من رمضان سنة 982 هـ توفي السلطان سليم الثاني . ولما تولى ابنه مراد الثاني أمر باتمام العمل فورا فتم في آخر سنة 984 هـ فكان نزهة الناظر وبغية الخاطر . وبلغت نفقات هذه العمارة خمسة وخمسين ومائة ألف جنيه من الذهب غير ما وصل من مصر من مواد البناء . ثم حدثت عمارات ترميمية أمر بها ا لسلطان عبد المجيد بن محمود الثاني العثماني هذا والمسجد الحرام وسط مكة بالجنوب وفي وسطه الكعبة . وبالزيادات السابقة صار متوسط طوله الشمالي والجنوبي 195 متر ومتوسط عرضه شرقاً وغرباً 5/108 متر . فيكون مسطحه من الداخل 5/17902 متر مربعا ( أي أربعة أفدنة وربع فدان وسبعى قيراط ) أما من الخارج فمتوسط طوله 192 متر ومتوسسط عرضه 132 متر . فتكون المساحة خمسة وعشرين ألف وثلاثمائة وأربعة وأربعينن مترا مربعا ( أي ستة افدنة وأربعة أماس قيراط ) . =
= ( ثاني عشر ) وأخيرا اهتم الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود بمشروع توسعة المسجد الحرام فأصدر أمره الكريم بدراسة المشروع تمهيدا لتوسعة المسجد توسعة كاملة شاملة فشكلت لجان هندسية وضعت له المصورات " الخرائط " والتصميمات ورسمت الخطط لمراحل التنفيذ . وكان لابد لإيجاد التوسعة من إدخال الطريق القديم – الذي يخترق المسعى ويمر شرق الحرم – في العمارة الجديدة وتحويله إلى ما وراء الصفا خارج حدود التوسعة . وفي اليوم الأحد الرابع من ربيع الآخر سنة 1375 هـ ( 20 من نوفمبر 1955 م ) بدئ في العمل تمهيدا للتوسعة وفي يوم الخميس 23 من شعبان سنة 1375 هـ ( 5 من إبريل سنة 1956 م ) احتفل بوضع الحجر الأساسي لهذا المشروع العظيم . وقد تم الآن ما يأتي:
( 1 ) تحويل القسم الأكبر من طريق المسعى إلى الطريق الجديد " شارع الملك سعود " مارا خلف الصفا والقشاشية إلى أن يلتقي بالطريق الأول عند سوق الليل بمنطقة الغزة .
( 2 ) تم فيما بين الصفا والمروة بناء المسعى بطابقيه . وطوله من الداخل 394.5 متر وعرضه 20 مترا . وارتفاع الطابق الأول 12 مترا . والثاني 9 أمتار .
( 3 ) تم بناء درج ( * ) ( سلم ) دائري للصفا وآخر للمروة . روعى أن يكون أحد جانبيه للصعود والآخر للنزول .
( 4 ) أقيم في وسط المسعى حاجز مرتفع قليلاً . جعل المسعى قسمين أحدهما للذهاب من الصفا والآخر للإياب من المروة . وجعل للطابق الأول من المسعى ثمانية أبواب للدخول منها إلى المسجد . وجعل للطابق الثاني مدخلان خارج المسجد أحدهما عند الصفا والآخر عند المروة . كما جعل للطابق الثاني مصعد مدرج داخل المسجد عند باب السلام وآخر عند باب الصفا .
( 5 ) تم في الجانب الجنوبي من التوسعة بناء رواق ( بالكسر ككتاب وبالضم كغراب ) يمتد من غرب الصفا إلى ما يقابل باب إبراهيم مكون من طبقتين ارتفاع الأولى 10.5 نصف متر وعشرة أمتار . والثانية عشرة أمتار . وقد جعل بجانب باب أجياد ( * ) جزء من واجهة الطبقة الأولى سبيلا لسقيا الحجاج من ماء زمزم يصله الماء من البئر بالأنابيب . وفي نهاية واجهة هذه الطبقة أقيم مدخل واسع مكون من ثلاثة أبواب كبيرة أطلق عليها اسم " باب الملك سعود " .
( 6 ) ويجرى العمل الآن في إنشاء أقسام جديدة بجانب باب إبراهيم – في الجهة الغربية – وهي بداية الجناح الغربي لتوسعة المسجد الحرام .
وهاك بيان مساحة ما تم من التوسعة حتى الآن بالأمتار المربعة .
( أ ) عشرون ألف متر مربع مساحة المسعى بطابقيه .
( ب ) ثمانمائة وثمانية آلاف متر مربع . مساحة رواق أجياد للطابقين ( * ) .
( ج ) ثمانمائة وألفا متر مربع . مساحة السبيل والمصلى الملكي .
( د ) خمسمائة وأربعة آلاف متر مربع . مساحة باب سعود والسلالم الملحقة به .
( هـ ) ثمانمائة متر وأحد عشر ألف متر مربع مساحة السراديب " الدروم " أسفل رواق أجياد والسبيل وباب سعود .
( و ) خمسة وسبعون وأربعمائة متر وألفا متر مربع مساحة مجرى السبيل .
( ز ) مائتان وألف متر مربع . مساحة ما يزيد عند باب إبراهيم فتكون مساحة التوسعة السعودية 51575 خمسة وسبعين مترا وخمسمائة متر . وواحد وخمسين ألف متر مربع أي 16 س و 6 ط و 12 ف ستة عشر سهما وستة قراريط واثنا عشر فدانا . وهي ضعف مساحة المسجد قبل التوسعة . وهي 20 س 6 ف ( عشرون سهما وستة أفدنة ) فتكون مساحة المسجد بعد التوسعة 76919 أي تسعة عشر مترا وتسعمائة متر وستة وسبعين ألف متر مربع أي 12 س و 7 ط و 18 ف ( اثنى عشر سهما وسبعة قراريط وثمانية عشر فدانا ) وللمسجد خمسة وعشرون بابا . بالشمال ثمانية . وبالجنوب سبعة . وفي كل من الشرق والغرب خمسة أبواب ( انظر رسم 4 ص 130 ورسم 5 ص 131 )(1/211)
لقول عطاء : لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة لم يلو على شئ ولم يعرج ولا بلغنا أنه دخل بيتا ولا لهى بشيء حتى دخل المسجد فبدأ بالبيت فطاف به . أخرجه أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة { 236 }
( 7 ) ويستحب ان يدخل من الباب الشرقي الشمالي ( باب بني شيبة ) المعروف بباب السلام متواضعا خاشعا ملبيا , ملاحظا جلال المكان ملاطفا المزاحم مقدما رجله اليمنى قائلا : باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوني وافتح لي أبواب رحمتك , لقول ابن عمر رضي الله عنهما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلنا معه من دار بني عبد مناف وهو الذي تسميه الناس – باب ني شيبة – وخرجنا معه إلى المدينة من باب الحزورة وهو باب الخياطين . أخرجه الطبراني في الأوسط . وفيه مروان بن أبي مروان . فيه نظر وبقية رجاله رجال الصحيح . قال الهيثمي (1) { 237 }
( 8 ) ويسن للمفرد والقارن والبدء بطواف القدوم وللمتمتع البدء بطواف العمرة .
__________
(1) ص 238 ج 3 مجمع الزوائد ( الدخول إلى المسجد الحرام ... ) . و ( الخزورة ) بفتح فسكون ففتح , في الأصل اسم سوق في الجاهلية كانت غرب المسجد الحرام ودخلت فيه عند توسعته . و ( باب الخياطين ) يقال له الآن باب الوداع .(1/212)
دخول الكعبة – الكعبة هي البيت الحرام . قال الله تعالى : جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس (1) . (ويسن ) دخولها للحاج وغيره فيكبر في نواحيها ويصلى فيها , لقول ابن عمر رضي الله عنهم : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان ابن طلحة فأغلقوا عليهم فلما فتحوا أخبرني بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة بين العمودين اليمانيين . أخرجه الشيخان (2) { 238 }
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة وخرج مغفوراً له . اخرجه الطبراني في الكبير والبزار والبيهقي وقال : تفرد به عبد الله بن مؤمل وليس بقوى (3) { 239 }
هذا . ودخول الكعبة ليس من مناسك الحج عند الجمهور , لقول ابن عباس رضي الله عنهما : أيها الناس إن دخولكم البيت ليس من حجكم في شئ . أخرجه الحاكم بسند صحيح . { 71 }
(
__________
(1) آية 98 – المائدة والكعبة على شكل مربع تقريبا مبني بالحجارة الزرقاء . ارتفاعه خمسة عشر متراً وطول ضلعه الشمالي نحو 10 – أمتار . والغربي 12.15 متراً والجنوبي 10.25 أمتار . والشرقي 11.88 متراً . وفيه الباب مرتفع عن الأرض بنحو مترين . ويحيط بالكعبة من أسفلها بناء من الرخام يسمى الشاذروان ( انظر رسم 3 ص 105 ) .
(2) ص 301 ج 3 فتح الباري ( إغلاق البيت ويصلى في أي نواحيه .. ) وص 86 ج 9 نووي مسلم ( دخول الكعبة للحاج وغيره ... )
(3) ص 293 ج 3 مجمع الزوائد ( دخول الكعبة ) وص 158 ج 5 سنن البيهقي ( دخول البيت ) .(1/213)
وينبغي ) لداخل الكعبة أن يكون متواضعا خاشعاً خاضعا ، لقول عائشة رضي الله عنها : عجبا للمرء المسلم إذا دخل الكعبة كيف يرفع بصره قِبل السقف , يدع ذلك إجلالا لله تعالى وإعظاما . دخل رسول الله عليه الصلاة والسلام الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها . أخرجه البيهقي والحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (1) { 240 }
ويدخل حافيا فيصلى مقابل باب الكعبة على ثلاثة أذرع من الجدار المقابل للباب ( وإنما ) يستحب دخول الكعبة إذا لم يتضرر الداخل ولا يتضرر به أحد . فإن تأذى أو آذى لم يدخل . وهذا مما يخطئ فيه كثير من الناس فيتزاحمون زحاما شديدا بحيث يؤذي بعضهم بعضا . وربما انكشفت عورة بعضهم , أو زاحم المرأة وهي مكشوفة الوجه ولا مسها . وهذا خطأ شنيع . وكيف يحاول العاقل فعل سنة بارتكاب محرم من الأذى وغيره (2) .
الصلاة في حجر إسماعيل – الصلاة فيه كالصلاة في الكعبة « قالت » عائشة : يا رسول الله كل أهلك قد دخل البيت غيري . فقال أرسلي إلي شيبة فيفتح لك الباب فأرسلت إليه فقال شيبة : ما استطعنا فتحه في جاهلية ولا إسلام بليل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صلى في الحجر فإن قومك استقصروا عن بناء البيت حين بنوه . أخرجه أحمد بسند جيد (3) ... ... ... ... ... { 241 }
__________
(1) ص 158 ج 5 سنن البيهقي . وص 479 ج 1 مستدرك .
(2) ص 270 ج 8 شرح المهذب .
(3) ص 15 ج 13 – الفتح الرباني و " شيبة " بن عثمان بن أبي طلحة أسلم يوم الفتح وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة . و ( استقصروا ... ) أي لم يبنوا البيت على قواعد إبراهيم بل تركوا منه جزءا هو الحطيم .(1/214)
فيستحب الإكثار من دخول الحجر والصلاة فيه والدعاء , لأن بعضه من البيت . وقد سبق أن الدعاء مستجاب فيه . نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق . إلى هنا تم بيان شروط الحج وأركانه وواجباته وسننه . ولله المنة والحمد . وهاك جدولا يتبين منه حكم المناسك مرتبة حسب تأديتها عند الأئمة الأربعة رضي الله عنهم .
أحكام المناسك عند الأئمة
المناسك ... الحنفيين ... مالك ... الشافعي ... أحمد ... الصفحة
الحج ... فرض فورا أو على التراخي ... فرض فورا ... فرض على التراخي ... فرض فورا ... 20 و 21
الإحرام ( أي نية السنك) ... شرط ... ركن ... ركن ... ركن ... 43
التنظيف للإحرام بالغسل ونحوه ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة ... 44
التطيب له ... سنة أو مكروه بما يبقى أثره ... مكروه بما يبقى أثره ... سنة ... سنة ... 47
خضاب المرأة قبله ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
صلاة ركعتين قبله ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
كونه من الميقات المكاني ... واجب ... واجب ... واجب ... واجب
قرن الإحرام بالتلبية وما في معناها ... شرط ... واجب ... سنة ... سنة
الجهر بالتلبية للرجل ... سنة ... يسن التوسيط بها ... سنة ... لا يستحب إلا في مكة ومنى وعرفة
الغسل لدخول مكة ... سنة ... سنة لغير حائض ... سنة ... سنة
دخولها نهاراً من الحجون ... مستحب ... مستحب ... مستحب ... مستحب
البدء بالمسجد الحرام ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
دخوله من باب السلام ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
طواف القدوم ... سنة ... واجب ... سنة ... سنة ... و 149
صلاة ركعتين بعده ... واجب ... واجب أو سنة ... سنة ... سنة ... و 149
البدء به للمفرد والقارن وبطواف العمرة للمتمتع النية في طواف الوداع ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
النية في طواف الوداع والتطوع ... شرط ... شرط ... شرط ... شرط
النية في طواف الإفاضة والعمرة والقدوم ... لا تشترط ... لا تشترط ... لا تشترط ... لا تشترط
بدء الطواف من الحجر الأسود جاعلا البيت عن يساره ... واجب ... شرط ... شرط ... شرط
كون الطواف سبعة أشواط ... ركن و 3 واجب ... شرط ... شرط ... شرط ... و 104
الطهارة فيه من الحدث ... واجب ... شرط ... شرط ... شرط ... و 102
الطهارة من الخبث ... سنة مؤكدة ... شرط ... شرط ... شرط ... و 102
ستر العورة في الطواف ... واجب ... شرط ... شرط ... شرط
كونه في المسجد الحرام ... شرط ... شرط ... شرط ... شرط(1/215)
كونه وراء حجر إسماعيل ... واجب ... شرط ... شرط ... شرط ... و 105
موالاته بلا عذر ... سنة ... شرط ... سنة ... سنة
المشي فيه لغير عذر ... واجب ... واجب ... شرط ... شرط
الاضطباع فيه ... سنة ... لا يستحب ... سنة ... سنة ... و 112
الرمل في الأشواط الثلاثة الأول ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
استقبال الحجر الأسود مهللا مكبرا ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
رفع اليدين عند استلامه ... سنة ... لا يستحب ... سنة ... سنة
استلامه بوضع اليدين عليه وتقبيله ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
وضع الخد عليه ... سنة ... بدعة ... سنة ... سنة
الدعاء عند استلامه ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
استلام الركن اليماني حال الطواف ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
الدعاء والذكر في الطواف ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
قراءة القرآن فيه ... لا بأس ... مكروه ... لا بأس ... لا بأس أو مكروه
قرب الطائف من الكعبة خاشعا بعد صلاة القلب ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
الدعاء بعد صلاة الطواف خلف المقام ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
الشرب من زمزم مكثراً مستقبلا داعيا ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
الخروج للسعي من باب الصفا ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط ... واجب ... ركن ... ركن ... واجب
كونه بعد طواف وبدؤه بالصفا وختمه بالمروة ... واجب ... شرط ... شرط ... شرط ... و 133
كونه في المسعى ... شرط ... شرط ... شرط ... شرط
موالاته بعد تفريق كثير ... سنة ... شرط ... سنة ... سنة أو شرط
الموالاة بين السعي والطواف ... سنة ... سنة ... يجب عدم الفصل بالوقوف بعرفة ... سنة
المشي في السعي لغير عذر ... واجب ... واجب ... سنة ... سنة ... و 135
تقديمه على الوقوف بعرفة ممن طلب منه طواف القدوم ... سنة ... واجب ... جائز ... واجب
تأخيره عن طواف الركن لمن لم يطلب طواف القدوم ... سنة ... واجب ... جائز ... واجب
الصعود على الصفا والمروة والدعاء عليهما ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
الرمل في السعي بين الميلين والمشي على مهل في غيره ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
الذكر والدعاء فيه والطهارة لاه وستر العورة ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة ... , 138
الاضطباع في السعي ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
خطبة الإمام بمكة بعد ظهر سابع ذي الحجة ... سنة ... سنة ... سنة ... لا يسن
إحرام المتمتع بالحج يوم التروية ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
الخروج من مكة إلى منى بعد شمس يوم التروية ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة ... و 179(1/216)
البيان بمنى ليلة عرفة ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة ... و 180
الخروج من منى إلى عرفة بعد شمس يومها داعيا ملبيا مكبرا نازلا بمنى قبل الزوال ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
خطبة عرفة بعد الزوال ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم يومها ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
أقصر الرباعية بعرفة ومزدلفة للحج أم للسفر؟ ... واجب للسفر ... سنة للحج ... سنة للسفر ... سنة للسفر ... , 191
الوقوف بعرفة من زوال يومه أم من طلوع فجره ؟ ... ركن من الزوال ... ركن من الزوال ... ركن من الزوال ... ركن من الفجر ... و 95
الغسل للوقوف بعرفة ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة ... و 95
الوقوف راكبا عند الصخرات مستقبلا مهللا مكبراً ملبياً داعياً مصلياً على النبي صلى الله عليه وسلم ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
مد الوقوف بعرفة إلى الليل لمن وقف نهارا ... واجب ... واجب ... سنة ... واجب
الإفاضة من عرفة بعد الغروب ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
إكثار الذكر والتلبية حال الإفاضة ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
النزول بمزدلفة قرب جبل قزح والدعاء لدخولها ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
الجمع بين المغرب والعشاء بها ... ولجب ... سنة ... سنة ... سنة
المبيت بها ليلة النحر ... سنة ... سنة ... واجب ساعة في النصف الثاني ... واجب
الوقوف بها بعد طولع فجر يوم النحر وقبل شروق الشمس ... واجب ... سنة ... سنة أو واجب ... واجب ... و 153
الغسل للوقوف بها بعد نصف الليل ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
كون الوقوف بالمشعر الحرام مستقبلا داعيا ذاكراً ملبيا ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
النزول إلى منى بعد الإسفار ... سنة ... ينزل قبله ... سنة ... سنة ... , 156
الإسراع بوادي محسر ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
أخذ حصى الرمي من مزدلفة أو من غير موضع الرمي ... مستحب ... مستحب ... مستحب ... مستحب
رمي جمرة العقبة يوم النحر بسبع حصيات بعد طلوع الشمس ... واجب ... واجب ... واجب ... واجب ... و 159
كونه من طلوع الشمس إلى الزوال ... مستحب ... مستحب ... مستحب ... مستحب
التكبير مع كل حصاة ... مستحب ... مستحب ... مستحب ... مستحب
عدم الوقوف بعد رمي جمرة العقبة ... مستحب ... مستحب ... مستحب ... مستحب
خطبة الإمام يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة ... لا خطبة ... لا خطبة ... سنة ... سنة(1/217)
الذبح لغير المفرد بعد رمي جمرة العقبة ... واجب ... واجب ... واجب ... واجب
الحلق أو التقصير ... واجب ... واجب ... ركن ... واجب
كونه في الحرم ... واجب ... واجب ... واجب ... واجب
كونه في أيام النحر ... واجب أو سنة ... واجب ... سنة ... سنة أو واجب
كون الذبج والحلق قبل زوال يوم النحر ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
النزول إلى مكة لطواف الركن يوم النحر ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
تأديته في أيام النحر ... واجب ... وجب يوم النحر أو في يوم بعده من ذي الحجة ... سنة ... سنة
البيان بمنى ليالي الرمي ... سنة ... واجب ... واجب ... واجب ... , 175
الترتيب بين رمي جمرة العقبة والذبح والحلق ... واجب أو سنة ... يجب تأخير الحلق والإفاضة للطواف عن الرمي ... سنة ... سنة ... , 177
رمي الجمار الثلاث يوم 11 و 12 بعد الزوال ... واجب ... واجب ... واجب ... واجب ... و 161
البدء برمي الصغرى ثم الوسطى ثم العقبة ... واجب أو سنة ... شرط ... شرط ... شرط
الوقوف بعد رمي الصغرى والوسطى داعيا مستقبلا ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
خطبة الإمام بعد ظهر 11 و 12 ... مستحبة في يوم 11 ... مستحبة في 11 ... مستحبة في 12 ... مستحبة في 12
التعجيل بالنزول إلى مكة قبل غروب شمس يوم 12 عند الثلاثة وقبل فجر يوم 13 عند الحنفيين ... مباح ... مباح ... مباح ... مباح ... و 173
رمي الجمار الثلاث المن لم يتعجل بعد زوال يوم 13 ... واجب ... واجب ... واجب ... واجب ... , 168
نزول من نفر من منى إلى مكة بالمحصب وصلاته به الظهر إلى العشاء وهجوعه ليلة 13 , 14 ... سنة ... سنة لغير المتعجل في غير يوم جمعة ... سنة ... سنة
طواف الوداع لغير المكي والحائض ... واجب ... سنة ... واجب ... واجب ... , 123
صلاة ركعتين بعده ... واجب ... سنة ... سنة ... سنة
استلام الحجر الأسود بعدهما ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
الشرب من زمزم مكثراً مستقبلاً ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
الوقوف الملتزم والدعاء عنده ... سنة ... سنة ... سنة ... سنة
حج النبى صلى الله عليه وسلم(1/218)
حج النبى صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج : حجتين قبل الهجرة وحجة بعدها سنة عشر . وتسمى حجة الوداع , لأنه صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها وقال " لتأخذوا مناسككم فإنى لا أدرى لعلى لا أحج بعد حجتى هذه " (1)
( وهذه ) هى المقصودة بالبيان ( وهناك ) أجمع حديث فيها " روى " جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر قال : قلت لجابر بن عبد الله أخبرنى عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن النبى صلى الله عليه وسلم مكث بالمدينة تسع سنين لم يحج . ثم أذن فى الناس فى العاشرة (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم بالنى صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبى بكر فأرسلت إلى النبى صلى الله عليه وسلم كيف أصنع ؟ قال اغتسلى واستثفرى بثوب وأحرمى . فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به فاتقه على البيداء نظرت إلى مد بصرى (3) بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك . ورسول الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله وما عمل به من شئ علمنا به فأهل بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك .
__________
(1) تقدم رقم 157 ص 122 ( أنواع الطواف ) .
(2) ثم أذن مبني للمفعول أي نادى مناد بإذن النبي صلى الله عليه وسلم أو مبني للفاعل ’ أي أعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم الناس بنفسه ليتأهبوا للحج معه ويتعلموا منه .
(3) استشفري ) بمثلثة أو بذال معجمة قبل الفاء , من الاستشفار . وهو أن تشد على وسطها شيئاً وتجعل خرقة عريضة على موضع الدم وتشدها من أمام ومن خلف فيما شد على وسطها ( والبيداء ) موضع بين مكة والمدينة ( ومد البصر بشد الدال منتهاه ويقال : مدى كفتى .(1/219)
إن الحمد والنعمة لك والملك . لا شريك لك . وأهل الناس بهذا الذى يهلون به اليوم (1) فلم يرد صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه . ولزم تلبيته . قال جابر : لسنا فنوى إلا الحج , لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا . ثم تقدم إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى . فجعل المقام بيته وبين البيت . قال جعفر بن محمد : فكان أبى يقول : ولا أعلمه ذكره ( يعنى قراءة السورتين ) إلا عن النبى صلى الله عليه وسلم . كان يقرأ فى الركعتين قل هو الله أحد وقل يأيها الكافرون (2) . ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا . فلما دنا من الصفا قرأ : إن الصفا والمروة من شعائر الله . أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة . فوحد الله وكبره وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير . لا إله إلا الله وحده أنجز وعده . ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده (3) ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات .
__________
(1) وأهل الناس بهذا .. ) يمنى ما يزاد في التلبية " كقول " عمر : لبيك ذا النعماء والفضل الحسن . لبيك مرهوباً منك ومرغوبا إليك " وقول " ابن عمر : لبيك وسعدك والخير بيدك والرغباء إليك والعمل " وقول " أنس : لبيك حقا تعبدا ورفا .
(2) يعني أنه قرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة قل يع أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد .
(3) وهزم الأحزاب وحده ) أي هزمهم بلا قتال ولا سبب من الناس " والأحزاب " من تحزبوا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق في شوال .(1/220)
ثم نزل إلى المروة فمشى حتى إذا انصبت قدماه فى بطن الوادى , سعى حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل عليها مثل ما فعل على الصفا , حتى إذا كان آخر طوافه على المروة قال : لو أتى استقبلت من أمرى ما استدبرت (1) لم أسبق الهدى ولجعلتها عمرة . فمن كان منكم ليس معه هدى فليجعل وليجعلها عمرة . فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبى صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى . فقام سراقة ابن مالك فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة فى الأخرى وقال : دخلت العمرة فى الحج هكذا مرتين , لا بل لأبد أبد . وقدم على من اليمن ببدن النبى صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة رضى الله عنها ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها وقال : من أمرك بهذا ؟ فقالت : أبى أمرنى بهذا . فكان على يقول بالعراق : فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا * على فاطمة للذى صنعت مستفتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه فأخبرته أنكرت ذلك عليها فقالت : إن أبى أمرنى بهذا فقال : صدقت صدقت . ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ قال : قلت اللهم إنى أهل بما أهل به رسولك . قال : فإن معى الهدى فلا تحل . وكان جماعة الهدى الذى قدم به على من اليمن والذى أتى النبى صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة . فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى وأهلوا بالحج وركب النبى صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر . ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقية من شعر تضرب له بنمرة . فسار النبى صلى الله عليه وسلم ولا تشل قريش أنه وافق عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع فى الجاهلية .
__________
(1) الظن ) بضم الظاء والعين وتسكن , جمع ظعينة كسفينة . وهي في الأصل البعير عليه امرأة وتسمى به المرأة مجازا .(1/221)
فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس ( وذكر ما تقدم في خطبة يوم عرفة ) (1) ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر . ولم يصل بينهما شيئا . ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة (2) بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس . وذهبت الصفرة قليلا . حين غاب القرص وأردف أسامة خلفه ودفع صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى عن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة لسكينة كما أني حبلا من الحبال (3) أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا . ثم اضطجع صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة . ثم ركب القصواء حتى اتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فحمد الله وكبره وهلله ووحده ودعاه . فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ثم دفع قبل أن تطالع الشمس وأردف الفضل بن العباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما . فلما دفع النبي صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين (4)
__________
(1) بضعة , كتمرة : القطعة .
(2) انظر رقم 177 ص 2 ج 2 تكملة المنهل العذب ( صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم ) وباقي المراجع بهامش 3 ص 33 منه .
(3) البقرة : 196 .
(4) ص 48 ج 11 – الفتح الرباني . وص 121 ج 2 سنن ابن ماجة ( العمرة في رمضان ) والمراد من الحديث بيان فضل العمرة في رمضان وأن ثوابها كثواب حجة ولكنها لا تسقط الحج المعروض بل تقوم مقام حجة تطوع ..(1/222)
فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر فحول النبي صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى اتى بطن محسر فخزك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى اتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات – يكبر مع كل حصاة منها – مثل حصى الخذف يرمي من بطن الوادي , ثم انصرف إلى المنحر فنحر بيده ثلاثا وستين بدنة ثم أمر عليا فنحر ما غبر وأشركه في هدية ثم أمر كل من بدنة ببضعة (1) فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها . ثم ركب صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر ثم أتى بني عبد المطلب وهو يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب . فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلواً فشرب منه . أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة (2) ... ... ... { 242 }
وهذا حديث عظيم الفوائد مشتمل على جمل من نفائس القواعد . هو السراج الوهاج الذي يستضئ به الناسك في أعماله ويسترشد به في أحواله . وهو مرجع العلماء في الاستدلال به على ما يذكرون من الأحكام ويستلهمون منه ما يعز عليهم من الأفهام . وهاك رسما تقريبيا لطريق النبي صلى الله عليه وسلم في حجته .
(يوجد رسمة)
المقصد السادس في العمرة
هي لغة مأخوذة من الاعتمار , وهو الزيارة . وشرعا زيارة الكعبة على وجه مخصوص مع الطواف والسعي بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير .
(
__________
(1) ص 58 ج 11 الفتح الرباني . وص 349 ج 4 سنن البيهقي ( العمرة تطوع ) وص 253 سنن الدار قطني . وص 113 ج 2 تحفة الأحوذي ( في العمرة أواجبة أم لا ؟).
(2) انظر 350 ج 4 الجوهر النقي .(1/223)
وهي ) مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة . قال الله تعالى : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلِه (1) } وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : عمرة في رمضان تعدل حجة . أخرجه أحمد وابن ماجة (2) ... ... ... ... ... ... { 243 }
وقد أجمع العلماء على مشروعية العمرة لكنهم اختلفوا في حكمها . فقال مالك : هي سنة مؤكدة وهو الصحيح عند الحنفيين , لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أوااجبه هي ؟ قال : لا وأن يعتمروا هو أفضل . أخرجه أحمد والبيهقي والدارقطني والترمذي وهذا لفظه , وقال : هذا حديث حسن صحيح , وفيه الحجاج بن أرطاة تكلم فيه وقد وثق(3) { 244 }
وقد ورد في هذا عدة أحاديث يقوي بعضها بعضا . ومشهور مذهب الشافعي وأحمد أن العمرة فرض مستدلين :-
( أ ) بقوله تعالى : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله } ( قالوا ) الأمر للوجوب وقد عطفت العمرة على الحج وهو فرض فهي كذلك ( ورد ) بأن المأمور به في الآية الإتمام بعد المشروع . وكلامنا فيما قبل الشروع . وقد أجمعوا على أن من دخل في حجة أو عمرة يجب عليه الإتمام(4) ويؤيد ذلك « اقتصار » النبي صلى الله عليه وسلم على الحج في حديث : بني الإسلام على خمس « وعدم » ذكر العمرة في قوله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ } (5) .
(
__________
(1) سورة البقرة ، الآية 196 .
(2) انظر ص 48 ج11 الفتح الربانى ، وص 121 ج2 سنن ابن ماجه ( العمرة فى رمضان ) والمراد من الحديث بيان فضل العمرة فى رمضان وأن ثوابها فيه كثواب حجة ، ولكنها لا تسقط المفروض ، بل تقوم مقام حجة تطوع .
(3) انظر ص 58 ج11 الفتح الربانى ، وص 349 ج4 سنن البيهقى ( العمرة تطوع ) وص 253 سنن الدار قطنى ، وص 113 ج تحفة الأحوذى ( فى العمرة أواجبة أم لا ؟ ) .
(4) انظر ص 250 ج4 الجوهر النقى .
(5) سورة آل عمران ، الآية 97 .(1/224)
ب ) وبحديث أبي رزين العقبلى أنه قال : يا رسول الله ، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن قال : احجج عن أبيك واعتمر . أخرجه الأربعة والبيهقي بأسانيد صحيحة , وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح (1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 245 }
( قال البيهقي ) قال مسلم بن الحجاج : سمعت أحمد بن حنبل يقول لا اعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ولا أصح منه ( ورد ) بأنه لا دلالة فيه على وجوب العمرة , لأنه أمر الولد أن يحج عن أبيه ويعتمر ولا يجبان على الولد عن أبيه إجماعا .
( ومنه ) تعلم أن الراجح أن العمرة سنة . وهو الحق لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلا بدليل يثبت به التكليف ولا دليل يصلح لذلك . ثم الكلام ينحصر في ثمانية مباحث :
( 1 ) فضل العمرة – للعمرة فضل عظيم وثواب جزيل خصوصا في رمضان ,لما تقدم عن ابن عباس(2) ولحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة . أخرجه السبعة إلا أبا داود وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح(3) ... { 246 }
«
__________
(1) انظر رقم 87 ص 106 ج1 تكملة المنهل العذب ( الرجل يحج عن غيره ) وباقى المراجع بهامش 2 ص 107 منه . والظعن بفتح فسكون ، من ظعن من باب نفع ، أى لا يستطيع السير ولا الركوب على الدابة .
(2) تقدم رقم 243 ص 221 .
(3) انظر ص 9 ج11 الفتح الربانى ، وص 387 فتح البارى ( وجوب العمرة وفضلها ) وص 117 ج9 نووى مسلم ( الحج والعمرة ) وص 4 ج2 مجتبى ( فضل العمرة ) وص 108 ج2 سنن ابن ماجه ( فضل الحج والعمرة ) وص 115 ج2 تحفة الأحوذى ( فى ذكر فضل العمرة ) .(1/225)
وعن » ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد والذهب والفضة . وليس للحج المبرور ثواب دون الجنة . أخرجه النسائى (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 247 }
( 2 ) وقت العمرة : وقتها جميع السنة لكنها تكره تحريما عند أبى حنيفة فى خمسة أيام : يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة , لقول ابن عباس رضى الله عنهما : خمسة أيام يوم عرفة ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق اعتمر قبلها أو بعدها ما شئت . أخرجه ابن دقيق العيد في كتاب الإمام(2) { 72 }
( وقال ) أبو يوسف : تكره في أربعة أيام يوم عرفة وثلاثة أيام بعده , لقول عائشة رضي الله عنها : حلت العمرة في السنة كلها , إلا أربعة أيام : يوم عرفة ويوم النحر ويومان بعد ذلك . أخرجه البيهقي (3) { 73 }
( وقال ) مالك والشافعي وأحمد والجمهور : تجوز العمرة بلا كراهة في جميع أيام السنة قبل الحج وبعده , لقول عكرمة بن خالد سألت عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن العمرة قبل الحج فقال : لا بأس على أحد أن يعتمر قبل الحج , فقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج . أخرجه أحمد والبخاري والبيهقي وهذا لفظه وأبو داود(4) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 248 }
(
__________
(1) انظر ص 4 ج2 مجتبى ( فضل المتابعة بين الحج والعمرة ) .
(2) انظر ص 147 ج3 نصب الراية .
(3) انظر ص 346 ج4 سنن البيهقى ( العمرة فى أشهر الحج ) .
(4) انظر رقم 249 ص 152 ج2 تكملة المنهل العذب ( العمرة ) وباقى المراجع بهامش 3 ص 153 منه .(1/226)
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عائشة رضي الله عنها حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطوف بالبيت فلما طهرت وطافت قالت : يا رسول الله أتنطلقون بحج وعمرة وأنطلق بالحج ؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم , فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة . أخرجه أحمد والبخاري (1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 249 }
( فهذان ) يدلان على جواز تأدية العمرة في أي يوم من أيام السنة ولو في أشهر الحج ( وأفضل ) أوقاتها رمضان لما تقدم عن ابن عباس(2) ( وروى ) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار : ما منعك أن تحجي معنا ؟ قالت : كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه لزوجها وابنها وترك لنا ناضحا تنضح عليه قال: فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة . أخرجه الشيخان (3) { 250 }
وهذا لغير النبي صلى الله عليه وسلم . وأما هو فإنه لم يعتمر إلا في أشهر الحج . وهو في حقه أفضل , لأنه فعله للرد على أهل الجاهلية الذين كانوا يمنعون من الاعتمار في أشهرا لحج « وما روي » أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب « أنكرته » عائشة رضي الله عنها . قال عروة : سئل ابن عمر في أي شئ اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : في رجب . فقالت عائشة : ما اعتمر صلى الله عليه وسلم في رجب قط وما اعتمر إلا وهو معه , تعني ابن عمر . أخرجه ابن ماجة(4) { 74 }
«
__________
(1) انظر ص 52 ج11 الفتح الربانى ، وص 394 ج3 فتح البارى ( عمرة التنعيم ) و ( أتنطلقون .. ) تعنى أنهم يرجعون بحج وعمرة منفردين، وترجع هى بحج مقرون بعمرة .
(2) تقدم رقم 243 ص 221 .
(3) انظر ص 390 ج3 فتح البارى ( عمرة فى رمضان ) وص 2 ج9 نووى مسلم ( فضل العمرة فى رمضان ) و ( تعدل حجة ) وفى رواية لمسلم : تقضى حجة أو حجة معى : أى تقوم مقامها فى الثواب لا أنها تسقط الحج المفروض .
(4) انظر ص 121 ج2 سنن ابن ماجه ( العمرة فى رجب ) .(1/227)
وقال » عروة بن الزبير : كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة فقلت يا أبا عبد الرحمن أعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب ؟ قال : نعم فقلت لعائشة أي أمتاه : ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن ؟ قالت : وما يقوى ؟ قلت يقول : اعتمر النبى صلى الله عليه وسلم فى رجب فقالت يغفر الله لأبى عبد الرحمن لعمرى ما اعتمر فى رجب وما اعتمر من عمرة إلا وإنه لمعه . قال : وابن عمر يسمع فما قال : لا ولا نعم سكت. أخرجه الشيخان . وهذا لفظ مسلم (1) { 75 }
ومنه تعلم أنه ليس للاعتمار فى رجب فضل خاص يؤيد ما اعتاده الناس من الاعتمار فيه ، وأولى بهم أن يعنوا بالاعتمار فى رمضان لما علمت أن فيه فضلا عظيما وثواباً جزيلاً .
3- تكرير العمرة : يسن – عند الحنفيين والشافعى وأحمد والجمهور تكرير العمرة فى السنة، لقول نافع : اعتمر عبد الله بن عمر أعواماً فى عهد ابن الزبير عمرتين فى كل عام . أخرجه الشافعى والبيهقى(2) . { 76 }
... ( روى ) صدقة بن يسار عن القاسم بن محمد أن عائشة اعتمرت فى سنة ثلاث مرات ، قال صدقة : قلت: هل عاب ذلك عليها أحد ؟ قال : سبحان الله أم المؤمنين . أخرجه الشافع والبيهقى(3) .{77}
... ( وقال ) مالك : يكره تكرير العمرة فى السنة ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكررها فى عام ( ورد ) بأن المندوب لا ينحصر فى فعله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان يترك الشئ وهو يستحب فعله لدفع المشقة عن أمته، وقد رغب صلى الله عليه وسلم فى العمرة بقوله : فثبت الاستحباب من غير تقييد ، ولذا خالف مالكاً مطرف وطائفة من أتباعه .
__________
(1) انظر ص 388 ج3 فتح البارى ( كم اعتمر النبى صلى الله عليه وسلم ) وص 236 ج8 نووى مسلم ( عدد عمر النبى صلى الله عليه وسلم ).
(2) انظر ص 292 ج1 بدائع المنن ، وص 344 ج4 سنن البيهقى ( من اعتمر فى السنة مراراً ) .
(3) انظر ص 292 ج1 بدائع المنن ، وص 344 ج4 سنن البيهقى .(1/228)
... 4- مواقيت العمرة هى : ( أ ) لمن كان خارج المواقيت ؛ مواقيت الحج المتقدمة(1) ، فلا يحل لمريد العمرة مجاوزتها بلا إحرام ، لقول زهير ابن معاوية : حدثنى زيد بن جبير أنه أتى عبد الله بن عمر فسألته : من أين يجوز أن أعتمر ؟ قال : فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرنا ، ولأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة . أخرجه البخارى(2) . ... ... ... ... ... ... ... { 251 }
... ( ب ) أما من كان داخل المواقيت ، فميقاته فى العمرة الحل ولو كان بالحرم ، لحديث الأسود أن عائشة رضى الله عنها : قالت : رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسكٍ ؟ فقيل لها : انتظرى فغذا طهرت فاخرجى إلى التنعيم فأهلى ثم ائتينا بمكان كذا ، ولكنها عل قدر نفقتك أو نصبك ، أخرجه البخارى(3) . { 252 }
... 5- شروط العمر : يشترط لصحتها شرطان :
... ( الأول ) الإحرام عند الحنفيين ، وهو النية مع التلبية أو ما يقوم مقامها ( وقال ) غيرهم : الإحرام ركن .
... ( الثانى ) عدم الجماع فى أحد سبيلى آدمى حى مشتهى قبل أن يطوف أكثر طواف العمرة ، فإن ذلك يفسدها كما سيأتى إن شاء الله تعالى .
... 6- أركان العمرة : لها خمسة أركان :
__________
(1) انظر ص 49 ( أماكن الإحرام ) .
(2) انظر ص 246 ج3 فتح البارى ( مواقيت الحج والعمرة ) ( فسألته ) فيه التفات .
(3) انظر ص396 ج3 فتح البارى ( أجر العمرة على قدر النصب ) .(1/229)
... ( الأول ) الإحرام على ما تقدم . ( الثانى ) الطواف بالبيت سبعة أشواط على ما تقدم بيانه فى طواف الركن (1). ( الثالث ) السعى بين الصفا والمروة سبعاً . وهو ركن عند مالك والشافعى وأحمد . وواجب عند الحنفيين على ما تقدم بيانه فى سعى الحج (2). ( ودليل ) ذلك قول عبد الله ابن أبى أوفى : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمرنا معه ، فلما دخل مكة طاف وطفنا معه وأتى الصفا والمروة وأتيناهما معه ( الحديث ) أخرجه البخارى وأخرج أحمد نحوه . وفيه : وصلى وصلينا معه وسعى بين الصفا والمروة (3). ... { 253 }
... ( الرابع ) الحلق أو التقصير كما فى الحج . وهو ركن عند الشافعية وواجب عند غيرهم ، لما روى ابن عباس عن معاوية رضى الله عنهم أنه قصر عن النبى صلى الله عليه وسلم فى عمرة على المروة . أخرجه النسائى(4) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 254 }
... ( الخامس ) الترتيب بين الأركان كما فعلها النبى صلى الله عليه وسلم . وهو ركن عند الشافعية ، وواجب عند غيرهم .
... 7- واجبات العمرة وسننها : يجب ويسن للعمرة ما يجب ويسن للحج من الإحرام إلى السعى ( وعلى الجملة ) فهى كالحج ، غير أنها تحالفه فى أنها ليست متفقاً على فرضيتها ، وليس لها وقت معين ولا وقوف فيها بعرفة ولا مزدلفة ، ولا رمى فيها ولا خطب ولا طواف قدوم ولا وداع ، وأنها ميقاتها الحل ولو لمن فى الحرم .
__________
(1) تقدم من ص 100 إلى 121 .
(2) تقدم من ص 129 إلى 142 .
(3) انظر ص 399 ج3 فتح البارى ( متى يحل المعتمر ) وص 67 ج11 الفتح الربانى .
(4) انظر ص 43 ج2 مجتبى ( أين يقصر المعتمر ؟ ) و ( فى عمرة ) يعنى عمرة الجعرانة .(1/230)
... ( تنبيه ) علم أن ركن العمرة عند الحنفيين أكثر الطواف وهو أربعة أشواط ، وواجبها باقى الطواف والسعى والحلق أو التقصير ، وكون الإحرام من الميقات إن كان خارج المواقيت ، ومن الحل إن كان داخلها (وركنها) عند المالكية والحنبلية : الإحرام والطواف بالبيت والسعى بين الصفا والمروة ، وواجبها كون الإحرام من الميقات والحلق أو التقصير ( وعند ) الشافعية أركانها خمسة : الإحرام والطواف ولاسعى بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير والترتيب بين الأركان . وواجبها كون الإحرام من الميقات لمن كان خارج المواقيت ومن الحل لمن كان داخلها .
8- اعتماد النبي صلى الله عليه وسلم
اعْتَمَرَ النبيُّ صلي الله عليه وسلم أَربَعَ عُمَرِ في سِنين مختلفة بعد الهجرة ( قال ) ابن عباس رضى الله عنهما : اعْتَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَربع عُمَر: عُمرة الحديبية ، وعُمرة القضاءِ ، والثالثة من الْجِعْرَانة ، والرابعة التي مع حجَّتِه .أَخرجه أَحمد والترمذي وأَبو داود وابن ماجد والدار مي بسند رجاله ثقات (1). ... { 255 }
وهناك بيانها :
__________
(1) انظر رقم 256 ص 163 ج2 تكملة المنهل العذب ( العمرة ) وباقى المراجع بهامش 3 ص 165 منه .(1/231)
1- عُمرة الحديبية (1) : كانت في ذِي القعدة سنة سِت من الهجرة ( إِبريل سنة 628م ) خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المدينة يوم الاثنين غُرَّة ذِي القعدة في أَربعمائة وأَلْفٍ من أَصحابه قاصِدين مكة للاعتمار ، فأَحرموا بالعمرة من ذِي الْحُلَيْفَة وساقَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعينِ بَدَنَةَ هَدْياُ للحَرَم ، وساق أَصحابه سبعمائة ، فلمَّا وَصَلُوا إِلي الحديبية أَرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم خِرَاشَ بنَ أُمية الخزاعي إِلي قريش بمكة راكباً جَمَل النبي صلى الله عليه وسلم ليُبَلِّغَهم أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأَصحابَهُ إِنما جاءُوا مُعْتَمِرين لا مُحَارِبِين ، فلمَّا أَخْبرهم الخبر عَقَرُوا الجمل ، وأَرَادُوا قَتْلَ خِرَاشٍ فَمَنَعَهُمْ . الأَحَابيش(2) فأَتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأَخبره الخبر ، فَدَعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه إلى مكة ، فاعْتذر وأَشَارَ بإِرسال عُثمان بن عَفَّان رضي الله عنه ، فبعَثَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ومعه كِتَاب ، وأَمَرَه أَنْ يُبَشِّرَ المستضعفين بمكة بالفتح قريباً . فخرج عُثمان إَلى مكة فوجد قُرَيشاً قد اتفقوا علي مَنْع النبي صلي الله عليه وسلم من دُخُول مكة.
__________
(1) الحديبية بالتصغير وتخفيف الياء الثانية وتشدد : قرية على مرحلة من مكة ، وتسعة مراحل من المدينة ، سميت باسم بئر ، أو شجرة حدباء (وهى) من الخرم ( وقيل ) بعضها فى الحل وبعضها فى الحرم .
(2) الأحابيش الجموع وهم حلفاء قريش : بنو الهون بن خزيمة وبنو الحارث بن عبد مناة وبنو المصطلق من خزاعة ، وتحالفوا تحت حبشى (بضم فسكون : جبل بأسفل مكة) فسموا بذلك .(1/232)
وأَجارَهُ أَبانُ بن سعيد بن العاصِي حتى بلَّغ رسالةَ النبيّ صلي الله علية وسلم وقرأَ عليهم الكِتَاب ، فَصَمَّمُوا على أَن النبي صلى الله عليه وسلم وأَصحابه لا يَدْخُلُونها هذا العام ، وقالوا لعثمان رضى الله عنه : إِنْ ِشئْتَ أَن تطوف بالبيت فَطُفْ ، قال . ما كُنْتُ لأَفْعَلَ حتى يَطُوفَ النبي صلى الله عليه وسلم ، واحْتَبسَتْه قريش وأُشِيعَ أَنه قُتِل ، فقال رسول الله عليه وسلم : لا نَبْرَحَ حتى نُنَاجِزَ القَوْمَ وبايع أَصحابه بَيْعَة الرِّضْوان تحت الشجرة ، وَوَضَع النبيُّ صلى الله عليه وسلم شماله في يمينه وقال : هذه عن عثمان ، مشعراً بأَنه لم يُقْتل . ولما سَمِعَ المشركون بهذه البيعة أَخَذَهُم الرُّعْب وأَطلقوا عثمان من حَبْسِه ، وصَالَحُوا النبيَّ صلي الله عليه وسلم على أَلاَّ يدخُلَ مكةَ في هذا العام ، بل في العام القابل يدخلها بغير سلاح ، ويُقيم فيها ثلاثة أَيام فقط(1) ، فَتَحَلَّل النبيُّ صلى الله عليه وسلم من العمرة بالحَلْق والذَّبْح ، وأَمَرَ أَصحابه بذلك .
( روى ) ابن عُمر رضى الله عنهما أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج مُعْتَمِراً فحالَ كُفَّار قريش بينه وبين البيت فَنَحَرَ هَدْيَهُ وحلَقَ رَأْسَهُ بالحديبية ، فصالحهم على أَن يعتمر العام المقبل ولا يحمل السِّلاح عليهم إِلاَّ السُّيُوفَ ولا يقيم بها إِلاَّ ما أَحبُّوه ، فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم ، فلمَّا أَن أَقام ثلاثاً أَمروه أَن يخرج ، فخرج صلى الله عليه وسلم . أَخرجه أَحمد بسند جيد والبيهقي (2). { 256 }
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أَحرم بهذه العمرة وتَحَلَّلَ منها عُدَّتْ عُمْرة وإِنْ صُدَّ عنها .
__________
(1) انظر تمام الكلام على صلح الحديبية بهامش ص 238 ج5 الدين الخالص .
(2) انظر ص 65 ج11 الفتح الربانى ، وص 216 ج5 سنن البيهقى ( المحصر يذبح ويحل حيث أحصر ) .(1/233)
2- عُمرة القضاءِ : وتُسَمَّى عُمْرة القضية ، لأَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قاضَى قريشاً فيها . وكانت في ذِي القعدة سنة سبع من الهجرة ، وكانت قضاءً لعُمرة الحديبية عند الحنفيين . وروى عن أَحمد ( وقال ) مالك والشافعي : ( هي عُمرة مُسْتَقِلَّة ) . وهو قول لأَحمد . وسُمِّيت عُمرة القضاءِ من المقاضاة لا من القضاءِ وذلك لأَنَّ مَنْ صُدَّ عن البَيْت سنة سِتٌ كانوا أَربعمائة وأَلفاً ولم يكونوا كلهم مع النبي صلى عليه وسلم في عُمرة القضية . ولو كانت قَضَاءً ما تخلف منهم أَحد ( وهذا ) أَصَح لأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأْمُر من كان معه بالقضاءِ . ( قال ) ابن عُمر : لم تكُن هذه العمرة قضاءً ولكن كان شرطًا على المسلمين أَن يعتمروا من قابل في الشهر الذي صَدَّهم المشركون فيه .أَخرجه البيهقي (1). { 78 }
__________
(1) انظر ص 219 ج5 سنن البيهقى ( لا قضاء على المحصر ) .(1/234)
3- عُمرة الجعرانة (1): اعْتَمَر منها النبيُّ صلى الله علية وسلم ليلاً حين رجُوعه من الطَّائف في ذِي القعدة سنة ثمان من الهجرة (روى) مُحرش الكعبى رضي الله عنه أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج ليلاً من الجِعْرانة حتى أَمسَي معتمراً فدخل مكة ليلاً فقَضَي عُمْرته ثم خرج من لَيْلَتِه فأَصبح بالجِعْرانة كبائت حتى إذا زالت الشمس خرج من الجِعْرانة في بطن سَرِف حتى جامِعَ الطريق (طريق المدينة) بسرف . قال مُحَرِّش : ولذلك خَفِيَتْ عُمْرته على كثير من الناس .أَخرجه أَحمد والثلاثة ، والبيهقي . وحسنه الترمذي وأَخرج الشافعي صدره(2). { 257 }
4- العُمْرة التي كانت مع حجَّة الوداع :أَحْرَمَ بها النبيَّ صلى الله عليه وسلم في ذِي القعدة على الصحيح وأَدي أَفعالها في ذِي الحجَّة ، لأَنهم خرجوا من المدينة لخمس بقين من ذِي العقدة سنة عشر من الهجرة ، وقدموا مكة في الرَّابع من ذِي الحجة (فقد تبين) أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَر أَربع عُمر (لم يتم) الأَُولى منها (وكانت) الرابعة مع حجَّة الوداع ، فالمستقل التام منها عُمْرتان . وعليه يحمل حديث البراءِ بن عازِب رضي الله عنه قال : اعْتَمَر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذِي القعدة قبل أَن يَحُجَّ مرتين ، أَخرجه البخاري(3) { 258 }
(
__________
(1) الجعرانة بكسر فسكون ففتح الراء مخففة ، وقد تكسر العين وتشدد الراء . وخطأه الشافعى ( وهو ) موضع بين مزدلفة وعرفة على حد الحرم فى الشرق . ( انظر رسم 1 ص 54 ) .
(2) انظر رقم 259 ص 169 ج2 تكملة المنهل العذب . وباقى المراجع بهامش 2 ص 170 منه . و( محرش ) بضم ففتح فكسر الراء مشددة ، أو بكسر فسكون ففتح . و ( سرف ) ككنف مصروفاً وممنوعاً من الصرف ، موضع شمال مكة قريب من التنعيم . (انظر رسم 8 ص 220 )
(3) انظر ص 390 ج3 فتح البارى ( كم اعتمر النبى صلى الله عليه وسلم ؟ ) .(1/235)
وإِنما اعْتَمَر) النبي صلى الله علية وآله وسلم هذه العُمْرَة في ذِي القعدة لِفَضِيلة هذا الشهر، ولمخلفة الجاهلية في ذلك فإِنهم كانوا يرون الاعتمار فيه من أَفجر الفُجُور .
المقصد السابع : في كيفية الحج
النسك يكون من الرجل والمرأة
1- حج الرَّجل : إِذا أَراد الإِحرام بحجّ أَو عُمْرَةٍ أَوْ بهما ، نَدَبَ له قَصّ أَظافره وشارِبه ، وحَلْق عانَتَه ، ونَتْف إِبَطَيْه ثم يَتَوَضَّأْ أَوْ يغتسل ، والغُسْل أَفضل ، ويَلْبَس إِزاراً من الوسط – ويُكْرَه شَدُّه بحَبْل ونحوه – ورداءٌ من الكَتِف غسيلين أّو جديدين أَبيضين ، والجديد أَفْضَل ، ويتَطَيَّب قبل الإِحرام ، ويُصَلِّى ركعتين في غير وقت كراهة يَنْوِي بها سْنَّة الإِحرام ، كما تقدم(1) ، ثم يُلَبِّى نَاوِياً بالتلبية النُّسُك الذي أَراده مَنْ حجٌ أَوْ عُمْرَة أَوْ هُما ، ولا يتلَفْظ بالنِّية ، لأَنَّ التَّلَفُّظ بها بِدْعَة . (
__________
(1) تقدم ص 49 .(1/236)
ويجتنب) محظورات الإِحرام ويُكْثر التلبية ما استطاع رافعً بها صَوْتَهُ عَقِبَ الصَّلَوَات ، وكُلَّمَا عَلاَ مكاناً أَوْ هَبَطَ وَادِياً أَوْ لَقِيَ أَحَداً أَوْ دَخَلَ في وَقتِ السَّحَر ، وكما شَرَعَ فيها كَرَّرَها ثلاثَ مرات ، وإِذا وصل مكة سنٌ الغُسْل والمبيت بذِي طُوي ، ودخول مكة نهاراً من الثنية العليا التي تُشْرف على الحجون ، وإِذا دخل مكة ابتدأَ بالمسجد الحرام يدخُله من البابِ الشماليٌ الشرقيٌ ، المعروف بباب السَّلام ، متواضِعاً خاشِعاً مُلَبِّياً مُلاَ حِظاً جلالةَ المكانِ مُلاَطِفاً المزاحم ، مُقَدِّماَ رِجْلَهُ اليمنَي قائلاً : باسم الله والحمد لله والصَّلاة والسلام على رسول الله ، اللَّهُمَّ اغفر لي ذُنوبي وافْتَحْ لي أَبوابَ رحمتك ، وإِذا عَايَنَ الكَعْبَةَ كَبَّرَ وهَلَّلَ ثلاثاً ، ودعا بما بدا له وقال : اللَّهُمَّ زِدْ بيتَكَ هذا تَشْرِفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابةٌ ، ورفَعَ يَدَيْهِ قائلاً : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلام ومنك السلام حَيِّنَا ربنا بالسَّلام . أَعُوذُ بربِّ البيت مِنَ الكُفْر والفَقْر ومن ضيق الصَّدْر ومن عذابِ القَبْر ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكً رِضَاكَ والجَنَّة ، وأَعُوذُ بِكَ من سَخَطِكَ والنَّار . اللَّهُمَّ أَدخلني الجنة بلا سابقة عذاب ولا مناقشة حساب ،ويجتَهِدُ في الدٌعَاءِ فإِنه مُستجابٌ حينئذ (ويبدأُ) بالحجَر الأَسْواد ويستقبله ويُكَبِّر ويُهَلِّل رافعاً يديه كالصَّلاة ، ويسلم الحجَر بوضْع يَدَيْهِ عليه ويُقَبِّلُه بلا صَوْت إِن استطاع ، وإلاَّ مَسَّه بيد أَوْ عصا وقَبَّلَ ما مَسَّه ، أَوْ أَشار إِلى الحجَر مستقبلاً مُكَبِّراً مُهَلِّلاً حامِداً الله تعالى ، مُصَلِّياَ على النبي صلى الله عليه وسلم ، داعِياً بما شاءَ .
((1/237)
زمن المأْثور ) عند الاستلام : اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ علىَّ حقوقاً فتصدق بها على . اللهم إِيماناً بك ، وتًَصْدِيقاً بكتابك ، ووفاءٌ بعهدك ، واتِّباعاً لِسُنَّةِ نبيك مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، لاَ إِلهَ إِلاَّ الله واللهُ أَكبر ( ويقول ) عند محاذاة الملتزَم : اللَّهُمَّ إِليكَ بَسَطْتُ يَدِي ، وفيما عندك عظيمت رغبتي فاقبل دعوتي ، وأَقِلْنى من عثرتي ، وارحم تَضَرُّعي وجُدْ لي بمغفرتك ، وأَعِذْني من مُضِلاَّت الْفِتَن .
( ويطوف ) طواف القدوم سبعةَ أَشواط ، آخِذاً فيه عن يمينه ممَّا يلي باب الكعبة ، جَعِلاً البيت عن يساره مضطبعاً رداءَهُ ، جَعِلاً طوافه وراءَ حِجْر إِسماعيل ، ويرمُل في الأَشواط الثلاثة الأُوَل ، ويمشى في الباقي على رِسْله بسَكِينةٍ ووقار ويستلم الحجَر الأَسود كلما مر به إِن استطاع ، وإِلاَّ استقبله وكَبِّر .
( ويقول ) عند محاذاة باب الكعبة : اللَّهُمَّ هذا البَيْتُ بيتُكَ وهذا الحرم حرمُكَ ، وهذا الأَمْنُ أَمْنْك ، وهذا مقام العائذِ بكَ مِنَ النار فأَعِذْني منها .
( وإِذا ) أَتى الرُّكن الشماليٌ الشرقيٌ قال : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعوذُ بكَ من الشَّكِّ والشِّرْك والشِّقَاق والنِّفَاق ومساوِئ الأَخلاق وسُوء المنقَلَبِ في المالِ والأَهْلِ والولد . ( وإِذا ) حاذَي الميزاب(1) قال : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك إِيماناً لا يَزُول ، ويَقِيناً لا يَنْفَد ومُرَافقة نَبِيِّك مُحمد صلى الله عليه وسلم . الَّهُم أَظِلَّني تحت ظِلكِّ عَرْشِكَ يوم لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّكَ ، واسْقِني بكَأْس مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم شَرْبةً لا أَظَمَأُ بعدها أَبداً.
(
__________
(1) الميزاب ) ما سورة من نحاس أو غيره وضعت بمنتصف أعلى الجدار الشمالى للكعبة لتصريف ماء المطر .(1/238)
وإِذا ) حاذَي الركن الشماليٌ الغربيٌ قال : اللَّهُمَّ اجعله حجًّا مبروراً ، وسَعْياً مشكُوراً وذَنْباٌ مغفوراً وتجارةٌ لن تَبُور يا عَزِيز يا غَفُور .
( ويستلم ) الركن اليمانيٌ كما تقَدَّم ولا يُقَبِّله ويقول عنده : اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْر ، وأَعُوذُ بكَ مِنَ الْفقْر من عذابِ القبر ، ومن فتنةِ المحيا والممات ، وأَعُوذُ بك مِنَ الْخِزْى في الدنيا والآخرة .
( ويقول ) بين الركن اليمانيٌ والأَسْوَد : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك الْعَفْو والعافيةَ في الدنيا والآخرة ، رَبَّنّا آتِنَا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً ، وقِنَا عذاب النار . ويَدْعُو بما شَاءَ . ( ومنه ) رَبٌ اغْفِرْ وارْحَمْ واهْدِني الطريق الأَقْوَم ، وتَجَاوَزْ عَمَّا تّعْلَم إِنكَ أَنْتَ الأَعَزٌ الأَكْرم . ( وإِذا ) استلم اليمانيٌ قال : باسم الله والله أَكبر ، ولا يستلم الركنّيْن الشَّامِيِّيْن ، ( وكلما ) أَتَي الحجَر الأَسْوَد قال : اللهُ أَكبر ، ويختم طوافه باستلامه ( وبعد ) فراغِه من الطواف يُصَلِّي في غير وقت كراهة ركعتين عند مقام إِبراهيم أَو حيث تَيَسَّر من المسجد أَو غيره كما تقدم(1) ، ثم يعود إِلي الحجَر الأَسْوَد فيستلمه كما مَرَّ (وبعد) الطواف يشرب من ماءَ زمزم مستقبلاً البيت قائلاً: اللَّهْمَّ إِنِّي أَسْأَلك فإِنِّي أَشْرَبه لعطش يوم القيامة .
(
__________
(1) تقدم ص 108 .(1/239)
وينبغي ) التضلُّع منه بعد طواف القُدُوم لتأْثيره على الجهاز الهضميّ بما ينظفه من المواد التي تكون قد وصَلَتْ إِليه مدة السَّفَر ، فتنْشَطُ به الأَعضاءُ وتَصِحُّ الأَجساد . ثم يخرج بسكينةٍ من باب الصَّفا إِلى الصَّفا ، مقدماً رِجْلَهُ اليسرى قائلاً:باسم الله والصَّلاة والسَّلام عل رسوله . اللَّهُمَّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أَبواب فَضُلِك ، فيصعَدُ على الصَّفا حتى يرى الكعبة ويستقبلها ويُكَبِّر ويُهَلِّل ، ويُصَلِّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويَدْعُو بما شاءَ رافعاً يديه قائلاً : لاَ إلهَ إلاَّ الله وحده أَنْجَزَ وَعْدَهُ ونصر عبده وهزم الأَحزاب وحده ، ويَدْعُو بين ذلك ويُكَرِّره ثلاث مرَّات ، ثم ينزل من الصَّفا قاصِداً نحو المرْوَة ماشِياً بسكينةٍ ووقار ، ويقول : اللَّهُمَّ أَحْيِني على سُنَّة نبيك ، وتَوَفَّني على مِلَّتِه ، وأَعِذْني من مُضِلاَّتِ الفِتَن برحمتك يا أَرْحَمَ الرَّحمين ، فإِذا وَصَلَ بطن الوادي سَعَى بين الميلين سعياً شديداً ، قائلاً : ربٌ اغْفِرْ وَارْحَم ، واهْدِني الطريق الأَقْوَم ، وتَجاَوَزْ عَمَّا تعلم إِنَّكَ أَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَم ، ثم يمشِى على مَهل ، حتى يَصْعَدَ المروة فيفعل عليها كفِعْله على الصَّفا . ( وهذا ) شَوْطٌ واحد ، فيسعى بين الصَّفَا والمروة سبعةَ أَشواطٍ ، يبدأُ بالصَّفَا ويختم بالمروة . ( وَلاَ يُصَلِّى ) بعد السَّعْي على المروة ، ثم يحلق ويتحلل إِن كان متمتعاً. ( ثم يحرم ) بالحج يوم الثامن من ذي الحجة ، وإِن كان مفرداً أَو قارناً يقيم بمكة على إِحرامه يطوف بالبيت تطَوُّعاً ما أَراد .
((1/240)
ويُسَنُّ ) لإِمام الحجِّ أَن يخطُبَ في يوم السابع من ذِي الحجَّة : خُطبة بعد صلاةِ الظهر يُعَلِّم الناس فيها أَعمال الحج من الخروج إِلى مِنى وعرفات والصَّلاة بهما وسائر الأَعمال المطلوبة من الحاج في اليوم الثامن إِلى زوال يوم عرفة ( وإِذا ) صَلَّى الحاجُّ الصُّبح بمكة يوم ثامن ذِي الحجة خرج بعد الشمس إِلى مِنى داعياً بما شاءَ (ومنه) اللَّهُمَّ إِيَّاكَ أَدْعُو وإِليك أَرْغَبُ ، اللَّهُمَّ بَلِّغْني صالح عملي وأَصْلِحْ لي ذُرِّيَّتي . (ويَسِيرُ) متجهاً إِلى الشمال ماراً بالمعلى ثم يتَّجِه إلي الشرق ويَسِرُ حتى يصل مِنى فيقول : اللَّهُمَّ هذا مِنى وهذا ما دللتنا عليه من المناسك فَمُنَّ علينا بجوامع الخيرات ، وبما مَنَنْتَ به على إِبراهيم خليلك ومُحمد حبيبك وبما مَنَنْتَ به على أَهل طاعتك ، فإِنِّي عبدك وناصِيتي بيدك ، جِئْتُ طالباً مرضاتك ، فارْضَ عَنِّى وارْحَمَ الرَّاحمين (ويُقِيم) بمنى يُصَلِّى بها الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعِشاءَ ويبيتُ بها حتى يُصَلِّي صُبْحَ يوم عَرَفة .
( وبعد ) طُلُوع الشمس يتوجَّه من مِنى إِلي عرفات قائلاً : اللَّهُمَّ إِليك تَوَجَّهْتُ وعليك توكَّلْتُ ولوَجْهِكَ الكريم أَرَدْت ، فاجْعَلْ ذَنْبي مغفوراً وحَجِّى مبروراً وارحمني ولا تُخَيِّبْني ، واقْضِ حاجتي إِنكَ على كُل شيءٍ قدير، ويُلَبِّي ويُهَلِّل ويُكَبِّر ، ويمر في طريقه بمزدلفة ، ثم يَسِير في طريق ضبً وهو المعروف الآن بطريق السيارات حتى ينزل بنَمِرَة . ( فإِذا زالت ) شمس يوم عرفة خَطَبَ إِمامُ الحجِّ قبل الصَّلاة خُطبتين خفيفتين يُعَلِّم الناس فيهما المناسِكَ التي من زوال يوم عرفة إِلى ظهر يوم الحادي عشر ، ( ثم يُصَلِّى ) بالناس الظهر والعصر جامِعاً بينهما بمسجد نَمِرَة بأَذانٍ وإِقامةٍ للظهر وأُخرى للعصر ، ويُكْرَه التنفُّل بينهما .
((1/241)
وبعد ) الصَّلاة يذهبُ الحجَّاجُ إِلى الموقف في سطح جبل الرحمة عند الصَّخرات فيقفون رُكباناً مع الإِمام بوضوءٍ أَوْ غُسْل وهو السُّنة ، وعرفات كلها موقف إِلاَّ بطن عُرَنة ، والأَفْضَل الوقوف عند الصَّخرات موقف النبي صلى الله عليه وسلم أَوْ بالقرب منها ، ويستقبلُ الإِمامُ القِبْلَةَ رافعاً يديه حامداً مُهَلِّلاً مُكَبراً مُصَلِّياً على النبي صلى الله عليه وسلم ، داعِياً ربه باجتهاد وحضور قلبٍ ويقفُ الناسُ خلف الإِمام مستقبلين القِبْلَة ويجتهدون في الدُّعاءِ ، ويُلَبُّونَ وَقْتاً بعد وقت ويَدْعُو كلٌّ بما في نفسِه ، فإِنه وقت إِجابة الدعاءِ وإِفاضة الخير من الجواد الكريم ( وبعد ) غروبِ الشمس يُفِيضُ الحجَّاجُ مع الإِمام ماشِياً كلٌّ على مَهَل سائرين من الطريق المأْزمين إِلى مزدلفة مُكثِرين من الذِّكْر والتلبية .
((1/242)
ويُسْتَحَبُّ ) النزول بقرب جَبَل قُزَح وهو المشعر الحرام ، ويقول عند دخولها : اللَّهُمَّ هذا جَمْعٌ أَسْأَلك أَن تُصْلح لي دِيني وذُرِّيتي وتَشْرَح لي صَدْرِي وتُطَهِّر قلبي وترزُقني الخير كله وأَن تَقِيني مِنَ الشَّرِّ كُلِّه إِنَّكَ وليّ ذلك والقادِر عليه ، ويُكْثر من الاستغفار ، ويُصَلِّي بمزدلفة المغربَ والعشاءَ في أَول وقتها بأَذانٍ و إِقامتين ، ويبيت بمزدلفة ليلةَ النَّحْر ، فإِذا طلع الفجرُ صَلَّى الصُّبْحَ مُبَكِّراً ، ثم يتوجه إِلى المشعر الحرام ويقف مستقبلاً رافعاً يديه حامداً مبكراً مهللاً ملبياً مُصَلِّياً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، دَاعِياً بنحو : اللَّهُمَّ كما وَفَّقْتَنَا فيه وأَرَيْتَنَا إِيَّاه فَوَفِّقْنَا لذِكْرِك كما هديتنا واغْفِرْ لنا وارْحَمْنا كما وعدتنا . اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وَقِنَا عذاب النَّار ، ويُكْثِر من الدعاءِ ، فإِذا أَسْفَرَ الصُّبْحُ أَفَاضَ قبل طُلُوع الشمس إِلى مِني قائلاً : اللَّهُمَّ إِليك أَفَضْتُ ومن عذابك أَشْفَقْت وإِليك توجهتُ ومنك رهِبت .(1/243)
اللَّهُمَّ تَقَبَّل نُسُكي وأَعْظِمُ أَجْرى وارحم تَضَرُّعي واسْتَجِبْ دُعائي واقبل تَوْبَتي ، ويُكْثِر منِ التلبيةِ والصلاةِ علي النبيِّ صلي الله عليه وسلم والدعاء ( فإِذا ) وصل بطن محسر أَسْرَع قَدْرَ رَمْيَة حَجَر ثم يسير إلى مِني سالِكاً الطريق الوسطي إِلى العقبة ( فيرمي ) جمرة العقبة من أَسفل الوادي - جاعِلاً الكعبةَ عن يسارِه ومني عن يمينه – بسبع حصَياتٍ صِغَار متفرقة يُكَبِّر مع كل حصاةٍ يقول : باسم الله والله أَكبر تَرْغِيماً للشيطان وحِزْبِه ، اللَّهُمَّ اجعل حجِّي مبروراً وسَعْي مشكوراً وذَنْبي مغفوراً ، ويقطع التلبية مع أَول حصاةٍ يرميها ، ولا يقف عند جمرةِ العقبة ، بل ينصرف ويذبح المفرد إِنْ أَحَبَّ ثم يُقَصِّر شَعْر رأَسِه أَوْ يحلق ، والحلْقُ أَفْضَل في حقِّ الرَّجُل ، وبالحلْق أَو التَّقَصِير يحلٌ للمُحْرِم كلَّ شَيْءِ من محظوراتِ الإِحرام إِلاَّ الجِماع ودواعِيه القريبة ( ثم ) يذهب اليوم أَو بعده إِلى مكة فيطوف طواف الركن سبعةَ أَشواطٍ بلا رمَل ولا سَعْي بين الصَّفَا والمروة إِنْ قدمها في طواف القدوم ، وبطوافِ الركن يحلَّ له النساءُ ، ثم يُصَلِّي الظهر بمكة، ويعود إِلى مِني . ( ويُسْتَحَبُّ ) للإِمام بعد صلاةِ ظهر أَول أَيام التشريق أَن يخطُبَ بمني خُطبة يُعَلِّم فيها الناس باقي المناسِك من رمي الجِمار في أَيام التشريق والرجوع إِلى مكة والنزول بالمحصَّب وطواف الوداع .(1/244)
ويَرْمي الحاجٌ الجِمار الثلاث في الحادي عشَر من ذِي الحجَّة بعد الزَّوال يبدأُ بالجمرة الصُّغرى فيرميها بسبع حصياتٍ متفرقاتٍ يُكَبِّر مع كلِّ حصاةٍ ، ويقفُ بعد الرَّمي عندها مستقبل القبلةَ حامِداً مُهَلِّلاً مُصَلِّياً علي النبي صلى الله عليه وسلم ويَدْعٌو كثيراً رافعاً يديه حِذْوَ مَنْكِبيه ، مستغفراً لنفسه ولأَبويه والمؤمنين ، ثم يَرْمي الجمرة الوسطي بسبع حصياتٍ متفرقاتٍ يُكَبِّرُ مع كل حصاةٍ ، ثم ينحَدِر ذات اليسار مَّما يلي الوادي ، فيقف مستقبلَ القبلة رافعاً يديه ، يَدْعُو قريباً من وقوفه عند الجمرة الأُولى ، ثم يأَتي جمرة العقبة وبرميها من بطن الوادي بسبع حصياتٍ يكبِّر مع كل حصاةِ وينصرف ولا يقف عندها للذكر والدعاءِ ، ثم يرمى الجِمار الثلاث في اليوم الثاني عشر من ذِي الحجَّة بعد الزَّوال كما رمى في اليوم السابق .
( ثم ) هو مخير ، إن شاء رجع إلى مكة قبل غروب الشمس أو قبل طلوع فجر اليوم الثالث عشر أو أقام ورمى فيه الجمار الثلاث من بعد الزوال كما رمي فيه اليومين قبله ( ومن كان ) مريضا لا يستطيع الرمي يوضع في يده الحصى ويرميها أو يرمي عنه غيره .
( فإذا ) فرغ من الرمي ونزل إلى مكة استحب له النزول بالمحصب ، ويصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويهجع هجعه ليلة الرابع عشر، ثم يدخل مكة، فإذا أراد السفر منها، طاف طواف الوداع سبعة أشواط بلا رمل فيه ولا سعي بعده، ويصلي ركعتين، ثم يأتي زمزم ويستقي منها بنفسه ويشرب من مائها مستقبلا متنفسا ثلاث مرات داعيا بما مر.(1/245)
... ( ثم يأتي ) الملتزم فيضع صدره وبطنه وخده الأيمن عليه، ويبسط يديه على جدار الكعبة متعلقا بأستارها مجتهدا في الدعاء بما أحب باكيا أو متباكيا تحسرا على فراق البيت قائلا: اللهم إن البيت بيتك والعبد عبد:، حملتي على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك وأعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا، وإلا فمن على الآن قبل أن أنأى عن بيتك، هذا أو أن انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا بيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم اصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني، وأحسن منقلبى، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي خير الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير(1) وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون وصدق الله وعده، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده؛ ثم يخرج من باب الوداع. وهاك رسم مشاعر الحج بين مكة وعرفة. ... [أنظر رسم 9 ص 242]
(ب) حج المرأة: هي كالرجل في كل ما تقدم من أعمال الحج والعمرة ، غير أنها تخالفه في ثمانية أمور:
__________
(1) هذا الدعاء ذكره البيهقى وقال : هذا من قول الشافعى وهو حسن ، انظر ص 164 ج5 ( الوقوف بالملتزم ) .(1/246)
... 1- لا تكشف رأسها لأن إحرام الرجل في رأسه ووجهه فيكشفهما. وإحرامها في وجهها فقط فتكشفه دون الرأس. ... 2- ولا ترفع صوتها بالتلبية لما فيه من الفتنة. ... 3- ولا ترمل في الطواف ولا بين الميلين في السعي ولا تضطبع فيهما. ... 4- ولا تحلق رأسها بل تقصر. ... 5- وتلبس المخيط والمخيط كالدرع والقميص والخفين غير القفازين والصبوغ بورس أو زعفران. ... 6- ولا تقرب الحجر الأسود حال الطواف إذا كان عنده رجال تحرزا عن مماسة الرجال، أما إذا لم يكن عنده رجال فلها لمسه لعدم المانع. ... 7- ولو خاضت أو نفست عند الإحرام اغتسلت له وأدت كل المناسك إلا الطواف بأنواعه كما تقدم بيان كل ذلك بأدلته. ... 8- وإن حاضت بعد طواف الركن سقط عنها طواف الوداع، لما روي طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رخص للحائض أن تنفر إذا أفاضت ، قال: وسمعت ابن عمر يقول :
إنها لا تنفر، ثم سمعته يقول بعد: إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن. أخرجه البخاري. (1) { 259 }
المقصد الثامن : في وجوه الإحرام
... الإحرام أربعة أنوع: ... (1) إفراد الحج بالإحرام به وحده. ... (ب) إفراد العمرة، وهو أقسام: ...
1- أن يحرم بها فقط ويطوف لها في غير أشهر الحج ولو حج من عامه . 2- أن يحرم بها في غير أشهره ويطوف لها في أشهره ولم يحج من عامه . 3- أن يحرم بها ويطوف لها في أشهره ولم يحج من عامه .
4- أن يحرم بها في غير أشهر الحج أو في أشهره ويطوف لها، ثم يحج فيهما من عامه بعد إلمامه بأهله إلماما صحيحا (2).
__________
(1) انظر ص 381 ج3 فتح البارى ( إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت ) و ( رخص للحائض ) بضم الراء مبنى للمفعول . وعند النسائى : رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم و ( إذا أفاضت ) أى طافت طواف الإضافة . و ( قال ) أى طاوس .
(2) الإلمام الصحيح ، عود الناسك إلى بلده بعد أعمال النسك غير عازم العودة بعده إلى مكة .(1/247)
... (جـ) التمتع وهو أداء طواف العمرة أو أكثره في أشهر الحج ثم الحج من عامه بلا إلمام صحيح.
... (د) القرآن وهو الإحرام بهما معا، أو الإحرام بالحج بعد الإحرام بالعمرة قبل الإتيان بأكثر طوافها، من فعل ذلك فهو قارن غير مسيء، ومن أحرم بالحج ثم أحرم بالعمرة قبل طوافه للقدوم ولو شوطا فهو قارن مسئ(1) هذا. وكل من الإفراد والتمتع والقرآن مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ( فقوله ) تعالى: " ولله على الناس حج البيت ممن استطاع إليه سبيلاً " (2) ( دليل ) الإفراد ( وقوله ) تعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله" (3) ( دليل ) القرآن ( وقوله ) تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحجً "(4) ( دليل ) التمتع ( وقالت ) عائشة رضي الله عنها: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما من أهل بعمرة فحل عند قدومه، وأما من أهل بحج ، أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر. أخرجه الشيخان(5). ... ... { 260 }
... (وقالت): منا من أهل بالحج مفردا، ومنا من قرن، ومنا من تمتع. أخرجه مسلم(6) ... { 78 }
__________
(1) وذلك أن القارن من يبنى الحج على العمرة فى الأفعال فينبغى أن يبنيه عليها أيضاً فى الإحرام أو يحرم بهما معاَ ، فإذا خالف أساء ، وصح لتمكنه من بناء الأفعال إذا لم يطف للقدوم شوطاً ، فإن لم يحرم بالعمرة حتى طاف شوطاً رفضهاً وعليه قضاؤها ودم للرفض لأنه عجز عن الترتيب . انظر ص 198 ج2 فتح القدير ( القرآن ) .
(2) الآية 97 من سورة آل عمران .
(3) الآية 196 من سورة البقرة .
(4) الآية 196 من سورة البقرة .
(5) انظر ص 273 ج3 فتح البارى ( التمتع والقرآن والإفراد .. ) وص 145 ، 146 ج8 نووى مسلم ( وجوه الإحرام ) .
(6) انظر ص 151 منه .(1/248)
... (وقد أجمع) العلماء على جواز كل هذه الأنواع، واختلفوا أيها أفضل، وهاك بيانها مرتبة:
... (1) القرآن: هو لغة الجمع بين الحج والعمرة. وشرعا الجمع بينهما على الوجه السابق ( وهو ) أفضل من التمتع والإفراد عند الحنفيين، لأن الراجح أن النبي صغ الله عليه وسلم كان قارنا في حجة الوداع.
... ( روي ) بكر بن عبد الله المزني عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا. قال بكر: فحدثت بذلك ابن عمر فقال: لبي بالحج وحده، فلقيت أنسا فحدثته بقول ابن عمر فقال : ما تعدوننا إلا صبيانا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لبيك عمرة وحجا معا. أخرجه مسلم والنسائي(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 261 }
... ( وكيفيته )- عند الحنفيين- أن يحرم بالعمرة والحج في زمن واحد أو يدخل إحرام أحدهما على الآخر كما تقدم، ويصلي ركعتي الإحرام ثم يلبي ناويا الحج والعمرة، فإذا دخل مكة طاف للعمرة سبعة أشواط مضطبعا يرمل في الثلاثة الأول ( وبعد ) الطواف يصلي ركعتين ثم يسعى بين الصفا والمروة مهرولا بين الميلين ماشيا على هينته فيما عداه ثم يطوف للحج طواف القدوم ، ثم يسعى كما مر ، لما روي الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عمر أنه جمع بين حج وعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت. أخرجه الدار قطني وقال : لم يره عن الحكم غير الحسن بن عمارة ، وهو مترك الحديث(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 262 }
__________
(1) انظر ص 216 ج8 نووى مسلم ( الإفراد والقران ) ، وص 15 ج2 مجتبى ( القرآن ) .
(2) انظر ص 271 سنن الدار قطنى .(1/249)
... ( وروي ) منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن أبي نصر اسلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إذا أهللت بالحج والعمرة فطف لهما طوافين واسع لهما سعيين بين الصفا والمروة. قال منصور: فلقيت مجاهدا وهو يفتي بطواف واحد لمن قرن، فحدثته بهذا، فقال: لو كنت سمعته لم أفت إلا بطوافين، وما بعد فلا أفتي إلا بهما. أخرجه محمد بن الحسن بسند لا شبهة فيه(1) . ... ... { 79 }
... ( وقال ) مالك والشافعي وأحمد : يكفي القارن لحجته وعمرته طواف وسعي واحد، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قرن بين حجه وعمرته أجزأه لهما طواف واحد . أخرجه أحمد، وكذا مسلم بلفظ : من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد ولم يحل حتى يحل منهما جميعا . وأخرجه ابن ماجه بلفظ : من أحرم بالحج والعمرة كفى لهما طواف واحد ، ولم يحل حتى يقضي حجه ويحل منهما جميعا. وسنده جيد(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 263 }
__________
(1) انظر ص 111 ج3 نصب الراية .
(2) انظر ص 154 ج11 الفتح الربانى ، وص 214 ج8 نووى مسلم ( جواز القرآن واقتصار القارن على طواف وسعى واحد ) ، وص 118 ج2 سنن ابن ماجه ( طواف القارن ) .(1/250)
... ( دل ) على أن القارن يكفيه طواف واحد عن العمرة والحج، وأن أفعال العمرة تندمج في أفعال الحج. والأحاديث في هذا كثيرة ( وهي ) أقوى وأصح مما استدل به الحنفيون على عدم اندراج أعمال العمرة في الحج . ( ويجب ) عند الحنفيين تقديم أعمال العمرة ، لقوله تعالى : " فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ " جعل الحج غاية ولو كانت أفعالهما واحدة ما كان مبدأ وغاية ، والتمتع بلغة القرآن يشمل القرآن ، ولا يحلق بينهما لأنه جناية على إحرام الحج ( ولو طاف ) لهما طوافين متتابعين بلا سعي بينهما، وسعي لهما سَعْيَيْن صح وأساء بتأخير سعي العمرة وتقديم طواف القدوم عليه ولا دم عليه ، وبعد سعي القارن للحج يؤدي باقي أعماله ، فإذا رمي جمرة العقبة يوم النحر لزمه ذبح دم القرآن ؛ شاة أو بدنة أو سبع بدنة ، لقوله تعالى : { فَمَنْ تَمََّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْى } أي فليذبح ما قدر عليه من الهدى ، وأقله شاة .
... ( قال ) جابر رضي الله عنه: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة. أخرجه أحمد ومسلم(1). ... ... ... ... ... ... ... { 264 }
... ( فإن عجز ) القارن عن الدم صام عشرة أيام، ثلاثة منها قبل يوم النحر، والأفضل كون آخرها يوم عرفة، لأن الصوم بدل الهدى فيستحب تأخيره إلى وقته ، فإن لم يصمها قبل يوم النحر تعين الدم ولا يجزئه الصوم عند الحنفيين، لفوات وقته.
__________
(1) أنظر ص 37 ج 13 الفتح الرباني، وص 67 ج 9 نووي مسلم (الإشتراك في الهدى ... ).(1/251)
... ( وقال ) مالك والشافعي وأحمد والجمهور: يصوم الثلاثة الأيام قبل يوم عرفة، لأنه يكره صيامه للحاج، فإن لم يصمها قبل يوم النحر أثم وصامها بعد أيام التشريق عند الشافعي وأحمد ( وقال ) مالك: يجوز صيامها أيام التشريق، ويصوم سبعة الأيام بعد رجوعه إلى وطنه، فلو صامها قبل وصوله إلى أهله لم يجزئه ويتعين الهدى عند مالك والشافعي وأحمد، لقوله تعالى: "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم"(1).
... (وقال) الحنفيون: له صيام سبعة الأيام بعد فراغه من أعمال الحج ولو بمكة، لأن المراد بالرجوع في الآية الفراغ من أعمال الحج مجازا، لأن الفراغ سبب الرجوع (والعبرة) في العجز عن الهدى والقدرة عليه لأيام النحر، فلو قدر عليه فيها بعد الصوم لزمه الهدى، ولو قدر عليه بعدها قبل صوم السبعة صامها ولا يلزمه الهدى. (وإن وقف) القارن بعرفة قبل طوافه للعمرة فقد رفضها، فعليه دم لرفضها، وقضاؤها للزومها بالشروع، ولا يلزمه دم القرآن لأنه لم ينتفع بأداء النسكين في إحرام واحد.
... (ب) التمتع: لغة الانتفاع، وشرعا الانتفاع بأداء الحج والعمرة في أشهر الحج في عام واحد بلا رجوع إلى بلده (وهو أفضل) من الإفراد عند الحنفيين وأحمد، وأفضل من القرآن أيضا عند أحمد، وهو قول للشافعي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تمناه فقال : لولا أني سقت الهدى لأحللت، ولا يتمنى إلا الأفضل.
__________
(1) الآية 196 من سورة البقرة .(1/252)
... ( قال ) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أهللنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالحج خالصا وحده، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة مضت من ذي الحجة، فأمرنا أن نحل ، قال : حلوا وأصيبوا النساء، ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم . فقلنا : لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المنى . فقام النبي صلى الله عليه وسلم فينا فقال : قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم، ولولا هديى لحللت كما تحلون ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى . فحللنا وسمعنا وأطعنا (الحديث). أخرجه مسلم(1). ... ... ... ... ... ... ... { 265 }
... (فنقلهم) إلى التمتع وتأسفه صلى الله عليه وسلم لعدم تمكنه منه (دليل) على فضله. هذا والمتمتع قسمان:
... (الأول) متمتع لم يسق الهدى فيحرم بالعمرة من الميقات أو قبله ويطوف لها في أشهر الحج، ويسعى بين الصفا والمروة ويبقى على إحرامه إن شاء أو يتحلل من العمرة بالحلق أو التقصير، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة أمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحلوا ويحلقوا أو يقصروا. أخرجه البخاري(2). ... ... ... ... ... ... ... { 266 }
__________
(1) أنظر ص 163 ج 8 نووي مسلم (تحلل المعتمر المتمتع) و(لم يعزم) أي لم يوجب (عليهم) وطء النساء بل أباحه، وأما الإحلال من الحج فعزم فيه على من لم يكن معه هدى.
(2) أنظر ص 368 ج 3 فتح الباري (تقصير المتمتع بعد العمرة).(1/253)
... ثم يحرم بالحج يوم التروية. والإحرام قبله أفضل مسارعة للخير، ويأتي بأعمال الحج، إلا أنه لا يطلب منه طواف القدوم، ويرمل في طواف الركن ويسعى بعده ويذبح الهدى بعد رمي جمرة العقبة وجوبا شكرا لنعمة التمتع ( فإن عجز ) عن الهدى صام ثلاثة أيام قبل يوم النحر وسبعة إذا رجع إلى بلده أو بعد الفراغ من أعمال الحج على ما تقدم في القرآن، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: من اعتمر في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يدركه الحج فهو متمتع إن حج وعليه ما استيسر من الهدى. فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع . أخرجه مالك(1). ... { 80 }
... ( وإن عاد ) من لم يسق الهدى إلى بلده بعد إتمام العمرة والحلق لا يعد متمتعا لأنه ألم بأهله إلماما صحيحا، فصار كأهل مكة ليس له التمتع لأنه لم ينتفع بإسقاط أحد السفرين. أما إن عاد إلى أهله قبل الحلق ثم رجع إلى مكة فحج من عامة قبل الحلق، فهو متمتع، لأنه إلمامه غير صحيح ( ولو عاد ) إلى غير بلده لا يبطل تمتعه عند أبي حنيفة، وقال صاحباه يبطل ( والثاني ) متمتع ساق الهدى، فهذا يحرم بالعمرة ثم يسوق الهدى، فإن كان من الإبل قلده أو أشعره(2) اتفاقا ليعرف أنه هدى. ( روي ) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعر صفحة سنامها الأيمن، ثم سلت الدم عنها وقلدها بنعلين، ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج. أخرجه الدارمي والسبعة إلا البخاري، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح(3). ... ... ... ... ... ... ... ... { 267 }
__________
(1) أنظر ص 180 ج 2 زرقاني الموطأ (ما جاء في التمتع).
(2) التقليد) تعليق نعل من الجلد في عنق البعير (والإشعار) شق سنامة الأيمن أو الأيسر وسلت الدم عنه "وما ورد" عن أبي حنيفة من كراهته الإشعار" محمول" على إشعار أهل زمانه لمبالغتهم فيه.
(3) أنظر رقم 33 ص 7 ج 1 تكملة المنهل (الإشعار) وباقي المراجع بهامش 2 ص 10 منه:(1/254)
... (ثم يؤدي) أعمال العمرة ولا يتحلل منها بالحلق أو التقصير، بل يحرم بالحج- يوم التروية أو قبله- ويؤدي أعماله، فإذا حلق يوم النحر حل من الحج والعمرة ( لقول ) ابن عمر رضي الله عنهما: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدى، ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل له شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج ثم ليهد، ومن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة واستلم الركن أول شيء، ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ومشى أربعا، فركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أشواط، ثم لم يحل من شيء حرم منه حتى قضي حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه، وفعل مثل ما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام من أهدى وساق الهدى من الناس. أخرجه الشيخان، وأبو داود والنسائي والبيهقي(1). ... ... ... ... ... ... ... ... { 268 }
... (دل) على أن التمتع الذي ساق الهدى لا يتحلل حتى يذبحه يوم النحر. وبه قال الحنفيون والحنبليون (وقالت) المالكية والشافعية: يتحلل المتمتع مطلقا بعد أدائه أعمال العمرة ويذبح المهدي هديه عند المروة، لأنه متمتع أتم أعمال العمرة فيتحلل منها كمن لم يكن معه هدى. (وهذا) قياس مع النص فلا يعول عليه. فالراجح الأول.
__________
(1) أنظر رقم 83 ص 90 ج 1 تكملة المنهل العذب (القرآن) وباقي المراجع بهامش 3 ص 95 منه. و(خب) أي رمل وأسرع في المشي (وأفاض) أي نزل إلى مكة فطواف الركن.(1/255)
... ما يبطل التمتع: تقدم أن من لا هدى معه يبطل تمتعه عند الحنفيين بعوده إلى بدله وكذا من معه الهدى عند محمد لوجود الإلمام وإن لم يكن صحيحا.
... (وقال) أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يبطل تمتعه بعوده لأهله بعد العمرة، لأن سوق الهدى يمنعه من التحلل فكان إلمامه غير صحيح. (وقال) مالك: إن رجع المتمتع مطلقا إلى مصره أو إلى أبعد منه بطل تمتعه وإلا فلا.
... (وقال) الشافعي: إن رجع إلى الميقات بطل تمتعه فلا دم عليه.
... (وقال) أحمد: إن سافر بين العمرة والحج سفر قصر بطل تمتعه وإلا فلا.
... (فائدة) حاضروا المسجد الحرام- عند الحنفيين- هم أهل المواقيت، فمن دونهم إلى مكة، وهو قول الشافعي في القديم (وقال) مالك: هم أهل مكة (وقال) الشافعي في الجديد وأحمد: هم أهل الحرم ومن بينهم وبين مكة دون مسافة القصر. وهل لهم قران وتمتع؟ (قال) الحنفيون: لا يشرع لهم قران ولا تمتع لقوله تعالى: "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام"(1)، وجه الدلالة: أن الإشارة بذلك إلى التمتع لقوله: لمن، وليست للهدى لأنه واجب على من يطلب منه. فلو كان مرادا لقال على من (وقال) مالك والشافعي وأحمد: يشرع القرآن والتمتع لحاضري المسجد الحرام بلا كراهة، لعموم الأحاديث، وإن قرنوا أو تمتعوا لا يلزمهم \دم، لقوله تعالى: "ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام" على أن الإشارة للهدى (ورد) بأنها وصلت باللام والهدى علينا لا لنا.
__________
(1) الآية 196 من سورة البقرة.(1/256)
... (جـ) الإفراد: الإفراد هو الإحرام بالحج وحده والإتيان بأعماله (وهو) أفضل من التمتع والقرآن عند الشافعية والمالكية في المشهور عنهم لأنهم يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم حج مفردا، لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ولم يعتمر. أخرجه الشافعي والبيهقي والدارمي والجماعة إلا البخاري، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح(1). ... ... ... ... { 269 }
... (والصواب) أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بالحج ثم أدخل عليه العمرة فصار قارنا (وبهذا) يسهل الجمع بين الأحاديث (فمن) روي أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا، أراد أنه أحرم أولا بالحج، (ومن) روي أنه كان قارنا، أراد أنه اعتمر أخرا (ومن) روي أنه كان متمتعا، أراد التمتع الغوي وهو الانتفاع، وقد انتفع النبي صلى الله عليه وسلم بأداء النسكين في سفر واحد (ويؤيد) هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر تلك السنة عمرة مفردة لا قبل الحج ولا بعده، والقرآن أفضل من أداء الحج من غيره عمرة اتفاقا (ولو جعلت) حجته صلى الله عليه وسلم مفردة لزم ألا يكون اعتمر تلك السنة. ولم يقل أحد بأن الحج وحده أفضل من القرآن. أفاده النووي(2).
المقصد التاسع: في عوارض الإحرام
... هي: الجنايات، والإحصار، والفوات، والمفسد والمبطل.
1- الجنايات
... هي جمع جناية، وهي لغة الذنب يؤاخذ به، والمراد بها هنا نوعان :
... (الأول) ما تكون حرمته بسبب الإحرام، كالتطيب وإزالة الشعر والتعرض للصيد والوطء ومقدماته، فهي جناية على الإحرام.
... (الثاني) ما تكون حرمته بسبب الحرم، كالتعرض لصيده أو شجره، وهي جناية على الحرم. وهاك البيان.
الجناية على الإحرام
__________
(1) أنظر رقم 57 ص 42 ج 1 تكملة المنهل العذب (إفراد الحج) وباقي المراجع بهامش 5 ص 43 منه.
(2) أنظر ص 160 ج 7 شرح المهذب (طريق الجمع بين هذه الأحاديث الصحيحة).(1/257)
... هي أربعة أقسام: جناية بغير الوطء كالتطيب والحلق والقبلة، وجناية بالوطء وجناية على الطواف، وجناية على غير الطواف كالسعي والوقوف بعرفة ومزدلفة والرمي.
... (الأول) الجناية بغير الوطء: هي تكون من القارن وغيره وفي كل إما أن تكون لغير عذر أو لعذر، كحمى وبرد وجرح وصداع وقمل.
... (وليس) من العذر الخطأ والنسيان والإكراه والإغماء والنوم عند الحنفيين ومالك والمزني وأحمد في أصح الروايتين عنه.
... (وقال) الشافعي: لا فدية على الناسي والمخطئ والجاهل ونحوهم في اللبس والطيب، لما تقدم عن يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو بالجعرانة قد أهل بعمرة وهو مصفر لحيته ورأسه وعليه جبة، فقال : يا رسول الله، أحرمت بعمرة وأنا كما ترى ، فقال : أنزع عنك الجبة وأغسل عنك الصفرة(1)، لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بالفدية وقد لبس في إحرامه ما ليس له لبسه جاهلا، والناسي والمخطئ في معنى الجاهل.
... (وأجاب) عنه الأولون بأنه كان قبل تحريم لبس المخيط على المحرم، وأما بعده فلا فرق بين الجاهل والناسي وغيرهما (وعليه) فالجناية بغير الوطء ثلاثة أقسام:
__________
(1) تقدم رقم 64 ص 47 (التطيب).(1/258)
... (الأول) ما يفعل لعذر: فإن ارتكب المحرم محظورا غير الوطء، كأن طيب عضوا كاملا أو أزال شعره أو لبس مخيطا لعذر خير إن شاء ذبح شاة في الحرم أو صام ثلاثة أيام ولو متفرقة أو تصدق ولو في غير الحرم بثلاثة آصع(1) على ستة مساكين، كل واحد نصف صاع من بر (فلو) تصدق بها على ثلاثة أو سبعة (فظاهر) كلامهم أنه لا يجوز، لأن العدد منصوص عليه، قال الله تعالى: "فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك"(2)، وأو للتخيير (وعن) عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا أوقد تحت قدر لي والقمل يتناثر على وجهي، فقال: أتؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم، قال: فأحلق وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين، أو أنسك نسيكة (الحديث) أخرجه الشافعي والجماعة من عدة طرق، وهذا لفظ مسلم(3). ... ... ... ... ... ... ... { 270 }
... (ولابد) في الصداقة والنسك من التمليك ولا تكفي الإباحة عند الأئمة الأربعة ومحمد خلافا لأبي يوسف (ولا يشترط) دوام العذر ولا أداؤه للتلف. بل الشرط وجوده مع تعب ومشقة تبيح ارتكاب المحظور، فإن غلب على ظنه مرضه من البرد ونحوه جاز له تغطية رأسه أو ستر بدنه بالمحيط بشرط ألا يتعدى موضع الضرورة.
... (الثاني) ما يفعله غير القارن بلا عذر: وإن ارتكب محظورا مما ذكر لغير عذر، فهو مخير في الفدية كالمعذور في المشهور عن الشافعية والحنبلية، وعليه أكثر المالكية (وقال) الحنفيون والجمهور: غير المعذور لا يتخير، بل يلزمه أو أكثر أو صدقة على التفصيل الآتي:
__________
(1) أنظر رقم 57 ص 42 ج 1 تكملة المنهل العذب (إفراد الحج) وباقي المراجع بهامش 5 ص 43 منه.
(2) الآية 196 من سورة البقرة.
(3) أنظر رقم 130 ص 179 ج 1 تكملة المنهل العذب (الفدية) وباقي المراجع بهامش 1 ص 182 منه.(1/259)
... 1- ما فيه دم، يلزم المحرم البالغ- ولو ناسيا أو مكرها أو نائما- دم إن طيب عضوا كاملا كالوجه والفخذ والساق لغير عذر، وكذا لو طيب قدر عضو من أعضاء متفرقة، والبدن كله كعضو إن اتحد المجلس، وإلا لزم لكل مجلس دم وإن لم يكفر للأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف (وقال) محمد: عليه دم واحد ما لم يكفر للأول، (وكذا يلزمه دم إن خضب رأسه أو لحيته لغير عذر بحناء سائلة، وإن كانت ثخينة فلبد الرأس فعليه دمان للطيب والتغطية. (وكذا) يلزمه دم إن ستر رأسه أو وجهه كله أو ربعه بما يستر به عادة ليلة أو يوما كاملا، ولو بإلقاء غيره وهو نائم(1)، أو لبس محيطا لبسا معتادا ليلة أو يوما كاملا أو قدر أحدهم وإن نزعه ليلا وأعاده نهارا أو بالعكس ما لم يعزم على الترك عند النزع، فإن عزم ثم لبس تعدد الجزاء، وإن لم يكفر للأول على ما تقدم (وكذا) لو أزال شعر ربع رأسه أو ربع لحيته- وهي مع الشارب عضو- وإقامة للربع مقام الكل أو أزال شعر رقبته أو إبطيه أو أحدهما أو عانته أو قص أظافر يديه ورجليه في مجلس واحد أو قص أظافر يد أو رجل، أو قبل أو لمس بشهوة وإن لم ينزل، فيلزمه لكل مما ذكر شاة تجزئ في الأضحية.
__________
(1) خالف في هذا الشافعي، لما تقدم عن يعلى بن أمية ولما ورد: رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي وعمر رضي الله عنهما (أنظر رقم 4463 ص 35 ج 4 فيض القدير) وقد تقدم جواب غير الشافعي عن حديث يعلي بن أمية وبمثله يجاب "أولا" عما ورد عن علي وعمر " ثانيا" بأن النسائي أخرجه من طرق وقال: لا يصح شيء منها والموقوف أولى بالصواب "وثالثا" بأن المراد به رفع الإثم، لأن رفع الواقع محال بدليل لزوم الدية والكفارة في قتل الخطأ: والله الموفق.(1/260)
... (فإن عجز) عنها حسا أو شرعا لزمه صيام عشرة أيام: ثلاثة قبل يوم النحر، وسبعة بعد تمام أعمال الحج أو بعد عوده إلى وطنه على ما تقدم في القرآن
... (وكذا) يلزم دم عند أبي حنيفة لو أدهن بزيت أو خل ولو غير مطيب لا للتداوي لأنه لا يخلو عن طيب، وكذا لو حلق محاجمه(1)، لأن المحجم لما قصد بالحلق اعتبر عضوا كاملا، (وقال) أبو يوسف ومحمد: يلزمه فيما ذكر صدقة كالفطرة، وهي نصف صاع من بر أو دقيقة أو سويقة أو صاع من تمر أو شعير أو زبيب، لأن الزيت والخل من الأطعمة، لكن فيهما انتفاع بقتل الهوام وإزالة الشعث والمحلوق للحجامة قليل فكانت الجناية قاصرة فاكتفى فيها بالصدقة.
... 2- ما فيه أكثر من دم: وإن قص غير القارن أظافر يديه ورجليه في أربعة مجالس لزمه أربعة دماء عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لتعدد الجناية حقيقة ومعنى بتعدد المجلس (وقال) محمد: يلزمه دم واحد لأنها جناية من نوع واحد ومعنى الكفارة على التداخل ما لم يكفر للسابق وإلا تعدد الدم.
... 3- ما فيه صدقة: وإن طيب أقل من عضو أو ستر رأسه أو وجهه أو لبس المخيط أقل من يوم أو ليلة، لزمه صدقة في كل واحد مما ذكر. (وكذا) لو حلق أقل من ربع رأسه أو لحيته أو بعض رقبته أو بعض عانته أو بعض إبطه أو حلق رأس غيره ولو بأمره وعلى المحلوق ولو بلا أمر دم. (ومن) قص أقل من خمسة أظافر لزمه في كل ظفر صدقة كالفطرة (وكذا) لو قص خمسة متفرقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف لنقصان الجناية (وقال) محمد: يلزمه دم كما لو حلق ربع الرأس من مواضع متعددة، ولو قص أظافر غيره فعليه صدقة كالحلق عند أبي حنيفة، (وقال) محمد:" لا شيء عليه.
... (الثالث) جناية القارن: وإن ارتكب القارن محظورا غير الوطء بلا عذر فعليه دمان: دم لحجته، ودم لعمرته عند الحنفيين.
__________
(1) المحاجم) جمع محجم كجعفر: موضع الحجامة.(1/261)
... (وقالت) المالكية: إن حلق إحدى عشرة شعرة فأكثر ولو بلا عذر لزمه فدية- صيام أو صدقة أو نسك- ولو كان الحلق لغير إماطة الأذى، وإن حلق أقل من ذلك لغير إماطة الأذى لزمه حفنة من طعام، وإن كان لإماطة الأذى لزمه فدية على التخيير، وإن قلم ظفرا واحدا لا لإماطة الأذى ففيه حفنة، وإن كان لإماطة الأذى ففيه فدية، وإن قلم أكثر من ظفر غير منكسر ففيه فدية، وأما المنكسر فلا شيء فيه وإن تعدد.
... ( وقالت ) الشافعية والحنبلية : إن حلق ثلاث شعرات فأكثر لزمه دم أو صيام أو صدقة. وعن أحمد أنه لا
فدية إلا في أربع شعرات فأكثر ، وإن حلق شعرة واحدة لزمه مد طعام ، وفي الشعرتين مدان. والأظفار كالشعر فيما ذكر عندهم.
... (الثاني) الجناية بالوطء:
... هي إما في الحج أو العمرة أو القرآن أو بتعدد الوطء أو مقدماته.
... (1) الوطء في الحج: تقدم أنه حرام ، وهو إما أن يكون قبل الوقوف بعرفة أو بعده قبل الحلق وطواف الركن أو بعد الوقوف قبل أحدهما.
... 1- فلو جامع الحاج بإيلاج الحشفة في أحد سبيلي آدمي حي مشتهى قبل الوقوف بعرفة وإن لم ينزل، فسد حجه إجماعا ولو كان الواطئ أو الموطوء ناسيا أو مكرها أو جاها أو نائما، وعليه إذا كان مكلفا شاة أو سبع بدنة عند الحنفيين وبدنة عند الثلاثة. ويمضي في حجه، لأن التحلل من الإحرام لا يكون إلا بالأداء أو الإحصار، ويعيده ولو كان نفلا في عام قابل. ويندب مفارقة امرأته في الإعادة عند الحنفيين، وهو الصحيح عن الشافعي. (وقال) مالك وأحمد: التفريق بينهما واجب، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لرجل وقع على امرأته وهو محرم: اقضيا نسككما وارجعا إلى بلدكما فإذا كان عام قابل فأخرجا حاجين، فإذا أحرمتما فتفرقا ولا تلتقيا حتى تقضيا نسككما وأهديا هديا. أخرجه البيهقي بسند صحيح(1). ... { 81 }
__________
(1) أنظر ص 167 ج 5 سنن البيهقي (ما يفسد الحج).(1/262)
... (فائدة) إن فات الحج إنسانا أو أفسده ثم حج من قابل فأفسد البدل لم يلزمه إلا حجة واحدة- كما لو أفسد قضاء رمضان- عند الحنفيين والشافعي وأحمد (وقال) مالك: يجب قضاء القضاء إذا فسد ولو تسلسل فيأتي بحجتين: إحداهما قضاء عن الأولى والثاني قضاء على القضاء وعليه هديان(1).
... 2- وإذا جامع الحاج بعد الوقوف بعرفة قبل الحلق وطواف الركن، فسد حجه وعليه المضي في فاسده وبدنه والقضاء عند مالك والشافعي وأحمد، لأنه وطء في إحرام كامل فأشبه الوطء قبل الوقوف، فإن لم يجد بدنه فبقرة، فإن فقدها فسبع من الغم، فإن فقدها أخرج بقيمة البدنة طعاما، فإن فقد صام عن كل مد يوما عند الشافعي، وعن أحمد أنه مخير بين هذه الخمسة.
... (وقال) الحنفيون: من جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل الحلق وطواف الركن لا يفسد حجه ولمه بدنة أو بقرة، لما روي عطاء بن أبي رباح أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة. أخرجه مالك بسند صحيح(2). ... ... { 82 }
... واحتجوا لعدم الفساد بحديث: الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه(3). (وأجاب) الأولون بأنه بإدراك عرفة فقد أمن الفوات ، وهذا لا ينافى طرو مفسد آخر (ورده) الحنفيون بأنه صلى الله عليه وسلم إنما علق تمام الحج بالوقوف بعرفة باعتبار أمن الفوات والفساد(4)، وهذا ينافى طرو مفسد آخر، فالحق معهم.
__________
(1) أنظر ص 61 ج 3 شرح الدر دير على خليل (وقال) الدسوقي: هذا على المشهور بخلاف قضاء القضاء في رمضان فالمشهور أنه لا يجب. والفرق بينهما أن الحج لما كانت كلفته شديدة شدد فيه بقضاء القضاء لئلا يتهاون به.
(2) أنظر ص 231 ج 2 زرقاني الموطأ (هدى من أصاب أهله قبل أن يفيض) و(يفيض) أي يطوف طواف الإفاضة.
(3) تقدم رقم 117 ص 91 (الوقوف بعرفة) و(ليلة جمع) ليلة النحر، وجمع: المزدلفة.
(4) أنظر ص 241 ج 2 فتح القدير.(1/263)
... 3- وإذا جامع بعد رمي جمرة العقبة وقبل طواف الركن فسد حجه عند أحمد، ولزمه أعمال عمرة فيخرج إلى الحل ويحرم بعمرة ويلزمه شاة أو بدنة، روايتان. (وقال) الحنفيون ومالك والشافعي: إن جامع بعد الوقوف والحلق قبل طواف الركن لا يفسد حجه ولزمه شاة عند مالك، وهو ظاهر مذهب الحنفيين لبقاء إحرامه في حق النساء فقط، فالشاة لخفة الجناية.
... (وقال) الشافعي: عليه بدنة واختاره في المبسوط والدبائع. ويؤيده قول عطاء: سئل ابن عباس عن رجل قضى المناسك كلها غير أنه لم يزر البيت حتى وقع على امرأته، قال: عليه بدنة. أخرجه ابن أبي شيبة(1). ... ... (83)
... (هذا) والبدنة أو الشاة واجب على كل من الفاعل والمفعول عند الحنفيين، وروي عن أحمد، لما روي عكرمة أن رجلا قال لابن عباس: أصبت أهلي، فقال ابن عباس: أما حجكما هذا فقد بطل فحجا عاما قابلا ثم أهلا من حيث أهللتما حتى إذا بلغتما حيث وقعت عليها ففارقها فلا تراك ولا تراها حتى ترميا الجمرة، وأهد ناقة ولتهدي ناقة. أخرجه البيهقي(2). ... ... ... ... ... (84)
... (وقال) مالك: على كل منهما بدنة إن طاوعته المرأة، وإن أكرهها يهدي عنها (وقال) الشافعي: يلزمه بدنة واحدة عنهما، وهو رواية عن أحمد، لما روي عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يجزئ بينهما جزور. أخرجه البيهقي بسند صحيح(3). ... ... ... ... ... ... ... ... (86)
__________
(1) أنظر ص 127 ج 3 نصب الراية.
(2) أنظر ص 168 ج 5 سنن البيهقي (ما يفسد الحج).
(3) أنظر ص 168 ج 5 سنن البيهقي (ما يفسد الحج).(1/264)
... وإذا كانت المرأة مكرهة على الجماع فلا هدى عليها ولا على الرجل أن يهدي عنها عند الشافعي، لأنه جماع يوجب الكفارة فلم تجب به حال الإكراه أكثر من كفارة كما في الصيام. وعن أحمد أن عليه أن يهدي عنها، وهو قول مالك، لأن إفساد الحج وجد\ منه في حقهما فكان عليه لإفساد حجها هدى، قياسا على حجه. (وقال) الحنفيون: يلزمها الهدى وهو رواية عن أحمد، لأن فساد الحج ثبت بالنسبة إليها، فكان الهدى عليها كما لو طاوعت، والنائمة كالمكرهة في هذا (وأما فساد) الحج فلا فرق فيه بين حال الإكراه والمطاوعة اتفاقا (ولا فرق) بين الوطء في القبل والدبر من آدمي أو بهيمة عند الشافعي وأحمد. (وقال) الحنفيون ومالك: لا يفسد الحج بوطء البهيمة والميتة ومن لا تشتهي، لأنه لا يوجب الحد فأشبه الوطء دون الفرج، ويلزمه شاة إن أنزل وإلا فلا، بخلاف ما لو استدخلت امرأة ذكر حمار أو ذكرا مقطوعا فإن حجها يفسد اتفاقا، لأن داعي الشهوة في النساء أتم فلم تكن الجناية في حقها قاصرة.
... (ب) الوطء في العمرة : هو يكون قبل الطواف أو قبل السعي أو قبل الحلق.
... 1- فإن وطئ المعتمر قبل طواف العمرة كله أو جله فسدت عمرته إجماعا ولزمه المضي في أعمالها وإعادتها لأنها لزمت بالإحرام بها ولزمه بها ولزمه شاة أو سبع بدنة.
... 2- ولو جامع بعد طواف أربعة أشواط وقبل الحلق لزمه دم، ولم تفسد عمرته عند الحنفيين لإتيانه بالركن.
... (وقالت) المالكية: لو جامع أو أنزل بمقدمات الجماع قبل تمام سعي العمرة ولو بشوط، فسدت عمرته ولزمه القضاء وشاة تكفي في الأضحية.
... (وقالت) الشافعية والحنبلية: إذا وطئ المعتمر بعد الطواف وقبل السعي فسدت عمرته وعليه المضي في فاسدها والقضاء وبدنة.
... 3- وإن جامع بعد السعي وقبل الحلق فسدت عمرته عند الشافعي وعليه المضي في فاسدها والقضاء وبدنة لبقاء الحلق وهو ركن فيها عنده. (وقال) الحنفيون ومالك وأحمد: لا تفسد العمرة لانقضاء أركانها ولزمه شاة.(1/265)
... (فائدتان) (الأولى) كل ما أوجب هديا في الحج كالقبلة وطول الملامسة والملاعبة، يوجب هديا في العمرة.
... (الثانية) إذا أحرم بالحج أو العمرة قبل الميقات ثم أفسده لزمه في القضاء الإحرام من ذلك الموضع عند الشافعي وأحمد؛ لأن القضاء يحكي الأداء.
... (وقال) الحنفيون ومالك: إن كان حاجا كفاه الإحرام من الميقات، وإن كان معتمرا فمن أدنى الحل، لقول عائشة رضي الله عنها من حديث: وكنت ممن أهل بعمرة فأظلني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ارفضي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج، فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم فأهللت بعمرة مكان عمرتي. أخرجه البخاري(1).
... (جـ) وطء القارن: هو إما أن يكون قبل طواف العمرة والوقوف بعرفة أو بعد جل طوافها وقبل الوقوف أو بعدهما أو بعد الحلق وقبل طواف الركن.
1- فلو جامع القارن قبل طواف العمرة والوقوف بعرفة، فسد حجة وعمرته ولزمه قضاؤهما ودمان لإفساد النسكين وسقط دم القرآن.
2- وإن جامع بعد أربعة أشواط من طواف العمرة وقبل الوقوف بعرفة فسد حجه فقط ولمه إعادته ودمان لجنايته على نسكين.
3- وإن جامع بعد أكثر طواف العمرة والوقوف بعرفة قبل الحلق وطواف الركن لم يفسد الحج ولا العمرة، ولزمه بدنة لجنايته على الحج وشاة لجنايته على العمرة. 4- وإن جامع بعد الحلق وقبل طواف الركن لزمه شاة فقط لجنايته على الحج على المختار عند الحنفيين.
(وقال) مالك والشافعي وأحمد: إذا وطئ القارن قبل الوقوف بعرفة أو بعده قبل التحلل الأول فسد حجه وعمرته ولزمه المضي في فاسدهما وبدنة للوطء وشاة للقرآن، فإذا قضي لزمه شاة أخرى ولو قضي مفردا لأنه لزمه القضاء قارنا فإذا قضي مفردا لا يسقط عنه دم القرآن.
(د) تعدد الوطء: هو إما أن يكون قبل الوقوف بعرفة أو بعده.
__________
(1) أنظر ص 392 ج 3 فتح الباري (العمرة ليلة الحصبة) بفتح فسكون والمراد بليلتها ليلة المبيت بالمحصب.(1/266)
1- فلو جامع الحاج مرارا قبل الوقوف بعرفة في مجلس واحد لزمه شاة والقضاء بعد المضي في أعمال الحج، وإن تعدد المجلس لزمه لكل جماع شاة وإن كفر عن الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
(وقال) محمد: إن لم يكن كفر عن الأول كفاه كفارة واحدة.
2- وإن كرر الوطء بعد الوقوف بعرفة في مجلس واحد لزمه بدنة واحدة. وإن تعدد المجلس لزمه بدنة للأول وشاة للثاني عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وهو الأصح عند الشافي لأنه وطء في إحرام ناقص الحرمة فأوجب شاة كالوطء بعد التحلل الأول (وقال) مالك: لا يجب بالوطء الثاني شيء لأنه لا يفسد الحج فلا يجب به شيء كما لو كان قبل التكفير. (وقال) الحنبلية ومحمد بن الحسن: إذا تكرر الجماع فإن كفر عن الأول فعلية للثاني كفارة أخرى كالأولى، وإن لم يكن كفر عن الأول فعليه كفارة واحدة لأنه جماع موجب للكفارة، فإذا تكرر قبل التكفير عن الأول لم يوجب كفارة ثانية كما في الصيام، وإذا كفر عن الأول لزمه بدنة عن الثاني لأنه وطء في إحرام لم يتحلل منه ولم تتداخل كفارته في غيره فأشبه الوطء الأول(1).
(هـ) مقدمات الوطء: تقدم أنه يحرم على المحرم مقدمات الجماع كالقبلة واللمس بشهوة إذا كان قبل التحللين، وأما بينهما ففي تحريم المباشرة بشهوة فيما دون الفرج خلاف، ومتى ثبتت الحرمة فباشر امرأته فيما دون الفرج عامدا عالما بالتحريم مختارا لم يفسد حجه عند الأئمة الأربعة والجمهور- إن لم ينزل- وعليه شاة (وكذا) إن أنزل عند الحنفيين والشافعي.
(وقال) مالك: إن أنزل يفسد نسكه وعليه القضاء وبدنة، وهو رواية عن أحمد، وأما اللمس والقبلة ونحوهما بلا شهوة فليس بحرام، ولا فدية فيه اتفاقا.
(
__________
(1) أنظر ص 321 ج 3 مغني أبن قدامة.(1/267)
مسائل) (الأولى) إذا قبل المحرم امرأته بشهوة ولزمته فدية ثم جامعها فلزمته بدنة تسقط الفدية وتندرج في البدنة ، ولو وطئ ثم باشر فيما دون الفرج بشهوة، فإن كفر عن الجماع قبل المباشرة لزمه لها شاة وإلا أندرجت في البدنة(1).
(الثانية) إذا استمنى المحرم فأنزل أثم ولزمته الفدية على الأصح، وهي كفدية الحلق.
(الثالثة) مباشرة الغلام الحسن بشهوة كمباشرة المرأة ففيها فدية(2)
الثالث: الجناية على الطواف: تكون بترك واجب فيه، والكلام في ثلاثة مواضع: (1) تقدم أن الطهارة شرط
لصحة الطواف عند مالك والشافعي، وهو المشهور عن أحمد، فلا يصح من محدث ولا من حائض ونفساء ولا من متنجس بدنه أو ثوبه. (وقال) الحنفيون: الطهارة من الحدث واجبة فيه، وهو رواية عن أحمد(3) وعليه (فلو طاف) للقدوم أو الوداع أو تطوعا- جنبا أو حائضا أو طاف أكثر طواف الركن محدثا (لزمه) شاة تجزئ في الأضحية، ولو طاف أقله جنبا ولم يعده طاهرا لزمه دم لقصور الجناية، وإن طاف أكثره جنبا ولم يعده طاهرا لوزمه بدنة لعظم الجناية، ويجب إعادته، والمعتبر الطواف الأول، والثاني جابر فلا يعاد السعي بعده.
(ولو طاف) مع نجاسة الثوب أو البدن فهو مكروه لا دم فيه.
(ولو طاف) للقدوم أو الوداع محدثا حدثا أصغر لزمه صدقة كصدقة الفطر.
(وإن) طاف للعمرة وسعى محدثا أعاد الطواف لنقصانه والسعي لتبعيته له ما دام بمكة ولا شيء عليه. وإن رجع إلى أهله ولم يعد الطواف لزمه دم لترك الطهارة فيه. (ب) وتقدم أنه يشترط عند الثلاثة كون الطواف سبعة أشواط، فلو ترك ولو خطوة منها لم يصح طوافه.
(
__________
(1) أنظر ص 411 ج 7 شرح المهذب.
(2) أنظر ص 413 ج 7 شرح المهذب.
(3) تقدم ص 101 (شروط الطواف).(1/268)
وقال) الحنفيون: ركن الطواف أربعة أشواط وباقيه واجب يجبر بالدم(1)، وعليه: 1- فلو ترك أكثر طواف الركن بقى محرما أبدا في حق النساء حتى يطوفه، فإن رجع إلى أهله لزمه العود محرما لتأديته وإذا جامع بعد الحلق لزمه دم، وإن جامع قبله لزمه بدنة إلا أن يقصد بالأول رفض إحرامه فلا يلزمه بالجماع الثاني شيء.
2- ولو ترك ثلاثة أشواط فأقل من طواف الركن لزمه دم لقصور الجناية (وكذا) لو ترك أكثر طواف القدوم أو الوداع لزمه دم، ولا يتحقق ترك طواف الوداع إلا بالخروج من مكة، ولو أتى بما تركه لا يلزمه شيء، ولو رجع إلى بلده ولم يطف للوداع لزمه الرجوع لتأديته ما لم يجاوز الميقات، فإن جاوزه أراق دما أو رجع محرما بعمرة.
3- وإن ترك أقل طواف القدوم أو الوداع، لزمه لكل شوط صدقة كصدقة الفطر عند الحنفيين، ولزمه دعم عند غيرهم.
4- وتقدم أنه يجب عند الحنفيين تأدية طواف الركن في أيام النحر، وعند المالكية في شهر ذي الحجة، فإن أخره عن ذلك لزمه دم(2).
__________
(1) تقدم ص 103 و104.
(2) تقدم ص 100 (طواف الركن).(1/269)
الرابع: الجناية على السعي وسائر الواجبات: الكلام هنا ينحصر في سبعة مواضع: 1- تقدم أن السعي بين الصفا والمروة ركن عند مالك والشافعي ورواية عن أحمد فلا يجبر بدم. (وقال) الحنفيون: هو واجب يجبر بدم، وهو الصحيح عند أحمد(1). 2- وتقدم أن المشي في السعي مع القدرة سنة عند الشافعي وأحمد، وواجب عند الحنفيين ومالك(2)، فلو ركب فيه بلا عذر لزمه دم، ولو أعاده ماشيا بعد ما حل فلا دم عليه، أما إذا ركب فيه لعذر فلا شيء عليه ككل واجب ترك في الحج لعذر. 3- وتقدم أن المبيت بمزدلفة سنة عند الحنفيين ومالك، وواجب عند أحمد وهو الصحيح عن الشافعي(3)، وعليه فلو ترك المبيت بها بلا عذر لزمه دم عند أحمد والشافعي، ولا شيء عليه عند الحنفيين ومالك.
4- وتقدم أن الوقوف بمزدلفة سنة عند مالك وهو المشهور عن الشافعي وواجب عند الحنفيين وأحمد(4)، وعليه فلو تركه بلا عذر أو وقف في غير وقته وهو وقت الصبح فعليه دعم عند هؤلاء، أما إن تركه لعذر كضعف أو مرض أو خوف زحام فلا دم عليه.
5- وتقدم أن رمي الجمار في وقته واجب يجبر تركه وتأخيره بدم اتفاقا(5).
6- وتقدم أن مد الوقوف بعرفة إلى الغروب- إن وقف نهارا- سنة عند الشافعي وواجب عند الحنفيين ومالك وأحمد(6)، وعليه فلو أفاض من عرفة بعد الوقوف نهارا قبل الغروب ولو بغير اختياره، كأن ندبعيره لزمه دم عند هؤلاء ويسقط بعوده قبل الغروب لا بعده.
7- وتقدم بيان حكم الحلق ووقته ومكانه وما يترتب على المخالفة فيه(7).
(ثانيا) الجناية على الحرم: وهي تكون بالتعرض لصيد البر وأكل لحمه وكسر بيضه وحلب لبنه وبيعه وشرائه:
__________
(1) تقدم ص 129 (السعي بين الصفا والمروة).
(2) تقدم ص 134 و135 (واجبات السعي).
(3) تقدم ص 151 (المبيت بمزدلفة).
(4) تقدم ص 152 و153 (الوقوف بمزدلفة).
(5) تقدم ص 171 (ترك الرمي وتأخيره).
(6) تقدم ص 93 (وقت الوقوف).
(7) تقدم ص 145 (وقت الحلق).(1/270)
1- فإن قتل المحرم بحج أو عمرة أو بهما صيد البر الممتنع المتوحش بأصل الخلقة ولو غير مأكول أو كان من صيد الحل أو تسبب في قتله بدلالة عليه ولم يكن المدلول عالما به وصدقه، فعليه الجزاء ولو كان ناسيا إحرامه أو جاهلا أو عائدا إلى التعرض له أو مضطرا لأكله، لأن لزوم الجزاء مع إذن الشارع بما يدفع الضرر ثابت بقوله تعالى: "فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك"(1)، ففائدة الإذن دفع الإثم لا غير.
2- وكذا عليه الجزاء لو ذبح حماما مسرولا(2)، أو ذبح ظبيا مستأنسا لأنهما من الصيد وإنما من الصيد وإن استأنسا بالمخالطة، والجزاء نظير الصيد في الجثة فيما له نظير، ففي الضبع شاة، وفي الغزال عنز، وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة، وفي النعامة بدنة، وفي الحمار الوحشي بقرة لما روي أبو الزيبر عن جابر رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي
اليربوع بجفرة. أخرجه مالك والشافعي والبيهقي(3). ... ... { 86 }
وعن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قضي في حمامة من حمام مكة بشاة. أخرجه البيقي(4).{ 87 }
(
__________
(1) الآية 196 من سورة البقرة.
(2) المسرول، بفتح الواو: ما في رجله ريش كالسروال.
(3) أنظر ص 270 ج 2 زرقاني الموطأ (فدية ما أصيب من الطير والوحش) وليس في سنده جابر، وص 27 ج 2 بدائع المنن، وص 183 ج 5 سنن البيهقي (فدية الضبع) و(العناق) الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول، و(اليربوع) بفتح فسكون: دويبة كالفأرة ذنبه وأذناه أطول من ذنب وأذنى الفأرة، ورجلاه أطول من يديه، عكس الزرافة، والعامة تقول: جربوع، و(الجفرة) بفتح فسكون: أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر.
(4) أنظر ص 205 ج 5 سنن البيهقي (جزاء الحمام ... ).(1/271)
والمثل) المذكور ليس بمتعين، بل قاتل الصيد مخير بين إخراج المثل أو تقدير قيمته والتصدق بها على المساكين لكل مسكين مد، عند مالك والشافعي، ومد من البر أو مدان من غيره عند أحمد (وقال) محمد ابن الحسن: لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير أو زبيب، أو يصوم عن طعام كل فقير يوما، ودليل ذلك قوله تعالى: "يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مسكين أو عدل ذلك صياما"(1).
(قال) مالك ومحمد بن الحسن: يقوم الصيد لا النظير في محل قتل الصيد ويتصدق بالطعام على فقراء ذلك المحل وإلا فعلى أهل أقرب مكان إليه، ولا ينقل إلى الحرم خلافا للشافعية والحنبلية (ويرجع) في اعتبار المثل وتقدير القيمة إلى حكم عدلين لهما معرفة بقيمة الصيد في موضع قتله أو في أقرب موضع منه إن لم تكن له فيه قيمة بالنسبة لكل صيد، وإن كان للصحابة في مثله حكم عند الحنفيين ومالك، لقوله تعالى: "يحكم به ذوا عدل منكم".
(وقال) الشافعي وأحمد: لا يرجع إلى حكم العدلين إلا فيما لا مثل له ولم يحكم فيه السلف، وأما ما له مثل فيرجع فيه إلى ما حكم به السف.
(
__________
(1) الآية 95 من سورة المائدة (والمتعمد) القاصد للشيء مع العلم (والمخطئ) من يقصد شيئا فيصيب غيره (والناسي) من يرمي الصيد ناسيا إحرامه. (وعن أحمد) أنه لا كفارة على غير العامد أخذا بظاهر الآية والجمهور أنها تلزم المخطئ والناس والمكره، والتقييد في الآية بالعمد للوعيد بقوله: ليذوق وبال أمره (وقال) الزهري: نزل الكتاب بالعمد وجاءت السنة بالخطأ (فجزاء مثل ما قتل) أي فيجب على القاتل ما يشبه المقتول في الخلقة (من النعم) وهي الإبل والبقر والغنم (يحكم ) .(1/272)
وقال) أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا قتل المحرم صيدا أو تسبب في قتله فعليه الجزاء وهو قيمة الصيد بتقويم عدلين في موضع قتله أو في أقرب موضع منه إن لم تكن له فيه قيمة، ثم الجاني مخير في القيمة بين ثلاثة أمور:
1- إما أن يشتري بها هدية يذبحه في المحرم؛ فلو ذبحه في الحل لا يخرج عن العهدة إلا إذا أعطى كل مسكين قدر قيمة صدقة الفطر.
2- أو يشتري بالقيمة طعاما مجزئا في الفطرة يتصدق به في أي مكان على كل فقير مسلم كالفطرة. ... 3- أو يصوم في أي مكان عن طعام كل فقير يوما. ( وإن لم يكن ) للمصيد مثل كالعصفور فجزاؤه القيمة يتصدق بها على كل فقير مد أو كالفطرة أو يصوم عن طعام كل فقير يوما . وكذا الجراد عند مالك والشافعي وأحمد.
( وقال ) الحنفيون : من قتل قملة من بدنه أو ثوبه تصدق بما شاء، وإن قتل قملا كثيرا تصدق على فقير كالفطرة ، لأن القمل متولد من درن البدن ، ففي قتله إزالة بعض التفث ( وإن قتل ) جرادة تصدق بما شاء ، لما روى زيد بن أسلم أن رجلا قال لعمر: إني أصبت جرادات بسوطي وأنا محرم، فقال له: أطعم قبضة من طعام. أخرجه مالك(1). ... { 88 }
3- لبن الصيد وبيضه: وإذا حلب المحرم الصيد أو كسر بيضه غير الفاسد ولم يخرج منه فرخ ميت لزمه قيمة اللبن أو البيض، فإن كان فاسدا فلا شيء فيه، وإن كان بيض نعام عند الحنفيين لأ،ه لا قيمة. له، وإن خرج منه فرخ لم يعلم قبل أنه ميت قيمة الفرخ حيا، أما إذا علم موت الفرخ فكسر البيض لا شيء فيه.
(
__________
(1) أنظر ص 171 ج 2 زرقاني الموطأ (فدية من أصاب شيئا من الجراد).(1/273)
وقال ) مالك والشافعي وأحمد : إذا أتلف المحرم بيض النعام لزمه قيمته ولو مذرا لأن قشره ينتفع به ومتقوم ، ولما روي معاوية بن قرة عن رجل من الأنصار أن رجلا محرما أوطأ بعيره أدحى نعام فكسر بيضها، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال : عليك في كل بيضة صوم يوم أو إطعام مسكين. أخرجه أحمد والبيهقي بسند جيد(1). ... ... ... ... ... ... ... ... { 272 }
(مسائل) (الأولى) إذا ضرب محرم الصيد فتعيب ولم يفوت عليه الأمن بأن جرحه أو أزال شعره أو قطع عضوه أو كسر سنه، قوم الصيد سليما ومعيبا، وضمن ما نقص من قيمته إذا برئ وبقى أثر الضرب وإلا فلا شيء عليه (وإن مات) من ضربه ضمن كل قيمته لتسببه في موته، وإن فوت الأمن على الصيد بتفويت آلة الامتناع، كأنه نتف ريشة أو كسر أو قطع بعض قوائمه فلم يمتنع ممن أراده لزمه قيمته كاملة.
(الثانية) من قتل صيدا لا يؤكل لحمه ولا يحل له قتله كالسباع، فعليه الجزاء لا يزيد على شاة، لحديث عبد الرحمن بن أبي عمار عن جابر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الضبع، فقال هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم. أخرجه أبو داود وابن ماجه(2) ... ... ... ... ... { 273 }
(الثالثة) لو ذبح المحرم صيدا فهو ميتة لا يحل له ولا لغيره أكله لأن الله تعالى سماه قتلا، بقبوله تعالى: "لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم"، ولو أكل منه لزمته قيمة ما أكل عند أبي حنيفة. (وقال) مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد: لا جزاء عليه بأكله، لأنه ميتة، وعليه الاستغفار.
(
__________
(1) أنظر ص 251 ج 11 الفتح الرباني، وص 207 ج 5 سنن البيهقي (بيض النعام يصيبها المحرم) و(الأدحى) بضم الهمزة وسكون الدال وكسر الحاء وشد الياء: الموضع الذي تبيض فيه النعامة.
(2) أنظر ص 255 ج 3 سنن أبي داود (في أكل الضبع- الأطعمة) وص 136 ج 2 سنن ابن ماجه (جزاء الصيد يصيبه المحرم).(1/274)
الرابعة) يبطل بيع المحرم صيدا حيا أو ميتا وشراؤه، لأن بيعه حيا تعرض له وغير الحي ميتة، وإن عطب في يد المشتري فعلى كل جزاء: البائع لتسليمه والمشتري لإثبات يده، أما بيع لبنه أو بيضه فصحيح.
2- الإحصار
... الإحصار لغة: المنع والحبس، ومنه قوله تعالى: "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله"(1)، وشرعا: المنع عن الوقوف بعرفة أو طواف الركن في الحج، وعن الطواف في العمرة، ثم الكلام ينحصر في خمسة مباحث.
... 1- سبب الإحصار: يكون الحصر عند الحنفيين بكل حابس عن البيت من عدو ولو مسلما، أو مرض يزيد بالذهاب أو الركوب أو موث محرم أو زوج لامرأة في الطريق أو هلاك نفقة، وروي عن أحمد (عن ابن عباس) في قوله: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى"، قال: من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده، أو عدو يحبسه، فعليه ذبح ما استيسر من الهدى: شاة فما فوقها، وإن كانت حجة الإسلام فعلية قضاؤها، وإن كانت بعد حجة الفريضة أو عمرة فلا قضاء عليه. أخرجه ابن جرير وابن المنذر(2). ... ... { 89 }
... (وقال) مالك والشافعي: الإحصار لا يكون إلا بالعدو. وروي عن أحمد، لأن آية "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى" نزلت في حصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الحديبية. (قال) الشافعي: فمن حال بينه وبين البيت مرض حابس فليس بداخل في معنى الآية، لأنها نزلت في الحائل من العدو. ذكره البيهقي(3). ولقوله تعالى: "فإذا أمنتم فمن تمتعه بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى". والأمن لا يكون إلا من خوف، (وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: لا حصر إلا حصر العدو. أخرجه البيهقي(4). ... ... ... ... { 90 }
__________
(1) سورة البقرة، الآية 273.
(2) أنظر ص 130 ج 2 جامع البيان، وص 174 ج 1 فتح القدير للشوكاني.
(3) ص 219 ج 5 سنن البيهقي (من لم ير الإحلال بالإحصار بالمرض).
(4) ص 219 ج 5 سنن البيهقي (من لم ير الإحلال بالإحصار بالمرض).(1/275)
... (والراجح) أن الحصر يكون بالمرض والعدو وغيرهما، لعموم قوله تعالى: "فإن أحصرتم". والأمن كما يكون من الخوف يكون من المرض.
... 2- ما يطلب من المحصر: إذا منع المحرم بحج أو عمرة عن الوصول للبيت الحرام بمانع مما سبق، فله البقاء محرما حتى يزول الإحصار، وله إرسال شاة أو ثمنها لتشتري به وتذبح عنه في الحرم في وقت معين عند أبي حنيفه ومحمد بن الحسن. ويكفيه سبع بدنة. ويتحلل بعد مضي الوقت الذي عينه الرسول للذبح بلا حلق ولا تقصير، فلا يتحلل قبل الذبح ولا بالذبح في غير الحرم، لقوله تعالى: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى". (قال) علي وابن عباس رضي الله عنهم: ما استيسر من الهدى هو شاة. أخرجه مالك(1). ... ... { 91 }
... (وقال) ناجية بن جندب: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم حين صد الهدى فقلت: يا رسول الله، أبعث معي الهدى لأنحره بالحرم. قال: كيف تصنع به؟ قلت": أخذ به في مواضع وأودية لا يقدرون عليه، فانطلقت به حتى نحرته في الحرم، وكان قد بعث به لينحر في الحرم فصدوه. أخرجه أبو الحسن رزين بن معاوية والنسائي بسند صحيح(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 274 }
... (فإن لم يجد) الدم بقى محرما حتى يجده ويذبح أو يطوف لأنه لا بدل الهدي لقوله تعالى: " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي". لم يذكر له بدلا ولو كان لذكره (وعن) أبي يوسف أنه يقوم الهدى ويتصدق بقيمته على كل مسكين كالفطرة، فإن لم يجد صام عن كل نصف صاع يوما.
__________
(1) ص 231 ج 2 زرقاني الموطأ (ما استيسر من الهدى):
(2) ص 288 ج 1 تيسير الوصول (فيمن أحصره العدو) وص 217 ج 5 الجوهر النفي:(1/276)
... (وإن كان) الناسك قارنا فأحصر أرسل دما للحج ودما للعمرة، فلا يتحلل إلا بعد الذبح عنهما. فإن بعث دما ليتحلل عن الحج ويبقى في إحرام العمرة لم يتحلل عن واحد منهما، لأن التحلل منهما لم يشرع إلا في وقت واحد. وتقدم عن عائشة من حديث قالت: وأما من أهل بحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر(1).
... هذا ولا يذبح دم الإحصار إلا في الحرم، لقوله تعالى: "ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله"، ومحله الحرم، لقوله تعالى: "ثم محلها إلى البيت العتيق"(2)، وقوله: "هديا بالغ الكعبة"(3) (ويصح) ذبحه قبل يوم النحر عند أبي حنيفة لأنه دم كفارة لا يجوز الأكل منه فيختص بالمكان دون الزمان (وقال) أبو يوسف ومحمد: لا يذبح قبل يوم النحر إن كان محصرا بالحج قياسا على هدى المتعة والقرآن (ورد) بأن هذا دم نسك (أما المحصر) بالعمرة فيذبح عنه في أي وقت عند الحنفيين.
... (وقالت) المالكية: الحصر ثلاثة أقسام: حصر عن الطواف والوقوف بعرفة وعن أحدهما:
... (1) فمن منع بعد إحرامه بالحج عن الطواف والوقوف- بعدو كافر أو فتنة بين المسلمين أو بحبس ظلما كحبس مدين معسر- فله التحل بالنية وسن له الحلق ولا دم عليه على المشهور.
... ويشترط للتحلل ثلاثة شروط:
1- أن يظن قبل الإحرام عدم المانع.
... 2- وأن يعلم أو يظن عدم زوال المانع قبل فوات الحج.
... 3- وأن يكون إحرامه في وقت يدرك فيه الحج لولا المانع، فإن انتفى شرط منها فليس له التحلل، بل يبقى على إحرامه لقابل.
... (ب) ومن وقف بعرفة ومنع عن باقي أعمال الحج لمرض أو عدو أو حبس، فقد أدرك الحج ولا يحل إلا بطواف الركن. وعليه لرمي الجمار والمبيت بمنى ونزول مزدلفة دم واحد كنسيان الجميع.
__________
(1) تقدم رقم 260 ص 244 (وجوه الإحرام).
(2) الحج: 33 أي محل الهدى وانتهاؤه إلى الكعبة:
(3) الآية 95 من سورة المائدة، أي واصلا إلى الكعبة، والمراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح به ويفرق لحمه على المساكين.(1/277)
... (جـ) ومن تمكن من الطواف وفاته الوقوف بعرفة ولو بحبس ظلما، فإن بعد عن البيت تحلل بالنية وسن له الحلق ولا دم عليه وإن قرب منه تحلل بنية عمرة ويطوف ويسعى ويحلق ويقضي من قابل(1).
... (وقال) الشافعي وأحمد: يتحلل المحصر في الحج أو العمرة بذبح الهدى في مكان الإحصار ولا يلزمه إرساله إلى الحرم وبالحلق أو التقصير (القول) المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم: خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي صلى الله عليه وسلم الهدى وأشعره وأحرم بالعمرة. وذكر الحديث في نزوله صلى الله عليه وسلم بأقصى الحديبية وفي مجيء سهيل بن عمرو وما قاضاه عليه حين صدوه عن البيت، فلما فرغ من قضية الكتاب قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا (الحديث) وفيه: فخرج فنحر هدية ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فتحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا. ملخص من أحمد والبخاري والبيهقي(2). ... ... ... ... { 275 }
... دل: (1) على أن المحصر يقدم النحر على الحلق، فإن قدم الحلق على النحو فالظاهر أنه لا دم عليه لعدم الدليل. ... (ب) وعلى أن المحصر يذبح ويتحلل حيث أحصر ولا يشترط الذبح في الحرم. وبه قال مالك والشافعي وأحمد (ويؤيده) قول أبي عميس: سمعت عطاء يقول: كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية في الحرة وفيها نحر الهدى. أخرجه البيهقي(3). ... ... { 92 }
__________
(1) ص 795 ج 1 الفجر المنير.
(2) ص 9 ج 21 الفتح الرباني، وص 208 ج 5 فتح الباري (الشروط في الجهاد) وص 215 ج 5 سنن البيهقي (من أحصر بعد وهو محرم) و(البضع) بكسر الباء وفتحها: ما بين الثلاث إلى التسع، وكانوا أربع عشرة مائة.
(3) ص 215 ج 5 سنن البيهقي (المحصر يذبح ويحل حيث أحصر):(1/278)
... وقال: قال الشافعي رحمة اله: وإنما ذهبنا إلى أنه نحر في الحل لأن الله تعالى يقول: "هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله"(1). والحرم كله محله عند أهل العلم. والحديبية موضع منه ما هو في الحل ومنه ما هو في الحرم؛ فإنما نحر الهدى عندنا في الحل وفيه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بويع فيه تحت الشجرة (وقال) الشافعي في قوله: "ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله": محله والله أعلم ههنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحر حيث أحصر. ومحله في غير الإحصار الحرم. ذكره البيهقي وقال: قد روي عن ابن عباس ما يدل على صحة ذلك.
... وأجاب الحنفيون: (أ) بأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل الهدى فذبح في الحرم كما تقدم(2). (ب) وعلى فرض أنه لم يرسله فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ذبح في الحرم من الحديبية. (روى) عروة عن المسور قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية خباؤه في الحل ومصلاه في الحرم. أخرجه الطحاوي(3). { 276 }
... وقال: ولا يجوز لمن قدر على دخول شيء من الحرم أن ينحر هدية دون الحرم. فلما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الحرم استحال أن يكون نحر الهدى في غيره.
__________
(1) الآية 25 من سورة الفتح، أي وصدوا الهدى محبوسا أن يصل إلى محله وهو الحرم.
(2) تقدم رقم 274 ص 273:
(3) أنظر ص 217 ج 5 الجوهر النفي.(1/279)
3- (مسائل) (الأولى) المحرم بالحج له التحلل إذا أحصره عدو إجماعا، ويلزمه شاة أو سبع بدنة عند الحنفيين والشافعي وأحمد والجمهور، لقوله تعالى: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي"(1). (فإن عجز) عن الهدى لم يصم عند الحنفيين لعدم النص عليه. (وقال) أحمد: يصوم عشرة أيام ثم يحل. وهو رواية عن الشافعي، لأنه دم واجب للإحرام فكان له بدل كدم التمتع. وعدم النص عليه لا يمنع قياسه على غيره، ولا يلزمه مع الذبح أو الصيام حلق أو تقصير عند أبي حنيفة ومحمد والشافعي، وهو رواية عن أحمد لأن الله تعالى لم يذكر سوى الهدى.
... (وقال) أبو يوسف: يلزمه حلق أو تقصير. وروي عن أحمد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق يوم الحديبية وأمر أصحابه بالحلق. وهذا الخلاف مبني على أن الحلق نسك أو إطلاق من محظور، والصحيح أنه نسك كما تقدم(2).
... (الثانية) إذا أحرم بالعمرة، فأحصر، فله التحلل عند الجمهور لآية "فإن أحصرتم"، وقد يرد منع مالك التحلل منها، لأنها لا يخاف فوتها(3).
... (الثالثة) يجوز عند الشافعي وأحمد التحلل، سواء أكان الإحصار قبل الوقوف بعرفة أو بعده، لعموم قوله: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي". (وقال) الحنفيون ومالك: من أحصر بعد الوقوف لا يتحلل بل يبقى على إحرامه حتى يطوف طواف الركن، لأنه لا يفوت بالتأخير.
... (الرابعة) لا يشترط عند الجمهور للتحلل ضيق الوقت بحيث ييأس المحصر من إتمام نسكه إن لم يتحلل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحلل بالحديبية من العمرة وهي لا يخشى فواتها، لأن وقتها العمر.
... (وقالت) المالكية: إن علم زوال الحصر قبل الفوات أو ظنه أو شك فيه لا يتحلل، بل ينتظر حتى يفوت بالفعل(4).
__________
(1) أنظر ص 354 ج 8 شرح المهذب.
(2) تقدم ص 144 (الحلق نسك).
(3) أنظر ص 255 ج 8 شرح المهذب.
(4) أنظر ص 796 ج 1 الفجر المنير,(1/280)
... (الخامسة) من وصل إلى مكة ومنع: (1) عن الوقوف بعرفة وطواف الركن، فهو محصر اتفاقا مفردا أو قارنا لأنه تعذر عليه الإتمام فيتحلل بالهدى عند الحنفيين والشافعي وأحمد. (وقال) مالك: يتحلل بالنية ولا دم عليه في المشهور عنه.
... (ب) وإن منع المكي عن الوقوف بعرفة فليس بمحصر عند الحنفيين ومالك وروي عن أحمد، فيبقى محرما حتى يفوته الحج ثم يتحلل بعمرة ولا هدى عليه (وقال) الشافعي: يجوز له التحلل بفسخ الحج وجعله عمرة ولا هدى عليه. وهو مشهور مذهب أحمد.
... (جـ) وإن منع عن الطواف بعد الوقوف وقبل رمي الجمرة فليس بمحصر عند الحنفيين ومالك، لأنه أدرك الحج ولا يتحلل إلا بطواف الإفاضة (وقال) الشافعي وأحمد: يكون محصرا ويتحلل بالهدي والحلق.
... (د) وإن كان ما أحصر عنه ليس من أركان الحج كالرمي وطواف الوداع والمبيت بمزدلفة أو بمنى في لياليها فليس له التحلل، لأن صحة الحج لا تتوقف على ما ذكر وعليه دم وحجه صحيح كما لو تركه من غير حصر.
... (هـ) وإن أحضر عن طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة فليس له أن يتحلل، لأن المحرم عليه حينئذ إنما هو النساء والشرع إنما ورد بالتحلل عن الإحرام التام الذي يحرم به جميع محظوراته فلا يثبت بما ليس مثله ومتى زال الحصر أتى بالطواف وتم حجه(1).
... (السادسة) الحصر عام وهو ما سبق، وخاص وهو ما يقع لواحد أو جماعة:
... (1) فإن لم يكن المحصور معذورا، كمن حبس في دين يمكنه أداؤه فليس له التحلل، بل عليه أداء الدين والمضي في الحج، فإن تحلل لم يصح تحلله اتفاقا، فإن فاته الحج وهو في الحبس كان كمن فاته الحج بلا حصر فيلزمه قصد مكة والتحلل بعمل عمرة.
__________
(1) أنظر ص 525 ج 3 شرح ابن قدامة.(1/281)
... (ب) وإن كان معذورا، كمن حبسه السلطان ظلما أو حبس بدين لا يمكنه أداؤه، جاز له التحلل عند الثلاثة وهو المذهب عند الشافعية، لأنه معذور(1)، ولو أحرم العبد بغير إذن سيده أو المرأة للتطوع بغير إذن زوجها، فلهما منعهما وحكمهما حكم المحصر(2).
... 4- هل على المحصر قضاء؟ اختلف العلماء في هذا (فقال) الحنفيون: عليه قضاء ما أحصر عنه.
... (أ) فعلى المحصر بالحج ولو نفلا إن تحلل ولو يؤده في عامه حج من قابل للزومه بالشروع وعمرة للتحلل، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: أليس حبسكم سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا. أخرجه البخاري والنسائي(3). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... [277]
... (وروي) الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كسر أو عرج أو مرض فقد حل وعليه الحج من قابل. أخرجه أحمد والأربعة والطحاوي والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري والبيهقي، وحسنه الترمذي(4). ... ... ... ... ... ... ... ... ... [278]
... (ب) وعلى المحصر بالعمرة إعادتها، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: قد أحصر النبي صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر عاما قابلا. أخرجه البخاري(5). ... ... ... [279]
__________
(1) أنظر ص 305 ج 8 شرح المهذب.
(2) أنظر ص 516 ج 3 شرح ابن قدامة.
(3) أنظر ص 6 ج 4 فتح الباري (الإحصار في الحج) وص 21 ج 2 مجتي (ما يفعل من حبس عن الخج..).
(4) أنظر رقم 136 ص 188 ج 1 تكملة المنهل العذب (الإحصار) وباقي المراجع بهامش 1 ص 192 منه. و(كسر) مبني للمفعول (أو عرج) بفتحتين، أي أصابه شيء في رجله لعارض، فإن كان خلقة قيل: عرج كفرح (فقد حل) من إحرامه ما ذكر.
(5) أنظر ص 5 ج 4 فتح الباري (إذا أحصر المعتمر).(1/282)
... (جـ) والقارن المحصر إذا تحلل بغير عمرة وقدر على الذهاب إلى الحرم لزمه عند الحنفيين حجة وعمرتان: حجة وعمرة لإعادة ما لزمه بالشروع، وعمرة للتحلل ولا تلزم المحصر قضاء ما أحصر عنه إلا أن يكون فرضا عليه من قبل، لأن الله تعالى لم يذكر القضاء، ولو كان واجبا لذكره (وهذا) ضعيف، لأن عدم الذكر لا يستلزم العدم، لكن تقدم في أثر عن ابن عباس: وإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد حجة الفريضة أو عمرة فلا قضاء عليه(1) (وأجاب) الحنفيون عنه بأن قول الصحابي ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا عارض المرفوع؟
... 5- زوال الحصر: إذا تحلل المحصر من الحج فزال الحصر وأمكنه الحج لزمه عند مالك والشافعي وأحمد إن كانت حجة الإسلام أو كانت واجبة في الجملة، أو قلنا بوجوب القضاء، لأن الحج يجب على الفور، فأما إن كانت تطوعا ولم نقل بوجوب القضاء فلا شيء عليه كمن لم يحرم.
... (وقال) الحنفيون: إن زال الإحصار عن محرم بالحج بعد إرساله الدم، فله أربعة أحوال، لأنه إما أن يدرك الحج والهدى أو لا يدركهما أو يدرك أحدهما.
... (أ) فإن أمكنه إدراك الهدى قبل ذبحه وإدراك الحج بإدراك الوقوف بعرفة، لا يصح له التحلل ولزمه التوجه لأداء الحج، وصنع بالهدى ما شاء.
... (ب) و(جـ) وإن لم يمكنه إدراكهما أو أمكنه إدراك الهدى فقط، تحلل ولا يلزمه التوجه إلى البيت، لكنه أفضل ليتحلل بعمرة.
__________
(1) تقدم أثر 89 ص 272 (سبب الإحصار).(1/283)
... (د) وكذا إن أمكنه إدراك الحج فقط عند أبي حنيفة استحسانا، لأننا لو ألزمناه التوجه لضاع عليه ما أرسله من الهدى بلا حصول مقصوده، والقياس ألا يصح التحلل في هذه الصورة، وبه قال زفر، لأنه قدر على الأصل وهو الحج قبل حصول المقصود بالبدل وهو الهدي، وهذه الصورة لا تتأتى على قول أبي يوسف ومحمد، لأن دم الإحصار عندهما يتوقت ذبحه بيوم النحر، فمن يدرك الحج يدرك الهدى (ولو زال) الإحصار عن محرم بالعمرة بعد إرسال الهدى، فإن كان يدركهما لزمه التوجه لأداء العمرة، وإن كان يدركها فقط جاز له التحلل، والأفضل التوجه إلى البيت لأدائها.
3- الفوات
... هو لغة مصدر فات الأمر، أي لم يتأت فعله في وقت، والمراد هنا فوات الحج بفوات الوقت بعرفة (أما العمرة) فلا تفوت إجماعا لأنها غير مؤقتة، فمن فاته الحج ولو نفلا أو فاسدا بفوت الوقوف بمعرفة لعذر أو غيره، لزمه التحلل إحرامه بعمل عمرة فيطوف لها ويسعى بلا إحرام جديد، ثم يحلق أو يقصر عند الحنفيين ومالك والشافعي، وهو الصحيح عن أحمد، وإذا تحلل لزمه الحج في عام قابل، لحديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من وقف بعرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل. أخرجه الدارقطني وابن عدى في الكامل بسند ضعيف(1) لكنه روى من عدة طرق ارتقى بها إلى درجة الحسن. ... ... ... ... ... ... ... { 280 }
... (هذا) والفوات يتعلق به أربعة أمور:
__________
(1) أنظر ص 264 سنن الدارقطني. وفي سند ابن عمر رحمة بن مصعب ضعيف. وفي سند ابن عباس يحيى بن عيسى النهشلي ساء حفظه وكثر وهمه.(1/284)
... (أ) أنه لا يكون إلا بفوت الوقوف بعرفة. ... (ب) أن من فاته الحج يلزمه الخروج منه بعمل عمرة، وهذان مجمع عليهما. ... (جـ) يلزمه قضاء الحج في عام قابل عند الثلاثة، وهو مشهور مذهب أحمد، سواء أكان الفائت واجبا أو تطوعا لإطلاق النصوص، والقضاء يجزئ عن الحج المفروض إجماعا. ... (د) لا دم عند الحنفيين، وروي عن أحمد، لعدم النص عليه في الحديث السابق.
... (وقال) مالك والشافعي والجمهور: يجب الهدى، وهو المشهور عن أحمد، لما روي سليمان بن يسار أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجا حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة أضل رواحله ثم قدم على عمر يوم النحر فذكر له ذلك، فقال له عمر: أصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت، فإذا أدركك الحج قابلا فأحجج وأهد ما استيسر من الهدي. أخرجه مالك والبيهقي بأسانيد صحيحة(1). ... ... ... ... ... { 93 }
... (وعن نافع) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: من لم يدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج فليأت البيت فليطف به سبعا ويطوف بين الصفا والمروة سبعا ثم ليحلق أو يقصر إن شاء وإن كان معه هدية فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحج إن استطاع وليهد في حجه، فإذن لم يجد هديا فليصم عنه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهلة. أخرجه البيهقي بسند صحيح(2). ... ... ... ... ... ... ... ... { 94 }
__________
(1) أنظر ص 230 ج 2 زرقاني الموطأ (هدى من فاته الحج) وص 174 ج 5 سنن البيهقي (ما يفعل من فاته الحج) و(البادية) بالدال المهملة في رواية البيهقي. وفي رواية مالك: النازية) بالنون والزاي والياء. وهي عين قرب الصفرا.
(2) أنظر ص 174 ج 5 سنن البيهقي.(1/285)
... (وجملة) القول في الفوات: أن من فاته الحج لزمه التحلل بعمل عمرة بالطواف والسعي والحلق وعليه القضاء وشاة. ولا ينقلب إحرامه عمرة عند مالك والشافعي، كذا عند أبي حنيفة ومحمد، غير أنهما قالا: لا دم عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ومن فاته عرفات فقد فاته الحج فليتحلل بعمرة وعليه القضاء من قابل(1). (وقال) أبو يوسف وأحمد في الأصح عنه: ينقلب إحرامه عمرة مجزئة عن عمرة سبق وجوبها ولا دم. والدليل يشهد للأول.
... (فائدتان) (الأولى) إذا أحرم بالعمرة في أشهر الحج وفرغ منها ثم أحرم بالحج ففاته لزمه قضاؤه دون العمرة، لأنه الذي فاته ولزمه دمان: دم الفوات ودم التمتع(2).
... (الثانية) من كان قارنا وفاته الحج حل وعليه مثل ما أهل به من قابل عند مالك والشافعي وأحمد، لأن القضاء يكون على حسب الأداء، ويلزمه هديان لقرانه وفواته عند مالك والشافعي.
... (وعن) أحمد أنه يجزئه ما فعله عن عمرة الإسلام ولا يلزمه إلا قضاء الحج، لأنه هو الذي فاته(3).
... (وقال) الحنفيون: يطوف القارن ويسعى لعمرته لأنها لا تفوت، ثم يطوف طوافا آخر لفوات الحج ويسعى له ويحلق أو يقصر، وقد سقط عنه دم القرآن لأنه يجب للجمع بين الحج والعمرة ولم يوجد ويقطع التلبية إذا أخذ في طواف التحلل. وإن كان من فاته الحج متمتعا ساق الهدى بطل تمتعه ويصنع كما يصنع القارن، لأن دم التمتع يجب للجمع بين العمرة والحج ولم يوجد الجمع لأن الحج فاته(4).
... الفساد هنا الخلل المؤدى للزوم الإعادة ليخرج من العهدة، والبطلان عدم وجود حقيقة الفعل الشرعي.
__________
(1) أنظر ص 290 ج 8 شرح المهذب.
(2) أنظر ص 287 منه.
(3) أنظر ص 512 ج 3 الشرح الكبير لابن قدامة.
(4) أنظر ص 22 ج 2 بدائع الصنائع (بيان ما يفوته الحج).(1/286)
... (ويفسد) الحج عند الحنفيين بالوطء- بإيلاج الحشفة أو قدرها في أحد سبيل آدمي حي مشتهى وإن لم ينزل- قبل الوقوف بعرفة ولو كان الواطئ ناسيا أو مكرها أو جاهلا أو نائما أو غير مكلف، ولا يخرج منه بالفساد، بل يتممه وعليه بدنة والإعادة في عام قابل. ويندب أو يجب مفارقة امرأته في الإعادة كما تقدم(1). أما وطء البهيمة والميتة ومن لا يشتهي فلا يفسد الحج وإن أنزل. (وقالت) المالكية: إذا جامع الحاج أو أنزل بلمس، أو قبلة، أو استدامة نظر أو فكر قبل الوقوف بعرفة أو بعده قبل طواف الركن ورمى جمرة العقبة، فسد حجه وعليه بدنة والقضاء فورا، ويجب عليه وإتمامه إذا أدرك الوقوف فيه وإلا وجب تحلله من الحج الفاسد بفعل عمرة، ولا يجوز له البقاء لقابل على إحرامه لأن فيه التمادي على الفاسد مع إمكان التخلص منه. (وإن جامع) الحاج يوم النحر بعد طواف الركن وقبل رمي جمرة العقبة أو بعد رميها وقبل طواف الركن أو جامع بعد يوم النحر قبلهما، لا يفسد حجه ولزمه هدى، وإن جامع بعدهما يوم النحر فلا دم ولا فساد(2).
... (وقالت) الشافعية والحنبلية: إذا جامع الحاج قبل رمي جمرة العقبة وقبل الحلق وطواف الركن، فسد حجه ولزمه إتمامه وقضاؤه فورا وعليه بدنة.
... (وتفسد) العمرة عند الحنفيين بالوطء قبل أكثر الطواف ويمضي فيها وعليه شاة أو سبع بدنة وإعادتها. (وقالت) المالكية: لو جامع المعتمر وإن كان بحائل كثيف أو أنزل بمقدمات الجماع قبل تمام سعي العمرة ولو بشرط، فسدت عمرته وعليه القضاء وشاة تكفي الأضحية.
... (وقالت) الشافعية والحنبلية: إذا وطئ المعتمر بعد الطواف وقبل السعي، فسدت عمرته وعليه المضي في فاسدها والقضاء وبدنة.
... ولو وطئ قبل الطواف فسدت عمرته إجماعا.
المقصد العاشر: في الهدى
__________
(1) تقدم ص 258 (الوطء في الحج).
(2) أنظر ص 60 و 61 ج 2 شرح الدردير على خليل (ما يحرم بالإحرام).(1/287)
... الهدى لغة وشرعا: أسم لما يهدي من النعم قربة إلى الحرم، فهو لا يكون إلا من الإبل والبقر والغنم بالإجماع (وهو) في الفضل على هذا الترتيب اتفاقا. وحكمية مشروعية ذبح الهدى والفدية ما فيه من طاعة الله تعالى وامتثال أمره وإظهار نعمته بتوسعة المسلمين على أنفسهم وعلى المحتاجين في أيام العيد التي هي أيام ضيافة الله للمؤمنين. وفيه تطهير للنفوس من دنس الشح، وتذكير لنا (بنزول) الفداء لإسماعيل حين جاد بنفسه تصديقا لرؤيا أبيه (وبقيام) أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بما أمر به، وبأن من يمتثل أمر ربه مع الإخلاص لا يصاب بأذى، بل ينال كل الخير والسعادة: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب"(1)، وأقل الهدى شاة كما تقدم(2)، ثم الكلام ينحصر في خمسة عشر مبحثا.
... 1- ما يجزئ في الهدى وما لا يجزئ: يجزئ فيه ما يجزئ في الأضحية، وهو:
... (أ) الجذع من الضأن، وهو ما تم له ستة أشهر وكان سمينا.
... (ب) الثني من الضأن وغيره، وهو ما له خمس سنين من الإبل اتفاقا وما له حولان من البقر والجاموس عند الحنفيين والشافعي وأحمد. (وقالت) المالكية: الثني من البقر والجاموس ما له ثلاث سنين ودخل في الرابعة، والثني من الضأن ما له سنة ودخل في الثانية اتفاقا. وكذا الثني من المعز عند الحنفيين ومالك وأحمد، (وقالت) الشافعية: الثني من المعز ما له سنتان ودخل في الثالثة. ودليل ذلك ما روي أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضمان. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وأبن ماجه وأبو الزبير مدلس(3). ... ... ... ... ... { 281 }
__________
(1) الآية 2 من سورة الطلاق.
(2) تقدم أثر 91 ص 273.
(3) أنظر رقم 10 ص 14 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يجوز في الضحايا من السن وباقي المراجع بهامش 2 ص 16 منه. والمسن: الثني.(1/288)
... (ولا يجزئ) في الهدى ما لا يجزئ في الأضحية. وهو مقطوع أكثر الأذن أو الذنب، لأن للأكثر حكم الكل، والعوراء والعمياء بالأولى، والعجفاء أي المهزولة التي ذهب مخها من الهزال، والعرجاء التي لا تمشي برجلها المعيبة إلى مكان الذبح. ودليل ذلك قول على رضي الله عنه: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ولا نضحى بعوراء ولا بمقابلة ولا مدابرة ولا شرفاء ولا خرقاء. أخرجه أحمد والأربعة والدرامي وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم(1). ... ... ... ... ... ... ... { 282 }
... (وروي البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بين عورها، والمريضة بين مرضها، والعرجاء بين عرجها، والعجفاء التي لا تنقى. أخرجه الإمامان والأربعة والدارمي، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم(2). ... ... ... ... ... ... { 283 }
... 2- الدماء الواجبة في الإحرام: هي ثمانية: (الأول والثاني) دم القرآن والتمتع، وهو شاة أو بدنة أو سبعها، وهو واجب على غير حاضري المسجد الحرام كما تقدم(3)، فإن عجز القارن أو المتمتع عن الدم صام عشرة أيام(4).
... (الثالث) دم الإحصار، وهو شاة تذبح في الحرم(5).
__________
(1) أنظر رقم 17 ص 26 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يكره من الضحايا) وباقي المراجع بهامش 6 ص 27 منه و(المقابلة) بفتح الباء التي قطع من مقدم أذنها قطعة وتركت معلقة، فإن كانت من مؤخرها فهي المدابرة (والشرقاء) التي شقت أذنها طولا (والخرفاء) التي في أذنها خرق، وهو ثقب مستدير.
(2) أنظر رقم 15 ص 22 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يكره من الضحايا) وباقي المراجع بهامش 3 ص 24 منه. و(لا تنقى) من الإنقاء، أي التي لا نقي (بكسر فسكون) لها، أي لا مخ لها من الهزال.
(3) تقدم ص 251 (حاضرو المسجد الحرام).
(4) تقدم ص 247 (وقت ومكان صيام القارن).
(5) تقدم ص 273 (ما يطلب من المحصر).(1/289)
... (الرابع) دم الفوات، وهو واجب عند الجمهور، خلافا للحنفيين(1).
... (الخامس) الدم الواجب بترك واجب من واجبات النسك كالإحرام من الميقات والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار وغير ذلك(2). (السادس) الدم الواجب بارتكاب محظور غير الوطء كالتطيب والحلق والقبلة(3).
... (السابع) الدم الواجب بالجماع في النسك(4).
... (الثامن) الدم الواجب بالجناية على الحرم كالتعرض لصيده أو شجره على ما تقدم بيان كل في بحثه(5).
... 3- ما تلزم فيه بدنة: تجزئ الشاة في كل جناية ونذر إلا في أربعة لا يجزئ فيها إلا بدنة، وهي إذا طاف للزيارة جنبا أو حائضا أو نفساء أو جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل الحلق أو نذر بدنة أو جزوؤا.
... 4- هدى التطوع: يستحب لمن قصد مكة حاجا أو معتمرا أن يسوق هديا من النعم لينحر في الحرم ويفرق على المساكين هناك، لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: وكان جماعة الهدى الذي قدم به على من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة. ثم قال: فنحر (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) بيده ثلاثا وستين، ثم أمر عليا فنحر ما غبر(6).
... دل على استحباب سوق الهدى من الحل، فإن اشتراه من الحرم أجزأه، ولا يلزمه الخروج به إلى الحل عند الحنفيين والشافعي وابن القاسم المالكي، والمشهور عن مالك أنه يخرج به إلى عرفة، وإن لم يفعل فعليه البدل، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: الهدى ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة. أخرجه مالك والبيهقي بسند صحيح(7). ... {95}
__________
(1) أنظر ص 283 (هدى الفوات).
(2) أنظر ص 266 (الجناية على السعي..).
(3) أنظر ص 254 (الجناية بغير الوطء لعذر).
(4) أنظر ص 257 و259 و260 و262 و263 و264.
(5) أنظر 267 (الجناية على الحرم).
(6) تقدم تاما رقم 242 ص 217، 219.
(7) أنظر ص 227 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى حين يساق) وص 232 ج 5 سنن البيهقي (الاختيار في التقليد والإشعار).(1/290)
... (وإن اشترى الهدى من الحل استحب له أن يوقفه بعرفة عند مالك لما روي نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا أهدى هديا من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ثم يدفع به معهم إذا دفعوا فإذا قدموا مني غداة النحر نره قبل أن يحلق أو يقصر. أخرجه مالك(1). ... ... {96}
... (وقال) الشافعي: إنما يوقف الهدى بعرفة إذا لم يسق من الحل، وهو سنة لمن شاء، لقول إبراهيم النخعي: أرسل الأسود غلاما له إلى عائشة رضي الله عنها، فسألها عن بدن بعث بها معه أيقف بها بعرفات؟ فقالت: ما شئتم إن شئتم فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا. أخرجه البيهقي(2). ... ... ... ... ... ... {98}
... (وقال الحنفيون: لا يسن سوق الهدى مطلقا إلى عرفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق الهدى من الحل ولم يثبت أنه ساقه إلى عرفة.
... 5- الشعار والتقليد: الإشعار لغة الإدماء، وشرعا شق سنام الهدى حتى يلطخ ليعلم أنه هدى فلا يتعرض له. والتقليد أن يجعل في عنق الهدى قطعة جلد أو نعل أو نحوه ليعلم أنه هدى.
... هذا، ويسن لمن أراد النسك وساق معه هديا أن يشعره إن كان من الإبل والبقر وأن يقلده ولو منهما أو من الغنم في ميقات الإحرام، لما تقدم أن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي صلى الله عليه وسلم الهدى وأشعره وأحرم بالعمرة(3).
__________
(1) أنظر ص 226 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى حين يساق).
(2) أنظر 232 ج 5 سنن البيهقي (الاختيار في التقليد والإشعار).
(3) تقدم رقم 275 ص 275 (ما يطلب من المحصر).(1/291)
... (دل) على أن النبي صلى الله عليه وسلم أشعر هدية وقلده بذي الحليفة قبل الإحرام. فمن أراد أن يحرم بنسك وساق معه هديا لا يقلده إلا من الميقات. وأما من لم يرد نسكا وبعث هديا إلى البيت فإنه ينبغي له أن يقلده ويشعره في بلده ثم يبعثه ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا بعث بهدية مع أبي بكر رضي الله عنه سنة تسع(1). والإشعار يكون في الإبل والبقر وإن لم يكن لها سنام عند غير مالك (لقول) عائشة رضي الله عنها: فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها، فما حرم عليه شيء كان أحل له. أخرجه السبعة والطحاوي(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 284 }
... (وقال) مالك: لا تشعر البقر إلا إن كان لها سنام. وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يبالي في أي الشقين أشعر، في الأيسر أو في الأيمن. (قال) الشافعي في غير هذه الرواية: الإشعار في الصفحة اليمنى، وكذلك أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكره البيهقي(3). فاختار مالك وأحمد في رواية الإشعار في الأيسر، واختار الشافعي وأحمد في رواية، والجمهور: الإشعار في الأيمن، لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أولى من فعل ابن عمر. والحكمة في الأشعار ألا يختلط الهدى بغيره، وإذا ظل يعرف وقد يعطب فينحر، فإذا رأى الفقراء عليه علامة الهدى أكلوه. وفي الإشعار أيضا تعظيم شعائر الدين وحث الغير على سوق الهدى.
__________
(1) أنظر ص 38 ج 10 عمدة القاري (من أشعر وقلد بلدي الحليفة).
(2) أنظر رقم 37 ص 14 ج 1 تكملة المنهل العذب (من بعث بهديه وأقام) وباقي المراجع بهامش 5 ص 15 منه. و(البدن) بضم فسكون، جمع بدنة تطلق على الجمل والناقة والبقرة، سميت بذلك لعظمها وسمنها.
(3) أنظر ص 232 ج 5 سنن البيهقي (الاختيار في التقليد والإشعار).(1/292)
... هذا، والتقليد يكون في الإبل والبقر والغنم لما تقدم، ولقول عائشة رضي الله عنها: أهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة غنما إلى البيت فقلدها. أخرجه السبعة بألفاظ متقاربة(1). ... ... ... { 285 }
... دل قولها مرة على أن أكثر هدى النبي صلى الله عليه وسلم كان من الإبل لأنها أفضل، وأهدى مرة الغنم لبيان الجواز. وتقلد الغنم بخيوط مفتولة ونحوها ولا تقلد بالنعال لثقلها عليها عند الجمهور، وابن حبيب المالكي.
... (وقال) الحنفيون: لا يسن تقليد الغنم. ومشهور مذهب مالك أنه يكره تقليدها، وهو مردود بحديث عائشة رضي الله عنها، ويحرم إشعارها لأنها تعذيب.
... 6- ما يطلب في الهدى: يطلب فيه تسعة أمور: (أ) يستحب أن يكون سمينا حسنا، لقوله تعالى: "ومن يعظم شعائر الله فإنها نمن تقوى القلوب"(2). (قال) ابن عباس: تعظيمها: استسمانها واستحسانها.
... (ب) ويستحب توجيه الهدى إلى القبلة عند إشعاره وأن يقول: باسم الله والله أكبر، لما روى نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا طعن في سنام هدية وهو يشعره قال: باسم الله واله أكبر. أخرجه مالك(3). {98}
... (جـ) ويستحب تجليل الهدى بكساء ونحوه وأن يتصدق به بعد ذبح الهدى على مساكين الحرم، لقول على رضي الله عنه: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتصدق بجلال البدن التي نحرت وبجلودها. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه(4) ... ... ... ... ... ... ... ... {286}
__________
(1) أنظر رقم 35 ص 11 ج 1 تكملة المنهل العذب (في الإشعار) وباقي المراجع بهامش 1 ص 10 وهامش 2 ص 11، 12 منه.
(2) الآية 32 من سورة الحج.
(3) أنظر ص 217 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى حين يساق).
(4) أنظر ص 357 ج 2 فتح الباري (الجلال للبدن) وأنظر رقم 49 ص 29 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف تنحر البدن؟) وباقي المراجع بهامش 2 ص 31 منه. و(الجلال) بالكسر: ما يستر به ظهر الحيوان من الإبل وغيرها. والمراد به هنا ما يغطي به الهدى.(1/293)
... (د) ويستحب أن يشق الجلال من موضع السنام ليظهر الإشعار ولئلا يسقط عنها الجلال. فقد كان ابن عمر لا يشق من الجلال إلا موضع السنام. وإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق بها ذكره البخاري معلقا(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... {99}
... (هـ) ويستحب للمهدي أن ينحر هديه بيده إذا كان يحسن ذلك ، لقول أنس بن مالك رضي الله عنه: نحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن قياما وضحى بالمدينة بكبشين أقرنين أملحين . أخرجه البخاري وأبو داود(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 287 }
... ومن لم يحسن الذبح يندب له أن يشهد ذبحه، لحديث عمران ابن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بكل قطرة من دمها كل ذنب عملتيه وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. قال عمران: يا رسول الله، هذا لك ولأهل بيتك خاصة- فأهل ذلك أنتم- أو للمسلمين عامة؟ قال: بل المسلمين عامة. أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ورد بأن هذا في سنده أبا حمزة الثمالي ضعيف جدا(3). ... { 288 }
... (و) ويستحب أن يتولى المهدي تفريق لحم الهدى بنفسه لأنه أحوط وأقل للضرر على المساكين. وإن خلى بينه وبين المساكين جاز، لقول عبد الله بن قرط: قرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدنات خمس، أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ. فلما وجبت جنوبها قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة خفية لم أفهمها، فقلت للذي إلى
__________
(1) أنظر ص 356 ج 3 فتح الباري (الجلال للبدن).
(2) أنظر ص 358 ج 3 فتح الباري (من نحر هدية بيده) ورقم 6 ص 10 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يستحب من الضحايا).
(3) أنظر هامش 2 ص 11 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يستحب في الأضحية).(1/294)
جنبي: ما قال؟ قال: من شاء اقتطع. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي(1). ... ... ... ... { 289 }
... (ز) ويطلب من المهدي التسمية عند نحر الهدى، لقوله تعالى: "والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير، فاذكروا اسم الله عليها صواف"(2) والمنقول فيها: باسم الله والله أكبر، لقول أنس رضي الله عنه: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ويقول: باسم الله والله أكبر. أخرجه السبعة والدارمي(3). {290}
... (والتسمية) عند الذبح شرط عند الذكر والقدرة عند الحنفيين، وهو المشهور عن مالك وأحمد؛ فإن تركها عمدا مع القدرة لا تؤكل الذبيحة لقوله تعالى: "ولا تأكلوا مما لم يذكر أسم الله عليه وإنه لفسق"(4) (وقالت) الشافعية: التسمية سنة لا شرط؛ فإن تركها عمدا تحل مع الكراهة، وإن تركت سهوا نح اتفاقا. وتقدم تمامه في الأضحية(5).
... (ح) ويستحب نحر الإبل قائمة معقولة اليد اليسرى لقوله تعالى: "فاذكروا اسم الله عليها صواف". قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي قياما على ثلاثة قوائم معقولة. أخرجه الحاكم(6). ... ... ... { 100 }
__________
(1) أنظر ص 350 ج 4 مسند أحمد (حديث عبد الله بن قرط..) وأنظر رقم 45 ج 1 تكملة المنهل العذب (من نحر الهدي بيده...) وهامش 2 ص 26 منه. و(وجبت جنوبها) أي سقطت إلى الأرض بعد النحر.
(2) الآية 36 من سورة الحج: و(صواف) أي قائمات على ثلاث.
(3) أنظر ص 120، 121 ج 13 نووي مسلم. وأنظر سائر المراجع بهامش ص 12 ج 3 تكملة المنهل العذب. وأنظر رقم 7 ص 11 منه (ما يستحب من الضحايا).
(4) الآية 121 من سورة الأنعام (مما لم يذكر أسم الله عليه) أي ما أهل به لغير الله (وإنه) أي الأكل منه (لفسق) أي خروج عما يحل.
(5) أنظر ص 119، 120 ج 5 الدين الخالص.
(6) أنظر ص 359 ج 3 فتح الباري الشرح (نحر البدن قائمة).(1/295)
... وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقى من قوائمها. أخرجه أبو داود والبيهقي بسند صحيح على شرط مسلم(1). ... ... ... ... { 291 }
... ( أما ) البقر والغنم فيستحب ذبحها مضطجعة على جنبها الأيسر مرسلة رجلها اليمنى، مشدودة قوائمها الثلاث.
... (ط) ويسن نحر الإبل وذبح البقر والغنم. والنحر: الطعن في اللبة وهي أسفل العنق. والذبح: قطع الحلقوم والمرئ والدوجين(2) من أعلى العنق؛ فإن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر جاز مع الكراهة عند أبي حنيفة ومالك والشافعي. وقال أحمد: لا يكره.
... 7- الانتفاع بالهدى: يجوز ركوب الهدى إذا دعت إليه ضرورة، لقوله تعالى: "لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق"(3) ومن المنافع ركوبها والحمل عليها، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا يسوق بدنة، وقد جهده المشي قال: أركبها، قال إنها بدنة، قال: اركبها وإن كانت بدنة. أخرجه النسائي(4). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 292 }
... (ولهذا) قال الحنفيون: لا يركب الهدى بلا ضرورة.
__________
(1) أنظر رقم 47 ص 28 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف تنحر البدن) وص 237 ج 5 سنن البيهقي (نحر بالإبل قياما..).
(2) الحلقوم) مجري النفس (والمرئ) مجري الطعام والشرب (والودجان) عرقان بجانبي العنق.
(3) الآية 23 من سورة الحج.
(4) أنظر ص 23 ج 2 مجتبى (ركوب البدنة لمن جهده المشي).(1/296)
... (وقال) الشافعي وأحمد في المشهور عنه: يجوز ركوب الهدى للحاجة، وروى عن مالك، ومشهور مذهبه أنه يجوز ركوب الهدى بلا حاجة إن لم يضره الركوب، وروى عن أحمد، لإطلاق حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال: اركبها، قال: إنها بدنة، فقال: اركبها ويلك في الثانية أو الثالثة. أخرجه الشافعي والسبعة غير أنه عند الترمذي عن أنس(1). ... ... ... ... { 293 }
... (وأجاب) الأولون بأن المطلق محمول على المقيد، والراجح ألا يركب الهدى إلا عند الحاجة، (وكره) الحنفيون ومالك والشافعي والجمهور شرب لبن الهدى بعد ري فصيله، وإن نقصه الركوب والشرب فعليه قيمة ذلك النقص عند الحنفيين والشافعي، وقال مالك: لا يغرم شيئا، ولا يحمل على الهدى متاعه عند مالك، وأجازه الجمهور عند الحاجة، (وقال) أحمد: لا يكره شرب لبن الهدى الفاضل عن ولده، لما روي المغيرة بن حذف العبسي أنه سمع رجلا من همدان سأل عليا رضي الله عنه عن رجل اشترى بقرة ليضحى بها فنتجت فقال له: لا تشرب لبنها إلا فضلا وإذا كان يوم النحر فاذبحها وولدها عن سبعة، أخرجه البيهقي(2). ... ... ... ... { 101 }
__________
(1) أنظر رقم 40 ص 16 ج 1 تكملة المنهل العذب (ركوب البدن) وباقي المرجع بهامش 1 ص 18 منه.
(2) أنظر ص 237 ج 5 سنن البيهقي (لبن البدنة لا يشرب إلا بعد ري فصيلها..).(1/297)
... (وهذا) وإن كان في الأضحية فالهدى مثلها، فإن شرب ما يضر بالأم أو ما لا يفضل عن الولد ضمنه لأنه تعدى بأخذه وإن كان صوفها يضرها بقاؤه وتصدق به على الفقراء(1) وإذا ولد الهدى فولده بمنزلته إن أمكن سوقه، وإلا حمله على ظهر أمه وسقاه من لبنها، فإن لم يمكن سوقه ولا حمله صنع به ما يصنع بالهدى إذا عطب، لما روى نافع أن أبن عمر رضي الله عنهما كان يقو: إذا نتجت البدنة فليحمل ولدها حتى ينحر معها، فإن لم يوجد له محمل فليحمل على أمه ختى ينحر معها. أخرجه مالك والبيهقي(2). ... ... ... ... { 102 }
... 8- عطب الهدى وتعيبه: العطب بفتحتين: الهلاك، فإذا عطب الهدى الواجب أو تعيب عيبا فاحشا يمنع جواز الأضحية به لزمه غيره لوجوبه عليه، وصنع بالمعيب ما شاء لأنه التحق بملكه، وإن عطب أو تعيب هدى التطوع لا يلزمه غيره. وإذا أشرف على الموت وعجز عن السير نحره وصبغ قلادته بدمه وضرب بها جانب سنامه ليعلم أنه هدى فيأكل منه الفقراء ولا يأكل منه المهدى ولا غنى، لما روى عن ناجية الخزاعى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدى فقال: إن عطب منه شيء فانحره ثم أصبغ نعله في دمه ثم خل بينه وبين الناس. أخرجه الشافعي وأحمد والأربعة إلا النسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح(3). ... ... { 294 }
__________
(1) أنظر ص 563 ج 3 المغنى لابن قدامة.
(2) أنظر ص 226 ج 2 زرقاني الموطأ (ما يجوز من الهدى) وص 237 ج 5 سنن البيهقي (لبن البدنة لا يشرب إلا بعد ري فصيلها..).
(3) أنظر رقم 42 ص 19 ج 1 تكملة المنهل العذب (الهدى إذا عطب قبل أن يبلغ) وباقي المراجع بهامش 3 ص 20 منه.(1/298)
... (دل) على أنه إذا عطب هدى التطوع قبل وصوله إلى الحرم وجب ذبحه وتخليته للفقراء ولا بدل عليه، لأنه موضع بيان ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك (بخلاف) الهدى الواجب إذا عطب قبل محله فإنه يأكل منه صاحبه والأغنياء لتعلقه بذمته وقد التحق بملكه، ويجوز بيعه عند الجمهور ومنعه مالك، فإن بلغ الهدى محله لا يأكل صاحب منه إن كان جزاء صيد أو فدية أو نذرا للمساكين، وأكل مما سوى ذلك عند الجمهور(1).
... 9- ضياع الهدى: إذا ضل الهدى، فإن كان تطوعا لم يلزمه شيء، ويستحب ذبحه والتصدق به إذا وجده، وإن كان واجبا بالنذر ونحوه وضل بلا تقصير لا يلزمه ضمانه، وإن وجده لزمه ذبحه، لما روى نافع أن أبن عمر رضي الله عنهما قال: من أهدى بدنة ثم ضلت أو ماتت فإنها إن كانت نذرا أبدلها، وإن كانت تطوعا فإن شاء أبدلها وإن شاء تركها. أخرجه مالك(3). ... ... ... ... ... ... ... { 103 }
... 10- وقت ذبح الهدى: (قال) الحنفيون: يختص ذبح هدى التمتع والقرآن بأيام النحر، ودم النذر والكفارات والتطوع لا يختص ذبحه بوقت، وتقدم بيان زمن ذبح دم الإحصار عندهم(2) (وقال) مالك وأحمد: يختص ذبح الهدى ولو تطوعا بأيام النحر. والصحيح عند الشافعي أن وقت ذبح الهدى يوم النحر وأيام التشريق، وقيل لا يختص بزمان كدماء الجبران. والصواب الأول. وعليه إذا فات وقته ذبح الواجب قضاء وصنع به ما يصنع بالمذبوح في وقته، لأن القضاء يحكي الأداء. فأما التطوع فهو مخير فيه؛ فإن فرق لحمه كانت القربة بذلك دون الذبح لأنها شاة لحم.
__________
(1) أنظر ص 229 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى إذا عطب..).
(2) تقدم ص 274 (ما يطلب من المحصر).(1/299)
... وقالوا: إذا كان الهدى للتمتع أو القرآن فوقت وجوبه الإحرام بالحج لقوله تعالى: "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي"(1) ووقت استحباب ذبحه يوم النحر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ووقت جواز ذبحه بعد الفراغ من العمرة وبعد الإحرام بالحج، لأن الذبح قربة تتعلق بالبدن فلا يجوز قبل وجوبها كالصلاة والصوم، وقبل: يجوز بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج، لأنه حق مال يجب بسببين فجاز تقديمه على أحدهما كالزكاة بعد ملك النصاب(2)، وهذا يتفق ويسر الدين. ولكن الراجح خلافه.
مكان ذبح الهدى: يختص ذبح الهدى ولو تطوعا بالحرم في أي موضع منه، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل المزدلفة موقف وكل فجاج مكة طريق ومنحر. أخرجه أبو داود وابن ماجه(3). ... ... ... ... ... ... ... { 295 }
... (والأفضل) أن يكون نحر الهدى بمنى عند الجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف إن أمكن وصوله إلى الحرم وإلا فمكانه حيث أحصر.
... (قال) الشافعي: يجوز نحر الهدى ودماء الجبرانات في جميع الحرم، لكن الأفضل في حق الحاج النحر بمنى وأفضل موضع فيها موضع نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قاربه. والأفضل في حق المعتمر أن ينحر في المروة، لأنها موضع تحلله، كما أن منى موضع تحلل الحاج(4).
... (قال) على القاري: يجوز ذبح جميع الهدايا في أرض الحرم بالاتفاق إلا أن منى أفضل لدماء الحج ومكة لدماء العمرة والأفضل أن يكون بالمروة(5).
__________
(1) الآية 196 من سورة البقرة.
(2) أنظر ص 380 ج 8 شرح المهذب وص 183 ج 7 منه.
(3) أنظر رقم 208 ص 80 ج 2 تكملة المنهل العذب(الصلاة يجمع)وص 128 ج 2 سنن ابن ماجه(الذبح) و(فجاج) جمع فج،وهو الطريق الواسع.
(4) أنظر ص 196 ج 8 نووي شرح مسلم (حجة النبي صلى الله عليه وسلم):
(5) أنظر ص 218 ج 3 شرح المشكاة.(1/300)
... 12- الاشتراك في الهدى: تجزئ الشاة في الهدى عن واحد إجماعا. وتجزئ البدنة وهي البقرة أو الناقة أو البعير عن سبعة، لقول جابر رضي الله عنه: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة. أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي(1). ... ... ... ... ... ... { 296 }
... وهاك أقوال العلماء في هذا: (قال) الحنفيون: تجزئ البدنة عن سبعة إذا كان كل منهم يريد بنصيبه- الذي لا ينقص عن السبع- القربة وهو مسلم، سواء في ذلك هدى التطوع والواجب. (وقال) الشافعي وأحمد والجمهور: يجوز اشتراك سبعة في البدنة سواء أكان الكل متقربا أم البعض (ومشهور) مذهب المالكية أنه لا يجوز الاشتراك في الهدى مطلقا. والأحاديث ترده.
13- إبدال الهدى: لا يجوز إبدال الهدى الواجب ولو بأفضل أو أكثر منه. لحديث جهم بن الجارود عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أهدى عمر بن الخطاب بختية أعطى بها ثلاثمائة دينار، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أهديت بختية لي أعطيت بها ثلاثمائة دينار فأنحرها أم اشترى بثمنها بدنا؟ قال: انحرها إياها. أخرجه أحمد وأبو داود- وقال هذا لأنه كان أشعرها- والبيهقي بسند جيد، لكن لا يعرف لجهم سماع من سالم(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 297 }
__________
(1) أنظر ص 37 ج 13 الفتح الرباني وص 67 ج 9 نووي مسلم (إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة) وص 234 ج 5 سنن البيهقي (الاشتراك في الهدى).
(2) أنظر رقم 36 ص 12 ج 1 تكملة المنهل العذب (تبديل الهدى) وباقي المراجع بهامش 2 ص 13 منه. و(بختية) بضم فسكون فكسر فياء مشددة: أنثى الجمال البخت، وهي ذات العنق الطويل.(1/301)
وفي هذا خلاف بين العلماء (قال) الحنفيون: لا يجوز إبدال هدى التطوع لأنه لما جعله هديا تعين لذلك، ويجوز تبديل الهدى الواجب بأن كان منذورا أو دم قرآن أو تمتع أو جناية أو إحصار بعدو ونحوه لأنه واجب في الذمة فلا يتعين بالشراء والأولى تركه، وعلى هذا حملوا الحديث فقالوا: "إن كان" الهدى الذي أهداه عمر رضي الله عنه تطوعا (فقول) النبي صلى الله عليه وسلم له: انحرها، محمول على عدم جواز التبديل "وإن كان" واجبا فهو محمول على الأولى والأفضل.
(وقالت) المالكية: إن قلد الهدى أو أشعره، وكان منذورا بعينه لا يجوز تبديله وإلا جاز، لقول أبي داود في الحديث: هذا لأنه كان أشعرها.
(وقالت) الشافعية: للمهدي التصرف في هدى التطوع بالأكل والبيع والتبديل ونحوها ولو قلده وأشعره، لأنه لم يوجد منه إلا مجرد نية ذبحه هديا، وهذا لا يزيل الملك، وكذا لو كان واجبا في ذمته وعينه بغير نذر، كأن قال: جعلت هذا عما في ذمتي، أما لو عينه بالنذر، كأن قال: لله على أن أذبحه عن الدم الواجب في ذمتي ونذر هدى حيوان معين، فيزول ملكه عنه ويصير حقا للمساكين، فلا يتصرف فيه ببيع وهبة وتبديل ونحوها.
(وقالت) الحنبلية: إن أوجب الشخص على نفسه هديا بقوله: هذا هدى أو بتقليده أو إشعاره ناويا الهدى، جاز له إبداله بما هو خير منه لحصول المقصود مع نفع الفقير بالزيادة، وأما إذا تطوع به فلا يلزمه إمضاؤه وله نماؤه وأولاده والرجوع فيه ما لم يذبحه، لأنه نوى الصدقة يشئ من ماله فأشبه ما لو نوي الصدقة بدرهم، ولا دليل على هذا التفصيل.
((1/302)
هذا) ومن لزمته بدنة ولم يجدها فله ذبح سبع شياة بدلها، لحديث عطاء الخراساني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: إن على بدنة وأنا موسر بها ولا أجدها فأشتريها، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن. أخرجه أحمد وابن ماجه بسند جاله رجال الصحيح(1)، لكن عطاء لم يسمع من ابن عباس. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 298 }
14- مصرف الهدى: يستحب الأكل والتصدق من هدى التمتع والقرآن والتطوع إذا بلغ محله وذبح في الحرم، لقوله تعالى: "فإذا رجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر"(2)، ولأن المطلوب في الحرم الإراقة. وأما إذ ذبح في غيره وجب التصدق بالكل على الفقراء وليس له ولا لغنى الأكل منه، وإن أكل مما لا يحل له الأكل منه غرم ما أكل، لقول سعيد بن المسيب: من ساق بدنة تطوعا فعطبت فنحرها ثم تخلى بينها وبين الناس فأكلوها فليس عليه شيء وإن أكلها أو أمر من يأكل منها غرمها. أخرجه مالك والبيهقي(3). ... ... { 104 }
(أما هدى) غير التمتع والقرآن والتطوع فلا يأكل منه المهدي عند الحنفيين وأحمد، لأنها دماء كفارة، ولما تقدم في حديث ناجية الخزاعي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن عطب منه شيء فأنحره ثم أصبغ نعله في دمه ثم خل بينه وبين الناس(4).
(
__________
(1) أنظر ص 35 ج 13 الفتح الرباني، وص 142 ج 2 سنن ابن ماجه (كم يجزئ من الغنم عن البدنة؟) و(على بدنة) أي واجبة بنذر أو جزاء صيد أو كفارة وطء.
(2) الآية 36 من سورة الحج. و(وجبت) أي سقطت و(القانع) الراضي بما يعطي ولا يسأل (والمعتر) السائل أو المتعرض للسؤال.
(3) أنظر ص 229 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى إذا عطب أو ضل) وص 243 ج 5 سنن البيهقي، و(غرمها) أي لزمه بدلها هديا كاملا لا قدر أكله أو ما أمر بأكله على الأصح عند مالك.
(4) تقدم رقم 293 ص 297 (عطب الهدى).(1/303)
وقال) مالك: يأكل من كل الهدى إلا جزاء الصيد ونسك الأذى والمنذور وهدى التطوع إذا عطب قبل محله، لما روي نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر ويؤكل مما سوى ذلك. أخرى البخاري(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 105 }
(وقال) الشافعي: لا يجوز الأكل من الواجب إذا كان جبرانا أو منذورا.
(هذا) ويستحب عند الحنفيين أن يتصدق بثلث هدى التطوع ويأكل الثلث ويدخر الثلث، لقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث فأرخص لنا صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا وتزودوا وادخروا. أخرجه الشيخان والنسائي(2). ... ... ... ... ... ... ... ... { 299 }
(وقال) أحمد: يتصدق بثلث هدى التطوع ويهدي الثلث ويأكل الثلث. وروي عن الشافعي، لقول علقمة: بعث معي عبد الله بن مسعود بهدى تطوعا فقال لي: كل أنت وأصحابك ثلثا وتصدق بثلث وأبعث إلى أهل أخي عتبة ثلثا. أخرجه الطبراني في الكبير والبيهقي بسند رجاله رجال الصحيح(3). ... ... ... { 106 }
وعن الشافعي أنه يأكل النصف ويتصدق بالنصف، لقوله تعالى: "ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير"(4)
(وقالت) المالكية: يستحب أن يأكل المهدي من الهدى الذي يباح الأكل منه ويتصدق ويهدي بلا تحديد بثلث وغيره.
__________
(1) أنظر ص 361 ج 3 فتح الباري (ما يأكل من البدن وما يتصدق).
(2) أنظر ص 361 منه، وص 131 نووي مسلم (النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث ونسخه) وص 208 ج 2 مجتبي؟ الإذن في ذلك).
(3) نظر ص 228 ج 3 مجمع الزوائد (فيما يعطب من الهدى والأكل منه) وص 240 ج 5 سنن البيهقي (الأكل من الضحايا والهدايا.).
(4) الآية 28 من سورة الحج. و(أيام معلومات) هي عشر ذي الحجة أو يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق. و(البائس) من أصابه بؤس وشدة.(1/304)
15- التصرف في جلد الهدى ونحوه: يندب التصدق بجلد الهدى وجلاله وخطامه، ولا يجوز أن يعطي الجزار أجره منه، لقول علي رضي الله عنه: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وألا أعطي الجازر منها. وقال: نجن نعطيه من عندنا. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 300 }
دل على استحباب سوق الهدى وجواز النيابة في نحره وتفرقته، وأنه يتصدق بلحومها وجلودها وجلالها وألا يعطي الجزار منها أجره لأنه في معنى بيع جزء منها وهو لا يجوز. وفيه جواز الاستئجار على الذبح ونحوه(2). (هذا) ولا يجوز عند الأئمة الأربعة بيع جلد الهدى ولا شيء من أجزائه ولا ينتفع به في البيت وغيره، سواء أكان تطوعا أم واجبا، لكن إن كان تطوعا فله الانتفاع بالجلد وغيره باللبس وغيره.
بدع الحج ومنكراته
__________
(1) أنظر رقم 49 ص 29 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف تنحر البدن) وباقي المراجع بهامش 2 ص 31 منه.
(2) ص 65 ج 9 نووي شرح مسلم (الصدقة بلحوم الهدايا..).(1/305)
تبين أن الحج فضله عظيم لو أديت مناسكه على الوجه المشروع، ولكن الناس ارتكبوا فيه أمورا تغضب الواحد الديان، لا يقبلها العقل السليم، ولا يرضاها الشرع الشريف، (منها): ما تقدم من بدع عرفة(1) والطواف(2). (ومنها) أن كثيرا من المطوفين ينزلون بالحجاج من عرفة قبل الغروب ويسيرون رأسا إلى منى ولا يبيتون بمزدلفة ليلة النحر، ولا يقفون بها بحجة أن السيارات لا تستطيع الانتظار. وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نزل من عرفة بعد الغروب وبات بمزدلفة وصلى بها الصبح، ولم يأذن لأحد بالذهاب ليلا من مزدلفة إلى منى إلا للنساء والضعفة. (وكذا) يضيعون على الحجاج الغسل لدخول مكة من بئر ذي طوى، لأن السيارات تدخلها من طريق آخر. (وكذا) يتعجلون على الحجاج في رمي الجمار، يحملونهم على الرمي قبل زوال اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، مع أن لا يدخل وقته إلا بعد الزوال، وذلك ليستريح المطوفون من عناء الإقامة بمنى. (ومنها) جلوس الناس حول الكعبة بالمطاف قبل دخول الوقت بزمن طويل منتظرين الجماعة قريبا من الكعبة فيسد المطاف أمام الطائفين، ويكون الإضرار الشديد والنزاع الطويل بين الجالسين والطائفين، ولا تزال آثار الوثنية عالقة بالأذهان، فترى غالب الحجاج يعمدون إلى ستائر الكعبة يقبلونها ويأخذون منها قطعا للتبرك. (ومنها) أن تقام الصلاة بالمسجد الحرام وكثير من الحجاج يسعون بين الصفا والمروة ولا يحرصون على صلاة الجماعة التي هي من أعظم شعائر الإسلام. والأدهى والأمر أن تقام صلاة المغرب وهم في السعي ويتمادون في سعيهم إلى أن تفوتهم صلاة المغرب، ولا أدري كيف يرجو هؤلاء الحجاج الخير والرحمة من الله تعالى وهم يتركون فريضة الله التي هي عماد الدين وينسون قول النبي صلى الله عليه وسلم: لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. أخرجه أحمد(3).
__________
(1) تقدم ص 98 (بدع عرفة).
(2) تقدم ص 124 (بدع الطواف).
(3) ص 7 كتاب الصلاة للإمام أحمد.(1/306)
... { 301 }
وقال: فكل مستخف بالصلاة مستهين بها، فهو مستخف بالإسلام مستهين به. وتمامه بكتاب الصلاة له.
فعلى ولاة الأمور الأمر بإيقاف السعي حين تقام الصلاة، وخصوصا المغرب، كما يوقف الطواف إذا أقيمت الصلاة، لأن أمر الصلاة أعظم منهما. (ومنها) ما ذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس قال: قد يسقط الإنسان الفرض بالحج مرة ثم يعود لا عن رضاء والديه، وهذا خطأ، وربما خرج وعليه ديون أو مظالم، وربما حج بمال فيه شبهة. ومنهم من يحب أن يتلقى ويقال له: الحاج، وجمهورهم يضيع فرائض من الطهارة والصلاة ويجتمعون حول الكعبة بقلوب دنسة وبواطن غير نقية، وإنما المراد من الحج القرب بالقلوب لا بالأبدان، وكم من قاصد إلى مكة همته عدد حجاته، فيقول: لي عشرون وقفة، وقد لبس إبليس على قوم منهم فابتدعوا من المناسك ما ليس منها، فمنهم من يكشفون عن كتف واحد ويبقون في الشمس أياما فتكشط جلودهم وتنتفخ رءوسهم ويتزينون بين الناس بذلك.
(وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يطوف بالكعبة بزمام أو غيره فقطعه. أخرجه البخاري. وكذا أبو داود بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقود إنسانا بخزامة في أنفه فقطعها النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم أمره أن يقوده بيده(1). ... ... { 302 }
__________
(1) ص 314 ج 3 فتح الباري (إذا رأى سيرا أو شيئا يكره في الطواف قطعه) وص 235 ج 3 سنن أبى داود (باب النذر في المعصية) والخزامة بالكسر: ما يعمل من الشعر.(1/307)
وهذا الحديث يتضمن النهي عن الابتداع في الدين وإن قصد بذلك الطاعة. وقد لبس إبليس على قوم يدعون التوكل فخرجوا بلا زاد وظنوا أن هذا هو التوكل، وهو خطأ. (قال) رجل للإمام أحمد رضي الله عنه: أريد أن أخرج إلى مكة على التوكل من غير زاد، فقال له: فأخرج في غير قافلة. قال: لا إلا معهم. قال: فعلى جراب الناس توكلت(1). (وقال) ابن الحاج في المدخل: فمن ذلك- يعني مما يتعين التحذير منه- أن الحجاج يضيعون الصلوات ويخرجونها عن وقتها لأجل فريضة الحج، وذلك لا يجوز إجماعا. وقد قال العلماء: من علم أنه تفوته الصلاة إذا خرج إلى الحج سقط الحج عنه. وكثير من الناس يعتقد أن نزول المرأة وركوبها عورة مطلقا، لما يتوقع من كشفها، ونظر غير المحارم لها، وهذا ليس على إطلاقه، فقد أمر الله النساء أن يصلين على الوجه المشروع، ولم يرخص لهن في ترك الصلاة ولا في إخراجها عن وقتها أو صلاتها على المحمل إلا لعذر عدم إمكان النزول وإلا وجب عليها أن تنزل للطهارة، فإن تعذر عليها النزول تطهرت على الراحلة. ويجب عليها النزول للصلاة وتستتر جهدها. (ويحرم) على الرجال الأجانب النظر إليها، فيتعين على المكلف أن يحذر مما يفعله بعضهم من السفر للحج وإضاعة الصلاة. ومن الممنوع إيقاعها في وقتها بالتيمم مع القدرة على الماء. ومن الجهل الاعتقاد بأن نفس السفر يبيح التيمم مع وجود الماء، ومن فعله فقد ارتكب المحذور في عدم سؤال أهم العلم، وفي إيقاعه الصلاة بالتيمم مع وجود الماء(2). (ومن) الاغترار والرياء رغبة بعض الجهلة في تتابع الحج والإكثار منه بعد أداء الفريضة، ويبخلون بمواساة الجار وإعطاء البائس الفقير. (قال) ابن مسعود: في آخر الزمان يكثر الحجاج بالبيت يهون عليهم السفر ويبسط عليهم الرزق، ويرجعون محرومين مسلوبين يهوى بأحدهم بعيره بين القفار والرمال وجاره مأسور إلى جنبه لا يواسيه.
__________
(1) ص 154 تلبيس إبليس.
(2) أنظر ص 320-232 ج 3 المدخل.(1/308)
وقد ورد أن رجلا جاء يودع شر بن الحارث وقال: عزمت على الحج، افتأمرني بشيء؟ فقال له: كم أعددت للنفقة؟ قال: ألفي درهم. قال: فأي شيء تبتغي بحجك، نزهة أو اشتياقا إلى البيت أو ابتغاء مرضاة الله تعالى؟ فقال: ابتغاء مرضاة الله. قال: فإن أصبت رضاء الله وأنت في منزلك وتنفق ألفي درهم، وتكون على يقين من مرضاة الله تفعل ذلك؟ قال: نعم. قال: أذهب فأعطها عشرة أنفس: مدين تقضي دينه، وفقير ترم شعثه(1)، ومعيل تحيى عياله، ومربى يتيم تفرحه، وتغيث لهفان، وتكشف ضر محتاج، وتعين رجلا ضعيف اليقين، وإن قوى قلبك أن تعطيها لواحد فأفعل، فإن إدخالك السرور على قلب امرئ مسلم أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام، قم فأخرجها كما أمرنا، وإلا فقل لنا ما في قلبك. فقال: يا أبا نصر سفرى أقوى في قلبي، فتبسم بشر وقال له: المال إذا جمع من وسخ التجارات والشبهات اقتضت النفس أن تقضي به وطرأ تسرع إليه تظاهرا بالأعمال الصالحات. وقد آلى الله على نفسه ألا يقبل إلا عمل المتقين(2) (وليحذر) مما يفعله بعض من لا علم عنده وهو أنهم يزينون الجمل بالحلي من الذهب والفضلة والقلائد ويلبسونه الحرير، يفعلون به ذلك عند خروجهم من البلد.
(
__________
(1) ترم شعثه: أي تصلح حاله.
(2) ص 234 ج 3 المدخل.(1/309)
وكذلك) يفعلون في الرجوع مثله، وهم آثمون في ذلك، ويشاركهم في الإثم من تطاول لرؤية ذلك. ومن أعجبه ذلك أو استحسنه فإثمه أكبر (وليحذر) مما يفعله بعضهم من أن بعض النسوة إذا كان لهن قريب أو معارف يريدون الحج يخرجن ليلا يمشين في الطرق ويرفعن عقيرتهن بما يقلنه من التحنين والرجال يسمعون وينظرون إلى فعلهن ولا ينكرون عليهن. وهذا فعل قبيح محرم سيما في ابتداء هذه العبادة العظيمة ومثل هذا ما يفعله بعضهم عند الرجوع من الحج إذا وصلوا إلى بيوتهم ويضرب عند أبوابهم بالطبل والمزامير مهنئين بذلك الحاج. ومن يفعل ذلك فهو آثم، وكذلك من شاركهم بالحضور والذهاب إليهم أو أعجبه ذلك منهم، لأن ذلك منكر يتعين على المكلف تغييره، فإن لم يستطع غيره بقلبه(1).
(
__________
(1) ص 242 منه.(1/310)
ومن البدع) المنكرة الاحتفال بالمحمل والكسوة الشريفة بالقاهرة في ذي القعدة من كل عام بحضور الأمراء والعلماء والوزراء، ويؤتى بجمل يقود زمامه أمير الحج ويطوف به تحت القلعة حول دائرة هناك سبع مرات، كما يطوف زوار الكعبة حولها. وبعد الطواف يتجه الجمل نحو مكان الانتظار فيقف الملك أو نائبه والعلماء وغيرهم. فذلك غير جائز، لأن الطواف لا يشرع إلا حول الكعبة. وكذلك اختلاط النساء مع الرجال ونحوه مما يؤدي إلى الفسق وارتكاب الفواحش ظاهرة وباطنه (ولا يجوز) أيضا ما يفعله الرعاع والمتصوفة من ضرب الطبول والمزامير، فيجب على كل قادر على إزالة المنكر أن يزيله إما بيده وإما بلسانه وإما بقلبه. و(كذا) الاحتفال في مدينة (السويس) لعودة المحمل في المحرم أو صفر من كل عام. (ومن البدع) ما اعتاده كثير من الجهلة من تبييض بيت الحاج بالجير ونقشه بالصور وكتابة آية الحج وأسم الحاج على الحائط، فإنه رياء وجهل. ومنه نصب السرادق وتوزيع اللفائف (السجائر) على المهنئين وملاقاة الحجاج بالبيارق والباز والطبل وزغاريد النساء واجتماع الذاكرين بالتمطيط والتلحين، واختلاط الجنسين واجتماع النساء للرقص والشخلعة. كل هذا ومثله لا ينبغي حصوله ممن عنده ذرة من إيمان، وهو من تلبيس إبليس. لم يترك عبادة إلا وأدخل فيها على الناس بدعا وخرافات أفسدتها وشوهتها، وأهل العلم لا يأمرون ولا ينهون ولا يرشدون إلى الصالح. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
الحكومة الحجازية والشعائر
كنا نظن أن هذه الحكومة- التي بها استتب الأمن بالحجاز وأقامت به الحدود- تعمل على تطهير المساجد من البدع والخرافات والبلاد من المنكرات. وتعمل جهدها على راحة الحجاج بتوضيح سبل المناسك لهم ليتمكنوا من تأديتها على الوجه الأكمل. ولكن الحال هو الحال. وهاك بعض البدع والمخالفات.(1/311)
1- فالأذان يؤدي بالتغني والتمطيط والتلحين والقراء يقرأون بعده جهرة معا مفاخرة ورياء. وقد آلمنا ما سمعنا في الحرمين المكي والمدني وسائر المساجد من أذان الجماعة (الأذان السلطاني) وهو بدعة مذمومة ومكروه اتفاقا، لما فيه من التلحين والتغني وإخراج كلمات الأذان عن وضعها العربي وكيفيتها الشرعية بصورة قبيحة تقشعر منها الجلود وتنفطر لها القلوب. وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك. وأملنا في الحكومات الإسلامية أن تطهر مساجدها من البدع سيما الحرمين الشريفين.
(روي) على رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (الحديث) أخرجه الشيخان والثلاثة(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 303 }
2- ويقال في الإقامة مثل ما قيل في الأذان.
3- التبليغ عند عدم الحاجة إليه بأن بلغ المأمومين صوت الإمام، وهو بدعة منكرة، وعند الاحتياج يستحب. وصرح العلماء أنه يكره للمبلغ الزيادة في الإعلام على قدر الحاجة. والآن المذياع موجود بالحرمين الشريفين وسائر المساجد، فلا داعي للتبليغ سيما إذا لاحظنا أن المبلغ يتغنى بألفاظ التكبير والتسميع بشكل يؤدي إلى بطلان صلاته. ومن المبلغين من يضع يديه على خده كالمتغني، وهذه حالة لا يقره عليها أحد فليأخذ ولاة الأمور على أيدي هؤلاء المتغنين المحرفين ويمنعونهم من هذا التخريف.
__________
(1) ص 120 ج 3 تيسير الوصول (فضل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم) و(عير وثور) جبلان بالمدينة. وقيل ليس بها ثور ولكنه بمكة ولعل الحديث ما بين عير إلى أحد.: والصحيح أن بها ثورا. و(الصرف) النافلة و(العدل) الفريضة.(1/312)
4- لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه ولا أحد من الأئمة أذان داخل المسجد، لأن الأذان شرع لإعلام الناس في وقت الصلاة وقد حضروا، فالأذان داخل المسجد بدعة لا يجوز أن تقع في المساجد عامة وفي الحرمين وسائر مساجد المملكة السعودية خاصة. ومن أحق بمنع هذه البدع من أولى الأمر.
5- لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنه صلى قبلية للجمعة. فلا يجوز ترك الناس يتعبدون بما لم يشرعه رب العالمين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. والسبب في إحداث هذه البدعة التسامح في إحداث أذانين يوم الجمعة. (قال) الشافعي رضي الله عنه في الأم: وأحب أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يدخل الإمام المسجد ويجلس على موضعه الذي يخطب عليه، وحينئذ يأخذ المؤذن في الأذان، فإذا فرغ قام فخطب لا يزيد عليه. وأحب أن يؤذن مؤذن واحد لا جماعة مؤذنين. ثم قال: أخبرني الثقة عن الزهري عن السائب ابن يزيد أن الأذان كان أوله للجمعة حين يجلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر. فلما كانت خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان بأذان ثان، فأذن به، فثبت الأمر على ذلك. وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه ويقول: أحدثه معاوية.
قال الشافي: وأيهما كان فالأمر الذي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى(1)، فعلى من بيدهم الأمر المنع من الزيادة في الشعائر على ما كان عليه الأمر في عهد السلف الصالح.
6- يسن صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب، لحديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال عند الثالثة: لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة. أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 304 }
(
__________
(1) ص 173 ج 1 الأم.
(2) أنظر المراجع بهامش 1، 2 ص 305 ج 2 الدين الخالص:(1/313)
وعن) عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين. أخرجه ابن حبان(1).{ 305 }
والأمل في ولاة الأمور أن يأمروا بإحياء هذه السنة.
7- يسن اتخاذ منبر للخطبة لأنه أبلغ في إسماع الناس ومشاهدة الخطيب. ( قال ) يا قوم الرومي : صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبرا من طرفاء له ثلاث درجات : المقعدة ودرجتان . أخرجه ابن عبد البر(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 306 }
ولم يزل المنبر ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله. وهذا بدعة محدثة. والأمل في الحكومات الإسلامية أن تأمر بأن تكون منابر المساجد ثلاث درجات كما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخفاء(3).
8- كثير من المصلين في الحرمين وسائر المساجد لا يطمئنون في ركوعهم واعتدالهم وسجودهم وجلوسهم بين السجدتين الطمأنينة التامة، بل ينقرون الصلاة نقرا ويسرعون فيها إسراعا ينافى الخشوع فيها، وقد قال الله تعالى: "قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون"، ومن نقر الصلاة تدعو عليه لا له (روى) عبادة بن
الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحسن الرجل الصلاة فأتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة: حفظك الله كما حفظتني فترفع. وإذا أساء الصلاة فلم يتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة: ضيعك الله كما ضيعتني (الحديث) أخرجه أبو داود الطيالسي(4). ... ... ... ... ... ... ... ... { 307 }
__________
(1) أنظر المراجع بهامش 1، 2 ص 305 ج 2 الدين الخالص:
(2) ص 72 ج 1 الاستيعاب.
(3) أنظر تمام الكلام في بدع المساجد بص 281- 312 ج 3 الدين الخاص.
(4) ص 80 مسند الطيالسي.(1/314)
وهذا التساهل في الصلاة وقع في عهد السلف فحذروا وخوفوا منه (قال) الإمام أحمد رحمة الله: قد جاء في الحديث: يأتي على الناس زمان يصلون ولا يصلون. وقد تخوفت أن يكون هذا الزمان، ولقد صليت في مائة مسجد فما رأيت أهل مسجد يقيمون الصلاة على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم. فاتقوا الله وانظروا في صلاتكم وصلاة من يصلي معكم(1)، فلعل السادة الأئمة والعلماء يجعلون قول الإمام أحمد نصب أعينهم فيؤدون الصلاة كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصحون العامة بحسن أداء الصلاة.
9- تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلي ركعتي الطواف في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطوافين أحد وأن هذا خاص بالحرم المكي(2)، ولكن الجهال يجرأون على المرور بين يدي المصلي في المسجد النبوي، ومهما حاولت المنع فلا سميع ولا مطيع- وقد اتسع الخرق على الراقع- كأنهم يرون جواز هذا فيه كما في المسجد الحرام، وهذا جهل واضح.
10- قد ترك أمر الحجاج في المناسك إلى المطوفين يهيجون ويموجون ويحرفون ويرتكبون ما سلف من البدع والمنكرات على مرأى ومسمع من الحكومة ولا مغير ولا منكر.
11- سير الحجاج بمنى وعرفة غير ميسور إلا بدليل. فالواجب أن تنظم أرض منى وعرفات ومزدلفة بجعلها شوارع مرقومة ليسهل على الحجاج الرجوع إلى منازلهم والاهتداء إلى منازل إخوانهم؛ فإنه الآن من خرج من سرادقه وابتعد عنه بضعة أمتار ضل سواء السبيل وهيهات أن يعود. والواجب وضع لافتات بجانب الجمار الثلاث يبين في كل لافتة أسم الجمرة ومن أي جهة ترمي وكيف ترمي وبم ترمي وبكم ترمي ومتى ترمي؟ ومبدأ الرمي ومنتهاه(3).
(
__________
(1) ص 5 كتاب الصلاة.
(2) تقدم رقم 135 ص 109.
(3) وقد بلغنا أن الحكومة السعودية بدأت تنظم أرض منى وعرفة وغيرها، فجعل في بعضها شوارع مرقومة، فشكرا لله ولها، ونسأله أن يوفقها للعمل مع تلافي ما في بندي 12 و13.(1/315)
ومثل) هذه اللافتات لازم لكل المناسك كوادي محسر وحدود المزدلفة والمشعر الحرام والمحصب وغيرها من المشاهد والمزارات.
12- ومن المؤلم والمحزن ترك ذبائح الهدى بمنى تنبعث منها الروائح الكريهة أمام الخيام وفي الطرقات. والواجب حرصا على صحة الناس وضع نظام لمنع مثل هذا والضرب على أيدي المخالفين، ويكون هذا بجعل مذابح خاصة تراقبها الحكومة حتى لا تبقى الذبائح تلقى جيفا منتنة في الطرقات وغيرها.
13- وإن ننس لا ننسى هؤلاء الشحاذين الملحفين في السؤال، المؤذين للناس بإلحاحهم عليهم داخل الحرمين حتى قبيل إقامة الصلاة.
(هذا) والأمل في الحكومة السعودية أن تعمل سريعا على إزالة البدع والمخالفات وأن تنظم طرق المناسك وترفع الأضرار على زوار البيت الحرام والله تعالى يحب المحسنين وينصر الناصرين لدينه المحافظين على حدوده "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز"(1).
المقصد الحادي عشر
زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم
زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن القرب وآكد المستحبات حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث (منها) حديث موسى ابن هلال العبدي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من زار قبري وجبت له شفاعتي. أخرجه البزار والدارقطني وابن عدى. وفي سنده عبد الله بن إبراهيم الغفاري. وهو ضعيف(2). ... ... ... ... ... { 308 }
__________
(1) سورة الحج، عجز الآية 40 وصدرها: "الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق".
(2) ص 2 ج 4 مجمع الزوائد (زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) و ص 280 سنن الدراقطني، وموسى بن هلال قال أبو حاتم: مجهول. وقال ابن عدى: أرجو أنه لا بأس به. وقال الذهبي: هو صالح الحديث، وأنكر ما عنده هذا الحديث.(1/316)
وذكره عبد الحق في الأحكام الوسطى والصغرى وصححه هو وابن السكن وتقي الدين السبكي(1) وأقل درجاته أن يكون حسنا. وقد روي من عدة طرق (منها) طريق مسلمة بن سالم الجهني قال: حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جاءني زائرا لا تعمده حاجة إلا زيارتي كان حقا على أن أكون له شفيعا يوم القيامة. أخرجه الدارقطني في أماليه والطبراني في الأوسط والكبير. قال الهيثمي مسلمة ضعيف(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 309 }
(وفيه) متابعة مسلمة موسى بن هلال في شيخه.، وأنه لم ينفرد بالحديث، (ومنها) حديث حفص بن أبي داود عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي. أخرجه الدارقطني في السنن والطراني في الكبير والأوسط والبيهقي في السنن. وقال الهيثمي: حفص وثقة أحمد وابن حبان وضعفه جماعه(3). ... ... ... ... ... { 310 }
(قال) القاضي عياض: زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم سنة بين المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها (وقال) بعض المالكية والظاهرية: إنها واجبة، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حج ولم يزرني فقد جفاني. أخرجه ابن عدى في الكامل والدارقطني في العلل وابن حبان في الضعفاء. وفي سنده النعمان
بن شبل وهو ضعيف جدا(4) ... ... ... ... ... ... ... ... { 311 }
(
__________
(1) ص 79 ج 5 نيل الأوطار (حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم).
(2) ص 2 ج 4 مجمع الزوائد.
(3) ص 279 سنن الدارقطني، وص 2 ج 4 مجمع الزوائد، وص 246 ج 5 سنن البيهقي (زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم).
(4) ص 244 و278 ج 2 كشف الخفاء، وقال: لا ينبغي الحكم عليه بالوضع.(1/317)
قالوا): الجفاء للنبي صلى الله عليه وسلم محرم فتجب الزيارة (ورد) بأن الجفاء يطلق على ترك المندوب كما في ترك البر والصلة. وأيضا فإن الحديث لشدة ضعفه لا تقوم به الحجة (وقال) بعض الحنبلية: إنها غير مشروعة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى . أخرجه السبعة وأخرجه مسلم أيضا عن أبي سعيد الخدري(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 312 }
(ورد) بأن معنى الحديث: لا تشد الرحال إلى مسجد غير المساجد الثلاثة المذكورة. فالمستثنى منه في الحديث عموم المساجد لا المواضع، ويؤيده قول شهر بن حوشب: سمعت أبا سعيد الخدري وذكرت عنده صلاة في الطور، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا. (الحديث) أخرجه أحمد بسند حسن. وشهر بن حوشب وثقة جماعة(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 313 }
وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المسجد.
(
__________
(1) أنظر رقم 290 ص 234 ج 2 تكملة المنهل العذب (إتيان المدينة) وباقي المراجع بهامش 6 ص 238 منه، وص 104، 105 ج 9 نووي مسلم (سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره) و(الرحال) جمع رحل. وهن في الأصل الإبل. والمراد مطلق السفر عليها أو على غيرها.
(2) ص 64 ج 3 مسند أحمد (مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه)، وص 3 ج 4 مجمع الزوائد (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد).(1/318)
فالزيارة) خارج عن النهى للإجماع على جواز شد الرحال للتجارة وسائر مطالب الدنيا. وعلى وجوبه إلى عرفة للوقوف، وإلى منى للمناسك التي فيها، وإلى مزدلفة وإلى الجهاد والهجرة من دار الكفر والبدعة، وعلى وجوبه أو استحبابه لطلب العلم. فالراجح أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة ومستحبة استحبابا مؤكدا، وأن شد الرحال إلهيا جائز عند الجمهور، لما تقدم وللاتفاق على مشروعة زيارة القبور. قال النووي: واختلف العلماء في شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة كالذهاب إلى قبور الصالحين والمواضع الفاضلة؛ فقال الشيخ أبو محمد الجويني: هو حرام، واختاره القاضي عياض، وكذا أبن تيمية. والصحيح عند أصحابنا والمحققين أنه لا يحرم ولا يكره. واختاره إمام الحرمين. قالوا: والمراد بالحديث أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد الثلاثة خاصة(1). ثم الكلام في أربعة فروع:
1- وقت الزيارة : الحج إن كان فرضا فالأفضل أن يبدأ به ثم يزور ، وإن كان تطوعا فله الخيار إن لم يخش فوات الوقوف بمعرفة، وليس للزيارة وقت معي . وإذا نوى زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام ، فلينو معها زيارة المسجد ، فإنه أحد المساجد التي تشد إليها الرحال ، والصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
2- آداب الزيارة: إذا توجه إلى الزيارة يطلب منه الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم مدة الطريق، وإذا وقع بصره على أشجار المدينة(2)
__________
(1) ص 106 ج 9 شرح مسلم (سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره).
(2) المدينة) هي العاصمة الثانية للحجاز، وهي شمال مكة على بعد 470 كيلو مترا. وهي في صحراء مستوية متسعة مكشوفة من جهاتها الأربع، ولها أسماء أشهرها ما نطق به القرآن والحديث.
(
أ) يثرب: سميت باسم من يناها يثرب بن قانية بن مهلاء يل بن إرم بن عبيل ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح. قال الله تعالى: "وإذ قالت طائفة منهم يأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا" الآية 13 من سورة الأحزاب. خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الخندق حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع (جبل شمال المدينة) والخندق بينهم وبين القوم. فقال عبد الله بن أبي وأصحابه من المنافقين: ليس ههنا موضع إقامة، فارجعوا إلى منازلكم بالمدينة (وعن أبي هريرة) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد. أخرجه الشيخان (ص 62 ج 4 فتح الباري- فضل المدينة، وص 54 ج 9 نووي مسلم- المدينة تنقى خبثها..) و(تنفي الناس) أي الشرار منهم. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها يثرب وسماها طيبة (بفتح فسكونِ) وطابة وقبة الإسلام ودار الهجرة (روي) البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمي المدينة يثرب فليستغفر الله، هي طابة، هي طابة. أخرجه أحمد بسند ضعيف (ص 285 ج 4 مسند أحمد- حديث البراء بن عازب..).
(ب) المدينة: قال تعالى: "يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" (الآية 8 من سورة المنافقون). قائل هذا عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وعني بالأعز نفسه ومن معه، وبالأذل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وأراد بالرجوع وجوعهم من غزوة بني المصطلق. ونسب القول إلى المنافقين، والقائل فرد منهم، لأنه كان رئيسهم وهم راضون بما يقول (قال) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة يرون أنها غزوة بني المصطفى، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار (أي ضرب دبره بيده أو برجله) فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوة الجاهلية؟ قالوا: رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة، فسمع ذلك عبد الله بن أبي فقال: أوقد فعلوها؟ والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فقام عمر فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، أخرجه الشيخان والترمذي وزاد: فقال له ابنه عبد الله: والله لا تنفلت حتى تقر أنك الذليل ورسول الله العزيز، ففعل (ص 460 ج 8 فتح الباري- سورة المنافقين).
(جـ) الدار: قال تعالى: "والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم" (الآية 9 من سورة الحشر).
المراد بالدار المدينة، وهي دار الهجرة، والذين تبوأوها (أي سكنوها من قبل المهاجرين) هم الأنصار (يحبون) من كرمهم وشرف أنفسهم (من هاجر إليهم) ويواسونهم بأموالهم. قال أنس بن مالك: قال المهاجرون: يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أسحن بذلا في كثير، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. قال: لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم. أخرجه أحمد. قال ابن كثير: لم أره في الكتب من هذا الوجه. أنظر ص 291 ج 8 (سورة الحشر) "وعن أبي هريرة" أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المدينة قبة الإسلام ودار الإيمان وأرض الهجرة ومبوأ (أي مكان نزول) الحلال والحرام. أخرجه الطيراني في الأوسط بسند رجاله ثقات. أنظر ص 298 ج 3 مجمع الزوائد (فضل المدينة). وللمدينة سوران: داخلي وخارجي. أما الداخلي فجدده السلطان سليمان بن سليم سنة 939 هـ. ومحيطة 2304 متر، وله أربعة أبواب: باب البقيع يخرج منه إلى البقيع (مقبرة المدينة) وفي شماله الباب المجيدي. وفي الشمال الغربي الباب الشامي المقابل لجبل سلع. ثم الباب المصري في منتصف الجهة الغريبة. وقد فتح هذا الباب محمد علي باشا وعمر هذا السرور.
(وأما السور الخارجي) فيحيط بالبيوت التي خارج السور الأول في غربه وجنوبه. ويتدئ من البقيع في الجنوب الشرقي. وينتهي بالقلعة التي أنشأها السلطان سليمان سنة 939 هـ في الشمال الغربي: وله خمسة أبواب: بابان عند البقيع، باب العوالي يخرج منه إليها رباب الوسط. ويليهما من الجنوب باب قباء يخرج إليها منه. وفي الغرب باب الرشادي يخرج منه إلى الحرة: وعند القلعة باب الكومي وهو يقابل سلعا (أنظر رسم 10) ص 322:(1/319)
وحرمها وما يدل عليها أكثر من الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الله تعالى أن ينفعه بهذه الزيارة، وأن يقبلها من (ويستحب) له أن يغتسل لدخول المدينة ويلبس أنظف ثيابه جديدا أو غسيلا، فإذا دخل قال: باسم الله، رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق وأجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا(1)، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وارزقني من زيارة رسولك صلى الله عليه وسلم ما رزقت أولياءك وأهل طاعتك، وأغفر لي وارحمني يا خير مسئول. اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وارزقني من زيارة رسولك صلى الله عليه وسلم ما رزقت أوليائك وأهل طاعتك، واغفر لي وارحمني يا خير مسئول. اللهم إني أسألك خير هذه البلدة وخير أهلها وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها. وليكن متواضعا خاشعا مستحضرا أنها البلد التي اختارها الله تعالى دار هجرة نبيه صلى الله عليه وسلم ومهبطا للوحي ومنبعا لأحكام الشريعة، ولا يركب في طرقها كما فعل مالك رحمه الله. وإذا أراد دخول المسجد(2)
__________
(1) مقتبس من الآية 80 من سورة الإسراء. والمدخل والمخرج المراد بهما مكان الإدخال وهو المدينة، والإخراج وهو مكة، نزلت الآية حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة.
(2) المسجد النبوي في الجهة الشرقية من المدينة. أسسه النبي صلى الله عليه وسلم على قطعة أرض، طولها 35 خمسة وثلاثون مترا، في عرض 30 ثلاثين مترا. فمساحتها 1050 خمسون مترا وألف متر مربع (ربع فدان) جعل أساسه الحجارة وبني الجدار باللبن (الطوب البنيء) وجعل عمده جذوع النخل ونسقفه الجريد.
... (توسعته) ثم زيد فيه زيادات: 1- ففي سنة سبع من الهجرة بعد خيبر زاد النبي صلى الله عليه وسلم فيه من الشرق والغرب والشمال 1450 خمسين مترا وأربعمائة وألف متر مربع، فصارت مساحته 2500 خمسمائة متر وألفي متر مربع، فصار المسجد مربعا طول ضلعه خمسون مترا، وهو المكتوب عليه في رسمي 11 و12 حد المسجد النبوي ص 328 و229.
... 2- وفي سنة 17 هجرية، زاد عمر رضي الله عنه في المسجد من الجنوب نحو خمسة أمتار، ومن الشمال خمسة عشر مترا، ومن الغرب عشرة أمتار، فصار طوله 70 مترا وعرضه ستين مترا، والمساحة 4200 مائتي متر وأربعة آلاف متر مربع (فدان) فتكون الزيادة 1700 سبعمائة وألف متر مربع. وبناه باللبن والجريد وجعل عمده من الخشب. أنظر زيادة عمر برسمي 11 و12 ص 328 و329 ... 3- وفي سنة 39 هجرية جدد عثمان بن عفان رضي الله عنه بناء المسجد وزاد فيه رواقا من الشمال والغرب والجنوب مساحتها 496 ستة وتسعون مترا وأربعمائة متر مربع. وبناه بالحجارة المنقوشة والقصة (بفتح القاف وشد الصاد: الجص) وجعل عمده من حجارة منقورة أدخل فيها عمد الحديد وصب فيها الرصاص وسقفه بالساج. أنظر زيادة عثمان برسمي 11 و12 ص 328 و329.
... 4- وفي سنة ثمان وثمانين أمر الوليد بن عبد الملك، عمر بن عبد العزيز أمير المدينة، أن يجدد المسجد، فجدده وأدخل فيه حجر أمهات المؤمنين. وزاد فيه من الشرق والشمال والغرب 2369 تسع وستين وثلاثمائة وألفي متر مربع. فصارت مساحة المسجد 7065 خمسة وستين مترا وسبعة آلاف متر مربع، وبناه بالحجارة والقصة وجعل عمده من حجارة حشوها عمد الحديد والرصاص. أنظر زيادة الوليد برسمي 11 و12 ص 228 و329.
... 5- وفي سنة 161 هجرية زاد المهدي العباسي في المسجد من الشمال 2450 خمسين وأربعمائة متر وألفي متر مربع. فرغ منها سنة 165 هجرية. أنظر زيادة المهدي برسمي 11 و12 ص 328 و329 ... 6- وفي سنة 879 هـ أجرى السلطان قايتباي عمارة هامة بالمسجد شملت بعض أسقفه وعمده وجدره ومآذنه، وزاد فيه 12 عشرين ومائة متر مربع بالجهة الشرقية الجنوبية في الجنوب الشرقي لزيادة الوليد.
... 7- وفي ليلة الثالث عشر من رمضان سنة 886 هـ أبرقت السماء وأرعدت رعدا شديدا وانقضت صاعقة على المئذنة الكبرى قضت على رئيس المؤذنين الذي كان يترنم عليها، وانتقلت إلى سقف المسجد فالتهمته وهدمت جدره وتداعى أكثر عمده، فأرسل الأشرف قايتباي الأمير. سنقر الجمالي إلى المدينة لعمارة المسجد ومعه الصناع والآلات اللازمة. فعمروا المسجد على أتم وجه وزادوا في عرضه من الجهة الشرقية 1672 أثنين وسبعين وستمائة متر وألف متر مربع. وقد أنفق الأشرف قايتباي على هذه العمارة ما يقرب من 60.000 ستين ألف جنيه مصري.
8- وفي سنة 980 هـ عمره السلطان سليم الثاني وبني محرابا غرب المنبر النبوي على حد المسجد الأصلي من الجهة القبلية. أنظر المحراب السليمي برسمي 11 و12 ص 328 و329 ... 9- وفي سنة 1265 هـ أمر السلطان عبد المجيد بن مراد العثماني بعمارة المسجد عمارة شاملة تناولته كله خلا المقصورة وبعض جدر محكمة الأساس، وغيرت الأعمدة القديمة بأعمدة أجود، ووسعت الأروقة الشمالية والشرقية، فجعلت رواقين بدل ثلاثة وجعلت الغربية ثلاثة أروقة بدل أربعة، وزاد المعمرون رواقين في الجهة القبلية مما يلي صحن المسجد وخرجوا بالجدار الشرقي من الجنوب إلى باب جبريل خمسة أذرع وربعا: وكان في شرق المسجد تجاه الصحن حظيرة أرضها مرتفعة عن سطح المسجد فسويت به ووسعت بطول ثلاثة أعمدة في عرض رواقين وصارت مكانا خاصا بصلاة النساء (مصلى للنساء) أنظر رسم 11 ص 328 وزادوا مساحة المسجد 1293 ثلاثة وتسعين ومائتين وألف متر مربع، وبعد إتمام البناء رخموا ارض المسجد كلها والنصف الأسفل من الجدار القبلي. وتم هذا التجديد سنة 1277 هـ فكانت مدته (أثنتي عشرة سنة (*)- وقد بلغت نفقات هذه العمارة 750000 خمسين وسبعمائة ألف جنيه مجيدي (**) وبهذه الزيادات صارت مساحة المسجد 12600 متر مربع (ثلاثة فدادين) وهو مستطيل. وكان له قبل الزيادة السعودية خمسة أبواب: باب السلام في الجنوب الغربي، وباب الرحمة ثلث الجدار الغربي، والباب المجيدي في الشمال، وباب النساء في ثلث الجدار الشرقي، وفي جنوبه باب جبريل. أنظر رسم 11 المسجد النبوي قبل التوسعة السعودية ص 328 (المنبر) وفي الرواق الثالث من الجهة الجنوبية تجد المنبر وعن يساره محراب الرسول صلى الله عليه وسلم.
... (*) تولى الخلافة السلطان عبد المجيد يوم الثلاثاء 19 من ربيع الآخر 1255 هـ 2 يوليو سنة 1839م. وتوفي يوم الأربعاء 17 من ذي الحجة سنة 1277 هـ – 26 يونيو سنة 1861 م. وفي عهده: (أ) أسندت رياسة الأزهر للعلامة الشيخ إبراهيم بن محمد ابن أحمد الباجوري في شهر شعبان سنة 1263 هـ وقد توفى رحمة الله عام وفاة السلطان سنة 1277 هـ. (ب) ولد الشيخ الإمام طيب الله ثراه في عهده سنة 1274 هـ.
... (**) كانت قيمة الجنيه المجيدي (نسبة لعبد المجيد) وقتئذ في المعاملة 131 قرش، وقيمة الجنيه المصري 150 قرشن فتكون قيمة النفقات بالمصري 655000 خمسة وخمسين وستمائة ألف جنيه مصري.
... (القبر الشريف) وفي الجنوب الشرقي جزء فصل من المسجد بور من النحاس الأصفر، كل من ضلعيه الجنوبي والشمالي 15 مترا، وكل من الشرقي والغربي 16 مترا، جنوبه القبر الشريف، ويليه من الشمال الشرقي قبر أبي بكر ثم قبر عمر شرقي قبر أبي بكر رضي الله عنهما.
... (الروضة الشريفة) وبين المنبر والقبر الروضة وطولها 32 مترا في عرض 16 مترا ويفصلها عن الرواقين القبليين سور من نحاس مرتفع نحو متر.
... 10- وفي يوم الجمعة 11 رمضان سنة 1370 هـ – 15 يونيو سنة 1951 م أصدر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود أمرا بعمارة المسجد النبوي عمارة شاملة وتوسعته توسعة كاملة، وفي يوم الثلاثاء 5 من شوال سنة 1370هـ 10 من يوليو سنة 1951م بدئ في تنفيذ هذا المشروع بهدم الدور المحيطة بالمسجد، وقد انتزعت ملكيتها بثمن قدره 115000 خمسة عشر ألف ومائة ألف جنيه من ذهب، وفي ربيع الأول سنة 1372 هـ نوفمبر سنة 1952 م زار المدينة ولي العهد الأمير سعود، وفي حفل كبير حاشد وضع الحجر الأساسي للمسجد نيابة عن موالده، وفي يوم الأربعاء 9 من رجب سنة 1372 هـ 25 من مارس سنة 1952 م زار المدينة ولي العهد ملكي بالاستمرار في توسعه الحرم النبوي (إصلاحه على أساس التصميم الذي وضعه المهندسون، واقتضى هذا التصميم نقص ثلاثة أقسام من الحرم النبوي: الشرقي والغربي والشمالي، وبقى القسم الجنوبي الذي به المقصورة الشريفة والروضة المنيفة والآثار النبوية المباركة، وفي يوم الأحد 24 من رمضان سنة 1372 هـ 7 من يونيو سنة 1952 م بدئ في حفر الأسس للمسجد الشريف بالجناح الغربي الذي به باب الرحمة، وفي ربيع الأول سنة 1373 هـ- نوفمبر سنة 1953 م توفى الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، وتولى بعده الملك سعود، ثم زار المدينة المنورة ووضع بيده أربعة أحجار في إحدى زوايا الجدار الغربي للمسجد، وسارت العمارة سيرا حسنا بهمة ونشاط يرعاها الملك سعود حتى تمت على أحسن وجه وأكل صنع، واحتفل بتمامها مساء الأحد 6 من ربيع الأول سنة 1375 هـ 23 من أكتوبر سنة 1955م، وبذلك تكون العمارة استغرقت نحو ثلاث سنوات من تاريخ وضع الحجر الأساسي، وقد بلغت نفقات هذه العماة (50.000.000 خمسين مليون) ريال سعودي (أي خمسة ملايين جنيه مصري) ومساحة هذه الزيادة 6024 أربعة وعشرون مترا وستة آلاف متر مربع، أي عشرة أسهم وعشرة قراريط وفدان، وبهذه الزيادة صارت مساحة المسجد 18624 مترا مربعا، أي عشرة أسهم وعشرة قراريط وأربعة أفدنة.
... وصارت البواكي الشمالية خمسا، وكل من الشرقية والوسطى والغربية ثلاثا، وأبواب المسجد عشرة:
... (1) باب السلام في الجنوبي الغربي. ... ... (2) باب الصديق في شمال باب السلام:
... (3) باب الرحمة في ثلث الجدار الغربي.
... (4) باب سعود بن عبد العزيز في شماله أنشيء في ربيع الأول سنة 1373هـ- نوفمبر سنة 1953م.
... (5) باب عمر بن الخطاب بالشمال الغربي: ... (6) باب عبد المجيد شرقي باب عمر:
... (7) باب عثمان بن عفان في الشمال الشرقي: ... (8) باب عبد العزيز في الشرق.
... (9) باب النساء في ثلث الجدار الشرقي. ... ... (10) باب جبريل في جنوب الجدار الشرقي.
... وهاك بيان مساحة المسجد النبوي بالمتر المربع والفدان وأجزائه والزيادات فيه من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد آل سعود:متر مربع س ... ط ... ف ... العهد ... التاريخ الهجري التاريخ الميلادي 1050 ... 00 ... 6 ... 00 ... عهد النبي صلى الله عليه وسلم ... 1 ... 622 1450 ... 7 ... 8 ... 00 ... عهد النبي صلى الله عليه وسلم ... 7 ... 628 1700 ... 17 ... 9 ... 00 ... عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... 17 ... 638 496 ... 21 ... 2 ... 00 ... عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ... 29 ... 649- 650 2369 ... 13 ... 13 ... 00 ... عهد الوليد بن عبد الملك ... ... 88 ... 707 2450 ... 00 ... 14 ... 00 ... عهد المهدي ... ... ... 161- 162 777-778
120 17 00 00 عهد قايتباي (1) 879 1474
1672 12 9 00 عهد قايتباي (2) 886 1481
1293 9 7 00 عهد السلطان عبد المجيد 1265- 1277 1849- 1861
6024 10 10 1 عهد آل سعود 1372- 1375 1952- 1955
18624 10 10 4
... هذا وبالمسجد خمسة محاريب: 1- محراب الرسول بالروضة على يسار المنبر.
... (قال) اللواء إبراهيم رفعت رحمه الله: ولم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم محراب مجوف، وإنما كان يصلي مكان المحراب أو قريبا منه، وأول من أحدث المحراب المجوف عمر بن عبد العزيز وإلى المدينة في خلافة الوليد، وإنا لنشك في صحة تلك النسبة إليه، فإن عمر أرى الناس لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن تجويف المحراب سنة نصرانية فكيف يستن عمر بن عبد العزيز بسنة النصارى؟ وقد عثرنا على رسالة في دار الكتب المصرية ألفها السيوطي بين فيها بدعة المحاريب المجوفة وأقام الدليل على ذلك من السنة متكلما على الأحاديث سندا سندا (أنظر ص 468 ج 1 مرآة الحرمين) ونقل ملخص الرسالة، واسمها (إعلان الأريب بحدوث بدعة المحاريب)، انظرها تامة ص 96 ج 4 من المنهل العذب المورود، وملخصه ص 114 ج 2 من الدين الخالص طبعة ثانية:
... 2- محراب عثمان في حائط المسجد القبلي، وهو محدث في مصلى عثمان، وكانت محاطة بسور من لبن اتخذها عثمان- لما طعن عمر رضي الله عنهما- ينقى بها الأشرار:
... 3- المحراب السليمي (نسبة لسليم الثاني) بني بأمره كما تقدم، أنظر هذه المحاريب الثلاثة برسمي 11 و12 ص 328 و329.
... 4- محراب التهجد وهو خلف منزل على شمال حجرة السيدة فاطمة خارج المقصورة الدائرة عليها وعلى المقصورة الشريفة من جهة الشمال.
... 5- المحراب المجيدي وهو شمال دكة الأغوات، أحدث في العمارة التي أمر بها وابتدئت سنة 1265 هـ. أنظر رسم 13 الروضة والمقصورة ص 336.(1/320)
قدم اليمني وقال: باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، رب أغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، ويصلي تحية المسجد عند المنبر بحيث يكون عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن إن أمكنه؛ فهذا موقف النبي صلى الله عليه وسلم- على ما قيل- قبل أن يوسع المسجد، (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي. أخرجه مالك والشيخان والترمذي وصححه(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 314 }
3- كيفية الزيارة: ثم يأتي القبر الشريف ولا يهجم عليه ولا يلتصق به ولا يمد يديه عليه، بل يستقبل جداره ويستدبر القبلة متبادعا عنه نحو أربعة أذرع، لما روى أبو حنيفة أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من السنة أن تأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم من قبل القبلة وتجعل ظهرك إلى القبلة وتستقبل القبر بوجهك ثم تقول: السلام عليك ورحمة الله وبركاته(2). ... ... ... ... ... ... ... ... { 107 }
(
__________
(1) ص 358 ج 1 زرقاني الموطأ (ما جاء في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم) وص 46 ج 3 فتح الباري (فضل ما بين القبر والمنبر) وص 162 ج 9 نووي مسلم و(بيتي) أي الذي دفن فيه النبي صلى الله عليه وسلم (روضة) أي كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة، وقيل: المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة، هذا وبين القبر والمنبر ثلاث وخمسون ذراعا وشبر (ومنبري على حوضي) المراد أن منبره صلى الله عليه وسلم يكون على الحوض يوم القيامة، وقيل إن له هناك منبرا على حوضه.
(2) ص 27 مسند أبي حنيفة (آخر كتاب الحج).(1/321)
هذا) وللزائر أن يزيد: السلام عليك يا خير خلق الله، يا إمام المتقين، يا سيد المرسلين، إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله. قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبيا عن أمته. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم إنك قلت: "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما"(1)، وقد أتيتك يا رسول الله مستغفرا من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته. اللهم أجعله أول الشافعين يا أرحم الراحمين. ثم يدعو لوالديه وللمسلمين(2)ويبلغ سلام من أوصاه بتبليغ سلامه، فيقول: السلام عليك يا رسول الله من فلان ابن فلان، أو فلان ابن فلان يسلم عليك يا رسول الله. ثم يتأخر عن يمينه قدر ذراع فيقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. السلام عليك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنيسه في الغار وأمينه على الأسرار. جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرا. ثم يتأخر عن يمينه قدر ذراع ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين. السلام عليك يا ناصر المسلمين. السلام عليك يا من أعز الله به الإسلام. جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرا (ومن) طال عليه هذا اقتصر على بعضه. وأقله السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد روى نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا قدم من سفر دخل المسجد ثم أتى القبر فقا: السلام عليك يا رسول الله. السلام عليك يا أبا بكر. السلام عليك يا أبتاه.
__________
(1) عجز الآية 64 من سورة النساء، وصدرها: "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله".
(2) ص 590 ج 3 مغنى ابن قدامة.(1/322)
أخرجه البيهقي(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 108 }
(وينبغي) للزائر أن يلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كلامه ويرد عليه السلام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد بيسلم علي إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي بسند صحيح(2). ... ... ... ... { 315 }
... (هذا) وهل الزائر يبدأ بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أفضل أو بالصلاة؟ الظاهر أن البدء بالسلام عند كل زيارة أفضل، وأن الصلاة بعده أفضل من استمرار السلام، وإن كان باقيا في مكان الزيارة.
... (ويتأكد) على الزائر ألا يرفع صوته بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقول السائب بن يزيد: كنت مضطجعا في المسجد، فحصبني رجل، فرفعت رأسي، فإذا عمر رضي الله عنه، فقال: اذهب فأتني بهذين الرجلين، فجئت بهما، فقال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد ما فارقتماني حتى أوجعتكما جلدا، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أخرجه البخاري(3). ... ... { 109 }
__________
(1) ص 245 ج 5 سنن البيهقي (زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم):
(2) أنظر رقم 300 ص 251 ج 2 تكملة المنهل العذب (زيارة القبور) وباقي المراجع بهامش 4 ص 253 منه، و(رد الله على روحي ... ) قال عياض: لعل معناه أن روح النبي صلى الله عليه وسلم متعلقة بالحضرة الإلهية فإذا بلغه سلام أحد رد الله روحه من تلك الحالة فترد على من سلم عليه، وكذلك كانت عادته صلى الله عليه وسلم في الدنيا.
(3) ص 375 ج 1 فتح الباري (رفع الصوت في المسجد).(1/323)
... (ويسن) للزائر بعد الزيارة أن يكثر من الصلاة والدعاء في الروضة الشريفة. ويتحري الوقوف والدعاء عند المنبر الشريف متأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم. وأن يتحري الصلاة أيضا فيما كان مسجدا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لا فيما زيد بعده. وأن ينوي الاعتكاف كلما دخل المسجد، وإن كان مارا عند الشافعي. وألا يمر بالقبر الشريف ولو خارج المسجد حتى يقف ويسلم. وقد سئل مالك: أترى أن يسلم كلما مر؟ قال: نعم أرى ذلك عليه كلما مر. وكره مالك لأهل المدينة الوقوف بالقبر الشريف كلما دخل أحدهم المسجد وخرج، ولا بأس لمن قدم منهم من سفر أو خرج إلى سفر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه وعلى صاحبيه، كما يطلب ذلك من الغرباء كلما دخلوا المسجد وخرجوا.
... (وقال) الحنفيون والشافعي وأحمد: يستحب الإكثار من زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لكل أحد من أهل المدينة وغيرهم، لأن الإكثار من الخير خير وإفضاء ذلك إلى ملل لا نظر إليه. فمن اطمأن قلبه وتوفر أدبه طول ما شاء ومن لا سلم وانصرف.
... (ومن الأدب) إذا أراد الصلاة ألا يجعل الحجرة الشريفة وراء ظهره ولا بين يديه، وأن يتحرى الأماكن الفاضلة من المسجد بالصلاة فيها والدعاء كأساطين المسجد الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم لا سيما الأساطين الثمانية التي ورد لها فضل خاص(1) وهي:
... (1) أسطوانة المصحف: وهي علم على مصلي النبي صلى الله عليه وسلم كان أمامها الجذع الذي كان يخطب إليه النبي صلى الله عليه وسلم. (قال) يزيد بن أبي عبيد: كان سلمة بن الأكوع يتحري الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف. قلت: يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عندها. أخرجه الشيخان والبيهقي(2). {316}
__________
(1) ص 108 نزهة الناظرين.
(2) ص 385 ج 1 فتح الباري (الصلاة إلى الأسطوانة) وص 247 ج 5 سنن البيهقي (أسطوانة التوبة).(1/324)
... (2) أسطوانة المهاجرين: لأنهم كانوا يجتمعون عندها- وهي في الصف الذي خلف القائم في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم- وهي الثالثة من المنبر ومن القبر. صلى إليها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وابن الزبير، وورد أن الدعاء عندها مستجاب. وتسمى أسطوانة عائشة.
... (3) أسطوانة التوبة: وتعرف بأسطوانة أبي لبابة، لأنه ارتبط إلى جذع كان في محلها لما وقع منه في شأن بني قريظة(1) ولم يحل حتى تاب الله عليه، وهي الرابعة من المنبر والثانية من القبر. كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليها النوافل وينصرف بعد صلاة الصبح، ويعتكف وراءها مما يلي القبلة مستندا إليها (روي) نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف يطرح له فراشه أو سريره إلى أسطوانة التوبة مما يلي القبلة يستند إليها. أخرجه ابن ماجه والبيهقي بسند صحيح رجاله ثقات(2). ... ... ... ... {317}
__________
(1) قال) عبد الله بن أبي قتادة: نزلت هذه الآية: "لا تخونوا الله والرسول"، في أبي لبابة بن عبد المنذر، سألوه يوم قريظة: ما هذا الأمر؛ فأشار إلى حلقه أنه الذبح فنزلت (قال) أبو لبابة ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله، أخرجه ابن جرير وابن المنذر (أنظر ص 288 ج 2 فتح القدير للشوكاني) ولما رأى انه خان حلف لا يذوق ذواقا حتى يموت أو يتوب الله عليه، فربط نفسه بسارية بالمسجد فمكث تسعة أيام حتى كاد يخر مغشيا عله من الجهد، ثم أنزل الله توبته، فبشره الناس وأرادوا حله من السارية، فحلف لا يحله منها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحله.
(2) ص 277 ج 1 سنن ابن ماجه (المعتكف يلزم مكانا في المسجد) وص 247 ج 5 سنن البيهقي (أسطوانة التوبة).(1/325)
... (4) اسطوانة السرير: وهي اللاصقة بالشباك داخل المقصورة، تلي أسطوانة التوبة من جهة الشرق، سميت بذلك لأنه كان يوضع سرير النبي صلى الله عليه وسلم عندها (وهذه) ثلاث الأساطين في صف واحد لا فاصل بينهن سوى نصف أسطوانة لاصقة بالشباك من خارجه(1).
... (5) أسطوانة المحرس: وهي شمال أسطوانة التوبة، وتسمى أسطوانة على، لأنه كان يجلس شرقيها يحرس النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هو وأمراء المدينة يصلون إليها.
... (6) أسطوانة الوفود: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إليها الوفود العرب إذا جاءته، وهي شمال أسطوانة المحرس.
... (7) أسطوانة مربعة القبر الشريف: وهي محاذية للحجرة الشريفة بالجهة الغربية عند انحراف جانبها إلى الشمال. بينها وبين أسطوانة الوفود الأسطوانة اللاصقة بالشباك داخل المقصورة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إليها ويقول: السلام عليكم أهل البيت "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"(2).
... (8) أسطوانة التهجد: وهي أسطوانة مربعة شمال بيت علي رضي الله عنه، وفيها محراب على يسار المتوجه إلى باب جبريل. كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إليها حصيرا كل ليلة فيطرح له وراء بيت علي، ثم يصلي صلاة الليل، فلما رأى المصلين بصلاته قد كثروا أمر بالحصير فطوى وصار يصلي في الحجرة خشية أن تجب صلاة الليل على الأمة(3). ... ... ... ... ... ... ... [أنظر رسم 13 ص 336]
__________
(1) أحدثت هذه الأساطين زمن الأشرف قايتباي عند بناء القبة على الحجرة الشريفة.
(2) الآية 33 من سورة الأحزاب، نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل البيت نساؤه وفاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم.
(3) ص 54 نزهة الناظرين.(1/326)
... 4- بدع الزيارة: تبين أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من أهم القربات وعلمت كيفيتها المشروعة التي بها ترجى الرحمة والقبول، وينال بها المرغوب والمأمول، ولكن الشيطان العدو اللدود حسن للجاهلين بدعا في الزيارة تبعدهم عن المقصود وهو رضا الرب المعبود، منها:
... 1- تجرد بعضهم عن المخيط تشبها بحال الإحرام.
2- ومنها استلام المقصورة وتقبيلها والتمسح بها والطواف بها والصلاة إليها والانحناء للقبر الشريف، وأقبح منه تقبيل الأرض. وكل هذا مجمع على حرمته لأنه أشبه بالسجود. وكذا الطواف والصلاة للقبر، لأن الطواف بمنزلة الصلاة(1).
... 3- ومنها ما يفعله أهل المدينة وغيرها من الوقوف بالجهة الشرقية من المقصورة يصلون ويسلمون على جبريل وميكائيل وإسرافيل؛ فهو بدعة لا أصل له.
... 4- ومنها ما عتاده عامة أهل المدينة من أنهم بعد السلام على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والرجوع إلى القبر الشريف يذهبون لزيارة السيدة فاطمة الزهراء، ثم يعودون إلى الموقف الأول أمام القبر الشريف ويقفون وقفة لطيفة. ثم يمشون إلى ناحية المحراب العثماني ويقفون هناك مستقبلين القبلة ويدعون؛ فهو بدعة لا أصل له(2).
__________
(1) ص 109 نزهة الناظرية.
(2) ص 110 منه.(1/327)
... 5- ومنها أن الزوار يصطفون عقب كل فريضة عدا العشاء- يصرخون بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه صرخة رجل واحد بصوت مزعج جدا بواسطة المدعو مزورا حتى يزعجوا بأصواتهم من في المسجد وسكان البيوت المجاورة. وهذا منكر فظيع محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال تعالى: "يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون"(1) أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عند الرسول خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه ويحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري(2). وتقدم تحذير عمر رضي الله عنه من رفع الصوت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم(3). وقد أجمعت الأمة على أن حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا. وغن الله تعالى قد مدح قوما بغض أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرهم بأجر عظيم. قال تعالى: "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم"(4). وذم آخرين لرفع أصواتهم عنده صلى الله عليه وسلم ونفى العقل عنهم، قال: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون"(5). وقد روى أن أبا جعفر المنصور ناظر مالكا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله أدب قوما، فقال: "لا ترفعوا أصواتكم ... الآية" وذم آخرين، فقال: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ... الآية" فاستكان لها أبو جعفر.
__________
(1) الآية 2 من سورة الحجرات.
(2) ص 8 ج 8 تفسير ابن كثير.
(3) تقدم آثر رقم 109 ص 332.
(4) الآيتان 3 و4 من سورة الحجرات.
(5) الآيتان 3 و4 من سورة الحجرات.(1/328)
... 6- ومنها إلصاق الظهر والبطن بجدار القبر ومسحه باليد، فهو مكروه. والأدب أن يبعد منه كبعده من النبي صلى الله عليه وسلم لو حضره في حياته. ولا يغتر بمخالفة كثير من العوام وفعلهم ذلك، فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بالقرآن والأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء المؤيدة بالدليل.
... (قال) الفضيل بن عياض رحمه الله: اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين. وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين. ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة، فهو من جهله وغفلته لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع. وكيف يبتغي الفضل في مخالفة الصواب؟(1)
... 7- ومنها تقرب جهلة العامة بأكل التمر الصيحاني في الروضة الشريفة وقطعهم شعورهم ورميها في القنديل الكبير. وهذا من المنكرات الشنيعة والبدع القبيحة.
... 8- ومنها استصحاب شيء من الأواني المصنوعة من تراب حرم المدينة كالكيزان والأباريق وإخراجها إلى وطنه. وكذا حكم الأحجار والتراب كما هو الحال في حرم مكة(2).
... 9- ومن المنكر ما يزعمه بعض العامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من زارني وزار أبي غبراهيم في عام واحد ضمنت له الجنة.
... (وهذا) باطل موضوع لا يعرف. وكذا قول بعضهم: إذا حج وقدس كان كحجتين. ولا تعلق لزيارة الخليل بالحج، بل هي قربة مستقلة وفضيلة لا تنكر. وإنما المنكر ما رووه واعتقدوه. وكذا زيارة بيت المقدس فضيلة وسنة مستقلة لا تتعلق لها بالحج(3). هذا، ويطلب ممن بالمدينة أمور منها:
__________
(1) ص 275 ج 8 شرح المهذب.
(2) ص 277 منه.
(3) ص 277 منه.(1/329)
... يستحب لمن بالمدينة المنورة أن يخرج كل يوم إلى البقيع خصوصا يوم الجمعة فيزور القبور التي به. (قالت) عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، إذا مؤجلون. وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد. أخرجه مسلم والبيهقي(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 318 }
... ويخص بالزيارة القبور المعروفة كقبر إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم وعثمان والعباس والحسن بن علي وغيرهم، ويختم بزيارة قبر صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويستحب أن يأتي أحدا يوم الخميس مبكرا فيزور شهداءها ويبدأ بقبر حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وليحذر العاقل من بدع الزيارة، كاستلام القبر وتقبيله والطواف به وسؤال من به والصلاة عنده، بل المشروع الدعاء والاستغفار لهم. أما طلب الحاجات من الأنبياء والصالحين أو دعاؤهم والإقسام بهم على الله تعالى أو ظن أن الدعاء أو الصلاة عند قبورهم أفضل منه في المساجد والبيوت، فهو ضلال وبدعة باتفاق أئمة المسلمين. ولم يكن أحد من الصحابة يفعل ذلك ولا كانوا يقفون على قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعون لأنفسهم. ولذا كرهه مالك وغير من العلماء، لأنه من البدع التي لم يفعلها السلف. واتفق الأئمة على أنه يطلب ممن أراد الدعاء أن يستقبل القبلة ولا يستقبل القبر، وأما إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيستقبل القبر عند مالك والشافعي وأحمد. (وقال) الحنفيون: يستقبل القبلة ويكون القبر عن يساره(2).
النبي صلى الله عليه وسلم
... وهي كثيرة- أهمها خمسة:
__________
(1) ص 40 ج 7 نووي مسلم (ما يقال عند دخول القبور) وص 249 ج 5 سنن البيهقي (زيارة القبور في البقيع) و(البقيع) موضع بظاهرة المدينة فيه قبور أهلها، كان به شجر الغرقد فذهب وبقى أسمه.
(2) ص 173 تقسير سورة الإخلاص لابن تيمية.(1/330)
... 1- مسجد قبا(1): يستحب استحبابا مؤكدا أن يأتيه يوم السبت ويصلي فيه، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور مسجد قباء كل سبت راكبا وماشيا ويصلي فيه ركعتين. أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي والبيهقي(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 319 }
... وهو أول موضع صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة.
__________
(1) قبا بالضم والقصر وقد يمد، في الأصل: أسم بئر سميت به قرية متصلة بالمدينة بها مساكن بني عمرو بن عوف، وهي على ميلين من المدينة المنورة في سيرة القاصد إلى مكة، ومسجدها أوةل مسجد بني في الإسلام، وضع أول حجر فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم، وهو في الجنوب الغربي من المدينة مربع الشكل وضلعه أربعون مترا وارتفاعه ستة أمتار، به تسعة وعشرون عمودا بينه وبين مسجد النبي صلى الله عليه وسلم 3528 ثمانية وعشرون وخمسمائة وثلاثة آلاف متر، وفي وسطه مبرك الناقة بالنبي صلى الله عليه وسلم وعليه حظيرة قصيرة شبه روضة صغيرة، وفي صحنه8 مما يلي القبلة شبه محراب عليه مصطبة وله باب من جهة الغرب، وفي قبلته دار أبي أيوب الأنصاري، وفي غربه رحبة فيها بئر هي منبع عين الأزرق، يسميها العامة العين الزرقاء جدده السلطان محمود خان الثاني سنة 1210 هـ.
(2) أنظر رقم 299 ص 249 ج 2 تكملة المنهل العذب (تحريم المدينة) وباقي المراجع بهامش 7 ص 250 منه.(1/331)
... 2- مسجد الفتح: وهو في الشمال الغربي للمدينة على جبل سلع(1) تسن زيارته والصلاة فيه والدعاء، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثا يوما الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين، فعرف البشر في وجهه، قال جابر: فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة. أخرجه أحمد والبزار بسند رجاله ثقات(2).{320}
... (وعن) أبن الحكم بن ثوبان قال: أخبرني من صلى وراء النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الفتح ثم دعا فقال: اللهم لك الحمد، هديتني من الضلالة فلا مكرم لمن اهنت، ولا مهين لمن أكرمت، ولا معز لمن أذللت، ولا مذل لمن أعززت، ولا ناصر لمن خذلت، ولا خاذل لمن نصرت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا رازق لمن حرمت، ولا رافع لمن خفضت، ولا خافض لمن رفعت، ولا خارق لمن سترت، ولا ساتر لمن خرقت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت. أخرجه أحمد(3). ... ... ... ... ... ... [321]
... (فينبغي) للمصلى في مسجد الفتح أن يدعو فيه بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصا يوم الأربعاء قبل العصر.
... 3- مسجد الجمعة: ويسمى مسجد الوادي، وهو في منازل بني سالم ابن عوف غرب الوادي على طريق الحرة. وفي الحديث: أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن وادي رانونا، وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة(4). ... ... ... { 322 }
... وكان ذلك في اليوم السادس عشر من ربيع الأول من السنة الأولى من الهجرة.
__________
(1) سلع بفتح فسكون: جبل شمال المدينة.
(2) ص 12 ج 4 مجمع الزوائد (مسجد الفتح) ولعل المراد بالصلاتين الظهر والعصر.
(3) ص 151 عمدة الأخيار.
(4) ص 144 منه.(1/332)
... 4- مسجد الفضيح: بفتح الفاء وكسر الضادن سمي بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر بني النضير ضرب قبته في موضع هذا المسجد وأقام بها فجاء تحريم الخمر، فوصل الخبر إلى أبي أيوب الأنصاري في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في موضعه معهم رواية خمر من فضيح، أي بسر مفضوح. فأمر أبو أيوب رضي الله عنه بمزلاء الراوية(1) ففتحت فسأل الفضيح فيه، فسمى مسجد الفضيح. ويعرف بمسجد الشمس. وهو شرقي مسجد قباء على شفير الوادي. وهو مسجد صغير (روى) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بفضيح في مسجد الفضيح فشربه فلذلك سمي. أخرجه أحمد وفي سنده عبد الله بن نافع ضعفه الجمهور. وقيل يكتب حديثه(2). ... ... ... ... ... ... { 323 }
... وسمي مسجد الشمس لعله لكونه واقعا شرقي مسجد قباء على مكان عال أول ما تطلع الشمس عليه.
... 5- مسجد الأحزاب(3): تسن زيارته والصلاة فيه. وهو مسجد معروف في المدينة بني في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى مسجد الأحزاب فوضع رداءه وقام ورفع يديه مدا يدعو عليهم ولم يصل ثم جاء ودعا عليهم وصلى. أخرجه أحمد. وفي سنده رجل لم يسم(4). ... ... ... ... ... { 324 }
... (جـ) زيارة آبار المدينة التي شرب منها النبي صلى الله عليه وسلم
... وهي كثيرة أهمها خمسة:
__________
(1) عزلاء) كحمراء فم القربة الأسفل، والجمع عزالي بفتح اللام وكسرها. و(الراوية) الدابة يستسقى عليها الماء.
(2) ص 12 ج 4 مجمع الزوائد (مسجد الفضيح) والفضيح: شراب يتخذ من اليسر المفضوح، أي المشدوخ.
(3) الأحزاب) في الأصل: القوم تألفت قلوبهم وتشابهت أعمالهم.
(4) ص 12 ج 4 مجمع الزوائد (مسجد الأحزاب).(1/333)
... 1- بئر أريس(1): وهي في الجنوب الغربي لمسجد قباء على 200 مائتي متر منه (وفيها) سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من عثمان رضي الله عنه. (قال) أنس بن مالك رضي الله عنه: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر. فلما كان عثمان جلس على بئر أريس فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط، فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ننزح البئر فلم نجده. أخرجه البخاري(2). ... { 325 }
... وكان ذلك بعد ست سنين من خلافته. ويسن لمن بالمدينة أن يتوضأ ويشرب من بئر أريس. (روى) أبو موسى الأشعري من حديث طويل أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بئر أريس فتوضأ منها وجلس على قفها وكشف عن ساقية ودلاهما في البئر. (الحديث) أخرجه الشيخان(3). ... ... ... ... { 326 }
... (قيل): كان في خاتم النبي صلى الله عليه وسلم سر مما كان في خاتم سليمان عليه السلام، لأن سليمان عليه السلام لما فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان رضي الله عنه لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر وخرج عليه الخارجون. وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله واتصلت إلى آخر الزمان.
... 2- بئر إهاب: وهي معروفة اليوم بزمزم في الحرة الغربية، ماؤها شبيه بزمزم، وبقربها هضبات يجلس عليها المتريضون من أهل المدينة، وسميت بزمزم لكثرة التبرك بمائها ونقله إلى الآفاق كما ينقل ماء زمزم.
__________
(1) أريس) كأمير: أسم رجل يهودي، ومعناه بلغة أهل الشام الفلاح، أضيف إليه البئر، وهي بئر عمقها اثنا عشر مترا، وفي أسفلها فتحتان يجري منهما الماء إلى قاع البئر وفتحة ثالثة تصلها بمجرى العين الزرقاء التي يشرب منها أهل المدينة.
(2) ص 254 ج 10 فتح الباري (هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر؟).
(3) ص 26 ج 7 منه (قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا) وص 171 ج 15 نووي مسلم (فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه) و(قف) بضم القاف وتشديد الفاء: حافة البئر.(1/334)
... 3- بير حاء: بفتح الباء أو كسرها وفتح الراء أو ضمها ممدودا في الكل وبفتحهما مقصورا- فيعلى- من البراح، وهي الأرض المنكشفة، وقيل: حاء اسم رجل امرأة أضيف إليه البئر. وهي بئر وبستان شمالي سور المدينة من جهة الشرق. وقد صارت لأبي بن كعب وحسان بن ثابت دفعها إليهما أبو طلحة.
... (قال) أنس رضي الله عنه: لما نزلت: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" جاء أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، يقول الله تعالى في كتابه: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"، وإن أحب أموالي إلى بير حاء- وكانت حديقة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويستظل بها ويشرب من مائها- فهي إلى الله عز وجل وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجو بره وذخره فضعها- أي رسول الله- حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ يا أبا طلحة ذلك مال رابح، قبلناه منك ورددناه إليك، فاجعله في الأقربين- فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه. قال: وكان منهم أبي وحسان، وباع حسان حصته منه من معاوية، فقيل له: تبيع صدقة أبي طلحة؟ فقال: ألا أبيع صاعا من تمر بصاع من دراهم؟ وكانت تلك الحديقة في موضع قصر بني حديلة الذي بناه معاوية. أخرجه البخاري(1). ... ... ... ... ... { 327 }
... 4- بئر بضاعة:- بضم الباء وتكسر- في الشمال الغربي من بير حاء يستشفى بالغسل من مائها ثلاثة أيام. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب منها.
... (قال) سهل بن سعد: سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من بئر بضاعة. أخرجه أحمد والطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 328 }
__________
(1) ص 251 ج 5 فتح الباري (من تصدق إلى وكيله ثم رد الوكيل إليه) و(بخ) بفتح فسكون، فإن وصلت كررت ونونت، فقلت: بخ بخ، وهي كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء، وتكرر للمبالغة. و (حديلة) بحاء مهملة مصغرا: بطن من الأنصار.
(2) ص 12 ج 4 مجمع الزوائد (بئر بضاعة).(1/335)
... 5- بئر رومة: هي المشهورة ببئر عثمان، لأنه اشتراها فتصدق بها، وهي في وادي العقيق في الشمال الغربي من المدينة. (روي) بشر بن بشير الأسلمى عن أبيه قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها: رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تبيعنيها بعين في الجنة؟ فقال يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها. فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنجعل لي ما جعلته له؟ قال: نعم: قد جعلتها للمسلمين. أخرجه البغوي في معجم الصحابة(1). ... ... ... ... ... ... ... ... { 329 }
... (وعلى الجملة) فينبغي لمن بالمدينة أن يزور جميع المحال المباركة والمساجد والمشاهد المفضلة التي بالمدينة المنورة إذا طالت إقامته بها، وإلا فالمقام عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم واغتنام مشاهدته أفضل.
... (ويستحب) أن يصوم بالمدينة ما أمكنه، وأن يتصدق على أهلها والغرباء بما أمكنه، ويخص أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بمزيد الرعاية، لقول زيد بن أرقم: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، فقيل له: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده: آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس. أخرجه أحمد ومسلم(2). ... ... ... ... ... ... ... ... { 330 }
__________
(1) ص 72 ج 14 عمدة القاري، شرح البخاري.
(2) ص 366 ج 4 مسند أحمد (حديث زيد بن أرقم ... ) وص 179 ج 15 تروى مسلم (فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه).(1/336)
آداب الرجوع إلى الأهل
... (يسن) لمن أراد الخروج من المدينة المنورة أن يودع المسجد الشريف بركعتين ينوي بهما سنة وداع المسجد ويقرأ بعد الفاتحة في الأولى: قل يأيها الكافرون، وفي الثانية الإخلاص، ويدعو بما أحب دينا ودنيا ويختم بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجدد التوبة، ثم يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم كما زاره أولا، ثم يقولك اللهم ولا تجعل هذا آخر العهد بنبيك ومسجده وحرمه، ويسر لنا العودة إلى زيارته والعكوف في حضرته سبيلا سهلا، وارزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة. ثم يتوجه تلقاء وجهه، ولا يمشي القهقري، ثم يقول اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما تحب وترضى.
... (ويستحب) أن يستصحب معه هدية إلى أهله من تمر المدينة ونحوه. وأن يكبر على كل شرف من الأرض ويدعو بما تقدم. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو، أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون. صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. أخرجه البيهقي والسبعة إلا النسائي(1).
__________
(1) تقدم رقم 29 ص 16 وأنظر ص 259 ج 5 سنن البيهقي (ما يقول في القفول) وص 25 ج 12 الفتح الرباني، وص 88 ج 3 سنن أبي داود (التكبير على كل شرف في السير) وص 119 ج 2 تحفة الأحوذي) ما يقول عند القفول من الحج والعمرة).(1/337)
... (وظاهره) اختصاص هذا الدعاء بالرجوع من غزو أو حج أو عمرة وبه قال بعض العلماء (وقال) الأئمة الأربعة والجمهور: يشرع هذا في كل سفر طاعة كصلة الرحم وطلب العلم. وقيل: يتعدى ذلك إلى السفر المباح، لأن المسافر فيه لا ثواب له، فله فعل ما يحصل له الثواب(1) وإذا أشرف على بلده سعى وقال: ىيبون، تائبون، عابدون، ساجدون لربنا حامدون. صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. اللهم اجعل لي فيها قرارا ورزقا حسنا.
... (ويرسل) إلى أهله من يخبرهم ولا يبغتهم بمجيئه. وإذا دخل البلد بدأ بالمسجد فصلي فيه ركعتين إن لم يكن وقت كراهة. ثم ينصرف إلى منزله ويصلي فيه ركعتين، لحديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل من حجته دخل المدينة فأناخ على باب مسجده ثم دخله فركع فيه ركعتين ثم أنصرف إلى بيته. قال نافع: فكان عبد الله بن عمر كذلك يصنع. أخرجه أحمد وأبو داود بسند جيد(2). ... ... { 331 }
... ثم يجلس في مكان بارز لمقابلة المهنئين ويكثر من حمد الله تعالى والشرك له على ما أولاه من إتمام العبادة والرجوع مصحوبا بالسلامة.
ملاقاة الحاج وتهنئته
... يستحب ملاقاة الحجاج قبل دخول بيوتهم والسلام عليهم ومصافحتهم وطلب الدعاء منهم وتهنئة كل بنحو: قبل الله نسكك وأعظم أجرك، وأخلف نفقتك وغفر ذنبك. (روي) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته، فإنه مغفور له. أخرجه أحمد والحاكم وقال: صحيح علي شرط مسلم(3). ... ... ... ... ... ... ... { 332 }
__________
(1) ص 148 ج 11 فتح الباري الشرح (الدعاء إذا أراد سفرا أو رجع).
(2) ص 26 ج 13 الفتح الرباني، وص 91 ج 3 سنن أبي داود (الصلاة عند القدوم من السفر).
(3) ص 26 ج 13 الفتح الرباني، وص 437 ج 1 فيض القدير.(1/338)
... ورد بأن في سنده محمد بن عبد الرحمن السلماني ضعفه الهيثمي وغيره، وهذا بالنسبة لمن كان حجه مبرورا خالصا لوجه الله ولمن تمكن من ملاقاته قبل دخول بيته، وإلا طلب الدعاء منه ولو بعد دخول البيت.
... (وعن) ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء غلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد هذه الناحية للحج، فمشى معه النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع رأسه إليه فقال: يا غلام، زودك الله التقوى ووجهك في الخير وكفاك الهم. فلما رجع سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع رأسه إليه فقال: يا غلام، قبل الله حجك، وكفر ذنبك وأخلف نفقتك. اخرجه الطبراني في الأوسط. وفي سنده مسلمة بن سالم الجهني ضعفه الدارقطني(1). {333}
وليمة الحج
... يستحب للحاج بعد قدومه أن ينحر بدنة أو بقرة أو ما يستطيع ويطعم أصحابه وجيرانه ولا سيما الفقراء، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة. أخرجه البخاري والبيهقي(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 334 }
الخاتمة
في فضل مكة وحرم المدينة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
... 1- فصل مكة: هي أفضل البلاد عند الحنفيين والشافعي وأحمد، لحديث عبد الله بن عدى بن الحمراء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بالحزورة في سوق مكة يقول: والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى اله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن غريب صحيح(3). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 335 }
__________
(1) ص 311 ج 3 مجمع الزوائد (ما يقال للحاج عند الوداع والرجوع).
(2) ص 261 ج 5 سنن البيهقي (الطعام عند القدوم).
(3) ص 205 ج 4 مسند أحمد (حديث عبد الله بن عدى بن الحمراء الزهري..) وص 138 ج 2 سنن ابن ماجه (فضل مكة) وص 375 ج 4 تحفة الأحوذي (فضل مكة) و(الحزورة) كقورة: مكان مرتفع بمكة عند باب الوداع.(1/339)
... وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمكة: ما أطيبك من بلد وأحبك إلى، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك. أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب(1). { 336 }
... وبهذا قال الجمهور وابن وهب وابن حبيب من أصحاب مالك رحمه الله، والمشهور عنه تفضيل المدينة على مكة، لما تقدم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة(2).
... ولقول رافع بن خديج: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المدينة خير من مكة. أخرجه الطبراني. وفي سنده محمد ابن عبد الرحمن بن داود مجمع علي ضعفه(3). ... ... ... { 337 }
... (وأجاب) الجمهور:
... (أ) عن حديث أبي هريرة بأنه خارج عن محل النزاع فإن الكلام في تفضيل مكة على غيرها لا في خصوص هذه البقعة. (قال) ابن عبد البر: هذا الاستدلال بالخبر في غير ما ورد فيه ولا يقاوم النص الوارد في فضل مكة. وساق حديث عبد الله بن عدى(4) وقال: إن هذا الحديث نص في محل الخلاف فلا ينبغي العدول عنه.
... (ب) وعن حديث رافع بأنه ضعيف لا يقاوم الأحاديث الصحيحة الواردة في تفضيل مكة. ولذا رجع عن هذا القول كثير من المالكية.
__________
(1) ص 376 ج 4 تحفة الأحوذي (فضل مكة).
(2) تقدم رقم 314 ص 325.
(3) ص 298 ج 3 مجمع الزوائد (فضل المدينة).
(4) تقدم رقم 335 ص 350.(1/340)
... 2- حرم المدينة: حرم المدينة كحرم مكة يحرم صيده وقطع شجره عند مالك والشافعي وأحمد، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم حرم مكة وأني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها. أخرجه مسلم(1). ... ... ... ... ... ... ... ... { 338 }
... (وعن عبد الله) بن زيد بن عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة ودعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة. أخرجه أحمد ومسلم(2). {339}
... (وعن جابر) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المدينة كالكير وحرم إبراهيم مكة وأنا أحرم المدينة وهي كمكة حرام ما بين حرتيها وحماها كلها لا يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل منها (الحديث). أخرجه أحمد(3). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 340 }
__________
(1) ص 136 ج 9 نووي مسلم (فضل المدينة). و(إني حرمت المدينة) أي حرمت صيد حرمها وقطع شجرها. و(لابتيها) تثنية لابة، وهي أرض ذات حجارة سود. وللمدينة لا بتان شرقية وغربية وهي بينهما عرضا، وطولها ما بين عير وثور، وهما جبلان أحدهما جنوبها والآخر شمالها (والعضاه) بكسر العين المهملة: شجر له شوك.
(2) س 40 ج 4 مسند أحمد (حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني..) وص 134 ج 9 نووي مسلم (فضل المدينة).
(3) ص 393 ج 3 مسند أحمد (مسند جابر بن عبد الله...) و(حماها) هو في الأصل مكان يمنع القرب منه. والمراد هنا مكان حماه النبي صلى الله عليه وسلم لإبل الصدقة ومنع العامة أن يرعوا فيه دوابهم وهو يريد من كل ناحية من المدينة. و(كلها) تأكيد له. وأنث الضمير لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه.(1/341)
... (دل) على جواز أخذ أوراق الشجر للعلف. أما قطعة فحرام عند الأئمة الثلاثة، غير أن مالكا والشافعي قالا: لا ضمان في قتل صيده أو قطع شجره، لأنه ليس محلا للنسك، (وقال) بعض المالكية: يجب فيه الجزاء كحرم مكة لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: إني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة.
... (وقال) الحنفيون: ليس للمدينة حرم فلا يمنع أحد من أخذ يدها ولا قطع شجرها، لحديث أبي التياح عن انس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له: أبو عمير كان فطيما، فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال أبا عبيد: ما فعل النغير؟ فكان يلعب به. أخرجه مسلم والنسائي في اليوم والليلة والبزار والطحاوي(1). ... ... ... ... ... ... ... { 341 }
... (وقالوا) إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قطع شجرها استبقاء لزينتها ليستطيبوها ويألفوها، (وأجاب) الجمهور عن الحديث باحتمال أنه كان قبل تحريم المدينة أو أن النغير كان من صيد الحل. والرسول صلى الله عليه وسلم إنما حرم صيد الحرم. والراجح القول الأول لقوة أدلته.
... 3- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
... هي مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال الله تعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبي، يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"(2). قال أبو العالية: صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء. ذكره البخاري(3). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 110 }
__________
(1) ص 128 ج 14 نووي مسلم (تكنية الصغير) و(الغنير) تصغير نغر بضم فقتح، وهو ظائر يشبه العصفور أحمر المنقار.
(2) الآية 56 من سورة الأحزاب.
(3) ص 376 ج 8 فتح الباري (قوله: إن الله وملائكته يصلون على النبي..)(1/342)
... (والمقصود) من الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة نبيه عنده في الملإ الأعلى، بأنه يثنى عليه عند ملائكته، وأن الملائكة تصلي عليه، وأمر عباده بأن يقتدوا بذلك ويصلوا عليه(1). وعن سعيد ابن جبير عن ابن عباس أن بني غسرائيل قالوا لموسى عليه الصلاة والسلام: هل يصلي ربك؟ فناداه ربه: يا موسى سألوك: هل يصلي ربك؟ فقل: نعم أنا أصلي وملائكتي على أنبيائي ورسلي، فأنزل الله تعالى على نبيه: "إن الله وملائكته يصلون على النبي ... " الآية. أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه(2). ... ... ... ... { 111 }
... (وظاهر الأمر) بالصلاة والتسليم في الآية أن يقول القائل: صليت وسلمت، أو الصلاة عليه والسلام عليه، أو عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله تعالى أمرنا بإيقاع الصلاة عليه والتسليم منا، فمقتضاه ألا يتحقق الامتثال بقول أحدنا: اللهم صل وسلم على رسولك، أو على محمد، أو على النبي، لأن الله تعالى أمرنا أن نصلي ونسلم عليه لا أن نطلب منه تعالى ذلك. (وأجيب) بأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الصلاة والتسليم المأمور بهما في الآية هما أن تقول: اللهم صل عليه وسلم. أو نحو ذلك. فاقتضى أن هذه الصلاة هي المأمور بها: (قال) كعب ابن عجرة: قلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلي آل محمد كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد. أخرجه السبعة(3). ... ... ... ... ... ... ... { 342 }
__________
(1) ص 291 ج 4 فتح القدير للشوكاني.
(2) ص 293 ج 4 فتح القدير للشوكاني.
(3) أنظر المراجع وشرح الحديث بهامش 3 ص 170 ج 2 الدين الخالص، طبعة ثانية (كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم).(1/343)
... (هذا) ويستحب الجمع بين الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، (ويكره) الاقتصار على أحدهما. وهما شعار خاص بالأنبياء والملائكة؛ فلا يصلي ولا يسلم على غيرهم إلا تبعا. والمتبع الترضي عن الصحابة والمترحم على من بعدهم والدعاء لهم بالمغفرة والعفو. قال الله تعالى: "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا"(1).
... ( ولا يجوز ) لنا أن نصلي ونسلم على أحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم عند جمهور العلماء إلا تبعا وهو محرم أم مكروه تحريما أو تنزيها ؟ أقوال ثلاثة ، ( وقال ) قوم منهم الإمام أحمد: تجوز الصلاة على غير الأنبياء لقوله تعالى: "وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم"(2) ولقوله : "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة"(3)، ولقوله: "هو الذي يصلي عليكم وملائكته"(4) ، ولقول عبد الله بن أبي أوفي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : اللهم صل عليهم، فأتاه أبي بصدقته، فقال : اللهم صل على آل أبي أوفي . أخرجه السبعة إلا الترمذي(5). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 343 }
... ويجاب: (أ) عن الآيات بأنها ليس فيها إلا أن الله تعالى يصلى على طوائف من عباده. وليس في هذا أمر لنا ولا شرعه الله في حقنا، بل لم يشرع لنا إلا الصلاة والتسليم على رسله وملائكته، عليهم الصلاة والسلام.
... (ب) وفي حديث ابن أبي أوفي بأن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بالشعار الخاص به صلى الله عليه وسلم.
... ثم الكلام ينحصر في خمسة مباحث:
__________
(1) الآية 10 من سورة الحشر.
(2) الآية 103 من سورة التوبة. و(سكن) أي رحمة وطمأنينة.
(3) الآية 157 من سورة البقرة.
(4) الآية 43 من سورة الأحزاب.
(5) ص 353 ج 4 مسند أحمد (بقية حديث عبد الله بن أبي أوفي ... ) وباقي المراجع بهامش 4 ص 236 ج 8 الدين الخالص (ما يطلب من المزكى والآخذ).(1/344)
... 1- فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
... الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات، لأن الله تعالى صلي عليه هو وملائكته وأمر بها المؤمنين. وليس هذا لسائر العبادات . وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة ( منها ) حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا . أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 344 }
... (وحديث) أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر، خطيئات، ورفع له عشر درجات. أخرجه أحمد والنسائي والحاكم، وابن حبان وصححاه(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 345 }
... (وحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. أخرجه أبو داود والبيهقي(3). ... ... ... ... { 346 }
... (وحديث) أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. أخرجه مسلم(4). ... ... ... ... ... ... ... { 347 }
... 2- كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) ص 310 ج 14 الفتح الرباني، وص 127 و128 ج 4 نووي مسلم (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد) وص 191 ج 1 مجتبي (فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) وص 190 ج 8 المنهل العذب (الاستغفار).
(2) ص 310 ج 14 الفتح الرباني، وص 191 ج1 مجتبي، وص 550 ج 1 مستدرك.
(3) ص 95 ج 6 المنهل العذب (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد).
(4) ص 127 ج 4 نووي مسلم (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد).(1/345)
... تجوز الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بأي صيغة. والأفضل كونها بصيغة من الصيغ الواردة، لأنها أكثر ثوابا. وهي كثيرة تقدم بعضها.
... 3- حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
... هي فرض وسنة: ...
(أ) فتفترض في أربعة مواضع:
... 1- تفترض في العمر مرة للأمر بها في قوله تعالى: "يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" وهو للوجوب.
... 2- وتفترض كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على ( الحديث ) أخرجه أحمد والترمذي وحسنه والحاكم(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 348 }
وقيل: تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره. والاحتياط الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند كل ذكر(2).
... 3- وتفترض في التشهد الأخير عند الشافعي، وروى عن أحمد، لما تقدم في حديث فضالة بن عبيد(3).
... (وقال) الحنفيون ومالك: إنها سنة في التشهد الأخير لا واجبة، وروى عن أحمد، لما تقدم عن أبي هريرة رضي الله عنه (4) (وهذا) هو الراجح لأن الوجوب إنما يكون بدليل شرعي، ولم يرد (وحديث) فضالة بن عبيد لا يدل على وجوبها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فيه بالدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وهو ليس بواجب اتفاقا، ولم يأمر صلى الله عليه وسلم تاركها بإعادة الصلاة. ولو كانت واجبة لأمرة بالإعادة.
__________
(1) ص 308 ج 14 الفتح الرباني، وص 271 ج 2 تحقة الأحوذي (باب من الدعوات) و(رغم أنفه) أصله لصق أنفه بالرغم وهو تراب مختلط يرمل. والمراد أصابه الذل والهوان. و(الحديث) تمامه: ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم أنسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه أو أحدهما الكبر فلم يدخلاه الجنة.
(2) ص 233 ج 14 تفسير القرطبي.
(3) تقدم رقم 222 ص 167 ج 2 الدين الخالص (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد).
(4) تقدم رقم 224 ص 168 ج 2 الدين الخالص.(1/346)
... 4- وتجب في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية عند الشافعي وأحمد لحديث جابر عن أبي جعفر عن أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى صلاة لم يصل فيها على وعلى أهل بيتي لم تقبل منه. أخرجه الدارقطني وقال جابر: ضعيف(1). ... ... ... ... ... ... ... { 349 }
... ومن ذلك فهو لا يدل على المطلوب، لأن الصلاة على الآل لا تجب اتفاقا. ولذا قال الحنفيون ومالك والجمهور: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة مستحبة لا واجبة. وهو الراجح من جهة الدليل(2).
... (ب) وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع ذكر منها هنا 31 واحد وثلاثون موضعا:
... 1 و2- بعد حكاية الأذان والإقامة، لما روي جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وارض عني رضا لا تسخط بعده، استجاب الله له دعوته. أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط. وفي سنده ابن لهيعة. وفيه ضعف. وفي الباب أحاديث تقويه(3). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 350 }
... (وكان) أبو هريرة رضي الله عنه إذا سمع المؤذن يقيم قال: اللهم رب هذه الدعوة التامة(4) والصلاة القائمة صل على محمد وآته سؤله يوم القيامة. أخرجه ابن السني. ... ... ... ... ... { 112 }
وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي.
__________
(1) ص 136 سنن الدارقطني.
(2) قال الطبري والطحاوي: أجمع المتقدمون والمتأخرون على عدم الوجوب. وقال بعضهم: لم يقل بالوجوب إلا الشافعي. وهو مسبوق بالإجماع. أنظر ص 136 التعليق المغنى على سنن الدارقطني.
(3) ص 32 ج 3 الفتح الرباني، وص 332 ج 1 مجمع الزوائد (إجابة المؤذن وما يقال عند الأذان والإقامة).
(4) الدعوة) بفتح الدال مشددة، المراد بها الأذان (والتامة) أي التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل إلى يوم القيامة.(1/347)
... 3- وتسن بعد التشهد الأول عند الشافعي في الجديد. ولا دليل على هذا. ولذا قال الحنفيون ومالك وأحمد: لا تسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول. وهو قول الشافعي في القديم، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسم في حديث قط أنه صلى على نفسه في التشهد الأول. ومن استحب ذلك فإنما فهمه من عمومات وإطلاقات قد صح تبيين موضعها وتقيدها بالتشهد الأخير(1).
... 4و5- وتسن قبل الدعاء وبعده إجماعا،لما تقدم عن فضالة بن عبيد قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال : اللهم اغفر لي وارحمني،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فأحمد الله بما هو أهله وصل على ثم أدعه.ثم صلي رجل آخر فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أيها المصلي أدع تجب. أخرجه الترمذي وحسنه والطبراني(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 351 }
... 6- وتسن بعد القنوت، لأنه دعاء ولما تقدم عن عبد الله بن على عن الحسن بن على قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيمن أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضي عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، وصلى الله علي النبي محمد. أخرجه النسائي والبيهقي(3) ... { 352 }
__________
(1) ص 62 ج 1 زاد المعاد (تشهده صلى الله ليعه وسلم في الصلاة).
(2) تقدم رقم 521 ص 353 ج 2 الدين الخالص، طبعة ثانية. وأنظر ص 155 ج 10 مجمع الزوائد (ما يستفتح به الدعاء ... ).
(3) تقدم رقم 32 ص 16 ج 3 الدين الخالص. وهناك بيان حاله وغريبه.(1/348)
... 7- وتسن في خطب الجمعة والعيدين والاستسقاء وغيرها عند الحنفيين ومالك وروى عن أحمد، لقول عون بن أبي جحيفة: كان أبي من شرط على وكان تحت المنبر، فحدثني أن عليا رضي الله عنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلي على النبي صلى الله عليه وسلم (الأثر) أخرجه عبد الله بن أحمد(1). ... { 113 }
... والمشهور عن الشافعي وأحمد أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم شرط في صحة خطبة الجمعة. وليس له دليل سليم ينتهض للدلالة على الاشتراط، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكرها في خطبه.
... 8- وتسن ليلة الجمعة ويومها إجماعا، لحديث صفوان بن سلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة فأكثروا الصلاة على. أخرجه الشافعي في مسنده(2). ... ... { 353 }
... وتقدم في هذا أحاديث كثيرة(3)
... 9- وتسن عند كتابة اسمه صلى الله عليه وسلم، لحديث الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب. أخرجه الطبراني في الأوسط وابن أبي شيبة بسند ضعيف(4). ... ... ... ... ... ... ... { 354 }
... 10- وتسن أول النهار وآخره، لحديث خالد بن معدان عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة. أخرجه الطبراني بسندين أحدهما جيد ورجاله وثقوا. لكن فيه انقطاع، لأن خالدا لم يسمع من أبي الدرداء(5). ... ... ... ... { 355 }
__________
(1) ص 256 جلاء الأفهام. و(شرط) بضم ففتح كرطب، أي من جند على رضي الله عنه.
(2) ص 151 ج 1 بدائع المنن.
(3) أنظر ص 144 ج 4 الدين الخالص.
(4) ص 257 ج 2 كشف الخفاء للمجلوني.
(5) ص 120 ج 10 مجمع الزوائد (ما يقول إذا أصبح وإذا أمسى) وص 170 ج 6 فيض القدير للمناوي.(1/349)
... 11- ويسن الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تكفيرا للذنوب، لما روى ابن معاذ عن أبي كاهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا كاهل، من صلى علي كل يوم ثلاث مرات وكل ليلة ثلاث مرات حبا أو شوقا إلي كان حقا على الله أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم. أخرجه ابن أبي عاصم وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وسكت عليه(1). ... ... ... ... ... ... ... ... { 356 }
... (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا علي فإن الصلاة علي زكاة لكم. أخرجه أبو الشيخ في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وابن أبي شيبة(2). ... ... ... { 357 }
... (فهذا) فيه الإخبار بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم زكاة للمصلي عليه. والذي قبله فيه أنها مغفرة لذنوبه. فتضمن الحديثان أن بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تحصل طهارة النفس من الرذائل، ويثبت لها النماء والزيادة في الكمالات والفضائل، وأنه لا كمال للنفس إلا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي هي من لوازم محبته، ومتابعته وتقديمه على كل من سواه من المخلوقين.
... 12- وتسن عند دخول المسجد والخروج منه، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم. أخرجه أبن خزيمة في صحيحه وابن حبان(3). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 358 }
... وفي هذا أحاديث تقدمت.
... 13- وتسن عند نزول الفقر أو خوف وقوعه، لحديث جابر بن سمرة السوائي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كثرة الذكر والصلاة على تقنين الفقر. أخرجه أبو نعيم(4). ... ... ... { 359 }
__________
(1) ص 281 ج 2 (الترغيب في إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) وس 289 جلاء الأفهام.
(2) ص 289 جلاء الأفهام.
(3) ص 262 منه.
(4) ص 290 منه.(1/350)
... 14- وتسن في مجالس الذكر والطاعة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر قال بعضهم لبعض: أقعدوا، فإذا دعا القوم أمنوا على دعائهم. فإذا صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم صلوا معهم حتى يفرغوا، ثم يقول بعضهم لبعض: طوبي لهؤلاء يرجعون مغفورا لهم. أصل الحديث في مسلم(1). ... ... ... ... ... ... { 360 }
... 15- وتسن إذا نسي الشيء ليذكره، لحديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نسيتم شيئا فصلوا على تذكروه إن شاء الله. أخرجه أبو موسى المديني(2). ... ... ... ... ... {361 }
... 16- وتسن لقضاء أمر هام، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى علي كل يوم مائة مرة قضى اله له مائة حاجة، سبعين منها لآخرته وثلاثين منها لدنياه. أخرجه ابن منده. وقال الحافظ أبو موسى: حديث حسن(3). ... ... ... ... ... ... ... { 362 }
... 17- وتسن عند طنين الأذن، لحديث أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل على، وليقل ذكر الله بخير من ذكرني بخير. أخرجه العقيلي وابن عدى والخرائطي والطبراني في الكبير والأوسط والصغير. وسنده في الكبير حسن(4). ... ... ... { 363 }
... قال المناوي: وبه بطل قول من زعم ضعفه فضلا عن وضعه، بل أقول المتن صحيح. فقد رواه ابن خزيمة في صحيحه. وهو ممن التزم تخريج الصحيح.
... 18- وتطلب من المصلى إذا أمر بذكر النبي صلى الله عليه وسلم في غير التشهد. قال الحسن البصري: إذا مر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فليقف وليصل عليه في التطوع. وبه قال أحمد(5). { 114 }
__________
(1) ص 293 جلاء الأفهام.
(2) ص 294 منه.
(3) ص 296 منه.
(4) ص 399 ج 1 فيض القدير للمناوي.
(5) ص 299 جلاء الأفهام.(1/351)
... 19- وتطلب عند الاجتماع قبل التفرق، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا الله عز وجل فيه ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان حسرة عليهم يوم القيامة. أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري وسنده صحيح(1). { 364 }
... 20- وتسن عند دخول المنزل، لحديث سهل بن سعد أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفقر وضيق العيش أو المعاش، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخلت منزلك فسلم إن كان فيه أحد أو لم يكن فيه أحد، ثم سلم على واقرأ: "قل هو الله أحد" مرة واحدة، ففعل الرجل، فأدر الله عليه الرزق حتى أفاد على جيرانه وقراباته. أخرجه أبو موسى المديني(2). ... ... ... ... ... ... ... { 365 }
... في الحديث ذكر السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يستلزم الصلاة عليه لطلب اقترانهما، لقوله تعالى: "صلوا عليه وسلموا تسليما".
... 21- وتطلب من الفقير ليكون له بها ثواب الصدقة، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما ورسولك وصلي على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، فإنها له زكاة. أخرجه ابن وهب وابن حبان في صحيحه وزاد. وقال: لا يشبع المؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة(3).{366}
... 22- وتسن بين تكبيرات صلاة العيد عند الشافعي وأحمد.
__________
(1) ص 235 ج 2 (الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلسا لا يذكر الله فيه ولا يصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم) وص 79 ج 10 مجمع الزوائد (ذكر الله ... والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم).
(2) ص 293 جلاء الأفهام.
(3) ص 299 جلاء الأفهام.(1/352)
... (روى) علقمة أن ابن مسعود وأيا موسى وحذيفة خرج إليهم الوليد ابن عقبة قبل العيد فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟ فقال عبد الله: تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك. ثم تكبر وتفعل مثل ذلك. ثم تقرأ، ثم تكبر وتركع، ثم تقوم وتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تدعو، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ثم تركع، فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن. أخرجه إسماعيل بن إسحاق وذكر البيهقي صدره(1). ... ... ... ... { 115 }
... (فيه) الموالاة بين القراءتين في صلاة العيد، وهو مذهب الحنفيين ورواية عن أحمد (وفيه) أن تكبيرات العيد ثلاث، وهو مذهب الحنفيين (وفيه) حمد الله والصلاة على رسوله بين التكبيرات، وهو مذهب الشافعي وأحمد، (وقال) الحنفيون ومالك: يستحب سرد الكبيرات بلا ذكر ولا صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بين التكبيرات. وأجابوا عن أثر أبن مسعود:
... (أ) بأنه مضطرب كما تقدم(2). ... (ب) بأن في سنده من يحتاج إلى كشف حاله، وفيه حماد بن أبي سليمان ضعفه البيهقي ومحمد بن سعد. واختلط أخيرا وكان مرجئا وكذبه المغيرة(3).
__________
(1) ص 301 منه، وص 291 ج 3 سنن البيهقي (يأتي بدعاء الافتتاح عقب تكبيرة الافتتاح).
(2) تقدم ص 15 ج 5 الدين الخالص (الفصل بين تكبيرات العيد).
(3) ص 291 ج 3 الجوهر النقي.(1/353)
... 23- وتسن عند ركوب الدابة وغيرها لحديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال" إذا ركب دابة: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء سبحانه ليس له سمي. سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله عليه سيدنا محمد. (قالت) الدابة: بارك الله عليك من مؤمن خففت ظهري وأطعت ربك وأحسنت إلى نفسك. بارك الله لك في سفرك وأنجح حاجتك. أخرجه الطبراني(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 367 }
... 24- وتسن عند القيام لصلاة الليل، لقول أبي هريرة رضي الله عنه: "من قام" الليل فتوضأ فأحسن الوضوء ثم كبر عشرا وسبح عشرا وتبرأ من الحول والقوة على ذلك. ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسن الصلاة "لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه من الدنيا والآخرة". أخرجه عبد الملك بن حبيب(2). ... { 116 }
... 25- وتسن على الصفا والمروة، لما روى نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يكبر على الصفا ثلاثا ويقول: لا إليه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو ويطيل القيام والدعاء، ثم يفعل على المروة مثل ذلك.أخرجه إسماعيل بن إسحاق(3).{117}
... 26- وتسن بعد التلبية، لما تقدم فيما يقال بعدها(4).
... 27- وتسن عند استلام الحجر الأسود، لما تقدم في الدعاء عند استلامه(5).
__________
(1) ص 155 الحرز المنبع للسيوطي.
(2) ص 99 منه.
(3) ص 263 جلاء الأفهام.
(4) تقدم رقم 85 ص 63.
(5) تقدم أثر 46 ص 166.(1/354)
... 28- وتسن للخروج للسوق أو لأمر آخر، لقول أبي وائل: ما رأيت عبد الله (يعني ابن مسعود) جلس في مأدبة ولا جنازة ولا غير ذلك فيقوم حتى يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بدعوات. وإن كان يخرج إلى السوق فيأتي أغفلها مكانا فيجلس فيحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بدعوات. أخرجه ابن أبي حازم(1). ... ... ... ... { 118 }
... 29- قال بعض المالكية: تطلب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس، لقول نافع: عطس رجل عند ابن عمر، فقال له ابن عمر: لقد بخلت، هلا حيث حمدت الله تعالى صليت على النبي صلى الله عليه وسلم؟ أخرجه أبو موسى المديني(2). ... ... ... ... ... { 119 }
... وبه قال أبو موسى المديني وغيره (ونازعهم) الجمهور وقالوا: لا تستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس. وهي وإن كانت من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى. ولكن لكل ذكر موطن يخصه لا يقوم غيره مقامه (ويؤيده) ما روي نافع أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله، فقال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمنا إذا عطسنا أن نقول: الحمد لله على كل حال. أخرجه الطبراني والترمذي وقال: هذا حديث غريب(3). {368}
... (وهذا) أقوى مما قبله (ولا يثبت ) ما روي مرفوعا: لا تذكروني عند ثلاث: عند تسمية الطعام، وعند الذبح، وعند العطاس. (قال) العلامة ابن قيم الجوزية: وهذا الحديث لا يصح، فإنه من حديث سليمان بن عيسى السجزي عن عبد الرحيم بن زيد العمى عن غوير عن النبي صلى الله عليه وسلم. وله ثلاث علل:
__________
(1) ص 277 جلاء الأفهام.
(2) ص 291 منه.
(3) ص 291 جلاء الأفهام، وص 2 ج 4 تحفة الأحوذي (ما يقول العاطس).(1/355)
... (أ) تفرد سليمان بن عيسى به. قال البيهقي: وهو في عداد من يضع الحديث. ... (ب) ضعف عبد الرحمن العمى. ... (جـ) انقطاعه(1).
... 30- وتستحب عند مالك بعد الطهارة، لما روي أبو وائل عن عبد الله ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ثم ليصل على. فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة. أخرجه أبو الشيخ. ... ... ... ... ... ... { 369 }
... وهو حديث مشهور له طرق ليس في شيء منها ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا في هذه الرواية.
... 31- وتستحب عند الذبح عند الشافعي. قال رضي الله عنه: والتسمية على الذبيحة: باسم الله؛ فإن زاد بعد ذلك شيئا فزيادة خير، ولا أكره مع التسمية أن يقول: صلى الله على رسول الله. وبه قال بعض الحنبلية.
... (وقال) الحنفيون: تكره الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الذبح، وهو مذهب مالك، لحديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: موطنان لاحظ لي فيهما: عند العطاس والذبح. أخرجه أبو محمد الخلال(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 370 }
... 4- ثمرات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
... للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثمرات كثيرة، ذلك منها هنا سبع عشرة ثمرة:
... 1- امتثال أمر الله تعالى. ... ... 2- موافقته تعالى في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف. ... 3- أن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة صلى الله تعالى عليه بها عشرا. ... 4- وأنه يرفع له بها عشر درجات. ... 5- ويكتب له بها عشر حسنات. ... 6- ويمحي عنه بها عشر سيئات. 7- ويرجى بها إجابة الدعاء إذا قدمت أمامه(3). ... 8- وأنها سبب لقرب العبد من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. ... 9- وأن بها يصلى الله وملائكته على المصلي.
__________
(1) ص 292 جلاء الأفهام.
(2) ص 298 جلاء الأفهام.
(3) ص 302 منه.(1/356)
10- وأنها زكاة للمصلي وطهارة له. ... 11- وأنها سبب النجاة من أهوال يوم القيامة. ... 12- وأن بها يرد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه. ... 13- وأن بها يطيب المجلس ولا يكون عسرة على أهله يوم القيامة. ... 14- وأنها تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره(1). ... 15- وأن بها ينجو من الدعاء عليه بالذل والهوان إذا تركها عند ذكره صلى الله عليه وسلم.
... 16- وأن بها يزداد نور العبد على الصراط. ... 17- وأنها سبب لنيل رحمة الله للمصلي عليه صلى الله عليه وسلم، لأن الرحمة إما معنى الصلاة أو من لوازمها؛ فلابد للمصلي عليه من رحمة تناله(2).
... (وعلى الجملة) فللصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثمرات كثيرة، ذكر منها ابن القيم في جلاء الأفهام أربعين ثمرة، وقال: وها هنا نكتة حسنة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم له من الأجر- الزائد على أجر عمله- مثل أجور من اتبعه. فالداعي إلى سنته ودينه ومعلم الأمة الخير إذا قصد توفير هذا الحظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرفه إليه، وكان مقصوده بدعاء الخلق إلى اله تعالى التقرب إليه بإرشاد عباده وتوفير أجور المطيعين له صلى الله عليه وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع توفيتهم أجورهم كاملة، كان له من الأجر في دعوته وتعليمه بحسب هذه النية. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم(3).
... 5- الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم
... آله صلى الله عليه وسلم أزواجه ومن تحرم عليهم الصدقة من بني هاشم والمطلب، ومنهم فاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم وذريتهم (فقد تقدم) عن زيد بن أرقم أنه قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر، وآل العباس(4).
__________
(1) ص 303 منه.
(2) ص 304 جلاء الأفهام.
(3) ص 311 منه.
(4) تقدم في الحديث رقم 330 ص 246، وهذا آخره.(1/357)
... هذا. وتطلب الصلاة على الآل تبعا للنبي صلى الله عليه وسلم اتفاقا.
... أما الصلاة عليهم انفرادا فعلى نوعين:
... (أ) أن يقال: اللهم صل على آل محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهذا جائز، ويكون النبي صلى الله وسلم داخلا في آله؛ فالإفراد وقع في اللفظ لا في المعنى. ... (ب) أن يفرد واحد منهم بالذكر، فيقال: اللهم صل على علي أو على حسين ونحو ذلك. وفيه خلاف للعلماء (فكره) ذلك الحنفيون ومالك وقال: لم يكن ذلك من عمل من مضي. والصحيح عند الشافعية أنه مكروه كراهة تنزيه، (وقال) أحمد: يجوز بلا كراهة. واختلفوا في السلام هل هو كالصلاة، فيكره أن يقال: السلام على فلان، أو فلان عليه السلام. قال بالكراهة جماعة، ومنعوا أن يقال: عن علي عليه السلام. وفرق آخرون بينه وبين الصلاة. فقالوا: السلام يشرع في حق كل مؤمن حيا وميتا. فإنك تقول: بلغ فلانا مني السلام، وهو تحية أهل الإسلام، بخلاف الصلاة فإنها من حق الرسل والملائكة. ولذا لا يقول المصلي: الصلاة علينا وعلى عباد الله الصالحين. ويقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
... (تنبيه) اشتمل هذا الجزء (إرشاد الناسك) على 69 دليلا من الكتاب، و507 سبعة وخمسمائة دليل من السنة، منها 387 حديث، المكرر منها 17 حديثا، ومنها 120 عشرون ومائة أثر المكرر منها واحد. والله ولي التوفيق والهداية.
... (ثم) تنسيقه على هذا الوضع وإعداده للطبع للمرة الثانية صباح يوم السبت الثالث والعشرون من جمادي الأولى سنة 1380 ثمانين وثلثمائة بعد الآلف من هجرة من كلمه ربه بالعز والشرف. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيد الكائنات وآله الأطهار وصحابته الأخيار، ومن تبعهم بإحسان، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
شكر وتقدير(1/358)
... إني أحمد الله تعالى وأشكر له ما أولاني من توفيق وهداية، إلى إتمام هذا السفر الجليل وإخراجه على هذا الوضع والنظام البديع. وأرى لزاما على أن أقدم جزيل الشكر وعظيم الثناء لكل من عاونني وساعدني على إظهار هذا الكتاب، ولا سيما حضرة الأستاذ أحمد بن يوسف بن مصطفى رئيس قسم الترميمات بمصلحة الآثار المصرية. أشكر له ما أسداه إلى من مساعدة قيمة خالصة ومجهود مشكور في عمل رسومات هذا الكتاب المستطاب متقنة غاية الإتقان، الأمر الذي استغرق من وقته الكثير. فأسأل الله تعالى أن يتولى جزاءه ومثوبته، فإنه القادر على ذلك، وهو ذو الفضل العظيم والخير العميم، والهادي إلى سواء السبيل.
... (تنبيه) قد بينا بهامش هذا الجزء أهم المراجع التي استعنا بها في تخريج أحاديثه وآثاره ومراجع النصوص العلمية، فلينظر بيانها بصفحتي 375 و376 من الجزء السابع من الدين الخالص. والله الموفق. وله الحمد أولا وأخرا.
... وقد قرظ هذا الكتاب فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ عبد اللطيف ابن مشتهرى بن إبراهيم من أفاضل علماء الأزهر الشريف والواعظ العام بالجمهورية العربية المتحدة. قال حفظه الله:
... بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله القائل: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، والصلاة والسلام على من بلغ الرسالة وأدى الأمانة وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله حق جهاده بأيديهم وقلوبهم وبألسنتهم وأموالهم، حتى كانوا بحق كما وصفهم الله: "خير أمة أخرجت للناس".(1/359)
... أما بعد: فإن من سنة الله الرحيمة أن يبعث في كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ويكشف لها ما خفي من شريعتها. وكان من فضله تعالى على هذه الأمة أن منحها إمام العصر وفقيه الزمن العالم المخلص المجاهد المحدث والمفسر والمتحقق الشيخ محمود بن محمد بن أحمد خطاب رحمه الله، فأحيا ما أمات الناس من الهدى النبوي، وكشف ما غمض من أسرار الشريعة حتى انقطعت به المعاذير وقامت به الحجة- وأفضى إلى ربه- إن شاء الله- راضيا مرضيا، وخلفه خليفته الأمين، فسار على العهد، ووفي الوعد، وواصل الليل والنهار في السهر والسفر والتأليف والدرس والتمحيص، حتى تكاملت المكتبة المحمودية بما أضاء السبيل أمام المسلمين في أمر دينهم ودنياهم.
... ولقد أطلعت على كتاب (الدين الخالص) الجزء التاسع الخاص بشعيرة الحج والمسمى (إرشاد الناسك إلى أعمال المناسك) تأليف الإمام الكبير رئيس الجمعية الشرعية فضيلة الشيخ أمين بن محمود بن محمد خطاب، قرأيته حلقة مضيئة في سلسلة مؤلفاته ومؤلفات والده رحمه الله. وقد امتازت هذه الطبعة الثانية بضبط الآيات والأحاديث والآثار وترقيمها برقم مسلسل، كما تكفل هذا الجزء الفذ ببيان مذاهب العلماء وأدلتهم في كل حكم تعرض له مع بيان الراجح من أقوالهم من حيث الدليل.
... وبالجملة لم يدع الكتاب أمرا من أمور مريدي الحج من ساعة خروجهم من منازلهم يقصدون النسك، إلى حين عودتهم إليها راشدين غانمين. وما من مسألة تخطر على بال أي إنسان أن يحتاج الحاج إلى معرفتها إلا وتعرض لها الكتاب بالتحليل والقول الفصل. ولقد كان هذا الكتاب لي نعم المرشد والزاد عندما قمت بأداء المناسك وكلفت بإرشاد الحجاج إلى مناسكهم. كما كان يسألنا عنه كثير من قاصدي بيت الله الحرام.(1/360)
... يا آل محمود خطاب السبكي، لله ما جاهدتم، ولله ما بذلتم، ولله ما نفعتم من بشر. وشهادتي لله أننا ما عرفنا طريق الحق إلا على أيديكم، ولا أدركنا صحيح الدين والدخيل عليه إلا من إرشادكم، فجزاكم الله أهل البيت الخطابي عنا وعن الإسلام خير ما جزى به عباده المصلحين المخلصين، آمين.
عبد اللطيف مشتهرى
الواعظ العام بالأزهر
... وقد أطلع على هذا الكتاب الأستاذ المفضال الصاوي بن على شعلان مدير إدارة التعليم والوعظ بمصلحة السجون ورئيس تحرير مجلة مكارم الأخلاق الحائز على العالمية من الأزهر وعلى دبلوم الماجستير في اللغات الإسلامية وآدابها من جامعة القاهرة. فقدم هذه التحية:
إرشاد الناسك- كتاب الدين الخالص
... لكل أمة جعلنا منسكا- ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا
الله أكبر سر بنا يا حادي ... إني اتخذت من المناسك زادي
أهدي الأمين بها جواهر حكمة ... وكنوز عرفان وضوء رشاد
فهي الدليل إلى المشاهد كلها ... وهي السبيل إلى تقى وسداد
في مسجد البلد الأمين رحابه ... أو مسجد القمر المنير الهادي
فكأن مكة والمدينة حلتا ... فيها محل الروح في الأجساد
فترى بها البيت المحرم والحمى ... وترى المقام وكعبة القصاد
والمروة العليا هنالك والصفا ... والسعي رمز عقيدة وجهاد
وترى مني والناس ملء شعابها ... بين الهضاب الشم والأطواد
والسفح من عرفات بحر مائج ... بمواكب الأبرار والعباد
مستشرفين إلى الكريم بأنفس ... طهرت من الآثام والأحقاد
وكأن دمع الشوق ماء وضوئهم ... والشوق موصول بغير نفاد
مستبشرين بفوزهم وكأنهم ... من جنة المأوى على ميعاد
فإذا رجعت إلى مني نلت المنى ... ما شئت من بشرى ومن أعياد
فاذبح هوى الشيطان وارجم شره ... لتفوز بالغفران والإسعاد
سر بالمناسك واحتسب ... أملي هناك ومهجتي وفؤادي
في المسجد الأسمى جمال محمد ... فاقرأ السلام وقل بلغت مرادي
حي الخليفة والخليفة بعد ... والعترة الكبرى بذلك النادي
وأشهد على أرض البقيع وروضه ... صورا من الآيات والأمجاد(1/361)
يا وارثا فضل الإمام وإنه ... إرث الحجا والنصح والإرشاد
هذى المناسك يا أمين مناهل ... فيها رحيق العلم للرواد
لما استقيت من النبي سطورها ... كانت لها الأنوار خير مداد
... ... ... ... ... ... ... ... ...
الصاوي علي شعلان
الخطبة. ترجمة الإمام مالك ... هو فرض العمر. تعلم أحكامه. يتحرى الحاج الزاد الحلال.
ترجمة الإمامين أحمد والشافعي ... (متى فرض الحج) (تأخير الحج)
ترجمة الشيخين وأبي داود ... هل هو فرض على الفور؟ الراجح أنه فرض على التراخي (فضله)
ترجمة النسائي والترمذي وابن ماجه ... (الحديث عليه) (المقصد الثاني شروطه)
(المقدمة في فضل السفر وآدابه) ... هل الكافر مخاطب بفروع الشريعة؟
وصية لمسافر. استشارته. استخارته ... حج الصبي والعبد صحيح ولا يجزئ عن الفرض.
فضل السفر يوم الخميس. توديع المسافر والدعاء له. ... ما يطلب من الصبي إذا بلغ والعبد إذا عتق حال الحج.
سلامه على مودعيه. اتخاذه رفيقا. ... الاستطاعة في الحج. القدرة على الزاد والراحلة.
طلب الدعاء منه في مواطن الخير. ... (أمن الطريق) الخفارة والدلالة في الحج.
(أذكار السفر) دعاء الخروج. ... (حج المرأة) شرط لزومه.
دعاء الركوب. ... هل لها الخروج للحج مع امرأة أو رفقة مأمونين؟
تكبير المسافر وتحميده دعاء المساء ... هل تمضي في الحج إذا مات محرمها في الطريق؟ استئذانها زوجها في الحج (الحج عن الغير).
دعاء ركوب البحر ومن نزل منزلا ... الحج عن الميت. شروطه.
دعاء ركوب البحر ومن نزل منزلا ... رسم (1) المواقيت والأعلام.
الدعاء وقت السحر ولرؤية القرية ... (حكم التلبية) لفظها.
دعاء الرجوع من السفر (المقصد الأول في الحج). ... هل يزداد فيها عن المرفوع؟ الراجح لا بأس بالزيادة.
تعريفه. هو غير خاص بنا. حكمه. دليل. ... حكم التلبية بغير العربية (الجهر بها)
توكيل النائب في الحج. هل يحج عن حي عاجز عن الحج؟ ... (فضل التلبية).
(حج الضرورة عن غيره) ... (مدتها).(1/362)
النيابة عن اثنين في الحج (الاستئجار للحج ونحوه). ... الصحيح أن الحاج يقطعها عند رمي جمرة العقبة. مدتها في العمرة
حكم الإجارة على الطاعة. شرطها في الحج. ... ما يقال بعدها (ما يحل للمحرم) الغسل.
حصر النائب فيه. موته في الطريق. ضياع النفقة. ... غسله بنحو الصابون. (تظلله)
شرط حج المأمور. ... الحجامة. شدة الهميان في وسطه
(وقت الحج) المذاهب فيه. ... (اكتحاله بغير مطيب) (نظره في المرآة)
حجم الإحرام بالحج قبل أشهره (المقصد الثالث في أركان الحج) ... ما يباح له قتله من الدواب.
(الإحرام). المذاهب في حكمه ... (محرمات الإحرام).
(ما يطلب للإحرام). ... (لبس المخيط).
غسله لا ينوب عنه التيمم (لباس المحرم). ... ما تلبسه المحرمات وما لا تلبسه.
(التطيب). ... ما يطلب من المحرم إذا لم يجد إزارا ولا نعلا.
حكمة (خضاب المرأة). (تلبيد الشعر) ... ما يطلب ممن ارتدى القباء أو لبسه أو اتزر القميص.
(ركعتا الإحرام) (أماكنه) ... لا تلبس المحرمة القفاز (لبس ما صبغ بمطيب).
ميقات أهل مصر ونجد واليمن ... (فضل يوم عرفة) مسائل في الوقوف.
مم يحرم من في طريقه ميقات قبل ميقاته؟ ... (بدع عرفة).
الإحرام قبل الميقات. متى يجب الإحرام منه؟ ... (طواف الركن) وقته.
من له دخول مكة بلا إحرام. حدود الحرم المكي. ... شروطه.
(التطيب). ... حكم ستر العورة فيه والنية.
حكم دهن المحرم رأسه أو بدنه (التخضيب) بالحناء. ... مكانه. يلزم أن يكون خارج الشاذروان.
هل على المحرم فدية لو تناول طعاما طيبة؟ (شم الورد ونحوه). ... مبدؤه رسم (3) الكعبة والحطيم
(إزالة الشعر). ... حكم ابتداء الطواف من الحجر الأسود وموالاته.
(قلم الظفر) (ستر الرأس). ... (واجبات الطواف) متى يباح الركوب فيه؟
(ستر الوجه). ... حكم صلاته. ما يقرأ فيها.
(نكاح المحرم). ... هل يجزئ عنها غيرها؟ وهل تؤدي في وقت النهي؟
(تعرضه للصيد). ... هل يباح القعود فيها؟
يحرم عليه الإعانة على قتل صيد ولا فدية عليه. ... النيابة بها. (سنن الطواف):(1/363)
يحرم عليه تنفير الصيد وإتلافه وبيعه. ... استقبال الحجر الأسود. مواضع رفع اليدين.
(أكله لحم الصيد). ... استقبال الحجر وتقبيله أمر تعبدي
يحرم عليه كسر بيض الصيد وحلبه وبيعه. ... وضع الجبهة عليه والتزامه. الدعاء عند استلامه.
حكم قتله البعوض والبق ونحوهما. ... استلام الركن اليماني. الدعاء في الطواف.
(الوقوف بعرفة). ... حكم قراءة القرآن فيه. لا يتكلم فيه إلا بخير.
رسم (2) جبل عرفات. ... قرب الطائف من الكعبة.
(وقت الوقوف) حكم مده إلى الغروب. ... (الحلق أو التقصير).
(مكان الوقوف). ... حكم حلق المرأة رأسها. هل الحلق نسك؟
(آداب الوقوف). (دعاء عرفة) ... الصحيح نعم.
(حكمة الوقوف بعرفة). ... (وقته) هل يختص بالحرم؟
(مكروهات الطواف). ... مقدار ما يؤخذ من الرأس فيه.
(أنواع الطواف). حكم طواف القدوم. ... (كيفيته) (فضله) (ثمرته).
من لا يطلب منه. ما يطلب فيه طواف الوداع. ... التحلل الأصغر والأكبر (مجمل أركان الحج).
الحق أنه واجب. لا يطلب من المعتمر. ... (المقصد الرابع في واجبات الحج)
طواف التطوع (بدع الطواف) ... الإحرام من الميقات.
(فظائع الموطفين). ... (المبيت بمزدلفة) وصفها.
(ما بعد الطواف) الشرب من زمزم ... سقوط المبيت بها (الوقوف بها)
(الوقوف بالملتزم). ... (ركنه) (مكانه).
المناسك التي يجاب عندها الدعاء حكم نقل ماء زمزم. ... (وقته).
(السعي بين الصفا والمروة). ... (سننه).
رسم (4) الحرم المكي بعد التوسعة. ... السير من مزدلفة إلى منى. الإسراع بوادي محسر.
(شروط السعي). ... (فوت الوقوف بمزدلفة) (رمي الجمار) حكمه.
كيفيته. ... رسم (6) منى.
(واجباته). ... (وقت الرمي).
حكمة ركوب النبي صلى الله عليه وسلم فيه. ... أوقاته أيام التشريق.
(سنن السعي). ... (المقصد الخامس: سنن الحج) (الخطب فيه).
المشي والرمل والدعاء فيه. ... (خطبة السابع) (التوجه إلى منى)
حكم الطهارة والاضطباع فيه (مكروهاته). ... دعاء دخولها. البيات بها ليلة عرفة سنة.
أصل مشروعية الطواف والسعي. ... (السير إلى عرفة) دخولها قبل زوال يوم التاسع بدعة.(1/364)
حكمة مشرعيتهما. ... (خطبة يوم عرفة).
(مكان الرمي) (مأخذ الحصى) ... (الجمع بين الظهر والعصر بها).
(عدد الحصى). ... شرط الجمع بينهما بها.
(قدره) (جنسه). ... الحق أن الجمع بعرفة ومزدلفة للحج لا للسفر.
(كيفية الرمي). ... تصلي أولى المجموعتين بعرفة ظهرا ولو يوم جمعة (الوقوف بعرفة) (الإفاضة منها):
متى تقطع التلبية في الحج؟ كيفية الرمي أول أيام التشريق. ... الدعاء لدخول مزدلفة.
وصف مسجد الخيف. ... (الجمع بها).
النفر من منى يوم 12 من ذي الحجة وتأخيره. ... يؤذن للمغرب بها ويقام لها وللعشاء شرط الجمع بينهما.
حكم الترتيب في رامي الجمرات. ... (خطبة يوم النحر).
ما يطلب ممن ترك رمي حصاة. ... (الخطبة الرابعة في الحج).
(سنن الرمي). ... (النزول بالمحصب).
(ما يكره فيه). ... حكمة مشروعيته. مقاطعة قريش بني هاشم.
(النيابة فيه) (ترك الرمي وتأخيره). ... (دخول مكة) نقض صحيفة المقاطعة
(حكمته). ... الغسل لدخول مكة. دليل أنها أفضل من بيت المقدس.
(النفر بعده). ... دليل عدم كراهتها في أي وقت. فضلها في رمضان.
(المبيت بمنى ليالي التشريق) وصف منى. ... ليس للاعتمار في رجب فضل خاص (تكرير العمرة).
من يسقط عنهم المبيت بمنى ليالي أيام الرمي. ... (مواقيتها).
(الذبح للقارن والمتمتع) (ترتيب أعمال يوم النحر). ... (شروطها) (أركانها).
الراجح أنه سنة. ... (واجباتها وسننها).
المبيت بذي طوى لداخل مكة. دخولها نهارا. ... (اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم) (عمرة الحديبية).
رسم (7) مكة المكرمة. ... بيعة الرضوان وصلح الحديبية.
آداب دخولها. ... (عمرة القضاء) (عمرة الجعرانة)
المسجد الحرام. توسعته. ... (العمرة التي مع حجة الوداع)
دخوله من باب السلام. ... (المقصد السابع في كيفية الحج) (حج الرجل).
التوسعة السعودية. ... كيفية السعي. خطبة سابع ذي الحجة.
دعاء دخول المسجد. مساحة المسجد الحرام قبل التوسعة وبعدها ... التوجه من مكة إلى منى ثم إلى عرفة
الطواف الذي يبدأ به الناسك (دخول الكعبة). وصفها. ... الإفاضة منها إلى مزدلفة ثم إلى منى(1/365)
آداب دخولها. متى يستحب؟ (الصلاة في حجر إسماعيل). ... رمي جمرة العقبة. طواف الركن. رمي الجمار. أيام التشريق.
جدول أهم المناسك. ... (حج المرأة) ما تخالف فيه الرجل
(حج النبي صلى الله عليه وسلم) حديث جابر فيه. ... رسم (9) مشاعر الحج بين مكة وعرفة.
الوقوف بمزدلفة. الإفاضة منها إلى منى. رمي جمرة العقبة. ... (المقصد الثامن في وجوه الإحرام)
رسم (8) طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. ... (القرآن)
(المقصد السادس في العمرة) حكمها. ... (الجناية على الطواف).
الراجح أنها سنة. (فضلها). ... (الجناية على السعي وسائر الواجبات).
(وقتها) هل تكره في خمسة أيام أو أربعة؟ ... (الجناية على الحرم).
كيفيته عند الحنفيين. ... إتلاف المحرم لبن الصيد وبيضه.
يكفي القارن طواف وسعي واحد لنسكيه عند غيرهم. ... ما يترتب على تعييب الصيد. ذبيح المحرم ميتة.
وقت ومكان صيام القارن إذا عجز عن الهدي. ... (الإحصار). سببه.
(التمتع) دليل أنه أفضل من غيره ... (ما يطلب من المحصر).
صيام المتمتع العاجز عن الهدى ... لا يتحلل إلا بعد ذبح الهدى. مكان ذبحه.
كيف يتمتع من ساق الهدى. ... أقسام الحصر. شروط التحلل. بم يتحلل المحصر؟
ما يبطل التمتع. حاضرو المسجد الحرام. ... مكان ذبح دم الإحصار.
هل لهم قرآن وتمتع؟ (الأفراد) ... ما على المحصر عن الحج إذا تحلل
(المقصد التاسع في عوارض الإحرام) (الجناية على الإحرام) ... للمحصر عن العمرة التحلل. لا يشترط له ضيق الوقت
الجناية بغير الوطء لعذر. ... أنواع الحصر.
ما يفعله غير القارن بلا عذر (ما فيه دم). ... (هل على المحصر قضاء؟).
(ما فيه أكثر من دم) (جناية القارن). ... (زوال الحصر).
(الجناية بالوطء في الحج). ... (الفوات) العمرة لا تفوت
جماع الحاج بعد الوقوف بعرفة. ... هل على من فاته الحج هدى؟
جماعه بعد رمي جمرة العقبة. ... ما يصنع قارن فاته الحج؟
(الوطء في العمرة). ... (ما يفسد الحج والعمرة).(1/366)
ما يلزم من أحرم بنسك قبل الميقات ثم أفسده. ... بعض المنكر يرتكب قبل الحج وبعده، ومنه الاحتفال بالمحمل.
(وطء القارن) (تعدد الوطء). ... (الحكومة الحجازية والشعائر).
(مقدمات الوطء). ... التلحين في الأذان. التبليغ مكروه عند عدم الحاجة إليه.
(المقصد العاشر في الهدى). ... الأذان داخل المسجد بدعة.
(ما يجزئ فيه وما لا يجزئ) ... التنفير من نقر الصلاة والتساهل فيها.
(الدماء الواجبة في الإحرام) ... دعاء الصلاة لمن أتمها ودعاؤها على من لم يتمها.
(ما تلزم فيه بدنهة). ... على ولاة الأمور تلافي ما يقع من ترك ذبائح الهدى بمنى والضرب على أيدي المبتدعين والمخالفين.
(هدى التطوع). ... (المقصد الحادي عشر في زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم).
(الإشعار والتقليد). ... رد ما قيل إنها واجبة أو غير مشروعة.
حكمة مشروعية الإشعار. ... الراجح أنها سنة وأن شد الرحال إليها جائز.
(ما يطلب في الهدى). ... (وقتها) (آدابها) وصف المدينة
تفريق لحمه. التسمية عند ذبحه. ... ثناء المهاجرين على الأنصار.
(الانتفاع بالهدى) ركوبه. ... الغسل والدعاء لدخول المدينة.
شرب لبنه. ... رسم (10) المدينة المنورة. تأسيس المسجد النبوي.
(عطب الهدى وتعيبه). ... توسعته من سنة 7 إلى سنة 879هـ
(ضياع الهدى) (وقت ذبحه) ... زيادته وتجديده من سنة 886 إلى سنة 1277هـ.
(مكان ذبحه) ... شراء عثمان رضي الله عنه بئر رومة وجعله للمسلمين.
(الاشتراك فيه) (إبداله). ... (آداب الرجوع إلى الأهل):
(مصرفه). ... صلاة الرجوع من السفر.
(التصرف في جلده ونحوه). ... (ملافاة الحاج وتهنئته).
(بدع الحج ومنكراته). ... (وليمة الحج) (فضل مكة).
سقوط الحج عمن علم أن الصلاة تفوته حال الحج. ... تفضيل المدينة على مكة (حرم المدينة)
التنفير من تتابع الحج رياء. ... هل في قتل صيده وقطع شجره. جزاء؟
مساحته قبل التوسعة السعودية. البدء بهذه التوسعة. ... (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم).
الاحتفال بتمامها. ... كيفيتها. الجمع بينها والسلام.(1/367)
محارب المسجد النبوي. تجويف المحراب بدعة. ... حكمها على غير الأنبياء والملائكة استقلالا.
رسم (11) المسجد النبوي قبل التوسعة السعودية. ... فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
رسم (12) المسجد النبوي بعدها ... حكمها. ما تفترض فيه.
(كيفية الزيارة). ... تسن بعد الأذان والإقامة:
كراهة رفع الصوت بالمسجد. الصلاة والدعاء في الروضة الشريفة. ... هل تسن بعد التشهد الأول؟
تحري الأماكن الفاضلة للصلاة فيها ... تسن بعد القنوت وفي الخطب.
توبة أبي لبابة (هامش). ... تسن عند كتابة أسمه صلى الله عليه وسلم. يسن الإكثار منها.
(بدع الزيارة). ... تسن لدخول المسجد ولنفي الفقر.
رسم (13) الروضة والمقصورة ... تسن عند النسيان ولطنين الأذن.
يحرم استلام المقصورة وتقبيلها والطواف بها. ... تسن لدخول المنزل. هي من الفقير صدقة.
منكرات الزيارة. ... (ثمرات الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم).
زيارة البقيع. ... (الصلاة على آله صلى الله عليه وسلم).
زيارة المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم. ... مجمل أدلة الكتاب.
زيارة آبار المدينة. ... شكر وتقدير. التعريف بالكتاب.
هل تطلب بين تكبيرات العيد؟ ... مفتاح إرشاد الناسك إلى أعمال المناسك.
تسن عند الركوب وعلى الصفا والمروة.
هل تطلب عند العطاس؟
حال حديث "لا تذكروني عند ثلاث" هل تطلب بعد الطهارة وعند الذبح.
منزل رقم 10 عطفة الشيخ السبكي بالخيامية بمصر
1- المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (10 أجزاء ومفتاحه).
2- فتح الملك المعبود تكملة المنهل العذب المورود (3 أجزاء).
3- الدين الخالص وتكملته إرشاد الناسك إلى أعمال المناسك (9 أجزاء).
4- هداية الأمة المحمدية (خطب منبرية) ومعه المنح الإلهية بتخريج أحاديث هداية الأمة المحمدية.
5- فتاوي أئمة المسلمين بقطع لسان المبتدعين. ومعه فتح الملك المبين بإيضاح وتتميم فتاوي أئمة المسلمين.
6- إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات.(1/368)
7- الرسالة البديعة الرفيعة، في الرد على من طغى فخالف الشريعة.
8- المقالة الشرعية للرآسة الإسلامية.
9- منحة الرحمن في فقه النعمان. العضب المنظوم. العضب الثمين.
والحمد لله في الأولى والآخرة، والصلاة والسلام على النبي المختار، وآله الأخيار، وصحابته الأطهار، ومن نهج منهجهم، واهتدى بهديهم.(1/369)