13) قنوت الوتر – تقدم أنه واجب عند أبى حنيفة يجبر بالسجود وسنة عند أبى يوسف ومحمد وأحمد فيسن السجود لتركه سهوا عند أحمد لا عندهما ( قال) الكمال ابن الهمام فى الفتح . ولو قرأ القنوت فى الثالثة ونسى الفاتحة أو السورة أو كليهما فنذكر بعدما ركع ، قام وقرأ وأعاد القنوت والركوع ، لأنه رجع إلى ما محله قبله ويسجد للسهو أهـ .
( وقالت ) الشافعية : إنما يسن القنوت فى وتر النصف الثانى من رمضان فإذا تركه سهوا أو عمدا سجد .
( وتقدم ) أن قنوت الوتر غير مشروع عند المالكية .
(14) التكبير فى صلاة العيد – تقدم فى بحثه أنه واجب عند الحنفيين وألحقوا به تكبير ركوع الركعة الثانية، لاتصاله به فلو تركه كلا أو بعضا سهوا أو زاد عليه أو أتى به فى غير موضعه ، لزمه السجود . وإذا تذكره الإمام فى الركوع ، عاد إلى القيام وأتى به ثم ركع . وإن تذكره بعد الرفع من الركوع لا يأتي به ويسجد للسهو .
( وقالت ) الأئمة الثلاثة : تكبير صلاة العيد سنة فإن نسيه وتذكره بعد القراءة ، عاد إليه واستأنفها وسجد بعد السلام عند مالك . وإن تذكره بعد الركوع لا يأتي به وسجد قبل السلام .
( ومشهور ) مذهب الشافعية والحنبلية أنه إن نسى التكبير وشرع فى القراءة لا يعود إليه ولا سجود عليه كما تقدم (1) .
(15) تكبير الانتقال – تقدم أنه واجب عند أحمد إلا تكبير الركوع لمن أدرك الإمام راكعا . فإن تركه سهوا لزمه السجود .
( وقالت ) الأئمة الثلاثة : تكبير الانتقال سنة خفيفة . وهو رواية عن أحمد فلا سجود لتركه أو بعضا عند الحنفيين والشافعيين .
( وقالت ) المالكية : يسن السجود لترك تكبيرتين فأكثر سهوا .
(16و17) التسبيح فى الركوع والسجود – تقدم أنه واجب فى المشهور عن أحمد . فمن تركه سهوا لزمه السجود . ولا سجود بتركه عند الأئمة الثلاثة لنه سنة خفيفة عندهم .
(
__________
(1) انظر ص 338 ج4 دين ( من نسى تكبير العيد وذكره )(1/16)
18و19) التسميع والتحميد – تقدم أنه يجب عند أحمد على الإمام والمنفرد أن يقول حال رفعه من الركوع : سمع الله لمن حمده . وعلى كل مصل أن يقول : ربنا ولك الحمد ، يأتى به المأموم فى رفعه . وغيره فى الاعتدال فمن تركهما أو أحدهما سهوا ، لزمه السجود ، ولا سجود عليه عند الحنفيين والشافعيين . ويسن السجود لترك التسميع سهوا عند المالكية دون التحميد .
(20) الدعاء بين السجدتين – تقدم فى المشهور عن أحمد أنه يجب على المصلى أن يقول بين السجدتين : رب اغفر لى ، فلو تركه سهوا أو جهلا ، لزمه السجود ، ولا سجود عليه عند الأئمه الثلاثة ، لأنه سنة خفيفة .
جـ - ( ترك السنة ) :
السنة المتروكة عمدا أو سهوا لا يعود إليها بعد التلبس بالفرض ، كأن تذكر فى القراءة ، الثناه أو التعوذ ، فلا يعود إلى ما تركه منهما ، لأنه تلبس بفرض فلا يقطعه لسنة ، ولا يسجد للسهو عن السنة إن تركها سهوا أو عمدا لكن يسن له إعادة الصلاة بتركها عمدا ، وهذا مذهب الحنفيين .
( وقالت ) المالكية : يسن سجود السهو لترك سنة من السنن المؤكدة سهوا وهى السورة بعد الفاتحة ، والجهر فيما يجهر فيه ، والسر فيما يسر فيه ، وسمع الله لمن حمده ، والتشهد الأول ، والجلوس له ، والتشهد الأخير ، ولترك سنتين خفيفتين كتكبيرتين من تكبير الانتقال .
( وقالت ) الشافعية : يسن السجود لترك سنة مؤكدة سهوا أو عمداً ، ولا يسجد لترك سنة خفيفة ( قال ) النووى فى المجموع : وأما غير الركن فالأبعاض وغيرها ( فالأبعاض ) هى التشهد الأول ، والجلوس له ، والقنوت . والقيام له، وكذا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله إذا تركهما فى التشهد الأول ، وقلنا إنهما سنة ، وكذا على الآل فى التشهد الأخير ، إذا قلنا بالمذهب إنها ليست واجبة بل هى سنة ، وكل واحد
من هذا الأبعاض مجبور بسجود السهو إذا تركه سهوا " لحديث " عبد الله بن بحينة رضى الله عنهما (1)
__________
(1) تقدم رقم 6 ص 13 .(1/17)
وإن تركه عمدا ، فوجهان مشهوران ( الصحيح ) باتفاق الأصحاب يسجد لأنه إذا شرع للساهى فالعامد المقصر أولى ، وأما غير الأبعاض من السنن فلا يسجد لها سواء تركها عمدا أم سهوا أ هـ ملخصا (1) .
( وقالت ) الحنبلية : يسن السجود لترك سنة من سنن الصلاة سهوا أو جهلا .
د- ( ترك الأدب ) :
الأدب المتروك عمدا أو سهوا لا يسجد له عند الأئمة الثلاثة ، ويباح عند الحنبلية .
( السبب الثالث ) لسجود السهو متابعة الإمام .
على المأموم السجود إذا سها إماما وسجدو إن لم يكن مقتديا به وقت السهو ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم سها فسجدو سجد الصحابة معه ( فقد ) قال عبد الله بن بحينه : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه ، فلما قضى صلاته وانتظرنا التسليم كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ، ثم سلم صلى الله عليه وسلم . أخرجه الجماعة والبيهقى(2).
( وبهذا ) قال كافة العلماء بلا فرق بين المدرك والمسبوق واللاحق ، غير أن هذا لا يتابع الإمام فى السجود ، بل يبدأ بقضاء ما فاته ثم يسجد آخر صلاته .
ولو سجد مع الإمام لا يجزئه فعليه إعادته بعد قضاء ما فاته ، ولا تفسد صلاته ، لأنه ما زاد إلا سجدتين والمسبوق يسجد بلا سلام مع إمامه ويتشهد ثم إذا سلم الإمام يقوم يقضى ما فاته ، فإن سلم عامدا فسدت صلاته وإلا فلا ولا سجود عليه إن سلم قبل الإمام أو معه سهوا ، أما لو سلم بعده فيلزمه ولو لم يسجد مع الإمام وقام إلى القضاء ، سجد فى آخر صلاته ، وإن سجد مع الإمام ثم سها فيما يقضى ، سجد ثانيا ، وإن لم يسجد معه ثم سها فيما يقضى كفاه سجدتان ، و مثله فى ذلك المقيم خلف المسافر .
(
__________
(1) انظر ص 125 ج 4 شرح المهذب ( الذى يقتضى سجود السهو قسمان ) .
(2) تقدم بيانه نص 14(1/18)
ولو سها ) الإمام فى صلاة الخوف ، سجد وتسجد معه الطائفة الثانية ، لأنها بمنزلة المسبوق ، وتسجد الطائفة الأولى بعد فراغها . لأنها بمنزلة اللاحق وإن لم يسجد الإمام لا يسجد المأموم وهذا مذهب الحنفيين والمالكية غير أنهم قالوا : إن سجد الإمام قبل السلام سجد المسبوق معه وإلا سجد آخر صلاته بعد سلامه وإن لم يسجد الإمام لسهوه سجد المأموم آخر صلاته
( وقالت ) الشافعية : يسجد المسبوق مع الإمام وآخر صلاته أيضا
( قال ) النووى فى المجموع : إذا سها الإمام فى صلاته ، لحق المأمومَ سهوهُ وتستثنى صورتان ( إحداهما ) إذا بان الإمام محدثا فلا يسجد المأموم لسهوه ولا يحمل هو عن المأموم سهوه ( الثانية ) أن يلعم سبب سهو الإمام ويتيقن غلطه فى ظنه ، بان ظن الإمام ترك بعض الأبعاض وعلم المأموم أنه لم يتركه ، أو جهر فى موضع الإسرار أو عكسه فسجد ، فلا يوافقه المأموم .
ثم إذا سجد الإمام فى غير الصورتين ، لزم المأموم موافقته فيه ، فإن ترك موافقته عمدا بطلت صلاته ، وسواء عرف المأموم سهو الإمام أم لم يعرفه ، فمتى سجد الإمام فى آخر صلاته سجدتين ، لزم المأموم متابعته حملا له على أنه سها . ولو لم يسجد الإمام إلا سجدة ، سجد المأموم أخرى ، حملا له على أنه نسيها ولو ترك الإمام السجود لسهوه عامدا أو ساهيا أو كان يعتقد تأخيره إلى ما بعد السلام ، سجد المأموم ، هذا هو الصحيح المنصوص . ولو سلم الإمام ثم عاد إلى السجود نظر ، إن سلم المأموم معه ناسيا ، وافقه فى السجود فإن لم يوافقه ففى بطلان صلاته وجهان ، بناء على الوجهين فيمن سلم ناسيا لسجود السهو فعاد إليه ، هل يكون عائدا إلى الصلاة ؟ وإن كان المأموم سلم عمدا مع علمه بالسهو لم يلزمه متابعة الإمام إذا عاد إلى السجود ، لأن سلامه عمدا يتضمن انقطاع القدوة . ولو لم يسلم المأموم ليسجد ، فإن عاد بعد أن سجد المأموم فوجهان ( أصحهما ) لا يجوز متابعته بل يسجد منفردا ثم يسلم .
((1/19)
والثانى ) تلزمه متابعته فإن لم يفعل بطلت صلاته . ( ولو سبق ) الإمام حدث بعد ما سها أو بطلت صلاته بسبب آخر : أتم المأموم صلاته وسجد على الصحيح .
ولو سها المأموم ثم سبق الإمام حدث : لم يسجد المأموم ، لأن الأمام حمله .
( وإن قام ) الإمام إلى خامسة ساهيا فنوى المأموم مفارقته بعد بلوغ الإمام إلى حد الراكعين فى ارتفاعه ، سجد المأموم للسهو ، لأنه توجه عليه السهو قبل مفارقته . وإن نواها قبله فلا سجود ، لأنه نوى مفارقته قبل توجه السجود عليه .
(ولو كان ) الإمام حنفيا فسلم قبل أن يسجد للسهو : لم يسلم معه المأموم ، بل يسجد قبل السلام ولا ينظر سجود الإمام بعده ، لأنه فارقه بسلامه أ هـ ملخصا (1) .
( ثم قال ) وإذا سبقه الإمام ببعض الصلاة وسها فيما أدركه وسجد الإمام لزم المسبوق أن يسجد معه على الصحيح . وعليه إذا سجد معه هل يعيد السجود في آخر صلاته ؟ فيه قولان ( أصحهما ) يعيده . فإن لم يسجد الإمام لم يسجد المسبوق فى آخر صلاة الإمام ويسجد فى آخر صلاة نفسه على المذهب أما إذا سها الإمام قبل اقتداء المأموم فوجهان ( الصحيح ) أنه يلحقه حكم سهوه . فعلى هذا إن سجد الإمام سجد معه ، وهل يعيده المسبوق فى آخر صلاته ؟ فيه القولان ( أصحهما ) يعيده ، وإن لم يسجد سجد هو فى آخر صلاته على المذهب ( والثانى ) لا يلحقه حكم سهوه . فعلى هذا لم يسجد الإمام لم يسجد هو أصلا ، وإن سجد فوجهان ( أصحهما ) لا يسجد لأنه لا سهو فى حقه .
( والثانى ) يسجد متابعة للإمام . فعلى هذا لا يعيد فى آخر صلاته إن كان مسبوقا ( وحيث ) قلنا المسبوق يعيد السجود فى آخر صلاته فاقتدى به مسبوق آخر بعد انفراده . ثم اقتدى بالثانى ثالث بعد انفراده . ثم بالثالث
__________
(1) انظر ص 144 ج 4 شرح المهذب ( يلحق الماموم سهو إمامه إلا فى صورتين )(1/20)
رابع فأكثر ، فكل واحد منهم يسجد لمتابعة إمامه . ثم يسجد فى آخر صلاة نفسه أهـ ملخصا (1) .
( وحاصل ) مذهب الحنبلية ما ذكره فى كشاف القناع بقوله : وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد المأموم معه سواء سها المأموم أم لا . حكاه إسحق وابن المنذر إجماعا " لحديث " عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ليس على من خلف الإمام سهو . فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السهو . أخرجه الدار قطنى(2) (7) " ولعموم " قوله عليه الصلاة والسلام : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا (3) ( ويسجد ) المأموم ولو كان مسبوقا ، سواء كان سهو إمامه فيما أدركه المسبوق معه أم قبله ، وسواء سجد إمامه قبل السلام أم بعده " لعموم " ما تقدم . فلو تقدم . فلو قام المسبوق لقضاء ما فاته بعد سلام إمامه . رجع وجوبا إن لم يستتم قائما، فسجد معه لسهوه ، وإن استنم قائما ، كره رجوعه . وإن شرع فى القراءة حرم رجوعه كما لو نهض عن التشهد الأول ( وإن ) أدركه المسبوق فى إحدى سجدتى السهو الأخيرة ، سجد معه السجدة التى أدركه فيها متابعة له .
__________
(1) انظر ص 148 ج4 شرح المهذب ( حكم المسبوق إذا سها فيما أدركه ) .
(2) انظر ص 145 سنن الدار قطنى وفى سنده خارجه بن مصعب ضعيف .
(3) هو بعض حديث أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ، فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر . وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع واذا قال سمع الله لمن حمده ، فقولولا : اللهم ربنا لك الحمد . واذا سجد فاسجدوا ن ولا تسجدوا حتى يسجد ا هـ (8) انظر ص 69،65 ج 3 دين طبعة ثانية ( متابعة المأموم الإمام )(1/21)
فإذا سلم إمامه أتى المسبوق بالسجدة الثانية من سجدتى السهو ، ليوالى بين السجدتين ثم قضى المسبوق صلاته "لعموم" قوله عليه الصلاة والسلام : فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا(1) .
(
__________
(1) هو بعض حديث أخرجه الشافعى والسبعة عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وأله وسلم قال : إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ، وأتوها تمشون وعليكم السكينة . فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاتموا . وفى رواية فاقضوا (9) انظر رقم 71 ص 45 ج 3 دين ( ما تدرك به الجماعة )(1/22)
وإن أدركه ) المسبوق بعد سجود السهو وقبل السلام ، لم يسجد المسبوق لسهو إمامه ، لأن سهو الإمام قد انجبر بسجوده قبل دخوله معه فأشبه ما لو لم يسه . ويسجد مسبوق لسلامه لسلامه مع إمامه سهوا ، لأنه صار منفردا بسلام إمامه . ويسجد مسبوق لسهوه مع إمامه . ويسجد مسبوق لسهوه فيما انفرد به ولو كان سجد مع إمامه لسهوه . ولا يعيد المسبوق السجود إذا سجد مع إمامه لسهو إمامه . لأنه قد سجد وانجبرت صلاته . وظاهره ولو كان سها فيما أدركه مع الإمام . وإن لم يسجد المسبوق مع إمامه لسهوه لعذر ، سجد آخر الصلاة. وأن لم يسجد الإمام لسهوه سهوا أو عمدا ، لاعتقاده عدم وجوبه ، سجد المأموم بعد سلامه والإياس من سجود الإمام ، لأن صلاته نقصت بسهو إمامه فلزمه جبرها كما لو انفرد لعذر " ولعموم " قوله عليه الصلاة والسلام: فعليه وعلى من خلفه(1) لكن يسجد المسبوق الذى لم يسجد إمامه لسهوه إذا فرغ من قضاء ما فاته ، لأن محل سجود السهو آخر الصلاة وإنما كان يسجده مع الإمام متابعة له ، وإن ترك الإمام سجود السهو الواجب قبل السلام مع اعتقاده وجوبه عمدا ، بطلت صلاته . وفى صلاتهم روايتان . ومقتضى ما تقدم بطلان صلاتهم . وإن كان محله بعد السلام ، لم تبطل صلاته ولا صلاتهم أهـ ملخصا(2).
( فائدة ) لا يجود بسهو المأموم لا عليه ولا على الإمام عند الأئمة الأربعة والجمهور لقوله صلي الله عليه وسلم في حديث عمر : وان سها من خلف الإمام فليس عليه سهو والإمام كافيه. ولانه لو سجد وحده قبل السلام كان مخالفا لإمامه . وان أخره إلى ما بعد سلام الإمام يخرج من الصلاه بسلام الإمام , لأنه سلم عمد ممن لا سهو عليه . ولو طلب من الإمام , لانقلب المتبوع تابعا .
(
__________
(1) هو بعض حديث عمر رقم 7 وتمامه وإن سها من خلف الإمام فليس عليه سهو والإمام كافية .
(2) انظر ص 266 ج1 كشاف القناع ( القسم الثالث مما يشرع له سجود السهو – الشك ) .(1/23)
السبب الرابع ) لسجود السهو , الشك في الصلاة :
الشك لغه مطلق التردد بين شيئين سواء استوي طرفاه أم رجح أحدهما فيشمل الوهم والظن وهو المراد هنا. ومن شك في صلاته أنه كم صلي ؟ بني علي الأقل المتيقن إماما أو منفردا وسجد للسهو " لحديث " أبى سعيد الخدري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدركم صلي ؟ فليبن علي اليقين ,حتي إذا استيقن أن قد أتم فليسجد سجدتين قبل أن يسلم . فإنه إن كانت صلاته وتراً صارت شفعاً . وأن كانت شفعاً كان ذلك ترغيما للشيطان . أخرجه مالك واحمد والخمسه إلا البخاري(1) {10} قال المنذري : حديث أبى سعيد أصح حديث في الباب أهـ .
( وبهذا ) قالت الشافعية , وروي عن أحمد قال النووي في المجموع : من شك فى عدد الركعات وهو فى الصلاة مذهبنا أنه يبنى على اليقين ويأتى بما بقى . فإذا شك هل صلى ثلاثا أم أربعا ؟ لزمه أن يأتى بركعة إذا كانت صلاته رباعية ، سواء كان شكه مستوى الطرفين أو ترجح احتمال الأربع ، ولا يعمل بغلبة الظن سواء طرأ هذا الشك أول مرة أم تكرر ( وبهذا ) قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وشريح وربيعة ومالك والثورى أ هـ(2).
(
__________
(1) انظر من 176ج2 تيسير الوصول (سجود السهو ) وص130ج4 – الفتح الرباني يعني ان السجدتين بمنزله الركعه لانهما ركناها فصار سجود السهو بمنزله ركعه سادسه و (ترغيما للشيطان ) لانه لما قصد التلبيس علي المصلي كان سجود السهو – لما فيه من الثواب – إذلالا للشيطان واغاظه له , ولفظ أي داود : فإذا استيقن التمام سجد سجدتين ، فإن كانت صلاته تامة . كانت الركعة والسجدتان نافلة ، وإن كانت صلاته ناقصة ، كانت الركعة تماما والسجدتان ترغيما للشيطان .
(2) انظر 111 ج4 شرح المهذب ( المذاهب فيمن شك فى عدد الركعات )(1/24)
ثم قال ) واختلفوا فى سبب سجود السهو هنا فقيل : المعتمد فيه الحديث ولا يظهر معناه واختاره إمام الحرمين والغزالى ( والأصح ) أن سببه التردد فى الركعة التى يأتي بها ، هل هى رابعة أم زائدة تقتضى السجود ؟ وهذا التردد يقتضى السجود . فلو زال تردده قبل السلام وقبل السجود وعرف أن التى يأتى بها رابعة ، لم يسجد على الأول ويسجد على الثانى . وضبط أصحاب الوجه الثانى صورة الشك وزواله فقالوا : إن كان ما فعله من وقت عروض الشك إلى زواله لابد منه على كل احتمال ، لم يسجد للسهو . وإن كان زائدا على بعض الاحتمالات سجد . مثاله شك فى قيامه من الظهر أن تلك الركعة ثالثة أم رابعة ؟ فركع وسجد على هذا الشك وهو عازم على القيام إلي ركعة أخرى أخذاً باليقين ، ثم تذكر قبل القيام إلى الأخرى أنها ثالثة أو رابعة ، فلا يسجد ، لأن ما فعله مع الشك لابد منه على التقديرين . فإن لم يتذكر حتى قام ، سجد للسهو وإن تيقن أن التى قام إليها رابعة ، لأن
احتمال الزيادة وكونها خامسة كان موجودا حين قام أهـ(1) .
(
__________
(1) انظر ص 128 منه ( فرع فى قواعد متكررة فى أبواب الفقه ) ( ولا يظهر معناه ) أى لا تعرف حكمته فهو امر تعبدى .(1/25)
ومشهور ) مذهب المالكية : أن من شك فى صلاته يبنى على الأقل فلو بنى على الأكثر بطلت صلاته إلا إذا كان يأتيه الشك فى كل يوم فى صلاته ولو مرة . فإنه يبنى على الأكثر ويعرض عن الشك ويسجد بعد السلام ترغيما للشيطان . فلو بنى على الأقل صحت صلاته ، لأنه رجوع إلى الأصل ( ومشهور ) مذهب الحنبلية أن الأمام إن شك بنى على غالب ظنه إن كان المأموم أكثر من واحد ، وإلا بنى على اليقين كالمنفرد ، والفرق أن للإمام من ينبهه ويذكره إذا أخطأ : بخلاف المنفرد . قال الشيخ منصور بن إدريس : ويأخذ مأموم عند شكله بفعل إمامه " إذا كان المأموم " اثنين فأكثر ، لأنه يبعد خطأ اثنين وإصابه واحد ( قال ) فى المبدع : وأما المأموم فيتبع إمامه مع عدم الجزم بخطئه وإن جزم بخطئه لم يتبعه ولم يسلم قبله .
( والمأموم ) فى فعل نفسه يبنى على اليقين . فلو شك هل دخل مع الإمام فى الركعة الأولى أو الثانية ؟ جعل الدخول معه فى الثانية ، فيقضى ركعة إذا سلم إمامه احتياطا ، ولو أدرك المأموم الإمام راكعا ثم شك بعد تكبيره للإحرام هل رفعه من الركوع قبل إدراكه راكعا ؟ لم يعتد بتلك الركعة ، لاحتمال رفعه من الركوع قبل إدراكه فيه . ( وحيث ) بنى المصلى على اليقين فإنه يأتى بما بقى عليه من صلاته ، ليخرج من عهدته ، فإن كان مأموما أتى به بعد سلام إمامه كالمسبوق ، ولا يفارقه قبل ذلك ، لعدم الحاجة إليه وسجد للسهو ، ليجبر ما فعله مع الشك فإنه نقص فى المعنى .
" وإن كان " المأموم واحدا وشك فى عدد الركعات ونحوه ، لم يقلد إمامه لاحتمال السهو منه – كما لم يرجع عليه الصلاة والسلام لقول ذى اليدين وحده – ويبنى على اليقين لما تقدم ، فإن سلم إمامه أتى بما شك فيه .
((1/26)
ولا أثر ) لشك المصلى بعد سلامه . وكذلك سائر العبادات لو شك فيها بعد فراغها ، لأن الظاهر أنه أتى بها على الوجه المشروع ( ومن ) شك قبل السلام فى ترك ركن فهو كتركه ويعمل باليقين ، لأن الأصل عدمه . ولا يسجد لشكه فى ترك واجب ، لأن الأصل عدم وجوبه فلا يسجد بالشك ، ولا يسجد لشكه هل سها ؟ لأن الأصل عدمه ، أو شكه فى زيادة بأن شك فى التشهد هل زاد شيئا أو لا ؟ لم يسجد ، لأن الأصل عدم الزيادة إلا إذا شك فيها وقت فعلها ، بأن شك فى الأخيرة هل هى زائدة أو لا ؟ أو شك وهو ساجد هل سجوده زائد أو لا ؟ فيسجد لذلك جبرا للنقص الحاصل فيه بالشك ولا يسجد لشكه إذا زال شكه وتبين أنه مصيب فيما فعله إماما كان أو غيره لزوال موجب السجود ، ولو شك من سها هل سجد لسهوه أم لا ؟ سجد للسهو وكفاه سجدتان أهـ ملخصا(1) .
( وقال ) الأوزاعى والحنفيون : للشك فى الصلاة ثلاث صور :
( الأولى ) ألا يكون الشك عادة له ، بأن لم يسبق له شك قبل ذلك أصلا أو فى الصلاة التى شك فيها ، فيستأنف الصلاة بعمل مناف . والسلام قاعداً أفضل ، لأنه المحلل ، وهو مروى عن ابن عباس وابن عمر وابن عمرو "لحديث" إسحاق بن يحيى بن عبادة عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل سها فى صلاته فلم يدركم صلى ؟ فقال : ليعد صلاته وليسجد سجدتين قاعدا . أخرجه الطبرانى فى الكبير (2) {11} ، وفيه انقطاع فإن إسحاق لم يسمع من جده عبادة .
( وإن ) أتم الصلاة على غالب ظنه ، لا تبطل غير أنها تكون نقلا ويلزمه أداء الفرض . ولو كانت نفلا ينبغى أن يلزمه قضاؤه وإن أكمله ، لوجوب الاستئناف عليه .
(
__________
(1) انظر ص 266 ج1 كشاف القناع ( القسم الثالث ك من يشرع له سجود السهو ) .
(2) انظر ص 153 ج2 مجمع الزوائد ( باب السهو فى الصلاة )(1/27)
الثانية ) أن يكون الشك عادة له بأن وقع له مرتين قبل هذه ، أو فى عمره أو فى صلاته على الخلاف ، فيتحرى ويأخذ بأكبر رأيه إن كان له رأى ويسجد للسهو إن طال تفكره قدر أداء ركن ، وإن لم يطل تفكره ، فلا سجود لما فى حديث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إنما أنا بشر أنسى كما تنسون وإذا شك أحدكم فى صلاته فليتحر الصواب وليبن عليه فإذا سلم فليسجد سجدتين ، أخرجه السبعة(1) {12} ( ولحديث ) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا صلى أحدكم فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا ؟ فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليتمه ثم ليسلم تم ليسجد سجدتى السهو ويتشهد ويسلم ، أخرجه الطحاوى(2) {13} .
( الثالثة ) أن يكون الشك عادة له ولكن ليس له رأى أو كان ولم يقع تحريه على شىء فإنه يبنى على الأقل المتيقن ويقعد فى كل موضع ظنه محل قعود ويسجد للسهو ، فلو شك فى ركعة من الرباعى مثلا أنها أولى أو ثانية ، جعلها الأولى ثم يقعد للتشهد ، لاحتمال أنها الثانية ، ثم يصلى ركعة ويقعد لذلك ، ثم يصلى ركعة ويقعد لاحتمال أنها رابعة ، ثم يصلى أخرى ويقعد لذلك .
( ولو شك ) أنها الثانية أو الثالثة أتمها وقعد ، ثم صلى أخرى وقعد ، ثم الرابعة وقعد ، ( ولو شك ) فى صلاة الصبح وهو قائم أنها الثالثة أو الأولى ، لا يتمها بل يقعد قدر التشهد ثم يصلى ركعتين بفاتحة وسورة ويتشهد ويسجد للسهو فى كل ما ذكر ، وإن شك وهو ساجد فى أنها أولى أو ثانية ، أتمها وقعد قدر التشهد ثم صلى أخري ( ولو شك ) فى ركعة أنها ثانية الوتر أم ثالثة ، قنت وقعد للتشهد ، ثم صلى وقنت أيضاً فى الأصح ، وسجد للسهو فى كل ذلك .
__________
(1) انظر ص 126 ج4 – الفتح الربانى وص 177 ج 2 تيسير الوصول ( سجود السهو ) .
(2) انظر ص 252 ج1 شرح معانى الآثار 0 الشك فى الصلاة ) .(1/28)
وعليه يحمل ( حديث ) عبد الرحمن بن عوف أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إذا سها أحدكم فى صلاته فلم يدر واحدة صلى أم اثنتين ؟ فليبن على واحدة . فإن لم يدر اثنين صلى أم ثلاثا ؟ فليبن على ثنتين ، فإن لم يدر ثلاثا صلى أم أربعا ؟ فليبن على ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم ، أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال حسن صحيح (1){14} .
( وحديث ) أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا صلى أحدكم فلم يدر أثلاثا أم أربعا ؟ فليبين على اليقين ويدع الشك ، فإن كانت صلاته نقصت : فقد أتمها وكانت السجدتان ترغيما للشيطان . وإن كانت صلاته تامه كان ما زاد والسجدتان له نافلة ، أخرجه الطحاوى (2){15} .
( فوائد ) ( الأولى ) إنما فصل الحنفيون هذا التفصيل فى الشك فى الصلاة وجعلوه ثلاث صور كما ترى ، جمعا بين الأحاديث " بحمل " حديث عبادة بن الصامت رقم 11 " على ما " إذا لم يكن الشك عادة له "وحمل " حديثى ابن مسعود رقمى 12و13 " على ما " إذا كثر شكه وأمكنه التحرى ووقع تحريه على شىء " وحمل " حديثى عبد الرحمن بن عوف رقم 14 وأبى سعيد الخدرى رقم 15 " على ما " إذا لم يكن له تحر أو لم يقع تحريه على شىء .
( ومنه ) يعلم أن الحنفيين يفرقون بين التحرى والبناء على اليقين وبه قال أبو حاتم وابن حيان ، قال : قد يتوهم من لم يحكم صناعة الأخبار ولا تفقه فى صحيح الآثار ، أن التحرى والبناء على اليقين واحد ليس كذلك، لأن التحرى أن يشك المرء فى صلاته فلا يدرى ما صلى ؟ فعليه أن يتحرى الصواب ويبنى على الأغلب عنده. والبناء على اليقين أن يشك المرء فى اثنتين والثلاث . أو الثلاث والأربع ، فعليه أن يبنى على اليقين وهو الأقل أ هـ .
(
__________
(1) انظر ص 189 ج1 سنن ابن ماجه ( من شك فى صلاته فرجع إلي اليقين ) وص 176 ج2 تيسير الوصول ( سجود السهو ) .
(2) انظر ص 251 ج1 شرح معانى الآثار ( الشك فى الصلاة ) .(1/29)
وقال ) الشافعى والجمهور : لا فرق بين التحرى والبناء على اليقين ، لأن التحرى القصد ، فمعنى قوله فى الحديث : فليتحر الصواب ، أى يقصد الصواب ويعمل به وقصد الصواب هو البناء على اليقين وهو الأقل كما فى حديث أبى سعيد .
( الثانية ) الشك بعد الصلاة لا يعتبر إلا إذا قال له عدل بعد السلام : إنك تركت ركعة مثلا وشك فى صدقة فإنه يعيد احتياطا ، لأن الشك فى صدقه شك فى الصلاة . وهذا مذهب الحنفيين .
( وقالت ) الشافعية : إذا شك بعد السلام فى ركعة أو ركعات أو ركن فالصحيح أنه لا شىء عليه ولا أثر لهذا الشك ( وقيل) يجب الأخذ باليقين فإن قرب الفصل وجب البناء وإن بعد وجب الاستئناف .
( وبهذا ) قالت المالكية ، والبعد عندهم يتحقق بالخروج من المسجد ، وإن لم يخرج منه أو كان فى غيره ، اعتبر العرف أو حصول حدث .
( الثالثة ) الشك فى صفة الصلاة لا يعتبر ، فلو شك فى ثانية الظهر أنه فى العصر وفى الثالثة أنه فى التطوع، وفى الرابعة أنه فى الظهر : يكون فى الظهر ولا عبرة بالشك عند الأئمة الثلاثة .
( وقالت ) المالكية : يبنى على اليقين ، فمن شك أنه فى آخره العشاء أو فى الشفع : يعتبر أنه فى العشاء . ومن شك أنه فى العصر أو الظهر : يعتبر أنه فى الظهر .
( الرابعة ) إذا اختلف الإمام والقوم بعد السلام بأن قالوا : صليت ثلاثا وقال : بل صليت أربعا ، فإن كان على يقين لم يعد ، وإلا أعاد بقولهم إلا إن كان معه بعض المأمومين ولو واحدا ، فالعبرة بقوله ، ولو تيقن واحد بالتمام وآخر بالنقص وشك الإمام والقوم ، فعلى المتيقن بالنقص الإعادة ، ولو تيقن الإمام بالنقص ، لزمهم الإعادة إلا من تيقن التمام ، ولو تيقن واحد بالنقص وشك الإمام والقوم ، فإن كان فى الوقت ، فالأولى الإعادة احتياطا . وإن كان المخبر بالنقص عدلين لزمت الإعادة ، وهذا مذهب الحنفيين .
((1/30)
وقالت ) المالكية : إذا أخبر المصلى أماما أو غيره جماعة مستفيضة – يفيد خبرهم العلم الضرورى – بنقص أو زيادة ، لزمه الرجوع إلى خبرهم ولو كان متيقنا خلافه . وإذا أخبر الإمام عدلان بنقص أو زيادة ، رجع لقولهما ما لم تيقن كذبهما فإن ولم يكن الشك عادة له ، لا يرجع لقولهما ، بل يبنى على الأقل . وإذا أخبره واحد بالتمام لا يرجع لقوله ، بل يبنى على يقين نفسه وإن أخبره بالنقص ولم يكن الشك عادة له ، يرجع لقوله لحصول الشك بخبره وإن كان الشك عادة للإمام ، بنى على الأكثر ولا يرجع لقول المخبر .
( وإن ) أخبر العدلان أو الواحد غير الإمام بنقص أو زيادة ، بنى على يقينه ولا يرجع لقول أحد ما لم يبلغ حد التواتر كما تقدم .
( وقالت ) الحنبلية : إذا شك الإمام يلزمه العمل بقول مأمومين يثق بهما ولو غلب على ظنه خطؤهما . ولا يعمل بقول الواحد إلا إذا غلب على ظنه صدقة .
( وقالت ) الشافعية : إذا شك الإمام يعمل بقول المأموم واحدا أو أكثر ما لم يغلب على ظنه خطأ المخبر ولو اثنين .
( قال ) أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى : إذا سبح للإمام اثنان يثق بقولهما ، لزمه قبوله والرجوع إليه ولو غلب على ظنه خطؤهما ( وقال ) الشافعى : إن غلب على ظنه خطؤهما لم يعمل بقولهما ، لأن من شك فى فعل نفسه لم يعمل بقول غيره ، كالحاكم إذا نسى حكما حكم به قشهد به شاهدان وهو لا يذكره ( ولنا ) أن النبى صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول أبى بكر وعمر وغيرهما رضى الله عنهم فى حديث ذى اليدين لما سألهم أصدق ذو اليدين ؟ فأومئوا نعم (1) ، مع أنه كان شاكا بدليل أنه أنكر ما قاله ذو اليدين وسألهم عن صحة قوله . ولأن النبى صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتسبيح لذكروا الإمام ويعمل بقولهم .
(
__________
(1) تقدم رقم 405 ص 302 ج 5 دين 0 القسم الأول من الزيادة القولية )(1/31)
وروى ) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فزاد ونقص إلى قوله : إنما أنا بشر أنسى . فإذا نسيت فذكرونى (1) ، يعنى بالتسبيح كما روى عنه فى الحديث الآخر . وكذا نقول فى الحاكم إنه يرجع إلى قول الشاهدين .
( وإن كان ) الإمام على يقين من صوابه وخطأ المأمومين ، لم يجز له متابعتهم ( وإذا ) ثبت هذا فإنه إذا سبح به المأمون فلم يرجع فى موضع يلزمه الرجوع فيه ، بطلت صلاته وليس للمأمومين اتباعه . فإن اتبعوه عالمين بتحريم ذلك بطلت صلاتهم ، لأنهم تركوا الواجب عمدا . وإن تابعوه جهلا بتحريم ذلك بطلت صلاتهم صحيحة ، لأن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم تابعوه فى التسليم فى حديث ذى اليدين ، وفى الخامسة فى حديث ابن مسعود فلم تبطل صلاتهم .
( وروى) الأثرم بإسناده عن الزبير أنه صلى العصر فلما سلم قال له رجل من القوم : يا أبا عبد الله إنك صليت ركعات ثلاثا ، قال : أكذلك ؟ قالوا : نعم ، فرجع فصلى ركعة ثم سجد سجدتين (2) ، وعن إبراهيم قال: صلى بنا علقمة الظهر خمسا فلما سلم قال القوم : يا أبا شبل قد صليت خمسا . قال كلا ما فعلت ، قالوا بلى ، وكنت فى ناحية القوم وأنا غلام فقلت : بلى قد صليت خمسا . قال لي أعور وأنت تقول ذلك أيضا ؟ قلت
نعم فسجد سجدتين { 3 } ، فلم يأمروا من وراءهم بالإعادة ، فدل على أن صلاتهم لم تبطل بمتابعتهم .
(
__________
(1) هذا بعض حديث أخرجه أحمد وتمامه : وأيكم ما شك فى صلاته فليتحر اقرب ذلك للصواب فليتم عليه ويسلم ثم يسجد سجدتين (16) انظر ص 128 ج4 الفتح الربانى .(1/32)
ومتى ) عمل الإمام بغالب ظنه فسبح به المأمون فرجع إليهم فإن سجوده قبل السلام لما فعله من الزيادة فى الصلاة سهوا ( قال ) الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل جلس في الركعة الأولى من الفجر فسبحوا به فقام : متى يسجد للسهو ؟ فقال قبل السلام .( فإن سبح ) الإمام واحد لم يرجع إلى قوله إلا أن يغلب على ظنه صدقه فيعمل بغالب ظنه لا بتسبيحه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل قول ذى اليدين وحده فإن سبح فسئاق لم يرجع إلى قولهم لأن قولهم غير مقبول فى أحكام الشرع ( وإن ) افترق المأمومون طائفتين ، وافقه قوم وخالفة آخرون : سقط قولهم لتعارضهم كالبينتين إذا تعارضتا . ومتى لم يرجع وكان المأموم على يقين من خطأ الإمام لم يتابعه . وينبغى أن ينتظره ، لأن صلاة الإمام صحيحة لم تفسد بزيادة فينتظره أ هـ ملخصا (1)
( الخامسة ) لو شك الإمام فلحظ القوم ليعلم إن قاموا قام ، ولا قعد فلا بأس به ولا سجود عليه .
( السادسة ) لو شك فى صلاته أكبَّر للافتتاح أم لا ؟ أو أحدث أم لا ؟ أو أصابه نجاسة أم لا ؟ استأنف الصلاة إن لم يكن الشك عادة له وإلا فلا .
( ولو غلب ) على ظنه وهو فى الصلاة أنه أحدث أو لم يتطهر ثم ظهر خلافه ، استأنف إن كان أدى ركنا وإلا مضى ، وهذا مذهب الحنفيين .
( وقالت ) المالكية : من شك هل أحرم ؟ استأنف الصلاة . ومن شك هل أحدث أو أصابته نجاسة ؟ تمادى فى صلاته ، ثم إن تيقن عدم الحدث أو عدم النجاسة لا إعادة عليه . وإن تيقن الحدث أو النجاسة أعاد وجوباً . ومن تذكر نجاسة أو طرأت عليه وهو فى الصلاة : قطع وجوبا إن قدر على إزالة النجاسة واتسع الوقت لذلك وإلا استمر ولا إعادة عليه . لأن إزالة النجاسة واجبة مع الذكر والقدرة . فمن أتم الصلاة وهو ناس للنجاسة ، صحت صلاته وأعاد ندبا فى الوقت .
(
__________
(1) انظر ص 674 ج1 مغنى ( إذا سبح للامام اثان يثق بقولهما ) .(1/33)
السابعة ) من القواعد أن اليقين لا يزول بالشك ، بل يعمل بالمتيقن ويطرح الشك ، فإذا شك فى ترك مأمور يجبر تركه بالسجود ، فالأصل أنه لم يفعله فيسجد للسهو أما إذا شك هل ترك مأموراً به أم لا ؟ فلا يسجد كما لو شك أسها أم لا ؟ فإنه لا يسجد . وإن شك أزاد فى الصلاة ركعة أو سجدة أو غيرهما أم لا ؟ أو هل سلم ناسياً ؟ لم يسجد ، لأن الأصل عدم ولو تيقن السهو وشك هل سجد له ؟ فليسجد ، لأن الأصل عدم السجود . ولو شك أسجد للسهو سجدة أم سجدتين ؟ سجد أخرى . ولو تيقن السهو وشك فى عين ما سها فيه سجد لتحقق سبب السجود . أفاده النووى فى المجموع(1).
( وقالت ) المالكية : من شك هل سجد واحدة أم اثنتين ؟ أو ركع أم لا ؟ أو قرأ الفاتحة أم لا ؟ أتى بما شك فيه. وإن لم يكن الشك عادة له وسجد بعد السلام . وإن كان الشك عادة له ، سجد قبل السلام ولا يأتى بما شك فيه. ومن شك هل سجد للسهو واحدة أم اثنتين؟ سجد الثانية،ومن شك هل سجد للسهو؟ أتى به ولا سجود عليه .
( الثامنة ) لو أدرك مسبوق الإمامَ راكعاً وشك هل أدرك ركوعه المجزئ ؟ فالصحيح أنه لا تحسب له
الركعة، وعليه يطلب منه سجود السهو كما لو شك هل صلى ثلاثا أم أربعا ؟ ولا يقال يتحمل الإمام سهوه ،
لأنه بعد سلام الإمام شاك فى عدد الركعات . أفاده النووى فى المجموع (2) .
( وبه ) قالت المالكية : غير أنهم قالوا لا سجود عليه .
الفرع الثالث لسجود السهو – محله (3) .
مدار سجود السهو على ستة أحاديث وهى :
(
__________
(1) أنظر ص 128 ج4 شرح المهذب ( قواعد متكررة فى ابواب الفقه ) وص 129 منه .
(2) أنظر ص 128 ج4 شرح المهذب ( قواعد متكررة فىأابواب الفقه ) وص 129 منه .
(3) والأول حكمه وتقدم ص 280 ج 5 دين والثانى سببه وتقدم ص 282 .(1/34)
1) حديث عمران بن حصين أن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم سَّلم فى ثلاث ركعات من العصر ثم دخل الحجرة فكلمة الخِر باق فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم (1) .
(2) وحديث أبى هريرة فى قصة ذى اليدين وفيه : أن النبى صلى الله عليه وسلم سلم فى الرباعية من اثنتين ومشى وتكلم وسجد بعد السلام(2).
(3) وحديث ابن مسعود وفيه : أن النبى صلى الله عليه وسلم قام إلى خامسة وسجد بعد السلام (3)
(4) وحديث عبد الله بن مالك بن بحينة وفيه : أنه صلى الله عليه وسلم قام اثنتين من الظهر لم يجلس فسجد قبل السلام(4).
(5) وحديث أبى سعيد الخدرى فيمن شك فى صلاته وفيه أنه يسجد قبل السلام(5).
(6) وحديث عبد الرحمن بن عوف فيمن شك كم صلى ؟ وفيه السجود قبل السلام . (6).
( وقد ) تقدمت هذه الأحاديث وأحاديث أخرى بمعناها . ولذا اتفق العلماء على أنه يجوز سجود السهو قبل السهو وبعده للنقص والزيادة . ولكن اختلفوا فى الأفضل ( فقال ) الحنفيون والثورى : الأفضل السجود بعد السلام وبه قال على وسعد بن أبى وقاص وعمار بن ياسر وابن مسعود وعمران بن حصين وأنس والمغيرة بن شعبة من الصحابة وأبو سلمة بن عبد الرحمن والحسن البصرى والنخعى وعمر بن العزيز وغيرهم من التابعين ( واستدلوا ) " بأحاديث " عمران وذى اليدين وابن مسعود المذكورة .
__________
(1) هما بعضا حديثين تقدما رقم 404و405 ص 302 ج5 دين – ( الزيادة القولية ) .
(2) هما بعضا حديثين تقدما رقم 404و405 ص 302 ج5 دين – ( الزيادة القولية ) .
(3) هو بعض حديث تقدم تاما رقم 400 ص 298 ج5 ( القيام لزائدة )
(4) هو بعض حديث تقدم فى بحث " القيام لثالثة بلا تشهد " رقم 399 ص 293 ج 5 دين .
(5) هو بعض حديث تقدم فى بحث " الشك فى الصلاة " ص 24 ]10ج[
(6) هو بعض حديث تقدم فى " الصورة الثالثة من صور الشك فى الصلاة " ص 29 { 14 }(1/35)
" وبحديث " ثوبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لكل سهو سجدتان بعدما يسلم . أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بسند فيه إسماعيل بن عياش (1) { 17 } وفيه مقال . لكن قال البخارى : إذا حدث عن أهل بلده
يعنى الشاميين فصحيح أهـ وهذا الحديث من روايته عن الشاميين . فتضعيف الحديث به غير مسلم .
" وبحديث " أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها ، فلما سلم سجد سجدتين ثم سلم . أخرجه أحمد (2) {18}
" وبحديث " عبد الله بن جعفر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من شك فى صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم . أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والبيهقى (3) {19} ، وفى سنده مصعب بن شيبه وفيه مقال . لكن يعضده أحاديث الباب
( وقال ) الأوزاعى والليث بن سعد والشافعى فى الجديد : الأفضل أن يكون السجود قبل السلام ( واستدلوا ) بأحاديث عبد الله بن بحينة وأبى سعيد وابن عوف المذكورة آنفاً .
( وللشافعية ) قولان آخران ( أحدهما ) أن التقديم والتأخير سواء فى الفضيلة ( والثانى ) أن السجود إن كان لزيادة فالأفضل فيه أن يكون بعد السلام ، وإلا فالأفضل كونه قبل السلام ، جمعاً بين الأحاديث السابقة .
( وبهذا ) قالت المالكية . والمشهور عنهم أن تأخير القبلى مكروه وتقديم البعدى حرام . وإذا اجتمع نقص وزيادة ، غلّب النقص على الزيادة وسجد قبل السلام وبهذا يكون استعمال الخبرين جميعاً . واستعمال الأخبار على وجهها أولى من أدعاء النسخ .
(
__________
(1) انظر ص 155 ج 4–الفتح الربانى وص169ج6 –المنهل العذب (من نسى ان يتشهد) وص 190ج1–سنن ابن ماجه (من سجدهما بعد السلام)
(2) انظر ص 157 ج4 – الفتح الربانى ( السجود بعد السلام ) .
(3) انظر ص 157 منه وص 160 ج 6 – المنهل العذب ( من قال بعد التسليم ) وص 185 ج1 – مجتبى ( باب التحرى ) .(1/36)
وقال ) أحمد : الأفضل استعمال كل حديث ورد فى سجود السهو على ما ورد فيه . وما لم يرد فيه شىء ، فالأفضل فيه السجود قبل السلام ( قال ) الأثرم : قال أحمد : سجد النبى صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة مواضع بعد السلام ، وفى غيرها قبل السلام . قلت : اشرح الثلاثة المواضع التى بعد السلام قال : سلم من ركعتين فسجد بعد السلام . هذا حديث ذى اليدين(1) وسلم من ثلاث فسجد بعد السلام . هذا حديث عمران بن حصين(2)وحديث ابن مسعود فى موضع التحرى سجد بعد السلام(3).
( واختلف ) فيمن سها فصلى خمساً هل يسجد قبل السلام أو بعده ؟ على روايتين ( وما عدا ) هذه المواضع الثلاثة يسجد لها قبل السلام رواية واحدة .
( وحكى) ابو الخطاب عن أحمد روايتين أخريين ( إحداهما ) أن السجود كله قبل السلام وهو مذهب الشافعى ، لحديث ابن بحينه وأبى سعيد(4) .
( وقال ) الزهرى : كان آخر الأمرين السجود قبل السلام ، ولأنه تمام الصلاة وجبر لنقصها فكان قبل سلامها كسائر أفعالها ( والثانية ) أن ما كان من نقص سجد له قبل السلام ، لحديث ابن بحينة . وما كان من زيادة سجد له بعد السلام ، لحديث ذى اليدين ، وحديث ابن مسعود حين صلى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خمسا(5) وهذا مذهب مالك وأبى ثور(6).
الفرع الرابع لسجود السهو – السجود فى النفل :
__________
(1) يشير الى حديث ابى هريرة رقم 2هامش ص 35 .
(2) تقدم رقم 1 هامش ص 35 .
(3) وتقدم رقم 12 ص 28 .
(4) حديث ابن بحينة ، تقدم رقم 4 هامش ص 35 وتقدم ص 293 ج5 – دين وص 19،13 وحديث ابى سعيد تقدم رقم 5 بهامش ص 35 .
(5) تقدم رقم 3 بهامش ص 35 .
(6) ملخص من سنن ابن قدامة ص 677 ج1 – ( متى يكون السجود بعد السلام ) .(1/37)
النفل فى سجود السهو كالفرض عند الجمهور ، لعموم الأحاديث السابقة ( وقال ) ابن سيرين وقتادة : لا يشرع السجود فى النافلة . وروى عن الشافعى فى القديم ( قال ) فى المهذب . وهذا لا وجه له ، لأن النفل كالفرض فى النقصان فكان كالفرض فى الجبران أ هـ .
( وقالت ) المالكية : السهو فى النفل كالسهو فى الفرض إلا فى ست مسائل ( إحداها ) الفاتحة ، فلو نسيها فى النافلة وتذكر بعد الركوع ، تمادى وسجد قبل السلام ، بخلاف الفريضة فإنه يلغى تلك الركعة ويأتى بركعة أخرى ويسجد قبل السلام إن كانت الركعة الملغاه من الأوليين . وإلا فبعد السلام ( الثانية والثالثة والرابعة ) السورة والجهر والسر ، فمن نسى واحدة منها فى النافله ، فلا سجود عليه بخلاف الفريضة فيسجد ( الخامسة ) من قام إلى ثالثة فى النافله فإن تذكر قبل عقد ركوعها ، رجع وسجد بعد السلام . وإلا تمادى وزاد رابعة وسجد قبل السلام ، بخلاف فى الفريضى فإنه يرجع متى ذكر أنه زاد ويسجد بعد السلام ( السادسة ) من نسى ركنا من النافلة كالركوع ولم يتذكر حتى سلم وطال ، فلا إعادة عليه ، بخلاف الفريضة فإنه يعيدها أبداً .(1/38)
قال أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى : وحكم النافلة حكم الفرض فى سجود السهو فى قول عامة أهل العلم . لا نعلم فيه مخالفاً ، إلا أن ابن سيرين قال : لا يشرع فى النافلة . وهذا يخالف عموم قول النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إذا نسى أحدكم فليسجد سجدتين (1) . وقال : إذا نسى أحدكم فزاد أو نقص فليسجد سجدتين (2) { 20 } ولم يفرق ، ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود فيسجد لسهوها كالفريضة . ولو قام فى صلاة الليل فحكمه حكم القيام الى ثالثة فى الفجر نص عليه أحمد ( وقال ) مالك : يتمها أربعا ويسجد للسهو ليلا كان أو نهارا ( وقال ) الأوزاعى : فى صلاة النهار كقوله وفى صلاة الليل إن ذكر قبل ركوعه فى الثالثة جلس وسجد للسهو وإن ذكر بعد ركوعه أتمها أربعا قول النبى صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى (3) { 21 } ولأنها صلاة شرعت ركعتين فكان حكمها ما ذكرنا فى صلاة الفجر . فأما صلاة النهار فيتمها أربعا .
( ولا يشرع ) السجود للسهو فى صلاة جنازة ، لأنها لا سجود فى صلها ففى جبرها أولى . ولا فى سجود تلاوة ، لأنه لو شرع لكان الجبر زائداً على الأصل أ هـ (4) .
الفرع الخامس لسجود السهو – كيفية سجود السهو :
__________
(1) أخرجه مسلم عن ابن مسعود وتقدم برقم 2 بهامش ص 11 .
(2) أخرجه مسلم عن ابن مسعود بلفظ : إذا زاد الرجل أو نقص ، فليسجد سجدتين ، وتقدم بصفحة 11 .
(3) أخرجه الجماعة عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : صلاة الليل مثنى مثنى انظر رقم 442 ص 308 ج2 دين طبعة ثانية .
(4) انظر ص 702 ج1 – مغنى ( النافلة كالفرض فى سجود السهو ) .(1/39)
كيفيته عند الحنفيين أن يسجد سجدتين بعد السلام الأول على ما اختاره الجمهور أو الثانى على ما صححه فى الهداية . ويكبر للسجود ويسبح فيه كتسبيح السجود للصلاة ندباً . وبعد السجدتين يتشهد وجوباً ، ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم ويدعو ندباً فى قعدة السهو على المختار ، لأن موضعهما آخر الصلاة وقيل يأتى بهما فى القعدتين احتياطاً ، ويسلم وجوباً " لحديث " أبى هريرة وابن مسعود رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : سجدتا السهو بعد التسليم وفيهما تشهد وسلام ، أخرجه الديلمى فى مسند الفردوس (1) {22}
(وروى ) أبو عبيدة أن عبد الله بن مسعود قال : السهو أن يقوم فى قعود أو يقعد فى قيام ، أو يسلم فى الركعتين . فإن يسلم ثم يسجد سجدتى السهو ويتشهد ويسلم . اخرجه الطحاوى(2) { 4 } .
(وقالت ) المالكية : كيفيته أن يسجد سجدتين كسجود الصلاة ثم يتشهد ندباً بلا دعاء ولا صلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى السجود البعدى ، وكذا فى القبلى على المشهور .
(
__________
(1) انظر رقم 4684 ص 102 ج4 فيض القدير .
(2) انظر ص 256 ج1 شرح معانى الآثار ( سجود السهو اقبل التسليم أم بعده ) .(1/40)
وقالت ) الحنبلية : يتشهد وجوباً فى البعدى ولا يتشهد فى القبلى ( قال ) الشيخ منصور بن إدريس : ومتى سجد للسهو بعد السلام ، كبر ثم سجد سجدتين كسجود صلب الصلاة . ثم جلس مفترشاً فى الثنائية ومتوركا فى غيرها فتشهد وجوبا التشهد الأخير ثم سلم . وهو قول جماعة منهم ابن مسعود " لحديث " عمران ابن حصين أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم . رواه أبو داود والترمذى وحسنة (1) { 23 } ولأنه سجود يسلم له فكان معه تشهد يعقبه كسجود الصلب وإن سجد قبل السلام ، سجد سجدتين بلا تشهد بعدهما إجماعا . وسجود سهو كسجود صلب الصلاة . وما يقول فيه وبعد الرفع منه كسجود صلب الصلاة ، لما تقدم فى حديث ابى هريرة فى قصة ذى اليدين : ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر (2) .
( وقالت ) الشافعية : سجود السهو سجدتان بينهما جلسة يفترش فيها ويتورك بعدهما ثم يسلم بلا تشهد ولو سجد بعد السلام على الصحيح . وصفه السجدتين فى الهيئة والذكر صفة سجدات الصلاة .
الفرع السادس لسجود السهو – تعدد سبب السجود :
إذا سها المصلى سهوين فأكثر ، كفاه سجدتان للجميع " لحديث " عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : سجدتا السهو فى الصلاة تجزئان من كل زيادة ونقصان . أخرجه أبو يعلى وابن عدى والبيهقى (3) { 24 } .
(
__________
(1) انظر ص 170 ج6 – المنهل العذب ( باب سجدتى السهو فيهما تشهد وتسليم ) وص 305 ج1 تحفة الأحوذى ( التشهد فى سجدتى السهو ).
(2) انظر ص 268 ج1 – كشاف القناع وحديث ابى هريرة تقدم رقم 405 ص 302 ج5 دين ( زيادة القول)
(3) انظر رقم 4683 ص 102 ج4 – فيض القدير وفيه تفرد به حكيم بن نافع الرقى ابو زرعة : ليس بشىء .(1/41)
وبهذا ) قال الأئمة الأربعة والجمهور ( فعند ) الحنفيين لا يتكرر سجود السهو بترك أكثر من واجب ، حتى لو ترك جميع واجبات الصلاة ساهياً ، لا يلزمه أكثر من سجدتى ، لعدم ورود الشرع بتكريره ، لكن تقدم أن المسبوق يتابع إمامه فى السجود . ثم إذا سها فى قضاء ما عليه فإنه يسجد ثانياً ، فقد تكرر السجود ( وأجاب ) فى البدائع بأن التكرير فى صلاة واحدة غير مشروع وهما صلاتان حكما وإن كانت التحريمة واحدة ، لأن المسبوق كالمنفرد فيما يقضى . ونظيره المقيم إذا اقتدى بالمسافر فيها الإمام يتابعه المقيم فى السهو وعلى تقدير سهوه فى إتمام صلاته يسجد فى أصح يسجد فى أصح الروايتين ، لكن لما كان منفرداً فى ذلك كان صلاتين حكما أ هـ .
( وقال )ابن قدامة فى المغنى : إذا سها سهوين أو أكثر من جنس . كفاه سجدتان للجميع . لا نعلم أحداً خالف فيه . وإن كان السهو من جنسين فكذلك حكاه ابن المنذر قولا لأحمد ، وهو قول أكثر أهل العلم منهم النخعى والثورى ومالك والليث والشافعى وأصحاب الرأى ، وذكر أبو بكر فيه وجهين أحدهما ما ذكرنا والثانى يسجد سجودين(1).
( وقال ) النووى فى المجموع : إذا اجتمع فى صلاته سهوان أو أكثر من نوع أو أنواع بزيادة أو بنقصان أو بهما ، كفاه للجميع سجدتان . ولا يجوز أكثر من سجدتين . ولا يكرر حقيقة السجود وقد تُكرر صورته فى مواضع .
(
__________
(1) انظر ص 696 ج1 مغنى ( سجود السهو لا يتعدد بتعدده ) .(1/42)
منها ) إذا سجد المسبوق وراء الإمام يعيده فى آخر صلاته على الصحيح ( ومنها ) لو سها الإمام فى صلاة الجمعة فسجد للسهو فخرج وقت الصلاة قبل السلام ، فالمشهور أنه يتمها ظهراً ويسجد للسهو ، لأن السجود الأول لم يقع فى آخر الصلاة ( ومنها ) لو ظن أنه سها فسجد للسهو ثم بأن قبل السلام أنه لم يسه فوجهان ( أصحهما ) يسجد ثانيا ، لأنه زاد سجدتين سهوا ( والثانى ) أنه لا يسجد بل يكون سجوده جابرا لنفسه ولغيره ( ومنها ) لو سها مسافر فى صلاة مقصورة فسجد ثم نوى الإتمام قبل السلام أو صار مقيما بانتهاء السفينة على وطنه ، وجب الإتمام ويعيد السجود ( ومنها ) لو سجد للسهو ثم سها قبل السلام بكلام أو غيره فوجهان ( أحدهما ) يعيده ، كما لو تكلم أو سلم بين سجدتى السهو أو فيهما ، فإنه لا يعيده بلا خلاف ، لأنه لا يؤمن من وقوع مثله فيتسلسل ( ومنها ) لو شك هل سها أم لا ؟ فقد سبق أنه لا يسجد ، فلو توهم أنه يقتضى السجود فسجد ، أمر بالسجود ثانيا لهذه الزيادة ( ومنها ) لو ظن أن سهوه لترك القنوت فسجد له ، فبان قبل السلام أنه لغيره فوجهان ( أحدهما ) يعيد السجود لأنه لم يجبر ما يحتاج إلى الجبر ( وأصحهما ) لا يعيده ، لأنه قصد جبر الخلل ( ولو ) سجد للسهو ثلاثا لم يسجد لهذا السهو ( ونقل ) العبدرى إجماع المسلمين على أنه إذا سها فى سجود السهو لم يسجد لهذا السهو . ولو شك هل سجد للسهو سجدة أو سجدتين ؟ فأخذ بالأقل فسجد أخرى فبان أنه كان سجد سجدتين ، لم يعد السجود أ هـ . ملخصا (1) .
(
__________
(1) انظر ص 141 ج4 شرح المهذب ( إن اجتمع سهوان أو أكثر كفاه للجميع سجدتان ) .(1/43)
وقال ) الأوزاعى : إذا كان السهوان من جنسين بأن كان أحدهما قبل السلام والآخر بعده ، سجد لكل سجدتين وإن كان السهو زيادة أو نقصاً كفاه سجدتان ( وقال ) ابن أبى ليلى : يتكرر السجود بتكرر سببه مطلقاً ولا يتداخل ( واستدلا ) بما تقدم عن ثوبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم . أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه(1) { 25 } ( ورد ) بأنه لا دليل فيه على تكرير السجود ، لأن المراد أن لكل سهو فى صلاة سجدتين والسهو وإن كثر فيها فهو داخل تحت لفظ السهو ، فالتقدير لكل صلاة فيها سهو سجدتان ، ولذا قال : لكل سهو سجدتان بعدما يسلم ولا يلزمه بعد السلام سجودان .
الفرع السابع لسجود السهو – تدارك السجود :
من كان عليه سجود سهو وسلم لا يريد السجود ، فعليه أن يسجد ما لم يتكلم أو يتحول عن القبلة ، لأن السلام ذكر فلا يقطع الصلاة ولو مع تذكر السهو ( وقيل ) التحول لا يمنع من السجود ما لم يخرج من المسجد أو يتكلم .
( ولو ) سلم ناسيا السهو ، لزمه السجود ما دام فى المسجد ولم يوجد منه منه مناف للصلاة . وإن كان فى غير المسجد فإن تذكر قبل مجاوزة الصفوف من خلفه أو يمينه أو يساره ، أتى بالسجود . وإن مشى أمامه فالأصح اعتبار موضع سجوده أو سترته إن كان له ستره . وإن وجد مناف للصلاة أو خرج من المسجد ونحوه مما تقدم ، سقط سجود السهو وأعاد الصلاة وجوبا وهذا مذهب الحنفيين ( وقالت ) المالكية : من ترك السجود البعدى عمدا أو سهوا ، لا تبطل صلاته ويأتى به متى ذكره ولو بعد سنين . ومن ترك السجود القبلى سهوا أو عمدا ، سجدة إن تذكره عن قرب ولم يخرج من المسجد . فإن لم يسجد وطال الفصل ، بطلت صلاته إن كان لترك ثلاث سنن سهوا . وإلا لا تبطل .
(
__________
(1) تقدم رقم 17 ص 36 ( محل سجود السهو ) .(1/44)
وحاصل ) مذهب الشافعية ما ذكره النووى فى المجموع بقوله : فإذا قلنا إنه ( يعنى سجود السهو ) قبل قبل السلام فسلم قبل السجود ، فإن سلم عامدا عالما السهو فوجهان ( أصحهما ) أنه فوت السجود ولا يسجد (والثانى) يسجد إن قرب الفصل وإلا فلا . فعلى هذا إذا سجد لا يكون عائدا إلى الصلاة ، وإن سلم ناسيا فإن طال الفصل فقولان : الحديد الأظهر لا يسجد . والقديم يسجد . وإن لم يطل الفصل وبداله أن لا يسجد ، فذاك والصلاة صحيحة وحصل التحلل بالسلام على الصحيح ، وإن أراد أن يسجد فالصحيح أنه يسجد " لحديث " ابن مسعود(1) فإن سجد فهل يكون عائدا إلى حكم الصلاة ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) يكون عائدا . وقيل لا يكون عائدا ( ويتفرع ) على الوجهين مسائل ( منها ) لو تكلم عامدا أو أحدث فى السجود بطلت صلاته على الوجه الأول دون الثانى ( ومنها ) لو كان السهو فى صلاة جمعة وخرج الوقت وهو فى السجود ، فاتت الجمعة على الوجه الأول دون الثانى ( ومنها ) ولو كان مسافراً يقصر الصلاة ونوى الإتمام فى السجود ، لزمه الإتمام على الوجه الأول دون الثانى ( ومنها ) هل يكبر للافتتاح ويتشهد ؟ إذا قلنا بالأول لا يكبر ولا يتشهد لكن يجب عليه إعادة السلام بعد السجود . وإن قلنا بالثانى كبر ولا يتشهد على الأصح ، لأنه لم يصح فيه عن النبى صلى الله عليه وسلم سىء أ هـ ملخصا(2).
(
__________
(1) أخرجه السبعة بلفظ : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر خمسا فقيل له : أزيد فى الصلاة ؟ قال وما ذاك ؟ قال صليت خمسا ، فسجد سجدتين بعد ما سلم وتقدم رقم 400 ص 298 ج5 دين ( القيام لزائدة ) .
(2) انظر ص 155 ح4 شرح المهذب ( تدارك سجود السهو ) .(1/45)
وحاصل ) مذهب الحنبلية أن ترك السجود الواجب القبلى عمدا يبطل الصلاة كترك غيره من الواجبات . ولا تبطل بترك السجود البعدى ، لأنه جبر للعبادة خارج عنها ، فلا تبطل بتركه كجبر الحج ، ولأنه واجب لها كالأذان . وفرق بين الواجب فى الصلاة والواجب لها ، لأن الأذان واجب للصلاة كالجماعة ولا تبطل بتركه . بخلاف الواجبات فى الصلاة إذا ترك المصلى منها شيئا . افاده الشيخ منصور بن إدريس(1).
( وإن نسى ) أن عله سجودا وسلم ثم ذكر ، كبر وسجد سجدتى السهو وتشهد وسلم ما دام فى المسجد وإن تكلم، لأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم سجد بعد السلام ( فقد ) قال ابن مسعود : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً فلما انفتل تشوش القوم بينهم فقال ما شأنكم ؟ قالوا : يار سول الله هل زيد فى الصلاة ؟ قال لا . قالوا فإنك قد صليت خمساً . فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم (الحديث) أخرجه مسلم (2) {26}
... ثم الكلام بعد هذا فى ثمانية أصول :
( الأول ) سجدة التلاوة
هى سجدة واحدة بين تكبيرتين يأتى بها القارىء والسامع آيه من آيات السجود الآتى بيانها .
( وهى ) مشروعه بالسنة وإجماع الأمة ( قال ) ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ السورة التى فيها السجدة فى غير صلاة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (3) { 27 } .
والكلام فيه ينحصر فى اثنى عشر فرعاً :
(1) سبب سجود التلاوة :
سببه التلاوة من عاقل مميز غير ممنوع من التلاوة فى حق التالى اتفاقا وكذا السامع على ما يأتى بيانه إن شاء الله تعالى .
(2) شرط السجود :
__________
(1) انظر ص 268 جـ1 – كشاف القناع قبل ( صلاة التطوع ) .
(2) انظر ص 65 حـ5 نووى مسلم ( السهو فى الصلاة والسجود له ) .
(3) انظر ص 177 ج2 تيسير الوصول ( سجود التلاوة ) .(1/46)
يشترط لصحته ما يشترط لصحة الصلاة ما عدا التحريمة ونية تعيين أنها سجدة آية كذا عند الجمهور ، لأن سجود التلاوة كسجود الصلاة فيشترط له ما يشترط للصلاة .
( قال ) النووى فى المجموع : حكم سجود التلاوة فى الشروط حكم صلاة النفل فيشترط فيه طهارة الحدث والطهارة عن النجس فى البدن والثوب والمكان ، وستر العورة واستقبال القبلة ودخول وقت السجود ، بأن يكون قد قرأ الآية أو سمعها . فلو سجد قبل انتهاء آية السجدة ولو بحرف واحد لم يجز(1).
( وقال ) الإمام أبو بكر بن مسعود الكاسانى فى البدائع " كل ما هو " شرط جواز الصلاة من طهارة الحدث وهى الوضوء والغسل ، وطهارة النجس وهى طهارة البدن والثوب ومكان السجود والقيام والقعود " فهو شرط" جواز السجدة ( أى سجدة التلاوة ) لأنها جزء من أجزاء الصلاة فكانت معتبرة بسجدات الصلاة . ولهذا لا يجوز أداؤها بالتيمم إلا ألا نجد ثمة ماء أو يكون مريضا . وكذا لا يجوز أداؤها إلا إلى القبلة حال الاختيار إذا تلاها على الأرض ولا يجزيه الإيماء كما فى سجدات الصلاة . فإن اشتبهت عليه القبلة فتحرى وسجد إلى جهة فأخطأ القبلة أجزأه ، لأن الصلاة بالتحرى إلى غير جهة القبلة جائزة فالسجدة أولى .
( ولو تلاها ) على الراحلة وهو مسافر أو تلاها على الأرض وهو مريض لا يستطيع السجود ، أجزأه الإيماء، لأن التلاوة أمر دائم بمنزلة التطوع فكان فى اشتراط النزول حرج بخلاف الفرض والنذر .
(
__________
(1) انظر ص 63 ج4 شرح المهذب ( شروط سجود التلاوة ) .(1/47)
وما وجب ) من السجدة فى الأرض لا يجوز على الدابة ، وما وجب على الدابة يجوز على الأرض ، لأن ما وجب على الأرض وجب تاماً فلا يسقط بالإيماء الذى هو بعض السجود . فأما ما وجب على الدابة وجب بالإيماء ، لما روى عن على رضى الله عنه أنه تلا سجدة وهو راكب فأومأ بها إيماء ، وروى عن ابن عمر أنه سئل عمن سمع سجدة وهو راكب قال : فليوم إيماء . وإذا وجب الإيماء : فإذا نزل وأداها على الأرض ، فقد أداها تامة فكانت أولى بالجواز ولو تلاها على الدابة فنزل ثم ركب فأداها بالإيماء جاز .
( كذا ) يشترط لها ستر العورة لما قلنا . ويشترط النية لأنها عبادة فلا تصح بدون النية . وكذا الوقت حتى لو تلاها أو سمعها فى وقت غير مكروه فأداها فى وقت مكروه ولا تجزئه ، لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص كالصلاة . ولو تلاها فى وقت مكروه وسجدها فيه أجزأه ، لأنه أداها كما وجبت . وإن لم يسجدها فى ذلك الوقت مكروه وسجدها فى وقت أخر مكروه ، جاز أيضاً ، لأنه أداها كما وجبت ، لأنها وجبت ناقصة وأداها ناقصة كما فى الصلاة إلا أنه لا يشترط لها التحريمة عندنا ، لأنها لتوحيد الأفعال المختلفة ولم توجد وكذلك كل ما يفسد الصلاة عندنا من الحدث والعمل والكلام والقهقهة فهو مفسد لها وعليه إعادتها كما لو وجدت فى سجدة الصلاة (1) .
(
__________
(1) انظر ص 186 ج1 – بدائع الصنائع ( شرائط جواز سجدة التلاوة ) .(1/48)
وقال ) أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى : يشترط للسجود ما يشترط لصلاة النافلة من الطهارتين من الحدث والنجس ، وستر العورة واستقبال القبلة والنية ، ولا نعلم فيه خلافا إلا ما روى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه فى الحائض تسمع السجدة تومىء برأسها ( وبه ) قال سعيد بن المسيب قال : ويقول : اللهم لك سجدت ( وعن ) الشعبى فيمن سمع السجدة على غير وضوء يسجد حيث كان وجهه ( ولنا) قول النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لا يقبل الله صلاة بغير طهور (1) { 28 } فيدخل فى عمومه السجود ، ولأنه صلاة فيشترط له ذلك كذات الركوع(2) ( ثم قال ) ولا يسجد فى الأوقات التى لا يجوز أن يصلى فيها تطوعا . وقد سئل أحمد عمن قرأ سجود القرآن بعد الفجر وبعد العصر أيسجد ؟ قال لا ( وبهذا ) قال أبو ثور . وروى ذلك عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وإسحاق . وكره مالك قراءة السجدة وقت النهى . وعن أحمد رواية أخرى أنه يسجد ( وبه ) قال الشافعى . وروى ذلم عن الحسن والشعبى وسالم والقاسم وعطاء وعكرمة . ورخص فيه أصحاب الرأى قبل الشمس ( ولنا ) عموم قوله عليه الصلاة والسلام : لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس (3) { 29 } وروى أبو داود عن أبى تميمة الهجيمى قال : كنت أقص بعد صلاة الصبح فأسجد فنهانى ابن عمر فلم أنته ثلاث مرار .
__________
(1) هو صدر حديث أخرجه السبعة إلا البخارى عن ابن عمر وتقدم رقم 261 ص 268 ج1 – دين ( الطهارة للصلاة ) .
(2) انظر ص 654 ج1 – مغنى ( الطهارة والتكبير لسجود التلاوة ) .
(3) أخرجه أحمد والشيخان عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس وتقدم رقم 44 ص 28 ج2 دين ( الأوقات المنهى عن الصلاة فيها ) .(1/49)
ثم عاد فقال : إنى صليت خلف النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومع أبى بكر وعمر وعثمان فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس أهـ (1) { 30 }
( وقال ) القرطبى فى تفسيره : وأما وقته فقيل يسجد سائر الأوقات مطلقاً لأنها صلاة لسبب . وهو قول للشافعى وجماعة ( وقيل ) ما لم يسفر الصبح أو ما لم تصفر الشمس بعد العصر ( وقيل ) ولا يسجد بعد الصبح ولا بعد العصر ( وقيل ) يسجد بعد الصبح ولا يسجد بعد العصر . وهذه الثلاثة الأقوال فى مذهبنا ( أى المالكية ) وسبب الخلاف " معارضة " ما يقتضيه سبب قراءة السجدة من السجود المرتب عليها " لعموم " النهى عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح واختلافهم فى المعنى الذى لأجله نهى عن الصلاة فى هذين الوقتين(2).
( وقال ) الشافعى : لا يكره سجود التلاوة فى أوقات النهى عن الصلاة ، وبه قال سالم بن عمر والقاسم بن محمد وعطاء والشعبى وعكرمة وحسن البصرى ومالك فى وراية .
( وقالت ) طائفة : يكره ( منهم ) ابن عمر وابن المسيب ومالك فى رواية .
( وقال ) الشعبى : لا تشترط الطهارة ورجحه بعضهم .
( قال ) العلامة الصنعانى فى سبل السلام : الأصل أنه لا تشترط الطهارة إلا بدليل ، وأدلة وجوب الطهارة وردت للصلاة . والسجدة لا تسمى صلاة . فالدليل على من اشترط ذلك(3) وقال العلامة الشوكانى : ليس فى أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضئاً .
وقد كان يسجد معه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حضر تلاوته ولم ينقل أنه أمر أحداً منهم بالوضوء ، ويبعد أن يكونوا جميعاً متوضئين .
(
__________
(1) انظر ص 656 ج1 مغنى ( سجود التلاوة فى أوقات الكراهة ) والحديث ص 38 ج8 – المنهل العذب ( من يقرأ السجدة بعد الصبح ) .
(2) أنظر ص 358 ج7 – الجامع لأحكام القرآن ( الخامسة وقت سجود التلاوة ) .
(3) انظر ص 294 ج1 سبل السلام ( هل يشترط لسجود التلاوة ما يشترط للصلاة ) .(1/50)
وقد وروى ) البخارى أن ابن عمر كان يسجد على غيره وضوء " أما ما رواه " البيهقى عنه بإسناد صحيح أنه قال : لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر " فيجمع " بينهما بأنه محمول على الطهارة الكبرى أو على حالة الاختبار . والأول على الضرورة أ هـ بتصرف (1) .
(3) ركن السجود :
ركنه وضع الجبهة على الأرض كسجود الصلاة أو ما يقوم مقامه كالإيماء للمريض والتالى على الدابة . وهل يقوم مقامه ركوعه الصلاة وسجودهما ؟ ( قال ) الحنفيون : يقومان مقامه إن نوى بركوع الصلاة سجود التلاوة ، وكان على الفور من قراءة آية أو آيتين . ويقوم السجود مقامه وإن لم ينوه مستدلين بقوله تعالى : وخر راكعاً وأناب (2) ( وعن ) أبى حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال : " إذا قرأت " سورة فيها سجدة بين السجدة والخاتمة آية أو آيتان ، مثل بنى إسرائيل (3) والأعراف والنجم وإذا السماء انشقت " فأنت " بالخيار ، إن شئت ركعت بها وأجزأتك . وإن شئت سجدت بها وقمت فقرأت غيرها ثم ركعت وإن صلت بها سورة فلابد أن تسجد بها . أخرجه أبو يوسف فى الآثار(4) (5) ولأن المقصود الخضوع .
( وقال ) الجمهور : لا يقوم ركوع الصلاة وسجودهما مقام سجود التلاوة فى حال الاختيار قياساً على سجود الصلاة ( وأجابوا ) على الآية بأن هذا شرع من قبلنا . فإن سلمنا أنه شرع لنا . حملنا الركوع هنا على السجود كما اتفق عليه المفسرون ، وأما قولهم : المقصود الخضوع فجوا به أن الركوع ليس فيه من الخضوع ما فى السجود . فأما العاجز عن السجود فيومىء به كما فى سجود الصلاة . أفاده النووى(5).
(4) حكم السجود :
__________
(1) انظر ص 127 ج3 نيل الأوطار ( فائدة فى بيان أن الطهارة لا تعتبر لسجود التلاوة ) .
(2) سورة ص عجز آية 24 وصدرها قال : لقد ظلمك بسؤال نعجتك .
(3) هى سورة الإسراء .
(4) انظر رقم 117 ص 24 الاثار ( سجود التلاوة ) .
(5) انظر ص 72 ج4 شرح المهذب ( السابعة من مسائل سجود التلاوة ) .(1/51)
هو سنة " لقول " زيد بن ثابت : قرأت على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم النجم فلم يسجد . أخرجه البيهقى والدار قطنى والسبعة إلا ابن ماجه (1) { 31 } فلو كان السجود واجباً ما تركه النبى صلى الله عليه وسلم " وعن ربيعه بن عبد الله " أنه حضر عمر رضى الله عنه وقرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل حتى إذا جاء السجدة فنزل وسجد وسجد الناس ، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأها حتى إذا جاء السجدة قال : أيها الناس إنا لم نؤمر بالسجود ، فمن سجد فقد أصاب . ومن لم يسجد فلا إثم عليه . أخرجه مالك والبخارى والبيهقى ( وفى ) رواية للبخارى : إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء (2) { 6 }
( وعن ) عطاء بن يسار أن رجلا قرأ عند النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم السجدة فسجد ، فسجد النبى صلى الله عليه وسلم . ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله: قرأ فلان عندك السجدة فسجدت . وقرأت فلم تسجد ؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم : كنت إمامنا فلو سجدتَ سجدتُ . أخرجه الشافعى فى مسنده مرسلا وأبو داود فى المراسيل والبيهقى وقال : ورواه قرة عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة موصولا وقرة ضعيف(3). { 32 }
(وجه) الدلالة أن سجود التلاوة لو كان واجبا ، لأمر النبى صلى الله عليه وسلم القارىء بالسجود وسجد معه ولم يتركه .
(
__________
(1) انظر ص 324 ج3 سنن البيهقى ( لا يسجد المستمع إذا لم يسجد القارىء ) وص 183 ج5 مسند أحمد ، وص 178 ج2 تيسير الوصول (تفصيل سجود القرآن )
(2) انظر ص 177 منه ( سجود التلاوة ) وص 321 ج2 سنن البيهقى ( من لم ير وجوب سجدة التلاوة ) .
(3) انظر ص 102 ج1 بدائع المنن ( سجود التلاوة ) وص 324 ج2 البيهقى ( من قال لا يسجد المستمع إذا لم يسجد القارىء ) .(1/52)
وبهذا ) قال الجمهور منهم عمر بن الخطاب وسلمان الفارسى وابن عباس وعمران بن حصين ومالك والشافعى والأوزاعى وأحمد وإسحاق .
( وقال ) الحنفيون : سجود التلاوة واجب على التراخى فى غير الصلاة أما فيها فعلى الفور لصيرورته جزءا منها ن ولذا قالوا : إذا قالوا : إذا قرأ آية السجدة فى الصلاة ولم يركع ولم يسجد حتى طالت القراءة ثم ركع ونوى السجدة ، لم تكف . وكذا لو نواها فى السجدة الصلبية . ولا تقضى خارج الصلاة ، ويكون تاركها آثما . والدليل على وجوبه ( حديث ) ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا قرأ ابن آدم السحدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة . وأمرت بالسجود فعصيت فلى النار . أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والبيهقى (1) { 33 }
( وجه ) الدلالة أن الحكيم إذا حكى عن غيره كلاما ولم ينكره ، كان دليل الصحة . وهذا ظاهر فى الوجوب ( ويدل ) عليه أيضاً آيات السجود ، لأنها ثلاثة أقسام : قسم فيه الأمر الصريح ، وقسم فيه حكاية سجود الأنبياء . وقسم فيه حكاية استنكاف الكفرة من السجود حيث أمروا به . وكل من امتثال الأمر والاقتداء بالأنبياء ومخالفة الكفرة واجب .
(أقول) لا خلاف فى الواقع بين الجمهور والحنفيين ، لأن الواجب عندهم بمنزلة السنة المؤكدة عند غيرهم
(5) آيات السجود :
يطلب سجود التلاوة فى خمسة عشر موضعاً من القرآن ( أربعة ) فى النصف الأول وهى
(
__________
(1) انظر ص 177 ج2 تيسير الوصول ( سجود التلاوة ) ورقم 791 ص 415 ج1 فيض القدير .(1/53)
أ) فى آخر الأعراف عقب قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ } (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 206 }
(ب) وفى الرعد عقب قوله تعالى : { وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ } (2) { 15 }
(ج) وفى النحل عند الحنفيين عقب قوله تعالى : { وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } (3) { 49 }
(
__________
(1) إن الذين عند ربك ) يعنى الملائكة ، والعندية عنديه مكانة لا مكان ، أو المراد عند عرش ربك ( لا يستكبرون عن عبادته ) أى لا يتكبرون عن طاعته ( ويسبحونه ) أى يعتقدون تنزيهه عما لا يليق به ( وله يسجدون ) أى يخصونه بالخضوع والتذلل له . فكونوا مثلهم ، وخص السجود لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد .
(2) الغدو ، أول النهار ، والآصال جمع أصل بضمتين وهو جمع أصيل ، وهو من بعد العصر إلى الغروب ، والمراد جميع الأوقات إن أريد بالسجود الخضوع والانقياد وأوقات الصلاة إن أريد حقيقته ، والظلال جمع ظل ، وهو يسجد حقيقة أو يخضع تبعا لصاحبه ، وسجودها كلها طوعا، لخلوها عن النفس التى تحمل الإنسان على عدم الرضا ، وكذلك سجود الملائكة وغير العاقل والإنس والجن المؤمنين العارفين بربهم المسلمين لأحكامه ، وأما المنافق والجاهل بربه ، فسجوده وخضوعه كرها بمعنى أن المقادير تجرى عليه رغم انفه .
(3) المعنى لله – دون غيره – يخضع كل مخلوق فى السموات والأرض طوعا وكرها على ما تقدم ، ولا يستكبرون عن عبادته ولا يتركونها ، وخص الملائكة بالذكر تشريفا وتظيما لهم .(1/54)
وقال) غيرهم : السجود يكون عقب قوله تعالى { يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } (1) { 50 }
(د) وفى الإسراء عقب قوله تعالى : { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ ، إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً {107} وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً {108} وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً } {109} (2)
( وستة ) فى الربع الثالث من القرآن وهى :
__________
(1) أى أن كل ما ذكر يخافون الله حال كونه مستعليا عليهم وقاهراً لهم، فالمراد بالفوقية الاستعلاء والقهر،لا الجهة لأنها مستحيلة على الله تعالى .
(2) قل : خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم ، أى قل للكفار : إن إيمانكم لا يزيد القرآن كمالا ، وكفركم لا يورثه نقصا ، لأنكم إن تؤمنوا بالقرآن فقد آمن به من هو خير منكم ، وهم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسى والنجاشى وإذا تلى عليهم يذلون ويخضعون ساجدين لله على إنجاز وعده الذى وعدهم به أنه يرسل محمدا صلى الله عليه وسلم وينزل عليه القرآن ، ويقولون فى سجودهم : ربنا تنزيها لك عن خلف الوعد إن وعد ربنا بنزول القرآن وبعثه النبى صلى الله عليه وسلم لمحقق ومنجز ويبكون فى سجودهم ويزيدهم البكاء خشوعا وتواضعا لله تعالى .(1/55)
... ( أ ) فى سورة مريم عقب قوله تعالى : { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً } (1) { 58 }
(
__________
(1) أولئك ، أى الأنبياء المذكورون فى هذه السورة – وهم : زكريا ، ويحيى ، وعيسى ، وابراهيم ، واسحاق ، ويعقوب ، وموسى ، وهارون ، وإسماعيل ، وإدريس عليهم الصلاة والسلام – قد أنعم الله عليهم بالنبوه والصدق وقوة الحجة ، وأن منهم من هو من ذرية آدم ، وهو إدريس ، ومن ذرية من كان مع نوح فى السفينة ، وهو إبراهيم فإنه ابن ابنه سام ، ومن ذرية إبراهيم وهو إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، ومن ذرية إسرائيل يعنى يعقوب ، وهو موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى ، وأنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن سجدوا وبكوا خضوعا وخشوعا .(1/56)
ب) الأولى من سورة الحج عقب قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } (1) { 18 }
(
__________
(1) المراد بسجود الشمس والقمر ونحوهما ، خضوعها لله بما يريده منها ، وقيل المراد به السجود الحقيقى ( فقد قال ) أبو العالية : ما فى السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع لله ساجدا حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يأذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه ، ذكره ابن كثير{ 7 } انظر ص 562 ج5 – الحج آية 18 ( وعن ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كتبت عنده سورة والنجم ، فلما بلغ السجدة سجد وسجدنا معه وسجدت الدواة والقلم ، أخرجه البراز بسند رجاله ثقات { 34 } انظر ص 285 ج2 مجمع الزوائد ( باب ثالث منه ) ( وعن ) أبى ذر قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم لأبىذر حين غربت الشمس : أتدرى أين تذهب ؟ قلت الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها . ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، فيقال لها ارجعى من حيث جئت حتى تطلع من مغربها ( الحديث ) أخرجه البخارى { 35 } انظر ص 188 ج6 فتح البارى ( صفة الشمس والقمر . بدء الخلق )
( وقيل ) المراد بسجود الجبال والشجر ك فى ظلالها عن اليمين والشمال . وسيأتى ما يدل على سجود الشجر حقيقة ، والمراد بمن حق عليه كلمة العذاب الكفار لامتناعهم من السجود المتوقف على الإيمان .(1/57)
جـ) الثانية من سورة الحج عقب قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (1) { 77 }
(د) وفى سورة الفرقان عقب قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً } (2) { 60 }
(
__________
(1) المعنى اركعوا واسجدوا فى الصلاة ، أوصلوا ن وعبر بالركوع والسجود عن الصلاة ، لأنهما أعظم أركانها فالمراد سجود الصلاة لا التلاوة وبه قال الحنفيون والمالكية
(2) المعنى إذا قال النبى صلى الله عليه وسلم لكفار مكه وعبدة الأصنام ، اعبدوا الرحمن الذى أوجدكم من العدم ورباكم على موائد الكرم ، قالوا: لا نعرف الرحمن . وكانوا ينكرون أن يسمى الله باسم الرحمن ( أنسجد لما تأمرنا ) استفهام إنكارى ، أى لا نسجد للرحمن الذى تأمرنا بعبادته لمجرد قولك يا محمد ( وزادهم ) هذا القول ( نفورا ) عن الإيمان ، فأما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الرحمن الرحيم ويسجدون له دون سواه .(1/58)
هـ) وفى سورة النمل عند الحنفيين عقب قوله تعالى: { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ(1) {24} أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } (2) { 25 }
( وقال ) غيرهم بسجد عقب قوله تعالى : { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } (3) { 26 }
(
__________
(1) هو من كلام الهدهد يصف عباد الشمس فقال : ( وزين لهم الشيطان ) حسن ( أعمالهم ) القبيحة ( فصدهم عن السبيل ) سبيل التوحيد والهداية الذى جاء به الأنبياء والرسل ( فهم لا يهتدون ) إلى الحق .
(2) ألا يسجدوا) بتشديد ألا ، معمول لزين ، أى فزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا ، وقيل منصوب بصد ، أى فصدهم عن السبيل لئلا يسجدوا ، فحذف الجار وأدغمت النون فى اللام ، وقيل إن ( لا) زائدة ، والمعنى فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا .
(3) الله لا اله إلا هو رب العرش العظيم ) أى هو المستحق للعبادة دون غيره ( ولما ) كان الهدهد داعيا إلى الخير وعبادة الله تعالى وحده والسجود له دون غيره ، نهى عن قتله ( فعن) ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب : النملة والنحلة والهدهد والصرد ، أخرجه أحمد وابو داود وابن ماجه بسند صحيح ]37[ انظر ص 294 ج8 نبل الأوطار ( باب ما استفيد تحريم قتله ) .
( والمراد) النمل الكبير ذو الرجل الطوال ، لأنه قليل الأذى ، أما النمل الصغير فقتله جائز ، وكره مالك قتل النمل مطلقا إلا أن يضر ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل .
والصرد كعمر ، طائر ضخم الرأس والمنقار له ريش عظيم نصفه أبيض ونصفه أسود ، ونهى عن قتله لحومه أكله وكذا الهدهد ، لأنه منتن الريح فصار فى معنى الجلالة ، وتمامه فى النهاية .(1/59)
و) وفى سورة السجدة عقب قوله تعالى : { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } (1) { 15 }
( وخمسة ) فى الربع الرابع من القرآن وهى :
(
__________
(1) نزلت هذه الآية تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم لحزنه على بقاء من كفر على كفره ن فكأن الله يقول له : لا تحزن عليهم فإن أهل الإيمان جبلوا على الاتعاظ بالقرآن ، والكفار جبلوا على عدم الاتعاظ به ( فريق فى الجنة وفريق فى السعير ) فهى مستأنفه لبيان من يستحق الهداية ‘إلى الإيمان ومن لا يستحقها . والمعنى : إنما لا غيرهم ممن لا يوعظ بها ولا يتذكر ولا يؤمن بها ، ومعنى ( خروا سجدا ) سقطوا ) على وجوهمم ساجدين تعظيما لايات الله وخوفا من عقابه ، أو المعنى اتعظوا بالآيات = واستمعوا لها واعملوا بمقتضاها ، وخص السجود بالذكر ، لانه غاية الذل والخضوع وهو لا يكون إلا لله 0 وسبحوا بحمد ربهم ) أى اعتقدوا أنه سبحانه وتعالى منزه عن كل ما يليف بجلاله وكماله ، متلبسين بحمده على ما أولاهم من النعم التى أجلها وأكملها الهداية إلى الإيمان ، والمعنى أنهم جمعوا فى سجودهم بين التنزيه والحمد بقولهم : سبحان الله والحمد لله أو سبحان وبحمده ، أو سبحان ربى الأعلى وبحمده ، أو المعنى صلوا حامدين لربهم ( وهم لا يستكبرون ) أىلا يتكبرون عن طاعة الله تعالى والانقياد لأوامره ولا يأنفون من العمل بها كما يفعله جهلة الكفرة الفجرة قال تعالى : إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين (وقال) ابن عباس : نزلت هذه الآية فى شأن الصلوات الخمس ( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا ) أى أتوها ( وسبحوا ) أى صلوا بامر ربهم ( وهم لا يستكبرون ) عن إتيان الصلاة فى الجماعات أخرجه البيهقى فى الشعب (8) انظر ص 246 ج4 فتح القدير للشوكانى (تفسير سورة السجدة ) .(1/60)
1) فى سورة ص عند الجمهور عقب قوله تعالى : { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } (1) {
__________
(1) نزلت هذه الاية فى قصة سيدنا داود عليه الصلاة والسلام مع الخصمين ( وحاصلها ) أن جماعة من بنى إسرائيل ارادوا قتل سيدنا داود عليه السلام ، وكان له يوم يخلو فيه بنفسه ويشتغل بطاعة ربه ، فانتهزوا الفرصة فى ضلك وتسوروا المحراب أى تصعدوا محل عبادته من السور ، فلما رآهما دخلا عليه لا من الطريق المعتاد ، علم أنهم ارادوا به الشر ( ففزع منهم ، قالوا لا تخف خصمان ) أى نحن خصمان ( بغى بعضنا على بعض ) أى بغى أحدنا على الآخر ، ثم قرروا مقصدوهم بثلاث عبارات متلازمة ، الأولى ( فاحكم بيننا بالحق ) أى بالعدل ن والثانية ( ولا تشطط ) أى لا تبعد عن الحق من الإشطاط وهو والشط ، البعد ، والثالثة ( واهدنا إلى سواء الصراط ) أى ارشدنا إلى الصواب ، ثم فصلا الخصومة فقال احدهما مشيرا إلى الاخر ( إن هذا أخى ) فى الدين أو النسب أو الصحبة أو الخلطة ( له تسع وتسعون نعجة ) وهى الأنثى من الضأن وتطلق على بقر الوحش ( ولى نعجة واحدة فقال = أكفليها ) أى ملكنيها فاكفلها وأضمها إلى ما تحت يدى ( وعزنى فى الخطاب ) أى غلبنى فى المخاطبة ، لأنه كان أفصح منى وذا قوة وبطش ، واقره المدعى عليه على ذلك ( قال ) داود عليه السلام ) ( لقد ظلمك بسؤال نعجتك) ليضمها ( الى نعاجه ، وإن كثيرا من الخلطاء ) أى الشركاء الذين خلطوا أموالهم ( ليبغى) أى يتعدى ( بعضهم على بعض ) ويظلمه غير مراع حق الآخر ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فإنهم يتحاشون ذلك ولا يظلمون خليطا ولا غيره ( وقليل ما هم ) أى وهم قليل ، فما زائدة للتوكيد ، وقليل خبر مقدم ، وهم مبتدأ مؤخر " وقيب " ما موصولة ، أى وقليل الخلطاء اسوة ( وظن ) أى أيقن ( داود أنما فتناه ) أى ابتليناه ..وذلك أنهم لما دخلوا عليه قاصدين قتله ، وكان ذا سلطان وقوة شديدة وقد فزع منهم ثم عفا عنهم ، فدخل قلبه شىء من العجب ن فجعله على الابتلاء ( فاستغفر ربه ) أى طلب منه المغفرة من هذه الحالة ( وخر راكعا ) أى ساجدا أو ركع أولا ثم سجد ( وأناب ) أى رجع الى الله تعالى واعترف بأن عفوه مع القدرة لم يكن الابتوفيق الله تعالى .(1/61)
24 }
( وقال ) الحنفيون : السجود عقب قوله تعالى : { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ } {25} (1)
__________
(1) فغفر له ذلك ) الخاطر . ويحتمل أنه هم بإيذائهم ثم تذكر انه لم يقم عنده دليل على انهم قصدوا به سواء فعفا عنهم ، ثم استغفر ربه من ظنه بهم الشر ( وإن له عندنا لزلفى ) أى زيادة خير فى الدنيا ( وحسن مآب ) أى كمال من الانس وكانت الخصومة على غنم كانت بينهما ـ او كانت الخلطة خلطة الصداقة أو الجوار ،وكان احدهماموسرا له غنم كثيرة والآخر معسرا له نعجة واحدة " ولا يرد " عليه أن داود كان ارفع منزلة من أن يتسور عليه بعض آحاد الرعية فى حال تفرغه للعبادة او يتجاسروا عليه بقوله : لا تخف ولا تشطط " لأن هذا " استبعاد محض لا مانع من حصوله " ولا يقال " كيف سارع داود عليه السلام الى تصديق أحد الخصمين على ظلم اللاخر له قبل استماع كلامه " لأنا نقول ط إنه ما حكم إلا بعد اعتراف صاحبه وإن لم يذكر فى القرآن اكتفاء بعلمه ( قال ) العلامة النيسابورى فى تفسيره : ومما ييد هذا القول = ختم ذكر الواقعة بقوله ( وإن له عندنا لزلفى وحسن مىب ) والزلفى القربة ، والمأب الحسن ، الجنة أ هـ .
(
وهذا ) هو الذى بنفق وسياق القرىن ومنزلة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، " وأما " ما قيل من أنه أرسل أوريا ط بضم الهمزة وسكون الراء " إلى الجهاد مرارا وأمر أن يقدم حتى قتل ، ليتزوج أمراته " فكذب " وبهتان لا يليق فى حق أى مؤمن فضلا عن نبى رسول مدحه رب العالمين بقوله : واذكر عبدنا داود ذا الإيد إنه أواب * إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق * والطير محشورة كل له أواب * وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ( قال ) الفخر الرازى : والذى أدين الله به وأذهب إليه أن ذلك باطل لودوه ( منها ) أن هذه الحكاية لا تناسب داود، لأنها لو نسيت إلى افسق الناس واشدهم فجورا لا نتفى منها والذى نقل هذه القصة لو نسب إلى مثل هذا العمل ، لبالغ فى تنزيه نفسه وربما لعن من نسبه إليها ، فكيف يليق بالعاقل مسبة المعصية إلى داود عليه السلام ( ومنها أن الله تعالى وصف داود عليه السلام بصفات تنافى صدور هذا الفعل منه ( فقد ) امر النبى صلى الله عليه وسلم أن يقتدى بداود فى الصبر على المكاره فقال : اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب ط فلو قلنا " إن داود عليه السلام لم يصبر على مخالفة النفس بل سعى فى غراقة دم عبد مسلم لغرض شهوته " فكيف " يليق باحكم الحاكمين أن يأمر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بداود فى الصبر ( ووصفه) بكونه عبد له والمقصود من هذا الوصف بيان كون الموصوف كاملا فى وصف العبودية حيث تخلى عن المحظورات وابتعد عن الشهوات وامتثل المامورات . ولو قلنا بما قالوا ما كان داود كاملا إلا فى طاعة الهوى والشهوة ( ووصفه ) الله بقوله ( ذا الايد ) أى صاحب القوة فى الدين ، لأن القوة الكاملة فى اجتناب المحظورات وأداء الواجبات. وأى قوة لمن لم يملك نفسه عن قتل المسلم لرغبة فى زوجته(ووصفه) بكونه (أوابا) أى كثير الرجوع إلى الله تعالى ن فكيف يوصف بهذا من قلبه مشغول بالفسق والفجور ، كالرغبة فى قتل المسلم ليتزوج أمراته أ هـ ملخصا
( وعلى الجملة ) فقد أثنى الله على داود عليه السلام قبل هذه القصة وبعدها . وهو = دليل صريح على بطلان ما نسبوه إليه وهو شنيع ، فكيف يتوهم عاقل ان يقع بين مدحين ذم . ولو وقع ذلك فى كلام بعض الناس لاستهجنه العقلاء ، فكيف بكلام الله تعالى ( وقال ) ابن كثير فى تفسيره : قد ذكر المفسرون هاهنا أكثرها مأخوذة من الإسرائيليات ، ولم يثبت فيها عن المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديث يجب اتباعه ، فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله ن فإن القرآن حق وما تضمنته فهو حق ايضا أ هـ بحذف(1/62)
( ب) وفى سورة فصلت عقب قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } (1){ 37 }
( وهذا ) مذهب المالكية والليث بن سعد وبعض الشافعية والحسن البصرى وإبراهيم النخعى ( وروى ) عن عمر وابن مسعود وابن عمر كما أخرجه ابن سعد وابن أبى شيبه من طريق نافع .
(
__________
(1) سيقت هذه الاية لبيان بعض الايات الدالة على كمال قدرته تعالى وإحاطة علمه وقوة تصرفه وأنه الواحد القهار الفعال لما يريد ، وللرد على من عبدوا غيره كالشمس والقمر . قال ( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ) أى أنه خلق الليل بظلامه والنهار بضيائه ، وهما متعاقبان لا يسبق أحدهما الآخر ، والشمس وإشراقها ، والقمر وضياءه ، وقدر منازلهما ومسيرهما " كل فى فلك يسبحون " ثم نهاهم عن عبادتهم فقال ( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ) لأنهما مخلوقان من مخلوقاته تحت قهره وتسخيره ( واسجدوا الله الذى خلقهن ) أى خلق الربعة المذكورة وغيرها ( إن كنتم إياه تعبدون ) كان قوم يسجدون للشمس والقمر والكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لها السجود لله ، فنهوا عن ذلك وعن أن يشركوا به غيره فى العبادة والسجود ، فإنه لا تنفعهم عبادتهم لله مع عبادتهم لغيره ، فغنه لا يغفر ان يشرك به . ولذا قال سبحانه ( فإن استكبروا ) أى تكبروا عن إفراد الله بالعبادة وابوا إلا أن يشركوا معه غيره ( فالذين عند ربك ) يعى الملائكة والعندية عندية مكانه وشرف لا مكان ( يسبحون ) أى يصلون . له بالليل والنهار وهم لا يسئمون ) أى لا يملون ولا يفترون عن عبادته(1/63)
وقال ) الحنفيون وأكثر الشافعية والحنبليون والثورى وإسحاق : يسجد عقب قوله تعالى : { فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } { 38 }
( وروى ) عن ابن عباس وسعيد بن المسيب وابن سيرين .
( قال ) النووى فى المجموع : سجدة حم السجدة فيها وجهان لأصحابنا (أصحهما) عند يسأمون . وبه قطع الأكثرون (والثانى) أنها عند قوله تعالى { إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } . ( وحكى ) ابن المنذر هذا المذهب عن عمر بن الخطاب والحسن البصرى وزيد بن الحارث ومالك والليث رضى الله عنهم.
( وحكى ) الأول عن ابن المسيب وابن سيرين أيضا والثورى وإسحاق وهو مذهب أبى حنيفة وأحمد(1).
(جـ) وفى سورة النجم عقب قوله تعالى : { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ {61} فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا } (2) { 62 }
(
__________
(1) انظر ص 60 ج 4 شرح المهذب ( باب سجود التلاوة ) .
(2) المعنى أتعجبون أيها الكفار من أن يكون هذا القرآن صحيحا منزلا من عند الله ( وتضحكون ) منه استهزاء وسخرية ( ولا تبكون ) لسماع وعده ووعيده كما يفعل المؤمنون قال الله تعالى : وإذا اتتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا . مريم : (58) زقال : ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا الإسراء : (109) ، (وأنتم سامدون) أى لاهون معرضون غافلون عما يطلي منكم (فاسجدوا لله واعبدوا) أى اخضعوا له وأخلصوا له فى العبادة ووحدوه . هذا والمراد بالسجود سجود الصلاة عند مالك وسجود التلاوة عند غيره كما سيأتى بعد إن شاء الله .(1/64)
د) وفى سورة الإنشقاق عقب قوله تعالى : { فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ } (1) { 21 }
(هـ) وفى سورة اقرأ عقب قوله تعالى : { كَلاَ لاَ تُطِعهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } (2) {
__________
(1) فمالهم لا يؤمنون ) الخ اى بعد ظهور هذه الأدلة العلوية والسفلية الدالة على الخالق العظيم والقادر العليم جل شأنه ماذا يمنع الكفرة الفجرة من الإيمان = بالله ورسوله واليوم الآخر ؟ وما لهم إذا تليت عليهم آيات الله وكلامه لا يسجدون إعظاما وإكراما واحتراما ؟ فالمراد بالسجود سجود التلاوة عند الجمهور .
( وقال ) مالك : المراد به السجود اللغوى وهو الخضوع على ما سيأتى بيانه .
(2) روى أبو حازم عن ابى هريرة قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا نعم . فقال : واللات والعزى لئن رايته يصلى كذلك ، لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه فى التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلى ليطأ على رقبته ، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقى بيديه . فقيل له مالك ؟ فقال : إن بينى وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لودنا منى لاختطفته الملائكة عضوا عضوا وأنزل الله تعالى ( كلا إن الإنسان ليطفى) الخ السورة . أخرجه أحمد ومسلم والنسائى { 38 } انظر ص 249 ج9 تفسير ابن كثير ( سورة اقرأ ) .
(
وعن عكرمة ) عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلى عند المقام فمر بع أبو جهل بن هشام فقال : يا محمد ألم أنهك عن هذا ؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره . فقال يا محمد بأى شىء تهددنى ؟ أما والله إنى لأكثر هذا الوادى ناديا . فأنزل الله تعالى ( فليدع ناديه سندع الزبانية ) قال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته . أخرجه أحمد والنسائى وابن جرير والترمذى وقال حسن صحيح (9) انظر ص 248 ج9 تفسير ابن كثير .
( وعن عكرمة ) عن ابن عباس قال : قال أبو جهل : لئن رابت محمدا يصلى عند الكعبة لاطأن على عنقه فبلغ النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : لئن فعل لأخذته الملائكة عيانا . أخرجه البخارى والنسائى والترمذى ]39[ انظر ص 248 ج9 منه .
( ومنه ) يعلم أن قوله تعالى " ارايت الذى ينهى عبد اذا صلى الى آخر السورة نزل فى أبى جهل لعنه الله النبى صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت فوعظه الله أولا بالحسنى فقال ( ارايت ) أى أخبرنى ( إن كان على الهدى ) أى فماظنك إن كان المنهى على الطريق المستقيم فيما يفعل ؟ ( أو أمر بالتقوى ) بقوله ، وأنت تزخره وتتوعده على صلاته ؟ ( ارايت ) هى فى المواضع الثلاثة للتعجب ، وهو إيقاع المخاطب فى العجب . والخطاب قيل للنبى صلى الله عليه وسلم ، وقيل لكل من يتأتى خطابه ( إن كذب وتولى ) أى إن دوام أبو جهل على تكذيبه النبى صلى الله عليه وسلم وتوليه عن الإيمان ( ألم يعلم بأن الله يرى ) أى أما علم هذا الناهى لهذا المهتدى أن الله يراه ويسمع كلامه وسيجازيه على فعله الجزاء الأوفى ؟
( والمعنى ) اعجب منه يا مخاطب حيث ينهى عن الصلاة والمنهى على الهدى آمر بالتقوى والناهى مكذب متول عن الايمان . ثم توعده وهدده الله تعالى بقوله ( كلا) ردع وزجر لأبى جهل ونحوه ( لئن لم ينته ) أى لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والكفر والعناد ( لنسفعا بالناصية ) السفع القبض على الشىء بشدة ، والناصية فى الأصل مقدم الراس أو الشعر المقدم . والمراد هنا الشخص . والمعنى لنأخذنه أخذ عزيز مقتدر بالهلاك فى الدنيا يوم بدر ( فقد ) قال عبد الرحمن بن عوف : بينا ابا واقف فى الصف يوم بدر فنظرت عن يمينى وشمالى فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة اسنانها تمنيت أن أكون بين اضلع منهما ( جمع ضلع) فغمزنى أحدهما فقال : يا عم هل تعرف ابا جهل ؟ قلت : نعم ما حاجتك إليه يابن أخى ؟ قال أخبرت أنه يسب رسول الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لئن رايته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك . فغمزنى الآخر فقال لى مثلها . فلم أنشب أن نظرت إلى أبى جهل يجول فى الناس فقلت : ألا إن هذا صاحبكما الذى سالتمانى . فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرا ه فقال : أيكما قتله ؟ قال كل واحد منهما أنا قتلته . قال هل مسحتما سيفكما ؟ قالا . لا . فنظر فى السيفين فقال : كلا كما قتله وجعل سلبه ( بفتحتين أى ما معه من ثيابه وسلاحه ومركبه وغيرها ) لمعاذ بن عمرو ابن الجموح وكانا معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح . اخرجه أحمد والبخارى ]40[ انظر ص 36 ج21 – الفتح الربانى . وص 218 ج7 فتح البارى .
هذا خزى له فى الدنيا ، وله فى الآخرة العذاب الأليم فى نار الجحيم يوم ينظر المرء ما قدمت يداه .وقوله ( ناصية ) بدل مما قبلها ( كاذبة ) فى مقالها ( خاطئة ) فى افعالها ( فليدع ناديه ) أى قومه وعشيرته لينصروه ، ومن لم ينصره الله فلا ناصر له ، والنادى فى الأصل المجلس يتحدث فيه القوم ، والمراد به هنا أهله ( سندع الزبانية ) وهم ملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب أحزبنا أم حزبه ؟ وقد تقدم فى الحديث : لو دعا ناديه لأخذته الملائكة عيانا ( ملا لا تطعه ) خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم ، أى لا تطعه فيما ينهاك عنه من الطاعة وكثرتها ، وصل حيث شئت ولا تبال ، فإن الله حافظك وناصرك وهو يعصمك من الناس واسجد أى سجود التلاوة عند الأئمة الثلاثة ( وقال) مالك : معناه صل (واقترب ) أى اكتسب القرب من ربك فى السجود ، فإنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، لأنه نهاية العبودية والذلة لله تعالى . ولله العزة التامة .(1/65)
19 }
ودليل ذلك حديث عمرو بن العاص رضى الله عنه : أن النبى صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة فى القرآن : منها ثلاث فى المفصل ، وفى سورة الحج سجدتان . أخرجه أبو داود وابن ماجه والدار قطنى والبيهقى والحاكم وحسنة المنذرى والنووى وضعفه عبد الحق وابن القطان ، لأن فى سنده الحارث بن سعيد العتقى وعبد الله بن منين . متكلم فيهما(1) { 41 }
... ( وحديث ) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس . أخرجه البخارى والترمذى وصححه (2) { 42 }
( وقول) أبى هريرة : سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى إذا السماء انشقت ، واقرأ باسم ربك الذى خلق . أخرجه السبعة إلا البخارى (3) { 43 }
( وحديث ) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير أن شيخا من قريش أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال : يكفينى هذا . قال عبد الله : ولقد رايته بعد قتل كافرا وهو أمية بن خلف . أخرجه أحمد والخمسة إلا الترمذى . وهذا لفظ البخارى(4) {
__________
(1) انظر ص 19 ج8 – المنهل العذب ( كم سجدة فى القرآن ) وص 169ج1 سنن ابن ماجه ( عدد سجود القرآن ) وص 156 سنن الدار قطنى ( سجود القرآن ) و( العتقى ) بضم ففتح نسبة الى العتقين وهم عدة قبائل .
(2) انظر ص 375 ج2 فتح البارى ( سجود المسلمين مع المشركين ) وص 398 ج1 تحفة الأحوذى ( السجدة فى النجم ) .
(3) انظر ص 77 ج 5 نووى مسلم ( سجود التلاوة ) وص 27 ج8 – المنهل العذب ( السجود فى : إذا السماء انشقت واقرأ) وص 398 ج1 تحفة الأحوذى وقال حديث حسن صحيح وص 169 ج1 سنن ابن ماجه ( عدد سجود القرآن ) .
(4) أنظر ص 178 ج2 تيسير الوصول ( تفصيل سجود القرآن ) وص 388 ج1 مسند أحمد .
قال القاضى عياض : كان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود رضى الله عنه أنها أول سجدة نزلت ط وأما ما يرويه " الاخباريون والمفسرون ، أن سبب ذلك ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثناء على ىلهة المشركين فى سورة النجم " فباطل ط لا يصح فيه شىء ، لا من جهة النقل ولا من جهة العقل ، لأن مدح إله غير الله تعالى كفر ن ولا يصح نسبة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أن يقوله الشيطان على لسانه ، ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك ا هـ انظر ص 75 ج5 شرح مسلم .
( يشير ) القاضى إلى ما ذكره بعض المفسرين والمؤرخين من قصة الغرانيق ورجوع كثير من المهاجرين إلى ارض الحبشة ، ظا منهم أن مشركى قربش قد اسلموا وقد ذكرها البغوى فقال : قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظى وغيرهما من المفسرين : لما راى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به من الله تمنى فى نفسه أن ياتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه على إيمانهم ، فكان يوما فى مجلس لقريش فانزل الله تعالى سورة النجم فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يلغ قوله : افرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ، القى الشيطان على لسانه ما كان يحدث به نفسه ويتمناه : تلك الغرانيق العلا ، وإن شفاعتهن لتربحى فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قراءته ، يقرأ السورة كلها وسجد فى آخر السورة ، فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من فى المسجد من المشركين . فلم يبق فى المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد ين المغيرة وابو سعيد بن العاص ، فإننهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها الى جبهتهما وسجدا عليها ، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطع السجود وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم ، ويقولون قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر . وقالوا : قد عرفنا أن الله يحيى ويميت ويخلق ويرزق ، ولكن ىلهتنا هذه تشفع عنده ، فإن جعل لها محمد ماذا صنعت ، لقد تلوت على الناس ما لم آتت به عن الله عز وجل ، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا ، فإنزل الله هذه الآية يعمى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى وإلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى امنيته ) الحج 52- يعزيه وكان به رحيما ، وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وبلغهم سجود قريش ، وقيل اسلمت قريش وأهل مكة. فرجع أكثرهم إلى عشائرهم وقالوا هم أحب غلينا ، حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذى كانوا يحدثونه من إسلام أهل مكة كان باطلا ، فلم يدخل أحد إلا بجوار أو مستخفيا فلما نزلت هذه الآية قالت قريش : ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فغير ذلك وكان الحرفان اللذان القى الشيطان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعا فى فم كل مشرك ، فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه وشدة على من اسلم ، انظر ص 600 وما بعدها ج5 معالم التريل ( آية 52 الحج ) .
( وهى ) قصة باطلة مردودة عقلا ونقلا وقد تصدى لردها وتزييفها كثير من علماء السلف والخلف ( قال ) الفخر الرازى : هذه رواية المفسرين الظاهريين ، أما أهل التحقيق فقد قالوا : هذه الرواية باطلة موضوعه ، واحتجوا على البطلان بالقرىن والسنة والمعقول أما القرآن فمن وجوه (أحدها ) قوله تعالى : ولو تقول علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين (46) ( نياط القلب ) سورة الحافة .
( وثانيهما ) قوله : قال ما يكون لى أن ابدله من تلقاء نفسى ، إن اتبع إلا ما يوحى إلى . سورة يونس من آية 15 .
( وثالثها ) قوله : وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحى يوحى (4) النجم فلو أنه قرا عقيب هذه الأية ز تلك الغرانيق لعلا ، لكان قد ظهر كذب الله تعالى فى الحال وذلك لا يقوله مسلم .
( ورابعها ) قوله تعالى : وإن كادوا ليفتنوك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره ، وإذا لا تخذوك خليلا . سورة الإسراء 73 (وكلمة) كاد عند بعضهم معناها قرب ان يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل .
( وخامسها ) قوله : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا سورة الإسراء : 74 وكلمة لولا تفيد انتفاء الشىء لانتفاء غيره ، فدل على أن ذلك الركون القليل لم يحصل .
( سادسها ) قوله : كذلك لنثبت به فؤادك من آية 32- الفرقان .
( وسابعها ) سنقرئك فلا تنسى – الأعلى : 6 .
( وأما السنة ) فهى ما روى عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال : هذا من وضع الزنادقة وصف فيه كتاباً ( وقال) الإمام ابو بكر أحمد بن الحسين البيهقى : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم فى أن رواة هذه القصة مطعون فيهم ( وايضا ) فقد روى البخارى فى صحيحه أن النبى عليه الصلاة والسلام سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والإنس والجن . وليس فيه حديث الغرانيق (وأما المعقول) فمن وجوه ( أحدها) أن من جوز على الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيم الأوثان ، فقد كفر ن لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان فى نفى الأوثان ( وثانيها ) أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يمكنه فى أول الأمر أن يصلى ويقرأ القرآن عند الكعبة آمنا أذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا ايديهم اليه . وإنما كان يصلى إذا لم يحضروها ليلا او فى أوقات خلوه . وذلك يبطل قولهم.
( وثالثها ) أن معاداتهمللرسول كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا على حقيقة الأمر ، فكيف أجمعوا على أنه أعظم آلهتهم حتى خروا سجدا مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم .
( ورابعها ) قوله فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله ىياته وذلك لأن إحكام الايات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول . اقوى من نسخه بهذه الايات التى تبقى الشبهة معها . فإذا اراد الله إحكام الآيات – لئلا يلتبس ما ليس بقرىن بالقرآن – فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلا أولى
( وخامسها) وهو اقوى الوجوه أنا لو جوزنا ذلك ، ارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا فى كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ن ويبطل قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تقعل فما بلغت رسالته ، والله بعصمك من الناس آية 67 – المائدة فإنه لا فرق فى العقل بين النقصان عن الوحى وبين الزيادة .
( فبهذه) الوجوه عرفنا على سبيل الأجمالى أن هذه القصة موضوعه ، وأكثر ما فى الباب أن جمعا من المفسرين ذكروها ن لكنهم ما بلغوا حد التواتر ، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة أ هـ ص 168 ج6 مفاتيح الغيب ( سورة الحج المسالة الثانية فى كونه صلى الله عليه وسلم هل تكلم فى أثناء قراءته بقوله : تلك الغرانيق العلا ؟ ) .
( وقال ) الأستاذ الشيح محمد عبده فى كلمة له فى مسالة الغرانيق بعد كلام : وأما قصة الغرانيق فمع ما فيها من الاختلاف الذى سبق ذكره ، جاء فى تنميمها أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يفطن لما ورد على لسانه ، وأن جبريل جاءه بعد ذلك فعرض عليه السورة ، فلما بلغ الكلمتين قال له ما جئتك بهاتين ، فحزن لذلك ، فانزل الله عليه وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى القى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله ىياته والله عليم حكيم (52) * ليجعل ما يلقى الشيطان فتنه للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم ، وإن الظالمين لفى شقاق بعيد (53) * وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم ، وإن الله لهادى الذين آمنوا إلى صراط مستقيم (54) * ولا يزال الذين كفروا فى مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغته أو ياتيهم عذاب يوم عقيم (55) الحج كما أنزل لذلك قوله ك وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره ، وإذا لاتخذوك خليلا(73)*ولولا أن ثبتناك لقد كدت اليهم شيئا قليلا (74) * إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا (75) الإسراء
وفى بعض الروايات : أن حديث الغرانيق فشافى الناس حتى بلغ ارض الحبشة فساء ذلك المسلمين والنبى صلى الله عليه وسلم فنزلت : وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبى الآية ، 0 قال ) القسطلانى فى شرح البخارى : وقد طعن فى هذه القصة وسندها غير واحد من الأئمة حتى قال ابن اسحاق وقد سئل عنها : هى من وضع الزنادقة أ هـ .
وكفى فى إنكار حديث ان يقول فيه أبن إسحاق : إنه من وضع الزنادقة ، مع حال ابن إسحاق المعروفة عند المحدثين ( وقال ) الإمام أبو بكر بن العربى – وكفى به حجة فى الرواية والتفسير – إن جميع ما ورد فى هذه القصة لا أصل له أ هـ .
( أما ماذكره ) ابن حجر من أن القصة رويت مرسلة من ثلاث طرق على شرط الصحيح ، وأنه يحتج بها من يرى الاحتجاج بالحديث المرسل ، بل ومن لا يراه كذلك ، لأنها متعددة يعضد بعضها بعضا أ هـ " فقد رده " صاحب الإبريز بقوله : إن العصمة من العقائد التى يطلب فيها اليقين فالحديث الذى يفيد خرمها ونقضها لا يقبل على أى وجه جاء ، وقد عد الأصوليون الخبر الذى يكون على تلك الصفة من الأخبار التى يجب القطع بكذبها وهذا لو فرض اتصال الحديث . فما ظنك بالمراسيل ، وإنما الخلاف فى الاحتجاج بالمرسل وعدم الاحتجاج به فيما هو من قبيل الأعمال وفروع الأحكام ، لا فى أصول العقائد ومعاقد الإيمان بالرسل وما جاءوا به ، فهى هفوة من ابن حجر يغفرها الله له
هذا ما قاله الأئمة – جزاهم الله خيرا – فى بيان فساد هذه القصة ، وأنها لا اصل لها ولا عبرة براى من خالفهم ، فلا يعتد بذكرها فى بعض كتب التفسير وإن بلغ اربابها من الشهرة ما بلغوا أ هـ ملخصا . ثم قال :
( تفسير الآيات ) والآن أفسر الايات على الوجه الذى تحتمله ألفاظها وتدل عليه عباراتها .
( الأول ) أن يكون تمنى بمعنى قرا . والأمنية بمعنى القراءة . وهو معنى قد يصح وقد ورد استعمال اللفظ فيه ( قال ) حسان بن ثابت فى عثمان رضى الله عنهما : تمنى كتاب الله أول ليله وآخره لاقى حمام المقادر
غير أن الإلقاء لا يكون على المعنى الذى ذكروه ، بل على المعنى المفهوم من قولك ( ألقيت فى حديث فلان ) إذا أدخلت فيه ما ربما يحتمله لفظه ولا يكون قد اراده أو نسيت إليه ما لم يقله تطلا بان ذلك الحديث يؤدى إليه . وذلك من عمل المعاجزين الذين ينصبون أنفسهم لمحاربة الحق ن يتبعون الشبهة ويسعون وراء الريبة ، فالإلقاء بهذا المعنى دابهم ، ونسبة الإلقاء إلى الشيطان ، لأنه مثير الشبهات بوساوسه ، مفسد القلوب بدسائسه ، وكل ما يصدر من اهل الضلال يصح أن ينسب إليه ، ويكون المعنى وما ارسلنا قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا حدث قومه عن ربه أو تلا وحيا أنزل فيه هدى لهم ، قام فى وجهه مشاغبون يحولون ما يتلوه عليهم عن المراد منه ويتقولون عليه ما لم يقله وينشرون ذلك بين الناس ن ليبعدوهم عنه ويعدلوا بهم عن سبيله ، ثم يحق الله الحق ويبطل الباطل ، ولا زال الأنبياء يصبرون على ما كذبوا وأوذوا ، ويجاهدون فى الحق ، ولا يعتدون بتعجيز العجزين ، ولا يهزؤ المستهزئين ، إلى أن يظهر الحق بالمجاهدة ، وينتصر على الباطل بالمجاهدة ، فينسخ الله تلك الشبه ويحثها من أصولها ، ويثبت آياته ويقررها ، وقد وضع الله هذه السنة فى الناس ليتميز الخبيث من الطيب ن فيفتتن الذين فى قلوبهم مرض وهم ضعفاء العقول بتلك الشبه والوساوس فينطلقون وراءها ، ويفتنن بها القاسية قلوبهم من أهل العناد والمجاحدة ، فيتخذونها سندا يعتمدون عليها فى جدلهم ، ثم يتمحص الحق عند الذين اوتوا العلم ويخلص لهم بعد ورود كل شبهة عليه ، فيعلم أنه الحق من ربك فيصدقوا به فتخبت وتطئن له قلوبهم ، والذين أوتوا العلم هم الذين رزقوا قوة التمييز بين البرهان القاطع الذى يستقر بالعقل فى قرارة اليقين . وبين المغالطات وضروب السفسطة التى تطيش بالفهم وتطير به مع الوهم ، وتأخذ بالعقل تارة ذات الشمال ن وأخرى ذات اليمين " وسواء " ارجعت الضمير فى ( أنه الحق) على ما جاءت به الايات المحكمة من الهدى الإلهى أو إلى القرآن وهو أجلها " فالمعنى " من الصحة على ما يراه أهل التمكين .
هؤلاء الذين اوتوا العلم هم الذين آمنوا وهم الذين هداهم الله إلى الصراط المستقيم ولم يجعل للوهم عليهم سلطانا فيحيد بهم عن ذلك المنهج القويم "وأما الذين " كفروا وهم ضعفاء العقول ومرضى القلوب ، أو أهل العناد وزعماء الباطل ، وقساة الطباع الذين لا تلين أفئدتهم ولا تبش للحق قلوبهم " فالئك "لا يزالون فى ريب من الحق أو الكتاب ، لا تستقر عقولهم عليه ، ولا يرجعون فى متصرفات شئونهم إليه ، حتى تأتى ساعة هلاكهم بغته، فيلاقون حسابهم عند ربهم ، او اهل العناد وزعماء الباطل ، وقساة الطباع الذين لانلين افئدتهم ولا تبش الحف قلوبهم " فأولئك " لا يزالون في ريب من الحق او الكتاب ، لا تستقر عقولهم عليه ، ولا يرجعون في متصرفات شئونهم إليه ، حتى تأتى ساعة هلاكهم بغتة ، فيلاقون حسابهم عند ربهم ، او إن امتد بهم الزمن ومادهم الاجل فيصيهم ( عذاب يوم عقيم ) يوم حرب يسامون فيه سوء عذاب القتل والاسر ويقذفون إلى مطارح الذل وقرارات الشر ، فلا ينتج لهم من ذلك اليوم خير ولا بركة بل يسلبون ما كان لديهم ، ويساقون إلى مصارع الهلكة . وهذا هو العقم في اتم معانية واشام درجاته .
( ما أقرب ) هذه الايات في مغازيها الى قوله تعالى في سورة ال عمران : هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات . فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ، وما يذكر إلا أولوا الألباب (7) ، وقد قال بعد ذلك : إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ، وأولئك هم وقود النار (10) ثم قال الذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد (12) إلخ الآيات . وكأن إحدى الطائفتين من القرآن شرح للأخرى ، فالذين فى قلوبهم زيغ هم الذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم ، والراسخون فى العلم هم الذين أوتوا العلم ، وهؤلاء هم الذين يعلمون أنه الحق من ربهم فيقولون آمنا به كل من عند ربتا ، فتخبت له قلوبهم، وإن الله لهاديهم إلى صراط مستقيم ، وأولئك هم الذين يفتنون بالتأويل ، ويشغلون بقال وقيل بما يلقى إليهم الشيطان ويصرفهم عن مرامى البيان ، ويميل بهم عن محجة الفرقان . وما يتكئون عليه من الأموال والأولاد يغنى عنهم من الله شيئا ، فستوافيهم آجالهم ، وتستقبلهم أعمالهم ، فإن لم يوافهم الأجل على فراشهم فسيغلبون فى هراشهم ( أى مخاصمتهم ) وهذه سنة الأنبياء مع أممهم وسبيل الحق مع الباطل من يوم رفع الله الإنسان إلى منزلة يميز فيها بين سعادته وشقائه ، وبين ما يحفظه وما يذهب ببقائه . وكما لا مدخل لقصة الغرانيق فى ىيات عمران ، لا مدخل لها فى آيات سورة الحج .
( هذا ) هو الوجه الأول فى تفسير آيات ( وما أرسلنا ) إلى آخرها على تقدير أن تمنى بمعنى قرأ ، وأن الأمنية بمعنى القراءة والله أعلم .
( الوجه الثانى فى تفسير الايات ) أن التمنى على معناه المعروف . وكذلك الأمنية وهى أفعوله بمعنى . وجمعها أمانى كما هو مشهور .
قال أبو العباس أحمد بن يحيى : التمنى حديث النفس بما يكون وبما لا يكون والتمنى سؤال الرب وفى الحديث : إذا تمنى أحدكم فليكثر فإنما يسال ربه أخرجه الطبرانى فى الأوسط عن عائشة بسند رجاله رجال الصحيح . انظر رقم 532 ص 319 ج1 فيض القدير قال ابن الأثير : التمنى تشهى حصول الأمر المرغوب فيه ، وحديث النفس بما يكون وما لا يكون .
( وقال ) أبو بكر : تمنيت الشىء اذا قدرته وأحببت أن يصير إلى . وكل ما قيل فى معنى التمنى على هذه الوجه ، فهو يرجع إلى ما ذكرنا ، ويتبعه معنى الأمنية .
" ما أرسل " الله من رسول ولا نبى ليدعو قوما إلى هدى جديد أو شرع سابق شرعه لهم ن ويحملهم على التصديق بكتاب جاء به نفسه إن كان رسولا أو جاء به غيره إن كان نبيا بعث ليحمل الناس على اتباع من سبقه " إلا وله " أمنية فى قومه وهى أن يتبعوه وينحازوا إلى ما يدعوهم إليه ، ويستشفوا من دائهم بدوائه ، ويعصوا أهواءهم بإجابة ندائه ، وما من رسول أرسل إلا وقد كان أحرص على إيمان أمته وتصديقهم برسالته منه على طعامة الذى يطعم ، وشرابه الذى يشرب ، وسكنه الذى يسكن إليه ويغدو عنه ويروح عليه ، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك فى المقام الأعلى ، والمكان الأسمى . قال الله تعالى : فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا . الكهف : 7 . يوسف : 103 . وقال : وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين . يوسف : 103 قال : أأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين . عجز آية 99 يونس وصدرها : ولو شاء ربك وفى الآيات ما يطول سرده مما يدل على أمانيه صلى الله عليه وسلم المتعلقة بهداية قومه وإخراجهم من ظلمات ما كانوا فيه إلى نور ما جاء به .
وما من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى هذه الأمنية السامية ألقى الشيطان فى سبيله العثرات ، واقام بينه وبين مقصده العقبات ، ووسوس فى صدور الناس ، وسلبهم الانتفاع بما وهبوا من قوة العقل والإحساس ، فثاروا فى وجهه وصدوه عن قصده وعاجزوه حتى لقد يعجزونه ( أى فلا يصل إلى مراده من هدايتهم ) وجادلوه بالسلاح والقول حتى لقد يقهرونه ، فإذا ظهروا عليه – والدعوة فى بدايتها – وسهل عليهم إيذاؤه وهو قليل الأتباع ، ضعيف الأنصار ، ظنوا الحق من جانبهم . وكان فيما ألقوه من العوائق بينه وبين ما عمد إليه فتنة لهم .
( غلبت ) سنة الله فى أن يكون الرسل من أواسط قومهم أو من المستضعفين فيهم ليكون العامل فى الإذعان بالحق ، محض الدليل وقوة البرهان . وليكون الاختيار المطلق هو الحامل لمن يدعى إليه على قبوله ، ولكى لا يشارك الحق الباطل فى وسائله أو يشاركه فى نصب شراكه وحبائله . وأن أنصار الباطل فى كل زمان هم أهل الأنفة والقوة والجاه ، والاعتزاز بالأموال والأولاد والعشيرة والأعوان ، والغرور بالزخارف والزهو بكثرة المعارف . وتلك الخصال إنما تجتمع كلها أو بعضها فى الرؤساء وذوى المكانة من الناس ، فتذهلهم عن أنفسهم ، وتصرف نظرهم عن سبيل رشدهم ، فإذا دعا إلى الحق داع عرفته القلوب النقية من أوضار هذه الفواتن . وفزعت إليه النفوس الصافية ، والعقول المستعدة لقبوله بخلوصها من هذه الشواغل ، وقلما توجد إلا عند الضعفاء وأهل المسكنة ، فإذا التف هؤلاء حول الداعى وظافروه على دعوته ، قام أولئك المغرورون يقولون : ما نراك إلا بشرا مثلنا ، وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى . وما نرى لكم علينا من فضل ن بل نظنكم كاذبين. عجز آية : 27 هود وصدرها : فقال الملأ الذين كفروا من قومه . فإذا استدرجهم الله تعالى على سنته وجعل الجدال بينهم وبين المؤمنين سجالا ، افتنتن الذين فى قلويهم مرض من اشياعهم ، وافتنتوا هم بما أصابوا من الظفر فى دفاعهم . ولكن الله غالب على أمره فيمحق ما ألقاه الشيطان من هذه الشبهات ، ويرفع هذه الموانع وتلك العقبات ، ويهب السلطان لآياته فيحكمها ويثبت دعائمها ، وينشىء من ضعف أنصارها قوة ويخلف لهم من ذلتهم عزة ، وتكون كلمة الله هى العليا ، وكلمة الشيطان هى السفلى . فإما الزبد فيذهب جفاء , وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض ، ( من آية 17 . الرعد وصدرها : أنزل من السماء ماء فسالت أودية ) .
وفى حكاية هذه السنة الإلهية التى أقام عليها الأنبياء والمرسلين ، تسلية لنبينا صلى الله عليه وعلى ىله وسلم عما كان يلاقى من قومه ، ووعد له بأنه سيكمل له دينه ، ويتم عليه وعلى المؤمنين نعمته ، مع استلفاتهم إلى سيرة من سبقهم : أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا(1/66)
44 }
( وبهذا ) قال الليث وإسحاق وابن المنذر . وابن حبيب وابن وهب المالكيان . وروى عن أحمد .
(وقال) الحنفيون : آيات السجود أربع عشرة آية ، وهى المذكورة إلا ثانية الحج ، فإن السجود فيها للصلاة لا للتلاوة ، بدليل اقترانه بالركوع " ولقول" ابن عباس وابن عمر : سجدة التلاوة فى الحج هى الآولى ، والثانية سجدة الصلاة.ذكره الزيلعى(وقال)وقرأنها بالركوع يؤيد ما روى عنهما{10}انظر ص205 ج1 تبين الحقائق .
( وعن ) أبى يوسف عن أبى حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود أنه كان لا يسجد فى ص ، ولا يسجد فى سورة الحج إلا فى الأولى . أخرجه أبو يوسف فى الآثار { 11 } انظر رقم 206 ص 40 ( وقال ) ابن عباس رضى الله عنهما : ليست من عزائم السجود . وقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يسجد فيها ويقول سجدها داود توبة ونسجدها شكراً.أخرجه الخمسة إلا مسلما {45} انظر ص178ج2 تيسير الوصول(تفصيل سجود القرآن)
( قال ) أبو عبد الله القرطبى فى تفسيره ، اختلوا فى عدد سجود القرآن فأقصى ما قيل خمس عشرة أو لها خاتمة الأعراف وآخرها خاتمة العلق وهو قول ابن حبيب وابن وهب فى رواية وإسحاق وقيل أربع عشرة قاله. قاله ابن وهب فى الرواية الآخرى عنه فأسقط ثانية الحج ، وهو قول أصحاب الرأى ، والصحيح سقوطها ، لأن الحديث لم يصح بثبوتها أ هـ . انظر ص 357 ج7 – الجامع لأحكام القرآن ( الأعراف ) .
((1/67)
وقالت ) الشافعية والحنبلية وداود : آيات السجود أربع عشرة آية وهى المذكورة فى حديث عمرو بن العاص بإثبات ثانية الحج وإسقاط سجدة ص فإنها سجدة شكر لا تلاوة . تقدم رقم 41 ص 64 " ولقول " عقبة بن عامر قلت يا رسول الله فى سورة الحج سجدتان ؟ قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وقال : هذا حديث ليس إسناده بالقوى(1) {
__________
(1) انظر ص 151 ج4 مسند أحمد ، وص 22 ج8 – المنهل العذب ( أبواب السجود وكم سجدة فى القرآن ) وص 401 ج1 تحفة الأحوذى (السجدة فى الحج ) وليس إسناده بالقوى ، أى لأن فيه ابن لهيعة وشرح ( بكسر فسكون ) ابن هاعان ، وهما ضعيفان جدا ، لكن للحديث شواهد تقويه ( منها ) قول عبد الله بن ثعلبه : صلى بنا عمر بن الخطاب الصبح فقرأ بالحج وسجد فيها سجدتين . اخرجه الطحاوى (12) انظر ص 212 ج1 شرح معانى الآثار ( ومنها ) قول نافع إن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ثم قال : هذه السورة فضلت بسجدتين أخرجه مالك فى الموطأ (13) انظر ص 372 ج1 زرقانى الموطإ ( سجود القرآن ) .
(
ومنها ) قول صفوان بن محرز إن ابا موسى الأشعرى سجد فى الحج سجدتين . أخرجه الطحاوى (14) انظر ص 212 ج1 شرح معانى الاثار ( هل فى للقصل سجود ) ( وهذه )وإن كانت ىثارا فإنها تقوى حديث الباب ، لأنها لا تقال من قبل الرأى.(1/68)
46 } واختلف أهل العلم فى هذا ( فروى ) عن عمر بن الخطاب وابن عمر أنهما قالا : فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين . وبه يقول ابن المبارك والشافعى وأحمد وإسحاق ( ورأى ) بعضهم فيها سجدة . وهو قول سفيان الثورى وأهل الكوفة أهـ ( واستدلوا ) على أن سجدة ص للشكر بما تقدم فى الحديث رقم 45 ص 74 من قوله صلى الله عليه وسلم : سجدها داود توبة ونسجدها شكرا وبقول أبى سعيد الخدرى : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ص ، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه . فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إنما هى توبة نبى ولكنى رأيتكم تَشَزَّنْتُمْ للسجود ، فنزل فسجد وسجدوا.أخرجه أبو داود والحاكم وابن خزيمة والبيهقى والدار قطنى بسند صحيح على شرط البخارى(1) { 47 }
(
__________
(1) انظر ص 31 ج8 – المنهل العذب ( السجود فى ص ) وص 318 ج2 سنن البيهقى و ( تشزن) بفتحتين وشد الزاى ( الناس ) أى تهيئوا وتأهبوا ( للسجود ) أى ليس السجود فيها ( من عزائم السجود ) .(1/69)
وقال ) الحنفيون والمالكيون وسفيان الثورى وابن المبارك وإسحاق والجمهور ، سجدة ص سجدة تلاوة "لحديث" أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فى ص . أخرجه الطحاوى(1) { 48 } "ولقول" العوامَّ بن حوشب : سالت مجاهدا عن سجدة ص فقال : سالت ابن عباس فقال : أو ما تقرأ ؟ وَمِنْ ذُرَيتِهِ دَاوُدَ وَسُليمْاَنَ . أولَئكَ الذينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتَدِه : فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقتدى به فسجدها داود فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه أحمد والبخارى والبيهقى(2) { 49 }
( وعن ) السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان رضى الله عنه قرأص على المنبر فنزل فسجد . أخرجه البيهقى بسند رجاله رجال الصحيح (3) { 15 } وقال أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه رأيت فى المنام كأنى أقرأ سورة ص فلما أتيت على السجدة سجد كل شىء رأيت الدواة والقلم واللوح فغدوت على النبى صلى الله عليه وسلم فأمر بالسجود فيها . أخرجه البيهقى بسند رجاله رجال الصحيح(4) { 50 }
( وأجابوا ) ، (أ) عن حديث أبى سعيد السابق رقم 47 ص 78 بأن عزم النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم على عدم السجود فى المرة الثانية ، يدل على أنها ليست متأكدة فقط ، لا على أنها ليست سجدة تلاوة .
(
__________
(1) انظر ص 212 ج1 شرح معانى الآثار ( هل فى الفصل سجود ) .
(2) انظر ص 385 ج8 فتح البارى ( سورة ص ) وص 319 ج2 سنن البيهقى ( سجدة ص ) ( ومن ذريته ) أى إبراهيم صلى الله عليه وسلم (داود ...) من آية 84 – الأنعام .
(3) أنظر ص 320،319 ج2 سنن البيهقى ( سجدة ص ) .
(4) أنظر ص 320،319 ج2 سنن البيهقى ( سجدة ص ) .(1/70)
قال ) علاء الدين الكاسانى ، وما تعلق به الشافعى ، فهو دليلنا فإنا نقول نحن نسجد ذلك شكراً لما أنعم الله على داود بالغفران والوعد بالزلفى وحسن المآب ولهذا لا يسجد عندنا عقيب قوله ، وأناب . بل عقيب قوله مآب ، وهذه نعمة عظيمة فى حقنا ، فإنه يطعمنا فى إقالة عثراتنا ، وغفران خطايانا وزلاتنا فكانت سجدة تلاوة، لوجود سببها . وهو تلاوة هذه الآية . وكذا سجدة النبى صلى الله عليه وسلم فى الجمعة الأولى فى أثناء الخطبة ، يدل على أنها سجدة تلاوة وتركة فى الجمعة الثانية ، لا يدل على أنها ليست سجدة تلاوة ، بل كان يريد التأخير ، وهى عندنا لا تجب على الفور أ هـ بتصرف(1).
(ب) وعن قول ابن عباس فى الحديث رقم 45 ص 72 : ليس ص من عزائم السجود بأنه رأى له وليس من قول النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم والعمل بفعل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقدم على العمل بقول ابن عباس .
(جـ) وعن قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث ابن عباس رقم 45 سجدها داود توبة ونسجدها شكرا – بأنه لا يستلزم كونها شكرا ألا تكون للتلاوة لعدم المنافاة بينهما .
(
__________
(1) انظر ص 193 ج1 بدائع الصنائع ( بيان مواضع السجدة فى القرآن ) .(1/71)
ومشهور ) مذهب مالك أن آيات السجود إحدى عشرة آية ليس فى المفصل منها شىء . ولا ثانية الحج . وبه قال ابن عباس وعمر والشافعى فى القديم لحديث أم الدرداء قال : سجدت مع النبى صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة . ليس فيها من المفصِّل شىء . الأعراف ، والرعد , والنحل . وبنى إسرائيل ومريم ، والحج ، وسجدها الفرقان ، وسليمان سورة النمل ، والسجدة ، وفى ص وسجدة الحواميم . أخرجه ابن ماجه والبيهقى(1) { 51 } وفى سنده عثمان بن قائد ضعيف . قال ابن عدى : عامة ما يرويه ليس بمحفوظ . لا يجوز الاحتجاج به " ولحديث " عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يسجد فى شىء من المفصل منذ تحول إلى المدينة . أخرجه أبو داود والبيهقى(2) { 52 } ، وفى سنده أبو قدامة الحارث بن عبيد ، ومطر الوراف . وهما ضعيفان وإن كانا من رجال مسلم " ولقول" زيد بن ثابت : قرأت على النبى صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها . أخرجه أحمد والخمسة والدار قطنى والبيهقى(3) . وقال الترمذى حديث زيد بن ثابت حديث حسن صحيح . وتأول بعض أهل العلم هذا الحديث فقال : إنما ترك النبى صلى الله عليه وسلم السجود ، لأن زيد بن ثابت حين قرأ فلم يسجد ، لم يسجد النبى صلى الله عليه وسلم(4) وأجاب بعض العلماء أيضا بان تركه صلى الله عليه وعلى آل وسلم للسجود فى هذه الحالة ، لا يدل على تركه مطلقا . لاحتمال أن يكون السبب فى الترك إذ ذاك إما لكونه كان بلا وضوء . أو لكون الوقت كان وقت كراهة ، أو لكون القارىء لم يسجد .
__________
(1) انظر ص 169 ج1 سنن ابن ماجه ( عدد سجود القرآن ) وص 313 ج2 بيهقى .
(2) انظر ص 23 ج8 – المنهل العذب ( من لم يرد السجود فى المفصل ) وص 313 ج2 بيهقى .
(3) انظر ص 183 ج5 مسند أحمد ، وص 178 ج2تيسير الوصول ( تفصيل سجود القرآن ) وص 313 ج2 بيهقى .
(4) انظر ص 399 ج1 تحفة الأحوذى ( من لم يسجد فيه ) أى فى النجم .(1/72)
أو كان الترك لبيان الجواز وهذا ارجح الاحتمالات .
والرجح ما ذهب إليه القائلون بأن آيات السجود خمس عشرة أو أربع عشرة ، لصحة أدلته وكثرتها .
(6) من يطلب منه سجود التلاوة :
هو واجب عند الحنفيين على من تلا آية من آيات السجود ولو بغير العربية أو أكثرها مع كلمة السجود . ولو لم يسمعها لنحو صمم . ويجب على من سمعها وإن لم يقصد السماع . وبه قال ابن عمر والنخعى وسعيد بن جبير ونافع وإسحاق ، لأنه سامع للسجدة كالمستمع .
( وقد ) قال ابن عمر : إنما السجدة على من سمعها . ذكره ابن قدامة فى المغنى ( ودليله ) حديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ السورة التى فيها السجدة فيسجد ونسجد ، حتى ما يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته فى غير وقت الصلاة . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (1) { 53 } وفى رواية له عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فى غير الصلاة فيسجد ونسجد معه(2).
( وقال ) مالك وأحمد : يشترط قصد الاستماع . وروى عن عثمان وابن مسعود وعمران بن حصين وسلمان الفارسى وابن عباس ( قال ) عثمان : إنما السجدة على من استمعها . أخرجه البخارى تعليقا ، ووصله عبد الرازق عن معمر عن الزهرى عن ابن المسيب أن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان . فقال عثمان : إنما السجود على من استمع ، ثم مضى ولم يسجد (3) { 16 }
(
__________
(1) انظر ص 177 ج2 تيسير الوصول 0 سجود التلاوة ) .
(2) انظر ص 33 ج8 – المنهل العذب ( الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو فى غير صلاة ) .
(3) انظر ص 34 منه ( الشرح ) و ( القاص ) : الذى يقص على الناس الأخبار والمواعظ .(1/73)
ويشترط أيضا ) عند المالكية أن القصد المستمع تعلم القراءة من القارىء أو أحكامها من إظهار وإدغام ومد وقصر وغيرها وتعلم القراءات أو تعليم القارىء " لقول " ابن عمر رضى الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا القرآن فإذا مر بسجود القرآن ، سجد وسجدنا معه . أخرجه أحمد وفى سنده عبد الله العمرى وهو ضعيف . وأخرجه الحاكم من رواية عبيد الله العمرى وهو ثقة ، لذا قال على شرط الشيخين(1) { 54 }
( ويشترط ) عندهم أيضا ألا يجلس القارىء ليسمع الناس حسن قراءته . فإن جلس لذلك فلا يسجد المستمع له وإن كان هو يسجد .
( والمشهور ) عند الشافعية أنه لا يشترط لسجود التلاوة قصد الاستماع ، ولكنه فى حق المستمع آكد " لقول " ابن عباس : إنما السجدة على من جلس لها . أخرجه البيهقى بسند صحيح(2) { 17 }
( فوائد ) ( الأولى ) يشترط عند الحنفيين لسجود السامع شرطان .
( أ ) أن يكون التالى أهلا للقراءة بكونه عاقلا مميزا ، فلا يجب السجود على من سمعها من مجنون وطير وآلة غناء ( فونوغراف ) بخلاف ما لو سمعها من كافر أو جنب أو حائض أو قارىء فى المذياع ( الراديو ) فإنه يسجد.
(ب) وأن يكون السامع ممن تلزمه الصلاة ن فيجب السجود على جنب سمعها دون الحائض وغير المكلف والكافر .
( وقالت ) المالكية : يشترط لسجود السامع مع شرطان :
( أ ) أن يكون القارىء مستكملا لشروط الإمامة ، بأن يكون ذكرا مسلما بالغا عاقلا ، فلا يسجد المستمع لقراءة امرأة ولا كافر ولا صبى ولا مجنون ، وإن طلب من القارىء غير المجنون .
(
__________
(1) انظر ص 164 ج4 – الفتح العربى . و ( يعلمنا القرآن) أى يعلمهم الأحكام والوعد والوعيد ، وأخبار الماضين ، وكيف يتلون القرآن .
(2) انظر ص 324 ج2 بيهقى ( من قال إنما السجدة على من استمعها ) .(1/74)
ب ) وأن يكون كل منهما متحليا بشروط الصلاة من طهارة حدث وحيث وستر عورة واستقبال قبلة ، فإن كل القارىء هو المحصل لها سجد دون المستمع وإن كان المحصل لها المستمع لم يسجد ، لأن سجوده تابع لسجود القارىء ولا سجود عليه لفقد شروط الصلاة .
وهذا ظاهر فى الطهارة . وأما الستر والاستقبال فإن لم يمكنا فكذلك . وإن أمكنا فإنه يطالب بهما ويسجد بأن يستقبل إن كان متوجها لغير القبلة . ويستر عورته إن كان عنده ساتر . قاله العلامة الدرديرى (1) .
( وبمثله ) قالت الحنبلية إلا إنهم قالوا : يسجد السامع لتلاوة صبى ، لأنه يصلح أن يكون إماما فى الناقلة .
( وقالت ) الشافعية : يسن للسامع السجود وإن كان القارىء ممن لا تجب عليه الصلاة لصغر أو جنون غير مطبق أو حيض أو نفاس .
( الثانية ) هل يشترط لسجود السامع سجود القارىء ؟ لا يشترط عند الحنفيين والشافعيين . وهو رواية ابن القاسم عن مالك . فإن ترك القارىء السجود سجد المستمع ، لأنه توجه عليهما فلا يترك أحدهما بترك الآخر .
( وقالت ) الحنبلية : لا يسجد المستمع إلا إن سجد القارىء ورواه مطرف وابن الماجشون عن مالك . لأن القارىء إمام له فلا تصح مخالفته . ويشهد له ما تقدم عن عطاء بن يسار أن رجلا قرأ عند النبى صلى الله عليه وسلم السجدة فسجد ، فسجد النبى صلى الله عليه وسلم . ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد النبى صلى الله عليه وسلم . فقال : يا رسول الله قرأ فلان عندك السجدة فسجدت وقرأت فلم تسجد النبى صلى الله عليه وسلم : كنت إمامنا فلو سجدت سجدت ، أخرجه الشافعى فى مسنده مرسلا وأبو داود فى المراسيل والبيهقى (2) { 55 }
(
__________
(1) انظر ص 127 ج1 شرح اقرب المسالك )وسن سجود التلاوة ) .
(2) تقدم رقم 32 ص 51 ( حكم سجود التلاوة ) .(1/75)
الثالثة ) إذا سجد المستمع مع القارىء لا ينوى الاقتداء به ، وله الرفع من السجود قبله ، والأفضل المتابعة ( قال ) علاء الدين الكاسانى : إذا قرأ الرجل آية السجدة ومعه قوم فسمعوها ، فالسنة أن يسجدوا معه لا يسبقونه بالوضع ولا بالرفع ، لأن التالى إمام السامعين ، لما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال للتالى : كنت إمامنا ، لو سجدت لسجدنا معك , وإن فعلوا أجزأهم ، لأنه لا مشاركة بينه وبينهم فى الحقيقة ، ولذا لو فسدت سجدته بسبب لا يتعدى إليهم(1).
( الرابعة ) لو سجد لتلاوة فقرأ فى سجوده آية سجدة أخرى لم يسجد ثانيا على الصحيح لشهور .
( الخامسة ) لو أراد الاقتصار على قراءة آية أو آيتين فيهما سجدة ليسجد ففيه تفصيل بينه النووى بقوله : مقتضى مذهبنا أنه لا يكره إن لم يكن فى وقت كراهة الصلاة ولا فى صلاة . فإن كان فى وقت الكراهة ففيه الوجهان فيمن دخل المسجد فى هذا الوقت ليصلى التحية لا غير .
( وعن ) أبى حنيفة ومحمد بن الحسن وأبى ثور أنه لا بأس به . وعن الشعبى والحسن البصرى وابن سيرين وأحمد وإسحاق أنه يكره ذلك أ هـ بتصرف (2) .
( قال ) علاء الدين الكاسانى : ولو قرأ آية السجدة من بين السورة لم يضره ذلك ، لأنها من القرآن . وقراءة القرآن طاعة كقراءة سورة من بين السور ، والمستحب أن يقرا معها آيات ليكون قصده إلى التلاوة لا الى مجرد السجود أ هـ .
( السادسة ) لو قرأ آية السجدة وعنده ناس . فإن كانوا متوضئين متهيئين للسجدة قرأها ، وإن كانوا غير متهيئين ينبغى الإسرار بها ، لأنه لو جهر بها لألزمهم بما قد يشق عليهم أداؤه فيقعون فى المعصية وهذا مذهب الحنفيين .
(
__________
(1) انظر ص 192 ج1 بدائع الصنائع ( سنن سجود التلاوة ) وما ذكره عن عمر رضى الله عنه تقدم عن عطاء بن يسار ثبوته هذا عن النبى صلى الله عليه وسلم رقم 55،32 .
(2) انظر ص 73 ج4 شرح المهذب ( الحادية عشرة ) من مشاكل سجود التلاوة .(1/76)
وقالت ) المالكية لا يطالب بالإسرار ، لأن السامع لا يطلب منه سجود التلاوة إلا إذا كان محصلا لشروط الصلاة .
(7) سجود التلاوة فى الصلاة :
يشرع قراءة آية السجدة فى الصلاة الجهرية والسرية للإمام والمنفرد فى الفرض وغيره " لحديث " أبى رافع نفيع الصائغ قال : صليت مع أبى هريرة صلاة العتمة ، أو قال صلاة العشاء ، فقرأ " إذا السماء انشقت " فسجد فيها ، فقلت يا أبا هريرة ما هذه السجدة ؟ فقال : سجدت فيها خلف ابى القاسم صلى الله عليه وسلم ، فلا أزال أسجدها حتى ألقاه . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (1) { 56 }
( ونقل) ابن القاسم عن مالك أنه يكره للإمام والفذ قراءة آية السجدة فى الفريضة مطلقا ، وروى أشهب عن مالك أنه يكره إلا أن يكون وراءه عدد قليل لا يختلط عليهم إذا سجد ، وروى عنه ابن وهب أنه لا بأس أن يقرأ الإمام آية السجدة فى الفريضة .
( وقال ) أبو حنيفة وابن حبيب المالكى وبعض الحنبلية : يكره قراءة آية السجدة والسجود لها فى الصلاة السرية خشية التخليط فيها على المأمومين دون الجهرية ، لأمن التخليط فيها .
(
__________
(1) انظر ص379 ج2 فتح البارى ( من قرأ السجدة فى الصلاة فسجد بها ) وص 78 ج5 نووى مسلم ( سجود التلاوة ) وص 28 ج8 – المنهل العذب ( السجود فى : إذا السماء انشقت ) .(1/77)
ويرد ) ما ذكر الأحاديث المذكورة فإنها صريحة فى أنه صلى الله عليه وسلم سجد فى السرية والجهرية ولا حجة لهم فى قول أبى رافع لأبى هريرة فى الحديث رقم 56 : ما هذه السجدة ؟ ولا فى حديث أبى حديث أبى سلمة قال : رأيت أبا هريرة قرأ " إذا السماء انشقت " فسجد بها فقلت : يا أبا هريرة ألم أرك تسجد ؟ قال لو لم أن النبى صلى الله عليه وسلم يسجد لم أسجد . أخرجه البخارى(1) وغيره { 57 } " لأن " أبا رافع وأبا سلمة لم ينكرا على أبى هريرة بعد أن أعلمهما بأن النبى صلى الله عليه وسلم سجد ولا احتجا عليه بعمل يخالفه ( قال ) ابن عبد البر : وأى عمل يدعى مع مخالفة المصطفى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده أ هـ . وقال أبو محمد عبد الله بن قدامة : قال بعض أصحابنا : يكره للإمام قراءة السجدة فى صلاة لا يجهر فيها وإن قرأ لم يسجد . وهو قول أبى حنيفة . ولم يكرهه الشافعى ، لأن ابن عمر روى عن النبى صلى الله عليه وعلى أله وسلم أنه سجد فى الظهر ثم قام فركع فرايناه أنه قرأ تنزيل السجدة رواه أبو داود (2) { 58 }
__________
(1) انظر ص 376 ج2 فتح البارى ( سجدة إذا السماء انشقت ) .
(2) تقدم رقم 384 ص 276 ج2 دين طبعة ثانية ( القراءة في الظهر والعصر ) .(1/78)
واحتج أصحابنا بأن فيه إيهاما على المأموم . واتباع صلى الله عليه وعلى أله وسلم أولى . وإذا سجد الأمام سجد المأموم . وقال بعض أصحابنا : هو مخير بين ابتاعه وتركه ، والأولى اتباعه " لقول " رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا سجد فاسجدوا (1) ولأنه لو كان بعيد لا يسمع أو أطروشا فى صلاة الجهر لسجد بسجوده إمامه كذا هاهنا(2) .
( وجملة ) القول ما ذكره النووى فى المجموع بقوله : لا يكره قراءة السجدة عندنا للإمام كما لا يكره للمنفرد ، سواء أكانت الصلاة سرية أم جهرية . ويسجد متى قرأها ( وقال ) مالك : يكره مطلقا ( وقال ) أبو حنيفة: يكره فى السرية دون الجهرية . قال صاحب البحر : وعلى مذهبنا يستحب تأخير السجود حتى يسلم ، لئلا يهوش على المأمومين(3).
(
__________
(1) هو بعض حديث أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اّله وسلم قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا ، ولا تكبروا حتى يكبر . وإذا ركع فاركعوا ، ولا تركعوا حتى يركع . وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد . واذا سجد فاسجدوا ، ولا تسجدوا حتى يسجد ]59[ انظر ص 69 ج3 دين طبعة ثانية ( متابعة المأموم الإمام ) .
(2) انظر ص 658 ج1 مغنى ( فروع في سجود التلاوة ) .
(3) انظر ص 72 ج4 شرح المهذب ( الخامسة ) من مسائل تتعلق بسجود التلاوة .(1/79)
وقال ) فى البدائع : وإن تلاها مع ذلك سجد فى الصلاة لتقرر السبب فى حقه وهو التلاوة ، وسجد القوم معه ، لوجوب المتابعة عليهم فقد سجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسجد القوم معه . ولو تلاها الإمام على المنبر يوم الجمعة سجدها وسجد معه من سمعها ، لما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم تلا سجدة على المنبر فنزل وسجد وسجد الناس معه (1) وفيه دليل على أن السامع يتبع التالى فى السجدة أ هـ .
( فوائد ) ( الأولى ) يطلب السجود من المؤتم بتلاوة إمامه وإن لم يسمعها منه بأن قرأها الإمام سرا أو جهرا والمأموم ناه عنه ، أو اقتدى به بعد قراءتها لما تقدم عن أبى هريرة وابن عمر أن الصحابة رضى الله عنهم سجدوا لسجود المصطفى صلى الله عليه وسلم فى الصلاة ، ولو سمعها من إمام فاقتدى به قبل سجوده للتلاوة سجد معه ، وإن اقتدى بعد سجوده فى الركعة التى تلا فيها آية السجدة ، لا يسجد المأموم لا فى الصلاة ولا بعدها . لأنه أدرك السجدة بإدراك الركعة فكأنه سجد ، وأن اقتدى فى غير الركعة التى تليت فيها آية السجدة ، سجد خارج الصلاة ، لتحقق السبب كما لو لم يقتد بالتالى .
ولا يصلب السجود بتلاوة المؤتم لا فى الصلاة ولا بعدها إلا على سامع ليس معه فى الصلاة فيسجد خارج الصلاة ، و كذا لو سمعها مصل ممن ليس معه فى الصلاة فإنه يسجد بعدها لا فيها . فإن سجد فيها لا يجزئه السجود فيعيده ولا تبطل الصلاة على الأصح .
( وجملة ) القول : أن التالى إما أن يكون فى الصلاة أو خارجها ، فمن كان فيها إماما أو منفردا لزمه السجود فورا عند الحنفيين ، وإن كان مأموما لا يسجد ، لأنه ممنوع من القراءة ، ومن كان خارجها لزمه السجود إن وجدت شروطه وإلا فلا .
(
__________
(1) تقدم فى الحديث رقم 47 ص 78 .(1/80)
وأما ) السامع فإن كان إماماً أو مأموما سمعها من مأموم معه ، فلا سجود عليه ، وإن سمعها المأموم من إمامه فهو تبع له ، وإن سمعها المصلى مطلقا ممن ليس معه فى الصلاة سجد خارجها .
( الثانية ) لو قرأ آية السجدة فى الصلاة قبل الفاتحة سجد ، أما لو قرأها فى الركوع والسجود والتشهد ، فإنه لا يسجد ، لأنه ليس محل قراءة ، ولو قرأ السجدة فهوى ليسجد فشك هل قرأ الفاتحة ؟ سجد للتلاوة ثم عاد إلى القيام فقرأ الفاتحة .
( الثالثة ) لو قرأ فى صلاة الجنازة آية سجدة لا يسجد فيها ، وهل يسجد بعدها ؟ الأصح أنه لا يسجد ، لأنها قراءة غير مشروعة ، أفادة النووى فىالمجموع (1) .
( الرابعة ) إذا سجد للتلاوة فى الصلاة فقام ، يستحب له أن يقرأ شيئا من القرآن ثم يركع ولو كانت السجدة آخر السورة كالنجم " لقول" أبى هريرة : رأيت عمر بن الخطاب سجد فى النجم فى صلاة الفجر ، ثم استفتح بسورة أخرى ، أخرجه البيهقى (2) { 18 }
(8) تكرير آية السجدة :
من كرر آية سجدة أو سمعها أكثر من مرة ولو من متعدد فى مجلس واحد ، كفته سجدة واحدة إن أخَّر السجود عن التلاوة الأخيرة اتفاقا ، وكذا إن سجد عقب التلاوة الأولى عند الحنفيين وبه قال ابن سريج الشافعى .
( وقال ) مالك وأحمد : يسجد مرة أخرى لتجدد السبب . وهو مشهور مذهب الشافعى ( وقيل ) إن طال الفصل سجد ثانيا وإلا فلا .
__________
(1) انظر ص 73 ج4 شرح المهذب ( العاشرة ) من مسائل تتعلق بسجود التلاوة .
(2) انظر ص 323 ج2 بيهقى ( السجدة إذا كان فى آخر السورة وكان فى الصلاة .(1/81)
أما إن قرأ آية أخرى أو اختلف المجلس بالانتقال منه بثلاث خطوات ، أو بالانتقال من غصن إلى غصن ، طلب السجود لكل مرة ، وإن كرر آية السجدة فى الصلاة فى ركعة واحدة ، فكالمجلس الواحد ، وإن كررها فى ركعتين سجد فيهما . ( ومن ) تلا آية السجدة ولم يسجد ثم دخل فى الصلاة وتلاها ثانيا وسجد فى الصلاة ، كفى عن التلاوتين لاتحاد المجلس ، والتلاوة الخارجية صارت تابعة للصلوية . وإن كان سجد للأولى قبل الصلاة ، سجد للثانية عند الحنفيين ، لأن السجود فى الصلاة أقوى فلا يكون تابعا ( وبه ) قال مالك وأحمد لتجدد السبب وهو وجه للشافعية . وقال ابن سريج وأبو حامد يكفيه السجود الأول .
(9) كيفية سجود التلاوة :
من طلب منه سجود تلاوة فى الصلاة كبّر للهوى وسجد ثم كبر للرفع ، وهذا متفق عليه . وكذا من كان فى غير صلاة عند الحنفيين والمالكيين يسجد سجدة واحدة بشرائط الصلاة مكبراً للهوى والرفع بلا رفع يد ولا تشهد ولا سلام لقول ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن ، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا. أخرجه البيهقى وأبو داود وقال : قال عبد الرازق : وكان الثورى يعجبه هذا الحديث ، قال أبو داود: يعجبه لأنه كبر أهـ . وفى سنده عبد الله العمرى وهو ضعيف . وأخرجه الحاكم من طريق عبيد الله العمرى وهو ثقة ، ولذا قال: صحيح على شرط الشيخين (1) { 60 }
ولم يرد فى الأحاديث ما يدل صريحاً على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كبر للإحرام فى سجود التلاوة ولا تشهد فيه ولا سلم .
( وبه ) قال الحنفيون والمالكيون وأكثر العلماء .
(
__________
(1) انظر ص 323 ج2 بيهقى ( سجود القوم بسجود القارىء ) وص 34 ج8 المنهل العذب .(1/82)
وقالت ) الحنبلية : يرفع يديه مع تكبير السجود ويسلم ( قال ) أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى : ويرفع يديه مع تكبيرة السجود إن سجد فى غير صلاة ، وهو قول الشافعى لأنها تكبيرة افتتاح . وإن كان السجود فى الصلاة فقياس المذهب لا يرفع لأن محل الرفع ثلاثة مواضع ليس هذا منها ، ولأن فى حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى اله وسلم كان لا يفعل فى السجود يعنى لا يرفع يديه . وهو حديث متفق عليه .(1)
( ومشهور) مذهب الشافعية : أنه إذا كان فى غير صلاة نوى وكبر للإحرام رافعا يديه ثم يكبر للهوى من غير رفع ثم يسجد ويكبر للرفع ويسلم ولا يشترط فيه تشهد على الصحيح ( قال ) النووى فى المجموع : إذا سجد لتلاوة فى غير الصلاة نوى وكبر للإحرام ويرفع يديه حذو منكبيه ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوى من غير رفع اليد . وتكبير الهوى مستحب لا شرط ، والصحيح المشهور فى تكبيرة الإحرام أنها شرط ثم يرفع رأسه مكبرا . وهذا التكبير مستحب على المذهب . وهل يفتقر إلى السلام . ويشترط لصحة سجوده قولان مشهوران . أصحهما أشترطه . وعليه هل يشترط التشهد ؟ الصحيح لا يشترط (2) .
( وقال ) علاء الدين الكاسانى فى البدائع : وأما سنن السجود ( فمنها ) أن يكبر عند السجود والرفع منه "لقول " عبد الله بن مسعود للتالى : إذا قرأت سجدة فكبر واسجد ، وإذا رفعت رأسك فكبر { 19 } . ولو ترك التحريمة يجوز عندنا .
( وقال ) الشافعى : لا يجوز لأن هذا ركن من أركان الصلاة ، فلا يتأدى بدون التحريمة ( ولنا ) أن الأمر تعلق بمطلق السجود فلو أوجبنا شيئاً آخر لزدنا على النص ، ولأن السجود وجب تعظيما لله تعالى وخضوعا له ، وترك التحريمة ليس بمناف للتعظيم(3).
(
__________
(1) انظر ص 655 مغنى ( هل يرفع يديه مع تكبيرة السجود ؟ ) .
(2) انظر ص 64 ج4 شرح المهذب ( كيفية سجود التلاوة إذا كان خارج الصلاة ) .
(3) انظر ص 192 ج1 بدائع الصنائع ( سنن السجود ) .(1/83)
10) ما يقال فى سجود التلاوة :
إن كان سجوده فى الصلاة ، قال فيه ما يقال فى سجودها ، وإن كان خارجها قال ما شاء مما ورد (ومنه) ما فى حديث عائشة رضى الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فى سجود القرآن بالليل : سجد وجهى للذى خلقه وصورة وشق سمعه وبصره بحوله وقوته . أخرجه أحمد والأربعة والبيهقى ، وزاد فتبارك الله أحسن الخالقين . وصححه أبن السكن(1) { 61 } . ( وما ) فى حديث ابن عباس قال : كنت عند النبى صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال : إنى رأيت البارحة فيما يرى النائم كأنى أصلى إلى أصل شجرة فقرأت السجدة فسجدتُ فسجدتَ الشجرة لسحودى فسمعتها تقول اللهم احطط عنى بها وزرا واكتب لى بها أجرا : واجعلها لى عندك ذخرا ، قال ابن عباس : فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم قرأ السجدة فسجد فسمعته يقول فى سجوده مثل الذى أخبره الرجل عن قول الشجرة . أخرجه ابن ماجه والحاكم وابن حبان والترمذى(2) {
__________
(1) انظر ص 161 ج4 – الفتح الربانى – وص 37 ج8 – المنهل العذب ( ما يقول إذا سجد ) وص 179 ج2 تيسير الوصول 0 تفصيل سجود القرآن ) وص 325 ج2 بيهقى ( ما يقول فى سجود التلاوة ) .
(2) انظر ص 168 ج1 سنن ابن ماجة ( سجود القرآن ) وص 402 ج1 تحفة الأحوذى ( ما يقول فى سجود القرآن ) ( فأتاه رجل ) خو أبو سعيد الخدرى . وقد روى الحديث عنه قال السندى : كأن النبى صلى الله وعلى آله وسلم أول الشجرة بنفسه الكريمة ، لكونه شجرة الدين وأصله. فصلاة الرجل إلى اصل الشجرة هو اقتداؤه به فى الصلاة وغيرها من أمور الدين وقراءة السجدة هو قص هذه الرؤيا عليه ..وقد رأى أن الشجرة سجدت عند ذلك وقالت ما قالت ، فسجد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم عند قص الرؤيا عليه وقال ما قال و ( احطط) أى ضع عنى بسبب هذه السجدة أو فى مقابلتها الوزر ولفظ الترمذى : اللهم اكتب لى بها عندك أجرا وضع عنى بها وزرا ، واجعلها عندك ذخرا ، وتقبلها منى كما تقبلتها من عبدك داود اهوليس المراد المماثلة من كل وجه بل فى مطلق القبول . فاله السيوطى فى حاشية الترمذى . والأقرب اعتبار التشبيه فى كمال القبول والكمال فى كل بحسب مرتبته .(1/84)
62 } وفى سنده الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبى يزيد : وفيه جهالة ( وليس ) ما ذكر من الأوعية متعيناً فى سجدة التلاوة بل له أن يقول فيها ما يقال فى سجود الصلاة .
( قال ) الكمال بن الهمام فى فتح القدير : ويقول فى سجدة التلاوة ما يقول فى سجدة الصلاة على الأصح . واستحب بعضهم أن يقول فى سجود التلاوة سُبْحَانَ رَبَّنَا إنْ كَانَ وَعْدَ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ، لأنه تعالى أخبر عن أوليائه بذلك قال تعالى فى سورة الإسراء : { يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً } { 108 }
وينبغى ألا يكون ما ذكر على عمومه ، بل إن كانت ( أى سجدة التلاوة ) فى الصلاة المفروضة قال : سبحان ربى الأعلى ، وإن كانت فى النوافل أو خارج الصلاة قال ما شاء مما ورد أ هـ بتصرف .
(11) السجود على الدابة :
من كان راكباً وتلا آية سجدة قاله السجود على الدابة . ولو تعذر أوماً للسجود " لحديث " مصعب بن ثابت عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم ، منهم الراكب والساجد فى الأرض حتى إن الراكب ليسجد على يده . وأخرجه ابو داود والبيهقى والحاكم (1) { 63 } ومصعب بن ثابت ، ضعفه غير واحد .
(
__________
(1) انظر ص 32 ج8 – المنهل العذب ( الرجل يسمع السجدة وهو راكب ) وص 325 ج2 بيهقى 0 قرا سجدة ) أى سورة فيها آية سجدة ، وفى رواية الطبرانى انه قرا سورة النجم . ويحتمل أنه اقتصر على قراءة ىية السجدة لبيان الجواز . وإن كان خلاف الأولى ، لما فيه من تفصيل آية السجدة على غيرهم ( منهم الراكب الخ ) وفى رواية الحاكم : والساجد على الأرض والمعنى سجد الراكب والماشى سجد على الأرض والراكب على يديه . ولعل هذا لمن لم يتمكن من السجود على السرج .(1/85)
وبهذا ) قال الحنفيون والشافعى وأحمد وقالوا : يومىء بالسجود إن لم يتيسر على الدابة مستدلين بما فى الحديث من وضع الجبهة على اليد ، فإنه فيه إيماء وزيادة ( وخصة ) المالكية بالمسافر سفر قصر وإلا نزل وسجد على الأرض ولا يجزئه الإيماء على الدابة ، ومثل الراكب فى ذلك المعذور بنحو زحام فسجد على فخذه أو غيره ، ولو وضع كفه على الأرض وسجد عليها بلا عذر جاز عند الحنفية على الصحيح مع الكراهة .
( وقال ) أبو محمد عبد الله بن قدامة : وإذا كان على الراحلة فى السفر جاز أن يومىء بالسجود حيث كان وجهه كصلاة النافلة ، فعَل ذلك علىّ وسعيد بن زيد وابن عمر وابن الزبير والمخعى وعطاء ربه قال مالك والشافعى وأصحاب الرأى وذكر حديث ابن عمر(1) .
(12) قضاء سجدة التلاوة :
تقدم أن سجود التلاوة عند الحنفيين واجب على التراخى فى غير الصلاة فلا يفوت بالتأخير ، أما فى الصلاة فواجب على الفور ، فإذا لم يسجد فيها لا يسجد بعدها ، لأنه وجب كاملا فلا يتأدى بالناقص .
( وقال ) مالك والشافعى وأحمد : يطلب السجود عقب قراءة آية السجدة أو سماعها . فإن أخر السجود وقصر الفصل سجد ، وإن طال فات ، وفى قضائه قولان ( أشهرهما ) أنه لا يقضى ، لأنه يفعل لعارض وقد زال فأشبه الكسوف ولو قرا آية سجدة فى صلاته فلم يسجد ، سجد بعد سلامه إن قصر الفصل . فإن طال ففيه قولان أشهرهما أنه لا يقضى . وإن كان القارىء أو المستمع محدثا حال القراءة . فإن تطهر عن فري سجد وإلا فات على المشهور افاده النووى فى المجموع(2).
( الثانى ) سجود الشكر
__________
(1) انظر ص 658 ج1 مغنى ( فروع فى سجود التلاوة ) .
(2) انظر ص 71 ج4 شرح المهذب ( ملخص المسالة الثانية من مسائل تتعلق بسجود التلاوة )(1/86)
يسن لمن حدثت له نعمة أو صرفت عنه نقمة أن يسجد الشكر المولاه على ما أولاده " لقول " أبى بكره : كان النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم كان إذا جاءه أمر يسره أو بشر به خر ساجدا شكرا لله تعالى . أخرجه ابو داود والترمذى وقال حسن غريب (1) { 64 }
" ولقول " عبد الرحمن بن عوف : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود حتى خفت أن يكون الله قد توفاه فجئت أنظر فرفع راسه فقال : مالك يا عبد الرحمن ؟ فذكرت ذلك له فقال : إن جبريل عليه السلام قال لى : ألا أشرك ؟ إن الله عز وجل يقول لك : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه . أخرجه أحمد ورجاله ثقات ، والبزار والحاكم وقال : هذا حديث صحيح . وزاد أحمد فى رواية : فسجدت لله عز وجل شكرا(2) { 65 }
" ولحديث " البراء بن عازب أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خر ساجدا حين جاءه كتاب على رضى الله عنه من ليمن بإسلام همدان ثم رفع راسه فقال : السلام على همدان ، السلام على همدان . أخرجه
__________
(1) انظر ص 179 ج2 تيسير الوصول ( سجود الشكر ) .
(2) انظر ص 184 ، 185 ج4 – الفتح الربانى وص 287 ج2 مجمع الزوائد ( سجود الشكر ) وص 276 ج1 مستدرك . و ( من صلى عليك) يعنى : أن من طلب النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم زيادة القرب من ربه ، تجلى الله عليه بالرحمة والأحسان . ومن دعا للنبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم بالسلامة من المكاره ، سلمه الله من كل مكروه . وفى هذا دليل على مزيد فضل النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم وفضل الصلاة عليه . وأفضل صيغها الصلاة الإبراهيمية التى بعد التشهد ، وقد تقدم بيانها فى بحث " كيفية الصلاة على النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم " ص 170 ج2 دين طبعة ثانية .(1/87)
البيهقى من حديث طويل وقال صحيح على شرط البخارى(1) { 66 }
" ولقول " سعد بن أبى وقاص : خرجنا مع النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مكه نريد المدينة ، فلما كنا ببعض الطريق رفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجدا فمكث طويلا ، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدا فعله ثلاثا وقال : إنى سألت ربى وشفعت لأمتى فأعصانى ثلث أمتى فخررت ساجدا شكرا لربى ثم رفعت رأسى فسألت ربى لأمتى فأعطانى ثلث أمتى فخررت ساجدا لربى . ثم رفعت رأسى فسألت ربى لأمتى فأعطانى ثلث الأخر فخررت ساجدا لربى أخرجه أبو داود (2){ 67 }، وفى سنده موسى بن يعقوب الزمعى وفيه مقال ، قاله المنذرى .
( وروى ) البيهقى وغيره سجود الشكر من فعل أبى بكر وعمر وعلى رضى الله عنهم ( وعن ) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر به رجل به زَمانة فنزل وسجد ومر به أبو بكر فنزل وسجد ، ومر به عمر فنزل فسجد أخرجه الطبرانى فى الأوسط . وفيه عبد العزيز بن عبيد الله وهو ضعيف (3) { 68 }
( وعن ) عُرْ فجة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبصر رجلا به زمانة فسجد ، وأن أبا بكر أتاه فتح فسجد ، وأن عمر أتاه فتح فسجد ، أخرجه الطبرانى فى الأوسط ، وفيه محمد بن عبد الله الفهمى ولم يرو عنه غير مسعر (4) { 69 }
(
__________
(1) انظر ص 369 ج2 بيهقى ( سجود الشكر ) و ( همدان ) بكون الميم بعدها دال قبيلة باليمن وجميع ما فى الصحابة والرواة ومصنفات الحديث هو نسبة لهذه القبيلة .
(2) انظر ص 179 ج2 تيسير الوصول ( سجود الشكر ) و ( اللث الآخر ) بكسر الخاء أو فتحها ، أى أعطائهم أشفع فيهم فلا يخلدون كالأمم السابقة .
(3) أنظر ص 289 ج2 مجمع الزوائد 0 سجود الشكر ) والزمانة بفتح الزاى مرض مزمن .
(4) أنظر ص 289 ج2 مجمع الزوائد 0 سجود الشكر ) والزمانة بفتح الزاى مرض مزمن .(1/88)
وبهذا ) قال جمهور العلماء ، منهم أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعى وأحمد وداود الظاهرى والليث بن سعد وإسحاق وابن المنذر .
( وعن ) أبى حنيفة ومالك روايتان ( الأولى ) الإباحة لما تقدم .
( والمشهور ) عنهما الكراهة لما تقدم عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم شكا إليه رجل القحط وهو يخطب فقال صلى الله عليه وسلم : اللهم أغثنا ( ثلاثا ) فَسقوا فى الحال ، ودام المطر إلى الجمعة الأخرى ، فقال رجل : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا ، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه وقال : اللهم حوالينا ولا علينا فأقلعت ، أخرجه الشيخان (1) { 70 }
( وجه ) الدلالة فيه أنه لم يسجد لتجدد نعمة المطر أولا . ولا لدفع نفمته آخرا ، ولأن الإنسان لا يخلو من نعمة ، فإن كلف السجود لذلك لزم الحرج .
( والراجح ) القول بمشروعية سجود الشكر للأحاديث المذكورة
( ويجاب ) عما استدل به مالك وأبو حنيفة بأن النبى صلى الله عليه وسلم ترك السجود فى وقاعة المطر المذكورة لبيان الجواز . وقولهما إن كلفه لزم الحرج ، معارض للنص فلا يعوِّل عليه ، ولأنه كان على المنبر وفى السجود حينئذ مشقة فيكتفى بسجود الصلاة .
( قال ) النووى فى المجموع : سجود الشكر سنة عند تجدد نعمة ظاهرة واندفاع نقمة ، سواء أخصته النعمة والنقمة أم عمت المسلمين ، وكذا إذا رأى مبتلى ببلية فى بدنه أو غيره أو بمعصية ، يستحب أن يسجد شكرا لله تعالى ، ولا يشرع السجود لاستمرار النعم لأنها لا تنقطع ، وإذا سجد لنعمة أو اندفاع نقمة لا يتعلق بغيره، استحب إظهار السجود ، وإن سجد ليليه فى غيره وصاحبها غير معذور كالفاسق ، أظهر السجود لعله يتوب، وإن كان معذورا كالزمن ونحوه ، أخفاه لئلا يتأذى به ، فإن خاف من إظهاره الفاسق مفسدة أو ضررا ، أخفاه أيضا .
(
__________
(1) هذا بعض حديث تقدم مطولا رقم 151 ص 135 ج5 دين ( أنواع الاستسقاء ) .(1/89)
ويفتقر ) سجود الشكر إلى شروط الصلاة ، وحكمه فى الصفات وغيرها حكم سجود التلاوة خارج الصلاة ، وفى السلام منه والتشهد ثلاثة أوجه ( الصحيح ) السلام دون التشهد .(1)
... ( وكذا ) قالت الحنبلية : يشترط لسجود الشكر ما يشترط لسجود التلاوة .
( وقال ) الإمام الصنعانى فى سبل السلام : ذهب إلى شرعية سجود الشكر الشافعى وأحمد خلافا لمالك ورواية لأبى حنيفة بأنه لا كراهة فيه ولا ندب والحديث دليل للأولين ، وأعلم أنه قد اختلف هل يشترط له الطهارة؟ فقيل يشترط قياسا على الصلاة ، وقيل لا يشترط ، لأنه ليس بصلاة وهو الأقرب (2)
... ( وقال ) العلامة الشوكانى فى النيل : وليس فى أحاديث الباب ما يدل على اشتراط الوضوء وطهارة الثياب والمكان لسجود الشكر ، وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى ، وذهب النخعى وبعض أصحاب الشافعى إلى أنه يشترط فى سجود الشكر شروط الصلاة ( وليس ) فى أحاديث الباب أيضاً ما يدل على التكبير فى سجود الشكر ، وفى البحر إنه يكبر ، قال الإمام يحيى : ولا يسجد للشكر فى الصلاة قولا واحدا إذ ليس من توابعها(3)
( فوائد ) ( الأولى ) يحرم سجود الشكر فى الصلاة ، فإن سجد فيها بطلت صلاته اتفاقا ( قال ) أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى : ولا يسجد للشكر وهو فى الصلاة لأن سبب السجدة ليس منها ، فإن فعل بطلت صلاته إلا أن يكون ناسياً أو جاهلا بتحريم ذلك ، فأما سجدة ص إذا سجدها فى الصلاة وقلنا ليست من العزائم ، فيحتمل أن تبطل بها الصلاة لأنها سجدة شكر ن ويحتمل أن لا تبطل لأن سببها من الصلاة وتتعلق بالتلاوة فهى كسجود التلاوة .
(
__________
(1) انظر ص 68 ج4 شرح المهذب و( الزمن ) بفتح فكسر ن المريض مرضا مزمنا .
(2) انظر ص 298 ج1 سبل السلام ( سجود الشكر وما يشترط فيه ) .
(3) انظر ص 129 ج3 نيل الأوطار ( هل يشترط لسجود الشكر شروط الصلاة ؟ ) .(1/90)
الثانية ) يصح سجود الشكر فى السفر على الراحلة بالإيماء كسجود التلاوة ، وأما الماشى فى السفر ففيه وجهان ( الصحيح ) أنه يشترط كرنه على الأرض لعدم المشقة فيه وندوره ( والثانى ) يجزئه الإيماء .
(الثالثة ) يحسن لمن تجددت له نعمة أو اندفعت عنه نقمة مع سجود الشكر أن يتصدق أو يصلى شكرا لله تعالى .
( الرابعة ) لو تقرب إنسان لله تعالى بسجدة بغير سبب يقتضى سجود شكر ففيه وجهان ( أصحهما ) لا يجوز قياسا على الركوع ، فإنه لو تطوع بركوع مفرد كان حراما بالاتفاق ، لأنه بدعة – وكل بدعة ضلالة – إلا ما دل دليل على استثنائه ، وسواء فى هذا الخلاف فى تحريم السجدة ما يفعل بعد صلاة وغيره وليس من هذا ما يفعله كثير من الجهة من السجود بين يدى المشايخ والملوك ، بل ذلك حرام قطعا بكل حال ن سواء أكان إلى القبلة أم غيرها ، وسواء اقصد السجود لله تعالى أم غفل ، وفى بعض صوره ما يقتضى الكفر او يقاربه ، عافانا الله الكريم بمنه ، قاله النووى فى المجموع (1) .
( الخامسة ) اختلف فى قضاء سجدة الشكر إذا قامت ، والصحيح أنها لا تقضى ، لأنه لا يتطوع بها ابتداء على الصحيح ، فلا تقضى كصلاة الكسوف . إلى هنا تم الكلام على الصلوات المشروعة مفروضة وواجبة ومسنونة ، وما يتبعها ، وإتماما للفائدة نبين غير المشروع منها فنقول :
( الثالث ) الصلوات غير المشروعة
روت عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد . أخرجه الشيخان وأبو داود (2) { 71 }
__________
(1) انظر ص 69 ج4 شرح المهذب . فروع تتعلق بسجود الشكر .
(2) انظر ص 25 ج1 تيسير الوصول ( الاستمساك بالكتاب والسنة )(1/91)
وفي رواية لمسلم : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ، أى مردود وباطل لا يعتد به وفى هذه الرواية رد على من فعل فعل سوء قائلا إنه لم يحدث ما فعله بل سبقه به غيره وفيها بيان أن كل ما هو مخالف لأمر الشرع ففاعله آثم لقوله صلى الله عليه وسلم : فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار . أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنة وصححه عن العرباض بن سارية (1)
( ومع ) كثرة الصلوات المشروعة الثابتة بالطرق الصحيحة ، نرى أن الشيطان سؤل للجاهلين الضالين الخروج عن الجادَّة ، وحسّن لهم عدم الاكتفاء بالمشروع ، فاخترعوا صلوات مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان . ولرغبتهم فى ترويج باطلهم ، اخترعوا له أحاديث موضوعة مكذوبة على المعصوم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله .
هذا . والصلوات المبتدعة كثيرة المذكور منها هنا إجمالا إحدى وعشرون وتفصيلا ثمان وأربعون .
1- الموضوع فى الرواتب :
تقدم ما ثبت منها بالأحاديث الصحيحة والحسنة . وقد قيل فيها ما لم يثبت من ذلك .
1- من لم يداوم على أربع قبل الظهر لم تنله شفاعتى ، قال النووى : لا أصل له .
2- من صلى ركعتين بعد ركعتى المغرب بفاتحة الكتاب والإخلاص خمس عشرة مرة ، فله كذا ، قال ابن حجر: هذا متن موضوع .
3- وركعتان بعد المغرب ، فى الأولى الإخلاص خمساً وعشرين مرة ، وفى الثانية إحدى وثلاثين مرة ، فيه سليمان بن سلمة متهم .
4- وركعتان بعد العشاء بالإخلاص عشرين مرة ، فيه أبو سليمان يكذب .
__________
(1) انظر ص 188 ج1 – الفتح الربانى وص 24 ج1 تيسير الوصول ( الاستمساك بالكتاب والسنة )(1/92)
5- الوتر فى أول الليل مسخطة للشيطان ، وأكل السحور مرضاة للرحمن . وضعه أبان بن جعفر البصرى ، وقد وضع أبى حنيفة أكثر من ثلثمائة حديث مما لم يحدث به أبو حنيفة ، ذكره العلامة محمد طاهر بن على الهندى فى تذكرة الموضوعات .
2- صلاة ليلة الجمعة ويومها :
قيل فى ذلك ما لم يثبت وهو :
(أ) عن طاوس عن ابن عباس رفعه : من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ فى كل واحدة منهما بفاتحة الكتاب مرة ، وإذا زلزلت خمس عشرة مرة ، هوَّن الله عليه سكرات الموت ، ويسر الله له الجواز على الصراط يوم القيامة ( قال ) السيوطى فى اللآلىء : أورده الحافظ بن حجر فى أماليه وقال : غريب ، وسنده ضعيف ، فيه من لا يعرف (1)
( وقال ) العلامة محمد طاهر الهندى فى تذكرة الموضوعات : لا يصح فى صلاة الأسبوع شىء ، وفى ليلة الجمعة اثنتا عشرة ركعة بالإخلاص عشر مرات باطل لا أصل له ( وكذا ) عشر ركعات بالإخلاص والمعوذتين مرة مرة باطل ، ( وكذا ) ركعتان بإذا زلزلت الأرض خمس عشرة مرة ، وفى رواية خمسين مرة والكل منكر باطل أهـ .
(ب) وعن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا : من صلى يوم الجمعة ما بين الظهر والعصر ركعتين يقرأ فى أول ركعة بفاتحة الكتاب وآية الكرسى مرة واحدة وخمساً وعشرين مرة قل أعوذ برب الفلق ، وفى الركعة الثانية يقرأ بفاتحة الكتاب ، وقل هو الله أحد ، وقل أعوذ برب الناس خمسا وعشرين مرة ، فإذا سلم قال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم خمسين مرة ، فلا يخرج من الدنيا حتى يرى ربه عز وجل فى المنام ، ويرى مكانه فى الجنة أو يرى له ( قال ) السيوطى : موضوع وفيه مجاهيل (2)
__________
(1) انظر ص 38 ج2 – اللالى المصنوعة ، وص 46 – الفوائد المجموعة للشوكانى .
(2) انظر ص 38 ج2 – اللالى المصنوعة ، وص 46 – الفوائد المجموعة للشوكانى .(1/93)
وفى التذكرة : يوم الجمعة ركعتان والأربع والثمان والاثنتا عشرة لا أصل له ، وقبل الجمعة أربع ركعات بالإخلاص خمسين مرة لا اصل له ومن صلى يوم الجمعة أربع ركعات يقرأ فى كل ركعة قل هو الله احد مائة مرة، فقد أدى حق الجمعة كما أدت حملة العرش من حق العرش ، فيه مروان ابن محمد ذاهب الحديث أهـ (1)
3- صلاة ليلة السبت ويومه
قيل فى ذلك ما لم يثبت وهو :
(أ ) عن أحمد بن عبد الله بن خالد النهروانى عن بشر بن السرى عن الهيثم عن يزيد الرقاشى عن أنس مرفوعا: من صلى ليلة السبت أربع ركعات يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وقل هو الله أحد خمسا وعشرين ، حرم الله جسده على النار ، قال السيوطى : موضوع ، غالب روانه مجهولون ، ويزيد ضعيف، والهيثم متروك ن وبشر لا تحل الرواية عنه ، وأحمد بن عبد الله هو الجويبارى الوضاع (2)
(ب ) وقال : وبهذا الإسناد عن أنس مرفوعا : من صلى يوم السبت عند الضحى أربع ركعات يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة ، أعطاه الله بكل ركعة ألف قصر من ذهب مكللة بالدر والياقوت ، وذكر أنواعا من هذا القبيل ما عليها من دليل .
( وأورد ) فى هذا حديثا آخر قال : إنه موضوع ، فيه جماعة مجهولون (3)
وفى التذكرة : وليلة السبت أربع ركعات بآية الكرسى ثلاثا لمغفرة الوالدين ، فيه أبات متهم
4- صلاة ليلة الأحد ويومه :
قيل فى ذلك ما لم يثبت أيضا وهو :
(
__________
(1) انظر ص 38 ج2 – اللالى المصنوعة ، وص 46 – الفوائد المجموعة للشوكانى .
(2) انظر ص 26ج2 – اللالى المصنوعة ، وص 44– الفوائد المجموعة .
(3) انظر ص 26ج2 – اللالى المصنوعة ، وص 44– الفوائد المجموعة .(1/94)
أ ) عن أحمد بن محمد بن عمر حدثنا أبو الحسن أحمد بن يونس ، حدثنا ابو اسحاق إبراهيم بن شاذوية ، حدثنا محمد بن ابى على ، حدثنا أبو نعيم حدثنا سلمة بن وردان عن أنس مرفوعا : من صلى ليلة الأحد أربع ركعات يقرا فى كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وخمس عشرة مرة قل هو الله أحد ، أعطاه الله يوم القيامة ثواب من قرأ القرآن عشر مرات . وذكر أنواعا من الثواب ليس عليها أثاره صدق . قال السيوطى : موضوع مظلم الإسناد عامة من فيه مجهول . وسلمة بن وردان ليس بشىء ، وأحمد بن محمد بن عمر كذاب أهـ وذكر فى هذا حديثا آخر موضوعا (1) .
( ب ) وعن سعيد المقبرى عن أبى هريرة مرفوعا : من صلى يوم الأحد أربع ركعات بتسليمة واحدة يقرأ فى كل ركعة الحمد مرة ، وآمن الرسول إلى آخرها مرة ، كتب الله تعالى له بكل نصرانى ونصرانية الف حجة ، وألف عمرة ، وألف غزوة ، وبكل ركعة الف صلاة ، وجعل بينه وبين النار الف خندق . وفتح له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء وقضى حوائجه يوم القيامة . قال السيوطى : موضوع فيه مجاهيل ص 27 جـ2 – اللآلىء المصنوعة وص 45 – الفوائد المجموعة .
5- صلاة ليلة الاثنين ويومه :
قيل فى هذا ما لم يثبت وهو :
( أ ) عن يزيد الرقاشى عن أنس مرفوعا : من صلى ليلة الأثنين ست ركعات يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وعشرين مرة قل هو الله احد ، ويستغفر بعد ذلك سبع مرات ، أعطاه الله يوم القيامة ثواب الف
صِدِّيق وألف عابد الخ ما قال من اختلاق . قال السيوطى : موضوع (2) .
(
__________
(1) انظر ص 44 –الفوائد المجموعة ، وص 26– اللالى المصنوعة.
(2) انظر ص 45– الفوائد المجموعة فى الأحاديث الموضوعة .(1/95)
ب ) حديث من صلى يوم الأثنين اربع ركعات يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وآية الكرسى مرة وقل هو الله أحد مرة ، وقل أعوذ برب الفلق مرة وقل أعوذ برب الناس مرة ، كفرت ذنوبه كلها وأعطاه الله قصرا فى الجنة من درة بيضاء ، فى جوف القصر سبعة أبيات الخ ما فيه من الاختلاق وهو من وضع الحسين بن إبراهيم كذاب ، يروى عن محمد بن طاهر . وضع من هذا الضرب فى سائر أيام الأسبوع ولياليه . وذكرنا منه ما تقدم ، ليعرف به أن هذه ليست أحاديث ، بل هى من المجازفات القبيحة على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (1)
(جـ) وعن سالم بن عبد الله بن عمر مرفوعا : من صلى يوم الاثنين أربع ركعات يقرا فى كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة ، وآية الكرسى مرة ، وقل هو الله أحد مرة ، وقل أعوذ برب الفلق مرة ، وقل أعوذ برب الناس مرة وإذا سلم استغفر الله عشر مرات ، وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم عشر مرات ، غفرت ذنوبه كلها وأعطاه الله قصرا فى الجنة . وذكر أنواعا من الجزاء ما أنزل الله بها من سلطان . قال السيوطى : موضوع بلا شك ، والمتهم به الجوزقانى ، لأن رجال الإسناد كلهم ثقات. وهو الذى قد وضع هذا وعمل هذه الصلاة كلها ، وصلاة ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء وليلة الأربعاء وليلة الخميس ويوم الخميس وليلة الجمعة ص 27 ج2 – اللالى .
( وقال ) الإمام محمد طاهر بن على الهندى فى تذكرة الموضوعات : وفى اللآلىء وفى يوم الاثنين أربع ركعات بآمن الرسول وثلاث قلاقل (2) مرة مرة ، موضوع . والمتهم به الجوزقانى . وهو الذى وضع هذه الصلاة كلها ، وصلاة الأسبوع ، ولقد كان له حظ من علم الحديث فسبحان من يطمس على القلوب وفى ليلة الاثنين ست ركعات بالإخلاص عشرين مرة موضوع أهـ .
6- صلاة ليلة الثلاثاء ويومه :
__________
(1) انظر ص 45– الفوائد المجموعة فى الأحاديث الموضوعة .
(2) المراد بالقلاقل : قل هو الله احد والمعوذتان .(1/96)
قال فى التذكرة : وفى ليلة الثلاثاء ركعتان بالإخلاص والمعوذتين خمس عشرة مرة ، وروى أربع ركعات. والكل باطل ص 45 – الفوائد .
وفى يومه عشر ركعات بآية الكرسى مرة ، والإخلاص ثلاثا موضوع ص 46- الفوائد .
7- صلاة ليلة الأربعاء ويومه :
قال فى التذكرة : وفى ليلة الأربعاء ست ركعات بقل اللهم(1) ضعيف جداً . وروى أربع وثلاثون ركعة والكل باطل .
وفى يومه اثنتا عشرة ركعة بآية الكرسى مرة ، والإخلاص والمعوذتين ثلاثا ثلاثا ، فى سنده كذاب ، وقال فى الفوائد : موضوع ص 46 .
8- صلاة ليلة الخميس ويومه :
قال فى التذكرة : وليلة الخميس ركعتان بآية الكرسى والإخلاص والمعوذتين خمساً خمساً ، ضعيف جداً ، وقال فى الفوائد : موضوع ص 46 .
وفى يومه ركعتان بآية الكرسى مائة فى الأولى والإخلاص مائة فى الثانية ، ضعيف ، وقال فى الفوائد : موضوع ص 46 .
وفى الذيل : ركعتان ليلة الخميس بين المغرب والعشاء بآية الكرسى والإخلاص والكافرون والمعوذتين كل خمس مرات ، تؤديان حق الوالدين وإن لم يبرهما ، فيه عاصم بن مضرس متروك أ هـ ملخصا
9- صلاة الأوابين :
وهى عشرون ركعة بعد المغرب ، وقد تقدم فى بحث الرواتب الترغيب فى التنفل بين المغرب والعشاء فى عدة أحاديث (2) وأما التحديد بعشرين ركعة وترتيب ثواب خاص عليها فقد قيل به ، ولكنه لم يثبت .
(
__________
(1) أى آية : قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتذل من تشاء ، بيدك الخير ن إنك على كل شىء قدير . و ( ضعيف ) قال فى الفوائد : موضوع ص 46 .
(2) انظر ص 306 ج2 دين ( راتبه المغرب البعدية غير المؤكدة ) .(1/97)
أ ) عن يعقوب بن الوليد المدائنى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا : من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتا فى الجنة . أخرجة ابن ماجه والترمذى . قال المنذرى فى الترغيب : ويعقوب كذبه أحمد وغيره (1) ( وقال ) الذهبى فى الميزان : كذبة ابو حاتم ويحيى . وقال أحمد : كان من الكذابين الكبار يضع الحديث أهـ .
(ب) وعن أبان عن أنس مرفوعا : من صلى عشرين ركعة بعد المغرب يقرأ فى كل ركعة قل هو الله أحد أربعين مرة ، صافحتُه يوم القيامة . ومن صافحته يوم القيامة أمن الصراط والحساب . أخرجه ابن شاهين . قال السيوطى : لا يصح فيه مجاهيل ، وأبان ليس بشىء ، ص 28 جـ2 – اللآلى
10- صلاة الغفلة :
قد قيل فيها ما لم يثبت ، أخرج ابن شاهين عن أبى عثمان النهدى عن سلمان الفارسى مرفوعا : يا سلمان ما من عبد يقوم فى ظلمة وغفلة الناس فيستاك ويتوضأ ويمشط رأسه ولحيته ويصلى ركعتين يقرأ فى أول ركعة بفاتحة الكتاب وقل يأيها الكافرون ، والثانية بفاتحة الكتاب . وقل هو الله أحد ويتشهد ويسلم ، ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حىّ لا يموت ، بيده الخير وهو على كل شىء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، رافعاً بها صوته . ثم يقوم فيصلى ركعتين يقرأ فى أول ركعة بفاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الفلق ، وفى الثانية بفاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الناس ويتشهد ويسلم ويقول : لا إله إلا الله الخ ما تقدم . وذكر أنواعا من الثواب ليس عليها اثارة من كلام النبوة قال السيوطى : موضوع ، فيه مجاهيل ص 28 ج2 – اللآلىء .
( وقال ) فى التذكر : أربع ركعات فى ظلمة الليل بأربع قلاقل ، موضوع
11- صلاة عاشوراء :
__________
(1) انظر ص 204 ج1 ( الترغيب فى الصلاة بين المغرب والعشاء ) .(1/98)
قيل فيها ما لم يثبت ، أخرج ابن شاهين عن أبى هريرة مرفوعا . من صلى يوم عاشوراء ما بين الظهر والعصر أربعين ركعة يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وآية الكرسى عشر مرات ، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة والمعوذتين خمس مرات فإذا سلم استغفر سبعين مرة ، أعطاه الله فى الفردوس قبة بيضاء ، فيها بيت من زمردة خضراء ، سعة ذلك البيت مثل الدنيا ثلاث مرات ، وفى ذلك البيت سرير من نور ، قوائم السرير من العنبر الأشهب ، على ذلك السرير ألفا فراش من الزعفران . وذكر كلاما كثيرا من هذا النوع . قال السيوطى : موضوع ورواته مجاهيل ص 26 جـ2 – اللآلىء . وص 47 – الفوائد .
12- صلاة رجب :
قيل فيها ما لم يثبت .
( أ ) أخرج الجوزقانى عن حميد الطويل عن أنس مرفوعا ، من صلى المغرب أول ليلة من رجب ثم صلى بعدها عشرين ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد مرة ، ويسلم فيهن عشر تسليمات ، حفظه الله وماله وأهله وولده ، وأجير من عذاب القبر وجاز على الصراط كالبرق بغير حساب ولا عذاب ، قال السيوطى : موضوع وأكثر رواته مجاهيل ص 29جـ2 – اللالىء وص 47 – الفوائد .
((1/99)
ب ) صلاة الرغائب ، وهى صلاة ثنتى عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب ، يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وأنا أنزلناه فى ليلة القدر ثلاث مرات ، وقل هو الله أحد ثنتى عشرة مرة ، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة ، فإذا فرغ من صلاته صلى على النبى صلى الله عليه وسلم سبعين مرة ثم يقول ، اللهم صلى على النبى الأمى وعلى آله ، ثم يسجد فيقول فى سجوده : سبوح قدوس رب الملائكة والروح وسبعين مرة ، ثم يرفع رأسه ثم يقول : رب اغفر وارحم ، وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت الأعز الأعظم سبعين مرة . ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال فى السجدة الأولى ، ثم يسال الله تعالى حاجته . ذكره الجوزقانى من طريق على بن عبد الله بن جهضم الصدائى بسنده إلى حميد الطويل عن أنس مرفوعا وفيه : فإنها تقضى ، والذى نفسى بيده ما من عبد ولا أمة صلى هذه الصلاة ، إلا غفر الله له جميع ذنوبه وإن كان مثل زبد البحر ، وذكر انواعا من الثواب ليس عليها اثارة صدق .
( قال ) السيوطى : موضوع ، اتهموا به ابن جهضم ، وسمعت شيخنا عبد الوهاب يقول : رجاله مجهولون ، قتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم أ هـ ص 30 ج2 – اللآلى . وص 48 – الفوائد .
((1/100)
وقال ) العلامة الحلبى فى شرح منية المصلى : وقال أبو الفرج بن الجوزى وأبو بكر الطرطوشى : صلاة الرغائب موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه . وقد ذكروا لكراهتها وجوها ( منها ) فعلها بالجماعة وهى نافلة ولم يرد به الشرع ( ومنها ) تخصيص سورة الإخلاص والقدر ولم يرد به الشرع (ومنها) تخصيص ليلة الجمعة دون غيرها . وقد ورد النهى عن تخصيص يوم الجمعة بصيام وليلته بقيام (ومنها) أن العامة يعتقدونها سنة من سنن النبى صلى الله عليه وسلم فيكون فعلها سببا لكذبهم عليه صلى الله عليه وسلم (قلت) بل كثير من العوام يعتقدونها فرضا ، وكثير منهم يتركون الفرائض ولا يتركونها ، وهو المعصية العظمى (ومنها) أن فعلها يغرى قاصد وضع الأحاديث بالوضع والافتراء على النبى صلى الله عليه وسلم (ومنها) أن الاشتغال بعدِّ السور مما يخل بالخشوع والتدبر وهو مخالف للسنة .
( ومنها ) أن فى صلاة الرغائب مخالفة السنة فى تعجيل الفطر (1) .
(
__________
(1) يعنى لمن كان صائما ، ففى الحديث الموضوع : وما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس فى رجب ثم يصلى ليلة الجمعة ثنتى عشرة ركعة الخ .(1/101)
ومنها ) أن سجدتيها مكروهتان إذ لم يشرع التقرب بسجدة منفردة بلا ركوع غير سجدة التلاوة عند أبى حنيفة ومالك . وعند غيرهما غيرها وغير سجدة الشكر ( ومنها ) أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين لم ينقل عنهم هاتان الصلاتان(1) فلو كانتا مشروعتين لما فاتتا السلف ، وإنما حدثتا بعد الأربعمائة(2) .
وتقدم فى بحث " بدع المساجد " الكلام على بدعية صلاة الرغائب وافيا كافيا .
(جـ) صلاة ليلة النصف من رجب – قيل فيها ما لم يثبت . أخرج الجوزقانى عن محمد بن يحيى عن أبيه عن أنس مرفوعا : من صلى ليلة النصف من رجب أربع عشرة ركعة ، يقرأ فى كل ركعة الحمد مرة ، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة ، وقل أعوذ برب الفلق ثلاث مرات ، وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات فإذا فرغ من صلاته صلى علىَّ عشر مرات . ثم يسبح الله بحمده ويكبره ويهلله ثلاثين مرة ، بعث الله تعالى إليه ألف ملك يكتبون له الحسنات ، ويغرسون له الأشجار فى الفردوس . وذكر أنواعا من العطاء ما أنزل الله بها من سلطان .
( قال ) السيوطى : موضوع رواته مجاهيل ص 30 ج2 – اللالىء وص 50 الفوائد وفيه : وقل هو الله أحد ، عشرين .
(
__________
(1) يريد صلاة الرغائب وصلاة ليلة النصف من شعبان ( فقد ) قال ابو محمد عز الدين ابن عبد السلام المقدسى : لم يكن ببيت المقدس قط صلاة الرغائب فى رجب ، ولا صلاة نصف شعبان . حدث فى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ، أن قدم علينا رجل من نابلس يعرف بابن أبى الحمراء ، وكان حسن التلاوة ، فقام يصلى فى المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان الخ ما تقدم بص 292 دين .
(2) انظر ص 433 غنية المتملى فى شرح منية المصلى ( النفل بالجماعة على سبيل التداعى مكروه ) .(1/102)
د) وأخرج الجوزقانى عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا من صام يوما من رجب وصلى فيه أربع ركعات يقرأ فى أول ركعة مائة مرة آية الكرسى وفى الركعة الثانية مائة مرة قل هو الله احد ، لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له . ( قال ) السيوطى : موضوع أكثر رواته مجاهيل وعثمان متروك ص 47 – الفوائد .
13- صلاة نصف شعبان :
قيل فيها ما لم يثبت .
( أ ) أخرج الجوزقانى عن مجاهد عن على مرفوعا : يا على من صلى مائة ركعة فى ليلة النصف من
شعبان يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ، عشر مرات . يا على ما من عبد يصلى هذه الصلوات إلا قضى الله عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة ، ثم ذكر أنواعا من الثواب ليس عليها أثارة صدق ص 30 ج2 – اللآلىء وص 50- الفوائد .
( ب ) وعن ابن عمر مرفوعا : من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة قل هو الله أحد فى مائة ركعة ، لم يخرج من الدنيا حتى يبعث الله إليه فى منامه مائة ملك ، ثلاثون يبشرونه بالجنة ، وثلاثون يؤمنونه من النار ، وثلاثون يعصمونه من أن يخطىء ، وعشرة يكيدون من عاداه . أخرجه الجوزقانى والديلمى . ص 31 ج2 – اللآلىء .
(جـ) وعن جعفر بن محمد الباقر عن أبيه مرفوعا : من قرأ ليلة النصف من شعبان قل هو الله أحد ألف مرة فى عشرة ركعات ، لم يمت حتى يبعث الله إليه مائة ملك ثلاثون يبشرونه بالجنة ، وثلاثون يؤمنونه من العذاب ، وثلاثون يقوّمونه أن يخطىء ، وعشرة أملاك يكتبون أعداءه .
( قال ) ابن الجوزى : هذا الحديث لا شك أنه موضوع وجمهور رواته فى الطرق الثلاثة مجاهيل ، وفيهم ضعفاء أ هـ ونحوه للسيوطى ص 31 جـ2 – اللآلىء .
( وقد ) تقدم فى بحث " بدع المساجد " الكلام على صلاة ليلة نصف شعبان بأتم من هذا (1) .
(
__________
(1) انظر ص 292 وما بعدها ج3 دين طبعة ثانية .(1/103)
وقد ) سئل شيخ الإسلام تقى الدين عن رجل جمع جماعة على نافلة وأمهم من أول رجب إلى آخر رمضان ، يصلى بهم بين العشاءين عشرين ركعة بعشر تسليمات ، يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ثلاث مرات ويتخذ ذلك شعارا ، ويحتج بأن النبى صلى الله عليه وسلم أمَّ ابن عباس والأنصارى الذى قال له : السيول تحول بينى وبينك (1) فهل هذا موافق الشريعة أم لا ؟ وهل يؤجر على ذلك أم لا ؟ والحالة هذه .
( فذكر) فى الجواب حكم الجماعة فى التطوع ثم قال : وهذا الذى ذكرناه فى التطوعات المسنونة . فأما إنشاء صلاة بعدد مقدر وقراءة مقدرة فى وقت معيَّن ، تصلى جماعة راتبه كهذه الصلوات المسئول عنها . كصلاة الرغائب فى أول جمعة من رجب ، والألفية فى أول رجب ونصف شعبان . وليلة سبع وعشرين من شهر رجب ، وأمثال ذلك ، فهذا غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام . وفتح مثل هذا الباب يوجب تغيير شرائع الإسلام وأخذ نصيب من حال الذين شرعوا من الدين ما لم ياذن به الله أهـ .
(
__________
(1) الذى فى صحيح البخارى أن عتبان بن مالك قال : يا رسول الله قد أنكرت بصرى وأنا أصلى لقومى ، فإذا كانت الأمطار سال الوادى الذى بينى وبينهم ولم استطع أن أتى مسجدهم فاصلى بهم ووددت يا رسول الله أنك تأتينى فتصلى فى بيتى فاتخذه مصلى . فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار ، فاستأذن النبى صلى الله عليه وعلى أله وسلم فأذنت له . فقال : أين تحب أن اصلى من بينك؟ فأشرت إلى ناحية من البيت . فقام النبى صلى الله عليه وعلى ىله وسلم فكبر فقمنا فصففنا فصلى ثم سلم ( الحديث ) {72} انظر ص 350 ج1 فتح البارى ( المساجد فى البيوت ) .(1/104)
وقال ) الحافظ أبو حفص عمر الموصلى فى كتابه المغنى : صلاة الرغائب والمعراج والنصف من شعبان وصلاة الإيمان والأسبوع كل يوم وليلة وبر الوالدين ويوم عاشوراء وغير ذلك ، لا يصح فى هذا الباب شىء عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهـ .
( وقال ) مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازى فى سفر السعادة : وباب صلاة الرغائب ، وصلاة نصف شعبان ، وصلاة نصف رجب . وصلاة الإيمان ، وصلاة ليلة المعراج ، وصلاة ليلة القدر ، وصلاة كل ليلة من رجب وشعبان ورمضان . هذه الأبواب لم يصح فيها شىء أصلا أهـ .
14- صلاة ليلة الفطر ويومه :
قيل فيها ما لم يثبت (أ) أخرج الجوزقانى عن مجاهد عن ابن مسعود مرفوعاً : من صلى ليلة الفطر مائة ركعة ، يقرأ فى كل ركعة الحمد مرة ، وقل هو الله أحد عشر مرات ، ويقول فى ركوعه وسجوده عشر مرات : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فإذا فرغ من صلاته ، استغفر مائة مرة ثم يسجد ثم يقول : يا حى يا قيوم ياذا الجلال والإكرام يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، يا أرحم الراحمين ، يا إله الأولين والأخرين ، اغفر لى ذنوبى ، وتقبل صومى وصلاتى ، والذى بعثنى بالحق إنه لا يرفع رأسه من السجود حتى يغفر الله له ويتقبل منه شهر رمضان ، ويتجاوز عن ذنوبه . وذكر انواعا من الثواب تشهد بوضعه . ( قال ) السيوطى : موضوع ، فيه جماعة لا يعرفون . انظر ص 32 ج2- اللآلى المصنوعة وص 52 – الفوائد المجموعة .
((1/105)
ب) وأخرج الجوزقانى عن عبد الله بن محمد حدثنا مالك عن سليمان التميمى عن أبى عثمان النهدى عن سلمان الفارسى مرفوعا : من صلى يوم الفطر – بعدما يصلى العيد – أربع ركعات يقرأ فى أول ركعة بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى ، وفى الثانية بالشمس وضحاها ، وفى الثالثة بالضحى ، وفى الرابعة بقل هو الله أحد ، فكأنما قرأ كل كتاب نزله الله على أنبيائه ، وكأنما أشبع جميع اليتامى ودهنهم ونظفهم ، وكان له فى الأجر مثل ما طلعت عليه الشمس ويغفر له ذنوب خمسين سنة ( قال ) السيوطى : موضوع فيه مجاهيل ، وعبد الله ابن محمد قال ابن حبان : لا يحل ذكره فى الكتب . انظر ص 32 ج2 – اللآلى .
15- صلاة يوم عرفة :
قيل فيها ما لم يثبت ، أخرج الجوزقانى عن النهاش بن فهم عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابى هريرة مرفوعا : من صلى يوم عرفة بين الظهر والعصر أربع ركعات ، يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد خمسين مرة ، كتب الله تعالى له ألف الف حسنة ، ورفع له بكل حرف درجة فى الجنة ، بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام ، وذكر أنواعا من الثواب تشهد بكذبه ( قال ) السيوطى : موضوع فيه ضعفاء ومجاهيل . والنهاشى لا يساوى شيئا .
وذكر حديثا آخر من طريق عبد الرحمن بن أنعم . وقال : لا يصح ابن أنعم ضعفوه . قال ابن حيان : يروى الموضوعات عن الثقات ، ويدلس عن محمد بن سعيد المصلوب أهـ ص 33 ج 2 – اللألى . وص 53 – الفوائد .
16- صلاة ليلة النحر ويومه :(1/106)
قيل فيها ما لم يثبت (أ) أخرج الجوزقانى عن أحمد بن أحمد بن غالب حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابى أمامة الباهلى مرفوعا : من صلى ليلة النحر ركعتين يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب خمس عشرة مرة ، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة ، وقل أعوذ برب الفلق خمس عشرة مرة ، وقل أعوذ برب الناس خمس عشرة مرة . فإذا سلم قرأ آية الكرسى ثلاث مرات ويستغفر الله خمس عشرة مرة ، جعل الله اسمه فى أصحاب الجنة ، وغفر له ذنوب السر والعلانية ، وكتب له بكل آية قرأها حجة وعمرة وكأنما أعتق ستين من ولد إسماعيل ، فإن مات فيما بينه وبين الجمعة الأخرى مات شهيدا .
( قال ) السيوطى : أحمد بن محمد بن غالب هو غلام خليل وضاع ص 33 جـ 2 اللآلى وص 53 – الفوائد .
( وقال ) فى ذيل اللآلى : ما من عبد يصلى ليلة العيد ست ركعات إلا شفع فى أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار . فيه إسماعيل كذاب .
(أ ) وقال فى تذكرة الموضوعات : قول الثورى : من السنة اثنتا عشرة ركعة بعد عيد الفطر ، وست ركعات بعد الأضحى ، لا اصل له ، وفى الصحيح خلافه وهو أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها أهـ .
17- صلاة رؤية النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
قيل فيها ما لم يثبت (أ) أخرج الجوزقانى عن ابى صالح عن ابن عباس مرفوعا : ما من مؤمن يصلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب وخمسا وعشرين مرة قل هو الله أحد ، ثم يسلم ثم يقول آلف مرة : صلى الله على محمد النبى الأمى فإنه يرانى فى المنام . ومن رآنى غفر الله له ذنوبه .
( قال ) السيوطى : لا يصح وفيه مجاهيل ، وذكر من طريق محمد بن عكاشة بسنده إلى ابن شهاب قال : من اغتسل ليلة الجمعة وصلى ركعتين يقرا فيهما بقل هو الله أحد آلف مرة ثم نام ، رأى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
( قال ) السيوطى : ابن عكاشة كذاب ص 34 ج2 – اللالى وصدره فى الفوائد ص 59 .(1/107)
18- صلاة حفظ القرآن وغيره :
قيل فيها ما لم يثبت (أ) أخرج الطبرانى أنى محمد بن إبراهيم القرشى حدثنا صالح عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال على بن أبى طالب : يا رسول الله إن القرآن تفلت من صدرى فقال : ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع بهن من علمهن ؟ قال بلى بأبي أنت وأمى . قال : صلِّ ليلة الجمعة أربع ركعات تقرأ فى الركعة الأولى بفاتحة الكتاب ويس ، وفى الثانية بفاتحة الكتاب وبحم الدخان ، وبالثالثة بفاتحة الكتاب وبالم تنزيل السجدة ، وفى الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل . فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأثن عليه ، وصل على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ثم قل : اللهم ارحمنى بترك المعاصى أبدا ما أبقتنى ، وارحمني أن أتكلف مالا يعنينى وارزقنى حسن النظر فيما يرضيك عنى ، اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التى لا ترام ، اسالك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبى حب كتابك كما علمتنى ، وارزقني أن أتلوه على النحو الذى يرضيك عنى ، واسالك أن تنوِّر بالكتاب بصرى ، وتطلق به لسانى ، وتفرح به عن قلبى ، وتشرح به صدرى ، وتستعمل به بدنى ، وتقوينى على ذلك وتعيننى عليه ، فإنه لا يعنينى على الخير غيرك ، ولا يوفق له إلا أنت فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا او سبعا ، تحفظ بإذن الله تعالى ، وما أخطأ مؤمنا قط، فأتى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك بسبع جمع ، فأخبره بحفظه القرآن والحديث فقال النبى صلى الله عليه وسلم : مؤمن ورب الكعبة ، يا ابا الحسن ( قال ) السيوطى : لا يصح ، محمد بن إبراهيم مجروح ، وأبو صالح إسحاق بن نجيح .(1/108)
متروك . ثم قال : وأخرجه الحاكم عن ابى النضر الفقيه وأبى الحسن أحمد ابن محمد بن سلمة قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقى ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن جريح عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس به وقال : صحيح على شرط الشيخين ص 34 ج2 – اللالى وص 41 – الفوائد .
( ورده ) الشوكانى فى تحفة الذاكرين فقال : ولم تركن النفس إلى مثل هذا من الحاكم ، فالحديث يقصر عن الحُسن فضلا عن الصحة ، وفى الفاظه نكارة وأنا فى نفسى من تحسين هذا الحديث فضلا عن تصحيحه ، فإنه منكر غير مطابق للكلام النبوى والتعليم المصطفوى ، وقد أصاب ابن الجوزى بذكره فى الموضوعات أهـ .
(ب) وقال فى التذكرة : قال فى الذيل : يابن عباس ألا أهدى لك هدية علمنيها جبريل للحفظ ؟ تكتب على طاس بزعفران فاتحة الكتاب وسورة الإخلاص وسورة يس وسورة الواقعة والجمعة والملك ، ثم تصب عليه ماء زمزم او ماء السماء ثم تشربه على الريق عند السحر بثلاثة مثاقيل من لبان . وعشرة مثاقيل من سكر طبر زد (1) وعشرة مثاقيل عسل ، ثم تصلى بعد الشرب ركعتين بمائة مرة قل هو الله أحد فى كل ركعة خمسين مرة ، ثم تصبح صائما. يابن عباس فلا يأتى عليك كذا وكذا إلا وتصير حافظا . وهذا لمن دون ستين سنة . قال ابن عباس وجدناه نافعا ، هذا كذب بين وأشار إليه فى الفوائد ص 42 وعشرون ركعة بالإخلاص لحفظ المال والنفس والولد والوالدين موضوعات أ هـ .
19- صلاة قضاء الدين :
__________
(1) طبرزد ، كفر جل معرب وفيه اربع لغات بذال معجمه وبدال مهملة وبنون وبلام وهو السكر الأبيض الصلب . واصله بالفارسية تبرزذ ، والتبر الفأس وزذ أوزد الضرب كأنه نحت من جوانبه بفاس لصلابته وعلى هذا فتكون طبر زذ ثفة تابعة لسكر فى الإعراب وقبل الطبرزد هو السكر أو العسل الذى طبخ بمثل عشرة من اللبن الحليب حتى ينعقد ويطلق ايضا على الملح أ هـ ملخصا من الصباح وغيره .(1/109)
قال فى التذكرة : علمنى جبريل دعاء فى قضاء الدين فقال : من أصابه دين فليتوضأ وليصل إذا زالت الشمس أربع ركعات ، وليقرأ فى كل ركعة الحمد وقل هو الله أحد وآية الكرسى . فإذا سلم قرأ : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { 26 } تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } { 27 } آل عمران .
ثم يقول يا فارج الهم ، يا كاشف الغم ، يا مجيب دعوة المضطرين ، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، ارحمنى رحمة تغنينى بها عن رحمة من سواك ، اقضى دينى . فإن الله يقضى دينه ، وفيها اسم الله الأعظم . من نسخة نبيط ابن شريط الكذاب أهـ ص 59 – الفوائد .
20- صلاة الهدية أو الفدية عن الميت :
هى ركعتان تصليان فى أول ليلة بعد دفن الميت . ثم يدعو بهذا الدعاء : اللهم إنى صليت هذه الصلاة وأنت تعلم ما أريد ، اللهم ابعث ثوابها إلى قبر فلان ابن فلان ويسمى الميت .
( هذه) الصلاة لا اصل لها ولم يرد بها حديث .
21- صلاة الكفاية :
ورد فيها حديث موضوع . وصفتها أن يصلى ركعتين ن يقرا فى كل ركعة الفاتحة وقل هو الله أحد خمس مرات والقدر خمس مرات . ثم يقول فى أخره : يا شديد القوى ، يا شديد المحال ، ياذا القوة والجلال ، ياذا العزة والسلطان ، اذللت جميع مخلوقاتك ، اكفنى ما أخاف وأحذر ، يقولها ثلاث مرات ، ثم يتشهد ويسلم .
( قال ) الإمام ابن الجزرى فى عدة الحصن : صلاة الكفاية جربت ولا أعلمها وردت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أ هـ .
((1/110)
قال ) الشوكانى فى شرحه : وهو حديث مكذوب . والتجربة لا تدل على صحته ولا يخرج بها الفاعل للشىء معتقدا أنه سنة عن كونه مبتدعا أ هـ ص 144 تحفة الذاكرين .
تتمة فى بعض السجدات المبتدعة
( قال ) أبو سعيد فى التتمة : جرت عادة بعض الناس بالسجود بعد الفراغ من الصلاة يدعوة فيها . ولا اصل لتلك السجدة أصلا ، ولم ينقل عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن الصحابة وذلك بدعة
( وقال )الغزالى فى الإحياء : قد جرت عادة بعض العوام بالسجود عند قيام المؤذن للإقامة يوم الجمعة ، ولا يثبت له اصل فى خبر ولا اثر ، لكن الوجه للتحريم أ هـ
وفى الصحيحين عن عائشة : كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى إحدى عشرة ركعة ، كانت تلك صلاته ( يعنى بالليل ) فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للصلاة (1) ]73 [.
( وعن ) القاضى أنه استدل به لجواز التقرب بسجدة فردة لغير التلاوة والشكر . وقد اختلفت الآراء فى جوازه ( وفى ) الحصن الحصين : والسجود بعد الوتر موضوع ، ولكن صح أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلى بعده ركعتين جالسا أ هـ من تذكرة الموضوعات .
( الرابع ) اللباس
معلوم أن ستر العورة فرض ولا سيما فى الصلاة . وأن التجمل للصلاة مطلوب ولا سيما للجمعة والعيدين. ولذا عقب الكلام على أحكام الصلاة بذكر يحث اللباس . والكلام فيه ينحصر فى ثمانية وعشرين فرعا .
1- حكم اللبس :
اللباس تعتريه أحكام خمسة :
(أ) فرض وهو ما يستر العورة ويدفع الحسر والبرد . قال الله تعالى { يَا بَنِي آدَمَ زِينَتَكُمْ خُذُوا عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } 31 - الأعراف أى ما يستر عورتكم عند الصلاة .
__________
(1) تقدم رقم 214 ص 184 ج5 دين (ركعات قيام الليل ) وفيه : ويسجد فى سبحته فهو سجود صلاة لا سجود فرد .(1/111)
والإنسان لا يتحمل الحر والبرد ، فيحتاج إلى دفع ضررهما باللباس . قال تعالى : { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ } (1) أى البرد .
( ويكون ) من قطن أو كتان أو صوف أو غيرها مما يحل ، وقد لبس النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصوف وغيره ( روى ) الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فى شملة قد عقد عليها . أخرجه ابن ماجه (2) { 74 } وخالد لم يلق عبادة ولم يسمع منه . والأحوص ضعيف .
( وقال ) المغيرة بن شعبة : وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه جبة من صوف شامية ضيقة الكمين ( الحديث ) أخرجه الترمذى(3) { 75 }
( وقال ) أبو بردة : دخلت على عائشة فأخرجت إلينا كساء ملبدا وإزارا غليظا فقالت : قبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى هذين . أخرجه الستة إلا النسائى (4) { 76 }
(
__________
(1) من آية 81 – النحل وصدرها : والله جعل لكم مما خلق ظلالا .
(2) انظر ص 191 ج2 سنن ابن ماجه ( اللباس ) و ( الشملة ) كساء بتغطى به وتلفف فيه ( قد عقد عليها ) لئلا يسقط من الصغر .
(3) انظر ص 266 ج3 تيسير الوصول ( أنواع اللباس ) وص 270 منه ( الخامس فى الصوف ) وص 191 ج2 – ابن ماجه ( اللباس ) .
(4) انظر ص 266 ج3 تيسير الوصول ( أنواع اللباس ) وص 270 ج1 ( الخامس فى الصوف ) وص 191 ج2 – ابن ماجة ( اللباس )(1/112)
ب) ومستحب وهو ما يحصل به اصل الزينة وإظهار النعمة ( قال ) تعالى { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } ( وعن ) ابى الأحوض عن أبيه قال : دخلت على النبى صلى الله عليه وسلم فرآنى سيىء الهيئة . فقال : ألك من شىء ؟ قلت : نعم . من كل المال قد آتانى الله تعالى، فقال : إذا كان لك مال فلير عليك . أخرجه النسائى(1) {77} ( وعن ) ابن عمر وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن الله يحب أن يرى اثر نعمته على عبده . أخرجه الحاكم والترمذى وحسنه (2) { 78 }
(جـ) ومباح وهو الثوب الجميل للتزين ولا سيما فى الجمع والأعياد ومجامع الناس " لحديث " محمد بن يحيى بن حبان ( بفتح الحاء) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة غير ثوبى مهنته . أخرجه أبو داود والبيهقى . وأخرجه أبو داود عن يوسف بن عبد الله ابن سلام وأخرجه ابن ماجه عن عائشة أيضا (3) { 79 }
(د) وكروه وهو اللبس للتكبر والخيلاء " لحديث " عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أن النبى صلى الله
عليه وسلم قال : كلوا واشربوا وتصدقوا فى غير إسراف ولا مخيلة . أخرجه أحمد والنسائى والحاكم وابن ماجه وعلقه البخارى (4) { 80 } ( وعن ) ابن عباس : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة . أخرجه البخارى موقوفا(5) { 81 }
(
__________
(1) انظر ص 296 ج2 مجتبى ( ما يستحب من لبس الثياب
(2) انظر رقم 1880 ص 293 ج2 فيض القدير .
(3) انظر ص 265 ج3 تيسير الوصول ( التنزين – اللباس ) وص 176 ج1 – ابن ماجة ( الزينة يوم الجمعة )
(4) انظر رقم 6402 ص 46 ج 5 فيض القدير . وص 198 ج 10 فتح البارى ( كتاب اللباس ) والمخيلة كعظيمة ، الكبر
(5) انظر رقم 6402 ص 46 ج 5 فيض القدير . وص 198 ج 10 فتح البارى ( كتاب اللباس ) والمخيلة كعظيمة ، الكبر(1/113)
وقال ) عبد الله بن عمرو : قلت يا رسول الله أمن الكبر ان يكون لى الحلة فألبسها ؟ قال : لا قلت : أمن الكبر ان تكون لى راحلة فاركبها ؟ قال : لا ، قلت : أمن الكبر أن اصنع طعاما فأدعو أصحابي ؟ قال لا ، الكبر أن تَشْفَه الحق وتَغْمِضَ الناس . أخرجه أحمد والبراز بسند رجاله ثقات { 82 } .
(هـ) وحرام على الرجال والخنائى المكلفين المختارين . وهو الحرير ، فيحرم على الرجل والخنثى لا المراة لبسه ولو بحائل بينه وبين بدنه " وما قيل " من أنه لا يحرم إلا إذا مس الجلد " فغير " صحيح لا يجوز العمل ولا الفتوى به ، لأنه مخالف لعموم الأدلة وهى :
( حديث ) ابى أمامة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريرا ولا ذهبا . أخرجه أحمد والحاكم (1) { 83 } .
( وحديث ) ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إنما يلبس الحرير فى الدنيا من لاخلاقه له فى الآخرة . أخرجه الشيخان والنسائى(2) { 84 } .
( وحديث ) أبى أمامة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة . أخرجه أحمد والشيخان (3) { 86 } .
(
__________
(1) انظر ص 133 ج5 مجمع الزوائد ( إظهار النعم واللباس الحسن ) و( صفة الحق ) من باب تعب جهله . وغمضة من باب ضرب وسمع وفرح، احتقره كاغتصمه وعايه وتهاون بحقه .
(2) انظر رقم 8982 ص 211 ج2 فيض القدير . وص 268 ج3 تيسير الوصول 0 الحرير تحريمة ) و ( من لاخلاق ( أى لا نصيب ( له ) من الخير فى الآخرة وهو كناية عن عدم دخول الجنة قال تعالى فى وصف أهل الجنة ولباسهم فيها حرير فمن لبسه فى الدنيا لم يدخل الجنة . ويؤيده ( قول ) ابن عمر : حدثنى ابو حفص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من لبس الحرير فى الدنيا فلا خلاق له فى الآخرة أخرجه النسائى { 85 } ص 297 ج2 مجتبى .
(3) انظر ص 269 ج3 تيسير الوصول 0 الحرير – تحريمة )(1/114)
وحديث ) البراء بن عازب رضى الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الديباج والحرير والإستبراق . أخرجه ابن ماجه (1) { 87 } .
( وحديث ) جوبرية بنت الحارث رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وعلى أله وسلم قال : من لبس ثوب حرير فى الدنيا ألبسه الله يوم القيامة ثوبا من نار . أخرجه أحمد والطبرانى وفى سنده جابر الجعفى ضعيف وقد وثق (2) { 88 } .
( وما ذكر ) خاص بالرجال دون النساء " لحديث " على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجعله فى يمينه وذهبا فى شماله ثم رفع بهما يديه فقال إن هذين حرام على ذكور أمتى حل لإناثهم . أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه (3) { 89 } .
( ولحديث ) زبد بن أرقم ووائلة بن الأسقع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : الذهب والحرير حل لإناث أمتى وحرام على ذكورها . أخرجه الطبرانى فى الكبير وأبو داود والنسائى وابن ماجه (4) { 90 } .
( قال ) ابن المدينى : حديث حسن ورجاله معروفون .
(
__________
(1) انظر ص 195 ج2 – ابن ماجة ( كراهة لبس الحرير ) والديباج : ماسداه ولحمته من حرير والإستبراق ما غلظ منه ، فذكرهما معه من ذكر الأخص مع الأهم .
(2) انظر ص 324 ج6 مسند أحمد وص 141 ج5 مجمع الزوائد ( الحرير والذهب ) .
(3) انظر ص 268 ج3 تيسير الوصول ( الحرير – تحريمة ) وص 196 ج2 – ابن ماجة ( لبس الحرير والذهب للنساء ) و ( أن هذين ) . أى استعمال هذين ، فخذف المضاف وأبقى الخبر على إفراده وعلى كل فالمراد أن الحرام لبسهما والأ فاستعمالهما صرفا وإتفاقا وبيعا ، جائز للرجال والنساء واستعمال أوانى الذهب واتخاذها حرام على الكل .
(4) انظر ص 143 ج5 مجمع الزوائد ( الحرير والذهب ) .(1/115)
ولحديث ) ابى موسى الشعرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : حُرِّمَ لباس الحرير والذهب على ذكور أمتى وأحل لإناثهم . أخرجه أحمد والأربعة وصححه الترمذى والحاكم وابن خزيمة والطبرانى(1) { 91 } .
" ولقول " أنس : رأيت على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قميص حرير سيراه . أخرجه ابن ماجه (2) { 92 } .
( وعن ) أنس أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بردا سيراء قال : والسيراء المضلع بالقز . أخرجه أبو داود (3) { 93 } .
(ففى) هذه الأحاديث دلالة على حل لبس الحرير للنساء وتحريمه على الرجال وهو متفق عليه إن كان الحرير خالصا . وكذا إذا كان غالبا ظاهرا عند جمهور السلف والحلف . فإن الأدلة لم تفرق بين الخاص والمخلوط ، ولأن الأقل كالعدم .
( وقال ) ابن عباس وجماعة : إنما يحرم الحرير الصافى الذى لا يخالطه غيره .
(
__________
(1) انظر ص 392 ج4 مسند أحمد وص 294 ج2 مجتبى ( تحريم الذهب 9 وص 40 ج3 تحفة الأحوذى ( الحرير والذهب للرجال )
(2) انظر ص 196 ج2 ابن ماجه 0 لبس الحرير والذهب والنساء ) و 0 سيراه ) بكسر ففتح ممدودا وع من الثياب فيه خطوط يخالطه حرير .
(3) انظر ص 50 ج4 سنن أبى داود ( الحرير للنساء )(1/116)
روى ) خُصيف بن عبد الرحمن عن عكرمة عن ابن عباس قال : إنما نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصْمَت من الحرير . وأما العلم من الحرير وسدى الثوب فلا بأس به . أخرجه وأبو داود والبيهقى بسند صحيح كما قال النووى فى شرح المهذب ( ولكن ) خُصيف ضعفه أحمد وقال : ليس بحجة ولا قوى أ هـ ووثقه ابن معين وأبو زرعة ( وقال ) الحافظ فى التقريب : صدوق سيىء الحفظ خلط بآخره أ هـ ، وأخرجه الطبرانى بسند حسن والحاكم بسند صحيح . عن ابن جريح عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إنما نهى النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم عن المصمت إذا كان حريراً (1) { 20 }
( وعن ) عبد الله بن سعد عن أبيه قال : رأيت رجلا ببخارى على بغلة بيضاء ، عليه عمامة خز سوداء فقال: كسانيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم . أخرجه أبو داود (2) { 94 } .
( قال ) ابن الأثير فى النهاية : الخز ثياب تنسج فى صوف وإبريسم . وهى مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون فيكون النهى عنها لأجل التشبه بالعجم وزى المترفين .
( وقال ) القاضى عياض : الخز ما خلط من الحرير والوبر .
وأجاب الجمهور (أ) عن اثر ابن عباس بأنه يحتمل أن يراد بالمصمت فيه الخالص أو ما غالبه حرير ، بدليل قوله : وأما العلم وسدى الثوب فلا باس به .
(
__________
(1) انظر ص 49 ج2 سنن أبى داود ( الرخصة فى العلم وخيط الحرير 9 وص 145 ج 5 مجمع الزوائد ( استعمال الحرير لعله ) والمصمت ، بضم فسكون ففتح ، الخالص والسدى بفتح السين وقد تضم ، ما يمد طولا فى النسج ، واللحمة ، بضم اللام وفتحها ما ينسخ عرضا .
(2) انظر ص 45 ج4 سنن ابى داود ( فى الخز) و( رجلا ) هو عبد الله بن خازن بالخاء المعجمة والزاى ، كنيته أبو صالح . قيل إن له صحبة.(1/117)
ب) وعن حديث عبد الله بن سعد عن أبيه " بأن قول " الرجل فى عمامة الخز : كسانيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لا يستلزم " جواز لبسه إياها ، لجواز أن يكون النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم سلمها له ليجعلها خماراً لبعض نسائه كما وقع نظيره لعمر وعلىّ وأسامة بن زيد رضى الله عنهم كما سيأتى . ويحتمل أن تكون تلك العمامة متخذة من حرير وغيره وليس الحرير غالبا . أو متخذة من وبر الأرنب كما قيل فى الخز .
( ومن هذا ) تعلم حرمة لبس القطانى والأحزمة المتخذة من الحرير الخالص أو الغالب . وقد تغالى بعضهم فاتخذ منه جبة أو عبارة أو قميصاً أو طيلسانا على الرأس أو غير ذلك . وسكت على هذا كثير من أهل العلم . يل استعمله بعضهم فاغتر بهم كثير من القاصرين الجاهلين واقتدى بهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
( قال ) النووى فى شرح مسلم : وأما لبس الحرير والإستبرق والديباج والقسى وهو نوع من الحرير ، فكله حرام على الرجال سواء لبسه للخيلاء أو غيرها إلا أن يلبسه للحكة فيجوز فى السفر والحضر . وأما النساء فيباح لهن لبس الحرير بجميع أنواعه ، وخواتم الذهب وسائر الحلى منه ومن الفضة سواء المزوّجة وغيرها والشابة والعجوز والغنية والفقيرة . هذا مذهبنا ومذهب الجماهير انظر32 ص 14 ج شرح مسلم .
2- زر الطربوش :
ومن الحرير المحرم على الرجال زر الطربوش ، فإن الأدلة عامة فى تحريم الحرير على الرجال ولم يستثن النبى صلى الله عليه وسلم منه إلا مقدار الأربع الأصابع فاقل كما سيأتى وليس منها زر الطربوش . وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء .
( قال ) الشيخ عوض فيما كتبه على الخطيب شرح أبى شجاع ( فرع ) زر الطربوش حرام وقيل حلال أهـ ( وقال ) المدابغى : يحرم زر الطربوش أ هـ فتراهما قد نصا على تحريمه عملا بالدليل . ولا غيرة بما قيل بحله ، لعدم ما يدل عليه ومن ادعى حله فعلية الدليل وإلا فلا يقبل قوله .
((1/118)
وقال ) الشيخ منصور الحنبلى فى شرح المنتهى : وحرم الأكثر استعماله .
( أى الحرير ) مطلقا ، فيدخل فيه تكة وشرَّابة مفردة وخيط سبحة أ هـ ويعلم منه حرمة زر الطربوش بالأولى .
( ولذا ) افتى المرحوم الشيخ سليم البشرى الإسلام وغيره من علماء المذاهب الأربعة بتحريم زر الطربوش إذا كان من الحرير .
( فقد سئلوا ) بما نصه : هل زر الطربوش المعروف لبسه حرام أو مكروه أو جائز ؟ فإن قلتم بالكراهة أو الجواز فما الدليل ؟ (فأجاب) (أ) الأستاذ الشيخ محمد طموم المالكى أمين الفتوى للأستاذ الجليل الشيخ سليم البشرى شيخ الجامع الأزهر سابقا بقوله : لبس الحرير الخالص حرام على الذكور المكلفين ، لما رواه ابن ماجه بسنده عن حذيفة رضى الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن لبس الحرير والذهب(1) { 95 } وروى أيضا بسنده عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة (2) { 96 } . وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة فى تحريم الحرير إلا ما ستثنى كالعلم فى الثوب قدر اربع اصابع ، والسجاف والخباطة به وراية الجهاد وخيط السبحة وستر السقف والحائط به بشرط ألا يستند إليه الرجل . ولم يستثنوا زر الطربوش فهو حرام إذا كان من خالص الحرير أ هـ .
ولما اطلع على هذا الجواب شيخ الإسلام الشيخ سليم البشرى كتب ما نصه : ما كتبه العلامة الشيخ محمد كموم هو الحق الذى لا شك فيه أ هـ .
(
__________
(1) انظر ص 195 ج2 – ابن ماجه ( كراهية لبس الحرير ) وحديث أنس أخرجه ايضا أحمد والشيخان والنسائى انظر رقم 9003 ص 218 ج6 فيض القدير .
(2) انظر ص 195 ج2 – ابن ماجه ( كراهية لبس الحرير ) وحديث أنس أخرجه ايضا أحمد والشيخان والنسائى انظر رقم 9003 ص 218 ج6 فيض القدير .(1/119)
ب) وأجاب العلامة الشيخ محمد حسين الشافعى بقوله : وأما استعمال زر الطربوش فهو حرام ، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم : من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة . أخرجه ابن ماجه وغيره من أصحاب السنن . وروى أيضا بسنده عن حذيفة : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والذهب أ هـ وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة فى تحريم لبس الحرير بجميع أنواعه وأصنافه .
(جـ) وأجاب العلامة الشيخ محمود الشنقيطى بما نصه : لبس زر الطربوش الحرير حرام ، فيجب على المكلف البعد عنه ، فقد روى ابن ماجه فى سننه بسنده عن على بن ابى طالب قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حريراً بشماله وذهبا بيمينه ، ثم رفع بهما يديه فقال : إنى هذين حرام على ذكور أمتى حلال لإناثهم(1) { 97 } ولبس زر الطربوش غير الحرير من الهذيان والعبث المطلوب تركه لا على جهة الوجوب أ هـ .
3- استعمال الحرير بغير اللبس :
__________
(1) تقدم رقم 89 ص 176 وص 226 ج10 فتح البارى 0 افتراض الحرير )(1/120)
وكما يحرم على الرجال لبس الحرير يحرم عليهم استعماله بغيره من أنواع الاستعمال فيحرم جعله وسادة أو لحافا أو تكة للسراويل أو سترا أو ملاءة " لحديث " حذيفة رضى الله عنه : قال نهانا النبى صلى الله عليه وسلم أن نشرب فى آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها : وعن لبس الحرير والديباج ، وأن نجلس عليه . أخرجه البخارى(1) { 98 } " ولقول " على رضى الله عنه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن لبس القسىّ وعن جلوس على المياثر . أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة بألفاظ مختلفة (2) { 99 } ولأنه فعل الأكاسرة (وقد ) قال عمر رضى الله عنه : إياكم وزى الأعاجم . أخرجه ابن حبان ( وقال ) سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه : لأن أتكىء على جمر الغضى (3) أحب إلى من أن أتكىء على مرافق الحرير .
" ولقوله" صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى حديث على رضى الله عنه : إن هذين حرام على ذكور أمتى ، حلال لإناثهم . فإنه بعمومه يشمل الجلوس والاتكاء وغيرهما أنواع الاستعمال .
(
__________
(1) تقدم رقم 89 ص 176 وص 226 ج10 فتح البارى 0 افتراض الحرير )
(2) انظر ص 80 ج1 مسند أحمد وصدره : نهانى عن ثلاثة وص 72 ج14 نووى مسلم ( تحريم خاتم الذهب على الرجال ) وص 47 ج4 سنن أبى داود وص 294 ج2 مجتبى ( النهى عن لبس خاتم الذهب) وص 50 ج3 تحفة الأحوذى ( كراهية خاتم الذهب 9 والقسى ، بفتح القاف وقد تكسر وشد السين المهملة المكسورة ثياب مخططة بالحرير تعمل بالقسى ، موضع بمصر على ساحل البحر قريب من دمياط . ( وقيل ) هى ثياب مخلوطة بالحرير ، وقيل ثياب من القز . وهو ردىء الحرير ن فابدلت الزاى سينا . و ( المياثر ) فراش صغير يتخذ من حرير يحشى بقطن أو صوف يضعها الراكب على البعير فوق الرحل ز فإن كانت من الحرير كما هو الغالب فهى حرام وهى عند مسلم فقط .
(3) الغضى : شجر خشية من اصلب الخشب .(1/121)
وبهذا ) قالت المالكية والشافعية وأبو يوسف ومحمد . وهو مشهور مذهب الحنبلية .
( وقال ) أبو حنيفة : لا بأس بافتراش الحرير والنوم عليه واتخاذ الوسائد والمرافق والبسط والستور منه إذا لم يكن فيها تماثيل . وبه قال القسم وابن الماجشون . وروى عن ابن عباس وأنس ( روى) وكيع عن مسعر عن راشد مولى بنى تميم قال : رأيت فى مجلس ابن عباس مرفقة حرير .
( وقال ) مؤذن بنى وداعة : دخلت على ابن عباس وهو متكى على مرفقة حرير ، ولأن الفراش موضع إهانة.
( قال ) الشوكانى فى النيل : واستدل لهم بالقياس على الوسائد المحشوة بالقز إذ لا خلاف فيها . وهذا دليل باطل لا ينبغى التعويل عليه فى مقابلة النص . وقد تقرر بطلان القياس فى مقابلة النص ، وأنه فاسد الاعتبار ، وعدم حجية أقوال الصحابة ، لا سيما أقوال الصحابة ، لا سيما إذا خالفت الثابت عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم (1) .
( والحكمة ) فى تحريم الحرير على الرجال أنه خلق فى الأصل للنساء كالحلية بالذهب ، فحرم على الرجال لما فيه من مفسدة تشبه الرجال بالنساء . وقيل : حرم لما يورثه من الفخر والخيلاء والعجب . وقيل : حرم لما يورثه للبدن لملامسته من الأنوثية والتخنث وضد الشهامة والرجولية . فإن لبسه يكسب القلب صفة من صفات الإناث ، ولهذا لا تكاد تجد من يلبسه فى الأكثر إلا وعلى شمائلة من التخنث والتأنيث والرخاوة ما لا يخفى ، حتى لو كان من أشهم الناس وأكثرهم رجولية ، فلابد أن ينقصه لبس الحرير منها وإن لم يذهبها ، ولهذا كان أصح القولين أنه يحرم على الولى أن يلبسه الصبى لما ينشأ عليه من صفات أهل التأنيث . أفاده ابن القيم(2) .
4- اللباس المخلوط وليس الحرير غالبا :
__________
(1) انظر ص 78 ج2 نيل الأوطار ( افتراش الحرير كلبسة ) .
(2) انظر ص 89 ج3 زاد المعاذ ( منافع الحرير الطبية )(1/122)
إن كان الحرير مساويا لغيره أو أقل كالخز ، سداه حرير ولحمته من غيره فعند الحنفيين يحل استعماله للرجال ولو كانت اللحمة أقل من السدى على الصحيح ، وقيل : لا يحل إلا إذا غلبت اللحمة ، وهو الصحيح عند الشافعية والحنبلية ( لما) تقدم عن ابن عباس أنه قال : إنما نهى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الثوب المصمت من الحرير . فأما العلم من الحرير وسدى الثوب فلا باس به . أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى (1) .
وقال النووى : وإذا كان بعض الثوب حريرا وبعضه غيره ونسج منهما ، ففيه طريقان " أحدهما " إن كان الحرير ظاهرا يشاهد ، حرم وإن قل وزنه ، وإن استتر لم يحرم وإن كثر وزنه ، لأن الخيلاء والمفاخرة إنما تحصل بالظاهر ( والطريق ) الثانى هو الصحيح المشهور أن الاعتبار بالوزن . فإن كان الحرير أقل وزنا حَلْ ، وإن كان أكثر حرم . وإن استويا فوجهان ، الصحيح الحل لأن الشرع إنما حرم ثوب الحرير وهذا ليس بحرير أهـ بتصرف (2) وهذا مذهب أحمد .
(
__________
(1) تقدم أثر 20 ص 125 ( دليل حل الحرير غير الصافى ) .
(2) انظر ص 438 ج4 شرح المهذب ( تفصيل القول فيما إذا كان بعض الثوب إبريسما وبعضه قطنا ) .(1/123)
وعند) المالكية فى المخلوط بالحرير وغيره مساو أو أكثر ، قول بالجواز وقول بالكراهة ، وقول بالحرمة واختاره بعضهم ، لما ثبت عن كثير من الصحابة مما يدل على تحريم المخلوط بالحرير ( قال ) ابن عمر : رأى عمر عُطاردا التميمى يقيم بالسوق حلة سيراء ، وكان رجلا يغشى الملوك ويصيب منهم . فقال عمر : يا رسول الله إنى رأيت عطاردا يقيم فى السوق حلة سيراء ، فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب إذا قدموا عليك ، وأظنه قال: ولبستها يوم الجمعة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إنما يلبس الحرير فى الدنيا من لا خلاق له فى الاخرة . فلما كان بعد ذلك أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحلل سيراء فبعث إلى عمر بحلة . وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة وأعطى على بن أبى طالب حلة ( قال ) شققها خمرا بين نسائك ، فجاء عمر بحلته يحملها فقال : يار سول الله بعثت إلىّ بهذه وقد قلت بالأمس فى حلة عطارد ما قلت ، فقال : إنى لم أبعث بها إليك لتلبسها ، ولكنى بعثت بها إليك لتصيب بها ، وأما أسامة فراح فى حلته فنظر إليه رسول الله نظرا عرف أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أنكر ما صنع ، فقال يا رسول الله ما تنظر إلى ؟ فأنت بعثت إلىَّ بها، فقال : إنى لم أبعث إليك لتلبسها ولكنى بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين نسائك .أخرجه مسلم والبيهقى (1) {100}
(
__________
(1) انظر ص 39ج14 نووي مسلم ( تحريم الذهب والحرير علي الرجال )و " ويقيم حلة " أي يعرضها للبيع " وسيراء" بكسر ففتح نوع من الثياب يخالطه حرير كالسيور و " من لا خلاق ط أى لا نصيب ط له " فى لبس الحرير "فى الاخرة "(1/124)
وقال ) على رضى الله عنه : أهدى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلة مكفوفة بحرير ، إما سداها وإما لحمتها ، فأرسل بها إلىّ فأتيته فقلت : يا رسول الله ما أصنع بها ؟ ألبسها ؟ قال لا ، ولكن اجعلها خمراً بين الفواطم أخرجه ابن ماجه (1) { 101 }.
(
__________
(1) انظر ص 196 ج2 – ابن ماجة ( لبس الحرير والذهب النساء ) " وخمرا " بضم الميم ويجوز إسكانها جمع خمار ، وهو ما يوضع على راس المراة و " الفواطم " فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج على ن وفاطمة بنت أسد أمه ، وفاطمة بنت شيبة .(1/125)
ورجح) الشوكانى هذا حيث قال بعد ذكر هذه الأحاديث : وقد عرفت مما سلف الأحاديث الواردة فى تحريم الحرير على الرجال بدون تقييد . فالظاهر منها تحريم ماهية الحرير عليهم ، سواء أوجدت منفردة أم مختلطة بغيرها ، ولا يخرج عن التحريم إلا ما استثناه الشارع من مقدار الأربع الأصابع من الحرير الخالص ، وسواء أوجد ذلك المقدار مجتمعنا كما فى القطعة الخالصة أم مفرّقا كما فى الثوب المشوب ( وحديث ) ابن عباس ، لا يصلح لتخصيص تلك العمومات ولا لتقييد تلك الإصلاقات لما عرفت " ولا متمسك " للقائلين بحل المشوب إذا كان الحريرمغلوبا " إلا قول " ابن عباس فيما أعلم ( فانظر ) أيها المنصف ، هل يصلح جعله جسراً تذاد عنه الأحاديث الواردة فى تحريم مطلق الحرير ومقيدة ؟ وهل ينبغى التعويل عليه فى مثل هذا الأصل العظيم ؟ مع ما فى إسناده من الضعف الذى يوجب سقوط الاستدلال به على فرض تجرّده عن المعارضات (فإن) قلت قد صرح الحافظ بن حجر أن عمدة من يقول بجواز لبس ما خالطة الحرير إذا كان غير الحرير أغلب ما وقع فى تفسير الحلة السِّيراء ( قلت ) ليس فى أحاديث الحلة السِّيرَاء ما يدل على أنها حلال ، بل جميعها قاضية بالمنع منها ، كما فى حديث عمر وعلى وغيرهما مما سلف (فإن) فسرت بالثياب المخلوطة بالحرير كما قال جمهور أهل اللغة . كانت حجة عليهم لا لهم ، وإن فسرت بأنها الحرير الخالص ، فأى دليل فيها على جواز لبس المخلوط ؟ وهكذا إن فسرت بسائر التفاسير المتقدمة .
( والحاصل ) أنه لم يأت المدعون للحل بشىء تركن النفس إليه ، وغاية ما جادلوا به أنه قول الجمهور ، وهذا أمرهين ( والحق ) لا يعرف بالرجال أ هـ بتصرف(1) .
5- ما يباح من الحرير :
__________
(1) انظر ص 84 ،85 ج2 ، نيل الأوطار ( اقوال العلماء فى لبس الثوب المسوب بالحرير ) .(1/126)
يحل للرجال اليسير من الحرير ، بأن كان قدر أربع أصابع مضمومة فأقل كعلم الثوب والطراز والقيطان والسجاف لإصلاح الثوب ، سواء أكان مركبا عليها أم منسوجا فيها أم مصنوعا بالإبرة " لقول " سويد بن غفلة: خطب عمر رضى الله عنه بالجابية فقال : نهى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن لبس الحرير إلا موضع أصبع أو أصبعين أو ثلاث أو أربع ، أخرجه أحمد ومسلم والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح(1) { 102 } " ولقول " عبد الله مولى أسماء بنت أبى بكر : أخرجت إلىّ أسماء جُبَّةَ طيالسة عليها لبنة شبرد من ديباح كسروانى ، وفرجاها مكفوفان به ، قالت : هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يلبسها ، كانت عند عائشة فلما قبضت عائشة قبضتها إلىّ ، فنحن نغسلها للمريض منا يستشفى بها . أخرجه أحمد ومسلم (2) { 103 } .
والمتبادر أن المراد قدر أربع الأصابع عرضا وإن زاد الطول . والمراد بالعلم ما كان من خالص الحرير نسجا أو خياطة . والظاهر أنه لا فرق بينه وبين المطرف وهو ما جعل طرفه مسجفا بالحرير فى أنه يتقيد بأربع أصابع وهذا متفق عليه .
(
__________
(1) انظر ص 51 ج1 مسند أحمد وص 269 ج3 تيسير الوصول ( ما ابيح من ذلك ) اى من الحرير . وص 40 ج3 تحفة الأحوذى ( الحرير والذهب للرجال ) و " الجابية " قرية بدمشق .
(2) انظر ص 347 ج6 مسند احمد . وص 43،42 ج14 نووى مسلم ( تحريم الذهب والحرير على الرجال وغباحته للنساء ) و " طيالسة " جمع طيلسان ، وهو كساء غليظ و " لينة" بكسر فسكون أى رقعة فى جيب القميص . وكان عرضها شبرا . فشبر صفة للبنة و " الديباج " ما غلظ من الحرير و " كسروانى " بقتح فسكون " نسبة على كسرى ملك الفرس على غير قياس . والقياس كسر الكاف و " فرجاها " ثنية فرج وهو الشق أسفل الثوب ز و " المكفوف ط ما جعل له كبة بضم الكاف ، وهو ما يكف به جوانبها ويعطف عليها ، والمعنى أن شقى الجبية اللذين فى اسفلها مكفوفان بالحرير .(1/127)
قال ) العلامة ابن عابدين فى رد المختار : وعلم الثوب رقمه وهو الطراز والمراد به ما كان من خالص الحرير نسجا أو خياطة . وظاهر كلامهم أنه لا فرق بينه وبين المطرف – وهو ما جعل طرفه مسجفا بالحرير – فى أنه يتقيد بأربع أصابع ، خلافا للشافعية حيث قيدوا المطرز بالأربع الأصابع ، وبنوا المطرف على العادة الغالبة فى كل ناحية وإن جاوز أربع أصابع ، فالمراد بالعلم عندنا ما يشملهما ، فيدخل فيه السجاف وما يخاط على أطراف الأكمام وما يجعل فى طوق الجبة ، وهو المسمى قبة ، وكذا العروة والزور كما سيأتى .
ومثله فيما يظهر طرة الطربوش أى القلنسوة ما لم تزد على عرض أربع أصابع وكذا بيت تكة السراويل وما علا أكتاف العباءة وعلى ظهرها وما فى أطراف الشاش ، سواء أكان تطريزا بالإبرة أم نسجا ، فجميع ذلك لا بأس به إذا كان عرض أربع أصابع ، وإن زاد على طولها بناء على مامر ، ومثلة لورقع الثوب بقطعة ديباج بخلاف مالوجعلها حشوا .
( قال ) فى الهندية : ولو جعل القز حشوا للقباء فلا بأس به ، لأنه تبع ولو جعلت ظهارته أو بطاتنه فهو مكروه ، لأن كليهما مقصود ، كذا فى محيط السرخسى وفى شرح القدروى عن أبى يوسف : أكره بطائن القلانس من إبريسم أهـ . وعليه فلو كانت قية الجبة أكثر من عرض أربع أصابع كما هو العادة فى زماننا فخيط فوقها قطعة كرباس ن يجوز لبسها ، لأن الحرير صار حشوا ، تأمل (1) .
(
__________
(1) انظر ص 248 ج5 رد المحتار ( اللبس ) و " كرباس " بكسر فسكون أى قطن .(1/128)
وقال ) النووى فى المجموع : يجوز لبس المطرز بشرط ألا يجاوز طراز الحرير أربع أصابع ، فإن زاد عليها فحرام للحديث السابق ، ويجوز لبس الثوب المطرز والمجيّب ونحوهما بشرط ألا يجاوز العادة فيه ، فإن جاوزها حرم بالاتفاق . ولو رقع ثوبه بديباج فهو كتطريزة ، ولو خلط ثوبا بإبريسم جاز لبسه بلا خلاف ، بخلاف الدرع المنسوجة بذهب قليل ، فإنها تحرم لكثرة الخيلاء فيه . ولو اتخذ سبحة فيها خيط حرير لم يحرم استعمالها . لعدم الخلاء ، ولو اتخذ جبة من غير الحرير وحشاها حريرا أو حشاء القباء ( أى القفطان ) والمخدة ونحوها ، جاز استعمالها ، ونقل إمام الحرمين الاتفاق عليه ، وقال : ظاهر كلامهم أنه لو لبس ثوبا ظهارته وبطانته قطن وفى وسطه حرير منسوج جاز . وفيه نظر واحتمال أهـ ملخصا(1).
6- لبس الحرير لضرورة :
يجوز لبس الحرير لحاجة كحكة أو قمل أو مرض ينفعه لبس الحرير " لقول " أنس: رخص النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم للزبير وعبد الرحمن بن عوف فى لبس الحرير لحكة بهما ، أخرجه السبعة ولفظ الترمذى : شكو إلى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم القمل فرخص لهما فى قُمص الحرير فى غزاة لهما (2) { 104 }
وهو مشهور مذهب الشافعية والحنبلية وظاهر مذهب الحنفيين . وبه قال ابن حبيب المالكى ، ومثل الحكة غيرها من الأمراض التى ينفع فيها لبس الحرير .
(
__________
(1) انظر ص 348 ج4 شرح المهذب ( تفصيل القول فى الثوب بعضه حرير وبعضه قطن ) .
(2) انظر ص 269 ج3 تيسير الوصول ( ما أبيح من ذلك ) وص 196 ج2 سنن ابن ماجه ( من رخص له فى لبس الحرير ) .(1/129)
وقال ) ابن الصلاح : يرخص لبس الحرير للحكة والقمل فى السفر فقط ، لظاهر قول أنس : رخص رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الرحمن بن عوف وللزبير بن العوام فى قمص الحرير فى السفر من حكة كانت بهما . أخرجه أبو داود (1) { 105 } ، ولأن السفر شاغل عن المعالجة وتفقد الثياب وغيرهما .
( وقال ) مالك : لا يجوز لبس الحرير مطلقا سفرا وحضرا لحكة ونحوها وهو قول الحنبلية ( وأجابوا ) عن الحديث باحتمال أن يكون الترخيص خاصا بابن عوف والزبير ، لكن الأصل عدم الخصوصية ، ولا دليل هنا على التخصيص .
( قال ) النووى فى المجموع : يجوز لبس الحرير للحكة وللجرب ونحوه ، هذا هو المذهب ، وفيه وجه أنه لا يجوز وليس بشيئ , ويجوز لدفع القمل في السفر والحضر , وفيه وجه أنه لا يجوز إلا في السفر , واختاره الشيخ أبو عمرو بن صلاح , لأنه ثبت في روايه في الصحيحين قي هذا الحديث , أرخص لهما في ذلك السفر , والصحيح المشهور جوازه مطلقا , وبه قطع كثيرون واقتضاه إطلاق الباقين أهـ بتصرف واحد(2) .
(
__________
(1) انظر ص 50 ج 4 سنن ابى داود ( لبس الحرير لعذر ) .
(2) انظر ص 441 ج4 شرح المهذب ( يجوز لبس الحرير لحكة ونحوها ) .(1/130)
وقال) ابن القيم هذا الحديث ( حديث أنس ) يتعلق به أمران فقهي و طبي . فأما الفقهي فالذي استقرت عليه سنته صلي الله عليه وعلي آله وسلم إباحة الحرير للنساء مطلقا وتحريمه علي الرجال إلا للحاجه ومصلحة راجحه , فالحاجه كأن لا يجد ما يستر به عورته سواه ( ومنها ) إلباسه للمرض والحكة وكثرة القمل كما دل عليه حديث أنس ، والجواز أصح الروايتين عن الإمام أحمد وأصح قولى الشافعى ، إذ الأصل عدم التخصيص ، والرخصة إذا ثبتت فى حق بعض الأمة لمعنى ، تعدت إلى كل من وجد فيه ذلك المعنى ، إذ الحكم يعم بعموم سببه ، ومن منع منه قال : أحاديث التحريم عامة ، وأحاديث الرخصة تحتمل اختصاصا لعبد الرحمن بن عوف والزبير ، أى ويحتمل تعديها إلى غيرهما وإذا احتمل الأمران ، كان الأخذ بالعموم أولى . والصحيح عموم الرخصة فإنه عرف خطاب الشرع فى ذلك ما لم يصرح بالتخصيص كقوله صلى الله عليه وسلم لأبى بردة : اذبحها ولا تصلح لغيرك (1) ولقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فى نكاح من وهبت نفسها له { خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ } من آية 5 الأحزاب .
وتحريم الحرير إنما كان سداً للذريعة ، ولهذا أبيح للنساء وللحاجة والمصلحة الراجحة ، وهذه قاعدة ما حرم لسد الذرائع فإنه يباح عند الحاجة والمصلحة الراجحة ، كما حرم النظر سدا لذريعة الفعل ، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة والمصلحة الراجحة ، وكما حرم التنفل بالصلاة فى أوقات النهى سدا لذريعة المشابهة الصورية بعباد الشمس ، وأبيحت للمصلحة الراجحة أهـ بتصرف(2).
( والحكمة ) فى جواز لبس الحرير للحكة والقمل ، ما قيل من أن فى الحرير برودة ، وقيل إن فيه خاصية تدفع ما تنشا عنه الحكة والقمل .
(
__________
(1) هو بعض حديث تقدم رقم 21 ص 14 ج5 دبن ( لا يجزىء فى التضحية الجذع من غير الضأن ) .
(2) انظر ص 88،87 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسلم فى علاج الجسم وما يولد القمل ) .(1/131)
فوائد ) ( الأولى ) لو خاف الإنسان على نفسه من حر أو برد أو غيرهما ولم يجد إلا ثوب حرير ، جاز لبسه بلا خلاف للضرورة ، ويلزمه الاستتار به عن العيون إذا لم يجد غيره بلا خلاف ، وكذا فى الخلوة إذا أوجبنا الستر فيها .
... ( الثانية ) يجوز لبس الحرير فى الحرب إذا دعت إليه ضرورة بأن لم يجد غيره ، أو كان ثخينا لا يقوم غيره فى الحرب مقامه ( وبهذا ) قال الحنفيون والشافعية ( قال ) العلامة ابن عابدين فى رد المختار : اعلم أن لبس الحرير لا يجوز بلا ضرورة مطلقا ، فما كان سداه غير حرير ولحمته حريرا ، يباح لبسه فى الحرب للضرورة وهى شيئان : التهيب بصورته وهو بريقه ولمعانه ، والثانى دفع معرة السلاح أى مضرته ، فإذا كان رقيقا لم تتم الضرورة فحرام عند الإمام وصاحبيه(1).
( وقال ) النووى فى المجموع : يجوز للرجل لبس الديباج فى حال مفاجأة الحرب والقتال إذا لم يجد غيره، وكذلك يجوز الديباج الثخين الذى لا يقوم غيره مقامه فى دفع السلاح ، ولا خلاف فى جوازه فى حال الضرورة . ولا يقال إنه مكروه فلو وجد غيره مما يقوم مقامه فوجهان ( الصحيح ) تحريمه لعدم الضرورة قياسا على الدرع المنسوجة بالذهب ، فإنها لا تحل فى الحرب إلا إذا لم يجد ما يقوم مقامها باتفاق الأصحاب (والثانى) جوازه مع الكراهة ، ووجهه القياس على التضبيب فإنه يجوز بالفضة للحاجة وإن وجد نحاسا غيره ، ويفرق بينه وبين الدرع المنسوجة بالذهب بأن الحرير يسامح بقليلة كالعلم والجيب ونحوهما وعما دون نصف الثوب أهـ بتصرف(2).
(
__________
(1) انظر ص 251 5 رد المختار ( اللبس ) .
(2) انظر ص 439 ج4 شرح المهذب ( يجوز للرجل لبس الديباج فى حال مفاجأة الحرب إذا لم يجد غير ه ) .(1/132)
وهذا ) هو المشهور عند الحنبلية . وقيل يجوز لبس الحرير فى الحرب ولو بلا حاجة ( قال ) أبو محمد عبد الله بن قدامة فى المغنى : فأما لبسه فى الحرب فإن كان فى حاجة إليه كأن كان بطانة لبيضة أو درع ونحوه أبيح . قال بعض أصحابنا : يجوز مثل ذلك من الذهب كدرع مموه بالذهب وهو لا يستغنى عن لبسه وهو محتاج إليه . وإن لم يكن به حاجة إليه فعلى وجهين ( أحدهما ) يباح ، لأن المنع من لبسه للخيلاء وكسر قلوب الفقراء : والخيلاء فى وقت الحرب غير مذموم ( والثانى ) يحرم لعموم الخبر ، وظاهر كلام أحمد رحمة الله إباحته مطلقا وهو قول عطاء(1).
( وحاصل ) مذهب الحنفيين فى هذا أن ما لحمته حرير وسداه غيره لا يحل إلا فى الحرب صفيقا يحصل به اتقاء العدو ، فلو كان رقيقا حرم لعدم الفائدة ولا يجوز لبس الحرير الخالص فى الحرب عند الإمام ، وقال أبو يوسف ومحمد يجوز لو كان صفيقا ، لما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص فى الحرير الخالص فى الحرب . ورخص فى لبس الخز والديباج فى الحرب للضرورة ، ولأن الخالص منه أدفع لحدة السلاح وأهيب فى عين العدو . وللإمام إطلاق النصوص الواردة فى النهى عن لبس الحرير من غير تفصيل . والضرورة تندفع بالمخلوط فلا حاجة إلى الخالص ( وجملة القول ) أن صور هذه المسالة ثلاثة .
(أ ) ما يكون كله حريرا وهو الديباج لا يجوز لبسه فى غير الحرب اتفاقا وأما فى الحرب فعند الإمام لا يجوز وعندهما يجوز .
(ب ) ما يكون سداه حريرا ولحمته غيره ، لا بأس به فى الحرب وغيره .
(جـ) ما لحمته حرير وسداه غيره ، فهو مباح فى الحرب دون غيره .
( الثالثة ) لا بأس بعروة القميص وزره من الحرير وخياطته بخيطه ، وجعل خيط السبحة وليقة الدواة وكيس المصحف وغطاء الكتب من الحرير .
(
__________
(1) انظر ص 631 ج1 مغنى ( ما يرخص فيه من الحرير ) .(1/133)
وقال ) ابن عابدين فى رد المختار : فيدخل فى العلم السجاف وما يخيط على أطراف الأكمام ، وما يجعل فى طوق الجبة وهو المسمى قبة ، وكذا العروة والزر (أى زر الصديرى ونحوه) كما سيأتى إن شاء الله ، ومثله فيما يظهره طرة الطربوش أى القلنسوة ما لم تزد على عرض أربع أصابع (1) .
( والطرة ) هى حرف الشىء وجانبه كما فى كتب اللغة . فما كان منسوجا أو مخيطا من الحرير فى طرف القلنسوة الأعلى أو الأسفل ، كما هو مشاهد فيما يسمونه طاقية مكية ، لا باس به على ما استظهره ابن عابدين ، بشرط أن لا يزيد على أربع أصابع .
( وقال ) أكثر الحنبلية : النهى عن استعمال الحرير يتناول كل ما ذكر .
( قال ) فى شرح المنتهى : وحرم الأكثر استعماله مطلقا فيدخل فيه تكة وشرّابة مفردة وخيط سبحة أهـ .
( الرابعة ) لو بسط فوق ثوب الحرير ثوب قطن وجلس عليه ، جاز كما لو حشا الجبة والمخدة به ، وكما لو بسط على النجاسة ثوبا طاهرا أو جلس على جبة محشوة بالحرير . قاله النووى فى المجموع(2).
7- لبس المعصفر والمزعفر :
يجوز للنساء لبس الثياب المصبوغة بعصفر أو زعفران دون الرجال " لقول " على رضى الله عنه : نهانى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وعن لباس القسى وعن القراءة فى الركوع والسجود ، وعن لبس المعصفر . أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة ، قال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح (3) { 106 }
__________
(1) انظر ص 248 ج5 رد المختار ( اللبس ) .
(2) انظر ص 454 ج4 شرح المهذب ( المسألة السادسة ) .
(3) تقدم بلفظ آخر رقم 99 ص 128 ( استعمال الحرير بغير اللبس) وما هنا لفظ الثلاثة .(1/134)
" ولحديث " جبير بن نفير أن عبد الله بن عمرو قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثوبين معصفرين . فقال : هذه ثياب الكفار فلا تلبسها أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (1) { 107 }
" ولحديث " طاوس عن عبد الله بن عمرو قال : رأى النبى صلى الله عليه وسلم علىّ ثوبين معصفرين فقال : أأمك أمرتك بهذا ؟ قلت أغسلهما ؟ قال بل احرقها ، أخرجه مسلم ورزين(2) { 108 }
" ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتزعفر الرجل . أخرجه الشيخان والنسائى (3) { 109 } .
" ولقول " ابن عمر : نهى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بورس أو بزعفران . أخرجه البخارى والنسائى وأبو داود (4) { 110 } .
( واختلف ) العلماء فى حكم لبس الرجل المعصفر والمزعفر ( فقالت ) الظاهرية إنه حرام ، لظاهر هذه الأحاديث ونحوها ، وبه قالت الشافعية فى المزعفر .
(
__________
(1) انظر ص 162 ج2 مسند أحمد ( مسند عبد الله بن عمرو ) وص 53 ج14 نووى مسلم ( النهى عن لبس الرجل الثوب المعصفر ) وص 55 منه .
(2) انظر ص 236 ج10 فتح البارى ( النهى عن المزعفر للرجال ) وص 78 ج14 نووى مسلم وص 294 ج2 مجتبى ( النزعفر ) و (يتزعفر) ، أى يستعمل الزعفران فى ثوب أو بدن .
(3) انظر ص 236 ج10 فتح البارى ( الثوب المزعفر ) وص 8 ج2 مجتبى ( النهى عن الثياب المصبوغة بالورس والزعفران فى الإحرام ) ورقم 100 ص 128 ج1 تكملة المنهل ( ما يلبس المحرم )
(4) انظر ص 361 ج2 تيسير الوصول ( الوليمة ) وفى رواية جاء عبد الرحمن ابن عوف وعليه درع ( اثر 9 من زعفران .(1/135)
وقال) الحنفيون والحنبلية وجماعة من السلف : يكره لبسهما للرجال حملا للنهى على الكراهة ، وهو مشهور مذهب مالك لقول أنس : رأى النبى صلى الله عليه وسلم على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة ، فقال ما هذا ؟ قال : تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب فقال : بارك الله لك أوْ لم ولو بشأة . أخرجه مالك والخمسة (1) { 111 } .
( وجه) الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه ولا أمره بغسله بل دعا له بالبركة ، فدل على أن نهيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجال عن التزعفر للكراهة ، إذ لو كان للتحريم لما أقره ( وأجيب ) بأن ما كان على ابن عوف من الزعفران لحقه من امرأته لا أنه وضعه قصداً ، ورجحه النووى .
( وروى ) عن مالك وجماعة أنه يجوز لبس المزعفر والمعصفر لغير المحرم وروى عن الشافعى فى المعصفر أخذا بحديث ابن عمر المذكور فقد قيد فيه بالمحرم ، وحملوا عليه المطلق كحديث أنس ، ويؤيده ( قول ) أم سلمة : ربما صبغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إزاره وردءاه بزعفران أو ورس . أخرجه الطبرانى بسند فيه مجهول (2) { 112 } .
( وما ثبت ) عن ابن عمر أنه كان يصبغ ثيابه ويدهن بالزعفران ، فقيل له لم تصبغ ثيابك وتدهن بالزعفران ؟ فقال : أنى رأيته أحب الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . يدهن به ويصبغ به ثيابها كلها . أخرجه أحمد .
( ورد ) بأن هذا الحديث فى سنده مجهول فهو ضعيف .
( وروى ) عن مالك أنه يكره لبس المعصفر والمزعفر فى المحافل دون البيوت .
( والراجح ) القول بحرمة لبسهما مطلقا ، لظهور الأدلة السابقة فى الحرمة
(
__________
(1) انظر ص 128 ج5 مجمع الزوائد ( ما جاء فى الصباغ )
(2) انظر ص 54 ، 55 ج14 نووى مسلم .(1/136)
قال ) النووى فى المجموع : يحرم على الرجل لبس الثوب المزعفر ، ونقل البيهقى وغيره أن الشافعى رحمة الله نهى الشافعى الرجل عن المزعفر واباح المعصفر ( قال ) الشافعى : إنما رخصت فى المعصفر لأنى لم أجد أحدا يحكى عن النبى صلى الله عليه وسلم النهى عنه إلا ما قال على رضى الله عنه : نهانى ولا أقول نهاكم – قال البيهقى : وقد جاءت أحاديث تدل على النهى على العموم ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال رأنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ثوبان معصفران فقال : هذه ثياب الكفار فلا تلبسها ، رواه مسلم فى صحيحه ( ثم روى ) البيهقى روايات تدل على أن نهى الرجال عن لبسه على العموم ، ولو بلغ الشافعى هذا لقال به إن شاء الله تعالى : ثم ذكر بإسناده ما هو مشهور صحيح عن الشافعى قال : إذا كان حديث النبى صلى الله عليه وسلم خلاف قولى فاعملوا بالحديث ودعوا قولى .
( قال البيهقى ) : قال الشافعى وأنهى الرجل الحلال بكل حال أن يتزعفر قال وآمره إذا تزعفر أن يغسله ، قال البيهقى : فتبع السنة فى المزعفر فمتابعتها فى المعصفر أولى . قال وقد كره المعصفر بعض السلف . قال : ورخص فيه جماعة ، والسنة أولى بالاتباع . أهـ بتصرف (1) .
8- لبس الأحمر :
__________
(1) انظر ص 449 ج4 شرح المهذب ( المسألة الثالثة ) .(1/137)
يجوز للنساء لبس الثوب الأحمر الخالص دون الرجال ( لقول ) عبد الله ابن عمرو : مرَّ على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل عليه ثوبان أحمران فسلم عليه فلم يرد عليه النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه أبو داود والترمذى (1) { 113 } وفى سنده أبو يحيى القتات ضعيف لا يحتج بحديثه " ولقول " البراء بن عازب : نهانا النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المياثر الحمر والقسى . أخرجه البخارى والترمذى (2) { 114 } والأحاديث فى هذا كثيرة .
( أما ) الثوب المشوب بالأحمر وغيره كبياض وسواد وغيرهما فإنه جائز للرجال والنساء . وعليه يحمل (حديث) البراء بن عازب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مربوعا . وقد رأيته فى حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم . أخرجه الخمسة ، وقال الترمذى : حديث حسن صحيح (3) { 115 } .
( وحديث ) عون بن أبى جحيفة عن أبيه قال : رأيت النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليه حلة
حمراء ( الحديث ) أخرجه البخارى والترمذى (4) { 116 } .
(
__________
(1) انظر ص 267 ج3 تيسير الوصول ( ألوان الثياب ) وفى الحديث دلالة على جواز ترك رد السلام على من سلم وهو مرتكب منهيا عنه ردعا له وزجرا عن المعصية قال ابن رسلان : ويستحب أن يقول المسلم عليه أنا لم ارد عليك ، لأنك مرتكب المنهى عنه زجرا ، ولذلك قال كعب بن مالك : فسلمت عليه فوالله ما رد السلام على أهـ .
(2) انظر ص 228 ج10 فتح البارى ( لبس القسى ) وص 267 ج3 تيسير الوصول ( ألوان الثياب ) ومربوعا ، أى وسطا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير .
(3) انظر ص 228 ج10 فتح البارى ( لبس القسى ) وص 267 ج3 تيسير الوصول ( ألوان الثياب ) ومربوعا ، أى وسطا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير .
(4) أنظر ص 230 ج1 فتح البارى ( الصلاة فى الثوب الأحمر ) .(1/138)
وقول ) ابن عباس : كان رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يلبس يوم العيد بردة حمراء . أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند رجاله ثقات (1) { 117 } .
( وحديث ) هلال بن عامر عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يخطب على بغلة وعليه برد أحمر ، وعلىّ أمامه يعبّر عنه . أخرجه أبو داود بسند حسن (2) { 118 } .
هذا . والمراد بالحلة الحمراء ، بردان يمنيان منسوجان بخطوط حمر مع سود كسائر البرود اليمنية . ووصفت بالحمرة باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر وإلا فالأحمر البحت منهى عنه كما تقدم ومكروة لبسه .
( قال ) ابن القيم فى زاد المعاد : كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يلبس مرة بردين أخضرين ، ومرة بردا أحمر ، ليس هون أحمر مصمتا كما يظنه بعض الناس ، فإنه لو كان كذلك لم يكن برداً ، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية ، فسمى أحمر باعتبار ما فيه من ذلك . وقد صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غير معارض النهى عن لبس المعصفر والأحمر . وأمر عبد الله بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن يحرقهما . فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهة الشديدة ثم يلبسه . والذى يقوم عليه بالدليل تحريم لباس الأحمر أو كراهية هيئته كراهة شديدة أ هـ .
( وهذا ) هو الظاهر وبه يجمع بين الأدلة ( قال ) الحافظ فى الفتح : القول السابع تخصيص المنع بالثوب الذى يصبغ كله . وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواد وغيرهما فلا . وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة فى الحلة الحمراء ، فإن الحلل اليمانية غالبا تكون ذات خطوط حمر وغيرها(3).
(
__________
(1) انظر ص 198 ج2 مجمع الزوائد ( اللباس يوم العيد ) .
(2) انظر ص 267 ج3 تيسير الوصول ( الوان الثياب ) .
(3) انظر ص 238 ج10 فتح البارى الشرح 0 الثوب الأحمر ) .(1/139)
ولذا ) قال بعض الحنفيين والحنبليين : يكره للرجال لبس الأحمر الخالص دون المشوب بغيره ( قال ) العلامة الحصكفى فى الدر : وكره لبس المعصفر والمزعفر الأحمر والأصفر للرجال . لا يكره للنساء ، ولا بأس بسائر الألوان . وفى المجتبى والقهستانى وشرح النقاية لأبى المكارم : لا بأس بلبس الثوب الأحمر أ هـ ومفادة أن الكراهة تنزيهه ، لكن صرح فى التحفة بالحرمة فأفاد أنها تحريمة . وللشُّر نْبُلالى رسالة نقل فيها ثمانية أقوال منها أنه مستحب (1) أهـ .
(
__________
(1) انظر ص 252 ج5 الدر المختار هامش رد المختار 0 اللبس ) وقال ابن عابدين فى رد المختار : قال أبو حنيفة والشافعى ومالك : يجوز لبس المعصفر . وقال جماعة من العلماء : مكروه كراهة التنزيه . وقال صاحب الروضة : يجوز للرجال والنساء لبس الثوب الأحمر والأخضر بلا كراهة . وفى الحاوى الزاهدى يكره للرجال لبس المعصفر والمزعفر والمورس والأحمر وإن لم يكن حريرا إذا كان فى صبغة دم وإلا فلا وفى مجمع الفتاوى : لبس الأحمر مكروه وعند البعض لا يكره . وقيل يكره إذا اصبغ بالأحمر القانى . ولو صبغ بقشر الجوز عسليا لا يكره لبسه إجماعا أهـ بتصرف .
ثم قال : وقال الشرنبلالى : لم تجد نصا قطعيا لإثبات الحرمة ( يعنى فى الأحمر ) ووجدنا النهى عن لبسه لعله قامت بالفاعل من تشبه بالنساء أو بالأعاجم أو التكبر وبانتفاء العلة تزول الكراهة بإخلاص النية بإظهار نعمة الله تعالى . وعروض الكراهة بالنجس تزول بغسله . ووجدنا نص الإمام الأعظم على الجواز ودليلا قطعيا على الإباحة وهو إطلاق الأمر بأخذ الزينة . ووجدنا فى الصحيحين موجبة وبه تنتفى الحرمة والكرامة . بل يثبت الاستحباب اقتداء بالنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أ هـ أقول : ولكن جل الكتب على الكراهة وبه أفتى العلامة قاسم وفى الحاوى الزاهدى : ولا يكره فى الراس إجماعا أ هـ ملخصا انظر ص 252 رد المختار .(1/140)
وقال ) الشيخ منصور بن إدريس الحنبلى فى كشاف القناع : ويكره للرجل دون المرأة لبس مزعفر " لقول " أنس إن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتزعفر الرجل متفق عليه(1) وبكره للرجل لبس أحمر مصمت لما ورد عن عبد الله بن عمرو قال : مر على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل عليه ثوبان أحمران فسلم فلم يرد النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليه . رواه أبو داود (2) قال أحمد : يقال أول من لبسه آل قارون أو آل فرعون ، ولو كان الأحمر المصمت بطانة . وخرج بالمصمت ما فيه حمرة وغيرها ، فلا يكره ولو غلب الأحمر . وعليه يحمل لبس النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحلة الحمراء أو البرد الأحمر . ويكره للرجل أيضاً لبس طيلسان وهو المقور على شكل الطرحة يرسل من فوق الرأس ، لأنه يشبه لبس رهبان النصارى . وأما المدور فهو غير مكروه بل قيل باستحبابه ( وكذا ) المعصفر فيكره للرجل ، لما روى على قال : نهانى رسول الله عليه وسلم عن التختم بالذهب ، وعن لباس القسى وعن القراءة فى الركوعوالسجود وعن لباس المعصفر . رواه مسلم (3) { 119 } ، إلا فى إحرام فلا يكره للرجل لبس المعصفر ويباح للنساء لتخصيص الرجل بالنهى أهـ بتصرف(4).
(
__________
(1) متفق علبه أى أخرجه الشيخان وكذا النسائى . تقدم رقم 109 ص 142
(2) وأخرجه ايضا مالك والترمذى . وتقدم رقم 113 بص 144 .
(3) وأخرجه أيضا الثلاثة وتقدم رقم 106 ص 141 ( لبس المعصفر )
(4) انظر ص 192 ج1 كشاف القناع ( ما يكره من اللباس )(1/141)
وقالت ) المالكية والشافعية وبعض الحنفيين : يجوز لبس الأحمر الخالص غير المزعفر والمعصفر على ما تقدم . وروى عن على وطلحة والبراء وغيرهم من الصحابة ، وعن سعيد بن المسيب والشعبى والنخعى وغيرهم من التابعين " لحديث " البراء وغيره من الأحاديث الدالة على أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يلبس الأحمر (1) .
( وأجابوا ) عن أحاديث النهى عن لبس الأحمر بأنها ضعيفة كما تقدم أو محمولة على المعصفر والمزعفر .
( وردّ ) بأنها لكثرتها تقوى وتصلح للاحتجاج بها . ولا دليل على تخصيصها بالمعصفر والمزعفر . بل ورد النهى عن لبس ما صبغ بغيرهما ( قالت ) أمرأة من بنى أسد : كنت عند زينب أم المؤمنين ونحن نصبغ ثيابا لها بمغْرة إذ طلع النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما رأى المغْرة رجع . فلما رأت ذلك زينب علمت أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد كره ما فعلت فغسلت ثيابها ووارت كل حمرة ثم أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجع فاطلع لم ير شيئاً دخل أخرجه ابو داود بسند فيه ضعيف (2) { 120 } .
( وقال ) بعض الفقهاء : يمنع لبس الأحمر ولو مخططا لإطلاق أحاديث النهى السابقة ( وردّ ) بأن الجمع بين الأحاديث يقضى بحمل حالة النهى على الخالص وأحاديث الإباحة على المشوب بالأحمر وغيره كما تقدم .
(
__________
(1) انظر الأحاديث من رقم 115- 118 ص 145
(2) انظر ص 53 ج4 سنن ابى داود ( باب فى الحمرة ) والمغرة بفتح فسكونأو فتح الطبن الأحمر . والمعصفر كمعظم المصبوغ بها .(1/142)
وقال ) عطاء وطاوس ومجاهد : يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغة خفيفا " لحديث " يزيد بن أبى زياد عن الحسن بن سهيل عن ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المفدّم قال يزيد : قلت للحسن ما المفدم ؟ قال المشبع بالعصفر . أخرجه البيهقى وابن ماجه بسند صحيح رجاله ثفات(1) { 121 } .
( وعن مالك ) أنه يكره لبس الأحمر مطلقا لقصد الزينة والشهرة ويجوز فى البيوت . وروى عن ابن عباس " لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : من لبس ثوب شهرة فى الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ، ثم ألهب فيه نارا . أخرجه أبو داود وابن ماجه وهذا لفظه(2) { 122 } . والأحاديث فى هذا كثيرة (3) .
__________
(1) انظر ص 197 ج2 سنن ابن ماجه ( كراهية المعصفر للرجال ) و ( المفدم ) بالفاء وشد الدال المفتوحة ، أى المشبع حمرة .
(2) انظر ص 198 ج2 سنن ابن ماجه ( من لبس شهرة من الثياب ) وص 44 ج4 سنن ابى داود المعنى أن من لبس ثوبا يقصد به الاشتهار بين الناس بأن كان نفيا يلبسه تفاخرا بالدنيا وزينتها ، أو خسيسا يلبسه إظهارا للزهد والرياء . و ( ثوب مذلة ) من اضافة السبب إلى المسبب أو بيانية تشبيها للمذلة بانثوب فى الاشتمال .
(3) منها ( حديث ) من لبس ثوب شهرة اعرض الله عنه حتى يضعه متى وضعه أخرجه ابن ماجه والضياء المقدسى عن ابى ذر ]123[ انظر ص 198 ج2 سنن ابن ماجه ( وحديث ) ما من أحد يلبس ثوبا ليباهى به فينظر الناس اليه إلا لم ينظر الله إليه حتى ينزعه متى نزعه . أخرجه الطبرانى والضياء المقدسى فى المختارة عن أم سلمة وفيه عبد الخالق بن زيد واقد وهو ضعيف {124} انظر ص 135 ج5 مجمع الزوائد (ثوب الشهرة ) .
(
وحديث ) نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن لبستين المشهورة فى حسنها والمشهورة فى قبحها , أخرجه الطبرانى عن ابن عمر ، وفيه بزيغ وهو ضعيف ]125[ انظر ص 135 ج5 مجمع الزوائد 0 فالثياب ) الشرعية قصد ورحمة . وغيرها شقاء ونقمة ، ألا قاتل الله قوما باعوا دينهم بدنياهم ، وتركوا التزين بزى رضيته لهم الشريعة ن فارادوا نبذة واستبداله بثياب افرنجية ، غيثارا لهواهم ودنياهم على ما فيه خيرهم وسعادتهم ، وهو التحلى بهدى النبى صلى الله عليه وسلم . وفق الله الجميع لسلوك سبيل الرشاد ، والتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم سيد العباد .(1/143)
( وقال ) بعضهم : يجوز لبس ما صبغ غزلة ثم نسج . ويمنع لبس ما صبغ بالأحمر بعد النسج . وجنح إليه الخطابى وقال : إن الحلة الحمراء والبرد الأحمر الواردين فى لبسه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حلل اليمن وبروده ، وقد كان يصبغ غزلها ثم ينسج .
وقال الطبرى : الذى أراه جواز لبس الثياب المصبوغة بكل لون إلا أنى لا أحب لبس ما كان مشبعا بالحمرة ، ولا لبس الأحمر مطلقا ظاهرا فوق الثياب لكونه ليس من لباس أهل المروءة فى زماننا ذكره فى الفتح ، وقال : والتحقيق فى هذا المقام أن النهى عن لبس الأحمر إن كلن من أجل أنه لبس الكفار فهو للزجر عن التشبه بهم ، أو من أجل أنه زى النساء فهو للزجر عن التشبه بهن ، أو من أجل الشهرة أو خرم المروءة فيمتنع حيث يقع ذلك . وإلا فيقوى ما ذهب إليه مالك من التفرقة بين المحافل والبيوت أهـ ملخصا(1).
9- لبس الأبيض :
__________
(1) انظر ص 238 ج10 فتح البارى الشرح ( الثوب الأحمر )(1/144)
يستحب لبس البيض وتكفين الموتى فيه " لحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : البسول من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم . وكفنوا فيها موتاكم . أخرجه أحمد والبيهقى والأربعة إلا النسائى وصححه الترمذى(1) { 126 } " ولحديث " سمرة بن جندب أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : البسوا ثياب البياض فإنها أطيب وأطهر وكفنوا فيها موتاكم . أخرجه أحمد والنسائى والبيهقى والترمذى ، والحاكم وصححاه (2) { 127 } وقال صحيح على شرط الشيخين .
( والأمر ) محمول على الندب . أما فى اللباس فلما ثبت عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لبس غير الأبيض وأقر كثيرا من الصحابة على ذلك كما تقدم ويأتى . وأما فى الكفن " فلقول " جابر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : إذا توفى أحدكم فوجد شيئاً فليكفن فى ثوب حِبَرة . أخرجه أبو داود والبيهقى(3) { 128 } .
__________
(1) يأتى رقم 445 ص 256 ج7 دين ( تكفين الميت ) ورقم 446 منه و ( اطيب) أى أحسن من غيرها ، لما فى البياض من الصفا والبريق واللمعان و ( اطهر ) لأنها إذا اصابها شىء من النجاسة أو الدنس ظهر فيها فبادر لابسها إلى تطهيرها وتنظيفها .
(2) يأتى رقم 445 ص 256 ج7 دين ( تكفين الميت ) ورقم 446 منه و ( اطيب) أى أحسن من غيرها ، لما فى البياض من الصفا والبريق واللمعان و ( اطهر ) لأنها إذا اصابها شىء من النجاسة أو الدنس ظهر فيها فبادر لابسها إلى تطهيرها وتنظيفها .
(3) انظر ص 310 ج8 المنهل العذب ( الكفن ) ( فوجد شيئا ) أى وجد أهله شيئا قليلا فى حال الضرورة فإن الثوب الواحد كاف حيينئذ وسيأتى أنواع الكفن فى محله إن شاء الله تعالى .(1/145)
والحبرة كعنبة ، نوع مخطط من البرود اليمانية . ولذا اتفق العلماء على استحباب لبس الثياب البيض وتكفين الموتى بها ( قال ) ابن حجر الهيتمى فى الكلام على حديث جبريل حينما جاء إلى مجلس النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم شديد بياض الثياب : ومن ثم استحب عمر رضى الله عنه البياض للقارىء . واستحبه بعض أئمتنا لدخول المسجد وينبغى ندبه لكل اجتماع ماعدا العيدين إذا كان عنده أرفع منه ، لأنه يوم الزينة وإظهار للنعمة أهـ .
10- لبس الأصفر :
يجوز لبس الأصفر غير المعصفر والمزعفر " لما " فى حديث عبيد بن جريح أنه قال لابن عمر رضى الله عنهما : رأيتك تصبغ بالصفرة . فقال إنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها ، فأنا أحب ان أصبغ بها . أخرجه البخارى مختصرا (1) { 129 } " ولقول " قيس بن سعد : أتانا النبى صلى الله عليه وسلم فوضعنا له ماء يتبرد فاغتسل ثم أتيته بملحفة صفراء فرأيت أثر الورس على عكنة . أخرجه ابن ماجه (2) { 130 } " ولقول" عبد الله بن جعفر : رأيت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثوبين أصفرين . أخرجه الطبرانى فى الصغير(3) { 131 } " ولقول " عمران بن مسلم : رأيت على أنس بن مالك إزارا أصفر . أخرجه الطبرانى بسند رجاله رجال الصحيح(4) { 21 } وقد اتفق على هذا العلماء .
11- لبس أخضر :
ويجوز أيضا لبس الأخضر " لقول " أبى رمثة : رأيت على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلام ثوبين
__________
(1) مختصرا ) من حديث مطول بص 239 ج10 فتح البارى ( النعال السبتية وغيرها )
(2) انظر ص 197 ج2 سنن ابن ماجه ( الصفرة للرجال 9 و ( العكن ) بضم ففتح جمع عكنة : كغرفة وهى الطى فى البطن من السمن .
(3) انظر ص 129 ج5 مجمع الزوائد ( الصباغ ) وص 130 منه
(4) انظر ص 129 ج5 مجمع الزوائد ( الصباغ ) وص 130 منه(1/146)
أخضرين . أخرجه أحمد والثلاثة وقال الترمذى : حديث حسن غريب لا تعرفه إلا من حديث عبيد الله بن غياد . وأبو رمثة التيمى اسمه حبيب بن حيان (1) { 132 } " ولحديث " يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت مضطبعا ببرد أخضر . أخرجه أحمد والدرامى والربعة إلا النسائى . وقال الترمذى : حديث حسن صحيح (2) { 133 } وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء .
12- لبس الأسود :
__________
(1) انظر ص 163 ج4 مسند احمد . وص 268 ج3 تيسير الوصول ( الأخضر ) .
(2) انظر ص 217 ج1 تكملة المنهل ( الاضطباع فى الطواف ) وبقية المراجع بهامش 1 : منه والاضطباع جعل وسط الرداء تحت الإبط الأيمن وطرفيه على الكتف الأيسر .(1/147)
يجوز لبسه " لقول " عائشة : خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود . أخرجه مسلم والترمذى وقال حديث حسن صحيح غريب (1) { 134 } " ولحديث " مطرف عن عائشة قالت: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بردة سوداء فلبسها فلما عرق فيها وجد ريح الصوف فقذفها ، وكانت تعجبه الريح الطيبة . اخرجه الحاكم وابو داود والنسائى (2) { 135 } " ولقول " أم خالد بنت خالد : أتى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة . فقال من ترون أن نكسو هذه ؟ فسكت القوم فقال : ائتونى بأم خالد فأتى بها تحمل فأخذ الخميصة بيده فألبسها وقال : أبلى وأخلقى وكان فيها علم أخضر أو أصفر فقال ك يا أم خالد هذا سناه . وسناه بالحبشية حسن . أخرجه البخارى(3) {
__________
(1) انظر ص 57 ج14 نووى مسلم (التواضع فى اللباس) و(المرط) بكسر فسكون كساء طويل واسع من خز أو صوف أو كتان يؤثرون به و(المرحل) بالحاء المهملة المفتوحة المشددة المقوش عليه صور الرحال(بالهاء المهملة)وإنما المحرم صور الحيوان.ووصف بالسود لنلبة السواد فيه
(2) انظر ص 54 ج4 سنن ابى داود ( فى السواد )
(3) انظر ص 217 ج10 فتح البارى ( الخميصة السوداء ) و ( تحمل ( مبنى للمجهول أى يحملها الغير لصغرها ( ابلى وأخلقى ) بفتح فسكون امر من الإبلاء والإخلاق وهما بمعنى والمراد الدعاء بطول البقاء اى أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق 0 قال الحافظ فى الفتح : وفى رواية وأخلفى بالغاء أى أخلقى هذا الثوب واستخلفى غيره ( ويؤيده ) ما فى حديث أبى نضرة قال : كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا قيل له : تبلى ويخلف الله . أخرجه ابو داود بسند صحيح ]137[ انظر ص 217 ج10 فتح البارى ..و ( حسن ) تفسير من بعض الرواة لقوله صلى الله عليه وسلم سناه ، أى أنها كلمة حبشية معناها حسن 0 قال 9 الحافظ : وفى رواية : فجعل (يعنى النبى صلى الله عليه وسلم) ينظر الى علم الخميصة ويشير بيده الى وبقول : يا أم خالد هذا سنا ويا امك خالد هذا سنا . والسنا بلسان الحبشة الحسن أهـ(1/148)
136 }
13- المخطط :
يجوز لبس حلال مخطط بما لا يلهى " لقول " أنس . كان أحب ما إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نلبسه الحبرة . أخرجه الخمسة (1) {138} والحبرة كعنبة برد مخطط من قطن أو كتان " ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى بردة حبرة عقد بين طرفيها . أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار بسند رجاله ثقات (2) {139}
14- السراويل :
يستحب لبس السراويل للرجال والنساء " لقول " القاسم : سمعت أبا أمامة يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مشيخة من الأنصار ، بيض لحاهم فقال يا معشر الأنصار : حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب . فقلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولوا ولا ياتزرون فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب ( الحديث ) أخرجه أحمد والطبرانى بسند رجاله رجال الصحيح(3) { 140 }
__________
(1) انظر ص 266 ج3 تيسير الوصول ( أنواع اللباس )
(2) انظر ص 99 ج3 مسند أحمد ( والعقد بين طرفى الثوب ) هو أن يضع طرفها على منكبة الأيمن ويأخذه من تحت إبطه اليسرى ويأخذ طرفه الذى على منكبة الأيسر من تحت إبطة اليمنى ثم يعقدها على صدره .
(3) نظر ص 264 ج5 مسند أحمد و ( حمروا وصفروا ) أى غيروا الشيب بالحمرة والصفرة وتقدم فى بحث " تغيير الشيب " ص 195 ج1 طبعة ثالثة بيان المذاهب فى صبغ الشعر وما يصبغ به ، والجمع بيت الأحاديث الواردة فى تغيير الشيب امرا ونهيا .(1/149)
" ولحديث " على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال يأيها الناس اتخذوا السراويلات فإنها من أستر ثيابكم ، وحصنوا بها نساءكم إذا خرجن . أخرجه ابن عدى فى الكامل ، والعقيلى والبراز والبيهقى فى الأدب مطولا . وفى سنده إبراهيم بن زكريا العجلى البصرى . ذكره ابن حيان فى الثقات (1) { 141 }
__________
(1) انظر ص 122 ج5 مجمع الزوائد ( باب فى السراويل ) هذا والمذكور فى الصل عجز الحديث . وصدره عن على قال : كنت قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عند اليقيع فى يوم مطير فمرت امرأة على حمار ومعها مكار فهوت يد الحمار فى وهدة أى منخفض من الأرض فسقطت المرأة فاعرض عنها النبى صلى الله عليه وسلم بوجهه . فقالوا ك يا رسول الله إنها متسرولة . فقال اللهم اغفر للمتسرولات من أمتى ، يأيها الناس ( الحديث )
( وقال ) ابو هريرة : بينا النبى صلى الله عليه وسلم جالس على باب من ابواب المسجد : مرت أمراة على دابة فلما حاذت النبى صلى الله عليه وسلم عثرت بها ، فأعرض صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله إن عليهاسراويل فقال ك رحم الله المتسرولات أخرجه البيهقى فى الشعب ]142[ رقم 4420 ص 22 ج 4 فيض القدير ( وعن ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : رحم الله المتسرولات من النساء أخرجه الدار قطنى فى الأفراد ( كسابقة فى المرجع ) ( قال ) السيوطى فى اللآلى : ولمجموع هذه الطرق يرتقى الحديث الى درجة الحسن أهـ .(1/150)
"ولقول " سويد بن قيس : جلبت أنا ومخرمة العبدى ثيابا من هجر ، فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمشى فساومنا سراويل فيعناه ، وثم رجل يزن بالأجر ، فقال له زن وأرجح . أخرجه أحمد والربعة وابن حيان (1) { 143 }
__________
(1) انظر ص 352 ج4 سند أحمد وص 266 ج3 تيسير الوصول ( أنواع اللباس ) وص194 ج2 سنن ابن ماجه ( لبس السراويل ) و ( هجر ) فتحتين، بلد قرب المدينة ، يذكر فيصرف وهو الأكثر ويؤنث فيمنع من الصرف 0 والمساومة ) تقدير ثمن السلعة من كل من البائع والمشترى(1/151)
" ولقول " أبى هريرة : دخلت مع النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوما السوق فجلس إلى البراز فاشترى سراويل بأربعة دراهم ، وكأن لأهل السوق وزان يزن فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أتزن وأرجح . فقال الوزان : إن هذه لكلمة ما سمعتها من أحد . فقال له أبو هريرة : كفى بك من الجفاء فى دينك ألا تعرف نبيك ، فطرح الميزان ووثب إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم يريد أن يقبلها ، فجذب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يده منه . وقال له : يا هذا إنما يفعل هذا الأعاجم بملوكها ، ولست بملك إنما أنا رجل منكم فوزن وارجح ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم السراويل . قال أبو هريرة : فذهبت لأحمله عنه . فقال : صاحب الشىء أحق بشيئه أن يحمله إلا أن يكون ضعيفا فيعجز عنه فيعينه أخوه المسلم . قال : قلت يا رسول الله وإنك لتلبس السراويل ؟ قال : أجل فى السفر والحضر ، وفى الليل والنهار فإنى أمرت بالستر فلم أر شيئاً أستر منه . أخرجه الطبرانى فى الأوسط وأبو يعلى الموصلى وابن حبان فى الضعفاء والدار قطنى فى الأفراد ، وفى سنده يوسف ابن زياد البصرى عن شيخه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقى ، وهما ضعيفان (1) {144 }.
( ولهذه ) الروايات اتفق العلماء على جواز لبس السراويل . ولا دليل لمن قال بكراهته ( قال ) العلامة السفارينى فى غذاء الألباب : سئل الإمام أحمد رضى الله عنه عن لبس السراويل فقال : هو أستر من الإزار ، ولباس القوم كان الإزار . وفى الصحيحين عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطب بعرفات : من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل للمحرم { 145 } .
(
__________
(1) انظر ص 212 ج5 مجمع الزوائد ( السراويل ) وص 200 ج 2 غذاء الألباب 0 لا يكره لبس السراويل ) وص 46 ج4 فتح البارى المطبعة البهية(1/152)
وبهذا ) استدل الإمام أحمد على أنها كانت معروفة عندهم ( قال ) وروى عن عمر رضى الله عنه أنه كتب إلى جيشه بأذربيجان : إذا قدمتم من عزاتكم إن شاء الله ، فألقوا السراويلات والأقبية والبسوا الأزر والأردية. فدل على كراهيته لها وأنها غير زيهم . وجزم فى الإقناع وغيره بسنية لبس السراويل وهو المذهب بلا ريب أهـ بحذف(1)
( واختلفوا ) فى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبسه أم لا ؟ فصرح كثير منهم بأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم اشتراه ، ولم يثبت من طريق صحيح أنه لبسه .
( وقال ) العلامة السفارينى فى غذاء الألباب : قد روى عن ابراهيم وموسى عليهما السلام أنهما لبسا السراويل ولبسه النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وروى عن غير واحد من الصحابة كسلمان . وعن على رضى الله عنه أنه أمر ربه ، وأخرج ابن حبان عن بريدة قال : إن النجاشى كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إنى قد زوجتك امرأة من قومك وهى على دينك ، أم حبيبة بنت ابى سفيان وأهديت لك هدية جامعة : قميصا وسراويل وعطافا وخفين ساذجين ، توضأ النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومسح عليهما { 146 } . قال سليمان بن داود أحد رواة الحديث : قلت للهيثم بن عدى ما العطاف ؟ قال الطيلسان. وأخرج أحمد من حديث مالك بن عميرة الأسدى قال : قدمت قبل مهاجر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاشترى منى سراويل فارجح لى { 147 }
( قال ) فى الفتح : وما كان لتشتريه عبثا وإن كان غالب لبسه الإزار(2) أ هـ .
(
__________
(1) نظر ص 212 ج5 مجمع الزوائد ( السراويل ) وص 200 ج 2 غذاء الألباب (لا يكره لبس السراويل ) وص 46 ج4 فتح البارى المطبعة البهية
(2) انظر ص 201 ج2 غذاء الالباب ( هل لبس النبى صلى الله عليه وسلم السراويل )(1/153)
قال ) وفى زاد المعاذ : واشترى صلى الله عليه وعلى آله وسلم السراويل . والظاهر أنه إنما اشتراه ليلبسه ( وقد ) روى فى غير حديث أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس السراويل وكانوا يلبسون السراويلات فى زمانه وبإذنه أ هـ .
( فائدة ) أول من لبس السراويل سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام ، كان كثير الحياء حتى كان يستحى من أن تَرى الأرضُ مذاكيره ، فاشتكى إلى الله تعالى فهبط عليه جبريل بخرقة من الجنة ففصلها جبريل سراويل وقال ادفعها الى سارة تخيطه . فلما خاطئة ولبسه ابراهيم قال ما أحسن هذا وأستره فإنه نعم الستر للمؤمن . ذكره فى غذاء الألباب (1)
15- القميص :
__________
(1) انظر ص 201 ج2 غذاء الالباب ( هل لبس النبى صلى الله عليه وسلم السراويل )(1/154)
القميص هو مخيط له كمان وجيب – أى فتحة يخرج منها الإنسان رأسه - يلبس تحت الثياب . ويستحب لبسه " لقول " أم سلمة : كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم القميص أخرجه أبو داود والترمذى وقال حسن غريب ، إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن خالد ، تفرد به هو مروزى (1) { 148 } (وروى) بعضهم هذا الحديث عن أبى تُمَيْلَة عن عبد المؤمن ابن خالد عن عبد الله بن بريدة عن أمه عن أم سلمة أهـ . ولفظه عن أم سلمة قالت : لم يكن ثوب أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من القميص أخرجه أبو داود وابن ماجه (2) { 149 } وقال الترمذى : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : حديث عبد الله بن بريدة عن أمة عن أم سلمة أصح أهـ وعبد المؤمن لا بأس به . أبو تميلة بمثناه مصغرا ، هو يحيى بن واضح الآنصارى . ذكره البخارى فى الضعفاء . وقال أبو حاتم ثقة يحوّل من كتاب الضعفاء للبخارى . ووثقة يحيى بن معين . وقال ابن خراش صدوق . وقال أحمد ويحيى لبس به بأس .
وإنما كان القميص أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لأنه أستر للعورة من نحو إزار ورداء ، ولأنه أقل مؤنة فى اللبس وأخف على البدن .
( فائدة ) جيب الثوب فتحته التى يدخل منها الرأس . وكان جيب ثوب النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم على صدره .
(
__________
(1) انظر ص 265 ج3 تيسير الوصول ( أنواع اللباس ) .
(2) انظرص 43 ج4 سنن أبى داود ( ما جاء فى القميص ) وص 194 ج2 سنن ابن ماجه ( لبس القميص ) .(1/155)
وقال ) أبو هريرة : ضرب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل البخيل والمتدصق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثيهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أناملة وتعفوه اثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت واخذت كل حلقة بمكانها ز قال ابو هريرة : فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول بأصبعة هكذا فى جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع أخرجه البخارى(1) {150 }
( وقال ) الحافظ فى الفتح : استدل به ابن بطال على أن الجيب فى ثياب السلف كان عند الصدر ، وموضع الدلالة منه أن البخيل إذا أراد إخراج يده أمسكت فى المواضع الذى ضاق عليها ، وهو الثدى والتراقى . وذلك فى الصدر ، فبان أن جيبه كان فى صدره ، لأنه كان فى يده لم تضطر يداه إلى تدييه وتراقيه أهـ .
( وقال ) سلمة بن الأكوع : قلت يا رسول الله أنى رجل أصيد أفاْصلى فى القميص الواحد ؟ قال نعم وازْرُرْهُ ولو بشوكة . أخرجه الشافعى وأحمد وابو داود والنسائى والحاكم (2) { 151 } .
16- هيئة اللباس :
__________
(1) انظر ص 209 ج1 فتح البارى ( جيب القميص ) ثديهما . بضم فكسر جمع ثدى وبفتح الثاء على الثنية . والتراقى جمع ترقوة بفتح فسكون فضم ، وهى العظم الذى بين ثغرة النحر والعانق . فالترقوتان ، العظمان المشرفان فى أعلى الصدر إلى طرف ثغرة النحر . و ( تغشى ) بضم ففتح فشد ، أو بفتح فسكون ، أى تغطى وتعفوا أثره أى تذهبه . و(قلص ) الثوب ، من باب صرب ، انزوى وجواب لو فى قوله ( فلو رايته ) محذوف تقديره لتعجبت منه
(2) انظر ص 62 ج1 بدائع المنن ( وجوب ستر الورة فى الصلاة ) وص 49 ج4 مسند أحمد . وص 18 ج5 المنهل العذب ( الرجل يصلى فى قميص واحد )(1/156)
يطلب فى اللباس أمور (أ) أن يكون وسطا بين الخسيس والنفيس "لحديث" ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن هاتين اللبستين المرتفعة والدون. أخرجه أبو الحسن رزين بن معاوية (1) {152} .
( قال ) النووى فى المجموع : يستحب ترك الترفع فى اللباس تواضعا ويستحب أن يتوسط فيه ولا يقتصر على ما يزردى به لغير حاجة ولا مقصود شرعى ( قال ) المتولى والرويانى : يكره لبس الثياب الخشنة إلا لغرض مع الاستغناء والمختار ماقدمناه ، ومما يدل للطرفين ( حديث ) معاذ بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من ترك اللباس تواضعا لله تعالى وهو بقدر عليه دعاه الله تعالى يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أى حلل الإيمان شاء يلبسها . رواه الترمذى وقال : حديث حسن (2) { 153 } ( وعن ) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه ولعى آله وسلم : إن الله يحب أن يُرى أثرُ نعمته على عبده . رواه الترمذى وقال حديث حسن(3) { 154 }
(
__________
(1) انظر ص 265 ج3 تيسير الوصول ( ترك الزينة ) .
(2) وأخرجه أيضا أحمد والحاكم وقال : صحيح الإسناد انظر ص 265 ج3 تيسير الوصول ( ترك الزينة ) وص 439 ج3 مسند أحمد .
(3) انظر ص 497 ج4 شرح المهذب ( المسالة الخامسة من مسائل اللباس ) .(1/157)
ب ) ويستحب أن يكون الكم قصيرا إلى الرسغ ، ويجوز أن يصل إلى رءوس الأصابع " لقول " أسماء بنت يزيد : كان كم قميص النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الرسغ . أخرجه الثلاثة وقال الترمذى : حسن غريب { 155 } ( ولقول ) أنس : كان يدُ كُمِّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الرسغ . أخرجه البراز ورجاله ثقات(1) { 156 } ( وحديث ) ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يلبس قميصا فوق الكعبين مستوى الكمين بأطراف أصابعه . أخرجه الحاكم وابن حيان وصححاه (2) {157}
( ولامنافاة ) بين هذه الأحاديث ، لاحتمال تعدد القميص ، فأخبر كل بما رأى ( قال ) ملا على القارى فى شرح الشمائل : ويجمع بين هذه الروايات إما بالحمل على تعدد القميص أو بحمل رواية الرسغ على التقريب والتخمين أهـ .
( وقال ) المناوى : وجمع بعضهم بين حديث الرسغ وحديث أطراف الأصابع بأن الأول محمول على حالة السفر ، فإن تقصير الكم فيه يساعد على النشاط ، والثانى على حالة الحضر أهـ بتصرف .
(
__________
(1) انظر ص 121 ج5 مجمع الزوائد ( القميص والكم ) .
(2) انظر رقم 7165 ص 246 ج5 فيض القدير ونسبة السيوطى لابن عساكر ورمز لضعفه .(1/158)
وهذا ) فى حق الرجل : وأما المرأة فيطلب منها تطويل الكم زيادة عن الأصابع مبالغة فى الستر ، لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } (1) .
__________
(1) آية 59 – الآحزاب . و ( يدنين ) أى يغطين وجوههن ورءوسهن إلا عينا واحدة ، ليعلم أنهن حرائر ، فلا يتعرض لهن بأذى (من جلابيبعن) من التبعيض وجلابيب جمع جلباب وهو ثوب يستر جميع البدن . والاشارة فى قوله ( ذلك ) إلى أدناه الجلابيب . و ( أدنى ) أى أقرب ( أن يعرفن ) فيتميزن عن الإماء وبعرفن أنهن حرائر ( فلا يؤذين ) من أهل الفسق بالتعرض لهن خوفا من أهلهن ( وسبب ) نزول هذه الآية ما قاله أبو مالك : كان نساء النبى صلى الله عليه وسلم يخرجن بالليل لحاجتهن ، وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين فقيل ذلك للمنافقين ، فقالوا إنما نفعله بالإماء .
فنزلت هذه ( يأيها النبى قل لازواجك) الاية . أخرجه سعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد وابن ابى حاتم (23) انظر ص 297 ج4 فتح القدير تفسير الشوكانى ( وقال ) محمد بن كعب القرظى : كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن . فإذا قيل له قال : كنت أحسبها أمة . فامرهن الله أن يخالفن زى الإماء ويدنين عليهن من جلابيبهن ، نخمر وجهها إلا أحدى عينيها ( ذلك أدنى أن يعرفن ) يقول ذلك أحرى أن يعرفن أخرجه ابن سعد (24) انظر ص 297 ج4 فتح القدير تفسير الشوكانى وفيه 0 وقال ) ابن عباس فى هذه الاية : امر الله النساء المؤمنات إذا خرجن من بيوتهن فى حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة . أخرجه ابن حرير وابن ابى حاتم وابن مردوية (25) ( وقال ) محمد بن سيرين سالت عبيدة السلمانى عن قول الله عز وجل ك يدنين عليهن من جلابيبهن فغطى وجهه وراسه وابرز عينه اليسرى . ذكره ابن كثير انظر ص 612 ج6 منه ( وقالت ) أم سلمة : لما نزلت هذه الآية : يدنين عليهن من جلابيبهن خرج نساء الأنصار كأن رؤسهن الغربان من الأكسية . أخرجه أبو داود وعبد الرازق وعبد بن حميد وابن حاتم . انظر ص 297 ج4 فتح القدير تفسير الشوكانى ( وقالت ) عائشة : يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله : وليضربن بخمرهن على جيوبهن . شققن أكتف مروطهن (جمع مرط وهو كساء تأنزر به المرأة ) فاختمرن بها . أخرجه أبو داود (26) انظر ص 61 ج4 سنن ابى داود ( لباس النساء ) وفى سنده قرة بن عبد الرحمن المعافرى . قال أحمد : منكر الحديث(1/159)
" ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله اليه يوم القيامة . فقالت أم سلمة : كيف تصنع النساء بذيولهن ؟ قال يرخين شبراً . قالت : إذن تنكشف أقدامهن . قال: فيرخين ذراعا ولا يزدن عليه . أخرجه الثلاثة وصححه الترمذى (1) { 158 } .
(جـ) وينبغى للرجل ألا يبالغ فى سعة الكم فلا يزيد اتساعه عن شبر ، لأنه سرف منهى عنه ( قال ) العز بن عبد السلام : وإفراط توسعة الثياب والأكمام بدعة وسرف أهـ .
( وقال ) وفى زاد المعاد : وأما الأكمام الواسعة الطوال التى هى كالأخراج فلم يلبسها النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أحد من أصحابه ألبتة ، وهى مخالفة لسنته . وفى جوازها نظر فإنها من جنس الخيلاء وهى ممنوعة أهـ بتصرف .
( وقال ) ابن الحاج فى المدخل : ولا يخفى على ذى بصيرة أن كم بعض من ينسب إلى العلم اليوم فيه إضاعة مال ، لأنه قد يفضل من هذا الكم ثوب لغيره أهـ .
( وقال ) فى النيل : لقد صار أشهر الناس بمخالفة هذه السنة فى زماننا هذا العلماء فَبُرَى أحدهم وقد جعل لقميصه كمين يصلح كل منهما أن يكون جبة أو قميصا لصغير من أولاده أو يتيم . ولبس فى ذلك شىء من الفائدة ( الدنيوية ) إلا العبث وتثقيل المؤنة على النفس ، ومنع الانتفاع باليد فى كثير من المنافع وتعريضه لسرعى التمزق وتشويه الهيئة ( ولا الدينية ) إلا مخالفة السنة والإسبال والسرف والخيلاء أهـ بتصرف .
(
__________
(1) انظر ص 262 ج3 تيسير الوصول ( إزرة النساء ) وص 46 ج3 تحفة الأحوذى ( كراهية جر الإزرار ) .(1/160)
د) ويسن للرجل أن يكون ذيل ثوبه الى نصف الساق . ويجوز له ما نزل إلى الكعبين . ويحرم ما زاد عنهما بقصد الخيلاء . وترخى المرأة ذيلها إلى ذراع " لحديث " أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إزره المؤمن إلى نصف الساق ، ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين . ما كان أسفل من ذلك فهو فى النار ، ما كان أسفل من ذلك فهو فى النار . ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه يوم القيامة . أخرجه مالك وأحمد وأبو داودوابن ماجه (1) { 159 } .
__________
(1) انظر ص 5 ج3 مسند أحمد . وص 59 ج4 سنن ابى داود ( قدر موضع الإزار ( وص 194 ج2 سنن ابن ماجه (موضع الإزار اين هو؟) و( الإزرة ) بالكسر الحالة وهيئة الانزار ن أى حالة المؤمن التى ترضى ربه وتحسن شرعا ، أن يكون إزاره إلى نصف ساقه . و ( ما اسفل من ذلك الخ ) أى ما دون الكعبين وهو قدم صاحب الإزار المسبل ن يكون فى النار عقوبة له . ويحتمل أن يراد به الشخص المسبل فيكون الكلام على حذف مضاف و ( البطر ) بفتحتين الكبر وشدة المرح 0 لم ينظر الله اليه ) أى نظر رحمة ، وهو كناية عن أن الله يعذبه .(1/161)
" ولقول " الأشعث بن سليم : سمعت عمتى تحدث عن عمها قال : بينما أنا أمشى إذا إنسان خلفى يقول : أرفع إزارك فإنه أتقى وأبقى ، فالتفتُّ فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم . فقلت : يا رسول الله إنما هى بردة ملحاء قال : أمالك فىَّ أسوة ؟ فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه . أخرجه الترمذى فى الشمائل . وأخرجه أحمد وابن سعد والبيهقى بلفظ : ارفع إزارك فإنه أنقى لثوبك وأنقى لربك : أمالك فىَّ أسوة؟ (1) { 160 }
" ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال . الإزار إلى نصف الساق أو إلى الكعبين ، لا خير فى أسفل من ذلك . أخرجه أحمد والطبرانى فى الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح (2) { 161 } .
__________
(1) انظر ص 90 – الشمائل المحمدية و ( عمته ) هى رهم – بضم فسكون – بنت الأسود ابن خالد . و( عمها ) عبيد الله بن خالد المحاربى و (أتقى ) أى اقرب الى سلوك سبيل التقوى للبعد عن الكبر والخيلاء والقاذورات وفى بعض النسخ أنقى بالنون . أى أنظف إذ غسباله يقتضى تعلق النجاسة والقاذورات به فيتلوث ( وأبقى ) بالباء الموحدة ، أى أكثر بقاء للثوب ، فإن الإسبال يؤدى الى سرعة بلائه فينبغى للعاقل الرفق بما يستعمله والاهتمام بحفظه وتعهده ، لأن إهماله تضييع وإسراف ز و ( بردة ملحاء ) كحمراء وهى كساء مخطط فيه بياض وسواد . ومراده أنها بردة مبتذلة ليست للزينة ، فجرها لا يؤدى إلى الخيلاء ، فاشار إليه صلى الله عليه وسلم أن يقتدى به فى تقصير الثياب وإن لم يؤد إسبالها إلى الخيلاء سد للذريعة .
(2) انظر ص 222 ج5 مجمع الزوائد ( الإزرار وموضعه ) و ( اللمة ) بضم فشد ، ما وصل من شعر الرأس إلى المنكلبين .(1/162)
" ولحديث " سمرة بن فاتك أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : نعم الفتى سمرة ، لو أخذ من لُمَّتِه وشمَّر من متزره ففعل ذلك سمرة ، أخذ من لُمَّتِه وشمَّر من متزره . أخرجه أحمد عن شيخه يعمر بن بشر ، ويقال مشايخ أحمد كلهم ثقات (1) { 162 } .
" ولحديث " يزيد بن أبى سُمَّية قال : سمعت ابن عمر يقول : ما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى الازار ، فهو فى القميص . أخرجه أبو داود (2) { 163 } .
" ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : الإسبال فى الإزرار والقميص والعمامة من جرَّ منها شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة أخرجه البيهقى والأربعة إلا الترمذى بسند حسن (3) { 164 }
( والإسبال ) فى الإزرار والقميص بنزولها عن الكعبين ، وفى العمامة بإرسال العذبة زيادة عن غايتها وهو نصف الظهر فإنه بدعة .
" ولحديث " ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من جَرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، فقالت أم سلمة : كيف تصنع النساء بذيولهن ؟ قال ترخين شبرا قالت إذن تنكشف أقدامهن ، قال فيرخين ذراعا ولا يزدن عليه أخرجه ابو داود والنسائى والترمذى (4) { 165 } .
__________
(1) انظر ص 222 ج5 مجمع الزوائد ( الإزرار وموضعه ) و ( اللمة ) بضم فشد ، ما وصل من شعر الرأس إلى المنكلبين .
(2) انظر ص 60 ج4 سنن ابى داود ( قدر موضع الإزار ) وص 299 جـ2 مجتبى ( إسبال الإزرار )
(3) انظر ص 60 ج4 سنن ابى داود ( قدر موضع الإزار ) وص 299 جـ2 مجتبى ( إسبال الإزرار )
(4) انظر ص 262 جـ3 تيسير الوصول ( إزرة النساء ) .(1/163)
" ولحديث " ابن عمر أن أزواج النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص لهن فى الذيل ذراعا ، فكن يأتينا فتذرع لهن بالقصب ذراعا . أخرجه ابن ماجه (1) والأحاديث فى هذا كثيرة (2) { 166 } .
( ففى ) هذه الأحاديث تحذير الرجال من إسبال الإزار أسفل من الكعبين للخيلاء . وطلب الإسبال للنساء شبراً أو ذراعا .
(
__________
(1) انظر ص 195 جـ2 سنن ابن ماجه ( ذيل المرأة كم يكون ؟ )
(2) منها : حديث حذيفة (1) قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة ، فإن ابيت فأسفل ، فإن ابيت فمن وراء الساق ولاحق للكعبين فى الإزار . أخرجه النسائى { 167 } انظر ص 299 ج2 مجتبى ( موضع الإزار ) والعضلة بفتحات ، اللحمة المجتمعة الممتلئة فى الساق .
وحديث أبى هريرة قال : بينما رجل يصلى مسبلا إزاره فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب فتوضأ فذهب فتوضا ثم جاء ثم قال : أذهب فتوضا فذهب فتوضأ ثم جاء فقال له رجل : يا رسول الله مالك أمرته أن يتوضأ ؟ قال : إنه كان يصلى وهو مسبل إزاره ، وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل . أخرجه أبو داود والبيهقى { 168 } انظر ص 57 جأ4 سنن ابى داود ( إسبال الإزار ) وفى سنده ابو جعفر الأنصارى المؤذن لا يعرف اسمه . وقال الحافظ بن حجر فى التقريب : مقبول من الثالثة . ( ولعل ) السر فى أمره بالوضوء وهو طاهر ان يتفكر فى موجب هذا الأمر ليعلم ما ارتكبه من المخالفة فيتباعد عنها ، ويهتم بتطهير الباطن من دنس الكبر ، لأن طهارة الظاهر تؤثر فى طهارة الباطن . ولما لم يفطن للغرض من أمره بالطهارى أولا ، أمره بها ثانيا ن لذلك وزجرا له على إسبال الإزار ( وظاهرة ) يدل على أن إسبال الإزار ) بقصد الخيلاء مبطل للوصوء والصلاة ( ولم يقل ) به أحد من الأئمة ، لضعف الحديث بجهالة أبى جعفر . وعلى فرض ثبوته فهو منسوخ ، لأن الإجماع على خلافه .(1/164)
قال) العراقى فى شرح الترمذى : الظاهر أن الذراع المرخص فيه للنساء يبتدىء من أول ما يمس الأرض ، والمراد بالذراع ذراع اليد وهو شبران " لقول " ابن عمر : رخص رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمهات المؤمنين فى الذيل شبراً ، ثم استزدنه فزادهن شبراً ، فكن يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعا . أخرجه أبو داود (1) ، وهو يدل على أن الذراع المأذون فيه شبران أهـ ملخصا .
(
__________
(1) وحديث أبى ذر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم . قلت : من هم يا رسول الله قد خابوا وخسروا ؟ فأعادها النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثا . فقلت : من هم يا رسول الله خابوا وخسروا فقال : المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر . أخرجه السبعة إلا البخارى { 169 } انظر ص 148 جـ5 مسند أحمد . وص 114 جـ2نووى مسلم (تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف ) وص 57 جـ4 سنن أبى داود وص 299 جـ 2 مجتبى ( غسبال الإزار ) .
( وفى رواية ) لأبى داود ابى ذر قال : المنان الذى لا يعطى شيئا إلا أمنه أى عده على المعطى ( والمنفق ) بفتح النون وكسر الفاء المشددة ، أو بسكون النون وكسر الفاء ، المروج تجارته بالحلف الكاذب .
وحديث المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : يا سفيان بن ابى سهل : لا تسبل إزارك إن الله لا يحب المسبلين . أخرجه أحمد وابن ماجه { 170 } انظر ص 246 ج4 مسند أحمد . وص 194 جـ2 سنن ابن ماجه ( موضع الإزار اين هو ؟ ) .
وحديث ابن عمر : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا ينظر الله الى من جر ثوبه خيلاء . فقل ابو بكر : يا رسول الله إزارع يسترخى إلا أن أتعاهد ذلك منه. فقال إنك لست ممن يفعله خيلاء ز أخرجه الخمسة إلا الترمذى ]171[ ص 262 ج3 تيسير الوصول ( اسبال الإزار )(1/165)
هذا ) والتقييد بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خيلاء ، يدل بمفهمومه أن جر الثوب لغير الخيلاء لا يكون داخلا فى هذا الوعيد لكنه مذموم ( قال ) النووى : يحرم إطالة الثوب والإزار والسراويل على الكعبين للخيلاء ويكره لغيره نص عليه الشافعى (1) ( وقال ) ابن عبد البر : مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد إلا أنَّ جر القميص وغيره من الثياب مذموم قاله الحافظ (2)
__________
(1) انظر ص 454 ج 4 شرح المهذب ( المسالة السابعه من مسائل اللباس )
(2) انظر ص 206 ج 10 فتح البارى( شرح حديث : من جر ثوبة مخيلة لم ينظر الله اليه ) .(1/166)
وفيه قال ابن العربى : لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبة ويقول لا أجره خيلاء ، لأن النهى قد تناوله لفظا . ولا يجوز لمن تناوله لفظا أن يخالفه إذ صار حكمه أن يقول لا أمتثله ، لأن تلك العلة ليست فىَّ ، فإنها دعوى غير مسلمة ، بل إطالة ذيله دلالة على تكبره أهـ ( وحاصلة ) أن الإسبال يستلزم جرَّ الثوب ، وجرَّ الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصده الملابس . ويدل على عدم التقييد بالخيلاء (أ) ( ما أخرجه ) أبو داود والنسائى والترمذى وصححه عن جابر بن سليم من حديث طويل وفيه : وأرفع إزارك إلى نصف الساق . فإن أبيت فإلى الكعبين . وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة ، وإن الله لا يحب المخيلة (1) ( ب) ( وما أخرج ) الطبرانى من حديث أبى أمامة قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصارى فى حلة – إزار ورداء – قد أسبل فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله عز وجل ويقول : عبدك وابن عبدك وأمتك حتى سمعها عمرو ، فقال يا رسول الله إنى أحمش الساقين " أى دقيقها " فقال يا عمرو : إن الله تعالى قد أحسن كل شىء خلقه . يا عمرو إن الله لا يحب المسبل ، والحديث رجاله ثقات(2) { 172 }
( وظاهره ) أن عمرا لم يقصد الخيلاء . وقد عرضت ما فى حديث الباب من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبى بكر : إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء .
__________
(1) انظر ص 56 ج4 سنن ابى داود ( إسبال الإزار ) .
(2) انظر ص 124 ج5 مجمع الزوائد ( الإزار وموضعه ) .(1/167)
وهو صريح في أن مناط التحريم الخيلاء ، وأن الإسبال قد يكون للخيلاء وقد يكون لغيره ، فلابد من حمل قوله : فإنها من المخيلة فى حديث جابر بن سليم على أنه خرج مخرج الغالب . فيكون الوعيد المذكور فى حديث الباب متوجها إلى من فعل ذلك اختيالا " والقول " بأن كل إسبال من المخيلة أخذا بظاهر حديث جابر "تردُّه " الضرورة ، فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله " ويرده " ما تقدم من وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبى بكر : إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء . وبهذا يحصل الجمع بين الآحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به فى الصحيحين أ هـ بتصرف (1) .
( وقال ) القسطلانى فى المواهب اللدنية : وحاصل ما ذكر فى الأحاديث أن للرجل حالين استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق . وحال جواز وهو أن ينزل به الى الكعبين ، وكذا للنساء حالان : حال استحباب وهو أن تزيد على ماهو جائز للرجال بقدر الشبر . وحال جواز وهو أن تزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الذراع ، وأن الإسبال يكون فى القميص والعمامة والإزار ، وأنه لا يجوز إسباله تحت الكعبين إن كان للخيلاء . وإن كان لغيرها فهو مكروه للتنزيه أهـ .
هذا . وإنه ليسوءنا ويسوء كل غيور على دينه حريص على سعادة أمته أن ترى مخالفة هذه الأدلة بين ظهرانينا من الرجال والنساء .
فنرى الرجال يسبلون الثياب تجر على الأرض ذيولها ، ويوسعون الأكمام ويتركون الحبل على الغارب للنساء ، فيقصرن الثياب ويكشفن الرءوس والنحور والصدور . ويسرن فى الطرقات متعطرات متبرجات متهتكات ، كاسيات عاريات مائلات مميلات ، يبدين زينتهن ويظهران أطرافهن على مرأى ومشهد من القريب والبعيد .
(
__________
(1) انظر ص 207 وغيرها ج10 فتح البارى ( شرح حديث : من جر ثوبة مخيلة لم ينظر الله اليه ) .(1/168)
وبهذا ) تحقق ما أخبر به الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( روى ) أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس . ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات ، رءوسهن كأسنمة البخث المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا . أخرجه أحمد ومسلم (1) {
__________
(1) انظر ص 109 ج14 نووى مسلم ( النساء الكاسيات العاريات .. اللباس ) و ( كاسيات ) أى من نعم الله تعالى ( عاريات ) من شكرها ، أو ساترة بعض بنسها كاشفة بعضه ، أو تلبس ثوبا رقيقا يصف بدنها . و ( مائلات) أى عن طاعة الله وما يلزمهن حفظة ، أو يمشين متبخترات . و ( مميلات ) لأكتافهن ، أو يعلمن غيرهن فعلهن المذموم أو يملن الشبان إليهن بما يبدين من زينتهن ( رءوسهن كاسنمة البخت ) أى يعظمنها ويكبرنها بما يلف كالعمامة ، أو يجمعن شعورهن حتى تشبه اسنمة الإبل البخت ذات السنام المائل . وهو من شعار العاهرات .
(
قال ) القرطبى فى معنى الحديث : نساء كاسيات عاريات ، يعنى كاسيات بالثياب عاريات من الدين ، لانكشافهن وغبداء محاسنهن . وقيل كاسيات ثيابا رقاقا يظهر ما تحتها وما خلفها فهن كاسيات فى الظاهر عاريات فى الحقيقة . وقيل كاسيات فى الدنيا بانواع الزينة من الحرام وما لا يجوز لبسه ، عاريات يوم القيامة ( مائلات ) أى زائغات عن طاعة الأزواج وما يلزمهن من صيانة الفروج والتستر عن الأجانب . و ( مميلات ) يعلمهن غيرهن الدخول فى مثل فعلهن ، وقيل مائلات متبخترات يملن رءوسهن وأعطافهن للخيلاء والتبختر ، وقيل مميلات لقلوب الرجال بما يبدين من زينتهن وطيب رائحتهن ( على رءوسهن مثل اسنمة البخت ) أى يعظمهن رءوسهن بالخمر والمقانع ويجعلن على رءوسهن ما يسمى عندهن الفاهرة لا عقص الشعر والذوائب المباحة للنساء أ هـ ملخصا ( وفى الحديث ) ذو هذين الصنفين ، وهو معجزة ظاهرة للنبى صلى الله عليه وسلم ، لقد تحقق ما أخبر أنه سيكون وقد ورد تحذير النساء من لبس رقيق الثياب التى تصف البشرة فى غير حديث كما يأتى فى ط بحث الثياب الرقيقة " ص 179 - ان شاء الله تعالى(1/169)
173 }
( وإن تعجب ) أيها المؤمن فعجب من ذلك الرجل الذى يترك امرأته تتزيا بزى الخلاعة أمام البنات والخادمات (1) حتى فشا الفجور باسم المدنية والتقدم ، وتهدَّم الشرف وضاعت الفضيلة تحت ستار الحضارة والرقى .
( كيف ) لا يخجل ذلك الرجل الذى يتأبط المرأة فى الطرقات وهى شبه عارية ؟ أيصل به تفكيره إلى أن زوجته مشاع للجميع ؟ فليتمتع بالنظر إليها من شاء .
( ألا يحسّ ) ذلك الرجل الذى يترك بناته على هواهنّ ، ويتفانى فى شراء أدوات الزينة والتهتك لهنّ فيخلعن ثوب الوقار ويلبسن ما يغضب الواحد القهار .
( ألا يجدر ) بهؤلاء وأولئك أن يرجعوا إلى تعاليم الدين الحنيف فيعملوا على ما فيه الخير لنسائهم وبناتهم فى الدنيا والآخرة من حشمة ووقار .
(
__________
(1) وإنا نسجل هنا مكرمة تذكر فنشكر لصاحب المعالى وزير المعارف – المرحوم محمود فهمى النقراشى باشا – فى هذا الشان . قالت مجلة الاعتام فى عددها الرابع الصادر فى 19 من شوال سنة 1358 هـ لاحظت وزارة المعارف أن بعض طالبات المدارس يذهبن الى مدارسهن بملابس الألعاب الرايضية القصيرة ، ويظهرن بها فى الطريق بدل الملابس العادية . وترى الوزارة أن هذا يتنافى مع ما يجب أن تكون عليه الطالبة من تمام الحشمة فكتبت الى حضرات ناظرات مدارس البنات تطلب اليهن أن ينبهن الطالبات – لا سيما كبارهن – الى عدم الظهور فى خارج المدرسة بملابس الألعاب الرياضية ( وإنها ) لخطوة مباركة لمعالى وزير المعارف ، نرجو أن يشفعها معاليه ببث الروح الدينية بين المتعلمين والمتعلمات ، مع المراقبة الشديدة على تنفيذ هذا الأمر والعمل على مقتضاه ، ومؤاخذة من يتوانى فى العمل به حتى يعود للأمة مجدها وعزها ويرجع لها وقارها وهيبتها ، وكرامتها ، نسال الله الجميع الهداية والتوفيق .(1/170)
ألا يجدر ) بحضرات المحامين – وهم الطبقة المتعلمة ولاسيما الشرعيين منهم – أن يجعلوا من مكاتبهم أماكن وعظ وهداية لتلك التى خرجت من خدرها تريد محاربة زوجها ، وقد حاربت ربها من قبله بخروجها عارية سافرة فى الطرقات يشاهدها الفساق والفجار ، وكثير ماهم .
( ألا تعمل ) الحكومة على سنّ قانون يضرب بيد من حديد على كل من تحدّثها نفسها بانتهاك حرمتها وخروجها بشكل فاضح مزر بكرامتها وكرامة قومها ووطنها الإسلامى .
(هـ) وكذا تمنع المبالغة فى سعة الثياب كالفرجيات ، لما فيه من الإسراف المنهى عنه (قال) ابن الحاج فى المدخل : وينبغى للعالم أن يتحفظ فى نفسه بالفعل ، وفيمن يجالسه بالقول ، من هذه البدعة التى يفعلها كثير ممن ينسب إلى العلم فى تفصيل ثيابهم من طول الكم واتساعه الخارج عن سبيل الشريعة فيقعون بسببه فى المحذور ، لأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن إضاعة المال ( وقد ) روى الإمام مالك فى موطئه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إزرة المسلم إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين . ما أسفل من ذلك ففى النار . ما أسفل من ذلك ففى النار . لا ينظر الله يوم القيامة الى من جر إزاره بطرا (1) { 174 } .
( فهذا ) نص صريح منه عليه الصلاة والسلام على أنه لا يجوز للإنسان أن يزيد فى ثوبه ما ليس فيه حاجة إليه ، إذ أن ما تحت الكعبين ليس للإنسان به حاجة . فمنعه منه وأباح ذلك للنساء ، فلها أن تجر مِرْطَها خلفهاً شبرا أو ذراعا للحاجة الداعية إليه وهى التستر والإبلاغ فيه ، إذ المرأة كلها عورة إلا ما استثنى (وكره) الإمام مالك للرجل سعة الثوب وطوله عليه ، ذكره ابن يونس .
(
__________
(1) وأخرجه أيضاً أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبى سعيد الخدرى بلفظ تقدم رقم 159 بص 163 وما بعدها .(1/171)
وحكى ) الإمام ابو بكر محمد بن الوليد الطرطوشى فى كتابه " سراج الملوك والخلفاء " أنه لما دخل محمد بن واسع سيد العُبَّاد فى زمانه على بلال ابن أبى بردة أمير البصرة ، وكان ثوبه إلى نصف ساقيه ، قال له بلال : ما هذه الشهرة يابن واسع ؟ فقال له ابن واسع : أنتم شهرتمونا ، هكذا كان لباس من مضى ، وإنما أنتم طولتم ذيولكم ، فصارت السنة بينكم بدعة وشهرة أهـ ( فتوسيع ) الثوب وكبره ، وتوسيع الكم وكبره ليس للرجل به حاجة " فيمنع مثل مازاد على الكعبين سواء بسواء ، وإن كان للإنسان أن يتصرف فى ماله لكن تصرفا غير تام فهو محجور عليه ، لأنه أبيح له أن يصرفه فى مواضع ، ومنع من صرفه فى مواضع ، فالمال فى الحقيقة ليس له وإنما هو فى يده على سبيل العارية على أن يصرفه فى كذا ولا يصرفه فى كذا . وهذا بين منصوص عليه فى القرآن والحديث . قال تعالى : { آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } آية 7 : الحديد . ونحوه من الآيات ، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : يقول أحدكم مالى مالى ، وليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، وما ليست فأبليت ، وما تصدقت فأبقيت (1) { 175 } ونحوه من الأحاديث ، فما يفعلونه من الاتساع والكبر ليس مشروعا فيمنع .
(
__________
(1) أخرجه أحمد ومسلم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : يقوم ابن آدم مالى مالى . وهو لك بابن آدم من مالك الى ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت ؟ أو تصدقت فأمضيت ؟ رقم 3231 ص 393 ج2 كشف الخفاء وص94 ج18 نووى مسلم (الزهد) .(1/172)
قال ) ابن القاسم : بلغنى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه قطع كم رجل إلى أطراف أصابعه ، ثم أعطاه فضل ذلك وقال له : خذ هذا واجعله فى حاجتك { 27 } ( قال ) ابن رشد : إنما فعل سيدنا عمر رضىالله عنه هذا لأنه رأى أن الزيادة فى طول الكمين على قدر الأصابع مما لا يحتاج إليه ، فرآه من السرف وخشى عليه أن يدخله منه عجب ، فأين الحال من الحال ؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون .
( قال ) أبو طالب المكى فى قوت القلوب : ومما أحدثوا من البدع لبس الثياب الذى خرجوا به عن حدَّ السمت والوقار ، وتكلفهم فى حملة إن تركوه مدلى ثقل عليهم فى مشيهم فثقل مروءة أحدهم بسببه ، ولا يقدر على المشى الكثير ، ولا على تعاطى قضاء الحوائج . وإن رفع يديه به كان فيه كلفة وإن كان فى صلاة فإن رفع يديه به ضمة إليه ، كان فيه شغل فى الصلاة فيمنع منه ، لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يكفت أحد شعره فى الصلاة . أو يضم ثوبه ، وإن تركه على حاله انفرش على الأرض حين السجود والجلوس فيمسك به إن كان فى المسجد ما ليس له أن يمسكه ، لأنه ليس له فى المسجد إلا موضع قيامه وسجوده وجلوسه. وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين فيكون غاضباً قدراً من المسجد وهو محرم ، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين (1) { 176 }
(
__________
(1) أخرجه أحمد والشيخان عن عائشة انظر ص 63 ج3 تيسير الوصول ( الغصب )(1/173)
وربما ) أرتكب بدعة أخرى لأجل ثيابه وهى فرش سجادة . وربما جلس عليها وحده فيزداد الغصب مع ما ينضاف إلى ذلك من الخيلاء ، وهذا أمر لو فعله بعض الأعاجم أو الجهلاء بدينهم ، لوجب على العالم تحذيرهم منه وزجرهم والأخذ على أيديهم أو وعظهم إن كان يخاف شوكتهم ، فكيف يفعله العالم فى نفسه ؟ كان الناس يقتبسون آثار العالم ويهتدون بهديه ويرجعون عن عوائدهم لعوائده ، فانعكس الأمر فصار من لا علم عنده من الأعاجم وغيرهم يحدثون أشياء مثل هذا ، فيسكت لهم عليه ثم يتشبه العالم بهم فى فعلهم فكان الناس يقتدون بالعلماء ، فرجعنا نقتدى بفعل الجهلاء .
( وهذا ) الباب هو الأصل الذى تركت منه السنن غالبا ، أعنى اتخاذ عوائد يقع الاصطلاح عليها ويمشى عليها فينشأ أناس عليها لا يعرفون غيرها ويتركون ما وراءها فجاء ما قال صاحب الأنوار رحمة الله سواء بسواء : ويلكم يا معشر العلماء السوء الجهلة بربهم ، جلستم على باب الجنة تدعون الناس إلى النار بأعمالكم فلا أنتم دخلتم الجنة بفضل أعمالكم ، ولا أنتم أدخلتم الناس فيها بصالح أعمالكم ، قطعتم الطريق على المريد ، وصددتم الجاهل عن الحق ، فما ظنكم غدا عند ربكم إذا ذهب الباطل بأهله . وقرب الحق أتباعه ؟ أ هـ .
((1/174)
على أنه ) لم ينقل عن أحد ممن مضى أنه كان لعلمائهم لباس يعرفون به غير لبأس الناس جميعا ، لامزية لهم على غيرهم فى الثوب ولا فى التفصيل بل لباس بعضهم أقل من لباس الناس لتواضعهم وورعهم وزهدهم ولمعرفة الحق والرجوع إليه . ولفضيلة ذلك عند الشرع . والعالم أولى من يبادر إلى الأفضل والرجح فى الشرع ، نعم سيدنا عمر رضى الله عنه قال : استحب للقارىء أن يكون ثوبه أبيض { 28 } يعنى يفعل ذلك توقيراً للعلم ، فلا يلبس ثوبا وسخا ولم يقل أحد إنه يخالف لباس الناس بسبب علمه ، فقد كان للإمام ثياب كثيرة يوقر بها مجلس الحديث حين كان يقرؤه . ولم ينقل عنه أنه كان فى غير مجلس الحديث إلا على العادة . وعلى كل حال لم يكن مخالفا لما امر به النبى صلى الله عليه وسلم ، بخلاف لبس غالب علماء هذا الزمان . فإنه منهى عنه بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدم ، وما ورد عنه عليه الصلاة والسلام من التأكيد فى لبس الخشن من الثياب إلا فى الجمع والأعياد (1) .
__________
(1) " روى " سهل بن معاذ عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أى حلل الأيمان شاء يلبسها . أخرجه الترمذى وحسنة والطبرانى والحاكم والبيهقى ]178 [ انظر رقم 1872 ص 289 ج2 فيض القدير ز والتبذل ترك التزين تواضعا
( وهذا ) لا ينافى ما تقدم رقم 154 ص 161 من قول النبى صلى الله عليه وسلم : إن الله يحب أن يرى نعمته على عبده . وراه الترمذى وحسنة عن ابن عمرو ]179 [ . ( فإن المراد ) به التوسط فى الملبس والتواضع فيه ، وإظهار التجميل أحيانا إظهارا لنعم البارى جل شانه .
( والمراد) بما هنا الرضا بالأدنى عن الأعلى تواضعا لله مع التوسط بين زى الفقراء وزى أهل الخيلاء ، فإن خير الأمور أوساطها .(1/175)
ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم فى ذلك مخالفة لباس الناس لفقيه ولا غيره . وقد جعلت اليوم هذه الثياب للفقيه كأنها فرض عليه . ولا يمكن أن يقعد فى الدرس إلا بها . فإن قعد بغيرها قيل عنه مهين يتهاون بمنصب العلم لا يعطى العلم حقه ، ولا يقوم بما يجب له ، فانعكس الأمر ودثرت السنة ونسى فعل السلف ، بفتوى من غفل أو وهم ، واتباعها وشد اليد عليها لكونها جاءت فيها حظوظ النفس ، وهى التميز عن الأصحاب والأقران ، لأن من لبس ذلك الثوب عندهم قيل هو فقيه فيتميز إذ ذاك عن العوام . وهذه درجة لا تحصل له إلا بعد مجاهدة طويلة ، حتى تحصل له درجة فضيلة تنقله ممن درجة العوام، فبنفس لبس تلك الثياب انتقلت درجته عنهم ورجع ملحوقا بالفقهاء فإنا لله وإنا اليه راجعون . صار الفقه بالزى دون الدرس والفهم . فاين هذا مما كان عليه الصحابة رضى الله عنهم والسلف من اللبس الموافق لفعل وقول صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم ؟ وأن العالم إنما كان يعرف بينهم بحسن هدية لتخلقه بأخلاق نبيه صلى الله عليه وسلم ( قال ) عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه : العالم يعرف بليله إذا الناس نائمون ، وبنهاره إذا الناس مفطرون ، وببكائه إذا الناس يضحكون ، وبصمته إذا الناس يخوضون ، وبخشوعه إذا الناس يختالون ، وبحزنه إذا الناس يفرحون أهـ { 29 }
( فأنظر ) إلى قوله رضى الله عنه هل قال : العالم يعرف بوسع كمه وطوله ووسع ثوبه وحسنه ؟
( وكذا ) قال غير ابن مسعود رضى الله عنه من الصحابة . ولما كان العلماء على هذه الأوصاف كانت لهم اليد العليا وانتفع الناس بهم ، ووجدوا البركة والراحة على ايديهم .
((1/176)
حكى) عبد الله بن أبى جمرة عن شيخه أبى الحسن الزيات أنه خرج إلى بستانه ليعمل فيه ، لأنه كان من عادته يخرج لحائطه يعمل بيده ، وإذا ببعض الظلمة أخذوه مع غيره فى السخرة لبستان السلطان ، فمضى معهم وصار يعمل معهم إلى أن جاء الوزير لينظر ما عمل فى البستان ، فوقعت عينه على الشبخ وهو يعمل فطأطأ على قدميه يقبلهما ويقول : يا سيدى ما جاء بك هنا ؟ فقال : أعوانكم الظلمة . فقال يا سيدى عسى أنك تقِبلنا وتخرج فأبى . فقال له ولم ؟ قال : هؤلاء إخوانى من المسلمين كيف أخرج وهم فى ظلمكم ؟ لا أفعل ذلك . فسأله أن يخرج بهم فأبى . فقال له ولم ؟ فقال له : غدا تأخذونهم إن كانت لكم بهم حاجة . فلم يخرج حتى تابوا إلى الله تعالى ألا يستعملوا أحداً من المسلمين ظلما أهـ .
( فأنظر) إلى بركة زى العالم إذا كان مثل زى الناس ، وما يحصل لهم به من الخير . هذا فى واحدة . فما بالك بغيرها وغيرها . فلو كان على الشيخ إذ ذاك لباس يعرف به لم يؤخذ ، فكانت تلك البركة تمنع عن هؤلاء المساكين الذين أخذوا فى ظلم السلطان .
( وعن ) الفضيل بن عياض رحمة الله تعالى أنه قال : لو أن اهل العلم أكرموا أنفسهم ، وشحوا على دينهم ، وأعزوا العلم وصانوه وأنزلوه حيث أنزله الله تعالى ، لخضعت لهم رقاب الجبابرة ، وأنقادت لهم الناس وكانوا لهم تبعا وعز الإسلام وأهله ، ولكنهم أذلوا أنفسهم ولم يبالوا بما نقص من دينهم إذا سلمت لهم دنياهم ، وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا ليصيبوا بذلك ما فى أيديهم ، فذلوا وهانوا على الناس أهـ .
( فهذه ) المفاسد كلها ظاهرة مع ما يحصل فيها من المفاخرة والخيلاء أهـ ملخصا . وتمامه بكتاب إصابه السهام (1).
17- التيامن فى اللباس وغيره :
__________
(1) انظر ص 17 وما بعدها .(1/177)
يسن التيامن فى اللبس وغيره من الأمور الشريفة " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا لبس قميصا بدأ بميامنه . أخرجه النسائى والترمذى (1) { 180 } " ولحديث " ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بأيامنكم . أخرجه أحمد وأبو داود والطبرانى والبيهقى (2) { 181 } ( قال ) ابن دقيق العيد : هو حقيق بأن يصح .
" ولقول " عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعجبه التيامن لترجله وتنعله وطهوره وفى شأنه كله. أخرجه أحمد والشيخان ( وأخرجه ) السبعة بلفظ : كان يحب التيامن ما استطاع فى طهوره وتنعله وترجله وفى شأنه كله (3) { 182 } " ولحديث " حفصة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجعل يمينه لأكله وشربه ووضوئه وثيابه وأخذه وعطائه . ويجعل شماله لما سوى ذلك . أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود (4) {183}
(
__________
(1) انظر رقم 6788 ص 159 ج5 فيض القدير .
(2) تقدم رقم 177 ص 261 ج1 دين ( التيامن فى الوضوء ) . الطبعة الثالثة .
(3) تقدم رقم 176 ص 261 ج1 دين ( التيامن فى الوضوء ) و ( الترجل ) تسريح الشعر .
(4) انظر رقم 6985 ص 204 ج5 فيض القدير وفيه . وقال النووى إسناد جيد .(1/178)
ولهذا ) اتفق العلماء على أنه يستحب التيامن فى الأمور الشريفة ، والتياسر فيما سوى ذلك ( قال ) النووى : هذه قاعدة مستمرة فى الشرع وهى " أن ما كان " من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب وترجيل الشعر ونتف الأبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والمصافحة والأكل والشرب واستلام الحجر الاسود وغير ذلك مما هو فى معناه " يستحب " التيامن فيه " وأما ما كان " بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك " فيستحب " التياسر فيه . وذلك لكرامة اليمين وشرفها(1) .
18- الثياب الرقيقة والضيقة :
__________
(1) انظر ص 74 ج14 – نووى مسلم .(1/179)
لا يحل لرجل ولا لامرأة لبس ثوب خفيف أو ضيق يصف العورة " لحديث " ضمرة بن ثعلبه أنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم وعليه حلتان من حلل اليمن . فقال يا ضمرة أترى ثوبيك هذين مدخليك الجنة ؟ فقال يا رسول الله : لئن استغفرتَ لى لا أقعد حتى أنزعهما عنى . فقال صلى الله عليه وسلم : اللهم اغفر لضمرة فانطلق سريعا حتى نزعهما عنه . اخرجه أحمد بسند رجاله ثقات إلا أن بقية مدلس(1) { 184 } ففيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كره من ضمرة أن يلبس حلة رقيقة " ولقول" دحية الكلبى : أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بُقباطىّ فاعطانى منها قُبطية فقال : اصدعها صدعين فاقطع أحدهما قميصا وأعط الأخر امرأتك تختمر به فلما أدبر قال: وأمر امرتك أن تجعل تحثه ثوبا لا يصفها. أخرجه أبو داود والبيهقى والطبرانى والحاكم (2){185}
__________
(1) انظر ص 136 ج5 مجمع الزوائد ( باب فى الثياب الرقاق )
(2) انظر ص 69 ج4 سنن ابى داود ( لبس القباطى للنساء ) و ( قباطى ) بضم ففتح جمع قبطية ، بكسر أو ضم وسكون ، اى ثوب يصنعه قبط مصر ، رقيقة بيضاء وضم القاف من تغيير النسب .(1/180)
وفى سنده ابن لهيعة لا يحتج بحديثه . وقد تابعه أبو العباس يحيى بن أيوب المصرى ، وفيه مقال وقد احتج به مسلم واستشهد به البخارى . قاله المنذرى " ولقول " أسامة بن زيد : كسانى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبى فكسوتها امرأتى فقال لى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : مالك لم تلبس القبطية ؟ قلت يا رسول الله كسوتها امرأتى . فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مرها فلتجعل تحتها غِلالة فإنى أخاف أن تصف حجم عظامها . أخرجه أحمد والطبرانى والبيهقى وفيه عبد الله بن محمد ابن عقيل ، وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات قاله الهيثمى (1) { 186 }
(
__________
(1) انظر ص 136 ج5 مجمع الزوائد ( كسوة النساء ) و ( الغلالة ) ، بكسر العين ، شعار يلبس تحت الثوب .(1/181)
وعلى هذا ) اتفقت كلمة العلماء ( قال ) السفارينى فى غذاء الألباب : إذا كان اللباس خفيفاً يبدى لرقته وعدم ستره عورة لابسه من ذكر أو أنثى فذلك ممنوع محرم على لابسه لعدم ستره العورة المأمور بسترها شرعا بلا خلاف . وقد ورد عن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عدة أخبار فى النهى عن لبس النساء الرقيق من الثياب التى تصف البشرة " فقد " قال ابن عمرو رضى الله عنهما : سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : يكون فى آخر أمّتى رجال يركبون على سُرج كأشباه الرجال ، ينزلون على أبواب المساجد ، نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كاسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهنَ ملعونات ، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدم نساؤكم نساءهم كما خدمتكم نساء الأمم من قبلكم . أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح واللفظ له والطبرانى فى معاجمه الثلاثة وابن حبان فى صحيحه والحاكم وقال على شرط مسلم (1) { 187 } ( وعن ) خالد بن دريك أن عائشة قالت : إن أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال : يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه . رواه أبو داود . وقال هذا مرسل . خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضى الله عنها (2) { 188 } .
(
__________
(1) انظر ص 137 ج5 مجمع الزوائد ( كسوة النساء ) و ( البخت ) نوع من الإبل ماش السنام . و ( والعجاف ) الهزيل
(2) انظر ص 62 ج4 سنن ابى داود ( ما تبدى المرأة من زينتها ) وص 141 ج2 غذاء الألباب ( حكم لبس ما يصف البشرة ) و ( المحيض ) زمن البلوغ والمراد بالمرسل ما يشمل المنقطع ، وهو ما حذف منه غير الصحابى(1/182)
وقال ) ابن الحاج فى المدخل : وليحذر العالم من هذه البدعة التى أحدثها النساء فى لباسهن وهن ناقصات عقل ودين ، فمن ذلك ما يلبسن من هذه الثياب الضيقة والقصيرة وهما منهى عنهما ووردت السنة بضدهما . لآن الضيق من الثياب يصف من المرأة أكتافها وثدييها وغير ذلك . وغالبهن يجعلن القميص إلى الركبة ، فإن انحنت أو جلست أو قامت انكشفت عورتها . وقد تقدم أن ذيل ثوب المرأة تجره خلفها ويكون فيه وسع بحيث إنه لا يصفها . وتمامه فيه .
19- لبس الصوف والكتان ونحوهما :(1/183)
يباح لبس الثياب الصوف والكتان والوبر والشعر إذا كان من حيوان طاهر " لقول " سهل بن سهل : حيكت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنمار من صوف أسود ، وجعل لهاذؤابتان من صوف أبيض فخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المجلس وهى عليه فضرب على فخذه فقال ألا ترون ما أحسن هذه الحلة ؟ فقال أعرابى: يا رسول الله أكسنى هذه الحلة - وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سئل شيئا لم يقل لشىء يسأله لا – قال نعم، فدعا بمعقدتين فلبسهما فأعطى الأعرابى الحلة وأمر بمثلها تحاك ، فمات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهى فى المحاكة . أخرجه الطبرانى وفيه زمعة بن صالح وهو ضعيف وقد وثق . وبقية رجاله ثقات (1) { 189 }
__________
(1) انظر ص 130 ج5 مجمع الزوائد ( لبس الصوف ) و ( حيكت ) مبنى للمجهول من حاك الثوب نسجه و ( أثمار ) جمع ثمرة بفتح فكسر وهى شملة من صوف و ( المعقد) بشد القاف نوع من برود هجر و ( المحاكة) بضم الميم موضع الحياكة وهى النسج ( والحديث ) أخرجه ابن ماجه عن سهل بن سعد الساعدى أن امرأة جاءت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله إنى نسجت هذه بيدى لأكسوكها فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجا البها فخرج علينا فيها ، وأنها لازاره فجاء فلان ابن فلان ( رجل سماه يومئذ ) فقال : يارسول الله ما أحسن هذه البردة ؟ ! اكسنيها قال نعم . فلما دخل طواها وارسل بها اليه . فقال القوم :والله ما أحسنت ، كسيها النبى صلى الله عليه وسلم محتاجا اليها ثم سالته إياها وقد علمت أنه لا يرد سائلا . فقال إنى والله ما سالته إياها لألبسها ، ولكن سالته إياها لتكون كفنى . فقال سهل فكانت كفنه يوم مات ] 190[ انظر ص 92 جـ2 سنن ابن ماجه ( لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .(1/184)
" ولحديث " ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : كان على موسى عليه السلام يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف وسراويل صوف ، وكان نعلاه من حمار ميت . أخرجه الترمذى وقال: غريب ، والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين(1) { 191 } .
( ورد ) بأن فى سنده حميد الأعرج بن على أو ابن عمار وهو متروك . قاله المنذرى ( وعلى هذا ) اتفقت كلمة العلماء .
( قال ) ابن القيم فى زاد المعاد : وكان غالب ما يلبس النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو وأصحابه من القطن. وربما لبسوا ما نسج من الصوف والكتان . وذكر الشيخ أبو إسحاق الأصبهانى بإسناد صحيح عن جابر ابن أيوب قال : دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين وعليه جبة صوف ، وإزار صوف ، وعمامة صوف ، فاشماز منه محمد ( يعنى ابن سيرين ) وقال : أظن أن أقواماً يلبسون الصوف ويقولون قد لبسه عيسى ابن مريم وقد حدثنى من لا أتهم أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد لبس الكتان والصوف والقطن . وسنة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحق أن تتبع ( ومقصود ) ابن سيرين بهذا أن أقواما يرون أن لبس الصوف دائما أفضل من غيره فيتحرونه ويمنعون أنفسهم من غيره . وكذلك يتحرر وززياً واحداً من الملابس ويتحرون رسوما وأوضاعا وهيئات يرون الخروج عنها منكرا . ولبس المنكر إلا التقيد بها والمحافظة عليها وترك الخروج عنها ( والصواب ) أن أفضل الطرق طريق النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم التى سنها وأمر بها ورغب فيها وداوم عليها . وهى أن هديه فى اللباس أن يلبس ما تيسر من اللباس من الصوف تارة ، والقطن تارة ، والكتان تارة أهـ (2)
(
__________
(1) انظر ص 270 ج3 تيسير الوصول ( الصوف ) و ( الكعبة ) بضم فشد ، القلنسوة الصغيرة .
(2) انظر ص 36 ج1 زاد المعاد ( لبسه صلى الله علهي وسلم الصوف والقطن والكتان ) .(1/185)
وقال ) السفارينى فى غذاء الألباب : ويباح لبس الكتان إجماعا . والنهى عنه من حديث جابر باطل . ونقل عبد الله بن أحمد عن أبيه أنه كرهه للرجال ولا شك فى الإباحة(1). ولا فرق فى إباحة ذلك بين الرجال والنساء " لحديث " عائشة ( فعن ) الحسن مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلى فى مروط نسائه . وكانت أكسية من صوف . أخرجه مسلم وأبو داود (2) { 192 }
20- القباء :
هو بفتح القاف والمد من قبوت الحرف أقبوة إذا ضممته ، وهو القفطان ففى القاموس : القبوة انضمام ما بين الشفتين ، ومنه القباء من الثياب .
هذا . ولا باس يلبسه إذا لم يكن حريرا ( قال ) المسور بن مخرمة رضى الله عنه قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقبية ولم يعط مخرمة شيئا .فقال مخرمة : يا ُبنى انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فانطلقت معه فقال : ادخل فادعه لى ، فدعوته فخرج إليه وعليه قباء . فقال : خبأت هذا لك فنظر إليه فقال رضى مخرمة . أخرجه أبو داود والنسائى (3) { 193 } .
وقال السفارينى : ( سئل ) شيخ الأسلام ابن تيمية عن طرح القباء على الكتفين من غير أن يدخل يديه فى كميه هل هو مكروه أم لا ؟ ( فأجاب ) بأنه لا بأس بذلك باتفاق الفقهاء . وليس هذا من السدل المكروه . لأن هذه اللبسة ليست لبسة اليهود أهـ (4)
21- البرنس :
هو بضم فسكون ، قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه .
(
__________
(1) انظر ص 199 ج2 غذاء الألباب ( لا يكره لبس ثياب الكتان ) .
(2) انظر ص 156 ج2 منه ( لا باس يلبس الصوف والقباء للنساء ) .
(3) انظر ص 43 ج4 سنن ابى داود ( ما جاء فى القبية ) وص 298 ج2 مجتبى ( لبس الأقبية ) .
(4) انظر ص 156 ج2 غذاء الألباب ( حكم لبس القباء ) .(1/186)
ويباح) لبسه فى غير الإحرام ، لأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل ما يلبس المحرم ؟ فقال لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل . أخرجه السبعة ، من حديث ابن عمر(1) { 194 } . فقد دل بمنطوقه على حرمة لبس البرنس للمحرم ، وبمفهومه على إباحته لغيره . وقد ورد فى هذا أحاديث أخر فيها مقال ( منها ) قول أبى قرصافة : كسانى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم برنسا وقال البسه . أخرجه الطبرانى . قال الهيثمى فيه جماعة لم أعرفهم (2) { 195 }
22- لبس الفراء وجلد الأرنب :
( الفراء ) بكسر الفاء جمع فروة ، وهو لباس معروف .
( ويباح) لبسه إن كان جلد حيوان مأكول لم يعلم موته ولم يدبغ جلده . فالمعتبر فى حل لبسه عدم العلم بنجاسته ، فإذا وجدنا جلد مأكول اللحم فالأصل أنه طاهر ، ما لم نعلم أنه مات حتف أنفه أو ذكاه من لا تحل ذكاته له .
( والأرنب ) حيوان صغير قصير اليدين طويل الرجلين عكس الزرافة ، يطلق على الذكر والأنثى ، يقال للذكر خزر كصرد وللأنثى عكرشة(3) ويباح لبس جلده باتفاق العلماء .
23- لبس المصبوغ من الثياب :
__________
(1) هو بعض حديث لفظه ك لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ، ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران ، ولا الخفين إلا ألا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكون اسفل من الكعبين . انظر هامش 1 ص 72 ( ارشاد الناسك الى أعمال المناسك ) طبعة ثانية دين ج9 .
(2) انظر ص 127 ج5 مجمع الزوائد ( البرانس ) .
(3) العكرشة ، بكسر فسكون فكسر ، الأرنبة الضخمة .(1/187)
يباح لبس الثوب المصبوغ بأى لون كان غير الأحمر القانى قبل غسله ما لم تعلم نجاسته ولو كان الصابغ غير مسلم ، لأن الأصل الطهارة " ولعموم " حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص فى الثوب المصبوغ ما لم يكن له نفض ولا رِدْع . أخرجه أحمد(1)وفيه الحجاج بن أرطاة مدلس " ولقول" عائشة : كان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثوب مصبوغ بورس ، وكان يلبسه فى بيته ويدور فيه على نسائه ويصلى فيه . أخرجه الطبرانى فى الأوسط عن شيخه مقدام بن داود وهو ضعيف قاله الهيثم(2){ 197 }
" لقول" عمران بن مسلم : رأيت بن مالك إزارا أصفر ، أخرجه الطبرانى بسند رجاله رجال الصحيح(3){ 30 } ( وبهذا ) قال الحنفيون والحنبليون .
( وقالت ) المالكية والشافعية : يكره لبس ما صبغه الكفار قبل غسله ( قال ) السفارينى فى الأقناع : وثياب الكفار كلهم وأوانيهم طاهرة إن جهل حالها حتى ما ولى عوراتهم ، كما لو علمت طهارتها ، وكذا ما صبغوه أو نسجوه وعبارة المنتهى " وما لم " تعلم نجاسته من آتية كفار ولو لم تحل ذبيحتهم كالمجوس وما لم تعلم نجاسته من ثيابهم ولو وليت عوراتهم وكذا من لابس النجاسة كثيرا " طاهر " مباح لقوله تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } وهو يتناول ما لا يقوم إلا بآنية ( لكونه سائلا ) ولأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه توضئوا من مزادة مشركة . متفق عليه . ولأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك وبدن الكافر طاهر وكذا طعامه وماؤه وما صبغوه أو نسجوه .
(
__________
(1) انظر ص 129 جـ5 مجمع الزوائد ( الصباغ ) و ( الردع ) بكسر فسكون نفض الصبغ فهو عطف مرادف .
(2) انظر ص 129 ج5 مجمع الزوائد ( ما جاء فى الصباغ ) .
(3) انظر ص 130 جـ5 مجمع الزوائد ( ما جاء فى الصباغ ) .(1/188)
وقال ) فى الإقناع : وتصح الصلاة فى ثياب المرضعه والحائض والصبى مع الكراهة ما لم تعلم نجاستها . وعبارة الفروع : وثياب الكفار وآنيتهم مباحة إن جهل حالها وفاقا لأبى حنيفة ( وعنه) الكراهة وفاقا لمالك والشافعى ( وعنه ) المنع فيما ولى عوراتهم . وعنه المنع ممن تحرم ذبيحته ، وكذا حكم ما صبغوه وآنية من لابس النجاسة كثيرا وثيابه أهـ ملخصا(1).
24- لبس المزرَّر وغيره :
يجوز لبس القميص والقباء ونحوهما مزررا ومحلول الأزرار إذا لم تبد عورته . ولا كراهة فى واحد منهما " لما تقدم " عن سلمة بن الأكوع : قال يا رسول الله إنى رجل أصيد أفاصلى فى القميص الواحد ؟ قال نعم وَزُرهَّ عليك ولو بشوكة . أخرجه الشافعى وأحمد وأبو داود والنسائى والحاكم(2){198} "ولحديث " معاوية بن قرة عن أبيه قال:أتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى رهط فبايعناه وإن قميصه لمطلق الأزرار (الحديث) أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذى فى الشمائل بسند صحيح(3) {199}
25- ما يقول من لبس جديدا :
__________
(1) انظر ص 146 جـ 2 غذاء اللباب ( حكم لبس ما صبغة اليهود قبل غسله ) و ( المزادة ) بفتح الميم والقياس كسرها لأنها آله يستقى بها
(2) تقدم رقم 151 ص 160 ( القميص )
(3) انظر ص 55 جـ4 سنن ابى داود – حل الإزار ) وص 194 ج2 سنن ابن ماجه وص 59 الشمائل ( لباس النبى صلى الله عليه وسلم )(1/189)
يسن لمن لبس جديدا أو عمامة أو نعلا أو نحوه أن يحمد الله تعالى ويدعوه بالوارد " لحديث " أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا استجد ثوبا سماه باسما قميصا أو عمامة أو رداء ثم يقول : اللهم لك الحمد إنك كسوتنيه ، أسألك من خيره وخير ما صنع له . وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له. أخرجه أحمد والحاكم والثلاثة وحسنه والترمذى . وقال النووى : حديث صحيح (1){ 200 } .
" ولحديث " معاذ بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : من أكل طعاما ثم قال : الحمد لله الذى أطعمنى هذا الطعام ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . ومن لبس ثوبا فقال : الحمد لله الذى كسانى هذا الثوب ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. أخرجه أبو داود والحاكم وصححه وأخرج أحمد والترمذى صدره وحسنه الترمذى (2) { 201 } .
__________
(1) انظر رقم 6562 ص 98 ج5 فيض القدير وص 41 ج4 سنن ابى داود ( اللباس ) و( سماه باسمه ) والبداءة باسم الثوب قبل حمد الله تعالى ابلغ فى تذكر النعمة وإظهارها . فإن ذكر الثوب مرتين ظاهرا ومضمرا . ( وخير الثوب ) استعماله فى طاعة الله وعبادته ( وشره ) استعماله فى معصية الله ومخالفته وقيل ( خير الثوب ) بقاؤه ونقاؤه وكونه ملبوسا للحاجة لا للفخر والخيلاء وكونه حلالا له ( وشره) كونه حراما أو نجسا أو لا يبقى زمنا طويلا ، ( وخير ما صنع له ) هو دفع الضرورة التى يصنع لها اللباس من الحر والبرد ( وشر ما صنع له ) ألا يتوصل به الى المطلوب من دفع الضرر و ويحتمل أن خير ما صنع له هو الشكر بالجوارح والقلب وشر ما صنع له هو الكفر والمعاصى .
(2) انظر ص 42 جـ4 سنن ابى داود 0 اللباس ) وص 25 جـ2 تيسير الوصول ( دعاء اللباس والطعام ) وص 507 جـ1 مستدرك . وص 439 جـ3 مسند أحمد .(1/190)
" ولقول " أبى أمامة : لبس عمر بن الخطاب رضى الله عنه ثوبا جديدا فقال : الحمد لله الذى كسانى ما أوارى به عورتى وأبحمل به فى حياتى . قم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : من لبس ثوبا جديدا فقال : الحمد لله الذى كسانى ما أوراى به عورتى ، وأتجمل به فى حياتى ، ثم عمد إلى الثوب الذى أخلق أو ألقى فتصدق به ، كان فى كنف الله وحفظه وستره حيا وميتا قالها ثلاثا . أخرجه ابن ماجه والترمذى وحسنه والحاكم وصححه (1){ 202 }
( وردّ ) بأن فى سنده أصبغ بن زيد ضعفه ابن سعد وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به . وقال النسائى: لا بأس به ووثقه ابن معين والدار قطنى . وقال المنذرى صدوق وفيه أيضاً أبو العلا قال المنذرى : مجهول .
26- ما يقال لمن لبس ثوبا جديدا :
__________
(1) انظر ص 192 جـ2 سنن ابن ماجه ( ما يقول من لبس جديا ) وص 24 جـ2 تيسير الوصول و ( أخلف أو القى ) أى أبلاه أو القاء لاستغنائه عنه .(1/191)
يسن الدعاء لمن لبس ثوبا جديدا " لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى على عمر ثوبا فقال : البس جديدا ، وعش حميدا ، وموت شهيدا ويرزقك الله قرة عين فى الدنيا الآخرة . أخرجه أحمد والطبرانى والنسائى وابن ماجه وابن حبان وصححه(1) { 203 } " ولحديث " أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتِىَ بكسوة فيها خميصة صغيرة فقال : من ترون أحق بهذه ؟ فسكت القوم وفقال : إيتونى بأم خالد فأتى بها فألبسها إياها ، ثم قال : أبلى وأخلفى مرتين ( الحديث ) أخرجه أحمد وأبو داود { 204 } وكذا البخارى بلفظ تقدم (2).
( وقال ) أبو نضرة المنذر بن مالك : وكان أصحاب النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديدا قيل له : تبلى ويخلف الله تعالى . أخرجه أبو داود والبيهقى(3) { 31 }
27- تنظيف اللباس :
__________
(1) انظر ص 81 راموز الأحاديث وص 192 جـ2 سنن ابن ماجه صدره الى قوله " مت شهيدا " ( ما يقول من لبس ثوبا جديدا ) .
(2) انظر ص 364 جـ6 مسند أحمد . وص 42 جـ4 سنن ابى داود ( ما يدعى به لمن لبس جديدا ) وتقدم رقم 136 ص 153 ( لبس الأسود والخميصة ) كساء اسود معلم الطرفين من خز أو صوف .
(3) انظر ص 41 جـ4 سنن أبى داود ( اللباس ) .(1/192)
يلزم غسل الثياب من النجاسة للصلاة كما تقدم . ويسن غسلها من الوسخ والعرق " لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : من كرامة المؤمن على الله نقاء ثوبه ورضاه باليسير . أخرجه الطبرانى(1) { 205 } ، وفى سنده عبّاد بن كثير وثقه ابن معين وضعفه غيره . وجرول بن حنفل ثقة . وقال ابن المدينى له مناكير . وبقية رجاله ثقات " ولحديث " عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الإسلام نظيف فتنظفوا ، فانه لا يدخل الجنة إلا نظيف . أخرجه الطبرانى فى الأوسط ، وفيه نعيم بن مورع وهو ضعيف . قاله الهيثمى(2) { 206 } ( وكذا ) يطلب تنظيف الشعر " لحديث " عائشة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : أكرموا الشعر . أخرجه البزار : وفى سنده خالد بن إلياس متروك(3) { 207 }
( وقد ) ورد فى الحث على النظافة عدة أحاديث منها ( حديث ) إن الله تعالى جميل يحب الجمال ، سخى يحب السخاء نظيف يحب النظافة . أخرجه ابن عدى عن ابن عمر وضعفه السيوطى(4) { 208 } .
(
__________
(1) انظر ص 132 ج4 مجمع الزوائد ( النظافة ) .
(2) انظر ص 132 ج4 مجمع الزوائد ( النظافة ) .
(3) انظر ص 164 منه ( ما جاء فى الشعر واللحية ) .
(4) انظر رقم 1722 ث 225 ج2 فيض القدير .(1/193)
وحديث ) أبى هريرة أن رجلا جميلا قال النبى صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أنى رجل حُبِّب إلىّ الجمال وأعطيت منه ما ترى . فأحب أن يكون ثوبى جميلا ونعلى جميلا ، أفمن الكبر ذلك ؟ فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : ليس ذلك من الكبر . ولكنّ الكبر مَنْ بطِر الحق وعمظ الناس ، وفى رواية الترمذى : وغمض بالصاد بدل الطاء المهملة . أخرجه أبو داود(1) { 209 }
( وحديث ) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر . قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال : إن الله جميل يحب الجمال الكبر بَطر الحق وغمْط الناس . أخرجه مسلم (2) { 210 } . وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء .
__________
(1) انظر ص 59 ج4 سنن ابى داود ( ما جاء فى الكبر – اللباس ) و ( بطر ) كفرح ، كفر النعمة وانكرها وبطر الحق دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا وقيل هو تضيعه وعدم العمل به ، أو هو أن يجعل ما جعله الله حقا من توحيده وعبادته باطلا ( والغمط ) بفتح فسكون ، الاستهانة والاستحقار ومثله الغمص وغمط وغمص كسمع وضرب والثانى كفرح ايضا .
(2) انظر ص 89 ج2 نووى مسلم ( تحريم الكبر 38 – الإيمان ) وهذه الأحاديث " لا ينافيها " قوله صلى الله عليه وسلم : إن البذاءة من الأيمان فيما قوله أبو أمامة بن ثعلبه : ذكروا عند النبى صلى الله عليه وسلم الدنيا فقال الآ تسمعون ألا تسمعون ؟ إن الذاذة من الإيمان . إن البذاذة من الإيمان . أخرجه ابو داود وابن ماجه والحاكم وهو حديث صحيح وسنده جيد ] 211 [وانظر ص 72 ج2 تيسير الوصول ( الزهد ) لأن " البذاذة " هى التقحل " سواء الحال " والتقشف ورثاثة الهيئة وترك الترفه وإدامة التنزين والتنعم فى البدن والملبس ، إيثارا لعدم الشهرة وبعدا عن التكبر على عباد الله تعالى . وقال أحمد : البذاذة التواضع فى اللباس .(1/194)
هذا ويستحب غسل الثوب إذا توسخ وإصلاح الشعر إذا شعث " لحديث " جابر رضى الله عنه قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرأى رجلا شعِثا قد تفرق شعره فقال : أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره ؟ ورأى رجلا عليه ثياب وسخه فقال : أما كان بجد ماء يغسل به ثوبه ؟ . رواه أبو داود بسند صحيح على شرط الشيخين(1) { 212 }
(
__________
(1) انظر ص 51 جـ4 سنن ابى داود ( عسل الثوب ) و( شعث ) الشعر شعثا من باب تحب تغير وتلك لفلة تعهده بالدهن ونحوه(1/195)
قال ) السفارينى فى غذاء الألباب : يسن تنظيف الثياب كلها من قميص ورداء وإزار وسراويل وعمامة وغيرها ، لأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا عليه ثياب وسخة فقال : أما يجد هذا ما يغسل به ثوبه ؟ ورأى رجلا شعِثا فقال أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه ؟ رواه الإمام أحمد والخلال من حديث جابر { 213 } وعلله الإمم أحمد بأن الثوب إذا اتسخ تقطع . وروى وكيع عن ابن مسعود أنه كان يعجبه – إذا قام إلى الصلاة – الرائحة الطيبة والثياب النقية { 32 } وروى أيضا عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : من مروءة الرجل نقاء ثوبه(1) { 33 } ( وقال ) ابن الأثير فى النهاية : إن الله تعالى نظيف يحب النظافة(2) : نظافة الله تعالى كناية عن تنزيهه عن سمات الحدوث ، وتعاليه فى ذاته عن كل نقص . وحبه النظافة من غيره ، كناية عن خلوص العقيدة ونفى الشرك وبجانبه الأهواء . ثم نظافة القلب عن الغل والحقد والحسد وأمثالها . ثم نظافة المطعم والملبس عن الحرام والشَّبَه . ثم نظافة الظاهر لملابسه العبادات ( ومنه ) الحديث : نظفوا أفواهكم فإنها طرق القرآن { 214 } أى صونوها عن اللغو والفحش والغيبة والنميمة والكذب وأمثالها . وعن أكل الحرام والقاذورات .
__________
(1) انظر ص 215 جـ2 غذاء الألباب ( يسن تنظيف الثياب وطيها ) .
(2) يشير الى تقدم رقم 208 ص 190 عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم قال إن الله تعالى جميل يحب الجمال ، سخى يحب السخاء ن نظيف يحب النظافة . ( إن الله جميل ) أى جميل الذات والأفعال ، والمراد بنظافة الله تعالى تنزهه عن النقائص . ويحب ما ذكر ، رضاه عمن تخلق بشىء من صفاته . وتنظيف الثوب والبدن مطلوب عقلا وشرعا وعرفا ، وقد ثبت أن المصطفى صلى الله عليه لم يتسخ له ثوب قط ، لأنه لا يبدو منه إلا طيب ولم يفعل ثوبه .(1/196)
وفيه الحث على تطهيرها من النجاسات وعلى استعمال السواك أهـ بتصرف (1) .
28- طى الثياب :
( قال ) بعض الفقهاء : يطلب طى الثياب بعد خلعها والتسمية عليها " لحديث " إذا طويتم ثيابكم فاذكروا اسم الله عليها لئلا يلبسها الجن الليل وأنتم بالنهار فتبلى سريعا . أخرجه الطبرانى " ولقول " عائشة : كان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثوبان يلبسهما فى جمعته ، فإذا انصرف طويناهما إلى مثله . أخرجه الطبرانى فى الصغير والأوسط بسند ضعيف . ويرده حديث عائشة : ما رأيته صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسب أحداً ولا يُطوى له ثوب . أخرجه ابن ماجه . ويمكن الجمع بينهما بأن المراد بقولها : ولا يُطوى له ثوب أى غير ثوبى الجمعة ( قال ) السفارينى فى غذاء الألباب : ويحسن طىّ الثياب ، لما رواه الديلمى عن جابر رفعه " طىّ الثوب راحته (2) { 215 } . وقد روى من طرق كثيرة بألفاظ مختلفة وكلها واهية (3) أ هـ .
( الخامس ) التحلىبالذهب والفضة
__________
(1) انظر ص 156جـ4 النهاية فى غريب الحديث والأثر – مادة ( نظف ) .
(2) انظر ص 216 ج2 غذاء الألباب 0 يسن تنظيف الثياب وطيها ) ( راحته ) أى من انتهاك الشياطين له ولبسها إياه ، أو شبه الثوب فى طيه برجل يكون فى عمل فإذا فزغ منه استراح .
(3) سيأتى بيان ما فيها فى بحث " ماقيل فى طمى الثياب " آخر هذا الجزء إن شاء الله تعالى .(1/197)
يحل التحلى بهما للنساء . ولا يحل للرجل التحلى إلا بخاتم الفضة ، فيحرم عليه التختم بالذهب . لما تقدم فى بحث لبس الحرير " ولقول " عمران بن حصين وأبى هريرة رضى الله عنهما : نهى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن خاتم الذهب . أخرجه الطحاوى(1){ 216 } ، وكذا الشيخان من حديث أبى هريرة(2) " ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتخذ خاتماً من ذهب وجعل فصه مما يلى باطن كفه ، ونقش فيه محمد رسول الله فاتخذ الناس مثله . فلما رآهم اتخذوه رمى به وقال : لا ألبسه أبدا ، ثم اتخذ خاتما من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة ، قال ابن عمر : فلبس الخاتم بعد النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان حتى وقع من عثمان فى بئر أريس ، أخرجه الخمسة (3) { 217 } .
__________
(1) انظر ص 351 ج2 شرح معانى الآثار ( التختم بالذهب ) .
(2) انظر ص 245 ج10 فتح البارى ( خواتيم الذهب ) وص 65 ج14 نووى مسلم .
(3) انظر ص 74 ج2 تيسير الوصول ( الزينة ) و ( لا ألبسه أبدا ) قال ذلك لما رأى من تكبرهم بلبسه ، أو لكونه من ذهب ، وكان وقتئذ حرم على الرجال ، وأريس كعظيم ممنوع من الصرف ، حذيفة بقرب مسجد قباء (قال) ابو داود:ولم يختلف الناس على عثمان جلس على بئر اريس فأخرج الخاتم فجعل يعبث به (يعنى يحركه ويدخله ويخرجه) فسقط(وذلك)صورة فى خاتمة صلى الله عليه وسلم سر عظيم ، فلما فقده عثمان رضى الله عنه انتقض عليه الأمر وخرج عليه الخارجون . وكان ذلك مبدأ الفتنة التى أفضت إلى قتله رضى الله عنه واتصلت إلى آخر الزمان .(1/198)
" ولقول " علىّ رضى الله عنه : نهانى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن التختم بالذهب وعن لباس القسىّ ، وعن القراءة فى الركوع والسجود وعن لباس المعصفر . أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة . قال الترمذى حسن صحيح (1) { 218 } ، ( ففى ) هذه الأحاديث دلالة على جواز تحلى النساء بالذهب وتحريمه على الرجال .
" وأما حديث " ربعى بن حراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : يا معشر النساء ، أما لكنَّ فىالفضة ما تحلين به لبس منكن امرأة تتحلى ذهبا وتظهره إلا عذبت به . أخرجه أبو داود والنسائى (2) { 219 } . " فمنسوخ " بالأحاديث السابقة وأشباهها كما نقله ابن رسلان عن ابن عبد البر .
( وعلى ) فرض عدم النسخ فهو ضعيف ، لجهالة امرأة ربعى ( وعلى ) فرض صحته ، فهو محمول على من تزينت به وتبرجت وأظهرته للرجال الأجانب ، ويؤيده قوله " تتحلى ذهبا وتظهره " ثم الكلام ينحصر فى ستة فروع .
1- التختم بالفضة :
__________
(1) تقدم رقم 106 ص 193 ( لبس المعصفر ) والقسى ، بقتح القاف وشد السين نسيه إلى القسى – قرية قرب دمياط – وهو ثياب وكتان مخططة بإبريسم .
(2) انظر ص 76 ج2 تيسير الوصول ( الزينة ) و ( ربعى) بكسر فسكون فكسر ثم شد الباء آخر الحروف و ( حراش ) بكسر المهملة بعدها راء مخففه وأخت حذيفة قيل اسمها فاطمة ، وقيل خولة . وفى رواية عن ربعى عن امرا’ عن أخت حذيفة ( أما لكن ) الهمزة للاستفهام الانكارى وما نافية أى أليس لكن كفاية فى الفضة . ويصح جعل أما للنبيه .(1/199)
يحل للرجال التختم بخاتم الفضة " لقول " أنس : كان خاتم النبى صلىالله عليه وعلى آله وسلم من وَرِق وكان فصه حبشيا ، أخرجه مسلم والثلاثة . قال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح(1) { 220 } ، " ولقوله " أيضا : كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من فضة كله فضه : فصه منه . أخرجه البخارى وأبو داود والترمذى ، وقال هذا حديث صحيح (2) { 221 } ولقول أنس ، لما أراد النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يكتب إلى الروم ، قيل له إنهم لن يقرءوا كتابك إذا لم يكن مختوما . فاتخذ خاتما من فضه ونقشه محمد رسول الله . فكأنما أنظر إلى بياضه فى يده ، أخرجه البخارى وابو داود مختصرا (3) { 222 }
__________
(1) انظر ص 71 ج14 نووى مسلم ( تحريم خاتم الذهب على ) وص 50 ج 3 تحفة الأحوذى ( ما جاء فى خاتم الفضة ) و ( الفص ) بفتح الفاء بكسر وقد تضم ما ينقش فيه اسم صاحب الخاتم ( حبشيا ) أى كان فصه من عقيق او ( بفتح فسكون ) أى خرز ملون . ونسب إلى الحبشة ، لأن ما ذكر يستخرج من أرضها ( ولا منافاه) بينه وبين ما فى الحديث الآتى من قوله : فصه منه " لأنه " صلى الله عليه وسلم كان له عدة خواتيم ، فتارة كان يلبس خاتما فصه منه ، وتاره يلبس خاتما فصه حبشى وتارة يلبس خاتما فصه من عقيق .
(2) انظر ص 249 ج10 فتح البارى ( نص الخاتم وص 50 ج3 تحفة الأحوذى .
(3) انظر ص 251 فتح البارى ( اتخاذ الخاتم ليختم به ) وص 74 ج2 تيسير الوصول ( الزينة ) .(1/200)
" وأما حديث " إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب الزهرى عن أنس بن مالك أنه رأى فى يد النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاتما من ورق يوما واحدا فصنع الناس فلبسوا ، وطرح النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فطرحوا . أخرجه الشيخان وابو داود والنسائى(1) { 223 } ، " فقد اتفق " الحفاظ على أن الزهرى غلط فيه ، لأن المطروح إنما هو خاتم الذهب كما تقدم فى حديث ابن عمر رقم 217 .
(وللأحاديث ) السابقة قال الجمهور : يسن للرجال التختم بالفضة لا فرق فى ذلك بين ذى السلطان وغيره، اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وعملا بقوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } آيه { 21 } الأحزاب
(
__________
(1) انظر ص 247 ج10 فتح البارى ( خاتم الفضة ) وص 70،69 ج14 نووى مسلم .(1/201)
وروى) عن أحمد أنه إنما يستحب لذى السلطان . ويكره لغيره " لظاهر " حديث أنس السابق رقم 222. وفيه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتخذ الخاتم حينما اراد أن يكتب الى الروم . وتوارثه بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان للختم به من بعده " ولحديث " أبى ريحانة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الخاتم إلا لذى سلطان . أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والطحاوى (1) { 223 } وقال : ( فذهب ) قوم إلى كراهة لبس الخاتم إلا الذى سلطان . واحتجوا بهذا الحديث ( وخالفهم ) فى ذلك آخرون ، فلم يروا بلبسه لسائر الناس من ذى سلطان أو غيره بأسا . ومن حجتهم فى ذلك الحديث الذى قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ألقى خاتمه فألقى الناس خواتيمهم ( فقد دل ) هذا على أن العامة قد كانت تلبس الخواتيم فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهـ ( ورد ) بأن حديث أبى ريحانه ضعيف ( قال ) الحافظ فى الفتح : قد سئل مالك عن حديث أبى ريحانة فضعفه وقال : سأل صدقة بن يسار سعيد بن المسيب فقال : البس الخاتم وأخبر الناس أنى قد أفتيتك .
والذى يظهر أن لبسه لغير ذى سلطان ، خلاف الأولى ، لأنه ضرب من التزين ، واللائق بالرجال خلافه . وتكون الأدلة الدالة على الجوازهى الصارفة للنهى عن التحريم ( ويؤيده ) أن فى بعض طرقه : نهى عن الزينة والخاتم ، ويمكن أن يراد بالسلطان من له سلطنة على شئ ما يحتاج إلى الختم عليه ، لا السلطان الأكبر خاصة. والمراد بالخاتم ما يختم به فيكون لبسه " لمن لا يختم به " عبثا . وأما من لبس الخاتم الذى لا يختم به وكان من الفضة للزينة فلا يدخل فى النهى أهـ ينصرف(2) .
(
__________
(1) انظر ص 134 ج4 مسند أحمد ، وص 353 ج2 شرح معانى الاثار ( لبس الخاتم لغير ذى سلطان )
(2) انظر ص 251 ج10 فتح البارى . الشرح ( باب اتخاذ الخاتم ) وص 464 ج4 شرح المهذب .(1/202)
وعلى هذا) يحمل حال من لبسه من الصحابة والتابعين ممن ليس له سلطان ( وقال ) الحنفيون : يجوز التختم بالفضة للرجال ، لما تقدم ، وتركه لغير ذى السلطان والقاضى وذى حاجة إليه للختم به أفضل .
( قال النووى) فى المجموع : وقد أجمع المسلمون على جواز خاتم الفضة للرجال وكره بعض علماء الشام لبسه لغير ذى سلطان ، وروى فيه أثرا ، وهو فاسد مردود بالنصوص وإجماع السلف ، وقد نقل العبدرى وغيره الإجماع فيه أ هـ بتصرف(1).
2- كيفية التختم :
يجوز لبس الخاتم فى كل من اليمين واليسار"لقول" ابن عباس:رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم فى يمينه.أخرجه الترمذى وقال : حديث حسن صحيح (2){224} "ولقول"عبد الله بن جعفر رضى الله عنه: كان النبى صلى الله عليه وسلم يتختم عن يمينه . أخرجه الترمذى والنسائى والطبرانى فى الكبير(3){ 225 }
" ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتختم فى يمينه ، أخرجه النسائى والترمذى فى الشمائل (4){226}
( وعن ) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتختم فى يساره ، وكان فصه فى باطن كفه . أخرجه أبو داود(5){ 227 } ، ( وعن ) أنس قال : كان خاتم النبى صلى الله عليه وسلم فى هذه وأشار الى الخنصر من يده اليسرى أخرجه مسلم(6) { 228 } .
(
__________
(1) انظر ص 251 ج10 فتح البارى . الشرح ( باب اتخاذ الخاتم ) وص 464 ج4 شرح المهذب .
(2) انظر ص 52 ج3 تحفة الأحوذى ( لبس الخاتم فى اليمين ) وص 290 ج2 مجتبى ( موضع الخاتم )
(3) انظر ص 52 ج3 تحفة الأحوذى ( لبس الخاتم فى اليمين ) وص 290 ج2 مجتبى ( موضع الخاتم )
(4) انظر ص 289 منه ( سنة خاتم النبى صلى الله عليه وسلم ) وص 82 – الشمائل المحمدية .
(5) انظر ص 91 ج4 سنن ابى داود ( التختم فى اليمين أو اليسار ) .
(6) انظر ص 72 ج14 نووى مسلم ( تحريم خاتم الذهب على الرجال ) .(1/203)
واختلف ) العلماء فى الأفضل ، فعند غير الشافعية الأفضل لبسه فى خنصر اليسرى ( قال ) البدر العينى فى عمدة القارى : وينبغى أن يلبس خاتمه فى خنصر يده اليسرى ، ولا يلبسه فى اليمنى ولا فى غير خنصر اليسرى ، وسوَّى الفقيه أبو الليث بين اليمين واليسار ( وقال ) بعض أصحابنا : هو الحق لاختلاف الروايات ويقال جاءت الأحاديث صحيحة فى اليمين ولكن استقر الأمر على اليسار .
( قلت ) يدل على ذلك ما قاله اللغوى فى شرح السنة من أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تختم أولا فى يمينه ثم تختم فى يساره وكان ذلك آخر الأمرين أهـ (1)
(
__________
(1) انظر ص 37 ج22 عمدة القارىء ( من جعل فص الخاتم فى بطن كفه ) .(1/204)
وقال ) السفارينى فى غذاء الألباب : قال الدار قطنى وغيره : المحفوظ أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتختم فى يساره ( قال ) فى الإنصاف : لبس الخاتم فى خنصر يده اليمنى واليسرى سواء ، ولا فضل فى لبسه فى إحداهما على الأخرى . والصحيح من المذهب أن التختم فى اليسار أفضل ( قال ) الإمام أحمد رضى الله عنه : هو أقرب واثبت وأحب إلىَّ ( قال ) الحافظ بن رجب : وقد أشار بعض أصحابنا إلى أن التختم فى اليمين منسوخ وأن التختم فى اليسار آخر الأمرين أهـ ( قال ) فى التلخيص : ضعف الإمام أحمد رضى الله عنه حديث التختم فى اليمين ( قلت ) الذى استقر عليه المذهب استحباب كون الخاتم فى خنصر اليسرى . وكرهه أحمد رضى الله عنه فى السبابة والوسطى للرجل وفاقا للثلاثة ، للنهى الصحيح عن ذلك ( قلت ) وهو ما فى صحيح مسلم من حديث علىّ رضى الله عنه : نهانى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن أتختم فى أصبعى هذه أو هذه فأوما إلى الوسطى والتى تليها أهـ (1) { 229 } ثم قال ( والأفضل ) للابسه جعل فصه مما يلى كفه، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك وهو فى الصحيحين ، وكان ابن عباس وغيره يجعله مما يلى ظهر كفه ، رواه أبو داود ، ويجوز جعل فصه منه ومن غيره ( لقول ) أنس : كان فصه منه كما فى البخارى ، وفى مسلم كان فصه حبشيا أ هـ ملخصا (2)
(
__________
(1) انظر ص 73 ج14 نووى مسلم ( تحريم خاتم الذهب على الرجال ) وص 244 ج2 غذاء الألباب ( يسن جعل الخاتم فى خنصر اليسرى ) .
(2) انظر ص 246 منه .(1/205)
وقالت ) الشافعية : الأفضل جعله فى خنصر اليمنى ( قال ) النووى فى المجموع : الصحيح المشهور أنه فى اليمين أفضل ، لأنه زينة والمين أشرف وقيل فى اليسار أفضل ، لأن اليمين صار شعار الروافض فربما نسب إليهم . والصحيح الأول ، وليس هو فى معظم البلدان شعارا ولو كان شعارا لما تركت اليمين ، وكيف تترك السنن لكون طائفة مبتدعة تفعلها ، وفى سنن أبى داود بإسناد صحيح أن ابن عمر كان يتختم فى يساره ، وبإسناد حسن أن ابن عباس تختم فى يمينه ، ويجوز الخاتم بفص وبلا فص ويجعل الفص من باطن كفه أو ظاهرها ، وباطنها أفضل للأحاديث الصحيحة فيه ، وأجمع المسلمون على أن السنة للرجل جعل خاتمه فى خنصره ، وفى صحيح مسلم عن على رضى الله عنه قال : نهانى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن أجعل خاتمى فى هذه أو التى تليها ، وأشار الراوى إلى الوسطى والتى تليها ، وفى رواية أبى داود بإسناد صحيح فى هذه أو هذه ، يعنى السبابه والوسطى أهـ بتصرف (1)
3- التحلى بغير الذهب والفضة :
لا يحل التختم بالحديد والنحاس والرصاص والزجاج " لحديث " عبد الله ابن بريدة عن أبيه أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم خاتم من شبه فقال : مالى أجد منك ريح الأصنام ؟ فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال مالى أرى عليك حلية أهل النار ؟ فطرحه وقال : يا رسول الله من أى شىء أتخذه ؟ قال : اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالا ، أخرجه الثلاثة(2) { 230 } وفى سنده رجل ضعيف ، لكن قال ملا على قارى فى شرح الشمائل حديث حسن .
(
__________
(1) انظر ص 462 ج4 شرح المهذب ( المسالة العاشرة من مسائل اللباس ) .
(2) انظر ص 75 ج2 تيسير الوصول ( الزينة ) و ( الشبه ) بفتحتين ، نوع من النحاس الأصفر بشبه الذهب ، وإنما قال ( احد ربح الأصنام) لأنها كانت تتخذ من الشبه ( وأما الحديد ) فقيل كرهه لكراهة ريحه – وقيل لأنه زى بعض الكفار .(1/206)
وقال ) المناوى : وتضعيف النووى له فى شرح مسلم معارض بتصحيح ابن حبان وغيره أ هـ .
وله شواهد تقويه ( منها ) حديث عمار بن ابى عمار أن عمر بن الخطاب قال : إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى فى يد رجل خاتما من ذهب فقال ألق ذا . فالقاه فتختم بخاتم من حديد . فقال : ذا شرمنه . فتختم بخاتم من فضه فسكت عنه . أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح إلا أن عمارا لم يسمع من عمر . قاله الهيثمى (1) { 231 } ، ( وحديث ) عبد الله بن عمرو أنه لبس خاتما من ذهب فنظر اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه كرهه فطرحه . ثم لبس خاتما من حديد فقال : هذا أخبث وأخيب فطرحه ، ثم لبس خاتما من ورق فسكت عنه ، أخرجه أحمد والطبرانى . وفى رواية لأحمد قال : فى الخاتم الحديد هذا حلية أهل النار ، وأحد إسنادى أحمد رجاله ثاقت . قاله الهيثمى (2) { 232 }
( وحديث ( عبد الله بن عمرو : أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب وخاتم الحديد ، أخرجه البيهقى والطبرانى فى الأوسط بسند رجاله ثقات (3) { 233 } ، ( وحديث ) ابى أمامة أن رجلا دخل على النبى صلى الله عليه وسلم خاتم من صفر فقال : ما هذا الخاتم ؟ قال من الواهنة ، قال : أما إنها لا تزيدك إلا وهنا، أخرجه الطبرانى وفى سنده عفير بن معدان وهو ضعيف ، قاله الهيثمى (4) { 234 } .
( ولهذه ) الأحاديث قال الحنفيون : يحرم على الرجل والمرأة التختم بالحجر والحديد والنحاس والرصاص والزجاج .
( وقالت ) المالكية والحنبلية وبعض الشافعية : يكره التختم بما ذكر .
(
__________
(1) انظر ص 151 ج5 مجمع الزوائد ( ما جاء فى الخاتم ) .
(2) انظر ص 151 ج5 مجمع الزوائد ( ما جاء فى الخاتم ) .
(3) انظر ص 154 منه و ( الصفر ) بضم فسكون ، نوع من النحاس . و ( الواهنة )
(4) انظر ص 154 منه و ( الصفر ) بضم فسكون ، نوع من النحاس . و ( الواهنة )(1/207)
قال ) تاسفارينى فى غذاء الألباب : ويكره تنزيها فى الأصح للرجل والمرأة اتخاذ خاتم من صفر ، وكذا يكره الخاتم من رصاص ومن حديد ، ( قال ) فى الفروع : يكره للرجل والمرأة خاتم حديد ونحاس ورصاص .
( وقال ) أحمد رضى الله عنه : أكره خاتم الحديد ، لأنه حلية أهل النار(1)
( وقال ) النووى فى المجموع : قال صاحب الإبانة والبيان : يكره الخاتم من حديد أو شبه – بفتح الشين والباء – وهو نوع من النحاس لحديث بريدة المتقدم (2) .
( وقال ) صاحب التتمة : لا يكره الخاتم من حديد أو رصاص " للحديث " فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للذى خطب الواهبة نفسها : اطلب ولو خاتما من حديد (3) ولو كان فيه كراهة لم يأذن فيه به ، وفى سنن أبى داود بإسناد جيد عن معيقيب الصحابى رضى الله عنه قال : كان خاتم النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حديد ملوى عليه فضة (4) { 235 } فالمختار أنه لا يكره لهذين الحديثين . وضعف الأول أهـ بتصرف(5).
( وأجاب ) الجمهور (أ) عن حديث من وهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه كان قبل النهى عن التختم بالحديد ، أو بأن المراد منه المبالغة فى طلب المهر ن فلا يستلزم جواز لبس خاتم الحديد .
(ب) وعن حيث معيقيب بأن العبرة بما ظهر ، فإن أكثر من وصف خاتم النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إنه من فضه .
(
__________
(1) انظر ص 243 ج2 غذاء الألباب ( يكره اتخاذ خاتم نحاس أو رصاص أو حديد)
(2) هو الحديث رقم 230 ص 200
(3) هذا كلمة من الحديث رقم 59 ص 293 ج3 تكملة المنهل العذب المورود ( الترويج عن العمل بعمل ) وبقية المراجع بهامش 4 ص 298 منه
(4) انظر ص 90 ج4 سنن ابى داود ( فى خاتم الحديد) .
(5) انظر ص 464 ج4 شرح المهذب ( يكره خاتم من حديد أو نحاس ) .(1/208)
فالراجح ) القول بأنه لا يحل لبس خاتم من حديد أو نحاس أو نحوهما ( ويجوز) عند الحنفية والحنبلية التختم بالعقيق والماس والياقوت والزبرجد والزمرد والفيروزج ونحوها من الجواهر ( قال ) السفارينى فى غذاء الألباب : ولا بأس بالتختم من بقية الجواهر من ياقوت وزبرجد وزمرذ وفيروزج ونحوها ، فيباح اتخاذ الخاتم من هذه المعادن ونحوها ( وأما) ما يروى فى التختم ببعضها من الفضائل فباطل مثل ( حديث ) تختموا بالزبرجد فإنه ينفى الفقر ، رواه الديلى ، لا يصح { 236 } ، ( وحديث ) تختموا بالبزبرجد فإنه يسر لا عسر فيه ، قال الحافظ بن حجر : هو موضوع { 237 } وفى النهاية : تختموا بالياقوت فإنه ينفى الفقر { 238 }. ( قال) بعضهم : يريد أنه إذا ذهب ماله فباعه وجد فيه غنى ، والأشبه إن صح الحديث أن يكون لخاصية فيه وفى خبر ضعيف أن التختم بالياقوت الأصفر يمنع الطاعون أ هـ ملخصا(1)وسيأتى تمامه فى بحث " ما قيل فى الخاتم " آخر هذا الجزء إن شاء الله تعالى .
... ( وقالت ) الشافعية : يكره التختم بالعقيق والياقوت ونحوهما .
( وقال ) النووى فى المجموع : قال الشافعى فى الأم : لا أكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للأدب وأنه من زىّ النساء لا للتحريم ، ولا أكره لبس ياقوت أو زبرجد إلا من جهة السرف والخيلاء . هذا نصه ونقله الأصحاب ، واتفقوا على أنه لا يحرم أهـ (2)
4- نقش الخاتم :
__________
(1) انظر ص 242 ج2 غذاء الألباب ( يباح اتخاذ الخاتم من بللور وباقوت وزبرجد ونحوها ) .
(2) انظر ص 466 ج4 شرح المهذب ( لا يكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للأدب ) .(1/209)
يجوز للمتختم نقش اسمه أو اسم الله تعالى على الخاتم ، لا نقش تمثال إنسان أو طير ، ولا نقش محمد رسول الله ، لنهى النبى صلى الله عليه وسلم أن ينقش أحد كنقش خاتمه ( روى ) ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب ، ثم ألقاه ثم اتخذ خاتما من ورق ونقش فيه محمد رسول الله وقال : لا ينقش أحد على نقش خاتمى هذا ، وكان إذا لبسه جعل فصه مما يلى بطن كفه ، وهو الذى سقط فى بئر أريس ، أخرجه مسلم (1) { 239 }
أى نهى أن ينقش أحد على خاتمه مثل نقشه ، لما روى عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتخذ خاتما من فضة ونقش فيه محمد رسول الله ، وقال : إنى اتخذت خاتما من ورق ونقشت فيه محمد رسول الله فلا ينقش أحد على نقشه . أخرجه الشيخان(2) ... { 240 }
( ولعل ) سر النهى ألا يلتبس أمر الخاتم ، فإن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتخذه للختم به على كتبه التى يرسلها للملوك وغيرهم " فلو نقش " أحد كنقش خاتم الرسول صلى الله عليه سلم وختم على كتاب " وقع الاشتباه " ( ومنه ) يعلم أن النهى خاص بزمن النبى صلى الله عليه وسلم .
(
__________
(1) انظر ص 68 ج14 نووى مسلم ( تحريم خاتم الذهب على الرجال ) .
(2) انظر ص 68 منه وص 253 ج10 فتح البارى 0 قوله تعالى صلى الله عليه وسلم لا ينقش على نقش خاتمه ) .(1/210)
وكان ) نقش خاتمه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسطر فقد روى ثمامة عن أنس أن أبا بكر رضى الله عنه لما استخلف كتب له ، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر ، محمد سطر ، ورسول سطر ، والله سطر ، أخرجه البخارى(1) { 241 }
( قال) فى الفتح : وظاهرة أنه كان على هذا الترتيب ، لكن لم تكن كتابته على السياق العادى ، فإن ضرورة الاحتياج الى أن يختم به تقتضى أن تكون الأحرف المنقوشة مقلوبة ليخرج الختم مستويا " وأما قول " بعضهم إن كتابته كانت من أسفل إلى فوق ، يعنى أن الجلالة فى أعلى الأسطر الثلاثة ، ومحمد فى أسفلها " فلم أر " التصريح بذلك فى شىء من الأحاديث " بل رواية الإسماعيلى يخالف ظاهرها ذلك ، فإنه قال فيها : محمد سطر ، والسطر الثانى رسول ، والسطر الثالث الله أهـ .
( ولهذا ) قال الأئمة الأربعة والجمهور : يجوز نقش الخاتم ولو باسم الله .
( قال ) النووى فى المجموع : ويجوز نقشه وإن كان فيه ذكر الله تعالى ( ففى ) الصحيحين : كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم محمد رسول الله ولا كراهة فيه عندنا ، وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والجمهور وكرهه ابن سيرين وبعضهم لخوف امتهانه . وهذا باطل منابذ للحديث ولفعل السلف والخلف أهـ(2)
(
__________
(1) انظر ص 254 ج10 فتح البارى ( هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة اسطر ) ( كتب ) أبو بكر ( له ) لأنسى كتابا بين فيه مقادير الزكاة و ( ثلاثة اسطر ..) قال الحافظ فى الفتح : ظاهرة أنه لم يكن فيه زيادة على ذلك ، لكن أخرج ابو الشيخ فى اخلاق النبى صلى الله عليه وسلم من رواية عرعرة بن البرند ( بكسر الموحدة والراء ثم نون ساكنة ثم دال ) عن عزرة ( بفتح فسكون ) ابن ثابت عن تمامه عن انس قال : كان فص خاتم النبى صلى الله عليه وسلم حبشيا مكتوبا عليه لا اله الا الله محمد رسول الله وعرعرة ضعفه ابن المدينى وزيادته هذه شاذة أ هـ .
(2) انظر ص 463 ج4 شرح المهذب ( العاشرة ) من مسائل اللباس(1/211)
لكن ) أخرج ابن أبى شيبة بسند صحيح عن ابن سيرين أنه لم يكن يرى بأسا أن يكتب الرجل فى خاتمه حسبى الله ونحوها . فهذا يدل على أن الكراهة عنه لم تثبت ( ويمكن ) الجمع بأن الكراهة حيث لا يؤمن حمله للجنب والحائض والاستنجاء بالكف التى هو فيها . والجواز حيث حصل الأمن من ذلك ، فلا تكون الكراهة مطلقاً ، بل من جهة ما يعرض لذلك .
( وأخرج ) ابن أبى شيبه عن ابن عمر أنه نقش على خاتمه عبد الله بن عمر . وأخرج عن سالم عن عبد الله بن عمر أنه نقش اسمه على خاتمه وكذا القاسم ابن محمد ( قال ) ابن بطال : وكان مالك يقول من شأن الخلفاء والقضاة نقش أسمائهم فى خواتيمهم ( وأخرج ) ابن أبى شيبه عن حذيفة وأبى عبيدة أنه كان نقش خاتم كل واحد منهما : الحمد لله ، وعن على : الله الملك . وعن إبراهيم النخعى : بالله ن وعن مروان : باسم الله ، وعن أبى جعفر الباقر : العزة لله ، وعن الحسن والحسين : لا بأس بنقش ذكر الله على الخاتم ، قاله الحافظ فى الفتح (1) .
" وقول " بعض الحنبلية : يكره أن يكتب على الخاتم ذكر الله تعالى من قرآن وغيره " لا دليل " عليه (قال) السفارينى فى غذاء الألباب : ولم أجد للكراهة دليلا وهى تفتقر إلى دليل ، والأصل عدمه . وقد ورد عن كثير من السلف كتابة ذكر الله على خواتيمهم . وهو ظاهر قوله عليه السلام للناس : إنى اتخذت خاتما ونقشت فيه محمد رسول الله ، فلا ينقش أحد على نقشه (2)
__________
(1) انظر ص 254 ج10 فتح البارى ( قول النبى صلى الله عليه وسلم لا ينقش على نقش خاتمه )
(2) وهو بعض الحديث رقم 340 تقدم بص 204(1/212)
لأنه إنما نهاهن عن نقشهم محمد رسول الله ، لا عن غيره . فإذا كان فيه ذكر الله تعالى فلا يدخل به الخلاء بل يضعه ، لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه ، رواه ابن ماجه وأبو داود وقال حديث منكر (1) { 242 } فإذا دعت الحاجة إلى الدخول به كخوف عليه فليجعل فصه فى باطن كفه أعنى إذا كان فيه ذكر الله تعالى ودخل به الخلاء . قال الإمام أحمد رضى الله عنه : الخاتم إذا كان فيه ذكر الله يجعله فى باطن كفه ويدخل الخلاء ( وقال ) عكرمة : قل به (2) هكذا فى باطن كفك فاقبض عليه .
(
__________
(1) انظر ص 66 ج1 سنن ابن ماجه ( الخاتم فى الخلاء ) وص 74 ج1- المنهل العذب ( الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء ) و (المنكر) ما رواه الضعيف مخالفا من هو أفوى منه أو ما انفرد به الضعيف . والحديث رواه همام عن ابن جربح عن الزهرى عن أنس : قال ابو داود مبينا علة نكارته وإنما يعرف عن ابن جريح عن زياد بن سعد عن الزهرى عن أنس والوهم فيه من همام ولم يروه الا همام أ هـ ( ورد ) بأن هماما ثقة حافظ خرج له الشيخان واحتجا به . وقال أحمد : ثبت فى كل المشايخ فليس بضعيف فلا يعد حديثه منكرا . ولذا قال المنذرى : الصواب عندى تصحيحه فإن رواته ثقات اثبات أ هـ . وقال السيوطى فى درجات مرقاة الصعود : لا علة له عندى إلا تدليس ابن جريح فإن وجد عنه تصريحه بالسماه فلا مانع من الحكم بصحته أ هـ . لكن ال ابن جريح : لم اسمع من الزهرى شيئا ، إنما أعطانى جزءا فكتبته . قاله فى التهذيب ، وتمامه فى المنهل ص 75 وما بعدها ج1 .
(2) قل ز أى افعل بالخاتم هكذا بان تحول الفص الى باطن الكف .(1/213)
تنبيه ) لا يجوز أن ينقش على الخاتم صورة حيوان للنصوص الواردة فى ذلك كما تقدم ، لكن هل يحرم لبس الخاتم المنقوش عليه ذلك أو يكره ؟ فيه وجهان ، أحدهما يحرم وهو منصوص عن الإمام أحمد فى الثياب والخواتم والثانى يكره ولا يحرم . وإليه مال الحافظ بن رجب أ هـ ملخصا(1).
5- وزن الخاتم وعدده :
يجوز لرجل التختم بالفضة بخاتم فاكثر إن لم يزد عن مثقال وكان على هيئة خاتم الرجال . وإلا بأن كان له فصان أو أكثر حرم . وهذا مذهب الحنفيين .
( وقالت ) المالكية : يشترط أن يكون واحدا وزنه درهمان فاقل ، فيحرم زيادته على درهمين وتعدده ولو كان اقل من درهمين .
( وقالت ) الشافعية والحنبلية : يسن التختم بالفضة كعادة أمثاله وزنا وعددا ومحلا بلا إسراف ، فإن زاد عن عادة أمثاله حرم خلافا لمن قال يكره كونه مثقالا ، ويحرم إن زاد ( قال ) السفارينى : والمذهب إباحة الخاتم من فضة ولو زاد على مثقال . وفى الرعاية يسن دون مثقال . وظاهر كلام الإمام والأصحاب لا بأس بأكثر من ذلك لضعف خبر بريدة وهو أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن الخاتم من أى شىء أتخذه ؟ قال من فضة ولا تتمه مثقالا . رواه الخمسة ، قال الإمام أحمد حديث منكر ، والمراد ما لم يخرج عن العادة وإلا حرم أهـ (2)
( ورد ) تضعيف الحديث بتصحيح ابن حبان وغيره له كما تقدم (3)
6- منع الصغير مما لا يحل للكبير :
__________
(1) انظر ص 247،246 ج2 غذاء الألباب ( لا يجوز أن ينقش على الخاتم صورة حيوان )
(2) انظر ص 240 ج2 غذاء الألباب ( لا باس بلبس خاتم الفضة 9 والمراد بالخمسة أحمد والأربعة .
(3) انظر بحث " النحلى بغير الذهب والفضة " ص 200(1/214)
يحرم على ولى الصغير ذكرا أو انثى تمكينه مما لا يحل للكبير . فيحرم على البالغ إلباس الصغير الحرير أو الذهب أو غير خاتم الفضة إذا كان ذكرا ، أو أن يطعمه أو يسقيه مطلقا فى إنائهما أو يمكنه من ذلك ، لأنه لما حرم اللبس والأكل والشرب ، حرم التمكين من ذلك كالخمر لما حرم شربه حرم سقيه " ولقول" عبد الله بن يزيد : كنا عند عبد الله بن مسعود فجاء ابن له عليه قميص من حرير قال من كساك ؟ قال أمى فشقه وقال : قل لأمك تكسوك غير هذا . اخرجه الطبرانى بسندين رجال أحدهما رجال الصحيح (1) { 34 }
( وقالت ) المالكية : يكره تنزيها تمكين الصغير مما لا يحل للكبير .
( وللشافعية ) أقوال . قول بالجواز مطلقا ورجحه النووى وقول بالجواز إذا كان دون سبع سنين . والتحريم إذا بلغ سبعا فأكثر . وقول بالتحريم مطلقا .
( قال ) النووى فى المجموع : فأما الصبى فهل يجوز للولى إلباسه الحرير ؟ فيه ثلاثا أوجه ( أحدها ) يحرم على الولى إلباسه وتمكينه منه . لعموم قوله صلى الله عليه وسلم فى الذهب والحرير : إن هذين حرام على ذكور أمتى(2) " وللحديث " الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى الحسن بن على رضى الله عنهما أخذ تمرة من تمر الصدقة فقال كخ كخ (3) أى ألقها ، وهو بفتح الكاف وبإسكان الخاء ، وبكسرها مع التنوين ، وكما يمنعه من شرب الخمر وأكل الربا والزنا وغيرها .
(
__________
(1) انظر ص 144 ج5 مجمع الزوائد 0 لبس الصغير الحرير )
(2) الحديث أخرجه أحمد وغيره عن على رضى الله عنه بلفظ تقدم بص 123 رقم 89
(3) الحديث أخرجه البخارى وغيره عن ابى هريرة ان الحسن بن على رضى الله عنهما أخذ امرة من تمر الصدقة فجعلها فى فيه فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : كخ كخ يطرحها ثم قال : أما شعرت – وفى رواية : أما علمت – أنا لا نأكل الصدفة ؟ ] 243[ يأتى ان شاء الله رقم 161 ص 225 ج8 دين ( الهاشمى ومولاه ) .(1/215)
والثانى ) يجوز له إلباسه الحرير ما لم يبلغ ، لأنه ليس مكلفا ولا هو فى معنى الرجل فى هذا ، بخلاف الخمر والزنا . وأما حديث التمرة فلأنه إتلاف مال لغيره . ولا خلاف لأنه يجب على الولى منعه منه وأنه تجب غرامته فى مال الصبى .
( الثالث ) إن بلغ سبع سنين حرم وإلا فلا ، لأن ابن سبع له حكم البالغين فى أشياء كثيرة . هكذا ضبطوه فى حكاية هذا الوجه . ولو ضبط بسنّ التمييز لكان حسنا ، لكن الشرع اعتبر السبع فى الأمر بالصلاة . واختلفوا فى الراجح من الأوجه . فالصحيح جوازه مطلقا . وقطع الشيخ نصر فى تذيبه بالتحريم ورجحه الشيخ أبو عمرو بن الأصلاح أهـ بتصرف .
((1/216)
والراجح ) القول بالتحريم وهو الأصح عند الحنبلية ( قال ) ابن قدامة فى المغنى : وهل يجوز لولى الصبى أن يلبسه الحرير ؟ فيه وجهان ، أشبهها بالصواب تحريمه " لعموم " قول النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم : حرم لباس الحرير على ذكور أمتى وأحل لإناثهم (1) ( وروى ) أبو داود بإسناده عن جابر قال : كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجوارى (2) { 35 } ( وقدم ) حذيفة من سفر وعلى صبيانه قُمُصٌ من حرير فمزقها على الصبيان وتركها على الجوارى . أخرجه الأثرم . وروى أيضا عن عبد الرحمن بن يزيد(3) قال : كنت رابع اربعة أو خامس خمسة مع عبد الله فجاء ابن له صغير عليه قميص من حرير فدعاه فقال له من كساك هذا ؟ قال أمى . فأخذه عبد الله فشقه ( والوجه) الآخر أنه يباح ، لأنهم غير مكلفين ، فلا يتعلق التحريم بلبسهم كما لو البسه دابة ، ولأنهم محل الزينة فهم كالنساء ( والأول ) أصح لظاهر الحديث وفعل الصحابة . ويتعلق التحريم بتمكينهم من المحرمات كتمكينهم من شرب الخمر وأكل الربا وغيرهما . وكونهم محل الزينة مع تحريم الاستمتاع بهم ، يقتضى التحريم لا الإباحة بخلاف النساء أهـ .
( السادس ) تشبه الرجال بالنساء وعكسه
لا يحل للرجل التشبه بالمرأة ولا للمرأة التشبه بالرجل فى اللباس وغيره " لقول " ابن عباس : لعن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء . أخرجه أحمد والبخارى والأربعة إلا النسائى (4) { 244 }
(
__________
(1) الحديث أخرجه أحمد والأربعة عن ابى موسى الأشعرى بلفظ تقدم بص 124 رقم 91 .
(2) انظر ص 50 ج4 سنن ابى داود ( الحرير للنساء ) .
(3) انظر الأثر رقم 35 وعند الطبرانى من رواية عبد الله بن يزيد . ولعله روى عنه وعن أخيه عبد الرحمن .
(4) أنظر ص 256 ج10 فتح البارى ( باب المشتبهين بالنساء اللباس ) وص 60 ج4 سنن ابى داود ( لباس النساء ) .(1/217)
قال ) ابن التين : المراد باللعن فى هذا الحديث مَنْ تشبه من الرجال بالنساء فى الزى . ومن تشبه من النساء بالرجال كذلك . فأما من انتهى فى التشبه بالنساء من الرجال إلى أن يؤتى فى دبره وبالرجال من النساء إلى أن تتعاطى السحق بغيرها من النساء ، فإن لهذين الصنفين من الذنب والعقوبة أشد مما لم يصل الى ذلك . وإنما أمر صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإخراج من تعاطى ذلك من البيوت ، لئلا يفضى الأمر بالتشبه إلى تعاطى ذلك الأمر المنكر أهـ . " لقول" أبى هريرة لعن النبى صلى الله عليه وعلى وسلم الرجل يلبس لبسه المرأة ، والمرأة تلبس لبسة الرجل . أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والحاكم بسند صحيح (1) { 245 } " ولقول" عائشة : لعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجلة من النساء . أخرجه أبو داود (2) {246} " ولحديث " رجل من هذيل عن عبد الله بن عمرو أنه رأى امرأة متقلدة قوسا وهى تمشى مشية الرجل فقال : من هذه ؟ فقيل : هذه أم سعيد بنت أبى جهل. فقال : سمعت رسول الله صلى اله عليه وعلى آله وسلم يقول : ليس منا من تشبه بالرجال من النساء . ولا من تشبه من الرجال . أخرجه أحمد { 247 }
(
__________
(1) انظر ص 61060 منه و ( الرجلة ) بفتح فضم المرأة المترجلة التى تتشبه بالرجال فى ريهم وهيئتهم فأما فى العلم والرأى فمحمود . افاده فى النهاية .
(2) انظر رقم 7678 ص 384 ج5 فيض القدير .(1/218)
قال ) الهيثمى : الهذل لا أعرفه وبقية رجاله ثقات . ورواه الطبرانى وأسقط الهذلى فعلى هذا رجال الطبرانى كلهم ثقات " ولدار صحح السيوطى . الحديث " ولحديث " ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة لا يدخلون الجنة ، العاق لوالديه والديوث وَرَجَله النساء . أخرجه الحاكم والبزار والبيهقى بسند صحيح (1) { 248 } " ولحديث " عمار بن ياسر رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر . أخرجه البيهقى فى الشعب والطبرانى بإسناد حسن (2) { 249 } قال المنذرى : ورواته لا أعلم فيهم مجروحا أهـ .
" ولحديث " ابن عباس رضى الله عنهما قال : لعن النبى صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال : أخرجوهم من بيوتكم ، فأخرج النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلانا وأخرج عمر فلانا. أخرجه الستة إلا مسلما (3) { 250 } .
( ولهذه ) الأحاديث قال جمهور العلماء : يحرم تشبه الرجال بالنساء وعكسه وهو مشهور مذهب الشافعية .
(
__________
(1) انظر رقم 3529 ص 327 ج3 فيض القدير . و ( الديوث ) بفتح الدال وشد الباء الذى يحلم الفاحشة فى أهله وبقرهم عليها 0 قال 9 ابن القيم : وذكر يدل على أن اصل الدين النيرة ، فمن لا عبرة له لا دين له : فالعبرة تحمى القلب فتحمى له الجوارح فترفع السوء والفواحش . وعدمها يميت القلب فتحمى له الجوارح فترفع السوء والفواحش . وعدمها يميت القلب فتموت الجوارج فلا يبقى عندها دفع البته . والغيرة فى القلب كالقوة التى تدفع المرض وتقاومه ، فإذا ذهبت القوة كان الهلاك أهـ .
(2) انظر رقم 3530 ص 327 ج3 فيض القدير و ( التقييد ) هنا بابدا محمول على المستحل .
(3) انظر ص 257 ج10 فتح البارى ( إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت – اللباس ) وص 283 ج4 سنن ابى داود ( الحكم فى المخنثين – الأدب ) .(1/219)
قال ) النووى فى المجموع : المشهور فى المذهب أنه يحرم على الرجل أن يتشبه بالمرأة فى اللباس وغيره . ويحرم على المرأة أن تتشبه بالرجل فى ذلك وقدرددناه دعوى من قال : إنه مكروه وليس بحرام (ومما يدل ) على التحريم حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال . رواه البخارى (1) { 251 } .
(عن ) أبى هريرة رضى الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس المرأة ، والمرأة تلبس لبسة الرجل . رواه أبو داود بإسناد صحيح (2) { 252 } . و( عن ) ابن ابى مليكة قال : قيل لعائشة إن امرأة تلبس النعل فقالت : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء . رواه أبو داود بإسناد حسن أهـ . وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبى (3) { 253 } .
هذا : وفى هذه الأحاديث دلالة على (أ) حرمة تشبه الرجال بالنساء وعكسه ، لأنه إذا حرم فى اللباس ففى الحركات والسكنات والتصنع بالأعضاء والأصوات أولى بالذم والقبح . قاله النووى .
(ب) وأنه يلزم حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن من الرجال وإبعاد من يستراب به فى أمر من الأمور .
(
__________
(1) تقدم رقم 244 ص 210 ( شبه الرجال بالنساء ، وعكسه ) .
(2) تقدم رقم 245 ص 211 .
(3) تقدم رقم 246 ص 211 .(1/220)
جـ) وتعزيز من يتشبه بالنساء بالإخراج من البيوت والنفى من البلد إذا تعين ذلك طريقا لردعه ( قال ) الحافظ فى الفتح : ظاهر الحديث وجوب ذلك . وتشبه النساء بالرجال بالنساء من قاصد مختار ، حرام اتفاقا . ويؤيد وجوب الإخراج ما ذكره البارودى فى الصحابة من طريق إبراهيم ابن مهاجر عن أبى بكر بن حفص أن عائشة قالت لمخنث كان بالمدينة يقال له أنه : ألا تدلنا على أمرأة نخطبها لعبد الرحمن بن أبى بكر ؟ قال بلى . فوصف امرأة تقبل باربع وتدبر بثمان فسمعه النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال يا أنَّه أخرج من المدينة إلى حمراء الأسد وليكن بها منزلك أهـ بتصرف .
( فائدتان) ( الأولى ) يحرم على الرجال خضاب يديه أو رجليه بالحناء لغير ضرورة لما فيه من التشبه بالنساء () قال ) السيوطى فى الحاوى . وأما خضاب اليدين والرجلين بالحناء فيستحب للمرأة المتزوجة ، وحرام على الرجال إلا الحاجة ( ومن الدليل ) على تحريمه للرجال ما رواه أبو داود عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتى بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال ما بال هذا ؟ فقيل يا رسول الله يتشبه بالنساء فامر به فنفى الى النقيع (1) { 254 } .
( ومنها ) حديث الصحيحين عن أنس أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتزعفر الرجل(2) {255}. وعلة النهى اللون لا الرائحة ، فإن ريح الطيب للرجل محبوب (3) والحناء فى هذا كالزعفران . والأحاديث فى
__________
(1) انظر ص 282 ج4 سنن ابى داود ( الحكم فى المخنثين – الأدب ) و ( النقيع ) بالنون موضع بينه وبين المدينة عشرون فرسخا .
(2) تقدم رقم 109 ص 142 ( لبس المعصفر والمزعفر ) .
(3) ولحديث : طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفى لونه . وطيب النساء ما ظهر لونه وخفى ريحه . أخرجه الترمذى عن ابى خريرة والطبرانى عن أنس والبزار وقال الهيثمى : رجاله الصحيح ]256[ انظر رقم 5318 ص 284 ج4 فيض القدير .(1/221)
استحبابه للنساء المتزوجات كثيرة مشهورة (1) أهـ .
(
__________
(1) منها ( ماروت) كريمة بنت همام أن امرآة سالت عائشة عن خضاب الحناء قالت لا باس به ، ولكنى أكرهه لأن حبيبى صلى الله عليه وسلم كان يكره ريحه . اخرجه ابو داود قال تعنى خضاب شعر الرأس (36) انظر ص 76 ج4 سنن ابى داود ( الخضاب للنساء ) ( وحديث ) عائشة أن امرأة مدت يدها الى النبى صلى الله عليه وسلم بكتاب فقبض يده . فقالت : يا رسول الله مددت يدى اليك بكتاب فلم تأخذه . فقال ما ادرى أبدا امراة هى أم رجل ؟ قالت : بل يد امرأة قال : لو كنت امرأة لغيرت أظفارك بالحناء أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وهذا لفظه (257) أنظر ص 77 ج ابى داود ( الخضاب للنساء ) ( وحديث 9 ابن عمر قال : دخل على النبى صلى الله عليه وسلم نسوة من الأنصاء فقال : يا معشر الأنصاء اختضين عما ( أى خضابا مستويا ) واخفضن ولا تنهكن ( بفتح فسكون ففتح ، أى لا تبالغن فى خنان الأنثى ) فإنه أحظى عند أزواجكن ، وغياكن وكفر المنعمين قال مندل يعنى الزوج . أخرجه البزار ، وفيه مندل بن على وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات . قاله الهيثمى (258) انظر ص 171 ج5 مجمع الزوائد ( زينة النساء واختضابهن ) ( قول) مسلم بن عبد الرحمن : رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء عام الفتح على الصفا فجاءت امرأة كأن يدها يد الرجل ، فأنبى أن يبايعها حتى ذهبت فغيرت يدها بصفرة وأناه رجل فى يده خاتم من حديد . فقال : ما طهر الله بداعيها خاتم من حديد . أخرجه الطبرانى فى الأوسط والبزار ، فيه سميسة بنت نبهان ن قال الهيثمى : لم أعرفها . وبقية رجاله ثقات (259) انظر ص 172 ج5 مجمع الزوائد ( زينة النساء واختضابهن ) .(1/222)
الثانية ) من اللباس الخاص بالرجال القلانس والعمائم والنعال . فلا يجوز للمرأة لبس ذكر . لما فيه من التشبه بالرجال (قال) الشعرانى كشف الغمة : وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينهى النساء عن لبس العمائم وهى اللفافة الكبيرة على الرأس ويقول : إنما العمائم للرجال { 260 } . ودخل صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أم سلمة وهى تختمر فقال : ليَّه لاليتين(1) { 261 } . يعنى لا تكرربه طاقين فاكثر
( وقال ) تميم الدارى : سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينهى النساء عن لبس القلانس والنعال والجلوس فى المجالس ولبس الإزار والرداء بغير درع أهـ(2) { 262 }
( السابع ) العمامة
هى بكسر العين ما يلف على الرأس .
__________
(1) لية : بفتح فشد الباء ، منصوب بمقدر ، أى اختمرى مرة من اللى لا مرتين أمرها أن يكون الخمار على راسها وتحت حنكها عطفة واحدة لا عطفتين ، حذرا من الإسراف والتشبه بالمتعممين . والحديث أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود وقال : معنى قوله ك ليه لا لينين ، أى لا تعتمى مثل الرجل ، وفى سنده وهب مولى أبى احمد قال المنذرى : يشبه المجهول وفى الخلاصة وثقة ابن حبان ولذا صحح الحديث الحاكم وأفره الذهبى . أنظر ص 64 ج10 سنن ابى داود ( الاختمار اللباس ) .
(2) انظر ص 163 ج1 كشف الغمة ( ما يحل ويحرم من اللباس ) .(1/223)
يسن للرجل أن يعتم لا سيما للصلاة ولقصد التجمل " لحديث " أبى المليح ابن أسامة عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : اعتموا تزدادوا حلما . وقال على : العمائم تيجان العرب . أخرجه أبو داود ، وأخرج الطبرانى المرفوع منه وأخرجه البزار والطبرانى والحاكم من حديث ابن عباس وقال الحاكم صحيح ( ورد ) بأن فى سند كل عبيد الله بن سعيد وهو متروك . وفى سند الطبرانى عمران بن تمام ضعفه أبو حاتم وبقية رجاله ثقات (1) { 263 } .
وأورده ابن الجرزى فى الموضوع . وتعقبه السيوطى قال المناوى وبالحملة فطرقه كلها ضعيفة . وأما وضعه فممنوع أهـ .
" ولحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يلبس القلانس تحت العمائم ويلبس العمائم بغير قلانس ويلبس القلانس اليمانية وهن البيض المضرية ( الحديث ) أخرجه الرويانى وابن عساكر (2) ... { 264 }
وقال ابن عمر رضى الله عنهما كان النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم إذا أعتم سدل عمامته بين كتفيه . أخرجه الترمذى(3) { 265 }
" ولحديث " ابى الحسن العسقلانى عن ابى جعفر بن محمد بن ركانة عن ابيه أنه قال : سمعت النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القرنس . أخرجه أبو داود { 266 }.
قال فى الميزان : محمد بن ركانة لا يصح حديثه انفرد به ابو الحسن لا يعرف انظر ص 429 ج4 فيض القدير .
(
__________
(1) انظر ص 261 ج3 تيسير الوصول ( العمائم – اللباس ) وص 119 ج5 مجمع الزوائد ( العمائم ) وص 555 ج1 فيض القدير .
(2) انظر رقك 7168 ص 246 ج5 فيض القدير .
(3) انظر ص 48 ج3 تحفة الأحوذى ( سدل العمامة أى ارسال طرفها ( بين الكتفين ) .(1/224)
والمعنى ) أن المسلمين يتعممون على القلانس . أما لبس القلنسوة وحدها فزى المشركين . قاله ابن العربى ( وتقدم رقم 264 عن ) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يلبس القلانس تحت العمائم ، ويلبس العمائم بغير قلانس . ولم يرو أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس القلنسوة بغير العمائم . فيتعين أن يكون هذا زى المشركين . قاله القارى فى المرقاة ( وقال ) ابن تيمية : وهذا بين فى أن مفارقة المسلم للمشرك فى اللباس مطلوبة إذ الفرق بالاعتقاد والعمل بلا عمامة حاصل فلولا أنه مطلوب ايضا لم يكن فيه فائدة أهـ .
والأحاديث فى هذا كثيرة وإن كان فيها مقال فهى لكثرتها يقوى بعضها بعضا . ثم الكلام فى العمامة ينحصر فى عشرة فروع .
1- قدر العمامة :
لم يثبت فى قدر عمامة النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديث يصح الاعتماد عليه . فالمعول عليه فى حق كل واحد عادة أمثاله ( قال ) الشهاب الخفاجى فى شرحه على الشفاء : وكانت عمامته صلى الله عليه وعلى آله وسلم قصيرة صغيرة أ هـ . والمراد أنها كانت مائلة الى القصر والصغر . فلا ينافى أنها كانت متوسطة ( فقد قال ) القسطلانى فى المواهب اللدنية . لم تكن عمامته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالكبيرة التى تؤذى حاملها ، ولا بالصغير التى تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد بل وسطا بين ذلك أهـ ونحوه فى زاد المعاد .
( وقال ) ابن حجر فى شرح الشمائل : وقد كانت سيرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى ملبسه أتم وأنفع للبدن ، وأخف عليه فإنه لم يكن يكبر عمامته إذ كبرها يعرض الرأس للآفات كما هو مشاهد . وصغرها لا يقى من الحر والبردبل كان يجعلها وسطا بين ذلك. وظاهر كلام صاحب المدخل أنها كانت سبعة أذرع أهـ.
((1/225)
وقال ) فى شرح المواهب : ذكر عن النووى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان له عمامة قصيرة ستة أذرع ، وعمامة طويلة إثنا عشرة ذراعا ( وقال ) الحافظ فى فتاوية : لا يحضرنى فى طول عمامة النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قدر محدود وقد سئل عنه الحافظ عبد الغنى النابلسى فلم يذكر شيئا .
( قال ) السيوطى : لم يثبت فى مقدارها حديث ( وقال ) ابن حجر المكى : لم يتحرر فى طولها وعرضها شىء .
" وما للطبرانى " أن طولها سبعة أذرع .ولغيره عن عائشة أنها سبعة فى عرض ذراع ، وأنها كانت فى السفر بيضاء وفى الحضر سوداء من صوف ، وأن عذبتها فى السفر من غيرها وفى الحضر منها "لا أصل له" وفى تصحيح المصابيح لابن الجزرى : تتبعت الكتب لأقف على قدر عمامة النبى صلى الله عليه وسلم فلم أقف على شىء أهـ بتصرف .
( فتحصل ) مما ذكر أن عمامة النبى صلى الله عليه وسلم كانت وسطا لا كبيرة ولا صغيرة وأنه لم يثبت فى طولها وعرضها شىء . فينبغى التوسط فيها اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم .
2- العمامة البيضاء :
ثبت أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس العمامة البيضاء والسوداء والصفراء والمخططة . وأفضلها البيضاء ، لعموم الأخبار الدالة على فضل الأبيض منها ( حديث ) سمرة بن جندب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : البسوا الثياب البيض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم . أخرجه أحمد والنسائى والبيهقى والترمذى وقال حسن صحيح ، والحاكم وصححه (1) { 267 }
(
__________
(1) انظر ص 55 ج4 سنن أبو داود ( العمائم ) والقلانس جمع قلنسوة وهى ما يلبسه الرجال على الراس كالطاقية والطربوش واللبدة سواء كانت لاصقة بالراس ام مرتفعه والثابت من الطرق الصحيحة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يلبس القلانس اللاطئة المنبسطة على الراس(1/226)
وحديث ) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : البسوا من ثيابكم البيض ، فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم . أخرجه أحمد والبيهقى والأربعة وصححه الترمذى والحاكم(1) { 268 }
( وغير ذلك ) من الأحاديث التى تقدم بعضها فى بحث " لبس الثوب الأبيض " (2)
( قال ) المناوى فى شرح الشمائل : والأفضل فى لبسها ( يعنى العمامة ) البياض " وصحة لبس " المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسواد ، ونزول أكثر الملائكة يوم بدر بعمائم صفر " لا يعارضه " لأنه لمفاصد ومصالح اقتضاها خصوص ذلك المقام كما بينه بعض الأعلام ، فلا ينافى عموم الخبر الصحيح الآمر بلبس البياض وأنه خير الألوان فى الحياة والممات أهـ .
(
__________
(1) تقدمت رقم 128،127،126 ص 151 و( فإنها أطهر وأطيب أى يندب إبثار الملبوس الأبيض على غيره فى العمامة وغيرها ، فإنه أطهر لأنه يحكى ما يصيبها من النجس ( وأطيب ) لدلالته على التواضع والتخشع وعدم العجب .
(2) تقدمت رقم 128،127،126 ص 151 و( فإنها أطهر وأطيب أى يندب إبثار الملبوس الأبيض على غيره فى العمامة وغيرها ، فإنه أطهر لأنه يحكى ما يصيبها من النجس ( وأطيب ) لدلالته على التواضع والتخشع وعدم العجب .(1/227)
وقال ) فى در الغمامة : الأفضل فى لون العمائم ، البياض " وصحة " لبسه صلى الله عليه وعلى آله وسلم للعمامة السوداء ونزول الملائكة يوم بدر بعمائم صفر " الظاهر " أنه لحكمة تختص بذلك اليوم ، وهى إظهار أمارات السرور للمسلمين بأنهم سينصرون على عدوهم ، اذ فى الأصفر من التفريح والسرور وما شهد به عز وجل قائلا : " تَسُرُّ النَّاظِرِينَ " ومما يدل على اختصاص تلك الحكمة أن بعض الملائكة كانوا بعمائم سود " وبعضهم بعمائم بيض كما فى رواية ، فالملائكة فى الأولى المراد بهم أكثرهم بقرينة هذه الرواية ، وأمره صلى الله عليه وسلم لأمته بلبس البياض وقال إنها خير الثياب ( وفى رواية ) إن أحسن ما زرتم به الله فى قبوركم ومساجدكم البياض(1) { 269 } أهـ ( وقال ) فى تحفة المحتاج بشرح المنهاج : والفضل فى لونها يعنى العمامة البياض " وصحة " لبسه صلى الله عليه وسلم لعمامة سوداء ، ونزول أكثر الملائكة يوم بدر بعمائم صفر "وقائع " محتملة فلا تتنافى عموم الخبر الصحيح الأمر بلبس البياض وأنه خير الألوان فى الحياة والموت أهـ .
(
__________
(1) أخرجه ابن ماجه عن شريح بن عبيد عن ابى الدرداء انظر ص 193 ج2 ( البياض من الثياب ) وفى سنده مروان بن سالم الغفارى متروك الحديث . وباقى رجاله ثقات وشريح لم يسمع من أبى الدرداء .(1/228)
وقال ) العلامة محمد الكتانى : لم ار فى شىء من الآحاديث التى وقفت عليها الآن ما يصرح بلبسه عليه الصلاة والسلام للعمامة البيضاء ، إلا أن المتبادر من كلامهم ومن إيثاره صلى الله عليه وعلى آله وسلم البياض على غيره فى غالب أحواله ، لبسه لها فى الغالب لا سيما فى الجمع والأعياد والمحافل . وكأن هذا هو سر عدم اعتنائهم بإشاعه ذلك وإشهار ذكره ، لأنه إنما يعنى كثيرا بالأشياء النادرة المخالفة للعادة . أما الأمور الكثيرة الشهيرة الموافقة للعادة فلا يحتاج الى اشاعتها والتنصيص عليها . لأن ذلك من باب الإخبار بما هو معلوم . ثم وجدت العلامة الصبان فى كتابه " إسعاف الراغبين فى سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته للطاهرين " قال ما نصه : ولبس – يعنى النبى صلى الله عليه وسلم .العمامة البيضاء والسوداء والصفراء والأكثر البيضاء أهـ (1)
( وقال ) الماوردى فى الأحكام السلطانية : ينبغى للإمام أن يلبس السواد لخبر مسلم ، لكن ضعفه النووى بأن الذى واظب عليه النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون إنما هو البياض . ثم قال : الصحيح أنه يلبس البياض دون السواد ، إلا أن يغلب على ظنه ترتب مفسدة عليه لذلك من جهة السلطان أو غيره أ هـ .
(
__________
(1) انظر ص 85 – الدعامة فى أحكام سنة العمامة .(1/229)
وقد ) ورد أن الملائكة نزلوا يوم معممين بعمائم بيض ( قال ) الشوكانى فى تفسيره : قوله ( مسومين ) معلمين ، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم سوداء ويوم احد عمائم حمراء . وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردوية عن عبد الله بن الزبير أن الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء متعجرايها فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر(1) { 37 } ( وأخرج ) ابن إسحاق والطبرانى عن ابن عباس قال : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد ارسلوها فى طهورهم ، ويوم حنين عمائم حمراء ولم تضرب الملائكة فى يوم سوى يوم بدر ، وكانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون(2) { 38 }
( وقال ) ابن كثير : قال ابو اسحاق السبيعى عن حارثة بن مضرب عن على ابن ابى طالب قال : كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الابيض . وكان سيماهم أيضا نواصى خيولهم . رواه ابن ابى حاتم (3) { 39 } .
( وقال ) الحافظ البغوى : التسويم الإعلام من السومة وهى العلامة . واختلفوا فى تلك العلامة . فقال عروة بن الزبير : كانت الملائكة على خيل بلق عليهم عمائم صفر . وقال على وابن عباس : عمائم بيض قد ارسلوها بين أكتافهم . وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر : تسوموا فإن الملائكة قد تسومت بالصوف الأبيض فى قلانسهم ومغافرهم(4) أهـ { 270 } .
__________
(1) انظر ص 347 ج1 فتح القدير و ( معتجرا بها ) من الاعتجار ، ةهةلف العمامة ، يقال اعتجر الرجل لف العمامة على رأسه .
(2) انظر ص 347 ج1 فتح القدير و ( معتجرا بها ) من الاعتجار ، ةهةلف العمامة ، يقال اعتجر الرجل لف العمامة على رأسه .
(3) انظر ص 34 ، ج2 تفسير ابن كثر ( الملائكة المسومين ) .
(4) انظر ص 235 ج2 معالم التنزيل ( تسويم الملائكة يوم بدر ) و ( مغافر ) جمع مغفر بكسر فسكون ، من الغفر وهو الستر والمراد به هنا زرد من حديد ينسج بقدر الرأس ، ويلبس تحت القلنسوة .(1/230)
وقال الحافظ السيوطى فى تفسيره الدر المنثور : وأخرج ابن إسحاق والطبرانى عن ابن عباس قال : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد ارسلوها فى ظهورهم ، ويوم حنين ، ولم تضرب الملائكة فى يوم سوى يوم بدر . وكانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون أهـ(1) { 40 }
( وقال ) القرطبى فى تفسيره : قوله تعالى مسومين ، بفتح الواو اسم مفعول أى معلمين بعلامات . وفى قراءة مسومين لكسر الواو اسم فاعل أى قد علموا أنفسهم بعلامة وأعلموا خيلهم . وقد اختلفوا فى سيما الملائكة. فروى عن على ابن ابى طالب وابن عباس وغيرهما أن الملائكة اعتمت بعمائم بعمائم بيض قد ارسلوها بين أكتافهم ذكره البيهقى عن ابن عباس . وحكاه المهدوى عن الزجاج ، إلا جبريل فإنه كان بعمامة صفراء على منوال الزبير بن العوام . وروى عن ابن عباس : تسومت الملائكة يوم بدر بالصوف الأبيض فى نواصى الخيل وأذنابها ( وقال ) عباد بن عبد الله بن الزبير وهشام بن عروة والكلبى : نزلت الملائكة فى سيما الزبير عليهم عمائم صفر مرخاة على أكتافهم أ هـ ملخصا(2).
3- العمامة السوداء :
قد ثبت فى عدة أحاديث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يلبس العمامة السوداء ( منها ) حديث أبى الزبير عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء ، أخرجه السبعة إلا البخارى (3) { 271 }
(
__________
(1) انظر ص 71 ج2 ، الدر المأثور فى التفسير بالمأثور ( يمددكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) .
(2) انظر ص 196 جـ4 – الجامع لأحكام القرآن ( الثانية – قوله : مسومين ) .
(3) انظر ص 54 ج4 سنن ابى داود ( العمائم ) وص 195 ج2 سنن ابن ماجه ( العمامة السوداء ) وص 48 جـ3 تحفة الأحوذى ( العمامة السوداء ) .(1/231)
وحديث ) عمرو بن حريث أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء . أخرجه الترمذى فى الشمائل والسبعة إلا البخارى { 272 }(1).
( وحديث ) ابى عبيدة الحمصى عن عبد الله بن بشر الحمصى قال . بعث رسول الله صلىعلى بن أبى طالب إلى خيبر فعممه بعمامه سوداء ثم ارسلها من ورائه ، أو قال على كتفه اليسرى . أخرجه الطبرانى وحسنه السيوطى(2) { 273 } .
( وقد ) ثبت عن كثير من الصحابة والتابعين لبس العمامة السوداء اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم (منهم) على وابنه الحسن وعبد الله بن الزبير ومعاوية وأنس بن مالك وعمار بن ياسر وابن عمر وأبو الدرداء والبراء بن عازب وعبد الرحمن بن عوف وواثله بن الاسقع وسعيد بن المسيب والحسن البصرى وسعيد بن جبير وغيرهم .
(
__________
(1) انظر ص 88- الشمائل ( عمامته صلى الله عليه وسلم ) وص 54 ج4 سنن ابى داود ولفظه رايت النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامه سوداء قد ارخى طرفها بين كتفيه . وص 195 ج2 سنن ابن ماجه .
(2) انظر ص 103 ج1 – الحاوى للفتاوى ( ثلج الفؤاد فى أحاديث لبس السواد ) .(1/232)
روى ) عمرو بن ميمون عم أبيه قال : رايت على على بن أبى طالب عمامة سوداء قد أرخاها من خلفه. أخرجه ابن سعد وابن ابى شيبه والبيهقى(1) { 42 } و ( قال ) أبو رزين : خطبنا الحسن بن على رضى الله عنهما وعليه ثياب سوداء وعمامة سوداء . أخرجه ابن سعد(2) { 43 } ، ( وقال ) رشدين : رايت عبد الله بن الزبير يعتم بعمامة سوداء حرقانية ويرخيها شبرا أو قل من شبر . أخرجه ابن سعد(3) { 44 } ، ( وروى ) عاصم بن محمد عن أبيه قال : رايت عبد الله بن الزبير اعتم بعمامة سوداء قد ارخاها من خلفه نحوا من ذراع. أخرجه ابن ابى شيبه (4) { 45 } .
( وقد ) أتى أبو موسى الأشعرى معاوية وهو بالنخيلة وعليه عمامة سوداء وجبة سوداء ، ومعه عصا سوداء ، أخرجه ابن سعد(5) { 46 } .
(
__________
(1) انظر ص 103 ج1 – الحاوى للفتاوى و ( حرقانية ) أى سوداء ، كأنها منسوبة الى الحرق بفتح الحاء والراء بزيادة الألف والنون .
(2) انظر ص 103 ج1 – الحاوى للفتاوى و ( حرقانية ) أى سوداء ، كأنها منسوبة الى الحرق بفتح الحاء والراء بزيادة الألف والنون .
(3) انظر ص 103 ج1 – الحاوى للفتاوى و ( حرقانية ) أى سوداء ، كأنها منسوبة الى الحرق بفتح الحاء والراء بزيادة الألف والنون .
(4) انظر ص 103 ج1 – الحاوى للفتاوى و ( حرقانية ) أى سوداء ، كأنها منسوبة الى الحرق بفتح الحاء والراء بزيادة الألف والنون .
(5) انظر ص 103 ج1 – الحاوى للفتاوى .(1/233)
وقال ) سلمة بن وردان : رأيت على أنس بن مالك عمامة سوداء على غير قلنسوة قد أرخاها من خلفه . أخرجه ابن سعد وابن أبى شيبة(1) { 47 }
( وقال ) ملحان بن ثوبان : رأيت على عمار عمامة سوداء أخرجه ابن ابى شيبه وأخرجه البيهقى عن
ملحان بن ثوبان قال : كان عمار بن ياسر علينا بالكوفة وكان يخطبنا كل جمعة وعليه عمامة سوداء(2) { 48 } (وقال ) ابو لؤلؤة : رايت على ابن عمر عمامة سوداء . أخرجه البيهقى(3) { 49 } ( وروى ) زياد عن شيخ يقال له سالم قال : رايت على ابى الدرداء عمامة سوداء(4) { 50 } ( وقال ) حرب الخنثعى : راست على البراء عمامة سوداء(5) { 51 } ( وقال ) عطاء : رأيت على عبد الرحمن بن عوف عمامة سوداء(6) { 52 } (وقال) حسين بن يونس : رأيت على واثلة عمامة سوداء . أخرجها ابن ابى شيبة (7) { 53 } وتمامه فى الحاوى للسيوطى .
4- العمامة الصفراء :
__________
(1) انظر ص 104 منه و ( النخيلة) تصغير نخلة ، موضع قرب الكوفة خرج اليه على رضى الله عنه لما بلغه قتل عاملة بالأنبار ، وخطب خطبة ذم فيها أهل الكوفة . وقال : اللهم أنى لقد مللتهم وملونى فارحمنى منهم ، فقتل بعد ذلك بأيام . وبه قتلت الخوارج وذلك أنهم تجمعوا بعد قتل على. وقالوا لم يبق عذر فى قتال معاوية وماروا حتى نزلوا النخيلة بظاهر الكوفة . فارسل اليهم معاوية طائفة من جنده فهزمتهم الخوارج فقال معاوية لأهل الكوفة : هذا عملكم ولا أعطيكم الأمان حتى تكفونى أمر هؤلاء فقاتلهم أهل الكوفة فقتلوهم .
(2) انظر ص 104 جـ1 – الحاوى للفتاوى .
(3) انظر ص 104 جـ1 – الحاوى للفتاوى .
(4) انظر ص 104 جـ1 – الحاوى للفتاوى .
(5) انظر ص 104 جـ1 – الحاوى للفتاوى .
(6) انظر ص 104 جـ1 – الحاوى للفتاوى
(7) انظر ص 104 جـ1 – الحاوى للفتاوى .(1/234)
قد ورد فيها أحاديث منها ( ما روى ) ابو هريرة قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قميص أصفر ورداء أصفر وعمامة صفراء أخرجه ابن النجار وابن عساكر فى تاريخه (1) {274} ( وحديث ) الفضل بن عباس قال دخلت على النبى صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى توفى فيه وعلى راسه عصابة صفراء ، فسلمت عليه فقال : يا فضل . قلت : لبيك يا رسول الله قال أشدد بهذه العصابة راسى ففعلت . ثم قعد فوضع كفه على منكبى ثم قام فدخل المسجد . وفى الحديث قصة . أخرجه البخارى والترمذى فى الشمائل (2) { 275 }
" وحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالصفرة ثيابه كلها حتى عمامته . أخرجه أبو داود والنسائى وفى سنده اختلاف . قاله المنذرى(3) { 276 } ( وحديث ) عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير أنه بلغه أن الملائكة نزلت يوم بدر عليهم عمائم صفر . وكانت على الزبير يومئذ عمامة صفراء . فقال النبى صلى الله عليه وسلم : نزلت الملائكة اليوم على سيما ابى عبد الله " كنية الزبير بن العوام " وجاء النبى صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة صفراء . أخرجه ابن عساكر(4) { 277 }
5- العمامة المخططة :
__________
(1) انظر ص 94 – الدعامة فى أحكام العمامة ( ولبس ايضا العمائم الصفر ) .
(2) انظر ص 94 منه وص 97 – الشمائل المحمدية ( فى اتكائه صلى الله عليه وسلم ) و ( عصابة ) أى خرقة أو عمامة صفراء . و ( القصة) هى أن النبى صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وأمر الفضل فنادى الناس فاجتمعوا فخطبهم خطبة طويلة تقدمت بص 230 ج4 دين طبعة ثانية ( آخر خطبة له صلى الله عليه وسلم ) .
(3) انظر ص 52 ج4 سنن ابى داود ( المصبوغ بالصفرة )
(4) انظر ص 94 – الدعامة فى أحكام العمامة ( ولبس صلى الله عليه وسلم العمائم الصفر ) .(1/235)
ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم تعمم بعمامة مخططة بخطوط حمر قال أنس بن مالك : رايت رسول الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية فإدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم راسه ولم ينقض العمامة .
أخرجه أبو داود بسند ضعيف(1) { 278 }
6- العمامة الحمراء والخضراء :
لم يثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم تعمم بعمامة حمراء مصمته بل ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الأحمر المصمت كما تقدم فى بحث " لبس الأحمر " .
( وكذا ) لم يثبت عنه ولا عن أحد من أصحابه التعمم بعمامة خضراء . إنما حدثت سنة ثلاث وسبعين وسبعمائه بأمر الأشرف شعبان بن حسن .
7- العذبة :
بفتح الذال المعجمة وهى لغة طرف الشىء . وشرعا طرف العمامة المرسل على العنق فأسفل إلى نحو ذراع . وأقلها أربعة أصابع (2) وأوسطها شبر . لا فرق بين أن يكون المرسل الطرف الأعلى أو الأسفل . وتسمى أيضا ذؤابة – بضم ففتح – وأما الطرف الأعلى الذى لم يصل إلى العنق فيسمى عذبة لغة لا شرعا .
( قال ) العلامة القسطلانى : والعذبة الطرف ، كعذبة السوط واللسان . أى طرفهما . فالطرف الأعلى يسمى عذبة من حيث اللغة . وإن كان مخالفا للاصطلاح العرفى الآن أهـ .
8- حكم العذبة :
خى سنة ( لحديث ) نافع عن ابن عمر : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه . قال نافع : وكان ابن عمر يسدل عمامته بين كتفيه . قال عبيد الله : ورايت القاسم وسالما يفعلان ذلك . أخرجه الترمذى وقال حسن غريب (3) { 279 } .
(
__________
(1) انظر ص 98 ج2 – المنهل العذب ( المسح على العمامة ) و 0 القطرية ) بكسر فسكون ، نسبة الى قطر بفتحتين قرية بالبحرين ، وهى نوع من الثياب فيها حمرة ولها أعلام .
(2) الإصبع مؤنثة وقد تذكر .
(3) انظر ص 48 ج3 تحفة الأحوذى ( سدل العمامة بين الكتفين ) و ( عبيد الله ) هو ابن عبد الله بن عمر . و ( القاسم ) هو ابن محمد بن ابى بكر الصديق ( وسالم ) ابن عبد الله بن عمر .(1/236)
يحتمل ) أن المسدل الطرف الأسفل أو الأعلى ( قال ) القسطلانى نقلا عن الحافظ العراقى : ولم ار التصريح بكون المرخى من العمامة عذبة إلا فى حديث عبد الأعلى بن عدى عند ابى نعيم فى معرفة الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم دعا على بن أبى طالب يوم غدير خم فعممه وارخى عذبة العمامة من خلفه ثم قال : هكذا فاعتصموا ، فإن العمائم سيما الإسلام ، وهى حاجز بين المسلمين والمشركين(1) { 280 } .
( وفى بعض ) طرق حديث ابن عمر ما يقتضى أن الذى كان يرسله النبى صلى الله عليه وسلم بين كتفيه الطرف الأعلى . أخرج ابو الشيخ ابن حبان وغيره عن ابى عبد السلام قلت لابن عمر : كيف كان النبى صلى الله عليه وسلم يعتم ؟ قال : كان يدير كور العمامة على راسه ويغرزها من ورائه ويرخى لها ذؤابة بين كتفيه . ذكره البدر العينى(2) { 281 } .
( وحديث ) سليمان بن خر بوذ عن شيخ من أهل المدينة قال : سمعت عبد الرحمن بن عوف يقول : عممنى النبى صلى الله عليه وسلم فسدلها من بين يدى ومن خلفى . أخرجه أبو داود(3){ 282 } وابن خر بوذ لا يعرف وشيخه مجهول ، لكنه يتقوى بغيره فيصلح حجة .
ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم عمم ابن عوف مرتين . مرة سدلها بين يديه ، ومرة من خلفه أ هـ ( ويؤيده) حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف لعمامة سوداء من قطن
وأفضل من بين يديه مثل هذه يعنى قدر أربع أصابع . أخرجه ابن أبى شيبة (4) { 283 }
(
__________
(1) انظر ص 428 ج8 – ارشاد السارى لشرح صحيح البخارى ( باب العمائم ) ( وغدير ) كعظيم فعيل بمعنى مفعول كأنه السيل غادره فى موضعه . و( خم ) بضم الخاء اسم موضع وغدير خم بين مكه والمدينة على ميلين أو ثلاثة من الجحفة .
(2) انظر ص 308 ج21 عمدة القارى الشرح ( العمائم ) .
(3) انظر ص 55 ج4 سنن ابى داود ( فى العمائم ) و( خربوذ ) بفتح فشد الراء مفتوحة .
(4) انظر ص 58 – الدعامة فى أحكام سنة العمامة .(1/237)
وحديث ) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف فأرسل من خلفه أربعة أصابع أو نحوها ثم قال هكذا ثم قال هكذا فاعتم فإنه أعرب وأحسن . أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند حسن (1) { 284 } ( وحديث ) جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال : رايت النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد ارخى طرفها بين كتفيه . أخرجه مسلم والأربعة (2) { 285 } .
(
__________
(1) انظر ص 120 ج5 مجمع الزوائد ( ما جاء فى العمائم ) وهو عجز حديث .
(2) انظر ص 262 ج3 تيسير الوصول ( العمائم )(1/238)
وحديث ) على قال : عممنى النبى صلى الله عليه وسلم بعمامة سدل طرفها على منكبى وقال : إن الله أمدنى يوم بدر وحنين بملائكة معممين هذه العمامة وقال : إن العمامة حاجز بين المسلمين والمشركين . اخرجه ابن أبى شيبة وأبو داود الطيالسى (1) {
__________
(1) انظر ص 6 – الدعامة فى أحكام سنة العمامة . و ( بدر ) موضع بين المدينة ومكة ، كان به أول غزوة خرج فيها الأنصار وقاتل فيها المسلمون وانتصروا انتصارا باهرا مع قلة عددهم وعددهم ، وكثرة عدوهم فيها أظهر الله الدين ، وقويت شوكة المسلمين ( وحاصلها) أن النبى صلى الله عليه وسلم بلغه قدوم أبى سفيان من الشام ومعه ثلاثون أو اربعون رجلا بغير قريش ( أى تجارتها ) فخرج عليه الصلاة والسلام فى اليوم التاسع من رمضان سنة اثنتين من الهجرة ( 5 مارس سنة 624م ) فى بضع عشرة وثلثمائه ( ثلاثة وثمانون من المهاجرين واحد وستون من الاوس. وسبعون ومائة من الخزرج ) يعترض العير . فبلغ أبا سفيان ذلك . فبعث إلى أهل مكة يستنفرهم لنصرته . فقدم ابو جهل فى خمسين وتسعمائه . ولم يتخلف من بطونهم إلا بنو عدى ، ولا من اشرافهم إلا أبو لهب ، فإنه استأجر مكانه العاص بن هشام فقتل ، ومات ابو لهب بعد بدر بليال بالعدسة ( أى الجدرى ) ولما بلغ عليه والصلاة والسلام الروحاء ( فى الجنوب الغربى للمدينة . بينهما أربعون ميلا ) وثبت له نفير قريش ، استشار أصحابه فى طلب العير أو حرب النفير ، وكانت العير أحب اليهم قال الله تعالى ( وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ) فتكلم أبو بكر ثم عمر ثم قال المقداد بن الأسود : يا رسول الله امض لما أمرك الله ، فوالله لا نقول كما قالت بنو اسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا اياههنا قاعدون . ولكن امض ونحن معك عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك . فسر بقوله ودعائه بخير ..ثم قال : أشيروا على أيها الناس ( وانما يريد الأنصار ، لأن بيعة العقبة يفهم منها أنه لا تجب عليهم نصرته الا على من دهمه بالمدينة) فقال سعد بن عبادة : ايانا تريد يا رسول الله ؟ والذى نفسى بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها فسر عليه الصلاة والسلام بقوله وقال أبشروا فإن الله وعدنى إحدى الطائفتين والله لكأنى أنظر الى مصارع القوم . فعلموا أن الحرب لابد حاصلة وقد حصلت فإن ابا سفان سار بالعير على الساحل ونجا ، واشار على قريش بالرجوع . فرجع الأخنس ابن شريق ببنى زهرة . ولم يشهد بدرا زهرى ولا عدوى. وقال ابو جهل : لا ترجع حتى نرد ماء بدر ونقيم به ثلاثا وتهابنا العرب . ثم سار العدو حتى نزل بعدوة بدر القصوى ( أى الجهة البعيدة عن المدينة ) بارض سهلة لينة . ونزل المسلمون بعدوته الدنيا بعيدا عن الماء فى أرض سبخة ، فاصبحوا عطاشا بعضهم جنب ، فوسوس لهم الشيطان فأنزل الله الماء فشربوا وتطهروا . وصلحت الأرض وتوحلت ارض العدو . قال تعالى : وينزل عليكم من المساء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على فلوبكم ويثبت به الأقدام .
( وفى اليوم) السابع عشر من رمضان سنة اثنتين من الهجرة ( 13 مارس سنة 624 م) عدل عليه الصلاة والسلام الصفوف . ثم نظر قريشا مقبلة فقال : اللهم هذه قريش قد اقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذى وعدتنى ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد فى الأرض . ومازال يدعو رافعا يديه حتى سقط رداؤه . ثم جلس عليه الصلاة والسلام هو وابو بكر فى عريش بنى لهما .
( وقبل ) أن تقوم الحرب ، خرج الأسود بن عبد الأسود فقتله حمزة رضى الله عنه ثم برز من العدو عتبه وشيبه ابنا ربيعه والوليد بن عتبه ، فخرج إليهم عوف ومعو1 ابنا الحارث ، وأمهما عفراء . وعبد الله بن رواحة . فقالوا من أنتم ؟ فقالوا رهط من الأنصار فقالوا : انما تريد اكفاءنا من قريش فأخرج لهم عليه الصلاة والسلام حمزة عمه ، وعلى ابن أبى طالب ، وعبيدة بن الحارث فقتل حمزة شيبه ، وعلى الوليد ، وقتلا عتبه ، واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله ، فبشره النبى صلى الله عليه وسلم بالشهادة . فقال : لو كان أبو طالب حيا لعلم أنا أحق منه بقوله :
ولا نسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبناءنا والحلائل
ثم مات رضى الله عنه وانتشب القتال . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض على القتال . وأخذ جفنه من الحصباء رمى بها قريشا قائلا ك شاهت الوجوه ثم قال لأصحابه : شدوا عليهم فهزموا قريشا وقتلوا سبعين منهم .
( منهم) ابو جهل وأمية بن خلف والجراح ، قتله ابنه ابو عبيدة . وأسروا سبعين منهم العباس وعقيل بن ابى طالب وابو العاص بن الربيع زوج زينب ابنته عليه الصلاة والسلام . وقد افتدته بعقدها . فأطلقه ورد العقد لها برضا الصحابه . وشرط عليه أن يخلى سبيلها ففعل ( قالت) عائشة رضى الله عنها : لما بعث اهل مكة فى فداء اسراهم بعثت زينب فى فداء ابى العاص بمال وبعثت فيه بقلادة لها ، كانت عند خديجة رضى الله الله عنها ، أدخلتها بها على ابى العاص . فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقه شديدة وقال : إن رايتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذى لها قالوا نعم وكان صلى الله عليه وسلم أخذ عليه أو وعده أن يخلى سبيل زينب اليه ، وبعث صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار فقال لهما : كونا ببطن يأحج ( بفتح التحتية وسكون الهمرز وكسر الجيم ، موضع قريب من التنعيم ) حتى تمر بكما زينب فتصحباها فتأتيا بها . أخرجه ابو داود ]287[ انظر ص 26 ج3 تيسير الوصول ( غزوة بدر ) وفى سنده محمد بن إسحاق مدلس ( وقد اسلم ) ابو العاص قبل الفتح فرد النبى صلى الله عليه وسلم اليه زينب بالنكاح الأول ( ومن الأسرى ) أبو عزة الجمحى ، كان شاعرا بهيج المشركين على المسلمين ، فطلب من النبى صلى الله عليه وسلم أن يطلقه على الأ يعود لمثل ذلك . فأطلقه منا ( أى بلا فداء) لكنه لم يف بوعده وقتل بعد أحد ، وفى حادثته ورد حديث : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين . رواه أحمد وأبو داود عن أبى هريرة . انظر ص 454 ج6 فيض القدير
( ومن) لم يكن معه فداء ( من الأسرى ) وهو يحسن القراءة والكتابة كان فداؤه تعليم عشرة من أولاد المسلمين .
(ولما تم) النصر امر صلى الله عليه وسلم بدفن شهداء المسلمين وكانوا أربعة عشر ستة من المهاجرين . منهم عمير بن ابى وقاص . وثمانية من الأنصار . منهم ابنا عفراء الخزرجيان ، وسعد بن خثيمة الأوسى . كما أمر ي\بقذف اربعة وعشرين من صناديد قريش فى قليب ( أى بئر ) بدر ودفن الباقى . ثم رجع الى المدينة وجىء بالأسرى بعده بيوم فقرهم بين الصحابة وقال : استوصوا بهم خيرا .
( ثم استشار ) اصحابه فيهم . فقال ابو بكر : استبقهم وخذمتهم الفداء . وقال عمر : قدمهم نضرب أعناقهم . فقال النبى صلى الله عليه وسلم مثلك يا ابا بكر مثل ابراهيم قال : فمن تبعنى فإنه منى ، ومن عصانى فإنك غفور رحيم . ومثل عيسى قال : إن تعذبهم فإنهم عبادك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم
ومثلك يا عمر مثل نوح قال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ومثل موسى قال . ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبكم .
( فعمل ) النبى صلى الله عليه وسلم برأى ابى بكر وأخذ منهم الفاداء . وهو عشرون او اربعون أوقية من الذهب عن كل واحد . ومنهم من نقص عمه الا العباس فقد أخذ منه ثمانون أوقية عن نفسه ، وثمانون أوقية عن عقيل بن ابى طالب ن ونوفل بن الحارث وأخذ منه وقت الحرب عشرون .
( فعاتب) الله تعالى النبى صلى الله عليه وسلم بقوله : ما كان لنبى أن يكون له اسرى حتى يثخن فى الأرض ( أى يبالغ فى قتل الكفار ويظهر قوة الأسلام ) تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم 67 * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم 68 * فكلوا مما غنتم حلال طيبا الآية 69 – الأنفال .
( وفى هذه ) الغزوة نصر الله المؤمنين بالملائكة . قال تعالى : ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ، فاتقوا الله لعلكم تشكرون 123 * اذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين 124 * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فوزهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين 125- ىل عمران الآيات " وقال عز وجل اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بالف من الملائكة مردفين وفيها نزلت سورة الأنفال
( وعن) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : هذا جبريل آخذ براس فرسه عليه أداة الحرب أخرجه البخارى ]288[ انظر ص 221 ج7 فتح البارى ( شهود الملائكة بدرا – المغازى ) .
( وعنه ) قال : حدثنى عمر بن الخطاب رضى الله عنه : لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلثمائه وتسعة عشر رجلا ز فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه يقول : اللهم أنجزلى ما وعدتنى اللهم آننى ما وعدتنى . اللهم إن تهلك هذه العصابة ( أى الجماعة ) من المسلمين لا تعبد فى الارض . فما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه . فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فالقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه . ثم قال : كفاك بانبى الله كفاك مناشدتك (أى سؤالك) ربك فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله تعالى : اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم انى ممدكم بالف من الملائكة مردفين ( أى متتابعين يتبع بعضهم بعضا ) أخرجه مسلم والترمذى ]289[ انظر ص 25 ج3 تيسير الوصول ( غزوة بدر ) .
( ولما) فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر الأسرى قال : من ينظر الى ما صنع أبو جهل ، فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى يرد ( بفتحتين ، اى حتى مات ) قال أنت أبو جهل ظ فقال : وهل فوق رجل قتلتموه ؟ أو قال قتله قوسه . أخرجه الشيخان عن أنس ]290[ انظر ص 209 ج7 فتح البارى ( قتل أبى جهل – المغازى ) .
( والمراد) بابنى عفراء معاذ ومعوذ . وفى رواية الشيخين أن الذى قتله معاذ بن عمرو بن الجموح . ومعاذ بن الحارث بن رفاعه . وأمه عفراء ( فقد) قال عبد الرحمن ابن عوف : بينا أنا واقف فى الصف يوم بدر فنظرت عن يمينى وسمالى ز فإذا بغلامين من الأنصار حديثه اسنانهما . تمنيت أن أكون بين أضلع منهما م فغمزنى أحدهما فقال يا عم هل تعرف ابا جهل ؟ قلت نعم ، ما حاجتك إليه بابن أخى ؟ قال : اخبرت سوادى سواده حتى يموت الأعجل منا . فتعجبت لذلك فغمزنى الآخر فقال لى مثلها فلم أنشب ان نظرت إلى ابى جهل يجول فى الناس فقلت : ألا إن هذا صاحبكما الذى سالتمانى ، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه . ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه . فقال : ايكما قتله ؟ قال كل واحد منهما : أنا قتلته فقال هل مسحتما سفيكيما ؟ قالا : لا . فنظر فى السيفين فقال : كلا كما قتله . وقضى بسلبه ( بفتحتين أى لباسه وسلاحه ومركبة )لمعاذ بن عمرو بن الجموح . وكانا معاذ ابن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح . أخرجه أحمد والشيخان ]291[ انظر ص 154 ج6 فتح البارى ( من لم يخمس الأسلاب . فرض الخمس ) .
هذا . وحنين واد بين مكة والطائف . كانت غزوته فى شوال سنة ثمان ( وحاصلها ) أن النبى صلى الله عليه وسلم بلغه بعد فتح مكة تجمع أربعة آلاف من هوازن وثقيف وبنى سعد وغيرهم لحربة عليه الصلاة والسلام ، جمعهم مالك بن عوف النصرى ، ومعهم دريد بن الصمة المشهور باصاله الرأى ، وله مائة وعشرون أو مائة وستون سنة اشار بتمنيع الذرارى والأموال ولقاء الرجال بالرجال . وقال : إن المنهزم لا يرده شىء ، فابى مالك وسار بهم . فاستعار النبى عليه الصلاة والسلام مائة درع بسلاحها من صفوان بن أمية ( وكان مشركا) ثم خرج صلى الله عليه وسلم لست خلون من شوال (28 يناير سنة 630 م) باثنى عشر ألفا ( جيش الفتح ، وألفين من أهل مكة ) واستخلف على مكة عتاب بن أسيد ، فلما وصل حنينا خرج لهم كمين من جانبيها ، فحمل عليهم المسلمون فانكشفوا واشتغل المسلمون بالغنائم ، فاستقبلهم العدو بالسهام فعادوا منهزمين لا يلوى أحد على أحد ، وكان رجل منهم حين رأى كثرتهم قال لن تغلب اليومعن قلة . فوكلهم الله الى كلمته وفروا مدبرين . ونادواهم الرسول صلى الله عليهم وسلم فلم يرجعوا . وثبت صلى الله عليه وسلم فى نفر من كبار الصحابة كأبى بكر وعمر وعثمان وعلى والعباس ، فأمر صلى الله عليه وسلم أن ينادى الأنصار والمهاجرين ، وكان صيتا فناداهم . فقالوا : يا لبيك يا لبيك ورجعوا مسرعين حتى جعل الرجل يثنى بعيرة فيمنعه التزاحم فيقتحم عنه ويؤم الصوت حتى اجتمع منهم مائة أو الف ، فصاروا يقتلون وياسرون حتى فتح الله عليهم وقد غنموا غنائم كثيرة وكان فى السبى الشيماء ( بفتح فسكون الياء ويقال : الشماء بلا ياء ) بنت حليمة السعدية فأكرمها عليه الصلاة والسلام وزودها وردها الى قومها ووهبها عبدا وجارية فزوجت العبد الجارية ( وفى ) هذه الغزوة نزل قوله تعالى : ويوم حنين اذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين 25 * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ... وأنزل جنودا لم تروها 26* ( التوبة ) فقد أمده الله يومئذ بخمسة آلاف من الملائكة ، قيل القتال ، ولكن لتشجيع المسلمين .
( ثم) أمر عليه الصلاة والسلام بالسبابا ( وكانت ستة آلاف ) والأموال ( وكانت أربعة وعشرين ألف بعير ، وأكثر من أربعين الف شاة ، واربعة آلاف أوقية من الفضة ) فحبست بالجعرانة _( موضع بين الطائف ومكة ) .
( وبعد) غزوة الطائف رجع فقسم غنائم حنين فأعطى قوما يتالفهم كأبى سفيان ، أعطاه أربعين أوقة من الذهب ، ومائة من الإبل ، وكذا ابنية معاوية ويزيد . وأعطى صفوان بن أمية شعبا ( بكسر فسكون ، الطريق بين الجبلين ) مملوءا ابلا وشاه ، فأسلم وقال لقومه : أسلموا فإن محمد يعطى عطاء من لا يخشى الفاقة . وأعطى عينيه بن حصن والأقرع بن حابس وعباس بن مرداس وغيرهم ، كل واحد مائة من الإبل .(1/239)
286 } .
( فائدة ) إذا أرخى العذبة من بين اليدين ، فالأفضل إرخاؤها من الجانب اليمن " لقول" ابى أمامة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يولى واليا حتى يعممه ويرخى لها من الجانب الأيمن نحو الأذن . أخرجه الطبرانى فى الكبير ، وفى سنده جميع بن ثوب وهو ضعيف(1) { 293 } ، لكن يقويه ما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن فى شأنه كله .
( وهذا ) والأحاديث الدالة صراحة على أن ارخاء العذبة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم الثابتة بامره وفعله وتقريره صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر . وبكفى ما رؤيناه آنفا ما بين صحيح وحسن .
( وليس ) فى شىء من هذه الاحاديث ولا غيرها أن العذبة كانت عريضة جعلوها على القفا وقاية من حر الشمس . أو عادة من عادات العرب فليست عبادة يتعبد بها . ولا قرية يتقرب بها الى الله تعالى . فلا قدوة فيها كما يزعمه بعض الناس ، بل هو زعم باطل لوجوه ( منها) قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف – حين عممه وأرسل من خلفه اربعة اصابع ونحوها – " هكذا فاعتم فإنه أعرب وأحسن " كما تقدم رقم 284 .
( أيأمر) صلى الله عليه وسلم بشىء تعود فعله المأمور ؟ وما معنى هذا الأمر إذا ؟ وما معنى الترغيب فيه بقوله : إنه أعرب وأحسن ؟
( ومنها ) ما تقدم قريبا عن أبى أمامة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يولى واليا حتى يعممه ويرخى لها ( يعنى عذبة ) من الجانب اليمن نحو الأذن ( أكان) اهتمامه صلى الله عليه وسلم بشان الولاة لتعليمهم عادة اعتادها العرب ودرجوا عليها ؟ كلا لا هذا ولا ذاك . وإنما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، لأن الولاة هم قادة العامة فينبغى أن يمونوا المثل الأعلى فى جميع أحوالهم وأطوارهم وهيئاتهم ، لأنهم إذا صلحوا صلحت الرعية ، وإذا فسدوا فسدت فقد قيل : الناس على دين ملوكهم .
__________
(1) انظر ص 120 ج5 مجمع الزوائد ( ما جاء فى العمائم ) .(1/240)
ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يولى إلا من كان جائزا صفات الكمال . وكان مع ذلك يوصيه بتقوى الله عز وجل فى نفسه وفى العامة . ويعلمه كيف سحين المعاملة مع الله تعالى ومع الناس . فماعمم صلى الله عليه وسلم الولاة ، وأمرهم بأن يعتموا بهذه الكيفية ، إلا لكونها أحسن الهيئات شكلا ، واجملها منظرا . وأكملها هيبة وعملا .
ولا شك أن هذا دليل واضح على أن غرسال العذبة أمر مطلوب يعنى به حيث إن النبى صلى الله عليه وسلم فعلها بيده الشريفة لأمرائه وأمرهم بفعلها ، وبين لهم مزيتها .
( ولو سلمنا ) جدلا أن ارسال العذبة عادة عربية وقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ولغيره وأمر بفعلها ، فإنها تصير سنة شرعية يثاب على فعلها ، إذ لا ريب أن الاقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره قربة جليلة يتقرب بها الى الله تعالى .
( ولولا ) تركه صلى الله عليه وسلم لها أحيانا وإقراره على تركها فى بعض الأوقات ، لكانت واجبة ، إذا الأصل فى الأمر الوجوب كما هو معروف
( والحاصل ) أن إرسال العذبة سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابته بقوله وفعله وأمره وتقريره صلى الله عليه وسلم إن جاء العذبة بأنه أعرب وأحسن .
( ولذا ) اتفق السلف والخلف على أن العمامة والعذبة من السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم اختلفوا فى أن العذبة سنة مؤكدة أو مستحبة .
9- بعض نصوص الفقهاء فى العذبة
(أ ) نصوص السادة الحنفيين :
((1/241)
قال ) العلامة الحصكفى فى الدر المختار شرح تنوير الأبصار : وندب لبس السواد وإرسال ذنب العمامة بين كتفيه إلى وسط الظهر . وقيل لموضع الجلوس وقيل شبر أ هـ ( وكتب ) عليه العلامة ابن عابدين ما نصه: لأن محمدا ذكر فى السير الكبير فى باب الغنائم حديثا يدل على أن لبس السواد مستحب ، وأن من اراد أن يحدد اللف لعمامته ينبغى له أن ينقضها كورا كورا ، فإن ذلك أحسن من رفعها عن الرأس وإلقائها فى الأرض دفعة واحدة ، وأن المستحب ارسال ذنب العمامة بين الكتفين أ هـ . ومثله فى البحر وشرح منلا مسكين والطائى والعينى على الكنز
(وقال) فى الدر المنتفى شرح الملتقى : والسنى إرخاء طرف العمامة بين كتفيه قدر شبر ، هكذا فعله عليه الصلاة والسلام ، وقيل إلى وسط الظهر وقيل إلى موضع الجلوس أ هـ ونحوه الأنهر شرح ملتقى الأبحر.
( وفى صرة الفتاوى ) سئل صاحب المنح عن إرسال العذبة هل هو سنة للخواص والعوام ؟ وهل تارك العذبة يكون فاسقا أولا ؟ ولو ضحك إنسان على من يرسل العذبة هل يكفر أولا ؟ ( فأجاب ) المنقول فى الكتب المعتمدة كالخلاصة والزيلعى وشرح الشرعة أن العذبة مستحبة . وهى غرسال ذنب العمامة بين الكتفين : واختلفوا فى قدره . قيل شبر . وقيل إلى وسط الظهر . وقيل إلى موضع الجلوس . ولا فرق بين الخواص والعوام ، ولا يفسق بتركه ، لكنه سىء وكراهية . فيأثم ولو ييسير ، لأن السنة طريقه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة . وسبيلها الإحياء دون الإماتة ، وكانت حقا علينا فعوتبنا على تركها إلا أن يكون الترك على طريق التهاون والاستخفاف ، فحينئذ يكفر أو يفسق لرجوع ذلك الى صاحبها . هذا إذا ترك سنة الهدى . وأما سنن الزوائد فتاركها لا يستوجب إساءته ( وعن الخلاصة ) لو قال : قصصت شاربك وألقيت العمامة على العاتق استخفاقا ، بكفر . أو قال ما أقبح امرأة قص شاربه ولف طرف العمامة على النق ، كفر أهـ .
((1/242)
ويأتى ) بيان سنن الهدى وسنن الزوائد بيانا شافيا إن شاء الله تعالى .
( وقال ) فى الشرعة وشرحها للسيد على زاده : ( ولبس العمامة حلم ووقار ) أى دليل عليهما ، وهى تيجان العرب . وقد لبس صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء (ويسدل ) أى يرخى المتعمم ( عمامته مطلقا بين كتفيه) فإنه سنة مستحبة ايضا ( وفى ) خزانة الفتاوى : والمستحب ارسال ذنب العمامة بين كتفيه الى وسط الظهر ، ومنهم من قال الى موضع الجلوس ومنهم من قدر بالشبر . ولا باس بلبس القرنس ، وليس السواد مستحب أهـ .
( وفى الجامع الصغير ) لقاضيخان أن الشبر للعوام ، وإلى وسط الظهر لطلبة العلم وإلى المقعد للمقتى . وارساله بين الكتفين كما عرفت . وقيل ما بين الأذنين وقيل أى موضع كان . وقيل إرساله من القدام سنة .
( وفى شرح ) الشمائل لابن حجر الهيتمى . عمم النبى صلى الله عليه وسلم ابن عوف وسدل لها بين يديه ومن خلفه . ثم قال : فالسنة تحصل بكل ، لكن الأفضل ما بين الكتفين . ويحتمل أن السدل من وراء وأمام لمن اراد إرخاء طرفيها ، وإلا فالمكتفى بواحد فالأفضل بين الكتفين ثم المنكب ، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يسدل دائما ( وعن) عبد الحق : السنة غرخاء طرفها ويتحنك به وإلا فمكروه ، قيل لمخالفته السنة ، وقيل لأنه عمائم الشيطان أهـ .
( وقال ) الخادمى فى البريقة على الطريقة المحمدية : والتسويم الذى هو غرخاء ذنب العمامة هو المشار اليه بقوله تعالى : { ُيمِددْكُمْ رَبُكُمْ بِخَمْسَةِ آلآفِ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ } .(1) وعن الطيبى التسويم سنة مؤكدة وقيل مستحب أهـ .
( وقال ) مثلا على القارى فى شرحه على الشمائل للترمذى : قال ميرك وقد ثبت فى السير بروايات صحيحة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يرخى علاقته أحيانا بين كتفيه ، وأحيانا يلبس العمامة من غير علاقة أهـ .
(
__________
(1) بعض آية 125 آل عمران . وصدرها : بلى إن تصبروا وتتقوا .(1/243)
وقال ) البغوى فى شرح السنة : قال محمد بن قيس رايت ابن عمر معتما قد ارسلها بين يديه ومن خلفه. فعلم مما تقدم أن الإتيان بكل واحد من تلك الأمور سنة أ هـ ونصوص السادة الحنفية فى هذا كثيرة .
( وحاصل ) مذهبهم أنهم اتفقوا على أن العذبة سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقربة يتقرب بها الى الله تعالى ، لا فرق فى ذلك بين الخواص والعوام ، ولا بين الولاة والرعية . ولم يقدروا فى عرضها شيئا . أما طولها فقد علمت ما فيه ، وأن من استهزأ بها كفر والعياذ بالله تعالى .
( وكذا ) العمامة السوداء ولف طرف العمامة تحت الحنك . والكمال الجمع بين العذبة والتحنيك . وإنما خلافهم فى كونها سنة مؤكدة أو مندوبة .
(ب ) كلام السادة المالكية :
( قال ) الشيخ على العدوى فى حاشيته على شرح أبى الحسن لرسالة ابن ابى زيد القيروانى فى باب الجنائز فى مبحث التكفين عطفا على مستحبات الكفن وكذا يستحب عذبة فى العمامة ولا يختص استحباب العذبة بالميت إذا الحى كذلك أهـ .
( وقال ) ابن الحاج فى المدخل : وردت السنة بالرداء وكذلك العمامة والعذبة ، لكن الرداء كان اربعة أذرع ونصفا أو نحوها . والعمامة سبعة أذرع ونحوها . يخرجون منها التلحية والعذبة . والباقى عمامة ، على ما نقله الإمام الطبرى رحمة الله فى كتابه ( وقال ) أشهب : كان مالك رحمة الله إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه وأسدل طرفها بين كتفيه ( قال ) بعض العلماء : السنة فى العمامة أن يسدل طرفها إن شاء أمامه بين يديه وإن شاء خلفه بين كتفيه .
وقال : لابد من التحنيك فى الهيئتين ( وفى ) مسلم وأبى داود والنسائى عنه عليه الصلاة والسلام أنه أرخى طرف عمامته بين كتفيه .
((1/244)
وقال ) القرافى رحمة الله : ما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا أهـ " وما " حكاه القرافى رحمة الله من أن مالكا رحمة الله ما افتى حتى أجازه اربعون محنكا " دليل " على أن العذبة دون تحنيك يخرج بها عن المكروه ، لأن وصفهم بالتحنيك دليل على أنهم قد امتازوا به دون غيرهم . وإلا فما كان لوصفهم بالتحنيك فائدة، إذ الكل مجتمعون فيه . وإذا كانت العمامة من باب المباح فلابد فيها من فعل سنن تتعلق بها فى تناولها باليمين والتسمية والذكر الوارد إن كان مما يلبس جديدا ، وامتثال السنة فى صفة التعميم من فعل التحنيك والعذبة وتصغير بقدر سبعة اذرع أو نحوها ، يخرجون فيه أهـ ملخصا .
وهذا بإطلاقه يتناول الخواص والعوام الصوفية وغيرهم .
(ج) كلام السادة الشافعية :
( قال ) العلامة ابن حجر فى شرح التحفة على المنهاج : وجاء فى العذبة أحاديث كثيرة منها صحيح ومنها حسن . ناصة على فعله صلى الله عليه وسلم لها لنفسه ولجماعة من أصحابه ، وعلى أمره بها . ولأجل هذا تعين " تأويل " قول الشيخين النووى والرافعى وغيرهما : ومن تعمم فله فعل العذبة وتركها . ولا كراهة فى واحد منهما . زاد المصنف أى النووى : لأنه لم يصح فى النهى عن ترك العذبة شىء " بأن المراد " بقوله : له فعل العذبة ، الجواز الشامل للندب . وتركه صلى الله عليه وسلم لها فى بعض الأحيان ، إنما يدل على عدم وجوبها أو عدم تأكد ندبها . وقد استدلوا بكونه صلى الله عليه وسلم ارسلها بين الكتفين تارة وألى الجانب الأيمن أخرى على أن كلا منهما سنة . وهذا تصريح منهم بأن أصلها سنة ، لأن السنية فى إرسالها إذا أخذت من فعله صلى عليه وسلم لها ، فاولى أن تؤخذ سنية اصلها من فعله لها وأمره بها متكررا .
( ثم ) غرسالها بين الكتفين افضل منه على الأيمن ، لأن حديث الأول اصح .
((1/245)
وكأن) حكمة ندبها ما فيها من الجمال وتحسين الهيئة ( وقد) قال بعض الحفاظ : أقل ما ورد فى طولها أربع أصابع ، وأكثر ما ورد ذراع وبينهما شبرا أهـ .
( ويحرم ) إفحاش طولها بقصد الخيلاء ( ولو خشى ) من إرسالها نحو خيلاء لم يؤمر بتركها خلافا لمن زعمه ، بل يفعلها ويجاهد نفسه فى إزالة نحو الخيلاء أهـ ملخصا .
( وبذا ) تزداد علما بأن من أدعى أن فعل العذبة ليس مندوبا بل هو من باب المباح مستندا فى دعواه المذكورة الى قول النووى : فله فعل العذبة وتركها ، فهو مخطىء : على أن كلام النووى نفسه فى شرح المهذب يفيد ندبيه إرسالها حيث قال : ولم يصح فى النهى عن ترك إرسالها شىء ، وصح فى الإرخاء الأحاديث السابقة أهـ .
( وقال ) العلامة المناوى فى شرحه على الشمائل للترمذى : العذبة سنة مؤكدة محفوظة لم يرض الصلحاء تركها . وقد جاء فيها احاديث كثيرة ما بين صحيح وحسن ، ناصة على فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم لها لنفسه ولجماعة من صحبة وعلى أمره بها . ثم إرسالها بين الكتفين افضل منه على الأيمن لأن حديث الأول اقوى وأصح ( وكأن) حكمة سنها ما فيها من تحسين الهيئة ( قال ) بعض الحفاظ : وأقل ما ورد فى طولها اربع اصابع وأكثر ما ورد ذراع . وبينهما شبر . ويحرم إفحاش طولها بقصد الخيلاء ( قال ) الشافعى : ولو خاف من إرسالها نحو الخيلاء لم يؤمر بتركها ، بل يفعلها ويجاهد نفسه ( ولا ) يسن تحنيك العمامة عند الشافعية . واختار بعض الحفاظ ما عليه كثيرون أنه يسن . وهو تحويق الرقبة وما تحت الحنك واللحية ببعض العممة (وأطالوا) فى الاستدلال عليه بما رد عليهم ، وممن جرى على ندبه صاحب الهدى . وقد جاء أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدخل عمامته تحت حنكه أ هـ ملخصا .
((1/246)
وقال ) شيخ الإسلام الباجورى فى حاشيته على الشمائل بعد كلام : وقد استفيد من الحديث أن العذبة سنة. وكأن حكمه سنها ما فيها من تحسين الهيئة وإرسالها بين الكتفين أفضل . وإذا وقع إرسالها بين اليدين كما يفعله بعض الصوفية وبعض أهل العلم ، فهل الأفضل إرسالها بين اليدين كما يفعله بعض الصوفية وبعض اهل العلم، فهل الأفضل ارسالها من الجانب الأيمن لشرفه أو من الجانب الأيسر كما هو المعتاد ، وفى حديث ابى أمامة عند الطبرانى ما يدل على تعيين الأيمن ، لكنه ضعيف . وأشار بقوله " يعنى الترمذى " وكان ابن عمر يفعل ذلك . وقوله : ورايت القاسم بن محمد وسالما يفعلان ذلك أى السدل بين الكتفين ، إلى أنه سنة مؤكدة محفوظة لم يتركها الصلحاء ( وبالجملة ) فقد جاء فى العذبة أحاديث كثيرة ما بين صحيح وحسن أ هـ ملخصا .
(د) كلام السادة الحنبلية :
( قال ) فى الإقناع وشرحه كشاف القناع ( و) يسن ( إرخاء الذؤابة خلفه ) ( قال الشيخ : إظالتها) أى الذؤابة ( كثيرا من الإسبال ) أى المنهى عنه وإن ارخى طرفها بين كتفيه فحسن ، قاله الاجرى ، وارخاها أبن الزبير من خلفه قدر ذراع وعن أنس نحوه ، ذكر فى الآداب ( ويسن تحنيكها ) أى العمامة لأن عمائم المسلمين كانت كذلك على عهده صلى الله عليه وسلم أهـ .
( وقال ) العلامة السفارينى فى غذاء الألباب : روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه عمم عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه بعمامة سوداء وارخاها من خلفه قدر أربع أصابع . وقال : هكذا فاعتم فإنه أعرب وأجمل(1) و وفى الفروع وتبعه فى الإقناع وغيره قال شيخنا – يعنى شيخ الأسلام – وإطالتها كثيرا من الإسبال. وقال الآجرى : وإن أرخى طرفيها بين كتفيه فحسن .
(
__________
(1) تقدمت رقم 284 ص 229 ورقم 279 ص 227 ورقم 285 ص 229 ( حكم العذبة ) قال عياض : طرفها بالإفراد لا التثنية .(1/247)
وأخرج ) الترمذى وحسنه عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه(1) ( وروى ) مسلم وأبو داود وابن حبان عن عمرو بن حريث قال : كأنى أنظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد ارخى طرفها بين كتفيه (2) .
( وروى ) مسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائى عن جابر رضى الله عنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء زاد النسائى : قد ارخى طرف العذبة بين كتفيه(3) ( وروى ) الطبرانى عن ثوبان رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتم ارخى عمامته بين يديه ومن خلفه . وفى إسناده الحجاج بن رشدين وهو ضعيف (4) { 294 }
(
__________
(1) تقدمت رقم 284 ص 229 ورقم 279 ص 227 ورقم 285 ص 229 ( حكم العذبة ) قال عياض : طرفها بالإفراد لا التثنية .
(2) تقدمت رقم 284 ص 229 ورقم 279 ص 227 ورقم 285 ص 229 ( حكم العذبة ) قال عياض : طرفها بالإفراد لا التثنية .
(3) تقدم رقم 271 ص 222 ( العمامة السوداء ) .
(4) انظر ص 120 ج5 مجمع الزوائد ( ما جاء فى العمائم ) .(1/248)
وروى ) أيضا عن ابن عمر مرفوعا : عليكم بالعمائم فإنها سيما الملائكة ، وأرخوها خلف ظهوركم(1) { 295 } ( وروى ) أيضا بسند ضعبق عن أبى أمامة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يولى واليا حتى يعممه ويرخى لها عذبه من الجانب الأيمن نحو الأذن(2) ( قال ) الإمام المحقق فى الهدى : كان صلى الله عليه وسلم يتلحى بالعمامة تحت الحنك (3) أهـ ثم قال السفارينى ( روى ) ابو يعلى والبزار برجال ثقات وابن أبى الدنيا والطبرانى والبيهقى فى الزهد وحسن إسناده أبو الحسن الهيثمى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية يبعثه عليها ، فاصبح عبد الرحمن وقد اعتم بعمامة كراييس سوداء فنقضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعممه وارخى أربع اصابع أو قريبا من شبر . قال يا بن عوف هكذا فاعتم فإنه أعرب وأحسن(4) { 296 } ( وقال ) صاحب القاموس فى شرحه على البخارى: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عذبة طويلة نازلة بين كتفيه وتارة على كتفه وأنه ما فارق العذبة قط أهـ.
( ومن علم ) أن العذبة سنة فتركها استنكافا عنها آثم ، وغير مستنكف فلا ( قلت ) وظاهر كلام اصحابنا كراهة العمامة الصماء ، بل صرحوا بذلك منهم صاحب الإقناع وشارح المنتهى ( وفى الآداب ) لا خلاف فى استحباب العمامة المحنكة وكراهة الصماء ( وقد علمت ) أن التحنيك مسنون وهو التلحى .
(
__________
(1) انظر ص 120 ج5 مجمع الزوائد ( ما جاء فى العمائم ) .
(2) تقدم رقم 293 ص 236 ( موضع ارخاء العذبة ) وص 120 ج5 مجمع الزوائد .
(3) انظر ص 204 ج2 غذاء الالباب ( يسن ارجاء طرف العمامة ) .
(4) انظر ص 207 ج2 غذاء الألباب ( سبب ارخاء العذبة ) و ( السرية كعطية الطائف من الجيش و ( كراييس ) جمع كرياس فسكون وهو القطن.(1/249)
قال ) الشمس الشامى : التلحى سنة النبى صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح ( وقال ) الإمام ابن مفلح فى آدابه الكبرى : مقتضى كلامه فى الرعاية استحباب الذؤابة لكل أحد كالتحنيك يعنى يجمع بين التحنيك والذاؤبة . وفى الاداب الكبرى : ومن أحب أن يجدد العمامة فعل كيف أحب فى نقضها .
( واختلف ) العلماء فى مكان إرسال العذبة على أقوال ( الأول ) إرسالها من بين يديه ومن خلفه ففى الطبرانى بسند ضعيف عن ثوبان رضى الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتم أرخى عمامته من بين يديه ومن خلفه(1) {297 } وروى ابو داود سند ضعيف عن عبج الرحمن بن عوف أنه قال : عممنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدلها من بين يدى ومن خلفى (2) { 298 } ( والحديث ) الثابت من عدة طرق أنه لما عممه أرسل العذبة من خلفه .
( الثانى ) إرسالها من الجانب الأيمن فقد روى الطبرانى بسند ضعيف عن أبى أمامة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يولى واليا حت يعممه بعمامة ويرخى لها عذبة من الجانب الأيمن نحو الأذن(3) { 299 }
( الثالث ) إرسالها من الجانب الأيسر وهذا عليه عمل كثير من الصوفية ( وقد ) روى الطبرانى بسند حسن، والضياء المقدسى فى المختارة عن عبد الله ابن بشر قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى خيبر فعممه بعمامة سوداء ثم ارسلها وراءه . أو قال على كتفه اليسرى ، هكذا بالشك(4) { 300 } ( الرابع ) إرسالها خلف ظهره بين كتفيه ، وهذا هو الأكثر الأشهر الصحيح أهـ كلام السفارينى ملخصا ( وقد ) أطال رحمة الله تعالى فى ذلك إطالة حسنة فراجعه إن شئت .
10- فتاوى أئمة عصرنا فى العذبة :
__________
(1) انظر ص 120 ج5 مجمع الزوائد ( ما جاء فى العمائم )
(2) انظر ص 55 ج 4 سنن أبى داود ( باب فى العمائم ) .
(3) انظر ص 120 ج5 مجمع الزوائد ( العمائم ) .
(4) انظر ص 211 ج2 غذاء الالباب ( بيان مكان ارسال العذبة ) .(1/250)
ولهذه النصوص أفتى علماء عصرنا أن العذبة سنة ثابته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلها لنفسه ولغيره من أصحابه وأمر بفعلها متكررا . وفعلها الصحابة رضى الله عنهم والتابعون والأئمة والصالحون . وأن
التحنيك سنة أيضا وأن العمامة الخالية عنهما مكروهة . وأن الكمال الجمع بين العذبة والتحنيك (1) .
( ولم يقل ) أحد من أرباب المذاهب : إن العذبة أو التحنيك أو العمامة السوداء تسن فى زمن دون آخر ، أو تختص بطائفة دون أخرى ، وغير ذلك مما يبوقله أهل الافتراء والأهواء من الهذيان الذى ينادى عليهم بأنهم لا يعرفون شيئا من واضح أحكام الدين .
وأين أولئك المجازفون المفترون من نحو قوله صلى الله عليه وسلم : من تمسك بسنتى عند فساد أمتى فله أجر مائه شهيد . أخرجه البيهقى عن ابن عباس(2) { 301 } وقوله صلى الله عليه وسلم : من أحيا سنتى فقد
أحبنى ومن احبنى كان معى فى الجنة . رواه السجزى فى الإبانة عن أنس (3) { 302 } .
( فإن لم ) يكن العمل بالسنة – لا سيما ما دثر منها عند فساد أهل الزمان وإعراضهم عن العمل بالوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عملا) قيما جليلا ، فما فائدة هذا الترغيب الصادر من المبعوث رحمة للعالمين ؟ { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ } { وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } (4)
( الثامن ) سنن الهدى والزيادة
__________
(1) انظر ص 53.37.33.29 من كتاب فتاوى أئمة المسلمين للشيخ الامام .
(2) انظر ص 141 ج1 – الترغيب والترهيب ( الترغيب فى اتباع الكتاب والسنة ) .
(3) انظر رقم 8346 ص 40 ج6 فيض القدير وفيه خالد بن أنس لا يعرف وحديثه منكر جدا .
(4) آية 81 سورة الإسراء .(1/251)
بعدما تقدم من الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة . نرى بعض من لم يوفق لإرسال عذبة العمامة يقول : العذبة من سنن الزوائد وهى لاثواب فى فعلها ولا عتاب فى تركها . يقصد بذلك رفع اللوم عنه فى عدم إرخائه العذبة . وهذا خطأ منه ، لأن إرخاء العذبة من سنن الهدى لا الزوائد ، لما تقدم من الأحاديث النبوية ، والنصوص الفقهية الناطفة بأن النبى صلى الله عليه وسلم فعلها لنفسه ولغيره وأمر بفعلها وقال : إنها أعرب وأحسن وأجمل . وسنن الهدى يثاب على فعلها ويلام على تركها . وعلى فرض أنها من سنن الزوائد فسنن الزوائد يثاب عليها ، فلا يعقل أن فعلها وتركها سواء .
( وهناك ) الفرق بين سنن الهدى وسنن الزوائد .
( وأما) سنة الهدى فهى التى واظب عليها النبى صلى الله عليه وسلم تعبدا وابتغاء مرضاة الله مع الترك مرة أو مرتين بلا عذر ، أو لم يتركها أصلا لكنه لم ينكر على التارك .
( قال ) العلامة النسفى فى شرحه على المنار : سنة الهدى أخذها هدى وتركها ضلالة أهـ ( وقال ) الكمال ابن الهمام فى التحرير وشرحه : سنن الهدى هى ما يكون إقامتها تكميلا للدين تاركها بلا عذر على سبيل الإصرار مضلل ملوم أهـ ( وفى شرح ) نور الأنوار على المنار : ترك سنة الهدى يستوجب إساءة كالعتاب واللوم أهـ ( وقال ) منلا خسروا فى المرقاة وشرحه : سنة الهدى مكملة للدين وتاركها مسىء يستحق اللوم كصلاة العيد والأذان والإقامة والصلاة بالجماعة والسنن الرواتب أهـ .
( وأما ) سنن الزوائد فقد عرفوها بالمثال ( قال ) فى المنار وشرحه نور الأنوار : سنن الزوائد هى كسير النبى صلى الله عليه وسلم فى لباسه وقعوده وقيامه ( إلى أن قال ) فهذه كلها من سنن الزوائد يثاب المرء على فعلها ولا يعاقب على تركها وهو فى معنى المستحب ، إلا أن المستحي ما أحبه العلماء . وهذا ما اعتاده النبى صلى الله عليه وسلم أهـ .
((1/252)
وقال ) العلامة ابن عابدين فى رد المختار : السنة نوعان : سنة الهدى ، وتركها يوجب إساءة وكراهية كالجماعة والأذان والإقامة ونحوها . وسنة الزوائد ، ونركها لا يوجب ذلك كسير النبى صلى الله عليه وسلم فى لباسه وقيامه وقعوده ، والنفل ومنه المندوب يثاب فاعله ولا يسىء تاركه ، وقيل هو دون سنن الزوائد .
( وقد ) مثلوا لسنة الزوائد ايضا بتطويله عليه الصلاة والسلام القراءة والركوع والسجود ، ولا شك فى كون ذلك عبادة ، وحينئذ فمعنى كون سنة الزوائد عادة أن النبى صلى الله عليه وسلم واظب عليها حتى صارت عادة له ولم يتركها إلا أحيانا ، لأن السنة هى الطريقة المسلوكة فى الدين ، فهى فى نفسها عبادة ، وسميت عادة لما ذكرنا . ولما لم تكن من مكملات الدين وشعائره سميت سنة الزوائد بخلاف سنة الهدى ، وهى السنن المؤكدة القريبة من الواجب التى يضلل تاركها لأن تركها استخفاف بالدين ( وبخلاف ) النفل فإنه كما قالوا : ما شرع لنا زيادة على الفرض ، والواجب والسنة بنوعيها . ولذا جعلوه قسما رابعا وجعلوا منه المندوب والمستحب وهو ما ورد به دليل ندب يخصه كما فى التحرير .
( فالنفل ) ما ورد به دليل ندب عموما أو خصوصا ولم يواظب عليه النبى صلى الله عليه وسلم ، ولذا كان دون سنن الزوائد كما صرح به فى التنقيح فاغتنم تحقيق هذا المحل فإنك لا تجده فى غير هذا الكتاب أ هـ ملخصا .
( وملخص ) القول أن سنن الهدى هى المعبر عنها عند الفقهاء بالسنة المؤكدة وسنن الزوائد هى المعبر عنها عندهم بالمندوب والمستحب ، وأنه لا خلاف فى حصول الثواب بفعل سنن الزوائد كالمندوب .
((1/253)
وأما) ثبوت الكراهة وعدمها بترك سنن الزوائد والمندوبات ، فظاهر عبارات الأصوليين والفقهاء عدم الكراهة . وعن بعضهم أن تركها مكروه تنزيها ( والحق ) أن تركها خلاف الأولى ، فإن كراهى التنزيه لابد فيها من نهى مخصوص كما يؤخذ من كلام ابن عابدين فى " باب مندوبات الوضوء " من رد المحتار . والله تعالى أعلم .
خاتمة فى اللباس وفيها ثمانية مباحث
1- لباس النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
ينحصر بيانه فى عدة أمور :
(1) كان صلى الله عليه وسلم يلبس من الثياب ما وجد من إزار أو رداء أو قميص أو جبة أو غيرها . قال ابو بردة : دخلت على عائشة فأخرجت لى إزار غليظا من التى تصنع باليمن وكساء من هذه الأكسية التى تدعى
الملبتدة وأقسمت لقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما . أخرجه مسلم وابن ماجه (1) { 303 } .
وعليه رداء نجرانى غليظ الحاشية . أخرجه الشيخان وابن ماجه(2) { 304 }
( وعن ) ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قميصا قصير اليدين والطول أخرجه ابن ماجه بسند ضعيف(3) { 305 }
( وقال ) أيضا : كان النبى صلى الله عليه وسلم يلبس قميصا فوق الكعبين مستوى الكمين باطراف أصابعه، أخرجه ابن عساكر والحاكم وابن حبان وصححاه وقد تقدم هذا وأحاديث أخر فى بحث " القميص " " وهيئة اللباس " (4) .
( وقال ) المغيرة بن شعبة : وضأت النبى صلى الله عليه وسلم جبة شامية ضيقة الكمين . أخرجه الشيخان(5) { 306 }
(
__________
(1) انظر ص 191 ج2 سنن ابن ماجه ( لباسه صلى الله عليه وسلم ) وص 56 ج14 نووى مسلم ( التواضع فى اللباس ) و ( الملبدة ) بفتح الباء مشددة هى المرقعة وقيل الغليظة .
(2) انظر ص 192 ج2 سنن ابن ماجه ( لباسه صلى الله عليه وسلم )
(3) انظر ص 194 منه ( كم القميص كم يكون ) .
(4) انظر ص 158 رقم 149 وص 161 رقم 157 من هذا الجزء .
(5) انظر ص 266 ج3 تيسير الوصول ( أنواع اللباس ) .(1/254)
وقال ) عبد الله مولى أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهما : اخرجت إلى أسماء جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوقين بالديباج فقالت : هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتها وكان النبى صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها . أخرجه مسلم والنسائى (1) { 307 } .
2- ولبس النبى صلى الله عليه وسلم الحبرة . وهى معنبة نوع من البرود اليمنية . وكانت من أحب الثياب إليه ، ولبس القباء والفروج ، وهو القباء الذى شق من خلفه كما تقدم(2) ( الواقدى : كان رداؤه وبرده طول سنة اذرع فى ثلاثة وشبر . وإزاره من نسج عمان طول اربعة أذرع وشبر فى عرض ذراعين وشبر . ولبس حلة حمراء ، والحلة إزار ورداء ورداء ، ولا تكون الحلة إلا اسما للثوبين معا ، وغلط من ظن أنها كانت حمراء بحتة لا يخالطها غيرها وإنما الحلة الحمراء بردان يمنيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمنية وهى معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر ، وإلا فالحمر البحث منهى عنه أشد النهى كما تقدم (3)، ولبس الخميصة المعلمة والساذجة ، ولبس ثوبا أسود ، ولبس الفروة المكفوفة بالسندس كما تقدم
__________
(1) انظر ص 43،42 ج14 نووى مسلم ( تحريم الذهب والحرير للرجال واباحته للنساء و ( جبة طيالسة ) بالإضافة ، والطيالسة جمع طيلسان بفتح اللام . وهو لباس العجم 0 وكسروانية ) بكسر الكاف وفتحها ، نسبة الى كسرى ملك الفرس . و( لبنة ) بكسر فسكون رقعة فى جيب القميص و ( المكفوف ) ما جعل له كفة – بضم الكاف – وهو ما يكف به جوانبه ويعطف عليها . ويكون فى الذيل والفرجين والكمين ( وفى حديث ) دليل على استحباب التبرك بىثار الصالحين ، وقصدت اسماء باخراج الجبة بيان أن المكفوف بالحرير جائز ما لم يزد على اربع أصابع . فإن زاد فهو حرام كما تقدم .
(2) انظر " بحث القباء " وتثدم بص 184 .
(3) انظر " بحث لبس الأحمر " ص 144 .(1/255)
3- وكان له صلى الله عليه وسلم بردان أخضران ، والرد الأخضر هو الذى فيه خطوط خضر فهو كالحلة الحمراء ، وكان للنبى صلى الله عليه وسلم كساء اسود وكساء أحمر ملبد وكساء من شعر ، وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه الثياب الخضر ( فقد ) قال أنس : كان أحب الألوان اليه الخضرة أخرجه ابو الشيخ وأبو نعيم فى الطب ( وقال ) قتادة أبو رمثة رضى الله عنه : رأيت على النبى صلى الله عليه وسلم ثوبين أخضرين أخرجه الثلاثة (1) { 54 }
( ولكن ) كان أكثر لباس النبى صلى الله عليه وسلم البياض ، وقال خير ثيابكم البياض فألبسوها أحياءكم ، وكفنوا فيها موتاكم ، أخرجه الحاكم والدار قطنى ، وقد تقدم هذا وأحاديث أخر فى بحث " لبس الأبيض "(2).
4- واشترى النبى صلى الله عليه وسلم سراويل ، والظاهر أنه أنما اشتراها ليلبسها ن ولم يثبت من طريق صحيح أنه لبس السراويل كما تقدم فى بحث " السراويل " (3) ، وكان أصحابه يلبسونها بإذنه صلى الله عليه وسلم .
5- ولبس النبى صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ثم رمى به ونهى عن التختم بالذهب ثم اتخذ خاتما من فضة ولم ينه عنه ، وثبت أنه لبسه فى اليمين واليسار ، وكان يجعل فصه مما يلى باطن كفه كما تقدم فى بحث " كيفية التختم " (4)
__________
(1) انظر ص 268 ج3 تيسير الوصول ( الأخضر – الوان الثياب ) .
(2) تقدم ص 151 ،152 .
(3) تقدم ص 154 وما بعدها .
(4) تقدم ص 198 .(1/256)
6- وأما الطيلسان فلم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه لبسه ولا أحد من أصحابه ، بل قد ثبت من حديث النواس بن مسعان عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال فقال : يخرج معه سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة . أخرجه مسلم (1) { 308 } ( ورأى ) أنس جماعة عليهم الطيالسة فقال : ما أشبههم بيهود خيبر (2) { 55 } ( ولذا ) كره لبسها جماعة من السلف والخلف " ولحديث " : من تشبه بقوم فهو منهم ، أخرجه أبو داود عن ابن عمر والطبرانى فى الأوسط عن حذيفة بن اليمان(3) { 309 }
وأما ما جاء " فى حديث الهجرة " أن النبى صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبى بكر متقنعا بالهاجرة " فإنما فعله " صلى الله عليه وسلم تلك الساعة ليختفى بذلك ، ففعله للحاجة ، ولم يكن عادته التقنع ، وقد ذكر أنس عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر القناع . وهذا إنما كان يفعله والله أعلم للحاجة من الحر ونحوه وأيضا التقنع ليس هو التطليس . قاله فى زاد المعاد(4)
__________
(1) انظر ص 36 ج1 – زارد المعاد ( فصل فيما يتعلق بلباسه صلى الله عليه وسلم ) .
(2) انظر ص 36 ج1 – زاد المعاد .
(3) انظر رقم 8593 ص 104 ج6 فتح القدير شرح الجامع الصغير .
(4) انظر ص 36 ج1 زاد المعاذ و ( التقنع ) بشد النون تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره . وحديثه رواه الزهرى عن عروة عن عائشة قالت : بينا نحن جلوس فى بيتنا فى نحر ( أى اول) الظهيرة ، قال قائل لأبى بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا فى ساعة لم يكن يأتينا فيها . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل . أخرجه أبو داود (56) انظر ص 56 ج4 سنن أبى داود (باب فى التقنع) .(1/257)
7- وكان للنبى صلى الله عليه وسلم عمامة تسمى السحاب كساها عليا ( روى ) جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال : وكان النبى صلى الله عليه وسلم عمامة تسمى السحاب فوهيها لعلى رضى الله عنه فربما طلع على فيها ، فيقول النبى صلى الله عليه وسلم : أتاكم على فى السحاب أخرجه ابن عدى وأبو الشيخ ابن حبان وهو حديث مرسل ضعيف جدا (1) { 310 } ( وكان ) النبى صلى الله عليه وسلم يلبس العمامة وتحتها قلنسوة ، وكان يلبسها بلا قلنسوة (2)، وكان إذا اعتم أرخى عمامته بين كتفيه كما تقدم وكان يتلحى بالعمامة تحت الحنك .
8- وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه وقال : اللهم أنت كسوتنى هذا القميص أو الرداء أو العمامة . اسألك من خيره وخير ما صنع له . وأعوذ بك من شره وشر ما صمع له ( روى ) أبو سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا استجد ثوبا سماه باسمه إما قميصا أو عمامة أو رداء ثم يقول : اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه اسالك من خيره وخير ما صنع له ، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له . أخرجه أحمد والحاكم والثلاثة وحسنة الترمذى ، وصححه النووى . وتقدم هو وأحاديث أخر(3).
__________
(1) انظر ص 9 ج5 زرقانى المواهب ( النوع الثانى فى لباس النبى صلى الله عليه وسلم ) و ( السحاب ) اسم العمامة ، وليس المراد بها التى فى السماء كما زعمت الرافضة فقالوا إن عليا حى رفع فى السحاب . وهذا ضلال وجهل بين .
(2) وكان للنبى صلى الله عليه وسلم عدة قلانس كما تقدم بص 217،216 .
(3) انظر بحث " ما يقول من لبس جديدا " ص 188،187 رقم 200-202 .(1/258)
9- وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا لبس ثوبا أو غيره بدأ بميامنة . وإذا تنزعه أخرجه مياسرة ( قال ) ابن عمر : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا لبس شيئا من الثياب ، بدا بالأيمن وإذا نزع بدأ بالأيسر ( وقال ) أنس : كان صلى الله عليه وسلم إذا ارتدى أو ترجل (1) أو انتعل ، بدأ بيمينه . وإذا خلع بدا بيساره. أخر جهما أبو الشيخ ابن حبان وسندهما ضعيف . وقد تقدم فى بحث " التيامن فى اللباس " الأحاديث الصحيحة فيه(2) .
10- وكان مقبض سيف النبى صلى الله عليه وسلم محلى بالفضة قال ابن عباس : كان النبى صلى الله عليه وسلم سيف قائمته من فضة وقبيعة من فضة وكان يسمى ذا الفقار .... الحديث أخرجه الطبرانى(3) .
( ويشهد) له حديث جرير بن حازم عن قتادة عن أنس قال : كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة . أخرجه الترمذى فى الشمائل والثلاثة وحسنة الترمذى ، وقال النسائى : وهذا حديث منكر(4).
والصواب قتادة عن سعيد أ هـ ، وأخرجه الدرامى وقال : هشام الدستوائى خالفه فقال ، قتادة عن سعيد بن ابى الحسن عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وزعم الناس أنه هو المحفوظ أهـ (5) { 312 }
(
__________
(1) ارتدى ، أى لبس الرداء . والترجل تسريح الشعر .
(2) انظر ص 178 .
(3) انظر ص 271 ج5 مجمع الزوائد ( الات الحرب ) وفى سنده على بن عروة متروك ]311[ و ( قبيعة السيف ) على وزن سفينة ، ما على مقبضة من فضة أو حديد .
(4) المنكر ، ما خالف الضعيف فيه من هو أفوى منه أو ما تفرد به الضعيف ونقد بص 206 م
(5) انظر ص 30 ج3 سنن أبى داود ( السيف يحلى ) وص 83 شمائل الترمذى ( صفة سيف النبى صلى الله عليه وسلم ) .(1/259)
ففيه ) دليل على جواز تحلية السيف بقليل من الفضة للرجل لا يذهب ، وأما النساء فيحرم عليهن تحليته بالذهب أو الفضة ، واختلفوا فى اللجام والسرج . فاباحه بعضهم كالسيف وحرمه بعضهم لأنه من زينة الدابة ( قال ) ابن حجر فى شرح الشمائل : فى الحديث حل تحلية آلة الحرب بالفضه للرجل . أما بالذهب فيحرم عليه كما يحرم تحليته بهما أو بأحدهما للنساء ( والحاصل ) أن الذهب لا يحل للرجال مطلقا لا استعماله ولا اتخاذا ولا تضبيبا ولا تمويها لالالة حرب ولا لغيرها ، وكذا الفضة الا فى التضبيب والخاتم وتحلية آله الحرب أهـ .
2- المخالفة فى اللباس :
ينبغى للإنسان أن يكون لباسه من الحلال المعتاد لأمثاله ، ويكره له لبس غير زى أهل بلده وأقرانه . ويحرم التشبه بأهل الكتاب فى اللباس الخاص بهم "لقول " أبى كريمة : سمعت على بن أبى طالب وهو يطب على منبر الكوفة وهو يقول : يأيها الناس إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إياكم ولباس الرهبان ، فإنه من ترهب أو تشبه فليس منى . أخرجه الطبرانى فى الأوسط عن شيخه على بن سعد الرازى وهو ضعيف(1) {313}
__________
(1) انظر ص 131 ج5 مجمع الزوائد ( مخالفة أهل الكتاب فى اللباس وغيره ) .(1/260)
" ولقول" ابى أمامة : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال : يا معشر الأنصار حمروا وصفروا ، وخالفوا أهل الكتاب . فقلنا يا رسول إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسرولون وأتزروا ، وخالفوا أهل الكتاب قلنا يا رسول الله أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فتخففوا وانتعلوا ، وخالفوا أهل الكتاب فقلنا يا رسول الله يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم . فقال النبى صلى الله عليه وسلم : قصوا سبالكم ووفروا عثانينهم وخالفوا أهل الكتاب . أخرجه أحمد والطبرانى ورجال أحمد رجال الصحيح خلا القاسم ، وهو ثقة . قاله الهيثمى (1) { 314 } والأحاديث ) فى هذا كثيرة (2) .
(
__________
(1) انظر ص 131 ج5 مجمع الزوائد و ( عثانينهم ) جمع عثنين ، وهو اللحية . و ( السبال ) جمع سبلة بالتحريك الشارب .
(2) منها ( حديث ) من تشبه بقوم فهو منهم . أخرجه وأبو داود عن ابن عمر بسند صحيح والطبرانى فى الأوسط عن حذيفة تقدم رقم 309 ص 252 (وحديث) خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون فى نعالهم ولا خفافهم . أخرجه أبو داود وابن حبان والبيهقى والحاكم عن شداد بن أوس ]315[ انظر رقم 3879 ص 431 ج3 فيض القدير شرح الجامع الصغير .(1/261)
قال ) السفارينى فى غذاء الألباب : سئل الحافظ جلال الدين السيوطى عن طالب علم تزيا بزى أهل العلم فى الأصل من قرى البر ، ثم لما رجع إلى بلاده وعشيرته تزيا بزيهم وترك زى أهل العلم ، هل يغترض عليه فى ذلك أم لا ؟ ( فأجاب ) بما معناه لما اتصف بالصفتين لا اعتراض عليه فى اى الزيين تزيا . لأنه إن تزيا بزى العلماء فهو منهم . وإن تزيا بزى أهل بلده وعشيرته فلا حرج عليه اعتبارا بالأصل ، ولأنه بين أظهر عشيرته وقومه ،وهذا واضح ، ولعل كلام علمائنا لا يخالفه . ومرادهم بقولهم : يكره خلاف زى بلده ، يعنى بلا حاجة تدعو إلى خلافهم ، فإن من صار من العلماء تزيا بزيهم فى أى مصر كان أو بلدة كانت غالبا أهـ .
3- لبس الجلود
أجمع العلماء على أنه لا يجوز لبس جلد الميتة ولا الانتفاع به إذا لم يدبغ ويجوز استعمال كل طاهر منها بالذكاة الشرعية أو الدبغ لا فرق فى ذلك بين مأكول اللحم وغيره من السباع وغيرها لعمومحديث عائشة قالت : سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن ذكاة الميتة فقال : ذكاة الميتة دباغها أخرجه الأربعة إلا الترمذى { 316 } جعل الدباغ بمنزلة الذبح والذبح مطهر(1).
" ولحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ايما إهاب دبغ فقد طهر . أخرجه السبعة إلا البخارى ، وقال الترمذى : حديث حسن صحيح(2) { 317 } .
" ولحديث " الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضى الله عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بشاةميتة لميمونة فقال : ألا دبغتم إهابها فاستمتعتم به ؟ قالوا يا رسول الله إنها ميتة قال : إنما حرم أكلها . أخرجه الستة إلا ابا داود(3) { 318 } . والإهاب الجلد قبل الدباغ .
(
__________
(1) انظر ص 296 ج2 تيسير الوصول ( الجلود – الطهارة ) .
(2) انظر رقم 2947 ص 139 ج3 فيض القدير شرح الجامع الصغير .
(3) انظر ص 296 ج2 تيسير الوصول .(1/262)
ولذا) قال الحنفيون : يجوز استعمال كل جلد طهر بالدباغ والذكاة الشرعية ، واستثنوا من ذلك ما لا يحتمل الدباغ كجلد الحية والفأر والطيور فلا يطهر بالدبغ لعدم إمكانه . وكذا جلد الخنزير لنجاسة عينه .
( وبه ) قالت الشافعية ، إلا أنهم استثنوا من ذلك جلد الكلب ايضا قياسا على الخنزير . وكذا ما تولد من أحدهما مع حيوان آخر . وروى عن على وابن مسعود .
( وقالت ) المالكية : جلد المذكى من مأكول اللحم طاهر ، وكذا جلد مكروه الأكل كالسبع والهرة سواء ذكى لأكل لحمه أو لأخذ جلده . أما محرم الأكل كالحمار والبغل والفرس ، فجلده نجس لا يطهر بالذكاة ولا بالدباغ لكن يجوز استعماله فى اليابس والماء دون غيره من المائعات لأن الماء طهور لا يضره إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه .
( واستدلوا ) بحديث عبد الله بن عكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلمكتب الى جينة قبل موته بشهرين : لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب . أخرجه الثلاثة { 319 } .
( قالوا ) هذا الحديث ناسخ للأحاديث السابقة لتأخره لأنه كان قبل موت النبى صلى الله عليه وسلم بشهرين أهـ ( وأجاب ) الجمهور بأنه لا يقاوم الأحاديث السابقة صحة واشتهارا قال الترمذى : سمعت أحمد بن الحسن يقول : كان احمد بن حنبل يذهب الى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين . وكان يقول: كان هذا أخر أمر النبى صلى الله عليه وسلم . ثم ترك أحمد ابن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا فى إسناده حيث روى بعضهم وقال عن عبد الله ابن عكيم عن أشياخ من جهينة أ هـ . وقال ابو الفرج بن عبد الرحمن فى الناسخ والمنسوخ وحديث ابن عكيم مضطرب جدا فلا يقاوم الأول – يعنى حديث ابن عباس – لأنه فى الصحيحين . وقال النسائى : أصح ما فى هذا الباب حديث الزهرى عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة . أفاده المنذرى .
( قال ) فى البدائع : الدباغ تطهير للجلود كلها إلا جلد الإنسان والخنزير .
((1/263)
وقال) مالك : إن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ ، لكن يجوز استعماله فى الجامد لا فى المائع بان يجعل جرابا للحبوب دون الزق للماء والسمن والدبس (1)
( وقال ) عامة اصحاب الحديث : لا يطهر بالدباغ إلا جلد ما يؤكل لحمه .
( وقال ) الشافعى كما قلنا ، إلا فى جلد الكلب لأنه تجس العين عنده كالخنزير وكذا روى عن الحسن بن زياد .
واحتجوا ( يعنى المالكية والمحدثين ) بما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب(2).
واسم الإهاب يعم الكل إلا فيما قام الدليل على تخصيصه .
( ولنا) ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : ايما إهاب دبغ فقد طهر(3) كالخمر تخلل فتحل
ولأن نجاسة الميتات لما فيها من الرطوبات والدماء السائلة ، وأنها تزول بالدباغ ، فتطهر كالثوب النجس إذا غسل . ولأن العادة جارية فيما بين المسلمين بلبس جلد الثعلب والفنك والسمور(4) ونحوها فى الصلاة وغيرها من غير نكير ، فدل على الطهارة ( ولا حجة) لهم فى الحديث . لأن الإهاب فى اللغة اسم الجلد لم يدبغ ( وروى) عن ابى يوسف أن الجلود كلها تطهر بالدباغ ، لعموم الحديث . والصحيح أن جلد الخنزير لا يطهر بالدباغ ، لأن نجاسته ليست لما فيه من الدم والرطوبة بل هو نجس العين . فكان وجود الدباغ فى حقه والعدم بمنزلة واحدة ، وقيل إن جلده لا يحتمل الدباغ ، لأن له جلودا مترادفة بعضها فوق بعض أ هـ بحذف .
(
__________
(1) انظر ص 296 ج2 تيسير الوصول ، وعكيم ، مصغر .
(2) الزق ن بكسر الزاى ، السقاء ، والدنس بكسر فسكون ما يسيل من الرطب .
(3) أخرجه أحمد والأربعة عن عبد الله بن عكيم ، وهو مضطرب جدا كما علمت .
(4) أخرجه السبعة الا البخارى عن ابن عباس تقدم رقم 317 ص 257 .(1/264)
ومشهور ) مذهب الحنبلية أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ " لحديث " عبد الله ابن عكيم السابق(1). وقال بعضهم : يطهر بالدباغ جلد ميتة مأكول اللحم دون غيره " لحديث " ابن عباس عن ميمونة السابق(2) " ولحديث " ابن عباس أن داجنا (3) لميمونة ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا انتفعتم بإهابها ؟ الادبغتموه ؟ فإنه ذكاته . أخرجه أحمد وكذا مسلم والأربعة بلفظ هلا أخذتم إهابها قد بغتموه فانتفعتم به ، إنما حرم أكلها .
فالذكاة المسبه بها لا يحل بعا غير المأكول ، فكذلك الدباغ المشبه لا يطهر جلد غير الماكول ( ورد ) بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وحديث ابن عكيم مضطرب جدا فلا يقاوم غيره كما تقدم .
" ولما " قالت الحنبلية لا يطهر جلد المينة بالدباغ " قالوا " : لا يحل لبس جلد كل ذى ناب من السباع ولو مذكى لما تقدم " ولقول " ابى ثعلبة الخشبى رضى الله عنه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذى ناب من السباع . أخرجه الستة "ولقول" ابن عباس:نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذى ناب من السباع،وعن أكل كل ذى مخلب من الطير أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى(4){320}وهذا يشمل ما يأتى:
1- جلد الثعلب فكما لا يحل أكل لحمه لا يحل لبس جلده " لحديث " وابصة بن معبد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : شر السباع هذه الأثعل يعنى الثاعالب . أخرجه ابن قانع فى معجمه (5) { 321 } .
(
__________
(1) الفنك ، بفتحتين دويية فى لحمها حلاوة والسمور ، بفتح فشد . حيوان يشبه السنور كما سيأتى .
(2) انظر رقم 319 ص 258 .
(3) انظر رقم 318 ص 257 .
(4) انظر رقم 9340 ص 304 ج6 فيض القدير شرح الجامع الصغير .
(5) انظر ص 220 ج2 غذاء الألباب ( هل يمتنع لبس جلد الثعلب فى الصلاة ؟ ) .(1/265)
قال ) السفارينى فى غذاء الألباب : سماه النبى صلى الله عليه وسلمفى هذا الحديث سبعا . فعلى هذا يحرم أكل لحمه ولبس جلده والصلاة فيه ، واختار هذا أبو بكر . قال فى الفروع : ويحرم الثعلب . وقال فى الإنصاف : أما الثعلب فيحرم على الصحيح من المذهب أ هـ ملخصا(1)
2- وجلد السمور – هو بفتح السين وشد الميم – حيوان برى يشبه السنور وهو حيوان جرىء ، أجرا حيوان على الإنسان ، لا يدبغ جلده .
3- وجلد الفنك – وهو بفتحتين – دويبة فى لحمها حلاوة . قال فى الإنصاف : فى السمور والفنك وجهان ، أصحهما يحرم أ هـ .
4- وجلد السنجاب وهو حيوان أكبر من الفار ، شعره فى غاية النعومة قال فى الإنصاف : فى السنجاب وجهان ، أحدهما يحرم ، وقيل يكره ، ومال الإمام الموفق الى الموفق إلى الإباحة ، واختار فى منظومة الآداب القول بكراهة ما ذكر من جلد الثعلب وما بعده .
( 5و6و7و8 ) وجلد الأسد والنمر والذئب والسنور ونحوها .
( قال ) السفارينى فى غذاء الألباب : وكل السباع من الأسد والنمر والذئب ونحوها ، يمنع لبس شىء من جلودها . لنهيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك لنجاستها وعدم طهارتها بالدباغ ، كما يمنع لبس جلد سنور البر . أما السنور الأهلى فلا شك فى المذهب فى حرمته وحرمة لبس جلده . قال فى الإنصاف : وأما سنور البر ، فالصحيح من المذهب أنه حرم ، وفى الفروع : يحرم سنور بر على الأصح . وقيل يباح ( وقد روى) البيهقى وغيره عن ابى الزبير قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الهرة وأكل ثمنها (2) { 322 } .
(
__________
(1) انظر ص 220 ج2 غذاء الألباب ( هل يمتنع لبس جلد الثعلب فى الصلاة ؟ ) .
(2) انظر رقم 9340 ص 304 ج6 غذاء الألباب 0 الحيوانات التى تمنع لبس جلودها ) .(1/266)
وفى ) مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن أبى داود أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع السنور(1) { 323 } ، فقيل محمول على بيع الوحش الذى لا نفع فيه ن وقيل نهى تنزيه حتى يعتاد الناس هبته وإعارته أهـ ملخصا .
( واستدلوا ) ايضا على عدم جواز الانتفاع بجلود السباع ( بحديث ) سعيد ابن أبى عروبة عن فتادة عن أبى المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتادة عن أبى المليح بن اسامة عن ابيه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن جلود السباع . أخرجه أحمد والثلاثة والحاكم وزاد الترمذى: أن تفترش . وقال : لا نعلم أحدا قال عن أبى المليح غير سعيد ابن ابى عروبة . وأخرجه عن أبى المليح عن النبى صلى الله عليه وعلى وآله وسلم مرسلا وقال هذا اصح أهـ(2) { 324 } .
( وبحديث ) ابى المعتمر عن ابن سيرين عن معاوية قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ركوب النمور . أخرجه ابن ماجه { 325 } وكذا أحمد وأبو داود عن معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لا تركبوا الخز ولا النمار(3) { 326 }
( والمعنى ) أنه نهى عن الركوب على السروج والرحال المغطاة بالخز ، أى الحرير ، وجلود النمور لما فيه من التكبر والخيلاء . أو لأنه زى الأعاجم
(
__________
(1) انظر رقم 9340 ص 304 ج6 غذاء الألباب (الحيوانات التى تمنع لبس جلودها ) .
(2) انظر ص 297 ج2 تيسير الوصول ( الجلود) .
(3) انظر رقم 9768 ص 394 ج6 فيض القدير شرح الجامع الصغير وص 67 ج4 سنن أبى داود ( جلود النمور والسباع ) والنمور جمع نمر بفتح فكسر وبكسر فسكون وهو سبع أجرا وأخبث من الأسد بجلده نقط سود وبيض بعيد الوثبة .(1/267)
وبحديث ) بقية بن الوليد عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان قال : وفد المقدام بن معد يكرب وعمرو بن الأسود ورجل من بنى أسد إلى معاوية ابن ابى سفيان فقال معاوية للمقدام : أعلمت أن الحسن بن على توفى؟(1)
__________
(1) الحسن بن على رضى الله عنهما ولد فى رمضان سنة ثلاث من الهجرة . ونشأ فى حجر النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يحضر غزواته لصغر سنة. وكان النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحبه ( قال ) اسامة بن زيد : طرقت النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة فى بعض الحاجة ، فخرج النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو مشتمل على شىء لا أدرى ما هو ؟ فلما فرغت من حاجتى ، قلت ما هذا الذى أنت مشتمل عليه ؟ فكشفه فإذا حسن وحسين على وركية فقال : ابناى وابنا ابنتى ، اللهم فإنى أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما . أخرجه الترمذى وقال حديث حسن غريب وصححه ابن حبان والحاكم (*) ]327[ ( وقال ) زهير بن الحارث : بينما الحسن بن على يخطب بعد ما قتل على . اذ قاك رجل من الأزد فقال : لقد رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعه فى حبوته ( أى بين بطمه وفخذية وهو محتب ) يقول : من أحبنى فليحبه ، فليبلغ الشاهد الغائب . أخرجه أحمد . قال الهيثمى : وفيه من لم أعرفه (**) ]328[
( وأخبر ) النبى صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة ( روى ) أبو سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : الحسن والحسين سيد شباب أهل الجنة . أخرجه أحمد والترمذى وقال حديث صحيح حسن (*) ]329[
يعى أنهما رضى الله عنهما سيدا كل من مات شابا ودخل الجنة .
وأخرجه الحاكم من طريق زر بن جبيش عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وقال : هذا حديث صحيح بهذه الزيادة ( يعنى وأبوهما خير منهما) ولم يخرجاه ( تولى ) الحسن رضى الله عنه الخلافة بعد قتل ابيه يوم الجمعة الرابع عشر من شهر رمضان سنة اربعين من الهجرة بايعه أربعون ألفا من أهل العراق . وأول من بايعه قيس بن سعد بن عبادة ، قال له : ابسط يدك ابايعك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقتال المحلين ( أى من استحلوا قتل على ولعنه ) فقال الحسن : على كتاب الله وسنة نبيه فإنهما يأتيان على كل شرط فبايعه الناس على ذلك.
( وقد ) كان على رضى الله عنه جهز جيشا لحرب الشام فأمر الحسن بخروج هذا الجيش تنفيذا لما عزم عليه ابوه وسير قيس بن سعد طليعة له ولكنه كان رضى الله عنه يكره الفتن واراقة الدماء ، ويحب الألفة وجمع الكلمة . فارسل الى معاوية ابن ابى سفيان طالبا الصلح على شررط اشتراطها ، وينزل لمعاوية عن الخلافة . فأرسل له معاوية مختوما ليس فيه كتابا طالبا منه أن يشترط لنفسه ما شاء ، فكتب الحسن شروطا أهمها تأمين جيشه وشيعة على كلهم . فقبلها معاوية وقدم العراق وقابله الحسن بجيشه وبايعه بالخلافة هو وجنده فى أواخر ربيع الأول سنة إحدى واربعين هجرية .
( وبهذا ) تحقق ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم(قال) ابو بكر رضى الله عنه : رايت النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن على معه ، وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول : إن ابنى هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين قئتين من المسلمين ، أخرجه البخارى (**) { 330 }
( وقال ) ابو بكر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس وكان الحسن بن على يثبت على ظهره اذا سجد فعل ذلك غير مرة فقالوا له : انك لتفعل بهذا شيا ما رايناك تفعله بأحد . قال : ابنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين . فلما ولى لم يهرق فى خلافته بمحجبة من دم . اخرجه ]331[ انظر ص 330 جـ1 – الإصابة فى تمييز الصحابة ( ترجمة الحسن بن على )
( وكانت ) خلافته سنة اشهر واياما . توفى رضى الله عنه سنة تسع واربعين أو سنة خمسين مسموما ، قيل سمته امرأته جعدة بإشارة يزيد بن معاوية ( قال ) عمر بن إسحاق : دخلت أنا وصاحب لى على الحسن بن على فقال : لقد لفظت طائفة من كبدى ، وإنى قد سقيت السم مرارا فلم اسق مثل هذا فأتاه الحسين بن على رضى الله عنهما فساله من سقاك ؟ فابى أن يخبره أخرجه ابن سعد (57) انظر ص 331 ج1 – الإصابة فى تمييز الصحابة .(1/268)
فرجع المقدام أى قال : إنا لله وإنا اليه راجعون . فقال له فلان (1) : أتعدها مصيبة ؟ فقال له : ولم لا اراها مصيبة وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجره فقال : هذا منى وحسين من على (2) فقال الأسدى: جمرة أطفأها الله (3) فقال المقدام : أما أنا فلا ابرح اليوم حتى أغيظك واسمعك ما تكره . ثم قال يا معاوية : إن أنا صدقت فصدقنى وإن أنا كذبت فكذبنى قال افعل . قال : فانشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينهى عن لبس الذهب ؟ قال نعم . قال فانشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير ؟ قال نعم . قال فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها ؟ قال نعم . قال فوالله قد رايت هذا كله فى بيتك يا معاوية فقال معاوية : قد علمت أنى لن أنجو منك يا مقدام . قال خالد فأمر له معاوية بما لم يأمر لصاحبيه (4) وفرض لابنه فى المائتين (5) ففرقها المقدام على اصحابه ولم يعط الأسدى أحدا شيئا مما أخذ .
__________
(1) فلان هو معاوية بن ابى سفيان . وأعجب العجب منه ألا يرى مثل موت الحسن ابن على – ابن بنت رسول اله صلى الله عليه وسلم الذى قد سماه سيدا – مصيبة وموتة من أعظم المصائب . ولله در المقدام رضى الله عنه فقد تكلم الحق وجاهر به ولم يخش فيه لومة لائم هكذا يكون المؤمن الصادق .
(2) " هذا " أى الحسن منى أى يشبهنى والحسين يشبه عليا رضى الله عنهم وكان الحسن ذا حلم وأتاه كالنبى صلى الله عليه وسلم وكان الحسين ذا شدة وباس كابيه رضى الله عنهم .
(3) جمرة الخ يريد أن الحسن رضى الله عنه كان فتنه . فلما توفى سكنت وما قال السدى ذلك إلا ملقا وتقربا الى معاوية فض الله فاه ، وجزى المقدام خيرا
(4) الصاحبان هما عمرو بن الأسود والرجل الأسدى .
(5) فرض أى قدر لابن المقدام مائتى درهم من بيت المال .(1/269)
فبلغ ذلك معاوية ، فقال: أما المقدام فرجل كريم بسط يده ، وأما الأسدى فرجل حسن الإمساك لشيئه(1) أخرجه أحمد وابو داود وهذا لفظه وكذلك النسائى مختصرا وفى سنده بقية بن الوليد وهو مدلس ، لكن فى سند أحمد تصريح بقية بالتحديث فانتفى تدليسه (2) { 332 } .
( قال ) ابن تيمية : وهذه النصوص تمنع استعمال جلد ما لا يؤكل لحمه فى اليابسات وتمنع بعمومها طهارته بذكاة أو دباغ أ هـ .
( ورد) بأنه غير مسلم ، لاحتمال أن النهى فى هذه الأحاديث عن مجرد افتراش جلود السباع والركوب عليها ن لما فيه من الخيلاء . ولا ملازمة بين ذلك وبين المجاسة ن كما لازمه بين النهى عن الذهب والحرير وبين نجاستهما . فلا معارضة ن بل يحكم بالطهارة بالدباغ مع منع الركوب عليها وافتراشها خيلاء وتكبرا (ويحتمل) أن النهى عما لم يدبغ منها جمعا بينه وبين الأحاديث الدالة على طهارة جلد الميتة مطلقا بالدباغ وجواز الانتفاع بها .
( فالراجح) مذهب غير الحنبلية لقوة أدلته . لما فيه من العمل بكل الأحاديث وعدم طرح شىء منها ( قال ) فى النيل : وأما الاستدلال بأحاديث الباب على ان الدباغ لا يطهر جلود السباع بناء على أنها مخصصة للأحاديث القاضية بأن الدباغ مطهر على العموم " فغير " ظاهر ، لأن غاية ما فيها مجرد النهى عن الركوب عليها وافترائها ، ولا ملازمة بين ذلك وبين النجاسة أهـ .
4- اتخاذ النعل :
النعل الحذاء وكل ما يقى القدم . ويستحب لبسها " لحديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : استكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكبا ما انتعل . اخرجه مسلم وابو داود والنسائى وأحمد(3) { 333 } .
(
__________
(1) المراد بالشىء المال والمناع .
(2) انظر ص 132 ج4 مسند أحمد مختصر حديث المقدام بن معد يكرب . وص 68 ج4 سنن أبى داود ( فى جلود النمور والسباع ) .
(3) انظر رقم 999 ص 499 ج1 – فيض القدير شرح الجامع الصغير وص 69 ج 4 سنن ابى داود .(1/270)
والمعنى ) ان المنتعل شيبة بالراكب فى خفة المشقة وقلة التعب وسلامة الرجل من أذى الطريق ز وفيه غرشاد الى المصلحة ، وتنبيه على ما يخفف المشقة ، فغن الحافى المديم للمشى يلقى من الآلام والمشقة بالعثار وغيره ، ما يقطعه عن المشى ويمنعه من الوصول إلى مقصوده كالراكب فلذلك شبه به أفادة الحافظ فى الفتح .
( وعن ) انس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : أمرت بالنعلين والخاتم . أخرجه الطبرانى فى الصغير والأوسط وفيه عمر بن هارون البلخى وهو ضعيف (1) { 334 } .
( وعن ) عبيد بن جريح أنه قال لعبد الله بن عمر : رايتك تلبس النعال السبتية ز فقال له : إنى رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التى ليس فيها شعر ، ويتوضا فيها فأنا أحب أن ألبسها . اخرجه البخارى والنسائى والترمذى فى الشمائل (2) { 335 }
( وفيه دلالة ) على جواز لبس النعال السبتية على كل حال وبه قال الجمهور
(
__________
(1) انظر ص 128 ج5 مجمع الزوائد ( فى النعال والخفاف )
(2) انظر ص 264 ج3 تيسير الوصول ( الانتعال ) وص 71 شمائل الترمذى و ( الستية 9 بكسر فسكون نسبة الى السبت بكسر فسكون . وهى جلود البقر أو كل جلد مدبوغ لا شعر فيه .(1/271)
وقال ) أحمد : يكره لبسها فى المقابر " لقول " بشير بن الخصاصية مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بقبور المشركين فقال : لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا ثلاثا ثم مر بقبور المسلمين فقال : لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا ثم حانت من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نظرة فإذا رجل يمشى فى القبور عليه نعلان فقال يا صاحب السبتيين ويحك الق سبتيتيك فنظر الرجل فلما عرف صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلعهما فرمى بهما ز اخرجه ابو داود والحاكم وصححه وأحمد(1) { 336 } واحتج به على ما ذكر ( وتعقبه ) الطحاوى بأنه يجوز أن يكون الأمر يخلعها لأذى فيهما . وقد ثبت فى الحديث أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا ولوا عنه مدبرين وهو دال على جواز لبس النعال فى المقابر . وثبت حديث أنس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى نعليه (2) . فإذا جاز دخول المسجد بالنعل الميت كما ورد النهى عن الجلوس على القبر ، وليس ذكر السبتيتين للمتخصصين ، بل اتفق ذلك . والنهى إنما هو للمشى على القبور بالنعال أهـ .
والكلام هنا ينحصر فى اربعة مباحث :
1- نعل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
قد ورد فى وصف نعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحاديث منها :
(
__________
(1) انظر ص 82 ج9 – المنهل العذب ( المشى بين القبور بالنعل )
(2) قال ) سعيد بن زيد : سالت أنسا أكان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى نعليه ؟ قال نعم أخرجه أحمد والشيخان والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح وقد تقدم بيانه بص 161 ج3 دين (طبعة ثانية ) فى بحث . الصلاة فى النعل والخف الظاهرين .(1/272)
1) حديث يزيد بن الشخير عن الأعرابى أن نعل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانت مخصوفة . أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح(1) { 337 }
(2) وحديث ابى هريرة قال : كان لنعل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبالان ولنعل ابى بكر قبالان ، ولنعل ابى بكر قبالان ، ولنعل عمر قبالان . وأول من عقد عقدة واحدة عثمان . أخرجه الطبرانى فى الصغير والبزار بسند رجاله ثقات(2) { 338 }
(3) وحديث ابن عباس قال : كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبالان مثنى شراكهما : أخرجه الترمذى فى الشمائل(3) { 339 } .
وقد كانت نعله صلى الله عليه وسلم مخصرة معقبة ملسنة(4) كما رواه ابن سعد فى الطبقات وقد بين الحافظ العراقى صفة نعلة صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله :
ونعله الكريمة المصونة طوبى لمن مس بها جبينه
لها قبالان بسير وهما سبتيتان سبتوا شعرهما
وطولها شبر واصبعان وعرضها مما يلى الكعبان
__________
(1) انظر ص 138 ج5 مجمع الزوائد ( فى النعال والخفاف ) و ( مخصوفة ) أى مخروزة قد ضم فيها طاق الى طاق من الخصف وهو ضم شىء الى شىء ( وفيه ) رد على من زعم أن نعل النبى صلى الله عليه وسلم كانت من طاف واحد . وفيل كان له صلى الله عليه وسلم نعل من طاف ، ونعل من اكثر كما دلت عليه الأحاديث .
(2) انظر ص 138 ج5 مجمع الزوائد و ( القبالان) تثنية قبال بكسر ففتح مخففا وهو السير الذى يعقد فيه الشسع ( لكسر فسكون أحد سيور النعلف) الذى يكون بين إصبعى الرجل .
(3) انظر ص 70 شمائل الترمذى ( نعله صلى الله عليه وسلم ) و ( مثنى شراكهما ) أى كان شراك نعله مجعولا اثنين من السبور .
(4) المخصرة ، التى لها حضر دقيق والمعقبة التى لها عقب أى سير من جلد فى مؤخر النعل يمسك به عقب القدم . والملسنة التى فى مقدمها طول على هيئة اللسان . لأن سبابه رجله صلى الله عليه وسلم كانت أطول اصابعه فكان فى مقدم النحل بعض طول لذلك(1/273)
سبع اصابع وبطن القدم خمس وفوق ذا فيت فاعلم
وراسها محدد وعرض ما بين القبالين اصبعان اضبطهما
2- لون النعل
قال بعض العلماء : يستحب كون النعل اصفر ولم يثبت فيه حديث يعتمد عليه . وذكر فيه بعضهم آثارا
( قال ) العلامة الألوسى فى روح المعانى : وجمهور المفسرين يشيرون إلى أن الصفرة من الألوان السارة، ولهذا كان على كرم الله وجهه يرغب فى النعال الصفر ويقول : من لبس نعلا أصفر قل همه . ونهى ابن الزبير ويحيى بن ابى كثير عن لباس النعال السود لأنها تغم أ هـ ( وقال ) القرطبى : قال ابن عباس : الصفرةتسر النفس ، وحض على لباس النعال الصفر حكاة النقاش . وقال على بن ابى طالب كرم الله وجهه : من لبس نعلى جلد أصفر قل همه ، لأن الله تعالى يقول : صفراء فاقع(1) لونها تسر الناظرين (2) حكاه عند الثعلبى . ونهى ابن الزبير وابن ابى كثير عن لباس النعال السود لأنها تهم . ومعنى تسر تعجب أ هـ وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس الخف الأسود
( روى) بريدة أن النجاشى أهدى للنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم خفين اسودين ساذجين فلسهما ثم توضأ ومسح عليهما . أخرجه الترمذى فى الشمائل (3) { 340 }
3- ما يطلب من المنتعل :
__________
(1) فاقع لونها " أى شديد الصفرة صاف .
(2) عجز آية 69 – البقرة .
(3) انظر ص 68 شمائل الترمذى ( خفة صلى الله عليه وسلم ) و ( ساذجين ) بفتح الذال وكسرها أى لم يخالط سوادهما لون آخر .(1/274)
ما يطلب منه أمور (أ) يستحب له البدء فى لبس النعل باليمنى ، وفى خلفه باليسرى " لحديث " ابى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين ، وإذا انتزع فليبدأ بالشمال ، لتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع . أخرجه البخارى وأبو داود وابن ماجه والترمذى فى الشمائل(1) { 341 } " ولقول " عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحب التيامن ما ستطاع فى شانه كله . فى طهورة وترجله وتنعله وسواكه . أخرجه أحمد والستى والترمذى فى الشمائل (2) { 342 } " ولحديث " ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إذ لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بميامنكم . أخرجه ابو داود وابن حبان (3) { 343 } .
( قال ) القاضى عياض : الأمر فى هذه الأحاديث للاستحباب إجماعا .
( وقال ) ابن عبد البر : من بدا فى الانتعال باليسرى اساء ، لمخالفته السنة .
(ب) ويستحب لداخل المسجد تفقد نعله لإزالة ما علق بها فى نجس
" لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : تعاهدوا نعالكم عند أبواب المساجد . أخرجه الدار قطنى(4) { 344 } ، و( تقدم ) نحوه عن أبى سعيد الخدرى فى " بحث الصلاة فى النعل والخف الطاهرين " (5)
(
__________
(1) انظر رقم 495 ص 304 ج1 فيض القدير وص 73 شمائل الترمذى . ( نعله صلى الله عليه وسلم ) .
(2) انظر رقم 6995 ص 207 ج5 فيض القدير . وص 73 شمائل الترمذى . و( الترجل ) تسريح الشعر وتنظيمه وتحسينه .
(3) انظر رقم 843 ص 436 ج1 – فيض القدير .
(4) انظر رقم 3311 ص 249 ج3 فيض القدير .
(5) ولفظه عن ابى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : اذا جاء أحدكم الى المسجد فلينظر ، فإن رأى فى نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما أخرجه أحمد وابو داود وابن حبان والبيهقى والحاكم بسند جيد . أنظر رقم 207 ص 161 ج3 – الدين الخالص طبعة ثانية .(1/275)
جـ) ويستحب للمنتعل أن يفسخ لأخيه الحافى فى الطريق السوى ، رافة منه ولطفا ومودة وحرضا على دفع الأذى عن أخيه المسلم وإيصال النفع إليه وامتثالا لأمر النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( روى ) جابر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ليوسع المنتعل للحافى عن جدد الطريق ، فإن المنتعل بمنزلة الراكب . أخرجه الخلال(1) { 345 } .
(د) ويسن له خلع النعل إذا جلس ليستريح قدمه . وأن يجعلها وراءه أو على يساره ، إلا لعذر كخوف عليها " لقول " ابن عباس : من السنة إذا جلس الرجل أن يخلع نعليه فيضعهما بجنبه ، أخرجه أبو داود بسند حسن(2) { 58 } " ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إذا جلستم فاخلعوا نعالكم – أحسبه قال – تستريح اقدامكم ، أخرجه البزار وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم التيمى وهو ضعيف(3) { 346 } .
(
__________
(1) لم نعثر على مرجعه . و ( الجدد) بفتحتين الأرض الصلبة المستوية ، والجادة بشد الذال أوسط الطرق واسهلها وقد تخفف .
(2) انظر ص 70 ج4 سنن ابى داود ( باب الانتعال ) .
(3) انظر ص 140 ج5 مجمع الزوائد ( خلع النعل ) .(1/276)
وقال ) السفارينى فى غذاء الألباب : ثم إن الإنسان إذا دخل المسجد وخلع نعليه تركهما أمامه ، وقيل عن يساره ، لأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما خلع نعليه وهو فى الصلاة جعلهما عن يساره . أخرجه أحمد وأبو داود (1) ولأن اليسار جعلت للأفعال المستقذرة ( قال ) القاضى : فأما موضعهما من غير المصلى فإلى جنبه ، كما تقدم عن ابن عباس ( قال ) فى الإقناع : ولا يرمى على وجه الكبر والتعاظة ، وإن كان ذلك سببا لإتلاف شىء من ارض المسجد أو أذى أحد لم يجز . يضمن ما تلف بسببه . والأدب ألا يفعل ذلك أ هـ .
(هـ) ويستحب خلع النعل حال الأكل " لحديث " أنس أن صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال :إذا قرب إلى أحدكم طعامه وفى رجله نعلان فلينزع نعليه ، فإنه اروح للقدمين . أخرجه البزار وأبو يعلى والطبرانى فى الأوسط ( قال ) الهيثمى : ورجال الطبرانى ثقات إلا أن عقبة بن خالد السكونى لم أجد له من محمد بن الحارث سماعا أ هـ(2) { 347 } .
4- ما يكره للمنتعل :
هو امور : ( أ) يكره له الانتعال قائما إن كان فيه مشقة ، وعليه يحمل حديث جابر قال : نهى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينتعل الرجل قائما . أخرجه أبو داود بسند حسن . وأخرجه البزار عن أنس بسند فيه عنبسة ابن سالم ، ضعفه أبو داود .
وأخرجه الضياء المقدسى فى المختارة والترمذى وصححه (3) { 348 } . ( قال ) الخطابى : إنما نهى عن لبس النعل قائما ، لأن لبسها قاعدا اسهل عليه وأمكن له ، وربما كان لبسها قائما سببا لانقلابه فامر بالقعود، لأنه اسهل واسلم من المفسدة أهـ .
(
__________
(1) ولفظه عن ابى سعيد قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلى باصحابه اذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره ( الحديث ) تقدم تاما رقم 207 ص 161 ج3 دين 9 الصلاة فى النعل والخف الطاهرين
(2) انظر رقم 795 ص 417 ج1 فيض القدير .
(3) انظر ص 69 ج4 سنن ابى داود ( الانتعال ) .(1/277)
وبهذا ) قال بعض العلماء ( وقال ) ابو بكر الخلال : كتب إلى يوسف ابن يعد الله : حدثنا الحسين بن على بن الحسين أنه سأل ابا عبد الله ( يعنى الإمام أحمد ) عن الانتعال قائما . قال لا يثبت فيه شىء . قال القاضى : وظاهر هذا أنه ضعف الأحاديث فى النهى . ذكره السفارينى فى غذاء الألباب .
( ورد ) بأن الحديث صححه الترمذى وحسنه غيره كما تقدم .
(ب) ويكره المشى فى نعل أو خف واحدة لغير عذر " لحديث " ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : لا يمشى أحدكم فى النعل الواحدة لينتعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا . اخرجه الشيخان وابو داود والترمذى . وأخرجه ابن ماجه بلفظ : لا يمش أحدكم فى نعل واحدة أو خف واحدة . اخرجه أحمد وفيه ابن لهيعة متكلم فيه . قال الهيثمى : ورجاله رجال الصحيح (1) { 349 } .
__________
(1) انظر ص 69 ج4 سنن ابى داود . وص 264 ج3 تيسير الوصول ( الانتعال ) ولا يمشى نفى بمعنى النهى . وفى رواية البخارى وغيره: لا يمشى بالنهى .(1/278)
" ولحديث " ابى سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يمشى الرجل فى نعل واحدة أو خف واحدة . أخرجه أحمد وفيه ابن لهيعة متكلم فيه . قال الهيثمى : ورجاله رجال الصحيح (1) { 350 } " ولحديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشى فى نعل واحدة حتى يصلح شسعه . ولا يمشى فى خف واحد ولا يأكل بشماله . اخرجه مسلم وأبو داود والنسائى(2) {
__________
(1) انظر ص 139 ج5 مجمع الزوائد ( لا يمشى أحد فى نعل واحدة ) .
(2) انظر ص 70 ج4 سنن ابى داود ( فلا يمش فى نعل ...) أى ليس له أن يمشى فى نعل واحدة اذا قطع شسع نعله الأخرى حتى يصلح ما قطع فيمشى بالنعلين وهذا من مفهوم الموافقة وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى ، لأنه إذا منع المشى فى نعل واحدة مع الاحتياج لإصلاح الأخرى فمع عدم وجودها أولى . وهو يدل على ضعف قول على : كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا انقطع شسع نعله فى نعل واحدة والأخرى فى يده حتى يجد شسعا . أخرجه الطبرانى فى الأوسط ]352 [ انظر ص 139 ج5 مجمع الزوائد ( المشى فى نعل واحدة ) ولعل عليا رضى الله عنه لم يبلغه النهى " وكذا " ما روى عن على وابن عمر أيهما فعلا ذلك " فهو " محمول على أنه لم يبلغهما النهى ، أو بلغهما فحملاه على التنزيه ، أو كان زمن فعلهما يسيرا بحيث يؤمن معه المحذور . افاده الحافظ فى الفتح ( وقال ) قال ابن عبد البر : لم يأخذ أهل العلم برأى عائشة فى ذلك. والتقييد بقوله لا يمش قد يتمسك به من أجاز الوقوف بنعل واحدة اذا عرض للنعل ما يحتاج إلى اصلاحها ، وقد اختلف ذلك ، فنقل عياض عن مالك أنه قال : يخلع الأخرى ويقف قال ابن عبد البر : هذا هو الصحيح فى الفتوى وفى الأثر ، وعليه العلماء ، ولم يتعرض لصورة الجلوس والذى يظهر جوازها بناء على أن العلة فى النهى حصول المشقة للحافية ..أما على أن العلة فى النهى إرادة العدل بين الجوارح ن فإنه يتناول هذه الصورة ايضا أ هـ بتصرف .(1/279)
351 } " ولحديث " ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إذا انقطع شسع أحدكم أو شراكه فلا يمش فى الأخرى حتى يصلحها . أخرجه أحمد والبخارى والنسائى (1) { 353 } .
( قال ) الخطابى : الحكمة فى النهى أن النعل شرعت لوقاية الرجل مما يكون فى الأرض من شوك أو نحوه ، فإذا انفردت إحدى الرجلين احتاج الماشى أن يتوقى لإحدى رجليه ما لا يتوقى للأخرى ، فيخرج بذلك عن سجية مشيه ، ولا يأمن مع ذلك من العثار . وقيل لأنه لم يعدل بين جوارحه وربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأى أو ضعفه ( وقال ) البيهقى : الكراهة فيه للشهرة فتمتد الأبصار لمن يرى ذلك منه . أفاده فى الفتح .
( وقال ) الخطابى أيضا : ويدخل فى النهى عن المشى فى نعل واحدة كل لباس شفع كالخفين وإدخال اليدين فى الكمين ، ووضع الرداء على المنكبين . فيكره إدخال يد فى كم وإخراج الأخرى ، ووضع الرداء على أحد المنكبين دون الآخر ، وهذا فى الخف ظاهر ، لأنه قد نص عليه كالنعل . وفى غيره لا يظهر إلا إن كانت علة النهى إرادة العدل بين الجوارح وترك الشهرة .
(جـ) يكره لبس النعل والخف قبل نفضها " لقول " ابى أمامة : دعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بخفيه يلبسهما . فليس إحداهما ثم جاء غراب فاحتمل الأخرى فرمى بها فخرجت منها حية . فقال النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضها . أخرجه الطبرانى (2) {354} وفيه هاشم بن عمرو . قال الهيثمى : ولم اعرفه إلا أن ابن حبان ذكره فى الثقات . وفيه إسماعيل بن عياش وشيخه شامى ، فرواته ثقات وهو صحيح إن شاء الله أهـ بتصرف .
__________
(1) انظر ص 37 راموز الأحاديث .
(2) انظر ص 140 ج5 مجمع الزوائد ( النهى عن لبس الخف قبل أن ينقضها ) .(1/280)
" لقول " ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا اراد الحاجة ابعد ، فانطلق ذات يوم لحاجته ثم توضأ ولبس أحد خفيه فجاء طائر أخضر فأخذ الخف الآخر فارتفع به ثم ألقاه ، فخرج منه اسود سالح فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : هذه كرامة أكرمنى الله بها ، اللهم إنى أعوذ بك من شر من يمشى على بطنه ، ومن شر من يمشى على رجلين ، ومن شر من يمشى على اربع . أخرجه الطبرانى فى الأوسط . وفى سنده سعد بن طريف واتهم بالوضع . قاله الهيثمى (1) { 355 } .
(د)ويكره للرجال والنساء لبس نعل له صوت إعجابا بصوته لأنه زى اليهود ( قال ) السفارينى فى غذاء الألباب: نص الإمام أحمد رضى الله عنه على كراهة اتخاذ النعال السندية (2) قال له المرزوى : أمرونى فى المنزل أن اشترى لهم نعلا سنديا للصبية . فقال لا تشتر ز فقلت يكره للنساء والصبيان ؟ قال : نعم أكرهه . وإن كان للمخرج والطين فأرجو (3) وأما ان اراد الزينة فلا ( وقال ) عن شخص لبسها يتشبه بأولاد الملوك ، أكرهه . وقال فى رواية صالح : إذا كان للوضوء فارجو . وأما للزينة فأكرهه للرجال والنساء . " وحكى " ابن الجوزى عن ابن عقيل تحريم الصرير فى المداس . ويحتمله كلام أحمد أهـ بحذف .
( فوائد) ( الأولى ) يباح المشى فى قبقاب خشب فقد قال الإمام أحمد : لا باس بالخشب أن يمشى فيه إن كان لحاجة . قاله فى غذاء الألباب .
(
__________
(1) انظر ص 203 ج1 – مجمع الزوائد ( الأبعاد عند قضاء الحاجة ) و ( أسود) اسم للحية العظيمة و ( سالح ) أى له سلاح يؤذى به .
(2) السندية ، بكسر فسكون نسبة الى السند وهى نعال لها صوت كصرير الباب .
(3) أى أن اتخذ السندى لمحل قضاء الحاجة والعمل فى الطبن فارجو أن لا بأس به .(1/281)
الثانية ) يندب المشى حافيا بلا نعل أحيانا إن أمن مؤذيا ومنجسا ، اقتداء بالنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فقد كان يمشى حافيا ، لاسيما إلى عيادة المريض تواضعا وطلبا لمزيد الأجر ( قال ) ابن عمر رضى الله عنهما – فى عيادة النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم لسعد بن عبادة رضى الله عنه – فقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقمنا معه ونحن بضعة عشر ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص نمشى فى السباخ . أخرجه مسلم (1) { 356 } .
( وعن ) قضالة بن عبيد رضى الله عنه أنه لما كان أميرا بمصر قال له بعض أصحابه : لا أرى عليك حذاء . قال : كان بالنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأمرنا أن نختفى أحيانا . أخرجه أبو داود(2) { 357 } .
( وعن ) ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمشى حافيا وناعلا . أخرجه البزار بسند رجاله ثقات وصححه العراقى(3) { 358 } .
(
__________
(1) انظر ص 318 ج2 تخريج أحاديث الإحياء للعراقى ( جملة من محاسن أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم ) و ( السباخ ) جمع سبخة بفتح فسكون ، وهى ارض تعلوها الملوحة لا تكاد تنبت .
(2) لم نعثر عليه فى سنن أبى داود .
(3) انظر ص 371 ج2 – الإحياء للغزالى .(1/282)
وعن ) ابى حدرد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : تمعددوا واخشوشنوا وانتصلوا وامشوا حفاة . أخرجه الطبرانى وابن شاهين وأبو نعيم ، وفى سنده يحيى بز زكريا بن ابى زائدة وهو ضعيف . وأخرجه ابن عدى من حديث أبى هريرة ( قال ) المناوى : الكل ضعيف(1) { 359 } . ( وقال ) الحافظ العراقى: يمشى بلا نعل ولا خف إلى * عيادة المريض حوله الملا
(
__________
(1) انظر ص 136 ج5 مجمع الوائد ( ترك الرفاهية ) ورقم 3364 ص 268 ج3 فيض القدير . و ( تمعددوا ) ، أى تشبهوا بمعد بن عدنان فى تقشفه وخشونة عيشه وفى رواية تمعززوا ، أى تشددوا فى الدين من العز والقوة ( وانتضلوا ) أى تعلموا الرمى بالنضال أى السهام 0 وفيه ) الحث على التواضع والنهى عن إفراط الترفه ( قال ) الغزالى رحمة الله : التنزين بالمباح مباح ، لكن الخوض فيه يوجب الأنس به حتى يشق تركه واستدامة الزينة لا تكون الا بمباشرة اسباب يلزم منها فى الغالب ارتكاب المعاصى من المداهنة ومراعاة الخلق فالحزم اجتناب ذلك .(1/283)
الثالثة ) ينبغى للعاقل ألا يلتزم حالا واحدة من العيش ، بل يكون كما وضعه الله عز وجل . فإذا وسع الله عليه فلا باس أن يظهر اثر نعمته عليه من غير كبر ولا عجب . وإذا تقلص عنه العيش فليلزم الصبر والرضا ، وليكن مطمئن القلب منشرح الصدر ، حتى يكون من خير عباد الله . فإن هذا شان العبد مع سيده إن منحه شكر ، وإن منعه صبر ن وليتذكر ( قول) النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن الله يحب المؤمن المتبذل الذى لا يبالى ما لبس . أخرجه البيهقى فى الشعب عن ابى هريرة وفيه ابن لهيعة ولذا ضعفه المنذرى (1) { 360 } (وقوله) صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ليس البر فى حسن اللباس والزى ، ولكن البر السكينة والوقار . أخرجه الديلمى فى مسند الفردوس عن ابى سعيد الخدرى وضعفه السيوطى(2) { 361 } .
( وروى ) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : من لبس ثوب شهرة فى الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارا . أخرجه ابن ماجه بسند حسن (3) { 362 }
(
__________
(1) انظر رقم 1872 ص 289 ج2 فيض القدير و ( لا يبالى ما يلبس ) أى أهو من فاخر اللباس أم من أدناه .
(2) انظر رقم 7571 ص 356 ج5 فيض القدير .
(3) انظر ص 198 ج1 سنن ابن ماجه ( من لبس شهرة من الثياب ) أى من لبس ثوبا يقصد به الشهرة بين الناس سواء أكان نفيسا تفاخرا أم خسيسا يلبسه إظهارا للزهد والرياء(1/284)
الرابعة ) يجوز اتخاذ الستور على الأبواب والمنافذ إذا لم تكن حريرا ولا فيها صورة محرمة . أما الستر من الحرير فحرام ، وما فيه صورة فمكروه " لحديث " عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتى فاطمة فوجد على بابها سترا فلم يدخل . وقلما كان يدخل إلا بدأ بها . فجاء على فرآها مهتمة فقال مالك ؟ قالت : جاء النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى فلم يدخل فأتاه على وقال : يا رسول الله إن فاطمة اشتد عليها أنك جئتها فلم تدخل عليها قال وما أنا والدنيا ، وما أنا الرقم فذهب الى فاطمة وأخبرها بقول رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت : قل لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يأمرنى به ؟ قال : قل لها فاترسل به إلى بنى فلان . أخرجه أبو داود(1) { 363 } .
(
__________
(1) انظر ص 72 ج4 سنن ابى داود ( اتخاذ الستور )، ( وما أنا والدنيا ) أى ليس لى الفة بها ولا لها ومحبة معى حتى ارغب فيها . ويحتمل أن ما استفهامية اى : أى الفة لى بالدنيا ؟ 0 والرقم ) بفتح فسكون ، النقش والوشى والمراد بينى فلان قوم فقراء فى حاجة الى لبس الستر .(1/285)
ويكره ) تغطية الجدران بالثياب مطلقا ولو من غير الحرير ومما لا صورة فيه " لحديث " زيد بن خالد الجهنى عن أبى طلحة الأنصارى أن عائشة قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى بعض مغازية وكنت أتحين قفوله فأخذت نمطا كان لنا فسترته على العرض فلما جاء استقبلته فقلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، الحمد لله الذى أعزك وأكرمك ، فنظر إلى البيت فرأى النمط فلم يرد على شيئا ورايت الكراهية فى وجهه ، فأتى النمط حتى هتكه ثم قال : إن الله يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة واللبن ، فقطعته وجعلته وسادتين وحشوتهما ليفا ن فلم ينكر ذلك على . أخرجه مسلم وابو داود(1) { 364 } .
( قال ) النووى فى شرح مسلم : استدلوا به على المنع من ستر الحيطان وتنجيد البيوت بالثياب . وهو منع كراهة تنزيه لا تحريم هذا هو الصحيح أهـ .
(
__________
(1) انظر ص 73 ج4 سنن ابى داود ( الصور ) و ( النمط ) بفتحتين بساط لطيف له خمل ( أى وبر ) وقيل ثوب من صوف يجعل سترا و (العرض) بفتح فسكون الخشية المعترضة يسقف بها البيت ويوضع عليها الخشب الصغير وقال الهروى المحدثون يروونه بالضاد المعجمة وهو بالصاد أو السين ، خشية توضع على البيت عرضا اذا ارادوا تسقيفه ، ثم تلقى عليه أطراف الخشب القصار يقال عرصت البيت تعريصا. وذكره ابو عبيد بالسين وقال : والبيت المعرس الذى له عرس وهو الحائط تجعل بين حائطى البيت لا يبلغ به اقصاه والحديث فى سنن ابى داود بالضاد المعجمة وفى غريب الحديث بالصاد المهملة أو بالسين .(1/286)
وقال ) فى المجموع " وإطلاق " المقدسى التحريم فى غير المصورة من غير الحرير " ضعيف " والصواب أنه مكروه وليس بحرام " وأما حديث " عائشة فى صحيح مسلم قالت : أخذت نمطا فسترته على الباب ، فلما قدم النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرأى النمط عرفت الكراهية فى وجهه ، فجذبه " من وجهين " أحدهما " أن هذا النمط كان فيه صورة الخيل وغيرها . وقد صرح بذلك فى باقى روايات الحديث فى مسلم " والثانى " أنه ليس فى حقيقة اللفظ تصريح بتحريمه ، بل فيه أن الله تعالى لم يأمر به . وهذا إنما يقتضى أنه ليس بواجب ولا مندوب أهـ .
5- كسوة الكعبة :
تقدم أنه يكره تغطية الجدران بالثياب . ويستثنى من ذلك " الكعبة " فإن كسوتها مشروعة ولو بالديباج تعظيما لها وهو مجمع عليه كما قاله الحافظ فى الفتح .
( قال ) ابن جريح : أخبرت أن عمر كان يكسوها القباطى ، وأخبرنى غير واحد أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كساها القباطى والحبرات . وابو بكر ، وعمر ، وعثمان . أخرجه عبد الرزاق (1) .
__________
(1) انظر ص 297 ج3 فتح البارى 0 فى معرفة يده كسوة البيت ) و ( القباطى بضم القاف جمع قبطية بكسر أو ض ... م فسكون وهو ثوب من كتان رقيق يصنع بمصر والحبرات جمع حبرة معنبة ، برود نصنع باليمن .(1/287)
" ولحديث " علقمة بن ابى علقمة أن أمه قالت : سالت عائشة أنكسو الكعبة ؟ قالت : المراء يكفونكم . أخرجه عبد الرزاق (1)( وعن ) ابن عمر أنه كان يكسو بدنه بالقباطى والحبرات يوم يقلدها ، فإذا كان يوم النحر نزعها ثم أرسل بها الى شيبة بن عثمان فناءلها على الكعبة . أخرجه الفاكهى بسند صحيح وزاد فى رواية صحيحة فلما كست الأمراء الكعبة جللها ( أى البدن) القباطى ثم تصدق بها(2).
__________
(1) انظر ص 297 ج3 فتح البارى و ( البدن ) بضمتين او بضم فسكون جمع بدنة ، وهى ما يهدى الى الحرم من الإبل والبقر .
(2) انظر ص 297 ج3 فتح البارى و ( البدن ) بضمتين او بضم فسكون جمع بدنة ، وهى ما يهدى الى الحرم من الإبل والبقر .(1/288)
هذا : وأول من كساها أسعد أبو كرب تبع ملك حمير قبل الهجرة بقرنين كساها الخصف والمعافر والملاء والوصائل والعصب والمسوح والأنطاع والبرود(1) وجعل للكعبة بابا ومفتاحا ( قال ) الحافظ فى الفتح : روى الفاكهى من طريق عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه أنه قال : زعموا أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن سب أسعد ، وكان أول من كسا البيت الوصائل ، ورواه الواقدى عن معمر عن همام بن منبه عن ابى هريرة مرفوعا . وأخرجه الحارث ابن ابى اسامة فى مسنده عنه . وزعم بعضهم أن أول من كسا الكعبة إسماعيل عليه الصلاة والسلام . وقيل إن عدنان أول من كسا الكعبة أو كسيت فى زميه أهـ(2).
__________
(1) الخصف ، بفتحتين جمع خصفة بفتحات وهى الثوب الغليظة جدا ، والمعافرة فى الصل اسم بلد ، سميت به الثياب التى تصنع فيه ، والملاء بضم ففتح جمع ملاءة ، وهى ثوب لين رقيق ينسج قطعة واحدة ، وتسمى الربطة بفتح فسكون والوصائل جمع وصيلة وهى ثوب أحمر مخطط يصنع باليمن . والعصب بفتح فسكون برود يمانية يجمع غزلها ويسد ثم يصبغ وينسج مع غير المعصوب فيأتى موشى . والمسوح بضمتين جمع مسح كحمل ، وهو ثوب من الشعر غليظ والانطاع جمع نطع بفتح النون وكسرها مع فتح الطاء وسكونها ، وهو بساط من الجلد ، والبرود جمع برد وهو ثوب مخطط وكساء بلتحف به .
(2) ملخص من ص 297 ج3 فتح البارى ( فى معرفة بدء كسوة البيتث ) وعلم منه إن فى أول من كساها ثلاثة اقوال : تبع ملك حمير وإسماعيل وعدنان فإن ثبتت فيجمع بينها بأن غسماعيل أول من كساها مطلقا ، وأما تبع فاول من كساها الأنطاع والوصائل ، وأما عدنان فعله أول من كساها بعد اسماعيل .(1/289)
ولما بنت قريش الكعبة عملوا لعا كسا شتى من أنواع الثياب . ولم تزل تكسوها حتى كان زمن أبى ربيعة بن المغيرة المخزومى ، وكان ذا مال فقال : أكسوها من مالى عاما وقوموا بكسوتها عاما . واستمر الأمر على هذا الى عهد النبى صلى الله عليه وسلم " فقد " روى الواقدى عن إبراهيم بن أبى ربيعة قال : كسى البيت فى الجاهلية الأنطاع . ثم كساه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الثياب اليمانية . ثم كساه عمر وعثمان القباطى .
( وروى ) الدار قطنى فى المؤتلف أن أول من كسا الكعبة الديباج نتيلةبنت جناب والدة العباس بن عبد المطلب ، كانت أضلت العباس صغيرا فنذرت إن وجدته أن تكسو الكعبة الديباج . وذكر الزبير بن بكار أنها أضلت ابنها ضرار بن عبد المطلب شقيق العباس ، فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت ، فرده عليها رجل من جذام فكست الكعبة ثيابا بيضا ( وهذا) محمول على تعدد القصة
( وحكى) الأرزاقى أن معاوية كساها الديباج والقباطى والحبرات فكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء ، والقباطى فى آخر رمضان .
وكساها الديباج يزيد بن معاوية ، وابن الزبير ، وعبد الملكبن مروان . وكانت كل كسوة تطرح على سابقتها ، حتى سنة 160 هجرية حج المهدى العباسى ، فأمر بتجريدها وألا يسدل عليها إلا كسوة واحدة .
( والصحيح ) أن أول من أمر بتجريدها من الكسوة العتيقة سيدنا عمر فكان ينزع كسوتها كل سنة ويستبدل بها جديدة ويقسم الأولى بين الحجاج
( وذكر ) الفاكهى أن أول من كساها الديباج ، المأمون بن الرشيد فكان يكسوها الديباج الأحمر يوم التروية ، والقباطى أول رجب ، والديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من رمضان . وكساها الناصر العباسى ديباجا أخضر . ثم كساها ديباجا أسود واستمر الأمر على هذا إلى الآن .(1/290)
فهى الآن تكسى فى العام مرة واحدة يوم النحر . جرت العادة أن تغسل الكعبة بماء زمزم فى السابع والعشربن من ذى القعدة ، وتشمر ستورها وتكسى يوم الأضحى ، ويأخذ الأشراف وبنو شيبة الكسوة العتيقة ويقتسمونها ويبيعون كل قطعة منها بأوفر الثمن .
( هذا ) وقد اختلف العلماء فى التصرف فى كسوتها ، فقال النووى فى المجموع قال صاحب التلخيص وفيره من الشافعية : لا يجوز قطع أستار الكعبة ولا نقل شىء منها ولا بيعا ولا شراؤها ، خلاف ما يفعله العامة يشترونه من بنى شيبة . وارتضاه الرافعى والحليمى . وقال ابن الصلاح : الأمر فيها إلى الإمام يصرفها فى بعض مصارف بين المال بيعا وعطاء ، واحتج بما رواه الأزرقى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج .
... وهذا حسن متعين لئلا يؤدى إلى تلفها بطول الزمان . وروى الأزرقى عن ابن عباس وعائشة رضى الله هنهما قالا : تباع كسوتها وتجعل فى سبيل الله والمساكين وابن السبيل . قال ابن عباس وعائشة وأم سلمة : ولا باس بان يلبس كسوتها من صارت إليه من حائض وجنب وغيرهما . ولا يجوز أخذ شىء من طيب الكعبة لا للتبرك ولا لغيره . ومن أخذ شيئا منه لزمه رده إليها فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده من عنده فمسحها به ثم أخذه أهـ ملخصا (1) .
6- لبس الخرقة :
الخرفة لغة قطعة من الثوب والجمع خرق كسدرة وسدر ، وفى اصطلاح الصوفية نوع من الثياب يلبسه الشيخ بعض المريدين حسبما يراه من حاله أو طاق من القماش يلفه على رأسه ، يجمع الشيخ بعض الفقراء ويقرءون الفاتحة ويدعون للمريد ، ثم يلبسه الشيخ ثوبا خشنا أزرق أو أحمر أو طاقية أو قلنسوة أو رداء أو يعممه . والكلام فيها بنحصر فى ثلاثة فروع .
1- شرط لبسها :
__________
(1) ملخص من ص 459 – 462 ج7 مجموع النووى ( حكم سترة الكعبة ) .(1/291)
يشترط فيمن يريد لبس الخرقة أن يحسن النية بأن يقصد بلبسها حصول البركة له والتزى بزى القوم الصالحين ، لا الرباء والشهرة . وإلا كانت حراما . وأن يكون أهلا لها . وأن يكون الشيخ من العارفين أرباب النظر الصائب والفكر الثاقب .
( قال ) القطب الشعرانى فى لواقح الأنوار : أحد علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نلبس لباس شبرة ولا لباس فخر ولا مباهاة ، كأن نلبس المرقعات الملونة برقع خضر وصفر وحمر وسود ونحو ذلك ، أو نلبس بشتا من ليف أو خوص أو حلفاء أو جلودا منزوعة الشعر . أو طرطور جلد أو خوص مكشوفا بغير عمامة ، أو شملةحمراء أو خضراء أو نحوهما ، أو نلبس طيلسانا رقيقا أو جبة نقية البياض جدا ونحو ذلك إلا بنية صحيحة شرعية . وقد كان الأشياخ لا يلتزمون لونا خاصا ، فاعلم ذلم ولا تلبس لباس شهرة ( روى ) ضمرة بن ثعلبة أنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم حلتان من حلل اليمن . فقال : يا ضمرة أترى ثوبيك هذين مدخليك الجنة ؟ فقال : يا رسول الله لئن استغفرت لى لا اقعد حتى انزعهما عنى فقال النبى صلى الله عليه وسلم : اللهم اغفر لضمرة ، فانطلق سريعا حتى نزعهما عنه . أخرجه أحمد ورجاله ثقات غير بقية فإنه مدلس(1) { 365 }
( وعن فاطمة ) الزهراء مرفوعا : شرار أمتى الذين غذوا بالنعيم ، الذين يأكلون الوان الطعام ، ويلبسون ألوان الثياب ، ويتشدقون فى الكلام ، أخرجه ابن أبى الدنيا والبيهقى بسند ضعيف(2) { 366 } ( وروى ) ابن عمر مرفوعا : من لبس ثوب شهرة البسه الله يوم القيامة ثوبا مثله ثم ألهب فيه النار . أخرجه أبو داود(3){367} وتقدم نحوه عند ابن ماجه رقم 362 ص 277
(
__________
(1) انظر ص 136 ج5 مجمع الزوائد ( فى الثياب الرقاق ) .
(2) انظر ص 6 ج2 كشف الخفاء ( حرف الشين ) .
(3) انظر ص 44 ج4 سنن أبى داود ( فى لبس الشهرة ) .(1/292)
ويؤخذ ) منه أن لبس الشملة الصفراء أو الحمراء أو غيرهما إذا قصد به الشهرة والفخر يكون حراما ، وعليه تحمل فتوى قدوة المحققين الشيخ على العدوى بالحرمة . وأخذ منه أنه لا يجوز للشيخ أن يلبس المريد الخرقة إلا إذا كان الشيخ أهلا للإلباس ، والمريد أهلا للبس ، بخلاف ما شاع فى هذا الزمان من أن كل من أدعى المشيخة يأمر تلميذه بلبس الخرقة ، وهو ليس من أهل الكمال .
( قال ) سيدى عبد الوهاب الشعرانى فى دور الغواص : قلت لشيخنا على الخواص رحمة الله : ما شرط
إلباس الخرقة عندكم ؟ فقال : شرط إلباسها أن يعطى الله تعالى ذلك الشيخ من القوة والعزم أنه بمجرد ما يقول للمريد انزع فلنسوتك أو ثوبك مثلا أن ينزع عنه جميع الأخلاق المذمومة . ثم إنه يلبسه القلنسوة التى معه فيخلع عليه فيها جمع الأخلاق المحمودة التى يمكن مثله التخلق بها فمن لم يعطه الله ذلك فهو بإلباسه الخرقة للمريد كالمستهزىء بالطريق أهـ .
2- فائدة الخرقة :
((1/293)
قال ) العارف السهرودى فى عوارف المعارف : لبس الخرقة ارتباط بين الشيخ والمريد ، وتحكيم من المريد للشيخ فى نفسه ز والتحكيم سائغ فى الشرع لمصالح دنيوية . فماذا ينكر المنكر للبس الخرقة على طالب صادق فى طلبة يقصد شيخا بحسن ظن وعقيدة . يحكمه فى نفسه لمصالح دينه يرشده ويهديه ويعرفه الطريق ، ويبصره بىفات النفوس وفساد الأعمال ، ومداخل العدو فيسلم نفسه إليه ويستسلم لرأيه ويستصوبه فى جميع تصاريفه ، فيلبسه الخرقة إظهارا للتفويض والتسليم : ودخوله فى حكم الشيخ دخول فى حكم الله ورسوله وإحياء لسنة المبايعة مع رسول الله صلى الله علية وعلى آله وسلم ( ثم قال ) وسر الخرقة أن الطالب الصادق إذا دخل فى صحبة الشيخ وسلم نفسه له وصار كالولد الصغير مع الوالد يربيه الشيخ بعلمه المستمد من الله تعالى بصدق الافتقار وحسن الاستقامة ويكون للشيخ بنفوذ بصيرته الإشراف عليه ن فقد يكون المريد يلبس الخشن كثياب المتقفين المتزهدين ، وله فى ذلك هوى كامن فى نفسه ليرى بعين الزهادة ، فاشد ما عليه لبس الناعم . وللنفس هوى واختيار فى هيئة مخصوصة من الملبوس . كقصر الكم والذيل وطوله وخشونته ونعومته على قدر هواها ، فليلبس الشيخ مثل هذا الراكن لتلك الهيئة ثوبا يكون سببا فى كسر هوى نفسه . وقد يكون على المريد ملبوس ناعم أو هيئة فى الملبوس تشرئب النفس الى تلك الهيئة بالعادة ، فيلبسه الشيخ ما يخرج النفس من عادتها وهواها .(1/294)
فتصرف الشيخ فى الملبوس كتصرفه فى المطعوم ، وكتصرفه فى صوم المريد وإفطاره وكتصرفه فى امر دينه بإرشاده إلى ما يرى له من المصلحة من دوام الذكر والتنفل بالصلاة ودوام التلاوة والخدمة ، وكتصرفه فيه برده الى الكسب وغيره ، فيأمر كل مريد بما يصلحه من أمر معاشه ومعاده ، ولتنوع الاستعدادات تنوعت مراتب الدعوة . قال الله تعالى : { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (1)
( فالحكمة ) رتبة فى الدعوة وكذا الموعظة والمجادلة ، فمن يدعى بالحكمة لا يدعى بالموعظة وبالعكس ن فهكذا الشيخ يعلم من هو على وضع الأبرار ومن هو على وضع المقربين ، ومن يصلح لدوام الذكر ، ومن يصلح لدوام الصلاة ، ومن له هوى فى التخشن أو فى التنعيم ، فيخلع المريد من عادته ويخرجه من مضيق هوى نفسه ، ويطعمه باختياره ويلبسه باختياره ويداوى بالخرقة المخصوصة والهيئة المخصوصة داء هواه ، ويتوخى بذلك تقريبه إلى رضا مولاه أ هـ بتصرف .
3- دليل لبس الخرقة :
(
__________
(1) صدر آية 125 سورة النحل .(1/295)
قال ) السيوطى فى زاد المسير : قد استنبطت للخرقة أصلا من السنة وهو ( ما رواه ) البيهقى فى الشعب عن عطاء الخراسانى أن رجلا أتى ابن عمر فساله عن إرخاء طرف العمامة فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وأمر عليها عبد الرحمن بن عوف وعقد له لواء وعلى عبد الرحمن عمامة من كرابيس مصبوغة بسواد ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحل عمامته ثم عممه بيده وأفضل موضع اربع اصابع أو نحوها فقال : هكذا فاعتم فإنه أحسن وأجمل (1) { 368 }.
( وما رواه ) أبو داود والبيهقى عن عبد الرحمن بن عوف قال : عممنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدلها بين يدى ومن خلفى . وفى سنده شيخ مجهول (2) { 370 } .
( وظاهر ) أنه لا دلالة فى هذه الأخبار على إلباس الخرقة المعروفة عند الصوفية .
(
__________
(1) انظر ص 229 حديث رقم 284 من هذا الجزء وص 12 ج5 مجمع الزوائد ( العمائم ) ورواه الطبرانى فى الأوسط مطولا بسند حسن عن ابن عمر قال : كنت عاشر عشرة فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم الأربعة وابن مسعود وابن عوف ( الحديث ) وفيه ثم أمر ابن عوف فتجهز لسرية بعثة عليها فاصبح وقد اعتم بعمامة كرابيس سواد فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم ثم نقصها فعممه فارسل من خلفه اربع اصابع أو نحوها ثم قال هكذا بابن عوف فاعتم فإنه أعرب وأحسن ]369[ و ( السرية ) كعطية قطعة من الجيش ، فعليه بمعنى فاعله ، لأنها تسرى خفية و( كرابيس) جمع كرباس بكسر فسكون ، وهو الثول الخشن من قطن أو غيره .
(2) انظر ص 55 ج4 سنن ابى داود ( العمائم )(1/296)
وقد ) استدل ابن الصلاح وغيره على إلباسها بما تقدم عن أم خالد بنت خالد بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بكسوة فيها خميصة صغيرة فقال : من ترون أحق بهذه ؟ فكست القوم . فقال إيتونى بأم خالد فأتى بها فألبسها إياها ثم قال . أبلى وأخلفى ، مرتين . أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود (1)
وهو أيضا لا يدل على الدعوى كما هو واضح .
( وقد ) ذكر الحافظ بن الصلاح سنده فى لبس الخرقة إلى حبيب العجمى عن الحسن البصرى عن على بن أبى طالب وقال : ولبس بقادح فيما أوردناه كون لبس الخرقة ليس متصلا الى منتهاه على شرط أصحاب الحديث فى الأسانيد(2)
__________
(1) تقدم ص 189 رقم 204 ( ما يقال لمن لبس ثوبا جديدا ) .
(2) و ( لبس الخرقة ليس متصلا ...) هذا على ما رآه تبعا للبخارى وابن معين من عدم ثبوت سماع الحسن من على . ونحوه قول ابن الجزرى ، وقد ساق سنده بلبس الخرقة من طريق الحسن ، وقال : كذا وصلت لنا خرقة التصوف من طريق القوم ، وأهل الحديث لا يثبتون للحسن سماعا من على مع انه عاصره بلا شك ، يثبت أنه رآه ، وأنه ولد فى خلافة عمر ن وصح أنه سمع خطبة عثمان أ هـ .
ورأت طائفة منهم الحافظ ضياء الدين المقدسى صحة سماع الحسن من على لتصريحه به فيما رواه أبو يعلى قال : أخبرنا جوبرية بن اشرس ، أخبرنا عقبة بن ابى الصهباء الباهلى ، سمعت الحسن يقول : سمعت عليا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أمتى مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره . أنظر ص 390 راموز الأحاديث قال محمد بن الحسن الصريفينى : هذا نص صريح فى سماع الحسن من على . ورجاله ثقات ، جوبرية وثقة ابن حبان ، وعقبة وثقة أحمد وابن معين أ هـ ]371[( واخرج ) المزى من طريق ابى نعيم بإسناده الى يونس بن عبيد قال : قلت الحسن إنت تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تدركه . قال باين أخى لقد سالتنى عن شىء وكان فى زمن الحجاج – كل شىء سمعتنى اقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو عن على ن غير أنى فى زمان لا استطيع أن اذكر عليا أ هـ
( قال ) الحافظ السيوطى فى " إتحاف الفرقة . برفو الخرق5ة " : وأنكر جماعة من الحفاظ سماع الحسن البصرى من على بن ابى طالب وتمسك بهذا بعض المتأخرين فخدش به فى طريق لبس الخرقة . واثبته جماعه وهو الراجح عندى لوجوه . ثم ساق ما يدل على سماع الحسن البصرى من على بن ابى طالب رضى الله عنه فقال : ذكر ما وقع لما من رواية الحسن عن على .
( قال ) أحمد فى مسنده : حدثنا هشام أخبرنا يونس عن الحسن عن على قال ك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رفع القلم عن ثلاثة ، المجنون المغلوب على عقلة حتى يبرأ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبى حتى يحتلم وأخرجه الترمذى وحسنه ، والنسائى والحاكم وصححه، والضياء المقدسى فى المختارة رقم 19 ص 94 ج 8- الدين الخالص ]372[ .
( قال ) الحافظ زين الدين العراقى فى شرح الترمذى عند الكلام على هذا الحديث : قال على بن المدينى : الحسن رأى عليا بالمدينة وهو غلام وقال ابو زرعة : كان الحسن البصرى يوم بويع لعلى ، ابن اربع عشرة سنة ، ورأى عليا بالمدينة . ثم خرج الى الكوفة والبصرة ولم يبقه الحسن بعد ذلك وقال الحسن ن رايت الزبير يبايع عليا أهـ ويحمل قول النافى على ما بعد خروج على من المدينة .
( وقال ) النسائى : حدثنا الحسن بن احمد بن حبيب شاذ بن فياض عن عمر ابن ابراهيم عن قتادة عن الحسن عن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : افطر الحاجم والمحجوم وأخرجه احمد وابن حبان والحاكم . انظر رقم 197 ص 362 ج2 دين ]373[ وقال الصحاوى حدثنا أحمد بن داود بسنده الى قتادة عن الحسن وخلاس بن عمرو أن عليا قال فى الرهن يترادان فى الزيادة والنقصان جميعا فإن اصابته جائحة برىء (59) انظر ص 254 ج2 ( الرهن يهلك فى يد المرتهن )
( وقال ) الدار قطنى : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا داود بن رشيد حدثنا ابو حفص الأبار عن عطاء بن السائب عن الحسن عن على قال : الخلية والبرية والبته والبائن والحرام ، ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره (60) ص 438- الدار قطنى ( الطلاق ) .
( وقال ) الطحاوى ) : حدثنا ابن مرزوق حدثنا عمرو بن ابى رزين حدثنا هشام بن حسان عن الحسن عن على قال ليس فى مس الذكر وضوء ورواه ايضا عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعمران بن حسين ورجل آخر (61) انظر ص 47 – ج1 الطحاوى ( مس الفرج عل يجب فيه الوضوء ؟ )
( وذكر) السيوطى أحاديث اخر كلها من طريق الحسن عن على رضى الله عنه(1/297)
أهـ .
( فتحصل ) أن لبس الخرفة وإلباسها بالكيفية التى عليها صوفية الزمان لا دليل عليه من الشرع ( قال ) العارف السهرورى فى عوارف المعارف : ولا خفاء أن لبس الخرقة على الهيئة التى تعتمدها الشيوخ فى هذا الزمان لم يكن فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه الهيئة والاجتماع لها والاعتداء بها فى استحسان الشيوخ أهـ.
( قال ) العلامة الشيخ محمد بن عبد الباقى الزرقانى فى كتابه " تلخيص مختصر المقاصد الحسنة : فى الأحاديث المشهرة : لبس الخرفة المشهور بين الصوفية باطل لا اصل له . نص عليه جمع من الحفاظ حتى ممن لبسها اقتداء بالسادة الصوفية . وللجلال السيوطى مؤلف سماه " إتحاف الفرقة برقو الخرقة " .
لكن غاية ما فيه إثبات أن الحسن البصرى سمع من على فى الجملة . وليس فيه إثبات أن عليا البس الحسن . وى أن المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبس عليا الخرقة على الصورة المتعارفة بينهم أ هـ .
( وقال ) المحدث الشيخ إسماعيل العجلونى فى كشف الخفاء : لبس الخرقة الصوفية وكون الحسن البصرى لبسها من على : قال فى المقاصد : قال ابن دحية وابن الصلاح : باطل . وقال الحافظ بن حجر : ليس فى شىء من طرقها ما يثبت ولم يرد فى خير صحيح ولا حسن ولا ضعيف أن النبى صلى الله عليه وسلم البس الخرقة على الصورة المتعارفة بين الصوفية لبعض اصحابه ، ولا أمر أحد من الصحابة بفعل ذلك . وكل ما ورد فى ذلك صريحا فباطل . ثم قال : إن من الكذب المفترى قول من قال : إن عليا البس الخرقة الحسن البصرى .
( وقال ) فى التمييز : لم ينفرد الحافظ بن حجر بهذا ، بل سبقه إليه جماعة حتى من لبسها وألبسها كالدمياطى والذهبى والهكارى وابى حبان والعلائى والعراقى وابن ملقن والأنباسى والبرهان الحلبى وابن ناصر الدين وغيرهم .
((1/298)
وقال ) القارى : وكذا نسبة التلقين المتعارف بين الصوفية لا اصل له ، " وكذا " نسبة الخرقة إلى أويس القرنى وأنه الصلاة والسلام أوصى له بخرقته ، وأن عمر وعليا سلماها إليه " فغير " ثابت ولو ذكره بعض
المشايخ ، فالمدار على طريقة الصحة ومتابعة الكتاب والسنة أ هـ ملخصا(1) .
( فالصواب ) الاقتصار على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه الكرام ، من مبايعة الناس على السمع والطاعة والوقوف عند الحدود من التخلى عن الرذائل والتحلى بالفضائل .
" وأما " ما يقع من متصوفة الزمان من وضع ايديهم فى ايدى الرجال والنساء ومعاهدتهم على أن يكونوا تلامذة لهم ليتمشيخوا عليهم ويشاركوهم فى أموالهم تارة بالأكل فى بيوتهم ، تارة بضرب عوائد يدفعونها فى وقت معين كأنها جزية تؤخذ بالجبروت " فهو " إحرام وإفساد خارج عن حد الشرع ولا يقره العقل . نسال الله لنا ولجميع الأمة كمال الهداية وتمام التوفيق .
7- الفراش :
يطلب الاقتصاد فيه والاكتفاء بالمحتاج إليه اقتداء برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وينبغى تجنب لين الفراش ( فقد ) قال جابر بن عبد الله ذكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفرش فقال : فراش للرجل وفراش لمراة وفراش للضيف والرابع للشيطان . أخرجه مسلم وابو داود والنسائى(2) { 373 } .
( والمعنى ) أن ما زاد عن الحاجة من الفراش فاتخاذه للمباهاة والفخر وما كان كذلك فهو مذموم يرتضيه الشيطان ويحسنه فاضيف اليه . ويحتمل أنه على ظاهره . والمعنى أن الزائد عن الحاجة يكون للشيطان عليه مبيت ومقبل
هذا وتعدد الفراش للزوج والزوجة إنما يكون عند الحاجة كالمرض ونحوه ، وإلا فاجتماعهما فى فراش واحد أفضل . وهو الذى واظب عليه النبى صلى الله عليه وسلم ، مع مواظبته على قيام الليل .
(
__________
(1) انظر ص 137 ، 138 ج2 كشف الخفاء ( حرف اللام ) .
(2) انظر ص 270 ج3 تيسير الوصول (الفرش ) بضمتين جمع فراش .(1/299)
فقد ) كان ينام مع زوجه فإذا أراد التهجد قام وتركها ، فلنقتد به صلى الله عليه وسلموهذا من باب حسن العشرة ، لا سيما إن عرف من حالها حرصها على النوم معه .
( وقالت ) عائشة رضى الله عنها : كان فراش رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذى ينام عليه من أدم حشوة ليف . أخرجه الخمسة إلا النسائى وقال الترمذى : حديث حسن صحيح (1) { 374 } . وأخرجه ابو داود عن عائشة قالت : كانت ضجعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من آدم حشوها ليف(2) { 375 } (وعنها) قالت : كان وسادة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم التى ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف . أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجه(3) { 376 } .
هذا . ويباح وضع ملاءه ونحوها من غير الحرير على الفراش " لحديث " جابر بن عبد الله قال : قال لى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : اتخذتم أنماطا ؟ قلت وأنى لنا الأنماط ؟ فقال أم إنها ستكون لكم أنماط. أخرجه الخمسه. وفي روايه لمسلم : قال جابر. وعند امراتي نمط فانا اقول نحيه عني , وتقول فقد قال رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم . انها ستكون (4) { 377 } .
(ففيه) دلاله علي جواز اتخاذ الانماط اذا لم تكن من حرير . وفيه معجزة للنبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم حيث وقع ما اخبر به ولم يكن فى زمانه صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
8- الاثار الموضوعة فى اللباس
__________
(1) انظر ص 270 ج3 تيسير الوصول ( فى الفرش والوسائد) و ( الآدم) بفتحتين جمع أديم ، وهو الجلد المدبوغ .
(2) انظر ص 71 ج4 سنن ابى داود ( فى الفراش ) و ( ضجعة ) بكسر فسكون من الاضطجاع ، وهو النوم وبفتح الضاد المرة من الاضطجاع . والمراد ما كان مضطجع عليه .
(3) انظر رقم 6868 س 181 ج5 فيض القدير شرح الجامع الصغير .
(4) انظر ص 71 ج4 سنن ابى داود ( الفراش ) و ( أنماطا ) جمع نمط ، كسيب وهو ثوب من صوف ذو لون ، ولا يقال للابيض نمط .(1/300)
... لم نال جهدا فى ذكر أدلة اللباس وما ألحق به وبيان حالها من صحة وحسن وضعف ، وقد قيل فيه ما لم يثبت ، فإتمامه للفائدة وتنبيها للغافل ، وتحذيرا للعاقل من الاغترار به نبينه هنا وهو سبعة أنواع .
1- ما قيل فى العمامة :
... (أ) قال المحدث العجلونى فى كشف الخفاء . ومن الموضوع ما أورده الديلمى عن ابن عمر مرفوعا : صلاة بعمامة تعدل بخمس وعشرين صلاة . وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة(1) وفيه : إن الملائكة يشهدون الجمعة معتمين ويصلون على أهل العمائم حتى تغيب الشمس . وفى لفظ عنه أيضا : جمعة بعمامة أفضل من سبعين بلا عمامة(2).
(وعنه) وعن ابى هريرة معا:إن لله عز وجل ملائكة وقوفا بباب المسجد يستغفرون لأصحاب العمائم البيض (3)
( وعن ) جابر : ركعتان بعمامة افضل من سبعين بلا عمامة(4) ( وعن ) ابى الدرداء : إن الله وملائكته يصلون على اصحاب العمائم يوم الجمعة ( وعن ) على : العمامة حاجز بين المسلمين والمشركين . وبعضه أو هى من بعض أهـ .
(ب) وقال العلامة محمد طاهر فى تذكرة الموضوعات : قال فى المقاصد . صلاة بعمامة تعدل بخمس وعشرين . وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة . موضوع .
(
__________
(1) انظر ص 25 ج2 كشف الخفاء ( حرف الصاد) .
(2) لم نعثر عليهما فى كشف الخفاء ولا فى غيره .
(3) لم نعثر عليهما فى كشف الخفاء ولا فى غيره .
(4) لم نعثر عليهما فى كشف الخفاء ولا فى غيره .(1/301)
وقال ) فى الذيل عن عبد الله بن عمر . يابنى أحب العمامة . يابنى اعتم تبجل وتكرم وتوقر . ولا يراك الشيطان إلا ولى هاربا ، سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : إن صلاة بعمامة تعدل خمسا وعشرين صلاة بغير عمامة ، وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة بغير عمامة . إن الملائكة ليشهدون الجمعة معتمين ولا يزالون يصلون على اصحاب العمائم حتى تغرب الشمس ( قال ) ابن حجر . موضوع ، فيه عباس بن كثير لم أر له ذكرا فى الغرباء . وفيه غيره ، قلت : أخرجه ابن عساكر والديلمى . وفيه ايضا العباس المذكور (صلاة) على كور العمامة يعدل ثوابها عند الله غزوة فى سبيل الله . وضعه إبراهيم ( الصلاة ) فى العمامة عشرة الاف حسنة . فيه ابان متهم ، وفى المقاصد هو موضوع أهـ .
2- ما قيل فى القباء والمنطقة :
((1/302)
قال ) ابو سعيد العقيلى لما قدم الرشيد المدينة أعظم أن يرقى منبر النبى صلى الله عليه وسلم قباء ومنطقة ن فقال ابو البخترى حدثنى جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن جبريل نزل على النبى صلى الله عليه وسلم قباء ومنطقة ، متحجر فيها تحجيرا ، هذا وضعه أبو البخترى ( قال ) الخطيب أنبأنا التنوخى حدثنا طلحة بن محمد بن جعفر حدثنى عمر بن الحسن الأشنانى حدثنا جعفر الطيالسى عن يحيى بن معين أنه وقف على حلقة ابى البخترى فإذا هو يحدث هذا الحديث عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر فقال له : كذبت يا عدو الله على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلمن قال فأخذنى إلى والى الشرط (1) فقلت هذا يزعم أن رسول رب العالمين نزل على النبى صلى الله عليه وسلمقباء ، فقالوا لى هذا والله قاص كذاب ، وأفرجوا عنى. قاله السيوطى فى اللالى(2).
3- ما قيل فى لبس الصوف :
(أ ) قال احمد بن عبد الله الجوئيارى حدثنا سلم بن سالم عن عباد بن كثير عن مالك بن دينار عن الحسن عن أبى هريرة مرفوعا : من سره أن يجلس مع الله تعالى فليجلس مع أهل الصوف ، أخرجه الخطيب . قال السيوطى فى اللالى : موضوع ، والمتهم به الجوئبارى(3).
(
__________
(1) أخرجه الديلمى فى مسند الفردوس بسند ضعيف كما فى الجامع الصغير وقال المناوى إن فيه طارق بن عبد الرحمن . قال الحاكم شيىء الحفظ ومن ثم قال السخاوى هذا الحديث لا يثبت رقم 4468 ص 37 ج4 فيض القدير .
(2) الشرط ، جمع شرطة كغرفة وغرف ، الجند وأعوان السلطان ، والوالى الرئيس .
(3) انظر ص 141 ج2 – اللآلى المصنوعة ( الباس ) .(1/303)
ب ) وقال هناد بن غبراهيم النسفى : أنبانا المنصور بن ربيعة بن أحمد الدينورى حدثنا عبد الرحمن بن الصومعى حدثنا على بن محمد بن البخارى حدثنا ابو زرعة محمد بن على بن محمد حدثنا ابو عمرو سعيد بن القاسم بن العلا البردعى حدثنا فارس بن محمد بن على حدثنا يحيى بن خالد المهلى حدثنا سعدان عن مقاتل بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال : مات النبى صلى الله عليه وسلم فى الصوف وعليه اثنتا عشرة رقعة بعضها من أدم ، ومات عمر بن الخطاب وعليه ثلاث عشرة رقعة بعضها من أدم . رواه الخطيب ، قال السيوطى فى اللالىء موضوع ، هناد ومقاتل كذابان ، ومن بينهما مجاهيل أهـ(1).
(جـ) وقال سليمان بن ارقم عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن الأعرج عن ابى هريرة . وحدث سليمان عن صالح بن كيسان عن ابى هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم قال : من سره أن يجد حلاوة الإيمان فليلبس الصوف وليعقل شاته . أخرجه ابن عدى قال ابن الجوزى : موضوع ، سليمان متروك (2) (وقال) فى التذكرة فيه سليمان بن أرقم يروى الموضوعات ( قلت ) الحديث حسن له شواهد فعند البيهقى بوجه آخر : من لبس الصوف وحلب الشاة وركب الأتن ، فليس فى جوفه شىء من الكبر(3).
(د) وقال فى التذكرة : قال فى الذيل : عن ابن عباس رفعه : نزل جبريل فى بعض الليل فقعد فمسحت يدى على ظهره فاصبت الشعر ن فقلت يا جبريل ما هذا الشعر ؟ قال : الصوف لباس الأولياء . قلت سبحان لله الملائكة تلبس الصوف ؟ قال نعم يا محمد ، والله إن لباس حملة العرش الصوف . فيه عبد الله بن واقد ، مظلم الحديث .
__________
(1) انظر ص 142 منه .
(2) انظر ص 142 ج2 – اللآلى المصنوعة ( الباس ) .
(3) انظر ص 142 ج2 – اللالى ( اللباس ) من رواية ابى نعيم والبيهقى مرسلا وموقوفا و ( الأنن) جمع أنان ، وهى الأنثى من الحمير .(1/304)
وحديث : من لبس الصوف ليعرفه الناس كان حقا على الله أن يكسوه ثوبا من جرب حتى تتساقط عروقه . فيه عباد بن كثير متروك أ هـ .
4- ما قيل فى الثوب :
(أ) قال سليم بن عيسى أبو يحيى عن سفيان الثورى عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن عائشة أنها قالت ، قال رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم ، ابغض العباد إلى الله تعالى من كان ثوباه خيرا من عمله ، أن يكون ثيابه ثياب الانبياء وعمله عمل الجبارين ، أخرجه العقيلى ، وقال : سليم مجهول فى النقل ، حديثه غير محفوظ منكر ( وقال ) ابن الجوزى : موضوع .
( وقال ) فى الميزان : سليم بن عيسى الكوفى القارىء إمام فى القراءة عن الثورى أورد خبرا منكرا ساقه العقيلى وهو هذا ، ثم قال : هذا باطل . ولعل هذا الرجل غير القارىء . قاله السيوطى فى اللآلى(1) .
(ب) وقال العجلونى فى كشف الخفاء : من تزيا بغير زيه فقتل فدمه هدر قال فى المقاصد ، ليس له أصل يعتمد ، ويحكى فيه حكايات منقطعة .
( منها ) أن بعض الجان حدث به إما عن على مرفوعا ، وإما عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلا واسطة ، ولم يثبت منه شىء أهـ(2).
5- ما قيل فى الخاتم :
(أ ) قال فى كشف الخفاء : الصلاة بخاتم تعدل سبعين صلاة بغير خاتم . قال فى المقاصد إنه موضوع(3).
(ب ) وقال : تختموا بالزبر جد فإنه يسر لا عسر فيه . قال الحافظ بن حجر موضوع(4).
(جـ) وقال : تختموا بالزمر فإنه ينفى الفقر . رواه الديلمى عن ابن عباس ولا يصح(5).
(
__________
(1) انظر ص 143 ج2 اللالىء .
(2) انظر ص 239 ج2 كشف الخفاء .
(3) انظر ص 25 ج2 كشف الخفاء ( حرف الصاد).
(4) انظر ص 299 ج1 كشف الخفاء ( حرف المثناة الفوقية ) .
(5) انظر ص 299 منه . و ( ينفى الفقر ) قال بعضهم يريد أنه اذا ذهب ماله فباع خاتم الزمرد وجد فيه غنى والأشبه ان صح الحديث أن يكون لخاصية فيه ، وتقدم نحوه بص 203 .(1/305)
د) وقال : تختموا بالعقيق فإنه ينفى الفقر . رواه ابن عدى عن أنس وقال حديث باطل ، فيه الحسين بن إبراهيم مجهول . ولذا حكم ابن الجوزى بوضعه واقره السيوطى . ورواه العقيلى والبيهقى وغيرهما عن عائشة بلفظ : تختموا بالعقيق فإنه مبارك ( وقال ) فى المقاصد : له طرق كلها واهية ( فمنها ) ما رواه البيهقى فى الشعب عن عائشة رضى الله عنها من طرق بالفاظ ( منها ) اشتر له خاتما وليكن فصه عقيقا ، فإنه من تختم بالعقيق لم يقض له إلا بالذى هو اسعد ، وأعله ابن الجوزى بمحمدبن ايوب بن سويد ، فإنه يروى الموضوعات عن ابيه وليس بشىء (1) ( ومنها ) أكثر تختم أهل الجنة بالعقيق ( ومنها ) لابن عدى عن أنس مرفوعا بلفظ : فإنه ينفى الفقر بدل : فإنه مبارك . زاد : واليمين أحق بالزينة . وجزم فى الميزان بأنه موضوع . وقال ابن عدى : هو باطل ( ومنها ) ما فى أمالى الحسين بن هارون الضبى عن جعفر بلفظ : من تختم بالعقيق ونقش فيه " وما توفيقى إلا بالله ، وفقه الله لكل خير ، وأحبه الملكان الموكلان به . وفى سنده ابو سعيد الحسن بن على كذاب ( ومنها ) لابن حبان فى الضعفاء عن فاطمة مرفوعا : من تختم بالعقيق لم يزل يرى خيرا . وفى سنده أبو بكر ابن شعيب لا يحل الاحتجاج بحديثه ، يروى عن مالك ما لبس من حديثه .
وروعه الطبرانى فى الأوسط وغيره بطرق وكلها باطلة . ومن ثم قال العقيلى : لا يثبت فى هذا عن صلى الله عليه وعلى آله وسلم شىء وذكره ابن الجوزى فى الموضوعات أهـ مخلصا (2)
(
__________
(1) انظر ص 299 ، 300 ج1 – كشف الخفاء ( حرف المثناة الفوقية ) و( اشتر له ) اى لشخص سئل عنه .
(2) انظر ص 300 ج1 – كشف الخفاء ( المثناه الفوقية ) .(1/306)
هـ) وقال يعقوب بن الوليد المدنى عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة مرفوعا : تختموا بالعقيق فإنه مبارك . اخرجه العقيلى وقال : لا يثبت فى هذا عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم شىء . ذكره ابن الجوزى فى الموضوعات وذكر حمزة بن الحسن الإصبهانة فى كتابه التنبيه على حروف من التصحيف إن كثيرا من رواة الحديث يروونه تختموا بالعقيق وإنما تخيموا بالتحتية بالعقيق وهو اسم واد قرب المدينة ( قال ) ابن الجوزى : وهذا بعيد وقائل هذا أحق أن ينسب اليه التصحيف ، لما ذكرنا فى طرق هذا الحديث(1).
( وقال ) الحافظ بن حجر فى تلخيص مسند الفردوس : ويؤيد قول حمزة ما أخرجه البخارى بلفظ : أتانى جبريل فقال : صل فى هذا الوادى المبارك يعنى العقيق،وقل عمرة فى حجة أهـ قاله السيوطى فى اللالىء(2).
( وقال ) فى كشف الخفاء : وهذا الوصف ثبت لوادى العقيق فى الحديث الذى أخرجه البخارى فى الحج عن ابن عباس يقول : أمه سمع عمر يقول : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم بوادى العقيق يقول : أتانى آت من ربى فقال ك ثل فى هذا الوادى المبارك وقل عمرة فى حجة أهـ قال فى المقاصد " وما روى " المطرزى فى اليواقيت عن إبراهيم الحربى أنه سئل عنه فقال : إنه صحيح . ويروى ايضا " تخيموا " بالمثناه التحتية ، أى اسكنوا العقيق واقيموا به " فغير "
6- ما قيل فى النعل :
( قال ) فى كشف الخفاء : من لبس نعلا أصفر قل همه . رواه العقيلى والطبرانى والخطيب عن ابن عباس موقوفا لكن بلفظ : لم يزل فى سرور مادام لابسها بدل قل همه . وقال ابن ابى حاتم : سالت ابى عنه . فقال : كذب موضوع وعزاه فى الكشاف لعلى باللفظ الأول . وكأن المأخذ قوله تعالى : { صفراء صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ } (3)
7- ما قيل فى طى الثياب :
__________
(1) انظر ص 300 ،301 ج1 منه .
(2) انظر ص 146 ج2 – اللالى ( اللباس ) .
(3) انظر ص 301 ج1 – كشف الخفاء ( المثناة الفوقية ) .(1/307)
قد قيل فيه عدة أحاديث كلها ضعيفة ( منها ) ما تقدم فى بحث " طى الثياب " (1) ( ومنها ) حديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : اطووا ثيابكم ترجع اليها ارواحها ، فإن الشيطان إذا وجد ثوبا مطويا لم يلبسه ، وإذا وجده منشورا لبسه . أخرجه فى الأوسط وفيه عمر بن موسى بن وجيه وهو وضاع (2) ( وقال ) السخاوى فى المقاصد : إسناده واه ( وقال ) ابن الجوزى : حديث لا يصح
( ومنها ) حديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : طى الثوب راحته ، أخرجه الديلمى فى مسند الفردوس ( قال ) ابن الجوزى : لا يصح وفيه أيضا عمر بن موسى الوجيهى (3) ( وعن جابر ) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : الشياطبن يستمتعون بثيابكم ، فإذا نزغ أحدكم ثوبه فليطوه حتى ترجع إليها أنفاسها(4) فإن الشياطين لا تلبس ثوبا مطويا ، أخرجه ابن عساكر وضعفه السيوطى ( وذكر ) فى كشف الخفاء حديثى جابر الأولين وحديث عائشة المتقدم فى بحث " طى الثياب " وقال : جميعها واهية ، وكذا ما اشتهر على بعض الألسنة: اطووا ثيابكم بالليل لا يلبسها الجن تتوسخ ، بل قال فى المقاصد : لم اره ، وفى كلام بعضهم ، اطوونى ليلا أجملكم نهار أهـ (5)
تنبيهات
الأول : اشتمل هذا الجزء عل أدلة الأحكام من الكتاب مضبوطة مفسرة مبينا مرجعها .
__________
(1) انظر ص 276 ج2 كشف الخفاء ( حرف الميم ) والآية رقم 69 – البقرة .
(2) انظر ص 192 .
(3) انظر ص 135 ج5 مجمع الزوائد ( طى الثياب ) وص 48 ج2 كشف الخفاء ( حرف الطاء المهملة ) و( ترجع اليها ارواحها ) يعنى تبقى فيها قوتها ، شبيهها بذوات الارواح .
(4) انظر ص 48 ج2 كشف الخفاء ( حرف الطاء المهملة ) و ( راحته ) أى من انتهاك الشياطين له ولبسها غياه ، أو شبهة فى طية يرجل يكون فى عمل فإذا فرغ منه استراح .
(5) لم نعثر على مرجعة بهذا اللفظ والضمير فى أنفاسها الى الثوب . والقياس حتى يرجع اليه نفسه . ولعلالتأنيث من بعض الرواة .(1/308)
الثاني : اشتمل على ( أ ) 378 ثمانية وسبعين وثلثمائة حديث المكرر منها 33 ثلاثة وثلاثون حديثا
( ب ) واشتمل على 62 اثنين وستين أثرا المكرر منها أربعة .
الثالث : قد بين بها مش هذا الجزء أهم المراجع التي استعين بها في تخريج أدلته ومراجع النصوص العلمية فلينظر بيانها بصحتي 375 ، 276 من الجزء السابع من الدين الخالص . والله تعالى ولى التوفيق والهداية . والصلاة والسلام على من أنزل عليه الكتاب وعلى اله والأصحاب ، والتابعين لهم بأحسان الى يوم الدين .
تم بحمد الله تعالى وحسن توفيقه الجزء السادس من الدين الخالص
ويليه ان شاء اللهخ تعالى الجزء السابع ، وأوله الجنائز
دليل الأحاديث والاثار
التى بسادس الدين الخالص مرتبة حسب الحروف باعتبار النطق
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
( الهمزة ) ... اتيته بملحفة صفراء
أأمك أمرتك بهذا ... إذا اقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون (هـ)
ابصر النبى صلى الله عليه وسلم رجلا به زمانة ... إذا انتعل أحدكم فليبدأ
ابناى وابنا ابنتى (هـ)(1) ... إذا انقطع شسع أحدكم أو شراكه
أنانا النبى صلى الله عليه وسلم فساومنا ... أذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشى فى نعل واحدة
اتخذتم أمماطا ... إذا توفى أحدكم فليكفن فى ثوب حبرة
اتخذ صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ثم القاه ... أذا جلستم فاخلعوا نعالكم
اتخذ صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ثم من فضة ... أذا زاد الرجل أو نقص فليسجد
اتخذ صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ثم من فضة وقال : لا ينقش أحد ... أذا سها أحدكم فى صلاته فلم يدر
أتدرى اين تذهب .. فإنها تذهب حتى تسحد(هـ) ... إذا شك احدكم فى صلاته فلم يدركك صلى
أتى ابو موسى معاوية وعليه عمامة سوداء (اثر) ... إذا صلى أحدكم فلم يدر اصلى ثلاثا أم اربعا
أتى النبى صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء ... أذا قدمتم من غزاتكم فالقوا السراويلات ( أثر)
__________
(1) المراد بالرمز (هـ) أن الحديث بالهامش(1/309)
أتى النبى صلى الله عليه وسلم بقباطى ... إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان
أتى النبى صلى الله عليه وسلم بكسوة فيها خميصة ... إذا قرأت سجدة فكبر ( اثر )
أتى النبى صلى الله عليه وسلم بمخنث مخضب فنفاه ... إذا قرات سورة فيها سجدة ( اثر )
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فى رهط فباجناه ... أذا قرب إلى أحدكم طعامه
ارفع إزارك فإنه أتقى وأبقى ... اذا كان لك مال فلير عليك
إزاره المسلم الى انصاف ساقيه ... أذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا
إزاره المؤمن إلى نصف الساق ... إذا نسى أحدكم فزاد أو نقص
استحب للقارىء أن يكون ثوبه ( اثر ) ... اذهب فتوضا،وإن الله لا يقبل صلاة مسبل(هـ)
استكثروا من النعال
اعتصموا تزدادوا حلما ... الزبير كان عليه يوم بدر عمامه صفراء
( أثر )
افطر الحاجم والمحجوم ( هـ) ... إن الله تعالى جميل يحب الجمال
أكرموا الشعر ... إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة
ألا تسمعون ألا تسمعون ( هـ ) ... إن الله يحب المؤمن التبذل ( هـ )
ألا دبغتم إهابها ... إن الله يحب المؤمن التبذل
البس جديدا وعيش حميدا ... إن الله يحب أن يرى اثر نعمته
البسوا الثياب البيض ... إن الله يحب أن يرى اثر نعمته
البسوا الثياب البياض ... إن الله يحب أن يرى اثر نعمته ( هـ )
البسوا من ثيابكم البيض ... إن النبى صلى الله عليه وسلم أفرأه خمس عشرة سجدة
ألق ذا (خاتم ذهب ) ذا ( حديد ) شر منه ... إن النبى صلى الله عليه وسلم خر ساجدا
أما شعرت أنا لا نأكل الصدقه ( هـ ) ... إن النبى صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم
أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره ... إن النبى صلى الله عليه وسلم سجد في ص
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
أما يجد هذا ما يغسل به ثوبه ؟ ... إن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فلما سلم سجد
أمر الله النساء إذا خرجن في حاجة ... إن النبى صلى الله عليه وسلم صلى في برد حبرة
( أثر ) (هـ)
أمرت بالنعلين والخاتم ... إن النبى صلى الله عليه وسلم صلى في شماة(1/310)
إن أبا موسى سجد في الحج سجدتين ... إن النبى صلى الله عليه وسلم مر به رجل به زمانه فسجد
( أثر ) (هـ)
إن ابني هذا سيد ... إن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يمشى الرجل في نعل
إن أحسن ما زرتم به الله ... إن النجاشي كتب إلى النبى صلى الله عليه وسلم أهديت لك .. وسراويل
إن أزوج النبى صلى الله عليه وسلم رخص لهن في الذيل ... إن جبريل قال لى ألا أبشرك ؟
إنما السجود على من استمع ( اثر ) ... إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها ( هـ )
أنما السجدة على من جلس لعا ( أثر ) ... إن عمر قرأ الحج فسجد سجدتين ( أثر ) ( هـ )
أنما العمائم للرجال ... أيكما قتله ؟ ( هـ )
إنما أنا بشر أنسى فإذا نسيت ... أيكما قتله ( أبا جهل ) ( هـ )
أنما أنا نشر أنس كما تنسون وإذا شك ... أيما إهاب دبغ
أحدكم
إنما جعل الإمام ليؤتم به ( هـ) ... أين تحب أن أصلى
إنما جعل الإمام ليؤتم به ( هـ) ... أيها الناس إنا لم نؤمر بالسجود ( أثر )
( المحلى بأل )
إنما نهى صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت ( أثر ) ... الإزار إلى نصف الساق
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
انما يلبس الحرير من لاخلاق له ... الاسبال في الازرار والقميص والعمامه
انما يلبس الحرير من لاخلاق له ... الاسلام نظيف فتنظفوا
ان نعل النبى صلى الله عليه وسلم كانت مخصوفه ... الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ( هـ )
ان هذين حرام على ذكور أمتى ... الحلية والبرية ... ثلاث ( أثر ) ( هـ )
ان هذين حرام على ذكور أمتى ... الذهب والحرير حل لإناث أمتى
انه ( ابن مسعود ) كان لا يسجد في ص (أثر) ... السهو أن يقوم في قعود ( أثر )
انى رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يصبغ بها (بالصفره ) ... العالم يعرف بليله اذا الناس نائمون ( أثر )
انى رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يلبس النعال ... الكبر ان تسفه الحق
انى سألت ربى وشفعت لأمتى ... اللهم أغثنا ...( ثلاثا) اللهم حوالينا
انى صليت خلف النبى صلى الله عليه وسلم ... اللهم أنجزلى ما وعدتنى ( هـ)
( الباء )(1/311)
أهدى النجاشى النبي صلى الله عليه وسلم خفين ... بارك الله لك أو لم
اهدى النبى صلى الله عليه وسلم حله مكفوفه بحرير ... بعث صلى الله عليه وسلم عليا إلى خيبر فعممه
اياكم ولباس الرهبان ... بعث صلى الله عليه وسلم عليا إلى خيبر فعممه
تختموا بالزمرد ... بينما نحن جلوس (هـ) ( أثر )
(التاء )
تختموا بالياقوت ... تختموا بالزبرجد
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
تسوموا فإن الملائكة قد تسومت ... خطبنا الحسن بن على وعليه ثياب سةداء ( أثر)
(الدال)
تعاهدوا نعالكم ... دخلت عليه صلى الله عليه وسلم راسه عصابة
تمعددوا واخشوشنوا ... دخل صلى الله عليه وسلم مكة ... على أم سلمة وهى تختمر
( الثاء )
ثلاثة لا يدخلون الجنة ابدا الديوث ... دخل صلى الله عليه وسلم مكة ... وعليه عمامة سوداء
ثلاثة لا يدخلون . العاق ... دعا صلى الله عليه وسلم عليا فعممه وأرخى عذبة
( الذال)
ثلاثة لا يكلمهم الله ... المسبل والمنان ( هـ) ... ذكاة الميتة دباغها
( الجيم )
جاء صلى الله عليه وسلم عمامة صفراء ... ذكر النبى صلى الله عليه وسلم الفرش
( الراء)
جهر أنس فى الظهر ( أثر ) ... رأى النبى صلى الله عليه وسلم ثيابا تصبغ بمغرة فرجع
( الحاء )
حرم لباس الحرير والذهب ... راى أنس على أم كلثوم ...بردا سيراء
حيكت للنبى صلى الله عليه وسلم أثمار من صوف أسود( الخاء ) ... رايت ابن الزبير يعتم بعمامة سوداء (أثر)
خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون فى نعالهم ( هـ) ... رايت ابن الزبير يعتم بعمامة سوداء (أثر)
خبأت هذا ( قباء) لك ... رايت النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
خرج النبى صلى الله عليه وسلم ذات غذاة وعليه. مرط ... رايت النبى صلى الله عليه وسلم وعليه برد أحمر
خرج النبى صلى الله عليه وسلم ذات قميص اصفر ... رايت النبى صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء
خطب صلى الله عليه وسلم الناس وعليه عمامة سوداء ... رايت النبى صلى الله عليه وسلم يسجد فى ص(1/312)
رايت على ابن عمر عمامة سوداء (اثر ) ... رخص النبى صلى الله عليه وسلم للزبير فى لبس الحرير لحكة
رايت على ابن عوف عمامة سوداء (اثر ) ... رفع القلم عن ثلاثة ( هـ)
( السين )
رايت على ابن الدرداء عمامة سوداء (اثر ) ... سجد النبى صلى الله عليه وسلم فى الظهر ثم قام فركع
رايت على ابن البراء عمامة سوداء (اثر ) ... سجدتا السهو بعد التسليم
رايت على النبى صلى الله عليه وسلم ثوبين أخضرين ... سجدتا السهو بعد تجزيان
رايت على النبى صلى الله عليه وسلم ثوبين أخضرين ( اثر) ... سجدتا السهو بعد تجزئان
رايت على النبى صلى الله عليه وسلم ثوبين أصفرين ... سجدة التلاوة فى الحج هى الأولى (أثر)
رايت على انس إزار أصفر ( أثر) ... سجدت فيها خلف ابى القاسم صلى الله عليه وسلم
رايت على انس إزار أصفر ( أثر) ... سجدت مع النبى صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة
رايت على انس عمامة سوداء ( أثر) ... سجدتا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى " إذا السماء انشقت "
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
رايت على زينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم قميص حرير ... سمعت النبى صلى الله عليه وسلم ينهى النساء عن القلانس( الشين )
رايت على على عمامة سوداء (اثر) ... شرار أمتى الذين غذوا بالنعم
رايت على على عمامة سوداء (اثر) ... شرار السباع هذه الأثعل ( الثعالب)
(الصاد)
رايت على عمار عمامة سوداء (اثر) ... صبغت للنبى صلى الله عليه وسلم بردة سوداء
رايت على واثلة عمامة سوداء (اثر) ... صلاة الليل مثنى
رايت عمر سجد فى النجم (اثر) ... صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا ... وقال ما شأنكم
رايته صلى الله عليه وسلم يتختم فى يمينه ... (الفاء)
فاتخذ النبى صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة
رايته صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة ... فإذا نسى أحدكم
ربما صبغ النبى صلى الله عليه وسلم رداءه بزعفران ... فاشترى النبى صلى الله عليه وسلم سراويل
رحم الله المتسرولات ( هـ) ... فامر النبى صلى الله عليه وسلم بالسجود فيها(فى ص)(1/313)
رخص النبى صلى الله عليه وسلم فى الثوب المصبوغ ... فرق ما بيننا ... وبين المشركين
رخص النبى صلى الله عليه وسلم لابن عوف ...فى قمص الحرير ... فسجدها ( سجدة ص ) صلى الله عليه وسلم
صلى النبى صلى الله عليه وسلم فسها فسجد سجدتين ... فقام صلى الله عليه وسلم فقمنا معه ما علينا نعال
صلى بنا صلى الله عليه وسلم صلاة نظن أنها العصر ... فكان أصحابه صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم(أثر)
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
صلى بنا عمر الصبح فقرأ بالحج (هـ)(أثر) ... فلما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم السجدة سجد ( هـ)
( القاف)
صلى علقمة الظهر خمسا (أثر) ... قبض النبى صلى الله عليه وسلم فى هذين( كساء وإزار)
صتفان من أهل النار ... قبض النبى صلى الله عليه وسلم فى هذين(إزار وكساء)
( الضاد)
ضرب النبى صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق( الطاء) ... قدمت الى النبى صلى الله عليه وسلم فاشترى منى سراويل
طاف النبى عليه السلام مضطبعا ببردأحمر ... قرا النبى صلى الله عليه وسلم السجدة فسجد
طى الثوب راحته ... قرا النبى صلى الله عليه وسلم سجدة فسجد
طيب الرجال ما ظهر ريحه ( هـ) ... قرا صلى الله عليه وسلم فسجد وقال إنما هى توبة نبى
( العين)
عليكم بالعمائم فإنها سيما الملائكة ... قرا النبى صلى الله عليه وسلم ( والنجم) فسجد فيها
عمم صلى الله عليه وسلم ابن عوف بعمامة سوداء ... كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا لبس قميصا بدأ بميامنه
عمم صلى الله عليه وسلم ابن عوف فارسل من خلفه ... كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا مر بالسجدة كبر وسجد
عممنى ... بعمامة سدل طرفها ... كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا مر بسجود القرآن سجد
عممنى النبى صلى الله عليه وسلم فسدلها ... كان النبى صلى الله عليه وسلم مربوعا وقد رايته فى حلة حمراء
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
عممنى صلى الله عليه وسلم فسدلها من بين يدى ومن خلفى ... كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يولى واليا حتى يعممه(1/314)
عممنى صلى الله عليه وسلم فسدلها من بين يدى ومن خلفى ... كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يولى واليا حتى يعممه
قرأت على النبى صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد ... كان النبى صلى الله عليه وسلم يامرنا أن نختفى أحيانا
قرأ عثمان ص فسجد (اثر) ... كان النبى صلى الله عليه وسلم يتختم فى يساره
قطع عمركم رجل الى أطراف أصابعه (أثر) ... كان النبى صلى الله عليه وسلم يتختم فى يمينه
( الكاف)
كان (ابن مسعود) يعجبه رائحة الطيبة (اثر) ... كان النبى صلى الله عليه وسلم يتختم فى يمينه
كان أحب الثياب الى النبى صلى الله عليه وسلم القميص ... كان النبى صلى الله عليه وسلم يجعل يمينه لأكله
كان أحب الثياب الى النبى صلى الله عليه وسلم ان نلبسه الحبرة ... كان النبى صلى الله عليه وسلم يحب التيامن
كان إذا لبس أحدهم جديدا قيل له نبلى (هـ) ... كان النبى صلى الله عليه وسلم يدبر كور العمامة
كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه ... كان النبى صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة ثيابه
كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا اعتم أرخى عمامته ... كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى إحدى عشر ركعة
كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا اعتم أرخى عمامته ... كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء (أثر)
كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا اعتم سدل عمامته ... كانت ضجعة النبى صلى الله عليه وسلم من أدم
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا اعتم سدل عمامته ... كان على موسى يوم كلمة ربه كساء صوف
كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا انقطع شسع نعليه (هـ) ... كان فراش النبى صلى الله عليه وسلم من ادم
كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا جاء أمر يسره ... كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة
كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا دخل الخلاء وضع خاتمه ... كان كم قميص النبى صلى الله عليه وسلم الى الرسغ
كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى مروط نسائه ... كان النبى صلى الله عليه وسلم ثوب مصبوغ بورس(1/315)
كان النبى صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن لترجله ... كان للنبى صلى الله عليه وسلم سيف قائمته من فضة
كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ السجدة فى غير صلاة فيسجد ... كان للنبى صلى الله عليه وسلم عمامة تسمى السحاب
كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة فيها السجدة فيسجد ... كان لنعله صلى الله عليه وسلم قبالان
كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى سجود القرآن ... كان نساء النبى صلى الله عليه وسلم يخرجن لحاجتهن (أثر) (هـ)
كان النبى صلى الله عليه وسلم يلبس القلانس تحت العمائم ... كان نقش الخاتم ثلاثة اسطر
كان النبى صلى الله عليه وسلم يلبس بردة حمراء ... كان وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. من ادم
كان النبى صلى الله عليه وسلم يلبس قميصا ... كان وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الرسغ
كان النبى صلى الله عليه وسلم يلبس قميصا فوق الكعبين ... كسانى النبى صلى الله عليه وسلم برنسا
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
كان النبى صلى الله عليه وسلم يمشى حافيا وناعلا ... كسانى النبى صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة
كان النبى صلى الله عليه وسلم ينهى عن ركوب النمور ... كسانيها ( عمامة خز) النبى صلى الله عليه وسلم
كان خاتم النبى صلى الله عليه وسلم من حديد ... لو لم ار النبى النبى صلى الله عليه وسلم يسجد لم اسجد
كان خاتم النبى صلى الله عليه وسلم من فضة ... ليس البر فى حسن اللباس
كان خاتم النبى صلى الله عليه وسلم من ورق ... ليس ذلك من الكبر
كان خاتم النبى صلى الله عليه وسلم فى هذه ... ليس على من خلف الإمام سهو
كان رجل ... يتعرض لنساء المؤمنين (أثر) (هـ) ... ليس فى مس الذكر وضوء (أثر) (هـ)
كان سيما الملائكة الصوف الأبيض (أثر) ... ليس منا من تشبه بالرجال من النساء
كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء (أثر) ... ليعد صلاته وليسجد سجدتين
كل ما شئت والبس ما شئت ... ليوسع المنتعل
( الميم)
كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا ... ما أدرى ايد امرأة هى أم رجل (هـ)(1/316)
كنا ننزعه ( الحرير ) عن الغلمان (اثر) ... ما اشبههم بيهود خيبر (أثر)
كنت إمامنا فلو سجدت سجدت ... ما طهر الله يدا فيها خاتم من حديد(هـ)
كنت إمامنا فلو سجدت سجدت ... ما على أحدكم أن وجد سعة أن يتخذ
كنت معه صلى الله عليه وسلم رداء نجرانى ... ما فى السماء نجم ولا شمس ولا قمر الا يقع لله ساجدا (أثر) (هـ)
( اللام)
لئن فعل لأخذته الملائكة (هـ) ... ما قال للنبى صلى الله عليه وسلم فى الإزار
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
لعن النبى صلى الله عليه وسلم الرجلة ... مالى أجد منك ريح الأصنام ؟
لعن النبى صلى الله عليه وسلم الرجلة ... ما من أحد لبس ثوبا ليباهى به ( هـ)
لعن النبى صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبس المرأة ... ما هذا أما غنها لا تزيدك إلا وهنا
لعن النبى صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبس المرأة ... مثل أمتى (هـ)
لعن النبى صلى الله عليه وسلم المتشبهات ... مر على النبى صلى الله عليه وسلم رجل عليه ثوبان أحمران فسلم
لعن النبى صلى الله عليه وسلم المتشبهات من الرجال ... من أحبنى فليحبه " الحسن " (هـ)
لعن النبى صلى الله عليه وسلم المخنثين ... من أحدث فى امرنا هذا
لقد لفظت طائفة من كبدى (أثر ) (هـ) ... من أحيا سنتى فقد احبنى
لكل سهو سجدتان ... من أكل طعاما ثم قال الحمد لله الذى اطعمنى
( النون)
لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم ... نزلت هذه الآية فى الصلوات (إنما يؤمن بآياتنا )(اثر) (هـ)
لم يسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى شىء من المفصل ... نظفوا أفواهكم
لم يكن ثوب احب اليه صلى الله عليه وسلم من القميص ... نعم الفتى سمرة
لو دعا نادية لأخذته الملائكة(أثر) (هـ) ... نعم فلما دخل طواها وارسل بها اليه (هـ)
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
لو دنا منى لاختطفته الملائكة (هـ) ... نعم وازرره ولو بشوكه
من السنة إذا جلس الرجل (أثر) ... نعم وزره عليك ولو بشوكة
من ترك اللباس تواضعا لله (هامش) ... نعم ومن لم يسجدهما
من ترك اللباس تواضعا وهو يقدر عليه ... نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما ( هـ)(1/317)
من تشبه بقوم فهو منهم ... نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل
من تمسك بسنتى ... نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل
من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله اليه ... نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يلبس المحرم
من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله اليه ... نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائما
من شك فى صلابه فليسجد سجدتين ... نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أكل الهرة
من ظلم قيد شبر من الأرض ... نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن اكل كل ذى ناب
من كان يؤمن بالله فلا يلبس حريرا ... نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الخاتم الا لذى سلطان
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ... نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الديباج والحرير
من كرامة المؤمن على الله نقاء ثوبه ... نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن اللبستين المرتفعة
من كساك ؟ قل لآمك (أثر) ... نهانى النبى صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب
( الهاء)
من لبس الحرير فى الدنيا فلا خلاق له ... هاتان السجدتان
من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه ... هذا جبريل آخذ براس فرسه (هـ)
من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الاخرة ... هذا ( خاتم حديد) أخبث وأخيب
من لبس ثوبا جديدا فقال الحمد لله الذى كسانى ... هذه ثياب الكفار
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
من لبس ثوب حرير ...البسه الله ... هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
من لبس ثوب شهرة أعرض الله عنه (هـ) ... هذه كرامة أكرمنى الله بها
من لبس ثوب شهرة البس ثوب مذلة ... هكذا فاعتم فإنه أحسن وأجمل
من لبس ثوب شهرة البسه الله ... هكذا يابن عوف فاعتم
من لبس ثوب شهرة فى الدنيا ... هل سمعت النبى صلى الله عليه وسلم ينهى عن لبس الذهب( الواو)
من مروءة الرجل نقاء ثوبه (أثر) ... وضات النبى صلى الله عليه وسلم جبة من صوف
من مروءة الرجل نقاء ثوبه (أثر) ... وضاته النبى صلى الله عليه وسلم جبة شامية
من ينظر الى ما صنع ابو جهل (هـ) ... وكان النبى صلى الله عليه وسلم يلبسها ( جبة طيالسة)(1/318)
موضع الإزار إلى انصاف الساقين (هـ) ... وما أنا والدنيا وما أنا والرقم
(لا)
نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن المفدم ... لا باس به خضاب الحناء ) (هـ) (الاثر)
نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع السنور ... يا عمرو إن الله لا يحب المسبل
نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع ... يا معشر الأنصار اختضبن ( هامش)
نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب ... يا معشر الأنصار حمروا وصفروا
نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب ... يا معشر الأنصار .. فقالوا لبيك (هـ)
نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب والحديد ... يا معشر الأنصار ... وخالفوا أهل الكتاب
نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن قتل اربع من الدواب (هـ) ... يا معشر النساء أما لكن فى الفضة
ص ... الصدر ... ص ... الصدر
نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير ... يترادان فى الزيادة والنقصان (أثر ) (هـ)
نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير الا موضع اصبع ... يخرج معه ( الدجال ) سبعون الفا
نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن لبستين (هـ) ... يرحم الله نساء المهاجرات (اثر) (هـ)
نهانا النبى صلى الله عليه وسلم ان نشرب في انية الذهب والفضه ... يقول أحدكم مالى مالى
نهانا النبى صلى الله عليه وسلم عن المياثر الحمر ... يكون فى آخر أمتى رجال يركبون على سرج
نهانا النبى صلى الله عليه وسلم ان اتختم فى اصبعى هذه ... لا يقبل الله صلاة بغير طهور
نهانا النبى صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب ... لا يلبس المحرم القميص
نهانا النبى صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب ... لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء ( هـ)
( الياء)
يا ابا عبد الله إنك صليت ثلاثا 0أثر) ... لا يمش أحدكم فى النعل الواحدة
يابن عوف هكذا فاعتم ... يا صاحب السبتيتين القهما
يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض ... يا ضمرة أترى ثوبيك هذين مدخليك الجنة ؟
يا ايها الناس اتخذوا السراويلات ... يا ضمرة أترى ثوبيك هذين مدخليك الجنة
يا سفيان ... لا تسبل إزارك (هـ)(1/319)
] تم بحمد الله وعونه وحسن توفيقه دليل الأحاديث والآثار . والصلاة
والسلام على حبيبه المصطفى ، وعلى ىله الأطهار وصحابته الأخيار ]
دليل الجزء السادس من كتاب الدين الخالص
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
( السبب الثانى) من أسباب سجود السهو ( النقص فى الصلاة) ... احوال المسبوق مع إمامه فى السهو عند الشافعية
1- (ترك الفرض)
ما يصنع من ترك سجدة أو سجدتين أو ركوعا سهوا ثم تذكر ... أحواله عند الحنبلية
مذهب الحنبلية فيمن ترك ركنا غير النية والتحريمة ثم تذكره
حكم ترك اربع سجدات من اربع ركعات سهوا عند الحنبلية ... ماذا على من ترك سجود السهو إماما أو مأموما ؟ لا سجود على المأموم بسهوه
ما يطلب ممن ترك سجدتين أو أكثر جاهلا محل المتروك ... ( السبب الرابع ) لسجود السهو
( الشك فى الصلاة )
من شك أنه كم صلى بنى على الأقل عند الشافعية
ما يطلب عند المالكية والشافعية ممن ترك ركنا ثم تذكره ... مذهب المالكية فيمن شك أنه كم صلى
احوال من تذكر فى الجلوس الأخير أنه ترك اربع سجدات ... مذهب الحنبلية فيه . احوال شك الماموم طرح الشك
ما يطلب ممن تذكر بعد السلام أنه ترك ركعة أو ركنا ... زواله ما يصنع من ابتدأة الشك ومن صار عادة له عند الحنفيين
ب- ( ترك الواجب ) ... متى يبنى على المتيقن من شك أنه كم صلى عند الحنفيين ؟
ما يطلب ممن ترك واجبا فى الصلاة
ثمرة ترك الفاتحة أو السورة سهوا ... هل بين التحرى والبناء على المتيقن فرق ؟
ترك القراءة فى أولى الفرض عدم رعاية الترتيب فى فعل مكرر . ثمرة ترك الرفع من الركوع ونحوه والقعود ... حكم الشك بعد الصلاة
الشك فى صفة الصلاة ، ما يطلب ممن أخبر بعد سلامة بنقص أو زيادة
حكم ترك التشهد ... المذاهب فى ذلك
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
ثمرة ترك السلام فى الصلاة ... حكم متابعة الماموم لإمام قام لزائدة وقد شبح له
ما يطلب ممن جهرا أو اسر فى غير موضعه
ثمرة ترك قنوت الوتر ... مسائل فى الشك . الشك فى التحريمة والطهارة(1/320)
حكم التكبير فى صلاة العيد وثمرة تركه سهوا هل يسجد لترك تكبير الانتقال ؟ ... اليقين لا يزول بالشك
شك المأموم فى إدراك الركوع مع الإمام
( الفرع الثالث لسجود السهو ) محله
هل يسجد لترك التسبيح فى محله والتسميع والتحميد ؟ الدعاء بين السجدتين ... الأحاديث التى عليها مداره ستة
ج- ( ترك السنة )
د- ( ترك الأدب) ... أدلة أن سجود السهو بعد السلام أفضل وعكسه
( السبب الثالث ) لسجود السهو ( متابعة الإمام)
سجود السهو فى صلاة الخوف ... المذاهب فى أن الأفضل فى سجود السهو كونه فبل السلام أو بعده
المذاهب فى وقت سجود المسبوق
( الفرع الرابع لسجود السهو ) السجود فى النفل ... آيات السجود فى العراف والرعد والنحل
المذاهب فى حكمه
المسائل التى يخالف فيها النفل الفرض فى السهو ... آيات السجود فى سورة الإسراء ومريم
لا سجود للسهو فى الجنازة ... آيتا السجود فى سورة الحج
( الفرع الخامس لسجود السهو)
( كيفيته عند الحنفيين)
كيفيته عند المالكية والحنبلية ... ايتا السجود فى سورتى الفرقان والنمل
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
كيفيته عند الشافعية ... آية السجود فى سورة السجدة
( الفرع السادس لسجود السهو)
(تعدد سبب السجود)
المسائل التى يتكرر فيها سجود السهو صورة ... قصة سيدنا داود عليه السلام مع الخصمين
لا سجود على من سها فى سجود السهو
الرد على من زعم أن السجود يتكرر بتعدد سببه ... موضع السجود فى سورة ص عند الحنفيين
( الفرع السابع لسجود السهو)
( تدارك السجود)
تداركه عن الحنفيين والمالكية
تداركه عند الشافعية ... رد دعوى أن سيدنا داود رغب فى قتل أوريا ليتزوج امرأته
تداركه عند الحنبلية ... المذاهب فى محل السجود فى ىية فصلت
( سجدة التلاوة ) دليلها
1- ( سبب سجود التلاوة ) ... آيتا السجود فى سورة النجم والانشقاق
2- ( شرطه)
سجود التلاوة على الدابة . الإيماء به ... آية السجود فى سورة اقرأ
هل يؤدى فى الوقت المكروه ؟ ... طغيان أبى جهل ورد كيده فى نحره(1/321)
المذاهب فى أنه هل يفعل فى أوقات النهى ... بيان ما نزل فى شأن أبى جهل من سورة اقرأ – قتل ابى جهل ببدر
مبنى الخلاف فى أن سجود التلاوة هل يؤدى فى وقت النهى ؟ ... سجود المسلمين والمشركين مع النبى صلى الله عليه وسلم
دليل أنه لا يشترط له الطهارة
3- ( ركن السجود) هل يكفى ركوع الصلاة أو سجودها عن سجدة التلاوة ؟ ... من لم يسجد من المشركين مسالة الغرانيق
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
4- ( حكم السجود) دليل أنه سنة دليل من قال بوجوبه ... رد حديث الغرانيق
5- ( آيات السجود) ... إبطال قصة الغرانيق بالقرآن والسنةوالعقل
طعن الأستاذ محمد عبده فى قصة الغرانيق ... رد القول بكراهة قراءتها فى الصلاة
رد دعوى ابن حجر صحة حديث الغرانيق ... المذهب فى حكم قراءتها
سجود الماموم تبعا للامام
الوجه الأول فى تفسير الآيات : وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبى ... مسائل فى سجود التلاوة فى الصلاة وخارجها وصلاة الجنازة
هل فى سورة ص آية سجدة وفى الحج آيتا سجدة ؟ ... 8- ( تكرير آية السجدة )
الموازنة بين آيات وما ارسلنا من قبلك الخ وىيات المحكم والمتشابة ... - ( كيفية سجود التلاوة فى الصلاة )
كيفيته خارج الصلاة عند الحنفيين والمالكية
الوجه الثانى فى تفسير الآيات وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبى ... كيفيته خارج الصلاة عند الحنبلية والشافعية
أمانى الأنبياء ... (10)( ما يقال فى سجود التلاوة)
سنة الله تعالى فى الرسل والاتباع وغيرهم ... (11) ( سجود التلاوة على الدابة )
عدد آيات السجود عند الشافعية والحنبلية ... المذاهب فى كيفية سجود التلاوة على الدابة
(12) ( قضاء سجدة التلاوة)
دليل أن فى سورة الحج سجدتين ... ( سجود الشكر)
دليل براءة الرسول فى مسالة الغرانيق
دليل أن سجدة ص للشكر شواهد تدل على أن فى الحج سجدتين ... بعض ما ورد فيه
حرص النبى صلى الله عليه وسلم على سعادة الأمة
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
دليل ان سجدة ص سجدة تلاوة ... المذاهب فى حكم سجود الشكر(1/322)
جواب من قال إن سجدة ص للتلاوة عن ادلة من قال إنها للشكر ... إظهاره وإخفاؤه – هل يشترط له ما يشترط الصلاة
عدد آيات السجود عند المالكية ... هل تقضى سجدة الشكر ؟
( الصلوات غير المشروعة )
اسباب وضع الحديث
6- ( من يطلب منه سجود التلاوة ) ... (1) ( الموضوع فى الرواتب )
هل يشترط لسجود سامع ىية السجدة قصده السماع ؟ ... (2) ( صلاة ليلة الجمعة ويومها)
المذاهب فيما يشترط لسجود سامع ىية السجدة ... بعض ما لم يثبت فيها
هل يشترط لسجود سامع آية السجدة سجود القارىء ... (3) ( صلاة ليلة السبت ويومه)
(4) ( صلاة ليلة الأحد ويومه)
لا ينوى السامع الاقتداء بالقارىء فى السجود الاقتصار على آية السجدة ... (5) ( صلاة ليلة الاثنين ويومه)
-( سجود التلاوة فى الصلاة ) ... بعض ما لم يثبت فى صلاة ايام الاثنين
حكم قراءة آية السجدة فى الصلاة
(6) ( صلاة ليلة الثلاثاء ويومه) ... بعض ما يدل على حرمة لبس الحرير للرجال
(7) ( صلاة ليلة الاربعاء ويومه)
(8) ( صلاة ليلة الخميس ويومه)
(9) ( صلاة الاوابين ) ... بعض ما يدل على إباحته للنساء
(10) (صلاة الغفلة)
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
(11) ( صلاة عاشوراء) ... دليل من قال بحل الحرير الجواب عنه
(12) (صلاة رجب )
صلاة الرغائب ... حرمة استعمال الحرير الخالص أو الغالب للرجال
(2) زر الطربوش) نص الفقهاء على حرمته
وجوه كراهتها ... إفتاء علماء الأزهر محرمته إذا كان حريرا
صلاة ليلة النصف من رجب ... (3) استعمال الحرير غير اللبس
(13) ( صلاة ليلة النصف من شعبان) ... دليل حرمته على الرجال
بيان حال الأحاديث الواردة فيها ... دليل من اباح افتراشه والاستناد اليه رده
جملة من الصلوات الموضوعة ... الحكمه فى تحريم الحرير على الرجال
(14)( صلاة ليلة الفطر ويومه) ... (4) ( اللباس المخلوط وليس الحرير غالبا )
مذهب الحنفية والشافعية فى استعماله
(15)( صلاة يوم عرفة) ... مذهب الحنبلية والمالكية فى استعماله
(16) ( صلاة ليلة النحر ويومه) ... دليل حرمته على الرجال
((1/323)
17) ( صلاة رؤية النبى صلى الله عليه وسلم)
(18)( صلاة حفظ القرآن وغيره) ... رد دليل إباحته للرجال
(5) ( ما يباح من الحرير )
دليل حل اليسير منه كعلم الثوب
الرد على من صحح حديث صلاة الحفظ ... ما المراد بعلم الثوب
(19) ( صلاة قضاء الدين) ... نصوص الفقهاء فى حل المطرز والمكفوف بالحرير إذا كان اربع اصابع
(20) ( صلاة الهدية أو الفدية عن البيت)
(21) ( صلاة الكفاية)
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
( بعض السجدات المبتدعة ) ... (6) ( لبس الحرير لضرورة ) المذاهب فيه
( اللباس) ... نصوص الفقهاء على اباحته لضرورة
(1) ( حكم اللبس )
اللباس المستحب والمباح والمكروة ... حل لبس الحرير لعدم وجود غيره وفى الحرب
اللباس الحرام ... نصوص الفقهاء على حل لبسه فى الحرب
صور لبسه فيها عند الحنفيين
حل عروة القميص وزره من الحرير
صور لبسه فيها عند الحنفيين ... الظاهر أنه لبسه اول من لبس السراويل
حل عروة القميص وزره من الحرير ... (15) ( القميص)
(7) ( لبس المعصفر والمزعفر ) ... لم كان القميص أحب الثياب الى النبى صلى الله عليه وسلم ؟ جيب الثوب
التحذير من لبسهما ... (16) ( هيئة اللباس) التوسط فيه
المذاهب فى حكمه ... طول كم القميص وموضعه من اليد
الأدلة الظاهرة فى حرمة لبسهما . قول الشافعى : خذوا بالحديث ولا تقلدونى ... طول كم قميص المرأة سبب نزول آية إدناه الجلباب
(8) ( لبس الأحمر)
عدم رد السلام على مرتكب المعصية حكم لبس الأحمر المشوب بغيره ... كلام العلماء فى سعة الكم . ذيل الثوب
بيان الحلة الحمراء التى كان يلبسها النبى صلى الله عليه وسلم الجمع بين الأدلة فى لبس الأحمر ... التحذير من إسبال الإزار
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
كلام الفقهاء فيه ... الأسبال فى الإزار والعمامة
طلب الإسبال للمرأة
الرد على من اباح لبسه خالصا ومن منعه ولو مخططا ... بعض ما ورد فى التحذير من الإسبال
التحذير من لبس ثياب الشهرة والرياء ... حد الإسبال للنساء
لبس ما صبغ قبل النسج وبعده ... حكم الإسبال للخيلاء ولغيرها
((1/324)
9) ( لبس البيض ) ... ليس كل إسبال فيه خيلاء
دليل اسحباب الثياب البيض والتكفين فيها
(10)( لبس الأصفر) ... المستحب والجائز فى ذيل الثوب مخالفة النساء والرجال
(2) ( لبس الأخضر ) ... المشروع فى اللباس
(3) ( لبس الأسود) ... معنى حديث : نساء كاسيات عاريات الخ
دليل جوازه
(4) ( لبس المخطط) ... تساهل الرجال فى امر النساءوزارة التربية والتعليم تحذر الطالبات من الظهور بملابس قصيرة
(5) (السراويل)
دليل جواز لبس السراويل ... التحذير من سعة الثياب ومن طولها للرجال
بعض ما ورد فى لبسه ... قصة ابن واسع مع ابن ابى بردة . ليس للمرء صرف ماله فيما لا يجيزه الشرع
هل لبسه النبى صلى الله عليه وسلم ... مفاسد طول الثياب الأصل فى ترك السنن أتباع العادة
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
وصف علماء السوء لم يكن للعلماء لباس خاص ... استحباب غسل الثياب وإصلاح الشعر معنى الحديث : إن الله نظيف يحب النظافة
(28) ( طى الثياب)
صفة العالم ... ( التحلى بالذهب والفضة )
قصة ابى الحسن الزيات مع وزير زمانه كرامة العالم بعملة لا بعلمه ... توارث الخلفاء خاتم النبى صلى الله عليه وسلم بئر اريس
(17) ( التيامن فى اللباس وغيره) ما يطلب فيه التيامن والتياسر ... (1) ( التختم بالفضة )
دليل جوازه
(18) ( الثياب الرقيقة والضيقة ) ... الراجح استحباب التختم بالفضة لذى سلطان وغيره
تحذير النساء من لبس رقيق الثياب ... رأى الأئمة فى لبس خاتم الفضة لغير ذى سلطان
(19) 0 لبس الصوف والكتان ونحوهما) ... (2) ( كيفية التختم ) التختم فى اليمين واليسار
كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلا وكان يلبس الصوف والخشن ... دليل افضلية التختم فى خنصر اليسرى
كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يلتزم لباسا خاصا ز لبس الكتان مباح ... (3) ( التحلى بغير الذهب والفضة )
(20) ( القباء) ما ورد فى لبسه ... مذهب الحنفيين فى حكم التختم بالحديد والنحاس ونحوهما
(21) ( البرنس)
(22) ( لبس الفراء وجلد الأرنب ) ... مذهب المالكية والشافعية والحنبلية فى ذلك
((1/325)
23) ( لبس المصبوغ من الثياب )
حكم لبس ما صبغه الكفار ... حكم التختم بالعقيق والماس ونحوهما
حكم الصلاة فى ثياب المرضعة وملابس النجاسة والكفار
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
(24)( لبس المزر وغيره) ... (4) ( نقس الخاتم)
(25)( ما يقول من لبس جديدا )
التصدق بلباس استغنى عنه ... نقش خاتم النبى صلى الله عليه وسلم حكم نقش الخاتم
(26)( ما يقال لمن لبس ثوبا جديدا ) ... بعض آثار فيما ينقش على الخاتم
(27) ( تنظيف اللباس ) ... هل يدخل الخلاء بخاتم فيه اسم الله ؟
حكم نقش صورة حيوان على الخاتم
(5) ( وزن الخاتم وعدده )
الحث على تحسين الثياب ونظافتها ... المذاهب فى هذا
(206) ( منع الصغير مما لا يحل للكبير )
الجمع بين أحاديث الحق على تحسين الثياب وحديث إن البذاذة من الايمان ... نصوص الفقهاء فى هذا
التحذير من تشبه الرجال بالنساء وعكسه ... بعض ما ورد فيها – كيفية سدلها
ما ورد فى هذا من الوعيد ... غزوة بدر
لعن النبى صلى الله عليه وسلم العاق لوالديه والديوث ورجله النساء ... الاستشارة فيها – بدء القتال
بعض أدلة حرمة تشبه الرجال بالنساء وعكسه . تعزيز من يتشبه بالنساء ... انتصار المسلمين بها . عدد القتلى والأسرى بها
حرمة الخضاب بالحناء على الرجل ... شهداء بدر استشارى النبى صلى الله عليه وسلم فى اسراها
حرمة لبس القلانس والعمائم على النساء دليل جواز الخضاب للمرأة ... نزول الملائكة بها دعاء النبى صلى الله عليه وسلم بها قتل ابى جهل
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
( العمامة ) ... غزوة حنين سبب انهزام المسلمين فيها أولا
بعض ما ورد فيها
لا يتشبه المسلم بالكافر فى زيه ... غنائمها . قسمتها بين المؤلفة والمهاجرين ترضية الأنصاء
(1) ( قدر العمامة )
عمامة النبى صلى الله عليه وسلم كانت وسطا ... موضع ارخاء العذبة . إسلام وفد هوازن رد السبايا اليهم
(2) ( العمامة البيضاء ) ... الرد على من زعم أن ارسال العذبة عادة عربية لا سنة شرعية
الترغيب فى لبس الأبيض(1/326)
الكلام فى فضل العمامة البيضاء ... طول العذبة وموضع ارسالها
(9) ( نصوص الفقهاء فيها )
(1) كلام الحنفيين
سيما الملائكة يوم بدر واحد وحنين ... مذهبهم أنها سنة وتركها مكروه
(3) ( العمامة السوداء ) ... العذبة سنة ثياب فاعلها
(ب) ( كلام السادة المالكية فيها )
بعض ما ورد فيها ... التحنيك عند الشافعية
(جـ) ( كلام السادة الشافعية فيها )
بعض الاثار الواردة فيها ... حكمة ارسالها ، إفحاش طولها من الإسبال
(4) ( العمامة الصفراء ) ... حكم التحنيك عند الشافعية
(د) ( كلام السادة الحنبلية فيها )
(5) ( العمامة المخططة ) ... بعض ما ورد فى العذبة الأفضل إرخاؤها بين الكتفين
(6) ( العمامة الحمراء ) والخضراء
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
(7) ( العذبة ) ... حكم تركها . الخلاف فى مكان ارسالها
(8) ( حكم العذبة )
(10) ( فتاوى أئمة العصر فيها ) ... ترجمة سيدنا الحسن رضى الله عنه
خطأ من زعم ان ارسالها العذبة لاثواب فيه ( سنن الهدى والزيادة ) ... خلافته تنازله عنها لمعاوية
سنة الهدى تركها ضلالة سنة الزوائد يثاب فاعلها ... حادثة المقدام مع معاوية فى شأن الحسن
سنة الزوائد تكون عبادة معنى كونها عادة معنى النفل ... الراجح جواز استعمال جلد مالا يؤكل لحمه إذا ذكى او دبغ
( خاتمة فى اللباس )
(1) ( لباس النبى صلى الله عليه وسلم )
كان النبى صلى الله عليه وسلم يلبس ما يجد من إزار وغيره ... (4) ( اتخاذ النعل )
التبرك بىثار الصالحين ( هـ)
لبس النبى صلى الله عليه وسلم الحبرة والأخضر ... الراجح جواز لبس النعال بالمقابر
اشترى النبى صلى الله عليه وسلم السراويل وهل لبسها ؟ ولبس خاتما من ذهب قبل تحريمه . حكم لبس الطيلسان ... (1) ( نعل النبى صلى الله عليه وسلم )
اعطى النبى صلى الله عليه وسلم عمامته السحاب لعلى رضى الله عنه ... (2) ( لون النعل )
الترغيب فى لبس النعل الاصفر دون السود
كيف لبس صلى الله عليه وسلم العمامة والقلنسوة ز رد ما زعمته الرافضة فى مسالة السحاب ... (3)( ما يطلب من المنتعل )(1/327)
الحث على التيامن فى الانتعال ونحوه
دعاء اللباس . التيامن فيه ز تحلية ىلة الحرب بالفضة للرجل ... ما يستحب للمنتعل عمله
متي يطلب خلع النعل واين يوضع
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
(2) ( المخالفة فى اللباس ) الحث على مخالفة الكفار فى اللباس وغيره ... خلع النعل حال الاكل حكم الانتعال قائما
(4) ما يكره للمنتعل
التزى بزى الأمثال ... حكم المشي في نعل واحدة
(3) ( لبس الجلود) ... رد ما قيل ان النبي صلى الله عليه وسلم مشي في نعل واحد
لا يحل الانتفاع بجلد الميتة ما لم يدبغ
مذهب غير الحنبلية فى حكم استعمال جلد الميتة ... حكمة النهي عن المشي في نعل واحد
اقوال العلماء فيما يطهر بالدباغ وما لا يطهر ... نفض النعل قبل لبسها .حكم لبس النعل
ذي الصوت
هل الدباغ يطهر جلد الميتة عند الحنبلية ؟ المشهور لا ... حكم لبس القبقاب والمشي بلا نعل احيانا
لا يحل استعمال جلود السباع عند الحنبلية ولو مذكاة ... التوسط في اللباس وغيره ، الحث على الصبر والرضا بالمقسوم
بعض اداتهم على ذلك ... حكم ستر المنافذ وتغطية الجدران بالنسيج
رد القول بتحريم ستر الجدران بالنسيج(5) (كسوة الكعبة )
أول من كسا الكعبة ما كانت تكسى به ... وصف فراش النبى صلى الله عليه وسلم
من كساها الديباج ... وضع نحو الملاءة على الفراش
(8) الآثار الموضوعة فى اللباس)
(1) ( ما قيل فى العمامة )
التصرف فى كسوتها (6) ( لبس الخرقة ) ... ما لم يثبت فى العمامة
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
(1) ( شرط لبسها ) التحذير من لباس الرياء والشهرة ... (2) ( ما قيل فى القباء والمنطقة )
(3)(ما قيل فى لبس الصوف )
من هو أهل اللبس الخرقة والباسها ... ما لم يثبت فى لبسه
(2) ( فائدة الخرقة )
الشيخ مع التلميذ كالطبيب مع المريض ... (4) ( ما قيل فى الثوب )
(5)( ما قيل فى الخاتم)
مراتب الدعوة ... ما لم يثبت فى الخاتم
(3) ( دليل لبس الخرقة ) ... ما لم يثبت فى التختم بالعقيق
هل سمع الحسن البصرى من على رضى الله عنه ؟ ... (6) ( ما قيل فى النعل )
((1/328)
7) ( ما قيل فى طى الثياب )
ما يدل على سماعة منه ... تنبيهات
لم يثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من اصحابه البس غيره الخرقة ... دليل الاحاديث والاثار
تلقين الذكر لا اصل له . حكم المبايعة على السمع والطاعة (7) ( الفراش )
صواب الخطإ المطبعى للجزء السادس
من كتاب الدبن الخالص
ص ... سطر ... خطأ ... صواب
وضع فكرته ... وضع اصله
فإن ... فإن
آيتين ... آيتين
المآوم ... المأموم
بكن ... يكن
بؤمن ... يؤمن
ريى ... ربي
وإذا تتلى عليهم آياتنا ... إذا تتلي علهم آيات الرحمن
ا شهور ... المشهور
الجويبارى ... الجوثباري
والاردية ... والارديه (22)
فغبرت ... فغيرت
احرجه ... أخرجه
أوقل ... او اقل
(56) ... (57)
(57) ... (58)
زمية ... زمنه
الخرقة ... الخرقه
( 273 ) ... (373 )
موضوع ... موضوع
البخارى ... البخارى(1/329)
الدين الخالص
أو
إرشاد الخلق إلى دين الحق
وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيي السنة ومميت البدعة
صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد
محمود محمد خطاب السّبكى
المتوفى فى الرابع عشر من ربيع الاول سنة 1352هـ -7يوليو سنة 1933م
عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه عالى الجنان
الجزء السابع
عنى بنتقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه وضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان حالها وغريبها ومراجعها خليفة الشيخ الامام المرحوم السيد
أمين محمود خطاب
المتوفى فى السابع والعشرين من ذى القعدة 1387هـ - 26 فبراير 1968م رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره
روضة من رياض الجنة وحشره مع الصالحين
حقوق الطبع محفوظة له
الطبعة الرابعة 1411هـ - 1991 م
بسم الله الرحمن الرحيم
الجنائز
هي بفتح الجيم ِجِنَازة بكسرها وتفتح ، من الخبر وهو الستر اسم للنعش عليه الميت(1). والكلام هنا ينحصر في سبعة أصول :
(أ) المرض : المرض نعمة من نعم الله تعالى على عباده الصالحين والكلام فيه ينحصر في أحد عشر فرعا :
(1) فضل المرض : جاء في فضله أحاديث ( منها) حديث أبى هريرة : " من يُرد الله به خيراَ يُصَيِب منه " أخرجه الشيخان والنسائي(2){ 1}
(
__________
(1) وقيل هى بكسر الجيم اسم للنعش وبالفتح اسم للميت
(2) انظر ص 86 ج10 فتح البارى ( كفارة المرض )و ( يصب ) بكسر الصاد عند الأكثر . والمعنى يبتليه الله تعالى بالمصائب ليثيبه عليها . وروى بفتح الصاد والمعنى يوجه اليه البلاء فيصيبه وهو أليق بالأدب لقوله تعالى : ( وإذا مرضت فهو يشفين ) ويشهد للأول حديث محمود بن لبيد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أحب الله قوما ابتلاءه فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع " أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات . انظر ص 86 ج10 فتح البارى(1/1)
وحديث ) أنس بن مالك : أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ابنة لي كذا وكذا ذكرت من حسنها وجمالها . أتْرِ بُكَ بها قال : قد قبلتُها فلم تزل تمدحُها حتى ذكرت أنها لم تصُدع ولم تشتك شيئا قط " قال " لا حاجة في ابنتك . أخرجه أحمد وأبو يعلى بسند رجاله ثقات (1) { 2}
وهو رافع للدرجات مكفر للسيئات لمن صبر ولم يجزع ( لحديث ) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما مِن مصُيبِة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يُشاكُها " أخرجه البخاري(2) {3}
( وحديث ) أبى سعيد وأبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما يصيب المؤمن من نصَب ولا وصَب ولا هَم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه " أخرجه البخاري والشيخان(3){ 4}
( في هذه ) الأحاديث بشارة عظيمة للمؤمن لأنه لا ينفك غالبا عن ألم من مرض أو نحوه . وفيها أن الأمراض والآلام بدنية أو قلبية تكفر ذنوب من يصاب بها .
وظاهره تعميم جميع الذنوب لكن خصه الجمهور بالضفائر ( لحديث ) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر " أخرجه احمد ومسلم والترمذى(4) { 5}
__________
(1) انظر ص 294 ج2 مجمع الزوائد ( من لم يمرض ) أتربك : أى اغنيك بها ، يقال : اترب الرجل إذا استغنى .
(2) انظر ص 82 ج10 فتح البارى ( كفارة المرض ) .
(3) انظر ص 84 ج10 فتح البارى و ( النصب ) " بفتحتين " التعب . و ( الوصب ) المرض . والهم : الحزن على ما يأتى والغم : والآلم لما وقع
(4) انظر ص 117 ج3 نووى مسلم .(1/2)
حملوا المطلقات الواردة في التكفير على هذا المقيد ، ويحتمل أن يكون معنى المطلق أن البلايا والأمراض ونحوها صالحة لتكفير الذنوب فيكفر الله بها ما شاء من الذنوب . والمراد بتكفير الذنب ستره أو محو أثره المترتب عليه من استحقاق العقوبة ( وقد ) استدل بإطلاق الأحاديث على أن السيئات تكفر بمجرد حصول المرض أو غيره وإن يكن معها صبر ( وقال ) القرطبي وغيره : محله إذا صبر المصاب واحتسب ( لحديث ) صهيب بن سنان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد غير المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا " أخرجه مسلم (1){ 6}
والظاهر أن المصيبة إذا قارنها الصبر حصل التكفير ورفع الدرجات وإن لم يحصل صبر ولا جزع يذم عليه من قول أو فعل ففضل الله واسع . ولكن منزلته منحطة عن منزلة الصابر . وإن لم يكن صبر ومعه جزع يذم عليه نقص الأجر أو التكفير فقد يستويان وقد يزيد أحدهما على الآخر فبقدر ذلك يقضى لأحدهما على الآخر(2).
هذا ويندب للمريض أن يصبر ويحمد الله ولا يشكو وأن يتضرع إلى ربه ( لحديث ) أبى أمامه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل ليقول للملائكة : انطلقوا إلى عبدي فصبتوا عليه البلاء صبا فبحمد الله فيرجعون فيقولون : يا ربنا ، صببنا عليه البلاء صبا كما أمرتنا فيقول : ارجعوا فإني أحب أن أسمع صونه " أخرجه الطبرانى في الكبير . وفيه عفير بن معدان وهو ضعيف (3) {7}
(
__________
(1) انظر ص 125 ج12 منه
(2) انظر ص 88 ج10 فتح البارى ( آخر كفارة المرض ) . ويشير الى هذا التفصيل حديث محمود بن لبيد المتقدم بهامش حديث رقم 1 .
(3) انظر ص 290 ج2 مجمع الزوائد ( فيمن يبتلى )(1/3)
2) فضل الله تعالى على المريض : من فضل الله تعالى على عبده المؤمن أنه إذا مرض أو منعه مانع من طاعة كان يؤديها وهو صحيح مقيم أن يعطيه الله تعالى أجر ما كان يعمله من الخير ومنعه منه مرض أو غيره . وقد ورد في هذا أحاديث ( منها ) حديث أبى بردة عن أبى موسى الأشعرى قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم غيره مرة ولا مرتين يقول " إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشغله عنه مرض أو سفر كُتِب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم " أخرجه آبو داود والبيهقى وكذا البخاري(1) بلفظ : إذا مرض العيد أو سافر كُتِب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا . { 8}
( وحديث ) عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به أكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفِته إلى " أخرجه أحمد وعبد الرازق بسند صحيح(2) { 9}
والأحاديث في هذا كثيرة :(3)
(
__________
(1) انظر ص 218 ج8 – المنهل العذب ( إذا كان الرجل يعمل صالحا فشغله عنه مرض ) و ص 83 ج6 فتح البارى ( يكتب للمسافر ما كان يعمل فى الإقامة )
(2) انظر ص 303 ج2 مجمع الزوائد ( ما يجرى على المريض ) وأكفته بفاء وتاء مثناه أى أضمه الى القبر .
(3) تقدم بعضها فى بحث صلاة المريض ص 36 ج4 الطبعة الأولى .(1/4)
3) فضل الصبر : الصبر لغة حبس النفس عن الضجر والرضا بما يقتضيه العقل أو الشرع . واصطلاحا خلق فاضل يحمل النفس على التحلي بما يحسن والتخلى عن القبيح . ( وقيل) هو اعتراف العبد بأن ما أصابه من الله واحتساب أجره عنده ورجاء ثوابه منه . ( وقيل ) هو حبس النفس على الطاعة ومشاقها والمصائب وحرارتها وعن المنهيات والشهوات ولذاتها ( وهو ) ثلاثة أنواع : صبر على المصيبة ، وصبر على الطاعة ، وصبر عن المعصية . هذا . والصبر فضله عظيم وأجره عميم قال الله تعالى : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ(1) وقال : " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " (2)
__________
(1) الزمر: 39–أى يعطون أجرهم بلا مكيال ولا ميزان( فقد ) قال على رضى الله عنه : كل مطيع يكال له كيلا يوزن له وزنا الا الصابرين فإنه يخشى لهم خثيا .
(2) البقرة : 155- 157 – والصلاة : المغفرة والثناء الحسن . والرحمة : العطايا والإحسان . والمهتدون : الكاملون فى الهداية ، فإن الرضا بالقضاء فى كل حال علامة الهدى الكامل . ولما نزلت هذه الآية قال عمر رضى الله عنه : نعم العدلان ونعمت العلاوة . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة فهذان العدلان وأولئك هم المهتدون . فهذه العلاوة وهى ما يوضع بين العدلين .(1/5)
و أفضله ما كان عند الصدمة الأولى ( لحديث ) ثابت عن أنس قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تبكى على صبى لها فقال لها : اتقى الله واصبري فقالت : وما تُبالى أنت بمصيبتي ؟ فقيل لها : هذا النبي صلى الله عليه وسلم فأتته فلم تجد على بابه بوابين فقالت يا رسول الله لم أعرفك . فقال : " إنما الصبر عند الصدمة الأولى " أخرجه الخمسة وأبو نعيم والطبرانى والبيهقى(1) { 10}
أي لا يكون الصبر الكامل المترتب عليه الثواب العظيم والأجر الجزيل إلا عند أول نزول المصيبة بخلاف ما كان بعد ذلك فإنه بمرور الأيام يسلو
( وفائدة) جواب المرأة بذلك أنها لما جاءت بين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال ، فهو الذي يترتب عليه الثواب الكامل .
(
__________
(1) انظر ص 95 ج3 فتح البارى ( زبارة القبور ) وص 227 ج6 نووى ( الجنائز ) وص 273 ج6 المنهل العذب ( الصبر عند المصيبة ) وص 130 ج2 تحفة الأحوذى ( الصبر فى الصدمة الأولى ) و ( اتقى الله واصبرى ) إنما أمرها النبى صلى الله عليه وسلم بذلك لأنها تبكى بنوح . ففى رواية يحيىبن كثير : فسمع ما يكره والمعنى : احذرى غضب الله تعالى وعقابه واتركى النياحة ولا تجزعى ليحصل لك الأجر ( وما تبالى أنت بمصيبتى ) أى لا يهمك أمرها . وفى رواية البخارى : إليك عنى فإنك لم تصب بمصبتى ( والصدم) فى الأصل : ضرب الشىء الصلب بمثله فاستعير لورود المصيبة على القلب لشدته .(1/6)
وجوابه) صلى الله عليه وسلم بهذا عن قولها " لم أعرفك " من قبيل الأسلوب الحكيم كأنه قال لها : أدعى الاعتذار فآني لا أغضب لغير الله تعالى . وتحلى بما فيه سعادتك في الدارين وإنما يكون ذلك بالصبر والرضا بقضاء الله وقدره ولا سيما عند مفاجأة المصيبة . وقد ورد في فضل الصبر أحاديث كثيرة ( منها ) حديث آبى هريرة قال : " جاءت امرأة بها آلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ادع لي فقال : إن شئتِ صبرتِ ولا حساب عليك . قالت بلى ، أصبر وَلا حساب علىَّ " أخرجه البزار بسند حسن وأحمد وابن حبان بسند رجاله رجال الصحيح خلا محمد ابن عمرو وهو ثقة وفيه ضعف(1) { 11}
( وعن ) عطاء بن آبى رباح عن ابن عباس قال : ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ فقلت بلى . فقال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إنى اصرع وإنى أتكشف فادع الله تعالى لي . فقالت إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة . وإن شئتِ دعوتُ الله تعالى أن يعافيك فقالت أصبر . فقالت إنى أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف فدعا لها . أخرجه الشيخان (2) { 2}
(
__________
(1) انظر ص 307 ج2 ، وص 116 ج5 مجمع الزوائد ، وص 91 ج10 فتح البارى
(2) انظر ص 191 ج10 فتح البارى ( فضل من يصرع من الريح ) ( والصرع 9 بفتحتين : علة تمنع الأعضاء الرئيسية عن انفعالها منعا غير تام ( وسببه) ريح غليظة تنجس فى منافذ الدماغ أو بخار ردىء يرتفع اليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج فى الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصبا بل يسقط ويقذف بالزبد لشدة الرطوبة ( وقد) يكون الصرع من الجن ولا يقع الا من النفوس الخبيئة منهم إما لاستحسان بعض الصور الإنسية . وإما لإيقاع الأذية به ، وهذا لا يعالج الا بمقاومة الأرواح الخيرة العلوية ليندفع ىثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطل افعالها . انظر ص 90 ج10 فتح البارى وتمامه يأتى علاج الصرع .(1/7)
وعن ) أنس قال ك سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله تعالى قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة . يريد عينيه " أخرجه البخاري(1) { 12}
( وعن ) أبى منيب الأحدب قال : خطب معاذ بالشام فذكر الطاعون فقال : إنها رحمة ربكم ودعوة نبيكم وقبضُ الصالحين قبلكم ، اللهم اجعل على آل محمد نصيبهم من هذه الرحمة ثم نزل عن مقامه ذلك فدخل على عبد الرحمن ابن معاذ فقال عبد الرحمن ( الحقُ مِن رَّبك فَلاَ تكُونَنَ مِنَ الممتَريِن ) فقال معاذ : ستجدني إنْ شَاء اللهُ مِنَ الصَابرين . أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (2) { 14}
( وعن ) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى : ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة " أخرجه البخاري(3)
(4) عبادة المريض : العبادة : الزيارة وتفقد الحال ، وهى حق من حقوق المسلم على المسلم ( لحديث ) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : حق المسلم على المسلم ست . قيل ما هن يا رسول الله ؟ قال : إذا لقيتَه فسلَّم عليه ، وإذا دعاك فاجبه . وإذا استنصحك فانصح له ، وإذا عَطَسَ فحمد الله فسمَّته ، وإذا مرض فعُده ، وإذا مات فاتَّبعه " أخرجه أحمد والشيخان{ 16}(4)
والكلام فيها ينحصر في خمسة مباحث :
(
__________
(1) انظر ص 92 ج10 فتح البارى ( فضل من ذهب بصره )
(2) انظر ص 311 ج2 مجمع الزوائد ( الطاعون وما تحصل به الشهادة ) .
(3) انظر ص 191 ج11 فتح البارى ( العمل الذى يبتغى به وجه الله تعالى )
(4) انظر ص 143 ج14 نووى ( من حق المسلم على المسلم رد السلام ) وص 72 ج3 فتح البارى ( الأمر باتباع الجنائز ) ولفظ البخارى : حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام وعيادة المريض الخ . ( فسمته ) بالسين المهملة من السمت وهو القصد والطريق القويم وروى بالشين المعجمة من التشميت وهو الدعاء بالخير والرحمة(1/8)
أ) حكمها : هي سنة مؤكدة عند الجمهور ( لقول ) ابن عباس رضى الله عنهما : " عيادة المريض أول يوم سنة وبعد ذلك تطوع " أخرجه الطبرانى في الكبير والأوسط ، وفيه النضر آبو عمر وحديثه حسن(1) {17}
( وقال ) البخاري : إنها واجبة . وقال ابن حمدان : إنها فرض كفاية ( لحديث ) آبى موسى الأشعر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أطعموا الجائع وعودوا المريض وفُكٌّوا العانى " أخرجه احمد والبخاري وأبو داود(2) { 18}
( ولحديث ) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خمس تجب للمسلم على أخيه : رد السلام ، وتشميت العاطس ، وإجابة الدعوة ، وعيادة المريض واتباع الجنائز " أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم (3) { 19}
( وأجاب ) الجمهور بأن الأمر في الحديث الأول والوجوب في الثاني محمول على مزيد الترغيب في عيادة المريض والاهتمام بشأنها ، وللحث على التواصل والألفة ، وإلا فهي في الأصل مندوبة ، وقد تصل إلي الوجوب في حق البعض وتتأكد في حق من ترجى بركته ، وتسن فيمن يراعى حاله وتباح فيما عدا ذلك ( ونقل ) النووي الإجماع على عدم الوجوب يعنى على الأعيان(4)
(
__________
(1) انظر ص 296 ج2 مجمع الزوائد ( عيادة المريض )
(2) انظر ص 89 ج10 فتح البارى ( عيادة المريض ) وص 238 ج8 – المنهل العذب ( الدعاء للمريض ) و ( العانى ) الأسير .
(3) انظر ص 143 ج14 نووى مسلم ( حق المسلم للمسلم ) وص 73 ج3 فتح الباري ( الأمر باتباع الجنائز ) ولفظ البخاري تقدم بهامش حديث رقم 16 .
(4) انظر ص 89 ج10 فتح الباري ( وجوب عيادة المريض )(1/9)
هذا ) وقد استدل بعموم قوله : " عودوا المريض " على مشروعية العيادة لكل مريض ( وقد) جاء في عيادة الأرمد بخصوصها حديث زيد بن أرقم قال : " عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني " أخرجه أبو داود وأحمد والبيهقى والبخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه(1) {20}
( ويلحق ) بعيادة المريض تعهده وتفقد أحواله والتلطف به وربما كان ذلك سببا لنشاطه وانتعاش قوته وفى إطلاق الحديث دليل على أن العيادة لا تتقيد بوقت .
(ب) فضل العبادة : قد ورد فضلها والترغيب فيها أحاديث منها ( حديث ) ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من عاد مريضا لم يزل في خرفه الجنة حتى يرجع قيل يا رسول الله وما خرفة الجنة ؟ قال : جناها " أخرجه أحمد ومسلم والترمذى والبيهقى(2) {21}
( وحديث ) ثابت البنانى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من توضا فأحسن الوضوء وعاد أخاه المسلم محتسبا بوعد من جهنم مسيرة سبعين خريفا ، فقلت يا ابا حمزة ما الخريف ؟ قال : العالم " أخرجه أبو داود(3) {22}
(
__________
(1) انظر ص 232 ج8 – المنهل العذب ( العيادة من الرمد) وص 381 ج3 بيهقى ( وأما ) حديث آبى هريرة مرفوعا " ثلاث لا يعاد صاحبهن : الرمد ، وصاحب الضرس ، وصاحب الدملة " أخرجه الطبرانى في الأوسط ، في سنده مسلمة بن على الحبشي ضعيف . انظر ص 300 ج2 مجمع الزوائد وذكره ابن الجزرى في الموضوعات ( ورد) بأنه ضعيف فقط .
(2) انظر ص 125 ج16 نووي مسلم ( فضل عيادة المريض ) وص 380 ج3 بيهقى وص 124 ج2 تحفة الاحوذى ( والخرفة ) كغرفة وهى ثمرة الجنة النضجة شبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه من يجتنى الثمر ( وجناها ) آي يؤول به ذلك ذلك إلى الجنة واحتناء ثمارها .
(3) انظر ص 227 ج8 – المنهل العذب ( فضل العبادة) .(1/10)
وحديث ) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من عاد مريضا خاض في الرحمة ، فإذا جلس إليه غمرته الرحمة ، فإن عاده من أول النهار استغفر له سبعون ألف ملك حتى يمسى ، وأن عاده من أول الليل استغفر له سبعون آلف ملك حتى يصبح ، قيل يا رسول الله هذا للعائد فما للمريض ؟ قال : أضعاف هذا " أخرجه الطبرانى في الكبير . قال الهيثمى وفيه محمد بن عبد الملك الأنصاري ولم أجد من ذكره (1){13}
( وحديث ) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تعالى يقول يوم القيامة : يا بن آدم مرضت فلم تعدني . قال : يا رب كيف أدعوك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ، أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده " ( الحديث ) أخرجه مسلم(2) {24}
أضاف المرض إليه تعالى – والمراد العبد – تشريفا للمريض ، ومعنى " وجدتني عنده ، " أى وجدت ثوابي وكرامتي ، لقوله في تمام الحديث : لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ، لو اسقياه لوجدت ذلك عندي : أى ثوابه(3)
(ج) آداب العبادة : يندب فيها أمور : المذكور منها هنا عشرة :
(1) يستحب لعائد المريض أن يدعو له بالشفاء ويأمره بالصبر ( لحديث ) عائشة بنت سعد بن أبى وقاص أن أباها قال : " اشتكيت بمكة فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ووضع يده على جبهتي ثم مسح صدري وبطني ثم قال : اللهم اشف سعدا وأتمم له هجرته " أخرجه أبو داود والبيهقى وكذا البخاري مطولا(4) {25}
(
__________
(1) انظر ص 298 ج2 مجمع الزوائد ( عيادة المريض ) .
(2) انظر ص 125 ج16 نووي مسلم ( عيادة المريض ) .
(3) انظر ص 126 ج16 نووي مسلم
(4) انظر ص 237 ج8 – المنهل العذب ( الدعاء للمريض ) وص 381 ج3 بيهقى ( وضع اليد على المريض ) وص 94 ج10 فتح الباري .(1/11)
وعن ) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من عاد مريضا لم يحضر اجله فقال عنده سبع مرار : أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض " أخرجه الثلاثة وابن حبان(1) {26}
( وعن ) ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جاء الرجل يعود مريضا فليقل : اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدوا أو يمشى لك إلى جنازة " أخرجه أبو داود والحاكم وابن حبان(2) {27}
( وعن) أبى أيوب الأنصاري رضى الله عنه قال : " عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار ، فأكب عليه يسأله قال : يا رسول الله ما غمِضت منذ سبع ليال ولا أحَدُ يحضرني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أى أخي اصبر ، أى أخي اصبر ، تخرج من ذنوبك كما دخلت فيها . أخرجه ابن أبى الدنيا {28}
(2) ويستحب إن يقول الزائر للمريض : لا باس عليك ، طهور إن شاء الله تعالى ( لحديث ) ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل يعوده فقال : " لا باس ، طهور إن شاء الله ، فقال : كلا بل هي حُمى تفور على شيخ كبير حتى تزيره القبور . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فنعم إذا " أخرجه البخاري(3) {29}
(
__________
(1) انظر ص 239 ج8 – المنهل العذب ( الدعاء للمريض )
(2) انظر ص 24 ج8 منه ( الدعاء للمريض ) و ( ينكأ ) كيمنع مهموزا : يجرح لإرضائك عدوا لدينك .
(3) انظر ص 95 ج1 فتح الباري ( ما يقال للمريض ) ( ولا باس ) آي أن المرض يكفر الخطايا و ( طهور ) آي هو مطهر لك من ذنوبك ، وهو دعاء ( فنعم إذا) آي إذا كان الأمر كما ظننت فنعم يحتمل أنه دعاء عليه . وأخبر عما يؤول إليه أمره ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه سيموت من ذلك المرض فدعا له بأن يكون الحمى طهرة لذنوبه . انظر ص 94 ج10 فتح الباري .(1/12)
3) ويستحب للزائر أن يضع يده على مكان المرض ويسمى الله تعالى ويدعو للمريض لما تقدم ، ولقول عائشة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضا يضع يده على المكان الذي يألم ثم يقول : باسم الله " أخرجه أبو يعلى بسند حسن(1) {30}
(4) ويستحب للزائر أن يطيب نفس المريض بإطماعه في الحياة وقرب الشفاء ( لحديث ) آبى سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئا وهو يطيب بنفس المريض " أخرجه ابن ماجه والترمذى بسند فيه لين(2) {31}
(5) ويستحب لعائد المريض أن يطلب منه الدعاء فإن دعاءه مستجاب ( لحديث ) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" عودوا المرضى ومروهم فليدعوا لكم فإن دعوة المريض مستجابة وذنبه مغفور " أخرجه الطبرانى في الأوسط وفيه عبد الرحمن بن قيس الغبي وهو متروك الحديث(3) {32}
(
__________
(1) انظر ص 95 ج10 منه ( وضع اليد على المريض )
(2) انظر 226 ج1 – ابن ماجه ( عيادة المريض ) " ويطيب بنفس " الباء للتعدية أو زائدة .
(3) انظر ص 295 ج2 مجمع الزوائد ( دعاء المريض )(1/13)
6) ويستحب تخفيف العبادة وعد تكريرها في اليوم إلا إن رغب المريض في ذلك فإن رغب في التطويل أو تكرير العبادة من صديق ونحوه ولا مشقة في ذلك فلا بأس به ( ويؤيده) حديث عروة عن عائشة قالت : " لما أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق رماه رجل في الأكحل فضرب عليه النبي صلى الله عليه وسلم قال خيمة في المسجد ليعوده من قريب " أخرجه آبو داود ومسلم وكذا البخاري مطول(1){
__________
(1) انظر ص 231 ج8 – المنهل العذب ( العيادة مرارا ) وص 373 ج1 فتح الباري ( الخيمة في المسجد للمرضى ( والرجل ) هو حبان – بكسر فشد – ابن قيس ابن علقمة ( والأكحل ) بفتح فسكون ففتح عرق في الذراع إذا قطع لا يرقا دمه حتى يموت صاحبه . ( وغزوة ) الخندق كانت في شوال سنة أربع من الهجرة ( مارس سنة 626 ميلادية ) لقول ابن عمر : " رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة ثم اجازنى يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة ( وحاصلها ) أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه تحزب قبائل العرب بإغراء حيى بن أخطب من بنى النضير وآخرين لمهاجمة المدينة فاشار سلمان الفارسى على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر خندق شمال المدينة وهى الجهة التي يخاف دخول العدو منها فحفر وقد قاسى المسلمون في حفره صعوبات وكابدوا مشقات وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكابد معهم وينقل التراب بنفسه حتى وارى الغبار بشرته وكان يتمثل بقول عبد الله بن رواحه :
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لا فينا
إن الآلي قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا
ولما رأى ما بهم من النصب قال :
اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
فقالوا مجيبين :
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا
ولما تم الخندق أقبلت الأحزاب كما قال الله تعالى في سورة الأحزاب ( إذ جاءوكم من فوقكم ) آي من الشرق وهم غطفان خرجوا في آلف . عليهم عوف بن مالك ، وعيينه بن حصن في بنى فزازة ، والحارث بن عوف المرى ، في بنى مرة . ومسور ابن مخرمه . فيمن تابعه من أشجع ( ومن أسفل منكم ) وهم قريش وكنانة وكانوا عشرة آلاف قائدهم أبو سفيان وانضم إليهم بنو قريظة ناقضين العهد . وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف . وجعل بينه وبين العدو الخندق وترامى الفريقان بالنبل نبفا وعشرين ليلة . اشتد فيها الحصار على المسلمين ونجم النفاق واضطرب ضعفاء الدين قال الله تعالى ( وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا (10) هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا (11) وإذا يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) (129 ورجع المنافقون قائلين : " إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ) (13) أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصالح عيينه بن حصن على ثلث ثمار المدينة ثمار المدينة ليفرق الجمع واستشار سعد بن عبادة وسعد بن معاذ في ذلك فقال ابن معاذ : قد كنا وهؤلاء على الشرك وهم لا يطعمون منا بثمرة إلا قرى- بالكسر – آي ضيافة أو بيعا فحين أكرمنا الله بالإسلام وأعنابك نعطيهم أموالنا ؟ والله لا نعطيك إلا السيف . فترك النبي صلى الله عليه وسلم ما أراد ثم أفحم جماعة من العدو خيلهم مهزما – آي مضيفا – من الخندق منهم عمرو بن عبد ود وكان عمره تسعين سنة فبارزه على بن آبى طالب فقتله ومنهم عكرمة بن أبى جهل فجعل عليه على فالقى رمحه وولى منهزما . ومنهم نوفل بن عبد الله المخزومى فسقط في الخندق فقتله على . وأصيب سعد بن معاذ في أكحلة فقال : اللهم لا تمتنى حتى تقرعينى من بنى قريظة ثم جاء نعيم بن مسعود الأشجعى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أنى قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني ما شئت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما أنت واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة – بفتح فسكون أو بضم ففتح – فتوجه إلى بنى قريظة وقال لهم : إن العرب إن لم ينصرفوا ينصرفوا ويتركوكم ومحمدا ولا طاقة لكم به فاتخذوا منهم رهائن كي لا ينصرفوا حتى يناجزوا منكم رهائن ويسلموهم له فيقتلهم وأخبر غطفان بمثل ذلك ، ولما اصبحوا طلبت العرب من بنى قريظة الخروج للحرب فاعتذروا السبت وأنهم لا يخرجون معهم حتى يأخذوا منهم رهائن فصدقوا نعيما وتوهنوا وتخاذلوا وتفرقوا . ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أدعية ( منها ) ط اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب ، اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " فأرسل الله عليهم ريحا في برد شديد فزلزلتهم واقلعتهم وأسقطت كل خيمة قائمة لهم وجالت الخيل بعضها في بعض وكثر تكبير الملائكة فيهم حتى قالوا : النجاء النجاء . وقام أبو سفيان وقال : يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام فقد هلك الكراع ( الخيل ) والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون . والله ما تطئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يتمسك لنا بناء , فارتحلوا فإنى مرتحل فارتحلوا . ولما سمع غطفان بما فعلت قريش انهزموا راجعين إلى بلادهم تاركين ما استثقلوا من متاعهم فغنمه المسلمون وانصرفوا منصورين يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة أربع ( وقد ) استشهد منهم ثنى : ثلاثة من الأوس وهم سعد بن معاذ وأنس بن أوس وعبد الله بن سهل وثلاثة من الخزرج وهم الطفيل بن نعمان وثعلبة ابن عنمه – بفتح المهملة والنون – وكعب بن زيد ، وقتل من المشركين ثلاثة : منبه ابن عبد العبدرى ، ونوفل بن عبد الله المخزومى ، وعمرو بن عبدود ( وفى غزوة الخندق ) نزل قول الله تعالى من سورة الأحزاب ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ) 29 ( إذ جاءوكم من فوقكم ) الآيات .(1/14)
33}
وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب عليه الخيمة في المسجد لتسهل عليه عيادته كثيرا .
(7) ويستحب لمريد العبادة الوضوء ( لحديث ) أنس السابق في فضل العبادة (1)
(8) ويستحب للعائد الذي يتبرك به المريض أن يتوضأ ويصب عليه وضَوءه ( لقول ) جابر " مرضت مرضا فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان فوجداني أغمى على فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صب وضَوءه على فأفقت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله كيف أصنع في مالي كيف أقضي في مالي ؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث أخرجه البخاري(2) {34}
(9) والأفضل المشي في العبادة ولا باس بالركوب لا سيما إذا كان لحاجة ( لحديث ) جابر : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ليس براكب بغلا ولا بِرْذَوْناً " أخرجه البخاري وأبو داود والترمذى والحاكم(3) {35}
( وعن ) عروة أن أسامة بن زيد أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف على قطيفة فَدَكِيه وأردف أسامة وراءه بعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر ( الحديث ) أخرجه البخاري(4). {36}
(
__________
(1) تقدم رقم 22 ص 9 .
(2) انظر ص 90 ج10 فتح الباري ( عيادة المغمى عليه ) .
(3) انظر ص 96 ج1 مه ( عيادة المريض راكبا وماشيا ) وص 227 ج8 المنهل العذب ( أتمشى في العيادة ) و ( البرذون ) بكسر فسكون ففتح – في الأصل : الدابة ، وفى العرف : التركى من الخيل .
(4) انظر ص 95 ج10 فتح الباري ( عيادة المريض راكبا وماشيا وردفا على الحمار ) و ( على قطيفة ) بدل مما قبله . ( والإكاف ) ما يلي ظهر الحمار كالبرذعة ( والقطيفة ) كساء يوضع فوق الإكاف ( وفد كية ) بفتحتين فكسر نسبة إلى فدك قرية بالشام صنعت فيها القطيفة .(1/15)
10) ويستحب للعائد ألا يتناول عند المريض طعاما ولا شرابا فإنه مكروه مضيع لثواب العيادة ( لحديث ) آبى أمامه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا عاد أحدكم مريضا فلا يأكل عنده شيئا فإنه حظه من عيادته " أخرجه الديلمى في مسند الفردوس . وفيه موسى بن وردان ضعفه ابن معين والذهبي(1) {37}
وفى معنى الأكل ما اعتيد من إتحاف الزائر يشرب القهوة أو الشراب أو اللبن أو نحو ذلك . فينبغي تجنبه للعائد إلا الأصل في عيادة فرعه فلا يمنع من ذلك ( لحديث ) سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنت ومالك لأبيك " أخرجه الطبرانى والبراز وفيه عبد الله بن إسماعيل لحرراني قال أبو حاتم لين وبقية رجاله ثقات(2) {38}
( فائدة ) قال جابر : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يأبها الناس أنا أكرم الناس حسبا فذكر حديثا وفيه : من عاد مرضانا عدنا مرضاه " أخرجه أبو الطيب الغولى بسند ضعيف(3) {39}
ولذا قال ابن وهب وأحمد : " لا تعد من لا يعودك " ( لكن ) قد يعارضه حديث قيس رجل من الأنصار قال : أخبرت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عد من لا يعودك " أخرجه الديلمى وهو حديث ضعيف(4) {40}
ويجمع بينهما بأن هذا محمول على الفصل والأول على العدل .
(
__________
(1) انظر ص 402 ج1 مناوى الجامع الصغير رقم 753 .
(2) انظر ص 49 و 50 ج3 منه رقم 2713
(3) انظر ص 357 ج2 كشف الخفاء . ورقم 3033
(4) انظر ص 357 ج2 كشف الخفاء . ورقم 3033(1/16)
د) عيادة المرأة : لا باس بعيادة الرجل المرأة المريضة إذا لم تؤذ إلى خلوة بأجنبية ( لحديث ) عبد الملك بن عُمَيْر عن أم العَلاء قالت : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة فقال : ابشري يا أم العلاء فإن مرض المسلم يُذْهب الله به خطاياه كما تُذْهِب النارُ خبث الذهب والفضة أخرجه أبو داود (1) {41} ( وللمرأة ) الأجنبية عيادة الرجل مع التستر وأمن الفتنة ( فقد ) عادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار . ذكره البخاري معلقا .(2)
( وقالت ) عائشة : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وُعِكَ أبو بكر وبلال فدَخلتُ عليهما فقلت يا أبت كيف تجدُك ؟ ويا بلال كيف تجدك ؟ وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول :
كل امرئ مُصَبَّح في أهله والموتُ أدنى من شِراك نعله
وكان بلال إذا أقلعت عنه يقول :
ألا ليتَ شعري هل أبيتنّ ليلة بواد وحولي إذخِر وجَليل
__________
(1) انظر ص 219 ج8 – المنهل العذب ( عيادة النساء ) .
(2) انظر ص 93 ج10 فتح الباري ( عيادة النساء الرجال ) و ( وعك) بضم فكسر آي أصابه الوعك وهى الحمى ( كيف تجدك) آي كيف تعلم حال نفسك ؟ و( مصبح) اسم مفعول كمحمد : آي مصاب بالموت صباحا أو يقال له : صبحك الله بالخير وقد يأتيه الموت بعد وهو مقيم بأهله ( والشراك) بكسر الشين – السير يكون في وجه النعل . والمعنى : أن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله برجله . و ( الإذخر ) بكسر فسكون : نبت طيب الرائحة . و ( جليل ) بالجيم بنت صفيق بوضع في سقف البيوت و ( أردن ) بنون التوكيد الخفيفة وكذا ( تبدون ) و( مجنة ) بالجيم وشد النون . موضع على أميال من مكة كان به سوق ( وشامة وطفيل ) قيل جبلان قرب مكة . وقال الخطابى : ثبت عندي أنهما عينان .(1/17)
وهل أَرِدَنْ يوما مياه مَجِنَّة وهل تَبّدُوَنْ لي شامة وطفيل أخرجه البخاري(1) { 42}
عيادة الذمي : تجوز عيادته إذا أرجى منها مصلحة له أو للعائد أو كان قريبا أو جارا ( لحديث ) ثابت عن أنس أن غلاما من اليهود مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له : " اسْلِمْ " فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له أبوه : أطعْ أبا القاسم فاسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول " الحمد لله الذي أنقذه بى من النار " أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي(2) {43}
( وعن ) أنس أن أبا طالب مرض فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يابن أخي أََدعُ إلهك الذي تعبُد أن يعافيني . فقال : " اللهم اشفِ عَّمى " فقام أبو طالب كأنما نَشِط من عِقال فقال له يابن أخي : إن إلهك الذي تعبُد لَيُطِيعُك . قال : " وأنت يا عم إن أطعتَ الله ليطيعُك " أخرجه الطبرانى في الآوسط وفيه الهيثم بن جمار البكاء وهو ضعيف(3) {44}
__________
(1) انظر ص 93 ج10 فتح الباري ( عيادة النساء الرجال ) و ( وعك) بضم فكسر آي أصابه الوعك وهى الحمى ( كيف تجدك) آي كيف تعلم حال نفسك ؟ و( مصبح) اسم مفعول كمحمد : آي مصاب بالموت صباحا أو يقال له : صبحك الله بالخير وقد يأتيه الموت بعد وهو مقيم بأهله ( والشراك) بكسر الشين – السير يكون في وجه النعل . والمعنى : أن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله برجله . و ( الإذخر ) بكسر فسكون : نبت طيب الرائحة . و ( جليل ) بالجيم بنت صفيق بوضع في سقف البيوت و ( أردن ) بنون التوكيد الخفيفة وكذا ( تبدون ) و( مجنة ) بالجيم وشد النون . موضع على أميال من مكة كان به سوق ( وشامة وطفيل ) قيل جبلان قرب مكة . وقال الخطابى : ثبت عندي أنهما عينان .
(2) انظر ص 94 ج10 فتح الباري ( عيادة المشرك ) وص 226 ج8 – المنهل العذب ) ( عيادة الذمي ) .
(3) انظر ص 300 ج3 مجمع الزوائد ( عيادة غير المسلم ) .(1/18)
وبهذا قال الجمهور . قالت الحنبلية : لا يعاد مبتدع ومجاهر بمعصية وتحرم عيادة الذمي(1)
(5) طول العمر مع حسن العمل : طول العمر له اثر عظيم في السعادة وضدها لأنه كلما طال عمر الإنسان كثر عمله واطلع على أحواله الدنيا وتقلباتها ( فإنه ) اتعظ بكثرة من مات وما يقع من الشدائد ، فزهد في الدنيا وأكثر من عمل الخير والبر ، كثرت حسناته وكُفَّرت سياتُه ورُفعت درجاته وقبله مولاه إذ لم يره حيث نهاه ولم تفقده حيث أمره فكان سعيدا في الدنيا والآخرة . قال الله تعالى : " مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ "(2) ( وإن لم يتعظ ) ويعتبر بتقلبات الدهر وشغلته دنياه عن طاعة مولاه كان طولُ عُمُره وبالا عليه وليس عليه وليس له عذر عند الله عز وجل بعد أن مدّ في عمره ومكنَّه من الطاعة فأبى أن يطيع مولاه قال الله تعالى : " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ"(3)
__________
(1) انظر ص 7 ج2 غذاء الألباب .
(2) النحل : 97 .
(3) فاطر : 27 ( أو لم بعمركم ) استفهام توبيخى . آي أو ما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لعملتم به في مدة عمركم . أو المعنى : أو لم نعمركم تعميرا يتذكر فيه من تذكر . وهو متناول لكل عمر تمكن فيه المكلف من إصلاح شانه فقصر ألا أن التوبيخ في المتطاول أعظم واختلف في مقدار العمر هنا . والصحيح أنه ستون أو سبعون ( لحديث ) آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . اعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة " أخرجه البخاري ( انظر ص 188 ج11 فتح الباري ) ( من بلغ ستين سنة ) وفى رواية لأحمد والطبرانى عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقد أعذر الله تعالى إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة ..لقد أعذر الله إليه . لقد أعذر الله إليه .
فالإنسان لا يزال في ازدياد إلى كمال الستين ثم يشرع في النقص والهرم . ولما كان هذا هو العمر الذي يعذر الله إلى عبادة ربه . كان هو الغالب على أعمار هذه الأمة ( فعن ) آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأفلهم من يجوز ذلك . أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال حسن ( انظر ص 264 ج3 تحفة الأحوذى ) ( وجاءكم النذير ) يعنى الشيب . والصحيح أن النذير هو النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أبو الحسن رزين بن معاوية عن ابن عباس .(1/19)
وعن آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أنت عليه ستون سنة فقد أعْذر الله إليه في العُمُر . أخرجه أحمد والنسائي والطبرانى(1) { 45}
وقد ورد في فضل طول العمر وحسن العمل أحاديث ( منها ) حديث عبد الرحمن ابن آبى بَكرة عن أبيه أن رجلا قال : " يا رسول الله أى الناس خير ؟ قال : من طال عُمره وحسُن عملُه . قال : فأى الناس شر ؟ قال : من طال عُمره وساء عملُه " أخرجه أحمد والترمذى وقال حسن صحيح ، والطبرانى والحاكم والبيهقى بسند صحيح(2) { 46}
( وحديث ) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أُنَبئكم بخيركم ؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال : " خيارُكم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا " أخرجه أحمد وابن حبان والبيهقى بسند رجاله رجال الصحيح(3) {47}
__________
(1) انظر ص 52 – ج7 – الفتح الرباني ( لقد أعذر الله إليه ) آي لم يبق له اعتذارا حيث امهله طول هذه المدة ولم يعتذر . فالأعذار إزالة العذر ومنه قولهم ( أعذر من انذر ) آي بالعذر وأظهره ، وإنما كانت الستون أو السبعون حدا لهذا لأنها قريبة من معترك المنايا وهى سن الإنابة والخشوع وترقب المنية فهذا المنية فهذا أعذار بعد أعذار لطفا من الله بعبادة حيث نقلهم من الجهل إلى العلن ثم أعذر إليهم فلم يعاقبهم إلا بعد الحجج الواضحة وإن كانوا فطروا على حب الدنيا وطول الأمل لكنهم أمروا بمجاهدة النفس في ذلك ليتمثلوا ما أمره به وينزجروا عما نهوا عنه . انظر ص 189 ج11 – فتح الباري ( من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر ) .
(2) انظر ص 50 ج7 – الفتح الرباني وص 371 ج3 بيهقى ( طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ) وص 264 ج3 تحفة الأحوذى ( طول العمر للمؤمن ) .
(3) انظر ص 50 ج7 – الفتح الرباني . وص 371 ج3 بيهقى ( طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ) .(1/20)
6- حسن الظن بالله تعالى : ينبغي المريض أن يغلَّب الرجاء على الخوف ولا يياسَ من رحمة الله فإنه لا يياسُ من روَح الله إلا القوم الكافرون ، وعليه أن يحسن الظن بالله بأن يرجوَ مغفرتهَ وعفوَه ، ولا يياسَ من رحمته لكن لا يركن إلى حسن الظن وهو منغمس في الشهوات وغارق في المخالفات ظالم لنفسه مخالف أوامر ربه . بل يلزم سبيل الرشاد متذكرا قول الله تعالى : " ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ "(1) فمن فعل ذلك ثم أحسن الظن بالله فقد أحسن إلى نفسه وسَعِد سعادة أبدية ووضع الرجاء موضعَه . وأما ظن المغفرة والعفو مع الإصرار على المعصية فذلك محض الجهل والغرور . ( روى ) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس الإيمانُ بالتمني ولكن ما وَقَرَ في القلب وصدقه العمل وإن قوما ألههم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا نحن نُحسِنُ الظن بالله تعالى وكَذّبوا لو أحسنوا الظنَّ لأحسنوا العمل " أخرجه البخاري في تاريخه والديلمى في مسند الفردوس تفرد به عبد السلام بن صالح لعابد قال ابن عدى مجمع على ضعفه انظر ص 335 رقم 7570 ج5 فيض القدير { 48}
وعلى الجملة فحسن الظن المعتبر مستلزم لحسن العمل (لحديث ) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حسنُ الظن من حسن العبادة " أخرجه أبو داود والحاكم وابن حبان والترمذى وفيها مهنأ أبو شبل قال أبو داود ثقة بصري(2) {49}
__________
(1) النحل : 119 ( للذين ) متعلق بمحذوف آي ثم إن ربك لغفور رحيم للذين عملوا السوء ( بجهاله ) آي بسبب جهل العواقب وجلال الله تعالى
(2) انظر ص 455 ج4 عون المعبود ( حسن الظن ) .(1/21)
وأما حسن الظن بلا عمل فهو الطمع المذموم الواردُ فيه قول الله تعالى في الحديث القدسي : ما أقل حياء مَن يطمع في جنتي بغير عملِ كيف أجود برحمتي على من بَخِلَ بطاعتي ؟ {50}
فيجب على المرء أن يجتهد في طاعة الرحمن موقنا بالقبول والغفران فقد وعد الله بذلك وهو لا يُخلف الميعاد . ومن اعتقد أو ظن خلافَ ذلك فهو آيس من رحمة الله . وهذا من الكبائر وإن مات على ذلك وُكِلَ إلى ظنه ( وقد ) ورد في هذا أحاديث منها ( حديث ) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يموتَنَّ أحدكم إلا وهو يُحسْن بالله الظنَّ فإن قوما قد أرادهم سوء ظنهم بالله عز وجل . وذلكم ظنُكم الذي ظننتم بربكم أرْدكم فأصبحتم من الخاسرين " أخرجه أحمد وعبد الرازق وابن آبى الدنيا(1) {51}
وحديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : " أنا عند ظن عبدي بى إن ظن بى خيرا فله وإن ظن شرا فله " أخرجه أحمد وفيه ابن لَهيعة مَتكلم فيه(2) {52}
__________
(1) انظر ص 39 ج7 – الفتح الرباني ( وذلكم ظنكم ) آي هذا الظن الفاسد وهو اعتقادكم أن الله تعالى لا يعلم كثيرا مما تعملون هو الذي أهلككم فأصبحتم من الخاسرين في مواقف القيامة وخسرتم أنفسكم وأهليكم ( قال ) ابن مسعود : اجتمع عند البيت ( الكعبة ) ثلاثة نفر كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فقال أحدهم أترون أن الله يسمع ما نقول ؟ فقال الآخر : يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا ( وقال ) الآخر إن كان يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون . وذلكم ظنكم ( الآية ) أخرجه أحمد والشيخان والترمذى وقال حسن صحيح . انظر ص 178 ج4 تحفة الأحوذى ( سورة السجدة ) .
(2) انظر ص 40 ج7 – الفتح الرباني .(1/22)
وحديث آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أمر الله عز وجل فعَبدين إلى النار فلما وقف أحدهما على شَفَتِها التفت فقال : أمَا والله إنى كان ظني بك لَحَسن . فقال الله رُدوه فأنا عند ظنك بى فغفر له " أخرجه والبيهقى {53}
(7) حسن الخاتمة : على العاقل ألا يغفُل عن طاعة الله تعالى وأن يجتهد في العمل بما يُرضى مولاه حتى يموت ويُبْعثَ على خير ( لحديث ) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قيل : كيف يستعمله ؟ قال : يوفقه لعمل صالح قبل الموت ثم قبضه عليه " أخرجه أحمد والترمذى وابن حبان والحاكم(1) {54}
( وحديث ) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أراد الله بعبد خيرا قيض له قبل موته بعام مَاَ كان يسدده ويرَفقه حتى يقال مات بخيرِ ما كان فإذا حُضِر ورأى ثوابهَ اشتاقت نفسه حين أحب لقاء الله وأحبَّ الله لقاءه وإذا أراد الله بعبد شرا قيض له قبل موته بعام شيطانا فأضله وفتنه حتى يقال مات بشر ما كان عليه . فإذا حُضر ورأى ما أُعِدَّ له من العذاب جَزعَت نفسه فذلك حين كَره لقاء الله وكرِه الله لقاءه . أخرجه عبد بن حميد(2) {55}
(8) شكاية المريض : لا باس أن يُخبر المريض بما يجده من ألم لا على سبيل الضَّجَر والسخط مبتدئا بحمد الله بأن يقول : الحمد لله أجد كذا وكذا أو والحمد لله بى كذا وكذا من الأذى ( فقد ) قال ابن مسعود رضى الله عنه : إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك . أخرجه الشيخان . {56}
( وعن ) هشام بن عروة عن أبيه قال : " دخلت أنا وعبدُ الله بن الزبير على أسماء بنتِ أبى بكر وأسماء وَجِعة فقال لها عبد الله : كيف تجدينك ؟ قالت : وَجِعَة " ( لحديث ) أخرجه البخاري في الأدب المفرد {57}
(
__________
(1) انظر ص 257 ج1 مناوى رقم 381 .
(2) انظر ص 43 ج7 – الفتح الرباني .(1/23)
وقال ) القاسم بن محمد قالت عائشة : " وارأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاكِ لو كان وأنا حي فأستغفر لكِ وأدعو لك ( لحديث ) أخرجه البخاري(1) {58}
وقد اختلف العلماء في هذا . والتحقيق أن الألم لا بقدر أحد على رفعه والنفوس مجبولة على وُجُدان ذلك فلا يُسْتطاع تغييرها عما جُبلت عليه وإنما كلف العبد ألا يقع منه في حَال المصيبة ماله سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد .
وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور . وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه بذكر الألم للناس على سبيل التضجر . وأما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا باس به اتفاقا(2). والشكوى إلى الله عز وجل لا تنافى الصبرَ الجميل فإن سيدنا يعقوب وَعَدَ بالصبر الجميل والنبي إذا وعد لا يُخْلِف .
ثم قال : " إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ "(3)وكذلك سيدنا أيوب أخبر الله تعالى عنه أنه وجده صابرا مع قوله
" أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ "(4) وإنما ينافى الصبرَ شكوى الله لا الشكوى إليه كما رأى بعضهم رجلا يشكو إلى آخر فاقة وضرورة ، فقال : يا هذا تشكو من يرحمك إلي من لا يرحمك ؟ ثم أنشده .
وإذا عَرَاكَ بلية فاصبر لها صبرَ الكريمِ فإنه بك أعلم
وإذا شكوتَ إلي ابنِ آدم إنما تشكو الرحيم إلي الذي لا يرحمُ
__________
(1) انظر ص 97 ج10 فتح الباري ( ما رخص للمريض أن يقول أنى وجع أو واراساه ) .
(2) انظر ص 96 ج10 فتح الباري ( ما رخص للمريض أن يقول أنى وجع) .
(3) يوسف : 86
(4) الأنبياء : 83 وأول الآية : وأيوب إذ نادى ربه ربه أنى مسني(1/24)
هذا . وأنين المريض تارة يكون عند تبرم وتضجر فيكره . وتاره يكون عند تسخط بالمقدور فيحرُم . وتاره يكون لما ينشأ عنه من نوع استراحة بقطع النظر عن التبرم أو التضجر فيباح وتارة يكون عند ذل لرب العالمين وانكسار وخضوع مع حشم مادة العون إلا من بابه والشفاء إلا من عندِه فيندب(1).
(9) مرض النبي صلى الله عليه وسلم : لما كان الموت مكروها طبعا لما فيه من شدة ومشقة عظيمتين ، لم يمت نبي من الأنبياء حتى خير ( قال ) الزهري : أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضى الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول : إنه لم يقبض نبي قط حتى يَرَى مقعَده من الجنة ثم يُخَيَّر . فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غُشِىَ عليه . فلما أفاق شَخَصَ بَصَرهُ نحو سقف البيت ن ثم قال : اللهم في الرفيق الأعلى . فقلت إذا لا يجاورنا فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح . أخرجه مالك والشيخان والترمذى0(2) {59}
وقد عرف الله النبي صلى الله عليه وسلم قثرْبَ أجله بإنزال سورة " إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ " دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال : إنه نُعِيتَ إلي نفسي فبكت فقال : لا تبكى فإنك أول أهلي لاحِق بي فضحِكت (الحديث ) أخرجه الطبرانى في الكبير والأوسط بسند رجاله رجال الصحيح غبرَ هلالَ بن خَبَّابَ وهو ثقة وفيه ضعيف(3){60}
__________
(1) انظر ص 396 ج1 – غذاء الألباب
(2) انظر ص 97 ج8 فتح الباري ( مرض النبي صلى الله عليه وسلم ) ، وص 209 ج15 نووي ( فضائل عائشة ) وفى البخاري ( ثم يحيا أو يخير ) شك من الراوي هل قال يحيا ( بضم ففتح فشد الياء ) أو قال يخير . وعند أحمد : ما من نبي يقبض إلا يرى الثواب ثم يخير .
(3) انظر ص 23 ج9 مجمع الزوائد ( باب في مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم إلى وما اطلعه الله عليه من ذلك ) .(1/25)
وقال جابر بن عبد الله رضى الله عنه : لما نزلت هذه السورة قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل نَعَيتَ إلى نفسي . فقال له جبريل : والآخر خير لك من الأولى . أخرجه الطبرانى.(1) {61}
وعن آبى مُوَيِبَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . إنى أتِيتُ مفاتيح خزائنِ الأرض واُلخْلدَ ثم الجنةَ فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنةِ فاخترت لقاء ربى والجنةَ . أخرجه أحمد (2) {62}
__________
(1) انظر ص 92 ج8 فتح الباري ( مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته )
(2) انظر ص 97 ج8 منه .(1/26)
والأحاديث في هذا كثيرة(1) . وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يُمَرَّضُ باقتراب أجله مرض في أواخر الحجة سنة إحدى عشرة هجرية ( سنة 632 ميلادية ) وأول ذلك أنه خرج من جوف الليل إلى البقيع فاستغفر لهم ودعا كالمودع للأموات واصبح مريضا من يومه ( قالت ) عائشة : لما رجَعَ من البقيع وجدني وأنا أجد صُداعاً في رأسي أقول : وارأساه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذاك لو كان وأنا حي فاستغفر لكِ وأدعو لكِ فقلت: واثُكلياه والله إنى لأظنك تحب موتى ولو كان ذلك لَظَلَلْتَ آخرَ يومك مُعَرَّسا بعض أزواجك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه ( الحديث ) أخرجه البخاري(2){
__________
(1) منها ) حديث معاذ بن جبل قال : لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه راكب و رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى تحت راحلته فلما فزع قال يا معاذ :إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا . ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبرى . فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله ثم التفت فاقبل بوجهه نحو المدينة فقال : إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا . أخرجه أحمد بسندين رجالهما رجال الصحيح إلا راشد بن سعد وعاصم بن حميد وهما ثقتان . انظر ص 22 ج9 مجمع الزوائد ( باب في مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم ) وحديث العباس بن عبد المطلب قال : رأيت في المنام كأن الأرض تنزع إلى السماء باشطان ( جمع شطن بكسر فسكون وهو الحبل الطويل ) شداد فقصمت ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم له فقال : ذاك وفاة ابن أخيك . أخرجه البزار والطبرانى ورجالهما ثقات . انظر ص 23 ج9 مجمع الزوائد .
(2) انظر ص 97 ج10 فتح الباري وتقدم بعضه رقم 58 ( واثكلياه ) بضم الثاء وسكون الكاف وفتح اللام وتكسر . والشكل في الأصل فقد الولد ومن يعز على الفاقد وليس هذا مرادا هنا ..بل هو كلام يجرى على اللسان عند نزول المصيبة أو توقعها ( ومعرسا ) بضم ففتح أو سكون وشد الراء وتخفيفها من التعريس أو الإعراس . يقال : عرس واعرس إذا بنى على زوجه ثم استعمل في كل جماع .(1/27)
63}
وكان وجعه صلى الله عليه وسلم في الخاصرة وهو عرق في الكلية إذا تحرك أوجع صاحبه . وقيل كان مرضه الصداع ( وقالت ) عائشة رضى الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه : يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلتُ بخيبر وهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم . أخرجه البخاري(1) . {64}
أصابه صلى الله عليه وسلم في مرضه هذا حمى شديدة (قال ) عبد الله بن مسعود : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُوعَكُ فمسته فقلت : " إنك لتوعك وعكا شديدا . قال اجَل كما يوعك رجلان منكم . قلت : ذلك بان لك اجرين . قال أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاتِه كما تحط الشجرة ورقها " أخرجه الشيخان(2). {65}
__________
(1) انظر ص 92 ج8 فتح الباري ( مرضى النبي صلى الله عليه وسلم) ( وأبهري ) بفتح فسكون ففتح وهو عرق مستبطن بالظهر بالقلب إذا انقطع مات صاحبه .
(2) انظر ص 88 ج10 فتح الباري ( شدة المرض ) ، وص 127 ج16 نووي ( ثواب المؤمن فيما يصيبه ) و الوعك - . بفتح فسكون أو فتح – الحمى أو المها ( تحط الشجرة ورقها ) بفتح فضم فشد أي تلقيه منتشرا والمعنى أن شدة المرض ترفع الدرجات وتحط السيئات حتى لا يبقى منها شئ .(1/28)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدور في مرضه على أزواجه التسع حتى اشتد به المرض في يوم ميمونة فاستأذنهن أن يمرض في بيت عائشة فأذن له ( قالت ) لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فإذن له فخرج بين رجلين – العباس ورجل آخر – تخط رجلاه في الأرض فلما دخل بيني واشتد وجعه قال : هريقوا على من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن لعلى أعهد إلي الناس فأجلسناه في مخضب لحفصه زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه الماء من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن ثم خرج إلي الناس فصلى بهم وخطبهم أخرجه الشيخان(1). {
__________
(1) انظر ص 89 ج8 فتح الباري ( مرض النبي صلى الله عليه وسلم ) وسبع قرب " الحكمة في هذا العدد أن له خاصية في دفع ضرر السم والسحر . وسيأتي الحديث : أن تصبح بسبع تمرات من عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ..انظر رقم 89 والنسائي في قراءة الفاتحة على المصاب سبع مرات وسيأتي في الحديث رقم 218 وقل سبع مرات أعوذ بعزة الفاتحة على المصاب سبع مرات وسيأتي في الحديث رقم 218 " وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر 0 بحث الرقى ) " وخطبهم " كان ذلك يوم الخميس قبل وفاته بخمسة أيام كان في مسلم : وهذه أخر حجة للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدمت بصفحة 257 ج4 – الدين الخالص طبعة أتولى وروى أن أخر خطبة للنبي صلى الله عليه وسلم معصوب الرأس وجلس في اسفل مرقاة من المنبر فحمد الله واثنا عليه وقال أيها الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم فهل خلد نبي قبلي فيما بعث إليه فاخلد فيكم ؟ ألا إنى لاحق بربى وإنكم لاحقون بي فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا أتوصى المهاجرين فيما بينهم فان الله تعالى يقول ( والعصر أن الإنسان لفي خسر أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وان الأمور تجرى بإذن الله ) استبطاء أمر على استعجال فان الله عز وجل لا يعجل بعجلة أحد : فمن غالب الله غلبه ومن خاضع الله أخضعه . ، فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . وأوصيكم بالأنصار خيرا فغنهم الذين تبوءاوا الدار والأيمان من قبلكم أن تحسنوا إليه . آلم يشاطروكم في الثمار ؟ آلم يوسعوا لكم في الديار ؟ آلم يؤثروكم على أنفسهم وبهم خصاصة الله فمن ولى أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنها ولا تجاوزوا عن سيئهم . إلا ولا تستأثروا عليهم إلا وأنى فرط لكم وأنتم لاحقون بي إلا فان موعدكم الحوض ، إلا فمن احب أن يجيد على غدا فليكف يده ولسانه ( انظر ص 448 من كتاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم للأستاذ محمد رضا ) .(1/29)
66}
وهذه آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم مع القوم ( قال ) ابن شهاب : حدثني انس بن مالك رضى الله عنه أن المسلمين ببناهم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلى لهم لم يفاجئهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة ثم تبتسم يضحك فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة أرخى الستر ، وتوفى من يومه ذلك . أخرجه الشيخان .(1) {67}
(10) أخر وصايا وكلمات النبي صلى الله عليه وسلم ( ورد ) في ذلك أحاديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الذي توفى فيه ن الصلاة وما ملكت أيمانكم فما زال يقولون حتى ما يفيض بها لسانه . أخرجه ابن ماجه بسند من صحيح .(2) {68}
وحديث أنس قال : كان أخر وصية النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة مرتين وما ملكت أيمانكم وما زال يغرغر بها في صدره وما يفيض بها لسانه . ذكره الحاكم في المستدرك وقال قد اتفقنا ( يعنى الشيخين ) على أخراجه على وأخراج حديث عائشة : أخر كلمة تكلم بها الرفيق الأعلى . وقال الذهبي : فلماذا أوردته(3) { 69}
__________
(1) انظر ص 101 ج8 – فتح الباري ( مرضى النبي صلى الله عليه وسلم )
(2) انظر ص 254 ج1 – بن ماجه . و ( الصلاة ) آي ألزموها واهتموا بشأنها ( وما ملكت أيمانكم ) أي أدوار زكاة أموالكم وحقوق ما ملكتم من العبيد والدواب ( حتى ما يفيض بها لسانة ) آي ما يجرى بهذه الكلمة لسانه من فاض الماء إذا سال وجرى
(3) انظر ص 57 ج3 مستدرك ( فلماذا أوردته ) يريد أنه كان على الحافظ الحاكم إلا يورد الحديث في المستدرك حيث أن الشيخين اتفقا على إخراجه(1/30)
وحديث ابن آبى مليكه أن ابا عمر ذكوان مولى عائشة أخبره إن عائشة كانت تقول أن من نعم الله عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى في بيتي وفى يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ربقى وريقة عند موته : دخل على عبد الرحمن وبيده السواك وأنا مسندة النبي صلى الله عليه وسلم فرايته ينظر إليه وعرفت انه يحب السواك فقلت آخذه لك ؟ فاشار برأسه أن نعم ، فتناولته فاشتد عليه . وقلت : الينه لك ؟ فاشار برأسه أن نعم ، فلينته فأمره وبين يديه ركوة أو عليه فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول : لا اله إلا الله إن للموت سكرات ، ثم نصب يده فجعل يقول : في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده . أخرجه الستة ألا ابا داود(1){ 70}
__________
(1) انظر ص 102 ج8 فتح الباري ( مرضى النبي صلى الله عليه وسلم ) ( وسحري) بفتح فسكون في الأصل الرثة المراد به هنا الصدر و ( نحري) بفتح فسكون موضع النحر . و( عبد الرحمن ) هو ابن آبى بكر ( فآمره) بشد الراء آي أداره في فمه ( والركوة) بتثليث الراء إناء يصنع من الجلد و ( العلبة ) بضم فسكون القدح الضخم يتخذ من جلد الإبل . والشك من عمر بن سعيد الراوي عن ابن آبى مليكة .(1/31)
وفى رواية مسلم : اللهم اغفر لي وارحمني والحقنى بالرفيق الأعلى (1) ( والمراد ) بالرفيق الأعلى : الملائكة أو المذكورون في قوله تعالى " وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً "(2) قال السهيلى : فهذه آخر كلمة تكلم بها عليه الصلاة والسلام . وهى تتضمن معنى التوحيد الذي يجب أن يكون آخر كلام المؤمن لأنه قال " مَعَ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيُهمُ " وهم أصحاب الصراط المستقيم وهم أهل لا اله إلا الله .
__________
(1) انظر ص 208 ج15 نووي .
(2) النساء :69 ( والرفيق ) : المكان الذي تحصل المرافقة فيه مع المذكورين وقال الجوهري : الرفيق الأعلى : الجنة ( وهذه) الأحاديث ترد على الرافضة زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى على رضى عنه .قال الأسود بن زيد : ذكروا عند عائشة أن عليا رضى الله عنهما كان وصيا فقالت : متى أوصى إليه ؟ وقد كنت مسننه إلى صدري أو حجري فدعا بالطست فلقد انحنث في حجري فما شعرت أنه قد مات فمتى أوصى إليه . أخرجه الستة إلا أبا داود " انظر ص 223 ج5 فتح الباري " " الوصايا " وقال طلحة بن مصرف : سالت عبد الله بن أبى أوفى هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى فقال لا فقلت كيف كتب على الناس الوصية أو مروا بالوصية ؟ قال أوصى بكتاب الله . أخرجه الستة إلا أبا داود . انظر ص 231 ج5 فتح الباري ، أراد بالنفي الأول الوصية التي زعم بعض الشيعة أنه النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة إلى على رضى الله عنه ،وقد تبرأ على من ذلك فقد قيل له أعهد إليك النبي صلى الله عليه وسلم بشيء لم بعهده إلى الناس ، فقال لا والذي فلق الحبة وبرا النسمة ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة .(1/32)
قال تعالى " اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ " ثم بين في الآية المتقدمة من الذين أنعم الله عليهم فذكرهم وهم الرفيق الأعلى الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم حين خير فاختار ( وبعض ) الرواة يقول عن عائشة في هذا الحديث : فاشار بإصبعه وقال : في الرفيق . وفى رواية أخرى أنه قال : اللهم الرفيقَ ، أشار بالسبابة يريد التوحيد فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الإشارة في عموم قوله عليه الصلاة والسلام : " من كان آخر كلامه لا اله إلا الله دخل الجنة(1) " ولا شك أنه عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الجنة ولو لم بشر ولكن ذكرنا هذا لئلا يقول القائل لم لم يكن آخر كلامه لا اله إلا الله وأول كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسترضع عند حليمة أن قال : الله اكبر(2)
وفى حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس أن آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيروا الوفد بما كنت أجيزهم " . أخرجه البخاري(3) . { 71}
وعن عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي لم يقم منه " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " قالت عائشة : لولا ذلك لأبرز قبره خشي أن يتخذ مسجدا . أخرجه البخاري(4) {72}
(11) أنواع المرض : المرض نوعان : مرض القلوب ، ومرض الأبدان
(
__________
(1) أخرجه أحمد وغيره عن معاذ بن جبل وسيأتي إن شاء الله رقم 254 .
(2) أخرجه ص 370 ج2 – الروض الأنف
(3) انظر ص 93 ج8 فتح الباري ( مرض النبي صلى الله عليه وسلم ) و ( جزيرة العرب ) تشمل الحجاز ويجد وتهامة واليمن عند الجمهور ، وعليه فيجب إخراج الكفار من اليمن ، وخص الشافعي الجزيرة بغير اليمن بدليل آخر ( وأجيزوا ) آي أعطوا من يفد إليكم الجائزة ضيافة وإكراما كما كنت افعل .
(4) انظر ص 98 ج8 فتح الباري ( مرض النبي صلى الله عليه وسلم )(1/33)
1) فمرض القلوب نوعان :
( الأول) مرض شبهة وشك وهو المراد بقوله تعالى : " فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً "(1) وقوله تعالى : " وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً "(2)
( الثاني) مرض شهوة وغى ، قال الله تعالى : " يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ "(3) فهذا مرض شهوة الزنا ( هذا) وطب القلوب إنما يكون من طريق الرسل والدعاة إلى الخير المهديين . فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وخالقها وبأسمائه وصفاته وافعاله وأحكامه وأن تكون مؤثرة لمرضاته تعالى ولمحابة متجنبة لمناهية ومساخطة . ولا صحة لها ولا حياة ألبته إلا بذلك ولا سبيل إلي تلقى القلوب طبها إلا من جهة الرسل وورثتهم . وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم فغلط .
(
__________
(1) البقرة : 10
(2) المدثر : 31 وصدر الآية : وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة
(3) الأحزاب : 32(1/34)
ب) وأما مرض الأبدان فهو المراد بقوله : " لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ "(1) وذكر مرض البدن في الوضوء والصوم والحج لسر بديع . ذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة : حفظ الصحة ، واستفراغ المواد الفاسدة ، والحمية عن المؤذى . فذكر الله تعالى هذه الأصول في هذه المواضع الثلاثة . فقال في الصوم " وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ "(2) أباح الفطر – لعذر المرذ – وللمسافر طلبا لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصوم في السفر لاجتماع شدة الحركة وما يوجبه الصوم من تحليل ما في المعدة وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل فتخور القوة وتضعف . وقال في الحج : " فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ "(3) أباح لمريض ومن به أذى من رأسه من قمل أو حكة أو غيرهما أن يحلق رأسه في الإحرام استفراغا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر فإذا حلق رأسه فتحت المسام فخرجت تلك الأبخرة فهذا استفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذى انحباسه .
__________
(1) النور : 61
(2) البقرة : 184
(3) البقرة 196(1/35)
وما يؤذى انحباسه عشرة : الدم والمنى إذ هاجا ، والبول ، والغائط ، والريح ، والقيء ، والعطاس ، والنوم ، والجوع ، والعطس . وكل واحد من هذه يوجب حبسه داء . وقد نبه الله تعالى باستفراغ أدناها وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه تنبيها بالأدنى على الأعلى ( وأما ) الحمية فقال تعالى في آية الوضوء : " وَإِن كُنتُم مَّرْضَى وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ {68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً "(1)أباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيبه ما يؤذيه وهو تنبيه على الحمية عن كل مؤذ من داخل أو خارج .
فقد ارشد الله تعالى عباده إلى أصول الطب الثلاثة . وسنذكر هدى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ونبين أنه أكمل هدى(2) إن شاء الله تعالى .
(ب) التداوي
كان هدى النبي صلى الله عليه وسلم التداوي في نفسه والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه ( روى ) أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برا بإذن الله عز وجل " أخرجه مسلم(3) { 73}
(
__________
(1) المائدة : 6
(2) انظر ص 63 و 64 ج3 زاد المعاد
(3) انظر ص 191 ج14 نووي ( استحباب التداوي ) .(1/36)
وفى الحديث) إشارة إلي استحباب التداوي وهو مذهب الجمهور وفيه رد على من أنكر ذلك من غلاة الصوفية وقال : كل شئ بقضاء وقدر فلا حاجة للتداوى . ( ورد) بأنه أيضا من قدر الله ، وهذا كالأمر بالدعاء وكالأمر بقتال الكفار وبالتحصن ومجانبة الإلقاء باليد إلي التهلكة مع أن الأجل لا يتغير والمقادير لا تتأخر ولا تتقدم عن أوقاتها(1) .
( وقال) أسامة بن شريك : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأن على رءوسهم الطير فسلمت ثم قعدت فجاء الأعراب من ههنا وههنا فقالوا يا رسول الله انتداوى ؟ فقال تداووا فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم . أخرجه أحمد والأربعة . وقال الترمذى حسن صحيح(2) { 74}
( وعن ) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا . أخرجه النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه (3) {75}
( والظاهر ) أن الأمر في الحديثين للإباحة لأن السؤال إنما هو عنها ( ولذا) قالت المالكية : التداوي وتركه سواء ( وقال ) بعض الشافعية : الأمر للندب ، ولذا قالوا : التداوي افضل من الترك (ورد) بأنه قد ورد في مدح من ترك الدواء والاسترقاء توكلا على الله تعالى أحاديث ( ولذا) قالت الحنبلية : ترك التداوي أفضل ( لحديث ) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون . أخرجه الشيخان(4) {76}
(
__________
(1) انظر ص 191 ج14 نووي ( استحباب التداوي ) .
(2) انظر ص 1 ج4 عون المعبود . وص 158 ج3 تحفة الأحوذى ( وكأن على رءوسهم الطير ) وصفهم بالسكون والوقار لأن الطير لا تقع إلا على شئ ساكن .
(3) انظر ص 177 ج2 – ابن ماجه . وص 104 ج10 فتح الباري .
(4) انظر ص 397 ج1 غذاء الألباب .(1/37)
وعن ) المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من اكتوى أو استرقي فقد برئ من التوكل . أخرجه أحمد والترمذى وصححه وابن ماجه والحاكم (1) {77}
( وقال ) الحنفيون : التداوي أكد للأمر به وقد تداوى النبي صلى الله عليه وسلم ( قالت ) عائشة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرت اسقامة فكان يقوم عليه أطباء العرب والعجم فيصفون له فنعالجه.أخرجه أحمد (2){78}
والمعول عليه أن التداوي لا ينافى التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنب المهلكات والدعاء وطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك (3) (
__________
(1) انظر ص 242 ج11 فتح الباري ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) وص 90 ج3 نووي مسلم ، وهو عنده من حديث عمران بن حصين ( دخول طوائف الجنة بغير حساب ) .
(2) انظر ص 398ج1 غذاء الألباب
(3) انظر ص 105 ج10 فتح الباري ( ما أنزل الله داء إلا انزل له شفاء ) قال ابن القيم : لا يتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات مسبباتها قدرا وشرعا وتعطيلها يقدح في نفس التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله تعالى في حصول ما ينفع العبد من دينه ودنياه ودفع ما يضره فيهما ، ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلا للحكمة والشرع ، وقد روى أن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال : يا رب ممن الداء ؟ قال منى ، قال فممن الدواء ؟ قال منى . قال فما بال الطبيب ؟ قال رجل أرسل الدواء على يديه ، وفى قوله صلى الله عليه وسلم : لكل داء دواء ، تقوية لنفس المريض والطبيب وحث على طلب الدواء فإن المريض إذا استشعر أن لدائه دواء تعلق قلبه بالرجاء وترك إلباس . ومتى قويت نفسه تغلبت على المرض ودفعته . وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء بحث عنه .
وأمراض الأبدان كأمراض القلوب وما جعل الله القلب مرضا إلا جعل له شفاء بضده فإن علمه صاحب الداء واستعمله وصادف داء قلبه أبرأه بإذن الله تعالى . انظر ص 67 و68 ج3 زاد المعاد .(1/38)
وأجابوا ) عن حديثي ابن عباس والمغيرة بأن أهل الجاهلية كانوا يسترقون بالكلمات الخبيئة ويكتوون زاعمين أن الرقية والكي يمنعان من المرض أبدا فلذا منع منه النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أن من فعله فقد برئ من التوكل أما من تداوى أو استرقي أو اكتوى معتقدا أنها أسباب تنفع بإذن الله تعالى وأنها لا تنجع بذاتها بل بما قدر الله فهذا مطلوب لا ينافى التوكل .
ثم الكلام هنا ينحصر في ستة فصول :
(1) الطبيب : هو في الأصل الحاذق في كل شئ وخصه العرف بمن يعالج المرضى وينبغى أن يكون مسلما ثقة . ويكره لغير ضرورة طلب التداوي من ذمي لعدم الثقة بهم ( أما ) إذا دعت الضرورة لذلك فلا كراهة إذا كان خبيرا ثقة عند المريض وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستطب الحارث بن كلدة وكان كافرا(1) وكذلك لا يجوز للمرأة الأجنبية معالجة الرجل إلا لضرورة وعليه يحمل حديث الربيع بنت معوذ . قالت كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقى القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلي المدينة . أخرجه البخاري . وفى رواية : كنا نسقى ونداوى الجرحى ونرد القتلى(2) {79}
ففيه جواز معالجة المرأة الأجنبية للضرورة ولكن تكون بلا مباشرة ولا مس إذا أمكن وإلا فالضرورة تبيح المحظورة ، وتعالج المرأة المرأة إن تيسير وإلا داواها الرجل بعد ستر جسدها إلا موضع المرض وبغض بصره ما استطاع إلا عن موضع الجرح ومما تقدم يعلم جواز عرض المريض على الطبيب
( ويؤيده) حديث زيد بن اسلم أن رجلا أصابه جرح فاحتقن الدم فدعا النبي صلى الله عليه وسلم برجلين من بنى أنمار فقال آيكما أطب ؟ فقال وفى الطب ؟ قال الذي أنزل الداء أنزل الدواء . أخرجه مالك في الموطأ { 81}
وفى قوله آيكما أطب دليل على أنه ينبغي اختيار الحاذق في الطب .
(
__________
(1) يستطب ) آي يجعل طبيبا .
(2) انظر ص 52 ج6 فتح الباري ( رد النساء القتلى والجرحى ) و ( مداوة النساء الجرحى في الغزو) .(1/39)
ب) ما يجوز التداوي به وما لا يجوز : يجوز التداوي بالطاهر الحلال ولا يجوز بالنجس والحرام ( لحديث ) مجاهد عن آبى هريرة قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى وزاد يعنى السم(1) {81}
والدواء الخبيث قد يكون خبثه لنجاسته وحرمته كالخمر والبول والعذرة ولحم غير المأكول ( وعن) أبى الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداوا ولا تتداووا بحرام " أخرجه أبو داود وفى سنده إسماعيل بن عياش وفيه مقال (2) {82}
وهذان الحديثان محمولان على النهى عن التداوي بالمسكر والحرام من غير ضرورة للجمع بينهما وبين حديث العرنيين(3) ، ولا فرق في المحرم بين كونه مأكولا أو غير كلبن الأتان والخمر والسم والتميمة وهى خرزة أو خيط ونحوه يعلقها المريض .
والصحيح من مذهب الشافعي جواز التداوي بالنجس سوى المسكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين بالشرب من ابوال الإبل للتداوى ( ورد) بأنها طاهرة عند مالك ، وعلى أنها نجسة فإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي بها ( ويدل ) على حرمة التداوي بالنجس مطلقا ( حديث ) عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبا سال النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها . أخرجه أبو داود والنسائي(4) {83}
دل على أن الضفدع يحرم أكله فيحرم التداوي به لأنه نجس
(
__________
(1) انظر ص 7 ج4 عون المعبود ( الأدوية المكروهة ) وص 160 ج3 تحفة الأحوذى ( من قتل نفسه بسم أو غيره )
(2) انظر ص 6 ج4 عون المعبود ( الأدوية المكروهة ) .
(3) حديث العرنيين يأتى برقم 113 ( لبن الإبل وبولها ) أن شاء الله تعالى
(4) انظر ص 6 ج4 عون المعبود ( الأدوية المكروهة ) و ( ضفدع ) بكسر فسكون فبكسر وروى بفتح الدال .(1/40)
وعن ) علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه : " أن طارق بن سويد سال النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه ثم سأله فنهاه فقال له يا شئ الله : أنها دواء : قال النبي : لا ، ولكنها داء . أخرجه مسلم وأبو داود والترمذى وقال حسن صحيح (1) {84}
ففيه التصريح بأن الخمر ليست بدواء بل داء فيحرم التداوي بها عند أكثر الفقهاء كما يحرم شربها . و أباح بعضهم التداوي بها عند الضرورة لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع التداوي بالخمر وذكر إنها داء ، أباح التداوي ببول الإبل فلا يصح قياس أحدهما على الآخر بعد أن فرق بينهما النبي صلى الله عليه وسلم ( أما ) إذا غص إنسان بلقمة ، ولم يجد ما يسبغها إلا الخمر فيلزمه الإساغة بها لأن حصولها حينئذ مقطوع به بخلاف التداوي (هذا ) وفد نص الإمام أحمد رحمة الله على كراهة التداوي بما يصنعه أهل الذمة لأنه لا يؤمن أن يخلط به سحري محرم .
(ج) الطب النبوي : أنجح دواء وأنفعه ما بينه من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم . وكان علاجه صلى الله عليه وسلم للمرضى نوعين : علاج بالأدوية الطبيعية وعلاج بالأدوية الإلهية .
العلاج بالأدوية الطبيعية
قد ورد عنه في ذلك الكثير وهناك خمسة وعشرين دواء :
(1) العمل : المراد به العسل النحل وله منافع كثيرة : يجلو الأوساخ التي في العروق والأمعاء ويدفع الفضلات ، ويغسل المعدة ويسخنها تسخينا معتدلا وبفتح أفواه العروق ويشد المعدة والكبد والكلى والمثانة والمنافذ ، ويحلل الرطوبات أكلا وطلاء ويحفظ المعجونات وينقى الكبد والصدر ويدر البول والحيض وينفع للسعال البلغمى واصحاب البلغم والأمزجة الباردة وإذا أضيف إليه الخل نفع أصحاب الصفراء . وهو غذاء من الأغذية ودواء وحلوى وطلاء .
__________
(1) انظر ص 7 ج4 عون المعبود . وص 160 ج3 تحفة الأحوذى ( كراهة التداوي بالمسكر ) .(1/41)
وإذا شرب وحده بماء نفع من عضه الكلب الكلب وإذا وضع فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة اشهر وكذا الخيار ، والقرع ، والباذنجان ، والليمون ونحوها . وإذا لطخ به البدن قتل القمل والصئبان وطول الشعر وحسنه ، وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر ، وإن استن به صقل السنان وحفظ صحتها . ولم يكن يعول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه وهو شفاء بنص الكتاب والسنة قال تعالى : " وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ {68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ"(1)
( وعن ) أبى سعيد الخدرى أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه فقال : اسقه عسلا فسقاه ، ثم جاءه فقال أنى سقيته فلم يرده إلا استطلاقا ثلاث مرات فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلا فسقاه فبرا " أخرجه أحمد والشيخان والترمذى وقال حسن صحيح(2) {
__________
(1) انظر ص 108 ج10 فتح الباري ( الدواء بالعسل )
(2) النحل : 68 ،69 ( وأوحى ربك إلى النحل ) ألهمها ( أن أتخذى من الجبال بيوتا ) آي مساكن توافقها في كوى الجبال وتجويف الشجر وفى العروش التي يبنيها الناس . ومن كمال قدرته تعالى أن الهم النحل اتخاذ بيوت على شكل مسدس ذي أضلاع متساوية وليس فيه خلل ولا فرج والهمها أن تجعل عليها أميرا نافذا حكمه وألهمها أن تجعل على كل باب خلية بوابا لا يمكن غير أهلها من دخولها . والهمها الخروج من بيوتها فترعى ثم ترجع إليها ولا تضل عنها ( ثم كلى من كل الثمرات ) آي حلوها ومرها وطيبها ورديئها 0 فاسلكي سبل ربك ) طرقه في طلب المرعى ( ذللا ) جمع ذلول حال من السبل آي مسخرة لك غير متوعرة لا تضلي عن العود منها إلى مسكنك .
والمراد بالشراب العسل ومعنى ( مختلف ألوانه ) أن بعضه ابيض وبعضه أحمر وبعضه أزرق وبعضه أصفر باختلاف مأكولها . وهو يخرج من أفواهها عن الجمهور ( فيه شفاء للناس ) من معظم الأمراض . وقيل شفاء لجميعها . ففي الباردة يستعمل خالصا وفى الحارة يستعمل مشوبا بغيره ( روى) عن ابن عمر أنه كان لا يشكو قرحة ولا شيئا إلا جعل عليها عسلا حتى الدمل وكان بعضهم يكتحل به ويستنشق . وبالجملة فهو من أعظم الأغذية وأنفع الأدوية .(1/42)
85}
في قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذب بطن أخيك : إشارة إلي أن هذا الدواء نافع وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه ولكن لكثرة المادة الفاسدة فمن ثم أمره بمعاودة شرب العسل لاستفراغها فكان كذلك وبرأ بإذن الله .
(2) الجبة السوداء : هي دواء عام النفع عظيم الفائدة . وهى مذهبه للنفع نافعة من حمى الربع والبلغم مفتحة للسدد والريح مخففة ليلة المعدة وإذا دقت وعجنت بالعسل وشربت بالماء الحار إذابت الحصاة وأدرت البول والحيض ( قال ) خالد بن سعد : خردجنا ومعنا غالب بن أبحر فمرض في الطريق فقدمنا المدينة وهو مريض فماده ابن آبى عتيق فقال لنا : عليكم بهذه الحبيبة الشويداء فخذوا منها خمسا أو سبعا فاسحقوها ثم اقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفى هذا الجانب فإن عائشة رضى الله عنها حدثتنى أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام " قلت وما السام ؟ قال " الموت " أخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه(1) {
__________
(1) انظر ص 130 ج10 فتح الباري ( دواء المبطون ) وص 176 ج3 تحفة الأحوذى ( ما جاء في العسل ) ( وكذب بطن أخيك ) آي لم يصلح لقبول الشفاء ( وقد ) اعترض بعض الجهلة بان العسل مسهل فكيف يوصف لمن به الإسهال ( والجواب ) أن الإسهال يحدث بأسباب منها التخمة وعلاجها بترك الطبيعة وفعلها ، فإن احتاجت إلى مسهل معين أعينت ما دام بالعليل قوة . فكأن هذا الرجل كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته فوصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل لدفع الفضول المجتمعة في المعدة والأمعاء لما في العسل من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها ..وللمعدة خمل كخمل المنشفة فغذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء الواصل إليها فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط ولا شئ في ذلك مقل العسل لاسيما إن مزج بالماء الحار ، وإنما لم يفده في أول مرة لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب الداء إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية وإن جاوزه أضعف القوة وأحدث ضررا آخر فكأنه شرب منه أولا مقدارا لا يفي بمقاومة الداء فآمره بمعاودة سقيه فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء ن برا بإذن الله تعالى . انظر ص 131 ج10 فتح الباري(1/43)
86}
وهذا الذي أشار إليه ابن آبى عتيق ذكره الأطباء في علاج الزكام العارض من عطاس كثير . قالوا : تغلى الحبة السوداء ثم تدق ناعما ثم تنقع في زيت ثم يقطر منه في الآنف ثلاث قطرات . فلعل غالب بن أبحر كان مزكوما فلذلك وصف له ابن آبى عتيق الصفة المذكورة . وقد رويت من طريق حسام بن مصك عن عبيد الله بن بريد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن هذه الحبة السوداء فيها شفاء " الحديث وفيه قال : كيف اصنع بها ؟ قال : " تأخذ إحدى وعشرين حبة فتصرها في خرقة ثم تضعها في ماء ليلة فإذا أصبحت قطرت في المنخر الأيمن واحدة وفى الأيسر اثنتين فإذا كان من الغذ قطرت في المنخر الأيمن اثنتين وفى الأيسر واحدة فإذا كان في اليوم الثالث قطرت في الأيمن واحدة وفى الأيسر اثنتين " أخرجه المستغفرى في كتاب الطب(1) {87}
ويؤخذ من هذا أن معنى كون الحبة السوداء شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفا بل ربما استعملت مفردة ومركبة ومسحوقة وغير مسحوقة وأكلا وشربا وسعوطا وضمادا وغير ذلك . وقيل : المراد أنها شفاه من كل داء يحدث من الرطوبة(2).
(
__________
(1) انظر ص 111 ج10 فتح الباري ( الحبة السوداء 9 وص 178 ج2 – ابن ماجه .
(2) انظر ص 111 ج10 فتح الباري(1/44)
3) العجوة : هي نوع من التمر الجيد بالمدينة ونخلها يسمى لينة قال تعالى : ماَ قَطَعُتْم مِن لِينَةٍ " وتخصيص المدينة إما لما فيها من البركة التي حصلت بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم أو لأن تمرها أوفق لمزاج المريض(1) لتعوده تناوله والعجوة تنفع لمرض القلب ( روى) مجاهد عن سعد بن آبى وقاص قال : مرضت مرضا أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها في فؤادي فقال : " إنك رجل مفئود غبت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه رجل يتطيب فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدك بهن " أخرجه أبو داود وهو منقطع فإن مجاهدا لم يدرك سعدا إنما يروى عن مصعب بن سعد عن سعد(2) {88}
وعن سعد بن آبى وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم " أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي(3) {89}
وخصوص السبع لعسله لسر فيها وإلا فيستحب أن يكون ذلك وترا ، وقيل إنه تعبدي وهذا في عجوة المدينة وهى من أجود تمر الحجاز وهو صنف كريم مقو للجسم ومن ألين التمر وأطيبه وألذه .
(
__________
(1) انظر ص 111 ج10 فتح الباري
(2) مزاج البدن بكسر الميم ما ركب عليه من الطبائع .
(3) انظر ص 8 ج 4 عون المعبود ( تمرة العجوة ) و ( مفئود) اسم مفعول من الفؤاد وهو الذي أصابه داء في فؤاده آي قلبه 0 وابن كلدة ) بفتحات و ( يتطيب آي يعرف الطب . و ( فليجأهن ) بفتح الجيم وسكون الهمزة آي فليكسرهن ( ثم ليلدك ) بكسر اللام وسكونها وفتح الياء وضم اللام وشد الدال مفتوحة آي ليسقيك ، من لده الدواء إذا صبه في فمه .(1/45)
4) الحناء : هي نافعة للقروح والصداع ( فعن ) سلمى أم رافع مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء " أخرجه ابن ماجه والترمذى وهو حديث حسن(1) {90}
( وقال ) ابن القيم : روى ابن ماجه في سننه حديثا في صحته نظرا إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صدع غلف رأسه بالحناء ويقول إنه نافع بإذن اله من الصداع(2) والصداع ألم في الرأس بعضا أو كلا(3) . وعلاجه مختلف . فمنه ما علاجه بالاستفراغ . ومنه ما علاجه بتناول الغذاء . ومنه ما علاجه بالسكون والدعة . ومنه ما علاجه بالضمادات . ومنه ما علاجه بالتبريد . ومنه ما علاجه بالتسخين . ومنه ما علاجه باجتناب سماع الأصوات والحركات .
__________
(1) انظر ص 187 ج10 فتح الباري ( الدواء بالعجوة 9 وص 2 ج 14 نووي ( فضل تمر المدينة ) وص 8 ج4 عون المعبود ( تمرة العجوة ) و ( تصبح ) آي أكلها في الصباح قبل أن يطعن شيئا و ( تمرات عجوة ) بالإضافة ويجوز التنوين على أن عجوة عطف بيان لتمرات أو صفة لها أو لسبع . ولفظ عجوة مطلق في هذه الرواية ومقيد بعجوة المدينة في الحديث السابق . وروى عند الاسماعيلى بلفظ : من تصبح بسبع تمرات عجوة من تمر العالية . والعالية قرى في الجهة العالية من المدينة جهة نجد وعند مسلم عن عائشة بلفظ : إن في عجوة العالية شفاء أول البكرة . وتمامه في فتح الباري ص 187 ج10 .
(2) انظر ص 185 ج2 – ابن ماجه ( الحناء 9 وص 164 ج3 تحفة الاحوذى ( التداوي بالحناء ) . ( والقرحة ) بفتح أو ضم فسكون الجراحة من نحو سيف أو سكين.
(3) كذا في زاد المعاد ص 90 ج3 ولم أر الحديث في ابن ماجه . و ( غلف رأسه ) من باب ضرب ضمخها . وغلف بشد اللام من كلام العامة والصواب غللها بالتشديد وغلاها تغلية أيضا . مصباح .(1/46)
إذا عرف هذا فعلاج الصداع بالحناء علاج نوع من أنواعه فإنه إذا كان من حرارة ملهبة ولم يكن من مادة استفراغها نفع فيها الحناء نفعا ظاهرا وإذا دق وضمدت به الجبهة مع الخل سكن الصداع وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به سكن وجعه بالرأس أو غيره . وفيه قبض تشد به الأعضاء وإذا ضمد به موضع الورم الحار والملتهبة سكنه (1) وقد روى فائد عن مولاه عبيد الله بن على بن آبى رافع عن جدته سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : " ما كان أحد يشتكى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا في رأسه إلا قال : احتجم ، ولا وجعا في رجليه إلا قال : أخضبهما بالحناء ط أخرجه البخاري في تاريخه وأبو داود (2) وعبيد الله بن على قال ابن معين : لا باس به . وقال أبو يحيى الرازى : لا يحتج بحديثه {91}
والحجامة تكون دواء لوجع الرأس إن كان ناشئا من كثرة ألم . والحناء تكون دواء لوجع الرجل الناشئ من الحرارة . والحديث بإطلاقه يشمل الرجال والنساء لكن الرجل يكتفي بخضب كفوف الرجل ويجتنب صبغ الأظافر احترازا من التشبه بالنساء ما أمكن(3) وليس في الحديث دليل على جواز خضاب الرجل يده ورجله لغير ضرورة
(
__________
(1) فما كان منه في أحد شقى الرأس يسمى شقيقة وإن كان شاملا لجميعه يسمى بيضة وخوذة تشبيها ببيضة السلاح التي تستمل على الرأس كله . انظر ص 90 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسلم في علاج الصداع والشقيقة ) .
(2) انظر ص 91 ج3 زاد المعاد ( علاج الصداع والشقيقة ) .
(3) انظر ص 2 ج4 عون المعبود ( الحجامة ) .(1/47)
5) السنا : هو بالقصر والمد بنت حجازي يتداوى به . و أفضله المكي وهو دواء مأمون الغائلة حار يابس معتدل يسهل الصفراء والسوداء ويقوى القلب وينفع من الشقاق العارض في البدن ويفتح العضل وينشر الشعر وينفع من القمل والصداع العتيق والجرب والبثور والحكة والصرع . وشرب مائه مطبوخا اصلح من شربه مدقوقا ومقدار الشربة منه إلى ثلاثة دراهم ومن مائة إلي خمسة وإن طبخ معه سحري من زهر البنفسج والزبيب الأحمر المنزوع العجم كان اصلح(1) وهو دواء مسهل ( قالت ) أسماء بنت عميس قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بم تستمشين ؟ قالت بالشبرم . قال : حار جار قالت : ثم استمشيت بالسنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو إن شيئا كان فيه شفاء من الموت لكان في السنا " أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم والترمذى وقال حديث غريب(2) {92}
(6) النسط : بضم فسكون نوع من البخور وهو نوعان : هندي اسود ، وبحري ابيض . والهندي أشدهما حرارة . ومن منافع أنه يدر الحيض والبول ويقتل ديدان الأمعاء ويدفع السم ويسخن المعدة ويحرك شهوة
__________
(1) انظر ص 2 ج4 عون المعبود ( الحجامة ) .
(2) انظر ص 87 ج3 زاد المعاد ( علاج يبس الطبع ) والعجم بفتحتين النوى من التمر والعنب وغيرهما ، الواحدة عجمة بفتحات .(1/48)
الجماع ويذهب الكلف طلاء وينفع لذات الجنب والعذرة(1) قال زيد بن أرقم : " امرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتداوى من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت " أخرجه الترمذى وقال حديث وقال حديث حسن صحيح ، وأخرجه أحمد والحاكم بلفظ " تداووا من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت المسخن "(2) {
__________
(1) انظر ص 180 ج2 – ابن ماجه ( داء أتمشى ) وص 175 ج3 تحفة الأحوذى ( ما جاء في السنا ) و ( بم تتمشين ) آي بآي دواء تستطلقين بطنك حتى يمشى ولا يصير كالواقف فيؤدى باحتباس البراز ( والشبرم) بضم فسكون فضم : حب يشبه الحمص يطبخ ويشرب ماؤه للتداوى . وقيل إنه نوع من قشر شجر وهو حار بابس قد أوصى الأطباء بترك استعماله لفرط إسهاله وخطره . وقيل هو نوع من الشيح و( حار ( بحاء مهملة وشد الراء و( حار ) بالجيم . آي شديد الإسهال قيل الثاني تأكيد للأول كقولهم حسن يسن أي كامل الحسن وإن كان في الجار معنى آخر وهو ما يجر الشيء الذي يصيبه من شدة حرارته وجذب له .
(2) كلف ) الوجه كلفا تغيرت بشرته بلون علاه ، و(ذات الجنب ) ثلاثة أنواع :
(
أ) حقيقي وهو ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للإضلاع ويحدث بسببه الحمى والسعال وضيق النفس والنبض المنشاري (ب) غير حقيقي وهو ما يعرض في نواحي الجنب من رياح غليظة تحتقن بين الفاقات والعضل التي في الصدر والأضلاع فتحدث وجعا (ج) وجع الخاصرة هذا وذات الجنب من الأمراض المخيفة لأنها تحدث بين القلب والكبد ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما كان الله ليسلطها على ، والمراد بها هنا النوع الثاني لأن القسط هو الذي يداوى به الريح الغليظة فغن القسط حار يابس قابض يحبس البطن ويقوى الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد ويذهب فضل الرطوبة ويجوز أن ينفع القسط من ذات الجنب الحقيقي إذا كانت ناشئة عن مادة بلغميك ولا سيما وقت انحطاط العلة . انظر ص 133 ج10 فتح الباري ( ذات الجنب ) و ( العذرة ) بضم فسكون وجع في الحلق يعتري الصبيان غالبا وقيل هي قرحة تخرج بين الأذن والحلق أو في الخرم الذي بين الآنف والحق . ( وقد ) استشكل معالجتها بالقسط مع كونه حارا ، وهى تعرض في زمن الحر للصبيان وأمزجتهم حارة وقطر الحجاز حار . ( وأجيب 9 بأن مادة العذرة دم يغلب عليه البلغم وفى القسط تخفيف للرطوبة وأيضا فالأدوية الحارة قد تنفع في الأمراض الحارة بالذات وبالعرض كثيرا ، وقد ذكر ابن سينا في معالجة سعوط اللهاة القسط مع الشب اليماني وغيره . انظر ص 115 ج10 فتح الباري ( السعوط بالقسط الهندي ) .(1/49)
93}
وعن أم قيس بنت محصن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية يسعط به من العذرة ويلد به من ذات الجنب " أخرجه البخاري(1) {94}
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أيما امرأة أصاب ولدها عذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطا هنديا فتحكه بماء ثم تسعطه إياه " أخرجه أحمد وأصحاب السنن(2) {95}
وعن انس إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري " أخرجه البخاري والنسائي "(3) {96}
__________
(1) انظر ص 174و175 ج3 تحفة الأحوذى ( ما جاء في ذات الجنب ) .
(2) انظر ص 114 ج10 فتح الباري 0 السعوط بالقسط الهندي والبحري ) و( يسعط) بصيغة المجهول مخففا وروى مشددا مأخوذ من السعوط وهو ما يصب في الأنف ( وكيفية ) التداوي به أن يدق العود ناعما ويدخل في الأنف وقيل يبل ويقطر فيه . و( يلد) بصيغة المجهول وشد الدال من لد الرجل إذا صب الدواء في أحد شقى الفم . وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمسة الباقية لعدم الاحتياج إلى تفصيلها حينئذ . ففي رواية للبخاري عن الزهري قال : بين لنا اثنين ولم يبين لنا خمسة .
(3) انظر ص 114 ج10 فتح الباري ) السعوط بالقسط الهندي )(1/50)
وهو محمول على إن النبي صلى الله عليه وسلم وصف لكل مريض ما يلائمه فحيث وصف الهندي كان الاحتياج في المعالجة إلي دواء شديد الحرارة ، وحيث وصف البحري كان دون ذلك في الحرارة لأن الهندي اشد حرارة من البحري(1) .
(7) الإثمد
:
__________
(1) انظر ص 116 ج 10 منه ( الحجامة من الداء ) وبالجملة ففي القسط منافع وفوائد عجيبة وردت في الأحاديث وتقدم بعضها . قال ابن القيم : القسط نوعان هندي وأبيض وهو الينها ومنافعها كثيرة وهما حاران يابسان ينشفان البلم قاطعان للرزكام وإذا شربا نفعا من ضعف الكبد والمعدة ومن بردهما ومن الحمى وقطعا وجع الجنب ونفعا من السموم وإذا طلى به الوجه معجونا بالماء والعسل قلع الكلف وينفع من وجع الجنبين فأنكروه كيف وقد نص كثير من الأطباء المتقدمين على أن القسط يصلح للنوع البلغمى من ذات الجنب ولو أن هؤلاء الجمال وجدوا دواء منصوصا عن بعض اليهود والنصارى لنقلوه بالقبول والتسليم ولم يتوقفوا على تجربته فما بالهم ينكرون ما نص عليه سيد الأنبياء والأطباء . نعم نحن لا ننكر أن للعادة تأثيرا في الانتفاع بالدواء وعدمه فمن اعتاد دواء وغذاء كان أنفع له واوفق مما لم يعتده بل وربما لم ينتفع به من لم يعتده وكلام الأطباء وإن كان مطلقا فهو بحسب الأزمنة والأمكنة والعوائد وإذا كان التقييد بذلك لا يقدح في كلامهم ومعارفهم فكيف يقدح في كلام الصادق المصدوق ولكن نفوس البشر مركبة على الجهل والظلم إلا من أيده الله بروح افيمان ونور بصيرته بنور الهدى – انظر ص 179 ج3 زاد المعاد .(1/51)
هو بكسر فسكون ، حجر معروف أسود يضرب إلى الحمرة يوجد في بلاد الحجاز يكتحل به وهو دواء نافع للرمد(1) ويستحب الاكتحال به ( لحديث ) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن خير ما تداويتم به اللدود والسعوط والحجامة والمشى وخير ما اكتحلتم به الإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم له مكحلة يكتحل بها عند النوم ثلاثا يبتدئ بها ويختم بها وفى اليسرى اثنين " أخرجه أبو الحسن رزين بن معاوية(2) {98}
وحاصل ما ورد في كيفية الاكتحال أنه يكون ثلاثا في كل عين أو اثنين في كل عين وواحدة بينهما أو في اليمين ثلاثا وفى اليسرى ثنتين أرجحها الأول(3).
__________
(1) انظر ص 114 ج10 فتح الباري ( السعوط بالقسط الهندي )
(2) الرمد بفتحتين : ورم خار يعرض في بياض العين .
(3) انظر ص 161 ج3 تحفة الأحوذى ( ما جاء في السعوط) وسيأتي بيان السعوط و( اللدود) بفتح اللام الدواء يصب في أحد جانبي فم المريض ويسقاه أو يدخل بإصبع وغيرها ويحتك به . ( والمشى ) بفتح فكسر فشد فعيل من أتمشى وهو ما يؤكل أو يشرب لاطلاق البطن .(1/52)
هذا ويعالج الرمد بالسكون وترك الحركة . والحمية يهيج الرمد وقد حمى إن النبي صلى الله عليه وسلم صهيبا من التمر وأنكر عليه أكله وهو ارسد وحمى عليا من الرطب لما أصابه الرمد . وكان صلى الله عليه وسلم إذا رمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها . هذا وفى الرمد منافع كثيرة : منها ما يستدعيه من الحمية والاستفراغ وتنفية الرأس والبدن من فضلاتها والكف عما يؤذى النفس والبدن من الغضب والهم والحزن والحركات العنيفة والأعمال الشاقة . وفى أثر سلفى : لا تكرهوا الرمد فإنه يقطع عروق العمى . ومن أسباب علاجه ملازمة السكون والراحة وترك مس العين والاشتغال بها . وقد روى في حديث مرفوع ( الله اعلم به ) علاج الرمد تقطير الماء البارد في العين . وهو من أكبر الأدوية للرمد الحار فإن الماء بارد يستعان به على طفى حرارة الرمد إذا كان حارا ، قال عبد الله بن مسعود لامرأته وقد اشتكت عينها : لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرا لك وأجدر أن تشفى . تنضجين في عينك الماء ثم تقولين أذهب اليأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما . وهذا خالص ببعض البلاد وبعض أوجاع العين فلا يجعل كلام النبوة الجزئي الخاص كليا عاما ولا الكلى العام جزئيا خاصا فيقع من الخطأ ما يقع(1)
(
__________
(1) انظر ص 366 ج2 تيسير الوصول ( ما وصفه صلى الله عليه وسلم من الأدوية )(1/53)
8) السعوط : هو بفتح فضم ما يتداوى به في الأنف ويكون بالقسط وكيفية استعماله أن يستلقي المريض على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر ذمي ويقطر في انفه ماء أو دهن فيه دواء منفرد او مركب ليتسنى وصوله إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس وهو من خير الأدوية ( روى ) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير ما تداويتم به السعوط والحجامة واللدود والمشى " أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد والترمذى وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور(1) {99}
(9) دواء الحمى : الحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنتشر منه في العروق إلي جميع البدن وهى قسمان : (1) عرضية وهى الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس أو الحر الشديد ونحو ذلك (ب) مرضية وهى ثلاثة أنواع منها ما يسخن جميع البدن فإن كان مبدا تعلقها بالروح فهي حمى يوم لأنها تزول غالبا في يوم ونهايتها إلي ثلاثة . وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الأصلية فهي حمى دق وهى أخطرها . وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنية وهى بعدد الأخلاط الأربعة .(2)
هذا ودواء النوع الاول يكون بالانغماس في الماء البارد وشرب الماء المبرد بالثلج وغيره وعليه يحمل حديث نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحمى من فيح جهنم فاطفئوها بالماء " قال نافع : وكان عبد الله يقول : اكشف عنا الرجز . أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه(3) {100}
__________
(1) انظر ص 121 ج10 فتح الباري ( الإمد والكحل ) .
(2) انظر ص 98 و99 ج3 زاد المعاد .
(3) انظر ص 161 و163 ج3 تحفة الأحوذى . و( اللدود ) بفتح فضم دواء تقدم بيانه . واللدود بضمتين الفعل . ولددت المريض به ذلك .(1/54)
وعن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحمى كثير من كثير جهنم فنحوها عنكم بالماء البارد " أخرجه ابن ماجه بسند صحيح رجاله ثقات(1) {101}
وهو يشمل كل ماء ( وقيل ) المراد به ماء زمزم لما روى همام عن آبى جمرة الضبعى قال : " كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى فقال أبردها عنك بماء زمزم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هي الحمى من فيج جهنم فأبردوها بالماء أو قال بماء زمزم . شك همام " أخرجه البخاري(2) {102}
__________
(1) انظر ص 136 ج10 فتح الباري ( الحمى من فيح جهنم ) .
(2) انظر ص 134 ج10 فتح الباري وص 195 ج14 نووي ( لكل داء دواء ) وص 182 ج2 – ابن ماجه ( الحمى من فيح جهنم ) . و( فيح ) بفتح فسكون الياء وفى رواية فوح بالواو وفى رواية فور بالواو والراء والمراد شدة حرها .
واختلف في نسبتها إلى جهنم فقيل هي حقيقة واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة أطهرها في هذه الدار عبرة ودلالة . ويحتمل أنه من باب التشبيه .
والمعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم تنبيها للنفوس على شدة حر النار وأن هذه الحرارة شبيه بفيحها وهو ما يصيب من قرب منها من حرها 0 ويؤيد ) الأول قول ابن عمر : اكشف عنا الرجز . والرجز العذاب . انظر ص 134 و135 ج10 فتح الباري ( وكأن) ابن عمر فهم من كون اصل الحمى من جهنم أن من أصابته عذب بها وهذا العذاب يكون للمؤمن تكفيرا لذنوبه وزيادة في أجوره ، وللكافر عقوبة وانتقاما وإنما طلب ابن عمر كشفه مع ما فيه من الثواب لمشروعية طلب العافية من الله تعالى فإنه القادر على أن يكفر سيئات عبده ويعظم ثوابه من غير أن يصيبه شئ يشق عليه . انظر ص 137 ج10 فتح الباري .(1/55)
وقد تعلق به من قال : إن ذكر ماء زمزم ليس قيدا لشك همام فيه وتعقب بأنه روى عن عفان عن همام : " فأبردوها بماء زمزم " أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان(1) {103}
وقال ابن القيم : ولو جزم به لكان أمرا لأهل مكة بماء زمزم إذ هو متيسر عندهم ولغيرهم بما عندهم من الماء(2) والأمر بإطفاء الحمى بالماء البارد خاص ببعض الحميات دون بعض وببعض الأشخاص دون بعض وبأهل البلاد الحارة كأهل الحجاز إذ كان اكثر الحميات التي تعرض لهم من العرضية الحادثة عن شدة الحرارة وهذه ينفعها الماء البارد شربا واغتسالا ( وكيفية ) ذلك ما في حديث هشام عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما كانت إذا أتيت بالمرأة قد حمت ندعو لها ، أخذت الماء فصبته بينها وبين جبيها وقالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نبردها بالماء ، أخرجه الشيخان وابن ماجه(3) { 104}
وما في حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أصاب أحدكم الحمى فإن الحمى قطعة من النار فليطفئها بالماء فليستنقع في نهر جار فليستقبل جريته فيقول باسم الله اللهم اشف عبدك وصدق رسولك بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس وليغمس فيه ثلاث خمسات ثلاثة أيام ، فإن لم يبرأ في ثلاث فخمس فإن لم يبرا في خمس فسبع ، فإن لم يبرا فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله " أخرجه أحمد والترمذى وقال غريب(4) وفيه سعيد بن زرعة مختلف فيه
__________
(1) انظر ص 182 ج2 ابن ماجه ( الحمى من فيح جهنم ) وكسرها بفتح فسكون فيحها
(2) انظر ص 210 ج6 فتح الباري ( صفة النار )
(3) انظر ص 210 ج6 فتح الباري ( الحمى من فيح جهنم )
(4) انظر ص 72 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسلم في علاج الحمى)(1/56)
قال أبو بكر الرازى : إذا كان القوى قوية والحمى حادة والنضج بين ولا ورم في الجوف ولا فتق فإن الماء البارد ينفع شربه فإن كان العليل خصب البدن والزمان حارا وكان معتادا استعمال الماء البارد اغتسالا فليؤذن له فيه ( وقد ) نزل ابن القيم حديث ثوبان على هذه القيود فقال : هذه الصفة تنفع في فصل الصيف في البلاد الحارة في الحمى العرضية فإن الماء في ذلك الوقت ( قبل طلوع الشمس ) أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاة الشمس وفور القوى في ذلك الوقت لكونه عقب النوم والسكون وبرد الهواء(1)
وقد تكرر في الحديث استعمال النبي صلى الله عليه وسلم الماء البارد في مرضه كما في حديث عائشة قالت ك لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بين رجلين يحظ رجلاه في الأرض بين عباس ورجل آخر وقال بعد ما دخل بيته واشتد وجعه هويقوا على من سبع قرب لم تحلل أو كيهن ( الحديث ) أخرجه البخاري (2) {106}
وقال سمرة : " النبي صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا بقربة من ماء فأفرغها على قرنه فاغتسل " أيخرجه البزار والحاكم وصححه . ورد بان في سنده روايا ضعيفا(3) {107}
__________
(1) انظر ص 137 ج10 فتح الباري وص 196 ج14 نووي ( لكل داء ودواء 9 ، وص 182 ج2 ابن ماجه ( الحمى من فيح جهنم ) و( الجيب) بفتح فسكون فتحة الثوب كالطوق والكم .
(2) انظر ص 177 ج3 تحفة الأحوذى ( فليستنقع ) آي فليغتسل و ( الجرية ) بكسر الجيم و( بعد صلاة الصبح ) ظرف لستنقع . وكذا 0 قبل طلوع الشمس )
(3) انظر ص 137 ج10 فتح الباري ( الحمى من فيج جهنم )(1/57)
وقال أنس : " إذا حم أحدكم فليشن عليه من الماء البارد من السحر ثلاث ليال " أخرجه الطحاوى وأبو نعيم في الطب والطبرانى في الأوسط بسند قوى وصححه الحاكم(1) {108}
( وروى ) عبد الرحمن بن المرقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحمى رائد الموت وهى سجن الله في
__________
(1) انظر ص 211 ج1 منه ( الغسل والوضوء في المخضب ) وتقدم رقم 66 ص 28 و ( من سبع قرب ) يشبه أن يكون خص السبع تبركا بهذا العدد لأن له دخولا في كثير من أمور الشريعة وفى رواية الطبرانى في هذا الحديث من أبار شتى والظاهر أن ذلك للتداوى لقوله في رواية أخرى في الصحيح لعلى استريح فاعهد أو أوصى . و( اوكية ) جمع وكاء وهو ما يشد به فم القربة .(1/58)
الأرض فبردوا لها الماء في الشنان وصبوه عليكم فيما بين الأذانين المغرب والعشاء قال ففعلوا فذهب عنهم " أخرجه الطبرانى(1) {109}
__________
(1) انظر ص 137 ج10 فتح الباري وقد خفي ما دلت عليه هذه الأحاديث على بعض سخفاء الأطباء فاعترض على الحديث بان اغتسال المحموم بالماء خطر يقربه من الهلاك لأنه يجمع المسام ويحقن البخار ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم فيكون ذلك سببا للتلف ( والجواب ) أن هذا إنما يصدر عن مرتاب في صدق الخبر فيقال له أولا من أين حملت الأمر على الاغتسال ؟ وليس في الحديث تخصيصه بالعسل وإنما فيه الإرشاد إلى تبريد الحمى بالماء . فإن تبين أن انغماس كل محموم في الماء أو صبه على جميع بدنه يضره فليس هو المراد وإنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم استعمال الماء على وجه ينفع وأولى ما يحمل عليه كيفية تبريد الحمى ما صنعته أسماء بنت الصديق فإنها كانت ترش على بدن المحموم شيئا من الماء بين يديه وثوبه فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها . والصحابي ولا سيما مثل أسماء التي كانت تلازم بيت النبي صلى الله عليه وسلم – أعلم بالمراد من غيرها ( وقال ) المازرى : ولا شك أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا إلى التفصيل حتى أن المريض يكون الشيء دواءه في ساعة ثم يصير داء له في الساعة التي تليها فعارض بعرض له من غضب يحمى مزاجه مثلا فتغير علاجه ومثل ذلك كثير فإذا فرض وجود الشفاء لشخص بشيء في حاله ما ، لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو لغيره في سائر الأحوال والأطباء مجمعون على أن المرضى الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء وقوة الطباع وعلى تقدير ورود التصريح بالاغتسال في جميع الجسد فيجاب بأنه يحتمل أن يكون في وقت مخصوص بعدد مخصوص فيكون من الخواص التي اطلع صلى الله عليه وسلم عليها بالوحي ويضمحك عند ذلك كلام أهل الطب . انظر ص 135 ج10 فتح الباري ( الحمى من فبح جهنم )(1/59)
وهذه الأحاديث ترد تأويل ابن الأنبارى أن المراد بقوله : فأبردوها بالماء الصدقة به ( قال ) ابن القيم : أظن الذي حمل ثائل هذا أنه أشكل عليه استعمال الماء في الحمى فعدل إلي هذا وله وجه حسن لأن الجزاء من جنس العمل . فكأنه لما أحمد لهيب العطش عن المآن بالماء أحمد الله لهيب الحمى عنه جزاء وفاقا ، ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديث وإشارته وأما المراد به فهو استعماله في البدن حقيقة.(1)
(10) التلبينة : بفتح فسكون فكسر بهاء وبدونها وهى حساء رقيق يعمل من دقيق او نخالة ويجعل فيه عسل أو لبن ن وقيل يؤخذ العجين غير خمير فيخرج ماؤه فيجعل حسوا لا يخالطه سحري ، وقيل هي ماء الشعير المطحون المغلي سميت تلبينة لتشبهها باللبن في الرقة والبياض وهو دواء للمريض والمحزون ( روى ) عروة عن عائشة أنها كانت تأمر بالتلبين للمريض ولمخزون على الهالك وكانت تقول : أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن التلبينة تجم فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن " أخرجه أحمد والشيخان(2){110}
__________
(1) انظر ص 137 ج10 فتح الباري
(2) انظر ص 113 ج10 فتح الباري (التلبينة للمريض ) وص 302 ج14 نووي مسلم 0 لكل داء دواء 9 و( تجم 9 بفتح فضم وبضم فكسر وفى رواية مسلم : التلبينة مجمة بفتح الميم والجيم وشد الميم الثانية . وروى بضم أوله وكسر الثانية . يقال جم وأجم . والمعنى أنها تريح قؤاد المريض وتزيل عنه الهم والألم وتنشطه وتزيل عن المخزون الحزن . والمراد بالفؤاد براس المعدة فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض . لكن المريض كثيرا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمى أو صديدي وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة . انظر ص 114 ج10 فتح الباري .(1/60)
وعن محمد بن السائب بن بركة عن أمه عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه ويقول : إنه ليرتو فؤاد الحزين وبشروا عن فؤاد الحزين وبشرو عن فؤاد السقيم كما تشرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها " أخرجه أحمد والترمذى وقال حسن صحيح وابن ماجه والحاكم(1) {111}
ومن شاء معرفة منافع التلبينة فليعرف منافع ماء الشعير ولا سيما إذا كان نخالة فإنه يجلو وينفذ بسرعة ويغذى غذاء لطيفا . فإذا شرب حارا كان أجلى وأقوى نفوذا وأنمى للحرارة الغريزية ولا شئ أنفع من الحساء لمن يغلب عليه في غذائه الشعير وأما من يغلب على غذائه الحنطة فأولى به في مرضه حساء الشعير .
والتلبية أنفع من الحساء لأنها تطبخ مطحونة فتخرج خاصة الشعير بالطحن وهى أكثر تغذية و أقوى فعلا وأكثر جلاء . وإنما اختار الأطباء النضيج لأنه أرق والطف فلا يثقل على طبيعة المريض . وينبغي أن يختلف الانتفاع بذلك بحسب اختلاف العادة في البلاد ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طبخ صحيحا وبالحزين إذا طبخ مطحونا(2) وهو نافع للسعال ، وخشونة الحلق ، صالح لقمع حدة الفضول ، مدر للبول ، جلاء لما في المعدة ، قاطع للعطش ، ملطف للحرارة ، وفيه قوة يجلو بها ويلطف ويحلل وصفته أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدار ومن الماء الصافي العذب خمسة أمثاله ويغلى في قدر نظيف بنار متعدلة إلى أن يبقى خمساه ويصفى ويستعمل منه مقدار الحاجة محلى(3).
(
__________
(1) انظر ص 113 ج10 فتح الباري ( التلبينة للمريض ) وص 158 ج3 تحفة الأحوذى ( ما يطعم المريض ) وص 178 ج2 – ابن ماجه ( التلبينة ) و( برتو) بفتح فسكون فضم المثناه أى يقوى . و( يسرو) بفتح فسكون أى يكشف عنه ضره ويزيله
(2) انظر ص 114 ج10 فتح البارى
(3) انظر ص 171 ج3 زاد المعاد ( شعير )(1/61)
11) لبن الإبل وبولها : هو دواء نافع للمعدة من داء الاستسقاء ( روى ) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم بابوال الإبل فإنها نافعة لذرية بطونهم " أخرجه ابن المنذر(1) { 112}
وعن أنس : " أن ناسا من عرينة قدموا المدينة فاجتووها فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابل الصدقة وقال : اشربوا من ألبانها وابوالها فشربوا من ألبانها وابوالها حتى صلحت أبدانهم " ( الحديث ) أخرجه الشيخان والترمذى وقال حسن صحيح (2) {113}
__________
(1) انظر ص 110 ج10 فتح البارى ( الدواء بابوال الإبل ) و( الذرية ) بفتح فكسر جمع ذرب وهو من فسدت معدته والذرب بفتحتين فساد المعدة
(2) انظر ص 110 ج10 فتح البارى ( الدواء بأوبال الإبل ) و159 ج3 تحفة الأحوذى ( شرب ابوال الإبل ) و( عربنة ) بالتصغير قبيلة و( اجتووا ) أى حصل لهم الجوى وهو داء يصيب الجوف(1/62)
كانوا مرضى بالاستسقاء ففي رواية مسلم انهم قالوا : إنا اجتوينا المدينة فعظمت بطوننا وارتهشت(1) أعضاؤنا والجوى داء في الجوف والاستسقاء مرض مادي سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء فتربو بها كلها أو المواضع الخالية من النواحي آلتي بها تدبير الغذاء والأخلاط ( ولما كانت ) الأدوية الجالية آلتي بها علاجه هي الأدوية آلتي فيها إطلاق معتدل وإدرار بحسب الحاجة وهى موجودة في ابوال الإبل وألبانها ( أمرهم ) النبي صلى الله عليه وسلم بشربها فإن في لبن اللقاح (2) جلاء وتلبينا وإدرارا وتلطيفا وتفتيحا للسدد إذ كان أكثر رعيها الشيخ والقيصوم والبابونج والأقحوان والإذخر(3) وغيرها من الأدوية النافعة للاستسقاء .
__________
(1) ارتهش من الارتهاش وهو الاضطراب .
(2) اللقاح بكسر اللام جمع لقحة وهى الناقه ذات اللبن
(3) القيصوم) نبات بالبادية منظف كالبابونج وهو الأقحوان ، بضم فسكون فضم : نبات له نور ابيض لا رائحة له . و( الإذخر ) بكسر فسكون فكسر : بنت بالحجاز له رائحة طيبة منظف .(1/63)
وهذا المرض لا يكون إلا مع آفة في الكبد ، ولبن اللقاح العربية نافع من السدد لما فيه من التفتيح والتلبين والإدرار والجلاء قال الرازى : لبن اللقاح يشفى أوجاع الكبد وفساد المزاج وهو ارق الألبان وأكثرها مائية وحدة وأقلها غذاء ن فلذا صار أقواها على تلطيف الفضول وإطلاق البطن وتفتيح السدد لما فيه من الملوحة اليسيرة ولذا صار أخص اللبان بتطرية الكبد وتفتيح سدده وتحليل صلابة الطحال إذا كان حديثا وإنما ينفع من الاستسقاء إذا استعمل بحرارته آلتي يخرج بها من الضرع من بول الفصيل وهو حار كما يخرج من الحيوان فإن ذلك يزيد في ملوحته وتقطيعه الفضول وإطلاقه البطن فإن تعذر انحداره وإطلاقه البطن وجب أن يطلق بدواء مسهل ولا يلتفت إلى ما يقال من أن طبيعة اللبن مضادة لعلاج الاستسقاء فإن لبن النوق دواء نافع لما فيه من الجلاء وشدة المنفعة فلو أن أنسانا أقام عليه بدل الماء والطعام شفى به وقد جرب في قوم تزحوا إلى بلاد العرب فقادتهم الضرورة إلى استعماله فعوفوا ، وانفع الأبوال بول الجمل الأعرابي وهو النجيب(1)
(12) الحجامة والفصد : ( الحجامة ) هي شرط الجلد بنحو موسى وجذب الدم بالمحجم ونحوه(2)
( والفصد ) قطع العرق لأخراج الدم عند الداعية وإلا فلا ينبغي إخراجه بل تركه أنفع فهو يقوى البدن لأنه من خالص الغذاء الذي هو قوام البدن .
والحجامة والفصد من خير الأدوية عند الداعية ( لحديث ) على بن أبى طالب رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير الدواء الحجامة والفصادة ، أخرجه أبو نعيم في الطب ورمز السيوطى لضعفه(3) {114}
__________
(1) انظر ص 78 ج3 زاد المعاد ( هدية رسول الله صلى الله عليه وسلم فى داء الاستسقاء ) .
(2) يقال حجمه الحاجم حجما من باب قتل : شرطة ، واسم الصناعة حجامة بالكسر .
(3) انظر ص 472 ج3 مناوى رقم 4008(1/64)
وعن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن امثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري " أخرجه البخاري والنسائي(1) {115}
والخطاب لأهل الحجاز والبلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة تميل إلى ظاهر البدن بجذب الحرارة لسطح الجلد . ومسام أبدانهم واسعة ففي الفصد لهم خطر فالحجامة أولى والخطاب أيضا لغير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم ( قال ) ابن سيرين : " إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم " أخرجه الطبري بسند صحيح وقال : وذلك أنه يصير حينئذ في انتفاض وانحلال من قوى بدنه فلا ينبغي أن يزيده وهنا بإخراج الدم . ومحله حيث لم تتعين حاجته إليه ولم يعتده(2).
هذا والحجامة تنفى سطح البدن أكثر من الفصد . والفصد ينفى أعماق البدن وهى للصبيان وفى البلاد الحارة أولى من الفصد وآمن غائلة وقد تغنى عن كثير من الأدوية ولهذا وردت الأحاديث بذكرها دون الفصد( والتحقيق ) أنهما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والمزاج فالحجامة في الأزمان والمكنة الحارة والبدان الحارة آلتي دم أصحابها في غاية النضج أنفع والفصد بالعكس ولهذا كانت الحجامة أنفع للصبيان ولمن لا يقوى على الفصد(3) وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن أتتداوى بالأخف لا ينتقل إلي ما فوقه . فمتى أمكن أتتداوى بالغذاء لا ينتقل إلى الدواء . ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب . ومتى أمكن بالدواء لا يعدل إلى الحجامة ومتى أمكن بالحجامة لا يعدل إلى الفصد(4). ثم الكلام هنا في ثلاثة مباحث :
(
__________
(1) تقدم رقم 96 ص 49
(2) انظر ص 116 ج10 فتح البارى ( الحجامة من الداء ) .
(3) انظر ص 116 ج10 فتح البارى ( الحجامة من الداء ) .
(4) انظر ص 3 ج4 عون المعبود ( قطع العرق ) .(1/65)
أ) فضل الحجامة : قد ورد في فضلها أحاديث ( منها ) حديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نعم العبد الحجام يذهب بالدم ويخف الصلب ويجلو عن البصر وقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم حين عرج به ما مر على ملا من الملائكة إلا قالوا عليك بالحجامة ( الحديث ) أخرجه ابن ماجه والحاكم وقال صحيح الإسناد والترمذى وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور(1) {116}
( وحديث ) ابن مسعود قال : " حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسرى به أنه لم يمر على ملإ من الملائكة إلا أمروه أن مر أمتك بالحجامة " أخرجه الترمذى وقال حسن غريب . وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس (2) {117}
( وحديث ) آبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن كان في شئ مما تداويتم به خير فالحجامة " أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود وابن ماجه(3) {118}
(
__________
(1) انظر ص 182 ج2 – ابن ماجه ( الحجامة) وص 163 ج3 تحفة الأحوذى ( الرخصة فى الكى ) و( يخف ) من الإخفاق . و( الصلب ) الظهر و( يجلو عن البصر ) القذى والرمص ونحوهما و( قال ) أى ابن عباس . و( عرج) بالبناء للمفعول أى اسرى به .
(2) انظر ص 163 ج3 تحفة الأحوذى ( الرخصة فى الكى ) وص 182 ج2 ابن ماجه ( الحجامة ) و( ليلة ) بالفتح مضاف الى (اسرى به) مبنى للمفعول . ويجوز جر ( ليلة ) منونة .
(3) انظر ص 2 ج 4 عون المعبود ( الحجامة ) . وص 182 ج2 ابن ماجه والتعليق بقوله " إن كان ط ليس للشك بل للتحقيق لأن وجود الخير فى الأدوية محقق لا شك فيه فالتعليق به يوجب تحقق المعلق به لا ريب . انظر ص 182 ج2 سندى ابن ماجه .(1/66)
وحديث ) عاصم بن عمر عن جابر بن عبد الله قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن كان في شئ من ادويتكم خير ففي شربه عسل او شرطه محجم أو لدغة بنار وما أحب أن أكتوى " اخرجه أحمد والشيخان والنسائي(1) {119}
__________
(1) انظر ص 119 ج10 فتح البارى ( الحجم من الشقيقة والصداع ) وص 192 ج14 نووى ( لكل داء دواء )(1/67)
اشتمل هذا الحديث على جملة ما يتداوى به الناس . وذلك أن الحجم يستفرغ الدم وهو أعظم الأخلاط . والحجم أنجحها شفاء عند هيجان الدم . وأما العسل فهو مسهل للأخلاط البلغمية ويدخل في المعجونات ليحفظ على تلك الأدوية قواها ويخرجها من البدن . وأما الكي فإنما يستعمل آخرا لإخراج ما يتعسر إخراجه من الفضلات وحيث يتعين زوال الداء به . وإنما كرهه لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم . وفى المصل : آخر الدواء الكي . وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وغيره واكتوى غير واحد من الصحابة(1)
(
__________
(1) انظر ص 107 ج10 فتح البارى ( الشفاء فى ثلاثة ) ولم يرد النبى صلى الله عليه وسلم الحصر فى الثلاثة فإن الشفاء قد يكون فى غيرها . وانما نبه بها على اصول العلاج . وذلك أن الأمراض الامتلائية تكون دموية وصفراوية وبلغمية وسوداوية . وشفاء الدموية بإخراج الدم بالحجم والفصد . والامتلاء الصفراوى وما ذكر معه ، دواؤه المسهل ، وقد نبه عليه بذكر العسل . والكى إنما يستعمل فى الخلط البلغمى الذى لا تنحسم مادته إلا به ويؤخذ من الجمع بين كراهته صلى الله عليه وسلم للكى وبين استعماله له أنه لا يترك مطلقا ولا يستعمل مطلقا ، بل يستعمل عند تعيينه طريقا الى الشفاء مع اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى ، وعلى هذا يحمل حديث المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وسلم : من اكتوى أو استرقى فقد برىء من التوكل . أخرجه أحمد وابن ماجه والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح ابن حبان والحاكم . انظر ص 107 ج10 فتح البارى ( الشفاء فى ثلاثة ) وص 184 ج2 ابن ماجه ( الكى) وص 164 ج3 تحفة الأحوذى ( كراهية الرقية ) و( برىء من التوكل ) محمول على من فعل ما ذكر معتمدا عليه لا على الله تعالى .(1/68)
ب) موضع الحجامة : تكون الحجامة بالرأس وبين الكتفين وفى الأخدعين والكاهل وظهر القدم والفخذ وغيرها ( روى) أبو كبشة الأنمارى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه ويقول : من اهراق من هذه الدماء فلا يضره ألا يتداوى بشيء لشيء " أخرجه أبو داود وابن ماجه . وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان أثنى عليه غير واحد وتكلم فيه غير واحد النبي صلى الله عليه وسلم(1) {120}
( وعن) قتادة عن أنس :" أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم ثلاثا في الأخدعين والكاهل" أخرجه الأربعة إلا النسائي بسند صحيح . وقال الترمذى حسن غريب وصححه الحاكم(2) {121}
(
__________
(1) انظر ص 2ج4 عون المعبود ( موضع الحجامة ) وص 183 ج2- ابن ماجه ز و( الهامة) الرأس وقيل وسطه ( فلا يضره ... الخ) أى لا يحتاج للتداوى بشىء آخر غير الحجامة لشىء من الأمراض .
(2) انظر ص 2 ج4 عون المعبود ( موضع الحجامة ) وص 162 ج3 تحفة الأحوذى ( الحجامة) وص 183 ج2 – ابن ماجه ( موضع الحجامة) و( الأخدعان) عرقان فى جانبى العنق يحجم منه ( والكاهل) ما بين الكتفين وهو مقدم الظهر .(1/69)
قال ) الأطباء : الحجامة في وسط راس نافعة جدا . وفصد الباسليق ينفع حرارة الكبد والطحال والرئة ومن الشوصة وذات الجنب وسائر الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك وفصد الأكحل ينفع الامتلاء العارض في جميع البدن إذا كان دمويا ولا سيما إن فسد . وفصد القيفال ينفع من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم أو فسد . وفصد الودجين ينفع لوجع الطحال والربو(1) ووجع الجنبين والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق وتنوب عن فصد الباسليق . والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس والوجه والأذنين والعينين والأسنان والأنف والحلق وتنوب عن فصد القيفال . والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع السنان والوجه والحلقوم وتنقى الرأس . والحجامة على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن وتنفع من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الحيض والحكة العارض في الأنثيين . والحجامة على اسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ وجربه وبثوره ومن النقرس والبواسير وداء الفيل(2) وحكة الظهر ومحل ذلك كله إذا كان عن دم هائج وصادف وقت الاحتياج إليه . والحجامة على المقعدة تنفع الأمعاء وفساد الحيض(3).
(
__________
(1) الباسليق عرق عند المرفق من ناحية الإبط . و( الشوصة ) بفتح فسكون وجع فى البطن أو ريح تعتقب فى الأضلاع أو ورم فى حجابها من داخل . قاموس . و( الأكحل ) بفتح فسكون ففتح عرق بالزند الأعلى من اليدين وهو عرق الحياة و( القيفال ) بكسر فسكون معرب . عرق فى اليد يمشى الى البدن من ناحية الكتف و( الربو ) بفتح فسكون النفس العالى .
(2) الصافن) عرق عند الكعب اليسر . و( البثور ) جمع بثرة بفتح فسكون وهى خراج صغير و( النقرس ) بكسر فسكون فكسر ورم ووجع فى مفاصل الكعبين وأصابع الرجلين .
(3) انظر ص 117 ج10 فتح البارى ( الحجامة على الرأس )(1/70)
فائدة) قال ابن الجوزى في اللقط : اعلم أن أحوج الناس للفصد الشبان والكهول و أصحاب الأبدان الثقيلة . و ينبغي أن يتوقاه الصبيان إذ لم يبلغوا أربع عشرة سنة والمشايخ و أصحاب الأمراض الباردة ما أمكن . وقد يحدث من إسرافه الاستسقاء والهرم وضعف القوة والرعشان والفالج والسكتة والربو وضعف المعدة والكبد وربما أعقب استفراغ الدم الكثير وكثيرا ما تنحل عنه القوة ولا يرجع حتى يموت صاحبه على طول الأيام وكثيرا ما يثقل البدن به .
(ج) وقت الحجامة : اعلم أن الدم يغلب في أوائل الشهر ويقل في آخره ولذا قالوا : الأفضل في الحجامة أن تكون في الربع الثالث من الشهر ( لحديث ) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم : " من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان له شفاء من كل داء " أخرجه الحاكم وأبو داود . وفيه سعيد بن عبد الرحمن وثقة الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه(1) {122}
وهو عام مخصوص بالداء الذي سببه غلبة الدم . وللحديث :
(أ) شاهد عن ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن خير ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة ويوم تسع عشرة ويوم إحدى وعشرين " أخرجه أحمد والترمذى وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد (2) {123}
(ب) شاهد عن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أراد الحجامة فليفحر سبعة عشر أو تسعة عشر أو إحدى وعشرين ولا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله ، أخرجه ابن ماجه وفيه النهاس بن فهم ضعيف(3) {124}
(
__________
(1) انظر ص 3 ج4 عون المعبود ( متى يستحب الحجامة) .
(2) انظر ص 163 ج3 تحفة الأحوذى ( الحجامة ) ولفظ يوم مرفوع خبر إن وشد الياء وبالغين المعجمة من تبيغ الدم إذا فار وتردد فى البدن .
(3) انظر ص 183 ج2 – ابن ماجه ( فى أى الأيام يحتجم ؟) و( يتبيغ) بفتح الباء وشد الياء وبالغين المعجمة من تبيغ الدم اذا فار وتردد فى البدن.(1/71)
وقال ) أنس : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين " أخرجه الحاكم والطبرانى والترمذى وقال حسن غريب(1) {125}
( ولكون) هذه الأحاديث لم يصح منها شئ ( قال ) حنبل بن إسحق :
كان أحمد يحتجم آي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت(2)( وقال ) البخاري : احتجم أبو موسى ليلا ( وعن) ابن عباس قال : احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم(3)
( أشار) البخاري إلى أن الحجامة تصنع عند الاحتياج ولا تتقيد بوقت دون وقت لأنه ذكر الاحتجام ليلا وذكر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم وهو يقتضي كون ذلك وقع منه نهارا ( وقال) الأطباء : إن أنفع الحجامة ما يكون في الساعة الثانية أو الثالثة نهارا وألا يقع عقب استفراغ عن جماع أو حمام او غيرهما ولا عقب شبع ولا جوع ( وقد) ورد في تعيين أيام للحجامة حديث ابن عمر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الحجامة على الريق أمثل وفيه شفاء وبركة وتزيد في العقل وفى الحفظ فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت ويوم الأحد تحريا واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب من البلاء وضربه بالبلاء يوم الأربعاء فإنه لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء فإنه لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء " أخرجه ابن ماجه من طريقين ضعيفين . أخرجه الدار قطني بسند جيد عن ابن عمر موقوفا(4) {125}
( ونقل) الخلال عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة وإن كان الحديث لم يثبت .
__________
(1) انظر ص 162 ج3 تحفة الأحوذى ( الحجامة )
(2) انظر ص 116 ج10 فتح البارى 0 اية ساعة يحتجم)
(3) انظر ص 115 ج10 منه
(4) انظر ص 183 ج2 – ابن ماجه ( فى أى الياك يحتجم ) وص 115 ج10 فتح البارى(1/72)
وحكى أن رجلا احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لكونه تهاون بالحديث(1)
( وقال) أبو بكرة بكار بن عبد العزيز : أخبرتني عمتي كبشة بنت أبى بكرة أن أباها كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء ويزعم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ . أخرجه أبو داود . وأبو بكرة بكار قال ابن معين : ليس حديثه أن وقال ابن عدى : أرجو أنه لا باس به وهو من الضعفاء الذين يكتب حدثيهم (2) {127}
( فائدة) قال في تسهيل المنافع : ينبغي أن تكون الحجامة على الريق إلا أن يكون الإنسان ضعيفا فله أن يأكل قبل أن يحتجم . وينبغي لمن احتجم أن يصبر عن الأكل ساعة(3)
( وقال) الشافعي رضى الله عنه : عجبت لمن يدخل الحمام ثم لا يأكل كيف يعيش ؟ وعجبت لم احتجم وأكل من ساعته كيف يعيش ؟ ومن افتصد أو احتجم وأكل لبنا أو حامضا يخشى عليه من البرص .
(
__________
(1) انظر ص 115 ج10 فتح البارى
(2) انظر ص 3ج4 عون المعبود ( متى تستحب الحجامة ) و( يزعم) أى يقول ويروى و( يوم الدم) أى يوم يكثر فيه الدم فى الجسم و( لا يرقا) بفتح فسكون ففتح فهمز أى لا يسكن الدم فيه .
والمعنى أنه لو احتجم او افتصد يوم الثلاثاء لربما يؤدى الى هلاكه لعدم انقطاع الدم ( وقد 9 أورد ابن الجوزى الحديث فى الموضوعات وتعقبه السيوطى بأن بكار بن عبد العزيز استشهد له البخارى فى صحيحه وروى له فى الأدب وقال ابن معين : صالح
(3) انظر ص 52 تسهيل المنافع .(1/73)
13) الكي : هو مس الجلد بحديدة محماة ونحوهما وهى المكواة وهو جائز للحاجة وتركه أولى إذا لم يتعين طريقا للدواء ( قال ) عاصم بن عمر بن قتادة : سمعت جابر بن عبد الله قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن كان في شئ من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربه عسل أو لدغة بنار توافق الداء وما أحب أن أكتوى " أخرجه أحمد والشيخان والنسائي(1)
{128}
فنسبة الشفاء إليه وقوله " توافق الداء " يدل على الجواز . وقوله " وما أحب أن أكتوى " يدل على فضل تركه ( وروى) أبو الزبير عن جابر قال : " رمى سعد بن معاذ في أكحلة فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ثم ورمت فحسمه الثانية " أخرجه مسلم(2) {129}
( وعن) أبى سفيان عن جابر قال ِ: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبى بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه " أخرجه مسلم(3) {130}
(
__________
(1) انظر ص 108 ج10 فتح البارى ( الدواء بالعسل ) والحديث تقدم رقم 119 ص 62 و(لدغة) بذال معجمة ساكنة وعين مهملة من اللذع وهو الخفيف من حرق النار . وفى قوله ( توافق الداء ) إشارة إلى أن الكى إنما يشرع منه ما يتعين طريقا الى الشفاء من الداء
(2) انظر ص 194 ج14 نووى ( لكل داء دواء ) و( المشقص ) بكسر فسكون : آلة الكى .
(3) انظر ص 193 ج14 نووى ( لكل داء دواء واستحباب التداوى )(1/74)
وعن ) الحسن البصرى عن عمران بن حصين قال : " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكي فابتلينا فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا . وفى رواية : فما افلحن ولا أنجحن " أخرجه أحمد وأبو داود بسند قوى وقال : وكان يسمع تسليم الملائكة فلما اكتوى انقطع عنه فلما ترك رجع إليه . وأخرجه الترمذى وقال حسن صحيح ( ورد) بأن الحسن لم يسمع من عمران .وأخرجه ابن ماجه بلفظ : فاكتويت فما أفلحت ولا أنجحت (1) { 131}
( والنهى) فيه محمول على الكراهة أو خلاف الأولى لما يقتضيه مجموع الأحاديث من الجواز
( وقيل) إنه خاص بعمران لأنه كان به الباسور وكان موضعه خطرا فنهاه عن كيه فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح
( وهذا ) والكي ثلاثة أنواع : (أ) كي الصحيح لئلا يمثل وهذا الذي قيل فيه " لم يتوكل من اكتوى " لأنه يريد أن يدفع القدر والقدر لا يدافع
(ب) كي الجرح إذا فسد والعضو إذا قطيع وهذا الذي يشرع أتتداوى به
(جـ) الكي لاحتمال أتتداوى به وهو خلاف الأولى لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق
( هذا) وقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أمور : فعل النبي صلى الله عليه وسلم له . وعدم محبته له . والثناء على من تركه . والنهى عنه . ولا تعارض بينها لأن الفعل يدل على الجواز وعدم المحبة لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أولى وكذا الثناء على تاركه وأما النهى عنه فإما على سبيل الاختيار والتنزيه أو عما لا يتعين طريقا إلى الشفاء أو عما لا يحتاج إليه بل يفعل خوفا من حدوث الداء(2) .
(
__________
(1) انظر ص 4 ج4 عون المعبود ( الكى) وص 162 ج3 تحفة الأحوذى ( كراهية الكى) وص 184 ج2 ابن ماجه ( الكى ) ورواية ( فما أفلحن ولا أنجحن ) بنون النسوة هى الصحيحة يعنى أن تلك الكيات التى اكتوينا بهن مخالفين نهى النبى صلى الله عليه لم تفدنا .
(2) انظر ص 119 ج10 فتح البارى ( من اكتوى أو كوى غيره ) وص 83 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسلم فى الكى)(1/75)
14) الحمية : بكسر فسكون وهى منع المريض من تناول مالا يلائمه(1) وهى نوعان : حمية الصحيح يمنعه عما يجلب المرض . وحمية المريض يمنعه عما يزيد المرض وبها تتمكن القوى من دفع المرض . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بها وينهى عما يؤذى والأصل فيها قوله تعالى : " وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً "(2) فحمى المريض من استعمال الماء لأنه يضره
( وقالت) أم المنذر سلمى بنت قيس : " دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه على وعلى ناقه ولنا دوال معلقة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها فقام على ليأكل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى : مه مه إنك ناقه فجلس على والنبي صلى الله عليه وسلم يأكل قالت فصنعت شعيرا وسلقا فجئت به فقال النبي صلى الله عليه وسلم على اصب من هذا فهو أنفع لك " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث فليح ابن سليمان ورده المنذرى بان غير فليح قد رواه (3) {132}
__________
(1) يقال حمى المريض ما يضره أى منعه إياه
(2) المائدة : ىية 6 . و( الغائط ) فى الصل المكان المنخفض والمراد به هنا قضاء الحاجة و( لا مستم ) أى جامعتم ( فلم تجدوا ماء) اى لم تقجروا على استعماله لمرض خيف حصوله أو زيادته أو بطء برئه أو لبرد أو لغير ذلك من اسباب التيمم ( انظر اسباب التيمم ص 383 وما بعدها ج1 – الدين الخالص طبعة ثالثة )
(3) انظر ص 1 ج4 عون المعبود ( الطب) وص 178 ج2 – ابن ماجه ( الحمية ) وص 157 ج3 تحفة الأحوذى ( الحمية ) و( الناقة ) بكسر القاف قريب العهد من المرض و( الدوالى ) جمع دالية وهى العذق من البسر يعلق فإذا ارطب أكل و( السلق ) بكسر فسكون : بنت معروف(1/76)
منع النبي صلى الله عليه وسلم عليا من الأكل من الدوالي لأنها فاكهة تضر بالناقه من المرض لسرعة استحالتها وضعف الطبيعة عن دفعها لأنها مشغولة بدفع آثار العلة وإزالتها من البدن وفى الرطب خاصة نوع ثقل على المعدة فتشتغل بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره فإما أن نقف تلك البقية وأنا أن تتزايد فلما وضع بين يديه السلق والشعير أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصيب منه فإنه من أنفع الأغذية لناقه فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية والتليين وتقوية الطبيعة ما هو اصلح للناقه ولا سيما إذا طبخ بأصول السلق فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه(1)
( وقال ) صهيب : " قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أذن فكل فأخذت آكل من التمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم تأكل تمرا وبك رمد ؟ فقلت : إنى امضغ من ناحية أخرى فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم " أخرجه ابن ماجه بسند صحيح رجاله ثقات(2) {133}
( وعن) قتادة بن النعمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أحب الله عبدا حماه من الدنيا كما يظل أحدكم يحمى سقيمه الماء " أخرجه البيهقى في الشعب والترمذى وقال حسن غريب والحاكم وقال صحيح(3) {134}
(
__________
(1) انظر ص 97 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسلم فى الحمية ) .
(2) انظر ص 178 ج2 – ابن ماجه ( الحمية ) و( مضغ ) من بابى نفع وقتل و( من ناحية أخرى ) أى أنه يجيد مضغه فى الشدقين .
(3) انظر ص 157 ج3 تحفة الأحوذى ( الحمية ) ومنع السقيم من شرب الماء اذا كان يضره وما اشتهر من قولهم ( الحمية راس الدواء والمعدة بيت الداء وعودوا كل جسم ما اعتاد ) ليس حديثا بل هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب : انظر ص 97 ج3 زاد المعاد .(1/77)
وعن) جعفر بن محمد عن أبيه قال : " أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم قناع من تمر وعلى محموم فناوله تمرة ثم أخرى حتى ناوله سبعا وقال حسبك " ذكره الذهبي في الطب النبوي(1) {135}
وقال : وذلك لأن التمر فيه حرارة تضر أصحاب الحميات وتورئهم الصداع والعطش فإذا أخذ منه القليل لم يكن له تلك المضرة ( وقال ) زيد بن اسلم : حمى عمر مريضا له حتى أنه من شدة ما حماه كان يمض النوى . ذكره الذهبي في الطب النبوي(2).
وبالجملة فالحمية من أكبر الأدوية : قبل الداء تمنع حصوله فإذا حصل تمنع تزايده وانتشاره(3).
(15) الورس : هو بفتح فسكون . نبت طيب الرائحة يزرع باليمن وأجوده الأحمر اللين القليل النخالة ينفع من
الكلف والحكة والبثور في سطح البدن إذا طلى به . وله قوة قابضة صابغة وإذا شرب نفع من الوضح(4) .
__________
(1) انظر ص 45 ( منع المريض من الإكثار مما يزيد فى علته ) والقناع بكسر ففتح – الطبق يؤكل فيه
(2) انظر ص 42 ( الحمية )
(3) انظر ص 97 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسلم فى الحمية ) .
(4) الوضح) بفتحتين : البرص .(1/78)
ومقدار الشربه منه درهم . وهو في منافعه قريب من القسط البحري وإذا لطخ به على البهق والحكة والبثور والسعفة(1) نفع منه ( وهو) مع الزيت نافع من ذات الجنب ( روى) قتادة عن ميمون أبى عبد الله عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينعت ألويت والورس من ذات الجنب قال قتادة وبلد من الجانب الذي يشتكيه أخرجه أحمد والترمذى وقال حسن صحيح وكذا ابن ماجه بلفظ : نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذات الجنب ورسا وقسطا وزيتا بلد به(2) {136}
وكيفية أتتداوى بما ذكر أن يدق القسط دقا ناعما ويخلط بالزيت المسخن وبذلك به مكان الألم والله الشافي .
(
__________
(1) البهق ) بفتحتين لون يعترى الجلد مخالف للونه وهو غير البرص ( والسعفة) كغرفة سواد مشرب بحمرة .
(2) انظر ص 174 ج3 تحفة الأحوذى ( ما جاء فى دواء ذات الجنب ) وص 181 ج2- ابن ماجه ( ويلد) مبنى للمفعول أى يلقى فى الفم من اللدود بالضم . وأما اللدود بالفتح فهو الدواء يصب فى أحد جانبى فم المريض .(1/79)
16) رماد الحصير : يداوى به الجرح بعد غسله إن لم يكن غائرا ( روى) أبو حازم عن أبيه سهل بن سعد الساعدى قال : جرح نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته وهشمت البيضة(1)
__________
(1) الرباعية) بوزن الثمانية ، السن بين الثنية والناب ( والبيضة) الخوذة توضع على الرأس و( أحد) بضمتين جبل فى الشمال الشرقى للمدينة على نحو ثلاثة أميال منها ( كانت) غزوته فى شوال من السنة الثالثة للهجرة ( يناير سنة 625 م) ( وحاصلها) أن قريشا لما أصابها ببدر ما أصابها اجتمع كثير منهم بأبي سفيان وقالوا إن محمدا قتل خيارنا وقد رغبنا فى ترك ربح أموالنا فى التجارة التى خرجنا منها الى بدر ( وكان الربح خمسين ألف دينار ) لنحارب به محمدا فنزل " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا الى جهنم يحشرون " 36 سورة الأنفال . فخرج أبو سفيان فى ثلاثة آلاف معهم مائتا فرس وسبع عشرة امرأة يضربن بالدفوف ويبكين قتلى بدر ويحرضن المشركين على القتال ونزلوا بذى الخليفة وأبى العباس أن يخرج معهم بل كتب إلي النبى صلى الله عليه وسلم يخبره بخروجهم لقتاله فأشار النبى صلى الله عليه وسلم على أصحابه بأن يتحصنوا بالمدينة ولا يخرجوا للعدو فإن جاء قاتلوهم على افواه الأزقة فألح قوم من فضلاء المسلمين بالخروج فدخل صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته ( بفتح اللام وسكون الهمزة أى درعه ) وخرج فوجدهم قد رجعوا عن رايهم وقالوا اصنع ما ترى . فقال : ما ينبغى للنبى اذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل . واستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وسار فى منتصف شوال بعد صلاة الجمعة فى الف منهم عبد الله بن ابى فى ثلثمائه منافق وفى اثناء الطريق رجع المنافق بمن معه . فهم بنو حارثه من الأوس وبنو سلمة من الخزرج بالرجوع فشلا فثنبتهما الله ..ونزل ( اذا همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) 122 آل عمران . ومضى النبى صلى الله عليه وسلم بسبعمائه مشاة نزل بهم فى شعب أحد وجعل ظهره إلى احد ورتب الصفوف وأعطى مصعب بن عمير لواء المهاجرين وأسيد بن حضير لواء الأوس والحباب بن المنذر لواء الخزرج وعين الرماة خمسين عليهم عبد الله بن جبير وأمرهم أن يقفوا على الجبل لحماية ظهر المسلمين وقال لهم : لا تبرحوا مكانكم نصرنا أم غلبنا . ثم حصل القتال فقتل حمزة ارظاة بن شرحبيل حامل لواء العدو واشتغل بقتل سباع بن عبد العزى الخزاعى فكمن له وحشى عبد جبير فقتله رضى الله عنه وقتل ابن قمأة مصعب بن عمير حامل لواء المهاجرين فأخذه على وحمل المسلمون على المشركين فهزموهم فترك الرماة مكانهم طنعا فى الغنيمة وقد حذرهم أميرهم عبد الله بن جبير قال : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ اثبتوا مكانكم . فابوا أن يطيعوه وثبت هو فيما دون العشرة وكان خالد بن الوليد على خيل العدو فصاح فيمن معه وحثهم على انتهاز الفرصة فقتلوا من ثبت من الرماة ثم ابوا المسلمين من خلفهم وكروا عليهم بالخيل واشبع أن محمدا قتل فانقضت صفوف المسلمين وتزاحفت قريش بعد هزيمتها وانهزم المسلمون لمخالفة بعضهم امر النبى صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الله حكمة ذلك وعرفهم سوء عاقبة المعصية بقوله : " لقد صدقكم الله وعده اذ تحسونهم ( تقتلونهم) بإذنه حتى اذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما اراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين " 152 – آل عمران .
وثبت النبى صلى الله عليه وسلم ومعه أربعة عشر من كبار الصحابه يدافعون عنه ( وهم ابو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وأبو عبيدة وسعد بن مالك من المهاجرين وابو دجانة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ واسيد بن حضير من الأنصار ) وقد خلص العدو الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورموه بالحجارى حتى وقع وكسرت رباعيته اليمنى السفلى وشج وجهه وكلمت شفتاه برمية من ابى عتبة بن وقاص فقال النبى صلى الله عليه وسلم كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وهو يدعوهم الى ربهم فنول قوله تعالى : " ليس لك من الأمر شىء أو ( بمعنى الى ، أى فاصبر الى أن) يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " 128 – آل عمران .
ودخلت حلقتان من المغفر فى وجنة النبى صلى الله عليه وسلم فانتزعهما ابو عبيدة عامر بن الجراح فسقطت ثليتاه ( وقد) قاتل عن النبى صلى الله عليه وسلم جبريل وميكائيل ( قال ) سعد بن ابى وقاص رايت النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيض كاشد القتال ما رايتهما قبل ولا بعد أخرجه البخارى ( انظر ص 252 ج7 فتح البارى : اذ همت طائفتان منكم ) وفى مسلم يعنى جبريل وميكائيل . ثم عرف كعب بن مالك الأنصارى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقتل فصاح : يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع نفر من المسلمين الى الشعب فإدركهم ابى بن خلف وهو يقول اين محمد ؟ لا نجوت أن نجا . فاعترضه رجال من المسلمين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلوا طريقه وأخذ حربه بن الحارث بن الصمة قطعته فى عنقه فتدأدا ( أى تدحرج) منها عن فرسه مرارا ورجع يقول : قتلنى محمد ، ومات بها وهو راجع الى مكه بسرف ولم يقتل النبى صلى الله عليه وسلم غيره ( وممن ابلى ) بلاء حسنا يوم أحد وعظم نفعه فيه طلحة بن عبيد الله وسعد بن ابى وقاص والزبير بن العوام ( فقد) قال صلى الله عليه وسلم هذا اليوم كله لطلحة وقال سعد بن ابى وقاص : نثل 0 بالنون والثاء أى استخرج ما فيها من النيل وفى رواية بالتاء المثاه من فوق أى قدمها 9 لى رسول الله صلى الله عليه وسلم كسانته يوم أحد فقال ارم فداك ابى وأمى أخرجه البخارى انظر ص 252 ج7 فتح البارى .
( وممن ثبت ) أيضا فى هذا اليوم أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية فقد ذكر سعيد ابن ابى زيد الأنصارى أن أم سعد بنت سعد بن الربيع قالت : دخلت على أم عمارة فقلت لها أخبرينى خبرك فقالت : خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعى سقاء فيه ماء فانتهيت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى أصحابه والدولة والربح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف حتى خلصت الجراح الى . فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت من اصابك بهذا ؟ قالت ابن قميئة أقمأه الله ز لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول دلونى على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب ابن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربنى هذه الضربة وقد ضربته على ذلك ضربات . قاله ابن هشام . ثم أشرف أبو سفيان فقال أفى القوم محمد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه فقال افى القوم ابن أبى قحافة ثلاثا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه ثم قال افى ابن الخطاب ثلاثا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه فقال إن هؤلاء قد قتلوا . لو كانوا فى الأحياء لأجابوا فلم يملك عمر نفسه بل قال : كذبت يا عدو الله فقد ابقى الله لك ما يخزيك . فقال ابو سفيان : اعل هبل مرتين فقال صلى الله عليه وسلم قولوا : الله أعلى وأجل فقال ابو سفيان : انا العزى ولا عزى لكم . فقال النبى صلى الله عليه وسلم قولوا : الله مولانا ولا مولىلكم فقال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال وتجدون مثله لم ىمر بها ولم تسؤنى وقد استشهد من المسلمين سبعون (قال) ابى بن كعب : قتل من الأنصار يوم أحد أربعة وستون ومن المهاجرين ستة . أخرجه الحاكم فى الإكليل وصححه ابن حبان . انظر ص 263 ج7 فتح البارى ( من قتل من المسلمين يوم أحد ) ومثلت نساء المشركين بالشهداء فبقرن البطون وقطعن المذاكير وجدعن الآذان والأنواف ( وممن) مثلن به حمزة عم النبى صلى الله عليه وسلم فلما نظر ذلك سنة حزن حزنا شديدا وترحم عليه وأثنى وقال : أما والله لئن صبرتم لهو خير للصابرين " 126 – النحل فقال النبى صلى الله عليه وسلم : بل نصبر وكيف عما اراد وكفر عن يمينه .(1/80)
على رأسه فكانت فاطمة تغسل الدم عنه وعلى يسكب عليه الماء بالمجن . فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها(1) حتى إذا صار رمادا الزقته الجرح فاستمسك الدم . أخرجه الشيخان وابن ماجه . وكذا الترمذى عن آبى حازم قال : سئل بن سعد بأي شئ دووي جرح النبي صلى الله عليه وسلم ؟
فقال : كان على يأتي بالماء في ترسه وفاطمة تغسل عنه الدم وأحرق له حصير فحشى به جرحه . قال الترمذى حسن صحيح(2) {137}
__________
(1) المجن – بكسر ففتح فشد النون - : الترس و( فاطمة ) هى بنت النبى صلى الله عليه وسلم وسبب مجيئها أحدا بينه أبو حازم قال : لما كان يوم أحد وانصرف المشركون خرج النساء الى الصحابه يعينونهم فكانت فاطمة فيمن خرج فلما رأت النبى صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته بالماء فيزداد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير فأحرقته بالنار وكمدته به حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم . أخرجه الطبرانى وفى رواية له عن ابى حازم قال : فأحرقت حصيرا حتى صارت رمادا فأخذت من ذلك الرماد فوضعته فيه حتى رقا الدم ( الحديث ) وفيه ثم قال يومئذ : اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله ثم مكث ساعة ثم قال : اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون ( وقال) عبد الرحمن بن يزيد بن جابر : إن الذى رمى النبى صلى الله عليه وسلم بأحد فجرحه فى وجهه قال خذها منى وأنا ابن قميئة ( كسفينة9 فقال اقمأك ( صغرك وأذلك) الله فانصرف الى اهله فخرج إلي غنمه فوافاها على ذروة جبل فدخل عيها فشد عليه فنطحه نطحه أدرأه من شاهق الجبل فتقطع انظر ص 261 ج7 فتح البارى ( ما أصاب النبى صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد) .
(2) انظر ص 261 ج7 فتح البارى ( ما أصاب النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد) وص 148 ج12 نووى ( غزوة أحد) وص 177 ج3 تحفة الأحوذى ( التداوى بالرماد ) و ( الترس ) بضم فسكون ما يتترس به المحارب .(1/81)
وفى الحديث أمران : (أ) جواز أتتداوى وأن الأنبياء قد يصابون بالجراحات والآلام والأسقام ليعظم لهم بذلك الأجر وتزداد درجاتهم رفعة وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكارة (1) (ب) وأن الحصير إذا أحرقت ووضع رمادها على الجرح أبطل زيادة الدم بل الرماد كله كذلك لأنه من شأنه القبض . ولذا ترجم الترمذى الحديث " أتتداوى بالرماد" ورماد الحصير طيب الرائحة فالقبض يسد أفواه الجرح . وطيب الرائحة يذهب برائحة الدم(2) .
(17) الترياق : هو بتثليث التاء والمشهور الكسر ، ما يستعمل لدفع السم من دواء معجون ويجوز أتتداوى به إذا لم يكن فيه محرم أو نجس وإلا لا يجوز ( وعليه ) يحمل حديث عبد الرحمن بن رافع التنوخى قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقا أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قيل نفسي " أخرجه أبو داود وقال : هذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة . وقد رخص فيه قوم يعنى الترياق وعبد الرحمن بن رافع قال البخاري : في بعض حديثه بعض المناكير(3)
ومعنى الحديث : أنى إن فعلت هذه الأشياء كنت ممن لا يبالي بما فعله من الأفعال مشروعة أو غيرها ولا ينز جر عما لا يجوز فعله شرعا .
(
__________
(1) انظر ص 262 ج7 فتح البارى ( ما أصاب النبى صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد)
(2) انظر ص 177 ج3 تحفة الأحوذى ( التداوى بالرماد)
(3) انظر ص 5 ج4 عون المعبود الترياق ) و( أو قلت الشعر من قبل نفسى ) أى قصدته وتقولته فلا يقول الشعر لقوله تعالى : " وما علمناه الشعر وما ينبغى له وأما قوله صلى الله عليه وسلم :
أنا النبى لا كذب * أنا ابن عبد المطلب فقد صدر منه لا عن قصد(1/82)
هذا ) والترياق إذا لم يكن فيه نجس فلا باس بتناوله ( والتميمة) قيل إنها خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات واعتقاد هذا جهل وضلال إذ لا دافع غير الله تعالى ولا يدخل في هذا التعوذ بالقرآن والاستشفاء به لأنه كلام الله تعالى(1).
(18) دواء النسا : النسا كالعصا عرق يظهر في الورك فيستبطن الفخذ ( ويداوى) بما في حديث انس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " شفاء عرق النسا إلية شاة أعرابية تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ثم يشرب على الريق في
كل يوم جزء " أخرجه ابن ماجه والحاكم بسند صحيح(2) {139}
__________
(1) وتقدم تمام الكلام فى تعليق التمائم ونحوها بهامش صفحة 205 وما بعدها ج5 الدين الخالص طبعة ثانية
(2) انظر ص 181 ج2 – ابن ماجه ( دواء عرق النسا) . وفى الحديث دليل على جواز تسمية هذا المرض بعرق النسا خلافا لمن منع ذلك وقال : النسا هو العرق نفسه فيكون من باب اضافة الشىء الى نفسه وهو ممتنع وجوابه من وجهين :
(أ ) ... أن العرق أعم من النسا فهو من اضافة العام الى الخاص .
أن النسا هو المرض الحال بالعرق والاضافة فيه من اضافة الشىء الى محله وقيل وسمى بذلك لأن ألمه ينسى ما سواه . انظر ص 86 ج3 زاد المعاد ( علاج عرق النسا )(1/83)
وهذه المعالجة تصلح للعراب ومن يعرض لهم هذا المرض من يبس . وقد تنفع ما كان من مادة غليظة لزجة بالإنضاج والإسهال فإن الألية تنضج وتلين وتسهل والمقصود بالشاه العرابية ما قلت فضولها وشحومها . ورعيها يكون في البر ترعى مثل القيصوم والشيخ(1) ( قال ) ابن القيم : عرق النسا وجع يبتدئ من مفصل الورك وينزل من خلف إلى الفخذ وربما امتد على الكعب وكلما طالت مدته زاد نزوله ويهزل معه الرجل والفخذ . وهذا العلاج خاص بأهل الحجاز ومن جاورهم ولا سيما أعراب البوادي فإن هذا المرض يحدث من يبس وقد يحدث من مادة غليظة لزجة فعلاجها بالإسهال . والآلية فيها الخاصيتان : الإنضاج والتليين .
وهذا المرض يحتاج علاجه إلى هذين الأمرين . وتعيين الشاة الأعرابية لقلة فضولها وصغر مقدارها ولطف جوهرها مرعاها لأنها ترعى أعشاب البر الحارة كالشيح والقيصوم ونحوهما . وهذه إذا تغذى بها الحيوان صار في لحمه من طبعها بعد أن بلطفها بالتغذية بها ويكسبها مزاجا الطف منها ولاسيما الألية .
وظهور فعل هذه النباتات في اللبن أقوى منه في اللحم ولكن الخاصية آلتي في الألية من الإنضاج والتليين لا توجد في اللين(2)
(19) دواء العين : روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق " أخرجه أحمد والشيخان ,أبو داود وابن ماجه(3) {140}
__________
(1) انظر ص 181 ج2 سندى ابن ماجه ( دواء عرق النسا ) .
(2) انظر ص 86 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسلم فى هلاج عرق النسا ) .
(3) انظر ص 107 ج5 مجمع الزوائد ( العين ) وص 158 ج10 فتح البارى ( العين حق ) وص 170 ج14 نووى ( الطب) وص 1 ج 4 عون المعبود ( العين ) وص 185 ج2 – ابن ماجه ( العين ) .(1/84)
آي الإصابة بها شئ ثابت متحقق . وبظاهر الحديث أخذ الجمهور وأنكره طوائف المبتدعة بلا وجه لأن كل شئ ممكن في نفسه ولا يؤدى إلى قلب حقيقة فهو من متجاوز العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى ولا فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الآخرة(1)
( هذا) والعين نظر باستحسان مشوب بجسد من خبث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر وقد خفي هذا على بعض الناس فقال كيف تعمل العين من بعد حتى يحصل الضرر للمعيون ؟ ( والجواب ) أن طبائع الناس تختلف فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن بالهواء إلى بدن المعيون . ويقرب من هذا أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمداء فيرمد ويتثاءب شخص بحضرته فيتثاءب هو ( ومذهب) أهل السنة في هذا أن العين إنما تضر عند نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضرر عند مقابلة شخص لآخر ( وعن ) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أكثر من يموت بعد قضاء الله وقدره بالنفس " قال الراوي يعنى بالعين . أخرجه أبو داود الطيالسى والبخاري في التاريخ والحكيم الترمذى والبراز بسند حسن ورجاله رجال الصحيح خلا طالب بن حبيب بن عمرو وهو ثقة(2) {141}
(
__________
(1) انظر ص 158 ج10 فتح البارى ( العين حق )
(2) انظر ص 106 ج5 مجمع الزوائد ( العين) وص 156 ج10 فتح البارى ( رقية العين) .(1/85)
وقد أجرى ) الله العادة بوجود كثير من القوى والخواص في الأجسام والأرواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل فيرى في وجهه حمرة لم يتكن قبل ذلك وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه . والتأثير في هذا ونحوه بإرادة الله تعالى وخلقه وهو ليس مقصورا على الاتصال الجسماني بل يكون تارة به وتارة بالمقابلة وأخرى بمجرد الرؤية وأخرى بتوجه الروح كالذي يحدث من الأدعية والرقى وتارة يقع ذلك بالتوهم فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي إن صادف البدن ولا وقاية له اثر فيه وإلا لم ينفذ السهم بل ربما رد على صاحبه كالسهم الحسي(1) ( وعلاج العين ) بما في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق ولو كان شئ القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا " أخرجه أحمد ومسلم والحكيم الترمذى وابن حبان(2) { 142}
__________
(1) انظر ص 156 ج10 فتح البارى ( رقية العين) .
(2) انظر ص 171 ج14 نووى ( الطب) .( ولو كان شىء سابق ... الخ) فيه تأكيد وتنبيه على سرعة تأثير العين وفيه رد على من زعم من المتصوفة أن قوله ( العين حق) يريد به القدر أى العين التى تجرى منها الأحكام فإن عين الشىء حقيقته والمعنى أن ما يصيب المعيون من الضرر عند نظر العائن إنما هو بقدر الله السابق لا بشىء يحدثه الناظر فى المنظور ( ووجه الرد) أن الحديث ظاهر فى المغايرة بين القدر والعين وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور والحديث جرى مجرى المبالغة فى إثبات تأثير يسبق القدر لكان العين لكنها لا تسبق فغيرها أولى . انظر ص 159 ج10 فتح البارى ( العين حق )(1/86)
معناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى ولا تقع إلا على حسب ما قدرها وسبق بها علمه فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى ( وفى الحديث ) صحة أمر العين وأنها قوية الضرر .( وإذا استغسلتم ) بالبناء للمجهول آي إذا طلب منكم من نظرتم إليه أن تغسلوا له أطرافكم فأجيوه ( وظاهر الأمر) الوجوب فمن خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به فإنه يتعين ( وكيفيته) أن يغسل العائن وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وأطراف رجليه وما تحت إزاره في إناء ثم يصب ذلك الماء على راس المعيون وظهره من خلفه ثم يكفأ الإناء وراءه على الأرض ( روى) الزهري عن آبى أمامه بن سهل ابن حنيف قال : مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال : لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة فما لبث أن لبط سهل فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له : أدرك سهلا صريعا قال : من تتهمون ؟ قالوا عامر بن ربيعة قال علام يقتل أحدكم أخاه ؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة ، ثم دعا بماء فامر أن يتوضأ فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وكبتيه وداخله إزاره وأمره أن يصب عليه قال معمر عن الزهري وأمره أن يكفأ الإناء من خلفه .. أخرجه مالك وأحمد والنسائي وابن حبان وصححه وابن ماجه وهذا لفظه وفى رواية مالك : فبرأ من ساعته(1) {143}
(
__________
(1) انظر ص 373 ج2 تيسير الوصول ( العين) وص 107 ج5 مجمع الزوائد وص 186 ج2 – ابن ماجه والمخبأة المرأة المخدرة . و(لبط) كصرع وزنا ومعنى و( داخله الإزار ) الطرف الذى يلى جسد المؤتزر . والمراد غسل ما يليه من الجسد .(1/87)
هذا) والأمر بالغسل مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا يعقل معناه ( وإن) توقف فيه متشرع قلنا له : قل الله ورسوله أعلم وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة ( وإن) توقف فيه متفلسف رد عليه بأن عنده الأدوية تفعل بقواها وقد تفعل بمعنى لا يدرك ( وقال ) ابن القيم : هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعلها مجربا غير معتقد . وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها فما الذي تنكره جهلتهم من الخواص الشرعية . هذا مع أن في المعالجة بالاغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة . فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها وهذا علاج النفس الغضبية توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن . فكأن أثر ذلك تلك العين كشعلة نار وقعت على جسد ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة . ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيئة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها ولا شئ ارق من المغابن ( الأطراف ) فكان في غسلها إبطال لعملها ( وفى الحديث) ما يدل على وصول أثر الغسل إلى القلب وهو من ارق المواضع وأسرعها نفاذا فتنطفئ تلك النار آلتي أثارتها العين بهذا الماء(1).
( فائدتان) ( الأولى) أن هذا الغسل إنما ينفع بعد استحكام النظرة . وقبله تدفع بالدعاء بالبركة ( لما ) في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة(2).
( وعن) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من رأي شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم تضره العين " أخرجه البزار وابن السنى والبيهقى وفيه أبو بكر الهذلى ضعيف جدا(3) {144}
(
__________
(1) انظر ص 160 ج10 فتح البارى ( العين حق )
(2) انظر رقم 143 ص 81
(3) انظر ص 109 ج5 مجمع الزوائد ( ما يقول اذا رأى ما يعجبه ) .(1/88)
وعن) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فأعجبه فقال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت وقرأ : " وَلَوْلاَ إذْ دَخَلْتَ جَنتَكَ قُلتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قَّوةَ إلا باللهِ " . أخرجه الطبرانى والأوسط وفيه عبد الملك بن زراره وهو ضعيف(1) {145}
( الثانية ) دلت الأحاديث السابقة أن العائن إذا عرف يؤمر بالاغتسال وهو دواء نافع وأن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو من رجل محب ومن رجل صالح وأن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر بالدعاء لمن أعجبه بالبركة وأن الإصابة بالعين قد تقتل . وهل يقتص من العائن ؟
( قال ) القرطبي : لو أتلف العائن شيئا ضمنه ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرا(2).
( والجمهور ) أنه لا قصاص في ذلك لأنه لا يقتل غالبا ولا يعد مهلكا وكذا لا دية فيه ولا كفارة لأنه لم يقع منه فعل سوى الحسد والنظر ولا يمكر على ذلك إلا الحكم بقتل الساحر فإنه في معناه ، والفرق بينهما فيه عشر ( وفى الحديث ) أنه ينبغي للإمام منع العائن – إذا عرف بذلك – من مداخله الناس وأن يلزم بيته فإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به فإن ضرره اشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر رضى الله عنه بمنعه من مخالطة الناس واشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة . وهذا القول صحيح متعين(3) .
(
__________
(1) انظر ص 140 ج10 مجمع الزوائد ( ما يقول اذا رأى ما يعجبه ) .
(2) انظر ص 160 ج10 فتح البارى ( العين حق )
(3) انظر ص 161 ج10 فتح البارى . وص 173 ج14 نووى مسلم ( الطب والمرض )(1/89)
20) علاج الصرع : الصرع بفتحتين علة تمنع الأعضاء الرئيسية عن انفعالها منعا غير تام وهو نوعان : (أ ) صرع من الأخلاط الرديئة وهو ملة تمنع الأعضاء النفسية عن الأفعال والحركة والانتصاب منعا غير تام وسببه خلط غليظ لزج يسد منافذ بطون الدماغ سدا غير تام فيمنع نفوذ الحس والحركة فيه وفى الأعضاء نفوذا ما من غير انقطاع بالكلية . وقد يكون لسباب أخر كريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج في الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصبا بل يسقط ويقذف بالزبد لغلظ الرطوبة . وهذه العلة من الأمراض الحادة المزمنة باعتبار طول مكثها وعسر برئها لا سيما إن جاوز في السن خمسا وعشرين سنة وقد بين الأطباء سببها وعلاجها وقالوا إن الصرع يبقى فيمن يصاب به حتى يموت(1).
(ب) صرع من الجن : ولا يقع إلا من النفوس الخبيئة منهم إما لاستحسان بعض الصور الإنسية وإما لإيقاع الأذية به . وقد أثبته عقلاء الأطباء ولا يعرفون له علاجا إلا بمقاومة الأرواح الخيرة العلوية ليندفع آثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطل أفعالها(2) وبدل على ثبوته حديث عطاء بن أبى رباح قال : قال لي ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إنى اصرع وإنى أتكشف فادع الله لي . قال : إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت : اصبر وإنى أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف فدعا لها أخرجه الشيخان(3) {146}
__________
(1) انظر ص 85 ج3 زاد المعاد ( صرع الأخلاط)
(2) انظر ص 90 ج10 فتح البارى ( فضل من يصرع من الريح )
(3) تقدم رقم 12 صفحة 7 .(1/90)
كان صرعها من الجن لا من الخلط ( فقد روى) ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت : " إنى أخاف الخبيث أن يجردني فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتى أستار الكعبة فتتعلق بها " أخرجه البزار(1) . {147}
( وفى هذه) الأحاديث بيان فضل من يصرع ويصبر وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة ( وفيها) دليل على جواز ترك أتتداوى وأن علاج الأمراض بالدعاء والالتجاء إلى الله تعالى أنجح وأنفع من العلاج بالعقاقير وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية(2)0
( قال) ابن القيم : وعلاج هذا النوع يكون بأمرين :
(أ ) أمر من جهة المصروع يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلي فاطر هذه الأرواح وبارئها والتعوذ الصحيح الذي تواطأ عليه القلب واللسان فإن هذا نوع محاربة والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا أمرين : أن يكون السلاح جيدا وأن يكون الساعد قويا فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل فكيف إذا عدم الأمران بخراب القلب من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه ولا سلاح له .
(
__________
(1) انظر ص 91 ج10 فتح البارى ( فضل من يصرع من الريح)
(2) انظر ص 91 ج10 فتح البارى ( فضل من يصرع من الريح)(1/91)
ب ) من جهة المعالج : بأن يكون فيه هذان الأمران حتى إن من المعالجين من يكتفي بقوله اخرج منه أو يقول باسم الله أو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله مادي صلى الله عليه وسلم كان يقول : اخرج عدو الله وأنا رسول الله . وشاهدت شيخنا(1) يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح آلتي فيه ويقول : قال لك الشيخ أخرجي فإن هذا لا يحل لك فيفيق المصروع وربما خاطبها بنفسه وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب فيفيق المصروع ولا يحس بألم وكان كثيرا ما يقرأ في أذن المصروع " أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ "(2) وكان يعالج بآية الكرسي ويأمر المصروع بكثرة قراءتها ومن يعالجه وبقراءة المعوذتين وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة ، واكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله يكون لقلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقيقة الذكر والتعاويذ والتحصينات النبوية والإيمانية فتلقى الروح الخبيئة الرجل أعزل لا سلاح معه وربما كان عريانا فيؤثر فيه . هذا ولو كشف الغطاء لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى من هذه الأرواح الخبيثة وهى في أسرها وقبضتها تسوقها حيث شاءت(3) ولا عاصم للإنسان من الشيطان إلا ذكر الله تعالى فإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى .
(
__________
(1) شيخنا ) يعنى شيخ الإسلام تقى الدين أحمد بن تيمية .
(2) سورة المؤمنون : آية 115
(3) انظر ص 84 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسلم فى علاج الصرع )(1/92)
21) دواء الجنون : قد ورد في هذا معجزة عظيمة كي صلى الله عليه وسلم ( روى ) سليمان بن عمرو بن الآحوص عن أم جندب قالت : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر ثم انصرف وتبعته امرأة من خثعم ومعها صبى لها به بلاء لا يتكلم فقالت يا رسول الله هذا أبني وبقية أهلي وإن به بلاء لا يتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إيتونى أن من ماء فأتى بماء فغسل يديه ومضمض فاه ثم أعطاها فقال اسقيه منه وصبى عليه منه واستشفى الله له قالت : فلقيت المرأة من الحول فسألتها عن الغلام فقالت برئ وعقل عقلا ليس كعقول الناس " أخرجه ابن ماجه(1) {148}
(22) دواء الكلية : هي بضم فسكون ولكل حيوان كليتان وهما لحمتان منتبرتان حمراوان لازقتان بعظم الصلب عند الخاصرتين وإذا تحركت تداوى بالماء الحار والعسل ( روت) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الخاصرة عرق الكلية إذا تحركت آذت صاحبها فدواؤها بالماء المحرق والعسل " أخرجه الطبرانى في الأوسط وفيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد وثقه جماعة(2) {149}
(23) أتتداوى بسمن البقر : قال زهير : حدثتنى امرأة أهلي عن مليكة بنت عمرو الزيدية من ولد زيد الله بن سعد قالت : " اشتكيت وجعا في حلقي فأتيتها فوضعت له سمن بقر قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألبانها شفاء وسمنها دواء ولحمها داء قلت قوله فأتيتها يعنى أن المرأة من أهله أتت مليكة ، أخرجه الطبرانى . والمرأة لم تسم وبقية رجاله ثقات(3) {150}
(
__________
(1) انظر ص 188 ج2 – ابن ماجه ( النشرة ) بضم فسكون نوع من الرقية يعالج بها المجنون . و( بقية أهلى ) أى أنهم ماتوا وما بقى منهم الا هذا .
(2) انظر ص 87 ج5 مجمع الزوائد ( عرق الكلية ) .
(3) انظر ص 90 ج5 مجمع الزوائد ( التداوى بسمن البقر )(1/93)
24) الحقنة : هي بضم فسكون إيصال الدواء إلى الجوف بالحقنة ( بكسر فسكون ) وهى مكروهة إلا لحاجه على الصحيح 0 قال ) الخلال : كان أبو عبد الله – يعنى أحمد – كرهها في أول أمره ثم أباحها على معنى العلاج واحتج القاضى للقول المرجوح يعنى كراهة الحقنة مطلقا بما روى وكيع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحقنة ورواه أبو بكر بن أبى شيبه عن على وسال ابن عباس رضى الله عنهما رجل : أحتقن ؟ قال لا تبد العورة ولا تستن بسنة المشركين . وراه الخلال وروى الخلال عن عمر رضى الله عنه أنه رخص في الحقنة وكرهها على ومجاهد والشعبي والمعتمد كراهتها بلا حاجة ولها تباح .(1)
(
__________
(1) انظر ص 19 ج2 غذاء الألباب .(1/94)
25) الباسور : هو بالسين والصاد علة تحدث في المقعدة وفى داخل الأنف وقطعة مباح . وقيل يكره إن لم يخف التلف وإلا حرم والمنصوص عنه النهى عند الحنبلية ونص أحمد على الكراهة(1) هذا ويحل قطع عضو تمكن فيه الداء وخيف من بقائه السريان أو زيادة الألم . ويحل شق جرح ونحوه إن لم يخش منه ضرر . قال الإمام أحمد رضى الله عنه : كان الحسن يكره البط – يعنى شق الجرح – ولكن عمر رضى الله عنه رخص فيه وكذا معالجة الأمراض المخوفة ومداواتها ويروى عن على رضى الله عنه قال : " دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل نعوده بظهره ورم فقالوا يا رسول الله : هذه مدة قال : بطوا عنه . قال على : فما ربحت حتى بطن مادي صلى الله عليه وسلم أمر طبيبا أن يبط بطن رجل أحوى البطن(2) فقيل يا رسول الله هل ينفع الطب ؟ قال الذي انزل الداء أنزل الشفاء ( وروى) ابن السنى عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرج في بعض أصبعى بثرة فقال : عندك ذريرة(3) ؟ قلت نعم . قال ضعيها وقولي اللهم مصغر الكبير ومكبر الصغير صغر ما بى . ذكر هذه الروايات السفارينى(4) {151}
(د) بعض الأدوية والأغذية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم
علمت الكثير من الطب المكارة ونذكر هنا خمسة وخمسين دواء مرتبة على حروف الهجاء :
(
__________
(1) انظر ص 21 ج2 منه
(2) الاحرى : السود
(3) البثرة ) بضم فسكون خراج صغير جمعها بثور وبثر كغرف . و( الذريرة) بفتح فكسر ويقال الذرور ، نوع من الطيب ودواء هندى يتخذ من فتات قصب الطيب وهو حار يابس ينفع من ورم المعدة .
(4) انظر ص 21 ج2 غذاء الألباب ( بط الجرح وقطع العضو خوف السريان )(1/95)
1) إذخر : هو بكسر فسكون فكسر نبت بالحجاز طيب الرائحة وله منافع : بفتح السدد وأفواه العروق وبدر البول والحميص ويفتت الحصى ويحلل الأورام الصلبة في المعدة والكبد والكليتين شربا وضمادا . واصله يقوى عمود الأسنان والمعدة ويسكن الغثيان ويعقل البطن(1)
(2) الأرز : بفتح فسكون هو الصنوبر وحبه حار رطب وفيه إنضاج وتليين وتحليل وهو عسر الهضم وفيه تغذية كثيرة وهو جيد للسعال ولتنقية رطوبات الرئة ويولد مغصا . وترياقه حب الرمان المز(2)
(3) الأرز : بضم فسكون وهو أغذى الحبوب بعد الحفظة وأحمدها خلطا يشد البطن شدا ويقوى المعدة ويدبغها وله تأثير في خصب البدن وكثرة التغذية وتصفية اللون(3).
(4) الباذنجان : وهو أبيض واسود والصحيح أنه حار وهو مولد للسوداء والبواسير والسدد والسرطان والجذام ويفسد اللون ويسوده ويضر بنتن الفم والأبيض منه المستطيل عار من ذلك(4)
(5) البسر : بضم فسكون وهو من النخلة كالعنقود من العنب وهو حار يابس ويبسه أكثر من حره يجفف الرطوبة ويدبغ المعدة ويحبس البطن وينفع اللثة والفم وأنفعه ما كان هشا وحلوا وكثرة أكله وأكل البلح يحدث السدد في الأحشاء(5)
(
__________
(1) انظر ص 157 ج3 زاد المعاد
(2) انظر ص 157 ج3 زاد المعاد
(3) انظر ص 157 ج3 زاد المعاد
(4) انظر ص 159 ج3 زاد المعاد
(5) انظر ص 158 ج3 منه .(1/96)
6) البصل : هو حار وفيه رطوبة فضلية ينفع من تغير المياه ويدفع ريح السموم وبفتق ويقوى المعدة ويهيج الباه ويحسن اللون ويقطع البلغم ويجلو المعدة وهو بالملح يقلع الثآليل(1) وإذا شمه من شرب دواء مسهلا منعه من القيء والغثيان وأذهب رائحة ذلك الدواء وإذا تسعط بمائه تقي الرأس ويقطر في الأذن لثقل السمع والطنين والقيح والماء الحادث في الأذنين وينفع من الماء النازل من العينين اكتحالا . يكتحل ببذرة مع العسل لبياض العين . والمطبوخ منه كثير الغذاء ينفع من اليرقان والسعال وخشونة الصدر ويدر البول ويلين الطبع وينفع ماؤه مع الملح من عضه الكلب غير الكلب . وإذا احتمل فتح أفواه البواسير .
( وأما) ضرره فإنه يورث الشقيقة ويصدع الرأس ويولد أرياحا وبظلم البصر وكثرة أكله تورث النسيان ويفسد العقل ويغير رائحة الفم والنكهة ويؤذى الجليس والملائكة وإمانته طبخا تذهب بهذه المضرات منه(2) . ( روى) معدان بن آبى طلحة اليعمرى أن عمر بن الخطاب قام يوم الجمعة خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " يأيها الناس إنكم تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا الثوم وهذا البصل ولقد كنت أرى الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجد ريحه منه فيؤخذ بيده حتى يخرج بع إلى البقيع فمن كان آكلها لابد فليمتهما طبخا " أخرجه ابن ماجه(3) . {152}
( وعن ) معاوية بن قرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هاتين الشجرتين ، وقال : من أكلهما فلا يقربن مسجدنا وقال : إن كنتم لابد آكلوها فاميتوهما طبخا قال يعنى البصل والثوم " أخرجه أبو داود وسكت عليه(4) {153}
(
__________
(1) الثأليل ) جمع ثؤلول بضم فسكون وهو بثر – بفتح فكسر – صغير صلب وهو الخراج الصغير .
(2) انظر ص 151 ج3 زاد المعاد .
(3) انظر ص 169 ج2 ابن ماجه ( أكل الثوم والبصل ) .
(4) انظر ص 425 ج3 – عون المعبود ( أكل الثوم) .(1/97)
7) البطيخ : روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب فيقول نكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا " أخرجه النسائي والترمذى مختصرا وقال حسن غريب وأبو داود وهذا لفظه وأخرجه ابن ماجه مختصرا عن سهل بن سعد(1) {154}
الباء في الحديث بمعنى مع ، آي كان يأكل أحدهما مع الآخر ويقول : إن حر الرطب بكسر ببرد البطيخ . وقد تبين أنس كيفية أكل النبي صلى الله عليه وسلم لهما قال : " كان يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره فيأكل الرطب بالبطيخ وكان أحب الفاكهة إليه " أخرجه أبو نعيم في الطب والطبرانى في الأوسط وفيه يوسف بن عطية الصفار وهو متروك(2) {155}
( قال ) ابن القيم : وفى البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شئ غير هذا الحديث يعنى حديث عائشة
( وعن) حميد عن أنس قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرطب والخربز " أخرجه النسائي بسند صحيح(3) {156}
__________
(1) انظر ص 56 ج3 تحفة الأحوذى ( أكل البطيخ بالرطب) وص 427 ج3 عون المعبود ( الجمع بين اللونين عند الأكل) وص 164 ج2 – ابن ماجه ( القثاء والرطب يجمعان ) .
(2) انظر ص 455 ج9 فتح البارى ( جمع اللونين أو الطعامين بمرة ) وص 38 ج5 مجمع الزوائد ( البطيخ والرطب )
(3) انظر 157 ج3 زاد المعاد . وص 455 ج9 فتح البارى(1/98)
والجربز بكسر فسكون فكسر نوع من البطيخ الأصفر وفى هذا رد على من زعم أن المراد بالبطيخ في الحديث الأخضر . وعلل بأن في الأصفر حرارة كما في الرطب ( والجواب ) أن في الأصفر بالنسبة للرطب برودة وإن كان فيه لحلاوته طرف حرارة(1) وعليه فالمراد بالبطيخ ما يشمل الأخضر والأصفر وهو بارد رطب وفيه جلاء وهو أسرع انحدارا عن المعدة . وإذا كان آكله محرورا انتفع به جدا وإن كان مبرودا دفع ضرره بيسر من الزنجبيل ونحوه وينبغي أكله قبل الطعام فإنه يغسل البطن غسلا ويذهب بالداء أصلا ويتبع بالأكل(2)
(8) البلح : ( روى ) هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كلوا البلح بالتمر كلوا الخلق بالجديد فإن الشيطان يغضب ويقول بقى ابن آدم حتى أكل الخلق بالجديد " أخرجه ابن ماجه والبراز وفيه أبو زكريا يحيى بن محمد ضعفه ابن معين وغيره وقال ابن عدى أحاديثه مستقيمة سوى أربعة أحاديث عد هذا منها وقال النسائي : حديث منكر(3) {157}
(
__________
(1) انظر ص 455 ج9 فتح البارى ( جمع اللونين أو الطعامين بمرة ) وص 38 ج5 مجمع الزوائد ( البطيخ والرطب )
(2) انظر ص 157 ج3 زاد المعاد
(3) انظر ص 164 ج2 – ابن ماجه ( أكل البلح بالتمر ) والخلق بفتحتين القديم والحديث المنكر ما رواه الضعيف مخالفا للثقات أو ما تفرد به الضعيف .(1/99)
والباء ) بمعنى مع ، آي كلوا هذا مع هذا . وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأكل البلح مع التمر ولم يأمر بأكل اليسر مع التمر لأن البلح بارد يابس والتمر حار رطب ففي كل منهما إصلاح للآخر وليس كذلك ولا ينبغي من جهة الطب الجمع بين حارين أو باردين ( وفى الحديث ) دليل على الجواز صناعة الطب وعلى مراعاة التدبير الذي يلزم في دفع كيفيات الأغذية والأدوية ويبوسة وهو ينفع الفم واللثة والمعدة ورديء للصدر والرئة بالخشونة آلتي فيه بطئ في المعدة يسير التغذية وهو للنخلة كالحصرم لشجرة العنب وهما يولدان رياحا ونفخا ولا سيما إذا شرب عليهما الماء . ويدفع ضررهما بالتمر أو بالعسل والزبد(1) .
(9) البيض : بيض الدجاج أفضل من غيره والحديث افضل من العتيق وهو معتدل يميل إلى البرودة قليلا .(ومه)(2) حار رطب يولد دما صحيحا محمودا ويغذى غذاء يسيرا وهو مسكن للألم مملس للحلق وقصبة الرئة نافع للحلق والسعال وحروق الرئة والكلى والمثانة مذهب للخشونة لاسيما إذا أخذ بدهن اللوز والحلو ومنضج لما في الصدر ملين له سهل لخشونة الحلق ( وبياضه) إذا قطر في العين الورامة ورما حارا برده وسكن الوجع وإذا لطخ به حرق النار لم يدعه ينتفط . وإذا لطخ به الوجع منع الاحتراق العارض من الشمس وهو وإن لم يكن من الأدوية المطلقة فإن له مدخلا في تقوية القلب جدا وهو أوفق ما يتلافى به عادية الأمراض المحللة لجوهر الروح(3)
(
__________
(1) انظر ص 157 زاد المعاد
(2) المح ) بالضم خالص كل شىء وصفره البيض كالمحة .
(3) انظر ص 158 زاد المعاد(1/100)
10) التمر : ما جف من ثمر النخل وهو فاكهة وغذاء ودواء وحلوى وهو من أهم أقوات العرب (روى) هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بيت لا تمر فيه جياع أهله " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذى وقال حسن غريب(1) {158}
كان التمر قوتهم فإذا خلا منه البيت جاه أهله ( وفى الحديث ) بيان فضيلة التمر وجواز الادخار للعيال والحث عليه . وفيه حث على القناعة في بلاد كثر فيها التمر والمعنى أن من قنع به لا يجوع ( وثبت) أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل التمر بالزبد وأكله بالخبز وأكله مفردا ( روى) سليم بن عامر عن أبني بسر السلميين قالا : " دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقدمنا له زبدا وتمرا وكان يحب الزبد والتمر " أخرجه أبو داود وابن ماجه(2) {159}
( وقال ) عبد الله بن سلام : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز شعير ثم أخذ تمرة فوضعها عليها ثم قال هذه إدام هذه " أخرجه أبو يعلى وفيه يحيى بن العلا وهو ضعيف . وأخرجه أبو داود عن يوسف بن عبد الله بن سلام ولم يقل مرسلا . فدل على أن له رواية على أن مرسل الصحابي حجة إجماعا وليس في سند أبى داود يحيى بن العلا(3) {160}
(
__________
(1) انظر ص 230 ج13 نووى ( ادخار التمر ) وص 426 ج3 عون المعبود ( التمر ) وص 164 ج2 – ابن ماجه ( التمر ) وص 85ج3 تحفة الأحوذى ( استحباب التمر)
(2) انظر ص 428 ج3 عون المعبود ( الجمع بين الونين عند الأكل) وص 165 ج2 – ابن ماجه ( التمر بالزبد) " وابنا يسر هما عطية وعبد الله ( والزبد ) بضم فسكون ما يستخرج بالمخض من لبن البقر والغنم . وما يستخرج من لبن الإبل يسمى جنابا
(3) انظر ص 40 ج5 مجمع الزوائد ( أكل الخبز بالتمر ) وص 426 ج3 عون المعبود ( التمر) .(1/101)
وقال ) زيد بن ثابت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الخبز بالتمر ويقول هذا إدام هذا " أخرجه الطبرانى في الصغير وفيه محمد بن كثير ابن مروان وهو ضعيف(1) {161}
لما كان التمر طعاما مستقلا لم يعرف أنه إدام أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من الإدام .
( هذا) والتمر مقو للكبد ملين للطبع يزيد في الباه ولا سيما مع حب الصنوبر ويبرىء من خشونة الحلق ومن لم يعتده كأهل البلاد الباردة يورث لهم السدد ويؤذى السنان ويهيج الصداع ويدفع ضرره باللوز والخشخاش وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن وأكله على الريق يقتل الدود فإنه مع حرارته فيه قوة ترباقية فإذا أديم استعماله على الريق خفف مادة الدود وأضعفه وقلله أو قتله(2) .
(11) التين : لم يكن التين بأرض الحجاز وقد اقسم الله به في القرآن . والصحيح أن المقسم به هو التين المعروف وهو حار رطب او يابس وأجوده الأبيض الناضج القشر يجلو رمل الكلى والمانة وهو أغذى من جميع الفواكه وينفع خشونة الحلق والصدر وقصبة الرئة ويغسل الكبد والطحال وينفى الخلط البلغمى من المعدة ويغذو البدن غذاء جيدا إلا أنه يولد القمل إذا أكثر منه جدا ويابسه ينفع العصب وهو مع الجوز واللوز مجمود ومن منافعه أنه يسكن العطش الناشئ عن البلغم المالح وينفع السعال المزمن ويدر البول ويفتح سدد الكبد والطحال وأكله على الريق ينقح مجارى الغذاء وأكله مع الأغذية الغليظة رديء جدا .
والتوت البيض قريب منه لكنه أقل تغذية وأضر بالمعدة(3) .
(
__________
(1) انظر ص 40 ج5 مجمع الزوائد ( أكل الخبز بالتمر )
(2) انظر ص 159 ج3 زاد المعاد ( والخشخاش ) بفتح فسكون نبات معروف
(3) انظر ص 159 ج3 زاد المعاد ( والخشخاش ) بفتح فسكون نبات معروف(1/102)
12) الثريد : وهو مركب من خبز ولحم . فالخبز أفضل الأقوات واللحم سيد الإدام فإذا اجتمعا ففيهما الكفاية . واختلف أيهما أفضل والصواب أن الحاجة إلى الخبز أكثر واللحم أجل وأفضل وهو طعام أهل الجنة قال الله تعالى لمن طلب البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل" أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ"(1)
وكثير من السلف على أن الفوم الحنطة . وعليه فالآية نص على أن اللحم خير من الحنطة(2).
(13) الثلج : (روى) أبو هريرة حديثا في دعاء الاستفتاح ، فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم اغسلنى بالثلج والماء والبرد " أخرجه السبعة إلا الترمذى(3) . {162}
(دل الحديث ) على أن الداء يداوى بضده فإن في الخطايا من الحرارة والحريق ما يضاده الثلج والبرد والماء البارد . ولا يقال إن الماء الحار ابلغ في إزالة الوسخ لأن في الماء البارد من تصلب الجسم وتقويته ما ليس في الحار . والخطايا توجب أثرين : التدنيس والإرخاء فالمطلوب تداويها بما ينظف القلب ويصلبه . فذكر الماء البارد والثلج والبرد إشارة إلى هذين الأمرين ( وبعد ) فالثلج بارد على الأصح فإنه يتولد في الفواكه الباردة وفى الخل وأما تعطيشة فنهييجه الحرارة لا لحرراته في نفسه وهو يضر المعدة والعصب وإذا كان وجع الأسنان من حرارة مفرطة سكنها(4)
(
__________
(1) يشير الى الآية ( واذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير ) 61 البقرة .
(2) انظر ص 60 ج3 زاد المعاد .
(3) انظر ص 156 ج3 فتح البارى ( ما يقول بعد التكبير ) وص 96 ج5 نووى ( ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة ) وص 193 ج5 – المنهل العذب ( السكتة عند الافتتاح) .
(4) انظر ص 159و160 ج3 زاد المعاد(1/103)
14) الثوم : هو بضم فسكون قريب من البصل ( روى) شريك بن حنبل عن على رضى الله عنه قال : نهى عن أكل الثوم إلا مطبوخا . أخرجه أبو داود والترمذى وقال : ليس إسناده بذاك القوى . فإن فيه أبا إسحاق السبيعى مدلس اختلط أخيرا(1) . {163}
( والثوم ) حار يابس يسخن ويجفف بالغا وهو نافع للمبرودين ولمن مزاجه بلغمى ولمن أشرف على الوقوع في الفالج ومفتح للسدد ومحلل للرياح الغليظة هاضم للطعام قاطع للعطش مطلق للبطن مدر للبول ، يقوم في لسع الهوام وجميع الأورام الباردة مقام الترياق . وإذا دق وعمل منه ضماد على نهش الحيات أو لسع العقارب نفعها وجذب السموم منها ويسخن البدن ويزيد في حرارته ويقطع البلغم ويحلل النفخ ويصفى الحلق ويحفظ صحة أكثر الأبدان وينفع من تغير المياه والسعال المزمن ويؤكل نيئا ومطبوخا ومشويا وينفع من وجع الصدر من البرد ويخرج العلق من الحلق وإذا دق مع الخل والملح والعسل ثم وضع على الضرس المتآكل فتته وأسقطه وعلى الضرس الوجع سكن وجعه ، وإن دق منه مقدار درهمين وأخذ مع ماء العسل أخرج البلغم والدود ، وإذا طلى العسل نفع من البهق
( ومن مضارة) أنه يصدع ويضر الدماغ والعينين ويضعف البصر والباه ويهيج الصفراء ويجفف رائحة الفم . ويذهب رائحة الثوم أن يمضغ عليه ورق السذاب(2) .
(15) الجبن : هو بضم فسكون وبضمتين ما يتخذ من اللبن جامدا ( روى) الشعبي عن ابن عمر قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع . أخرجه أبو داود ، وفيه إبراهيم بن عيينة . قال أبو داود : صالح وقال أبو حاتم الرازى : شيخ يأتي بالمناكير(3) {164}
(
__________
(1) انظر ص 425 ج3 عون المعبود وص 84 ج3 تحفة الأحوذى ( أكل الثوم وتهى بصيغة المجهول أى نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أكله الا مطبوخا
(2) الذاب بفتح السين بقل معروف
(3) انظر ص 424 ج3 عون المعبود ( أكل الجبن )(1/104)
والرطب) من الجبن غير المملوح جيد للمعدة هين السلوك في الأمعاء يلين البطن تليينا معتدلا . والمملوح اقل غذاء من الرطب وهو رديء للمعدة مؤذ للأمعاء والعتيق يعقل البطن وكذا المشوى وينفع القروح ويمنع الإسهال وهو بارد رطب فإن استعمل مشويا كان أصلح لمزاجه فإن النار تصلحه وتعدله وتلطف جوهره وتطيب طعمه ورائحته والعتيق المالح حار يابس والملح منه يهزل ويولد حصاة الكلى والمثانة وهو رديء للمعدة(1).
(16) الجمار : هو بضم فشد كرمان قلب النخلة وهو بارد يابس ينفع من نفث الدم واستطلاق البطن وغلبة المرة الصفراء وثائرة الدم ويغذو غذاء يسيرا وهو بطئ الهضم وشجرته كلها منافع ولذا مثلها النبي صلى الله عليه وسلم بالرجل المسلم لكثرة خيره ومنافعه(2) .
(17) الحرير : ( قال ) أنس رضى الله عنه : رخص النبي صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير لحكة بهما . أخرجه أحمد والشيخان وكذا الترمذى بلفظ : إن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة لهما فرخص لهما في قمص الحرير وقال : حسن صحيح(3). {165}
(
__________
(1) انظر ص 160 ج3 زاد المعاد
(2) انظر ص 160 ج3 زاد المعاد
(3) انظر ص 52 ج14 نووى مسلم ( اباحة لبس الحرير لحكة ) وص 229 ج10 فتح البارى ( ما يرخص للرجال من الحرير للحكة ) وص 40ج3 تحفة الأحوذى ( لبس الحرير فى الحرب ) . ( والحكة ) بكسر فشد ، نوع من الجرب وذكرت مثالا لاقيدا ( وفى الحديث) دليل لجواز لبس الحرير للرجال للضرورة ، وتقدم بيانه بصفحة 136 ج6 دين خالص طبعة ثانية ( لبس الحرير لضرورة ) .(1/105)
دل) الحديث على أن الحرير ينفع للحكة والقمل والجرب ونحوها . وهو كثر المنافع يقوى القلب وينفع من كثير من أمراضه ومن غلبة المرة السوداء والأدواء الناشئة عنها ويقوى البصر إذا اكتحل به . والخام منه حار يابس أو رطب أو معتدل فملبوسه معتدل الحرارة قال الرازى : الإريسم ( الحرير ) اسخن من الكتان وأبرد من القطن وأقل حرارة منه ولذا صار نافعا من الحكة فإنها لا تكون إلا عن حرارة ويبس وخشونة فلذلك رخص النبي صلى الله عليه وسلم في لباسه لمداواة الحكة ،وثيابه ابعد عن تولد القمل فيها فإن مزاجها مخالف لمزاج ما يتولبد منه القمل(1)
(18) الحلبة : ( قال ) ابن القيم : يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عاد سعد بن آبى وقاص بمكة فقال : " ادعوا له طبيبا فدعى الحارث بن كلدة فنظر إليه فقال : ليس عليه بأس فاتخذوا له فريقه وهى الحلبة مع تمر عجوة رطبة يطبخان فيحساهما ففعل ذلك فبرئ ( والحلبة ) حارة يابسة وإذا طبخت بالماء لينت الحلق والصدر والبطن وتسكن السعال والخشونة والربو وعسر النفس وتزيد في الباه وهى جيدة للريح والبلغم والبواسير وتنفع من أمراض الرئة وتستعمل لهذه الأدواء مع السمن والفانيذ (2) و( دقيقها ) إذا خلط بالنظرون والخل وضمد به حلل ورم الطحال وقد تجلس المرأة في الماء الذي طبخت فيه الحلبة فتنتفع به من وجع الرحم العارض من ورم فيه . وإذا شرب ماؤها نفع من المغص العارض من الرياح .
__________
(1) انظر ص 88 ج3 زاد المعاد ( علاج الجسم وما يولد القمل ) .
(2) الفانيذ نوع من الحلوى يعمل من النشا والسكر معرب يانيذ(1/106)
وإذا أكلت مطبوخة بالتمر أو العسل أو التين على الريق حللت البلغم اللزج العارض في الصدر والمعدة ونفعت من السعال المتطاول منه وهى نافعة من الحصر مطلقة المبطن . ومنافعها كثيرة قال بعض الأطباء : لو علم الناس منافعها لاشتروها مطلقة للبطن . ومنافعها كثيرة قال بعض الأطباء : لو علم الناس منافعها لاشتروها بوزنها ذهبا(1)
(19) الخبز : (روى) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وددت لو أن عندنا خبزة بيضاء من يره سمراء ملبقة بسمن ولبن نأكلها فسمع بذلك رجل من الأنصار فجاء به إليه صلى الله عليه وسلم في آي شئ كان هذا السمن ؟ قال في عكة ضب فأبى أن يأكله " أخرجه ابن ماجه وأبو داود وقال : هذا حديث منكر(2) .
__________
(1) انظر ص 162 ج3 زاد المعاد
(2) انظر ص 166 ج2 – ابن ماجه ( الخبز الملبق بالسمن ) وص 423 ج3 عون المعبود ( الجمع بين لونين من الطعام) . و( برة سوداء) اى حنطة فيها سواد خفى وقيل السمراء بيان لبرة . و( ملبقة ) بشد الباء الموحدة المفتوحة أى مخلوطة خلطا شديدا بسمن ولبن . و( العكة ) بالضم آنية السمن . والمعنى أنه كان فى وعاء من جلد ضب ( فابى أن يأكله ) لنفرة طبعة صلى الله عليه وسلم عن الضب لا لنجاسة جلده وإلا لأمره بطرحه ونهاه عن تناوله . ( والمنكر 9 ما رواه من فحش غلطة أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه وكان منكرا لأنه مخالف لما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم من الزهد والرغبة عن الدنيا ولذاتها . كيف وقد أخرج مخرج التمنى .(1/107)
هذا وأحمد الخبز أجوده اختمارا وعجنا وأجوده ما اتخذ من الحنطة الحديث وأكثر أنواعه تغذية خبز السميد(1) وهو أبطؤها هضما لقلة نخالته . واحمد أوقات أكله آخر اليوم الذي خبز فيه . واللين منه أكثر تليينا وغذاء وترطيبا أسرع انحدارا . واليابس بخلافه . وخبز البر حار قريب من الاعتدال في الرطوبة واليبوسة . واليبس يغلب على ما جففته النار منه . والرطوبة على ضده . وخبز القطائف يولد خلطا عظيما . والفتيت بطئ الهضم والمعمول باللبن مسدد كثير الغذاء بطئ الانحدار . وخبز الشعير بارد يابس وهو اقل غذاء من خبزا الحنطة(2) .
(20) الخل : ( روى) جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سال أهله الأدم فقالوا : ما عندنا إلا خل فجعل يأكل به ويقوم نعم الأدم الخل نعم الأدم الخل . أخرجه مسلم وكذا ابن ماجه مختصرا(3) {167}
(دل) الحديث على فضيلة أخل وأنه أدم فاضل جيد . قال محمد بن زاذان : حدثتنى أم سعد قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وأنا عندها فقال : " هل من غذاء ؟ قالت عندنا خبز وتمر وخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم الإدام الخل اللهم بارك في الخل فإنه إدام الأنبياء قبلي ولم يفتقر بيت فيه خل " أخرجه ابن ماجه(4) {168}
(
__________
(1) السميد ، على وزن فعيل بالدال المهملة وبالمعجمة افصح وهو لباب الدقيق
(2) انظر ص 163 ج3 زاد المعاد
(3) انظر ص 6 ج14 نووى ( فضيلة الخل ) وص 163 ج2 ( الائتدام بالخل ) . والأدم بضمتين جمع ادام بكسر الهمزة ما يؤتدم به .
(4) انظر ص 163 ج2 – ابن ماجه(1/108)
والغرض) من الحديث بيان أن الخل صالح لأن يؤدم به . وهو إدام حسن . ولم يرد ترجيحه على غيره من اللبن واللحم والعسل والمرق (هذا) والخل يابس تغلب عليه البرودة وهو قوى مجفف يمنع من أنصباب المواد ويلطف الطبيعة . وخل الخمر ينفع المعدة الملتهبة ويقمع الصفراء ويدفع ضرر الأدوية القتالة ويحلل اللبن والدم إذا جمدا في الجوف وينفع الطحال ويدبغ المعدة ويعقل البطن ويقطع العطش ويمنع الورم أن يحدث ويعين على الهضم ويضاد البلغم ويلطف الأغذية الغليظة ويرق الدم وإذا شرب بالملح نفع من أكل الفطر القتال(1) وإذا احتسى قطع العلق المتعلق بأصل الحنك وإذا تمضمض به مسخنا نفع من وجع الأسنان وقوى اللثة وهو مشه للكل مطيب للمعدة صالح للشباب وفى الصيف لسكان البلاد الحارة(2) .
(21) الخلال : هو ككتاب العود يحلل به الأسنان . وهو نافع اللثة والأسنان حافظ لصحتها نافع من تغير النكهة . وأجوده ما اتخذ من عيدان الأخلة وخشب الزيتون والتخلل بالقصب والآس والريحان مضر(3) .
(22) الدهن : هو بضم فسكون ما يدهن به من زيت ونحوه ( قال ) أنس : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات . أخرجه الترمذى في الشمائل(4). {169}
(
__________
(1) الفطر ) بضم فسكون أو بضمتين نوع من الكمأة قتال .
(2) انظر ص 163 ج3 زاد المعاد
(3) انظر ص 164 ج3 زاد المعاد
(4) انظر ص 44- الشمائل ( ترجل النبى صلى الله عليه وسلم ) والدهن بالفتح استعمال الدهن بالضم . والقناع ككتاب خرقة توضع على الرأس حين استعمال الدهن لتقى العمامة منه .(1/109)
وعن ) زيد بن اسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة " أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال : حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الرازق عن معمر(1) {170}
(هذا) والدهن يسدد مسام البدن ويمنع ما يتحلل منه وإذا استعمل بعد الاغتسال بالماء الحار حسن البدن ورطبه وإن دهن به الشعر حستنه وطوله ونفع من الحصبة ودفع أكثر الآفات عنه . وهو في البلاد الحارة من أكد أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لأهلها . وأما البلاد الباردة فلا يحتاج إليه أهلها . والإلحاح به في الرأس خطر بالبصر ، وانفع الأدهان البسيطة الزيت ثم السمن ثم الشيرج . وأما المركبة فمنها بارد رطب كدهن البنفسج ينفع من الصداع الحار وينوم أصحاب السهر ويرطب الدماغ وينفع من الشقاق(2)، وغلبة اليبس والجفاف ويطلى به الجرب والحكة اليابسة فينفعها ويسهل حركة المفاصل ويصلح لأصحاب الأمزجة الحارة في زمن الصيف ( ودهن ) البان(3) حار رطب ومن منافعه أنه يجلو السنان ويكسبها بهجة وينقيها من الصدى ومن مسح به وجهه لم يصبه حصا وإذا دهن به حقوه ومذاكيره وما والاها نفع من برد الكليتين وتقطير البول .
(23) الذباب : ( روى) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في إحدى جناحيه داء وفى الآخر شفاء " أخرجه البخاري وأبو داود وزاد بسند حسن : وأنه يتقى بجناحه الذي فيه الداء فليغمسه كله(4) {171}
(
__________
(1) انظر ص 163 ج2 – ابن ماجه ( الزيت ) وص 199 ج3 تحفة الأحوذى أى اجعلوا الزيت إداما للخبز فلا يرد أن الزيت مائع لا يؤكل
(2) الشقاق) بالضم تشقق يصيب رسغ الدابة .
(3) الشقاق) بالضم تشقق يصيب رسغ الدابة .
(4) انظر ص 195 ج10 فتح البارى ( اذا وقع الذباب فى الإناء ) وص 430 ج3 عون المعبود ( الذباب يقع فى الطعام)(1/110)
وعن) أبى سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " في أحد جناحي الذباب سم وفى الآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء " أخرجه ابن ماجه(1) { 172}
( وفى الحديث ) أمران ( فقهي) وهو أن ميتة مالا دم له سائل كالذباب طاهرة ( وطبي) وهو أن غمس الذباب في الماء والطعام شفاء لما أنزله من الداء وقد تقدم الكلام فيهما في بحث الأنجاس(2) ( وفى الحديث ) طلب غمس الذباب كله في الماء والطعام ليقابل المادة السمية المادة النافعة فيزول ضررها ، وهذا أمر لا يهتدي إليه كبار الأطباء وأئمتهم بل هو خارج من مشكاة النبوة . ومع هذا فالطبيب العالم الموفق يخضع لهذا العلاج ويقر لمن جاء به بأنه أكمل الخلق على الإطلاق وأنه مؤيد بوحي ألهى خارج عن قوى البشرية ، وقد ذكر كثير من الأطباء أنه إذا ذلك بالذابا الورم الذي يخرج في شعر العين بعد قطع رءوس الذباب أبرأ هـ(3).
(24) الذهب : (روى) عبد الرحمن بن طرفه عن عر فجة بن اسعد قال " أطيب أنفى يوم الكلاب في الجاهلية فاتخذت أنفا من ورق فانتن على فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتخذ أنفا من ذهب " أخرجه الثلاثة بسند جيد وحسنة الترمذى(4) {173}
(
__________
(1) انظر ص 185 ج2 – ابن ماجه ( الذباب يقع فى الإناء ) وامقلوه أى اغمسوه ليخرج الشفاء منه كما خرج الداء .
(2) انظر ص 360 ج1 – الدين الخاص طبعة ثانية . وص 428 منه طبعة ثالثة
(3) انظر ص 10 ج ج3 زاد المعاد ( ارشاده صلى الله عليه وسلم الى دفع مضرات السموم ) .
(4) انظر ص 148 ج3 عون المعبود( ربط الأسنان بالذهب ) وص 65 ج3 تحفة الأحوذى . ( والكلاب ) بضم الكاف وتخفيف اللام موضع بين الكوفة والبصرة على سبع ليال من اليمامة . كان فيه يومان من ايام العرب المشهورة .(1/111)
هذا ) والذهب زينة الدنيا ومفرح النفوس وسر الله في أرضه وفيه حرارة لطيفة تدخل في سائر المعجونات اللطيفة وهو أعدل المعادن أشرفها . وبرادته إذا خلطت بالأدوية نفعت من ضعف القلب والرجفان العارض من السوداء وينفع من حديث النفس والحزن والغم والفزع والعشق ويسمن البدن ويقويه ويحسن اللون وينفع من الجذام وجميع الأمراض السوداوية ويدخل في أدوية داء الثعلب وداء الحية شربا وطلاء ويجلو العين ويقويها وينفع من كثير من أمراضها ويقوى جميع الأعضاء وإمساكه في الفم يزيل البخر ، ومن كان به مرض يحتاج إلى الكي وكوى به لم ينتقط موضعه ويبرا سريعا . وله خاصية في تقوية النفوس لذا أبيح في الحرب والسلاح منه ما أبيح(1) .
(25) الرطب : بضم ففتح هو ما أنضج من ثمر النخل ( قال ) عبد الله ابن جعفر : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء " أخرجه السبعة إلا النسائي(2) . {174}
( الباء ) بمعنى مع ، آي يأكل القثاء مع الرطب ( وكيفيته ) ما في حديث عبد الله بن جعفر قال : " رأيت في يمين النبي صلى الله عليه وسلم قثاء وفى شماله رطبا وهو يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة " أخرجه الطبرانى في الأوسط وفى سنده ضعف(3). {175}
وفى بعض الروايات زيادة : قال يكسر حر هذا برد هذا ( وفيه) جواز أكلهما معا والتوسع في الأطعمة .
(
__________
(1) انظر ص 164 و165 زاد المعاد
(2) انظر ص 455ج9 فتح البارى ( جمع اللونين أو الطعامين بمرة ) وص 227 ج13 نووى ( أكل القثاء بالرطب ) وص 427 ج3 عون المعبود . وص 96 ج3 تحفة الأحوذى وص 164 ج2 ابن ماجه ( والقثاء بكسر القاف وضمها لغة
(3) انظر ص 455ج9 فتح البارى ( جمع اللونين أو الطعامين بمرة )(1/112)
وقال) أنس : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلى ، فإن لم تكن فعلى تمرات ، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء " أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم والدار عمتي وقال : إسناده صحيح ن والترمذى وقال حسن غريب(1) . {176}
( والرطب ) حار رطب يقوى المعدة الباردة ويزيد في الباه ويخصب البدن ويغذو غذاء كثيرا ، وهو من أعظم الفاكهة موافقة لأهل البلاد الحارة وأنفعها للبدن ، ومن لم يعتده يسرع التعفن في جسده ويتولد عنده دم ليس بمحمود ، ويحدث في إكثار صداع وسوداء ويؤذى أسنانه . ( وفى ) فطر النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم عليه أو على التمر أو الماء ، تدبير لطيف جدا ، فإن الصوم يخلى المعدة من الغذاء فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء ، والحلو أسرع شئ وصولا إلى الكبد وأحبه إليها ولا سيما إن كان رطبا فيشتد قبولها له فتنتفع به في والقوى ، فإن لم يكن فالتمر بحلاوته وتغذيته فإن لم يكن فحسوات المساء تطفىء لهيب المعدة وحرارة الصوم فتنتبه بعده للطعام وتأخذه بشهوة(2) .
(26) الرمان : ( قال ) على رضى الله عنه : كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ المعدة . ذكره حرب وغيره(3). ( وحلو) الرمان حار رطب جيد للمعدة مقو لهابما فيه من قبض لطيف نافع للحلق والصدر والرئة جيد السعال . وماؤه ملين للبطن يغذو البدن غذاء فاضلا يسيرا سريع التحلل لرقته ولطافته ويولد حرارة يسيره في المعدة وريحا . ولذا يعين على الباه ولا يصلح للمحمومين ، وله خاصية عجيبة ، إذا أكل بالخبز يمنع من الفساد في المعدة .
(
__________
(1) انظر ص 79ج10 – المنهل العذب ( ما يفطر عليه ) وص 432 ج1 مستدرك وص 240 . الدار قطنى – وص 37 ج2 تحفة الأحوذى ( ما يستحب عليه الإفطار ) .
(2) انظر ص 165 ج3 زاد المعاد .
(3) انظر ص 166 منه(1/113)
وحامضة) بارد يابس قابض لطيف ينفع المعدة الملتهبة وبدر البول أكثر من غيره من الرزمان ويسكن الصفراء ويقطع الإسهال ويمنع القيء ويلطف الفضول ويطفئ حرارة الكبد ويقوى الأعضاء ، نافع من الخفقان الصفراوي والآلام العارضة للقلب وفم المعدة ويقويها ويدفع الفضول عنها ويطفئ المرة الصفراء وإذا استخرج ماؤه بشحمه وطبخ بيسير من العسل حتى يصير كالمرهم واكتحل به قطع الصفرة من العين ونقاها من الرطوبات الغليظة وإذا لطخ على اللثة نفع من الأكله العارضة لها وإن استخرج ماؤهما بشحمهما أطلق البطن وأحدر الرطوبات العفنة المرية ونفع من حميات الغب المتطاولة ( وأما الرمان) المز فمتوسط طبعا وفعلا بعد النوعين وهو أميل إلى لطافة الحامض قليلا ( وحب) الرمان مع العسل طلاء للداحس والحروق الخبيثة وأقماعه للجراحات(1) .
(27) الزبد : هو بضم فسكون ما يستخرج بالمخض من لبن البقر والغنم وهو حار رطب فيه منافع كثيرة . منها الإنضاج والتحليل وإبراء الورام تكون إلى جانب الأذنين والحالبين وأورام الفم وسائر الأورام آلتي تعرض في أبدان النساء والصبيان . وإذا لعق منه نفع من نفث الدم الذي يكون من الرئة وأنضج الأورام العارضة فيها وهو ملين للطبيعة والعصب والأورام الصلبة العارضة من المرة السوداء والبلغم . وإذا طلى على منابت أسنان الطفل كان معينا على طلوعها وهو نافع من السعال الناشئ من البرد واليبس ويذهب القوبى والخشونة آلتي في البدن ويلين الطبيعة ولكنه يسقط شهوة الطعام ، ويذهب بوخامة الحلو كالعسل والتمر(2).
(
__________
(1) انظر ص 166 ج3 زاد المعاد ( والعنب ) يكسر الغين وشد الياء من الحمى ما تأخذ يوما وتدع يوما
(2) انظر ص 166 ج3 زاد المعاد(1/114)
28) الزبيب : هو ما جف من العنب ، وهو حار رطب وحبه بارد يابس . الحلو منه حار والحامض قابض بارد والأبيض أشد قبضا من غيره ، وله قوة منضجة هاضمة قابضة محلله باعتدال وهو يقوى المعدة ويلين البطن وهو أكثر غذاء من العنب وأقل غذاء من التين اليابس ويقوى الكبد والطحال ، وينفع من وجع الحلق والصدر والرئة والكلى والمثانة ، وأعد له أن يؤكل بغير حبه وهو يغذى غذاء صالحا ولا يسدد كما يفعل التمر ، وفيه نفع للحفظ .
( قال ) الزهري : من أحب أن يحفظ الحديث فليأكل الزبيب(1) .
(29) الزنجبيل : هو حار رطب مسخن معين على هضم الطعام ملين للبطن تليينا معتدلا نافع من ظلمة البصر الناشئة عن الرطوبة أكلا واكتحالا معين على الجماع محلل للرياح الغليظة الحادثة في الأمعاء والمعدة ، وعلى الجملة فهو صالح للكبد والمعدة الباردتى المزاج وإذا أخذ منه مع السكر وزن درهمين بالماء الحار اسهل فضولا لزجة لعابية ويقع في المعجونات آلتي تحلل البلغم . والمزى منه جار يابس يسخن المعدة والكبد وينشف البلغم الغالب على البدن ويزيد في الحفظ ويوافق برد الكبد والمعدة ويزيل بلتها الحادثة عن أكل الفاكهة مطيب للنكهة دافع ضرر الأطعمة الغليظة الباردة(2) وإن خلط برطوبة كبد المعز وجفف وسحق واكتحل به أزال الغشاوة وظلمة البصر(3) .
(30) الزيت : هو حار رطب وهو بحسب زيتونه ( فالمعتصر ) من النضيج أعدله وأجوده ومن الفج(4) فيه برودة ويبوسة ( ومن ) الزيتون الأحمر متوسط بين الزيتين ومن الأسود يسخن ويرطب باعتدال وينفع من السموم ويطلق البطن ويخرج الدود .
(
__________
(1) انظر ص 167 ج3 زاد المعاد
(2) انظر ص 168 ج3 زاد المعاد
(3) انظر ص390 ج3 قاموس ( الزنجبيل ) .
(4) الفج) بكسر الفاء غير النضيج .(1/115)
والعتيق ) منه اشد تسخينا وتحليلا وما استخرج منه بالماء أقل حرارة والطف وابلغ في النفع وأكل أصنافه ملينة للبشرة مبطئة المشيب وماء الزيتون المالح يمنع من تنفط حرق النار ويشد اللثة وورقه ينفع من الحمرة والنملة والقروح الوسخة ومنافعة كثيرة(1) .
(31) السفرجل : هو ثمر معروف ( روى) عبد الملك الزبيرى عن طلحة قال : " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وبيده سفرجلة فقال : دونكها يا طلحة فإنها تجم الفؤاد " أخرجه ابن ماجه . وعبد الملك مجهول . وأخرجه النسائي من طريق آخر عن أبى ذر قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في جماعة من أصحابه وبيده سفرجلة يقلبها فلما جلست إليه دحا بها إلى ثم قال : دونكما أبا ذر فإنها تشد القلب وتطيب النفس وتذهب بطلخاء الصدر "(2) {177}
( والسفرجلة ) بارد يابس قابض جيد للمعدة . والحلو منه اقل بردا ويبسا وأميل إلى الأعتدال . والحامض أشد قبضا ويبسا وبردا . وكله يسكن العطش والقيء ويدر البول ويعقل الطبع وينفع من قرحة الأمعاء ونفث الدم والهيضة(3)
__________
(1) انظر ص 167 ج3 زاد المعاد .
(2) انظر ص 170 ج2 – ابن ماجه ( اكل الثمار ) وص 168 ج3 زاد المعاد . ( ونجم ) بضم فكسر أى تريح الفؤاد وتكمل صلاحه ونشاطه . و( دحابها ) أى رفعها الى . و0 طلخاء الصدر ) ما يغشاه كالغيم للسماء .
(3) نفث الدم : خروجه بشدة . و(الهيضة) القىء .(1/116)
وينفع من الغثيان ويمنع من تصاعد البخرة إذا استعمل بعد الطعام وهو قبل الطعام يقبض وبعده يلين الطبع والإكثار منه مضر بالعصب مولد للقولنج(1) ويطفئ المرة الصفراء المتولدة في المعدة وإن شوى كان اقل لخشونته وأخف وإذا قور وسطه ونزع حبه وجعل فيه العسل وطين جرمه بالعجين وأودع الرماد الحار نفع حسنا وأجوده ما أكل مشويا أو مطبوخا بالعسل ( وحبه) ينفع من خشونة الحلق وقصبة الرئة وكثير من الأمراض ( ودهنه ) يمنع العرق ويقوى المعدة والمربى منه تقوى المعدة والكبد وتشد القلب وتطيب النفس(2).
(32) السلق : هو بكسر فسكون نبات معروف وهو حار يابس أو رطب وفيه برودة مطلقة وتحليل وتفتيح وينفع من دار الثعلب والكلف والثآليل إذا طلى بمائه ويقتل القمل ويفتح سدد الكبد والطحال ويعقل البطن . والإكثار منه يولد القبض والنفخ(3) .
(
__________
(1) القولنج ) بضم القاف وقد تفتح وفتح اللام وقد تكسر وسكون النون : مرض معوى مؤلم يعسر معه خروج الريح .
(2) انظر ص 168 ج3 زاد المعاد
(3) ا انظر ص 170 ج3 زاد المعاد(1/117)
33) السمك : ( قال ) جابر بن عبد الله : " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمائه راكب أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد غير قريش فاقمنا بالساحل نصف شهر فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط فالقى لنا البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له العنبر فأكلنا منه نصف شهر وادهنا من ودكه حتى ثابت إلينا أجسامنا فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فنصبه وأخذ رجلا وبمبرأ قمرا تحته ( الحديث ) أخرجه البخاري . وفى رواية قمر الراكب تحته فأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول قال أبو عبيدة : كلوا فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك كي صلى الله عليه وسلم فقال : " كذبوا رزقا أخرجه الله . أطعمونا إن كان معكم فآتاه بعضهم فأكله "(1) {178}
( والسمك ) أصناف ، وأجوده مالذ طبعه وطب ريحه وتوسط مقداره وكان رقيق القشر ولم يكن صلب اللحم ولا يابس ويتغذى بالنبات لا الأقذار وأصلح أماكنه نهر جيد الماء والسمك البحري فاضل محمود لطيف أتطرى منه بارد رطب عسر الهضم يولد بلغما كثيرا والمالح أجوده ما كان قريب العهد بالتملح وهو حار يابس وإذا أكل طربا لين البطن وإذا جلس فيه من كانت به قرحة الأمعاء في ابتداء العلة وافقه بجذبه المواد إلى ظاهر البدن . وإذا احتقن به أبرأ من عرق النسا وأجود السمك ما قرب من مؤخرة أتطرى السمين منه يخضب البدن لحمه وودكه(2)
(
__________
(1) انظر ص 58 ج8 فتح البارى ( غزوة سيف البحر . و( الحبط) بفتحتين ورق الشجر . و( العنبر ) سمكة كبيرة طولها خمسون ذراعا . وقد روى أنه كان على صورة البعير ( والودك) بفتحتين الشحم و( ثابت) أى رجعت أجسامنا الى ما كانت عليه من القوة والسمن ( فآتاه ) بالمد أى أعطاه .
(2) انظر ص 170 ج3 زاد المعاد(1/118)
34) السمن : تقدم حديث : ألبان البقر شفاء وسمنها دواء ولحمها داء(1) ( وقال ) على رضى الله عنه : " لم يستشف الناس أن أفضل من السمن " أخرجه ابن السنى(2) {179}
( والسمن) حار رطب فيه جلاء يسير ولطافة وتفشية للأورام الحادثة من الأبدان الناعمة وهو أقوى من الزبد في الإنضاج والتليين ويبرىء الأورام الحادثة في الأذن والأرنبة وإذا دلك به موضع الأسنان نبتت سريعا وإذا خلط مع عسل ولوز مرجلا ما في الصدر والرئة وسمن البقر والمعز إذا شرب مع العسل نفع من شرب السم القاتل ومن لدغ الحيات والعقارب(3) .
(35) السواك : (عن) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " أخرجه أحمد والنسائي والدرامى والحاكم وصححه النووى وذكره البخاري معلقا(4) . {180}
( وصح ) أن النبي صلى الله عليه وسلم استاك عند موته ، والأفضل كون الاستياك بالأراك والزيتون وينبغي القصد فيه فإن بالغ فيه فربما اذهب طلاوة الأسنان وصقالها وهيأها لقبول الأبخرة المتصاعدة من المعدة والأوساخ ، ومتى استعمل باعتدال جلا الأسنان وأطلق اللسان ومنع الحفر وطيب النكهة ونقى الدماغ وشهى الطعام . وأجود ما استعمل مبلولا بماء الورد ( وفى السواك) منافع أخرى : يشد اللثة ويقطع البلغم ويجلو البصر ويصحح المعدة ويصفى الصوت ويعين على هضم الطعام وينشط للقراءة والذكر والصلاة ويطرد النوم ويكثر الحسنات ويستحب كل وقت وبتأكيد في مواضع تقدم بيانها(5) .
(
__________
(1) انظر رقم 150 ص 87 ج7 – الدين الخالص .
(2) انظر ص 170 ج3 زاد المعاد .
(3) انظر ص 170 ج3 زاد المعاد .
(4) انظر ص 290 ج1 – الفتح الربانى ( ابواب السواك) وص 5 ج1 نسائى وص 174 ج1 درامى وص 113 ج4 فتح البارى ( السواك للصائم)
(5) انظر ص 201 ج1 – الدين الخالص طبعة ثالثة .(1/119)
36) الشحم : ( قال) عبد الله بن مغفل : " دلى جراب من شحم فأتيته فالتزمته ثم قلت : لا أعطى من هذا أحدا اليوم شيئا فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم إلى " أخرجه أبو داود والطيالسى وزاد : هو لك(1) . { 181}
وأجود الشحم شحم حيوان سمين . وهو حار رطب اقل رطوبة من السمن ولذا لو أذيب الشحم والسمن كان الشحم أسرع جمودا ، وهو ينفع من خشونة الحلق ويرخى ويعفن ، ويدفع ضرره بالليمون المملوح والزنجبيل . وشحم المعز أقبض الشحوم وينفع من قروح الأمعاء ويحتقن به للسحج والزحير(2) .
(37) الصبر : هو بفتح فكسر(3) دواء مر ( قالت) أم سلمة : " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على صبرا ، فقال : ما هذا يا أم سلمة ؟ فقلت : غنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب قال : إنه يشب الوجه فلا تجمليه إلا بالليل وتنزعه بالنهار " ( الحديث ) أخرجه أبو داود(4) . {182}
( والصبر ) الهندى ينفى الفضول الصفراوية آلتي في الدماغ وأعصاب البصر وإذا طلى على الجبهة والصدغ بدهن الورد نفع من الصداع وينفع من قروح الأنف والفم ويسهل السوداء ( والصبر ) الفارسى يذكى العقل ويمد الفؤاد وينقى الفضول الصفراوية والبلغمية من المعدة إذا شرب منه ملعقتان بماء ، ويرد الشهوة الباطلة وإذا شرب في البرد خيف أن يسهل دما(5) .
(
__________
(1) انظر ص 18 ج3 عون المعبود ( إباحة الطعام فى أرض العدو) وص 160 ج6 فتح البارى .
(2) السحج ) كالمنع تسريح لين على فروة راس . ( والزجير ) استطلاق البطن بشدة . انظر ص 171 ج3 زاد المعاد .
(3) وتسكن الباء للتخفيف مع فتح الصاد وكسرها ففيه ثلاث لغات .
(4) انظر ص 261 ج2 عون المعبود ( ما تجتنبه المعتدة)
(5) انظر ص 172 ج3 زاد المعاد(1/120)
38) الضفدع : بكسر فكسر فكسر ( روى) عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى عن قتله وقال خبيثة من الخبائث . أخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم (1).{ 183}
( قال ) ابن القيم : من أكل من دم الضفدع أو جرمه ورم بدنه وقذف المنى حتى يموت ، ولذا ترك الأطباء استعماله خوفا من ضرره(2) . وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أتتداوى به
(39) الطلح : قال تعالى : " وَطَلْحِ مَنْضُودِ "(3) ( الطلح ) شجر ذو شوك نضد مكان كل شوكة ثمرة . فثمرة قد نضد بعضه إلى بعض فهو مثل الموز ( وهو) حار رطب أجوده النضيج الحلو ينفع من خشونة الصدر والرئة والسمال وقروح الكليتين والمثانة ويدر البول ويحرك الشهوة للجماع ويلين البطن ويؤكل قبل الطعام ويضر المعدة ويزيد في الصفراء والبلغم ودفع ضرره بالسكر أو العسل(4)
(40) الطلع : قال تعالى : " وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ "(5)
طلع النخل ما يبدو من ثمرته في أول ظهوره والنضيد الذي قد نضد بعضه على بعض ما دام في قشرة فإذا انفتح فليس بنضيد وطلع النخل ينفع من الماء ودقيقه إذا تحملت به المرأة قبل الجماع أعان على الحبل إعانة بالغة وهو متوسط في البرودة واليبوسة يقوى المعدة ويجففها ويسكن ثائرة الدم ولا يحتمله إلا أصحاب الأمزجة الحازة وهو يعقل البطن ويقوى الأحشاء والإكثار منه يضر بالمعدة والصدر وربما أورث الفولنج وإصلاحه بالسمن أو السكر أو العسل(6) .
(
__________
(1) انظر ص 202 ج2 سنن النسائى ( الضفادع ) .
(2) انظر ص 173 ج3 زاد المعاد
(3) الواقعة : 29
(4) انظر ص 174 ج3 زاد المعاد
(5) سورة ص :10 ( والباسقات) الطوال .
(6) انظر ص 174 ج3 زاد المعاد(1/121)
41) الطيب : (روى ) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حبب إلى من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة " أخرجه النسائي والبيهقى والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم(1) {184}
( الطيب ) غذاء الروح به تزيد القوى كما تزيد بالغذاء والشراب . والمقصود أن الطيب كان من أحب الأشياء كي صلى الله عليه وسلم وله تأثير في حفظ الصحة ودفع كثير من الآلام وأسبابها بسبب قوة الطبيعة به(2) .
(42) العدس : بارد يابس فيه قوتان متضادتان يعقل الطبيعة ويطلقها .
وقشرة حار يابس حريف مطلق للبطن وترياقة في قشرة ، ولذا كان صحاحه أنفع من مطحونة وأخف على المعدة واقل ضررا فإن لبه بطئ الهضم – لبرودته ويبوسته – مولد للسوداء مضر بالأعصاب والبصر . وينبغي أن يتجنبه أصحاب السوداء . وإكثارهم منه يولد لهم أدواء رديثة كالوسواس والجذام والحمى ويقلل ضرره السلق وإكثار الدهن وليجتنب خلط الحلاوة به فإنه يورث سددا كبدية وإدمانه يظلم البصر لشدة تجفيفه ويعسر البول ويوجب الأورام الباردة والرياح الغليظة وأجوده الأبيض السمين السريع النضاج(3) .
(43) العنب : هو من افضل الفواكه وأكثرها نفعا . يؤكل رطبا ويابسا وهو فاكهة وقوت وأدم شراب ودواء وطبعه حار رطب . وجيده الكبار المائى والبيض أحمد من الأسود إذا تساويا في الحلاوة ، والمتروك بعد قطفه يومين أو ثلاثة أحمد من المقطوف في يومه فإنه منفخ مطلق للبطن . والمعلق حتى بضمر قشرة جيد للغذاء مقو للبدن وغذاؤه كغذاء التين والزبيب ، وإذا ألقى عجمه كان أكثر تليينا للطبيعة ، والإكثار منه مصدع للرأس ودفع مضرته بالرمان المز . والعنب يسهل الطبع ويسمن ، وجيده يغذو غذءا حسنا(4).
(
__________
(1) انظر ص 370 ج3 مناوى الجامع الصغير رقم 3669 .
(2) انظر ص 173 ج3 زاد المعاد
(3) انظر ص 176 ج3 زاد المعاد
(4) انظر ص 174 منه .(1/122)
44) العنبر : هو من افخر الطيب بعد المسك ، وقد اختلف في عنصره فقيل هو نبات ينبت في قمر البحر فيبتلمه بعض دوابه فإذا ثملت منه قذفته رجيعا فيقذفه البحر إلى ساحله ، وقيل : طل ينزل من السماء في جزائر البحر فتلقيه الأمواج إلى الساحل . ومزاجه حار يابس مقو للقلب والدماغ والحواس وأعضاء البدن ، نافع من الفالج والمراض البلغمية وأوجاع المعدة الباردة والرياح الغليظة ومن السدد إذا شرب أو طلى به وإذا تبخر به نفع من الزكام والصداع والشقيقة الباردة ( وهو ) ألوان ، فمنه الأبيض والأشهب والأحمر والأصفر والأخضر والأسود ، وأجوده الأشهب ، ثم الأزرق ثم الأصفر ، وأردؤه الأسود .
(45) الفضة : هي من الأدوية المفرحة النافعة من الهم والغم والحزن وضعف القلب وخفقانه وتدخل في المعاجين وتجتذب بخاصيتها ما يتولد في القلب من الأخلاط الفاسدة خصوصا إذا أضيفت إلى العسل المصفى والزعفران ومزاجها يميل إلى اليبوسة والبرودة ويتولد عنها من الحرارة والرطوبة ما يتولد(1) .
(46) القثاء : بكسر القاف وتضم وهو بارد رطب مطفئ لحرارة المعدة الملتهبة بطئ الفساد فيها نافع من وجع المثانة وبذرة يدر البول وورقة إذا اتخذ ضمادا نفع من عضه الكلب وهو بطئ الانحدار عن المعدة برده مضر ببعضها ينبغي أن يستعمل معه ما يصلحه ويكسر برودته ورطوبته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ أكله بالرطب فإذا أكل بتمر أو زبيب أو عسل عدله(2) .
(
__________
(1) انظر ص 175 ج3 زاد المعاد
(2) انظر ص 178 ج3 زاد المعاد(1/123)
47) قصب السكر : هو حار رطب ينفع من السعال ويحلو الرطوبة والمثانة وقصبة الرئة وهو أشد تليينا من السكر ويعين على القيء ويدر البول ويزيد في الباه وينفع من خشونة الصدر والحلق إذا شوى ويولد رياحا تدفع بقشر وغسله بماء حار ، وأجود السكر الأبيض الشفاف وعتيقه ألطف من جديده وإذا طبخ ونزعت رغوته سكن العطش والسعال وهو يضر المعدة آلتي تتولد فيها الصفراء لاستحالته إليها ودفع ضرره بماء الليمون أو النارنج أو الرمان(1) .
(48) السكرات : هو حار يابس مصدع وإذا طبخ واكل أو شرب ماؤه نفع من البواسير الباردة وإن سحق بذرة وعجن بقطران وبخرت به الأضراس آلتي فيها الدود نثرها وأخرجها ويسكن الوجع العارض فيها ، وإذا بخرت المقعدة ببذرة حفت البواسير وفيه مع ذلك فساد الأسنان واللثة ويصدع ويظلم البصر وينتن النكهة وفيه إدرار للبول والحيض وتحريك الباه وهو بطئ الهضم(2) .
(49) السكرم : هو بفتح فسكون شجرة العنب وهى باردة يابسة إذا دقت وضمد بها من الصداع سكنته ومن الأورام الحارة والتهاب المعدة ( وعصارة) قضبانه إذا شربت سكنت القيء وعقلت البطن وكذا إذا مضغت قلوبها الرطبة
( وعصارة ) ورقها تنفع من قروح الأمعاء ونفث الدم وقيئه ووجع المعدة ( وصمغه )إذا شرب أخرج الحصاة وإذا لطخ به أبرأ القوبى والجرب . وينبغي غسل العضو قبل الاستعمال بالماء والنطرون . وإذا تمسح به مع الزيت حلق الشعر ( ورماد) قضبانه إذا تضد به مع الخل ودهن الورد نفع من الورم العارض في الطحال(3) .
(
__________
(1) انظر ص 179 منه .
(2) انظر ص 185 ج3 زاد المعاد
(3) انظر ص 184 ج3 منه(1/124)
50) اللبان : ( قال ) على رضى الله عنه لرجل شكا إليه النسيان : عليك باللبان فإنه يشجع القلب ويذهب بالنسيان(1) ( وعن) ابن عباس أن شربه مع السكر على الريق جيد للبول والنسيان(2) ( وعن ) أنس أنه شكا إليه رجل النسيان ، فقال : عليك بالكندر(3) وانقعه من الليل فإذا أصبحت فخذ منه شربة على الريق فإنه جيد النسيان ( ولهذا ) سبب ظاهر فإن النسيان إذا كان لسوء مزاج بارد رطب يغلب على الدماغ فلا يحفظ ما ينطبع فيه ، نفع منه اللبان وأما إذا كان النسيان لغلبة شئ عارض أمكن زواله سريعا بالمرطبات .
( هذا ) واللبان ينفع من قذف الدم ونزفه ووجع المعدة واستطلاق البطن ويهضم الطعام ويطرد الرياح ويجلو قروح العين ويقوى المعدة الضعيفة ويسخنها ويجفف البلغم وينشف رطوبة الصدر ويجلو ظلمة البصر ويمنع القروح الخبيثة من الانتشار ، وإذا مضغ وحده أو مع الصعتر الفارسى جلب البلغم ، ونفع من اعتقال اللسان ويزيد في الذهن ويذكيه . وإذا بخر به ماء نفع من الوباء وطيب رائحة الهواء(4) .
(
__________
(1) انظر ص 190 منه . و( الكندر ) بضم فسكون فضم ، نوع من اللبان نافع لقطع البلغم جدا – قاموس .
(2) انظر ص 190 منه . و( الكندر ) بضم فسكون فضم ، نوع من اللبان نافع لقطع البلغم جدا – قاموس .
(3) انظر ص 190 منه . و( الكندر ) بضم فسكون فضم ، نوع من اللبان نافع لقطع البلغم جدا – قاموس .
(4) انظر ص 190 ج3 زاد المعاد .(1/125)
51) ماء زمزم : هو سيد المياه وأشرفها وأجلها قدرا وأحبها إلى النفوس ( وفى ) حديث أبى ذر أنه أقام بين الكعبة وأستارها ثلاثين ما بين يوم وليلة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : من كان يطعمك ؟ قلت : ما كان لي من طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما أجد على كبدى سخفة جوع ، فقال : إنها مباركة وإنها طعام طعم ( الحديث ) أخرجه مسلم وزاده غيره : وشفاء سقم (1) . { 185}
( وقال ) محمد بن حبيب الجارودى : ثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ماء زمزم لما شرب له فإن شربته تستشفى به شفاك الله وإن شربته مستعيذا أعاذك الله وإن شربته ليقطع ظمأك قطعه " قال : وكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال : اللهم أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء . أخرجه الحاكم وقال حديث صحيح الإسناد إن سلم من الجارودى(2) . {186}
( وعن) عبد الله بن المبارك أنه لما حج أتى زمزم فقال : اللهم إن ابن آبى الموالى حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر رضى الله عنه عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ماء زمزم لما شرب له فآني اشربه لظمإ يوم القيامة " وابن أبى الموالى ثقة فالحديث حسن(3). { 187}
(
__________
(1) انظر ص 88 ج3 تيسير الوصول ( أبو ذر الغفارى ) . و( عكن) بضم ففتح جمع عكنة كغرفة وهى طيات البطن ( وسخفة الجوع) بفتح فسكون رقته وهزاله و( طعام طعم ) أى مثبع .
(2) انظر ص 473 ج1 مستدرك .
(3) انظر ص 191 ج3 زاد المعاد .(1/126)
قال) ابن القيم : وقد صححه بعضهم وجعله بعضهم موضوعا ، وكلا القولين فيه مجازفة .(وقد) جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورا عجيبة ، واستشفيت به من عدة أمراض فبرأت بإذن الله(1) وشاهدت من يتغذى به الأيام قريبا من نصف شهر أو أكثر ولا يجد جوعا ويطوف مرارا مع الناس كأحدهم وأخبرني أنه ربما بقى عليه أربعين يوما وله قوة يصوم ويطوف مرارا(2).
(52) المسك : هو أطيب أنواع الطيب أشرفها وهو حار يابس يسر النفس ويقوى الأعضاء الباطنة شربا وشما ، والظاهرة إذا وضع عليها نافع للشيوخ والمبرودين لا سيما زمن الشتاء ، جيد للخفقان والغشى وضعف القوة بإنعاشه للحرارة الغريزية ويجلو بياض العين وينشف رطوبتها ويبطل عمل السموم وينفع من نهش الأفاعي ومنافعه كثيرة (3) .
(53) الملح : ( روى) انس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سيد إدامكم الملح أخرجه ابن ماجه وفيه عيسى بن آبى عيسى الخياط (4) {188}
وسيد الشيء ما يصلحه وغالب الإدام إنما يصلح بالملح وهو يصلح كل شئ يخالطه حتى الذهب والفضة ففيه قوة تزيد الذهب صفرة والفضة بياضا وفيه جلاء وتحليل وإذهاب للرطوبات الغليظة وتنشيف لها وتقوية للبدان ومنع من عفونتها وفسادها ونفع من الجرب المتقرح . وإذا اكتحل به قلع اللحم الزائد من العين ويمنع القروح الخبيثة من الانتشار وإذا دلك به بطون أصحاب الاستسقاء نفعهم وينفى الأسنان ويدفع عنها العفونة ويشد اللثة ويقويها ومنافعه كثيرة(5).
(
__________
(1) برا من المرض يبرأ من بابى نفع وتعب وبرؤبرءا من باب قرب لغة .
(2) انظر ص 192 منه .
(3) انظر ص 192 منه .
(4) انظر ص 163 ج2 – ابن ماجه ( الملح ) .
(5) انظر ص 193 ج3 زاد المعاد .(1/127)
54) النبق : بفتح فكسر واحدة نبقة مثل كلم وكلمة وهو ثمر السدر في حديث المعراج عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر " أخرجه البخاري(1). {189}
والنبق رطبه رطب بارد ويابسه بارد وهو يعقل البطن وينفع من الإسهال ويدبغ المعدة ويسكن الصفراء ، ويغذو البدن ويشهى الطعام ويولد بلغما وهو بطئ الهضم وسويقه يقوى الحشا ويصلح الأمزجة الصفراوية وتدفع مضرته بالشهد(2) .
(55) الهنديا : هي بكسر الهاء وفتح الدال وقد تكسر مقصورة وتمد ، بقلة معروفة معتدلة نافعة للمعدة والكبد والطحال أكلا وللسعة العقرب ضمادا بأصولها وهى قابضة مبردة جيدة للمعدة وإذا طبخت وأكلت بخل عقلت البطن وإذا ضمد بها سكنت الالتهاب العارض في المعدة وتنفع من النقرس ومن أورام العين الحارة وتقوى المعدة وتفتح السدد العارضة في الكبد وتنفع من أوجاعها حارها وباردها وتفتح سدد الطحال والعروق الأحشاء وتنقى مجارى الكلى وأنفعها للكبد أمرها المعتصر ينفع من اليرقان السددى وإذا دق ورقها ووضع على الورام الحارة بردها وحللها وجلا ما في المعدة وأطفأ حرارة الدم والصفراء ، واصلح ما أكلت غير مغسولة ولا منقوضة ، لأنها متى غسلت أو نقصت فارقتها قوتها . وفيها مع ذلك قوة ترياقية تنفع من جميع السموم وإذا اكتحل بمائها نفع من العشاء ويدخل ورقها في الترياق وإذا اعتصر ماؤها وصب عليه الزيت نفع من الأدوية القتالة كلها(3).
(
__________
(1) انظر ص 149 ج7 فتح البارى ( المعراج) وتقدم الحديث تاما بهامش ص 147 ج5 – الدين الخالص الطبعة الأولى .
(2) انظر ص 194 ج3 زاد المعاد .
(3) انظر ص 194 ج3 زاد المعاد .(1/128)
56) اليقطين : هو في اللغة كل ما لا ساق له كالبطيخ والقثاء والخيار والمراد به هنا الدباء والقرع ( روى) أنس بن مالك أن خياطا دعا النبي صلى الله عليه وسلم قال لطعام صنعه قال أنس : فذهبت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب النبي صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالي الصحفة فلم أزل أحب الدباء منذ يومئذ . أخرجه الشيخان(1) . { 190}
( وقالت) عائشة : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة " ، إذا طبختم قدرا فأكثروا فيها من الدباء فإنها تشد قلب الحزين " ذكره في الغيلانيات (2) . {190}
(
__________
(1) انظر ص 421 ج9 فتح البارى ( تتبع حوالى القصعة ) وص 233 ج13 نووى ( جواز أكل المرق واليقطين ) . والصحفة بفتح فسكون القصعة . وتتبع الدباء من حواليها يحتمل أنه من حوالى ناحيته منها أو من جميع جوانبها . والنهى عن ذلك خشية أن يتقذرة جليسه والنبى صلى الله عليه وسلم لا يتقذره أحد بل يتبركون بىثاره صلى الله عليه وسلم
(2) انظر ص 195 ج3 زاد المعاد .(1/129)
هذا ) واليقطين بارد رطب يغذو غذاء يسيرا وهو سريع الانحدار إن لم يفسد قهل الهضم تولد منه خلط محمود مجانس لما يصحبه فإن أكل بالخردل تولد منه خلط حريف وبالملح خلط مالح ومع القابض قابض وإن طبخ بالسفرجل إذا البدن غذاء جيدا وهو ينفع المحرورين لا المبرودين ومن الغالب عليهم البلغم وماؤه يقطع العطش ويذهب الصداع الحار إذا شرب أو غسل به الرأس وهو ملين للبطن وإذا لطخ بعجين وشوى في الفرن واستخرج ماؤه وشرب ببعض الأشربة اللطيفة سكن حرارة الحمى الملتهبة وقطع العطش وغذا غذاء حسنا ، وإذا طبخ وشرب ماؤه أن من عسل أتطرون أحدر بلغما ومرة معا وإذا دق وصنع منه ضماد على اليافوح نفع من الأورام الحارة في الدماغ وإذا عصرت قشرته وخلط ماؤها بدهن الورد وقطر منها في الذن نفعت من الأورام الحارة ، وهى نافعة من أورام العين الحارة ومن النقرس الحار . والقرع متى صادف في المعدة خلطا رديئا استحال إلى طبيعته وفسد وولد في البدن خلطا رديئا ودفع مضرته بالخل . وعلى الجملة فهو من ألطف الأغذية وأسرعها انفعالا(1) .
(هـ) العلاج بالأدوية الروحية الإلهية
قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أتتداوى بالعبادة والاستشفاء بالقرآن والأدعية ، وهاك بعض ما ورد في ذلك ، وهو عشرة فصول :
(1) الصلاة : ثبت أنها تبرئ من ألم الفؤاد والمعدة والأمعاء والآلام ( روى) مجاهد عن آبى هريرة قال : هجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اشتكت درد ؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : قم فصل فإن في الصلاة شفاء " اخرجه ابن ماجه وفيه ليث بن آبى سليم ضعفه الجمهور(2) . {192}
__________
(1) انظر ص 195 ج3 زاد المعاد .
(2) انظر ص 180 ج2 – ابن ماجه ( الصلاة شفاء ) و( هجر ) من التهجير وهو التبكير . و( اشكمت درد ) كلمة فارسية معناها أتشتكى بطنك ؟ أو ابك وجع البطن ؟ فاشتكمت معناه البطن ودرد أى وجع(1/130)
وكانت الصلاة شفاء لثلاث علل : (أ) أن الصلاة أمر ألهى متعبد بها فهي تدفع الأمراض بالبركة (ب) أن النفس تلهو فيها عن الألم ويقل إحساسها به فتستظهر القوة عليه فتدفعه فإن قوة الأعضاء والمعدة والحواس هو الشافية بمراض بإذن الله تعالى والماهر من الأطباء يعمل كل حيلة في تقويتها إن كانت ضعيفة وفى انتباهها إن كانت غافلة وفى إلفاتها إن كانت معرضة وفى استزادتها إن كانت مقصرة . تارة بتحريك السرور والفرح وتارة بالحياء والخوف والخجل وتارة بتذكيرها وشغلها بعظائم الأمور وعواقب المصير وأمر المعاد والصلاة تجمع ذلك أو أكثره إذ يحضر العبد فيها خوف ورجاء وأمل وتذكر الآخرة وأحوالها . وكثير من الأمراض المزمنة تشفى بالأوهام .
((1/131)
جـ) أن في الصلاة أمرا طبيا وهو رياضة النفس والجسد لأنها تشتمل على قيام وركوع وسجود الورك وغير ذلك من الأوضاع آلتي تتحرك معها أكثر المفاصل وينغمر فيها أكثر الأعضاء سيما المعدة والأمعاء وسائر آلات التنفس والغذاء عند السجود . وما أنفع السجود الطويل لصاحب النزلة والزكام ولانضباب النزلة إلى الحلق وما أشد إعانته على فتح سدد المنخرين في علة الزكام وإنضاج مادته وما أقوى معاونة السجود على هضم الطعام من المعدة والأمعاء وتحريك الفضول المتخلفة فيها وإخراجها . إذ عنده تنعصر أوعية الغذاء بازدحامها وتساقط بعضها على بعض . وكثيرا ما تسر الصلاة النفس وتذهب العم والحزن وتذيب الآمال الخائبة وتكشف عن الآوهام الكاذبة ويصفو فيها الذهن وتطفأ نار الغضب(1) وتفيد الحب للخلق والتواضع للحق سبحانه وتعالى وترفق القلب وتحبب في العفو وكثيرا ما يحضر فيها الرأي والتدبير المصيب والجواب السديد وتذكر العبد ما نسى فيتفكر في مصادر أموره ومواردها ومصالح دنياه وأخراه ومحاسبة النفس لا سيما إن طال القيام ليلا عند ما تهجع العيون وتهدأ الأصوات ولذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم (أ) بما في حديث سالم بن آبى أتجعد أن رجلا قال : ليتني صليت فاسترحت فكأنهم عانوا ذلك عليه فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا بلاب أقم الصلاة أرحنا بها " اخرجه أبو داود (2) . { 193}
(
__________
(1) انظر ص 180 ج2 سندى ابن ماجه .
(2) انطر ص 108 ج1 كشف الخفاء رقم 312 .(1/132)
ب) وبقوله صلى الله عليه وسلم : " وجعلت قرة عيني في الصلاة "(1) والصلاة مجلبة للرزق حافظة للصحة دافعة للأذى مطردة للأدواء مقوية للقلب مبيضة للوجه مذهبة للكسل منشطة للجوارح شارحة للصدر مغذية للروح منورة للقلب حافظة للنعمة دافعة للنقمة جالبة للبركة مبعدة من الشيطان مقربة من الرحمن مزيلة للهموم ( قال ) حذيفة بن اليمان : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى . اخرجه أحمد وأبو داود(2) . {194}
( ومن هذا ) قال بعضهم : يندب صلاة المصيبة وهى ركعتان عقبها . وكان ابن عباس يفعل ذلك ويقول : نفعل ما امرنا الله به بقوله : " وَاستَعِينُوا بِالْصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ " ومثل الصلاة في ذلك الذكر والدعاء .(قال) عبد الله بن جعفر : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال : " لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين " اخرجه أحمد بسند حسن.(3) {195}
وعلى الجملة فللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا وجلب خيري الدنيا والآخرة لا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهرا وباطنا . وفقنا الله تعالى للمحافظة عليها وتأديتها على الوجه الأكمل مع تمام الخشوع وكامل الإخلاص .
(
__________
(1) تقدم رقم 184 ص 115 ( الطيب ) .
(2) انظر ص 247 ج7 – المنهل العذب المورود ( قياك النبى صلى الله عليه وسلم من الليل ) .
(3) انظر ص 248 ج7 – المنهل العذب المورود(1/133)
2) الصوم : هو جنة من أدواء الروح والقلب والبدن . منافعه كثيرة وله تأثير عجيب في حفظ الصحة وإذابة الفضلات وحبس النفس عن تناول مؤدياتها لا سيما إذا كان باعتدال وقصد ( وفيه) من إراحة القوى والأعضاء ما يحفظ عليها قواها وهو أنفع دواء لأصحاب الأمزجة الباردة والرطبة وله تأثير عظيم في حفظ صحتهم . وإذا راعى الصائم فيه ما ينبغي مراعاته طبعا وشرعا عظم انتفاع قلبه وبدنه به وحبس عنه المواد الغريبة الفاسدة وأزال المواد الرديئة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه ويحفظ الصائم مما ينبغي أن يتحفظ منه .
ولما كان وقاية وجنة بين العبد وبين ما يؤذى قلبه وبدنه عاجلا وآجلا ، قال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "(1)
دلت الآية على أن أحد مفصودي الصيام الجنة والوقاية وهى حمية عظيمة النفع . والمقصود الآخر اجتماع القلب والهم على الله تعالى وتوفير قوى النفس على محابه وطاعته(2).
(3) القرآن : قال الله تعالى : " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ "(3)
( المعنى) وننزل من القرآن ما كله شفاء فهو كما يشفى من أمراض الجسد يشفى من الضلالة والجهالة والشبه ويهتدي به من الحيرة .
(روى) الحارث الأعور عن على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ط خير الدواء القرآن " اخرجه ابن ماجه والترمذى (4) . {196}
( وقال ) الذهبي في الطب المكارة : يقال إن رجلا شكا وجع عينه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : " انظر في المصحف " .
__________
(1) البقرة : 183
(2) انظر ص 172 ج3 زاد المعاد
(3) الإسراء : 82 .
(4) انظر ص 189 ج2 – ابن ماجه ( الاستشفاء بالقرآن )(1/134)
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأمراض القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة وما كل واحد يوفق للاستشفاء به . وإذا أحسن العليل أتتداوى به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم لم يقاومه الداء ابدأ وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها . فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفى القرآن سبيل الدلالة على روائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه ، قال الله تعالى " أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ "(1) فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ومن لم يكفه فلا كفاه الله (2) .
(4) الفاتحة : هي الشفاء التامم والدواء النافع والرقية الناجعة ومفتاح الغنى والفلاح وحافظة القوة ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرق مقدارها وأعطاها حقها وأحسن تنزيلها على دائه وعرف وجه الاستشفاء والتداوى بها والسر الذي لأجله كانت كذلك ( روى) عبد الملك بن عمير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فاتحة الكتاب شفاء من كل داء " اخرجه الدرامي والبيهقى في الشعب مرسلا بسند رجاله ثقات (3) . {197}
(
__________
(1) العنكبون : 51
(2) انظر ص 178 ج3 زاد المعاد
(3) انظر ص 445 ج2 درامى(1/135)
وقال ) أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه : انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم ، فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شئ لا ينفعه شئ ، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شئ ، فأتوهم فقالوا : يأبها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شئ لا ينفعه . فهل عند أحد منكم من شئ ؟ فقال بعضهم : نعم والله إنى لأرقى ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا ، فصالحوهم على قطيع من الغنم ، فانطلق يتفل عليه ويقرأ : الحمد لله رب العالمين ، فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشى وما به قلبة ، فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه . فقال بعضهم : اقسموا ، فقال الذي رقى لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فتذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له ، فقال : وما يدريك أنها رقية ؟ ثم قال : قد أصبتم ، اقسموا واضربوا لي معكم سهما . أخرجه الستة وهذا لفظ البخاري وقال الترمذى : حديث حسن صحيح (1) . {
__________
(1) انظر ص 305 ج4 فتح البارى ( ما يعطى فى الرقية بفاتحة الكتاب ) وص 187 ج14 نووى ( أخذ الأجرة على الرقية ) وص 20 ج4 عون المعبود ( كيف الرقى ) وص 167 ج1 تحفة الأحوذى ( أخذ الأجرة على التعويذ ) وص 5 ج2 – ابن ماجه ( فقال بعضهم ) هو ابو سعيد الخدرى ففى رواية الترمذى وابن ماجه فقالوا هل فيكم من يرقى من العقرب ؟ قلت نعم أنا .( والجعل ) بضم فسكون ما يعطى على العمل . و0 القطيع ) الطائفة من النعم . وفى رواية للبخارى : إنا نعطيكم ثلاثين شاة . وكان القوم ثلاثين . و( يتفل ) بفتح الياء وضم الفاء وكسرها من النفل وهو نفخ معه قليل بزاق . ومحله بعد القراءة لتحصل بركتها فى الجوارح التى يمر عليها الريح ففى رواية أبى داود : فقرأ عليه بأم الكتاب وتفل حتى برىء ..وفى رواية أنه قرأ الفاتحة ثلاثا وفى أخرى سبعا والزيادة أرجح . و( نشط) بضم فكسر من الثلاثى وفى رواية أبى داود أنشط بصيغة المجهول من الإنشاط اذا عقد وأنشط اذا حل . و( القلبة ) بفتحات العلة سميت بذلك لأن من تصيبه يقلب من جنب الى جنب ليعلم موضع الداء .(1/136)
198}
(والأمر) بالقسمة من باب المروءة والتبرع وإلا فأجر الرقية للراقي ( وقال ) النبي صلى الله عليه وسلم : اضربوا إلى معكم سهما – تطييبا لقلوبهم ومبالغة في بيان أنه حلال (وفى) الحديث جواز أخذ الأجرة على الرقية وهو متفق عليه . وكذا يجوز أخذها على تعليم القرآن عند الجمهور وهو المفتى به عند الحنفيين لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله"(1) فإنه وإن كان واردا في الرقية فهو يدل على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
(وعن) خارجة بن الصلت التميمى عن عمه علاقة بن صحار أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاسلم ، ثم اقبل راجعا من عنده فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد ، فقال أهله : إنا حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير فهل عندكم شئ تداوونه ؟ فرقيته بفاتحة الكتاب فبرأ ، فأعطوني مائة شاة . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : هل قلت غير هذا ؟ قلت : لا ، قال : خذها فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه .(2) {199}
وفى رواية لأبى داود وقال : فقرأت بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمها جمع بزاقة ثم تفل فكأنما أنشط من عقال .
(
__________
(1) ذكره البخارى معلقا عن ابن عباس انظر ص 304 ج4 فتح البارى ( ما يعطى فى الرقية ) وهو طرف من حديث وصله البخارى بص 155 ج10 فتح البارى ( الشروط فى الرقية بفاتحة الكتاب ) .
(2) انظر ص 19 ج4 عون المعبود ( كيف الرقى ) . ( فلعمرى ) أى لحياتى واللام فى وقله لمن أكل جواب القسم أى من الناس من يأكل برقية باطل كذكر الكواكب والاستعانة بها وبالجن فعليه9 وزره وأنت أكلت برقية حق أى بذكر الله تعالى وكلامه فلا ورر عليك .(1/137)
هذا) وإذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع فما الظن بكلام رب العالمين ثم بالفاتحة آلتي لم ينزل في القرآن ولا غيره من الكتب مثلها لتضمنها جميع معاني الكتاب .
( وقد ) اشتملت على أصول أسماء الله وإثبات المعاد وذكر التوحيد والافتقار إلى الرب في طلب الإعانة به والهداية منه ذكر أفضل الدعاء وهو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والاستقامة عليه وذكر أصناف الخلائق وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل به وغضوب عليه لعدوله عن الحق بعد معرفته وضال لعدم معرفته له مع ما تضمنته من إصلاح القلوب والرد على جميع أهل البدع والباطل . وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يستشفى بها من كل داء (1)
( وقد ) قيل إن موضع الرقية منها : " إياك نعبد وإياك نستعين" ولا ريب أن الكلمتين من أقوى أجزاء هذا الدواء فإن فيهما من عموم التفويض والتوكل والالتجاء والاستعانة والافتقار والطلب والجمع بين أعلى الغايات وهى عبادة الرب وحده وأشرف الوسائل وهى الاستعانة به على عبادته ما ليس في غيرهما .
( قال ) ابن القيم : ولقد مر بى وقت بمكة سقمت فيه وفقدت الطبيب والدواء فكنت أتعالج بالفاتحة آخذ شربة من ماء زمزم وأقرؤها عليها مرارا ثم أشربه فوجدت بذلك البرء التام ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع بها غاية الانتفاع (2) .
(
__________
(1) انظر ص 155 ج10 فتح البارى ( الرقى بفاتحة الكتاب ) . وانظر تمام بيان بعض ما تضمنته الفاتحة من الأسرار والعجائب بص 72 وما بعدها من الجزء الثالث من لدين الخالص طبعة أولى . وص 368 ج2 طبعة ثانية .
(2) انظر ص 122 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسام فى رقية اللديغ بالفاتحة)(1/138)
5) البقرة : قد ورد الترغيب في التحصن بسورة البقرة وبآيات منها ( روى) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج منه : آية الكرسي " أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد وفيه حكيم بن جبير غال في التسيع(1) {200}
( وعن ) ابن الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال : إن لكل شئ سناما وسنام القرآن سورة البقرة وإن الشيطان إذا سمع سورة البقرة تقرأ خرج من البيت الذي تقرا فيه سورة البقرة . أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد وقد روى مرفوعا(2). {201}
( وعن ) الشعبي عن ابن مسعود قال : من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآيتين بعدها وثلاثا من آخر سورة البقرة لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شئ يكرهه ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق . اخرجه الدرامي (3) {202}
( وعن ) آبى سنان عن المغيرة بن سبيع قال : من قرأ عشر آيات من البقرة عند منامه لم ينس القرآن : أربع آيات من أولها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث من آخرها أخرجه الدرامي(4) { 203}
(
__________
(1) انظر ص 560 ج1 مستدرك ( فضل سورة البقرة ) .
(2) اانظر ص 560 منه
(3) انظر ص 448 ج2 دارمى ( فضل أول سورة البقرة وىية الكرسى )
(4) انظر ص 449 منه .(1/139)
6) المعوذات : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحصن عند نومه بقراءة الإخلاص والمعوذتين : (روى) معمر الزهري ، عن عروة . عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بنفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات ، فلما ثقل كنت أنفث عنه بهن وأمسح بيده نفسه لبركتها فسالت الزهري كيف ينفث ؟ قال كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه . أخرجه البخاري(1) . {204}
( وقالت ) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا ثم مسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده ( الحديث ) اخرجه البخاري(2) . {205}
( وعن) آبى سعيد الخدرى قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان ، حتى نزلت المعوذتان ، فلما نزلت أخذ بهما وترك ما سواهما . اخرجه النسائي وابن ماجه والترمذى وقال حسن غريب(3) { 206}
( وهذا) لا يدل على المنع من التعوذ بغير عاتين السوريتين ، بل يدل على الأولوية ولا سيما مع ثبوت التعوذ بغيرهما ، وإنما أجتزأ بهما لما اشتملتا عليه من جوامع الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا(4) .
(
__________
(1) انظر ص 154 ج10 فتح البارى ( الرقى بالقرآن ) والمعوذات بكسر الواو جمع معوذة أى محصنة . والمراد بها سورة الإخلاص والفلق والناس . وقيل المراد ما يشمل ما ذكر وكل ما ورد من التعويذ فى القرآن كقوله " وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين ، وأعوذ بك أن يحضرون " 79و98 المؤمنون
(2) انظر ص 163 ج10 فتح البارى . و( النفث فى الرقية ) أى كان يقرؤها وينفث حال القراءة .
(3) انظر ص 165 ج3 تحفة الأحوذى ( الرقية بالمعوذتين ) .
(4) انظر ص 152 ج10 فتح البارى . وانظر التفصيل فى بحث الدعاء والاستغفار بعد الصلاة ص 17 ج3 – الدين الخالص طبعة أولى(1/140)
7) علاج الضرس : (روى ) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من اشتكى ضرسه فليضع إصبعه عليه وليقرأ " وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ " الآية " . أخرجه الدار قطنى(1). {207}
(8) علاج الجنون والصرع :( قال ) آبى بن كعب : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال : يا نبي الله إن لي أخا وبه وجع . فقال : وما وجعه ؟ قال : به لمم ، قال : فائتني به ، فوضعه بين يديه فعوذه النبي صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول سورة البقرة(2)
__________
(1) تمام الآية " فمستقر ومستودع قد فصلنا الايات لقوم بفقهون " الأنعام :98
(2) اللمم ) بفتحتين نوع من الجنون ( واربع الايات ) من أول سورة البقرة هى : الم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2) الذين يومنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3)والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (4) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون . (5) البيان – (ألم)اختلف المفسون فى الحروف التى فى اوائل السور والصحيح أنها من المتشابه الذى انفرد الله بعلمه فنؤمن به ولا نتكلم فيه وما قيل فيها غير ذلك فهو رجم بلا دليل والذى ينبغى لمن أحب السلامة واقتدى بالسلف ألا نتكلم بشىء من ذلك معترفا بأن فى إنزال هذه الحروف حكمة لا تبلغها عقولنا ولا تهتدى اليها افهامنا . وقوله " ذلك الكتاب " أى هذا القرآن فلإشارة الى الكتاب المذكور بعد . والعرب قد تشير إلى القريب الحاضر بما يشار به الى العبد الغائب اعظاما لقدره واسم الإشارة مبتدأ والكتاب صفته والخبر : لا ريب فيه . والريب الشك وقلق النفس واضطرابها ومعنى ( لا ريب فيه ) أن هذا الكتاب ليس مظنة للريب لوضوح دلالته وضوحا يقوم مقام البرهان المقتضى كونه لا ينبغى الارتياب فيه بوجه من الوجوه . والمشهور الوقف على فيه ..وروى عن نافع وعاصم الوقف على – لا ريب – وعليه فالخبر محذوف والتقدير لا ريب فيه . فيه هدى . والهدى الدلالة الموصلة إلى المطلوب وهو قسمان (أ) هدى دلالة وهو ما يقدر عليه الرسل واتباعهم قال تعالى " ولكل قوم هاد" الرعد : 7 وقال تعالى ( وإنك لتهدى الى صراط مستقيم ) أى تدعو وتطل . الشورى :52 ..(ب) هدى توفيق وتأييد . وقد انفرد به الله تعالى وهو المنفى فى قوله تعالى ( انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء ) القصص:56 وهو بهذا يجىء بمعنى خلق الإيمان فى القلب ومنه قوله تعالى ( أولئك على هدى من ربهم ) وقوله ( ولكن الله يهدى من يشاء ) . والمتقى لغة اسم فاعل من وقى وقاه فاتقى . والوقاية الصيانة . وشرعا من يقى نفسه ويحفظها من ارتكاب ما يوجب العقوبة من فعل أو ترك . وخص المتقين بهداية القرآن وإن كان هدى للخلق أجمعين تشريفا لهم وتكريما لأنهم آمنوا بما فيه وانتفعوا به ( وقد) ورد فى هذا حديث عطية السعدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا باس به حذرا مما به باس . أخرجه أحمد والبخارى فى التاريخ وابن ماجه والترمذى وحسنه والحاكم وصححه ( ورد) بأن فى سنده عبد الله بن يزيزد لا يعرف حاله : ( انظر ص 443 ج6 مناوى الجامع الصغير رقم 9942 ) ( فالمصير ) الى ما أفاده هذا الحديث واجب ويكون هذا معنى شرعيا للمتقى أخص من المعنى السابق . وقوله " الذين يؤمنون بالغيب " وصف كاشف للمتقين . والإيمان لغة التصديق وشرعا التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وبكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم مما لا تهتدى اليه العقول من عذاب القبر ونعيمه وأشراط الساعة والحشر والنشر والحساب والميزان والصراط والجنة والنار . و( الغيب ) اسم لما أومن به مما ذكر ( وقد ورد) فى فضل المؤمنين بالغيب حديث ابى جحفة الأنصارى قال : قلت يا رسول الله من قوم أعظم منا أجرا آمنا بك واتبمناك ؟ قال ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحى من السماء . بل قوم ياتون من بعدكم يأتيهم كتاب الله بين لوحين فيؤمنون بى ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا أخرجه أحمد والدارمى والطبرانى والحاكم ( انظر ص 308 ج2 دارمى وص 24 ج1 فتح القدير الشوكانى ) وقوله " ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " معطوف على يؤمنون . والإقامة لغة الدوام والثبات وإقامة الصلاة أداؤها فى أوقاتها بأركانها وسننها وآدابها كما أمرنا الله تعالى بقوله " حافظوا على الصوات والصلاة الوسطى وقوموا الله قانتين " البقرة : 238 . وكما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحيح أن المراد بالصلاة هنا ما يشمل الفرض والنفل عام والمتقى يأتى بهما ( والرزق) عند أهل السنة ما صلح الانتفاع به حلالا كان أو حراما . ( والإنفاق ) صرف المال فى المصالح وأتى بمن التبعيضية إشارة إلى طلب الاعتدال فى الإنفاق وترك الإسراف قال تعالى ( والذين اذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) الفرقان :67 والمختار أن الآية عامة فى الزكاة والنفقة على الأقارب وغيرهم وفى صدقة الفرض والنفل لأنها سيقت للمدح والترغيب فى الإنفاق مما رزقوا وقوله " والذين يؤمنون بما انزل اليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون " صفة أخرى للمتقين فهى معطوفة على الجملة السابقة ويجوز أن تكون مرفوعة على الاستئناف وأن تكون معطوفة على المتقين فيكون التقدير هدى للمتقين والذين يؤمنون بما أنزل من قبلك وهو التوراه والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السماوية بأن يؤمنوا بأنها من عند الله ويصدقوا بما لم ينسخ منها ( قال) ابو ذر : قلت يا رسول الله كم كتابا أنزل الله قال مائه كتاب واربعة كتب . أنزل الله على شيث خمسين صحيفة وعلى أخنوخ ( إدريس ) ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى قبل التوراه والإنجيل والزبور والفرقان أخرجه ابو حاتم البستى ( انظر ص 157 ج1 تفسير القرطبى ) ( وبالآخرة ) اى بالدار الآخرة هم يوقنون وفى تقديم الجار مع اسناد يوقنون الى الضمير غشعار بالحصر وأن ما عدا هذا الأمر – الذى هو اساس الإيمان وراسه – ليس بمؤد الى الإيقان بالدار الآخرة والقطع بوقوعها وهو العلم الجازم مع انتفاء الشك والشبهة والمعنى أنهم موقنون بالبعث والنشور وسائر امور الآخرة بلا شك وعبر بالماضى فى قوله ( أنزل اليك) مع أنه لم ينزل حينئذ الا البعض تغليبا لما نزل على ما لم ينزل وتنبيها على تحقق الوقوع كأنه بمنزلة النازل ( والحق) أن هذه الآية وما قبلها فى شأن المؤمنين عامة وليس مجرد ذكر الإيمان بما أنزل الى النبى صلى الله عليه وسلم وما أنزل الى من قبله يقتضى جعل ذلك وصفا لمؤمن أهل الكتاب خاصة فليس فى السياق ما يقتضى ذلك وقد ثبت الثناء على من جمع بين الأمرين من المؤمنين فى أكثر من آية قال تعالى : يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى أنزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل ( النساء :136) ( وقال) آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ( البقرة : 285 ) . ( وقال ) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم إن الله كان غفورا رحيما ( النساء :142 ) ( وعن ) ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى : ( والذين يؤمنون بما انزل اليك وما أنزل من قبلك ) اى يصدقونك بما جئت به فى الله وما جاء به من قبلك من المرسلين لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم وبالآخرة هم يوقنون ايمانا بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان . أى لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان من قبلك ويكفرون بما جاء من ربك . أخرجه ابن جرير وابن اسحاق وابن ابى حاتم ( انظر ص 25 ج1 فتح القدير للشوكانى ) .
وقوله " اولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون " مستأنف استئنافا بيانيا كأنه قيل كيف حال هؤلاء الجامعين بين التقوى والإيمان بالغيب والإتيان بالفرائض والإيمام بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى من قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؟ فقيل أولئك على هدى ويصح أن يكون خبرا عن الذين يؤمنون بالغيب . والاستعلام فى قوله ( اولئك على هدى ) مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به . شبهت حالهم بحال من اعتلى الشىء وركبه ( والفرح) فى الأصل الشق والقطع يقال للذى شقت شفته افلح ومنه سمى الأكار فلاحا لأنه يشق الأرض بالحرث فكأن المفلح قد قطع المصاعب حتى نال مطلوبه ( قال ) القرطبى : وقد يستعمل فى الفوز والبقاء وهو اصله ايضا فى اللغة . فمعنى اولئك هم المفلحون الفائزون بالجنة والباقون . وفى تكرير اسم الإشارة دلاله على أن كلا من الهدى والفرح مستق بتمييزهم به عن غيرهم بحيث لو انفرد أحدهما لكفى مميزا ( وأتى) بضمير الفصل للدلالة على اختصاهم بالفلاح دون غيرهم ( وعن) عبد الله بن عمرو قال : قيل يا رسول الله انا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ فنكاد أن نياس أو كما قال . فقال : ألا أخبركم عن أهل الجنة واهل النار ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين إلى قوله وأولئك هم المفلحون هؤلاء أهل الجنة . قالوا إنا نرجو أن تكون هؤلاء ثم قال : إن الذين كفروا سواء عليهم انذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب أليم . هؤلاء اهل النار . قالوا لسنا هم يا رسول الله قال أجل . أخرجه ابن ابى حاتم انظر ص 26 ج1 فتح القدير وقد تضمنت الآيات . (أ) بيان أن القرآن لعظم قدره وعلو مرتبته ووضوح دلالته لا يرتاب فيه – بوجه من الوجوه- العقلاء المنصفون ولا اعتبار لريب الجاحدين الجاهلين ، وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وهو الهدى والنور الذى أوضح للناس الطريق فسعد به المتقون واهتدى بهدية الصادقون وتأدب بآدابه المهتدون .
(ب) أن المتقين هم الذين جمعوا بين أنواع الطاعة القلبية والبدنية والمالية منهم الذين وحدوا ربهم فخرجوا من ظلمة الشرك الى نور التوحيد الخالص وانتقلوا من ديوان العاصين المتمردين الى ديوان الطائعين الخاضعين وترقوا فى معارج الطاعة حتى صفت اسرارهم عما سوى بارئهم رب العالمين فكانوا من المحسنين فلم يرهم مولاهم حيث نهاهم ولم يفقدهم حيث أمرهم وصدقوا بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سيما الأمور الغيبية التى لا تهتدى اليها العقول من اشراط الساعة وأحوالها من البعث والنشور والصراط والميزان والجنة والنار فبادروا بالعمل الصالح الذى يقيهم نار الجحيم ويدخلهم دار النعيم فهم يحافظون على الصلاة ويؤدونها فى أوقاتها خاشعين خاضعين مطمئنين موقنين أنها عماد الدين ولا سهم فى الإسلام لمن لا صلاة له وأها صلة بين العبد وربه وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وليس بين المسلم والكافر الا الصلاة وهى مائدة المقربين وقرة عين المؤمنين الصادقين وراحة المتقين . ولما كان صدق الإيمان والأخلاص فى العمل لا يظهران إلا بالمجاهدة بالنفس والنفيس جاهدوا أنفسهم حتى انفقوا مما آتاهم الله فى وجوه الخير يقدمون لأنفسهم ما ينفعهم فى رمسهم ويؤنسهم فى وحشتهم ويطمئنهم يوم ينظر المرء ما قدمت يداه عاملين بقوله تعالى ( آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه . فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ) الحديد : 7 . لا غرو فإن التقوى جماع الخير كله وهى خير ما يستفيده الإنسان ( فقد روى ) ابو أمامه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة ان أمرها أطاعته وإن ينظر اليها سرته وإن قسم عليها أبرته وان غاب عنها نصته فى نفسها وماله . اخرجه ابن ماجه ص 293 ج1 ( أفضل النساء) :
( وقيل ) لبى الدرداء إن أصحابك يقولون الشعر وأنت ما حفظ عنك شىء فقال .
يريد الرء أن يؤتى مناه ويابى الله إلا ما ارادا
يقول المرء فائدتى ومالى وتقوى الله أفضل ما استفادا
(جـ) إن افضل الإيمان واكمله التصديق بكل الكتب افلهية والعمل بما لم ينسخ منها لا نفرق بين أحد من رسله . والإيمان بالبعث والنشور وسائر احوال الآخرة .
(د) الحث على التقوى والإيمان بالغيب والرسل وما أنزل اليهم واليوم الآخر والإتيان بالفرائض والإنفاق فى سبيل الخير فإن من تحلى بما ذكر فهم أهل الهداية والسعادة والفلاح الفائزون بما طلبوا الناجون ممامنه هربوا المقيمون مع من أحبوا .
(هـ) تضمن قوله تعالى : ( أولئك على هدى من ربهم ) الرد على القدرية فى قولهم العبد يخلق إيمانه وهداه . ولو كان كما قالوا لقال أولئك على هدى من نفسهم تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا .(1/141)
وهاتين الآيتين : " وَإلهُكُمْ إلهُ وَاحِدُ "(1)
__________
(1) الايتان هما قوله تعالى : ( والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم (163 ) إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما بنفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض لايات لقوم يعقلون ) 164 ) البيان ) قال كفار قريش : يا محمد صف لنا ربك وانسبه . فأنزل الله سورة الإخلاص وهذه الآية ( وإلهكم اله واحد ) أى منفرد بالإلهية لا شريك له ولا نظير له هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد ( لا اله) أى لا معبود بحق ( إلا هو الرحمن الرحيم ) اسمان مشتقان من الرحمة على طريق المبالغة . والرحمن من الصفات الغالبة لم يستعمل فى غير الله عز وجل . ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية فقال ( إن فى خلق السموات) مرتفعه بلا عمد لطيفة متسعة منظمة نظاما بديعا مزينة بالكواكب ( والرض ) متسعة كثيفة ذات وهاد ونجاد وجبال واشجار وبحار وأنهار وقفار وعمران ومنافع . وإنما جمع السموات لأنها أجناس مختلفة كل سماء من جنس غير جنس الأخرى . ووجد الأرض لأنها كلها من جنس واحد وهو التراب ( واختلاف الليل والنهار ) بإضاءة أحدهما وإظلام الآخر وااقبال أحدهما وإدبار الآخر بلا فاصل بينهما قال تعالى : ( لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون ) ( يسن : 40 ) قال تعالى : ( وهو الذى جعل الليل والنهار خلفه ) الفرقان : 62 ( قال ) عطاء : اراد خلافهما فى النور والظلمة والزيادة والنقصان فيأخذ هذا من هذا قال تعالى : ( يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل ) أى يزيد من أحدهما فى الآخر . وقدم الليل على النهار لأنه اصل ..قال الله تعالى : ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) ( والفلك التى تجرى فى البحر ) الفلك - بضم فسكون – السفن واحده وجمعه سواء . فإذا اريد به الجمع يؤنث والواحد يذكر قال تعالى : اذ ابق الى الفلك المشحون . وقال : حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم بريح طيبة : والاية فيها تسخيرها وجريانها على وجه الماء ( بما ينفع الناس ) من الركوب والحمل عليها من جانب الى جانب لمعايش الناس والانتفاع بما لهم من التجارة والمكاسب ونقل ما عند بعضهم الى بعض ( وما أنزل الله من السماء ) اى من السحاب ( من ماء ) أى المطر الذى به حياة العالم وإخراج النبات والرزاق ( فأحيا به الرض بعد موتها ) أى بعد يبسها وجدبها ( وبث فيها ) أى فرق فى الارض ( من كل دابة ) أى على اختلاف أشكالها والوانها ومنافعها وصغيرها وكبيرها . وهو يعلم ذلك كله فيرزقه لا يخفى عليه شىء من ذلك . ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) ( وما من دابة فى الرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مبين ) ( وتصريف الرياح ) فمنها ما يأتى بالرحمة ومنها ما يأتى بالعذاب ومنها الحار ومنها البارد ومنها الجنوبية والشمالية والشرقية والغربية ومنها ما يسير السفن الصغار والكبار كل على قدره ( والسحاب المسخر ) أى المذلل السائر ( بين السماء والرض ) الى ما يشاء الله من الاراضى والأماكن كما يريد الله ( لايات لقوم يعقلون ) أى فى هذه الأشياء دلائل بينه وحجج قاطعة على وحدانية الله تعالى لمن ينظر ببصره ويتفكر بعقله . قال تعالى ( إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لآولى الألباب . الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ) ووجه دلالة هذه الآية على الوحدانية أن ما ذكر فيها من الايات الكونية قائم بنظام يقتضى قطعا أن تكون هذه الأشياء صادرة عن خالق واحد عليم حكيم ولو كان لها مصادر متعددة لاختل هذا النظام وفسد هذا العالم سمواته وارضه كما قال تعالى ( لو كان فيهما ىلهة إلا الله لفسدتا ) ( روت ) اسماء بنت يزيد بن السمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اسم الله الأعظم فى هاتين الايتين ( وإلهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم ) و( الم . الله لا اله الا هو الحى القيوم ) أخرجه أحمد والدارمى وابو داود وابن ماجه والترمذى وصححه انظر ص 141 ج1 فتح القدير للشوكانى ( وعن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ليس شىء اشد على مردة الجن من هؤلاء الايات التى فى سورة البقرة ( وإلهكم اله واحد) الآيتين أخرجه الديلمى ( انظر ص 141 منه ) وعن ابن ابى نجيح عن عطاء قال : نزلت على النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة ( والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم ) فقال كفار قريش بمكة : كيف يسع الناس اله واحد ؟ فأنزل الله تعالى : ( إن فى خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس الى قوله : لايات لقوم يعقلون ) فبهذا يعلمون انه اله واحد وانه اله كل شىء وخالق كل شىء . اخرجه ابن ابى حاتم ( انظر ص 374 ج1 تفسير ابن كثير )(1/142)
وآية الكرسي وثلاث آيات من آخر سورة البقرة (1) .
__________
(1) آية الكرسى قول الله تعالى ( الله لا اله الا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما فى السموات وما فى الرض . من ذا الذى يشفع عنده الا بإذنه ؟ يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشىء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السموات والرض ولا يؤةده حفظهما وهو العلى العظيم ) وقد تقدم بيان فضلها وتفسيرها ومشتملاتها بص 14 ج4 – الدين الخالص ( والثلاث الايات ) من آخر سورة البقرة هى قول الله تعالى ( لله ما فى السموات وما فى الأرض وان تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شىء قدير (284)آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير (285) لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين – 286 ) وتقدم بيانها بيانا وافيا بص 306 ج5 – الدين الخالص(1/143)
وآية من آل عمران : " شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ "(1)
__________
(1) ىية ىل عمران قوله تعالى : " شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم " 18 ( سبب النزول ) قال الكلبى : قدم حبران من أحبار الشام فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبى صلى الله عليه وسلم الذى يخرج فى آخر الزمان . فلما دخلا عليه عرفاه بالصفة فقالا له : انت محمد ؟ قال نعم . قالا وأنت احمد ؟ قال : أنا محمد وأحمد . قالا انا نسالك عن شىء فإن أنت أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك . فقال نعم . قالا : أخبرنا عن أعظم شهادة فى كتاب الله . فأنزل الله تعالى على نبيه : " شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة " الآية فأسلم الرجلان . اخرجه البغوى انظر ص 113 ج2 وص 165 ج3 نيسابورى " المفردات " ( شهد الله ) أى أخبر وبين بالادلة ( أنه لا اله) أى لا معبود بحق ( الا هو ) ( والملائكة) جمع ملك بفتحتين وهم عالم غيبى لا يعلم حقيقته الا الله تعالى لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتصفون بذكورة ولا بأنوثة خلقوا من نور . وتمامه بص 56 ج1 – الدين الخالص طبعة ثانية ( وأولو العلم ) النبياء والمؤمنون الذين عرفوا وحدانية الله تعالى بالدلائل ( قائما بالقسط ) أى منفردا بتدبير شئون خلقه وهو حال من الضمير بعد الا والعامل فيه ما تضمنته كلمة التوحيد . ويحتمل أن يكون حالا من أولى العلم أى حال كون كل واحد منهم قائما بالعدل فى اداء هذه الشهادةة . و ( العزيز ) القاهر الغالب . و( الحكيم ) من يضع الأمور فى مواضعها.
المعنى : شهد الله تعالى – وهو اصدق الشاهدين وأعدلهم – أنه لا معبود بحق الا الله المنفرد بالالهية لجميع الخلق ( والهكم اله واحد ) وانه المنفرد بالايجاد والإعدام والاعطاء والمنع وما الى ذلك وأن الكل عبيده وخلقه محتاجون اليه وهو الغنى عما سواه ( يايها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغنى الحميد ) وأظهر ذلك وبينه بخلق الدلائل الدالة على انفراده بالوحدانية والقدرة التامة والعلم المحيط . وشهدت الملائكة والانبياء والمرسلون والمؤمنون الصادقون بذلك ( وشهادة ) الله تعالى والملائكة وأولى العلم يحتمل أن تكون بمعنى واحد وأن تكون مختلفة ( أما الأول) فبيانه أن الشهادة هى الإخبار عن علم او الإظهار والبيان ( وقد ) أخبر الله تعالى فى مواضع كثيرة من القرآن أنه اله واحد لا اله الا هو ( الله لا اله الا هو الحى القيوم – قل هو الله احد – لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ) والتمسك بالدلائل السمعية فى هذه المسالة جائز لأن العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لا يتوقف على العلم بها واظهر الله تعالى أنه لا اله واحد يخلق ما يدل على ذلك (ان فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لايات لأولى الألباب ) 190 آل عمران ( ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم اذا أنتم بشر تنتشرون ) الايات من 20-27 الروم . وكذلك الملائكة وأولوا العلم ، اخبروا أن الله اله واحد وأطهروا ذلك وبينوه : الملائكة للرسل والرسل للعلماء والعلماء لعامة الخلق ( وأما الثانى) فبيانه أن شهادة الله على توحيده أنه خلق الدلائل الدالة عليه وشهادة الملائمة وأولى العلم عبارة عن اقرارهم بذلك . ونظيره قوله تعالى ( ان الله وملائكته يصلون على النبى ) فإن الصلاة من الله غير صلاة الملائكة وعلى الحقيقة فليس الشاهد الا الله تعالى لأنه خلق الأشياء الدالة على توحيده . ثم وفق العلماء لمعرفتها والتوصل بها الى اعتقاد وحدانيته ثم وفقهم فارشدوا غيرهم الى ذلك . ولذا قال ( قل أى شىء أكبر شهادة ؟ قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحى الى هذا القرآن ) فهو يشهد أنه لا اله الا هو حال كونه قائما بالعدل يقال فلان قائم بالتدبير أى يجريه على سنن الاستقامة أو مقيما للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال ويثيب ويعاقب . وفيما يامر به عياده من انصاف بعضهم بعضا والعمل على التسوية فيما بينهم . وكرر مضمون الشهادة بقوله ( لا اله الا هو ) تأكيدا وتوطئه لقوله ( العزيز ) العديم المثال القاهر لخلقه الذى لا يرام جنابه عظمه وكبرياء لأنه المنفرد بالالهية الكامل القدرة ( الحكيم ) فى اأفعاله واقواله وشرعه وتقديره لأنه العالم الذى لا يعزب عن علمه شىء . والقائم بتدبير امور خلقه بالعدل والإنصاف هذا ويطلب ممن قرأ أو سمع هذه الاية أن يقول : وأنا على ذلك من الشاهدين ( لقول ) الزبير بن العوام : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرا هذه الآية ( شهد الله أنه لا االه الا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم ) فقال : وأنا على ذلك من الشاهدين . أخرجه أحمد وابن حاتم وابن السنى وكذا الطبرانى بلفظ : وأنا اشهد أن لا اله الا انت العزيز الحكيم . انظر ص 296 ج1 فتح القدير للشوكانى .(1/144)
وآية من الأعراف : " إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ "(1)
__________
(1) آية العراف قوله تعالى :" ان ربكم الله الذى خلق السموات والرض فى ستة ايام ثم استوىعلى العرش يغشى الليل والنهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) 54 ( المفردات ( فى ستة ايام) أى فى مقدارها . لأن اليوم من طلوع الشمس الى غروبها ولم يكن حينئذ يوم ولا شمس ولا سماء . وقيل ستة أيام كأيام الآخرة كل يوم كألف سنة وقيل كايام الدنيا ( والاستواء ) لغة العلو والاستقرار والمراد هنا الأول ( والعرش ) فى الأصل سرير الملك والمراد به عرش الرحمن المحيط بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما ( يغشى- بضم فسكون فكسر ، أو بضم ففتح فشد – قراءتان . ولم يذكر تغشية الليل بالنهار اكتفاء ( وحثيثا ) أى سريعا ( والخلق ) أى المخلوق ( والأمر ) التصرف ( وتبارك) تعالى وتعاظم ( والرب ) المالك والسيد وهو اسم من اسمائه تعالى ( والعالمين ) جمع العالم والسموات والرض وما بينهما وأوجده من العالم فى قدر ستة ايام من يوم الاحد الى الجمعة . قال سعيد بن جبير : الله عز وجل قادر على خلق السموات والأرض فى لمحة ولحظة ولكن خلقهن فى ستة ايام تعليما لخلقه التثبت والتأبى فى الأمور ذكره البغوى ص 488 ج3 . وفى الحديث التأبنى من الرحمن والعجلة من الشيطان . أخرجه البيهقى بسنده الى سعد بن سنان عن انس . وسعد ضعيف لم يسمع من انس على الوجه الذى يليق به بلا تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل فإنه تعالى لا يشبه خلقه ( ليس كمثله شىء وهو السميع البصير ) بل الامر كما قاله الأئمة منهم نعيم بن حماد الجزاعى شيخ البخارى قال : من شبه الله بخلقه كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه ..فمن أثبت لله تعالى ماوردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذى يليق بجلال الله ونفى عن اللع تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى . وقوله تعالى ( يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا ) أى يذهب أحدهما ظلام هذا بضياء هذا وضياء ها بظلمة هذا وكل منهما بطلب الآخر طلبا سريعا لا يتأخر عنه بل اذا ذهب احدهما جاء الآخر قال تعالى ( لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون ) فقوله : ولا الليل سابق النهار . أى لا يفوته بوقت يتأخر عنه بل هو فى أثره بلا واسطة بينهما . ولهذا قال : يطلبه حثيثا ( والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ) أى أن الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته ولهذا قال ( ألا له الخلق والأمر) أى له الملك والتصرف ( تبارك الله رب العالمين ) كما قال تعالى ( تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ) .
وقد ورد عن أم سلمة فى قوله : استوى على العرش قالت : الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به إيمان والجحود كفر . اخرجه ابن مردوية . انظر ص 202 ج2 فتح القدير للشوكانى ( وعن مالك) أن رجلا ساله : كيف استوى على العرش ؟ فقال الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول . والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة . أخرجه اللالكائى انظر ص 202 ج2 منه .(1/145)
وآخر سورة المؤمنين : " فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ "(1)
__________
(1) آخر سورة المؤمنون قوله تعالى ( فتعالى الله الملك الحق لا اله غلا هو رب العرش الكريم . 116 ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون 117 وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين 118 ) المفردات ( فتعالى ) أى تنزه عن الولد والشريك وأن يخلق شيئا عبثا ( والعرش العظيم ) أى السرير الحسن المنظر ( والبرهان ) الحجة الواضحة والبينة القاطعة ( والحساب ) الجزاء ( والغفر ) المحو أو الستر ( والرحمة ) التوفيق والسداد .
والمعنى : أنه يجب على كل عاقل أن يعتقد أن الله تعالى منزه عن الولد والشريك والنقص لأنه الملك الحق فى كل أقواله وأفعاله لا معبود بحق إلا هو مالك العرش الكامل الخلق البهى الشكل فهو إله ورب لما دون العرش بالأولى . ثم رد الله ما عليه أهل الشرك موبخا لهم ومقرعا فقال " ومن يدع مع الله الها آخر" يعبده مع الله أو يعبده وحده بلا برهان ولا حجة فإنما جزاؤه عند ربه الذى خلقه فسواه ثم أخبر الله تعالى أنه لا فلاح للكافرين ولا نجاة لهم . ثم ارشد الله تعالى الى دعاء جامع فقال " وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين " ( وقد ) روى الحسن بن عبد الله أن ابن مسعود قرأ فى اذن مصاب " افحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم غلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق " حتى ختم السورة فبرأ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذى نفسى بيده لو أن رجلا موقنا قرأها على جبل لزال . أخرجه ابن ابى حاتم والحكيم الترمذى وأبو يعلى وابن المنذر وابن مردوية وأبو نعيم فى الحلية . انظر ص 486 ج3 فتح القدير الشوكانى .(1/146)
وآية من سورة الجن " وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا " وعشر(1)
__________
(1) آية الجن " وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبه ولا ولدا " المفردات : ( وأنه ) بفتح الهمزة عطف على محل المجرور فى قوله فآمنا به . كأنه قيل فصدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا وقرىء بكسر الهمزة عطف على انا سمعنا . اى فقالوا :انا سمعنا قرآنا وأنه تعالى جد ربنا والضمير فى أنه للشأن ( والجد ) العظمة والجلال . ( والصاحبة ) الزوجة .
والمعنى : أن الجن لما سمعوا القرآن قالوا : صدقناه وصدقنا أن الله تعالى تنزه جلاله وعظمته عن أن يتخذ صاحبه أو ولدا . وكأن الجن نبهوا بهذا على خطإ الكفار الذين بنسبون إلى الله تعالى الصاحبة والولد ( وعن) ابن عباس فى قوله تعالى " وإنه تعالى جد ربنا " قال : آلاؤه وعظمته . وروى عنه أمره وقدرته . اخرجه ابن ابى حاتم انظر ص 298 ج5 فتح القدير للشوكانى .(1/147)
آيات من أول الصافات(1)
__________
(1) العشر الايات من أول الصافات قوله تعالى : " والصافات صفا (1) فالزاجرات زاجرا (2) فالتاليات ذكرا (3) إن الهكم لواحد (4) رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق (5) انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب (6) وحفظا من كل شيطان مارد (7) لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب (8) دحورا ولهم عذاب واصب (9) الا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب (10)" المفردات: ( الصف ) ترتيب الجمع على خط كالصف فى الصلاة ( والزجر ) فى الأصل الدفع بقوة والمراد به هنا قوة التصويت . ( والمشارق ) مشارق الشمس ( قيل) إن الله تعالى خلق للشمس مشارق ومغارب بعدد ايام السنة تطلع كل يوم من واحد منها وتغرب فى واحد . كذا قال ابن عبد البر ( وقيل) المراد بالمشارق كل موضع اشرقت عليه الشمس . وبالمغارب كل موضع غربت عليه الشمس . فكأن المعنى : رب جميع ما اشرقت عليه الشمس وغربت . وأما قوله فى سورة الرحمن " رب المشرقين والمغربين" فالمراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس فى ايام الصيف وأقصر يوم فى الشتاء وكذا فى المغربين : وأما ذكر المشرق والمغرب بالإفراد فالمراد به الجهة التى تشرق منها الشمس والجهة التى تغرب فيها ( والمراد) المتمرد العاصى . ( لا سمعون) بشد السين والميم والأصل يتسمعون فإدغمت التاء فى السين . وقرأ الجمهور يسمعون بسكون السين وتخفيف الميم وفى معناها قوله تعالى " إنهم عن السمع لمعزولون " ( والدحور ) الطرد ودحورا مفعول لاجله ( وقيل) إنه حال أى مدحورين . وقيل إنه جمع داحر كقاعد وقيل مفعولا مطلق لمقدر أى يدحرون دحورا ( وواصب ) اى دائم يصل الى القلب ( والخطف ) الاختلاس واخذ الشىء بسرعة ( وشهاب ثاقب ) أى نجم مضىء محرق .
والمعنى : أن الله تعالى أقسم بالملائكة يصفون فى السماء كصفوف المؤمنين فى الصلاة بالملائكة تزجر السحاب وتسوقه . وبالملائكة يتلون كتاب الله تعالى . اقسم بما ذكر " أنه اله واحد وذلك أن كفار مكة قالوا : أجعل الآلهة الها واحدا ؟ فاقسم الله بهوؤلاء " أنه لا اله إلا هو رب السموات والأرض وما بينهما " من المخلوقات ورب المشارق أى مطالع الشمس وأنه الملك المتصرف فى الخلق بتسخيره بما فيه من كواكب ثوابت وسيارة تبدو من المشرق وتغرب من المغرب . واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالتها عليها . ثم أخبر أنه زين السماء الدنيا للناظرين إليها بزينة هى الكواكب فإن ضوءها يثقب جرم السماء الشفاف فتضىء لأهل الأرض كما قال تعالى " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح " وقال : " ولقد جعلنا فى السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم " ( فقوله ) هنا وحفظا أى وحفظناها حفظا من كل شيطان ما رداى متمرد عات إذا اراد أن يسترق السمع أتاه شهاب ثاقب فأحرقه ، ولذا قال : لا يسمعون الى الملأ الأعلى . أى لئلا يصلوا إلى الملآ الأعلى وهى السموات ومن فيها ( ويقذفون من كل جانب ) أى يرمون من كل جهة يقصدون السماء منها ويطردون طردا فلا يصلون اليها " ولهم " فى الدار الآخرة عذاب دائم موجع " إلا من خطف الخطفة " أى إلا من اختطف من الشياطين الخطفة وهى الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى من تحته ويلقيها الآخر إلى من تحته . فربما ادركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما القاها بقدر الله قبل أن ياتيه الشهاب فيذهب بها الآخر إلى الكاهن (أ) وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان للشياطين لا ترمى فإذا سمعوا الوحى نزلوا الى الرض فزادوا فى الكلمة تسعا فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاءه شهاب فلم يخطئه حتى يحرقه فشكوا ذلك الى إبليس لعنة اله فقال ما هو إلا من أمر حدث . فبث جنوده فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى بين جبلى نخلة وقال وكيع : يعنى بطن نخلة . فرجعوا إلى ابليس فأخبروه فقال : هذا الذى حدث . أخرجه ابن جرير وابن كثير . انظر ص 124 ج7 – ابن كثير .
(ب) وعن سفيان بن عيينة بسنده الى ابى هريرة أن نبى الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا ( بفتحتين من الخضوع أو بضم فسكون مصدر بمعنى خاضعين ) لقوله كأنه سلسلة على صفوان ( حجر أملس ) فإذا فزع عن قلوبهم ( أى كشف عنها الفزع ) قالوا ماذا قال ربكم ظ قالوا للذى قال الحق وهو العلى الكبير فيسمعها مسترق السمع ومسرتق السمع وهكذا بعضه فوق بعض . وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين اصابعه ( أى فرق بينها) فيسمع الكلمة فيلقيها الى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما القاها قبل أن يردكه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا – كذا وكذا ؟ فيصدق بتلك الكلمة التى سمعت من السماء . أخرجه البخارى والترمذى . انظر ص 380 ج8 فتح البارى ( حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ) .(1/148)
وثلاث آيات من آخر الحشر(1).
__________
(1) آيات آخر الحشر هى قوله تعالى : " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون (21) هو الله الذى لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحين (22) هو الله الذى لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون (23) هو الله الخالق البارى المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم (24) .
المفردات الخاشع ) الذليل المتواضع ( والمتصدع) المتشقق ( والقدوس ) الطاهر من كل عيب ( والسلام ) السالم من كل نقص . والمسلم على عبادة فى الجنة كما قال : سلام قولا من رب رحيم . والمسلم لعبادة من الآفات . وهو مصدر وصف به للمبالغة ( والمؤمن) الذى وهب عباده الأمن من عذابه والمصدق لرسله بإظهار المعجزات والصادق فى إنجاز وعده ( والمهيمن ) الشهيد على عباده الرقيب عليهم ، وقيل اصله مؤيمن فقبلت الهمزة هاء فيكون بمعنى المؤمن والأول أولى ( والعزيز) القاهر الغالب القوى الذى لا نطير له ( والجبار ) ذو العظمة الذى أجبر خلقه وقهرهم على ما اراد من أمره ونهيه والغنى المصلح من جبر إذا أغنى الفقير وأصلح الكسير ( والمتكبر ) المتعالى عن كل نقص وذو الملك والكبرياء والقاصم العتاه من الخلق ( الخالق ) الموجد للاشياء على مقتضى إرادته ( والبارىء ) المنشىء المخترع للأشياء لا على مثال سبق وله من الاختصاص بالحيوان ما ليس لغيره من المخلوقات . يقال برأ الله النسمة وخلق السموات والأرض ( والمصور ) الموجد للصور على هيئات مختلفة . ومعنى التصوير التخطيط والتشكيل فهو مترتب على الخلق والبرء ( والحسنى ) مؤنث الأحسن أى التى هى أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مسمى واشرف مدلول .
المعنى : أن الله تعالى أنزل على نبيه كتابا عظيم الشأن جليل القدر لمتانة الفاظه وقوة مباينى وبلاغته واشتماله على المواعظ التى تلين لها القلوب لو أنزل على جبل من الجبال لرأيته – وهو فى غاية القسوة وشدة الصلابة وضخامة الجرم – خاشعا متصدعا من خشية الله تعالى حذرا من عقابه وخوفا من أن لا يؤدى ما يجب عليه من تعظيم كلام الله واحترامه . وإذا كان الجبل فى غلظته وقساوته لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه لخشع له وتصدع خوفا من الله عز وجل ، فكيف يليق بالعقالاء ألا تلين قلوبهم عند سماع ىياته وتخشع وتتصدع أفئدتهم من خشية الله تعالى وقد فهموا أمره وتدبروا كتابه ولذا قال ( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) فيما يجب عليهم التفكر فيه ليتعظوا بالمواعظ وينزجروا بالزواجر ، ثم أخبر الله تعالى أنه لا اله الا هو فلا رب غيره ولا معبود سواه وأنه عالم الغيب والشهادة يعلم جميع الكائنات شاهدها وغائبها فلا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء وهو السميع العليم . لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر وقوله ( هو الرحمن الرحيم ) أى أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات . فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما . قال تعالى : ( ورحمنى وسعت كل شىء ) وكرر قوله ( هو الله الذى لا اله الا هو ) للتأكيد والتقرير ( الملك ) أى المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة ( القدوس ) الذى تقدسه الملائكة والخلق . أى يعتقدون أنه منزه عن كل نقص متصف بكل كمال ( له الاسماء الحسنى ) أى له اسماء أخرى هى أحسن الأسماء لدلالتها على اشرف مسمى وأكمل موجود ( يسبح له ما فى السموات والارض ) أى ينطق بتنزيهه عن كل نقص واتصافه بكل كمال بلسان الحال أو المقال كل ما فيها قال تعالى : ( تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شىء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ) ( وهو العزيز الحكيم ) أى الغالب لغيره الذى لا يغالب مغالب . المدبر للأمور بحكمته حسب ارادته .
( وعن ابن عباس ) فى قوله ( او أنزلنا هذا القران على جبل) قال : يقول لو أنى أنزلت هذا القرآن على جبل حملته اياه تصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله . فامر الله الناس إذا نزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية السديدة والتخشع . قال : ( كذلك يضرب الله الامثال لناس لعلهم يتفكرون ) . اخرجه ابن جرير وابن مردوية انظر ص 203 ج5 فتح القدير لشوكانى .
( وعن أنس ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امر رجلا إذا اوى إلى فراشه أن يقرأ آخر سورة الحشر وقال : إن مت مت شهيدا . أخرجه ابن السنى فى عمل يوم وليلة وابن مردوية . انظر ص 203 ج5 منه .
( وعن) معقل بن يسار أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من قال حين يصبح ثلا مرات : اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرحيم : ثم قرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر ، وكل الله به سبعين الف ملك يصلون عليه حتى يمسى . وإن مات فى ذلك اليوم مات شهيدا . ومن قالها حين يمسى كان بتلك المنزلة . أخرجه أحمد والدرامى والترمذى وحسنة والطبرانى والبيهقى – انظر ص انظر ص 203 ج5 فتح القدير للشوكانى .
(لاحكام ) وقد تضمنت هذه الايات (أ) بيان علو شأن القرآن وجودة ألفاظه وقوة مبانية وبلاغته واشتماله على العظات التى تحيا بها القلوب (ب) تفريع من لم يخشع للقرآن ولا يتعظ بمواعظه (ج) الحث على التوحيد والتنفير من الشرك(د) بيان أن علم الله تعالى محيط بكل الخلق وأن إحسانه شامل للجميع .(1/149)
وقل هو الله أحد والمعوذتين ، فقال الرجل كأنه لم يشتك قط . اخرجه ابن أحمد في زوائد المسند والبيهقى والحاكم وفيه أبو جناب وهو ضعيف كثير التدليس ، وقد وثقة ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح(1). {208}
(9) الرقى : بضم الراء والقصر جمع رقية كمدية ، وهى ما يقرأ من الدعاء لطلب الشفاء وهى جائزة بالقرآن والسماء الإلهية والأدعية النبوية اتفاقا بشروط ثلاثة : (أ) أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته (ب) وبلسان عربي أو بما يعرف معناه من غيره (جـ) أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بنفسها بل بفعل الله تعالى(2) ، ودليلة قول عوف بن مالك : كنا نرقى في الجاهلية فقلنا : يا رسول الله ، كيف ترى في ذلك ؟ فقال : اعرضوا على رقاكم لا باس بالرقى ما لم يكن فيه شرك . أخرجه مسلم وأبو داود (3) . {209}
وحديث أتهيل بن آبى صالح عن أبيه قال : سمعت رجلا من أسلم قال : كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أصحابه فقال : يا رسول الله ، لدغت الليلة فلم أنم حتى أصبحت ن قال : ماذا ؟ قال : عقرب ، قال : أما إنك لو قلت حين أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خل لم يضرك إن شاء الله . أخرجه أبو داود والنسائي(4) . {210}
(
__________
(1) انظر ص 27 ج1 فتح القدير الشوكانى ، وص 115 ج5 مجمع الزوائد ( رقية المجنون ) ( وبيان ) سورة الإخلاص تقدم بص 15 ج1 – الدين الخالص طبعة ثانية ( وبيان ) ما يتعلق بالمعوذتين تقدم بص 17 ج 3 منه .
(2) انظر ص 152 ج10 فتح البارى ( الرقى بالقرآن ) .
(3) انظر ص 187 ج14 نووى ( استحباب الرقية ) ، وص 13 ج4 عون المعبود ( الرقى ) .
(4) انظر ص 19 ج4 عون المعبود ( كيف الرقى ) .(1/150)
وقول) جابر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى . فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا : يا رسول الله ، إنه كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب ، وإنك نهيت عن الرقى ن فعرضوها عليه ، فقال : " ما آري باسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه " اخرجه مسلم(1) {211}
وقد تمسك قوم بهذا العموم فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها ، ولكن دل حديث عوف بن مالك أن ما كان من الرقى يؤدى إلى الشرك يمنع . ومالا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدى إلى الشرك فيمتنع احتياطا(2) .
( وقال ) بعضهم : لا تجوز الرقية إلا من العين واللدغة ( لحديث ) بريده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا رقية إلا من عين أو حمة " أخرجه أحمد وابن ماجه وكذا الترمذى وأبو داود عن عمران بن حصين مرفوعا(3) {212}
( وعن ) سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة " اخرجه أبو داود (4) . {213}
والنفس العين ، والحمة بضم ففتح السم .
( وعن ) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم لا يرقأ " اخرجه أبو داود والحاكم والطبرانى(5) . {214}
( وأجاب ) الجمهور أن تخصيص ما ذكر لا يمنع الرقية من غيره من الأمراض .
فمعنى الحديث : لا رقية أولى وأنفع من رقية العين وما معها . وإلا فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى بعض أصحابه من غير ما ذكر .
(
__________
(1) انظر ص 186 ج14 نووى ( استحباب الرقية من العين ) .
(2) انظر ص 152 ج1 فتح البارى ( الرقى القرآن ) وحديث عوف بن مالك تقدم رقم 209 ص 150 .
(3) انظر ص 186 ج2 – ابن ماجه ( ما رخص فيه من الرقى ) وص 164 ج3 تحفة الأحوذى ( الرخصة فى ذلك ) وص 12 ج4 عون المعبود ( تعليق التمائم ) .
(4) انظر ص 15 ج4 عون المعبود
(5) انظر ص 16 ج4 منه ( لا يرقأ ) أى لا يسكن .(1/151)
قال ) ابن عباس : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم من الحمى ومن الأوجاع كلها أن يقول " باسم الله الكبير أعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار ومن شر حر النار " اخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقى والحاكم وصححه والترمذى وقال : حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن آبى حبيبة ، وإبراهيم يضعف في الحديث ويروى عرق يعار(1) . {215}
( وحديث ) ثابت بن قيس بن شماس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه وهو مريض فقال : " اكشف الباس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس " ثم اخذ ترابا من بطحان فجعله في قدح ثم نفث عليه بماء ثم صبه عليه . أخرجه أبو داود والنسائي(2) {216}
__________
(1) انظر ص 187 ج2 – ابن ماجه( ما يعوذ به من الحمى) وص 173 ج3 تحفة الأحوذى ( تبريد الحمى بالماء ) و( نعار ) بشد العين أى فوار يخرج منه الدم بقوة ( ويعار ) بالياء وشد العين أى صوات واستعاذ منه لأنه اذا غلب لم يمهل .
(2) انظر ص 12 ج4 عون المعبود ( فى الرقى) . و( بطحان ) بفتح فسكون اسم واد فى المدينة و( النفث 9 الرمى يقال نفثه من باب ضرب إذا رمى به ونفث اذا برق ولا ريق معه .(1/152)
والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الماء في فيه ثم رمى بالماء على التراب ثم صب التراب المخلوط بالماء على ثابت بن قيس . وإنما جعل الماء أولا في فيه ليخالط ريق النبي صلى الله عليه وسلم ( ويؤيده) حديث سفيان بن عيينه عن عبد ربه بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحة أو جرح قال بإصبعه هكذا . ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها فقال : " تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا " اخرجه الستة إلا الترمذى(1) . {217}
المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم " كا يأخذ من ريق نفسه على سبابته ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شئ فيمسح به الموضع الجريح أو العليل قائلا حال المسح باسم الله ... " وفيه دلالة على جواز الرقى من كل الآلام وأن ذلك كان أمرا فاشيا معلوما بينهم ووضع النبي صلى الله عليه وسلم سبابته بالأرض ، ثم وضعها على موضع الألم يدل على استحباب ذلك عند الرقية .
(
__________
(1) انظر ص 162 ج10 فتح البارى ( رقية النبى صلى الله عليه وسلم ) وص 183 ج14 نووى ( رقية المريض ) ، وص 19 ج4 عون المعبود ( كيف الرقى ) ، وص 187 ج2 ابن ماجه ( ماعوذ به النبى صلى الله عليه وسلم ) ( وتربة ارضنا) أى هذه تربة أرضنا ممزوجة بريقة بضنا . والمراد جملة الأرض . والنفث ووضع السبابه على ، لعله الخاصية فى ذلك أو لطلب مباشرة الأسباب المعتادة . وقد دلت التجارب الطبية أن للريق مدخلا فى النضج وتعديل المزاج . وتراب الوطن له تأثير فى حفظ المزاج ودفع الضرر . وتمامه بص 162 ج10 فتح البارى . و( يشفى سقيمنا ) بضم أوله مبنيا للمجهول . وبفتحه والفاعل مقدر وسقيم مفعول(1/153)
وحديث ) عثمان بن آبى العاص أنه اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ اسلم فقال له : ضع يدك على الذي يالم من جسدك وقل : باسم الله ثلاث مرات ، وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر . قال ففعلت ذلك مرارا فاذهب الله ما كان بى فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم . اخرجه مسلم والربعة وقال الترمذى : حسن صحيح(1) . {218}
والمقصود أنه يستحب وضع يده على موضع اللم ويأتي بالدعاء المذكور .
( وقال ) محمد بن سالم : قال لي ثابت البنانى : يا محمد إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكى ثم قل : باسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعى هذا ثم ارفع يدك ، ثم أعد ذلك وترا ، فإن أنس بن مالك حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه بذلك . أخرجه الترمذى وحسنه والحاكم وصححه(2) . {219}
وعن عبد العزيز بن صهيب أن أنسا قال لثابت البنائى : ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بلى ، فقال : اللهم رب الناس مذهب البأس اشف أنت الشافعي لا شافي إلا أنت اشفه شفاء لا يغادر سقما " أخرجه أحمد والبخاري والثلاثة(3) . {220}
__________
(1) انظر ص 189 ج14 نووى ( استحباب وضع اليد على موضع الألم ) وص 17 ج4 عون المعبود ( كيف الرقى ) ، وص 175 ج3 تحفة الأحوذى ، وص 187 ج2 – ابن ماجه ( ما عوذ به النبى صلى الله عليه وسلم ) ( مرارا) تكرير الدعاء لكونه أنجع وابلغ كتكرير الدعاء الطبيعى . وفى السبع خاصية لا توجد فى غيرها .
(2) انظر ص 175 ج3 تحفة الأحوذى . ( الشرح)
(3) انظر ص 161 ج10 فتح البارى ( رقية النبى صلى الله عليه وسلم ) ، وص 17 ج 4 عون المعبود ( كيف الرقى ) ( والسقم ) بفتحتين وبضم فسكون .(1/154)
وعن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من عبد مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله فيقول سبع مرات : اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ، إلا عوفي " أخرجه الثلاثة وابن حبان والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين ( ورد) بأن فيه ابا خالد الدالانى فيه مقال ، وقال الترمذى : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث المنهال(1) {221}
وعن خالد بن الوليد أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعه بالليل فقال : " إلا أعلمك كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام وزعم أن عفريتا من الجن يكيدنى فقال : أعوذ بكلمات الله التامات آلتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طارق الليل والنهار إلا طارقا طيرق بخير يا رحمن " اخرجه الطبري في معجمه والبيهقى وابن عساكر(2) . {222}
وهاك بعض ما ورد من الرقية لأمراض معينة :
(1) الرقية من العين : العين إنسية وجنية ( قال ) أبو سعيد الخدرى : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان وعبن الإنس ، فلما نزل المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك . أخرجه النسائي وابن ماجه(3) {223}
وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيتها رأى بوجهها سفعة فقال : " بها نظرة فاسترقوا لها " ( يعنى بوجهها صفرة ) . أخرجه مسلم(4) {224}
__________
(1) اتظر ص 239 ج8 – المنهل العذب ( الدعاء للمريض ) وص ج3 تحفة الأحوذى .
(2) انظر ص 57 الطب النبوى . ( الأدوية النبوية ) .
(3) انظر ص 318 ج2 مجتبى ( الاستعاذة من عين الجان ) وص 186 ج2 – ابن ماجه ( من استرقى من العين ) .
(4) انظر ص 185 ج14 نووى ( الرقية من العين ) والسفعة بفتح وفاء ساكنة فسرت فى الحديث بالصفرة وقيل هى لون يخالف لون الوجه . وقيل أخذه من الشيطان .(1/155)
يعنى أن بها عينا أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح(1).
__________
(1) انظر ص 117 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسلم فى العلاج بالادوية الروحانية الإلهية ) وفيه : وقد انكر قوم قل نصيبهم من العلم النافع والعقل المانع أمر العين وقالوا : إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها وهم من أجهل الناس بالسمع والعقل وابعدهم معرفة بالارواح والنفوس وتأثيرها . والعقلاء على اختلاف مللم لا يدفعون أمر العين ولا ينكرونه وإن اختلفوا فى سببه ووجه تأثير العين ( فقالت) طائفه إن العائن إذا تكيفت نفسه بكيفية رديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيتضرر ونظيره انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل الإنسان فيهلك فقد اشتهر عن نوع من الأفاعى أنها إذا وقع بصرها على إنسان هلك فكذا العائن ( وقالت) فرقة : لا يستبعد أنينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه فيحصل له الضرر ن ولا ريب أن الله تعالى خلق فى الأجسام والرواح قوى وطبائع مختلفة وجعل فى كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة فى الأجسام كما هو مشاهد محسوس فأنت ترى الوجه يحمر خجلا إذا نظراليه من يستحى منه ، ويصفر خوفا عند نظر من يخافه وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه بواسطة تأثير الأرواح . والأرواح مختلفة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها وليست هى الفاعلة بل التأثير للروح . والأرواح مختلفة فى طبائعها وقواها وخواصها فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا لا ينكره إلا من هو خارج عن دائرة الإنسانية ولذا امر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به من شر الحاسد ( والحسد) اصله الإصابة بالعين فإن النفس الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة وتقابل المحسود فتؤثر فيه تلك الخاصية .(1/156)
وتقدم أن التأثير في هذا ونحوه بإرادة الله تعالى وليس مقصورا على الاتصال الجسماني بل ولا على الرؤية . فقد يكون العائن أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وكثير من العائنين يؤثر في المعين من غير رؤية . قال تعالى : " وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ"(1) ، وقال تعالى : " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " إلى قوله : " وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ " فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنا . فالاستعاذة من الحاسد استعاذة من العائن . وهى سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه أخرى . فإن صادفته – لا وقاية عليه – آثرت فيه وإن صادفته واقيا نفسه لم تؤثر فيه(2) .
__________
(1) سورة ن :51 ( والمعنى ) وأن بعض قريش أرادوا أن يصيبوا النبى صلى الله عليه وسلم فنظر اليه من جربت إصابتهم فعصمه الله وحماه من عينهم فلم تؤثر فيه . وهذه الاية تنفع كتابة وقراءة للمعين فلا تضره العين . انظر ص 188 ج4 الصاوى على الجلالين ( ويزلفونك ) بضم الياء وفتحها أى يحسدونك لولا وقاية الله لك وحمايتك منهم .
(2) انظر ص 118 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسلم فى العلاج بالأدوية الروحانية الإلهية ) .(1/157)
وتقدم أن علاج العين (أ) بعد الإصابة يكون بغسل العائن أطرافه وداخله إزاره ثم يصب ماء الغسل على راس المعين من خلفه بغته (ب) وقيل إصابة النظرة تدفع بدعاء العائن للمعين بالبركة وبقوله : ما شاء الله لا قوة إلا بالله (جـ) ويدفع شر العين أيضا بما في حديث آبى سعيد الخدرى قال : " أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد اشتكيت ؟ قال : نعم ، فقال جبريل عليه السلام : باسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد . الله يشفيك ، باسم الله أرقيك " أخرجه مسلم وابن ماجه والترمذى(1) . {225}
وما في حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول : أعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة . ويقول : هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحق وإسماعيل . اخرجه ابن ماجه والترمذى وقال حسن صحيح(2) . {226}
__________
(1) انظر ص 170 ج14 نووى ( الطب ) وص 187 ج2 – ابن ماجه ( ما عوذ به النبى صلى الله عليه وسلم ) .
(2) انظر ص 187 ج2 – ابن ماجه . وص 166 ج3 تحفة الأحوذى (الرقية من العين) وكلمات الله هى القرآن واسماؤه تعالى وصفاته ( والتامة) التى تنفع المتعوذ بها وتحفظه من الآفات ( والهامة) كل ذات سم يقتل وأما ذو سم لا يقتل فهو السامى كالعقرب والزنبور ( واللمم ) طرف من الجنون يلم بالإنسان أى يعتريه فاللامة ذات اللمم .(1/158)
قال ابن القيم : ومن الرقى آلتي ترد العين ما ذكر عن آبى عبد الله التياحى أنه كان في سفر ومعه ناقة فارهة وكان في الرفقة رجل عائن قلما نظر إلى شئ إلا أتلفه . فقيل لبى عبد الله : احفظ ناقتك من العائن . فقال : ليس له إلى ناقتي سبيل . فأخبر العائن بقوله ، فتحين غيبه آبى عبد الله فجاء إلى رحله فنظر إلى الناقة فاضطربت وسقطت . فجاء أبو عبد الله فأخبر أن العائن قد عانها وهى كما ترى . فقال : دلوني عليه فدل فوقف عليه وقال : باسم الله حبس حابس وحجر يابس وشهاب قابس رددت عين العائن عليه وعلى أحب الناس إليه . " فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ {3} ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ "(1) فخرجت حدقتا العائن وقامت الناقة لا باس بها(2) .
(2) الرقية من لدغة العقرب : ( قال ) عبد الله بن مسعود : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " لعن الله العقرب ما تدع نبيا ولا غيره " ثم دعا بإناء فيه ماء وملح فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح ويقرأ : قل هو الله أحد والمعوذتين حتى سكنت . اخرجه ابن آبى شيبه.(3) {227}
__________
(1) سورة الملك : عجز آية 3 وآية 4 . و( الفطور ) الصدوع والشقوق . وحسير أى منقطع لا يرى خالا .
(2) انظر ص 120 ج3 زاد المعاد .
(3) انظر ص 122 ج3 زاد المعاد ( علاج لدغة العقرب ) .(1/159)
وفى هذا الحديث العلاج بدواء مركب من الإلهي واطبعي (أ ) أما العلاج الإلهي فإن في سورة الإخلاص من كمال التوحيد العلمي وإثبات الأحدية لله المستلزمة ففي كل شركة عنه وإثبات الصمدية المستلزمة لإثبات كل كمال له مع كون الخلائق تصمد إليه في حوائجها آي تقصده الخليقة وتتوجه إليه علويها وسفليها ونفى الوالد والولد والكفو عنه المتضمن لنفى الأصل والفرع والنظير والمماثل مما اختصت به وصارت تعدل ثلث القرآن . ففي اسمه الصمد إثبات كل الكمال وفى نفى الكفو التنزيه عن التشبيه والمثال وفى الأخذ نفى كل شريك لذي الجلال . وهذه الأصول الثلاثة هي مجامع التوحيد ( وفى المعوذتين ) الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا ( فإن الاستعاذة) من شر ما خلق تعم كل شر يستعاذ منه سواء أكان في الأجسام أو الرواح . والاستعاذة من شر الغاسق – وهو الليل إذا اظلم أو القمر إذا غاب – تتضمن الاستعاذة من شر ما ينتشر فيه من الأرواح الخبيثة آلتي كان نور النهار يحول بينها وبين الانتشار فلما أظلم الليل عليها وغاب القمر انتشرت وعاثت ( والاستعاذة) من شر الحاسد تتضمن الاستعاذة من النفوس الخبيثة المؤذية بحسدها ونظرها . والسورة الثانية تتضمن الاستعاذة من شر شياطين الإنس والجن . فقد جمعت السورتان الاستعاذة من كل شر ولهما شان عظيم في الاحتراس والتحصن من الشرور قبل وقوعها(1) ، وبهذا يظهر الشر فيما دل عليه حديث عقبة بن عامر قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة . اخرجه أحمد والثلاثة وابن حبان وصححه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم(2) {228}
__________
(1) انظر ص 123 ج3 زاد المعاد .
(2) انظر ص 7 ج4 – الفتح الربانى ( اذكار وتعوذات ... عقب الصلوات ) وص 186 ج8 – المنهل العذب ( فى الاستغفار ) ، وص 196 ج1 مجتبى ( قراءة المعوذات بعد التسليم من الصلاة ) . والمعوذات بكسر الواو . والمراد ، سورتا الفلق والناس .(1/160)
وفيه شر عظيم في دفع الشرور من الصلاة . ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما تعوذ المتعوذون بمثلهما ) . (ب) أما العلاج الطبعى فإن في الملح نفعا لكثير من السموم ولا سيما لدغة العقرب يضمد به مع بذر الكتان للسع العقرب . وفى الملح قوة جاذبة محلله تجذب السموم وتحللها . ولما كان في لسع العقرب قوة نارية تحتاج إلى تبريد وجذب وإخراج – وهذا أتم ما يكون من العلاج وأيسره . وفيه تنبيه على أن علاج هذا الداء بالتبريد والجذب والأخراج(1).
( وقد) قال أبو هريرة رضى الله عنه : لدغت عقرب رجلا فلم ينم ليلته . فقيل كي صلى الله عليه وسلم : إن فلانا لدغته عقرب قلم ينم ليلته . فقال : أما إنه لو قال حين أمسى : " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق – ما ضره لدغ عقرب حتى يصبح " اخرجه مسلم والأربعة إلا الترمذى بسند صحيح رجاله ثقات.(2) {229 }
هذا ، ومن الرقى النافعة من لدغ العقرب أن يسال الراقي اللدغ عن مكان اللدغة من العضو فيضع على أعلاه حديدة ويقرأ : " سلام على نوح في العالمين وعلى محمد في المرسلين من حاملات السم أجمعين لا دابة بين السموات والأرض إلا ربى آخذ بناصيتها أجمعين ، كذلك يجزى عباده المحسنين ، إن ربى على صراط مستقيم نوح نوح قال لكم نوح : من ذكرني لا تأكلوه إن ربى بكل شئ عليم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم " ويكر القراءة وهو مجرد موضع الألم بالحديدة حتى ينزل السم إلى اسفل الوجع فإذا اجتمع في أسفله جعل يمص ذلك الموضع حتى يذهب جميع اللم ولا اعتبار بفتور العضو بعد ذلك(3).
(
__________
(1) انظر ص 123 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسلم فى علاج لدغة العقرب ) .
(2) انظر ص 2 ج4 عون المعبود ( كيف الرقى ) وص 186 ج2 – ابن ماجه ( رقية الحية والعقرب) وصف الكلمات بالتامات لأنها تنفع المقولة له وتحفظه من الآفات وتكفيه .
(3) انظر ص 26 ج2 غذاء اللباب ( ما يرقى به الملدوغ ) .(1/161)
وذكر ) ابن عبد البر في التمهيد عن سعيد بن المسيب قال : بلغني أن من قال حين يمسى : سلام على نوح في العالمين ، لم تلدغه عقرب . ( وقال) عمرو بن دينار : أخذ على العقرب ألا تضر أحدا قال في ليل أو نهار : سلام على نوح في العالمين ( وذلك) أن الحية والعقرب أتيا نوحا فقالا : احملنا ، فقال نوح : لا أحملكما فأنتما سبب الضرر والبلاء . فقالا : احملنا ونحن نضمن لك ألا نضر أحد ذكرك فمن قرأ حين يخاف مضرتهما " سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ {79} إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {80} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ " ما ضرتاه(1) .
هذا ، واعلم أن الأدوية الإلهية تنفع من الداء بعد نزوله وتمنع من وقوعه وإن وقع لم يقع وقوعا مضرا وإن كان مؤذيا . والأدوية الطبعية إنما تنفع بعد حصول الداء .
فالتعوذات والأذكار إنا أن تمنع وقوع هذه الأسباب ، وأما أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه(2).
(
__________
(1) انظر ص 27 ج2 غذاء الألباب ( ما يقال للحفظ من العقرب ) . والايات بالصافات : 79و80و81
(2) انظر ص 123 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسلم فى علاج لدغة العقرب ) .(1/162)
3) رقية النملة : النملة – بفتح فسكون – قروح تخرج في الجنبين ترقى فتبرأ بإذن الله . سميت بذلك لأن صاحبها يحس في مكانها كأن نملة تدب عليه وتعضه . وفى القاموس : والنملة شق في حافر الدابة وقروح في الجنب كالنمل وبثرة تخرج في الجسد بالتهاب واحتراق ويرم مكانها يسيرا ويدب إلى موضع آخر كالنملة ( وسببها ) صفراء حادة تخرج من أفواه العروق الدقاق ولا تحتبس داخل الجلد لشدة لطافتها وحدتها ( قالت) الشفاء بنت عبد الله : دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة ، فقال لي : " ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي في السنن الكبرى بسند رجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن مهدى المصيصى وهو ثقة ، وأخرجه الحاكم وصححه(1).
__________
(1) انظر ص 13 ج4 عون المعبود ( الرقى) والياء فى علميتها من إشباع الكسرة ( والشفاء ) بكسر الشين المعجمة والمد .
وفى الحديث دليل على جواز تعليم النساء الكتابة ( ويؤيده) حديث عائشة بنت طلحة قالت : قلت لعائشة وأنا فى حجرها وكان الناس يأنونها من كل مصر فكان الشيوخ ينتابوننى (أى يقصدوننى مرة بعد مرة ) لمكانى منها وكان الشباب يتآخوننى (أى يتخذونها أختا) فيهدون إلى ويكتبون إلى من الأمصار فأقول لعائشة : يا خالة هذا كتاب فلان وهديته فتقول لى عائشة : أى بنية فأجيبيه واثيبيه فإن لم يكن عندك ثاب أعطيتك فكانت تعطينى . أخرجه البخارى فى الأدب المفرد فى باب الكتابة إلى النساء (وممن ) اشتهر بالفضل والعلم وجودة الخط من نساء السلف ، شهدة بنت ابى نصر الكاتبة ، كانت من العلماء كتبت الخط الجيد وسمع منها خلق كثير . توفيت فى المحرم سنة 574 هـ ( انظر وفيات الأعيان لابن خلكان ) . ( ومنهن) عائشة بنت أحمد القرطبية قال ابن حيان فى المقتبس : لم يكن فى زمانها من نساء الأندلس من يعدلها لعما وفهما وأدبا وشعرا وفصاحة وكانت حسنة الخط تكتب المصاحف توفيت سنة 400 هـ ( انظر المقرى فى نفخ الطيب (وقال) بعضهم : لا يجوز تعليم النساء الكتابة مستدلا بروايات ضعيفة واهية ( منها) حديث عروة عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة ( الحديث ) أخرجه ابن حبان فى الضعفاء . وفى سنده محمد بن إبراهيم الشامى منكر الحديث وضاع قال الدار قطنى كذاب . وقال ابن عدى : عامة أحاديثه غير محفوظة . وأخرج الحديث البيهقى فى شعب الإيمان والحاكم من طريق ىخر وقال صحيح الإسناد (ورد) بأن فيه عبد الوهاب ابن الضحاك كذبه أبو حاتم (وقال ) النسائى وغيره متروك وقال الدار قطنى منكر الحديث . وأخرجه البيهقى من طريق آخر وقال : هذا بهذا الإسناد منكر ( ومنها ) حديث مجاهد عن ابن عباس مرفوعا لا تعلموا نساءكم الكتابة ( الحديث ) أخرجه ابن حبان فى الضعفاء وفيه جعفر بن نصر قال الذهبى متهم بالكذب . وقال ابن الجوزى فى العلل المتناهية هذا لا يصح . جعفر بن نصر حدث عن الثقات بالبواطيل . فهذه الروايات كلها ضعيفة جدا بل باطلة لا يصح الاحتجاج بها بحال ( انظر ص 14 ج4 هون المعبود ) ( فى الرقى ) .
هذا هو موقف الإسلام حيال تعليم المرأة ، فهو بهها هذا الحق كما يعطيه الرجل ، لأنه يعتبرها قسيمته لها من الحق ماله ، وعليها ما عليه والإسلام الذى اختص المرأة بنصيب من الحرمة والكرامة لم يظفر بمثله نظراؤها من الرجال – فكانت تجير الخائف وتفك العانى ، وكفل لها حريتها وقد سحرمة رايها فلها أن تفصل عقدة الزواح إذا خدعت فيه أ, أكرهت عليه وليس لا مرىء أن يقودها فسرا إلى من لا تريد – هو الإسلام الذى اهتم بصلاح لها وتثقيف عقلها .
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
والإسلام بتعليم المرأة يهيىء للمجتمع بيئة صالحة ويعد للحياة رجالا ينشئون نشأة طيبة . إن المرأة فى بيتها راعية على الولد والمتاع توجه وترشد ، وتسدد وتقوم ، وتدبر وتقتصد فتعليمها حق ييسر عليها وظيفتها والإسلام غنى بالنساء ذوات العقل الراجح كبار الصحابة فى كثير من أمهات المسائل .
والإسلام غنى بالشاعرة الملهمة ، والخطيبة المفوهة ، والحافظة الواعية ، وبين أولادهن تربية إسلامية ، فنصروا دينهم بما حرصوا عليه من حياة وافتدوه بما وهبهم الله من أرواح ، فقرأنا عن السلف الصالح البطولة النادرة ، والسياسة الحكيمة .
وإذا كان الإسلام قد قرر هذا الحق للمرأة فقد أحاطها بسياج من الحفظ يصونها ، لأنها عورة مستورة إذا بلغت حد الشهوة حال بينها وبين اختلاط الرجال فلا يحل لأجنبى أن ينظر إليها أو يرى منها ما حرم الله . تغالى الماس فى هذا العصر ولم يفقهوا أمور الدين فلم يفرقوا بين تعليم البنت وحرمة الاختلاط . فشاع الفساد وعمت الفتنة .
أمن الدين أن نراهن غاديات رائحات كاسيات عاريات خليعات راقصات فى سبيل طلب العلم ؟ لا وايم الحق فما سمعنا عمن تعلمن وتفقهن فى الصدر الأول من الإسلام أنهن فرطن فى دينهن ولا فى عرضهن ، ايها القوم افيقوا ولا تقولوا بعقولكم وتشايعوا أهواءكم فإن الدين نظم مقررة وقوانين مشرعة . لقد بلغ السيل الزبى وأهملت المرأة بيتها ورعاية ولدها واشتغلت بما يزيد النار اشتعالا . فراحت تطالب باعمال الرجال واستجيبت رغبتها فاصبحنا نراهن فى دور الحكومة يسيطرن على الرجال ويدبرن بعض أمور الدولة وإذا كان الأمر إلى النساء فلا خير فى الحياة على ظهر الرض الرض ويالها من نكبة أن يطالبن بحق الانتخاب ليتامرن ويتحكمن . فإذا كان تعليم المرأة يخرجها عما خلقت له فتغشى المجالس العامة وتجلس الرجل – فلا خير فيه . أما إذا تعلمت لتفقه نفسها وترعى أولادها وتحفظ عورتها خرجت الحكمة من بيتها وهى فى عقر دارها وألهبت العزائم واستنهضت الهمم وهى من وراء حجاب .
وإنى أفسح المجال لفضيلة الستاذ الجليل الشيخ محمود شلتوت بحدث عن تعليم المرأة ومالها وما عليها من حقوق . قال :
تعليم المرأة الطب : نص العلماء على أنه ينبغى أن تتعلم الطب لمعالجة نوعها لأن رؤية الجنس للجنس أخف وهذا يشمل الجراحة وغيرها .
طبيعة المرأة : واذا كنت من الذين يحبذون تعليم المرأة فإنى ارى أن يقصر هذا التعليم على ما يناسب طبيعتها وبيئتها وما تدعو غليه حالة جنسها غليه وما يلائم رسالتها فى الحياة ومن العبث أن تتعلم المرأة هندسة البناء وهندسة الصرف والرى أو غير ذلك مما لا يتفق وتكوينها . إن مجتمعنا فى حاجة على زوجات وأمهات مثقفات ثقافة عالية فى كل ماله علاقة بشئون الأسرة والأولاد مع حظ وافر من التعليم حتى يستطعن تحقيق رساله سامية ينشدها المجتمع منهن .
التعليم واختلاط الجنسين : وليس معنى تعليم المرأة أن يختلط الفتيان والفتيات فى الدراسة وأنا لا اعتقد – ككثير من الناس – أن تعليم المرأة يتوقف على بدهة هذا الاختلاط وإذا كان بعض المعاهد يرى فصل الطلبة عن الطالبات فى المراحل الأولى من التعليم بل بعضها يرى فصل صغار الطلاب عن كبارهم فإجدر بنا أن نرى استمرار هذا الفصل بين الطلبة والطالبات فى مراحل التعليم العالى التى تستدعى عناية خاصة والتى لابد فيها من مراعاة الغرائز ، وأنا فى حيرة مما هو قائم الأن تمنع الاختلاط فى بدء مراحل التعليم حيث لا اعتراض على ذلك ونتيجة فى المراحل العالية التى يجب أن نحيط الفتاة فيها بسياج قوى .
المرأة فى ميدان العمل : إن للمرا’ أن تتناول الأعمال التى تتقنها فتستطيع أن تتكسب رزقها من التدريس لبنات جنسها وحياكة ملابسهن واشغال افبرة والكتابة وغير ذلك من المهن التى جرت العادة باختصاص المرأة بها وهذا كله حسن جميل على ألا تختلط بالرجال وألا تنزل إلى ميادينهم وليس فى هذا تضييق عليها أو احد من حريتها فى العمل كما يتوهم البعض بل هذا صون لها ورعاية لأنوثتها كما تلفت الى ذلك هذه الإشارة الجميلة التى تضمنتها قوله تعالى – بصدد المر لنساء النبى صلى الله عليه وسلم بالتحفظ – " فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض " .
حقوق المرأة السياسية : ان ما نخشاه من الاختلاط فى التعليم وغيره هو بعينه ما نخشاه فى الاختلاط الذى تدعو إليه حركات الانتخاب . ولو أمكن أن يؤخذ راى المرأة فيمن ترشحه بعيدة من حركات الانتخابات المعروفة والتنقلات والاجتماعات الخاصة التى تدعو اليها مثل هذه الأحوال . نعم لو أمكن تلافى ذلك لما كان لدينا مانع من أن تعطى المرأة رايها فى المرشح الذى نختاره وأعتقد أن المرأة إذا كانت مرشحه للنيابة تتسع دائرة رايها فى المرشح الذى نختاره واعتقد أن المرأة اذا كانت مرشحه للنيابة تتسع دائرة الاختلاط وتكثر دواعية . وقد رايتا أن التنافس كثيرا ما يجر بالمرشحين الرجلين إلى التنابذ وإلقاء التهم بحق أو بغر حق ، ولا أدرى ماذا يكون موقف المرشحة إزاء المرشح أو أزاء مرشحه أخرى وماذا يكون موقف الحامل والمرضع وأم الأطفال فى هذا الصدد ناخبة او مرشحة أتعنى بنفسها وأولادها ؟ أن تعنى بإعطاء صوتها وبالمنافسة الانتخابية ؟ ولا يقال إن التنافس الانتخابى يمكن ان يخلو من هذا لأنا نقول إن هذا قد يخف حدوثه مع الزمن ولكن ليس من الممكن خلو الانتخابات من هذا اللون فى أى بلد من البلدان ( ولا يقال) إن بعض البلاد أعطت المرأة هذا الحق لدون نظر لما قد يترتب عليه لأتى اقول : إن البلاد التى يراد مجاراتها لم تمنح هذا الحق للمرأة الا تلبية لنزعات سياسية خاصة وليس تقرير حق للمرأة لا تأخذه الا عن هذا الطريق ولا تزال البلاد البعيدة عن العواصف السياسية والمؤثرات الخاصة بعيدة عن التفكير فى هذا ولكن يظهر أن حمى التقليد التى يصاب بها الضعيف من القوى كان لها رجة شديدة فى عقولنا وتفكيرنا وليس فى هذا الجانب فحسب بل فى جوانب شتى . وإذا كان الزمن – كما يقولون – يسير بالناس إلى ما يرونه طوعا أو كرها فنحن لا نعطيه قيادنا ولا نسلم له الأمر اختيارا منا وإقرار له فقرق بين ما يقع قهرا ولا اختيار للانسان فيه ، وما يقع باختيار الإنسان ودعوته البه . وكم مما لا تحب موجود وحاصل وليس وجوده دليلا على استحسانه او على أنه حق ينبغى أن يسعى اليه إذا لم يوجد . لقد صح أن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت : لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما احدث النساء بعده لمنعهن المسجد كما منعه نساء بنى إسرائيل . أخرجه أحمد والشيخان وهذا فى عصر السيدة عائشة يوم أن كان الدين حاكم النفوس ولا ادرى ماذا يكون الحال فيما نعلم اليوم ونرى .
الرقص التوقيعى : أما الرقص التوقيعى فظاهر من اسمه أنه ليس نوعا صرفا من الرياضة البدنية وإلا لو كان ذلك لما احتاج إلى أن يكون على نغمات الموسيقى . ثم لا أدرى ما العلاقة بين مزاولة نوع من الرياضة وضرورة أن يتم على نغمات خاصة . إن مزالو أنواع الرياضة البدنية للمراة لا باس به مع الاحتفاظ بالمبدأ العام الذى يقرره الدين وهو صون الكرامة وعدم مزاولتة أما الرجال أو الأجانب فى الحفرت وغيرها ولكن الرقص نفسه سواء كان على أنغام موسيقية أو بدون أنغام ففيما أعتقد أنه ليس ضربا من ضروب الرياضة التى يحتاج اليها فى تقوية الجسم وعضلاته . ولكنه لهو كثير ما تكون له عواقب غير حميدة . وللرياضة أنواع كثيرة يتحقق بها تقوية الجسم والعضلات ، وما دام لدينا من أنواع الرياضة ما يغنينا عن الرقص التوقيعى فأجرينا ونحن أمة إسلامية أن تحتفظ بكل مالنا من مميزات تعتبر قواما للشخصية الإسلامية وأن الاندفاع وراء هذه التيارات بعصف بشخصيتنا الإسلامية كما نرى ذلك فى إباحة الخمور والاتجار بها علنا وغير ذلك مما جعلنا ننسلخ من شخصيتنا الإسلامية وانسلخنا بذلك أيضا عن أنفسنا ولا ريب أن قوام الطوائف والجماعات أساسه الاحتفاظ بالشخصيات الخاصة ( جريدة المصرى يوم 5-11-1368هـ 29-8-1949 ) ( العدد 4241 ) .
ولا يفوتنى هنا أن اسجل – لحضره صاحب المعالى أحمد مرسى بدر بك وزير المعارف – مكرمة من مكرماته الكثيرة وقرارا من قراراته الحكيمة فقد قرر . (أ) جعل التلعيم الدينى فى المدارس مادة أساسية لا كمالية كما كان من قبل (ب) إلغاء الرقص بمدارس البنات وأخذهن بما هو أجدى لهن من ذلك وأدعى إلى تربيتهن على الحشمة والكرامة وإبعادهن عن الخلاعة والتبذل والمجون (ج) تقييد بعثة البنات إلى الخارج حتى يتسنى لهن مسكن خاص يأوين إليه ومشرف أمين تطمئن النفوس إلى استقامته وأمانته وحسن سيرته . (د) أن يكون زى الطالبات والمدرسات والناظرات والمراقبات سادلا كاملا ، وألا يستعلمن اصباغ الوجوه والأصابع ليظهرن بمظهر الحشمة والكمال .
وإنا لنشكر لمعالى الوزير استجابته لنداء الضمير ودعاء الحق وانتصاره للفضيلة واعتزازه بتقاليد الدين التى تحفظ للمرأة كرامتها وتصون قدسيتها . ونحمد الله لهذة الأمة المصرية إجماعها على تقدير هذا العمل الجليل وإكبارها لشأن معالى الوزير ولم يشذ عن ذلك إلا بضعه من الكتاب والصحفيين اشتهروا بين الأمة المصرية الكريمة بمعاداة الإسلام والفضيلة ومناصرة الإباحية والرذيلة . ونشكر الله تعالى إذ لا يبلغ عددهم اصابع اليد الواحدة . وهذا ليس نصرا للوزير وحده بل نصر للحق وتأييد للدين " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز " .(1/163)
وروى الخلال أن الشفاء بنت عبد الله كانت ترقى في الجاهلية من النملة ، فلما هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله إنى كنت أرقى في الجاهلية من النملة وإنى أريد أن أعرضها عليك فعرضتها فقالت : باسم الله صلت حتى يعود من أفواهها ولا تضر أحد . اللهم اكشف البأس رب الناس قال : ترقى على عود سبع مرات وتقصد مكانا نظيفا وتدلكه على حجر يخل خمر حاذق وتطليه على النملة .(1)
(4) رقية الحبة : قالت عائشة رضى الله عنها : رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية من الحية والعقرب " أخرجه ابن ماجه.(2) {231 } والرقية منهما داخله في الرقية من الحمى .
(5) رقية الفزع والرق : الأرق بفتحتين عدم النوم . قال بريدة : شكا خالد بن الوليد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما أنام الليل من الرق ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أويت إلى فراشك فقل : اللهم رب السموات السبع وما أظلت ورب الرضين وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط على أحد منهم وأو أن يبغي عز جارك وجل ثناؤك لا اله غيرك لا اله إلا أنت " أخرجه الطبرانى وابن أبى شيبه والترمذى وقال : حديث ليس بإسناده بالقوى ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل من غير هذا الوجه(3). {232 }
( وقال ) ابن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى " وَاضْمُمْ إلَيكَ جَنَاَحَكَ مِنَ الَّرهْبِ " المعنى : اضمم يدك إلى صدرك ليذهب عنك الخوف . قال مجاهد : كل من فرزع فضم جناحية إليه ذهب عنه الروع .
(
__________
(1) انظر ص 124 ج3 زاد المعاد ( هدية صلى الله عليه وسلم فى رقية النملة )
(2) انظر ص 186 ج2- ابن ماجه ( رقية الحية والعقرب .
(3) انظر ص 266 ج4 تحفة الأحوذى ( الدعوات) .(1/164)
6) التمائم : هي جمع تميمة ، وهى خرزات كانت العرب تعلقها على أولادها يتقون بها العين في زعمهم فابطلها الإسلام ( روى) عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له " أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبرانى والحاكم بسند رجاله ثقات(1) . {233 }
( وقال) عيسى بن عبد الرحمن بن آبى ليلى : دخلت على عبد الله بن عكيم آبى معبد الجهنى أعوده وبه حمرة فقلت : ألا تعلق شيئا ؟ قال : الموت اقرب من ذلك . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من تعلق شيئا وكل إليه " أخرجه أحمد والحاكم والنسائي والطبرانى والبيهقى والترمذى وقال إنما نعرفه من حديث ابن آبى ليلى . قال الهيثمى : هو سيئ الحفظ بقية رجاله ثقات(2). { 234 }
والأحاديث في هذا كثيرة(3) . وهى محمولة على التمائم والتعاويذ آلتي فيها شرك وما لا يعرف وعلى خرزات كانت العرب تعلقها على أولادها لاتقاء العين وهى ممنوعة اتفاقا .
__________
(1) انظر ص 103 ج5 مجمع الزوائد ( فيمن يعلق تميمة) .
(2) انظر ص 171 ج3 تحفة الأحوذى ( كراهية التعليق ) وص 103 ج5 مجمع الزوائد . ( من يعلق تميمة أو نحوها )
(3) تقدم بعضها فى صفحة 118 ج5 – الدين الخالص 0 ما يقول من يفزع فى نومه )(1/165)
أما التمائم المشتملة على شئ من كتاب الله تعالى أو اسم من أسمائه أو دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فقال) ابن مسعود وابن عباس وحذيفة وعقبة ابن عامر : لا يجوز تعليقها . وبه قال الحنفيون وأحمد في رواية وبعض الشافعية لعموم الأحاديث السابقة ( وقال ) ابن عمرو وعائشة : لا بأس بتعليقها . وبه قال مالك وأحمد في رواية وأكثر الشافعية لحديث عوف بن مالك المتقدم في بحث الرقى(1) ( وحديث) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا فزع أحدكم في النوم فليقل : أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لن تضره . وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من عقل من بنيه ومن لم يعقل كتبها في صك ثم علقها في عنقه " أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وقال : صحيح الإسناد ، والترمذى وقال : حسن غريب(2) . {235}
( والأفضل ) لمن كملت ثقته بالله تعالى وتم تفويضه إليه ترك تعليق التمائم والتعاويذ ( لحديث ) ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يدخل الجنة من آمتي سبعون ألفا بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " أخرجه البخاري(3) . {236}
فهؤلاء كمل تفويضهم إلى الله تعالى فلم يتسببوا في دفع ما أوقعه بهم ولا شك في فضيلة هذه الحالة ورجحان صاحبها . وأما تطبب النبي صلى الله عليه وسلم فلبيان الجواز(4) . وهاك بعض ما ثبت في كتابه تمائم لبعض الأمراض :
(
__________
(1) انظر رقم 209 ص 150
(2) انظر ص 18 ج4 عون المعبود ( كيف الرقى وص 266 ج4 تحفة الأحوذى وهمزان الشياطين وساوسهم والقائهم الفتنة فى القلب .
(3) انظر ص 242 ج11 فتح البارى ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه )
(4) انظر ص 91 ج3 نووى مسلم ( دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب )(1/166)
1) تميمة الحمى : ( قال )المروزى : بلغ أحمد أنى حممت فكتب لي من الحمى رقعة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم باسم الله وبالله ومحمد رسول الله يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم . أرادوا به كيد فجعلناهم الأخسرين
. اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل شف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إله الحق آمين(1)
(2) تميمة عشر الولادة : قال عبد الله بن أحمد : رأيت آبى يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض أو شئ نظيف يكتب حديث ابن عباس رضى الله عنهما " لا اله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين كأنهم يوم يرون ما يوعدون . لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ ، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها " ( وعن ) عكرمة أن ابن عباس قال : مر عيسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها فقالت : يا كلمة الله ادع الله لي أن يخلصني مما أنا فيه فقال : يا خالق النفس من النفس ويا مخلص النفس من النفس ويا مخرج النفس من النفس خلصها . قال : فرمت بولدها فإذا هي قائمة تشمه . فإذا عسر على المرأة ولدها فاكتبه لها . ذكره الخلال . وكل ما تقدم من الرقى فإن كتابته نافعة(2).
(3) تميمة الرعاف : كان ابن تيمية يكتب على جبهة الراعف " وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ "(3) .
ولا يجوز كتابتها بدم الراعف لأنه نجس(4).
(
__________
(1) انظر ص 57 – الطب النبوى ) الأدوية النبوية ) وص 25 ج2 غذاء الألباب ( ما يكتب لحمى )
(2) انظر ص 180 ج3 زاد المعاد ( كتاب لعسر الولادة)
(3) هود : 44
(4) انظر ص 180 ج3 زاد المعاد ( كتاب للرعاف)(1/167)
4) تميمة الوحشة : ( روى) أن امرأة شكت إلى الأمام أحمد أنها مستوحشة في بيت وحدها ، فكتب لها رقعة بخطه " بسم الله وفاتحه الكتاب والمعوذتين وآية الكرسي "(1) .
(5) تميمة عرق النسا : يكتب بسم الله الرحمن الرحيم اللهم رب كل شئ ومليك كل شئ وخالق كل شئ أنت خلقتني وأنت خلقت النسا فلا تسلطه على بأذى ولا تسلطني عليه بقطع . وأشفني شفاء لا يغادر سقما لا شافي إلا أنت(2) .
(6) تميمة وجع الضرس : يكتب على الخد الذي بلى الوجع بسم الله الرحمن الرحيم " قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (3) " – وان شاء كتب - " وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "(4)
(7)تميمة للخراج : يكتب عليه : "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً {105} فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً {106} لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً"(5)
(و) الآثار الموضوعة في المرض والطب
قد توخينا الطريق الثابت في ذكر الأدلة الواردة في المرض والطب وما يتعلق بهما وفيها الغنية لمن عقل ، والكفاية لمن رشد . ولكن أبى قوم إلا أن يحيدوا عن جادة الطريق ويقعوا فيما حذر منه الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم .
(
__________
(1) انظر ص 25 ج2 غذاء الالباب ( ما يكتب للوحشة )
(2) انظر ص 181 ج3 زاد المعاد ( كتاب لعرق النساء )
(3) الملك : 23
(4) الأنعام : 13 انظر ص 181 ج3 زاد المعاد ( كتاب لوجع الضرس )
(5) طه 106-107 ( فيذرها) اى يترك الأرض 0 قاعا ) مستويا صلبا ( صفصفا ) توكيد لقاعا ( عوجا انخفاضا ( ولا أمتا ) ارتفاعا(1/168)
روى) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا الحديث عنى إلا ما علمتم فمن كذب على متعمدا فليتبوا مقعده من النار " اخرجه أحمد والترمذى(1) . {237}
فعمموا وضلوا وأضلوا بتقولهم على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يثبت عنه من طريق يعتمد وتنبيها للغافل وتحذيرا للعاقل أذكر هنا 29 تسعة وعشرين نوعا من ذلك فأقول :
(1) فضل المرض : قد قيل فيه ما لم يثبت (أ ) قال العلامة محمد طاهر ابن على الهندي في التذكرة قال في الذيل : الأمراض هدايا من الله للعبد فأحب العباد إلى الله أكثرهم هدية . فيه كذاب ومتروك (ب) وقال : من بات في شكوى يلة لم يدع فيها بالويل وإذا أصبح حمد الله تناثرت منه الذنوب كما يتناثر ورق الشجر . من نسخة أبى هدية(2) كذبه يحيى بن معين (جـ) قال العلامة العجلونى : المريض أنينه تسبيح وصياحه تكبير ونفسه صدقة ونومه عبادة وتقلبه من جنب إلى جنب جهاد في سبيل الله ( قال ) الحافظ ابن حجر : ليس بثابت لكن ذكر في المقاصد من رواية البيهقى عن سفيان الثوري أنه قال : ما أصاب إبليس من أيوب عليه الصلاة والسلام في مرضه إلا الأنين ( وعن ) وهب بن منبه أن زكريا عليه الصلاة والسلام هرب فدخل جوف شجرة فوضع المنشار على الشجرة وقطع بنصفين . فلما وقع المنشار على ظهره أن فأوحى الله إليه يا زكريا إما أن تكف عن أنينك أو أقلب الأرض ومن عليها فسكت حتى قطع بنصفين ( وقال) عبد الله بن أحمد : لما مرض آبى واشتد مرضه ما أن ، فقيل له في ذلك فقال : بلغني عن طاووس أنه قال : أنين المريض شكوى الله عز وجل .
__________
(1) انظر ص 179 ج1 – الفتح الربانى ( تغليظ الكذب على النبى صلى الله عليه وسلم )
(2) انظر ص 206 تذكرة الموضوعات ( المرض من الحمى والرمد ...)(1/169)
قال عبد الله : فما أن حتى مات ( واسند ) ابن الجوزى عن صالح بن الإمام نحوه وأنه لم يئن إلا في ليلة موته ( وروى) البيهقى أن الفضيل بن عياض دخل على ابنه وهو مريض فقال : يا بنى إن اله أمرضك فماتئن . فصاح ابنه صيحة وغشى عليه وما أن حتى فارق الدنيا . وكان بعض السلف يجعل مكان الأنين ذكر الله والاستغفار(1) . (د) وقال في التذكرة : لا تكرهوا أربعة فإنها لأربعة : لا تكرهوا الرمد فإنه يقطع عروق العمى . ولا تكرهوا الزكام فإنه يقطع عروق الجذام . ولا تكرهوا السعال فإنه يقطع عروق الفالج . ولا تكرهوا الدماميل فإنها تقطع البرص ( موضوع) فيه يحيى بن زهدم راوي الموضوعات(2) . ( وقال ) ابن حبان : يحيى روى عن أبيه نسخة موضوعة لا يحل كتبها إلا على التعجب ، لكن قال ابن عدى : أرجو أن يحيى لا بأس به . والحديث أخرجه البيهقى في الشعب وضعفه(3) .
(2) التمارض : قال الحافظ العجلونى : لا تتمارضوا فتمرضوا ولا تحفروا قيوركم فتموتوا ذكره ابن آبى حاتم في العلل عن ابن عباس ( وقال ) أبو حاتم منكر . واسنده الديلمى عن وهب بن قيس مرفوعا . وعلى كل حال فلا يصح ( وأما ) الزيادة آلتي اشتهرت على ألسنة كثير من العامة وهى : فتموتوا فتدخلوا النار .فلا اصل لها أصلا(4)
(3) إعطاء المريض ما يشتهيه : عن سلمان مرفوعا : من أطعم مريضا شهوته أطعمه الله من ثمار الجنة . رواه الطبرانى وفيه أبو خالد عمرو بن خالد وهو كذاب متروك(5) .
(
__________
(1) انظر ص 204 ج2 كشف الخفاء . رقم 2287 .
(2) انظر ص 27 تذكرة الموضوعات المرض والحمى والرمد
(3) انظر ص 215 ج2 – اللآلى المصنوعة .
(4) ا نظر ص 349 ج5 مجمع الزوائد . ( فيما يشتهيه المريض )
(5) انظر ص 97 ج5 مجمع الزوائد ( فيما يشتهية المريض(1/170)
4) الحمية : قال في التذكرة : البطنة اصل الداء والحثية أصل الدواء وعودوا كل بدن ما اعتاد ( لم يوجد) وفى المقاصد : المعدة بيت الداء والحمية راس الدواء . لا يصح رقعه إلى النبي صلى الله عليه سلم.(1)
(5) ذهاب البصر والسمع : قيل فيه ما لم يثبت (أ) عن وهب بن حفص بسنده إلى ابن عمرو مرفوعا : من اذهب الله بصره في الدنيا كان حقا على الله ألا ترى عيناه نار جهنم . اخرجه الدار قطني . وقال : تفرد به وهب وهو كذاب يضع . لكن له شواهد(2) محديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة يريد عينيه . اخرجه البخاري(3)
(ب)وعن داود بن الزبر قان عن مطر الوراق عن هارون بن عنيسة عن عبد الله بن السائب عن رذان عن ابن مسعود مرفوعا : ذهاب البصر مغفرة للذنوب وذهاب السمع مغفرة للذنوب . ما نقص من الجسد فعلى قدر ذلك . أخرجه الخطيب ( وقال ) ابن عدى : منكر المتن والإسناد وهارون لا يحتج به وداود ليس يشىء(4) .
(6) ما قيل في الزكام : (أ) روى محمد بن يونس الكديمى بسنده إلى عائشة مرفوعا : ما من أحد ألا في رأسه عرق من الجذام ينفر إذا هاج سلط الله عليه الزكام . أخرجه ابن عدى وقال لا يصح . محمد بن يونس يضع الحديث وأخرجه الحاكم وتقعبه الذهبي بإنه موضوع (5).
(
__________
(1) انظر ص 206 تذكرة الموضوعات وتقدم أنه من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب هامش ص 71
(2) انظر ص 215 ج2 – اللآلى المصنوعة .
(3) انظر ص 92 ج10 فتح البارى ( فضل من ذهب بصره )
(4) انظر ص 215 ج2 – اللالى المصنوعة
(5) انظر ص 215 ج2 – اللالى المصنوعة(1/171)
ب) روى يحيى بن محمد ب ن حسن بسند فيه محمد بن بشر البصرى إلى جرير ابن عبد الله مرفوعا : ما من آدمي إلا وفيه عرق من الجذام فإذا تحرك ذلك العرق سلط الله عليه الزكام يسكنه . أخرجه أبو سعيد النقاش وقال : موضوع بلا شك وضعه يحيى بن محمد أو محمد بن بشر(1) .
(
__________
(1) انظر ص 215 ج2 – اللالى المصنوعة(1/172)
7) العبادة : (أ) روى عباد بن كثير بالسند إلى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فقد الرجل انتظره ثلاثة أيام وإذا كان ثلاثة أيام سال عنه فإن كان مريضا عاده وإن كان غائبا دعا له وإن كان صحيحا زاره ففقد رجلا من الأنصار فسأل عنه يوم الثالث فقيل يا رسول الله مريض كأنه الفرخ فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعد ما صلى : انطلقوا إلى أخيكم نعوده فخرج ومعه نفر من المسلمين فيهم أبو بكر وعمر فلما دخلوا عليه قعد النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فإذا هو مثل الفرخ لا يأكل شيئا إلا يخرج من دبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنك ؟ قال يا رسول الله بينا أنت تصلى قرأت في صلاة المغرب القارعة ثم مررت على هذه الآية : " يومَ يكونُ الناسُ كالفَراشِ الْمبثوث * وتكونُ الجبِالُ كالعِهْن المنقوشِ " فقلت إي ربى . فما كان لي من ذنب أنت معذبي عليه في الآخرة فعجل عقوبتي في الدنيا فرجعت إلى أهلي فأصابني ما ترى .(1/173)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئسما صنعت جلبت لنفسك البلاء لو سألت الله العافية في الدنيا والآخرة ؟ قال فما أقول ؟ قال تقول " رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"(1) ثم دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرأ وقام كأنما نشط من عقال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر يا رسول الله حثنا آنفا على عيادة المريض فمالنا في ذلك من الأجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن المرء المسلم إذا توجه إلى أخيه المريض يعوده خاض في الرحمة إلى حقوية(2) ورفع له بكل قدم درجة وكتب بكل قدم حسنة وحط عنه به خطيئة ، فإذا قعد عند المريض غمرته الرحمة وكان المريض في ظل عرش الرحمن ، وكان العائد في ظل عرشه ، ثم يقول لملائكته كم احتبس عند عبدي المريض(3)؟ يقول الملك إذا كان لم يطلى احتبس عنده فواقا(4) قال اكتبوا له عبادة ألف سنة ثم يقول للملك كم احتبس ؟ فإن كان أطال الحبس يقول بساعة اكتبوا له دهرا والدهر عشرة ألاف سنة إن عاش لم يكتب عليه خطيئة واستأنف العمل وإن مات قبل عشرة آلاف سنة دخل الجنة " أخرجه ابن شاهين وقال موضوع والمتهم به عباد ، وأخرجه أبو يعلى في مسنده . قال الهيثمى : عباد كان رجلا صالحا ولكنه ضعيف الحديق لغفلته . وقال الحافظ ابن حجر في المطالب العالية : تفرد به عباد بن كثير وهو واه وآثار الوضع لائحة عليه.(5)
(
__________
(1) البقرة : 201
(2) الحقو : بكسر فسكون الخاصرة
(3) احتبس أى عائد المريض
(4) الفواق ) بضم الفاء وفتحها الزمان بين حلبتى الناقة
(5) انظر ص 216 ج2 – اللالى المصنوعة(1/174)
ب) عن إبراهيم بن عبد الله الكوفى عن عبد الله بن قيس عن حميد الطويل قال : دخلنا على أنس بن مالك نعوده فقلنا حدثنا أن سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " عيادة مريض أحب إلى الله من عبادة أربعين أو خمسين سنة " اخرجه الأزدى وقال : لا أصل له . وإبراهيم وشيخه كذابان(1) .
(8) كا قيل في الجذام : عن الخليل بن زكريا عن ابن عوف عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بوادي المجذومين فقال : اشرعوا السير فإن كان شئ من الداء يعدى فهو ذها . أخرجه العقيلى وقال : لا يصح تفرد به الخليل وهو المتهم به(2) .
(9) ما قيل في نزول المرض والبرء : عن عبد الله بن الحارث بالسند إلى ابن عمرو مرفوعا : المرض ينزل جملة واحدة والبرء ينزل قليلا قليلا . أخرجه الخطيب وقال أخطأ عبد الله بن الحارث في رواية هذا مرفوعا أو موقوفا وإنما هو قول عروة بن الزبير . قال السيوى : وعبد الله المذكور نسبة ابن خبان وأبو نعيم وغيرهما إلى الوضع(3).
( وقال ) في التذكرة : قال في المقاصد : " المرض ينزل جملة واحدة والبرء ينزل قليلا قليلا " ( باطل ) وفيه متهم يكذب ( وقال ) الخطيب : إنه خطأ قطعا ولا يثبت فيه بوجه من الوجوه ولا عن الصحابة بل قول عروة بن الزبير(4)
(
__________
(1) انظر ص 216 ج2 – اللالى المصنوعة
(2) انظر ص 217 منه
(3) انظر ص 217 منه
(4) انظر ص 206 تذكرة الموضوعات(1/175)
10) ما قيل في الحجامة والدواء : (أ) عن سيف ابن أخت سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل كل ليلة ويحتجم كل شهر ويشرب الدواء كل سنة . أخرجه ابن عدى وقال لا يصح ، سيف كذاب (1) (ب) وقال في التذكرة : الحجامة في نقرة الرأس تورث النسيان فتجنبوا ذلك . فيه ابن وصل اتهمه الخطيب بالوضع وقد احتجم صلى الله عليه وسلم في نافوخة . لكن احتجم معمر على هامته فذهب عقله ( وروى) مرفوعا : الحجامة في الرأس من الجنون والجذام والبرص والنعاس والضرس(2).
(11) ما قيل في وقت الحجامة : (أ) من عباد بن راشد عن الحسن قال : حدثني سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة يوم السبت يوم الأربعاء وقال من فعل ذلك فإصابه بياض فلا يلومن إلا نفسه ز أخرجه ابن عدى وقال لا يصح قال ابن حبان : الحسن لم يشافه ابن عمر ولا ابن عمرو ولا ابا هريرة ولا سمرة ولا جابرا . وعباد بن راشد يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها(3).
(وقال) في التذكرة : قال ابن حبان : موضوع لا يحل ذكر مثله إلا على الاعتبار . قلت له متابعات . قد ذكره أحمد الحجامة فيهما وعن بعضهم أنه أراد الحجامة في أحدهما فتذكر الحديث فامتنع ثم ظهر له ضعفه فاحتجم فأصابه البرص فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه فقال : إياك والاستهانة بحديثي فتبت فعافاني الله .(4)
(
__________
(1) انظر ص 217 ج2 – اللالى المصنوعة
(2) انظر ص 207 تذكرة الموضوعات
(3) انظر ص 218 ج2 – اللالى المصنوعة
(4) انظر ص 208 تذكرة الموضوعات(1/176)
ب) روى إسماعيل بن عياش عن سليمان بن أرقم وابن سمعان عن الزهري بالسند إلى أبى هريرة مرفوعا : من احتجم يوم الأربعاء ويوم السبت فأصابه برص فلا يلومن إلا نفسه . أخرجه ابن عدى ( قال ) السيوطى : لا يصح إسماعيل ابن عياش ضعيف وسليمان بن أرقم متروك وابن سمعان كذاب . ولا يحل ذكر مثل هذا الحديث إلا على سبيل الاعتبار لأنه موضوع(1).
(جـ) روى يحيى بن العلاء الرازى بسنده إلى الحسين بن على مرفوعا : إن في الجمعة لساعة لا يحتجم فيها أحد إلا مات . اخرجه أبو يعلى وقال موضوع قال الهيثمى يحيى بن العلاء كذاب(2).
(12) وجع العين : روى جابر بن عبد الله مرفوعا : لاهم إلا هم الدين ولا وجع إلا وجع العين . رواه الطبرانى في الصغير والأوسط والبيهقى . وفيه مرين بن سهل . قال الأسدى كذاب(3) وقال البيهقى إنه منكر . وذكره ابن الجوزى في الموضوعات .
(
__________
(1) انظر ص 218 ج2 – اللالى المصنوعة
(2) انظر ص 220 ج2 – اللالى المصنوعة . وص 92 ج5 مجمع الزوائد ( أوقات الحجامة ) .
(3) انظر ص 310 ج2 مجمع الزوائد ( وجع العين ) .(1/177)
13) ما قيل في الحرز : ( قال ) في التذكرة : حرز آبى دجانة واسمه سماك بن حرشة موضوع(1) .
__________
(1) انظر ص 211 تذكرة الموضوعات . وحرز ابى دجانة ما ذكره فى اللالى المصنوعة عن إبراهيم بن موسى الأنصارى عن أبيه قال : شكا ابو دجانة الأنصارى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله بينا أنا البارحة نائم اذ فتحت عينى فإذا عند راسى شيطان فجعل يعلو ويطول فضربت بيدى إليه فإذا جلده كجلد القنفد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومثلك يؤذى يا ابا دجانة ؟ عامر دارك عامر سوء ورب الكعبة ادع لى على بن ابى طالب فدعاه فقال : يا ابا الحسن اكتب لأبى دجانة كتابا لا شىء يؤذيه من بعده . فقال وما أكتب ؟ قال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبى العربى الأمى التهامى البطحى المكى المدنى القرشى الهاشمى صاحب التاج والهراوة والقضيب والناقة والقرآن والقبلة صاحب قول لا اله الا الله – الى مطرق الدار من الزوار والعمار إلا طارقا يطرق بخير ( أما بعد ) فإن لنا ولكم فى الحق سعة . فإن يكن عاشقا مولعا أو مؤديا مقتحما أو فاجرا مجتهرا أو مدعيا – محقا أو مبطلا – فهذا كتاب الله ينطق علينا وعليكم بالحق ورسله لديكم يكتبون ما تمكرون . اتركوا حملة القرآن وانطلقوا الى عبدة الأوثان " الى من اتخذ مع الله الها آخر لا اله الا هو رب العرش العظيم يرسل عليكما شواظ – أى لهب لا دخان فيه – من نار ونحاس فلا تنتصران . فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان – أى كالأديم الأحمر – فيومئذ لا يسال عن ذنبه إنس ولا جان " ثم طوى الكتاب وقال ضعه عند رأسك فوضعه فإذا هم ينادون النار النار أحرقتنا بالنار والله ما أردناك ولا طلبنا أذاك ولكن زائر زارنا فطرق فارفع الكتاب عنا . فقال : والذى نفسى محمد بيده لا ارفعه عنكم حتى استأذن رسو الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : ارفع عنهم فإن عادوا بالسيئة فعد عليهم بالعذاب ..فوالذى نفسى محمد بيده ما دخلت هذه السماء دارا ولا موضعا ولا منزلا إلا هرب إبليس وذريته وجنوده والغاوون . ذكره ابن عدى وقال موضوع وإسناده مقطوع وأكثر رجاله مجاهيل وليس فى الصحابة من اسمه موسى اصلا 0 انظر ص 186 ج2 اللآلى ) ( ومن المنكر ) حرز ىخر جمعة من رمضان وهولا آلاء إلا آلآؤك يا الله إنك سميع عليم محيط به علمك كعسهلون " وبالحق أنزلناه وبالحق نزل " قال فى المقاصد : هذه الفاظ اشتهرت ببلاد اليمن ومكة ومصر والمغرب وجملة بلدان حفيظة رمضان تحفظ من الغرق والسرق والحرق وسائر الافات وتكتب فى آخر جمعة منه والخطيب يخطب على المنبر وبعضهم بعد صلاة العصر وهى بدعة لا اصل لها وإن وقعت فى كلام غير واحد من الأكابر بل أشعر كلام بعضهم بورودها فى حديث ضعيف ( وقال) النجم : وممن أنكرها القمولى فى الجواهر وقال إنها من البدع المنكرة وكان ابن حجر ينكرها جدا حتى وهو قائم على المنبر فى اثناء الخطبة حين يرى من يكتبها . وهذه بدعة عافى الله منها غالب الناس . قال ابن حجر فى التحفة : كتابه الحفائظ آخر جمعة من رمضان بدعة منكرة لما فيها من تفويت سماع الخطبة والوقت الشريف فيما لم يحفظ ممن يقتدى به ومن اللفظ المجهول وهو كعسلون وقد جزم الأئمة بحرمة كتابه وقراءة الكلمات الأعجمية التى لا يعرف معناها ( وقول) بعضهم : إنها حية محيطة بالعرش رأسها عند ذنبها لا يعول عليه لأن مثل ذلك لا مدخل للرأى فيه فلا يقبل منه إلا ما ثبت عن المعصوم على أنها بهذا المعنى لا يلائم ما قبلها فى الحفيظة وهو لا آلاء إلا آلاؤك يا الله كعسهلون بل هذا اللفظ فى غاية الإبهام ومن ثم قيل إنها اسم صنم أدخله ملحد على جهله العوام وكأن بعضهم اراد دفع ذلك الإبهام فزاد بعد الجلالة محيط به علمك كعسهلون أى كإحاطة تلك الحية بالعرش وهو غفلة عما تقرر أن هذا لا يقبل منه إلا مع صح عن المعصوم ( انظر ص 348 ج2 كشف الخفاء رقم 2983 )(1/178)
(14) ما قيل في أتتداوى بفضل الوضوء : روى عن آبى أمامه : الشرب من فضل وضوء المؤمن فيه شفاء من سبعين داء أداناها الهم . في سنده العكاشى كذاب ووضاع(1).
(15) ما قيل في البلاء وعمل الدواء : قيل : آبى الله أن يجعل للبلاء سلطانا على بدن عبده . فيه الملطى كذاب يضع وروى : من خلط دواء فنفع به الناس أعطاه الله تعالى ما أنفق في الدنيا وأعطاه نعيما في الجنة . فيه يحيى بن البكاء مجمع على ضعفه وعبد الواحد بن زيد متروك(2).
(16) ما قيل في الملح : روى حماد بن عمرو عن السرى بن خالد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا : يا على إذا توضأت فقل باسم الله اللهم إنى أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك وتمام مغفرتك فهذا تمام الوضوء . وإذا أكلت فابدأ بالملح واختم بالملح فإن الملح شفاء من سبعين داء : الجنون والجذام والبرص ووجع الأضراس ووجع الخلق ووجع البطن وذكره السيوطى بطوله وقال : أخرجه الحارث بن أبى أمامه وأخرج البيهقى أوله في الدلائل وقال : وهو حديث موضوع . والمتهم فيه جماد بن عمرو وهو كذاب وضاع (3) .
(17) ما قيل في الأرز : بضم فسكون . قال ابن القيم : فيد حديثان موضوعان (أ) أنه لو كان رجلا لكان حليما (ب) كل شئ أخرجته الأرض ففيه داء وشفاء إلا الأرز فإنه شفاء لا داء فيه(4).
(18) ما قيل في البان : وهو شجر معروف وقال : روى فيه حديث باطل : ادهنوا بالبان فإنه أحظى لكم عند نسائكم(5).
(
__________
(1) انظر ص 209 تذكرة الموضوعات
(2) انظر ص 209 تذكرة الموضوعات
(3) انظر ص 200 ج2 – اللآلى المصنوعة .
(4) انظر ص 157 ج3 زاد المعاد ( ذكر شىء من الأدوية والأغذية المفردة )
(5) انظر ص 164 منه . ( حرف الدال فى الأغذية والأدوية )(1/179)
19) ما قيل في البيض : وقال . ذكره البيهقى في شعب الإيمان أثرا أن نبيا من الأنبياء شكا إلى الله سبحانه الضعف فأمره بأكل البيض وفى ثبوته نظر(1).
(20) ما قيل في الباذنجان : وقال – في الحديث الموضوع – الباذنجان لما أكل له . وهذا كلام يستقبح نسبته إلى آحاد العقلاء فضلا عن الأنبياء(2).
(21) ما قيل في الخلال : بكسر الخاء – ما يتخلل به وقال . فيه حديثان لا يثبتان .
(أ ) حديث آبى الأنصاري يرفعه . يا حبذا المتخللون من الطعام إنه ليس شئ اشد على الملك من بقية تبقى في الفم من الطعام . فيه واصل بن السائب قال البخاري : منكر الحديث . وقال النسائي : متروك الحديث .
(ب ) حديث ابن عباس : قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخلل بالليط والآس وقال إنهما يسقيان عروق الجذام وفيه محمد بن عبد الملك الأنصاري قال أحمد : كان أعمى يضع الحديث ويكذب(3)
(22) ما قيل في الدهن : وقال : فيه حديثان موضوعان (أ ) فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان كفضل على سائر الناس (ب) فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان كفضل الإسلام على سائر الأيان(4).
(23) ما قيل في الزبيب : وقال : روى فيه حديثان لا يصحان : (أ ) نعم الطعام الزبيب طيب النكهة ويذيب البلغم (ب) نعم الطعام الزبيب يذهب النصب ويشد العصب ويطفئ اللون ويطيب المكهة لا يصح فيه شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(5) .
(
__________
(1) انظر ص 158 منه ( حرف الباء ) .
(2) انظر ص 159 ج3 زاد المعاد ( حرف الباء ) .
(3) انظر ص 163 منه . ( حرف الخاء ) والليط بكسر فسكون جمع ليطة وهى قشرة القصب
(4) انظر ص 164 ج3 زاد المعاد ( حرف الدال فى الأغذية والأدوية ) .
(5) انظر ص 167 منه ( حرف الزاى )(1/180)
24) ما قيل في الطين : وقال : ورد فيه أحاديث موضوعة كحديث : من أكل الطين فقد أعان على قتل نفسه ( وحديث ) يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يعصم البطن ويصفر اللون ويذهب بهاء الوجه – وكل حديث في الطين فإنه لا يصح ولا اصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(1)
(25) ما قيل في العنب : وقال : حديث حبيب بن يسار عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل العنب خرطا . قال أبو جعفر العقيلى : لا أصل لهذا الحديث . وفيه داود بن عبد الجبار . قال يحيى بن معين : كان يكذب(2).
(26) ما قيل في العدس : وقال : ورد فيه أحاديث كلها باطلة (أ ) إنه قدس على لسان سبعين نبيا . سئل عنه ابن المبارك فقال : ولا على لسان نبي واحد . وإنه لمؤذ منفخ . (ب) إنه يرق القلب ويغزر الدمعة وإنه مأكول الصالحين . ثم قال : وأما ما يظنه الجهال أنه كان سماط الخليل الذي يقدمه لأضيافه فكذب مفترى . وإنما حكى الله عنه الضيافة بالشوى وهو العجل الحنيذ(3).
(27) ما قيل في الكراث : وقال : فيه حديث باطل : من أكل الكراثثم نام عليه نام آمنا من ريح البواسير واعتزله الملك لنتن نكهته حتى يصبح(4) .
(28) ما قيل في اللبان : وقال : ورد فيه مرفوعا : بخروا بيوتكم باللبان والصعتر ولا يصح . ويروى أن رجلا شكا إلى على النسيان فقال : عليك باللبان فإنه يشجع القلب ويذهب بالنسيان(5) .
(29) ما قبل في النرجس : وقال : فيه حديث لا يصح : عليكم بشم النرجسفإن في القلب حبة الجنون والجذام والبرص لا يقطعها إلا شم النرجس(6).
(جـ) الطاعون
__________
(1) انظر ص 173 ج3 زاد المعاد ( حرف الطاء ) .
(2) انظر ص 174 ج3 زاد المعاد ( حرف العين ) .
(3) انظر ص 174 ج3 زاد المعاد ( حرف العين ) و( الحنيذ ) المشوى يقال حنذ الشاة من باب ضرب شواها .
(4) انظر ص 185 منه ( حرف الكاف ) .
(5) انظر ص 190ج3 زاد المعاد ( حرف اللام ) .
(6) انظر ص 194 منه ( حرف النون ) .(1/181)
هو مرض عام يفسد له الهواء وتفسد به الأمزجة والأبدان . سمى بذلك لعموم مصابه وسرعة قتله ( وقال) ابن سينا : الطاعون مادة سمية تحدث ورما قتالا يحدث في المواضع الرخوة والمغابن من البدن(1) . وأغلب ما يكون تحت الإبط أو خلف الأذن أو عند الرنبة ( وسببه) دم رديء مائل إلى العفونة والفساد يستحيل إلى جوهر سمى يفسد العضو ويغير ما يليه ويؤدى إلى القلب كيفية رديئة فيحدث القيء والغثيان والخفقان ( وقيل) سببه وخز الجن ( ويؤيده) وقوعه غالبا في أعدل الفصول وفى اصح البلاد هواء وأطيبها ماء ، لأنه لو كان بسبب فساد الهواء لدام في الأرض لأن الهواء يفسد تارة ويصح أخرى ، وهذا يذهب أحيانا ويجئ أحيانا بلا انتظام ولا تجربة . فربما جاء سنة على سنة وربما أبطأ سنين ن لأنه لو كان من فساد الهواء لعم الإنسان والحيوان والمشاهد أنه يصيب الكثير دون من بجانبهم مما هو في مثل مزاجهم . فلو كان كذلك لعم جميع البدن وهذا يختص بموضع منه . ولأن فساد الهواء يقتضي تغير الأخلاط وكثرة الأسقام . وهذا في الغالب يقتل بلا مرض . فدل على أنه من طعن الجن وقد دل على ذلك أحاديث ( منها ) حديث آبى موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فناء أمتي بالطعن والطاعون . قيل : يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون ؟ قال : وخز أعدائكم من الجن وفى كل شهادة . أخرجه أحمد من طريق زياد بن علاقة عن رجل عن آبى موسى . وأخرجه البزار والطبرانى من وجهين آخرين سميا فيهما المبهم يزيد بن الحارث . والحديث صحيح . صححه ابن خزيمة والحاكم (2) {239}
__________
(1) ا( لمغابن ) جمع مغبن كمسجد ، الاباط والرفاع . وهى جمع رفع كقفل . اصل الفخذ وما حول الفرج وكل موضع يجتمع فيه الوسخ .
(2) انظر ص 139 ج10 فتح البارى ( ما يذكر فى الطاعون ) و( علاقة ) بكسر المهملة وفتح اللام مجففة .(1/182)
وهو رحمة وشهادة للمؤمن الصابر المقيم بمكانة موقنا بأنه لن يصيبه إلا ما قدر له . ورجز على الكافر (قالت) عائشة : سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فقال : إنه كان عذابا ببعثه الله على من يشاء وإن الله جعله رحمة للمؤمنين فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد . أخرجه أحمد والبخاري ، وأبو داود الطيالسى(1) . {240}
ومفهومه يقتضي أن من اتصف بالصفات المذكورة ووقع به الطاعون ، ثم لم يمت منه أنه يحصل له ثواب الشهيد ( ويؤيده) حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن اكثر شهداء أمتي لصحاب الفرش ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته . اخرجه أحمد بسند رجاله موثقون . وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعيف(2). {241}
هذا ويطلب ممن سمع بالطاعون في جهة ألا ينتقل إليها وإذا وقع بمكان فلا يفر منه أحد من أهله ( لحديث ) أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها . أخرجه مالك وأحمد والشيخان والترمذى وقال : حسن صحيح(3). {242}
__________
(1) انظر ص 149 ج10 فتح البارى ( أجر الصابر على الطاعون ) .
(2) انظر ص 302 ج5 مجمع الزوائد ( رب قتيل بين صفين الله أعلم بنيته ) .
(3) انظر ص 140 ج10 فتح البارى ( ما يذكر فى الطاعون ) وص 205 ج14 نووى ( الطاعون ) وص 160 ج2 تحفة الأحوذى ( الفرار من الطاعون ) .(1/183)
وظاهر النهى التحريم وبه قال الجمهور ( ويؤيده) حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف . أخرجه أحمد وابن خزيمة(1). {243}
( وقال ) قوم : النهى هنا للتنزيه . فيجوز الإقدام على بلد الطاعون والخروج منه لمن قوى إيمانه وصح يقينه . وتمسكوا (أ) بحديث ابن عمر رضى الله عنهما قال : جئت عمر حين قدم من الشام فوجدته قائلا في خبائه فانتظرته في ظل الخباء فسمعته يقول حين تضور : اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ أخرجه ابن آبى شيبه بسند جيد وإسحاق بن راهوية(2).
(ب) وبحديث هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام خرج غازيا نحو مصر فكتب إليه أمراء مصر أن الطاعون قد وقع فقال : أنما خرجنا للطعن والطاعون . فدخلها فلقى طعنا في جبهته ثم سلم . اخرجه ابن خزيمة بسند صحيح(3). {245}
وإنما ندم عمر رضى الله عنه على رجوعه لأنه خرج لأمر مهم من أمور المسلمين وقد كان يمكنه الإقامة بقرب مكان الطاعون إلى أن يرتفع ثم يدخله ويقضى ما جاء لأجله وبرجوعه قد فاتت هذه المهمة فندم لذلك .
(
__________
(1) انظر ص 235 ج8 – المنهل العذب ( الخروج من الطاعون ) وأخرجه أحمد والبزار والطبرانى فى الأوسط بسند رجاله ثقات عن جابر بن عبد الله بلفظ : الفار منه كالفار من الرزحف ومن صبر فيه كان له أجر شهيد . أنظر ص 315 ج2 مجمع الزوائد ( فى الطاعون والثابت فيه )
(2) انظر ص 144 ج10 فتح البارى ( ما يذكر فى الطاعون ) ( وقائل) من القيلولة . ( وتضور ) التوى . و( سرغ ) بفتح فسكون موضع بالشام
(3) انظر ص 145 ج10 فتح البارى : ( ما يذكر فى الطاعون ) .(1/184)
وقال ) قوم : النهى عن دخول مكان الطاعون والخروج منه لضعيف الإيمان الذي ربما ظن أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه وسلامة الفار لفراره أما قوى الإيمان فيجوز له الدخول في بلد الطاعون والخروج منه لأنه لا يتسرب إليه ذلك الظن ( وقال ) الخطابى : النهى عن الدخول في بلد الطاعون تأديب وتعليم . والنهى عن الخروج تفويض وتسليم . ( قال) ابن مسعود : الطاعون فتنة على المقيم والفار . أما الفار فيقول فررت فنجوت . وأما المقيم فيقول أقمت فمت . وإنما فر من لم يأت أجله وأقام من حضر أجله(1) . . ( وهذا) إذا كان الخروج فرارا من الطاعون كما في حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليها . وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه – يعنى الطاعون . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود(2). {246}
أما إذا كان الخروج لحاجة أخرى فلا يشمله النهى كمن تهيا للرحيل من مكان إلى آخر ولم يكن طاعون ثم وقع وهو مستعد للانتقال . أما من عرضت له حاجة فأراد الخروج إليها مع قصد الفرار من الطاعون ففيه خلاف . فمن منع نظر إلى قصد الفرار . ومن أجاز نظر إلى عروض الحاجة للخروج .
( فائدتان ) : ( الأولى ) حكمة النهى عن الدخول في مكان الطاعون ما فيه من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة كم أراد دخول دار فرأى بها حريقا تعذر إطفاؤه فعدل عن دخولها لئلا يهلك . فيحتمل أن النهى سد لذريعة لئلا يعتقد من يدخل الرض آلتي بها الطاعون – أنه لو دخلها وطعن – العدوى المنهي عنه ( وقيل) إنما نهى عن الانتقال إلى مكان الطاعون لأن الانتقال بغير المزاج ويضعف القوى فإذا ضعفت القوى وتغير المزاج كان تأثير الهواء الموبوء أسرع .
__________
(1) انظر ص 207 ج14 نووى مسلم ( الطاعون ) .
(2) انظر ص 143 ج10 فتح البارى ( ما يذكر فى الطاعون ) وص 210 ج14 نووى ( الطاعون ) وص 234 ج8 – المنهل العذب ( الخروج من الطاعون ) .(1/185)
وأما النهى عن الخروج فرارا من الطاعون فلحكم ( منها ) أن مثل هذا الداء إذا وقع بأرض اضعف الأبدان وأثر فيها . وقد ثبت أن الانتقال يضعف الأبدان أيضا فتتفاقم البلية فلذا نهى عن الخروج ( ومنها ) أن الطاعون في الغالب يكون عاما فيعمم سببه من بالمكان فلا يفيده الفرار . لأن المفسدة إذا تعينت كان الفرار عبثا فلا يليق بالعاقل ( ومنها ) أن الأقوياء لو توافقوا على الخروج لضاع من عجز عنه بمرض أو غيره لفقد من يتعهده حيا وميتا . وفيه أيضا كسر قلوب الضعفاء(1) .
( الثانية ) قد ورد في فضل الطاعون أحاديث آخر ( منها ) حديث آبى مسيب مولى رسول اله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتانى جبرائيل عليه السلام بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة أرسلت الطاعون إلى الشام . فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجس على الكافر " أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات والطبرانى في الكبير(2) . {247}
(
__________
(1) انظر ص 147 ج10 فتح البارى ( الطاعون ) .
(2) انظر ص 310 ج2 مجمع الزوائد ( الطاعون ) .(1/186)
وحديث ) آبى قلابة أن الطاعون وقع الشام فقال عمرو بن العاص : إن هذا لرجز قد وقع فتفرقوا عنه في الشعاب والأدوية . فبلغ ذلك معاذا فلم يصدقه بالذي قال . فقال : بل هو شهادة ورحمة ودعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم اللهم أعط معاذا وأهله تصيبهم من رحمتك . قال أبو قلابة : فعرفت الشهادة وعرفت الرحمة ولم أدر ما دعوة نبيكم حتى أنبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو ذات ليلة يصلى إذ قال في دعائه ك فحمى إذا أو طاعونا . ثلاث مرات . فلما اصبح قال له إنسان من أهله : يا رسول الله ، لقد سمعتك تدعو بدعاء . قال : وسمعته ؟ قال : نعم . قال : إنى سالت ربى عز وجل ألا يهلك أمتي بسنة فأعطانيها . فسالت الله ألا يسلط عليهم عدوا يبيدهم فأعطانيها .وسألته ألا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم باس بعض فأبى على . فقلت : حمى إذا أو طاعونا . حمى إذا أو طاعونا ، يعنى ثلاث مرات . اخرجه أحمد وأبو قلابة لم يدرك معاذ بن جبل.(1) {248}
( وحديث ) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون . قلت ك يا رسول الله ، هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون ؟ قال : غده كغدة البعير . المقيم بها كالشهيد والفار منها كالفار من الزحف . أخرجه أحمد والطبرانى في الأوسط(2) . {249}
(د) ما يطلب للمريض والمحتضر
__________
(1) انظر ص 311 ج2 مجمع الزوائد ( الطاعون ) والسنة بفتحتين القحط والشدة
(2) انظر ص 314 ج2 مجمع الزوائد ( فى الطاعون والثابت فيه والفار منه )(1/187)
يتعلق بالمريض أربعة فروع (1) يستحب لأهل المريض ومن يخدمه الرفق به واحتمالهم الصبر على ما يشق من أمره . وكذا من قرب موته بسبب حد أو قصاص ونحوهما . ويستحب للأجنبي أن يوصيهم بذلك ( لحديث ) عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهى حبلى من الزنا فقالت : يا رسول الله ، أصبت حدا فأقمه على . فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال : أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها . ففعل فامر بها النبي صلى الله عليه وسلمفشدت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت . ثم صلى عليها . أخرجه مسلم والأربعة(1). {250}
(
__________
(1) انظر ص 204 ج11 نووى ( حد الزنا ) وص 259 ج4 عون المعبود ( المرأة التى امر النبى صلى الله عليه وسلم برجمها ) وص 325 ج2 تحفة الأحوذى وص 61 ج2 – ابن ماجه ( الرجم ) .(1/188)
2) ينبغي ألا يكره المريض على تناول الدواء وغيره من الطعام ( لحديث ) عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم . اخرجه ابن ماجه والحاكم والطبرانى والبيهقى والترمذى بسند رجاله ثقات وحسنه الترمذى ( ورد ) بأن في مسنده بكر بن يونس وهو ضعيف(1). {251}
(
__________
(1) انظر ص 178 ج2 – ابن ماجه ( لا تكرهوا المريض على الطعام ) و( يطعمهم ويسقيهم ) أى يمدهم بما يقع موقع الطعام والشراب أو يرزقهم صبرا على الم الجوع والعطش فإن الحياة كالقوة حقيقة من الله تعالى لا من الطعام والشراب ولا من جهة الصحة ( وقال ) القاضى عياض أى يحفظ قواهم ويمدهم بما يفيد فائدة الطعام والشراب فى حفظ الروح وتقويم البدن ( ونظيره ) ما فى حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إنى لست مثلكم إنى أطعم وأسقى . اخرجه الشيخان وأبو داود ( انظر ص 146 ج4 فتح البارى ) ( الوصال) وإن كان ما بين الإطعامين والطعامين بونا بعيدا ( وقيل) معناه أنه يظهر قلب المريض من ريب الذنب وإذا طهره من عليه باليقين فأشبعه وأراواه فذلك طعامه وسقياه . ألا ترى أنه يمكث اليام الكثيرة لا يذوق شيئا ومعه قوته ولو كان ذلك فى ايام الصحة لضعف وعجز عن مقاساته والصبر على الجوع ( قال ) الموفق ما أعظم فوائد هذه الحكمة النبوية وأجودها للأطباء وذلك أن المريض إذا عاف الطعام والشراب فذلك لاشتغال معدته بمجاهدة مادة المرض أو سقوط شهوته وكيفما كان فلا يجوز حينئذ إعطاؤه الغذاء فى هذه الحال ( انظر ص 178 ج2 سند ابن ماجه )(1/189)
3) ينبغي للمريض أن يحرص على تحسين خلقه وأن يجتنب المخاصمة والمنازعة في أمور الدنيا وأن يستحضر أن هذا آخر أوقاته في دار الأعمال فيختمها بخير وأن يستحل زوجه وأولاده وسائر أهله وخدمة وجيرانه وأصدقاءه وكل من كانت بينه وبينه معاملة أو مصاحبة ، وأن يرضيهم . وأن يتعاهد نفسه بقراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين وأحوالهم عند الموت وأن يحافظ على الصلوات واجتناب النجاسة وغيرها من وظائف الدين . وألا يقبل قول من يجد له عن ذلك فإن هذا مما يبتلى به وهذا المخذل هو الصديق الجاهل والعدو الخفى وأن يوصى أهله بالصبر وترك النوح عليه وترك ما جرت به العادة من البدع في الجنائز ، وأن يتعهدوه بالدعاء له(1).
(4) يستحب وعظ المريض بعد عاقيته وتذكيره الوفاء بما عاهد الله عليهمن التوبة وغيرها من الخير وينبغي له المحافظة على ذلك . قال الله تعالى " وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً "(2)
__________
(1) انظر ص 118 ج5 مجموع النووى ( فروع خمسة )
(2) الاسراء : 34 .(1/190)
والوفاء بالوعد من صفات المؤمنين المفلحين . قال الله تعالى فيهم " وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ "(1) هذا والمحتضر من حضرته الوفاة وقرب موته وقد دلت الأحاديث الصحيحة أنه كان صالحا ذكرا كان أم أنثى شاهد حال احتضاره ملائكة الرحمة ورأى مكانه من الجنة ، وإن كان فاجرا تحضره ملائكة العذاب ويرى مكانه من النار ( قال ) عطاء بن السائب : سمعت عبد الرحمن بن آبى ليلى يقول : حدثني فلا بن فلان أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " فأكب القوم يبكون قال " ما يبكيكم ؟ فقالوا إنا نكره الموت قال " ليس ذلك ولكنه إذا حضر " فأَمَّا إنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحُ وَرْيحاَنُ وَجَنَّةُ نَعيِم " فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله والله للقائه أحب " وَأمْا إنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذَّبِينَ الضَّالَّينَ فَنُزلُ مِنْ حَمِيمِ وتَصْلِيةُ جَحِيمِ " فإذا بشر بذلك يكره لقاء الله والله للقائه أكره " أخرجه أحمد والطبرانى بسند رجاله رجال الصحيحين(2).
__________
(1) المؤمنون : 8
(2) انظر ص 33 ج7 – الفتح الربانى ( ذكر الموت والاستعداد له ) وص 320 ج2 مجمع الزوائد ( فيمن أحب لقاء الله ) و(فلان ) يريد اسم الصحابى وجهالته لا تضر ( وحضر ) بضم فكسر أى دنا موته . و( المقربين ) هم الذين تحلوا بالأوامر والكمالات وتخلوا عن المحرمات والمكروهات وتركوا بعض المباحات (فروح) بفتح فسكون . أى راحة ورحمة وفرح ( وريحان ) بفتح فسكون . أى رزق فى الجنة ( وجنة نعيم ) أى فيها من أنواع النعيم مالا عين رأت وولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر والمعنى أن الملائكة تبشرهم بما ذكر عند الموت ..وأما إن كان المحتضر من المكذبين بالحق والبعث ( الضالين ) عن الهدى فهم اصحاب الشمال (فى) له ( نزل) أى منزل ( من حميم ) وهو الماء الذى تناهت حرارته يصهر به ما فى بطونهم والجلود ( وتصليه جحيم ) معطوف على نزل أى أنه يصلى نارا حامية تغمره من جميع جهاته فوق ماذاقه من الم الحميم والبشرى تكون فى الخير حقيقة وفى الشر تهكما .(1/191)
{252}
والمعنى أن حب الموت وكراهته إنما يكون عند النزع في حالة عدم قبول التوبة فإن كان إنسان يشاهد حينئذ ما هو صائر إليه وما أعد له من نعيم مقيم وعذاب اليم . فأهل السعادة والصلاح يحبون حينئذ الموت ولقاؤ الله لينتقلوا إلى ما أعد لهم ويرضى عنهم ربهم فيجزل لهم العطاء ويعمهم بالكرامة . وأهل الشقاء والمعاصي يكرهون الموت حينئذ لما رأوا من سوء المنقلب ويبعدهم الله عن رحمته ومحل كرامته . وليس المعنى أن سبب حب الله لقاء الصالحين حبهم ذلك . ولا أن سبب كراهته تعالى لقاء الطالحين كراهتهم لذلك . بل المراد رضاة تعالى عن الأولين وسخطه على الآخرين . ثم يتعلق بالمحتضر أربعة أمور :
(1) يسن توجيهه إلى القبلة مضطجعا على شقه الأيمن ( لحديث ) أبى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة سال عن البراء بن معرور فقالوا : توفى وأوصى بثلث ماله لك . وأن يوجه للقبلة لما احتضر . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أصاب الفطرة وقد رددت ثلث ماله على ولده . ثم ذهب فصلى عليه وقال : اللهم اغفر له وارحمه وأدخله وقد فعلت . أخرجه البيهقى والحاكم وقال صحيح(1). {253}
( وعن) سلمى أم آبى رافع أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم عند موتها استقبلت القبلة ثم توسدت يمينها . أخرجه أحمد(2) {254}
( لهذا) قال الحنفيون ومالك والجمهور : يسن إضجاع المحتضر على جنبه الأيمن مستقبل القبلة كالموضوع في اللحد . وهو الصحيح عند السادي . فإن لم يمكن لضيق المكان ونحوه ، أضجع على جنبه الأيسر مستقبل القبلي . فإن لم يمكن فعلى قفاه وجعلت رجلاه إلى القبلة .
__________
(1) انظر ص 384 ج3 سنن البيهقى ( ما يستحب من توجهه نحو القبلة ) ( وقد فعلت ) بتاء الخطاب لله تعالى إخبارا من النبى صلى الله عليه وسلم أنه استجاب دعاء المبراء ويحتمل أنه مبنى للمفعول أى نفذت وصيته .
(2) انظر ص 67 ج7 – الفتح الربانى ( الشرح ) .(1/192)
وعن السادي : أنه يوضع المحتضر على قفاه إلى القبلة ويرفع رأسه قليلا ليصير وجهه إلى القبلة وعليه عمل الناس والأولى القول الأول .
(2) تلقين المحتضر : يسن تذكير من حضرته الوفاة كلمة التوحيد أو الشهادة من غير أمر بأن يقال أمامه : لا اله إلا الله محمد رسول الله لتكون آخر كلامه من الدنيا فينجو من النار ( روى) كثير بن مرة عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كان آخر كلامه لا اله إلا الله دخل الجنة . أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وقال صحيح الإسناد ( ورد) بان في سنده صالح ابن آبى عريب وفيه مقال(1) . {255}
لكن يقويه حديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مات ويعلم أن لا اله إلا الله دخل الجنة . اخرجه أحمد ومسلم(2) . {256}
( وحديث ) زاذان آبى عمر قال : حدثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من لقن عند الموت لا اله إلا الله دخل الجنة . اخرجه أحمد بسند جيد(3). {257}
(
__________
(1) انظر ص 56 ج7 – الفتح الرابنى ( ما جاء فى المحتضر ) وص 251 ج8 – المنهل العذب المورود ( التلقين وفى رواية أحمد وجبت له الجنة . أى لابد من دخولها إما معجلا معافى . واما مؤخرا بعد عقابه .
(2) انظر ص 52 ج1 – الفتح الربانى ( ما جاء فى نعيم الموحدين وثوابهم ) وص 218 ج7 نووى . ( من مات على التوحيد دخل الجنة ) .
(3) انظر ص 58 ج7 – الفتح الربانى ( ما جاء فى المحتضر ) .(1/193)
وحديث ) ابن آبى طلحة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقنوا موتاكم شهادة أن لا اله إلا الله . فمن قالها عند موته وجبت له الجنة قالوا : يا رسول الله فمن قالها في صحته ؟ قال : تلك أوجب وأوجب ثم قال : والذي للنبي بيده لو جيء بالسموات والأرض ومن فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفه الميزان ووضعت شهادة أن لا اله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن . أخرجه الطبرانى بسند رجاله ثقات إلا أن ابن آبى طلحة لم يسمع من ابن عباس(1) {258}
( وحديث) آبى سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقنوا موتاكم قول لا اله إلا الله . أخرجه السبعة إلا البخاري(2) {259}
والمراد من قرب موته ( لما ) في حديث آبى ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من عبد قال : لا اله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة . اخرجه مسلم(3) {260}
يحتمل أن يكون هذا خاصا بمن كان آخر نطقه وخاتمه لفظه لا اله إلا الله وإن كان قبل ذلك مخلطا فيكون سببا لرحمة الله إياه ونجاته رأسا من النار وتحريمها عليه . بخلاف من لم يكن ذلك آخر كلامه من الموحدين المخلصين (4)
(
__________
(1) انظر ص 323 ج2 مجمع الزوائد 0 تلقين الميت) .
(2) انظر ص 54 ج7 – الفتح الربانى ( ما جاء فى المحتضر ) وص 252 ج8 – المنهل العذب المورود ( التلقين ) وص 219 ج6 نووى ( الجنائز ) وص 127 ج2 تحفة الآحوزى ( ما جاء فى تلقين المريض 9 وص 228 ج1 – ابن ماجه ( ما جاء فى تلقين الميت لا اله الا الله)
(3) انظر ص 94 ج2 نووى ( من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ) .
(4) انظر ص 220 ج1 نووى مسلم ( من مات على التوحيد دخل الجنة ) .(1/194)
وهذا ) التلقين سنة عند الجمهور ( وقال ) جماعة بوجوبه لظاهر الأمر . يلفن لا اله إلا الله بلا إكثار ولا موالاة لئلا يضجر لضيق حالة وشدة كربه فيكره ذلك بقلبه أو يتكلم بما لا يليق . وإذا قالها مرة لا يكرر عليه إلا أن يتكلم بكلان آخر فيعاد التلقين ليكون آخر كلامه . وقيل يكرها ثلاثا بلا زيادة ( وقال ) جماعة : يلقن الشهادتين : لا اله إلا الله محمد رسول الله . لأن المقصود تذكر التوحيد . وذلك يتوقف على الشهادتين وللجمهور أنه موحد ويلزم قول لا اله إلا الله الاعتراف بالشهادة الأخرى . فينبغي الاختصار على لا اله إلا الله ، لظاهر الحديث . وأن لا يلح في ذلك ولا يقول له : قل لا اله إلا الله خشية أن يضجر فيقول : لا أقول ولكن يقولها أمامه معرضا له ليفطن فيقولها وينبغي ألا يلقنه من يتهمه لكونه وارثا أو عدوا أو حاسدا أو نحوهم(1).
( فائدة) هذا التلقين خاص بالمسلم أما الكافر المحتضر فيعرض عليه الإسلام ( لحديث ) أنس أن غلاما يهوديا كان يضع كي صلى الله عليه وسلم : يا فلان ، قل لا اله إلا الله ، فنظر إلى أبيه فسكت أبوه . فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى أبيه فقال أبوه : أطع ابا القاسم فقال الغلام : اشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول اله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد لله الذي أخرجه بى من النار . أخرجه أحمد بسند جيد (2). {261}
(
__________
(1) انظر ص 115 ج5 مجموع النووى .
(2) انظر ص 57 ج7 – الفتح الربانى ( ما جاء فى المحتضر ) والغلام فى الأصل الولد الصغير ويطلق على الرجل مجازا باعتبار ما كان وهو المراد هنا لقوله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذى أخرجه بى من النار فلو كان صغيرا ما قال ذلك ، لأن الصغير رفع عنه القلم ويحتمل أن يراد به الصغير . أو اختاره جماعة منهم الحافظ ابن حجر واستدلوا بالحديث على صحة إسلام الصبى الذى يعقل الإسلام وعلى أنه يعذب إذا عقل الكفر ومات عليه(1/195)
وقال ) صفوان بن عسال المرادى : دخل النبي صلى الله عليه وسلم على غلام من اليهود وهو مريض فقال : أتشهد أن لا اله إلا الله ؟ قال : نعم . قال : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم . ثم قبض فوليه النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون فغسلوه ودفنوه أخرجه الطبرانى في الكبير بسند حسن(1). {262}
(3) يستحب حضور الصالحين ومن ترجى بركتهم عند المحتضر والدعاء له بالمغفرة والتخفيف عنه ( لحديث ) ابن عباس رضى الله عنهما قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض بناته وهى تجود بنفسها فوقع عليها فلم يرفع رأسه حتى قبضت قال فرفع رأسه وقال : الحمد لله المؤمن بخير تنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل أخرجه أحمد والنسائي بسند جيد(2). {263}
(
__________
(1) انظر ص 323ج2 مجمع الزوائد ( تلقين الميت ) .
(2) انظر ص 59 ج7 – الفتح الربانى ( ما جاء فى المحتضر ) و ( تجود بنفسها أى تخرج روحها والظاهر أنها بنت إحدى بنات النبى صلى الله عليه وسلم ففى رواية النسائى عن ابن عباس قال : لما حضرت بنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم صغيرة فأخذها فضمها إلى صدره ثم وضع يدع عليها فقضت وهى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم( الحديث ) ومعلوم أن بناته صلى الله عليه وسلم من صلبه توفن وهن متزوجات . و( يحمد الله ) أى على خروجه من الدنيا وهى سجن المؤمن لاسيما إذا بشر بما أعده الله له من النعيم ورأى منزلته فى الجنة .(1/196)
ولحديث )آبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كنا نؤذنه لمن حضر من موتانا فيأتيه قبل أن يموت فيحضره ويستغفر له وينتظر موته . قال : فكان ذلك ربما حبسه الحبس الطويل فشق عليه . قال : فقلنا ارفق برسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يؤذنه بالميت حتى يموت . قال : فكنا إذا مات منا الميت آذناه به فجاء في أهله فاستغفر له وصلى عليه . ثم إن بدا له أن يشهده انتظر شهوده وإن بدا له أن ينصرف انصرف . قال : فكنا على ذلك طبقة أخرى . قال : فقلنا ارفق برسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم أن نحمل موتانا إلى بيته ولا نشخصه ولا نعنيه . قال : ففعلنا ذلك فكان الأمر .أخرجه أحمد بسند جيد(1) { 264}
( ولحديث ) أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا حضرتم الميت أو المريض فقولوا خيرا . فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون . قالت : فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت : يا رسول الله ، إن ابا سلمة قد مات . فقال : قولي : اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة .
قالت : فقلت فأعقبني الله عز وجل من هو خير لي منه محمدا صلى الله عليه وسلم اخرجه أحمد ومسلم والربعة والبيهقى وقال الترمذى حسن صحيح(2). {265}
(
__________
(1) انظر ص 60 ج7 – الفتح الربانى ( ما جاء فى المحتضر ) و( لا نشخصه ) أى لا نكلفه الشخوص والحضور إلى أهل الميت فى منزلهم ( ولا نعنيه ) بشد النون الثانية أى لا ندخل عليه العنت والمشقة .
(2) انظر ص 64 ج7 – الفتح الربانى ( قراءة يس عند المحتضر ) وص 222ج6 نووى ( ما يقال عند المريض والميت ) وص 250 ج8 – المنهل العذب المورود ( ما يستحب أن يقال عند الميت ) وص 228 ج1 – ابن ماجه ( ما يقال عند المريض اذا حضر ) وص 127 ج2 تحفة الأحوذى ( ما جاء فى تلقين المريض عند الموت والدعاء له ) وص 384 ج3 بيهقى ( ما يستحب من الكلام عنده )(1/197)
4) قرا يس – يسن قراءة يس عند المحتضر ليخقق عنه بها ( لحديث) معقل بن يسار رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله تعالى والدار الآخرة إلا غفر له واقرءوها على موتاكم . اخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وصححاه والأربعة إلا الترمذى بسند حسن(1). {266}
أراد بقوله موتاكم من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه . وعبر عن المحتضر بالميت مجازا ، لأنه صار في حكم الأموات ( ويؤيده) قول صفوان بن عمر الضبى : حدثني المشيخة أنهم حضروا غضيف بن الحارث الثمالى حين اشتد سوقه فقال : هل منكم أحد يقرا يس ؟ فقرأها صالح بن شريح السكونى فلما بلغ أربعين منها قبض . قال : فكان المشيخة يقولون : إذا قرئت عند الميت خفف عنه بها . قال صفوان : وقرأها عيسى بن المعتمر عن ابن معبد . أخرجه أحمد وفى سنده مبهم(2). {267}
( وحديث ) آبى الدرداء وأبى ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من ميت تقرأ عنده يس إلا هون الله عليه . اخرجه ابن أبى الدنيا والديلمى في مسند الفردوس (3) . {268}
__________
(1) انظر ص 63 ج7 – الفتح الربانى ( قراءة يس عند المحتضر ) وص 257 ج8 المنهل العذب ( القراءة عند الميت ) وص 228 ج1- ابن ماجه ( فيما يقال عند المريض إذا حضر ) ( والحديث ) أعله ابن القطان بالاضطراب وبأن فى سنده أبا عثمان سعد ابن عثمان السكنى عن أبيه وهما مجهولان . وقال الدار قطنى : وهذا حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن . ولا يصح فى الباب حديث .
(2) انظر ص 62 ج7 الفتح الربانى ( قراءة يس عند المحتضر ) . ( المشيخة ) بفتح فسكون ففتح جمع شيخ وهو من تقدم فى السن . ( والسوق ) بفتح فسكون النزع كأن روحه تساق لتخرج من يدنه ( فلما بلغ اربعين ) أى اربعين آية من السورة وهى قوله تعالى : لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر " الاية .
(3) انظر ص 258 ج8 – المنهل العذب المورود ( الشرح 9(1/198)
وحكمه قراءتها عند المحتضر أنها مشتملة على أصول العقائد فيتقوى بسماعها التصديق والإيمان وجميع المسائل المعنبرة من كيفية الدعوة وأحوال الأمم وإثبات القدر وأن أفعال العباد مستندة إلى الله تعالى وإثبات التوحيد ونفى التعدد وأمارات الساعة وبيان الإعادة والحشر والحساب والجزاء والمرجع.(1)
( وقال ) الشعبي : كانت الأنصار يستحبون أن تقرأ عند الميت سورة البقرة وكانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن ظنه بربه ( وقال ) بعضهم : يحسن جمع أربعين حديثا في الرجاء تقرأ على المريض فيشتد حسن ظنه بالله . فإنه إذا امتزج خوف العبد بالرجاء عند الموت فهو محمود . (روى) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال : كيف تجدك ؟ قال : أرجو الله وأخاف ذنوبي . فقال صلى الله عليه وسلم : لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجوه وأمنه مما يخاف . أخرجه ابن ماجه والترمذى بسند جيد(2). { 269 }
__________
(1) وقال المناوى : يس مشتملة على أحوال البعث والقيامة وأحوال الأمم وبيان خاتمهم وإثبات القدر وأن افعال العباد مستندة إليه تعالى ، وإثبات التوحيد ونفى الضد والند ، وأمارات الساعة وبيان الإعادة والحشر والحضور فى العرضات والحساب والجزاء والمرجع والمىل بعد الحساب وغير ذلك . فبقراءتها عنده يتجدد له ذكر تلك الأحوال ويتبه الى امهات اصول الدين ويتذكر ما اشرف عليه من أحوال البرزخ والقيامة ( أنظر ص 67 ج2 فيض القدير شرح الجامع الصغير ) .
(2) انظر ص 293 ج2 – ابن ماجه ( ذكر الموت والاستعداد له ) وص 128 ج2 تحفة الأحوذى .(1/199)
هذا وجملة ما يطلب للمحتضر : أنه يستحب أن بلى المريض أرفق أهله به وأعلمهم بسياسته وأتقاهم لربه ، ليذكره الله تعالى والتوبة من المعاصي والخروج من المظالم والوصية . وإذا رآه منزولا به تعهد بل حلقه بتقطير ماء أو شراب فيه . ويندى شفتيه بقطنة . ويستقبل به القبلة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير المجالس ما استقبل به القبلة . أخرجه الطبرانى أني عن ابن عمر.(1) {270 }
ويلقنه قول لا اله إلا الله ( قال ) الحسن : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : آي الأعمال افضل ؟ قال : أن تموت يوم تموت ولسانك رطب من ذكر الله . رواه سعيد بن منصور(2) .{271 }
ويكون ذلك في لطف ومداراه ولا يكرر عليه ولا يضجره إلا أن يتكلم أن فيعيد تلقينه لتكون لا اله إلا الله آخر كلامه ( وروى) عن عبد الله بن المبارك أنه لما حضره الموت جعل رجل يلقنه لا اله إلا الله فأكثر عليه .
__________
(1) انظر ص 395 ج1 كشف الخفاء رقم 1261 ( والحديث ) أخرجه ابو يعلى والطبرانى فى الأوسط عن ابى عمر بسند فيه حمزة متروك . ورواه ابن عدى والطبرانى فى الكبير عن ابن عباس بلفظ : إن لكل شىء شرفا وأن شرف المجالس ما استقبل به القبلة . وفيه أبو المقدام هشام بن زياد متروك . قال ابن حبان موضوع وتمامه بص 169 ج1 كشف الخفاء رقم 505
(2) انظر ص 304 ج2 مغنى ابن قدامة ( ما يستحب عند المريض والمحتضر ) .(1/200)
فقال له عبد الله : إذا قلت مرة فآنا على ذلك ما لم أتكلم(1) ( وعن) معاذ بن جبل أنه لما حضرته الوفاة قال : أجلسوني فلما أجلسوه قال : لكمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أخبؤها ولولا ما حضرنى من الموت ما أخبرتكم بها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كان آخر قوله عند الموت لا اله أتخبؤها الله وحده لا شريك له ، إلا هدمت ما كان قبلها من الخطايا والذنوب . فلقنوهم موتاكم . فقيل : يا رسول الله فكيف هي للأحياء ؟ قال هي أهدم وأهدم . أخرجه سعيد بن منصور(2) {272 }
(قال ) أحمد : ويقرءون عند المحتضر ليخفف عنه يقرءون يس وفاتحة الكتاب(3).
(هـ) الموت
__________
(1) انظر ص 128 ج2 تحفة الأحوذى .
(2) انظر ص 305 ج2 مغنى ابن قدامة ( ما يفعل عند المحتضر وبه )
(3) انظر ص 305 ج2 مغنى ابن قدامة ( ما يفعل عند المحتضر وبه )(1/201)
الموت لابد منه لكل مخلوق ولا يترك أحد لأحد . قال الله تعالى : " كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ "(1).
__________
(1) آل عمران : 185 ( وإنما توفون أجوركم ) بالثواب للمؤمن الصالح والعقاب للطالح والكافر ( يوم القيامة ) والذى يقع فى الدنيا أو فى البرزخ فإنما هو بعض الأجور وعن جعفر بن محمد بن على بن الحسين عن أبيه عن على بن ابى طالب رضى الله عنه قال : لما توفى النبى وجاء التعزية جاءهم آت يسمعون حساولا يرون شخصا فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ) إن فى الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا واياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . قال على رضى الله عنه أتدرون من هذا ؟ هذا الحضر عليه السلام أخرجه ابن ابى حاتم . انظر ص 311 ج2 تفسير ابن كثير ( فمن زحزح ) أى ابعد ونحى ( عن النار ) ونجا منها ( وأدخل الجنة فقد فاز ) أى ظفر بما يريد وبحا مما يخاف وهذا هو الفوز الحقيقى الذى لا فوز يقاس به فإن كل فوز – وإن كان بجميع المطالب – دون الجنة ليس بشىء بالنسبة اليها ( وعن ) ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن موضع سوط فى الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئتم : فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز . اخرجه ابن أبى شيبه وابن حبان والترمذى والحاكم وصححاه عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأت الى الناس ما يجب أن يؤتى اليه . أخرجه أحمد ( انظر ص 312 ج2 تفسير ابن كثير 9(1/202)
وقال تعالى : " أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ "(1)
وقال تعالى : " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" (2)
فهو الله الحي الذي لا يموت . والجن والإنس والملائكة وحملة العرش وكل المخلوقات يموتون(قال) ابن عمر : كان بمكة مقعدان لهما ابن شاب فكان إذا أصبح نقلهما فأنى بهما المسجد فكان يكتسب عليهما يومه فإذا كان المساء احتملهما فأقبل بهما فافتقدهما النبي صلى الله عليه وسلم ، فسال عنهما فقال : مات ابنهما . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو ترك أحد ترك ابن المقعدين . أخرجه الطبرانى فآنا الأوسط وفيه عبد الله بن جعفر بن نجيح وهو متروك (3) . {273 }
وفيما ذكر تسلية لكل الناس لأنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت فإذا انقضت المدة وفرغت النطفة آلتي قدر الله وجودها من صلب آدم وانتهت البرية أقام الله القيامة فجازى الخلائق بأعمالهم قليلها وكثيرها فلا يظلم أحد مثقال ذرة .
ثم الكلام هنا ينحصر فآنا ثلاثة عشر فرعا :
(1) ما ورد فآنا الموت : جاء فآنا الموت أحاديث أخر ( منها) حديث محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اثنتان يكرههما ابن آدم . يكره الموت والموت خير المؤمنين من الفتنة . وبكره قلة المال وقلة المال اقل للحساب . أخرجه أحمد بسند رجاله الصحيح (4) . {274 }
( وحديث ) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لم يلق ابن آدم شيئا قط خلقه الله اشد عليه من الموت لأهون مما بعده . أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات.(5) {275 }
(
__________
(1) النساء : 76 .
(2) الرحمن : 27،26
(3) انظر ص 320 ج2 مجمع الزوائد ( لا يترك الموت أحدا لأحد)
(4) انظر ص 321 ج2 منه ( من أحب لقاء الله)
(5) انظر 64 ج7 – الفتح الربانى .(1/203)
وقالت) عائشة : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده فآنا القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول : اللهم أعنى على سكرات الموت . أخرجه أحمد والأربعة إلا أبا داود وفى سنده موسى بن سرجس ستور.(1) { 276 }
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تحفة المؤمن الموت أخرجه الطبرانى فآنا الكبير والحاكم والبيهقى بسند رجاله ثقات(2). {277 }
وعن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب تطلبه الأرض يدبر فجعل يسعى حتى إذا أعيا وابتهر دخل جحره فقالت له الأرض : يا ثعلب ديني فخرج وله حصاص فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه فمات . أخرجه الطبرانى فآنا الكبير والأوسط وفيه معاذ بن محمد الهزلي قال العقيلى لا يتابع على رفع حديثه(3) . {278 }
(
__________
(1) انظر ص 65 ج7 – الفتح الربانى ( شدة الموت ) وص 254 ج1 – ابن ماجه ( مرض النبى صلى الله عليه وسلم ) وص 128 ج2 تحفة الأحوذى ( التشديد عند الموت ) ( وسكرات الموت) جمع سكرة وهى شدته . والمعنى أعنى على دفعا . وفىرواية للترمذى ك اللهم أعنى على غمرت الموت وسكرات الموت . والظاهر أن المراد بالغمرات الشدة وبالسكرات ما يترتب عليها من الدهشة والحسرة والموجبة للغفلة . ومسح الوجه بالماء لدفع حرارة الموت وكربه .
(2) انظر ص 220 ح2 مجمع الزوائد ( تحفة المؤمن المون )
(3) انظر ص 320 منه ( فيمن يفر من الموت ) و( ابتهر ) أى غلب . من بهره الشىء إذا غلبه ( والحصاص ) بضم الحاء شدة العدو ( وهو الجرى) وقيل هو الضراط .(1/204)
2) تذكر الموت : يطلب من العاقل الإكثار من تذكر الموت لأنه يزهد لأنه يزهد فآنا الدنيا وأن يستعد له بالتحلي بالأعمال الصالحة آلتي تقربه من ربه والتخلى عن الأعمال السيئة آلتي تبعده عن رحمة ربه حتى إذا فجأة الموت كان فآنا عمل صالح فيجب لقاء الله والله يحب لقاءه ويبعث على ما مات عليه ( وقد) ورد فآنا هذا أحاديث ( منها) حديث محمد بن عمر بن أبى سلمة عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أكثروا من ذكر هاذ اللذات الموت . أخرجه أحمد والأربعة إلا أبا داود بإسانيد صحيحة وابن حبان وزاد : فإنه ما ذكره أحد فآنا ضيق إلا وسعه ولا ذكره فآنا سعة إلا ضيقها عليه . وصححه ابن حبان والحاكم وأعله الدار قطني بالإرسال فإن ابن أبى سلمة لم يسمع من أبى هريرة(1) . {279 }
(دل) الحديث على أنه ينبغي للإنسان ألا يغفل عن ذكر أعظم المواعظ وهو الموت . وفى رواية للديلمى عن أبى هريرة : أكثروا ذكر الموت فما من عبد أكثر ذكره إلا أحيا الله قلبه وهون عليه الموت . وفى حديث أنس عند ابن أل فآنا مكارم الأخلاق : أكثروا ذكر الموت فإن ذكره تمحيص للذنوب وتزهيد فآنا الدنيا(2).
(
__________
(1) انظر ص 32 ج7 – الفتح الربانى ( ذكر الموت والاستعداد له 9 وص 258 ج3 تحفة الأحوذى ( ذكر الموت ) و( هادم) بالذال المعجمة أى قاطع ومفرق . والمراد بالإرسال إسقاط راو
(2) انظر ص 125 ج2 سبل السلام ( الجنائز )(1/205)
وحديث )البراء بن عازب قال : بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بجماعة فقال : علام اجتمع هؤلاء ؟ قيل : على قبر يحفرونه ، ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فبدر بين يدي أصحابه مسرعا حتى انتهى إلى القبر ، فجثا عليه فبكى حتى بل الثرى من دموعه ثم أقبل علينا قال : آي إخواني لمثل اليوم فأعدوا . أخرجه أحمد بسند حسن(1). {280 }
(
__________
(1) انظر ص 33 ج7 – الفتح الربانى ( ذكر الموت والاستعداد له )و(بصر 9 بضم الصاد وتكسر يقال بصرت بالشىء بصرا 0 بفتحتين ) علمت ( وبدر ) أى مشى . وجثا من بابى علا ورمى أى جلس . وكأن القبر لم يدفن فيه أحد ولذا جلس عليه . أما بعد الدفن فلا يجوز الجلوس على القبر ( والثرى ) كالحصى التراب الندى .(1/206)
وحديث ) أبى سعيد الخدرى قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم مصلاه فرأى ناسا يكتشرون فقال : أما إنكم لو أكثرتم ذكر عاذم اللذات لشغلكم عما أرى . فأكثروا ذكر عاذم اللذات الموت . فإنه لم يأت على القبر يوم أتخبؤها تكلم فيقول : أنا بيت الغربة . أنا بيت الوحدة . وأنا بيت التراب . وأنا بيت الدود ( الحديث) أخرجه البيهقى والترمذى وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفيه عبيد الله بن الوليد الوصافى واه(1) . {281 }
( وحديث ) عبد الله بن عمر قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقام رجل من الأنصار فقال : يا نبي الله من أكيس الناس وأحزم الناس ؟ قال : أكثرهم ذكرا للموت وأكثرهم استعدادا للموت ، أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة . أخرجه الطبرانى فآنا الصغير والحاكم وأبو نعيم فآنا الحلية بسند حسن . {282 }
(
__________
(1) انظر ص 305 ج3 تحفة الأحوذى . و( يكتشرون ) اى يضحكون من الكشر وهو ظهور الأسنان للضحك . وتمام الحديث : فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحبا وأهلا . إما إن كنت لأحب من يمشى على ظهرى إلى فإذا وليتك اليوم ( من تولية مبنى للمجهول أو من الولاية مبنى للمعلوم أى صرت قادرا حاكما عليك ) وصرت إلى فسترى صنيعى بك فيتسع له قدر بصره ويفتح له باب إلى الجنة . وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر : لا مرحبا ولا أهلا . أما إن كنت لأبغض من يمشى على ظهرى إلى . فإذا وليتك اليوم وصرت الى فسترى صنيعى بك فيلتئم عليه حتى يلتقى عليه وتختلف اضلاعه . وقال ( أى اشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم باصابعه فإدخل بعضها فى جوف بعض . قال : ويقيض له سبعون تنينا 0 بكسر التاء وشد النون أى حية عظيمة ) لو أن واحدا منها نفخ فى الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا فينشه ويخدشه حتى يفضى به الى الحساب قال النبى صلى الله عليه إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار .(1/207)
وقال ) أبو ذر : دخلت النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فقال : " يا أبا ذر إن للمسجد تحية . قلت : وما تحيته ؟ قال : ركعتان تركعهما قلت : يا رسول الله ، هل أنزل عليك شئ مما كان فآنا صحف إبراهيم وموسى ؟ قال : يا أبا ذر ( قد افلح من تزكى ) حتى بلغ ( إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ) قلت : يا رسول الله وما كانت صحف موسى ؟ قال : كانت عبرا كلها : عجبت لمن أيقن بالموت ثم يفرح . عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك ؟ عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها . عجبت لمن أيقن بالقدر ثم ينصب . عجبت لمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل " أخرجه أبو الحسن رزين بن معاوية وابن حبان.(1) {283 }
( وحديث) انس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه . قلنا : يا سول الله ، كلنا نكرة الموت . قال : ليس ذاك كراهية الموت ولكن المؤمن إذا حضر ، جاءه البشير من الله عز وجل فأحب الله لقاءه . وإن الفاجر أو الكافر إذا حضر جاءه بما هو صائر إليه من الشر وما يلقاه من الشر فكره لقاء الله وكره الله لقاءه " . أخرجه أحمد والبراز بسند رجاله رجال الصحيح(2). {284 }
( وحديث ) جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات على شئ بعثه الله عليه " . أخرجه أحمد والحاكم ، وقال صحيح على شرط مسلم (3) . {285 }
(
__________
(1) انظر ص 180 ج1 تيسير الوصول ( سورة سبح )
(2) انظر ص 26 ج7 – الفتح الربانى ( ذكر الموت والاستعداد له 9 وتقدم بأتم منه رقم 252 ص 194 .
(3) انظر ص 42 ج7 منه ( حسن الظن بالله وحسن الخاتمة ) .(1/208)
وحديث ) حذيفة بن اليمان . قال : أسندت النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدري . فقال : " من قال لا اله أتخبؤها الله ابتغاء وجه الله وختم له بها دخل الجنة . ومن صام يوما ابتغاء وجه الله وختم له به دخل الجنة . ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله وختم له بها دخل الجنة " . أخرجه أحمد بسند جيد (1) . {286 }
(3) تمنى الموت : يكره للشخص تمنى الموت والدعاء به لضر دنيوي نزل به كمرض أو فاة أو محنة أو نحوها من مشاق الدنيا ( لحديث ) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يتمن أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه . إنه مات أحدكم انقطع عمله . وإنه لا يزيد المؤمن من عمره إلا خيرا " أخرجه أحمد والشيخان والنسائي والبيهقى(2). {287 }
(
__________
(1) انظر ص 42 ج7 منه ( حسن الظن بالله وحسن الخاتمة ) و (ختم له بها ) أى بكلمة التوحيد بأن كانت آخر كلامه . ففى رواية لمسلم وأحمد من كان آخر كلامه لا اله إلا الله دخل الجنة . اى دخلها مع السابقين بفضل الله وعفوه أو بعد عقابه على ما اقترف .
(2) انظر ص 44 ج7 – الفتح الربانى ( كراهة تمنى الموت ....) و( من قبل أن يأتيه ) هو فيدفى حالتى والتمنى والدعاء ومفهومه أنه إذا حل به الموت لا يمنع من تمنيه رضاء بلقاء الله . و( انقطع عمله ) فيه إشارة الى ان حكمه النهى عن تمنى الموت والدعاء به هو انقسطاع العمل بالموت والعمل يراد به الثوب ولو لم يكن إلا استمرار التوحيد فهو افضل الأعمال .(1/209)
وحديث ) أم الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على العباس وهو يشتكى فتمنى الموت . فقال : يا عباس يا عم رسول الله . لا تتمن الموت إن كنت محسنا تزداد إحسانا إلى إحسانك خير لك . وإن كنت مسيئا فإن تؤخر تستعتب خير لك فلا تمن الموت . أخرجه أحمد والطبرانى والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين(1). {288 }
( وحديث ) أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يَتَمَنَّيَن أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابد متمنيا للموت فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي . وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ". أخرجه السبعة والبيهقى(2). {289 }
__________
(1) انظر ص 46 ج7 – الفتح الربانى ( مراهة تمنى الموت ) و( تستعتب ) من الاستعتاب وهو طلب زيادة العتاب أى تطلب رضاء الله تعالى بالتوبة والاستغفار .
(2) انظر ص 99 ج10 فتح البارى ( تمنى المريض الموت ) وص 7 ج7 نووى ( كراهة تمنى الموت ) وص 242 ج8 – المنهل العذب . وص 25 ج2 تحفة الأحوذى ( النهى عن تمنى الموت ) . ( فإن كان لابد ) أى إن كان من نزل به الضر لابد من طلبه الموت فليطلبه مفوضا إلى علم الله كأن يقول : اللهم أحينى ما كانت الحياة خيرا لى من الموت بان تكون الطاعة غالبة على المعصية والأوقات خالية من الفتن ( وتوفنى ) إذا كان الامر على خلاف ما ذكر .(1/210)
النهى فجأة هذه الأحاديث عن تمنى الموت والدعاء به إنما هو لنزول بلاء أو محنة دنيوية لما فجأة رواية ابن حبان : " لاَ يَتَمَنَّنَيَن أحَدُكَمَ الْمَوْتَ " لضر نزل به فجأة الدنيا . أما إن تمناه لضر أخروي كأن خشي فتنة فجأة الدين فهو جائز . فقد قال معاذ بن جبل : قص علينا النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا رأى فيها الله تعالى وفيها أن الله تعالى قال له : سل . فقال صلى الله عليه وسلم : اللهم أنى أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة فجأة قومي فتوفني غير مفتون . واسالك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حيك . أخرجه أحمد والطبرانى والحاكم والترمذى وقال حسن صحيح(1). {290 }
(
__________
(1) الرؤيا هى ما فى قول معاذ : احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس فخرج سريعا فثوب بالصلاة ( أى أمر بإقامتها ) فصلى وتجوز فى صلاته فلما سلم دعا ( أى نادى) بصوته فقال ليا : على مصافكم كما أنتم . ثم انتقل الينا . فقال : أما إنى سأحدثكم ما حبسنى عنكم الغذاة إنى قمت من الليل فتوضأت فصليت ما قدر لى فنعست ( بفتح العين) فى صلاتى فاستثقلت فإذا أنا بربى فى أحسن صورة . فقال يا محمد . قلت لبيك رب . قال : فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ ( الملائكة) قلت لا أدرى رب . قالها ثلاثا . قال فرايته وضع كفه بين كتفى قد وجدت برد أنامله بين ثديى فتجلى لى كل شىء وعرفت فقال يا محمد قلت رب لبيك . قال فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : فى الكفارات قال : ما هن ؟ قلت مشى القدام الى الجماعات . والجلوس فى المساجد بعد الصلاة . وإسباغ الوضوء فى المكروهات قال ثم فيم ؟ قلت : إطعام الطعام ، ولين الكلام ، والصلاة بالليل والناس نيام ، قال : سل ( الحديث ) انظر ص 174 ج4 تحفة الأحوذى(1/211)
4) علامات الموت : للموت علامات ( منها ) استرخاء القدمين واعوجاج الأنف وانخساف الصدغين وامتداد جلد الوجه وعرق الجبين ( روى) عثمان بن عفان رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ارقبوا الميت عند وفاته فإذا ذرفت عيناه ورشح جبينه وانتشر منخراه فهي رحمة من الله قد نزلت . وإذا غط غطيط البكر المخنوق وكمد لونه وأزبد شدقاه فهو عذاب من الله قد نزل به . أخرجه الحكيم الترمذى.(1) {291 }
( وعن ) عبد الله بن بريدة الأسمى عن أبيه أنه كان بخراسان فعاد أخاه وهو مريض فوجده بالموت وإذا هو يعرق جبينه فقال : الله أكبر . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : موت المؤمن بعرق الجبين . أخرجه احمد و النسائي و ابن ماجة و الترميذى و حسنه الحاكم و قال صحيح على شرط الشيخين(2) . {292 }
( و عن ) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المؤمن يموت بعرق الجبين . أخرجه الطبرانى فجأة الأوسط و فجأة الكبير نحوه فجأة حديث طويل رجاله ثقات و رجال الصحيح(3). {293 }
(
__________
(1) الغط) ترديد الصوت حيث لا يجد مساغا ( وأزبد الشدق ) خرج منه ما يشبه الزبد . والشد بفتح الشين وجمعه شدوق وبكسرها وجمعه أشداق.
(2) انظر ص 59 ج7 – الفتعح الربانى ( ما جاء فى المحتضر ) وص 259 ج1 مجتبى ( علامة موت المؤمن ) وص 329 ج1 – ابن ماجه ( المؤمن يؤجر فى النزع ) وص 128 ج3 تحفة الأحوذى
(3) انظر ص 325 ج2 مجمع الزوائد ( موت المؤمن وغيره ) وزيادة الكبير : يبقى عليه البقية من الذنوب فيجازى بها عند الموت أو يشدد عليه ليتمحص عنه ذنوبه .(1/212)
و هذا ) يدل على أن عرق الجبين يكون لما يعالج من شدة الموت ( و قيل ) انه يكون من الحياء لان المؤمن إذا جاءته البشرى مع ما كان قد اقترف من الذنوب حصل له بذلك خجل و استحياء من الله تعالى فيعرق بذلك جبينه . فالعرق إنما يكون لمن حلت به الرحمة فانه ليس من ولى و لا صديق و لا بر أتخبؤها و هو يستحي من ربه مع البشرى و الإكرام ( و قيل ) أن عرق الجبين علامة لموت المؤمن و أن لم يعقل معناه(1) .
(5) الموت فجأة أحد الحرمين : من مات فجأة الحرام المكي أو المدني أو بيت المقدس نال فضلا عظيما ورضا و قبولا ( روى ) سلمان الفارسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مات فجأة أحد الحرمين استوجب شفاعتي وكان يوم القيامة من الآمنين . أخرجه الطبرانى فجأة الكبير وفى سنده عبد الغفور بن سعيد وهو متروك(2).{294 }
( وعن) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مات فجأة أحد الحرمين بعث آمنا يوم القيامة . أخرجه الطبرانى فجأة الصغير والأوسط بسند حسن وفيه موسى بن عبد الرحمن المسروقى ذكره ابن حبان فجأة الثقات. وفيه عبد الله بن المؤمل وثقة ابن حبان وغيره وضعفه أحمد وغيره(3) . {295 }
( وعن ) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مات فجأة بيت المقدس فكأنما مات فجأة السماء . أخرجه البزار وفيه سويف بن عطية البصري وهو ضعيف(4) . {296 }
(
__________
(1) انظر ص 259 ج1 زهر الربى للسيوطى .
(2) انظر ص 319 ج2 مجمع الزوائد ( من مات فى أحد الحرمين )
(3) انظر ص 319 ج2 مجمع الزوائد ( من مات فى أحد الحرمين )
(4) انظر ص 319 ج2 منه ( من مات فى بيت المقدس ) .(1/213)
قال ) النووي : يستحب طلب الموت فجأة بلد شريف ( لحديث ) حفصة رضى الله عنها أن عمر رضى الله عنه قال : اللهم ارزقني شهادة فجأة سبيلك واجعل موتى فجأة بلد رسولك صلى الله عليه وسلم . فقلت : أنى يكون هذا ؟ فقال يأتيني به الله إذا شاء . أخرجه البخاري (1) . {297 }
(6) موت الضربة : من أسباب الشهادة الأخروية موت الشخص غريبا فجأة غير موطنه فقد تجرع مرارة فراق الأحبة والخلان والأهل والأوطان ، ولا يجد له متعهدا فجأة مرضه غالبا ن لا يحضره إذا احتضر أحد ممن يلوذ به . فإذا صبر على ذلك محتسبا كان له الجزاء الأوفى ( قال ) عبد الله بن عمرو : توفى رجل بالمدينة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه سلم فقال : يا ليته مات فجأة غير مولده ، فقال رجل : لم يا رسول الله ؟ فقال : إن الرجل إذا توفى فجأة غير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره فجأة الجنة . أخرجه أحمد وابن ماجه بسند فيه ابن لهيعة متكلم فيه . أخرجه النسائي بسند جيد وصححه السيوطى(2) . {298 }
( قوله ليته مات فجأة غير مولده ) يعنى ليته كان غريبا مهاجرا إلى المدينة ومات بها . وليس المراد ليته مات بغير المدينة لئلا يخالف ما تقدم فجأة فضل الموت بالمدينة(3).
(
__________
(1) انظر ص 118 ج5 – مجموع النووى .
(2) انظر ص 53 ج7 – الفتح الربانى ( فضل من مات غريبا ) وص 252 ج1 ابن ماجه ( والأثر ) بفتحتين الأجل ( ومنقطعه ) انتهاؤه . والمعنى أنه يفتح له فى الجنة بقدر المسافة التى بين وطنه وبين موضع موته زيادة عما كان يستحقه لو مات بوطنه .
(3) انظر الأحاديث رقم 294 رقم 295 ص 214 ورقم 297 .(1/214)
7) موت الفجأة : الفجأة – بفتح فسكون – آي الموت بغتة بلا سبق مرض . وهو مذموم لأن من مات فجأة لا يمكنه الاستعداد للتوبة والعمل الصالح والوصية وغيرها ويحرم من ثواب المرض الذي يكفر الذنوب . ولذا استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم . ( قال ) أبو إمامة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من موت الفجاة وكان يعجبه أن يمرض قبل أن يموت أخرجه الطبرانى فجأة الكبير وفيه عثمان بن عبد الرحمن القرشي وهو متروك(1). {299 }
ومع هذا فهو راحة للمؤمن الصالح من عناء الدنيا لأنه مستعد للموت بالأعمال الصالحة متذكر ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: أكثروا من ذكر نبي اللذات الموت(2) ، فهو يتذكر الموت دائما ويعمل له . فإذا أتاه فجأة لا يضره بل يستريح به من نصب الدنيا . ( أما الفاجر ) فموته فجأة من علامة غضب الله عليه لأنه لم يتركه حتى يتدارك ما فاته من التفريط ويستعد للموت بالتوبة ولم يمرض لتكفر ذنوبه ( قالت ) عائشة : سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة ، فقال : راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر أخرجه أحمد والبيهقى والطبرانى فجأة الوسط . وفيه عبيد الله بن الوليد الوصافى وهو متروك(3). {300 }
( ويقويه) حديث عبيد بن خالد السلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : موت الفجأة أخذة الأسف للكافر ورحمة للمؤمن . أخرجه البيهقى هي داود بسند رجاله ثقات(4). {301 }
(
__________
(1) انظر ص 318 ج2 مجمع الزوائد ( موت الفجأة والمرض قبل الموت 9
(2) انظر رقم 279 ص 207
(3) انظر ص 70 ج7 – الفتح الربانى ( ما جاء فى موت الفجأة ) وص 318 ج2 مجمع الزوائد ( واسف ) بفتحتين أى غضب ويروى بفتح فكسر اسم فاعل . أى غضبان .
(4) انظر ص 378 ج3 – البيهقى . وص 242 ج8 – المنهل العذب المورود ( موت الفجأة) .(1/215)
فائدة) قد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من موتات أخر غير موتة الفجأة ( روى ) عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذ من سبع موتات : موت الفجأة ، ومن لدغ الحية ، ومن السبع ، ومن الغرق ، ومن الحرق ، ومن أن يخر على شئ ، أو يخر عليه شئ ، ومن القتل عند فرار الزحف أخرجه أحمد والبراز والطبرانى فجأة الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه كلام(1). {302 }
(8) الموت يوم الجمعة : من مات يوم الجمعة وفى عذاب القبر وكتب له أجر شهيد ( روى) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مات يوم الجمعة وفى عذاب القبر . أخرجه أبو يعلى . وفيه يزيد الرقاشى وفيه كلام(2) . {303 }
وعن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وفى فتنة القبر وكتب شهيدا . أخرجه عبد الرازق(3). {304 }
(
__________
(1) انظر ص 318 ج2 مجمه الزوائد ( ما يستعاذ منه من موتات ) .
(2) انظر ص 319 ج2 مجمع الزوائد ( من مات يوم الجمعة ) .
(3) انظر ص 280 ج2 كشف الخفاء رقم 2625 .(1/216)
9) موت النبي صلى الله عليه وسلم : توفى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثالث عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشرة هجرية (1) " 8 هجرية سنة 632 ميلادية " وعمره ثلاث وستون سنة . ولما قبض النبي صلى الله عليه وسلم دهش أصحابه دهشة عظيمة وطاشت عقولهم واختلط أمرهم . وممن اختلط عمر رضى الله عنه فجعل يصيح ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت وتهدد من قاله . واقعد على رضى الله عنه فلم يستطع حراكا . وأخرس عثمان رضى الله عنه . واضنى عبد الله بن أنيس حتى مات كمذا . واضطرب الأمر وجل الخطب وفدحهم هول المصيبة وحق لهم ذلك . وكأن أثبتهم العباس وأبو بكر .
__________
(1) قال السهيلى : اتفقوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى يوم الاثنين وأنه توفى فى ربيع الأول . غير أن أكثرهم قال فى الثانى عشر منه . ولا يصح أن يكون توفى صلى الله عليه وسلم إلا فى الثانى من الشهر أو الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر لاجماع المسلمين أن وقفة عرفة فى حجة الوداع كانت يوم الجمعة . وهو التاسع من ذى الحجة فأول ذى الحجة . يوم الخميس . فكان المحرم إما الجمعة وإما السبب . فإن كان الجمعة فقد كان صفر إما السبت وإما الاحد . فإن كان السبت فقد كان ربيع الاحد أو الاثنين . وكيفما دارت الحال على هذا الحساب فلم يكن الثانى عشر من ربيع يوم الاثنين بوجه . وذكر الطبرى عن ابن الكلبى وأبى مختف أنه صلى الله عليه وسلم توفى فى الثانى من ربيع الأول . وهذا القول وإن كان خلاف قول الجمهور فإنه لا يبعد إن كانت الثلاثة الأشهر قبله كلها تسعة وعشرين فتدبره فإنه صحيح ( وقال) الخوارزمى : إنه صلى الله عليه وسلم توفى أول يوم من ربيع الأول وهذا اقرب فى القياس مما قاله ابن الكلبى . انظر ص 372 ج2 – الروض الآنف .(1/217)
فقد بلغ الخبر أبا بكر وهو بالسنح فجاء وعيناه تهملان وزفراته تتردد في صدره وغصصه ترتفع(1) وهو في ذلك رضى الله عنه ثابت القلب حسن القول . ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف وجهه وقبل جبينه وجعل يبكى ويقول : يأبى أنت وأمي طبت حبا وميتا وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء . ولو أن موتك كان اختيارا لجدنا لموتك بالنفوس . ولولا أنك نهيت عن البكاء لأنفذنا عليك ماء العيون . فأما مالا نستطيع نفيه فكمد وإدناف(2) يتحالفان ولا يبرحان . اذكرنا يا محمد عند ربك . ولنكن لك على بال . اللهم ابلغ نبيك عنا . ثم خرج وخطب الناس قال فيها : اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له . واشهد أن محمدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه ، واشهد أن الكتاب كما نزل . وأن الدين كما شرع . وأن الحديث كما حدث . وأن القول كما قال . وأن الله هو الحق المبين . ثم قال : آيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت . وإن الله قد تقدم لكم في أمره فلا تدعوه جزعا . وإن الله تعالى قد اختار لنبيه عليه الصلاة والسلام ما عنده على ما عندكم وقبضه إلى ثوابه وخلف فيكم كتابه وسنة نبيه فمن أخذ بهما عرف ومن فرق بينهما أنكر " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ "(3) ، ولا يشغلنكم الشيطان بموت نبيكم ولا يلفتنكم عن دينكم .
__________
(1) اضنى ) أى اصابه الضنا وهى مرض يتولد من وجع القلب . و ( الكمد) بفتحتين الحزن المكتوم . و( السنح ) بضم فسكون أو فضم . موضع قرب المدينة كان به مسكن الصديق . و0 هملت عينه تهمل ) من باب نصر فاضت بالدموع . و( الزفرات ) جمع زفرة 0 بسكون الفاء ) وهى النفس بفتحتين يقال : زفر يرفر من باب ضرب زفرا وزفيرا إذا خرج نفسه ممدودا " والغصص " جمع غصه وهىهنا ما يعرض للباكى فى حلقة من الحزن والغيظ .
(2) أدنفه المرض أثقله .
(3) النساء : 135(1/218)
وعاجلوا الشيطان بالخزى تعجزوه ولا تستنظروه فيلحق بكم ، فلما فرغ من خطبته قال : يا عمر ، أأنت الذي بلغني عنك أنك تقول على باب نبي الله صلى الله عليه وسلم : والذي للنبي بيده ما مات نبي الله ؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم كذا وكذا وقال الله تعالى : " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ "(1) فقال عمر : والله لكأنى لم اسمع بها في كتاب الله قبل الآن لما نزل بنا أشهد أن الكتاب كما نزل . وأن الحديث كما حدث . وأن الله تعالى حي لا يموت إنا لله وإنا إليه راجعون صلوات الله على رسوله وعند الله تحتسب رسوله وقال :
لعمري لقد ايقنت أنك ميت ولكنما أبدى الذي قلته الجزع
وقلت بغيب الوحي عنا لفقده كما غاب موسى ثم يرجع كما رجع
وكان هواي أن تطول حياته وليس لحى في بقا ميت طمع(2)
(
__________
(1) الزمر : 30
(2) انظر تمامه بص 377 ج2 الروض الآنف .(1/219)
وقد ) ورد في هذا أحاديث ( منها ) حديث ابن أبى مليكة عن عائشة قالت : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عند أمرأته ابنة خارجة بالعوالى فجعلوا يقولون لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بعض ما كان يأخذه عند الوحي فجاء أبو بكر فكشف عن وجهه وقبل بين عينيه وقال : أنت أكرم على الله أن يميتك مرتين . قد والله مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر في ناحية المسجد يقول : والله ما مات رسول الله ولا يموت حتى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير أرجلهم ، فقام أبو بكر فصعد المنبر فقال : من كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ"(1) قال عمر : فكأني لم أقرأها إلا يومئذ . أخرجه ابن ماجه(2). {305 }
__________
(1) ىل عمران : 144 ( وأن يميتك مرتين ) قاله لما زعم عمر وغيره أنه يرجع الى الدنيا فإنه لو رجع لمات ثانيا وهو أعلى قدرا من أن يموت مرتين .
(2) انظر ص 255 ج1 – ابن ماجه ( وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم ) .(1/220)
وأخرجه البخاري عن عائشة وابن عباس بلفظ أتم من هذا تقدم في خطبة الصديق يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم(1) . ( قال ) ابن عمر رضى الله عنهما : لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر في ناحية بالمدينة فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فوضع فاه على جبين النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقبله ويقول : يأبى وأمى طبت حيا وميتا . فلما خرج مر بعمر وهو يقول والله ما مات رسول الله ولا يموت حتى يقتل المنافقين . وقد كانوا استبشروا بموت النبي صلى الله عليه وسلم ورفعوا رءوسهم فمر به أبو بكر فقال : آيها الرجل أربع على نفسك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ألم تسمع الله تعالى يقول : " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ "(2) " وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ"(3) وأتى المنبر فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : آيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدون فإن إلهكم قد مات . وإن كان إلهكم الذي في السماء فإن إلهكم الذي تعبدون حي لا يموت ، ثم تلا " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ " الآية ، ثم نزل . وقد استبشر المؤمنون بذلك واشتد فرحهم وأخذ المنافقين الكآبة . قال ابن عمر : والذي للنبي بيده لكأنما كانت على وجوهنا أغطية فكشفت . أخرجه البزار بسند رجاله رجال الصحيح عدا على بن المنذر وهو ثقة.(4) {306 }
(10) رثاء النبي صلى الله عليه وسلم : قد قيل فيه الكثير ( روى ) عروة عن صفية بنت عبد المطلب قالت ترثى رسول الله صلى الله عليه وسلم :
__________
(1) انظر ص 260 ج4 – الدين الخالص .
(2) الزمر : 30
(3) الانبياء : 34
(4) انظر ص 37 ج9 مجمع الزوائد ( فى وداعه صلى الله عليه وسلم ) .(1/221)
لهف للنبي وبت كالمسلوب أرقب الليل فعلة المحروب (1)
من هموم وحسرة أرقتني ليت أنى سقيتها بشعوب (2)
حين قالوا أن الرسول قد أمسي وافقته منية المكتوب
حين جئنا أل بيت محمد فاشاب القذال منى مشيب(3)
حين رينا بيوته موحشات ليس فيهن بعد عيش غريب
فعراني لذاك حزن طويل خالط القلب فهو كالمرعوب
وقالت أيضا :
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا وكنت بنا برا ولم تك جافيا
وكنت رحيما هاديا ومعلما ليبك عليك اليوم من كان باكيا
لأنفذنا ما أبكي الحروب لموته ولكن لهرج كان بعدك آتيا(4)
كأن على قلبي لفقد محمد ومن حبه من بعد ذاك المكاويا(5)
أفاطم صلى الله رب محمد على جدت أمسى بيثرب ثاويا (6)
أري حسنا أيتمته وتركته يبكى ويدعو جده اليوم نائيا
فدى لرسول الله أمي وخالتي وعمى وآبائي ونفسي وماليا
صبري وبلغت الرسالة صادقا ومت صليب الدين ابلج صافيا(7)
فلو أن رب العرش أبقاك بيننا سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية وأدخلت جنات من العدن راضيا(8)
(
__________
(1) المحروب ) من أخذ ماله يقال حرب حربا من باب تعب : إذا أخذ جميع ماله فهو حريب . وحرب بالبناء للمفعول كذلك فهو محروب .
(2) شعوب) كرسول اسم للمنية .
(3) القذال ) بفتح القاف جماع مؤخر الراس .
(4) الهرج) بفتح فسكون الفتن والاختلاط وفسره النبى صلى الله عليه وسلم فى اشراط الساعة بالقتل
(5) المكاويل ) جمع مكواة وهى خديدة يحرق بها الجلد .
(6) افاطم) بالترخيم مفتوح الميم أو مضمومها ( والجدث ) بفتحتين القبر و( ثاويا ) أى ماكثا .
(7) صليب الدين ) أى قويمة وفى رواية صليب العود بضم العين يكنى بها الجسم ( وابلج ) أى مشرق .
(8) السلام 9 بالجر صفة للفظ الجلالة ( وتحية ) بالرفع مبتدأ خبره عليك . ويجوز رفع السلام على أنه مبتدأ ، ونصب تحية على الحال . ورفعها على أنها بدل من السلام .(1/222)
أخرجه الطبرانى بسند حسن )(1)... وقال غنيم بن قيس : إنى لأذكر قالة أبي على الحروب صلى الله عليه وسلم يوم مات :
ألا لي الويل على محمد قد كنت فكأني حياتي بمرصد
أنام ليلى آمنا إلى الغد
أخرجه البزار بسند رجاله رجال الصحيح غير بشر بن آدم وهو ثقة(2)
( وقالت ) فاطمة بنت الحروب صلى الله عليه وسلم ترثى أباها وقد اجتمع إليها النساء بعد دفنه :
اغبر آفاق السماء وكورت شمس النهار وأظلم العصران(3)
والأرض من بعد الحروب كئيبة أسفا عليه كثيرة الرجفان(4)
فلتبكه شرف البلاد وغربها ولتبكه مضر وكل يماني(5)
يا خاتم الرسل المبارك وصفه صلى عليك منزل الفرقان(6)
( وقال ) أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم الحروب صلى الله عليه وسلم يرثيه :
أرقت فبات ليلى لا يزول وليل أخي المصيبة فيه طول
وأسعدني البكاء وذاك فيما أصيب المسلمون به قليل
لقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل قد قبض الرسول
وأضحت أرضنا مما عراها يكاد بنا جوانبها تميل
فقدنا إلهكم والتنزيل فينا يروح به ويغدو جبرئيل
وذاك أحق ما سالت عليه نفوس الناس أو كربت تسيل(7)
لعمري كان يجلو الشك عنا بما يوحي إليه وما يقول
وبهدينا فما يخشى ضلال علينا والرسول لنا دليل
__________
(1) انظر ص 38 ج9 مجمع الزوائد . وفيه اصلاح من بهجة المحافل ص 120 ج2
(2) انظر ص 39 ج9 مجمع الزوائد ( فى وداعه صلى الله عليه وسلم ) .
(3) آفاق ) جمع افق وهى الناحية . و( كورت) اظلمت وذهب ضوءها و( العصران) تثنية عصر وهو ما بين الظهر والمغرب . وثنى لضرورة الشعر .
(4) مضر ) مصروف لضرورة الشعر والمراد بها القبيلة .
(5) الطود) الجبل والمراد به جبل ابى قبيس أو حراء أو ثور . و( المعظم جوه ) أى المرتفع فى الجو . والجو اسم لما بين السماء والارض
(6) انظر ص 120 ج2 بهجة المحافل . ( بعض المراثى التى قيلت فيه صلى الله عليه وسلم )
(7) كربت ) بفتح فكسر أى قربت .(1/223)
افاطم إن جزعت فذاك عذر وإن لم تجزعي ذاك السبيل
فقبر أبيك سيد كل قبر وفيه سيد الناس الرسول(1)
( وقال ) حسان بن ثابت شاعر الحروب صلى الله عليه وسلم يرثيه :
ما بال عينك لا تنام كأنها كحلت أما فيها بكحل الأرمد(2)
جزعا على المهدى اصبح ثاويا يا خبر من وطئ الحصى لا تبعد
وجهي يقيك الترب لهفى ليتني غيبت قبلك فكأني بقيع الغرقد(3)
بأبي وأمى من شهدت وفاته فكأني يوم الاثنين الحروب المهتدى(4)
فظلت بعد وفاته متبلدا متلددا يا ليتني لم أولد (5)
أاقيم بعدك بالمدينة بينهم يا ليتني صبحت سم الأسود (6)
يارب فاجمعنا معا ونبينا فكأني جنة تثنى عيون الحسد (7)
فكأني جنة الفردوس فاكتبها لنا ياذا الجلال وذا العلا والسودد
صلى الإله ومن يحف بعرشه والطيبون على المبارك أحمد(8)
(11) ما تركه الحروب صلى الله عليه وسلم
__________
(1) انظر ص 121 ج2 بهجة المحافل ( بعض المراثى التى قيلت فيه صلى الله عليه وسلم ) .
(2) الأماقى ) الجفون .
(3) لهفى ) كلمة يتحسر بها . أى يا لهفى عليك . ( والبقيع ) مقبرة المدينة . و( الغرقد ) العوسج العظيم وهو نبت يكثر فى هذا المكان فلذا اضيف اليه .
(4) النبى ) [>لأ /، ( من) المنصوب بأفدى المقدرة .
(5) متبلدا ) أى متحيرا ومتلهفا . و( متلددا ) أى الوى لديدى عنقى . وهما صفحتاه كهيئة الفاقد لإلفه . وتلدد تلفت يمينا وشمالا وتحير وتلبث .
(6) صبحت ) أى أتيت صباحا . و ( وسم الأسود) نوع من الحيات فيه سواد وهو أخبثها .
(7) تثنى عيون الحسد) اى ترجعها لعدم استطاعه النظر إليها لما يترتب عليه من الحزن كما هو شأن الحسود يحزنه سرور المحسود .
(8) انظر ص 122 ج2 بهجة المحافل .(1/224)
مات الحروب صلى الله عليه وسلم ولم يترك درهما ولا دينارا ، بل ترك درعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من الشعير . وقد ورد فكأني ذلك أحاديث ( منها ) حديث عمرو بن الحارث قال : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمه إلا بغلته البيضاء آلتي كان يركبها وسلاحه وارضا جعلها لابن السبيل صدقة . اخرجه البخاري والنسائي والترمذى فكأني الشمائل(1). {307 }
( وحديث ) عائشة قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاه ولا بعيرا ولا أوصى أن . أخرجه مسلم هواي داود والنسائي(2) {308 }
(
__________
(1) انظر ص 105 ج8 فتح البارى ( مرص النبى صلى الله عليه وسلم ) وص 253 شمائل ( ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم) والحصر فى هذه الثلاثة إضافى وإلا فقد ترك النبى صلى الله عليه وسلم ثيابه وأمتعة بيته ولم تذكر لكونها يسيرة بالنسبة لما ذكر ( قال ) ابن سيد الناس : وترك صلى الله عليه وسلم يوم مات ثوبى حبرة وإزارا عمانيا وثوبين وقميصا صحاريا وآخر سحوليا وجبة يمانية وخميصة وكساء ابيض وثلاث قلانس أو اربعا وملحفة مورسة ( وارضا) هى نصف ارض فدك وثلث ارض وادى القرى وسهمه من خمس خيبر وحصته من ارض بنى النضير . و( جعلها صدقة ) أى جعل هذه الرض صدقة فى حياته على اهله وخدمة وفقراء المسلمين .
(2) انظر ص 89 ج11 نووى( ترك الوصية لمن ليس له شىء يوصى فيه) وص 71 ج3 عون المعبود ( فيما يؤمر به من الوصية ) ( ولا اوصى بشىء ) تعنى وصية المال لأن الإنسان إنما يوصى فيما يكون موروثا و النبى صلى الله عليه وسلم لم يتركك ما يورث عنه . وإلا فقد أوصى النبى صلى الله عليه وسلم بامور تقدم بعضها فى بحث ىخر وصاياه .(1/225)
وحديث ) إبراهيم النخعى عن الأسود بن زيد عن عائشة رضى الله عنها قالت : توفى الحروب صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين – يعنى صاعا من شعير . أخرجه البخاري(1) {309 }
( وحديث ) عائشة قالت : توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فكأني بيتي شئ يأكله ذو كبد إلا شطر شعير فكأني رف لي فأكلت منه حتى طال على فكلته ففنى . أخرجه الشيخان(2) . {310 }
(
__________
(1) انظر ص 128 ج6 فتح البارى ( نفقة نساء النبى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته )
نظر ص 128 ج6 فتح البارى ( نفقة نساء النبى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ) و0شطر) الشىء نصفه . وفى الترمذى إلا شىء من شعير . قيل كان نصف وسق . وقيل نصف مكوك وهو أحد عشر رطلا وربع رطل . و( فنى) الحكمة فى ذلك سنر السر النبوى وعدم بقاء معجزة محسوسة بعده سوى القرآن .
(2) انظر ص 128 ج6 فتح البارى ( نفقة نساء النبى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ) و0شطر) الشىء نصفه . وفى الترمذى إلا شىء من شعير . قيل كان نصف وسق . وقيل نصف مكوك وهو أحد عشر رطلا وربع رطل . و( فنى) الحكمة فى ذلك سنر السر النبوى وعدم بقاء معجزة محسوسة بعده سوى القرآن .(1/226)
وحديث ) ابن شهاب قال : أخبرني عروة أن عائشة قالت : كانت فاطمة تسال أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة(1) ،
__________
(1) أما جبير ( فقد ) قال سهل بن ابى حثمة : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين : نصفا لنوائبه وحاجته ونصفا بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما أخرجه ابو داود بسند صحيح . انظر ص 119 ج3 عون المعبود ( حكم أرض خيبر ) وأما فدك – بفتحات وهى بلد بين المدينة وخيبر على ثلاث مراحل من المدينة – فإن أهلها لما بلغهم فتح خيبر طلبوا من النبى صلى الله عليه وسلم الأمان على ان يتركوا البلد ويرحلوا فاجابهم . فكانت فدك فيئا لخ خاصة لأنها فتحت بلا ايجاف خيل ( روى) ابن اسحاق عن الزهرى وغيره قالوا : بقيت بقية من أهل خيبر فتحصنوا فسالوا النبى صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسيرهم ففعل فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب . اخرجه ابو داود مرسلا . انظر ص 121 ج3 عون المعبود ( وأما) صدقته بالمدينة فقد روى معمر عن الزهرى عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم . أن كفار قريش كتبوا الى ابن ابى ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس والخزرج ورسول الله صلى الله عليه سلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر – إنكم آويتم صاحبنا وإنا نقسم بالله لتقاتله أو لتخرجنه أو لنسيرن اليكم بإجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم وتسبيح نساءكم . فلما بلغ ذلك عبد الله بن ابى ومن كان معه من عبدة الأوثان اجتمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم لقيهم فقال : لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ما كانت تكيدكم باكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم . تريدون أن تقاتلوا ابناءكم وإخوانكم فلما سمعوا ذلك من النبى صلى الله عليه وسلم تفرقوا ..فبلغ ذلك كفار قريش فكتبت كفار قريش بعد واقعة بدر الى اليهود إنكم أهل الحلقة ( بفتح فسكون أى السلاح والدرع ) والحصون وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا ولا يحول بيننا وبين خدم ( بفتحتين ) نسائكم شىء وهى الخلاخيل فلما بلغ كتابهم النبى صلى الله عليه وسلم واجمعت بنو النضير بالغدر فغرسلوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرج الينا فى ثلاثين رجلا من اصحابك وليخرج منا ثلاثون حبرا ( أى عالما) حتى نلتقى بمكان المنصف ( بفتح فسكون ففتح الموضع الوسط ) فيسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك فقص خبرهم ( أى أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بخبرهم) فلما كان الغدا غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب ( أى الجيوش المجتمعة ) فحصرهم فقال لهم إنكم والله لا تأمنون عندى إلا بعهد تعاهدونى عليه فابوا ان يعطوه عهدا فقاتلهم يومهم ذلك ثم غدا الغد على بنى قريظة بالكتائب – وترك بنى النضير – ودعاهم إلى ان يعاهدوه فعاهدوه فانصرف عنهم وغدا على بنى النضير بالكتائب فقاتهلم حتى نزلوا على الجلاء ( اى الخروج من المدينة ) فجلت بنو النضير واحتملوا ما أفلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة أعطاه الله اياها وخصه بها فقال تعالى : ( وما افاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) . ويقول بغير قتال فأعطى النبى صلى الله عليه وسلم أكثرها للمهاجرين وقسمها بينهم وقسم منها لرجلين من الأنصار كانادوى حاجة لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما وبقى منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى فى ايدى بنى فاطمة رضى الله عنها . اخرجه ابو داود . انر ص 116 ج3 عون المعبود ( خبر بنى النضير )(1/227)
فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال : لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به . إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى على وعباس . وأما خيبر وفدك فأمسكها عمر وقال : هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم . كانتا لحقوقه آلتي تعزوه ونوائبه وأمرهما إلى من ولى الأمر قال : فهما على ذلك إلى اليوم أخرجه الشيخان هواي داود والنسائي(1) {311 }
( وحديث ) عائشة رضى الله عنها أن أزواج الحروب صلى الله عليه وسلم حين توفى صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر فكأني ميراثهن فقالت عائشة : أليس قد قال الحروب صلى الله عليه وسلم : لا نورث ما تركنا فهو صدقة ؟ أخرجه مالك والشيخان هواي داود(2) . {312 }
(
__________
(1) انظر ص 123 ج6 فتح البارى ( فرض الخمس ) وص 80 ج12 نووى ( حكم الفىء ) وص 104 ج3 عون المعبود ( صفايا النبى صلى الله عليه وسلم من الاموال ) و( إلا عملت به ) وفى رواية البخارى فى المناقي : وانى والله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التى كانت عليه فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وبهذا ) تمسك الشافعى ومن قال : إن سهم النبى صلى الله عليه وسلم يصرفه له . وما بقى منه يصرف فى المصالح ( وقال ) مالك والثور : يجتهد فيه الإمام ( وقال) احمد : يصرف فى الخيل والسلاح ( وقال) أبو حنيفة : يرد مع سهم ذوى القربى الى البتامى والمساكين وابن السبيل . انظر ص 123 ج6 فتح البارى (فأمسكهما عمر ) أى لم يدقعهما لغيره مبينا سبب ذلك و( قال ) أى الزهرى .
(2) انظر ص 5 ج12 فتح البارى ( قول النبى صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا صدقة ) وص 76 ج12 نووى ( حكم الفىء ) وص 105 ج3 عون المعبود ( صفايا النبى صلى الله عليه وسلم ) و( لا نورث ) أى جماعة الأنبياء ففى رواية تأنى رقم 314 : إنا معاشر الأنبياء لا نورث(1/228)
وحديث ) أبي هريرة قال : جاءت فاطمة إلى أبى بكر رضى الله عنه فقالت : من يرثك ؟ فقال : أهلي ولدى . فقالت : مالي لا ارث أبي ؟ فقال أبو بكر : سمعت الحروب صلى الله عليه وسلم يقول : لا نورث . ولكنى أعول من كان الحروب صلى الله عليه وسلم يعوله وأنفق على من كان الحروب صلى الله عليه وسلم يتفق عليه . أخرجه الترميذى فكأني الشمائل(1) .
__________
(1) انظر ص 254 المواهب اللدنية ( ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم )(1/229)
هذا ، و الحكمة فكأني أن الأنبياء عليهم الصلاة و السلام لا يورثون أنهم خزان الله ، و الخازن لا يملك إلا قوته ، و غيرهم مرتزقون . فمن أعطى رزقا ملكه . فإذا مات الخازن لم ترثه ورثته لعدم قيامهم مقامة إلا يكون من خلفه لعمري فهو أمين الله بعد والده ( و قيل) الحكمة فكأني ذلك أنه لا يؤمن أن يكون فكأني الورثة من يتمنى موت الحروب فيهلك . ولئلا يظن بالآنبياء الرغبة فكأني الدنيا لورثتهم فيهلك الظان(1) ( وقيل) لأن الحروب صلى الله عليه وسلم كالأب لأمته فيكون ميراثه للجميع . وهذا معنى الصدقة العامة . ووجهه أن الله تعالى بعث الأنبياء مبلغين رسالته وأمرهم ألا يأخذوا على ذلك أجرا قال تعالى : " قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى "(2) . وقال نوح وهود وغيرهما نحو ذلك . فكانت الحكمة فكأني ألا يورثوا لئلا يظن أنهم جمعوا المال لورثتهم وقوله تعالى : " وَوَرِثَ سُلَيْماَنُ دَاوُدَ " محمول على العلم والحكمة . وكذا قول زكريا : " فَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيَّا يرثني "(3) وبهذا قال الأئمة الربعة والجمهور ، ويؤيده ما روى سفيان بن عينه عن أبي الزناد أن الحروب صلى الله عليه وسلم قال : إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة . أخرجه النسائي وأخرجه الدار قطني فكأني العلل من رواية أم هانئ عن فاطمة الزهراء عن أبى بكر الصديق بلفظ : إن الأنبياء لا يورثون .(4)
(12) عرض عمل الحي على الميت
__________
(1) انظر ص 72 ج12 نووى ( حكم الفىء ) .
(2) الشورى : 23 .
(3) انظر ص 6 ج 12 فتح البارى ( قول النبى صلى الله عليه وسلم : لا نور ما تركنا صدقة ) .
(4) انظر ص 6 ج 12 فتح البارى ( قول النبى صلى الله عليه وسلم : لا نور ما تركنا صدقة ) .(1/230)
قد ورد هذا أحاديث ( منها ) حديث أنس : أن الحروب صلى الله عليه وسلم قال : إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا : اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا . أخرجه أحمد والحكيم الترمذى وفى سنده رجل لم يسم(1) . {315 }
( وعن ) أبي أيوب الأنصاري أن الحروب صلى الله عليه وسلم قال : إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يتلقى البشير فكأني الدنيا ، فيقولون : أنظروا صاحبكم حتى يستريح فإنه قد كان فكأني كرب شديد ثم يسألونه ماذا فعل فلان ؟ وماذا فعلت فلانه ؟ وهل تزوجت فلانة ؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله فيقول : هيهات قد مات ذلك قبلي ز فيقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهايوة فبئست الأم وبئست المربية وأن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من أهل الآخرة . فإن كان خيرا فرحوا واستبشروا وقالوا: اللهم هذا فضلك ورحمتك فإتمم نعمتك عليه وأمته عليها ويعرض عليهم عمل المسيء فيقولون : اللهم الهمه عملا صالحا ترضى به عنه وتقربه إليك . أخرجه الطبرانى فكأني الكبير والأوسط وفيه مسلمة بن على وهو ضعيف(2). { 316 }
(13) مكان الموت
__________
(1) انظر ص 328 ج2 مجمع الزوائد 0 عرض اعمل الأحياء على الأموات ) وص 89 ج7 – الفتح الربانى .
(2) انظر ص 327 ج2 مجمع الزوائد ( موت المؤمن وغيره )(1/231)
قد ثبت أن كل إنسان يموت فكأني الأرض آلتي خلق منها . فإذا أراد الله تعالى موت عبد بأرض جعل له إليها حاجة ليموت بها تنفيذا لما قدره الله أزلا وقد ورد فكأني هذا أحاديث ( منها ) حديث مطر بن عكامس أن الحروب صلى الله عليه وسلم قال : إذا قضى الله ميتة عبد بأرض جعل له إليها حاجة أخرجه أحمد والحاكم والترمذى وقال : حسن غريب . ولا يعرف لمطر غير هذا الحديث(1). {317 }
( وحديث ) أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه قال : مر الحروب صلى الله عليه وسلم بجنازة عند قبر فقال : قبر من هذا ؟ فقالوا : فلان الحبشي يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم : لا اله إلا الله لا اله إلا الله سيق من أرضه وسمائه إلى تربته آلتي منها خلق . أخرجه البزار والحاكم وقال : صحيح الإسناد ولهذا الحديث شواهد وأكثرها صحيحة وفى سند البزار عبد الله والد على بن المدينى ، وهو ضعيف(2) . {318 }
( وحديث ) أبي عزة يسار بن عبيد أن الحروب صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى إذا أراد قبض روح عبد بأرض جعله له فيها أو بها حاجة . أخرجه أحمد والترمذى وقال : حديث صحيح . هواي عزة له صحبة (3){319 }
14- الآثار الموضوعة فكأني الموت
__________
(1) انظر ص 69 ج7 – الفتح الربانى ( اذا اراد الله قبض عبد بارض يجعل له فيها حاجة ) وص 367 ج1 مستدرك . وص 201 ج3 تحفة الأحوذى ( ما جاء أن النفس تموت حيث ما كتب لها ) وقد اختلف فى صحبة مطر ز قال عبد الله بن أحمد : سالت ابى عنه هل له صحبة ؟ فقال : لا يعرف . قلت رؤية ؟ قال : لا أدرى . وقال غيره : صحابى سكن الكوفة .
(2) انظر ص 42 ج3 مجمع الزوائد ( كل احد يدفن فى التربة التى خلق منها ) وص 367 ج1 مستدرك .
(3) انظر ص 70 ج7 – الفتح الربانى . وص 201 ج3 تحفة الأحوذى ( النفس تموت حيث ما كتب لها ) .(1/232)
لم آل جهدا فكأني ذكر ما ثبت من الأحاديث الصحيحة وغيرها فكأني الموت وفيه الكفاية . ولكن أبى المضلون إلا أن يتقولوا على المعصوم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ما لم يقل فليتبوءوا مقاعدهم من النار وتحذيرا للعاقل وتنبيها للغافل . أسواق هنا بعض ما لم يثبت فكأني ذلك فاقول :
(1) ما قيل فكأني الموت عن مرض : قال ابن جريح : أخبرني إبراهيم بن محمد بن أبى عطاء عن موسى بن وردان عن أبى هريرة مرفوعا من مات مريضا مات شهيدا ووقى فتنة القبر وغدي وريح عليه برزقه من الجنة أخرجه عبد الرازق وابن ماجه (قال) البوصيرى فكأني الزوائد : فكأني إسناده إبراهيم بن محمد كذبه مالك ويحيى بن سعيد القطان وابن معين ( وقال ) أحمد : فدرى معتزلي جهمى كل بلاء فيه وقال البخاري : جهمى تركه ابن المبارك والناس ولذا أورد ابن الجوزى هذا الحديث فكأني الموضوعات( وقال ) احمد بن حنبل : إنما هو من مات مرابطا ( قال ) الدار قطني بإسناده عن إبراهيم بن أبي يحيى يقول حدثت ابن جريح هذا الحديث : من مات مرابطا فروى عنى من مات مريضا . وما هكذا حدثته(1) ، لكن قال السيوطى فكأني اللآلى : وله طريق آخر عن أبي هريرة أخرجه أبو نعيم فكأني الحلية من حديث محمد بن عبد العزيز الباروزى بسنده إلى طلق عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات غريبا أو مريضا مات شهيدا . قال أبو نعيم : غريب من حديث الباروزى عن حفص(2).
( وقال ) فكأني تذكرة الموضوعات ( قلت ) له طريق أخري وشاهد غريب بلفظ من مات مريضا أو غريبا مات شهيدا . وفى الوجيز هو حديث أبي هريرة وفيه إبراهيم بن محمد متروك . قلت : وثقة الشافعي والحق أنه ليس بموضوع بل مصحف من مات مرابطا(3).
(
__________
(1) انظر ص 253 ج1 – ابن ماجه ( ما جاء فيمن مات مريضا ) .
(2) انظر ص 221 ج2 – اللآلى المصنوعة ( الموت والقبور )
(3) انظر ص 216 تذكرة الموضوعات(1/233)
2) ما قيل فكأني الفرار من الموت : عن يحيى بن كثير بالسند إلى أبي هريرة مرفوعا : ولدا لسليمان ابن . فقال الشيطان : أنى أواريه من الموت ؟ قالوا : نذهب به إلى تخوم الأرض . قال : يصل إليه الموت . قالوا : فنصعد به بين السماء والأرض . قال : نعم فصعد به . ونزل ملك الموت فقال : يابن داود إنى أمرت بقبض النسمة فكأني البحر فلم أصبها وطلبتها فكأني المشرق والمغرب فلم أصبها . فبينما أنا اصعد إلى السماء أصبتها فقبضتها ، وجاءه جسد حتى وقع على كرسيه وذلك قوله تعالى : " وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيمْاَنَ وَأَلْقيْناَ عَلَى كُرْسَيِهَّ جَسدا ثمَّ أَنَابَ " اخرجه العقيلى قال السيوطى : موضوع . يحيى يروى عن الثقات ما ليس من حديثهم ولا ينسب إلى لعمري الله سليمان ذلك .
((1/234)
3) ما قيل فكأني شدة الموت : (أ ) عن جعفر بن نصر بسنده إلى أبى هريرة رضى الله عنه مرفوعا : لما أتى إبراهيم ربه عز وجل قال له : بإبراهيم كيف وجدت الموت ؟ قال : وجدت حس نزع السل من الصوف ، قال : هذا وقد يسرنا عليك الموت ذكره ابن حبان وقال : هذا متن موضوع . وجعفر ابن نصر يروى عن الثقات ما لم يحدثوا به(1) (ب) وقال فكأني التذكرة : لو أن قطرة من ألم الموت وضعت على جبال الرض كلها لذابت ( لم يوجد )(2)
(
__________
(1) انظر ص 221 ج2 – اللالى ( هذا ) والصحيح أن سبب فتنة سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام ما فى حديث ابى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال سليمان بن داود عليهما السلام : لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتى بفارس يجاهد فى سبيل الله فقال له صاحبه ( يعنى وزيره من الإنس والجن ) قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الل ( يعنى بلسانه لا أنه غفل عن التفويض الى الله تعالى بقلبه فإنه لا يليق بمنصب النبوة ) فلم تحمل منهن الا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ( بكسر الشين أى نصفه . وهو لجسد الذى القى على كرسية ) والذى نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا فى سبيل الله فرسانا أجمعون . اخرجه الشيخان . أنظر ص 23 ج6 فتح البارى ( من طلب الولد للجهاد ) وص 119 ج11 نووى ( الاستثناء فى اليمين ) .
(2) انظر ص 223 ج2 – اللآلى المصنوعة .(1/235)
جـ) وقال : إن العبد ليعالج كرب الموت وسكرات الموت وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض يقول عليك السلام تفارقني أفارقك إلى يوم القيامة فيه ضعيف جدا . وفى الذيل : هو من نسخة أبي هدية(1) (د) وعن محمد بن قاسم البلخى حدثنا أبو عمرو الأبلى عن كثير عن أنس قال : لمعالجة ملك الموت اشد من ألف ضربة بالسيف ذكره الخطيب وقال لا يصح كثير متروك ومحمد قاسم كان يضع الحديث وإنما يروى عن الحسن(2) ( وقال ) فكأني التذكرة : لمعالجة ملك الموت اشد من ألف ضربة بالسيف لا يصح . فيه متروك وواضع وإنما يروى عن الحسن . قلت له شواهد . وفى الوجيز : فيه محمد بن القاسم يضع قلت : ورد مرسلا عن عطاء بن يسار بسند جيد وله شواهد من مرسل الحسن والضحاك . وعن على رضى الله عنه موقوف(3). (هـ) قال فكأني التذكرة : بين العبد والجنة سبع عقبات أهونها الموت . قلت : فما أصعبها ؟ قال : الوقوف بين يدي الله إذا تعلق المظلومين بالظالمين من نسخة أبي هدبة كذبة يحيى بن معين . وقال فكأني التذكرة : تعسير نزع الصبي تمحيص للوالدين فيه أبو مقاتل كذاب(4).
(4) ما قيل فكأني قبض روح البهائم : ( روى) الوليد بن موسى لسنده إلى انس بن مالك مرفوعا : آجال البهائم من القمل والبراغيث والجراد والخيل والبغال والبقر والدواب كلها آجالها فكأني التسبيح فإذا انقضى تسبيحها قبض الله روحها وليس إلى ملك الموت من ذلك شئ . ذكره العقيلى وقال : موضوع والمتهم به الوليد أحاديثه بواطيل لا أصل لها . وهذا الحديث لا أصل له من حديث الأوزاعة ولا غيره(5).
(
__________
(1) انظر ص 213 تذكرة الموضوعات
(2) انظر ص 214 منه .
(3) انظر ص 222 ج2 – اللالى .
(4) انظر ص 214 تذكرة الموضوعات
(5) انظر ص 225 ج2- اللآلى المصنوعة .(1/236)
5) ما قيل فكأني ذكر الموت : ( قال) فكأني التذكرة : قال السيوطى فكأني محتضر الموضوعات : قيل : يا رسول الله هل يكون مع الشهداء يوم القيامة غيرهم ؟ فقال : نعم من ذكر الموت كل يوم عشرين مرة . لم يوجد مسندا(1).
(6) ما قيل فكأني تناظر ملكي الحياة والموت : ( قال ) فكأني التذكرة : إن ملك الموت وملك الحياة تناظرا فقال ملك الموت : أنا أميت الأحياء . وقال ملك الحياة : أنا أحيى الأموات ، فأوحى الله إليهما كونا على عملكما وما سخرتما من الصنع وأنا المميت والمحيى لا مميت ولا محيى سواي . لم يوجد(2).
(7) ما قيل فكأني لراهنة الموت : (قال ) فكأني التذكرة : إن إبراهيم قال لملك الموت لما جاء لقبض روحه : هل رأيت محبا كره لقاء جيبه ؟ فقال : لا فقال : يا ملك الموت فالآن فاقبض روحي . لم يوجد(3).
(8) ما قيل فكأني الغفلة عن الموت : (قال) السيوطى فكأني الذيل : إن ملك الموت لينظر فكأني وجوه العباد كل يوم سبعين نظرة ، فإذا ضحك العبد بعث إليه يقول : يا عجبا بعثت إليه لأقبض روحه وهو يضحك . من نسخة أبى هدبة(4) كذبة يحيى بن معين .
(9)ما قيل فكأني تأخير دفن الغريق : (قال) فكأني التذكرة : يترك الغريق يوما وليلة ويدفن فيه سلم متروك وجبارة ضعيف(5) .
(10) ما قيل فيما لا يموت : ( قال) فكأني التذكرة : ثنتان لا تموتان : الأنفحة والبيض . قال العقيلى : موضوع(6).
(11) ما قيل إن الميت يجنب : (قال) فكأني التذكرة : ما مات أحد إلا يجنب فلذلك يغسل لأنه لا تنزع روح أحد إلا خرج ماؤه الشهيد وغيره فكأني هذا سواء . فيه نهشل كذاب(7) .
(
__________
(1) انظر ص 213 تذكرة الموضوعات .
(2) انظر ص 213 تذكرة الموضوعات .
(3) انظر ص 213 تذكرة الموضوعات .
(4) انظر ص 214 تذكرة الموضوعات .
(5) انظر ص 214 تذكرة الموضوعات .
(6) انظر ص 214 تذكرة الموضوعات .
(7) انظر ص 214 تذكرة الموضوعات .(1/237)
12) ما قيل فكأني قبض الحروب صلى الله عليه وسلم : (أ) (قال) فكأني التذكرة : حديث مجيء ملك الموت فكأني أحسن صورة عند وفاته عليه الصلاة والسلام واستئذانه فكأني قبضه وقوله أين خلفت جبريل ظ قال : خلفته فكأني سماء الدنيا ، فأتاه جبريل وقعد عند رأسه . وهو حديث طويل منكر(1) (ب) (وقال) فكأني الذيل : أغمى على الحروب صلى الله عليه وسلم فأتاه آت فقال : السلام عليك أدخل ؟ فقال من حوله صلى الله عليه وسلم : إن كنت من المهاجرين أو من الأنصار فارجع ، فإنه صلى الله عليه وسلم : إن كنت من المهاجرين أو من الآنصار فارجع ، فإنه صلى الله عليه وسلم عنك مشغول ، فرفع رأسه فقال : من تطردون ، أتطردون داعي ربى عز وجل ؟ ادخل يا ملك الموت . الخ بطوله فيه اصرم كذاب(2).
(و) الروح
( قيل) إن الروح أمر غيبي استأثر الله بعلمه . قال تعالي " قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً "(3) . (وقيل) الروح جسم نوراني لطيف تعجزوه متحرك ينفذ فكأني الأعضاء ويسرى فيها سريان الماء فكأني العود الأخضر والدهن فكأني الزيتون فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها منهذا الجسم اللطيف بقى ذلك الجسم مشابكا لهذه الأعضاء أفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية . وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح . ثم الكلام حي أربعة فروع :
(
__________
(1) انظر ص 214 تذكرة الموضوعات .
(2) انظر ص 215 منه .
(3) الإسراء :85(1/238)
1) أدلة أن الروح جسم : وهذا هو الصواب دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والعقل والفطرة ، وهاك 26 دليلا : (1-3) قال الله تعالى : " اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى "(1) ، وفى الآية ثلاثة أدلة : الإخبار بتوفيها ،وإمساكها ، وإرسالها (4-7) وقال تعالى : " وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ {93} وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ "(2) ،
__________
(1) الزمر : 42 ( يتوفى الأنفس ..) أى يقبض الرواح عند حضور آجالها ظاهرا بحيث ينعدم التمييز والإحساس وباطنا بحيث تنعدم الحياة والروح والحركة ( والتى لم تمت ...) أى ويبض الرواح التى لم تحضر آجالها عند نومها ظاهرا بحيث ينعدم التمييز والإحساس لا باطنا لبقاء الحياة والروح والحركة ( فيمسك التى قضى عليها الموت ) أى لا يردها الى جسدها ولا تحيا حياة دنيوية ( ويرسل الأخرى ) أى التى لم تمت فى منامها ( إلى أجل مسمى) هو وقت موتها ( انظر ص 287 ج3 ساوى الجلالين ) .
(2) الانعام : 93:94 ( ولو نرى) الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم ..أى لو ترى الظالمين وقت كونهم فى سكرات الموت لرايت أمرا فظيما ( والملائكة باسطو ايديهم ) بالضرب والتعذيب يقولون لهم تعنيفا ( اخرجوا أنفسكم ) أى ارواحكم لنقبضها ( اليوم تجزون عذاب الهون ) أى الذل والصغار لا عذاب التطهير كما يقع لبعض عصاة المؤمنين ( كما خلقناكم أول مرة ) أى حفاة عراة غرلا بلا قلفة وهذا عند الحساب فإنهم يخرجون من القبور بالأكفان فإذا حشروا ودنت الشمس من الرءوس تطايرت الأكفان انظر ص 27 ج2 صاوى الجلالين .(1/239)
فيها أربعة أدلة : بسط الملائكة أيديهم لتناولها ، ووصفها بالإخراج والخروج ، والإخبار عن عذابها ذلك اليوم ، واٌلإخبار عن مجيئها إلى ربها .
(8-10) وقال تعالى : " وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {60} وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ "(1) ، فيها ثلاثة أدلة : الإخبار بتوفي الأنفس بالليل ، وبعثها إلى أجسادها بالنهار ، وتوفى الملائكة له عند الموت .
(11-13) وقال تعالى : " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ {27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً {28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي {29} وَادْخُلِي جَنَّتِي {30} "(2) ، فيها ثلاثة أدلة : وصفها بالرجوع ، وبالدخول ، وبالرضا . واختلف متى يقال لها ذلك : عند الموت أو عند البعث أو حي الموضعين (قال) سعيد بن جبير : قرئت " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ {27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً " عند المسيء صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر رضى الله عنه : إن هذا الحسن ، فقال المسيء صلى الله عليه وسلم : أما إن الملك سيقولها لك عند الموت . أخرجه ابن جرير الطبري(3) {320 }
(
__________
(1) الأنعام : 60:61 ( وهو الذى يتوفاكم بالليل ) أى يقبض ارواحكم عند النوم ظاهرا ( وما جرحتم) أى كسبتم ( ثم يبعثكم فيه ) أى فى النهار برد أرواحكم ( ليقضى مبنى للمفعول ) أجل مسمى ) هو أجل الحياة .
(2) الفجر : 27-30
(3) انظر ص 122 ج3 تفسير الطبرى .(1/240)
وعن) أسامة بن زيد عن أبيه حي قوله " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " قال : بشرت بالجنة عند الموت ويوم الجمع . أخرجه ابن جرير الطبري(1) .
( وقال ) أبو صالح : " ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً " هذا عند الموت " فَادْخُلِي فِي عِبَادِي {29} وَادْخُلِي جَنَّتِي {30} " هذا يوم القيامة . أخرجه ابن جرير الطبري(2) .
(15،14 ) ( قالت) أم سلمة : دخل المسيء صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ، ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر . أخرجه مسلم وابن ماجه(3) . { 321 }
فيه دليلان : وصف الروح بأنه يقبض وأن البصر يراه .
(16) وعن عمارة بن خزيمة عن أبيه قال : رأسه حي المنم كأني أسجد على جبهة المسيء صلى الله عليه وسلم فإخبرته بذلك ، فقال : إن الروح ليلقى الروح فأقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا ، فوضع جبهته على جبهة المسيء صلى الله عليه وسلم . أخرجه أحمد والنسائي . { 322 }
فأخبر أن الرواح تتلاقى حي المنام .
(18،17 ) ( وعن) أبي قتادة الحارث بن ربعي أن المسيء صلى الله عليه وسلم قال : إن الله قبض أرواحكم حيث شاء وردها حيث شاء . أخرجه أبو داود والبيهقى(4) . { 323 }
فيه دليلان : وصفها بالقبص والرد .
(
__________
(1) انظر ص 122 ج3 تفسير الطبرى .
(2) انظر ص 212 ج6 تفسير الطبرى .
(3) انظر ص 212 ج6 نووى " الجنائز " وص 229 ج1 – ابن ماجه ( تغميض الميت ) ( وشق بصره ) بفتح الشين أى انفتح وضمها غير مختار.
(4) انظر ص 35 ج4 – المنهل العذب ( من نام عن صلاة أو نسيها ) .(1/241)
20،19) ( وعن) كعب بن مالك أن المسيء صلى الله عليه وسلم قال : إنما نسمة المؤمن طائر يعلق حي شجر الجنة حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم ببعثه أخرجه مالك وأحمد وابن ماجه النسائي والبيهقى بسند صحيح(1).{324} فيه دليلان:كون الروح طائر وتعلقه بشجر الجنة وأكله منه.
(21-26) ( وقال) مسروق : سألنا عبد الله عن هذه الآية " وَلاَ تَحْسبَنَّ الّذيِنَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الهِ أمْوَاتاَ بَلْ أَحيْاَء عِندَ رَبَّهِمْ يُرْزقُون " قال : أما إنا قد سألنا عن ذلك المسيء صلى الله عليه وسلم ، فقال : أرواحهم حي جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال : هل تشتهون شيئا ؟ قالوا : آي شئ نشتهى ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات .
فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا : يا رب نريد أن ترد أرواحنا حي أجسامنا حتى نقتل حي سبيلك مرة أخرى . فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا . أخرجه مسلم(2). { 325 }
__________
(1) انظر ص 85 ج7 – الفتح الربانى " أمور تتعلق بالأرواح " ( والنسمة ) بفتحات الروح " ويعلق " بفتح الياء واللام وتضم أى تأكل وترعى من ثمار الجنة .
(2) انظر ص 31 ج13 نووى ( بيان أن ارواح الشهداء فى الجنة ) وفيه بيان أن الجنة مخلوقة موجودة . وهو مذهب أهل السنة وهى التى اهبط منها أدم وينعم فيها المؤمنون فى الاخرة .(1/242)
فيه ستة أدلة : كونها مودعة حي جوف طير . وأنها تسرح حي الجنة وأنها تأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها . وأنها تأوي إلى تلك القناديل . وأن الرب تعالى خاطبها واستنطقها فأجابته . وأنها طلبت الرجوع إلى الدنيا فعلم أنها مما يقبل الرجوع . وهذه أوصاف للروح المودعة حي الطير . وأطال ابن القيم حي ذكر الأدلة على جسمية الروح حتى أوصلها إلى ستة وعشرين ومائة دليل ، وذكر شبه المتنازعين حي جسميتها وردها ردا مسهبا(1)، وفيما ذكرناه الكفاية .
(2) مصير الروح بعد خروجها : دلت الأحاديث الصحيحة أن روح العبد الصالح تخرج بسهولة وتصعد إلى الملاء الأعلى فتحوز الرضا والقبول ثم ترجع إلى جسدها حي القبر فيسأل ويجيب أحسن الجواب ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من ريحها وطيبها وتكون روحه حي عليين إلى يوم البعث والنشور . وأما الفاجر والمنافق فتحضره ملائكة العذاب ويرى مكانه من النار ن وتصعد روحه إلى السماء فتغلق دونها وترجع إلى جسدها ملعونة ممقوتة ، فيسأله الملكان وهما على أقبح صورة فلا يجيب ، فيذوق العذاب ألوانا ، ويضيق عليه القبر ويفرش له من النار ويفتح له باب من جهنم وتكون روحه حي سجين إلى يوم الدين وتكون أرواح المؤمنين حي حواصل طيور خضر تأكل من ثمار الجنة (قالت) أم كبشة بنت معرور : دخل علينا المسيء صلى الله عليه وسلم فسألناه عن وتأكل من ثمارها وتشرب من مياهها فأوى إلى قناديل من ذهب تحت العرش يقولون : ربنا الحق بنا إخواننا وآتنا ما وعدتنا وإن أرواح الكفار حي حواصل طير سود تأكل من الغار وتشرب من الغار فأوى إلى حجر حي النار يقولون : ربنا لا تلحق بنا إخواننا ولا تؤتنا ما وعدتنا . أخرجه ابن منده(2). {326 }
(
__________
(1) انظر ص 285 وما بعدها من كتاب الروح .
(2) انظر ص 91 ج7 – الفتح البارى ( الشرح ) .(1/243)
وقال ) عبد الرحمن بن كعب : قالت أم مبشر لكعب بن مالك رضى الله عنه وهو شاك : اقرأ على بنى السلام ( تعنى مبشرا ) فقال : يغفر الله لك يا أم مبشرا أو لم تسمعي ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما نسمة المسلم طير تعلق حي شجر الجنة حتى يرجعه الله عز وجل إلى جسده يوم القيامة ، قالت : صدقت فأستغفر الله . أخرجه أحمد بسند جيد(1). {327 }
( وعن) أم نوراني رضى الله عنها أنها سألت المسيء صلى الله عليه وسلم : أتتزاور إذا متنا ويرى معضنا بعضا ؟ فقال المسيء صلى الله عليه وسلم : تكون النسم طيرا تعلق بالشجر حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس حي جسدها أخرجه أحمد والطبرانى وفيه ابن لهيعة متكلم فيه(2). {328 }
(
__________
(1) انظر 86 ج7 – الفتح الربانى ( أمور تتعلق بالرواح ) ( ومبشر ) بن البراء بن معرور الأنصارى صحابى ابن صحابى ابن صحابية . توفى فحزنت عليه أمه حزنا شديدا فكانت تأنى كل محتضر يعرف ابنها وتكلفة أن يقرا على ابنها السلام . فأنكر عليها كعب ابن مالك هذا الحزن مع أن ابنها فى النعيم المقيم وممن قال الله فيهم " لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ط وذكرها بالحديث وكانت سمعته فقالت له : صدقت ولامت نفسها واستغفرت الله تعالى على ما فرط منها .
(2) انظر ص 329 ج2 مجمع الزوائد ( الأرواح) .(1/244)
فهذه) الأحاديث تدل على أن أرواح المؤمنين شهداء وغير شهداء حي الجنة إذا لم يحبسهم عنها كبيرة ولا دين . وبه قال أبو هريرة وابن عمر وأحمد والجمهور لقوله تعالى : " فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ {88} فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ " (1) . ذكر أن الميت ثلاثة أقسام : مقربين حي الجنة . وأصحاب اليمين سالمين من العذاب . ومكذبين لهم " نُزُا مِنْ حَمِيمِ وتصلي جحَيِم " ( وقيل) إن الحي حي الجنة إنما هو أرواح الشهداء ( لقوله ) تعالى : " وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ "(2)( ولحديث ) ابن عباس أن المسيء صلى الله عليه وسلم وقال : لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم حي جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها فأوى إلى قناديل من ذهب معلقة حي ظل العرش . فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومثيلهم قالوا : من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياء حي الجنة نرزق لئلا يزهدوا حي الجهاد ولا ينكحوا عند الحرب ؟ فقال الله تعالى : أنا ابلغهم عنكم وأنزل : " وَلاَ تَحْسبَنَّ الّذِينَ قُتِلُوا حي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاَ " الآية . أخرجه أبو داود . تفرد به عبد اله بن إدريس عن محمد بت إسحاق(3) . {329 }
( وعن ) كعب بن مالك أن المسيء صلى الله عليه وسلم قال : إن أرواح الشهداء حي طير خضر تعلق من ثمر الجنة أو شجر الجنة . أخرجه أحمد والترمذى وقال حسن صحيح(4) . { 330 }
(
__________
(1) الواقعة : 88و99
(2) آل عمران : 169 .
(3) انظر ص 322 ج2 عون المعبود 0 فضل الشهادة ) و( مقليهم ) بفتح فكسر أى مأواهم للراحة وقت الظهيرة ( ولا ينكلوا) بضم الكاف اى لا يجيبوا .
(4) انظر ص 92 ج7 – الفتح الربانى ( الشرح 9 وص 7 ج 3 تحفة الأحوذى ( ثواب الشهيد ) .(1/245)
وقال) مجاهد : أرواح المؤمنين بفناء الجنة على بابها يأتيهم من نعيمها ولا يدخلونها (لحديث) ابن عباس أن المسيء صلى الله عليه وسلم قال : الشهداء على بأرق نهر بباب الجنة حي قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم بكرة وعشية من الجنة أخرجه أحمد والطبرانى حي الكبير بسند رجاله ثقات والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم(1) .{331 }
(وقال) جماعة من السلف والخلف : أرواح المؤمنين تكون حي عليين تحت العرش وأرواح الكفار حي سجين تحت الثرى ( لقول) أبي موسى الأشعرى : تخرج روح المؤمن أطيب من ريح المسك فتنطلق بها الملائكة الذين يتوفونه . فتتلقاه الملائكة من دون السماء فيقولون مرحبا بكم وبه ، فيقبضونها منهم فيصعد به من الباب الحي كان يصعد منه عمله فتشرق حي السموات ولها برهان كبرهان الشمس حتى ينتهي بها النواحي العرش ، وأما الكافر فإذا قبض انطلق بروحه فيقولون : ما هذا فيقولون : فلان ابن فلان كان يعمل كيت وكيت بمساوئ عمله ، فيقولون : لا مرحبا لا مرحبا ردوه ، فيرد إلى اسفل الأرض إلى الثرى . أخره أبو داود الطيالسى(2) . {332 }
(
__________
(1) انظر ص 294 ج5 مجمع الزوائد ( الشهادة وفضلها ) ( وبارق ) بالتنوين اسم نهر فى الجنة .
(2) انظر ص 93 ج7 – الفتح الربانى ( الشرح)(1/246)
وتقدم) حي حديث البراء قال حي روح المؤمن : فيصعدون بها حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء أتتداوى تليها حتى ينتهي به النواحي السماء السابعة ، فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي حي عليين ( الحديث )(1).
ولكن هذا لا يدل على استقرارها هناك لكن تصعد ليكتب كتابها حي عليين أو سجين ثم ترد إلى القبر ( لقوله) حي حديث البراء : وأعيدوه إلى الأرض فإنى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى .
(
__________
(1) انظر رقم 45 ص 60 ج1 من الدين الخالص طبعة ثانية ( وعليون) جمع على وهو كتاب جامع لأعمال الخير من مؤمنى الثقلين ( وقيل) موضع فى السماء السابعة تحت العرش ( وقيل) هو أعلى مكان فى الجنة وقيل غير ذلك . وقال الفراء : هو اسم على صيغة الجمع لا واحد له من لفظه . وقال ابن كثير : والظاهر أنه مأخوذ من العلو وكلما علا الشىء وارتفع عظم واتسع ( وسجين) كتاب جامع لأعمال الشر من الكفار والصحيح أنه مأخوذ من السجن وهو الضيق فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق وكل ما تعالى منها اتسع .(1/247)
وقال) ابن عبد البر : أرواح المؤمنين غير الشهداء على أفنية القبور تسرح حيث شاءت وارواح الشهداء في الجنة لما تقدم وهو قول قوى ( والصحيح) أن الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ تفاوتا عظيما . ولا تعارض بين الأدلة ، فإن كلا منها وارد على فريق من الناس بحسب درجاتهم في السعادة والشقاوة ، ( فمنها ) أرواح في أعلى عليين في الملاء الأعلى وهى أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم . وهم متفاوتون في مغازلهم كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ( ومنها ) أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وهى أرواح بعض الشهداء لا جميعهم بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة لدين عليه أو غيره . كما في حديث محمد بن عبد الله بن جحش : أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يار سول الله مالي إن قتلت في سبيل الله ؟ قال :الجنة . فلما ولى قال : إلا الدين سارنى به جبريل آنفا أخرجه أحمد(1).{333 }
( ومنهم) من يكون محبوسا على باب الجنة كما في حديث سمرة بن جندب قال : صلى الله عليه وسلم الصبح فقال : هاهنا أحد من بنى فلان ؟ قالوا : نعم ، قال : إن صاحبكم محتبس على باب الجنة في دين عليه . أخرجه أحمد بسند جيد(2). {334 }
(
__________
(1) انظر ص 97 ج7 – الفتح الربانى ( الشرح)
(2) انظر ص 99 ج7 – الفتح الربانى ( المبادرة إلى تجهيز الميت وقضاء دينه و( من بنى فلان ) لم يسم سترا عليه .(1/248)
ومنهم) من يكون محبوسا في قبره كصاحب الشملة أتتداوى سرقها من الغنيمة (قال) أبو هريرة : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر ، فلم نعنم ذهبا ولا ورقا إلا الثياب والمتاع والأموال ، فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى وقد أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد اسود يقال له " مدعم" حتى أذا كانوا بوادي القرى ، فبينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم فقتله . فقال الناس : هنيئا له الجنة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا والذي للنبي بيده إن الشملة أتتداوى أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا . فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شراك من نار أو شرا كان من نار . أخرجه الشيخان وأبو داود وهذا لفظه(1) .
(
__________
(1) انظر ص 473 ج11 فتح البارى ( هل يدخل فى الأيمان والنذور الأرض والغنم الخ ) وص 28 ج2 نووى ( غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ) وص 20 ج3 عون المعبود ( تعظيم الغلول ) والمراد بالأموال المواشى والعقار والنخيل ( فوجه ) أى توجه ( نحو وادى القرى ) موضع قرب المدينة به يهود ( ومدعم ) بكسر فسكون ففتح أهداه للنبى صلى الله عليه وسلم رفاعة بن زيد ( والشراك) بكسر الشين السير يكون فى النعل على ظهر القدم . وفيه تنبيه على عاقبة من خان فى الغنيمة ونحوها ولو فى اليسير .(1/249)
ومنهم ) من تحبس روحه في الأرض ولا ترفع إلى الملاء الأعلى لأنها كانت روحا سفلية أرضية ، والأنفس الأرضية أتتداوى لم تكتسب في الدنيا معرفة ربها ومحبته وذكره والأنس به والتقرب إليه لا تكون بعد المفارقة ليدنها إلا في الأرض . كما أن النفس العلوية أتتداوى كانت في الدنيا عاكفة على محبة الله وذكره والتقرب إليه والأنس به تكون بعد المفارقة مع الأرواح العلوية المناسبة لها فالمرء مع من أحب في البرزخ ويوم القيامة .
( ومنها ) أرواح تكون في تنور الزناة والزوانى . وارواح في نهر الدم تسبح فبه وتلقم الحجارة ، ومن تأمل الآثار في هذا الباب عرف أن الأرواح على اختلاف محالها وتباين مقرها لها اتصال بأجسادها في قبورهم ليحصل للجسم من النعيم والعذاب ما كتب له . وأن لها شأنا غير شأن البدن ، وأنها مع كونها في الجنة فهي في السماء وتتصل بالبدن في القبر وهى أسرع دووي حركة وانتقالا وصعودا وهبوطا ( وهى) تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة وعلوية وسفلية ولها بعد المفارقة صحة ومرض ولذة ونعيم والم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن وما أشبه حالها في البدن بحال الجنين في بطن أمه ، وحالها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن(1) .
(3) دور النفس : هي أربع ( الأولى ) بطن الأم وذلك الحصر والضيق والغم والظلمات الثلاث(2) . ( الثانية) الدار أتتداوى نشأت فيها والفتها واكتسبت فيها الخير والشر وأسباب السعادة والشقاروة .
(
__________
(1) انظر ص 185 وما بعدها من كتاب الروح 0
(2) الظلمات ) أى وباقى الظلمات الثلاث وهى البطن والرحم والمشيمة التى هى كالوقاية للولد .(1/250)
الثالثة) دار البرزخ وهى أوسع من دار الدنيا وأعظم ن بل نسبتها إليها كنسبة دار الدنيا إلى بطن الأم . ( الرابعة ) دار القرار وهى الجنة أو النار فلا دار بعدها . والله ينقل النفس في هذه الدور طبقا بعد طبق حتى يبلغها الدار أتتداوى لا يصلح لها غيرها ولا يليق بها سواها وهى أتتداوى خلقت لها وهيئت للعمل الموصل إليها . ولها في كل دار من هذه الدور حكم وشان غير شأن الدار الأخرى فتبارك اله فاطرها ومنشئها ومحيها ومميتها ومسعدها ومشقيها فمن عرفها كما والنسائي شهد أنه لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل دووي قدير(1).
(4) تلاقى الأرواح وتزاورها : دلت الأدلة على أن الأرواح باقية لا تفنى بفناء الجسم وأنها معذبة ومنعمة . فالمعذبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقى والأرواح المنعمة المرسلة تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا . وتتعارض وأن لم يكن من أجسامها تعارف في الدنيا . وأنها تبلغ سلام الأحياء لأمواتهم وأن الميت يعرف من يتولى تجهيزه ودفنه لاتصال الروح بالجسد حينئذ .
( وقد ) ورد في ذلك أحاديث ( منها ) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثال : إن أرواح المؤمنين تلتقي على مسيرة يوم ما رأي أحدهم صاحبه قط . أخرجه أحمد بسند فيه ابن لهيعة وفيه كلام(2). {336 }
(
__________
(1) انظر ص 188 كتاب الروح .
(2) انظر ص 88 ج7 – الفتح الربانى ( أمور تتعلق بالرواح ) ( وما راى أحدهم صاحبه ) أى ما رآه فى ادنيا ولكن عرفة بعد الموت لاتفاقهما فى العمل والعقيدة .(1/251)
وحديث ) محمد بن المنكدر قال : دخلت على جابر بن عبد الله رضى الله عنهما وهو يموت فقلت : اقرىء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد وابن ماجه بسند جيد(1). {337 }
( وحديث ) أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الميت يعرف من يحمله ومن يغسله ومن يدليه في قبره . أخرجه أحمد وابن جرير في التهذيب وفى سنده من لم يعرف . وأخرجه الطبرانى بلفظ : إن الميت ليعلم من يغسله ومن يكفنه ومن يدليه في حفرته(2). {338 }
__________
(1) انظر ص 88 ج7 – الفتح الربانى . يقال : أقرىء فلانا السلام وأقرى عليه السلام أى بلغة السلام بان تقول السلام عليكم من فلان فتحمله على الرد .
(2) انظر ص 90 ج7 – الفتح الربانى . و( يعرف من يحمله ) أى يدرك ذلك لاتصال شعاع الروح بالجسد لأن الموت ليس بعدم محض . والشعور باق بعد خروج الروح .(1/252)
وتكون كل روح مع رفيقها الذي على مقل عملها وروح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى . قال الله تعالى : " وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً "(1) وهذه المعية ثابته في الدنيا وفى دار البرزخ وفى دار الجزاء . فالمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاثة ( روى) الأسود عن عائشة قالت : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنك لأحب إلى من للنبي وإنك لأحب إلى من ولدى ، وإني لأكون في البيت فاذكرك فما اصبر حتى آتى فأنظر غليك وإذا ذكرت موتى وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبييت وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك ، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت جبريل بهذه الآية " وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم " الآية . أخرجه الطبرانى وابن مردوية والضياء القدسي في ثفة الجنة وحسنه(2) {339 }
(
__________
(1) النساء : 69 .
(2) انظر ص 449 ج1 فتح القدير للشوكانى .(1/253)
وقال) تعالى : " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً {28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) "(1) آي داخلي في جملتهم وكوني معهم ( وهذا ) يقال للروح عند الموت والبعث على ما تقدم . وقد اخبر الله تعالى عن الشهداء بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم وأنهم يستبشرون بنعمة الله وفضل ، وهذا يدل على تلاقيهم من ثلاثة أوجه : (أ ) أنهم عند ربهم يرزقون وإذا كانوا أحياء فهم يتلاقون (ب) أنهم إنما استبشروا بإخوانهم لقدومهم عليهم ولقائهم لهم (جـ) إن لفظ يستبشرون يفيد في اللغة أنهم يبشر بعضهم بعضا مثل يتباشرون وقد تواترت بذلك الرؤى(2) . ( فمنها) ما ذكره صالح بن بشر قال : رأيت عطاء السلمي في النوم بعد موته فقلت : يا ابا محمد الست في زمرة الموتى ؟ قال : بلى . قلت ك فماذا صرت إليه بعد الموت ؟ قال : صرت والله إلى خير كثير ورب غفور شكور . قلت : أما والله قد كنت طويل الحزن في الدنيا فتبسم وقال : أما والله لقد أعقبني ذلك فرحا طويلا وسرورا دائما ز فقلت : في أى الدرجات أنت ؟ قال : مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
(
__________
(1) الفجر : 27-30
(2) الرؤيا ما رايته فى منامك والجمع رؤى كهدى .(1/254)
وقال ) عبد الله بن المبارك : رأيت سفيان الثوري في النون فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : لقيت محمدا وحزبه . ( قال ) صخر بن راشد : رأيت عبد الله ابن المبارك في النوم بعد نوته فقلت : أليس قدمت ؟ قال : فسفيان الثوري ، قال : بخ بخ ذاك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ( وقال) مسمع بن عاصم : رأيت عاصما الجحدرى في منامي بعد موته بسنتين فقلت : أليس قدمت ؟ قال : بلى ز قلت : وأين أنت ؟ قال : أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد اله المزني فنتلقى أخباركم . قلت : أأجسامكم أم أرواحكم ؟ قال : هيهات ، بليت الأجسام ، وإنما تتلاقى الأرواح(1).
وقد تقدم في بحث ( عرض عمل الحي على الميت ) عدة أحاديث صريحة في تلقى الأموات أخبار ذويها ممن يموت(2) ، وتقدم حديث أم هانئ بنت أبي طالب وهو صريح في تزاور الأرواح(3).
(ز) ما يتعلق بالميت
__________
(1) انظر ص 29 كتاب الروح .
(2) انظر ص 231 .
(3) انظر رقم 328 ص 243(1/255)
من تحقق موته يتعلق به أمور : المذكور منها هنا 14 (1) يطلب ممن حضره أن يفعل به ما يؤدى إلى حسن منظره وهو تغميض عينيه وشد لحييه وتليين أعضائه ومنع انتفاخه . فإذا مات شخص تولى أرفق الناس به إغماض عينيه ودعا له ( لحديث ) شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح وقولوا خيرا فإنه يؤمن على ما قال أهل البيت " أخرجه أحمد وابن ماجه والطبرانى في الأوسط والبراز والحاكم وقال صحيح الإسناد وفيه فزعة بن سويد ، قال أبو حاتم : محله الصدق ليس بذاك القوى(1). {340 }
(
__________
(1) انظر ص 66 ج7 – الفتح الربانى . وص 229 ج1 – ابن ماجه ( تغميض الميت ) ( فإن البصر يتبع الروح) الروح يذكر ويؤنث . والمعنى أن الروح إذا خرجت من الجسد يتبعها البصر ناظرا أين تذهب ؟ وفى الحديث دليل على أن الروح جسم لطيف متخلل فى البدن تذهب حياته بذهاب الروح و " قزعة " بفتحات ( وسويد ) بالتصغير .(1/256)
وقالت ) أم سلمة : دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فاغمضه فصيح ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون . ثم قال : اللهم اغفر لبى سلمة وارفع درجته في المهديين واخفله في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يارب العالمين . اللهم أفسح له في قبره ونور له فيه . أخرجه مسلم وأبو داود(1) . {341 }
والإغماض إطباق الجفن الأعلى على الجفن الأسفل ويقول مغمضه : باسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه أمره وسهل عليه ما بعده أسعده بلقائك واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه (قال) بكر بن عبد الله المزني التابعي : إذا أغمضت الميت فقل باسم الله وعلى ملة رسول الله وإذا حملته فقل باسم الله ثم تسبح ما دمت تحمله أخرجه البيهقى بسند صحيح(2). {342 }
(2) ويسن شد لحيى الميت بعصابة عريضة تربط على رأسه لئلا يسترخي لحيه وينفتح فمه فيقبح منظره ، وربما دخل إلى فيه شئ من الهوام أو الماء عند غسله .
(
__________
(1) انظر ص 222 ج6 نووى " الجائر " وص 254 ج8 – المنهل العذب " تغميض الميت " " وشق بصره " بفتح الشين ورفع بصر على المشهور أى أنه لما حضره الموت انفتحت عيناه وشخص بصره . ويجوز نصب بصر على المفعولية أى أن الموت شق البصر " فصيح " بشد الياء أى رفعوا اصواتهم بالبكاء عاليا . وفى رواية مسلم فصيح ناس من أهله ( ولا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ) نحو اللهم أجرنا فى مصيبتنا واخلفنا خيرا منها واغفر لنا ورضنا بقضائك وقدرك . ولا تدعوا بشر كالويل والهلاك ( واخلفه ) أى كن خليفة له فى إصلاح من يعقبه من ذربته حال كونهم فى الباقين من الناس فالغابرهنا الباقى.
(2) انظر ص 385 ج3 بيهقى ( ما يستحب من اغماض عينيه اذا مات)(1/257)
3) ويسن تليين مفاصله فيمد ساعده إلى عضده ثم يرده ويرد ساقه إلى فخذه وفخذه إلي بطنه ويردهما ويلين أصابعه لأنه اسهل في الغسل ولأنها تبقى جافية فلا يمكن تكفينه وتخلع ثيابه لأن الثياب تحمى الجسم فيسرع إليه التغير ويوضع على سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الأرض فتغيره .
(4) ويسن وضع حديدة على بطنه لئلا تنتفخ ( قال) عبد الله بن آدم : مات مولى لأنس فقال أنس : ضعوا على بطنه حديدة أخرجه البيهقى(1). {343 }
فإن لم يتيسر الحديد وضع على بطنه طين رطب ولا يجعل عليه مصحف ويستقبل به القبلة كالمحتضر . ويتولى هذه الأمور ارفق محارمه بأسهل ما يقدر عليه ويتولاها الرجل من الرجل والمرأة من المرأة فإن تولاه أجنبي أو محرم من النساء أو أجنبية أو محرم من الرجال جاز .
(5) ويسن تغطية الميت بثوب يستره ( لحديث ) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى سجى بثوب حبرة . أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى وأبو داود(2). {344 }
__________
(1) انظر ص 385 ج3 بيهقى ( ما يستحب من وضع شىء على بطنه ...)
(2) انظر ص 102 ج7 – الفتح الربانى ( تسجية الميت 9 وص 10 ج نووى وص 385 ج3 بيهقى . وص 256 ج8 – المنهل العذب ( الميت يسجى ) . و( سجى) بضم فكسر أى غطى جميع بدنه ( وحبرة) بكسر ففتح ثوب فيه أعلام .(1/258)
وعلى هذا اتفق العلماء ( وحكمته ) صبياني الميت من الانتشار وستر عورته عن الأعين ويلف طرف الثوب المسجى به تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف منه شئ(1). (هذا) ويجوز تقبيل الميت إجماعا ( لحديث ) القاسم عن عائشة رضى الله عنه قالت : قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل على وجهه . أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وقال حسن صحيح ( ورد) بأن في سنده عاصم بن عبيد الله بن عمر ، وهو ضعيف تكلم فيه غير واحد(2). {345 }
( وعن ) عائشة أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فاه بين عينيه ووضع يده على ساعدية وقال : يا نبياه يا صفياه . أخرجه الترمذى(3). {346 }
وفيه بيان موضع التقييل وكيفيته .
(6) يطلب ممن حضر عند الميت ألا يقول إلا خيرا كالذكر والاستغفار وأن يدعو له بالمغفرة ولأهله بحسن العاقبة ( قالت) أم سلمة رضى الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا حضرتم الميت أو المريض فقولوا خيرا ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " قالت : فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إن ابا سلمة قد مات . فقال : قولي اللهم اغفر لي وأعقبني منه عقبى حسنة . قالت : فقلت فأعقبني الله عز وجل من هو خيرا لي منه محمدا صلى الله عليه وسلم . أخرجه أحمد ومسلم والأربعة والبيهقى وقال الترمذى حسن صحيح(4). {347 }
__________
(1) انظر ص 10 ج7 نووى مسلم
(2) انظر ص 104 ج7 – الفتح الربانى ( تقبيل الميت) . وص 229 ج1 – ابن ماجه . وص 130 ج2 تحفة الأحوذى .
(3) ذكره ابن العربى فى شرح الترمذى بسنده الى الترمذى ( انظر ص 208 ج4 شرح ابن العربى ) .
(4) تقدم رقم 265 ص 200 ( وإذا حضرتم الميت أو المريض ) كذا بالشك فى رواية أحمد ومسلم وفى رواية الاربعة الميت بلا شك( وأعقبنى) من الإعقاب أى أبدلنى منه أى فى مقابلته عقبى حسنة أى بدلا صالحا .(1/259)
وينبغي لأخل الميت أن يدعو له بالمغفرة ولأنفسهم بالصبر ، وأن يكثروا من قول " إنَّا لِله وَإنَّا إليْهِ رَاجِعُونَ "
( قالت) أم سلمة رضى الله عنها : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد تصيبه مصيبه فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها ، إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها . قالت : فلما توفى أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد ومسلم(1). {348 }
( وعن) ابن عباس في قوله تعالى : " الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ "(2) . قال : أخبر الله عز وجل أن المؤمن إذا سلم لأمر لله ورجع واسترجع عند المصيبة كتب له ثلاث خصال من الخير : الصلاة من الله ، والرحمة ، وتحقيق سبيل الهدى (وقال ) النبي صلى الله عليه وسلم : من اشترجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه ، وجعل له خلفا يرضاه . أخرجه الطبرانى في الكبير وفيه على بن أبي طلحة ضعيف (3) . {349 }
(
__________
(1) انظر ص 68 ج7 – الفتح الربانى ( الشرح ) وص 221 ج6 نووى ( الجنائز ) و( أجرنى) يقال أجرنى بالقصر عند أكثر أهل اللغة وقد يمد أى أعطانى أجرا جزاؤ صبرى على المصيبة " وأخلف " بقطع الهمزة وكسر اللام . يقال لمن ذهب ماله أو ولده أو قريبه أو شىء يتوقع حصوله مثله : أخلف الله عليك . أى رد عليك مثله . فإن ذهب مالا يتوقع كموت والد أو عم أو خال قيل له : خلف الله عليك بغير الف أى كان الله خليفة منه عليك .
(2) البقرة : 156 و157
(3) انظر ص 330 ج2 مجمع الزوائد ( الاسترجاع ) .(1/260)
وعن ) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن للموت فزعا فإذا أتى أحدكم وفاة أخيه فليقل : إنا لله وإنا إليه راجعون . وإنا إلى ربنا لمنقلبون اللهم اكتبه في المحسنين واجعل كتابه في عليين . واخلف عقبه في الآخرين اللهم لا تحرمنا أجره ولا تقتنا بعده . أخرجه الطبرانى في الكبير وابن السني في عمل يوم وليلة ، وفيه قيس بن الربيع السدى وفيه كلام (1) . { 350 }
( وقال ) الحسين بن على : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبه فيذكرها ، وإن قدم فيحدث لها استرجاعا إلا أحدث الله له عند ذلك وأعطاه ثوابه يوم أصيب بها . أخرجه الطبرانى فأعقبني الأوسط وابن ماجه ، وفيه هشام بن زياد وهو ضعيف . وقال ابن حبان : روى الموذوعات عن الشتات (2) {351 }
(7) قضاء دين الميت
يطلب حث ورثة الميت على المسارعة بقضاء دينه لأن نفسه محبوسة حتى يقضى عنه دينه ( روى) أبو هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه " أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وقال حسن ورجاله ثقات ، إلا عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو صدوق يخطئ(3) {352 }
(
__________
(1) انظر ص 331 منه .
(2) انظر ص 331 ج2 مجمع الزوائد ( الاسترجاع وما يسترجع عنده )وص 250 ج1 – ابن ماجه ( الصبر على المصيبة ) و( قدم) بضم الدال ضد حدث بضمها فهو قديم
(3) انظر ص 100 ج7 – الفتح الربانى ( المبادرة الى تجهيز الميت وقضاء دينه ) وص 166 ج2 تحفة الأحوذى ( نفس المؤمن معلقة بدينه ) و( معلقة 9 أى محبوسة عن مقامها فى الجنة أو أمرها موقوف لا يحكم لها بنجاة ولا هلاك حتى يقضى ما عليها من الدين إن كان ترك وفاة ولم ينو سدادا وإلا فلا يحبس .(1/261)
وعن) أبي نضرة عن سعد بن الأطول أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم وترك عيالا فأردت أن أنفقها على عياله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أخاك محبوس بدينه فاقض عنه ، فقال : يا رسول الله فقد أديت إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة . قال : فأعطها فإنها محقة " . أخرجه أحمد بسند جيد(1). {353 }
(دل) الحديثان على أن الميت لا يزال مشغولا بدينه بعد موته وفيهما الحث على التخلص منه قبل الموت . وإذا كان هذا فأعقبني الدين المأخوذ برضا صاحبه فكيف بما أخذ غصبا ونهبا وسلبا(2) ؟ وفيهما إن روح الميت محبوسة بدينه حتى يقضى عنه . وهذا مقيد بمن له مال يقضى منه دينه ، وأما من لا مال له ومات عازما على القضاء فقد ورد ما يدل على إن الله تعالى يقضى عنه ، وكذا من مات محبا قضاء دينه وإن كان له مال ولم يقض منه الورث فإن الله تعالى يقضى عنه .
(روى) أبو أمامه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تداين بدين وفى نفسه وفاؤه ثم مات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء . ومن تداين بدين وليس فأعقبني نفسه وفاؤه ثم مات اقتض الله عز وجل لغريمه منه يوم القيامة . أخرجه الطبرانى فأعقبني الكبير وفيه بشر بن نمير وهو متروك(3) . {354 }
(
__________
(1) انظر ص 100 ج7 – الفتح الربانى . و( محقة ) أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحى .
(2) انظر ص 130 ج2 سبل السلام .
(3) انظر ص 53 ج4 نيل الأوطار .(1/262)
وعن) عبد الرحمن بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يدعو الله صاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يديه . فيقال : يابن آدم فيم أخذت هذا الدين ؟ وفيم ضيعت حقوق الناس ؟ فيقول : يا رب إنك تعلم أنى أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم البس ولم أضيع ن ولكن أنى على أما حرق وإما سرق وإنا وضيعه ، فيقول الله تعالى : صدق عبدي ، وأنا أحق من قضى عنك ، فيدعو الله بشيء فيضعه فأعقبني كفه ميزانه فترجح حسناته على سيئاته فيدخل الجنة بفضل رحمته " . أخرجه أحمد أسعده والطبرانى وأعقبني نعيم فأعقبني الحلية بأسانيد أحدها حسن(1) { 355}
( هذا) ولأهمية الدين لكونه من حقوق العباد وهى مبنية على المشاحة ، عد النبي صلى الله عليه وسلم عدم قضائه من أعظم الذنوب . وكان صلى الله عليه وسلم لا يصلى على من مات مدينا .
( روى) أبو موسى الأشعرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أعظم الذنوب عند الله أم يلقاه بها بعد الكبائر التي نهى الله عنها أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء . أخرجه أبو داود(2). {356 }
__________
(1) انظر ص 54 منه .
(2) انظر ص 252 ج3 عون المعبود ( التشديد فى الدين) .(1/263)
ولعل هذا محمول على ما إذا قصر فأعقبني الوفاء أو استدان لمعصية ( ويؤيده) قول ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلى على من مات وعليه دين . فمات رجل من الأنصار ، فقال : عليه دين ؟ قالوا : نعم فقال : صلوا على صاحبكم فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام فقال : إن الله عز وجل ويقول : إنما الظالم عندي فأعقبني الديون التي حملت فأعقبني البغي والإسراف والمعصية . فأما المتعفف ذو العيال فأنا ضامن أن أؤدي عنه فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعد ذلك : من ترك ضياعا أو دينا فإلى أو على ومن ترك ميراثا فلأهله فصلى عليهم . أخرجه محمد بن الفضل الطبري والحازمى وقال : لا بأس به فأعقبني المتابعات ، قال الحافظ : وهو ضعيف(1)4) . { 357 }
( وعن ) سلمة بن الأكوع قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بجنازة فقالوا : صل عليها . فقال : هل عليه دين ؟ قالوا : لا . قال : فهل ترك شيئا ؟ قالوا : لا فصلى عليه . ثم أتى بجنازة أخرى ، فقالوا يا رسول الله صلى عليها . قال : هل عليه دين ؟ قيل : نعم . قال : فهل ترك شسئا ؟ قالوا : ثلاثة دنانير . فصلى عليها . ثم أتى بالثالثة فقالوا : صل عليها . قال : هل ترك شيئا ؟ قالوا : لا . قال . فهل عليه دين ؟ قالوا : ثلاثة دنانير . قال : صلوا على صاحبكم . فقال أبو قتادة : صل عليه يا رسول الله وعليه دينه فصلى عليه . أخرجه البخاري(2) . { 358 }
__________
(2) انظر ص 313 ج4 فتح البارى ( إذا أحال دين الميت على رجل جاز)(1/264)
وعن عاصم بن ضمرة عن على رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بجنازة لم يسال عن رأيت من عمل الرجل ويسال عن دينه ، فإن قيل عليه دين كف ، وإن قيل ليس عليه دين صلى . فأتى بجنازة فلما قام ليكبر سال : هل عليه دين ؟ قالوا : ديناران . فعدل عنه وقال : صلوا على صاحبكم . فقال على : هما على وهو برئ منهما فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لعلى : جزاك الله خيرا وفك الله رهانك كما فككت رهان أخيك . إنه ليس من ميت يموت وعليه دين إلا وهو مرتهن بدينه . ومن فك رهان ميت فك الله رهانه يوم القيامة . فقال بعضهم : هذا لعلى خاصة أم للمسلمين عامة ؟ قال : بلى للمسلمين عامة أخرجه الدار قطني(1). {359}
وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المدين إما للتحذير عن الدين والزجر عن المماطلة والتقصير فأعقبني الأداء . أو لكراهية أن يوقف دعاؤه بسبب ما عليه من حقوق الناس ومظالمهم ( واستدل ) بحديث على على جواز الضمان عن الميت الذي لم يترك وفاء بدينه ، وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم .
( وقال ) أبو حنيفة : لا يصح الضمان عمن لم يخلف وفاء لأن الكفالة عن الميت المفلس كفالة بدين ساقط وهى باطلة ( وأجاب ) عن الحديث بأنه يحتمل أن يكون إقرارا بكفالة سابقة فإن لفظ الإقرار والإنشاء فأعقبني الكفالة سواء ولا عموم لحكاية الفعل ( ويحتمل ) أن يكون وعدا بالسداد عن المدين لا كفالة .
__________
(1) انظر ص 112 ج12 عمدة القارى ( إذا أحال دين الميت على رجل جاز)(1/265)
وكان امتناعه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه ليظهر له طريق قضاء ما عليه فلما ظهر صلى عليه . والظاهر ما قاله الجمهور . هذا وكان امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المدين قبل فتح البلاد وكثرة الغنائم . فلما فتح الله عليه البلاد وكثرت الأموال صلى على من مات مدينا وقضى دينه وبين أن من مات مسلما مدينا فدينه على ولى المسلمين يقضيه عنه من بيت المال . وإن كان له مال كان لورثته ( روى) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل : هل ترك لدينه فضلا ؟ فإن حدث أنه ترك لدينه وفاه صلى وإلا قال المسلمين : صلوا على صاحبكم . فلما فتح الله عليه الفتوح قال : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم . فمن توفى من المؤمنين فترك دينا فعلى قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته أخره البخاري وابن ماجه(1). {360 }
وهذا محمول على من لم يترك وفاء ( لحديث أبي هريرة النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه ومن ترك مالا فهو لورثته . أخرجه البخاري(2) {361 }
والأحاديث فأعقبني هذا كثيرة ، وهى تدل على أن من مات مدينا ولم يترك وفاء يقضى عنه دينه من بيت مال المسلمين لأنه من الغارمين – أحد مصارف الزكاة – فلا يسقط حقه بالموت . دعوى اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم غير مسلم ( لحديث ) سلمان إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا فعلى وعلى الولاة من بعدى من بيت المال . أخرجه الطبرانى . {362 }
(
__________
(1) انظر ص 39 ج4 – فتح البارى ( الدين ) وص 41 ج2- ابن ماجه ( من ترك دينا أو ضياعا فعلى الله وعلى رسوله )
(2) انظر ص 7 ج12 فتح البارى ( قول النبى صلى الله عليه وسلم من ترك مالا فلأهله ) .(1/266)
قوله : ومن ترك دينا فعلى ) ناسخ لترك الصلاة على من مات عليه دين . فيقضى من بيت المال ، وكذا يلزم من تولى أمر المسلمين إن يفعله لمن مات وعليه دين . فان لم يفعل أثم إن كان بقى من حق المتوفى من بيت المال بقدر ما عليه من الدين وإلا فبقسطه(1)
( 8 ) المبادرة بتجهيز الميت
يطلب من ولى المتوفى المبادرة بتنفيذ وصيته والإسراع بتغسيبة بعد تحقق موته والتعجيل بالصلاة عليه ودفنه تكريما له ( روى ) الحصين بن وحوح إن طلحة بن البراء مرض فاتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده قال : إني لا أري طلحة إلا قد حدث فيه الموت فأذوني به حتى اشهده فاصلى عليه ، وعجلوا فانه لا ينبغ لجيفة مسلم إن تحبس بين ظهرانى أهله . أخرجه أبو داود وسكت عنه والبيهقى وفيه عروة أو عزرو بن سعيد الأنصاري وهما مجهولان(2). {363 }
(
__________
(1) انظر ص 320 ج4 فتح البارى ( قبيل كتاب الوكالة )
(2) انظر ص 320 ج8 – المنهل العذب ( تعجيل الجنازة ) وص 386 ج3 بيهقى ( التعجيل بتجهيزه إذا بان موته ) والحصين بالتصغير . و( حوح) بواوين مفتوحين وحاءين مهملتين أولاهما ساكنة . و( لا ارى) بضم الهمزة أى لا أظن طلحة إلا قد ظهرت عليه أمارات الموت .(1/267)
وعن) على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة يا على لا تؤخرهن : الصلاة إذا آذنت ، والجنازة إذا حضرت ، والأيم إذا وجدت كفئا " أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم والترمذى وقال : حديث غريب وما أري إسناده بمتصل(1). {364 }
( وقالت) عائشة رضى الله عنها : إن ابا بكر لما حضرته الوفاة قال : أى يوم هذا ؟ قالوا : يوم الاثنين قال : فإن مت من ليلتي فلا تنتظروا إلى الغد فإن أحب الأيام والليالي إلى أقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد وفيه أبو سعد محمد بن ميسر ضعفه جماعة كثيرون وقال أحمد : صدوق(2) . {365 }
__________
(1) انظر ص 99 ج7- الفتح الربانى ( المبادرة الى تجهيز الميت ) وص 233 ج1 ابن ماجه ولفظه : لا تؤخروا الجنازة إذا حضرت ( وآذنت) أى حضر وقتها ( وروى) أتت بتاءين والصواب آنت بالمد والنون أى حانت( والجنازة إذا حضرت) فلا تؤخر لزيادة المصلين عليها كما يفعله بعض أرباب الطرق إذا مات كبير لهم ينتظرون حضر دراويشة ( وفى الحديث ) دليل على أن صلاة الجنازة لا تكره فى الأوقات المكروهة ( والأيم) من لا زوج له ( إذا وجدت كفئا ) فإنه لا يؤخر تزويجها ندبا والكف ، فى النكاح أن يكون الرجل مثل المرأة فى الإسلام والحرية والصلاح والنسب وحسن الكسب ( وجمع ) تعجيل الصلاة والجنازة والأيم فى حكم واحد ن لما يشملها من معنى الزوم فيها وثقل محملها على من لزم عليه مراعاتها والقيام بحقها ( وما أرى إسناده بمتصل) لأنه من طريق عمر بن على عن ابيه وقد قيل إنه لم يسمع منه ولكن قال ابو حاتم إنه سمع منه فاتصل إسناده . وأعله الترمذى أيضا بأن فى سنده سعيد بن عبد الله الجهنى وهو مجهول لكن ذكره ابن حبان فى الثقات .
(2) انظر ص 20 ج3 مجمع الزوائد ( تجهيز الميت وغسله والإسراع بذلك ) .(1/268)
وحكمة طلب الإسراع بتجهيز الميت خوف تغيره وإذا تغير استقذرته النفوس ونفرت منه الطباع فيحط ذلك من كرامته ، ولأن إبقاءه بين أهله يؤلمهم ويحملهم على كثرة البكاء والعويل . وهذا مذموم شرعا فينبغي أن يعجل به ولا ينتظر به حضور أحد إلا الولي فإنه ينتظر ما لم يخش عليه التغير . وإن مات فجأة لم يبادر بتجهيزه لئلا تكون به سكته ولم يمت بل يترك حتى يتحقق موته فيبادر حينئذ إلى تجهيزه وكذا إذا مات مصعوقا أو غريقا أو حريقا أو خوفا من حرب أو سبع أو تردى من جبل أو فأعقبني بئر فمات فإنه لا يبادر به حتى يتحقق موته لئلا يكون مغمى عليه أو انطبق حلقه (1).
(7) البكاء على الميت
__________
(1) انظر ص 124 ج5 مجموع النووى .(1/269)
البكاء بالمد اسم لخروج الدموع مع الصوت . وبالقصر اسم لخروجها بلا صوت . وقيل : هما بمعنى واحد . وهو جائز إذا خلا مما لا يجوز كالصراخ ودعوى الوبل والثبور وشق الجيوب وضرب الخدود وإلا حرم ( لحديث) ابن عباس رضى الله عنهما قال : لما مات عثمان بن مظعون رضى الله عنه قالت امرأته : هنيئا لك يابن مظعون بالجنة ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها نظر غضب فقال : وما يدريك ؟ قالت : وينبغي الله فارسك وصاحبك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله إني رسول الله وما أدرى ما يفعل بي فأشفق الناس على عثمان . فلما ماتت زينب ابنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحقي بسلفنا الصالح الخير عثمان بن مظعنون فبكت النساء ، فجعل عمر يضربهن بسوطه . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال : مهلا يا عمر . ثم قال : ابكين وغياكن ونعيق الشيطان ، ثم قال : إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز وجل ومن الرحمة ، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان . أخرجه أحمد وفى سنده على بن زيد وهو ثقة وفيه مقال(1). {
__________
(1) انظر ص 129 ج7 – الفتح الربانى ( الرخصة فى البكاء من غير نوح ) وص 17 ج3 مجمع الزوائد ( ما جاء فى البكاء ) ( وقالت امرأته ) وفى رواية البخارى أن أم العلاء امرأة من الأنصار – كان يسكن عثمان فى بيتها وتوفى فيه – فقالت نحو ذلك . وقالته أيضا أم معاذ الأنصارية كما فى رواية الطبرانى التالية فيحتمل أن الكل شهدن له بذلك : و( نظر غضب ) إنما غضب صلى الله عليه وسلم لأنها أخبرت بإمر مغيب لا يعلمه لعبد الرزاق : فوالله ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم . وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك لقوله تعالى " قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم " وكان ذلك قبل نزوله قوله تعالى " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " لأن الأحقاف مكية وسورة الفتح مدنية ..وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال : أنا أول من يدخل الجنة فيحمل الإثبات فى ذلك على العلم المجمل ، والنفى على الإحاطة من حيث التفضيل . انظر ص 74 ج3 فتح البارى (الدخول على الميت) و( يضربهن 9 الظاهر أن بكاءهن كان بصوت غير موتفع فنهاهن عمر حتى لا يجر الى النباحة فإمره النبى صلى الله عليه وسلم بتركهن مبينا عذرهن من النياحة بقوله وإياكن ونعيق الشيطان .(1/270)
366 }
(وعن) سالم أبي النضر قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان ابن مظعون وهو يموت ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب فسجى عليه وكان عثمان نازلا على أم معاذ الأنصارية قالت : فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبا عليه طويلا واصحابه معه ثم تنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ، فلما بكى أهل البيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحمك الله ابا السائب ، وكان السائب قد شهد معه بدرا . قال : فتقول أم معاذ : هنيئا لك ابا السائب الجنة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يدريك يا أم معاذ ؟ أما هو فقد جاءه اليقين ولا نعلم إلا خيرا . قالت : لا والله لا أقولها لأحد بعده أبدا أخرجه الطبرانى فأعقبني الكبير وهو مرسل ورجاله ثقات(1) . {367 }
__________
(1) انظر ص 18 ج3 مجمع الزوائد ( ما جاء فى البكاء ) .(1/271)
ففيما ذكر دليل على جواز البكاء الخالي مما لا يجوز كالصراخ والندب وشق الجيب ولطم الخد . وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون كما ترى وبكى عند موت ولده إبراهيم غيره ( روى) ثابت البنانى عن أنس قال : دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم ، فإخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان . فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : يابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بإخرى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك بإبراهيم لمحزونون . أخرجه الشيخان والبيهقى وهذا لفظ البخاري(1) . {368 }
(
__________
(1) انظر ص 112 ج3 فتح البارى ( قول النبى صلى الله عليه وسلم إما بك لمحزونون ) وص 74 ج15 نووى 0 رحمته صلى الله عليه وسلم ) . و( القين)بفتح فسكون ، الحداد . و( الظئر ) بكسر فسكون زوج المرضع 0 وتذرفان ) أى يجرى دمعهما ( وإنها رحمة ) أى ما تراه من دمع العين هو رحمة أودعها الله فى قلوب عباده المؤمنين تنشا عن رقة القلب لا من الجوع . و( لمحزونون ) كان حزن النبى صلى الله عليه وسلم بحكم الطبيعة لبشرية وهذا ليس محظورا فى الشرع إلا إن صحبة رفع صوت وجزع . وخاطب النبى صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم بهذه الكلمات مع أنه لم يكن يفهم الخطاب لصغره واحتضاره ليبين أن مثل هذا القول ليس منهيا عنه .(1/272)
وقال ) ابن عباس : جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلي بعض بناته وهى فأعقبني السوق ، فإخذها ووضعها فأعقبني حجرة حتى قبضت فدمعت عيناه ، فبكت أم ايمن ، فقيل لها : أتبكين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : إلا أبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبكى ؟ قال : إني لم ابك وهذه رحمة إن المؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل . أخرجه أحمد والنسائي أسعده بسند جيد(1). {369 }
(
__________
(1) انظر ص 136 ج7 – الفتح الربانى ( الرخصة فى البكاء من غير نوح) وص 18 ج3 مجمع الزوائد . وبنات النبى صلى الله عليه وسلم كلهن توفين متزوجات . فالمراد هنا بعض بناته ولعلها أمام بنت زينب كما فى الحديث الآتى ( والسوق ) بفتح فسكون النزع كأن روحها تساق لتخرج من بدنها ( وهذه رحمة ) أى الدموع أثر الرحمة ( ويحمد الله )* لآنه تعالى يطلعه على منزلته فى الجنة فيحمده لذلك .(1/273)
وقال) أسامة بن زيد : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغميمة ابنة زينب ونفسها نفعفع كأنها فأعقبني شن . فقال صلى الله عليه وسلم : لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل إلى أجل مسمى فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له سعد بن عبادة : يا رسول الله أتبكى ؟ أولم تنه عن البكاء ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما هي رحمة جعلها الله فأعقبني قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء أخرجه أحمد والشيخان (1) . {370 }
(
__________
(1) انظر ص 140 ج7 – الفتح الربانى ( الرخصة فى البكاء من غير نوح ) وص 100 ج3 فتح البارى . وص 224 ج6 نووى ( الكاء على الميت ) و( اميمة ) تصغير أمامة وهى بنت ابى العاص . ولم تمت فى هذا المرض بل عاشت حتى تزوجها على بعد فاطمة رضى الله عنهم . و( تقعقع ) أى تتحرك وتضطرب ( والشن ) بفتح الشين القربة الخلقة اليابسة شبه البدن بالجلد وشبه حركة الروح فيه بما يطرح فى الجلد من حصاة ونحوها . و( لله ما أحد ) وفى رواية الشيخين إن لله ما أخذ ، وله ما أعطى والمقصود الحث على الصبر والتسليم لقضاء الله فإنا لله وإنا اليه راجعون ( وكل) أى كل واحد من الأخذ والإعطاء مقدر باجل معلوم وفى رواية وكل شىء عنده أى فى علمه وإحاطته ( والرحماء ) جمع رحيم ومقتضاء أن رحمة الله مختصة بمن كثرت رحمته بخلاف من فيه أدنى رحمة لكن ثبت فى حديث عبد الله بن عمرو : الراحمون يرحمهم الرحمن . اخرجه ابو داود وغيره . والراحمون جمع راحم وهو يشمل من فيه أدنى رحمة .(1/274)
وقال ) ابن عمر رضى الله عنهما :اشتكى سعد بن عبادة شكوى له ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود ، فلما دخل عليه وجده فأعقبني غشية ، فقال : قد قضى ؟ فقالوا : لا يا رسول الله ، فبكى صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى القوم بكاءه بكوا . قال : ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا – أشار إلى لسانه – أو يرحم . أخرجه الشيخان والبيهقى(1) . { 371 }
( دلت ) هذه الأحاديث على إباحة البكاء على الميت والحزن عليه إذا لم يصحبه نوح أو شق جيب أو لطم خد أو سخط لأمر الله تعالى . فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بكى ، وبكى بعض الصحابة أيضا . ( وقال) عبد الله بن يزيد : رخص فأعقبني البكاء من غير نوح أخرجه الطبرانى فأعقبني الكبير بسند جيد(2) . {372 }
وعلى هذا أجمع العلماء ويجوز أيضا البكاء بصوت إذا غلب على الباكي الحزن ولم يبلغ إلى حد المنهي عنه( روت)عائشة رضى الله عنها أن سعد بن معاذ لما مات حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعقبني بكر وعمر . فو الذي نفس محمد بيده إني لأعراف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا فأعقبني حجرتي ، وكانوا كما قال الله " رُحَمَاء بينهم " . أخرجه أحمد(3). {373 }
ففي تفريقها بين بكاء عمر وأبي بكر وهى فأعقبني الحجرة ، دليل على أنهما كانا يبكيان بصوت لشدة حزنهما على سعد ولم يقدرا على كتمه ، ولكنه لم يبلغ إلى الحد المنهي عنه ، ولذلك لم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وسلم
(10) ندب الميت
__________
(1) انظر ص 113 ج3 فتح البارى ( البكاء عند المريض ) وص 226 ج6 نووى ( الجنائز ) وغشية بفتح فسكون فتخفيف الياء وفى رواية البخارى " فى عائشة " اى ما يغشاه من كرب الموت أو من يغشاه من أهله .
(2) انظر ص 19 ج3 مجمع الزوائد ( البكاء )
(3) انظر ص 141 ج7 – الفتح الربانى ( البكاء من غير نوح )(1/275)
يجوز ندب الميت بصفاته الممدوحة شرعا إن كان متصفا بها (روى) أنس ابن مالك أن فاطمة رضى الله عنها بكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا أبتاه من ربه ما أدناه إلى جبريل نعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه أخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه والبيهقى(1) . {374 }
( وعن أنس) أن ابا بكر رضى الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه ووضع يده على صدغيه وقال : وأنبياء واخليلاه واصفياه . أخرجه احمد(2) {375 }
( وعن على ) إن فاطمة رضى الله عنها أخذت قبضة من تراب قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوضعتها ، ثم قالت :
ماذا على مشتم تربة احمد إن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت على مصيبة لو أنها صبت على الأيام عدن لياليا(3)
( 11) النياحة والندب
__________
(1) ذانظر ص 132 ج7- الفتح الربانى ( البكاء من غير نوح ) وص 105 ج8 فتح البارى ( مرض النبى صلى الله عليه وسلم ) وص 256 ج1- ابن ماجه ( وفاته ) وص 71 ج4- البيهقى ( البكاء بعد الموت ) و ( يا ابتاه ) اصله يا ابى ولاتاء بدل من الياء والالف للندبه والهاء للسكت ( من ربه ما ادناه ) اى اى شىء جعله قريبا من ربه بصيغة التعجب ( لاى جبريل نعاه ) اى اخبرنى بموته حين نزل بقوله تعالى { إذا جاء نصرالله والفتح } السورة وبحديث ابى سعيد مرفوعا : إن عبدا خيره الله بين ان يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده ( الحديث ) اخرجه مسلم . وتقدم ضمن اخر خطبة للنبى صلى الله عليه وسلم ص 257ج4 –الدين الخالص . وفى رواية البخارى " الى جبريل ننعاه " اى نخبره بموته وان كان عالما به تاسفا على ما فقده من خصاله المحمودة . ولا يلزم ان يكون الاخبار للاعلام بل يكون لفائدة اخرى .
(2) انظر ص 144 ج7- الفتح الربانى ( الشرح )
(3) انظر ص 411 ج2 مغنى ابن قدامه .(1/276)
النياحة من النوح وهو رفع الصوت بالبكاء . والندب تعديد المحاسن والتغالى فيعا . وهما محرمان ، فيحرم لابكاء على الميت إذا صحبة نياحة وندب أهله ضجر أهله ضرب خد أهله شق جيب أهله خمش وجه أهله نشر شعر أهله عويل وصراخ أهله دعاء بالويل والثبور ونحو ذلك مما يدل على عدم الرضا بقضاء الله وقدره ( وقد ) ورد في النهى عن ذلك عدة أحاديث ( منها ) حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أمور المزني صلى الله عليه وسلم قال : " ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعا بدعوى الجاهلية " أخرجه البيهقى والسبعة إلا داود(1)
(
__________
(1) انظر ص 105 ج7- الفتح الربانى ( مالا يجوز من البكاء على الميت ) وص 106 ج3 فتح البارى ( ليس منا من شف الجيوب ) وص 109 ج2 نووى ( تحريم ضرب الخدود ) وص 134 ج2 تحفة الاحوذى . وص 247 ج1- ابن ماجه ( النهى عن ضرب الخدود ) وص 63 ج4 بيهقى . وص 263 ج1 مجتبى . و ( ليس منا ) اى ليس من اهل سنتنا وطريقتنا الكاملة من فعل ذلك . فلمراد به المبالغة في الردع والزجر عن فعل ما ذكر . وليس المراد إخراجه من الدين الا إن استحل ما ذكر مع العلم بتحريمة او فعله ساخطا على القضاء فانه يكفر ولاعياذ بالله تعالى . والمراد بشق الجيب إكمال فتحة الى اخر الثوب وهو من علامات عدم الرضا بالقضاء . وخص الخد باللطم لكونه الغالب . وإلا فلطم بقية الوجه كذلك . والمراد بدعوى الجاهلية النياحة والندب كقولهم واجملاه واسنداه وظهرؤاه الى غير ذلك .(1/277)
وحديث ) يزيد بن اوس قال : أغمي على أبي موسى الاشعرى رضى الله عنه فبكوا عليه ، فقال : إني برئ منه النبي صلى الله عليه وسلم . فسالوا عن ذلك آمراته فقالت : من حلق أو خرق أو سلق . أخرجه النسائي وأبو داود واحمد وهذا لفظه(1) {377}
( وحديث ) أبي بن أبي موسى قال : وجمع أبو موسى وجعا فغشى عليه ورآسة في حجر امرأة من أهله فصاحت فلم يستطيع إن يرد عليها شيئا . فلما أفاق قال : إني برئ منه محمد صلى الله عليه وسلم . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالفة والحالقة والشاقة . أخرجه البخاري .(2) {378}
و هذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيب و غيره . لما تضمنه من عدم الرضا بالقضاء ، فإن استحله مع العلم بالتحريم أو فعله سخطا من القضاء كفر ، و العياذ بالله تعالى(3) .
(
__________
(1) انظر ص 263 ج1 مجتبى ( شق الجيوب ) وص 284 ج8- المنهل العذب ( النوح ) وص 107 ج7- الفتح الربانى ( مالا يجوز من البكاء على الميت ) و ( برىء ) من البراءة وعلى الاصل الافنصال من الشىء والمراد التوعد بالايدخله في شفاعته مثلا ( ومن حلق ) اى من حلق شعره عند المصيبة ( وخرق ) اى شق ثوبة ( وسلق ) بالسين المهملة ويروى بالصاد من باب ضرب اى رفع صوته بالبكاء .
(2) انظر ص 107 ج 3 فتح البارى ( ما ينهى من الحلق عند المصبية ) . و ( الصالقة )
(3) انظرص 106 ج 3 فتح البارى ( ليس منا من شق الجيوب )(1/278)
و حديث ) أسيد بن أبى أسيد عن امرأة من المبايعات قالت : كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم – في المعروف الذي أخذ علينا ألا نعصيه فيه – ألا نخمش وجها و لا ندعو و يلا و لا نشق جيبا و لا ننشر شعرا . أخرجه أبو داود و البيهقى(1). {379}
( و حديث ) أبى أمامه أن النبي صلى الله عليه و سلم لعن الخامشة وجهها ة الشاقة ثوبها ، و الداعية بالويل و الثبور . أخرجه ابن ماجة و ابن حبان بسند صحيح(2) {380}
( و حديث ) أنس قال : أخذ النبي صلى الله عليه و سلم على النساء حين بايعهن ألا ينحن ، فقلن : يا رسول الله ، إن نساء أسعدننا في الجاهلية أفنعدهن في الإسلام ؟ فقال : لا إسعاد في الإسلام . أخرجه أحمد و النسائي (3) .
__________
(1) انظر ص 286 ج 8 – المنهل العذب ( النوح ) و ص 64 ج4 بيهقى . ( و فيما أخذ علينا ) أى كان فى العهد الذى أخذه علينا النبى صلى الله عليه و سلم أننا لا نعصيه فيما عرف شرعا من فعل الطاعات و ترك المخالفات و منه ( ألا نخمش وجها ) أى لا نخدش وجوهنا باظفارنا . يقال خمشت المرأة وجهها بظفرها خمشا من باب ضرب اى جرحت ظاهر البشرة ( و لا ندعو و بلا ) اى لا ندعو بالويل و الهلاك و المشقة كأن يقول الشخص يا ويلى يا هلاكى و يا عذابى ( و لا ننشرا شعرا ) اى لا نفرقه و كان ما ذكر من عادات الجاهلية يرتكب عند المصبية فنهاهن عنه
(2) انظر ص 247 1- ابن ماجة ( النهى عن ضرب الخدود ) و الويل و الثبور : الهلاك . (5)
(3) انظر ص 262 ج 1 مجتى ( النياحة على الميت ) ( و البيعة ) معاهدة النبى صلى الله عليه وسلم النساء على الا يشركن بالله شيئا و لا يسرقن و لا يزنين و لا يأتين بهتان و لا يعصين فى معروف . و كن 457 سبعا و خمسين و أربعمائة امرأة بايعهن يوم الفتح عند الصفا بعد ان بايع الرجال و لم يصافح واحدة منهن و قد تقدم بيانها مفصلا بص 24 ج5 – الين الخالص .(1/279)
و الإسعاد المساعدة في النياحة . تقوم المرأة فتقوم أخري من جاراتها فتساعدها على النياحة .
( و أما حديث ) أم عطية رضى الله عنها قالت : لما نزلت هذه الآية .
و الإسعاد المساعدة في النياحة . تقوم المرأة فتقوم أخري من جاراتها فتساعدها على النياحة .
( و أما حديث ) أم عطية رضى الله عنها قالت : لما نزلت هذه الآية " يُبَايعْنكَ عَلَى أنْ لاَ يُشْرِكْنَ باللِه شَيئْاَ " إلى قوله ط وَلاَ يَعْصيِنَكَ في مَعْروفِ " كان منه النياحة ، فقلت : يا رسول الله ، إلا آل فلان وإنهم قد كانوا أسعدوني في الجاهلية فلابد لي من أن أسعدهم . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إلا آل فلان . أخرجه أحمد ومسلم والنسائي والبيهقى(1). {382 }
(
__________
(1) نظر ص 108 ج7 – الفتح الربانى ( مالا يجوز من البكاء ) وص 238 ج6 نووى ( تحريم النياحة ) وص 62 ج4 بيهقى( النهى عن النياحة)(1/280)
فيجاب ) عنه بإنه كان قبل مبايعة أم عطية على التوحيد وغيره مما ذكر في الآية ( فقد) قالت أم عطية : بايعنا النبي صلى الله عليه و سلم وأخذ علينا فيما أخذ أن لا ننوح ، فقالت امرأة من الأنصار : إن آل فلان أسعدوني في الجاهلية وفيهم مأتم فلا ابايعك حتى أسعدهم كما أسعدوني ، فذهبت فأسعدتهم ثم رجعت ، فبايعت النبي صلى الله عليه و سلم ( الحديث ) أخرجه أحمد ، وكذا البخاري والنسائي بنحوه(1). {383 }
( وقال) بعض المالكية : النياحة ليست بحرام بهذا الحديث وقصة نساء جعفر إنما المحرم ما كان معه شئ من أفعال الجاهلية كشق الجيوب وخمش الخدود ودعوى الجاهلية . والصواب ما ذكرناه وهو أن النياحة حرام مطلقا وهو مذهب العلماء كافة وليس لما قاله هذا القائل دليل صحيح(2).
(
__________
(1) انظر ص 109 ج7 – الفتح الربانى ( ما لا يجوز من البكاء ) وص 450 ج8 فتح البارى " إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " وص 183 ج2 مجتبى ( بيعة النساء والمرأة هى أم عطية ( روى) محمد بن سيرين عن أم عطية قالت : اردت أن ابابيع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : يا رسول الله إن امرأة أسعدتنى فى الجاهلية فأذخب فأسعدها ثم أجيئك فابايعك . قال : اذهبى فأسعديها يعنى قالت فذهبت فساعديها ثم جئت فبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه النسائى (183 ج2 بيعة النساء ) وما قيل ) من أن ذلك خاص بأم عطية فى غسعاد ىل فلان ( يرده) ثيون ذلك لغيرها ( فقد ) أخرج ابن مردوية من حديث ابن عباس قال : لما آخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء فبايعهن ألا يشركن بالله شيئا الآية قالت خولة بنت حكيم يا رسول الله كان أبى وأخى ماتا فى الجاهلية وإن فلانة اسعدتنى وقد مات أخوها ( الحديث)( انظر ص 451 ج7 فتح البارى ) ومنه ظهر أن أقرب جواب أن النياحة كانت مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم تحريم .
(2) انظر ص 238 ج6 نووى مسلم ( تحريم النياحة ) .(1/281)
وحديث) أبي مالك الأشعرى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " أربع من أمر الجاهلية لا يتركن : الفخر في الأخشاب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة على الميت . والنائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من حرب " أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى(1). {384 }
(وقال) أبو سعيد الخدرى : لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم النائحة والمستمعة . أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى وفى سنده محمد بن الحسن بن عطية العوفى عن أبيه عن جده والثلاثة ضعفاء . وأخرجه البزار والطبرانى وزادا فيه وقال : ليس لنساء في الجنازة نصيب(2). {385 }
__________
(1) انظر ص 109 ج7 – الفتح الرباانى ( التغليظ فى النياحة) وص 235 ج6 نووى . وص 63 ج4 بيهقى . و( الفخر فى الأحساب ) الشرف بالاباء والتعاظم بمناقبهم كقوله : أنا ابن فلان العالم الكريم فيحرم ذلك فخرا وتكبرا على الغير . و( الطعن فى الأنساب ) هو نسبة الرجل لغير ابيه كأن يقول له : لست ابن فلان أو أنت من أصل وضيع . (والاستسقاء بالنجوم) اعتقاد أن لها تأثير فى نزول المطر وهو كفر كما تقدم بص 238 ج5 – الدين الخالص . ( والسربال) القميص ( ودرع من جرب ) أى درع من أجل جرب بها . رخصت النائحة بهذا الوعيد لأن النياحة مختصة بالنساء غالبا وهن لا ينزجرن انزجار الرجال فاحتجن الى الوعيد الشديد .
(2) انظر ص 112 ج7 – الفتح الربانى ( التغليظ فى النياحة والنائحة والمستمعة ) وص 281 ج8 – المنهل العذب 0 النوح) وص 63 ج4 بيهقى . و(لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أى دعا عليها بالطرد عن رحمة الله . (والنائحة) المرأة التى تندب الميت وتعدد محاسنه (والمستمعة ) والتى تعضد السماع وترغب فيه فهى شريكة النائحة فى الإثم وخصت المرأة بالذكر لأن النوح والإصغاء اليه يكون من النساء غالبا وإلا فالرجل كالمرأة فى ذلك .(1/282)
وعلى هذا اتفقت كلمة جمهور العلماء ، ودلت الأحاديث على التغليظ في آمر النائحة إذا لم تتب قبل موتها ، وأنها مطرودة عن رحمة الله تعالى . وكذا المستمع لها وعليها مثل أوزار من اقتدى بها وعمل بعملها أو استمع لها وعلى ولى آمرها منعها من ذلك بكل طريق ممكن وإلا كان شريكها في الإثم نسال الله تعالى السلامة والهداية .
(12) هل يعذب الميت بالنياحة عليه ؟
ورد أن الميت يعذب بالنياحة والبكاء عليه (روى) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة . أخرجه أحمد(1). {386 }
( وعن ) عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : الميت يعذب في قبره بما نيح عليه . أخرجه احمد والشيخان والنائحة وابن ماجه والبيهقى(2). {388 }
__________
(1) انظر ص 117 ج7 – الفتح الربانى ( الميت يعذب ببكاء أهله عليه ) .
(2) انظر ص 119 ج7 – الفتح الربانى . وص 105 ج3 فتح البارى ( ما يكره من النياحة على الميت ) وص 229 ج6 نووى . وص 262 ج1 مجتبى ( النياحة على الميت وص 249 ج1 – ابن ماجه وص 71 ج4 بيهقى .(1/283)
فظاهر هذه الأحاديث أن الميت يعذب بالبكاء عليه بصوت ونوح مطلقا . وبه قال عمر وابنه والمغيرة بن شعبة وأبو موسى الأشعرى وغيرهم ( وقال ) جماعة من الشافعية منهم أبو حامد : إن الميت لا يعذب ببكاء الغير عليه مطلقا ، لقوله تعالى : "وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى "(1). . ( وروى) عن أبي هريرة وعائشة : روى هشام بن عروة عن أبيه أن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الميت ليعذب ببكاء أهله ، فذكر ذلك لعائشة فقالت : وهل ( تعنى ابن عمر) إنما مر النبي صلى الله عليه و سلم على قبر ، فقال : إن صاحب هذا ليعذ وأهله يبكون عليه . أخرجه البيهقى والسبعة ، إلا البخاري وابن ماجه(2). {389 }
(
__________
(1) انظر ص 119 ج7 – الفتح الربانى ( الميت يعذب ببكاء أهله عليه ) .وص 230 ج6 نووى . وص 72 ج4 بيهقى ( وعولت ) بشد الواو أى بكت رافعة صوتها .
(2) الأنعام : 164 أى لا تحمل نفس مذنبة إثم نفس أخرى . وكذا غير المذنبة لا تحمل ذنب أخرى . فلا مفهوم لقوله وازره .(1/284)
وعن يحيى ) بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابن عمر قال : مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقبر فقال : إن هذا ليعذب الآن ببكاء أهله عليه . فقالت عائشة : غفر الله لأبى عبد الرحمن إنه وهل إن الله تعالى يقول : " وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " إنما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن هذا ليعذب الآن أهله يبكون عليه . أخرجه أحمد(1). {390 }
( والجواب) أن إنكار عائشة هذا وحكمها على ابن عمر بالخطأ أو النسيان غير مسلم لأنه قد ثبت الحديث عن عمر وأبى موسى الأشعرى والمغيرة بن شعبة كما ثبت عن ابن عمر – كما تقدم – وهم جازمون به فلا وجه للنفى مع إمكان تأويله صحيحا(2)، كما يأتي . فإنكار عائشة لذلك بعد رواية الثقات لا يعول عليه فإنهم قد يحضرون مالا تحضره ويشهدون ما تغيب عنه . واحتمال السهو والغلط بعيد جدا .
(
__________
(1) انظر ص 116 ج7 – الفتح الربانى ( الميت يعذب ببكاء أهله عليه ) وص 234 ج6 نووى . وص 282 ج8 – المنهل العذب ( النوح ) وص 262 ج1 مجتبى ( النياحة على الميت ) وص 136 ج2 تحفة الأحوذى ( الرخصة فى البكاء على الميت ) وص 73 ج4 بيهقى ( الميت يعذب بالنياحة عليه ) ( وهل) بفتح الهاء واللام أى ذهب وهمه ما قال . ويجوز أن يكون من باب تعب بمعنى غلط . وفى رواية مالك ومسلم والبيهقى : ذكر لعائشة أن ابن عمر يقول : إن الميت يعذب ببكاء الحى فقالت عائشة : يغفر الله لأبى عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسى أو خطأ . إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال: أنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب فى قبرها ( انظر ص 283 ج8 – المنهل العذب – الشرح) .
(2) انظر ص 115 ج7 – الفتح الربانى ( الميت يعذب ببكاء أهله عليه ) وأبو عبد الرحمن كنية ابن عمر .(1/285)
وذهب) الجمهور إلى تأويل الأحاديث الدالة على تعذيب الميت ببكاء أهله عليه لمخالفتها لقوله تعالى : " وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى "(1)، واختلفوا في التأويل على أقوال(أ) ذهب الجمهور إلى حملها على من أوصى أن يبكى عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته . فهذا يعذب ببكائهم ونوحهم عليه لأنه بسببه ومنسوب إليه . وكان ذلك معروفا للعرب . قال طرفة بن العبد :
إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقى على الجيب يا ابنه معبد
( واعترض) بإن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدروها والحديث دال على أنه إنما يقع عند وقوع الامتثال ( والجواب) أنه ليس شئ السياق حصر فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا يقع إذا لم يمتثلوا مثلا . أما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية فلا يعذب ، لقوله تعال : " وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " وهذا هو الصحيح وعليه عامة أهل العلم .
ب- ( وقال) داود الظاهري وطائفة : إنها محمولة على من لم ينه أهله عن ذلك . ولا يخفى أن محله ما إذا لم يتحقق أنه ليست لهم بذلك عادة ولا ظن أنهم يفعلون ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن ارتكابه ، فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده .
__________
(1) انظر ص 99 ج3 فتح البارى ( قول النبى صلى الله عليه وسلم : يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه ) .(1/286)
جـ- ( وقال) ابن حزم وجماة : الأحاديث محمولة على أنه يعذب بسبب الأمور التي يبكية أهله بها ويعذبونه لأجلها كرياسته التي جار فيها وشجاعته التي صرفها شئ معصية الله . وكرمه البخاري لم يضعه شئ موضعه . فهم يمدحونه بها ويبكونه لأجلها وهو يعذب بها(1) ( واستدلوا ) بحديث ابن عمر السابق شئ بحث البكاء على الميت ، وفيه القضاء كفر صلى الله عليه و سلم قال : " ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بها – وأشار إلى لسانه – أو يرحم " أخرجه الشيخان والبيهقى(2). {391 }
دل على أن البكاء البخاري يعذب به الإنسان ما كان منه باللسان إذ يندبونه برياسته التي جار فيها ونحو ذلك مما تقدم
د- وأحسن تأويل شئ هذه المسالة أن المراد بالتعذيب توبيخ الملائكة الميت بما يندبه أهله به ( ويؤيده) حديث أسيد بن أبى أسيد عن موسى بن أبي موسى الأشعرى عن أبيه أن القضاء كفر صلى الله عليه و سلم قال : الميت يعذب ببكاء الحي عليه ، إذ قالت النائحة : واعضداه واناصره واكاسباه جبذ الميت وقيل له : أنت عضدها ؟ أنت ناصرها ؟ أنت كاسبها ؟ فقلت : سبحان الله ، يقول الله عز وجل : " وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " . فقال : ويحك أحدثك عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم . أخرجه أحمد وابن ماجه(3). {392 }
(
__________
(1) الأنعام : 164
(2) انظر ص 99 ج3 فتح البارى ( قول النبى صلى الله عليه وسلم : يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح فى سنته ) .
(3) تقدم رقم 371 ص 269(1/287)
وعن) أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول : واجبلاه واسيداه ، أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا كنت ؟ أخرجه الترمذى وقال : حسن غريب والحاكم وصححه(1). {393 }
(وعن) النعمان بن بشير قال : أغمى على عبد الله بن رواحه فجعلت أخته تبكى وتقول : واجبلاء واكذا وكذا تعدد عليه ، فقال حين أفاق : ما قلت شيئا إلا قيل في آنت كذلك ؟ فلما مات لم تيك عليه . أخرجه الآية(2).{394 }
هـ- ( وقال) أبو جعفر الطبري والقاضى عياض وغيرهما : المراد بالتعذيب تألم الميت مما يقع من أهله من النياحة ( لحديث) قيلة بنت مخرمة قلت : يا رسول الله ، قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة ثم أصابته الحمى فمات ، ونزل على البكاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه شئ الدنيا معروفا وإذا مات استرجع ؟ فوالذى نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكى فيستعبر إليه صويحبه . فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم ( الحديث) أخرجه ابن أبي شيبه والطبرانى وغيرهما بسند حسن(3). {395 }
( وقال) أبو هريرة : إن أعمالكم تعرض على أقربائكم من موتاكم فإذا رأوا خيرا فرحوا به ، وإذا رأوا شرا كرهوه ( الأثر ) . أخرجه ابن جرير الطبري بسند صحيح(4). {396 }
__________
(1) انظر ص 125 ج7 – الفتح الربانى ( الميت يعذب ببكاء أهله عليه ) وص 249 ج1 – ابن ماجه ( الميت يعذب بما نيح عليه ) ( وحبذة ) حبذا من باب ضرب مثل جذبه جذبا .
(2) انظر ص 136 ج2 تحفة الأحوذى ( كراهية البكاء على الميت ) و( لهزه ) كمنعه لكزة وضربه .
(3) انظر ص 363 ج7 فتح البارى ( غزوة مؤته – بضم فسكون )
(4) انظر ص 99 ج3 فتح البارى ( الشرح ) و( قيلة ) و( مخرمه) بفتح فسكون فيهما . و( الزيدة) بفتحات قرية من قرى المدينة على ثلاثة أميال منها قريبة من ذات عرق . وفيها مات ابو ذر الغفارى رضى الله . و( يستعير اليه) يعنى يتالم من بكائه(1/288)
هذا ، ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات فينزل على اختلاف الشخاص بأن يقال مثلا من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ فإوصاهم بذلك عذب بصنعه . ومن كان ظالما فندب بأفعاله الجائرة عذب بما ندب به . ومن كان يعرف من إن النياحة فأهمل نهيهن عنها ، فإن كان راضيا بذلك التحق بالأول . وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهى . ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصيى ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربهم . وحكى الكرمانى تفسيرا آخر وهو التفرقة بين حال البرزخ وحال يوم القيامة فيحمل قوله تعالى : "" وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " على يوم القيامة . وأحاديث تعذيب الميت بنوح أهله عليه على البرزخ ( ويؤيده) أن مثل ذلك يقع فانعيني الدنيا والإشارة إليه بقوله تعالى : " وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّة "(1) ، فإنها دالة على جواز تعذيب الإنسان بما ليس له فيه تسبب فكذلك يمكن أن يكون الحال فانعيني البرزخ بخلاف يوم القيامة(2).
(13) نعى الميت
النعي – بفتح فسكون وتخفيف الياء ، أو بفتح فكسر فشد الياء – هو فانعيني اللغة الإخبار بموت الشخص ، وشرعا له ثلاث حالات (الأولى) إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح بموته من غير نوح ولا منكر آخر لتجهيزه والصلاة عليه وتشييعه ودفنه والدعاء له وغير ذلك وهو مشروع(لحديث) أبي هريرة أن الجرماني صلى الله عليه و سلم نعى للناس النجاشي برئ اليوم البخاري مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف أصحابه وكبر عليه أربعا.أخرجه السبعة(3).{ 39 }
(
__________
(1) انظر ص 89 ج7 – الفتح الربانى ( الشرح ) .
(2) الأنفال : 25 .
(3) انظر ص 100 ج3 فتح البارى ( قول النبى صلى الله عليه وسلم : يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه ) .(1/289)
وحديث ) أنس أن الجرماني صلى الله عليه و سلم نعى زيدا وجعفر وابن ماجه للناس قبل أن يأتيهم خبرهم ، فقال : أخذ الراية زبد فاصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحه فأصيب ، وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية خالد بن الوليد من غير إمره ففتح له . أخرجه أحمد والبخاري(1) . {
__________
(1) انظر ص 218 ج7 – الفتح الربانى ( الصلاة على الغائب ) وص 75 ج3 فتح البارى ( الرجل ينعى – إلى أهل الميت – بنفسه ) وص 21 ج7 نووى ( التكبير على الجنازة) وص 49 ج9 – المنهل العذب المورود ( الصلاة على المسلم فى بلاد الشرك ) وص 280 ج1 مجتبى ( الصفوف على الجنائز ) وص 240 ج1 – ابن ماجه ( فى الصلاة على النجاشى ) وص 140 ج2 تحفة الأحوذى ( التكبير على الجنازة) وأخرجه عن عمران بن حصين وتشديد المثناة التحتيه وحكى فيها التخفيف – اسمه اصحمة بن ابحر وهو بالعربية عطية ( وقد ) اسلم فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه . وسبب إسلامه أن النبى صلى الله عليه وسلملما رأى ما يصيب اصحابه من الأذى . وأنه لا يقدر أن يمنع عنهم ذلك البلاء قال لهم : لو خرجتم إلى الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم أحد عنده حتى يجعل لكم الله فرجا ومخرجا مما أنتم فيه فخرج بعض المسلمين ألى ارض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا الى الله تعالى بدينهم . فكانت أول هجرة فى الإسلام . فلما رأت قريش أن المهاجرين قد اطمانوا بالحبشة وأ/،,أ ,أن النجاشى قد أحسن صحبتهم ، ائتمروا بينهم فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن ابى ربيعة ومعهما هدية اليه والى أعيان أصحابه ..فسارا حتى وصلا الحبشة فحملا الى النجاشى هديته والى اصحابه هداياهم وقالا لهم : إن ناسا من شفهائنا فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا فى دين الملك ، جاءوا بدبن مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد ارسلنا اشراف قومهم الى الملك ليردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يرسلهم معنا من غير أن يكلمهم وخافا أن يسمع النجاشى كلام المسلمين فيمتنع من تسليمهم . فوعدهم أصحاب النجاشى بالمساعدة علىما يريدان ثم حضرا عند النجاشى وأعلماه بما جاءا له فاشار اصحابه بتسليم المسلمين اليهما فغضب من ذلك وقال : لا والله لا اسلم قوما جاوزونى ونزلوا بلادى واختارونى على من سواى حتى أدعوهم واسالهم عما يقول هذان فإن كانا صادقين أسلمتهم اليهما وإن كانوا على غير ما يذكر هذان منعتهم وأحسنت جوارهم . ثم ارسل النجاشى الى اصحاب البى صلى الله عليه وسلم فحضروا وقالوا : يستأذن أولياء الله فقال ائذنوا اليهم فمرحبا بأولياء الله فلما دخلوا عليه قالوا السلام عليكم فقال الرهط من المشركين : ايها الملك ألا ترى أنا صدقناك إنهم لم يحبوك بتحيتك التى تحيا بها فقال لهم الملك : ما منعكم أن تحيونى بتحيتى ؟ قالوا إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة – وقد اتفقوا على أن يقولوا الصدق ، وكان المتكلم عنهم جعفر بن ابى طالب – فقال لهم النجاشى ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا فى دينى ولا دين أحد من الملل ؟ فقال جعفر : ايها الملك كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسىء الجوار وياكل القوى منا الضعيف حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته بصدق فدعانا لتوحيد الله وأن لا نشرك به شيئا ونخلع ما كنا نعبد من الأصنام وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش : وقول الزور وأكل مال اليتيم وأمرنا بالصلاة والصيام – وعدد عليه أمور الإسلام – فآمنا به وصدقناه وحرمنا ما حرم علينا وحللنا ما أحل لنا فتعدى علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان . فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك . فقال النجاشى : هل معك مما جاء به عن الله شىء ؟ قال نعم فقرأ عليه ( سورة مريم ) فبكى النجاشى واسافقته ، وقال النجاشى : إن هذا والذى جاء به عيسى يخرج من مشكاة واحدة انظلقا والله ما أسلمهم إليكما أبدا . فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص : والله لآتينه غدا بما يبيد خضراءهم فقال له عبد الله بن ابى ربيهة – وكان أتقى الرجلين – لا تفعل فإن لهم أرحاما . فلما كان الغد قال غمرو للنجاشى : إن هؤلاء يقولون فى عيسى بن مريم قولا عظيما فارسل النجاشى فسالهم عن قولهم فى المسيح فقال جعفر : نقول فيه الذى جاءنا به نبينا : هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته القاها الى مريم العذراء البتول فأخذ النجاشى عودا من الأرض وقال : ما زاد على ما قاله عيسى مثل هذا العود . فنخرت بطارقته ( أى تكلمت مع غضب ونفور ) فقال وإن نخرتم . وقال للمسلمين اذهبوا فأنتم آمنون ما أحب أن لى جبلا من ذهب وإننى آذنت رجلا منكم ورد هدية قريش . وقال /ا أخذ الله الرشوة منى حتى آخذها منكم ولا أطاع الناس فى حتى أطيعهم فيه . وأقام المسلمون بخير دار . وكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنى اشهد أنك رسول الله صادق مصدق وقد بايعتك وبايعت ابن عمك جعفر بن ابى طالب واسلمت لله رب العالمين . وكان رضى الله عنه ردءا للمسلمين نافعا حاكما بالقسط مات بارض الحبشة فى رجب سنة تسع وقيل قبل الفتح(1/290)
398 }
فإخبار الجرماني صلى الله عليه و سلم بقتل الثلاثة : يدل على أن الإعلام بموت أحد مباح لا نعى منهي عنه ( وحديث) أبي هريرة رضى الله عنه أن إنسانا كان يقم المسجد أسود مات أو ماتت ففقدها الجرماني صلى الله عليه و سلم فقال : ما فعل الإنسان البخاري كان يقم المسجد ؟ فقيل له : مات ، قال : فهلا آذنتموني به ؟ ( الحديث) أخرجه أحمد والشيخان في داود وابن ماجه والبيهقى(1) {399 }
( وحديث) يحيى بن عبد الحميد بن رافع عن جدته أن رافع بن خديج مات بعد العصر فآتى ابن عمر فإخبر بموته ، فقيل له : ما ترى ايخرج بجنازته الساعة ؟ فقال : إن مثل رافع لا يخرج به حتى يؤذن به من حولنا من القرى ، فاصبحوا وأخرجوا بجنازته . أخرجه البيهقى(2) . {400}
__________
(1) انظر ص 361 ج7 – فتح البارى ( غزوة مؤتة من ارض الشام ) ، ( وزيد) هو ابن ثابت ( وجعفر ) بن ابى طالب . ( من غير إمرأة أى أخذ الرابة خالد من غير أن يجعله النبى صلى الله عليه وسلم أميرا وكان فى ذلك بغزوة مؤته بضم فسكون ( انظر بيانها بهامش ص 91 ج4 – الدين الخالص ) .
(2) انظر ص 223 ج7 – الفتح الربانى ( الصلاة على القبر بعد الدفن ) وص 133 ج3 فتح البارى . وص 25 ج7 نووى . وص 45 ج9 – المنهل العذب . وص 240 ج1 ابن ماجه . وص 32 ج4 بيهقى ( ويقم) بضم القاف أى يكنس ويجمع الكناسة ( أو ماتت) شك من الراوى) . وفى ارواية للبخارى أن رجلا اسود أو أمرأة سوداء وفى روابة له : أن امرأة أو رجلا كانت تقم المسجد ولا أراه ( أى لا أظنه ) إلا امرأة . وفى رواية البيهقى تسميتها أم محجن .(1/291)
فهذه الأحاديث تدل على أن مجرد الإعلام بالموت ليس نعيا محرما بل هو مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والحزن على أهله لكن فيه مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة إلي شهود جنازته وتهيئة أمره والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وأصابه وما يترتب على ذلك من الأحكام ( قال ) الترمذى : لا باس بأن يعلم الرجل قرابته وإخوانه بموت الشخص(1) . ( والصحيح ) البخاري تدل عليه الأحاديث الصحيحة أن الإعلام بالموت لمن لم يعلم ليس بمكروه بل أن قصد به الإخبار لكثرة المصلين فهو مستحب وإنما يكره ذكر المآثر والمفاخر والطواف بين الناس يذكره بهذه الأشياء وهذا نعى الجاهلية المنهي عنه فقد صحت الأخبار بالإعلام فلا يجوز إلغاؤه(2) .
( الحالة الثانية) الإعلام بدعوى الجمع الكثير للمفاخرة وهو مكروه ، ومنه ما يقع من كثير من أهل الزمان إذا مات عظيم أعلنوا عن موته برئ الصحف وغيرها أو أرسلوا إلى الجهات الأخرى يخبرون أهلها بموته مفاخرة ومباهاة وعليه يحمل قول حذيفة : إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدا فإني أخاف أن يكون نعيا وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن القضاء كفر . أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقى والترمذى وهذا لفظه وقال حديث حسن(3) {401}
كان أهل الجاهلية يشهرون الموت بهيئة كريهة فالنهى محمول عليه فخاف حذيفة أن يكون النهى مطلقا يشمل نعى الجاهلية والإعلام بالموت فأمر بترك هذا تورعا .
( ويروى) برئ ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأبي سعيد وعلقمة وغيرهم .
(قال) علقمة : لا تؤنوا بي أحدا ، وقال عمرو بن شرحبيل : إذا أما مت فلا أنعى إلى أحد .
(
__________
(1) انظر ص 74 ج4 بيهقى ( من كره النعى والإيذان ) .
(2) انظر ص 129 ج2 تحفة الأحوذى ( ما جاء فى كراهة النعى ) .
(3) انظر ص 216 ج5 مجموع النووى .(1/292)
وقال ) البيهقى : وبغنى عن مالك بن أنس أنه قال : لا أحب الصياح لموت الرجل على أبواب المساجد ، ولو وقف على حلق المساجد فأعلم الناس بموته لم يكن به بأس(1) .
(الحالة الثالثة) الإعلام بموته بنوح وغيره مما يشبه نعى الجاهلية كانوا يرسلون رجلا على أبواب الدور وفى الأسواق يعلن بموت فلان ، وكانوا إذا توفى رجل ركب أحدهم فرسا ويقول : نعاء(2) فلانا ويخرج إلى القبائل بنعاه إليهم ويقول : هلك فلان أو هلكت العرب بموت فلان ( ومن) هذا ما يقع برئ كثير من البلدان من طواف النساء برئ البلد يصحن ويولولن ويلطمن الخدود ويدعون بدعوى الجاهلية برئ حالة منكرة قبيحة . وفى بعض الجهات إذا مات عظيم وقفوا على المنارات ونحوها يخبرون بموته ويرفعون أصواتهم بالبكاء والنياحة أو يضربون بالطبول والموسيقى وهو محرم منهي عنه . ومنه التبرير البخاري يفعله بعض المؤذين على المنارات عند موت عالم أو عظيم من العظماء(3) .
(روى) عنبسة عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أن الجرماني صلى الله عليه و سلم قال : إياكم والنعى من عمل الجاهلية . أخرجه الترمذى وقال : حديث غريب . وأخرجه من طريق سفيان الثوري عن أبي حمزة موقوفا على ابن مسعود وقال : وهذا اصح من حديث عنبسة عن أبى حمزة وهو ميمون الأعور وليس بالقوى(4) . { 402}
__________
(1) انظر ص 144 ج7 – الفتح الربانى ( ما جاء فى نعى الميت ) وص 232 ج1 ابن ماجه ( ما جاء فى النهى عن النعى) وص 129 ج2 تحفة الأحوذى ( ما جاء فى كراهية النعى ) .
(2) انظر ص 74 ج4 بيهقى ( من كره النعى والإيذان والقدر الذى لا يكره منه)
(3) نعاء) كدراك ونزال . فهو مبنى على الكسر : أى أنعاه وأظهر خبر وفاته .
(4) قد تقدم بيانه وبيان بدعة رثاء الميت فى المسجد بص 356،355 ج3 الدين الخالص .(1/293)
والنهى فيه محمول على القضاء كفر البخاري كان عليه أهل الجاهلية جمعا بين الأحاديث فإن ظاهرة تحريم القضاء كفر وإن لم يصحبه ما يستنكر كما كانت تفعله الجاهلية من إرسال من يعلى بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق ولكنه قد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي للناس برئ اليوم البخاري مات فيه ، وأخبر بقتلى موتة ، وقال برئ السوداء التي كانت تقم المسجد : ألا أخبرتموني بموتها ؟ فهي تدل على جواز الإعلام بالموت لمن يحضر الغسل والتكفين والصلاة . والمنع منه لغير ذلك(1) .
(وعن) إبراهيم النخعى وابن سيرين أنهما قالا : لا باس مات الرجل أن يؤذن صديقه واصحابه . إنما يكره أن يطاف برئ المجالس فيقال : أنعى فلانا فعل أهل الجاهلية . أخرجه سعيد بن منصور برئ سنته .
(14) الإحداد على الميت
الإحداد – من أحد ويقال الحداد من جد ، كنصر وضرب – لغة المنع ، وشرعا ترك ما يتزين به من حلى أو كحل أو حرير ولو أسود أو دهن ولو غير مطيب أو اختضاب بحناء أو لبس مصبوغ بما له رائحة طيبة كالمزعفر والمعصفر الجديد البخاري يتزين به .
(هذا) والإحداد واجب على المسلمة المكلفة التي مات زوجها أربعة اشهر وعشرا تأسفا على زوال نعمة النكاح لأنه سبب لعفتها وكفاية مئونتها . ويجوز للمرأة الإحداد على قريب غير زوج ثلاثة أيام فقط ما لم يمنعها زوجها ( لحديث) أم عطية الأنصارية أن الجرماني صلى الله عليه و سلم قال : لا تجد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة اشهر وعشرا . ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا ولا تختضب ولا تمتشط إلا إذا طهرت تمس نبذة من قسط أو أظفار . أخرجه السبعة إلا الترمذى(2) . {403}
__________
(1) انظر ص 129 ج2 تحفة الاحوذى ( كراهية النعى )
(2) انظر ص 114 – الروضة الندية .(1/294)
والحكمة برئ إحداد المرأة على الزوج أربعة أشهر وعشرا أن الولد بتكامل خلقه وتنفخ فيه الروح بعد مضى 120 عشرين ومائة يوم وهى زيادة على أربعة اشهر بنقصان الأهله فجبر الكسر إلى العقد وزيد العشر احتياطا(1) .
__________
(1) انظر ص 149 ج7 – الفتح الربانى ( الإحداد على الميت) وص 397 ج9 فتح البارى ( القسط للحادة عند الطهر ) وص 118 ج10 نووى ( وجوب الإحداد فى هدة الوفاة ) وص 210 ج2 عون المعبود ( ما تجتنبيه المعتدة ) وص 328 ج1 ابن ماجه ( هل تحد المرأة على غير زوجها ) وص 114 ج2 مجتبى ( الخضاب للحادة) ، ( العصب ) بفتح فسكون برود يمانية يعصب غزلها ويشد ثم يصبغ إلا ثوب عصب . و( النبذة) بضم فسكون القطعة ( والقسط ) بضم فسكون ( والأظفار ) نوعان من العود رخص فى استعمالها للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة لا للتطيب .(1/295)
هذا وقد أفاد الحصر برئ قوله " إلا على زوج " أنه يجوز للمرأة أن تحد على غير زوجها – أبا أو ابنا أو أخا أو قريبا – ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من ألم الوجد وليس ذلك واجبا لاتفاقهم على أن الزوج لو طلبها للجماع لا يحل لها منعه . ودل الحديث على (أ) أنه يحرم الإحداد على غير الزوج فق ثلاث وإن أذن الزوج(1) . (ب) وأنه يجب الإحداد على الزوج أربعة اشهر وعشرا لأنه جواز بعد منع فيجب إلا لعذر(2) . بإن كانت لا تجد إلا ثوب زينة أو بها نحو حكة فتلبس الحرير أو شكت عينها أو رأسها فيباح لها الكحل والأدهان (لحديث) أم حكيم بنت اسيد عن أمها أن زوجها توفى وكانت تشتكى عينيها فتكتحل بكحل الجلاء فأرسلت إلى أم سلمة تسألها عنه فقالت : لا يكتحل منه إلا من أمر لابد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار ، ثم قالت : دخل على الجرماني صلى الله عليه و سلم حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا ، فقال الجرماني صلى الله عليه و سلم : إنه يشب الوجه فلا تحمليه إلا بالليل وانزعيه بالنهاؤ ولا تمتشطى بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب . قلت : بأي تألم أمتشط ؟ قال : بالسدر تغلفين به رأسك . أخرجه مالك وأحمد وأبو داود في حسن ووالدة أم حكيم مجهولة(3) . {
__________
(1) انظر ص 393 ج9 فتح البارى ( تحد المتوفى عنها اربعة أشهر وعشرا ) وص 113 ج10 نووى مسلم ( وجوب الإحداد فى عدة الوفاة ) .
(2) " وأما حديث عمرو بن شعيب أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص للمرأة أن تحد على ابيها سبعة ايام وعلى من سواه ثلاثة ايام . اخرجه أبو داود فى المراسيل " فلو صح" لكان خصوص الب خرج من هذا العموم لكنه مرسل او معضل ( أى سقط منه غير الصحابى ) لأن جل رواية عمرو بن شعيب عن التابعين لم يرو إلا الشىء اليسير عن بعض صغار الصحابة ( انظر ص 393 ج9 فتح البارى ) .
(3) " وأما " حديث اسماء بنت عميس زوج جعفر فقال : لا تحدى بعد يومك هذا ..أخرجه أحمد وابن حبان بسند قوى وصححاه ( انظر ص 150 ج7 – الفتح الربانى – الإحداد على الميت . وص 393 ج9 فتح البارى ) " فظاهره " أنه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها زوجها بعد اليوم الثالث بل ظاهر النهى أن الإحداد لا يجوز . (والجواب) أنه حديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة ، وقد أجمعوا على خلافة ويدل على الوجوب أيضا حديث زينب ابنه أبى سلمة الآتي رقم 405 .(1/296)
404}
(ولذا) قال الحنفيون وأحمد والجمهور : يجوز للمعتدة المتوفى عنها زوجها الاكتحال بالإثمد ونحوه( والمشهور) عن مالك منع اكتحالها إلا لضرورة . ( وقالت ) الشافعية : يحرم على المحدة الاكتحال ولو احتاجت إليه ) لحديث) حميد بن نافع عن زينب ابنه أبي سلمة أن أم سلمة قالت : جاءت امرأة إلى الجرماني صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابنتي توفى زوجها وقد اشتكت عينها افنكحلها ؟ فقال الجرماني صلى الله عليه و سلم : لا ، مرتين أو ثلاثا . كل ذلك يقول لا . ثم قال : إنما هي أربعة اشهر وعشر . وقد كانت إحداكن تألمه الجاهلية ترمى بالبعرة على راس الحول قال حميد : فقلت لزينب : وما ترمى بالبعرة على راس الحول ؟ فقالت : كانت المرأة إذا توفى عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر سنة ، ثم تؤتى بدابة – حمار آمرها شاة أو طائر – فتنفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمى بها ثم تراجع بعد ما شارت من طيب أو غيره . سئل مالك ما تفتض به ؟ قال : تمسح به جلدها . أخرجه الجماعة(1).{405}
__________
(1) انظر ص 261 ج2 عون المعبود ( ما تجتنبه المعتدة ) وص 115 ج2 مجتبى ( الرخصة للحادة أن تمتشط بالسدر ) . و( أسيد) بفتح فكسر ( والجلاء ) بالكسر والمد : الإثمد : سمى بذلك لأنه يجلو البصر ( والصبر ( والصبر ) بفتح فكسر ككتف وتسكن الباء تخفيفا . ( ويشب ) بفتح فضم فشد الباء أى يحسن الوجه ويزيد في لونه ( وتغلفين ) من تغلف الشخص بالشيء تلطخ به آي تكثرين منه على شعرك حتى يصير غلافا له .(1/297)
فيه دليل على تحريم الاكتحال على الحادة وإن احتاجت إليه . وفى الحديث السابق فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار . ( ووجه) الجمع أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل مطلقا . وإن احتاجت لم يجز ليلا مع أن الأولى تركه فإن فعلت مسحته بالنهار ، فحديث الإذن تألمه الإكتحال لبيان أنه بالليل للحاجة غير حرام . وحديث النهى محمول على عدم الحاجة (1) .
15- تجهيز الميت
يكون بالغسل والتكفين والصلاة عليه وحمله ودفنه . وهى الطريقة المتبعة من لدن سيدنا آدم إلى الآن ( روى) الحسن عن عتى بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب أن آدم عليه السلام قبضته الملائكة وغسلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له وألحدوا له وصلوا عليه ثم دخلوا قبره فوضعوه فيه ووضعوا عليه اللبن ثم خرجوا من القبر ثم حثوا عليه التراب ثم قالوا : بابني آدم هذه سنتكم . أخرجه ابن أحمد تألمه زوائد المسند والحاكم وقال صحيح الإسناد (2) . { 406}
و هاك بيانها مرتبة :
( أ ) غسل الميت
__________
(1) انظر ص 395 ج9 فتح الباري ( تحد المتوفى عنها اربعة اشهر وعشرا ) وص 113 ج10 نووى ( وجوب الإحداد فى عدة الوفاة ) وص 258 ج2 عون المعبود . وص 114 ج2 مجتبى ( ترك الزينة للحادة المسلمة ) وص 328 ج1- ابن ماجه ( كراهة الزينة للمتوفى عنها زوجها ) و( اشتكت عينها ) بالرفع فاعل ، ويؤيده رواية مسلم عيناها وبالنصب على أنها مفعول والفاعل ضمير يعود على المرأة ويؤيده رواية لأبى داود اشتكت عينيها . و( افنكحلها ) بفتح النون وضم الحاء( وحفشاء) بكسر فسكون أى بيتا صعيرا حقيرا ( ثم تراجع) أى تعود الى الطيب والزينة و( تمسح به جلدها ) وقال غير مالك تفتض أى تكسر ما هى فيه من العة بطائر تمسح به قبلها وتنبذة فلا يكاد يعيش بعد ما تفتض به
(2) انظر ص 114 ج10 نووى مسلم ( وجو ب الإحداد فى عدة الوفاة ) .(1/298)
الغسل – بفتح فسكون مصدر غسل – لغة الإسالة ، وشرعا إيصال الماء إلى جميع بدن الميت ، والكلام فيه ينحصر في ثمانية مباحث .
( 1 )حكم : هو فرض كفاية في حق المسلم غير الشهيد عند الأئمة الأربعة والجمهور إذا لم يكن خنثي . فإن كان فالأولى أن ييمم . وقيل يغسل في ثيابه .
( ودليل ) الوجوب حديث ابن عباس قال : بينما رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فوقصته ناقته فمات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رآسة فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا . أخرجه السبعة(1) {407 }
الحاكم والبيهقى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تنجسوا موتاكم فان المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا (2) . {408}
(3) شروط : هي شروط وجوب وصحة وجواز . (1) فشروط الوجوب خمسه :
(
__________
(1) انظر ص 188 ج 7 – الفتح الربائى ( تطيب بدن الميت ) وص 88 ج 3 فتح الباري ( كيف يكفن المحرم ؟) وص 127 ج 8 نووى مسلم ( ما يفعل بالمحرم إذا مات ) وص 109 ج 9 – المنهل العذب . وص 269 ج 1 مجتبى ( كيف يكفن المحرم إذا مات ) وص 135 ج 2 – ابن ماجه ( المحرم يموت ) و ( وقصته ماقته ) من باب وعد اى رمت به فدقت عنقه . و ( في ثوبيه ) المراد بهما الإزار والرداء لان المحرم لا يلبس الثياب المخيطة .وفى رواية للبخاري وأبى دواد : وكفنوه في ثوبين ( ولا تحنطوه ) اى لا تطيبوه بالحنوط ، وهو خليط من الطيب . ( ولا تخمروا رأسه ) اى لا تغطوه لان المحرم ممنوع من ذلك حيا وميتا عند الشافعى واحمد ( وقال ) الحنفيون ومالك : يفعل بالمحرم الميت ما يفعل بالحلال فيطيب ويغطى رأسه وقالوا : الحديث خاص بهذا الأعرابي ولا دليل على الخصوصية . كما سيأتي في بحث التكفين إن شاء الله .
(2) انظر ص 82 ج 3 فتح البارى ( غسل الميت ) وص 398 ج 3 بيهقى ( من لم ير الغسل من غسل الميت ) ( ولا تنجسوا موتاكم ) أي لا تقولوا إنهم نجس .(1/299)
1) كون الميت مسلما فلا يجب غسل الكافر – لان الغسل شرع كرامة وتعظيما للميت ، والكافر ليس من أهل الكرامة والتعظيم – إلا إذا كان ذا رحم من المسلم فانه يغسله ويكفنه ويتبع جنازته على ما سيأتي بيانه ، إن شاء الله تعالى في بحث ( تجهيز المسلم الكافر ) .
( 2) وجود الميت كلا أو جلا عند الحنفيين ومالك . فلو وجد طرف من أطراف الإنسان كيد أو رجل لا يغسل لان الشرع ورد بغسل الميت والميت اسم لكله أو أكثره ، لان للأكثر حكم الكل . وإن وجد اقله أو نصفه لم يغسل لانه ليس بميت حقيقة ولا حكما . ولان الغسل للصلاة . ما لم يزد عن النصف لا يصلى عليه فلا يغسل إلا إذا وجد النصف مع الرأس فانه يغسل لكونه معظم البدن ( وقال ) الشافعي واحمد : عن وجد عضو إنسان تيقن موته يغسل ويصلى عليه لقول الشافعي : أنبا بعض أصحابنا عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان أن أبا عبيدة صلى على رءوس . قال الشافعي : وبلغنا أن طائرا القي يدا بمكة في وقعه الجمل فمرفوها بالخاتم فغسلوها وصلوا عليها . أخرجه البيهقى(1)
__________
(1) تنظر ص 18 ج 7 بيهقى ( غسل بعض الأعضاء إذا وجد مقتولا ) و ( وقعة الجمل ) كانت في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين ( و حاصلها ) انه لما قتل عثمان رضى الله عنه ، أتى الناس عليا رضى الله عنه وهو في سوق المدينة ، فقلوا له ابسط يدك نبايعك = فقال حتى يتشاور الناس ..فقال بعضهم لئن رجع الناس إلى أمصارهم بقتل عثمان ولم يم خليفه بعده لم يؤمن الاختلاف وفساد الأمة فاخذ الاشتر بيده فبايعوه ثم أرسل إلى طلحه والزبير فبايعاه واستاذناه في العمرة وخرجا الى مكة فلقيا عائشة وعبد الله بن عامر – كان عاملا على البصره لعثمان – ويعلى بن أمية – كان عاملا له على اليمن – واتفقوا على المطالبة بدم عثمان حتى يقتلوا قتلته ( قال) عوف الأعرابي : لما قتل عثمان وكان يعلى قدم حاجا فأعان طلحة والزبير باربعمائة الف وحمل سبعين رجلا من قريش واشترى لعائشة جملا يقال له عسكر بثمانين دينارا . أخرجه عمر بن شبية ( انظر ص 42 ج 13 فتح البارى ) واجتمع بمكة خلق من سادات الصحابة وأمهات المؤمنين فقامت عائشة رضى الله عنها في الناس تخطبهم وتحثهم على المطالبة بدم عثمان وذكرت انه قتل ظلما في بلد حرام وشهر حرام فاستجاب الناس لها وساروا معها في آلف فارس من أهل المدينة ومكة قاصدين البصرة وتلاحق بهم آخرون فصاروا ثلاثة آلاف . وقد مروا في مميرهم ليلا بماء الحويا ( بفتح فسكون ) فنبحتهم كلاب عنده فقالت اى ماء هذا ؟ فقالوا الحوبا . فقالت إنا لله وأنا إليه راجعون ما اظنننى الا راجعة قالوا ولم ؟ قالت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم : كيف بأحد كن تنبح عليها كلاب الحويا ؟ أخرجه احمد والحاكم بسند على شرط الصحيح ( انظر ص 42 ج 13 فتح البارى ) فقال لها عبد الله بن الزبير . إن الذى أخبرك أن هذا الماء ماء الحويا قد كذب : فارتحلوا نحو البصرة فأما اقتربوا منها كتبت الى الاحنف بن قيس وغيره من رءوس الناس انها قدمت فبعث عثمان بن حنيف- عامل على على البصرة – عمر أن بن الحصين وأبا الأسود الدؤلى اليها ليعلما ما جاءت له فأما قدما سألاها ما جات له فذكرت أنها جاءت تطالب بدم عثمان وقالا لطلحة والزبير ما اقدمكها ؟ فقالا : الطلب بدم عثمان فرجع عمران وابو الأسود إلى عثمان بن حنيف فقال أبو الأسود :
يا ابن الأحنف قد أتيت فانفر وطاعن القوم و جالد واصبر
واخرج لهم مستلما وشمر
فصمم عثمان بن حنيف على منعهم من دخول البصره حتى يحضر على رضى الله عنه ونادى في الناس يامرهم بالاستعداد للقتال فقام رجل فقال ايها الناس : إن كان هؤلاء القوم ( يعنى طلحة ومن معه ) جاءوا خائقين فقد جاءوا من بلد يامن فيه الطير . وإن كانوا جاءوا=
= يطلبون قتله عثمان فأطيعوني وردوهم من حيث جاءوا فقام الأسود بن سريع السعدى فقال : إنما جاءوا يستعينوا بنا على قتله عثمان منا ومن غيرنا فحصبة الناس فعلم عثمان بن حنيف أن لطلحة والزبير أنصارا بالبصرة وقدمت ام المؤمنين بمن معها غفنزلوا المربد قريبا من البصرة وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها وخرج عثمان بن حنيف بالجيش فاجتمعوا بالمربد وتكلم طلحة والزبير فندبا إلى الأخذ بثار عثمان والطلب بدمه وحرضت عائشة الناس وحثهم على القتال فقال لها حارثة بن قدامه السعدى : يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل عرضة للسلاح واقبل حكيم بن جبلة من فرسان البصرة فانشب القتال . وجعل أصحاب عائشة يكفون أيديهم ويمتنعون من القتال وحكيم يقتحم عليهم فاقتتلوا حتى حجز الليل بينهم فأما كان اليوم الثاني خرجوا فاقتتلوا قتالا شديدا إلى أن زال النهار وقتل وجرح خلق كثير من الفريقين وتنادوا إلى الصلح على أن يرسلوا إلى المدينة من يتعرف أكانت بيعة طلحة والزبير طوعا أم كرها فإن ثبت انهما اكرها عليها ترك ابن حنيف البصرة وإن لم يكونا اكرها على البيعة خرج طلحة والزبير من البصرة . فأرسلوا كعب بن سور قاضى البصره فاما قدم المدينة قال : يا أهل المدينة أأكره طلحه والزبير على البيعة أم أتياها طائعين ؟ فقال اسامة بن زيد إنهما اكرها . فلقى أسامة من سهل بن حنيف-والى المدينة – إهانة وبلغ هذا عليا . فأرسل إلى عثمان بن حنيف يقول : والله ما اكرها على فرقة ولقد اكرها على جماعة وفضل . فاما رجع كعب وانتشر خبر إكراه طلحة والزبير على البيعة طلبا من عثمان بن حنيف أن يخرج من البصرة فامتنع محتجا بكتاب على رضى الله عنه فبيته القوم ليلة واستولوا على البصرة فامتنع محتجا بكتاب على رضى الله عنه فبيته القوم ليلة واستولوا على البصرة وحبسوا ابن حنيف فبلغ ذلك حكيم أهل المدينة للخروج الى البصرة وقال : إن آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله فانصروا الله ينصركم ويصلح لكم امركم فخف قوم لاجابته وتثاقل قوم فخرج من المدينة . فاما وصل الربذة أرسل محمد بن أبى بكر ومحمد بن جعفر يستفران الناس . و أرسل معهما كتابا إلى أهل الكوفة فيه : أني اخترتكم على أهل الأمصار ورغبت إليكم وفزعت لما حدث فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا وانهضوا إلينا فالإصلاح تريد = لتعود هذه الأمة إخوانا . وكان مت رأى أبى موسى الاشعرى أمير الكوفة قعود الناس عن هذه الفتن فلم يخرج من الكوفه أحد فاغلظ محمد بن أبى بكر وابن جعفر لأبى موسى فقال إن بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما . فإن لم يكن بد من قتال فلا نقاتل أحدا حتى نفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا فرجعا إلى على بالخبر فأرسل الحسن بن على وعمار بن ياسر ثانيا الى الكوفة فاقبلا حتى دخلا المسجد . فقال الحسن لأبى موسى لم تثبط الناس عنا فو الله ما أردنا الا الإصلاح ؟ فقام القعقاع بن عمرو وقال : يأهل الكوفة لا بد من إمارة تنظم الناس وتنزع الظالم وتعز المظلوم . وهذا أمير المؤمنين إنما يدعو إلى الإصلاح فانفروا فكونوا في هذا الأمر بمراى ومسمع . وقال ريد بن صوحان من زعماء الكوفة مثله . وقال الحسن على أجيبوا دعوة أميركم وسيروا إلى إخوانكم والله لان يدعيه أولو النهى امثل في العاجل والأجل وخير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا و أعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم . وان أمير المؤمنين يقول : قد خرجت مخرجي هذا ظالما او مظلوما وإني اذكر الله رجلا رأى حق الله الا نفر فمن وجدني مظلوما أعانني ومن وجدني ظالما اخذ منى فانفروا فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر . فاثر فيهم هذا القول ونفر معه قريب من تسعة الاف ثم نزل القعقاع بن عمرو ليكون بينهم وبين طلحة والزبير فقدم القعقاع البصرة وبدا بام المؤمنين فقال لها : أي أمة ما أقدمك هذه البلدة ؟ قالت الإصلاح بين الناس . قال فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما فبعثت إليهما فحضروا فقال القعقاع : إنى سالت أم المؤمنين ما اقدمها ؟ فقالت الإصلاح فهل أنتما متابعان ؟ قالا نعم قال فأخبرني ماوجه هذا الإصلاح ؟ قالا قتله عثمان فان هذا الأمر إن ترك تركا للقران . قال قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة وأنتما قبل قتلهم اقرب إلى الاستقامة منكم اليوم قتلتم سمائة رجل فغضب لهم سته آلاف فاعتزلوكم فقالت له عائشة : فماذا تقول أنت ؟ قال إن هذا الأمر دواؤه التسكين فإذا سكن اختلجوا فان انتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشر رحمة وإدراك الثأر وإن انتم أبيتم فعلامة شرو ذهاب هذا الملك فاثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولا . قالوا أصبت واحسنت فإن رجع على وهو على مثل رأيك صلح الأمر فرجع إلى على واخبره الخبر فأعجبه ذلك واشرف القوم على الصلح والكل راغب فيه سمع بذلك السبيه ( أصحاب عبد الله بن سبإ) وتحققوا أن الصلح إنما يعود عليهم بالوبال لانه إن تم كان على قتلهم لانهم هم الذين أثار واامر عثمان =
= فباتوا شر ليلة وتشاورا فلم يجدوا غير انتشار الحرب ثم اصبح الناس والتقى الجيشان خارج البصرة وخرج الزبير وطلحة بين الجيشين فخرج إليهما على وقال لهما لعمرى قد اعددتما سلاحا وزجالا عن كنتما أعددتما عند الله عذرا فاتقيا الله ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا ألم اكن أخاكما في دينكما تحرمان دمى واحرم دمكما فهل من حدث احل ذلك ؟ فقال طلحة البت على عثمان فامن على قتلة عثمان ثم ذكر الزبير بأشياء ( منها ) مارواه عبد الملك بن مسلم عن أبى حزم المازنى قال : شهدت عليا والزبير حين توافقا فقال له على يازبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى عليه يقول إنك تقاتلني وانت ظالم ؟ قال نعم لم اذكره إلا في موقفى هذا ثم انصرف . اخرجة أبو يعلى والبيهقى ( انظر ص 240 ج 7 – البداية لابن كثير )
( ولما ) رجع الزبير رجع الناس وهم لا يشكون في الصلح وباتوا بأهنإ ليلة وبات الدخلاء باسوا حال فاما كان الغلس قاموا من غير أن يشعر بهم أحد واعملوا السلاح وثار كل قوم في وجوه أصحابهم فسال طلحة والزبير عن الخبر فقيل له ما شعرنا إلا وقوم منهم يعملون فينا السلاح . فقال : قد علمت أن طلحة والزبير غير منتهيين حتى يسفكا الدماء ونادى في الناس أن كفوا واخرجوا أم المؤمنين في هودجها لعل الله يصلح بها فجعلت تنادى البقية البقية يا بنى اذكروا الله والحساب . والغوغاء يرمون الهودج ولا يأبون إلا إقداما واشتدت حمية اهل البصرة لحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن محيص من القتال فاقتتلوا وترك الزبير القوم ورجع فتتبعه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلى بوادي السباع . وقد امسك بخطام الجمل كثير من أرباب الشجاعة والنجدة فقتل دونه السبعين من قريش وغيرهم واشتد أهل الكوفة على الجمل لانهم رأوا ان البصريين لا ينهزمون ما دام واقفا فرماه كثير منهم وكل من رماه قتل ثم عقروا الجمل وتفرقواعنه وحمل الهودج وهو مثل القنفذ من كثرة السهام وظهرت أثار الكدر على أمير المؤمنين من هذا الحادث الذى لم يكن فيه لاحد مأرب و أمر بحمل الهودج من بين القتلى وقال لمحمد بن أبى بكر انظر هل وصل على أم المؤمنين شئ من الجراحة ؟ فوجدها بحمد الله سليمة لم تصب بشيء ثم جاءها على فقال : كيف أنت يا أمة ؟ قالت بخير يغفر الله لك قالولك . وامر رضى الله عنه بدفن القتلى بعد ان صلى على الفريقين ثم طاف عليهم فاما =
اتى على طلحة قال : لهفى عليك ابا محمد إنا لله وإنا إليه راجعون والله لقد كنت اكره أن أرى قريشا صرعى وأنت كما قال الشاعر .
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
ثم جهز على أم المؤمنين وسيرها إلى مكة فبقيت بها حتى حجت ثم رجعت الى المدينة ورجع على إلى الكوفة التي جعلها مقر خلافته وقانا الله شر القيا والقال ولا سيما في شان الصحابة هداة الامة رضى الله عنهم ( هذا ) وقد ورد في هذه الوقعة أحاديث و أثار غير ما تقدم منها.( حديث) أبى رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلى بن أبى طالب : إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر قال : فأنا أشقاهم يا رسول الله ؟ قال لا ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مامنها . أخرجه احمد و البراز بسند حسن ( انظر ص 42 ج 13 فتح الباري ) .
( وقول ) أبى مريم عبد الله بن زياد الاسدى : لما سار طلحة و الزبير وعائشة إلى البصرة بعث على عمار اسفل من الحسن فاجتمعنا اليه ( اى الى عمار ) ( قال ابو مريم ) فسمعت عمارا يقول : إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والاخرة ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم اياه تطيعون أم هي ؟ وفي رواية ام إياها . أخرجه البخاري ( انظر ص 44 ج 13 فتح البارى ) أراد عمار بذلك ان الصواب في تلك القصة مع على وان عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام ولا عن أن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسل . وهذا يعدمن أنصاف عمار وشدة ورعه وتحريه قول الحق .
( وقول ) ابى زيد قال عمار بن ياسر لعائشة لما فرغوا من الجمل : ما ابعد هذا المسير من العهد الذى عهد اليكم يشير الى قوله تعالى ( وقرن في بيوتكن ) فقالت ابو اليقظان ؟
قال نعم قالت والله إنك – ما علمت – لقوال بالحق . قال : الحمد لله الذى قضى لى على لسانك . أخرجه الطبرانى بسند صحيح ( انظر ص 45 ج 13 فتح الباري ).(1/300)
لكن في سند اثر أبى عبيدة مجهول . وقال ابن المنذر في الأشراف : لا يصح ذلك عن أبى عبيدة :
وذكر الحاكم في المستدرك بسنده عن الشعبي قال : بعث عبد الملك بن مروان براس عبد الله بن الزبير إلى خازم بخراسان ، فكفنه وصلى عليه .
قال الشعبي : اخطأ لا يصلى على الرأس . وفي سند الثاني بلاغ(1).
ولان الغسل وصلاة الجنازة شرعا لحرمه الآدمي ، وكل جزء منه محترم ( وقال ) احمد : صلى أبو أيوب على رجل ، وصلى عمر على عظام بالشام .أخرجه عبدا لله بن احمد .
وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم نعرف منهم مخالفا ، وإن وجد الجزء بعد دفن الميت غسل وصلى عليه ودفن إلى جانب القبر ، أو نبش بعض القبر ودفن فيه ولا حاجة إلى كشف الميت لان ضرر نبش الميت وكشفه اعظم من الضرر بتفرقة أجزائه(2) .
( واستدل ) الحنفيون ومالك بما روى عن ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما قالا : لا يصلى على عضو وهو يدل على انه لا يغسل ، لان الغسل لاجل الصلاة ، و أما صلاة أهل مكة على اليد التي ألقاها الطائر ، فلا حجة فيها لأنه لم يعلم من المصلى عليها ؟ أو تحمل الصلاة على الدعاء . ( وكذا ) صلاة أبى عبيدة على رءوس ، وصلاة أبى أيوب على رجل ، وصلاة عمر على العظام ( تحمل ) على الدعاء (3) ، ( وحاصل ) المذاهب في المسألة انه إذا وجد بعض الميت بعض الميت غسل وصلى عليه عند الشافعي واحمد قل البعض أم كثر ( وقال ) دواد : لا يغسل ولا يصلى عليه مطلقا ( وقال ) الحنفيون ومالك : إن وجد اكثر من نصفه غسل وصلى عليه وإن وجد النصف فأقل فلا غسل ولا صلاة (4)
(
__________
(1) انظر ص 18 ج4 – الجوهر النقى
(2) انظر ص 357 ج 2 شرح المقنع .
(3) انظر ص 302 ج1 بدائغ الصنائع .
(4) انظر ص 255 ج 5 مجموع النووى .(1/301)
3) ويشترط لوجوب غسل الميت ألا يكون ساعيا في الأرض بالفساد ، فلا يغسل وقطاع الطريق إذا قتلوا لان الغسل الكرامة وهؤلاء لا يستحقونها بل يستحقون الاهانه ، وهذا مذهب النعمانى و أبى يوسف ( وعن ) محمد بن الحسن امرأة من قتل مظلوما لا يغسل ويصلى عليه كالشهيد ، ومن قتل ظالما يغسل ولا يصلى عليه كالباغي ، وسيأتي بيان سائر المذاهب في بحث الصلاة على العصاة إن شاء الله تعالى .
( 4) ويشترط لوجوب الغسل وجود الماء ، فان لم يوجد من غير الجنس فإن كانا من ذوى الرحم المحرم فكذلك وإن كانا من غير الجنس فإن كانا من ذوى الرحم المحرم المس كما في حالة الحياة إلا إذا كان أحدهما لا يشتهى كالصغير والصغيرة فييمه بلا خرقة ، وإن كانا زوجين فالمرأة تيمم زوجها بلا خرقة كما تغسله بلا خرقة إذا لم تبن منه حال حياته اتفاقا وكذا إذا لم يحدث بعد وفاته ما يوجب البينونة عند النعمان وصاحبيه خلافا لزفر ، و أما الزوج فلا ييمم زوجنه بلا خرقه عند الحنفيين خلافا للشافعي على ما يأتي بيانه في شرط الجواز(1) .
(5) ويشترط ألا يكون الميت شهيدا لا يغسل كما يأتي في بحث الشهيد إن شاء الله تعالى .
( ب) ويشترط لصحة غسل الميت شرطان:(1) النية من الغاسل لإسقاط الوجوب عن المكلف لا الطهارة فلا يصح تغسيل الكافر المسلم ، لان الكافر ليس من أهل النية ، وهذا مذهب الجمهور ( والأصح ) عند الشافعية انه لا يتشرط لصحة غسل الميت نية الغاسل لان القصد منه التنظيف فلا يجب فيه النية كإزالة النجاسة ( وقيل ) تجب لانه تطهير لا يتعلق بإزالة عين فوجب فيه النية كغسل الجنابة ( وكيفية ) النية أن ينوى الغسل الواجب أو الفرض أو غسل الميت .
(
__________
(1) انظر ص 304 ج 1 بدائع الصنائع.(1/302)
2) التييممة في إحدى الروايتين عن احمد ، لانه غسل تعبدي من غير نجاسة – شرط لصحة الصلاة على الميت – فوجب فيه ذلك كغسيل الجنابة ولما تعذرت النية والتسمية من الميت طلبت من الغاسل ، لانه المخاطب بالغسل(1) ( ولا ) تشترط التسمية عند الجمهور .
( جـ) ويشترط لجواز غسل الميت كون الغاسل ممن يحل نظرة المغسول فلا يغسل الرجل المرأة ولا العكس . وفيه أربع صور : (1) فإذا ماتت امرأة بين رجال يممها ذو رحم محرم منها ، فان لم يوجد يممها أجنبي بخرقه يلفها على يده عند الحنفيين واحمد ( لحديث ) مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس معهم امرأة غيرها ، والرجل مع النساء ليس معهمن رجل غيره فانهما ييممان ويدفنان وهما بمنزلة من لا يجد الماء . أخرجه أبو داود في سبيل المراسيل والبيهقى وقال : هذا مرسل(2) {410}
( وقال ) مالك والشافعي : إذا ماتت امرأة ليس لها زوج بين رجال غسلها ذو رحم محرم منها ، لأنها كالرجل بالنسبة إليه في العورة والخلوة ، ولمفهوم حديث سنان بن غرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : في الرجل يموت مع أخرجه البيهقى والطبرانى في الكبير ، وفيه عبد الخالق بن يزيد بن واقد ، وهو ضعيف(3)
__________
(1) انظر ص 328 ج 2 مغنى ابن اقدامة .
(2) انظر ص 398 دج3 بيهقى ( المرأة تموت مع الرجال ليس معهم امراة )
(3) انظر ص 398 منه . وص 23 ج 3 مجمع الزوائد ( المرأة تموت مع الرجال ولا محرم لها منهم ) . و( غرفة ) بالغين المعجمة وفتحات .(1/303)
فقوله : ليس معهما محرم يفيد لا ييممان مع وجود المحرم بل يغسلهما فإذا ماتت امرأة ليس لها زوج غسلها النساء المحارم كالأم والبنت ثم ذوات الأرحام غير المحارم – كبنت العم وبنت العمة – أقربهن فاقربهن ، فان لم يكن فالأجنبيات ، فان لم يكن نساء أصلا غسلها الأقرب فالأقرب من رجال المحارم ، فيقدم الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم عم الأب ثم عم الجد(1) ( و أجاب ) الأولون عن الحديث بأنه ضعيف لا يحتج به ، وبان المفهوم ليس بحجة عند الحنفيين .
( 2) وإذا مات رجل لا يحضره إلا اجنبيه بيمم عند الحنفيين ومالك وهو الصحيح عند احمد والشافعي ( وعنهما ) انه يغسل ويجعل الغاسل على يده خرقة ( وقال ) الحسن البصري وإسحاق : يغسل من فوق القميص يصب الماء عليه صبا ولا يمس وهو رواية عن احمد ( ورد ) بان الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف ولا إزالة النجاسة بل ربما كثرت ولا يسلم من النظر ، فكان العدول إلى التيمم أحق .(2)
3) وإذ مات صبى آمرها صبية لم يبلغا حد الشهوة جاز للرجال والنساء غسله فان بلغت الصبية حدا تشتهى لم يغسلها إلا النساء وكذا الغلام إذا بلغ حدا يجامع الحق بالرجال(3) .
وهذا مذهب الجمهور ( والصحيح ) عند احمد أن من بلغ عشرا ليس للنساء غسله ( لحديث ) عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مروا أو دلاكم بالصلاة وهم أبناء سبع وضربوهم عليها وهم ابنا عشر .
وفرقوا بينهم في المضاجع . أخرجه احمد وأبو داود والحاكم وصححه(4). 412 }
__________
(1) انظر ص 134 ج 5 مجموع النووى .
(2) انظر ص 314 ج 2 شرح المقنع ( الشرح الكبير ) .
(3) انظر ص 149 ج 5 مجموع النووى .
(4) انظر ص 237 ج 2 – الفتح الربانى ( امر الصبيان بالصلاة ) وص 121 ج 4(1/304)
و أما الجارية إذا لم تبلغ سبعا ، فقيل : يجوز للرجال غسلها ، وقيل : حكمها حكم الغلام ولا يغسل الرجل من بلغت عشرا ، لما ذكر في الحديث ( ويحتمل ) امرأة يحد ذلك بتسع في حق الجارية ( لقول ) عائشة : إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة ( وقال ) سعيد و الزهري : يكره للرجل غسل الصغيرة . واختاره بعضهم ، لان عورة الجارية افحش من عورة الغلام .(1)
(4) وإذ مات الخنثى المشكل ، فان كانت هناك محرم له من لرجال أو النساء ، غسله اتفاقا ، وإن لم يكن له محرم منهما . فان كان الحنثى صغيرا جاز أن يغسله رجل أو امرأة فوق ثوب ويحتاط الغاسل في غض البصر والمس لانه موضع ضرورة .(2)
فائدتين : ( الأولى ) إذا مات الجنب أو الحائض يغسل غسلا واحدا عند كافة العلماء إلا الحسن البصري فقال : يغسل غسلين(3) ( ولعله ) يستدل بما روى إسحاق بن الحارث قال : رأيت خالد بن الحواري – رجلا من الحبشة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – أتى أهله ، فلما حضرته الوفاة قال : اغسلونى غسلتين غسلة للجناية وغسلة للموت . أخرجه الطبرانى في الكبير ، وإسحاق لم يترجم وبقية رجاله ثقاب(4) . {413 }
(
__________
(1) انظر ص 313 ج 2 شرح المقتع .
(2) انظر ص 147ج5 مجموع النووى .
(3) انظر ص 152 منه .
(4) انظر ص 23ج 3 مجمع الزوائد ( فيمن يجنب ثم يموت قبل ان يغتسل )(1/305)
الثانية ) لا يجوز للسيد غسل أمته وأم ولده عند الحنفيين ، ويجوز عند الثلاثة لانه يجوز له غسلهما في حال الحياة فجاز له غسلهما بعد الموت كالزوجة ، ولا يجوز لام الولد والقنة والمدبرة غسل سيدها عند الحنفيين وهو الأصح عند الشافعي ، وفرقوا بينها وبين الزوجة بان أم الولد والمدبرة بالموت صارت حرة ، ولاقنة صارت للوارث ( وقال ) مالك واحمد : يجوز لام الولد غسل سيدها لأنها في معنى الزوجة في اللمس والنظر والاستمتاع فكذا في الغسل ولأنها إذا ماتت تلزمه مئونة تجهيزها . أما غيرها من الإماء فلا يجوز لها غسل سيدها لما تقدم(1)
( 4) من يتولى غسل الميت : يستجيب أن يتولاء اقرب الناس إليه امرأة كان عالما بأحكام الغسل وإلا اختير رجل أمين ذو ورع ودين ورفق بالميت . إن رأى خيرا فشاه ، وإن رأى عيبا ستره ( وقد ورد ) في هذا أحاديث (منها) حديث عائشة امرأة النبي صلى الله عليه وسلم قال : من غسل ميتا فادى فيه الأمانة ولم بفش عليه ما يكون منه عند ذلك ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وقال : ليله أقربكم منه إن كان يعلم ، فان كان لا يعلم فمن ترون امرأة عنده حظا من ورع وأمانة . أخرجه احمد والطبرانى في الأوسط بسند فيه جابر الجعفى ، وفيه كلام كثير(2) {414 }
__________
(1) انظر ص 153 وص 154 ج 5 مجموع النووى . وص 398 ج 2 مغنى ابن قدامة.
(2) انظر ص 153 ج 7 – الفتح الربائى ( من يلى غسل الميت ) وص 21 ج 3 مجمع الزوائد ( تجهيز الميت وغسله )(1/306)
والمراد بتأدية الأمانة امرأة يغسله كالوارد في الشريعة كما بابني بيانه ، وان يعنى به ويكتم ما يرى من الميت مما يكرهه الناس ( وبالحديث ) استدلت الهادية على اشتراط العدالة في الغاسل . وخالفهم الجمهور . فان صح الحديث فذاك ، وإلا فالظاهر عدم اختصاص هذه القربة بمن ليس فاسقا لانه مكلف بالتكاليف الشرعية ومنها غسل الميت . وإلا لزام عدم صحة كل تكليف من الفاسق ، وهو خلاف الإجماع ودعوى صحة بعضها دون البعض الأخر تحكم بلا دليل وترجيح بلا مرجح(1) .
( وحديث ) أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة . أخرجه احمد ومسلم(2) {415 }
( وفي الحديث ) الترغيب في ستر عيوب المسلم لا فرق بين الحي والميت . فيدخل فيه ستر ما يراه الغاسل وغيره من الميت وكراهية إنشائه والتحدث به فانه من الغيبة. فيستجيب للغاسل إذا رأى من الميت ما يعجبه أن يتحدث به
وإن رأي ما يكره لم يجز امرأة يتحدث به ( لحديث ) أبى رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من غسل ميتا فكتم عليه غفر الله له أربعين كبيرة ، ومن حفر لأخيه قبرا حتى يجنه فكأنما اسكنه مسكنا حتى يبعث . أخرجه الطبرانى في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح .(3) { 416} ويستثنى من هذا ما لو كان الميت مبتدعا مظهرا بدعته ورأى الغسل ما يكره فان له أن يحدث به الناس زجرا عن بدعته . والحديث محمول على الغالب (4)
(
__________
(1) انظر ص 57 ج 4 نيل الاوطار ( من يلى الميت والرفق به )
(2) انظر ص 154 ج 7 – الفتح الربائى ( من يليه ورفقه به وستره عليه ) وص 143 ج 16نووى ( تحريم الغيبة )
(3) انظر ص 21 ج 3 مجمع الزوائد ( تجهيز الميت وغسله )
(4) انظر ص 186 ج 5 مجموع النووى .(1/307)
وحديث ) عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كسر عظم الميت ككسره حيا . أخرجه احمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقى .(1)
في الحديث دلالة على وجوب الرفق بالميت في غسله وتكفينه وحمله وغير ذلك لان تشبيه كسر عظم الحي إن كان في التألم فهو حرام ، لانه كما يحرم تاليم الحي يحرم تاليم الميت . وإن كان في الإثم فلا شك في التحريم .( ويؤيده ) حديث أم سامة امرأة النبي صلى الله عليه وسلم قال : كسر عظم الميت مثل كسر عظمة حيا في الإثم . أخرجه ابن ماجه . وفي سنده عبد الله بن زياد مجهول .(2) {418 }
والغرض بيان امرأة الميت يتأذى مما يتأذى منه حال حياته فلا يهان ميتا . كما لا يهان حيا ( قال ) ابن مسعود : أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته . أخرجه ابن أبى شبيه.(3) {419 }
( 5 ) غسل أحد الزوجين الأخر : يجوز لكل من الزوجين امرأة يغسل الأخر ( لقول ) عائشة رضى الله عنها : دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم البخاري بدئ فيه فقلت : وارأساه ، فقال : وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنتك . أخرجه احمد والنسائي بسند جيد(4) {420 }
( وعن ) أسماء بنت عميس امرأة فاطمة رضى الله عنها أوصت أن يغسلها على رضى الله عنه فغسلها هو و أسماء بنت عميس . أخرجه الدار قطني و البيهقى(5) {421 }
__________
(1) انظر ص 55 ج 9- المنهل العذب ( الحفار يجد العظم هل يتنكب المكان ؟ )
(2) انظر ص 253 ج 1- ابن ماجه . ولعل ابن زياد هو عبد الله بن زياد بن سليمان المدنى احد المتروكين .
(3) تنظر ص 55 ج 9- المنهل العذب ( الشرح )
(4) انظر ص 156 ج 7 – الفتح الربائى ( غسل احد الزوجين للاخر ) ( وبدىء فيه ) اى ظهر فيه مرض موته . ( وددت الخ ) يريد انها لو ماتت وهو حى لتولى ما يلزم لها بنفيه من تجهيز .
(5) انظر ص 396 ج 3 بيهقى(1/308)
ولم ينكره أحد ( وقالت ) عائشة رضى الله عنها من حديث طويل : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه . أخرجه احمد وأبو داود وابن ماجة بسند جيد ولاحاكم وصححه(1){422 }
( وقالت ) عائشة : توفي أبو بكر ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الأخر سنة ثلاث عشرة ، و أوصى امرأة تغسله أسماء بنت عميس آمراته ، وأنها ضعفت فاستعانت بعبد الرحمن . أخرجه البيهقى وقال : وهذا الحديث وإن كان من رواية محمد بن عمر الواقدى فليس بالقوى وله شواهد مراسيل عن ابن أبى مليكة وعن عطاء بن أبى رباح عن سعد بن إبراهيم أن أسماء بنت عميس غسلت زوجها أبا بكر .(2) {423 }
ولم ينكر عليها أحد ( وبهذا ) قال مالك والشافعي والجمهور ، وهو المشهور عن احمد .
( وقال ) الحنفيون والثوري : للمرأة أن تغسل زوجها لما تقدم ، وليس للزوج امرأة يغسل امرأته ، لان الموت فرقة تبيح زواج أختها و أربع سوى المتوفاة ، فحرم عليه لمسها والنظر إليها كالطلاق بخلاف تغسيلها إياه فانه يجوز لبقائها في المدة .
( و أجابوا ) ( أولا) عن حديث عائشة وفيه : فهيأتك ودفنتك . بان معناه قمت بما يلزم لتجهيزك ، آمرها انه كان مخصوصا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لان نكاحه لا ينقطع بالموت ( لحديث ) عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل سبب ونسب منقطع بالموت إلا سبى ونسبى . أخرجه الطبانى في الكبير والحاكم والبيهقى (3) {424 }
(
__________
(1) انظر ص 156 ج 7 – الفتح الربائى ( غسل أحد الزوجين للاخر ) وص 299 = ج8 – المهل العذب ( ستر الميت عند غسله ) وص 230 ج 1 – ابن ماجه ( غسل الرجل امراته وعكسه ) وص 398 ج 3 بيهقى ( غسل المراة زوجها ) والمعنى لو ظهر لى حين غسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه .
(2) حين غسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه .
(3) انظر ص 302 ج 8 – المهل العذب ( ستر الميت عند غسله ) .(1/309)
وثانيا ) عن تغسيل على فاطمة : بان ابن مسعود أنكر عليه فقال على : أما علمت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة ( فدعواه ) الخصوصية دليل على انه كان معروفا بينهم أن الرجل لا يغسل زوجته . كذا قالوا ( والمعول ) عليه عدم الخصوصية ، فقد ثبت أن المرأة تكون زوجة في الجنة لمن ماتت على ذمته . وقد نقل ابن المنذر وغيره إجماع المسلمين أن المرأة غسل زوجها ، ولكن تقدم ما يفيد منعه عند احمد في رواية .
( هذا ) والدليل ظاهر في جواز غسل الرجل امرأته . والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه اطلاع الأخر على عورته دون غيره لما كان بينهما في الحياة ويأتي بالغسل على اكمل ما يمكنه لما بينهما من المودة والرحمة . وقياس المانعين الموت على الطلاق لا يصح لان الطلاق يمنع الزوجة من التظر بخلاف الموت ولانه لا فرق بين الزوجين إلا بقاء العدة بالنسبة للمرأة ولا اثر لها بدليل ما لو مات المطلق ثلاثا فانه لا يجوز لها غسله مع المدة ولان المرأة لو وضعت حملها عقب موته كان لها غسله ولا عدة عليها . وللخلاف والشبهة في غسل الرجل زوجته قال الحنبليون : يكره له غسلها مع وجود من يغسلها سواه(1) .
فوائد : ( الالوى ) إذا كانت الزوجة ذمية فليس لها غسل زوجها عند الحنفيين واحمد والجمهور ، لان الكافر لا يغسل المسلم لان النية لازمة في الغسل والكافر ليس من أهلها وليس لزوجها غسلها ، لان المسلم لا يغسل الكافر ولا يتولى دفنه ولانه لاميراث بينهما ولا موالاة وقد انقطعت الزوجية بالموت(2)
(
__________
(1) انظر ص 398 ج 2 مغنى ابن قدامة .
(2) انظر ص 399 منه(1/310)
وقالت ) المالكية : يجوز تغسيل الكتابية زوجها المسلم ولو قلنا إن الغسل تعبدي وقولهم من الكافر ليس من أهل البخاري يتوقف على نية(1) ( وقالت ) الشافعية : إذا ماتت ذميه جاز لزوجها المسلم غسلها ، وكذا لسيدها إن لم تكن مزوجه ولا معقده ولا مستبراة فان مات زوجها المسلم فهو مكروه . فقد نص الشافعي على أن غسل الكافر للمسلم صحيح ولا يجب على المسلمين إعادته . ولا يكفى انغسال الميت بالغرق ، لانه لا بد في الغسل من فعل أدمى وقد وجد في الكافر دون الغريق .(2)
( الثانية ) لو ماتت امرأة رجل فتزوج أختها أو أربعا سواها ليس له غسل المتوفاة عند الحنفيين
( وقال ) مالك : يكره تغسيل الرجل امرأته إن تزوج أختها كما يكره لها تغسيله وإن تزوجت غيره(3) ( ومشهور ) مذهب الشافعي واحمد الجواز ( وقيل ) لا يجوز لان أختها والأربع لو متن في الحال لغسلهن . فلو جوزنا غسل هذه لزم منه جواز غسل امرأة وأختها في وقت واحد بالزوجية.(4)
( الثالثة ) لو طلق الرجل امرأته ثم مات أحدهما في المدة ، فان كان الطلاق رجعيا فحكمهما حكم الزوجين قبل الطلاق لأنها زوجة تعتد بالوفاة وترثه ويرثها ويباح له وطؤها . وغن كان الطلاق بائنا فليس لاحدهما أن يغسل الأخر ، لان اللمس والنظر محرم حال الحياة فبعد الموت أولى(5)
( الرابعة ) لو مات الزوج قبل الدخول بآمراته ، يحتمل ألا يباح لها غسله ، لانقطاع النكاح بالموت وعدم الاستمتاع بينهما حال الحياة (6)
(
__________
(1) انظر ص 165 ج 1 – الصاوى على الشرح الصغير ( أحكام غسل الميت )
(2) انظر ص 144 ج 5 مجموع النووى .
(3) انظر ص 165 ج 1 صاوى .
(4) انظر ص 136 ج 5 مجموع النووى .
(5) انظر ص 399 ج 2 مغنى ابن قدامه . وص 313 ج 2 شرح المقنع .
(6) انظر ص 399 ج 2 مغنى ابن قدامه . وص 313 ج 2 شرح المقنع .(1/311)
6 ) تجهيز الكافر : لا يجب على المسلمين ولا غيرهم غسل الكافر اتفاقا سواء كان ذميا أم غيره ، لانه ليس من أهل العبادة ولا من أهل التطهير . ويجوز للمسامين وغيرهم غسله . و أقاربه الكفار أحق به من أقاربه المسلمين .
(وأما ) تكفينه ودفنه فان كان ذميا ففي وجوهها على المسلمين إذا لم يكن له مال وجهان عند الشافعي(أصحهما ) الوجوب وفاء بذمته كما يجب إطعامه وكسوته في حياته ( وقيل ) لا يجبان بل يبان وبه قال الحنفيون . وإن كان حربيا آمرها مرتدا لم يجب تكفينه اتفاقا ولا دفنه على الأصح بل يجوز إغراء الكلاب عليه . ويجوز للمسلم اتباع جنازة قريبة الكافر(1) ( لحديث ) ناجية بن كعب عن على رضى الله عنه قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : إن عمك الشيخ الضال قد مات . قال : اذهب فوار أباك ثم لا تحدثن شيئا حتى تأتيني ، فذهبت فواريته ، وجئت فأمرني فاغتسلت ودعا لي بدءوات ما يسرني ما على الأرض بهن من شئ . أخرجه احمد وأبو داود والنسائي والبيهقى(2) {
__________
(1) انظر ص 142 ، 143 ج 5 مجموع النووى .
(2) انظر ص 63 ج 9 – المنهل العذب ( الرجل يموت له قرابة مشرك ) وص 398 ج 3 بيهقى ( المسلم ينسل ذا قرابته من المشركين ويتبع جنازته ويدفنه ولا يصلى عليه ) ( والشيخ الضال ) هو أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب عم النبي وشقيق ابيه .
ولد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وثلاثين سنة . ولما مات عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثامنة من عمره صلى الله عليه وسلم كفله ابو طالب واحست كفالته فكان فيها اليمن والبركة له ولولده ولاهل بيته . ولما رغبت خديجة في التزوج منه صلى الله عليه وسلموحضر رؤساء قريش خطب ابو طالب فقال " الحمد للهالذى جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضىء معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما . امنا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن ابن اخى هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به أحد إلا رجح ، فان كان في المال قل فالمال ظل زائل وامر حائل . ومحمد من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وقد بذل لها من الصداق ما عاجله من مالى كذا وكذا – روى انه جليل " والضئضىء والعنصر : الأصل ولما بعث صلى الله عليه وسلم قام بنصرته أبو طالب وذب عنه من عاداه وادفع عنه بنفسه ولسانه و أهل بيته ولما اجتمعت قريش في السنة السابعة من البعثة وتساهدوا على مقاطعة بنى هاشم وبنى المطلب في البيع والشراء والنكاح وغيرها لنصرتهم النبي صلى الله عليه وسلم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة – انجاز بنو هاشم وبنو المطلب الى ابى طالب ودخلوا معه في شعبة ولما رأى أبو طالب ما اجمعوا عليه قال .
الا بلغا عنى على ذات بيننا لؤيا وخصا من لؤى بنى كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا نبيا كموسى خطا في اللوح والكتب
وأن عليه في العباد محبة ولا خير فيمن خصه الله بالحب ( اى الخداع )
إلى أن قال : فلسنا ورب البيت نسلم احمدا لعزاء من عض الزمان ولا كرب
" عزاء " بفتح العين وضمها وتشديد الزاى الممدودة " الداهية العظيمة " وما احسن قوله في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بامرك ما عليك غضاضة وابشر وقر بذاك منك عيوبا
ودعوتني وعرفت انك ناصحي ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لو جدتنى سمحا بذاك مبينا
وفي السنة العاشرة من البعثة مات أبو طالب . فاشتد حزن النبي صلى الله عليه وسلم عليه ونالت قريش منه صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبى طالب ( هذا ) وقد دل الحديث على انهمات كافرا ولذا لم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر عليا بالصلاة عليه ( ويدل ) لهذا أيضا حديث سعيد بن المسيب عن أبيه ان أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد اله بن أبى أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول : لا اله ألا الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والله لاستغفرن لك ما لم انه عنك . فنزلت { ما كان للنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم انهم أصحاب الجحيم } ونزلت { إنك لا تهدى من أحببت } اخرجه الشيخان ( انظر ص 358 ج 8- فتح البارى وص 214 ج 1 نووي ) ( الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ) ( ويؤيده ) أيضا ما ورى عبد الله بن الحارث قال : حدثنا العباس بن عبد المطلب قال للنبى صلى الله عليه وسلم ما اغنيت عن عمك ؟ فوالله كان يحوطك ويغضب لك . قال : هو في ضحضاح من نار . ولولا اما لكان في الدرك الأسفل من النار . اخرجه الشيخان . انظر ص 134 ج 7 فتح الباري ( قصة أبى طالب ) و ص 84 ج 3 نووي ( شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبى طالب ) ( والضحضاع ) بفتح المعجمتين بينهما(1/312)
425 }
نزل عليه جبريل عليه السلام بهذه الايه : { ما كان للنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين } الايه . أخرجه ابن سعد في الطبقات(1) {426 }
( وبهذا ) قال الحنفيون والشافعي ( وقالت ) المالكية والحنبلية : ليس للمسلم أن يغسل قريبه الكافر ولا يكفنه ولا يدفنه إلا أن يخاف عليه الضياع فيواربه وجوبا مكفنا في شئ (2) ، لقوله تعالى : { أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ } (3) .
وغسلهم وتكفينهم ودفنهم تول لهم وهو تعظيم لهم وتطهير فاشبه الصلاة عليهم وهى ممنوعة .( والظاهر ) المذهب الأول . وروى عن احمد في يهودي أو نصراني مات وله ولد مسلم قال :فليركب دابته ويسير أمام الجنازة ، وإذا أريد دفنه رجع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبى طالب(4) .
( 7 ) كيفية غسل الميت :يطلب له أمور عشرة (1 ) أن يوضع الميت على مرتفع من خشب مبخر وترا بان تدار المبخرة حوله مرة أو ثلاثا أو خمسا فقط عند الحنفيين . ( وقالت ) الشافعية : يستجب أن يكون عند الميت مجمرة فيها بخور توقد من حين يشرع في الغسل إلى أخره .
( وقيل ) يستجب البخور عند الميت منحين يموت لانه ربما ظهر منه شئ تمنعه رائحة البخور(5)
(
__________
(1) انظر ص 65 ج9- المنهل العذب المورود ( الشرح )
(2) انظر ص 153 ج5- مجموع النووي .
(3) الممتحنة : 13 .
(4) انظر ص 315 ج2 شرح المقنع .
(5) انظر ص 160 ج5 مجموع النووي .(1/313)
2 ) وتستر عورته لزوما في غير الصغير بشد الإزار على العورة لحرمة النظر إليها كعورة الحي .( روى ) حبيب بن ثابت عن عاصم بن ضمرة عن على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت .أخرجه احمد وابن ماجة والبيهقى وأبو داود .وحبيب لم يسمع من عاصم(1) {427 }
(دل ) الحديث على أن الفخذ من العورة التي لا يجوز كشفها ولا النظر إليها من الحي والميت وهو مذهب الأئمة الأربعة والجمهور .
(
__________
(1) انظر ص 82 ج3- الفتح الرباانى (حد العورة ) وص 230 ج1 –ابن ماجه ( غسل الميت ) وص 388 ج3 بيهقى ( ما ينهى عنه من النظر الى عورة الميت ) وص 299 ج8- المنهل العذب ( ستر الميت عند غسله ) .(1/314)
3 ) وتنزع ثيابه للتمكن من التنظيف عند الحنفيين ومالك .وهو المشهور عند احمد .( وقالت ) الشافعية : يسن أن يغسل في قميص رقيق يسيل منه الماء إلى بدن الميت ويدخل الغاسل يده في كم القميص فيزها على بدنه والماء يصب (لقول ) احمد : غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه وقد أرادوا خلعه فنودوا : إلا تخلعوه واستروا نبيكم .وإن لم يكن قميص طرح عليه ثوب يستر جميع البدن . فان لم يكن طرح عليه ما يستر ما بين سرته وركبته .واتفقوا على وجوب تغطية ما بين السرة والركبة ( وأجاب )الأولون (1)بان غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه كان خصوصية .وتجريد الميت من قميصه أمكن لتغسيله وابلغ في تطهيره . و الحي يتجرد إذا اغتسل فكذا الميت (ب) وبأنه إذا غسل في ثوبه تنجس الثوب بما يخرج منه وقد لا يطهر بصب الماء عليه فيتنجس الميت به،فآما النبي صلى الله عليه وسلم ففضلاته طاهرة(1) ، وألا ترى انهم قالوا : امجرده كما تجرد موتانا ؟كما يأتي في حديث عائشة(2) فالظاهر امرأة تجريد الميت فيما عدا العورة كان مشهورا عندهم ، ولم يكن يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم، بل الظاهر انه كان بأمره لانهم كانوا ينتهون إلي رأيه ويتبعون أمره ولان ما يخثى من تنجيس قميصه بما يخرج منه كان مأمونا في حقه صلى الله عليه وسلم لانه طيب حيا وميتا بخلاف غيره(3)
هذا ، ولا يلزم ستر الصبي حال الغسل فقد قال احمد : أي شئ يستر منه وليست عورته بعورة ؟ ويغسله النساء(4)
(
__________
(1) انظر ص 348 ج 1- الدين الخالص طبعه ثانيه رقم 501 .
(2) يأتي الحديث تاما في بحث غسل الميت صلى الله عليه وسلم وفي 443 ص 328 .
(3) انظر ص 315 ج2 مغنى ابن قدامه .
(4) انظر ص 316 منه .(1/315)
4 ) ويستحب أن يغسل الميت في مكان مستور ( ويكره ) أن يحضره إلا من يعين في غسله لانه يكره النظر إلى الميت إلا الحاجة ( قال ) ابن المنذر : كان النخعى يحب أن يغسل وبينه وبين السماء سترة . و أوصى الضحاك إخاء سالما قال : إذا غسلتني فاجعل حولي سترا واجعل بيني وبين السماء سترا . وإنما استحب ذلك خشية أن تستقبل السماء بمورته(1)
( 5) ويستحب أن يغسل الميت على سرير متوجها إلى القبلة منحدرا نحو رجلية لينحدر الماء بما يخرج منه . ويبدا الغاسل فيحنى الميت حنيا رفيقا لا يبلغ به قريبا من الجلوس لان في إجلاسه تأذيا له . ثم يمر يده على بطنه يعصره عصرا رفيقا ليخرج ما معه من تجاسة ويصب عليه الماء حين يمر يده صبا كثيرا ليخفى ما يخرج منه ويذهب به الماء ز ويستحب أن يكون بقرب الميت مجمر فيه بخور حتى لا يظهر منه ريح ويلف الغاسل على يده خرقة خشنة يمسحه بها لئلا يمس عورته ويزيل ما على بدنه من نجاسة لان الحي يبدا بذلك في اغتساله من الجنابة ، وإن كان الميت امرأة حاملا لم يعصر بطها لئلا يؤذى الولد ( روت ) أم سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا توفيت المرأة فأرادوا غسلها فليبدءوا ببطنها فليسمح بطنها مسحا رفيقا إن لم تكن جبلي .فان كانت جبلي فلا يحركها " ( الحديث ) أخرجه الطبرانى في الكبير(2) {429 }
(
__________
(1) 1نظر ص 317 ج2 مغنى ابن قدامه .
(2) انظر ص 21 ج3 مجمع الزوائد ( تجهيز الميت ) .(1/316)
6 ) ثم توضا الميت ندبا كوضوء الصلاة بلا مضمضة ولا استنشاق عند الحنفيين واحمد والثوري لتعذر إخراج الماء من فمه وانفه بل يغسل كفيه .ثم يأخذ خرقة خشنة مبلولة فيسمح بها أسنانه وانفه حتى ينظفهما برفق . ثم يغسل وجهه ويتمم وضوء بادئا بالميامن ( لحديث ) أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهن في غسل ابنته . أبدان بميامها ومواضع الوضوء منها . أخرجه السبعة والبيهقى(1)
( وقالت ) المالكية والشافعية : يستحب في وضوء الميت المضمضة والاستئناف كالحي ( لقول) النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم سليم :
فإذا فرغت من غسل سفلتها غسلا بقاء بسدر وماء فوضئيها وضوء الصلاة ثم اغسليها بعد ذلك ثلاث مرات بماء وسدر ( الحديث ) أخرجه الطبرانى في الكبير(2)
( و أجاب ) الأولون عن الحديث بان المراد فيه غسل أعضاء الوضوء التي في تاب الله فلم تدخل المضمضة والاستنشاق ، لان إدخال الماء الفم والأنف يتعذر إخراجه منهما ولا يؤمن منه وصوله إلى جوفه ولا يؤمن خروجه في أكفانه . هذا . وحكمة مشروعية توضئه الميت تجديد اثر سمة المؤمنين في ظهور اثر الغرة والتحجيل يوم القيامة .
__________
(1) انظر ص 166 ج7- الفتح الرباني ( صفة غسل الميت) وص 85 ج 3 فتح الباري ( يبدا بميامن الميت ) وص 5 ج7 نووي مسلم ( غسل الميت ) وص 306 ج8 المنهل العذب ( كيف غسل الميت ) و ص 266 ج1 مجتبى ( ميامن الميت ...............) و ص 131 ج2 تحفة الاحوذى . وص 230 ج1- ابن ماجه ( غسل الميت ) وص 388 ج3 ببيهقى ( توضة الميت ) ( وابنه النبي صلى الله عليه وسلم ) هي زينب زوج أبى العاص بن الربيع كما في مسلم توفيت سنة ثمان من الهجرة وقيل أنها أم كلثوم .
ويجمع بين الروايتين بان أم عطية غسلتهما .
(2) سآتي الحديث تاما رقم 439 ص 325 . و( سفلتها ) بكسر فكون أي أسفلها .(1/317)
على يساره ليبدا باليمين فيغسل حتى ينقى ويصل الماء إلى يساره وهذه غسلة . ثم يضجع على يمينه ويغسل حتى ينقى ويصل الماء إلى اليمين وهذه غسله ثانيه . ثم يجلس الميت مسندا فيمسح بطنه برفق ليسيل ما بقى في المخرج فلا يتلوث الكفن . فان خرج منه شئ أزيل تنظيفا لمحله ولا يعاد الوضوء . ثم يضجع على الجانب الأيسر ويغسل بماء فيه كافور إن تيسر وهذه غسلة ثالثة ( وهذا ) مذهب الحنفيين واحمد ( وحاصلة ) انه يسن ضرب الدر ونحوه بالماء ثم يغسل برغوته راس الميت ولحيته ويغسل بدنه بالتفل ثم يصب على جميع بدنه الماء القراح وهكذا يفعل في كل مرة ثلاثا أو خمسا أو سيما إلا انه يجعل مع السدر في الغسلة الأخيرة كافور ( وقالت ) المالكية : الغسلة الأولى تكون بالماء القراح للتطهير والثانية يضاف عليها السدر أو الصابون للتنظيف وقيل العكس . والثالثة يضاف عليها الكافور للتطييب .
( وقالت ) الشافعية : يتحب أن تكون الغسله الأولى بالماء والسدر أو الصابون ثم يغسل بالماء القراح البارد وهو افضل من المسخن عند الشافعي واحمد لان البارد يقويه والمسخن يرخيه إلا أن يحتاج إلى المسخن لخوف الغاسل من البرد أو الوسخ على الميت فيغسل بالمسخن ولا يبالغ فيه لئلا يسرع إليه الفساد ( وقال ) الحنفيون : المسخن افضل وليس عن مالك تفضيل (1) هذا ويسقط الفرض بالغسلة المتغيرة بالسدر ونحوه عند الحنفيين ولا يسقط في الأصح عند الشافعية ( والمشهور ) أن غسل الميت تعبدي يشترط فيه ما يشترط في بقية الاغسال الواجبة والمندوبة وان الواجب مرة واحدة نعم جميع البدن عند الأئمة الأربعة والجمهور ( وقال ) أهل الظاهر والمزني : يجب ثلاث غسلات
(
__________
(1) انظر ص 163 و 168 ج5 مجموع النووي .(1/318)
8 ) ويستحب تسريح شعر المرأة لاميته وتضفيره ثلاثة قرون وطرحه خلفها ( لما روى ) محمد بن سيرين عن حفصة أخته عن أم عطية قالت : مشطناها ثلاثة قرون أخرجه السبعة والبيهقى , وفى رواية لأبى داود والبيهقى وضفرنا رأسها ثلاثة قرون ثم ألقيناها خلفها مقدم رأسها وقرنيها(1) {430}
وفائدة المشط تبليغ الماء إلي البشرة وتنظيف الشعر ( وبهذا ) قالت الشافعية والحنبلية وهو المعتمد عند الملكية ( وقال ) الحنفيون والاوزاعى : يكره تسريح الشعر وقص الظفر والشعر وعقصه(2) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم سليم : ولا تسرحي رأسها بمشط أخرجه الطبرانى في الكبير(3) ( وعن ) عائشة أنها رأت امرأة يكدون رأسها بمشط فقالت علام تنصون ميتكم ؟ أخرجه محمد بن الحسن وعبد الرزاق (4) { 431 }
(
__________
(1) انظر ص 165 ج7 – الفتح الرباني ( صفة غسل الميت ) ، وص 86 ج3 فتح الباري ( يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون ) ، وص3 ج7 نووي مسلم (غسل الميت ) وص 305 ج8- المنهل العذب ( كيف غسل الميت ) وص 267 ج1 مجتبى ( الكافور في غسل الميت ) ، وص 131 ج2 تحفة الاحوذى ، وص 230 ج1 – ابن ماجه ، وص 389 ج3 بيهقى ، و ( مشطناها ... الخ ) اى سرحنا شعرها وضفرناه ثلاث ضفائر ، و( ثلاثة قرون ) أي جعلنا قرنها ضفيرتين وناصيتها ضفيرة وطرحنا الثلاثة خلفها .
(2) المقص : جمع الشعر فوق الرأس
(3) ا نظر ص 21 ج3 مجمع الزوائد .
(4) انظر ص 260 ج2 نصب الراية ( وتنصون ) كتبكون من نصوت الرجل إذا مددت ناصيته تعنى أن الميت لا يحتاج إلى تسريح .(1/319)
والمعنى )امرأة الميت لا يحتاج إلي تسريح لانه من باب الزينة وقد استغنى عنها ( وائجابوا ) عن اثر أم عطية بأنها لم تستند فيه إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون مرفوعا بل هو رأي رانه فاستحسنته . والأصل ألا يفعل بالميت شئ من القرب إلا بأذن من الشرع ولم يرد ذلك مرفوعا ( والظاهر )اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك واستئذانه فيه ودعوى انه لم يرد ذلك مرفوعا مردود ( فقد ) روى هشام عن حفصة عن أم عطية أنها قالت : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر . أخرجه سعيد بن منصور. و أخرجه ابن حيان في صحيحة عن أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا واجعلن لها ثلاثة قرون(1) {432}
( وهو ) يؤيد ما قاله الأولون من أن تسريح الشعر وضفره مستحب . أما قلم ظفر الميت واخذ شعر شاربه وابطه وعانته ، فهو مكروه عند الحنفيين ومالك والثوري والجمهور . وهو المختار عند الشافعي ( وقيل ) لا يكره ولا يستحب إزالتها قبل الغسل ( و أما ) شعر الرأس فقال الشافعي : لا يحلق إن كان لا يعتاد حلق رآسة وإن اعتاد حلقه فالذهب انه لا يحلق وقيل على الخلاف في الظفر والشارب والإبط والعانة ( و أما ) ختان من مات قبل أن يختن . فالصحيح انه لا يختن ولو بالغا لانه جزء فلا يقطع كاليد المستحقة في قطع سرقة أو قصاص فأنها لا نقطع إجماعا بعد الموت . ويخالف الختان الشعر والظفر فانهما يزالان في الحياة للزينة والميت يشارك الحي ذلك . والختان يفعل للتكليف به وقد زال بالموت ( هذا ) والشعور المأخوذة من الميت وأظفاره وما سقط من تسريح رآسة ولحيته يستحب أن تصر كلها معه في كفنه ويدفن . واختار البغوى ألا تدفن معه بل توارى في غير القبر لانه لم يرد فيه خير ولا اثر(2)
(
__________
(1) انظر ص 86 ، 88 ج3 فتح الباري ( يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون ) .
(2) انظر ص 180 إلى 183 ج5 مجموع النووي .(1/320)
9 ) ثم ينشف الميت بثوب نظيف لئلا تبتل أكفانه ويجعل الطيب غير الزعفران والورس على رآسة ولحيته وأعضاء السجود لما في حديث أم سليم من قوله صلى الله عليه وسلم : فإذا فرغت منها فالقى عليها ثوبا نظيفا إلى أن قال : ثم طيبيها وكفنيها و أطوي شعرها ثلاثة اقرن . قصه وقرنين(1)
(والفرق) بينه غسل الجناية ولا وضوء حيث اختار الشافعي استحباب ترك التنشيف فيهما أن هنا ضرورة أو حاجة إلى التنشيف وهو إلا يفسد الكفن (هذا) وإذا خرج من الميت بعد غسله وقبل تكفينه نجاسة وجب غسلها اتفاقا .وفي إعادة طهارته ثلاثة اوجه عند الشافعية أصحها لا يجب شئ لانه خرج عن التكليف بنقص الطهارة وقياسا على ما لو أصابته نجاسة من غيره فاه يكفى غسلها اتفاقا (وبهذا ) قال الحنفيون ومالك والثورة . ( وقيل ) يجب أن يوضا كما لو خرج من حي . وقيل يجب إعادة الغسل لان الخارج من أحد السبيلين بنقص الطهر وطهر الميت غسل جميعه وليكون خاتمه أمره طهارة كاملة(2)
__________
(1) سيأتي تاما رقم 439 ص 325 .
(2) انظر ص 176 ج5 مجموع النووي .(1/321)
ومذهب احمد في هذا انه إن خرجت نجاسة من قبله أو دبره وهو على مغتسلة بعد الثلاث غسله إلى خمس فان خرج بعد الخامسة غسله إلى سبع ويوضئه في الغسله التي تلي خروج النجاسة لان القصد من غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال : اغسلها ثلاثا أو خمسا أو سبعا امرأة رأيتن ذلك بماء وسدر . وإن خرج من الميت نجاسة من غير السبيلين لا يعادلة الغسل لانه لا ينقص الطهارة عند الحنفيين . وإن خرج من الميت نجاسة بعد الغسل سبعا لم يعد إلى الغسل لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا ولان زيادة الغسل وتكريرة عند كل خارج يرخى الميت و يفضي إلى الحرج فيكتفي بغسل النجاسة وحشو مخرجها بالقطن ونحوه ولا يوضا ويحتمل أن يوضا كالجنب إذا احدث بعد غسله وهذا احسن(1) وإن خرج من الميت شئ يسير بعد وضعه في الكفن لا يعاد غسله اتفاقا لان إعادة الغسل فيها مشقه شديدة ولا يعاد وضوءه ولا غسل موضع النجاسة دفعا للمشقة ويحمل بحاله . وإن كان الخارج كثيرا فاحشا فالصحيح انه لا يعاد إلى الغسل بحال دفعا للمشقه(2)
( 10) ويستحب تطيب بدن الميت وترا (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم عطية : اغسلتها ثلاثا أو خمسا واجعلن في الآخرة كافورا . أخرجه السبعة والبيهقى(3)
(وعن) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أجمرتم الميت فاوتروا أخرجه الحاكم وابن حيان وصححاه والبيهقى(4) {423 }
(
__________
(1) انظر ص 326 إلى 328 ج2 مغنى ابن قدامه
(2) انظر ص 331 منه .
(3) يأتي الحديث تاما إن شاء الله تعالى رقم 427 ص 324 .
(4) انظر ص 264 ج2 نصب الرايه . وص 355 ج1 مستدرك . وص 405 ج3 بيهقى " الحنوط للميت " .(1/322)
وقال) أبو وائل : كان عند على رضى الله عنه مسك فاوصى أن يحنط به . وقال : هو فضل حنوط رسول صلى الله عليه وسلم . أخرجه الحاكم وابن أبى شبيه في مصنفه والبيهقى بسند حسن(1) {434 }
( وقال ) ابن مسعود : يوضع الكافور على مواضع سجود الميت . أخرجه ابن أبى شبية والبيهقى(2) {435 }
( وعن ) سلمان انه استودع آمراته مسكا فقال : إذا مت فطببوني به فانه يحضرني خلق من خلق الله لا ينالون من الطعام والشراب يجدون الريح أخرجه عبد الرزاق في مصنفه(3) {436 }
( هذا )ويستحب أن يجعل الطيب في مفاصل الميت ومغابنه وهي المواضع التي تنثني من الإنسان كعلى الركبتين وتحت الإبطين و أصول الفخذين لأنها مواضع الوسخ وتطيب مواضع السجود لشرفها . وكان ابن عمر يتبع مغابن الميت ومرافقة بالمسك . ولا يجعل في عيني كافورا لانه يفسد العضو ويتلفه ولا يصنع مثله بالحي(4) .
فائدة : إذا تعذر غسل الميت لفقد الماء أو احترافه بحيث لو غسل لتهرى أو خوف على الغاسل لم يغسل بل ييمم وجوبا عند الأربعة وأسحق لانه تطهير لا يتعلق بإزالة نجاسة فوجب الانتقال فيه عند العجز عن الماء إلى التيمم كغسل الجناية ولو كان فروح وخيف من غسله إسراع اليلى إليه بعد الدفن وجب غسله لان الجميع صائر إلي اليلى(5)
(
__________
(1) انظر ص 361 ج1 مستدرك . وص 405 ج3 بيهقى " الكافور والمسك للحنوط كرسول طيب يخلط للميت وكل ما يطلب به من مسك وصدك وعنبر وكافور وغيرها فهو حنوط .
(2) انظر ص 260 ج2 نصب الرايه . وص 405 ج3 بيهقى ." الكافور والمسك للحنوط "
(3) انظر غص 26 ج2 نصب الرايه . والمراد بخلق الله الملائكة .
(4) انظر ص 331 ج2 مغنى ابن قدامة .
(5) انظر ص 178 ج5 مجموع النووى .(1/323)
هذا ) وقد ورد في كيفية غسل الميت أحاديث ( اجمعها ) حديث محمد بن سيرين عن أم عطية قالت : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن تغسل ابنته فقال اغسلنها ثلاثا أو خمسا إن اكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الاخره كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني فأما فرغنا أذناه فالقى إلينا حقوه وقال أشعرنها إياه . أخرجه السنهه والبيهقى(1) {437 }
(وحديث ) قتادة قال : اخذ ابن سيرين غسله عن أم عطية قالت غسلنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فامرنا امرأة تغسلها بالسدر ثلاثا أن أنجت وإلا فخمنا فان أنجت وإلا فاكثر من ذلك . قالت قراينا أن اكبر من ذلك سبع . أخرجه احمد(2) {438 }
( والمراد ) اغسلنها وليكن ثلاثا فان احتجن إلى زيادة عليها للاتقاء فليكن خمسا . فان احتجن إلى زيادة الانقاء فليكن سبعا . وهكذا أبدا ( وحاصلة ) أن الإيثار مأمور به والثلاث مأمور بها ندبا فان حصل الانقاء بثلاث لم تشرع الرابعة وإلا زيد حتى يحصل الانقاء ويندب كونها وترا(3).
(
__________
(1) انظر ص 164 ج7- الفتح الربانى " صفة غسل الميت " وص 83 ج3 فتح البارى " غسل الميت ووضوءه بالماء والسدر " وص 2ج7 نووي ( غسل الميت ) و ص 266 ج1 مجتبى " غسل الميت بالماء والسدر " وص 130 ج2 تحفة الاحوذى و ص 229 ج1- ابن ماجه . وص 389 ج3 بيهقى " او اكثر من ذلك " بكسر الكاف خطاب للمؤنث وفي رواية أيوب عند البخاري وأبى داود والنسائي عن حفصة عن أم عطية اغسلنها ثلاثا او خمسا او سبعا او اكثر من ذلك وهى ترد على من زعم أن الزيادة على السبع مكروهة و " إن رايتن ذلك " اى الحاجة الى الزيادة لكن بشرط الإيثار " والحقو " بفتح الحاء وكسرها في الأصل محل عقد الإزار والمراد به هنا الإزار مجازا للمجاورة " واشعرنها " أي اجعلن الحقوا مباشرا جسدها تحت الأكفان .
(2) انظر ص 165 ج7- الفتح الرباني " صفة غسل الميت "
(3) انظر ص 2 ج7 نووي مسلم ( غسل الميت ) .(1/324)
وحديث ) حفصة بنت سيرين عن أم سليم أم انس بن مالك قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا توفيت المرأة فأرادوا أن يغسلوها فايبدءوا يبطها فليمسح بطنها مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى ، فان كانت حبلى فلا تحركيها فان أردت غسلها فابدئي بسفلتها فالقى على عورتها ثوبا ستيرا ثم خذي كرسفة فلفسليها فأحسني غسلها ، ثم أدخلي يدك من تحت الثوب فامسحيها بكرسف ثلاث مرات فاحسني غسلها ، ثم أدخلي يدك من تحت الثوب فامسحيها بكرسف ثلاث فأحسني مسحها قبل أن توضئيها بماء فيه سدر وليفرغ الماء امرأة وهى قائمة لا تلي شيئا غيره حتى تنقى بالدر وأنت تغسلين وليل غسلها أولى الناس بها وإلا فامرأة ورعة مسلمة ، فان كانت صغيرة أو ضعيفة فلتغسلها امرأة أخرى ورعة مسلمة ، فان كانت صغيرة أو ضعيفة فلتغسلها امرأة أخرى ورعة مسلمة ، فإذا فرغت من غسل سفلتها غسلا نقاء بسدر وماء فلتوضئيها وضوء الصلاة ، فهذا بيان وضوئها ثم اغسليها ثلاث مرات بماء وسدر فابدئي برأسها قبل كل شئ فأنقى كل غسلة من السدر بالماء ولا تسرحي رأسها بمشط فان حدث في الخامسة اجعليها سبعا وكل ذلك فليكن وترا بماء وسدر حتى لا يريبك رأسك فان كان في آخر غسلة في الثالثة أو غيرها فاجعلي فيه شيئا من كافور وشيئا من صدر ثم اجعلي ذلك في جرة جديدة ثم اقعليها فأفرغي عليها وابدئي برأسها حتى تبلغي رجليها ، فإذا فرغت منها فالقى عليها ثوبا نظيفا ، ثم أدخلي يدك من وراء الثوب فانزعيه عنها ، هذا بيان الغسل ، ثم أحشى سفلتها كرسفا ما استطعت ،ثم امسحي كرسفها من طيبها ، ثم خذي سبنية طويلة مغسولة فاربطيها على عجزها كما يربط النطاق ثم اعقديها بين فخذيها وضمي فخذيها ، ثم ألقي طرف السبنية من عند عجزها القضاء كفر قريب من ركبتها ، فهذا شان سفلتها ، ثم طيبيها وكفنيها واضفرى شعرها ثلاثة قرون قصة وقرنين ولا تشبهيها بالرجال ، وليكن كفنها واضفرى شعرها ثلاثة قرون قصة وقرنين ولا تشبهيها(1/325)
بالرجال ، وليكن كفنها خمسة أثواب أحدها الإزار تلفى به فخذيها ، ولا تنقصي من شعرها شيئا بنورة ولا غيرها وما يسقط من شعرها شيئا بنورة ولا غيرها وما يسقط من شعرها فاغسليه ثم اغرزيه في شعر رأسها وطيبي شعر رأسها فأحسني تطيبه ولا تغسليها بماء مسخن و أجمريها وما تكفنيها به بسبع نبذات إن شئت واجعلي كل شئ منها وترا وإن كانت مجدورة أو مخضوبة أو أشياء ذلك فخذى خرقة واسعة فاغسليها بالماء ، وتنبعي كل شئ منها ولا تحركيها ، فأنى أخشى أمه ينفجر منها شئ لا يستطاع ورده . أخرجه البيهقى وقال : رواه أبو عيسى الترمذى ، و أخرجه الطبرانى في الكبير بسندين في أحدهما ليث بن أبى سليم وهو مداس لكنه ثقة ، وفى الأخر جنيد وقد وثق وفيه بعض كلام وليس في أحد سندى البيهقى(1) {439 }
( تنبيه ) علم أحاديث الباب انه لا يجب الغسل على من غسل ميتا لأنها سبقت للتعليم ولو كان واجبا أمامه وتقدم انه مستحب عند الجمهور .(2)
( و حكمة ) مشروعيته أن رشاش الماء يصل بدن الغسل فإذا علم أنه سيغسل لم يأل جهدا فأرسلت تغسيل الميت ولأن الغاسل يمسه الميت يحصل له ضعف يزول بالغسل . ( فائدة ) تقدم أن الآدمي لا ينجس بالموت و عليه فغسالته طاهرة .
(
__________
(1) انظر ص 5 ج 4 بيهقى ( غسل المرأة ) ولم يعز الحديث الى الترمذى الا البيهقى ولم يوجد في كتاب الترمذى . وص 21 ج3 مجمع الزوائد ( تجهيز الميت وغسله ) ( والكرسفة ) – بضم الكاف والسين – القطعة من القطن ( وسبنية ) بفتحتين فكسر نوع من الثياب يتخذ من مشاقة الكتان نسية الى سبن – موضع بالمغرب – والمراد بالقصة مقدم الراس وبالقرنين جانباها ( ولا تغسلنها بماء مسخن ) اى لا تغسل الرأس بماء شديد الحرارة خشية تساقط الشعر ( ونبذات ) جمع نبذة – بضم فسكون وهى الشيء اليسير . وفى الحديث نبذة قسط ( بضم فسكون ) اى قطعة منه .
(2) انظر ص 309 ج 1- الدين الخالص طبعة ثانية .(1/326)
8 ) غسل المنهي صلى الله عليه و سلم : تولى غسله صلى الله عليه و سلم على بن أبى طالب و العباس بن عبد المطلب و الفضل بن عباس و أسامة بن زيد وقئم بن العباس و صالح مولى المنهي صلى الله عليه و سلم ، و غسل صلى الله عليه و سلم ثلاث مرات بماء و سدر ( قال ) عبد الملك ابن جريج : سمعت محمد بن على أبا جعفر قال : غسل المنهي صلى الله عليه و سلم ثلاثا بالمسدر ، و غسل و عليه قميص ، و غسل من بئر – يقال لها الغرس بقباء – كانت لسعد بن خيثمة ، و كان المنهي صلى الله عليه و سلم يشرب منها ، و ولى سفلته على و الفضل محتضنه و العباس يصب الماء ، فجعل الفضل يقول : أرحني قطعت و يتنى إني لاجد شيئا يترطل على . أخرجه البيهقى مرسلا بسند جيد (1) .{440 }
و فأرسلت رواية أحمد : و كان العباس و فضل وقئم يقلبونه مع على ، و كان أسامة ابن زيد و صالح يصبان الماء (2) . و لم ير على من المنهي صلى الله عليه و سلم شيئا مما يرى من الميت .
( روى ) سعيد بن المسيب أن على بن أبى طالب لما غسل المنهي صلى الله عليه و سلم ذهب يلتمس منه ما يلتمس
__________
(1) انظر من 301 ج 8 – المنهل العذب ( الشرح ) و ( الغرس ) – يضم الغين المعجمة و قد تفتح فسكون – بئر بقباء . " و السلفة " بكسر فسكون أسفل البدن . " و الوتين " عرق فى الظهر يتصل بالقلب . " و يترطل " أى يثقل على . و هو كتابة عما يجده من ثقل جسد النبى صلى الله عليه و سلم . و فى رواية فجعل الفضل يقول : أرحنى فإنى أجد شيئا يتنزل على ظهرى .
(2) انظر ص 301 ج 8 – المنهل العذب " الشرح " .(1/327)
من الميت فلم يجده، فقال: بأبي الطيب طبت حيا و ميتا . أخرجه ابن ماجة بسند صحيح رجاله ثقات(1) .{441 }
و كانت عين من يساعد عليا فأرسلت غسله صلى الله عليه و سلم معصوبة العين . ( قال ) : أوصاني المنهي صلى الله عليه وسلم فقال لا يغسلني إلا أنت ، فانه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه . أخرجه البزار و البيهقى(2). { 442}
(
__________
(1) انظر ص 231 ج 1 – ابن ماجة " غسل النبى صلى الله عليه وسلم " و " غسل و ذهب " مبنى للفاعل و الضمير يعود على على : يعنى أن عليا شرع يلتمس على السوأة ما يلتمس من الميت من الفضلات فلم يجد شيئا فقال " بأبي " أي أنت مفدى بأبي و أنت " الطيب "
(2) انظر ص 301 ج 8 – المنهل العذب " الشرح " " و طمست " بفتحات أي ذهب ضوءها و هو تعليل لمحذوف تقديره فإني أحشى على غيرك أن تكون منه لفتة الى ما لا يحل نظره فتطمس عينه . و أما أنت فاعرف تحرزك عن ذلك فلا أخشى عليك .(1/328)
و خص ) على بذلك لعله لشدة تحرزه عن النظر القضاء كفر ما لا يحل فلا يخشى عليه من ذلك ( هذا ) و قد ورد فأرسلت غسل المنهي صلى الله عليه و سلم أحاديث ( منها ) حديث عباد بن عبد الله بن الزبير قال : سمعت عائشة تقول : لما أرادوا غسل المنهي صلى الله عليه وسلم قالوا : و الله ما ندرى أنجرد رسول الله صلى الله عليه و سلم من ثيابه كما نجرد موتانا ، أم نغسله و عليه ثيابه ؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل أقوال و ذقنه على صدره ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو ؟ أن غسلوا المنهي صلى الله عليه و سلم و عليه ثيابه ، فقاموا القضاء كفر المنهي صلى الله عليه و سلم فغسلوه و عليه قميصه يصبون الماء فوق القميص و يد لكونه بالقميص دون أيديهم . و كانت عائشة تقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه . أخرجه أبو داود و البيهقى و ابن حبان و الجاكم (1) . {443 }
و لعل الصحابة رضى الله عنهم تذكروا بهذا الصوت ما كانوا يعرفون من وجوب حفظ كرامة الرسول صلى الله عليه و سلم فغسلوه فأرسلت قميصه لا أنهم اعتمدوا فأرسلت ذلك على مجرد سماع الصوت ، إذ مثل هذا لا ينبني عليه حكم شرعي . ( و حديث ) عبد الله بن الحارث بن نوفل : أن عليا رضى الله عنه غسل المنهي صلى الله عليه و سلم و على المنهي قميص و يبد على خرقة يتبع بها تحت القميص . أخرجه البيهقى(2) {444 }
(
__________
(1) انظر ص 299 ج 8 – المنهل العذب " ستر الميت عند غسله " و ص 387 ج 3 يبقهى " غسل الميت فى قميص "
(2) انظر ص 388 ج 3 بيهقى " ما ينهى عنه من النظر إلى عورة الميت " .(1/329)
و المعنى ) أن عليا رضى الله عنه لف خرقة على بده و أدخلها تحت القميص يتعهد بها السوءة كما يصنع بغير المنهي صلى الله عليه و سلم من الموتى . و أما بقية الجسد الشريف فغسل من فوق القميص كما تقدم في حديث سعيد بن المسيب عن على(1) .
( ب ) تكفين الميت
هو فرض كفاية بالإجماع لقوله صلى الله عليه وسلم – في شان المحرم الحي وقصته ناقته- وكفنوه في ثوبيه(2)
ويقدم على الدين والوصية . فان كان الميت موسرا كفن من ماله وإلا فكفنه على من تلزمه نفقته إلا الزوج فلا يلزم بكفن امرأته عند محمد بن الحسن واحمد وهو مشهور مذهب مالك وصححه المارودى وغيره من الشافعية . فيجب كفنها من مالها لأنها بالموت صارت أجنبية فلا يلزم الرجل كفنها ( وقال ) أبو حنيفة وأبو سف : يلزمه كفنها ولو تركت مالا، وعليه الفتوى وهو الأصح عن الشافعية . وروى عن مالك لانه تابع للمؤنة كالكسوة فمن لزمه كسوتها في الحياة يلزمه كفنها بعد الوفاة كالأمة مع السيد ( فان لم يكن ) للميت مال ولا زوج ولا منفق فكفنه في بيت المال . فان لم يعط ظلما أهلها عجزا فعلى الناس . ولا يشترط كون التكفين من مكلف حتى لو كفنه صبى أو مجنون اجزا لوجود المقصود ( وحكمة ) وجوب التكفين أمه ستر الإنسان واجب في الحياة فكذا بعد الموت . ثم الكلام في الكفن ينحصر في عشرة فصول .
(
__________
(1) انظر رقم 441 ص 328 " غسل النبي صلى الله عليه وسلم "
(2) انظر الحديث رقم 407 ص 293 " غسل الميت "(1/330)
1 )ما يطلب فيه : يطلب فيه أربعة أمور : ( 1 ) يستحب كونه ابيض ( لحديث ) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : البسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم . أخرجه احمد وابن حيان والحاكم والبيهقى والأربعة إلا النسائي وصححه الترمذى وابن القطان(1) {445 }
( وعن ) سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : البسوا ثياب البياض فإنها أطيب واطهر وكفنوا فيها موتاكم . أخرجه احمد والنسائي والبيهقى والترمذى والحاكم وصححاه(2) { 446 }
فيستحب تكفين الميت في الأبيض لكونه أطيب ، أي احسن من غيره لما في البياض من الصفاء والبريق ولانه اطهر فانه إذا أصابه شئ من النجاسة أو الدنس يظهر فيه .
( والآمر ) في هذه الأحاديث محمول على الندب ( لقول) جابر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا توفى أحدكم فوجد شيئا فليكفن في ثوب حبرة . أخرجه أبو داود والبيهقى بسند جيد(3) {447 }
والحبرة كعنبه نوع من برود اليمن مخطط ذو ألوان من قطن أو كتان . ولذا اتفق العلماء على استحباب التكفين في الثياب البيض . وتقدم تمامه في بحث لبس الأبيض .(4)
(
__________
(1) انظر ص 170 ج7- الفتح الرباني " استحباب إحسان الكفن " وص 245 ج3 بيهقى ( خير ثيابكم البيض – من كتاب الجمعة ) و ص 90ج4 عون المعبود ( البياض – كتاب اللباس ) وص 132 ج2 تحفة الاحوذى ( ما يستحب من الأكفان ) وص 231 ج1- ابن ماجه .
(2) انظر ص 171 ج7- الفتح الرباني ( استحباب إحسان الكفن ) وص 268 ج1 مجتبى ( اى الكفن خير ؟ ) وص 402 ج3 بيهقى ( استحباب البياض في الكفن ) وص 132 ج2 تحفة الاحوذى ( ما يستحب من الأكفان )
(3) انظر ص 310 ج8- المنهل العذب ( الكفن ) وص 403 ج3 بيهقى ( من استحب في الكفن الحبرة ) وص 170 ج7- الفتح الرباني ( استحباب إحسان الكفن )
(4) انظر ص 207 ج7- الدين الخالص . طبعة أولى وص 154 طبعة ثانيه .(1/331)
ب ) ويستحب تطيب الكفن وترا بان يدار المجمر وفيه المود مرة أو ثلاثا أو خمسا على الكفن بعد أن يرش عليه ماء الورد لتعلق الرائحة به ( لحديث ) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا . أخرجه احمد والبراز ولاحاكم وقال : حديث صحيح على شرط مسلم . و أخرجه البيهقى بلفظ : إذا أجرتكم الميت فاوتروا . وروى : أجمروا كفن الميت ثلاثا(1) {448 }
وهذا في حق غير المحرم . أما المحرم فلا يبخر كفنه ( لحديث ) ابن عباس أن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقتة وهو محرم فمات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : غسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ، ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فانه يبعث يوم القيامة مليبا . أخرجه السبعة(2) {449 }
وصفة التطييب أن يجعل الكفن على عود وغيره ، ثم يبخر كما يبخر ثياب الحي حتى تعبق بها رائحة الطيب . ويستحب أن يكون الطيب عودا وكون العود غير مطيب بالمسك فان كان مطيبا به جاز(3)
(
__________
(1) انظر ص 188 ج7- الفتح الربائى ( تطيب بدن الميت وكفنه ) وص 26 ج3 مجمع الزوائد ( الاجمار ) . و ( أجمرتم الميت ) أي يخرتم كفنه أو بدنه بالطيب وص 405 ج3 بيهقى ( الحنوط للميت ) .
(2) انظر رقم 407 ص 293 ( غسل الميت )
(3) انظر ص 167ج4 مجموع النووي . و( عبق به الطيب عبقا ) من باب تعب ، ظهرت ريحه بثوبه أو بدنه .(1/332)
جـ)ويستحب تحسين كفن الميت بتنظيفه وكونه متوسطا سائرا الميت غير محرم استعماله ( لحديث) جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه . أخرجه السبعة إلا البخاري(1) . {450 }
(وحديث ) أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : احسنوا الكفن ولا تؤذوا موتاكم ولا بتزكية ولا بتأخير وصية ولا بقطيعة وعجلوا بقضاء دينه واعدلوا عن جيران السوء وإذا حفرتم فاعمقوا ووسعوا . أخرجه الديلى في مسند الفردوس(2) {451 }
( وعن ) أبى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه فانهم يتزاورون في قبورهم . أخرجه البيهقى في شعب الأيمان(3) {452 }
(د) وينبغي تجنب المغالاة في الكفن ( روى ) عن حذيفة رضى الله عنه انه قال عند موته : ابتاعوا لي كفنا فأتى بحلة ثمنها ثلاثمائة وخمسين درهما ، فقال : لا حاجة لي بها اشتروا لي ثوبين أبيضين ولا عليكم ألا تغالوا فانهما لم يتركا على إلا قليلا حتى أبدل بهما خيرا منهما أو شرا منهما . أخرجه ابن أبى شيبة والحاكم والبيهقى(4) {453 }
__________
(1) انظر ص 169 ج7- الفتح الربائى ( استحباب إحسان الكفن ) وص 10ج7 نووي مسلم ( تحسين الكفن ) و ض 307ج8 – المنهل العذب ( الكفن ) وص 267 ج1 مجتبى ( الأمر بتحسين الكفن ) وص 133 ج2 تحفة الاحوذى . وص 232 ج1 – ابن ماجه ( ما يستحب من الكفن ) وص 403 ج3 بيهقى . ( ويحسن ) بضم الياء وفتح الحاء أو إسكائها من التحسين أو الإحسان أي يجعل كفنه حسنا . ( والكفن ) بفتح الفاء اسم لما يكفن به .
(2) انظر ص 308 ج8 المنهل العذب ( الكفن )
(3) انظر ص171 ج7- الفتح الربائى ( الشرح )
(4) انظر ص 403 ج3 بيهقى ( من كره ترك القصد فيه ) . والحلة ثوبان .(1/333)
والثوب العسيل والجديد سواء عند الحنفيين (لقول ) عائشة : دخلت على أبى بكر رضى الله عنه ، فقال : في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة . وقال لها : في أي يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت : يوم الاثنين . قال :فأي يوم هذا ؟ قالت يوم الاثنين . قال أرجو فيما بيني وبين الليل ، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه به ردع من زعفران ، فقال : اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما ، قلت : إن هذا خلق . قال : إن الحي أحق بالجديد من الميت ، إنما هو المهملة ، فلم يتوف حتى أمسي من ليلة الثلاثاء ، ودفن قبل أن يصبح . أخرجه البخاري(1) { 454 }
( وقالت ) المالكية والشافعية : الغسيل في الكفن افضل ( لقول ) عبادة بن نسى : لما حضرت أبا بكر الوفاة لعائشة : اغسلي ثوبي هذين وكفيني بهما فإنما أبوك أحد رجلين أما مكسو احسن الكسوة ، أو مسلوب أسوا السلب . أخرجه عبد الله بن احمد في زوائد كتاب الزهد(2) {455 }
(
__________
(1) انظر ص 163 ج3 فتح الباري ( موت يوم الاثنين ) و ( سحولية ) بفتح السين وضمها نسبة سحول قرية باليمن .والسحولية ثياب بيض نقية . و( ارجو فيما بيني وبين الليل ) أي ارجو الوفاة في هذا الوقت ليوافق يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم . و( به ردع ) بفتح فسكون أي لطخ لم يعمه كله ( وخلق ) بفتحتين أي غير جديد . ( المهلة ) بتثليث الميم وسكون الهاء القيح يسيل من الجسد .
(2) انظر ص 262 ج2 نصب الراوية .(1/334)
وقالت ) الحنبلية : يستحب أن يكون الكفن جديدا إلا أن يوصى الميت بغيره فتمتثل وصبته ، كما ورد عن الصديق . وبه قال الجمهور ( لحديث ) عائشة أن أبا بكر رضى الله عنه قال لها : يا بنية أي يوم توفى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : يوم الاثنين . قال في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : يا أبت كفناه في ثلاثة أثواب بيض سحولية جدد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة ادرج فيها إدراجا . أخرجه احمد و البيهقى(1) { 456 }
(2) ما يكون من الكفن : يكفن الميت فيما يحل له لبسه حيا ، فلا يكفن الرجل في الحرير إلا إذا لم يوجد غيره لكن لا يزاد على ثوب ( و أما ) المرأة فيكره تكفينها في الحرير عند وجود غيره عند الجمهور لان فيه سرفا وإضاعة المال بخلاف اللبس في الحياة فانه تجمل للزوج ( وقيل ) يجوز تكفينها فيه والاشبه الحرمة لما فيه من السرف والمغالاة المنهي عنها . قال احمد : لا يعجبني أن تكفن المرأة في شئ من الحرير(2). ( و أما ) المعصفر والمزعفر فيكره تكفينها فيه عند الشافعي واحمد . ولا يكره عند الحنفيين ومالك . ويعتبر في الكفن المباح حال الميت . فان كان غنيا فمن جياد ثيابه ، وإن كان متوسطا فمن أوسطها وإن كان فقيرا فبحسب حاله(3).
(
__________
(1) انظر ص 173 ج7- الفتح الربائى ( صفة الكفن للرجل ) وص 399 ج3 بيهقى ( عدد الكفن ) و( يمانية ) بتخفيف الياء على المشهور لان الألف بدل ياء النسب فلا يجتمعان بل يقال يمنية بشد الياء أو يمانية بتخفيفها . والتشديد لغة .
(2) انظر ص 313 ج2 مغنى ابن قدامه .
(3) انظر ص 197 ج5 مجموع النووي .(1/335)
3 ) كفن النبي صلى الله عليه وسلم : كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض يمنية من قطن( قالت ) عائشة : كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية ، من كسف ليس فيها قميص ولا عمامة . أخرجه الستة والبيهقى(1) {457 }
وهذا هو الصحيح الثابت في كفن النبي صلى الله عليه وسلم ، وما خالفه ضعيف لا يحتج به .
(1) كحديث يزيد بن أبى زياد عن مقسم عن ابن عباس قال : كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب نجرانية : الحلة ثوبان ، وقميصه الحي مات فيه أخرجه احمد وابن ماجة والبيهقى وأبو داود وقال : قال عثمان – يعنى ابن أبى شبية – في ثلاثة أثواب : حلة حمراء وقميصه الحي مات فيه .(2) {458 }
( قال ) النووي : حديث ضعيف : يصح الاحتجاج به لان يزيد بن أبى زياد مجمع على ضعفه لا سيما وقد خالف بروايته الثقات(3) ( وأيضا ) فان تكفين النبي صلى الله عليه وسلم في القميص الذي مات فيه وغسل فيه بعيد عادة وذكر الحلة في كفنه صلى الله عليه وسلم غلط ( فقد ) قالت عائشة : كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب
__________
(1) انظر ص 87 فتح الباري ( الثياب البيض للكفن ) وص 7ج7 نووي ( تكفين الميت ) وص 311 ج8 – المنهل العذب ( الكفن ) وص 268 ج 1 مجتبى ( كفن النبي صلى الله عليه وسلم ) وص 231 ج1 – ابن ماجة . وص 133 ج2 تحفة الاحوذى . وص 399 ج3 بيهقى (عدد الكفن ) والكرسف – بضم فسكون – القطن .
(2) انظر ص 173 ج7- الفتح الربائى ( صفة الكفن للرجل ) وص 231 ج1 ابن ماجة ( كفن النبى صلى الله عليه وسلم )ى وص 400 ج3 بيهقى ( ذكر الخير الذى يخالف ما روينا في كفن النبي صلى الله عليه وسلم) وص 312 ج8 – المنهل العذب ( الكفن ) (ونجرانية ) نسبة إلي نجران بلدة باليمن
(3) انظر ص 8 ج7 نووى مسلم : يعنى انه خالف حديث عائشة المتفق على صحته ورواته كلهم ثقات .(1/336)
بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة ، واما الحلة فإنما شبة على الناس فيها ، إنها اشتريت له ليكفن فيها فتركت الحلة وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ( الحديث ) أخرجه مسلم والبيهقى(1) {457 }
( قال ) الترمذى : حديث عائشة اصح الأحاديث التي رويت في كفن النبي صلى الله عليه وسلم والعمل عليه عند اكثر آهل العلم(2)
( ب) ( وحديث ) عبد الله بن عقيل عن محمد بن على بن الحنيفة عن أبيه على ضري الله عنه قال : كفن النبي صلى الله عليه وسلم في سبعة أثواب . أخرجه احمد والبراز وابن أبي شبية ، قال الهيثمى : وإسناده حسن(3)
{460}
( ورد ) بان عبد الله بن محمد بن عقيل سيئ الحفظ لا يصلح الاحتجاج بحديثة إذا خالف الثقات كما هنا(4)
(
__________
(1) انظر ص 7 ج 7 نووى , وص 400 ج7 بيهقى ( بيان عائشة سبب لرشتباه على غيرهم ) . ( وشبة ) . بضم فكسر مشددا اى اشتبه عليهم الامر .
(2) انظر ص 133 ج2 تحفة الاحوذى .
(3) انظر ص 176 ج 7- الفتح الربانى ( صفة الكفن ) وص 23 ج3 مجمع الزوائد ( الكفن )
(4) قال الحافظ في التاخيص : ابن عقيل سيىء الحفظ يصلح حديثة للمتابعات . فاما إذا انفرد فيحسن واما إذا خالف فلا يقبل وقد خالف هو رواية نفسه فروى عن جابر ان النبى كفن فى ثوب ثمرة ولكن روى الحاكم من حديث أبوي عن نافع عن ابن عمر ما يعضد رواية ابن عقيل عن ابن الحنفية عن على انظر ص 155 طبعة الهند ( ويرده) ايضا قول الحاكم : تواترت الأخبار عن ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن مغفل وعائشة فى تكفين النبى صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة اثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ويبعد أن يخفى على جميعهم الزيادة عليها .(1/337)
جـ) (ومنه) ما يرده حديث أقوى منه كحديث الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : كفن النبي صلى الله عليه وسلم في بردين أبيضين وبرد أحمر . أخرجه أحمد بسند جيد ، والبيهقى بلفظ : كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وبرد حبرة (1) . {461 }
(فإنه) يرده ما رواه عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة ، فذكر لعائشة قولهم في ثوبين وبرد حبرة ، فقالت : قد أتى بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه . أخرجه البيهقى والأربعة(2) . {462 }
(4) كفن الرجل : اقله ثوب يستر جميع البدن ( لقول) خباب بن الأرت : إن مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة ، فكنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : غطوا بعا رأسه واجعلوا على رجلية من الإذخر . أخرجه البيهقى والسبعة إلا ابن ماجه(3). {463 }
(
__________
(1) انظر ص 174 ج7 – الفتح الربانى ( صفة الكفن) وص 400 ج3 بيهقى .( والبرد) بضم فسكون نوع من الثياب ( وقيل) هو كساء أسود مربع صغير وهو خلاف البردة فإنها الشملة المخططة ( وبردة حبرة) بالإضافة أو التنوين وحبرة كعنبة ثوب مخطط . وهذه الرواية تفسر البرد بإنه من الحبر ورواية أحمد بينت أنه أحمر .
(2) انظر ص 400 ج3 بيهقى . وص 312 ج8 – المنهل العذب ( الكفن) وص 268 ج1 مجتبى ( كفن النبى صلى الله عليه وسلم ) وص 133 ج2 تحفة الأحوذى وص 231 ج1 – ابن ماجه .
(3) انظر ص 183 ج7 – الفتح الربانى . وص 91 ج3 فتح البارى ( التكفين فى ثوب واحد) وص 315 ج8- المنهل العذب ( كراهية المغالاة فى الكفن ) وص 6 ج7 نووى مسلم ( تكفين الميت ) وص 269 ج1 مجتبى ( القميص فى الكفن ) وص 401 ج3 بيهقى ( ونمرة) بفتح فكسر شملة بها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف يلبسها الأعراب ( واإذخر ) بكسر فسكون فكسر نبت بالحجاز طيب الرائحة(1/338)
ولهذا ) قال الحنفيون ومالك وأحمد : أقل الكفن ما يستر جميع بدن الميت ذكرا كان أو أنثى ، وما دون ذلك لا يسقط به فرض الكفاية عن المسلمين . وبه جزم المحققون من الشافعية ( وقال) العراقيون منهم : اقل الكفن ما يستر العورة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن يوم أحد بعض القتلى بنمرة فدل ذلك على أنه يجزئ فيه ما وارى العورة(1).
(ورد) بأن ما ذكر حالة ضرورة لا تتعداها ( وقد ) نقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لا يجزئ في الكفن ثوب واحد يصف ما تحته من البدن(2).
( ومنه) ترى أن الدليل يشهد للجمهور من أن اقل الكفن ثوب يستر جميع البدن . هذا وكفن الرجل ثلاثة أنواع :
(
__________
(1) انظر ص 192 ج5 مجموع النووى .
(2) انظر ص 91 ج3 فتح البارى ( الكفن من جميع المال) .(1/339)
1) كفن الضرورة – وهو ما يوجد لما تقدم عن خباب(1) ( وحديث) الزبير بن العوام رضى الله عنه قال : إنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى ، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم ، فقال : المرأة المرأة فتوسمت أنها أمي صفية ، فخرجت أسعى إليها فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى فلدمت في صدري ، وكانت امرأة جلدة فقالت : إليك لا ارض لك ، فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك ، فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت : هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما . قال : فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة ، فإذا إلي جنب رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة ، فوجدنا غضاضة وحياء أن تكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له ، فقلنا : لحمزة ثب وللأنصاري ثوب ، فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر ، فاقرعنا بينهما ، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له . أخرجه أحمد وأبو يعلى والبراز . وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف وقد وثق(2). {464 }
(وقال) جابر بن عبد الله : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا توفى أحدكم فوجد شيئا فليكفن في ثوب حبرة . أخرجه أبو داود والبيهقى(3). {465 }
(
__________
(1) انظر رقم 463 .
(2) انظر ص 181 ج7 – الفتح الربانى ( المواساة فى الكفن ) و( المرأة المرأة ) منصوب على التحذير أى احذروا إشرافها على القتلى خوفا من أن يصيبها من الشدة والتأثر بهذا النظر الفظيع ما لا تحتمله . وكرر لفظ المرأة للتأكيد . و( لدمت) من باب قتل أى ضربت ودفعت . و( جلدة) بفتح فسكون أى قوية صبور . و( اليك) اسم فعل بمعنى تنح عنى . و( لا ارض لك ) أى لا مقر لك ولا وطن كلمة سب مثل لا أم لك ( وعزم ) أى أمر بمنعك أمرا مؤكدا .
(3) انظر ص 310 ج8- المنهل العذب ( الكفن ) وص 402 ج3 بيهقى ( من استحب فى الكفن الحبرة )(1/340)
وعن ) خباب بن الإرث أن حمزة رضى الله عنه لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه ، وإذا جعلت على قدمية قلصت عن رأسه ، فمدت على رأسه وجعل على قدمية الإذخر . أخرجه ابن أحمد في زوائد المسند بسند جيد(1) {466 }
(دل) هذا الحديث ونحوه على أنه إذا لم يوجد للميت إلا ثوب لا يستر كل البدن ستر رأسه وجعل على رجليه ما يستره من حشيش ونحوه ، فإن لم يوجد إلا ما يستر العورة سترت لأنها أهم . وإن كثرت القتلى وقلت الأكفان كفن الرجلان والثلاثة في الثوب الواحد كما صنع بقتلى أحد (قال) أنس : كثرت قتلى أحد وقلت الثياب فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسال : أيهم أكثر قرآنا فيقدمه إلى القبلة . أخرجه أبو داود والترمذى وحسنه(2). {467 }
(
__________
(1) انظر ص 184 ج7 – الفتح الربانى ( الكفن من راس المال) و( ملحاء ) أى فيها خطوط سود وبيض ( وقلصت ) ذهبت
(2) انظر ص 294 ج8- المنهل العذب ( الشهيد يغسل) وص 138 ج2 تحفة الأحوذى ( ما جاء فى قتلى أحد)(1/341)
ب) كفن الكفاية – يكفى في كفن الذكر البالغ والمراهق ثوبان إزار من الرأس إلى القدم على المشهور ، ولفافة يلف بها من قرنه إلى قدمه ، فيجوز الاقتصار عليهما بلا كراهة . ويكره . ويكره النقض عنهما بلا ضرورة ( لقول ) النبي صلى الله عليه وسلم في حق المحرم الذي وقصته ناقعة : كفنوه في ثوبيه(1) ( ولقول) صلى بن زفر : إن حذيفة بن اليمان كفن في ثوبين ، بعثتي وأبا مسعود فابتعنا له كفنا حلة عصب بثلاثمائة درهم ، قال : أرياني ما ابتعتما لي ، فأريناه فقال : ما هذا لي بكفن ، إنما يكفيني ربطتان بيضاوان لبس منها قميص ، إني لا أنرك إلا قليلا حتى أنال خيرا منهما أو شرا منهما ، فابتعنا له ربطتين بيضاوين . أخرجه الطبرانى في الكبير بسند رجاله ثقات(2) . {468 }
(جـ) كفن السنة – السنة في كفن الذكر البالغ والمراهق عند الحنفيين ثلاثة أثواب : قميص وإزار ولفافة ، فالقميص من العنق للقدم بلا كمين ولا فتحة صدر ولا دخريص وهو المعروف بالجنب فلا يوسع أسفله بخلاف قميص الحي .
__________
(1) انظر رقم 449 ص 332
(2) انظر ص 25 ج3 مجمع الزوائد ( الكفن ( والعصب ) بفتح فسكون برود يمنية يجمع غزلها ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتى موشيا ( ملونا ) لبقاء ما عصب منه أبيض لم يصبغ ( انظر ص 100 ج3 نهاية ابن الاثير ) ( والرباطة 9 بفتح فسكون كل ملاءة ليست قطعتين وقد تطلق على كل ثوب رقيق .(1/342)
والإزار من القرن ( الرأس ) إلى القدم على المشهور(1) . اللفافة يلف بها من القرن إلي القدم (لحديث ) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب أحدها قميص . أخرجه الطبرانى في الأوسط بسند جيد(2). { 469 }
(ولقول) عبد الله بن مغفل : إذا أنا مت فاجعلوه في غسلي كافورا وكفنوني في بردين وقميص فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك . أخرجه الطبرانى في الكبير وفيه صدقة بن موسى وفيه كلام(3). {470 }
( وتكره) الزيادة على الثلاث لأنه سرف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة كما تقدم(4) ( وقيل) : لا باس بالزيادة على ثلاثة إلى خمسة ( لحديث ) ابن عمر أنه كفن ابنه واقدا في خمسة أثواب : قميص وعمامة وثلاث لفائف ، وأدار العمامة إلى تحت حنكة . أخرجه سعيد بن منصور في سنته(5). {471 }
(وقالت) الشافعية والحنبلية : السنة في كفن الرجل ثلاث لفائف بيض تعم جميع البدن سوى راس المحرم والأفضل أن لا يكون فيها قميص ولا عمامة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة .
(
__________
(1) قال الكمال ابن الهمام : وأنا لا أعلم وجه مخالفة ازار الحى من السنة وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك المحرم : كفنوه فى ثوبيه . وهما ثوبا إحرامه إزاره ورداؤه ومعلوم أن ازاره من الحقو وكذلك أعطى اللاتى غسلن ابنته حقوه . انظر ص 454 ج1 فتح القدير ( تكفينه ) .
(2) انظر ص 24 ج1 مجمع الزوائد ( الكفن ) .
(3) نظر ص 24 ج1 مجمع الزوائد ( الكفن ) .
(4) انظر رقم 462 ص 337 .
(5) انظر ص 311 ج8 – المنهل العذب المورود ( الشرح) .(1/343)
ولا يكره) زيادة قميص عليها ولا تكفينه في قميص بكمين وإزار ولفافة ( لحديث) نافع عن ابن عمر أن عبد الله بن أبي لما توفى جاء ابنه إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أعطني قميصك أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له . فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه ( الحديث ) أخرجه الشيخان(1). {472 }
( ولا يكره) أيضا عند الشافعية زيادة العمامة ( لقول ) نافع : إن ابنا لعبد الله بن عمر مات فكتنه ابن عمر في خمسة أثواب : عمامة وقميص وثلاث لفائف . أخرجه البيهقى(2). {473 }
(
__________
(1) انظر ص 89 ج3 فتح البارى ( الكفن فى القميص ) .
(2) انظر ص 402 ج3 بيهقى ( جواز التكفين فى القميص ) .(1/344)
وتكره) الزيادة على ذلك لأنه سرف (وكذا) تكره العمامة عند الحنبلية ، فالأفضل عندهم أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ولا يزيد عليها ولا ينقص منها ( وأما) إلباس النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن أبي قميصه ، فإنما فعل ذلك تكرمة لابنه عبد الله ليتبرك به أبوه ويندفع عنه العذاب ببركة قميص النبي صلى الله عليه وسلم ( وقيل) إنما فعل ذلك جزاء لعبد الله بن أبي عن كسوتة العباس قميصه يوم بدر(1) .( وقالت) الشافعية فإن كان في الكفن قميص وعمامة استحب جعلها تحت الثياب لأن إظهارها لزينة وليس الحال حال زينة ، وإن قال بعض الورثة يكفن في ثوب ، وقال بعضهم في ثلاثة ، ففيه وجهان : أحدهما يكفن في ثوب يعم ويستر . والثاني يكفن في ثلاثة وهو الأصح لأنه كفن المعروف المسنون(2). وهل للغرماء المنع من كفن السنة ظ الصحيح نعم . وعليه فيكفن عند الحنفيين كفن الكفاية وهو ثوبان للرجل وثلاثة للمرأة . وعند غيرهم يكفن بثوب يستر جميع البدن . (
__________
(1) انظر ص 328 و 329 مغنى ابن قدامة ويشير الى ما ورى سفيان بن عييينه عن عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما قال : لما كان يوم بدر أتى باسارى وأتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب فنظر النبى صلى الله عليه وسلم له قميصا فوجدوا قميص عبد الله بن ابى يقدر عليه . بضم الدال أى يسعه لأن العباس وابن ابى كانا مستويين فى القامة ) فكساه النبى صلى الله عليه وسلم إباه فلذلك نزع النبى صلى الله عليه وسلم قميصه الذى البسه ( أى لعبد الله بم ابى عند دفنه ) قال ابن عيينه : كانت له ( أى لابن ابى ) عند النبى صلى الله عليه وسلم يد فأحب أن يكافئه . أخرجه البخارى انظر ص 88 ج6 فتح البارى ( الكسوة للأسارى ) .
(2) انظر ص 194 ج5 مجموع النووى(1/345)
وقالت) المالكية : ندب أن يكفن الرجل في خمسة : إزار وقميص ولفاقتين وعمامة لها عذبة نحو الذراع ترسل على وجهه لما تقدم أن ابن عمر كفن ابنه في خمسة أثواب منها عمامة(1) .
( وأجابوا ) عن حديث عائشة في كفن النبي صلى الله عليه وسلم بأن المراد بقولها فيه : " ليس فيها قميص ولا عمامة " أنهما زائدتان على الثلاث لا أنهما منها ( ورد) بأنه خلاف الظاهر بل معناه لم يكفن في قميص ولا عمامة ، وإنما كفن في ثلاثة أثواب غيرهما ولم يكن مع الثلاثة شئ آخر . وهذا الذي يقتضيه ظاهر الحديث (2) .( وأجاب ) القائلون بعدم استحباب القميص عن آثري ابن عمر بأنه عمل صحابي لا يعارض الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
( وجملة القول ) أن العلماء اتفقوا على أنه لا يحب في كفن الرجل أكثر من ثوب يستر جميع البدن . واختلفوا في الأفضل . فقال الجمهور : أفضله ثلاث أثواب بيض ليس فيها عمامة ( لحديث ) عائشة في كفن النبي صلى الله عليه وسلم(3) .
( ووجه) الدلالة أن الله عز وجل لم يكن ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا الأفضل .
(5) كيف يكفن الرجل ؟ كيفيته أن تبخر الأكفان بالطيب مرة أو ثلاثا أو خمسا ( لحديث ) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أجمرتم الميت فأوتروا . وروى أجمروا كفن الميت ثلاثا . أخرجه البيهقى(4). {474 }
ثم تبسط اللفافة ثم الإزار عليها ويوضع الميت في القميص ثم يوضع الحنوط في رأسه ولحيته ، ويوضع الكافور على جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وقدميه لما تقدم عن ابن مسعود : الكافور يوضع على مواضع السجود . أخرجه البيهقى وابن أبي شيبه(5). {475 }
__________
(1) انظر رقم 471 و473
(2) انظر ص 8 ج 7 نووى مسلم .
(3) انظر رقم 462 .
(4) تقدم رقم 448 .
(5) تقدم رقم 435 .(1/346)