... ... { 217 }
وقال : رُويت أحاديث فى التشهد مختلفة . وكان هذا أحب إلىّ ، لأنه أكملها . وقد سئل عن اختياره تشهد ابن عباس فال : لّما رأيته واسعاً وسمعته عن ابن عباس صحيحا كان عندى أجمع وأكثر لفظا م غيره وأخذتُ به غير مَعَنِّفٍ لمن يأخذ بغيره مما صح(1)( وقال ) النووى : تشهد ابن عباس أفضل لزيادة لفظ المباركات فيه . وهى موافقة لقوله تعالى : { تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً(2)} ولأنه أكده بقوله : يعلِّمنا التشهد كما يعلمنا السورة م القرآن(3).
__________
(1) ص 214ج2 – فتح البارى ( التشهد فى الآخرة ) .
(2) من أية " 61 سورة النور .
(3) ص 115ج4 – شرح مسلم ( التشهد فى الصلاة ) .(1/180)
هذا . ويصح التشهد عند الحنفيين بالعربية وغيرها ولو مع القدرة عليها ( وأكمله ) عندهم وعند الحنبلية تشهد ابن مسعود قال : كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة قلنا : السلام على الله قبْل عباده السلام على وَفلانٍ وفلان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ، ولكن إذا جلس أحدُكم فليقل : التحيات لله والصلوات والطيبات . السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فإنكم إذا قُلتم ذلك أصاب كل عبد صالح فى السماء والأرض ، أشهد أن لا إله إلا الله ،واشهد أن محمدا عبده ورسوله.ثم ليتخيَّرْ أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به.أخرجه السبعة(1){
__________
(1) ص 6ج4 – الفتح الربانى . وص 218ج2 – فتح البارى ( ما يتخير من الدعاء بعد التشهد .. ) وص 115ج4 – نووى ( التشهد فى الصلاة) وص 70ج6 – المنهل العذب = وص 187ج1 مجتبى ( إيجاب التشهد ) وص 238ج1 – تحفة الأحوذى . وص 150ج1 – ابن ماجه و ( قبل عباده ) أى قبل السلام عليهم . فقبل ظرف . وفى رواية : قبل – بكسر ففتح – منصوب على نزع الخافض ، أى السلام على الله من قبل عباده . ويؤيد هذا ما فى رواية لأحمد : قلنا السلام على الله من عباده . كأنهم رأوا السلام من قبيل الحمد . فجّوزوا ثبوته لله تعالى . لكن لما كان السلام بمعنى السلامة من الآفات والنقائص والله هو الذى يسلم منها من يشاء ، فلا يدعى بالسلامة له . ولذا نهاهم النبى صلى الله عليه وسلم فقال : لا تقزلزا السلام على الله فإن السلام اسم من أسمائه تعالى . ومعناه السليم من الشريك والنقائص ، أو المسلم على عباده المؤمنين ىف الجنة ، أو المؤمن عباده من المخاوف والمهالك . و ( فلان وفلان ) يعنى جبريل وميكائيل . ففى رواية لأحمد وغيره : السلام على جبريل السلام على ميكائيل السلام على فلان ..وفى رواية لابن ماجه : السلام على فلان وفلان يعنون الملائكة ( السلام علينا ) هكذا أكثر الروايات فى حديث ابن مسعوزد بتعريف السلام فى الموضعين . وقد بالغ الحافظ فى الفتح فقال : لم يقع فى شئ من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام أهـ لكن قال فى التلخيص : ووقع فى رواية النسائى سم علينا بالتنكير . وفى رواية للطبرانى : سلام عليك أهـ . وأل فى السلام للعهد الذهنى أى السلام – الذى وجه على الرسل والأنبياء – عليك أيها النبى . والسلام – الذى وجه إلى الأمم السالفة – علينا وعلى عباد الله الصالحين . ويحتمل أن تكون أل للجنس ، أى حقيقة السلام – الذى يعرفه كل واحد عليك – أيها النبىِّ وعلينا وعلى عباد الله الصالحين ( وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) قدم العبودية على الرسالة ، لأنها أسبق وأبقى وأشرف الصفات . فإنها الرضا بما يفعله الرب تعالى وتبقى فى الآخرة دون الرسالة ( قال ) عطاء : بينا النبى صلى الله عليه وسلم يعلم التشهد إذ قال رجل : وأشهد أن محمدا ورسوله وعبده – فقال صلى الله عليه وسلم : لقد كنت عبدا قبل أن أكون رسولا . قل عبده ورسوله - أخرجه عبد الرزاق مرسلا بسند رجاله ثقات ( انظر ص 214ج2 – فتح البارى ) و ( قال ) ابن عبد الملك : روى أنه صلى الله عليه وسلم لما عرج به أثنى على الله تعالى بهذه الكلمات ، يعنى التحيات لله الخ فقال الله تعالى : السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته – فقال صلى الله عليه وسلم : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين – فقال جبريل : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ( انظر ص 74ج6 – المنهل العذب ) .(1/181)
218}
واختار جمهور الفقهاء العمل بهذه الرواية لوجوه ( منها ) اتفاق السبعة وغيرهم على تخريجها ، ولذا قال الترمذى وغيره : حديث ابن مسعود أصح حيدث فى التشهد . وقال مسلم : أجمع الناس على تشهد ابن مسعود ، لأنّ أصحابه لا يخالف بعضهم بعضا . وغيره قد اختلف أصحابه ( ومنها ) أنّ التصدّيق رضى الله عنه علّمه الناس على المنبر ( واختار ) مالك تشهد عمر ( روى ) عبد الرحمن بن عبد القارىُّ أنه سمع عمَر بن الخطاب وهو على المنبر يعلِّم الناس التشهد يقول : قولوا : التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته . السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً عبده ورسوله . أخرجه مالك والشافعى موقوفا وابن مردويه مرفوعا(1) ... ... ... ... { 219 }
وإنما اختاره مالك ، لأنه يجرى مجرى الخبر المتواتر . فقد علَّمه عمر الناس على المنبر بحضرة الصحابة وأئمة المسمين ولم ينكره عليه أحمد ولا خافه فيه ( وروى ) القاسم بن محمد أنّ عائشة رضى الله عنها كانت تقول إذا تشهدتُ : التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله . أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله . السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته . السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . السلام عليكم . أخرجه مالك وصححه النووى فى المجموع(2) ... ... ... ... ... ... ... { 220 }
__________
(1) ص 167ج1 – زرقانى ( التشهد ف الصلاة ) وص 90ج1 بدائع المنن و ( الزاكيات ) أى صالح الأعمال لله . وهذه زيادة فى تشهد عمر كما ذكر فيه لفظ . لله ثلاث مرات وفى غيره مرة . وزيد تشهد فى ابن عباس المباركات ، وفى تشهد ابن مسعود واو العطف .
(2) ص 170ج1 – زرقانى . وقال ( السلام عليكم ) للخروج من الصلاة .(1/182)
هذا . ويجوز العمل بكل من هذه الروايات اتفاقا . والخلاف إنما هو فى المختار والأفضل ( قال ) ابن قدامة : وبأىّ تشهد تشهد مما صح عن النبى صلى الله عليه وسلم جاز . قلا أحمد : تشهد عبد الله أعجب إلىّ وغن تشهد بغيره فهو جائز ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لما علمه أصحابة مختلفا دل على جواز الجميع كالقراءات المختلفة . وهذا يدل على أنه إذا أسقط لفظة هى ساقطة فى بعض التشهدات المروية ضح تشهده . وعليه يكون أقل ما يجزئ من التشهد التحيات لله السلام عليك أيها النبى الخ(1)( وقال ) النووى : فهذه الأحاديث الواردة ف التشهد كلها صحيحة . وأشدها صحة باتفاق المحدثين حديث ابن مسعود ثم حديث ابن عباس . قال الشافعى : وأبيها تشهد أجزأه . وقد أجمع العلماء على جواز كل واحد منها أهـ(2).
( فائدتان ) الأولى : قد ورد فى بعض طرق حديث ابن مسعود ما يدل على أنه يقال فى التشهد حال حياة النبى صلى الله عليه وسلم " السلام عليك أيها النبى " وبعد انتقاله يقال " السلام على النبى " ( قال ) أبو معمر " سمعت ابن مسعود يقول : " علّمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفِّى بين كفيه التشهدَ كما يعلمنى السورة من القرآن : التحيات لله ، والصلوات والطيبات . السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته . السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وهو بني ظهر انَيْنا فلما قُبض قلنا السلام على النبى " أخرجه أحمد والبخارى(3) ... ... ... ... ... ... ... ... { 221 }
(
__________
(1) ص 589ج1 – مغنى .
(2) ص 457ج3 – شرح المهذب .
(3) ص 5ج4 – الفتح الربانى . وص 44ج11 – فتح البارى ( الأخذ باليد – الاستئذان ) و ( بين ظهر انينا ) بفتح الظاء والنون وسكون الياء أصله ظهرنا والتثنية باعتبار المتقدم منه والمتأخر .(1/183)
قال ) السبكى فى شرح المنهاج بعد ذكر هذه الرواية : إن صح هذا دل على أن السلام بالخطاب بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم غير واجب . فيقال السلام على النبى ( قال ) الحافظ : قلت قد صح بلا ريب ووجدت له متابعا قويا ( قال ) عطاء : عن الصحابة كانوا يقولون والنبى صلى الله عليه وسلم حىّ : السلام عليك أيها النبى . فلما مات قالوا : السلام على النبى . أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح(1)والمعمول به ما تقدم فى روايات التشهد لا فرق بين زمان حياته ومماته . ولا نعلم أحدا من الأئمة قال بالتفرقة .
( الثانية ) قال الرافعى فى كتاب الأذان : المنقول أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول فى تشهده : وأنى رسول الله . ولا دليل عليه بل المنقول خلافه ( قال ) الحافظ : ألفاظ التشهد متواترة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول : أشهد أن محمدا رسول الله ، أو عبده ورسوله أهـ . نعم ورد عنه أنه كان يقول فى غير التشهد وأنى رسول الله .
(14 ) الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد التشهد : هى ركن عند الشافعى وإسحاق وروى عن أحمد . واختاره ابن العربى المالكى ، لما فى حديث فُضالة بن عَبيد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدُكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه . ثم يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء . أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى وصححه الحاكم والترمذى(2) ... ... ... ... ... { 222 }
(
__________
(1) ص 213ج2 – فتح البارى ( التشهد فى الآخرة ) .
(2) ص 22ج4 – الفتح الربانى . وص 146ج8 – المنهل العذب ( الدعاء ) . وص 147ج2 – بيهقى ( الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى التشهد ) وص 268 ج1 – مستدرك .(1/184)
وعن ) أبى مسعود الأنصارى رضى الله عنه أن بَشِير بن سعد قال للنبى صلى الله عليه وسلم : أرمنا الله أن نصلِّىَ عليك فكسف نصلى عليك ؟ قال : قولوا اللهم صلِّى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم . وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم فى العالمين إنك حميد مجيد . والسلام كما علمتم . أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والترمذى وصححه(1) ... ... ... ... ... { 223 }
وهذا يدل على أن فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فى الصلاة ، كان معروفا عندهم ( قال ابن قدامة ) وظاهر مذهب أحمد وجوبها ، فإنّ أبازرعة الدمشقى نقل عنه أنه قال : كنت أتهيب ذلك ثم تبينت فإذا الصلاة واجبة أهـ(2)( وقال ) الحنفيون ومالك والجمهور : إنها سنة لا واجبة ، ( لحديث ) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا فرغ أحدكم ن التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع : من عذب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر المسيح الدجال " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وابن ماجه وأبو داود(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 224 }
__________
(1) ص 21ج4 – الفتح الربانى . وص 124ج4 – نووى ( الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد التشهد ) وص 189ح1 مجتبى ( الأمى بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ) و ( أمرنا الله أن نصلى عليك ) أى بقوله تعالى : ( يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلم و تسليما ) و (علمتم ) بفتح العين وكسر اللام . وروى بضم العين وتشديد اللام ،أى علمتوه ، وهو قولهم : السلام عليك أيها النبى فى التشهد .
(2) ص 574ج1 – مغنى .
(3) ص 29ج4 – الفتح الربانى . وص 87ج5 نووى . وص 97ج6 – المنهل العذب ( ما يقول بعد التشهد ) وص 193ج1 – مجتبى ( التعوذ فى الصلاة ) . وص 152ج1 – ابن ماجه .(1/185)
أمر بالاستعاذة عقب التشهد ولم يذكر الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ولو كانت ركنا لذكرها ، ولن الوجوب إنما يكون بدليل شرعىّ .ولم يرد . وحديث فضالة لا يدل على وجوبها لأنه صلى الله عليه وسلم أرم فيه بالدعاء فى آخر الصلاة وهو غير واجب اتفاقا . والأمر فى حديث أبى مسعود ونحوه بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم إنما ورد لتعليم الكيفية وهو لا يفيد الوجوب كما فى حديث : " إذا قام أحدكم م الليل فليصلّ ركعتين خفيفتين " أخرجه أحمد وأبو داود عن أبى هريرة(1) ... ... ... ... ... ... { 225 }
( قال ) المروزى قيل لأبى عبد الله إنّ ابن راهويه يقول : لو أنّ رجلا ترك الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى التشهد بطلت صلاته . قال : ما أجترئ أن أقول هذا . وقال فى موضع : هذا شذوذ أهـ(2)( وقال ) العلامة يحيى بن أبى بكر العامرى : وقد تتبعت دليل الوجوب فلم يظهر لى كل الظهور . وجميع روايات التشهد خالية عن ذكرها أهـ(3). فهذا هو الراجح لقوة أدلته ( وقال ) الشوكانى : نحن لا ننكر أن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم من أجلّ الطاعات التى يتقرب بها الخلق إلى الخالق . وإنما النزاع فى إثبات واجب من واجبات الصلاة بلا دليل يقتضيه أهـ(4).
(
__________
(1) ص 268ج4 – الفتح الربانى . وص 252ج7 – المنهل العذب ( افتتاح صلاة الليل بركعتين ) .
(2) ص 583ج1 – مغنى .
(3) ص 332ج2 = بهجة المحافل .
(4) ص 234ج2 – نيل الأوطار ( الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .(1/186)
فائدة ) لا خلاف فى وجوب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى العمر مرة للأمر بها فى قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً(1)} وهو للوجوب عند الأكثر . بل ذكر بعضهم الإجماع عليه ( وقال ) الطحاوى : تجب كلما ذكر صلى الله عليه وسلم . واختاره الحليمى من الشافعية ، لحديث : رغِم أنفُ رجُلٍ ذُكرتُ عده فلم يصلِّ علىَّ أخرجه الترمذى والحاكم عن أبى هريرة(2) ... ... { 226 }
( وقيل ) تجب فى كل مجلس مرة وإن تكرر ذكر النبى صلى الله عليه وسلم والاحتياط الصلاة عند كل ذكر(3)
__________
(1) سورة الأحزاب أية : 56 .
(2) ص 549ج1 – مستدرك .
(3) ص 233ج14- تفسير القرطبى .(1/187)
هذا وتصح الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بأى صيغة والأفضل أن تكون بصيغة من الصيغ الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها أكثر ثوابا من غيرها وهى كثيرة ( أفضلها ) ما فى حديث كعب بن عُجْرة قال : قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلِّم عليك فكيف نصلى عليك ؟ قال : فقولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كمال باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد . أخرجه السبعة(1) ... ... ... ... ... ... { 227 }
__________
(1) ص 23ج4 – الفتح الربانى . وص 118ج11 – فتح البارى ( الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم – الدعوات ) . وص 126ج4 – نووى. وص 83ج6- المنهل العذب ( الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد التشهد ) وص 190ج1 - مجتبى . وص 151ج1 – ابن ماجه ( وقد علمنا كيف نسلم عليك ) يعنى ما تقدم فى أحاديث التشهد . وهو السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته . وهو يدل على تأخر مشروعية الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عن التشهد . وصلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه فى الدنيا بإعلاء ذكره ، وفى الآخرة بإجزال ثوابه وقبول شفاعته و ( آل إبراهيم ) إسماعيل وإسحاق وأولادهما ، وقد حيتهم الملائكة بقولهم ( رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت ) و ( البركة ) الزيادة من الخير والكرامة . و ( حميد ) فعيل من الحمد ، وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها ، ومجيد من المجد وهو من كمل فى العظمة والشرف .(1/188)
وفى لفظ لأبى داود : قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم(1)وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد . وفى رواية له ولأحمد : اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم . إنك حميد مجيد .
( ومنها ) ما تقدم فى حديث أبى مسعود الأنصارى(2)( قال ) النووى : ينبغى أن يجمع ما فى الأحاديث الصحيحة فيقول : اللهم صلى على محمد عبدك ورسولك النبى الأمى وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم . وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فى العالمين . إنك حميد مجيد .
وأقل الصلاة : اللهم صلى على محمد . فلو قال : صلى الله على محمد فالصحيح انه يجزئه . وكذا لو قال: اللهم صلى على النبى أو على أحمد أجزأه(3)وفيما ذكر نظر ، بل الأفضل أن يؤتى بكل رواية على حدتها فى أوقات مختلفة كما كان يفعل النبى صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه .
(
__________
(1) كما صليت على إبراهيم ) لا يقال الأصل فى التشبيه أن = يكون المشبه أقل من المشبه به وها هنا ليس كذلك ، لأنا نقول التشبيه هنا فى أصل الصلاة لا فى قفدرها على حد ( كتب عليكم الصيام كما كب على الذين من قبلكم ) أو نقول : المشبه الصلاة على آل محمد . فالمعنى وصل على آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فهو من عطف الجمل . وخص سيدنا إبراهيم بالذكر دون سائر الأنبياء لأنه أفضلهم بعد نبينا صلى اله عليه وسلم . وقد ورد أنه لما مر به النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ، قال له أقرئ أمّتك منى السلام . فأمرنا بالثناء عليه فى كل صلاة مجازاة له على إحسانه .
(2) تقدم رقم 223ص 167 .
(3) ص 466ج3 – شرح المهذب .(1/189)
فائدتان ) الأولى . اختلف العلماء فى الإتيان بالسيادة حال الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم والأذان ونحوهما ( فقالت ) المالكية وكثيرون يؤتى بها فى غير الصيغ الواردة عنه صلى الله عليه وسلم تأدبا . وأما الصيغ الواردة كالأذان والإقامة والتشهد فيقتصر فيها على ما ورد وقوفا على ما حدّه الشارع ، واتباعا للفظه وفرارا من الزيادة على ما ورد ، لكونه خُرِّجَ مخرج التعليم ( قال ) الحنفيون والحنبليون : تكره السيادة فى الأذان والإقامة والتشهد والأفضل تركها فى الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عند الحنبلين ومحققى الحنفيين والشافعية . (قال) الشهاب فى شرح الشفاء : إن اتباع الآثار الواردة أرجح ولم تنقل السيادة عن الصحابة والتابعين ولم ترو إلا فى حديث ضعيف عن ابن مسعود . ولو كان مندوبا لما خفى عليهم . وهذا يقرب من مسألة أصولية وهى أنّ الأدب أحسن أم الاتباع ؟ ورجح الثانى بل قيل إنه الأدب ( وقال ) بعضهم : لا بأس بالسيادة فى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، لما تقرّر أنه سيد ولد آدم ( قال ) الحصنى : وندبت السيادة لأنّ زيادة الإخبار بالواقع عين سلوك الأدب ، فهو أفضل من تركه . ذكره الرملى الشافعى وغيره " وما قيل " لا تسوّدونى فى الصلاة " فكذب " وقولهم لا تسبدونى بالياء لحن أيضاً . والصواب بالواو أهـ(1). والمشهور عند الشافعية أنه يستحب الإتيان بها فى الصيغ الواردة وغيرها " لأنه " صلى الله عليه وسلم لما جاء وأبو بكر يَوُمُّ الناس فتأخر أمره أن يثبت مكانه فلم يثبت . ثم سأله بعد الفراغ من الصلاة عن ذلك فقال : ما كان ينبغى لابن أبى قحافه أن يتقدم بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ( وهو مردود ) بأنّ الإيتان بها فى الصيغ الواردة زيادة على ما شرعه وبينه صلى الله عليه وسلم .
__________
(1) ص 379ج1 – الدر المختار ( صفة الصلاة ) .(1/190)
والزيادة فى الوارد تؤدّى إلى ردّ العمل وعدم قبوله ( روت ) عائشة رضى الله عناه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من عمِل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ " أخرجه أحمد ومسلم(1).
( وأما ) قصة أبى بكر رضى الله عنه ، فهى فى خصوص الإمامة فلا تصلح دليلا على جواز الزيادة فيما شرعه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( فما يفعله ) بعض الناس من زيادة لفظ سيدنا فى الأذان ونحوه ( مخالف ) لهديه صلى الله عليه وسلم وهدى الخلفاء الراشدين وأصحابه الكرام .
( الثانية ) اختلف فى حكم إفراد الصلاة عن السلام عليه صلى الله عليه وسلم وعكسه فقيل بكراهته . والأولى الجمع بينهما خروجا من هذا الخلاف ( قال ) الشهاب الأوسى : والأمر بالصلاة والتسليم على النبى صلى الله عليه وسلم من خواص هذه الأمّة فلم تؤمر أمّة غيرها بالصلاة والسلام على نبيها أهـ(2). والصلاة على سائر الأنبياء مشروعة ( روى ) ابن عباس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال :" إذا صلّيتم علىَّ فصلوا على أنبياء الله ، فإن الله بعثهم كما بعثنى " أخرجه الطبرانى بسند ضعيف(3) ... ... ... ... ... { 228 }
والضعيف يعمل به فى مثل هذا كما لا يخفى .
__________
(1) تقدم رقم 134 ص 88 ( بدع الأذان ) .
(2) ص 99ج7 – روح المعانى .
(3) ص 205ج4 – فيض القدير للمناوى .(1/191)
" وأما " ما حكى عن مالك من أنه ل يصلى على غير نبينا صلى الله عليه وسلم من الأنبياء " فأوله " أصحابه بأنّ معناه إنا لم نتعبد بالصلاة عليهم كما تعبدنا بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم . ذكره الألوسى فى تفسيره ( وقال ) وقد صرح بعض أجلة الشافعية بوجوب الصلاة عليه صلى اله عليه وسلم فى صلاته وذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى على نفسه خارجها كما هو ظاهر الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم – حين ضلّتْ نافتُه وتكلم منافق فيها – إن رجلا من المنافقين شِمت أنْ ضلّتْ ناقةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله – حين عرض على المسلمين ردّ ما أخذه من أبى العاص زوج ابنته زينب قبل إسلامه – وإن زينبَ بنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتنى ( الحديث ) فذكر الصلاة والتسليم على نفسه بعد ذكره ( واحتمال ) أن ذلك فى الحديثين من الراوى بعيد جدا(1).
(15) السلام : السلام للخروج من الصلاة ركن عند مالك والشافعى وأحمد والجمهور ( لحديث ) مفتاحُ الصلاةِ الطُّهورُ وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم(2)( ولحديث ) صلوا كما رأيتمونى أصلى(3). وقد واظب صلى الله عليه وسلم على الخروج من لاصلاة والسلام .
(
__________
(1) ص 98ج7 – روح المعانى .
(2) تقدم رقم 178 ص 131 ( التحريمة ) .
(3) تقدم رقم 190 ص 143 ( القراءة ) .(1/192)
وشرطه ) عند المالكية والحنبلية أن يكون معرّفا بالألف واللام مرتبا بلفظ الجمع . فلو قال سلامُ عليكم أو عليكم السلام ، أو السلام عليك ، لا يجزئ ( وقالت ) المالكية : أم فى لغة حْميَر كأل . فيغتفر لمن عجز منهم – دون غيرهم – عن الإيتان بال أن يقول : أم سلامُ عليكم . واللحن عندهم فى السلام كاللحن فى الإحرام . وهو أنه إِنْ عرَف الصوابَ وتعمّد اللحنَ بطلت صلاته . وإِن لم يَعْرِفْه فصلاته صحيحة على المعتمد . وعند الشافعية لا يشترط الترتيب فى السلام ، فلو قال عليكم السلام صح مع الكراهة . والمفروض عندهم وعند المالكية تسليمة واحدة لكل مصل .
( وعن ) ابن سيرين والأوزاعى أن الشرع تسليمه واحدة ( لحديث ) عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّّم فى الصلاة تسليمةً واحدةً تلقاء وجهه " أخرجه الترمذى وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 229 }
( ورد ) بأن فى سنده زُهَيرَ بن محمد . وهو إن كان من رجال الصحيحين لكن له منا كير وهذا الحديث منها. قال أبو حاتم : هو حديث منكر وأصله الوقف على عائشة . وقال الترمذى : لا نعرفه مرفرعا إلا من هذا الوجه . وقال النووى : إنه غير ثابت عند أهل النقل . وقال فى الخلاصة : هو حديث ضعيف ولا نقبل تصحيح الحاكم له ، وليس فى الاقتصار على تسليمه واحدة شئ ثابت أهـ ( وقال ) ابن عبد البر : روى عن النبى صلى الله علهي وسلم أنه كان يسلم تسليمه واحدة من حديث سعد بن أبى وقاص ، ومن حديث عائشة ، ومن حديث أنس إلا أنها معلولة ولا يصححها أهل العلم بالحديث أهـ .
ولذا ذهب الجمهور إلى مشروعية التسليمتين لكل مصل لما سيأتى .
(
__________
(1) ص 242ج1 – تحفة الأحوذى . وص 153ج1 – ابني ماجه ( من يسلم تسليمة واحدة 9 وص 230ج1 – مستدرك .(1/193)
ومشهور ) مذهب الحنبلية أن التسليمتين فرض فى الفرض لمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم عليهما . وقيل المفروض عندهم تسليمه واحدة . وصححه ابن قدامه قال : وليس نص أحمد بصريح فى وجوب التسليمتين إنما قال : التسليمتان أصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيجوز أن يذهب إليه فى المشروعية لا الإيجاب كما ذهب إلى ذلك غيره . وقد دل عليه قوله فى رواية : وأعجب إلىّ التسليمتان ، ولأن عائشة وسلمة بن الأكوع وسهل بن سعد قد رووا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة ، وكان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة . وفيما ذكرناه جمع بين الأخبار وأقوال الصحابة فى أن يكون المشروع والمسنون تسليميتن ، والواجب واحدة . ويدل على هذا قول ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن صلاة من اقتصر على تسليمه واحدة جائزة(1).
( أما ) النافلة وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة والشكر فلا خلاف عندهم فى أن المفروض فيها تسليمه واحدة ( وعلى ) القول بأن التسليمتين فرض فى الفرض فهما من الصلاة كسائر الأركان ، فلا يقوم المسبوق قبلهما .
( وقال ) الحنيفون وعطاء بن أبى رباح وسعيد بن المسيب وإسحاق بن رَاهَوَيْهِ : لا يتعين السلام للخروج من الصلاة بل يكتفى الخروج بكل فعل اختيارى مناف للصلاة بعد تمام فرضها ( لحديث ) عبد الله بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قضى الإمامُ الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته ومنَ كان خلفه ممن أتم الصلاة " أخرجه أحمد وأبو داود ، وكذا الترمذى بلفظ : إذا أحدث الرجلُ وقد جلس فى آخر صلاته قبل أن يُسلِّم فقد جازت صلاتهُ . وقال : ليس إسناده بذاك القوى(2) ... ... ... ... { 230 }
__________
(1) ص 594ج1 – مغنى .
(2) ص 3ج5 – المنهل العذب ( الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه من آخر الركعة )(1/194)
أى لأن فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعُم الأفريقى ( قال ) النووى : إنه ضعيف باتفاق الحفاظ ( ورد ) بأنه قد وثقه غير واحد منهم زكريا الساجى وأحمد بن صالح المصرى وقال فيه ابن معين ويعقوب بن سفيان : ليس به بأس . ذكره الشوكانى(1)
( وأجاب ) الجمهور عنه بأنه ضعيف ، لأنّ فى سنده عبدَ الرحمن بنَ رافع وعبدَ الرحمن بن زياد ، وفيهما مقال ( قال ) البيهقى فى المعرفة : عبد الرحمن ابن زياد قد ضعفه أهل العلم بالحديث ، وإن صح ذلك فإنما كان قبل فرض التسليم ( قال ) عطاء بن أبى رباح : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد فى آخر صلاته فقضى التشهدَ أقبل على الناس بوجهه ، وذلك قبل أن يَنزِل التسليمُ(2).
هذا . والواجب عند الحنفيين السلام مرتين ، لمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم عليهما ( وأقله ) السلام دون عليكم ، أو سلام عليكم ، أو عليكم السلام ( وأكمله ) – عند الحنفيين والشافعى وأحمد والجمهور – السلام عليكم ورحمة الله يميناً وشمالا ( لحديث ) ابن مسعود رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّم عن يمينه وعن شمِاله حتى يُرَى بياُض خدّه : السلام عليكم ورحمة الله . والسلام عليكم ورحمة الله " أخرجه أحمد والطحاوى والأربعة ، وقال الترمذى حسن صحيح(3) ... ... ... ... ... ... { 231 }
__________
(1) ص 345ج2 – نيل الأوطار ( كون السلام فرضا ) .
(2) ص 4ج5 – المنهل العذب .
(3) ص 38ج4 – الفتح الربانى ( كيفية السلام ) وص 158ج1 – شرح معانى الآثار . وص 109ج6 – المنهل العذب . وص 194ج1 – مجتبى ( كيف السلام عن اليمين ) وص 242ج1 – تحفة الأحوذى . وص 153ج1 – ابن ماجه .(1/195)
دل على مشروعية التسليمتين لكل مصل إماما وغيره . وعلى أنّ السنة الالتفات فى السلام الأوّل إلى اليمين وفى الثانى إلى اليسار ( قال ) النووى : ولو سلم التسليمتين عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه أو الأولى عن يساره والثانية عن يمينه صحت صلاته وحصلت التسليمتان ولكن فاتنه الفضيلة فى كيفيتهما أهـ(1).
( ومشهور ) مذهب مالك أن الإمام والمنفرد يسلم تسليمة واحدة يقصد بها الخروج م الصلاة ( وقال ) المازرى : رُوى عن مالك أنّ الإمام والفذ يسلم كلّ تسليمتين . ولا يسلم المأموم حتى يفرغ الإمام منهما . ورَوى مطرّف فى الواضحة عن مالك أن المنفرد يسلم تسليمتين عن يمينه ويساره. وبه كان يأخذ مالك فى خاصته أهـ(2)والمأموم يسلم واحدة عن يمينه يتحلل بها من صلاته وأخرى يردّ بها على إمامه ( لقول ) سَمُرة بن جُنْدٌبٍ رضى الله عنه : " أمرنَا النبى صلى الله عليه وسلم أن نردّ على الإمام وأن نتحابَّ وأن يسلِّم بعضُنا على بعض " أخرجه أبو داود والحاكم وقال : صحيح الإسناد وسعيد بن بشير إمام أهل الشام فى عصره أهـ . لكن قال ابن حبان : كان ردئ الحفظ فاحش الخطأ يروى عن قتادة ما لا يتابع عليه . وضعفه ابن معين والنسائى وابن المدينى وغيرهم(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... {232}
(
__________
(1) ص 83ج5 – شرح مسلم .
(2) ص 111ج6 – المنهل العذب ( السلام ) .
(3) ص 119 منه ( الرد على الإمام ) وص 270ج1 – مستدرك ( وأن يسلم بعضنا ) أى فى الصلاة . ففى رواية البزار " وأن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض فى الصلاة " ويدخل فيه سلام كل من الإمام والمأموم على غيره . وخص السلام بالذكر لأنه سبب المحبة .(1/196)
ومشهور ) المذهب أن المأموم يسلم ثالثة يردّ بها على من على يساره ، لقول سَمُرَة : وأن يُسلم بعضنا على بعض ، ولقول نافع : كان ابن عمر يسلَم عن يمينه ثم يردّ على الإمام . ثم إن كان على يساره أحد ردّ عليه . رواه ابن القاسم عن مالك . وبه تعلم ردّ قول ابن العربى : التسليمة الثالثة احذروها فإنها بدعة لم تثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضى الله عنهم . وحديث سمرة وإن كان ضعيفا ، يقوّيه فعل ابن عمر لأنه لا يفعل مثل هذا إلا بتوقيف من النبى صلى الله عليه وسلم .
والراجح القول بالاقتصار على التسليمتين لكل مصل لقوّة أدلته .
هذا . وحديث سمرة يدل على أنه يطلب من المصلى أن ينوى بسلامه القوم والحفظةَ عن الجانبين الأيمنِ والأيسر وهو مندوب عند الحنفيين والشافعية ( وقالت ) المالكية وبعض الحنبلية : ينوى بالأولى الخروج من الصلاة وبالثانية السلام على القوم والحفظة إن كان مأموما . ولا يقلب يديه وقت السلام ( لقول ) جابر بن سمرة : " كنا إذا صلبنا خلف النبى صلى الله عليه وسلم فسلّم أحدُنا أشار بيده مَنْ عن يمينه ومَن عن يساره ، فلما صلى قال: ما بال أحدكم يومئ بيده كأنها أذنابُ خيل شُمْشٍ إنما يكفى أحدَكم أن يضعَ يده على فخذه ثم يسلم على أخيه مَنْ عن يمينه وشماله " أخرجه مسلم وأبو داود(1) ... ... ... ... ... ... { 233 }
(
__________
(1) ص 153ص ج4 – نووى ( السكون فى الصلاة والنهى عن الإشارة باليد ) وص 117ج6 – المنهل العذب (السلام ) و ( شمس ) بضم فسكون جمع شموس بفتح فضم وهو النفور من الدواب . و ( من عن يمينه ) من اسم موصول أى أشار بيده إلى من عن يمينه .. ومن الثانية بدل من أخيه .(1/197)
فادئة ) يندب – عند بعض الحنفيين والحنبليين والشافعيين – زيادة وبركاته فى التسليمة الأولى ( لقول ) وائل بن حُجْر رضى الله عنه : " صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم فكان يُسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله " أخرجه أبو داود بسند صحيح(1) ... ... { 234 }
( قال ) الحافظ فى التلخيص : وقع فى صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة وبركاته . وهى عند ابن ماجه أيضاً وعند أبى داود فى حديث وائل بن حجر . فالعجب من ابن الصلاح فى قوله : إن هذه الزيادة ليست فى شئ من كتب الحديث أهـ(2)( ومنه ) تعلم " بطلان " ما قاله بعضهم من أن زيادتها بدعة " وردُّ " ما قاله بعض المالكية من أنه يندب عدم زيادة " **ورحمة الله وبركاته " لثبوت الحديث بها . ولذا قال العلامة النفراوى: والذى يظهر أنه لا بأس بزيادة ورحمة الله وبركاته ، خلافا لمن كرهها(3).
(16) ترتيب الأركان : هو ركن** عند المالكية والشافعية والحنبلية بأن قدّم القيام على الركوع والركوع على الاعتدال . وهو على السجود . وهكذا على حسب ترتيبها فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاتهَ : " إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلةَ فكبرْ . ثم اقرأ ما تيسّر معك من القرآن . ثم اركع حتى تطمئن راكعا . ثم ارفع حتى تعتدِل قائما . ثم اسجدْ حتى تطمئن ساجدا . ثم ارفع حتى تطمئن جالسا . ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا . ثم أفعل ذلك فى صلاتك كلِّها " أخرجه السبعة وقال الترمذى : حسن صحيح(4)
(
__________
(1) ص 116ج6 – المنهل العذب .
(2) ص 523ج3 – التلخيص الحبير مع شرح المهذب .
(3) ص 224ج1 – الفواكه الدوانى .
(4) انظر المراجع بهامش ص 111 و 147 .(1/198)
وقال ) الحنفيون : الترتيب شرط فيما لا يتكرر كالقيام والركوع لقعود الأخير . فلو ركع ثم قام لم يعتبر ذلك الركوع ، فإن ركع ثانياً صحت صلاته لوجود الترتيب المفروض ولزمه سجود السهو لتقديمه الركوع على القيام . ولو سجد ثم ركع ، فإن سجد ثانياً صحت صلاته وإلا فلا . ولو تذكر بعد القعود الأخير سجدة صلبية أو تلاوية ، سجدها وأعاد القعود وسجد للسهو . ولو تذكر ركوعا قضاه مع ما بعده من السجود . ولو تذكر قياما أو قراءة صلى ركعة " أما ما يتكرّر " فى كل ركعة كالسجود أو فى كل الصلاة كالركعات " فإن الترتيب " فيه واجب لا فرض . فلو نسى سجدة من الركعة الأولى **مثلا قضاها ولو بعد السلام قبل الكلام . ثم يتشهد إلى عبده** ورسوله ثم يسجد للسهو ثم يتشهد ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم ويدعو **ثم يسلم . وكذا الترتيب بين القراءة والركوع واجب فى الأوليين من الفرض إن لم يقرأ فيهما . فإن ركع فيهما بلا قراءة صح الركوع ، لأنه لا يشترط فيه أن يكون مسبوقا بقراءة فى كل ركعة . أما لو قرأ فى الأوليين صار الترتيب فرضا ، حتى لو تذكر السورة راكعاً فعاد وقرأها ، لزم إعادة الركوع ، لأن السورة التحقت بما قبلها وصارت القراءة كلها فرضا . فلزم تأخير الركوع عنها . ومنه يعلم أن هذا الترتيب واجب قبل تحقق** القراءة فرض بعدها ، كقراءة السورة فإنها قبل قراءتها تسمى واجب وبعدها تسمى فرضا . وفرضيته حينئذ عارضة كما إذا ضاق وقت القراءة بأن لم يقرأ فى الأوليين .
( تنبيه ) علم أن أركان الصلاة أفعال وأقوال ( فالأفعال ) أحد عشر فعلا . وهى : النية ، والقيام فى الفرض للقادر عليه ، والركوع ، والرفع منه ، والاعتدال ، والسجود فى كل ركعة مرتين ، والرفع منه ، والجلوس بين السجدتين والقعود الأخير ، وتعديل الأركان " أى الطمأنينة فيها " والترتيب .
((1/199)
والأقوال ) خمسة وهى : التحريمة ، والقراءة ، والتشهد الأخير ، والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعده ، والسلام . وأن منها ما هو متفق على فريضته ومنها ما هو مختلف فيه
وهاك جدولا يتجلى لك منه حكم كل منها عند الأئمة الأربعة :
المطلوب ... حكمه عند
النعمان ... مالك ... الشافعى ... أحمد
1 النية ... شرط ... ركن ... ركن ... شرط
2 التحريمة ... " ... " ... " ... ركن
3 القيام ... ركن ... " ... " ... "
4 القراءة ... " ... " ... " ... "
5 الركوع ... " ... " ... " ... "
6 الرفع منه ... واجب ... " ... " ... "
7 الاعتدال ... " ... " ... " ... "
8 السجود مرتين ... ركن ... " ... " ... "
9 الرفع منه ... واجب ... " ... " ... "
10 الجلوس بين السجدتين ... " ... " ... " ... "
11 الطمأنينة فى الأركان ... " ... " ... " ... "
12 القعود الأخير ... شرط ... " ... " ... "
13 التشهد الأخير ... واجب ... سنة ... " ... "
14 الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعده ... سنة ... " ... " ... ركن أو سنة
15 السلام ... واجب ... ركن ... " ... ركن
16 الترتيب ... فرض وواجب على ما تقدم بيانه ... " ... " ... "
( العاشر ) واجبات الصلاة
هى جمع واجب . وهو لغة اللازم أن الثابت . وشرعا عند المالكية والشافعية المطلوب طلبا جازما بدليل قطعى أو ظنى . فلا فرق عندهم بين الفرض وبين الواجب إلا فى الحج كما سيأتى إن شاء الله تعالى ( وعند ) الحنفيين الواجب ما ثبت بدليل ظنى الثبوت أو الدلالة . كقراءة الفاتحة فى الصلاة . وحكمه عندهم أنه لا يكفر منكره ولا تفسد العبادة بتركه عمدا بل يكون آثما وعليه إعادتها للخروج من الإثم . ويجبر فى الصلاة بسجود السهو إن ترك سهوا ( وعند ) الحنبلية : الواجب ما تبطل الصلاة بتركه عمدا لا جعلا أو سهوا ، ويجبر حينئذ بسجود لسهو .
( أ ) فواجباتها عند الحنفيين كثيرة . المذكور منها هنا أربعة عشر .
((1/200)
1 ) قراءة الفاتحة : هى واجبة بتمامها عند النعمان فى كل ركعات النفل والوتر ، وفى الأوليين من الفرض ، لحديث عُبادة بن الصامت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب(1). وهو قطعى الثبوت ظنى الدلالة ، فيفيد الوجوب كما تقدم . فلا تبطل الصلاة بتركها عمدا أو سهوا ، بل يجب سجود السهو إذا تركها سهوا وإعادة الصلاة إذا تركها عمدا أو سهوا ولم يسجد ( وقال ) أبو يوسف ومحمد : الواجب قراءة أكثرها لأن للأكثر حكم الكل ( وقال ) الجمهور قراءة الفاتحة فرض كما تقدم .
(2) ويجب عند الحنفيين أن يضم إلى الفاتحة سورة ولو قصيرة أو ثلاث آيات قصار أو ما يماثلها من آية كآية الكرسى ( لقول ) أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه : أُمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسرّ . أخرجه أبو داود بسند صحيح رجاله ثقات(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 235 }
( ولحديث ) عُباده بن الصامت رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن يقرأ بفاتحِة الكتاب فصاعدا . لأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن حبان(3) ... ... ... ... { 236 }
( وعنه ) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وآيتين معها . أخرجه الطبرانى فى الأوسط . وفى سنده الحسن بن يحيى الخشَى ضعفه النسائى والدار قطنى ووثقة ابن عدى وابن معين(4){237}
__________
(1) تقدم رقم 192ص 143 ( القراءة ) .
(2) ص 242ج5 – المنهل العذب ( من ترك القراءة فى صلاته ) .
(3) 194ج3 – الفتح الربانى . وص 101ج4 – نووى ( قراءة الفاتحة ) وص 251ج5 – المنهل العذب ( من ترك القراءة .. ) .
(4) ص 115ج2 – مجمع الزوائد ( القراءة فى الصلاة ) .(1/201)
ولأنه المعتاد من فعل النبى صلى الله عليه وسلم كما تضافرت عليه الأحاديث الصحيحة . وقد قال صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتمونى أصلى(1)، وهذه أخبار آحاد فلا تفيد الفرضية بل الوجوب ، وبه قال بعض أصحاب مالك . ومحل وجوب ما ذكر إذا اتسع الوقت . فإن خاف فوته لو قرأ الفاتحة والسورة أو قرأ الفاتحة ، اكتفى بآية واحدة فى كل ركعة من الصلاة عند الحنفيين ( وقال ) الجمهور : الأمر بقراءة ما بعد الفاتحة محمول على السنة لحديث عطاء بن أبى رباح أنّ أبا هريرة رضى الله عنه قال : فى كلّ الصلاة يُقرأ ، فما أسمَعنا النبى صلى الله عليه وسلم أسمعْناكم . وما أخفى عنا أخفينا عنكم . وإن لم تزد على أم القرآن أجزأَتْ . وإن زِدتَ فهو خير أخرجه الشيخان(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 238 }
" فهو " ظاهر فى عدم وجوب ما زاد على الفاتحة ( وقالوا ) امراد بقوله فى حديث عبادة فصاعدا " دفع " توهم حصر الحكم على الفاتحة . لكنه بعيد ( قال ) الشوكانى بعد ذكر أدلة وجوب السورة : وهذه لأحاديث لا تقتصر عن الدلالة على وجوب قرآن مع الفاتحة . وإليه ذهب عمر وابنه عبد الله وعثمان ب أبى العاص ، والظاهر ما ذهبوا إليه أهـ(3)
( أما السورة ) ف الركعة الثالثة والرابعة من الفر فليست سنة عند احنفيين وأحمد والجمهور ( لقول ) أبى قتادة : " كان التبى لى الله عليه وسلم يُصلى بنا فيقرأ فى الظهر والعصر فى الركعتين الأولَيَين بفاتحة الكتاب وسورتين ،ويُسمعُنا الآية أحيانا . ويقرأ فى الركعتين الأخرَيين بفاتحة الكتاب " أخرجه أحمد ومسلم(4){ 239 }
__________
(1) تقدم رقم 190 ص 142 .
(2) ص 171ج2 – فتح البارى ( القراءة فى الفجر ) ص 105ج4 – نووى ( وجوب قراءة الفاتحة ) .
(3) ص 235ج2 – نيل الأوطار ( إيجاب قرآن مع الفاتحة ) .
(4) ص 207 ج3 – الفتح الربانى . وص 172ج4 – نووى ( القراءة فى الظهر والعصر ) .(1/202)
وإن قرأ فيهما فهو مباح عند الحنبلية . وخلاف الأولى عند الحنفيين ( وقال ) الشافعى فى الجديد :" تستحب السورة بعد الفاتحة فيما بعد الأوليين ( لحديث ) أبى سعيد رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى صلاة الظهر فى الركعتين الأولَيين فى كل ركعة قدرَ ثلاثين آية ، وفى الآخْرَيين قدرَ خمسَ عْشرة آيةً . وفى العصر فى الركعتين الأوليين ، فى كل ركعة قدرَ خمس عشرة آية ، وفى الآخْريين قدرَ نصفِ ذلك " أخرجه أحمد ومسلم ... (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 240 }
__________
(1) ص 208ج3 – الفتح الربانى . وص 172ج4 نووى .(1/203)
فإنه يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الأخريين بأزيد من الفاتحة ، لأنها سبع آيات فقط (وقال) أبو عبد الله الُّبابحى : قدِمتُ المدينة فى خلافه أبى بكر الصديق فصليتُ وراءه المغرب فقرأ فى الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورةٍ سورة من قِصار المفصّل ثم قام فى الثالثةِ فدنوتُ منه حتى إنّ ثيابى تكاد تمسّ ثيابهَ فسمعتُه قرأ بأمّ الكتاب وبهذه الآية { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ } أخرجه مالك(1)( وقال ) مالك : تكره السورة فى غير الأوليين لأن عمر كتب إلى شُريح أن اقرأ فى الركعتين الأوليين بأمّ الكتاب وسورة ، وفى الأخريين بأمّ الكتاب . ذكره ابن قدامه(2). ولمالك الجواب عن حديث أبى سعيد بأنه من باب التقدير والتخمين وليس نصا فى قراءة زائد على الفاتحة فى الأخريين ؛ لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم كان يبالغ فى ترتيلها حتى يخيل لمن خلفه أنه قرأ زائداً عليها ( قال الأبىّ ) فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوّل السورة حتى تكون أطول من أطول منها أهـ ويجاب عن قراءة أبى بكر آية { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } بأنه قراها بقصد الدعاء لا التلاوة .
هذا . والظاهر ما ذهب إليه الأوّلون من عدم كراهة قراءة ما زاد على الفاتحة فى الأخريين . بل هو مباح عملا بالحديثين ، بحمل حديث أبى قتادة على الكثير من أحواله صلى الله عليه وسلم . ويحمل حديث أبى سعيد على النادر القليل .
__________
(1) ص 150ج1 – زرقانى ( القراءة فى المغرب و العشاء ) .
(2) ص 618ج1 – مغنى ( ما يقرأ بعد الفاتحة ) .(1/204)
هذا . ويجوز قراءة سورتين بعد الفاتحة ( لقول ) أنس رضى الله عنه " كان رجل من الأنصار يؤمُّهم فى مسجد قباء ، فكان كلما افتتح سورةً يقرأ بها لهم فى الصلاة – مما يقرأ به – افتتح بقل هو الله أحمد حتى حتى يفرغَ منها. ثم يقرأُ سورةً أخرى معها . فكان يصنع ذلك فى كل ركعة . فلما أتاهم النبى صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر . فقال : " وما يَحمِلك على لزوم هذه السورةِ فى كل ركعة ؟ قال : إنى أحبها . قال . حُبك إياها أدخلك الجنة " أخرجه البزار والبيهقى والطبرانى والترمذى ، وقال حسن غريب.وأخرجه البخارى مطولا(1){241 }
... ( ولقول ) عبد الله بن شقيق : " قلت لعائشة رضى الله عنها هلْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السُّور فى ركعة ؟ قالت من المفضَّل " أخرجه أحمد والبيهقى بسند جيد(2) ... ... ... { 242 }
... ( ولقول ) ابن مسعود : " لقد عرفتُ النظائرَ التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْرِن بينهن فذكَر عشرين سورة من المفصّل : سورتين فى كل ركعة " أخرجه الشيخان والنسائى(3) ... ... { 243 }
... ولإطلاق هذه الأحاديث قال الحنفيون والثورى والشافعى وأحمد فى رواية بجواز الجمع بين السورتين فى كل ركعة فى الفرض وغيره .
__________
(1) ص 62ج2 – بيهقى ( إعادة سورة فى كل ركعة ) وص 174ج2 – فتح البارى ( الجمع بين السورتين فى ركعة ) و ( الرجل ) كلثوم بن هدم " بكسر فسكون " من بنى عمرو بن عوف و ( افتتح الخ ) أى كان يقرأ بعد الفاتحة فى كل ركعة قل هو الله أحمد ثم سورة أخرى ، وليس المراد أنه ترك الفاتحة مفتتحا بقل هو الله أحمد .
(2) ص 211ج3 – الفتح الربانى ( قراءة سورتين ... فى ركعة .. ) وص 60 ج2 – بيهقى و ( المفصل ) السبع الأخير من القرآن .
(3) ص 175 ج2 – فتح البارى ( الجمع بين السورتين فى ركعة .. )(1/205)
... ( وقالت ) المالكية : باستحبابه فى النفل وكراهته فى الفرض . وهو رواية عن أحمد ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقتصر فى الفرض على سورة ، وأمر معاذا أن يقرأ فى صلاته كذلك ( وأجيب ) بأن الأحاديث السابقة مطلقة فى الفرض وغيره . واقتصاره صلى الله عليه وسلم على سورة فى الركعة فى أكثر أحواله لا ينافى مشروعية الجمع بين السورتين فى ركعة . فالراجح الأوّل ويؤيده قول نافع : ربما أمّنا ابن عمر بالسورتين والثلاث فى الفريضة . أخرجه أحمد والبيهقى بسند رجاله رجال الصحيح(1)
... ( فائدة ) يجوز بلا كراهة عند أحمد قراءة سورة فى ركعة وإعادتها فى الثانية وهو مشهور مذهب الحنفيين ( لما روى ) معاذ بن عبد الله أنّ رجلا من جُهَينةَ أخبره أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الصبح إذا زُلزلت الأرض فى الركعتين كِلتيهما . فلا أدى أنِسىَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ ذلك عمدا ؟ أخرجه أبو داود بسند رجاله رجال الصحيح(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 244 }
... ( وظاهر ) كلام الشافعية أنه خلاف الأولى ( وقالت ) الحنفيون وزيد بن على : يجب قراءة الفاتحة فى الأوليين من المكتوبة . ولا تتعين فى الأخريين ، بل إن شاء قرا وإن شاء سبّح بقدرها أو ثلاث تسبيحات أو سكت على الصحيح .
... وقال بعض الحنفيين : القراءة فيما بعد الأوليين واجبة . وعلى كل فلو قرأ فى الأخريين فقط أو فى إحدى الأوليين ساهيا ، لزمه سجود السهو ، وإن فعل ذلك عامدا أثم ولزمه إعادة الصلاة ( وقالت ) الأئمة الثلاثة : القراءة فرض فى كل ركعات الصلاة على ما تقدم بيانه فى بحث القراءة .
... (4) ويجب عند الحنفيين تقديم السجدة الثانية على ما بعدها وهو فرض عند غيرهم على ما تقدم بيانه فى بحث الترتيب .
__________
(1) ص 212ج3 – الفتح الربانى . وص 60ج2 – بيقهى ( الجمع بين سورتين فى ركعة ) .
(2) ص 239ج5 – المنهل العذب ( الرجل يعيد سورة واحدة فى الركعتين ) .(1/206)
... ( 5 ، 6 ، 7 ) ويجب – عند النعمان ومحمد بن الحسن – الرفع من الركوع ، والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيهما وفى الأركان حتى تسكن مفاصله وقال أبو يوسف وباقى الأئمة ما ذكر فرض على ما تقدّم فى بحث الأركان .
... (8) ويجب – عند الحنفيين وأحمد – القعود الأول(1)ولو فى نفل على غير مأموم قام إمامه عنه سهوا ، لأنّ النبى صلى الله عليه وسلم فعله وداوم على فعله وأمر به . ولم يكن فرضا ( لحديث ) ابن بُحَيْنَةَ أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فقام فى الركعتين فسبحوا فمضى . فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين صم لم " أخرجه النسائى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 245 }
سبحوا له فلم يرجع ، فلو كان فرضا لرجع ( وقالت ) المالكية والشافعية وجمهور العلماء : إنه سنة يجبر بسجود السهو مطلقا عند الشافعية ، وإن ترك سهوا عند المالكية لأن النبى صلى الله عليه وسلم تركه ولم يرجع إليه وقد سبح له الصحابة فمضى فى صلاته حتى فرغ . وتابعه الصحابة ، ولم ينكر عليهم متابعته فى الترك . بل جبره بسجود السهو . ولا خلاف فى الواقع لأنّ من قال بوجويه يرى أن الواجب كالسنة المؤكدة التى قال بها الجمهور .
(9) قراءة التشهد : هو واجب عند الحنفيين فى كل قعود ، وعند الحنبلية فى القعود الأول لمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم عليه ، وسنة عند المالكية فى كل قعود . وعند الشافعة فى القعود غير الأخير يجبر بسجود السهو مطلقا ، لما تقدم فى القعود الأول ، وركن عندهم وعند الحنبلية فى القعود الأخير . وتقدم بيان ألفاظ التشهد .
(
__________
(1) المراد بالأول غير الأخير ، ليشمل ما إذا صلى أكثر من أربع فى النفل بتسليمه واحدة ، وما إذا قعد فى الفرض أكثر من قعودين كالمسبوق بثلاث فى الرباعية .
(2) ص 176ج1 – مجتبى ( ترك التشهد الأول ) و ( ابن ماجه ) عبد الله بن مالك . وبحينة والدته على المشهور .(1/207)
10) ويحب التسليمتان عن الحنفيين وهما فرض فى المشهود عن أحمد وتقدم بيانه فى بحث السلام .
(11) يجب على الإمام عند الحنفيين الجهر بقدر ما يُسمع المأمومين فيما جهر فيه النبى صلى الله عليه وسلم ؛ وهو صلاة الصبح والجمعة والأوليان المغرب والعشاء ، وصلاة العيدين والتراويح والوتر فى رمضان ، للمواظبة على ذلك . أما المنفرد والمتنفل ليلا فيخير بين الإسرار والجهر وهو أفضل(1)( لحديث ) أبى قتادة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هو بأبى بكر يصلى يَخِفض من صوته . ومرّ بعمر بن الخطاب وهو يصلى رافعاً صوتهَ .
فلما اجتمعا عند النبى صلى الله عليه وسلم قال : يا أبا بكر مررتُ بك وأنت تصلى تَخِفض صوتَك . قال أسمعتُ من ناجيتُ يا رسول الله . وقال لعمر مررتُ بك وأنت تصلى رافعاً صوتَك . فقال يا رسول الله أوقِظ الوَسْنان وأطرُد الشيطان . فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر ارفَع من صوتك . وقال لعمر اخِفض من صوتك شياَ " أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم(2) ... ... ... ... ... ... { 246 }
( وأقل ) الجهر عندهم إسماع من ليس بقربه ، فلو أسمع رجلا أو رجلين لا يكفى ( وأعلاه ) فى حق الإمام إسماع الكل . والأولى ألا يجهد نفسه بالجهر فإن سماع بعض القوم يكفى . ولا يستحب للمرأة الجهر بالقراءة فى الصلاة الجهرية دفعا للفتنة وإن كان الأصح أن صوتها ليس بعورة .
(
__________
(1) يباح له الجهر ما لم يهوش على نائم أو مصل آخر ، وإلا حرم الجهر إجماعا لحديث فروة بن عمرو البياض أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علمت أصواتهم بالقراءة فقال : إن المصلى يناجى ربه عز وجل فلينظر ما يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن . أخرجه مالك واحمد بسند صحيح ( انظر ص 202 ج3 – الفتح الربانى ) .
(2) ص 258ج7 – المنهل العذب ( رفع الصوت بالقراءة فى صلاة الليل ) ( والوسنان ) النائم نوما خفيفاً .(1/208)
12) ويجب عند الحنفيين الإسرار على كل مصل فى محل الإسرار .وهو صلاة الظهر والعصر والثالثة من المغرب والأخريان من العشاء ، وصلاة الكسوف والاستسقاء ونفل النهار . وهو واجب على الإمام اتفاقا وعلى المنفرد فى الأصح ، لمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك .
( وأقل ) السر إسماع نفسه أو من بقربه . أما مجرد حركة اللسان ولو مع تصحيح الحروف فلا يكفى على الأصح .
( وقالت ) المالكية والشافعية والحنبلية : يسنّ الجهر بالقراءة للأمام والمنفرد فى صلاة الصبح والجمعة وأولى المغرب والعشاء . ولا فرق فى ذلك بين القضاء والأداء ( وعن ) أحمد أن المنفرد يخير بين الجهر وعدمه فيما ذكر . وكذا م فاته بعض الصلاة فقام ليقضيه .
ويسنّ الإسرار لكل مصل فيما عدا ذلك من الفرائض الخمس ، لأن ذلك هو المأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعده إلى اليوم . فإن جهر فى موضع الإسرار أو أسر فى موضع الجهر فقد ترك السنة . ومن نسى فجهر فى موضع الإسرار ثم تذكر بنى على قراءته ولا شئ عليه مطلقا عند الشافعية والحنبلية . وكذا عند المالكية إن جهز بآيتين فقط . وإن جهر بأكثر وتذكر قبل أدنى الركوع أعاد القراءة على الوجه المسنون وسجد للسهو . وإن أسرّ فى موضع الجهر مضى فى قراءته عند الشافعية والحنبلية مطلقا . ( وقالت ) المالكية بالتفصيل السابق قيما إذا جهر فى موضع الإسرار . (وقال) بعض الحنبلية يعود إليها جاهراً ليأتى بها على الوجه المستحب .
أما الجهر والإسرار فى النوافل ، فذهبت الشافعية والحنبلية إلى أنه يسنّ الجهر فى صلاة العيد وخسوف القمر والاستسقاء والتراويح ووتر رمضان .(1/209)
وكذا ركعتا الطواف ليلا أو وقت الصبح عند الشافعية . ويسنّ الإسرار فى غير ما ذكر إلا النفل المطلق ليلا فيتوسط فيه بين الجهر والإسرار عند الشافعية ( وقالت ) المالكية : يندب الجهر فى النوافل الليلية والسر فى النوافل النهارية إلا ماله خطبة كالعيد والاستسقاء فيندب الجهر فيه .
هذا . وعند المالكية اقل جهر الرجل إسماع من يليه ولا حدّ لأكثره . وأقل سره حركة اللسان . وأعلاه إسماع نفسه . وجهر المرأة إسماع نفسها . وسرها حركة لسانها على المعتمد . وعند الشافعية والحنبلية أقل الجهر إسماع من يليه ولو واحدا . وأقل السر إسماع نفسه حيث لا مانع . ولا تجهر المرأة بحضرة أجبنى .
(13) يجب عند النعمان القنوت فى ثالثة الوتر قبل الركوع فى كل السنة ، ( لحديث ) أبىِّ بن كعبٍ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُوتِر فيقنُت قبل الركوع . أخرجه ابن ماجه . وعند النسائى : كان يُوتِر بثلاث وَيقنُت قبل الركوع(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 247 }
( وقال ) الصاحبان وأحمد : القنوت فى الوتر سنة . ورجحه ابن الهمام . وليس فيه دعاء معين ( فقد ) روى فيه أدعية مختلفة يأتى بعضها فى مبحث الوتر إن شاء الله تعالى ( وقالت ) الشافعية : يسنّ القنوت فى وتر النصف الثانى من رمضان ، ومشهور مذهب مالك عدم مشروعية القنوت فى الوتر كما يأتى بيانه .
(14) يجب عند الحنفيين الخروج من الصلاة بفعل اختيارى مناف لها بعد تمام فرضها على الصحيح . وقيل إنه فرض عند النعمان ( وقالت ) الأئمة الثلاثة يفترض الخروج منها بالسلام على ما تقدم بيانه فى بحث السلام .
(ب) واجبات الصلاة عند الحنبلية ثمانية :-
(
__________
(1) ص 186ج1 – ابن ماجه ( القنوت قبل الركوع وبعده ) . وص 248 ج1 – مجتبى ( ذكر اختلاف ألفاظ .. خبر أبىّ .. )(1/210)
1) تكبيرات الانتقال : هى واجبة عند الظاهرية . ورواية عن أحمد ( لقول ) أبى هريرة : " كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبِّر حين يقومُ ثم يكبر حين يركع ، ثم يقولُ سَمِع اللهُ لمن حَمِدَهُ حين يرفعُ صُلبَه من الركعة . ثم يقولُ وهو قائم ربّنا لك الحمدُ قبل أن يسجدَ : " ثم يكبر حين يّهْوِى ساجداً ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يهوى ساجداً ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعلُ ذلك فى الصلاة كِّلها حتى يقضِيَها ويكبر حين يقومُ من اللتين بعد الجلوس " أخرجه أحمد والشيخان(1) ... ... ... ... ... { 248 }
( ولقول ) ابن مسعود رضى الله عنه : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر فى كل خفض ورفع وقيام وقعود . وأبو بكر وعم ر" أخرجه الترمذى ، وقال حسن صحيح(2) ... ... ... { 249 }
ويجب عندهم أن يكون التكبير بين الانتقال إلى الركن والانتهاء منه . فلو ابتدأ التكبير قبل انتقاله كأن يكبر للركوع أو السجود قبل هُويّه إليه أو كمّل التكبير بعد انتهائه لم يجزئه ، لأنه لم يأتى به فى محله ، فأشبه من تعتمد قراءته راكعا ، أو أخذ فى قراءة التشهد قبل قعوده ( قال ) الشيخ منصور الحنبلى : وهذا قياس المذهب . ويحتمل أن يُعفى عن ذلك لأن التحرز يعسُر ، والسهو به يكثر ، ففى الإبطال به والسجود له مشقة أهـ(3). واستثنوا تكبيرة مأموم أدرك إمامه راكعا فقالوا : إنها سنة للاجتزاء عناه بتكبيرة الإحرام .
(
__________
(1) ص 247ج3 – الفتح الربانى . وص 184ج2 – فتح البارى ( التكبير إذا قام من السجود ) . وص 97ج4 – نووى ( التكبير فى كل خفض ورفع .. )
(2) ص 218ج1 – تحفة الأحوذى ( التبكير عند الركوع و السجود ) .
(3) ص 256ج1 – كشاف القناع ( واجبات الصلاة ) .(1/211)
وقال)النووى فى شرح حديث أبى هريرة(1)هذا دليل على مقارنة التكبير لهذه الحركات وبسطه عليها. فيبدأ بالتكبير حين يشرع فى تسبيح الركوع.ويبدأ فى قوله سمع الله لمن حمده حين يشرع فى الرفع من الركوع ويمده حتى ينتصب قائما.ثم يشرع فى ذكر الاعتدال وهو ربنا لك الحمد إلى آخره ويبدأ بالتكبير حين يشرع فى الهُوىّ إلى السجود.ويشرع فى التكبير للقيام من التشهد الأول حين يشرع فى الانتقال ويمده حتى ينتصب قائما أهـ(2)
( وقال ) الصنعانى : ظاهر قوله يكبر حين كذا وحين كذا ن أن التكبير يقارن فى هذه الحركات . فيشرع فى التكبير عند ابتدائه الركن . وأما القول بأنه يمدّ التكبير حتى يتم الحركة فلا وجه له . بل يأتى باللفظ من غير زيادة على أدائه ولا نقصان منه(3)وعلى تسليم ما قاله النووى فى مدّ التبكير إلى انتهاء حركات الانتقال ، فينبغى للمصلى أن يسرع بحركات الانتقال ويراعى عدم مد لفظ الجلالة أزيد من حركتين ، فإنه مد طبيعى ( وقد ) اتفق القراء على أنه لا يجوز مدّه أزيد من حركتين خلافاَ لما يفعله بعضهم من مبالغتهم فى هذا المدّ إلى نحو ست حركات أو أكثر . ( وقالت ) المالكية : لا يكبر للقيام من اثنتين حتى يستقل قائما لأنه كمفتتح صلاة جديدة . لكن الحديث يردّه . ( وقال ) الحنفيون ومالك والشافعى والجمهور : تكبير الانتقال سنة وهو رواية عن أحمد ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يعلّمه المسئَ صلاته ، ولو كان واجبا ما ترك بيانه ، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة
هذا . وحكمه مشروعية التكبير فى كل خفض ورفع أن المصلى مأمور بنية الصلاة مقرونة بالتكبير . ومن حقه استصحاب النية إلى آخر الصلاة . فأمر بتجديد العهد فى أثنائها بالتكبير الذى هو شعرا النية .
(
__________
(1) تقدم رقم 248 ص 193 .
(2) ص 99ج4 – شرح مسلم .
(3) ص 209ج1 – سبل السلام ( حكم تكبير الانتقال ) .(1/212)
وحكى ) الطحاوى أن بنى أمية كانوا يتركون التكبيرة فى الخفض دون الرفع . وما هذه بأول سنة تركوها .
( 2 ، 3 ) قال أحمد وإسحاق بن رَاهَويْه : التسبيح فى الركوع والسجود واجب على الذاكر العالم ، فإن تركه عمدا بطلت صلاته وإن سهوا أو جهلا لا تبطل ويجبر بسجود السهو ( وقال ) داود الظاهرى إنه واجب مطلقا .
فلا يجبر بالسجود لو نسيه . وأشار الخطابى فى معالم السنن إلى اختياره ، ( لقول ) عقبة بن عامر رضى الله عنه : لما نزلت { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } قال : اجعلوها فى سجودكم . أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والدرامى والحاكم بسند جيد(1) ... ... ... ... ... ... ... { 250 }
( ولحديث ) عون بن عبد الله عن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا ركع أحدكم فليقل ثلاثَ مراتٍ : سبحان ربَى العظيم " . وذلك أدناه ، وإذا سجد فليقل : سبحان ربَى الأعلى ثلاثا . وذلك أدناه . أخرجه الأربعة والنسائى . وقال أبو داود : هذا مرسل . عونُ لم يدرك عبد الله .
وقال الترمذى : ليس إسناده بمتصل(2) ... ... ... ... ... ... ... { 251 }
( والواجب ) تسبيحة واحدة عند أحمد ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بالتسبيح فى حديث عقبة ولم يذكر عددا . فدل على أنه يجزئ أدناه ؛ وأدنى الكمال ثلاث لقوله فى حديث ابن مسعود ( وذلك أدناه ) ذكره ابن قدامة(3)( وقال ) الترمذى : والعمل على هذا عند أهل العلم . يستحبون أن لا ينقص الرجل فى الركوع والسجود عن ثلاث تسبيحات أهـ .
(
__________
(1) ص 261ج3 – الفتح الربانى . وص 314ج5 – المنهل العذب ( ما يقول الرجل فى ركوعه وسجوده و ( اجعلوها فى ركوعكم الخ ) أى قولوا فى الركوع سبحان ربى العظيم . وفى السجود سبحان ربى الأعلى .
(2) ص 334ج5- المنهل العذب ( مقدار الركوع والسجود ) وص 149ج1 – ابن ماجه . وص 224ج1 – تحفة الأحوذى ( التسبيح فى الركوع والسجود ) و ( عون بن عبد الله ) ثقة أخرج له مسلم .
(3) ص 546ج1 مغنى .(1/213)
وقال ) أبو مطيع البلخى الحنفى : يفترض التسبيح ثلاثا . وقال فى الحلية : الأمر به والمواظبة عليه متظافران على الوجوب . فينبغى لزوم سجود السهو أو الإعادة لو تركه ساهياً أو عامداً . ووافقه العلامة الحلبى فى شرح المنية . ذكره ابن عابدين . وقال : والحاصل أن فى تثليث التسبيح فى الركوع والسجود ثلاثة أقوال عندنا . أرجحها من حيث الدليل الوجوب تخريجا على القواعد المذهبية . فينبغى اعتماده أهـ(1). ( وقال ) الجمهور : التسبيح فى الركوع والسجود سنة وليس بواجب . وهو مشهور مذهب الحنفيين ورواية عن أحمد ، لأن النبى صلى الله لعيه وسلم لم يعلمه المسئ صلاتَه ، ولو كان واجبا لذكره له . فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فدل ذلك على أن الأمر الوارد بالتسبيح فى الركوع والسجود للاستحباب .
( وأجاب ) الأولون بأنه إنما يلزم ذلك إن لم يكن للصلاة واجب لم يذكر فى حديث الأعرابّى وليس كذلك . بل تعيين الفاتحة وضم السورة أو ثلاث آيات ليس مما علمه الأعرابى بل ثبت بدليل آخر فلم لا يكون هذا كذلك ؟ ذكره ابن عابدين(2).
هذا . والحكمة فى تخصيص الركوع بالعظيم والسجود بالأعلى ، أن السجود لما كان غاية فى التواضع لما فيه من وضع الجبهة التى هى أشرف الأعضاء على موطئ الأقدام ، كان أفضل من الركوع. فحسن تخصيصه بما فيه صيغة أفعل التفضيل وهو الأعلى .
( فائدة ) لا بأس بزيادة وبحمده فى تسبيح الركوع والسجود . ( روى ) حُذَيفُة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول فى ركوعه سبحان ربى العظيم وبحمده ثلاثا . وفى سجوده سبحان ربى الأعلى وبحمده ثلاثا . أخرجه الدار قطنى وفيه محمد بن أبى ليلى ضعيف .(3) ... ... ... ... ... ... { 252 }
(
__________
(1) ص 365ج1 – رد المحتار ( صفة الصلاة ) .
(2) ص 365ج1 – رد المحتار ( صفة الصلاة ) .
(3) ص 130- الدار قطنى .(1/214)
وقال ) ابن مسعود : من السنة أن يقول الرجل فى ركوعه سبحان ربى العظيم وبحمده . وفى سجوده سبحان ربى الأعلى وبحمده . أخرجه الدار قطنى وفى سنده السرى ابن إسماعيل وهو ضعيف(1). ( وقال ) عقبة بن عامر رضى الله عنه : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال : سبحان ربى العظيم وبحمده ثلاثا . وإذا سجد قال : سبحان ربى الأعلى وبحمده ثلاثا . أخرجه أبو داود .
وقال : وهذه الزيادة نخاف أن لا تكون محفوظة(2) ... ... ... ... ... { 253 }
وهذه الروايات وإن كانت ضعيفة ، فلا مانع من الأخذ بها لأنه يقوى بعضها بعضا ( وعن ) أحمد أنه قال: أما أنا فلا أقول وبحمده . وحكاه ابن المنذر عن الشافعى والحنفين .
( تتميم ) قوله فى حديث ابن مسعود(3)( وذلك أدناه ) أى أدنى التمام .
فمن نقص عن ثلاث لا يكون آتيا بالسنة ، وقيل هو أدنى ما يجزئ فى الركوع والسجود . والجمهور على الأول فأفل ما يجزئ عندهم قدر تسبيحة واحدة كاملة ، وأقل الكمال ثلاث .
( قال ) الإمام أحمد فى رسالته : جاء عن الحسن البصرى أنه قال : التسبيح التام سبع . والوسط خمس . وأدناه ثلاث(4). وأعلاه عشر تسبيحات ( لقول ) أنس بن مالك : " ما صليتُ وراء أحد بعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبهَ صلاةٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى " يعنى عمر ابن عبد العزيز " قال فحزّرنا فى ركوعه عشْرَ تسبيحات ، وفى سجوده عشْرَ تسبيحات " أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود(5) ... ... { 254 }
(
__________
(1) ص 130- الدار قطنى .
(2) ص 316ج5 – المنهل العذب ( ما يقول الرجل فى ركوعه وسجوده ) .
(3) تقدم رقم 251ص 196 .
(4) ص 546ج1 – مغنى .
(5) ص 255ج3 – الفتح الربانى . وص 337ج5 – المنهل العذب ( مقدار الركوع والسجود ) و ( فحزرنا الخ ) أى قدّرنا فى ركوع عمر بن عبد العزيز عشر تسبيحات ، وهو بيان لوجه شبه صلاته بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .(1/215)
قال ) الشوكانى : فيه حجة لمن قال إن كمال التسبيح عشر تسبيحات . والأصح أن المنفرد يزيد فى التسبيح ما أراد . وكلما زاد كان أولى . والأحاديث الصحيحة فى تطويله صلى الله عليه وسلم ناطقة بهذا . وكذا الإمام إذا كان المؤتمون لا يتأذّوْن بالتطويل(1). والمختار أن أعلى الكمال لينضبط بعدد . بل يكون التسبيح فى الركوع والسجود على حسب طول القراءة وقصرها ، لأن السنة تَقارُب الأركان .
هذا . ولم يثبت من طريق صحيح اقتصاره صلى الله عليه وسلم على ثلاث تسبيحات فى الركوع والسجود " وأما " حديث السعدى (عبد الله ) عن أبيه أو عمه قال : رمَقْتُ النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته فكان يتمكن فى ركوعه وسجوده قدر ما يقول سبحان الله وبحمده ثلاثا " أخرجه أحمد وأبو داود(2) ... ... ... { 255 }
__________
(1) ص 278 ج2 نيل الأوطار ( الذكر فى الركوع والسجود ) .
(2) ص 255ج3 – الفتح الربانى . وص 533ج5 – المنهل العذب ( مقدار الركوع والسجود ) وقد ورد فى هذا أحاديث فيها مقال ( منها ) حديث أبى بكرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم . كان يسبح فى ركوعه سبحان ربى العظيم ثلاثا وفى سجوده سبحان ربى الأعلى ثلاثا . أخرجه الطبرانى فى الكبير والبزار وقال : لا نعلمه روى عن أبى بكره إلا بهذا الإسناد ( وحديث ) جبيرين مطعم رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول فى ركوعه : سبحان ربى العظيم ثلاثا ، وفى = سجوده سبحان ربى الأعلى ثلاثا . أخرجه الطبرانى والبزار وقال : لا يروى عن جبير إلا بهذا الإسناد ، وفيه عبد العزيز بن عبد الله . صالح ليس بالقوىّ . انظر ص 128 ج2 – مجمع الزوائد ( ما يقول فى ركوعه وسجوده ) .(1/216)
" فلم يثبت " لأن السعدى مجهول العين والحال ( قال ) الحافظ فى التقريب : لا يعرف ولم يسم أهـ . وأبوه أو عمه ليس من مشاهير الصحابة الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم كملازمة أنس والبراء بن عازب وابن عمر وغيرهم ممن ذكروا صفة صلاته صلى الله عليه وسلم وقد قالوا : كان ركوعه وسجوده نحواً من قيامه . ومحال أن يكون مقدار ذلك ثلاث تسبيحات ( وعلى ) فرض ثبوت الحديث ، فلعله صلى الله عليه وسلم خفف مرة لعارض فشهده عمّ السعدى أو أبوه فأخبر به ( إذا علمت ) هذا تعلم أن صلاة غالب أهل الزمان غير صحيحة . فإنهم لا يطمئنون ولا مقدار تسبيحة فى أركان الصلاة كما هو مشاهد . ولذا قال الإمام أحمد رحمه الله مخاطباً ابنه عبد الله : وأمر يا عبد الله الإمام أن يهتم بصلاته ويتمكن – ليتمكنوا " يعنى المأمومين " – إذا ركع وسجد . فإنى صليت يومئذ فما تمكنت من ثلاث تسبيحات فى الركوع ، ولا ثلاث فى السجود . وذلك لعجلته لم يُمكن ولم يتمكن وعجِل فأعجل ، فأعلمه أن الإمام إذا أحسن الصلاة كان له أجر صلاته وأجر من يصلى خلفه (وجاء) الحديث عن الحسن البصرى أنه قال : التسبيح التامّ سبع والوسط خمس وأدناه ثلاث تسبيحات . فلا ينبغى له أن يعجَل بالتسبيح ولا يسرع فيه ولا يبادر ولكن بتمام من كلامه وتؤدة وتمكّن . فإنهن إذا عجل بالتسبيح وبادر به لم يدرك من خلفه التسبيح وصاروا مبادرين إذا بادر وسابقوه ففسدت صلاتهم . وكان عليه مثل وزرهم جميعا . وإذا لم يبادر الإمام وتمكن وأتمّ كلامة وتسبيحه أدرك من خلفه ولم يبادروا . فيكون الإمام قد تضمن ما عليه وليس عليه إثم ولا وزر(1).
__________
(1) ص 11 كتاب الصلاة للإمام أحمد .(1/217)
الذكر فى الركوع والسجود : قد ورد فى ذك أحاديث غير ما تقدم ( منها ) حديث عائشة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول فى ركوعه وسجوده : " سُبوَّح قُدوس ربُ الملائكة والرُّوح " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 256 }
( وحديث ) عَوفِ بن مالك الأشجعى قال : " قمتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً فقام فقرأ سورةَ البقرة ، لا يمرّ بآية رحمة إلا وقف فسال ، ولا يُمر بآية عذاب إلا وقف فتعوّذ . ثم ركع بقدر قيامه يقولُ فى ركوعه : سبحان ذى الجَبروت والملَكوت والكِبْرياء والعظمة . ثم سجد بقدر قيامه . ثم قال فى سجوده مثل ذلك (الحديث) أخرجه أبو داود وكذا النسائى مختصراً(2) ... ... ... ... ... ... { 257 }
( ومنها ) حديث عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثِر أن يقولَ فى ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لى " أخرجه السبعة إلا الترمذى(3) ... ... ... ... { 258 }
(
__________
(1) ص 262ج3 – الفتح الربانى وص 204ج4 – نووى ( ما يقال فى الركوع والسجود ) وص 160ج1 – مجتبى ( الذكر فى الركوع ) وص 318ج5 – المنهل العذب . و ( سبوح ) بالرفع خبر لمبتدأ محذوف ، أى أنت سبوح ( قدوس ) أى مبرأ من النقائص والشريك مطهر من كل ما لا يليق بالإلهية ( والروح ) هو جبريل ، وقيل ملك عظيم .
(2) ص 319ج5 – المنهل العذب . و ص 161ج1 – مجتبى ( الذكر فى الركوع ) .
(3) ص 263ج3 – الفتح الربانى . وص 191ج2 – فتح البارى ( الدعاء فى الركوع ) وص 201 ج4 – نووى . وص 325ج5 – المنهل العذب . وص 160ج1 – مجتبى ( الذكر فى الركوع ) وص 149ج1 – ابن ماجه ( التسبيح فى الركوع والسجود ) .(1/218)
وحديث ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول فى سجوده : " اللهم اغفر لى ذنبى كله دِقه وِجُله وأوله وآخره وعلانيته وسره " . أخرجه مسلم وأبو داود(1) ... ... ... ... { 259 }
( وحديث ) عائشة قالت : فقدتُ النبى صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة فلمستْه فى المسجد فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان وهو يقول : " أعوذ برضاك من سخط ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك . لا أحصى ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " . أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى(2) ... ... { 260 }
( وقالت ) فقدت النبى صلى الله عليه وسلم من مصجعه فلمسته بيدى فوقَعَتْ عليه وهو ساجد وهو يقول : " رب أعطِ نفسى تقواها ، زَكِّها أنت خير من زكاها،أنت وليها ومولاها . أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات(3){261}
(
__________
(1) ص 201ج4 – نووى . وص 326ج5 – المنهل العذب ( الدعاء فى الركوع والسجود ) و ( دقه وجله ) بكسر أولهما وبضم الجيم أيضا ، أى صغيرة وكبيرة ( وأوله وآخره ) أى ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
(2) ص 203ج4 – نووى . وص 326ج5 – المنهل العذب . وص 165ج1 – مجتبى ( الدعاء فى السجود ) و ( أعوذ برضاك ) أى أتحصن بفعل يوجب رضاك من فعل يوجب سخط . والمراد أسألك التوفيق لفعل الطاعات الموجبة لرضاك . وأسألك الحفظ من المعاصى الموجبة لسخط . وأتحصن بعفوك من عقوبتك الناشئة من غضبك . واستعاذ صلى الله عليه وسلم بصفات الرحمة ، لأن رحمة الله تعالى سبقت غضبه ( وأعوذ بك منك ) أى أتحصن برحمتك من عذابك ( لا أحصى ثناء .. ) أى لا أحصى نعمك وإحسانكم والثناء بها عليك لكثرتها فأنت مستحق لأن يثنى عليك ثناء كالثناء الذى أثنيته على ذاتك .
(3) ص 292ج3 – الفتح الربانى ( الدعاء فى السجود ) .(1/219)
وقال ) جابر رضى الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال : اللهم لك ركعتُ وبك آمنتُ ولك أسلمتُ وعليك توكلتُ . أنت ربى خشع سمعى وبصرى ولحمى ودمى وعظمى وعصبى الله رب العالمين . أخرجه النسائى(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 262 }
( وقال ) على رضى الله عنه : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا سجد قال : " اللهم لك سجدتُ ، وبك آمنتُ ، ولك أسلمتُ . سجد وجهى الذى خلقه وصورة فأحسن صورته وشق سمعه وبصره . تبارك الله أحسن الخالقين . ( الحديث ) . أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود(2) ... ... ... ... ... { 263 }
( 4 و 5 ) التسميع والتحمير : قال أحمد : يجب على الإمام والمنفرد أن يقول حال رفعه من الركوع : سمع الله لمن حمده . وعلى كل مصل أن يقول : ربنا ولك الحمد . يأتى به المأموم فى رفعه ، وغيره فى اعتداله .
أما وجوب اقتصار المأموم على التحميد " فلحديث " أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده . فقولوا : اللهم ربنا لك الحمد . فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه " . أخرجه الخمسة وقال الترمذى حسن صحيح(3) ... ... ... { 264 }
(
__________
(1) ص 161ج1 – مجتبى ( نوع آخر ) .
(2) ص 291ج3 – الفتح الربانى . وص 169ج1 – مجتبى . وص 167ج5 – المنهل العذب ( ما تستفتح به الصلاة من الدعاء ) .
(3) ص 192ج2 – فتح البارى ( فضل اللهم ربنا لك الحمد ) وص 128ج4 – نووى ( التسميع والتحميد ) وص 289ج4 – المنهل العذب ( ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع ) وص 162ج1 – مجتبى ( قوله ربنا ولك الحمد ) وص 227ج2 – تحفة الأحوذى .(1/220)
وأما ) وجوب التسمع والتحميد على كل من الإمام والمنفرد " فلحديث " بريدة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " يا بُريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل : سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد ، ملء السمواتِ وملءَ ما شئت من شئ بعدُ . أخرجه الدار قطنى بسند ضعيف(1) ... ... ... { 265 }
وهو عام يشمل الإمام والمنفرد . وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك ( روى ) عبد الله بن أبى أوفى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا رع رأسه من الركوع قال : سمع الله لمن حمده . اللهم ربنا لك الحمد ، ملئ السموات وملئ الأرض، وملئ ما شئت من شئ بعدُ . أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه(2){266}
ولأن ما شرع من القراءة والذكر وغيرهما فى حق الإمام فهو مشروع فى حق المنفرد ( وقال ) النعمان ومالك : يسنّ للإمام التسميع ، وللمؤتم التحميد . وللمنفرد الجمع بينهما . أما الاقتصار الإمام على التسميع والمأموم على التحميد ، فلحديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إنما جَعل الإمام ليؤتم به . فإذا كبر فكبروا . وإذا ركع فاركعوا . وإذا قال سمع الله لمن حمده ، فقولوا : اللهم ربنا ولك الحمد " ( الحديث ) أخرجه الخمسة إلا الترمذى(3) ... ... ... ... { 267 }
__________
(1) ص 278ج2 – نيل الأوطار ( ما يقول فى رفعه من الركوع وبعد انتصابه ) .
(2) ص 192ج4 – نووى ( ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع ) وص 285ج5 – المنهل العذب . وص 148ج1 – ابن ماجه .
(3) ص 133ج4 – نووى ( ائتمام المأموم بالإمام ) وص 330ج4 – المنهل العذب ( الإمام يصلى من قعود ) .(1/221)
فقد جعل التسميع للإمام والتحميد للمؤتم . وأما جمع المنفرد بينهما ، فلحديث بريدة السابق ونحوه ( وقال ) الثورى والأوزاعى وأبو يوسف ومحمد : يقتصر المؤتم على التحميد لما تقدم ويسن للإمام والمنفرد الجمع بينهما لما تقدم ، ولحديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول:" سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ، ثم يقول وهو قائم : ربنا ولك الحمد (الحديث)(1)( وأجابوا ) عن حديثى أبى هريرة السابقين(2)بأن المقصود منهما بيان أن المؤتم يأتى بالتحميد بعد تسميع الإمام يجمع بينهما كما صرح به أبو هريرة وابن أبى أوفى م فعل النبى صلى الله عليه وسلم .
( وقالت ) الشافعية وعطاء : يسنّ الجمع بين التسميع والتحميد لكل مصل لظاهر حديث بربدة السابق(3). ولأنه ذكر يستحب للإمام فيستحب لغيره كالتسبيح فى الركوع وغيره ، ولأن الصلاة مبنية على أن لا يُفتَرّ عن الذكر فى شئ منها ، فإن لم يُقل بالذكرين فى الرفع والاعتدال بقى أحد الحالين خاليا عن الذكر . قاله النووى(4)
( فائدة ) كان النبى صلى الله عليه وسلم يكبر فى كل رفع وخفض حتى فى الرفع من الركوع . وكان أبو بكر الصديق رضى الله عنه جِدّ حريص على حضور الصلاة لأولها خلف النبى صلى الله عليه وسلم فتأخر يوما عن صلاة العصر حتى ظن أنها فاتته . فجاء المسجد فوجد النبى صلى الله عليه وسلم راكعا فحمد الله تعالى لإدراكه الركوع مع النبى صلى الله عليه وسلم ، فنزل جبريل والنبى صلى الله عليه وسلم راكع فأوحى إليه أن قل : سمع الله لمن حمده ، فقالها حال الرفع من الركوع فقال أبو بكر : اللهم ربنا لك الحمد .
__________
(1) تقدم رقم 248 . وص 193 ( تكبير الانقال ) .
(2) تقدم رقم 264 ص 203 ورقم 267 ص 204 .
(3) تقدم رقم 265 ص 203 .
(4) ص 420ج3 – شرح المهذب .(1/222)
ذكر الاعتدال : قد ورد فى هذا عدة أحاديث ير ما تقدم ( منها ) حديث رفاعة بن رافع الزرقى قال : كما نصلى يوما وراء النبى صلى الله عليه وسلم . فلما رفع رأسه من الركعة وقال : سمع الله لمن حمده ، قال رجل وراءه : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه . فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من المتكلم ؟ قال الرجل أنا . قال لقد رأيت بَضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولُ . أخرجه مالك وأحمد والبخارى وأبو داود(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 268 }
(
__________
(1) ص 273ج3 – التفح الربانى . وص 194ج2 – فتح البارى ( فصل اللهم ربنا لك الحمد ) وص 179ج5 – المنهل العذب ( ما تستفتح به الصلاة من الدعاء ) .(1/223)
وحديث ) أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول : " سمع الله امن حمده . اللهم ربنا لك الحمد ملئ السموات ملئ الأرض ، وملئ ما شئت من شئ بعدُ أهلَ والثناءِ والمجد . أحقُّ ما قال العبد – وكلنا لك عبدٌ – لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد . أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 269 }
(
__________
(1) ص 274ج3 – الفتح الربانى . و ص194ج4 – نووى ( ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع ) وص 163ج1 – مجتبى ( ما يقول فى قيامه ذلك ) ص 287 ج5 – المنهل العذب . و ( سمع الله الخ ) يعنى قبل الله حمد من حمده وجازاه عليه . و ( اللهم ) أى يا الله يا ربنا الثناء الجميل ثابت لك . و ( ملء السموات ) بالنصب صفة لمصدر محذوف ، أى أحمدك حمدا لو جسم لملأ السموات والأرض . ويصح رفعه على أنه صفة للحمد و ( أحق ما قال العبد ) بالرفع خبر مبتدأ محذوف ، أى أنت أحق من غيرك بما قاله العبد من الثناء والمجد ، أو هو مبتدأ خبره جمله لا مانع لما أعطيت ، أى أثبت قول قاله العبد : لا مانع لما أعطيت الخ لما فيه من التفويض إلى الله تعالى والاعتراف بوحدانيته ، وأن الحول والقوة والخير وغيره منه تعالى دون غيره . و( الجد ) بفتح الجيم عل الصحيح الغنى . ويطلق على العظمة والحظ ، أى لا ينفع صاحب الغنى من عذابك غناه وغنما ينفعه العمل الصالح . وضبط بكسر الجيم بمعنى الاجتهاد . أى لا ينفع صاحب الاجتهاد منك أجتهاده . وغنما ينفعه التوفيق والرحمة والقبول .(1/224)
فائدة ) قال النووى : ثبت فى الأحاديث الصحيحة ربنا لك الحمد . وربنا ولك الحمد بالواو . واللهم ربنا ولك الحمد . واللهم ربنا لك الحمد وكلها فى الصحيح . قال الشافعى : كله جائز(1)( وقال ) ابن القيم : لم يأت فى حديث صحيح الجمع بين لفظ اللهم وبيم الواو ( وردّ ) بأنه قد ثبت الجمع بينهما فى حديث أنس بلفظ : وإذا قال سمع الله لمن حمده ، فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد "أخرجه البخارى(2).
(6) الدعاء بين السجدتين : المشهور عن أحمد أنه يجب على المصلى أن يقول بين السجدتين : رب اغفر لى . وبه قال إسحاق وداود ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم فعله ( روى ) حذيفة رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين : " رب اغفر لى ، رب اغفر لى " أخرجه النسائى وابن ماجه(3){270}
( وعن ابن عبسا رضى الله عنهما أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين : " اللهم اغفر لى وارحمنى واجْبُرنى واهْدِنى وارزُقْنى"أخرجه الترمذى وأبو داود إلا أنه قال فيه"وعافنى" مكان " واجبرنى " وأخرجه
ابن ماجه بلفظ : كان يقول بين السجدتين فى صلاة الليل:رب اغفر لى واجبرنى وارزقنى وارفعنى(4){271}
__________
(1) ص 418ج3 – شرح المهذب .
(2) ص 394ج2 – فتح البارى ( صلاة القاعد ) وهو عجز حديث أوله : إنما جعل الإمام . ( ولك الحمد ) معطوف على محذوف ، أى ربنا استجب لنا ، أو ربنا حمدناك ولك الحمد . ويحتمل أن تكون الواو زائدة أو للحال .
(3) ص 172ج1 – مجتبى ( الدعاء بين السجدتين ) وص 150ج1 – ابن ماجه .
(4) ص 236ج1 – تحفة الأحوذى . وص 292ج5 – المنهل العذب . ص 150ج1 – ابن ماجه .(1/225)
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلوا كما رأيتمونى أصلى(1)" والأمر للوجوب ( وقال ) الحنفيون ومالك والشافعى والجمهور : الدعاء بين السجدتين مستحب وروى عن أحمد ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسئ صلاته . ولو كان واجباً لبينه ، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة
هذا . وتكريره مستحب . وأدناه ثلاث . والكمال فيه كالكمال فى تسبيخ الركوع والسجود .
(7و 8 ) التشهد الأول والجلوس له : هما واجبان عند أحمد لغير مأموم قام إمامه عند سهوا . وتقدم بيانهما، فى الواجبات عند الحنفيين .
( تنبيه ) قد علم أن الحنفيين وأحمد يفرقون بين الواجب والفرض فى الصلاة ، وأنهم قالوا : إنّ للصلاة واجبات . وخالفهم فى ذلك المالكية والشافعية .
وهناك جدولا يتجلى لك مه حكم ما لم يذكر منها فى جدول الأركان عند الأئمة الأربعة :
المطلوب ... حكمه عند
النعمان ... أحمد ... مالك ... الشافعى
1 قراءة الفاتحة للقادر ... واجب ... ركن ... ركن ... ركن
2 قراءة السورة بعد الفاتحة ... " ... سنة ... سنة ... سنة خفيفة
3 تعيين أولى الفرض للقراءة ... " ... ركن فى الكل لغير مأموم ... ركن لكل مصل
4 تقديم السجدة الثانية على ما بعدها ... " ... ركن ... ركن ... ركن
5 القعود الأول ... " ... واجب ... سنة ... سنة
6 قراءة التشهد ... واجب فى كل قعود ... واجب فى الأول وفرض فى الأخير ... سنة فى الكل ... سنة فى الأول وفرض فى الأخير
7 الجهر فى محله ... واجب على الإمام ... سنة عند الثلاثة للإمام والمنفرد
8 الإسرار فى محله ... واجب على كل مصل ... " " " لكل مصل
9 القنوت فى الوتر ... واجب وسنة عند صاحبيه ... سنة ... غير مشروع ... سنة فى النصف الثانى من رمضان
10 تكبير الانتقال ... سنة ... واجب إلا تكبيرة مأموم أدرك الإمام راكعا ... سنة ... سنة خفيفة
11 التسبيح فى الركوع ... سنة ... واجب فى المشهور مسرة ... مندوب ... سنة خفيفة
12 التسبيح فى السجود ... سنة
13 التسميع ... سنة للإمام والمنفرد ... واجب على الإمام والمنفرد ... سنة للإمام والمنفرد ... سنة خفيفة لكل مصل
__________
(1) تقدم رقم 190ص142 ( القراءة ) .(1/226)
14 التحميد ... سنة للمؤتم والمنفرد ولكل مصل عندهما ... واجب على كل مصل ... مندوب للمقتدى والمنفرد ... سنة خفيفة لكل مصل
15 الدعاء بين السجدتين ... سنة ... واجب ... مندوب ... سنة خفيفة
( الحادى عشر ) سنن الصلاة
السنن جمع سنة . وهى لغة الطريقة ، وشرعا الطريقة المسلوكة فى الدين بقول أو فعل من غير لزوم ولا إنكار على تاركها وليست خصوصية . وهى قسمان ( مؤكدة ) وهى ما واظب عليه النبى صلى الله عليه وسلم بلا إنكار على تاركها ( وغير مؤكدة ) وهى ما تركها النبى صلى الله عليه وسلم أحيانا .
هذا . وسنن الصلاة قسمان : داخل فيها وخارج عنها . فالسنن الداخلة فيها كثيرة : المذكور منها ثلاث وثلاثون .
(1) يسنّ رفع اليدين لافتتاح الصلاة عند الأئمة الأربعة والجمهور . واختلفوا فى كيفيته ووقته ( فقال ) أكثر الحنفيين يرفع الرجل يديه محاذيا بإبهاميه شحمتى أذنيه ، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين ويتمه مع إتمامه لحديث وائِل بن حُجْرٍ أنه أبصر النبى صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتى كانتا بِحيال مَنكِيَه ، وحاذى بإبهاميه أذنية ثم كبر . أخرجه أبو داود والبيهقى(1) ... ... ... ... ... ... { 272 }
والمراد بالمحاذاة أن يمَسّ بإبهاميه شحمتى أذُنيه ( وعن ) أبى يوسف أنه يرفع مع التكبير . واختاره غير واحد م الحنفيين . وهو المشهور عن مالك والشافعى وأحمد ( لحديث ) وائِل بنِ حُجْرٍ أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير . أخرجه البيهقى وأبو داود(2) ... ... ... ... ... ... { 273 }
(
__________
(1) ص 126ج5 – المنهل العذب ( رفع اليدين ) و ص 25ج2 – بيهقى .
(2) ص 26 منه ( رفع اليدين فى الافتتاح ) وص 126ج5 – المنهل العذب .(1/227)
وروى ) أنه يكبر ثم يرفع ( روى ) مالكُ بنُ الحُويرث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا كبّر رفع يديه حتى يُحاذِىَ بهما أذنيه . أخرجه مسلم والبيهقى وقال : ورواية من دلت روايته على الرفع مع التكبير أثبت وأكثر فهى أولى بالاتباع(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 274 }
( ويمكن ) الجمع بين هذه الروايات بأنه صلى الله عليه وسلم فعل كلَّ ذلك .
( وقال ) أحمد وإسحاق : يرفع الرجل يديه حال الإحرام مبسوطة مضمومة الأصابع ، مستقبل القبلة ببطونها إلى حذو منكبيه ( لحديث ) أبى هريرة " أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل فى الصلاة رفع يديه مدًّا " أخرجه أحمد والترمذى بسند لا مطعن فيه(2) ... ... ... ... ... ... ... { 275 }
( ولقول ) ابن عمر رضى الله عنهما " رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاةَ رفع يديه حتى يُحاذِىَ مَنكِبيه " ( الحديث ) أخرجه الجماعة(3) ... ... ... ... ... ... ... { 276 }
(
__________
(1) ص 94ج4 – نووى ( رفع اليدين حذو المنكبين ) وص 27ج2 – بيهقى ( الابتداء بالتكبير قبل الرفع ) .
(2) ص 166ج3 – الفتح الربانى ( رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ) وص 200 ج1- تحفة الأحوذى ( نشر الأصابع عند التكبير ) . و ( مدّا ) مصدر منصوب بفعل مقدر اى يمدّهما مدّا . ويحتمل أن يكون منصوبا برفع لأن الرفع بمعنى المدّ . وأن يكون منصوبا على الحال ، أى رفعه يديه – حال كونه مادّا لهما إلى الرأس .
(3) ص 142ج1 – زرقانى ( افتتاح الصلاة ) وص 166ج3 – الفتح الربانى وص 148ج2 – فتح البارى ( رفع اليدين فى التكبير الأولى ) وص93ج4 – نووى . وص 118ج5 – المنهل العذب . وص 140ج1 – مجتبى . وص 146ج1 ابن ماجه .(1/228)
وقال ) الشافعى : يرفع يديه حال التكبير إلى حَذو منكبيه ناشرا أصابعه مفرّقة مستقبلا ببطون يديه القبلة، لما تقدم ( ولحديث ) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا استفتح أحدُكم الصلاة فلْيرفَعْ يديه ، ولْيستقبل بباطنهما القبلةَ فإن الله أمامه " أخرجه الطبرانى فى الأوسط . وفى سنده عُمير بن عمران . وهو ضعيف(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 277 }
( وقال ) الجمهور : المستحب حال الرفع مدّ الأصابع مضمومة ( وقال ) الغزالى : لا يتكلف ضمَّا ولا تفريقا ، بل يتركهما على حالهما ( وقال ) مالك : يرفع يديه حال التكبير إلى منكبيه جاعلا بطونهما إلى الأرض وظهورهما إلى السماء ( ويجمع ) بين أحاديث الرفع إلى الأذنين وأحاديث الرفع إلى المنكبين بأنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذْر منكبيه بحيث تحاذى أطراف أصابعه أعلى أذنيه ، وإبهاماه شحمتى أذنيه وراحتاه منكبيه. أو أنه صلى الله عليه وسلم فعل هذا تارة وذلك تارة . وصحح الرافعى أنه يبتدئ الرفع من ابتداء التكبير . ولا حدّ لهما فى الانتهاء والكل واسع . والخلاف إنما هو فى الأكمل . وأصل السنة يحصل بأى كيفية وردت لصحة الروايات بكل
( وقال ) داود والأوزاعى وابن خزيمة والنيسابورى وأحمد بن سيَّار : يجب رفع اليدين للتحريمة (وقال) الحافظ : ونقل بعض الحنفية عن أبى حنيفة أنه يأثم تاركه(2). ولا دليل على الوجوب ولا على بطلان الصلاة بالترك .
هذا . والمرأة ترفع يديها حذاء مَنْكِبيها على الصحيح عند الحنفيين لما رواه الخلاّل بإسناده على أم الدرداء وحفصة بنت سيرين أنهما كانتا ترفعان أيديهما . وبه قال الأئمة الثلاثة إلا أن رفعها يكون دون رفع الرجل .
( وعن أحمد ) لا يشرع الرفع فى حقها لأنه فى معنى التجافى ، وهو غير مشروع لها .
__________
(1) ص 102ج2 – مجمع الزوائد ( رفع اليدين فى الصلاة ) .
(2) ص 149ج2 – فتح البارى قبل ( رفع اليدين إذا كبر ) .(1/229)
والحكمة فى شرع رفع اليدين عند الإحرام تعظيم الله تعالى والإشارة إلى استعصام ما دخل فيه وإلى نبذ الدنيا وراءه ، والإقبال بكليته على صلاته ومناجاة ربه ليطابق فعله قوله : الله أكبر ( روى ) البيهقى عن الشافعى رضى الله عنه أن صلى بِجَنْب محمد بن الحسن فرفع الشافعى يديه للركوع والرفع منه فقال له محمد : لَمِ رفعت يديك ؟ قال : إعظاما لجلال الله تعالى واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء لثواب الله تعالى(1).
( 2 ، 3 ) ويسنّ – عند الشافعى وأحمد وإسحاق – رفع اليدين عند الركوع والرفع منه كحال الإحرام (لقول ) ابن عمر رضى الله عنهما : " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة ر فع يديه حتى تكونا حَذو مَنْكِبيه ، ثم كبَّر وهما كذلك فيركع . ثم إذا أراد أن يرفعَ صُلْبَه رفعهما حتى تكونا حذو منكبيه ، ثم قال سمع الله لمن حَمِده . ولا يرفع يديه فى السجود ويرفعهُما فى كل تكبيرة يكبرُها قبل الركوع حتى تنقِضَى صلاتُه " أخرجه أبو داود والدار قطنى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 278 }
(4) ويسن عند الشافعية رفع اليدين عند القيام من ثنتين ( روى ) نافع أن ابن عمر كان إذا دخل فى الصلاة كبَّر ورفع يديه . وإذا ركع رفع يديه . وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه . وإذا قام من الركعتين رفع يديه . ورفع ذلك ابنُ عمر إلى النبى صلى الله عليه وسلم . أخرجه البحارى(3) ... ... ... ... { 279 }
(
__________
(1) ص 309ج3 – شرح المهذب .
(2) ص 122 ج5 – المنهل العذب ( رفع اليدين ) وص 107 – الدار قطنى .
(3) ص 151 ج2 – فتح البارى ( رفع اليدين إذا قام م الركعتين ) .(1/230)
وروى ) علّى بن أبى طالب رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حَذْوَ مَنْكِبيه ويصنعُ مثلّ ذلك إذا قَضى قراءتَه وأراد أن يركع ويصنعُه إذا رفع رأسه من الركوع . ولا يرفع يديه فى شئ من صلاته وهو قاعد . وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر . أخرجه أحمد والأربعة وقال أبو داود . وفى حديث أبى حُمَيْدٍ الساعدِىِّ حين وصف صلاةَ النبى صلى الله عليه وسلم : إذا قام من الركعتين كبَّر ورفع يديه حتى يُحاذىَ بهما مَنكِبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة وصححه أحمد والترمذى(1){ 280 }
( وقال ) صاحب التهذيب : لم يذكر الشافعى رفع اليدين إذا قام من ركعتين . ومذهبه اتباع السنة وقد ثبت ذلك . وقد روى جماعة من الصحابة رفع اليدين فى هذه المواضع الأربعة . منهم على وابن عمر وأبو هريرة وأبو حُميد بحضرة أصحابه وصدقوه كلهم ( أما لقول ) الشيخ أبى حامد فى التعليق : انعقد الإجماع على أنه لا يرفع فى هذه المواضع " فاستدلاله " بالإجماع على نسخ الحديث مرود غير مقبول ولم ينعقد الإجماع على ذلك أهـ بتصرف(2)
(
__________
(1) ص 164 ج3 – افتح الربانى . وص 149ج5 – المنهل العذب . وص 147ج1 – ابن ماجه ( رفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه م الركوع) ولا مفهوم لقوله : المكتوبة إذا النافلة كذلك . ولعله قيد بالمكتوبة نظرا لما رآه ( وهو قاعد ) أى لا يرفع يديه حال الرفع من السجود ولا الهوى إليه . والمراد بالسجدتين الركعتان ، كما فى الروايات الأخرى .
(2) ص 448ج3 – شرح المهذب .(1/231)
واختلفت ) الرواية عن مالك : " فروى ابن القاسم عنه عدم الرفع عند الركوع والرفع منه والقيام من اثنتين. وبه قال الحنفيون والثورى وغيرهم ( لحديث ) البراء بن عازب أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتَح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أُذُنَيه ثم لا يعود " أخرجه أبو داود والدار قطنى والطحاوى والبيهقى . وفى سنده يزيد بن أبى زِاد وهو ضعيف(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 281 }
ولذا اتفق الحفاظ على أن قول " ثم لا يعود " مدرج فى الحديث من يزيد بن أبى زياد . وقد رواه بدونه شعبة والثورى وخالد الطحان وزُهير وغيرهم من الحفاظ ( وقال ) أحمد : لا يصح هذا الحديث ، حديث واه (وقال) البزار : قوله فى الحديث : ثم لا يعود . لا يصح ( وقال ) ابن حزم : إن سح قوله لا يعود دل على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز . فلا تعارض بينه وبين حديث ابن عمر وغيره ( وقال ) ابن مسعود : " صليتُ خَلْفَ النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند الاستفتاح " أخرجه ابن عدىّ والدار قطنى والبيهقى وقالا : تفرّد به محمد بن جابر – وكان ضعيفاً – حماد . وحسنه الترمذى وصححه ابن حزم(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 282 }
__________
(1) ص 155ج5 – المنهل العذب = ( من لم يذكر الرفع عند الركوع ) . وص 110 – الدار قطنى . وص 132ج1 – شرح معانى الآثار . وص 76ج2 – بيهقى ( من لم يذكر الرفع إلا عند الافتتاح ) .
(2) ص 111 – الدار قطنى . وص 79ج2 – بيهقى ( من لم يذكر الرفع إلا عند الافتتاح ) .(1/232)
وتضعيف محمد بن جابر ممونه ( قال ) ابن عدى : كان إسحاق بن أبى إسرائيل يفضل محمدَ بن جابر على جماعة هم أفضل مه وأوثق . وقد رَوى عنه من الكبار : أيوب وابن عوف وهشام بن حسان والثورى وشعبة وابن عيينة وغيرهم . ولولا أنه ف المحل الرفيع لم يَرو عنه هؤلاء ( ومما ) يؤيد مذهب الحنفيين قول سليمان بن الشاذ كونى : سمعتُ سفيانَ بن عُيينة يقول : اجتمع أبو حنيفة والأوزاعى فى دار الحنّاطين بمكة ، فقال الأوزاعى لأبى حنيفة : ما بالكم ل ترفعون عند الركوع والرفع منه ؟ قال أبو حنيفة : لأجل أنه لم يحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شئٌ . فقال الأوزاعى : كيف لم يصحَّ وقد حدثنى الزهرى عن سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا افتتَح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه . فقال أبو حنيفة : حدّتنا حمّاد عن إبراهيم عن علقمةَ والأسودِ عن عبد الله بن مسعود أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرفعُ يديه إلا عند افتتاح الصلاةِ ولا يعود لشئ من ذلك . فقال الأوزاعى : أحدِّثك عن الزهرى عن سالم عن أبيه وتقول : حدثنا حمّاد عن إبراهيم . فقال أبو حنيفة : كان حمّاد افقهَ من الزهرى .. وكان إبراهيمُ أفقهَ من سالم .(1/233)
وعلقمةُ ليس بدون ابن عمر فى الفقه وإن كانت لابن عمرَ صحبهٌ وله فضل صحبته ، فالأسود له فضلٌ كبير . وعبد الله عبد الله . فسكت الأوزاعى . أخرجه الحارثى فى مسنده قال : سليمان الشاذكونى واه مع حفظه إلا أن القصة مشهورة(1)( قال ) ابن الهمام : واعلم أنّ الآثار عن الصحابة والطرق عنه صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا والكلام فيها واسع . والقدر المتحقق بعد ذلك ثبوت كل من الأمرين عنه صلى الله عليه وسلم : الرفع عند الركوع وعدمه . ويترجح ما صرنا إليه بأنه قد علم انه كانت أقوال مباحة فى الصلاة وأفعال من جنس هذا الرفع وقد نسخت . فلا يبعد أن يكون هو أيضاً مشمولا بالنسخ . وتمامه فيه(2)( أقول ) الحق أن ما استدلوا به على عدم الرفع فى غير التحريمة لا تعارض بينه وبين الأحاديث المثبتة للرفع الركوع والرفع منه لأنها متضمنة للزيادة التى لا منافاة بينها وبين المزيد ، وهى مقبولة بالإجماع لسيما وقد نقلها جماعة من الصحابة وافق على إخراجها الجماعة . ولا دليل على نسخ ارفع عند الركوع والرفع منه(3)فالراجح أنه سنه لقوة أدلته ( ومنها ) حيدث ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة يرفع يديه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع . وكان لا يفعل ذلك فى السجود .
__________
(1) ذكره الكمال ابن الهمام وقال : فرجح – أبو حنيفة – بفقه الراوى كما رجح الأوزاعى بعلو الإسناد . وهو المذهب المنصور عندنا . انظ ص 219ج1 – فتح القدير ( صفة الصلاة ) .
(2) ص 219 منه .
(3) أما ما روى . عن أبى عباس أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه كلما ركع وكلم رفع ، ثم صار إلى افتتاح الصلاة وترك ما سوى ذلك. وما روى نحوه عن ابن الزبير " فقد ذكرهما " ابن الجوزى فى التحقيق وقال : وهذان الحديثان لا يعرفان أصلا . وإنما المحفوظ عن ابن عباس وابن الزبير خلاف ذلك ( انظر ص 392 ج1 – نصب الراية ) .(1/234)
فما زالتْ تلك صلاتهُ حتى لقى الله تعالى . أخرجه البيهقى(1)( قال ) ابن المدينى: هذا الحديث حجة على الخلق . كل من سمعه فعليه أن يعلم به لأنه ليس فى إسناده شئ أهـ . وآخر ما روى عن مالك ترك الرفع فى المواطن الثلاثة ( قال ) ابن عبد الحكم : لم يرَو أحد عن مالك ترك الرفع فى غير تكبيرة الإحرام إلا ابن القاسم . والذى نأخذ به الرفع ، لحديث ابن عمر . وهو الذى رواه ابن وهب وغيره عن مالك . ولم يحك الترمذى عن مالك غيره . وقد رواه أيضا عنه أشهب وأبو مصعب وابن مهدى ومحمد ابن الحسن وعبد الله بن يوسف وابن نافع وغيرهم . قال ابن عبد البر : هو الصواب(2)( وقال ) البخارى فى جزء رفع اليدين : من زعم أنه بدعة فقد طعن فى الصحابة لنه لم يثبت عن أحد منهم تركه ولا أسانيد أصح من أسانيد الرفع(3)
(5) ويسنّ – عند الحنفيين والشافعى وأحمد والجمهور – وضع اليمنى على اليسرى حال القيام فى الصلاة ولو حكما كقعود العاجز والقعود فى النفل .
وهو سنة قيام طويل – وما يقوم مقامه – فيه ذكر مسنون فيضع حال الثناء والقراءة والقنوت وبين تكبيرات الجنازة ( لقول ) وائِل بنِ حَجْرٍ : " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم إذا كان قائما فى الصلاة قبض بيمينه على شماله " أخرجه النسائى(4) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 283 }
(
__________
(1) ص 69ج2 – بيهقى ( رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه ) وص 409ج1 – نصب الراية .
(2) ص 143ج1 – زرقانى .
(3) ص 144 منه ( افتتاح الصلاة ) .
(4) ص 141 ج1 – مجتبى ( وضع اليمين على الشمال فى الصلاة ) .(1/235)
واختلفوا ) فى كيفية القبض وموضعه ( فقال ) الحنفيون والثورى وإسحاق وأبو إسحاق المروزى الشافعى : يسنّ القبض بخنصر وإبهام اليمنى على رسغ اليسرى واضعاً باطن كف اليمنى على ظاهر كف اليسرى، مادًّا باقى الأصابع على ساعده . ويضعها الرجل تحت سرته ( قال ) الحجاج بن حسّان : سألت أبا مِجُلز " لاحِقَ بنَ حُميد " كيف يضع ؟ قال يضع باطنَ كفّ يمينه على ظاهر كف شماله ويجعلُهما أسفل عن السُّرة . أخرجه أبو بكر بن أبى شيبة ( وأما ) المرأة فتضع يديها على صدرها ، لأنه أستر لها .
( ومشهور ) مذهب أحمد أنه يسن قبض اليمين على ركوع الشمال وجعلهما تحت السرة ( لقول ) علّى رضى الله عنه : إن من السنة فى الصلاة وضعَ الكف على الكف تحت السرة " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى . وفى سنده عبد الرحمن بن إسحاق عن زيادة بن زيد وفيهما مقال(1) ... ... ... ... ... { 284 }
( وعن ) أحمد أنه يضعهما فوق السرة ( لقول ) وائل بن جُحْر : " صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره " أخرجه ابن خزيمة وصححه(2) ... ... ... { 285 }
( ولقول ) طاوسٍ : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشدّ بينهما على صدره وهو فى الصلاة " أخرجه أبو داود(3) ... ... ... ... ... ... ... { 286 }
__________
(1) ص 171ج3 – الفتح الربانى . وص 163ج5 – المنهل العذب ( وضع اليمينى على اليسرى فى الصلاة . وص 31ج2 – بيهقى .
(2) ص 204ج2 – نيل الأوطار ( وضع اليمين على الشمال ) .
(3) 166ج5 – المنهل العذب ( وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة ) .(1/236)
وهو إن كان مرسلا ، فهو حجة عند أكثر الأئمة مطلقا وعند الشافعى إذا ورد ما يقويه . وقد ورد (روى) قَبيصة بن هُلْبٍ عن أبيه قال : " كان النبى صلى الله عليه وسلم يؤمُّنا فيأخذ شِماله يمينه " أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وحسَّنه(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 287 }
( وعن ) أحمد أيضا أنه مخير فى ذلك ، لن الكل مروىّ عن النبى صلى الله عليه وسلم . والأمر فيه واسع ( وقالت ) الشافعية : يسن للرجل والمرأة وضع بطن كف اليمنى على ظهر كف اليسرى تحت صدره وفوق سرته باسطا أصابع اليمنى على رسغ اليسرى أو على ساعدها لما تقدّم عن وائل عند أبى خُزيمة وعن طاوسٍ(2)(ولقول) جَرير بن عبد الحميد : " رأيت عليا رضى الله عنه يُمْسِك شماله بيمينه على الرُّسْغ فوق السرة " أخرجه أبو داود(3). وهو إن كان من فعل على فهو حجة لأن مثل هذا لا يكون من قبل الرأي . وعلى الجملة فقد صح أن الوضع هو السنة دون الإرسال . وثبت أن محله الصدر أو فوق السرة أو تحتها .
هذا . والحكمة فى هذا الوضع إظهار التضرع والخشوع للواحد المعبود ، والبعد عن العبث ( روى ) أبو حنيفة عن حّمادٍ عن إبراهيم أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتِمد بيمينه على يساره يتواضع بذلك لله عز وجل. أخرجه أبو يوسف ومحمد بن الحسن فى الآثار وابن خسرو(4) ... ... ... ... ... ... { 288 }
(
__________
(1) ص 172د3 – الفتح الربانى . وص 140ج1 – ابن ماجه . وص 213ج1 – تحفة الأحوذى ( وضع اليمنى على الشمال فى الصلاة ) و (هلب)- بضم فسكون – صحابى . وقيل اسمه يزيد بن قنافة الطائى . وهلب لقب .
(2) تقدما رقم 285 و 286 .
(3) ص 164ج5 – المنهل العذب ( وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة ) و ( الرسغ ) بضم الراء وسكون السين ، المفصل بين الساعد والكف
(4) انظر رقم 332 ص 67 آثار أبى يوسف .(1/237)
واختلف ) على مالك فروى ابن القاسم عنه أنه لا بأس به فى النافلة وأنه مكروه فى الفريضة . لكن الأحاديث الصحيحة الكثيرة المتقدمة عامة تشمل الفرض والنفل . ولا دليل على التفرقة . ولذا روى عنه مطرِّف وابن الماجشون وأشهب وغيرهم أنه لا باس به فى الفريضة والنافلة .
( وقال ) ابن عبد البر : لم يأت عن النبى صلى الله عليه وسلم فيه خلاف . وهو قول جمهور الصحابة والتابعين . وذكره مالك فى الموطأ ، ولم يحرك ابن المنذرة وغيره عن مالك غيره(1)أهـ . يشير " إلى حديث " أ[ى حازِم بن دينار عن سهِل بن سعدٍ قال : " كان الناس يؤمَرون أن يضَع الرجلُ اليد اليمنى على ذراعه اليسرى فى الصلاة . قال أبو حازم ل أعلم إلا أنه يَنمى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه مالك وأحمد والبخارى ، وصححه النووى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 289 }
( وعلى الجملة ) فالأحاديث مثبتة لهذه السنة قولا وفعلا وتقريرا . وليس عند من نفاها دليل على أنه صلى الله عليه وسلم سدل يديه أو أمر به . ولم يُرو عن صحابى قط القول به ، إلا رواية ضعيفة عن ابن الزبير . ورواية القبض عنه أصح ( قال ) زُرْعة بن عبد الرحمن : سمعت ابن الزبير يقول : صَفّ القدمين ووضعُ اليد على اليد من السنة . أخرجه أبو داود(3).
(
__________
(1) ص 286ج1 – زرقانى ( وضع اليدين إحداهما على الأخرى فى الصلاة ) .
(2) ص 286 منه . وص 172 ج3 – الفتح الربانى . وص 152ج2 فتح البارى ( وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة ) و " ينمى " كيرمى ، أى يرفع .
(3) ص 158 ج5 – المنهل العذب ( وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة ) .(1/238)
قال ) ابن عبد البر : لم يزل مالك يقبض حتى لقى الله عز وجل أهـ " ما روى " عن مالك من الإرسال وصار إليه بعض أصحابه " فسببه " أن الخليفة المنصور ضربه على يديه فشَلَّت فلم يستطع ضمها إلى الأخرى لافى الصلاة ولا فى غيرها . فرآه الناس يرسل فقالوا : آخر الأمرين من فعل مالك الإرسال ولم يتفطنوا للسبب (ومنه تعلم) أنّ الثابت الصحيح عن مالك القول بسنية قبض اليدين فى الصلاة مطلقا .
( فائدة ) قال الحنفيون : توضع اليمنى على اليسرى بمجرّد الفراغ من التكبير بلا إرسال . وهو الأصح عند الشافعية لما فيه من قلة الحركة فى الصلاة ( وقالت ) الحنبلية : يسن إرسال اليدين عقب الإحرام من غير ذكر لعدم وروده . ثم يقبض لما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يُرسِلُ يديه إذا كبّر . وإذا أراد أن يقرا وضع يده اليمنى على اليسرى . ( وأجاب ) الأولون بأنه على فرض ثبوته ، فالمراد بالإرسال فيه إرسال اليدين إلى الصدر، لا أنه كان يرسلهما ثم يستأنف رفعها . أفاده الحافظ على التلخيص .
((1/239)
6) ويسنّ – عند جمهور العلماء – لكل مصل أن يأتى بدعاء الاستفتاح سرًّا بعد تكبيرة الإحرام بأى صيغة وردت ( والمختار ) عند الحنفيين وأحمد أن يكون بما فى حديث عائشة رضى الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمُك وتعالى جدُّك ولا إله غيرك . أخرجه أبو داود وقال : هذا الحديث ليس بالمشهور . والدار قطنى وقال : ليس بالقوىّ . وأخرجه من عدة طرق موقوفا على عمر ، وقال هو الصواب . وأخرجه الترمذى من طريق حارثة ابن أبى الرِّجال عن عَمْره عن عائشة وقال : لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وحارثة قد تُكلم فيه من قِبَل حفظه(1) ... ... ... ... { 290 }
فالحديث روى من عدّة طرق مرفوعا وفى بعضها مقال ، لكن لكثرتها يقوّى بعضها بعضا ، وروى موقوفا على عمر ، وهو فى حكم المرفوع ، لأن مثله لا يقال من قبل الرأى ، فالحديث قوىّ والعمل به صحيح . وقد أخرج مسلم فى صحيحه أنّ عمر كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ( وروى ) سعيد ابن منصور عن أبى بكر الصديق أنه كان يستفتح به . وكذا رواه الدار قطنى عن عثمان وابن المنذر عن ابن مسعود(2)" واختيار "هؤلاء وجهر عمر به أحياناً بمحضر من الصحابة ليتعلّمه الناس مع أنّ السنة إخفاؤه " يدلّ " على أنه الأفضل وأنه الذى كان النبى صلى الله لعيه وسلم يداوم عليه غالباً(3).
__________
(1) 188ج5 – المنهل العذب ( الاستفتاح بسبحانك ) . وص 112 – الدار قطنى . وص 203ج1 – تحفة الأحوذى ( ما يقول عند افتتاح الصلاة) و ( سبحانك .. ) أى اعتقد أنك يالله منزه عن كل نقص وأحمدك بحمدك . فالواو عاطفة لا زائدة ( وتبارك ) اسمك ) أى تكاثر برك وإحسانك (وتعالى جدك ) أى علت عظمتك ، ارتفع سلطانك وغناك عما سواك .
(2) ص 211ج2 – نيل الأوطار .
(3) ص 212 منه ( الاستفتاح ) .(1/240)
وهو سنة عند الحنفيين حتى فى صلاة الجنازة وللمأموم ، لكن المسبوق لا يأتى به حال جهر الإمام . بل يأتى به إذا قام لقضاء ما سُبق به . وإذا أدرك الإمام فى الركوع أو السجود أو القعود ، فإن غلب على ظنه أنه ل أتى به أدرك الإمام فيما هو فيه ، أتى به قائما ، وإلا لا يأتى به .
( ويستحب ) عند الشافعية الاستفتاح بما فى حديث علىّ رضى الله عنه : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبّر ثم قال : وجْهتُ وجهى للذى فطَر السمواتِ والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ، إنّ صلاتى ونُسُكى ومحياىَ ومماتى لله ربِّ العالَمين ، لا شريك له ، وبذلك أكرتُ وأنا أولُ المسلمين . اللهم أنت الملِكُ لا إله إلا أنت ، أنت ربى وأنا عبدك ، ظلمت نفسى ، واعترفتُ بذنبى ، فاغفِرْ ذنوبى جميعا ، إنه لا يغفِرُ الذنوبَ إلا أنت ، واهْدنى أحْسن الأخلاق لا يهدى لأحْسَنها إلا أنت ، واصْرِف عنى سيئها لا يصرِف سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك والخير كله فى يديك ، والشرُّ ليس إليك ، أنا بك وإليك ، تباركتَ وتعاليتَ أستغفرك وأتوب إليك " ( الحديث ) أخرجه الشافعى وأحمد ومسلم والنسائى وأبو داود(1)
__________
(1) ص 72ج1 – بدائع المنن . وص 181ج3 – الفتح الربانى . وص 57ج6 – نووى ( صلاة النبى صلى الله عليه وسلم ودعاؤه بالليل ) وص 142ج1- مجتبى ( الذكر والدعاء بين التكبير والقراءة ) وص 167ج5 – المنهل العذب ( ما تستفتح به الصلاة ) و ( وجهت وجهى ) أى توجهت بذاتى وأخلصت فى عبادتى لله تعالى ، فالمراد بالوجه الذات . ويحتمل أن يراد به القلب ، أى وجهت قلبى لعبادة الله تعالى . فينبغى =للمصلى أن يتحلى بالحضور والإخلاص ولا سيما حال تلاوة هذا الدعاء ، وإلا كان كاذبا . واقبح الكذب ما يكون والإنسان واقف بين يدى مولاه الذى يعلم سره ونجواه ( فطر السموات والأرض ) أى خلقهما على غير مثال سابق ..وقدم السموات لشرفها وخلوها من المفسدين ، وجمعها لما بينها من التفاوت . وافرد الأرض وإن كانت سبعا لانطباقها ولنها من جنس واحد . و ( حنيفا مسلما ) أى مائلا عن كل دين باطل منقادا للدين الحق مطيعا لأمره تعالى ، مجتنبا نهيه ( ومحياى ومماتى ) أى حياتى وموتى مخلوقان لله تعالى ، أو ما أعمل فى حياتى من الطاعات ، وما أموت عليه من الإيمان ، خالص لمالك السموات والأرضين وما فيهما ( وأنا أول المسلمين ) هكذا عند أبى داود ورواية لأحمد = ومسلم . وفى رواية لهما والنسائى " وأنا من المسلمين " ويستوى فيها الرجل والمرأة ( أنت الملك ) أى المتصرف فى جميع المخلوقات . و ( ظلم النفس ) يكون بالتقصير فى الطاعات واقتراف السيئات ، قاله النبى صلى الله عليه وسلم تواضعا منه وتعليما لنا واعترافا لله تعالى بالقدرة التامة والإرادة الشاملة. و ( لبيك وسعديك ) أى أجيبك إجابة بعد إجابة ، وأسعد بطاعتك وإجابتى لدعوتك سعادة بعد سعادة ( والخير كله فى يديك ) أى فى تصرفك يجرى = بقضائك ولا يدرك من غيرك " لا معطى لما منعت " ( والشر ليس إليك ) أى لا يتقرب به إليك أو لا يضاف إيك تأدبا ( أنا بك وإليك ) أى أستعين بك وألتجئ إليك أو بك وجدت وإليك ينتهى أمرى وبك أحيا وأموت وإليك المصير .(1/241)
... ... ... ... ... { 291 }
( واختار ) أبو يوسف وبعض الشافعية الجمع بين ما فى حديثى عائشة وعلىّ . يبدأ بأيهما شاءَ ( لحديث ) جابر رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة قال : " سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمُك ، وتعالى جدُّك ، ولا إلهَ غيرُك . وجهتُ وجهىَ للذى فطر السمواتِ والأرضَ حنيفا مَسْلما إلى الله رب العالمين " أخرجه البيهقى(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 292 }
هذا . وينبغى لأن يقول فى دعاء التوجه وأنا من المسلمين ، وله أن يقول وأنا أول المسلمين بقصد التلاوة أو على معنى وأنا ألو المنقادين إلى الخير . وقد ثبت عند مسلم وأحمد والنسائى الروايتان ( وروى ) عن مالك استحباب الجمع بين ما فى حديثى عائشة وعلىّ وحديث أبى هريرة قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبّر فى الصلاة سكت بين التكبير والقراءة فقلتُ له : بأبى أنت وأمى ، أرأيتَ سكوتَك بين التكبير والقراءة ، أخبرنى ما تقول ؟ قال : اللهم باِدْ بينى وبين خطاياىَ كما باعدتَ بين المشِرق والمغرب اللهم نقِّنى من خطاياىَ كالثوب الأبيض من الدنسَ .اللهم اغْسِلنى بالثلْج والماء والبردَ " أخرجه السبعة إلا الترمذى(2) ... ... { 293 }
( قال ) الزرقانى : وعن مالك استحباب قول المصلى قبل القراءة وبعد تكبير الإحرام : سبحانك اللهم وبحمدك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك . وجهت وجهى الآية . اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين الشمرق والمغرب . ونقنى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .
__________
(1) ص 35ج3 – بيهقى ( الجمع بينهما ) .
(2) ص 176 ج3 – الفتح الربانى = وص 156ج2 فتح البارى ( ما يقول بعد التبكير ) وص 96ج5 – نووى . وص 193ج5 – المنهل العذب (السكتة عند الافتتاح) وص 142ج1 – مجتبى ( الدعاء بين التكبيرة والقراءة ) وص 139ج1 – ابن ماجه ( افتتاح الصلاة ) .(1/242)
واغلسنى من خطاياىَ بالماء والثلج والبردَ أهـ بتصرف(1).
( ومنه ) تعلم أن ما اشتهر عن المالكية من أن الدعاء الاستفتاح مكروه لا دليل له . فهاهو ذا الإمام مالك يستحبه ويفعله .
( فائدة ) اتفق العلماء على أن الاستفتاح لا يشرع غلا فى الركعة الأولى ( لقول ) أبى هريرة : " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا نهض فى الركعة الثانية افتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت " أخرجه مسلم
والنسائى وان ماجه(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 294 }
ولأن الاستفتاح لمجموع الصلاة فلا يتكرر .
(7) ويسنّ – عند الحنفيين والشافعى وأحمد والجمهور – التعوّذ فى الصلاة قبل القراءة ، لقوله تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }(3)( وقال ) ابن المنذر : جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وقالت ) المالكية : يكره فى الفرض دون النفل (لقول) أنس رضى الله عنه : " صليتُ خلْفَ النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعرم عثمان فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين " ( الحديث ) أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا النسائى(4) ... ... { 295 }
__________
(1) ص 217 ج1 – شرح خليل .
(2) ص 303ج2 – نيل الأوطار ( افتتاح الثانية بالقراءة ) .
(3) سورة النحل : أية 98 .
(4) ص 186ج3 – افتح الربانى . وص 111 ج4 – نووى ( حجة من لا يجهر بالبسملة ) . وص 196 ج5 – المنهل العذب . وص 205ج1 – تحفة الأحوذى ( افتتاح القراءة بالحمد لله ) . وص 140ج1 – ابن ماجه .(1/243)
ولكنه لا دليل فيه على هذه التفرقة ، فإن افتتاح القراءة بالحمد لله ، لا ينافى الإتيان بالاستعاذة قبلها ، لما تقدّم أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعوّذ قبل القراءة ( واختلف ) القائلون باستحباب التعوّذ فى محله وصيغته والجهر به وتكريره فى الركعات ( فمحله ) قبل القراءة عند الحنفيين والشافعى وأحمد وأكثر الفقهاء والمحدثين ، لما تقدم ( ولقول ) جُبَير بن مُطِعمٍ: " سمعت النبى صلى الله لعيه وسلم يقول فى التطوّع : الله أكبر كبيراً ثلاث مرات والحمد لله كثيراً ثلاث مرات وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاث مرات . اللهم إن أعوذ بك من الشيطان الرجيم من هَمْزه ونفْثِه ونفخه . قلت يا رسول الله : ما هَمْزُه ونفْثُه ؟ قال : " أما همزة فالمُوتَةَ التى تأخذ ابن آدم . وأما نفخه الكِبْرُ ونفثه الشِّعْر " أخرجه أحمد وابو داود وابن ماجه وابن حبان(1) ... ... ... ... { 296 }
( وقال ) أو هريرة وابن سيرين والنخعى : يتعوّذ بعد القراءة أخذاً بظاهر الآية ( والراجح ) الأوّل لصراحة أدلته . ومعنى قوله تعالى { فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ } أردت قراءته جميعاً بين الأدلة .
(
__________
(1) ص 178ج3 – افتح الربانى . وص 174ج5 – المنهل العذب ( ما تستفتح به الصلاة ) . وص 139ج1 – ابن ماجه ( الاستعاذة فى الصلاة ) و ( الهمز ) بفتح فسكون ف الأصل العصر . يقال همزت الشئ فى كفى أى عصرته . وهمز الإنسان اغتيابه . وسمى به المجنون لأنه سببه . و ( الموتة ) بضم الميم وسكون الواو . والمراد بها نوع من الجنون والصرع . وكان الكبر من نفخ الشيطان ، لأن المتكبر يتعاظم لاسيما إذا مدح بسبب وسوة الشيطان . و ( النفث ) فى الأصل قذف النفس مع شئ م الريق . وكان الشعر م نفث الشيطان ، لأنه يحمل الشعراء على المدح والذمّ فى غير موضعهما . وهذا أمر ينبغى للعاقل البعد عنه كالشئ ينفثه من فيه . ويصح أن يراد بالنفث السحر كما فى قوله تعالى ( ومن شر النفاثات فى العقد ) .(1/244)
وصيغته ) عند الجمهور : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، لقوله تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } وعن أحمد أنه يقول : أعوذ بالله من السميع العلمي من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ، لقوله تعالى : { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ }(1)وهذا كله واسع ، وكيفما استعاذ فهو حسن .
( ويسنّ ) الإسرار به عند الحنفيين وأحمد والجمهور . وهو الراجح عند الشافعية 0 ويستحب ) لكل مصلّ تكريره فى كل ركعة عند الشافعية وهو رواية عن أحمد ، لعموم الآية ( وقال ) الحنفيون وعطاء والحسن والنخعى والثورى : يختص التعوّذ بالركعة الأولى . وهو رواية عن أحمد ( لقول ) أبى هريرة رضى الله عنه : " كان النبى صلى الله علهي وسلم إذا نهض فى الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت(2)" . وهو يدل على أنه لم يكن يستفتح فيما عدا الأولى ولا يتعوّذ ولأن الصلاة جملة واحدة فالقراءة فيها كلها كقراءة واحدة . وهذا هو الموافق لظاهر الروايات .
هذا . والتعوّذ تابع للقراءة عند النعمان ومحمد فيأتى به غير المأموم ، وعند أبى يوسف تابع للثناء فيأتى به كل مصل ولو مأموما .
(
__________
(1) فصلت عجز آية : 36 وأولها : وإما ينزغنك .
(2) تقدم رقم 294 ص 225 .(1/245)
8) التسمية : اختلف العلماء فى حكم التسمية فى الصلاة قبل الفاتحة ؟ ( فقالت ) المالكية : يكره الإتيان بها فى الفرض دون النفل ( قال ) مالك : لا يقرأ فى الصلاة المكتوبة " بسم الله الرحم الرحيم " لا سرا ولا جهراً إماما أو مأموما . وهى السنة وعليها أدركتُ الناسَ . وفى النافلة إنْ أحَبَّ ترَك وإن أحبّ فعَل أهـ(1). قالوا : ومحل الكراهة ما لم يقصد بالإتيان بها الخروج من خلاف من يوجبها أو يعتقد أنّ الصلاة لا تصح إلا بها ، وإلا طلب الإتيان بها ( وقال ) الأوزاعى : لا يقرأها مطلقا ( قال ) أنس رضى الله عنه : صليتُ خلف النبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فى أول القراءة ولا فى آخرها(2)( وقال ) ابن عبد الله بن المغفل : سمعنى ابى وأنا فى الصلاة أقول " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال : أى نُبَىَّ مُحْدَثٌ إياك والحدَثَ ، وقال : قد صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم ومع أبى بكر وعمرَ وعثمانَ فم أسمع أحداً منهم يقولها فلا تقلْها . إذا أنت صليتَ فقل : " الحمد لله رب العالمين " أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وحسنه(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 297 }
(
__________
(1) ص 68ج1 – المدونة ( القراءة فى الصلاة ) .
(2) تقدم رقم 295 ص 225 .
(3) ص 187ج3 – الفتح الربانى . وص 140ج1 – ابن ماجه ( افتتاح القراءة ) وص 204ج1 – تحفة الأحوذى ( ترك الجهر بالبسملة ) .(1/246)
وقال ) الحنفيون : يسنّ الإتيان بها سرا لكل قارئ فى الصلاة السرية والجهرية وهو مشهور مذهب الحنبلية ( لقول ) أنس رضى الله عنه : " صليتُ خلف النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وكاناو لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم " أخرجه أحمد والنسائى والدار قطنى والطحاوى بسند على شرط الصحيح(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 298 }
والأحاديث فى هذا كثيرة ، وهى وإن كان فى بعضها مقال إلا أنها لكثرتها تصلح للاحتجاج بها .
(
__________
(1) ص186ج3 – الفتح الربانى . وص 144ج1 – مجتبى ( ترك الجهر بالبسملة ) وص 119- الدار قطنى . وص 119ج1 – شرح معانى الآثار ( قراءة البسملة .. )(1/247)
وأجابوا ) عن أدلة المالكية (أ) بأن حديث أنس الذى استدلوا به ضعيف لا يصلح لاحتجاج به لاضطرابه واختلاف ألفاظه مع تغاير معانيها فقد قال فيه " مرة " كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ، " مرة " فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم " ومرة " قال : فلم أسمع أحداً منهم يقرا بسم الله الرحمن الرحيم . ذكر هذه الروايات الدار قطنى ( ولذا ) قال ابن عبد البر : قال أهل الحديث حديث أنس هذا النقل فيه مضطرب اضطراباً لا تقوم به معه حجة(1)(ب) بأن حديث ابن عبد الله بن المغفل غير صحيح من جهة النقل ، لأن ابن عبد الله بن المغفل مجهول لا تقوم به حجة ، ولو صح وجب تأويله جمعا بين الأدلة . إما بأنّ أنساً كان يقف قريباً من النبى صلى الله عليه وسلم وخلفائه ، فروى أنهم كانوا يأتون بالبسملة سرا بخلاف عبد الله بن مغفل ، فإنه كان يقف بعيداً عنهم فلم يسمع ما حفظه أنس ( وقالت ) الشافعية : يجب الإتيان بالبسملة أوّل الفاتحة . وبه قال ابن المبارك وإسحاق وروى عن أحمد : ويستحب عند الشافعية الجهر بها فى الصلاة الجهرية والإسرار بها فى الصلاة السرية . وهو قول الليث بن سعد وإسحاق بن راهوية وغيرهم ( لقول ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول : " الحمدُ لله ربِّ العالمين سبعُ آيات إحداهنّ بسم الله الرحمن الرحيم .
__________
(1) وعلى تقدير ترجيح رواية منها وردّ باقيها إليها فلا يرجح إلا رواية : كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ، لأن أكثر الرواة عليها . وهى لا تدل على عدم الإتيان بالبسملة . لإمكان أن يراد بالحمد لله رب العالمين ، السورة بتمامها . ومنها البسملة ويؤيده . ( أ ) حديث أنس المتقدّم رم 298 ص228 (ب) وقوله " إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبا بكر وعمر " أخرجه الطبرانى فى الكبير والأوسط . انظر ص 108ج2 – مجمع الزوائد ( بسم الله الرحمن الرحيم )(1/248)
وهى السبعُ المثانى والقرآنُ العظيم . وهى أم القرآنِ وفاتحةُ الكتاب " أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند رجاله ثقات(1) ... ... { 299 }
( ولحديث ) أبى هريرة رضى الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم ، إنها أُمُّ القرآنِ وأُمُّ الكتاب والسبعُ المثانى وبسم الله الرحمن الرحيم إحداها " أخرجه الدار قطنى بسند رجاله ثقات وصحح غيرُ واحد وقفهَ(2) ... ... ... ... ... ... { 300 }
( ولحديث ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يجهر " ببسم الله الرحمن الرحيم " أخرجه الدار قطنى(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 301 }
وأخرج نحوه عن عائشة وأنس رضى الله عنهما .
__________
(1) ص109 ج2 – مجمع الزوائد ( بسم الله الرحم الرحيم ) .
(2) ص 118 – الدار قطنى .
(3) ص 116 منه .(1/249)
والأحاديث فى هذا كثيرة ولا منافاة بينها وبين الأحاديث الدالة على الإسرار بها ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يسرّ بها تارة ويجهر بها أخرى والمختار عند الحنفيين والجمهور الإسرار بها ( قال ) ابن قدامه : ولا تختلف الرواية عن أحمد أن الجهر بها غير مسنون . قال الترمذى : وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين : منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وابن مسعود وابن الزبير وحماد والأوزاعى والثورى وابن المبارك وأصحاب الرأى(1)
(
__________
(1) ص 525ج1 – مغنى هذا وقد زعم ( أ ) الحنفيون والحنبلية أن الجهر بالبسملة = منسوخ لقول سعيد بن جبير : كان النبى صلى الله عليه وسلم يجهر ( ببسم الله الرحمن الرحيم ) – وكان أهل مكة يدعون مسيلمة . الرحمن – فقالوا : إن محمدا يدعو إلى إله اليمامة فأمر النبى صلى الله عله وسلم فأخفاها فما جهر بها حتى مات . أخرجه أبو داود فى المراسيل ( انظر ص 361ج1 – نصب الراية ) (ب) وزعم الشافعية أن الإسرار بها منسوخ لقول ابن عباس : إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يزل يجهر فى السورتين ( ببسم الله الرحمن الرحيم ) حتى قبض . أخرجه الدار قطنى . وفى سنده عمر بن حفص ضعيف أجمعوا على ترك حديثه فلا يجوز الاحتجاج به ( انظر ص 347ج1 – نصب الراية ) ( وقال ) الحازمى : وطريق الإنصاف أن ادعاء النسخ فى كلا المذهبين متعذر لأن من شرط الناسخ أن يكون له مزية على المنسوخ من حيث الثبوت والصحة . وقد فقدناها هاهنا فلا سبيل إلى القول به . وأحاديث الإخفاء أمتن ثم قال : والحق أن كل من ذهب إلى أى هذه الروايات فهو متمسك بالسنة ( انظر ص 362 ، 363 ج1 – نصب الراية ) .(1/250)
فائدتان ) ( الأولى ) قال النعمان وأبو يوسف : لا تسنّ التسمية بين الفاتحة والسورة ولا تكره ( وقال ) الشافعى : تسنّ جهراً فى الجهرية وسرًّا فى السرية ( وقال ) محمد بن الحسن : تسنّ سرًّا فى السرية ( وقال ) أحمد : تسنّ سرًّا فى الجهرية والسرية ( الثانية ) اختلف فى أن البسملة آية من الفاتحة أو من القرآن أو ليست آية (فقال) الحنفيون : إنها آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور وليست آية من الفاتحة ولا من كل سورة . وهو رواية عن أحمد ( لقول ) ابن عباس رضى الله عنهما : " كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يعرِف فصلَ السورة حتى يَنزِل عليه ببسم الله الرحمن الرحيم . وفى رواية لا يعلم ختْم السورة " أخرجه أبو داود والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 302 }
__________
(1) ص 231ج1 – مستدرك .(1/251)
فهو يدل على أنها آية من القرآن لوصفها بالإنزال ( ولحديث ) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى : قسمتُ الصلاةَ بينى وبين عبدى نصفين نصفها لى ونصفها لعبدى ولعبدى ما سأل . يقولُ العبدُ : الحمدُ لله ربِّ العالمين . يقول الله تعالى : حَمِدنى عبدى . يقول البعد : الرحمن الرحيم . يقول الله تعالى : أثْنى علىّ عبدى . يقول العبد : مالكِ يومِ الدين . يقول الله تعالى : مجَّدنى عبدى . يقول العبد : إياك نعبُدُ وإياك نستعين . فهذه بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل . يقول العبد : اهدنا الصراطَ المستقيمَ صِراطَ الذين أنْعْمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالِّين . فهؤلاء لعبدى ولعبدى ما سأل " أخرجه الجماعة إلا البخارى(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 303 }
__________
(1) ص 191ج3 – الفتح الربانى . وص 101ج4 – نووى ( وجوب قراءة الفاتحة ) وص 246ج5 – المنهل العذب ( من ترك القراءة فى صلاته) وص 144ج1 مجبتى ( ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم ) ( فإن قيل ) فقد روى عبد الله بن زياد بن سمعان الحديث وفيه : قال عز وجل : إنى قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين يقول عبدى إذا افتتح الصلاة : بسم الله الرحمن الرحيم . يقول الله تعالى : ذكرنى عبدى ( لقنا) ابن سمعان متروك الحديث لا يحتج به . قاله الدار قطنى . واتفاق الرواة على خلاف روايته أولى بالصواب .(1/252)
فالابتداء بالحمد لله دليل على أن البسملة ليست من الفاتحة ، وإذا لم تكن منها لا تكون من غيرها ( وقالت ) المالكية : ليست البسملة آية من القرآن إنما هى بعض آية من سورة النمل . وهو رواية عن أحمد ( لقول ) عبد الله ابن معبد والأوزاعى : ما أنزل الله بسم الله الرحمن الرحيم إلا فى سورة : { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنِّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } " ورد " بما تقدم عن ابن عباس(1)فإنه صريح فى أنها نزلت آية مستقلة " واستدلالهم " بأن القرآ، لا يثبت إلا بالتواتر ولم يوجد " يردّة " أن القراء السبعة اتفقوا عليها ، وقراءتهم متواترة ، وأن إثباتها فى المصحف دليل قطعىّ على التواتر بل هو أقوى من الرواية القولية ( وقالت ) الشافعية : هى آية من الفاتحة .
وروى عن أحمد . وكذا هى آية من كل سورة على الأصح عندهم . وهو قول ابن عباس وابن الزبير وابن عمر وابن المبارك . قال : من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية .
( واحتجوا ) ( أ ) بأن الصحابة أجمعوا على إثباتها فى المصحف بخطه فى أوائل السور سوى براءة . فلو لم تكن قرآناً لما أثبتوها بخط المصحف من غير تمييز ، لأنه يحمل الناس على اعتقاد أنها قرآن ، وفيه تغرير بالمسملين وحملهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا . وهذا مما لا يجوز اعتقاده فى الصحابة .
(
__________
(1) تقدم رقم 302 ص 231 .(1/253)
ب) وحديث أبى هريرة : الحمد لله ربِّ العالمين سبع آيات إحداهنّ بسم الله الرحمن الرحيم(1)(ج) وبما تقدّم عنه عند الدار قطنى وفيه : وبسم الله الرحمن الرحيم إحداها(2)(د) وحديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أُنْزلت علىّ آنِفاً سورةٌ . فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم . إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها : (الحديث) أخرجه مسلم وأبو داود(3) ... ... ... ... ... ... ... ... { 304 }
فهو يدل على أن البسملة آية من السورة . حيث جعلها من مسماها .
( وأجاب ) الأوّلون ... ( أ ) بأن إثباتها فى المصحف بين السور للفصل بينها لا يدل على أناه آية من كل سورة وإن كانت آية من القرآن .
(ب) وأن الصحيح فى حديث أبى هريرة وقفه عليه كما تقدم .
(ج) وأن قراءة النبى صلى الله عليه وسلم لها فى حديث أنس " ليس " صريحاً فى أنها من السورة ، لاحتمال أنه ابتدأ بها للتبرك .
ومما تقدم تعلم أنه لا وجه لمن قال بكراهة البسملة فى الصلاة وأنها ليست فى القرآن ( قال ) الشوكانى : وقد أجمعت الأمة على انه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها ، لاختلاف العلماء فيها ، بخلاف ما لو نفى حرفا مجمعاً عليه أو أثبت ما لم يقل به أحد ، فإنه يكفر بالإجماع ولا خلاف أنها بعض آية من سورة النمل ، ولا فى إثباتها خطا فى أوائل السور فى المصحف إلا فى أول سورة التوبة . ولا خف بين القرّاء السبعة فى تلاوتها فى أول الفاتحة وأول كل سورة إذا ابتدأ بها القارئ ما خلا سورة التوبة . أما إذا وصلها بسورة سابقة ، فأثبتها ابن كثير وقالون وعاصم والكسائى إلا فى أول التوبة . وحذفها أبو عمرو وحمزة وورش وابن عامر(4).
(
__________
(1) تقدم رقم 299 ص 230 .
(2) تقدم رقم 300 ص 230 .
(3) ص 112ج4 – نووى ( حجة من قال البسملة آية من كل سورة ) وص 201ج5 – المنهل العذب .
(4) ص 118ج2 – نيل الأوطار .(1/254)
9) ويسن كل مصل التامين بعد الفاتحة ( لحديث ) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أمّن الإمام فأمّنوا . فإن مَنْ وافق تأمينهُ تأمينَ الملائكِة غُفر له ما تقدّم من ذنبه " أخرجه السبعة(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 305 }
وفى رواية : إذا قام الإمام غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالِّينَ ، فقولوا آمين ، فإن الملائكة تقول آمين . وإن الإمام يقول آمين . فمن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة عِفُر له ما تقدّم من ذنبه " أخرجه أحمد والنسائى(2){306}
ولا تنافى بين الروايتين فإن قوله إذا أمّن الإمام ، أى إذا أراد التأمين فأمّنوا معه ، فإن الملائكة تؤمِّن معه. وقيل يؤخذ من الروايتين تخيير المأموم فى التامين مع الإمام أو بعده . قاله الطبرى .
والأمر فى هذا الحديث محمول على الندب عند الجمهور . وبه قال الحنفيون والثورى وأحمد والشافعى . وكذا المالكية فى حق المأموم والمنفرد . أما الإمام فالمشهور عندهم أنه يؤمن فى السرية فقط ، وقيل لا يؤمّن أصلا، وقيل يؤمن مطلقا . وهذا الذى يشهد له الدليل .
(
__________
(1) ص 204ج2 – الفتح الربانى . وص 178ج2 – فتح البارى ( جهر الإمام بالتامين ) وص 128ج4 – نووى ( التسميع والتحميد والتأمين ) وص 39ج6 – المنهل العذب . وص 147ج1 – مجتبى ( جهر الإمام بآمين ) .
(2) ص 203ج3 – الفتح الربانى . وص 147ج1 – مجتبى ( الأمر بالتأمين خلف الإمام ) ( فمن وافق ) المراد بالموافقة ف وقت التأمين بأن يؤمن مع تأمينهم والحكمة فى طلب الموافقة فى القول والزمان حمل المأموم على الاهتمام بالإتيان بالوظيفة ف محلها . وقيل : المراد الموافقة فى الصفة والخشوع و الإخلاص(1/255)
فائدة ) ظاهر الحديث أنه يسنّ الاقتصار على التأمين بعد الفاتحة لكن ( روى ) وائل بن حُجْرٍ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " قال : ربِّ اغفر لى آمين " أخرجه البيهقى والطبرانى . وفى سنده أحمد بن عبد الجبار العطاردى وثقه الدار قطنى وأثنى عليه أبو كريب وضعفه جماعة ، وقال ابن عدى لم أر له حديثاً منكرا(1) ... ... ... ... ... ... ... { 307 }
وأما زيادة ولو الدىّ وللمسلمين بعد رب اغفر لى ، فلم يرد ما يدل عليها .
( واختلفوا ) فى صفة التأمين ( فقال ) الحنفيون ومالك : يسنّ الإسرار به ف السرية والجهرية ، لأنه دعاء فاستحب إخفاؤه كالتشهد ( ولحديث ) شعبة عن سلمه بن كُهيل بسنده إلى وائل بن حُجْر قال : " صلى بنا النبى صلى الله عليه وسلم فلما قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، قال آمين وأخفى بها صوته " أخرجه أحمد والحاكم فى كتاب القراءة وقال : صحيح الإسناد والدار قطنى .
وقال : كذا قال شعبة " أخفى بها صوته " ويقال إنه وهمِ فيه ، لأن سفيان الثورى ومحمد بن سلمه بن كَهيل وغيرهما رَووه عن سلمه فقالوا . ورفع صوته بآمين . وهو الصواب(2) ... ... ... ... { 308 }
( ولقول ) أبى حنيفة حدثنا حماد بن أبى سليمان عن إبراهيم المخعى قال : أربع يُسِرُّهُنَّ الإمام فى نفسه : بسم الله الرحمن الرحيم وسبحانك اللهم والتعوّذ وآمين " أخرجه أبو يوسف ومحمد بن الحسن فى كتاب الآثار(3).
(
__________
(1) ص 58ج2 – بيهقى ( جهر الإمام بالتأمين ) وص 113ج2 – مجمع الزوائد ( التأمين ) .
(2) ص 205ج3 – الفتح الربانى . وص 369ج1 – نصب الراية . وص 127- الدار قطنى . و ( آمين ) بالمد والتخفيف فى كل الروايات وعن جميع القراءة . وهو اسم فعل تفتح نونه فى الوصل ، ومعناه استجب يا ألله . وليس من الفاتحة ولا من القرآن . ولذا يسنّ فضله عن الفاتحة بسكته ليميز القرآن عن غيره .
(3) انظر رقم 106ص 21 ( آثار أبى يوسف ) .(1/256)
وقالت ) الشافعية والحنبلية وإسحاق : يسن الجهر به لكل مصل فى الجهرية . والإسرار به ف السرية (لقول) أبى هريرة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا غير المغضوب عليهم ولا الضالينَ ، قال آمينِ ، حتى يسْمَع من يليه من الصف الأول " أخرجه أبو داود وابن ماجه . وقال : حتى يَسمعَها أهلُ الصفّ الأوّل فيرتجّ بها المسجد . أخرجه الدار قطنى وقال : إسناده حسن . والحاكم وقال صحيح على شرطهما(1) ... ... { 309 }
وقلا الترمذى : وبه يقول غير واحد من أله العلم يرون الرجل يرفع صوته بالتأمين ولا يخفيها(2). ويؤيده " قول " عطاء : أدركت مائتين من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المسجد إذا قال الإمامُ ولا الضالين سمعت لهم رَجَّةً بآمين . أخرجه البيهقى(3).
( وأجابوا ) عن حديث وائل بن حر بأنه مضطرب وأن شعبة أخطأ فيه ( قال ) البيهقى فى المعرفة : أجمع الحفاظ البخارى وغيره على أن شعبة أخطأ فقد روى من أوجه : فجهر بها أهـ . وتقدم أن الحاكم صحح إسناد رواية شعبة وقد وردت من عدة طرق تنفى إعلالها باضطرابه . ولذا قال بعضهم : والصواب أن الخبرين بالجهر والإسرار بالتامين صحيحان وعمل بكل مهما جماعة .
__________
(1) ص 37ج6 – المنهل العذب ( التأمين وراء الإمام ) وص 145ج1 ابن ماجه ( الجهر آمين ) وص 127- الدار قطنى . وص 223ج1 – مستدرك
(2) ص 209ج1 – تحفة الأحوذى .
(3) ص 59ج2 – بيهقى ( جهر المأموم بالتأمين ) .(1/257)
هذا ( ويسنّ ) ختم الدعاء بآمين لأنه أضمن للإجابة وهو مثل الطابع على الصحيفة ( قال ) أبو زُهَير النَّميرىّ : خرجنا مع النبى صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة فأتينا على رجل قد الحّ فى المسألة فوقف النبى صلى الله عليه وسلم يستمِع منه فقال : أوْجبَ عن ختَّم . فقال رجل من القوم بأىِّ شئ بختِمُ ؟ فقال آمين ( الحديث ) أخرجه أبو داود(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 310 }
هذا . والتأمين من خصوصيات هذه الأمة ( لقول ) أنس رضى الله عنه : " كنا عند النبى صلى الله عليه وسلم جلوساً فقال : إن الله قد اعطانى خِصالا ثلاثة : أعطانى صلاةً فى الصفوف وأعطانى التحية ( السلام ) إنها لَتَحيةُ أهلِ الجنةِ وأعطانى التامين ولم يعطِه أحدا من النبيين قبلى ، إلا أن يكون الله قد أعطاه هارون يدعو موسى ويؤمّن هارون " أخرجه ابن خزيمة(2) ... ... ... ... ... ... ... ... { 311 }
( 10 – 14 ) قد اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على أنه يسن فى الركوع أخذ الركبتين باليدين وتفريج الأصابع فى الركوع وبسط الظهر . وتسوية الرأس بالعجز . ومباعدة المرفقين عن الجنبين لما تقدم فى بحث الركوع ( ولحديث ) أنس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال له : " يا بُنَىّ إذا ركعتَ فضَعْ كفَّيْك على رُكْبتيك ، وفرِّج بين أصابعك ، وارفع يديك عن جَنْبين " أخرجه الطبرانى فى الصغير والوسط(3) ... ... { 312 }
( ولقول ) عائشة من حديث طويل : " وكان – أى النبى صلى الله عليه وسلم – إذا ركع لم يُشْخصْ رأسه ولم يُصَوِّبْه ولكنْ بين ذلك " أخرجه مسلم(4) ... ... ... ... ... ... ... { 313 }
(
__________
(1) ص 41ج6 – المنهل العذب ( التأمين ) و ( أوجب إن ختم ) يعنى أجيب دعاؤه إن ختمه بآمين
(2) ص 43ج6 – المنهل العذب .
(3) ص 372ج1 – نصب الراية .
(4) ص 213ج4 – نووى ( ما يجمع صفة الصلاة .. ) ( لم يشخص ) م أشخص أى لم يرفع رأسه حتى تكون أعلى من ظهره ( ولم يصوبه ) من التصويب أى لم يخفضه خفضا بليفا .(1/258)
وأما قول ) ابن مسعود رضى الله عنه : " إذا ركع أحدكم فليفرِش ذراعيه على فخِذيه ولْيُطبّق بين كفَّيه فكأنى أنظُرُ إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه مسلم وأبو داود(1) ... { 314 }
( فمنسوخ ) بحديث مُصْعَبِ بن سعد قال : " صليتُ إى جنْب أبى فجعلتُ يَدىّ بين رُكْبتى فنهانى عن ذلك فُعدتُ فقال : لا تصنعْ هذا فإنا كنا نفعله فنُهينا عن ذلك وأُمِرنْا أن نضع أيديَنا على الركَب"أخرجه السبعة(2){315}
( قال ) النووى : اتفق العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على كراهة التطبيق فى الركوع إلا عبد الله بن مسعود فإنه كان يقول : التطبيق سنة(3).
( 15 و 16 ) ويسن – عند الحنفيين وأحمد والثورى وإسحاق والجمهور – البداءة بوضع ركبتيه قبل يديه حال هُويّه للسجود . ورفع وجهه ثم يديه ثم ركبتيه فى القيام منه ( لقول ) وائل بن حُجْر " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه . وإذا نهَض رفع يديه قبل ركبتيه " أخرجه الأربعة وقال الترمذى حسن غريب ، لا نعرف أحداً رواه غير شَريكٍ أهـ(4) ... ... ... ... ... ... { 316 }
__________
(1) ص 16ج5 – نووى ( وضع الأيدى على الركب فى الركوع ) وص 313ج5 – المنهل العذب ( أبواب الركوع والسجود ) ( وليطبق ) من التطبيق وهو الجمع بين الكفين ووضعهما بين الفخذين حال الركوع .
(2) ص 253ج3 – الفتح الربانى . وص 185ج2 – فتح البارى ( وضع الأكف على الركب فى الركوع ) وص 17ج5 – نووى . وص 313ج5 – النهل العذب . وص 159ج1 – مجتبى ( نسخ ذلك ) .
(3) ص 411ج3 – شرج المهذب .
(4) ص 275 ج5 – المنهل العذب ( كيف يضع ركبتيه قبل يديه ) . وص 165ج1 – مجتبى ( ألو ما يصل إلى الأرض من الإنسان فى سجوده). وص 228ج1 – تحفة الأحوذى . وص 149ج1 ابن ماجه ( السجود ) .(1/259)
وشَريك ليس بالقوى فيما ينفرد به . لكن يقوّيه حديث أنس قال : " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم كبّر فحاذى بإبهاميه أذنيه إلى أن قال : ثم انحطّ بالتكبير حتى سبقتْ ركبتاه يديه " أخرجه الدار قطنى والبيهقى
وقالا : تفرّد به العلاء بن إسماعيل وهو مجهول . وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين(1){317}
( وقال ) مالك والأوزاعى : الأفضل تقديم اليدين على الركبتين عند الهُوىّ إلى السجود ورفعُ الركبتين قبل اليدين عند القيام ، وبه قال أصحاب الحديث وروى عن أحمد ( لحديث ) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سجد أحدكم فلا يَبرُك كما يبرك البعير ، ولْيضع يديه قبل ركبتيه " أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود بسند جيد(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 318 }
( ولحديث ) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه . أخرجه الدار قطنى وابن خزيمة وصححه والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم(3) ... ... ... ... { 319 }
( وروى ) عن مالك التخيير بين الكيفيتين ( وفضّل ) الأولى بان القيم قال وكان صلى الله عليه وسلم – إذا هوى إلى السجود – يضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه ، هذا هو صحيح ولم يُروَ فى فعله ما يخالف ذلك .
(
__________
(1) ص 132 – الدار قطنى . وص 99ج2 – بيهقى ( وضع الركبتين قبل اليدين ) .
(2) ص 276ج3 – الفتح الربانى . وص 165ج1 – مجتبى ( أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان فى سجوده ) . وص 280ج5 - - المنهل العذب
(3) ص 131 – الدار قطنى .(1/260)
وأما حديث ) أبى هريرة يرفعه : إذا سجد أحدكم فلا يبْرك كما يبرُك البعير . ولْيضع يديه قبل ركبتيه (فالحديث) والله أعلم قد وقع فيه وهم من بعض الرواة . فإن أوّله يخالف آخره . فإنه إذا وضع يديه قبل ركبته فقد برك كما يبرك البعير . فإن البعير إنما يضع يديه أوّلا . ولما علم أصحاب هذا القول ذلك قالوا : ركبتا البعير فى يديه لا فى رجليه . فهو إذا برك وضع ركبتيه أوّلا . فهذا هو المنهى عنه . وهو فاسد لوجوه ( أحدها ) أن البعير إذا برك فإنه يضع يديه أوّلا وتبقى رجلاه قائمتين . فإذا نهض فإنه ينهض برجليه أولا وتبقى يداه على الأرض وهذا هو الذى نهى عنه صلى الله عليه وسلم وفَعل خلافه ( وكان ) صلى الله عليه وسلم أولَ ما يقع منه على الأرض الأقربُ منها فالأقرب . وأول ما يرتفع عن الأرض منه الأعلى فالأعلى ( وكان ) يضع ركبتيه أولا ثم يديه ثم جبهته . وإذا رفع رفع رأسه أولا ثم يديه ثم ركبتيه . وهذا عكس فعل البعير . وهو صلى الله عليه وسلم نهى فى الصلوات عن التشبه بالحيوانات . فنهى عن بُروكٍ كبروك البعير ، والتفات كالتفات الثعلب ، وافتراش كافتراش السبع ، وإقعاءٍ كإقعاء الكلب ، ونقر كنقر الغراب ( فهدْى ) المصلى مخالف لهدى الحيوانات ( الثانى ) أن قولهم ربتا البعير فى يديه كلام لا يعقل ، ولا يعرفه أهل اللغة . وإنما الركبة فى الرجلين وإن أطلق على اللتين فى يده اسم الركبة فعلى سبيل التغليب .
( الثالث ) أنه لو كان كما قالوه ، لقال فليبرك كما يبرك البعير . وإنّ أوّل ما يمس الأرض من البعير يداه.(1/261)
ومن تأمل بروك البعير وعلم أنه نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بروك كبروك البعير ، علم أن حديث وائل بن حُجْر هو الصواب " وكان " يقع لى أن حديث أبى هريرة مما انقلب على بعض الرواة متنه وأصله . ولعله " ولْيَضعْ ركبتيه قبل يديه " ثم قال " حتى رأيت " أبا بكر بن أبى شيبة قد رواه كذلك بسنده إلى أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قلا : " إذا سجد أحدكم فليبدأ بركيته قبل يديه ، ولا يبرك كبروك الفحل ... { 320 }
( ورواه ) الأثرم فى سننه أيضاً عن أ[ى بكر كذلك ( وقد ) روى عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم ما يصدّق ذلك ويوافق حديث وائل ابن حجر ( قال ) ابن أبى داود بسنده إلى أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه . ... ... ... ... ... ... ... { 321 }
( وقد ) روى ابن خزيمة فى صحيحه من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال : كنا نضع اليدين قبل الركبتين ، فأُمِرْنا بالركبتين قبل اليدين ... ... ... ... ... ... ... ... { 322 }
((1/262)
وعلى هذا ) فإن كان حديث أبى هريرة محفوظا فإنه منسوخ ( ولكن ) للحديث علتان : ( إحداهما ) أنه من رواية يحيى بن سلمة بن كُهيل وليس ممن يحتج به ( قال ) النسائى متروك . وقال ابن حبان : منكر الحديث جدا لا يحتج به . وقال ابن معين : ليس بشئ ( الثانية ) أن المحفوظ من رواية مصعب بن سعد عن أبيه ، إنما هو قصة التطبيق ، وهو قول سعد كنا نضع هذا " يعنى اليدين بين الركبتين " فأمرنا أن نضع أيدينا على الركب ثم قال ( فهذه ) الأحاديث المرفوعة من الجانبين ( وأما الآثار ) عن الصحابة ( فالمحفوظ ) عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه . ذكره عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما . وهو المروى عن ابن مسعود رضى الله عنه . ذكره الطحاوى بسنده إلى علقمة والأسود . قالا : حَفِظنا عن عمر فى صلاته أنه خرّ بعد ركوعه على ركبتيه كما يخِرّ البعير ، ووضع ركبتيه قبل يديه . ثم ساق من طريق الحجاج بن أرْطاةَ قال : قال إبراهيم النخعى : حَفظِ عن عبد الله بن مسعود أن ركبتيه كانتا تقعان على الأرض قبل يديه(1)
ثم قال : قلت وقد روى حديث أبى هريرة بلفظ آخر ذكره البيهقى وهو : إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجمل ولْيضع يديه على ركبتيه(2).
(
__________
(1) ص 151ج1 – شرح معانى الآثار ( ما يبدأ بوضعه فى السجود .. )
(2) ص 100ج2 – بيهقى ( من قال يضع يديه قبل ركبتيه ) وقال : كذا قال : على ركبتيه فإن كان محفوظا كان دليلا عى انه يضع يديه عى ركبتيه عند الإهواء إلى السجود .(1/263)
وحديث ) وائل بن حْجْر أولى لوجوه ( أحدها ) أنه أثبت من حديث أبى هريرة . قاله الخطابى وغيره (الثانية) أحد حديث أبى هريرة مضطرب المتن ( فمنهم ) من يقول فيه : وليضع يديه قبل ركبتيه ( ومنهم ) من يقول العكس ( ومنهم ) من يقول وليضع يديه على ركبتيه ( ومنهم ) من يحذف هذه الجملة رأسا ( الثالث ) ما تقدّم من تعليل البخارى والدار قطنى وغيرهما ( الرابع ) أنه الموافق لنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بروك كبروك الجمل فى الصلاة ، بخلاف حديث أبى هريرة ( الخامس ) أن أكثر الناس عليه ( السادس ) أنه حديث فيه قصة محكية سيقت لحكاية فعله صلى الله عليه وسلم . فهو أولى أن يكون محفوظا ، لأن الحديث إذا كان فيه قصة محكية دل على أنه حفظ . ( السابع ) أن الأفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره .فهى أفعال معروفة صحيحة . وهذا واحد منها فله حكمها . ومعارضه ليس مقاوماً له . فيتعين ترجيحه والله أعلم(1).
( وخالفه ) الشوكانى فقال : ومن المرجحات لحديث أبى هريرة أنه قول .
وحديث وائل حكاية فعل . والقول أرجح . مع أنه قد تقرّر فى الأصول أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض قوله الخاص بالأمّة . ومحل النزاع م هذا القبيل . وأيضاً حديث أبى هريرة مشتمل على النهى المقتضى للحظر .
وهو مرجح مستقل ولذا قال النووى : لا يظهر لى ترجيح أحد المذهبين أهـ(2)، والخلاف إنما هو فى الأفضل . وأىّ الكيفيتين فعل المصلى فصلاته صحيحة .
(
__________
(1) ص 56 إلى 59ج1 – زاد المعاد ( كيفية سجوده صلى الله عليه وسلم ) .
(2) ص 283ج2 – نيل الأوطار ( هيئات السجود وكيف الهوى إليه ) .(1/264)
17 إلى 22 ) ويسن فى السجود تمكين الجبهة والأنف وسائر أعضاء السجود من الأرض حال السجود . ووضع الوجه بين الكفين . وضم أصابع اليدين محاذية الأذنين . وجافاة الرجل مرفقيه عن جنبيه ومجافاه بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه فى السجود . وتوجيه المصلى أصابع يديه ورجليه نحو القبلة حال السجود لأنّ النبى صلى الله لعيه وسلم كان يفعل ذلك فى سجوده " ففى حديث " وائِل بنِ حُجْرِ قال : صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم فكان إذا كبر رفع يديه إلى أن قال : ثم سجد ووضع وجهه بين كفّيه ( الحديث ) . أخرجه أبو داود(1){ 323 }
( وعنه ) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرّج بين أصابعه ، وإذا سجد ضم أصابعه . أخرجه ابن حبان والحاكم قال : صحيح على شرط مسلم(2) ... ... ... ... ... ... ... { 324 }
( وعنه ) قال : رمَقْنُ النبى صلى الله عليه وسلم فلم سجد وضع يديه حِذاء أُذنيه . رواه الأثرم(3){ 325 }
وإلى هذا ذهبت الحنفية والمالكية ، وروى عن أحمد قال الأثرم : رأيت أبا عبد الله " يعنى الإمام أحمد " ويداه بحذاء أذنيه ( وقال ) الشافعى : يستحب وضع اليدين حذو المنكبين . وهو مشهور مذهب أحمد ( لحديث ) أبى حُميدٍ الساعِدى أن النبى صلى الله عليه سلم كان إذا سجد أمْكن أنفَه وجبهتَه الأرضَ ونحىَ يديه عن جَنْبيه ووضع كفّيه حَذو مَنْكِبيه . أخرجه ابن خزيمة والترمذى وقال : حسن صحيح(4) ... ... ... { 326 }
(
__________
(1) ص 123ج5 – المنهل العذب ( رفع اليدين ) .
(2) ص 224 ، 227ج1 مستدرك .
(3) ص 381 ج1 – نصب الراية .
(4) ص 231 تحفة الأحوذى ( السجود على الجبهة والأنف ) .(1/265)
والجمع ) بينهما حسن بأن يجعل راحتيه حَذْو منكبيه ، وطرف الإبهامين حذو الأذنين . وهو قول المالكية ( قال ) عبد الله بن مالك بن بُحَيْنَة : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى فرّج بين يديه حتى يبدُوَ بباضُ إبْطيه أخرجه الشيخان(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 327 }
ومحل طلب التفريج إذا لم يكن المصلى فى الصف ، وإلا فلا يجافى حذراً من إيذاء جاره ( وعن ) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سجد أحدكم فلا يفترش ذِراعية افتراشَ الكلب ولْيضُم فخِذَيه " أخرجه أبو داود وابن خزيمة(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 328 }
والأمر فى قوله وليضم فخذيه للندب عند الجمهور ، وللإباحة عند الحنبلية لأن المستحب عندهم أن يفرّق بين ركبتيه ( لقول ) أبى حُمَيدٍ فى صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وإذا سجد فرّج بين فخِذيه غيرَ حاملٍ بطنَه على شئ من فخِذيه " أخرجه أبو داود(3) ... ... ... ... ... ... ... { 329 }
( وقال ) ابن عباس : " أتيت النبى صلى الله عليه وسلم من خلفه " يعنى وهو ساجد " فرأيت بباضَ إبْطيه وهو مُجَخّ ٍ قد فرّج بين يديه " أخرجه أبو داود والبزار(4) ... ... ... ... ... ... { 330 }
__________
(1) ص 199ج2 – فتح البارى ( بيدى ضبعيه ويجافى فى السجود ) وص 210ج4 – نووى ( الاعتدال فى السجود ) .
(2) ص 350ج5 – المنهل العذب ( صفة السجود ) .
(3) ص 140 منه ( افتتاح الصلاة ) .
(4) ص 349 ج4 – المنهل العذب ( صفة السجود ) ومجخ ، اسم فاعل من جخى بتشديد الخاء إذا جافى عضديه عن جنبيه .(1/266)
والأمر بمجافاة اليدين حال السجود للندب ( لحديث ) أبى هريرة قال : " اشتكى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم على النبى مشقةّ السجود عليهم إذا تفرّجوا فقال : استعينوا بالركب " أخرجه أحمد وأبو داو والترمذى من طريق ابن عجلان ، وزاد أحمد " قال ابن عجلان : وذلك أن يضع مِرْفقيه على ركبتيه إذا طال السجود وأعيا "(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 331 }
ففيه دليل على جواز ترك التجافى حال السجود للضرورة فيكون قرينة صارفة لأحاديث الأمر بالتجافى إلى الندب .
( والحكمة ) فى استحباب التجافى حال السجود أن يخف اعتماده على جبهته ولا يتأثر أنفه ولا يتأذى بملاقاه الأرض . قاله القرطبى . وقال غيره : هو أشبه بالتواضع وأبلغ فقى تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع بعده عن هيئة الكسلان(2)، وهو مستحب فى حق الرجل اتفاقا .
أما المرأة فيستحب لها ضم بعضها إلى بعض لأنه أستر لها ( ولحديث ) يزيد بن أبى حبيب أنّ النبى صلى الله عليه وسلم مرّ على امرأتين تصليان فقال : إذا سجدتُها فضُما بعض اللحم إلى الأرض فإنّ المرأة فى ذلك ليست كالرجل . أخرجه أبو داود فى المراسيل . ... ... ... ... ... ... ... ... { 332 }
(
__________
(1) ص 289 ج3 – افتح الربانى . وص 351 ج5 – المنهل العذب ( الرخصة فى ذلك ) أى فى عدم تفريج اليدين . وص 236 ج 1 تحفة الأحوذى ( الاعتماد فى السجود ) وتفرّجوا ، بتشديد الراء ، أى باعدوا أيديهم عن جنوبهم ، ورفعوا بطونهم عن أفخاذهم . وفى أبى داود : إذا انفرجوا .
(2) ص 199ج2 – فتح البارى ( يبدى ضبعيه ) .(1/267)
23 ) الافتراش والنورك : ( الافتراش ) أن يبسط المصلى رجله اليسرى ويجلس عليها ناصباً رجله اليمنى موجِّها أصابعها نحو القبلة مثنياً رجله اليسرى تحتها . وكلاهما وارد عن النبى صلى الله عليه وسلم . ولذا اتفق العلماء على جواز الجلوس فى الصلاة على أى كيفية منهما . واختلفوا فى المستحب والأفضل ( فقال ) الحنفيون والثورى : يستحب الافتراش فى كل جلوس فى الفرض وغيره ( لقول ) عائشة فى صفة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم : وكان يقول فى كل ركعتين التحية ، وكان يفرش رجله اليسرى ، وينصبُ رجله اليمنى . أخرجه أحمد ومسلم من حديث طويل(1) ... ... ... ... ... ... ... { 333 }
( ولحديث ) أبى حُميدٍ أنه صلى الله عليه وسلم يعنى للتشهد فافترش رجله اليُسرى وأقْبل بصدر اليمنى على قِبلته " أخرجه الترمذى وقال : حسن صحيح(2) ... ... ... ... ... ... { 334 }
( وقالت ) المالكية : يستحب التورّك فى كل جلوس ( لما روى ) يحيى ابن سعيد أنّ القاسم بن محمد أراهم الجلوس فى التشهد فنصَب رجله اليمنى وثنَى رجله اليسرى وجلس على وِرْكه الأيسر ولم يجلس على قدمه ثم قال: أرانى هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدّتنى أنّ أباه كان يفعل ذلك . أخرجه مالك(3)( وأجاب ) الحنفيون عنه أنه من عمل ابن عمر والثابت م روايته أنّ السنة الافتراش ( روى ) يحيى أن القاسم حدّثه عن عبد الله بن عبد الله ابن عمر عن أبيه قال :" من سنة الصلاة أن تنصِب أقدم اليمنى واستقبالُه بأصابعها القبلة والجلوُس على اليسرى " أخرجه النسائى(4) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 335 } ...
__________
(1) ص 14ج4 – الفتح الربانى . وص 213ج4 – نووى ( ما يجمع صفة الصلاة ) .
(2) ص 241 ج 1 – تحفة الأحوذى ( كيف الجلوس فى التشهد ) .
(3) ص 166 ج1 – زرقانى .
(4) ص 173 ج1 – مجتبى ( الاستقبال بأطراف أصابع القدم القبلة عند القعود للتشهد ) واستقباله والجلوس ، بالرفع عطف على أن تنصب .(1/268)
وهو أقوى من رواية مالك ، لقوله فيه " من سنة الصلاة " وهو يقتضى الرفع ( قال ) فى المدوّنة : الجلوس فيما بين السجدتين مثل الجلوس فى التشهد يفضى بأليتيه على الأرض وينصب رجله اليمنى ويثنى رجله اليسرى . وإذا نصب رجله اليمنى جعل باطن الإبهام على الأرض لا ظاهره(1).
( وقالت ) الشافعية : يسنّ الافتراش ف كل جلوس لا يعقبه سم ، والتورّك ف جلوس يعقبه سلام ، لما فى حديث أبى حُميد الساعدىّ قال : ثم يَهْوى إلى الأرض فُيجافى يديه عن جَنْبيه ثم يرفع رأسه ويَثنى رجله اليسرى ويقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ثم يسجد ثم يكبر ويجلس على رجله اليسرى ثم يصنع فى الأخرى مثل ذلك إلى أن قال : حتى إذا كانت السجدة التى فيها التسليم أخّر رجله اليسرى وقعد متورّكا على شقه الأيسر . أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال : حسن صحيح وأبو داود . وفى رواية له : فإذا قعد فى الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى ونصب اليمنى فإذا كان فى الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 336 }
( والحكمة ) فى ذلك أن الافتراش اقرب إلى تذكر الصلاة وعدم اشتباه عدد الركعات ، ولأنّ السنة تخفيف التشهد الأوّل فيجلس مفترشاً ليكون أعون له وأمكن . وإذا جلس المسبوق مع الإمام فلى آخر صلاته ن فالصحيح أنه يجلس مفترشاً لأنه ليس آخر صلاته . وقيل يتورّك تبعاً للإمام . وقيل إن كان جلوسه فى محل التشهد الأول له افترش ، وإلا تورّك لأن جلوسه حينئذ لمجرّد المتابعة . وإذا جلس فى آخر صلاته وعليه سجود سهو افترش على الأصح . وقيل يتورّك لأنه آخر صلاته . أفاده النووى(3).
(
__________
(1) ص 74ج1 – المدونة الكبرى ( جلوس الصلاة ) .
(2) ص 169 ج1 – ابن ماجه ( إتمام الصلاة ) . وص 249 ج 1 – تحفة الأحوذى ( وصف الصلاة ) وص 131ج5 - المنهل العذب ( فاتتاح الصلاة ) .
(3) ص 451 ج 3 – شرح المهذب .(1/269)
وقال ) أحمد : إذا كان الصلاة ذات تشهدين يستحب الافتراش فى الأوّل والتورّك فى الثانى . وإن كانت ذات تشهد واحد يستحب فيه الافتراش ( قال ) ابن قدامه : ولنا حديث وائل بن حُجْر أن النبى صلى الله عليه وسلم لما جلس للتشهد افترش رجله اليسرى ونصب رجله اليمنى . ولم يفرّق بين ما يسلم فيه وما لا يسلم ( وقالت ) عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى كل ركعتين التحية . وكان يفترش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى . رواه مسلم(1)وهذان يقضيان على كل تشهد بالافتراش إلا ما خرج منه ، لحديث أبى حُميد ف التشهد الثانى فيبقى فيما عداه على قضية الأصل ، ولأن هذا ليس بتشهد ثان فلا يتورّك فيه كالأول . وهذا لأنّ التشهد الثانى إنما تورّك فيه للفرق بين التشهدين ، وما ليس فيه إلا تشهد واحد لا اشتباه فيع فلا حاجة إلى الفرق أهـ(2). وهذه الهيئات كلها جائزة وحسن فعلها لثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(
__________
(1) تقدم رقم 333 ص 246 .
(2) ص 582 ج1 – مغنى .(1/270)
24 ) اتفق العلماء على أنه يسنّ للمصلى إذا جلس بين السجدتين أن يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، ويده اليسرى على فخذه اليسرى ، بحيث تكون أطراف الأصابع على طرفى الركبتين موجهة نحو القبلة ، ناشراًَ أصابعه مفرّجة قليلا وكذلك فى الجلوس حال التشهد . إلا أنهم اختلفوا فى قبض بعض أصابع اليمنى وكيفيته وكيفية الإشارة بالسبابة ( فقال ) الحنفيون فى ذلك ثلاث كيفيات : ( الأولى ) أنه يسنّ للمصلى أن يضع يده عل فخذيه حال التشهد كحال الجلوس بين السجدتين غير أنه يشير بسبابته اليمنى ، أى يرفعها عند النفى بقوله " لا " ويضعها عند الإثباب بقوله " إلا الله " ( لقول ) وائل بن حُجْر فى صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإذا جلس فى الركعتين أضْجَع اليسرى ونصب اليمنى ، ووضع يده اليمنى على فخِذه اليمنى ، ونصب أصبعه للدّعاء ، ووضع يده اليسرى على رجله اليسرى " أخرجه النسائى(1) ... ... ... ... ... { 337 }
( الثانية ) أن يضع يديه على فخذيه وأطراف أصابعه على طرفى ركبتيه وعند الشهادة يقبض أصابع اليمنى إلا المسبِّحة فإنه يرسلها ويشير بها عند النفى ويضعها عند الإثبات ( لحديث ) ابن عمر " كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس فى الصلاة وضع كفّه اليمنى على فخِذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعُه التى تلى الإبهام ، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود(2) ... { 338 }
( قال ) ابن الهمام : ولاشك أن وضع الكف مع قبض الأصابع لا يتحقق ، فالمراد والله أعلم ، وضع الكف ثم قبض الأصابع عند الإشارة وهو المروى عن محمد وأبى يوسف فى كيفيتها(3).
(
__________
(1) ص 173 ج1 – مجتبى ( موضع اليدين عند الجلوس للتشهد ) .
(2) ص 16ج4 – افتح الربانى 3. وص 81ج5 – نووى ( صفة الجلوس فى الصلاة ) وص 101ج6 – المنهل العذب ( الإشارة فى التشهد ) .
(3) ص 221 ج1 – فتح القدير ( صفة الصلاة ) .(1/271)
الثالثة ) أن يضع يديه على فخذيه مبسوطتين وعند الشهادة يقبض م يده المينى الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام والوسطى ، ويشير بالمسبِّحة عند النفى ويضعها عند الإثبات ( لقول ) وائل بن حُجْر فى صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وحدَّ مِرْفقه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض ثِنْتين وحلق حَلقْه ورأيته يقول هكذا وحلق بِشْرٌ الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة " أخرجه النسائى وأبو داود(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 339 }
( ومشهور ) مذهب مالك أنه يستحب وضع اليدين على الفخذين أو الركبتين حال التشهد قابضاً أصابع يده اليمنى ماعدا السبابة فإنه يرسلها جاعلا جنبها إلى السماء مادّا الإبهام بجنبها على الوسطى محرّكا السبابة يميناً وشمالا إلى أن يفرغ من التشهد وما بعده ( لقول ) وائل بن حُجْر – فى صفة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم – ثم قعد فافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبتِه اليسرى ، وجعل حَدَّ مِر~فقه الأيمن على فخذه اليمنى ، ثم قبض ثلاثة من أصابعه وحلّق حلْقة ثم رفع أصبعَه فرايته يحُرِّكها يدعو بها " أخرجه أحمد والنسائى والبيهقى وقال : يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها ، فيكون موافقاً لرواية ابن الزبير(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 340 }
__________
(1) ص 63ج6 – المنهل العذب ( كيف الجلوس فى التشهد ) و ( حدّ مرفقه ) أى طرفه . وهو مرفوع مبتدأ . ويحتمل أنه فعل = ماض يعنى رفع مرفقه عن فخذه ( وقبض ثنتين ) أى ما أصابعه وهما الخنصر والبنصر . ففى رواية البيهقى ، ثم عقد الخنصر والبنصر ثم حلق الوسطى بالإبهام ( انظر ص 131 ج2 – بيهقى ) و ( حلقة ) بسكون اللام جمعها حلق كقصعة وقصع . ( بشر ) بن المفضل شيح مسدد فى نسد الحديث .
(2) ص 14 ج 4 – الفتح الربانى . وص 132 ج2 – بيهقى ( من روى أنه أشار بها ولم يحركها ) ورواية ابن الزبير تأتى رقم 342 .(1/272)
ويؤيد هذا الاحتمال ما فى رواية أبى داود السابقة عن وائل من قوله : وأشار بالسبابة ( والحكمة ) فى تحريك السبابة أن بها عرقا يتصل بالقلب فإذا تحركت تحرك وعلم أنه فى الصلاة وتنبه لوساوس الشيطان فلا يسهو فى صلاته . ولذا ورد أنها شديدة على الشيطان ( روى ) نافع أنّ ابن عمر رضى الله عنهما كان إذا جلس فى الصلاة وضع يديه على ركبتيه وأشار بأصبُعه وأتبعها بصرَه ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لَهِىَ أشدُّ على الشيطان م الحديد " يعنى السبابة " أخرجه أحمد والبزار . وفى سنده كثير بن زيد .
وثقه ابن حبان ،وضعفه غيره(1) ... ... ... ... ... ... ... { 341 }
( ولا ينافى ) هذا ما فى حيدث عبد الله بن الزبير " أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يُشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها " أخرجه أبو داود والبيهقى(2) ... ... ... ... ... ... ... { 342 }
( فإن فى صحة ) هذه الزيادة " أعنى ولا يحركها " نظر فقد ذكر مسلم الحديث بطوله ولم يذكرها بل قال : عن ابن الزبير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد فى الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرشَ قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعه(3){343}
وأيضاً فحديث وائل مقدم لصحته . وحديث ابن الزبير فيه مقال وعلى فرض التساوى فيحمل النفى فى حديث ابن الزبير على بعض الأحيان لبيان أن التحريك دائما ليس بواجب ، وهذا هو الأقرب جمعاً بين الأحاديث .
(
__________
(1) ص 15ج4 – الفتح الربانى . وص 140ج2 – مجمع الزوائد ( التشهد والجلوس والإشارة بالأصبع فيه ) و ( لهى أشد .. ) أى أن الإشارة بالسبابة عند التشهد أشد على الشيطان من الضرب بالحديد ، لأنها تذكر العبد بوحدانية الله تعالى والإخلاص فى العبادة . وهذا أعظم شئ يكرهه الشيطان .
(2) ص 103 ج6 – المنهل العذب ( الإشارة فى التشهد ) وص 132ج2 – بيهقى .
(3) ص 79ج5 – نووى ( صفة الجلوس فى الصلاة ... ) .(1/273)
وقالت ) الشافعية . المستحب أن يضع يديه على فخذيه حال التشهد قابضا أصابع اليمنى ماعدا السبابة فإنه يرسلها ويشير بها بلا تحريك عند قوله " إلا الله " إشارة إلى التوحيد والإخلاص ويديم رفعها حتى يقوم أو يسلم ( لقول ) ابن الزبير : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدْعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى ، وأشار بأصبعه السبابة ، ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى ويُلْقِم كفّه اليسرى ركبته . أخرجه مسلم(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 344 }
( وقالت ) الحنبلية : يستحب للمصلى إذا جلس للتشهد وضعُ يديه على فخذيه باسطاً أصابع اليسرى موجهة للقبلة قابضاً الخِنصر والبنصَر من اليمنى محلقاّ الإبهام مع الوسطى مشيراً بالسباحة كلما مرّ على لفظ الجلالة إشارة للتوحيد . ولا يحرّكها بما تقدّم عن وائل بن حجر فى الكيفية الثالثة عند الحنفيين(2)( وعن ) أحمد أنه يستحب ضم أصابعه الثلاث وعقد الإبهام مع الوسطى مشيراً بالسبابة ( لحديث ) عبد الله بن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد فى التشهد وضع يدَه اليمنى على ركبته اليمنى وعقَد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة . أخرجه مسلم(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 345 }
( تنبيه ) قد علم انه ورد فى وضع اليمين على الفخذ حال التشهد روايات مختلفة ذكر فى بعضها القبض دون البعض . والعمل بكل سائغ .
(25) جلسة الاستراحة : هى الجلوس بعد الرفع من السجدة الثانية من الركعة الأولى ؛ وكذا من الثالثة فى الرباعية . وقد اختلف العلماء فى مشروعيتها ( فقال ) باستحبابها الشافعية وداود وأحمد فى آخر أمره .
__________
(1) ص 79ج5 – نووى ( صفة الجلوس فى الصلاة .. ) .
(2) تقدم رقم 339 ص 250 .
(3) ص 80ج5 نووى ( وعقد ثلاثا وخمسين ) أى قبض الخنصر والبنصر والوسطى ووضع رأس إبهامه على المفصل الأوسط من الوسطى ورفع السبابة .(1/274)
لقول أبى قلابة : جاء مالك بنُ الحُويرث إلى مسجدنا فقال : والله إنى لأُصلى وما أريد الصلاة ولكنى أريد أن أُريكم كيف رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فقعد فى الركعة الأولى حين رفع رأسه من السجدة الآخرة . أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود والنسائى(1) ... ... ... ... ... ... { 346 }
( وعن ) مالك بن الحويرث أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم فكان إذا كان فى وترٍ من صلاته لم ينهض حتى يستوى جالسا . أخرجه أحمد والخمسة إلا مسلما . وقال الترمذى حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 347 }
( وقال ) الحنفيون ومالك والثورى وإسحاق : جلسة الاستراحة غير مشروعة بل إذا رفع المصلى رأسه من السجود الثانى نهض قائما بلا جلوس وهو رواية عن أحد . وأكثر الأحاديث على هذا ( ومنها ) حديث وائلِ بن حُجْرٍ أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قائما . أخرجه البزار وذكره النووى فى الخلاصة فى فصل الضعيف(3) ... ... ... ... ... ... ... { 348 }
__________
(1) ص 295 ج3 – الفتح الربانى ( جلسة الاستراحة ) وص 205 ج2 – فتح = البارى ( كسف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة ) وص 173 ج1 – مجتبى ( الاستواء للجلوس عند الرفع من السجدتين ) وص 282ج5 – المنهل العذب ( النهوض فى الفرد )
(2) ص 204 ج 2 – فتح البارى ( من استوى قاعدا فى وتر من صلاته ثم نهض ) وص 282ج5 – المنهل العذب . وص 173 ج1 مجتبى . وص 137ج1 – تحفة الأحوذى ( كيف النهوض من السجود ) .
(3) ص 302 ج2 – نيل الأوطار ( كيف النهوض للثانية ) .(1/275)
وهو لا ينفى استحباب جلسة الاستراحة لن تركها أحيانا إنما ينافى وجوبها ( واستدلوا ) أيضاً بقول عبد الرحمن بن يزيد : رمقت عبد الله بن مسعود فى الصلاة فرأيته ينهض ولا يجلس قال : ينهض على صدور قدميه فى الركعة الأولى والثالثة . أخرجه ابن أبى شيبة والطبرانى ف الكبير ورجاله رجال الصحيح(1)وهذا لا ينافى أنها سنة كما تقدم .
( وأجابوا ) عن حديث مالك بنِ الحُويرث ونحوه بأنها محمولة على حال الكبَر أو أنه صلى الله عليه وسلم جلس لعلة من ضعف ونحوه ، ولذا قال أبو إسحاق المروزى : إن كان المصلى ضعيفا جلس للراحة ، وإن كان قوياً لم يجلس ( وردّة ) الحافظ فى الدراية بأنّ هذا تأويل يحتاج لدليل ، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم : " صلوا كما رأيتمونى أصلى(2)" ولم يفصل .
فالحديث حجة فى الاقتداء به فى ذلك . ولذا ثبت أنّ الإمام أحمد رجع إلى القول يجلسة الاستراحة ( قال ) ابن قدامة : واختلف الرواية عن أحمد هل يجلس للاستراحة ؟ فروى عنه لا يجلس وهو اختيار الخرقى . والرواية الثانية أنه يجلس واختارها الخلال قال : رجع أبو عبد الله إلى هذا " يعنى ترك قوله بترك الجلوس " لما روى مالك بن الحويرث أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض . متفق عليه(3)وذكره أيضاً أبو حُميد ف صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو حديث حسن صحيح . فتعين اعمل به والمصير إليه . فإذا قلنا يجلس فيتحمل أنه يجلس مفترشا ، وهو مذهب الشافعى(4).
(
__________
(1) ص 136 ج2 – مجمع الزوائد ( صفة الصلاة ) .
(2) تقدم رقم 190 ص 142 .
(3) تقدم رقم 347 ص 254 .
(4) ص 571 ج1 – مغنى .(1/276)
26 ) يسنّ عند الحنفيين وأحمد النهوض إلى غير الركعة الأولى صدور القدمين غير معتمد بيديه على الأرض ( لقول ) وائل بن حُجْرٍ فى صفة صلاته صلى الله عليه وسلم : وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذه . أخرجه أبو داود(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 349 }
( وقال ) ابن عمر : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض فى الصلاة. أخرجه أبو داود والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين(2) ... ... ... ... { 350 }
( وقال ) علىّ كرّم الله وجهه : إنّ من السنة فى الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل فى الركعتين الأُوليْين ألا يعتمدَ بيديه على الأرض إلا أن يكونا شيخا كبيرا لا يستطيع . أخرجه الأثرم(3)( وقال ) مالك والشافعى : السنة أن يعتمد على يديه ف النهوض ( قال ) أبو قِلابة : كان مالك بن الحوَيرث يأتينا فيقول : ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيصلى فى غير وقت الصلاةِ فإذا رفع رأسه م السجدة الثانية استوى قاعدا ثم قام فاعتمد على الأرض . أخرجه النسائى(4) ... ... ... ... ... ... ... { 351 }
ولأن ذلك أعون للمصلى ( وأجاب ) الأوّلون عن الحديث بحمله على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك حال ضعفه وكبر سنه . ومنه تعلم أنه لا خلاف فى جواز الاعتماد على الأرض باليدين حال النهوض لمن شق عليه القيام على صدور القدمين لضعف أو كبر أو سمن أو مرض .
(
__________
(1) ص 279ج5 – المنهل العذب ( كيف يضع ركبتيه قبل يديه ) .
(2) ص 106 ج 6 – المنهل العذب ( كراهية الاعتماد على اليد فى الصلاة ) وص 230 ج1 – مستدرك .
(3) ص 572 ج1 – مغنى .
(4) ص 173 ج1 – مجتبى ( الاعتماد على الأرض عند النهوض ) .(1/277)
27) اتفق العلماء على أنه يسنّ التفريق بين القدمين حال القيام تفريقا يسيرا ، غير أنّ المالكية عدّوه مندوبا. واختلفوا فى تقديره ( فقدّره ) الحنفيون بقدر أربع أصابع . فإن نقص أو زاد لغير عذر كسِمَن كره . وقدره الشافعية بشبر . والحنبلية والمالكية بالعرف بحيث لا يضمهما ولا يفرّقهما كثيرا حتى يتفاحش عرفا .
(28) يسنّ اتفاقا تخفيف القعود الأول ( لحديث ) أبى عُبيدة عن أبيه ( ابن مسعود ) عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان فى الركعتين الأوليين كأنه على الرّضْف حتى يقومَ " أخرجه الثلاثة وقال الترمذى حسن ، إلا أنّ أبا عُبيدة لم يسمع من أبيه(1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 352 }
ولهذا قال الثلاثة والشافعى ف القديم : يستحب الاقتصار على التشهد وعدم النقض منه ، فلو نقص أو زاد فيه شيئاً ولو دعاء أو صلاة على النبى صلى الله عليه وسلم كان مكروها ( وقال ) الشافعى فى الجديد : تسنّ الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث قط أنه صلى عليه وعلى آله فى التشهد الأوّل . ومن استحب ذلك فإنما فهمه من عمومات وإطلاقات قد صح تبين موضعها وتقييدها بالتشهد الأخير(2). وعليه فلا دليل لمن قال بأن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى التشهد الأوّل سنة .
(29) اتفق العلماء على أنه يطلب من المصلى أن يصلى على آل النبى صلى الله عليه وسلم بصيغة من الصيغ الواردة . وقد تقدّم بعضها فى بحث الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى الأركان .
__________
(1) ص 108 ج6 – المنهل العذب ( تخفيف القعود ) . وص 175 ج1 – مجتبى ( التخفيف فى التشهد الأول ) ( والرضف ) بسكون الضاد ، جمع رضفة ، وهى الحجارة المحماة . وهو كناية عن تخفيف الجلوس .
(2) ص 62ج1 – زاد المعاد ( ثم كان صلى الله عليه وسلم ينهض على صدور قدميه .. )(1/278)
واختلفوا فى حكمها ( فقال ) بعض الشافعية والحنبلية : إنها واجبة للأمر بها فى عدّة أحاديث ( كحديث ) كعب بن عُجْرة قال : قلنا يا رسول الله قد عَلِمنا كيف نسلِّم عليك فكيف نصلِّى عليك ؟ قال : فقولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد(1).
( وقال ) الحنفيون ومالك وجمهور السلف : الصلاة على الآل بعد التشهد الأخير سنة . وهو مشهور مذهب الشافعى وأحمد . وقالوا الأمر بها فى الأحاديث لا يقتضى الوجوب ، لأنه إنما ورد لتعليم الكيفية . ولم يبتدئهم به ، فهو محمول على الندب لذلك ، ولعدم ذكر الآل فى الآية .
هذا . والمعول عليه أن المراد بالآل فى مقام الدعاء أمة الإجابة . وفى مقام الثناء كل تقّى . وفى الزكاة من حرمت عليهم الصدقة .
(30) يسنّ لكل مصلّ الدعاء فى القعود الأخير بعد الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وآله ، يدعو لنفسه ولوالديه ولجميع المؤمنين بما شاء من خيرى الدنيا والآخرة ( لقوله ) عليه الصلاة والسلام فى حديث ابن مسعود فى التشهد : ثم ليتخير أحدكم من الداء أعجبَه إليه فيدعو به(2).
( ولحديث ) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا فرغ أحدُكم من التشهد الأخير فليتعوّذ بالله من أربعٍ : من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال " أخرجه أحمد
ومسلم والأربعة إلا الترمذى(3) ... ... ... ... ... ... ... ... { 353 }
(
__________
(1) تقدم رقم 227 ص 170 ( الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ) .
(2) هذا عجز الحديث رقم 218 ص 163 .
(3) ص 29 ج4 – الفتح الربانى وص 87ج5 – نووى ( التعوذ من عذاب القبر ... ) وص 97ج6 – المنهل العذب ( ما يقول بعد التشهد ) وص 193 ج1 – مجتبى ( التعوذ فى الصلاة ) وص 152ج1 – ابن ماجه ( ما يقال بعد التشهد ) .(1/279)
ولحديث ) عائشة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يدعو فى صلاته : " اللهم إن أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فِتنة المسيح الدجّال وأعوذ بك م فتنة المحيا والممات اللهم إنى أعوذ بك من الماثم والمغرم فال له قائل : ما أكثر ما تستعيذُ م المغرَم ؟ فقال : إن الرجل إذا غرِمَ حدّث فكذَب ، ووعد فأخلف " أخرجه السبعة إلا ابن ماجه(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 354 }
(
__________
(1) ص 30 ج4 – الفتح الربانى . وص 215 ج2 – فتح البارى ( الدعاء قبل السلام ) وص 87ج5 – نووى . وص 328ج5 – المنهل العذب (الدعاء فى الصلاة ) وص 193 ج1 – مجتبى .. و ( فتنة المحيا ) ما يعرض للإنسان مدّة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات ، وأعظمها والعياذ بالله تعالى ما يكون عند الموت ( وفتنة الممات ) يحتمل أن يراد بها الفتنة عند الموت ، أضفيت إليه لفر بها منه ، ويجوز أن يراد بها فتنة القبر ، فقد صح أنهم يفتنون فى قبورهم . وقيل المراد بفتنة المحيا الابتلاء مع عدم الصبر ، وبفتنة الممات سؤال القبر مع الحيرة . و ( المأثم ) ما يأثم الإنسان بارتكابه من المعاصى ( والمغرم ) مصدر وضع موضع الاسم . والمراد به الدين فيما يكرهه الله تعالى ، أو فيما يحل ولا يقدر على أدائه ، فأما دين احتيج إليه شرعا ويقدر على أدائه ، فلا يستعاذ منه . واستعاذ صلى الله عليه وسلم مما ذكر تعليما للأمة ، ولينتشر خبر الدجال بأنه كذاب ساع فى الأرض بالفساد ، فلا يلتبس حاله على المؤمنين عند خروجه و ( قائل ) هو عائشة رضى الله عنها . ففى رواية للنسائى عنها : قلت يا رسول الله ما أكثر ما تتعوذ من المغرم ؟(1/280)
وقد ) حمل الجمهور الأمر بالدعاء والتعوّذ فى هذه الأحاديث على الندب ( وحمله ) الظاهرية على الوجوب . وقال ابن حزم : يجب التعوّذ بعد التشهدين ، لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم – فى حديث أبى هريرة – إذا تشهّد أحدكم فليستعِذْ بالله من أربع . يقول : اللهم إنى أعوذ بك من عذاب جهنم ( الحديث ) أخرجه مسلم والنسائى(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 355 }
وهو مطلق فى التشهدين ( وأجاب ) الجمهور بأن ما استدل به مطلق وما استدلوا به مقيد بالتشهد الأخير ، فينبغى المصير إليه حملا للمطلق على المقيد .
( فائدة ) اتفق العلماء على جواز الدعاء بخيرى الدنيا والآخرة فى الصلاة قبل السلام وأن أفضله ما كان بالمأثور فى القرآن والسنة " ومنه " ما فى حديث محِجَنِ بن الأدرِع أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فإذا هو برجل يتشهد وهو يقول : اللهم إنى أسألك يا أللهُ الواحد الأحد الصمد الذى لم يِلدْ ولم يولدْ ولم يكن له كُفُواً أحدٌ أن تغِفرَ لى ذنوبى إنك أنت الغفورُ الرحيم . فقال النبى صلى الله عليه وسلم قد غَفِر له ثلاثَ مراتٍ " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 356 }
( ومنه ) اللهم ألْف بين قلوبنا ، وأصلِح ذات بيننا واهْدنا سُبل السلام ، ونجِّنا من الظلُّمات إلى النور ، وجنِّبنا الفواحشَ ما ظهر منها وما بطنَ ، وبارك لنا فى أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا ، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم ، واجعلنا شاكرين لنعمتك مُثْنين بها قابليها وأتمها علينا " أخرجه أبو داود عن ابن مسعود(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 357 }
(
__________
(1) انظر المراجع بهامش .
(2) ص 31 ج4 – الفتح الربانى . وص 98ج6 – المنهل العذب ( ما يقول بعد التشهد ) . وص 193 ج1 – مجتبى ( الدعاء بعد الذكر ) .
(3) ص 75ج6 – المنهل العذب ( التشهد ) .(1/281)
ومنه ) اللهم إنى ظلمت نفسى ظلماً كثيراً ولا يغِفرُ الذنوب إلا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمنى إنك أنت الغفورُ الرحيم . أخرجه الشيخان عن أبى بكر(1) ... ... ... ... ... { 358 }
( واختلفوا ) فى جواز الدعاء بما يشبه كلام الناس ، وهو ما لا يستحيل طلب مثله منهم ، نحو اللهم زوّجنى فلانة اللهم اقض دينى ، اللهم ارزقنى طعاما طيباً وبستاناً أنيقا ( فقالت ) المالكية والشافعية : يجوز لعموم قوله عليه الصلاة والسلام فى حديث ابن مسعود فى التشهد : ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه ( وقال ) الحنفيون وأحمد : لا يجوز الدعاء به ، لأنه يعد من كلام الناس . وقد قال عليه الصلاة والسلام : إن هذه الصلاةَ لا يحل فيها شئ من كلام الناس هذا ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " أخرجه مسلم وأبو داود من حديث طويل عن معاوية بن الحكم(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 359 }
وهو مقدم على عموم حديث " ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبَه إليه فيدعو به " لأنه مانع وهذا مبيح (وأجاب) الأولون بأن المراد بكلام الناس فى حديث معاوية بن الحكم توجيه الكلام إليهم بالخطاب ، لا خطاب الله بالدعاء المأذون به فى الأحاديث الصحيحة ، لأن سبب حديث معاوية أنه شّمت عاطساً وهو يصلى فأنكر عليه الصحابة ، فلما فرغ النبى صلى الله عليه وسلم من الصلاة ذكر له الحديث .
(31) ويسنّ تحويل وجهه يمينا ثم يسارا بالسلام كما تقدم فى بحث السلام .
(
__________
(1) ص 277 ج2 – فتح البارى ( الدعاء قبل السلام ) وص 27 ج17 نووى ( خفض الصوت بالذكر ) .
(2) ص 29 ج6 – المنهل العذب ( تشميت العاطس فى الصلاة ) .(1/282)
32) يسنّ درج لفظ السلام والوقوف عليه وألا يزيد فيه على المد الطبيعى وهو حركتان ، لحديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " حذْف السلام سنة " . أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم قال : صحيح على شرط مسلم وفى سنده قرة بن عبد الرحمن وهو ضعيف ، وأخرجه الترمذى موقوفا(1) ... { 360 }
والحذف بفتح فسكون . عدم مدّه أزيد من حركتين . قال الترمذى وهو الذى يستحبه أهل العلم .
(33) ويجب عند الحنفيين جهر الإمام بالتحريمة وتبكير الانتقال والتسميع والسلام بقدر إسماع المأمومين وهو سنة عند الشافعية والحنبلية ومندوب عند المالكية . أما المؤتم والمنفرد فيقتصر كل على إسماع نفسه ، فإن رفع صوته كره كما يكره " رفع الإمام " صوته زيادة على حاجة المأمومين " والتبليغ " عند عدم الحاجة إليه بأن كان يبلغ المأمومين صوت الإمام .
وأما عند الحاجة إليه فمستحب ، لحديث عائشة رضى الله عنها فى قصة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم وهو مريض قالت:فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى جنبه يُسْمِع الناسَ . أخرجه مسلم(2){361}
(
__________
(1) ص 42ج4 – الفتح الربانى . وص 122 ج6 – المنهل العذب ( حذف السلام ) وص 243 ج1 – تحفة الأحوذى .
(2) ص 141 ج4 – نووى ( استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ) .(1/283)
قال الكمال ) ابن الهمام وفى الدراية : وبه يعرف جواز رفع المبلغين أصواتهم فى الجمعة والعيدين وغيرهما أهـ . أقول ليس مقصوده خصوص الرفع فى زماننا بل أصل الرفع لإبلاغ الانتقالات . أما خصوص الذى تعارفوه فى هذه البلاد فلا يبعد أنه مفسد ، فإنه غالبا يشتمل على مدّ همزة الله أو أكبر أو بائه وذلك مفسد . وغن لم يشتمل فإنهم يبالغون فى الصياح زيادة على حاجة الإبلاغ والاشتغال بتحرير النغم إظهاراً للصناعة النغمية لا إقامة للعبادة والصياح ملحق بالكلام أهـ(1).
( هذا ) ويشترط لصحة صلاة الإمام أو المبلغ أن لا يقصد بالتحريمة الإعلام فقط . وإلا لم تنعقد صلاته اتفاقا وكذا إن قصد بها الإعلام والإحرام عمد الشافعية . أما تكبير الانتقال والتسميع والسلام إذا قصد بها الإمام أو المبلغ التبليغ مع الذكر فإنّ صلاته صحيحة اتفاقا . وكذا إن قصد بها التبليغ فط خلافا للشافعية حث قالوا : إن قصد بها التبليغ فقط أو لم يقصد شيئا بطلت صلاته .
(
__________
(1) ص 262 ج1 – فتح القدير ( الإمامة ) وقد سئل الأستاذ الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية عن حكم تبليغ أحد المأمومين عند قلة الجماعة وسماعهم صوت الإمام ، فقال : صرحوا بأن الإمام يجهر وجوبا بحسب الجماعة . فإن زاد عليه أساء . وصرحوا بأن التبليغ عند عدم الحاجة إليه بأن يبلغ الجماعة صوت الإمام مكروه = بل نقل بعضهم اتفاق الأئمة الأربعة على أن التبليغ حينئذ بدعة منكرة أى مكروهة وأما عند الاحتياج إليه فمستحب . وصرحوا بأن المبلغ تكره له الزيادة فى الإعلام على قدر الحاجة أهـ . وهو بعض فتوى صادرة من دار الإفتاء بمصر بتاريخ 2 رجب سنة 13187 مسجلة برقم 2 سجل و 380 مسلسلة . وسنذكرها بتمامها فى بدع الجمعة إن شاء الله تعالى .(1/284)
خاتمة ) الخشوع قسمان ظاهرى وباطنى ( فالظاهرى ) سكون الجوارح عن العبث وجعل بصره موضع سجوده ( والباطنى ) خوف القلب وخضوعه ورقته وسكونه وحفظه عن الاشتغال بغير ما هو فيه من التأمل فى معانى القرآن ، فينشأ عنه سكون الجوارح ( وقد ) اتفق العلماء على أنه يطلب من المصلى أن يكون خاشعا خاضعا مستحضرا عظمة الله وهيبته ، وأنه يناجى من لا تخفى عليه خافية ، لقوله تعالى { قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } أى خائفون من الله متذللون له ، جاعلون أبصارهم إلى مواضع سجودهم ( وعن ) أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : أولُ شئ يرفع من هذه الأمة الخشوعُ حتى لا ترى فيها خاشعا . أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند حسن(1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 362 }
وقد عدّ الغزالى الخشوع ركنا من أركان الصلاة . وقال بعض السلف الخشوع للصلاة كالروح للجسد (وقال) ابن رجب الحنبلى فى رسالة الخشوع فى الصلاة : ( مرّ ) عصام بن يوسف رحمه الله بخاتم الأصم وهو يتكلم فى مجلسه فقال : يا حاتم تحسن تصلى ؟ قال نعم . قال كيف تصلى ؟ قال حاتم أقوم بالأمر وأمشى بالخشيبة، وأدخل بالنية ، وأكبر بالعظمة ، وأقرأ بالترتيل والتفرك وأركع بالخشوع وأسجد بالتواضع ، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلم بانية ، وأختمها بالإخلاص لله عز وجل ، وأرجع على نفسى بالخوف ، أخاف أن لا يُقْبَل منى ، وأحفظه بالجهد إلى الموت . قال تكلم فأنت تحسن تصلى أهـ .
( الثانى عشر ) آداب الصلاة
جمع أدب ، وهو والمندوب والمستحب والسنة بمعنى واحد عند الشافعية والحنبلية ( وقال ) الحنفيون ومالك: الأدب والمندوب والمستحب بمعنى وهو ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم ولم يواظب عليه ، وللصلاة آداب كثيرة المذكور هنا تسعة .
(
__________
(1) ص 136 ج2 – مجمع الزوائد ( الخشوع ) .(1/285)
1) السكنات فى الصلاة : يندب للمصلى أن يسكت فى الصلاة أربع سكتات ( الأولى ) بعد تكبير الإحرام وقبل القراءة . وهى مستحبة لكل مصل عند من يقول بدعاء الاستفتاح . وهذه ليست سكتة حقيقية ، بل الرماد عدم الجهر بشئ من الذكر ، لاشغاله بدعاء الاستفتاح كما تقدم(1)
وشرعت هذه السكتة ليتسنى للمأمومين تأدية النية والتكبير ويتفرغوا لسماع القراءة ( الثانةي ) سكتة بين ولا الضالين وآمين ، ليتسنى للمأموم موافقة الإمام فى التأمين ( لقول ) سمرة بن جُنْدُبٍ حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين : سكتةً إذا كبرّ وسكتة إذا فرغ من قراءةِ غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالين " أخرجه أحمد وأبو داود وهذا لفظه(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 363 }
( الثالثة ) السكتة بين الفاتحة والسورة . وهى مستحية للإمام عند الشافعية والحنبلية . ليقرأ المأموم فيها الفاتحة ، ويشتغل الإمام بالذكر والدعاء والقراءة سرا . ومكروهة عند الحنفيين ومالك لعدم ما يدل على مشروعيتها. واستدل الأولون بقول عروة بن الزبير : أما أنا فأغْتَمِ من الإمام اثنتين إذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأقرأ عندها وحين يختم السورة فأقرأ قبل أن يركع. وهذا يدل على اشتهار ذلك بينهم . رواه الأثرم(3)
(
__________
(1) تقدم ص 221 .
(2) ص 175 ج3 – الفتح الربانى . وص 191 ج5 – المنهل العذب ( السكتة عند الافتتاح ) .
(3) ص 535 ج1 – معنى .(1/286)
الرابعة ) السكتة بعد قراءة وقبل الركوع . وهى سكتة لطيفة لفصل القراءة من الركوع وترادّ النَّفَس . وهى مستحبة عند الشافعى وأحمد وإسحاق ( لقول ) سمُرة : " حِفظتُ سكتتين فى الصلاة : سكتةً إذا كبر الإمام حتى يقرأ . وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسور عند الركوع . فأنكر ذاك عليه عمران بن حُصين ، فكتبوا فى ذلك إلى المدينة إلى أبىّ فصدّق سَمُرة " أخرجه أبو داود وابن ماجه والدار قطنى(1) ... ... { 364 }
(2) يستحب للمصلى أن لا يجاوز بصرُه موضع سجوده حال القيام وغيره عند الشافعى وأحمد وهو ظاهر الرواية عند الحنفيين ( قال ) ابن قدامة : قال أحمد فى رواية حنبل : الخشوع فى الصلاة أن يجعل نظره موضع سجوده وروى ذلك عن مسلمة بن يسار وقتادة(2)( وقال ) أبو هريرة : " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى رفع بصرهَ إلى السماء فنزلت { قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } فطأطأ رأسه " أخرجه البيهقى والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين(3) ... ... ... ... ... ... ... { 365 }
( وقال ) عد الله بن الزبير : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس فى التشهد وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، ويده اليسرى على فخذه اليسرى ، وأشار بالسبابة ولم يُجاوز بصرهُ إشارتهَ " أخرجه أحمد والنسائى(4) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 366 }
__________
(1) ص 190 ج5 – المنهل العذب . وص 144ج1 – ابن ماجه ( فى سكتتى الإمام ) .
(2) ص 644 ج1 – مغنى ( مستحبات الصلاة ) .
(3) ص 283 ج2 – بيهقى ( لا يجاوز بصره موضع سجوده ) وص 459 ج2 – تفسير الشوكانى .
(4) ص 15 ج4 – الفتح الربانى . وص 187 ج1 – مجتبى ( موضع البصر عند الإشارة وتحريك السبابة ) .(1/287)
" ولم يجاوز بصره إشارته " أى أنه يستحب للمصلى أن لا يرفع بصره حال التشهد إلى ما يجاوز الأصبع التى يشير بها . ولذا قالت الشافعية : يستحب نظره إلى سبابة اليمنى حال التشهد ( وقالت ) المالكية : يستحب أن يكون نظره موجهاً للقبلة . قال ابن رشد الذى ذهب إليه مالك أن يكون بصر المصلى أمام قبلته من غير أن يلتفت إلى شئ ولا يُنكِّس رأسه ، وهو إذا فعل ذلك خشع بصره ووقع فى موضع سجوده على ما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم ( وقال ) بعض الحنفيين : يندب نظر المصلى إلى موضع السجود حال القيام ، وإلى ظهر القدمين حال الركوع ، وإلى طرف أنفه حال السجود ، وإلى حِجْره حال التشهد ، وغلى المنكب الأيمن والأيسر حال السلام ، لأن المقصود والخشوع وهذا أدعى له . ولم نقف على دليل لهذا التفصيل إلا ما حكى عن شَريك أنه قال : ينظر فى حال قيامه إلى موضع سجوده وفى ركوعه إلى قدميه وفى سجوده إلى أنفه ، وفى التشهد إلى حِجْره ( قال ) العلامة ابن عابدين : المنقول فى ظاهر الرواية أن يكون منتهى بصر المصلى فى صلاته إلى محل سجوده كما فى المضمرات ، وعليه اقتصر فى الكنز وغيره . وهذا التفصيل من تصرفات المشايخ كالطحاوى والكرخى وغيرهما(1).
(3) ويندب للمصلى أن يسدّ فمه عند التثاؤب ما استطاع ولو بأخذ شفته السفلى بسِنّه فإن لم يقدر غطاه بكمه أو بظهر يده اليمنى وقيل باليمنى فى القيام وباليسرى فى غيره ( لحديث ) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " التثاؤب نم الشيطان ، فإذا تثاءبَ أحدكم فليردّه ما استطاع ، فإن أحدكم إذا قال هاضحك الشيطان " أخرجه البخارى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 367 }
__________
(1) ص 353 ج1 – رد المختار ( آداب الصلاة ) .
(2) ص 214 ج6 – فتح البارى ( صفة إبليس من كتاب بدء الخلق )(1/288)
وفى رواية : إذا تثاءب أحدكم فى الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخلُ(1). وفى رواية ابن ماجه: إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه .
(4) ويستحب دفع السعال الطارئ بقدر الإمكان . أما المتصنَّع وهو الحاصل بلا عذر ، فإنه مبطل للصلاة إذا اشتمل على حروف كالجشاء كما سيأتى .
(5) ويندب للرجل إخراج كفيه من كميه حال الصلاة إلا لضرورة كبرْد . أما المرأة فلا تفعل ذلك محافظة على الستر .
(6) ويستحب تطويل الركعة الأولى عن الثانية فى جميع الصلوات عند مالك وأحمد ومحمد بن الحسن وجمهور الشافعية سواء أكان التطويل بالقراءة أن بترتيلها مع استواء المقروءة فى الركعتين ( لقول ) أبى قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بنا فيقرأ فى الظهر والعصر فى الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويُسمِعُنا الآية أحيانا . وكان يطوّل الركعة الأولى من الظهر ويُقَصِّر الثانية وكذلك فى الصبح . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... { 368 }
__________
(1) ص 465 ج10 – فتح البارى ( إذا تثاءب فليضع يده على فيه ) .
(2) ص 207 ج3 – الفتح الربانى . وص 165 ج2 – فتح البارى . وص 171 ج4 – نووى ( القراءة فى الظهر والعصر ) وص 153 ج1 – مجتبى ( تطويل القيام فى الركعة الأولى .. ) ( وسورتين ) أى فى كل ركعة سورة . ففى رواية للبخارى عن أبى قتادة قال : كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة . انظر ص 167 ج2 – فتح البارى ( القراءة فى العصر ) .(1/289)
والحكمة فى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوّل الأولى ليدركها الناس ( وقال ) عطاء : إنى لأحب أن يطوّل الإمام ركعة الأولى من الصلاة من كل صلاة حتى يكثر الناس . أخرجه عبد الرزاق ( وقيل ) الحكمة أنّ النشاط فى الركعة الولى يكون أكثر فلا يمنع التطويل من الخشوع . وخُفِّف غيرها حذراً من الملل ( وقال ) النعمان وأبو يوسف : يستحب تطويل الأولى عن الثانية فى صلاة الصبح دون غيره ، إعانة للناس على إدراك الجماعة ، فإنه وقت نوم وغفلة ( وقال ) جماعة من الشافعية وغيرهم : يستحب التسوية بين الأوليين فى القراءة فى كل صلاة ( لقول ) أبى سعيد الخدرى : حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الظهر والعصر . فحزَرْنا قيامة فى الأوليين من العصر على قدر الأُخريين من الظهر . وحزرنا قيامه فى الأخريين من العصر على النصف من ذلك . أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وهذا لفظه والنسائى والطحاوى(1) ... ... ... ... { 369 }
(
__________
(1) ص 222 ج3 – الفتح الربانى ( القراءة فى الظهر ) وص 172 ج4 نووى . وص 227 ج5 – المنهل العذب ( تخفيف الأخريين ) وص 122 ج1 – شرح معانى الآثار ( وحزرنا ) بزاى فراء ، أى قدّرنا قيامه للقراء فى الصلاة .(1/290)
وأجابوا ) عن حديث أبى قتادة ونحوه بأنّ تطويل الركعة الأولى إنما هو لدعاء الاستفتاح والتعوّذ . وقد جمع البيهقفى بين حدثيى التطويل والتسوية بأنّ الإمام يطوّل فى الأولى إن كان منتظراً لحد ، وإلا سوّى بين الأوليين . والراجح القول الأول ( قال ) النووى : تطويل القراءة فى الأولى قصداً هو الصحيح المختار لظاهر السنة(1)( وقال ) ابن القيم : كان صلى الله عليه وسلم يطيل الركعة الأولى على الثانية من صلاة الصبح ومن كمل صلاة ، وربما كان يطيلها حتى لا يُسمع وقع قدم . وكان يطيل صلاة الصبح أكثر من سائر الصلوات . وهذا لأن قرآن الفجر مشهود ، شهده الله تعالى ملائكته . وقيل يشهده ملائكة الليل والنهار . وأيضاً فإنها لما نقصت عدد ركعات جعل تطويلها عوضاً عما نقصته من العدد ، ولأنها تكون عقيب النوم والناس مستريحون لم يأخذوا بعد فى استقبال المعاش وأسباب الدنيا ، ولأنها تكون فى وقت تواطأ فيه السمع واللسان والقلب لفراغه وعدم تمكن الاشتغال فيه . فيفهم القرآن ويتدبره . وأيضا فإنها أساس العمل وأوّله فأعطيت فضلا من الاهتمام به أو تطويلها . وهذه أسرار إنما يعرفها من له التفات إلى أسرار الشريعة ومقاصدها وحكمها . والله المستعان(2).
(7) ويستحب – عند الحنفيين وأحمد – لمصلى النافلة دون الفريضة السؤال إذا مرّ بآية فيها سؤال أو رحمة أو عذاب أو جنة أو استغفار أو موجوّ ، والتعوّذ إذا مرّ بآية فيها تعوّذ أو نار أو وعيد ، والتسبيح إذا مرّ بآية فيها تسبيح ( لقول ) أبى ليلى : " سمعتُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم يقرأ فى صلاةٍ ليست بفريضة فمرّ يذكر الجنة والنار فقال : أعوذ بالله من النار ، ويل لأهل النار " أخرجه أحمد وابن ماجه بسند جيد(3) ... { 370 }
(
__________
(1) ص 175 ج4 – شرح مسلم .
(2) ص 55 ج1 – زاد المعاد ( إطالة الركعة الأولى ) .
(3) ص 238 ج3 – الفتح الربانى . وص ( 211 ج1 – ابن ماجه ( القراءة فى صلاة الليل )(1/291)
ولقول ) حذيفة : " صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة " ( الحديث ) وفيه ثم افتتح آل عمران فقراها يقرؤها مُتَرسِّلا إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح . وإذا مر بسؤال سأل . وإذا مر يتعوّذ تعوّذ ( الحديث ) أخرجه مسلم وكذا أحمد بلفظ : كان إذا مرّ بآية رحمة سأل . وإذا مر بآية فيها عذاب تعوّذ . وإذا مر بآية فيها تنزيه الله عز وجل سبح(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 371 }
وبهذا قالت المالكية غير أنهم قالوا : يكره الدعاء أثناء القراءة فى الفريضة لغير مأموم . أما المأموم فله أن يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم إذا ذكره الإمام فى قراءته . وأن يسأل الجنة إذا سمع آية فيها ذكرها وأن يستعيذ من النار إذا سمع آية فيها ذكرها . ولكن لا نعلم دليلا على هذه التفرقة ( وقالت ) الشافعية : يستحب ما ذكر لكل مصل إماما أو غيره فى الفرض والنفل ، لعموم حديث حذيفة أنه صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم فكان يقول فى ركوعه : " سبحان ربىَ العظيم ، وفى سجوده سبحان ربىَ الأعلى ، وما مرّ بآية رحمة إلا وقف عندها فسال ، ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوّذ " أخرجه أحمد والدارمى وأبو داود والترمذى وقال : حسن صحيح(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 372 }
( وأجاب ) الأوّلون بأنه محمول على النافلة ، لأنه لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه دعا فى الفريضة حال قراءته مع كثرة من وصف قراءته صلى الله عليه وسلم فيها .
(
__________
(1) ص 61 ج6 – نووى ( تطويل القراءة فى صلاة الليل ) . وص 238 ج3 – الفتح الربانى .
(2) ص 262 ج3 – الفتح الربانى ( الذكر فى الركوع ) وص 299 ج1 – سنن الدارمى . وص 317 ج5 – المنهل العذب ( ما يقول الرجل فى ركوعه وسجوده ) . وص 225 ج1 – تحفى الأحوذى ( التسبيح فى الركوع والسجود ) .(1/292)
8) ويندب للرجل إذا أصابه فى صلاته حادث هامّ – كإذنه لداخل وإنذار أعمى وتنبيه غافل – التسبيح ، وللمرأة التصفيق بضرب بطن اليمنى على ظهر اليسرى أو عكسه أو بضرب ظهر إحداهما على الأخرى (لحديث) سهل بن سعد الساعدى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : من نابه شئ فى صلاته فلْيُقلْ سبحان الله ، إنما التصفيقُ للنساء والتسبيح للرجال . أخرجه الشيخان وأبو داود وأحمد وهذا لفظه(1) ... ... ... { 373 }
__________
(1) ص 56 ج3 – فتح البرى ( رفع الأيدى فى الصلاة – العمل فى الصلاة ) . وص 44 ج6 – المنهل العذب ( التصفيق فى الصلاة ) . وص 109 ج4 – الفتح الربانى .(1/293)
ولذا قال الحنفيون والشافعى وأحمد : يستحب للرجل إذا نزل به شئ فى الصلاة التسبيح ولا تضر كثرته ، أنه قول من جنس الصلاة وإن لم يحصل المقصود م التسبيح غلا بالكلام أو الفعل المبطل أتى به وتبطل الصلاة لأنه عمل من غير جنسها ، والمرأة تصفق بقدر الضرورة فإن أكثرت بطلت الصلاة ، لأنه عمل من غير جنسها ، وخص النساء بالتصفيق لأن حالهن مبنى على الستر وفى رفع أصواتهنّ فتنة ، وقال الكمال فى الفتح ( فرع ) صرح فى النوازل بأنه نغمة المرأة عورة ، وبنى عليه أن تعلمها القرآن من المرأة أحب من تعلمها من الأعمى . ولذا قال عليه الصلاة والسلام : التسبيح للرجال والتصفيق للنساء . فلا يحسن أن يسمعها الرجل أهـ . وعلى هذا لو قيل إذا جهرت بالقراءة فى الصلاة فسدت كان متجها أهـ كلام الكمال ، لكن قال ابن نجيم فى البحر : وفى شرح المنية : والأشبه أن صوتها ليس بعورة وإنما يؤدى على الفتنة ولعلهنّ إنما منعن من رفع الصوت بالتسبيح فى الصلاة لهذا المعنى ، ولا يلزم من حرمة رفع صوتها بحضرة الأجانب أن يكون عورة أهـ . ومنه تعلم بطلان ما قاله الشوكانى من أن الحنفيين يقولون ببطلان صلاة المرأة إذا صفقت إذا نابها شئ ، وإنما تسبح كالرجل (وقالت) المالكية : يطلب التسبيح للرجل والنساء ، لحديث سهل بن سعد الساعدى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من نابه شئ فى صلاته فليسبح ، فإنه إذا سبح التُفت إليه وإنما التصفيق للنساء " أخرجه مالك والشيخان وأبو داود(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 374 }
(
__________
(1) ص 296 ج1 – زرقانى ( الالتفات والتصفيق فى الصلاة ) . وص 115 ج2 – فتح البارى ( من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام .. ) . وص 146 ج4 – نووى . وص 44 ج6 – المنهل العذب ( التصفيق فى الصلاة ) .(1/294)
قال ) الزرقانى : وإنما التصفيق للنساء ، أى هو من شأنهنّ فى غير الصلاة فلا ينبغى فعله فى الصلاة لالرجل ولالامرأة ، بل التسبيح للرجال والنساء جميعا ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " من نابه شئ " ولم يخص رجالا من نساء . هكذا تأوّله مالك وأصحابه ومن وافقهم على كراهة التصفيق للنساء ( وتعقبه ) ابن عبد البر بحديث حماد بن زيد عن أبى حازم عن سهل بن سعد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا نابكم ش فى الصلاة فلْيُسبِّح الرجالُ ولْيُصفِّق النساءُ " أخرجه البخارى وأبو داود(1) ... ... ... ... { 375 }
فقد فرّق بين حكم الرجال والنساء فهو قاطع فى محل النزاع ( قال ) القرطبى : القول بمشروعية والتصفيق للنساء هو الصحيح خبراً ونظرا ، لأنها مأمورة بخفض صوتها فى الصلاة مطلقاً لما يخشى من الافتتان . ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء(2).
(9) ما يقرأ فى الصلاة : اتفق العلماء على أنه لا يتعين شئ من القرآن لصلاة سوى الفاتحة للقادر عليها على ما تقدم بيانه ، فأى شئ قرأ به المصلى بعدها أجزأه ، غير أنه يستحب القراءة بطوال المفصل فى الصبح عند الأئمة الأربعة ، وكذا الظهر عند غير الحنبلية ، وبأوساطه فى العصر عند غير المالكية وفى العشاء اتفاقا ، وكذا فى الظهر عند الحنبلية ، وبقصاره فى المغرب اتفاقا وكذا فى العصر عند المالكية .
وطوال المفصل عند الحنفيين من الحجرات إلى الانشقاق ، وأوساطه من سورة البروج إلى القدر ، وقصاره من سورة لم يكن إلى آخر القرآن .
( وقالت ) المالكية : طواله من الحجرات إلى النازعات . وأوساطه من سورة عبس إلى سورة الليل . وقصاره من سورة الضحى إلى الآخر .
(
__________
(1) ص 146 ج13 – فتح البارى ( الإمام يأتى قوما فيصلح بينهم من كتاب الأحكام ) وص 48 ج6 – المنهل العذب ( التصفيق فى الصلاة ) .
(2) ص 297 ج1 – زرقانى الموطأ .(1/295)
وقالت ) الشافعية : طواله من الحجرات إلى المرسلات . وأوساطه من سورة عمّ إلى سورة والليل . والباقى قصاره . وبه قالت الحنبلية إلا أنهم قالوا : مبدأ المفصل من ق . وهناك بيان الوارد من القراءة فى الصلوات :
( أ ) القراءة فى الصبح : كان النبى صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة فيها غالبا ( قال ) عبد الله بن السائب : " صلى لنا النبى صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون
أو ذكر عيسى ، أخذت النبىَّ صلى الله عليه وسلم سَعْلة فركع " أخرجه مسلم(1) ... ... { 376 }
( وقال ) أبو برزة : " كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى الصبح وكان يقرأ فى الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة " أخرجه البخارى(2) ... ... ... ... ... ... ... { 377 }
( وقال ) ابن مسعود : " كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الفجر يوم الجمعة الَمَ تنزويلُ السجدة . وهل أتى على الإنسان " أخرجه البخارى(3) ... ... ... ... ... ... ... { 378 }
( وقال ) عبد الله بن الحارث : صلى بنا أبو بكر رضى الله عنه صلاة الصبح فقرأ سورة البقرة فى الركعتين جميعا فقال له عمر كادت الشمس تطلع فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين . أخرجه الطحاوى(4).
( وقال ) عبد الله بن عامر بن ربيعة : " صلَّينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ فيها بسورة يوسفَ وسورة الحج قراءة بطيئة ، فقلت : والله إذاً لقد كان يومُ حين يطلُع الفجرُ قال : أجل . أخرجه مالك(5).
(
__________
(1) ص 177 ج4 – نووى ( القراءة فى الصبح ) .
(2) ص 170ج2 – فتح البارى ( القراءة فى الفجر ) .
(3) ص 257 ج2 – فتح البارى ( ما يقرا فى صلاة الفجر يوم الجمعة ) .
(4) تقدم رقم 37 ص24 ( وقت صلاة الصبح ) .
(5) ص 155 ج1 – زرقانى ( القراءة فى الصبح ) ( فقلت ) هو عروة بن الزبير .(1/296)
وروى ) سِماكُ بن حَرْب عن رجل من أهل المدينة أنه صلى خلف النبى صلى الله عليه وسلم فسمعه يقرأ فى صلاته الفرج بق والقرآن المجيد ويسنّ والقرآن الحكيم . أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح(1){379}
وربما قرأ صلى الله عليه وسلم فى الصبح بغير الطوال ( قال ) عقبه بن عامر كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته فى السفر فقال لى : " يا عقبة ألاَ أعلِّمك خيرَ سورتين قُرِئَتا ؟ فعلّمنى قل أعوذُ بربّ الفلق وقل أعوذ برب الناس ، فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس " ( الحديث ) أخرجه أبو داود والبيهقى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 380 }
( وعن معاذ بن عبد الله الجهنى أنّ رجلا من جُهَينة سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقرا فى الصبح إذا زُلْزِلت الأرض فى الركعتين كِلْتَيهما ، فلا أدرى أنسِىَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرا ذلك عمدا ؟ أخرجه أبو داود بسند جيد رجاله رجال الصحيح(3)( وقال ) عمرو بن حُريث : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرا فى الفجر إذا الشمسُ كُوِّرت} وسمعتُه يقول : والليلِ إذا عَسْعَس " أخرجه أحمد(4) ... ... { 381 }
(ب) القراءة فى الظهر والعصر : كان النبى صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة فى الظهر أحيانا ويقصرها أحيانا . وكان يقرا فى العصر نصف ما يقرأ فى الظهر إذا أطالها ، وقدرها إذا قصرها ( قال ) أبو سعيد الخدرى :
__________
(1) ص 231 ج3 – الفتح الربانى ( ويسن ) الواو لا تقتضى الترتيب ، فلعله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الركعة الأولى يسن وفى الثانية ق.
(2) ص 116 ج8 – المنهل العذب ( فى المعوذتين ) . وص 394 ج2 – بيهقى .
(3) تقدم رقم 244 . وص 188 ( فائدة ) .
(4) ص 231 ج3 – الفتح الربانى و ( كوّرت ) ذهب بضوئها و ( عسعس ) أقبل ظلامه أو أدبر .(1/297)
" كانت صلاة الظهر تقُام فينطِلق أحدنُا إلى البَقيِع فيقضى حاجته ثم يأتى أهله فيتوضأ ثم يرجِع إلى المسجد فيدرِك النبى صلى الله عليه وسلم فى الركعة الأولى مما يُطيلها " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى(1) ... { 382 }
( وعنه ) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى صلاة الظهر فى الركعتين الأوليين فى كل ركعة قد ثلاثين آية وفى الأخْرَيَين قدْرَ خمسَ عشرة آية . وفى العصر فى الركعتين الأوليين فى كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية وفى الأُخريين قدر نصفِ ذلك " أخرجه مسلم(2) ... ... ... ... ... { 373 }
( وعن ) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد فى صلاة الظهر ثم قام فركع فرأينا أنه قرا تنزيل السجدة . أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم والطحاوى(3) ... ... ... ... ... ... { 384 }
( وعن ) أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرا فى الظهر والعصر يسبِّح اسم ربِّك الأعْلى ، وهل أتاك حديثُ الغاشيِة . أخرجه الطبرانى فى الأوسط والبزار ، ورجاله رجال الصحيح(4) ... ... { 385 }
(
__________
(1) ص 223 ج3 – الفتح الربانى ( القراءة فى الظهر والعصر ) وص 173 ج4 – نووى . وص 153 ج1 – مجتبى ( تطويل الأولى من صلاة الظهر )
(2) ص 172 ج4 - نووى ( القراءة فى الظهر والعصر )
(3) ص 162 ج 4 – الفتح الربانى ( قراءة السجدة فى الصلاة .. ) وص 230 ج5 – المنهل العذب ( قدر القراءة فى الظهر والعصر ) وص 122ج1 – شرح معانى الآثار .
(4) ص 116 ج2 – مجمع الزوائد ( القراءة فى الظهر والعصر ) .(1/298)
وقال ) علقمة : صليت إلى جَنب عبد الله الظهرَ فما علِمتُه قرأ شيئا حتى سمعتُه يقول { ربِّ زِدْنِى عِلماّ } فعلمتُ أنه فى طه . أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون(1)( وعن ) جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرا فى الظهر والعصر بالسماء ذات البُروج والسماءِ والطارق وشِبْهها أخرجه الثلاثة وقال الترمذى حسن صحيح(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 386 }
( وقال ) أنس صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر فقرأ لنا بهاتين السورتين فى الركعتين بسبِّح اسم بِّك الأعْلى ، وهل أتاك حديث الغاشية . أخرجه النسائى(3) ... ... ... { 387 }
وهذه الأحاديث صريحة فى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرا فى الظهر والعصر وبه قال جمهور السلف والخلف ( وعن ) ابن عباس أنه لا قراءة فيهما .
( قال ) عبد الله بن عَبيدة دخلتُ على ابن عباس فى شباب من بنى هاشم فقلنا لشابْ منا سَلِ ابن عباس أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الظهر والعصر ؟ فقال لا لا ، فقيل له لعله كان يقرا فى نفسه . فقال خَمْشا هذه شّر من الأولى كان عبداً مأمورا بلّغ ما أرسل به (الحديث). أخرجه أحمد وأبو داود الطحاوى . {388}
__________
(1) ص 117 منه .
(2) ص 228 ج5 – المنهل العذب ( القراءة فى صلاة الظهر والعصر ) وص 153 ج1 – مجتبى ( القراءة فى الأوليين من العصر ) . وص 250 ج1 – تحفة الأحوذى . و ( ذات البروج ) أى صاحبة الطرق والمنازل التى تسير فيها الكواكب .
(3) ص 153 ج1 – مجتبى ( القراءة فى الظهر ) .(1/299)
ولعل ابن عباس كان لم يبلغه قراءةُ النبى صلى الله عليه وسلم فى الظهر والعصر وقتئذ فلما بلغه ذلك رجع عن رأيه الأول ( روى ) العَيزار بنُ حُريثٍ عن ابن عباس قال : اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب فى الظهر والعصر ( وعنه ) قال : سمعت ابن عباس يقول : لا تصلّ صلاةً إلا قرأت فيها ولو بفاتحة الكتاب . أخرجهما الطحاوى(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 388 }
ولعل ابن عباس كان لم يبلغه قراءةُ النبى صلى الله عليه وسلم فى الظهر والعصر وقتئذ فلما بلغه ذلك رجع عن رأيه الأول ( روى ) العَيزار بنُ حُريثٍ عن ابن عباس قال : اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب فى الظهر والعصر ( وعنه ) قال : سمعت ابن عباس يول : لا تصلّ صلاةً إلا قرأت فيها ولو بفاتحة الكتاب . أخرجهما الطحاوى(2).
(ج) القراءة فى المغرب : صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرا فى صلاة المغرب بالسور الطوال وطوال المفصل وقصاره ( قال ) مروانُ بن الحكم قال لى زيد بن ثابت : مالك تقرأُ فى المغرب بقصار المفصَّل ؟ وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى المغرب بطُولى الطُوليين قلتُ ما طولَى الطوليين ؟ قال الأعرافُ والأنعام . أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود والنسائى(3) ... ... ... ... { 389 }
(
__________
(1) ص 219 ج3 – الفتح الربانى . وص 230ج5 – المنهل العذب ( قدر القراءة فى الظهر والعصر ) . وص 120 ج1 – شرح معانى الآثار و ( خما ) مصدر خمش من باب ضرب ونصر ، أى دعا عليه بخموش جلده أو وجهه و ( هذه شر من الأولى ) أى مسألتك الثانية شر ، لأنها تتضمن اتهامه صلى الله عليه وسلم بالكتمان ولذا قال : كان عبداً مأموراً الخ فأفعل التفضيل ليس على بابه ، لأنّ المسألة الأولى لا شر فيها .
(2) ص 121 ج1 – شرح معانى الآثار .
(3) ص 226 ج3 – الفتح الربانى ( القراءة فى المغرب ) وص 167 ج2 – فتح البارى . وص 235 ج5 – المنهل العذب . وص 154 ج1 – مجتبى ( القراءة فى المغرب بالمص ) .(1/300)
وقال ) زيد بن ثابت لمروان : يا أبا عبد الملك أتقرأ فى المغرب بقل هو الله أحدٌ ، وإنا أعطيناك الكوثْر؟ قال نعم قال فمحلوفه لقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطوليين : المص . أخرجه النسائى(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 390 }
( وعن ) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهم فى المغرب : { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ } . أخرجه الطبرانى فى الثلاثة بسند رجاله رجال الصحيح(2) ... ... ... { 391 }
( وقال ) جُبَير بن مُطعم : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور فى المغرب " أخرجه السبعة إلا الترمذى(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 392 }
( وعن ) ابن عباس أن أمّ الفضل بنت الحارث سعته وهو يقرأ { وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً } فقالت : يا بنىّ لقد ذكّرتنى بقراءتك هذه السورة ، إنها لآخر ما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فى المغرب .
أخرجه الجماعة(4) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 393 }
( قال ) ابن عبد البر : روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قرأ فى المغرب بالمص وبالصافات وبحم الدخان وبسبح اسم ربك الأعلى وبالتين والزيتون وبالمعوذتين وبالمرسلات وبقصار المفصل . وكلها الآثار صحاح مشهورة أهـ .
(
__________
(1) ص 154 منه ( فمحلوفه ) هو الله ، والخبر محذوف ، أى الله قسمى .
(2) ص 118 ج2 – مجمع الزوائد ( القراءة فى المغرب ) .
(3) ص 225 ج3 – الفتح الربانى . وص 168 ج2 – فتح البارى ( الجهر فى المغرب ) وص 180 ج4 – نووى . قبل ( القراءة فى العشاء ) وص 234 ج5 – المنهل العذب . وص 154 ج1 – مجتبى ( القراءة فى المغرب بالطور ) .
(4) ص 227 ج3 – الفتح الربانى . وص 167 ج2 – فتح البارى ( القراءة فى المغرب ) وص 180 ج4 – نووى . وص 233 ج5 – المنهل العذب . وص 154 ج1 مجتبى ( القراءة فى المغرب بالمرسلات ) و ( أم الفضل ) هى أم ابن عباس واسمها لبابة . وفى قوله " سمعته " التفات من التكلم إلى الغيبة .(1/301)
وأما ) المداومة فيها على قراءة قصار المفصل فهو فعل مروان بن الحكم وخلافُ السنة ، ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت كما تقدم . وكذا ما اعتاده الكثير من قراءة الآية القصيرة خلاف السنة ( قال ) الشوكانى : وأما المغرب فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يستمر فيها على قراءة قصار المفصل . بل قرا فيها بطوال السور وطوال المفصل ، وكانت آخر قراءته فيها بالمرسلات .
( قال ) الحافظ فى الفتح : وطريق الجمع بين الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يطيل القراءة فى المغرب إما لبيان الجواز وغما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين أهـ ، ويقدح فى هذا الجمع إنكار زيد بن ثابت على مروان مواظبته على قصار المفصل فى المغرب ، ولو كانت قراءته صلى الله عليه وسلم السور الطويلة فى المغرب لبيان الجواز ، لما كانت مواظبة مروان على قصار المفصل إلا محض السنة ، ولما حُسن من زيد بن ثابت الإنكار عليه ولما سكت مروان عن الاحتجاج بمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فى مقام الإنكار عليه . وأيضاً فإن بيان الجواز يكفى فيه مرة واحدة . وقد علمت أنه قرأ بالسور الطويلة مرات متعددة(1).
(د) القراءة فى العشاء : يسنّ القراءة فيها بأوساط المفصل ( لحديث ) البراء بن عازب أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان فى سفر فقرأ فى العشاء الأخيرةِ فى إحدى الركعتين بالتين والزيتونِ . أخرجه أحمد والشيخان والنسائى والترمذى وقال : حسن صحيح(2) ... ... ... ... ... ... ... { 394 }
(
__________
(1) ص 260 ج2 – نيل الأوطار ( جامع القراءة فى الصلوات ) .
(2) ص 230 ج3 – الفتح الربانى . وص 170ج2 – فتح البارى ( القراءة فى العشاء ) . وص 181 ج4 – نووى . وص 155 ج1 – مجتبى (القراءة فيها بالتين والزيوت ) . وص 253 ج1 – تحفة الأحوذى .(1/302)
ولحديث ) بُرَيدة الأسلمىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى صلاة العشاء بالشمسِ وضُحاها وأشباهها من السور . أخرجه أحمد والنسائى والترمذى وحسنه(1) ... ... ... ... { 395 }
( وقال ) أبو رافع صليت مع أ[ى هريرة العتَمة فقرا إذا السماءُ انشقتْ فسجد ، فقلت ما هذه ؟ قال سجدت فيها خلف ابى القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجدُ فيها حتى ألقاه . أخرجه البخارى(2){ 396 }
وقال الترمذى : وروى عن عثمان بن عفان أنه كان يقرأ فى العشاء بسورة من أوساط المفصل نحو سورة المنافقين وأشباهها وروى عن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم والتابعين أنهم قرءوا بأكثر من هذا وأقل ، كأن الأمر عندهم واسع ، وأحسن شئ فى ذلك ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قرا بالشمس والتين والزيتون(3). وبهذا قال العلماء من السلف والخلف ، وقد أنكر النبى صلى الله عليه وسلم على معاذ قراءته فى العشاء البقرة فى حديث مشهور .
(
__________
(1) ص 230 ج3 – الفتح الربانى . وص 155 ج1 مجتبى ( القراءة فى العشاء بالشمس وضخاها ) وص 252 ج1 – تحفة الأحوذى .
(2) ص 170 ج2 – فتح البارى ( القراءة فى العشاء بالسجدة ) و( العتمة ) العشاء .
(3) ص 253ج1 – تحفة الأحوذى .(1/303)
وبذلك ) تزداد علماً بخطأ من " ينكر " على من يؤم الناس من صلاة الصبح أو الظهر فيقرأ سورتين من طوال المفصل أو أوساطه ، أو فى صلاة العشاء فيقرأ بقصار المفصل او أوساطه : ويطمئن فى الركوع والرفع والسجود حسب الوارد عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم " ويستدل " بحديث معاذ ، فإن النبى صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على معاذ قراءته البقرة فى صلاة العشاء ، وأمر أن يقرا فيها من أوساط المفصل ( قال ) ابن القيم: وأما العشاء الآخرة فقرأ فيها صلى الله عليه وسلم بالتين والزيتون ووقت لمعاذ فيها والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى ونحوها . وأنكر عليه قراءته فيها بالبقرة بعدما صلى معه ثم ذهب إلى بنى عمرو بن عوف ، فأعادها لهم بعدما مضى من الليل ما شاء الله وقرأ البقرة ولهذا قال : أفتان أنت يا معاذ ؟ فتعلق النقادون بهذه الكلمة ولم يلتفتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها(1)( وقال ) ابن عبد البر : التخفيف لكل إمام أمر مجمع عليه مندوب عند العلماء إليه لا أن ذلك إنما هو أقلّ الكما ( وأما ) الحذف والنقصان فلا ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نقر الغراب ورأى رجلا يصلى ولم يتم ركوعه وسجوده فقال له : ارجع فصل فإنك لم تصل (وقال) لا ينظر الله إلى من لا يقيم صلبه فى ركوعه وسجوده ( وقال ) أنس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الماس صلاة فى تمام أهـ ( قال ) ابن دقيق العيد : وما احسن ما قال عن التخفيف من الأمور الإضافية ، فقد يكون الشئ خفيفاً بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنسبة إلى آخرين أهـ .
(
__________
(1) ص 53 ج1 – زاد المعاذ ( القراءة فى الصلاة ) .(1/304)
فائدة ) الحكمة فى إطالة الصبح والظهر أنهما فى وقت غفلة بالنوم آخر الليل وفى القائلة ، فيطولهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها ، والعصر ليست كذلك ، بل تؤدىّ فى وقت تعب أهل الأعمال فخففت عنهما ، والمغرب ضيقة الوقت فاحتيج إلى زيادة تخفيفها لذلك ، ولحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم . والعشاء تفعل فى وقت غلبة النوم ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر . وهذا هو الهدى الذى استمر عليه صلى الله عليه وسلم إلى أن لقى الله عز وجل لم ينسخه شئ . ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدين من بعده ، فقرأ أبو بكر رضى الله عنه فى الفجر بسورة البقرة حتى سلم منها قريباً من طلوع الشمس ( وكان ) عمر رضى الله تعالى عنه يقرأ فيها بيوسف والنحل ، وبهود وبنى إسرائيل " أى الإسراء " ونحوها من السور .
( وأما ) حديث جابر بن سمرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الفجر سبق والقرآن المجيد ، وكانت صلاته بعد تخفيفا . أخرجه مسلم(1) ... ... ... ... ... ... ... { 397 }
" فالمراد " بقوله بعد ، أى بعد الفجر ، أى أنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها وكانت صلاته بعد الصبح أخف .
(
__________
(1) ص 179 ج4 – نووى ( القراءة فى الصبح ) .(1/305)
وأما ) قوله صلى الله عليه وسلم . أيكم أمّ الناس فليخفف وقول أنس رضى الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة فى تمام " فالتخفيف " أمر نسبى يرجع إلى ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم وواظب عليه ، لا إلى شهوة المأمومين فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه ، وقد علم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة ( فالذى ) فعله هو التخفيف الذى أمر به . فإنه كان يمكن أن تكون صلاته أطول من ذلك بأضعاف مضاعفة . فهى خفيفة بالنسبة إلى أطول منها . وهديه الذى واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون ( قال ) ابن عمر رضى الله عنهما : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرُنا بالتخفيف ويؤمُّنا بالصافات " أخرجه النسائى(1) ... ... ... ... ... ... ... { 398 }
__________
(1) ص 54 ج1 – زاد المعاد .(1/306)
فالقراءة بالصافات م التخفيف الذى كان يأمر به . وكان صلى الله عليه وسلم ل يعين سورة فى الصلاة بعينها لا يقرا إلا بها فى الجمعة والعيدين ( وأما ) فى سائر الصلوات فقد قال ابن عمرو : ما مِن المفصَّل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناسَ بها فى الصلاة المكتوبة أخرجه أبو داود(1)( وكان ) م هديه صلى الله عليه وسلم قراءة السورة كاملة . وربما قرأها فى الركعتين . وربما قرأ أول السورة ( وأما ) قراءة أواخر السور وأوساطها . فلم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم ( وأما ) قراءة السورتين فى ركعة فكان يفعله فى النافلة ( وأما ) فى الفرض فلم يحفظ عنه(2)( وأما ) قراءة سورة واحدة فى ركعتين معا فقلما كان يفعله والله المستعان(3).
(
__________
(1) ص 238 ج5 – المنهل العذب ( التخفيف فيها ) .
(2) لكن تقدم فى بحث " قراءة سورتين بعد الفاتحة " أنه صلى الله عليه وسلم أقر من فعله ، وأن ابن عمر كان يقرأ فى المكتوبة بالسورتين والثلاث فى ركعة ، وابن عمر لا يفعل هذا إلا بتوقيف من النبى صلى الله عليه وسلم .
(3) نقل ملخصا من ص 54 ج1 – زاد المعاد .(1/307)
هـ ) قراءة المأموم : اختلف العلماء فى هذا فقال مالك وأحمد : لا يجب على المأموم قراءة خلف الإمام، ويستحب له القراءة فى السرية دون الجهرية ، لقوله تعالى " وإذا قُرِئَ القرْآنُ فاستَمِعوا لهُ وأنْصتُوا "(1)والإنصات السكوت لاستماع الحديث . وجمع بينه وبين الاستماع للتأكيد والاهتمام بسماع القرآن ( قال ) ابن عبد البر : لا خلاف فى أنه نزل فى هذا المعنى دون غيره . ومعلوم أنه فى صلاة الجهر ، لأن السر لا يسمع . فدل على أنه أراد الجهر خاصة . وأجمعوا على أنه لم يُرِد كلَّ موضع يستمع فيه القرآن وإنما أراد الصلاة . ويؤيده قول مجاهد: قرأ رجل من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة فنزلت " وإذا قرئ القرآن الخ .أخرجه البيهقى(2)( وعن ) أبى موسى الأشعرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا قُمتم إلى الصلاة فلْيؤمكنم أحدُكم. وإذا قرا الإمام فأنِصتوا . أخرجه أحمد ومسلم(3)
(
__________
(1) سورة الأعراف آية : 204 .
(2) ص 155 ج2 – بيهقى ( يترك المأموم القراءة فيما جهر فيه الإمام ) .
(3) ص 197 ج3 – الفتح الربانى ( قراءة المأموم وإنصاته ) .(1/308)
وقال الحنفيون ) والثورى وابن وهب المالكى : لا يقرأ المؤتم خلف الإمام لا فى سرية ولا فى جهرية ، لقوله تعالى " وإذا قرئَ القرْآن فاستمِعوا لَهُ وأنصتُوا " أى استمعوا فى الجهرية ، وأنصتوا فى السرية ، لأن التأسيس خير من التأكيد ( قال ) الإمام أحمد : أجمع الناس على أن هذه الآية فى الصلاة ( وروى ) جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة : أخرجه محمد بن الحسن وابن عدى والحاكم بسد صحيح على شرط مسلم(1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 399 }
( وقال ) ابن عمر : إذا صلى أحدُكم خلفَ الإمام فحسبْه قراءة الإمام ، وإذا صلىّ وحدَه فلْيقرا قال نافع : وكان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام . أخرجه مالك والطحاوى(2)( وعن ) عبُيد الله بن مقسم أنه سأل عبد الله ابن عمرو وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله رضى الله عنهم فقالوا : لا تقرءوا خلف الإمام فى شئ من الصلاة . أخرجه الطحاوى(3).
( وقال ) أبو وائل : قال رجل لابن مسعود أقرأ خلف الإمام ؟ قال أنصت للقراءة فإن فى الصلاة شَغْلا ، وسيكفيك ذلك الإمام . أخرجه الطحاوى والبطرانى فى الكبير والأوسط بسند رجاله موثقون(4).
(
__________
(1) ص 7 ج2 – نصب الراية ( ورواه ) عبد بن حميد بالسند إلى أبى الزبير عن جابر . وأحمد بن ميع فى مسنده عن سفيان . وشريك بالسند إلى جابر . فهؤلاء أبو الزبير وسفيان وشريك قد رفعوه بالطرق الصحيحة . فبطل عدّهم فيمن لم يرفعه وتمامه فى فتح القدير على الهداية . انظر ص 239 ج1 .
(2) ص 161 ج1 – زرقانى ( ترك القراءة خلف الإمام .. ) . وص 129 ج1 – شرح معانى الآثار .
(3) ص 129 منه .
(4) ص 110ج2 – مجمع الزوائد ( القراءة فى الصلاة ) .(1/309)
وقال ) ابن مسعود رضى لله عنه : ليتً الذى يقرأ خلف الإمام مُلئ فُوه ترابا ( وقال ) أبو حمزة قلت لابن عباس : أقرأ والإمام بين يدى ؟ قال لا . أخرجهما الطحاوى(1)( وقالت ) الشافعية : يجب على المؤتم قراءة الفاتحة فى السرية والجهرية وإن سمع قراءة الإمام ( لقول ) عُبادة بن الصامت : " صلى بنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداةِ فثقُلتْ عليه القراءة فلما انصرف قال : إن لأراكم تقرءون وراءَ إمامكم ؟ قلنا نعم والله يا رسول الله . قال فلا تفعلوا إلا بأمّ القرآن ، فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرا بها " أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والدار قطنى وقال : هذا إسناد حسن ورجاله ثقات(2) ... ... ... ... ... ... { 400 }
( وعنه ) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لا يقرَأنّ أحدٌ منكم شيئاً من القرآن إذا جهرتُ بالقراءة إلا بأمّ القرآن " أخرجه الدار قطنى . وقال هذا إسناد حسن ورجاله ثقات كلهم(3) ... ... ... { 401 }
( وأخرجه ) أيضاً أحمد والبخارى فى جزء القراءة وصححه وابن حبان والحاكم والبيهقى والدار قطنى من عدة طرق ( وعن ) أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه فلما قضى صلاته أقبل عليهم بوجهه فقال : أتقرءون فى صلاتكم خلف الإمام والإمام يقرأ ؟ فسكتوا قالها ثلاث مرات ، فقال قائل ، أو قال قائلون إنا لنفعلُ ، قال فلا تفعلوا ، ليقرأُ أحدكم بفاتحة الكتاب فى نفسه . أخرجه أبو يعلى والطبرانى فى الأوسط ورجاله ثقات(4) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 402 }
__________
(1) ص 129 ج1 – شرح معانى الآثار .
(2) ص 194 ج3 – الفتح الربانى . وص 251 ج5 – المنهل العذب ( من ترك القراءة فى صلاته ) وص 120 الدار قطنى ( فقلت ) أى شق عليه التلفظ والجهر بالقراءة . ويحتمل أن يراد أنها التبست عليه القراءة . ففى رواية لأبى داود : فالتسبت عليه القراءة .
(3) ص 121 – الدار قطنى .
(4) ص 110 ج2 مجمع الزوائد ( القراءة فى الصلاة ) .(1/310)
وفى هذا أحاديث أخر : ( وأجاب ) الأولون : بأن النهى فى قوله صلى الله عليه وسلم " لا تفعلوا " محمول على الصلاة الجهرية ( روى ) أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: هل قرأ معى أحد منكم آنفا ؟ فقال رجل نعم يا رسول الله قال : إنى أقول مالى أُنَازَع القرآن ؟ قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جهر فيه النبى صلى الله عليه وسلم بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك . أخرجه مالك والشافعى وأحمد والأربعة وحسنة الترمذى(1) ... ... { 403 }
وفى لفظ للدار قطنى : إذا أسررت بقراءتى فاقرءوا ، وإذا جهرت بقراءتى فلا يقرأ معى أحد .
(
__________
(1) ص 161 ج1 – زرقانى ( ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه ) وص 139 ج1 – بدائع المنن . وص 197 ج3 – افتح الربانى . وص 258 ج5 – المنهل العذب . وص 146 ج1 – مجتبى . وص 254 ج1 – تحفة الأحوذى . وص 144 ج1 – ابن ماجه ( إذا قرأ الإمام فأنصتوا) و ( أنازع ) بضم الهمزة وفتح الزاى ـ مبنى للمفعول ، = أى غالب فى قراءاتى . كأنهم جهروا بالقراءة خلفه فشغلوه " فانتهى الناس عن القراءة الخ " مدرج فى الخبر . والمراد أنهم تركوا الجهر بها .(1/311)
وأجاب ) الحنفيون عن حديث عبادة ونحوه ، بأنه معارض بحديث أبى سعدي الخدرى مرفوعا : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة . أخرجه الطبرانى فى الأوسط وابن عدىّ فى الكامل وغيرهما من عدة طرق(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 404 }
وفيه منع المأموم من القراءة والمنع مقدم على الإطلاق عند التعارض . وبأنّ حديث " من كان له إمام الخ " أقوى سنداً فيقدم عليه .
( وأجاب ) الشافعية عن أدلة القائلين إنّ المؤتم لا يقرأ خلف الإمام فى الصلاة الجهرية ، بأنها عمومات ، وحديث عبادة خاص ، وبناء العام على الخاص واجب كما تقرّر فى الأصول ، وعليه فيحمل قوله " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " على غير الفاتحة ، وهذا لا محيص عنه ، ويؤيده الأحاديث المتقدّمة القاضية بوجوب قراءة فاتحة الكتاب فى كل ركعة من غير فرق بين الإمام والمأموم ، أن البراءة عن عهدتها إنما تحصل بناقل صحيح لا بمثل هذه العمومات التى اقترنت بما يجب تقديمه عليها .
( وأجابوا ) عن قوله فى حديث أبى هريرة فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه(2)" بأنهم " تركوا قراءة غير الفاتحة جميعاً بين الأحاديث .
__________
(1) ص 111 ج2 – مجمع الزوائد . ص 11 ج2 – نصب الراية ( قال ) ابن الهمام : " ولا يقال " ليس فى حديث " من كان له إمام الخ " منع، إنما فيه الاكتفاء بقراءة الإمام " لأنا نقول " هذا بالنظر إليه بمجرده " أما " بالنظر إليه من آثار الصحابة المبينة له ، فهو مانع لما فيها من الوعيد كقول عمر : ليت فى فمه حجرا كما تقدم . ورجح الطحاوى العلم بحديث " من كان له إمام الخ " لما اتفقوا عليه من أن من أتى الإمام وهو راكع يكمر ويركع معه وتجزئه تلك الركعة وإن لم يقرا فيه شيئاً . فلو كانت القراءة فرضا فيهما لما أجزأته كما لو تجزئ من ركع مع الإمام من غير أن يقف لتكبيرة الإحرام باتفاقهم أهـ .
(2) تقدم رقم 403 ص 286 .(1/312)
وروى ) صدُقه بن يَسار عن القاسم بن محمد أن عائشة اَعتمرتْ فى سنة ثلاثَ مرات ، قلا صدقه : قُلْت : هل عابَ ذلك عليها أحد ؟ قال : سبحان الله أُمّ المؤمنين . أَخرجه الشافعى والبيهقى .
( وقال ) مالك : يُكْرَه تكرير العمرة فى السنة ، لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم ( قال ) المالك : يكره تكرير العمرة فى السنة ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكرها فى عام ( ورد ) بأن المندوب لا ينحصر فى فعله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان يترك الشئ وهو يستحب فعله لدفع المشقة عن أمته ، وقد رغب صلى الله عليه وسلم فى العمرة بقوله : فثبت الاستحباب من غير تقييد ، ولذا خالف مالكاً مطرف وطائفة من أتباعه .
4- مواقيت العمرة : هى : ( أ ) لمن كان خارج المواقيت ، مواقيت الحج ، المتقدمة ، فلا يحل لمريد العمرة مجاوزتها بلا إحرام ، لقول زهير ابن معاوية ، حدثنى زيد بن جبير أنه أتى عبد الله بن عمر فسالته : من أين يجوز أن أعتمر ؟ قال : فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرنا ، ولأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة . أخرجه البخارى .
(ب) أَمَّا مَنْ كان داخل المواقيت ، فميقاتُه فى العمرة الحل ولو كان بالحرم ، لحديث الأَسْوَد أَن عائشةَ رضى الله عنها : قالت : يا رسول الله يصدر الناس بنُسُكَيْن وأَصْدُرُ بنًسكُ ؟ فقِيل
((1/313)
واختلفت ) الشافعية فى قراءة الفاتحة أتكون عند سكتات الإمام أم عند قراءته ؟ ( قال ) الشوكانى : وظاهر الأحاديث أنها تقرأ عند قراءة الإمام . وفعلها حال سكوت الإمام إن أمكن أحوط ، لأنه يجوز عند أهل القول الأول ، فيكون فاعل ذلك آخذاً بالإجماع ( وأما ) اعتياد قراءتها حال قراءة الإمام للفاتحة فقط ، أو حال قراءته للسورة فقط " فليس " عليه دليل ، بل الكل جائز وسنة ، نعم حال قراءة الإمام للفاتحة مناسب " من جهة " عدم الاحتياج إلى تأخير الاستعاذة عن محلها الذى هو بعد التوجه، أو تكريرها عند إرادة قراءة الفاتحة إن فعلها فى محلها أوّلا وأخر الفاتحة إلى حال قراءة الإمام للسورة " ومن جهة " الاكتفاء بالتأمين مرّة واحدة عند فراغه وفراغ الإمام ن قراءة الفاتحة إن وقع الاتفاق فى التمام ، بخلاف من أخر قراءة الفاتحة إلى حال قراءة الإمام للسورة(1).
( فائدة ) اتفق الأئمة الأربعة والجمهور على أنّ المأموم يدرك الركعة بإدراك الركوع مع الإمام وإن لم يقرا شيئا ، إلا أنهم اختلفوا فيما يتحقق به إدراك المأموم الركوع ( فقال ) الحنفيون والمالكية والحنبلية : يدرك الركوع بوضع يديه على ركبتيه قبل رفعه الإمام رأسه من الركوع ولو لم يطمئن إلا بعد رفعه ( وقالت ) الشافعية: لا يدركه إلا إذا اطمأنّ مع الإمام قبل رفعه .
( واستدلوا ) على إدراك الركعة بإدراك الركوع ( بحديث ) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يُقيَم الإمامُ صُلبه " أخرجه الدار قطنى وابن خزيمة(2){ 405 }
(
__________
(1) ص 237 ج2 – نيل الأوطار ( قراءة المأموم وإنصاته إذا سمع إمامه ) .
(2) ص 132 – الدار قطنى ( فقد أدركها ) مقدم من تأخير . والأصل من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يقين الإمام صلبه فقد أدرك الصلاة .كما رواه ابن حبان وصححه .(1/314)
وبحديثه ) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جئتم على الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدّوها شيئا ، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاةَ " أخرجه أبو داود والدار قطنى وابن خزيمة والحاكم(1) ... { 406 }
( وبقول ) زيد بن وهب : دخلتُ أنا وابن مسعود المسجد والإمامُ راكع فركعنا ثم مضينا حتى استوينا بالصف فلما فرغ الإمامُ قمتُ أقضى فقال قد أدركته . أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات(2)( وعن ) على وابن مسعود قالا : من لم يُدْرك الركعةَ فلا يعتدّ بالسجدة . أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون(3)( وقال ) جماعة من الظاهرية : إن من أدرك الإمام راكعاً ولم يدرك معه القراءة لم تحسب له الركعة وهو مروى عن أبى هريرة . قاله ابن سيد الناس فى شرح الترمذى . واحتجوا لذلك بما روى أبو هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " مَن أدرك الإمام فى الركوع فليركع معه ولْيُعِد الركعة " أخرجه ابن خزيمة(4) ... ... ... { 407 }
ورواه البخارى فى القراءة خلف الإمام من حديث أبى هريرة قال : إن أدركَت القومَ رُكوعا لم تعتدّ بتلك
__________
(1) ص 338 ج5 – المنهل العذب ( الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يسمع ) وص 132 – الدار قطنى .
(2) ص 77 ج 2 – مجمع الزوائد ( من أدرك الركوع ) .
(3) ص 76 منه . وهذان الأثران لهما حكم الفرع ، إذ مثل هذا لا يقال من قبل الرأى ، ولا مجال للاجتهاد فيه . وقولهما " من لم يدرك الركعة " أى الركوع " فلا يعتد بالسجدة " مفهومه أن من أدرك الركعة " أى الركوع " يعتد به فتحسب له الركعة .
(4) ص 241 ج2 – نيل الأوطار ( قراءة المأموم وإنصاته ) .(1/315)
الركعة(1)( قال ) الحافظ : وهذا هو المعروف عن أبى هريرة موقوفا . وأما المرفوع فلا أصل له أهـ . وحكى البخارى هذا المذهب فى القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام وحكاه فى الفتح عن جماعة من الشافعية . وقوّاة الشيخ تنقى الدين السبكى وغيره من محدِّثى الشافعية(2).
واستدلوا أيضاً بحديث أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أُقيمت الصلاةُ فلا تأتوها تسْعَون وأْتُوها تمشون وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " أخرجه الشيخان وأبو داود(3){ 408 }
قالوا : فيه الأمر بإتمام ما فاته وقد فاته الوقوف والقراءة ( ويجاب ) بأن قوله : وما فاتكم فأتموا عام مخصوص بغير القراءة والقيام للمسبوق الذى أدرك الإمام راكعاً فلا يقضيها للأحاديث المتقدّمة .
( خاتمة ) من توابع بحث القراءة فتح المأموم على الإمام إذا التبست عليه القراءة وهو مشروع ( لحديث ) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فالْتبس عليه فيها فلما فرغ قال لأبىّ أصليت معنا ؟ قال نعم . قال فما منعك أن تفتَحَ علىّ ؟ أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم والطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات(4) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 409 }
( ولقول ) أنس : " كنا نفتح على الأئمة فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه الحاكم وصححه(5) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 410 }
(
__________
(1) ص 241 ج2 – نيل الأوطار ( قراءة المأموم وإنصاته ) .
(2) ص 241 ج2 – نيل الأوطار ( قراءة المأموم وإنصاته ) .
(3) ص 266 ج2 – فتح البارى ( المشى إلى الجمعة .. ) وص 98 ج5 – نووى ( إتيان الصلاة بوقار .. ) وص 271 ج4 – المنهل العذب (السعى إلى الصلاة )
(4) ص 3 ج6 – المنهل العذب ( الفتح على الإمام ) وص 69 ج2 – مجمع الزوائد ( تلقين الإمام ) .
(5) ص 276 ج1 مستدرك .(1/316)
وهو ) واجب فى الفاتحة مستحب فى غيرها عند مالك والشافعى وأحمد وإسحاق ( ومشهور ) مذهب الحنفيين استحباب الفتح على الإمام فى الفاتحة وغيرها ناوياً الفتح لا التلاوة . وقيل إن قرأ الإمام القدر المجزئ فى الصلاة(1)لا يفتح عليه وإلا فتح ( قال ) الشوكانى : وتقييد الفتح بأن يكون على إمام لم يؤدّ الواجب من القراءة ، وبآخر ركعة " مما لا دليل عليه " وكذا تقييده بأن يكون فى القراءة الجهرية ( والأدلة ) قد دلت على مشروعية الفتح مطلقاً فعند نسيان الإمام الآية فى القراءة الجهرية ، يكون الفتح عليه بتذكيره تلك الآية . وعند نسيانه لغيرها من الأركان يكون الفتح عليه بالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء أهـ(2).
أما الفتح على غير الإمام مصلياً أم غيره فهو مبطل عند الحنفيين إلا إذا قصد به التلاوة . وكذا عند المالكية مطلقاً إلا إذا فتح المأموم على إمام آخر . ففيه خلاف 0 والأصح البطلان ( وقالت ) الحنبلية : الفتح على غير الإمام مكروه والصلاة صحيحة ( وقالت ) الشافعية : هو جائز بلا كراهة ، إلا أنه يقطع الموالاة فى قراءة الفاتحة إن فتح وهو يقرؤها فيستأنفها بخلاف الفتح على إمامه .
( الثالث عشر ) سنن الصلاة الخارجة عنها
هى كثيرة المذكور منها هنا خمس عشرة :
(
__________
(1) القدر المجزئ فيها عند النعمان آية ولو قصيرة مركبة من كلمتين كآية " ثم نظر " وعند الصاحبين ثلاث آيات قصار أو آية طويله تعدلها " وأما حديث " أبى إسحاق عن الحارث الأعور عن على مرفوعا : يا على لا تفتح على الإمام فى الصلاة " فقد " أخرجه عبد الرازق وابو داود وقال : أبو إسحاق لم يسمع من الحارق إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها . انظر ص 4 ج6 – المنهل العذب ( الفتح على الإمام ) ( وقال المنذرى) الحارث الأعور قال غير واحد : إنه كذاب " فهو " لا ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة القاضية بمشروعية الفتح على الإمام .
(2) ص 373 ج 2 – نيل الأوطار ( الفتح على الإمام .. )(1/317)
1 و 2 ) الأذان والإقامة وقد تقدّم بيانهما .
(3) الرواتب : جمع راتبة ، وهى ما شرعت تابعة للفرائض ، لتكفير السيئات ورفع الدرجات وترغيم الشيطان وقطع طماعيته فى منع الإنسان من تأدية الفرائض على الوجه الأكمل ، وتكميل ما عساه يقع من نقص فى الفرائض بنقص شئ من آدابها كخشوع وتدبر فى قراءة وغيرها ( لحديث ) تميم الدارىِّ أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " أوّلُ ما يحُاسَبُ به العبد يومَ القيامة صلاتُه ، فإن أكملها كُتبتْ له تامةً . وغن لم يكن أكملها قال الله لملائكته : انظُروا هل تجدون لعبدى من تطوّع فأكملوا بها ما ضيّع من فريضته ، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك " أخرجه أحمد وابن ماجه وهذا لفظه وأشار إليه أبو داود(1) ... { 411 }
(
__________
(1) ص 225 ج 1 – ابن ماجه ( أول ما يحاسب به العبد الصلاة ) وص 312 ج5 المنهل العذب ( قول النبى صلى الله عليه وسلم كل صلاة لا يتمها صاحبها تتمم من تطوعه ) .(1/318)
ولحديث ) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ أولَ ما يُحاسَبُ الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة يقول ربُّنا لملائكته – وهو أعلم -: انظروا فى صلاة عبدى أتمّها أو نفصّها ؟ فإن كانت تامة كتِبتْ له تامّة . وإن كان انتقص منها شيئا قال : انظروا هل لعبدى من تطوّع ؟ فإن كان له تطوّع قال: أتمّوا لعبدى فريضته من تطوّعه ثم تؤخذ الأعمال على ذلك " أخرجه أبو داود وابن ماجه(1) ... ... { 412 }
(
__________
(1) ص 309 ج5 المنهل العذب ( كل صلاة لا يتمها صاحبها تنم من تطوعه ) وص 224 ج1 – ابن ماجه و ( أتمها أم نقصها ) أى أتم سننها وآدابها كالخشوع وألذكار والأدعية أم ترك شيئا منها ؟ أما من أفسدها بترك شرط أو ركن فقد خاب وخسر ففى رواية الترمذى إن أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن صلحت فقد افلح وأنجح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر ، فإن انتقص من فريضة شيئا قال الرب : انظروا الخ ( ص 318 ج1 – تحفة الأحوذى ) ويحتمل أن يراد بالانتقاص ما ترك من الفرائض فلم يصله فيعوّض عنه من التطوّع تفضلا من الله ( قال ) ابن العربى : الأظهر عندى أنه يكمل ما نقص من فرض الصلاة وأعدادها بنفل التطوّع ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ثم الزكاة كذلك ، وسائر الأعمال ، وليس فى الزكاة إلا فرض ونفل ، فكما يكمل فرض الزكاة بنفلها كذلك الصلاة . وفضل الله أوسع وكرمه أعم وأن لم يكن له تطوّع بقيت ناقصة فلا يجازى عليها جزأه صلاة كاملة(1/319)
قال ) ابن دقيق العيد : فى تقديم النوافل على الفرائض وتأخيرها عنها معنى لطيف مناسب " أما فى تقديم " فلأن النفوس لاشتغالها بأسباب الدنيا بعيدة عن حالة الخشوع والخضوع والحضور التى هى روح العبادة ، فإذا قدّمت النوافل على الفرائض أنِسَت النفس بالعبادة وتكيفت بحالة تقرب من الخشوع " وأما تأخيرها " عنها ، فقد ورد أن النوافل جابرة لنقص الفرائص فإذا وقع فى الفرض ناسب أن يقع بعده ما يجبر الخلل الذى يقع فيه أهـ . لكنه يكره نية الجبر به لعدم العلم بل يفوّض وإن كان حكمه الجبر فى الواقع(1).
هذا . والرواتب قسمان مؤكدة وغير مؤكدة (أ) فالمؤكدة – عند الحنفيين وبعض الشافعية – اثنتا عشرة ركعة وهى المذكورة فى حديث أم حبيبة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " مّن صلى فى يوم وليلة ثِنْتَى عشْره ركعة بُنى له بيت فى الجنة : أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر صلاةِ الغداةِ " أخرجه الترمذى وقال حسن صحيح . وأخرجه النسائى ولكنْ فيه ذِكْر ركعتين قبل العصر بدل ركعتين بعد العشاء(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 413 }
__________
(1) ص 123 ج1 – بلغة السالك لأقرب المسالك ( النوافل ) .
(2) ص 319 ج1 – تحفة الأحوذى ( من صلى فى يوم وليلة 12 ركعة من السنة ماله من الفضل ) . وص 256 ج1 – مجتبى . ( بنى له بيت فى الجنة ) أى جعل الله لمن أدى هذه الركعات بيتا فى الجنة ، ومحله إذا كان أتم الفرائض ، وإلا كملت من تطوعه كما تقدم .(1/320)
وفيه ردّ على الحسن البصرى فى قوله بوجوب الركعتين بعد المغرب وركعتى الفجر ( وقالت ) الشافعية والحنبلية : المؤكد منها عشْرُ ركعات ( لقول ) ابن عمر رضى الله عنهما كانت صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم التى لا يدَع ركعتين قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء ، وركعتين قبل الصبح " أخرجه أحمد بسند جيد(1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 414 }
( وقالت ) المالكية : السنة المؤكدة ما كثر ثوابها وأكد طلبها بلا وجوب كالوتر . وركعتا الفجر رغيبةَ اى رغب فيهما الشارع كما سيأتى . والمندوب المؤكد ركعتان قبل الظهر وبعده وقبل العصر وبعد المغرب والعشاء . وللإنسان التطوّع بما شاء ، والأكمل التطوّع بما دلت عليه أحاديث الباب .
ويؤيد ما ذهب إليه الحنفيون ( قول ) عائشة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعا قبل الظهر ، وركعتين قبل الفجر لعى حال " أخرجه أحمد والشيخان والنسائى(2) ... ... ... { 415 }
وهناك البيان على ترتيب الحديث :-
(1) يتأكد صلاة أربع قبل الظهر بتشهدين وسلام ، وركعتين بعده ( لقول ) أبى أيوب الأنصارى رضى الله عنه : " كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى قبل صلاة الظهر أربعا إذا زالت الشمس ، فسألته عن ذلك . فقال : إن أبوابَ السماءِ تَفتّح فى هذه الساعة فأجِبّ أن يَصْعَدَ لى فيها خيرٌ . قلت أفى كلِّهن قراءة ؟ قال نعم . قلت أَتَفْصِلُ بينهنَ بسلام ؟ قال لا " أخرجه أحمد والطحاوى ومحمد بن الحسن وهذا لفظه(3) ... ... ... { 416 }
(
__________
(1) ص 197 ج4 – الفتح الربانى ( جامع تطوع النبى صلى الله عليه وسلم .. )
(2) ص 202 ج4 – الفتح الربانى . وص 39 ج3 – فتح البارى ( باب الركعتين قبل الظهر ) . وص 253 ج1 – مجتبى ( المحافظة على الركعتين قبل الفجر ) .
(3) ص 201 ج4 – الفتح الربانى . وص 198 ج1 – شرح معانى الآثار .(1/321)
وقال ) عبد الله بن شقيق : " سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التطّوِع، فقالت : كان يصلى قبل الظهر أربعا فى بيتى ، ثم يخرج فيصلى بالناس ، ثم يرجع إلى بيتى فيصلى ركعتين " ( الحديث ) وفيه " وكان يصلى بهم العشاء ثم يدخل بيتى فيصلى ركعتين " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود(1) ... { 417 }
(2) ويتأكد صلاة ركعتين بعد صلاة المغرب ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يتركهما سفرا ولا حضرا ( ولحديث ) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتين بعد المغرب فى بيته . أخرجه أحمد والترمذى وصححه(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 418 }
ويسنّ أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة قل يأيها الكافرون ، وقل هو الله أحد ( لقول ) ابن مسعود ما أُحصى ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين بعد المغرب وفى الركعتين قبل صلاة الفجر بقل يأيها الكافرون ، وقل هو الله أحد . أخرجه ابن ماجه والترمذى وفيه عبد الملك ابن معدان ضعيف ولكن للحديث شواهد تعضده(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 419 }
(3) ويتأكد صلاة ركعتين بعد صلاة العشاء ( لقول ) عائشة : وكان يصلى بهم العشاء ثم يدخلُ بيتى فصلى ركعتين(4) ...
(
__________
(1) ص 198 ج4 – الفتح الربانى . وص 8 ج 6 – نووى ( فضل السنن الراتبة ) . وص 134 ج7 – المنهل العذب ( أبواب التطوع )
(2) ص 213 ج4 – الفتح الربانى . وص 329 ج1 – تحفة الأحوذى ( فى الركعتين بعد المغرب ) .
(3) ص 329 منه . وص 184 ج1 – ابن ماجه ( ما يقرأ فى الركعتين بعد المغرب ) .
(4) هذا بعض الحديث رقم 417 ص 295 .(1/322)
4) ويتأكد صلاة ركعتين قبل صلاة الصبح والمحافظة عليهما ( لقول ) عائشة لم يكن البنى صلى الله عليه وسلم على شئ من النوافل أشدّ معاهدة منه على الركعتين قبل الصبح . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود(1){420}
( ولحديث ) عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " . أخرجه مسلم والنسائى والترمذى وصححه(2) ... ... ... ... ... ... ... ... { 421 }
ولظاهر هذه الأحاديث قال الحسن البصرى بوجوبهما . وروى عن النعمان والراجح أنهما سنة ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم ذكرهما مع سائر السنن فى عدة أحاديث ما تقدم ( ويستحب ) عند الجمهور تأديتهما فى أول الوقت مع التخفيف ( لقول ) عائشة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ركعتين الفجر إذا سمع الأذان ويخففهما " أخرجه أحمد والشيخان وهذا لفظ مسلم(3) ... ... ... ... ... ... { 422 }
__________
(1) ص 222 ج4 – الفتح الربانى . وص 30 ج3 – فتح البارى ( تعاد ركعتى الفجر ) . وص 4 ج6 نووى ( استحباب سنة الفجر ) . وص 137 ج7 – المنهل العذب .
(2) ص 5 ج6 – نووى . وص 253 ج1 مجتبى ( المحافظة على الركعتين قبل الفجر ) . وص 320 ج1 – تحفة الأحوذى ( ما فى ركمعتى الفجر من الفضل ) .
(3) ص 224 ج4 – الفتح الربانى . وص 30 ج3 – فتح البارى ( ما يقرأ فى ركعتى الفجر ) . وص 3 ج6 – نووى . وخص بعضهم استحباب التخفيف بمن لم يتأخر عليه بعض حزبه الذى اعتاد قراءته ليلا . فمن تأخر فى شئ منه قرأة فى سنة الصبح . قال الحسن البصرى : لا بأس أن يطيل ركعتى الفجر يقرأ فيهما من حزبه . رواه ابن أبى شيبة ( وقال ) النعمان : ربما قرأت فى ركعتى الفجر حزبى من الليل .(1/323)
والحكمة فى تخفيفهما المبادرة إلى صلاة الصبح فى أول الوقت ، واستفتاح صلاة النهار بركعتين خفيفتين ليدخل فى الفرض بنشاط واستعداد تام كما يفتتح قيام الليل بركعتين خفيفتين ( ويستحب ) الإسرار فى سنة الصبح وأن يقرأ فى الأولى بعد الفاتحة قل يأَيها الكافرون ، وفى الثانية قل هو الله أحد ، أو يقرأ فى الأولى : { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(1)َ } وفى الركعة الثانية ( إما قوله ) { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(2)} أو قوله { قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(3)
__________
(1) سورة البقرة : آية 136 ( والأسباط ) أولاد يعقوب وهم اثنا عشر . ولكل واحد منهم جملة أولاد . والبسط فى بنى إسرائيل كالقبيلة فى العرب. وسموا أسباطا من السبط بفتح فسكون وهو التتابع ، فهم جماعة متتابعون .
(2) سورة آل عمران آية : 52 ( والحواريون ) جمع حوارى وهو صفوة الرجل وخاصته .
(3) سورة آل عمران : آية 64 ( والسواء ) العدل ، وقرأ ابن مسعود " إلى كلمة عدل " فالمعنى أقبلوا إلى ما دعيتم إليه وهى الكلمة العادلة التى لا ميل فيها عن الحق وهى : أن لا نعبد إلا الله الخ ..(1/324)
} ( قال ) ابن عمر : " رمَقْتُ النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين قبل الفجر قل يأيها الكافرون ، وقل هو الله أحدٌ " أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه والترمذى وحسنه(1)
__________
(1) ص 225 ج4 – الفتح الربانى . وص 181 ج1 – ابن ماجه ( ما يقرأ فى الركعتين قبل الفجر ) وص 320 ج1 – تحفة الأحوذى ( تخفيف ركعتى الفجر ... ) وإنما كان صلى الله عليه وسلم يقرأ فى ركعتى الفرج هاتين السورتين لما فيهما من الفضل العظيم . فإن سورة الإخلاص متضمنة لتوحيد الاعتقاد والمعرفة ، وما يجب إثباته للرب " من الأحدية " المنافية لمطلق المشاكرة بأى وجه من الوجوه " والصمدية " المثبتة له جميع صفات الكمال ومنها استغناؤه عن كل ما سواه ، وافتقار كل ما عداه إليه . فهو لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه " ونفى الولد والوالد " الذى هو من لوازم أحديته وصمديته وغناه " ونفى الكف " المتضمن لنفى الشبيه والمثيل والنظير . فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له ونفى كل نقص عنه ، ونفى مماثلة شئ له فى أى زمان كان كما تقدّم بيانه باتم من هذا فى بحث الوحدانية . وهذه الأصول هى مجامع التوحيد العلمى الاعتقادى الذى بياين صاحبه جميع فرق الضلال ولذلك كانت هذه السورة تعدل ثلث القرآن وذلك لأنّ المقصود من القرآن بيان التوحيد والصفات، والأوامر والنواهى والقصص والمواعظ . وهذه السورة قد تضمنت بيان التوحيد والصفات وسميت السورة قل يأيها الكافرون من الشرك اعملى الإرادى القصدى ( ولما كان ) العلم قبل العمل وهو إمامه وقائده وسائقه والحاكم عليه ومنزله منازله . كانت سورة قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن . وقل يأيها الكافرون تعدل ربع القرآن ..ووجهه أن القرآن مشتمل على بيان التوحيد والنبوات وأحكام المعاش والمعاد وهى مستقلة ببيان التوحيد ولكونهما سورتى الإخلاص والتوحيد كان النبى صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما عمل النهار ويختمه بهما فيقرؤهما فى الركعتين بعد المغرب وفى ركعتى الطواف فى الحج الذى هو شعار التوحيد .(1/325)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 423 }
( وقال ) ابن عباس إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ فى ركعتى الفجر فى الأولى منهما : { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا } الآية التى فى البقرة وفى الآخرة منهما { آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } أخرجه مسلم والنسائى وأبو داود(1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 424 }
( وقال ) كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى ركعتى الفجر { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا } والتى فى آل عمران { تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } أخرجه مسلم والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والبيهقى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 425 }
(
__________
(1) ص 5 ج6 – نووى ( استحباب ركعتى الفجر ) . وص 142 ج7 – المنهل العذب ( تخفيفهما ) ( وآمنا بالله ) يعنى قوله تعالى فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله الآية .
(2) ص 6 ج6 – نووى . وص 307 ج1 – مستدرك . وقوله . ولمن يخرجاه مردود فقد خرجه مسلم . وص و ( تعالوا ) يشير إلى قوله تعالى " ق يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " الآية .(1/326)
وقال ) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى ركعتيه قبل الفجر بفاتحة القرآن والآيتين من خاتمة البقرة فى الركعة الأولى وفى الركعة الآخرة بفاتحة القرآن وبالآية من سورة آل عمران { قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } حتى يختم الآية . أخرجه أحمد . وفى سنده من لم يسم(1){ 426 }
وبهذا قال الجمهور . ورواه ابن القاسم عن مالك ومشهور مذهبه أنه يستحب الاقتصار فى ركعتى الفجر على الفاتحة ، لظاهر ( قول ) عائشة " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الركعتين قبل الغداة فيُحففَّهما حتى إنى لأشك أقرأ فيهما بفاتحة الكتاب أم لا ؟ أخرجه مالك وأحمد والشيخان وأبو داود(2) ... { 427 }
( وأجاب ) الجمهور بأن المراد من الحديث المبالغة فى تخفيف القراءة بالنسبة إلى عادته صلى الله عليه وسلم من إطالة صلاة النوافل ليلا ونهارا ، فلا يصلح دليلا ، ولا يقوى على رد الأحاديث الصحيحة الصريحة فى أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فى سنة الصبح بغير أم القرآن ، كما تقدم .
__________
(1) ص 213 ج3 – الفتح الربانى . ويشهد له أحاديث الباب " وأما ما قيل " من قرأن فى الفجر بألم نشرح والم تر كيف لم يرمد " فقد قال " السخاوى فى المقاصد : لا أصل له سواء أريد بالفجر سنته أو الفرض لمخالفته سنة القراءة فيهما أهـ . ونقل عن الغزالى أن من قرأ فى ركعتى الفجر بهما قصرت عنه يد كل ظالم . قال الشيخ العجلونى : ولم أره فى الإحساء ( انظر رقم 2566 ص 270 ج2 – كشف الخفاء ) .
(2) ص 325 ج1 – زرقانى ( ما جاء فى ركعتى الفجر ) . وص 224 ج4 – الفتح الربانى . وص 31 ج3 – فتح البارى ( ما يقرأ فى ركعتى الفجر ) . وص 4 ج6 – نووى . وص 138 ج7 – المنهل العذب ( تخفيفهما ) .(1/327)
وقد روى ابن القاسم عن مالك أنه كان يقرأ فيهما بأم القرآن وسورة من قصار المفصل ( وقال ) بعض الظاهرية يقتصر فيها على قل يأيها الكافرون فى الركعة الأولى . وقل هو الله أحد فى الركعة الثانية، أو على آيتين من الآيات السابقة ( وردّ ) بحديث لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب(1).
( وقال ) أبو بكر بن الأصم وبان عُلية وبعض الظاهرية : لا قراءة فيها ، لقول عائشة فى حديثها السابق حتى إنى لأشك أقرأ فيها بفاتحة الكتاب أم لا ؟ ( وهو ) مردود بالأحاديث السابقة بل بحديث عائشة نفسه فإن الغرض منه المبالغة فى التخفيف ( قال ) القرطبى : ليس معنى الحديث أنها شكت فى قراءته صلى الله عليه وسلم الفاتحة ، وإنما معناه أنه كان يطيل القراءة فى النوافل ، فلما خفف قراءة ركعتى الفجر صار كأنه لم يقرأ فيهما بالنسبة لغيرهما من الصلوات(2).
( فائدة ) يستحب – عند بعض العلماء – لمن صلى ركعتى الفجر فى البيت الاضطجاع بعدهما على شقه الأيمن . وعليه يحمل ( قول ) عائشة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع ركعتى الفجر اضطجع على شِقّه الأيمن " أخرجه أحمد والبخارى والنسائى والترمذى(3) ... ... ... ... ... { 428 }
(
__________
(1) تقدم رقم 192 . ص 142 ( القراءة ) .
(2) ص 235 ج1 – زرقانى .
(3) ص 228 ج4 – الفتح الربانى . وص 29 ج3 – فتح البارى ( الضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتى الفجر ) . وص 253 ج1 – مجتبى . وص 322 ج1 – تحفة الأحوذى .(1/328)
وحكمة ) هاذ الاضطجاع أنه يكون عونا للمصلى على تأدية صلاة الصبح بنشاط ( وحكمة ) كونه على الشق الأيمن أن القلب فى جهة اليسار فلو اضطجع عليه استغرق فى النوم لاستراحته بذلك أما لو اضطجع على اليمين كان القلب معلقا فيكون أبعد من النوم ( وقال ) الشافعى وأحمد : يسنّ الاضطجاع بعد ركعتى الفجر مطلقا ، لعموم حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه " أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه(1) ... ... ... ... ... ... { 429 }
( وقال ) ابن حزم الاضطجاع واجب بعد ركعتى الفجر فمن صلاهما ولم يضطجع لا تجزئه صلاة الصبح، حاملا الأمر فى حديث أبى هريرة على الوجوب وحمله الجمهور على الاستحباب ( لقول ) عائشة : " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتى الفجر فإن كنت نائمة اضطجع وإن كنت مستيقظة حدّثنى " أخرجه البخارى وأبو داود وهذا لفظه(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 430 }
( فهو ظاهر ) أنه ما كان يضطجع حال استيقاظها فكان ذلك قرينة صرف الأمر عن الوجوب ( وقال ) ابن مسعود والنخعى ومجاهد والحنفيون ومالك والجمهور : الاضطجاع بعدهما بدعة ( قال ) ابن مسعود : ما بال الرجل إذا صلى الركعتين يتمعك كما تتمعك الدابة أو الحمار . إذا سلّم فقد فَضَل . أخرجه ابن أبى شيبة(3).
(
__________
(1) ص 228 ج4 – الفتح الربانى . وص 145 ج7 – المنهل العذب ( الاضطجاع بعدهما ) . وص 322 ج1 – تحفة الأحوذى .
(2) ص 29 ج3 – فتح البارى ( من تحدث بعد الركعتين ) وص 147 ج7 – المنهل العذب ( الاضطجاع بعدها ) .
(3) ص 26 ج3 – نيل الأوطار ( تأكيد ركعتى الفجر .. ) ( فقد فصل ) أى بين السنة والفرض .(1/329)
وقال ) أبو الصديق الناجى : رأى ابن عُمر قوماً اضطجَعوا بعد الركعتين قبل صلاة الفجر . فقال : ارجع إليهم فسلْهم ما حملهم على ما صنعوا ؟ فأتيتُهم وسألتُهم فقالوا : نريد بذلك السُّنة . فقال ابن عمر ارجع فأخبرهم أنها بدعة . أخرجه البيهقى(1).
وقالوا إنما اضطجع صلى الله لعيه وسلم للراحة من تعب القيام ( وردّ ) بأنه لا ينافى كونه للتشريع ولا سيما وقد ورد الأمر به .
( وفرّق ) ابن العربى بين من يقوم الليل فيستحب له الاضطجاع للاستراحة وبين غيره فلا يشرع له (لقول) عائشة : لم يضطجع النبى صلى الله عليه وسلم لسُنة ولكن كان يدْأب ليله فيستريح . أخرجه الطبرانى وعبد الرزاق . لكن فى سنده من لم يسم فلا قتوم به حجة . قاله الحافظ(2).
( والظاهر ) القول الأول ويقوّيه أنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه فعله فى المسجد ، ولذا نهى ابن عمر عن فعله فى المسجد وقال إنه بدعة ، وأمر بحصْب من فعله فى المسجد ، فإنه يبعد أن يقع من النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد ولا يعلم به مثل ابن عمر وابن مسعود .
هذا . ويستحب أن يقال بعد ركعتى الفجر ما فى قول عائشة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلا ركعتين قبل صلاة الفجر ثم يقول : اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وربَّ إسرافيل ورب محمد أعوذ بك من النار ثم يخرج إلى الصلاة " أخرجه أبو يعلى عن شيخه سفيان بن وكيع وهو ضعيف(3) ... ... ... { 431 }
(
__________
(1) ص 149 ج7 – المنهل العذب .
(2) ص 29 ج3 – فتح البارى ( الضجعة على الشق الأيمن ) .
(3) ص 104 ج10 – مجمع الزوائد ( ما يقول بعد ركعتى الفجر ) .(1/330)
ويزاد ) فى يوم الجمعة ما فى حديث أنس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة : أستغفر الله الذى لا إله إلا هو الحىّ القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات ، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مِثل زَبَد البحر " أخرجه ابن السنى(1) ... ... ... ... ... ... { 432 }
هذا . واعلم أنّ آكد الرواتب المؤكدة راتبة الصبح ثم راتبة الظهر القبلية ثم البعدية . والتى بعد المغرب والعشاء سواء .
(ب) الرواتب غير المؤكدة : هى سته أنواع : (1) يندب صلاة ركعتين بعد صلاة الظهر يضمان إلى المؤكدتين ( لحديث ) أمّ حبيبة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى أربعا قبل الظهر وأربعا بعدها حرّمه الله على النار . أخرجه أحمد والأربعة بسند صحيح من عدة طرق وصححه الترمذى(2) ... ... { 433 }
(2) ويندب صلاة أربع أو ركعتين قبل صلاة العصر ( لحديث ) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا " أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه ، وابن حبان وصححه وفى سنده محمد بن مسلم بن مهران ، وثقه ابن حبان وابن عدى(3) ... ... ... ... { 434 }
(
__________
(1) الزبد بفتحتين كالرغوة .
(2) ص 200 ج4 – الفتح الربانى . وص 160 = ج7 – المنهل العذب . ولفظه : من حافظ عى أربع ركعات ( الأربع قبل الظهر وبعدها ) . وص 257 ج1 – مجتبى ( قبل الجنائز ) وص 183 ج1 – ابن ماجه . وص 328 ج1 – تحفة الأحوذى . و ( حرمه على الناس ) أى أنذ المواظبة على هذه الركعات تكون سببا فى عدم ارتكابه ما يوجب دخول النار ، وإن قدر عليه دخولها لا تأكله النار .
(3) ص 203 ج 4 – الفتح الربانى . وص 162 ج7 – المنهل العذب ( الصلاة قبل العصر ) . وص 329 ج1 – تحفة الأحوذى ( الأربع قبل العصر ) .(1/331)
ولحديث ) على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى قبل العصر ركعتين " أخرجه أ[و داود . وفى سنده عاصمُ بن ضَمْرة مختلف فيه(1) ... ... ... ... ... ... { 435 }
ولورود الآثار بالركعتين والأربع خير بينهما . والأربع أفضل ، لكثرة رواياتها ولثبوتها قولا وفعلا (وهى) مستحبة عند الجمهور لا مؤكدة ، لأنه لم يثبت مواظبة النبى صلى الله عليه وسلم عليها . والأفضل أن تكون بسلام واحد عند الحنفيين وإسحاق . وقال غيرهم الأفضل أن تكون بتسليمتين .
(3) ويندب – عند الشافعى وأحمد ومحققى الحنفيين والمحدثين – صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب وروى عن مالك ( لحديث ) عبد الله بن مُغفّل أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " صلوا قبل المغرب ركعتين ، ثم قال صلوا قبل المرغب ركعتين . ثم قال عند الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذَها الناسُ سنةُ " أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود والبيهقى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 436 }
( وعنه ) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين أخرجه ابن حبان(3) ... { 437 }
(
__________
(1) ص 163 ج7 – المنهل العذب ( الصلاة قبل العصر ) .
(2) ص 217 ج4 الفتح الربانى . وص 39 ج3 – فتح البارى ( الصلاة قبل المغرب ) وص 181 ج7 – المنهل العذب ( وكراهية الخ ) أى مخافة أن يتخذها الناس طريقة لازمة يواظبون عليها كالفرائض ( قال ) المحب الطبرى : لم يرد نفى استحبابها ، لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب ، بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابها . وقوله سنة ، أى شريعة وطريقة لازمة . وكأن المراد بيان انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض ، ولهذا لم يعدها أكثر الشافعية فى الرواتب ( انظر ص 39 ج3 – فتح البارى ) .
(3) ص 183 ج7 – المنهل العذب ( الصلاة قبل المغرب ) .(1/332)
ولقول ) أنس : " كان المؤذِّنُ إذا أن أذن قام ناي من أصحاب النبى صلى الله علهي وسلم يبندِرون السوارىَ حتى يخرجَ النبى صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يُصلون ركعتين قبل المغرب ، ولم يكن بينهما شئ " أخرجه البخارى . وفى رواية لمسلم فيجئ الغريب فيحِسب أنّ الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما(1){438}
(
__________
(1) ص 73 ج2 – فتح البارى ( كم بين الأذان والإقامة ) وص 123 ج6 – نووى ( استحباب ركعتين قبل المرغب ) ( ولم يكن بينهما شئ ) وفى رواية لم يكن بينهما إلا قليل ، أى لم يكن بين الأذان والإقامة شئ كثير .(1/333)
وقال ) جماعة من الحنفية والمالكية والشافعية : يكره التنفل قبل صلاة المغرب ( لقول ) طاوس : " سُئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب فقال : ما رأيت أحداً على عهد النبى صلى الله عليه وسلم يصليِّهما " أخرجه أبو داود والبيهقى(1)( وردّ ) بأنه لا يدل على الكراهة ، إذا عدم رؤية ابن عمر أحداً يصلى قبل المرغب لا يقتضى الكراهة ، ولأنه نفى ما لم يعلمه وأثبته غيره ممن علمه ، فوجب تقديم رواية المثبت لكثرتها ولما معه من علم ما لم يعلمه ابن عمر على أنه ثبت أن ابن عمر كان يصليهما ( قال ) عبد الله بن برُيدَة : لقد أدركتُ عبدَ الله بنَ عمرَ يصلى تَيْنِك الركعتين عند المغرب لا يدَعُهما على حال قال : فقمنا فصلينا الركعتين قبل الإقامة ثم انتظرنا حتى خرج الإمامُ فصلينا معه المكتوبة . أخرجه الدار قطنى(2)( قال ) العلامة ابن نُجَيم : وما ذكر من استلزام تأخير المغرب ، فقد قدمنا عن القنية استثناء القليل والركعتان لا تزيد على القليل إذا تُجوِّز فيهما . وفى صحيح البخارى أنه صلى الله عليه وسلم قال : صلوا قبل المرغب ركعتين . وهو أمر ندب ، وهو الذى ينبغى اعتقاده فى هذه المسألة(3)( وقال ) النووى : وأما قولهم إنّ فعلهما يؤدى إلى تأخير المرغب فهو خيال منابذ للسنة فلا يلتفت إليه ، ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها(4)( وقال ) الحافظ فى الفتح : ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما ف ركعتى الفجر(5)وبما تقدّم تعلم أن الركعتين قبل صلاة المغرب من المستحب الثابت بالقول والفعل والتقرير .
(
__________
(1) ص 185 ج7 – المنهل العذب ( الصلاة قبل المغرب ) .
(2) ص 186 ج7 – المنهل العذب ( الصلاة قبل المغرب ) .
(3) ص 253 ج1 – البحر الرائق ( قبل الأذان ) .
(4) ص 24 ج6 – شرح مسلم ( استحباب ركعتين قبل المغرب ) .
(5) ص 74 ج2 – فتح البارى ( كم بين الأذان والإقامة ) .(1/334)
4) ويندب صلاة أربع ركعات بعد صلاة المغرب تضم إلى المؤكدتين ( لقول ) عّمار بن ياسِر : " رأيت حبيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى بعد المغرب ستَّ ركعات وقال : من صلى المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه وإن كانت مِثل زبدّ البحر " أخرجه الطبرانى فى الثلاثة وقال : تفرّد به صالح بن قَطَنٍ البخارى قال الهيثمى : ولم أجد من ترجمه(1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 439 }
(5) ويندب صلاة ركعتين قبل صلاة العشاء ( لحديث ) عبد الله بن مُغَفلٍ أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ، ثم قال فى الثالثة لمن شاء " أخرجه الجماعة(2){ 440 }
__________
(1) ص 230 ج2 – مجمع الزوائد ( الصلاة قبل المغرب وبعدها ) .
(2) ص 218 ج4 – الفتح الربانى . وص 75 ج2 – فتح البارى ( بين كل أذانين صلاة ) . وص 124 ج6 – نووى ( استحباب ركعتين قبل المغرب ) وص 185 ج7 – المنهل العذب ( الصلاة قبل المغرب ) وص 183 ج1 – ابن ماجه ( فى الركعتين قبل المغرب ) والرماد بالأذانين الأذان والإقامة باتفاق العلماء ، كما قال الترمذى . والمراد " بصلاة " النافلة ونكرت لتشمل الركعتين وغيرهما . والتكرير للتأكيد(1/335)
فهو يدل بعمومه على استحباب الصلاة قبل العشاء والمغرب(1)وغيرهما ، لكنه مخصوص بغير الجمعة فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بين أذانها وإقامتها كما سيأتى فى بحث الجمعة إن شاء الله تعالى (وحكمه) مشروعية الصلاة بين الأذان والإقامة أنّ المقصود من الأذان الإعلام بدخول الوقت ليتأهب الناس للصلاة بالطهارة ويحضروا لناديتها ، ووصل الأذان بالإقامة يفوِّت هذا المقصود .
(6) ويندب صلاة ركعتين أو أربع تضم للمؤكدتين بعد صلاة العشاء ( لقول ) شُرَيح بن هانئ : " سألتُ عائشة عن صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : ما صلى العشاء قطُّ فدخل علىّ إلا صلى أربعَ ركعاتٍ أو ستَّ ركعات " ( الحديث ) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى بسند رجاله ثقات(2) ... ... ... { 441 }
أى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى تارة أربعاً وأخرى ستا . وفى بعض الأحيان كان يقتصر على الركعتين المؤكدتين كما تقدم فى بحث الرواتب المؤكدة .
(
__________
(1) " ولا ينافيه " حديث بريدة مرفوعا : بين كل أذانين صلاة إلا المغرب . أخرجه البزار " لأنه ضعيف " ففيه حيان بن عبيد الله قيل إنه اختلط . انظر ص 231 ج2 – مجمع الزوائد ( جامع فيما يصلى قبل الصلاة وبعدها ) ( وقال ) الحافظ : وأما رواية حيان فشاذة لأنه خالف الحفاظ م أصحاب عبد الله بن بريدة فى سند الحديث ومتنه . وعن القلاس أنه كذب حيانا ( انظر ص 73 ج2 – فتح البارى – كم بين الأذان والإقامة ) .
(2) ص 220 ج4 – الفتح الربانى . وص 220 ج7 – المنهل العذب ( الصلاة بعد العشاء ) .(1/336)
فائدة ) السنة المؤكدة محسوبة من المندوب فى الأربع بعد الظهر وبعد العشاء وفى الست بعدها وبعد المغرب . والأفضل عند النعمان أن يؤدى الكل بسلام واحد مع التشهد فى كل ركعتين ، لما تقدم فى راتبه الظهر القبلية(1)( ولقول ) يحيى بن مَعين : صلاة النهار أربعٌ لا يُفْضَل بينهن ، فقيل له : فإن أحمد بن حنبل يقول : صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فقال بأى حديث ؟ فقيل له بحديث الأزْدِى فقال : ومن الأزدىّ ؟ حتى أقبلَ منه وأدَع حديث يحيى بن سعد الأنصارى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعاً لا يفصِل بينهن . لو كان حديثُ الأزدى صحيحاً ما خالفه ابنُ عمر . أخرجه ابن عبد البر(2)( وقال ) أبو يوسف ومحمد : الأفضل فى صلاة النهار أن تكون أربعاً لما تقدم ، وفى صلاة الليل أن تكون مثنى ( لحديث ) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة الليل مثنى مثنى " أخرجه الجماعة وقال الترمذى : حسن صحيح(3){ 442 }
( وقالت ) المالكية : يكره التنفل بأربع بسلام ، ويردّه ما تقدم ( وحديث ) أبى أيوب الأنصارى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " أربعٌ قبلَ الظهر ليس فيهن تسليم تُفتَح لهن أبواب السماء " أخرجه أبو داود وابن ماجه وفيه عُتَيبة بن مُعْتِب الضبى ضعيف لكن الحديث روى من عدة طرق يقوى بعضها بعضا(4) ... { 443 }
(
__________
(1) تقدم رقم 416 . ص 295 .
(2) ص 203 ج7 – المنهل العذب ( صلاة النهار ) .
(3) ص 235 ، 267 ج4 – الفتح الربانى . وص 325 ج2 – فتح البارى ( أبواب الوتر ) وص 30 ج6 – نووى ( صلاة الليل والوتر ) وص 255 ج7 – المنهل العذب ( صلاة الليل مثنى مثنى ) . وص 331 ج1 – تحفة الأحوذى . وص 246 ج1 – مجتبى ( كيف صلاة الليل )
(4) ص 161 ج7 – المنهل العذب ( الأربع قبل الظهر وبعدها ) . وص 182 ج1 ابن ماجه .(1/337)
وقال ) الشافعى وأحمد : الأفضل أن يكون تطوّع النهار والليل مثنى ( لحديث ) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " أخرجه أحمد والأربعة والحاكم والبيهقى وصححاه(1){444}
( وأجاب ) من فرق بين تطوّع النهار والليل عنه ، بأن زيادة النهار فيه وَهَمُ ، وأنه اختلف فى رفعه ووقفه ( قال ) الترمذى : اختلف أصحاب شعبة فيه ، فوقفه بعضهم ورفعه بعضهم ، والصحيح ما رواه الثقات عن ابن عمر فلم يذكروا فيه صلاة النهار أهـ ( وقال ) النسائى : هذا الحديث عندى خطأ .
هذا . ويتصل بالرواتب فصلان.
(
__________
(1) ص 266 ج4 – بلوغ الأمانى من أسرار الفتح الربانى . وص 202 ج7 – المنهل العذب ( صلاة النهار ) وص 246 ج1 مجتبى ( كيف صلاة الليل )(1/338)
أ ) مكان صلاة التطوع : يستحب تأدية النفل المطلق فى البيت اتفاقا . وكذا الرواتب عند الجمهور ولا فرق بن راتبه النهار والليل ( لقول ) عبد الله بن شقيق : " سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التطوّع فقالت : كان يصلى قبل الظهر أربعاً فى بيتى ، ثم يخرج فيصلى بالناس ، ثم يرجع إلى بيتى فيصلى ركعتين وكان يصلى بالناس المغرب ثم يرجِعُ إلى بيته فيصلى ركعتين ، وكان يصلى بهم العشاءَ ثم يدخل بيتى فيصلى ركعتين(1)( وعن ) مالك والثورى : الأفضل فعل نوافل النهار فى المسجد وراتبة الليل ف البيت ( وعن ) أحمد تفصيل . قلا ابن قدامة : قال الأثرم : سئل أحمد عن ركعتين بعد الظهر أين يصليان قال فى المسجد ، أما الركعتين قبل الفجر وبعد المغرب ففى بيته ، وذكر حديث ابن إسحاق : صلوا هاتين الركعتين فى بيوتكم . قيل لأحمد : فإن كان منزل الرجل بعيداً ؟ قال لا أدرى وذلك لما روى كعب بن عُجْره أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى مسجد بنى عبد الأشهل فصلى فيه المرغب فلما قَضَوْا صلاتَهم رىهم يُسبّحون بعدها . " فقال هذه صلاة البيوت " أخرجه أبو داود . وفى سنده إسحاق بن كعب وهو مجهول تفرّد به(2) ... ... ... { 445 }
(
__________
(1) تقدم رقم 417 . ص 295 .
(2) ص 217 ج7 – المنهل العذب ( باب ركعتى المغرب أين تصليان ) . وص 768 ج1 معنى .(1/339)
وقال ) ابن أبى ليلى : ل تصح راتبة المغرب البعدية إلا فى البيت أخذاً بظاهر الأمر ف هذه الأحاديث ، واستحسنه أحمد ( قال ) محمود بن لَبيد : " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عبد الأشهل فصلى بهم المرغب ، فلما أسلم قال : اركعوا هاتين الركعتين فى بيوتكم " ( الحديث ) أخرجه أحمد(1) ... { 446 }
( والظاهر ) ما ذهب إليه الجمهور حملا للأمر على الاستحباب . ويؤيده ( حديث ) زيد بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة المرء فى بيته أفضل من صلاته فى مسجدى هذا إلا المكتوبة " أخرجه أحمد والثلاثة وحسنه الترمذى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 447 }
والمراد بالمكتوبة الواجبة بأصل الشرع وهى الصلوات الخمس دون المنذورة . والأحاديث ف هذا كثيرة وهى تدل على أن صلاة التطوّع ومنه راتبة المغرب فى البيوت أفضل من صلاته فى المسجد ولو كان فاضلا كالمسجد الحرام ومسجد المدينة . فلو صلى فيه نافلة كانت بألف صلاة .
ولو صلاها فى بيته كانت أفضل من ألف صلاة .
__________
(1) ص 214 ج4 – الفتح الربانى ( الحديث ) وفيه ( قال أبو عبد الرحمن ) عبد الله بن أحمد ( قلت لأبى إن رجلا ) محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال : من صلى ركعتين بعد المغرب فى المسجد لم تجره إلا أن يصليهما فى بيته ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال : هذه صلاة البيوت قال : ما أحسن ما قال .
(2) ص 192 ج4 – الفتح الربانى . ولفظه : صلوا أيها الناس فى بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة . وص 177 ج6 – المنهل العذب ( صلاة الرجل التطوع فى بيته ) . وص 334 ج1 – تحفة الأحوذى . ولفظه : أفضل صلاتكم فى بيوتكم إلا المكتوبة .(1/340)
أما المكتوبة فصلاتها فى المسجد أفضل فى حق الرجال . أما النساء فالأفضل فى حقهن الصلاة – ولو فرضاً – فى البيوت وغن أبيح لهن حضور الجماعات ( روى ) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لا تمنعوا نساءكم المساجد ، وبيوتُهن خير لهن " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى وابن خزيمة وصححه(1){ 448 }
وسيأتى تمامه فى بحث " حضور النساء المساجد " إن شاء الله تعالى .
هذا . والحكمة فى طلب تأدية النافلة فى البيت أنه أخفى وأبعد من الرياء ومحبطات العمل ، ولتنزل فى البيت الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان كما جاء فى الحديث وهذا فى غير ما ورد الشرع بطلاته فى غير البيوت كركعتى الطواف والإحرام وتحية المسجد والتراويح وصلاة الاستقاء والكسوف والعيدين .
(ب) وقت الرواتب وقضاءها : الراتبة القبلية وقتها من دخول وقت الصلاة إلى تأديتها ، والبعدية وقتها من تأدية الصلاة إلى خروج وقتها . فإن لم تؤدّ فى وقتها لا يقضى منها إلا راتبه الصبح ولو فاتت لغير عذر تقضى عند الشافعى وأحمد قبل طلوع الشمس وبعده إذا حلت النافلة ولو فاتت وحدها ( لحديث ) قيس بن عمرو أنه خرج إلى الصبح فوجد البنىَّ صلى الله عليه وسلم فى الصبح ولم يكن ركع ركعتى الفجر ، فصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم ثم قام حين فرغ من الصبح فركع ركعتى الفجر ، فمرّ به النبى صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذه الصلاة ؟ فأخبره فسكت النبى صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا " أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد وهذا لفظه وحسنه العراقى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 449 }
(
__________
(1) ص 195 ج5 – الفتح الربانى . وص 265 ج4 – المنهل العذب ( خروج النساء إلى المساجد ) .
(2) ص 157 ج7 – المنهل العذب ( من فاتته " سنه الصبح " متى يقضيها ) . وص 182 ج1 – ابن ماجه . وص 312 ج2 – الفتح الربانى .(1/341)
ولحديث ) عمران بن حُصينٍ أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى مسير له فناموا عن صلاة الفجر فاستيقظوا بحرِّ الشمس فارتفعوا قليلا حتى استعلت الشمسُ ثم أمر مؤذِّناً فأذّن فضلى ركعتين قبل الفجر ثم اقام ثم صلى الفجر " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى والحاكم وصححه(1) ... ... ... ... { 450 }
( وقال ) الأوزاعى ومالك والثورى ومحمد بن الحسن : يستحب قضاؤهما بعد ارتفاع الشمس إلى الزوال فقط ، لظاهر حديث أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " مَن لم يصلِّ ركعتى الفجر فلْيُصلِّهما بعدما تطلُعُ الشمس " أخرجه الترمذى وفيه قتادة بن دعامة مدلس وقد عنعنه(2) ... ... ... { 451 }
وقالوا يكره فعلهما قبل طلوع الشمس لإطلاق النهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع .
( وأجاب ) الأولون " بأن حديث " أبى هريرة ليس صريحا فى انهما لا يقضيان إلا بعد طلوع بل المغنى من لم يصلهما قبل الطلوع فليصلهما بعده ( ويدل ) عليه ما فى رواية الدار قطنى والبيهقى والحاكم بلفظ : من لم يصل ركعتى الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما(3)" وبان عموم " النهى فى حديث " لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس(4)" مخصوص " بغير المكتوبة إجماعا وبغير سنة الصبح ، لحديث قيس بن عمرو(5).
(
__________
(1) ص 38 ج4 – المنهل العذب ( من نام عن صلاة أو نسيها ) . وص 403 ج1 – بيهقى ( الأذان والإقامة للفائتة ) . وص 274 ج1 – مستدرك ( فارتفعوا الخ ) أى انتقلوا حتى ارتفعت الشمس .
(2) ص 326 ج1 – تحفة الأحوذى ( إعادتهما بعد طلوع الشمس ) .
(3) ص 484 ج2 – بيهقى وقال : تفرد به عمرو بن عاصم وهو ثقة . وص 274 ج1 – مستدرك وقال : صحيح على شرط الشيخين .
(4) تقدم رقم 44 ص 28 ( الصلاة بعد صلاة الصبح والعصر ) .
(5) تقدم رقم 46 ص 29 ورقم 449 ص 312 .(1/342)
وقال ) النعمان وأبو يوسف : لا تقضى سنة الصبح إلا إذا فاتت مع الصبح فتقضى قبله إلى الزوال فقط ، ولا تقضى إذا فاتت وحدها لا قبل الشمس ولا بعدها ، لأن الأصل فى السنن ألاّ تقضى . وخصت سنة الصبح إذا فاتت معه بحديث عمران بن حصين المتقدم . ولم يقولوا بمقتضى حديث قيس بن عمرة ، لأن فى سنده سعد بن سعيد . ضعفه احمد وابن معين ، وقال الترمذى : وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل . محمد بن إبراهيم التيمى لم يسمع من قيس(1)( ورد ) بأنه روى من طرق أخرى متصلا ، ومجموعها يقوى بعضها بعضا ( وأما باقى ) الرواتب إذا فات ، فلا يقضى عند الحنفيين ومالك وروى عن أحمد قال : لم يبلغنا أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قضى شيئاً من التطوّع إلا ركعتى الفجر والركعتين بعد العصر وهما راتبة الظهر البعدية(2). ولم يقولوا بقضائهما ، أنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم العصرَ ثم دخل بيتى فصلى ركعتين ، فقلتُ يا رسول الله صليتَ صلاة لم تكن تصليها ؟ فقال قدِم علىّ مال فشغلَنى عن الركعتين كنتُ أركعهما بعد الظهر فصليتهما الآن ، فقلتُ يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتنا ؟ قال لا " أخرجه الطحاوى بسند رجاله موثقون(3) ... ... ... { 452 }
(
__________
(1) ص 25 ج1 – تحفة الأحوذى .
(2) ص 769 ج1 – مغنى .
(3) ص 180 ج 1 – شرح معانى الآثار .(1/343)
وقال ) فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث أحداً أن يصلى بعد العصر قضاء عما كان يصلبه بعد الظهر . فدل على أن حكم غيره فيهما إذا فاتنا خلاف حكمه . فليس لأحد أن يصليهما بعد العصر ، ولا أن يتطوع بعد العصر أصلا أهـ ( والصحيح ) أن هاتين الركعتين كانتا قضاء لراتبة الظهر البعدية ( لقول ) أم سلمة : " لَمْ أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر قطَّ إلا مرةً واحدة ، جاءه ناسٌ بعد الظهر فشغلوه فى شئ فلم يُضلِّ بعد الظهر شيئا حتى صلى العصر ، فلما صلى العصر دخل بيتى فصلى ركعتين " أخرجه أحمد والنسائى والبيهقى بسند جيد(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 453 }
( ولقول ) عبد الله بن أبى قيس : " سألت عائشة عن الركعتين بعد العصر فقالت : كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى ركعتين بعد الظهر فُشِغلَ عنهما حتى صلى العصر ، فلما فرغ ركعهما فى بيت فما تركهما حتى مات " أخرجه أحمد والنسائى بسند جيد(2) ... ... ... ... ... ... ... { 454 }
( ومشهور ) مذهب الحنبلية أنه يستحب قضاء كل الرواتب فى غير أوقات النهى . وقيل لا يقضى منها إ الراتبه الصبح وبعدية الظهر ( قال ) ابن حامد : تقضى جميع السنن الرواتب فى جميع الأوقات إلا أوقات النهى ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قضى بعضها وقسنا الباقى عليه . وقال القاضى وبعض أصحابنا لا يُقضى إلا ركعتا الفجر تقضى على وقت الضحى ، وركعتا الظهر(3).
(
__________
(1) ص 209 ج4 – الفتح الربانى . وص 457 ج2 – بيقى ( هذا النهى مخصوص ببعض الصلوات .. )
(2) ص 210 ج4 – افتح الربانى " وأما قول " ميمونة : إن النبى صلى الله عليه وسلم فاتته ركعتا العصر فصلاهما بعد . أخرجه أحمد "ففى سنده" حنظلة السدوسى ، ضعفه أحمد وابن معين ، ووثقه ابن حبان ( انظر ص 223 ج2 مجمع الزوائد ) فهو لا يعارض الصحيح على أنه يحتمل أن المراد فاتته ركعتان بعد الظهر وهما يؤديان قبل العصر .
(3) ص 769 ج 1 – مغنى .(1/344)
وقالت ) الشافعية والأوزاعى : تقضى كل الرواتب فى أى وقت ( لقول ) أم سلمة : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وقد أتى بمال فقعد يقْسِمه حتى أتاه المؤذن بالعصر ، فصلى العصر ثم انصرف إلىّ وكان يومى فركع ركعتين خفيفتين ، فقلنا ما هاتان الركعتان يا رسول الله ؟ أُمِرْتَ بهما ؟ قال لا ولكنهما ركعتان كنت أركعهما بعد الظهر فشغلنى قَسْمُ هذا المال حتى جاء المؤذِّن بالعصر ، فكرهت أن أدَعَهُما " ( لحديث ) أخرجه أحمد(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 455 }
وقد تقدم أن قضاء هاتين الركعتين خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم " ولو سلم " أن الذى اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة عليهما لا أصل القضاء " لم يدل " الحديث إلا على جواز قضاء راتبة الظهر البعدية ، لا جواز قضاء كل الرواتب .
(4) ويسنّ لمن خرج إلى المسجد أن يدعو بما فى ( حديث ) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وهو يقول : اللهم اجعل فى قلبى نوراً واجعل فى لسانى نورا . واجعل فى سمعى نوراً واجعل فى بصرى نورا ، واجعل خلفى نوراً وأمامى نوراً ، واجعل من فوقى نوراً ومن تحتى نوراً . اللهم وأعْظِم لى نوراً . أخرجه أبو داود والنسائى وسملم وزاد : وعن يمينى نوراً وعن شمالى نوراً واجعل فى نفسى نوراً(2){ 456 }
__________
(1) هذا بعض حديث بصفحة 207 ج4 – الفتح الربانى .
(2) ص 284 ج7 – المنهل العذب ( صلاة الليل ) وص 50 ج6 – نووى ( صلاة النبى صلى الله عليه وسلم دعاؤه بالليل ) والرماد بهذا الدعاء طلب حلول الهداية بهذه الأعضاء ، لأن النور يقشع ظلمات الذنوب ويرفع سدمات " أى هموم " الآثام .(1/345)
" وبما فى حديث " أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من خرج من بيته إلى الصلاة فقال : اللهم إنى أسألك بحق السائلين عليك وبحق مَمشاى هذا فإنى لم أخرج أشَراً ولا بطَراً ولا رِياء ولا سُمْعة وخرجتُ اتّقاءَ سَخَطك وابتغاءَ مرضاتك فأسألك أن تُعيذنى من النار ، وأن تغفِرَ لى ذنوبى ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، أقْبَلَ الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألفَ ملَك " أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة .
وفى سنده عطية العوفى مدلس . ولكن أخرج الحديث أبو نُعيم عن فُضَيل عن عطية قال : حدّثنى أبو سعيد فذكره ، وبه أُمِن تدليس عطية العُوفىّ . وأخرجه ابن خزيمة فى صحيحة من طريق فُضَيل بن مرزوق فهو صحيح عنده . وفْضَيل هذا مختلف فيه ، ضعفه جماعة ووثقه آخرون ، ولذا قال الحافظ حديث حسن(1) ... ... { 457 }
(
__________
(1) ص 135 ج1 – ابن ماجه . والباء فى بحق للتعدية ، لأن سال يتعدى بنفسه وبالباء ، والمعنى أسألك حق السائلين وهو إجابة دعائهم الذى وعدت بإجابته بقولك : أجيب دعوة الداع إذا دعان ( وبحق ممشاى ) أى أسألك أرج مشى إلى المسجد المبين فى حديث : إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد . فإذا دخل المسجد كان فى صلاة ما كانت الصلاة تحبسه . أخرجه ابن ماجه وغيره عن أبى هريرة . انظر ص 134 ج1 – ابن ماجه ( المشى إلى الصلاة ) وينهزه من باب نفع أى لا ينهضه إلا الصلاة و ( الأشر ) بفتحات مصدر أشر كتعب ، وهو والبطر كفران النعمة وعدم شكرها . ويحتمل أن يكون بفتح فسكون أى لم أخرج متكبرا و ( بوجهه ) لفظ وجه من المتشابه المصروف عن ظاهره ، لقوله تعالى " ليس كمثله شئ " كما تقدم فى التوحيد .(1/346)
فائدة ) يسنّ لمن خرج م بيته ولو لغير صلاة أن يدعو بما فى ( حديث ) أم سلمة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال : باسم الله توكلتُ على الله . اللهم إنى أعوذ بك أن أَضِل أو أُضِل أو أَزِلْ أو أُزَلّ أو أَظْلِم أو أُظلَم ، أو أجْهَل أو يُجهلَ علىّ " أخرجه الأربعة ، وقال الترمذى حسن صحيح(1){ 458 }
" وبما فى حديث " أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قال إذا خرج من بيته : باسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال له : حسبك هُديتَ وكُفِيت ووُقِيتَ ، وتَنحى عنه الشيطان " أخرجه أبو داود والترمذى وحسنه(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 459 }
( 5 و 6 ) ويسنّ لمن يريد الصلاة الخروج إليها متطهراً متحلياً بالتؤدة والوقار والخشية ( قال ) أبو ثُمامة: " أدركنى كعبُ بن عُجْره وهو يريدُ المسجد وأنا مشبّك بيدَىّ فنهانى عن ذلك وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا توضأ أحدُكم فأحسن وضُوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد ، فلا يُشيِّكنَ يديه فإنه فى صلاة " أخرجه أحمد وأبو داود(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 460 }
(
__________
(1) ص 19 ج2 – تيسير الوصول ( أدعية الخروج من البيت .. ) وأضل من الضلال ، الأول مبنى للفاعل ، والثانى مبنى للمفعول . وكذا ما بعده . وأزل من الزلل . والجهل فى الأصل ضد العلم . وهو إدراك الشئ على غير ما هو عليه . والمراد به هنا ارتكاب ما لا تحمد عقباه .
(2) ص20 ج2 – تيسير الوصول ( أدعية الخروج من البيت ) .
(3) ص 259 ج4 – المنهل العذب ( الهدى فى المشى إلى الصلاة )(1/347)
ولقول ) أبى قتادة : " بينما نحن تصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم إذ سمع جَلبة رجال . فلما صلى قال ما شأنكم ؟ قالوا استعْجلنا إلى الصلاة ، قال فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " أخرجه أحمد والشيخان(1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 461 }
( والحكمة ) فى طلب المشى إلى الصلاة بالوقار وكراهية الإسراع بينّها النبى صلى الله عليه وسلم بقوله : " فإن أحدكم إذا كان يَعْتَمد إلى الصلاة فهو فى صلاة " أخرجه مسلم عن أبى هريرة(2)، أى أنه فى حكم المصلى فينبغى له فعل ما ينبغى للمصلى فعله واجتناب ما ينبغى للمصلى اجتنابه . ويستحب ان يقارب خطاه لتكثر حسناته ( قال ) زيد بن ثابت : " كنت أمشى مع النبى صلى الله عليه وسلم ونحن نريد الصلاة فكان يُقارِب الخُطا ، فقال : أتدرون لَمِ أُقاربِ الخطا ؟ قلتُ الله رسول له أعلم . قال : لا يزال العبدُ فى الصلاة ما دام فى طلب الصلاة " أخرجه الطبرانى فى الكبير ، وله فى رواية أخرى : إنما فعلت هكذا لتكثير خُطاىَ فى طلب الصلاة . وفى سنده الضحاك بن نبراس وهو ضعيف . ورواه موقوفا على زيد بن ثابت ، ورجاله رجال الصحيح(3) ... ... { 462 }
(
__________
(1) ص 211 ج5 – الفتح الربانى . وص 79 ج2 فتح البارى ( قول الرجل فاتتنا الصلاة – والأذان ) . وص 99 ج5 – نووى ( إتيان الصلاة بوقار وسكينة ) والجلبة ، بفتحات أصوات حركات المشى و ( السكنية ) الوقار والتأنى حال السير .
(2) انظر ص 98 ج5 – نووى .
(3) ص 31 ج2 – مجمع الزوائد ( كيف المشى إلى الصلاة ) .(1/348)
7) ويطلب من الإمام قبل الدخول فى الصلاة الأمر بتسوية الصفوف بمحاذاة المناكب والكعوب ولا تشترط مساواة الأصابع . فيقول للحاضرين اعتدلوا ، سووا صفوفكم ، لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، ونحو ذلك من الوارد ( روى ) ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أقيموا الصفوف وحاذُوا المناكب وسُدّوا الخَلل وليِنوا بأيدى إخوانكم ، ولا تذَروا فُرُجات للشيطان . ومن صل صفًّا وصله الله . ومن قطع صفًّا قطعه الله " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه(1) ... ... ... ... ... ... ... { 463 }
( وعن ) أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رُصّوا صفوفَكم ، وقارِبوا بينها ، وحاذُوا بالأعناق . فهو الذى نفسى بيده إنى لأَرى الشياطينَ تدخل من خَلَل الصف كأنها الحَذَف " أخرجه أبو داود والنسائى والبيهقى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 464 }
( وعن ) النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لتُسَوُّنَّ صفوفكم أو لَيخالِفَنّ اللهُ بيم وجوهكم " أخرجه الخمسة وصححه الترمذى(3) ... ... ... ... ... ... ... ... { 465 }
( والمراد ) بالمخالفة بين الوجوه والقلوب ، حصول التنافر والعداوة والبغضاء واختلاف القلوب لأن اختلافهم فى الصفوف مخالفة فى الظاهر ، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن .
__________
(1) ص 312 ج5 – الفتح الربانى . وص 56 ج5 – المنهل العذب ( تسوية الصفوف ) و ( الخلل ) بفتحتين فرجة بين الصفوف و (صل الصف) بإتمامه أو سد فرجه فيه ( وقطعة ) بترك فرجة فيه أو بالجلوس فيه بلا صلاة أو منع غيره من الدخول فيه
(2) ص 57 ج5 – المنهل العذب ( تسوية الصفوف ) وص 131 ج1 – مجتبى ( حث الإمام على رص الصفوف ) و ( الحذف ) بفتحتين جمع حذفه وهى الغنم الصغار .
(3) ص 141 ج2 – فتح البارى ( تسوية الصفوف ) . وص 159 ج4 – نووى . وص 53 ج5 – المنهل العذب . وص 193 ج1 – تحفة الأحوذى .(1/349)
ولظاهر الأمر فى هذه الأحاديث قال ابن حزم بوجوب تسوية الصفوف للوعيد الشديد فيها . وقد ثبت عن عمر رضى الله عنه أنه ضرب قدَم أبى عثمان النهْدىّ لإقامة الصف(1)( وقال ) سُويَد بن غفْلة : كان بلال يضرب أقدامنا فى الصلاة ويسوّى مناكبنا . وقال : ما كان عمر وبلال يضربان على غير فرض(2)( وقال ) الجمهور : إقامة الصفوف سنة . وادّعى بعضهم الإجماع على ذلك . وقالوا : الأمر والوعيد المذكوران من باب التغليظ والتشديد تأكيداً وتحريضاً على تسوية الصفوف وتعديلها . وأما ضرب عمر وبلال الناس على تركه فلا يدل على الوجوب ، لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة . وقد كان عمر يوكّل رجالا بإقامة الصفوف فلا يكبر حتى يُخبَر أن الصفوف قد استوت . وروى عن عثمان وعلىّ أنهما كانا يتعاهدان ذلك ويقولان استووا . وكان علىّ يقول تقدم يا فلان تأخير يا فلان قاله الترمذى(3).
( 8 و 9 ) ويسنّ الاهتمام بتكميل الصفوف الأوّل فالأوّل وتراصّ المأمومين ، وسدّ الفُرَج ( لحديث ) أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " أتموا الصف المقدّمَ ثم الذى يليه فما كان من نقص فليكن فى الصف المؤجَّرِ " أخرجه أبو داود والنسائى والبيهقى(4) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 466 }
( ولحديث ) أبى جُحَيفة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من سدّ فُرجة فى الصف غفر له " أخرجه البزار بسند حسن(5) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 467 }
(
__________
(1) ص 58 ج4 – المحل مسألة 415 .
(2) ص 59 منه .
(3) ص 193 ج1 – تحفة الأحوذى .
(4) ص 60 ج5 – المنهل العذب ( تسوية الصفوف ) وص 131 ج1 – مجتبى ( الصف المؤخر ) .
(5) ص 91 ج2 – مجمع الزوائد ( صلة الصفوف وسد الفرج ) .(1/350)
10) اتخاذ السترة : السترة بضم السين وهى فى الأصل ما يستتر به مطلقا . ثم غلبت على ما يجعله المصلى بين يديه لمنع المرور أمامه . فيسنّ للإمام والمنفرد اتخاذها سفراً وحضرا ( لعموم ) حديث سهل بن أبى حَثْمة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا صلى أحدُكم فليصلِّ إلى سُترة ، ولَيدْن منها ، لا يقطع الشيطان عليه صلاتَه " أخرجه أحمد والحاكم ، وقال صحيح على شرط الشيخين وكذا أبو داود عن أبى سعيد الخدرى(1){468}
( ولحديث ) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كانت تُرْكز له الحرْبة فى العيدين فيُصلّى إليها " أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 469 }
( ولحديث ) أبى جُحيفة أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء – وبين يديه عنَزة – الظهر ركعتين ، والعصر ركعتين " أخرجه الشيخان وأبو داود(3) ... ... ... ... ... ... { 470 }
وعلى هذا اتفق العلماء إلا أن الشافعية والحنبلية قالوا : يسنّ اتخاذ السترة وإن لم يخش مرور أحد بين يديه ( وقال ) الحنفيون ومالك : إنما يسنّ اتخاذ السترة لمن خشى مرور أحد بين يديه ( لحديث ) ابن عباس " أنّ النبى صلى الله عليه وسلم فى فَضاءٍ ليس بين يديه شئ " أخرجه أحمد وأبو يعلى . وفى سنده الحجاج بن أرطاة ، ضعفه بعضهم . وقال أحمد وشعبة كان من الحفاظ(4) ... ... ... ... ... ... ... ... { 471 }
(
__________
(1) ص 130 ج3 – الفتح الربانى . وص 251 ج1 – مستدرك . وص 92 ج5 – المنهل العذب ( ما يؤمر المصلى ان يدرأ عن الممر بين يديه)
(2) ص 129 ج3 – الفتح الربانى . وص 122 ج1 – مجتبى ( سترة المصلى ) .
(3) ص 384 ج1 – فتح البارى ( السترة بمكة وغيرها ) وص 221 ج4 = نووى ( سترة المصلى ) وص 79 ج5 – المنهل العذب ( ما يستر المصلى ) والبطحاء واد بين جبل النور والحجون فى الشمال الشرقى لمكة . و( العنزة ) بفتحتين رمح صغيرة فى أسفله حديدة . وهى الحربة .
(4) ص 144 ج3 – الفتح الربانى ( من صلى إلى غير سترة ) .(1/351)
وأجاب ) الأولون : بأن عدم اتخاذه صلى الله عليه وسلم سترة حينئذ لبيان أن اتخاذها غير واجب . وأمام المأموم فسترة الإمام سترة له عند الحنفيين والشافعى وأحمد وهو قول لمالك ( لقول ) ابن عباس : " أقلبتُ راكباً على أتَانٍ وأنا يومئذ قد ناهَزْتُ الاحتلام والنبى صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس بمنى فمررتُ بين يَدىْ بعض الصف . فأرسلتُ الأتان ترتَع ودخلت فى الصف فلم يُنْكِر ذلك أحدٌ " أخرجه الجماعة والبيهقى(1){ 472 }
( وقال ) مالك : وأنا أرى ذلك واسعاً إذا أقمت الصلاة وبعد أن يحرم الإمام ولم يجد المرء مدخلا إلى المسجد إلا بين الصفوف . قال أبو عمر : هذا مع الترجمة يقتضى أن الرخصة عنده لمن لم يجد من ذلك بدا . وغيره لا يرى بذلك بأسا لحديث ابن عباس وللآثار الدالة على إن سترة الإمام سترة لمن خلفه وهو الظاهر(2)وعليه يجوز المرور أمام الصف الأول وخلف الإمام ، لأنّ الإمام حائل بين المأموم وسترته . وعلى أن الإمام سترة المأموم يحرم المرور أمام الإمام وبينه وبين الصف الذى خلفه لأنه مرور بين المصلى وسترته . أما غير الصف الأول فيجوز المرور أمامه اتفاقا لأنه وإن كان مروراً بين المصلى وسترته – لأن الإمام سترة للصفوف كلهم – إلا أنه قد صار بينهما حائل وهو الصف الأول فالإمام سترة لمن يليه حسا وحكما ولمن بينه وبينه فاصل حكما لا حسا . والممتنع فيه الأول لا الثانى(3).
ثم الكلام هنا فى سبعة فروع :
(
__________
(1) ص 281 ج1 – زرقانى ( الرخصة فى المرور بين يدى المصلى ) . وص 142 ج3 – الفتح الربانى . وص 381 ج1 – فتح البارى ( سترة الإمام سترة من خلفه ) . وص 221 ج4 – نووى . وص 110 ج5 – المنهل العذب ( الحمار لا يقطع الصلاة )
(2) ص 282 ج1 – زرقانى الموطأ .
(3) ص 202 ج1 – حاشية الدسوقى على كبير الدردير ( سنن الصلاة ) .(1/352)
أ) مقدار السترة : ينبغى أن يكون ارتفاعها كذراع . وعرضها لا حدّ له ، فيكفى الغليظ والدقيق عند الحنفيين(1)والشافعى وأحمد ( لقول ) عائشة : " سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن سُترة المصلى فقال مثل مُؤْخِرة الرجل " أخرجه مسلم(2) ... ... ... ... ... ... ... ... { 473 }
والمؤخرة ارتفاعها ذراع .
( وحديث ) سبرة بن معبد أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا صلى أحدكم فليسِتّرْ لصلاته ولو بسهْم" أخرجه أحمد والطبرانى بسند صحيح(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 474 }
( وقالت ) المالكية : يلزم أن تكون السترة طول الذراع وغلظ الرمح لحديث أبى جُحَيفة السابق(4). ورد بأنه لا يدل على ذلك ، فإنْ الاستتار بالعنزة وهى الرمح لا ينافى جوازه بأدق منه كالسهم .
(ب) يستحب أن تكون السترة عن يمين المصلى أو يساره ، وهذا هو الأولى عند الشافعية ، وأن يقرب منها على نحو ثلاثة أذرع من ابتداء قدميه ( لحديث ) بلال أنّ النبى صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فترك عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره وثلاثة أعمدة خلفَه ، ثم صلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع " أخرجه أحمد والبخارى والنسائى(5) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 475 }
(
__________
(1) " وأما قول " الشر نبلالى فى نور الإيضاح : وأن تكون فى غلظ الإصبع " فهو " خلاف المذهب قاله الطحاوى مستدلا بحديث أبى هريرة مرفوعا يجزئ من السترة مثل مؤخرة الرجل ولو بدقة شعره . أخرجه الحاكم وصححه ( انظر ص 252 ج1 – مستدرك ) .
(2) ص 217 ج4 – نووى ( سترة المصلى ) والمؤخرة بضم فسكون فكسر الخاء أو فتحها وروى بفتح الهمزة وتشديد الخاء ، وهى الخشبة تكون فى مؤخر الرجل يستند إليها الراكب .
(3) ص 128 ج3 – الفتح الربانى . وص 58 ج2 – مجمع الزوائد ( سترة المصلى ) .
(4) تقدم رقم 470 ص 321 .
(5) ص 131 ج3 – الفتح الربانى . وص 386 ج1 – فتح البارى ( الصلاة بين السوارى فى غير جماعة ) وص 122 ج1 – مجتبى ( مقدار ذلك )(1/353)
ولا ينافيه ) حديث سهل بن سعد قال : " كان بين مقام النبى صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنْز " أخرجه الشيخان وأبو داود(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 476 }
" لأن هذا " محمول على حالة السجود ، وحديث بلال محمول على حالة القيام ( والحكمة ) فى اتخاذ السترة ، كف البصر عما وراءها ، ومنه من يمرّ أمام المصلى .
(ج) إذا تعذر إقامة السترة وتثبيتها بالأرض لصلابتها ، وضعها بين يديه عرضا عند أحمد ، وروى عن أبى يوسف أنها توضع طولا كأنها غرزت ثم سقطت . وإن لم يجد ما ينصبه سترة أو يضعه أمامه فليخط بالأرض خطا عند أحمد وأكثر الشافعية وبعض الحنفيين وهو قول الشافعى فى القديم .
( لحديث ) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا صلى أحدُكم فليجعلْ تِلْقاءَ وجهه شيئا ، فإن لم يجد فلينِصبْ عصا ، فإن لم يكن معه عصا ، فليخط خطا ، ثم ل يضرّه ما مر أمامهَ " أخرجه أحمد وابن حبان وصححاه ، وأبو داود وابن ماجه والبيهقى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... { 477 }
(
__________
(1) ص 383 ج1 – فتح البارى ( قدركم ينبغى أن يكون بين المصلى والسترة ) . وص 225 ج4 – نووى . وص 88 ج5 – المنهل العذب (الدنو من السترة ) .
(2) ص 127 ج3 – الفتح الربانى . وص 79 ج5 – المنهل العذب ( الخط إذا لم يجد عصا ) . وص 156 ج1 – ابن ماجه ( ما يستر المصلى ) ( وتلقاء وجهه ) يعنى أمامه مائلا عنه يمينا أو يسارا ، جمعا بين الروايات .(1/354)
واختلفوا ) فى كيفية الخط ( فقال ) أحمد : يكون معترضاً أمام المصلى مقوّساً كالهلال فى انعطاف طرفيه . واختار بعض الحنفيين أن يكون مستقيما من بيد يدى المصلى إلى القبلة ( قال ) أبو داود : وسمعت أحمد يعنى ابن حنبل سئل عن وصْف الخط ، فقال هكذا عرْضا مثلّ الهلال . قال أبو داود : وسمعتُ مسدَّدا قال : قال ابنُ داود الخّط بالطول(1).
( وقالت ) الشافعية : يكون عرضا بلا انعطاف ( وقالت ) المالكية والشافعى فى الجديد وبعض الحنفيين : لابد من وضع الساتر منصوبا . ولا يكفى وضعه على الأرض ولا الخط ، لأنّ الغرض من السترة الإعلام بأنه فى صلاة وهذا لا يحصل بما ذكر ( وأجابوا ) عن الحديث بأنه مضطرب وقد ضعفه ابن عيينة والبغوى والشافعى (وتعقب) بتصحيح الإمام أحمد وابن حبان وغيرهما له كما تقدم ( قال ) الحافظ : ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حسن(2). ولذا قال ابن الهمام : واختار المصنف الأول ( يعنى عدم كفاية الخط فى السترة إذ لا يظهر من بعيد ) والسنة أولى بالاتباع مع أنه يظهر فى الجملة إِذ المقصود جمع الخاطر بربط الخيال به كى لا ينتشر(3)وإذا لم يجد شاخصاً بسط مصلاه .
__________
(1) ص 81 ج5 – المنهل العذب و ( هكذا ) أى قال أحمد هكذا وأشار بيديه عرضا مقوسا كالهلال فى انعطاف طرفيه و ( مسدّد ) بن مسرهد شيخ أبى داود ، وابن داود هو عبد الله الخريبى .
(2) ص 234 ج1 – سبل السلام ( سترة المصلى ) ولو سلم أنه ضعيف فإنه يجوز العمل بالضعيف فى فضائل الأعمال دون الحلال والحرام اتفاقا وهذا من فضائل الأعمال .
(3) ص 289 ج1 – فتح القدير ( ما يفسد الصلاة ) .(1/355)
هذا . ويستحب – عند غير الشافعى – فى السترة الترتيب على مافى الحديث ، فتكون بالحائط ونحوه ثم العصا ثم الخط . وقاس بعضهم فرش المصلِّى على الخط ، فقال : نهاية فرشه يعتبر سترة ، بل هو أولى من الخط، لأنه أظهر فى الإعلام بأنه فى صلاة ، لكن محله ما لم يطل الفرش جدا ، وإلا فلا يعتبر سترة ( وقالت ) الشافعية : الترتيب المذكور واجب ، غير أنهم قالوا بتقديم فرش المصلى من سجادة وعباءة ونحوهما على الخط بالأرض .
(د) يجوز – عند الحنفيين وأحمد – الاستتار بالحيوان إذا كان مستقرا . وكذا يجوز عند احمد الصلاة إلى آدمى ولو امرأة أجنبية أو نائمة ( لحديث ) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى على بعيره . أخرجه مسلم وأبو داود(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 478 }
( ولقول ) على رضى الله عنه : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسبِّح من الليل وعائشة معتِرضة بينه وبين القبلة " أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات(2) ... ... ... ... ... ... ... { 479 }
( وقال ) الحنفيون : يكره تحريماً الصلاة إلى إنسان وإلى امرأة أجنبية ومجنون ومأبون ( وقالت ) امالكية: يجوز الاستتار بظهر الرجل وبحيوان مأكول اللحم إن كان مربوطا ، وإلا كره كما يكره الاستتار بغير مأكول اللحم مطلقاً وبوجه الرجل وبالمخنث والمأبون وبالمرأة الأجنبية وكذا بالنائم خشية ما يبدو منه مما يلهى المصلى عن صلاته ( لحديث ) ابن عباس أنّ البنى صلى الله عليه وسلم قال : " لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدِّث " أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقى(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 480 }
(
__________
(1) ص 218 ج4 – نووى ( سترة المصلى ) وص 83 ج5 – المنهل العذب ( الصلاة إلى الراحلة ) .
(2) ص 140 ج3 – الفتح الربانى . وص 62 ج2 – مجمع الزوائد ( لا يقطع الصلاة شئ ) و ( يسبح ) بالتشديد ، أى يصلى تطوّعا .
(3) ص 85 ج5 – المنهل العذب ( الصلاة إلى المتحدثين والنيام ) . وص 158 ج1 – ابن ماجه ( من صلى وبينه وبين القبلة شئ ) .(1/356)
وأجاب ) عنه الحنبلية بأنه معارض بحديث عائشة الصحيح وهذا ضعيف باتفاق الحفاظ(1)( قال ) الخطابى : هذا الحديث لا يصح لضعف سنده .
( وقال ) أبو داود : طرقه كلها واهية ( وأجاب ) الحنفيون ومالك بأنه قد روى من عدة طرق يقوّى بعضها بعضا ( روى ) ابن عباس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " نُهيتُ أن أصلَى خلف النائم والمتحدِّث " أخرجه البزار . وروى ابن عدى نحوه عن ابن عمر ، والطبرانى فى الأوسط نحوه عن أبى هريرة(2) ... ... { 481 }
ولذا قال بكراهة الصلاة خلف المتحدث ابن مسعود وسعيد بن جُبير وأحمد ومالك والشافعى . ولضعف الحديث ضعفا قويا ( قال ) الثورى والأوزاعى : يجوز الاستتار بالنائم وهو الراجح . ومحل الخلاف إذا لم يؤدّ إلى اشتغال المصلى عن صلاته وذهاب خشوعه ، وإلا فلا خلاف فى الكراهة .
( وقال ) الشافعى لا يجوز الاستتار بامرأة ولا دابة ( قال ) النووى : أما قوله فى المرأة فظاهر ، لأنه ربما شغلت ذهنه . وأما الدابة فقد روى ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كلن يُعرِّض راحلته فيصلى إليها . أخرجه الشيخان(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 482 }
ولعل الشافعى رحمه الله لم يبلغه هذا الحديث ، وهو حديث صحيح لا معارض له . فتعين العمل به ولا سيما وقد أوصانا الشافعى بأنه إذا صح الحديث فهو مذهبه(4)
__________
(1) ضعيف ) لأن فى سنده (أ) عبد الملك بن محمد بن أيمن . قال فى التقريب : مجهول (ب) مجهول . ولعله أبو المقدام هشام بن زياد الذى فى سند ابن ماجه وهو ضعيف لا يحتج به .
(2) انظر حديث أبى هريرة ص 62 ج2 – مجمع الزوائد .
(3) ص 387 ج1 - فتح البارى ( الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر ) وص 218 ج4 – نووى . و ( يعرض ) بضم أوله وتشديد الراء من التعريض أى يجعلها عرضا إلى جهة القبلة . والراحلة الناقة يوضع عليها الرجل .
(4) ص 248 ج3 – شرح المهذب .(1/357)
ومنه تعلم ردّ القول بكراهة الاستتار بالحيوان مطلقا ، ويرده أحاديث ( منها ) قول الفضل بن عباس : " زاد النبى صلى الله عليه وسلم عبّاساً فى بادية لنا ولنا كلَيبةٌ وحِمارةٌ تَرعى فصلى النبى صلى الله عليه وسلم العصرَ وهما بين يديه ، فلم تؤخَّرا ولم تُزجرا " أخرجه أحمد والبيهقى وأبو داود بسند جيد(1) ... { 483 }
( وأما حديث ) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " يقطع الصلاةَ المرأةُ والكلبُ والحمار " أخرجه أحمد وابن ماجه ،وكذا مسلم وزاد : وبقى ذلك مثلُ مُؤْخِرِة الرجْلِ(2) ... ... ... { 484 }
( فالمراد ) بقطع الصلاة فيه قطعها عن الخشوع والتذكر ، للشغل بتلك الأشياء والالتفات إليها ، لا أنها تفسد الصلاة ( قال ) النووى : وهذا أصح الأجوبة وأحسنها ، أجاب به الشافعى والخطابى والمحققون من الفقهاء والمحدثين .
(هـ ) يحرم – عند مالك وأحمد والجمهور – المرور بلا عذر بين يدى المصلى ولو لم يتخذ سترة فى الفرض والنفل ( لحديث ) أبى النضر بسنده إلى أبى جُهَيم أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم المارّ بين يدى المصلى ماذا عليه لكان أن يقِفَ أربعين خيراً من أن يمُرّ بين يديه قال أبو النضر لا أدرى قال أربعين يوما أو شهرا أو سنة ؟ " أخرجه الستة وقال الترمذى : حسن صحيح(3) ... ... ... ... ... ... { 485 }
__________
(1) ص 141 ج3 – الفتح الربانى . وص 278 ج2 – بيهقى . وص 114 ج5 – المنهل العذب ( الكلب لا يقطع الصلاة )
(2) ص 79 ج4 الفتح الربانى ( ما يقطع الصلاة ) وص 157 ج1 – ابن ماجه . وص 228 ج4 – نووى .
(3) ص 389 ج1 فتح البارى ( إثم المار بين يدى المصلى ) . وص 224 ج4 – نووى . وص 94 ج5 – المنهل العذب . وص 123 ج1 – مجتبى ( التشديد ف المرور بين يدى المصلى وبين سترته ) . وص 275 ج1 – تحفة الأحوذى . وص 156 ج1 . ابن ماجه ( وأبو النضر ) مولى عمر ابن عبيد الله و ( أبو جهيم ) عبد الله بن الحارث .(1/358)
وذكر الأربعين لا مفهوم له بل الغرض المبالغة فى تعظيم الأمر ( روى ) أبو هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم أحدُكم ماله فى أن يَمشِىَ بيد يدى أخيه مُعترِضاً وهو يناجى ربه لكان أنْ يقفَ فى ذلك المقام مائة عامٍ أحبَّ إليه من أن يخطُوَ " أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان(1) ... ... ... ... { 486 }
( وفى الحديثين ) إبهامْ ماَعَلَى المارِّ بين يدى المصلى من الإثم زجرا له وقد ورد فى التنفير من ذلك عدة أحاديث ( وقال ) الحنفيون : إن اتخذ سترة يكره تحريماً المرور بينه وبينها . وإن لم يتخذ سترة يكره المرور فى موضع سجوده فقط فى الأصح ، للأحاديث السابقة ( وقالت ) الشافعية : من لم يتخذ سترة لا يحرم ولا يكره المرور بين يديه ولكنه خلاف الأولى .
هذا . وقد اختلفوا فى تحديد المكان الذى يمنه المرور فيه أمام المصلى ( فقال ) الحنفيون : إن كا يصلى فى مسجد كبير أو فى الصحراء كره المرور بين يديه من موضع قدمه إلى موضع سجوده . وإن كان فى مسجد صغير " أربعين ذراعا فأقل " كره المرور من موضع قدمه إلى حائط القبلة . والأصح أنه إن كان بحال لو صلى صلاة الخاشعين جاعلا بصره حال قيامه فى موضع سجوده لا يقع بصره على المار لا يكره مروره واختاره فخر الإسلام وصاحب النهاية قال الكمال : والذى يظهر ترجيح ما اختاره فى النهاية وكونه من غير تفصيل بين المسجد وغيره فإن المؤثم المرور بين يديه وكون ذلك البيت برمته اعتبر بقعة واحد فى حق بعض الأحكام لا يستلزم تغيير الأمر الحسى من المرور من بعيد فيجعل البعيد قريبا(2).
(
__________
(1) ص 139 ج3 –0 الفتح الربانى . وص 156 ج1 – ابن ماجه ( المرور بين يدى المصلى )
(2) ص 288 ج1 – فتح القدير ( ما يفسد الصلاة ) .(1/359)
وقالت ) المالكية : إن صلى لسترة حرم المرور بينه وبينها ، وإن صلى لغير سترة حرم المرور فى موضع ركوعه وسجوده فقط ( وقالت ) الشافعية : إن اتخذ سترة يحرم المرور أمامه فى ثلاثة أذرع فأقل ( وقالت) الحنبلية : إن اتخذ سترة حرم المرور بينه وبينها ولو بعدت . وإن لم يتخذها حرم المرور فى ثلاثة أذرع ابتداء من قدمه . وإن احتاج أحد إلى المرور ألقى شيئا أما المصلى ثم مر من ورائه .
( فائدة ) للمرور بين يدى المصلى أربع صور : ( الأولى ) أن يكون للمار مندوحة عن المرور أمامه ولم يتعرّض المصلى فى طريق المارة ، فالإثم على المار اتفاقا ( الثانية ) أن يتعرّض المصلى بصلاته فى مكان المرور وليس للمار مندوحة فيأثم المصلى عند غير الحنبلية ، لتعرض لا بترك السترة ، فإن اتخاذها ليس واجبا . ولذا قالت الحنبلية لا إثم عليه ( الثالثة ) أن يتعرّض المصلى وللمار مندوحة ، فيأثمان جميعا عند المالكية والحنفية، لتفريط كل منهما ( وقالت ) الحنبلية : يأثم المار دون المصلى لعدم لزوم اتخاذ السترة ( وقالت ) الشافعية : لا إثم على المار لعدم اتخاذ السترة ، ويكره تعرّض المصلى بصلاته فى موضع يحتاج للمرور فيه .
( الرابعة ) ألا يتعرّض المصلى ولا مندوجة للمار ، فلا إثم عليهما اتفاقا ، كما لا إثم على من دخل المسجد فوجد فرجة فى الصف الأمامى فمرّ أمام الصف الخلفى وسدّ الفرجة لتقصيرهم بتركها .
((1/360)
و ) يندب – عند الجمهور – للمصلى لسترة أن يدفع المار أمامه آدميا أو بهيمة ما استطاع ( لحديث ) أبى سعيد الخدرى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا صلى أحدُكم إلى شئ يْستُره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فلْيدفعه فإن أبى فلْيقاتِلْه فإنما هو شيطان " أخرجه الشيخان والنسائى وأبو داود(1) ... { 487 }
فقد دل على أنه لا يجوز دفع المار إلا لمن اتخذ سترة ، ومثله من صلى فى مكان يأمن فيه المرور بين يديه . أما من لم يتخذ سترة أو اتخذها وتباعد عنها فلا يجب عليه دفع المار لتقصيره ، ولا يحرم حينئذ المرور بين يديه لكن يكره .
وظاهر الأمر وجوب الدفع وبه قال أهل الظاهر وحمله الجمهور على الندب .
والدفع يكون باليد إن كان قريبا منه ، وبالإشارة أو التسبيح للبعيد ، وليس له الانتقال من موضعه انتقالا يؤدى إلى بطلان الصلاة وفى قوله : " فإن أبى فليقاتله " دليل على انه يطلب الدفع أوّلا بالأسهل ثم ينتقل إلى الأشد فالأشد ، وإن أدّى إلى قتله فلا شئ عليه عند الجمهور .
قال القاضى عياض : وأجمعوا على أنه لا يلزم مقاتله بالسلاح ولا بما يؤدى إلى هلاكه ، فإن دفعه بما يجوز فهالك فلا قَوَدَ عليه اتفاقا(2)وكذا لادية له عند الحنفيين والشافعة وأحمد وهو قول لمالك .
__________
(1) ص 388 ج1 فتح البارى ( يرد المصلى من مر بين يديه ) وص 224 ج4 – نووى . وص 93 ج5 – المنهل العذب . والمراد بالمقاتلة الدفع بالأشد ، ففى رواية البخارى : فإن أبى فليجعل يده فى صدره وليدفعه ( فإنما هو شيطان ) أى يفعل فعل الشيطان ، وإطلاق الشيطان على المخالف شائع فى القرآن والسنة .
(2) ص 223 ج4 – شرح مسلم ( سترة المصلى ) .(1/361)
هذا . ويطلب دفع المار ولو صبيا وإذا مرّ لا يردّه ثانيا لئلا يصير مروا ثانيا ( لقول ) أم سلمة رضى الله عنها : " كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى حجرة أم سلمةَ فمرّ بين يديه عبد الله أو عمر بن أبى سلمة ، فقال بيده فرجع ، فمرّت زينب بنت أمِّ سلمة فقال بيده هكذا فمضتْ . فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هنّ أغلبُ " أخرجه أحمد وابن ماجه بسند فيه مجهول(1) ... ... ... ... ... { 488 }
( فائدة ) هل الحكمة فى دفع المار أمام المصلى جبرُ خلل يقع فى صلاته أم لدفع الإثم عن المار ؟ الأظهر الأول ( لقول ) ابن مسعود رضى الله عنه إن المرور بين يدى المصلى يقطعُ نصف صلاته . أخرجه ابن أبى شيبة(2)( ولقول ) عمر : لو يعلم المصلى ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه لما صلى إلا إلى شئ يستره من الناس . أخرجه أبو نعيم(3). فهذان الأثران يدلان على أن الدفع لجبر خلل يقع فى صلاة المصلى . وهما وإن كانا موقوفين فهما فى حكم المرفوع ، لأن مثلهما لا يقال من قبل الرأى(4).
( قال ) القاضى عياض : ينبغى أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد فلم يفعله . أما إذا لم يمكنه فصلاته تامة ، لأنه لم يوجد منه ما ينقصها ولا يؤثر فيها ذنب غيره أهـ .
(
__________
(1) ص 135 ج3 – الفتح الربانى . وص 136 ج1 – ابن ماجه ( ما يقطع الصلاة ) ( فقال ) أى أشار . وهنّ أغلب : أى أكثر ارتكابا للمخالفة والمعصية .
(2) ص 389 ج1 – فتح البارى ( قبل إثم المار بين يدى المصلى ) .
(3) ص 389 ج1 – فتح البارى ( قبل إثم المار بين يدى المصلى ) .
(4) ص 389 ج1 – فتح البارى ( قبل إثم المار بين يدى المصلى ) .(1/362)
ز) ترك السترة : ما تقدم من طلب اتخاذ السترة إنما هو فى غير الحرم المالكى . أما هو فيجوز فيه ترك اتخاذ السترة عند أحمد . وحينئذ يجوز المرور أمام المصلى وإن اتخذ سترة ( لقول ) المطلب بن أبى وَدَاعة السهمى : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من سُبْعه جاء حاشيةَ المطاف فصلى ركعتين وليس بينه وبين الطَّوَّافين أحد " أخرجه النسائى وابن ماجه وقال : هذا بمكة خاصة(1) ... ... ... { 489 }
( ولقول ) ابن عباس رضى الله عنهما : أقبلت راكباً على أتانٍ وأنا يومئذ قد ناهزتُ الاحتلام ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس بمنى إلى غير جَدار فنزلت فأرسلت الأتان ترتَع ودخلت فى الصف فلم يُنْكر ذلك أحد(2). ولأن الحرم كله محل المشاعر والمناسك فجرى مجرى مكه فى ذلك .
( وقال ) الحنفيون : يجوز المرور أمام المصلى فى المسجد الحرام حول المطاف وداخل الكعبة وخلف مقام إبراهيم ( وقالت ) المالكية : يجوز للطائف المرور أمام مصل لم يتخذ سترة ، ويكره المرور أمامه إذا اتخذ سترة وكان للطائف مندوحة . وأما مرور غير الطائف أمام المصلى فى المسجد الحرام فحكمه حكم مروره أمام المصلى فى غيره على التفصيل السابق .
(وقالت ) الشافعية : يباح للطائف المرور أمام المصلى مطلقاً لما تقدّمن .
(
__________
(1) ص 40 ج2 – مجبتى ( أين يصلى ركعتى الطواف ) . وص 116 ج2 – ابن ماجه ( باب الركعتين بعد الطواف ) ( وسبع ) بضم فسكون، أى فرغ من أشواطه السبعة .
(2) تقدم رقم 472 . ص 322 ( اتخاذ السترة ) و ( إلى غير جدار ) هكذا فى رواية البخارى " ولا ينافية " قول أبى جحيفة : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم = بالهاجرة فصلى بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين ونصب بين يديه عنزة ( انظر رقم 470 ص 321 ) " لأنه " صلى الله عليه وسلم اتخذ السترة أحيانا وتركها أحيانا ، لبيان أن اتخاذها ليس بواجب .(1/363)
والحكمة ) فى الترخيص فى ترك السترة بالمسجد الحرام ازدحام الناس فيه وكثرة الطائفين به ، فلو منع المرور بين يدى المصلى لكان فيه حرج ومشقة وقد قال الله تعالى { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }(1).
(11) ويسنّ للمصلى إذا سلم من صلاته أن يستغفر الله ثلاثا ويقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركتَ ياذا الجلال والإكرام ، اللهم أعِنّى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . ويقرأ آية الكرسىّ ، وقل هو الله أحد ، والمعوذتين . ويقول سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين والله أكبر ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بقوله : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير . ثم يدعو بما شاء من خيرى الدنيا والآخرة . والدعاء بالمأثوم أحب . وقد ورد فى ذلك أحاديث ( منها ) حديث ثوبان مولى النبى صلى الله عليه وسلم قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام " أخرجه السبعة إلا البخارى وصححه الترمذى(2)
__________
(1) سورة الحج بعض آية : 78 وأولها : وجاهدوا فى الله حق جهاده .
(2) ص 62 ج4 – الفتح الربانى . وص 89 ج5 – نووى ( استحباب الذكر بعد الصلاة ) . وص 177 ج8 – المنهل العذب ( ما يقول الرجل إذا سلم ) وص 196 ج1 – مجتبى ( الاستغفار بعد التسليم ) . وص 244 ج1 – تحفة الأحوذى ( ما يقول إذا سلم ) والسلام الأول من أسماء الله ، والثانى معناه السلامة أى نطلب السلامة من شرور الدنيا والآخرة ( وتباركت ) أى تعاظمت وكثر خيرك وتزايد برّك ( ياذا الجلال والإكرام ) أى = يا صاحب الغنى المطاق والفضل التامّ والإحسان لعباده . واستغفاره صلى الله عليه وسلم تواضعا وخضوعا لله وتعليما للأمة ..واستغفار غيره عقب الصلاة إشارة إلى أن اعبد لا يقوم بحق عبادة مولاه لما يعرض له من الوساوس والخواطر ، فشرع الاستغفار تداركا لذلك .(1/364)
... ... { 490 }
( وحديث ) معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فال له : " أوصيك يا معاذ لا تدعن دُبُرَ كل كللاةٍ أن تقول : اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسْنِ عبادتك " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين(1) ... ... ... ... ... { 491 }
__________
(1) ص 54 ج4 – الفتح الربانى . وص 185 ج8 – المنهل العذب ( الاستغفار ) .(1/365)
ولظاهر النهى قالت الظاهرية بوجوب هذه الكلمات دبر كل صلاة . والجمهور على أنه نهى إرشاد (وحديث) الحسن بن على رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ آية الكرسىّ فى دبُر الصلاة المكتوبة كان فى ذمة الله إلى الصلاة الأخرى " أخرجه الطبرانى بسند حسن(1)
__________
(1) ص 148 ج2 – مجمع الزوائد ( الذكر والدعاء عقيب الصلاة ) و ( فى ذمة الله ) أى فى حفظه وولايته وآية الكرسى هى ( الله لا إله إلا هو الحى القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم له ما فى السموات والأرض ، من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه ؟ يعلم ما بين = أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء ، وسع كرسيه السموات والأرض ولا يئوده حفظهما ، وهو العلى العظيم ) وهى أعظم آية فى القرآن ، لاشتمالها عل أمهات المسائل الدالة على ثبوت الكمال لله تعالى ونفى انقص عنه ، وعلى توحيده وتعظيمه وذكر أسمائه وصفاته ، فقد ذكر فى سبعة عشر موضعاً منها اسم الله تعالى ظاهرا ومضمرا ، ودلت على أنه منفرد بالإلهية حى واجب الوجود لذاته ، موجد لغيره ، منزه عن التحيز والحلو ، مبرأ عن التغير والفتور ، مالك الملك والملكوت ، ذو البطش الشديد ، العالم بجلى الأمور وخفيها كليها وجزئيها ، واسع الملك تام القدرة ، متعال عن كل مالا يليق به ، عظيم لا تصل العقول والأفكار لكنه ذاته وصفاته فقوله ( الله ) إشارة إلى ذات الله وجلاله و ( القيوم ) القائم بنفسه ولا يقوم به غيره القائم بتدبير الكون وما فيه ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) السنة النعاس ، وفيه تنزيه وتقديس لله تعالى عن صفات الحوادث . و ( له ما فى السموات وما فى الأرض ) دليل لما قبله وإشارة إلى وحدانية الأفعال . وأن الأفعال كلها منه وإليه . و ( من ذا الذى ) أى لا أحد ( يشفع عنده إلا بإذنه ) إشارة إلى انفراده بالملك والحكم ..وأنه لا يملك الشفاعة عنده فى أمر من الأمور إلا من أذن له فيها ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) أى من أمر الدنيا والآخرة ( ولا يحيطون بشئ من علمه ) أى لا يعلمون شيئا من معلوماته ( إلا بما شاء ) أن يعلمهم به . وهو إشارة إلى صفة العلم وأنه متفرد به حتى إنه لا علم لغيره إلا ما أعطاه ووهبه بمشيئته وإرادته ( وسع كرسيه السموات والأرض ) أى أحاط علمه بهما ، فالمراد بالكرسى العلم ، ومنه الكراسة لتضمنها العلم . والكراسى العلماء ، وسمى العلم كرسيا تسمية له بمكانه الذى هو كرسى العالم ، وفيه إشارة إلى عظم ملكه وكمال قدرته ( ولا يئوده حفظهما ) أى لا يثقله تدبير شأن السموات والأرض وما فيهما ، وهو إشارة إلى صفة العزة وكمالها وتنزيهه عن الضعف والنقص ( وهو العلى العظيم ) أى المنزه عن صفات الحوادث المتصف بالكبرياء والعظمة . وفيه إشارة إلى أصلين عظيمين فى الصفات . إذا تأملت هذا لا تجد آية غيرها جمعت كل هذه المعانى(1/366)
... ... { 492 }
( وحديث ) عقبة بن عامر قال : " أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوِّذات دبر كل صلاة" أخرجه أحمد والثلاثة(1)
__________
(1) ص 70 ج4 – الفتح الربانى . وص 186 ج8 – المنهل العذب ( الاستغفار ) . وص 196 ج1 – مجتبى ( قراءة المعوذات بعد الصلاة ) والمعوّذات . بكسر الواو = المشددة معوذة . أى محصنة ، والمرادسورتا الفلق والناس والجمع باعتبار أن ما يتعوذ مه كثيرا فيهما . وقد كان انبى صلى الله عليه وسلم يتعوذ فى الشدائد ويأمر أصحابه بذلك لاشتمالهما على جوامع المستعاذ به والمستعاذ منه " أما الأول " فلأن الافتتاح برب الفلق مؤذن بطلب فيض ربانى يزيل كل ظلمة فى الاعتقاد أو العمل ، لأن الفلق الصبح .
وهو وقت فيضان الأنوار ونزول البركات وقسم الأرزاق . وذلك مناسب للمستعاذ به وهو الرب تعالى " وأما الثانى " فلأنه فى السورة الأولى ابتدأ فى ذكر المستعاذ منه " بالعام " وهو شر كل مخلوق حى أو جماد فيه شر فى البدن أو المال أو الدنيا أو الدين " ثم بالخاص " وهو الغاسق أى الظلمة الشديدة ،اعتناء به لخفاء الضرر فيه إذ قد يلحق الإنسان من حيث لا يعلم . ثم ذكر نفث الساحرات فى عقدهن الموجب لسريان شرهن فى الروح على أبلغ وجه وأخفاه . فهو أدق من الأول . ثم ذكر شر الحاسد فى وقت التهاب نار جسده ، لأنه حينئذ يسعى فى إيصال أدق المكايد المذهبة للنفس والدين ، فهو أدق وأعظم من الثانى . وفى السورة الثانية خص شر الموسوس فى الصدور من الجنة والناس ، لأن شره حينئذ يعادل = تلك الشرور بأسرها ، لأنها إذا كانت فى صدر المستعيذ ينشأ عنها كل كفر وبدعة وضلالة ، ومن ثم زاد التأكيد والمبالغة فى جانب المستعاذ به إيذانا بعظمة المستعاذ منه ، وكأنه قيل : أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بمن رباهم بنعمه وملكهم بقهره وقته ، وهو إلههم ومعبودهم الذى يستعيذون به من شياطين الإنس والجن ، ويعتقدون أن لا ملجأ لهم إلا إليه ، وختم به لأنه مختص به بخلاف الأولين ، فإنهما قد يطلقان على غيره(1/367)
... ... ... ... ... ... ... ... ... { 493 }
( وحديث ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " مَن سبّح الله دبُر كلِّ صلاة ثلاثا وثلاثين ، وحمِد الله ثلاثا وثلاثين ، وكبّر الله ثلاثا وثلاثين فتلك تسع وتسعون ثم قال تمام المائة لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير غفرت خطاياه وإن كانت مِثلَ زبَد البحر " أخرجه أحمد ومسلم(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... {494 }
(
__________
(1) ص 57 ج4 – الفتح الربانى . وص 95 ج5 – نووى ( استحباب الذكر بعد الصلاة ) ولفظ ( صلاة ) يشمل الفرض والنفل ولكن حمله العلماء على الفرض لما فى حديث كعب بن عجرة عند مسلم من التقييد بالمكتوبة ( والزبد ) بفتحتين الرغوة تعلو الماء عند تلاطم الأمواج .(1/368)
وحديث ) سُمَىّ عن أبى صالح عن أبى هريرة أن فقراء المهاجرين أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : " ذهب أهل الدُّثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم . قال وما ذاك ؟ قالوا : يصلون كما نصلى ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويَعتقون ولا نَعتقُ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلا أُعلِّمُكم شيئا تَدركون به من سبقكم وتَسبِقون بع من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضلَ منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال تُسبَّحون وتكبِّرون وتحمَدون دبُر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة ، فرجع فقراءُ المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : سمع إخوانُنا أهلُ الأموال بما فعلْنا ففعلوا مثلَه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك فضْلُ الله يؤتيه م يشاء . قال سُمىّ : فحدّثتُ بعضَ أهلى بهذا الحديث فقال : وِهمْتَ إنا قال تُسبِّح ثلاثا وثلاثين ، وتحمَد ثلاثا وثلاثين ، وتكبر أربعا وثلاثين ، فرجعتُ إلى أبى صالح فقلتُ له ذلك ، فأخذ بيدى فقال / اللهُ أكبر وسبحان الله والحمد لله . الله أكبر وسبحان الله والحمد لله حتى تبلغ من جميعهنّ ثلاثا وثلاثين " أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 495 }
(
__________
(1) ص 221 ج2 – فتح البارى ( الذكر بعد الصلاة ) وص 92 ج5 – نووى . و ( الدثور ) الأموال الكثيرة ( حتى تبلغ من جميعهن ثلاثا وثلاثين ) لذا قال فى الإقناع : والأفضل أن يفرغ من عدد الكل معا . لكن قال النووى : وذكر " يعنى ملمسا " بد هذه الأحاديث من طرق غر طريق أبى صالح وظاهرها أنه يسبح 33 مستقلة ويكبر كذلك ويحمد كذلك . قال القاضى وهو أولى م تأويل أبى صالح ( انظر ص 93 ج5 – شرح مسلم )(1/369)
وروى ) سُهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا : " يا رسول الله ذهب أهل الدثور بمثل الحديث السابق . وزاد فى الحديث : يقول سهيل إحدى عشرة إحدى عشرة فجميع ذلك كله ثلاثة وثلاثون . أخرجه مسلم(1) ... ... ... ... ... ... { 496 }
( وحديث ) محمد بن أبى عائشة عن أبى هريرة أنه حدّثهم أن أباذرّ قال : يا رسول الله ذهب فُضول أموالهم يتصدّقون بها ، وليس لنا ما نتصدّق به . فقال صلى الله عليه وسلم : أفلا أدُلّك على كلمات إذا عِلمت بهن أدركت من سبقك ، ولا يلْحَقُك إلا من أخذ بمثل عملك ؟ قلت بلى يا رسول الله .
قال : تَكبِّر دبَر كلِّ صلاة ثلاثا وثلاثين وتُسبِّح ثلاثا وثلاثين ، وتَحْمَد ثلاثا وثلاثين ، وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير " أخرجه أحمد وأبو داود والدارمى وفى رواية :
تسبح الله خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمَد ثلاثا وثلاثين ، وتكبر أربعا وثلاثين(2) ... { 497 }
فينبغى العلم بإحدى الروايتين تارة وبالأخرى تارة جمعا بينهما .
(
__________
(1) ص 93 ج5 – نووى ( استحباب الذكر بعد الصلاة ) .
(2) ص 58 ج4 – الفتح الربانى . وص 168 ج8 – المنهل العذب ( التسبيح بالحصى ) . وص 213 ج1 – درامى ( التسبيح فى دبر الصلاة )(1/370)
وقول ) زيد بن ثابت : " أُمِرنْا أن نُسبِّح فى دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ونَحمَد ثلاثا وثلاثين ، ونكبِّر أربعا وثلاثين . فأُتَىِ رجل فى النام من الأنصار فقيل له : أمرَكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبِّحوا فى دبُر كلِّ صلاة كذا وكذا ؟ قال الأنصارى فى منامه : نعم . قال : فاجعلوها خمسا وعشرين خمسا وعشرين واجعلوا فيها التهليل . فلما أصبح غداً على النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فافعلوا" أخرجه أحمد والنسائى والدارمى وهو حديث صحيح(1) ... ... ... ... ... ... { 498 }
( وحديث ) عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خَلّتان مَنْ حافظ عليهما أدخلَتاه الجنة ، وهما يسير ومن يعمل بهما قليل . قالوا وما هما يا رسول الله ؟ قال أن تحمَد الله وتكبره وتسبحه فى دبُر كلِّ صلاة مكتوبة عشراً عشرا ، وإذا أتيتَ إلى مضجعك تسبِّح الله وتكبره وتحمُده مائةَ مرة ، فتلك خمسون ومائتان باللسان ، وألفان وخمسمائة فى الميزان ، فأيُّكم يعلم فى اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة " (الحديث) وفيه : ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدهنّ بيده . أخرجه أحمد والنسائى بسند صحيح(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 499 }
__________
(1) ص 58 ج4 – الفتح الربانى . وص 198 ج1 – مجتبى ( نوع آخر من عدد التسبيح ) . وص 312 ج1 – دارمى ( فافعلوا ) هو تقدير لرؤيا الأنصارى بوحى .
(2) ص 59 ج4 – الفتح الربانى . وص 198 ج1 – مجتبى ( عدد التسبيح بعد التسليم ) و ( يعقدهن ) أى يعدهن بيده الشريفة وهو يذكر الحيدث.(1/371)
فعلم من هذه الروايات أن التسبيح عقب الصلوات وارد على أعداد مختلفة ، فأى عدد منها عمل به الإنسان فقد وافق الوارد . وأكثرها وأقواها رواية التسبيح ثلاثا وثلاثين والتحميد والتكبير كذلك . فالعمل بها أولى . وأخذ من هذه الروايات أنّ مراعاة العدد المخصوص فى الأذكار عقب الصلوات معتبرة ، فلا يتعدّاها الذاكر وإلا حرم ثوابها ( قال ) الحافظ : قد كان بعض العلماء يقول : إنّ الأعداد الواردة فى الذكر عقب الصلوات إذا رُتِّب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتى بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص ، لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد . ثم قال : وقد بالغ القرافى فى القواعد فقال : من البدع المكروهة الزيادة فى المندوبات المحدودة شرعا ، لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئا أحبوا أن يوقف عنده ، ويعد الخارج عنه مسيئا للآداب أهـ .
وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مثلا فيه أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به ، ول اقتصر على الأوقية فى الدواء ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع أهـ(1). ويمثل أيضا بأسنان المفتاح إذا زيد فيها أو نقص منها لا تفتح ، فكذلك العدد المذكور إذا زيد فيه أو نقص لا يحصل الثواب الموعود به ، فعليك بالاتباع ، واترك الاختراع والنزاع .
( فائدة ) يجوز عدّ هذه الأذكار ونحوها بالأصابع أو النوى أو السبحة أو غيرها ( لقول ) ابن عمرو : "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقِد التسبيح بيمينه " أخرجه الثلاثة والحاكم وصححه ، والترمذى وحسنه(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 500 }
(
__________
(1) ص 224 ج2 – فتح البارى ( الذكر بعد الصلاة ) .
(2) ص 166 ج8 – المنهل العذب ( التسبيح بالحصى ) . وص 199 ج1 – مجتبى ( عقد التسبيح ) . وص 255 ج4 – تحفة الأحوذى .(1/372)
ولحديث ) سعد بن أبى وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوًى أو حصًى تسبح به فقال : أخْبرِك بما هو أيْسرُ عليك من هذا أو أفضل . فقال : سبحان الله عدد ما خلق فى السماء وسبحان الله عدد ما خلَق فى الأرض وسبحان الله عدد ما خلق فى السماء وسبحان الله عدد ما هو خالق ، والله أكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك " أخرجه الثلاثة وابن حبان والحاكم وصححه الذهبى ، وقال الترمذى حسن غريب(1) ... ... ... ... ... { 501 }
وفى هذا دلالة على أنّ الذكر يتضاعف ويتعدّد بتعدّد ما أحال الذاكر على عدده وإن لم يتكرر الذكر فى نفسه ، فيحصل مثلا لمن قال مرة واحدة : سبحان الله عدد كل شئ من التسبيح ما لا يحصل لمن كرر التسبيح ليالى وأياما بدون الإحالة على عدد . وهذا مما يشكل على القائلين إن الثواب على قدر المشقة المنكرين للتفضيل الثابت بصريح الأدلة ( وقد ) أجابوا عن هذا الحديث ونحوه كقوله صلى الله عليه وسلم : " من فطِّر صائما كان له مثل اجره " . و " من عزِّى مصابا كان له مثل أجره " بأجوبة " متعسفة متكلفة(2)( وفيه ) دلالة على جواز عدّ الذكر بالنوى والحصى . وكذا بالسبحة إذ لا فارق ، لتقريره صلى الله عليه وسلم إياه وعدم إنكاره . وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم : " نعم المذكّرُ السُبحة " أخرجه الدليمى فى مسند الفردوس عن علىّ(3) ... { 502 }
(
__________
(1) ص 163 ج8 – المنهل العذب ( التسبيح بالحصى ) . وص 277 ج4 – تحفة الأحوذى ( دعاء النبى صلى الله عليه وسلم .. ) . وص 548 ج1 = مستدرك .
(2) ص 359 ج2 – نيل الأوطار ( عقد التسبيح باليد ... ) .
(3) ص 141 ج2 – الحاوى للفتاوى ( المنحة فى السبحة ) .(1/373)
وعن ) أ[ى سعيد الخدرى أنه كان يسبح بالحصى ( وعن ) أبى هريرة أنه كان معه كيس فيه حصى أو نوى فيسبح به حتى ينفدّ . أخرجهما ابن أبى شيبة(1). وقد ذكر السيوطى آثاراً أخرى فى رسالة " المنحة فى السبحة " ثم قال : ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عدّ الذكر بالسُّبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها(2).
ومحل جواز اتخاذ السبحة للذكر ما لم يترتب عليه رياء أو سمعة وإلا منع ، كا يمنع وضعها فى العنق كما يفعله بعض الجهلة ، ووضعها فى اليد وإدارتها من غير ذكر ( وقد ) سئل العلامة الشيخ على العدَوى عن اتخاذ السبح ( فأجاب ) بأن اتخاذ سبحة من السبح المعتادة التى لا يحصل بها شهرة ، وبعد اتخاذها على هذا الوجه لا يضعها فى رقبته أو نحوها مما يفيد أن حاملها من المتصوفة ، فيؤول أمره إلى الرياء المحرم بالإجماع . ويحذر أيضاً مما يفعله بعض الناس من كونه يتكلم مع الناس فى اللهو واللعب ، ويدير السبحة من أولها إلى آخرها ويوهم أنه يسبح فى تلك الحالة . والحاصل أنه إذا تعاطى السبحة على الوجه المعتاد يتباعد عن الأمور المقتضية للشهرة والعجب والرياء لأن ذلك كله محبط للعمل أهـ .
( خاتمة ) وهناك أدعية أخرى رواه عقب الصلاة :
(1) ما فى حديث أبى بكرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول دبُر كل صلاة : " اللهم عافنى فى بدنى اللهم عافنى فى سمعى اللهم عافنى فى بصرى اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت " أخرجه أبو داود والحاكم وصححه السيوطى(3) ... ... ... ... { 503 }
(
__________
(1) ص 141 منه .
(2) ص 143 منه .
(3) انظر رقم 1510 ص 135 ج2 – فيض القدير ( والفقر ) أى الذى لا خير معه ولا ورع ، وقرنه بالكفر لأنه قد يجر إليه ففى الحديث " كاد الفقر ان يكون كفراً " أخرجه أو نعيم فى الحلية عن أنس وهو ضعيف ( انظر رقم 6199 ص 542 ج4 – فيض القدير ) .(1/374)
2) وما فى حديث عبد الله بن الزبير قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم فى دبُر الصلاة أو الصلوات يقول : لا إله إلا الله وحده ل شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير لا حول ولا قوة إلا بالله ، ولا نعبدُ إلا إياه ، أهلَ النعمِة والفضِل والثناءِ الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " أخرجه الشافعى وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائى(1) ... ... ... ... ... ... { 505 }
(4) وما فى حديث أنس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته مسح جبهته بيده اليمنى ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله الرحمن الرحيم اللهم أذهب عنى الهم والحزن " أخرجه ابن السنى ، وكذا الطبرانى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى وفرغ من صلاته مسح بيمينه على رأسه وقال : باسم الله الذى لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ، اللهم أذهب عنى الهم والحزن . وفيه زيد العمىّ وثقه غير واحد وضعفه الجمهور(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 506 }
(
__________
(1) ص 94 ج1 بدائع المنن ( الخروج من الصلاة بالسلام وما يقال ويفعل عقبه ) وص 66 ج4 – الفتح الربانى . وص 91 ج5 – نووى (استحباب الذكر بعد الصلاة ) وص 171ج8 – المنهل العذب ( ما يقول الرجل إذا سلم ) . وص 196 ج1 – مجتبى ( التهليل بعد التسليم ) و (أهل النعمة ) بالنصب على الاختصاص أو المدح أو البدل من مفعول نعبد أو الرفع بتقدير هو . ولفظ الشافعى ومسلم : له النعمة وله الفضل .
(2) ص 110ج – 10 – مجمع الزوائد ( الدعاء فى الصلاة وبعدها )(1/375)
5) وما فى حديث الحارث بن مسلم التميمى قل : " قال لى النبى صلى الله عليه وسلم : إذا صليت الصبح فقل قبل أن تتلكم اللهم أجِرْنى من النار سبع مرات فإنك إن مُتّ من يومك ذلك الكتب الله لك جِواراً من النار . وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تتكلم : اللهم إنى أسألك الجنة اللهم أجِرنْى من النار سبعْ مرات فإنك إن مُتّ من ليلتك تلك كَتب الله لك جِواراً من النار " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى بسند جيد(1) ... ... ... { 507 }
(6) وما فى حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غَنْم الأشعرى أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من قال قبل أن ينصرف ويَثنَى رجله من صلاة المغرب والصبح : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير ، يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير عشر مرات كُتب له بكل واحدة عشر حسنات ، ومُحِيتْ عنه عشر سيئات ، ورفُعِ له عشر درجات ، وكانت له حِرزاً من كل مكروه ، وحِرزاً من الشيطان الرجيم ، ولم يحِلّ لذنْب أن يدركه إلا الشرك ، فكان من أفضل الناس عملا إلا رجلا يفُضلُه يقول أفضل مما قال " أخرجه أحمد والطبرانى فى الأوسط والترمذى بسند صحيح خلا شهر بن حوشب فإنه مختلف فيه . ضعفه بعضهم ووثقه البعض وحديثه حسن(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 508 }
(
__________
(1) ص 56 ج4 – الفتح الربانى . وص 321 ج4 – سنن أبى داود ( ما يقول إذا أصبح – أبواب النوم ) .
(2) ص 67 ج4 – الفتح الربانى . وص 107 ج1 – مجمع الزوائد ( ما يقول بعد صلاة الصبح والمغرب ) . وص 252 ج4 – تحفة الأحوذى ( فضل التسبيح والتبكير .. ) ( وحرزاً من شيطان ) يعنى أنه إذا قالها بإخلاص ومراقبة لله تعالى كانت سبباً فى حفظه من وساوس الشيطان . و (يدركه) أى يهلكه ويبطل عمله . والمعنى أنّ الله تعالى يغفر لمن قال هذا الذكر فى يومه وليلته ما اكتسبه من ذنب ولا ينبغى لأى ذنب أن يدركه وحبط به سوى الشرك . قال تعالى ( إن الله لا يغفر أن يرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) .(1/376)
7) وما فى حديث أم سلمة أن فاطمة جاءت إلى نبى الله صلى الله عليه وسلم تشتكى إليه الخِدمة فقالت : يا رسول الله والله لقد مجِلَتْ يدِى من الرحى أطَحن مرة وأعجِن مرة . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن يرزقكِ الله شيئاًَ يأتِك ، وسأدلك على خيرٍ من ذلك : إذا لزِمْتِ مضجعك فسبّحى الله ثلاثاً وثلاثين وكبِّرى ثلاثاً وثلاثين واحَمدىِ أربعاً وثلاثين ، فذلك مائة ، فهو خير لك من الخادم . وإذا صلّيت صلاةَ الصبح فقولى : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يُحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شئ قدير عشر مرات بعد صلاة الصبح ، وعشر مرات بعد صلاة المغرب فإن كل واحدة منهن تُكتَب عشر حسنات ، وتَحُط عشر سيئات ، وكل واحدة منهن كعتق رقبة من ولد إسماعيل ، ولا يحل لذنب كُسِبَ ذلك اليوم أن يدركه إلا أن يكون الشرك . لاإله إلا الله وحده لا شريك له وهو حَرَسُكِ – ما بين أن تقوليه غُدْوَة إلى أن تقوليه عَشِيَّةً – من كل شيطان ومن كل سوء " أخرجه أحمد والطبرانى بسند حسن(1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 509 }
(8) وما فى حديث أبى أُمامة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قال دبُر كل صلاة الغداة : لا إله الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يُحيى ويميت بيده الخير ، وهو على كل شئ قديرٌ مائة مرة قبل أن يَثنى رجليه ، كان يؤمئذ من أفضل أهل الأرض عملا إلا من قال مثل ما قال أو زاد على ما قال " أخرجه الطبرانى فى الكبير والوسط ورجال الأوسط ثقات(2) ... ... ... ... ... ... { 510 }
(
__________
(1) ص 68 ج4 – الفتح الربانى . وص 108 ج10 – مجمع الزوائد ( ما يقول بعد صلاة الصبح والمغرب ) و ( مجلت ) بفتح الجيم وكسرها أى ثخن جلدها وظهر فيها بثر من آثار العمل الشاق .
(2) ص 108 ج10 – مجمع الزوائد ( ما يقول بعد صلاة الصبح والمغرب ) .(1/377)
9) وما فى حديث علىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا سلَّم من الصلاة قال : اللهم اغفر لى ما قدمتُ وما أخرتُ وما أسررت وما ‘لنت وما أسرفتُ ، وما أنت أعلم به منى ، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر ، لا إله إلا أنت " أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة وصححه الترمذى(1) ... ... ... ... ... { 511 }
(10) وما فى حديث شداد بن أسو قال : " كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا كلماتٍ ندعو بهنّ فى صلاتنا أو قال فى دبُر صلاتنا اللهم إن أسألك الثبات فى الأمر وأسألك عزيمة الرُّشد وأسألك شكر نعمتِك وحسنَ عبادتك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا ، وأستغفرك لما لا أعلم وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم " أخرجه أحمد والنسائى والترمذى(2) ... ... ... ... ... ... ... { 512 }
فينبغى للعاقل أن يحرص ويحافظ على هذه الأذكار ليكون بها فى حرم منيع وحصن حصين لا يستحله الشيطان ولا يهتك حرمته ولا يبقى للذنب معها أثر ( وليحذر ) مما يفعله بعض الجهلة من قراءة الفاتحة بعد الصلاة بنية كذا لعدم وروده ( قال ) الصنعانى : وأما قراءة الفاتحة بينه كذا وبنية كذا كما يفعل الآن ، فلم يرد بها دليل بل هى بدعة ( وأما ) الصلاة على النبى صلى الله علهي وسلم بعد تمام التسبيح وأخويه ن الثناء ، فالدعاء بعد الذكر سنة ، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أمام الدعاء كذلك سنة أهـ(3).
(
__________
(1) ص 56 ج4 – الفتح الربانى . وص 174 ج8 – المنهل العذب ( ما يقول الرجل إذا سلم ) .
(2) ص 56 ج4 – الفتح الربانى ( الأدعية الواردة عقب الصلاة ) و ( العزيمة ) الجد فى الطلب . و ( الرشد ) بفتحتين أو بضم فكسور ، الاهتداء والثبات على القح . وهذا من جوامع الدعاء لأن من ثبته الله فى أمره عصم من الوقوع فى الموبقات ووفق للطاعات . و ( سليما ) أى خالياً من كدر المعصية كالغل والحقد .
(3) ص 323 ج1 – سب السلام ( صفة الصلاة ) .(1/378)
فوائد ) الأولى : هذه الأذكار والأدعية بعد الصلاة مستحبة لكل مصل اتفاقا . ويسنّ استقبال القبلة حالها ، لعموم حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إن لكل شئ سيدا ، وسيد المجالس قبالة القبلة " أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند حسن(1) ... ... ... ... ... ... ... { 513 }
وقد استقبل صلى الله عليه وسلم القبلة حال الدعاء فى غير موطن كدعاء الاستسقاء ويوم بدر . ووجهه أنّ الدعاء عبادة والقبلة هى الجهة التى يتوجه إليها العابدون والعابدات . ومنه تعلم ما فى قول الصنعاتى : ودعاء الإمام مستقبل القبلة مستدبراً للمأمومين فلم تأت به سنة ، بل الذى ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يستقبل المأمومين إذا سلم ( قال ) سمرة بن جندب : " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه " أخرجه البخارى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 514 }
وظاهرة المداومة على ذلك أهـ(3). ولا دليل فى هذا الحديث على ما ادعاه ، لأن غاية ما فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان بعد السلام يقبل على المأمومين ، وهو لا يقتضى أنه كان يستمر مستدبراً القبلة حال الذكر والدعاء .
( الثانية ) يطلب الإسرار بالذكر بعد الصلاة إلا الإمام يريد تعليم القوم فيجهر لحاجة التعليم فقط . وعليه يحمل ( قول ) ابن عباس : إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وقال : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته " أخرجه السبعة(4) ... ... ... ... { 515 }
(
__________
(1) ص 512 ج2 فيض القدير ( شرح رقم 2421 ) وقبالة الشئ بالضم تجاهه .
(2) ص 227 ج2 – فتح البارى ( يستقبل الإمام الناس إذا سلم ) .
(3) ص 323 ج1 – سبل السلام ( صفة الصلاة ) .
(4) ص 71 ج4 – الفتح الربانى . وص 220ج2 – فتح البارى ( الذكر بعد الصلاة ) وص 84 ج5 نووى . وص 121 ج6 – المنهل العذب (التكبير بعد الصلاة) .(1/379)
وحديث ) ابن الزبير رضى الله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَم من صلاته يقول بصوته الأعلى : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله . ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " أخرجه الشافعى(1).
وقال فى الأم بعد هذين الحديثين : وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماما يحب أن يُتعَلم منه فيجهر حتى يرَى أنه قد تُعِلِّم منه ثم يُسِرّ ، فإن الله عز وجل يقول : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا(2)} يعنى الدعاء ( ولا تجهر ) ترفع ( ولا تخافت ) حتى لا تُسمع نفسك . وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبى صلى الله عليه وسلم ( وما روى ) ابن عباس من تكبيره كما روينا ، وأحسبه إنما جهر قليلا ليتعلم النسا مه ، وذلك لأن عامة الروايات التى كتبناها مع هذا وغيرها ، ليس يُذكر فيها بعد التسليم تهليل ولا تكبير . وقد ذكرتْ أم سلمة مكثه ولم تذكر جهرا . وأحسبه لم يمكث إلا ليذكر ذكراً غير جهر قال : وأسحتب للمصلى منفرداً وللمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة(3).
(
__________
(1) تقدم رقم 504 ص 343 .
(2) سورة الإسراء عجز آية : 110 وصدرها : قل ادعوا الله .
(3) ص 110 ج1 – الأم ( كلام الإمام وجلوسه بعد السلام ) .(1/380)
وقال ) النووى : واحتج البيهقى وغيره لتفسيره الآية بحديث عائشة رضى الله عنها قالت فى قوله تعالى: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } نزلت فى الدعاء . أخرجه الشيخان(1). وهكذا قال أصحابنا إن الذكر والدعاء بعد الصلاة يستحب أن يسر بهما إلا أن يكونإماما يريد تعليم الناس فيجهر ليتعلموا ، فإذا تعلموا أسرها . واحتج البيهقى وغيره على الإسرار بحيث أبى موسى الأشعرى قال : " كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم وكنا إذا أشْرَفنا على واد هللَّنا وكبّرنا وارتفعت أصواتُنا . فقال النبى صلى الله عليه وسلم : أيها الناس اربَعوا على أنفسِكم فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبا ، إنه معكم سميع قريب " أخرجه الشيخان(2) ... ... ... { 516 }
ومنه تعلم " أن ما عليه " غالب الناس اليوم من رفعهم الصوت بالاستغفار وبعض الأذكار على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة " أمر محدث " مخالف لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح ، والخير فى الاتباع ( قال ) ابن الحاج : فى المدخل وينبغى للإمام أن ينهى الذاكرين جماعة فى المسجد قبل الصلاة أو بعدها أو غيرهما من الأوقات ، لأنه مما يشوش به وفى الحديث " لا ضرر ولا ضرار "(3) ... { 517 }
فأى شئ كان فيه تشويش منه أهـ بتصرف .
(
__________
(1) ص 140 ج1 – تيسير الوصول ( قبل سورة الكهف ) .
(2) ص 332 ج7 – فتح البارى ( غزوة خيبر ) . وص 487ج3 – شرح المهذب . واربعوا بفتح الباء ، أى ارفقوا .
(3) أخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس بسند حسن ( انظر رقم ص 32 فتاوى أئمة المسلمين ) .(1/381)
الثالثة ) يسنّ للداعى رفع يديه حال الدعاء ، ومسح وجهه بهما بعده خارج الصلاة(1)( لحديث ) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " سَلوا الله ببطون أكُقِّكم ، ولا تسألوه بظهورها ، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم " أخرجه أبو داود . وقال : روى هذا الحديث من غير وجه عن محمد ابن كعب كلها واهية . وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضا(2) ... ... ... ... ... ... ... ... { 518 }
( قال ) الحافظ فى بلوغ المرام : وله شواهد منها عند أبى داود من حديث ابن عباس وغيره . ومجموعهما يقضى بأنه حديث حسن(3)( ولحديث ) يزيد ابن سعيد أنّ النبى صلى اله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه " أخرجه أبو داود ، وفى سنده عبد الله بن لهيعة متكلم فيه ، وحفص ابن هشام مجهول ، فالحديث ضعيف(4). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 519 }
وهو يدل بمفهومه على أنه إن لم يرفع يديه فى الدعاء لم يمسح وجهه وهو مسلِّم فقد كان النبى صلى الهل عليه وسلم يرفع يديه فى الدعاء تارة وتارة لا يرفع .
( وهذه ) الأحاديث وإن كانت ضعيفة غلا أنها لكثرتها يقوّى بعضها بعضا ( وأما ) حديث أنس أنّ النبى صل الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه فى شئ من الدعاء إلا فى الاستسقاء فإنه كان يرفه يديه حتى يُرى بياضُ إبْطيه أخرجه الشيخان وأبو داود(5) ... ... ... ... ... ... ... ... { 520 }
(
__________
(1) أما الدعاء فى الصلاة فلم يثبت فيه مسح الوجه بعده .
(2) ص 150 ج8 – المنهل العذب ( الدعاء ) وأمثلها : أى أحسنها . ووجه ضعفه أن فى سنده عبد الله بن يعقوب عمن حدّثه وهو أبو المقدام هشام بن زياد . ضعفه غير واحد من الحفاظ وقال فيه ابن حبان : يروى الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به .
(3) ص 343 ج4 – سبل السلام ( الذكر والدعاء ) .
(4) ص 156 ج8 – المنهل العذب ( الدعاء ) .
(5) ص 352 ج2 – فتح البارى ( رفع الإمام يده فى الاستسقاء ) . وص 190 ج6 – نووى . وص 11 ج7 – المنهل العذب ( رفع اليدين فى الاسقاء ) .(1/382)
فيجمع ) بينه وبين هذه الأحاديث بأن الرماد به أنه كان لا يرفع يديه رفعاً مبالغاً فيه إلا فى الاستسقاء .
والحاصل " أن رفع اليدين " فى الدعاء أى دعاء كان ، وفى أى وقت كان بعد الصلوات الخمس أو غيرها "أدب" من أحسن الآداب ، دلت عيه الأحاديث عموما وخصوصا ولا يضر ثبوت هذا الأدب عدم رواية الرفع فى الدعاء بعد الصلاة ، لأنه كان معلوما لجميعهم فلم يعنوا بذكره فى هذا الحين . وإنكار الحفاظ ابن القيم رفع اليدين فى الدعاء بعد الصلوات وهم منه ( قال ) القسطلانى : الصحيح استحباب الرفع فى سائر الأدعية . رواه الشيخان وغيرهما ( وحديث ) أسن فى الصحيحين لا يرفع إلا فى الاستسقاء " مؤول " على أنه لا يرفعهما رفعاً بليغا . وورد رفع يديه عليه الصلاة والسلام فى مواضع كرفع يديه حتى رؤى غُفْره إبطيه حين استعمل ابن اللُّتْبية(1)على الصدقة كما فى الصحيحين . ورفعهما أيضاً فى قصة خالد بن الوليد قائلا : اللهم إنى أبرا إليك مما صنع خالد . رواه البخارى والنسائى . ورفعهما عى الصفا . رواه مسلم وأبو داود . ورفعهما ثلاثاً بالبقيع مستغفراً لأهله . رواه البخار فى رفع اليدين ومسلم . وحين تلا قوله تعالى : { إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ } قائلا : اللهم أمتى أمتى . وراه مسلم . ولما بعث جيشاً فيهم على قائلا : اللهم لا تُمِتنْى حتى تَرِينى عليا . رواه الترمذى . ولما جمع أهل بيته وألقى عليهم الكساء قائلا : اللهم هؤلاء أهل بيتى . رواه الحاكم وقد جمع النووى فى شرح المهذب نحواً من ثلاثين حديثا فى ذلك من الصحيحين وغيرهما(2)
__________
(1) العفرة كغرفة بياض غير خالص . وابن اللتبية : بلام مضمومة وتاء ساكنة وباء مكسورة وياء مشددة نسبة إلى لتب حى من أزد ، واسمه عبد الله .
(2) ص 240 ج2 – إرشاد السارى . شرح صحيح البخارى ( رفع الناس أيديهم مع الإمام فى الاستسقاء ) ..(1/383)
ثم قال : والحاصل استحباب الرفع فى كل دعاء إلا ما جاء مقيداً بما يقتضى عدمه كدعاء الركوع والسجود ونحوهما(1).
( الرابعة ) يستحب استفتاح الدعاء بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وختمه بهما وعليه الإجماع ( لقول ) فَضالة بِن عُبيد : " بينا رسول الله صلى الله لعيه وسلم قاعد غذ دخل رجل فصلى فقال : اللهم اغفر لى وارحمنى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عَجِلتَ أيها المصلِّى ، إذا صليت فقعدْتَ فاحمدَ الله بما هو أهله وصلّ علىّ ثم ادْعُه . ثم صلّى رجل آخر فحمِد الله وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : أيها المصلى ادع تُجَب " أخرجه أحمد والثلاثة وحسنة الترمذى . هذا لفظه(2){ 521 }
( ولقول ) علىّ رضى الله عنه : كل دعاء محجوب حتى يُصلَّى عل محمد وآل محمد . أخرجه البطرانى فى الأوسط والبيهقى فى الشعب بسند رجاله ثقات ، ورفعه بعضهم ، والموقوف أصح . قاله المنذرى(3).
هذا . ويستحب الجمع بين الصلاة والسلام . ولقارئ الحديث وغيره إذا ذكر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع صوته بالصلاة والسلام عليه بلا مبالغة فاحشة . وتقدم أنها تصح بأى صيغة ، وأن الأفضل كونها بصيغة من الصيغ الواردة لأنها أكثر ثواباً وهى كثيرة تقدم بعضها(4).
(
__________
(1) ص 241 ج2 – إرشاد السارى ( رفع الإمام يده فى الاستسقاء ) .
(2) ص 22 ج4 – الفتح الربانى . وص 146 ج8 – النهل العذب ( الدعاء ) . وص 253 ج4 – تحفة الأحوذى ( جامع الدعوات .. ) .
(3) ص 160 ج10 مجمع الزوائد ( الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى الدعاء وغيره ) .
(4) انظر ص 170 ( الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد التشهد ) .(1/384)
ومنها ) ما فى حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من سرّة أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلَّى عليما أهلَ البيت فليقل : اللهم صلى على محمد النبىّ وأزواجِه أمّهاتِ المؤمنين وذرّيِته وأهلِ بيته ، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " أخرجه أبو داود والبيهقى(1)
__________
(1) ص 95 ج6 – المنهل العذب ( الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ) وعلى الجملة فقد ورد فى صيغها أخبار وآثار كثيرة منها الصحيح والسن والضعيف ، فليأخذ السالك ما صح وما حسن منها وهو ما تقدم ، ويترك الضعيف وما الأصل له ولا دليل عليه ومنه صلاة الفاتح وهى : اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق ، والخاتم لما سبق ، والناصر الحق بالحق ، والهادى إلى صراطك المستقيم . وقد بالغ بعض المتصوفة فى هذه الصيغة مبالغة لا تحتمل لا يشهد لها نقل ولا يقبلها عقل . قال العلامة الصاوى فى شرح صلوات الدردير : ثم شرع فى صيغة تسمى صلاة الفاتح تنسب لسيدى محمد البكرى وذكر أن من صلى بها مرة واحدة فى عمرة لا يدخل النار . قال بعض سادات المغرب : إنها نزلت عليه فى صحيفة من الله وأن قراءتها مرة تعدل ثواب ست ختمات قرآنية وأن النبى صلى الله عليه وسلم أخبرنى بذلك أهـ . وهذا القول إن صح يجب تأويله . وقال بعضهم المرّة منها تعدل عشرة آلاف ، وقيل ستمائة ألف . من داوم عليها أربعين يوما تاب الله عليه من جميع الذنوب . ومن تلاها ألف مرة فى ليلة الخميس أو الجمعة أو الاثنين اجتمع بالنبى صلى الله عليه وسلم ، وفى الثانية الزلزلة كذلك ، وفى الثالثة الكافرون كذلك ، وفى الرابعة المعوذتين كذلك أهـ ( انظر ص 39 الأسرار الربانية على الصلوات الدرديرية ) سبحانك هذا بهتان عظيم وضلال مبين يحمل من لا عقل له على عدم تلاوة شئ من القرآن وارتكاب ما يراه من الزور والبهتان ، مكتفياً بتلاوة هذه الصيغة المبتدعة ..والله سبحانه وتعالى إنما بعيد بما شرع ويتقرب إليه بما ورد لا بالمحدثات والبدع . قا لالشيخ محمد حسنين مخلوف فى المنهج القويم : ولعله أشار بقوله قال بعض سادات المغرب وقال بعضهم الخ – إلى الشيخ التجانى وأتباعه . وعلى كل حال سواء أكانت منسوبة إلى سيدى محمد البكرى أو يغره فهى ليست من كلام الله القديم أو كلام من أنزلت عليه صحيفتها النورية . ولم ينقل عن أحد أنها ليست من تأليف القطب البكرى سوى الضيخ التجانى فيما رواه عنه = تلميذه الشيخ على حرازم وتبعه سائر التجانية زاعمين أن الشيخ محمد عبد الواحد التجانى قال : أخبرنى صلى الله عليه وسلم أن صلاة الفاتح لم = تكن من تأليف القطب البكرى ولكنه توجه إلى الله = مدة طويلة أن يمنحه صلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فيها ثواب جميع الصلوات وسر جميع الصلوات وطال طلبه مدة ثم أجاب الله دعوته فنزلت عليه هذه الصلاة مكتوبة فى صحيفة من النور أهـ . وهذا الخبر على تقدير صحته لا يفيد أن الصيغة الفتحية من كلام الله القديم . انظر تزييف هذا الزعم بالمنهج القويم فى بيان أن الصلاة الفتحية ليست من كلام الله القديم .(1/385)
... ... ... ... { 522 }
(12) ويسنّ للإمام إذا سلم من الصلاة أن يبقى فى مكانه مستقبلا القبلة حتى يستغفر الله ثلاثا ويقول : اللهم أنت السلام الخ . ثم ينحرف عن يمينه أو عن يساره أو يستقبل المأمومين بوجهه ( لقول ) عائشة : " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا سلّم لم يقعدْ إلا مقدار ما يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركتَ ياذا الجلال والإكرام " أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذى وقال : حسن صحيح(1) ... ... ... { 523 }
( ولحديث ) قَبيصة بن هُلْب عن أبيه قال : " كان النبى صلى الله عليه وسلم يؤمُّنا فينصرف عل جانبيه جميعا على يمينه وعلى شماله " أخرجه أ[و داود وابن ماجه والترمذى وقال : حديث حسن وعليه العمل عند أهل العلم أنه ينصرف على أى جانبيه شاء . وقد صح الأمران عن النبى صلى الله عليه وسلم(2) ... { 524 }
( ولقول )سُمرة بن جُنْدُب : " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاةً أقبل علينا بوجهه " أخرجه البخارى(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 525 }
__________
(1) ص 46ج4 – الفتح الربانى . ولفظه : ما كان النبى صلى الله عليه وسلم الخ . وص 90 ج5 – نووى . وص 154 ج1 – ابن ماجه ( ما يقال بعد التسليم ) . وص 244 ج1 – تحفة الأحوذى ( استحباب الذكر بعد الصلاة ) .
(2) ص 174 ج6 – المنهل العذب ( كيف الانصراف من الصلاة ) وص 154 ج1 – ابن ماجه . وص 247 ج1 – تحفة الأحوذى .
(3) ص 227 ج2 – فتح البارى ( يستقبل الإمام الناس إذا سلم ) .(1/386)
فقد دلت هذه الأحاديث على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان أحيانا ينصرف بعد السلام من الصلاة عن يمينه ، وأحيانا ينصرف عن شماله . وأحيانا يقبل على الناس بوجهه ( واختلف ) العلماء فى الأفضل من هذه الكيفيات ( فقالت ) المالكية والشافعية والحنبلية : الأفضل الانصراف عن اليمين بأن يجعل يساره إلى القبلة ويمينه إلى الناس إلا إذا كانت له حاجة جهة اليسار فينصرف إليها ( لقول ) أنس : " أما أنا فأكثُر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يميِنه " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى(1) ... ... ... { 526 }
( ولقول ) علىّ رضى الله عنه : إن كانت حاجتُه عن يمينه أخذ عن يمينه ، وإن كانت حاجتُه عن يساره أخذ عن يساره . أخرجه الترمذى(2).
( وقال ) الحنفيون : يستحب الانصراف إلى جهة اليسار بأن يجعل يمينه إلى القبلة ويساره إلى الناس (لقول ) ابن مسعود : " لا يجعل أحدُكم للشيطان شيئا من صلاته ، يرَى أن حقا عليه ألاّ ينصرف إلا عن يمينه . لقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم كثيراً ينصرف عن يساره " أخرجه السبعة إلا الترمذى ، وهذا لفظ البخارى(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 527 }
__________
(1) ص 47 ج4 – الفتح الربانى . وص 220ج5 – نووى ( الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال ) .
(2) ص 247 ج1 – تحفة الأحوذى .
(3) ص 46 ج4 – الفتح الربانى . وص 219 ج5 – نووى ( الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال ) . وص 175 ج6 – المنهل العذب ( كيف الانصراف من الصلاة ) وص 154 ج1 – ابن ماجه . وص 229 ج2 – فتح البارى ( الانصراف عن اليمين والشمال ) و ( يرى ) بفتح الياء ، أى يعتقد أن الانصراف للمين فقط حق عليه .(1/387)
وهو لا يعارض حديث أنس السابق . وفى رواية مسلم : أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله ، وهى تعارض حديث أنس ، لأن كلا منهما بصيغه أكثر ( قال ) الحافظ : ويجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا تارة وهذا تارة . فأخبر كل بما اعتقد أنه الأكثر وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف إلى اليمين . ويمكن الجمع بينهما بوجه آخر وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة فى المسجد . لأن حجرة النبى صلى الله عليه وسلم كانت من جهة يساره ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر . ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأني رجح رأى ابن مسعود لأنه أعلم وأسنّ وأجل وأكثر ملازمة للنبى صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى موقفه فى الصلاة من أنس ، ولأن فى إسناد حديث أنس من تُكِلِّم فيه وهو السُّدى ، ولأن حديث ابن مسعود متفق عليه ويوافق ظاهر الحال ، لأن حجرة النبى صلى الله عليه وسلم كانت على يساره بخلاف حديث أنس فى الأمرين . ثم ظهر لى أنه يمكن الجمع بوجه آخر وهو أن من قال أكثر انصرافه عن يساره نظر إلى هيئته فى حال الصلاة . ومن قال أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته فى حال استقباله القوم بعد سلامة من الصلاة . فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة ، ومن ثم قال العلماء : يستحب الانصراف إلى جهة حاجته ، وإذا استوى الجهتان فاليمين أفضل لعموم الأحاديث فى فضل التيامن(1).
والحكمة فى طلب انحراف الإمام عن القبلة بعد انقضاء الصلة واستقباله المأمورين كلا أو بعضاً أن يُعلِّمهم ما يحتاجون إليه . وقيل ليعرف الداخل انقضاء الصلاة إذا لو استمر الإمام على هيئته لتوهم أنه فى التشهد مثلا .
( وقال ) ابن المنير : استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة . فإذا انقضت الصلاة زال السبب واستقبلهم حينئذ لرفع الخيلاء ولارتفع عن المأمومين أهـ .
(
__________
(1) ص 229 ج2 – فتح البارى .(1/388)
13) ويستحب الإمام – عند الأئمة والجمهور – تعجيل الانتقال من مصلاه بعد سلامه ، لما تقدم أن النبى صلى الله عليه سلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام الخ(1).
وهو يرد ما قاله بعض المالكية من كراهية قيام الإمام من مكان صلاته بعد السلام ( وقالت ) أم سلمة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم قام النساءُ حين يقضِى تسليمَه ويمكث فى مكانه يسيراً قبل أن يقوم (قال) ابن شهاب : فنُرى والله أعلم أن ذلك كان لكى ينصرف النساءُ قبل أن يدركَهُن الرجال " أخرجه الشافعى وأحمد والبخارى(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 528 }
ومقتضى هذا التعليل أن المأمومين إذا كانوا رجالا فقط لا يطلب هذا المكث ، وأن الإسراع بالقيام هو الأصل والمشروع . ولا يعارض هذا ما تقدم من الأحاديث الدالة على استحباب الذكر بعد الصلاة ، لأنهلا يلزم من طلب الذكر بعد الصلاة تأديته فى المكان الذى صلى فيه ، لأن الامتثال يحصل بفعله بعدها سواء أكان ماشياً أم قاعداً فى محل آخر " نعم " ما ورد مقيداً بنحو قوله صلى الله عليه وسلم : من قال قبل أن ينصرف ويثنى رجله من صلاة المغرب والصبح(3)" ظاهره " المعارضة لحديث عائشة المذكور ، ويمكن دفعها بحمل مشروعية الإسراع بانتقال على الغالب ، أو على ماعدا ما ورد مقيداً بذلك من الصلوات ، أو على أن اللبْثَ مقدار الإتيان بالذكر المقيد لا نافى الإسراع فإنه أمر نسبى . واللبث بمقدار ما ينصرف النساء ربما اتسع لأكثر من ذلك .
(
__________
(1) تقدم رقم 523 ص 355 .
(2) ص 92 ج1 – بدائع المنن . وص 50 ج4 – الفتح الربانى . وص 238 ج2 – فتح البارى ( صلاة النساء خلف الرجال ) .
(3) تقدم رقم 508 ص 345 .(1/389)
14) ويستحب لكل مصل الفصل بين الفرض والنافلة بنحو كلام أو ذكر أو انتقال ( روى ) عبد الله بن رباح ع رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فقام رجل يصلى فرآه عمر فقال له : اجلس فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فَضل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسن ابن الخطاب " أخرجه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح(1) ... ... ... { 529 }
وهذا متفق عليه غير أنهم اختلفوا فى قدر الفاصل ( فقال ) الحنفيون : يستحب ألا يفصل بين الفرض والنافلة إلا بقدر ما فى حديث عائشة : اللهم أنت السلام الخ . أو بقدر ما فى حديث المغيرة بن شعبة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة مكتوبة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ(2).
وقال جمهور السلف والخلف : يستحب الفصل بين الفرض والنافلة بالأذكار الواردة عقب الصلوات كالاستغفار والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل .
(15) ويستحب لكل مصل أراد التنفل بعد الفرض الانتقال إلى موضع آخر يتطوّع فيه ( لحديث ) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال : "أيعجِز أحدُكم أن يقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله فى الصلاة ؟ يعنى فى السُّبحة " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقى . وفى سنده إبراهيم بن إسماعيل ، قال أبو حاتم مجهول(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 530 }
(
__________
(1) ص 234 ج2 – مجمع الزوائد ( الفصل بين الفرض والتطوع ) .
(2) تقدم رقم 505 ص 344 .
(3) ص 51 ج4 – الفتح الربانى . وص 1524 ج6 – المنهل العذب ( الرجل يتطوع فى مكانه الذى صلى فيه المكتوبة ) . وص 225ج1 – ابن ماجه ( صلاة النافلة حيث تصلى المكتوبة ) و ( يعجز ) من باب ضرب وفى لغة من باب تعب . و ( السبحة ) التطوع .(1/390)
وقال ) علىّ رضى الله عنه : من السنة ألا يتطوّعَ الإمام حتى يتحوّل من مكانه . أخرجه ابن أبى شيبة .
ولهذا قالت الأئمة : يكره التنفل فى مكان الفرض . وكذا يطلب الانتقال لكل صلاة يفتتحها من النوافل . فإن لم ينتقل ينبغى أن يفصل بالكلام ( لقول ) السائب بن يزيد : " صليتُ مع معاويةَ بن أبى سفيان الجمعةَ فلما سلّم قمت فى مقامى فصليت فقال : لا تعُدْ لما فعلت ، إذا صليت الجمعة فلا تِصلْها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج ، فإن النبى صلى الله عليه وسلم أمر ألاّ توصَلّ صلاة بصلاة حتى يتكلم المصلى أو يخرج " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقى(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 531 }
والحكمة فى استحباب الانتقال خشية التباس النافلة بالفريضة وتكثير مواضع العبادة والشهود ، فإن مكان المصلى يشهد له يوم القيامة ( قال ) أبو هريرة : " قرأ صلى الله عليه وسلم : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } فقال : أتدرون ما أخبارُها ؟ قالوا الله ورسوله أعلم . قال : فإن أخبارها أن تشهدَ على كل عبد وأمة بما عمِل على ظهرها تقول : عمِل يوم كذا وكذا ، كذا وكذا " أخرجه أحمد ومسلم والترمذى وصححه(2) ... ... { 532 }
ومحل استحباب الانتقال إن لم تدع الحاجة إلى عدمه كضيق المكان .
( الرابع عشر ) هديه صلى الله عليه وسلم فى الصلاة
قد بينت لك أيها المؤمن أعمال الصلاة من فرائض وواجبات وسنن وآداب داخل الصلاة وخارجها مفصلة بالأدلة تفصيلا لم تره من قبل . وإنى ذاكر لك هنا ثلاثة أحاديث فى صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون سراجا منيرا يتضئ بها المعتدى ويهتدى بها الضال .
(
__________
(1) ص 51 ج4 – الفتح الربانى . وص 170 ج6 – نووى ( الصلاة بعد الجمعة ) وص 300 ج6 – المنهل العذب .
(2) ص 217 ج4 – تحفة الأحوذى ( سورة إذا زلزلت ) .(1/391)
1) قالت عائشة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتِتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله ربِّ العالمين ، فإذا ركع لم يُشْخِصْ رأسَه ولم يُصَوِّبه ولكن بين ذلك . وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوىَ قائما وكان إذا رفع رأسه من السجود لم يسجدْ حتى يستوىَ قاعدا ، وكان يقول فى كل ركعتين التحيةَ وكان يكره أن يفترش ذراعية افتراشَ السبُع وكان يفرِشُ رجله اليسرى وينصبُ رجله اليمنى وكان ينهى عن عَقِب الشيطان وكان يختم الصلاة بالتسليم " أخرجه أحمد ومسلم(1) ... ... ... ... ... { 533 }
(2) وقال وائل بن حُجْر : " لأنظُرَنّ إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلى فنظرت إليه قام فاستقبل القبلة فكبر ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه ، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفِّه اليسرى والرسِغ والساعدى، ثم لما أراد أن يركع رفع يديه مثلَها ، فلما ركع وضع يديه على ركبتيه ، ثم رفع رأسه فرفع يديه مثلَها، ثم سجد فجعل كفيه بحِذاء أذنيه ، ثم قعد فافترَش رجله اليسرى فوضع كفه اليسرى على فخذه وركبتِه اليسرى ، وجعل حدّ مِرْفَقه الأيمن على فخذِه اليمنى ثم قبض بين أصابعه فخلّق بالوسطى والإبهام وأشار بالسبابة ثم رفع أُصبُعَه فرأيتُه يحرّكها يدعو بها " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى بسند جيد(2) ... ... ... { 534 }
(
__________
(1) ص 145 ج3 – الفتح الربانى . وص 213 ج4 – نووى ( ما يجمع صفة الصلاة ) و ( افتراش السبع ) أن يبسط الرجل ذراعيه فى السجود كما يبسط الكلب والذئب يديه . و ( عقب ) بفتح فكسر ، وهو الإقعاء فى الجلوس بأن يلصق الرجل أليته بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض .
(2) ص 147 ج3 – الفتح الربانى . وص 63 ج6 – المنهل العذب ( كيف الجلوس فى التشهد ) . وص 141 ج1 – مجتبى ( موضع اليمين من الشمال فى الصلاة ) و ( حدّ المرفق ) طرفه .(1/392)
3) وقال محمد بن عطاء : سمعت أبا حُميد الساعدى فى عشرة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة . قال أبو حُميد أنا أَعْلَمُكْم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا فَلِمَ ؟ فوالله ما كنتِ بأكثرِنا له تبعا ، ولا أقدَمِنا له صُحبة . قال بلى قالوا فاعِرض قال : كان إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يُحاذىَ بهما مَنْكِبيه ، ثم يكبر حتى يِقرّ كلُّ عظم منه فى موضعه مُعْتدلا ، ثم يقرأ ، ثم يكبر فيرفع يديه حتى يُحاذىَ بهما مَنكِبيه ثم يركع ويضعُ راحَتَيه على ركبتيه ثم يعتدِلُ ولا يَطُبّ رأسه ولا يُقْنِع ثم يرفعُ رأسه فيقول سمع الله لمن حمده . ثم يرفع يديه حتى يُحاذِىَ بهما منكبيه معتدلا . ثم يقول : الله اكبر ثم يهوى إلى الأرض فيُجافى يديه عن جنبيه ثم يرفع رأسه ويَثنى رجلَه اليسرى ويقعد عليها ويَفْتخُ أصابع رجلَيه إذا سجد ثم يسجدُ ثم يقول اللهُ أكبر . يورفع رأسه ويثنى رجله اليسرى فيقعدُ عليها حتى يَرْجِع كل عظم على موضعه . ثم يصنعُ فى الأخرى مثل ذلك . ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يُحاذى بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة ثم يضع ذلك فى كل بقية صلاته حتى إذا كانت السجدُ التى فيها التسليم أخّر رجله اليسرى وقعد مُتورِّكا على شقه الأيسر ثم سلم . قالوا صدقتَ . هكذا كان يصلى صلى الله عليه وسلم " أخرجه أحمد والبيهقى والأربعة إلا النسائى وصححه الترمذى(1){ 535 }
__________
(1) ص 153 ج2 – الفتح الربانى ( جامع صفة الصلاة ) . وص 131 ج5 – المنهل العذب ( فاتتاح الصلاة ) . وص 249 ج1 – تحفة الأحوذى( وصف الصلاة ) . وص 146 ج1 – ابن ماجه ( رفع اليدين إذا ركع .. ) ( فلا يصب ) بفتح فضم . وفى نسخة فلا يصوّب رأسه أى لم يُمِلْه إلى أسفل ( ويقنع ) بضم أوله من أقنع إذا رفع رأسه حتى تكون أعلى من ظهره ( ويفتخ ) بالخاء المعجمة ، أى يثنيها بأن يجعل بطون الأصابع إلى الأرض ورءوسها إلى القبلة .(1/393)
فقد اشتملت هذه الأحاديث على كيفية الصلاة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى معظم أركان الصلاة وواجباتها وسننها على ما تقدم بيانه ، ودلت على وجوب الطمأنينة فى الركوع والسجود وباقى الأركان والاعتدال من الركوع والجلوس بين السجدتين .
ومنه تعلم سوء حال من لا يرفعون رءوسهممن الركوع والسجود إلا شيئاً يسيراً بدون طمأنينة محتجين بأنه ليس ركناً عند الحنفيين وقد تقدم أنه فرض عند أبى يوسف وواجب عند النعمان ومحمد . وعلى فرض أنه سنة فقط فَلِمَ يتركون السنة ؟ ألم يتذكروا قول الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً(1)} ألم يسمعوا ( قول ) البنى صلى الله عليه وسلم : " يا معشر المسلمينَ : إنه لا صلاة لم لا يُقيمُ صُلبه فى الركوع والسجود " أخرجه أحمد وابن ماجه وابنحبان وابن خزيمة بسند جيد رجاله ثقات عن علىّ بن شبيان(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 536 }
( وقوله ) صلى الله عليه وسلم : " لا ينظُر الله إلى صلاة عبد لا يقيم فيها صُلْبه بين ركوعها وسجودها " أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات عن طلق بن على الحنفى(3) ... ... { 537 }
__________
(1) سورة الأحزاب : آية 21 .
(2) ص 268 ج3 – الفتح الربانى ( وجوب الرفع من الركوع ) . وص 147 ج1 – ابن ماجه ( الركوع فى الصلاة ) .
(3) ص 268 ج3 – الفتح الربانى . وص 120 ج2 – مجمع الزوائد ( فى الركوع والسجود ) .(1/394)
والأحاديث فى هذا كثيرة وكلها تدل على أن صلاة غالب أهل الزمان غير صحيحة ، فإنهم لا يطمئون فى ركوعهم واعتدالهم وسجودهم وجلستهم بين السجدتين كما هو مشاهد ويدّعون أنهم اطمأنوا طمأنينة كافية ، ولا يقبلون النصيحة ممن نصحهم بل يشنعون عليه تشنيعاً لا يصدر بعضه منهم لمن اقترف إثماً عظيما . وياليتهم وقفوا عند هذا الحدّ ، بل تجاوزوه إلى إيذاء من رأوه يصلى صلاة صحيحة ، وإذا صلى أحدهم خلف من وقفه الله للصلاة الصحيحة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب عليه وربما قطع الصلاة وصار يقبح فعله ويجهله ويقول : قال صلى الله عليه وسلم : " من أَمّ بالناس فليخفف " جهلا منه بالتخفيف المأمور به فى الحديث وقد تقدّم بيانه(1). نعوذ بالله من نفوسنا ومن الجهل المركب وعمى البصيرة .
( ولا تستغرب ) أيها العاقل هذا من أهل زمانك ، فقد وقع التساهل فى الصلاة من زمن بعيد ( قال ) الإمام أحمد رحمه الله : وقد جاء فى الحديث : يأتى على الناس زمان يصلون ولا يصلون ، وقد تخوّفت أن يكون هذا الزمان ، ولقد صليت فى مائة مسجد فما رأيت أهل مسجد يقيمون الصلاة على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم فاتقوا الله وانظروا فى صلاتكم وصلاة من يصلى معكم(2)أهـ (وهذا) بالنسبة لأهل زمانه رحمه الله تعالى(3)فما بالك بأهل زماننا الذى صار المعروف فيه منكرا ، المنكر معروفا ، والسُّنَّة بدعة ، والبدعة سنة ، ومُظْهِر الحق ماله من نصير ، ومظهر الباطل له أنصار ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(
__________
(1) ص 281 ( القراءة فى العشاء ) .
(2) انظر ص 5 – كتاب الصلاة للإمام أحمد .
(3) وهم أهل القرن الثانى والثالث ، فقد ولد الإمام أحمد ببغداد فى العشرين من ربيع الأول سنه 164 وتوفى فى العاشر أو الحادى عشر من ربيع الأول سنة 241 .(1/395)
وما ) أجهل هؤلاء الذين لم يطمئنوا فى صلاتهم : ( أ ) بأن من ينقر صلاته يموت على غير ملة الإسلام والعياذ بالله تعالى كما تقدم(1).
(ب) بأن من فرط فى شئ من الصلاة دعت عليه ورُدّت عليه ( روى ) عُبادة بن الصامت أنّ النى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أحسن الرجلُ الصلاة فأتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة : حفظك الله كما حفظتنى فترفع ، وإذا أساء الصلاة فلم يُتِم ركوعها وسجودها قالت الصلاة ضَيعّك الله كما ضّعتنى فتَلَفّ كما يُلف الثوب الخلَق فيُضرب بها وجهُه " أخرجه أبو داود الطيالسى(2) ... ... ... ... ... { 538 }
( وقال ) عبادة بن الصامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا توضأ العبدُ فأحسن الوضوءَ ثم قام إلى الصلاة فأتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت : حفظ الله كما حفظتنى . ثم أُضعِد بها إلى السماء ولها ضَوء ونور وفَتحِت لها أبوابُ السماء وإذا لم يحُسن البعد الوضوء ولم يتم الركوعوالسجود والقراءة قالت: ضيعك الله كما ضيعتنى ، ثم أضْعِد بها على السماء وعليها ظلمة وغلِّقتْ دونها أبواب السماء ، ثم تُلف كما يُلف الثوب الخلَق ، ثم يضرب بها وجه صاحبها " أخرجه البطراى فى الكبير والبزار بنحوه . وفيه الأحوص بن حكيم وثقه ابن المدينى والعجلى وضعفه جماعة وبقية رجاله موثقون(3) ... ... ... ... ... { 539 }
__________
(1) تقد رقم 211 ص 155 ( الرفع من الركوع .. ) .
(2) انظر رقم 364 ص 294 ج1 – فيض القدير . وفى سنده:
(أ ) محمد بن مسلم بن أبى وضاح وثقه جمع وتكلم فيه البخارى .
(ب) أحوص بن سليم ضعفه النسائى . و ( الخلق ) بفتحتين البالى .
(3) ص 122 ج2 – مجمع الزوائد ( من لا يتم صلاته ونسى ركوعها وسجودها ) .(1/396)
فليحرص العقال على إحسان الصلاة وإكمالها بحضور القلب والخشوع فيها . وليحذر التفريط فيها والتساهل فى إتمامها . وليجعل نَصْبِ عينه قول الله تعالى : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(1)} ( فإنما ) كبرت على غير الخاشعين لخلوّ قلوبهم من محبة الله تعالى وتعظيمه والخشوع له وقلة رغبتهم فيه ، فإن حضور العبد فى الصلاة وخشوعه فيها وتكميله لها واستفراغه وُسْعَهُ فى إقامتها وإتمامها على قدر رغبته فى الله تعالى ( قال ) الإمام أحمد : وقد جاء فى الحديث : لاحظَّ فى الإسلام لمن ترك الصلاة : فكل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالإسلام مستهين به. وإنما حظهم من الإسلام على قدر رغبتهم فى الصلاة ، فاعرف نفسك يا عبد الله وأحذر أن تلقى الله عز وجل ولا قدر للإسلام عندك ، فإن قدر الإسلام فى قلبك كقدر الصلاة فى قلبك(2)( وقال ) ابن القيم : وليس حظ القلب – لعامر بمحبة الله وخشيته والرغبة فيه وإجلاله وتعظيمه – من الصلاة كحظ القلب الخالى الخراب من ذلك . فإذا وقف الإنسان بين يدى الله فى الصلاة وقف هذا بقلب مُخْبِت خاشع له قريب منه سليم من معارضات السوء قد امتلآت أرجاؤه بالهيبة وسطع فيه نور الإيمان وكُشِف عنه حجاب النفس ودخان الشهوات ، فيرتع فى رياض معانى القرآن ، ويُخالط قلبَه بشاشة الإيمان بحقائق الأسماء والصفات وعلوها وجمالها وكمالها الأعظم وتفردُّ الرب سبحانه بنعوت جلاله وصفات كماله ، فاجتمع همه على الله وقَرَّت عينه به وأحسّ بقربه من الله قرباً لا نظير له ، ففرّغ قلبه له وأقبل عليه بكليته .
__________
(1) سورة البقرة : آية 45 ، 46 .
(2) ص 7 كتاب الصلاة .(1/397)
هذا " ومن " تفقه فى معانى القرآن وعجائب الأسماء والصفات وخالط بشاشة الإيمان به قلبه " يرى " لكل اسم وصفة موضعاً من صلاته ومحلا منها ( فإنه ) إذا انتصب قائماً بين يدى الرب تبارك وتعالى ، شاهد بقلبه فيوميته ( وإذا ) قال الله أكبر شاهد كبرياءه ( وإذا قال ) سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدّك ولا إله غيرك ، شاهد بقلبه رباًّ منزهاً عن كل عيب ، سالماً من كل نقص ، محموداً بكل حمد . فحُمدْه يتضمن وصفَه بكل كمال . وذلك يستلزم براءته من كل نقص ، تبارك اسمه ، فلا يُذكر على قليل إلا كثَرة ، ولا على خير إلا أنماه وبارك فيه ، ولا على آفة إلا أذهبها ، ولا على شيطان إلا ردّة خاسئاً مدحورا . وكمال الاسم من كمال مسماه. فإذا كان هذا شأن اسمه الذى لا يضر معه شئ فى الأرض ولا فى السماء ، فشأن المسمى أعلى وأجل (وتعالى جدّ ) أى ارتفعت عظمته وجلت فوق كل عظمة ، وعلا شأنه على كل شان ، وقهر سلطانه كل سلطان . فتعالى جدّه أن يكون معه شريك فى ملكه وربوبيته أو فى إلهيته أو فى أفعاله أو فى صفاته كما قال مؤمنو الجن { وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَخَّذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } ( وإذا ) قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقد آوى إلى ركنه الشديد واعتصم بحوله وقوّته من عدوّه الذى يريد أن يقطعه عن ربه ويباعده عن قربه ليكون أسوأ حالا ( فإذا ) قال الحمد لله رب العالمين وقف هنيهة يسيرة ينتظر جواب ربه له بقوله حمدنى عبدى ( فإذا ) قال الرحمن الرحيم، انتظر جوابه مجَّدَنى عبدى . فيالّذة قلبه وقُرَّة عينه وسرورَ نفسه بقول ربه : عبدى ثلاث مرات ( فوالله ) لولا ما على القلوب من دخان الشهوات وغيْم النفوس لطارت فرحاً وسروراً بقول ربها وفاطرها ومعبودها : حمدنى عبى وأثنى علىّ عبدى ومجدنى عبدى .(1/398)
ثم يكون لقلبه مجال من شهود هذه الأسماء الثلاثة التى هى أصول الأسماء الحسنى وهى الله والرب والرحمن " فشاهد " قلبه من ذكر اسم الله تبارك وتعالى إلهاً معبوداً موجوداً مخوفا لا يستحق اعبادة غيره ، ولا تنبغى إلا له ، قد عنت له الوجوه وخضعت فه الموجودات ، وخشعت له الأصوات : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ(1)} { وَلَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ(2)} وشاهَد من ذكر اسمه " رب العالمين " قيوما قام بنفسه وقام بسببه كل شئ فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها ، قد تفرّد بتدبير ملكه ( ثم يشهد ) عند ذكر اسم الرحمن جل جلله ربًّا محسنا إلى خلقه بأنواع الإحسان ، متحبباً إليهم بصنف النعم وَسِعَ كلَّ شئ رحمة ولما ، وأوسع كل مخلوق نعمة وفضلا ، فوسعت رمته كل شئ ووسعت نعمته كل حى ، فبلغت رحمته حيث بلغ علمه ، وخلق خلقه برحمته وأنزل كتبه برحمته ، وأرسل رسله برحمته ، وشرع شرائعه برحمته ، وخلق الجنة برحمته ، والنارَ أيضاً برحمته ، فإنها سوطه الذى يسوق به به عباده المؤمنين إلى جنته ويطهر بها أدران المودين من أهل معصيته ، وسبحنه الذى يسجن فيه أعداءه عن خليقته ( فتأمّل ) ما فى أمره ونهيه ووصايا ه ومواعظه من الرمة البالغة والنعمة السابغة (فالرحمة) هى السبب المتصل منه بعبادة كما أنّ العبودي هى السبب منهم المتصل به . فمنهم إليه العبودية ، ومنه إلهيم الرحمة( فإذا ) قال " مالك يوم الدين " فهنا يشهد المجد الذى لا يليق بسوى الملك الحق المبين.
__________
(1) سورة الإسراء : آية 44 .
(2) سورة الروم : آية 26 .(1/399)
فيشهد ملكا قاهراً قد دانت له الخليفة ، وعنت له الوجوه ، وذلت لعظمته الجبابرة ، وخضع لعزته كل عزيز ، فيشهد بقلبه حقائق الأسماء والصفات التى تعطيلها تعطيل لملكه وجحد له . فإن المَلِك الحق التام المُلِك لا يكون إلا حياًّ قيّوما سميعا بصيراً مدبراً قادراً متكلما آمراً ناهيا ، يرسل رسله إلى أقاصى مملكته بأوامره ، فيرضى على من يستحق الرضا ويثيبه ويكرمه ويدينه ، ويغضب على من يستحق الغضب ويعاقبه ويهينه ويُقْضيه. فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء ، ويعطى م يشاء ويقرّب من يشاء ، ويقصى من يشاء . له دار عذاب وهى النار. وله دار سعادة وهى الجنة ( فمن ) أبطل شيئاً من ذلك أو جحده وأنكر حقيقته ، فقد قدح فى ملكه سبحانه وتعالى ونفى عنه كماله وتمامه ( وكذلك ) من أنكر عموم قضائه وقدَره فقد أنكر عموم ملكه وكماله . فيشهد المصلى مجد الرب تعالى فى قوله " مالك يوم الدين " ( فإذا ) قال " إياك نعبد وإياك نستعين " ففيهما سرّ الخلق والأمر والدنيا والآخرة . وهى متضمنة لأجلّ الغايات وأفضل الوسائل . فأجلّ الغايات عبوديته . وأفضل الوسائل إعانته . فلا معبود يستحق العبادة إلا هو ، ولا معين على عبادته غير . فهو يعبد بألوهيته ويستعان بربوبيته ، ويهدى إلى الصراط المستقيم برحمته ( ثم ) يشهد الداعى – بقوله " اهدنا الصراط المستقيم " – شدّة فاقته وضرورته إلى هذه المسألة التى ليس هو إلى شئ أشدَّ فاقةً وحاجة منه إليها ألبتَّة . فإنه محتاج إليه فى كل نفَس وطرُفة عين ( وهذا ) المطلوب م هذا الدعاء لا يتم إلا بالهداية إلى الطريق الموصل إليه سبحانه والهداية فيه .(1/400)
وهى هداية التوفيق وخلق القدرة على الفعل وإرادته وتكوينه وتوفيقه لإيقاعه له على الوجه المرضى المحبوب للرب سبحانه وتعالى وحفظه عليه من مفسداته حال فعله وبعد فعله ( ثم بيّن ) أنّ أهل هذه الهداية هم المختصون بنعمته دون المغضوب عليهم ، وهم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه ، ودون الضالين وهم الذين عبدوا الله بغير علم ( فالطائفتان ) اشتركتا فى القول فى خلقه وأمره وأسمائه وصفاته بغير علم . فسبيل المنعَم عليهم مغايرة لسبيل أله الباطل كلها علما وعملا ( فلما فرغ ) من هذا الثناء والدعاء والتوحيد ، شرع له أن يطبع على ذلك بطابع من التأمين يكون كالخاتم له وافق فيه ملائكة السماء ( وهذا ) التامين من زينة الصلاة كرفع اليدين الذى هو زينة الصلاة واتباع للسنة وتعظيم أمر الله وعبودية اليدين وشعار الانتقال من ركن إلى ركن ( ثم يأخذ ) فى مناجاة ربه بكلامه واستماعه من الإمام بالإنصات وحضور القلب وشهوده ( وأفضل ) أذكار الصلاة ذكر القيام . وأحسن هيئة المصلى هيئة القيام . فخصت بالحمد الثناء والمجد وتلاوة كلام الربِّ جل جلاله . ولهذا نهى عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود لأنهما حالتا ذل وخضوع وتطامن وانخفاض ، ولهذا شرع فيهما من الذكر ما يناسب هيئتهما فشرع للراكع أن يذكر عظمة ربه فى حال انخفاضه هو وخضوعه فيقول : سبحان ربى العظيم وهو أفضل ما يقال فيه . وبالجملة فسر الركوع تعظي الرب عز وجل بالقلب والقاَلب والقول(1)ثم قال : ولما كانت العبودية غاية كمال الإنسان وقربه من الله بحسب نصيبه من عبوديته وكانت الصلاة جامعة لمتفرق العبودية كانت أفضل أعمال العبد . وكان السجود أفضل أركانها الفعلية وسرها التى شرعت لأجله . وشرع فيه من الثناء على الله ما يناسبه وهو قول العبد سبحان ربى الأعلى . وهذا أفضل ما يقال فيه(2)(
__________
(1) نقل ملخصاً من ص 179 إلى 185 كتاب الصلاة لابن القيم .
(2) ص 190 منه ..(1/401)
وأطلت ) فيما نقلت لما اشتمل عليه من نفائس الفوائد .
وعجائب الأسرار . والله يقول الحق وهو يهدى السبيل(1/402)
الدين الخالص
أو
إرشاد الخلق إلى دين الحق
وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيي السنة ومميت البدعة
صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد
محمود محمد خطاب السّبكى
المتوفى فى الرابع عشر من ربيع الاول سنة 1352هـ -7يوليو سنة 1933م
عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه عالى الجنان
الجزء الثالث
عنى بنتقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه وضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان حالها وغريبها ومراجعها خليفة الشيخ الامام المرحوم السيد
أمين محمود خطاب
المتوفى فى السابع والعشرين من ذى القعدة 1387هـ - 26 فبراير 1968م رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره
روضة من رياض الجنة وحشره مع الصالحين
حقوق الطبع محفوظة له
الطبعة الثالثة سنة 1401هـ - 1980م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه . هذا والكلام هنا ينحصر فى اثنى عشر أصلا .
( الأول ) الوتر
... لما كان للوتر شبه واتصال برواتب الصلاة وسننها ، ذكر بعدها . وهو – بفتح الواو وكسرها – لغة : ضد الشفع . وشرعاً : صلاة مخصوصة يأتى بيانها . والكلام فيه ينحصر فى ثلاثة عشر فرعاً .
(1) حكمه :
هو سنة مؤكدة عند مالك والشافعى وأحمد وأبى يوسف ومحمد بن الحسن والجمهور " لقول " علىّ رضى الله عنه . الوتر ليس بحتم كالصلاة ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه أحمد والنسائى والترمذى وحسنه والحاكم وصححه(1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 1 }
__________
(1) ص 278 ج4 – الفتح الربانى . وص 246 ج2 مجتبى ( الأمر بالوتر ) . وص 336 ج1 تحفة الأحوذى ( ما جاء أن الوتر ليس بحتم ) . وص 300 ج1 – مستدرك ( الوتر ) .(1/1)
" وقال "عاصمُ بنُ حمزة : سألت علياً عن الوتر أحقٌّ هو ؟ فقال : أمّا كحق الصلاة فلا ولكن سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينبغى لأحد أن يتركه . أخرجه أبو حنيفة وكذا عبد بن حُميد بلفظ : ليس الوتر بحتم كالصلاة ولكنه سنة فلا تدَعوه(1) ... ... ... ... ... ... ... ... { 2 }
" وروى " عبد الرحمن بن أبى عَمرة البخارى أنه سأل عبادة بن الصامت عَن الوتر فقال : أمرٌ حسن عمل به النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده وليس بواجب . أخرجه الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين (2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 3 }
والصحيح عن أبى حنيفة أنه واجب " لحديث " عبد الله بن بُريدة عن أبيه أبن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا ، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا ، الوتر حقٌ فمن لم يوتر فليس منا . أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى والحاكم وصححه ، وفى سنده عَبَيْد الله العُتَكىُّ وثقه الحاكم وابن معين ، وقال أبو حاتم صالح الحديث وتكلم فيه النسائى ، وقال البيهقى لا يحتج به(3) ... ... ... ... { 4 }
" وعن " ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : الوتر واجب على كل مسلم . أخرجه البزار والطبرانى فى الكبير وفى سنده .
( أ ) جابر الجُعفى ضعفه الجمهور ، ووثقه الثورى .
(ب) والنضر أبو عمرو هو ضعيف جداً (4) ... ... ... ... ... ... { 5 }
( وأجاب ) الجمهور عن هذا بأنه ضعيف لا يحتج به ، وعن حديث بريدة بأنه محمول على تأكيد سنية الوتر ، جمعاً بينه وبين الأحاديث الدالة على عدم الوجوب .
(
__________
(1) ص 83 ج1 – عقود الجواهر المنيفة ( الوتر ) .
(2) ص 300 ج1 – مستدرك .
(3) ص 274 ج4 – الفتح الربانى . وص 44 ج8 – المنهل العذب ( منا لم يوتر ) . وص 470 ج2 – السنن الكبرى ( تأكيد صلاة الوتر ) . وص 305 ج1 – مستدرك . وحق : أى ثابت من حق الشئ ثبت و " ليس منا " أى ليس من أهل طريقتنا الكاملة .
(4) ص 240 ج2 – مجمع الزوائد ( ما جاء فى الوتر ) .(1/2)
وأجاب ) أبو حنيفة عن أدلة الجمهور بأنها كانت قبل الوجوب ، أو أنها محمولة على أن الوتر ليس بفرض كالمكتوبة ، وإنما هو واجب ثبت بالسنة .
قال ابن المنذر : لا أعلم أحداً وافق أبا حنيفة فى هذا ( وروى ) حماد بن زيد عنه أنه فرض ، وبهذا أخذ زفر ( وروى ) نوح عنه أنه سنة . وجمع بين الروايات بأنه فرض عملا ، وواجب اعتقاداً ، وسنه دليلا .
( قال ابن الهمام ) والحق أنه لم يثبت عندهما دليل الوجوب فنفياه . وثبت عنده(1) فهو سنة عندهما عملا واعتقاداً ودليلا ، إلا أنه آكد من سائر .السن المؤقتة .
(2) وقت الوتر :
وقته عند الأئمة الثلاثة والجمهور من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر " لحديث " عمرو بن العاص عن أبى بصرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن الله زادكم صلاة ، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح الوتر الوتر . أخرجه أحمد والطحاوى والطبرانى بسند رجاله رجال الصحيح ، خلا علىّ بن إسحاق شيخ أحمد وهو ثقة . قاله الهيثمى (2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 6 }
(
__________
(1) ص 300 ج1 – فتحد القدير ( صلاة الوتر ) .
(2) ص 397 ج6 مسند أحمد . وص 250 ج1 شرح معانى الآثار ( الوتر ) . وص 239 ج2 مجمع الزوائد ( ما جاء فى الوتر ) .(1/3)
وقال الحنفيون ) وقته وقت العشاء " لحديث " خارجةَ بن حُذافة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن الله قد أمدكم بصلاة وهى خير لكم من حُمُر النَّعَم وهى الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر . أخرجه البيهقى والدار قطنى والحاكم والأربعة إلا النسائى . وقال الترمذى حديث غريب(1) ... ... { 7 }
لكنهم قالوا : لا يقدم الوتر عند التذكر على صلاة العشاء للترتيب ، فلو قدمه ناسياً لا يعيده ، وكذا لو صلاها بلا طهارة ثم نام فقام وتوضأ وصلى الوتر ثم تذكر أنه صلى العشاء بلا طهارة أعادها دونه .
( وعن ) بعض الشافعية أنه يدخل وقته بمغيب الشفق ولو لم تصلّ العشاء ، لكنه ضعفه العراقى وغيره .
هذا . وقد أوتر النبى صلى الله عليه وسلم فى أول الليل وأوسطه وآخره واستقر فعله صلى الله عليه وسلم له آخر الليل " قالت " عائشة رضى الله عنها : من كل الليل قد أوتر النبى صلى الله عليه وسلم ، من أول الليل وأوسطه وآخره ، فانتهى وتره إلى السحر . أخرجه الشافعى والسبعة وقال الترمذى : حديث حسن صحيح (2){ 8 }
(
__________
(1) ص 469 ج2 – السنن الكبرى . وص 274 – الدار قطنى . وص 36 مستدرك . وص 43 ج8 المنهل العذب ( استحباب الوتر ) . وص 335 ج1 تحفى الأحوذى ( ما جاء فى فضل الوتر ) . وص 184 ج1 – سنن ابن ماجه . و ( النعم ) بفتحتين ، المراد بها الإبل ، وخصت بالذكر ترغيباً فى فعل الوتر ، لأن ( النعم الحمر ) أعز الأموال عند العرب والغرض التقريب إلى الأفهام ، وإلا فموضع سوط فى الجنة خير من الدنيا . وكذا الوتر خير من الدنيا وما فيها .
(2) ص 110 ج1 بدائع المنن ( وقت الوتر ) . وص 283 ج4- الفتح الربانى . وص 333ج2 فتح البارى ( ساعات الوتر ) وص 24 ج6 نووى مسلم ( صلاة الليل والوتر ) وص 74 ج8 – المنهل العذب ( وقت الوتر ) وص 247 ج1 – مجتبى . وص 337 ج1 تحفة الأحوذى (الوتر من أول الليل وآخره ) وص 186 ج1 – سنن ابن ماجه ( الوتر آخر الليل ) .(1/4)
وقال ) أبو مسعود الأنصارى : أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولَ الليل وأوسطه وآخره . أخرجه أبو داود الطيالسى وكذا أبو حنيفة وزاد ليكون ذلك واسعاً على المسلمين . أىّ ذلك أخذوا به كان صواباً . غير أن من طمع بقيام الليل فلْيَجعل وتره الليل ، فإن ذلك أفضل (1) ... ... ... ... ... { 9 }
هذا . ويستحب تأخير الوتر إلى آخر الليل لمن يثق بالانتباه ، ومن لم يثق يوتر قبل النوم لما تقدم ، ولحديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من خاف ألا يقوم آخرَ الليل فليوتر أوله ثم لْيرقد . ومن طمِع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخره فإن صلاة آخرِ الليل مشهودة محضورة وذلك أفضل . أخرجه أحمد ومسلم والترمذى وابن ماجه(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 10 }
(3) الوتر لا يتكرر :
ومن أوتر قبل النوم ثم استيقظ صلى ما كُتب له ولا يعيد الوتر ، لقول طلق بن علىّ : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : لا وتران فى ليلة . أخرجه أحمد وابن حبان وصححه الثلاثة وحسنه الترمذى(3) { 11 }
__________
(1) ص 86 سند الطيالسى ( أحاديث ابن مسعود البدرى .. ) وص 87 ج1 عقود الجواهر المنيفة ( سعة وقت الوتر ) .
(2) 287 ج4 – الفتح الربانى ( وقته المستحب ) ولفظه من ظن . وص 34 ج6 نووى مسلم ( صلاة الليل والوتر ) وص 337 ج1 تحفة الأحوذى ( كراهية النوم قبل الوتر ) ولفظه من خشى منكم . وص 186 ج1 – سنن ابن ماجه ( الوتر آخر الليل ) و ( مشهودة محضورة ) أى تشهدها وتحضرها الملائكة .
(3) ص 308 و 309 ج4 – الفتح الربانى . وص 77 ج8 – المنهل العذب ( نقض الوتر ) وص 247 ج1 مجتبى ( النهى عن الوترين فى ليلة ) وص 344 ج1 تحفة الأحوذى ( لا وتران فى ليلة ) أى لا يجتمع أو لا يجوز وتران فى ليلة . فوتران فاعل لمحذوف . ويحتمل أن لا عاملة عمل ليس ، أو عمل إن على لغة من يلزم المثنى الألف . والنفى فيه بمعنى النهى ، أى لا توتروا مرتين فى ليلة .(1/5)
" وروى " سعيد بن المسيب . أن أبا بكر وعمر تذاكر الوتر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : أما أنا فأوتِر أول الليل فإذا استيقظتُ صليت شفعاً حتى الصباح . وقال عمر : لكنى أنام على شفع ثم أوتر من آخر السحر . فقال النبى صلى الله عليه سلم لأبى بكر : حَذرَ هذا : وقال لعمر : قَوِىَ هذا . أخرجه الشافعى والطحاوى وهذا لفظه (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 12 }
ورواية الشافعى ليس فيها زيادة : فإذا استيقظت صليت شفعاً شفعاً . وزيادة العدل مقبولة ، فصح الاستدلال بها على جواز التنفل بعد صلا الوتر ، وأن الوتر لا يعاد . وبه قال أكثر العلماء من السلف والخلف منهم الثورى والأئمة الأربعة وابن المبارك ، وحكاه القاضى عياض عن كافة أهل الفتيا . وقال الترمذى : وهذا أصح لأنه قد روى من غير وجه أن النبى صلى الله عليه وسلم بعد الوتر(2) ( وقال ) إسحاق بن راهويه وجماعة : يجوز لمن أوتر قبل النوم ثم استيقظ نقض وتره الأول بأن يضم إليه ركعة ثم يصلى ما بدا له ثم يُوتر آخر صلاته " لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً . أخرجه أحمد والشيخان والثلاثة (3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 13 }
__________
(1) ص 111 ج1 بدائع المنن ( وقت الوتر ) وص 202 ج2 شرح معانى الآثار . و ( حذر ) كتب أى أخذ بالحزم والاحتياط حذراً من أن يأخذه النوم . و ( قوى ) أى أخذ بقوة العزيمة على القيام آخر الليل .
(2) ص 345 ج1 تحفة الأحوذى .
(3) ص 287 ج4 – الفتح الربانى ( وقته المستحب آخر الليل ) وص 333 ج2 فتح البارى ( ليجعل آخر صلاته وتراً ) وص 32 ج6 نووى مسلم ( صلاة الليل والوتر ) وص 76ج8 المنهل العذب ( وقت الوتر ) وص 247 ج1 مجتبى ( وقت الوتر ) .(1/6)
وقد سئل ابن عمر عن الوتر فقال : أمّا أنا فلو أوترت قبل أن أنام ثم أردتُ أن أصلى بالليل شفعتُ بواحدة ما مضى من وترى ثم صليت مثنى مثنى ، فإذا قضيتُ صلاتى أوترتُ بواحدة ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يُجعل آخِر صلاة الليل الوتُر . أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح(1) ... ... { 14 }
( وقال علىُّ ) الوتر ثلاثة أنواع : فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر ، فإن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلىَ ركعتين ركعتين حتى يُصبحَ ثم يوتر فَعَل ، وإن شاء صلى ركعتين ركعتين حتى يُصبحَ . وإن شاء أوتر آخر الليل . أخرجه الشافعى فى مسنده بسند رجاله ثقات . وأخرجه الطحاوى عن حطّانَ ابن عبد الله قال : سمعت علياً رضى الله عنه يقول : الوتر على ثلاثة أنواع : رجل أوتر أول الليل ثم استيقظ فصلى ركعتين . ورجل أوتر الليل فاستيقظ فوصل إلى وتره ركعة فصلى ركعتين ركعتين ثم أوتر . ورجل أخّرَ وتره على آخر الليل(2){ 1 }
وروى ابن نصر نحوه عن عثمان وابن عباس :
( وأجاب ) الأولون : ( أ ) بأن الأمر فى حديث : اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ، للندب جمعاً بينه وبين الأحاديث الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد الوتر ( كحديث ) عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع ركعات وركعتين وهو جالس . فلما ضعُف أوتر بسبع وركعتين وهو جالس . أخرجه أحمد وأبو داود(3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 15 }
(
__________
(1) ص 310 ج4 – الفتح الربانى ( ختم صلاة الليل بالوتر .. ) و ( مثنى مثنى ) أى اثنتين اثنتين . ومثنى غير منصرف للوصفية والعدل وكرر للمبالغة .
(2) ص 110 ج1 بدائع المنن ( وقت الوتر ) وص 201 ج1 شرح معانى الآثار ( التطوع بعد الوتر ) .
(3) ص 297 ج 4 – الفتح الربانى ( الوتر بسبع وتسع .. ) وص 281 ج7 – المنهل العذب ( صلا ة الليل )(1/7)
وحديث ) أبى أمامة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع حتى إذا بدُن أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس فقرأ بإذا زلزلت وقل يأيها الكافرون . أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات(1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 16 }
وأيضاً فإن حديث " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً " يدل على أنه لا يجوز نقضه ، لأن الرجل إذا أوتر أول الليل فقد قضى وتره ، فإذا نام ثم قام وتوضأ وصلى ركعة أخرى فهذه صلاة غير تلك ، ولا يعقل أن تتصل هذه الركعة بالتى صلاها أول الليل فلا يصيران صلاة واحدة وبينهما نوم وحدث ووضوء وكلام ، بل هما صلاتان متباينتان . فمن فعل ذلك فقد أوتر ثلاث مرات : مرة فى أول الليل ، ومرة بهذه الركعة التى نقض بها الوتر ، ومرة بما يوتر به آخر صلاته ، وخالف حديث اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ، لأنه جعله فى أول الليل ووسطه وآخره ، وخالف حديث لا وتران فى ليلة ، لأنه أوتر ثلاث مرات .
(ب) بأن ما ذكر من الآثار عن علىّ وغيره لا تعارض المرفوع .
( وروى ) محمد بن نصر آثاراً تؤيد أن الوتر لا ينقض فقال : سُئِلَتْ عائشة عن الرجل يُوتر ثم يستيقظ فيشفع بركعة ثم يوتر بعد . قالت : ذاك الذى يلعب بوتره . { 2 }
(وقال أبو هريرة) إذا صليتُ العشاء صليت بعدها خمسَ ركعات ثم أنام . فإن قمت صليت مثنى مثنى .{3}
( وسئل ) رافع بن خديج عن الوتر فقال : أمّا أنا فإنى أوتر من أول الليل فإن رًزّقْتُ شيئاَ من آخره صليتُ ركعتين ركعتين حتى أُصْبحَ . { 4 }
__________
(1) ص 297 ج4 – الفتح الربانى . وص 241 ج2 – مجمع الزوائد ( عدد الوتر ) و ( بدن ) كقرب وقعد : أى عظم بدنه بكثرة لحمه .(1/8)
وقال مالك : من أوتر من أول الليل ثم نام ثم قام فبدا له أن يصلى فليصل مثنى مثنى وهو أحب ما سمعتُ إلىَّ . قال ابن نصر : وهذا هو مذهب الشافعى وأحمد وهو أحب إلىَّ ، وإن شفع وتره اتباعاً للأخبار التى رويناها رأيته جائزاً (1) .
(4) عدد ركعات الوتر :
أقله ركعة ، وأكثر إحدى عشرة وأدنى الكمال ثلاث ، وأوسطه خمس وسبع وتسع " لحديث " أبى أيوب الأنصارى أن النبى صلى الله عليه وسلم : قال : أوْتِرْ بخمس فإن لم تستطع فبثلاث ، فإن لم تستطع فبواحدة . أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح(2) ... ... ... ... ... ... ... { 17 }
وأخرجه الدار قطنى والطحاوى والنسائى والحاكم وأبو داود بلفظ : الوتر حق على كل مسلم ، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل(3) . ... ... ... ... ... { 18 }
( وقال ) عبد الله بن أبى قيس : سألت عائشة بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر ؟ قالت بأربع وثلاث ، وست وثلاث ، وثمان وثلاث ، وعشر وثلاث . ولم يكن يوتر بأكثر من ثلاثَ عشْرةَ ولا أنقص من سبعٍ . أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى بسند جيد(4). ... ... ... ... ... ... ... { 19 }
والرماد أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصل ليلا أقل من سبعِ ولا أكثر من ثلاث عشرة ركعة بالوتر . ولاختلاف الروايات فى عدد ركعات الوتر ، اختلف الأئمة فى ذلك .
__________
(1) ص 129 قيام الليل ( من أنكر أن يوتر مرتين فى ليلة ) .
(2) ص 292 – ج4 – الفتح الربانى .
(3) ص 171 – سنن الدار قطنى . وص 249 ج1 مجتبى ( الاختلاف فى حديث أبى أيوب فى الوتر ) وص 303 ج1 – مستدرك . وص 48 ج7 – المنهل العذب ( صلاة الليل ) .
(4) ص 298 ج4 – الفتح الربانى . وص 294 ج7 – المنهل العذب ( صلاة الليل ) .(1/9)
فقال مالك : الوتر يكون بواحدة يسبقها شفع ، لقول ابن عمر : قال رجل : يا رسول الله كيف تأمرنا أن نصلى من الليل ؟ قال : يصلى أحدكم مثنى مثنى فإذا خَشِىَ الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى من الليل أخرجه السبعة . وهذا لفظ أحمد(1). ... ... ... ... ... ... ... { 20 }
( وقال ) أبو مِجْلز : سألت ابن عباس وابن عمر عن الوتر فقال كلٌّ : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الوتر ركعة من آخر الليل . أخرجه أحمد ومسلم (2). ... ... ... ... { 21 }
( وقال ) الحنفيون : لا يكون الوتر إلا بثلاث بسلام فى آخرهن . وبه قال عُمر وعلىّ وابن مسعود وزيد بن ثابت وأنس " لقول " عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاثٍ لا يسلم إلا فى آخرهن . أخرجه البيهقى والحاكم وصححه وقال : على شرطهما(3) . ... ... ... ... ... ... { 22 }
" ولحديث " علىّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث . أخرجه أحمد والترمذى وقال : قال سفيان : والذى أستحب أن يوتر بثلاث ركعات . وهو قول ابن المبارك وأهل الكوفة(4) . ... ... { 23 }
( وعن ) ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات أخرجه أبو حنيفة والطحاوى (5). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 24 }
__________
(1) ص 291 ج4 – الفتح الربانى . وص 325 ج2 فتح البارى ( أبواب الوتر ) وص 31ج6 نووى مسلم ( صلاة الليل والوتر ) . وص 255ج7 – المنهل العذب ( صلاة الليل مثنى .. ) وص 247 ج1 مجتبى (كم الوتر) وص 204 ج1 – سنن ابن ماجه ( ما جاء فى صلاة الليل وركعتين ) .
(2) ص 292 ج4 الفتح الربانى . وص 303 ج6 نووى مسلم . و ( مجلز ) كمنبر .
(3) ص 38 ج3 – السنن الكبرى . وص 304 ج1 مستدرك .
(4) ص 295 ج4 – الفتح الربانى . و 338 ج1 تحفة الأحوذى ( الوتر بثلاث ) .
(5) ص 85 ج1 عقود الجواهر المنيفة ( الوتر ثلاث ركعات ) .(1/10)
" وقال " الشافعى وأحمد : يكون الوتر بواحدة وثلاث إلى إحدى عشرة والأفضل فى الثلاث أن تكون بسلامين ، وتجوز بسلام واحد لا يجلس إلا فى آخرها ، وبتشهدين وسلام كالمغرب . ويجوز فى الخمس وما فوقها السلام من كل ركعتين ثم صلاة ركعة بتشهد وسلام ، وهذا أفضل فى الإحدى عشرة ، وكذا فيما دونها عند الشافعية . ويجوز صلاة الكل بتشهد واحد وسلام . وهو الأفضل فى الخمس والسبع والتسع عند الحنبلية . ويجوز صلاة الكل بتشهدين وسلام . ومذهب الشافعى وأحمد هو الراجح الذى تشهد له الأدلة ( قال ) الترمذى : روى عن النبى صلى الله عليه وسلم الوتر بثلاثَ عشْرة ركعة وإحدى عشرة ركعة وتسع وسبع وخمس وثلاث وواحدة . قال إسحاق بن إبراهيم : معنى ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم " كان يوتر بثلاث عشرة ركعة " أنه كان يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر " يعنى من جملتها الوتر " فنسبت صلاة الليل إلى الوتر (1) وعلى الجملة فقد وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة فى الوتر بخمس متصلة وسبع متصلة " كحديث " أم سلمة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بخمس وسبع وبخمس لا يفصل بسلام ولا بكلام . أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه بسند جيد(2) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 25 }
__________
(1) 338ج1 تحفة الأحوذى ( الوتر يسبع ) .
(2) ض 297 ج4 – الفتح الربانى . وص 249 ج1 – مجتبى ( كيف الوتر بخمس ) وص 187 ج1 – سنن ابن ماجه ( الوتر بثلاث وخمس وسبع ) والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر أحياناً بخمس – وبعدم الفصل يصرن وتراً . فإذا فصل بسلام فما بعد الفصل هو الوتر .(1/11)
" وكقول " عائشة " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل ثلاثَ عشْرة ركعةً يوتر من ذلك بخمس لا يجلس فى شئ إلا فى آخرها أخرجه مسلم(1) ... ... ... ... ... ... { 26 }
والأحاديث هنا كلها صحاح صريحة لا معارض لها سوى قوله صلى الله عليه وسلم : صلاة الليل مثنى مثنى ، وهو حديث صحيح (2) ، لكن الذى قاله هو الذى أوتر بالسبع والخمس . وسننه كلها حق يُصدٍّق بعضها بعضاً . فالنبى صلى الله عليه وسلم أجاب السائل عن صلاة الليل بأنها مثنى مثنى ، ولم يسأله عن الوتر . وأما السبع والخمس والتسع والواحدة ، فهى صلاة الوتر . والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها وللخمس والسبع والتسع المتصلة ، كالمغرب اسم للثلاث المتصلة . فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدى عشرة ، كان الوتر اسماً للركعة المفصولة وحدها كما قال صلى الله عليه وسلم : صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشى الصبح أوتر بواحدة توتر له ما قد صلى (3) فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله وصدًق بعضُه بعضاً .
(5) ما يقرأ فى الوتر :
__________
(1) ص 17 ج6 نووى مسلم ( صلاة الليل ) و ( ثلاث عشرة ) منها ركعتا الفجر ، ففى رواية عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل من الليل ثلاث عشر ركعة بركعتى الفجر . أخرجه مسلم ص 17 ج6 نووى مسلم ( صلاة الليل ) .
(2) أخرجه السبعة عن أبى عمر . وتقدم بلفظ آخر رقم 20 ص 9 و 10 .
(3) أخرجه السبعة عن أبى عمر . وتقدم بلفظ آخر رقم 20 ص 9 و 10 .(1/12)
يقرأ فى كل ركعة منه الفاتحة وسورة . ويُسَنُّ – عند الحنفيين وأحمد – أن يقرأ فى الأولى سبح اسم ربك الأعلى ، وفى القانية قبل يأيها الكافرون ، وفى الثالثة قل هو الله أحمد " لقول " أُبىً : بن كعب : كان النبى صلى الله عليه وسلم يُوتر يسبح اسم ربك الأعلى ، وقل يأيها الكافرون ، وقل هو الله أحد . أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائى ، وزاد : ولا يُسلِّم إلا فى آخرهن . وأخرجه أبو حنيفة والطحاوى عن ابن مسعود ، وأخرجه أبو حنيفة والحاكم وصححه عن عائشة (1) . ... ... ... ... ... ... ... ... { 27 }
هذا . والجلوس الأول واجب عند الحنفيين فى الوتر كالفرض والنفل .
( وقالت ) المالكية والشافعية : يستحب أيضاً قراءة المعوذتين فى الثالثة بعد قل هو الله أحد ، لقول عبد العزيز بن جُريج : سألت عائشة بأى شئ كان يُوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : كان يقرأ فى الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى ، وفى الثانية بقل يأيها الكافرون ، وفى الثالثة بقل هو الله أحد والمعوذتين . أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذى وقال : حسن غريب(2) . ... ... ... ... ... { 28 }
__________
(1) ص 306 ج4 – الفتح الربانى . وص 51 ج8 – المنهل العذب ( ما يقرأ فى الوتر ) . وص 184 ج1 – سنن ابن ماجه . وص 248 ، 249 ج1 مجتبى ( اختلاف الناقلين لخبر أبى بن كعب ) . وص 86 ج1 عقود الجواهر المنيفة ( ما يقرأ فى ركعات الوتر ) .
(2) ص 356 ج4 – الفتح الرباى . وص 52 ج8 – المنهل العذب وص 184 ج1 – سنن ابن ماجه ( ما جاء فيما يقرأ فى الوتر ) وص 341 ج1 تحفة الأحوذى .(1/13)
لكن فى سنده خُصَيف وفيه لين ، وعبد العزيز بن جريج وفيه مقال . قال فى التقريب : لم يسمع من عائشة، وأخطأ خُصَيف فصرح بسماعه . وإنما حسنة الترمذى ، لأنه روى من عدة طرق إسناد بعضها جيد ( فقد رواه ) الترمذى والدار قطنى وابن حبان والحاكم من حديث عَمْره عن عائشة ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين . وتفرد به يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد . وفيه مقال لكنه صدوق . وقال العقيلى : إسناده صالح لكن حديث ابن عباس وأبىّ بن كعب بإسقاط المعوذتين أصح (1).
وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بسور أُخر . قال علىّ : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوتر بتسع سور من المفصّل ، يقرأ فى الركعة الأولى ألهاكم التكاثر ، وإذا أنزلناه فى ليلة القدر ، وإذا زلزلت الأرض . وفى الركعة الثانية والعصر ، وإذا جاء نصر الله والفتح ، وإنا أعطيناك الكوثر . وفى الثالثة قل يأيها الكافرون ، وتبت يدا أبى لهب ، وقل هو الله أحد . أخرجه أحمد و محمد بن نصر ، وفى سنده الحارث الأعور . قال فى التقريب : كذبه الشعبى فى رأيه وفى حديثه ضعف (2). ... ... ... ... ... ... { 29 }
وورد عن بعض الصحابة التابعين القراءة بغير ما ذكر ، فعن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ فى الوتر فى أول ركعة خاتمةَ البقرة ، وفى الثانية إنا أنزلناه فى ليلة القدر . وربما قرأ قل يأيها الكافرون ، وفى الثالثة قل هو الله أحد . { 5 }
( ولما أمر ) عمر بن الخطاب أُبىَّ بن كعب أن يقوم بالناس فى رمضان كان يوتر بهم فيقرأ فى الركعة الأولى إنا أنزلناه فى ليلة القدر ، وفى الثانية بقل يأيها الكافرون ، وفى الثالثة بقل هو الله أحد . { 6 }
(وقال) علىّ رضى الله عنه ليس من القرآن شئ مهجور فأوتر بما شئت.روى هذه الآثار محمد بن نصر(3). {7}
(
__________
(1) ص 176 سنن الدار قطنى . وص 305 ج1 مستدرك ( الوتر ) .
(2) ص 304 ج4 – الفتح الربانى . وص 126 قيام الليل ( ما يقرأ به فى الوتر ) .
(3) ص 127 منه .(1/14)
وعن أبى مِجْلز ) أن أبا موسى كان بين مكة والمدينة فصلى العشاء ركعتين ، ثم صلى ركعة أوتر بها فقرأ فيها بمائة آية من النساء ثم قال : ما ألوت أن أضع قدمىّ حيث وضع رسول الله صل الله عليه وسلم قدميه ، وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه النسائى(1). ... ... ... ... { 30 }
(6) حكم القنوت فى الوتر :
تقدم بيان ذلك فى واجبات الصلاة مختصراً (2) . ويزاد هنا ( قال ) ابن سيرين والزهرى والشافعى : لا قنوت فى الوتر إلا فى النصف الأخير من رمضان ، وروى عن أحمد واختار ، أبو بكر الأثرم وأبو داود " لقول " الحسن البصرى : إن عمَر جمع الناس على أُبىّ بن كعب فكان يصلى لهم عشرين ليلة ، ولا يقنت بهم إلا فى النصف الباقى ، فإذا كانت العشر الأواخر تخلف فصلى فى بيته فكانوا يقولون : أبَقَ أُبَىٌّ . أخرجه أبو داود والبيهقى(3) وفيه انقطاع ، فإن الحسن لم يدرك عمر (4) { 8 }
وكان ابن عمر لا يقنت فى الصبح ولا فى الوتر إلا فى النصف الأخير من رمضان . أخرجه محمد بن
نصر بسن صحيح . { 9 }
وقال الزهرى: لا قنوت فى السنة كلها إلا فى النصف الآخر من رمضان أخرجه محمد بن نصر(5).{ 10 }
__________
(1) ص 251 ج1 مجتبى ( القراءة فى الوتر ) ( ما ألوت ) أى ما قصرت فى ( أن أضع قدمى ) الخ .
(2) تقدم ص 192 ، 193 ج 2 .
(3) ص 66 ج8 المنهل العذب ( القنوت فى الوتر ) وص 498 ج2 – السنن الكبرى ( من قال لا يقنت فى الوتر إلا فى النصف الأخير من رمضان ) و ( أبق ) بفتح الياء وكسرها أى هرب ، شبهوه بالعبد الآبق لكراهتهم تخلفه .
(4) لأن الحسن ولد سنة إحدى وعشرين ومات عمر فى آخر سنة ثلاث وعشرين ، أو فى أول أربع وعشرين .
(5) ص 132 قيام الليل ( ترك القنوت فى الوتر إلا فى النصف الآخر من رمضان ) .(1/15)
ومحل القنوت عند الشافعية وأحمد بعد الركوع وروى عن الخلفاء الأربعة ( لقول ) الحسن بن علىّ : علمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وترى إذا رفعت رأسى ولم يبق إلا السجود : اللهم اهدنى فيمن هديتَ (الحديث) أخرجه الحاكم وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين والبيهقى وقال : تفرد به أبو بكر بن شيبة الخزاعى(1) وقد روى عنه البخارى وذكره ابن حبان فى الثقات ، فلا يضر تفرده . ... ... { 31 }
ولا منفافاة بين روايات القنوت فى الوتر بعد الركوع وقبله لأنه من باب المباح ، فيجوز القنوت قبله وبعده، لورود كلٍّ عن النبى صلى الله عليه وسلم . قال حُميد : سألت أنساً عن القنوت قبل الركوع وبعد الركوع فقال : كنا نفعل قبل وبعد . أخرجه محمد بن نصر(2) . { 11 }
وقال طاوس : القنوت فى الوتر بدعة وروى عن مالك ، فقد سئل عن الرجل يقوم لأهله فى رمضان أَيَقُْنت بهم فى النصف الباقى من الشهر ؟ فقال لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحداً من أولئك قنت وما هو بالأمر القديم وما أفعله أنا فى رمضان أخرجه محمد بن نصر(3) . { 12 }
وقال ابن العربى : اختلف قول مالك فيه فى صلاة رمضان قال : والحديث لم يصح والصحيح عندى تركه إذ لم يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم من فعله ولا قوله . وفيه نظر . فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم القنوت فى الوتر فى كل السنة كما تقدم . قال العراقى : الحديث فيه صحيح أو حسن .
(7) دعاء الوتر :
__________
(1) ص 172 ج3 مستدرك .
(2) ص 133 قيام الليل ( القنوت قبل الركوع ) .
(3) ص 132 قيام الليل ( من يقنت فى الوتر ) .(1/16)
ليس فيه دعاء معين فقد ورد فيه أدعية ( منها ) ما قال الحسن بن علىّ : علمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولهن فى قنوت الوتر : اللهم اهدنى فيمن هديت ، وعافنى فيمن عافيت ، وتولنى فيمن توليت ، وبارك لى فيما أعطيت ، وقنى شر ما قضيت ، فإنك تقضى ولا يُقضى عليك ، وإنه لا يَذِل من واليت ، ولا يَعِز من عاديتَ ، تباركتَ ربنا وتعاليتَ . أخرجه أحمد والأربعة والبيهقى بسند صحيح . وقال الترمذى . حديث حسن لا يعرف عن النبى صلى الله عليه وسلم وأله وسلم شئ أحسن من هذا . وأخرجه البيهقى والنسائى من طريق موسى بن عُقبة عن عبد الله بن علىّ عن الحسن ، وزاد بعد قوله تباركت وتعاليت " وصلى الله على النبى محمد " (1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 32 }
( قال النووى ) هذا لفظه فى رواية النسائى بإسناد صحيح أو حسن(2) .
__________
(1) ص 199 ج1 – مسند أحمد ( حديث الحسن بن على .. وص 54 ج8 – المنهل العذب ( القنوت فى الوتر ) وص 252 ج1 مجتبى ( الدعاء فى الوتر ) وص 185 ج1 – سنن ابن ماجه ( القنوت فى الوتر ) وص 342 ج1 تحفة الأحوذى وص 290ج2 – السنن الكبرى ( دعاء القنوت ) و( اهدنى ) أى ثبتنى على الهداية مع من هديتهم من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وإذا كان إماماً عمم فى الدعاء فيقول: اللهم اهدنا = الخ ( وقنى شر ) أى احفظى من السخط = وعدم الرضا ونحوها مما يترتب على ما قضيته على ( فانك تقضى .. ) أى تحكم بما تريد ، ولا يحكم عليك ، فإنه لا راد لما قضيت ( وإنه لا يذل .. ) يذل بفتح الياء وكسر الذال ، أى لا يخذل من واليته من عبادك ولا يكون لمن عاديته عز فى الدنيا ولا فى الآخرة وإن أعطى من نعيم الدنيا ما أعطى ( تباركت ) أى كثر برك وإحسانك ، وتنزهت عما لا يليق بجلالك وكمالك .
(2) ص 499 ج3 شرح المهذب ( الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد القنوت ) .(1/17)
وردَّة الحافظ فى التلخيص بأنه منقطع فإن عبد الله بن على لم يدرك الحسن بن على ( وتوقف ) ابن حزم فى صحة الحديث قال : وهذا الأثر وإن لم يكن مما يحتج به فإنا لم نجد فيه عن النبى صلى الله عليه وسلم غيرهَ . وقد قال أحمد رحمه الله : ضعيفُ الحديث أحبُّ إلينا من الرأى(1) " ومنها " ما رَوى عُبيدُ الله بن عُمير أن عمر قنت فى الوتر قبل الركوع فقال : اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم ، وانصرهم على عدوّك وعدوّهم ، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدّون عن سبيلك ويكذِّبون رُسُلك ويقاتلون أولياءك . اللهم خالف بين كلمهم ، وزلزل أقدامهم ، وأنزل بهم بأسك الذى لا تردُّه عن القوم المجرمين . بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونُثنى عليك ولا نكفرُك ونخلع ونترك من يفجرُك . بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد ، ولك نسعى ونَحفِد نرجو رحمتك وتخاف عذابك الجِدَّ ، إن عذابك بالكافرين مُلحِق . أخرجه محمد بن نصر والبيهقى وقال :هذا صحيح موصول (2) . { 13 }
__________
(1) ص 148 ج4 – المحلى ( القنوت فى الوتر ) .
(2) ص 134 قيام الليل ( ما يدعى به فى قنوت الوتر ) وص 210 ج2 – السنن الكبرى ( دعاء القنوت ) و ( قنت قبل الركوع ) فى رواية البيهقى : قنت بعد الركوع و ( أهل الكتاب ) خصهم لأنهم كانوا يقاتلون المسلمين حينئذ . وأما الآن فالمختار أن يقال : اللهم العن الكفرة ليعم أهل الكتاب وغيرهم . و ( نحفد ) كنضرب أى نسرع فى العمل والخدمة . و ( الجد ) بكسر الجيم ، أى الحق . و ( ملحق ) بكسر الحاء أى لاحق . ويجوز فتحها أ يصابون به ، لكن الرواية بالكسر .(1/18)
" وروى " علىُّ كرم الله وجهة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول فى آخر وتره : اللهم إن أعوذ برضاك من سَخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك . أخرجه أحمد والأربع إلا الترمذى(1). ... ... ... ... ... ... ... ... { 33 }
هذا . ويصح الجمع بين ما فى هذه الأحاديث . ومن لم يحسن الوارد فليدْعُ بنحو { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(2) } و { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ(3) } و { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (4) } أو يقول : { اللَّهُمْ اغْفِرْ لَنَاَ وَارْحَمْنَا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } .
(8) سن القنوت : هى ثلاث :
1- يُسَنّ عند الحنفيين وأحمد أن يُكبر رافعاً يديه محاذياً بإبهاميه شحمتى أذنيه قبل القنوت ، لما ثبت عن علىّ رضى الله عنه أنه كبر فى القنوت حين فرغ من القراءة وحين ركع . { 14 }
(
__________
(1) ص 96 ج1 مسند أحمد ( مسند على رضى الله عنه ) وص 59 ج8 المنهل العذب ( القنوت فى الوتر ) . وص 225 ج1 مجتبى ( الدعاء فى الوتر ) وص 185 ج1 سنن ابن ماجه و ( إنى أعوذ برضاك ) أى أتحصن بفعل ما يرضيك مما يوجب سخطك ، وبفعل ما يوجب عفوك مما يوجب عذابك ( وأعوذ بك منك ) أ أتحصن بذاتك من عذابك ( ولا أحصى ثناء عليك ) أى لا أستطيع إحصاء نعمك التى تستحق بها الثناء . و ( أنت كما أثنيت ) أى أنت ثابت على الأوصاف والكمالات التى أثنيت بها على ذاتك .
(2) سورة البقرة : أية 201 وأولها : ومنهم من يقول : ربنا .
(3) الأعراف عجز أية : 126 وصدرها : وما تنقم منا .
(4) الحشر : آية 10 وصدرها : والذين جاءوا من بعدهم .(1/19)
وعن ابن مسعود ) أنه كان يكبر فى الوتر إذا فرغ من قراءته حين يقنت ، وإذا فرغ من القنوت . وكان يرفع يديه فى القنوت إلى صدره { 15 }
( وعن البراءة بن عازب ) أنه كان إذا فرغ من السورة كبر ثم قنت { 16 }
( وعن أحمد ) أنه إذا كان يقنت قبل الركوع افتتح القنوت بتكبيرة { 17 }
روى هذه الآثار محمد بن نصر(1) .
2- يُسَنُ عند الحنفيين – لكل مصلًّ الإسرار بقنوت الوتر . وقالت الشافعية : يَسنّ للإمام الجهر به ولو قضاء ، والمأموم يؤمّن على دعاء الإمام . والمنفرد يُسِرُّ به ولو أداء .
( وقالت ) الحنبلية : يُسَنّ للإمام والمنفرد الجهر به . أمّا المأموم فيؤمن جهراً على دعاء إمامه ( قال ) ابن قدامة : إذا أخذ الإمام فى القنوت أمَّنَ مَنْ خلفه . وإن دعوا معه فلا بأس . وقيل لأحمد إذا لم أسمع قنوتَ الإمام أدعو ؟ قال نعم(2).
3- يُسَنّ – عند الحنبلية وبعض الشافعية – رفع اليدين فى قنوت الوتر إلى الصدر مبسوطتين وبطونهما إلى السماء . " قال " ابن قدامة : كان أبو عبد الله يرفع يديه فى القنوت إلى صدره ، لأن ابن مسعود فعله . وروى عن عُمر وابن عباس(3) وهو الصحيح عند الشافعية . واختاره كثير ، منهم البيهقى ( لقول ) أبى رافع : صليت خلف عُمر بن الخطاب فقنت بعد الركوع ورفع يديه وجهر بالدعاء . أخرجه البيهقى وصححه(4) . { 18 }
" قال " الحنفيون ومالك والجمهور : لا يستحب رفع اليدين فى القنوت لغير النازلة . واختاره صاحب المهذب والقفال . ونقله إمام الحرمين عن كثير من الشافعية محتجين بأن الدعاء فى الصلاة لا ترفع له اليد كدعاء القعود والتشهد .
(
__________
(1) ص 133 قيام الليل ( التكبير فى القنوت ) .
(2) ص 790 ج1 مغنى .
(3) ص 790 ج1 مغنى .
(4) ص 212 ج2 – السنن الكبرى ( رفع اليدين فى القنوت ) .(1/20)
وأما مسح ) الوجه باليدين بعد فراغ من القنوت ، فلا يستحب عند من قال بعدم رفع اليدين فيه ، وكذا عند من قال بالرفع على الصحيح ( قال البيهقى ) فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلستُ أحفظه عن أحد من السلف فى دعاء القنوت ، وإن كان يروى عن بعضهم فى الدعاء خارج الصلاة وقد روى فيه عن النبى صلى الله عليه وسلم حديث فيه ضعف(1) وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة . فأما فى الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس . فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضى الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه فى الصلاة(2). ( وقال ) ابن قدامة : روى عن أحمد انه قال : لم أسمع فيه بشئ ، ولأنه دعاء فى الصلاة فلم يُستحبّ مسحُ وجهه فيه كسائر دعائها (3) . ( وقال ) علىّ الباشانىّ : سألت عبد لله " يعنى ابن المبارك " عن الذى إذا دعا مسح وجهه . قال : لم أجد له ثبتاً . أخرجه البيهقى (4) . { 19 }
(9) الجماعة فى الوتر :
__________
(1) هو حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتّم فامسحوا بها وجوهكم . أخرجه أبو داود . وقال : روى هذا الحديث من غير وجه كلها واهية . وتمامه بص 351 ج2 دين .
(2) ص 212 ج2 – السنن الكبرى .
(3) ص 790 ج1 – مغنى .
(4) ص 212 ج2 – السنن الكبرى .(1/21)
لا يُصلى فى جماعة – عند الحنفيين والشافعى وأحمد إلا فى رمضان فتستحب فيه الجماعة لمن أحب أن يوتر قبل النوم ، لقول قيس بن طلْق : زارنا طلق بن علىّ فى يوم من رمضان وأمسى عندنا وأفطر ، ثم قام بنا تلك الليلة وأوتر بنا ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه حتى إذا بقى الوتر قدّم رجلا فقال . أوتر بأصحابك فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا وتران فى ليلة . أخرجه أحمد والثلاثة (1) .
( وعن جابر ) بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم قام بهم فى رمضان فصلى ثمان ركعات وأوتر ثم انتظروه من القابلة فلم يخرج إليهم فسألوه فقال : خشيتُ أن تُكتب عليكم الوترُ . أخرجه ابن حبان وابن نصر وأبو يعلى والطبرانى فى الصغير . وفيه عيسى بن جاريةً وثقه ابن حبان وغيره . وضعفه ابن معين (2). { 34 }
__________
(1) تقدم عجزه رقم 13 ص 6 ( ثم انحدر إلى مسجده ) أى ثم خرج إلى المسجد الذى كان يصلى فيه إماماً . فالإضافة فى مسجده لأدنى ملابسة . ولفظ أحمد " ثم انحدر إلى مسجد ريمان " بفتح الراء ، موضع أضيف إليه المسجد .
(2) ص 152 ج2 نصب الراية ( قيام رمضان ) وص 90 قيام الليل ( صلاة النبى صلى الله عليه وسلم جماعة ليلا تطوعاً ف رمضان ) وص 172 ج3 مجمع الزوائد ( قيام رمضان ) .(1/22)
هذا واختلفوا هل الجماعة فيه أفضل ؟ فعند الحنفيين الصحيح أن الجماعة فيه أفضل . واختار بعضهم أن يوتر فى منزله لا بجماعة ، لأن الصحابة لم يجتمعوا على الوتر بجماعة فى رمضان كما اجتمعوا على التراويح . وقد علم من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم كان أوتر بهم ثم بين العذر فى عدم مواظبته على الجماعة فى الوتر وهذا يقتضى سنيتها فيه " فلعل " من تأخر عن الجماعة فيه " أحبّ " أن يصلبه آخر الليل فإنه أفضل عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً (1) فأخره لذلك . والجماعة فيه إذا ذاك متعذرة فلا يدل ذلك على أن الأفضل فيه ترك الجماعة لمن أحب أن يوتر أول الليل أفاده ابن الهمام(2) وقال ابن قدامة : قال أبو داود : سمعتُ أحمدَ يقول : يُعجبنى أن يصلى مع الإمام ويُوتر معه قال النبى صلى الله عليه وسلم " إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِبَ له بقية ليله(3) قال : وكان أحمد يقوم مع الناس ويُوتر معهم . قال الأثرم : فأخبرنى الذى كان يؤمه فى شهر رمضان أنه كان يصلى معهم التراويح كلها والوتر (4) .
وقالت المالكية : تندب الجماعة فى الشفع والوتر فى رمضان فقط .
(10) قضاء الوتر :
__________
(1) تقدم رقم 13 ص6 ( الوتر لا يتكرر ) .
(2) ص 335 ج2 فتح القدير ( قيام رمضان ) .
(3) هو بعض حديث أخرجه أحمد عن أبى ذر . ص 159 ج5 مسند أحمد . وفيه حسب له قيام ليلة ( حديث أبى ذر رضى الله عنه ) .
(4) ص 805 ج1 مغنى .(1/23)
من تركه عامداً أو ناسياً يطلب منه قضاؤه " لحديث " عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من نام عن وتره أو نسيه فَلْيُصَلِّهِ إذا ذكره . أخرجه أبو داود ، وكذا الحاكم وابن نصر بلفظ : من نام عن وتره أو نسيه فَلْيُصَلِّهِ إذا أصبح أو ذكره . وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين(1). { 35 }
" ولحديث " عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه أن النبى صل الله عليه وسلم قال : من نام عن وتره فليصله إذا أصبح . أخرجه الترمذى مرسلا . ... ... ... ... ... ... ... ... { 36 }
وقال : وهذا أصح من الحديث الأول . وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا فقالوا : يُوتر الرجلُ إذا ذكر وإن كان بعدما طلعت الشمس وبه يقول سفيان الثورى(2) . ولذا اتفق الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين على أن الوتر يقضى إذا فات . لكنهم اختلفوا إلى متى يقضى . فقال الحنفيون : يجب قضاؤه فى غير أوقات النهى وهى وقت طلوع الشمس حتى ترتفع كرمح ، ووقت استوائها حتى تزول ، ووقت اصفرارها حتى يتم الغروب .
( وقالت ) الشافعية : يسن قضاؤه فى أى وقت . وهو ظاهر الحديث .
( وقال ) مالك وأحمد وإسحاق : يُقضى بعد الفجر ما لم تُصلَّ الصبحُ " قال " الترمذى : روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا وتر بعد صلاة الصبح . ... ... ... ... ... { 37 }
وهو قول غير واحد من أهل العلم ، وبه يقول الشافعى وأحمد وإسحاق لا يَرَون الوتر بعد صلاة الصبح(3) " وعن " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم أصبح فأوتر . أخرجه البيهقى(4). ... { 38 }
__________
(1) ص 68 ج8 – المهل العذب ( الدعاء بعد الوتر ) وص 301 ج2 مستدرك . وص 238 قيام الليل ( أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالوتر قبل الصبح ) .
(2) ص 343 ج2 تحفة الأحوذى ( فى الرجل ينام عن الوتر أو ينسى ) .
(3) 344 ج1 تحفة الأحوذى فى ( مبادرة الصبح بالوتر ) .
(4) ص 479 ج2 – السنن الكبرى ( من أصبح ولم يوتر فليوتر " قبل " أن يصلى الصبح ) .(1/24)
" وقال " أبو الدرداء : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر وقد قام الناس لصلاة الصبح . أخرجه البيهقى والحاكم وصححه(1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 39 }
( وذكر ) ابن نصر فى هذا آثاراً كثيرة وقال : والذى أقول به أنه يصلى الوتر ما لم يُصلّ الغداة . فإذا صلى الغداة فليس عليه أن يقضيه بعد ذلك وإن قضاه على ما يقضى التطوع فحسن . قد صلى النبى صلى الله عليه وسلم الركعتين قبل الفجر بعد طلوع الشمس فى الليلة التى نام فيها عن صلاة الغداة حتى طلعت الشمس (2) ( وفرّق ) ابن حزم بين من تركه لنوم أو نسيان أو تركه عمداً قال : ومن تعمد ترك الوتر حتى طلع الفجر فلا يقدر على قضائه فلو نسيه أحببنا له أن يقضيه أبداً متى ذكره (3) وكذا من نام عنه .
والراجح أنه يطلب قضاؤه مطلقاً فى غير أوقات النهى ، جمعاً بين أحاديث النهى وحديث من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره (4) . وهو إن كان خاصاً بالنائم والناسى فقضاء العامد أولى . كما فى قضاء المكتوبة عند الجمهور " وأما " حديث أبى هارون العبدىّ عن أبى سعيد الخدرى قال : نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا وتر بعد الفجر . وفى رواية : من أدركه الصبح فلا وتر له . أخرجه ابن نصر(5) . ... { 40 }
( فهو ) ضعيف ، لأن أبا هارون ضعفه غير واحد ، وقال النسائى متروك الحديث ، وقال الجوزجانى كذاب مفتر ، وقال ابن حبان كان يروى عن أبى سعيد ما ليس من حديثه لا يحل كتب حديثه . وقد تقدم حديث صحيح عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد مخالف حديث أبى هارون(6) .
(
__________
(1) كذلك . وص 303 ج1 مستدرك .
(2) ص 141 قيام الليل ( فى الوتر بعد طلوع الفجر ) .
(3) ص 101 ج3 – المحلى .
(4) تقدم رقم 35 ص 22 .
(5) ص 138 قيام الليل ( أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالوتر قبل الصبح ) .
(6) تقدم رقم 35 ص 22 .(1/25)
وكذا ) حديث سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم قال : إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوترِ فأوتروا قبل طلوع الفجر ( فقد ) أخرجه الترمذى وقال : قد تفرد به سليمان ابن موسى على هذا اللفظ (1) . ... ... ... ... ... ... ... { 41 }
وقال البخارى عنده منا كير وقال النسائى ليس بالقوى . وقال ابن عدى : روى أحاديث ينفرد بها ولا يرويها غيره . فالحديث ضعيف لا يقوى على معارضة الأحاديث الدالة على طلب قضاء الوتر .
(11) ما يقال بعد الوتر :
يستحب أن يقال بعد السلام من الوتر :سبحان الملك القُدُّوس ثلاث مرات رافعاً صوته بالثالثة ثم يقول : ربّ الملائكة والرّوح " لقول " أُبى ابن كعب : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الوتر بسبّح اسم ربك الأعلى ، وقل يا أيها الكافرون ، وقل هو الله أحد . فإذا سَّلم قال : سبحان الملك القُدُّوس ثلاث مرات . أخرجه أحمد والنسائى . وفيه : لا يسلم إلا فى آخرهن ، والدار قطنى وزاد : يمدّ بها صوتَه فى الأخيرة يقول : رب الملائكة والروح(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 42 }
(12) قنوت النوازل :
__________
(1) ص 344 ج1 تحفة الأحوذى ( مبادرة الصبح بالوتر ) .
(2) ص 123 ج5 مسند أحمد ( حديث عبد الرحمن بن أبزى عن أبى بن كعب .. ) .وص 175 الدار قطنى . ومرجع النسائى تقدم بالحديث رقم 27 ص 12 و ( القدوس ) بضم القاف وقد تفتح : الطاهر المنزه عن العيوب .(1/26)
لا يُسنّ القنوت فى غير الوتر إلا لنازلة ، فيُقنت لها بعد الركوع فى كل الصلوات عند محققى الحنفيين والشافعى وأحمد وابن حبيب المالكى " لحديث " ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقنت فى الفجر قطُّ إلا شهراً واحداً ، لأنه حارب حياً من المشركين قنت يدعو عليهم . أخرجه أبو حنيفة عن أبَان . وأخرج عن عطية العُوفى عن أبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا أربعين يوماً يدعو على عُصَيَّةَ وذكْوان ثم لم يقنت بعدُ إلى أن مات . وأخرجه الطحاوى بلفظ : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على عُصَيَّةَ وذكْوان، فلما ظهر عليهم ترك القنوت(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 43 }
وفى سنده أبو حمزة القصاب تركه أحمد ويحيى بن معين وقال ابن حبان : كان فاحش الخطأ كثير الوهَم(2) " وروى " أسعد بن طارق بن أيشم الأشجعى عن أبيه قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقنت وصليت خلف أبى بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت . وصليت خلف علىّ فلم يقنت . ثم قال : يا بُنَىَّ إنها بدعة . أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه والترمذى وصححه والطحاوى(3). {44}
__________
(1) ص 88 عقود الجواهر المنيفة ( نسخ القنوت فى الفجر ) وص 144 ج1 شرح معانى الآثار ( القنوت فى صلاة الفجر وغيرها ) وعصية ، تصغير عصا اسم قبيلة من بىّ سليم . وذكْوان بفتح الذال المعجمة بطن من بىّ سليم .
(2) ص 117 ج2 نصب الراية .
(3) ص 309 ج3 ( الفتح الربانى ) وص 164 ج1 مجتبى ( ترك القنوت ) وص 194 ج1 سنن ابن ماجه ( القنوت فى صلاة الفجر ) وص 311 ج1 تحفة الأحوذى ( ترك القنوت ) وص 146 ج1 شرح معانى الآثار ( القنوت فى صلاة الفجر وغيرها ) ( إنها ) أى القنوت أو الدوام عليه. وتأنيث الضمير باعتبار الخبر .(1/27)
وعند غير النسائى : أىّ بُنَى مُحْدَث أى أن المواظبة على القنوت فى الصبح لغير نازلة محدث ليس من هدى النبى صلى الله عليه وسلم ولا خلفائه .
وإلا فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قنت فى الصبح وغيرها للنوازل ( قال ) ابن عباس : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً فى صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح فى دُبُر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة ، يدعو على أحياءٍ من بنى سليم على رِعْل وذكران وعُصَيَّة ويؤمِّنُ مَنْ خَلفه . أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وقال : صحيح على شرط البخارى (1). ... ... ... { 45 }
وقد اتفق العلماء على الجهر فى قنوت النازلة ( وروى ) عن ابن عباس والبراء وجماعة منهم مالك وإسحاق وابن أبى ليلى أن القنوت للنوازل يكون قبل الركوع " لقول " عاصِمٍ الأحول : سألت أنس بن مالك عن القنوت فقال : قد كان القنوت . قلت قبل الركوع أو بعده ؟ قال قبله ، قلت فإن فلاناً أخبرنى عنك أنك قلت بعد الركوع . قال : كذب إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم بعد الركوع شهراً . يدعو على ناس قتلوا أناساً من أصحابه يقال لهم القُّرّاء . أخرجه أحمد والشيخان(2) . ... ... ... ... { 46 }
( ولقول ) عبد الله بن شداد : صليت خلف عُمَر وعلى وأبى موسى فقنتوا فى صلاة الصبح قبل الركوع . أخرجه ابن نصر(3) . { 20 }
(
__________
(1) ص 307 ج3 – الفتح الربانى . وص 82 ج8 – المنهل ( القنوت فى الصلوات ) وص 225 و 226 ج1 مستدرك . ورعل ، بكسر فسكون بطن من بنى سليم .
(2) ص 302 ج3 الفتح الربانى ( القنوت فى الصبح ) وص 335 ج2 فتح البارى ( القنوت قبل الركوع وبعده ) وص 179 ج5 نووى مسلم (القنوت فى جميع الصلوات إذا نزلت نازلة ) و ( كذب ) أى أخطأ فإن الكذب يطلق على الخطأ فى لغة الحجاز . ويحتمل أن المعنى كذب فى دعوى أن القنوت دائماً بعد الركوع .
(3) ص 133 قيام الليل ( القنوت قبل الركوع ) .(1/28)
ورد ) بأن حديث عاصم بّبن أن قنوت النازلة بعد الركوع وأن غيره قبله . وعليه يحمل قول عبد الله بن شداد . وأيضاً فإن عاصماً انفرد بما ذكر عن أنس وقد خالفه سائر الرواة عنه ( قال الأثرم ) قلت لأحمد : أيقول أحد فى حديث أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع غير عاصم الأحول ؟ فقال : ما علمت أحداً يقوله غيرُه (1) ( وعن مالك ) وأحمد وأيوب السختيانى أنه يكون قبل الركوع وبعده " لقول " حُميَد : سئل أْنسٌ عن القنوت فى صلاة الصبح فقال : كنا نقنت قبل الركوع وبعده . أخرجه ابن ماجه والطحاوى وابن نصر بسند صحيح (2) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 47 }
( وقال مالك ) فى القنوت فى الصبح : كل ذلك واسع قبل الركوع وبعده والذى آخُذ به فى خاصّة نفسى قبل الركوع(3) والراجح فى قنوت النوازل كونه بعد الركوع ، لكثرة الروايات فيه كما تقدم ( قال البيهقى ) : ورواة القنوت بعد الركوع أكثر واحفظ فهو أولى وعليه درج الخلفاء الراشدون(4)ولا تنافى بين ما روى فى هذا عن أنس ، فإن القنوت يطلق على الدعاء ، وهو ما رُوى عنه أن بعد الركوع وعلى طول القيام ، وهو ما رُوى أنه قبل الركوع .
(
__________
(1) ص 72 ج1 زاد المعاد ( القنوت فى الفجر ) .
(2) ص 186 ج1 – سنن ابن ماجه ( القنوت قبل الركوع وبعده ) وص 133 قيام الليل ( القنوت قبل الركوع ) .
(3) ص 100 ج1 مدونة ( القنوت فى الصبح ) .
(4) ص 208 ج2 – السنن الكبرى ( يقنت بعد الركوع ) .(1/29)
ومشهور ) مذهب الحنفيين والحنبلية أنه لا قنوت للنوازل إلا فى الصبح قال العلامة إبراهيم الحلبى الحنفى قال الحافظ الطحاوى : إنما لا يُقنت عندنا فى صلاة الفجر من غير بلية . فإذا وقعت فتنة أو بلية فلا بأس بها . فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما القنوت فى الصلوات كلها عند النوازل فلم يقل به إلا الشافعى ، وكأنهم حملوا ما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قنت فى الظهر والعشاء والمغرب على النسخ ، لعدم ورود المواظبة والتكرار الواردين فى الفجر(1) ( وقال ابن قدامة ) : فإن نزل بالمسلمين نازلة فللإمام أن يقنت فى صلاة الصبح ويؤمن مَنْ خلفه . وبهذا قال أبو حنيفة والثورى لما ذكرنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على حىّ من أحياء العرب ثم تركه ، وأن علياً قنت فقال : إنما استنصرنا على عدوّنا هذا . ولا يقنت آحاد الناس . ويقول فى قنوته نحواً مما قال النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم قال : ولا يُقنت فى غير الصبح من الفرائض. قال عبد الله عن أبيه : كلُّ شئ يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فى القنوت إنما هو فى الفجر ، ولا يقنت فى الصلاة إلا فى الوتر والغداة إذا كان مستنصراً يدعو للمسلمين . ( وقال ) أبو الخطاب : يقنت فى الفجر والمغرب ، لأنهما صلاتا جهر فى طرفى النهار . ( وقيل ) يقنت فى صلاة الجهر كلها قياساً على الفجر ، ولا يصح هذا . لأنه لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه القنوت فى غير الفجر والوتر(2). ويرده ما تقدم عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قنت شهراً فى الصلوات الخمس يدعو على أحياءٍ من العرب(3) . ولا دليل على النسخ .
(
__________
(1) ص 420 غنية المتملى شرح منية المصلى ( الوتر ) .
(2) ص 792 ج1 مغنى .
(3) تقدم رقم 45 ص 26 .(1/30)
قال ) الكمال بن الهمام : يجبّ أن يكون بقاء القنوت فى النوازل مجتهداً فيه ، لأنه لم ينقل عنه من قوله صلى الله عليه وسلم إلا قنوت فى نازلة بعد هذه ، بل مجرد العدم بعدها ، فيتجه الاجتهاد أن ذلك إنما هو لعدم وقوع نازلة بعدها يستدعى القنوت ، فتكون شرعيته مستمرة ، وهو محمل قنوت من قنت من الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم(1). فقد ثبت أن أبا بكر قنت عند محاربة مسيلِمة ، وكذلك قنت عمرو علىّ ومعاوية للنوازل . فهذا يدل على أن القنوت للنازلة مستمر لم ينسخ .
(13) القنوت لغير نازلة :
( أمّا ) عند عدم النوازل فلا قنوت فى غير الصبح من الصلوات الخمس اتفاقاً . وكذا فى الصبح عند الحنفيين والحنبلية وإسحاق والثورى وابن المبارك وبه قال ابن عباس وغيره ، لما تقدم عن طارق الأشجعى(2) وغيره " ولقول " أبى هريرة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت فى صلاة الصبح إلا أن يدعَو لقوم أو يدعَو على قوم أخرجه ابن حبان بسند صحيح(3). ... ... ... ... ... ... { 48 }
وأخرج ابن أبى شيبة عن أبى بكر وعمر وعثمان وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وابن الزبير : أنهم كانوا لا يقنتون فى صلاة الفجر(4) . { 21 }
( وقالت المالكية ) يقنت فى الصبح سراً قبل ركوع الثانية .
(
__________
(1) ص 310 ج1 فتح القدير ( صلاة الوتر ) .
(2) تقدم رقم 44 ص25 .
(3) ص 130 ج2 نصب الراية .
(4) ص 131 منه .(1/31)
وقالت ) الشافعية وابن حبيب المالكى : يقنت فيه جهراً بعد ركوع الثانية " لحديث " محمد بن سيرين أن أنس بن مالك سئل هل قنت النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاة الصبح ؟ فقال نعم ، فقيل له قبل الركوع أو بعده ؟ قال بعد الركوع يسيراً . أخرجه السبعة إلا الترمذى (1) . ... ... ... ... ... { 49 }
" ولقول " أنس : مازال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت فى الفجر حتى فارق الدنيا . أخرجه أحمد والبزار والدار قطنى والطحاوى بسند رجاله موثقون ، وصححه الحاكم والبيهقى ، وأخرجه الدار قطنى والحاكم من عدة طرق عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو عليهم ثم تركه فأما فى الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا (2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 50 }
وأجاب الأولون :
( أ ) " عن حديث " ابن سيرين عن أنس ، بأنه محمول على قنوت النازلة ، فقد تقدم فى حديث عاصم الأحول عن أنس أنه قال : إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهراً يدعو على أناس قتلوا أناساً
من أصحابه يقال لهم القُرّاء (3) .
(
__________
(1) ص 301 ج3 الفتح الربانى . وص 334 ج2 فتح البارى ( القنوت قبل الركوع وبعده ) وص 178 ج5 نووى مسلم ( القنوت فى جميع الصلوات ) وص 87 ج8 – المنهل العذب ( القنوت فى الصلوات ) وص 186 ج1 سنن ابن ماجه ( القنوت قبل الركوع وبعده ) .
(2) ص 162 ج3 مسند أحمد . وص 139 ج2 مجمع الزوائد ( القنوت ) وص 178 سنن الدار قطنى وص 143 ج1 شرح معانى الآثار (القنوت فى صلاة الفجر وغيرها ) وص 201 ج2 السنن الكبرى ( لم يترك أصل القنوت فى صلاة الصبح ) .
(3) تقدم رقم 46 ص 26 .(1/32)
ب) وعن حديث أنس الثانى بأنه ضعيف لا تقوم به حجة ، لأن فى سنده أبا جعفر الرازى ، وهو وإن وثقه جماعة ففيه مقال ، قال عبد الله ابن أحمد : ليس بالقوى . وقال ابن المدينى : إنه يخلط . وقال أبو زَرَعة : يهم كثيراً . وقال ابن معين : ثقة لكنه يخطئ . ويقوى ضعفه ما ثبت أن أنسَاً نفسه لم يكن يقنت فى الصبح . قال غالب ابن فرْقدٍ الطحَّان : كنت عند أنس بن مالك شهرين فلم يقنت فى صلاة الغداة . أخرجه الطبرانى بسند حسن (1) .{22}
وعلى فرض صحة حديث أنس فيحمل على القنوت للنوازل ، أو المراد أنه كان يطيل الاعتدال بعد الركوع للدعاء والثناء إلى أن فارق الدنيا . قد روى ثابت عن أنس قال : إن لا آلو أن أصلىَ بكم كما رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يصلى بنا . قال ثابت : كان أنس يصنع شياً لم أركم تصنعونه ، كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل قد نسى وبين السجدتين حتى يقول القائل قد نسى . أخرجه البخارى (2). ... ... { 51 }
فهذا هو القنوت الذى مازال صلى الله عليه وسلم يفعله حتى فارق الدنيا ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه ويثنى عليه فى هذا الاعتدال وهو غير القنوت المؤقت بشهر ، فإنه كان دعاءً على رِعْل وذكْوانَ وعُصيَّة . ودعاءً للمستضعفين .
__________
(1) ص 132 ج2 نصب الراية .
(2) ص 204 ج2 فتح البارى ( المكث بين السجدتين ) .(1/33)
" ولما صار " القنوت فى لسان الفقهاء وغيرهم هو الدعاء المعروف : اللهم اهدنى فيمن هديت إلخ . وسمعوا أنه صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت فى الفجر حتى فاروق الدنيا ، وكذا الخلفاء والصحابة " حملوا " القنوت فيما ذكر على مصطلحهم ونشأ من لا يعرف غيره فلم يشكّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه كانوا مداومين عليه كل غداة ، فنازعهم فيه جمهور العلماء وقالوا لم يكن هذا من فعله صلى الله عليه وسلم الراتب ( ومما يدل ) على أن الرماد بالقنوت فى حديث أنس القيام للدعاء ( قول ) حنظلة السدوسى اختلفت أنا وقتادة فى القنوت فى صلاة الصبح ، فقال قتادة قبل الركوع ، وقلت بعد الركوع ، فأتينا أنس بن مالك فذكرنا له ذلك فقال : أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاة الفجر فكبر وركع ورفع رأسه ثم سجد ثم قام فى الثانية فكبر وركع ثم رفع رأسه فقام ساعة ثم وقع ساجداً . أخرجه سليمان ابن حرب (1) . ... ... ... ... { 52 }
فهذا القيام والتطويل هو مراد أنس . ومنه تعلم :
( أ ) أن الراجح أن القنوت خاص بالنّوازل فى الصبح وغيرها . وأما تخصيصه بالصبح فى حديث ابن سيرين عن أنس ، فبالنظر لسؤال السائل .
(ب) وأنه كان من هديه صلى الله عليه وسلم القنوتُ فى النوازل خاصة ، وتركهُ عند عدمها ، ولم يكن يخصه بالفجر ، بل كان أكثر قنوته فيها لاتصالها بصلاة الليل وقربها من السحر وساعة الإجابة ، ولأنها الصلاة المشهودة التى تشهدها ملائكة الليل والنهار ، ولذا كان أهل الحديث يقنتون حيث قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتركونه حيث تركه .
__________
(1) ص 73 ج2 زاد المعاد ( القنوت ) .(1/34)
ومع هذا لا ينكرون على من داوم عليه ، ولا يكرهون فعله ولا يرونه بدعة ولا فاعله مخالفاً للسنة ، كما لا ينكرون على من تركه عند النوازل ولا يرون تركه بدعة ، بل من قنت فقد أحسن . ومن تركه فقد أحسن ، وهذا من الاختلاف المباح الذى لا يَعنّف فيبه من فعله ولا من تركه كرفع اليدين فى الصلاة وتركه ، وكالخلاف فى ألفاظ الأذان والإقامة وأنواع النسك من الإفراد والقرآن والتمتع ، ولكن هديه صلى الله عليه وسلم أكمل الهدى وأفضله . ( وعلى الجملة ) فالذى يؤخذ من أحاديث الباب أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يقنت فى غير الوتر إلا فى النوازل ، فكان يقنت جهراً بعد الركوع ويؤمِّنُ مَنْ خلفه ويرفع يديه فيه كما تقدم أن أبا بكر فعله وكذا عمر وعلىّ ومعاوية . وتقدم حديث ابن عباس (1) وحديث أنس فى قصة القُرّاء(2) .
( وقال ) الأسود : كان عبد الله بن مسعود يرفع يديه فى القنوت إلى صدره . { 23 }
( وقال ) أبو عثمان النهدى : كان عمر يَقْنُتُ بنا فى صلاة الغداة ويرفع حتى يخرج ضبعيه . أخرجهما ابن نصر (3) . { 24 }
وبهذا قال الحنفيون وأحمد وإسحاق وهو الصحيح عند الشافعية .
ومما يتصل اتصالا وثيقاً بسنن الصلاة وواجباتها .
( الثانى ) الجماعة
هى ربط صلاة المقتدى بصلاة الإمام . وهى مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة . قال تعالى : وإذا كنت فيهم فأقمتْ لهم الصلاة فلتقمْ طائفةٌ منهم معك . الآية (4) أمر بها فى الخوف ففى الأمن أولى .
__________
(1) تقدم رقم 45 ص 26 .
(2) تقدم رقم 46 ص 26 .
(3) ص 154 قيام الليل ( رفع الأيدى عند القنوت ) و ( ضبعيه ) تثنية ضبع بفتح فسكون وهو المضد .
(4) النساء آية 102 .(1/35)
وعن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة الرجل فى جماعة تزيد على صلاته فى بيته وصلاته فى سوقه خمساً وعشرين درجة . وذلك بأن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رُفع له بها درجةٌ أو حُط عنه بها خطيئةٌ حتى يدخل المسجد ، فإذا دخل المسجد كان فى صلاة ما كانت الصلاة هى تحبسه ، والملائكة يصلون على أحدكم مادام فى مجلسه الذى صلى فيه . يقولون : اللهم اغفر له اللهم ارحمه اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه أو يحدث فيه . أخرجه الشيخان وأبو داود وهذا لفظه(1). { 53 }
وعن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ، أخرجه الشافعى والسبعة إلا أبا داود (2) . ... ... ... ... ... ... { 54 }
ولا منافاة بين الروايتين لأن الإخبار بالقليل لا ينفى الكثير . والتخصيص بهذا العدد من أسرار الشريعة التى تقصُر العقول عن إدراكها . والمراد أنه يحصل له من صلاة الجماعة مثل أجر صلاة المنفرد25 أو 27 مرة.
__________
(1) ص 92ج2 فتح البارى ( فضل صلاة الجماعة ) وص 165 ج5 نووى مسلم . وص 252 ج4 – المنهل العذب ( فضل المشى إلى الصلاة ) و ( صلاة الرجل فى جماعة ) أى ثواب صلاته فى المسجد جماعة ، كما يدل عليه مقابلته بالصلاة فى البيت والسوق ، وكما يدل عليه قوله فى =الحديث ( وأتى المسجد ) ومثل الرجل فى ذلك المرأة إذا أبيح لها الخروج إلى المسجد . و ( خطوة ) بفتح الخاء المعجمة . وهى واحدة الخطأ . ويحتمل أن تكون بالضم . وهى ما بين القدمين ( أو حط ) . وفى رواية وحط عنه ( بالواو ) فالمعنى أن الخطوة الواحدة يكتب له بها حسنة ويحط عنه بها خطيئة . وهو المناسب لسعة فضل الله تعالى .
(2) ص 122 ج1 بدائع المنن . وص 165 ج5 الفتح الربانى . وص 89 و 90 ج2 فتح البارى . وص 152 ج5 نووى مسلم . وص 134 ج1 مجتبى ( فضل الجماعة ) وص 187 ج1 تحفة الأحوذى . وص 137 ج1 سنن ابن ماجه .(1/36)
وهى من خصائص هذه الأمة شرعها الله تعالى لما فيها من التعارف والتآلف وارتباط القلوب وتعوّد الامتثال والصبر والشجاعة وحسن النظام .
ويتعلق بها ثمانية وعشرون فرعاً .
(1) حكم الجماعة :
هى فى المكتوبات غير الجمعة سنة مؤكدة للرجال عند مالك والشافعى والجمهور . وهو المشهور عند الحنفيين ، لحديثى أبى هريرة وابن عمر(1) ووجه الدلالة أن المفاضلة إنما تكون بين فاضلين جائزين ، ولو كانت الصلاة فرادى غير مجزئه لما كان لها فضيلة ( ولقول ) أبى موسى الأشعرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعظم الناس أجراً فى الصلاة أبعدهم إليها مَمْشى فأبعدهم . والذى ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظمُ أجراً من الذى يصليها ثم ينام . أخرجه الشيخان(2). ... ... ... ... ... ... { 55 }
والراجح عند الحنفيين أن الجماعة واجبة لمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليها مع الإنكار على تاركها بلا عذر فى عدة أحاديث ( منها ) حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من سمع المنادّ فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التى صلى . قالوا : وما العذر ؟ قال : خوف أو مرض . أخرجه أبو داود والدار قطنى(3). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 56 }
__________
(1) هما رقم 53 و 54 .
(2) ص 94 ج2 فتح البارى ( فضل صلاة الفجر فى جماعة ) وص 167 ج5 نووى مسلم ( فضل الصلاة المكتوبة فى جماعة ) .
(3) ص 239 ج4 – المنهل العذب ( التشديد فى ترك الجماعة ) وص 161 سنن الدار قطنى .(1/37)
" وحديث " أبى هريرة أن رجلا أعمى أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول فقال يا رسول الله إنه ليس لى قائد يقودنى إلى المسجد وسأله أن يرخِّص له فرخّص له . فلما وِّلى دعاه فقال له : هل تسمع النداء ؟ قال نعم . قال : فأجب . أخرجه مسلم والنسائى(1). ... ... ... ... ... ... ... { 57 }
وهذه أحاديثُ آحاد فتفيد الوجوب لا الفرضية ( وقال ) أحمد وإسحاق وابن المنذر وأهل الظاهر : صلاة الجماعة فرض عينى فى الصلوات المكتوبة مستدلين :
( أ ) " بحديث " أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتقادم ثم آمُر رجلا فيصلى بالناس ثم أنطلق معى برجال معهم حُزَمٌ من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحّرِّقُ عليهم بيوتهم بالنار . أخرجه أبو داود . وكذا أحمد والشيخان بلفظ : إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة ( الحديث ) (2) ... { 58 }
(
__________
(1) ص 155 ج5 نووى مسلم ( التشديد فى التخلف عن الجماعة ) وص 136 ج1 مجتبى ( المحافظة على الصلوات حين ينادى بهن ) والأعمى هو عمرو بن أم مكتوم .
(2) ص 233 ج4 – المنهل العذب ( التشديد فى ترك الجماعة ) وص 177 ج5 الفتح الربانى وص 96 ج2 فتح البارى ( فضل صلاة العشاء فى الجماعة ) وص 54 ج5 نووى مسلم ( التشديد فى التخلف عن الجماعة فى بيوتهم ) و ( فأحرق عليهم بالنار ) لا يعارضه حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إنى كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً بالنار . وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن أخذتموهما فاقتلوهما . أخرجه البخارى ص 71 ، 72 ج6 فتح البارى ( التوديع عند السفر – الجهاد ) لأن النهى عن الإحراق بالنار عام . وحديث الهم بتحريق من تأخر عن الجماعة خاص . وهو لا يعارض العام . وقيل عن التعذيب بالنار كان مشروعاً ثم نسخ .(1/38)
ب ) " وبحديث " عمرو بن أمّ مكتوم أنه قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنى رجل ضريرُ البصرِ شاسِعُ الدار ولى قائد لا يلائمنى فهل لى رخصة أن أصلى فى بيتى ؟ قال : هِل تسميع النداء ؟ قال : نعم . قال : لا أجد لك رخصةً . أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وابن حبان وأحمد وزادا فى رواية : فأتها ولو حبواً (1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 59 }
(
__________
(1) ص 241 ج4 – المنهل العذب ( التشديد فى ترك الجماعة ) وص 137 ج1 سنن ابن ماجه ( التغليظ فى التخلف عن الجماعة ) وص 247 ج1 مستدرك . وص 423 ج3 مسند احمد ( حديث عمرو ابن أم مكتوم رضى الله عنه ) .(1/39)
ج ) ويقول ابن مسعود رضى الله عنه : حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث يُنادَى بهن فإنهن من سُنن الهدى وإن الله عز وجل شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم سنَن الهدى ، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق بَيِّنُ النفاق . ولقد رأيتنا وإن الرجل ليُهادَى بين الرجلين حتى يُقامَ فى الصف . وما منكم من أحد إلا وله مسجد فى بيته ، ولو صليتم فى بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم . ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم . أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذى . وهذا لفظ أبى داود . وأوله عند غيره : من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليْحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 25 }
__________
(1) ص 382 ج1 مسند أحمد ( مسند عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ) وص 156 ج5 نووى مسلم ( التشديد فى التخلف عن الجماعة ) وص 27ج5 – المنهل العذب ( التشديد فى ترك الجماعة ) وص 136 ج1 مجتبى ( المحافظة على الصلوات حين ينادى بهن ) وص 135 ج1 سنن ابن ماجه ( المشى إلى الصلاة ) وسنة الهدى ، هى ما طلب فعله طلباً غير جازم ، ويثاب فاعلها ويساء تاركها كالجماعة والأذان والإقامة . وسنة الزوائد ما يثاب فاعلها ولا يساء تاركها كأحوال النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فى لباسه وقيامه وقعوده . و ( يهدى ) بضم الياء وفتح الدال مبنى للمفعول ، أى يمشى بين الرجلين معتمداً عليهما من ضعفه . ( وتركمّ سنة نبيكم ) أى تركتم طريقته صلى الله عليه وسلم . فإنه كان يواظب على الصلوات الخمس فى المسجد العام ولا يصليها فى بيته إلا لعذر . ( لكفرتم ) وفى رواية غير أبى داود لضللتم . وهو محمول على التغليظ والتنقير من ترك الجماعة أو محمول على الترك تهاوناً . وقال الخطابى معناه أنه يؤدى بكم إلى الكفر بأن تتركوا عرى الإسلام شيئاً فشيئاً حتى تخرجوا من الملة . ص 159 ج1 معالم السنن .(1/40)
وفيه الحث على حضور صلاة الجماعة وتحمل المشاق فى سبيلها . وأنه إذا أمكن المريضَ ونحوه الوصول إلى المسجد ، استجب له حضور الجماعة . ( قال ) أحمد ومن معه : هذه الأحاديث تدل على أن صلاة الجماعة فرض عين ، ولو كانت فرض كفاية لسقط بفعله صلى الله عليه وسلم ومن معه . ولو كانت سنة ماَهمّ بقتلهم ، لأن تارك السنة لا يقتل . فتعين أن تكون فرضاً على الأعيان " ولا يقال " إذا كانت الجماعة واجبة عيناً فكيف يجوز أن يتخلف عناه صلى الله عليه وسلم " لأن تخلفه " كان لتكميل أمر الجماعة فكأنه حاضرها .
وهؤلاء اختلفوا ، أهى شرط فى صحة الصلاة أم لا ؟ فقال بشرطيتها داود وابن حزم قال : ولا تجزرئ صلاة فرض أحداً من الرجال – إذا كان بحيث يسمع الأذان – أن يصليها إلا فى المسجد مع الإمام . فإن تعمد ترك ذلك بغير عذر بطلت صلاته . وإن كان بحيث لا يسمع أذاناً ففرض عليه أن يصلى فى جماعة مع واحد إليه فصاعداً ، فإن لم يفعل فلا صلاة له إلا ألا يجد أحداً يصليها معه فيجزئه حينئذ ، وإلا من له عذر فيجزئه حينئذ التخلف عن الجماعة(1) .
( وقال ) بعض الشافعية والمالكية : إنها فرض كفاية وهو اختيار الطحاوى والكرخى من الحنفيين . ولكن خصه الشافعية بالصلاة المؤداة بخلاف المقضية فالجماعة فيها مستحبة إذا اتفق الإمام والمأموم فيها كأن يفوتهما ظهر . واستدلوا بأدلة القائلين بالوجوب العينى " وصرفها " من فرض العين إلى فرض الكفاية " حديث " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة(2) فإنه يفيد صحة صلاة المنفرد الوجوب المستفاد منها وجوباً كفائياً .
(
__________
(1) ص 188 ج4 – المحلى ( المسألة 485 ) .
(2) تقدم رقم 54 ص 33 ( الجماعة ) .(1/41)
والظاهر ) ما ذهب إليه الجمهور من القول بالسنية ، لما فيه من الجمع بين الأدلة وعدم إهمال بعضها . فأعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب أن الجماعة من السنن المؤكدة التى يخل بملازمتها ما أمكن إلا محروم مشئوم. وأما أنها فرض عين أو كفاية أو شرط لصحة الصلاة فلا(1) .
( وأجاب ) الجمهور عن حديث لهم بتحريقى البيوت بوجوه ( منها ) أن الحديث ورد فى قوم م المنافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون فرادى كما يدل عليه أثر ابن مسعود المتقدم وفيه : ولقد رأيتنا وما يتخلف عناه إلا منافق بيّن النفاق(2) ( ومنها ) أنه صلى الله عليه وسلم همّ بالتحريق ولم يفعله . ولو كان واجباً لما تركه (ومنها) ما حكاه القاضى عياض من أن فرضية الجماعة كانت أول الإسلام لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ الوجوب ( قال الحافظ ) ويدل على النسخ الأحاديث الواردة فى تفضيل صلاة الجماعة ، لأن الأفضلية تقتضى الاشتراك فى أصل الفضل ومن لازم ذلك الجواز(3) .
(2) الجماعة فى غير الصلوات الخمس :
هى عند الحنفيين :
( أ ) شرط صحة فى الجمعة والعيدين لما سيأتى فى بحثهما .
( ب ) وسنة كفاية فى صلاة التراويح والجنازة .
( ج ) ومستحبة فى صلاة الكسوف . وكذا فى وتر رمضان على قول رجحه الكمال ابن الهمام ، لما تقدم فى الوتر من أن النبى صلى الله عليه وسلم أوتر بأصحابه ثم بيّن العذر فى تأخره كما صنع فى التراويح . قال العلامة الحلبى الصحيح أن الجماعة فيه أفضل ، لأنه لما جازت الجماعة فيه كانت أفضل اعتبارً بالمكتوبة(4) .
(د) ومكروهة تنزيهاً فى النفل ووتر غير رمضان إذا كان على سبيل التداعى بأن يكون مع الإمام أربعة فأكثر وإلا فهى مباحة .
__________
(1) ص 138 ج3 نيل الأوطار ( صلاة الجماعة ) .
(2) تقدم رقم 25 ص 36 .
(3) ص 87 ج2 فتح البارى الشرح ( وجوب صلاة الجماعة ) .
(4) ص 420 غنية المتملى فى شرح منية المصلى ( صلاة الوتر ) .(1/42)
وقالت المالكية : الجماعة شرط لصحة الجمعة . وسنة فى العيدين والكسوف والاستسقاء ، ومندوبة فى الجنازة ، ومستحبة فى التراويح . ومكروهة فى النفل المطلق إذا كان الجمع كثيراً مطلقاً أو قليلا بمكان مشهور كالمسجد وإلا جازت .
( وقالت ) الشافعية : الجماعة فرض عين فى الركعة الأولى من الجمعة . وفى كل الصلاة المعادة ، وفى المجموعة جمع تقديم لمطر وفى المنذورة جماعتها ومندوبة فى العيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح ووتر رمضان وفى صلاة مقضية خلف مثلها من نوعها كظهر خلف ظهر . ومباحة فى غير ما ذكر من النوافل . وسنة فى صلاة الجنازة .
( وقالت ) الحنبلية : الجماعة شرط لصحة صلاة الجمعة والعيد وسنة لصلاة الجنازة والاستسقاء والتراويح ومباحة فى التهجد والرواتب .
( تنبيه ) علم أن الجماعة فى النفل المطلق مباحة عند الأئمة الأربعة . لكن محله عند الحنفية والمالكية إذا لم تكن على سبيل التداعى " لقول " أنس : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم حَرام فأتوه بسَمُن وتمر فقال : ردوا هذا فى وعائه وهذا فى سقائه فإنى صائم . ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً فأقامنى عن يمينه على بِساط ، وقامت أمُّ سليم وأم حرام خلفنا أخرجه أبو داود(1) ... ... ... ... ... { 58 }
__________
(1) ص 335 ج4 – المنهل العذب ( الرجلان يؤم أحدهما الآخر كيف يقومان ) .(1/43)
" ولقول " ابن عباس : بتُّ فى بيت خالتى ميمونة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأطلق القِرْبَة فتوضأ ثم أوكى القربة ثم قام إلى الصلاة . فقمت فتوضأت كما توضأ ثم جئت فقمتٌّ عن يساره فأخذنى بيمينه فأدارنى من ورائه فأقامنى عن يمينه فصليت معه .أخرجه السبعة إلا الترمذى وهذا لفظ أبى داود(1). {59}
( وقالت ) الشافعية والحنبلية : تباح الجماعة فى النفل المطلق ولو كثر الجمع ، لظاهر قول محمد بن الربيع: سمعت عتْبَان بنَ مالك الأنصارىَ قال : استأذن النبى صلى الله عليه وآله وسلم فأَذنتُ له فقال : أين تحبَ أن أصلىَ من بيتكَ ؟ فأشرتُ له إلى المكان الذى أحبّ فقام وصفَفَنَا خلفه فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا . أخرجه البخارى (2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 60 }
(3) جماعة النساء :
اختلف العلماء فى حكمها ( قالت ) الشافعية والحنبلية : تستحب الجماعة لنساء اجتمعن منفردات عن الرجال سواء أكان إمامهن منهن أم لا . وهو رواية عن مالك وحكاه ابن المنذر عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثورى والأوزاعى وإسحاق وأبى ثور " لقول " رائطة الحنفية أمتنا عائشة فقامت بيننا فى الصلاة المكتوبة . أخرجه الدار قطنى والبيهقى . وعبد الرازق فى مصنفه بسند صحيح(3) . { 26 }
__________
(1) ص 268 ج5 – الفتح الربانى . وص 131 ج2 فتح البارى ( يقوم عن يمين الإمام بحذائه ) وص 44 = ج6 نووى مسلم ( صلاة النبى صلى الله عليه وسلم ودعاؤه بالليل ) وص 339 ج4 – المنهل العذب . وص 129 ج1 – مجتبى ( موقف الإمام والمأموم صبى ) وص 159 ج1 سنن ابن ماجه ( الاثنان جماعة ) ( فأطلق القربة ) أى حل وذكاءها ( ثم أوكى القربة ) أى شد فمها بالوكاء وهو الحبل .
(2) ص 118 ج2 فتح البارى ( إذا زار الإمام قوماً فأمهم ) .
(3) ص 155 سنن الدار قطنى وص 131 ج3 – السنن الكبرى ( المرأة تؤم النساء ) .(1/44)
وعن إبراهيم النخعى عن عائشة أنها كانت تؤم النساء فى رمضان تطوعاً وتقوم فى وسط الصف . أخرجه أبو يوسف ومحمد فى كتاب الآثار (1) { 27 }
" ولقول " حُجَيْرة بنت حُصين : أمّتنا أمّ سلمةَ فى صلاة العصر فقامت بيننا . أخرجه الدار قطنى والبيهقى وابن أبى شيبة وعبد الرازق والشافعى فى مسنده بسند صحيح(2) . { 28 }
( وروى ) الوليد بن جُمَيع عن ليلى بنت مالك عن أم وَرَقة الأنصارية أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول : انطلقوا بنا إلى الشهيدة فنزورها وأمر أن يؤذّنَ لها ويُقامَ وتؤُمّ أهلَ دراها فى الفرائض . أخرجه البيهقى والحاكم وقال : قد احتج مسلم بالوليد بن جميع(3). ... ... ... ... ... ... { 61 }
( وقال ) الحنفيون : تكره جماعة النساء وحدهن ، فإن فعلنَ يقف الإمام وسطهن وجوباً ، لفعل عائشة وأم سلمة ذلك حين كانت جماعتهن مستحبة ، ثم نسخ الاستحباب . ومال الكمال ابن الهمام إلى جواز جماعتهن بدون كراهة لأنه لا دليل على النسخ . وعليه فلا كراهة فى قيام إمامهن وسطهن .
( وقال ) الحسن البصرى والمالكية : لا تجوز جماعة النساء فى فرض ولا نفل . ولا دليل عليه ( وقال ) الشعبى والنخعى وقتادة : تجوز إمامة المرأة فى النفل دول الفرض . ويرده ما تقدم عن عائشة وأم سلمة وأم ورقة.
(
__________
(1) رقم 212 ص 41 – الآثار . وص 31 ج2 نصب الراية .
(2) ص 155 سنن الدار قطنى . وص 131 ج3 – السنن الكبرى . وص 129 ، 130ج1 بدائع المنن .
(3) ص 130 ج3 – السنن الكبرى ( إثبات إمامه المرأة ) وص 203 ج1 مستدرك .(1/45)
وقال ) داود والمزنى والطبرى : تجوز إمامة المرأة ولو للرجال ، لظاهر حديث عبد الرحمن بن خَلاّد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يزورها وجعل لها مؤذناً يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها . قال عبد الرحمن : وأنا رأيت مؤذّنها شيخاً كبيراً . أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة (1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 62 }
( وأجاب ) الجمهور بأنه ليس صريحاً فى أن المؤذن صلى خلفها ، لاحتمال أنه أذن ثم ذهب إلى المسجد ليصلى فيه .
ومما تقدم أن الراجح القول بجواز إمامة المرأة للنساء فقط بلا كراهة وتقف وسطهن ( قال ) أبو الطيب محمد شمس : الحق بعد ذكر الروايات السابقة وهذه الروايات كلها تدل على استحباب إمامة المرأة للنساء فى الفرائض والنوافل . وهذا هو الحق وبه يقول الشافعى والأوزاعى والثورى وأحمد وأبو حنيفة وجماعة(2).
(4) حضور النساء المساجد :
يجوز للنساء حضور الجماعة بالمساجد إذا خرجن متسترات غير متبرجات ولا متطيبات ولا متحليات بما يثير الفتنة وعدمُ حضورهن أفضل " لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تمنعوا نساءكم المساجد ويبوتهن خير لهنّ . أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى وابن خزيمة (3) . ... ... ... { 63 }
__________
(1) ص 313 ج4 – المنهل العذب ( إمامة النساء ) .
(2) ص 155 – التعليق المغنى على سنن الدار قطنى .
(3) ص 195 ج5 الفتح الربانى . وص 265 ج4 – المنهل العذب ( خروج النساء إلى المسجد ) . وص 131 ج3 – السنن الكبرى ( خير مساجد النساء قعر بيوتهن ) .(1/46)
" ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تمنعوا إماء الله مساجدَ الله . وليخرُجن وهنّ تَفِلاتٌ . أخرجه الشافعى وأحمد وأبو داود والبيهقى والدارمى بسند جيد. وأخرج مسلم صدره عن ابن عمر(1).{64}
( وقالت ) أم حميد : يا رسول الله إنى أحب الصلاةَ معك . قال : قد علمت أنك تحبين الصلاة معى وصلاتك فى بيتك خير لك من صلاتك فى دارك وصلاتك فى دارك خير لك من صلاتك فى مسجد قومك وصلاتك فى مسجد قومك خير لك من صلاتك فى مسجدى . ( الحديث ) أخرجه أحمد وابن حبان وابن خزيمة بسند رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن سُويدٍ الأنصارى وثقه ابن حبان(2) . ... ... ... ... { 65 }
__________
(1) ص 127 ج1 بدائع المنن . وص 193 ج5 – الفتح الربانى . وص 263 ج4 المنهل العذب . وص 134 ج3 – السنن الكبرى ( المرأة تشهد المسجد لا تمس طيباً ) . وص 293 ج1 سنن الدرامى ( النهى عن منع النساء عن المساجد ) وص 161ج4 نوى مسلم ( خروج النساء إلى المساجد ) والإماء جمع أمة . والمراد بها هنا المرأة ولو حرة . والنهى للتنزيه لقوله فى حديث ابن عمر : وبيوتهن خير لهن . و ( تفلات ) جمع تفلة بفتح فكسر وهى المرأة تترك الطيب والزينة . يقال : تفلت المرأة من بابا تعب إذا أنتن ريحها .
(2) ص 198 ج5 – الفتح الربانى . وص 33 ج2 مجمع الزوائد ( خروج النساء إلى المساجد ) والمراد بالبيت المسكن الخاص بالمنزل كحجرة النوم . وبالحجرة غرفة الاستقبال . وبالدار الصالة تكون فيها أبواب الحجرات .(1/47)
فجواز خروجهن إلى المساجد مشروط بأمن الفتنة ، وإلاُ منِعْنَ الخروج كما هو الحال فى زماننا ( قالت عائشة ) رضى الله عنها : لو أدْرك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساءُ بعده لمنعَهُنّ المسجد كما مُنِعَه نساء بنى إسرائيل . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقى (1) . { 29 }
قال البدر العينى : لو شاهدتْ عائشة ما أحدث نساءُ هذا الزمان من أنواع البدع والمنكرات لكانت أشدّ إنكاراً ولاسيما نساء مصر ، فإنهن أحدثن من البدع والمخالفات ما لا يوصف . منها الشاشات على رءوسهن كأسنمة البُخْت المائلة . ومنها مشيهن فى الأسواق فى ثياب فاخرة وهن متبخرات متعطرات مائلات متزاحمات مع الرجال مكشوفات الوجوه(2) وقد تحقق فيهن قول النبى صلى الله عليه وسلم : صنفان من أهل النار لم أرَهما : قوم معهم سِياط كأذناب بالقر يضربون بها الناسَ . ونساء كاسيات عاريات مُميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة،لا يدخُلْن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.أخرجه مسلم عن أبى هريرة(3).{66}
وهو من أعلام نبوته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظاهرة .
__________
(1) ص 201 ج5 – الفتح الربانى . وص 238 ج2 فتح البارى ( خروج النساء إلى المساجد ) وص 163 ، 164 ج4 – نووى مسلم . وص 268 ج4 – المنهل العذب ( التشديد فى ذلك ) أى فى خروجهن إلى المساجد . وص 133 ج3 – السنن الكبرى .
(2) ص 158 ج6 عمدة القارى .
(3) ص 109 ج 14 نووى مسلم ( النساء الكاسيات العاريات .. اللباس ) .(1/48)
وقال النووى : قوله صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " وشبههه من أحاديث الباب ظاهرة فى أنها لا تمنع المسجد لكن بشرط إلا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يُسمع صوتها ، ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ولا نحوها ممن يفتتن بها ، وألا يكون فى الطريق ما يخاف منه مفسدة ونحوها . وهذا النهى للتنزيه إذا كان للمرأة زوج ووجدت الشروط . وإن لم يكن لها زوج حرم المنع إذا وجدت الشروط(1).
وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء لما تقدم " ولقولِ " أبى هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيُّما امرأةٍ أصابت بخوراً فلا تشهَدَنّ عشاء الآخِرةِ . أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى(2). ... ... ... { 67 }
والتقييد بالعشاء لأنه وقت ظلمه فيكثر فيه الفسق والفجور . وإلا فكل صلاة كذلك إذا خيفت الفتنة من حضورها .
(5) ما نحقق به الجماعة :
تنعقد الجماعة فى غير الجمعة – عند الحنفيين والشافعى – بواحد مع الإمام ولو امرأة أو صبياً مميزاً فى مسجد أو غيره فى الفرض وغيره " لحديث " أبى إمامة الباهلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : اثنان فما فوقهما جماعة . أخرجه الطبرانى فى الأوسط . وفيه مسلمة بن علىّ وهو ضعيف . وأخرجه ابن ماجه والبيهقى والدار قطنى عن أبى موسى الأشعرى بسند ضعيف . والدار قطنى عن ابن عمرو بن العاص . وفى سنده متروك (3) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 68 }
__________
(1) ص 161 ج4 شرح مسلم ( خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة ولا تخرج متطيبة ) .
(2) ص 201 ج5 – الفتح الربانى . وص 163 ج4 نووى مسلم ( خروج النساء إلى المساجد ) . وص 133 ج3 – السنن الكبرى ( المراة تشهد المسجد للصلاة لا تمس طيباً ) .
(3) ص 45 ج2 مجمع الزوائد ( من تحصل بهم فضيلة الجماعة ) وص 159 ج1 سنن ابن ماجه ( الاثنان جماعة ) وص 69 ج3 – السنن الكبرى ( الاثنان فما هو فوقهما جماعة ) وص 105 سنن الدار قطنى .(1/49)
وقال إبراهيم النخعى:الرجل مع الرجل جماعة ، لهما التضعيف خمساً وعشرين.أخرجه ابن أبى شيبة.{29}
" وقال " ابن عباس : صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم فقمت إلى جنبه عن يساره فأخذنى فأقامنى عن يمينه وأنا يومئذ ابن عشر سنين . أخرجه أحمد(1) . ... ... ... ... ... ... { 69 }
( وقال ) شر حبيل : سمعتُ جابر بن عبد الله يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى المغرب فجئت فقمت عن يساره فأقامنى عن يمينه . أخرجه ابن ماجه وابن حبان وابن خزيمة فى صحيحهما . وشر حبيل ضعفه غير واحد ، واتهم بالكذب لكن ذكره ابن حبان فى الثقات(2). ... ... ... { 70 }
وكانت عائشة يؤمها عبدُها ذكوانُ من المصحف . ذكره البخارى معلقاً (3) . { 30 }
( وقالت ) الحنبلية تنعقد الجماعة بالصبى المميز فى النفل دون الفرض . وهو رواية عن مالك ، لظاهر حديث ابن عباس السابق . وردّ بأن الأصل عدم التفرقة بين الفرض والنفل ( وقالت ) المالكية : لا تعقد الجماعة بصبى لا فى الفرض ولا فى النفل . ويرده حديث ابن عباس السابق .
( أما الجمعة ) فسيأتى بيان ما تتحقق به جماعتها فى بحثها إن شاء الله تعالى .
(6) ما تدرك به الجماعة :
__________
(1) ص 364 ج1 مسند أحمد ( مسند عبد الله بن العباس ) .
(2) ص 159 ج1 سنن ابن ماجه ( الاثنان جماعة ) .
(3) ص 127 ج2 فتح البارى ( إمامة العبد ) .(1/50)
يدرك فضل الجماعة بإدراك جزء منها مع الإمام قبل السلام . فمن أحرم قبل الإسلام إمامه فقد أدرك فضل الجماعة ولو لم يقعد معه فى الجمعة وغيرها عند أبى حنيفة وأبى يوسف والجمهور وبعض المالكية ، لعموم حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسْعَون وأتوها تمشُون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا . أخرجه الشافعى والسبعة (1). ... ... ... ... ... { 71 }
__________
(1) ص 146 ج1 بدائع المنن . وصدره : إذا سمعتم الإقامة . وص 209 ج5 – الفتح الربانى . وص 266 ج2 فتح البارى ( المشى إلى الجمعة) وص 98 ج5 نووى ( إتيان الصلاة بوقار وسكينة ) وص 271 ج4 – المنهل العذب ( السعى إلى الصلاة ) . وص 138 ج1 مجتبى ( السعى إلى الصلاة ) وأوله : إذا أتيتم الصلاة . وآخره : وما فاتكم فاقضوا . وص 271 ج1 تحفة الأحوذى ( فى المشى إلى المسجد ) وص 135 ج1 سنن ابن ماجه ( المشى إلى الصلاة ) و ( عليكم السكينة ) بالنصب أى ألزموها . ولكن المشهور فى الرواية الرفع على أن الجملة فى موضع الحال .(1/51)
وهو بعمومه بتناول الجمعة وغيرها ( وقالت ) الشافعية وأحمد ومحمد بن الحسن : هو خاص بغير الجمعة. أما الجمعة فلا تدرك فيها الجماعة إلا بإدراك ركعة مع الإمام . لما روى يحيى بن المتوكل عن صالح بن أبى الأخضر عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من أدرك من الجمعة ركعة فليْصلِّ إليها أخرى ، فإن أدركهم جلوساً صلى أربعاً . أخرجه البيهقى والدار قطنى . ويحيى وصالح ضعفهما غير واحد فلا يقبل ما زيد فى روايتهما من قوله : فإن أدركهم الخ . أخرجه ابن ماجه بغير هذه الزيادة وفى سنده عمر بن حبيب وقد اتفقوا على ضعفه . وأخرجه الحاكم من ثلاث طرق وقال : أسانيدها صحيحة "ورد" بأن فى أحدها صالح بن أبى الأخضر وقد ضعفه غير واحد . وفى أخرى حيى بن أيوب . وهو متروك لا يحتج به، وقال النسائى ليس بالقوى (1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 72 }
" ولقول " ابن مسعود : إذا أدركتَ ركعة من الجمعة فأضف إليها أخرى فإذا فاتك الركوع فصلّ أربعاً .
أخرجه البيهقى . وأخرج نحوه عن ابن عمر (2) . { 31 }
(
__________
(1) ص 203 ج3 – السنن الكبرى ( من أدرك ركعة من الجمعة ) وص 167 سنن الدار قطنى وص 187 ج1 سنن ابن ماجه ( من أدرك م لجمعة ركعة ) . وص 291 ج1 مستدرك .
(2) ص 204 ج3 – السنن الكبرى .(1/52)
ومشهور ) مذهب المالكية أنه لا يدرك فضل الجماعة فى الجمعة وغيرها إلا بإدراك ركعة مع الإمام ، لمفهوم حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة . أخرجه أحمد والأربعة والبيهقى . وأخرجه مسلم بلفظ : من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة . وفى رواية للنسائى : فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضى ما فاته(1) . ... ... ... ... { 73 }
بقوله : إلا أنه يقضى ما فاته ، اتضح معنى الحديث ، لأنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركاً كل الصلاة بحيث تبرأ ذمته : منها ، فلابد من إضمار تقديره : فقد أدرك فضل الجماعة بإدراك ركعة مع الإمام . ولا دليل لهم فى الحديث ، لاحتمال أن المعنى أدرك وقتها فيكون من أدرك ركعة فى الوقت فقد أدركها أداء ولو أتمها خارج الوقت : أو المراد أدرك حكمها فيما يفوته من سهو الإمام ولزوم الإتمام والوجوب فيكون الحديث محمولا على أرباب الأعذار. فمن زال عذره من نحو حيض أو جنون وقد بقى من الوقت ما يسع ركعة وجبت عليه تلك الصلاة.
(7) تفاوت الجماعة فى الفضل :
أصل فضل الجماعة يحصل بأقلها وفى أى مكان . فيجوز عند الجمهور فعلها فى البيت والصحراء (لحديث) جابر أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال : أعطيت خمساً لم يُعْطَهُنَّ أحد قبلى : نُصِرْتُ بالرُّعب مسيرة شهر ، وجُعِلتْ الأرضٌ لأمتى طَهوراً ومسجداً ، فأيما رجلٍ من أمتى أدركته الصلاة صلى حيث كان (الحديث) أخرجه الشيخان(2) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 74 }
__________
(1) ص 107 ج6 – الفتح الربانى . وص 290 ج6 – المنهل العذب ( من أدرك من الجمعة ركعة ) وص 210 ج1 مجتبى ( من أدرك ركعة من صلاة الجمعة ) وص 371 ج1 تحفة الأحوذى ( فيمن يدرك من الجمعة ركعة ) وص 179 ج1 سنن ابن ماجه . وص 104 ج5 نووى مسلم (من أدرك ركعة من الصلاة – المساجد ) .
(2) تقدم رقم 458 ص 312 ج1 – الدين الخالص طبعة ثانية ( التيمم ) .(1/53)
وعن بعض الحنبلية أن تأديتها فى المسجد واجب على من كان قريباً منه " لحديث " جابر وأبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لجار المسجد إلا فى المسجد . أخرجه الدار قطنى بسند ضعيف . وأخرجه الحاكم من حديث أبى هريرة وقال : وقد صحت الرواية عن أبى موسى : من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له (1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 75 }
( وأجاب ) الجمهور بأنه لا يعرف مرفوعاً إنما هو من قول على رضى الله عنه . وعلى فرض رفعه فليس له إسناد ثابت . قاله ابن حجر فى تخريج الرافعى(2) وعلى فرض ثبوته فالمراد من النفى نفى الكمال والفضيلة . فإن الأخبار الصحيحة صريحة فى أن الصلاة فى غير المساجد صحيحة .
هذا . ويكثر فضل الجماعة ويتزايد ثوابها بأمور أربعة :
(
__________
(1) ص 161 سنن الدار قطنى . وص 246 ج1 مستدرك .
(2) ص 431 ج6 فيض القدير للمناوى .(1/54)
الأول ) كثرة العدد : فكلما كثر عدد المصلين فيها زاد الثواب " لقول " أبىّ بن كعب : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبحَ فقال : أشاهدٌ فلان ؟ قالوا لا . قال : أشهد فلان ؟ قالوا لا . قال : إن هاتين الصلاتين أثقل الصلواتِ على المنافقين . ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حَبواً على الركب . وإن الصف الأولَ على مِثْلَ صفِّ الملائكة ولو علمتم ما فى فضيلته لا بتدر تموه . وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاتُه مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل . وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل . أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والبيهقى ، وابن حبان وابن خزيمة فى صحيحهما ، وصححه ابن السكن والعقيلى والحاكم وابن معين (1).
__________
(1) ص 170 ج5 الفتح الربانى . وص 244 ج4 – المنهل العذب ( فضل صلاة الجماعة ) وص 135 ج1 مجتبى ( الجماعة إذا كانوا اثنين ) وص 61 ج3 – السنن الكبرى ( فضل صلاة الجماعة ) والرماد ( بهاتين الصلاتين ) صلاة الصبح وصلاة العشاء . كما فى البيهقى . وهو يدل على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين . قال تعالى " ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى " وأثقلها عليهم الصبح والعشاء لأنهما مظنة التهاون والتكاسل ، فإنهما يؤديان فى وقت غفلة لا ينتهض لله عز وجل فيهما من فراشه ويترك لذيذ نومه إلا مؤمن تقىّ ، ولأنهما يؤديان فى ظلمة الليل وداعى الرياء الذى يصلى لأجله المنافقون ، منتف لعدم مشاهدة من يراءونه من الناس إلا القليل ، وليس لهم داع دينى يبعثهم ويسهل عليهم الإتيان لهما فانتفى عنهم الباعث الدينى والدنيوى . و ( على مثل صف الملائكة ) أى أن الصف الأول فى إتمامه واعتدال ونزول الرحمة على أهله كصف الملائكة يصطفون لعبادة الله تعالى ، أو أن أهل الصف الأول فى القرب من رحمة الله وبعد الشيطان عنهم ، لهم فضل وأحر مثل فضل وأجر الملائكة . و ( أزكى ) اى أكثر ثواباً وأبلغ فى تكفير الذنوب ..و ( ما كثر الخ ) أى والصلاة التى كثر فيها المصلون أكثر ثواباً (ومحبه الله ) كناية عن الرحمة والإحسان .(1/55)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 76 }
ففيه دليل على أن الصلاة فى المسجد الذى يكثر جمعه أفضل . ويستثنى منه مسألتان .
( أ ) إذا تعطل مسجد بغيبة واحد أو جماعة ، فالصلاة فيه أفضل وإن قل جمعه .
( ب ) إذا كان إمام مسجد الأكثر مبتدعاً ، فالصلاة فى غيره أفضل وإن قل جمعه .
( الثانى ) بعدُ المنزل عن المسجد : كلما كان المنزل أبعد كان الثواب أكثر ، لما فيه من كثرة الخطأ "ولحديث" أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : الأبعدُ فالأبعدُ من المسجد أعظم أجراً . أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقى والحاكم وصححه(1) . ... ... ... ... ... ... ... { 77 }
__________
(1) ص 306 ج5 – الفتح الربانى . وص 247 ج4 – المنهل العذب ( فضل المشى إلى الصلاة ) وص 136 ج1 سنن ابن ماجه ( الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً ) وص 64 ، 65 ج3 – السنن الكبرى ( فضل بعد المشى إلى المسجد ) .(1/56)
" ولحديث " سعيد بن المسيب عن رجل من الصحابة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة ، ولا يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة فليقرِّب أحدكم أو ليبعِّد فإن أتى المسجد فصلى فى جماعة غُفِر له . فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضاً وبقى بعضٌ ، صلى ما أدرك وأتم ما بقى كان كذلك . فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كذلك . أخرجه أبو داود والبيهقى (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 78 }
" ولقول " جابر بن عبد الله : كانت ديارنا نائية عن المسجد فأردنا أن نبيع بيوتنا فنقتربَ من المسجد فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن لكم بكل خطوة درجة . أخرجه مسلم(2). ... ... { 79 }
__________
(1) ص 261 ج4 – المنهل العذب ( الهدى فى المشى إلى الصلاة ) . وص 69 ج3 – السنن الكبرى ( من خرج يريد الصلاة فسبق بها ) (فليقرب أو ليبعد) بضم ففتح فشد الراء والعين مكسورتين ، أى فليقرب قدمه اليمنى من اليسرى إن أراد كثرة الحسنات أو يباعد بينهما إن لم يرد ذلك ، أو المراد ليقرب مسكنه من المسجد فتقل خطاه فيقل أجره ، وليباعد سكنه من المسجد فيكثر خطاه ويزداد أجره . ففيه تسلية للقاطنين البعيدين عن المسجد بكثرة الثواب المترتب على كثرة الخطأ حتى لا يحزنوا لبعدهم عنه ، وقد يستأنس لهذا بقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث = أبى موسى : إن أعظم الناس أجراً فى الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم : تقدم رقم 55 ص 34 ( حكم الجماعة ) والأمر فى فليقرب للإتاحة . والمراد بقوله: أو ليبعد ، النهى والزجر كما يقول الرجل لابنه وهو يتمرد عليه : افعل ما شئت ، وليس مراده بالأمر التمرد بل الزجر عن ذلك .
(2) ص 168 ج5 نووى مسلم ( فضل كثرة الخطأ إلى المساجد ) .(1/57)
" ولا تعارض " بين هذه الأحاديث وحديث حذيفة بن اليمان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : فضل الدار القريبة من المسجد على الدار الشاسعة كفضل الغازى على القاعد . أخرجه أحمد وحسنه المناوى وصححه السمِوطى (1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 80 }
" لأن " هذا وارد فى فضل البيت القريب من المسجد ، وأحاديث الباب فى فضل المشى إلى المسجد ، فالبعيد داراً مشيه أكثر وثوابه أعظم والبيت القريب أفضل . وقيل أحاديث الباب محمولة على من لم تتوقف عليه الجماعة ولا مصلحةُ المسجد . وحديث حذيفة محمول على من تتوقف عليه الجماعة أو مصلحة المسجد من إمام وغيره فسكناه قريباً من المسجد أفضل من بعده عنه . ولذا كانت مساكن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورؤساء الصحابة كأبى بكر قريبة من المسجد ، أو لقربه مزية أخرى وهى التمكن من ملازمة المسجد وكثرة التعبد فيه . فلكل مِنْ قُرب المسجد وبعده مزية خاصة .
( الثالث ) الصلاة فى الفلاة : ومما يزيد فى فضل الجماعة تأديتها فى الفلاة وهى الأرض المتسعة التى لا ماء فيها " لحديث " أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصلاةُ فى جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة ، فإذا صلاها فى فلاة فأتمّ ركوعَها وسجودها بلغت خمسين صلاة . أخرجه أبو داود والحاكم وصححه(2) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 81 }
__________
(1) ص 387 ج5 مسند أحمد ( حديث حذيفة بن اليمان رضى الله عنه ) .
(2) ص 255 ج4 – المنهل العذب ( فضل المشى إلى الصلاة ) وص 208 ج1 مستدرك ( فإذا صلاها فى فلاة ) أى إذا صلى الصلاة المعلومة من السياق وهى الصلاة فى جماعة كما قال ابن رسلان .(1/58)
وهو يدل على أفضلية الصلاة فى الفلاة مع تمام الركوع والسجود وأنها تعدل خمسين صلاة فى جماعة . وعليه فالصلاة فى الفلاة تعدل خمسين ومائتين وألف صلاة فى غير جماعة . وهذا على فرض أن المصلى فى الفلاة صلى منفرداً فإن صلى فى جماعة تضاعف العدد المذكور بحسب تضاعف صلاة الجماعة على الانفراد . وفضل الله واسع( وقد ورد ) فى فضل الصلاة فى الصحراء أحاديث أخَر "كحديث" عقبة بن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:يعَجْب ربك من راعى غنم فى رأس شَظِيَّةٍ بجبل يؤذن بالصلاة ويصلى فيقولُ الله عز وجل:انظروا إلى عبدى هذا يُؤذّن ويقيم الصلاةَ يخاف منى قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة.أخرجه أبو داود والنسائى(1) .{ 82 }
( والحكمة ) فى اختصاص صلاة الفلاة بهذه المزّية أن المصلىَ فيها يكون فى الغالب مسافراً . والسفر مظِنَّة المشقة فإذا صلاها المسافر مع حصول المشقة تضاعفت إلى ذلك المقدار . وأيضاً الفلاة فى الغالب من مواطن الخوف والفزع لما جبلت عليه الطباع البشرية من التوحّش عند مفارقة النوع الإنسانى ، فالإقبال مع ذلك على الصلاة أمر لا يناله إلا من بلغ فى التقوى إلى حد يقصر عنه كثير من أهل الإقبال والقبول . وأيضاً فى مثل هذا الموطن تنقطع الوساوس التى تقود إلى الرياء فإيقاع الصلاة فيها شأن أهل الإخلاص ( ومن ) ها هنا كانت صلاة الرجل فى البيت المظلم الذى لا يراه فيه أحد إلا الله عز وجل أفضل الصلوات على الإطلاق . وليس ذلك إلا لانقطاع حبائل الرياء الشيطانية التى يقتنص بها كثيراً من المتعبدين . فكيف لا تكون صلاة الفلاة مع انقطاع تلك الحبائل وانضمام ما سلف إلى ذلك بهذه المنزلة ؟
(
__________
(1) ص 56 ج7 – المنهل العذب ( الأذان فى السفر ) وص 108 ج مجتبى ( الأذان لمن يصلى وحده ) و ( شظية ) بفتح الشين وكسر الظاء وشد الياء ، أى قطعة مرتفعة فى رأس الجبل .(1/59)
الرابع ) الصف الأول : وهو الذى يلى الإمام ولو تخللته مقصورة ونحوها على الصحيح الذى يقتضيه ظاهر الأحاديث . والصلاة فيه أفضل لأن الله تعالى ينزل رحمته أولا على أهل الصف الأول والملائكة تستغفر لهم. ولأنهم حازوا فضيلة السبق والقرب من الإمام . وقد ورد فى ذلك أحاديث " كحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : خيرُ صفوف الرجال أولها وشرها آخرها . وخيرُ صفوف النساء آخرها وشرها أولها أخرجه السبعة إلا البخارى وقال الترمذى حديث حسن صحيح(1). ... ... ... ... { 83 }
وإنما كان خير صفوف النساء آخرها لما فيه من بعدهن عن الرجال بخلاف الصف الأول من صفوفهن فإنه مظنة المخالطة وتعلق قلوبهن بالرجال . " وحديث " النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأولى . أخرجه أحمد والبزار بسند رجاله ثقات (2) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 84 }
__________
(1) ص 307 ، 308 ج5 – الفتح الربانى . وص 159 ج4 نوى مسلم ( تسوية الصفوف وفضل الأول فالأول ) وص 69 ج5 – المنهل العذب (صف النساء وكراهة التأخر عن الصف الأول ) وص 131 ج1 مجتبى ( خير صفوف النساء وشر صفوف الرجال ) وص 192 ج1 تحفة الأحوذى ( فضل الصف الأول ) وص 162 ج1 سنن ابن ماجه ( صفوف النساء ) .
(2) ص 319 ج5 – الفتح الربانى . وص 91 ج2 مجمع الزوائد ( فى الصف الأول ) .(1/60)
" وحديث " عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله فى النار . أخرجه أبو داود وابن حبان والبيهقى . وأخرجه مسلم من حديث أبى سعيد بلفظ : لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله (1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 85 }
ففى هذه الأحاديث الترغيب فى المبادرة إلى الصف الأول ، لما فيه من كامل الثواب . لكن محله ما لم يترتب على الدخول فيه ضرر ، وإلا فلا ثواب فيه بل من تأخر عنه خشية الإضرار فله أجر زائد على الصف الأول " لحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذى أحداً أضعف الله له أجر الصف الأول. أخرجه الطبرانى فى الأوسط.وفى سنده نوح بن أبى مريم وهو ضعيف(2).{86}
(8) شروط الجماعة :
هى قسمان : ما يتعلق بالإمام ، وما يتعلق بالمأموم .
( أ ) فيشترط فى إمام الرجال الأصحاء تسعة شروط :
( الأول ) الإسلام : وهو شرط عام ، فلا تصح إمامة الكافر إجماعاً .
( الثانى ) العقل : فلا تصح إمامة المجنون المطبِق جنونهُ ، والسكران المعتوه أما من يُجنّ ويُفيق فتصح إمامته حال إفاقته .
(
__________
(1) ص 70 ج5 المنهل العذب ( كراهة التأخر عن الصف الأول ) وص 103 ج3 – السنن الكبرى . وص 158 ج4 نووى مسلم ( تسوية الصفوف .. وفضل الأول فالأول ) . وتأخيرهم فى النار بعدم إخراجهم منها أولا ، او عدم إدخالهم الجنة مع السابقين . وقلا النووى : يتأخرون عن الصفوف الأول حتى يؤخرهم الله عن رحمته وعظيم فضله ورفيع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك ولعل هذا التشديد فى حق م أداه تأخيره عن الصف الأول إلى ترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها،وإلا فمن أداها فى غير الصف الأول أو صلاها منفرداً لا يستحق دخول النار
(2) ص 95 ج2 مجمع الزوائد ( من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذى غيره ) .(1/61)
الثالث ) البلوغ : فلا تصح إمامة الصبى ولو مراهقاً للرجال لا فى فرض ولا فى نفل عند الحنفيين "لحديث" على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : رُفِع القلم عن ثلاثة : عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يبلغ ( الحديث ) أخرجه أحمد وأبو داود(1) . { 87 }
فإنه يفيد أن الصبى غير مكلف وصلاته نافلة فلا يجوز الاقتداء به ولأن الإمام ضامن وليس الصبى من أهل الضمان ، لأنه غير مكلف فأشبه المجنون والإمامة ولاية والصبى ليس من أهلها فأشبه المرأة ( وقالت ) المالكية والحنبلية : لا تصح إمامة صبى بالغ فى الفرض . وفى النافلة روايتان .
( وقال ) الحسن البصرى والثورى وإسحاق : تصح إمامة الصبى للبالغ فى الفريضة والنافلة . وبه قالت الشافعية إلا فى الجمعة إذا كان الإمام من العدد الذى لا تصح إلا به ، فإنه يشترط أن يكون الإمام بالغاً . وهذا التفضيل لا دليل عليه .
__________
(1) 238 ج2 – الفتح الربانى ( أمر الصبيان بالصلاة ) وص 140 ج4 سنن أبى داود ( المجنون يسرق أو يصيب حداً ) .(1/62)
ويدل على جواز إمامة الصبى مطلقاً ( قول عمرو ) بن سلِمة : كنا بحاضرٍ يمرّ بنا الناس إذا أتوا النبى صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا ، وكنت غلاماً حافظاً فحفظت من ذلك قرآنا كثيراً ، فانطلق أبى وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفر من قومه فعلمهم الصلاة وقال : يؤمكم أقرؤكم فكنت أقرأهم لما كنت أحفظ فقدمونى فكنت أؤمهم وعلىّ بُرْدةٌ لى صغيرة صفراء فكنت إذا سجدت تكشفت عنى ، فقالت امرأة : واروا عنا عورة قارئكم . فاشتروا لى قميصاً عُمَانيًّا فما فرحت بشئ بعد الإسلام فرحى به ، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين . أخرجه أحمد والبخارى والنسائى وأبو داود . واللفظ له(1) . ... ... ... ... ... ... ... ... { 88 }
( وأجاب ) الأولون عنه بأنه كان فى ابتداء الإسلام حيث لم تكن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام . (وقال) الخطابى : كان الإمام أحمد يضعف أمر عَمرو بن سلِمة وقال مرة : دعه ليس بشئ بّين(2) ورُدّ بأن عمرو
بن سلِمة صحابى مشهور . وقد ورد ما يدل على أنه وفد على النبى صلى الله عليه وسلم .
__________
(1) ص 231 ج5 – الفتح الربانى . وص 3 ج5 مسند أحمد ( حديث عمرو بن سلمة رضى الله عنه ) وص 16 ج8 فتح البارى ( باب من شهد الفتح ) وص 127 ج1 مجتبى ( إمامة الغلام قبل أن يحتلم ) وص 300 ج4 – المنهل العذب ( من أحق بالإمامة ) و ( الحاضر ) فى الأصل القوم ينزلون على ماء يقيمون به . والمراد به مكان إقامتهم ( وعمانياً ) نسبى إلى عمان بالضم والتخفيف ، موضع على بحر العرب فى الجنوب الشرقى من بلاد العرب ( أو ثمان ) وفى رواية البخارى : وأنا ابن ست أو سبع سنين . وفى رواية النسائى وأنا ابن ثمان سنين .
(2) ص 169 ج1 معالم السنن .(1/63)
" وأما القدح " فى الحديث بأن فيه كشف العورة وهو لا يجوز " فهو " من الغرائب ، كيف وقد ثبت أن الرجال كانوا يصلون عاقدى أُزُرهم ، ويقال للنساء لا ترفعْنَ رءُوسكُنّ حتى يستوىَ الرجال جلوساً .
( وقال ) الصنعاتى : دليل الجواز ( أى جواز إمامة الصبى ) وقوع ذلك فى زمن الوحى ولا يُقًرّ فيه على فعل ما لا يجوز سيما فى الصلاة ، وقد نبه صلى الله عليه وسلم بالوحى على القذى الذى كان فى نعله ، فلو كانت إمامة الصبى لا تصح لنزل الوحى بذلك . واحتمال أنه أمهم فى نافلة يبعده سياق القصة ، فإنه صلى الله عليه وسلم علمهم أوقات الفرائض ثم قال : يؤمكم أكثركم قرآناً . وفى رواية لأحمد وأبى داود : قال عمرو : فما شهدتُ مجمعاً من جَرْمِ إلا كنتُ إمامهم وكنت أصلى على جنائزهم إلى يومى هذا (1) . وهذا يعم الفرائض والنوافل . ويحتاج من يدعى التفرقة بين الفرض والنفل وأنه تصح إمامة الصبى فى هذا دون ذاك إلى دليل(2) .
( الرابع ) الذكور : فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى للرجال ، ولا إمامة المرأة للخنثى عند الأئمة والجمهور . " لحديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لاَ تؤُمَّنَّ امرأة رجلا . أخرجه ابن ماجه والبيهقى بسند رواهٍ فيه عبد الله بن محمد العدوى عن على بن زيد بن جدعان وهما ضعيفان ، بل العدوى اتهمه وكيع بوضع الحديث . وله طرق أخرى فيها عبد بن حبيب متهم بسرقة الحديث وتخليط الأسانيد (3). ... ... { 89 }
__________
(1) ص 29 ج5 مسند أحمد . وص 34 ج4 المنهل العذب . و ( جرم ) بكسر أو فتح فسكون بلاد قرب بذخشان . وبالفتح بطن من طيئ .
(2) ص 37 ج2 سبل السلام شرح الحديث رقم 13 ( صلاة الجماعة ) .
(3) ص 38 منه . وص 90 ج3 – السنن الكبرى ( لا يأتم رجل بامرأة ) .(1/64)
أما إمامة المرأة للنساء فقد تقدم بيانه وافياً (1) . وجملة القول أن كلا من الإمام والمقتدى إما ذكر أو أنثى أو خنثى ، وكل منهم إمام بالغ أو غيره . فالذكر البالغ تصح إمامته للكل اتفاقاً ، ولا يصح اقتداؤه إلا بمثله عند غير الشافعية . وقالت الشافعية . يصح اقتداؤه بمثله وبصبى مميز .
والأنثى البالغة تصح إمامتها لأنثى مطلقاً بلا كراهة عند الشافعى وأحمد ومع الكراهة عند الحنفيين ، ولا تصح إمامتها مطلقاً عند المالكية .
ويصح اقتداؤها بالرجل اتفاقاً . واقتداؤها بمثلها وبالخنثى البالغ صحيح بلا كراهة عند الشافعى وأحمد . ومع الكراهة عند الحنفيين . ولا يصح عند المالكية .
والخنثى البالغ تصح إمامته للخنثى مطلقاً عند غير المالكية . ولا تصح إمامته لرجل ولا لمثله اتفاقاً . ويصح اقتداؤه برجل لا بمثله ولا بأثنى مطلقاً اتفاقاًَ . والذكر غير البالغ تصح إمامته لغير البالغ مطلقاً اتفاقاً . وكذا يؤم البالغ عند الشافعية . ويصح اقتداؤه بالذكر اتفاقاً .
والأنثى غير البالغة تصح أمامتها لمثلها فقط عند غير المالكية ، ويصح اقتداؤها بالكل اتفاقاً .
والخنثى غير البالغ تصح إمامته لأنثى غير بالغة فقط خلافاً لمالك . ويصح اقتداؤه بالذكر مطلقاً فقط اتفاقاً.
( الخامس ) كون الإمام قارئاً : أى يحفظ ما تصح به الصلاة . فلا تصح إمامة الأمى للقارئ ، لأن القراءة ركن الصلاة ، فلا يصح اقتداء القادر عليه بالعاجز عنه كالطهارة وستر العورة ، لأن الإمام يتحملها عن المأموم كما تقدم . وليس الأمى من أهل التحمل . وهو :
( أ ) من لا يسحن ما تصح به الصلاة من الفاتحة أو ما تيسر من القرآن كما تقدم بيانه (2) .
(
__________
(1) تقدم ص 40 ( جماعة النساء ) .
(2) تقدم ص 141 – 144ج2 الدين الخالص ( القراءة ) .(1/65)
ب ) أو ينطق بالحروف على غير وجهها عند غير المالكية ، كأن يبدل السين ثاء . أو الذال زاياً أو الراء غيناً أو لاماً وهو الألثغ ، أو يدغم منها حرفاً لا يدعم كأن يقول ( المتَّقيم ) بدل ( المستقيم ) وهو الأرت . وقيل هو الذى فى لسانه عجلة تسقط بعض الحروف .
( ج ) أو يَلْحَنَ فى القرآن لحناً يخل المعنى كفتح همزة ( اهدنا ) وضم أو كسر تاء ( أنعمت ) .
( د ) ومن الأمى عند الحنفيين التأتاء ( وهو الذى يكرر التاء ) والفأفاء ( وهو الذى يكرر الفاء ) فلا تصح إمامتهما إلا لمثلها عندهم . وقال غيرهم : تصح إمامتهما لغير من يماثلهما مع الكراهة . ومثلهما عن المالكية الألثغ والأرت وكل من لا يستطيع النطق ببعض الحروف أو يدغم حرفاً فى غير موضعه فتصح إمامته للسالم من هذا النقص ولو وَجد من يعلمه واتسع الوقت لتعليمه ولا يلزمه الاجتهاد فى إصلاح لسانه . ويجب على الأمى أن يجتهد فى حفظ ما تصح به الصلاة وفى إصلاح لسانه ورده إلى الصواب ، أو يقرأ ما يستقيم فيه لسانه من القرآن . فإن قصرّ مع القدرة بطلت صلاته وإمامته لمثله . وإن عجز عن ذلك صحت صلاته وإمامته لمثله وإن وُجد قارئ يصلى بهما خلافاً للمالكية حيث قالوا : إن وجد قارئ وجب عليهما الاقتداء به ، وإلا بطلت صلاتهما .
( السادس ) سلامة الإمام من الأعذار : كالرعاف الدائم وانفلات الريح وانطلاق البطن وسلس البول . فلا تصح إمامة معذور لغير معذور ولا لمعذور مبالى بغير عذره كاقتداء مبطون بمن به سلس عند كافة العلماء ، خلافاً للمالكية حيث قالوا : لا يشترط فى صحة الإمامة سلامة الإمام من عذر معفوّ عنه فى حقه كسلس بول لازمه ولو نصف الزمن ، كما تقدم فى بحث " وضوء المعذور " فتصح إمامته للصحيح مع الكراهة .
((1/66)
السابع ) سلامة الإمام من فقد شرط من شروط صحة الصلاة : كستر العورة والطهارة من الحدث والخبث . فلا تصح إمامة العارى القدر على الستر للمكتسى اتفاقاً ، وكذا إمامة العارى العاجز عن السترة للمكتسى خلافاً للمالكية حيث قالوا بجوازها مع الكراهة .
ولا تصح إمامة غير المتطهر من الحدث والنجس لمن هو متطهر منهما . ولا تصح صلاة المحدث مطلقاً اتفاقاً ، لفقد شرط صحة الصلاة ، وكذا إذا صلى بالنجاسة ولم يعلم بها إلا بعد الصلاة خلافاً للمالكية حيث قالوا : إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة ، لأن الطهارة من الخبث شرط لصحة الصلاة مع الذكر كما تقدم .
أما صلاة المأموم ففيها تفصيل :
( أ ) إن كان الإمام متعمداً الحدث ولم يعلم المأموم حاله أصلا فصلاته صحيحة اتفاقاً . وإن علم بحاله قبل
الصلاة فصلاته باطلة اتفاقاً وكذا إن علم به أثناء الصلاة خلافاً للشافعية حيث قالوا : من علم بحدث إمامه فى أثناء الصلاة لزمه نية المفارقة وأتم صلاته ، فإن استمر متابعاً ولم ينو المفارقة بطلت . وإن علم بحدث إمامه بعد الصلاة فصلاته باطلة عند الحنفيين ومالك . وصحيحة وله ثواب الجماعة عند الشافعية والحنبلية .
( ب ) وإن لم يتعمد الإمام الحدث بأن دخل فى الصلاة ناسياً الحدث ، فصلات باطلة اتفاقاً لفقد الشرط.وأما صلاة المأموم فصيحة إن لم يعلم بحال إمامه أصلا.وكذا إن علم به بعد الصلاة عند المالكية والشافعية والحنبلية والثورى وإسحاق"لحديث"جُويبر عن الضحاك بن مزاحم عن البراء بن عازب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:أيُّمَا إمام سها فصلى بالقوم وهو جنب فقد مضت صلاتهم ثم ليغتسل هو ثم ليْعد صلاته،فإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك.أخرجه الدار قطنى وهو حديث ضعيف فإن جويبراً متروك.والضحاك لم يلق البراء(1) {90 }
__________
(1) ص 139 سنن الدار قطنى . وص 58 ج2 نصب الراية ( الإمامة ) .(1/67)
" ولحديث " أبى جابر البيَاضى عن سعيد بن المسيب أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بالناس وهو جنب فأعاد وأعادوا . أخرجه الدار قطنى وقال : هذا مرسل وأبو جابر البياضى متروك الحديث . وقال يحيى بن معين : هو كذاب (1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 91 }
" ولحديث " أبى أمامه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : الإمام ضامن والمؤذن مُوتمنٌ . أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير بسند رجاله موثقّون وأخرجه أحمد والبيهقى والبزار عن أبى هريرة بسند صحيح على شرط مسلم بزيادة : فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين (2) . ... ... ... ... ... ... ... { 92 }
فقد دل على أن الإمام ضامن صلاة المأمومين ، وأن صحة صلاة المأموم بصحة صلاة الإمام . وفسادها بفسادها ( روى ) أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال : إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة من خلفه . أخرجه محمد فى الآثار وقال : وبه نأخذ إذا صلى الرجل بأصحابه جنباً أو على غير وضوء أو فسدت صلاته بوجه من الوجه فسدت صلاة من خلفه (3) . { 32 }
وهو عام فى العمد والنسيان ، لكن هذه الأدلة كما ترى لا وزن لها بجانب الأحاديث الصحيحة القاضية بأنه لا إعادة على من لم يعلم بحدث إمامه إلا بعد الصلاة .
__________
(1) ص 139 سنن الدار قطنى . وص 58 ج2 نصب الراية ( الإمامة ) .
(2) ص 260 ج5 مسند أحمد ( حديث أبى أمامه الباهلى رضى الله عنه ) وص 419 ج2 منه ( مسند أبى هريرة رضى الله عنه ) . وص 127 ج3 – اسنن الكبرى ( كراهية الإمامة ) وص 2 ج2 مجمع الزوائد ( الإمام ضامن ) .
(3) رقم 144 ص 30 – الآثار لأبى يوسف .(1/68)
هذا . وجملة القول ما قال ابن رشد : اتفقوا على أنه إذا طرأ على الإمام الحدث فى الصلاة فقطع أن صلاة المأمومين لا تفسد . واختلفوا إذا صلى بهم وهو جنب وعلموا بذلك بعد الصلاة . فقال قوم " يريد الشافعى وأحمد " صلاتهم صحيحة . وقال قوم " يعنى الحنفيين " صلاتهم فاسدة . وفرّق قوم " يعنى مالك " بين أن يكون الإمام عالماً بجنابته فتفسد صلاتهم أو ناسياً لها فلا تفسد . وسبب اختلافهم هل صحة انعقاد صلاة المأموم مرتبطة بصحة صلاة الإمام أم ليست بمرتبطة ؟ فمن لم يرها مرتبطة " كالشافعى وأحمد " قال : صلاتهم جائزة . ومن رآها مرتبطة "كالحنفيين" قال صلاتهم فاسدة . ومن فرّق بين السهو والعمد قصد إلى ظاهر حديث أبى بكر أن النبى صلى الله عليه وسلم استفتح الصلاة فكبر ثم أومأ إليهم أنْ مكانَكم ثم دخل فخرج ورأسه يقطرُ فصلى بهم . فلما قضى الصلاة قال : إنما أنا بشِر وإنى كنت جنباً . أخرجه أبو داود وأحمد . وهذا لفظه (1) . ... ... ... { 93 }
فإن ظاهره أنهم بنوا على صلاتهم والشافعى يرى أنه لو كانت الصلاة مرتبطة للزم أن يبدءوا بالصلاة مرة ثانية(2).
( أ ) بأن هذا الحديث مختلف فى وصله وإرساله فلا يحتج به .
( ب ) بأن قوله فيه : فكبر يعارضه حديث أبى هريرة قال : أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم وهو جنب فقال : على مكانِكم فرجع فاغتسل ثم خرج ورأسه يقطر ماء فصلى بهم . أخرجه البخارى وأبو داود(3). ... ... ... ... ... ... ... ... { 94 }
__________
(1) ص 315 ج2 – المنهل ( الجنب يصلى بالقوم وهو ناس ) وص 252 ج5 الفتح الربانى .
(2) ص 122 ج1 بداية المجتهد ( الفصل السابع ) فيما إذا فسدت صلاة الإمام هل يتعدى الفساد إلى المأمومين ؟
(3) ص 83 ج2 فتح البارى ( إذا قال الإمام مكانكم ) وص 321 ج2 المنهل العذب ( الجنب يصلى بالقوم وهو ناس ) .(1/69)
فهذا الحديث صريح فى أنه صلى الله عليه وسلم انصرف قبل أن يكبر وهو أصح فهو مقدم . والظاهر القول بصحة صلاة المأموم الذى تبين فساد صلاة إمامه لنسيان الحدث . وهو مذهب مالك والشافعى وأحمد "وأجابوا" " أولا " عن حديث أبى جابر البياضى بأنه ضعيف لا يحتج به ، وعلى فرض ثبوته فهو محمول على غير نسيان الحدث " وثانياً " عن حديث : الإمام ضامن بأن المعنى أنه ضامن لما يقع من أعمال لا تبطل صلاتهم ما دام إماماً لهم . وهذا لا يستلزم أنه إذا بأن حدثه فسدت صلاة من خلفه .
( الثامن ) من شروط الإمام صحة صلاته فى اعتقاد المأموم عند الحنفيين :
فلو فسدت صلاة الإمام فى زعم المقتدى كأن صلى حنفى خلف شافعى قاء ملء الفم ولم يتوضأ ، أو صل شافعى خلف حنفى مس ذكره مثلا ، فصلاة المأموم باطلة ، لفساد صلاة الإمام فى زعمه ، ومتى عُلم أن الإمام يراعى الخلاف فى الشروط والأركان صح اقتداء به بلا كراهة ( قال ) العلامة الحلبى : وأما الاقتداء بمخالف فى الفروع كالشافعى فيجوز ما لم يُعلم منه ما يُفسد الصلاة على اعتقاد المقتدى(1) .
( وقالت ) المالكية والحنبلية : ما كان شرطاً فى صحة الصلاة فالعبرة فيه بمذهب الإمام . وما كان شرطاً فى صحة الاقتداء فالعبرة فيه مذهب المأموم . فلو اقتدى من يرى فرضية مسح كل الرأس كمالكىّ وحنبلى بمن لم يمسحها كلِّها كحنفىّ وشافعىّ فصلاته صحيحة ، لصحة صلاةِ إمامه فى مذهبه . ولو اقتدى مالكى فى فرض بشافعى متنفّل فصلاته باطلة ، لأن اتحاد صلاة الإمام والمأموم شرط فى صحة الاقتداء كما سيأتى . هذا ما قاله الفقهاء . والمعوّل عيه صحة الاقتداء بالمخالف فى الفروع من غير كراهة ، لأن الصحابة والسلف الصالح كان يؤم بعضهم بعضاً مع اختلافهم فى الفروع فكان إجماعاً .
(
__________
(1) ص 516 غنية المتملى فى شرح منية المصلى ( الأولى بالإمامة ) .(1/70)
قال ) ابن عابدين : والذى يميل إليه القلب عدم كراهة الاقتداء بالمخالف ما لم يكن غير مراع فى الفرائض ، لأن كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا أئمة مجتهدين وهم يصلون خلف إمام واحد مع تباين مذاهبهم(1).
( التاسع ) ألا يكون الإمام مأموماً : فلا تصح إمامة المأموم حال اقتدائه اتفاقاً وكذا بعد سلام الإمام وإن أدرك معه أقل من ركعة عند الحنفيين .
( وقالت ) المالكية : لا يصح الاقتداء به إن أدرك ركعة أو أكثر مع الإمام وإلا صح الاقتداء به ، لأنه لم تثبت له حكم المأمومية .
( وقالت ) الشافعية والحنبلية : يصح الاقتداء بالمسبوق مطلقاً فى غير الجمعة ولا يصح الاقتداء به فى الجمعة .
(ب) وشروط المأموم " وتسمى شروط الاقتداء سبعة " :
(
__________
(1) ص 147 ج2 رد المختار ( الاقتداء بشافعى ونحوه هل يكره ؟ ) .(1/71)
الأول ) نية المأموم الاقتداء . وهى شروط فى غير صلاة الجماعة شرط فى صحتها كالجمعة والعيد عند الحنفيين . وشروط فى كل الصلوات عند غيرهم ويلزم مقارنتها للتحريمة خلافاً للشافعية حيث قالوا : تصح نية الاقتداء فى أثناء الصلاة مع الكراهة إلا ما تشترط فيه الجماعة كالجمعة ، فإنه لابد فيه من من مقارنة نية الاقتداء للتحريمة . وهو رواية عن أحمد . والصحيح عنه ما عليه الجمهور . قال ابن قدامة : قال أحمد فى رجل دخل المسجد فصلى ركعتين أو ثلاثاً ينوى الظهر ثم جاء المؤذن فأقام الصلاة ، سلم من هذه وتصير له تطوعاً ويدخل معهم ، قيل له فإن دخل فى الصلاة مع القوم واحتسب به ، قال : لا يجزيه حتى ينوى الصلاة مع الإمام فى ابتداء الفرض (1) هذا . ولا يجوز لمن بدأ صلاته فى جماعة أن يخرج مها بنية المفارقة إلا لضرورة كأن أطال عليه الإمام " لحديث " أبى الزبير عن جابر قال : كان معاذ يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع فيصلى بقومه فأخر النبى صلى الله عليه وسلم ليلة العشاء فصلى معاذ مع النبى صلى الله عليه وسلم . ثم جاء يؤم قومه فقرأ البقرة فاعتزل رجل من القوم فقيل نافقتَ يا فلان قال : ما نافقت . فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك . فقال : يا معاذ أفتان أنت ؟ أفتان أنت ؟ اقرأ بكذا اقرأ بكذا ، قال أبو الزبير : بسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود بألفاظ متقاربة(2). ... ... ... { 95 }
ولم يأمر النبى صلى الله عليه وسلم الرجل بالإعادة ولا أنكر عليه فعله .
__________
(1) ص 62 ج2 مغنى ( نية الإمامة ) .
(2) ص 240 ج5 الفتح الربانى . وص 132 ج2 فتح البارى ( إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج وصلى ) . وص 181 ج4 نووى مسلم ( القراءة فى العشاء ) وص 212 ج5 المنهل العذب ( تخفيف الصلاة ) .(1/72)
ومن الضرورة التى تبيح نية المفارقة طروء مرض أو خشية غلبة النعاس أو شئ يفسد صلاته أو خوف فوات مال أو تلفه أو فوت رفقة .
وإن فعل ذلك لغير عذر فسدت صلاته عند الجمهور ، لأنه ترك متابعة إمامه لغير عذر ( وقالت ) الشافعية: تصح صلاته مع الكراهة . وهو رواية عن أحمد كما لو نوى المنفرد كونه مأموماً . واستثنوا ما تشترط فيه الجماعة كالجمعة .
والأفضل عدم تعيين الإمام لعدم وروده ، لأنه لو عينه فظهر خلافه فسدت صلاته . وأما نية الإمام فليست شرطاً بل مستحية ، ليحوز ثواب الجامعة " قال " أنس : كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى رمضانَ فجئت فقمت إلى جنبه وجاء رجل فقام إلى جنبى ثم جاء آخر حتى كنا رهْطاً فلما أحس النبى صلى الله عليه وسلم أنّا خلفه تجوّز فى صلاته ( الحديث ) أخرجه أحمد ومسلم (1). ... ... ... ... ... ... { 96 }
__________
(1) ص 193 ج3 مسند أحمد ( مسند أنس بن مالك رضى الله عنه ) وص 213 ج7 نووى مسلم ( النهى عن الوصال ) والرهط ما دون العشرة من الرجال و ( تجوز ) أى خفف واقتصر على الأركان مع بعض المندوبات للمصلحة .(1/73)
وهو ظاهر فى أنه صلى الله عليه وسلم ينو الإمامة ابتداء وقد ائتموا به وأقرهم " وعن " أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يصلّى وحده فقال : ألا رجل يتصدقُ على هذا يصلّى معه ؟ فصلّى معه رجل . أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى والبيهقى والحاكم وصححه (1) . ... ... ... { 97 }
والظاهر أن الرجل كان يصلى فريضة . وتقدم حديث اقتداء ابن عباس بالنبى صلى الله عليه وسلم فى صلاة الليل (2).
وفى المسألة تفصيل تقدم بيانه فى بحث " النية " من أركان الصلاة (3) . ويزداد هنا أن الحنابلة قالوا : لا تٌشترط نية الإمامة فى النافلة لما تقدم . أما فى الفريضة فإن كان يَنتظر أحداً كإمام المسجد يٌحرمِ وحده وينتظر من يأتى فيصلى معه فيجوز ؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم أحرم وحده ثم جاء جابر وجُبارة فأحرما معه فصلى بهما ولُم ينكر فعلَهما . والظاهر أنها كانت صلاة مفروضة لنهم كانوا مسافرين . وإن لم يكن كذلك فقد روى عن أحمد أنه لا يصح . ذكره ابن قدامة (4) .
(
__________
(1) ص 434 ج5 – الفتح الربانى . وفيه : من يتجر على هذا . وص 276 ج4 – المنهل العذب ( الجمع فى المسجد مرتين ) وص 189 ج1 تحفة الأحوذى ( الجماعة فى مسجد قد صلى فيه ) وعنده : أيكم يتجر على هذا ؟ وص 69 ج3 – السنن الكبرى ( الجماعة فى مسجد قد صلى فيه) وص 209 ج1 مستدرك . والمراد بالتصدق تحصيل الثواب لأنه بصلاته معه صار كأنه تصدق عليه بثواب ست وعشرين صلاة ، ولو صلى منفرداً لم يحصل له إلا ثواب صلاة واحدة و ( الرجل ) المتصدق هو أبو بكر الصديق رضى الله عنه كما فى رواية البيهقى .
(2) تقدم رقم 59 ص 39 ( الجماعة فى غير الصلوات الخمس ) .
(3) تقدم ص 128 ج2 طبعة ثانية .
(4) ص 60 ج2 – مغنى .(1/74)
الثانى ) عدم تقدم المأموم على الإمام عند غير مالك ؛ لحديث : إنما جعل الإمام لِيُؤتمَّ به فقلا تختلفوا عليه . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقى عن أبى هريرة (1) . ... ... ... ... { 98 }
ومن شأن التابع ألاَّ يتقدم على متبوعه لا فى فعل ولا فى مكان . والعبرة فى القائم بالعقب وإن تقدمت أصابع المأموم ، وفى القاعد بالألية ، وفى المومى بالرأس حتى لو كان رأسه خلف الإمام ورجلاه قدّام صح ، وعلى العكس لا يصح . والمصلى على جنبه بالإيماء يلزم أن يكون خلف ظهر الإمام أو محاذياً له . فإن تقدم المأموم على إمامه بشئ مما ذكر لم تصح صلاته لأن هذا لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا هو فى معنى المنقول كمن صلى فى بيته بصلاة الإمام كما سيأتى . وقد واظب النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تقدمه فى الإمامة .
( وقالت ) المالكية : يصح فى غير الجمعة تقدّم المأموم على إمامه مع الكراهة إلا لضرورة ( قال ) العلامة الرهونى : قال مالك : لا بأس بالصلاة فى دور محجورة بصلاة الإمام فى غير الجمعة إذا رأوا عمل الإمام والناسِ من كُوى لها أو مقاصير ، أو سمعوا تكبيره فيكبرون ويركعون بركوعه ويسجدون بسجوده فذلك جائز . وقد صلى أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى حُجَرهنّ بصلاة الإمام . قال مالك : ولو كانت الدور بين يدى الإمام كرهتُ ذلك . فإن صلّوا فصلاتهم تامة . وقد بلغنى أن دار آل عمر بن الخطاب وهى أمام القبلة كانوا يصلون فيها بصلاة الإمام فيما مضى ولا أُحبّه فإن فعله أحد أجزأه(2) .
__________
(1) ص 273 ج5 – الفتح الربانى . وص 147 ج2 = فتح البارى ( إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة ) وص 233 ج4 نووى مسلم ( ائتمام المأموم بالإمام ) وص 330 ج4 المنهل العذب ( الإمام يصلى من قعود ) وص 92 ج2 – السنن الكبرى .
(2) ص 102 ج2 حاشية الرهونى على شرح الزرقانى لخليل ( الإمامة ) .(1/75)
أما لو ساوى المأموم الإمام فصلاته صحيحة بلا كراهة خلافاً للشافعية حيث قالوا بكراهة المساواة .
( الثالث ) علم المأموم بانتقالات الإمام برؤية أو سماع مه أو من المقتدى فيصح الاقتداء وإن بعدت المسافة وحالت أبنية لا تمنع من العلم بانتقالات الإمام وإن لم يكن الوصل إليه . أو اختلف المكان كمسجد وبيت " لقول " عائشة رضى الله عنها : كان رسولُ الله صل الله عليه وسلم يصلى من الليل فى حُجرته وجِدار الحُجْرة قصير ، فرأى الناسُ شخصَ النبى صلى الله عليه وسلم فقام ناس يصلون بصلاته فأصبحوا فتحدثوا بذلك فقام الليلةَ الثانيةَ فقام معه ناس يصلون بصلاته ( الحديث ) . أخرجه البخارى والبيهقى(1) . ... ... ... { 99 }
" ولحديث " أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى ليلة فى حُجْرته فجأة أناس فصلوا بصلاته فخفّف فدخل البيت ثم خرج فعاد مراراً كل ذلك يصلى . فلما أصبح قالوا : يا رسول الله صلينا معك البارحة ونحن نحب أن تمد فى صلاتك ، قال علمتُ بمكانكم وعمداً فعلتُ ذلك . أخرجه أحمد(2) . { 100 }
__________
(1) ص 145 ج2 فتح البارى ( إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة ) وص 110 ج3 – السنن الكبرى ( صلاة المأموم بصلاة الإمامم فى المسجد إن كان بينهما مقصورة ) .
(2) ص 199 ج3 مسند أحمد ( مسند أنس بن مالك رضى الله عنه ) .(1/76)
ففى هذه الأحاديث دلالة على جواز اقتداء المأموم بالإمام وبينهما حائل إذا عَلم انتقالات إمامه . وبه قال البخارى وغيره ( قال فى صحيحه ) وقال الحسن : لا بأس أن تصلى وبينك وبينه نهر . وقال أبو مْجِلَز : يأتم بالإمام وإن كان بينهما طريق أو جِدار إذا سمع تكبير الإمام(1) وقد أخرجه عبد الرازق عن معتمر بن التيمى عن أبيه عن أبى مجلز . وهو مسند صحيح وروى سعيد بن منصور بسند صحيح أن الحسن البصرى قال فى الرجل يصلى خلف الإمام أو فوق سطح يأتم به : لا بأس بذلك . أفاده الحافظ (2) .
وفى المسألة تفصيل للفقهاء . فعند الحنفيين المالكية : العبرة بمعرفة انتقالات الإمام برؤية أو غيرها ، لا فرق فى ذلك بين سجد وغيره ، غير أن المالكية يشترطون فى الجمعة أن تكون فى المسجد ، ويلحق به رحبته والطرق الموصلة إليه . فلو اقتدى فيها من لم يكن بالمسجد بمن فى المسجد لا تصح .
( والحنفيون ) يشترطون ألاّ يفصل بين الإمام والمأموم والمأموم طريق تمر فيه العجلة أو نهر يمر فيه الزورق . فلو اقتدى من كان بمنزله بمن فى المسجد صح إن لم يوجد مانع من نحو طريق ونهر ولم يشتبه عليه حال الإمام ، وإلا لا تصح صلاة المأموم " لقول " عمر رضى الله عنه فى الرجل يصلى بصلاة الإمام : إذا كان بينهما نهر أو طريق أو جدار فلا يأتم به . أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنّفه وعبد الرزاق فى جامعه . { 33 }
(
__________
(1) ص 145 ج2 فتح البارى ( إذا كان بين الإمام والقوم حائط أو سترة ) .
(2) ص 145 ج2 فتح البارى ( الشرح ) .(1/77)
وقالت ) الشافعية والحنبلية : إن كان المأموم والإمام فى المسجد وحالت بينهما أبنية صحت الصلاة إن علم المأموم بانتقالات الإمام وإن بعدت المسافة بينهما . وإن كانا خارج المسجد أو كان الإمام فيه والمأموم خارجه صحت القدوة عند الحنبلية إن رأى المأموم الإمام أو مَن خلفه ولو كانت الرؤية من نافذة أو زادت المسافة بينها على ثلثمائة ذراع . وعند الشافعية إن كانت الصلاة بغير المسجد يشترط ألا يزيد ما بين الإمام والمأموم وبين كل صف وآخر على ثلثمائة ذراع . وألاّ يكون بينهما حائل يمنع المرور والرؤية اتفاقاً ، أو يمنع أحدهما على الأصح. ويُغفر الشارع المطروق والنهر ولو احتاج إلى سباحة .
والظاهر ما ذهب إليه الأولون من أن المدار على ضبط المأموم أحوال الإمام ، ولا دليل على ما ذكر من اعتبار الأذرع (1) .
(
__________
(1) تنبيه : علم مما ذكر فى الشرط الثالث من شروط الاقتداء أنه لا تصح صلاة الجمعة فى غير المسجد من الأماكن التى يصل إليها صوت = الخطيب بوساطة المذياع " الراديو " لأن المؤتم العالم بانتقالات الإمام بوساطة المذياع ل يخلو ، إما أن يكون متقدماً على الإمام أو متأخراً عنه. فإن كان متقدماً فصلاته باطلة عند غير المالكية لتقدمه على إمامه ، ولوجود الحائل الذى يمنع من الوصول للإمام ورؤيته أو رؤية من خلفه عند الشافعية والحنبلية ، وباطلة عند المالكية لأنها لا تصح فى غير المسجد عندهم . وإن كان المأموم متأخراً عن الإمام فصلاته باطلة عند الحنفية للفصل بين الإمام والمأموم بالطريق التى تسير فيها المجلات ، وعند الشافعية والحنبلية لوجود الحائل المانع من الوصول إلى الإمام ورؤيته أو رؤية من خلفه ، وعند المالكية لتأديتها فى غير المسجد وهو شروط فى صحتها عندهم .(1/78)
الرابع ) متابعة المأموم الإمام : وهى أن يكون شروع المأموم فى أعمال الصلاة بعد شروع الإمام فيها لما تقدم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه . فإذا كبّر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر . وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع . وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد . وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد (1) " ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يأيها الناس إنى إمامكم فلا تسبقونى بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف . أخرجه أحمد ومسلم (2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 101 }
__________
(1) تقدم رقم 98 ص 65 .
(2) ص 102 ج3 مسند أحمد ( مسند أنش رضى الله عنه ) وص 105 ج4 نووى مسلم ( تحريم سبق الإمام ) والمراد بالانصراف : السلام .(1/79)
" والحديث " يدل على أن مشروعية الإمامة ليُقتدىَ بالإمام ، ومن شأن التابع والمأموم ألاّ يقتدم على متبوعه ولا يساويه فى أعماله ولا يتقدم عليه فى موقفه بل يراقب أحواله ويأتى على أثرها بنحو فعله ، فلا يخالفه فى شئ من الأحوال وقد فصل الحديث ذلك بقوله : فإذا كبر الخ ، فمن خالفه فى شئ مما ذكر فد أثم . ولا تفسد صلاته بذلك إلا إن خالف فى تكبيرة الإحرام بتقديمها على تكبيرة الإمام فإنها لا تنعقد صلاته معه لأنه لم يجعله إماماً . ويدل على عدم فساد الصلاة بمخالفته لإمامه أنه صلى الله عليه وسلم توعّد من سبق الإمام فى ركوعه أو سجوده بأن الله يجعل رأسه رأس حمار ، ولو يأمره بإعادة صلاته ولا قال فإنه لا صلاة له . قال الصنعانى(1) . وعلى اشتراط المتابعة اتفقت الأئمة . وفيها تفصيل للفقهاء ( فعند ) الحنفيين المتابعة هى مشاركة المأموم للإمام فى فعل الأركان ، بأن يشرع فيها معه أو عقبه أو يأتى بها متراخياً عن الإمام ولكنه يدركه فى الركن قبل الدخول فى الركن الذى بعده ؛ فلو ركع إمامه فشرع معه أو عقبه وشاركه فيه أو ركع بعد رفع إمامه وقبل أن يهبِط للسجود يكون متابعاً له فى الركوع . أما أو ركع ورفع قبل الإمام ولم يعد إليه معه أو بعده ولو فى ركعة جديدة بطلت صلاته . ولو ركع وسجد قبل الإمام ألغيت تلك الركعة وعليه قضاؤها بعد سلام الإمام ، وإلا بطلت صلاته . ولو ركع وسجد قبل الإمام ألغيت تلك الركعة وعليه قضاؤها بعد سلام الإمام ، وإلا بطلت صلاته . وهذا بيان للمتابعة التى تركُها يبطل الصلاة ، فلا ينافى أن مساواة المأموم الإمام فى الأركان مكروهة مفوّتة لفضيلة الجماعة ، وعليه يحمل حديث أبى هريرة السابق أول البحث .
(
__________
(1) ص 29 ج2 سبل السلام ( صلاة الجماعة ) .(1/80)
وقالت ) المالكية : المتابعة هى أن يشرع المأموم فى الفعل بعد شروع الإمام فلا يسبقه ولا يساويه ولا يتأخر بحيث لا يركع حتى يفرغ الإمام من الركوع ، ولا يسجد حتى يرفع الإمام من السجود . وهى قسمان :
( أ ) ما هو شرط فى صحة صلاة المأموم وهى المتابعة فى الإحرام والسلام فلو بدأ بواحد منهما قبل الإمام أو ساواه بطلت صلاته ولو ختمه بعده إلا إذا سلم قبله سهواً فإنه يعيد السلام بعده وتصح صلاته .
( ب ) ما ليس شرطاً ولكن يحرم تركه أو يكره ، وهى المتابعة فى غير الإحرام والسلام ، فلو ساوى المأموم إمامه فى الركوع أو السجود مثلا صحت صلاته مع كراهة ، ولو سبقه إلى الركوع أو السجود فإن انتظر الإمام حتى ركع واطمأن معه صحت صلاته مع الحرمة إن تعمد السبق . وإن لم ينتظره بل رفع قبله بطلت صلاته لعدم متابعته فى الركوع إلا إن رفع ساهياً فإنه يعود . وإن تأخر عن إمامه حتى انتهى من الركن كأن لم يركع حتى رفع إمامُه منه . فإن تعمد ذلك فى الركعة الأولى بطلت صلاته ، وإن كان ساهياً ألغى هذه الركعة وقضاها بعد سلام الإمام . وإن فعل ذلك فى غير الركعة الأولى متعمداً صحت صلاته مع الإثم ( وقالت ) الشافعية : المتابعة تشمل ثلاثة أمور : ( الأول ) ألاّ يشرع المأموم فى الإحرام إلا بعد انتهاء إحرام الإمام وإلا لم تنعقد صلاة المأموم . ( الثانى ) ألاّ يسلم قبل إمامه وإلا بطلت صلاته ، أمام مقارنته فى السلام فمكروهة .
( الثالث ) ألاّ يسبق المأموم إمامه وألاّ يتأخر عنه بركنين فعليين متواليين بلا عذر وإلا بطلت صلاته ، كأن هوى للسجود وإمامه قائم للقراءة أو تأخر عنه كذلك ، أما لو سبقه بهما ساهياً أو جاهلا فلا يضر ، لكنه يلزمه العَوْد للموافقة متى تذكر أو علم وإلا بطلت صلاته .
((1/81)
وقالت ) الحنبليّة : المتابعة تشمل ثلاثة أمور : الأول والثانى كما تقدم عند الشافعية ( الثالث ) ألا يسبق المأموم إمامه بفعل من أفعال الصلاة وألاّ يتخلف عنه فى فعل منها . فإن سبقه بالركوع عمداً بأن ركع ورفع قبل ركوع الإمام بطلت صلاته . وإن سبقه بغير الركوع بأن نزل للسجود قبل نزول إمامه عمداً أو قام للركعة الثانية قبله لم تبطل صلاته ، لكن يلزمه الرجوع ليأتى بما فعله بعد إمامه . وإن فعل شيئاً من ذلك سهواً لا تبطل صلاته لكن يلزمه إعادة ما فعله بعد أن يأتى به إمامه وإلا لم تحسب له الركعة . وإن سَبق إمامه بركنين عمداً بطلت صلاته ، وإن كان سهواً فإن أتى بهما بعد فعل الإمام احتسبت له الركعة وإلا ألغيت ولزمه الإتيان بها بعد سلام إمامه بالسلام عمداً بطلت صلاته . وإن كان سهواً أتى به بعد سلام الإمام وإلا بطلت صلاته .
هذا . ويكره مساواة المقتدى لإمامه فى أفعال الصلاة . ويحرم سبقُه إمامَه اتفاقاً " لقول " البرَاء بن عازبِ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال : سمع الله لمن حمِده لم يَحْنِ منا أحدٌ ظهرَه حتى يقعَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم ساجداً . أخرجه السبعة إلا ابن ماجه بألفاظ متقاربة (1) . ... ... ... ... { 102 }
__________
(1) ص 274 ج5 الفتح الربانى . وص 124 ج3 فتح البارى ( متى يسجد من خلف الإمام ؟ ) وص 190 ج4 نووى مسلم ( متابعة الإمام ) وص 8 ج5 – المنهل العذب ( إتباع الإمام ) وص 132 ج1 مجتبى (مبادرة الإمام ) وص 234 ج1 تحفة الأحوذى ( كراهية أن يبادر الإمام ) و (لم يحن) بفتح فسكون ، أى لم يثن يقال حنيت العود وحنوته إذا ثنيته . والمعنى لا ينتقل المأموم من ركن حتى يتلبس الإمام بالركن الذى يليه.(1/82)
" ولقول " ابن مسعود : إذا كنتَ خلف الإمام فلا تركعْ حتى يركعَ ، ولا تسجدْ حتى يسجدَ ، ولا ترفع رأسك قبله . وإذا فرغ الإمام ولم يقم ولم ينحرف وكانت لك حاجة فاذهب وَدَعْهُ فقد تمت صلاتك . أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات(1) . { 34 }
وهذا لا يقال من قبل الرأى فهو مرفوع حكماً " ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال : أما يخشى أحدُكم إذا رفع رأسَه م ركوع أو سجود قبل الإمام أن يُحوِّلَ اللهُ رأسَه رأسَ حِمار أو صورتَه صورة حمار ؟ أخرجه السبعة إلا الترمذى (2) . ... ... ... ... ... ... ... { 103 }
وأخرجه ابن حبان فى صحيحه بلفظ : أما يخشى الذى يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسَه رأس كلب؟ " وعنه " أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : " الذى يَخفض ويرفعُ قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان " أخرجه البزار والطبرانى بسند حسن(3) . ... ... ... ... ... ... { 104 }
وظاهر هذه الأحاديث تحريم سبق الإمام للتوعد عليه بالمسخ وهو من أشد العقوبات . فإن سبقه فى الإحرام أو السلام بطلت صلاة المأموم اتفاقاً وإن سبقه فى غيرهما وانتظر حتى أدركه الإمام فهو حرام يأثم فاعله وصلاته صحيحة . ( وعن ) ابن عمر وأحمد أنها باطلة بناء على أن النهى يقتضى الفساد ( قال ) ابن قدامة : قال أحمد فى رسالته : ليس لمن يسبق الإمام صلاةٌ لهذا الحديث . ولو كانت له صلاةٌ لرُجى له الثواب ولم يُخش عليه العقاب .
__________
(1) ص 78 ج2 مجمع الزوائد ( متابعة الإمام ) .
(2) ص 276 ج5 – الفتح الربانى . وص 125 ج2 فتح البارى ( إثم من رفع = رأسه قبل الإمام ) وص 151 ج4 نووى مسلم ( تحريم سبق الإمام ) وص 133 ج1 مجتبى ( مبادرة الإمام ) وص 158 ج1 سنن ابن ماجه ( النهى أن يسبق الإمام بالركوع والسجود ) وأما ، مخففة حرف استفتاح والاستفهام للتوبيخ .
(3) ص 78 ج2 – مجمع الزوائد ( متابعة الإمام ) .(1/83)
هذا . وليس لسبق الإمام سبب إلا طلب الاستعجال واستحواذ الشيطان ودواؤه استحضار أنه لا يُسلِّم قبل الإمام فلا ثمره فى الاستعجال ، بل فيه الإثم والعقاب واختلف فى معنى التحويل المذكور ، فقيل هو باق على ظاهره فيمسخه الله مسخاً حسِّياَّ . ويؤيده ورود الوعيد بلفظ المستقبل " ولا يقال " ليس فى الحديث ما يدل على وقوع المسخ ، بل غايته أن فاعل ذلك متعرض لهذا الوعيد ، ولا يلزم من التعرض للشئ وقوع ذلك الشئ " لأنه " لا مانع من وقوعه . وقيل إن التحويل المذكور يقع يوم القيامة . ويحتمل أن يراد المسخ المعنوى الذى هو طمس القلوب والبصائر فيكون أعمى القلب عن طريق الحق فلا يسلكه .
( الخامس ) من شروط الاقتداء : علم المأموم بحال إمامه من سفر أو إقامة إذا صلى الرباعية مقصورة فى العمران ، فلا يصح الاقتداء بمن جهل المأمومُ حالَه وهو يقصر فى العمران .أما من أتم مطلقاً أو قصَر خارج العمران فالاقتداء به صحيح ولو ممن جعل حاله لظهوره شأناً . فيصح اقتداء المقيم بالمسافر ولو بعد خروج الوقت بلا كراهة . فإذا سلم الإمام أتم المقيم صلاته ويستحب للإمام أن يقول : أتموا صلاتكم فإنى مسافر " لقول " عمرانَ بن حصين : غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدتُ معه الفتح فأقام بمكة ثمانىَ عشْرَة ليلة لا يصلى إلا ركعتين ويقول : يأهل البلد صلوا أربعاً فإنا قومً سفْر .أخرجه أبو داود وأخرج أحمدُ نحوه . وفى سنده علىّ بن زيد ابن جُدعان . وهو ضعيف(1). ... ... ... ... ... ... ... ... { 105 }
__________
(1) ص 88 ج7 المنهل العذب ( متى يتم المسافر ) وص 279 ج5 – الفتح الربانى . و ( سفر ) بفتح فسكون أى مسافرون .(1/84)
وله شواهد تقويه " منها " ما روى سالمُ بن عبد الله عن أبيه أن عُمر بن الخطاب ، كان إذا قِدم مكة صلى بهم ركعتين ثم يقول : يأهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سَفْر. أخرجه مالك والبيهقى من طريقين صحيحين(1) .{35} وعلى هذا أجمع العلماء .
ويجوز اقتداء المسافر بالمقيم ويتم لزوماً تبعاً لإمامه ولو أدرك معه أقل من ركعة أو اقتدى به بعد الوقت عند الشافعى وأحمد ، لما روى موسى بن سلمةَ قال : كنّا مع ابن عباس بمكة فقلتُ إذا كنا معكم صلينا أربعاً وإذا رجعنا إلى رِحالنا صلينا ركعتين . قال : سنةُ أبى القاسم صلى الله عليه وسلم . أخرجه أحمد . وكذا مسلم والنسائى عن موسى بن سلمة : قلت لابن عباس : كيف أصلى إذا كنتُ بمكة إذا لم أصلِّ مع الإمام ؟ قال : ركعتين سنةُ أبى القاسم صلى الله عليه وسلم (2) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 106 }
وبهذا قال ابن عمر وابن عباس والثورى والأوزاعى " وقال " الحنفيون إنما يصح اقتداء مسافر بمقيم فى الوقت . أما لو اقتدى به بعد خروج الوقت فلا يصح لتقَرٌّر فرض المسافر ركعتين بخروج الوقت ، فيكون القوىّ بانياً على الضعيف فى القَعدة الأولى لو اقتدى فى الأوليين ، فإنها فرض فى حقه واجبه فى حق الإمام فيهما وهى سنة ( وقالت ) المالكية : يكره اقتداء المقيم بالمسافر وعكسه لمخالفته نية إمامه والكراهة فى العكس أشد لمخالفته سنة القصر . ويجب عليه الإتمام تبعاً لإمامه إن أدرك معه ركعة فأكثر . ولا دليل لهم على ذلك .
(
__________
(1) ص 269 ج1 زرقانى الموطأ ( المسافر إذا كان إماماً ) وص 126 ج3 – السنن الكبرى ( المسافر يؤم المقيمين ) .
(2) ص 102 ج5 – الفتح الربانى ( إتمام المسافر إذا اقتدى بمقيم ) وص 197 ج5 نووى مسلم ( صلاة المسافر وقصرها ) وص 212 ج1 مجتبى ( الصلاة بمكة ) و ( معكم ) أى فى المسجد مقتدين بإمام مقيم .(1/85)
السادس ) ألا يكون المأموم أعلى من إمامه فى الشروط والأركان والفرضية ، فيلزم أن يكون مثله أو دونه فيها : ( أ ) فلا يصح مثلا اقتداء طاهر بمعذور ولا اقتداء متطهر بمتنجس عجز عن الطهارة . لما فيه من بناء القوى على الضعيف ، ولا اقتداء مكتسٍ بعارٍ ولا قارئ بأمىٍ كما تقدّم ، ولا اقتداء راكع وساجد بِمُومٍ بالركوع والسجود . ويصح اقتداء غاسل بماسح على الخف أو الجبيرة ، واقتداء العارى بمثله لاستوائهما فى الشروط ، واقتداء المومى بالراكع والساجد لعلو الإمام فى الأركان ، واقتداء العارى بالمكتسى لعلوه فى الشروط . ولا يصح – عند الحنفيين ومالك – اقتداء مفترض بمتنفل . وهو رواية عن أحمد . واختارها أكثر أصحابه لما تقدم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه (1) ولأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام فأشبه صلاة الجمعة خلف الظهر وهو لا يصح اتفاقاً . وبهذا قال الحسن البصرى ومجاهد والزهرى والنخعى ( وقالت ) الشافعية والأوزاعى وطاوس وعطاء وابن المنذر : يصح اقتداء مفترض بمتنفل . وهو رواية عن أحمد " لحديث " جابر بن عبد الله أن معاذ بن جبل كان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يأتى قومه فيصلى بهم تلك الصلاة . أخرجه أحمد الشيخان وأبو داود . وكذا الشافعى والطحاوى والبيهقى والدار قطنى وعبد الرزاق وزادوا : هى له تطوع ولهم مكتوبة العشاء(2) . ... ... ... ... { 107 }
__________
(1) تقدم رقم 98 ص 65 ، 69 .
(2) ص 279 ج5 – الفتح الربانى . وص 139 ج2 فتح البارى ( إذا صلى ثم أم قوماً ) وص 183 ج4 نووى مسلم ( القراءة فى العشاء ) وص 323 ج4 – المنهل العذب ( إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة ) وص 143 ج1 بدائع المنن ( جواز اقتداء المفترض بالمتنفل ) وص 86 ج3 – السنن الكبرى ( الفريضة خلف من يصلى النافلة ) وص 102 سنن الدار قطنى . وص 238 ج1 شرح معانى الآثار .(1/86)
قال الشافعى : هذا حديث ثابت لا أعلم حديثاً يُروى عن النبى صلى الله عليه وسلم من طريق واحد أثبت منه ( وقال ) الحافظ : هو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح(1) .
( وأجاب ) عنه من لم يجوّز اقتداء المفترض بالمتنفل بأجوبة لا تُشفى ( منها ) أن معاذاً كان يصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم نفلا وبقومه فرضاً " لحديث " معاذ بن رِفاعه عن رجل م بنى سَليم يقال له سُلَيمٌ أنه أتى النبىَّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن معاذَ بنَ جبل يأتينا بعدما ننام ونكونُ فى أعمالنا فى النهار فينادى بالصلاة فنخرجُ إليه فيطوّلُ علينا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معاذ لا تكن فتاناً . إمّا أن تصُلى معى وإما أن تخفف عن قومك . أخرجه أحمد والطحاوى والطبرانى فى الكبير ومعاذ بن رِفاعة لم يدرك سُليمًا لنه استُشهد بأحد ومعاذ تابعى . ورجال أحمد ثقات (2) . ... ... ... ... ... ... { 108 }
__________
(1) ص 135 ج2 فتح البارى اشرح ( إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة ) ( وقال ) البيهقى فى المعرفة : كذلك رواه بهذه الزيادة أبو عاصم النبيل وعبد الرزاق عن ابن جريج ، وزيادة الثقة مقبولة . والأصل أن ما كان موصولا بالحديث فهو منه لاسيما إذا روى م وجهين أهـ . وفيه رد على قول ابن الجوزى : إن هذه الزيادة لا تصح ، وعلى زعم الطحاوى أنها مدرجة .
(2) ص 242 ج5 – الفتح الربانى . وص 238 ج1 شرح معانى الآثار ( الرجل يصلى الفريضة خلف المتطوع ) وص 71 ج2 مجمع الزوائد (من أم بالناس فليخف ) .(1/87)
وجه الدلالة أن النبى صلى الله عليه وسلم خيَّر معاذاً بين أمرين : إمّا أن يصلى معه أو يصلى بقومه مع التخفيف " قال " الطحاوى : فهو يدل على أنه كان يفعل أحد الأمرين وأنه لم يكن يجمع بينهما " ورُدَّ " بأن غاية ما فيه أنه أذن له بالصلاة معه والصلاةِ بقومه مع التخفيف ، أو بالصلاة معه فقط إن لم يخفف . وقد تقدم فى حديث جابر عند الشافعى وغيره التصريح بأنها لمعاذ تطوّع ولهم مكتوبة (1) ( ومنها ) أن صلاة المفترض خلف المتنفل فيها اختلاف وفى الحديث " إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه " (2) " ورُدَّ " بأن المعنى لا تختلفوا عليه فى الأفعال كما بيَّنه بقوله : فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا " الخ " ولو فرض أنه يعم كل اختلاف فحديث معاذ ونحوه مخصص له " وقولهم " إن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام الخ " تعليل " فى معارضة النص فلا يلتفت إليه . فالراجح الفول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل .
( ج ) وكذا يصح اقتداء المتنفل بالمفترض عند الحنفيين والشافعية والحنبلية لما تقدم عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم أبْصر رجلا يصلى وحده فقال : ألاَ رجل يتصدّق على هذا فيصلى معه ؟ فصلى معه رجل (3) فإن الظاهر أن المتصدق عليه كان يصلى فريضة وهى الظهر كما صُرح به فى رواية لأحمد والدار قطنى ، ولما فيه من بناء الضعيف على القوى .
( وقالت ) المالكية : لا يصح اقتداء المتنفل بالمفترض " لحديث " إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه. وقد علمتَ أنه لا دلالة فيه على هذا .
(
__________
(1) تقدم رقم 107 ص 76 .
(2) تقدم ص 65 ، 69 ، 76 .
(3) تقدم رقم 97 ص 65 ( شروط الاقتداء ) .(1/88)
د ) ويصح اقتداء راكع وساجد بمثله واقتداء مُوم بالركوع والسجود بمثله واقتداء جالس لعذر بقائم إجماعاً " لقول " أنس عائشة رضى الله عنهما : صلى النبى صلى الله عليه وسلم فى مرضه خلف أبى بكر قاعداً . أخرجه الترمذى وقال : حديث حسن صحيح(1) . ... ... ... ... ... ... ... { 109 }
( هـ ) ويصح اقتداء قائم بقاعد لعذر يركع ويسجد عند أبى حنيفة وأبى يوسف والشافعى والثورى . وهو رواية عن أحمد " الحديث " عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فى مرضه الذى تُوفىِّ فيه أبا بكر أن يُصلىَ بالناسِ ، فلما دخل فى الصلاة وجد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خِفَّة ، فقام يُهادى بين رجلين ورجلاه تخُطَّان الأرضَ . فجاء فجلس عن يسار أبى بكر فكان رسولً الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس جالساً وأبو بكر قائماً يقتدى بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم ويقتدى الناس بصلاة أبى بكر . أخرجه الشافعى وأحمد مختصراً والشيخان مطولا (2) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 110 }
__________
(1) 289 ج1 تحفة الأحوذى ( باب منه ) .
(2) 141 ج1 بدائع المنن . وص 249 ج6 مسند أحمد ( حديث عائشة رضى الله عنهما ) وص 118 ج2 فتح البارى ( إنما جعل الإمام ليؤتم به)وص 141 ، 142 ج4 نووى مسلم ( استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ) .(1/89)
وهو صريح فى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إماماً جالساً وأبو بكر والناس قائمين ( وقالت ) المالكية ومحمد بن الحسن : لا يصح اقتداء القائم بالقاعد لعذر " لما روى " جابرٌ الجُعفى عن الشعبى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا يؤمن أحد بعدى جالساً . أخرجه الدار قطنى وقال : لم يروه غير جابر الجُعفى عن الشعبى وهو متروك . والحديث مرسل لا تقوم به حجة . وأخرجه البيهقى وقال : قال الشافعى : قد علم الذى احتج بهذا أنَ ليست فيه حجة وأنه لا يثبت لأنه مرسل ولأنه عن رجل يرغَب الناس عن الرواية عنه (1) . ... { 111 }
ولأن القيام ركن فلا يصح اقتداء القادر عليه بالعاجز عنه كسائر الأركان .
( وأجابوا ) عن حديث عائشة بأنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم لما تقدم عن الشعبى ( قال ) القاضى عِياض : لا يصح لأحد أن يؤمَّ جالساً بعده صلى الله عليه وسلم ، وهو مشهور قول مالك وجماعة من أصحابه . وروى ابن حبيب عن مالك أن حديث عائشة منسوخ ، لترك أبى بكر وعمر وعثمان الإمامة حال الجلوس أهـ (ورُدِّ ) بأن عدم صلاة من ذكر جلوساً بعد النبى صلى الله عليه وسلم لا يدل على النسخ ، لاحتمال أنه لم يطرأ عليهم ما يقتضى جلوسهم حال الصلاة . وأما حديث الشعبى من الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم . وهم أسَيْد بن حُضَير وجابرٌ وقيسُ بن فهد وأنس بن مالك . والأسانيد عنهم بذلك صحيحة أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبى شيبة وغيرهم .
بل ادعى ابن حبان وغيره إجماع الصحابة على صحة إمامة القاعد يعنى لعذر أفادة الحافظ(2) .
(
__________
(1) ص 153 سنن الدار قطنى ( صلاة المريض جالساً بالمأمومين ) وص 80ج3 – السنن الكبرى ( ما روى فى النهى عن الإمامة جالساً وبيان ضعفه ) .
(2) ص 119 ج2 فتح البارى ( الشرح ) .(1/90)
وقال ) إسحاق والأوزاعى وابن المنذر والظاهرية : لا يجوز اقتداء القادر على القيام بالجالس لعذر ، بل عليه أن يجلس تبعاً له " لحديث " أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصُرعَ عنه فجُحِشَ شِقه الأيمنُ فصلى صلاة وهو قاعد فصلينا وراءه قعوداً . فلما انصرف قال : إنما جعل الإمام ليؤتمَّ به . فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً . وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد . وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون . أخرجه الشافعى والجماعة . والبيهقى . وقال الترمذى: حديث حسن صحيح (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 112 }
(
__________
(1) ص 248 ج1 زرقانى الموطأ ( صلاة الإمام وهو جالس ) وص 141 ج1 بدائع المنن وص 162 ج3 مسند أحمد ( مسند أنس بن مالك رضى الله عنه ) وص 123 ج2 فتح البارى ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) وص 130 ج4 نووى مسلم ( ائتمام المأموم بالإمام ) وص 326 ج4 المنهل العذب ( الإمام يصلى من قعود ) وص 133 ج1 مجتبى ( الائتمام بالإمام يصلى قاعداً ) وص 287 ج1 تحفة الأحوذى ( إذا صلى الإمام قاعداً ) وص 193 ج1 سنن ابن ماجه ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) وص 87 ج3 – السنن الكبرى ( صلاة المأموم جالساً إذا صلى الإمام جالساً ) و ( جحش ) بالبناء للمفعول ، أى انخدش شقه فلم يتمكن من القيام . وفى رواية ( جحش ساقه أو كتفه ) .(1/91)
وأجاب ) الأولون عنه بأنه منسوخ بحديث عائشة لتأخره فقد أخرجه الشافعى فى الأم . وقال : " وأمرُ " رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فى حديث أنس ومن حدّث معه فى صلاة النبى صلى الله عليه وسلم أنه صلى بهم جالساً ومن خلفه جلوساً " منسوخ " بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم فى مرضه الذى مات فيه جالساً وصلوا خلفه قياماً . فهذا مع أنه سنة ناسخة معقول . ألا ترى أن الإمام إذا لم يُطِق القيام صلى جالساً وكان ذلك فرْضَه ، وأن المأمومين إذا أطاقوه صلِّوا قياماً . وعلى كل واحد منهم فرْضُه فكان الإمام يصلى فرضَه قائماً إذا أطاق جالساً إذا لم يُطق وكذلك يصلى مضطجعاً ومومياً إن لم يُطِق الركوعَ والسجودَ ويصلى المأمومون كما يُطيقون فيصلى كلٌّ فرضه فتُجزى كلاٍّ صلاتُه (1) .
( وقال ) الكمال ابن الهمام : قال الشافعى – بعدما أسند عن جابر وأُسَيد ابن حُضَير اقتداء الجالسين بهما وهما جالسان للمرض - وإنما فعلا ذلك لأنهما لم يعلما بالناسخ . وكذا ما حُكى عن غيرهم من الصحابة رضى الله عنهم أنهم أمُّوا جالسين والناس جلوس محمول عليه . وعلم الخاصة يوجد عند بعض ويغُرب عند بعض(2) .
(
__________
(1) ص 151 ج1 كتاب الأم ( صلاة الإمام قاعداً ) .
(2) ص 262 ج1 فتح القدير ( الإمامة )(1/92)
وقالت ) الحنبلية : لا يصح اقتداء القائم بعاجز عن القيام إلا إذا كان إماماً راتباً أو إماماً أعظم يُرجى زوالُ عذره ، فلهم أن يصلوا وراءه قياماً وجلوساً لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما صلى وراءه أبو بكر ومن معه قياماً لم يأمرهم بالإعادة " ولقول " جابر : ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً بالمدينة فصرعه على جَدْمِ نخلة فانفكّتْ قدمهُ فأتيناه نعوده فوجدناه فى مَشْرُبَة لعائشة يُسبّح جالساً فقمنا خلفه فسكتَ عنا ، ثم أتيناه مرة أخرى نعودُه فصلى المكتوبةَ جالساً فقُمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا فلما قَضى الصلاةَ قال : إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً . وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً . ( الحديث ) أخرجه أبو داود وأخرج أحمد البيهقى نحوه(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... {113}
والأفضل للإمام الراتب أن يستخلف إذا مرض وعجز عن القيام خروجاً من الخلاف ( وجمعوا ) بين الأحاديث " بحمل " حديث عائشة على ما إذا ابتدأ الإمام الصلاة قائماً ثم عجز عن القيام ، فليزم المأمومين إتمامُها من قيام " وحَمْلِ " الحديثين الأخيرين على إذا ما ابتدأ الإمام الصلاة قاعداً لمرض يرجى زواله فيصلون خلفه قعوداً، والجمع متى أمكن أولى من النسخ .
(
__________
(1) ص 329 ج4 – المنهل العذب ( الإمام يصلى من قعود ) وص 285 ج5 – الفتح الربانى وص 80 ج3 – السنن الكبرى ( صلاة المأموم جالساً إذا صلى الإمام جالساً ) و ( الجذم ) بكسر الجيم وفتحها وسكون الذال : أصل النخلة . و ( المشربة ) بفتح فسكون ففتح أو ضم ، الغرفة . و ( يسبح أى يصل نافلة .(1/93)
قال ) الكمال ابن الهمام : واعلم أن مذهب الإمام أحمد أن القاعد إن شرع قائماً ثم جلس صح اقتداء القائمين به ، وإن شرع جالساً فلا . وهو أنهض من جهة الدليل ، لأنا صرحنا بان ذلك خلاف القياس صِير إليه بالنص وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى محل الصلاة قائماً يُهادِى ثم جلس فالظاهر أنه كبرّ قبل الجلوس. وصرّحوا فى صلاة المريض أنه إذا قدر على بعضها قائماً ولو التحريمة وجب القيام فيه . وكان ذلك متحققاً فى حقه صلى الله عليه وسلم إذا مبدأ حلوله فى ذلك المكان كان قائماً ، فالتكبير قائماً مقدوره حينئذ ، وإذا كان كذلك فمورد النص حينئذ اقتداء القائمين بجالس شرع قائماً (1) .
( و ) ويصح اقتداء المتوضئ بالمتيمم مطلقاً عند النعمان وأبى يوسف وأحمد وإسحاق والظاهرية لاستوائهما فى الشرط " ولقول " عمرو بن العاص احتملتُ فى ليلة باردة فى غزوة ذات السلاسل فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أهْلِكَ فتيممتُ ثم صليتُ بأصحابى الصبح فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : يا عمرُو صليتَ بأصحابك وأنت جُنُب ؟ فقلتُ ذكرتُ قول الله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } فتيممت وصليت فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً . أخرجه أحمد وأبو دواد والبيهقى وابن حبان والحاكم مسنداً . وأخرجه البخارى معلقاً (2) . ... ... ... ... ... ... ... { 114 }
(
__________
(1) ص 262 ج1 فتح القدير ( الإمامة ) .
(2) ص 281 ج5 – الفتح الربانى . وص 184 ج3 المنهل العذب ( إذا خاف الجنب البرد أيتيمم ؟ ) وص 225 ج1 – السنن الكبرى ( التيمم فى اسفر إذا خاف الموت أو العلة من شدة البرد ) وص 310 ج1 فتح البارى ( إذا خاف الجنب على نفسه المرض .. تيمم ) . و (ذات السلاسل) جمع سلسل بفتح فسكوت سميت بذلك لأنها كانت على ماء بأرض جذام يعرف بالسلسل .(1/94)
وقالت ) الشافعية : يجوز اقتداء متوضئ بمتيمم إذا كان لا تلزمه إعادة الصلاة – بأن كان تيممه لمرض أو لفقد الماء فى مكان يغلب فيه فقده – ولا يصح اقتداؤه بمتيمم تلزمه الإعادة – بأن تيمم لشدة برد الماء أو لفقده فى مكان يندر فقده فيه – ولا دليل على هذا التفصيل . بل يرده ما تقدم عن عمرو بن العاص وقد تيمم لشدّة البرد (وقال) محمد بن الحسن : يصح اقتداء متوضئ بمتيمم فى الجنازة دون غيرها " لحديث " محمد بن المنكدر عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يؤم المتيمم المتوضئين . أخرجه البيهقى والدار قطنى . وقالا إسناده ضعيف(1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 115 }
فلا تقوم به حجة ( وقال ) مالك والنخعى : يكره اقتداء المتوضئ بالمتيمم ، ويؤمهم إذا كان أميراً . والراجح من جهة الدليل القول الأول . فقد أقرَّ النبى صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص ولم ينكر عليه شيئاً ولا فصَّل له ولا أمر من صلى وراءه بالإعادة . قال ابن حزم : النهى عن ذلك أو كراهته لا دليل عليه من قرآن ولا من سنة ولا من إجماع ولا من قياس . وكذلك تقسيم من قسَّم (2) .
( السابع ) من شروط الاقتداء " اتحاد صلاة الإمام والمأموم فى الأداء والفرضية وغيرهما . ( أ ) فلا يصح عند الحنفيين ومالك اقتداء مفترض بمفترض فرضاً آخر كمصلى الظهر خلف العصر . ولا اقتداء الناذر بالناذر إلا إن اتحد منذورهما " لما تقدم " عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إنَّماَ جُعِلَ الإماَم لِيُؤْتَمَّ بهِ فَلاَ تَخْتَلُفِوا عَلَيْهِ (3) .
(
__________
(1) ص 334 ج1 – السنن الكبرى . وص 68 سنن الدار قطنى ( كراهة إمامه المتيمم المتوضئين ) .
(2) ص 144 ج1 – المحلى ( مسالة 248 ) .
(3) تقدم رقم 98 ص 65 ، 69 ، 76 .(1/95)
وروى ) أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال فى الرجال يدخل مع الإمام وهو لا ينوى صلاة الإمام فصلاة الإمام تامة ويستقبلُ الرجلُ . أخرجه أبو يوسف فى الآثار . وكذا محمد بلفظ : إذا دخلتَ فى صلاة القوم وأنت لا تنوى صلاتهم لم يجزئك ، وإن صلى الإمامُ صلاته ونوى الذى خلفه غيرَها أجزأتِ الإمام ولم تجزيهم(1) . { 36 }
وعن أحمد روايتان ( قال ) ابن قدامة : فإن صلى الظهر خلف مَن يصلى العصر ففيه روايتان : نقل إسماعيل بن سعد جوازَه ، ونقل غيرُه المنع منه (2) .
( وقالت ) الشافعية والظاهرية : يصح الاقتداء بكل من صحت صلاته وحكاه ابن المنذر عن طاوس وعطاء والأوزاعى " لما تقدم " عن جابر أن معاذاً كان يصلى بقومه العشاء وقد صلاها مع النبى صلى الله عليه وسلم (3) قالوا : إذا جاز اقتداء المفترض بالمتنفل فجواز اقتداء المفترض بمفترض فرضاً آخر أولى . ولا يمنعه قوله صلى الله عليه وسلم : فلا تختلفوا عليه ، لأن المنهى عنه الاختلاف فى الأفعال كما بينه بقوله : فإذا كبر فكبروا الخ . ولو فرض أنه يعم كل اختلاف فحديث جابر ونحوه مخصص له كما تقدم .
(
__________
(1) رقم 169 ص 34 كتاب الآثار ( اتحاد نية الإمام والمأموم ) ( و يستقبل الرجل ) أى يستأنف المأموم صلاته .
(2) ص 53 ج2 مغنى ( اختلاف صلاة الإمام والمأموم ) .
(3) تقدم رقم 107 ص 76 ( اقتداء مفترض بمتنفل ) .(1/96)
9 ) الأحق بالإمامة : إذا لم يوجد إمام راتب ولا صاحب منزل صالح للإمامة فالأولى بها عند الثورى وأحمد وأبى يوسف أقرؤهم : أى أحسنهم تلاوة لكتاب الله تعالى . ثم أعلمهم بأحكام الصلاة صحة وفساداً . ثم أورعهم أى أكثرهم اجتناباً للشبهات . ثم أكبرهم سناً ثم أحسنهم خَلْقًا وخُلُقًا . ثم أشرفهم نسباً . ثم أنظفهم ثوباً "لحديث" أبى مسعود عقبةَ بن عمرو أن النبى صلى الله صلى الله عليه وسلم قال : يؤمُّ القومَ أتمرؤهم لكتاب الله . فإن كانوا فى الهجرة سواءً فأقدمهم سناً ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ فى سلطانه ولا يقعد فى بيته على تَكْرِمته إلا بإذنه. أخرجه مسلم والترمذى وقال حديث حسن صحيح(1) . ... ... ... ... ... ... { 116 }
والمراد بأقرإ القوم أحسنهم تلاوة وإن كان أقلهم حفظاً . وقيل المراد به أكثرهم حفظاَ للقرآن " لقول " عمرو بن سَلِمةَ الجرمى : كانت تأتينا الركبان من قِبَل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنستقرئهم فيحدثونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآناً. أخرجه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح (2).{117}
وتقدم مطولا(3). ففيه دليل على أنه الأقرأ لكتاب الله الذى عنده فقه أحق بالإمامة من الفقه .
( وقال ) أبو حنيفة ومحمد بن الحسن ومالك والشافعى والأوزاعى والجمهور الأفقه مقدم على الأقرأ ولذا قال النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر على غيره وقد قال صلى الله عليه وسلم : أرحم أمتى بأمتى أبو بكر وأقرؤهم أُبَىُّ بن كعب أخرجه الترمذى عن أنس بن مالك من حديث طويل(4). ... ... { 118 }
(
__________
(1) ص 172 ج5 نووى مسلم ( من أحق بالإمامة ) وص 196 ج1 تحفة الأحوذى .
(2) ص 30 ج5 مسند أحمد ( حديث عمرو بن سلمة رضى الله عنه ) وص 63 ج2 مجمع الزوائد ( الإمامة ) و ( نستقرئهم ) أى نتعلم منهم القراءة .
(3) تقدم رقم 88 ص 54 ( الثالث البلوغ ) .
(4) ص 344 ج4 تحفة الأحوذى ( مناقب معاذ بن جبل رضى الله عنه ) .(1/97)
وقال ) ابن عمر : لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العَصْبة قبل مَقدَم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤمُّهم سالمٌ مولى أبى حُذيفة وكان أكثرهم قرآناً وفيهم عمرُ بنُ الخطاب وأبو سلمَة بنُ عبِد الأسدِ . أخرجه البخارى وأبو داود . وهذا لفظه(1). ... ... ... ... ... ... ... { 119 }
ولأنه قد ينوبه فى الصلاة ما لا يدَرى ما يَفعل فيه إلا بالفقه فيكون أولى (وأجابوا ) عن حديث أبى مسعود ونحوه بأن الصحابة كانوا يتلقُّون القرآن بأحكامه . فكان أقرؤهم أعلمَهم . فيكون المراد من قوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث : أقرؤهم لكتاب الله ، أى أعلمهم به ( قال ) ابن مسعود كان أحدُنا إذا حفِظ سورة من القرآن لم يخرُج عنها إلى غيرها حتى يُحْكِمَ علمَها ويَعرفَ حلالها وحرامها . { 37 }
( وقال ) ابن عمر : ما كانت تنزل السورةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ونعلم أمرها ونهيها وزجرها وحلالها وحرامها . { 38 }
هذا . والهجرة المقدم بها فى الإمامة لا تختص – عند الجمهور – بالهجرة فى عهده صلى الله عليه وعلى ىله وسلم ، بل المراد بها ما يشمل كل هجرة من أى بلد من بلاد الكفر إلى بلد إسلامى ( وقال ) الحنفيون : الرماد بها هجر المعاصى " لحديث " ابن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه . أخرجه البخارى(2). ... ... ... ... ... ... ... ... { 120 }
فلذا جعلوا الورع مكان الهجرة فى الحديث لانقطاع الهجرة بفتح مكة . ففى الحديث : لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحَ . أخرجه البخارى عن ابن عباس(3). ... ... ... ... ... ... { 121 }
(
__________
(1) ص 128 ج2 فتح البارى ( إمامة العبد والمولى ) وص 305 ج4 – المنهل العذب ( من أحق بالإمامة ) و ( العصبة ) فتح أو ضم فسكون أو بفتحتين ، موضع بقباء معروف ( بالمعصب ) بالتشديد .
(2) ص 41 ج3 فتح البارى ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) وهو صدر الحديث .
(3) ص 25 ج6 – فتح البارى ( وجوب النفير – الجهاد ) .(1/98)
وأجاب ) الجمهور ( أ ) بأن المنفى فيه الهجرة من مكة إلى المدينة . أو المعنى : لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبله . ( ب ) وبأن " حديث " والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " لا ينافى " أن الأفضل تقديم الأسبق هجرة وكان تقيا . هذا . والمراد الرجل فى سلطانه ذو الولاية فيشمل السلطان الأعظم ونائبه . فيقدّم على صاحب البيت وإمام المسجد وغيرهما ، لعموم ولايته ولو كان غيره أكثر قرآنا وفقهاً وورعاً وفضلا منه . فيكون آخر الحديث مخصِّصاً لعموم أوله . ومثل السلطان فى ذلك صاحب البيت ( روى ) علقمة أن عبد الله بن مسعود أتى أبا موسى الأشعرىَّ فى منزلهِ فحضرت الصلاة فقال أبو موسى : تقدم يا أبا عبد الرحمن فإنك أقدمُ سِنًّا وأعلم قال : بل أنت تقدم فإنما أتيناك فى منزلك ومسجدك فأنت أحق . فتقدم أبو موسى ( الأثر ) أخرجه أحمد . وفيه رجل لم يُسَمَّ .وأخرجه الطبرانى متصلا برجال ثقات(1) . { 29 }
" وكذا " الإمام الراتب أحقُّ بالإمامة ، لأنه إن كان مُوَلًّى من قبل السلطان أو نائبه فهو فى حكمه ، وإن كان وُلًّىَ باتفاق أهل المسجد فقد صار أحق . وهى ولاية خاصة " هذا " ويستحب لصاحب البيت ونحوه أن يأذن لمن هو أفضل منه أن يصلى إماماً ( والحكمة ) فى النهى عن التقدم على السلطان ونحوه إلا بإذنه أن الجماعة شُرِعت لاجتماع المؤمنين على الطاعة وتآلفهم وتوادّهم . فإذا أمّ الرجلُ الرجلَ فى بيته أو سلطانه من غير إذنه أدَّى ذلك إلى توهين أمر السلطنة وخلع رِبْقَة الطاعة من السلطان ، وإلى التباغض والتقاطع وظهور الخلاف الذى شرع لدفعه الاجتماع . فلا يتقدم رجل على ذى السلطنة ولاسيما فى الأعياد والْجُمعات . ولا على إمام الحىّ ورب البيت إلا بإذنه .
(
__________
(1) ص 66 ج2 مجمع الزوائد ( إمامة الرجل فى رحله ) .(1/99)
10) إمامة المفضول : يجوز اقتداء الفاضل بالمفضول الذى تصح إمامته . فقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم خلف أبى بكر وغيره من الصحابة " قال " المغيرة بن شعبة : خَصلتان لا أسأل عنهما أحداً من الناس ، رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فعلَهما : صلاةُ الإمام خلف الرجل من رعِيَّته ، وقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف عبدِ الرحمنِ ابن عوفٍ ركعةً من صلاة الصبح . ومسحُ الرجل على خُفّيه . وقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين . أخرجه أحمد بسند جيد (1). ... ... ... ... ... { 122 }
( وعنه ) وقد سئل هل أمَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَجلٌ من هذه الأمة غيرُ أبى بكر ؟ قال نعم كنا فى سفر كذا كذا ( الحديث ) وفيه فغسل وجهه وغسل ذراعيه ومسح بناصيته ومسح على العمامة وعلى الخفين ثم لَحِقَنَا الناسَ وقد أقيمت الصلاة وعبدُ الرحمن بن عوف يؤمهم وقد صلى ركعة فذهبتُ لأوذِنه فنهانى ، فصلينا التى أدركْنا وقَضينا التى سُبِقنا بها . أخرجه الشافعى وأحمد وهذا لفظه ومسلم (2). ... ... ... ... { 123 }
وفى هذه الأحاديث دلالة أيضاً على فضل تقديم الصلاة فى أول الوقت وأنه إذا تأخر الإمام عنه يستحب للجماعة تقديم أحدهم إذا علموا بحسن خُلق الإمام ، ولم يترتب عليه فتنة ، وإلا صلوا فى أول الوقت فرادى .
(
__________
(1) ص 247 ج4 مسند أحمد ( حديث المغيرة بن شعبة رضى الله عنه ) .
(2) ص 247 منه و ص 144ج1 بدائع المنن . وص 171 ج3 نووى مسلم ( المسح على الرأس والحنفين ) و ( كنا فى سفر كذا ) هو سفر غزوة تبوك ، كانوا سائرين فعدل النبى صلى الله عليه وسلم عن الطريق لقضاء الحاجة ومعه المغيرة بن شعبة ، ثم توضأ فأدرك القوم وقد قاموا عبد الرحمن ابن عوف لما خافوا خروج وقت الفضيلة ، فأدركهم النبى صلى الله عليه وسلم فى الركعة الثانية .(1/100)
11 ) إمامة الأعمى : يصح الاقتداء بالأعمى اتفاقاً " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أُمِّ مكتومٍ على المدينة مرتين يِّصلىِّ بهم وهو أعمى . أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى(1). ... ... { 124 }
" وقال " محمود بن الربيع : إن عِتْبَانَ بنَ مالك كان يؤم قومه وهو أعمى . ( الحديث ) أخرجه الشافعى والبخارى والنسائى(2) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 125 }
وهل إمامته أفضل ؟ قال أبو إسحاق المِرْوزى والغزالى : إن إمامة الأعمى أفضل من إمامة البصير ، لأنه أكثر خشوعاً منه ، لما فى البصر من شغل القلب بالمبْصَرَات ( وقالت ) الشافعية : الأعمى والبصير فى الإمامة سواء ، لأن فى الأعمى فضيلة أنه لا يرى ما يلهيه وفى البصير فضيلة تجنب النجاسة واستقبال القبلة بنفسه .
(
__________
(1) ص 230 ج5 – الفتح الربانى . و ص 238 ج 4 المنهل العذب ( إمامه الأعمى ) وص 88 ج3 – السنن الكبرى . وابن أم مكتوم ، اسمه عمرو بن قيس ، وأمه عاتكة بنت عبد الله .
(2) ص 129 ج1 بدائع المنن ( الإمامة ومن أحق بها ) وص 108 ج2 فتح البارى ( الرخصة فى المطر والعلة ) وص 127 ج1 مجتبى ( إمامة الأعمى ) .(1/101)
وقالت ) المالكية والحنفية والحنبلية : البصير أوْلى بالإمامة . لأنه أقدر عل اجتناب النجاسة واستقبال القبلة باجتهاده . وهذا هو الراجح . واختاره بعض الشافعية ( قال ) المِرْوَزِى : وعندى أن البصير أوْلى ، لأنه يجتنب النجاسة التى تفسد الصلاة . والأعمى يترك النظر إلى ما يليهه ولا تفسد الصلاة به(1) ومحل الخلاف إن كان البصير مثلَ الأعمى فى أحقية الإمامة . أما إن لم يوجد بصير يساوى الأعمى فإمامته أفضل اتفاقاً . وعلى هذا يحمل استنابة النبى صلى الله عليه وسلم ابنَ أم مكتوم ، لأنه لم يكن بالمدينة وقتئذ أفضل منه متفرغاً للإمامة . فلا يرد على ذلك وجودُ علىّ رضى الله عنه فى المدينة حين استخلف النبى صلى الله عليه وسلم ابنَ أُمِّ مكتوم ، لأن علياً كان مشغولا بالقيام بحفظ مَنْ وكل إليه حفظهم من أهل البيت حذراً من أن ينالَهم عدوُّ بمكروه .
(12) إمامة العبد : تصح إمامته بلا كراهة عند الشافعى وأحمد وإسحاق والثورى . والحرّ أوْلى ، لما تقدم عن ابن عمر أن سالما مولى أبى حذيفة كان يؤم المهاجرين الأولين وفيهم عمرُ بن الخطاب ,أبو سلمة بن عبد الأسد(2) . وكانت إمامته بهم قبل أن يعَتِقَ وقال ابن قدامه : وروى أن أبا سعيد مولى أبى أُسَيْد قال : تزوجتُ وأنا عبد فدعوتُ نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابونى ، فكان فيهم أبو ذر وابن مسعود وحذيفةُ ، فحضَرَت الصلاةُ وهم فى بيتى ، فتقدم أبو ذر ليصلى بهم فقالوا له وراءكَ فالتفت إلى ابن مسعود فقال أكذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال نعم . فقدّمونى وأنا عبدٌ فصليتُ بهم . رواه صالح فى مسائله . { 40 }
__________
(1) ص 286 ج4 شرح المهذب .
(2) تقدم رقم 119 ص 86 ( الأحق بالإمامة ) .(1/102)
وهذه قصة مثلها ينتشر ولم تنكر ولا عُرف مخالف لها فكان ذلك إجماعاً (1) ( وعن ابن أبى مُليكة ) أنهم كانوا يأتون عائشةَ بأعلى الوادى هو وعُبيدُ بنُ عُميْر والمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمة وناس كثير فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشةَ وأًبو عمرو غلامها حينئذ لم يَعتِق . أخرجه الشافعى وعبد الرازق (2) . { 41 }
( وقال ) الحنفيون وأبو مِجْلز التابعى : تكره إمامته تنزيهاً ، لأنه لا يتفرغ للتعلم فيغلب عليه الجهل وتقل رغبة الناس فى الاقتداء به فيؤدى إلى تقليل الجماعة المطلوب تكثيرها ، فإن عُدمتْ علة الكراهة بأن كان أفضل من غيره فلا كراهة فى إمامته .
( وقالت ) المالكية : تكره إمامته راتباً فى الصلوات الخمس والسنن المؤكدة كالعيد والكسوف ، وتمنع فى الجمعة راتباً وغير راتب . وتجوز بلا كراهة فى النوافل كالتراويح ، وفى الفريضة غير الجمعة إن لم يكن راتباً .
(13) إمامة الصالح والطالح : ينبغى أن يكون الإمام من أهل الصلاح والاستقامة والفضل والهداية متخلياً عن السفاسف متحلياً بالمكارم " لحديث " مِرْثد الغنَوى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إِنْ سَرَّكُمْ أَن تُقْبَلَ صَلاَتكم فليؤمكم خياركم ، فإنهم وفدُكم بينكم وبين ربكم . أخرجه الحاكم والطبرانى فى الكبير والدار قطنى وقال : إسنادٌ غيرُ ثابت وفيه يحيى بن يعلى الأسلمى وعبد الله بن موسى . وهما ضعيفان(3). ... ... { 126 }
" ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : اجعلوا أئمتكم خيارَكم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم . أخرجه الدار قطنى والبيهقى وقال : إسناده ضعيف(4) . ... ... ... ... ... { 127 }
(
__________
(1) ص 29 ج2 مغنى ( إمامة العبد ).
(2) ص 129 ج1 بدائع المنن ( الإمامة ومن أحق بها ) .
(3) ص 222 ج3 مستدرك . وص 64 ج2 مجمع الزوائد ( الإمامة ) . وص 197 سنن الدار قطنى .
(4) ص 197 منه . و 90 ج3 – السنن الكبرى ( اجعلوا أئمتكم خياركم ) .(1/103)
ويُكره ) عند الحنفيين إمامة الفاسق تحريماً . وهو من خرج عند حدّ الاستقامة " لحديث " السائب بن خَلاّد أن رجلا أمّ قوماً فبصَق فى القبلة ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم ينظرُ إليه فقال صلى الله عليه وسلم حين فرغ لا يُصَلى لكم فأراد بعد ذلك أن يُصلىَ بهم فمنعوه وأخبروه بقول النبى صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : نعم إنك آذيت الله ورسوله . أخرجه أبو داود وابن حبان(1). ... ... { 128 }
ولأنه لا يهتم لأمر دينه وفى تقديمه تعظيم له وليس من أهل التعظيم . وهو الراجح عند المالكية بناء على أن العدالة شرط كمال فى الإمام (2) . وقيل تحرم إمامته وقيل تبطل صلاته بناء على أن العدالة شرط صحة ، لأن الإمامة من باب الأمانة والفاسق خائن ، ولهذا لا شهادة له لكون الشهادة من باب الأمانة ( والمشهور ) عند الشافعية كراهة إمامته ، ونقل العلامة الشِّرْوَانى فى حاشيته على شرح التحفة عن البِرْماوى أنه يحرم على أهل الصلاح والخير الصلاةُ خلف الفاسق والمبتدع ونحوهما ، لأنه يحمل الناس على تحسين الظن بهم .
(
__________
(1) ص 103 ج4 – المنهل العذب ( كراهية البزاق فى المسجد ) و ( لا يصلى لكم ) بإثبات الياء ، وهو نفى بمعنى النهى ، أى لا يؤمكم هذا الرجل بعد ، لإخلاله بالأدب وعدم احترامه القبلة .
(2) محله إذا لم يتعلق فسقه بالصلاة كأن يقصد بتقدمه الكبر أو يخل بركن أو شرط . وحينئذ تبطل صلاته اتفاقاً . وكذا إن أخل بسنة على القول ببطلان صلاة من تعمد تركها . ص 134 ج1 حاشية الصاوى على صغير الدردير .(1/104)
ومشهور ) مذهب الحنبلية أنه لا تصح إمامة الفاسق – وهو من أتى كبيرة أو دوام على صغيرة – ولو لمثله ، لأن الفاسق لا يقبل خبره لمعنى فى دينه فأشبه الكافر ، ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة ، إلا أن خيف أذاه فَيُصَلَّى خلفه دفعاً للمفسدة وتُعاد ، وإلا فى صلاة الجمعة والعيد إذا تعذرت صلاتهما خلف غيره ، فتصح إمامته فيهما للضرورة . ودليل ذلك ما تقدم عن جابر أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : لا تَؤُمَّنَّ امرأةٌ رجلا ولا فاجر مؤمناً إلا أن يَقهرَه بسلطان يخاف سيفه أو سوطه. أخرجه ابن ماجه والبيهقى بسند واه كما تقدم(1) ( قال ) البهوتى : ولا تصح إمامة فاسق مطلقاً أى سواء كان فسقه بالاعتقاد أو الأفعال المحرمة (2) ( وقال ) ابن إدريس الحنبلى : ولا تصح إمامة فاسق " بفعل " كزان وسارق وشارب خمر ونَمَّام ونحوه " أو اعتقاد " كخارجىّ ورافضىّ ولو كان مستوراً ثم قال : فلا يصح أن يؤم فاسق فاسقاً لأنه يمكنه رفع ما عليه من النقص بالتوبة عُلم فسقه ابتداء أولا ، فيعيد المأموم إذا علم فسق إمامه . واختار الشيخان أن البطلان مختص بظاهر الفسق دون خفيِّه ( قال ) فى الوجيز : لا تصلح خلف الفاسق المشهور فسقه ، لكن ظاهر المذهب مطلقاً قاله فى المبدع . وتصح الجمعة والعيد خلف فاسق بلا إعادة إن تعذرت خلف غيره لأنهما يختصان بإمام واحد فالمنع منهما خلفه يؤدى إلى تفويتهما . نعم لو أقيمتا فى موضعين فى أحدهما عَدْلٌ فعلهما وراءه ونُقل عن ابن عبد الحكم أنه كان يصلى الجمعة ثم يصلى الظهر أربعاً . وإن خاف أذى بترك الصلاة خلف الفاسق صلى خلفه دفعاً للمفسدة وأعاد لعدم براءته (3) .
(
__________
(1) تقدم رقم 89 ص 56 ( الرابع الذكورة ) .
(2) ص 291 ج1 شرح المنتهى ( فصل فى الإمامة ) .
(3) ص 306 ج1 كشاف القناع ( فصل فى الإمامة ) وأراد بالشيخين : موفق الدين أبا محمد عبد الله بن قدامة . وأبا العباس أحمد بن تيمية .(1/105)
والراجح ) ما ذهب إليه الجمهور من صحة الصلاة خلف الفاسق مع الكراهة ( وأجابوا ) عن حديث جابر بأنه ضعيف لا تقوم به حجة كما تقدم . وعلى فرض صحته فالنهى فيه محمول على الكراهة كما أن الأمر فى حديث : مِرْثد وابن عمر محمول على الندب " ولا ينافى " الكراهة ( حديث ) مكحول عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : صلوا خلف كل بّر وفاخر . أخرجه الدار قطنى وقال : مكحول لم يسمع من أبى هريرة ومَن دونه ثقات(1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 129 }
" لأنه " ورد فى سد باب الخروج على الأئمة ، ولأنه مجمع على ضعفه حتى قال بعض العلماء بوضعه . وأخرجه أبو داود والبيهقى بلفظ : الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم بَرُّا كان أو فاخراً وإن عمِل الكبائر(2) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... {130}
__________
(1) ص 185 سنن الدار قطنى .
(2) ص 316 ج4 المنهل العذب ( إمامة البر والفاجر ) وص 121 ج3 – السنن الكبرى ( الصلاة خلف من لا يحمد فعله ) .(1/106)
وهو منقطع فإن مكحولا لم يدرك أبا هريرة . وسئل عنه أحمد فقال : ما سمعناه بهذا . وقال الحاكم : هو حديث منكَر . وللبيهقى فى هذا الباب أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف ( قال ) الصنعانى : وهى أحاديث كثيرة دالة على صحة الصلاة خلف كل بّر وفاجر ، إلا أنها كلها ضعيفة ، وقد عارضها حديث : لايؤمَّنَّكم ذو جرأة فى دينه . ونحوه ، وهى أيضاً كلها ضعيفة . فلما ضعفت الأحاديث من الجانبين رجعنا إلى الأصل ، وهو أن من صحت صلاته صحت إمامته . وأيَّدَ ذلك فعل الصحابة . فقد أخرج البخارى فى التاريخ عن عبد الكريم أنه قال : أدركت عشرة من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم يصلون خلف أئمة الجور (1) ويؤيده أيضاً حديث مسلم وأبى داود وابن ماجه عن أبى ذر قال : قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذَرّ كيفَ أنتَ إذا كانت عليك أمراء يمُيتون الصلاة أو قال : يؤخرون الصلاة ؟ قلتُ يا رسول الله فما تأمُرُنى ؟ قال صلّ الصلاةَ لوقتها فإن أدركتَهَا معهم فصلها فإنها لك نافلة (2). ... ... ... ... ... ... ... { 131 }
__________
(1) وأخرجه البيهقى ص 122 ج3 .
(2) ص 147 ج5 نوى مسلم ( كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار ) وص 13 ج4 – المنهل العذب . وص 196 ج1 سنن ابن ماجه .(1/107)
فقد أذن بالصلاة خلفهم وجعلها نافلة لأنهم أخروها عن وقتها . وظاهره أنهم لو صَّلوها فى وقتها لكان مأموراً بصلاتها خلفهم فريضة(1) ويؤيد القول بصحة الصلاة خلف الفاسق أيضاً حديث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لعلّكم ستدركون أقواماً يُصلّون صلاة لغير وقتها ، فإذا أدركتموهم فصلوا فى بيوتكم فى الوقت الذى تعرفون ، ثم صلوا معهم واجعلوها سُبْحَةً . وأخرجه أحمد . وأخرج نحوه أبو داود عن عبادة بن الصامت بسند رجاله رجال الصحيح(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 132 }
( وعلى الجملة ) فالأصل عدم اشتراط عدالة الإمام . وأن كل من صحت صلاته لنفسه تصح صلاته لغيره. ويؤيده ما ذكرنا من الأدلة وإجماع الصدر الأول عليه . فمن قال باشتراط العدالة كالحنبلية ورواية عن مالك يحتاج إلى دليل ينقل عن هذا الأصل . واعلم أن محل النزاع إنما هو فى صحة الصلاة خلف الفاسق ولا خلاف فى أنها مكروهة ، ولذا كان بعض الصحابة يصارح من يراه مخالفاً فى شئ من الصلاة بعدم الصلاة خلفه " روى " موهوب ابن عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنه كان يُخالفِ عمرَ بن عبد العزيز فقال له عمر : ما يحملك على هذا ؟ فقال إنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى صلاةً متى تُوافِقُها أصلى معك ومتى تخالفها أصلى وأنقلب إلى أهلى . أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات(3).
__________
(1) ص 39 ج2 سبل السلام ( صلاة الجماعة ) .
(2) ص 221 ج5 – الفتح الربانى . وص 17 ج4 – المنهل العذب ( إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت ) و ( لغير وقتها ) أى لغير وقتها المختار وهو أول الوقت .
(3) ص 190 ج5 – الفتح الربانى . و( يخالف ) أى يتخلف عن الصلاة معه وهو أمير على المدينة فى خلافه الوليد بن عبد الملك ، لأنه كان يؤخرها عن أول وقتها كعادة بنى أمية ثم رجع عمر بن عبد العزيز عن ذلك . و ( أصلى ) بإثبات الياء فى الموضعين . وعليه فتى ظرفية بمعنى حين ، أو شرطية رفع جوابها على لغة ضعيفة . قال ابن مالك :
وبعد ماض رفعك الجزاء حسن ... ... ... ورفعه بعد مضارع وهن(1/108)
... ... ... ... ... ... { 133 }
( وعن ) أبى أيوب الأنصارى أنه كان يخالف مروانَ بنَ الحكم فى صلاته فقال له مرَوانُ : ما يحملك على هذا ؟ قال ، إنى رأيتُ النبى صلى الله عليه وسلم يصلى صلاة إن وافقتهَ وفافقتكَ . وإن خالفتهَ صليتُ وانقلبت إلى أهلى . أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات(1) . ... ... ... ... ... ... { 134 }
(14) إمامة المبتدع : هو من يرتكب – بنوع شبهة أو استحسان – ما أُحْدِث على خلاف الحق المتلقى عن النبى صلى الله عليه وسلم " من عِلم " كمنكر الرؤية قائلا لا يرُى سبحانه وتعالى لعظمته وجلاله " أو عمل " كمن يؤذّن بحىّ على خير العمل " أو حال " كمن يسكت معتقداً أن مطلق السكوت قربة وهو – إن لم يكفُر بيدعته – فاسق تكره إمامته تحريماً عند الجمهور لما تقدم .
" ولقول " مجاهد كنت مع عبد الله بن عمر فثوّب رجل فى الظهر أو العصر فقال : اخرج بنا فإن هذه بدعة . أخرجه أبو داود (2) . { 42 }
(
__________
(1) ص 68 ج2 مجمع الزوائد ( الإمام يسئ الصلاة ) .
(2) ص 220 ج4 – المنهل العذب ( التثويب ) ( فثوب رجل ) أى قال : الصلاة خير من النوم أو نادى على باب المسجد : الصلاة رحمكم الله .(1/109)
وقالت ) الحنبلية : لا تصح الصلاة خلف مبتدع مُعْلنْ بدعتَه إلا أن خافه فيصلى ثم يعيد . وعن أحمد أنه لا يصلى خلف مبتدع بحال ( قال ) ابن قدامة بعد كلام : وعن مالك أنه لا يصِّلى خلف أهل البدع . فحصل من هذا أن من صلى خلف مبتدع مٌعْلن بدعتَه فعليه الإعادة ومن لم يعلنها ففى الإعادة خلفه روايتان(1)( وعلى الجملة ) من أراد حفظ دينه وسلامةَ عبادته من الخلل فلا يصلى خلف المخالفين لشرع الله عز وجل ولا يصاحب بدعياً ولا يدخل مساجد البدع ، وإلا ضل سعيه وَبعُدَ عن سبيل الخير ( قال ) ابن الحاج فإن فُرِضَ ألا يجدَ مسجداً سالماً من البدع . فْليصل فى بيته فهو أفضل له وأقرب إلى رضاء ربه ، ولا سيما فى هذا الزمان ، إذ أقرب ما يتَقرب به المتقربون إلى الله سبحانه وتعالى اليومَ بُغْضُ البدع ومحبة السنن والعمل عليها ومحبةُ أهلها وموالاتهم ، فإن هذا الفن قد اندرس إلا عند من وفقه الله وقليل مّاهم ( وهذا ) بالنظر لأهل زمانه " القرن السابع " فما الذى نقوله فى أهل زماننا " القرن الرابع عشر " وبدعِهم . فإنا لله وإنا إليه راجعون .
(15) إمامة الأعرابى : الأعرابى من يسكن البادية . فإن كان من أهل العلم والفضل صالحاً للإمامة لا تكره إمامته ولو للحضرى عند الجمهور . لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله (2) ولأنه مكلّف أهلٌ للإمامة . وإن غلب عليه الجهل والفسق ، كرهت إمامته تحريماً اتفاقاً لما تقدم .
(
__________
(1) ص 22 ج2 مغنى ( الإمامة ) .
(2) تقدم رقم 116 ص 85 ( الأحق بالإمام ) .(1/110)
وقالت ) المالكية : تكره إمامته للحضرىِّ وإن كان أقرا القوم وأفضلهم لقوله تعالى : { الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ (1) } ولأَن شأَنَه الجفاءُ والغِلْظة . والإِمامُ شافع فينبغى أن يكون ليِّن الجانب رحيم القلب ( وَرُدَّ ) بأَنه ليس كلُّ بدوى كذلك . بل منهم أَهل الفضل والإِيمان والرحمة والعطف ، قال تعالى { وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ (2) } .
(16) إمامة ولد الزنا : ولد الزنا لا تكره إمامته إذا كان تقياً مرضياً عند الحنفيين وأحمد إسحاق ، لقول عائشة : ما عليه من وِزْر أبويه شئ ، وقد قال الله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(3) } تعنى ولد الزنا .{43}
وعن الشعبى والنخعى والزهرى فى ولد الزنا أنه يؤم . ذكره البيهقى(4) ( وعن أبى حنيفة ) عن عطاء بن أبى رباح أنه سئل أيؤمُّ ولدُ الزنا ، قال نعم أوَ ليس منهم مَنْ هو أكثُر مِنَّا صلاة وصوماً ؟ أخرجه أبو يوسف فى الآثار(5) . { 44 }
__________
(1) التوبة أية : 97 .
(2) التوبة آية : 99 .
(3) الزمر آية : 7 .
(4) ص 914 ج3 – السنن الكبرى ( إمامة ولد الزنا ) .
(5) رقم 279 ص 56 كتاب الآثار .(1/111)
وإن كان غير مرضىّ كرهت إمامته اتفاقاً ، للنفرة منه ( وكره ) مالك أن يُتَّخّذّ إماماً راتباً ( وقالت ) الشافعية : تكره إمامته " روى " يحيى بن سعد أن رجلا كان يؤم ناساً بالعقيق فأرسل إليه عمر بن عبد العزيز فنهاه. قال مالك وإنما نهاه لأنه كان لا يُعرَف أبوه . ذكره البيهقى (1) { 45 } ولأن الإمامة تعظيم وفضل وهو ليس من أهلها فكرهت إمامته كالعبد ( ورُدّ ) بأنهم لا يرَون كراهة إمامه العبد ، والعبد أقل من ولد الزنا ، لأنه لا يلى النكاح ولا المال ولا تقبل شهادته أحياناً بخلاف ولد الزنا ، فلا يقاس عليه .
(17) إمامة من يكرهه المأمومون : ينبغى للإمام أن يكون متحلياً بالكمال متخلياً عما يعاب حتى لا يكرهه أهل الخير والصلاح . ويكره له تحريماً – عند غير المالكية – أن يؤمّ قوماً يكرهونه أو أكثرهم إذا كانوا أهل دين وتقوى " لحديث " ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثةٌ لا تُرفَعُ صلاتُهم فوق رءوسهم شبراً : رجل أم قوماً وهم له كارهون ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط . وأخوان متصارمان . أخرجه ابن ماجه بسند صحيح(2) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 135 }
" ولحديث " أبى أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثةٌ لا تُجَاوز صلاتُهم آذانَهم : العبد الآبق حتى يرجعَ ، وامرأت باتت وزوجها عليها ساخِط وإمام قوم وهم له كارهون . أخرجه الترمذى وقال : حسن غريب . وأقره المنذرى والنووى فى الخلاصة (3) . ... ... ... ... ... ... { 136 }
(
__________
(1) ص 90 ج3 – السنن الكبرى .
(2) ص 59 ج1 سنن ابن ماجه ( من أم قوماً وهم له كارهون ) ( متصارمان ) أى متقاطعان فوق ثلاث لغير سبب شرعى .
(3) ص 287 ج1 تحفة الأحوذى . و ( لا تجاوز صلاتهم آذانهم ) هو كناية عن عدم القبول وعدم الثواب .(1/112)
وفى الباب ) أحاديث كثيرة فيها مقال ، ولكنها لكثرتها يُقوّى بعضُها بعضاً فتقوم بها الحجة على أنه يكره للرجل أن يؤمّ قوماً يكرهونه أو أكثرهم لأمر دينى ، أو لأنهم أحق الإمامة منه . وإن لم تكن كراهتم لما ذكر بل لإتمامه الصلاة وهم يرغبون فى نقرها ، فلا تكره إمامته ( قال ) ابن قدامة : قال أحمد : إذا كرهه واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس حتى يكرهة أكثر القوم . وإن كان ذا دين وسّنة فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته (1) وقال الترمذى : وقد كره قوم أن يؤمّ الرجل قوماً وهم له كارهون . فإذا كان الإمام غير ظالم فإنما الإثم على من كرهه (2) ( وقال ) الغزالى فى الإحياء : لو كان الأقل من أهل الدين يكرهونه فالنظر إليهم .
( وقالت ) المالكية : تكره إمامته إن كرهه القليل من غير أهل الفضل والشرف . وتحرُم إمامته إن كرهه جميع القوم أو أكثرهم أو ذَوُو الفضل والشرف منهم وإن قلوا . وإن شك فى كراهتهم له استأذن أهل محلته دون الطارئين .
(18) موقف المأموم : له فى هذا أربع حالات :
( أ ) إذا كان المأموم واحداً ذكراً ولو صبياً ، فالسنة أن يقف عن يمين الإمام متأخراً عنه قليلا أو مساوياً له " لقول " ابن عباس : صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم فقمتُ عن يساره فأخذ برأسى من ورائى فجعلنى عن يمينه . أخرجه الترمذى وقال : حديث حسن صحيح(3). ... ... ... ... ... ... { 137 }
وتقدم بلفظ آخر(4) " ولقول " أنس : صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم فأقامنى عن يمينه . أخرجه البزار بسند رجاله موثقون(5) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 138 }
__________
(1) ص 58 ج2 مغنى .
(2) ص 286 ج1 تحفة الأحوذى .
(3) ص 195 ج1 منه ( الرجل يصلى ومعه رجل ) .
(4) تقدم رقم 59 ص 39 ( الجماعة فى غير الصلوات الخمس ) .
(5) ص 95 ج2 مجمع الزوائد ( إذا كان إمام ومأموم ) .(1/113)
فإن قام خلف الإمام أو عن يساره ، صح مع الكراهة عند الأئمة الثلاثة لأن ابن عباس لما أحرم عن يسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أداره عن يمينه ولم تَبطل تحريمتُه ، ولو بطلتْ لما أقرّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أول صلاته ، ولأن اليسار موقف للمأموم إذا كان معه آخر ( وقال ) أحمد والهادوية : تبطل صلاته ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس عن يمينه . وعدمُ أمره له باعادة التحريمة ، لا يدل على صحة صلاة من وقف على يسار الإمام فى الصلاة كلها عالماً بموقف المأموم الواحد . غاية ما فيه تقرير مَنْ جهل الموقف والجهل عذر ، ولأن ما فعله ابن عباس قبل الركوع لا يؤثر ، فإن الإمام يُحرم قبل المأمومين ولا يضر انفراده بما قبل إحرامهم ولا يلزم من العفو عن ذلك العفو عن ركعة كاملة .
( وَرُدَّ ) بأن سماحة الدين ويسرَه لا يتفقان وهذا التشديد فى موقف المأموم ، وسيأتى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكرة – وقد أحرم وركع قبل أن يصل الصفّ – زَادك الله حِرْصاً ولا تعُد (1) فقد خالف الموقف ودعا له النبى صلى الله عليه وسلم ولم يخبره ببطلان صلاته . والظاهر مذهب الجمهور .
( ب ) " إذا كان " مع الإمام اثنان فأكثر تقدم الإمام ووقف المأمومون خلفه عند الأئمة الأربعة والجمهور "لقول" أنس : صلىّ النبى صلى الله عليه وسلم فى بيت أم سُليم فقمت أنا ويتيم خلفه وأم سُليم خلفنا . أخرجه الشافعة والبخارى والبيهقى(2) . ... ... ... ... ... ... ... ... { 139 }
__________
(1) يأتى ص 115 رقم 158 ( انفراد المأموم خلف الصف ) .
(2) ص 137 ج1 بدائع المنن . وص 238 ج2 فتح البارى ( صلاة النساء خلف الرجال ) وص 106 ج3 – السنن الكبرى ( من جوز الصلاة دون الصف ) .(1/114)
" ولقول " ، جابر بن عبد الله : قام النبى صلى الله عليه وسلم ليصلى المغرب فجئتُ فقمتُ إلى جنبه عن يساره فأخذ بيدى فأدرانى حتى أقامنى عن يمينه ، فجاء جُبارُ بنُ صَخرٍ حتى قام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذَنا بيديه فدفعنا حتى أقامنا خلفه ( الحديث ) أخرجه أحمد وأبو داود(1). ... { 140 }
( وروى ) أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن عُمر بن الخطاَّب أمَّ رجلين فجعلهما خلفه . أخرجه أبو يوسف فى الآثار(2) . { 46 }
وليس ذلك شرطاً ولكنه الأولى والأسن .
( ج ) " ولو صلى " مع الإمام ذكر وامرأة وقف الذكر عن يمينه والمرأة خلفهما " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم أمَّةُ وامرأةً منهم فجعله عن يمينه والمرأةَ خلف ذلك . أخرجه البيهقى والسبعة إلا البخارى . وهذا لفظ أبى داود(3). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 141 }
(
__________
(1) ص 294 ج5 – الفتح الربانى . وص 20 ، 21 ج5 – المنهل العذب ( إذا كان الثوب ضيقاً ) .
(2) رقم 253 ص 50 كتاب الآثار ( الإمامة ) .
(3) ص 107 ج3 – السنن الكبرى . وص 297 ج5 الفتح الربانى . وص 164 ج5 نووى مسلم ( جواز الجماعة فى النافلة ) وص 338 ج4 – المنهل العذب ( باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه ) وص 129 ج1 سنن ابن ماجه ( الإثنان جماعة ) .(1/115)
د ) " وإذا كان " مع الإمام رجال وغيرهم وقف خلفه الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء " لحديث " أبى مسعود الأنصارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لِيَلِيَنىّ منكم أولو الأحْلام والنُّهى ، ثم الذين يلُونهم ، ثم الذين يلونهم . أخرجه البيهقى والسبعة إلا البخارى والنسائى وحسنه الترمذى(1). ... ... { 142 }
" ولقول " أبى مالك الأشعرى : يا معشرَ الأشعريين اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم أُعَلمْكم صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا وجمعوا أبناءهم ونساءهم فتوضأ وأراهم كيف يتوضأ فأحصى الوضوء إلى أماكنه حتى لما أنْ فاء الفىء وانكسر الظلّ قام فأذَّن فصف الرجالَ فى أدنى الصفِّ وصف الوِالدانَ خلفهم . وصف النساء خلف الولدان ثم أقام الصلاة فتقدم ( الحديث ) أخرجه أحمد وابن أبى شيبة . وفى سنده شهر بن حَوْشَبٍ تكلم فيه غير واحد ووثقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل(2). ... ... ... ... ... { 143 }
(
__________
(1) ص 97 ج3 – السنن الكبرى . وص 303 ج5 – الفتح الربانى . وص 155 ج4 نووى مسلم ( تسوية الصفوف ) وص 63 ج5 – المنهل العذب ( من يستحب أن يلى الإمام ) وص 193 ج1 تحفة الأحوذى . وليلينى بياء مفتوحة ونون مشددة . وعند مسلم : ليلنى بحذف الياء وتخفيف النون . و " الأحلام " جمع حلم بكسر فسكون . وهو الأناة والعقل ، أو بضم فسكون . وهو البلوغ "والنهى" جمع نهية بضم فسكون ، وهى العقل.
(2) ص 343 ج5 مسند أحمد . وص 36 ج2 نصب الراية .(1/116)
ومحل ) تأخير الصبيان عن الرجال إن تعدّدوا بأن كانوا اثنين فأكثر . أما الصبى الواحد فيدخل مع الرجال فى الصف عند الحنفيين ومالك الشافعى والجمهور " لحديث " أنس بن مالك أن جدته مُلَيكة دعت النبى صلى الله عليه وسلم لطعام صنعتْه فأكل منه ثم قال : قوموا فلأصلىِ لكم ، فقمتُ إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لُبِس فنَصحتهُ بماء فقام عليه النبى صلى الله عليه وسلم ، وصَففتُ أنا واليتيم وراءه والعجوزُ مِنْ ورائنا ، فصلى لنا ركعتين ثم انصرف . أخرجه الشافعى والبيهقى والجماعة إلا ابن ماجه . وصححه الترمذى(1) . { 144 }
( وقال ) أحمد : يكره أن يقوم الصبى مع الرجال خلف الإمام إلا إذا بلغ خمسَ عشْرة سنة . وروى عن عمر أنه كان إذا رأى صبياً فى الصف أخرجه . { 47 }
والراجح ما ذهب إليه الجمهور لما روينا .
(
__________
(1) ص 137 ج1 بدائع المنن وص 96 ج3 – السنن الكبرى ( الرجل يأتم بالرجل ومعهما صبى وامرأة ) وص 299 ج5 الفتح الربانى . وص 234 ج2 فتح البارى (وضوء الصبيان – الصلاة ) وص 162 ج5 نووى مسلم ( الجماعة فى النافلة ) وص 341 ج4- المنهل العذب ( إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون ؟ ) وص 129 ج1 مجتبى ( إذا كانوا ثلاثة وامرأة ) وص 196 ج1 تحفة الأحوذى ( الرجل يصلى ومعه رجال ونساء ) و (فلأصل لكم ) بكسر اللام وفتح الياء منصوباً بلام كى ، والفاء زائدة وروى بكسر اللام وحذف الياء مجزوماً . واللام فى قوله " لكم " للتعليل ، أى أصلى لتعليمكم والتعليم عبادة أخرى تحصل مع الصلاة . و ( لبس ) بضم فكسر ، أى من كثرة ما استعمل وعند الشافعى والبخارى : ما لبث بالثاء ، أى من طول مكثه .(1/117)
19) وقوف المرأة فى صف الرجال : دل حديث أنس على أن المرأة تقف خلف الرجل ولو انفردت . ولا تقف مع الرجل لما فيه من خشية الافتتان . فلو وقفت فى صف الرجال صحت صلاتها وصلاة من يليها مع الكراهة عند الجمهور . قال النووى : وكذا إذا تقدمت المرأة على صفوف الرجال ولم تتقدم على الإمام أو وقفت بجنب الإمام أو بجنب مأموم صحت صلاتها وصلاة الرجال مع الكراهة بلا خلاف عندنا (1) ( وقال ) الحنفيون وأبو بكر الحنبلى : تبطل صلاة من يليها ومن خلفها دونها " روى " أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال فى الرجل يصلى وعن يمينه أو عن يساره أو بحذائه امرأة تصلى : إنه يعيد الصلاة . وإن كان بينهما مقدارُ مُؤخِرة الرَّجْل . أخرجه أبو يوسف فى الآثار (2) . { 48 }
ووجهه أن الرجل منهى عن الوقوف وراءها وإلى جانبها ، لقول ابن مسعود : أخروهن من حيث أخرهن الله . أخرجه الطبرانى وعبد الرازق(3) . { 49 }
وحيث ظرف مكان ، ولا مكان يجب تأخيرهن إليه إلا مكان الصلاة . والمأمور بتأخيرها الرجال . فإذا حاذت الرجلَ امرأةٌ فسدت صلاته(4) . دون صلاتها ، لأنه ترك ما أُمر به ، فأشبه ما لو تقدم على الإمام .
(
__________
(1) ص 297 ج4 شرح المهذب .
(2) رقم 240 ص 47 كتاب الآثار ( ما يفسد الصلاة ) ( ومؤخرة الرحل ) بضم فسكون الخشبة يستند إليها راكب البعير .
(3) رقم 156 ص 67 ج1 كشف الخفاء . وص 255 ج1 فتح القدير ( الإمامة ) .
(4) المحاذاة ، هى قيام المرأة المشتهاة بجنب الرجل أو أمامه بلا حائل بينهما بحيث تحاذيه بساقها أو كعبها فى الأصح . ويشترط لفساد الصلاة بها عشرة شروط تنظر ص 521 ، 522 غنية المتملى شرح منية المصلى .(1/118)
قال الحلبى ) الحنفى : وعند الثلاثة المحاذاة غير مفسدة وهو القياس إلا أن أئمتنا استحسنوا بالحديث "أخروهنّ .. " وهو أمر يقتضى الافتراض فيكون ترك التأخير من الرجل مفسداً ، لتركه فرض المقام . ولا تفسد صلاتها وإن كانت مأمورة بالتأخّر ضمناً ويحرم عليها تركه فرقاً بين القصدى والضمنى ، وكان وزانه معها فى لزوم تقدمه وتأخيرها وزان المأموم مع الإمام فى لزوم تأخيره وتقديم الإمام " فكما " أن المأموم لا يجوز له التقدم وتفسد صلاته والإمام لا يجوز له التأخر ولا تفسد صلاته " كذلك " الرجل لا يجوز له التأخر عن المرأة وتفسد صلاته والمرأة لا تجوز لها المحاذاة ولكن لا تفسد صلاتها . ثم قال : ثم هذا مبنى على كون الحديث مرفوعاً إلى النبى صلى الله عليه وسلم . ولم يثبت ذلك . وإنما روى موقوفاً على ابن مسعود (1) .
وعلى فرض رفعه فالمقرر عندهم أن النهى لا يقتضى الفساد ، فقد ثبت النهى عن الصلاة فى الثوب المغصوب وَأُمِرَ غاصبه بنزعه ، ولو خالف وصلى فيه أثم وأجزأته صلاته ، وأيضاً فإن المرأة منهية عن الوقوف مع الرجال ولم تفسد صلاتها ، فصلاة من يليها ومن خلفها أوْلى . فالراجح القول بعدم فساد صلاة الرجل بمحاذاة المرأة .
(20) آداب الجماعة : للجماعة آداب كثيرة تقدم بعضها كتسوية الصفوف وسدّ الفرج ( ومنها ) ألاّ يقومَ المأمومون للصلاة إذا كان الإمام غائبا حتى يرونه " لحديث " أبى قتادة أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تَرَوْنى . أخرجه أحمد والشيخان والنسائى وأبو داود(2) . ... { 145 }
__________
(1) ص 522 غنية المتملى شرح منية المصلى ( شروط المحاذاة ) .
(2) ص 322 ج5 – الفتح الربانى . وص 81 ج2 فتح البارى ( متى يقوم الناسي عند الإقامة ) وص 101 ج5 نووى مسلم ( متى يقوم الناس للصلاة ) وص 111 ج1 مجتبى ( إقامة المؤذن عند خروج الإمام ) وص 222 ج4 المنهل العذب ( الصلاة تقام ولم يأت الإمام ) .(1/119)
فقوله " حتى ترونى " إذنٌ بالقيام عند رؤية الإمام بلا تقييد بشئ من ألفاظ الإقامة . أما إذا كان الإمام حاضراً . فالأمر موسّع فى وقت قيامهم ( قال ) مالك فى الموطأ : وأما قيام الناس حين تقام الصلاة فغنى لم أسمع فى ذلك بحد يقام له إلا أنى أرى ذلك على قدر طاقة الناس ، فإن منهم الثقيل والخفيف ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد(1) . ( وقال ) ابن حبيب : كان ابن عمر لا يقوم حتى يسمع قد قامت الصلاة . ورُوى نحوه عن أنس ابن مالك . { 50 }
( وقالت ) الشافعية وأبو يوسف وإسحاق وأهل الحجاز : لا يقوم كل من الإمام والمأموم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة . وهو رواية عن أحمد ( وقال ) أبو حنيفة ومحمد : يقومون إذا قال حىّ على الصلاة ، فإذا قال قد قامت الصلاة كبرّ الإمام " لما روى " الحجاج بن فروخ ثنا العوّام بن حَوْشّبٍ عن عبد الله بن أبى أوفى قال : كان إذا قال بلال قد قامت الصلاة نهض النبى صلى الله عليه وسلم فكبر . أخرجه البيهقى وقال : وهذا لا يرويه إلا الحجاج بن فروخ ، وكان يحيى بن معين يضعفه (2) . ... ... ... ... ... ... { 146 }
ولأن المقيم أمين قد أخبر بقيام الصلاة فينبغى تصديقه .
(
__________
(1) ص 133 ج1 زرقانى الموطأ ( النداء للصلاة ) .
(2) ص 22 ج3 – السنن الكبرى ( من زعم أنه يكبر قبل فراغ المؤذن من الإقامة ) .(1/120)
ورُدّ ) : ( أ ) " بأن " الحديث ضعيف ، لأن الحجاج بن فروخ مجهول . وضعفه ابن معين والنسائى والدار قطنى . والعوّام بن حَوْشبٍ لم يدرك ابن أبى أوفى ولم يسمع أحداً من الصحابة ( ب ) بأن ما قالاه مخالف لما تقدم فى بحث " حكاية الإقامة " عن أبى أمامة أن بلال أخذ فى الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبى صلى الله عليه وسلم : أقامها الله وأدامها . وقال فى سائر الإقامة كنحو حديث عمر فى الأذان(1) أى أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحكى الإقامة كالأذان إلا قد قامت الصلاة فكان يقول بدلها أقامها الله وأدامها . وهو صريح فى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل فى الصلاة إلا بعد الفراغ من الإقامة ، ولأنها دعاء للصلاة كالأذان ، فلا يسن الدخول فيها إلا بعد الفراغ من الإقامة . وقد تقدم فى بحث تسوية الصفوف أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل الصلاة إلا بعد تسوية الصفوف(2) واقتدى به خلفاؤه والسلف الصالح ( ومنه ) تعلم أن السنة عدم الدخول فى الصلاة إلا بعد الفراغ من الإقامة وقول المقيم " قد قامت الصلاة " معناه قرب الدخول فيها .
( ومنها ) الوقوف فى المكان الفاضل – فيسن للإمام الوقوف فى مقابلة وسط الصف ليستوى القوم من جانبيه " ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : وسِّطوا الإمام وسدُّوا الخَلَل . أخرجه أبو داود والبيهقى(3) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 147 }
__________
(1) تقدم رقم 103 ص 67 ج2 – الدين الخالص . وحديث عمر تقدم رقم 102 ص 66 منه .
(2) تقدم ص 319 جح2 – الدين الخالص .
(3) ص 72 ج5 – المنهل العذب ( مقام الإمام من الصف ) وص 104 ج3 – السنن الكبرى . و( الخلل ) بفتحتين ، الفرجة فى الصف .(1/121)
أى اجعلوا الإمام مقابلا لوسط الصف الأول ، وليس المراد اجعلوه وسطكم ، لأن رتبة الإمام التقدم . والأمر فيه للندب للاتفاق على صحة الصلاة إذا كان كل المأمومين عن يمينه أو يساره . والحديث وإن كان ضعيفاً (1) لكن عليه عمل سلف الأمة وخلفها ( قال ) أبو حنفية : أكره أن يقوم بين الساريتين أو فى زاوية أو فى ناحية المسجد أو إلى سارية ، لأنه خلاف عمل الأمة . والظاهر أن هذا فى حق الإمام الراتب لجماعة كثيرة ، لئلا يلزم عدم قيامه فى الوسط،فلو لم يلزم ذلك لا يكره قيامه إلى سارية ونحوها.ذكره ابن عابدين(2) ( ويستحب ) للمأمومين ابتداء الصف من خلف الإمام إلى نهاية الجهة اليمنى ثم يتمونه من اليسار،وألا يُبتدأ صفِّ حتى يتم الصف الأمامى " لحديث " عائشة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال:إن الله وملائكته يُصلّون على ميامن الصفوف.أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقى ثم قال : معاوية بن هشام ينفرد بهذا المتن فلا أراه محفوظاً (3). ... {148}
" ولحديث " جابرِ بنِ سَمُرَة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا تَصُفون كما تَصُفّ الملائكة عند ربهم ؟ قلنا وكيف تصُف الملائكةُ عند ربهم ؟ قال يُتمون الصفوف المقدَّمة ويتراصّون فى الصف . أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذى (4) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 149 }
__________
(1) ضعيفاً ) لأن فى سنده يحيى بن بشير عن أمه . وهو مستور وهى مجهولة .
(2) ص 419 ج1 رد المحتار .
(3) ص 65 ج5 – المنهل العذب ( من يستحب أن يل الإمام فى الصف ) وص 163 ج1 سنن ابن ماجه ( فضل ميمنة الصف ) وص 103 ج3 – السنن الكبرى .
(4) ص 311 ج5 – الفتح الربانى . وص 51 ج5 – المنهل العذب ( تسوية الصفوف ) وص 131 ج1 مجتبى - حث الإمام على رص الصفوف) وص 162 ج1 سنن ابن ماجه ( إقامة الصفوف ) و ( تصفون ) بفتح التاء وضم الصاد مبنياً للمفعول . و ( عند ربهم ) أى عند قيامهم لعبادته .(1/122)
وتقدم عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : أتموا الصف المقدّمَ تم الذى يليه ، فما كان من نقصٍ فليكن فى الصّف المؤخرّ (1).
( ومنها ) قرب أهل الفضل من الإمام – فيسنّ أن يتقدم فى الصف الأول أولو الفضل وأن يلى الإمامَ أفضلُهم " لما تقدم " عن أبى مسعود الأنصارىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لِيَلِيَنىّ منكم أولو الأحلام والنهُّىَ ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم(2) .
( ومنها ) تخفيف الإمام الصلاة – فيسن للإمام مراعاة حال المأمومين ، فلا يطول فى الصلاة بالزيادة عن القدر المسنون فى القراءة وغيرها " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا صلى أحدُكم للناس فليُخَفّف فإن فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبير ، فإذا صلى لنفسه فليطوّل ما شاء . أخرجه السبعة إلا ابن ماجه . وفى رواية البخارى . فإن منهم المريضَ والضعيف . وفى رواية له أيضاً عن ابن مسعود : فإن فيهم الضعيف والكبير إذا الحاجة (3) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 150 }
(
__________
(1) تقدم رقم 466 ص 321 ج2 – الدين الخالص .
(2) تقدم رقم 142 ص 101 ( موقف المأموم ) .
(3) ص 235 ج5 – الفتح الربانى . وص 137 ج2 فتح البارى ( إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء ) وص 185 ج4 نووى مسلم ( أمر الأئمة بتخفيف الصلاة فى تمام ) وص 217 ج5 – المنهل العذب ( تخفيف الصلاة ) وص 122 ج1 مجتبى ( ما على الإمام من التخفيف ) والمراد بالضعيف ضعيف الخلقة . والسقيم ، من به مرض .(1/123)
ومعلوم ) أن التخفيف أمرُ نسبى يرجع إلى ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم وواظب عليه ، لا إلى شهوة المأمومين ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه وقد علم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة فالذى فعله هو التخفيف الذى أمر به وهديُه الذى واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون وبما ذكر تزداد علماً بجهل وخطأ من ينكر على من يؤمّ الناس فى صلاة الصبح أو الظهر فيقرأ فيهما بالوارد ، ويطمئن فى الركوع والرفع منه والسجود والجلوس بين السجدتين حسب الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويستدل بحديث أبى هريرة وقد تقدم أنّ النبى صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على معاذ قراءته البقرة فى صلاة العشاء ، وأمره أن يقرأ فيها من أوساط المفصّل وقد تقدم الكلام على هذا بأتمِّ وجه وأكمله فى "بحث القراءة فى العشاء " (1) .
( ومنها ) أنه يندب للإمام فى يُخلص فى صلاته ، ويتضرعَ فى دعائه ، ويُحسِنَ طهارته وقراءته ويحضُر إلى المسجد أول الوقت ، فإن اجتمع الناس بادر بالصلاة وإلا انتظر الجماعة ما لم يفحش الانتظار .
__________
(1) انظر ص 280 ، 281 ج2 – الدين الخالص .(1/124)
وبالجملة فينبغى له أن يأتى بصلاته على أكمل ما يطيقه من الأحوال ( ومنها ) انتظار الإمام من يريد الصلاة معه : فمتى أحس الإمام بداخل يريد الصلاة معه ، استحب له – عند الحنفيين والشافعى – انتظاره حال القيام أو الركوع أو القعود الأخير ، ليدرك فضل الجماعة ، لما فيه من التعاون على البر والتقوى . وهذا إن سوىّ بين المأمومين فى ذلك وقصد به التقرب إلى الله تعالى ، واتسع الوقت ولم يبالغ فى الانتظار بما يشقُّ على المؤمنين ، أما إن انتظره تودداً إليه ، أو حَياء منه ، فهو مكروه تحريماً عند أكثر العلماء " قال " الكاسانى : ثم الإمام إذا كان فى الركوع فسمع خفق النعل ممن دخل المسجد هل ينتظره ؟ قال أبو يوسف : سألت أبا حنيفة وابنَ أبى ليلى عن ذلك فكرهاه . وقال أبو حنيفة : أخشى عليه أمراً عظيماً يعنى الشرك(1) وروى هشام عن محمد أنه كره ذلك . وقال الشافعى لا بأس به مقدار تسبيحة أو تسبيحتين . وقال أبو القاسم الصفار : إن كان الرجل غنياً لا ينتظره وإن كان فقيراً يجوز . وقال الفقيه أبو الليث : إن كان الإمام قد عرف الجائى فلا ينتظره لأنه يشبه الميل وإن لم يعرفه فلا بأس به ، لأن ذلك إعانه على الطاعة(2) ( وقال ) ملاّ على القارى : والمذهب عندنا أن الإمام لو أطال الركوع لإدراك الجائى لا تقرباً بالركوع لله ، فهو مكروه تحريماً ويخشى عليه منه أمر عظيم لكن لا يكفر به لأنه لم ينوِ به عبادة غير الله (3) ( وقال ) الجرانى فى فتح العلام : ويكره الانتظار فى غير الركوع والتشهد
__________
(1) فهم بعضهم من كلام الإمام أنه يصير مشركاً فأفتى بإباحة دمه وليس كذلك وإنما أراد الشرك فى العمل لأن أول الركوع كان لله تعالى وآخره للمجائى فلا يكفر لأنه لم يرد التذلل والعبادة له .
(2) ص 209 ج1 بدائع الصنائع ( سنن الصلاة ) .
(3) ص 96 ج2 مرقاة المفاتيح ( ما على الإمام ) .(1/125)
الأخير، لعدم الفائدة ، كما يكره فيهما عند فقد شرط مما مرّ . ويحرم عند ضيق الوقت ولقصد التودد(1) .
( ومشهور ) مذهب الحنبلية أنه يكره الانتظار عن شق على المأمومين ، وإلا استحب ( قال ابن قدامة ) متى أحسّ بداخل فى حال القيام أو الركوع يريد الصلاة معه وكانت الجماعة كثيرة ، كره انتظاره ، لأنه يبعد ألاَّ يكون فيهم من يُشق عليهم ، وكذلك إن كانت الجماعة يسيرة والانتظار يشق عليهم لأن الذين معه أعظم حرمة من الداخل ، فلا يشق عليهم لنفعه . وإن لم يكن كذلك استحب انتظاره . وهذا مذهب أبى مجلز والشعبى والنخعى وإسحاق(2) ( وقالت المالكية ) يكره الانتظار مطلقاً .
(21) مكروهات الجماعة : يكره فيها أمور المذكور منها هان خمسة :
1- يكره توسط الإمام بين اثنين أو أكثر ، لما فيه من مخالفة موقفه كما تقدم فى بحث " موقف المأموم "(3)
__________
(1) وأهم شروط ندب الانتظار عند الشافعية سبعة ( الأول ) ألا تكون الجماعة مكروهة كمقضية خلف مؤداة ( الثانى ) ألا يخاف خروج الوقت فى الجمعة مطلقاً ، وفى غيرها إن شرع فيها ولم يبق من وقتها ما يسعها كلها . ( الثالث ) ألا يبالغ فى الانتظار بأن يطوله تطويلا لو وزع على أركان الصلاة لعد كل منها طويلا عرفاً . ( الرابع ) ألا يميز بين الداخلين . ( الخامس ) أن يكون الانتظار لله . ( السادس ) أن يظن أنه أتى بالإحرام من قيام . فلو كانت عادته الركوع قبل تمام التكبيرة كما يفعله كثير من الجهلة لم ينتظره . ( السابع ) ألا يعتاد البطء فى المشى أو تأخير الإحرام إلى الركوع . وتمامه فى فتح العلام .
(2) ص 16 ج2 – الشرح الكبير .
(3) تقدم ص 100 ( موقف المأموم ) وص 106 ( الوقوف فى المكان الفاضل ) .(1/126)
2- تكره الصلاة بين الأعمدة للإمام وغيره عند مالك وإسحاق وإبراهيم النخعى " لحديث " معاوية بن قرّة عن أبيه قال : كنا نُنْهَى أن نَصُفَّ بين السوارى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونٌطردُ عنها طرداً . أخرجه ابن ماجه والحاكم والبيهقى . وفى سنده هارون بن مسلم البصرى . وهو مجهول (1) . ... ... { 151 }
لكن يقويه " قول " ابن مسعود : لا تَصُفُّوا بين السوارى . أخرجه البيهقى ، وقال : ورواه الثورى عن أبى إسحاق فقال : لا تصفوا بين الأساطين وهذا لأن الأسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف . فإن كان منفرداً أو لم يجاوزا ما بين الساريتين لم يكره(2). { 51 }
" وقول " عبد الحميد بن محمود : صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فَدُفِعْنَا إلى السوارى فتقدمنا وتأخرنا فقال أنس : كنا نتقى هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه أحمد والبيهقى والثلاثة والحاكم وصححه . وقال الترمذى حديث حسن صحيح (3) . ... ... ... ... ... ... { 152 }
حملوا النهى فى هذه الأحاديث عن الكراهة . وروى سعيد بن منصور النهى عن ذلك عن ابن مسعود وابن
__________
(1) ص 163 ج1 سنن ابن ماجه ( الصلاة بين السوارى ) وص 104 ج3 – السنن الكبرى ( كراهية الصف بين السوارى ) .
(2) ص 104 منه .
(3) ص 324 ج5 – الفتح الربانى . وص 104ج3 – السنن الكبرى . وص 61 ج5 – المنهل العذب ( الصفوف بين السوارى ) وص 131 ج1 مجتبى . وص 194 ج2 تحفة الأحوذى . وص 210 ج1 مستدرك . و( دفعنا ) مبنى للمفعول . والسوارى جمع سارية وهى العمود (فتقدمنا) أى تقدم البعض وتأخر البعض فراراً من الصلاة بين السوارى . وعند أحمد : فتقدمنا أو تأخرتا بالشك .(1/127)
عباس وحذيفة . ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة . وحكمة النهى عن ذلك ما فيه من قطع الصف ولأنه مُصَلىَّ الجن المؤمنين ( وقال ) الشافعى وابن المنذر والحنبلية : تكره الصلاة بين السوارى للمأمومين إذا أدٌى ذلك إلى قطع الصف . ولا تكره لغير المأمومين " لحديث " معاوية بن قرة السابق ، فإنه يدل بمفهومه على جواز صلاة المنفرد بين السوارى ، لأنه ليس فيه إلا النهى عن الصف بينها ، فما ورد من النهى عن الصلاة بين السوارى مطلقاً يحمل على المقيد . فيكون النهى مختصاً بالمؤتمين دون الإمام والمنفرد " لقول " مجاهد : أتِىَ ابنُ عمر فقيل له : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة قال ابن عمر : فأقبلتُ فسألتُ بلالاً أصلى النبى صلى الله عليه وسلم فى الكعبة ؟ قال : نعم ركعتين بين السّاريتين ( الحديث ) أخرجه البخارى(1) . ... ... { 153 }
( وقال ) أبو حنيفة : يكره للإمام فقط . قال فى الدراية : الأصح ما روى عن أبى حنيفة : أكره للإمام أن يقوم بين الساريتين أو زاوية أو ناحية من المسجد أو إلى سارية ، لأنه خلاف عمل الأمة(2) وأجازه مطلقاً بلا كراهة الحسن البصرى وابن سيرين والكوفيون مستدلين بحديث ابن عمر " وبقوله " دخل النبى صلى الله عليه وسلم البيتَ ثم خرج فسألت بلالا أين صلى ؟ فقال : بين العمودين المقدمين ، أخرجه الشيخان(3) . ... { 154 }
(
__________
(1) ص 338 ج1 فنح البارى ( فوله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) .
(2) ص 352 ج1 فتح القدير ( الإمامة ) .
(3) ص 385 ج1 فتح البارى ( الصلاة بين السوارى.. ) و ص 85 ج9 نووى مسلم ( دخول الكعبة .. ) .(1/128)
وأجابوا ) عن حديث معاوية بن قرة بأنه ضعيف كما تقدم ، وعن حديث أنس بأنه مردود بفعل النبى صلى الله عليه وآله وسلم ( ورد ) بأن حديث معاوية وإن كان ضعيفاً فله شواهد تقويه كما تقدم " وبأن فعل " النبى صلى الله عليه وسلم ، وهو صلاته بين الساريتين فى الكعبة مخصص لحديث النهى فلا يُردّ حديث أنس ( وأجاب ) الأولون عن صلاته صلى الله عليه وسلم فى الكعبة بين الساريتين ، بأنه لا يعارض النهى الخاص بالأمة لعدم شموله له . وعلى فرض شموله له فيكون فعله صلى الله عليه وسلم صارفاً للنهى عن التحريم إلى الكراهة .
( والراجح ) قول الشافعية والحنبلية بكراهة الصلاة بين الأعمدة للمأمومين فقط ، فإن الأصل فى فعل النبى صلى الله عليه وسلم عدم الكراهة وعدم الخصوصية . ومحل الخلاف إذا كان المكان متسعاً . أما إن كان ضيقاً فلا خلاف فى جواز الصلاة بين السوارى بلا كراهة .
3- يكره – عند الأئمة – علوّ الإمام وحده على المأمومين لغير ضرورة فى المسجد وغيره " لحديث " همام بن الحارث أن حُذيفة بن اليمان أمّ الناس بالمدائن على دُكّان فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه . فلما فرغ من صلاته قال : ألَمْ تعلم أنهم كانوا يُنْهَوْن عن ذلك ؟ قال : بلى فذكرتُ حين جذبتنى . أخرجه الشافعى وأبو داود والبيهقى والحاكم وصححه وابن خزيمة وابن حبان (1) . ... ... ... ... ... ... { 155 }
__________
(1) ص 137 ج1 بدائع المنن . و 320ج4 – المنهل العذب ( الإمام يقوم بمكان أرفع ) . و ص 108 ج3 – السنن الكبرى ( مقام الإمام ) وص 210 ج1 مستدرك ( والمدائن ) مدينة على دجلة قرب بغداد . و ( دكان ) بضم الدال وشد الكاف ، المراد به دكة أو مكان مرتفع . ويطلق على الحانوت . و ( جبذه ) بتقديم الباء على الذال مقلوب جذب ، أى أخذه بقوة .(1/129)
" ولقول " حذيفة : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا أم الرجل القوم فلا يقمْ فى المكان أرفعَ من مقامهم . أخرجه أبو داود والبيهقى (1). ... ... ... ... ... ... ... { 156 }
والنهى هنا مطلق . لكنه مقيد بعدم الضرورة اتفاقاً ( ومنها ) قصد التعليم " قال " أبو حازم : سألوا سهلَ بن سعد السَّاعدىَّ من أى شئ منبرُ النبى صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ما بقى أحد أعلمُ به منى ، من أثْل الغابة . ولقد رأيتُ النبى صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر أول يوم وُضِع فكبّر وهو عليه ثم ركع ثم نزل القهقرى وسجد فى أصل المنبر ثم عاد ، فلما فرغ أقبل على الناس فقال : أيها الناس إنما صنعتُ هذا لتأتموا بى ولتَعلمَّوا صلاتى . أخرجه البيهقى والسبعة إلا الترمذى (2). ... ... ... ... ... ... { 157 }
__________
(1) ص 321 ج4 – المنهل العذب . وص 190 ج3 – السنن الكبرى .
(2) ص 108 ج3 – السنن الكبرى ( مقام الإمام ) وص 300 ج5 – الفتح الربانى . وص 270 ج2 – فتح البارى ( الخطبة على المنبر .. ) وص 335 ج6 – المنهل العذب ( اتخاذ المنبر ) وص 223 ج1 سنن ابن ماجه ( فى بدء شأن المنبر ) و ( أثل الغابة ) شجر شبيه بالطرفاء أعظم منه أو هو الطرفاء " قال " يا قوم الرومى : صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبراً من طرفاء له ثلاث درجات : القعدة ودرجتان. ذكره ابن عبد البر وقال : إسناد لين ليس بالقائم . ص 72 ج1 – الاستيعاب ( باقوم الرومى ) ولم يذكر فى الحديث القراءة بعد التكبير والقيام بعد الركوع ، وقد ذكرهما البخارى فى رواية من طريف سفيان عن أبى حازم بلفظ : كبر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى ص 330 ج1 فتح البارى ( الصلاة فى السطوح ) والقهقرى . المشى إلى خلف . وإنما فعله محافظة على استقبال القبلة . و (لتعلموا) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية مشددة ، أى لتتعلموا صلاتى .(1/130)
واختلفوا فى قدر الارتفاع المكروه ( قال ) الحنفيون : يكره ارتفاع الإمام وحده عن المأمومين قدر ذراع أو ما يقع به الامتياز . وهذا أوجَه لما تقدم ولما فيه من الكبْر ومشابهة أهل الكتاب فى تخصيص الإمام بمكان مرتفع . أما إذا كان معه أحد من المأمومين فلا كراهة فيه .
( وقالت ) المالكية : يكره علوّ الإمام وحده لغير ضرورة علوّاً فاحشاً إذا لم يقصد به الكبْر . أما إذا كان معه جماعة من المأمومين فالمعوَّل عليه عدم الكراهة . وإن قصد بعلوه الكبر بطلت صلاته . ويغتفر العلو اليسير كثير وذراع " وقالت " الشافعية : يرجع فى قدر الارتفاع للعرف .
( وقالت ) الحنبلية : يكره ارتفاع الإمام ذراعاً فأكثر ولو بقصد التعليم ، وإن كان أقل فلا كراهة . وعليه حملوا حديث سهل بن سعد الساعدى ( وَرُدَّ ) بأن قوله فيه " ولتعلموا صلاتى " صريح فى أنه صلى الله عليه وسلم إنما ارتفع لقصد التعليم ( قال ) ابن دقيق العيد : من أراد أن يستدل به " يعنى بحديث سهل " على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم ، لأن اللفظ لا يتناوله (1) .
( وظاهر ) الأدلة كراهة ارتفاع الإمام على المأمومين لغير ضرورة .
ومنها قصد التعليم فى المسجد وغيره ، لا فرق بين القائمة وغيرها .
4- يكره ارتفاع المأموم على إمامه عند الشافعية .
(
__________
(1) ص 331 ج1 فتح البارى ( الشرح ) .(1/131)
والمشهور ) عند الحنفيين أنه مكروه تنزيهاً إذا ارتفع كل المأمومين لغير عذر ، لما فيه من الأزدراء بالإمام ( وقالت ) المالكية : لا يكره علو مأموم على إمامه ولو بسطح المسجد فى غير الجمعة إن لم يقصد بعلوه كبراً وإلا بطلت صلاته كما لا تصح جمعة المأموم فوق المسجد ( وقالت ) الحنبلية : لا يكره علو المأموم على الإمام مطلقاً . واختاره الطحاوى وقاضيخان وقال : وعليه عامة المشايخ لعدم النهى . ولذا فعله بعض الصحابة "قال" صالح مولى التوأمة : رأيت أبا هريرة يصلى فوق ظهر المسجد بصلاة الإمام فى المسجد . أخرجه الشافعى والبيهقى ذكره البخارى تعليقاً (1). { 52 }
وجملة القول أن ارتفع المؤتم إن كان مُفرطاً بحيث لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الإمام ، فهو ممنوع بالإجماع فى المسجد وغيره . وإن كان الارتفاع غير مفرط فالأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع . ويعضِّد هذا الأصل فعل أبى هريرة المذكور ولم يُنكَر عليه .
__________
(1) ص 138 ج1 بدائع المنن . وص 111 ج3 – السنن الكبرى ( صلاة المأموم فى المسجد أو على ظهره أو فى رحبته ) وص 330 ج1 – فتح البارى ( الصلاة فى السطوح والمنبر ) وصالح مولى التوأمة فيه ضعف لكن رواه سعيد بن منصور من وجه آخر فاعتضد .(1/132)
5- تكره صلاة الرجل منفرداً عن الصف عند الجمهور " لما روى " أبو بَكَرة أنه دخل المسجد ونبى الله صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصفِّ فقال النبى صلى الله عليه وسلم : زادك الله حِرْصاً ولا تعدُ . أخرجه أحمد والبخارى والنسائى وأبو داود . وهذا لفظهما(1). ... ... ... ... ... ... { 158 }
وجه الدلالة أنه أدى بعض الصلاة خلف الصف ولم يأمره النبى صلى الله عليه وسلم بالإعادة ونهاه عن العود إلى ذلك إرشاداً إلى ما هو الأفضل ، فدل على صحة صلاة المنفرد خلف الصف مع الكراهة ( وقالت ) الحنبلية وإسحاق وابن المنذر والنخعى : من أحرم خلف الصف ثم دخله وأدرك فيه الركوع مع الإمام صحت صلاته " لحديث " أبى بَكرة . وإن صلى ركعة كاملة خلف الصف بطلت صلاته " لحديث " وابصةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يُصلى خلف الصفِّ وحده فأمره أن يُعيدَ الصلاة . أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقى والترمذى وحسنه (2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 159 }
__________
(1) ص 329 ج5 – الفتح الربانى . وص 182 ج2 فتح البارى ( إذا ركع دون الصف ) وص 139 ج1 مجتبى ( الركوع دون الصف ) وص 74 ج5 – المنهل العذب ( الرجل يصل خلف الصف ) و ( لا تعد ) بفتح فضم من العود . أى لا تعد على السعى الشديد و الركوع دون الصف ثم المشى إليه وأنت راكع ، ويؤيده حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يكع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف . أخرجه الطحاوى بسند حسن ص 231 ج1 . وروى : ولا تعد بضم فكسر من الإعادة .
(2) ص 74 ج5 – المنهل العذب ( الرجل يصلى وحده خلف الصف ) وص 163 ج1 – سنن ابن ماجه . وص 104 ج3 – السنن الكبرى . وص 194 ج1 – تحفة الأحوذى .(1/133)
" ولقول " علىّ بن شيبانَ قدمِنا على النبى صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصّلينا خلفه ثم صلينا وراءه صلاة أخرى فقضى الصلاة فرأى رجلا فرداً يصلى خلف الصف فوقف عليه نبى الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف ثم قال : اسْتَقْبِلْ صلاتَك لا صلاة الذى صلى خلف الصفِّ . أخرجه أحمد وحسنه والبيهقى وابن ماجه بسند رواته ثقات . وهذا لفظه (1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 160 }
( وأجاب ) الجمهور عنه : ( أ ) بأن الأمر بإعادة الصلاة محمول على الاستحباب جمعاً بين الأدلة وزجراً لمن فعله كى لا يعود . ( ب ) وبأن قوله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة للذى خلف الصف ، معناه لا صلاة كاملة بدليل أنه صلى الله عليه وسلم انتظره حتى فرغ من الصلاة ، ولو كانت باطلة ما أقره على الاستمرار فيها (وجملة) القول أن الجمهور حملوا حديث وابصة على الندب ، وحديث على بن شيبان على نفى الكمال ، ليوافقا حديث أبى بكرة إذ ظاهرة عدم لزوم الإعادة لعدم أمره بها ( هذا ) ومن حضر ولم يجد فى الصف فرجه قال إبراهيم النخعى وأكثر الشافعية : يُحرم ويختار واحداً فيجذبه إليه . ويستحب للمجذوب موافقته وهو مشهور مذهب أحمد " لحديث " وابصة أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا صلى خلف الصفوف وحده فقال : أيها المصلى وحده ألا وَصَلت إلى الصف أو جرَرْتَ رجلا فقام معك ؟ أعِدْ صلاتك . أخرجه أبو يعلى والبيهقى . وفى سنده السرى بن إسماعيل وهو ضعيف(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 161 }
__________
(1) ص 327 ج5 – الفتح الربانى . وص 105 ج3 – السنن الكبرى . وص 163 ج1 – سنن ابن ماجه ( صلاة الرجل خلف الصف وحده ) .
(2) ص 96 ج2 – مجمع الزوائد ( ما يفعل من جاء بعد تمام الصف ) وص 105 ج3 – السنن الكبرى ( كراهية الوقوف خلف الصف وحده ) .(1/134)
" ويُقَوِّيه " حديث مقاتل بن حَيّان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن جاء رجل فلم يجد أحداً فْليَخْتَلِجْ إليه رجلا من الصف فليقم معه فما أعظمَ المُخْتَلَج . أخرجه البيهقى وأبو داود فى المراسيل(1). ... { 162 }
( وقال ) الحنفيون : من لم يجد فرجه فى الصف ينتظر حتى يجئ آخر فيقفان معاً . فإن لم يجئ أحد حتى ركع الإمام يختار عالماً بالحكم فيجذبه ويقفان . وعليه حملوا الأحاديث الواردة فى هذا . فإن لم يجد عالماً بالحكم صلى خلف الصف بحذاء الإمام ولا كراهة حينئذ للضرورة ( قال ) ابن الهُمَام : إذا جاء والصف ملآن يجذب واحداً منه ليكون معه وينبغى لذلك ألا يجيبه فتنتفى الكراهة عن هذا لأنه فعل وسُعه(2) ( وقال ) مالك والأوزاعى وإسحاق وداود : من لم يجد سعة فى الصف يقف منفرداً ويكره له جذب أحد وهو رواية عن الشافعى وأحمد ، لأنه لو جذب واحداً لفوّت عليه فضل الصف ولأوقع الخلل فيه ( قال مالك ) فى المدونة : من صلى خلف الصفوف وحده فصلاته تامة مجزئة ولا يجبذ إليه أحداً ، ومن جبذ أحداً ليقيمه معه فلا يتبعه (3) ولعل الأحاديث لم تبلغهم ، أو لم يقولوا بها لضعفها ، لكن قد علمتَ أنها لكثرتها يقوى بعضها بعضاً ، فيحتج بها .
(22) أعذار ترك الجماعة : يباح التخلف عن الجمعة والجماعة لأعذار ، المذكور منها هنا أحد عشر .
(
__________
(1) ص 105 منه .
(2) ص 352 ج1 فتح القدير ( الإمامة ) .
(3) ص 102 ج1 – المدونة الكبرى ( صلاة الرجل وحده خلف الصفوف ) .(1/135)
1) المرض الذى يشق معه الذهاب إلى المسجد . (2) والمطر الشديد ، وهو ما يحمل الناس على تغطية رءوسهم ( 3-9 ) والبرد . والريح ، والظلمة الشديدة والخوف من ظالم على نفس أو عرْض أو مال ، وحضور طعام تتوقه النفس ، ومدافعة البول أو الغائط أو الريح . والخوف من حبس ظالم أو دائن وهو معسر " لما تقدم " عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من سمع المنادىَ فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تُقبلْ منه الصلاة التى صلى قالوا : وما العذر يا رسول الله ؟ قال خوف أو مرض . أخرجه أبو داود والدار قطنى(1) وفى سنده أبو جَناب يحيى بن الكلبى وأبو المخارق الكوفى ، وفيهما مقال ( قال ) ابن المنذر : لا أعلم خلافاً بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض . وقد تخلف النبى صلى الله عليه وسلم عنها وهو مريض قال: مروا أبا بكر أن يُصلىَ بالناس " ولحديث " مالك عن نافع أن ابن عمر أذَّن للصلاة فى ليلة ذات برْد وريح فقال . ألا صلوا فى الرحال . ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذاتُ
__________
(1) تقدم رقم 56 ص 34 ( حكم الجماعة ) و ( لم تقبل منه ) جواب الشرط . والمعنى أن من سمع المؤذن فلم يمنعه من إجابته – بحضور الجماعة – عذر ، لم تقبل صلاته ، أى لم يثب عليها ثواباً كاملا .(1/136)
مطر يقول : ألا صلوا فى الرِّحال . أخرجه الأئمة والشيخان والنسائى وأبو داود(1). ... ... { 163 }
ومثلُ البرد الحرُّ الشديد والريح الباردة فى ليلة مظلمة وإن لم تكن شديدة عند الحنبلية والشافعية ( وقال ) الحنفيون : لا تكون عذراً إلا إن كانت شديدة وقد أجمع العلماء على أن التخلف عن الجماعة فى شدة المطر والظلمة والريح وما أشبه ذلك مباح ( وعن عائشة ) أن النبى صلى الله عليه وسلم . قال : لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان . أخرجه مسلم وأبو داود(2) . ... ... ... ... ... ... { 164 }
( وعن ابن عمر ) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجَل حتى يَقضىَ حاجته منه وإن أقيمت الصلاةُ . أخرجه البخارى(3) . ... ... ... ... ... ... { 165 }
( وعن أم سلمة ) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا حضر العَشاء وحضَرت الصلاةُ فابدءوا بالعَشاء . أخرجه أحمد وابن شيبة بسند جيد (4) . ... ... ... ... ... ... ... ... { 166 }
__________
(1) ص 124 ج1 بدائع المنن . وص 184 ج5 – الفتح الربانى . وص 108 ج2 فتح البارى ( الرخصة فى المطر والعلة أن يصلى فى رحله ) وص 205 ج5 – نووى مسلم ( الصلاة فى الرحال فى المطر ) وص 106 ج1 – مجتبى ( الإذن فى التخلف عن حضور الجماعة فى الليلة المطيرة ) وص 205 ج6 المنهل العذب ( التخلف عن الجماعة فى الليلة المطيرة ) ( والحديث ) صريح فى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان بأمر المؤذن أن ينادى بالصلاة فى الرحال بعد الأذان ، وهو الراجح لما فيه من عدم تغيير نظم الأذان .
(2) ص 47 ج5 نووى مسلم ( كراهة الصلاة بحضرة الطعام .. ) وص 295 ج1 – المنهل العذب ( الرجل أيصلى وهو حاقن ؟ ) ولفظه : لا يصلى .
(3) ص 110 ج3 – فتح البارى ( إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة ) .
(4) ص 189 ج5 – الفتح الربانى ( الأعذار التى تبيح التخلف فى الجماعة ) .(1/137)
دل ما ذكر على أنه يطلب تقديم تنازل الطعام الحاضر على الصلاة ولو كان غير محتاج إليه ولم يخش فساده . ولذا قال ابن حزم والظاهرية يجب تقديم الطعام وتبطل الصلاة إذا قُدّمتْ . ورَوى القولَ بالوجوب الترمذىُّ عن أبى بكر وعمر وابن عمر وأحمد وإسحاق (وقال ) الجمهور : يكره تقديم الصلاة على الطعام إذا حضر . وظاهر الأحاديث أنه يقدَّم الطعام وإن خشى خروج الوقت ، وبه قال ابن حزم وبعض الشافعية ( وقال ) الجمهور : محله إن اتسع الوقت وإلا لزم تقديم الصلاة " وظاهر " قوله فى حديث ابن عمر : فلا يعجَل حتى يقضى حاجته "أنه" يأخذ حاجته من الطعام كاملة ، وهو يردّ ما قاله بعض الشافعية من أنه يقتصر على تنازل لُقَيَمات يكسِر بها سَورة الجوع .
ومثل الطعام فى ذلك كله ما يحصل بتأخيره شغل البال بجامع ذهاب الخشوع الذى هو روح الصلاة .
(10) العمى : هو عذر إن لم يجد الأعمى قائداً ولم يهتد بنفسه " لقوله " تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } فإن وجد قائداً أو اهتدى بنفسه فلا عذر له فى التخلف عن الجماعة عند الجمهور ، لأن النبى صل الله عليه وسلم لما أعلم أن ابنَ أُم مكتوم الأعمى يهتدى إلى المسجد لم يرخص له فى التأخر عن صلاة الجماعة وقد سمع النداء كما تقدم (1) ( وقال ) أبو حنيفة : يباح للأعمى التخلف عن الجماعة وإن وجد قائداً ، لأن القادر بقدرة الغير لا يعدّ قادراً والحديث يرده .
(
__________
(1) تقدم رقم 59 ص 35 ( حكم الجماعة ) .(1/138)
11) القيام بأمر مريض يتضرر بغيبته . هذا . ومن تخلف عن الجماعة لعذر مما سبق ونحوه – ولولاه لحضر – فله ثواب الجماعة " لحديث " أبى موسى أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا مِرض العبدُ أو سافر كتَب اللهُ له من الأجر مثلَ ما كان يعمَل صحيحاً مقيماً . أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود(1) . { 167 }
(23) أحوال المقتدى : المقتدى إما مدرك ، أو لاحق ، أو مسبوق أو لاحق مسبوق .
( أ ) ( فالمدرك ) من أدرك الصلاة كلها مع الإمام . ( ب ) ( واللاحق ) غير المسبوق ، من أدرك الركعة الأولى مع الإمام وفاته غيرها لعذر كنوم أو غفلة أو زحمة أو سبْق حدَث ( وحكمه ) عند الحنفيين أنه إذا زال عذره بدأ بقضاء ما فاته بلا قراءة ، ثم يتابع إمامه إن أدركه . ولو تابعه ثم قضى ما فاته صح مع الكراهة ، فلو نام فى الثالثة واستيقظ فى الرابعة أتى بالثالثة بلا قراءة فإذا فرغ منها وأدرك الإمام فى الرابعة صلاها معه ، وإن لم يدركه صلاها وحده بلا قراءة .
(
__________
(1) ص 410 ج4 مسند أحمد ( حديث أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه ) وص 83 ج6 – فتح البارى ( يكتب للمسافر ما كان يعمل فى الإقامة) وص 218 ج8 – المنهل العذب . وأوله : ( إذا كان الرجل يعمل صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر – الجنائز )(1/139)
وقالت المالكية ) من دخل مع الإمام ثم فاته شئ من الصلاة لعذر كرحمة أو نوم لا ينقض الوضوء ، فله أحوال ثلاثة : ( الأولى ) أن يفوته الركوع أو الرفع منه مع الإمام . فإن كان فى الركعة الأولى تابع الإمام وألغى هذه الركعة لعدم انعقادها بفوات الركوع مع الإمام . فإن ركع عمداً بطلت صلاته وإن ركع سهواً ألغى الركوع وقضى ركعة بعد سلام الإمام . وإن كان فى غير الركعة الأولى ، فإن ظن أنه لو ركع أدرك الإمام ولو فى سجدة أتى بما فاته ، فإن تحقق ظنه فيها . وإن تخلف ظنه ألغى ما فعله وتابع الإمام وقضى ركعة بعد سلامه . وكذا إن لم يظن إدراك سجدة مع الإمام . فإن خالف وأتى بما فاته فإن أدرك سجدة مع الإمام صحت صلاته وحُسِبَتْ له الركعةُ ، وإلا بطلت صلاته لقضائه ما فاته فى صلب إمامه ( الثانية ) أن تفوته سجدة أو سجدتان . فإن ظن إدراك الإمام قبل رفع رأسه من ركوع الركعة التالية أتى بما فاته ولحق الإمام وحُسِبَتْ له الركعة . وإن لم يظن إدراك الإمام فى ركوع الركعة التالية ألغى الركعة وتابع الإمام وأتى بركعة بعد سلام الإمام ، ولا سجود عليه لتحمل الإمام الزيادة التى لغت ( الثالث ) أن تفوته ركعة أو أكثر . وحكمه أنه يقضى ما فاته بعد سلام الإمام كالمسبوق .
((1/140)
وقالت ) الشافعية : اللاحق ويسمى الموافق هو من أدرك مع الإمام قبل ركوعه زمناً يسع الفاتحة (وحكمه) أنه لا يضر تأخره عن الإمام بركن فعلىّ كالركوع ولو بلا عذر ، ولا تأخره بركنين أو ثلاثة بعذر "كبطء" المأموم فى القراءة بطأ خِلْقِيًّا لا لوسوسة والإمام معتدل القراءة " وكغفلة " المأموم وسهوه عن قراءة الفاتحة. فعلية أن يتخلف عن إمامه حتى يتم قراءتها ، ويُغتفرُ له ثلاثةُ أركان طويلة وهى الركوع والسجدتان . فإن فرغ من قراءته قبل رفع الإمام رأسه من السجدة الثانية ، بنى على نظم صلاته حتى يدرك إمامه . وإن لن يفرغ من القراءة إلا بعد رفع الإمام رأسه من السجدة الثانية ، لزمه متابعة الإمام فيما هو فيه وقضاء ركعة بعد سلام الإمام " أما " إذا كان الإمام سريعَ القراءة ولم يتمكن المأموم الموافق من إتمام الفاتحة " فإنه " يقرا ما يمكنه منها ويتحمل عنه الإمام الباقى كالمسبوق ، ولا يغتفر له التخلف ثلاثة أركان .
( وقالت ) الحنبلية : من أدرك الركعة الأولى مع الإمام وتخلف عنه بركن لعذر كغفلة أو نوم لا ينقض الوضوء ، لزمه أن يأتى بما فاته بعد زوال عذره إذا لم يخش فوت الركعة التالية بعدم إدراك ركوعها مع الإمام . فإن خشى فوتها لزمه متابعة الإمام ولغت الركعة ولزمه قضاؤها بعد سلام الإمام كمسبوق . وإن تخلف عنه بركعة فأكثر تابعة وقضى ما فاته على صفته فإن كان ما فاته الركعة الأولى استفتح وتعوذ وقرأ الفاتحة وسورة . وإن كانت الثانية قرأ الفاتحة وسورة . وإن كانت الثالثة أو الرابعة اقتصر على الفاتحة .
((1/141)
ج) ( والمسبوق فقط ) هو من سبقه الإمام بركعة أو أكثر قبل أن يقتدى به فيدخل الصلاة مع الإمام على الحالة التى وجده عليها من ركوع أو سجود أو جلوس أو غير ذلك . وبعد سلام الإمام يأتى بما سبُق به " روى " عبد الرحمن ابن أبى ليلى عن معاذ قال : كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سبُق الرجلُ ببعض صلاته سألهم فأومئوا إليه بالذى سبُق به من الصلاة فيبدأ فيقضى ما سبُق به ثم يدخل مع القوم فى صلاتهم فجاء معاذ بن جبل والقومُ قعود فى صلاتهم فقعد . فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقضى ما كان سبُق به . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اصنعوا كما صنع معاذ . أخرجه أحمد وأخرج البيهقى نحوه من طريق أبى داود (1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 168 }
( وقال ) عطاء بن أبى رباح : كان الرجل إذا جاء وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم شيئاً من صلاته سأل فإذا أخْبِرِكْم سُبِق به ، صلى الذى سُبِق به ثم دخل مع النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته فأتى ابنُ مسعود فدخل مع النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته ولم يسأل . فلما صلى النبى صلى الله عليه وسلم قام فقضى ما بقى. فقال النبى صلى الله عليه وسلم : إن ابنَ مسعودٍ قد سَنَّ لكم سُنَّة فاتبعوها : أخرجه الشافعى(2) . ... { 169 }
(
__________
(1) 233 ج5 مسند أحمد ( حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه ) وص 93 ج3- السنن الكبرى ( من كره أن يفتتح الرجل الصلاة لنفسه ثم يدخل مع الإمام ) و ( اصنعوا كما صنع معاذ ) أى أنه صلى الله عليه وسلم استحسن ما صنع معاذ فأمر الناس به بعد أن أقره الوحى .
(2) ص 145 ج1 – بدائع المنن ( ما يفعل المسبوق ) .(1/142)
وعن ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدّوها شيئاً ، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة أخرجه أبو داود والحاكم وصححه(1). ... ... { 170 }
وقال الترمذى : والعمل على هذا عند أهل العلم ، قالوا إذا جاء الرجل والإمام ساجد فليسجد ولا تجزئه تلك الركعة إذا فاته الركوع مع الإمام قال بعضهم : لعله لا يرَفع رأسه من السجدة حتى يُغفرَ له (2) .
هذا . والمسبوق منفرد فيما يقضيه ، وما أدركه مع الإمام فهو أول صلاته عند الشافعى وإسحاق والأوزاعى . وروى عن مالك وأحمد . فيبنى عليه فى الأفعال والأقوال . فلو أدركه فى ركعة من الرباعية يأتى بعد سلام الإمام بركعة بفاتحة وسورة ويتشهد ثم يأتى بركعتين بفاتحة فقط " لما تقدم " عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسْعَوْنَ وأتوها تمشُون وعليكم السكينةُ فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا (3) .
(
__________
(1) ص 338 ج5 – المنهل العذب ( الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع ؟ ) وص 273 ، 274 ج1 – مستدرك .
(2) ص 407 ج1 – تحفة الأحوذى .
(3) تقدم رقم 71 ص 45 ( ما تدرك به الجماعة ) .(1/143)
وقال ) أبو حنيفة والسفيانان ومجاهد وابن سيرين : ما أدركه مع الإمام فهو آخر صلاته . وما يقضيه فهو أولها . يستفتح له ويتعوذ ويقرأ السورة جهراً ، وهو مشهور مذهب أحمد ورُوى عن الشافعى ، فمن أدرك ركعة من الرباعية يقضى ركعتين بفاتحة وسورة ثم يتشهد ، ثم يأتى بركعة بفاتحة فقط . ومن أدرك ركعة من المغرب يقضى ركعتين بفاتحة وسورة ثم يتشهد " لقول " النبى صلى الله عليه وسلم فى رواية من حديث أبى هريرة، وما فاتكم فاقضوا . أخرجها النسائى والبيهقى وقال : رواه مسلم عن سفيان بن عُيينة . وحكى عن مسلم أنه قال : لا أعلم هذه اللفظة رواها عن الزهرى غيرُ ابن عيينة وأخطأ (1) ولكن تابع ابنَ عيينة ابنُ أبى ذئب فرواها عن الزهرى كذلك . وكذا أخرج الحديث أبو نُعيم فى المستخرج على الصحيحين . ذكره ابن التركمانى(2) .
( وأجاب ) الأولون بأن هذه الرواية شاذة . قال البيهقى : والذين قالوا " فأتموا " أكثر وأحفظ وألزم لأبى هريرة راوى الحديث فهو أولى (3) وأيضاً فإن القضاء يطلق بمعنى الأداء كما فى قوله تعالى { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ } وقوله { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ } وهو المراد هنا جمعاً بين الروايات .
(
__________
(1) ص 297 ج2 – السنن الكبرى ( ما أدرك من صلاة الإمام فهو أول صلاته ) .
(2) ص 297 ج2 – الجوهر النقى .
(3) ص 298 منه – السنن الكبرى .(1/144)
وقال ) أبو يوسف ومحمد : ما أدركه مع الإمام فهو ألو صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيبنى عليها ، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها . وهو مشهور مذهب مالك . فمن أدرك ركعة من غير الصبح يأتى بعد سلام إمامه بركعتين بفاتحة وسورة ويتشهد بينهما ثم يأتي برابعة فى الرباعية بفاتحة فقط " لما روى " قتادة أن علياً قال : ما أدركتَ مع الإمام فهو أول صلاتك واقضِ ما سبقك به من القرآن . أخرجه البيهقى وقال : هذا وإن كان مرسلا عن على رضى الله عنه فهو شاهد لرواية الحارث عنه (1) . { 53 }
( فائدتان ) ( الأولى ) المسبوق عند الحنفيين ، منفرد فيما يقضيه إلا فى أربع :
(1) لا يجوز الاقتداء به . (2) ويأتى بتكبير التشريق اتفاقاً ، والمنفرد لا يأتى به عند الإمام . (3) ولو كبر ينوى استئناف الصلاة يصير مستأنفاً بخلاف المنفرد فإنه لا يصير مستأنفاً . (4) ولو قام لقضاء ما سُبِقَ به وسجد إمامه لسهو تابعة فيه إن لم يقيّد الركعة – التى قام إليها – بسجدة ، فإن لم يتابعه سجد فى آخر صلاته وينبغى له أن ينتظر بعد السلام حتى يتبين له أنه لا سهو على الإمام ، ولو قام قبل قعود الإمام قدر التشهد لا يعتدّ بما أدّاه من قيام وقراءة قبل ذلك ، وإنما يعتد بما أداه بعده . فإن قرأ بعد فراغ الإمام من التشهد ما تجوز به الصلاة جاز وإلا فلا . وهذا فى المسبوق بركعة أو ركعتين . فإن كان مسبوقاً بثلاث وقام بعد تشهد الإمام جاز وإن لم يقرأ ، لأنه سيقرأ فى الباقيتين . والقراءة فرض فى ركعتين ( ويكره ) تحريماً قيامه للقضاء قبل سلام الإمام بعد قعوده قدر التشهد إذا اقتدى بمن يرى سجود السهو بعد السلام لا قبله .
(
__________
(1) ص 299 ج2 – السنن الكبرى .(1/145)
الثانية ) من أدرك الإمام راكعاً فالأفضل أن يكبر للإحرام قائماً ثم يكبر للركوع. وإن اقتصر على تكبيرة الإحرام كفته . رُوى هذا عن زيد بن ثابت وابن عمر ولا يُعرفُ لهما مخالف من الصحابة فيكون إجماعاً . وبه قال سعيد بن المسيَّب وعطاء والحسن البصرى والثورى ومالك والحنفيون وأحمد ( قال ) ابن قدامة : قال أحمد فى رواية ابنه صالح فيمن جاء والإمام راكع : يكبر تكبيرة واحدة ، قيل له : ينوى بها الافتتاح ؟ قال : نوى أو لم ينو أليس قد جاء وهو يريد الصلاة ؟ ولن نية الركوع لا تنافى نية الافتتاح . ولهذا حكمنا بدخوله فى الصلاة بهذه النية ولم تؤثر نية الركوع فى فسادها والأفضل تكبيرتان ( قال أبو داود ) قلت لأحمد : يكبر مرتين أحب إليك ؟ قال : إن كبر تكبيرتين ليس فيه اختلاف . وإن نوى تكبيرة الركوع خاصة لم يجزه ، لأن تكبيرة الإحرام ركن ولم يأت بها(1) ومن أدرك الإمام بعد الرفعِ من الركوع كبر للإحرام ثم كبر هاوياً للسجود خلافاً للحنبلية حيث قالوا : يهوى بلا تكبير . وإن أدركه فى السجود أو التشهد الأول كبر حال قيامه مع الإمام ، لأنه صار مأموماً فيتابعه فى التكبير اتفاقاً .
وإن سلم الإمام قام المأموم لإتمام ما عليه بتكبير عند أبى حنيفة والثورى وإسحاق وأحمد ، لأنه قام إلى ركن معتدّ به كالقائم من التشهد الأول ، وكما لو قام مع الإمام ( وقالت ) المالكية والشافعية : يقوم بلا تكبير إن لم يدرك ركعتين بأن أدرك ركعة أو ثلاثاً ، وإلا قام بتكبير .
(د) ( والمسبوق اللاحق ) ومن لم يدرك الركعة الأولى وفاته بعد الاقتداء ركعة أو أكثر لعذر كنوم وزحمة ( وحكمه ) أنه كالمسبوق فيما سُبِق به ، وكاللاحق فيما فاته بعد الاقتداء .
(
__________
(1) ص 9 ، 10 ج2 – الشرح الكبير ( إدراك الجماعة والركعة ) .(1/146)
24) تعدد الجماعة فى وقت واحد : نرى فى كثير من المساجد الجامعة عند شروع الإمام الراتب فى صلاة الفريضة جمعاً من الأئمة : منهم من يصلى بواحد ، ومنهم من يصلى باثنين ، ومنهم من يصلى بأربعة أو أكثر ، ومنهم جملة أئمة فى صف واحد ، ومنهم المتقدم والمتأخر فيقع الاختلاط والاشتباه فى الصلاة وتلتبس الأئمة ويشوش بعضهم على بعض بالقراءة ويختلط الحال على المأموم . فقد لا يميز إمامه من غيره . وقد يقتدى بالمأموم. وهذا ممنوع اتفاقاً لوجوه ( الأول ) أنه مخالف لما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح ، فإن ما ذكر لم يحصل فى زمنهم . وفى الحديث : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد . أخرجه أحمد ومسلم عن عائشة وذكره البخارى بلا سند(1) . ... ... ... ... ... ... ... { 171 }
( الثانى ) أنه مناف لحكمه مشروعية الجماعة من ائتلاف القلوب وجمع الكلمة ، ولذا شرعت صلاة الجمعة والعيدين والخوف ، وفى تعد الجماعة فى وقت واحد تفريق لا جمع . ( الثالث ) أن فيه تشويشاً بالقراءة وتخليطاً على المتعبدين وهو حرام " لحديث " البياضى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد عَلتْ أصواتُهم بالقراءة فقال : إن المصلىَ يَناجى ربه فلينظر بم يناجيه ؟ ولا يجهرْ بعضُكم على بعض بالقرآن . أخرجه أحمد بسند صحيح(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 172 }
__________
(1) ص 195 ج1 – الفتح الربانى ( التحذير من الابتداع .. ) وص 16 ج12 – نووى مسلم ( نقض الأحكام الباطلة – الأقضية ) وص 246 ج13 – فتح البارى ( إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ – الاعتصام بالكتاب والسنة ) .
(2) ص 344 ج4 مسند أحمد ( حديث البياضى رضى الله عنه ) وص 265 ج2 – مجمع الزوائد ( الجهر بالقرآن .. )(1/147)
" ولقول " أبى سعيد الخدرىّ : اعتكف رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم فى المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف السِّتر وقال : ألا إن كلَّّكم مناج ربه ، فلا يُؤْذِيَنَّ بعضكم بعضاً ، ولا يرفعْ بعضُكم على بعض فى القراءة . أو قال فى الصلاة . أخرجه أبو داود والنسائى والبيهقى والحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين (1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 173 }
( الرابع ) أن فيه إخلالا بتسوية الصفوف وهو مخالف لتعاليم النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة كما تقدم فى بحث " تسوية الصفوف " .
( الخامس ) أن فيه افتياتاً وطعناً فى حق الإمام الراتب ، وقد حث الأئمة خصوصاً الشافعية والحنبلية على حفظ حق الإمام الراتب ولو غائباً ولم يرخصوا لغيره فى إقامة الجماعة فى غيبته إلا لعذر كاليأس من حضوره وخوف فوات الوقت ( قال النووى ) : قال الشافعى : إذا حضرت الجماعة ولم يحضر إمام ، فإن لم يكن للمسجد راتب صلى بهم أحدهم . وإن كان له إمام راتب فإن كان قريباً بعثوا إليه ليحضر أو يأذن لمن يصلى بهم . وإن كان بعيداً أو لم يوجد فى موضعه فإن عرفوا من حسن خلقه أنه لا يتأذى بتقديم غيره ولا تحصل بسببه فتنة ، استحب أن يصلى بهم أولاهم بالإمامة وأحبهم إلى الإمام . وإن خافوا أذاه أو فتنة ، انتظروه إن لم يخافوا فوات الوقت ، وإلا صلوا جماعة(2) .
(
__________
(1) ص 262 ج7 – المنهل العذب ( رفع الصوت بالقراءة فى صلاة الليل ) وص 11 ج3 السنن الكبرى ( من لم يرفع صوته بالقراءة شديداً .. ) وتقدم رقم 137 ص 94 ج2 ( بدع الأذان ) .
(2) ص 207 ج4 – شرح المهذب .(1/148)
وقال ) ابن قدامة : ولا يُؤَمُّ فى مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه ، لأن الإمام الراتب بمنزلة صاحب البيت وهو أحق " لقوله " عليه الصلاة والسلام : لا يؤمَنَّ الرجلُ الرجلَ فى بيته إلا بإذنه (1) " وقد رُوى " عن ابن عمر أنه أتى أرضاً وعندها مسجد يصِّلى فيه مولى لابن عمر فصلى معه ، فسألوه أن يصلى بهم فأبى وقال : صاحب المسجد أحق إلا أن يتأخر لعذر فيصلى غيره لأن أبا بكر صلى حين غاب النبى صلى الله عليه وسلم . وفعل ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال النبى صلى الله عليه وسلم " أحسنتم " فإن لم يُعلم عذرُه انتُظر وروسِلَ إلا أن يُخشى خروجُ الوقت فيقدَّم غيره لئلا يفون الوقت(2) .
(
__________
(1) هذا بعض الحديث رقم 116 ص 85 ( الأحق بالإمامة ) .
(2) ص 5 ج2 – الشرح الكبير ( الإمامة ) .(1/149)
ونقل الحطَّاب ) عن الشيخ عبد الرحمن بن الحسين السعدى المالكى أنه أفتى فى سنة 550 خمسين وخمسمائة بمنع الصلاة بأئمة متعددة بالمسجد الحرام على مذاهب الأئمة الأربعة . وردّ على من جوّز ذلك وبالغ فى الرد فقال : قولهم عن هذه الصلاة جائزة لا كراهة فيها خلاف الإجماع فإن الأئمة مُجْمعة على أن هذه الصلاة لا تجوز وأنَّ أقلّ أحوالها الكراهة . لأن الذى اختلف فيه العلماء إنما هو مسجد ليس له إمام راتب ، أوله إمام صلى جماعة ثم جاء آخرون فأرادوا إقامة تلك الصلاة جماعة ، فأما حضور جماعتين أو أكثر فى مسجد واحد فيصلى الإمام الراتب والبعض عُكوف من غير ضرورة لا يصلون معه ثم يصلون جماعة بعده ، أو يقيمون معه جماعة أخرى . فهذا مجمع على عدم جوازه ، وأقل أحواله الكراهة . فمن قال يجوازه بلا كراهة فد خرق إجماع الصحابة والقرون الستة بعدهم إلى حين ظهور هذه البدعة . ( ونُقل ) عن الإمام أحمد أنه منع من إقامة صلاة واحدة بجماعتين فى المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن هذا مذهب مالك والشافعى وأبى حنيفة وغيرهم وقال : " فأما " إقامة صلاة واحدة بإمامين راتبين يحضُر أحدهما فيصلى إماماً وتجلس الجماعة الأخرى وإمامهم حتى يفرغ الأول ثم يقيمون صلاتهم " فهذا " مما لم يقل به أحد فكيف بإمامين يقيمان الصلاة فى وقت واحد ، يكبر كل والمقتدون بهما مختلطون يسمع كلٌّ قراءة الآخر ، فهو مخالف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ولا يجهرْ بعضكم على بعض بالقرآن(1)
__________
(1) هذا عجز الحديث رقم 172 ص 127..(1/150)
" وَلِمَا " عليه سلف الأمة فى القرون الستة الأولى ثم قال : وسئل القاضى جمال الدين بن ظَهيرةَ الشافعى عن إقامة الأئمة الأربعة لصلاة المغرب فى وقت واحد ، وعن قول بعضهم : إن المسجد الحرام كأربعة مساجد ( فأجاب ) بأن صلاة الأئمة الأربعة المغرب دفعة واحدة م البدع الشنيعة التى لم تزل العلماء قديماً وحديثاً ينكرونها ويردونها على مخترعها . وقوُلهُم إن المسجد الحرام كأربعة مساجد ، هو قول سخيف باطل مخالف " لقوله " تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى } و " لقول " البنى صلى الله عليه وسلم : صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام (1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 174 }
ولم يقل المساجد الحرام ثم قال : وعلى الجملة فذلك من البدع التى يجب إنكارها والسعى فى خفض منارها وجمع الناس على إمام واحد ،ويثاب ولىّ الأمر على إزالة هذا المنكر ، وكل من قام بذلك فإنه فله الجر الوافر والخير العظيم المتكاثر ( قال الحطَّاب ) وما قاله هؤلاء الأئمة ظاهر لا شك فيه ، إذ لا يشك عاقل فى أن هذا الفعل مناقض لمقصود الشارع من مشروعية صلاة الجماعة . ولذا لم يَسمح بتفريق الجماعة بإمامين عند الضرورة الشديدة ، وهى حال قتال العدو بل أمر بقسم الجماعة وصلاتهم بإمام واحد (2) .
(
__________
(1) أخرجه السبعة إلا أبا داود عن أبى هريرة ( رقم 5104 ص 226 ج4 – فيض القدير ) .
(2) من ص 109 – 111 ج2 – مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ( الجماعة ) .(1/151)
وقد سئل ) الشيخ محمد عليش عن حكم هذه المسألة بما ملخصه : ما قولكم فى صلاة جماعتين فأكثر فى محل واحد يقيمون الصلاة معاً أو متعاقبين ويقرءون معاً الفاتحة أو يقرأ أحدكم الفاتحة والآخر السورة ، وهكذا فهل هذا من البدع والمحدَثات التى يجب على أهل العلم وأولى الأمر وإنكارها ؟ وهل جريان العادة به من بعض العلماء والعوام يسوّغه ؟ ( فأجاب ) بقوله : الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله . نعم هذا من البدع الشنيعة والمحدثات الفظيعة ، أول ظهوره فى القرن السادس ، ولم يكن فى القرون التى قبله ، وهو من المجمع على تحريمه كما نقله جماعة من الأئمة " لمنافاته " لغرض الشارع من مشروعية الجماعة الذى هو جمع قلوب المؤمنين وتأليفهم وعود بركة بعضهم على بعض ، وله شرعت الجمعة والعيد والوقوف بعرفة " ولتأديته " للتخليط فى الصلاة التى هى أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين والتلاعب بها ، فهو مناف " لقوله " تعالى { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ (1) } " وقوله " تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى(2) } " وقوله " صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتمونى أصلى (3) . ... ... ... ... ... ... { 175 }
__________
(1) سورة الحج : آية 32 وصدرها : ذلك ومن يعظم .
(2) سورة البقرة : آية 238 .
(3) هذا عجز حديث أخرجه أحمد والبخارى عن مالك بن الحويرث ص 227 ج5 – الفتح الربانى ( من أحق بالإمامة ) وص 76 ج2 – فتح البارى ( الأذان للمسافرين .. ) .(1/152)
" وقوله " صلى الله عليه وسلم " اتقوا الله فى الصلاة ، اتقوا الله فى الصلاة اتقوا الله فى الصلاة "(1).{176}
" وقوله " صلى الله عليه وآله وسلم : أتموا الصفّ المقدّم (2) ثم قال : " ومناف " لمشروعية صلاة القسمة حال الجهاد وتلاطم الصفوف وتضارب السيوف بجماعة واحدة كما فى القرآن العزيز ، ولم يشرع حالهَ تعدُد الجماعة فكيف يُشرع حال السعة والاختيار ؟ فإنها لا تعمى الأبصارُ ولكنْ تعمى القُلوبُ التى فى الصُّدُور (3). وقد أمر الله تعالى بهدم مسجد الضرار الذى اتخذ لتفريق المؤمنين فكيف يأذن بتفريقهم وهم بمحل واحد للصلاة مجتمعين، وقال صلى الله عليه وسلم : حسْب المؤمن الشقاء والخيبة أن يسمع المؤذن يُثِّوب للصلاة فلا يُجيبه (4) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 177 }
__________
(1) هو صدر حديث أخرجه البيهقى عن أنس قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة فقال لنا : اتقوا الله الخ . وفيه بشر بن منصور الخياط قال الذهبى : متروك مجهول . وتمامه : اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم ، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم ، اتقوا الله فى الضعيفين: المرأة الأرملة ، والصبى اليتيم . رقم 127 ص 128 ج1 – فيض القدير .
(2) هو صدر حديث تقدم ص 107 ( آداب الجماعة ) .
(3) سورة الحج عجز آية 46 وأولها : أفلم يسيروا فى الأرض .
(4) أخرجه الطبرانى فى الكبير عن معاذ بن أنس . وفيه زيان بن فائد . ضعفه ابن معين ووثقه أبو حاتم . ص 42 ج3 – مجمع الزوائد ( التشديد فى ترك الجماعة ) .(1/153)
وإذا كان هذا حال سامع الأذان المتلاهى عنه ، فكيف حال سامع الإقامة المتصلة بالصلاة المتلاهى عنها وهو فى المسجد ؟ وكيف يمكن إجابة إقامتين فأكثر لو شرعتا فى محل واحد ووقت واحد ؟ ( وقال ) عُرفجة بن أسعْد الأشْجعىّ : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : إنه ستكون بعدى هَنَات وهنات . فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهم جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان (1). ... ... ... ... ... ... { 178 }
( وأخرج ) ابن ماجه فى سننه عن حُذيفه رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يَقبل الله لصاحب بدعة صوماً ولا صلاة ولا صدقة ولا حجاً ولا عمرة ولا جهاداً ولا صرفاً ولا عدلا ، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين(2). ... ... ... ... ... ... ... { 179 }
(
__________
(1) أخرجه أحمد . ص 23 ج5 مسند ( حديث عرفجة بن أسعد رضى الله عنه ) وهنات جمع هنة مؤنث هن ، وهو كناية عما يستقبح ذكره كالزنا وشرب الخمر . والمراد هنا خصال الشر . يقال : فى فلان هنات ، أى خصال شر ، ولا تقال فى الخير .
(2) ص 13 ج1 سنن ابن ماجه ( اجتناب البدع ) و ( الصرف ) التوبة ( والعدل ) الفدية .(1/154)
وعن أبى ذر ) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : صل الصلاة لوقتها . فإن أدركت الإمام يصلى بهم فصل معهم ، فهى لك نافلة وإلا فقد أحرزتَ صلاتك (1) فلم يأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى تعدد الجماعة ولا فى التخلف عنها فيجب على العلماء وأولى الأمر وجماعة المسلمين إنكارها وهدم منارها . وجريان العادة بها من بعض العلماء والعوام لا يسوغها . أهـ ملخصاً (2) وساق ما تقدم عن لحطَّاب مع زيادة . وقال العلامة السِّندى الحنفى : ما يفعله أهل الحرمين من الصلاة بأئمة متعددة وجماعات مرتبة ، مكروه اتفاقاً . وذكر أنه أفتى بعض المالكية : بعدم جواز ذلك على مذاهب العلماء الأربعة ، ونقل إنكار ذلك عن جماعة من الحنفية والشافعية والمالكية حضروا الموسم سنة 551 هـ ذكره ابن عابدين وقال : وأقَّرهُ الرَّملى فى حاشية البحر ولكن يشكل عليه أن نحو المسجد الملكى والمدنى ليس له جماعة معلومون فلا يصدق عليه أنه مسجد مَحِلَّه بل هو كمسجد شارع وقد مرَّ أنه لا كراهة فى تكرار الجماعة فيه إجماعاً . وقدمنا فى باب الأذان عن شرح المنية عن أبى يوسف انه إذا لم تكن الجماعة على الهيئة الأولى لا تكره وإلا تكره وهو الصحيح . وبالعدول عن المحراب تختلف الهيئة وبه نأخذ(3).
(
__________
(1) تقدم بأتم من هذا رقم 131 ص 94 ( غمامه الصالح والطالح ) .
(2) من ص 92 – 94 ج1 – فتح العلى المالك فى الفتوى على مذهب الإمام مالك ( مسائل إمامة الصلاة ) .
(3) ص 409 ج1 – رد المحتار ( تكرار الجماعة فى المسجد ) .(1/155)
25) إقامة جماعة فى المسجد بعد جماعة الراتب : إذا صلى إمام المسجد وحضر جماعة أخرى ، فلهم أن يصلوا جماعة عند أحمد وبه قال ابن مسعود وأنس وداود " لما تقدم " عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يصلى وحده فقال : ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه فصلى معه رجل(1) وقال الترمذى : حديث حسن . وهو قول غير واحد من أهل العلم من الصحابة والتابعين . قالوا : لا بأس أن يصلى القوم جماعة فى مسجد قد صلى فيه . وبه يقول أحمد وإسحاق . وقال آخرون : يصلون فرادى وبه يقول سفيان وابن المبارك ومالك والشافعى (2) " ولحديث " أنس أن رجلا جاء وقد صلَّى النبى صلى الله عليه وسلم فقام يصلى وحده، فقال النبى صلى الله عليه وسلم : من يتجر على هذا فيصلى معه ؟ أخرجه الدار قطنى بسند جيد(3). { 180 }
( وعن سلمة ) بن كُهيل أن ابن مسعود دخل المسجد وقد صلَّوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود . أخرجه ابن أبى شيبة بسند صحيح . { 54 }
وقال البخارى : وجاء أنس بن مالك إلى مسجد قد صُلِّى فيه فأذَّن وأقام وصلى جماعة . وأخرجه البيهقى عن أبى عثمان اليشْكُرِى قال : صلَّينا الغداة فى مسجد بنى رِفاعة وجلسنا فجاء أنس بن مالك فى نحو من عشرين من فِتيانه فقال أصليتم ؟ قلنا نعم . فأمر بعض فتيانه فأذّن وأقام ثم تقدم فصلى بهم(4) . { 55 }
(
__________
(1) تقدم رقم 97 ص 65 ( شروط الاقتداء ) وص 78 ( اقتداء المتنفل بالمفترض ) .
(2) ص 190 ج1 – تحفة الأحوذى ( الجماعة فى مسجد قد صلى فيه ) .
(3) ص 103 سنن الدار قطنى ( إعادة الصلاة فى جماعة ) .
(4) ص 89 ج2 – فتح البارى ( فضل صلاة الجماعة ) وص 70 ج3 – السنن الكبرى ( الجماعة فى مسجد قد صلى فيه .. ) .(1/156)
وقال الليث ) والثورى وابن المبارك وأبو حنيفة ومالك والأوزاعى والشافعى : يكره تكرار الجماعة فى مسجد له إمام راتب فى ممرّ الناس " لحديث " أبى بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من نواحى المدينة يريد الصلاة فوجد الناس قد صلَّوا فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم . أخرجه الطبرانى فى الكبير والأوسط ، وفى سنده معاوية بن يحيى متكلم فيه ، ذكر الحافظ الذهبى فى الميزان له أحاديثَ منا كير ، منها هذا الحديث . ومنه يعلم ما فى قول الهيثمى : رجاله ثقات(1) . ... ... ... ... ... ... ... { 181 }
__________
(1) ص 45 ج2 مجمع الزوائد ( فيمن جاء إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا ) .(1/157)
وجه الدلالة أنه لو كانت الجماعة الثانية جائزة بلا كراهة لما ترك النبى صلى الله عليه وسلم فضل المسجد النبوى ( قال الشافعى ) فى الأم : وإن كان لرجل مسجد يُجَّمع فيه ففاتته فيه الصلاة ، فإن أتى مسجد جماعة غيره كان أحبَّ إلى : وإن لم يأته وصلى فى مسجده منفرداً فحسن . وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتتْ رجلا أو رجالا فيه الصلاةُ صلَّوا فرادى ولا أحبُّ أن يصلوا فيه جماعة . فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه . وإنما كرهتُ ذلك لهم ، لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا بل قد عابه بعضهم ، وأحسِب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرُّق الكلمة وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام جماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد فى وقت الصلاة فإذا قُضيت دخلوا فجمَّعوا ، فيكون فى هذا اختلافٌ وتفرّقُ كلمة وفيهما المكروه . وإنما أكره هذا فى كل مسجد له إمام ومؤذن . فأما مسجد بُنى على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب ، ولا يكون له إمام معلوم ويصلى فيه المارّة ويستظلون ، فلا أكره ذلك فيه ، لأنه ليس فيه المعنى الذى وصفتُ من تفرّق الكلمة(1) ( وعن ) أبى حنيفة لو كانت الجماعة أكثر من ثلاثة يكره تكرار الجماعة ، وإلا فلا ( وعن ) أبى يوسف إذا لم تكن الجماعة على الهيئة الأولى لا تكره وإلا كرهت . وهو الصحيح ( ومشهور ) مذهب الحنبلية : أنه لا تكره إعادة الجماعة فى غير المساجد الثلاثة ، ولكن لا دليل على هذه التفرقة ( قال ) ابن قدامة : فأما إعادة الجماعة فى المسجد الحرام ومسجد النبى صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى ، فقد رُوِى عن أحمد كراهتُها فيها لئلا يتوانى الناس فى حضور الجماعة مع الإمام الراتب فيها إذا أمكنتْهم الصلاةُ فى الجماعة مع غيره . وظاهر خير أبى سعيد وأبى أمامه أن ذلك لا يكره .
__________
(1) ص 136 ج1 – الأم ( صلاة الجماعة ) .(1/158)
لأن الظاهر أن هذا كان فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم ، والمعنى يقتضيه أيضاً لأن حصول فضيلة الجماعة فيها كحصولها فى غيرها (1) ومنه تعلم أن الراجح القول بعدم كراهة إعادة الجماعة فى المسجد مطلقاً ( والجواب ) عما استدل به القائلون بالكراهة وهو حديث أبى بكرة ( أنه ) لا يصلح للاحتجاج به لما تقدم ، ولأنه ليس نصاً فى أن النبى صلى الله عليه وسلم جمع أهله فصلى بهم فى منزله ، بل يحتمل أنه صلى بهم فى المسجد وكان ميله إلى منزله لجمع أهله للصلاة فيه ( ومنه ) يعلم ردّ قولهم : لو كانت الجماعة الثانية جائز بلا كراهة لما ترك صلى الله عليه وسلم فضلَ المسجد النبوى . وأيضاً فإنه يلزم منه كراهة الصلاة فرادى أيضاً فى مسجد قد صُلِّى فيه جماعة ، فإنه يقال : لو كانت الصلاة فرادى جائزة بلا كراهة فى مسجد قد صُلى فيه جماعة لما ترك النبى صلى الله عليه وسلم فضل المسجد النبوى . وقد تقدم عن أنس بن مالك من طرق صحيحة أنه أعاد الصلاة فى المسجد جماعة بأذان وإقامة " وأما قول " الحسن البصرى : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا فى مسجد قد صُلِّى فيه ، صلوا فرادى . أخرجه ابن أبى شيبة ." فقد صرح " الحسن بأن هذا إنما كان الخوف السلطان ( قال ) ابن أبى شيبة : حدثنا هُشيم أخبرنا منصور عن الحسن قال : إنما كانوا يكرهون أن يجمعوا مخافة السلطان . وعليه يحمل القول بكراهة إعادة الصلاة جماعة فى المسجد ، ويدل له " ما تقدم " عن الشافعى من قوله : وأحسِب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرقة الكلمة " وقول " البيهقى : كراهية الحسن البصرى محمولة على موضع تكون الجماعة فيه بعد أن صلى تُفرِّق الكلمة (2) . وبهذا يجمع بين أقوال الأئمة رضى الله عنهم .
(
__________
(1) ص 8 ج2 – مغنى ( الإمامة ) .
(2) ص 70 ج3 – السنن الكبرى .(1/159)
26) إعادة الصلاة : من صلى فريضة ولو جماعة ثم أدركها فى جماعة استحب له إعادتها بنية التطوع ، لا فرق بين الصبح وغيره عند إسحاق والشافعى وابن حبيب المالكى . وروى عن علىّ وحذيفة وأنس رضى الله عنهم " لقول " يزيد بن الأسود : صلينا مع النبى صلى الله عليه وسلم الفجرَ بمنى فجاء رجلان حتى وقفا على رواحلهما فأمر بهما صلى الله عليه وسلم فجئ بهما تَرْعُدُ فرائُضُهما فقال لهما : ما منعكما أن تُصليا مع الناس ؟ ألستهما مُسلمين ؟ قالا : بلى يا رسول الله إنا كنا قد صلينا فى رحالنا . فقال لهما : إذا صَلَيَّتْمُا فى رِحالكما ثم أتيما الإمامَ . فصليَّا معه فإنها لكما نافلةٌ . أخرجه أحمد والثلاثة والدار قطنى والحاكم والبيهقى ، وهذا لفظه ، وصححه ابن السكن . وقال الترمذى : حسن صحيح(1) . ... ... ... ... ... ... ... { 182 }
( وعن حذيفة ) أنه أعاد الظهر والعصر والمغرب وقد كان صلاهن فى جماعة . ... { 56 }
( وقال ) أنس : صلى بنا أبو موسى الغداة فى المربد فانتهينا إلى المسجد الجامع فأقيمت الصلاةُ فصلينا مع الغيرة بن شعبة . أخرجهما الأثرم (2) . { 57 }
__________
(1) ص 337 ج5 – الفتح الربانى . وص 285 ج4 – المنهل العذب ( من صلى فى منزله ثم أدرك الجماعة يصلى منعهم ) وص 137 ج1 – مجتبى ( إعادة الفجر مع الجماعة ) وص 188 ج1 – تحفة الأحوذى ( الرجل يصلى وحده ثم يدرك الجماعة ) وص 158 – سنن الدار قطنى . وص 245 ج1 = مستدرك . وص 300 ج2 – السنن الكبرى ( الرجل يصلى وجه ثم يدركها مع الإمام ) و ( ترعد ) كتنصر اى تضطرب وتتحرك خوفاً . و ( الفرائض ) جمع فريضة ، وهى لحمة بين الجنب والكتف لا تزال ترعد من الدابة ، استعير لما يرجف من الإنسان عند الخوف .
(2) ص6 ج2 – الشرح الكبير لابن قدامة . و ( المزيد ) كمنبر موضع تجفيف الحبوب والتمر .(1/160)
ويشترط عند الشافعية للإعادة شروط ( منها ) أن تكون الصلاة الثانية كلها فى جماعة . وأن ينوى إعادة الصلاة المفروضة . وأن تؤدى الثانية ولو ركعة منها قبل خروج الوقت " وبه " قالت الحنبلية إلا أنهم قالوا : إن أعاد المغرب شفعها برابعة ، لأن التطوّع لا كون بوتر (وقالت ) المالكية : من صلى فريضة وحده أو إماماً لصبى فى غير المساجد الثلاثة استحب له إعادتها جماعة فى الوقت إلا المغرب والعشاء بعد الوتر فتحرم إعادتهما . وكذا من صلى منفرداً بمسجد مكة أو المدينة أو بيت المقدس ، فلا يندب له إعادتها جماعة فى غيرها ، ومن صلى جماعة لا يعيد ( قال ) ابن عبد البر : قال جمهور الفقهاء : إنما يعيد الصلاة جماعة من صلى وحده . أما من صلى فى جماعة وإن قلت فلا يعيد فى أخرى قلت أو كثرت ، لقول سليمان بن يسار مولى ميمونة : أتيتُ ابن عمر على البَلاط وهم يصلّون فقلت ألا تصَلِّى معهم ؟ قال : قد صليتُ إن سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تصلوا صلاة فى يوم مرتين . أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود والبيهقى وقال : تفرد به الحسين المعّلم عن عمرو بن شعيب وهذا إن صح فمحمول على أنه قد صلاها فى الجماعة فلم يُعدها(1) . ... ... { 183 }
__________
(1) ص 343 ج5 – الفتح الربانى . وص 138 ج1 – مجتبى ( سقوط الصلاة عمن صلى مع الإمام فى المسجد جماعة ) وفيه : لا تعاد الصلاة . وص 291 ج4 – المنهل العذب ( إذا صلى = فى جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد ؟ ) وص 32 ج2 – السنن الكبرى ( من لم ير إعادتها إذا كان قد صلاها فى جماعة ) وفيه لا صلاة مكتوبة ( والبلاط ) موضع مفروش بالبلاط بين المسجد وسوق المدينة .(1/161)
وبهذا يجمع بين الأحاديث . وبالحديث تمسك من قال إن من صلى فى جماعة ثم أدرك جماعة لا يصلى معهم ، لأن الإعادة لتحصيل فضيلة الجماعة وقد حصلت له . وحمل الأولون النهى فى قوله : لا تصلوا صلاة يوم مرتين . على ما إذا صلى الثانية فرادى . وهذا متفق عليه ( قال ) ابن حجر : من صلى وأراد أن يعيد منفرداً لا تنعقد صلاته عندنا ، لأن الأصل منع الإعادة إلا ما ورد به الدليل ولم يرد إلا فى الإعادة فى جمعة أهـ . وحينئذ لا يكون مخالفاً لسائر الأحاديث ولا لمذهب من المذاهب ( وقال ) ابن عبد البر : اتفق أحمد وإسحاق على أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : لا تصلوا صلاة فى يوم مرتين . أن ذلك أن يصلى الرجل صلاة مكتوبة عليه ثم يقوم بعد الفراغ فيعيدها على جهة الفرض أيضاً " وأما " من صلى الثانية مع الجماعة على أنها نافلة اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم فى أمره بذلك " فليس " ذلك من إعادة الصلاة فى يوم مرتين ، لأن الأولى فريضة والثانية نافلة فلا إعادة حينئذ(1) ( وقال ) الحنفيون : من صلى الظهر والعشاء منفرداً . استحب له إعادتهما جماعة بنية التطوع خلف مفترض لتحصيل فضيلة الجماعة . أما من صلاهما جماعة فلا يعيدهما لما تقدم عن ابن عمر . وكذا لا يعاد الصبح ولا العصر مطلقاً ، لعموم أحاديث النهى عن الصلاة بعدهما . ولا المغرب " لأن " التطوع لا يكون بوتر "ولقول" ابن عمر : من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الإمام فلا يَعُدْ لهما . أخرجه مالك والشافعى(2){ 58 } ( وأجيب ) ( أ ) عن التعليل بأنه تخصيص للنص بالرأى فلا يعول عليه . (ب) وعن قول ابن عمر بأنه معارض بحديث يزيد بن الأسود وهو صحيح كما تقدم (3) . (
__________
(1) ص 189 ج2 – نيل الأوطار ( من صلى ثم أدرك جماعة فليصلها معهم نافلة ) .
(2) ص 247 ج1 – زرقانى الموطأ ( إعادة الصلاة مع الإمام ) وص 147 ج1 – بدائع المنن .
(3) رقم 182 ص 136 .(1/162)
قال ) الشوكانى : والحديث " أى حديث يزيد " يدل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية التطوع لمن كان قد صلى تلك الصلاة وإن كان الوقت وقت كراهة ، للتصريح بأن ذلك كان فى صلا ة الصبح ، فيكون هذا مخصصاً لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد الصبح ، ومن جوز التخصيص بالقياس ألحق به ما سواه من أوقات الكراهة(1) .
" تنبيه " علم أن الصلاة المعاذة نافلة والأولى هى الفرض " لقوله " صلى الله عليه وسلم فى حديث يزيد بن الأسود : فصليِّا معه فإنها لكما نافلة " ولأن " الأولى أسقطت الفرض فلا تجب ثانياً ، وإذا برئت الذمة بالأولى استحال كون الثانية فريضة ( قال ) إبراهيم النخعى : إذا نوى الرجل صلاة وكتبتها الملائكة فمن يستطيع أن يحولها ؟ فما صلى بعدُ فهو تطوّع ، وبه قال الثورى وإسحاق وأبو حنيفة والشافعى فى الجديد وأحمد . وهو رواية عن مالك . وعليه لا ينوى الثانية فرضاً بل ينويها ظهراً معادة . وإن نواها نفلا صح ( وقال ) الشافعى فى القديم : فرضه إحداهما لا بعينها فالأمر مفوّض إلى الله تعالى فى أيتهما شاء الفرض . وهو المشهور عن مالك ( فقد رَوى) عن نافع أن رجلا سأل عبد الله بن عمر فقال : إنى أصِّلى فى بيتى ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلى معه ؟ فقال له عبد الله بن عمر نعم . فقال الرجل : أيتهما أجعل صلاتى . فقال ابن عمر : وذلك إليك ؟ إنما ذلك إلى الله تعالى يجعلُ أيتَهُما شاء . { 59 }
( وعن يحيى ) بن سعيد أن رجلا سأل سعيد بن المسيَّب فقال : إن أصلى فى بيتى ثم آتى المسجدَ فأجدَ الإمامَ يُصلى أفأصِّلى معه ؟ قال نعم . قال الرجل : فأيتهما صلاتى ؟ فقال سعيد : أوَ أنت تجعلُها ؟ إنما ذلك إلى الله أخرجهما مالك(2) . { 60 }
(
__________
(1) ص 115 ج2 – نيل الأوطار ( الرخصة فى إعادة الجماعة ) .
(2) ص 246 ج1 – زرقانى الموطأ ( إعادة الصلاة مع الإمام ) .(1/163)
قال ) ابن حبيب : معناه أن الله تعالى يعلم التى يتقبلها منه . فأما على وجه الاعتداد بها فهى الأولى ، وهذا يقتضى أن يصلى الصلاتين بنية الفرض . ولو صلى إحداهما بنية النفل لم يشك أن الأخرى هى فرضه(1) ( وتقدم ) عن مالك قول آخر وهو أن الأولى فرض والثانية نفل . والقولان مبنيان عندهم على صحة رفض الصلاة بعد تمامها . وأما على القول بعدم صحته فيتعين القول الثانى ( وعن سعيد ) بن المسيَّب وعطاء والشعبى أن الأولى نافلة والثانية هى الفرض " لقول " يزيد بن عامر : جئتُ والنبى صلى الله عليه وسلم فى الصلاة فجلست ولم أدخل معهم فى الصلاة ، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم رآنى جالساً فقال : ألم تُسْلم يا يزيد ؟ قلت : بلى يا رسول الله قد أسلمتُ . قال : فما منعك أن تدخل مع الناس فى صلاتهم ؟ قال : إن كنت قد صليتُ فى منزلى وأنا أحسِب أنْ قد صليتم . فقال : إذا جئت إلى المسجد فوجدتَ الناس فصل معهم . وإن كنت قد صليتَ تكن لك نافلة وهذه مكتوبة . أخرجه أبو داود والبيهقى وقال : حديث يزيد بن الأسود أثبت منه وأولى (2) . { 184 }
(
__________
(1) ص 246 ج1 – زرقانى الموطأ .
(2) ص 289 ج4 – المنهل العذب ( من صلى فى منزله ثم أدرك الجماعة يصلى معهم ) و ص 302 ج2 – السنن الكبرى ( من قال الثانية فريضة) .(1/164)
وأجاب ) الجمهور بأن المعنى تكن الصلاة التى صليتها مع الجماعة زائدة فى الثواب على ثواب الفرض، وهذه الصلاة التى أديتها فى رحلك هى الفريضة ، فالضمير المستتر فى تكن عائد على الصلاة مع الجماعة ، واسم الإشارة عائد على الصلاة التى صلاها فى بيته . وهذا أقرب لموافقته للأحاديث ، خلافاً لمن زعم أن الضمير فى تكن عائد على الصلاة فى بيته ، واسم الإشارة عائد على التى صلاها مع الجماعة ، فإن ظاهره يكون معارضاً للحديث المتقدم لأنه صريح فى أن صلاته فى بيته فريضة والتى صلاها مع الجماعة نافلة . وعلى تسليم هذا الاحتمال فلا معارضة أيضاً لأن حديث يزيد بن عامر هذا من رواية نوح بن صعصعة وفيه مقال . فهو ضعيف "وكذا " لا حجة فى حديث ابن أبى الخريف عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا صلى الرجل المكتوبة فى البيت ثم أدرك جماعة فليصل معهم تكون صلاته فى بيته نافلة ، أخرجه الطبرانى فى الكبير " لأن " ابن أبى الخريف وأباه مجهولان ، قال الهيثمى : لا أدرى من هما(1) . ... ... ... ... { 185 }
" وما قاله " ابن عمر مذهبه فلا يكون حجة فى مقابلة النص ، فالحق ما قاله الأولون .
(
__________
(1) ص 44 ج2 – مجمع الزوائد ( من صلى فى بيته ثم وجد الناس يصلون فى المسجد ) .(1/165)
27) قطع الصلاة : هو حرام وواجب ومباح ومسنحب ( فيحرم ) قطعها بمفسد بلا عذر ( ويجب ) قطعها ولو فرضا لإخراج مصحف ملقى فى نجاسة ، ولإحياء نفس " فمن " استغاث به ملهوف لمهم أصابه كأن تعلق به ظالم أو وقع فى ماء أو صال عليه حيوان وقدر على إنقاذه " لزمه " قطعها لذلك . وكذا لو غلب على ظنه سقوط من لا علم له كأعمى وصبى ودابة فى بئر ونحوه " ولو غلب " على ظن الأم أو القابلة موت الولد أو تلف عضو منه أو من أمه بتركه " وجب " عليها تأخير الصلاة وقطعها لو كانت فيها . ( ويجب ) أيضاً عند المالكية قطعها لتخليص مال يَخشى بذهابه هلاكاً أو شديد أذى ، ولو كان المال قليلا وضاق الوقت ، وأما إذا لم يَخش بذهاب المال هلاكاً أو شديد أذى فلا يقطعها إن كان يسيراً ، ويقطعها إن كان كثيراً واتسع الوقت . والكثرة والقلة بالنسبة للمال فى حد ذاته ( ويجب ) قطع النافلة لإجابة أحد والديه الأعمى الأصم . وإلا خفف الصلاة وسلم ثم أجابه كما لو كان فى فرض ( ويجب ) قطع الفرض وقيل يندب إن تذكر يسير الفوائت وهو خمس صلوات أو أربع سواء أكان فذاً أم إماماً ، ولا يقطع النافلة لذكر الفائتة اليسيرة إلا إن خشى فوات الوقت ولم يأت بركعة وإلا أتمها ولو خرج الوقت (ويجب) قطعها إن أحرم بها فى وقت حرمة ، ويندب إن أحرم بها فى وقت كراهة . ( وقال ) الحنفيُّون وأحمد : يحرم قطع الفرض بنداء أحد أبويه إلا أن يستغيث به ، لأن قطعة لا يجوز إلا لضرورة . لندائه له مع علمه بأنه فى الصلاة معصية " ولا طاعة لأحد فى معصية الله تعالى " فلا تجوز إجابته . أما إذا لم يعلم أنه فى الصلاة ، فإنه يجيبه وجوباً لما فى قصة جُرَيْجٍ الراهب(1)
__________
(1) وهى ما فى حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لم يتكلم فى المهد إلا ثلاثة : عيسى بن مريم عليهما السلام ..وصاحب جريح ، الجريج رجلا عابداً فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلى فقالت : يا جريج فقال : اللهم أمى وصلاتى ، فأقبل على صلاته . فقالت بعد ثالث يوم فى ثالث مرة : اللهم لا تمته حتى ينتظر فى وجوه المومسات ، فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته ، وكانت امرأة بغى يتمثل بحسنها فقالت : إن شئتم لأفتننه ، فتعرضت له فلم يلتت إليها ، فأتت راعياً كان يأوى إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت ، فلما ولدت قالت: هو من جريج ، فأتوه فأنزلوه من صومعته وهدموها وجعلوا يضربونه فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : زينت بهذه البغى فولدت منك . فقال: أين الصبى ؟ فجاءوا به فقال : دعونى حتى أصلى فصلى ، فلما انصرف أتى الصبى فطعن فى بطنه وقال : يا غلام من أبوك ؟ فقال : فلان الراعى . فاقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به ، وقالوا : نبىْ صومعتك من ذهب قال : لا . أعيدوها م لبن كما كانت ففعلوا . وبينما صبى يضع من أمه مر رجل على دابة فارهة ، وشارة حسنة . فقالت المرأة : اللهم اجعل ابنى مثل هذا ، فترك الثدى وأقبل ينتظر إليه وقال : اللهم لا تجعلنى مثله ، ثم اقبل على ثديه وجعل يرتضع ( الحديث ) أخرجه الشيخان . و " المومسات " جمع مومسة وهى الفاجرة " والبغى " الزانية " والفاره " الحاذق "والشارة الحسنة " جمال الظاهرة فى الهيئة والملبس ونحوهما . ص 207 ج3 تيسير الوصول ( قصة المتكلمين فى المهد ) .(1/166)
ودعاء أمه عليه وما ناله من العناء لعدم إجابته لها .
هذا . ويفترض على المصلى ولو فرضاً إجابةُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم إذا دعاه " لحديث " أبى سعيد بنِ المُعلىَّ أن النبى صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو يصلى فدعاه قال : فصليتُ ثم أتيته فقال : ما منعك أن تُجِيبنى ؟ قال كنتُ أصلى . قال : ألم يقل الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } الحديث أخرجه البخارى والبيهقى والدارمى وأبو داود والنسائى(1). ... ... ... ... { 186 }
( واختلف ) العلماء أتبطل الصلاة بإجابته صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ فعند الشافعية لا تبطل إلا إذا زاد فى الجواب على المطلوب أو أجابه بغير المطلوب ، كأن طلب منه القول فأجاب بالفعل . والمعتمد عند المالكية عدم البطلان . وتبطل عند الحنبلية وهو الصحيح عند الحنفيين ، لأنه خطاب آدمىّ .
(
__________
(1) ص 45 ج9 – فتح البارى ( فضل فاتحة الكتاب ) وص 368 ج2 – السنن الكبرى ( ليس حديث ابن مسعود فى تحريم الكلام ناسخاً لحديث أبى هريرة ... ) وص 445 ج 2 – سنن الدارمى ( فضل فاتحة الكتاب ) وص 105 ج8 – المنهل العذب ( فى فاتحة الكتاب ) وص 85 ج1 – تيسير الوصول (فاتحة الكتاب) و (استجيبوا) أى أجيبوا الله ورسوله بالطاعة فالسين والتاء زائدتان للتأكيد . و ( إذا دعاكم .. ) أى طلبكم لما فيه حياتكم الأبدية من الإيمان والسمع والطاعة . وأفراد الضمير فى دعا ، للإشارة إلى أن دعوة الرسول فى الحقيقة هى دعوة الله تعالى .(1/167)
ويباح ) قطع الصلاة عند الحنفيين والحنبلية لو خاف ضياع مال له أو لغيره ولو قليلا أو ندَّت " أى هربت " دابة ، أو فار القِدْر ، أو خافت امرأة تألَّم ولدها من البكاء ، أو طلب منه كافر عرض الإسلام عليه ، أو خاف نحو ذئب على نحو غنم ، أو خاف سقوط مالا علم له كأعمى فى نحو بئر ( ويباح ) قطع النفل لخوف فوت صلاة جنازة . ويجوز إخراج المرأة من النفل لحق الزوج والسيد ، لأنه واجب فيقدم على النفل بخلاف الفرض (ويستحب) عند الحنفيين والشافعيين قطع الفرض لإدراك الجماعة ، فمن شرع فى أداء صلاة مفروضة منفرداً فأحرم الإمام بها فى محل أدائه قبل أن يسجد للركعة الأولى ، استحب له قطعها عند الحنفيين بتسليمة وهو على حاله واقتدى بالإمام ، لإحراز ما لم يسجد للثانية ولا يضيف للأولى ركعة ، لأنه لو أضافها فى الصبح تم الفرض وتفوته الجماعة ولا يتنفل بعدها ، وإن أضافها فى المغرب كان كمن أتمها ، لأن للأكثر حكم الكل فتفوته الجماعة ولا يتنفل بها مع الإمام ، لكراهة النفل بالوتر . وإن سجد للثانية فيهما أتم ولا يقتدى ، لما تقدم . فإن اقتدى فى المغرب بعد أن صلاها ، صلى أربعاً لكراهة التنفل بالوتر تحريماً . ومخالفة الإمام مشروعة فى الجملة كالمسبوق فيما يقضى والمقتدى المسافر . وإن سجد للأولى فى رباعى ، ضم ركعة ثانية وجوباً وتشهد وسلم صيانة للصلاة عن البطلان ثم اقتدى . وإن صلىَّ ثلاثاً من الرباعية ثم أحرم بها الإمام أنمها منفرداً وجوباً ، لأن للأكثر حكم الكل ( وعن محمد ) يتمها جالساً لتنقلب نفلا ثم يقتدى بالإمام متنفلا لإحراز فضل الجماعة إلا فى العصر للنهى عن التنفل بعده " ولا يرد " أن التنفل بجماعة مكروه فى غير رمضان " لأن محله " إذا كان الكل متطوعاً .(1/168)
أما إذا كان الإمام مفترضاً والقوم متنفلين فلا ، لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال لمن صليا فى رحلهما : إذا صليتما فى رحالكما ثم أتيتما الإمام فصليا معه فإنها لكما نافلة(1) . وهذا مذهب الحنفيين ( وحاصله ) أن من شرع فى فرض فأقيم قبل أن يسجد للأولى قطع واقتضى " فان سجد " لها فى رباعى أتم شفعا واقتدى ما لم يسجد للثالثة . فإن سجد لها أتم واقتدى متنفلا إلا فى العصر " وإن سجد للأولى " فى غير رباعى قطع واقتدى ما لم يسجد للثانية . فإن سجد لها أتم ولم يقتد . ( قالت ) الشافعية : من شرع فى فرض الوقت منفرداً ثم أحرم به الإمام ، استحب له إتمام ما نوى ركعتين إن لم يخف فوت الجماعة ويكونان له نافلة ثم يدخل مع الإمام . فإن خاف فوت الجماعة ، استحب له قطع ما نوى ودخل مع الجماعة . ويجوز له الدخول مع الجماعة على حاله بلا قطع وهو قول للحنبلية .
(
__________
(1) تقدم رقم 182 ص 136 ( إعادة الصلاة ) .(1/169)
قال ) النووى : ويستدل للصحة بحديث سهل بن سعد (1) أن النبى صلى الله عليه وسلم ذهب ليصلح بين بنى عَمرو بن عوف فحضرت الصلاةُ قبل مجئ النبى صلى الله عليه وسلم فقدّموا أبا بكر رضى الله عنه ليصلىَ ثم جاء النبىُّ صلى الله عليه وسلم وهم فى الصلاة فتقدم فصلى بهم واقتدى به أبو بكر والجماعة . فصار أبو بكر مقتدياً فى أثناء صلاته(2) (
__________
(1) حديث سهل بن سعد هو ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب على بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبى بكر فقال : أتصلى بالناس فأقيم ؟ قال : نعم . فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس فى الصلاة فتخلص " أى شق صلى الله عليه وسلم الصفوف " حتى وقف فى الصف " المقدم " . فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت فى الصلاة . فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه أن امكث مكانك ، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، ثم استأجر أبو بكر حتى استوى فى الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى . فلما انصرف قال : يا أبا بكر ما منعك أن تلبث إذ أمرتك ؟ قال أبو بكر : ما كان لابن أبى قحافة أن يصلى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مالى رأيتكم أكثر تم من التصفيح ؟ من نابه شئ فى صلاته فليسبح ، فإنه إذا سبح التفت إليه ، وإن التفصيح للنساء. أخرجه الشيخان وأبو داود . وص 114 ج2 فتح البارى ( من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام فتأخر الأول .. ) . وص 144 ، 145 ج4 نووى مسلم ( تقديم الجماعة من يصلى بهم إذا تأخر الإمام .. ) وص 44 ج6 – المنهل العذب ( التصفيق فى الصلاة ) .
(2) ص 29 ج4 شرح المهذب ..(1/170)
وأجاب ) الجمهور عن هذا الحديث بأنه من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكره ابن عبد البر ( وردّ ) بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل ولا دليل عليها هنا ( والمشهور ) عند الحنبلية أنه إذا شرع فى فرض الوقت ثم أقيمت الصلاة ، قطع الصلاة ودخل مع الإمام " قال " ابن قدامة : قال أحمد فى رجل دخل المسجد فصلى ركعتين أو ثلاثاً ينوى الظهر ثم جاء المؤذن فأقام الصلاة : سلم من هذه وتصير له تطوعاً ويدخل معهم (1) .
( وقالت ) المالكية : إذا شرع فى نفل أو فرض فأحرم الإمام وجب قطع ما شرع فيه بسلام أو كلام ودخل مع الإمام إن خشى فوات الركعة الأولى معه . وإن لم يخش فواتها أتم النافلة وكذا الفريضة إن كانت غير المقامة ، أما إن كانت هى المقامة وعقد منها ركعة ضم إليها أخرى وانصرف واقتدى بالإمام فى غير المغرب والصبح . وإن لم يعقد منها ركعة أو كانت مغرياً أو صبحاً ، قطعها فى الحال ودخل مع الإمام . وإن أتم الركعة الثانية من الصبح والمغرب والثالثة من الرباعية ، أتم فرضه وحده ثم دخل مع الإمام فى غير المغرب متنفلا . أما فى المغرب فيلزمه الخروج من المسجد ولا يعيدها مع الإمام ، لعدم مشروعية التنفل بالوتر . ويباح عندهم قطع الصلاة لمن أدرك أقل من ركعة مع الجماعة إن رجا جماعة أخرى وإلا لا يقطع .
(
__________
(1) ص 62 ج2 مغنى ( نية الإمامة فى أثناء الصلاة ) .(1/171)
28) الاستخلاف : هو إنابة الإمام أو غيره من المقتدين من كان صالحاً للإمامة لإتمام الصلاة إذا طرأ على الإمام عذر . فإذا طرأ عليه عذر لا يتمكن معه من إتمام الصلاة ، استحب له- عند الحنفيين والثورى والأوزاعى ومالك والشافعى وأحمد فى المشهور عنه – أن يستخلف من هو صالح للإمامة بأن يشير إليه أو يجره إلى مكانه ليتم الصلاة بالقوم " لقول " عمرو ابن ميمون : إنى لقائم ما بينى وبينه يعنى عمر إلا عبدُ الله بن عباس رضى الله عنهما غداة أصيبَ وكان إذا مرّ بين الصفين قام بينهما فإذا رأى خللا قال : استووا حتى إذا لم ير خلَلا تقدم فكبرّ ، فربما قرأ سورةَ يوسفَ أو النحلِ أو نحوَ ذلك فى الركعة الأولى حتى يجتمع الناس ، فما هو إلا أن كبَّر فسمعته يقول : قتلنى أو أكلنى الكلب حين طعنه فطار العِلْج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يميناً ولا شمالا إلا طعنه حتى طعنَ ثلاثةَ عشر رجلا فمات منهم تسعة . وفى رواية سبعة . فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرْنساً فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه ، وتناول عمرُ رضى الله عنه عبدَ الرحمن بن عوف فقدّمه . فأما من كان يلى عمر فقد رأى الذى رأيتُ . وأما نواحى المسجد فإنهم لا يدرون ما الأمر ؟ غير أنهم فقدوا صوتَ عمر وهو يقول : سبحان الله ، سبحان الله ، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة (الأثر) أخرجه البخارى (1).{
__________
(1) ص 334 ج1 تيسير الوصول ( ذكر الخلفاء الراشدين .. ) و ( حين طعنه ) وفى رواة : فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فناجى عمر غير بعيد ثم طعنه ثلاث طعنات . و ( العلج ) بكسر فسكون الرجل الضخم الشديد . وهو فيروز أبو لؤلؤة المذكور . وسبب فعلته الشنعاء أنه شكا إلى عمر ارتفاع الخراج الذى ضربه عيه المغيرة فقال عمر : كم خراجك ؟ قال : درهمان فى كل يوم فقال عمر : وما صناعتك ؟ قال نحات نقاش حداد . قال : فما أرى خراجك بكثير فى جنب ما تعمل ..فقال : وسع عدلك الناس غيرى فانصرف ساخطاً . ثم قال عمر : ألم تقل لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح ؟ فقال لعمر : لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها . فقال عمر : توعدنى العبد فاصطنع له الغلام خنجراً ذا حدين وسه ثم تحين خروج عمر لصلاة الصبح وقام وراءه فلما كبر عمر طعنه الغلام فى كتفه وخاصرته فسقط رحمه الله . و ( البرنس ) بضم فسكون فضم ، قلنسوة طويلة لثوب رأسه منه ملتزق به .(1/172)
61}
" ولقول " ابن رزين : صلى على رضى الله عند ذاتَ يوم فرعَفَ فأخذ بيد رجل فقدمه ثم انصرف . أخرجه سعيد بن منصور(1) { 62 } فقد دل هذان الأثران على أنه يجوز للإمام استخلاف غيره عند طَروِّ هذر يقتضى ذلك ، لإقرار الصحابة عمر وعليا عى ذلك ، فكان إجماعاً ، وعن أحمد قول بالتخيير ( قال ) ابن تيمية : وقال أحمد بن حنبل : إن استخلف الإمامُ فقد استخلف عمر و علىّ وإن صلوا وحدانا فقد طُعن معاوية وصلى الناس وُحدانا من حيث طُعِن أتموا صلاتهم(2) وإن لم يستخلف الإمامُ أحداً فتقدم رجل بنفسه أو قدَّم القومُ واحداً جاز اتفاقاً غير أن الحنفّيين اشترطوا أن يقوم الخليفة مطلقاً مقام الأول قبل خروجه م المسجد وإلا فسدت صلاة المأمومين (واختلف) العلماء فى حكم الاستخلاف وسببه وثمرته ( فحكمه ) عند الحنفيين الجواز إلا إذا ضاق الوقت فيكون واجباً ( وسببه ) أن يعرض للإمام حدث اضطرارى لا اختيار للعبد فيه ولا فى سببه موجب للوضوء ، وغير نادر الوقوع كإغماء وقهقهة . فمن طرأ عليه ذلك استخلف وانصرف فوراً وتوضأ وبنى على صلاته إن لم يأت بمناف لها . وهذا رواية عن أحمد " لحديث " إسماعيل بن عياش عن ابن جُريج عن ابن أبى مليكة عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من أصابه قئ أو رعاف أو قلس أو مذى ، فلينصرف ، فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو فى ذلك لا يتكلم . أخرجه ابن ماجه وكذا الدار قطنى بلفظ : ثم ليبن على صلاته ما لم يتكلم(3) . {
__________
(1) ص 215 ج3 – نيل الأوطار ( فرعف ) بفتح العين فى بأبي قتل ونفع وضمها لغة . والاسم الرعاف وهو خروج الدم من الأنف أو الدم الخارج من الأنف .
(2) ص 215 ج3 – نيل الأوطار ( فرعف ) بفتح العين فى بأبي قتل ونفع وضمها لغة . والاسم الرعاف وهو خروج الدم من الأنف أو الدم الخارج من الأنف .
(3) ص 190 ج1 سنن ابن ماجه ( ما جاء فى البناء على الصلاة ) و 56 سنن الدار قطنى ( الوضوء من الخارج من البدن ...) و ( القلس ) بفتحتين طعان أو شراب يخرج إلى الفم .(1/173)
187 }
وإسماعيل بن عياش وثقه ابن معين وغيره ( وقال ) عمر بن رَباح : حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رَعَفَ فى صلاته توضأ ثم بنى على ما بقى من صلاته . أخرجه الدار قطنى وقال : عمر بن رباح متروك (1) . ... ... ... ... ... ... { 188 }
( وعن أبى حنيفة ) عن حماد عن إبراهيم أنه قال فى الرجل يَسْبِقه الحدثُ فى الصلاة : إنه ينصرف فيتوضأ ، فإن تكلم استقبل الصلاة وإن لم يتكلم اعْتَدَّ بما مضى وصلى ما بقى ، وقال إبراهيم : يتكلم ويستقبل الصلاة أحبُّ إلىّ . أخرجه أبو يوسف فى الآثار (2) . { 63 } ( وعن أبى حنيفة ) عن عبد الملك ابن عُمَير عن َعْبَدِ بنِ صُبيح أن رجلا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أحدث خلف عثمان بن فان فى الصلاة فَانْفَتَل فتوضأ ثم أقبل وهو حاسِر عن ذراعه وهو يقول ( وَلَمْ يُصِرُّوا وَعَلَى مَا فَعَلُوا وهُم يَعْلَمُونَ ) فاعتدْ بما مضى وصلى ما بقى. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (3) . ... { 64 }
( ويشترط ) لصحة الاستخلاف عند الحنفيين ثلاثة شروط :
( الأول ) أن يكون الخليفة صالحاً للإمامة فلو كان أمياً (4) أو صبياً بطلت صلاة الجميع ( الثانى ) ألا يجاوز الإمام الصفوف فى الصحراء ، وألا يخرج من المسجد إن كان فيه قبل الاستخلاف ، وإلا لم يصح الاستخلاف منه ولا من القوم لبطلان صلاة الجميع بمجاوزته الصفوف أو خروجه من المسجد .
( الثالث ) تحقق شروط البناء على ما سبق من الصلاة وهى شعرة .
(
__________
(1) ص 57 سنن الدار قطنى .
(2) رقم 192 ص 37 – الآثار ( الحدث فى الصلاة ) .
(3) رقم 193 ص 38 – الآثار ( فانفتل ) أى انصرف . و ( حاسر ) أى كاشف ذراعه يقال : حسره يحسره من باب ضرب أي كشفه .
(4) الأمى من لا يحسن ما تصح به الصلاة على ما تقدم تفصيله فى إمامه الأمى ص 57 ( الخامس كون الإمام قارئاً ) .(1/174)
1 ) أن يكون الحدث قهرياً ، ليس للعبد فيه ولا فى سببه اختيار . فلا يبنى من تعمد الحدَث اتفاقاً ، وكذا من وقع عليه نحو طوبة فشجته خلافاً لأبى يوسف ( 2 ، 3 ) أن يكون موجباً للوضوء فقط ، غير نادر الوقوع فلا يبنى من نام فاحتلم فى الصلاة ، ولا من أغمى عليه فيها أو قهقه .
(4) أن ينصر فوراً إلا لعذر . فلو مكث قدر أداء ركن بلا عذر لا يبنى ، ولو مكث لعذر كنوم أو زحمة بنى (5 ، 6) ألا يفعل منافياً للصلاة وماله منه بد . فلو أحدَث عمداً أو ذهب إلى الوضوء من طريق بعيد ل يبنى.
( 7 ، 8 ) ألا يؤدى ركناً مع الحدث أو ماشياً . فلو سبقه فى سجوده فرفع رأسه بقصد الأداء أو قرأ بعد الوضوء ماشياً لا يبنى ( 9 ) ألا يتذكر فائنة وهو ذو ترتيب . ( 10 ) ألا يتبين أنه كان محدَثاً قبل الدخول فى الصلاة .
( فإن ) كان من سبقه الحدث إماماً أو مأموماً ذهب وتوضأ وعاد حتماً إن لم يكن إمامه قد فرغ وإلا خير بين العود والإتمام فى مكان الوضوء . وإن كان منفرداً خُيَِرَ بعد الوضوء بين العود والإتمام فى مكانه . والأفضل له الإستئناف بخلاف الإمام والمأموم فإن الأفضل لهما البناء ، لما فيه من إتمام الصلاة على وجه أكمل ( وإن سبقه) الحدث ولم يبق عليه من أعمال الصلاة سوى السلام توضأ فوراً وسلم لبقاء واجب السلام(1) .
(
__________
(1) أما إن تعمد الحدث فى هذه الحالة ، فقد تمت صلاته ، لخروجه بصنعه وتعذر البناء لوجود القاطع ، لكن يلزمه الإعادة لترك واجب السلام . وإذا حصل قبل القعود الأخير بصنعه ما يمنع البناء ، بطلت الصلاة عند الحنفيين . وإن حصل بعد القعود وقبل السلام لا تبطل عند الصاحبين ، وتبطل عند الإمام ، لأن الخروج بالصنع واجب عندهما فرض عنده ، وتمامه فى شرح المنحة .(1/175)
وقالت ) المالكية والشافعية : من سبقه الحدَث بطلت صلاته ويستأنفها ولا يبنى وهو مشهور مذهب أحمد. وبه قال الحسن وعطاء والنخعى ومكحول " لقول " على بن طلق : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا فَسَا أحدكم فى الصلاة فلينصرف فليتوضأ ولْيُعِدِ الصلاة . أخرجه أبو داود والدار قطنى والبيهقى وابن حبان وقال : لم يقل : وليعد الصلاة إلا جرير(1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 189 }
( وقال ) البيهقى فى باب إقرار الوارث بوارث : نُسب جرير بن عبد الحميد إلى سوء الحفظ فى آخر عمره ، وقال ابن حنبل : لم يكن بالذكى فى الحديث(2) وفى سنده أيضاً مسلم بن سلام الحنفى مجهول الحال ، ولذا قال ابن القطان : هذا حديث لا يصح(3) وعلى فرض صحته فهو محمول على من تعمد الحدَث جمعاً بين الأدلة . هذا وأسباب الاستخلاف عند الملالكية ثلاثة :
( الأول ) الخوف على مال للإمام أو غيره أو على نفْس من التلف لو استمر فى صلاته . فإن خاف ما ذكر لزمه قطع الصلاة ، وندب له أن يستخلف من يتمم الصلاة .
( الثانى ) أن يطرأ عليه ما يمنعه من الإمامة كالعجز عن الركوع أو القراءة ، فيندب له الاستخلاف ويلزمه أن يتأخر مأموماً . فإن أتم صلاته وحده بطلت .
(
__________
(1) ص 255 ج2 و ص 123 ج6 – المنهل العذب ( من يحدث فى الصلاة ) وص 56 سنن الدار قطنى . وص 255 ج2 – السنن الكبرى ( من أحدث فى صلاته ) .
(2) ص 254 منه الجوهر النقى .
(3) ص 62 ج2 نصب الراية ( الحدث فى الصلاة ) .(1/176)
الثالث ) أن يتحقق بطلان صلاته " بسبق " حدَث أو حصول رُعاف يوجب القطع " أو تَذكر " أنه كان محدثاً قبل الدخول فى الصلاة فتبطل صلاته ويندب له الاستخلاف . فإن انصرف بلا استخلاف ندب للقوم أن يستخلفوا من يُتم بهم ، ولهم أن يتموا صلاتهم فرادى فى غير الجمعة ( وسببه ) عند الشافعية خروج الإمام عن الإمامة بتعمد حدَث أو سبقه أو تبين أنه كان محدثاً قبل دخول الصلاة ، فتبطل صلاة الإمام ويندب له أن يستخلف من يتم بالقوم إلا فى الركعة الأولى من الجمعة فإنه واجب . وحينئذ يشترط أن يكون الخليفة مقتدياً بالإمام ، وأن يكون الاستخلاف عن قرب بأن لا يمضى زمن قبل الاستخلاف بسع ركناً من أركان الصلاة . فإن كان الخليفة فيها قد أدرك الركعة الأولى تمت الجمعة للكل . وإن لم يدرك ركعة تمت للمقتدين لا له فيتمها ظهراً . ولا يشترط لصحة الاستخلاف فى غير الجمعة شئ سوى أن يكون الخليفة صالحاً للإمامة . وللإمام أن يستخلف بلا سبب . وللقوم أن يقدّموا واحداً صالحاً للإمامة . وله أن يتقدم بنفسه ( وسببه ) عند الحنبلية طروُّ عذر للإمام فى أثناء الصلاة كمرض شديد أو عجز عن ركن قولى كقراءة الفاتحة ، أو واجب كتسبيح الركوع والسجود فله حينئذ استخلاف آخر وإن لم يكن مقتدياً ليتم بهم الصلاة . وإن لم يستخلف فلهم أن يستخلفوا بدله أو يتموها فرادى .
هذا . ولو استخلف الإمام مسبوقاً صح اتفاقاً ، ويشير الإمام لبقاء ركعة بأصبع وبأصبعين لركعتين ، ويمشى الخليفة على نَظْمِ صلاة الإمام . فإن أتم صلاة الإمام قدّم واحداً ممن كان مع الإمام من أول الصلاة ليسلم بهم ثم يقضى هو ما فاته عند الحنفيين ( وقالت ) المالكية : يشير لهم بالانتظار ويقوم لقضاء ما فاته ثم يسلم بهم . فإن سلموا ولم ينتظروه بطلت صلاتهم .
( وقالت ) الشافعية والحنبلية : يستخلف من يسلم بهم ، فإن لم يفعل فلهم أن يسلموا لأنفسهم وأن ينتظروه جلوساً حتى يُتم صلاته ويسلِّم بهم .
((1/177)
الثالث ) ما يباح فى الصلاة
يباح فيها أمور قد يظن أن بعضها ممنوع . المذكور منها هنا أربعة عشر .
( 1 ) يجوز البكاء فى الصلاة خوفاً من الله تعال ، أو لتذكر الجنة أو النار ولا يبطلها ولو كان بصوت عند الحنفيين ومالك وأحمد " لحديث " مُطرّفٍ عن أبيه عبد الله بن الشِّخير قال : رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى ولصدره أزيز كأزيز الْمِرْجَلِ من البكاء .. أخرجه أحمد والثلاثة وصححه الترمذى وابن حبان وابن خزيمة(1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 190 }
وفى رواية أبى داود كأزيز الرحا ، يعنى الطاحون والمعنى أنه يجيش جوفه ويغلى من البكاء خوفاً من الله عز وجل " ولحديث " عائشةَ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى مرضه الذى تُوفِّىَ فيه : مُروا أبا بكر فلْيُصَل بالناس فقلت : يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق لا يملك دمْعه ، وإنه إذا قرا القرآن بكى ( الحديث ) أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة وصححه الترمذى(2) . ... ... ... ... ... ... ... { 191 }
وجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم أخْيِرَ أن أبا بكر إذا قرأ غلبه البكاء فصمم على استخلافه ، وكذا لا تبطل عند الشافعية إن لم يظهر منه حرفان ، فإن ظهرا أبطل البكاء الصلاة مطلقاً . أما البكاء لوجع أو مصيبة فإن ظهر منه حرفان فأكثر بطلت الصلاة وإلا فلا عند الحنفيين .
(
__________
(1) ص 25 ج4 مسند أحمد ( حديث مطرف بن عبد الله عن أبيه ) وص 353 ج5 – المنهل العذب ( البكاء فى الصلاة ) وص 179 ج1 مجتبى. و ( الأزيز ) صوت القدر عند غليان الماء . و ( المرجل ) كمنبر ، القدر يطبخ فيه .
(2) ص 34 ج6 مسند أحمد ( حديث السيدة عائشة رضى الله عنها ) وص 140 ج4 نووى مسلم ( استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ... )(1/178)
وقالت ) المالكية : إن كان بلا صوت أو لوجع فلا بأس . وإن كان لغير وجع وبصوت فكالكلام ، فإن كان عمداً أبطل قليله وكثيره . وإن كان سهواً أبطل كثيره دون يسيره ، وكذا التنهُّد إن كان غلبة ، وإن كان عمداً أو جهلا فمبطل . وإن كان سهواً سجد غير المأموم . ( وقالت ) الحنبلية : البكاء لغير خوف الله إن ظهر منه حرفان أبطل الصلاة ما لم يكن غلبة .
(2) ويجوز قتل الحية والعقرب فى الصلاة " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : اقتلوا الأسودين فى الصلاة الحية والعقربَ . أخرجه أحمد والثلاثة وابن حان والحاكم وصححه . وقال الترمذى : حديث حسن صحيح(1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 192 }
ومثلهما فى ذلك كل مؤذ . وقيل يجب القتل عملا بأصل الأمر . والجمهور على الأول ( فعند ) الحنبلية وبعض الحنفية يجوز قتلهما فى الصلاة بلا كراهة ولو بعمل كثير " أما حديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : كفاك للحية ضربة بالسوط أصبتها أم أخطأتها " فقد " أخرجه البيهقى ... ... ... ... { 193 }
__________
(1) ص 113 ج4 – الفتح الربانى . وص 178 ج1 مجتبى ( قتل الحية والعقرب فى الصلاة ) ولفظهما : أمر بقتل الأسودين . وص 18 ج6 – المنهل العذب ( العمل فى الصلاة ) وص 301 ج1 تحفة الأحوذى ( قتل الأسودين فى الصلاة ) وتسميتهما بالأسودين من باب التغليب ، وإلا فالمسمى بالأسود هو الحية فقط . والمراد الحية والعقرب ولو غير أسودين .(1/179)
وقال : وهذا إن صح فإنما أراد " والله أعلم " وقوع الكفاية بها فى الإتيان بالمأموم به ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة ، بل المراد إذا امتنعت بنفسها حين أخطأتها الضربة فلا داعى لضربها ثانياً (1)( وقالت ) المالكية : يجوز للمصلى قتلهما إذا قصدا أذاه وإلا كره القتل فى الصلاة . وهو رواية الحسن بن زياد عن أبى حنيفة ( وقالت ) الشافعية وبعض الحنفية : يجوز قتل الحية والعقرب فى الصلاة وتبطل به إن أدى إلى مشى أو عمل كثير وإلا فلا ( قال ) العلاقة الحلبى : ولا بأس بقتل الحية والعقرب فى الصلاة إذا لم يحتج إلى المشى الكثير كثلاث خطوات متواليات ، ولا إلى المعالجة الكثيرة كثلاث ضربات متواليات ، فإن احتاج إلى ذلك فمشى وعالج تفسد صلاته ، لأنه عمل كثير . ذكره شمس الأئمة السرخسى فى المبسوط ثم قال : الأظهر أنه لا تفصيل فيه ، لأنه رخصة كالمشى فى سبق الحدث والاستقاء من البئر والتوضى ، ويؤيده إطلاق الحديث . واعترض عليه بأنه يلزمه مثله فى علاج المارّ بين يدى المصلى إذا حصل فيه عمل كثير ، فإنه مأمور به بالنص مع أنه مفسد عند الكل . فالحق فيما يظهر هو الفساد . والأمر بالقتال أو القتل لا يستلزم صحة الصلاة مع وجوده كما فى صلاة الخوف ، فإن المشى فيها والقتال مفسد مع الأمر به عند الحاجة ، بل الأمر فى مثله لإباحة مباشرته وعدم الإثم به وإن كان مفسداً للصلاة ، كما يباح قطعها لإغاثة ملهوف أو تخليص أحد من سبب هلاك ، وكذا إذا خاف ضياع ما قيمته درهم له أو لغيره (2) .
(
__________
(1) ص 266 ج2 – السنن الكبرى ( قتل الحية والعقرب فى الصلاة ) .
(2) ص 354 غنية المتملى ( ما يكره فى الصلاة وما يكره ) .(1/180)
قال ) الترمذى : وكره بعض أهل العلم قتل الحية والعقرب فى الصلاة قال إبراهيم ( يعنى النخعى ) إن فى الصلاة لشغلا(1) وهذا عجز حديث أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن ابن مسعود(2) . ... { 194 }
( وأجيب ) بأن حديث الأمر بقتلهما خاص فلا يعارضه هذا ونحوه من العمومات بل هو يخصها .
(3) ويجوز المشى اليسير فى الصلاة لحاجة سواء أكانت الصلاة فرضاً أم نفلا " لقول " عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى والباب عليه مُغْلَق ، فجئتُ فاستفتحتُ فمشى ففتح لى ثم رجع إلىُ مَصّلاه ووصَفتْ أن الباب فى القبلة . أخرجه أحمد والثلاثة وحسنه الترمذى(3). ... ... ... ... { 195 }
__________
(1) ص 302 ج1 تحفة الأحوذى .
(2) ص 73 ج4 – الفتح الربانى . ص 47 ج3 فتح البارى ( ما ينهى من الكلام فى الصلاة ) وص 26 ج5 نووى مسلم ( تحريم الكلام فى الصلاة) وص 20 ج6 المنهل العذب ( رد السلام فى الصلاة ) .
(3) ص 113 ج4 الفتح الربانى . وص 19 ج6 المنهل العذب ( العمل فى الصلاة ) وص 411 ج1 تحفة الأحوذى ( ما يجوز من المشى والعمل فى صلاة التطوع ) .(1/181)
ولقول أزرقَ بنِ قيس : كان أبو بَرْزَةَ الأسْلمّى بالأهواز على حرْف نهر وقد عل اللجام فى يده وجعل يصلى فجعلت الدابة تنكُص وجعل يتأخر معها فقال رجل من الخوارج : اللهم أخز هذا الشيخَ كيف يُصلى ؟ فلما صلى قال : قد سمعتُ مقالَتكم غزوتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم ستا أو سبْعاً أو ثمانياً فشهدت أمره وتيسيرَه ، فكان رجوعى مع دابتى أهونَ علىَّ مِنْ تركها فتنزع إلى مألفهِا فيشُقُّ علىَّ . وصلى أبو برَزة العصر ركعتين . أخرجه أحمد والبخارى والبيهقى(1). ... ... ... ... ... ... ... ... { 196 }
(
__________
(1) ص 114 ج4 – الفتح الربانى . وص 52 ، 53 ج3 فتح البارى ( إذا انفلتت الدابة فى الصلاة ) وص 66 ج2 – السنن الكبرى ( من تقدم أو تأخر فى صلاته .. ) و ( الأهواز ) بفتح فسكون بلاد واسعة بين البصرة وفارس فتحت فى خلافه عمر رضى الله عنه . و ( تنكص ) كتقعد أى تتأخر . و ( تنزع ) كتضرب أى تذهب إلى المكان الذى ألفته من قبل . و ( صلى ركعتين ) لأنه كان مسافراً .(1/182)
ففى ) هذين الحديثين دلالة على جواز الفعل الخارج عن الصلاة فيها لحاجة . ومنه المشى إلى جهة القبلة ( قال ) ابن الملك : مشيُه صلى الله عليه وسلم وفتحه الباب ثم رجوعه إلى الصلاة ، يدل على أن الفعال الكثيرة لا تبطل الصلاة وإليه ذهب بعضهم قال القارئ : وهو ليس بمعتمد فى المذهب ( وما قاله ) ابن رسلان من أن هذا المشى محمول على أنه مشى خطوة أو خطوتين أو مشى أكثر من ذلك متفرقاً ( مردود ) لأنه تقييد للحديث بالمذهب ، ولا يخفى فساده (1) ( وقال ) العلامة الحلبى : فالحاصل أن المشى إذا كان بعذر لا يُفسد ولا يكره . وإن كان بغير عذر فإن كان ثلاث خطوات متواليات يفسد ، وإلا يكره فقط(2) ( وقال ) الحافظ : قد أجمع الفقهاء على أن المشى الكثير فى الصلاة يبطلها فيحمل حديث أبى بَرْزة على القليل(3) ( وقال ) النووى : الفعل الذى ليس من جنس الصلاة وإن كان كثيراً أبطلها بلا خلاف وإن كان قليلا لم يبطلها . واختلفوا فى ضبط القليل والكثير . والصحيح المشهور أن الرجوع فيه إلى العادة فلا يضر ما بعده الناس قليلا كالإشارة برد السلام وخلع النعل ورفع العمامة ووضعها ولبس ثوب خفيف ونزعه وحمل صغير ووضعه ودفع مارّ وذلك البصاق فى ثوبه ونحوها . وأما ما يعده الناس كثيراً كخطوات كثيرة متوالية وأفعال متتابعة ، فيبطل الصلاة(4) .
(
__________
(1) ص 19 ج6 – المنهل العذب . وقال فى شرح الترمذى : وما قال ابن الملك هو ظاهر الحديث ، لكن فى صلاة التطوع عند الحاجة . وهو الراجح المعتمد المعول عليه وإن لم يكن معتمداً فى المذهب الحنفى . وص 412 ج1 تحفة الأحوذى .
(2) ص 353 غنية المتملى .
(3) ص 53 ج3 فتح البارى .
(4) ص 93 ج4 شرح المهذب ( من عمل فى الصلاة ما ليس من جنسها ) .(1/183)
4) ويجوز لمن عطس فى الصلاة حمدُ الله تعالى " لقول " رفاعة بن رافع : صليتُ خلف النبى صلى الله عليه وسلم فعطستُ فقلتُ : الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه كما يُحبّ ربنا ويَرضى . فلما سلم النبى صلى الله عليه وسلم قال : مَنِ المتكلمُ فى الصلاة ؟ فلم يتكلمْ أحد ، ثم قالها فقلت : أنا يا رسولَ الله ، فقال والذى نفسى بيده لقد ابتدرَها بِضع وثلاثون ملَكاً أيهم يصعَد بها . أخرجه النسائى والترمذى وحسنه(1). ... ... { 197 }
(
__________
(1) 147 ج1 مجتبى ( قول المأموم إذا عطس خلف الإمام ) وص 312 ج1 تحفة الأحوذى ( ما جاء فى الرجل يعطس فى الصلاة ) . و (عطس) من باب ضرب و ( ابتدرها ) أى أسرع إليها . و ( بضع ) بكسر أو فتح فسكون ، وهو العدد من الثلاثة إلى التسعة ، وقيل من الأربعة يستوى فى المذكر والمؤنث .(1/184)
5) ويباح حمل الصبى فى الصلاة وتعلقه بالمصلى " لحديث " عبد الله بن شدادِ بنِ الهادِ عن أبيه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى إحْدى صلاتى العَشِىّ الظهر أو العصر وهو حاملٌ الحسنَ أو الحُسَين فتقدم النبى صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فوضَعه ثم كبَّر للصلاة فسجد فصلى بين ظهرانىْ صلاته سجدةً أطالها فقال : إنى رفعتُ رأسى فإذا الصبىُّ على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعتُ فى سجودى ، فلما قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ ، قال الناس : يا رسول الله إنك سجدت بين ظهرانى الصلاةِ سجدةً قد أطلتها ، فظننا أنه قد حدث أمر أو أنه قد يوُحَى إليك . فقال : كلّ ذلك لم يكنْ ولكن ابنى ارتحلنى فكرهت أن أعْجِلَهُ حتى يقضىَ حاجته . أخرجه أحمد والحاكم وقال : صحيح على شرطهما(1) . ... ... { 198 }
" ولقول " أبى قتادة : رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يؤم الناسَ وأمامه بنت أبى العاص وهى ابنة زينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها . أخرجه الشافعى ومسلم والنسائى (2) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 199 }
__________
(1) ص 118 ج4 – الفتح الربانى ( حمل الصغير فى الصلاة ) و ( ظهرانى الصلاة ) وسطها و ( قال ) أى شداد ( رفعت رأسى ) ظناً منى أن النبى صلى الله عليه وسلم رفع رأسه من السجدة ولم أشعر . و ( ارتحلنى ) أى جعلنى كالراحلة فركب على ظهرى .
(2) ص 96 ج1 بدائع المنن وص 31 ج5 نووى مسلم ( جواز حمل الصبيان فى الصلاة ) وص 132 ج1 مجتبى ( ما يجوز للإمام من العمل فى الصلاة ) .(1/185)
"وعنه " أيضاُ قال : بينما نحن ننتظر رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم فى الظهر أو العصر وقد دعاه بلالٌ للصلاة ، إذْ خرج إلينا وأمامةَ بنتُ أبى العاص بنتُ ابنته على عنقِه ، فقام صلى الله عليه وآله وسلم فى مصلاه وقمنا خلفه وهى فى مكانها ، فكبَّر وكبَّرنا ، حتى إذا أراد صلى الله عليه وسلم أن يركعَ أخذَها فوضعها ثم ركعَ وسجَد حتى إذا فرغ من سجوده ثم قام أخذها فردها فى مكانها . فما زال يصنع بها ذلك فى كل ركعة حتى فرغ من صلاته . أخرجه أبو داود (1) . ... ... ... ... ... ... ... ... { 200 }
وهذا صريح فى أن فعل الحمل والوضع كان منه صلى الله عليه وسلم لا منها . وهو يرد قول الخطابى : يشبه أن تكون الصبية قد ألفته فإذا سجد تعلقت بأطرافه التزمته فينهض من سجود فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع فيرسلها (2) .
__________
(1) ص 15 ج6 – المنهل العذب ( العمل فى الصلاة ) .
(2) ص 394 ج1 فتح البارى ( الشرح – إذا حمل جارية .. فى الصلاة ) .(1/186)
ففى هذه الأحاديث ( أ ) دلالة على أن مثل هذا العلم معفوٌّ عنه فى الصلاة لكل صلّ ولو كان إماماً فى فرض . وبه قال الجمهور ( قال ) القرطبى : وقد اختلف العلماء فى تأويل هذا الحديث ، والذى أحوجهم إلى ذلك أنه علم كثير . فروى ابن القاسم عن مالك أنه كان فى النافلة واستعبده المازِرى وعياض وابنُ القاسم ( قال ) المازرى : إمامته بالناس فى النافلة ليست بمعهودة . وأصرح من هذا ما أخرجه أب داود بلفظ : بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الظهر أو العصر وقد دعاه بلال على الصلاة ، إذ خرج علينا وأمامةٌ على عنقه فقام فى مصلاه فقمنا خلفه فكبر فكبرنا وهى فى مكانها ( وروى ) أشهب وعبد الله بن نافع عن مالك أن ذلك للضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها ( وقال ) بعض أصحابه لأنه لو تركها لبكت وشغلته أكثر من شغله بحملها ( وفرّق ) بعض أصحابه بين الفريضة والنافلة ( وقال ) الباجى : إن وجَد من يكفيه أمرها جاز فى النافلة دون الفريضة . وإن لم يجد جاز فيهما ( وقال ) ابن عبد البرّ : لعلّ الحديث منسوخ بتحريم العمل والاشتغال فى الصلاة. وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وبأن القضية كانت بعد قوله صلى الله عليه وسلم " إن فى الصلاة لشغلا ، لأن ذلك كان قبل الهجرة . وهذه القصة كانت بعد الهجرة بمدة مديدة قطعاً . ( وذكر ) القاضى عياض عن بعضهم : أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم ( ورُدّ ) بأن الأصل عدم الاختصاص (1) ( قال ) النووى بعد أن ذكر هذه التأويلات : وكل ذلك دعاوٍ باطلة مردودة لا دليل عليها لأن الآدمى طاهر وما فى جوفه معفوّ عنه، وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة . والأعمال فى الصلاة لا تبطلها إذا قلّت أو تفرّقت . ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك .
__________
(1) ملخص من فتح البارى ص 394 ، 395 ج1 .(1/187)
وإنما فعل النبى صلى الله عليه وسلم ذلك لبيان الجواز(1)( وقال ) الحافظ : وحمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوال لوجود الطمأنينة فى أركان صلاته صلى الله عليه سلم (2) (ب) فيها دلالة أيضاً على جواز إدخال الصبيان المساجد (3) .
" ولا ينافى " هذا ( حديث ) مكحول عن معاذِ بنِ جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جَنِّبُوا مساجدَكم صبيانكم وخصوماتِكم وحدودكم وشراءكم وبيعَكم ، وجمِّرُوها يوم جمعِكُم ، واجعلوا على أبوابها مطاهرَكم . أخرجه الطبرانى فى الكبير . ومكحول لم يسمع من معاذ (4). ... ... ... { 201 }
( ولا حديث ) وائلة بن الأسقع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : جنبوا مساجدَكم صبيانكم ومجانينَكم وشراءكم وبيعَكم وخصوماِتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسلّ سيوفكم ، واتخذوا على أبوابها المطاهر ، وجَمَّروها فى الجمع . أخرجه ابن ماجه . وفى سنده الحارث ابن نبهان ومتفق على ضعفه(5). ... ... { 202 }
__________
(1) ص 32 ج5 – شرح مسلم ( جوز حمل الصبيان فى الصلاة ) .
(2) ص 395 ج1 فتح البارى .
(3) وهذه الأحاديث تصلح أن تكون دليلا للمالكية الذين يقولون بسنية إزالة النجاسة لا بوجوبها ، إذا يبعد كل البعد أن تخلو أمامة وهى صغيرة عن نجاسة ، سيما وأن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن تبول أو تتبرز . فإذا كانت النجاسة مبطلة للصلاة لاستحال أن يستمر صلى الله عليه وسلم فى عبادة فاسدة .
(4) ص 26 ج2 مجمع الزوائد ( فى كرامة المساجد وما نهى عن فعله فيها .. ) و ( جمروها ) أى بخروها . ( والمطاهر ) جمع مطهرة . وهى أوانى الطهارة .
(5) ص 131 ج1 – سنن ابن ماجه ( ما يكره فى المساجد ) .(1/188)
" فإن الأمر " بالتجنيب فى هذين الحديثين محمول على الندب ، بخلاف ما وقع من النبى صلى الله عليه وسلم مع الحسن والحسين وأمامة ، فإنه محمول على بيان الجواز ويأتى بيان المذاهب فى هذا(1) .
(6) وتجوز الصلاة بجنب الخائض " لقول " عائشة : كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلى مِرْط وعليه بعضه . أخرجه أبو داود والنسائى وابن ماجه(2) . ... ... ... { 203 }
" ولحديث " عبد الله بن شداد عن ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على الخُمرة فيسجد فيصيبنى ثوبه وأنا على جنبه وأنا حائض . أخرجه السبعة إلا الترمذى . وهذا لفظ أحمد (3) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 204 }
(
__________
(1) يأتى فى الأمر الثامن مما تصان عنه المساجد .
(2) ص 241 ج3 – المنهل العذب ( الرخصة فى ذلك ) أى فى جواز الصلاة فى ثياب النساء . وص 125 ج1 – مجتبى ( صلاة الرجل فى ثوبه بعضه على امرأته ) وص 116 ج1 سنن ابن ماجه ( الصلاة فى ثوب الحائض ) و ( المرط ) بكسر فسكون ، كساء من صوف أو خز أو غيره ، والمراد هان ما كان من شعر ، ففى الصحيح : فى مرط من شعر أسود .
(3) ص 111 ج3 – الفتح الربانى . وص 395 ج1 فتح البارى ( إذا صلى إلى فراش فيه حائض ) وص 164 ج5 – نووى مسلم ( الجماعة فى النافلة والصلاة على حصير وخمرة .. ) وص 240 ج3 – المنهل العذب ( الرخصة فى ذلك ) وص 116 ج1 سنن ابن ماجه ( الصلاة فى ثوب الحائض ) و ( الخمرة ) بضم فسكون ، السجادة يصلى عليها .(1/189)
وفيه ) دلالة على أن وقوف المرأة بجنب المصلى لا يبطل صلاته . وهو مذهب الجمهور . وفيه أن ثياب الحائض طاهرة إلا موضعاً يُرى فيه أثر الدم أم النجاسة " وهذا " لا ينافى ندب تجنب ثياب النساء التى هى مظنة النجاسة " لقول " عائشة رضى الله عنها : كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يصلى فى شُعُرنا . أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه ، ولفظه : لا يصلى فى لحُف نسائه (1). ... ... ... ... { 205 }
( وهو ) يدل على مشروعية تجنب المصلى ثياب النساء التى هى مظنة النجاسة ، وكذلك سائر الثياب التى تكون كذلك ( وفيه ) أيضاً أن الاحتياط والأخذ باليقين مشروع . وأن ترك المشكوك فيه على المتيقن المعلوم جائز. وليس من الوسواس . وهذا " لا ينافى " ما يأتى من أنه صلى الله عليه وسلم سئل هل يصلى الرجل فى الثوب الذى يأتى فيه أهله ؟ فقال نعم إلا أن يرى فيه شيئاً فيغسله (2) " فإن ما هنا " محمول على الاحتياط . وما تقدم محمول على الجواز .
(7) – وتجوز الصلاة فى النعلين والخفين الطاهرين " لقول " أبى مَسْلمة سعيد بن يزيد : سألت أنساً : أكان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى نعليه ؟ قال نعم . أخرجه أحمد والشيخان والنسائى والترمذى ، وقال : حسن صحيح (3). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 206 }
__________
(1) ص 113 ج3 – الفتح الربانى . وص 238 ج3 – المنهل العذب ( الصلاة فى شعر النساء ) و ( شعر ) ككتب . جمع شعار ، وهو الثوب الذى يلى الجسد . وخصتها بالذكر ، لأنها أقرب إلى أن تنالها النجاسة من الدثار . وهو الثوب الذى يكون فوق الشعار ( قال ) ابن الأثير : المراد بالشعار هنا الإزار الذى كانوا يتغطون به عند النوم . وفى رواية أبى داود فى شعرنا أو لحفنا . واللحاف اسم لما يلتحف به .
(2) يأتى رقم 221 ، 222 ، ص 168 .
(3) ص 104 ج3 – الفتح الربانى . وص 335 ج1 – فتح البارى ( الصلاة فى النعال ) وص 43 ج5 نووى مسلم . وص 125 ج1 مجتبى .(1/190)
" ولقول " أبى سعيد الخدرى : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بأصحابه إذْ خَلعَ نعْليه فوضعَهما عن يساره ، فلما رأى القومُ ذلك ألقوا نعالهم . فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ قال : ما حملَكم على إلقائكم نعالكم ؟ قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن جبريل عليه السلام أتانى فأخبرنى أن فيهما قذراً . وقال : إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى فى نعليه قذراً أو أذَى فليمسحْه وليصل فيهما . أخرجه أبو داود وابن حبان والبيهقى . وكذا أحمد والحاكم مختصراً وقال : حديث صحيح على شرط مسلم(1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 207 }
" ولحديث " شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون فى نعالهم ولا خفافهم . أخرجه أبو داود وابنِ حيان والحاكم وقال : حديث صحيح الإسناد(2). ... { 208 }
__________
(1) ص 40 ج5 المنهل العذب ( الصلاة فى النعل ) وص 431 ج2 – السنن الكبرى ( طهارة الخف والنعل ) وص 104 ج3 – الفتح الربانى . وص 160 ج1 مستدرك .
(2) ص 42 ج5 المنهل العذب ( الصلاة فى النعل ) وص 260 ج1 مستدرك . و ( خالفوا اليهود ) أى فصلوا فى نعالكم وخفافكم . وفى هذه الأحاديث دلالة على أن النعل والخف إذا أصابتهما نجاسة ولو رطبة لا جرم لها كالبول ، تطهر بالدلك بالأرض . وبه قال الأوزاعى وإسحاق والظاهرية والشافعى فى القديم ، وروى عن أحمد . لعموم الأحاديث . وتقدم بيان المذاهب فى هذا والراجح الذى يؤيده الدليل انظر ص 397 – 399 ج1 – الدين الخالص طبعة ثانية ( تطهير الخف ونحوه ) .(1/191)
والأوامر فى هذه الأحاديث مصروفة عن ظاهرها إلى الاستحباب " لحديث " أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يُؤذ بهما أحداً ، ليجعلْهما بين رجليه أو ليصُل فيهما . أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم بسند صحيح(1). ... ... ... ... ... ... ... { 209 }
" ولقول " عبد الرحمن بن أبى ليلى : صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى نعليه فصلى الناس فى نعالهم فخلع نعليه فخلعوا . فلما صلى قال : من شاء أن يصلى فى نعليه فليصلِّ ، ومن شاء أن يخلع فليخلع . أخرجه ابن أبى شيبة . قال العراقى : هو مرسل صحيح الإسناد ... ... ... ... ... { 210 }
والتخيير لا ينافى الاستحباب كما فى حديث " بين كل أذانين صلاة لمن شاء " (2).
(8) – وتجوز الصلاة فى ثوب حلال من قطن أو كتان مخطط بما لا يشغل المصلى " لحديث " أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى بُردة حِبرَة عقد بين طرفيها . أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار بسند رجاله ثقات (3) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 211 }
(
__________
(1) ص 45 ج5 – المنهل العذب ( المصلى إذا خلع نعليه أين يضعهما ؟ ) وص 432 ج2 – السنن الكبرى . وص 260 ج1 مستدرك .
(2) تقدم رقم 440 ص 307 ج2 – الدين الخالص ( راتبة العشاء القبلية ) .
(3) ص 120 ج4 – الفتح الربانى ( الصلاة فى الثوب المخطط ) و ( البردة ) بضم فسكون ، فى الأصل كساء أسود مربع . فإذا وصف بالحبر كعنب أو أضيف إليه فالمراد به ثياب يمنية من قطن أو كتان مخطط . و ( العقد بين طرفى الثوب ) هو أن يضع طرفها على منكبه الأيمن ويأخذه من تحت إبطه اليسرى ، ويأخذ طرفه الذى على منكبه الأيسر من تحت إبطه اليمنى ثم يعقدهما على صدره . ومثله المخالفة بين الطرفين والتوشح بالثوب .(1/192)
9) – وتجوز الصلاة فى ثوب واحد ساتر العورة " لقول " أنس : آخِرُ صلاة صلاّها النبى صلى الله عليه وسلم مع القوم صلى فى ثوبٍ واحدٍ مُتوشحاً به خلف أبى بكر . أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح . وأخرجه البزار بلفظ : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى مات فيه متوكِّئاً على أسامة مرتدياً بثوب قطنٍ فصلى بالناس (1) . ... ... ... ... ... ... ... ... { 212 }
" ولحديث " أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا صلى أحدكم فى ثوبٍ واحد فليخالفْ بين طرَفيه فلْيجعل طرفهُ على عاتقيه أخرجه أحمد(2). ... ... ... ... ... { 213 }
( وعن ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة فى ثوب واحد فقال : ما كلكم يجد ثوبين . أخرجه أبو يوسف وأحمد والشيخان والطحاوى والبيهقى بألفاظ متقاربة من عدة طرق (3) . ... { 214 }
(
__________
(1) ص 121 ج4 الفتح الربانى . وص 49 ج2 مجمع الزوائد ( الصلاة فى الثوب الواحد ) .
(2) ص 121 ج4 – الفتح الربانى .
(3) رقم 162 ص 32 كتاب الآثار . وص 97 ج3 – الفتح الربانى . وفيه : أو كلكم وص 320 ، 321 ج1 فتح البارى ( الصلاة فى الثوب الواحد ملتحقاً به ) وفيه أو لكلكم ثوبان ؟ وص 230 ج2 – السنن الكبرى .(1/193)
وعن أبى حنيفة ) عن عطاء بن يسار أن جابراً أمّهم فى قميص صفيق ليس عليه غيرُه ولا أراه أراد إلا ليُرينا أنه لا بأس بالصلاة فى ثوب واحد . أخرجه أبو يوسف فى الآثار(1){ 65 } " ولما ذكر " اتفق العلماء على جواز الصلاة فى ثوب واحد إذا كان ساتراً للعورة . وعلى أن الصلاة فى ثوبين أفضل ، وأن المستحب للرجل أن يصلى فى إزار وقميص وعمامة ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك غالباً " ولقول " أبى نضْرةَ بنِ بقية: قال أبىّ بن كعب : الصلاةُ فى الثوب الواحد سنةٌ ، كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعاب علينا : فقال ابن مسعود : إنما كان ذاك إذ كان فى الثياب قلة . فأما إذ وسّع الله فالصلاةُ فى الثوبين أزكى . أخرجه عبد الله ابن أحمد فى زوائد المسند . ... ... ... ... ... ... ... ... { 215 }
وأبو نضرة لم يسمع من أبىّ ولا ابن مسعود . وأخرج الطبرانى فى الكبير نحوه من رواية زِرِّ بن حُبيش عنهما قاله الهيثمى(2) .
__________
(1) رقم 166 ص 33 كتاب الآثار .
(2) ص 49 ج2 مجمع الزوائد ( الصلاة فى الثوب الواحد وأكثر منه ) .(1/194)
ويستحب للمرأة أن تصلى فى قميص وإزار ومقنعة " بكسر فسكون وهى ما توضع على الرأس وتلف تحت الحنك " " لقول " أم حرام : سألتُ أم سَلمة ماذا تصلى فيه المرأةُ من الثياب ؟ فقالتْ : تصلى فى الخمار والدِّرع السَّابغ الذى يغيب ظُهور قدميها : أخرجه أبو داود والبيهقى(1){ 66 } " ولحديث " أم سلمة أنها سألت النبى صلى الله عليه وسلم أتصلى المرأةُ فى دِرعْ وخِمار ليس عليها إزار ؟ قال : إذا كان الدرع سابغاً يُغطى ظهورَ قدَميها . أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم وقال : حديث صحيح على شرط البخارى(2). ... ... ... { 216 }
وردّ بأن فى سنده عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وفيه مقال .
(
__________
(1) ص 27 ج5 – المنهل العذب ( فى كم تصل المرأة ؟ ) وص 232 ج2 – السنن الكبرى ( ما تصل فيه المرأة من الثياب ) و ( الخمار )بكسر الخاء المعجمة ، ثوب تغطى به المرأة رأسها ( والدرع السابغ ) القميص الساتر لجميع بدنها . وقيه أنه يلزم المرأة ستر جميع جسدها فى الصلاة حتى ظهور قدميها ، كما تقدم فى شروط الصلاة .
(2) ص 28 ج5 – المنهل العذب . وص 233 ج2 – السنن الكبرى . وص 250 ج1 مستدرك .(1/195)
10) – وتجوز الصلاة على البساط واللبَّاد وغيرها إذا كان المفروش رقيقاً ثابتاً لا يلين بالضغط ، وإلا فلا يجوز كما تقدم فى " بحث السجود " (1) ولكن الصلاةَ على الأرض وعلى ما أنبتته كالحصير أفضل ، لأنه أقرب على التواضع " ولقول " أبى سعيد الخدرى : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حَصير . أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى والترمذى وقال : حديث حسن ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، إلا أن قوماً منهم اختاروا الصلاة على الأرض استحباباً (2). ... ... ... ... ... ... ... ... { 217 }
" ولقول " أنس : كان النبى صلى الله عليه وسلم رُبَّما تحضُره الصلاةُ وهو فى بيتنا فيأمر بالبساط الذى تحته فيكنس ثم يُنضح بالماء ، ثم يقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم والقوم خلفه فيصلى بنا . وكان بِساطهم من جريد النخل . أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى(3). ... ... ... ... ... ... { 218 }
" ولقول " ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل على الخُمرة . أخرجه أحمد والبيهقى والترمذى وصححه(4). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 219 }
__________
(1) ص 148 ج2 طبعة ثانية .
(2) ص 109 ج3 – الفتح الربانى ( الصلاة على الحصير .. ) وص 233 ج4 نووى مسلم ( الصلاة فى ثوب واحد .. ) وفيه . فرأيته يصلى على حصير يسجد عليه . وص 421 ج2 – السنن الكبرى ( الصلاة على الحصير ) وص 273 ج1 تحفة الأحوذى .
(3) ص 109 ج3 – الفتح الربانى . وص 163 ج5 نووى مسلم ( الصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها .. ) وص 436 ج2 – السنن الكبرى ( من بسط شيئاً فصلى عليه ) .
(4) ص 111 ج3 – الفتح الربانى . وص 421 ج2 – السنن الكبرى ( الصلاة على الخمرة ) وص 273 ج1 تحفة الأحوذى . و ( الخمرة ) بضم فسكون سجادة صغيرة من سعف النخل وغيره .(1/196)
" ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يزور أمَّ سليم فتدركه الصلاة أحياناً فيصلى على بساط لنا وهو حصير ننضحه بالماء . أخرجه أبو داود . وذكره الترمذى مختصراً وقال : حديث حسن صحيح(1).{220}
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم لم يَروا بالصلاة على البساط والطِّنْفِسة بأساً . وبه يقول أحمد وإسحاق قاله الترمذى(2) وهو قول الأوزاعى والحنفيين والشافعى وجمهور الفقهاء .
( وقالت ) المالكية : يكره السجود على ما فيه رفاهية كالبُسُط . بخلاف الحصير لكن تركه أولى . ففى المدوّنة : وكان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبُسُط الشعْر والثياب والأدُم وكان يقول : لا بأس أن يقومَ عليها ويركع عليها ويقعدَ عليها ولا يسجدُ عليها ولا يضعُ كفيه . وكان لا يرى بأساً بالحصير وما أشبهها مما تنبت الأرض أن يسجد عليها وأن يضعَ كفيه عليها ( قال ) ولا يسجدُ على الثوب إلا من حر أو برد(3) .
هذا . ومن المحدث بسط بعض المصلين سجادة أو فروة فوق فرش المسجد ، لأن ذلك لم يكن من فعل النبى صلى الله عليه وآله وسلم ، وأصحابه والسلف الصالح .
(
__________
(1) ص 47 ج5 – المنهل العذب ( الصلاة على الحصير ) .
(2) ص 274 ج1 تحفة الأحوذى . و ( الطنفسة ) بكسر الطاء والفاء وضمهما ، وبكسر الطاء وفتح الفاء والنون بينهما ساكنة ، بساط له خمل رقيق .
(3) ص 76 ج1 – المدونة الكبرى . و ( بسط ) بضمتين جمع بساط ككتاب . و ( الأدم ) بضمتين ، جمع أديم ، وهو الجلد المدبوغ .(1/197)
قال ) ابن تيمية : أما الصلاة على السِّجادة بحيث يتحرى المصلى ذلك ، فلم تكن سنة السلف من الصحابة والتابعين ، ولا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل كانوا يصلون فى مسجده على الأرض لا يتخذ أحدهم سجادة يختص بالصلاة عليها ، وقد روى أن عبد الرحمن بن مهدى لما قدم المدينة بسط سجادة ، فأمر مالك بحبسه ، فقيل له : إنه عبد الرحمن بن مهدى فقال : أما علمتَ أن بسْط السجادة ف مسجدنا بدعة . ثم قال : ولا نزاع بين أهل العلم فى جواز الصلاة والسجود على المفارش إذا كانت من جنس الأرض كالخمرة والحصير . وإنما تنازعوا فى كراهة ذلك على ما ليس من جنس الأرض وفى الإقناع : ويكره أن يخص جبهته بما يسجد عليه. لأنه شعار الرافضة .
وأما صلاته صلى الله عليه وسلم على الخُمرة فلأن المسجد لم يكن مفروشاً فاتخذها صلى الله عليه وسلم أحياناً لدفع الحر والبرد ، ولذا كان الصحابة يصلون على الأرض ، وفى شدة الحر يبسط أحدهم رداءه فيسجد عليه، فليس فى هذا حجة فى إباحة بسط سجادة أخرى فوق فرش المسجد لعدم الضرورة إليه ، بل هو بدعة منكرة لم يفعله أحد من السلف الصالح ، ولم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ما فيه شبهة لإباحته ، وفيه شئ من الرفاهية المنافية لحالة الخشوع فى الصلاة ، وقد يفعل للتخصيص والتمييز ، والناس فى بيت الله سواسية .
(11) وتجوز الصلاة فى ثياب النوم الطاهرة اتفاقاً " لقول " معاوية بن أبى سفيان قلت لأمِّ حبيبة زوج النبى صلى الله عليه وسلم : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى الثوب الذى ينامُ معك فيه ؟ قالت نعم ما لم ير فيه أذى . أخرجه أحمد وأبو داود بسند رجاله ثقات(1) . ... ... ... ... ... { 221 }
__________
(1) ص 112 ج3 – الفتح الربانى ( الصلاة فى ثوب النوم .. ) وص 236 ج3 – المنهل العذب ( الصلاة فى الثوب الذى يصيب أهله فيه ) .(1/198)
" ولحديث " عبد الملك بن عُمير عن جابِر بن سمُرةَ أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم : أصلى فى ثوبى الذى آتى فيه أهلى ؟ قال : نعم إلا أن ترى فيه شيئاً تغسله . أخرجه أحمد وقال : لا يرُفع عن عبد الملك بن عُمير . وأخرجه ابن ماجه بسند رجاله ثقات(1) . ... ... ... ... ... ... { 222 }
(12) - ولا بأس بالصلاة وأمامهُ مصحف أو سيف معلق – عند الحنفيين والشافعة وأحمد – إن لم يشغل المصلى عن صلاته ، وإلا كره ( قال ) ابن إدريس الحنبلى :لا يكره وضعه شيئاً فى قلبته بالأرض . ويكره التزويق فى المسجد وكل ما يشغل المصلى عن صلاته لأنه يذهب بالخشوع . قال الإمام أحمد : كانوا يكرهون أم يجعلوا فى القبلة شيئاً حتى المصحف (2) .
(13) – ويجوز قراءة سورين فأكثر فى ركعة ولو فى فرض كما يجوز بلا كراهة تكرار سورة فى ركعتين . وقد تقدم دليل هذا والمذاهب فيه فى بحث " قراءة سورتين بعد الفاتحة " (3) .
(14) – ويجوز التراوح فى الصلاة . وهو الاعتماد على إحدى الرجلين مرة وعى الأخرى مرة ، ليوصل الراحة إلى كل منهما . بل استحبه أحمد " لقول " أبى عبيدة : إن عبد الله رأى رجلا يصلى قد صفَّ بين قدميه فقال: خالف السنة فلو راوح بينهما كان أعجب إلىّ . أخرجه النسائى والأثرم(4) . { 67 }
( الرابع ) مكروهات الصلاة
جمع مكروه . وهو لغة ضد المحبوب . واصطلاحاً ما طلب تركه طلباً غير جازم وهو قسمان :
(
__________
(1) ص 112 ج3 – الفتح الربانى . وص 100 ج1 سنن ابن ماجه ( الصلاة فى الثوب الذى يجامع فيه ) .
(2) ص 246 ج1 كشاف القناع ( ما يكره فى الصلاة وما يباح .. ) .
(3) تقدم ص 187 ج2 طبعة ثانية .
(4) ص 142 ج1 مجتبى ( الصف بين القدمين فى الصلاة ) .(1/199)
أ ) مكروه تحريماً – وهو ما ثبت النهى عنه بدليل ظنى ، وكل ما أدى إلى ترك واجب أو سنة مؤكدة ، أو كان أجنبياً من الصلاة غير مفسد ولا متمم لها ولا فيه دفع ضرر(1) كالعبث بالثوب أو البدن ، وكل ما يحصل بسببه شغل القلب . (ب) ومكروه تنزيهاً وهو ما طلب تركه بلا نهى ، كالإشارة فى الصلاة ، وكل ما أدى إلى ترك سنة غير مؤكدة . ومتى أطلقت الكراهة عند الحنفيين تنصرف إلى كراهة التحريم (وحكم ) المكروه أنه لا يكفر مستحله ويأثم فاعله ويثاب تاركه. وتعاد الصلاة وجوباً فى الوقت وندباً بعده لارتكاب مكروه تحريماً ، وتعاد استحباباً لارتكاب المكروه تنزيهاً . " وأما " حديث لا تُصلوا صلاةً فى يوم مرتين(2) . " فالنهى " فيه عن الإعادة بسبب الوسوسة أو عن تكرارها فى الجماعة ، فلا يتناول الإعادة بسبب الكراهة . هذا ما قاله الحنفيون ( وقال ) غيرهم : المكروه تحريماً ما يثاب على تركه ويأثم بارتكابه كترك السنة المؤكدة أو المختلف فى وجوبه . والمكروه تنزيهاً ما لا إثم فى ارتكابه كترك سنة غير مؤكدة . ومتى أطلقت الكراهة عندهم تنصرف إلى التنزيهية .
هذا ومكروهات الصلاة كثيرة المذكور منها هنا سبعة أربعون وضابط كلى .
(
__________
(1) خرج ( أ ) بالمتمم ما لو لم تمكنه العمامة من السجود فرفعها أو سواها بيد واحدة فإنه لا يكره (ب) وبما ليس فيه دفع ضرر قتل الحية والعقرب ونحوهما فإنه لا يكره .
(2) تقدم رقم 183 ص 137 ( إعادة الصلاة ) .(1/200)
1) يكره عبث المصلى بثوبه أو جسده لغير غرض مشروع " لحديث " يحيى بن أبى كثير أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن الله كره لكم ستاً : العبث فى الصلاة ( الحديث ) . أخرجه سعيد بن منصور وابن المبارك (1) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 223 }
والعبث الفعل بلا غرض صحيح فإن كان لغرض صحيح كإزالة العرق أو التراب عن وجهه فليس بعبث (قال) العلامة الحلبى : والعبث حرام خارج الصلاة ففى الصلاة أولى(2) .
(
__________
(1) رقم 1679 ص 250 ج2 فيض القدير ( الحديث ) وتمامه : والمن فى الصدقة والرفث فى الصيام والضحك عند القبور ودخول المساجد وأنتم جنب ( يعنى دخولها بلا مكث فإنه مكروه ومع اللبث حرام ) وإدخال العيون ( أى نظر الأجنبى إلى من بيت غيره ) بغير إذن ( فإنه مكروه تحريماً ) .
(2) ص 349 غنية المتملى ( مما يكره فى الصلاة ) .(1/201)
2) ويكره للمصلى مسح الحصى والتراب ونحوهما ، إلا إذا دعت إليه ضرورة فيمسحه مرة ليتمكن من السجود " لقول " مُعيقيب : سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى فى الصلاة فقال : لا تسمح الحصى وأنت تصّلى فإن كنتَ لابدّ فاعلا فواحدةٌ تسوية الحصى . أخرجه السبعة . وقال الترمذى حديث صحيح . وهذا لفظ أبى داود . ولفظ غيره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى الرجل يسوى التراب حيث يسجد : إن كنت فاعلا فواحدة (1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 224 }
" ولحديث " أبى ذر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإنَّ الرحمةَ تواجهه فلا يمسح الحصى . أخرجه أحمد والأربعة بسند صحيح وحسنه الترمذى(2). ... ... ... ... { 225 }
(
__________
(1) ص 83 ج4 – الفتح الربانى . وص 51 ج3 فتح البارى ( مسح الحصى فى الصلاة ) وص 37 ج5 – نووى مسلم ( كراهة مسح الحصى ) وص 177 ج1 – مجتبى ( الرخصة فيه مرة ) وص 296 ج1 تحفة الأحوذى ( كراهية مسح الحصى فى الصلاة ) وص 51 ج6 – المنهل العذب ( مسح الحصى فى الصلاة ) وص 165 ج1 سنن ابن ماجه . و ( معيقيب ) بالتصغير .و ( واحدة ) روى بالنصب بفعل محذوف صفة مصدر محذوف ، أى فامسح مسحة واحدة . وروى بالرفع على الابتداء ، أى فواحدة تكفيه ، و ( تسوية الحصى ) تعليل لإباحة المسح مرة واحدة، لئلا يتأذى بالحصى فى سجوده . وكره الزائد لما فيه من العبث .
(2) ص82 ج4 – الفتح الربانى . وص 177 ج1 – مجتبى ( النهى عن مسح الحصى فى الصلاة ) وص 50 ج6 – النهل العذب . وص 296 ج1 تحفة الأحوذى . و ( إذا قام أحدكم الخ ) يعنى إذا شرع فى الصلاة ، لأنه لا ينهى عن مسح الحصى إلا بعد التلبس بها .(1/202)
وقال ) أبو صالح مولى طلحة : دخلتُ على أم سلمةَ زوج النبى صلى الله عليه وسلم فدخل عليها ابن أخ لها فصلى فى بيتها ركعتين ، فلما سجد نفخَ التراب ، فقالت : لا تنتفخ فإنى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول لغلام له يقال لهَ يسارٌ ونفخ : تَّرب وجهك الله . أخرجه أحمد بسند جيد(1). ... ... ... { 226 }
ففى هذه الأحاديث دلالة على كراهة مسح الحصى والتراب حال الصلاة أكثر من مرة . وبه قال جمهور الصحابة والعلماء . بل حكى النووى اتفاق العلماء على كراهته لأنه ينافى التواضع ويشغل المصلى(2).( وقالت ) الظاهرية يحرم ما زاد على المرة أخذاً بظاهر الأحاديث ( وقال ) الصنعانى : العلة فى النهى المحافظة على الخشوع ، أو لئلا يكثر العمل فى الصلاة ، وقد نص الشارع على العلة بقوله : فإن الرحمة تواجهه ،أى تكون تلقاء وجهه ، فلا يغير ما تعلق بوجهه من التراب والحصى ولا مل يسجد عليه إلا أن يؤلمه فله ذلك . ثم النهى ظاره فى التحريم(3).
(3) ويكره فرقعة الأصابع فى المسجد . وهو مدها أو غمزها حتى تصوّت ولو خارج الصلاة ، لأنه عبث "ولحديث" علىّ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تُفرْقعْ أصابعك وأنت فى الصلاة . أخرجه ابن ماجه وفى سنده الحارث الأعور " وهو ضعيف " وفى رواية لا تُفقِّع(4) . ... ... ... { 227 }
__________
(1) ص 84 ج4 – الفتح الربانى . و ( ترب وجهك ) أى أو صله إلى التراب ولا تبعده عن وجهك بالنفخ ، ليظهر أثر السجود وتبقى بركة الصلاة فى وجهك .
(2) ص 37 ج5 – شرح مسلم . وفى حكاية الاتفاق نظر ، فإن مالكاً لم ير بمسح الحصى بأسا وكان يفعله فى الصلاة . وكان ابن مسعود وابن عمر يفعلانه ، ذكره العراقى شرح الترمذى .
(3) ص 209 ج1 – سبل السلام ( الخشوع فى الصلاة ) .
(4) ص 158 ج1 – سنن ابن ماجه ( ما يكره فى الصلاة ) و ( تفقع ) ، بضم التاء وفتح الفاء وكسر القاف مشددة من التفقيع وهو غمز مفاصل الأصابع حتى يسمع صوتها .(1/203)
" وحديث " معاذ بن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : الضاحك فى الصلاة والملتفت والمفقعُ أصابعَه بمنزلة واحدة أخرجه أحمد والبيهقى (1) . ... ... ... ... ... ... ... { 228 }
وفى سنده (أ) ابن لهيعة وهو ضعيف . (ب) وزبّانُ بن قائد قال : البيهقى : غير قوىّ .
(4) ويكره تشبيك الأصابع فى الصلاة اتفاقاً . وكذا حال الذهاب إليها ولمن فى المسجد ينتظر الصلاة عند الجمهور " لحديث " كعب بن عُجْرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج
عامداً إلى المسجد فلا يشبِّكنَّ يديه فى صلاة . أخرجه أبو داود والترمذى والدارمى بسند صحيح(2).{229}
" ولقوله " دخل علىّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسجدَ وقد شبَّكتُ بين أصابعى فقال لى : يا كعب إذا كنت فى المسجد فلا تشبِّك بين أصابعك ، فأنت فى صلاة ما انتظرت الصلاة . أخرجه أحمد وابن حبان بسند جيد (3). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 230 }
__________
(1) ص 438 ج3 – مسند أحمد ( حديث معاذ بن أنس الجهنى رضى الله عنه ) وص 289 ج2 السنن الكبرى ( كراهية تفقيع الأصابع فى الصلاة) والمراد بالضحك التبسم لا القهقهة ، فإنها تبطل الصلاة " قال " جابر : التبسم لا يقطع الصلاة ولكن القرقرة .أخرجه البيهقى وقال : هذا هو المحفوظ . وقد رفعه ثابت بن محمد الزاهد . وهو وهم منه ( ص 251 ج2 – السنن الكبرى ( من تبسم فى صلاته أو ضحك فيها ) والقرقرة، القهقهة .
(2) ص 259 ج4 – المنهل العذب ( ما جاء فى الهدى فى المشى إلى الصلاة ) وص 300 ج1 تحفة الأحوذى ( كراهية التشبيك فى الصلاة ) وص 237 ج1 سنن الدارمى ( النهى عن الاشتباك إذ خرج إلى المسجد ) .
(3) ص 88 ج4 – الفتح الربانى .(1/204)
" وحديث " أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان أحدكم فى المسجد فلا يشبكن . فإن التشبيك من الشيطان . وإن أحدكم لا يزال فى صلاة ما دام فى المسجد حتى يخرج منه . أخرجه أحمد بسن حسن (1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 231 }
وفى هذا بيان أن حكمة النهى عن التشبيك كونه من الشيطان . وقيل لأنه يجلب النوم . وهو مظنة الحدث وسيأتى لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى(2) .
(5) ويكره التمطى فى الصلاة . لما فيه من الكسل والخروج عن هيئة الخشوع .
(6) ويكره – عند الأئمة والجمهور – التحضر فى الصلاة وهو وضع اليد على الخاصرة وهى من الإنسان وسطه الدقيق فوق الوركين ( لحديث ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى الرجل مختصراً . أخرجه السبعة إلا ابن ماجه . وهذا لفظ مسلم(3). ... ... ... ... ... ... { 232 }
(
__________
(1) ص 53 ج3 – الفتح الربانى .
(2) يأتى فى بحث 22 مما تصان عنه المساجد .
(3) ص 104 ج4 – الفتح الربانى . وفيه : نهى عن الاختصار فى الصلاة . وص 57 ج3 فتح البارى . وفيه : نهى عن الخصر فى لاصلاة . وص 36 ج5 نووى مسلم ( كراهة الاختصار فى الصلاة ) وص 297 ج1 تحفة الأحوذى ( النهى عن الاختصار فى الصلاة ) وص 52 ج6 – النهل العذب ( الرجل يصلى مختصراً ) .(1/205)
وقالت ) الظاهرية : يحرم الاختصار لظاهر النهى ( وقال ) الترمذى : وكره بعضهم أن يمشى الرجل مختصراً . ويروى أن إبليس إذا مشى مشى مختصراً ( وعن ) أبى حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال : لا تفرْقع أصابعك فى الصلاة ولا تعبث بلحيتك ، ولا تدفن كبار الحصى ، ولا تمسه ، ولا تضعْ يدك على خاصرتك ، ولا تغط فاك ولا تُلق رداءك على منكبك ولا تُقِع . أخرجه أبو يوسف ومحمد فى الآثار (1){ 68 } وقد اختلف فى المعنى الذى نهى عن الاختصار فى الصلاة لأجله على أقوال ( الأول ) التشبه بالشيطان . قاله الترمذى ، وروى عن ابن عباس ( والثانى ) أنه تشبه باليهود ( والثالث ) أنه راحة أهل النار ( روى ) أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال : الاختصار فى الصلاة راحة أهل النار أخرجه البيهقى ( قال ) العراقى : وظاهر إسناده الصحة . وأخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند فيه عبد الله بن الأزور ضعفه الأزدى(2). ... ... { 233 }
( والرابع ) أنه فعل المختالين والمتكبرين ( والخامس ) أنه شكل من أشكال أهل المصائب يضعون أيديهم على الخواصر إذا قاموا فى المآتم . قاله الخطابى (3) .
(
__________
(1) رقم 267 ص 52 – الآثار . و ( تقع ) من الإقعاء .
(2) ص 287 ج2 – السنن الكبرى ( كراهية التخصر فى الصلاة ) وص 85 ج2 مجمع الروائد ( الاختصار فى الصلاة ) .
(3) ص 233 ج1 معالم السنن .(1/206)
7) ويكره تحريماً الاعتماد على اليدين فى الصلاة حال الجلوس وغيره لغير حاجة " لقول " ابن عمر : نَهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يجلسَ الرجلُ فى الصلاة وهو معتمد على يديه . أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى بسند جيد . وأخرجه أبو داود عن ابن عبد الملك بلفظ : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض فى الصلاة(1). ... ... ... ... ... ... ... { 234 }
قال البيهقى : ورواية ابن عبد الملك وهو أهـ والحق أنه لا وهم فيها . بل يعمل بها كالأولى وينهى عن الاعتماد على اليد حال الجلوس والنهوض . وهو مذهب الحنفيين والمرأة مثل الرجل فى ذلك ( وحكمه ) النهى عن ذلك ما فيه من التشبه بجلوس المعذّبين " روى " نافع عن ابن عمر أنه رأى رجلا يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد فى الصلاة فقال له : لا تجلس هكذا ، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون . أخرجه أبو داود(2). { 69 }
( وعن ) ابن عمر : أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى رجلا وهو جالس معتمد على يده اليسرى فى الصلاة فقال : إنها صلاة اليهود . أخرجه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين(3). { 235 }
( ومثل ) الاعتماد على اليد الاعتماد على غيرها ، بل هو أولى بالنهى عند الحاجة .
(
__________
(1) ص 16 ج4 – الفتح الربانى . و ص 106 ج6 – المنهل العذب ( كراهية الاعتماد على اليد فى الصلاة ) وص 135 ج2 – السنن الكبرى ( الاعتماد بيديه على الأرض إذا نهض ... )
(2) ص 108 ج6 – المنهل العذب .
(3) ص 272 ج1 مستدرك .(1/207)
أما الاعتماد ) لحاجة فلا يكره ، لما تقدم عن أم قيس بنتِ مُحصِن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسنَّ وحَملَ اللحم اتخذ عموداً فى مُصلاه يَعتمِدُ علي . أخرجه أبو داود(1) . فالحديث يدل على جواز الاعتماد على عمود أو عصا أو نحوهما عند الداعية . وبه قالت الأئمة . وفى لزوم القيام مستنداً حينئذ خلاف تقدم بيانه فى بحث " القيام " من أركان الصلاة (2) .
(8) ويكره للرجل – عند الحنفيين والشافعى وأحمد وغيرهم – عقص الشعر ، وهو جمعه على رأسه وشدَّه، بنحو خيط أو تلبيدُه بنحو صمغ حال الصلاة " لقول " أبى رافع : مولى النبى صلى الله عليه وسلم : نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يُصلى الرجل ورأسه معقوص . أخرجه أحمد وابن ماجه(3). ... ... { 236 }
وفى سند أحمد رجل لم يسم ، وسمى فى سند ابن ماجه . وحكمة النهى عن عقص الشعر أن فى إرساله وسقوطه حال السجود فضلا وثواباً ، وبعقصه لا يسجد مع صاحبه فينقص ثوابه فيسر الشيطان لذلك ( فقد ) دخل عبد الله بن مسعود المسجدَ فرأى فيه رجلا يصلى عاقصاً شعرَه فلما انصرف قال عبد الله : إذا صليتَ فلا تعقص
__________
(1) تقدم رقم 186 ص 139 ج2 طبعة ثانية . و ( لما أسن .. ) أى لما كبر سنه وكثر لحمه .
(2) ص 140 منه .
(3) ص 391 ج6 – مسند أحمد ( حديث أبى رافع رضى الله عنه ) وص 167 ج1 سنن ابن ماجه ( كف الشعر والثوب فى الصلاة ) .(1/208)
شعرك فإن شعرك يسجدُ معك ولك بكل شعرة أجر . فقال الرجل : إنى أخاف أن يتترَّب فقال : تتريبه خير لك . أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنفه بسند صحيح . { 70 } ( وقال ) مالك : إنما يكره إذا فُعل للصلاة ، والخلاف فى حق الرجال دون النساء ، لأن شعرهن عورة يجب ستره . فإذا نقضته استرسل وربما تعذر ستره فتبطل صلاتها . وأيضاً فى نقضه للصلاة مشقة عليها ( 9 ، 10 ) ويكره فى الصلاة كف الشعر والثوب . وهو رفعه من بين يدى المصلى أو من خلفه إذا أراد السجود " لقول " ابن عباس : أُمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يَكُف شعراً ولا ثوباً . أخرجه الستة وصححه الترمذى(1). ... ... { 237 }
ولكون النهى فيه ظنياً حمله الحنفيون على كراهة التحريم . وحمله الجمهور على التنزيه سواء أتعمد المصلى ذلك للصلاة أم فعله قبلها لشئ آخر وصادف الصلاة ( قال ) النووى : اتفق العلماء على النهى عن الصلاة وثوبه مشمر أو كمه أو نحوه ، أو رأسه معقوص أو مردود شعره تحت عمامته أو نحو ذلك . فكل هذا منهى عنه باتفاق العلماء ، وهو كراهة تنزيه . فلو صلى كذلك فقد أساء وصحت صلاته ( وقال ) الداودى ومالك : يختص النهى بمن فعل ذلك للصلاة . وحكى ابن المنذر وجوب الإعادة عن الحسن البصرى . والمختار الصحيح الأول . وهو ظاهر المنقول عن الصحابة وغيرهم(2) .
(
__________
(1) ص 202 ج2 فتح البارى ( لا يكف ثوبه فى الصلاة ) وص 207 ج4 نووى مسلم ( أعضاء السجود .. ) ولفظهما : أمرت . وص 340 ج5 – المنهل العذب . وص 233 ج1 تحفة الأحوذى . وص 165 ج1 مجتبى ( على كم السجود ؟ ) وص 167 ج1 سنن ابن ماجه .
(2) ص 209 ج4 – شرح مسلم .(1/209)
11) ويكره سدل الثوب وهو وضعه على رأس المصلى أو كتفيه بلا إدخال يديه فى كميه " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل فى الصلاة وأن يغطى الرجل فاه . أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقى والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين(1). ... ... ... ... ... { 238 }
( ومن السدل ) إرسال المنديل عل كتفيه كما يعتاده كثير . فينبغى لمن على عنقه منديل أو نحوه أن يضعه عند الصلاة . ومنه أيضاً لبس القباء " بفتح القاف القفطان " من غير إدخال اليدين فى كميه (2) .
( وقال ) الخطابى : السدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض(3) وعليه فهو بمعنى الإسبال ( وقال ) أبو عبيد : السدل إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه ، فإن ضمهما فليس بسدل ( وقال ) فى النهاية: السدل وضع المصلى وسط الإزار على رأسه وإرسال طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه .
ولا مانع من حمل الحديث على جميع هذه المعانى لأن السدل مشترك بينها ولظاهر الحديث قالت الظاهرية: يحرم السدل فى الصلاة ( وحمل ) الجمهور النهى فيه على الكراهة . وحكمة النهى عنه أنه يشبه صنع اليهود (روى) سعيد ابن وهب عن على رضى الله عنه أنه خرج فرأى قوماً يصلون وقد سدلوا ثيابهم فقال : كأنهم اليهود وخرجوا من قُهْرهم . أخرجه الخلال فى العلل وأبو عبيد فى الغريب(4). { 71 }
(
__________
(1) ص 32 ج5 – المنهل العذب ( السدل فى الصلاة ) وص 158 ج1 سنن ابن ماجه ( ما يكره فى الصلاة ) واقتصر على عجز الحديث . وص 242 ج2 السنن الكبرى ( كراهية السدل فى الصلاة وتفطية الفم ) و ص 253 ج1 مستدرك .
(2) ص 293 ج1 فتح القدير ( ويكره للمصلى ) .
(3) ص 179 ج1 معالم السنن( السدل فى الصلاة ) .
(4) ص 33 ج5 – المنهل العذب . و ( قهرهم ) بضم فسكون ، موضع مدارسهم الذى يجتمعون فيه .(1/210)
12) ويكره رفع البصر إلى السماء حال الصلاة " لحديث " جابر بن سمُرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليَنْتَهِيَنَّ أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء فى الصلاة أو لا ترجعُ إليهم . أخرجه مسلم وأبو داود (1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 239 }
( وعن ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ليَنْتَهِيَنَّ أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء فى الصلاة إلى السماء أوْ لتُخْطفنّ أبصارهم . أخرجه مسلم(2) . ... ... ... ... ... ... { 240 }
والتقييد فيه بحال الدعاء لا مفهوم له ، جميعاً بين الأحاديث . والوعيد الشديد فى الأحاديث يقتضى حرمة رفع البصر فى الصلاة إلى السماء ، لأن العقوبة بالعمى لا تكون إلا عن محرّم . وبالغ ابن حزم فقال : تبطل به الصلاة ( وقال ) الجمهور ومنهم الحنفيون والشافعيون : إنه مكروه مطلقاً .
( وقالت ) المالكية : إنه مكروه إلا إن فعله للعظة والاعتبار بآيات السماء .
( وقالت ) الحنبلية : يكره إلا حال التجشى إذا كان فى جماعة ، لئلا يؤذى من حوله بالرائحة ( وحكمة ) النهى عن ذلك ما فيه من الإعراض عن القبلة والخروج عن هيئة الصلاة ، أو أن يُخشى على الأبصار من الأنوار التى تنزل بها الملائكة على المصلى .
(
__________
(1) ص 152 ج4 نووى مسلم ( النهى عن رفع البصر إلى السماء فى الصلاة ) وص 7 ج6 – المنهل العذب ( النظر فى الصلاة ) وفيه : لينتهين رجال يشخصون .. و ( لينتهين ) بفتح الياء مبنى الفاعل . و ( يشخصون ) بفتح أوله من باب فتح ، أى يفتحون أعينهم ، يقال شخص الرجل يصره إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف .
(2) ص 152 ج4 نووى مسلم .(1/211)
13) ويكره الالتفات بوجهه عن القبلة لغير عذر " لحديث " أبى ذر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال الله عزّ وجل مُقبلا على العبد وهو فى صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه . أخرجه أحمد وأبو داود وابن خزيمة والنسائى والحاكم وقال : صحيح الإسناد(1). ... ... ... ... ... ... { 241 }
" ولقول " أنس : قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بُنىّ إياك والالتفاتَ فى الصلاة فإن الالتفاتَ فى الصلاة هلَكة فإن كان لابدّ ففى التطوع لا فى الفريضة . أخرجه الترمذى وحسنه(2). ... ... ... { 242 }
" ولقول " عائشة : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الالتفات فى الصلاة فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان فى صلاة العبد . أخرجه أحمد والبخارى والثلاثة وحسنه الترمذى(3). ... ... ... { 243 }
قال الطيبى : سمى الالتفات اختلاساً ، تصويراً لقبح تلك الفعلة بالمختلس لأن المصلى يقبل على ربه تعالى ويترصّد الشيطان فوات ذلك عليه ، فإذا التفت استلبه ذلك . ونسب إلى الشيطان لأنه المتسبب فيه(4).
__________
(1) ص 87 ج4 – الفتح الربانى . وص 5 ج6 المنهل العذب ( الالتفات فى الصلاة ) وص 177 ج1 مجتبى ( التشديد فىالالتفات فى الصلاة ) . وص 236 ج1 مستدرك . والمراد من الحديث أن الله تعالى يغمر المصلى بالرحمات والإحسان والغفران ما لم يتعمد الالتفات فى الصلاة ، فإذا التفت قطع الله عنه ذلك الخير .
(2) ص 406 ج1 تحفة الأحوذى ( الالتفات فى الصلاة ) وجعل الالتفات هلكة لكونه سبباً لنقصان ثواب الصلاة ولكونه نوعاً من تسويل الشيطان واختلاسه .
(3) ص 88 ج4 – الفتح الربانى . وص 159 ج2 فتح البار ( الالتفات فى الصلاة ) وص 6 ج6 – المنهل العذب . وص 177 ج1 مجتبى . وص 406 ج1 تحفة الأحوذى . والاختلاس أخذ الشئ خفية بسرعة يقال : خلست الشئ خلساً من باب ضرب ، اختلعته بسرعة على غفلة . والمراد ذهاب شئ من كمال الصلاة بسبب التفاته .
(4) ص 159 ج2 فتح البارى .(1/212)
ففى هذه الأحاديث دلالة على كراهة الالتفات بالوجه فى الصلاة من غير حاجة . وهو متفق عليه . أما إذا كان لحاجة فلا يكره اتفاقاً " لقول " جابر : اشتكى النبى صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت إلينا قرآنا قياماً إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعوداً ( الحديث ) . أخرجه مسلم(1). ... ... ... ... { 244 }
" ولقول " سهل بن الحنظلِيَّة : ثُوِّب بالصلاة يعنى صلاة الصبح فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وهو يلتفت إلى الشِّعْب . أخرجه أبو داود وقال : وكان أرسلَ فارساً إلى الشِّعْب من الليل يحرُسُه(2).{245}
وهذا فى الالتفات بالوجه . أما التفاتُ البصر يَمنة ويَسْرَة من غير تحويل الوجه لغير حاجة فخلاف الأولى. ولا بأس به لحاجة عند الحنفيين ومالك ، وعليه يحمل ( قول ) ابن عباس : كان النبى صلى الله عليه وسلم يُصلى يلتفتُ يميناً وشِمالا ولا يلوى عنقه خلف ظهره . أخرجه أحمد والحاكم وقال : حديث صحيح على شرط البخارى(3). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 246 }
( وقول ) أنس بن سيرين : رأيت أنسَ بن مالك يستشْرِفُ لشئ وهو فى الصلاة ينظر إليه . أخرجه أحمد بسند جيد(4). { 72 }
(
__________
(1) ص 132 ج4 نووى مسلم ( ائتمام المأموم بالإمام ) .
(2) ص 11 ج6 – المنهل العذب ( الرخصة فى ذلك ) أى فى الالتفات فى الصلاة لضرورة . و ( الحنظلية ) أم سهل . وأبو عمرو أو الربيع بن عمرو . و ( الشعب ) بكسر فسكون ، الطريق فى الجبل .
(3) ص 115 ج4 – الفتح الربانى . وص 236 ج1 مستدرك .
(4) ص 115 ج4 الفتح الربانى . و ( يستشرف ) أى يرفع بصره لينظر .(1/213)
أما الالتفات ) والتحول عن القبلة بجميع بدنه فهو مبطل للصلاة اتفاقاً . وكذا التحول بالصدر عن الحنفية والشافعية . ولا تبطل عند الحنبلية إلا إن استدار بجملته أو استدبرها فى غير الكعبة وشدة الخوف . وكذا لا تبطل عند المالكية ما لم يكن فى القبلة التى يضر فيها الانحراف اليسير كالمصلى إلى عين الكعبة فإن صلاته تبطل متى خرج عن سَمتها بوجهه أو بشئ من بدنه ولو أصبعاً وبقيت رجلاه وجسده لها .
(14) وتكره القراءة فى الركوع والسجود " لحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم كشف السِّتارة والناسُ صفوف خلف أبى بكر فقال : يأيها الناس إنه لم يبقَ من مبشرات النبوةِ إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترُى له . وإنى نهيت أن أقرأ راكعاً أو ساجداً . فأما الركوع فعظموا الرب فيه . وأما السجود فاجتهدوا فى الدعاء فقمِن أن يُستجاب لكم . أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى (1) . ... ... ... ... { 247 }
" ولقول " على : نهانى رسول الله صلى الله عليه وسلم . أن أقرا القرآن راكعاً أو ساجداً . أخرجه مسلم والنسائى والبيهقى والترمذى وقال : حديث حسن صحيح (2). ... ... ... ... ... { 248 }
__________
(1) ص 266 ج3 – الفتح الربانى . وص 196 ج4 نووى مسلم ( النهى عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود ) وص 323 ج5 – المنهل العذب ( الدعاء فى الركوع والسجود ) وص 260 ج1 مجتبى ( تعظيم الرف فى الركوع ) . و ( مبشرات ) جمع مبشر مأخوذه من تباشير الصبح ، وهو أول ما يبدو منه ، أى لم يبق من علامات النبوة إلا الرؤيا الصادقة . و ( قن ) بفتح فكسر أو فتح ، أى تحقيق وجدير .
(2) ص 198 ج4 نووى مسلم . وص 168 ج1 مجتبى ( النهى عن القراءة فى السجود ) . وص 224 ج1 تحفة الأحوذى ( النهى عن القراءة فى الركوع والسجود ) وص 87 ج2 السنن الكبرى .(1/214)
والنهى فيما ذكر نهى كراهة عند الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة لا فرق بين فاتحة وغيرها ، وللشافعية قول بحرمة قراءة الفاتحة عمداً فى الركوع أو السجود وبطلان الصلاة بها . وإذا قرا فيما ذكر عمداً أعاد الصلاة وجوباً عند الحنفيّين . وإن قرأها ساهياً سجد للسهو . وعند الشافعية يسجد مطلقاً . ولا سجود عند المالكية ( وحكمة ) النهى عن القراءة فى الركوع والسجود ، أنهما حالة ذل وانكسار ظاهراً فلا يتناسبان مع عظمة القرآن .
(15) ( الإقعاء فى الصلاة ) وهو قسمان : الأول وضع يديه وألييه على الأرض ونصب ساقيه وفخذيه (وهو مكروه) تحريماً اتفاقاً " لقول " أبى هريرة نهانى النبى صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة : عن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب . والتفاتٍ كالتفاتِ الثعلب . أخرجه أحمد والبيهقى والطبرانى فى الأوسط بسند حسن(1).{249}
" ولما روى " الحارث عن علىّ رضى الله عنه قال : قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علىّ إنى أحبّ لك ما أحب لنفسى ، وأكره لك ما أكره لنفسى ، لا تُقْعِ بين السجدتين . أخرجه الترمذى وقال : حديث لا نعرفه إلا من حديث أبى إسحاق عن الحارث عن علىّ ، وقد ضعَّف بعض أهل العلم الحارث الأعور والعمل على هذا الحديث (2) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 250 }
(
__________
(1) ص 86 ج4 الفتح الربانى . وص 120 ج2 – السنن الكبرى ( الإقعاء المكروه فى الصلاة ) و ( نقرة الديك ) بفتح النون وسكون القاف . والمراد النهى عن الإسراع فى الصلاة وترك الطمأنينة فيها .
(2) ص 235 ج1 تحفة الأحوذى ( كراهة الإقعاء بين السجدتين ) .(1/215)
الثانى ) وضع ألْييه على عقِبيه وركبتيه على الأرض حال الجلوس بين السجدتين . وهو غير مكروه بلى مستحب عند الشافعية وبعض الحنفية وجماعة من السلف والخلف " لقول " طاوس : قلنا لابن عاس فى الإقعاء على القدمين فى السجود فقال : هى السنة قلنا : إنا لنراه جفاء بالرجل فقال ابن عباس : هى سنة نبيك صلى الله عليه وسلم . أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى وحسنه(1). ... ... ... ... { 251 }
" ولقول " طاوس رأيت العبادلة الثلاثة يفعلون ذلك " يعنى الإقعاء " عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير . { 73 }
" وروى " أبو الزبير أنه رأى ابن عمر سجد حين يرفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه ويقول إنه من السنة . أخرجهما البيهقى بأسانيد صحيحة (2) . { 74 }
(
__________
(1) ص 13 ج4 – الفتح الربانى . وص 18 ج5 نووى مسلم ( جواز الإقعاء على المقبين ) وص 283 ج5 – المنهل العذب ( الإقعاء بين السجدتين ) . وص 235 ج1 تحفة الأحوذى ( الرخصة فى الإقعاء ) و ( فى السجود ) يعنى فى الجلوس بين السجدتين . و ( الرجل ) بفتح الراء وضم الجيم على ما صوبه الجمهور ، وهو المناسب لإضافة الجفاء إليه . يعنى إنا لنرى الإقعاء فظاظة وغلظة بالرجل وضبطه ابن عبد البر بكسر الراء وسكون الجيم أى أن الجلوس على هذه الهيئة فى الصلاة مشقة على الرجل ، ويؤيده ما فى رواية أحمد "إما لنراه جفاء بالقدم"
(2) ص 119 ج2 – السنن الكبرى ( القعود على المقبين بين السجدتين ) .(1/216)
وقالت ) المالكية والحنبلية : يكره هذا الإقعاء أيضاً . وهو مشهور مذهب الحنفيين لأحاديث النهى عن الإقعاء ولما تقدم فى بحث " الافتراش والتورك " (1) ( وأجابوا ) عن حديث ابن عباس ونحوه بأنه منسوخ بأحاديث النهى ، أو بأن ابن عباس لم يبلغه النهى ( ورُدَّ ) بأنه لا دليل على النسخ ، وأنه لا يصار إليه مع إمكان الجمع (قال) البيهقى والقاضى عياض وجماعة : يجمع بينها بأن الإقعاء المنهى عنه هو وضع ألييه ويديه على الأرض ونصب ساقيه وفخذيه . والإقعاء الذى قال ابن عباس وابن عمر : إنه من السنة هو وضع الأليين على العقبين والركبتين على الأرض وجعل صدور القدمين إلى الأرض ( وقال ) النووى : فالحاصل أن الإقعاء الذى رواه ابن عباس وابن عمر فعله النبى صلى الله عليه وسلم على التفسير المختار الذى ذكره البيهقى . وكذا فعل صلى الله عليه وسلم ما رواه أبو حميدٍ وموافقوه من جهة الافتراش ، وكلاهما سنة ، لكن إحدى السنتين أكثر وأشهر وهى رواية أبى حُميد ، لأنه رواها وصدقه عشرة من الصحابة ورواها وائل بن حُجر وغيره . وهذا يدل على مواظبته صلى الله عليه وسلم عليها وشهرتها عنه فهى أفضل وأرجح مع أن الإقعاء سنة أيضاً (2) .
(
__________
(1) تقدم ص 246 – 248 ج2 طبعة ثانية .
(2) ص 440 ج3 شرح المهذب ( فرع فى الإقعاء ) وحديث ابى حميد تقدم رقم 334 ص 247 ج2 طبعة ثانية .(1/217)
16) ويكره نظر المصلى على ما يلهى " لقول " عائشة : صلى النبى صلى الله عليه وسلم فى خميصة لها أعلام . فقال : شغلتنى أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبى جَهم وأتونى بأنيجانيته . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود . (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... {252}
" و لقول " أنس كان قرام لعائشة سترت له جانب بيتها ، فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم : أميطى عنا قرامك هذا ، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لى فى صلاتى . أخرجه البخارى (2). ... {253}
(
__________
(1) ص 99 ج4- الفتح الربانى . وص 159 ج2 فتح البارى ( الالتفات فى الصلاة ) وص 43 ج5 نووى مسلم (كراهة الصلاة فى ثوب له أعلام) وص 9 ج6 – المنهل العذب ( النظر فى الصلاة ) و ( الخميصة ) ثوب من خز أو صوف معلم . و ( شغلتنى ) أى كادت تشغلنى عن كمال الحضور فى الصلاة ، وليس المراد أنها شغلته بالفعل ( ففى حديث ) عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال : منت أنظر على علمها فى الصلاة فأخاف أن تفتننى . أخرجه البخارى ( ص 329 ج1 فتح البارى – إذا صلى فى ثوب له أعلام .... ) و ( أبو جهم ) عامر بن حذيفة و (الأنبجانية) بفتح فسكون فكسر وتخفيف الجيم ، كساء غليظ له خمل ( أى وبر ) ولا علم له ، نسبة – على غير قياس – إلى منبج – كمجلس – موضع . وأمر صلى الله عليه وسلم بردها إلى أبى جهم لأنه كان أهداها إلى النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه مالك والطحاوى . وطلب صلى الله عليه وسلم أن يؤتى له بأنبجانيته جبراً لخاطره فلا يتأثر من رد هديته .
(2) ص 329 ج1 فتح البارى ( إن صلى فى ثوب مصلب أو تصاوير.. ) و ( القرام ) ككتاب الستر الرقيق . و (تعرض) كتضرب ، أى تلوح له.(1/218)
17) ويكره – عند الأئمة والجمهور – تغميض العينين فى الصلاة بلا عذر " لحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا قام أحدكم فى الصلاة فلا يغمض عينيه . أخرجه الطبرانى وابن عدى بسند فيه ضعف ، وابن أبى حاتم وقال: حديث منكر. وقال الهيثمى: وفيه ليث بن أبى سُليم وهو مدلّس وقد عنعن(1).{254}
أما مع العذر كأن خاف فوت خشوع لرؤيته ما يشغل البال فلا يكره تغميضها لذلك . وروى عن الحسن البصرى جوازه بلا كراهة مطلقاً .
(18) ويكره التربع فى الصلاة بلا عذر ، لما فيه من ترك سنة القعود أما مع العذر فلا يكره " لقول " عبد الله بن عبد الله بن عمر : كان ابن عمر يتربع فى الصلاة إذا جلس ففعلتهُ فنهانى وقال : إنما سُنة الصلاة أن تنصِبَ رجلك اليمنى وتثنَى اليسرى . فقلت إنك تفعل ذلك . فقال : إن رِجْلاىَ لا تحملانى . أخرجه مالك والبخارى (2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 255 }
( ولا يكره ) التربع خارج الصلاة ، لأنه كان جُلَّ قعود النبى صلى الله عليه وسلم فى غير الصلاة ، وإن كان الجلوس على هيئة الصلاة أولى ، لقربه من التواضع .
(
__________
(1) ص 83 ج2 مجمع الزوائد ( تغميض البصر فى الصلاة ) .
(2) ص 166 ج1 زرقانى الموطأ ( العمل فى الجلوس فى الصلاة ) وص 206 ج2 فتح البارى ( سنة الجلوس فى التشهد ).(1/219)
19) وتكره – عند الشافعية والحنبلية والجمهور – الإشارة فى الصلاة بيد أو عين أو حاجب ، لأنها نوع عبث يشغل عن الصلاة ويذهب بخشوعها ، إلا إذا كانت لحاجة كرد السلام ودفع المار فلا تكره ( روى ) الليث بن سعد بسنده إلى ابن عمر عن صُهيبٍ بن سنان أنه قال : مررتُ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فسلمتُ عليه فردّ إشارة ، قال ليث : أحسبه قال إشارة بأصبعه . أخرجه الشافعى والبيهقى والطحاوى والثلاثة ، وحسنه الترمذى(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 256 }
" ولقول " أمّ سلمة : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما " أى عن الركعتين بعد العصر " ثم دخل علىّ بعد أن صلَى العصر ، وعندى نِسوة من بنى حَرام فقام يصليهما ، فأرسلتُ إليه الجارية فقلت : قومى بجنبه وقولى له : تقول لك أمّ سلمة : يا رسول الله سمعتُك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما ، فإن أشار بيده فاستأخرى عنه ففعلتِ الجارية فأشار بيده فأستاخرت عنه ( الحديث ) أخرجه الشيخان وأبو داود(2). { 257 }
"وعن " نافع أن عبد الله بن عمر مرّ على رجل وهو يصلى فسلم عليه فرد الرجل كلاماً ، فرجع إليه عبد الله بن عمر فقال له : إذا سُلِّمَ على أحدكم فلا يتكلمْ وَلْبُشِرْ بيده . أخرجه مالك (3). { 75 }
(
__________
(1) ص 98 ج1 – بدائع المنن . وص 107 ج4 – الفتح الربانى . وص 258 ج2 – السنن الكبرى ( الإشارة برد السلام ) وص 263 ج1 شرح معانى الآثار ( الإشارة فى الصلاة ) وص 23 ج6 – المنهل العذب ( رد السلام فى الصلاة ) وص 177 ج1 مجتبى ( رد السلام بالإشارة فى الصلاة ) وص 291 ج1 – تحفة الأحوذى ( الإشارة فى الصلاة ) .
(2) ص 68 ج3 فتح البارى ( إذا كلم وهو يصلى فأشار بيده .. ) وص 120 ج6 نووى مسلم ( الأوقات التى نهى عن الصلاة فيها ) وص 164 ج7 – المنهل العذب ( الصلاة بعد العصر ) .
(3) ص 305 ج1 زرقانى الموطأ ( العمل فى جامع الصلاة ) .(1/220)
وقالت ) المالكية : الإشارة فى الصلاة بيد أو رأس واجبة لرد السلام ، وجائزة لحاجة إن كانت خفيفة وإلا منعت . وتكره للرد على مُشَمِّت .
( وقال ) أبو ذر وعطاء والنخعى والثورى والحنفيّون : يستحب ألا يرد المصلى السلام إلا بعد الفراغ من الصلاة ، ويكره السلام بالإشارة فيها " لقول " عبد الله بن مسعود : كنا تسلم فى الصلاة ونأمرُ بحاجتنا . فقدمِتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فسلّمتُ عليه فلم يردّ علىّ السلامَ ، فأخذنى ما قدُم وما حدُث فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال : إن الله عز وجل يُحدِث من أمره ما يشاء ، وإن الله تعالى قد أحدَث ألاّ تَكلموا فى الصلاة ، فردّ علىّ السلام . أخرجه الشافعى وأحمد وأبو داود والطحاوى (1). ... { 258 }
وقال الطحاوى : ففيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ على الذى سلم عليه فى الصلاة بعد فراغه منها . فذلك دليل أنه لم يكن منه فى الصلاة ردّ السلام عليه لأنه لو كان ذلك منه لأغناه عن الرد عليه بعد الصلاة كما يقول الذى يرى الرد فى الصلاة بالإشارة(2). ويريد بهذا الردّ على من يقول " إن المنفى " فى حديث ابن مسعود الرد باللفظ لا بالإشارة ، وأن رده صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الصلاة لا ينافى الرد بالإشارة فيها (وجملة) القول أن رد السلام فى الصلاة بالقول محظور . ورده بعد الخروج منها سنه ، لما فى حديث ابن مسعود. ورده بالإشارة حسن ، لحديث صهيب وابن عمر .
(
__________
(1) ص 95 ج1 بدائع المنن . وص 73 ج4 – الفتح الربانى . وص 21 ج6 – المنهل العذب ( رد السلام فى الصلاة ) وص 263 ج1 شرح معانى الآثار (الإشارة فى الصلاة) و (ما تقدم وحدث) بضم الدال فيهما ، أى أخذنى ما نقدم من التكلم فى الصلاة وما حدث فيها من عدم التكلم
(2) ص 264 ج1 – شرح معانى الآثار .(1/221)
20) وتكره الإشارة بالأيدى حال السلام . " لقول " جابر بن سَمُرة دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس رافعو أيديهم فى الصلاة ، فقال : مال أراكم رافعى أيديكم كأنها أذنابُ خيل شُمْسٍ اسكنوا فى الصلاة أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود (1). ... ... ... ... ... ... { 259 }
وفى رواية لمسلم وأبى داود : إنما يكفى أحدَكم أن يضعَ يده على فخذه يُسلّم على أخيه من على يَمينه وشِماله (2) .
(21) ويكره – عند الحنفيين ومالك – التنكيس فى القراءة . وهو أن يقرأ فى الركعة الثانية سورة أو أية قبل التى قرأها فى الأولى ، كأن يقرأ فى الركعة الأولى ( الغاشية ) وفى الثانية ( الأعلى ) أو يقرأ فى الركعة الأولى نصف السورة الأخير ، وفى الثانية نصفها الأول، لأنه خلاف المنقول بكثرة عن النبى صلى الله عليه وسلم.
( وقد ) سئل ابن مسعود عمن يقرأ القرآن منكوساً فقال : ذلك منكوس القلب ذكره ابن قدامة(3). { 76 }
(
__________
(1) ص 91 ج4 – الفتح الربانى . وص 152 ج4 – نووى مسلم ( الأمر بالسكون فى الصلاة ) وص 176 ج1 مجتبى ( السلام بالأيدى فى الصلاة ) وص 118 ج6 – المنهل العذب ( فى السلام ) و ( شمس ) بضم فسكون أو بضمتين جمع شموش كرسول وهو النفور من الدواب المستعصى على راكبه .
(2) ص 154 ج4 نووى مسلم . وص 117 ج6 – المنهل العذب .
(3) ص 540 ج1 مغنى .(1/222)
وقالت ) الشافعية والحنبلية : إنه خلاف الأولى ( قال ) ابن قدامة : والمستحب أن يقرأ فى الركعة الثانية بسورة بعد السورة التى قرأها فى الركعة الأولى . فإن قرأ بخلاف ذلك فلا بأس به ( قال ) أحمد لما سئل عن هذه المسألة : لا بأس به . أليس يُعلّم الصبى على هذا ؟ وقال فى رواية : أعجب إلىّ أن يقرأ من البقرة إلى أسفل(1) (وقال) البخارى : وقرأ الأحنف بالكهف فى الأولى وفى الثانية بيوسف أو يونس ، وذكر أنه صلى مع عمر الصبحَ رضى الله عنه بهما (2). ( وقد نكّس ) النبى صلى الله عليه وسلم ذات قليلا لبيان الجواز . ( قال ) حذيفة : صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلتُ : يركعُ عند المائة ثم مضى . فقلتُ يصلى بها فى ركعة فمضى . فقلت يركع بها فمضى . ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها مترسِّلا ، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح ، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوذ تعوَّذ ، ثم ركع فجعل يقول : سبحان بى العظيم ، وكان ركوعُه نحواً من قيامه . ثم قال : سمع الله لمن حمده ، ربنا لك الحمدُ ، ثم قام قياماً طويلا قريباً مما ركع ، ثم سجد فقال : سبحان ربى الأعلى . فكان سجوده قريباً من قيامه . أخرجه مسلم (3). ... ... ... { 260 }
( أما تنكيس ) الآيات المتلاصقة فى ركعة واحدة فحرام ، مبطل للصلاة عند المالكية ( وقال ) الحنفيون : تنكيس الآيات مكروه ولو فى ركعتين .
__________
(1) ص 540 ج1 مغنى .
(2) ص 174 ج2 فتح البارى ( الجمع بين السورتين ) .
(3) ص 61 ج6 نووى مسلم ( تطويل القراءة فى صلاة الليل ) و ( فى ركعة ) المراد بالركعة الصلاة بكمالها وهى ركعتان . ولابد من هذا التأويل لينتظم الكلم بعده . وعلى هذا فقوله ( ثم مضى ) معناه قرأ معظمها بحيث غلب على ظنى أنه لا يركع الركعة الأولى أو فى آخر البقرة فحينئذ قلت يركع الركعة الأولى بها فجاوز وافتتح النساء .(1/223)
" فائدتان " ( الأولى ) اتفق العلماء على أن ترتيب آىِ القرآن توقيفى من الله .واخلفوا فى ترتيب السور . فقيل إنه توقيفى كترتيب الآيات . والأكثرُ على أنه باجتهاد من الصحابة ( قال ) القاضى عياض : ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف ولم يكن من ترتيب النبى صلى الله عليه وسلم . وبه قال مالك والجمهور. واختاره أبو بكر الباقلانى قال ابن الباقلانى : هو أصح القولين . والذى نقوله : إن ترتيب السور ليس بواجب فى الكتابة ولا فى الصلاة ولا فى الدرس ولا فى التلقين والتعليم ولا يحرم مخالفته ، لأنه لم يكن من النبى صلى الله عليه وسلم نص فى ذلك ، ولذا اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان " وأما من " قال : إن ذلك بتوقيف من النبى صلى الله عليه وسلم كما استقر فى مصحف عثمان ، وإنما اختلفت المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف " فتأول" قراءته صلى الله عليه وسلم النساء ثم آل عمران فى حديث حذيفة على أنه كان قبل التوقيف والترتيب .
ولا خلاف أن آيات كل سورة بتوقيف من الله على ما هو فى المصحف الآن ، ونقلته الأمة عن النبى صلى الله عليه وسلم . أفاده النووى (1) ( الثانية ) لا يكره قراءة بعض السورة من أولها اتفاقاً ، لما تقدم فى بحث "القراءة فى الصبح" أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الصبحَ بمكة فاستفتح سورةَ المؤمنين حتى جاء ذكرُ موسى وهارون، أو ذكرُ عيسى ، أخذتْه سَعْلة فركع(2) . ولا بأس بقراءة السورة فى ركعتين " لحديث " زيد بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى المغرب بالأعراف فى الركعتين . أخرجه أحمد والطبرانى فى الأوسط بسند رجاله رجال الصحيح(3). ... ... ... ... ... ... ... { 261 }
(
__________
(1) ص 61 ، 62 ج6 شرح مسلم .
(2) تقدم رقم 376 ص 273 ج2 طبعة ثانية .
(3) ص 226 ج3 – الفتح الربانى . وص 177 ج2 مجمع الزوائد ( القراءة فى المغرب ) .(1/224)
وعن زيد ) أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى الركعتين من المغرب بسورة الأنفال . أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله رجال الصحيح (1). ... ... ... ... ... ... { 262 }
وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيهما بالقتال وبالطور وبالمرسلات(2) ( وكذا ) لا يكره قراءة أواخر السور وأوساطها عند الجمهور وأحمد فى رواية لما تقدم عن أبى سعيد قال : أمرنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر(3) " وعن ابن مسعود " أنه كان يقرأ فى الآخرة من صلاة الصبح آخر آل عمران وآخر الفرقان . أخرجه الخلال . { 77 }
(
__________
(1) ص 118 منه .
(2) تقدم رقم 391 ، 392 ، 393 ص 278 ج2 – طبعة ثانية ( القراءة فى المغرب ) .
(3) تقدم رقم 235 ص 184 ج2 طبعة ثانية .(1/225)
وقال ) إبراهيم النخعى : كان بعض أصحابنا يقرأ فى الفريضة من السورة بعضها ثم يركع ثم يقوم فيقرأ فى سورة أخرى . وعن أحمد أنه يكره قراءة أواخر السور وأوساطها . نقل المروزى عن أحمد أنه كان يقرأ فى صلاة الفرض بآخر سورة ، وقال : سورة أعجب إلىّ . وسئل عن الرجل يقرأ من أوسط السُّوَر وآخرها ، فقال : أما آخر السورة فأرجو ، وأما أوسطها فلا . أفاده ابن قدامة (1) هذا . ولا يكره تكرير سورة أو آية بعد الفاتحة فى أكثر من ركعة ، لما تقدم فى بحث " قراءة سورتين بعد الفاتحة "(2) ?" ولقول " أى ذر : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركعُ ويسجدُ بها { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } فلما أصبحَ قلتُ : يا رسول الله مازلتَ تقرأ هذه الآية حتى أصبحتَ . تركعُ وتسجدُ بها . قال : إنى سألتُ اللهَ الشفاعةَ لأمتى فأعطانيها وهى نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله عز وجل شيئاً . أخرجه أحمد . وأخرج صدره النسائى وابن ماجه والحاكم وصححه(3). ... ... ... ... ... ... { 263 }
(22) ويكره ترك سورة بين سورتين قرأهما فى ركعتين عند الحنفيّين لما فيه من شبهة التفضيل والهجر . وقال بعضهم : لا يكره إذا كانت السورة طويلة ولا يكره عند غيرهم مطلقاً .
(
__________
(1) ص 539 ج1 مغنى .
(2) تقدم ص 187 ج2 طبعة ثانية .
(3) ص 214 ج3 – الفتح الربانى . وص 156 ج1 مجتبى ( ترديد الآية ) وص 210 ج1 سنن ابن ماجه ( القراءة فى صلاة الليل ) وص 241 ج1 مستدرك .(1/226)
23) ويكره التخصيص فى الدعاء " لقول " أبى هريرة : قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقمنا معه ، فقال أعرابىّ فى الصلاة اللهم ارحمنى ومحمداً ولا ترحمْ معنا أحداً . فلما سلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابى : لقد تحجَّرْتَ واسعاً يريد رحمةَ الله . أخرجه البخارى وأبو داود(1). ... { 264 }
( فقد أنكر ) النبى صلى الله عليه وسلم ذلك ، لأن التعميم فى الدعاء أقرب إلى الإجابة " وقال " ثوبان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يؤمَّ عبدٌ فيخص نفسه بدعوة دونهم . فإن فعل فقد خانهم . أخرجه ابن ماجه (2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 265 }
(24) ويكره للمصلى لصق إحدى قدميه بالأخرى حال قيامه " لقول " عُيينة بنِ عبد الرحمن : كنتُ مع أبى فى المسجد فرأى رجلا يصلىّ قد صَفّ بين قدميه وألزق إحداهما بالأخرى . فقال أبى : لقد أدركتَ فى هذا المسجد ثمانيةَ عشر رجلا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ما رأيت أحداً منهم فعل هذا قط . أخرجه الأثرم. { 78 }
وكان ابن عمر لا يفرِّج بين قدميه ولا يُمُّس إحداهما الأخرى، ولكن بين ذلك، لا يُقاربُ ولا يُباعد(3).{79}
(25) ويكره الترويج فى الصلاة بيد أو طرف ثوب ، لأنه من العبث المنافى لخشوع إلا لحاجة كحر شديد. وكذا التريح بِمرْوحة مرة أو مرتين ، بناء على أن العمل الذى لا يبطل الصلاة ما دون ثلاث حركات ، وهو مذهب الشافعية والحنبلية وقول لبعض الحنفيين .
(
__________
(1) ص 337 ، 338 ج1 فتح البارى ( رحمة الناس والبهائم – الأدب ) وفيه : لقد حجرت . وص 330 ج5 – المنهل العذب ( الدعاء فى الصلاة) و ( تحجرت واسعاً ) أى طلبت ضيق رحمة الله التى وسعت كل شئ وخصصت بها نفسك .
(2) ص 153 ج1 سنن ابن ماجه ( لا يخص الإمام نفسه بالدعاء ) و ( لا يؤم ) بفتح الميم أو ضمها نهى أو نفى بمعنى النهى ( فيخص ) عطف على يؤم .
(3) ص 666 ج1 مغنى ابن قدامة .(1/227)
قال ) الشرنبلالى : ويكره ترويحه بثوبه أو مِروْحه مرة أو مرتين ، لأنه ينافى الخشوع وإن كان عملا قليلا (1) .
( قال ) ابن إدريس الحنبلى : ويكره تروُّحه بمروحة ونحوها ، لأنه من العبث إلا لحاجة كحر شديد ، فلا يكره للحاجة ما لم يكثر من الترويح فيبطل الصلاة إن توالى (2)?. ( والمختار ) عند الحنفيين أن العمل المبطل للصلاة ما يكون بحيث لو رآه إنسان من بُعد تيقن أنه ليس فى الصلاة ، ولذا قال فى المحيط عن المنتقى : لو تروح بطرف كمه لا تفسد ، ولو تروح بالمِروْحة قالوا تفسد ، لأن الناظر إليه يتيقن أنه ليس فى الصلاة (3).
(26) ويكره التمايل فى الصلاة وهو تحريك الرأس قليلا " لحديث " إذا قام أحدُكم إلى الصلاة فليُسكِّنْ أطرافهَ ولا يتميَّل كما تتميَّل اليهودُ ، فإن تسْكينَ الأطراف فى الصلاة من تمام الصلاة . أخرجه أبو نعيم فى الحلية، وابن عدى فى الكامل ، والترمذى فى نوادر الأصول عن أبى بكر وهو حديث ضعيف(4). ... ... { 266 }
(27) وتكره الصلاة إلى النائم عند مالك وأحمد : لما تقدم عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث (5)?.
(
__________
(1) ص 194 مراقى الفلاح هامش حاشية الطحطاوى ( المكروهات ) .
(2) ص 245 ج1 كشاف القناع ( ما يكره فى الصلاة .. ) .
(3) ص 194 طحطاوى مراقة الفلاح .
(4) رقم 783 ص 413 ج1 فيض القدير .
(5) تقدم رقم 480 ص 327 ج2 طبعة ثانية ( الاستشار بالحيوان ) .(1/228)
وقال ) الحنفيون والشافعى : تكره الصلاة إلى النائم إن خشى خروج ما يضُحك أو يُلهى وإلا فلا كراهة، وعليه يحمل قول عائشة : كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى وأنا راقدة معترضة على فراشة بينه وبين القبلة. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود(1). ... ... ... ... ... ... ... { 267 }
( وقال ) الثورى والأوزاعى والكوفيون : لا تكره الصلاة إلى النائم مستدلين بعموم حديث عائشة (وأجابوا) عن حديث ابن عباس بأنه ضعيف باتفاق الحافظ لضعف سنده ( قال ) جماعة : يكره لغير النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة إلى المرأة النائمة .
(28) وتكره الصلاة إلى المتحدث عند مالك والشافعى وأحمد ، لما تقدم " ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : نهيتُ أن أصلىَ خلف المتحدثين والنيام . أخرجه الطبرانى فى الأوسط . وفيه محمد بن عمرو ابن علقمة اختلف فى الاحتجاج به(2). ... ... ... ... ... ... { 268 }
" ولضعف " الحديث ضعفاً قوياً " قال " الثورى والأوزاعى والحنفيون : لا تكره الصلاة خلف المتحدث . إذا لم يؤدّ إلى اشتغال المصلى عن صلاته وذهاب خشوعه وإلا فلا خاف فى الكراهة .
(29) وتكره الصلاة إلى تنّور أو كانون فيه جمر أو إلى مصباح ، لما فى ذلك من التشبه بمن يعبد النار ، وكذا الصَّلاةُ إلى الشمس والقمر حال طلوعهما ، لما فى ذلك من التشبيه بمن يعبدهما ، وتقدم فى بحث " الصلاة وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها " بيان المذاهب فى حكم الصلاة وحينئذ(3)?.
(
__________
(1) ص 124 ج4 – الفتح الربانى . وص 391 ج1 فتح البارى ( الصلاة خلف النائم ) وص 228 ج4 نووى مسلم ( الاعتراض بن يدى المصلى) وص 107 ج5 – المنهل العذب ( من قال المرأة لا تقطع الصلاة ) ولفظه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى صلاته من الليل الخ .
(2) ص 62 ج2 مجمع الزوائد ( من صلى وبين يديه أحد ) .
(3) تقدم ص 31 ج2 – طبعة ثانية .(1/229)
30) ويكره تشمير الكمُين عن الذراعين ، لما فيه من الجفاء المنافى للخشوع ف الصلاة ، ولأنه من كفّ الثوب المنهى عنه ( قال النووى ) فى المجموع : وقد اتفق العلماء على النهى عن الصلاة وثوبُه مشمّر أو كمه أو نحوه ولو شمّرها قبل الصلاة ثم دخل فيها لا يكره عند المالكية وبعض الحنفيين .
(31) وتكره الصلاة فى ثوب واحد ليس على عاتقه بعضُه كسراويلَ وإزارٍ إلا لضرورة العدم ، لما فيه من التهاون والتكاسل وقلة الأدب " ولحديث " عبد الله بن بُريدةَ عن أبيه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُصلى الرجلُ فى لِحاف لا يتوشَّحُ به ونهى أن يصُلى الرجل فى سراويلَ وليس عليه رداء . أخرجه أبو داود والبيهقى وهذا لفظه . وفى سنده أبو ثميلة وأبو المُنيب . وفيهما مقال(1)?. ... ... ... { 269 }
(32) ويكره الاعتجار فى الصلاة . وهو شدّ الرأس بالمنديل أو العمامة وترك وسطها مكشوفاً ، أو لفّ العمامة على رأسه وردّ طرفها على وجهه ولا يجعله تحت ذقنه لما فيه من الجفاء المنافى للخشوع .
(33) ويكره اشتمال الصماء وهو الاندراج فى الثوب بلا إخراج يديه منه ( لقول ) ابن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا كان لأحدكم ثوبان فليصلّ فيهما فإن لم يكنْ له إلا ثوب فَلْيَتَّزِرْ به ولا يشتمل اشتمال اليهود . أخرجه أبو داود والبيهقى بسند جيد(2). ... ... ... ... ... ... { 270 }
__________
(1) ص 26 ج5 – المنهل العذب ( من قال يتزر به إذا كان ضيقاً ) وص 236 ج2 – السنن الكبرى ( ما يستحب للرجل أن يصلى فيه ) و (التوشح ) أخذ طرف الرداء الذى على الكتف الأيمن من تحت إبطه الأيسر وأخذ الطرف الذى على الكتف الأيسر من تحت الإبط الأيمن ثم عقدهما على صدره .
(2) ص 25 ج5 – المنهل العذب ( من قال يتزر به إذا كان ضيقاً ) وص 236 ج2 – السنن الكبرى . و ( اشتمال اليهود ) أن يجلل بدنه بالثوب ويسبله من غير أن يرفع طرفه ولا يبقى منه ما يخرج منه يده .(1/230)
" ولحديث " أبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن لِبْستين الصَّماءِ ، وأن يَحْتَبِىَ الرجل فى الثوب الواحد . أخرجه البخارى وأبو داود مطولا . وهذا بعض لفظه(1). ... ... ... ... { 271 }
والاحتباء أن يعتمد المصلى على ألييه ناصباً ساقيه ملتفاً بثوبه . والنهى عن اللبستين المذكورتين نهى كراهة عند الجمهور . وحمله بعض الظاهرية على التحريم .
(34) ويكره الاضطباع فى الصلاة . وهو جعل الثوب تحت إبطه الأيمن وطرحُ طرفيه على كتفه الأيسر . لأن ستر المنكبين مستحب فى الصلاة ، فيكره تركه " لحديث " أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يصلِّ الرجل فى الثوب الواحد ليس على مَنكبيه منه شئ . وفى رواية لا يصلى أحدكم فى الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ . أخرجه الشافعى والسبعة إلا الترمذى وابن ماجه(2). ... ... {272}
__________
(1) ص 172 ج4 فتح البارى ( صوم يوم الفطر ) وص 165 ج10 – المنهل العذب ( صوم العيدين ) و ( لبستين ) بكسر اللام اسم لهيئة اللبس . و ( الصماء ) بالصاد المهملة . وهى عند أهل اللغة الاندراج فى الثوب بلا إخراج يديه منه . سميت صماء ، لأنه يسد المنافذ كلها يصير كالصخرة الصماء التى ليس فيها خرق . وعند الفقهاء أن يلتحف بالثوب ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضه على منكبيه فيبدو فرجه . وعلى الأول فهى مكروهة ، لئلا تعرض له حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فليحقه ضرر . وعلى تفسير الفقهاء فهى حرام لانكشاف العورة .
(2) ص 95 ج1 بدائع المنن ( ما يكره فى الصلاة ) وص 92 ج3 – الفتح الربانى . وص 321 ج1 – فتح البارى ( إذ صلى فى الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه ) وص 239 ج4 نووى مسلم ( الصلاة فى ثوب واحد . ) وص 14 ج5 – المنهل العذب ( ما يصلى فيه ) وص 125 ج1 – مجتبى ( صلاة الرجل فى الثوب الواحد ..) و (المنكب) كمجلس مجمع عظم العضد والكتف ، و (العاتق) ما بين المنكب إلى أصل العنق .(1/231)
دلّ الحديث : ( أ ) على أنه يطلب ستر أعالى البدن فى الصلاة وإن كانت ليست بعورة لأنه أمكن فى ستر العورة . وحكمته أنه إذا اتزر بالثوب ولم يكن على عاتقه منه شئ لم يأمن أن تنكشف عورته ، بخلاف ما إذا جعل بعضه عل عاتقه ، ولأنه قد يحتاج إلى إمساكه بيده فيشتغل بذلك وتفوته سنة وضع اليمنى على اليسرى تحت صدره ورفعهما حيث شرع الرفع(1).
(ب) وعلى النهى عن الصلاة فى الثوب الواحد إذا لم يكن على عاتق المصلى منه شئ . وقد حمل الجمهور هذا النهى على التنزيه ( وعن ) الإمام أحمد : لا تصح صلاة من قدر على ذلك فتركه . وعنه تصح ويأثم ( ونقل ) المنع عن ابن عمر وطاوس والمخعى . واختاره ابن المنذر وابن حزم .
(35) ويكره التثاؤب فى الصلاة ، لأنه من التكاسل ، فإن غلبه فلْيَكْظِمْ ما استطاع " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال التثاؤب فى الصلاة من الشيطان ، فإذا تثاءب أحدكم فلْيَكْظِمْ ما استطاع . أخرجه مسلم والترمذى وقال حسن صحيح . وقد كره قوم من أهل العلم التثاؤب فى الصلاة (2). ... ... { 273 }
وتقدم لفظ آخر فى " بحث سدّ فمه عند التثاؤب " من آداب الصلاة(3).
(36) ويكره للمصلى تغطية فمه أو أنفه إلا لعذر كالتثاؤب " لقول " أبى هريرة : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السّدْل فى الصلاة ، وأن يُغطِّى الرجل فاه . أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين (4). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 274 }
( وحكمة ) النهى عن تغطية الفم فى الصلاة لغير عذر أنه يشبه فعل المحبوس حال عبادتهم النار .
(
__________
(1) ص 231 ج4 شرح مسلم .
(2) ص 122 ج18 منه ( تشميت العاطس وكراهة التثاؤب – الزهد ) وص 292 ج1 تحفة الأحوذى ( كراهية التثاؤب فى الصلاة ) .
(3) تقدم رقم 367 ص 267 ج2 – طبعة ثانية .
(4) ص 32 ج5 – المنهل العذب ( السدل فى الصلاة ) وص 242 ج2 – السنن الكبرى ( كراهية السدل فى الصلاة .. ) وص 253 ج1 مستدرك.(1/232)
37) وتكره الصلاة وهو يدافع الأخبثين : البول والغائط " لقول " عبد الله بن الأرقم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاةُ فلْيَبْدأ بالخلاء . أخرجه الإمامان وأبو داود والترمذى وقال : حسن صحيح والحاكم وقال : صحيح (1). ... ... ... { 275 }
__________
(1) ص 288 ج1 زرقانى الموطأ ( النهى عن الصلاة والإنسان يريد حاجته ) وص 92 ج4 – الفتح الربانى . وص 291 ج1 – المنهل العذب (الرجل أيصلى وهو حاقن ) . وص 131 ج1 تحفة الأحوذى ( إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء ) وص 257 ج1 مستدرك . و ( فليبدا بالخلاء ) أى بقضاء الحاجة .(1/233)
" ولحديث " ثوبان مولى النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن : لا يؤمّ رجل قوماً فيخُصَّ نفسه بالدعاء دونهم فإن فعلَ فقد خانهم ولا ينظرُ فى قعر بيت قبل أن يستأذنَ ، فإن فعل فقد دخل . ولا يصلى وهو حَقِن حتى يتخفف . أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه(1).
__________
(1) ص 280 ج5 مسند أحمد ( حديث ثوبان .. ) ولفظه : لا يحل لامرئ أن ينتظر ... وص 197 ج1 – المنهل العذب ( الرجل أيصلى وهو حاقن ؟ ) وص 285 ج1 تحفة الأحوذى ( كراهية أن يخص الإمام نفسه بالدعاء ) ولفظه كأحمد ( فيخص نفسه بالدعاء ) ومحله فى القنوت ونحوه مما يجهر به ، لأن القوم مأمورون فيه بسماع الإمام ، بخلاف ما لو خص نفسه بالدعاء فيما يسر فيه كدعاء الاستفتاح والركوع والسجود ، فلا يكره ، لأن كل واحد منهم يدعو لنفسه ولأنه المحفوظ فى أدعيته صلى الله عليه وسلم فى الصلاة كلها ( كقوله ) فى دعاء الاستفتاح اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بيت المشرق والمغرب . اللهم نقنى من خطاياى كما ينفى الثوب البيض من الدنس (الحديث) تقدم رقم 293 ص 294 ج2 ( ولقوله ) فى الركوع والسجود : سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لى ، تقدم رقم 258 ص 201 ج2 ( وقوله ) بين السجدتين : اللهم اغفر لى وارحمنى واجبرنى واهدنى وارزقنى . تقدم رقم 271 ص 207 ج2 ( وقوله) فى آخر الصلاة : اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات ، اللهم إنى أعوذ بك من المأثم والمغرب ..وتقدم رقم 354 ص 259 ج2 ( فقد خانهم ) أى لتضييعه حقهم فى الدعاء حيث اعتمدوا على دعائه وأمنوا عليه اعتماداً على تعميمه ( والمراد بقعر البيت ) داخله ، فعند أحمد والترمذى : لا يحمل لامرئ أن ينتظر فى جوف بيت امرئ حتى يستأذن ( فإن نظر ) فى البيت بلا إذن صار فى حكم الداخل فيه بلا إذن ، لأن الاستئذان إنما شرع لئلا يقع النظر على مالا ينبغى نظره . فإن نظر قبل الاستئذان فقد ارتكب إثم من دخل بلا إذن . و ( حقن ) بفتح فكسر بمعنى حاقن . وهو من حبس بوله والحاقب بالموحدة من حبس الغائط .(1/234)
... ... { 276 }
وتقدم صدره عند ابن ماجه(1) فى الحديثين النهى عن الصلاة وهو يدافع الأخبثين وهما البول والغائط ، ويلحِق بهما ما فى معناهما مما يشغل القلب ويُذهب كمالُ الخشوع . وهو نهى كراهة عند الجمهور إن لم يمنعه من أداء شئ من الأركان فإن منعه من ذلك بطلت صلاته ( وحمله ) الظاهرية على التحريم وقالوا : من صلى كذلك فصلاته باطلة ( وفى حديث ) ثوبان ثلاث منهيات : الأول نهى تنزيه . والثانى نهى تحريم والثالث نهى شفقة حتى لو صلى وهو حاقن فصلاته صحيحة عند الجمهور . " ولا ينافيه " قوله صلى الله عليه وسلم فيه : ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن " لأنه " خُرِّج مخرج المبالغة فى المنع . ( ولذا ) اختُلف فيمن صلى وهو حاقن أو حاقب ( فقالت ) المالكية : يعيد الصلاة على تفصيل حاصله أن ما يجده الإنسانُ من ذلك ثلاثة أنواع : ( الأول ) أن يكون خفيفاً . فيصلى به ولا يقطع . ( الثانى ) أن يكون وسطاً يدعو إلى ضم الوركين فيندب له قطع الصلاة . فإن تمادى صحت صلاته . ويستحب إعادتها فى الوقت . ( الثالث ) أن يكون شديداً يشغل قلبه ويعجله عن استيفاء الصلاة ، فيلزمه القطع فإن تمادى لزمه الإعادة فى الوقت وبعده . وعليه يحمل نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن تقديم الصلاة على قضاء الحاجة . والنهى يقتضى فساد المنهى عنه ( وعن ) زيد بن أسلمَ أن عمر بن الخطاب قال : لا يُصليّنَّ أحدكم وهو ضامّ بين ورْكبه . أخرجه مالك(2) . { 79 }
(
__________
(1) تقدم رقم 265 ص 190 .
(2) ص 289 ج1 زرقانى الموطأ ( النهى عن الصلاة والإنسان يريد حاجته ) .(1/235)
قال ) الباجى : هو نهى عن الصلاة فى حال الحقْن الذى يبلغ بالمصلى أن يَضُمّ وركيه من شدة حقنه ، لأن فى ذلك ما يشغله عن الصلاة ولا يمكنّه من استيفائها فليبدأ بقضاء حاجته خارجاً من صلاته واضعاً يده على أنفه كالراعف ثم يستقبل الصلاة (1) ( وقرقرة ) البطن بمنزلة الحقن " وأما الغثيان " وهو اضطراب النفس حتى تكاد تتقايأ " فقد " قال القاضى أبو الوليد : لا تقطع له الصلاة ، لأنه مرض لا يُقدر على إزالته بخلاف الحقن فإنه يقدر على إزالته ( وقال ) الحنفيون والشافعى وأحمد : لا إعادة على من صلى حاقناً إن لم يترك شيئاً من فرائض الصلاة ، بل يكره له ذلك للنهى عنه ، وهو لا يقتضى الفساد لأنه لأمر خارج عن الصلاة ( قال الطحاوى ) لا خلاف أنه لو شَغل قلبَه شئٌ من الدنيا لم تستحب الإعادة . فكذا البول . وأحسن شئ فى هذا الباب حديث عبد الله بن الأرقم(2)وحديث عائشة قالت . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يُصَلِّى بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان . أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود(3). ... ... ... ... ... { 277 }
(
__________
(1) ص 283 ج1 – المنتقى شرح الموطأ .
(2) تقدم رقم 275 ص 196 .
(3) ص 83 ج4 – الفتح الربانى . وص 47 ج5 نووى مسلم ( كراهة الصلاة بحضرة الطعام ) ولفظه : ( لا صلاة بحضرة الطعام ) وص 295 ج – المنهل العذب ( الرجل أيصلى وهو حاقن ؟ ) .(1/236)
وأجمعوا ) على أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل الصلاة أنها تجزئه فكذلك الحاقن وإن كان يكره له الصلاة كذلك ( قال ) العلامة الرملى : تكره الصلاة حاقناً بالبول ، أو حاقباً بالغائط بأن يدافع ذلك ، أو حازقاً أى مدافعاً للريح ، أو حاقماً بهما . بل السنة تفريغ نفسه من ذلك ، لأنه يخل بالخشوع وإن خاف فوت الجماعة حيث كان الوقت متسعاً . ولا يجوز له الخروج من الفرض بطروّ ذلك له فيه إلا إن غلب على ظنه حصول ضرر بكتمه يبيح التيمم ، فله حينئذ الخروج منه وتأخيره عن الوقت . والعبرة فى كراهة ذلك بوجوده عند التحريمة ، وكذا لو عرض له قبلها وعلم من عادته أنه يعود فى أثناء الصلاة (1) ( وقال ) ابن إدريس الحنبلى : ويكره ابتداء الصلاة حاقناً بالنون وهو من احتَبس بولَه ، أو حاقباً بالموحدة وهو من احتبس غائطَه ، أو ابتداؤها مع ريح محتبَسة ونحوها مما يزعجه ويشغله عن خضوع الصلاة ما لم يضق الوقت فلا يكره ابتداؤها كذلك ، بل يجب فعلها قبل خروج الوقت ، ويحرم اشتغاله بالطهارة إذا ضاق الوقت ؛ وكذا اشتغاله بأكل أو غيره لتعين الوقت للصلاة (2).
(38) وتكره الصلاة بحضور طعام تتوقه النفس إذا اتسع الوقت ؛ لما فيه من اشتغال القلب بالطعام "ولحديث " عائشة المتقدم(3) ( وعنها ) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء : أخرجه أحمد والشيخان(4). ... ... ... ... ... ... ... { 278 }
(
__________
(1) ص 455 ج1 نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ( مكروهات الصلاة ) .
(2) ص 245 ج1 كشاف القناع ( ما يكره فى الصلاة ) .
(3) تقدم رقم 277 ص 198 .
(4) ص 94 ج4 – الفتح الربانى . وص 109 ج2 فتح البارى ( إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة ) وص 45 ج5 نووى مسلم ( كراهة الصلاة بحضرة الطعام .... ) .(1/237)
وعن ) أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا قدم العشاء وحضرت الصلاة ؛ فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم . أخرجه الشيخان(1). ... ... { 279 }
( ولهذه ) الأحاديث قال الجمهور : يندب تقديم تناول الطعام المرغوب فيه على الصلاة إذا كان الوقت متسعاً ؛ وإلا لزم تقديم الصلاة ( وقالت ) الظاهرية : يجب تقديمه على الصلاة عند اتساع الوقت ونسبه الترمذى إلى أبى بكر وعمر وابن عمر وأحمد وإسحاق " روى " نافع أن ابن عمر كان يوضع له الطعامُ وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغَ وإنه يسمع قراءة الإمام . أخرجه البخارى(2). { 80 } ( قال ) الخطابى : إنما أمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بالطعام لتأخذ النفس حاجتها منه فيدخل المصلى فى صلاته وهو ساكن الجأش لا تنازعه نفسه شهوةَ الطعام فَيُعْجِله ذلك عن إتمام ركوعها وسجودها وإيفاء حقوقها . وكذا إذا دافعه البول فإنه يصْنع به نحو هذا وهذا إذا كان فى الوقت متسع فإن لم يكن ابتدأ بالصلاة ولم يعرِّج على شئ سواها(3) ( وعلى هذا ) يحمل حديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تؤخِّروا الصلاة لطعام ولا لغيره . أخرجه أبو داود والبغوى فى شرح السنة(4). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 280 }
__________
(1) ص 45 منه . وص 110ج2 فتح البارى ( إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة ) ولفظه : إذا قدم الطعام .
(2) ص 110 منه .
(3) ص 45 ج1 معالم السنن .
(4) ص 345 ج3 سنن أبى داود ( إذا حضرت الصلاة والعشاء – الأطعمة ) .(1/238)
وفى سنده : ( أ ) المعلى بن منصور . كذبه أحمد (ب) محمد بن ميمون وهو منكر الحديث(1) ( قال ) ابن الملك : يحمل هذا الحديث على ما إذا كان متماسكاً فى نفسه لا يزعجه الجوع ، أو كان الوقت ضيقاً يخاف فوته توفيقاًَ بين الأحاديث(2).
( وقال ) ابن حزم وبعض الشافعية : يطلب تقديم الأكل على الصلاة ولو ضاق الوقت ، لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته ، مستدلين بعموم حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا وُضِع عَشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعَشاء ولا يَعْجَلنَّ حتى يفرُغ منه . أخرجه الشيخان وأبو داود(3) . ... { 281 }
( ورد ) بأنه محمول على ما إذا اتسع الوقت جمعاً بين الأحاديث وفيها دلالة على أنه يأخذ حاجته كاملة من الطعام ( قال ) النووى : وهذا هو الصواب . وأما ما تأوَّله بعض أصحابنا على أنه يأكل لُقَماَ يكسِر بها شدة الجوع فليس بصحيح .
(
__________
(1) ص 384 ج6 فيض القدير شرح الجامع الصغير .
(2) ص 110 ج2 فتح البارى ( إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة ) وص 45 ج5 نووى مسلم ( كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذى يريد أكله ..) وص 345 ج3 سنن أبى داود ( إذا حضرت والصلاة والعشاء ) .
(3) ص 46 ج5 شرح مسلم .(1/239)
39) وتكره الصلاة عند غلبه النوم . ومن شرع فيها وغلبه النوم استحب له قطعا ليأخذ حظه من النوم ، لأن ذلك أدعى إلى الإقبال عليها بخشوع ونشاط " ولحديث " عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا نعَس أحدُكم فى الصلاة فَلْيَرْقُدْ حتى يذهبَ عنه النومُ فإنه إذا صلى وهو ناعِس لعله يذهبُ يستغفرُ فيسبُّ نفسه . أخرجه السبعة والبيهقى ، وقال الترمذى : حسن صحيح(1). ... ... ... ... ... { 282 }
وقد جاء فى هذا أحاديث كلّها تدلّ على أنه يطلب قطع الصلاة عند غلبة النوم على المصلى . وهو عام فى صلاة الفرض والنفل ، لكن محله فى الفرض إذا لم يخش خروج الوقت . وحمله مالك وجماعة على نفل الليل ، لأنه محل النوم غالباً .
(
__________
(1) ص 94 ج4 – الفتح الربانى . وص 218 ج1 فتح البارى ( الوضوء من النوم .. ) وص 74 ج نوى مسلم ( أمر من نعس فى صلاته أن يرقد .. ) وص 233 ج7 – المنهل العذب ( النعاس فى الصلاة ) وص 284 ج1 تحفة الأحوذى ( الصلاة عند النعاس ) وص 213 ج1 سنن ابن ماجه ( فى المصلى إذا نعس ) وص 16 ج3 – السنن الكبرى ( من نعس فى صلاته .. ) و ( نعس ) من بابى نفع وقتل ، أى أصابه النعاس . وهو النوم الخفيف ( فيسب ) بالنصب . فى جواب لعل ، وبالرفع عطفاً على يستغفر أى يدعو عليها ( ففى رواية ) النسائى من طريق أيوب عن هشام قال : بأن يريد اللهم اغفر فيقول اللهم اغفر بالعين المهملة ، فيكون دعاء على نفسه بالذل والهوان . وسب الإنسان نفسه منهى عنه ( روى جابر ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم ولا على خدمكم ولا على أموالكم ، لا توافقوا " أى لئلا توافقوا " م الله ساعة نيل فيها عطاء فيستحب لكم . أخرجه مسلم وأبو داود . وقال : حديث متصل . ص 191 ج8 – المنهل العذب ( النهى أن يدعو الإنسان على أهله وماله ) .(1/240)
40) ويكره لغير الإمام التزام مكان خاص من المسجد لا يصلى الفرض إلا فيه ، لقول عبد الرحمن بن شِبل : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقْرة الغراب وافتراش السبع ، وأن يُوَطّن الرجل لمكان فى المسجد كما يوطّنُ بعير . أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والأربعة إلا الترمذى(1).{ 283 }
" ولا يعارضه " حديث يزيدَ بن أبى عُبيد قال : كان سلمَةُ بنُ الأكوع يتحرى الصلاةَ عند الاسْطُوانة التى عند المصحف قلت : يا أبا مُسلِمِ أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة قال : رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها . أخرجه أحمد والبيهقى . ... ... ... ... ... ... { 284 }
__________
(1) ص 92 ج4 – الفتح الربانى . ولفظه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى .. وص 229 ج1 مستدرك . وص 307 ج5 – المنهل العذب ( صلاة من لا يقيم صلبه فى الركوع ... ) وص 167 ج1 مجتبى ( النهى عن نقرة الغراب ) وص 225 ج1 سنن ابن ماجه ( فى توطين المكان فى المسجد يصلى فيه ) و ( نقرة الغراب ) كناية عن الإسراع فى الركوع والسجود والرفع منهما بحيث لا يطمئن فيها الاطمئنان المجزئ على ما تقدم بيانه فى بحث " الركوع والسجود " ( وافتراش السبع ) أن يضع المصلى ذراعية على الأرض ف السجود كما يفعل الذئب والكلب أحيانأً . والحكمة فى النهى عنه أنه يؤدى إلى الكسل حال الصلاة وهو من صفات المنافقين " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى " ( وأن يوطن الرجل ... ) بتشديد الطاء مكسورة وبتخفيفها ، يقال : وطن الأرض واستوطنها وأوطنها ، أى اتخذها وطناً ، أى لا ينبغى للرجل أن يتخذ لنفسه مكاناً خاصاً من المسجد لا يصلى إلا فيه كالبعير لا يبرك إلا فى مبرك اعتاده .(1/241)
وقال : رواه البخارى عن مكى بن إبراهيم . ورواه مسلم عبن أبى موسى محمد بن مسلم(1) " لأنه " محمول على النفل . وحديث النهى محمول على من لازم مكانا خاصاً للفرض والنفل " قال " ابن إدريس الحنبلى : ويكره اتخاذ غير الإمام مكاناً بالمسجد لا يصلى فرضه إلا فيه ، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إيطان المكان كإيطان البعير . ولا بأس باتخاذ مكان لا يصلى إلا فيه " النفل " للجمع بين الأخبار . وظاهر أن يكره إيطان الأماكن ولو كانت فاضلة خلافاً للشافعى . وكذا لو كان لحاجة كإسماع حديث وتدريس وإفتاء وتمامه فيه (2).
( وحكمة ) النهى عنه أنه قد يؤدى إلى الشهرة والرياء والسمعة . وفيه الحرمان من تكثير مواضع العبادة التى تشهد له يوم القيامة .
" روى " أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } فقال : أتدرون ما أخبارُها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . فقال : هو أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، تقول : عمل يوم كذا كذا وكذا فهذه أخبارها . أخرجه أحمد والترمذى وقال : حسن صحيح(3) ... { 285 }
(
__________
(1) ص 48 ج4 مسند أحمد ( حديث سلمة بن الأكوع ... ) ولفظه : فإنى رأيت .. وص 247 ج5 – السنن الكبرى ( فى اسطوانة التوبة ) و (الأسطوانة ) بضم فسكون فضم : العامود . والمراد بها العامود الذى هو علم على مصلى النبى صلى الله عليه وسلم كان أمامه الجذع الذى كان يخطب إليه النبى صلى الله عليه وسلم . انظر ص 348 إرشاد الناسك .
(2) ص 319 ج1 كشاف القناع ( أحكام الاقتداء ) .
(3) ص 217 ج4 تحفة الأحوذى ( سورة إذا زلزلت الأرض .. ) .(1/242)
وورد ) فى تفسير قوله تعالى : { فَمَا بَكَتْ عَليْهمُ الَّسماءُ وَأْلأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (1) } أن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء . " قال " عبَّاد بن عبد الله : سأل رجل علياً . هل تبكى السماءُ والأرضُ على أحد ؟ فقال : إنه ليس من عبد إلا له مُصلّى فى الأرض وَمصعد عمله من السماء. وإن آلَ فرعونَ لم يكن لهم عمل صالح فى الأرض ولا عمل يصعد فى السماء ثم قرأ الآية.أخرجه ابن حاتم(2).{81}
( قال ) ابن الهمام : يكره أن يتخذ فى المسجد مكاناً معيناً يصلى فيه ، لأن العبادة فيه تصير له طبعاً وتثقل فى غيره . والعبادات إذا صارت طبعاً فسبيلها الترك ، ولذاكره صوم الأبد(3) ، هذا وإن دام شخص عل الصلاة بموضع فليس هو أولى به من غيره ، فإذا قام منه فلغيره الجلوس فيه " لحديث " أْسَمَر بن مضرّسٍ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له . أخرجه أبو داود بسند جيد ، والضياء المقدسيى فى المختارة ورمز السيوطى إلى صحته (4). ... ... ... ... ... ... { 286 }
وليس لأحد – عند الحنبلية – أن يقيم منه إنساناً ولو ولده أو عبده ويجلس مكانه أو يجلس غيره مكانه . وقواعد المذهب تقتضى عدم صحة صلاة من أقام غيره وصلى مكانه إلا الصبى فيؤخذ عن المكان الفاضل . ومن قام من موضعه لعذر ثم عاد إليه فهو أحق به لأنه لم يتركه مُعرضاً . وإن قام مه بغير عذر سقط حقه بقيامه لإعراضه عنه إلا أن يترك مُصلى مفروشاً فى مكانه فليس لغيره رفعه ( وقال ) غر الحنبلية : يكره إقامة الرجل من مجلسه وجلوسُ غيره فيه .
__________
(1) الدخان : آية 29 ( وما كانوا منظرين ) أى ممهلين إلى وقت آخر بل عوجلوا بالعقوبة لشدة تفريطهم وكمال عنادهم .
(2) ص 428 ج7 تفسير ابن كثير .
(3) ص300 ج1 فتح القدير ( قبيل صلاة الوتر ) .
(4) رقم 8739 ص 148 ج6 فيض القدير .(1/243)
" لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر . ولكن تفسَّحوا وتَوسَّعوا . أخرجه أحمد والشيخان (1) . ... ... ... ... ... { 287 }
" ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به . أخرجه أحمد وسلم وأبو داود(2). ... ... ... ... ... ... ... { 288 }
فهما يدلان على أن من جلس فى موضع من المسجد أو غيره من الأمكنة العامة ثم فارقه ليتوضأ أو يقضى عملا يسيراً ثم يعود ، فهو أحق به .
( قال ) النووى : وله أن يقيم من قعد فيه ويجب عليه مفارقته إذا رجع الأول عند أصحابنا . وقال بعض العلماء : هذا مستحب وهو مذهب مالك ، ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك سجادة ونحوها أم لا ، فهذا أحق به فى الحالين وإنما يكون أحق به فى تلك الصلاة وحدها دون غيرها (3) .
( وظاهر ) حديث أبى هريرة عدم الفرق بين المسجد وغيره من الأمكنة العامة . وأما المكان المملوك فمالكه أحق به من غيره ( ويجوز ) لمن سبق إلى مكان من الأمكنة العامة أن يُقيم مَنْ جلس فيه بعده عند الشافعية. ومثل ذلك الأماكن التى اعتاد التجار أو نحوهم الجلوس فيها . فمن اعتاد منهم الجلوس فى مكان فهو أحق به إلا إذا فارقه مدة طويلة عرفاً بحيث ينقطع عنه معملوه .
(
__________
(1) ص 17 ج2 – مسند أحمد . وص 49 ج11 فتح البارى ( إذا قيل لكم تفسحوا فى المجلس – الاستئذان ) وص 160 ج14 نووى مسلم (تحريم إقامة الإنسان من موضعه الذى سبق إليه – السلام ) ولفظه أحمد : لا يقيم الرجل الرجل من مقعدة ثم يجلس فيه . والمراد بالتفسح ، أن يتوسعوا فيما بينهم ، والمراد بالتوسع ، أن ينضم بعضهم إلى بعض حتى يفضل فى المكان مجلس الداخل .
(2) ص 161 ج14 نووى مسلم ( إذا قام من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به ) وص 264 ج4 سنن أبى داود ( إذا قام من مجلس ثم رجع – الأدب) .
(3) ص 162 ج14 شرح مسلم .(1/244)
وظاهر ) حديث ابن عمر أنه يجوز للرجل أن يجلس فى مكان غيره إذا أقعده برضاه " وأما قول " سالم بن عمر: وكان ابن عمر إذا قام له رجل عن مجلسه لم يجلس فيه.أخرجه أحمد ومسلم والبخارى فى الأدب(1).{82}
" فهذا " كان تورعاً منه ، لأنه ربما استحيا منه إنسان فقام له بدون طيبة من نفسه . ولكن الظاهر أن من فعل ذلك قد أسقط حقه ، فلمن قام له حق الجلوس .
( ويكره ) الإيثار بمحلِّ ذى فضيلة كالقيام من الصف الأول إلى الثانى لأن الإيثار وسلوك طرق الأدب لا يليق فى العبادات والفضائل ، بل المعهود أنه فى حظوظ النفس وأمور الدنيا ، فمن آثر بحظه فى أمر من أمور الآخرة فهو من الزاهدين فى الثواب . كذا فى النيل ( وقال ) الحافظ : قال ابن ابى خمرة فى شرح حديث ابن عمر: هذا عام فى المجالس ، لكنه مخصوص بالمجالس المباحة إما على العموم كالمساجد ومجالس الحكام والعلم ، وإما على الخصوص كمن يدعو قوماً بأعيانهم إلى منزله لوليمة ونحوها . وأما المجالس التى ليس للشخص فيها ملك ولا إذن له فيها فإنه يقام ويخرج منها . ثم هو فى المجالس العامة ، وليس عاماً فى الناس بل هو خاص بغير المجانين ومن يحصل مه الأذى كآكل الثُّوم النيئ إذا دخل المسجد ، والسفيه إذا دخل مجلس العلم أو الحكم (والحكمة) فى هذا النهى منع استنقاص حق المسلم المقتضى للضغائن ، والحث على التواضع المقتضى للمودة ، وأيضاً فالناس فى المباح كلهم سواء ، قمن سبق إلى شئ استحقه ومن استحق شيئاً فأخِذ منه بغير حق فهو غصب والغصب حرام . فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على سبيل الكراهة ، وبعضه على سبيل التحريم(2) .
(
__________
(1) ص 161 ج14 نووى مسلم . وص 50 ج11 فتح البارى ( الشرح – إذا قيل لكم تفسحوا فى المجالس .. ) .
(2) ص49 ج11 فتح البارى .(1/245)
41) ويكره تحريماً الصلاة فى ثوب فيه تصاوير ، وكذا يكره – عند غير الحنفيين – أن يكون بين يديه ما يشغله من صورة حيوان أو غيرها " لحديث " ابن عباس عن أبى طلحة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ . أخرجه السبعة (1). ... ... ... ... { 289 }
( وعن ) علىّ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلبٌ ولا جنبٌ . أخرجه أحمد وأبو داود (2). ... ... ... ... ... ... { 290 }
( وقال ) الحنفيون : تكره الصلاة إلى صورة حيوان مطلقاً وإن لم تشغله أو تكون فوقه أو على يمينه أو على يساره ، إلا أن تكون صغيرة لا تظهر إلا بتأمل ، أو مقطوعة الرأس أو صورة غير ذى روح فلا كراهة حينئذ . لأنها لا تعبد ولا تعد تمثالا ، فانتفى التشبه بعبادة غير الله تعالى الذى هو علة الكراهة " ولقول " سعبد بن أبى الحسن : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إنى رجل أُصَوِّر فأفتنى فقال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل مُصَوِّر فى النار ، يجعل له بكل صورة صَوَّرها نفساً فتعذِّبه فى جنهم . وقال : إن كنت لابد فاعلا فاصنع الشجر ومالا نفْسَ له . أخرجه أحمد ومسلم (3) . ... ... ... ... { 291 }
(
__________
(1) ص 196 ج2 منه ( ذكر الملائكة ) وص 83 و 84 ج4 نووى مسلم ( تحريم تصوير صورة الحيوان ) وص 28 ج3 مسند أحمد ( حديث أبى طلحة زيد بن سهل .. ) وص 300 ج2 مجتبى ( التصاوير – الزينة ) وص 21 ج4 تحفة الأحوذى ( الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة – الأدب ) 2 و 202 ج2 سنن ابن ماجه ( الصور فى البيت – اللباس ) والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة . أما الحفظة والكتبة والموكلون بقبض الأرواح فيدخلون كل بيت .
(2) ص 83 ج1 مسند أحمد ( مسند على بن أبى طالب رضى الله عنه ) وص 294 ج3 المنهل العذب ( الجنب يؤخر الفسل ) .
(3) ص 308 ج1 – مسند أحمد ( مسند عبد الله بن العباس .. ) وص 93 ج14 نووى مسلم ( تحريم تصوير الحيوان ) .(1/246)
ولا تكره ) الصلاة فى بيت فيه صوَر مُهانه على بِساط يوطأ أو مرفقة يتكأ عليها " لقول " أبى هريرة : استأذن جبريل عليه السلام على النبى صلى الله عليه وسلم فقال : ادخل فقال : كيف أدخل وفى بيتك ستر فيه تصاوير ؟ فإما أن تقطع رؤسها أو تجعل بساطاً يوطأ . أخرجه ابن حبان والطحاوى والنسائى (1). { 292 }
" ولحديث " عائشة أنها اتخذتْ على سَهْوَة لها سِتراً فيه تماثيلُ فهتَكه النبى صلى الله عليه وسلم . فاتخذتْ منه بُمْرُقتين فَكانتا فى البيت يجلس عليهما . أخرجه البخارى وأحمد وزاد : ولقد رأيته متكئاً على إحداهما وفيه صورة (2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 293 }
( وهو ) يقتضى عدم كراهة الصلاة على بساط فيه صورة وإن كانت فى موضع السجود ، لأن ذلك ليس بمانع من دخول الملائكة كما أفادته النصوص المخصصة . قاله ابن نجيم(3). ( وقالت ) الحنبلية : تكره الصلاة إلى صورة منصوبة أمامه ولو صغيرة لا تظهر إلا بتأمل بخلاف ما إذا كانت غير منصوبة أو لم تكن أمامه .
__________
(1) ص 365 ج2 شرح معانى الآثار ( الصور تكون فى الثياب – الكراهة ) وص 302 ج2 مجتبى ( ذكر أشد الناس عذاباً ) ولفظ ابن حبان : فإن كنت لابد فاعلا فاقطع رءوسها أو اقطعهما وسائد أو اجعلهما بسطاً ص 99 ج2 نصب الراية .
(2) ص 75 ج5 فتح البارى ( هل تكسر الدنان – المظالم ) وص 99 ج2 نصب الراية و ( السهوة ) بفتح فسكون ، بيت صغير منخفض يشبه الخزانة . و ( نمرقتين ) تثنية نمرقة بضم النون والراء وبكسرهما وسكون الميم ، الوسادة الصغيرة .
(3) ص 28 ج2 – البحر الرائق ( ما يفسد الصلاة وما يكره فيها ) .(1/247)
" فوائد " ( الأولى ) اتفق العلماء على تحريم تصوير الحيوان وأنه من الكبائر ، لورود الوعيد الشديد فيه "روى" ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة المصوِّرون . أخرجه الشيخان (1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 294 }
( وعن ) ابن عباس : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من صوَّر صورة فى الدنيا كُلِّفَ أن ينفخ فيها الروحَ يومَ القيامة وليس بنافخ . أخرجه الشيخان(2). ... ... ... ... ... ... { 295 }
( قال ) النووى : قال أصحابنا وغيرهم : تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر ، لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور فى الأحاديث سواء صنعه بما يمتهن أو بغيره ، فصنعته حرام على كل حال ، لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى ، وسواء أكان فى ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها (3) .
( الثانية ) تصوير غير الحيوان كشجر ومنزل وغيرهما جائز اتفاقاً ( لما تقدم ) أن ابن عباس قال – لمن سأله عن حكم التصوير - : إن كنتَ لابدَّ فاعلا فاصنع الشجرَ وما لا نفس له (4) ولا فرق فى ذلك بين الشجر المثمر وغيره . ( وقال ) مجاهد : يكره تصوير الشجر المثمر .
__________
(1) ص 296 ج10 فتح البارى ( عذاب المصورين .. – اللباس ) وص 92 ج14 نووى مسلم ( تحريم تصوير الحيوان ) .
(2) ص 303 ج10 فتح البارى ( من صور صورة كلف .. ) وص 93 ج14 نووى مسلم ( تحريم تصوير الحيوان ... ) ( وليس بنافخ ) المراد أنهم يعذبون ويقال لهم : لا تزالون فى عذاب حتى تحيوا ما خلقتم . وهو محال .
(3) ص 81 ج14 شرح مسلم .
(4) تقدم رقم 291 ص 207 .(1/248)
" لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مَّمنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقاً كَخَلْقىِ ، فَلْيَخْلُقُوا ذَزّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِخْلُقُوا شَعِيرَةً } . أخرجه مسلم(1). ... ... { 296 }
( وأجاب ) الجمهور بأن الحديث محمول على تصوير احيوان جمعاً بينه وبين الأحاديث الدالة على جواز تصوير الشجر " وأما " حديث أبى أمامة أن امرأة أتت النبى صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تصور فى بيتها نخلة فمنعها أو نهاها . أخرجه ابن ماجه(2). ... ... ... ... ... ... { 297 }
" فضعيف " لأن فى سنده غُفير بن مَعْدان قال أحمد : منكر الحديث ضعيف .
" الثالثة " يكره تحريماً – عند الجمهور – اتخاذ ما فيه صورة حيوان من الثياب والستور والبسط وغيرها "لحديث" عائشة أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك فى بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه . أخرجه البخارى وأبو داود والنسائى (3). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 298 }
" ولقول " عائشة : دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سَترتُ سَهْوة لى بقِرام فيه تماثيلُ ، فلما رآه هتَكه وتلوّن وجهه وقال : أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق اله قالت : فجعلناه وسادة أو وسادتين أخرجه الشيخان (4) . ... ... ... ... ... ... ... ... { 299 }
(
__________
(1) ص 93 ، 94 ج14 نووى مسلم ( تحريم تصوير الحيوان ) .
(2) ص 202 ج2 سنن ابن ماجه ( الصور فى البيت ) .
(3) ص 297 ج10 فتح البارى ( نقض الصور – اللباس ) وص 72 ج4 سنن ابى داود (الصليب فى الصور – اللباس ) و ( التصاليب ) صورة الصليب وهو ما فيه صرة عيسى أو غيره مما يعبده النصارى و ( نقضه ) كسره وتغيير صورته . وفى رواية أبى داود : قضبه ، بالقاف والضاد المعجمة والباء الموحدة ، أى قطع موضع التصليب منه فقط .
(4) ص 299 ج10 فتح البارى ( ما وطئ من التصاوير – اللباس ) وص 88 ج14 نووى مسلم ( تحريم تصوير الحيوان ) .(1/249)
قال ) النووى : وأما اتخاذ ما فيه صورة حيوان فإن كان معلقاً على حائط ، أو كان ثوباً ملبوساً أو عمامةٌ ونحو ذلك مما لا يعدّ ممتهناً ، فهو حرام لا فرق فى ذلك بن ماله ظل ومالا ظل له . وإن كان فى بساط يداس ومخِدّة ووسادة ونحوها مما يمتهن ، فليس بحرام . ( وبهذا ) قال الثورى وأبو حنيفة ومالك والشافعى وغيرهم . وقلا بعض السلف : إنما ينهى عما كان له ظل .
ولا بأس بالصُّور التى ليس لها ظل . وهذا مذهب باطل ، فإن السِّتر الذى أنكر النبى صلى الله عليه وسلم الصورةَ فيه ، لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل ولا يتفق مع باقى الأحاديث المطلقة فى كل صورة .
( وقال ) الزهرى : النهى فى الصورة على العموم ، وكذلك استعمال ما هى فيه ودخول البيت الذى هى فيه سواء أكانت رقماً فى ثوب أو غير رقم ، وسواء أكانت فى حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن ، عملا بظاهر الأحاديث . وهذا مذهب قوى ( وقال ) : آخرون : يجوز منها ما كان رقماً فى ثوب سواء امتهُن أم لا، عُلّق فى حائط أم لا . وكرهوا ما كان له ظل أو كان مصوّراً فى الحيطان وشبهها سواء أكان رقماً أو غيره (واحتجوا ) بقوله فى بعض الأحاديث : إلاّ ما كان رقماً فى ثوب ( وأجمعوا ) على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره إلا ما ورد فى اللعب بصورة البنات لصغار البنات ، لكن كره مالك شراء الرجل ذلك لابنته ( وادعى ) بعضهم أن إباحة اللعب لهنّ بالبنات منسوخ بهذه الأحاديث (1) ( وجملة القول ) أن اقتناء ما فيه صورة حيوان فيه أقوال ( الأوّل ) الجواز مطلقاً عند القاسم بن محمد وجماعة .
__________
(1) ص 81 ج14 شرح مسلم ( تحريم تصوير الحيوان ) .(1/250)
" لقول " عبيد الله بن عبد الله بن عتبة : دخلت على أبى طلحة الأنصارى أعودُه فوجدتُ عنده سهل بنَ حنَيفٍ فدعا أبو طلحة إنساناً يَنزع نمَطَاً تحته ، فقال له سهل لم تنزعه ؟ فقال : لأن فيه تصاويرَ وقد قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم ما قد علمتَ . قال سَهلَ : أوَ لم يقل : إلا ما كان رقْماً فى ثواب ؟ فقال بلى ولكنه أطيب لنفسى . أخرجه النسائى والترمذى وقال : حسن صحيح(1). ... ... ... ... ... { 300 }
( الثانى ) المنع مطلقاً لإطلاق الأحاديث الواردة فى النهى عن اتخاذ ما فيه صورة . وبه قال الزهرى . (الثالث) مذهب الجمهور وهو أن الصورة إن كانت ثابتة الهيئة قائمة الشكل غير ممتهنة حرم اتخاذها . وإن كانت مقطوعة الراس أو مفرقة الأجزاء أو ممتهنة ، جاز اتخاذها لما تقدم عن أبى هريرة قال : استأذن جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ادخلْ . فقال : كيف أدخلُ وفى يبيتك سِتر فيه تَصاويرُ ؟ فإما أن تُقطِّع رءوسُها ، وإما أن تجعل بساطاً يوطَّأ . فإنا معاشِرَ الملائكة لا ندخل بيتاً فيه تصاوير(2).
" ولحديث " عائشة أنها نصبتْ ستراً فيه تصاوير فدخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فنزَعه قِالتْ : فقطعتُه وسادتين . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتِفق عليهما . أخرجه مسلم والطحاوى(3). { 301 }
وغير ذلك من الأحاديث التى تقدم بعضها ( وهذا ) القول هو الراجح لكثرة أدلته الصحيحة ، ولما فيه من الجمع بين الأدلة .
" الرابعة " يجوز اتخاذ ما فيه صورة غير الحيوان كشجر ومنزل وجبل ومسجد وغيرها ، لما تقدم م جواز تصويرها ، فجواز اتخاذها أولى . هذا متفق عليه .
(
__________
(1) ص 300 ج2 مجتبى ( التصاوير – الزينة ) وص 54 ج3 تحفة الأحوذى ( ما جاء فى الصورة – اللباس ) و ( النمط ) بفتحتين بساط له خمل رقيق .
(2) تقدم رقم 292 ص 207 .
(3) ص 89 ج4 نووى مسلم ( تحريم تصوير الحيوان ) . وص 264 ج2 شرح معانى الآثار ( الصور تكون فى الثياب ) .(1/251)
42) ويكره للمصلى تكرير الفاتحة كلاً أو بعضاً عند الحنفيين والشافعى لعدم وروده . فإن كرّرها سهواً سجد للسهو ، وكذا إن كرّرها عمداً عند الشافعية ، ويأثم عند الحنفيين وعليه إعادة الصلاة لرفع الإثم .
( وقالت ) الحنبلية : يكره تكرارها فى ركعة ، لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه . وفى إبطال الصلاة بتكريرها قولان .
( وقالت ) المالكية : يحرم تكريرها عمداً ولا تبطل به الصلاة ، وإن كررها سهواً سجد للسهو .
(43) ويكره – عن الجمهور – ترك أذكار الركوع والسجود والرفع منهما والنقص عن ثلاث تسبيحات فيهما . لمخالفته السنة .
(44) ويكره – عند الجمهور – للمصلى تأخير الأذكار المشروعة فى الانتقال من ركن إلى ركن إلى غير محلها ، بأن يكبر للركوع بعد إتمامه ، ويقول سمع الله لمن حمده بعد اعتداله ، لأن السنة تعمير الركن بذكره بأن يبتدئ الذكر عند ابتداء الانتقال وينتهى بانتهائه ( وقالت ) المالكية : إن ذلك خلاف المندوب ( وقالت ) الحنبلية : إنه مبطل للصلاة إن تعمده ، ويجب عليه سجود السهو عن فعله ساهياً ، لأن تعمير الأركان بالذكر واجب عندهم .
(45) ويكره تطويل الركعة الثانية على الأولى بثلاث آيات فأكثر فى كل الفرائض اتفاقاً . وكذا النفل على الأصح ، لأنه خلاف السنة . وهذا فيما لم يرد فيه نص خاص . أما هو فلا يكره كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى أولى الجمعة والعيدين بسبح اسم ربك الأعلى وفى الثانية بالغاشية وهى تزيد على الأعْلى بسبع آيات (وقال) الزاهدى : الزيادة تختلف بحسب السوَر فإن كانت السوَر قصاراً فالثلاث آيات زيادة كثيرة مكروهة . وإن كانت طوالا فالسبع آيات زيادة يسيرة غير مكروهة(1) .
وأما إطالة الثالثة على الثانية أو الأولى ، فلا تكره عند الحنفيين .
(
__________
(1) ص 193 الطحاوى على مراق الفلاح ( فى المكروهات ) .(1/252)
46) ويكره عد الآى والتسبيح بقبض الأصابع عند أبى حنيفة والشافعى لنه يشغل عن الخشوع فى الصلاة " وروى " أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه كره عدّ الآى فى الصلاة . أخرجه أبو يوسف(1). { 83 }
( وعن ) أبى يوسف ومحمد والحنابلة : إنه لا باس به " لقول " أنس : رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يعْقِد الآى بأصابعه . أخرجه محمد بن خلف . ... ... ... ... ... ... ... { 302 }
وعدّ اتسبيح فى معنى عدّ الآى ( وتوقف ) أحمد فى عدّ التسبيح ، لأنه يتوالى فيكثر به العمل ، بخلاف عدّ الآى . ولا يكره عدّ ما ذكر بغمز الأنامل ولا إحصاؤه بالقلب اتفاقاً ، كعدّ التسبيح فى صلاة التسابيح .
(47) يكره تحريماً عند الحنفيين ترك واجب عمداً . هذا . والضابط الكلى أنه يكره للمصلى ترك سنة عمداً، أو فعل ما ينافى الخشوع والكمال . ومنه صلاة الرجل عارى الرأس لما فيه من ترك الزينة المأمور باتخاذها حال الصلاة ( قال ) الله تعالى : يا بنى آدَمَ خُذوا زِينتكم عند كل مسجد(2) " أُمروا بالتجمل حال الصلاة . ومنه ستر الرأس ، ولذا قال العلماء : يسن للرجل أن يكون فى صلاته على أفضل الحالات وأكمل الهيئات اتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم واقتداء بالصورة التى نقلها الثقات من هديه صلى الله عليه وسلم حال صلاته ( قال ) رجل من الأنصار لابن عمر : يا أبا عبد الرحمن العمامة سنة ؟ فقال نعم . أخرجه ابن أبى عاصم فى كتاب الجهاد . { 84 }
( وقال ) ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اعْتمّوا تزدادوا حلْماً . أخرجه البزار والطبرانى فى الكبير والحاكم وصححه ورُدّ بأن فيه عُبيد الله بن أبى حُميد وهو متروك (3). ... { 303 }
(
__________
(1) رقم 174 ص 35 الآثار .
(2) الأعراف آية : 31 .
(3) ص 119 ج5 مجمع الزوائد ( ما جاء فى العمائم ) .(1/253)
ومن ) طريقه عن أبى المليح بن أسامة بن عُمير عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : اعْتموا تزدادوا حلماً وقال على رضى الله عنه : العمائم تيجانُ العرب . أخرجه أبو داود والبيهقى(1). ... { 304 }
ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى – فى غير الإحرام – وهو حاسر الرأس دون عمامة مع توفر الدواعى لنقله لو فعله . ومن زعم ثبوت ذلك فعليه الدليل . والحق أحق أن يتبع .
( الخامس ) المواضع المنهى عن الصلاة فيها
هى كثيرة المذكور منها هنا خمسة عشر :
(1) تكره الصلاة فى المقبرة (2) عند الحنفيين والثورى والأوزاعى وابن المنذر وابن عباس وعمر وأبى هريرة وأنس وعطاء والنخعى وطاوس وعمرو بن دينار سواء أكانت المقبرة أمامه أم خلفه أم تحت ما هو واقف عليه " لحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تصلوا إلى قبر ولا تُصلّوا على قبر : أخرجه الطبرانى فى الكبير . وفيه عبد الله بن كيسان المروزى ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان(3). ... { 305 }
( وعن ) أبى مَرثد الغنوى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلوا عليها . أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والبيهقى(4). ... ... ... ... ... ... { 306 }
( وعن ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لعَن الله اليهودَ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . أخرجه مسلم والنسائى(5). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 307 }
(
__________
(1) ص 261 ج3 تيسير الوصول ( العمائم – اللباس ) وانظر رقم 1143 ص 555 ج1 – فيض القدير . والحديث وإن كان ضعيفاً فقد روى من طرق يقوى بعضها بعضاً .
(2) المقبرة ، بفتح الميم وكسرها وضم الموحدة وفتحها ، فالضم وهو المسموعُ بمعنى البقعة المتخذة لدفن الميت ، والفتح بمعنى مكان الدفن .
(3) ص 27 ج2 مجمع الزوائد ( الصلاة بين القبور ... وإليها ) .
(4) انظر رقم 564 ص 318 ج7 الدين الخالص ( الصلاة على القبر ) .
(5) انظر رقم 7 ص 3 ج8 منه ( محظورات القبر )(1/254)
ومحله ) إذا لم يكن فى المقبرة موضع أعِدّ للصلاة لا تجاسه فيه ولا قذَر ، وإلا فلا كراهة . وقيل لا تكره الصلاة فى المقبرة إلا إذا كان القبر بين يدى المصلى بحيث يراه لو نظر موضع سجوده ( وقالت ) الحنبلية والظاهرية : تحرم الصلاة ولا تصح فى المقبرة ، وهى ما احتوت على ثلاثة قبور فأكثر لا فرق بين المنبوشة وغيرها ، ولا بين أن يُفْرش فيها شئ يقى من النجاسة أم لا . أما ما فيها قبر أو قبران ، فالصلاة فيها صحيحة مع الكراهة إن استقبل القبر وإلا فلا كراهة ( وقالت ) اشافعي : إذا كانت المقبرة منبوشة واختلطت بما يخرج من الموتى لا تصح الصلاة فيها للنجاسة . فإن صلى فى مكان طاهر منها صحت مع الكراهة . وكذا إن كانت غير منبوشة أو شك فى نبشها على الأصح .
( وقالت ) المالكية : لا تكره الصلاة فى المقابر " لحديث " جُعلتْ لىَ الأرض طُهوراً ومسجداً . أخرجه أبو داود عن أبى ذر(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 308 }
( وحملوا ) أحاديث النهى عن الصلاة ف المقبرة على ما إذا كان بها نجاسة ( وردّ ) بأن النبى صلى الله عليه وسلم قال : كلّ الأرض مسجدٌ وطَهور إلا الحمام والمقبرة . أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى والبيهقى وابن ماجه عن أبى سعيد (2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 309 }
(
__________
(1) ص 111 ج4 – المنهل العذب ( المواضع التى لا تجوز فيها الصلاة ) .
(2) 99 ج3 – الفتح الربانى . وص 116 ج4 – المنهل العذب ( المواضع التى لا تجوز فيها الصلاة ) وص 263 ج1 تحفة الأحوذى ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) وهذا لفظ الحديث عند غير أحمد . وص 435 ج2 – السنن الكبرى ( النهى عن الصلاة فى المقبرة والحمام ) وص 130 ج1 سنن ابن ماجه ( المواضع التى تكره الصلاة فيها ) .(1/255)
فهذا ) الحديث ونحوه (1) خاص يقيِّد عمومَ حديث : جُعلت لى الأرض طُهوراً ومسجداً . وأحاديث النهى عن الصلاة فى المقبرة مطلقة لا دليل على تقييدها بما إذا كان فيها نجاسة ، بل المقبرة وغيرها فى ذلك سواء .
( وحكمة ) النهى عن الصلاة فى المقبرة ما قد يتصل بالمصلىِّ من نجاسة ، وقيل لحرمة الموتى .
(2) وتكره – عند الجمهور – الصلاة فى الحمام غير المتنجس " لحديث " أبى سعيد السابق ( وقال ) أحمد والظاهرية وأبو ثور : لا تصح الصلاة فيه ، لظاهر هذا الحديث " ولقول " ابن عباس : لا يُصلَّين إلى إلى حُش(2) ولا فى حمام { 85 }
( وقال ) ابن حزم : لا تحل الصلاة فى حمام سواء فى ذلك مبدأ بابه إلى جميع حدوده ، ولا على سطحه وسقف مستوقده وأعالى حيطانه خرباً كان أو قائماً . فإن سقط نبنائه شئ وسقط عنه اسم الحمام جازت الصلاة فى أرضه حينئذ . ( وقالت ) المالكية : تصح الصلاة فى الحمام بلا كراهة ، لعموم حديث وجعلت لى الأرض طهوراً ومسجداً ( وردّ ) بأنه عام مخصص بحديث النهى عن الصلاة فى حمام ونحوه . ( وحكمة ) النهى عن الصلاة فى الحمام أنه محل النجاسات ومأوى الشياطين .
(
__________
(1) ونحوه ) كحديث : جعلت لى كل أرض طيبة مسجداً وطهوراً . أخرجه أحمد والضياء المقدسى عن أنس . فإنه يدل عى أن المراد أرض مخصوصة هى الطيبة . ومعلوم أن المقبرة ليست منها . فانتفى العموم الذى تمسك به المالكية .
(2) الحش ، بضم الحاء وفتحها ، بيت الخلاء .(1/256)
3-7 ) وتكره الصلاة فى المزبَلة . والمجزَرة . وقارعة اطريق : وأعطان الإبل وفوق الكعبة " لحديث " ابن عمران أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلىَّ فى سبعة مواطن : فىِ المزبَلة والمجزَرة والقمبرة وقارعة الطريق وفى الحمام وفى أعطان الإبل وفوق ظهر بيت الله تعالى . أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال : إسناده ليس بذاك القوى(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 310 }
" ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال : صلوا فى مَرِابض الغنم ولا تُصلّوا فى أعطان الإبل . أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وقلا حسن صحيح . ... ... { 311 }
(
__________
(1) ص 130 ج1 سنن ابن ماجه ( المواضع التى تكره فيها الصلاة ) وص 280 ج1 تحفة الأحوذى ( كراهية يصلى إليه وفيه ) و ( أعطان ) جمع عطن بفتحتين ، وهو مبرك الإبل حول الماء . وروى بلفظ معاطن ومبارك ومزايل ومناخ . وهى أعم من المعاطن .(1/257)
وهو ) يدل على جواز الصلاة فى مرابض الغنم وهو متفق عليه . وعلى تحريمها فى معاطن الإبل . وإليه ذهب أحمد فقال : لا تصح بحال وقال : من صلىَّ فى عَطن إبل أعاد أبداً ( وحمل ) الجمهور النهى على القول بأن علة النهى هى النجاسة ،وذلك متوقف على نجاسة أبوال الإبل وأزبالها . وقد تقدم فى بحث " ما اختلف فى نجاسته " بيان الخلاف فيها وأن الراجح طهارتها(1) . ولو سلمنا نجاستها لم يصح جعلها علة ، لأن العلة لو كانت النجاسة لما افترق الحال بين أعطانها وبين مرابض الغنم ، إذ لا قائل بالفرق بين أرواث كل من الجنسين وأبوالها . وأيضاً قد قيل إن حكمة النهى ما فيها من النفور فربما نفرت وهو فى الصلاة فيؤدى إلى قطعها أو إلى أذى يحصل له منها أو تشوش الخاطر الملهى عن الخشوع فى الصلاة . وعلى هذا فيفرق بين كون الإبل فى معاطنها وبين غيبتها عنها ، إذ يؤمن نفورها حينئذ ( وقيل ) الحكمة فى النهى كونها خلفت من الشياطين ( ويرشد) إلى هذا قول عبد الله بن مغفّل : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تُصلّوا فى عَطن الإبل فإنها من الجن خلقت ، ألا ترَونَ عيونها وٍهبابها إذا نفرت ( الحديث ) أخرجه أحمد بسند صحيح(2). ... { 312 }
( والحق ) حمل النهى فيه لعى التحريم كما قال أحمد والظاهرية .
(
__________
(1) تقدم ص 352 ج1 – طبعة ثانية .
(2) ص55 ج5 مسند أحمد ( حديث عبد الله بن مغفل رضى الله عنه ) و ( الهباب ) بكسر الهاء ، نشاط كل سائر كالهبوب والهيب .(1/258)
قال ) ابن حزم : إن أحاديث النهى عن الصلاة فى أعطان الإبل متواترة تواتراً يوجب العلم ( وأما ) الأمر بالصلاة فى مرابض الغنم ، فأمر إباحة ليس للوجوب اتفاقاً . وإنما نبه النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك . لئلا يظن أن حكمها حكم الإبل ، أو أنه اخرج على جواب السائل حين سأله عن الأمرين ، فأجاب فى الإبل بالمنع . وفى الغنم بالإذن ( وأما ) الترغيب المذكور فى الأحاديث بلفظ : فإنها بركة ( فهو ) لقصد تبعيدها عن حكم الإبل ، كما وصف أصحاب الإبل بالغلظة والقسوة ، ووصف أصحاب الغنم بالسكينة .
( وأما ) علة النهى عن الصلاة فى المزبلة والمجزرة فلكونها محلين للنجاسة فتحرم الصلاة فيهما من غير حائل اتفاقاً ، ومع الحائل تكره عند الجمهور . وتحرم عند أحمد والظاهرية . وقيل إن العلة فى المجزرة كونها مأوى الشياطين .
( وأما ) علة النهى عنها فى قارعة الطريق ، فلما فيها من شغل الخاطر بمرور الناس ولغطهم المؤدّى إلى ذهاب الخشوع الذى هو سر الصلاة ولأنها مظنة النجاسة : ( وأما ) علة النهى عنها فوق الكعبة ، فلأنا مأمورون بالصلاة إليها لا عليها . واختلفت الأئمة فى الصلاة عليها ( فقالت ) المالكية : لا يجوز الفرض فوقها ولو كان بين يديه بعض بنائها ( وأما النفل ) ففيه أقوال ثلاثة : قيل بالمنع مطلقاً . وقيل بالجواز مطلقاً . وقيل بمنع المؤكدون غيره . والراجح الأول : ووافقهم الحنبلية فى الفريضة وقالوا بجواز النافلة من غير خلاف .
( وقالت ) الشافعية : تصح فوقها الفريضة والنافلة بشرط أن يستقبل من بنائها قدر ثلثى ذراع ( وقال ) الحنفيون : تصح الصلاة فرضاً ونفلا فوقها مع الكراهة . لما فى ذلك من ترك التعظيم .
((1/259)
8) وتكره الصلاة – عند الجمهور– إلى جدار مرحاض " لقول " عبد الله بن عمرو : لا يصلىّ للحُش{86} " ولقول " على : ل يصلى تجاه حش . أخرجهما ابن أبى شيبة فى مصنفه {87} ( وذكر ) الطبرى فى شرح التنبيه: أنه يكره استقبال الجدار والنجس والمتنجس فى الصلاة ( وقال ) ابن حبيب المالكى : من تهمد الصلاة إلى نجاسة بطلت صلاته إلا أن يكون بعيداً جداً .
( وقال ) العراقى فى شرح الترمذى : نص الشافعى على أنه لا تكره الصلاة وبين يديه جيفة .
(9) وتكره الصلاة فى أرض عُذِّبَ أهلها كأرض بابل وثمود .
((1/260)
قال ) البخارى : ويذكر أن علياً كره الصلاة بخسْف بابل (1){ 88 } " وروى " عبد الله بن أبى المُحِلِّ العامرى قال : كنا مع علىّ فمررنا على الخسْف الذى ببابل فلم يصلّ حتى أجازه . أخرجه عبد الرازق وابن أبى شيبة (2){ 89 } ( وعن ) حجر بن العنبس أن علياً قال : ما كنتُ لأصلىّ فى أرض خَسَف الله بأهلها قاله ثلاثاً .
__________
(1) ص 357 ج1 فتح البارى ( الصلاة فى موضع الخسف .. ) و ( بابل ) مدينة قديمة بالعراق . كان يجرى بها الفرات فحوله بختنصر على موضعه الآن . وأول من نزلها وعمرها عقب الطوفان سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام . والمراد بالخسف هنا ما ذكره الله بقوله : قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون آية 26 . النحل وسببه أن النمروذ بن كنعان ملك بابل كان من أكبر ملوك الأرض فى زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام وكان قد طغى وبغى وتجير وآثر الحياة الدنيا ، ولما دعاه سيدنا إبراهيم إلى عبادة الله وحده ، حمله الجهل والضلال على إنكار الصانع . فحاج إبراهيم فى ربه وادعى لنفسه الربوية . فلما حاجة إبراهيم وغلبه وبهت الذى كفر ولم يرتدع واستمر على ضلاله وطغيانه ، أهلكه الله وقومه . قال زيد بن أسلم : وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه ، ثم دعاء الثانية فابى ، وقال : اجمع جموعك وأجمع جموعى ، فجمع النمروذ جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس ، فأرسل الله عليهم ذباباً من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم وجلودهم وتركتهم عظاماً بادية ، ودخلت واحدة منها فى منخر الملك فكثت فيه أربعمائة سنة عذبه الله بها ، فكان يضرب رأسه المرازب فى هذه المدة حتى أملكه الله بها . أفاده ابن كثير ص 148 ج1 – البداية والنهاية .
(2) ص 357 ج1 – فتح البارى ( الشرح ) .(1/261)
أخرجه ابن أبى شيبة(1) { 90 } .
( وقد كان ) صلى الله عليه وسلم إذا مرَّ بأرض قد عُذِّب أهلها كديار ثمود جَدّ السير وقنع رأسه .
(10) وتكره – عند الحنفيين – الصلاة فى الأرض المغصوبة إن كانت لذمىّ مطلقاً . أو لمسلم وهى مزروعة أو محروثة ، ولم يكن بين المصلىّ وصاحبها صداقة ، أو كان صاحبها سيئ الخلق ، فحينئذ يصلى فى الطريق وتكره الصلاة فيها ، وعليه إثم غصبه كالصلاة فى ثوب مغصوبة .
(
__________
(1) ص 357 ج1 – فتح البارى ( الشرح ) .(1/262)
وقالت ) المالكية والشافعية والجمهور : تحرم الصلاة فى الأرض المغصوبة مع صحة الصلاة ( وقالت الحنبلية ) : تحرم الصلاة فى المغصوب . وفى صحة الصلاة فيه روايتان ( قال ) ابن قدامة : هل تصح الصلاة فى المغصوب ؟ على روايتين إحداهما لا تصح والثانية تصح . وهو قول أبى حنيفة والشافعى لأن التحريم لا يختص الصلاة ولا النهى يعود إليها فلم يمنع الصحة كما لو غسل ثوبه من النجاسة بماء مغصوب وكما لو صلى وعليه عمامة مغصوبة . ووجه الرواية الأولى أنه استعمل ما يحرم عليه استعماله فلم تصح . كما لو صلى فى ثوب نجس . وأما إذا صلى فى عمامة مغصوبة أو بيده خاتم من ذهب . فإن الصلاة تصح . لأن النهى لا يعود إلى شرط الصلاة . وإن صلى فى دار مغصوبة ، فالخلاف فيها كالخلاف فى الثوب المغصوب ، إلا أن أحمد قال فى الجمعة تصلى فى مواضع الغصب ، لأنها تختص بموضع معين فالمنع من الصلاة فيه إذا كان مغصوباً يفضى إلى تعطيلها (1) ( وقال ) الغزالى : المواضع التى بناها الظلمة كالقناطر والرباطات والمساجد والسقايات ، ينبغى أن يحتاط فيها وينظر ( أما القنطرة ) فيجوز العبور عليها للحاجة . والورع الاحتراز ما أمكن ، وإن وجد عنه مَعْدِلا تأكد الورع ، وإنما جوزنا العبور وإن وجد معدلا ، لأنه إذا لم يعرف لتلك الأعيان مالكاً كان حكمه أن يرصد للخيرات وهذا خير . فأمام إذا عرف أن الآجرّ والحجر قد نقلا من دار معلومة أو مقبرة أو مسجد معين فهذه لا يحل العبور عليها أصلا إلا لضرورة يحل بها مثل ذلك من مال الغير . ثم يجب عيه الاستحلال من المالك الذى يعرفه . (
__________
(1) ص 629 ج1 مغنى ( ما يحرم لبسه والصلاة فيه ) .(1/263)
وأما المسجد ) فإن بُنى فى أرض مغصوبة أو بخشب مغصوب من مسجد آخر أو ملك معين ، فلا يجوز دخوله أصلا ولا للجمعة وإن كان من مال لا يُعرف مالكه ، فالورع العدول إلى مسجد آخر إن وجد فإن لم يجد غيره فلا يترك الجمعة والجماعة به ، لأنه يحتمل أنِ يكون من ملك الذى بناه ولو على بعد . وإن لم يكن له مالك معين فَهَو لمصَالح المسلمين . وأما الْخَلوق والتخصيص فلا يمنع من الدخول ، لأنه غير منتفع به وإنما هو زينة . والأولى أنه لا ينظر إليه (1) .
( 11و 12 ) وتكره الصلاة فى الكنيسة والبيعة " بكسر الباء وهى معبد اليهود " إذا كان فيهما تصاوير عند الحنبلية لقول عمر : إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التى فيها الصور { 90 } وكان ابن عباس يصلى فى البيعة إلا بيعة فيها تماثيل . ذكرهما البخارى { 91 } ( وقد وصل ) أثر ابن عباس البغوى وزاد فيه : فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى فى المطر ( ووصل ) أثر عمر عبد الرازق من طريق أسْلم مولى عمر قال : لما قدِم الشامَ صنع له رجل من النصارى طعاماً وكان من عظمائهم وقال : أنا أحِب أن تجيبنى وتُكرِمَنى فقال له عمر : إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التى فيها (2) . أما الخالية من الصور فالصلاة فيها مباحة . وعليه يُحمل ما روى سهل بن سعِد عن حَميد عنْ بكثرٍ قال : كَتِب إلى عُمر من نجران أنهم لم يجدوا مكاناً أنظف ولا جود من بيعة ، فكتب : انضحوها بماء وسِدْر وصلوا فيها . أخرجه ابن أبى شيبة .
(
__________
(1) ص 114 ج2 إحياء علوم الدين ( الباب السادس من كتاب الحلال والحرام ) و ( الخلوق ) بفتح فضم ، نوع من الطيب .
(2) ص 358 ج1 فتح البارى ( الصلاة فى البيعة ) و ( التى ) فى أثر عمر صفة لكنائسكم . وفيها غير مقدم . والصور مبتدأ مؤخر والجملة صلة التى .(1/264)
وقالت ) الحنفية والشافعية : تكره الصلاة فيها مطلقاً ، ولعل وجهه اتخاذُهم قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد ، فتصير جميع البيع والكنائس مظنة لذلك ( ويؤيده ) حديث عائشة أن ألم سلمة ذكرتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية فذكرتْ له ما رأَتْه فيها من الصُّور . فقال صلى الله عليه وسلم : أولئك قوم إذا مات فيهم العبدُ الصالح أو الرجل الصالح . بنوا على قبره مسجداً وصوّروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله . أخرجه الشيخان والنسائى(1). ... ... ... ... { 313 }
( وقالت ) المالكية : تكره الصلاة فيها إن دخلها اختياراً ويُعيد فى الوقت إن كانت عامرة . ولا يُعيد إن كانت دارسة . أما إن دخلها مضطراً فلا تكره الصلاة فيها ( ولم ير ) الشعبى وعطاء بن أبى رباح وابن سيرين بالصلاة فى الكنسية بأساً . وصلى أبو موسى الأشعرى وعمر بن عبد العزيز فى كنيسة .
(13) وتكره الصلاة فى مسجد فيه بدعة " لقول " مجاهد : كنت مع ابن عمر فثوب رجل فى الظهر أو العصر فقال : اخرج بنا فإن هذه بدعة . أخرجه أبو داود : ( وقال ) الترمذى : وروى عن مجاهد قال : دخلت مع عبد الله بن عمر مسجداً وقد أذِّن فيه ونحن نريد أن نصلىّ فيه فثوّب المؤذن فخرج عبد الله بن عمر من المسجد قال : اخرج بنا من عند هذا المبتدع ولم يصل فيه(2){ 92 } ( وقصدَ ) ابن عمر بخروجه من المسجد زجرَ المبتدع عن الحدث فى الدين والتنفيرَ من البدع ، وانه يطلب البعد عن المكان الذى حدثت فيه بدعة .
(14) وتكره الصلاة فى بطن الوادى إن خيف سيل يُذهب الخشوع وإن لم يتوقع ذلك فلا كراهة .
(
__________
(1) ص 358 ج1 فتح البارى . وص 11 ج5 نووى مسلم ( النهى عن بناء المسجد على القبور .. ) وص 115 ج1 – مجتبى ( النهى عن اتخاذ القبور مساجد ) و ( مارية ) بتخفيف الياء آخر الحروف .
(2) تقدم ص 56 ، 57 ج2 طبعة ثانية .(1/265)
15) وتكره الصلاة فى مسجد الضرار(1)
__________
(1) مسجد الضرار هو مسجد أسسه اثنا عشر رجلا من المنافقين مضارة لأهل مسجد قباء ، بنوه بأمر أبى عامر الراهب رجل ترهب وتنصر فى الجاهلية وكان له شرف فى الخارج ، فلما هاجر النبى صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه وظهر أمره ، تغيظ اللعين أبو عامر وقال النبى صلى الله عليه وسلم : ما هذا الذى جئت به . قال جئت بالحنيفية دين إبراهيم قال أبو عامر : فأنا عليها . فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : إنك لست عليها . قال أبو عامر : بلى ولكنك أدخلت فيها ما ليس منها . فقال النبى صلى الله عليه وسلم : ما فعلت ولكن جئت بها بيضاء نقية . فقال أبو عامر : أمات الله الكاذب منا طريداً غريباً وحيداً فقال النبى صلى الله عليه وسلم : آمين ، وسماه أبا عامر الفاسق ، وخرج أبو عامر فاراً إلى كفار مكة فألبهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب وقدموا عام أحد ، فكان من أمر المسلمين ما كان ، وامتحنهم الله وكانت العاقبة للمتقين ، وما زال الفاسق يخرج مع المشركين فى كل حرب يقاتلون فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم حنين ، فلما انهزمت هوازن يئس الفاسق ، فخرج هارباً إلى الشام يستنصر هرقل على النبى صلى الله عليه وسلم فوعده ومناه وأقام عنده وكتب إلى جماعة من قومه من أهل النفاق : أن أعدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح ، وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يكون مرصداً له إذا قدم عليهم فبنوا مسجداً بجوار مسجد قباء وأحكموه قبل خروج النبى صلى الله عليه وسلم إلى تبوك فأتوه صلى الله عليه وسلم وقالوا : إنا نبينا مسجداً لذى العلة والحاجة والليلة المطيرة ، ونحب أن تصلى فيه وتدعو بالبركة ، فقال : إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله ..فلما رجع صلى الله عليه وسلم من تبوك ولم يبق بينه وبين المدينة إلا يوم أو بعض يوم ، نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار وما قصد بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المسلمين فى مسجد قباء الذى أسس من أول يوم على التقوى . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم من بنى سالم بن عوف ، ومعن بن عدى وقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه ، فخرجا سر يعين حتى أتيا بنى سالم بن عوف . فقال مالك لمعن : أنظرنى حتى أخرج إليك بنار من أهلى فدخل أهله وأخذ سعفاً من النخل فأشعل فيه ناراً ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرق أهله وفيهم نزل ( والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً ) " " أى إعداداً " لمن حارب الله ورسوله من قبل " أى قبل بنائه " " وهو أبو عامر الفاسق " وليحلفن إن أردنا إلا " الفعلة " الحسنى " وهى الرفق بالمسلمين والتوسعة على أهل الضعف والعجز عن المسير إلى مسجد قباء " والله يشهد إنهم لكاذبون . لا تقم فيه أبداً ) ومات أبو عامر الفاسق بالشام طريداً غريباً وحيداً إجابة لتأمين النبى صلى الله عليه وسلم .(1/266)
عند الجمهور لقول الله تعالى { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } (1) ( وقال ) ابن حزم : لا تجزئ الصلاة فى مسجد أحدِث مباهاة أو ضراراً على مسجد آخر إذا كان أهله يسمعون نداء المسجد الأول (2) ثم قال : ولا تجُزئ الصلاة فى مكان يستهزأ فيه بالله عز وجل أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بشئ م الدين أو فى مكان يُكْفر بشئ من ذلك فيه . فإن لم يتمكن من الانتقال إلى مكان آخر صلى وأجزأته صلاته (3).
( السادس ) الصلاة فى الكعبة
الكعبة هى البيت الحرام ، سمى بها لتربعه وارتفاعه . وهى اسم للبقعة إلى السماء ولو بلا بناء . والصلاة فيها صحيحة بلا كراهة فرضاً ونفلا عند الحنفيين والشافعى والثورى وغيرهم " لقول " ابن عمر رضى الله عنهما: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت هو وأسامةُ بن زيدٍ وبلال وعثمانُ بن طلحةُ ، فأغلقوا عيهم البابَ ، فلما فتحوا كنتُ أولَ مَنْ وَلج فلقيتُ بلالا فسألتهُ هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم بين العمودين اليمانيْين . أخرجه أحمد والشيخان(4). ... ... ... ... ... ... ... { 314 }
(
__________
(1) التوبة آية : 108
(2) ص 44 ج4 – المحلى ( مسألة 399 ) .
(3) ص 45 منه ( مسألة 400 ) .
(4) ص 301 فتح البارى ( إغلاق البيت ويصلى فى أى نواحيه ) وص 86 ج9 نووى مسلم ( دخول الكعبة ... ) .(1/267)
وقال ) مالك وأحمد : يجوز فيها صلاة النفل المطلق دون الفرض والسنن المؤكدة كالوتر ، لظاهر ما تقدم عن مجاهد قال : أتِىَ ابنُ عمر فقيل له : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فقال ابن عمر فأقبلتُ والنبى صلى الله عليه وسلم قد خرج فسالت بلالا : أصلّى النبى صلى الله عليه وسلم فى الكعبة ؟ قال : نعم ركعتين بين السَّاريتين عن يسارك إذا دخلتَ ، ثم خرج فصلىّ فى وجه الكعبة ركعتين . أخرجه البخارى (1).
( ورد ) بأنه وإن كان ظاهراً فى صلاة النفل فليس هناك ما يدل على التفرقة ( وقال ) ابن جرير وأصبغ المالكى وجماعة من الظاهرية : لا يجوز فيها الفرض ولا النفل ، وحكى عن ابن عباس ( فقد ) قال : إن النبى صلى الله عليه وسلم دخل البيت وكبَّر فى نواحيه ولم يصلِّ فيه . أخرجه البخارى(2) { 315 }
... " وعن " ابن عباس عن أخيه الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فى الكعبة فسبّح وكبَّر ودعا الله عز وجل واستغفر ولم يركع ولم يسجد . أخرجه أحمد (3). ... ... { 316 }
( وروى ) مسلم نفى الصلاة فيها من طريق ابن عباس عن أسامة (4) ( ورد ) بأن إثبات بلالٍ أرجحُ ، لأنه كان مع النبى صلى الله عليه وسلم دون ابن عباس . وإنما استند هذا فى نفيه إلى أخيه الفضل مع أنه لم يثبت أنه كان معهم إلا فى رواية شاذة " وما روى " عن أسامة من نفى الصلاة فيها " معارض " :
( أ ) بما روى محمدُ بن على أبو جعفرٍ عن أسامة بن زيد قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البيت . أخرجه أحمد (5). ... ... ... ... ... ... ... ... { 317 }
(
__________
(1) تقدم مختصراً رقم 153 ص 111 ( الصلاة بين الأعمدة ) .
(2) ص 304 فتح البارى ( من كبر فى نواحى الكعبة ) .
(3) ص 210 ج1 مسند أحمد ( مسند الفضل بن عباس رضى الله عنهما ) .
(4) ص 87 ج9 نووى مسلم ( دخول الكعبة ) .
(5) ص 201 ج5 مسند أحمد ( حديث أسامة بن زيد رضى الله عنهما ) .(1/268)
ب ) بما قال أبو الشعثاء : خرجت حاجاً فدخلت البيت فلما كنت عند الساريتين وجاء ابن عمر فصلى أربعاً فقلت له أين صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من البيت ؟ فقال : ها هنا أخبرنى أسامة بن زيد أنه صلى ( الحديث ) أخرجه أحمد(1). ... ... ... ... ... ... ... ... { 318 }
( فالراجح ) القول بجواز الصلاة فيها مطلقاً ( وعليه ) فإن صلى الإمام فيها جماعة فلا يخلو من أحد وجوه أربعة ( الأول والثانى ) : أن يجعل المأموم وجهه أو ظهره إلى ظهر الإمام ، فصلاته صحيحة بلا كراهة . لأنه متوجه إلى القبلة وليس متقدماً على إمامه ( الثالث ) أن يجعل وجهه إلى وجه الإمام . فصلاته صحيحة – لعدم تقدمه – مع الكراهة لاستقباله الصورة بلا حائل ( الرابع ) أن يجعل ظهره إلى وجه الإمام ، فلا تصح صلاته ، لتقدمه على إمامه فى جهته .
( السابع ) أحكام المساجد
خصت هذه الأمة بجواز الصلاة فى أى موضع من الأرض غير ما تقدم من المواضع المنهى عن الصلاة فيها لما فى " حديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : وجُعِلتْ لِىَ الأرضُ طهوراً ومسجداً ، فأيٌّمَا رجل من أمتى أدركته الصلاة فليْصل حيث أدركته . أخرجه أحمد والشيخان والنسائى(2) . ... ... { 319 }
والكلام هنا ينحصر فى عشرة فروع :
(
__________
(1) ص 204 منه .
(2) ص 187 ج2 – الفتح الربانى وص 298 ج1 فتح البارى ( التيمم ) وص 3 ج5 نووى مسلم ( المساجد ) وص 73 ج1 مجتبى ( التيمم بالصعيد ) وأوله : أعطيت خمساً .(1/269)
1 ) فضل بناء المساجد : من بنى مسجداً مخلصاً لله تعالى فله أجر عظيم وثواب دائم . وقد ورد فى ذلك أحاديث ( منها ) حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ بنى لله مسجداً ولو كَمَفْحَص قطاة لبيضها بنى الله له بيتاً فى الجنة . أخرجه أحمد وابن حبان والبزار بسند جيد(1). ... ... ... { 320 }
(وحديث) عثمانَ بن عفان رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:من بنى لله مسجداً يبتغى به وجه الله بنى الله له مثله فى الجنة.أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه والترمذى وقال:حديث حسن صحيح(2).{321}
وهذا من باب التقريب ، وإلا فما فى الجنة لا مثيل له .
(وحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إنّ مما يلحقُ المؤمنَ من عمله وحسناتِه بعد موته علماً علمه ونشره،وولدا صالحاً تركه،ومصحفاً ورثه،أو مسجداً بناه،أو بيتاً لابن السبيل بناه ، أو نهراً أجراه،أو صدقةً أخرجها من ماله فى صحته وحياته تلحقه من بعد موته أخرجه ابن ماجه والبيهقى بسند حسن(3).{322}
( وحديث ) عمرو بن عتبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من بنى لله مسجداً لِيُذْكَرَ اللهُ تعالى فيه بنى الله له بيتاً فى الجنة . أخرجه أحمد والنسائى بسند جيد(4). ... ... ... ... ... { 323 }
(
__________
(1) ص 47 ج3 – الفتح الربانى . و ( مفحص ) ، كمذهب موضع تبيض فيه القطاة . وهى طائر . وهو محمول على المبالغة ، لأن المفحص لا يكفى للصلاة ، أو محمول على أن يشترك جماعة فى بناء مسجد فتكون حصة كل قدر المفحص .
(2) ص 46 ج3 – الفتح الربانى . وص 365 ج1 فتح البارى ( من بنى مسجداً ) وص 14 ج5 نووى مسلم ( فضل بناء المساجد ) وص 129 ج1 سنن ابن ماجه ( من بنى الله مسجداً ) وص 264 ج1 تحفة الأحوذى فضل بنيان المساجد ) .
(3) انظر رقم 2497 ص 540 فيض القدير .
(4) ص 47 ج3 – الفتح الربانى . وص 112 ج1 مجتبى ( الفضل فى بناء المساجد ) .(1/270)
2 ) اتخاذ القبور مساجد : يجوز – عند الجمهور – نبش قبور الكفار واتخاذ أرضها مسجداً " روى " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم أُمِر ببناء المسجد فأرسلَ إلى بنى النجّار فقال يا بنى النجار ثامنونى بحائطكم هذا فقالوا : والله ما نطلبُ ثمنهُ إلا إلى الله وكان فيه قبورُ المشركين وفيه خرِب وفيه نخْل ، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فَنُبِشتْ ، ثم بالخَرِبَ فَسُوِّيتْ ثم بالنخل فَقُطِعَ . فصَفوا النخل قبله المسجد ، وجعلوا عِضادتيه الحجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجون والنبى صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول : اللهم لا خير إلا خيرُ الآخرة. فانصرَ الأنصار والمهاجِرهْ.أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى من حديث طويل(1).{
__________
(1) ص 76 ج3 الفتح الربانى وصدره : كان موضع مسجد النبى صلى الله عليه وسلم لبنى النجار فقال لهم امنونى وص 354 ج1 فتح البارى (هل تنبش قبور مشركى الجاهلية ؟ ) وص 6 ج5 نووى مسلم ( المساجد ... ) وص 52 ج4 – المنهل العذب ( بناء المساجد ) وص 114 ج1 = مجتبى ( نبش القبور واتخاذها مساجد ) و ( أمر ببناء المسجد ) أى مسجد المدينة . و ( ثامنون ) ، أى ساومونى فى الثمن . و ( إلا إلى الله ) إلى بمعنى من . وقد صرح بها عند الإسماعيل قال : فقالوا لا نطلب ثمنه إلا من الله . وزاد ابن ماجه : ابداً . وظاهر الحديث أنهم لم يأخذوا منه ثمناً " ولا ينافيه " ما رواه ابن سعد فى الطبقات عن الواقدى أن النبى صلى الله عليه وسلم اشتراه منهم بعشرة دنانير دفعها أبو بكر رضى الله عنه " لأن هذا " كان من بنى النجار فى مبدأ المساومة ، فلما تبين أن الأرض كانت ليتيمين لم يقبل النبى صلى الله عليه وسلم منهما التبرع فأمر أبا بكر بدفع الثمن لهما . و ( خرب ) بفتح الخاء وكسر الراء بعدها موحدة ، جمع خربة ككلم وكلمة ( وحكى ) الخطابى كسر أوله وفتح ثانيه ، جمع خربة كعنب وعنبة ..و ( عضادتيه ) تثنية عضادة بالكسر جانب الباب .(1/271)
324}
نهى أن ندخل بيوتهم فكيف قبورهم ( ورد ) بأن هذا قياس معارض بالنص فلا يعول عليه ( وأما بناء المساجد ) فى مقابر المسلمين فلا يجوز ما لم تندرس " لحديث " جُنْدُب بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبورَ مساجدَ ، إنى أنهاكم عن ذلك . أخرجه مسلم والنسائى(1). ... ... ... ... ... ... ... { 326 }
__________
(1) ص 111 ج 18 نووى مسلم ( النهى عن الدخول على أهل الحجر إلا من يدخل باكياً – الزهد ) و ( الحجر ) بكسر فسكون ، مساكن ثمود بوادى القرى بين المدينة والشام .(1/272)
فاتخاذ القبور التى لم تندرس مساجدَ حرام كما يحرم بناء المساجد على القبور ويجب هدم كل مسجد بنى على قبر (1) .
__________
(1) ومن هذا المسجد الذى بنى على مغارة الخليل بفلسطين ( قال ) تقى الدين ابن تيمية ( ولما كان ) اتخاذ القبور مساجد وبناء المسجد عليها محرماً ، ولم يكن شئ من ذلك على عهد الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، ولم يكن يعرف قط مسجد على قبر ، وكان الخليل عليه السلام فى المغارة التى دفن فيها وهى مسدودة لا أحد يدخل إليها ، ولا تشد الصحابة الرحال لا إليه ولا إلى غيره من المقابر ، لأن فى الصحيحين من حديث أبى هريرة وأبى سعيد رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدى هذا ، والمسجد الأقصى ( يأتى رقم 348 ص 240 ) ( فكان ) يأتى من يأتى منهم إلى المسجد الأقصى يصلون فيه ثم يرجعون لا يأتون مغارة الخليل ولا غيرها ، وكانت مغارة الخليل مسدودة حتى استولى النصارى على الشام فى أواخر المائة الرابعة ، ففتحوا الباب وجعلوا ذلك المكان كنيسة . ثم إلى فتح المسلمون البلاد اتخذه بعض الناس مسجداً وأهل العلم ينكرون ذلك " والذى " يرويه بعضهم فى حديث الإسراء انه قيل للنبى صلى الله عليه وسلم : هذه طيبة أنزل فصل فنزل فصلى ..هذه مكان أبيك أنزل فصل " كذب " موضوع لم يصل النبى صلى الله عليه وسلم تلك الليلة إلا فى المسجد الأقصى خاصة كما ثبت ذلك فى الصحيح ، ولا نزل إلا فيه ( ولهذا ) لما قدم الشام من الصحابة من لا يحصى عددهم إلا الله وقدمها عمر بن الخطاب لما فتح بيت المقدس ، وبعد فتح الشام لما صالح النصارى على الجزة وشرط عليهم الشروط المعروفة ، وقدمها مرة ثالثة حتى وصل إلى سرغ " بفتح فسكون ، موضع قرب تبوك " ومعه أكابر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ( فلم يذهب ) أحد منهم إلى مغارة الخليل ولا غيرها من آثار الأنبياء التى بالشام لا ببيت المقدس ولا بدمشق ولا غير ذلك ، مثل الآثار الثلاثة التى بجبل قابسيون فى غربيه الربوة المضافة إلى عيسى عليه السلام ، وفى شرقية المقام المضاف إلى الخليل عليه السلام ، وفى وسطه وأعلاه مغارة الدم المضافة إلى هابيل لما قتله قابيل . فهذه البقاع وأمثالها لم يكن السابقون الأولون يقصدونها ولا يزورونها ولا يرجعون منها بركة ، فإنها محل الشرك . ولهذا توجد فيها الشياطين كثيراً ، وقد رآهم غير واحد على صورة الإنس ، ويقولون لهم رجال الغيب ، يظنون أنهم رجال من الإنس غائبين عن الأبصار، وإنما هم جن والجن يسمون رجالا كما قال الله تعالى : " وأنه كان رجال من الإنس يعزذون برجال من الجن فزادهم رهقاً " . انظر ص 121 تفسير سورة الإخلاص .(1/273)
وإنما نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة فى تعظيمه والافتتان به وربما أدّى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية .
" ولما " احتاجت الصحابة والتابعون رضى الله عنهم إلى الزيادة فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون ، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ، وفيها حجرة عائشة مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبى بكر وعمر " بنوا " على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله ، لئلا يظهر فى المسجد فيصلى إليه العوامّ ويؤدى إلى المحظور . ثم بنوا جدارين من ركنى القبر الشماليين حرفوهما حتى التقيا ، فلا يتمكن أحد من استقبال القبر ( وقد حمل ) بعضهم الوعيد على من كان فى ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان . وهو تقييد بلا دليل . لأن التعظيم والافتتان لا يختصان بزمان دون زمان " وقد " يؤخذ : ( أ ) من قوله صلى الله عليه وسلم : إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبو أنبيائهم مساجد .
(ب) ومما روى ابن عباس قال : لعن النبى صلى الله عليه وسلم زائرات القبور ، والمتخذين عليها المساجد والسرج . أخرجه أحمد والأربعة (1). ... ... ... ... ... ... ... { 327 }
" أن محل " الذم على ذلك أن تتخذ المساجد على القبور بعد الدفن ، لا لو بنى المسجد أوى وجعل القبر فى جانبه ليدفن فيه واقف المسجد أو غيره فليس بداخل فى ذلك ( قال ) العراقى : والظاهر أنه لا فرق ، وأنه إذا بنى المسجد لقصد أن يدفن فى بعضه ، فهو داخل فى اللعنة . بل يحرم الدفن فى المسجد . وإن شرط أحد أن يدفن فيه لم يصح الشرط ، لأنه مخالف لمقتضى وقفه مسجداً . وإن قُبِرَ ميت فى مسجد وطال مكثه سوى القبر حتى لا تظهر صورته . ويحرم دفن الميت فى المسجد .
(
__________
(1) انظر رقم 13 ص 8 ج8 – الدين الخالص ( محظورات القبر ) .(1/274)
قال ) النووى فى المجموع : وأما حفر القبر فى المسجد فحرام شديد التحريم أهـ . و إن اندرست القبور سُوِّيتْ وحلّ اتخاذها مسجداً .
( قال ) ابن القاسم المالكى : لو أن مقبرة من مقابر المسلمين عفت فبنى قوم عليها مسجداً لم أر بذلك بأساً. ( وقال ) ابن الماجشون : المقبرة إذا ضاقت عن الدفن وبجانبها مسجد ضاق بأهله لا بأس أن يوسّع المسجد ببعضها ، والمقبرة والمسجد حبس على المسلمين ( وقالت ) الحنبلية : إذا صار الميت رميماً جازت زراعة المقبرة وحرثها والبناء عليها ، وإلا فلا يجوز .
( وقال ) الحنفيّون : المسجد إذا خرب ودَثرَ ولم يبق حوله جماعة . والمقبرة إذا عَفتْ وَدَثرَتْ تعود ملكاً لأربابها . وجاز أن يُبنى موضعَ المسجد دار ، وموضعَ المقبرة مسجدٌ وغيرُ ذلك . فإن لم يكن لها أرباب تكون لبيت المال . هذا . وإذا نبشت المقبرة ونقل ترابها ولم يكن هناك نجاسة تخالط أرضها جازت الصلاة فيها .
(3) يجوز جعل الكنائس والبيع مساجد " لحديث " عثمانَ بن أبى العاِص أن النبى صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعلَ مسجد الطاِئف حيث كان طواغيُتهم أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم بسند جيد (1). ... { 328 }
وكذلك فعل الصحابة والسلف الصالح لما فتحوا البلاد . حوَّلوا كنائسها مساجد ومدارس انتهاكاً للكفر ومحواً لأثره .
(4) يسن لمن أراد دخول المسجد أن يدخل برجله اليمنى ويصلىَ ويسلم على النبى صلى الله عليه وسلم وأن يدعوَ بما فى حديث من هذه الأحاديث :
__________
(1) ص 47 ج4 – المنهل العذب ( بناء المساجد ) وص 130 ج1 – سنن ابن ماجه ( أين يجوز بناء المساجد ؟ ) و ( طواغيتهم ) جمع طاغوت. يطلق على الشيطان والصْم وهو المراد هنا . والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل المسجد فى المكان الذى كانت فيه أصنامهم .(1/275)
1- حديث أبى حُمْيدٍ وأبى أسيْد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل أحدُكم المسجد فَلْيُسلِّمْ على النبى صلى الله عليه وسلم ثم لْيَقُلْ : اللهم افتح لى أبواب رحمتك . وإذا خرج فليقل : اللهم عن أسألك من فضلك . أخرجه أبو داود وابن ماجه (1). ... ... ... ... ... ... ... { 329 }
2- حديث فاطمةَ بنتِ الحُسين عن جدّتها فاطمةَ الزهراء قالتْ : كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال : باسم الله والسلامُ على رسول الله ، اللهم اغفر لى ذنوبى وافتح فى أبواب رحمتك . وإذا خرج قال : باسم الله والسلام على رسول الله ، اللهم اغفر فى ذنوبى وافتح لى أبواب فضلك . أخرجه أحمد وابن ماجه وكذا الترمذى بلفظ : إذا دخلَ المسجدَ صلى على محمد وسلم وقال : رب اغفر لى ... وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال : رب اغفر لى ... وهو رواية لأحمد . وقال الترمذى : حديث حسن وليس إسناده بمتصل ، وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى . إنما عاشت فاطمة بعد النبى صلى الله عليه وسلم أشهراً (2). { 330 }
3- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال : أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم قال : فإذا قال ذلك قال الشيطان : حُفِظَ منى سائر اليوم . أخرجه أبو داود بسند جيد(3). ... ... ... ... ... ... ... { 331 }
__________
(1) ض 73 ج4 – المنهل العذب ( فيما يقول الرجل عند دخول المسجد ) وص 134 ج1 – سنن ابن ماجه ( الدعاء عند دخول المسجد ) .
(2) ص 52 ج3 – الفتح الربانى . وص 134 ج1 سنن ابن ماجه . وص 261 ج1 تحفة الأحوذى ( ما يقول عند دخوله المسجد ) .
(3) ص 75 ج4 – المنهل العذب ( فيما يقول الرجل عند دخوله المسجد ) .(1/276)
4- وعن ابن عباس فى قوله تعالى : { فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ } قال : هو المسجد إذا دخلتَه فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . أخرجه أحمد وعبد الرازق والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين(1) ... { 93 }
5- حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل أحدكم المسجد فليسلِّم على النبى صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم افتح لى أبواب رحمتك . وإذا خرج فليسلم على النبى صلى الله عليه وسلم وليقل : اللهم عصمنى من الشيطان الرجيم . أخرجه ابن حبان والبيهقى وابن ماجه(2) ... ... ... { 332 }
(5) يطلب ممن دخل المسجد غير المسجد الحرام ألاَّ يجلس حتى يصلى ركعتين تحية المسجد " لحديث " أبى قتادة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس . أخرجه الستة والبيهقى وقال الترمذى حسن صحيح(3) . ... ... ... ... ... { 333 }
(
__________
(1) ص 55 ج4 فتح القدير الشوكانى . وص 401 ج2 مستدرك .
(2) ص 442 ج2 – السنن الكبرى ( ما يقول إذا دخل المسجد ) وص 134 ج1 سنن ابن ماجه ( الدعاء عند دخول المسجد ) .
(3) ص 361 ج1 – فتح البارى ( إذا دخل المسجد .. ) وص 225 ج5 نووى مسلم ( استحباب تحية المسجد .. ) وص 77 ج4 – المنهل العذب ( ما جاء فى الصلاة عند دخول المسجد ) ولفظه : إذا جاء أحدكم . وص 119 مجتبى ( الأمر بالصلاة قبل الجلوس فيه ) وص 262 ج1 تحفة الأحوذى ( إذا دخل أحدكم المسجد .. ) وص 53 ج3 – السنن الكبرى ( تحية المسجد ) .(1/277)
والعدد ) لا مفهوم له ( ولظاهر ) الأمر قالت الظاهرية بوجوب تحية المسجد على كل من دخله فى وقت تجوز فيه الصلاة . وقال بعضهم تجب فى كل وقت ، لأن فعل الخير لا يمنع إلا بدليل ( وقال ) الجمهور : الأمر للندب فهى سنة لما تقدم أن طلحة بن عبيد الله قال : جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم يسألُ عن الإسلام ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: خمسُ صلوات فى اليوم والليلة . قال : هل علىّ غيرُهن ؟ قال لا إلا أن تطّوع (1).
" ولقول " عبد الله بن بُسْر : جاء رجل يتخطَّى رقابَ النِاس يومَ الجمعة والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له النبى صلى الله عليه وسلم:اجلس فقد آذيت وآنيت . أخرجه أحمد والطحاوى وأبو داود والنسائى(2). {334}
__________
(1) تقدم رقم 5 ص3 ج2 طبعة 2 – الصلاة ) .
(2) ص 71 ج6 – الفتح الربانى وص 215 ج1 شرح معانى الآثار ( الرجل يدخل المسجد يوم الجمعة ... ) وص 285 ج6 – المنهل العذب (تخطى رقاب الناس يوم الجمع ) وص 207 ج1 مجتبى ( النهى عن تخطى رقاب الناس .. ) ( آنيت ) أى تأخرت .(1/278)
أمره بالجلوس ولم يأمره بالصلاة ( قال ) البدر العينى : لو قلنا بوجوب تحية المسجد لَحَرُمَ على المحدث الحدثَ الأصغر دخولُ المسجد حتى يتوضأ ولا قائل به . فإذا جاز الدخول المسجد على غير وضوء ، لزم منه أن لا يجب عليه صلاة تحية المسجد عن دخوله(1) ( وهذه ) الأحاديث تدل على مشروعية تحية المسجد فى كل وقت حتى وقت خطبة الجمعة . وبه قال الشافعية وابن عيينة وابن المنذر وداود وإسحاق بن راهويه والحسن البصرى ، لعموم هذه الأحاديث " ولحديث " جابر بن عبد الله قال : جاء سُليك الغطفانىّ يومَ الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال له : يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوّز فيهما . ثم قال : إذا جاء أحدُكم يومَ الجمعة والإمامُ يخطب فليْركعْ ركعتين ولْيَتَجوَّزَ فيهما . أخرجه مسلم(2) ... ... ... ... { 335 }
" وأما " أحاديث النهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس "فمحمولة" على مالا سبب له من الصلوات " لقول " أم سلمة : دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر فصلى سجدتين قلت : يا بنى الله أنزل عليك فى هاتين السجدتين ؟ قال : لا ولكن صليت الظهر فشغلت ( أى عن راتبته ) فاستدركتها بعد العصر . أخرجه أحمد بسند لا بأس به(3). ... ... ... { 336 }
( وقالت ) الحنبلية : تُسنّ التحية وقت الخطبة وتحرم فى أوقات النهى ولا تنعقد ( وقال ) الحنفيون وابن سيرين وعطاء بن أبى رباح والليث وشُرَيح والأوزاعى : تكره تحية المسجد فى أوقات النهى وحال خطبة الجمعة.
(
__________
(1) ص 202 ج4 عمدة القارى ( إذا دخل أحدكم المسجد .. ) .
(2) ص 164 ج6 نووى مسلم ( التحية والإمام يخطب ) .
(3) ص 309 ج6 مستدرك ( حديث أم سلمة رضى الله عنها ) .(1/279)
وقالت ) المالكية : تكره بعد صلاة الصبح والعصر وتحرم حال الخطبة ووقت طلوع الشمس وغروبها "لحديث" ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل أحدُكم المسجدَ والإمامُ على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمامُ . أخرجه الطبرانى . وفى سنده أيوب بن نهيك منكر الحديث ومتروك ضعفه جماعة وذكره ابن حبان فى الثقات وقال : يخطئ (1) . ... ... ... ... ... ... { 337 }
فهو حديث لا يحتج به ولا يعارض الأحاديث الصحيحة .
" وأما أمره " صلى الله عليه وسلم سُلَيْكاً بصلاة الركعتين " فأجابوا " عنه بوجوه كلها ضعيفة . ويعارضها ما تقدّم فى الحديث الصحيح عن جابر ابن عبد الله من قوله صلى الله عليه وسلم : إذا جاء أحدُكم يومَ الجمعة والإمامُ يخطبُ فلْيركعْ ركعتين ولْيتَجوّزْ فيهما (2) ( وهو ) يرد ما قبل من أن قصة سليك واقعة عين لا عموم لها (وأقوى ) دليل لمن قال بعدم جواز الصلاة حال الخطبة ( حديث ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت . أخرجه الجماعة إلا الترمذى(3). ... { 338 }
(
__________
(1) ص 184 ج2 مجمع الزوائد ( فيمن يدخل المسجد والإمام يخطب ) .
(2) تقدم عجز رقم 335 .
(3) انظر رقم 801 ص 418 ج1 فيض القدير .(1/280)
ووجه ) الدلالة أنه إذا مُنع من هذه الكلمة مع كونها أمراً بمعروف ونهياً عن منكر فى زمن يسير وهو واجب ، فلأن يمنع من الركعتين مع كونهما مسنونتين وفى زمن طويل من باب أولى ( ورد ) بأن هذا قياس فى مقابلة النص فلا يعوّل عليه . ( فالراجح ) القول بمشروعية تحية المسجد حال الخطبة ويؤيده أن النبى صلى الله عليه وسلم قطع الخطبة وهى فرض وأمر سليكاً بالصلاة ( وهذا ) يدلّ دلالة قاطعة على تأكد صلاة ركعتى التحية إذ معلوم أن الفرض وهو الخطبة لا يقطع إلا لمتأكد فعله . هذا . ولا تفوت التحية بالجلوس ولو طال عند الحنفيين ومالك ، ولما تقدّم أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر سُليكاً بالصلاة بعد جلوسه ( ولقول ) أبى ذر : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد فجلست فقال : هل صليت : قلت لا . قال : قم فصلّ فقمت فصليت ثم جلست ( الحديث ) أخرجه أحمد وأخرجه ابن حبان نحوه فى باب تحية المسجد لا تفوت بالجلوس(1). { 339 }
( وقالت ) الشافعية : لا تفوت بالجلوس سهواً أو نسياناً وتفوت بالجلوس عمداً ولو قصر ولا يشرع قضاؤها ( ورده ) الحافظ بحديث أبى ذر وقصة سليك . ثم قال : ويحتمل أن يحمل مشروعيتها بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل(2) ( وقالت ) الحنابلة : لا تفوت إلا بالجلوس الطويل .
( وتتكرر ) بتكرر دخول المسجد عند الشافعية ، لظاهر الأحاديث .
( وقال ) الحنفيون : لا تتكرر بتكرر الدخول بل يكفيه ركعتان لها فى اليوم ( وقال ) المالكيون : إن رجع
عن قرب كفته الأولى وإلا كررها .
(
__________
(1) ص 178 ج5 – مسند أحمد ( حديث أبى ذر الغفارى رضى الله عنه ) .
(2) ص 361 ج1 فتح البارى ( إذا دخل المسجد فليركع ركعتين ) .(1/281)
وقال ) الحنبليون : تُسنّ تحية المسجد لكل داخل فى غير وقت النهى قبل أن يجلس إذا كان متطهراً . وتتكرر بتكرر الدخول لغير مقيم بالمسجد يتكرر دخوله وغير داخل لصلاة العيد فيه لعذر كمطر ، وغير خطيب دخل للخطبة ، لأن المطلوب منه أن يصعد المنبر عند دخوله اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم . ( وتطلب ) التحية ممن دخل المسجد مجتازاً عند الجمهور ، لعموم الأحاديث . ( وقالت ) المالكية : لا يطالب المجتاز بالتحية . لأنه صلى الله عليه وسلم علق تأديتها بالجلوس حيث قال : إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين . أخرجه ابن ماجه عن المطلب بن عبد الله عن أبى هريرة بسند رجاله ثقات وهو منقطع . المطلب بن عبد الله لم يلق أبا هريرة (1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 340 }
فينتفى طلبها بانتفاء الجلوس ( ورد ) بان الجلوس ليس هو المقصود بالتعليق عليه بل المقصود الوجود فى البقعة " لحديث " أبى قتادة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا جاء أحدكم المسجد فَلْيُصَلِّ سجدتين قبل ان يجلسَ، ثم لْيقعد بعدُ إن شاء أو لِيذْهَبْ لحاجته . أخرجه أبو داود(2). ... ... ... ... { 341 }
" فوائد " ( الأولى ) هل يصلى التحية من دخل المسجد لصلاة العيد إذا دعت ضرورة إلى صلاتها فيه ؟ (قالت ) الحنبلية : لا يصليها كما تقدّم .
( وعند ) الجمهور يصليها ، لعموم الحديث " ولا ينافيه " قول ابن عباس رضى الله عنهما : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما " الحديث " أخرجه أبو داود(3).{342}
__________
(1) ص 164 ج1 – سنن ابن ماجه ( من دخل المسجد فلا يجلس حتى يركع ) .
(2) ص 82 ج4 – النهل العذب ( ما جاء فى الصلاة عن دخول المسجد ) .
(3) ص 340 ج6 منه ( الصلاة بعد صلاة العيد ) .(1/282)
" لأنه " محمول على صلاته صلى الله عليه وسلم فى الصحراء كما كانت عادته صلى الله عليه وسلم . وما صلاها فى المسجد إلا لضرورة مطر كما سيأتى فى صلاة العيد إن شاء الله تعالى .
( الثانية ) كان من هدى النبى صلى الله عليه وسلم أن الداخل إلى المسجد يبتدئ بركعتين تحية للمسجد ثم يسلم على القوم ، فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله ، فإن تلك حق الله تعالى ، والسلام على الخلق حق لهم وحق الله تعالى فى مثل هذا أحق بالتقديم . بخلاف الحقوق المالية فإن فيها نزاعاً معروفاً عند الفقهاء ، وكانت عادة القوم معه صلى الله عليه وسلم هكذا يدخل أحدهم المسجد فيصلى ركعتين ثم يسلم على النبى صلى الله عليه وسلم .
( ففى حديث ) رفاعة بن رافع أن النبى صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس فى المسجد يوماً ونحن معه إذْ جاءه رجل كالبدوى فصلى فأخفَّ صلاته ثم انصرف فسلم على النبى صلى الله عليه وسلم .فقال النبى صلى الله عليه وسلم : وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل (الحديث)أخرجه أحمد والترمذى وهذا لفظه وحسِّنه(1).{343}
( فأنكر ) صلى الله عليه وسلم صلاته ولم ينكر عليه تأخير السلام عليه بعد الصلاة ( وعلى هذا ) فَيسنّ لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مرتبة : أن يقول عند دخوله باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم يصلى ركعتين تحية المسجد ، ثم يسلم على القوم .
(
__________
(1) ص 156 ج3 – الفتح الربانى . وص 247 ج1 تحفة الأحوذى ( وصف الصلاة ) .(1/283)
الثالثة ) ما تقدم من طلب صلاة تحية المسجد إنما هو فى غير المسجد الحرام . أما هو فتحيته الطواف ، إلا لمن أراد الجلوس قبل الطواف . فإنه يشرع له أن يصلى التحية ( الرابعة ) يسنّ للقادم من سفر أن يبدأ بالمسجد فيصلى فيه ركعتين " لقول " كعب بن مالك فى حديث تخلفه عن تبوك : وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً . وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين . أخرجه أحمد والشيخان والثلاثة (1). ... { 344 }
وينبغى لمن يدخل المسجد لصلاة أو غيرها أن ينوى الاعتكاف .
(6) السعى إلى المساجد والجلوس فيها للطاعة من أسباب السعادة فى الدنيا والآخرة ، وقد ورد فى ذلك عدة أحاديث ( منها ) حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن للمساجد أوتاداً الملائكةُ جلسلؤهم ، إن غابوا يفتَقِدونهم ، وإن مَرِضوا عادوهم ، وإن كانوا فى حاجة أعانوهم . ثم قال : جليس المسجد على ثلاث خصال : أخٌ مستفاد ، أو كلمةُ مْحكمة ، أو رحمة مُنْتظرة . أخرجه أحمد والمنذرى . وفى سنده ابن لهيعة ، متكلم فيه . وأخرج الحاكم صدره من حديث عبد الله بن سلام . وقال : صحيح على شرط الشيخين(2). { 345 }
(
__________
(1) ص 457 ج3 مسند أحمد . وص 82 ج8 فتح البارى ( حديث كعب بن مالك – المغازى ) وص 129 ج3 تيسير الوصول ( سورة براءة ) .
(2) ص 22 ج2 مجمع الزوائد ( لزوم المساجد ) وص 49 ج3 – الفتح الربانى . وص 398 ج2 مستدرك . و ( الأوتاد ) جمع وتد بكسر التاء وتفتح ، والمراد بهم من يكثرون الجلوس فى المساجد للطاعة .(1/284)
دل ) الحديث على فضل من لازم المسجد ، وأنه لا يعدم صحبة أخ صالح يستفيد منه نصيحة أو مساعدة أو بيان آية قرآنية أو مسألة علمية ، أو رجاء رحمة من رب البرية . فقد ثبت أن الجالس فى المسجد تدعو له الملائكة بالمغفرة والرحمة . ودل على أن الملائكة تجالسه ، فإن غاب بحثوا عنه ، وإن مرض عادوه . وفى ذلك فليتنافس المتنافسون ( وحديث ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من غدا إلى المسجد وراح أعدّ اللهُ له الجنةَ نُزُلا كلما غدا وراح . أخرجه أحمد والشيخان(1). ... ... ... ... ... { 346 }
( وحديث ) أبى سَعيد الخدرىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيتم الرجلَ يعتاد المسجد فاشهدوا عليه بالإيمان . قال الله عز وجل : إنَّمَا يَعْمرُ مساجدَ الله مَن آمنَ باللهِ وَاليومِ الآخرِ . أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقى والترمذى ، وقال : حسن غريب ، والحاكم وقال صحيح الإسناد (2). ... ... ... { 347 }
__________
(1) ص 50 ج3 – الفتح الربانى . وص 103 فتح البارى ( فضل من غدا للمسجد ومن راح ) وص 170 ج5 نووى مسلم ( ثواب المشى إلى الصلاة ) و ( الغدو ) الذهاب أول النهار ( والرواح ) الرجوع آخره . والمراد مطلق الذهاب والإياب ( والنزل ) المنزل وما يعد للضيف . والمراد به الأجر والثواب .
(2) ص 50 ج36 – الفتح الربانى . وص 138 ج1 سنن ابن ماجه ( لزوم المسجد ... ) وص 66 ج3 – السنن الكبرى ( فضل المساجد وفضل عمارتها بالصلاة فيها.. ) وص 212 ج1 مستدرك . وقوله : صحيح الإسناد يرده أن فيه دراجاً أبا السمح قال الذهبى : دراج كثير المناكير .(1/285)
وتقدم حديث : إذا توضأ أحدُكم فأحسنَ الوُضوء ثم خرج إلى الصلاة لم يرفعْ قدمه اليمنى إلا كتبَ الله عز وجل له حسنة ، ولم يضعْ قدمه اليسرى إلا حطّ الله عز وجل عنه سيئةً ، فَليقرِّب أحدُكم أو لِيُبعِّدْ فإن أتى المسجد فصلى فى جماعة غفر له(1) . والأحاديث فى هذا كثيرة تقدم بعضها فى بحث " فضل الوضوء " (2).
(
__________
(1) تقدم رقم 78 ص 49 .
(2) تقدم ص 239 ج1 طبعة ثانية .(1/286)
7) أفضل المساجد : أفضلها المسجد الحرام ثم المسجد النبوى ثم مسجد بيت المقدس ثم مسجد قباء ثم القدم فالأقدم ( لحديث ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدى هذا و المسجد الأقصى . أخرجه السبعة إلا الترمذى(1)
__________
(1) انظر رقم 9802 ص 403 ج6 فيض القدير . وص 42 ج3 فتح البارى ( فضل الصلاة فى مسجد مكة والمدينة ) وص 167 ج9 نووى مسلم ( فضل المساجد الثلاثة ) . و ( الرحال ) جمع رحل ، وهى فى الأصل الإبل . والمراد هان مطلق السفر ، عليها او على غيرها . أى لا ينبغى السفر لقصد الصلاة إلا لهذه المساجد الثلاث . ففى رواية لأحمد : لا ينبغى للمصلى أن يشد رحاله إلى مسجد يبغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا ( قال ) الشيخ تقى الدين السبكى : ليس فى الأرض بقعة لها فضل لذاتها حتى تشد الرحال إليها لذلك الفضل غير البلاد الثلاثة . والمراد بالفضل ما شهد به الشرع ورتب عليه حكماً وأما غيرها فلا تشد إليها الرحال لذاتها ، بل لطلب العلم والتجارة وصلة الرحم وزيارة الصالحين والإخوان وغير ذلك . وزعم بعضهم أن شد الرحال إلى زيارة من فى غير البلاد الثلاثة داخل فى المنع . وهو خطأ ، لأن المستثنى يكون من جنس المستثنى منه . ومعنى الحديث لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد ، أو إلى مكان من الأمكنة لأجل ذلك المكان ، إلا إلى الثلاثة المذكورة . وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المكان بل إلى من فيه أهـ و ( المسجد الحرام ) أول مسجد = وضع فى الأرض وهو مسجد مكة قال تعالى : إن أول بيت وضع الناس للذى ببكة مباركاً ( آل عمران آية 96 ) وقال ابو ذر : قلت يا رسول الله أى مسجد وضع فى الأرض أولا ؟ قال المسجد الحرام قلت ثم أى ؟ قال المسجد القصى قلت كم بينهما ؟ قال أربعون سنة ( الحديث ) أخرجه احمد ومسلم والنسائى وابن ماجه وأبو داود الطيالسى ..ص 150 ج5 مسند أحمد وص 2 ج5 نووى مسلم (المساجد ) وص 112 ج1 مجتبى وص 131 ج1 سنن ابن ماجه ( أى مسجد وضع أولا ) ورقم 462 ( مسند الطيالسى ) بنى المسجد الحرام سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام . وبنى المسجد الأقصى حفيده سيدنا يعقوب عليه السلام بعد أربعون عاماً . ثم جدده سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام = وعلى هذا يحمل حديث عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سليمان لما بنى بيت المقدس سال الله عز وجل خلالا ثلاثة ( الحديث ) أخرجه النسائى بسند صحيح ص 112 ج1 مجتبى . ( فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه ) قال بدر الدين محمد بن عبد الله الزوكشى : إن سليمان عليه السلام إنما كان له من المسجد الأقصى تجديده لا تأسيسه . والذى أسسه يعقوب بن إسحاق صلى الله عليهما وسلم بعد بناء إبراهيم الكعبة بهذا القدر يعنى أربعين عاماً ( ص 4 إعلام الساجد بأحكام المساجد رقم 1582 فقه عام بالمكتبة الأزهرية ) ومنه يعلم ( أولا ) أن المسجد الأقصى كان قائماً حين نزلت آية الإسراء . ويؤيده حديث أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التى يربط بها الأنبياء ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ( الحديث) أخرجه أحمد ومسلم ( انظر هامش ص 147 ج5 الدين الخالص ) ولا حاجة إلى التأويل وصرف لفظ القرآن والحديث إلى ما يخالف الحقيقة . وما كان من عمر رضى الله عنه – حين فتح القدس سنة 16 ست عشرة هجرية صلحاً – إلا تجديد المسجد لا تأسيسه " ومن زعم " أن المسجد الأقصى لم يكن قائماً حين نزلت آية الإسراء " فزعمه " باطل يرده الواقع والكتاب والسنة ( ثانياً ) دلت الأحاديث السابقة على أن المسجد الأقصى هو بيت المقدس الذى طلب مطعم بن عدى من النبى صلى الله عليه وسلم أن يصفه لهم . فقال صلى الله عليه وسلم : دخلته ليلا وخرجت منه ليلا . فأتاه جبريل عليه السلام فصوره فى جناحه فجعل يقول باب منه كذا فى موضع كذا وباب منه كذا فى موضع كذا . ويؤيده حديث ميمونة مولاة النبى صلى الله عليه وسلم أنها قالت : يا رسول الله أفتنا فى بيت المقدس . فقال صلى الله عليه وسلم : ائتوه فصلوا فيه فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج فى قناديله . أخرجه أبو داود وابن ماجه ( ص 64 ج4 المنهل العذب المورود – السرج فى المساجد ) . ( قال ) ابن كثير فى تفسيره ( من المسجد الحرام ) وهو مسجد مكة ( إلى المسجد الأقصى ) وهو بيت المقدس الذى بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام . وعلى هذا اتفق العلماء ومنه يتبين أن بيت المقدس هو المسجد الأقصى وليس هو المدينة المقدسة التى تسمى القدس . ومن زعم غير ذلك فزعمه باطل مردود بما ذكر . وسمى المسجد الأقصى لبعده عن مكة بالنسبة لمسجد المدينة . وخصت المساجد الثلاثة بهذا الفضل ، لأن الأول إليه الحج وبه القبلة ، والثانى أسس على التقوى ( روى ) أبى بن كعب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : المسجد الذى أسس على التقوى مسجدى هذا . أخرجه أحمد من عدة طرق ( انظر ص 242 ج4 تفسير ابن كثير ) والثالث قبلة الأمم الماضية وكان قبلة المسلمين سبعة عشر شهراً فى أول الهجرة .(1/287)
... ... ... ... { 348 }
( وعن أبى هريرة ) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : صلاة فى مسجدى هذا أفضلُ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجدَ الحرام . أخرجه الشيخان والنسائى (1). ... ... ... ... ... { 349 }
( وعن جابر ) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : صلاة فى المسجد الحرام مائةُ ألفِ صلاةٍ وصلاة فى مسجدى ألْفُ صلاة ، وفى بيت المقدس خمُسمِائِة صلاةٍ . أخرجه البيهقى وحسنه السيوطى (2). { 350 }
( وقال ) ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى مسجد قُباء كل سبت ماشياً وراكباً فيصلِّى فيه ركعتين . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى والبيهقى والطيالسى(3). ... { 351 }
(
__________
(1) ص 44 ج3 فتح البارى ( فضل الصلاة فى مسجد مكة والمدينة ) وص 163 ج9 نووى مسلم . و ( صلاة ) أى ولو نفلا ( فى مسجدى هذا ) يؤخذ من الإشارة أن الزيادة التى حدثت فى مسجد المدينة بعد النبى صلى الله عليه وسلم ليس لها هذا الفضل ، بل هى كغيرها من المساجد ، بخلاف الزيادة التى حصلت فى المسجد الحرام فلها هذا الفضل لعدم التقييد فيه بالإشارة .
(2) انظر رقم 5109 ص 228 ج4 فيض القدير . و ( مائة ألف ) أى كمائة ألف ، وكذا يقال فيما بعد ( وبهذه ) الأحاديث استدل الجمهور على أن مكة أفضل من المدينة ، لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها . وعكس مالك ( واختلفوا ) فى المراد بالمسجد الحرام على أقوال : أرجحها أنه مسجد مكة ، وقيل إنه مكة كلها ، وقيل الحرم كله .
(3) ص 4 ج2 مسند أحمد ورقم 1840 ص 252 مسند الطيالسى . وص 249 ج2 تكملة المنهل ( تحريم المدينة ) وباقى المراجع بص 250 منه(1/288)
وَفُضِّلَ ) المسجد الأقدم لقوله تعالى : { ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ (1) } ولأن قِدَمه يقتضى كثرة العبادة فيه ، وهذا يقتضى زيادة فضله . فإن استوى مسجدان فى القدم فالأقرب أفضل ، ولو استويا فى القدم والقرب ، فالأفضل ما كثر جمعه ، إلا إن كان مريدُ المسجد فقيهاً يقتدى به ، فالأفضل له الذهاب إلى ما جماعته أقل تكثيراً لها . ومسجدُ الجهة وإن قلّ جمعه أفضل من الجامع وغن كثر جمعه . وهذا مذهب الحنفيين ( وقالت ) الشافعية : أفضل المساجد المساجد الثلاثة على الترتيب السابق ثم الأكثر جمعاً إن كان إمامُه صالحاً لا تكره إمامته ولم يترتب على الصلاة فيه تعطيل مسجد آخر ، وإلا كانت الصلاة فيما قل جمعه أفضل ( وقالت ) الحنبلية : أفضل المساجد ، المساجد الثلاثة ثم العتيق ثم ما كثر جمعه ثم الأبعد إلاّ إن تَوقف الجماعة فى غير ما ذكر على حضور شخص ، أو كان فى حضوره تشجيع لإمامه وجماعته ، فصلاته فيه أفضل ( ومشهور ) مذهب المالكية أن أفضل المساجد مسجد النبى صلى الله عليه وسلم ، ثم المسجد الحرام ، ثم المسجد الأقصى ، ثم مسجد قباء ، ثم القريب ثم المساجد كلها سواء ( وقال ) ابن وهب وابن حبيب : المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوى . وهو الذى تشهد له الأدلة .
(
__________
(1) الحج عجز آية : 33 وصدرها : لكم فيها ( أى الأنعام ) منافع . و ( محلها ) أى مكان نحرها عند البيت العتيق ، وهو الكعبة كما قال تعالى (هدياً بالغ الكعبة) والمراد أرض الحرم وسمى عتيقاً لأنه أول بيت وضع للناس .(1/289)
8) يكره تزيين المساجد ونقشها بغير الذهب والفضة وتشييدها " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تقومُ الساعةُ حتى يتباهى الناسُ بالمساجد . أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقى وصححه ابن حبان (1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 352 }
" ولحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ما أُمِرْتُ بتشييد المساجد . أخرجه أبو داود والبيهقى وصححه ابن حبان(2). ... ... ... ... ... ... ... ... { 353 }
( وقال ) ابن عباس : لَتُزَخْرِفُنَّهَا ما زخرفت اليهود والنصارى . ذكره البخارى معلقاً (3). { 94 }
وهو وإن كان موقوفاً فى حكم المرفوع ، لنه لا يقال من قبل الرأى . والتشييد رفع البناء وتطويله " ولا ينافيه " قوله تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ (4) } . " لأن المراد " برفعها تعظيمُها فلا يذكر فيها فحش القول، وتطهيرُها من الأدناس والبدع ، فلا ترفع فيها الأصوات . ولا تدخلها الصبيان ، ولا تقام فيها الخصومات ( وقال ) ابن عمر : نُهِينا أن نُصلّى فى مسجد مُشْرفٍ . أخرجه البيهقى(5). ... ... ... { 354 }
( وأمر ) عمر ببناء المساجد فقال : أَكِنّ الناسَ من المطر ، وإياك أن تُحمِّر أَو تُصَفِّرَ ، فَتَفْتِنَ النَّاسَ . أخرجه ابن خزيمة وصححه . وأخرجه البخارى معلقاً . { 95 }
__________
(1) ص 67 ج3 – الفتح الربانى . وص 46 ج4 – النهل العذب ( فى بناء المساجد ) وص 129 ج1 سنن ابن ماجه ( تشييد المساجد ) وص 439 ج2 – السنن الكبرى ( كيفية بناء المساجد ) و ( التباهى ) التفاخر بالنقش وعلو البناء .
(2) ص 43 ج4 – المنهل العذب ( فى بناء المساجد ) وص 438 ج2 – السنن الكبرى .
(3) ص 362 ج1 – فتح البارى و ( لتزخرفتها ) بفتح لام القسم وضم التاء والفاء وشد نون التوكيد من الزخرفة ، وهى التزيين .
(4) النور آية : 36 .
(5) ص 439 ج2 – السنن الكبرى .(1/290)
وزاد : وقال أنس : يتباهون بها ثم لا يعمرُونها إلا قليلا (1). { 96 }
( ولذا ) قال غير المالكية : يكره تشييد المسجد وزخرفته بغير الذهب والفضة . ويحرم زخرفته بهما (وقالت) المالكية يكره نقشة وزخرفته فى المحراب وغيره ولو بالذهب والفضة . ويندب تشييده وتجصيصه ، فقد شيد عثمان رضى الله عنه مسجد المدينة وجصَّصه ( قال ) البدر العينى : نقش المسجد وتزيينه مكروه : ولا يجوز من مال الوقف ، ويغرم الذى يخرجه سواء أكان إما اشتغال المصلى به أو إخراج المال فى غير وجهه (2)(وقال) النووى : يكره زخرفة المسجد ونقشه وتزييه ، للأحاديث المشهورة ، ولئلا تشغل الزخرفه قلب المصلى(3).
(
__________
(1) ص 362 ج1 فتح البارى . والمراد بالمسجد مسجد المدينة ( وقد ) وصفه ابن عمر فقال إن المسجد كان عل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن ( بفتح اللام وكسر الباء الطوب النيئ ) وسقفه الجريد ، وعمده خشب النخل ، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً ، وزاد فيه عمر وبناه عل بنيانه فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً ، ثم غيره عثمان وزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة ( بفتح القاف وشد الصاد المهملة وهى الجص ) وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج . أخرجه البخارى وأبو داود ص 363 ج1 فتح البارى ( بنيان المسجد ) وص 48 ج4 – المنهل العذب ( فى بناء المساجد ) و ( أكن ) بفتح فكسر فنون مشددة مفتوحة ، أمر من الإكنان وهو الستر . و (تفتن) مضارع فتن من باب ضرب ، أى تلهيهم عن الخشوع فى الصلاة . و ( يتابهون ) بفتح الهاء من المباهاة وهى المفاخرة والمعنى انهم يزخرفون المساجد ويزينونها ثم يقعدون فيها يتمارون ويتباهون ولا يشتغلون بالطاعة فيها إلا قليلا .
(2) ص 206 ج4 عمدة القارى ( بنيان المسجد ) .
(3) ص 180 – شرح المهذب ( قبل باب صفة الغسل ) .(1/291)
وقال ) الأذرعى : ينبغى أن يحرم لما فيه من إضاعة المال لاسيما إن كان من مال المسجد . ( وقال ) ابن رسلان : هذا الحديث (1)?فيه معجزة ظاهرة لإخباره صلى الله عليه وسلم عما سيقع بعده ، فإن تزويق المساجد والمباهاة برخرفتها كثر من الملوك والأمراء فى هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس بأخذهم أموال الناس ظلماً وعمارتهم بها المدارس على شكل بديع ، والحديث يدل عل أن تشييد المساجد بدعة ، وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك فى آخر عصر الصحابة وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفاً من الفتنة ، ورخص فى ذلك بعضهم وهو قول أبى حنيفة إذا وقع ذلك تعظيماً للمساجد ولم يكن الصرف من بيت المال .
(
__________
(1) يعنى حديث أنس وابن عباس رقم 352 ، 353 ص 343 .(1/292)
وقال ) ابن المنير : لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يضع ذلك بالمساجد صوناً عن الاستهانة " وتعقب " بأن المنع إن كان للحث على اتباع السلف فى ترك الرفاهية فهو كما قال . وإن كان لخشية شغل بال المصلى بالزخرفة فلا ، لبقاء العلة . قاله الحافظ (1)?. ومن جملة ما عول عليه المجوزون للتزيين ، أن السلف لم يحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك ، وبأنه بدعة مستحسنة ، وبأنه مرغِّب إلى المسجد ( وهذه ) حجج لا يُعوِّل عليها من له حظ من التوفيق ، لاسيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه نوع من المباهاة المحرمة ، وأنه من علامات الساعة ، وأنه من صنع اليهود والنصارى ، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يحب مخالفتهم ويرشد إليها ( ودعوى ) ترك إنكار السلف ممنوعة ، لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الجور من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل وأحدثوا من البدع ما لا يأتى عليه الحصر ، وسكت العلماء عنهم تقية لا رضا بل قام فى وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة وصرخوا بين أظهرهم بنعى ذلك عليهم ( ودعوى ) أنه بدعة مستحسنة باطلة بالحديث الصحيح : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ (2). { 355 }
__________
(1) ص 363 ج1 فتح البارى الشرح ( بنيان المسجد ) .
(2) أخرجه أحمد ومسلم عن عائشة ص 194 ج1 – الفتح الربانى . وص 16 ج12 نووى مسلم ( رد محدثات الأمور – الأقضية ) .(1/293)
ودعوى أنه مرغب إلى المسجد فاسدة ، لأن ذلك لا يكون إلا لمن كان غرضه وغاية قصده النظرَ إلى تلك النقوش والزخرفة " فأما من " كان غرضه قصدَ المسجد للعبادة التى لا تكون عبادة حقيقة إلا مع الخشوع ، وإلا كانت كجسم بلا روح " فليست " زخرفة المسجد إلا شاغلة له عن ذلك كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى الأنبجانية التى بعث بها إلى أبى جهم(1)?وكهتْكه للستور التى فيها نقوش وصور . وتقويم البدع المعوجة التى يحدثها الملوك ، يوقع أهل العلم فى المسالك الضيقة فيتكلفون فى ذلك من الحجج الواهية مالا ينفق " أى لا يروج " إلا على بهيمة(2)?( وقال ) ابن الحاج : وينبغى للإمام أن يغير ما أحدثوه من الزخرفة فى المحراب وغيره ، فإن ذلك من البدع ومن أشراط الساعة . قال ابن القاسم : وسمعت مالكاً يذكر مسجد المدينة وما عمل من التزويق فى قبلته فقال: كره الناس ذلك حين فُعِل ، لأنه يشغلهم بالنظر إليه . وسئل مالك عن المساجد هل يكره أن يكتب فى قبلتها بالصبغ مثل آية الكرسى وقل هو الله أحد والمعوذتين ؟ فقال : أكره أن يكتب فى قبلة المسجد شئ من القرآن والتزويق . وقلا : إن ذلك يشغل المصلى . وينبغى للإمام أن يغير ما أحدثوه من إلصاق العمُد فى جدار القبلة وما يلصقونه أو يكتبونه فى الجدران والأعمدة(3).
(
__________
(1) تقدم بهامش رقم 525 صفحة 183 بيان الأنبجانية ، وأن النبى صلى الله عليه وسلم إنما أرسل إلى أبى جهم خميصة لها أعلام ، كان أهداها إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : شغلتى أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبى جهم وأتونى بأنبجانسته .
(2) ص 157 ج2 نيل الأوطار ( الاقتصاد فى المساجد ) .
(3) ص 79 ج2 – المدخل .(1/294)
9) يُسنّ لأهل كل جهة بناء مسجد . ويُسنّ اتخاذ موضع فى البيت للصلاة فيه وتنظيفه من الأقذار وكنسه وتطييبه " لحديث " عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد فى الدُّور ، وأمر بها أن تنظف وتطيب. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان بسند جيد (1). ... ... ... ... { 356 }
والمراد بالدور القبائل ( وحكمة ) أمر أهل كل محلة ببناء مسجد فيها ، أنه قد يتعذر أو يشق على أهل محلة الذهاب إلى الأخرى فيحرمون أجر المسجد وفضل إقامة الجماعة فيه ، فأَمَرُوا بذلك ليتيسر لأهل كل محلة العبادة فى مسجدهم من غير مشقة تلحقهم . قاله فى المرقاة (2)?( وقال ) غيره : المراد بالدور البيوت أو المحال التى فيها الدور . وهذا هو الظاهر لورود النهى عن اتخاذ البيوت مثل المقابر . وقال الخطابى : فى هذا حجة لمن رأى أن المكان الأمر يتم فيه بأن يجعله مسجداً بالتسمية فقط ، لكانت مواضع تلك المساجد فى بيوتهم خارجه عن أملاكهم . فدل على أنه لا يصح أن يكون مسجداً بنفس التسمية (3)?. ولذلك قال صاحب الهداية : إن اتخذ وسط داره مسجداً وأذن للناس بالدخول فيه ، له أن يبيعه ويورث عنه ، لأن المساجد ما لا يكون لأحد فيه حق المنع . وإذا كان ملكه محيطاً بجوانبه كان له حق المنع فلم يصر مسجداً (4).
(
__________
(1) ص 79 ج3 – الفتح الربانى . وص 61 ج4 – النهل ( اتخاذ المساجد فى الدور ) ولفظه : أرم رسول الله .. وص 409 ج1 تحفة الأحوذى (فى تطيب المساجد) وص 132 ج1 سنن ابن ماجه ( تطهير المساجد وتطييبها ) .
(2) ص 459 ج1 – مرقاة المفاتيح ( الفصل الثانى – باب المساجد ) .
(3) ص 142 ج1 معالم السنن .
(4) ص 63 ج5 شروح الهداية ( فصل فى أحكام المسجد – الوقف ) .(1/295)
وروى ) أبو رافع عن أبى هريرة أن امرأة سوداء أو رجلا كان يقّم المسجد ففقده النبى صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فقيل مات فقال : ألا آذنتمونى به ؟ دلونى على قبره فصلى عليه . أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وهذا لفظه وابن ماجه والبيهقى (1). ... ... ... ... ... ... { 357 }
( قال ) ابن بطّال : فيه الحض على كنس المساجد وتنظيفها لأنه صلى الله عليه وسلم إنما خص المذكور فى الحديث بالصلاة عليه بعد دفنه من أجل ذلك . وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كنس المسجد ذكره البدر العينى(2)?.
(
__________
(1) ص 371 ج1 فتح البارى ( كنس المسجد ) وانظر باقى المراجع وشرح الحديث بهامش الحديث رقم 560 ص 317 د7 – الدين الخالص (الصلاة على القبر) .
(2) ص 231 ج4 عمدة القارى .(1/296)
10) يجوز عند الجمهور بناء مسجد فى الطريق ما لم يضرّ العامة " لقول " عائشة : لم أعقل أبوىّ إلا وهما يدينان الدينَ ، ولم يمرّ علينا يومٌ إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفى النهار بكرة وعشية . ثم بدا لأبى بكر فابتنى مسجداً بفِناء داره فكان يصلى فيه ويقرأ القرآن ، فتقف نساءُ المشركين وأبناؤهم يعجَبون منه وينظرون إليه ، وكان رجلا بَكَّاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن ، فأفزع ذلك أشرافَ قريش من المشركين أخرجه البخارى(1).
__________
(1) ص 377 ج1 – فتح البارى ( المسجد يكون فى الطريق .. ) و ( أبوى ) مشى اب مضاف إلى ياء المتكلم . و ( أفزع ذلك الخ ) أى أخاف ما فعله أبو بكر – من الصلاة والقراءة – المشركين ، خافوا أن يميل به أبناؤهم ونساؤهم إلى دين الإسلام . والحديث هنا مختصر . وأخرجه البخارى يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفى النهار بكرة وعشية ، فلما ابتلى المسلمون ( بأذى الكفار ) خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى بلغ برك ( بفتح فسكون ) الغماد ( ككتاب ، موضع على خمس ليال جنوب مكة ) لقيه ابن الدغنة ( بفتح فكسر ففتح النون مخففة . وقيل بضم الدال والغين وتشديد النون ) وهو سيد القارة ( بتخفيف الراء قبيلة ) فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال : أخرجنى قومى فأريد أن أسيح فى الأرض وأعبد ربى . فقال ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ( بفتح الياء ) ولا يخرج ( بضمها ) إنك تكسب المعدوم ( أى تعطى الفقير المال ) وتصل الرحم ، وتحمل الكل ( بفتح الكاف وشد اللام وهو ما يقل حمله من القيام بأمر العيال ونحوه ) قرى الضيف ، وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار ، ارجع واعبد ربك ببلدك ..فرجع وارتحل معه ابن الدغنة قطاف ابن الدغنة عشية فى أشراف قريش فقال لهم : إن = أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج ، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ويقرى الضعيف ، ويعين على نوائب الحق ؟ فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة ( أى لم ترده ) وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه فى داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ، ولا يؤذينا بذلك ( ألا بصلاته وقراءته ) ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا . فقال ذلك ابن الدغنة لبى بكر ، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه فى داره ولا يستعلن بصلاته ، ولا يقرا فى غير داره ، ثم بدا لأبى بكر فابتنى مسجداً بفناء داره وكان يصلى فيه ويقرأ القرآن فيتقذف ( بفتح التاء والقاف وشد الذال المعجمة ) عليه نساء المشركين وأبناؤهم ( أى يتدفعون عليه لسماع قراءته ) وهم يعجبون منه وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن فأفرغ ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم . فقالوا : إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه فى داره ، فقد جاوز ذلك ، فابتنى مسجداً بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه ، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه ، فإن أحب أن يقتصر على ان يعبد ربه فى داره فعل ، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فاسأله أن يرد إليك ذمتك ( أى عهدك بجواره ) فإنا قد كرهنا أن تخفرك ( بضم فسكون فكسر من الإخفار وهو نقض العهد ) ولسنا مقرين لأبى بكر الاستعلان . فأتى ابن الدغنة إلى أبى بكر فقال : قد علمت الذى عاقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلى ذمتى ، فإنى لا أحب أن تسمع العرب أنى أخفرت فى رجل عقدت له . فقال أبو بكر : فإنى أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل . فقال النبى صلى الله عليه وسلم للمسلمين : إنى أريت ( بضم الهمزة ) دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان ( تثنية حرة وهى حجارة سود مرتفعة ) فهاجر من هاجر قبل ( بكسر ففتح أى جهة ) المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة ، وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلك "( بكسر فسكون أى على مهلك ) فإنى أرجو أن يؤذن لى ، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر ( بفتح فسكون ) وهو الخبط ( بفتحتين الورق الساقط من الشجر ) قالت عائشة : فبينما نحن يوماً جلوس فى بيت أبى بكر فى نحر ( بفتح فسكون ) الظهيرة ( أ فى أول وقت الحرارة ) قال قائل لبى بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعاً ( أى مغطياً رأسه ) فى ساعة لم يكن يأتينا فيها ، فقال أبو بكر : فداء له أبى وأمى ، والله ما جاء به فى هذه الساعة إلا أمر ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبى صلى الله عليه وسلم وسلم لأبى بكر : أخرج من عندك . فقال أبو بكر إنما هم أهلك ( يعنى عائشة وأسماء ) بأبى انت يا رسول الله قال نعم . قال أبو بكر : فخذ إحدى راحلتى هاتين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بالثمن . قالت عائشة : فجهرنا هما أحث الجهاز (أى أسرعه ) وصنعنا لهما سفرة ( بضم فسكون ، الزاد يصنع للمسافر ) فى جواب ، فقطعت أسماء بنت أبى بكر قطعة من نطاقها ( بكسر النون الإزار ) فربطت به على فم الجراب ، فبذلك = سميت ذات النطاقين . قالت . ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار فى جبل ثور ، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت فى الغار عبد الله بن أبى بكر وهو غلام شاب ثقف ( بفتح فكسر او سكون ، أى حاذق فطن ) لقن ( أى سريع الفهم) فيدلج ( بشد الدال أى يخرج ) من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت ، فلا يسمع أمراً يكتاذان به ( من الكيد وهو المكر وطلب الغوائل ) إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة بالتصغير ) مولى أبى بكر منحة ( بكسر فسكون أى شاة يعطى لبنها للغير ) من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبتان فى رسل ( كحمل أى لبن طرى ) وهو لبن منحتهما ورضيفهما الرضيف كرغيف . اللبن يجعل فيه الرضفة وهى الحجارة المحماة لتزول وخامته وثقله ، حتى ينعق بها ( بكسر العين أى يصبح بغنمه ) عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك فى كل ليلة من تلك الليالى الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر رجلا من بنى الديل ( بكسر فسكون ) وهو من بنى عبد بن عدى هادياً خريتاً ( بكسر الخاء والراء مشددة ) والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفاً ( بكسر فسكون أى أخذ بنصيب ) فى ( أى من عهد ) آل العاص بن وائل السهمى وهو على دين كفار قريش فأمناه ( بكسر الميم ائتمناه ) فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث . وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل ، فأخذ بهم طريق السواحل . قال ابن شهاب : وأخبرنى عبد الرحمن بن مالك المدلجى . وهو ابن أخى سراقة بن مالك ابن جعشهم : أن اباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول جاءنا رسل كفار قريش يجعلون فى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو اسره ، فبينما أنا جالس فى مجلس من مجالس قومى بنى مدلج ، أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال : يا سراقة إنى قد رأيت آنفاً أسودة ( جمع أسود وهو الشخص ) بالساحل أراها محمداً وأصحابه . قال سراقة : فعرفت أنهم هم ، فقلت له : إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا يبتغون ضالة لهم . ثم لبثت فى المجلس ساعة ، ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتى أن تخرج بفرسى وهى من وراء أكمة فتحبسها على ، وأخذت رمحى فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه (بضم الزاى وشد الجيم الالجديدة فى أسفل الرمح ) الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسى فركبتها فرفعتها ( أى حملتها على الإسراع فى السير) تقرب بى حتى دنوت منهم فعثرت بى فرسى فخررت عنها فقمت فأهويت يدى إلى كنانى فاستخرجت منها الأزلام فاستقمت بها أضرهم أم لا ؟ فخرج الذى أكره فركبت فرسى وعصبت الأزلام تقرب بى حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلفت وأبو بكر يكثر الالتفات ، ساخت يدا فارسى فى الأرض حتى بلغتنا الركبتين ، فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا الأثر يديها عثان ( بضم العين أى دخان بلا نار ساطع فى السماء مثل الدخان ) فاستقمت بالأزلام فخرج الذى أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسى حتى جئتهم ووقع فى نفسى حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع ، فلم يرزآنى ولم يسألان إلا أن قال : = أخف عنا ، فسألته أن يكتب لى كتاب أمن ، فأمر عامر بن فهيرة فكتب فى رقعة من أدم ( أى جلد ) ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن شهاب ( راوى الحديث ) فأخبرنى عروة بن الزبير أن رسول الله وأبا بكر ثياب بياض . وسمع المسلمون بالمدينة فحرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداةو إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة . فانقلبوا يوماً بعد ما أطالوا انتظارهم ، فلما أووا إلى بيوتهم أو فى رجل من يهود ( أى اطلع إلى مكان عال فأشرف منه ) على أطم ( بضمتين أى حصن ) من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه مبيضين ( أى عليهم الثياب البيض ) يزول بهم السراب ، فلم يملك اليهودى أن قال بأعلى صوته ، يا معشر العرب هذا جدكم ( أى حظكم ) الذى تنتظرون ، فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه ويلم بظهر الحرة ، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم فى بنى عمرو بن عوف ، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول . فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتاً فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه بردائه ، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك . فلبث فى بنى عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذى أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله . ثم ركب راحلته فسار يمشى معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلى فيه يومئذ رجال من المسلمين ، وكان مربداً ( كمنبر مكان تجفيف التمر ) للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين فى حجر أسعد بن زرارة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً . فقالا بل نهبه لك يا رسول الله . فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة حتى اتباعه منهما ، ثم بناه مسجداً وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن ( بفتح فكسر الطوب النيئ ) فى بنيانه ويقول :
هذا الجمال لا حمال خيبر ... ... ... ... هذا أبر ربنا وأطهر
ويقول : اللهم إن الأجر أجر الآخرة ... ... ... ... فارحم الأنصار والمهاجرة
فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لى ( الحديث ) ص 164 ج7 – فتح البارى .(1/297)
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 358 }
( وعن ) أحمد منع بناء مسجد فى الطريق أو على سقيفة تحتها ممر نافذ أو قنطرة . وعنه أنه قال : يهدم مسجد بنى فى الطريق . وعنه يجوز بناؤه بلا إذن الإمام وحيث جاز صحت الصلاة فيه وإلا فوجهان . وتصح فيما بنى على درب مشترك بإذن أهله . هذا . ويجوز توسعة المسجد من الطريق وعكسه عند الحاجة وعدم الضرر لأن كلاًّ منهما مرتفق للعامة ولو ضاق المسجد وبجنبه أرض مملوكة لشخص أخذت منه بالقيمة ولو كرهاً دفعاً للضرر العام . ولو كانت وقفاً على المسجد جاز توسعته بها بإذن القاضى .
( الثامن ) ما تصان عنه المساجد
ينبغى صيانة المساجد عن كل ما ينافى احترامها وما بنيت له . وهو أمور المذكور منها هنا ثلاثة وعشرون : ( 1 ) يطلب صيانتها من الأقذار كالبول والحِجامة والفصْد والبُزاق وغيرها " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن هذه المساجدَ لا تصلح لشئ من هذا البول ولا القذَر إنما هى لذكر الله وقراءة القرآن. أخرجه مسلم(1). ... ... ... ... ... ... ... ... { 359 }
( قال ) النووى : يحرم البول والفصد والحجامة فى المسجد فى غير إناء .ويكره الفصد والحجامة فيه ف إناء . وفى تحريم البول فى إناء فى المسجد وجهان أصحهما يحرم . ويحرم إدخال النجاسة إلى المسجد . فأما مَنْ على بدنه نجاسة أو به جُرح ، فإن خاف تلويث المسجد حرم عليه دخوله . وإن أمِنَ لم يحرم (2).
(
__________
(1) ص 175 ج2 – شرح المهذب ( المساجد وأحكامها ) وفيه : أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(2) ص 175 ج2 منه ( يحرم البول والفصد فى المسجد ) .(1/298)
وقال ) ابن نجيم : وكره تحريماً الوطء والبول والتغوط فوق المسجد ، لأن سطحه له حكم المسجد حتى يصح اقتداء من به بمن تحته ولا يبطل إلا الاعتكاف بالصعود عليه ولا يحل لجنب الوقوف عليه . وصرح الزيلعى بأن الوطء فيه حرام ، لقوله تعالى : { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ(1) } .وذكر فى فتح القدير أن الحق أنها كراهة تحريم ، لأن الآية ظنية الدلالة،لاحتمال كون التحريم للاعتكاف أو المسجد،وبمثلها لا يثبت التحريم(2).
( وقال ) الشيخ منصور بن إدريس : ويحرم الجماع فيه ، ويكره فوقه والتمسح بحائطه والبول عليه . وقلا أحمد : أكره لمن بال أن يمسح ذكره بجدار المسجد قال : وألم به الخطر . ويحرم بوله فيه ولو فى إناء ، لأن الهواء تابع للقرار ، ويحرم فيه فصد وحجامة وقئ ونحوه كبط سِلْعة ولو فى إباء ، لأن المسجد لم يبن لهذا فوجب صونه عنه . والفرق بينه وبين المستحاضة أنها لا يمكنها التحرز من ذلك إلا بترك الاعتكاف بخلاف الفصد ونحوه. وإن دعت إليه حاجة كبيرة خرج المعتكف من المسجد ففعله كسائر ما لابد منه ثم عاد إلى معتكفه . وإن استغنى عنه لم يكن له الخروج إليه كالمرض الذى يمكن احتماله كالصداع ووجع الضرس والحمى اليسيرة ، وكذا تحرم نجاسة فى هواء المسجد كالقتل على نطع ودم وقيح وصديد فى إناء ، لتبعية الهواء للقرار ، ويكره البول خارج المسجد وجسده فيه دون ذكره(3)
(
__________
(1) البقرة : 187 وصدرها : أحل لكم ليلة الصيام .
(2) ص 34 ج2 – البحر الرائق ( ما يكره خارج الصلاة ) .
(3) ص 543 ج1 – كشاف القناع ( أحكام المساجد – الاعتكاف ) و ( ألم ) أى نزل ( به الخطر ) أى الهلاك . و ( السلعة ) بكسر فسكون خراج يتحرك بالتحريك . و ( النطع ) بفتح النون وكسرها مع فتح الطاء وسكونها ، ما يتخذ من الجلد .(1/299)
وعن ) أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : البزاق فى المسجد خطيئة وكفارتها دفنها . أخرجه أحمد والخمسة(1). ... ... ... ... ... ... ... { 360 }
والمراد دفنها فى تراب المسجد ورمله وحصبائه إن كان فى المسجد شئ من ذلك ، وإلا تفل فى ثوبه وخرج به " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من دخل المسجدَ فبَزَق فيه أَو تنخَّم فلْيَحْفِرْ ولْيدفِنْهَ فإن لم يفعل فَلْيَبْزُقْ فى ثوبه ثم ليخرج به . أخرجه أبو داود(2). ... ... {361 }
(وإذا دعته) ضرورة إلى البزاق وهو فى المسجد فليبزق فى ثوبه أو عن يساره أو تحت قدمه "لحديث" أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:إذا قام أحدُكم فى الصلاة فلا يَبْزُقَنَّ أمامه،فإنما يُناجى الله تبارك وتعالى ما دام فى مُصلاه،ولا عن يمينه فإنّ عنْ يمينه ملكاً،وليبصُقْ عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها.أخرجه البخارى(3).{362}
__________
(1) ص 58 ج3 – الفتح الربانى . وفيه : النخامة . وص 345 ج1 فتح البارى ( كفارة البزاق فى المسجد ) وص 41 ج5 – نووى مسلم ( النهى عن البصاق فى المسجد .. ) وص 91 ج4 المنهل العذب . وص 118 ج1 مجتبى ( البصاق فى المسجد ) .
(2) ص 92 ج4 – المنهل العذب ( كراهية البزاق فى المسجد ) و ( النخامة ) ، البزقة تخرج من أقصى الحلق ومن مخرج الخاء المعجمة . يقال تنخم أخرج نخامة . و ( يحفر ) بكسر الفاء من باب ضرب ، أى فليحفر موضعاً فى المسجد إن كان ترابياً ويدفن البزاق ، أما إذا كان أملس نقياً فدلكه بشئ ، فلا يعد ذلك دفناً ، بل زيادة فى التقذير . لكن إذا لم يبق للبزاق أثر ألبتة فلا مانع " قال " عبد الله بن الشخير : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فبزق تحت قدمه ج4 ( المنهل العذب ) .
(3) ص 346 ج1 – فتح البارى ( دفن النخامة فى المسجد ) .(1/300)
" ولحديث " طارق بن عبد الله المحاربى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا صليتَ فلا تبصُق بين يديك ولا عن يمينك ، ولكن ابصُق تِلقاء شٍمالك إن كان فارغاً وإلا فَتحتَ قدَميك وادْلكه . أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وقال حسن صحيح(1). ... ... ... ... ... ... ... { 363 }
(وظاهره) أن النهى عن البزاق إلى جهة القبلة أو اليمين مقيد بحالة الصلاة (ولذا) قال ملك:لا بأس بالتفل جهة اليمين خارج الصلاة (وجزم) النووى بالمنع مطلقاً داخل الصلاة وخارجها "لحديث" أبى هريرة وأبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم راى نخامة فى جِدار المسجد فتناول حَصاة فحكّها وقال : إذا تنخّم أحدُكم فلا يتنخَّمنَّ قِبَل وجهه ولا عن يمينه وليبصُق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى . أخرجه الشيخان (2). { 364 }
( فهو يدل ) على المنع مطلقاً . هذا والأمر بالبصاق عن يساره أو تحت قدمه فيما إذا كان فى غير المسجد. أما فى المسجد فلا يبصق إلا فى ثوبه " لحديث " البزاق فى المسجد خطيئة (3)?( وقال ) القاضى عياض : إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه . أما إذا أراد دفنه فلا . ورده النووى بأنه خلاف صريح الحديث .
(
__________
(1) ص 60 ج3 – الفتح الربانى . وص 93 ج4 – المنهل العذب ( كراهية البزاق فى المسجد ) وصدره : إذا صلى أحدكم فلا يبزقن أمامه .
(2) ص 344 ج1 فتح البارى ( حك المخاط بالحصى من المسجد ) وص 39 ج5 نووى مسلم ( النهى عن البصاق فى المسجد .. ) .
(3) تقدم رقم 360 ص 253 .(1/301)
وحاصل ) النزاع أن ها هنا عمومين تعارضا ، وهما قوله : البزاق فى المسجد خطيئة . وقوله : البزاق فى المسجد خطيئة . وقوله : وليبصق عن يساره أو تحت قدمه ( فالنووى ) يجعل الأول عاماً ويخص الثانى بما إذا لم يكن فى المسجد ( والقاضى ) عياض يجعل الثانى عاماً فيخص الأول بمن لم يُرِدْ دفنها ( ويشهد ) له ما رواه سعد ابن أبى وقاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا تنخَّم أحدكم فى المسجد فَلْيُغَيِّبْ نخامته أن تُصيب جلدَ مؤمن أو ثوبه فتؤذيه . أخرجه أحمد وأبو يعلى ورجاله موثقون (1). ... ... ... ... { 365 }
( وأوضح ) منه فى المقصود ما رواه أبو أمامة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من تنخّع فى المسجد فلم يدفنه فسيئةٌ . وإن دفنه فحسنة . أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون(2). ... ... { 366 }
فلم يجعل سيئة إلا عند عدم الدفن " ومما " يدل على تخصيص عموم قوله : البزاق فى المسجد خطيئة "جواز" التنخم فى الثوب . ولو كان فى المسجد بلا خلاف ( ويؤيد ) قول النووى تصريحه صلى الله عليه وسلم فى الحديث المتفق عليه بأن البزاق فى المسجد خطيئة وأن دفنها كفاره لها ( فإن ) دلالته عل كتب الخطيئة بمجرد البزاق فى المسجد ظاهرة غاية الظهور . ولكنها نزول بالدفن وتبقى بعدمه . وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأنه لم يتمكن من الخروج من المسجد ، والمنع على ما إذا لم يكن له عذر : وهو تفصيل حسن . ذكره الحافظ (3)?.
(
__________
(1) ص 55 ج3 – الفتح الربانى . وص 18 ج2 – مجمع الزوائد ( البصاق فى المسجد ) .
(2) ص 18 منه .
(3) ص 345 ج1 – فتح البارى ( كفارة البزاق فى المسجد ) .(1/302)
2) ويلزم صيانة المسجد عن الروائح الكريهة ، فيحرم على من تناول ذا راسخة كريهة كثوم وبصل دخول المسجد قبل إزالتها " لحديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من أكل الثوم والبصل والكُرَّاث ، فلا يقرَبنّ مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم . أخرجه مسلم والنسائى(1). ... { 367 }
( وعن جابر ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أكل من هذه الخضروات " الثوم والبصل والكرات والفجل " فلا يقربن من مسجدنا ( الحديث ) قال الهيثمى : هو فى الصحيح خلا قوله : والفجل . رواه الطبرانى فى الصغير والأوسط . وفيه يحيى بن راشد البراء البصرى . وهو ضعيف ووثقه ابن حبان وقال : يخطئ ويخالف وبقية رجاله ثقات(2). ... ... ... ... ... ... { 368 }
( والمراد ) تناول ما ذكر وهو نئ لأنه ذو الرائحة الخبيثة المؤذية ، بخلاف ما إذا كان مطبوخاً فلا يشمله النهى ، لذهاب تلك الرائحة منه " ولقول " علىّ رضى الله عنه : نهى عن أكل الثوم إلا مطبوخاً أخرجه أبو داود (3) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 369 }
"ولحديث"معاوية بن قرة عن أبيه أن النبى صلى الله علهي وسلم نهى عن هاتين الشجرتين وقال:من أكلهما فلا يقربن مسجدنا.وقال:إن كنتم لابد آكليهما فأكميتوهما طبخاً قال:يعنى البصل والثوم.أخرجه أبو داود(4).{370}
__________
(1) ص 50 ج5 نووى مسلم ( نهى من أكل ثوماً أو بصلا أو كراثاً أو نحوها عن حضور المسجد .. ) وص 116 ج1 مجتبى ( من يمنع من المسجد ) وفيه : مما يتأذى منه الإنس .
(2) ص 17 ج2 مجمع الزوائد ( من أكل ثوماً أو نحوه ) .
(3) ص 361 ج3 سنن أبى داود ( أكل الثوم – الأطعمة ) .
(4) ص 361 ج3 سنن أبى داود ( أكل الثوم – الأطعمة ) .(1/303)
" وروى " معدان بن أبى طلحة أن عمر خطب يوم جمعة فقال فى خطبته : ثم إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين لا أُراهما إلا خبيثتين . هذا البصل والثوم . لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وَجَد رِيحَهُمَا من الرجل فى المسجد أمر به فَاَخْرِجَ إلى البقيع . فمن أكلهما فَلْيُمِتْهُمَا طبخاً . أخرجه أحمد ومسلم والنسائى(1).{371}
هذا . والنهى عام فى كل المساجد والمجامع " والإضافة " فى قوله صلى الله عليه وسلم : فلا يقر بنَّ مسجدنا " للاستغراق " أى فلا يقربن مساجد المسلمين : ( ويؤيده ) حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من أكل من هذه الشجرة " يعنى الثُّوم " فلا يأتينّ المساجدَ . أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود(2).{ 372 }
( وهذا ) يرد قول من خص النهى بمسجد النبى صلى الله عليه وسلم ( وقال ) ابن جُريج : قلت العطاء : هل النهى للمسجد الحرام خاصة أو فى المساجد ؟ قال لا بلى فى المساجد . أخرجه عبد الرازق { 97 } هذا . ويلحق بالثوم ونحوه كل ما له رائحة كريهة ومن به بخر(3)أو جُرح له رائحة . ويلحق بالمساجد مجامع الصلاة وغيرها كمصلَّى العيد والجنائز ومجامع العلم والذكر والولائم . ولا يلحق بها الأسواق ونحوها . وفى الحديث دليل على منع من أكل الثوم من دخول المسجد وإن كان خالياً ، لأنه محل الملائكة ، ولعموم الأحاديث أفاده النووى(4).
(
__________
(1) ص 61 ج3 – الفتح الربانى . وص 51 – 53 ج5 نووى مسلم ( نهى من أكل ثوماً أو بصلا عن حضور المسجد ) وص 116 ج1 – مجتبى ( من يخرج من المسجد ) ( فليمتهما ) أى من أراد أكلهما فليذهب رائحتهما بالطبخ . والمراد بإماتة الشئ غذهاب قوته وحدته .
(2) ص 61 ج3 – الفتح الربانى . وص 48 ج5 نووى مسلم . ص 361 ج3 سنن أبى داود ( أكل الثوم – الأطعمة ) .
(3) البخر بفتحتين ، الرائحة الكريهة تخرج من الفم .
(4) ص 48 ، 49 ج5 شرح مسلم .(1/304)
ومما تقدم ) تعلم أن تناول البصل والثوم والفُجْل والكرات ونحوها من كل ماله رائحة كريهة حرام فى المسجد على من أراد دخوله ، وفى المجتمعات قبل أن تذهب رائحته ، وإلا فأصل أكله جائز مع الكراهة أو خلاف الأولى " لحديث " أبى أيوب أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل أو كراث ، فلم ير فيه أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأكله . فقال ما منعك ؟ قال : لم أر أثر يدِك . قال : أستحى من ملائكة الله ، وليس بمحرّم . أخرجه ابن حبان وابن خزيمة(1). ... ... ... ... ... { 373 }
" ولقول " أبى سعيد الخدرى : لم تْعدُ أن فتِحت خَيْبَرُ فوقعنا أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك البقلة الثُّوم والناس جياع فأكلنا منها أكلا شديداً ثم رُحْنا إلى المسجد فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريحَ فقال : من أكل من هذه الشجرة الخبيثةِ شيئاً فلا يقرّبنّا فى المسجد ، فقال الناسُ حُرِّمَتْ حُرِّمَتْ . فبلغ ذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس إنه ليس لى تحريمُ ما أحل الله لى ولكنها شجرة أكره ريحها : أخرجه مسلم(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 374 }
" ولقول " أبى سعيد الخدرى : ذُكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الثومُ والبصلُ ، قيل يا رسول الله وأشدُّ ذلك كلِّه الثوم ، أفَتُحَرِّمُه ؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم : كلوه ، ومن أكله منكم فلا يقربْ هذا المسجد حتى يذهب ريحُه منه . أخرجه أبو داود(3). ... ... ... ... ... ... ... { 375 }
__________
(1) ص 222ج2 فتح البارى ( الشرح – ما جاء فى الثوم النئ .. ) .
(2) ص 50 ج5 نووى مسلم ( نهى من أكل ثوماً أو بصلا أو نحوهما عن حضور المسجد ) .
(3) ص 360 ج3 سنن أبى داود ( فى أكل الثوم – الأطعمة ) .(1/305)
ومثل الثوم والبصل ف خُبث الرائحة الدخان ، بل هو أخبث ويضر فلا يجوز تعاطيه . وقد بينت حكم تناوله فى ذاته وفى مجالس القرآن ونحوه ونصوص العلماء على حرمة تناوله فى الرسالة البديعة(1).
__________
(1) وقد اهتم اعلماء بمسألة الدخان ، فأفردوها بالتأليف : منهم الشيخ اللقانى ، والعلامة الشيخ محمد فقهى العينى الحنفى : بين حزمته من أربع أوجه ( الأول ) كونه مضراً بإخبار الأطباء المعتبرين ، وكل ما كان كذلك يحرم استعماله اتفاقاً . ( الثانى ) كونه من المخدرات المتفق عليها عندهم المنهى عن استعمالها شرعاً " لقول " أم سلمة نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر . أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح (انظر رقم 9507 ص 238 ج6 فيض القدير ) وهو مفتر باتفاق الأطباء ، وكلامهم حجة فى هذا . ( الثالث ) كون رائحته كريهة تؤذى من لا يستعمله ولا يسما فى مجامع الصلاة ونحوها ، بقل وتؤذى الملائكة " روى " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من آذى مسلماً فقد آذانى ، ومن آذانى فقد آذى الله تعالى . أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند حسن ( انظر رقم 8269 ج6 فيض القدير ) . ( الرابع ) كونه سرفاً إذ لا نفع فيه بل ضرره محقق ( وقال ) علاء الدين الحصنى : والتّن ( بضمتين ، الدخان ) الذى حدث بدمشق فى سنة خمس عشرة بعد الألف ، يدعى شاربه أنه لا يسكر ، وإن سلم فإنه مفتر وهو حرام " لحديث " أحمد عن أم سلمة قالت : نهى صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر . ويلس من الكبائر تناله المرة والمرتين = ومع نهى ولى الأمر عنه حرم قطعاً . نعم الإصرار عليه كبيرة كسائر الصغائر ( انظر ص 322 ج5 هامش رد لمحتار وتمامه به ) . ولا فرق فى حرمة استعماله بين مضفه واستنشاقه وتدخينه . ومضفه أقبحها وأشدها ضرراً ثم تدخينه ثم استنشاقه .(1/306)
" فائدة " قال النووى : اختلف أصحابنا هل كان الثوم حراماً على النبى صلى الله عليه وسلم أم كان يتركه تنزهاً ؟ ظاهر قوله : أيها الناس إنه ليس لى تحريم ما أحل الله لى . أنه ليس محرماً عليه . ومن قال بالتحريم يقول المراد ليس لى أن أحرِّم على أمّتى ما أحل الله لها(1)وهذا التأويل يعد قوله صلى الله عليه وسلم : ما أحل الله لى .
(3) ويكره إخراج الريح فى المسجد اختياراً ، صوناً له عن الرائحة الكريهة ولما يترتب عليه من إيذاء مَنْ بالمسجد ، " ولحديث " أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الملائكة تصلِّى على أحدكم مادام فى مصلاه الذى صلى فيه ما لم يحدث ، تقول : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه . أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائى ، وأخرجه مسلم وابن ماجه من حديث أبى صالح عن أبى هريرة مطولا . وفيه : والملائكة يصلون على أحدكم ما دام فى مجلسه الذى صلى فيه ، يقولون : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه : اللهم تُبْ عليه من لم يحدث فيه ، ما لم يؤذ فيه(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 376 }
" ولحديث " أبى راع عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال العبد فى صلاة ما دام فى مصلاًّه ينتظر الصلاة تقول الملائكة : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه حتى ينصرفَ أو يُحدثَ ، فقيل وما يُحدِث ؟ قال يفْسو أو يَضْرَطْ . أخرجه مسلم وأبو داود(3). ... ... ... ... ... ... { 377 }
(
__________
(1) ص 51 ج5 شرح مسلم .
(2) ص 362 ج1 فتح البارى (الحدث فى المسجد) وص 166 ج5 نووى مسلم . وفيه : ما دام فى مجليه ( فصل الصلاة المكتوبة فى جماعة ..) وص 83 ج4 – المنهل العذب . وصدره : الملائكة تصلى ( فضل القعود فى المسجد ) وص 138 ج1 سنن ابن ماجه ( لزوم المساجد .. ) .
(3) ص 166 ج5 نووى مسلم . وص 85 ج4 – المنهل العذب ( فضل القعود فى المسجد ) و ( يضرط ) مضارع ضرط من بابى تعب وضرب. والاسم ضرط ككتف .(1/307)
دلت ) هذه الأحاديث على أن الحدث فى المسجد خطيئة يُحرم به المحدث من استغفار الملائكة ودعائهم له ومن ثواب الجلوس فى المسجد لانتظار الصلاة ، وأن الحدث فى المسجد أشد من النخامة " ولمّا " لم يكن للحدث فى المسجد كفارة (1)?ترفع أذاه كما يرفع الدفنُ أذى النخامة فيه " عوقب " بحرمان الاستغفار من الملائكة لما آذاهم به من الرائحة الخبيثة . هذا . والجمهور على انه يباح للمحدث حدثاً أصغر دخول المسجد والجلوس فيه ( فقد ) روى أن أبا الدرداء خرج من المسجد فبال ثم دخل فتحدث مع أصحابه ولم يمس ماء ( وروى ) عن على وعطاء والنخعى وابن جبير مثله .
( وقال ) ابن المسيب والحسن البصرى : يكره تعمد الجلوس فى المسجد على غير طهارة .
(4) ويكره تحريماً رفع الصوت فى المسجد بنشد الضالة " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ سمع رجلا ينشُد ضالة فى المسجد فلْيَقُل : لا أداها الله إليك ، فإن المساجد لم تُبن لهذا . أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه(2). ... ... ... ... ... ... ... ... { 378 }
دل على جواز الدعاء على ناشد الضالة فى المسجد بعدم ردها إليه معاملة له بنقيض قصده حيث فل ما لا يجوز فعله فى المسجد من رفع الصوت بما لم يُعدَّ له المسجد من العبادة والذكر والصلاة وتعليم العلم ونحو ذلك .
(
__________
(1) " وما يقال " من أن الإنسان إذا خرج منه ريح وهو فى المسجد يتلقاه ملك بفمه ويخرج به إلى خارج المسجد ، فإذا تفوه به مات الملك " فهو " كلام باطل لا أصل له .
(2) ص 65 ج3 – الفتح الربانى . وص 54 ج5 نووى مسلم ( النهى عن نشد الضالة فى المسجد .. ) وفيه : لا ردها الله عليك . وص 87 ج4 – المنهل العذب ( كراهية إنشاد الضالة فى المسجد .. ) وص 133 ج1 سنن ابن ماجه . وفيه : لا رد الله عليك . و ( الضالة ) بتشديد اللام ، الضائعة منكل ما يقتنى . يقال ضل الشئ إذا ضاع ، وضل عن الطريق إذا حار . ( وإنشادها ) ، تعريفها ونشدها طلبها .(1/308)
روى ) عاصم بن عمر ب قتادة أن عمر سمع ناساً من التجار يذكرون تجارتهم والدنيا فى المسجد . فقال: إنما بنيت هذه المساجد لذكر الله . فإذا ذكرتم تجاراتكم ودنياكم فاخرجوا إلى البقيع . أخرجه ابن أبى شيبة بسند جيد { 98 } ويلحق بذلك من رفع صوته فى المسجد بما يقتضى مصلحة ترجع للرافع صوته .
(5) وكذا يمنع السؤال فى المسجد ، لأنه كنشد الضالة . " وأما حديث " عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : هل فيكم أحد أطعم اليوم مسكيناً ؟ فقال أبو بكر : دخلت المسجد فإذا بسائل يسأل فوجدتُ كِسرةَ خُبز فى يد عبد الرحمن ، فأخذتها منه فدفعتها إليه . أخرجه أبو داود . وكذا الطبرانى(1/309)
فى الكبير والبزار مطولا وقال : لا نعلمه يُروى عن عبد الرحمن بن أبى بكر إلا بهذا الإسناد ، وروى مرسلا (1)?. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 379 }
__________
(1) ص 320 ج9 – المنهل العذب ( المسألة فى المساجد ) وص 163 ج3 مجمع الزوائد ( الصائم يعود المريض ويفعل الخير ) ولفظ الطبرانى : عن عبد الرحمن بن أبى بكر قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على أصحابه فقال : هل منكم أحد أصبح صائماً؟ فقال عمر : لم أحدث نفسى بالصوم البارحة فأصبحت مفطراً . فقلا أبو بكر : لكنى حدثت نفسى بالصوم البارحة فأصبحت صائماً . فقال صلى الله عليه وسلم : هل منكم اليوم أحد عاد مريضاً ؟ فقلا عمر : يا رسول الله صلينا ثم لم نبرح فكيف نعود المرضى ؟ فقال أبو بكر : بلغنى أ اخى عبد الرحمن بن عوف اشتكى فجعلت طريق عليه لأنظر كيف أصبح ؟ فقلا صلى الله عليه وسلم : هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ فقال عمر : صلينا ثم لم نبرح . فقال أبو بكر : دخلت المسجد فإذا بسائل فوجدت كسرة خبز شعير فى يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت فأبشر بالجنة . فتنفس عمر فقال : واهاً للجنة . فقال النبى صلى الله عليه وسلم كلمة رض بها عمر : رحم الله عمر رحم الله عمر لم يرد خيراً قط إلا سبقه إليه أبو بكر .(1/310)
" فهو ضعيف " لأن فى سنده مبارك بن فضالة ضعفه غير واحد ، وعلى فرض صحته فليس فيه تصريح بأن السائل سأل فى المسجد ، لاحتمال أن يكون خارجه ( ولذا ) قال الحنفيون : يحرم السؤال فى المسجد مطلقاً ، ويكره الإعطاء فيه مطلقاً ، لأنه يحمل على السؤال . وقيل يكره إعطاؤه إن تخطى الرقاب ( وقال ) الجمهور : يجوز السؤال فى المسجد وإعطاء الصدقة فيه إلا إذا ألحّ السائل وتخطى الرقاب فيحرم السؤال والإعطاء . (وسئل) ابن تيمية عن السؤال فى الجامع : أهو حلال أم حرام أم مكروه ؟ ( فأجاب ) بقوله : الحمد لله . أصل السؤال محرم فى المسجد ولم يؤذ أحداً كتخطية الرقاب ولم يكذب فيما يرويه ، ولم يجهر جهراً يضر الناس ، كأن يسأل والخطيب يخطب ، أو وهم يسمعون علماً يشغلهم " جاز "(1) ( وسئل ) أيضاً ما تقول فى هؤلاء الصعاليك الذين يطلبون من الناس فى الجوامع ويشوشون عليهم فهل ينكر عليهم ؟ وهل يجوز تقسيم الناس بالست نفيسة والمشايخ ؟ ( فأجاب ) بقوله : أما إذا ظهر منهم منكر كروايتهم للأحاديث المكذوبة ، أو سؤالهم والخطيب يخطب ، أو تخطيهم الناس ؛ فإنهم ينهون عن ذلك . وكذا إذا سألوا بغير الله فالصدقة إنما تكون لوجه الله لا لأحد من خلقه . وأما إذا خلا سؤالهم عن المنكرات وكانوا محتاجين فإنه جائز فى أظهر قولى العلماء كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن سائلا سال فى المسجد فأمر باعطائه .
أما الإعطاء بلا سؤال فهو جائز اتفاقاً ( فقد روى ) البيهقى أنه صلى الله عليه وسلم أمر سُليكاً الغطفانى بالصلاة يوم الجمعة حال الخطبة ليراه الناس فيتصدقوا عليه . وأنه أمرهم بالصدقة وهو على المنبر .
(
__________
(1) ص 133 ج1 فتاوى ابن تيمية ( مسألة 121 ) .(1/311)
وقال ) الشيخ منصور بن إدريس الحنبلى : ويكره سؤال الصدقة فى المسجد والتصدق عليه فيه ، لأنه إعانة على مكروه . ولا يكره التصدق على غير السائل ولا على من سأل له الخطيب ( وروى ) البيهقى فى المناقب عن على ابن بدر قال : صليت يوم الجمعة فإذا أحمد بن حنبل يقُرب منى فقام سائل فسأله فأعطاه أحمد قطعة ، فلما فرغوا من الصلاة قام رجل إلى السائل وقال : أعطنى تلك القطعة ، فأبى فقال : أعطنى وأعطيك درهماً فلم يفعل ، فما زال يزيده حتى بلغ خمسين درهماً فقال : لا أفعل فإنى أرجو من بركة هذه القطعة ما ترجو أنت (1).
(6) ولا يجوز رفع الصوت فى المسجد ولو بالقرآن والذكر . " لقول " أبى سعيد الخدرى : اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف السِّتر وقال : ألا إن كلكم مناج ربه ، فلا يؤذينّ بعضكم بعضاً ، ولا يرفع بعضكم على بعض فى القراءة . أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى ، والبيهقى ، والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين(2). ... ... ... ... ... ... ... { 380 }
" ولحديث " البياضى فروة بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال : إن المصلى يناجى ربه عز وجل فلينظر بم يناجيه ؟ ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن. أخرجه أحمد بسند صحيح(3). ... ... ... ... ... ... ... ... { 381 }
(
__________
(1) ص 544 ج1 ( أحكام المساجد ) .
(2) ص 202 ج3 – الفتح الربانى . وص 262 ج7 – المنهل العذب ( رفع الصوت بالقراءة فى صلا الليل ) وص 11 ج3 – السنن البكرى (من لم يرفع صوته بالقراءة شديداً .. ) .
(3) ص 202 ج3 – الفتح الربانى .(1/312)
وقد أنكر ) بعض الصحابة والتابعين على من رفع صوته فى المسجد بقراءة أو ذكر ( قال ) السائب بن يزي : كنت مضطجعاً فى المسجد فحصبنى رجل فرفعت رأسى فإذا عمر رضى الله عنه فقال : اذهب فأتنى بهذين الرجلين فجئت بهما ، فقال : من أين أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف . قال : لو كنتما من أهل البلد ما فارقتمانى حتى أوجعتكما جلداً ، ترفعان أصواتكما فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه البخارى(1). { 99 }
(
__________
(1) ص 375 ج1 فتح البارى ( رفع الصوت فى المسجد ) .(1/313)
وقال ) البزازى : وفى فتاوى القاضى : الجهر بالذكر فى المسجد حرام ( وقد صح ) عن ابن مسعود أنه سمع قوماً اجتمعوا فى مسجد يهللون ويصلون على النبى صلى الله عليه وسلم جهارً فذهب إليهم وقال : ما عهدنا ذلك على عهده صلى الله عليه وسلم ، وما أراكم إلا مبتدعين ، فما زال يذكر ذلك حتى أخرجهم من المسجد (1). {100 } " وتقدم " عن سعيد بن المسيب أنه كان فى المسجد آهر الليل يتهجد ، ثم دخل عمر بن عبد العزيز وكان حسن الصوت فجهر بالقراءة ، فلما سمعه سعيد بن المسيب قال لخادمه : اذهب إلى هذا المصلِّى فقل له : إما أن تخفض من صوتك ، وإما أن تخرج ن المسجد ، ثم أقبل على صلاته فجاء الخادم فوج المصلِّى عمر بن عبد العزيز فرجع ول يقل له شيئا فلما سلم سعيد قال لخادمه : ألم أقل لك تنهى هذا المصلِّى عما يفعل ؟ فقال : هو الخليفة عمر بن عبد العزيز . قال : اذهب إليه وقل له ما أخبرتك به ، فذهب إليه فقال له : إن سعيداً يقول لك إما أن تخفض من صوتك ، وإما أن تخرج من المسجد ، فخفف فى صلاته فلما سلم منها أخذ نعليه وخرج من المسجد(2){ 101 } ( وروى ) مالك والبيهقى وبان أبى شيبة بسند جيد عن سالم بن عبد الله أن عمر ابن الخطاب بنى إلى جانب المسجد رحبة سماها البُطيحاء وقال : من أراد أن يلغَط أو يرفع صوتاً ، أو ينشد شعراً فليخرج إليه { 102 } ( وعلى هذا ) اتفقت كلمة الفقهاء ( قال ) علاء الدين الحصنى : ويحرم فيه ( يعنى فى المسجد ) السؤال ويكره الإعطاء مطلقاً وقيل عن تخطئ ورفع صوت بذكر إلا للمتفقهة (3).
(
__________
(1) ص 188 فتاوى أئمة المسلمين طبعة ثالثة .
(2) تقدم ص 95 ج2 – طبعة ثانية ( بدع الأذان ) .
(3) ص 488 ج1 رد المحتار ( ما يكره فى الصلاة ) .(1/314)
وقال ) ابن نجيم : الإمام إذا جهر فوق حاجة الناس فقد أساء(1)?( وفى مختصر ) خليل وشروحه : أنه يكره رفع الصوت بقراءة القرآن فى المسجد خشية التشويش على المصلين أو الذاكرين ، فإن شوّش حرم اتفاقاً (2) ?( وقال ) ابن العماد : تحم القراءة جهراً على وجه يشوش على نحو مصل (3).
( ومن هذا ) تعلم منع ما أحدث الناس من قراءة شئ من القرآن جهراً فى المسجد قبل إقامة الصلاة خصوصاً العصر ، لما فيه من التشويش برفع الصوت على المصلين واعتقادهم أنه مشروع حيث جعلوه شعاراً للصلاة جماعة فى وقتها ، مع أنه محدث لم يكن فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح . ومن ذلك الجهر بقراءة الورد والذكر ليلا فى المسجد(4).
(
__________
(1) ص 335 ج1 – البحر الرائق ( وخير المنفرد فيما يجهر .. ) .
(2) ص 74 ج4 – حاشية الدسوقى على كبير الدردير .
(3) ص 5 – ابن العماد .
(4) قال العلامة القاسمى : فى كتابة إصلاح المساجد ، ومثل ذلك فى دمشق قراءة سورة الإخلاص ثلاثاً قبل إقامة الصلاة إعلاناً بأنها ستقام ، فهى بدعة لا أصل لها . وقرأت فى حواشى متن خليل أن من رفع صوته بالقراءة فى المسجد يقام ويخرج ويخرج منه إذا داوم على ذلك ، وإلا فيؤمر بالسكوت أو القراءة سراً ، لأن الغالب على هؤلاء قصد الدنيا . وفى الإتقان للإمام السيوطى : يكره اتخاذ القرآن معيشة يتكسب بها ( فقد أخرج ) الآجرى من حديث عمران بن حصين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من قرا القرآن فليسأل الله به . فإنه سيأتى قوم يقرءون القرآن يسألون الناس به .(1/315)
7) ويجب أن يصان المسجد عن دخول الصبيان والمجانين إذا خيف تلويثه " لحديث " واثلة بن الأسقع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : جنّبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسلّ سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمّروها فى الجمع أخرجه ابن ماجه والمنذرى بسند فيه الحارث بن نبهان متفق على ضعفه . وأخرجه الطبرانى فى الكبير . وفيه العلاء بن كثير الليثى الشامى وهو ضعيف(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 382 }
( ولذا ) قال الحنفيون : يحرم إدخال الصبيان والمجانين المسجد إذا غلب تنجيسهم إياه وإلا فيكره ( قال ) الشيخ إبراهيم الحلبى : أما الكاتب ومعلم الصبيان ، فإن كان بأجرة يكره . وإن كان حسبة فقيل لا يكره . والوجه ما قاله ابن الهمام : إنه يكره التعليم ( يعنى فى المسجد ) إن لم يكن ضرورة ، لأن نفسى التعليم ومراجعة الأطفال لا يخلو عما يكره فى المسجد مع ما تقدم من الحديث(2).
(
__________
(1) ص 131 ج1 سنن ابن ماجه ( ما يكره فى المساجد ) وص 25 ج2 مجمع الزوائد ( كراهة المساجد وما نهى عن فعله فيها ) و( سل السيوف) إخراجها من أغمادها . قال اللخمى : هذا الحديث ناسخ لحديث لعب الحبشة بالحراب فى المسجد " ورد " بأن هذا الحديث ضعيف وليس فيه تصريح بالنسخ . ولم يعرف التاريخ حتى يثبت النسخ . واللعب بالحراب ليس لعباً مجرداً بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو . انظر ص 351 ج3 فيض القدير .
(2) ص 611 غنية المتملى شرح منية المصلى ( أحكام المسجد ) .(1/316)
وقال ) علاء الدين الحصنى : ويحرم إدخال صبيان ومجانين " يعنى المسجد " حيث غلب تنجيسهم وإلا فيكره ( قال ) ابن عابدين : والمراد بالحرمة كراهة التحريم لظنية الدليل(1) ( وقالت ) المالكية : يجوز إحضار الصبى المسجد إذا كان شأنه أنه لا يعبث أو يعبث ولكنه ينكف عن العبث إذا نهى ، وإلا منه إدخاله ( وقالت ) الشافعية : يكره إدخال الصبيان الذين ل يميزون المسجد ، لأنه لا يُؤْمَنُ تلويثهم إياه ( وقالت ) الحنبلية : يكره إدخال الصبى المسجد إذا كان لغير مصلحة ولا فائدة . أما إذا كان لها كقراءة وصلاة فيجوز ( قال ) النووى : يكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد ، لأنه يخشى تلويثهم إياه . ولا يحرم ذلك لأنه ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى حاملا أمامةَ بنتَ زينبَ ، وطاف على بعيره . ولا ينفى هذا الكراهة ، لأنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز(2) ( ومما تقدم ) تعلم أن من المنكر اتخاذ مكاتب فى بعض المساجد لتعليم الأطفال القرآن والكتابة وغيرهما ، فإن الغالب على الأطفال عدم التحفظ من النجاسات فَيُلِّوثون المسجد ويرفعون أصواتهم فيهوشون على من فيه من المصلين والمتعبدين وهو ممنوع بالإجماع ومخالف للأحاديث السابقة . وكذا لا يغتفر اتخذا بعض المساجد مخافر ومحلا لإقامة الجند ، فإن المساجد لم تبن لذلك ، وقد يقع مع الجند ما يتنافى وحرمة المساجد ، كرفع الأصوات واللعب والزمر والغناء والتصفيق والضرب بالدفوفن وتناول بعض المكيفات كالدخان . وهذا مما لا يرضاه الشرع ولا يسوغه العقل .
__________
(1) ص 486 ج1 رد المحتار ( أحكام المسجد – ما يفسد الصلاة وما يكره فيها ) .
(2) ص 176 ج2 شرح المهذب ( فى المساجد وأحكامها ) وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم حاملا أمامة تقدم رقم 199 ص 157 . وحديث ركوبه صلى الله عليه وسلم ف الطواف فى مسلم وغيره ( انظر رقم 154 ص 214 ج1 تكملة المنهل ) .(1/317)
فعلى ولاة الأمور منع هذه المنكرات ؛ احتراماً لبيوت الله تعالى .
(8) ويكره الاحتراف فى المسجد بعمل دنيوى كخياطة وحياكة وغزل ونحوها ( قال ) القاضى عياض : والراجح مه الصنائع التى يختص بنفعها آحاد الناس ويكتسب بها . فلا يتخذ المسجد متجراً . وأما المثاقفة وإصلاح آلات الجهاد ونحوها مما لا امتهان للمسجد فى عمله فلا بأس أهـ ( وقال ) النووى فى المجموع : يكره أن يجعل المسجد مقعدا لحرفة كالخياطة ونحوها " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن هذه : المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول ولا الذر ، إنما هى لذكر الله وقراءة القرآن . أخرجه مسلم(1) . فأما من ينسخ فيه شيئاً من العلم أو اتفق قعوده فيه فخاط ثوباً ولم يجعله مقعداً للخياطة فلا بأس به(2).
( وقال ) الشيخ منصور بن إدريس : ولا يجوز التكسب فى المسجد بالصنعة كخياطة وغيرها ولو قليلا أو لغير حاجة ، لأنه بمنزلة التجارة ، فلا يجوز أن يتخذ المسجد مكاناً للمعايش ، لأنه لم يبن لذلك . وقعود الصناع والفعلة فيه ينتظرون م يكريهم بمنزلة وضع البضائع فيه ينتظرون من يشتريها . وعلى ولىِّ الأمر منعهم من ذلك . وإن وقفوا خارج أبوابه ينتظرون من يكريهم فلا بأس . ويجب أن يصان المسجد من عمل صنعة . لتحريمها فيه . ولا يكره اليسير من العمل فيه لغير التكسب كرقع ثوبه وخصف نعله ويحرم فعل ذلك للتكسب إلا الكتابة لأنها نوع تحصيل للعلم فهى فى معنى الدراسة . ومن ذلك تعليم الصبيان الكتابة فيه بالأجر بشرط ألا يحصل ضر بجبر وما أشبهه(3).
(
__________
(1) تقدم رقم 395 ص 252 ( ما تصان عنه المساجد ) .
(2) ص 176 ج2 شرح المهذب .
(3) ص 541 ج1 كشاف القناع ( أحكام المساجد ) .(1/318)
9 إلى 12 ) وينبغى صيانة المسجد عن البيع والشراء وإنشاد الشعر والتحلق يوم الجمعة " لحديث " عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ( عبد الله بن عمرو ) قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع فى المسجد وأن تُنشدَ فيه الأشعارُ ، وأن تَنشد فيه الضالةُ . ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة . أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه وصححه ابن خزيمة(1). ... ... ... ... { 383 }
" ولقول " ثوبان : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من رأيتموه ينشدُ الشِّعْر فى المسجد فقولوا: فضَّ الله فاك ثلاث مرات . ومن رأيتموه يبيع ويبتاع فى المسجد فقولوا : لا أربح الله تجارتك . أخرجه الطبرانى فى الكبير م رواية عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه ( قال الهيثمى ) ولم أجد من ترجمه(2).{ 384 }
( أما البيع ) والشراء فى المسجد فهو حرام وباطل عند الحنبلية . أخذاً بظاهر الأحاديث لا فرق بين المتعكف وغيره ولو قلّ البيع واحتيج إليه . قال أحمد : إنما هذه بيوت الله لا يباع فيها ولا يشترى . ورأى عِمْرَانُ القصير رجلا يبيع فى المسجد فقال: يا هذا إن هذا سوق الآخرة، فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا(3). {103}
(
__________
(1) ص 64 ج3 – الفتح الربانى . وص 232 ج6 – المنهل العذب ( التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة ) . وص 266 ج1 تحفة الأحوذى ( كراهية البيع والشراء فى المسجد ) و ( التحلق ) جلوس الناس مستديرين على هيئة الحلقة بفتح فسكون ، وفتح اللام لغة .
(2) ص 25 ج2 مجمع الزوائد ( فيمن نشد ضالة فى المسجد .. ) و ( فض الله فاك ) ، أى كسر اله أسنان فمك .
(3) ص 541 ج1 كشاف القناع ( أحكام المساجد ) .(1/319)
وقال ) الحنفيون : يكره البيع والشراء فى المسجد إذا عمّ المسجد وغلب عليه ، وإلا فلا كراهة ( قال ) الطحاوى : ما نهى عنه من البيع فى المسجد هو الذى يعمّه أو يغلب عليه حتى يكون كالسوق . فأما ما سوى ذلك فلا يكره . ولقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على إباحة العمل الذى ليس من القُرَب فى المسجد " وساق " بسنجه إلى على رضى الله عنه قال : سمعُت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يا معْشَر قريش ليبعثن الله عليكم رجلا امتحن اللهُ به الإيمانَ ، يضربُ رقابكم على الدين . فقال أبو بكر : أنا هوَ يا رسول الله ؟ قال لا . فقال عمر . أنا هوَ يا رسول الله ؟ قال : لا : ولكنه خاصِف النعل فى المسجد . وكان قد ألقْى إلى على رضى الله عنه نعلَه يخصفها أخرجه الطحاوى(1). ... ... ... ... ... { 385 }
__________
(1) ص 408 ج2 شرح معانى الآثار ( إنشاد الشعر فى المساجد ) .(1/320)
وقال : فترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه علياً رضى الله عنه عن خصف النعل فى المسجد . وإن الناس لو اجتمعوا حتى يعمُّوا المسجد بخصف النعال كان ذلك مكروهاً . فلما كان ما لا يعمّ المسجد من هذا غير مكروه وما يعمه منه أو يغلب عليه مكروها ، كان كذلك فى البيع وإنشاد الشعر والتحلق فيه قبل الصلاة : ما عمه من ذلك فهو مكروه ، وما لم يعمه منه ولم يغلب عليه فليس بمكروه قلت : ولا دليل على ما ذكر من التفرقة . وما ذكره من خصف نعل النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد ، لا يدل على مدعاهم كما لا يخفى ( قال ) على القارى : وجوز علماؤنا للمعتكف الشراء بغير إحضار المبيع ( ومن البدع ) الشنيعة بيع ثياب الكعبة خلف المقام وبيع الكتب وغيرها فى المسجد الحرام وغيره . وأشنع منه وضع المحفّات والقرِب فى المسجد سيما فى أيام الموسم ووقت ازدحام الناس(1) ( وقالت ) الشافعية : يكره البيع والشراء فى المسجد لغير المعتكف مطلقاً . أما المعتكف فيكره له فى غير ما لابدّ له منه .
( وقالت ) المالكية : يكرهان فى المسجد إذا كانا بغير رفع صوت وإن كان برفع صوت فحرام لجعل المسجد سوقاً ( وهذه ) التفاصيل لا دليل عيها . والراجح القول بالحرمة مطلقاً مع صحة البيع ( اقل ) العراقى والماوردى : أجمع العلماء على أن ما عقد من البيع والشراء فى المسجد لا يجوز نقضه . ذكره الشوكانى . وقال : وإجماعهم على عدم جواز النقض وصحة العقد،لا ينافى التحريم.فلا يصح جعله قرينة لحمل النهى على الكراهة(2).
( وأما إنشاد ) الشعر فى المسجد فالمنهى عنه ما كان على سبيل التفاخر والهجاء ومدح من لا يستحق المدح ، وذم من لا يستحق الذم .
(
__________
(1) ص 467 ج1 مرقاة المصابيح ( شرح الحديث رقم 390 ) و ( المحفات ) جمع محفة بكسر ففتح . مركب كالهودج .
(2) ص 167 ج2 نيل الأوطار ( جامع ما تصان عنه المساجد ) .(1/321)
أما ما فيه ) أمر بمعروف ونهى عن منكر وبيان لأحكام الدين وترغيب فى العمل بها ومدح من يستحق المدح وذم من يستحق الذم ، وحث على الزهد والمكارم ( فإنشاده ) فى المسجد جائز حسن " لقول " سعبد بن المسيب : مرّ عمر بن الخطاب فى المسجد وحسانُ فيه ينشد فلحَظ إليه فقال : كنتُ أنشده فيه وفيه من هو خير منك، ثم التفتَ إلى أبى هريرة فقال : أنشُدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أجب عنى اللهم أيده برُوح القدس قال نعم . أخرجه أحمد والشيخان(1). ... ... ... ... ... { 386 }
( وعن ) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : الشعر بمنزلة الكلام فحسنَه كحسَن الكلام ، وقبيحه كقبيح الكلام . أخرجه البخارى فى الأدب والطبرانى فى الأوسط بسند حسن(2). ... ... { 387 }
(
__________
(1) ص 73 ج3 – الفتح الربانى . وص 194 ج6 فتح البارى (ذكر الملائكة – بدء الخلق) وص 45 ج6 نووى مسلم (فضائل حسان بن ثابت ..) ( فلحظ ) ، أى نظر إليه نظرة إنكار . وفى رواية فقال : فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تشد الشعر ؟ و ( أنشدك ) بفتح الهمزة وضم الشين ، أى أسالك بالله . و ( أيده الخ ) أى قوةّ بجبريل . فالمراد ( بروح القدس ) بضمتين جبريل ، ففى حديث البراء عن البخارى : وجبريل معك . والقدس الطهر وقبل البركة . والمراد بالإجابة الرد على الكفار الذين هجوا البنى صلى الله عليه وسلم .
(2) انظر رقم 4939 ص 175 ج4 فيض القدير .(1/322)
ولذا ) قال ابن العربى : لا بأس بإنشاد الشعر فى المسجد إذا كان فى مدح الدين وإقامة الشرع (1)(وقال) النووى : لا أس بإنشاد الشعر فى المسجد إذا كان مدحاً للنبوَّة أو الإسلام أو كان حكمة أو فى مكارم الأخلاق أو الزهد ونحو ذلك من أنواع الخير . وأما ما فيه شئ مذموم كهَجْوِ مسلم أو صفة الخمر أو ذكر النساء أو المُرْد أو مدح ظالم أو افتخار منهى عنه أو غير ذلك فحرام(2) ( وعلى هذا ) تحمل أحاديث النهى كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (3) " وحديث " زُفَر بن وَثيمة عن حكيم بنِ حزام أنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُستقَادَ فى المسجد ، وان تُنْشد فيه الأشعار ، وان تقام فيه الحدود . أخرجه أبو داود . وزُفَر وثقه ابن معَين ذكره ابن حبان فى الثقات(4). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 388 }
(
__________
(1) ص 168 ج2 نيل الأوطار ( جامع ما تصان عنه المساجد .. ) .
(2) ص 177 ج2 شرح المهذب ( المسألة 16 – المساجد .. ) و ( المراد ) بضم فسكون جمع أمرد .
(3) تقدم رقم 383 ص 268 .
(4) ص 167 ج2 سنن أبى داود ( إقامة الحد فى المسجد ) .(1/323)
وفى هذا ) جمع بين الأحاديث . ومحل جواز الشعر فى المسجد ما لم يشوش على مصلىّ أو قارئ أو ذاكر وإلا منه مطلقاً . هذا . وقد اختلفوا فى حكم إنشاد الشعر مطلقاً ( فقال ) الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة : لا بأس بإنشاء الشهر الذى ليس فيه هجاء ولا فحش ولا سبّ فى عِرْض أحد من المسلمين لما تقدم من الأحاديث (وقال) إبراهيم النخعى والحسن البصرى : يكره رواية الشعر وإنشاده " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لأنْ يمتلئ جوفُ الرجل قيحاً يريهِ خر من أن يمتلئ شِعْراً . أخرجه السبعة إلا النسائى . وقال الترمذى : حسن صحيح (1). ... ... ... ... ... ... ... ... { 389 }
( وأجاب ) الأولون بأن هذا فى شعر خاص وهو ما كان فيه فحش وهجاء .
(
__________
(1) ص 288 ج2 مسند أحمد ( مسند أبى هريرة رضى الله عنه) وص 417 ج10 فتح البارى ( يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله .. ) وص 14 ج15 نووى مسلم ( الشعر ) وص وص 302 ج4 سنن أبى داود ( ما جاء فى الشعر – الأدب ) وص 34 ج4 تحفة الأحوذى ( لأن يمتلئ جوف أحدكم ... ) وص 214 ج2 سنن ابن ماجه ( ما كره من الشعر ) و ( يريه ) بفتح فكسر ، ا يأكله يقال ورى القيح جوفه يريه ورياً إذا أكله .(1/324)
وقال ) الطحاوى : هو عندنا على الشعر الذى يملأ الجوف فلا يكون فيه قرآن ولا تسبيح ولا غيره ، فأما من كان فى قلبه القرآن والشعر ، فليس ممن امتلأ جوفه شعراً ، وقد كان يُنشد الشعر فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهـ ( وأما التحلق ) يوم الجمعة فى المسجد قبل صلاتها فحكمة النهى عنه ولو لمذاكرة العلم وغيره من الطاعات ، لأنه ربما قطع الصفوف والناس مأمورون بالتبكير يوم الجمعة والتراصّ فى الصفوف الأوَّل فالأوَّل ( وحمل ) الجمهور النهى على الكراهة ( قال ) الطحاوى : التحلق المنهى عنه قبل الصلاة إذا عمّ المسجد وغلبه فهو مكروه ، وغير ذلك لا بأس أهـ . ( والتقييد ) بقبل الصلاة ويدل على جوازه بعدها لتعليم العلم والذكر وغيرهما . ( والتقييد ) بيوم الجمعة يدل على جوازه فى غيره مطلقاً " لقول " أبى واقد الليثى : بينما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قاعد فى أصحابه إذْ جاء ثلاثة نفر : فأما رجل فوجد فُرجة فى الحلْقة فجلس . واام رجل فجلس خلف الحْلقة . وأما رجل فانطلق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألاَ أُخبركم عن هؤلاء انفر ؟ أما الرجل الذى جلس فى الحْلقة فرجل آوى فآواه الله . وأما الرجل الذى جلس خلف الحلقة فاستحيا فاستحيا الله منه . وأما الرجل الذى انطلق فرجل أعرض فأعرض الله عنه . أخرجه مسلم والبيهقى(1). ... ... { 390 }
(
__________
(1) ص 157 ، 158 ج14 نووى مسلم ( من أتى مجلساً فوجد فرجة – كتاب السلام ) و ( الحلقة ) بفتح فسكون أو بفتحتين ، وبجمعه حلق بفتح الحاء وكسرها وفتح اللام فيهما .(1/325)
ولذا ) قال النووى : يستحب عقد حلق العلم فى المساجد وذكر المواعظ والرقائق ونحوها . والأحاديث الصحيحة فى ذلك كثيرة (1) . ( وأما التحلق ) فى المسجد لأمور الدنيا فغير جائز " لحديث " ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : سيكونُ فى آخر الزمان قومٌ يجلسون فى المساجد حِلقاً حِلقاً أمانيهم فلا تجالسوهم ، فإنه ليس لله فيهم حاجةٌ . أخرجه الطبرانى فى الكبير ، وفى سنده بزيغ أبو الخليل . وهو ضعيف جداً . ونسب على الوضع(2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 391 }
(13) ويكره تحريماً – عند الحنفيين والشافعى – إقامة الحدود فى المسجد صناً له وحفظاً لحرمته " ولحديث " حكيم بن حزام أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تُقام الحدود فى المساجد ولا يستقاد فيها . أخرجه أحمد وأبو داود والدار قطنى والحاكم والبيهقى بسند لا بأس به . قاله الحافظ فى التلخيص ، وقال فى بلوغ المرام : إسناده ضعيف(3) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 392 }
حملوا النهى على الكراهة . وحمله المالكية والحنبلية على الحرمة فقالوا : يحرم إقامة الحدود والتعزيز الشديد فى المساجد .
(14) ويكره تحريماً إلقاء القمل ودفنه حياً فى المسجد " لحديث " الحضْرَمى بن لاِحق عن رجل من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلا : إذا وَجَد أحدُكم القمْلة فى ثوبه فَلْيَصُرّها ولا يُلقِها فى المسجد . أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات ، وأخرجه البيهقى بلفظ : إذا وجد أحدُكم القملةَ وهو يصلى فلا يقتُلْهَا ، ولكن يُصُرُّها حتى يصِّلى(4). ... ... ... ... ... ... ... ... { 393 }
(
__________
(1) ص177 ج2 شرح المهذب ( المسألة 15 – المساجد ) .
(2) ص 24 ج2 مجمع الزوائد ( فيمن دخل المسجد لغير صلاة .. ) .
(3) ص 65 ج3 – الفتح الربانى . ولفظه عند أبى داود : تقدم رقم 388 ص 272 . و ( الاستقادة ) طلب القود وهو القصاص .
(4) ص 67 ج3 – الفتح الربانى . و ( يصرها ) بفتح فضم فشد الراء ، أى فليقبض عليها فى ثوبه حتى يخرجها من المسجد .(1/326)
أما دفنه ) فى المسجد بعد قتله فلا باس به " لقول " مالك بن يُخامِر رأيتُ معاذ بنَ جبل يقتل القمل والبراغيت فى المسجد . أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات(1). ... { 104 }
( قال ) ابن قدامة : فأما القمل فالأوْلى التغافل عنه ، فإن قتلها فلا بأس ، لأن أنساً كان يقتُل القمل والبراغيت فى الصلاة . وكان الحسن يقتل القمل . وقال الأوزاعى : تركه أحب إلىّ . وكان عمر يقتل القمل فى الصلاة . أخرجه ابن منصور . { 105 }
(15) ويكره أن يُحْفَر فى المسجد بئر لأنه لا يؤمن من دخول النساء والصبيان وتقذير المسجد ، إلا إن كان البئر قديماً مزمزم فإنه يترك .
(16) ويكره غرس الشجر فى المسجد لأنه تشبيه له بالبيعة والكنيسة وفيه شغل لمكان الصلاة إلا أن تكون فيه منفعة للمسجد بأن أرضه نزة لا تستقر فيها الأعمدة فيغرس الشجر ليتحول إليه النز . قال الحلبى(2) .
(
__________
(1) ص 20 ج مجمع الزوائد ( من وجد قملة فى المسجد ) و ( يخامر ) بالياء والخاء المعجمة .
(2) ص 612 غنية المتملى شرح منية المصلى ( أحكام المساجد ) .(1/327)
ورَدّ ) ابن أمير حاج على من جوز غرس الشجر فى المسجد أخذاً من قولهم : لو غرس شجرة للمسجد . فرد عليه بأنه لا يلزم من ذلك حل الغرس إلا للعذر المذكور ، لأن فيه شغل ما أعد للصلاة ونحوها وإن كان المسجد واسعاً أو كان فى الغرس نفع بثمرته . ولا يجوز إبقاؤه أيضاً " لقوله " عليه الصلاة السلام : ليس لعرقٍ ظالم حق(1) لأن الظلم وضع الشئ فى غير محله وهذا كذلك أهـ ( وقال ) النووى : يكره غرس الشجر فى المسجد ويكره حفر البئر فيه لأنه بناء فى مال غيره . وللإمام قلع ما غرس فيه(2).
(
__________
(1) هو عجز حديث أخرجه أبو داود بسند حسن عن سعيد بن زيد . وصدره : من أحيا أرضاً ميتة فهى له . وروى أبو داود عن عروة بن الزبير عن صحابى ، أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غرس أحدهما نخلا فى ا{ض الآخر ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الأرض بأرضه ، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها . ( انظر ص 178 ج3 سنن أبى داود إحياء الموات ) وليس لعرق ظالم حق ( وعرق ) منون . ووصفه بالظلم مبالغة أى ليس لصاحبه حق فى الأرض .
(2) ص 175 ج2 شرح المهذب ( العاشرة – أحكام المساجد ) .(1/328)
وقال ) السفارينى الحنبلى : جزم علماؤنا بعدم جواز غرس شئ فى المسجد ، ويقلع ما غرس فيه ولو بعد إيقافه . وكذا حفر بئر ثم قال : وفى الرعاية الكبرى : ويحرم غرسها مطلقاً . وقيل إن ضيَّقَتْ حرُم وإلا كره فإن لم تقلع فثمرتها للمساكين . وإن غرست قبل بنائه ووقفت معه فإن عُيِّنَ منصرفها عمل به ، وإلا تصرف لورثة الواقف كالميراث . فإن لم يكن له أقارب فللفقراء والمساكين وقفاً عليهم . وقيل يجوز الأكل منها . وقيل تصرف فى مصالح المسجد . ثم قال : والمختار جواز حفر البئر وغرس الشجر للمصلحة الراجحة حيث كانتا فى غير موضع الصلاة ، لأن مساجد بلادنا لا تتم مصالحها إلا بالبئر . والخلاف إنما هو فى تجديد الآبار . وأما ما كان سابقاً فحكمة كالشجر . وإن جهل الحال فالأصل عدم التجديد (1) قال الشيخ مصور ابن إدريس : يحرم غرس شجر فى مسجد ، لأن منفعته مستحقة للصلاة فتعطيلها عدوان ، فإن فعل قلعت الشجرة . فإن تقلع فثمرها للمساكين(2).
(17) ويكره تطيين المسجد وبناؤه وتجصيصه بطين ولبِنٍ وجصّ نجس وتنويره بزيت نجس . والظاهر التحريم فى الكل . قاله الشيخ منصور ابن إدريس(3).
(18) ويكره اللغط فى المسجد وحديث الدنيا ( قال ) ابن الحاج : إنما يجْلس ف المسجد للصلة والتلاوة والذكر والتفكر أو تدريس العلم بشرط عدم رفع الصوت وعدم التشويش على المصلين والذاكرين ( وفى ) حدث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : يأتى على الناس زمان يُحلقون فى مساجدهم وليس همهم إلا الدنيا ، وليس لله فيهم حاجة ف تجالسوهم . أخرجه ابن حبان ، وكذا الحاكم من حديث أنس وقال : صحيح الإسناد(4). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... {394}
(
__________
(1) ص 262 ج2 غذاء الألباب .
(2) ص 472 ج2 كاف القناع ( الوقف عقد لازم ) .
(3) ص 545 ج1 منه ( أحكام المساجد ) .
(4) ذكر العجلونى نحوه وعزاء للبيهقى عن السحن مرسلا انظر رقم 3247 ص 395 ج2 كشف الخفاء .(1/329)
وقال ) السفارينى : ويسن أن يصان المسجد عن لغط ورفع صوت بمكروه . وقيل يكره الكلام فيه إلا بذكر الله تعالى " وما اشتهر " من قولهم : الحديث المباح فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش أو كما تأكل النار الحطب : " فكذب " لا أصل له . وذكره القارى فى الموضوعات ولا بأس بالناظرة فيه فى مسائل الفقه للوقوف على الحق لا للمغالبة (1) .
( وقال ) النووى : يجوز التحدث بالحديث المباح فى المسجد وبأمور الدنيا وغيرها من المباحات وإن حصل فيه ضحك ونحوه ما دام مباحاً " لحديث " جابر بن سمرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاّه الذى صّلى فيه الصبح حتى تطلُعَ الشمس ، فإذا طلعت قام . قال : وكانوا يتحدثون فيأخذون فى أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم : أخرجه مسلم(2). ... ... ... ... ... ... { 395 }
(19) ويكره لمن بالمسجد إسناد ظهره إلى القبلة ، بل السنة أن يستقبلها فى جلوسه . " لحديث " أبى هريرة
أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن لكل شئ سيداً ، وإن سيد المجالس قبالة القبلة . أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند حسن(3). ... ... ... ... ... ... ... ... { 396 }
" ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : أكرم المجالس ما استقبل به القبلة . أخرجه الطبرانى فى الأوسط . وفى سنده حمزة بن أبى جمرة متروك (4). ... ... { 397 }
( وعن ) ابن مسعود أنه رأى قوماً قد أسندوا ظهورهم إلى قبلة المسجد فقال : لا تحولوا بين الملائكة وبين صلاتها . أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون(5). { 106 }
(
__________
(1) ص 257 ج2 غذاء الألباب ( حكم رفع الصوت فى المسجد ) .
(2) ص 177 ج2 شرح المهذب ( التحدث .. فى المسجد ) .
(3) ص 169 ج1 كشف الخفاء .
(4) ص 169 ج1 كشف الخفاء .
(5) ص 63 ج2 مجمع الزوائد ( كيف الجلوس فى المسجد ) .(1/330)
20) ولا يجوز أخذ شئ من أجزاء المسجد كحجر وحصاة وتراب وغيرها كالزيت والشمع الذى يُسْرَج فيه " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن الحصاة لتُناشد الذى يُخْرجُها من المسجد . أخرجه أبو داود(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 398 }
" ولقول " سعيد بن جُبير : الحصاة تسب وتلعن من يخرجها من المسجد . { 107 }
( وفيما ذكر ) التنفير من إخراج الحصى من المسجد . ومحله فى المساجد غير المفروشة . أما المفروشة فيطلب تنقيتها من الحصى ونحوه . لما يترتب على بقائه فيها من تعفيش المسجد وضرر المصِّلى بالسجود عليها .
( قال ) الشيخ منصور بن إدريس : ويكره فى المسجد الخوض والفضول من الكلام وحديث الدنيا والارتفاق بالمسجد ، وإخراج حصاه وترابه للتبرك به وغيره ، ولا يستعمل الناس حُصره وقناديله وسائر ما وقف لمصالحه فى مصالحهم كالأعراس والأعزية وغير ذلك لأنها لم توقف لذلك(2).
( وقال ) وينبغى لمن أخذ شيئاً من المسجد مما يصان عنه ألاّ يلقيه فيه ، لأنه بطلب خلو المسجد منه بخلاف حصاء ونحوها من أجزاء تراب المسجد وطينه ، لأن استقباء ذلك فيه مطلوب(3).
(21) ويُمْنع الناس فى المساجد من اسْتِطراقِ حلَق الفقهاء والقرّاء صيانة لحرمتها ( وفى ) الحديث : لا حمِى إلا فى ثلاثة : البئر والفرَس وحلقة القوم . أخرجه القاضى عياض مرسلا بسند جيد . ... { 399 }
__________
(1) ص 67 ج4 – المنهل العذب ( فى حصى المسجد ) و ( تناشد ) أى تسأل وتقسم على من يخرجها من المسجد أن لا يخرجها منه لأنها لا تحب مفارقته ، لأنه محل العبادة والرحمة . فانظر إلى حال هذه الجمادات وحال غالب أهل الزمان يضيق بعضهم ذراعاً من بقائه فى المسجد حتى وقت الصلاة إذا أديت على الوجه الأكمل . وقد قال مالك رحمه الله : مثل المؤمن فى المسجد كمثل السمك فى الماء ، ومثل المنافق فيه كمثل الطير فى القفص .
(2) ص 543 ج1 كشاف القناع ( أحكام المساجد ) .
(3) ص 545 منه .(1/331)
فأما حمى البئر فهو منتهى حريمها وأما طول الفرس فهو ما دار عليه برسَنه(1) إذا كان مربوطاً . وأما حلقة القوم فهو استدارتهم فى الجلوس للتشاور .
(22) ويكره لمن بالمسجد ينتظر الصلاة تشبيك أصابعه لما تقدم عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان أحدكم فى المسجد فلا يشبكنّ ، فإن التشبيك من الشيطان ، وإن أحدكم لا يزال فى صلاة ما دام فى المسجد حتى يخرج منه (2) " وأما " قول أبى هريرة : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتى العشىّ فصَّلى بنا ركعتين ثم سّلم فقام إلى خشبة معروضة فى المسجد فاتكأ عليها كأنه غَضْبَانُ ، ووضع يده اليمنى على اليسرى ثم شبك بين أصابعه ( الحديث ) أخرجه البخارى(3). ... ... { 400 }
" فيدل " على جواز التشبيك فى المسجد لمن لم ينتظر الصلاة ( ولذا ) قسموا التشبيك أقساماً ( أحدها ) إذا كان الإنسان فى الصلاة . ولا شك فى كراهته ( ثانيها ) إذا كان فى المسجد منتظراً الصلاة أو كان ذاهباً إلى المسجد للصلاة . والظاهر كراهته " لحديث " أبى سعيد السابق ولما تقدم عن كعبِ بن عُجْرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا توضأ أحدُكم فأحسنَ وُضُوءَه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يُشَبّكَنّ بيده فإنه فى صلاة (4).
(
__________
(1) الرسن ) بفتحتين الحبل .
(2) تقدم رقم 231 ص 172 ( مكروهات الصلاة ) .
(3) ص 378 ج1 فتح البارى ( تشبيك الأصابع فى المسجد وغيره ) .
(4) تقدم رقم 229 ص 172 . ( تسبيك الأصابع فى الصلاة ) .(1/332)
وحكمة ) النهى عن التشبيك أنه من الشيطان ، وأنه يجلب النوم وهو من مظان الحدث ، وأن صورته تشبه صورة الاختلاف المنهى عنه بقوله صلى الله عليه وسلم للمصلين : لا تختلفوا فتختلف قلوبكم(1) ( ثالثها ) أن يكون فى المسجد لا ينتظر صلاة . فلا يكره التشبيك ، لحديث أبى هريرة السابق .
( رابعها ) أن يكون فى غير المسجد ، فلا يكره بالأولى " ولحديث " أبى موسى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن المؤمنَ للمؤمن كالبُنيان يشُدّ بعضُه بعضاً ، وشبّك بين أصابعه . أخرجه البخارى(2). { 401 }
( قال ) الحافظ : حديث أبى موسى دال على جواز التشبيك مطلقاً . وحديث أبى هريرة دال على جوازه فى المسجد فهو فى غيره أجوز (3).
(
__________
(1) هذا بعض حديث أخرجه أحمد عن البراء بن عازب ( ص 310 ج5 – الفتح الربانى ) وأبو داود ( ص 54 ج5 – المنهل العذب – تسوية الصفوف ) .
(2) ص 378 ج1 فتح البارى ( تشبيك الأصابع فى المسجد وغيره ) .
(3) ص 378 ج1 فتح البارى ( تشبيك الأصابع فى المسجد وغيره ) .(1/333)
33) ويكره تحريماً اتخاذ المسجد طريقاً لغير عذر . كأن لا يجد طريقاً غيره أو يكون إماماً بابه إلى المسجد " لقول " النبى صلى الله عليه وسلم : لا يَبقينّ فى المسجد بابٌ إلا سُدّ إلا بابَ أبى بكر . أخرجه البخارى . (1) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 402 }
( ولذا ) قال الحنفيون : يَفسُق م اعتاد المرور فيه لغير عذر بلانية اعتكاف ، بخلاف ما لو مرّ فيه مرة أو مرتين أو نوى الاعتكاف فلا يَفسُق .
( قالت ) المالكية : يكره كثرة المرور فيه إن كان بناؤه سابقاً على الطريق وإلا فلا كراهة . ( قالت ) الحنبلية : يكره اتخاذه طريقاً للطاهر والجنب . وكذا الحائض إن أمن تلويثه إلا لحاجة . ومنها كونه طريقاً قريباً . ( وقالت ) الشافعية : يجوز المرور فيه للطاهر مطلقاً وللجنب لحاجة وإلا كره كما يكره للحائض ولو لحاجة إن أمنت تلويث المسجد وإلا حرم .
( التاسع ) بدع المسجد
__________
(1) هو بعض حث لفظه عند البخارى : عن أبى سعيد الخدرى قال : خطب النبى صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله تعالى خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله تعالى . فبكى أبو بكر رضى الله عنه . فقلت فى نفس ما يبكى هذا الشيخ ؟ إن يكن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عند الله عز وجل . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد . وكان أبو بكر أعلمنا . قال يا أبا بكر : لا تبك إن أمن الناس على فى صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذاً من أمتى خليلا لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين فى المسجد الخ انظر ص 374 فتح البارى " وأما " حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : سدوا الأبواب إلا باب على " فقد أخرجه " الترمذى وقال : فري . وقال الحاكم : تفرد به مسكين بن بكير الحرانى عن شعبة . وقال البخارى : حديث إلا باب أبى بكر أصح(1/334)
المساجد بيوت الله تعالى فيلزم تطهيرها من أدران المحدثات والعوائد . وهى كثيرة تقدم بعضها كاتخاذ المحارب فيها وزخرفتها وتعدد الجماعة فيها .
وهناك أربع عشرة بدعة أخرى :
(1) كثرة المساجد فى البلد لغير حاجة اعلم أنه يجب بناء المساجد فى الأمصار والقرى وغيرها بحسب الحاجة ، وهى أحب البقاع إلى الله تعالى . وأبغضها إلى الله الأسواق ( ومن المحدث ) كثرة المساجد فى الجهة الواحدة لغير حاجة ، لما فيه من تفريق الجمع ، وتشتيت شمل المصلين . وتعديد الكلمة وفوات حكمة مشروعية الجماعة . وهى اتحاد الكلمة وائتلاف القلوب والتعاون والتعاضد ( قال ) الشيخ منصور بن إدريس زيحرم أن يبنى مسجد إلى جنب مسجد إلا لحاجة كضيق الأول وخوف فتنة باجتماعهم فى مسجد واحد(1) .
(2) غلق المساجد – بنيت المساجد للطاعة فى كل وقت . والجلوس فيها مستحب للعبادة كاعتكاف وقراءة قرآن أو علم وسماع موعظة وانتظار صلاة ( فالسنة ) فتح المساجد فى كل الأوقات إلا لضرورة كما كان الحال فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والسلف الصالح ( وأما غلقها ) نهاراً فى غير أول الوقت فبدعة ممنوعة قد تؤدى إلى تضييع الصلاة ، فإنه لا يتيسر لكل واحد الذهاب إلى المسجد أول الوقت وفى غلقها صدِّ عن سبيل الله وسعى فى خراب المساجد مما بنيت له قال تعالى تعالى { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا (2) } .
(
__________
(1) ص 545 ج1 كشاف القناع ( أحكام المساجد ) .
(2) البقرة آية : 114 .(1/335)
ومن التخريب ) منع المصلين والمتعبدين من دخولها . وقد نشأ من ذلك بدعة أخرى مذمومة ، وهى ما اعتاده خدمة المساجد من طرد المصلين أو طلاب العلم بعد صلاة العشاء . ومن كان فى صلاة ألجئوه إلى تخفيفها، وفى هذا تهويش على المتعبدين وصد عن طاعة الله ( قال ) ابن نجيم : وكره غلق باب المسجد لأنه يشبه المنع من الصلاة . وقيل لا بأس به إذا خيف على متاع المسجد(1).
( أما غلقها ) لضرورة كخوف امتهانها وخشية ضياع شئ منها ، فجائز إن لم تدع حاجة إلى فتحها كتعليم العلم أو وجود معتكف فيها يتأذى بغلقها ، وإلا حرم إلا إن تيقن امتهانها أو ضياع شئ من أثاثها ، فيجوز غلقها حينئذ ، فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " قال " النووى : لا بأس بإغلاق المسجد فى غير وقت الصلاة لصيانته أو الحفظ آلاته ، إذا خيف امتهانها وضياع ما فيها ولم يدع إلى فتحها حاجة . فأما إذا لم يخف من فتحها مفسدة ولا انتهاك حرمتها وكان فى فتحها رفق بالناس فالسنة فتحها (2) ( وقال ) الشيخ منصور بن إدريس : ويباح غلق أبوابه فى غير أوقات الصلاة ، لئلا يدخله من يكره دخوله إليه كمجنون وسكران وطفل لا يميز (3).
(
__________
(1) ص 36 ج2 – البحر الرائق ( فصل كره استقبال القبلة بالفرج .. ) .
(2) ص 178 ج2 شرح المهذب ( الثانية والعشرون – أحكام المساجد ) .
(3) ص 544 ج1 كشاف القناع ( أحكام المساجد ) .(1/336)
3) ومن البدع الرقص والغناء واستعمال آلات الطرب على الوجه المحرم – قال السيوطى فى كتاب الأمر بالاتباع والنهى عن الابتداع : ومن ذلك ( يعنى المحدثات ) الرقص والغناء فى المساجد وضرب الدفّ أو الرَّباب وغيرهما من آلات الطرب ، فمن فعل ذلك فى المسجد فهو مبتدع ضالّ مستحق للطرد والضرب ، لأنه استخفف بما أمر الله بتعظيمه قال تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } (1) أى يتلى فيها كتابه ، وبيوت الله هى المساجد ( وتقدم ) عن ثوبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال مَنْ رأيتموه ينشُد شِعْراً فى المسجد فقولوا فَضَّ الله فاك ثلاث مرات : ومن رأيتموه ينشُد ضالَّة فى المسجد فقولوا : لا وجدْتَها ثلاث مرات ( الحديث (2)) . "فما أحق" هؤلاء المشدين للقصائد الملحونة والموشَّحات المحرفة بتلك الزعقات المؤلمة والصيحات الهائلة "بالدعاء" النبوى عليهم إذ الأمر فيه إن لم يكن للوجوب فللندب . وإذا كان من يرفع صوته لحاجة مهمة كضالة يتعرفها قد شرع الدعاء عليه ، فما بالك برافعى أصواتهم لا لحاجة بل للضرر والتشويش ( وتقدم ) أن عرم بن الخطاب رضى الله عنه بنى إلى جانب المسجد رحَبة سماها البُطيحاء وقال : من أراد أن يلغَط أو ينشُد أو يفع صوتاً فْليخرجْ إلى هذه الرحبة (3) .
(4) ومن البدع وضع كرسى مرتفع فى المسجد يتلى عليه شئ من القرآن بصوت مرتفع يوم الجمعة وقبل إقامة الصلاة فى غيرها ، فيحصل من التشويش على المصلين ما لا يمكن معه أداء الصلاة على وجهها .
( قال ) ابن الحاج فى المدخل ومن هذا الباب الكرسى الكبير يوضع فى الجامع مكى يقرأ القارئ عليه ولا ضرورة تدعو لذلك لوجهين .
( الأول ) أنه يشغل من المسجد موضعاً كبيراً وهو وقف على المصلين :
(
__________
(1) النور آية : 36 .
(2) تقدم رقم 384 ص 268 .
(3) تقدم أثر رقم 102 ص 264 .(1/337)
الثانى ) أنهم يقرءون عند اجتماع الناس لانتظار الصلاة ، فمنهم المصلى ، ومنهم التالى ومنهم الذاكر ومنهم المفكر . فإذا قرأ القارئ إذ ذاك قطع عليهم ما هم فيه ، وقد نهى النبى عليه الصلاة والسلام عن رفع الصوت بالقراءة فى المسجد بقوله : لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن . وهو نص فى عين المسألة (1) .
(5) ومن البدع الاحتفال فى المسجد بالمولد وغيره – جرت العادة بالاحفال بالمولد وغيره فى المساجد . وهو أمر محدث قبيح لم يقع من السلف ولم يستحسنوه وفيه عدة مفاسد ( منها ) إضاعة الأموال بكثرة الوقود فى المساجد وإيقاد المصابيح فى الأضرحة ، وهو من الإسراف والتبذير المنهى عنه ( روى ) المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن الله كره لكم ثلاثاً قياَ وقالَ ، وكثرةَ السؤال ، وإضاعةَ المال . أخرجه الشيخان (2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 403 }
(
__________
(1) ص 73 ج2 مدخل ( بعض البدع التى أحدثت فى المسجد ) و ( لا يجهر ... ) هون بعض حديث أخرجه أحمد بسند صحيح . تقدم تاماً رقم 172 ص 127 ( تعدد الجماعة فى وقت واحد ) .
(2) ص 219 ج3 فتح البارى ( قول الله عز وجل لا يسألون الناس إلحافاً ... ) وص 12 ج12 نووى مسلم ( النهى عن كثرة المسائل من غير حاجة – الأقضية ) .(1/338)
وقال ) النووى : من البدع المنكرة ما يفعل فى كثير من البلدان من إيقاد القناديل الكثيرة العظيمة السرف فى ليال معروفة من السنة كليلة نصف شعبان ، فيحصل بسبب ذلك مفاسد كثيرة ( منها ) مضاهاة المحبوس فى الاعتناء بالنار والإكثار منها ( ومنها ) إضاعة المال فى غير وجهه ( ومنها ) ما يترتب على ذلك فى كثير من المساجد من اجتماع الصبيان وأهل البطالة ولعبهم ورفع أصواتهم وامتهانهم المساجد وانتهاك حرمتها وحصول أوساخ فيها وغير ذلك من المفاسد التى يجب صيانة المسجد من أفرادها (1).( ومنها ) قراءة القرآن على غير الوجه المشروع فيرجّعون فيه كترجيع الغناء ، ولا يراعون فيه ما يجب له من الاستماع والإنصاف والاحترام . وهو مخالف لما وصف الله به المؤمنين عند سماع كلامه بقوله :
{ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } (2) . وقوله : { إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } (3).
(
__________
(1) ص 177 ج2 شرح المهذب ( الثامنة عشرة – أحكام المساجد ) .
(2) المائدة أية : 83 .
(3) الأنفال أية : 2 .(1/339)
ومنها ) إقامة حلقات الذكر المحرَّف فى المسجد مع ارتفاع أصوات المنشدين والتصفيق الحادّ من رئيس الراقصين ، وقد يضربون على البازة ونحوها أثناء الذكر وفى المسجد . وكل هذا ممنوع بإجماع العلماء ولم يكن فى عهد السلف الصالح ( ومنها ) اتخاذ قبور الأنبياء والأولياء عيداً وهو ممنوع " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبرى عيداً ، وصلوا علىَّ فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم" . أخرجه أبو داود وأحمد بسند حسن (1). ... ... ... ... ... ... { 404 }
" ولحديث " الحسين عن علىّ رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لا تجعلوا قبرى عيداً ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً ، وصلوا علىِّ وسلموا حيثما كنتم فيبلغنى صلاتكم وسلامكم " أخرجه أبو يعلى والحكيم الترمذى (2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 405 }
(
__________
(1) انظر رقم 301 ص 253 ج2 تكملة المنهل ( زيارة القبور ) وص 307 ج14 – الفتح الربانى . و ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ) أى لا تتركوا النافلة فيها حتى تكون بمنزلة القبور ( ففى الحديث ) لا تتخلوا بيوتكم قبوراً سلوا فيها . أخرجه أحمد عن زيد بن خالد بسند صحيح انظر ص 114 ج4 مسند أحمد ( حديث زيد بن خالد الجهنى رضى الله عنه ) ( ولا تجعلوا قبرى عيداً ) أى بالتوجه إليه مرة بعد أخرى وإظهار الفرح والسرور بذلك كالعيد . بل اجعلوها زيارة عظة ةاعتبار ( وصلوا على ) أينما كنتم . كما فى رواية أحمد ( فإن صلاتكم تبلغنى ) أى أن القرب منم قبره والبعد عنه ساء فلا حاجة إلى اتخاذه عيداً كما اتخذ المشركون م أهل الكتاب قبور أنبيائهم وصالحيهم عيداً .
(2) ص 467 راموز الأحاديث .(1/340)
وقد اتفقت ) كلمة العلماء على إنكار ذلك ( قال ) السفارينى : قال الإمام ابن عقيل : أنا أبرأ إلى الله تعالى من جموع أهل زماننا فى المساجد والمشاهد ليالى يسمونها إحياء ، لعمرى إنها لإحياء أهوائهم ، وإيقاد شهواتهم . قال فى الآداب : وهذا فى زمانه الذى بيننا وبينه نحو ثلثمائة سنة . " وما يجرى " بالشام ومصر والعراق وغيرها من بلاد الإسلام فى المواسم من المنكرات فى زماننا " أضعاف " ما كان فى زمانه ( قلت ) وهذا الذى قاله ابن مفلح فى آدابه فى زمانه وهو قد توفى سنة 763 ثلاث وستين وسبعمائة . فما بالك بعصرنا الذى هو فى المائة الثانية عشرة . وقد انطمست معالم الدين وطفئت إلا من بقايا حفظة الدين . فصارت السنة بدعة . والبدعة شرعة ، والعبادة عادة والعادة عبادة . فعالهم عاكف على شهواته وحاكمهم متماد فى غفلاته وأميرهم لا حلم لديه ولا دين ، وغنيهم لا رأفة عنده ولا رحمة ، وفقيرهم متكبر " فلو رأيت " جموع صوفية زماننا وقد أوقدوا النيران ، وأحضروا آلات المعازف بالدفوف المجلجة والطول ، وقاموا على أقدامهم يرقصون ويتمايلون " لقضيتَ " بأنهم فرقة من بقية أصحاب السامرىّ وهم على عبادة عجلهم يعكفون " أو حضرتَ " مجمعاً وقد حضره العلماء بعمائهم الكبار والفراء المثمنة والهيئات المستحسنة ، وقدموا قِصاب الدخان التى هى لجامات الشيطان وقد ابتدر ذو نغَمة ينشد من الأشعار المهيجة فوصف الخدود والنهود والقدود . وقد ارخى القوم رءوسهم ونكّسوها واستمعوا للنغمة واستأنسوها " لقلتَ " وهم لذلك مطرقون : ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون . فإنا لله وإنا إليه راجعون (1) .
(
__________
(1) ص 260 ج2 غذاء الألباب ( ما يجب أن يمنع فى المساجد ) .(1/341)
وقال ) ابن حجر الهيثمى : الموالد والأذكار التى تفعل عندنا أكثرها مشتمل على خير كصدقة وذكر وصلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه ، وعلى شرّبل شرور . ولو لم يكن فيها إلا رؤية النساء للرجال الأجانب لكفى . وبعضها ليس فيه شر لكنه قليل نادر ( ولا شك ) أن القسم الأول ممنوع للقاعدة المشهورة: إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح فمن علم وقوع شئ من الشر فيما يفعله من ذلك فهو عاص آثم .
وبفرض أنه عمل فى ذلك خيراً فربما خيرُه لا يساوى شره ، ألا ترى أن الشارع صلى الله عليه وسلم اكتفى من الخير بما تيسر ، وفطَم عن جميع أنواع الشر حيث قال : فإذا أمرتكم بالشئ فخذوا به ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه (1). ... ... ... ... ... ... ... ... { 406 }
( والقسم ) الثانى سنة تشمله الأحاديث الواردة فى الأذكار المخصوصة والعامة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمةُ ونزلتْ عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده . رواه مسلم (2) .
__________
(1) هذا عجز حديث أخرجه النسائى عن أبى هريرة قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النسا فقال : إن الله عز وجل قد فرض عليكم الحج. فقال رجل : فى كل عام ؟ فسكت عنه حتى أعاده ثلاثاً ، فقال : لو قلت نعم لو جبت ولو وجبت ما قمّم بها . ذرونى ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سألهم واختلافهم على أنبيائهم . فإذا أمرتكم بالشئ فخذوا به الخ انظر ص 2 ج2 مجتبى ( وجوب الحج ) .
(2) وأخرجه أيضاً الترمذى . وقال : حسن صحيح . عن أبى هريرة وأبى سعيد الخدرى انظر ص 22 ج17 نووى مسلم ( فضل الاجتماعه على تلاوة القرآن وعلى الذكر – الذكر ) .(1/342)
وروى مسلم أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال لقوم جلسوا يذكرون الله تعالى ويحمَدنه على أن هداهم للإسلام : أتانى جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرنى أن الله تعالى يُباهى بكم الملائكة (1) ( وقال ) تقى الدين بن تيمية بعد أن بيّن بدع الموالد وما اشتملت عليه من المفاسد ما نصه : وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى فى ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبى صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له ، والله يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ، لا على البدع من اتخاذ مولد النبى صلى الله عليه وسلم وسد عيداً مع اختلاف النسا فى مولده . فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه لو كان خيراً . ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضى الله عنهم أحق به منها ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا ، وهم على الخير أحرص . وإنما كمال محبته وتعظيمه فى متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان(2).
(
__________
(1) أخرجه مسلم وغيره عن أبى سعيد الخدرى مطولا بلفظ تقدم رقم 165 ص 132 ج1 الدين الخالص . وانظر عبارة ابن حجر ص 112 – الفتاوى الحديثية ( الاجتماع الموالد والأذكار ) .
(2) انظر افتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم .(1/343)
وقد شدّد ) النكبرَ ابنُ الحاجِّ فى المدخل عى ما حدث فى مجامع قراءة المولد من النكرات وأطال فى بيان مفاسدها(1). ( وقد سئل ) تقىّ الدين ابن تيمية فيمن يعمل كل سنة ختمة فى ليلة مولد النبى صلى الله عليه وسلم : هل ذلك مستحب ام لا ؟ فأجاب بعد الحمد له : جمعُ الناس للطعام فى العيدين وأيام التشريق سنة ، وهو من شعائر الإسلام التى سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين . وإعانة الفقراء بالإطعام فى شهر رمضان هو من سنن الإسلام ( فقد ) قال النبى صلى الله عليه وسلم : من فطر صائماً فله مثل أجره(2). ... { 408 }
وإعطاء فقراء القرّاء ما يستعينون به على القرآن عمل صالح فى كل وقت ، ومن أعانهم على ذلك كان شريكهم فى الأجر " وأما اتخاذ " موسم غير المواسم الشرعية لبعض ليالى شهر ربيع الأول التى يقال لها ليلة المولد . أو بعض ليالى رجب . أو ثامن عشر ذى الحجة أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذى تسميه الجهال عيد الأبرار " فإنها " من البدع التى لم يستحينها السلف ولم يفعلوها (3).
(
__________
(1) وكذا الشيخ الإمام الوالد رحمه الله فى كتاب ( تعجيل القضاء المبرم ) .
(2) هو صدر حديث أخرجه أحمد والترمذى وابن ماجه عن زيد بن خالد الجهنى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شئ . انظر رقم 8889 ص 187 ج6 فيض القدير .
(3) انظر اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم .(1/344)
وقال ) الشيخ محمد بخيت فى كتابه " أحسن الكلام " : ما ليس بفرض من الطاعات إذا ترتب على فعله محرم أو مكروه تحريماً ، وجب تركه تقديماً لدرء المفاسد على جلب المصالح " والمحرمات " كاختلاط الرجال بالنساء وتحريف أسماء الله تعالى والرقص وشد الرحال إلى تلك البقاع والسفر إليها وإيقاد الشموع ونحوها " مما يدخل " تحت الإسراف والتبذير . وإحراق السواريخ والشنكات ونحو ذلك مما هو إضاعة للمال فى الباطل ، خصوصاً إن كان ما يصرف على ذلك من أموال بيت المال ، أو من الأموال الأوقاف . وآلات الملاهى والمغانى وما أشبه ذلك فكل ذلك محرم بلا شبهة . ( ولذا أبطل ) الأفضل بن أمير الجيوش الموالد التى كانت فى زمانه مع أن المخالفات التى كانت تقع فيها أقل بكثير من المخالفات التى تقع فى موالد زماننا كما هو مشاهد . فعلى شيخ الأزهر والسادة العلماء أن يبينوا لولاة الأمر ما فى عمل الموالد من المفاسد والمنكرات ، ليأمروا بإبطالها ولا يسمحوا بإقامتها . وعلى كل مكلف البعد عن حضورها ومشاهدتها ، وإلا وقع فى الندم والعطب " يو مينظر المرء ما قدمت يداه" .
((1/345)
6) ومن البدع المذمومة زيادة النور فى المساجد والمآذن ليلة أول جمعة من رجب ، وليلة السابع والعشرين منه ، وليلة نصف شعبان وليالى رمضان وليلتى العيد وغيرها من ليالى المواسم المحدثة فإنها إسراف وتبذير لم يكن فى زمن السلف الصالح ( قال الإمام ) أبو شامة نقلا عن الحافظ أبى الخطاب بن دحية " ومما أحدثه" المبتدعون وخرجوا به عما رسمه المتشرعون . وجَرَوْا فيه على سَنَن المحبوس ، واتخذوا دينهم لهواً ولعباً "الوقيد" ليلة نصف من شعبان ولم يصح فيها شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نطق بالصلاة فيها والإيقاد "أحد" من الرواة وما أحدثه إلا متلاعب بالشريعة المحمدية ، راغب فى دين المجوسية ، لأن النار معبودُهم (وأول) ما حدث ذلك فى زمن البرامكة ، فأدخلوا فى دين الإسلام ما يموهون به على الطِّغام ، وهو جعلهم الإيقاد فى شعبان كأنه من سنن الإيمان ومقصودهم عبادة النيران وإقامة دينهم وهو أخسر الأديان حتى إذا صلى المسلمون وركعوا وسجدوا ، كان ذلك إلى النار التى أوقدوها ، ومضت على ذلك سنون وأعصار . هذا . مع ما يجتمع فى تلك الليلة من الرجال والنساء واختلاطهم . فالواجب على السلطان منعهم وعلى العالم ردعهم (1) .
( ثم قال ) ولم يأت فى الشريعة استحباب زيادة الوقيد على قدر الحاجة فى موضع مّا أصلا . وما يفعله عوام الحجاج يوم عرفة بجبال عرفات وليلة النح بالمشعر الحرام ، فهو من هذا القبيل يجب إنكاره لأنه بدعة منكرة خلاف الشريعة المطهرة (2) ( وقال ) ملا على القارى : ولم يأت فى الشرع استحباب زيادة الوقيد على الحاجة فى موضع مّا (3) وتقدم عن الإمام النووى بيان بعض المفاسد المترتبة على مثل هذه البدع (4).
(
__________
(1) ص 27 – الباعث على إنكار البدع والحوادث ( فصل فأما الألفية .. ) .
(2) ص 30 منه .
(3) ص 178 ج2 مرقاة المفاتيح ( قيام شهر رمضان ) .
(4) تقدم ص 284 ( الاحتفال بالمولد وغيره ) .(1/346)
7) ومما يقع فى المساجد من البدع المنكرة .
( أ ) صلاة الغائب ، وهى صلاة ثنتى عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمع من رجب (ب) والصلاة الألفية ، وهى صلاة مائة ركعة ليلة نصف شعبان يقرا فى كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله أحد عشر مرات . ( وهما صلاتان ) محدثتان لا أصل لهما فى الشريعة السمحة ، ولا من فعل الصحابة ومن بعدهم ( قال الإمام الجزرى ) فى الحصن : وأما صلاة الرغائب أول خميس من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان ، وصلاة ليلة القدر من رمضان ، فلا تصح ، وسندها موضوع باطل . ( وقال النووى ) الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهى اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة . وهاتان الصلاتان بدعتان منكرتان . ولا يغتر بذكرهما فى كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين ، ولا بالحديث المذكور فيهما ، فإن كل ذلك باطل . ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات فى استحبابهما فإنه غالط فى ذلك . وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسى كتاباً نفسياً فى إبطالهما فأحسن فيه وأجاد(1) ( وقال ) فى موضع آخر : وليس لحد ان يستدل على مشروعيتهما بقوله صلى الله عليه وسلم : الصلاة خير موضوع(2){ 409 } فإن ذلك يختص بصلاة لا تخالف الشرع بوجه من الوجوه (وقد صح) النهى عن الصلاة فى الأوقات المكروهة .
(
__________
(1) ص 177 ج2 شرح المهذب ( الثامنة عشرة – أحكام المساجد ) .
(2) هو مصدر حديث أخرجه الطبرانى عن أبى هريرة وتمامه : من استطاع أن يستكثر فليستكثر . واخرجه أيضاً عن أبى ذر بلفظ : الصلاة خير موضوع من شاء أقل ومن شاء أكثر . وأخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه عن أبى ذر . انظر رقم 1616 ص 30 ج2 كشف الخفاء.(1/347)
وقال ) العز بن عبد السلام : لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التى تصلى فى رجب ولا صلاة نصف شعبان فحدث فى سنة 448 ثمان وأربعين وأربعمائة أن قدم عليهم رجل من نابلس يعرف بابن أبى الحمار ء، وكان حسن التلاوة ، فقام يصلى فى المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل ثم انضاف إليهما ثالث ورابع ، فما ختمها إلا هم جماعة كثيرة . ثم جاء فى العام القابل فصلى معه خلق كثير وانتشرت فى المسجد الأقصى وبيوت الماس ومنازلهم . ثم استقرت كأنها سنة إلى يومنا هذا (1) ( وقال ) أبو شامة نقلا عن الإمام الطرشوشى : وأما صلاة رجب فلم تحدث عندنا ببيت المقدس إلا بعد سنة ثمانين وأربعمائة . وما كنا رأيناها لا سمعنا بها قبل ذلك ثم قال ( وروى ) ابن وضاح عن زيد بن أسلم قال : ما أدركنا أحداً من مشيختا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان ، ولا يرون لها فضلا على سواها . وقيل لابن أبى مُليكة : إن زياداً النمرى يقول : عن أجر ليلة الصف من شعبان كأجر ليلة القدر فقال : لو سمعته وبيدى عصا لضربته . وكان زيادٌ قاصًّا . وانبأنا الحافظ أبو الخطاب بن دحية قال فى كتابه أداء ما وجب : وقد روى الناس الأغفال فى صلاة ليلة النف من شعبان أحاديث موضوعة وواحداً مقطوعاً وكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعة فوق طاقتهم من صلاة مائة ركعة ، فى كل ركعة الحمد لله مرة ، وقل هو الله أحد عشر مرات فينصرفون وقد غلبهم النوم فتفوتهم صلاة الصبح التى ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيها : من صلى الصبح فهو فى ذمة الله(2). {410}
(
__________
(1) ص 422 ج3 – إتحاف المتقين شرح الإحياء ( صلاة رجب ) .
(2) أخرجه الطبرانى عن أبى عمر بلفظ : من صلى الغداة كان فى ذمة الله حتى يمسى . انظر رقم 2515 ص 257 ج2 كشف الخفاء .(1/348)
وقال ) أبو الخطاب فى كتاب " ما جاء فى شهر شعبان " قال أهل التعديل والتجريح ليس فى ليلة النصف من شعبان حديث يصح . فتحفظوا عباد الله من مفتر يروى لكم حديثاً موضوعاً يسوقه فى معرض الخير ، فاستعمال الخير ينبغى أن يكون مشروعاً من النبى صلى الله عليه وسلم.فإذا صح أنه كذب خرج من المشروعية ، وكان مستعمله من خدم الشيطان،لاستعماله حديثاً على رسول الله صلى اله عليه وسلم لم يُنزل الله به من سلطان(1).
(
__________
(1) ص 26 ، 27 – الباعث على إنكار البدع والحوادث .(1/349)
ثم قال ) أبو شامة : قال الحافظ أبو الخطاب : أما صلاة الرغائب فالمتهم بوضعها علىّ بن عبد الله بن جهضم وضعها على رجال مجهولين لم يوجدوا فى جميع الكتب ومذلك عمل الحسين بن إبراهيم حديثاً موضوعاً على رجال مجهولين لا يعرفون وألصقه بأنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى ليلة النصف من شعبان ورجب أربع عشرة ركعة (الحديث) قال : وهو حديث ، جمع من الكذب والزور غير قليل(1).
(
__________
(1) وأخرجه ابن الجوزى فى الموضوعات والغزالى فى الإحياء مطولا وفيه : ما من أحد يصوم أول خميس من رجب ثم يصلى فيما بين العشاء "المغرب " والعتمة " العشاء " اثنتى عشرة ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة ، وإنا أنزلناه فى ليلة القدر ثلاث مرات ، وقل هو الله أحد ثنتى عشرة مرة . فإذا فرغ من صلاته صلى على سبعين مرة يقول : اللهم صلى على محمد النبى الأمى وعلى آله. ثم يسجد ويقول فى سجوده سبعين مرة : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة : رب اغفر واحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت الأعز الأكرم . ثم يسجد الثانية يقول فيها مثل ما قال فى السجدة الأولى . ثم يسأل حاجته فإنها تقضى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذى نفسى بيده : ما من عبد ولا أمة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وعدد الرمل وورق الأشجار . ثم أطال فى ذكر الثواب والفضل فى هذا ( قال ) العراقى : أورده رزين فى كتابه ، وهو حديث موضوع ( وقال ) ابن الجوزى : موضوع وقد اتهموا به ابن جهضم ونسبوه إلى الكذب . انظر ص 423 ج3 – إتحاف المتقين شرح الإحياء ( صلاة رجب ) .(1/350)
قال ) أبو شامة : وما ذكره هذا الحافظ فى أمر صلاتى رجب وشعبان هو كان سبب تبطيلهما فى بلاد مصر بأمر سلطانها الكامل محمد بن أبى بكر رحمه الله تعالى ، فإنه كان مائلا إلى إظهار السنن وإمانة البدع ( وقد وقعت ) هذه المسألة فى الفتاوى بدمشق قبل سنة عشرين وستمائه . صورتها : ما تقول السادة الفقهاء الأئمة رضى الله عنهم فى الصلاة المدعوة بصلاة الرغائب ؟ هل هى بدعة فى الجماعات ؟ وهل ورد فيها حديث صحيح ؟ (فأجاب) الحافظ الفقيه أبو عمرو بن الصلاح بما صورته : حديثها موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهى بدعة حدثت بعد أربعمائة من الهجرة ، ظهرت بالشام وانتشرت فى سائر البلاد ( ولا بأس ) بأن يصليها الإنسان بناء على أن الإحياء فيما بين العشاءين مستحب كل ليلة . ولا بأس بالجماعة فى النوافل مطلقاً . أما أن تتخذ الجماعة فيها سنة وتتخذ هذه الصلاة من شعائر الدين الظاهرة ، فهذه من البدع المنكرة ، وما أسرع الناس إلى البدع . ( ووقعت ) هذه المسألة مرة ثانية صورتها : ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين فيمن ينكر على من يصلى لا فى ليلة الرغائب وليلة النصف من شعبان ، ويقول : إن الزيت الذى يشعل فيها حرام وتفريط ، ويقول إن ذلك بدعة . وما لهما فضل ولا ورد فى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم فيهما فضل ولا شرف ؟ فهل هو على الصواب ؟ أفتونا رضى الله عنكم ( فأجاب ) أيضاً : أما الصلاة المعروفة فى ليلة الرغائب فهى بدعة ، وحديثها المروىّ موضوع . وما حدثت إلا بعد أربعمائة سنة من الهجرة ، وليس لليلتها تفضيل على أشباهها من ليالى الجمع ( وأما ليلة ) النصف من شعبان فلها فضيلة وإحياؤها بالعبادة مستحب ولكن على الانفراد من غير جماعة ، واتخاذ الناس لها ولليلة الرغائب موسماً وشعاراً بدعة منكرة.وما يزيدونه فيها على الحاجة والعادة من الوقيد ونحوه ، فغير موافق للشريعة.((1/351)
والألفية) التى تصلى فى ليلة النصف لا أصل لها ولا لأشباهها.ومن العجب حرصُ الناس على المبتدعَ فى هاتين الليلتين وتقصيرُهم فى المؤكدات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله المستعان(1).
(8) ومما تقدم تعلم أن من المبدع المنكرة الاحتفال فى المساجد بإحياء هذه الليالى بالصلاة والدعاء وغيرهما ، لأنه لم يكن فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد السلف الصالح ، ولم يرد فيه حديث يعتمد عليه ، ولما يترتب عليه من المفاسد وامتهان المساجد ( قال ) أبو شامة : قد أنكر الإمام الطرطوشى على أهل القيروان اجتماعهم ليلة الختم فى صلاة التراويح فى شهر رمضان ونصب المنابر ، وبين أنه بدعة ومنكر ، وان مالكاً رحمه الله كرهه إن كان ذلك عل وجه السلامة من اللغط ، ولم يكن إلا الرجال والنساء منفردين بعضهم عن بعض يستمعون الذكر ولم تنتهك فيه شعائر الرحمن ، فهذه البدعة التى كره مالك رحمه الله " وأما إن كان " على الوجه الذى يجرى فى هذا الزمان من اختلاط الرجال والنساء ومضامَّة أجسامهم ، ومزاحمة من فى قلبه مرض من أهل الريب ، ومعانقة بعضهم لبعض كما حكى لنا أن رجلا وُجِد يطأ امرأة وهم وقوف فى زحام الناس وحكت لنا امرأة أن رجلا واقعها فما حال بنيهما إلا الثياب . وأمثال ذلك من الفسق واللغط " فهذا فسق " فيفسق الذى يكون سبباً لاجتماعهم ( فإن قيل ) أليس روى عبد الرزاق فى تفسير أن أنس بن مالك كان إذا أراد أن يختم القرآن جمع أهله ( قلنا ) هذا هو الحجة عليكم . فإنه كان يصلى فى بيته ، ويجمع أهله عند الختم ، فأين هذا من نصبكم المنابر وتلفيق الخطب على رءوس الأشهاد فيخلط الرجال والنساء والصبيان والغوغاء وتكثر الزعقات والصياح ، ويختلط الأمر ويذهب بهاء الإسلام (2) (
__________
(1) ص 34 – الباعث على إنكار البدع والحوادث .
(2) ص 30 – الباعث على إنكار البدع والحوادث ..(1/352)
ثم قال ) أبو شامة : وكل من حضر ليلة نصف شعبان يعلن " أنه يقع " فى تلك الليلة من الفسوق والمعاصى وكثرة اللغط والخطف والسرقة وتنجيس مواضع العبادات ، وأنها تهان بيوت الله تعالى " أكثر" مما ذكره الإمام أبو بكر الطرطوشى فى ختم القرآن والله المستعان فكل ذلك سببه الاجتماع للتفرج على كثرة الوقيد . وكثرة الوقيد سببها تلك الصلاة المبتدعة المنكرة ، وكل بدعة ضلالة (1).
( وقال ) الحافظ الزبيدى : وقد توارث الخلف عن السلف فى إحياء هذه الليلة بصلات ست ركعات بعد صلاة المغرب كل ركعتين بتسليمه يقرا فى كل ركعة منها بالفاتحة مرة والإخلاص ست مرات ، وبعد الفراغ من كل ركعتين يقرأ سورة يس مرة ويدعو بالدعاء المشهور ليلة النصف ويسأل الله تعالى البركة فى العمر ، ثم فى الثانية البركة فى الرزق ثم فى الثالثة حسن الخاتمة . وذكروا أن من صلى هكذا بهذه الكيفية أعطى جميع ما يطلب. وهذه الصلاة مشهورة فى كتب المتأخرين من السادة الصوفية ، ولم أر لها ولا لدعائها مستنداً صحيحاً فى السنة . ثم قال : وقد قال أصحابنا : إنه يكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالى المذكورة فى المساجد وغيرها ( وقال ) التجم الغيطى فى صفة إحياء ليلة النصف من شعبان بجماعة : إنه قد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبى مُليكة وفقهاء أهل المدينة واصحاب مالك وقالوا ذلك كله بدعة ، ولم يثبت فى قيامها جماعة شئ عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه (2).
(
__________
(1) ص 31 منه .
(2) ص 427 ج3 شرح الإحياء ( وأما صلاة شعبان ) .(1/353)
وأما الدعاء ) المشهور ليلة نصف شعبان فلم يثبت . والاجتماع له بدعة ونسبته إلى بعض الصحابة غير صحيح . وإنما هو من اختراع بعض المشايخ ( قال ) العلامة أحمد الشرجى اليمنى فى كتاب الفوائد فى الصِّلات والعوائد فى بحث " ما يدعى به ليلة النصف من شعبان " من ذلك ما وجد بخط الفقيه أبى بكر بن أحمد دعير قال : أملى علىّ الخ الفقيه عبد الله بن أسد اليافعى فى طريق مدينة الرسول صلى الله علهي وسلم سنه 733 ثلاث وثلاثين وسبعمائة هذا الدعاء وهو : اللهم ياذا المن الخ . ( قال ) بعضهم : أولى ما يدعى به فيها : إلهى بالتجلى الأعظم فى ليلة النصف من شهر شعبان المعظم الخ . فجمع الناس بينهما وروّجوه . وقد يشترطون لقبوله قراءة يس وصلاة ركعتين قبله يكررون القراءة والصلاة والدعاء ثلاث مرات : يصلون المرة الأولى بنية طول العمر ، والثانية بنية دفع البلايا ، والثالثة بنية الاستغناء عن الناس ، ويعتقدون أن هذا العمل من الشعائر الدينية ، ومن مزايا هذه الليلة حتى اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالواجبات ، فهم يسارعون إلى المساجد قبيل الغروب من هذه الليلة . وفيهم تاركو الصلاة ومرتكبو الموبقات معتقدين أنه يجبر كل تقصير سابق ، وانه يطيل العمر ويتشاءمون من فوته ، لهذا ينبغى تركه وعدم الاهتمام به ، سيما وأنه يفهم منه أن ليلة النصف هى الليلة المباركة التى يفرق فيها كل أمر حكيم . وهو مخالف لصريح القرآن ، لأن الليلة المباركة المذكورة فى قوله تعالى : { وَالْكِتَابِ المُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } (1)
__________
(1) الدخان آية : 2-4 . و ( منذرين ) أى معلنين الناس بما ينفعهم ويضرهم ، لئلا يكون لهم على الله حجة ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) أى فى ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة ، أمر السنة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق وغيرها ..(1/354)
هى ليلة القدر ، لا ليلة النصف من شعبان .
( قال ) ابن كثير : يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم : " إنَّا أَنزَلْناُه فِى ليْلَةٍ مُبَارَكَةٍ " وهى ليلة لاقدر كما قال عز وجل { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ } وكان ذلك فى شهر رمضان كما قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ (1) } ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما رُوى عن عكرمة ، فقد أبعد النجعة فإن نص القرآن أنها فى رمضان " والحديث " الذى رواه عثمان بت محمد بن المغيرة بن الأخنث قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تُقطع الآجالُ من شعبانَ إلى شعبانَ ، حتى إن الرجل ليَنْكح ويوُلد له ود أخرْجَ اسمه فى الموتى " فهو" حديث مرسل ومثله لا يعارض النصوص(2). ... ... ... ... ... { 411 }
(
__________
(1) آية البقرة : 185 .
(2) ص 419 ج7 تفسير ابن كثير . و ( النجعة ) مغرفة فى الأصل طلب الكلأ فى موضعه . والمراد هنا البعد عن الصواب .(1/355)
وقال ) العلامة الأوسى ( إنا أنزلناه ) أى الكتاب المبين الذى هو القرآن على القول المعول عليه ( فى ليلة مباركة ) هى ليلة القدر على ما روى عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وابن زيد والحسن . وعليه أكثر المفسرين. والظاهر معهم (1)?( وقال ) وعن عكرمة أن ليلة القدر هى ليلة النصف من شعبان . وهو قول شاذ غريب . وظاهر ما هنا مع ظاهر قوله تعالى " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " يرده (2)?( وقال ) أبو بكر بن العربى : جمهور العلماء على أنها ليلة القدر . ومنهم من قال إنها ليلة النصف من شعبان وهو باطل ، لأن الله تعالى قال فى كتابه الصادق القاطع " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " فنص على أن ميقات نزوله رمضان ثم عبر عن زمنية الليل هنا بقوله : فى ليلة مباركة(3)?أى أن ابتداء نزوله على النبى صلى الله عليه وسلم كان فى رمضان فى تلك الليلة المباركة التى سماها الله ليلة القدر ( وظاهر ) القرآن أيضاً أن الليلة التى يفرق فيها كل أمر حكيم ، هى ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان ( وظاهره ) أيضاً أن المحو والإثبات فى قوله تعالى : { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } (4)?ليس المراد به محو الشقاوة والحرمان ، وإقتار الرزق وإثبات ضدها ، وإنما المراد المحو والإثبات فى الشرائع بالنسخ والتبديل ، فإنه الذى يقتضيه سياق الكلام(5)
__________
(1) ص 37 ج8 روح المعانى ( سورة الدخان ) .
(2) ص 420 ج9 منه ( سورة القدر ) .
(3) ص 224 ج2 – أحكام القرآن ( سورة الدخان ) .
(4) الرعد آية : 39 .
(5) وذلك أن المعاندين من كفار قريش كانوا يعيبون على النبى صلى الله عليه وسلم أموراً ثلاثة ( الأول ) تزوجه وتناسله ، قالوا : لو كان نبياً مرسلا لشغلته النبوة والرسالة عن التزوج والتناسل . (.الثانى ) عدم إجابته ما يقترفونه عليه من الآيات وقالوا : لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً (90) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً (91) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتى بالله والملائكة قبيلا (92) أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى فى السماء ، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه (93) ( الإسراء) (الثالث) نسخ بعض الأحكام كتحويل القبلة من الكعبة إلى بيت المقدس وبالعكس ، ونقل عدة المتوفى عنها زوجها من عام إلى أربعة أشعر وعشر ( فرد الله ) عليهم الشبهة الأولى بقوله : ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية ( الرعد : آية 38 ) أى فأنت مثلهم فى ذلك : تأكل كما يأكلون ، وتمشى فى الأسواق كما يمشون ، وتأتى الزوجات فيولد لك كما يأتون زوجاتهم فيولد لهم .
... ( ورد الشبهة ) الثانية بقوله " وما كان لرسول أن يأتى بآيه إلا بإذن الله " ( غافر من آية : 78 ) تعالى يفعل ما يشاء ، ويأتى بما أراد . وأنت كذلك ليس فى طاقتك الإتيان بما يقترفون من الآيات ، وإنما أنت منذر " قل سبحان ربى هل كنت إلا بشراً رسولا " (الإسراء عجز آية : 93)
... ( ورد الشبهة ) الثالثة بقوله " لكل أجل كتاب " ( الرعد عجز آية : 38 ) أى لكل وقت من والوعد من ( آية : 38 ) أى لم يكن يأتى قزمه بخارق إلا بإذن الله ، ليس ذلك إليه بل إلى الله الأوقات حكم تقتضيه حاجة المرسل إليهم وتستدعيه مصالحهم . وقلا الضحاك بن مزاحم " لكل أجل كتاب " أى لكل كتاب أجل يعنى لكل كتاب أنزل من السماء مدة مضروبة ، ومقدار معين عند الله ، فلذا " يمحوا الله ما يشاء " منها ، أى ينسخ ما يشاء نسخة من الأحكام والشرائع " ويثبت " بدله ما فيه المصلحة والخير لعباده ، وهم فى ذلك كالمرض يعالجون بأدوية مختلفة على حسب اختلاف أحوالهم التى تتغير بتبديل الأوقات ( وعنده أم الكتاب ) أى أصل القضاء والعلم الذى لا تغيير فيه ولا تبديل ( فالمحو والإثبات) إنما هو فى الأحكام الشرعية الفرعية كما يقتضيه سياق الآيات ، لا فى الرزق والأجل والسعادة والشقاء فإنها لا تتغير ( روى حذيفة بن أسيد ان النبى صلى الله عليه وسلم قال : يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر فى الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول : يا رب ؟ أشقى أم سعيد ؟ فيكتبان فيقول : أى رب أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله ، فيكتبان ، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ومصيبته ، ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد على ما =فيها ولا ينقص . أخرجه أحمد . انظر ص 129 ج1 – الفتح الربانى . ومسلم ( ص 193 ج16 نووى مسلم – القدر ) . ( وقال ) حذيفة أيضاً : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون : إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سعها وبصرها وجلدها = ولحمها وعظامها ، ثم قال : يا رب أذكر أم أنثى ؟ فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك ، ثم يقول : يا رب أجله . فيقول ربك ما شاء ، ويكتب الملك ، ثم يقول يا رب رزقه فيقضى ربك ما شاء ، ويكتب الملك ثم يخرج الملك بالصحيفة فى يده فلا يزيد على أمر ولا ينقص . أخرجه مسلم (ص 193 ج 16 نووى ) .(1/356)
?.
( وقال ) العلامة الخطيب : واختلف فى قوله تعالى " فى ليلة مباركة " فقال قتادة وابن زيد وأكثر المفسرين: هى ليلة القدر ، وقال عكرمة ، وطائفة : إنها ليلة البراءة ، وهى ليلة النصف من شعبان . واحتج الأولون بوجوه .
( الأول ) قوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ } فقوله تعالى { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ مُبَارَكَةٍ } يجب أن تكون هى تلك الليلة المسماة بليلة القدر ، لئلا يلزم التناقض .
( ثانيها ) قوله تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فيهِ الْقُرآنُ } فقوله تعالى ها هنا : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ مُبَارَكَةٍ } يجب أن تكون هذه الليلة المباركة فى رمضان فثبت أنها ليلة القدر .
( ثالثها ) قوله تعالى فى صفة ليلة القدر { تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } وقال تعالى ها هنا { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } وقال ها هنا { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } وقال تعالى فى ليلة القدر : { سَلاٌم هِىَ } وإذا تقاربت الأوصاف وجب القول بأن إحدى الليلتين هى الأخرى .
( رابعها ) نقل محمد بن جرير الطبرى فى تفسيره عن قتادة أنه قال : نزلت صحف إبراهيم فى أول ليلة من رمضان ، والتوراة لست ليال منه ، والزبور لثنتى عشرة ليلة مضت منه ، والقرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان والليلة المباركة هى ليلة القدر . ... { 107 }
( خامسها ) أن ليلة القدر إنما سميت بهذا الاسم ، لأن قدرها وشرفها عند الله عظيم ومعلوم أن قدرها وشرفها ليس بسبب نفس الزمان ، لأن الزمان شئ واحد فى الذات والصفات فيمتنع كون بعضه أشرف من بعض لذاته فثبت أن شرفه وقدره بسبب أنه حصل فيه أمور شريفة لها قدر عظيم .
((1/357)
ومن المعلوم ) أن منصب الدين أعظم من مناصب الدنيا . وأعظم الأشياء وأشرفها شعباً فى الدين هو القرآن ، لأنه ثبت به نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم : وبه ظهر الفرق بين الحق والباطل ، كما قال تعالى فى صفته : " وَمُهيْمِناً عَليْهِ " وبه ظهرت درجات أرباب السعادات . ودركات أرباب الشقاوات . فعلى هذا لا شئ إلا والقرآن أعظُم قدراً وأعلى ذكراً وأعظم منصباً " منه " . وحيث أطبقوا أن ليلة القدر هى التى وقعت فى رمضان ، علمنا أن القرآن إنما أنزل فى تلك الليلة ( وهذه ) أدلة ظاهرة واضحة ( واحتج ) الآخرون بأنها مختصة بأربع خصال :
( الأولى ) فضل العبادة فيها . روى الزمخشرى أنه صلى الله عليه وسلم قلا : من صلى فى هذه الليلة مائةَ ركعة أرسل الله إليه مائة ملك : ثلاثون يبشرونه بالجنة ، وثلاثون يؤمِّنُونه من عذاب النار ، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا ، وعشرة يدفعون عنه مكائد الشيطان . ... ... ... ... ... ... { 412 }
( الثانية ) نزول الرحمة . قال صلى الله عليه وسلم : إن الله يرحم من أمتى فى هذه الليلة بعدد شعر أغنام بنى كلب . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 413 }
( الثالثة ) حصول المغفرة فيها . قال صلى الله عليه وسلم : إن الله يغفر لجميع المسلمين فى تلك الليلة غلا الكاهنَ والساحرَ ومُدْمن الخمر وعاقّ والديه والمصرّ على الزنا . ... ... ... ... ... { 414 }
((1/358)
الرابعة ) أنه تعالى أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه الليلة تمام الشفاعة فى أمته ( قال ) الزمخشرى : وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان الشفاعة فى أمته فأعطى الثلث منها . ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطى الثلثين . ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع إلا من شرد عن الله شرود البعير (1)?(ومما ورد) فى ليلة النصف حديث على أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا كانت ليلة النصف من شعبان ، فقوموا ليلها وصموا نهارها ( الحديث ) أخرجه ابن ماجه وابن حبان (2). ... ... ... ... { 415 }
(
__________
(1) ص 545 ج3 – السراج المنير ( سورة الدخان ) .
(2) ص 217 ج1 سنن ابن ماجه ( ليلة نصف شعبان ) .(1/359)
وأجاب ) الأولون بأنها أحاديث ضعيفة لا يعارَضُ بها ظاهرُ القرآن ( فالحديث ) الأول ذكره صاحب الفردوس من حديث ابن عمر . وأخرجه أبو الفتح سليم بن أيوب فى الترغيب عن علىّ موقوفاً (1) وعلامة الوضع عليه لائحة ( والحديث ) الثانى أخرجه ابن ماجه والترمذى من حديث عائشة مرفوعاً : إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بنى كلب ( قال ) الترمذى : لا نعرفه إلا من حديث الحجاج . وسمعت محمداً ( يعنى البخارى ) يضعفه وقال : يحى بن أبى كثير لم يسمع من عروة . والحجاج لم يسمع من يحيى(2)? فالحديث منقطع فى موضعين بين الحجاج ويحيى وبين يحيى وعروة . وأيضاً فإن الحجاج بن أرطاة ليس بحجة ( قال ) الحافظ : وفى الباب عن أنس عن عائشة فى الدعواتن للبيهقى ، وفى روايته مجاهيل(3).
__________
(1) ص 148 – الكافى الشاف رقم 379 فى تخريج أحاديث الكشاف . ونحوه ما فى سند الفردوس للديلمى من طريق محمد بن مروان الذهلى عن أبى يحيى قال : حدثنى أربعة وثلاثون من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ ليلة نصف شعبن ألف مرة قل هو الله أحمد فى مائة ركعة ، لم يخرج من الدنيا حتى يبعث الله إليه فى منامه مائة ملك ثلاثون يبشرونه بالجنة ، وثلاثون يؤمنونه من انار ، وثلاثون من أن يخطئ ، وشعرة يكيدون من عاداه . وأخرجه ابن الجوزى فى الموضوعات من طريق يزيد بن محمد بن مروان عن أبيه مرفوعاً : من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة قل هو الله أحد فى عشر ركعات لم يمت حتى يبعث الله إليه مائة ملك : ثلاثون يبشرونه بالجنة ، وثلاثون يؤمنون من العذاب ، وثلاثون يقومونه أن يخطئ وعشرة أملاك يكتبون أعداءه . أخرجه ابن الجوازى ، وقال مع كونه منقطعاً موضوع فيه مجاهيل أهـ .
(2) ص 217 ج1 سنن ابن ماجه ( ما جاء فى ليلة نصف شعبان ) وص 52 ج2 تحفة الأحوذى .
(3) ص 148 تخريج أحاديث الكشاف ..حديث رقم 380 .(1/360)
( والحديث ) الثالث قال الحافظ : لم أجده هكذا . وفى ابن حبان من حديث معاذ بن جبل قال : يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن . وفى ابن ماجه من حديث أبى موسى كذلك ، والبزار من حديث أبى بكر ، وفى إسناده ضعف . أخرجه البزار أيضاً من حديث عوف بن مالك ، وفيه ابن لهيعة(1).
( والحديث ) الرابع لم يعرف مُخَرِّحهِ . ( والحديث ) الخامس ضعيف جداً فى سنده أبو بكر بن عبد الله بن أبى سبرة . ضعفه البخارى وغيره قال ابن معين وأحمد : إنه يضع الحديث ، وقال النسائى متروك (2).
( وعلى الجملة ) فكل الأحاديث الواردة فى ليلة النصف من شعبان دائر أمرها بين الوضع والضعف (قال) أبو بكر بن العربى : ليس فى ليلة النصف من شعبان حديث يعول لعيه ، لا فى فضلها ولا فى نسخ الآجال فيها ، فلا تلتفتوا إليه (3) ( ونقل ) أبو شامة عنه قال : ليس فى ليلة النصف من شعبان حديث يساوى سماعه " وقولهم " الحديث الضعيف يعمل به فى فضائل الأعمال " محله " إن لم يشتد ضعفه كما هنا . على أننا لا ننكر استحباب إحيائها بالطاعة مغيرها من باقى الليالى على الوجه المشروع بلا ارتكاب محذور أهـ ( وقال ) أبو شامة : قيام الليل مستحب فى جميع ليالى السنة وهذه بعض الليالى التى كان يصلى فيها ويحييها النبى صلى الله عليه وسلم وإنما المحذور المنكر تخصيص بعض الليالى بصلاة مخصوصة على صفة مخصوصة أهـ .
( ومن هذا ) القبيل دعاء ليلتى أول السنة وآخرها والاجتماع له فى بعض المساجد وهو دعاء مخترع لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أصحابه ولا عن التابعين ، ولم يرو حتى فى كتب الموضوعات .
(
__________
(1) ص 148 تخريج أحاديث الكشاف حديث رقم 381 .
(2) وتمام الكلام عليه بامش ص 16 المنح الإلهية بتخريج أحاديث هداية الأمة المحمدية .
(3) ص 224 ج2 – أحكام القرآن ( سورة الدخان ) .(1/361)
ومن الفرية ) على الله ورسوله قول مخترعه : إن من قرأه يقول الشيطان : قد تعبنا منه طول السنة فأفسد عملنا فى ساعة . والأغرب تلقى بعض المتعلمين له بالقبول وإقرارهم إياه بدعوى أنه دعاء وهو خير . وغفلوا عما قاله أبو الخطاب بن دحية : إن استعمال الخير ينبغى أن يكون مشروعاً من النبى صلى الله عليه وعل آله وسلم فإذا علمنا أنه كذب خرج من المشروعية . وتمامه فى كتاب الباعث .
(9) ومن البدع المنكرة التبرير الذى يفعله بعض المؤذنين . وهو تلاوتهم على المآذن ونحوها بصوت مرتفع عند موت عالم: قوله تعالى { إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } (1) ( الآيات ) ويجتمع عدد منهم فيقرءون هذه الآيات بصوت واحد مع التنازع والتناوب . وقراءة القرآن على هذا الوجه بدعة محدثة منكرة ، خالية من الخشوع والتدبر المطلوبين من قارئ القرآن . وفيها تلحين القراءة كتلحين الغناء المؤدى إلى التمطيط الفاحش وإخراج الحروف عن أوضاعها ، والنقص والزيادة فى القرآن وهو حرام بالإجماع . وإن لم يؤد إلى هذا فهو مكروه ، لما تقدم ، ولأنه إن قصد منه الإعلام بموت عالم فهو من النعى المنهى عنه ، على أن القرآن لم ينزل للإعلام بموت العلماء ، وغن كان القصد منه الإخبار بأن هذا الميت من الأبرار فلم اتخذ شعاراً خاصاً بالعلماء ؟ . ( وعلى الجملة ) فنعى الميت فى المآذن والنداء للصلاة عليه بخلاف السنة ( قال ) حذيفة : إذا مت فلا تؤذنوا بى أحداً فإنى أخاف أن يكون نعياً وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعى .أخرجه الترمذى وحسنه وابن ماجه(2) ... ... ... ... ... ... ... { 416 }
(
__________
(1) الإنسان آية : 5 وما بعدها .
(2) ص 129 ج2 تحفة الأحوذى ( كراهية النعى ) وص 232 ج 1 سن ابن ماجه ( النهى عن النعى ) .(1/362)
وقال ) ابن الحاج : قال القاضى ابن رشد فى البيان والتحصيل : أما النداء بالجنائز داخل المسجد فلا ينبغى ولا يجوز باتفاق ، لكراهة رفع الصوت فى المسجد . وأما النداء بها على أبواب المسجد فكرهه مالك ورآه من النعى المنهى عنه ( والنعى ) أن ينادى فى الناس : ألآ إن فلاناً قد مات فاشهدوا جنازته . وأما الإعلام بها من غير نداء فجائز بالإجماع(1) .
(
__________
(1) ص 221 ج2 – المدخل ( كراهة نعى الميت ) .(1/363)
10) ومن البدع المنكرة رثاء الميت فى المسجد وتعديد محاسنه قبل الصلاة عليه وبعدها ، وقد يكون عند القبر ، فإنه إن خلا من الكذب والتغالى فى المدح ، ففيه رفع الصوت فى المسجد لما لم يعدّله . وفيه ترك سنة التعجيل بالدفن . وإن اشتمل على الكذب والتغالى فى المدح والمبالغة فى تعداد محاسن الميت على وجه يثير الحزن والجزع كان من النياحة المحرمة ( قال ) ابن الحاج وينهى الإمام المؤذنين عما أحدثوه من النداء على الميت بالألفاظ التى فيها التزكية والتعظيم . لأن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : لا تزكوا على الله أحداً (1) والميت مضطر إلى الدعاء . والتزكية ضد ما هو مضطر إليه ، فقد تكون سبباً لعذابه أو توبيخه فيقال له أهكذا كنت ؟ (2) ( وفى فتاوى ) ابن حجر : إن المرائى التى " تبعث " على النوح وتجديد الحزن كما يصنع الشعراء فى عظماء الدنيا " وتنشد " فى المحافل عقب الموت فهى نياحة محرمة بلا شك . و( قال ) ابن عبد السلام : بعض المراثى حرام كالنوح لما فيه من التبرم بالقضاء ( وقال ) الشيخ تقى الدين : وما هيَّج المصيبة من وعظ أو إنشاد شعر فمن النياحة (3) نقله فى كشاف القناع .
(
__________
(1) لم أقف على تخريجه .
(2) ص 12 ج2 – المدخل .
(3) ومن ذلك تأبين الميت ليلة الأربعين أو عند مرور كل سنة بالأشعار والخطب المشتملة على الكذب والمبالغة فى المدح . فكل هذا مما يؤذى الموتى ويعود على فاعليه بالغضب والوبال = والإثم الكبير .ولا سبيل إلى إزالة هذه المنكرات إلا أن تتعلم الأمة أحكام دينها وهدى نبيها صلى الله عليه وسلم ، وتتحلى به فى حركاتها وسكناتها . وعل السادة العلماء والوعاظ أن يقوموا بواجبهم نحو الأمة فيبينون لها ذلك وينفرونها من ارتكاب هذه المنكرات وغيرها بما ورد فيها من الوعد الشديد ، حتى يوفق الله ولاة الأمور إلى احترام الدين وإقامة حدوده بالضرب على أيدى الخارجين عنها وإيقاف الملحدين والضالين عندها .(1/364)
11) ومن البدع المنكرة الاجتماع فى المسجد للدعاء برفع الوباء ، فإنه بدعة حدثت سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة كما قال ابن حجر .
( وقال ) السيوطى : إن ذلك بدعة لا أصل لها ، لأنه لم يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم الدعاء برفعه ولا عن أصحابه بل ثبت أنه صلى الله عليه وسلم دعا بالوباء وطلبه لأمته ( وعن ) مَعْمر بن قتادة أن أبا بكر كان إذا بعث جيوشاً إلى الشام قال : اللهم ازرقهم الشهادة طعناً وطاعوناً . أخرجه عبد الرزاق { 108 } ( وقد وقع ) الطاعون فى عهد عمر والصحابة متوافرون فلم ينقل عن أحد منهم أنه دعا برفع الوباء ولا أمر به ، كما ورد أنهم دعوا برفع القحط . وكذلك وقع الطاعون عدة مرات فى القرن الأول والقرون الثلاثة بعده فلم ينقل عن أحد من خيار الأمة وهم كثيرون أنه فعل ذلك ولا أمر به ( وقال ) بعض الحنابلة : لا يقنت للطاعون ، لأنه لم يثبت عن السلف . ( وقال ) التيمى : يكره الدعاء برفعه لأن معاذ امتنع عن ذلك واعتل بكونه شهادة ورحمة ودعوة نبينا صلى الله عليه وسلم به لأمته ( ومال ) ابن حجر إلى مشروعية الدعاء برفعه فرادى ، ومنع الاجتماع له . أفاده العلامة القاسمى فى إصلاح المساجد ، ( ومن هذا ) القبيل أنه إذا ألم بالبلاد نازلة مهمة كوباء أو حرب أو قحط اجتمع العلماء والأعيان فى الجامع الأزهر ونحوه ويوزعون أجزاء البخارى على الحاضرين لقراءته زاعمين أنه يرفع ما حل بالبلاد من وباء غيره . وقد ينتدب بعض الشيوخ لقراءته فى عدة أيام ثم يختم فى اجتماع حافل لمرض والى ابلد أو عظيم عظمائها مجاناً أو بجائزة . وقد يستأجر من يقرأه لخلاص وجيه من سجن أو شفائه من مرض . وهذا لا أصل له ولا دليل يدل عليه ولم يثبت عن أحد من السلف الصالح أنه فعله أو أمر به ( وقد أنكر ) هذا العمل – الذى لا يشهد له نقفل ولا يقبله عقل – كثير من العلماء .(1/365)
وكتب بعضهم فى إحدى المجلات ف جمادى الثانية سنة 1320 الهجرية وتحت عنوان : ( بماذا دفع العلماء نازلة الوباء ) منتقداً هذه الحالة بما شفى صدور الناقمين على البدع . وهناك ملخصها :
دفعوها يوم الأحد الماضى بقراءة متن البخارى موزعاً كراريس على العلماء جرياً على عادتهم من إعداد هذا المتن أو السلاح الحبرى لكشف الخطوب ، وتفريج الكروب ، فهو يقوم عندهم فى الحرب مقام المدفع والصارم وفى الحريق مقام المضخة والماء . وفى الهيضة (1) مقام الحيطة الصحية وعقاقير الأبطاء . وفى البيوت مقام الخفراء والشرطة " ولما كان " العلماء أهل الذكر والله يقول " فاسْئلوا أهْلَ الذِّكر إن كنتْم لا تَعْلمُون " " قد جئت " أسألهم بلسان كثير من المسترشدين عن مأخذ هذا الدواء من كتاب الله أو صحيح سنه رسوله ، أو رأى مستدل عليه لأحد المجتهدين إن كانوا أتوا هذا العمل على أنه أمر دينى ، وإلا فعن أىّ الأطباء تلقوه ؟ وإذا كان هذا السر العجيب جاء من جهة أن المقروء حديث نبوى ، فلم خص بهذه المزية صحيح البخارى ؟ ولم لم يكف فى هذا الموطأ مالك أو غيره من كتب السنة ؟ وإذا جروا على أن الأمر من رواء الأسباب فلم لا يقرءونه لدفع ألم الجوع وغيره ؟ كما يقرأ لإزالة المغص أو الإسهال . فإن لم يستطيعوا عزو هذا الدواء إلى حذاق الأطباء ، سألت الملم منهم بالتاريخ أن يرشدنا إلى من سن هذه السنة فى الإسلام .
__________
(1) الهيضة ، معاودة الهم والحزن ، والمرضة بعد المرضة . قاموس .(1/366)
وهل قرئ البخارى لدفع الوباء قبل هذه المرة ؟ فإنا نعلم أنه قرئ للعرابيين فى واقعة التل الكبير ، فلم يلبثوا أن فشلوا ومزقوا شر ممزق ، فإن لم يجيبوا عن هذه المسألة إجابة شافية ، خشيت كما يخشى العقلاء أن يحمل عليهم أهل الأقلام حملة تسقط الثقة بهم حتى من نفس العامة " ولولا " وقوف أهل الفكر م المسلمين على أن هذا العمل ليس من الدين ، ، وأن القرآن يقول : { وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } (1) " لضلوا " وأضلوا . وقد جرأ هذا الأمر غير المسلمين على الخوص فى الدين الإسلامى وإقامة الحجة على المسلمين من عمل علمائهم . فلا حول ولا قوة إلا بالله . وإنى لا أزال ألح فى طلب الجواب الشافى عن أصل دفع الوباء بقراءة الحديث ، وعن منح متن البخارى مزية لم يمنحها كتاب الله الذى نعتقد أنه متعبد بتلاوته . ( أقول ) لو أن هذا الكاتب الفاضل وقف على ما نقلناه أول البحث عن السيوطى وغيره : أن الدعاء برفع الطاعون والاجتماع له بدعة محدثة ، لعرف الجواب وكفاه.
(12) ومنها اتخذا المنبر العالى – يسن اتخاذ منبر للخطبة ، لأنه أبلغ فى إسماع الناس . ومشاهدتهم للخطيب " ولقول " سهل بن سعد الساعدى : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة : انظرى غلامك النجار يعمل لى أعواداً أكلم الناس عليها فعمل هذه الثلاث درجات فهى من طرفاء الغابة ( الحديث ) أخرجه مسلم (2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 417 }
__________
(1) الأنفال آية : 60 .
(2) ص 34 ج5 نووى مسلم ( جواز الخطوة والخطوتين فى الصلاة – المساجد ) و ( هذه الثلاث درجات ) لغة . والمعروف أن يقال : ثلاث الدرجات أو الدرجات الثلاث . و ( الطرفاء ) شجر الأقل . و ( الغابة ) موضع بعوالى المدينة .(1/367)
" ولقول " أنس بن مالك : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعةُ يسند ظهره على خشبة فلما كثر الناس قال : ابنوا لى منبراً . أراد أن يسمِعهم . فبنَوا له عتَبتين فتحوَّل من الخشبة إلى المِنبر فسُمِعَت الخشبةُ تَحِنُّ حنين الوالد فما زالت تحن حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فمشى إليها فاحْتضنها فسَكنتْ . أخرجه أحمد (1). ... ... ... ... ... ... ... { 418 }
" ولقول " ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبرَ فلما اتخذ المنبر وتحول إليه حَنّ فأتاه فاحتضنه فسكن قال : ولو لم أحْتضِنه لحَنّ إلى يوم القيامة . أخرجه أحمد(2). ... { 419 }
" ولقول " باقوم الرومى : صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبراً من طَرفاء ، له ثلاثُ درجات المقعَدةَ ودَرجتان . أخرجه ابن عبد البر(3) .{ 109 }
(
__________
(1) ص 226 ج3 مسند أحمد ( مسند أنس بن مالك رضى الله عنه ) ( عتبتين ) أى درجتين غير المقعدة التى كان يجلس عليها .
(2) ص 249 ج1 ( مسند عبد الله بن العباس رضى الله عنهما ) .
(3) ص 82 ج1 – الاستيعاب .(1/368)
وكان ) ارتفاع المنبر ذراعين ، وامتداده مما يلى القبلة إلى الجهة المقابلة لها ذراعين وكان عرضه ذراعاً ، وارتفاع كل درجة نصف ذراع ، وارتفاع المقعدة ذراعاً وسطحها ذراعاً فى ذراع ( وكان ) له رماتنان فى جانبى المقعدة مان يقبضهما صلى الله عليه وسلم بيديه إذا جلس ، وارتفاع كل واحدة نصف ذراع ( وكان ) به خمسة أعواد من جوانبه : ثلاثة خلف الظهر كان صلى الله عليه وسلم يستند إليها ، طولُ كلٌ ذراع ، وفى كلْ جانب عود ( وكان ) فيه سبع كوُى : واحدة من خلف ، وثلاثة فى الجانب الأيمن ، ومثلها فى الجانب الأيسر . (ولم يزل) المنبر ثلاث درجات حتى زاده مروان فى خلافة معاوية ست درجات من أسفله ( قال ) حُميد بنُ عبد الرحمن بن عوف : بعث معاوية إلى مروان وهو عامله بالمدينة أن يحمل النبر إليه ، فأمر به فقلع فأظلمت المدينة فخرج مروان فخطب فقال : إنما أمرنى أمير المؤمنين أن أرفعه فدعا نجاراً وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التى هو عليها اليوم . ذكره الزبير بن بكار فى أخبار المدينة . ورواه من وجه آخر وفيه : فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم . قال : وزاد فيه ست درجات وقال : إنما زدت فيه حين كثر الناس .
((1/369)
واستمر ) المنبر على ذلك إلى أن احترق مع المسجد سنة 654 أربع وخمسين وستمائة . ثم جدده المظفر صاحب اليمن سنة 656 ست وخمسين وستمائة . ثم أرسل الظاهر بيبرس منبراُ آخر سنة 676 ست وسبعين وستمائة فوضع بدل منبر المظفر . وفى سنة 820 عشرين وثمانمائة أرسل الملك المؤيد منبراً جديداً . ذكره ابن النجار . ( ومما تقدم ) تعلم أن علو المنبر وزيادته عن ثلاث درجات محدث . ( قال ) ابن الحاج : ومن هذا الباب – أعنى إمساك مواضع فى المسجد وتقطيع الصفوف بها – اتخاذ هذا المنبر العالى فإنه أخذ من المسجد جزءاً جيداً وهو وقف على صلاة المسلمين ، وكفى به أنه لم يكن من فعل النبى صلى الله عليه وسلم ولا من فعل الخلفاء بعده فهو من جملة ما أحدث فى المساجد . وفيه تقطيع الصفوف ومنبر السنة غير هذا كله . كان ثلاث درجات لا غير ، والثلاث درجات لا تشغل مواضع المصلين ( فإن قيل ) بل تشغل ولو موضعَ واحدٍ ( فالجواب ) أن هذا مستثنى بفعل صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الحالات . وما عداه بدعة لا ضرورة تدعو إليه .
( فإن قيل ) قد كثر الناس واتسع الجامع ، فإذا صعد الخطيب على المنبر وهو ثلاث درجات قل أن يُسمع الخطيبُ الجميع أو أكثرهم ( فالجواب ) أن من كان على منبر على هو الذى لا يسمعهم لكونه بعيداً عنهم فكأنه فى سطح وحده ، وهذا مشاهد ألا ترى أن الخطيب على هذا المنبر العالى كثير من الناس لا يسمعونه وإذا دخل فى الصلاة سمعوا قراءته أكثر من خطبته ، وما ذاك إلا لكونه فى الصلاة واقفاً معهم على الأرض . وفى حال الخطبة لم يكن معم كذلك(1).
(13) ومنها فرش المنبر بسجادة وغيره .
(
__________
(1) ص 78 ج2 مدخل ( المنبر العالى ) .(1/370)
قال ) ابن الحاج : وليحذر أن تفرش السجادة وغريها على المنبر ودرجة ، لأنه بدعة إذ لم يأت عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا السلف وليس بموضع صلاة ، فهو من الترفه يطلب تركه(1).
(14) ومنها وضع الأعلام على جانبى المنبر والستائر على بابه ، فإنه أمر محدث لم يكنم فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح وقد يمنع من رؤية الخطيب . والسنة النظر إليه حال الخطبة ( قال ) على رضى الله عنه وهو على منبر الكوفة : إذا كان يومُ الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق . فيرمون الناس بالرباثث ويثبطونهم عن الجمعة . وتغْدو الملائكةُ فتجلس على باب المسجد فيكتبون الرجلَ من ساعة والرجل من ساعتين حتى يخرج الإمام . فإذا جلس الرجل مجَلساً يسْتمكنُ فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم يلغُ ، كان له كفْلان م أجر ( الحديث ) وفيه : ثم يقول فى آخر ذلك : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك أخرجه أبو داود والبيهقى(2). ... ... ... ... ... ... ... ... { 420 }
( قال ) ابن الحاج وليحذر من جعل الأعلام السود على المنبر حال الخطبة فإنه من البدع وتقييد الأعلام بالسود لا مفهوم له فإن وضع أعلام عل المنبر مطلقاً بدعة مذمومة ( وعلى الجملة ) فهذا قليل من كثير من بدع المساجد . وقد أشبعت الكلام عليها فى كتابى إصابة السهام فانظره وانظر كتاب المدخل لابن الحاج فقد وفى الكلام فيها وفى غيرها حقه .
( العاشر ) واجبات نظار المساجد
__________
(1) ص 124 منه ( فرش السجادة على المنبر ) .
(2) ص 192 ج6 – المنهل العذب ( فضل الجمعة ) . وص 220 ج3 – السن الكبرى ( الإنصات للخطبة .. ) و ( الرباثث ) جمع ربيثة وهى الأمر يحبس الإنسان عن مهامه .(1/371)
على الناظر واجبات كثيرة ( منها ) أن يكون همه إصلاح المسجد وتعميره وتثمير أوقافه وتنميتها بقدر المستطاع . وأن يكون تقياً أميناً على دخله ، فلا يخلطه بماله ، ولا يتساهل فى شئ من ريعه . ( وإذا دعا ) الحال إلى ساع يجمع ماله فليتخذ أميناً مستقيماً مجداً فى السعى ، وليراقبه فى عمله كى لا يفرط ولا يزل عن الطريق السوى ( وإذا دعت ) الحاجة إلى كاتب فليتخذ كاتباً ماهراً ملماً بالأعمال الحسابية والكتابية إلماماً تاماً . وأن يتعهد دائماً المسجد كى لا يقصر خادمه فى كنسه وتنظيفه . ولا يتهاون مؤذن فى أذانه ، ولا إمام فى إمامته . وأن يتفقد العقارات وما تحتاج إليه من إصلاح . وأن يلاحظ دورة المياه بالإصلاح والترميم أولا فأولا . وأن ينظر فيما يتحصل من ربع الوقف وغلاته نظره فى أملاكه الخاصة . وأن يلاحظ أنه مسئول عما وكل إليه ، وعن حال القائمين بأعمال المسجد ، وإذا رأى أن حالتهم وحالة ريع الوقف تستدعى رفع رواتبهم زاد فيها بما لا يضر بالمورد .
( وعل الجملة ) يلزم ناظر وقف المسجد وغيره أن يتقى ربه ويراقبه فى كل أعماله ، وان يعلم أن المؤمنين إخوة ، وأنه لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، وان السعادة الخالدة هى السعادة الأخروية ، وأن الدنيا دار ابتلاء { خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } (1) وأن من خالف أوامر الله تعالى وأكل أموال الناس بغير حق فعاقبته الدمار والهلاك وغضب الواحد القهار ، وأن السعيد من باع دنياه بأخراه . وىثر الباقى على الفانى . وليحذر من مخالفة شرط الواقف . وعليه أن يتحرى فى كل أعماله سبيل السداد . والله ولى التوفيق والرشاد .
( الحادى عشر ) ما يباح فى المسجد
يباح فيه أمور : المذكور منها هنا اثنا عشر :
(
__________
(1) الملك آية : 2 .(1/372)
1) يباح فيه النوم عند الحاجة قال نافع : أخبرنى ابن عمر أنه كان ينام وهو شاب عَزِب لا أهل له فى السجد النبىّ صلى الله عليه وسلم . أخرجه البخارى(1) . { 110 }
( وقال ) سهل بن سعد : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد علياً ف البيت فقال : أينَ ابنُ عمك ؟ قالت : كان بينى وبينه شئ فغاضبنى فلم يقِلْ عندى رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان : انظرْ أين هو ؟ فجاء فقال يا رسول الله هو راقد فى المسجد . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل صلى الله عليه وسلم يمسحُ عنه ويقول : قم أبا تراب . أخرجه البخارى(2) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... {421}
( ولهذا ) قال أكثر الحنفيِّين والشافعى وأحمد والجمهور : يجوز النوم فى المسجد بلا كراهة ما لم يضيق على مصل أو يشوش عليه وإلا حرم ( قال ) البدر العينى : قد سئل ابن المسيب وسليمان بن يسار عن النوم فيه فقالا : كيف تسألون عنه وقد كان أهل الصفة ينامون فيه وهم قوم كان مسكنهم المسجد .
( وذكر )الطبرى عن الحسن قال : رأيت عثمان بن عفان نائماً فيه ليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين(3) . {111}
(
__________
(1) ص 360 ج1 فتح البارى ( نوم الرجال فى المسجد ) و ( عزب ) بفتح فكسر . وفى رواية أعزب . وهى لغة قليلة ، أى لا زوج له .
(2) ص 360 منه .
(3) ص 198 ج4 عمدة القارى .(1/373)
وقال ) النووى : ثبت أن أصحاب الصفة والعُرنيين وعلياً وصفوان ابن أمية وجماعات من الصحابة كانوا ينامون فى المسجد وأن ثمامة بن أثال كان يبيت فيه قبل إسلامه كل ذلك فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) الشافعى فى الأم : وإذا بات المشرك فى المسجد فكذا المسلم ( وقال ) فى المختصر : ولا باس أن يبيت المشرك فى كل مسجد إلا السجد الحرام(1)( وقال ) الشيخ منصور بن إدريس : يباح للمعتكف وغيره النوم فيه لأن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا مضطجعاً فى المسجد على بطنه فقال : إن هذه ضجْعة يبغضُها الله . رواه أبو داود وهو حديث صحيح وكذا الترمذى عن أبى هريرة(2) . ... ... ... { 422 }
__________
(1) ص 173 ج2 شرح المهذب ( المسألة الرابعة – أحكام المساجد ) و ( ثمامة بن أثال ) بضم ففتح فيهما . وحديث بياته فى المسجد يأتى رقم 432 ص 319 .
(2) ص 309 ج4 سنن أبى داود ( أبواب النوم ) و ص 12 ج4 تحفة الأحوذى ( كراهية الاضطجاه على البطن – أبواب الاستئذان ) .(1/374)
فأنكر الضجعة ولم ينكر نومه بالمسجد من حيث هو . وكان أهل الصفة ينامون فى المسجد ( قال ) الحارثى : لا خلاف فى جواز النوم للمعتكف . وكذا وكذا مالا يستدام كبيتوتى الضيف والمريض والمسافر وقيلولة المجتاز ونحو ذلك . لكن لا ينام قدّام المصلين ، لما تقدم أنه يكره للمصلى استقبال نائم . وما يستدام من النوم كنوم المقيم ، عن أحمد المنع منه . وحكى القاضى رواية بالجواز . وهو قول الشافعى وجماعة(1) وقال : ويباح للمريض أن يكوِن فى المسجد . وان يكون فى خَيْمَة . قالت عائشة : أصيب سعدُ يومَ الخندقِ فى الأكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة فى المسجد يعوده من قريب . متفق عليه(2). ... ... ... { 423 }
( وفصل ) مالك وإسحاق بين من له مسكن فيكره له ، ومن لا مسكن له فيباح ( وقال ) بعض الحنفيين : يكره النوم فيه لغير المعتكف والغريب ( قال ) الشيخ إبراهيم الحلبى : والنوم فيه لغير المعتكف مكروه . وقيل لا بأس للغريب أن ينام فيه . والأولى أن ينوى الاعتكاف ليخرج من الخلاف (3) ( وكره ) النوم فيه مطلقاً ابن مسعود وطاوس ومجاهد والأوزاعى .
(
__________
(1) ص 543 ، 544 ج1 كشاف القناع ( أحكام المساجد – الاعتكاف ) والأكحل ، بفتح فسكون ففتح ، عرق فى وسط الذراع هو عرق الحياة .
(2) ص 543 ، 544 ج1 كشاف القناع ( أحكام المساجد – الاعتكاف ) والأكحل ، بفتح فسكون ففتح ، عرق فى وسط الذراع هو عرق الحياة .
(3) ص 612 غنية المتملى شرح منية المصلى .(1/375)
2) ويباح المبيت فى المسجد لمن يكن له بيت ولا مكان مبيت ولو امرأة إذا أمنت الفتنة ( روى ) عروة عن عائشة : إنَّ وليدةَ كانت سوداء لحىّ من العرب فأعتقوها فكانت معهم فخرجت صَبِيةٌ لهم عليها وِشاحٌ أحمرُ من سُيور فوضعتْه أو وقع منها فمرت به حُدَيّاة وهو ملقى فحِسبته لحماً فخطفته ، فالتمسوه فلم يجدوه قالت : فاتهمونى به فطفِقوا يفُتشون حتى فتشوا قبلها قالت : والله إنى لقائمة معهم إذْ مرَّت الحدَيَّاة فألفتْه فوقع بينهم . فقلت هذا الذى اتهمتونى به زعمتم وأنا منه برئية . وهو ذا هو . فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمتْ . فكانَ لها خِباء فى المسجد أو حِفشٌ فكانت تأتينى فتحدِّثُ عندى فلا تجلس عندى مجلساً إلا قالت :
ويومُ الوِشاح من تعاجيب ربنا ... ... ... إلا أنه من بلدة الكفر أنجانى
قالت عائشة : فقلت لها ما شأنك لا تقعدين معى مَقْعداً إلا قلت هذا ؟ فحدّثتنى بهذا الحديث . أخرجه البخارى(1) . ... ... ... ... ... ... ... ... { 424 }
(3) ويباح عند جمهور العلماء الوضوء فى المسجد إلا أن يقُذره أو يتأذى به الناس فإنه يكره ( قال ) ابن المنذر : أباح كلُّ من يحُفظ عنه العلمُ الوضوء ف المسجد إلا أن يبله أو يتأذى به الناس فإنه يكره .
(
__________
(1) ص 359 ج1 فتح البارى ( نوم المرأة فى المسجد ) و ( الوشاح ) بكسر الواو . وتضم ، ما تتوشح به المرأة ( من سيور ) أى من جلد . و (حديأة ) بضم ففتح فياء مشددة . أصلها حديأة تصغير حداًة كعنبة . أبدلت الهمزة ياء وأدغمت فى الياء . وزيدت الألف للإشباع . و ( قالت ) أى الوليدة و ( قبلها ) ، بضمتين ، أى فرجها . وأتت بضمير الغيبة التفاتاً . وفى رواية قالت : فدعوت الله أن يبرأنى ، فجاءت الحديأة وهم ينظرون . و( الخباء ) بكسر ففتح ممدوداً ، الخيمة ذات عمودين أو ثلاثة . و ( الحفش ) ، بكسر فسكون ، بيت صغير قليل السمك مأخوذ من الانخفاش وهو الانضمام .(1/376)
ونُقِل ) الترخيص فى الوضوء فى المسجد عن ابن عمر وابن عباس وطاوس وعطاء والنخعى وابن القاسم المالكى وأكثر أهل العلم ( وعن ) ابن سيرين ومالك وسحنون أنه مكروه تنزيهاً للمسجد . ذكره النووى(1).
( وعند الحنفيّين ) يكره التوضؤ فيه إلا إذا كان فى موضع أعد لذلك .
( وعليه ) وعلى ما قاله الجمهور يحمل حديث أبى العالية عن رجل م أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : حفظتُ لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فى المسجد . أخرجه أحمد بسند حسن . { 425 }
(4) ويجوز نضح المسجد بالماء الطاهر ولو مستعملا على المختار .
(5) ويجوز الاستلقاء على الظهر فى المسجد ووضع إحدى الرجلين على الأخرى " لحديث " عبَّاد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم : أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقلياً فى المسجد على ظهره واضعهاً إحدى رجليه على الأخرى . أخرجه السبعة إلا ابن ماجه وقال الترمذى : حسن صحيح . ... { 426 }
وفيه جواز الإتكاء فى المسجد والاضطجاع وأنواع الاستراحة . ( وقال ) محمد بن سيرين ومجاهد وطاوس وإبراهيم النخعى : يكره وضع إحدى الرجلين على الأخرى فى المسجد . ورُوى عن ابن عباس وكعب ابن عُجْرة ( وفى ) حديث جابر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجلَ إحدى رجليه على الأخرى وهو مسْتلق على ظهره . أخرجه مسلم وأبو داود(2). ... ... ... ... ... ... ... { 427 }
( وأجاب ) عنه الجمهور بأنه محمول على ما إذا كان الوضع يؤدى إلى كشف العورة ( روى ) سعيد بن المسيِّب أن عمَر بن الخطاب وعثمان كانا يفعلان ذلك ( يعنى وضع إحدى الرجلين على الأخرى حال الاستلقاء فى المسجد ) . أخرجه البخارى وأبو داود وابن أبى شيبة (3) . ... { 112 }
(
__________
(1) ص 174 ج2 شرح المهذب ( المسألة الخامسة – أحكام المساجد )
(2) ص 77 ج14 نووى مسلم ( النهى عن اشتمال الصماء .. ) ( وص 267 ج4 سنن أبى داود ) .
(3) ص 378 ج1 فتح البارى : وص 267 ج4 سنن أبى داود .(1/377)
قال ) الخطلابى النهى الوارد عن ذلك منسوخ أو يحمل النهى حيث يخشى أ تبدو عورته . والجواز حين يؤمن من ذلك ( قال ) الحافظ : والثانى أولى من ادعاء النسخ ، لأنه لا يثبت بالاحتمال . وممن جزم به ابيهقى والبغوى وغيرهما من المحدثين . وجزم ابن بطال بأنه منسوخ " ودعوى " أن الجواز خاص به صلى الله عليه وسلم ، والنهى عام لغيره " يرده " ما صح أن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك ، سيما وأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال . والظاهر أن فعله صلى الله عليه وسلم كان لبيان الجواز ، وكان ذلك ف وقت الاستراحة لا عند مجتمع الناس ، لما عرف من هادته صلى الله عليه وسلم من الجلوس بينهم بالوقار التام(1) .
( 6 ، 7 ) ويباح الأكل والشرب فى المسجد للمعتكف وغيره عند الشافعى وأحمد إن لم يكن فيه تعفيش أو تقذير للمسجد أو تضييق على مصل ولم يكن المأكول ذا رائحة كريهة كالثوم والبصل " لقول " عبد الله بن الحارث الزبيدى : كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد الخبز واللحم . أخرجه ابن ماجه بسند حسن رجاله ثقات (2). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 428 }
" ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم أتِىَ بفضيخ فى مسجد الفَضيخ فشربه فلذلك سمى مسجد الفضيخ . أخرجه احمد وأبو يعلى ، وفى سنده عبد الله بن نافع ضعفه البخارى وأبو حاتم والنسائى ، وقال ابن معين : يكتب حديثه . قاله الهيثمى(3). ... ... ... ... ... ... ... { 429 }
( قال ) الحنفيون : يباح الأكل للمعتكف ويكره لغيره لأن المسجد لن يُبن لذلك ولا حاجة إلى الأكل فيه لغير المعتكف ( وقالت ) المالكية : يباح للمعتكف مطلقاً ولغيره إن كان المأكول يسيرا وإلا كره .
(
__________
(1) ص 377 ج1 فتح البارى ( الشرح ) .
(2) ص 161 ج3 سنن ابن ماجه ( الأكل فى المسجد ) .
(3) ص 21 ج2 مجمع الزوائد ( الأكل والشرب فى المسجد ) . و ( الفضيخ ) بالخاء المعجمة شراب يتخذ من البسر .(1/378)
وأما ) ما يؤدى إلى تقذير المسجد أو تضييقه على المصلى وأكل ما فيه رائحة كريه ة. فاتفقوا على تحريمه ( قال ) الشيخ منصور بن إدريس : ومن له الأكل فيه فلا يلوث حُصْره ولا يلقى العظام ونحوها كقشور البطيخ ونوى التمر ونحوه فيه ، لأنه تقذير له . فإن فعل فعليه تنظيف ذلك . وإن لم يزله فاعله وجب على من علمه غيره(1) .
(8) ويباح فى المسجد اللعب بالحراب ونحوها للتدريب عِلى حرب العدو " لقول " أبى هريرة : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد والحبشَةُ يلعبون فزجرهم عمر . فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم دعْهم يا عمر . فإنهم بنو أرْفِدة . أخرجه أحمد – وهذا لفظه – والشيخان (2). ... ... ... ... { 430 }
يعنى أن اللعب بالحراب للتدريب شأنُ أهل الحبشة وهو من الأمور المباحة فلا إنكار عليهم . كأن عمر رضى الله عنه بنى على الأصل فى تنزيه المساجد عن مثل هذا ، فبين له النبى صلى الله عليه وسلم وجه الجواز فيما كان هذا سبيله ، أو لعله لم يكن يعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يراهم أفاده الحافظ (3) .
( وقال ) اللعب بالحراب ليس لعباً مجرداً بل فيه تدريب الشُّجعان على تعود الحرب والاستعداد للعدو
(وقال) المهلب : المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه (4).
(
__________
(1) ص 543 ج1 كشاف القناع ( أحكام المساجد – الاعتكاف ) .
(2) ص 72 ج3 – الفتح الربانى . وص 60 ج6 فتح البارى ( اللهو بالحراب – الجاهد ) وص 187 ج6 نووى مسلم ( آخر العيدين ) و ( أرفدة) بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء وقد تفتح ، لقب للحبشة أو اسم جدهم الأكبر .
(3) ص 303 ، 304 ج2 فتح البارى ( الشرح – الحراب والدرق يوم العيد ) .
(4) ص 369 ج1 منه الشرح ( أصحاب الحراب فى المسجد ) .(1/379)
وقال ) الحافظ : قال الطبرى : فى الحديث تنبيه على أنه يغتفر لهم ما لم يغتفر لغيرهم ، لأن الأصل فى المساجد تنزيهاً عن اللعب فيقتصر على ما ورد فيه النص أهـ .
وروى السراج من طريق أبى الزناد عن عروة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال يؤمئذ : لتعلم اليهود أن فى ديننا فسحة . إنى بعثت بحنيفية سمحة . ... ... ... ... ... ... ... { 431 }
وهذا يشعر بعدم التخصيص(1) ( وحكى ) ابن التين عن أبى الحسن اللخمى أن اللعب بالحراب فى المسجد منسوخ بالقرآن والسنة .
( أما القرآن ) فقوله تعالى : " فِى بُيُوت أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ " (2).
( وأما السنة ) فحديث : جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وسل سيوفكم (3).
( وردّ ) بأن هذا الحديث ضعيف كما تقدم . وليس فيه ولا فى الآية تصريح بما ادعاه ولا عرف التاريخ حتى يثبت النسخ . أفاده الحافظ (4) .
(9) ويجوز عند الشافعى دخول الكافر – ولو غير كتابى – المسجِد بغذن المسلم " لقول " أبى هريرة : بعث النبى صلى الله عليه وسلم خيلا قِبل نجدٍ فجاءتْ برجل من بنى حَنيفة يقال له ثمامةُ بن أثُال فربطوه بسارية منِ سوارى المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أطلقوا ثُمامة فانطلق إلى نَجْل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . أخرجه الشيخان وأبو داود(5) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 432 }
(
__________
(1) ص 303 ، 304 ج2 منه . الشرح .
(2) النور آية : 36 .
(3) تقدم رقم 382 ص 265 ( صون المسجد عن دخول غير المكلف ) .
(4) ص 369 ج1 فتح البارى الشرح .
(5) ص 373 ج1 فتح البارى ( الاغتسال إذا أسلم ) وص 87 ج12 نووى مسلم ( ربط الأسير فى المسجد ) وص 57 ج3 سنن أبى داود ( الأسير يوثق ) و ( قبل ) بكسر ففتح أى جهة و ( نجل ) ، بفتح فسكون ، الماء النابع من الأرض .(1/380)
واستثنى ) الشافعية : مسجدَ مكة وحرَمها . ( قال ) النووى : قال أصحابنا لا يمُكن كافر من دخول حرم مكة . وأما غيره فيجوز أن يدخل كل مسجد ويبيت فيه بإذن المسلمين ويمنع منه بغير إذن . ول وكان كافر جنباً فهل يمكن من اللبث فى المسجد ؟ فيه وجهان أصحهما يمكن ( وقال ) الحنفيّون ومجاهد : يجوز دخول الكتابى دون غيره " لحديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل مسجدنا هذا مشرك بعد عامنا هذا غير أهل الكتاب وخدمهم . أخرجه أحمد بسند جيد(1) . ... ... ... ... ... ... { 433 }
وهذا هو الظاهر . ( قالت ) المالكية : لا يجوز للكافر دخول المسجد الحل والحرام إلحاجة . ( قال ) العلامة الصاوى : يمنع دخول الكافر المسجد وإن أذن له مسلم إلا لضرورة عمل ، ومنها قلة أجرته عن المسلم واتقانه على الظاهر(2). ( وقالت ) الحنبلية : لا يجوز لكافر دخول الحرم مطلقاً ولا مسجد الحل إلا لحاجة (قال) الشيخ منصور بن إدريس : ولا يجوز لكافر دخول مسجد الحل ولو بإذن مسلم ، لقوله تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ (3) } ويجوز دخول مساجد الحل للذمى والمعاهد والمستأمن إذا استؤجر لعمارتها لأنه لمصلحتها (4) .
(10) ويجوز الجلوس فى المسجد على متكأ من فرو ووسادة وغيرهما بلا كراهة إن لم يكن للترفه ، وإلا كره ( وعليه ) يحمل قول ابن الحاج : وقد منع مالك بأن يأتى الرجل بوسادة فى المسجد يتكئ عليها أو بفروة يجلس عليها . وأنكر ذلك وقال : تشبّه المساجد والبيوت(5).
(
__________
(1) ص 339 ج3 مسند أحمد . ( مسند جابر بن عبد الله رضى الله عنهما ) .
(2) ص 58 ج1 بلغة السالك لأقرب المسالك ( قبيل التيمم ) .
(3) التوبة آية : 81 .
(4) ص 544 ج1 كشاف القناع ( أحكام المساجد – الاعتكاف ) .
(5) ص 82 ج2 – المدخل .(1/381)
11 ، 12 ) ويباح عقد النكاح والقضاء فى المسجد عند الحنفيين وأحمد " لحديث " عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : أعلنوا هذا النكاح واجعلوه فى المساجد ، واضربوا عليه بالدفوف . أخرجه الترمذى وقلا :
غريب . وفى سنده عيسى بن ميمون الأنصارى ضعيف (1). ... ... ... ... ... { 434 }
( وقال ) البخارى : وقضى شريح والشعبى ويحيى بن يعمر فى المسجد (2).
( قال ) الشيخ منصور بن إدريس : ويباح فيه عقد النكاح بل يستحب كما ذكره بعض الأصحاب ، والقضاء واللعان " لحديث " سهل بن سعد ، وفيه : قلا تلاعنا فى المسجد وأنا شاهد . منفق عليه(3) . ... { 435 }
( وقال ) المالكيون : يستحب إجراء صيغة عقد النكاح بالمسجد بلا رفع صوت ولا ذكر شروط وإلا كره . ويستحب الجلوس للقضاء فى المسجد أو فى رحبته ، ( وقالت ) الشافعية : لا بأس بعقد النكاح فيه ، يوركه اتخاذه محلا للقضاء ( قال ) النووى : ينبغى للقاضى أن لا يتخذ المسجد مجلساً للقضاء فإن جلس فيه لصلاة أو غيرها فاتفقت له حكومة فلا بأس بالقضاء فيها فيه (4) .
(
__________
(1) ص 170 ج2 تحفة الأحوذى ( إعلان النكاح ) يعنى بالبينة . فالأمر للوجوب أو بالإظهار والإشهار فالأمر للاستحباب كما فى قوله ( واجعلوه فى المساجد ) ( واضربوا عليه بالدفوف ) يعنى خارج المسجد . والمراد بالدف ما لا جلاجل له عند الحنفيين . وعند الشافعية الضرب به مباح مطلقاً ولو بجلاجل . وظاهر قوله ( واضربوا ) أنه لا يختص بالنساء لكنه ضعيف . والأحاديث القوية فيها الإذن فى ذلك للنساء فلا يلحق بهن الرجال .
(2) ص 125 ج13 فتح البارى ( من قضى ولا عن فى المسجد ) .
(3) ص 542 ج1 كشاف القناع ( أحكام المساجد ) وانظر حديث سهل ص 1426 ج13 فتح البارى ( من قضى ولا عن فى المسجد – الأحكام ).
(4) ص 178 ج2 شرح المهذب ( الرابعة والعشرون – المساجد وأحكامها ) .(1/382)
وهذا ) هو ظاهر حديث كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبى حدْردٍ ديْناً كان له عليه فى المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى بيته فخرج إليهما حتى كشف سَجْفَ حجرته فنادى: يا كعب فقال : لبيك يا رسول الله . فأشار بيده أن ضع الشطر من ديْنك : قال كعب : قد فعلت يا رسول الله . قال رسول الله : قم فاقضه . أخرجه الستة إلا الترمذى (1). ... ... ... ... ... ... { 436 }
( الثانى عشر ) مسائل تتعلق بالمساجد
المذكور منها هانا ثمانية عشرة :
(1) يصير المسجد موقوفاً ببنائه وإفرازه بطريقة عن مالك البانى والإذن للناس بالصلاة فيه وتأديتها فيه جماعة بأذان وإقامة على الصحيح عند أبى حنيفة ومحمد . وقيل يكفى صلاة واحدة ولو بلا أذان ولا إقامة ( وقال ) أبو يوسف ومالك والشافعى وأحمد : يصير مسجداً بما ذكر وبقوله جعلته مسجداً .
(2) ويجوز عند المالكية وبعض الحنفيين اتخاذ مسجد فى موضع مستأجر أخذاً من جواز وقف البناء وتسرى عليه أحكام المسجد . وأفاد كلام الحاوى الحنفى اشتراط كون أرض المسجد ملكاً للبانى . وسئل فى الخيرية عمّن جعل خيمة مسجداً فأفتى بأنهن لا يصح (2) .
(
__________
(1) ص 370 ، 371 ج1 فتح البارى ( التقاضى والملازمة فى المسجد ) وص 220 ج10 نووى مسلم ( الوضع من الدين – المسافاة ) وص 304 ج3 سنن أبى داود ( فى الصلح – الأقضية ) وص 310 ج2 مجتبى ( إشارة الحاكم على الخصم بالصلح ) و ( السجف ) بفتح السين وكسرها وسكون الجيم : الستر .
(2) ص 405 ج3 رد المحتار ( أحكام المسجد – الوقف ) .(1/383)
3) ويستحب إضاءته كل ليلة على حسب الحالة ( قالت ) ميمونة مولاةُ النبى صلى الله عليه وآله وسلم : يا رسول الله أفتنا فى بيت المقدس : فقال : ائتوه فصلّوا فيه . وكانت البلاد إذ ذاكَ حرباً فإن لم تأتوه وتُصلّوا فيه فابعثوا بزيت يسرج فى قناديله . أخرجه أحمد وأبو داود . وهذا لفظه(1). ... ... ... { 437 }
( وكره ) إنارة المسجد زيادة عن الحاجة ، لأنه إضاعة مال بلا مصلحة .
(4) الموقوف على الاستصباح فى المسجد يستعمل بالمعروف ولا يزاد على المعتاد . فزيادة النور فيها ليلة أول جمعة من رجب ، وليلة السابع والعشرين منه ، وليلة نصف شعبان وليالى رمضان بدعة كما تقدم ، وفيه إضاعة مال وسرف ويؤدى إلى اللفظ واللهو وشغل قلوب المصلين . وكذا إيقاد المآذن فى ليالى رمضان وليالى المواسم . ومن أمر بهذه الزيادة أو فعلها من مال الوقف ضمن ما صرف فيها .
(5) يسن أن يشتغل من بالمسجد بالصلاة والقراءة والذكر ، لأن المسجد بنى لذلك ، وأن يستقبل القبلة لما تقدم . وينبغى لمن قصد المسجد لصلاة أو غيرها أن ينوى الاعتكاف مدة لبثه به لاسيما إن كان صائماً .
(6) من أتلف المسجد ضمنه إجماعاً . ومن غصبه فاتخذه مسكناً أو مخزناً أو غير ذلك ضمن أجرته .
(
__________
(1) ص 463 ج6 مسند أحمد( حديث ميمونة بنتن سعد رضى الله عنهما ) وص 64 ج4 – النهل العذب ( السرج فى المساجد ) وتقدم بهامش ص 241 .(1/384)
7) يصح عند الحنبلية جعل أسفل البيت مسجداً والانتفاع بعُلْوه وعكسه . وقيل بالثانى فقط . وروى عن الحنفيين . ففى شروح الهداية ما ملخصه : وعن أبى حنيفة أنه إذا جعل السفل مسجداً دون العلو جاز لأنه يتأبد بخلاف العلو . وعن أبى يوسف أنه جوز ذلك فى الوجهين ( يعنى فيما إذا كان تحته سرداب أو فوقه بيت ) حين قدم بغداد ورأى ضيق المتازل فكأنه اعتبر الضرورة وعن محمد أنه حين دخل الرى أجاز ذلك كله ( أى ما تحته سرداب وفوقه بيت مستقل أو دكاكين ) (1) ومشهور مذهبهم : أنه يلزم أن يكون سُفْلة وعلوه مسجداً لينقطع حق العبد عنه . ولقوله تعالى " وأن المساجد لله " غير أنه يصح أن يكون تحته سرداب أو فوقه بيت لمصالح المسجد فقط ( قال ) ابن نجيم : وبما ذكرناه علم أنه لو بنى بيتاً على سطح المسجد لسكنى الإمام فإنه لا يضر ، لأنه من المصالح ( قال ) فى التتارخانية : إذا بنى مسجداً وبنى فوقه غرفة وهو فى يده فله ذلك . وإن كان حين بناه خَّلى بينه وبين الناس ثم جاء بعد ذلك يبنى لا يترك . وإذا قال عنيت ذلك فإنه لا يصدق فإذا كان هذا فى الواقف فكيف بغيره ، فمن بنى بيتاً ولو على جدار المسجد وجب هدمه ولا يجوز أخذ الأجرة منه . ولا يجوز للقيم أن يجعل شيئاً من المسجد مستغلا ولا مسكناً (2) ( قال ) ابن عابدين : وبه علم حكم ما يصنعه بعض جيران المسجد من وضع جذوع على جداره فإنه لا يحل ولو دفع الأجرة ثم قال : وعلم أيضاً حرمة إحداث الخَلواتِ فى المساجد كالتى فى رواق المسجد الأموى ولا سيما ما يترتب عى ذلك من تقذير المسجد بسبب الطبخ والغسل ونحوهما(3) .
(
__________
(1) ص 63 ج5 فتح القدير والعناية ( أحكام المسجد – الوقف ) .
(2) ص 251 ج5 ( البحر الرائق ) .
(3) ص406 ج3 رد المحتار .(1/385)
8) يجوز للعامة الانتفاع بحريم المسجد إن لم يضر بأهله . وإن ضر لا يجوز ولا يعتبر فيه إذن السلطان ولا نائبه للحرج . ولو أراد قيِّم المسجد أن يبنى حوانيتَ فى حرَمه وفنائه ، لا يجوز له ذلك وليس لمتولى المسجد أن ينتفع بشئ من سراحه فى بيته . ولو كان المسجد فى مهب الريح يصيب المطرُ بابه ويبتل مدخله فيشق على الناس دخوله ، جاز اتخاذ ظلة من غلة وقفه إن تضر بأهل الطريق .
(9) يلزم الوقف ويزول ملك الواقف عنه بمجرد قوله وقفته عند أبى يوسف والثلاثة ، فلا يباع ولا يوهب ولا يورث " لحديث " ابن عمر أن عرم أصاب أرضاً بخبير فقال : يا رسول الله أصبتُ أرضاً بخبير لم أصَب مالا قطْ أنْفسَ عندى مه فما تأمرنى ؟ فقال : إن شئت حبَّستَ اصلها وتصدّقتَ بها فتصدق بها عمر أنه لا يُباع أصلُها ولا يوهَبُ ولا يورثُ ( الحديث ) أخرجه الجماعة . وفى رواية للبخارى فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم : تَصدقْ بأصله لا يُباع ولا يوهب . ولكنْ يُنفق من ثمره . فتصدق به عمر للفقراء والقربى والرَّقاب وفى سبيل الله وابن السبيل والضيف ، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقاً غير متأثل قال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح(1). ... ... ... ... ... ... ... ... ... { 438 }
(
__________
(1) ص 12 ، 55 ج2 مسند أحمد ( مسند ابن عمر رضى الله عنهما ) وص 227 ، 254 ج5 فتح البارى ( الشروط فى الوقف ) قوله تعالى : وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ) وص 86 ج11 نووى مسلم ( الوقف ) وص 116 ج3 سنن أبى داود ( فى الرجل يوقف الوقف – الوصايا) وص 123 ج2 مجتبى ( الأحباس ) وص 38 ج2 سنن ابن ماجه ( من وقف – الصدقات ) وص 397 ج2 تحفة الأحوذى ( ما جاء فى الوقف ) و ( غير متأثل ) أى غير جامع مالا . يقال مال مؤثل أى مجموع .(1/386)
وقال ) الشيخ منصور بن إدريس : ولا يصح بيع الوقف ولا هبته و إبداله ولو بخير للحديث السابق ، إلا أن تتعطل منافعه المقصودة منه بخراب أو غيره بحيث لا يرُدّ الوقف شيئاً على أهله ، أو يرد شيئاً لا يعد نفعاً وتتعذر عمارته وعود نفعه بأن لا يكون ف الوقف ما يعمر به . ولو كان مسجداً ضاق لعى أهله وتعذر توسيعه فى محله ، أو تعذر الانتفاع به لخراب الناحية التى بها المسجد ، أو كان موضعه قذراً ، فيصح بيعه ويصرف ثمنه فى مثله ، للنهى عن إضاعة المال ، ولأن المقصود انتفاع الموقوف عليه بالثمرة لا بعين الأصل من حيث هو ومنه البيع إذاً مبطل لهذا المعنى الذى اقتضاه الوقف فيكون خلاف الأصل ، ولأن فيما نقوله إبقاء للوقف بمعناه حين تعذر الإبقاء بصورته . فيكون متعيناً ، وعموم ( لا يباع أصلها ) مخصوص بحالة تأهل الموقوف للانتفاع المخصوص لما ذكرنا ( قال ) ابن رجب : ويجوز فى أزهر الروايتين عن أحمد أن يباع ذلك المسجد ويعمّر بثمنه مسجد آخر فى قرية أخرى إذا لم يحتج إليه فى القرية الأولى (1) ( وقال ) برهان الدين الطرابلسى : ولو خرب المسجد وما حوله وتفرق الناس عنه لا يعود إلى ملك الواقف عند أبى يوسف فيباع نِقْضه بإذن القاضى ويصرف ثمنه إلى بعض المساجد . ويعود إلى ملكه أو إلى ورثته عند محمد(2) .
( وقال ) ابن الهمام : ولو خرب ما حول المسجد واستغنى عن الصلاة فيه يبقى مسجداً على حاله عند أبى يوسف وهو قول أبى حنيفة ومالك والشافعة وعن أحمد يباع نقضه ويصرف إلى مسجد آخر وكذا الدار الموقوفه إذا خربت يباع نقضها ويصرف ثمنها إلى وقف آخر ، لما روى أن عمر كتب إلى أبى موسى لما نقب بيت المال بالكوفة : انقل المسجد الذى بالتمارين واجعل بيت المال فى قبلة المسجد . { 113 }
__________
(1) ص 470 ج2 كشاف القناع ( والوقف عقد لازم ) .
(2) ص 73 – الإسعاف فى أحكام الأوقاف ( بناء المساجد والربط .. ) .(1/387)
وعن محمد : يعود إلى ملك الواقف إن كان حيا وإلى ورثته إن كان ميتاً ثم قال : وأما الحصير والقنديل فالصحيح من مذهب أبى يوسف أنه لا يعود إلى ملك متخذه بل يحول إلى مسجد آخر أو يبيعه قيِّم المسجد للمسجد . وأما استدلال أحمد بما كتبه عمر لا يفيده لأنه يمكن أنه أمره باتخاذ بيت المال فى المسجد . وتمامه فيه(1)(وقال) الحصنى : ومثله فى الخلاف حشيش المسجد وحُصْره مع الاستغناء عنهما . وكذا الرباط والبئر إذا لم ينتفع بهما فيصرف وقف المسجد والرباط والبئر والحوض إلى أقرب مسجد أو رباط أو بئر أو حوض إليه(2) ( وظاهره ) أنه لا يجوز صرف وقف مسجد خرب إلى حوض وعكسه .
( وقال ) الشيخ منصور بن إدريس : ويجوز نقل آلة المسجد الذى يجوز بيعه لخرابه أو خراب محلته أو قذر محله ونقل أنقاضه إلى مثله إن احتاجها مثله ، لأن ابن مسعود قد حوَّل مسجد الجامع من التمارين بالكوفة . وهذا النقل أولى من بيعه لبقاء الانتفاع من غير خلل فيه . وعلم من قوله إلى مثله أنه لا يعمَّر بآلات المسجد مدرسة ولا رباط ولا بئر ولا حوض ولا قنطرة . وكذا آلات كل واحد من هذه الأمكنة لا يعمّر بها ما عداه لأن جعلها فى مثل العين ممكن فتعين ويصير حكم المسجد بعد بيعه للثانى الذى اشترى بدله . وأما إذا نقلت آلات المسجد من غير بيع فالبقعة باقية على أنها مسجد ثم قال : وأفتى عبادة بجواز عمارة وقف من ريع آخر وهو قوى بل عمل الناس عليه(3) ثم قال : ولو وقف على مسجد أو حوض وتعطَّل الانتفاع بهما صرف إلى مثلهما . ول نذر التصدق بمال فى يوم مخصوص من السنة وتعذر فيه وجب متى أمكن(4).
(
__________
(1) ص 64 ، 65 ج5 فتح القدير ( أحكام المسجد – الوقف ) .
(2) ص 407 ج3 – الدر المحتار هامش رد المحتار ( الوقف ) .
(3) ص 471 ج2 كشاف القناع ( الوقف عقد لازم ) .
(4) ص 473 منه .(1/388)
10) يشترط فى الواقف أن يكون ممن يصح تصرفه فى ماله وهو المكلف الرشيد فلا يصح من صغير أو سفيه (1) ( ويشترط ) فى الوقف عند الحنفيّين أن يكون قربه عند الواقف كوقف المسلم عل مسجد أو حج أو عمرة. فلا يصح وقفه على بيعه أو كنيسة ( وشرطه ) عند الحنبلية أن يكون على بر من مسلم أو ذمى ، لأن مالا يصح من المسلم الوقف عليه لا يصح من الذمى كالوقف على غير معين . وعليه فيصح التصدق بما يضاء به المسجد ، لأن تنويره مندوب إليه وهو من باب الوقف .ولا يصح وقف الستور وإن لم تكن حريراً لغير الكعبة كوقفها على الأضرحة ، لأنه ليس بقربة . ولا على تنوير قبر وتبخيره ولا على من يقيم عنده أو يخدمه ، لأن ذلك ليس من البر . ولا على بناء مسجد على القبر ولا وقف بيت فيه قبر مسجداً ( لقول ) ابن عباس : لعن النبى صل الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج(2). ... ... ... ... { 439 }
( ويحرم ) وقف قنديل من ذهب أو فضة على مسجد . بل لا يصح ويكون بمنزلة الصدقة على المسجد فيكسر ويصرف فى مصلحته وعمارته .
(
__________
(1) ص446 منه .
(2) يأتى رقم 13 ص 8 ج8 ( التحذير من إيقاد السرج على القبور ) .(1/389)
11) يُتَّبع شرط الواقف فى صرف غلة الوقف فيجوز صرف الموقوف على بناء المسجد لبناء منارته وإصلاحها وبناء منبره ، وأن يشترى منه سلم للسطح ، وأن يبنى منه ظلة ، لأن ذلك من حقوقه ومصالحه . ولا يجوز صرفه فى بناء بيت الخلاء لمنافاته المسجد وإن ارتفق به أهله ، ولا صرفه فى زخرفة مسجد بالذهب أو الأصباغ ، لأنه منهى عنه وليس ببناء ، بل لو شرط لما صح ، لأنه ليس قربه ، ولا فى شراء مكانس ومجارف ، لأنه ليس بناء ولا سبباً له . وإن وقف على مسجد أو مصالحه جاز صرفه فى نوع العمارة وفى مكانس وحصر ومجارف ومساحى وقناديل وإنارة ورزق إمام ومؤذون وقيم ، لدخول ذلك كله فى مصالح المسجد وضعاً أو عرفاً. ولو وقف على مصالح المسجد وعمارته فالقائمون بالوظائف التى يحتاج إليها المسجد من التنظيف والحفظ والفرش وفتح الأبواب وغلقها وغير ذلك يجوز الصرف إليهم (1) . هذا . وما فضل عن حاجة المسجد من حُصره وزيته ومغله وأنقاضه وآلته وثمنها إذا بيعت جاز صرفه إلى مسجد آخر محتاج إليه،لأنه صرف فى نوع المعيَّن . وتجوز الصدقة بما ذكر على فقراء المسلمين وفى سائر المصالح وفى بناء مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته(2).
(12) لو أوصى بثلث ماله لأعمال البرّ يجوز إسراج المسجد منه ولا يزاد على سراج واحد ولو فى رمضان لأنه إسراف . ولو أوصى لعمارة المسجد يصرف فيما كان من البناء ومنه المنارة دون التزيين .
(13) لو وقف أرضا على عمارة المسجد على أن ما فضل من عمارته فهو للفقراء فاجتمعت الغلة والمسجد غير محتاج إلى عمارة ( قال ) البلخى : تحبس الغلة لأنه ربما يحدث فى المسجد ما يحتاج إلى العمارة . وتصير الأرض بحال لا تثمر إلا إذا زادت الغلة عما يحتاج إليه المسجد لو حدث به حدث فالزائد يصرف للفقراء كما شرط الواقف .
(
__________
(1) ص 455 ج2 كشاف القناع ( ويرجع إلى شرطه ) .
(2) ص 472 منه ( والوقوف عقد لازم ) .(1/390)
14) يجوز إحداث تغيير فى المسجد تدعو إليه المصلحة ، فيجوز تجديد بناء المسجد للمصلحة " روت " عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لها : يا عائشة لولا أنَّ قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرتُ بالبيت فهُدِم فأدخلتُ فيه ما أخْرج منه ، وألزقتُه بالأرض ، وجعلتُ له بابين بابا شرقياً وباباً غربياً فبلغتُ به أساسَ إبراهيم . أخرجه البخارى (1). ... ... ... ... ... ... ... ... { 440 }
(15) يحوز نقض منارة المسجد وجعلها فى حائطه لتحصينه من نحو كلاب(2) ويجوز تحويل بابه من جهة سفله سقاية وحوانيت . وقيل لا يجوز رفعه لأجل السقاية . ولا بأس بتغيير حجارة الكعبة لإصلاحها إلا الحجر الأسود فلا يجوز تغييره ولا نقله من موضعه ولا يقوم غيره مقامه مع وجوده ولا ينقل النسك معه إذا نقل م موضعه . ويحرم نقل حجارتها لعمارة غيرها كما لا يجوز ضرب تراب المساجد لبَنِا ليبنى به غيرها (3) لما تقدم من أنه يتعيين صرف الوقف للجهة المعينة .
(16) يجوز تغيير صورة الوقف للمصلحة كجعل الدور حوانيت ولا يجوز قسمة المسجد مسجدين ببابين إلى دربين مختلفين لأنه تغيير لغير مصلحة (4).
(17) حائط المسجد من داخله وخارجه له حكم المسجد فى وجوب صيانته وتعظيم حُرُماته وكذا سطحه والبئر التى فيه ورحبته . ولذا يصح الاعتكاف فى رحبته وسطحه ، ويصح اقتداء من بهما بمن فى المسجد .
(18) المصلى المتخذ للعيد وغيره ليس له حكم المسجد فلا يحرم المكث فيه على الجنب والحائض . وبه قال الجمهور . والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات . والصلاة والسلام على سيد الكائنات . وآله الأطهار . وصحابته الأخيار . ومن تبعهم بإحسان .
تم الجزء الثالث من كتاب الدين الخالص
ويليه الجزء الرابع إن شاء الله تعالى وأوله ( مبطلات الصلاة )
(
__________
(1) ص 287 ج2 فتح البارى ( فضل مكة وبنيانها – الحج ) .
(2) ص 472 ج2 كشاف القناع .
(3) ص 473 منه .
(4) ص 472 منه .(1/391)
تنبيه ) قد بينا بهامش هذا الجزء أهم المراجع التى استعنَّا بها فى تخريج أحاديثه ومراجع النصوص العلمية . فلينظر بيانها بصفحتى 375 ، 376 من الجزء السابع من الدين الخالص . والله تعالى ولى الهداية والتوفيق .
دليل موضوعات الجزء الثالث من الدين الخالص
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
( الأول ) ( الوتر ) (1) حكمه . ... ( 13 ) القنوت لغير نازلة
أدلة وجوبه . الجواب عنها ... الحق أنه لا يقنت فى الصبح إلا لنازلة
(2) وقت الوتر ... الحق أن القنوت فى غير الوتر خاص بالنوازل
متى أوتر النبى صلى الله عليه وسلم ؟ ... ( الثانى ) ( الجماعة ) دليلها
(3) الوتر لا يتكرر
الوتر لا يعاد . هل يصلى بعده ؟ ... ( حكمتها ) (1) ( حكمها )
أنواع الوتر . الحق أنه لا ينقض ... دليل القول بفرضيتها
ما يدل على نقضه ... الحث على حضورها
(4) عدد ركعات الوتر . قدره عند مالك ... هل الجماعة شرط لصحة الصلاة ؟
الراجح أنها سنة مؤكدة
عدده عند الحنفيين والشافعى وأحمد ... (2) الجماعة فى غير الصلوات الخمس
كيفية صلاته عند الشافعى وأحمد ... الجماعة فى النفل المطلق
كيفية وتره صلى الله عليه وسلم ... (3) جماعة النساء
(5) ما يقرأ فى الوتر . حكم الجلوس الأول فيه ... دليل جواز إمامة المرأة للرجال . جوابه
القراءة فى ركعة منه بأكثر من سورة ... (4) حضور النساء المساجد
إطالة القراءة فيه . القنوت فيه فى النصف ... متى يجوز لهن ذلك ؟ وصفه صلى الله عليه وسلم النساء المساجد
الثانى من رمضان (6) حكم القنوت فيه ... (5) ما تتحقق به الجماعة
القنوت ورد قبل الركوع وبعده ... (6) ما تدرك به الجماعة
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
رد القول بأنه بدعة ... الجمعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة
(7) دعاء الوتر ... (7) تفاوت الجماعة فى الفضل
قنوت عمر رضى الله عنه ... زيادته بكثرة العدد
(8) ( سنن القنوت ) رفع اليدين فيه ... فضل بعد المنزل عن المسجد
حكم الأسرار والجهريه ورفع اليدين فيه ... فضل صلاة الجماعة فى الفلاة
(9) ( الجماعة فى الوتر ) ... حكمة ذلك(1/392)
المذاهب فى حكم الجماعة فى وتر رمضان ... فضل الصف الأول . خير صفوف النساء وشرها
(10) قضاء الوتر ... (8) شروط الجماعة
الراجح أنه يقضى فى غير أوقات النهى ... المذاهب ف إمامة الصبى
(11) ما يقال بعد الوتر ... الراجح جوازها فى الفرض وغيره
(12) قنوت النوازل ... جملة أحوال الإمام والمقتدى
القنوت للنوازل بعد الركوع أو قبله ... بيان الأمى وأحواله
من قال لا قنوت للنازلة غلا فى الصبح ... ما يجب عليه . إمامة المعذور والعارى
رد هذا القول ... (9) الأحق بالإمامة
أمامة غير المتطهر . حكم صلاة من تبين حدث إمامة ... حكمة مشروعية تقديم الواى ونحوه فى الإمامة
الراجح أنه لا إعادة على من لم يعلم حدث إمامه إلا بعد الصلاة ... (10) إمامة المفضول
الراجح القول بصحة صلاة من تبين فساد صلاة إمامة ... (11) إمامة الأعمى
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
هل العبرة فى صحة صلاة المأموم بمذهبه أم بمذهب الإمام ؟ ... (12) إمامة العبد
المذاهب فى حكم نية المأموم الاقتداء ونية المفارقة ... (13) إمامة الصالح والصالح . حكم إمامة الفاسق
يستحب للإمام نية الإمامة ... لا تصح إمامته ولو لمثله عند أحمد
مذهب أحمد فى هذا ... الراجح كراهة الصلاة خلفه
المذاهب فى حكم تقدم المأموم على إمامة فى المكان ... (14) إمامة المبتدع
هل يجوز الاقتداء وبين الإمام والمأموم حائل ؟ ... (15) إمامة الأعرابى
المذاهب فى هذا ... (16) إمامة ولد الزنا
ما تتحقق به متابعة المأموم الإمام العلم بانتقالاته بالمذياع ... (17) إمامة من يكرهه المأمومون
بيان المتابعة عند الحنفيين ومالك ... (18) موقف المأموم
أنواعها عند الشافعية والحنبلية ... موقف الأكثر من واحد من الإمام
حكم مساواة المأموم وسبقه إمامه ... موقف الذكر والأنثى والرجال وغيرهم من الإمام
حرمة السبق . علاجه ... (19) وقوف المرأة فى صف الرجال
علم المأموم بحال إمامة ... المذاهب فيما يترتب على محاذاة المرأة للرجل فى الصلاة
المذاهب فى اقتداء المسافر بالمقيم ... (20) آداب الجماعة(1/393)
المذاهب فى اقتداء المفترض بالمتنقل ... رد القول بأن الإمام يكبر للصلاة قبل الفراغ من الإقامة
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
مناقشة أدلة ذلك ... موقف الإمام من الصف . كيفية تكوين الصفوف
المذاهب فى اقتداء متنفل بمفترض واقتداء قائم بقاعد لعذر ... قرب أهل الفضل من الإمام
مناقشة أدلة هذا ... التخفيف المطلوب منه . حكم انتظاره . ن يريد الصلاة معه
بيان نسخ حديث قعود الصحابة خلف النبى صلى الله عليه وسلم ... شروط ندب انتظاره المأموم
متى يصح اقتداء قائم بعاجز عن القيام ؟ ... (21) مكروهات الجماعة
المذاهب فى اقتداء المتوضئ بالمتيمم ... (1) توسط الإمام . (2) الصلاة بين الأعمدة
حكم الاقتداء عند اختلاف صلاة الإمام والمأموم ... أتقع الصلاة المعادة نفلا أم فرضاً ؟
مناقشة أدلة كراهة الصلاة بين الأعمدة . (3)علو الإمام وحده ... دليل أنها تقع فرضاً والجواب عنه
قدر ارتفاعه المكروه ... (27) قطع الصلاة متى يحب قطعها ؟
(4) علو المأموم على الإمام ... هل تقطع بنداء أحد الأبوين ؟ قصة المتكلمين فى المهد ( هامش )
(5) صلاة المأموم خلف الصف ؟ ... على المصلى إجابة النبى صلى الله عليه وسلم . ما يباح قطع الصلاة له وما يستحب
ماذا يفعل إذا حضر وقد تم الصف ؟ ... ماذا يصنع من شرع فى فرض فأحرم به الإمام؟
(22) أعذار ترك الجماعة ؟ ... مذهب أحمد ومالك فى هذا
الإذن بالصلاة فى المنزل للمرضى ونحوه ... (28) الاستخلاف . قتل عمر رضى الله عنه
متى يقدم الطعام على الصلاة ؟ متى يكون العمى عذراً فى التخلف عن الجماعة ؟ ... استخلافه عبد الرحمن بن عوف حكم الاستخلاف
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
(23) أحوال المقتدى . ما يطلب من اللاحق ... سببه وثمرته
أحواله عند أحمد . ما يطلب من المسبوق ... شروط صحته . وشروط البناء ممن سبقه الحدث
ما يدركه أيعتبر أول صلاته أو آخرها ؟ ... ما يطلب منه عند غير الحنفيين
من قال أنه يبنى فى الأفعال ويقضى فى الأقوال ... سبب الاستخلاف عند الشافعى وأحمد(1/394)
هل هو منفرد فيما يقضيه ؟ كم يكبر من أدرك الإمام راكعاً ؟ ... ( الثالث ) ما يباح فى الصلاة . أحوال البكاء فيها
(24) تعدد الجماعة فى وقت واحد ... قتل الحية ونحوها فى الصلاة
ليس لغير الإمام الراتب أن يصلى إماماً إلا لعذر ... أحوال المشى فى الصلاة
إتفاق الأئمة على منع تعدد الجماعة فى المسجد فى وقت واحد ... حمد العاطس فيها
اتفاق العلماء على أن تعددها بدعة شنيعة ... حمل الصبى فيها
المخالفات المترتبة على ذلك ... الجمع بين أحاديث حملة فيها وأحاديث الأمر يتجنب الصبى المسجد
واجب العلماء وأولى الأمر نحو المخالفات ... جواز الصلاة بجنب الحائض
(25) إقامة جماعة فى المسجد بعد جماعة الراتب ... الصلاة فى النعل والخف الطاهرين
المذاهب فى حكم تكريرها ... دليل استحباب ذلك
الراجح عدم كراهة إعادتها فى المسجد ... الصلاة فى ثوب مخطط وفى ثوب واحد
(26) إعادة الصلاة ... أكمل اللباس فى الصلاة
المذاهب فى حكمها ... الصلاة على البساط ونحوه
بيان معنى حديث : لا تصلوا فى يوم مرتين ... كراهة السجود على ما فيه رفاهية
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
فوق فرش المسجد . الصلاة فى ثوب النوم ... كراهة الصلاة على سجادة ونحوها
الصلاة إمام مصحف . التراوح فى الصلاة ... حكم الصلاة إلى النائم والمتحدث والتنور ونحوه
( الرابع ) مكروهات الصلاة ... تشمير الكمين . الاعتجاز . الاشتمال
العبث فيها ومسح الحصا والتراب ... الاحتباء والاضطباع فى الصلاة
حكمة النهى عن ذلك . فرقعة الأصابع فيها ... التثاؤب فى الصلاة . تغطية الفم والأنف
تشبيك الأصابع . حكمه النهى عنه ... كراهة الصلاة وهو يدافع الأخبثين
التمطى والتخطر فيها . حكمه النهى عن هذا ... مذهب مالك فيمن صلى وهو حاقن أو حاقب
الاعتماد فيها على اليدين . حكمة النهى عنه ... مذهب غير مالك فى هذا
حكم الاعتماد فيها لحاجة . حكمة النهى عن عقص الشعر ... كراهة الصلاة بحضور طعام تتوقه النفس
كف الشعر والثوب فيها . سدل الثوب ... هل يقدم الطعام على الصلاة إذا ضاق الوقت ؟ الراجح لا(1/395)
كراهة رفع البصر فى الصلاة إلى السماء ... كراهة الصلاة عند غلبة النوم
التنفير من الالتفات فى الصلاة ... كراهة تخصيص مكان للصلاة فى المسجد
أحواله ... الجمع بين حديث النهى عن ذلك وحديث تحرى النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة عند اسطوانة المصحف
حكم التحول عن القبلة بالبدن . كراهة القراءة فى الركوع والسجود ... يبكى على المؤمن إذا مات موضع عبادته ومصعد عمله
أقسام الإقعاء فى الصلاة ... المذاهب فى حكم إقامة الإنسان من مكان مباح سبق إليه
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
حكم الجلوس بين السجدتين على العقبين . الجمع بين أحاديث الإقعاء ... حكم إيثار الشخص غيره لأمر أخروى
نظر المصلى إلى ما يشغله . التغميض فى الصلاة ... كراهة الصلاة فى ثوب فيه تصاوير وإلى صور حيوان
التربع فيها وخارجها . الإشارة فيها ... لا تكره الصلاة فى بيت فيه صورة مهانة ولا على بساط فيه صورة
المذاهب فى حكم الإشارة فيها ... التنفير من تصوير الحيوان . إباحة تصوير غيره
أحوال رد السلام فيها . كراهة الإشارة باليد حال السلام ... كراهة اتخاذ ما فيه صورة الحيوان
المذاهب فى حكم تنكيس القراءة فى الصلاة ... المذاهب فى هذا
ترتيب الآيات توقيفى والسور اجتهادى ... جواز اقتناء ما فيه صورة غير حيوان حكم تكرير الفاتحة
بعض أحكام القراءة فى الصلاة ... حكم ترك أذكار أركان الصلاة وتأخيرها وتطويل الركعة الثانية على الأولى
ترك سورة بين سورتين . كراهة التخصيص فى الدعاء ... هل تفوت بالجلوس وتتكرر بتكرر الدخول ؟
الترويح فى الصلاة . التمايل فيها ... هل تطلب ممن دخل لصلاة العيد ؟
حكم عد الآى و التسبيح فى الصلاة ... التحيات المطلوبة ممن يدخل المسجد
حكم صلاة الرجل عارى الرأس ... تحية المسجد الحرام والقدوم ن السفر
(6) فصل السعى للمسجد والجلوس فيه
( الخامس ) المواضع المنهى عن الصلاة فيها ... (7) أفضل المساجد
مذهب غير الحنفيين فى الصلاة فى المقبرة ... فضل الصلاة فى المسجد النبوى
المسجد الأقصى كان موجوداً وقت الإسراء
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع(1/396)
المذاهب فى حكم الصلاة فى الحمام ومعاطن الإبل ... ترتيب المساجد فى الفضل . الراجح أن مكة أفضل من المدينة
جوازها فى مرابض الغنم ... التنفير من زخرفة المساجد والتباهى بها
حكم الصلاة فوق الكعبة ... المذاهب فى حكم تشييدها
كراهتها فى ارض عذب أهلها فى أرض مغصوبة هلاك النمروذ ( هامش ) ... الرد على من جوز زخرفتها
حكم المرور على قنطرة بناها ظالم ... كراهية الكتابة فى قبله المسجد
حكم الصلاة فى مسجد بنى فى أرض مغصوبة وفى الكنيسة والبيعة ... حكمة أمر كل جهة ببناء مسجد فيها
كراهة الصلاة فى مسجد فيه بدع ... الترغيب فى كنس المساجد وتنظيفها .
خروج الصديق مهاجراً إلى الحبشة ورجوعه . (هامش)
كراهتها فى مسجد الضرار . أغراض متخذيه . هدمه ( هامش ) ... حكم بناء مسجد فى الطريق عند أحمد
خروج النبى وأبى بكر لغار حراء
( السادس ) الصلاة فى الكعبة ... الرسول وابو بكر فى طريقهما إلى المدينة(هامش)
الراجح جواز الصلاة فيها مطلقاً ... ( الثامن ) ما تصان عنه المساجد
( السابع ) أحكام المساجد ... حكم قضاء الحاجة والوطء ونحوهما فى المسجد وفوقه
(1) فضل بنائها ... كفارة البزاق فى المسجد . ما يضع من دعته إليه ضرورة
(2) اتخاذ القبور مساجد ... هل يباح البزاق جهة اليمين خارج الصلاة ؟ وهل يباح جهة اليسار فى المسجد ؟
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
حكم بنائها فى مقابر المسلمين ... صيانة المسجد عن الروائح الكريهة
يهدم كل مسجد بنى على قبر مسجد الخليل ... لا يتخذ المسجد طريقاً . المذاهب فى حكم المرور فيه
حرمة الدفن فى المسجد ... ( التاسع ) بدع المساجد
(3) يجوز جعل الكنائس مسجد ... متى يباح غلق المسجد . الرقص و الغناء فيه
(4) الدعاء عند دخول المسجد والخروج منه
(5) تحية المسجد . حكمها ... وضع كرسى فيه للتالى بدعة
حكمها حال الخطبة وأوقات النهى ... الاحتفال فيه بالمولد وغيره بدعة .
المفاسد المترتبة على ذلك
دليل منعها حال الخطبة . رده . ... نهى أهل الفضل على ما يفعل فى المساجد من المنكرات(1/397)
متى يمنع من تناول بصلا ونحوه من المسجد ؟ ... شر الموالد غالب على ما فى بعضها من خير
حكم أكل ذى الرائحة الكريهة ... إطعام الطعام فى العيدين ونحوها سنة
أسباب تحريم الدخان وأدلته ( هامش ) ... واجب السادة العلماء نحو الموالد والبدع
لم يكن الثوم ونحوه محرماً على النبى صلى الله عليه وسلم . كراهة الحدث فى المسجد ... صلاة الرغائب والصلاة الألفية بدعة
كراهة نشد الضالة فيه ... تاريخ حدوث صلاة الرغائب ونصف شعبان
منع السؤال فيه ... ما ورد فيهما لم يثبت . الأمر بإبطالهما
حكم السؤال فيه وإعطاء السائل ... الاحتفال فى المساجد ليلة النصف من شعبان بدعة منكرة
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
أدلة حرمة رفع الصوت فيه ... المفاسد التى تقع فى هذه الاحتفالات
إنكار الصحابة والتابعين ذلك ... الاجتماع لدعاء نصف شعبان بدعة منكرة . مخالفته للقرآن
نصوص الفقهاء على حرمة ذلك ... بيان أن الليلة المباركة هى ليلة القدر
المذاهب فى حكم إدخال الصبيان والمجانين المسجد ... ما عابه المشركون على النبى صلى الله عليه وسلم ورده
إنشاد الشعر فيه ... أدلة أن الليلة المباركة هى ليلة القدر
ما يباح من الشعر فيه وما لا يباح ... أدلة أنها ليلة نصف شعبان
حكم إنشد الشعر فى ذاته ... رد هذه الأدلة
حكم التحلق فى المسجد وإقامة الحد فيه ... دعاء أول السنة وآخرها مخترع
كراهة إلقاء القمل فيه ودفنه وحفر البئر ... التبرير بموت العالم بدعة منكرة
حكم غرس الشجر فيه . مصرف ثمر ما غرس فيه ... الفرق بين نعى الميت والإعلام بموته رثاؤه فى المسجد وغيره
حكم تطيينه وتنويره بنجس واللغط والكلام فيه ... الدعاء برفع الوباء بدعة منكرة قراءة البخارى لمثل ذلك مخترع
كراهة استدبار القبلة فيه . حكم إخراج الحصى ونحوه منه ... المذاهب فى حكم دخول الكافر المسجد
حكم استعمال أثاثه واستطراق حلقه ... عقد النكاح والقضاء فيه
حكم التشبيك فيه . أقسامه ... (الثانى عشر)مسائل تتعلق بالمساجد.ما يتم به وقف المسجد.اتخاذه فى مكان مستأجر.إنارته بلا صرف(1/398)
النعى على من يعتقد أن ذلك يجلب نفعاً أو يدفع ضراً ... حث من به على الطاعة . الانتفاع بعلوه أو سفله
ص ... الموضوع ... ص ... الموضوع
اتخاذ النبر فخطبة عليه سنة ... الانتفاع بحريمه . ما يزول به ملك الواقف عن الوقف
حكمة اتخاذه . دليله . وصف منبر النبى صلى الله عليه وسلم ... متى يصح بيع الوقف ؟
التغييرات التى طرأت على منبر المسجد النبوى . علو المنبر بدعة ... تحويل الوقف وغلته إلى جهة أخرى
من البدع فرشه ووضع الأعلام على جانبيه والستارة على بابه ... شرط الواقف والوقف
( العاشر ) واجبات نظار المسجد ... يتبع شرط الواقف إن لم يكن مخالفاً حكم تغيير المسجد وتجديده
( الحادى عشر ) ما يباح فى المسجد ... نقض منارة المسجد وتحويل بابه
تغيير الوقف للمصلحة . مصلى العيد ليس له حكم المسجد
مبيت المشرك وغيره فيه ... دليل موضوعات الكتاب
الوضوء فيه . نضح الماء فيه . الاستلقاء فيه
دليل من كره هذا . جوابه . الأكل والشرب فيه
اللعب بالحراب ونحوها فيه
حكمه ذلك . رد القول بنسخه
تم الفهرس والحمد لله . والصلاة والسلام على رسول الله وآله
ومن اهتدى بهداه(1/399)
الدين الخالص
أو
إرشاد الخلق إلى دين الحق
وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيي السنة ومميت البدعة
صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد
محمود محمد خطاب السّبكى
المتوفى فى الرابع عشر من ربيع الاول سنة 1352هـ -7يوليو سنة 1933م
عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه عالى الجنان
الجزء الرابع
عنى بنتقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه وضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان حالها وغريبها ومراجعها خليفة الشيخ الامام المرحوم السيد
أمين محمود خطاب
المتوفى فى السابع والعشرين من ذى القعدة 1387هـ - 26 فبراير 1968م رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره
روضة من رياض الجنة وحشره مع الصالحين
حقوق الطبع محفوظة له
الطبعة الرابعة 1406هـ/1986م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الهادى للصواب ،والصلاة والسلام على سيد الأحباب وآله والأصحاب. هذا والكلام هنا فى ثمانية أصول.
(الأول) مبطلات الصلاة
الفاسد والباطل فى العبادة غير الحج سواء ، وهو ما خرج عن كونه عبادة بسبب فوات بعض الفرائض من الشروط والأركان.
وللصلاة مبطلات :المذكور منها هنا ثلاثة عشر:
(1) الكلام : يحرم الكلام عمداً فى الصلاة ، ويبطلها إذا كان لغير إصلاحها ولا لأمر يوجبه ( لقول ) زيد بن أرقم : كنا نتكلم فى الصلاة ، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه فى الصلاة حتى نزلت: "وقوموا لله قانتين" ، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام . أخرجه السبعة إلا ابن ماجه. وهذا لفظ مسلم. وقال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح(1) . [ 1 ]
__________
(1) ص72 ج4- الفتح الربانى وص 48ج3فتح البارى (ما ينهى عنه من الكلام فى الصلاة) وص26ج5 نووى مسلم ( تحريم الكلام فى الصلاة )
وص55ج6-المنهل العذب(النهى عن الكلام فى الصلاة) وص 181 مجتبى(الكلام فى الصلاة) وص312 ج1 تحفة الأحوذى(نسخ الكلام فى
الصلاة).(1/1)
ولذا اتفق العلماء على بطلان من تكلم فيها لغير إصلاحها عامداً عالماً بتحريمه وبطلان صلاته. واختلفوا فى كلام الناسى والجاهل ( فقال ) الجمهور : تبطل صلاة المتكلم ولو ناسياً أو جاهلاً. ومنهم الثورى وابن المبارك والحنفيون ، لعموم أحاديث النهى عن الكلام فى الصلاة .
( ومنها ) ما تقدم عن ابن مسعود قال : كنا نسلم فى الصلاة ونأمر بحاجتنا ( الحديث ) وفيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء ، وإن الله تعالى قد أحدث ألا تكلموا فى الصلاة ، فرد علىّ السلام (1) . [ 2 ]
( وقال ) مالك والشافعى وأحمد وأبو ثور: لا يفسدها الكلام العمد ، ولا تفسد بكلام الناسى والجاهل . وهو مروى عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير ( لحديث ) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم تكلم فى الصلاة ناسياً فبنى على ما صلى. أخرجه الطبرانى فى الأوسط وفى سنده معلى بن مهدى ، قال أبو حاتم: يأتى أحياناً بالمناكير . وقال الذهبى : صدوق فى نفسه(2) . [ 3 ]
( ولما يأتى ) عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. أخرجه ابن ماجه والدارقطنى والطبرانى والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين(3) . [ 4 ]
(
__________
(1) تقدم رقم 258 ص185 ج3 (الاشارة فى الصلاة).
(2) ص181 ج2 مجمع الزوائد (الكلام فى الصلاة والاشارة).
(3) يأتى رقم 211 ص375 ج8 (ما يفسد الصوم).(1/2)
واستدلوا ) على عدم بطلان صلاة الجاهل ( بقول ) معاوية بن الحكم السلمى : بينما أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله . فرمانى القوم بأبصارهم . فقلت: واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلى ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتوننى لكنى سكت. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبى وأمى ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرنى(1) ولا ضربنى ولا شتمنى قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس ، إنما هى التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ( الحديث ) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى والبيهقى وابن حبان. وفى رواية أبى داود : لا يحل مكان لا يصلح (2) . [ 5 ]
(
__________
(1) ما كهرنى ،أى ما انتهرنى،وقيل الكهر:العبوس فى وجه من تلقاه.
(2) ص73 ج4-الفتح الربانى. وص20 ج5 نووى مسلم (تجريم الكلام والصلاة) وص28 ج6-المنهل العذب (تشميت العاطس فى الصلاة) وص 179 ج1 مجتبى (الكلام فى الصلاة). (فرمانى القوم بأبصارهم) أى نظروا إلى نظر منكر. ولذا استعير له الرمى (واثكل) بضم المثلثة وإسكان
الكاف. وبفتحها لغتان كالبخل والبخل : وهو فقدان المرأة ولدها وحزنها عليه لفقده. و(أماه) بتشديد الميم. وأصله أم زيدت عليه ألف الندبة
لمد الصوت،وأردفت بهاء السكت. وفى رواية أبى داود أمياه بزيادة المثناة التحتية وأصله أمه زيدت عليه ألف الندبة. و(يضربون على
أفخاذهم) هذا محمول على أنه وقع قبل أن يشرع التسبيح للرجال والتصفيق للنساء. و(لكنى سكت) فى استدراك على محذوف تقديره:
فلما رأيتهم يسكتوننى أردت أن أكلمهم فى ذلك لكنى..إلخ. (فبأنى) متعلق بفعل محذوف تقديره: أفديه بابى وأمى. و( ما كهرنى ) أى ما
انتهرنى وما عبس فى وجهى.(1/3)
وهذا ) الحصر يدل بمفهومه على منع التكلم فى الصلاة بغير التسبيح والتكبير والقراءة . وقد تمسك به الحنفيون وأحمد فقالوا : يمنع الدعاء فى الصلاة بما يشبه كلام الناس، وهو ما لا يستحيل طلب مثله منهم نحو: اللهم اقض دينى. وتقدم بيانه ، والجواب عنه فى بحث " الدعاء فى الصلاة بما يشبه كلام الناس " (1) . وفى الحديث دليل على تحريم الكلام فى الصلاة ، سواء أكان لحاجة أم لا، وسواء أكان لمصلحة الصلاة أو غيرها ، فإن احتاج إلى تنبيه أو إلى إذن لداخل سبح الرجل وصفقت المرأة .
( وقالت ) طائفة منهم الأوزاعى ومالك : يجوز الكلام لمصلحة الصلاة لحديث عمران بن حصين أن النبى صلى الله عليه وسلم سلم فى ثلاث ركعات من العصر ثم دخل الحجرة ، فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان طويل اليدين فقال : أقصرت الصلاة يا رسول الله ؟ فخرج مغضباً يجر رداءه فقال: أصدق؟ قالوا : نعم . فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد ثم سلم. أخرجه الشافعى والسبعة إلا البخارى (2) . [ 6 ]
وعند المالكية : يشترط لعدم بطلان الصلاة بالكلام لإصلاحها ألا يزيد الكلام عما به الحاجة ، وألا يفهم المقصود بالتسبيح ، فإن كثر كلام المصلى أو تكلم قبل التسبيح أو مع فهم المقصود بطلت صلاته. فلو قام الامام لخامسة ولم يفهم بالتسبيح ، فللمأموم أن يقول له قمت لخامسة. ويزاد فى حق الامام ألا يحصل له شك فى صلاته من نفسه بأن لم يشك أصلا أو شك لكلام المأمومين. فإن شك من نفسه لزمه طرح ما شك والبناء على اليقين ولا يسأل أحداً ، فإن سأل بطلت صلاته.
(
__________
(1) تقدم ص260 ج2 طبعة ثانية.
(2) ص100 ج1 بدائع المنن. وص 148 ج4-الفتح الربانى. وص 70 ج5 نووى مسلم (السهو فى الصلاة) وص143 ج6 -المنهل العذب( السهو فى السجدتين) وص305 ج3 تحفة الأحوذى( التشهد فى سجدتى السهو) وص190 ج1 سنن ابن ماجه (من سلم من ثنتين أو ثلاث ساهياً).(1/4)
وأجاب ) القائلون بفساد الصلاة بالكلام مطلقاً ولو جهلاً أو سهواً أو لمصلحة الصلاة :
(أ) عن حديث بنائه صلى الله عليه وسلم على ما صلى وقد تكلم ناسياً، بأنه ضعيف كما تقدم.
(ب) وعن حديث: " إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان" بأنه لا ينتهض الاحتجاج به، فقد أنكره أحمد وقال أبو حاتم : هذه أحاديث منكرة موضوعة. وعلى فرض ثبوته فالمراد رفع الإثم لا الحكم فإن الله أوجب فى قتل الخطأ الكفارة .
(حـ) وعن حديث معاوية بن الحكم بأن عدم حكاية الأمر بالإعادة لا يستلزم العدم وغايته أنه لم ينقل إلينا فيرجع إلى غيره من الأدلة . كذا قيل.
(د) وعن قصة ذى اليدين بأن حديثها منسوخ بحديث زيد بن أرقم(1) أو حديث ابن مسعود(2) لأن صاحب القصة قتل ببدر كما قاله الزهرى.
( ورد ) بأن المقتول يوم بدر ذو الشمالين عمير بن عمرو الخزاعى ، وهو غير ذى اليدين الخرباق بن عمرو العلمى ، وقد عاش بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم زماناً وحدث بهذه القصة بعده صلى الله عليه وسلم ،كما أخرجه الطبرانى وغيره. أفاده الحافظ(3) ( ولا ينافيه ) قول أبى هريرة : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر فسلم فى ركعتين وانصرف، فقال له ذو الشمالين بن عمرو: أنقصت الصلاة أم نسيت ؟ قال النبى صلى الله عليه وسلم : ما يقول ذو اليدين ؟ فقالوا: صدق يا نبى الله. فأتم بهم الركعتين اللتين نقص. أخرجه النسائى(4) . [ 7 ]
(
__________
(1) تقدم رقم1 ص2.
(2) تقدم رقم2 ص3.
(3) ص62 ج3 فتح البارى الشرح (إذا سلم فى ركعتين أو فى ثلاث).
(4) ص183 ج1 مجتبى(ما يفعل من سلم من ركعتين ناسياً وتكلم).(1/5)
لاحتمال ) أن كلا منهما كان يلقب بذى اليدين وذى الشمالين . وعلى تقدير أنهما واحد فالقول بأن ذا اليدين مات ببدر وهم يرده صريح الحديث المروى من عدة طرق عن أبى هريرة بلفظ : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتى العشى الظهر أو العصر فسلم فى ركعتين ( الحديث ) وفيه : فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت .. إلخ .
وهذا لفظ مسلم وأبى داود . وعند أحمد : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر فسلم من ركعتين ... إلخ(1) . [ 8 ]
( وأجاب ) بعضهم بأن ذا اليدين إنما تكلم وهو يرى أن الصلاة قد قصرت. وتكلم النبى صلى الله عليه وسلم يرد عليه ظاناً أنه ليس فى صلاة ثم كلم القوم فأجابوه لوجوب إجابته عليهم . وهى لا تبطل الصلاة على المعتمد عند بعض الأئمة كما تقدم بيانه فى بحث " قطع الصلاة " (2) .
هذا . ويلحق بالكلام فى الصلاة أمور منها:
(أ ) التنحنح فيها . قال الحنفيون والشافعية : التنحنح لغير ضرورة وبلا غرض صحيح مبطلا للصلاة إن ظهر منه حرفان وإلا فلا. وهو مشهور مذهب الحنبلية. أما إن كان لعذر بأن غلبه أو كان مريضاً لا يملك نفسه عنه، فلا تفسد به ، وكذا إن كان لغرض صحيح كتحسين صوته للقراءة أو للإغلام أنه فى الصلاة أو ليهتدى به إمامه عند خطئه،لا تفسد على الصحيح عند الحنفيين. وخرج بالتنحنح التثاؤب والعطاس فلا تفسد بهما اتفاقاً.
(
__________
(1) ص67 ج5 نووى مسلم(السهو فى الصلاة) وص127 ج6 –المنهل العذب (السهو فى السجدتين) وص 145 ج4 –الفتح الربانى.
(2) تقدم ص143 ج3 طبعة ثانية.(1/6)
وقالت ) المالكية: التنحنح لا يبطل الصلاة إن كان لحاجة ، وكذا إن كان لغيرها على المعتمد ما لم يكن كثيراً أو تلاعباً ، وهو قول الشافعى وأحمد ( لقول ) علي رضى الله عنه: كان لى من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان : مدخل بالليل ومدخل بالنهار، فكنت إذا دخلت بالليل تنحنح لى . أخرجه النسائى(1) . [ 9 ]
قال أبو محمد بن قدامة : واختلفت الرواية عن أحمد فى كراهة تلبية المصلى بالنحنحة فى صلاته ، فقال فى موضع: لا تنحنح فى الصلاة ، قال النبى صلى الله عليه وسلم : " إذا فاتكم شئ فى صلاتكم فلتسبح الرجال وليصفق النساء". [ 10 ]
وروى عنه المروذى أنه كان يتنحنح ليعلم أنه فى صلاة . وحديث علىّ يدل عليه. وهو خاص فيقدم على العام(2) . وأجاب الجمهور بأن حديث علىّ فيه اضطراب لا ينهض معه الاحتجاج به .
(ب) تشميت عاطس بيرحمك الله ( لحديث ) معاوية بن الحكم السابق(3) .
وهذا متفق عليه. وكذا لو شتمه بغير خطاب كيرحمه الله ويرحمنا الله فإنها تبطل عند الحنفيين ومالك ، خلافاً للشافعية والحنبلية ، ولو عطس وشمت نفسه لخطاب أو غيره لا تبطل ، خلافاً للمالكية فقد قالوا : تبطل الصلاة بتشميت العاطس مطلقاً .
(حـ) فتح المصلى على غير إمامه ولو كان الغير فى الصلاة عند الحنفيين ومالك ، لأنه تعليم ، فكان من كلام الناس إلا أن ينوى التلاوة دون التعليم فلا تفسد كما لو فتح على إمامه. وتقدم تمامه (4) .
(
__________
(1) ص178 ج1 مجتبى(التنحنح فى الصلاة).
(2) ص710 ج1 مغنى ابن قدامة. وحديث: إذا نابكم شئ تقدم بلفظ آخر رقم 273 ص271 ج2(ما يطلب من المصلى إذا نابه شئ).
(3) تقدم رقم3 ص5.
(4) تقدم ص291 ج2 0الفتح على غير الامام).(1/7)
د) السلام بنية التحية ، لأنه خطاب ، وكذا لو سلم على ظن أنها ترويحة بأن كان يصلى العشاء فظن أنها التراويح فسلم من ركعتين ، فإنها تبطل عند الحنفيين لتعمده السلام فى غير محله. ولا تبطل عند غيرهم لظنه تمام الصلاة ، كما لو سلم للخروج من الصلاة قبل إتمامها ظاناً أنها تمت فلا تفسد اتفاقاً ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعلوه حال صلاتهم ، ولأن جنسه مشروع فى الصلاة ، فأشبه الزيادة فيها من جنسها.
(هـ) رد السلام باللسان عند الأئمة والجمهور ، لأنه خطاب فأشبه تشميت العاطس ( ولقول ) ابن مسعود رضى الله عنه: كنا نسلم على النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى الصلاة فيرد علينا،فلما رجعنا من عند النجاشى سلمنا عليه فلم يرد علينا. فقلنا: يا رسول الله كنا نسلم عليك فى الصلاة فترد علينا. فقال : إن فى الصلاة لشغلا. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود(1) . [ 11 ]
وإن رد المصلى بعد سلامه فحسن ، لما تقدم عن ابن مسعود من قوله: فردّ ( النبى صلى الله عليه وسلم ) علىّ السلام(2) .
(ومنه) يعلم مشروعية السلام على المصلى، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أصحابه حين سلموا عليه، بل رد عليهم بالإشارة وهو يصلى ، أو باللسان بعد أن فرغ، ولعموم قوله تعالى : " فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم"(3) .
أى على أهل دينكم.
__________
(1) ص73 ج4-الفتح الربانى. وص 47 ج3 فتح البارى (ما ينهى من الكلام فى الصلاة) وص26 ج5 نووى مسلم (تحريم الكلام فى الصلاة)وص20 ج6-المنهل العذب(رد السلام فى الصلاة).
(2) تقدم رقم2 ص3.
(3) سورة النور: من آية 61 وصدرها: " ليس على الأعمى حرج".(1/8)
وبهذا قال أحمد ومالك،قال أبو محمد عبد الله بن قدامة : سئل أحمد عن الرجل يدخل على القوم وهم يصلون أيسلم عليهم؟ قال: نعم. وروى ابن المنذر عن أحمد أنه سلم على مصلّ. فعل ذلك ابن عمر. وكرهه عطاء وأبو مجلز والشعبى وإسحاق ، لأنه ربما غلط المصلى فرد عليه كلاماً.
وقد روى مالك فى الموطأ أن ابن عمر سلم على رجل وهو يصلى فرد عليه السلام، فرجع إليه ابن عمر فنهاه عن ذلك(1) (1). وممن كره السلام على المصلى الحنفيون والشافعيون.
وعن أبى هريرة وجابر والحسن وسعيد بن المسيب وقتادة أن رد السلام فى الصلاة لا يبطلها. والحديث حجة عليهم.
(و) الأذان فى الصلاة إن قصد به الإعلام ، وحكايته إن قصدها، يبطلها عند أبى حنيفة ومحمد بن الحسن، لأنه إن قصد الاعلام والحكاية صار ككلام الناس. وقال أبو يوسف وباقى الأئمة: لا تفسد ما لم يقل حى على الصلاة ، حى على الفلاح ، لأن غيرهما ذكر فلا (تفسد) به بخلاف الحيعلتين فإنهما خطاب فيفسدان الصلاة،ولو سمع المصلى ام الله تعالى فقال جلّ جلاله ، أو سبحانه وتعالى . أو سمع اسم النبى صلى الله عليه وسلم فصلى عليه،فإن قصد إجابة الذاكر فسدت صلاته،وإن قصد مجرد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ،لا تفسد ؛لأن هذا لا ينافى الصلاة،ولا يقطع ما ذكر حكم الموالاة عند الشافعية إلا إذا ذكر الاسم الظاهر كأن قال: صلى الله علي محمد وآله. ولو قرأ المصلى القرآن من مصحف ونحوه، فإن كان حافظاً لا تفسد صلاته اتفاقاً،لعدم التلقن ،وكذا إن كان غير حافظ عند أبى يوسف ومحمد،لكنه يكره،لقول أبى حنيفة:بلغنى عن ابن عباس أنه قال فى الرجل يؤم القوم وهو ينظر فى المصحف : إنه يكره ذلك وقال كفعل أهل الكتاب. أخرجه أبو يوسف فى الآثار(2) (2).
__________
(1) ص716 ج1 كغنى(إذا سلم على المصلى).
(2) رقم 171 ص34 كتاب الآثار.(1/9)
ولا يكره عند الشافعى(روى) ابن أبى مليكة عن عائشة أنها أعتقت غلاماً لها عن دبر فكان يؤمها فى رمضان فى المصحف. أخرجه ابن ابى شيبة(3).
وقال الحنفيون: تفسد لأن التلقن من المصحف تعلم ليس من أعمال الصلاة فيفسدها إذا قرأ ما تصح به الصلاة على الأظهر( وأجابوا) عن أثر عائشة بأن الذى فى الموطإ أن ذكوان،وكان عبداً لعائشة فأعتقته عن دبر منها، وكان يقوم يقرأ لها فى رمضان (1) (4)، فليس فيه أنه كان يقرأ فى المصحف، وإن صح ما روى ابن أبى شيبة يحمل على أنه كان يراجع المصحف قبل الصلاة ليكون قريب عهد بما يقرؤه.
(ز) النفخ: فيبطلها إن ظهر منه حرف مفهم أو حرفان وإن لم يفهما لعموم حديث النهى عن الكلام فى الصلاة ولقول زيد بن ثابت: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن النفخ فى السجود،وعن النفخ فى الشراب . أخرجه الطبرانى فى الكبير. وفى سنده خالد بن إياس،وهو متروك فلا تقام به حجة.
وضعف البيهقى رفعه(2) . [12].
ولحديث بريدة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة من الجفاء: أن يبول الرجل قائماً، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته،أو ينفخ فى سجوده. أخرجه البزار والطبرانى فى الأوسط ورجال البزار رجال الصحيح. قاله الهيثمى(3) . [13].
وهذه الأدلة وإن كان فى كل منها مقال لكن لكثرتها يقوى بعضها بعضاً.
ولذا قال يمقتضاها أبو حنيفة ومحمد والشافعى وجمهور السلف والخلف.
وهو مشهور مذهب الحنبلية. قال أحمد: النفخ عندى بمنزلة الكلام. وروى عنه أنه قال: أكرهه ولا أقول يقطع الصلاة،ليس هو كلاماً.
__________
(1) ص216 ج1 زرقانى الموطإ ( ما جاء فى قيام رمضان).
(2) ص83 ج2 مجمع الزوائد( النفخ فى الصلاة) .
(3) ص83 ج2 مجمع الزوائد (مسح الجبهة فى الصلاة).(1/10)
قال القاضى: الموضع الذى قال فيه أحمد: يقطع الصلاة إذا انتظم حرفين لأنه جعله كلاماً ،ولا يكون كلاماً بأقل من حرفين،والموضع الذى قال فيه: لا يقطع الصلاة إذا لم ينتظم منه حرفان. أفاده ابن قدامة(1) .
وقالت المالكية: النفخ بالفم مبطل للصلاة. وكذا بالأنف إن كان عبثاً وكثر.
وقال أبو يوسف وابن سيرين والنخعى وإسحاق : يكره النفخ للمصلى ولا يؤمر بالإعادة(لقول) عبد الله بن عمرو: انكسفت الشمس على عهد النبى صلى الله عليه وسلم (الحديث) وفيه: ثم نفخ فى آخر سجوده فقال: أُف أُف،ثم قال : رب ألم تعدنى ألا تعذبهم وأنا فيهم؟ ألم تعدنى ألا تعذبهم وهم يستغفرون؟ ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وقد انمحصت الشمس. أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود . وهذا لفظه(2) . [14].
(وأجاب) الأولون بأنه إنما نفخ صلى الله عل يه وسلم غلبة حزناً على ما وقع من المخالفات التي هي سبب في الانتقام وتخويف الله عباده بالآيات التي منها الكسوف.
(
__________
(1) ص709 ج1 مغنى.
(2) ص42ج7- المنهل العذب (من قال يركع ركعتين)وص 185 ج6- الفتح الربانى. وص 127 ج1 مجتبى (وانمحصت الشمس) أى انجلت وظهر ضوؤها.(1/11)
والجواب) عن هذا الحديث بأنه منسوخ بالأحاديث السابقة(مردود) بأنه لا دليل على النسخ(1) .
(
__________
(1) وجملة القول فى هذا ما ذكره الحافظ العراقى فى شرح حديث البصاق فى المسجد قال: فى إباحة البصاق فى المسجد لمن غلبه ذلك،دليل على أن النفخ والتنحنح فى الصلاة إذا لم يقصد به صاحبه اللعب والعبث وكان يسيراً، لا يضر المصلى فى صلاته ولا يفسدها لأنه قل ما يكون بصاق إلا ومعه شئ من النفخ. والتنخم ضرب من التنحنح. ومعلوم أن للتنخم صوتاً كالتنحنح،وربما كان معه ضرب من النفخ عند القذف بالبصاق. فإذا قصد النافخ أو المتنحنح فى الصلاة بفعله ذلك اللعب أو شيئاً من العبث أفسد صلاته . وأما إذا كان نفخه تأوهاً من ذكر النار إذا مر به ذكرها فى القرآن وهو فى الصلاة فلا شئ عليه . هذا. وقد روى ابن القاسم عن مالك أنهه يقطع الصلاة النفخ والتنحنح. وروى ابن عبد الحكم وابن وهب أنه لا يقطع (وقال) أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: يقطع النفخ إن سمع(وقال) أحمد وإسحاق: لا يقطع (وقال) الشافعى : ما لا يفهم منه حروف الهجاء فليس بكلام (قال) ابن عبد البر وقول من راعى حروف الهجاء وما يفهم من الكلام أصح الأقاويل . ومذهب الشافعى فى النحنحة والضحك والبكاء والنفخ والأنين أنه إن بأن منه حرفان بطلت صلاته ما لم يكن معذوراً بغلبة أو تعذر قراءة الفاتحة ما لم يكثر الضحك وإن كان مغلوباً فإنه يضره. والله أعلم . ص385 ج2 طرح التثريب.(1/12)
ح) الأنين كأن يقول: أه بالقصر كدع. والتأفف كأن يقول: أُف أُف. والتأوه بأن يقول : أوه أو آه. والبكاء فتفسد الصلاة بها- عند الحنفيين وأحمد- إذا كانت بصوت يحصل به حروف، وكانت لوجع أو مصيبة . وكان يملك نفسه عنها. أما إذا كانت لذكر جنة أو نار أو حصلت غلبة فلا تفسد الصلاة، وإن حصل بها حروف للضرورة فتكون حينئذ كالعطاس والسعال والجشاء والتثاؤب . قال أبو محمد عبد الله بن قدامة: فأما البكاء والتأوه والأنين الذي ينتظم منه حرفان، فما كان مغلوباً عليه لم يؤثر.
وما كان من غير غلبة، فإن كان لغير خوف الله أفسد الصلاة، وإن كان من خشية الله لم تبطل صلاته(1). وفى منية المصلى: المصلى إذا وسوسه الشيطان فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا تفسد صلاته إن كانت الوسوسة في أمر أُخروى، وتفسد إن كانت في أمر دنيوي(2).
(وقالت المالكية) الأنين والتأوه والبكاء ونحوها الناشئة من خشية الله، لا تبطل الصلاة، وكذا الأنين من وجع إن قل. وإن كانت لغير ما ذكر فحكمها حكم الكلام إن حصلت سهواً، لا تبطل الصلاة إلا إذا كثرت. وإن وقعت عمداً لغير إصلاح الصلاة تبطلها.
(وقالت الشافعية) الأنين والتأوه والتأفف والتثاؤب والعطاس والجشاء إن حصلت غلبة ولم يستطع دفعها يعفى عن قليلها عرفاً لاعن كثيرها ولو كان ناشئاً من خوف الآخرة، إلا إذا صارت مرضاً ملازماً فإنه يعفى عنها للضرورة. أو إن لم تغلب، بل أمكن دفعها، لا يعفى عنها ولو قلت وكانت ناشئة عن خوف الآخرة.
(
__________
(1) ص710 ج7 مغنى .
(2) ص 450 غنية المتملي.(1/13)
ط) الضحك بصوت يسمعه المصلى أو من بجواره فتبطل به الصلاة عند غير الشافعية ولو قل، أو وقع سهواً أو غلبة ولم يشتمل على حروف وكان قبل القعود الأخير قدر التشهد، وكذا بعده وقبل السلام خلافاً لأبى يوسف ومحمد. وقالت الشافعية: والضحك لا يبطل الصلاة إلا إذا حصل اختياراً وظهر منه حرفان فأكثر أو حرف مفهم، وكذا إن حصل غلبة وكثر وإلا لا يبطل .
(2و3) وتبطل الصلاة بالأكل والشرب عمداً اتفاقاً. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض عامداً أن عليه الإعادة، وكذا في صلاة التطوع عند الجمهور، لأن كل ما أبطل الفرض يبطل التطوع (وعن) أحمد أنه يبطل. ويروى عن ابن الزبير وسعيد بن جبير أنهما شربا في التطوع. وعن طاوس وإسحاق أنه لا بأس به لأنه عمل يسير. أما إن كثر فلا خلاف في أنه يفسدها، لأن غير الأكل من الأعمال يفسدها إذا كثر، فالأكل والشرب أولى. وإن أكل أو شرب فيها ناسياً أو وقع في فمه قطرة ماء فابتلعها، بطلت صلاته عند الحنفيين والأوزاعي، لأنه فعل مبطل من غير جنس الصلاة فاستوى عمده وسهوه.
(وقالت) الشافعية والحنبلية: لا تبطل بالأكل والشرب ناسياً أو جاهلاً، لعموم حديث: إن الله وضع عن أُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
وقد أنكره أحمد، وقال أبو حاتم. هذه أحاديث منكرة موضوعة كما تقدم(1) .
(والراجح) عند المالكية أنها لا تبطل بالأكل أو الشرب ناسياً ويسجد له بعد السلام، أما إذا اجتمعا أو وجد أحدهما مع السلام ولو سهواً فإنها تبطل لكثرة المنافي(2) .
(وإذا كان) بين اسنانه مأكول دون الحمصة فابتلعه، لا تفسد صلاته عند الحنفيين ومالك، وكذا عند الشافعية والحنبلية إذا جرى به الريق وعجز عن مجه لأنه لا يمكن الاحتراز عنه. أما إذا ترك في فمه ما يذوب كالسكر فذاب عنه شئ فابتلعه، فإن صلاته تبطل اتفاقاً، لأنه أكل .
(
__________
(1) تقدم الحديث رقم3 ص4 والجواب عنه ص5.
(2) ص107 ج1 صغير الدردير.(1/14)
4) وتبطل بالعمل الكثير وهو ما يكونه بحيث لو رآه إنسان من بعد تيقن أنه ليس في الصلاة، وإلا فهو قليل على المختار عند الحنفيين، فلو رفع العمامة من رأسه ووضعها على الأرض أو بالعكس بيد واحدة بلا تكرار متوال، لا تفسد صلاته، لأنه عمل قليل، لكنه يكره لغير عذر.
قالت المالكية والحنبلية: هو ما يخيل للناظر أن فاعله ليس في الصلاة (وقدرته) الشافعية بنحو ثلاث خطوات متواليات عرفاً وما في معناه كوثبة كبيرة. وهو مبطل للصلاة إذا لم يكن من أعمالها ولا لإصلاحها ولا لدفع الأذى، فلا تفسد بزيادة نحو ركوع سهواً اتفاقاً وكذا عمداً عند الحنفيين، ولا تبطل بالمشي والوضوء لسبق الحدث لأنهما لإصلاحها ولا لقتل نحو حية خاف أذاها على ما تقدم بيانه(1). وكذا لا تبطل بزيادة قولية كتكرير الفاتحة ولو عمداً اتفاقاً.
(5) وتبطل بالتحول عن القبلة إذا تحول بصدره عنها ولو مضطراً إذا مكث قدر أداء ركن لفقد شرط من شروط الصلاة. وكذا إن تحول مختاراً لغير عذر عند الحنفيين وإلا فلا تبطل ولو كثر التحول.
(وقالت) الشافعية: إذا تحول بصدره عن القبلة أو حول غيره قهراً بطلت صلاته ولو عاد عن قرب، أما لو انحرف جاهلا أو ناسياً وعاد من قرب فلا تبطل.
(وقالت) المالكية والحنبلية: التحول عن القبلة لا يبطل الصلاة ما لم تتحول قدماه عن القبلة.
(6) وتبطل بترك شرط من شروط الصلاة، أو ركن من أركانها بلا عذر اتفاقاً.
(7) وتبطل بحصول مبطل للطهارة غير سبق الحدث قبل القعود الأخير قدر التشهد اتفاقاً، وكذا بعده وقبل السلام عند الأئمة الأربعة لفقد شرط من شروط الصلاة. ولا تبطل عند أبى يوسف ومحمد، لأن الخروج بالصنع واجب عندهما، وفرض عند أبى حنيفة".
(
__________
(1) تقدم ص153 ج3 (قتل الحية ونحوها فى الصلاة).(1/15)
8) وتبطل بسبق المأموم إمامه بركن عمداً كما لو ركع ورفع رأسه قبل إمامه عمداً ولم يعده معه أو بعده، وإن سبقه سهواً، فإن عاد وركع مع إمامه أو بعده وسلم صحت صلاته، وإلا فلا على ما تقدم تفصيله في "بحث المتابعة"(1).
(9) وتبطل بزوال مسقط الركن أو الشرط وتحته صور:
(أ) من صلى بالإيماء ثم قدر على الركوع والسجود تبطل صلاته ويستأنفها بركوع وسجود عند الحنفيين ، لأنه لا يصح بناء القوى على الضعيف . وقال غيرهم : يتمها بما قدر عليه ولا يستأنفها لأنه دخلها بوجه مشروع.
(ب) من صلى متيمماً ثم قدر على استعمال الماء قبل القعود الأخير قدر التشهد تبطل صلاته عند الحنفيين وأحمد والشافعي. وكذا إن قدر على استعماله بعده وقبل السلام عند أبى حنيفة والشافعي وأحمد (وقال) أبو يوسف ومحمد: لا تبطل، لأن الصلاة قد تمت عندهما كما تقدم.
(وقالت المالكية) إن قدر المتيمم على استعمال الماء في أثناء الصلاة لا تبطل إلا إذا كان ناسياً له واتسع الوقت لإدراك ركعة منها بعد استعماله.
(حـ) من صلى عرياناً ثم قدر على الساتر الطاهر ولو ربعه فسدت صلاته واستأنفها عند الحنفيين. أما إذا كان كله نجساً فلا تبطل بل يخير بين إتمام الصلاة عارياً واستئنافها لابساً له.
(وقالت المالكية) إذا كان الساتر قريباً بأن كان بينه وبينه نحو صفين من صفوف الصلاة،لزمه أخذه والستر به، فإن لم يفعل أعاد الصلاة في الوقت.
وإن كان بعيداً كمل الصلاة عارياً ثم أعادها مستوراً في الوقت.
(وقالت) الشافعية والحنبلية: إذا أمكنه الاستتار بدون عمل كثير استتر به وأتم صلاته، وإلا بطلت صلاته واستأنفها مستوراً.
(د) من صلى عاجزاً عن القراءة ثم قدر عليها في أثناء الصلاة، فسدت واستأنفها بقراءة ما لم يكن مقتدياً بقارئ عند الحنفيين وأحمد.
(
__________
(1) تقدم ص69و73 ج3.(1/16)
وقالت) المالكية والشافعية: الأمي إذا تعلم شيئاً من القراءة في أثناء الصلاة، بنى على ما تقدم بقراءة ما تعلم، ولا تبطل لدخوله فيها بوجه جائز.
(10) وتبطل بفقد شرط من شروط الجماعة على ما تقدم بيانه(1).
(11) وتبطل بالاقتداء في موضع الانفراد كما لو تابع المسبوق الأمام في سجود السهو بعد تأكد انفراده، بأن قام بعد قعود الإمام قدر التشهد وقيد ركعته بسجدة ثم تذكر الإمام سجود سهو فتابعه.
وهذا مذهب الحنفيين(وقالت) المالكية تبطل صلاة من لم يدرك ركعة بسجوده السهو مع الإمام، وكذا من أدرك ركعة فأكثر إذا سجد مع إمامه السجود البعدي، بخلاف السجود القبلي.
(وقالت) الشافعية: إذا عاد الإمام إلى سجود السهو بعد سلامه ناسياً موجب السجود، فعلى المسبوق العود للسجود معه ولو تلبس بالقيام، لتبين أن إمامه لم يخرج من الصلاة. فإن لم يعد بطلت صلاته ولا تنفعه نية المفارقة في القيام.
(وقالت) الحنبلية: لو قام مسبوق بعدم سلام إمامه ظاناً عدم سهوه فسجد الإمام رجع المسبوق وجوباً إن لم يستتم قائماً فسجد معه. وإن استتم قائماً كره رجوعه. وإن شرع في القراءة حرم رجوعه وبطلت صلاته، لأنه تلبس بركن مقصود فلا يرجع إلى واجب.
(12) وتبطل الصلاة بقطعها بنية الانتقال إلى غيرها، كما لو نوى المنفرد الاقتداء بغيره، أو نوى المقتدى الانفراد، أو انتقل بالتكبير من فرض لفرض، أو من فرض إلى نفل وبالعكس. ويستثنى من ذلك عند الشافعية الانتقال من فرض إلى نفل لمنفرد رأى جماعة يريد الدخول معهم في الفرض.
(13) وتبطل باستخلاف من لا يصلح إماماً كأمي ومعذور على ما تقدم بيانه في شروط الجماعة(2).
(
__________
(1) تقدم ص53-84/3.
(2) ص57،58 ج3..(1/17)
فائدة) لا تبطل الصلاة بأفعال القلب وتفكيره في غير أعمالها ما لم يصحبها فعل الجوارح ، فمن رتب في فكره كلاماً أو عملا ولم يتكلم ولم يفعل، لا تفسد صلاته، لكنه خلاف الأولى، إن فكر في أمر أُخروى غير الصلاة، لما فيه من الإعراض عن الصلاة المقصودة بالمناجاة، ومكروه تحريماً إن فكر في أمر دنيوي لمنافاته الخشوع الذي هو للصلاة كالروح للجسد، ولما فيه من الإعراض بالقلب عن مناجاة الرب سبحانه وتعالى، وفيه من سوء الأدب مع الله تعالى ما لا يخفى، كيف ومن وقف بين يدي كبير من أكابر الدنيا يحذر كل الحذر من أن يحصل منه التفات إلى شئ آخر مع أنه عبد مثله، ولو التفت مناجيه حال مناجاته إلى غيره لاشتد سخطه عليه وعظم غضبه منه. وما أحسن ما قاله الشيخ شرف الدين إسماعيل بن المقري في تائيته:
تصلى بلا قلب صلاة بمثلها ... ... ... يكون الفتى مستوجباً للعقوبة
تظل وقد أتممتها غير عالم ... ... ... تزيد احتياطاً ركعة بعد ركعة
فويلك، تدرى من تناجيه معرضاً ... ... ... وبين يدي من تنحني غير مخبت(1)
تخاطبه إياك نعبد مقبلا ... ... ... على غيره فيها بغير ضرورة
ولو رد من ناجاك للغير طرفه ... ... ... تميزت(2) من غيظ عليه وغيرة
أما تستحي من مالك الملك أن يرى ... ... صدودك عنه يا قليل المروءة
ذكره الحلبي(3). ثم قال: قال الإمام الغزالى: لا تسجد ولا تركع إلا وقلبك خاشع متواضع على موافقة ظاهرك، فإن المراد خشوع القلب لا خضوع البدن فقط، ولا تقل الله أكبر وفى قلبك شئ أكبر من الله، ولا تقل وجهت وجهي إلا وقلبك متوجه بكله إلى الله ومعرض عن غيره، ولا تقل الحمد لله إلا وقلبك طافح بشكر نعمته عليك فرح مستبشر، ولا تقل إياك نعبد وإياك نستعين إلا مستشعر ضعفك وعجزك وأنه ليس إليك ولا إلى غيرك من الأمر شئ، وكذلك في جميع الأذكار والأعمال. أ هـ(4).
(
__________
(1) مخبت، من الإخبات وهو الخشوع والخضوع.
(2) تميز، أى تقطع.
(3) ص444 غنية المتملى فى شرح منية المصلى.
(4) ص445 غنية المتملى.(1/18)
وقال) الغزالى: وقد روى أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه الصلاة والسلام: يا موسى إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك، وكن عند ذكرى خاشعاً مطمئناً، وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك، وإذا قمت بين يدي فقم قيام العبد الذليل وناجني بقلب وجل ولسان صادق(1).
(وقال) العلامة الحلبي: وبالجملة فالتفكير في الصلاة بغير ما يتعلق بها إن كان دنيوياً فمكروه أشد الكراهة، بل مفسد عند أهل الحقيقة(2) لفوات الركن الأصلي المقصود بالذات، وإن كان أُخروياً فهو ترك الأولى، فإن الاشتغال في الصلاة بها أولى من الاشتغال بغيرها من أمور الآخرة؛ فإنها قد ساوت ذلك الغير في كونها من أمور الآخرة، وترجحت بأن الوقت والمحل لها. فاعلم ذلك راشداً. وبالله التوفيق(3).
(الثاني) قضاء الفوائت
اعلم أن الأداء الكامل تسليم عين المطلوب في وقته بجماعة، والأداء الناقص تسليم المطلوب في وقته بلا جماعة. والقضاء تسليم نفس المطلوب بعد وقته.
والإعادة فعل مثل المطلوب في وقته لخلل غير الفساد. والكلام هنا في ستة فروع:
(أ ) حكم القضاء:
هو فرض في الفرض، وواجب في الواجب كالوتر عند من يوجبه، وسنة فيه عند من يرى أنه سنة كما تقدم بيانه في بحث "قضاء الوتر"(4).
__________
(1) ص119 ج1-إحياء علوم الدين(المعانى الباطنة التى بها تتم حياة الصلاة).
(2) أهل الحقيقة) كالغزالى وغيره ممن يرى أن الخشوع ركن من أركان الصلاة كما تقدم فى بحث "الخشوع" من سنن الصلاة. ص263 ج2.
(3) ص445 غنية المتملى.
(4) تقدم ص22 ج3.(1/19)
وسنة أيضاً في سنة الصبح وغيرها من الرواتب على ما تقدم تفصيله في بحث "قضاء الرواتب"(1). هذا. ويفترض قضاء المكتوبة على من فاتته لعذر أو غيره (لقول) أبى قتادة: ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة. فقال: إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسى أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها. أخرجه النسائي والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح(2) . [15]
(ولحديث) أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله يقول: "أقم الصلاة لذكرى". أخرجه مسلم(3). [16]
(ففي) هذه الأحاديث دلالة على وجوب القضاء على من فاتته الصلاة ولو عامداً وهو مذهب الجمهور. والتقييد فيها بالنسيان أو النوم، لا للاحتراز بل من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا وجب القضاء على الناسي والنائم مع سقوط الإثم عنهما، فيجب على العامد بالأولى. (وقال) جماعة: العامد لا يقضى الصلاة أخذاً بمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم "فإذا نسى" لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلى ( وهو مردود) بما تقدم وبعموم قوله صلى الله عليه وسلم: نعم فدين الله أحق أن يقضى. أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس(4). [17]
وبأنه قد ثبت في حق تارك الصلاة أمران:
(
__________
(1) تقدم ص312 ج2.
(2) ص101 ج1 مجتبى (من نام عن صلاة) وص157 ج1 تحفة الأحوذى (النوم عن الصلاة).
(3) ص193 ج5 نووى مسلم( قضاء الفائتة).
(4) ص140 ج4 فتح البارى( من مات وعليه صوم) وص24 ج8 نووى مسلم (قضاء الصوم عن الميت).(1/20)
الأول) ثبوت الإثم عن تاركها عمداً. والإثم سوء أكان صغيراً أم كبيراً يرتفع بالتوبة. وهى لا تتحقق إلا بقضاء ما عليه. ولا نزاع في أن تارك الصلاة عمداً إذا قضاها لا يسقط عنه إثم التأخير. ولا يلزم من عدم سقوطه أنه لا فائدة في القضاء فقد سقط به الطلب الثابت بطريق الأولى من أمر الناسي والنائم بالقضاء.
( الثاني ) شغل ذمة التارك بوجوب الصلاة عليه إذا دخل وقتها. وبراءة ذمته تكون إما بالأداء ولم يوجد في وقتها، وإما بالعجز ولم يتحقق فإنه قادر على أصل العبادة وإن عجز عن إدراك فضيلة الوقت لخروجه، وإما بإسقاط صاحب الحق لحقه، وهذا لم يوجد لا صراحة ولا ضمناً، إنما الذي وجد خروج الوقت وهو لا يصلح مسقطاً لما تقرر في ذمته أولاً. ولما لم توجد براءة الذمة بأي نوع من تلك الأنواع كان ما ترتب في ذمته باقياً يطلب منه أداؤه ، فيجب الإتيان به لأجل براءة الذمة.
( وبما تقدم ) تعلم سقوط قول الشوكاني: إن قضاء العامد لا فائدة فيه، فيكون إثباته مع عدم النص عبثاً (1) .
( قال ) النووي: وشذ بعض أهل الظاهر فقال: لا يجب قضاء الفائتة بغير عذر، وزعم أنها أعظم من أن يخرج من وبال معصيتها بالقضاء. وهذا خطأ من صاحبه وجهالة(2). وهو كلام حق يجب المصير إليه.
( ب ) وقت القضاء:
الأمر في الأحاديث السابقة بفعل الفائتة عند تذكرها استدل به جماعة على وجوبها على الفور، منهم أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد ، وهو الراجح من مذهب مالك. فلا يجوز تأخير القضاء إلا لعذر كالسعى لتحصيل الرزق ودرس العلم الواجب عليه وجوباً عينياً والأكل والنوم. ولا يرتفع الإثم بمجرد القضاء بل لابد من التوبة، والاشتغال بالنوافل لا ينافى القضاء فوراً عند الحنفيين. لكن الأولى أن يشتغل بقضاء الفوائت ويترك النوافل إلا الرواتب وصلاة الضحى وتحية المسجد.
(
__________
(1) ص3 ج2 نيل الأوطار (قضاء الفوائت).
(2) ص183 ج5 شرح مسلم.(1/21)
وقالت ) المالكية: يحرم على من عليه فوائت التنقل بغير السنة كصلاة العيد وركعتي الفجر والشفع المتصل بالوتر. فإن صلى نافلة غير هذه كالتراويح، فله ثواب الصلاة وعليه إثم تأخير القضاء.
(وقالت) الحنبلية: يحرم عليه النفل المطلق ولا ينعقد. أما النفل المقيد كالرواتب والوتر فله أن يصليه، ولكن الأولى تركه إن كثرت الفوائت إلا سنة الفجر لتأكدها.
(وقالت) الشافعية: إن فاتت الصلاة لغير عذر وجب قضاؤها فوراً إلا لضرورة كالسعى لتحصيل الرزق وضيق وقت الحاصر وتذكر الفائتة وقت خطبة الجمعة، فإنه يجب تأخيرها حتى يصلى الجمعة، وكذا لو تذكرها بعد الشروع في الحاضرة فإنه يتمها ولو اتسع الوقت. ويحرم على من لزمه القضاء فوراً الاشتغال بصلاة التطوع ولو راتبة حتى تبرأ ذمته من الفوائت.
( أما من فاتته ) الصلاة لعذر كنوم أو نسيان فيلزمه القضاء على التراخي لما روى ابن المسيب عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرس وقال لبلال: اكلأ لنا الليل . فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظاً، ففزع فقال: يا بلال ، فقال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك يا رسول الله بأبي أنت وأمي. فاقتادوا رواحلهم شيئاً ثم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بلالا فأقام لهم الصلاة وصلى لهم الصبح.(1/22)
فلما قضى الصلاة قال: من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى قال: "أقم الصلاة لذكرى". أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه وأخرجه الشافعي مرسلا عن ابن المسيب(1). [18]
فقوله: فاقتادوا رواحلهم شيئاً، دليل على أن قضاء الفائتة واجب على التراخي (والأمر) في قوله صلى الله عليه وسلم: فليصلها إذا ذكرها (محمول) على الاستحباب. ووقت التذكر متسع، فإنه لو تذكرها ودام ذلك التذكر مدة وصلى أثناء تلك المدة صدق عليه أنه صلاها حين التذكر، وليس بلازم أن يكون أول حال التذكر.
هذا (وقد) اتفق العلماء على أن النائم ليس بمكلف حال نومه للأحاديث السابقة (ولا ينافيه) إيجاب الضمان عليه فيما أتلفه من المال وإلزامه دية ما جناه على إنسان (لأن ذلك) من الأحكام الوضعية لا التكليفية. وأحكام الوضع تلزم النائم والصبي والمجنون بالاتفاق.
(وظاهر) الأحاديث أنه لا تفريط في النوم سواء أكان قبل دخول وقت الصلاة أم بعده قبل تضييقه إلا إذا اتخذ ذلك وسيلة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه بأنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت، فإنه يكون آثماً بذلك، كما أنه يأثم إذا نام بعد ضيق الوقت.
(جـ) القضاء لا يتكرر:
__________
(1) ص54 ج1 بدائع المنن. وص181 ج5 نووي مسلم (قضاء الفاتنة) وص 20 ج4-المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها) وص 122 ج1 سنن ابن ماجه. و(الكرى) بفتحتين : النعاس وقبل النوم. و(يا بلال) أي لم نمت حتى خرج وقت الصلاة ؟ وفى رواية: ماذا صنعت بنا يا بلال؟ . (للذكرى) بشد الذال وفتح الراء بعدها ألف مقصورة، أي لذكراها. وفى رواية: لذكرى بلام واحدة مع كسر الراء، أي لتذكرني فيها، فهو من إضافة المصدر لمفعوله.(1/23)
لا يجب على من قضى الصلاة إعادتها في مثل وقتها من الغد إجماعا ً(لقول) عمران بن حصين: سرينا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان من آخر الليل عرسنا فلم نستيقظ حتى أيقظنا حر الشمس، فجعل الرجل منا يقوم دهشاً إلى طهوره. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يسكنوا. ثم ارتحلنا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس توضأ ثم أمر بلالا فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم أقام الصلاة فصلينا فقالوا: يا رسول الله ألا نعيدها في وقتها من الغد؟ فقال: أينهاكم ربكم تعالى عن الربا ويقبله منكم؟. أخرجه أحمد والطبراني والحاكم وصححه(1). [19]
(قال) الخطابي: وأما قوله: ومن الغد للوقت(2). فلا أعلم أحداً من الفقهاء قال بإعادتها وجوباً، ويشبه أن يكون الأمر بها استحباباً ليحرز فضيلة الوقت في القضاء عند مصادفة الوقت(3) . وما قاله من استحباب الإعادة من الغد لم يقل به أحد من السلف.
قال النووي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها . فمعناه أنه إذا فاتته صلاة فقضاها لا يتغير وقتها ولا يتحول في المستقبل بل يبقى كما كان. فإذا كان الغد صلى صلاة الغد في وقتها المعتاد ولا يتحول، وليس معناه أنه يقضى الفائتة مرتين: مرة في الحال ومرة في الغد. وإنما معناه ما قدمناه وهو الصواب(4).
__________
(1) ص302 ج2-الفتح الرباني. وص 322 ج1 مجمع الزوائد (من نام عن صلاة أو نسيها) وص 274 ج1 مستدرك(وسرينا)من سرى يسرى سرياً، وهو السير ليلا. (دهش دهشاً) فهو دهش من باب تعب: ذهب عقله حياء وخوفاً. و(أينهاكم) أي لا تعيدوها فإن الله نهاكم عن الربا فلا يقبله منكم في قضاء الصلاة.
(2) يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى قتادة عند أبى داود: فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها حين يذكرها ومن الغد للوقت . وص29 ج4 –المنهل العذب.
(3) ص139 ج1 معالم السنن( من نام عن صلاة أو نسيها).
(4) ص187 ج5 شرح مسلم (قضاء الفائتة).(1/24)
هذا. وقد استفيد من حديث عمران مشروعية الأذان والإقامة والجماعة للفائتة، وأن سنة الفجر تقضى إذا فاتت. وقد تقدم بيانه في محله.
(فائدة) من فاتته فرائض لا يدرى عددها يلزمه القضاء حتى يغلب على ظنه براءة ذمته عند الحنفيين ومالك وحتى يتيقن براءتها عند الشافعية والحنبلية. ويكفى حال القضاء تعيين المنوي كالظهر أو العصر عند الأئمة الثلاثة. وقال الحنفيون: إنه لابد من تعيين الزمن بأن ينوى أول ظهر أو آخر ظهر عليه.
(د) ترتيب الفوائت:
قال الحنفيون والثوري والليث: يجب الترتيب بين الفوائت وبين الفائتة والوقتية (لحديث) جابر أن عمر رضى الله عنه شغل يوم الخندق وقال: يا رسول الله ما كدت أُصلى العصر حتى كادت الشمس أن تغرب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها، فتوضأ وتوضأنا، فصلى العصر بعدما غربت الشمس وصلينا بعدها المغرب. أخرجه الشيخان والنسائي والترمذي وقال هذا حسن صحيح(1). [20]
__________
(1) ص45 ج2 فتح البارى (من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت) وص159 ج1 تحفة الأحوذى(الرجل تفوته الصلوات بايتهن يبدأ؟) وص 117 ج2 تيسير الوصول (وجوب الصلاة أداء وقضاء).(1/25)
فلو كان الترتيب مستحباً لما أخر النبي صلى الله عليه وسلم لأجله المغرب. وعن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء. أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وقال: ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله. وأخرجه الشافعي والطحاوى عن أبى سعيد الخدري قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة( الحديث) بنحوه إلى: ثم أقام العشاء فصلاها،قال : وذلك قبل أن ينزل فى صلاة الخوف: " فرجالا أو ركباناً"(1) . [21].
(قال ) الحلبى : ولو كان الترتيب مستحباً لتركه عليه الصلاة والسلام مرة أو أشار إلى تركة ولم ينقل. ولا نقل أيضاً عن أحد من الصحابة قولا ولا فعلا(2) .
هذا. ويسقط الترتيب عند الحنفيين بواحد من ثلاثة:
(الأول) ضيق الوقت؛ لأنه يحرم تأخير الصلاة عن وقتها بالكتاب والسنة والإجماع ،فرجح على دليل اشتراط الترتيب.
(
__________
(1) ص309 ج2 –الفتح الربانى. وص107 ج1 مجتبى ( الاجتزاء للفائت من الصلاة بأذان واحد ) وص158 ج1 تحفة الأحوذى (الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ ؟) وص55 ج1 بدائع المنن. وص190 ج1 شرح معانى الآثار (وذلك قبل أن ينزل.. إلخ)... يعنى أنهم بعد نزول هذه الآية لا يؤخرون الصلاة حال الخوف بل كانوا يصلونها رجالا أو ركباناً حسبما تيسر.
(2) ص530 غنية المتملى (قضاء الفوائت).(1/26)
الثانى) نسيان الفائتة؛ لأن وقتها وقت تذكرها ولم يوجد ( لحديث أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك : وأقم الصلاة لذكرى" أخرجه الشيخان وأبو داود والطحاوى(1) . [22].
فلو صلى الظهر ناسياً أن عليه الصبح مثلا، أو صلى فائتة ناسياً ما قبلها ثم تذكر بعد ما صلى ،فلا شئ عليه.
(الثالث) كثرة الفوائت بصيرورتها ستاً،سواء أكانت فوائت حقيقية أم حكمية،كما لو كان عليه فائتة وصلى خمس صلوات متذكراً فى كل الفائتة، فإذا صلاها بعد خروج وقت الخامسة تبين صحة الكل. وإنما سقط الترتيب بكثرة الفوائت لأن فى التزامه حرجاً وهو مرفوع بنص الكتاب ، وقد يؤدى الاشتغال بالترتيب إلى تأخير الوقتية، وه حرام كما تقدم.
(ولا يعود) الترتيب بعود الفوائت إلى القلة بقضاء بعضها على المختار.
(وحاصل) مذهب المالكية أن ترتيب الفوائت فى نفسها قلت أو كثرت واجب غير شرط عند الذكر فيقدم الظهر على العصر وهى على المغرب وهكذا، فإن نكس صحت وأثم إن تعمد. وكذا يجب ترتيب يسير للفوائت وهو خمس فأقل مع الحاصرة ،فمن كان عليه المغرب والعشاء والصبح وجب عليه تقديمهما على الصبح الحاضرة وإن أدى ذلك إلى إخراجها عن وقتها. وعن أشهب : يتخير فى البدء بالحاضرة أو الفائتة.
(وقالت) الشافعية: ترتيب الحاضرتين المجموعتين جمع تقديم واجب وترتيب المجموعتين جمع تأخير سنة،وكذا الترتيب بين الفوائت وبين الفائتة والحاضرة التى لم يضق وقتها ولم يخش فواتها بعدم إدراك ركعة منها فى الوقت.
(
__________
(1) ص47 ج2 فتح البارى (من نسى صلاة فليصل إذا ذكر ...) وص193 ج5 نووى مسلم (قضاء الفائتة) وص37 ج4 المنهل العذب (من نام عن صلاة أو نسيها) وص 270ج1 شرح معانى الآثار (الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها كيف يقضيها؟).(1/27)
وإذا) شرع فى الفائتة قبل الحاضرة معتقداً سعة الوقت فظهر له بعد الشروع فيها أنه لو أتمها لم يدرك من الحاضرة ركعة فى الوقت، فإما أن يقطع الفائتة أو يقبلها نفلا وهو أفضل.
(وأجابوا ) عن أدلة من قال بوجوب الترتيب بأن مجرد فعله صلى الله عليه وسلم لا يدل على الوجوب.
(ورد) بأن فعله صلى الله عليه وسلم قرن:
(أ) بقوله صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتمونى أُصلى . أخرجه البخارى من حديث مالك بن الحويرث(1)
[23].
(ب) وقوله : من نسى صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليتم صلاته فإذا فرغ منها فليصل التى نسى ثم ليعد التى صلاها مع الإمام . أخرجه مالك والطحاوى والدارقطنى وصحح وقفه والطبرانى فى الأوسط بسند رجاله ثقات عن ابن عمر والبيهقى وقال: تفرد أبو إبراهيم الترجمانى برواية هذا الحديث مرفوعاً . والصحيح(أنه من قول ابن عمر موقوفاً(2) . [24].
(ورد) بأن الترجمانى وثقه غير واحد وفى روايته زيادة الرفع،وهى زيادة ثقة فوجب قبولها.
(وقالت) الحنبلية: يجب ترتيب الحاضرين بشرط التذكر،فإن كان مسافراً وأراد الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم أو تأخير،وجب عليه تقديم الظهر على العصر. فإن خالف وهو متذكر للظهر ولو فى أثناء العصر بطلت ويقطعها،وقيل يتمها نفلا. وإن استمر ناسياً حتى فرغ من صلاة العصر صحت.
(
__________
(1) تقدم رقم 190 ص142 ج2 (القراءة).
(2) ص305 ج1 زرقانى الموطأ (العمل فى جامع الصلاة) وص 270 ج1 شرح معانى الآثار (الرجل عن الصلاة أو ينساها كيف يقضيها؟ )وص 162 سنن الدارقطنى . وص 324ج1 مجمع الزوائد (من صلى صلاة وعليه غيرها) وص 211 ج2 سنن البيهقى (من ذكر صلاة وهو فى أخرى ).(1/28)
ويجب) الترتيب بين الفائتة والحاضرة عند التذكر واتساع الوقت الاختيارى للحاضرة . فمن أحرم بالحاضرة ثم ذكر فى أثنائها أن عليه فائتة والوقت متسع، فإنه يتمها ويقضى الفائتة ثم يعيد الصلاة التى كان فيها، وقيل يقطعها. أما إذا لم يتذكر الفائتة إلا بعد فراغه من الحاضرة فإنها تجزئه ويقضى الفائتة. وكذا الترتيب بين الفوائت واجب قلت أو كثرت. فإن كان عليه ظهر وعصر مثلا وصلى العصر قبل الظهر متذكرها بطلت المتقدمة.
(واستدلوا) بما تقدم للحنفيين (وبحديث) أبى جمعة حبيب بن سباع:
أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى المغرب عام الأحزاب ،فلما فرغ قال: هل علم أحد منكم أنى صليت العصر؟ فقالوا: يا رسول الله ما صليتها . فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر ثم أعاد المغرب. أخرجه أحمد والبيهقى والطبرانى فى الكبير. وفى سنده ابن لهيعة وهو ضعيف(1) . [25].
(هـ) كيفية القضاء:
تقضى الصلاة على الصفة التى فاتت عليها،ففائتة الحضر تقضى أربعاً ولو قضاها فى السفر اتفاقاً. وكذا لو كان القضاء فى الحضر عند الحنفيين ومالك، لأنها وجبت مقصورة ،فيجب قضاؤها كما وجبت.
(وقالت) الشافعية والحنبلية: يجب قضاؤها أربعاً،لن الأصل الإتمام فيجب الرجوع إليه فى الحضر. ومن فاتته صلاة سرية كالظهر أسر فى قضائها إن قضاها نهاراً اتفاقاً،وكذا لو قضاها ليلا خلافاً للشافعى فإنه اعتبر وقت القضاء فى السر والجهر. ومن فاتته صلاة جهرية كالعشاء جهر فى قضائها إن قضاها ليلا اتفاقاً،وكذا لو كان القضاء نهاراً خلافاً للشافعى.
(و) هل تقضى الفائتة فى أوقات النهى؟
تقدم بيانه مفصلا فى بحث " الأوقات المنهى عن الصلاة فيها" وما بعدها(2) .
(
__________
(1) ص106 ج4 مسند أحمد . وص220 ج1 سنن البيهقى (ترك الترتيب فى قضائهن)وص 324 ج1 مجمع الزوائد (من صلى صلاة وعليه غيرها).
(2) تقدم ص28-40 ج2.(1/29)
وجملة) القول فيه أن مذهب الحنفيين أنها تقضى فى كل وقت إلا وقت طلوع الشمس ووقت استوائها ووقت غروبها ،مستدلين بعموم النى عن الصلاة فى هذه الأوقات ،بناء على أن النهى يقتضى الفساد . وهذا ما يشهد له الدليل.
(وقالت) المالكية: إن كانت الفائتة فى ذمته يقيناً أو ظناً قضاها فى أى وقت ، مستدلين بما تقدم عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها(1) .
(وإن شك) فى شغل ذمته بها قضاها فى غير أوقات النهى عن النافلة .
ويحرم قضاؤها فى أوقات حرمة النافلة،ويكره فى أوقات كراهتها.
(وقالت ) الشافعية : يجوز قضاؤها فى كل وقت (لحديث) أنس السابق إلا وقت خطبة الجمعة،فإنه لا يجوز فيه قضاء الفوائت لما تقدم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت . أخرجه الشافعى والجماعة وصححه الترمذى(2) . [26].
ووجه الدلالة أنه إذا منع من هذه الكلمة وهى أمر بمعروف-لما فيها من الاشتغال عن الخطبة- فالمنع من الصلاة أولى. ويستثنى من ذلك تحية المسجد لورود النص بها كما تقدم فى بحث " التحية"(3) .
(وقالت) الحنبلية: يجوز قضاؤها فى كل وقت بلا استثناء ،لعموم حديث أنس السابق.
(الثالث) صلاة المريض
قال الله تعالى : " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ"(4) .
__________
(1) تقدم رقم 22 ص26.
(2) ص166 ج1 بدائع المنن،ص366 ج1 تحفة الأحوذى (كراهية الكلام) والامام يخطب ) وانظر الحديث رقم 801 ص418 ج1 فيض القدير للمناوى . وتقدم رقم 64 ص40 ج2 (الصلاة وقت خطبة الجمعة).
(3) تقدم ص233 ج3.
(4) سورة آل عمران : الآية 191.(1/30)
قال ابن مسعود وغيره : الآية نزلت فى الصلاة ،أى صلوا قياماً إن قدروا وقعوداً إن عجزوا عنه وعلى جنوبهم إن عجزوا عن القعود . أخرج معناه الطبرانى وابن أبى حاتم(1) .
(وقال) عمران بن حصين : كانت بى بواسير،فسألت النبى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة . فقال: صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب. أخرجه السبعة إلا مسلماً وزاد النسائى : فإن لم تستطع فمستلقياً "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" (2) . [27].
والكلام بعد ينحصر فى أحد عشر فرعاً:
(1) قيام المريض:
يلزمه القيام فى الفرض إجماعاً إن قدر عليه ولو معتمداً على نحو حائط وعصا لما تقدم عن أُم قيس بنت محصن أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً فى مصلاة يعتمد عليه. أخرجه أبو داود،وفى سنده عبد الرحمن بن صخر ،مجهول(3) . [28].
(ويلزمه) حينئذ القيام مستنداً عند غير المالكية على ما تقدم فى بحث " القيام" من أركان الصلاة (قال) أبو عبد الله بن قدامة: وإن قدر على القيام بأن يتكئ على عصا،أو يستند إلى حائط ، او يعتمد على أحد جانبيه لزمه؛ لأنه قادر على القيام من غير ضرر، فلزمه كما لو قدر بغير هذه
الأشياء(4) . ومن قدر على بعض القيام ولو متكئاً على عصا أو حائط قام لزوماً بقدر ما يقدر ولو بقدر آية أو تكبيرة على الصحيح عند الحنفيين وغيرهم. ومن قدر على القيام إذا صلى منفرداً وعجز عنه إذا صلى مع الإمام لتطويله صلى مع الإمام قائماً ،وإذا شعر بضعف قعد وأتم الصلاة جماعة حسبما يقدر عند غير الحنبلية . وعن أحمد روايتان .
(
__________
(1) ص329 ج6 مجمع الزوائد (آل عمران) وص377 ج1 فتح القدير للشوكانى.
(2) تقدم رقم 190 ص142 ج2 (القراءة).
(3) تقدم رقم 190 ص142 ج2 (القراءة).
(4) ص782 ج1 مغنى( صلاة القادر على القيام متكئاً).(1/31)
قال) أبو عبد الله بن قدامة : وإن قدر المريض على الصلاة وحده قائماً ولا يقدر عليه مع الإمام لتطويله يحتمل ان يلزمه القيام ويصلى وحده ،لأن القيام ركن لا تصح الصلاة إلا به مع القدرة ،والجماعة تصح الصلاة بدونها.
ويحتمل أنه يخير بين الأمرين ،لأنا أبحنا له ترك القيام المقدور له مع إمام عاجز عن القيام مراعاة للجماعة ، فهنا أولى ولأن الثواب يتضاعف بالجماعة أكثر من تضاعفه بالقيام ،بدليل أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ،وصلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده سبعاً وعشرين درجة . وهذا أحسن وهو مذهب الشافعي(1) .
(2) عجز المريض عن الركوع
من قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود ،لم يسقط عنه القيام عند مالك والشافعي وأحمد والجمهور ،بل يصلى قائماً مومياً بالركوع ثم يجلس فيومئ بالسجود . ومن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ للسجود،لأن القيام ركن قدر عليه فلزمه الإتيان به ،والعجز عن غيره لا يقتضى سقوطه ، لأن الطاعة بقدر الطاقة .
(قال) الحنفيون: يسقط عنه القيام لأن ركنيته لكونه وسيلة إلى السجود فيسقط بسقوط اصله ،ويخير المصلى بين القيام مومياً بالركوع والسجود وبين القعود وهو أفضل من القيام ،لأن رأسه فى الإيماء قاعداً يكون أقرب إلى الأرض ،ويكون إيماؤه للسجود اخفض من إيمائه للركوع.
(3) عجزه عن القيام:
من عجز عن القيام بنفسه او مستنداً لمرض حقيقى بأن يلحقه بالقيام ضرر، او حكمى بأن خاف زيادته أو بطأه أو دوران رأسه ،أو وجد ألماً شديداً بسبب القيام ،أو كان لو صلى قائماً سلس بوله او تعذر عليه الصيام صلى قاعداً كيف شاء ولو مستنداً بركوع وسجود ،لما تقدم ،ولقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (2) .
(
__________
(1) ص283 منه.
(2) سورة الحج : من آية 78 ،وصدرها : " وجاهدوا فى الله حق جهاده".(1/32)
وعن ابن عباس ) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " يصلى المريض قائماً ، فإن نالته مشقة صلى جالساً ، فإن نالته مشقة صلى نائماً يومئ براسه " أخرجه الطبرانى فى الأوسط وفى
سنده حلس بن محمد الضبعى . قال الهيثمى : لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات (1) [29].
(وبهذا) قال الأئمة الأربعة والجمهور،لأن فى تكليفه القيام حينئذ حرجاً ،والعبرة فى عدم استطاعة القيام بوجود مشقة فيه ، ومنها دوران الرأس فى حق راكب السفينة ونحوها.
(قال النووى) ولو جلس للغزاة رقيب يراقب العدو فحضرت الصلاة ولو قام لرآه العدو، أو جلس الغزاة فى مكمن ولو قاموا لرآهم العدو وفسد التدبير،فلهم الصلاة قعوداً وتجب الإعادة لندوره(2) .
(قال المختار ) بن فلفل : سألت أنساً عن صلاة المريض ،فقال : يركع ويسجد قاعداً فى المكتوبة . أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (3) (6).
(وعلى) أى حال إن قعد العاجز عن القيام أجزأه ،واختلفوا فى الأفضل (فقال) مالك والثورى والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد : الأفضل التربع ،لأنه بدل القيام ،والقيام يخالف القعود فى الصلاة ،فينبغى أن يكون بدله كذلك ،ولأنه أبعد عن السهو والاشتباه (وعن) أبى حنيفة وزفر والزنى أن الافتراش أفضل .
(4) عجزه عن السجود :
__________
(1) ص149 ج2 مجمع الزوائد (صلاة المريض والجالس).
(2) ص148 منه وص 306 ج2 سنن البيهقى (الإيماء بالركوع والسجود إذا عجز عنهما).
(3) انظر رقم 233ة ص63- الآثار.(1/33)
من قدر على القعود وعجز عن السجود ركع وأ ومأ إلى السجود ، وإن عجز عن الركوع والسجود وأومأ بهما (ويكره) تحريماً عند الحنفيين أن يرفع إلى وجهه شيئاً يسجد عليه (الحديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد مريضاً فرآه يصلي على وسادة ، فأخذه فرمى بها ، فأخذ عوداً ليصلي عليه ، فأخذه فرمى به وقال : صلى على الأرض إن استطعت وإلا فأومئ إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك . أخرجه البراز والبيهقي في المعرفة والسنن بسند قوي (1). [30].
( وعن أبي حنيفة ) عن حماد عن إبراهيم أنه قال في المريض : إذا لم يستطع القيام يصلي جالساً ، فإن لم يستطع يسجد فليوم إيماء ، ويجعل السجود أخفض من الركوع ، ولا يسجد على الحجر ولا على عود . أخرجه أبو يوسف في الآثار (2) (7) .
فإن رفع شيئاً يسجد عليه وكان ينخفض رأسه للسجود صح ، وإلا فلا ، لتركه فرض الإيماء للسجود (وهذا) مشهور مذهب الحنبلية .
( قال ) أبو محمد عبد الله بن قدامة : فأما إن رفع إلى وجهه شيئاً فسجد عليه ، فقال بعض أصحابنا لا يجزيه . وروى عن ابن مسعود وابن عمر وجابر وأنس أنهم قالوا : يومئ ولا يرفع إلى وجهه شيئاً . وهو قول عطاء ومالك والنووي . وروي الأثري عن أحمد أنه قال : أي ذلك فعل فلا بأس يومئ أو يرفع المرفقة فيسجد عليها ، قيل له : المروحة ؟ قال : لا ، أما المروحة فلا .وعن أحمد أنه قال : الإيماء أحب إلي . وإن رفع إلى وجهه شيئاً فسجد عليه أجزأه . وهو قول أبي ثور . ولابد من أن يكون بحيث لا يمكنه الانحطاط أكثر منه . ووجه الأول أنه سجد على ما هو حامل له فلم يجزه كما على يديه(3) .
(5) عجزه عن القعود :
__________
(1) ص785 ج1 مغنى (إيماء العاجز عن الركوع والسجود).
(2) ص283 منه.
(3) ص175 ج1 مغنى( إيماء العاجز عن الركوع والسجود ).(1/34)
من عج عن القعود بنفسه أو مستنداً ولو كان العجز حكمياً كما لو أخرج الطبيب الماء من عينيه وأمره بعدم القعود أياماً صلى بالإيماء للركوع والسجود مضطجعاً على جنبه الأيمن أو الأيسر ، ووجهه إلى القبلة .
(6) عجزه عن الإضطجاع :
فإن عجز عن الإضطجاع على جنبه : صلى – عند الشافعية – بالإيماء فى الركوع والسجود مستلقياً على ظهره رافعاً رأسه بوسادة ليصير وجهه ورجلاه إلى القبلة (لحديث) علىّ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يصلى المريض قائماً إن استطاع ، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ برأسه وجعل سجوده أخفض من ركوعه ،فإن لم يستطع أن يصلى قاعداًَ صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ، فإن لم يستطع أن يصلى على جنبه الأيمن صلى مستلقياً ورجلاه مما يلى القبلة .أخرجه الدارقطنى(1) . [31].
وفى سنده : (أ) حسين بن زيد ،ضعفه على بن المدينى.
(ب) الحسن بن الحسين العرنى ،قال الحافظ متروك . ولذا قال النووى : هذا حديث ضعيف . أ. هـ لكن له شواهد منها حديث ابن عباس عند الطبرانى(2) .
(قالت) المالكية والحنبلية : الترتيب بين الاضطجاع والاستلقاء مستحب ، فلو صلى على ظهره ،استلقى على بطنه عند المالكية وجعل رأسه للقبلة ، فإن استلقى على بطنه مع قدرته على الاستلقاء على ظهره لا تصح صلاته .
(7) عجزه عن الإيماء :
من عجز عن الإيماء للركوع والسجود برأسه أومأ بعينه ونوى بقلبه، ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتاً عند جماعة من المالكية والشافعية والحنبلية (لحديث) جعفر بن محمد عن أبيه عن علىّ بن أبى طالب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم يستطع أومأ بطرفه.أخرجه زكريا الساجى(3)[32].
__________
(1) ص179 سنن الدارقطنى (صلاة المريض).
(2) تقدم رقم 29 ص33.
(3) ص322 ج1 كشاف القناع (صلاة أهل الأعذار ) وفيه: عن على بن الحسين وهو تحريف ،والصواب عن على بن أبى طالب.(1/35)
ولما يأتى فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه منقوله صلى الله عليه وسلم : وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطتعم .أخرجه مسلم والنسائى والبيهقى (1) . [33].
(وقال) الحنفيون ) من تعذر عليه الإيماء بالرأس تؤخر عنه الصلاة ويقضيها متى قدر إن دام عجزه خمس صلوات فأقل وهو يعقل ،وإن زادت على خمس فلا يقضيها وإن كان يفهم الخطاب على الصحيح ،لأن مجرد العقل لا يكفى لتوجه الخطاب ،ولا يومئ بعينه ولا بقلبه ولا بحاجبه لعدم الأمر به فى حديث عمران (ولما روى) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يصلى المريض قائماً ،فإن لم يستطع فقاعداً ، فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء ، فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه . ذكره صاحب الهداية . وقال ابن الهمام : غريب(2) . [34].
ولأن السجود تعلق بالرأس دون العين والحاجب والقلب ،فلا ينتقل إليه خلفه وهو الإيماء (واختاره) بعض الحنبلية (قال) أبو محمد عبد الله بن قدامة: وإن لم يقدر على الإيماء براسه أومأ بطرفه أو نوى بقلبه ،ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتاً . وحكى عن ابى حنيفة أن الصلاة تسقط عنه .
وذكر القاضى : أن هذا ظاهر كلام أحمد فى رواية محمد بن يزيد ،لما روى عن أبى سعيد الخدرى أنه قيل له فى مرضه : الصلاة . قال: قد كفانى ،إنما العمل فى الصحة(8). ولأن الصلاة أفعال عجز عنها بالكلية فسقطت عنه لقول الله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } (3) .
(وقال) محمد بن الحسن فيمن قطعت يداه من المرفقين ورجلاه من الساقين : إنه لا صلاة عليه .
(
__________
(1) يأتى رقم 238 ج8 (من أفطر لعذر ومات قبل زواله )..
(2) ص376 ج1 فتح القدير(صلاة المريض ) وص 176 ج2 نصب الراية .
(3) ص786 ج1 مغنى (الإيماء بالطرف).(1/36)
وقال) علاء الدين الحصكفى : ولو اشتبه على مريض أعداد الركعات والسجدات لنعاس يلحقه ،لا يلزمه الأداء ولو أداها بتلقين ينبغى أن يجزئه(1) .
(8) تركه القيام للتداوى:
ومن كان مريضاً يقدر على القيام أو القعود ،فقال له طبيب حاذق مسلم ثقة: إن صليت مستلقياً أمكن مداوتك ،فله الصلاة مستلقياً عند أبى حنيفة والثورى وأحمد ؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى جالساً حين جحش شقه(2) . والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بل تركه للمشقة او وجود الضرر فأشبه المريض ،فهو حجة على الجواز ،ولأنا أبحنا له ترك الوضوء إذا لم يجد الماء أو وجده زائداً على ثمن المثل حفظاً لجزء من ماله ،وحفظ البدن مقدم على حفظ المال.
وقال مالك والأوزاعى : لا يجوز ،لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه لما كف بصره أتاه رجل فقال : " لو صبرت سبعة ايام لم تصلّ إلا مستلقياً داويت عينك ورجوت أن تبرأ ، فأرسل فى ذلك إلى عائشة وأبى هريرة وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فكل قال له : إن مت فى هذه الأيام ما الذى تصنع بالصلاة ؟ فترك معالجة عينه . ذكره ابن قدامة(3) (9).
(وأجاب) عنه الأولون بأنه إن صح يحتمل أن المخبر لم يخبر عن يقين وإنما قال أرجو ،أو أنه لم يقبل خبره لكونه مجهول الحال.
المرض والصحة فى اثناء الصلاة:
ومن مرض فى أثناء الصلاة أتمها بما قدر ،فلو شرع فيها قائماً فعرض له مرض منعه من القيام أتمها قاعداً يركع ويسجد إن قدر،وإلا أتمها مومياً قائماً أو قاعداً إن قدر ،وإلا أتمها مضطجعاً أو مستلقياً ؛ لأن ما مضى من الصلاة كان صحيحاً فيبنى عليه كما لو لم يتغير حاله . وهذا مجمع عليه.
__________
(1) ص562 ج1 – الدر المختار هامش رد المحتار (صلاة المريض).
(2) تقدم فى الحديث رقم 112 ص80 ج3 (اقتداء قائم بقاعد لعذر).
(3) ص784 ج1 – مغنى (ترك القيام فى الصلاة للتداوى).(1/37)
ولو كان مريضاً فافتتح الصلاة قاعداً بركوع وسجود ثم صح فى أثنائها أتم قائماً عند ابى حنيفة وأبى يوسف والشافعى ومالك والثورى وأحمد لما تقدم أنه يجوز عندهم اقتداء القائم بالقاعد لعذر ،فجاز البناء ،وشهد له الدليل.
(وقال) محمد بن الحسن : يستأنف الصلاة ولا يبنى لما فيه من بناء القوى على الضعيف . ومن افتتحها بإيماء للعجز عن الركوع والسجود ثم قدر عليهما فى أثنائها بنى على ما مضى من صلاته عند الشافعية والمالكية والحنبلية .
(وقال) الحنفيون: يستأنف ،لما فيه منبناء القوى على الضعيف . وقد تقدم أنه لا يجوز اقتداء الراكع والساجد بالمومى .
(10)من صلى جالساً لعذر فله أجر القائم من رحمة الله بعبده المؤمن وإحسانه إليه أنه إذا اعتاد تأدية طاعة من الطاعات فأقعده مانع قهرى من مرض أو سفر أو نوم عن تأديتها على وجهها يعطى ثوابها كاملا.
( روى ) ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ما أحد من الناس يصاب ببلاء فى جسده إلا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه فقال : اكتبوا لعبدى كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان فى وثاقى . أخرجه أحمد والبزار والطبرانى والحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرطهما(1) . [35].
(وعن عائشة) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم أو وجع إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة .اخرجه النسائى(2) . [36].
(
__________
(1) ص144 ج5- الفتح الربانى . وص 303 ج2 مجمع الزوائد (ما يجرى على المريض) وص 348 ج1 مستدرك ،وذكر الجسد ليس للاحتراز ،فإن كل من اعتاد طاعة فمنعه منها أى مانع قهرى لولاه لأداها فله ثوابها كاملا كما تقد فى حديث أبى موسى الأشعرى رقم 167 ص120 ج3(أعذار ترك الجماعة).
(2) ص255 ج1 مجتبى (من كان له صلاة بالليل فغلبه عليها النوم ).(1/38)
وعن أبى هريرة) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج على المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك منأجرهم شيئاً. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى بسند قوى(1) .[37].
(11)كفارة الصلاة:
تقدم أن الصلاة لا تجب عند الحنفيين على مريض عجز عن الإيماء براسه ،فغذا مات ولم يقدر على أدائها ولو بالإيماء برأسه لا يلزمه الإيصاء بها وإن قلت ،بأن كانت خمس صلوات فأقل (لما تقدم) عن ابن عمر مرفوعاً : يصلى المريض قائماً ،فإن لم يستطع فقاعداً ،فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء،فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه (2) (ولعدم) قدرته على القضاء بإدراك زمنه على قول من فسر قبول العذر بجواز التأخير. ومن فسره بالسقوط فظاهر.
(ومن مات) وهو يقدر على أدائها ولو بالإيماء ولم يؤدها، يلزمه الإيصاء بكفارتها من ثلث ماله ،وعلى من له التصرف فى ماله بوصاية أو وراثة أن يعطى الفقير لكل صلاة نصف صاع من بر أو دقيقة أو سويقه أو صاع تمر أو زبيب أو شعير او قيمته وهى أفضل ،لأنها انفع . ونصف الصاع قدح بالكيل المصرى . والوتر كصلاة عند ابى حنيفة ،لأنه فرض عملى عنده خلافاً لبى يوسف ومحمد (وإن لم يوص) لا يلزم الولى الإطعام .
وإن تبرع به هو أو غيره صح وله الثواب . ول قضاها ورثته أو غيرهم ولو بإذنه لا تسقط عنه، لأنها عبادة بدنية ،ولما يأتى عن ابن عباس قال: لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ،ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد من حنطة .أخرجه النسائي فى الكبير والبيهقى بسند صحيح(3) (10).
(
__________
(1) ص166 ج5 – الفتح الربانى . وص 262 ج4 – المنهل العذب(من خرج يريد الصلاة فسبق بها ) وص 137 ج1 مجتبى (حد إدراك الجماعة)
(2) تقدم رقم 34 ص37 .
(3) ص463- نصب الراية . ويأتى ص407 ج8 (فدية ما فات من الصوم).(1/39)
وقال) ابن عمر: لا يصلين أحد عن أحد ،ولا يصومنّ أحد عن أحد ، ولكن عن كنت فاعلا تصدقت عنه أو أهديت .أخرجه عبد الرزاق (1) (11).
( فقد دل ) الأثر على أن من مات وعليه صيام يطعم عنه وليه عن كل يوم قدر على قضائه ولم يقضه مداً من حنطة.
(وقاس) الحنفيون الصلاة على الصوم ، (قال) الطحاوى: اعلم أنه قد ورد النص فى الصوم بإسقاطه بالفدية . واتفقت كلمة المشايخ على أن الصلاة كالصوم استحساناً ،لكونها أهم منه،وإنما الخلاف بينهم فى أن صلاة يوم كصومه ،أو كل فريضة كصوم يوم وهو المعتمد . إذا علمت ذلك تعلم جهل من يقول: إن إسقاط الصلاة لا أصل له (2) .
(وقال) غير الحنفيين: لا كفارة للصلاة إلا قضاؤها . فمن مات وعليه صلوات لا يكفى فى إسقاطها الإطعام (لما تقدم) عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها ،لا كفارة لها إلا ذلك (3) .
(فقوله) لا كفارة لها إلا ذلك ،أى قضاؤها (صريح) فى أنه لا يكفى فيها الإطعام . فقياسها على الصوم قياس معارض للنص فلا يعول عليه .
(قال) الخطابى فى شرح حديث أنس: لا كفارة لها إلا ذلك ،يريد انه لا يلزمه فى تركها غرم أو كفارة من صدقة أو نحوها كما تلزمه – فى ترك الصوم فى رمضان من غير عذر- الكفارة ،وكما يلزم المحرم- إذا ترك شيئاً من نسكه –كفارة وجبران من دم أو طعام ونحوه.
(وفيه) دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يصلى عن أحد كما يحج عنه وكما يؤدى عنه الديون ونحوها.
(وفيه) دليل على أن الصلاة لا تجبر بالمال كما يجبر الصوم وغيره (4) .
(ومنه) تعلم أن من يقول : إن إسقاط الصلاة بالإطعام لا أصل له - عالم لا جاهل- كما زعمه الطحاوى.
(الرابع ) الأعذار المسقطة للصلاة
هى ستة:
(
__________
(1) ص463 ج2 – نصب الراية( أحاديث فى عدم إجزاء الصوم عن الغير).
(2) ص237 حاشية الطحاوى على مراقى الفلاح (إسقاط الصلاة).
(3) تقدم رقم 22 ص26 (ترتيب الفوائت).
(4) ص140 ج1 معالم السنن.(1/40)
1و2) الحيض والنفاس ، فلا يلزم الحائض والنفساء قضاء صلوات أيام الحيض والنفاس بعد زوالهما لما يأتى عن معاذة العدوية قالت : سألت عائشة : ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة ؟ قالت : كان يصيبنا ذلك (يعنى دم الحيض) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ،ولا نؤمر بقضاء الصلاة .أخرجه السبعة والبيهقى (1) . [38].
وعلى هذا استقر الإجماع.
(3 ) وتسقط بالردة ، فلا يجب على المرتد إذا عاد إلى الإسلام قضاء ما فاته من العبادات زمن ردته عند الجمهور (وقالت) الشافعية : الردة لا تسقط العبادات فيلزمه قضاء ما فاته منها من ردته تغليظاً عليه ،كما يلزمه قضاء ما فاته قبل الردة اتفاقاً . وهل يسقط بإسلامه ما فعله من المعاصى قبل الردة ؟ الظاهر نعم(لحديث) الإسلام يجبّ ما كان قبله . أخرجه أحمد والطبرانى عن عمرو بن العاص . وابن سعد فى الطبقات عن الزبير وجبير ابن مطعم (2) . [39].
فإنه بعمومه يشمل إسلام المرتد .
(4، 5) وتسقط بالجنون والإغماء ، المطبقين أكثر من يوم وليلة عند الحنفيين . فمن جنّ أو أُغمى عليه يوماً وليلة لزمه قضاء ما فاته من الصلوات لعدم الحرج فيه . وإن زاد ما ذكر على يوم وليلة وزمناً يسيراً لا يقضى ما فاته عند أبى حنيفة وأبى يوسف.
(وقال محمد) يقضى ما لم يمض وقت صلاة سادسة وهو الأصح ،لأن الكثرة إنما تتحقق بالدخول فى حد التكرار ،وبه يكون الحرج فى القضاء { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ، (ومحله) إن لم يكن متعدياً فى سبب الإغماء وإلا لزمه القضاء .
(
__________
(1) يأتى رقم 32 من الصيام ص 276 ج8 (شروط وجوب الصيام).
(2) ص 204 ج4 مسند أحمد . وانظر رقم 336 ص127 ج1 – كشف الخفاء .(1/41)
قال) شيخ زاده : وفى المحيط : لو حصل الإغماء بمعصية كشرب الخمر أكثر من يوم وليلة لا يسقط عنه القضاء اتفاقاً . ولو حصل بالبنج قال محمد : يسقط . وقال الإمام : لا يسقط (1) .
(أما) من كان جنونه أو إغماؤه غير مطبق بأن افاق إفاقة منتظمة فى وقت معلوم كوقت الصبح (فإنه) يلزمه القضاء . وإذا طرأ عذر مسقط للصلاة ولم يبق من الوقت إلا ما يسع التحريمة ،فلا يجب قضاء تلك الصلاة بعد زوال العذر .أما إن زال وقد بقى من الوقت ما يسع التحريمة ،فإنه يجب قضاء ذلك الفرض ،غير أنه يشترط لذلك فى حق الحائض والنفساء أن يكون الانقطاع لأكثر مدة الحيض والنفاس . أما إن انقطع لأقل من ذلك فلا يلزمهما القضاء إلا إذا بقى من الوقت ما يسع الغسل والتحريمة .
(وقالت الشافعية) إن استمر الجنون أو الإغماء أو السكر بلا تعد وقتاً كاملا سقطت الصلاة ،وإن كان ما ذكر بتعد لا تسقط ،وإذا طرأ الجنون ونحوه كالحيض بعد أن مضى من الوقت ما يسع الصلاة وطهرها الفرض يجب قضاء الصلاة ،وإن ارتفع العذر وقد بقى منالوقت قدر تكبيرة الإحرام فأكثر وجب قضاء هذه الصلاة ،وما قبلها إن كانت تجمع معها كالظهر مع العصر بشرط أن يستمر ارتفاع العذر زمناً يسع الطهر والصلاتين والصلاة المؤداة وطهرها .
(وقالت الحنبلية) الجنون عذر مسقط دون الإغماء ، فإن استمر الجنون وقتاً كاملا لا يجب قضاء الصلاة ،أما من استتر عقله بإغماء أو مرض غير الجنون أو دواء ولو مباحاً ، فإنه يجب عليه قضاء ما فاته من الصلاة مطلقاً .
(وإذا) طرأ العذر بعد أن مضى من الوقت ما يسع تكبيرة الإحرام وجب قضاء الصلاة بعد زوال العذر ،وكذا إن ارتفع وقدبقى من الوقت ما يسع تكبيرة الإحرام ، فإنه يجب عليه قضاء تلك الصلاة والتى تجمع معها كالظهر مع العصر.
(
__________
(1) ص151 ج1 – مجمع الأنهر (صلاة المريض) .(1/42)
قال) الشيخ منصور بن إدريس : ومن أدرك من أول وقت مكتوبة قدر تكبيرة ثم طرأ عليه مانع من جنون أو حيض أو نفاس ثم زال المانع بعد خروج وقتها ،لزمه قضاؤها . وإن بقى قدر التكبيرة من آخر الوقت ثم زال المانع ووجد المقتضى للوجوب ببلوغ صبى أو إفاقة مجنون أو إسلام كافر أو طهر حائض أو نفساء ،وجب قضاؤها وقضاء ما تجمع إليها قبلها .
فإن كان زوال المانع أو طرو التكليف قبل طلوع الشمس لزمه قضاء الصبح فقط،لأن التى قبلها لا تجمع إليها ،وإن كان قبل غروبها لزم قضاء الظهر والعصر ،وإن كان قبل طلوع الفجر لزم قضاء المغرب والعشاء (لما روى) الأثرم وابن المنذر وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أنهما قالا فى الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة : تصلى المغرب والعشاء (12).
فإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعاً ،لأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر ،فإذا أدركه المعذور لزمه قضاء فرضها كما يلزم فرض الثانية ،وإنما تعلق الوجوب بقدر تكبيرة ، لأنه إدراك فاستوى فيه القليل للمسبوق ،لأن الجماعة شرط لصحتها فاعتبر إدراك الركعة لئلا يفوته الشرط فى معظمها (1) .
(6) ومما يسقط الصلاة عند المالكية السكر بالحلال ،كأن شرب لبناً حامضاً ظاناً أنه لا يسكر فسكر منه . (وللعذر) أربع حالات:
(الأولى) أن يستغرق العذر كل وقت الصلاة الاختيارى والضرورى ، كأن يحصل الإغماء مثلا من الزوال إلى الغروب ،وحينئذ تسقط الصلاة ولا يجب قضاؤها بعد الإقامة.
(الثانى) أن يطرأ العذر وقد بقى من الوقت ما يسع الصلاتين المشتركتين فيه (2) فيسقطان العذر .
(
__________
(1) ص178 ج1 – كشاف القناع (ما يدرك به أداء الصلاة)..
(2) الوقت الذى يسعهما هو ما يسع خمس ركعات حضراً وثلاثاً سفراً بالنسبة للظهر والعصر،وما يسع أربع ركعات حضراً وسفراً بالنسبة للمغرب والعشاء.(1/43)
الثالثة) أن يطرأ وقد بقى من الوقت ما يسع الصلاة الأخيرة فقط أو جزءاً منها، فتسقط ويلزمه قضاء الأولى .
(الرابعة) أن يرتفع العذر وقد بقى من الوقت ما يسع ركعة من الصلاة بعد الطهارة ، فتجب وإلا فلا .
(الخامس ) صلاة المسافر
السفر لغة : قطع المسافة مطلقاً . وشرعاً : قطع مسافة تتغير بها الأحكام من قصر الصلاة ،وإباحة الفطر فى رمضان ،وامتداد مدة المسح على الخفين ، وسقوط الجمعة والعيدين والأضحية ،وحرمة الخروج على المرأة الحرة بلا محرم أو زوج . والكلام هنا ينحصر فى ثلاثة عشر فرعاً :
(1) مسافة السفر:
المسافة التى تقصر فيها الصلاة عند الحنفيين ثلاثة أيام أو ليال من أقصر ايام السنة بالسير الوسط ،وهو سير الإبل ومشى الأقدام فى السهل ،ولا يشترط سفر كل يوم إلى الليل بل إلى الزوال لأنه أكثر النهار الشرعى الذى هو من الفجر إلى الغروب. والمدة من الفجر إلى الزوال فى أقصر ايام السنة فى القطر المصرى سبع ساعات إلا ثلثاً . فزمن السير فى الثلاثة الأيام عشرون ساعة.
وأصل تقدير المدة بما ذكر حديث خزيمة بن ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة " أخرجه أحمد وابو داود والبيهقى والترمذى وقال : هذا حديث حسن صحيح (1) . [40].
قالوا فى الحديث إشارة إلى أن السفر التام الذى تتغير به الأحكام - لكونه مظنة المشقة المقتضية للتخفيف- هو الثلاثة والأخذ بها هو الأحوط . وقد اتبر الشرع هذا العدد فى أحكام كثيرة .
(هذا) ويعتبر فى كل شئ السير المعتاد فيه مع الاستراحة المعتادة حتى لو ركب قطاراً أو طائرة فقطع مسيرة الثلاثة الأيام فى زمن يسير،قصر الصلاة .
(
__________
(1) ص66 ج2 الفتح الربانى . ولفظه : يمسح المسافر . وص 125 ج2 المنهل العذب (التوقيت فى المسح) وص 276 ج1 سنن البيهقى . وص97 ج1 تحفة الأحوذى (المسح) على الخفين للمسافر والمقيم ).(1/44)
ولو) كان لموضع طريقان أحدهما يقطع فى مدة سفر والآخر فى أقل ، فإن سلك الأول قصر ،وإن سلك الثانى لا يقصر . ولا عبرة عندهم بالفراسخ على الصحيح(1) ، لأن الطريق لو كان وعراً بحيث يقطع فى ثلاثة أيام اقل من خمسة عشر فرسخاً ،قصر بالنص ،وعلى التقدير بها لا يقصر فيعارض النص فلا يعتبر سوى سير الثلاثة .
(وقالت) الشافعية والمالكية والحنبلية والليث وإسحاق والجمهور : مسافة القصر مرحلتان وهى أربعة برد . والبريد أربعة فراسخ ،والفرسخ ثلاثة أميال ،لما روى عطاء بن أبى رباح أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان الرباعية ركعتين ويفطران فى أربعة برد فما فوق ذلك .أخرجه البيهقى بسند صحيح وعلقه البخارى (2) (13).
(ولقول) عطاء بن أبى رباح: قلت لابن عباس : اقصر الصلاة إلى عرفة ؟ فقال: لا ولكن إلى جدة وعسفان والطائف ،وإن قدمت إلى أهل أو ماشية فأتم .أخرجه الشافعى والبيهقى بسند صحيح(3) (14).
(
__________
(1) الفرسخ ثلاثة أميال . والميل أربعة آلاف ذراع فلكى . وهو ثلاثة أثمان وستة واربعون سنتيمتراً . فيكون الميل 1855 خمساً وخمسين وثمانمائة وألف متر . والفرسخ 5565 خمسة وستين وخمسمائة وخمسة آلاف من الأمتار . والخمسة عشر فرسخاً 83475 خمسة وسبعين وأربعمائة وثلاثة وثمانين ألفاً من الأمتار ،أى نحو نصف كيلو وثلاثة وثمانين كيلو متراً.
(2) ص137 ج3 سنن البيهقى (السفر الذى تقص2ر فى مثله الصلاة )وص 383 ج2 فتح البارى (فى كم يقصر الصلاة ) و( برد) بضمتين : جمع بريد. فتكون المسافة بالميل ثمانية وأربعين ميلا، وبالكيلو متر نحواً من تسعة وثمانين كيلو متراً.
(3) ص115 ج1 بدائع المنن . وص 137 ج3 سنن البيهقى (السفر الذى لا تقصر فى مثله الصلاة ) و( جدة) بضم فشد : ثغر مكة على ساحل البحر الأحمر ، و( عسفان ) كعثمان : موضع بين مكة والمدينة على ثلاث مراحل من مكة .(1/45)
وقالت) ابن عباس : تقصر الصلاة إلى عسفان والطائف وإلى جدة . وهذا كله من مكة على أربعة برد ونحو من ذلك .أخرجه الشافعى (1) (15) مسيرة يومين معتدلين أو يوم وليلة يسير الإبل المثقلة بالأحمال على المعتاد من سير وحط وترحال وأكل وشرب وصلاة معتبرة .
(وأما حديث) ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة فى أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان .أخرجه الطبرانى فى الكبير والدار قطنى والبيهقى (فلا يحتج به) لأن فى سنده عبد الوهاب بن مجاهد بن جبير وهو متروك ،وقد نسبه النووى إلى الكذب ،وقال البيهقى : هذا حديث ضعيف فى سنده إسماعيل بن عياش لا يحتج به ،وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف بمرة ،والصحيح أنه منقول ابن عباس (2) . [41].
(وقالت) الظاهرية :اقل مسافة القصر ثلاثة أميال (لقول) يحيي ابن يزيد الهنائى: سألت انس بن مالك عن قصر الصلاة ،فقال أنس : كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال او فراسخ يصلى ركعتين .اخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (3) .[42]
__________
(1) ص115 ج3 بدائع المنن.
(2) ما تقصر فيه الصلاة )وص 148 سنن الدارقطنى . وص 137 ج3 سنن البيهقى (السفر الذى لا تقصر فى مثله الصلاة).
(3) ص103 ج5 الفتح الربانى . وص 200 ج5 نووى مسلم (صلاة المسافرين وقصرها ) وص 52 ج7 – المنهل العذب (متى يقصر المسافر؟) و( الهنائى) بضم الهاء وتخفيف النون نسبة إلى هناءة بن عمرو بن مالك بطن من الأسد.(1/46)
قال الحافظ: وهو أصح حديث ورد فى بيان ذلك (1) وأصرحه . وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التى يبتدأ منها القصر لا غاية السفر ، ولا يخفى بعد هذا الحمل،مع أن البيهقى ذكر فى روايته أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال: سألت أنساً عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة - يعنى من البصرة – فأصلى ركعتين ركعتين حتى أرجع . فقال أنس .. فذكر الحديث .
فظهر أنه سأله عن جواز القصر فى السفر لا عن الموضع الذى يبتدأ القصر منه. ورده القرطبى بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به ، فإن كان المراد به أنه لا يحتج به فى التحديد بثلاثة أميال فمسلم ،لكن لا يمتنع ان يحتج به فى التحديد بثلاثة فراسخ . فإن الثلاثة أميال مدرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطاً (2) .
(لكن) قال أبو سعيد الخدرى : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخاً يقصر الصلاة .أخرجه سعيد بن منصور . وذكره الحافظ فى التلخيص ولم يتكلم عليه (3) . [43].
فإن صح كان الفرسخ هو المتيقن ولا يقصر فيما دونه إلا إذا كان يسمى سفراً لغة أو شرعاً .
(وقال) ابن حزم : اقل مسافة القصر ميل لإطلاق السفر فى قوله تعالى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ } (4) ، قال: فلم يخص الله ولا رسوله ولا المسلمون سفراً من سفر . واحتج على ترك القصر فيما دون الميل بأنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى البقيع لدفن الموتى وخرج إلى الفضاء لقضاء الحاجة ولم يقصر.
(
__________
(1) ولا وجه لمن قال إن يحيى بن يزيد لا يوثق به فى الضبط ،فقد قال البخارى وغيره : إنه سمع منأنس بن مالك ولم يطعنوا فيه .
(2) ص384 ج2 فتح البارى (فى كم تقصر الصلاة ؟).
(3) انظر هامش 2 ص454 ج4 شرح المهذب..
(4) سورة النساء : 101 ،والضرب فى الأرض السفر .(1/47)
ورده) الجمهور بأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم القصر صريحاً فى اقل من مرحلتين أو فرسخ ،فهو مقيد لإطلاق الآية والأحاديث.
(وعلى الجملة) فلم يرد عن النبى صلى الله عليه وسلم دليل صحيح صريح يفيد تحديد مسافة القصر .قال أبو محمد عبد الله بن قدامة : قال المصنف (يعنى الإمام أبا القاسم الخرقى) : ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة ،لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة ، و لا حجة فيها مع الاختلاف . وقد روى عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما احتج به أصحابنا . ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن فى قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله . وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذى ذكروه لوجهين :
(أحدهما) أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التى رويناها ،ولظاهر القرآن ،لأن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب فى الأرض ، لقوله تعالى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ } .
وقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن يعلى بن أُمية(1) فبقى ظاهر الآية متناولا كل ضرب فى الأرض .
(وقول) النبى صلى الله عليه وسلم : يمسح المسافر ثلاثة ايام(2) (جاء) لبيان مدة المسح فلا يصح الاحتجاج به ههنا ،وعلى أنه يمكنه قطع المسافة القصيرة فى ثلاثة ايام ،وقد سماه النبى صلى الله عليه وسلم سفراً فقال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذى محرم(3).
(والثانى) أنالتقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير إليه برأى مجرد سيما وليس له أصل يرد إليه ولا نظير يقاس عليه . والحجة مع منأباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه(4) .
(
__________
(1) سورة يأتى رقم 48 ص52 (قصر الصلاة فى السفر).
(2) هذا لفظ أحمد . وهو بعض حديث خزيمة بن ثابت المتقدم رقم 40 ص46 .
(3) يأتى رقم 45 ص51.
(4) ص94 ج2 مغنى ( نفى تحديد مسافة القصر).(1/48)
ويؤيده) أن الأحاديث وردت مصرحة بالسفر مطلقاً ،وبالسفر يوماً وليلة ويومين وثلاثة ايام فصاعداً ،وأن كل ذلك يسمى سفراً ,
(روى) ابن عباس أن النبى صلى الله عليهوسلم قال: لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم( الحديث) أخرجه الشافعى وأحمد والشيخان (1) . [44]
(وعن أبى هريرة) أنالنبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذى محرم .أخرجه الشافعى وأحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه(2). [45].
(وعن أبى سعيد) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم منها.أخرجه البخارى (3) . [46].
(وعن ابن عمر) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث إلا ومعها ذو محرم .اخرجه أحمد ومسلم . وهذا لفظه(4) . [47].
وسيأتى الجمع بين هذه الروايات ومزيد كلام عليها فى بحث( سفر المرأة) إن شاء الله تعالى .
( 2) قصر الصلاة فى السفر :
__________
(1) يأتى رقم 48 ص31 ج9 (إرشاد الناسك ) .
(2) ص291 ج1 بدائع المنن. وص 86 ج5 – الفتح الربانى . وص 107 ج9 نووى مسلم (سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره) وص 261 ج10 – المنهل العذب (المرأة تحج بغير محرم) وص 110 ج2 سنن ابن ماجه (المرأة تحج بغير ولى).
(3) ص55 ج4 فتح البارى( حج النساء) .
(4) ص86 ج5 الفتح الربانى وص 102 ج9 نووى مسلم (سفر المرأة مع محرم)..(1/49)
هو مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ،قال الله تعالى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } (1) ،والتقييد بالخوف ليس للاحتراز . قال يعلى بن أمية : قلت لعمر بن الخطاب : ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ،وقد أمن الناس. فقال عمر: عجبت مما عجبت منه، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته .أخرجه الشافعى والسبعة إلا البخارى (2) . [48].
(وقد) تواترت الأخبار على القصر فى السفر (قال) يحيى بن أبى إسحاق : سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال: سافرنا مع النبى صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى بنا ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان والنسائى والبيهقى (3) . [49].
(وعن ابن عباس) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر من المدينة لا يخاف إلا الله عز وجل فصلى ركعتين حتى رجع. أخرجه الشافعة وأحمد والنسائى والبيهقى (4) . [50].
(
__________
(1) سورة النساء : 101.
(2) ص131 ج1 بدائع المنن. وص 94 ج5 الفتح الربانى : وص 211 ج1 مجتبى (تقصير الصلاة فى السفر) . وص 196 ج5 نووى مسلم (صلاة المسافرين ).وص111 ج1 تيسير الوصول (سورة النساء) . وص 170 ج1 سنن ابن ماجه (تقصير الصلاة فى السفر).
(3) ص104 ج5 الفتح الربانى . وص 380 ج2 فتح البارى (ما جاء فى التقصير) . وص201 ، 202 ج5 نووى مسلم (صلاة المسافرين) وص 212 ج1 مجتبى (المقام الذى يقصر بمثله الصلاة) وص 136 ج3 سنن البيهقى (السفر الذى تقصر فى مثله الصلاة ) وعند غير أحمد: خرجنا مع النبى.
(4) ص114 ج1 بدائع المنن. وص 101 ج5 الفتح الربانى . وص 211 ج1 مجتبى (تقصير الصلاة) وص 135 ج3 سننالبيهقى ( رخصة القصر فى كل سفر لا يكون معصية..).(1/50)
وقال) ابن عمر: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر وعثمان ست سنين بمنى،فصلوا صلاة المسافر.أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (1) . [51].
(وعلى هذا) أجمع العلماء .واختلفوا فى حكم القصر (قال) الحنفيون وعمر وعلى وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وجابر: فرض المسافر فى الرباعية ركعتان . فالقصر واجب، لأن الصلاة فرضت أولا ركعتين فزيدت فى الحضر والسفر ،فأقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر.أخرجه الأئمة والشيخان والنسائي وأبو داود (2) . [52].
( والزيادة ) فى غير الصبح والمغرب ( لقول )عائشة : قد فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة،فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنها وتر النهار ، وصلاة الفجر لطول قراءتها وكان إذا سافر صلى الصلاة الأولى . أخرجه أحمد والبيهقى بسند رجاله ثقات(3). [53].
(
__________
(1) ص102 ج5 الفتح الربانى . وص 203 ج5 نووى مسلم (صلاة المسافرين). ولفظه : صلى النبى .. ثمانى سنين أو ست سنين . وص 212 ج1 مجتبى (الصلاة بمنى) ولم يذكر المدة.
(2) ص265 ج3 زرقانى الموطأ ( قصر الصلاة فى السفر ) وص 112 ج1 بدائع المنن. وص 92 ج5 الفتح الربانى . وص 386 ج2 فتح البارى (يقصر إذا خرج من موضعه) ولفظهما : أول ما فرضت الصلاة . وص 194 ج5 نووى مسلم (صلاة المسافرين ). وص 47 ج7 المنهل العذب.
(3) ص92 ج5 الفتح الربانى . وص 145 ج3 سنن البيهقى (إتمام المغرب فى السفر). و( زاد) أى بوحى ففى رواية لأحمد والشيخين : ثم أتم الله الظهر والعصر والعشاء . و( صلى الصلاة الأولى) أى صلاها مقصورة كما فرضت أولا.(1/51)
وقال) عمر بن الخطاب : صلاة السفر ركعتان ،وصلاة الأضحى ركعتان،وصلاة الفطر ركعتان ،وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم .اخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه وابن حبان بسند رجاله ثقات (1) . [54]
(وعليه) فالقصر عزيمة لا رخصة ،فإن صلى الفرض الرباعى أربعاً وقعد فى الثانية قدر التشهد صحت صلاته مع الكراهة التحريمية عند الحنفيين لتأخيره السلام،وما زاد على الركعتين نفل ،وإن لم يقعد فى الثانية لا يصح فرضه ،لأنه خلط النفل بالفرض قبل إكماله وينقلب الكل نفلا .
( وقالت ) المالكية : القصر سنة مؤكدة آكد من الجماعة ، فإذا لم يجد المسافر مسافراً يقتدى به ، صلى منفرداً حرصاً على القصر ،ويكره اقتداؤه بالمقيم كما تقدم بيانه فى بحث " اقتداء المقيم بالمسافر وعكسه "(2) .
(وقالت) الحنبلية: القصر جائز وهو أفضل من الإتمام . وكذا قالت الشافعية : إن بلغ السفر أقل من مسافة قصر ولم يختلف فى جواز قصره ،ف، كان السفر اقل من مسافة القصر أو كان المسافر ملاحاً وهو من له دخل فى تسيير السفينة فإن الإتمام له أفضل ،لأن الإمام أحمد يقول: لا يباح القصر لملاح ليس له بيت سوى سفينته فيها أهله وحاجته.
(ويجب) القصر إذا لم يبق من الوقت فى السفر إلا ما يسعها مقصورة .
(فالقصر) فى غير هذه رخصة عند الشافعى وأحمد لا عزيمة ،وهو مشهور مذهب مالك . وبه قال عثمان وسعد بن أبى وقاص وأكثر العلماء ، مستدلين :
(أ) بقول الله تعالى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } (3) ،لأن نفى الجناح لا يستعمل إلا فى المباح .
(
__________
(1) ص93 ج5 الفتحالربانى ،وص 211 ج1 مجتبى (تقصير الصلاة).وص170 ج1 سنن ابن ماجه.
(2) تقدم ص75 ج3 ..
(3) سورة النساء : 101..(1/52)
ب) وبحديث عائشة : أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت : يا رسول الله بأبى أنت وأمى أفطرت وصمت ، وقصرت وأتممت ،فقال: أحسنت يا عائشة وما عاب علىّ .أخرجه النسائى والدار قطنى والبيهقى وقالا إسناده حسن (1) . [55].
(حـ) وبقول ابن عمر: صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وابو بكر بعده وعمر بعد أبى بكر وعثمان صدراً من خلافته . ثم إن عثمان صلى بعد أربعاً . فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً، وإذا صلى وحده صلى ركعتين .أخرجه مسلم والطحاوى (2) . [56].
(فلو كان) القصر عزيمة ما تركه عثمان ولما وافقه الصحابة على تركه .
(وأجاب) الأولون:
(
__________
(1) ص213 ج1 مجتبى ( المقام الذى يقصر بمثله الصلاة) وص 242 سنن الدارقطنى . وص 142 ج3 سنن البيهقى (من ترك القصر فى السفر غير رغبة عن السنة)..
(2) ص203 ج5 نووى مسلم( صلاة المسافرين) وص 242 ج1 شرح معانى الآثار .(1/53)
أ)عن الآية (أولا) بأنها وردت فى قصر الصفة فى صلاة الخوف لا فى قصر العدد (قال) ابن القيم : عمر هو الذى سأل النبى صلى الله عليه وسلم : ما بالنا نقصر وقد أمنا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته (1) ، ولا تناقض بين حديثيه ،فإن النبى صلى الله عليه وسلم (لما أجابه) بأن هذه صدقة الله عليكم ودينه اليسر السمح( علم) عمر أنه ليس المراد منالآية قصر العدد كما فهمه كثير من الناس، فقال( أى عمر) : صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر . وعلى هذا فلا دلالة فى الآية على أن قصر العدد مباح منفى عنه الجناح ،فإن شاء المصلى فعله وإن شاء اتم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب فى أسفاره على ركعتين ركعتين ،لم يربع قط إلا شيئاً فعله فى بعض صلاة الخوف(2) .
(ثانياً) أن قول من يرى أن القصر رخصة : إن نفى الجناح لا يستعمل إلا فى المباح (أجاب) عنه الطحاوى بأنه قد يكون كذلك وقد يكون على غير ذلك ،قال الله تعالى : { فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } (3) . وهذا واجب عند جميع العلماء لأنه ليس لأحد حج أو اعتمر ألا يطوف بهما ،فلما كان نفى الجناح قد يكون على التخيير وقد يكون على الإيجاب ،لم يكن لأحد أن يحمله على أحد المعنيين دون الآخر إلا بدليل يدل عليه من كتاب أو سنة أو إجماع (4).
(
__________
(1) تقدم رقم 48 ص52.
(2) ص129 ج1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم فى سفره ) ز" ولا تناقض بين حديثيه" أى حديث عمر هذا ،وهو قوله : ما بالنا نقصر وقد أمنا ...إلخ . وقوله السابق : صلاة السفر ركعتان ...إلخ.
(3) سورة البقرة :أية 158 وصدرها : " إن الصفا...".
(4) ص242 ج1 شرح معانى الآثار ( صلاة المسافر).(1/54)
ب)وعن حديث عائشة(1) بأنه ضعيف عند أكثر الحفاظ (قال) الحافظ فى التلخيص : واختلف قول الدار قطنى فيه . فقال فى السنن : إسناده حسن . وقال فى العلل : المرسل أشبه(2) ،فلو كان صحيحاً لكان حجة لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة : أحسنت . ولكنه مطعون فيه فلا يصلح للاحتجاج به لا سيما وقد عارضه ما فى الصحيحين وغيرهما من الأحاديث الدالة على أن القصر عزيمة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : هذا الحديث كذب على عائشة ولم تكن تصلى بخلاف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة ، وهى تشاهدهم يقصرون ثم تتم وحدها بلا موجب ،كيف وهى القائلة: فرضت الصلاة ركعتين فى الحضر والسفر ، فأقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر(3) ،فكيف يظن أنها تزيد على ما فرض الله وتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه.
قال الزهرى لعروة لما حدثه عن أبيه عنها بذلك :فما شأنها كانت تتم الصلاة ؟ فقال : تأولت كما تأول عثمان ،فإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد حسن فعلها وأقرها عليه ،فما للتأويل حينئذ وجه ،ولا يصح ان يضاف إتمامها إلى التأويل مع هذا التقدير .قاله ابن القيم (4) .
(
__________
(1) تقدم رقم 55 ص55.
(2) انظر هامش 1 ص 430 ج4 شرح المهذب (القصر).
(3) تقدم رقم 52 ص53 .
(4) ص130 ج1 زاد المعاد (صلاته صلى الله عليه وسلم فى السفر)..(1/55)
جـ) وعن إتمام عثمان بمنى بأن كثيراً من الصحابة أنكروا عليه ذلك وتأولوا له تأويلات ،أحسنها أنه كان قد تأهل بمنى. والمسافر إذا أقام بموضع وتزوج به أو كان له به زوجة أتم (روى) عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبى ذباب عن أبيه ان عثمان بن عفان صلى بمنى أربع ركعات فأنكره الناس عليه ،فقال: يا أيها الناس إنى تأهلت بمكة منذ قدمت ،وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من تأهل فى بلد فليصل صلاة المقيم .أخرجه أحمد وابن أبى شيبة(1) . [57].
(قال) الشوكانى: وقد لاح من مجموع ما ذكرنا رجحان القول بوجوب القصر، وأما دعوى أن التمام افضل فمدفوعه بملازمته صلى الله عليه وسلم القصر فى جميع أسفاره وعدم صدور التمام عنه كما تقدم ، ويبعد أن يلازم صلى الله عليه وسلم طول عمره المفضول ويدع الأفضل (2) .
( 3 ) أقسام السفر:
السفر ثلاثة أقسام : سفر طاعة كالحج والجهاد ،وسفر مباح كالتجارة ، وسفر معصية كقطع الطريق. وفى الكل تصلى الرباعية ركعتين . والعاصى بالسفر او فيه والمطيع سواء فى الأحكام من قصر وغيره عند من قال إن القصر عزيمة، لإطلاق الأدلة السابقة .
(وقالت) المالكية والشافعية والحنبلية وأكثر العلماء : لا يجوز القصر فى سفر معصية ،لأن القصر رخصة والعاصى ليس من أهلها (قال) ابو محمد عبد الله بن قدامة : والنصوص وردت فى حق الصحابة رضى الله عنهم وكانت أسفارهم مباحة فلا يثبت الحكم فيمن سفره مخالف لسفرهم ،ويتعين حمله على ذلك ،جمعاً بين النصين . وقياس المعصية على الطاعة بعيد لتضادهما (3) .
(وقال) ابن رشد : اختلف العلماء فى نوع السفر الذى تقصر فيه الصلاة ، فرأى بعضهم أن ذلك مقصور على السفر المتقرب به كالحج والعمرة والجهاد.
__________
(1) ص115 ج5 الفتح الربانى . وص 156 ج2 مجمع الزوائد (من سافر فتأهل فى بلد ).
(2) ص248 ج3 نيل الأوطار (اختيار القصر وجواز الإتمام).
(3) ص101 ج2 مغنى( منع القصر فى سفر المعصية ).(1/56)
وممن قال بهذا أحمد (ومنهم) من أجازه فى كل سفر ،قربة كان أو مباحاً أو معصية . وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثورى .
والسبب فى اختلافهم معارضة المعنى المعقول أو ظاهر اللفظ لدليل الفعل ،وذلك أن من اعتبر المشقة أو ظاهر لفظ السفر لم يفرق بين سفر وسفر.وأما من اعتبر الفعل فقال : إنه لا يجوز إلا فى السفر المتقرب به ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقصر قط إلا فى سفر متقرب به. وأما من فرق بين المباح والمعصية فعلى جهة التغليظ . والأصل فيه : هل تجوز الرخص للعصاة أولا؟ وهذه مسألة عارض فيها اللفظ المعنى فاختلف الناس فيها لذلك(1) .
ولذا قال الحنفيون : يجب القصر فى كل سفر ولو محرماً .
(وقالت) المالكية: يسن القصر فى السفر المباح ،ويكره فى المكروه ، ويحرم فى المحرم.
(وقالت) الشافعية : يحرم القصر فى السفر الحرام ،ويجوز فى السفر المكروه .
(وقالت) الحنبلية : يحرم القصر فى السفر المحرم ،ويكره فى المكروه ،ولا تنعقد الصلاة فيهما.
(
__________
(1) ص132 ج1 بداية المجتهد (القصر).(1/57)
قال) الشيخ منصور بن إدريس : ولا يترخص فى سفر معصية بقصر ولا فطر ولا أكل ميتة،لأنها رخص ،والرخص لا تناط بالمعاصى ،فإن خاف المسافر سفر معصية على نفسه ،لإن لم يأكل الميتة ،قيل له تب وكل لتمكنه من التوبة كل وقت . ولا يترخص فى سفر مكروه كالسفر لفعل مكروه للنهى عنه . ويترخص إن قصد مشهداً أو قصد مسجداً ولو غير المساجد الثلاثة ،أو قصد قبر نبى أو غيره كولى . وحديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (1) ،أى لا يطلب ذلك ،فليس نهياً(2) عن شدها لغيرها خلافاً لبعضهم ،لأنه عليه الصلاة والسلام كان يأتى قباء راكباً وماشياً ،ويزور القبور ،وقال : زرزرها فإنها تذكركم الآخرة . ويقصر من ابتدأ سفراً جائزاً ولو عصى فى سفره ،كأن شرب فيه مسكراً أو زنى أو قذف أو اغتاب ، لنه لم يقصد السفر لذلك (3) .
( 4 ) شروط القصر:
لا يصح للمسافر قصر الرباعية إلا بشروط سبعة ذكرها الفقهاء :
(
__________
(1) لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) صدر حديث تقدم رقم 348 ص240 ج3 (افضل المساجد).
(2) لا يطلب ذلك )أى الشد لغير المساجد الثلاثة(فليس نهياً..إلخ) فيه أنه وإن لم يكن نهياً لفظاً فهو نفى أريد به النهى (قال) القاضى عياض والقاضى حسين : النهى للتحريم فيحرم شد الرحال لغيرها ،ولا ينافيه إتيانه صلى الله عليه وسلم مسجد قباء راكباً ، إما لأن النهى خاص بغير النبى صلى الله عليه وسلم ،وإما لأنه إذا ورد نهى عام ،وفعل صلى الله عليه وسلم فرداً منأفراد ذلك المنهى عنه ،دل على أنه خارج عن ذلك المنهى فهو كالمخصص له. وأما زيارة القبور الزيارة الشرعية فالسنة الصحيحة آمرة بها ، فهى إذن خارجة من حديث : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد .
(3) ص130 ج1 زاد المعاد (صلاته صلى الله عليه وسلم فى السفر)..(1/58)
1) أن يكون السفر مسافة قصر على ما تقدم بيانه ،ولا يضر نقصانها نحو ميل أو ميلين عند غير المالكية (وقالت) : لا يضر نقصانها نحو ثمانية أميال . واستثنوا من اشتراط المسافة اهل مكة ومنى ومزدلفة إذا خرجوا فى موسم الحج للوقوف بعرفة ،فإنه يسن لهم القصر ذهاباً وإياباً إذا بقى عليهم عمل من أعمال الحج التى تؤدى فى غير وطنهم ،وإلا أتموا . وقد تقدم أنه لا دليل صريح صحيح فى تحديد المسافة .
(2و3) ويشترط كون المسافر مستقلا قاصداً قطع مسافة القصر، فلا يقصر التابع كالمرأة مع زوجها إذا أوفاها معجل صداقها ،والجندى مع أميره إذا كان يرتزق منه أو من بيت المال إلا إذا نوى المتبوع السفر وعلم التابع فيكون تبعاً له فى القصر ،ومن خرج هائماً لا يدرى اين يتوجه لا يقصر ،لأنه لو طاف الدنيا بلا قصد قطع المسافة لا يقصر ،أما فى الرجوع فإن كان بينه وبين وطنه مسافة قصر قصر وإلا فلا .
(4) ويشترط كون المسافر بالغاً ،فلا يقصر الصبى عند الحنفيين .
وقال غيرهم: لا يشترط البلوغ ،فلو نوى الصبى مسافة القصر قصر. وهذا هو الظاهر.
(5) ويشترط فيه القصر فى كل رباعية عند الشافعية والحنبلية .
(وقالت) المالكية : تكفى نية القصر فى أول صلاة يقصرها ولا يلزم تجديدها فيما بعد .
(وقال) الحنفيون : متى نوى السفر كان فرضه فى الرباعية ركعتين فلا يلزمه نية القصر ،لأنه لا يلزم فى النية تعيين عدد الركعات كما تقدم فى بحث " النية" من أركان الصلاة .
(6) ويشترط للقصر عدم الاقتداء بمقيم أو مسافر يتم الصلاة ،فإن اقتدى المسافر بمن ذكر لزمه الإتمام على ما تقدم بيانه فى بحث" اقتداء المقيم بالمسافر وعكسه".
((1/59)
7) ويشترط- عند الأربعة وإسحاق - مجاوزته محل إقامته من الجانب الذى خرج منه ،فلا يقصر قبل أن يفارق بيوت القرية أو المصر من الجانب الذى خرج منه حتى لو كان ثمة محلة منفصلة عن المصر وقد كانت متصلة به، لا يقصر ما لم يجاوزها . ولو جاوز للعمران من جهة خروجه وكان بحذائه أبنية من الجانب الآخر يقصر ،غذ المعتبر جانب خروجه . ويدخل فى محل الإقامة ربضه( وهو ما حوله من المساكن) وكذا يشترط مجاوزة القرية المتصلة بربض المصر،بخلاف المتصلة بفنائه ،فإنه لا يشترط مجاوزتها على الصحيح.أما فناء المصر أو القرية فإن كان بينه وبينها أقل من غلوة (1) .
(ودليل) هذا قول أنس: صليت الظهر مع النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً والعصر بذى الحليفة ركعتين .أخرجه الشافعى وأحمد والشيخان وأبو داود والبيهقى (2) .
وقول على بن ربيعة : خرجنا مع على بن أبى طالب فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت ،ثم رجعنا فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت .أخرجه الحاكم والبيهقى ،وذكره البخارى معلقاً ،قال: وخرج على رضى الله عنه فقصر وهو يرى البيوت ،فلما رجع قيل له : هذه الكوفة ؟ قال: حتى ندخلها (3) .(16).
(
__________
(1) الغلوة: كشهوة : ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة ،أى تسعة وثلاثون ومائة متر إلى ستة وثمانين ومائة متر.
(2) ص116 ج1 بدائع المنن. وص102 ج5 الفتح الربانى . وصدره : صلى بنا رسول الله . وص386 ج2 فتح البارى ( يقصر إذا خرج من موضعه) وص 199و200 ج5 نووى مسلم (صلاة المسافرين) . وص 156 ج7 المنهل العذب (متى يقصر المسافر؟) وص145 ج3 سنن البيهقى .
(3) ص385 ج2 فتح البارى وراية الحاكم بالشرح والتعليق بالمصنف ص145 ج3 سنن البيهقى .(1/60)
قال الحافظ) : ومناسبة أثر على لحديث أنس أن اثر على دال على أن القصر يشرع بفراق الحضر ،وكونه صلى الله عليه وسلم لم يقصر حتى نزل ذا الخليفة ،إنما هو لكونه أول منزل نزله ولم يحضر قبله وقت صلاة . واستدل به على أن من اراد السفر لا يقصر حتى يبرز من البلد (1) .
وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال لظاهر ما تقدم من قول أنس :كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ يصلى ركعتين(2) . قالوا : المراد به بيان المسافة التى يبتدئ منها القصر ولا يخفى بعده كما تقدم فى بحث (مسافة القصر).
(قال) ابن المنذر: ولا أعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قصر فى سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة(3) .
( 5 ) مدة القصر:
هى مدة السفر فيستمر المسافر يقصر حتى يرجع إلى وطنه أو ينوى الإقامة خمسة عشر يوماً فأكثر بموضوع واحد يصلح لإقامته عند الحنفيين والثورى والمزنى والليث بن سعد (لقول) ابن عباس وابن عمر: إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفى نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة بها، وإن كنت لا تدرى متى تظعن فاقصرها . أخرجه الطحاوى(4) .(17).
وأخرج نحوه- عن ابن عمر- محمد بن الحسن فى الآثار (5) .
(وروى) أبو حنيفة عن حماد أن إبراهيم قال: إذا خرجت من البيوت فصل ركعتين ،وإذا قدمت البلد الذى تريد فصل ركعتين حتى ترجع إلى أهلك .أخرجه أبو يوسف فى الآثار(6) . (18).
__________
(1) ص385 ج2 فتح البارى . الشرح .
(2) تقدم رقم 42 ص48 .
(3) ص385 ج2 فتح البارى.
(4) ص398 ج1 فتح القدير لابن الهمام(صلاة المسافر9 وإنى لم أجد هذا الأثر فى شرح معانى الآثار
(5) ص398 ج1 فتح القدير.
(6) انظر رقم 371 ص75..(1/61)
والموقوف فى هذا كالمرفوع ،إذ لا مدخل للرأي فى التقديرات الشرعية (فإن نوى) إقامة أقل من خمسة عشر يوماً أو نوى إقامتها بموضعين كبنها وطنطا لا يصير مقيماً إلا أن يبيت بأحدهما،لأن إقامة المرء تضاف إلى مبيته.
(وقال) الشافعى وأبو ثور: إن المسافر إذا نوى إقامة اقل من أربعة أيام قصر ،وإن نوى الإقامة أربعة ايام سوى يومى الدخول والخروج أتم . وهى رواية عن أحمد (روى) مالك عن عطاء الخرسانى أنه سمع سعيد بن المسيب قال: من أجمع إقامة أربع ليالى وهو مسافر أتم الصلاة . قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلىّ (1) .(19).
(وبه قالت) المالكية،غير أنهم اعتبروا نية إقامة أربعة ايام صحاح (ومشهور) مذهب احمد انه إذا عزم المسافر على إقامة ثنتين وعشرين صلاة فأكثر يتم ،وإن نوى اقل من ذلك قصر( لحديث ) جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة الرابع من ذى الحجة فأقام الرابع والخامس والسادس والسابع ،وصلى الصبح فى اليوم الثامن ثم خرج إلى منى . ذكره فى منتقى الأخبار وقال: ومعنى ذلك فى الصحيحين (2) .[59].
(قال) الحافظ: وتكون مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة أربعة أيام سواء ،لأنه خرج منها فى اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى. ومن ثم قال الشافعي : إن المسافر إذا أقام ببلد قصر أربعة أيام . وقال أحمد : يقصر إحدى وعشرين صلاة (3) أى لأنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة من صبح رابع ذى الحجة إلى صبح الثامن.
(وأجاب) الأولون:
(أ) بأن سعيد بن المسيب تابعي فلا يعارض قوله قول الصحابي كابن عمر وابن عباس.
(
__________
(1) ص268 ج1 زرقانى الموطأ (صلاة المسافر إذا أجمع – عزم ونوى مكثاً)..
(2) ص255 ج3 نيل الأوطار ( من دخل بلداً فنوى الإقامة فيه أربعاً يقصر).
(3) ص38 ج20 فتح البارى الشرح (كم يقيم حتى يقصر).(1/62)
ب) وبأن قصره صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين صلاة بمكة حجة على من قدر المدة بأقل من ذلك ،لا على من قدر بأكثر،لأنه مسكوت عنه. فالراجح ما قاله الحنفيون ومن وافقهم .
وأما من لم ينو الإقامة بل عزم على الرجوع إلى بلده متى قضى حاجته ، فإنه يقصر مدة انتظاره قضاء حاجته ،ولو بقى على ذلك سنين عند الحنفيين ومالك وأحمد . وروى عن الشافعي ،لأن الأصل فى حقه السفر .
(روى) يحيى بن أبى إسحاق عن أنس قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلى ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة. قلت: أقمتم بها شيئاً ؟ قال: أقمنا بها عشراً .أخرجه الستة وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح(1) .[60].
(وقال) عمران بن حصين : ما سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً قط إلا صلى ركعتين حتى يرجع ،وشهدت معه حنيناً والطائف فكان يصلى ركعتين . ثم حججت معه واعتمرت ،فصلى ركعتين . ثم قال : يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ،ثم حججت مع ابى بكر واعتمرت فصلى ركعتين ركعتين ،ثم قال :يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر ،ثم حججت مع عمر واعتمرت فصلى ركعتين ركعتين ،ثم قال : أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ،ثم حججت مع عثمان واعتمرت فصلى ركعتين ،ثم إن عثمان أتم بمنى .أخرجه أبو داود الطيالسى والبيهقى (2) . [61].
(
__________
(1) ص380 منه(البخارى) وص202 ج5 نووى مسلم (صلاة المسافرين ) الصلاة فى السفر وص 384 ج1 تحفة الأحوذى (فى كم تقصر الصلاة؟) وص172 ج1 سنن ابن ماجه (كم يقصر الصلاة المسافر؟).
(2) ص115 مسند الطيالسى . وص 135 ج3 سنن البيهقى (رخصة القصر فى كل سفر لا يكون معصية) . و(سفر) بفتح فسكون ،أى مسافرون .(1/63)
وقال ) جابر: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة.أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والبيهقى وقال: تفرد معمر بروايته سنداً (1) . [62].
(ومشهور) مذهب الشافعية أن من أقام ببلد ينتظر قضاء حاجة يقصر الصلاة إلى ثمانية عشر يوماً (لما تقدم) عن عمران بن حصين قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم ،وشهدت معه الفتح ،فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلى إلا ركعتين ويقول: يا أهل البلد صلوا أربعاً فإنا قوم سفر . أخرجه الشافعي مطولا وأبو داود(2) .[63].
(وعن) ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة . قال ابن عباس: ومن أقام سبع عشرة قصر ،ومن أقام أكثر أتم .أخرجه أبو داود ،وابن حبان بسند على شرط البخاري (3) . [64].
(وأجاب ) الأولون:
(أ) بأنه ليس فى حديث عمران بن حصين ما يدل على نفى القصر فى الزيادة ،كيف وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر.
(ب) وبأن اختيار ابن عباس قد عارضه اختيار غيره من الصحابة ومن بعدهم . وقد ذكر الترمذى خلاف العلماء فى هذا وقال: ثم أجمع أهل العلم على أن المسافر يقصر ما لم يجمع إقامة وإن أتى عليه سنون(4) .
(
__________
(1) ص111 ج5 الفتح الربانى . وص 96 ج7 المنهل العذب (إذا اقام بأرض العدو يقصر) وص 152 ج3 سنن البيهقى(من قال يقصر ابداً ما لم يجمع مكثاً) وتبوك بفتح فضم : موضع بين المدينة والشام ،وبه كان آخر غزوة غزاها النبى صلى الله عليه وسلم ،جاءها وهم ينزحون ماءها بقدح فقال : ما زلتم تبكونها (بشد الكاف ،أى تزحمون عليها) وقد صالح النبى صلى الله عليه وسلم أهلها على الجزية .
(2) ص113 ج1 بدائع المنن. وتقدم رقم 105 ص74 ج3 (علم المأموم بحال إمامه).
(3) ص89 ج7 المنهل العذب (متى يتم المسافر؟).
(4) ص385 ج1 تحفة الأحوذى (فى كم تقصر الصلاة ؟).(1/64)
وقال) أنس : إن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة اشهر يقصرون الصلاة .أخرجه البيهقى بسند صحيح فيه عكرمة بن عمار احتج به مسلم(1) (20).
( 6 ) ما يوجب إتمام الصلاة:
يجب على المسافر إتمام الصلاة بواحد من أربعة:
(الأول) أن ينوى الإقامة بموضع صالح إقامته مدة معينة على ما تقدم تفصيله فى البحث السابق.
(الثانى) اقتداء المسافر بمتم كمقيم أو مسافر نوى الإقامة كما تقدم تفصيله فى بحث (علم المأموم بحال إمامه) (2) .
(الثالث) الرجوع إلى المكان الذى ابتدأ منه السفر أو نية الرجوع إليه قبل أن يقطع مسافة القصر،أما إن نوى الرجوع بعد قطع مسافة القصر فإنه لا يتم إلا إذا عاد بالفعل .
هذا . والوطن قسمان على التحقيق:
الأول: وطن أصلى :وهو المكان الذى ولد فيه أو تزوج أو قصد التعيش فيه دون الارتحال منه .
الثانى: وطن إقامة:وهو ما خرج إليه ونوى الإقامة فيه خمسة عشر يوماً فأكثر ثم يسافر ولم يكن مولداً له ولا به أهل (ويبطل) الوطن الأصلى بمثله . فمن ولد بطنطا ثم تركها إلى القاهرة وتزوج بها أو قصد التعيش فيها صارت وطناً أصلياً له ،فإذا سافر من القاهرة إلى طنطا لزمه القصر ما لم ينو الإقامة بها مدة تقطع السفر ،لما تقدم أن النبى صلى الله عليه وسلم و أصحابه المهاجرين قصروا بمكة وقد كانت وطنهم الأصلى ،لكونهم استوطنوا المدينة(ولا يبطل) الوطن الأصلى بوطن الإقامة ولا بالسفر ،فلو سافر من وطنه الأصلى إلى جهة وأقام بها خمسة عشر يوماً فأكثر ثم عاد إلى وطنه لزمه الإتمام وإن لم ينو الإقامة(ويبطل) وطن الإقامة بمثله وبالسفر وبالوطن الأصلى . وهذا متفق عليه .
(
__________
(1) ص152 ج3 سنن البيهقى (من قال يقصر أبداً ما لم يجمع مكثاً ) و( رامهرمز) اسم مدينة بخوزستان . ورام بالفارسية :المراد والمقصود . وهرمز بضم فسكون فضم : احد الأكاسرة . فهى مركبة معناها فى الأصل مقصود وهرمز ومراده .
(2) تقدم ص74 ج3 الدين الخالص.(1/65)
قال) الشيخ منصور بن إدريس : ولو مر المسافر بوطنه أتم ولو لم يكن به حاجة سوى المرور عليه ،لأنه فى حكم المقيم به ،أو مر ببلد له فيه امرأة أتم ولو لم يكن وطنه حتى يفارقه لما تقدم ،أو مر ببلد تزوج فيه أتم حتى يفارق البلد الذى تزوج فيه (لقول) عثمان :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تأهل فى بلد فليصل صلاة المقيم .أخرجه أحمد(1) .
(الرابع) دخول وقت الصلاة وهو مقيم فيلزمه صلاتها تامة عند الحنبلية لوجوبها عليه تامة بدخول الوقت (وقال) غيرهم: المعتبر فى كون الصلاة سفرية أو حضرية آخر الوقت . وهو عند الحنفيين قدر ما يسع التحريمة ، لأن وجوب الصلاة يتعلق به ،فمن سافر آخر الوقت ولم يكن صلى ،لزمته مقصورة فتقضى ولو فى الحضر ركعتين ،كما أن فائتة الحضر الرباعية تقضى أربعاً ،لأن القضاء يكون على حسب الأداء.
وعند الشافعية يعتبر قدر ما يسع ركعة لأن أداء الصلاة يتعلق به ؛ فمن سافر وقد بقى من الوقت ما لا يسع ركعة لزمته تامة فيقضيها أربعاً ولو فى السفر ،وإن بقى من الوقت ما يسع ركعة فأكثر اعتبرت فائتة سفر تقصى فى السفر ركعتين وفى الحضر أربعاً كما تقدم فى بحث ( كيفية القضاء ) (2) .
(
__________
(1) ص327 ج1 كشاف القناع (القصر)والحديث تقدم رقم 57 ص57 .
(2) تقدم ص29 .(1/66)
وعند) المالكية: المعتبر أن يبقى قبل الغروب بالنسبة للظهر والعصر ما يسع ثلاث ركعات ،وقبل الفجر بالنسبة للمغرب والعشاء ما يسع أربع ركعات . فمن سافر قبل الغروب بقدر ما يسع أقل من ثلاث ركعات ولم يكن صلى الظهر والعصر ،لزمته الظهر تامة وتكون العصر فائتة سفر يقضيها ركعتين ولو فى الحضر . وإن بقى قبل الغروب ما يسع ثلاث ركعات فأكثر صلاهما مقصورتين إن تركهما ناسياً ،وكذا إن تركهما عمداً على المنصوص ويكون آثماً بالتأخير . ومن سافر قبل الفجر بقدر ما يسع ثلاث ركعات فأقل ولم يكن صلى المغرب والعشاء لزمته العشاء تامة،وإن بقى على الفجر ما يسع أربع ركعات فأكثر كانت العشاء فائتة سفر تقضى ركعتين ولو فى الحضر .
(تنبيه) علم مما تقدم أن شروط الإتمام على ما قاله الفقهاء ستة: ترك السفر ،ونية الإقامة مدة تقطع السفر على ما تقدم تفصيله ،وكونه مستقلا بالرأى ،فلا تعتبر نية التابع إلا إذا علم بنية المتبوع ،واتحاد موضع الإقامة وصلاحيته لإقامة المسافر،فلا تصح نيتها بمفازة لغير سكان البوادى.
( 7 ) التطوع فى السفر:
النفل المطلق والتهجد والوتر مشروعة فى السفر اتفاقاً ،وكذا رواتب الفرائض عند مالك والشافعى وأحمد والجمهور (لقول) ابن عباس : سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فى السفر ركعتين وهى تمام ،والوتر فى السفر سنة.أخرجه أحمد والبزار . وفى سنده جابر الجعفى ،وثقه شعبة والثورى وضعفه آخرون (1) . [65].
(
__________
(1) ص141 ج5 الفتح الربانى . وص 155 ج2 مجمع الزوائد (صلاة السفر ) و(تمام) أى غير مقصورة لأنها فرضت ركعتين كما تقدم فى بحث (قصر الصلاة).(1/67)
ولقول) جابر الجعفى : سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصلى فى السفر إلا ركعتين ،غير أنه كان يتهجد من الليل .قال جدابر: فقلت لسالم : كانا يوتران ؟ قال: نعم. أخرجه أحمد(1) . [66].
(ولحديث) ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه .وكان ابن عمر يفعله .أخرجه البخارى (2) [67].
(ولقول) ابن عمر: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحضر والسفر ،فصلى الظهر فى الحضر أربعاً وبعدها ركعتين ،وصلى العصر أربعاً وليس بعدها شئ ،وصلى المغرب ثلاثاً وبعدها ركعتين ،وصلى العشاء أربعاً ،وصلى فى السفر الظهر ركعتين وبعدها ركعتين ،والعصر ركعتين وليس بعدها شئ،والمغرب ثلاثاً وبعدها ركعتين،والعشاء ركعتين وبعدها ركعتين . أخرجه أحمد . وكذا الترمذى مختصراً (3) . [68].
(ولقول) الباء بن عازب : سافرت مع النبى صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفراً فلم أره ترك الركعتين قبل الظهر .أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى والترمذى وقال : حسن غريب(4) . [69].
__________
(1) ص141 ج5 الفتح الربانى . و( إلا ركعتين) أى فى غير المغرب لأنها لا تقصر. و(يوتران) يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وابن عمر.
(2) ص391 ج2 فتح البارى (من تطوع فى السفر فى غير دبر الصلاة) و( يسبح بشد الباء :أى يصلى السبحة وهى النافلة .
(3) ص140 ج5 الفتح الربانى ،وص 386 ج1 تحفة الأحوذى (التطوع فى السفر).
(4) ص141 ج5 الفتح الربانى . وص 79 ج7 المنهل العذب . وصدره : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وص 158 ج3 سنن البيهقى (تطوع المسافر) وص 385 ج1 تحفة الأحوذى . ولفظه كأبى داود.(1/68)
وقال يحيى: سئل مالك عن النافلة فى السفر فقال: لا بأس بذلك بالليل والنهار،وقد بلغني أن بعض أهل العلم كان يفعل ذلك (1) . (وقال) أحمد: أرجو ألا يكون بالتطوع بالسفر بأس (2) . (وقال) الحسن البصري : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون ويتطوعون قبل المكتوبة وبعدها(3)(21).
(وقال) جماعة منهم ابن عمر : لا تستحب الرواتب فى السفر . واختاره ابن القيم (لقول) حفص بن عاصم بن عمر : صحبت ابن عمر فى طريق فصلى بنا ركعتين ثم أقبل فرأى ناساً قياماً فقال: ما يصنع هؤلاء ؟ قلت: يسبحون.
__________
(1) ص270 ج1 زرقانى الموطأ (صلاة النافلة فى السفر).
(2) ص113 ج2 الشرح الكبير لابن قدامة.
(3) ص113 منه.(1/69)
قال: لو كنت مسبحاً أتممت صلاتى ، يا بن أخى إنى صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل . وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله . وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله.وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله . وقد قال الله عز وجل : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذى . وهذا لفظ ابى داود(1) . [70].
وأجاب الجمهور:
(أ) عن الحديث باحتمال أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى الرواتب فى رحله ولا يراه ابن عمر ،أو باحتمال أنه تركها أحياناً تنبيهاً على جواز الترك.
ويؤيده ما تقدم عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الرواتب فى السفر .
(
__________
(1) ص142 ج5 الفتح الربانى . وص 197 ج5 نووى مسلم (صلاةالمسافرين) وص79 ج7 المنهل العذب (التطوع فى السفر) وص213 ج1 مجتبى (ترك التطوع فى السفر) وص 171 ج1 سنن ابن ماجه ،و (لأتممت) أى لو كنت مخيراً بين الإتمام وصلاة الراتبة ،لكان الإتمام أحب إلى . فقد فهم أن المقصود من القصر التخفيف علىالمسافر ومنه ترك الراتبة (فإن قلت) كيف ينفى ابن عمر صلاة الرواتب فى السفر وقدتقدم عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم فعلها ؟ (قلت) يجمع بينهما بحمل النفى على غالب أحواله صلى الله عليه وسلم فى السفر،والإثبات على انه صلى الله عليه وسلم صلاها أحياناً لبيان جوازها فى السفر ،أو أنه إذا كان نازلا وقت الصلاة أتى بالرواتب ،وإن كان سائراً اقتصر على الفريضة .(1/70)
ب) وعن قول ابن عمر: ولو تطوعت لأتممت ،بأن الفريضة متحتمة فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها ،وفيه مشقة على المسافر ،وأما النافلة فهى إلى اختيار المكلف ، فالرفق به يقتضى مشروعيتها ،وهو بالخيار إن شاء فعلها وحصل ثوابها وإن شاء تركها (1) (وقول) ابن القيم : لم يحفظ عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها فى السفر إلا ما كان من سنة الفجر(يرده) ما تقدم عن ابن عمر والبراء بن عازب(2) .
(والمختار )عند الحنفيين أن المسافر إذا كان فى حال أمن وقرار يأتى بالرواتب ،وإن كان فى حال خوف وفرار لا يأتى بها. وبه يجمع بين الأحاديث.
( 8 ) الجمع بين الصلاتين :
لا يجوز- عند الحنفيين – الجمع بين صلاتين فى وقت واحد سوى الظهر والعصر يجمع الحاج بينهما بعرفة جمع تقديم ،والمغرب والعشاء يجمع بينهما بمزدلفة جمع تأخير.ورواه ابنالقاسم عن مالك (لقول) ابن مسعود : ما رايت رسول الله صلى الله عليهوسلم صلى صلاة قط إلا لوقتها إلا صلاتين : صلاة المغرب والعشاء بجمع .أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى والطحاوى(3) . [71].
(ولقول) الحسن وابن سيرين : ما نعلم من السنة الجمع بين الصلاتين فى حضر ولا سفر إلا بين الظهر والعصر بعرفة ،وبين المغرب والعشاء بجمع .أخرجه ابن أبى شيبة (22).
(وقال) الجمهور ومنهم الشافعى وأحمد فى المشهور عنه : يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فى السفر تقديماً وتأخيراً بعرفة وغيرها .
__________
(1) ص198 ج5 شرح مسلم للنووى.
(2) تقدم رقم 68 ص69 ورقم 69 ص70.
(3) ص97 ج1 شرح معانى الاثار (الجمع بين صلاتين كيف هو؟) وانظر رقم 205 ص75 ج2 تكملة المنهل العذب (الصلاة بجمع) وباقى المراجع بهامش 2 ص77 منه (وجمع) بفتح فسكون : المزدلفة ،سميت جمعاً لاجتماع الناس بها . وسميت بالمزدلفة لمجئ الحجاج إليها فى زلف من الليل ،وهى شرقى منى ،بينها وبين مكة نحو عشرة آلاف متر.(1/71)
وروى عن مالك ( لحديث ) ابى الزبير عن أبى الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك،فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً .أخرجه الشافعي والجماعة إلا البخاري . وهذا لفظ الشافعي وأبى داود .وزاده أحمد ومسلم : قلت : ما حمله على ذلك ؟ قال: أراد ألا يخرج أمته (1) . [72].
(وروى) ابن عباس قال: ألا اُخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السفر ؟ قلنا : بلى. قال : كان إذا زالت الشمس وهو فى المنزل قدم العصر إلى وقت الظهر ،ويجمع بينهما فى الزوال . وإذا سافر قبيل الزوال أخر الظهر إلى وقت العصر ثم جمع بينهما فى وقت العصر . وإذا حانت المغرب فى منزله جمع بينها وبين العشاء . وإذا لم تحن فى منزله ركب حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما .أخرجه الشافعي وأحمد بسند جيد(2) . [73].
(ولقول) أنس بن مالك :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فى السفر .أخرجه أحمد(3) . [74].
(
__________
(1) ص171 ج1 بدائع . وص 261 ج1 الزرقانى الموطأ (الجمع بين الصلاتين) وص229 ج5 مسند أحمد (حديث معاذ بن جبل..) وص 216 ج5 نووى مسلم (الجمع بين الصلاتين فى السفر) وص59 ج7- المنهل العذب . وص 171 ج1 سنن ابن ماجه. وص98 ج1 مجتبى (الوقت الذى يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر وص387 ج1 تحفة الأحوذى .و(أراد ألا يحرج أمته)أى لأن فى السفر مشقة ،فإذا كلف المسافر أداء كل صلاة فى وقتها كان فى ذلك حرج زيادة على مشقة السفر فشرع الجمع تخفيفاً ودفعاً للحرج .
(2) ص116 ج1 بدائع المنن. وص 119 ج5 الفتح الربانى.
(3) ص117 منه .(1/72)
وأجاب) الأولون عن أحاديث جمع التأخير بأن المراد بالجمع فيها الجمع الصوري ،أى أنه صلى الله عليه وسلم صلى الأولى فى آخر وقتها والثانية فى أول وقتها (لقول) ابن عباس : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً ،والمغرب والعشاء جميعاً ، لا فى خوف ولا فى سفر .أخرجه مالك وقال :أرى ذلك كان فى مطر .وأخرجه الشافعي ومسلم والنسائي والطحاوى وأبو داود ،وأخرجه من طريق آخر بلفظ : جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر. فقيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك ؟ قال :أراد ألا يحرج أمته (1) . [75].
(وجه) الدلالة أن الإجماع على عدم جواز الجمع الحقيقى فى الحضر بغير مطر ؛ فدل على أن المراد بالجمع هنا الصورى (ولا ينافيه )حديث أيوب السخستيانى عن نافع أن ابن عمر استصرخ على صفية وهو بمكة ،فسار حتى غربت الشمس ووبدت النجوم فقال : إنالنبى صلى الله عليهوسلم كان إذا عجل به أمر فى سفر جمع بين هاتين الصلاتين ،فسار حتى غاب الشفق، فنزل فجمع بينهما.أخرجه أبو داود والبيهقى . وكذا الترمذى من حديث عبد الله عن نافع وقال هذا حديث حسن صحيح (2) . [76].
(لأن المراد) بقوله : حتى غاب الشفق: أى قرب غيابه .
(
__________
(1) ص263 ج1 زرقانى الموطأ . وص 118 ج1 بدائع المنن وص 215 ج5 نووى مسلم (الجمع بين الصلاتين فى السفر) وص99 ج1 مجتبى( الجمع بين الصلاتين فى الحضر) وص95 ج1 شرح معانى الآثار (الجمع بين صلاتين كيف هو) وص 65، 68 ج7 المنهل العذب.
(2) ص62 منه . وص 159 ج3 سنن البيهقى (الجمع بين الصلاتين فى السفر) وص388 ج1 تحفة الأحوذى . و(استصرخ )مبنى للمجهول ،أى أتاه من يخبره باحتضار زوجه صفية بنت أبى عبيدة بن مسعود الثقفية ،يقال : استصرخ الإنسالن أو به إذ أتاه الصارخ أى المصوت يعلمه بأمر حدث يستعين به عليه أو ينعى له ميتاً . و( عجل) كتعب . والباء فى (به) زائدة: أى أسرعه (أمر).(1/73)
روى نافع ) وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال : الصلاة . قال : سر حتى إذا كان قبل غيوب الشفق نزل فصلى المغرب ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذى صنعت ( الحديث ) أخرجه أبو داود والدار قطنى (1) . ... ... ... ... ... ... ... ... [77].
دل على أن ذلك الجمع صوري . وبه يتم الجمع بين الأحاديث .
(وقول) النووى: وهو ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل (مردود)
فقد استحسن القرطبي القول بالجمع الصوري ،رجحه إمام الحرمين وابن الماجشون والطحاوى،وقواه ابن سيد الناس بأن أبا الشعثاء – راوي الحديث عن ابن عباس- قال به.
(روى) ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أبى الشعثاء عن ابن عباس قال: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً .
قلت : يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء .قال: وأنا أظن ذلك .أخرجه الشافعي وأحمد ومسلم (2) . [78].
وراوي الحديث أدرى بالمراد من غيره . ويقوى الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع ،فإما أن تحمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بلا عذر ،وإما أن تحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم إخراج الصلاة عن وقتها . ويجمع بها بين الأحاديث والجمع الصوري أولى . قاله الحافظ(3) .
__________
(1) ص70 ج7 المنهل العذب (الجمع بين الصلاتين ) . وص 151 سنن الدار قطنى.
(2) ص118 ج1 بدائع المنن. وص132 ج5 الفتح الربانى وص 217 ج5 نووى مسلم (الجمع بين الصلاتين فى السفر ) (وثامنياً) يعنى الظهر والعصر (وسبعاً) يعنى المغرب والعشاء . وكان هذا فى المدينة (لقول) ابن عباس : صلى الله عليه وسلم فى المدينة مقيما غير مسافر سبعاً وثمانياً .أخرجه أحمد (ص131 ج5 الفتح الربانى) (1) و(قلت) القائل عمرو بن دينار .
(3) ص16 ج2 فتح البارى (تأخير الظهر إلى العصر).(1/74)
واستدل الجمهور على جمع التقديم فى السفر بما روى هشام بن سعد عن أبى الزبير عن أبى الطفيل عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فى غزوة تبوك إذ زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر. وإن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر. وفى المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء ،وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما .أخرجه أبو داود والبيهقى والدار قطنى(1).[79].
وهشام مختلف فيه ،وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبى الزبير كمالك والثورى وقرة بن خالد ،فلم يذكروا فى روايتهم جمع التقديم (2) .
(ولذا) لم يقل الحنفيون به. والصحيح فى هذا الباب حديث أنس قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما ،فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب .أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقى (3) . [80].
احتج به من أبى جمع التقديم ،لكن رواه إسحاق بن راهويه عن شبابة فقال : كان إذا كان فى سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ،ثم ارتحل .أخرجه الإسماعيلى . وأعل : (أ) بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة.
(
__________
(1) ص63 ج7 المنهل العذب) الجمع بين الصلاتين )وص 162 ج3 سنن البيهقى . وص 150 سنن الدارقطنى.
(2) ص394 ج2 فتح البارى (إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس ..).
(3) ص121 ج5 الفتح الربانى . وص 393 ج2 فتح البارى (إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس ..) وص214 ج5 نووى مسلم (الجمع بين الصلاتين )وص 76 ج7 المنهل العذب . وص161 ج3 سنن البيهقى . و(تزيغ) بزاى وغين معجمتين أى تميل إلى جهة المغرب فى رأى العين .(1/75)
ب) ثم تفرد جعفر الفريابى به عن إسحاق . وليس ذلك بقادح فإنهما إمامان حافظان. وأخرج الحاكم فى الأربعين الحديث بسند جيد وفيه : فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب .قاله الحافظ (1) . [81].
(والمشهور) عند المالكية اختصاص الجمع بحالة الجد فى السير لخوف فوات أمر أو لإدراك مهم . وبه قال أشهب ( لقول) عبد الله بن دينار : غابت الشمس وأنا عند عبد الله بن عمر فسرنا ،فلما رأيناه قد أمسى قلنا الصلاة ، فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم،ثم إنه نزل فصلى الصلاتين جميعاً ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير صلى صلاتى هذه يقول يجمع بينهما بعد ليل. أخرجه أبو داود والبيهقى (2) . [82].
(وأجاب) الجمهور بأن فى حديث معاذ وغيره التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم جمع نازلا ،وهى زيادة يجب الأخذ بها .
(قال) ابن عبد البر بعد ذكر حديث معاذ : فى هذا أوضح الدلائل واقوى الحجج فى الرد على من قال : لا يجمع المسافر بين الصلاتين إلا إذا جد به السير . وقد أجمع المسلمون على الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة . وروى مالك عن ابن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله : هل يجمع بين الظهر والعصر فى السفر ؟ فقال: نعم لا بأس بذلك ،ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة (3) ؟ (23).
(
__________
(1) ص393 ج2 فتح البارى الشرح) إذا ارتحل بعد ما زالت الشمس صلى الظهر ثم ركب).
(2) ص74 ج7- المنهل العذب(الجمع بين الصلاتين) وص160 ج3 سنن البيهقى . و( ويجمع بينهما) أى بين المغرب والعشاء . (بليل) أى بعد دخول الليل د\خولا بيناً .
(3) ص264 ج1 زرقانى الموطأ (الجمع بين الصلاتين ..).(1/76)
وقال) ابن الماجشون وابن حبيب وأصبغ من المالكية : يجمع المسافر إذا جد به السير لمجرد قطع المسافة (لقول) ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء .أخرجه البخارى(1) . [83].
(وجوابه) ما تقدم من أن النبى صلى الله عليه وسلم جمع نازلا وسائراً ، فقد تقدم فى حديث معاذ: فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ،ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً(2) .
(قال) الشافعى فى الأم : قوله " ثم دخل ثم خرج " لا يكون إلا وهو نازل، فللمسافر أن يجمع نازلا وسائراً (3) . وقال ابن عبد البر: هذا أوضح دليل على رد من قال : لا يجمع إلا من جد به السير . ففيه أن المسافر له أن يجمع نازلا وسائراً . وكأنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز(4) .
(ولتعارض) الأدلة قال مالك بكراهة الجمع (وحكى) القرطبى عنه أنه كره الجمع للرجال دون النساء (وقالت) الشافعية : ترك الجمع أفضل للخروج من خلاف من لا يجوز الجمع. وعن أحمد روايتان .
{ فائدة } قال الحافظ العراقى : لم يبين فى حديث ابن عمر ولا فى غيره هل كان يجمع فى كل سفر أو كان يخص به السفر الطويل وهو سفر القصر، لكن الظاهر من الجد فى السفر أنه إنما يكون فى الطويل . والحق أن هذه واقعة عين محتملة . فلا يجوز الجمع فى السفر القصير مع الشك فى ذلك . ومذهب مالك أنه لا يختص ذلك بالطويل. ومذهب أحمد اختصاصه به وهو الأصح عند الشافعية (5) .
(
__________
(1) ص392 ج2 فتح البارى (الجمع فى السفر بين المغرب والعشاء).
(2) تقدم رقم 72 ص72.
(3) 117 ج1 بدائع المنن.
(4) 262 ج1 زرقانى الموطأ( الجمع بين الصلاتين فى الحضر والسفر).
(5) ص129 ج3 طرح التثريب (هل يختص الجمع بالسفر الطويل؟).(1/77)
وقال) ابن رشد : اختلفوا فى نوع السفر الذى يجوز فيه الجمع، فظاهر رواية ابن القاسم أنه سفر القربة كالحج والغزو . وقال الشافعى : هو السفر المباح ،وهو ظاهر رواية المدنيين عن مالك(1) .
الجمع فى الحضر لمطر أو غيره:
اختلف العلماء فى ذلك،فقال الشافعى : يجوز الجمع- فى الحضر لمطر- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم ،بشرط أن يكون المطر حاصلا وقت افتتاح الصلاتين . وبه قال أبو ثور وجماعة (لما تقدم) عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً فى غير خوف ولا سفر . قال مالك : أرى ذلك كان فى مطر(2) .
(وقال أحمد) يجمع بين المغرب والعشاء فقط. وبه قال ابن عمر وعروة ابن الزبير والفقهاء السبعة(3) لقول أبى سلمة بن عبد الرحمن : إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء .أخرجه الأثرم(24).
وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال نافع : كان عبد الله بن عمر يجمع إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء(25).
وقال هشام بن عروة : رأيت أبان بن عثمان يجمع بين الصلاتين فى الليلة المطيرة: المغرب والعشاء . فيصليهما معه عروة بن الزبير،وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن ولا ينكرونه، ولا يعرف لهم فى عصرهم مخالف فكان إجماعاً .رواه الأثرم (4) (26).
(
__________
(1) ص136 ج1 بداية المجتهد (السباب المبيحة للجمع).
(2) تقدم رقم 75 ص73 (الجمع بين الصلاتين ) و( أرى) بضم الهمزة ،أى أظن أن جمع النبى صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين من غير خوف ولا سفر كان لمطر ووافق مالكاً على ما ظنه جماعة منهم الشافعى .
(3) الفقهاء السبعة: سعيد بن المسيب،وعروة بن الزبير ،والقاسم بن محمد ، وخارجة بن زيد ،وأبو بكر بن عبد الرحمن ،وسليمان بن يسار ،وعبيد الله بن عتبة.
(4) ص117 ج2 مغنى ابن قدامة.(1/78)