الدِّفَاعُ
عنْ كتابِ رياضِ الصَّالحينَ
تأليف
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة هامة
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيد المرسلين،وعلى آله وصحبه أجمعين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن الناس ما زالوا ينتفعون بكتب الإمام النووي رحمه الله،قديما وحديثا،ولا سيما كتابه النفيس (( رياض الصالحين )) .
فما من دار نشر اليوم إلا وقد طبعته ونشرته،وما من عالم إلا وقد قرره للدرس والحفظ أو الشرح قديماً وحديثاً ،لأهميته البالغة في بابه . وبسبب تفرد شخصية صاحبه الفذة الإمام النووي رحمه الله بكثير من العلوم .
وقد قال الإمام النووي رحمه الله في مقدمة هذا الكتاب(1):
" فَرَأَيتُ أَنْ أَجْمَعَ مُخْتَصَراً منَ الأحاديثِ الصَّحيحَةِ،مشْتَمِلاً عَلَى مَا يكُونُ طَرِيقاً لِصَاحبهِ إِلى الآخِرَةِ،ومُحَصِّلاً لآدَابِهِ البَاطِنَةِ وَالظَاهِرَةِ . جَامِعاً للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السالكين : من أحاديث الزهد ورياضات النُّفُوسِ،وتَهْذِيبِ الأَخْلاقِ،وطَهَارَاتِ القُلوبِ وَعِلاجِهَا،وصِيانَةِ الجَوَارحِ وَإِزَالَةِ اعْوِجَاجِهَا،وغَيرِ ذلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْعارفِينَ .
وَألتَزِمُ فيهِ أَنْ لا أَذْكُرَ إلاّ حَدِيثاً صَحِيحاً(2)مِنَ الْوَاضِحَاتِ،مُضَافاً إِلى الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُوراتِ . وأُصَدِّر الأَبْوَابَ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ بِآياتٍ كَرِيماتٍ،وَأَوشِّحَ مَا يَحْتَاجُ إِلى ضَبْطٍ أَوْ شَرْحِ مَعْنىً خَفِيٍّ بِنَفَائِسَ مِنَ التَّنْبِيهاتِ . وإِذا قُلْتُ في آخِرِ حَدِيث : مُتَّفَقٌ عَلَيهِ فمعناه : رواه البخاريُّ ومسلمٌ .
وَأَرجُو إنْ تَمَّ هذَا الْكِتَابُ أنْ يَكُونَ سَائِقاً للمُعْتَنِي بِهِ إِلى الْخَيْرَاتِ حَاجزاً لَهُ عَنْ أنْواعِ الْقَبَائِحِ والْمُهْلِكَاتِ ."
أي أنه اشترط ألا يخرج حديثاً ضعيفاً في كتابه هذا .
وقد وفَّى بشرطه إلى حدٍّ بعيدٍ،ومهما يكنْ من أمرٍ فالإنسانُ - كما هو معلوم- غير معصوم،فقد يقع في الخطأ،وقد يهم،ولا يسلَمُ من ذلك إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام .
ولكن بعض من قاموا بتخريج أحاديث هذا الكتاب في هذا العصر ؛ كالشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله،وشيخنا الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله،ومن قلَّدهم من طلابهم،قد ضعَّفوا أحاديث عديدة في هذا الكتاب،واعتبروا أنَّ الإمام النوويَ لم يوفِّ بشرطِه .
وقد بلغ مجموعها حوالي (57) سبع وخمسين حديثاً تدور بين الضعف والضعف الشديد على حدِّ قولهم .
وقد قام بعض طلابهما بفصل هذه الأحاديث ونشرها في سائر المنتديات على النت للتحذير منها،وهؤلاء ليسوا في العير ولا في النفير .
وقد كنت قد رددت على الشيخ ناصر رحمه الله عندما ألفت موسوعة السنَّة النبوية(3)،ولكن بما أن هذه الأحاديث صار يتداولها الناس على النت وفي دور النشر،فرأيت لزاماً عليَّ أن أقوم بتخريج هذه الأحاديث والردِّ عليهم .
وقد تبينَ لديَّ أنَّ الأحاديث الضعيفة على التحقيق لا تتجاوز رؤوس الأصابع،بعضها لم ينصَّ الإمامُ النووي رحمه الله على صحته أوحسنه،بل نقل تضعيفه عن الإمام الترمذي رحمه الله ،وبعضها قد صححه أو حسَّنه إمَّا تقليداً لغيره،أو بسببِ اشتباه اسم راو ضعيف براو ثقة فظنَّه الثقة فقوَّى الحديث بسببه .
أمَّا سببُ تضعيفهم لتلك الأحاديث فيعود -برأيي- إلى عدة أسباب :
1. أن الشيخين كانا من المتشددين في الجرح والتعديل .
2. تقليدهما لما ورد في تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر رحمه الله،ولما ورد في كتب الضعفاء كقولهما بتضعيف جميع أحاديث دراج أبي السمح عن أبي الهيثم تقليدا لما ورد في تقريب التهذيب من أنه صدوق في أحاديثه عن أبي الهيثم ضعف(4).
3. عدم ضبطهما لكثير من أقوال الأئمة السابقين في الجرح والتعديل .
4. مخالفة القواعد والضوابط التي وضعت في هذا الفنِّ
5. عدم استيعابهما لكل طرق الحديث وشواهده .
6. عدم الاعتداد بتصحيح الأولين للحديث .
7. وزاد الشيخ ناصر رحمه الله (الطين بلة ً) حيث حشر هذه الأحاديث في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وخطرها السيئ على الأمة !!! .
8. بل ضعَّف أحاديث في الصحيحين أو في أحدهما بما لم يسبق إليه ضاربا بأقوال علماء الحديث عُرْضَ الحائِط.
---------------
ومع الأسف الشديد فإن غالب من يشتغل بالتحقيق في السنَّة والتخريج لا يتعدَّى أن يكون مقلِّداً لهذا أو ذاك إلا ما رحم ربي،ومن هؤلاء الدكتور ماهر ياسين الفحل حفظه الله،فقد قام بتحقيق رياض الصالحين،وتخريج أحاديثه باختصار،وهو عمل جليل وطيب وفيه منافع شتَّى،ولكنه قلدهما في تضعيف غالب الأحاديث التي ضعَّفوها،وزاد أشياء عليهما،وقد رددتُ عليه في تعليقي على رياض الصالحين .
================
وهذا تفصيل الأحاديث التي ضعَّفوها حسب تسلسل أرقامها في رياض الصالحين :
(66و69 و93و200 و286 و356و359و373 و408 و482 و519 و578 و596 و714 و732و758 و790 و797 و798 و830 و889 و890 و891 و912 و944 و947 و1000 و1021 و1024 و 1060 و1094 و1096 و1121 و1157 و1159 و1179 و1235 و1248 و1266 و1335 و1386 و1394 و1442 و1487 و1490 و1493 و1518 و1539 و1569 و1577 و1626 و1641 و1670 و 1677 و1722 و1755 و1873 )
وقد وافقهم الدكتور ماهر في أكثرها وهذه أرقامها في طبعته : ( 66 و68 و93 و196 و286 و356 و359و373 و408 و481 و577 و 595 و713 و757 و 796 و797 و889 و890 و891 و912 و944 و947 و1000 و1060 و1159 و1235 و1248 و1266 و1386 و1394 و1442 و1487 و 1493 و1518 و1539 و1569 و1626 و1641 و1670 و1677 و1722 و1873)
================
وخالفهم الدكتورماهر بالأحاديث التالية حيث لم يضعفها وهي ذوات الأرقام (519 ) وعنده برقم(518 )
وعندهم برقم(790) وعنده برقم (797)
والحديث رقم (732 ) ضعفوه ورقمه عنده (731 ) وسكت عليه فلم يذكر تحسينا ولا تضعيفا .
والحديث رقم (830) عندهم وعنده برقم(829) لم يذكر تضعيفاً .
ووافقهم على الحديث رقم (947) بتضعيف الرواية الواردة عن الشافعي وجزم أنها عن الإصحاب فوهم،ولكنه لم يردَّ حديث مسلم كما فعل الألباني.
وخالفهم في الحديث (1021 ) فلم يتعرض للرواية التي ضعفها الألباني .
وخالفهم في الحديث رقم (1024 ) فلم يتكلم عليه بشيء .
والحديث رقم (1094 ) لم يتكلم عليه بشيء .
والحديث رقم (1096 ) لم يتكلم عليه بشيء .
والحديث رقم (1121) لم يتكلم عليه بشيء .
والحديث رقم (1157) لأنه في صحيح مسلم،فلم يضعف حديثاً في الصحيحين كما فعلا وقد أصاب بهذا حفظه الله .
وخالفهم بالحديث رقم (1179) فلم يعلَّه بشيء .
وخالفهم بالحديث رقم (1335 ) فلم يتكلم عليه بشيء ,
وخالفهم بالحديث رقم (1490 ) ونقل تحسين الترمذي وسكت عليه.
وخالفهم بالحديث رقم (1577 ) ونقل تحسين الترمذي وسكت عليه.
وخالفهم بالحديث رقم (1755) وعنده رقم(1756) ونقل قول الترمذي حديث حسن غريب .
==================
أما الأحاديث الزائدة التي ضعفها الدكتور ماهر ياسين الفحل غفر الله له
فهي ذوات الأرقام التالية في طبعته :
(67 و343 و 583 و604 و619 و 672 و961 و1112 و1226 و 1492 و 1832 )
وسوف أناقشها واحدا واحداً،ولكني سأضع لها أرقاماً متممة للأحاديث السبعة والخمسين .
==============
وأما الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله،فهذا ترقيم الأحاديث التي ضعفها في تعليقه على رياض الصالحين -طبعة المكتب الإسلامي - بيروت وعددها (58) حديثاً: (67 و69 و94 و201 و292 و360 و363 و378 و 413 و 486 و 488 و524 و583 و589 و601 و718 و 736 و762 و794 و801 و802 و834 و894 و895 و896 و917 و951 و954 و990 و 1007 و 1067 و1101 و1103 و1128 و 1164 و 1166 و 1187 و 1244 و1256 و 1274 و 1343 و1393 و 1394 و1402 و1495 و1498 و1501 و1526 و1547 و 1577 و 1649 و1679 و 1686 و 1720 و 1731 و1765 و 1841 و1882) وقد تراجع عن قليل منها .
وهناك أحاديث ضعفها زيادة على الأحاديث (57)
وهي ذوات الارقام التالية في طبعته (292 و488 و589 و990 و1393 و1720 ) وبعضها قد تابعه فيها الدكتور ماهر،فلن أكرر حديثا .
وفي النهاية بلغ عدد الأحاديث التي ضعِّتْ حوالي (79) تسعة وسبعين حديثاً.
والأحاديثُ التي ضعِّفتْ وتبين لديَّ - بعد البحث والتتبع-أنها ضعيفةٌ ضعفاً يسيراً حوالي سبعة أحاديث فقط وهي ذوات الأرقام التالية :
7- ( 359 ) =14- ( 758 )=23- ( 944 ) =30- ( 1096 ) =46- ( 1539 ) لكنه صحيح مرسل =53- ( 1722 ) =54- ( 1755 ) يعني أن نسبة الإصابة عنده أكثر من 99% فقد بلغ القنطرة .
ومع هذا لا يجوز إفرادها وتحذير الناس منها بحجَّة عدم صحتها،حيث يذهب هؤلاء إلى تحريم العمل بالحديث الضعيف سواء أكان في فضائل الأعمال أو الأحكام،وهو مذهب غريب ومنحرف عن منهج السلف الصالح،وقد بينت في كتابي ( الخلاصة في أحكام الحديث الضعيف) بطلان تبني هذا المذهب،ورددت عليهم هناك .
===================
أمَّا طريقة عملي في هذا الرد فكما يلي :
? قمت بنقل ترجمة مختصرة للإمام النووي رحمه الله .
? تمهيد -قواعد هامة للحكم على الأحاديث صحة وضعفاً
? رقمت الأحاديث برقمين رقم متسلسل،ورقم الحديث كما هو في رياض الصالحين .
? قمت بتخريج الأحاديث من مصادرها الأساسية مباشرة بشكل مفصَّل،وذكرت الحديث كاملاً بسنده في أكثر الحالات .
? نقلت أقوال أهل العلم بالحديث جرحاً وتعديلاً من كتبهم مباشرة .
? ناقشت قول من ضعَّفَ الحديث بهدوء،ورددت على الشبهات التي استندوا إليها .
? بينت كثيرا من علل الحديث،وضبطت قواعدها .
? علقتُ على الحديث أحيانا من حيث المعنى ، ولا سيما التي على بعض معناها خلاف .
? ذكرت كثيراً من القواعد في الجرح والتعديل،والحكم على الرواة .
? لم أسلك مسلك المتشددين في الجرح والتعديل،ولا مسلك المتساهلين .
? حررتُ كثيرا من قواعد المصطلح،لمزيد الفائدة .
? ذكرت مصادر الكتاب في آخره وهي كثيرة جدًّا،نافت على الأربعمائة
? قمت بفهرسة الموضوعات على برنامج الورد لسهولة الرجوع إليها .
? ذكرت خلاصة هذا البحث في آخر الكتاب .
قال تعالى : {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} (28) سورة هود
هذا وأسال الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم،وأن ينفع به مؤلفه وناشره والدالُّ عليه في الدارين آمين .
وكتبه
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 22 محرم لعام 1429 هـ الموافق ل30/1/2008 م
تمت مراجعته وتعديله بتاريخ 19 جمادى الأولى 1429هـ،الموافق 24 / 5/2008 م
- - - - - - - - - - - - -
ترجمة الإمام النووي رحمه الله(5)
يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين،مفتي الأمة،شيخ الإسلام،محيي الدين،أبو زكريا النواوي،الحافظ،الفقيه،الشافعي،الزاهد،أحد الأعلام .
ولد في العشر الأوسط من المحرم سنة إحدى وثلاثين بنوى . وجدهم هو حسين بن محمد بن جمعة بن حزام الحزامي،بحاء مهملة وزاي .
نزل حسين بالجولان بقرية نوى على عادة العرب،فأقام بها ورزقه الله ذرية إلى أن صار منهم عدد كثير .
قال الشيخ محيي الدين : كان بعض أجدادي يزعم أنها نسبة إلى حزام والد حكيم بن حزام،رضي الله عنه،وهو غلط ،والنووي بحذف الألف،ويجوز إثباتها .
حكى والده لشيخنا أبي الحسن بن العطار أن الشيخ كان نائما إلى جنبه وهو ابن سبع سنين ليلة السابع والعشرين من رمضان،قال : فانتبه نحو نصف الليل وأيقظني وقال : يا أبه ما هذا الضوء الذي قد ملأ الدار ؟ فاستيقظ [أهلي] كلهم،فلم نر شيئا،فعرفت أنه ليلة القدر .
وقال ابن العطار : ذكر لي الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي،رحمه الله قال: رأيت الشيخ محيي الدين وهو ابن عشر بنوى والصبيان يكرهونه على اللعب معهم،وهو يهرب ويبكي،ويقرأ القرآن في [ذلك] الحال،فوقع في قلبي محبته . وجعله أبوه في دكان بالقرية،فجعل لا يشتغل بالبيع و [الشراء] عن القرآن،فوصيت الذي يقرئه وقلت : هذا يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه . ف ( . . . . ) وقال لي : أمنجم أنت ؟ قلت : لا،إنما أنطقني الله بذلك ،فذكر ذلك لوالده فحرص عليه ( . . . ) وقد ناهز الاحتلام .
قال ابن العطار : قال لي الشيخ : فلما كان لي تسع عشرة قدم بي والدي إلى دمشق في سنة تسع وأربعين فسكنت المدرسة الرواحية،وبقيت نحو سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض . وكان قوتي بها جراية المدرسة لا غير .
وحفظت "التنبيه" في نحو أربعة أشهر ونصف ،قال : وبقيت أكثر من شهرين أو أقل لما قرأت : يجب الغسل من إيلاج الحشفة في الفرج،أعتقد أن ذلك قرقرة البطن . وكنت أستحم بالماء البارد كلما قرقر بطني .
قال : وقرأت حفظا ربع "المهذب" في باقي السنة،وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا كمال الدين إسحاق بن أحمد المغربي،ولازمته فأعجب بي وأحبني،وجعلني أعيد لأكثر جماعته . فلما كانت سنة إحدى وخمسين حججت مع والدي،وكانت وقفة جمعة،وكان رحيلنا من أول رجب،فأقمنا بالمدينة نحوا من شهر ونصف .
فذكر والده قال : لما توجهنا من نوى أخذته الحمى،فلم تفارقه إلى يوم عرفة،ولم يتأوه قط ،ثم قدم ولازم شيخه كمال الدين إسحاق .
قال لي أبو المفاخر محمد بن عبد القادر القاضي : لو أدرك القشيري شيخكم وشيخه لما قدم عليهما في ذكره لمشايخها،يعني الرسالة،أحدا لما جمع فيهما من العلم والعمل والزهد والورع والنطق بالحكم .
قال : وذكر لي الشيخ أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ شرحا وتصحيحا،درسين في "الوسيط" ودرسين في "المهذب" ودرسا في "الجمع بين الصحيحين" ودرسا في "صحيح مسلم"،ودرسا في "اللمع" لابن جني،ودرسا في "إصلاح المنطق" لابن السكيت،ودرسا في "التصريف"،ودرسا في أصول الفقه،تارة في "اللمع" لأبي إسحاق،وتارة في "المنتخب" لفخر الدين،ودرسا في أسماء الرجال،ودرسا في أصول الدين ،وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل،ووضوح عبارة،وضبط لغة،وبارك الله لي في وقتي . وخطر لي الاشتغال بعلم الطب،فاشتريت كتاب "القانون" فيه،وعزمت على الاشتغال فيه،فأظلم علي قلبي،وبقيت أياما لا أقدر على الاشتغال بشيء،ففكرت في أمري،ومن أين دخل علي الداخل،فألهمني الله أن سببه اشتغالي بالطب،فبعث "القانون" في الحال،واستنار قلبي .
وقال : كنت مريضا بالرواحية،فبينا أنا في ليلة في الصفة الشرقية منها،وأبي وإخوتي نائمون إلى جنبي إذ نشطني الله وعافاني من ألمي،فاشتاقت نفسي إلى الذكر،فجعلت أسبح،فبينا أنا كذلك بين السر والجهر،إذ شيخ حسن الصورة،جميل المنظر،يتوضأ على البركة في جوف الليل،فلما فرغ أتاني قال : يا ولدي لا تذكر الله تشوش على والدك و إخوتك وأهل المدرسة . فقلت :من أنت ؟ قال : أنا ناصح لك،ودعني أكون من كنت.
فوقع في نفسي إبليس فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،ورفعت صوتي بالتسبيح،فأعرض ومشى إلى ناحية باب المدرسة،فانتبه والدي والجماعة على صوتي،فقمت إلى باب المدرسة فوجدته مقفلا،وفتشتها فلم أجد فيها أحدا غير أهلها . فقال لي أبي : يا يحيى ما خبرك ؟ فأخبرته الخبر،فجعلوا يتعجبون،وقعدنا كلنا نسبح ونذكر،قلت : ثم سمع الحديث،فسمع "صحيح مسلم" من الرضى ابن البرهان . وسمع "صحيح البخاري" و "مسند أحمد"،و "سنن أبي داود"،والنسائي،وابن ماجه،و "جامع الترمذي" و"مسند الشافعي" و "سنن الدار قطني" و "شرح السنة" وأشياء عديدة .
وسمع من : ابن عبد الدائم،و الزين خالد،وشيخ الشيوخ شرف الدين عبدالعزيز،والقاضي عماد الدين عبد الكريم بن الحرستاني،وأبي محمد عبد الرحمن بن سالم الانباري،وأبي محمد إسماعيل بن أبي اليسر،وأبي زكريا يحيى بن الصيرفي،وأبي الفضل محمد بن محمد بن البكري،والشيخ شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر،وطائفة سواهم .
وأخذ علم الحديث عن جماعة من الحفاظ،فقرأ كتاب "الكمال" لعبد الغني الحافظ،علي أبي النقا خالد النابلسي،وشرح مسلما ومعظم "البخاري" علي بن إسحاق بن عيسى المرادي ،وأخذ أصول الفقه عن القاضي أبي الفتح التفليسي،قرأ عليه "المنتخب" وقطعة من "المستصفى" للغزالي ،وتفقه على الإمام كمال الدين إسحاق المغربي ثم المقدسي،والإمام شمس الدين عبد الرحمن بن نوح المقدسي،ثم الدمشقي،وعز الدين عمر بن أسعد الإربلي ،وكان النووي يتأدب مع هذا الإربلي،ربما قام وملأ الإبريق ومشى به قدامه إلى الطهارة ،والإمام كمال الدين سلار بن الحسين الإربلي،ثم الحنبلي صاحب الإمام أبي بكر الماهاني ،وقد تفقه الثلاثة الأولون على ابن الصلاح،رحمه الله .
وقرأ النحو على فخر الدين المالكي،والشيخ أحمد بن سالم المصري ،وقرأ على ابن مالك كتابا من تصانيفه،وعلق عنه أشياء .
أخذ عنه : القاضي صدر الدين سليمان الجعبري خطيب داريا،والشيخ شهاب الدين أحمد بن جعوان،والشيخ علاء الدين علي بن العطار،وأمين الدين سالم بن أبي الدر،والقاضي شهاب الدين الإربدي ،وروى عنه : ابن العطار،والمزي،وابن أبي الفتح،وجماعة كثيرة .
أخبرنا علي بن الموفق الفقيه : أنا يحيى بن شرف الفقيه،أنا خالد بن يوسف بن سعد الحافظ .
ح وأنبأتنا ست العرب بنت يحيى قالا : أنا زيد بن الحسن،أنا المبارك بن الحسين،أنا علي بن أحمد،أنا محمد بن عبد الرحمن،ثنا عبد الله ثنا حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ ». رواه مسلم عن شيبان(6).
وقرأت بخط نجم الدين ابن الخباز : أنبا الإمام محيي الدين النووي،أنا عبد الرحمن ابن أبي عمر بن قدامة الفقيه،أنا أبو عبد الله بن الزبيدي،أنا أبو الوقت فذكر أول حديث في الصحيح .
قال شيخنا ابن العطار : ذكر لي شيخنا رحمه الله أنه كان لا يضيع له وقتا في ليل ولا نهار إلا في وظيفة من الاشتغال بالعلم حتى في ذهابه في الطريق يكرر أو يطالع . وأنه بقي على هذا النحو ست سنين،ثم اشتغل بالتصنيف و الاشتغال والنصح للمسلمين وولاتهم،على ما هو عليه من المجاهدة لنفسه،والعمل بدقائق الفقه،والحرص على الخروج من خلاف العلماء والمراقبة لأعمال القلوب وتصفيتها من الشوائب . يحاسب نفسه على الخطرة بعد الخطرة .
وكان محققا في علمه وفنونه،مدققا في علمه وشؤونه،حافظا لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،عارفا بأنواعه من صحيحه وسقيمه وغريب ألفاظ واستنباط فقهه،حافظا للمذهب وقواعده وأصوله،وأقوال الصحابة والتابعين،واختلاف العلماء ووفاتهم . سالكا في ذلك طريقة السلف . وقد صرف أوقاته كلها في أنواع العلم والعمل بالعلم .
قال : فذكر لي صاحبنا أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح الحنبلي قال : كنت ليلة في أواخر الليل بجامع دمشق والشيخ واقف يصلي إلى سارية في ظلمة،وهو يردد قوله تعالى : {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} (24) سورة الصافات، مراراً بحزن وخشوع،حتى حصل عندي من ذلك ما الله به عليم .
قال : وكان إذا ذكر الصالحين ذكرهم بتعظيم وتوقير،وذكر مناقبهم وكرامتهم،فذكر لي شيخنا ولي الدين علي المقيم ببيت لهيا قال : مرضت بالنقرس فعادني الشيخ محي الدين،فلما جلس شرع يتكلم في الصبر،فبقي الألم . وكنت لا أنام في الليل،فعرفت أن زوال الألم من بركته .
وقال الشيخ رشيد الدين ابن المعلم . عذلت الشيخ في عدم دخول الحمام،وتضييق عيشه في أكله ولبسه وأحواله،وقلت : أخشى عليك مرضاً يعطلك عن أشياء أفضل مما تقصده،فقال : إنَّ فلاناً صام وعبد الله حتى اخضر . فعرفت أنه ليس له غرض في المقام في دارنا هذه،ولا يلتفت إلى ما نحن فيه .
قال : ورأيت رجلاً قشر خيارة ليطعمه إياها،فامتنع وقال:أخشى أن ترطب جسمي وتجلب النوم .
قال : وكان لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة بعد العشاء الآخرة . ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر .ولا يشرب الماء المبرد،ولا يأكل فاكهة،فسألته عن ذلك فقال : دمشق كثيرة الأوقاف وأملاك المحجوزة عليهم،والتصرف لهم لا يجوز إلا على وجه الغبطة،والمعاملة فيها على وجه المساقاة،وفيها خلاف والناس لا يفعلونها إلا على جزء من ألف لمالك فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك ؟.
وقال لي شيخنا مجد الدين أبو عبد الله بن الظهير : ما وصل الشيخ تقي الدين ابن الصلاح إلى ما وصل إليه الشيخ محيي الدين من العلم في الفقه والحديث واللغة وعذوبة اللفظ .
وقد نفع الله تعالى الأمة بتصانيفه،وانتشرت في الأقطار،وجلبت إلى الأمصار،فمنها : "المنهاج في شرح مسلم"،و "كتاب الأذكار"،و "كتاب رياض الصالحين"،و "كتاب الأربعين حديثاً"،و "كتاب الإرشاد" في علوم الحديث،و "كتاب التيسير" في مختصر الإرشاد المذكور،و "كتاب المبهمات"،و "كتاب التحرير في ألفاظ التنبيه"،و "العمدة في صحيح التنبيه"،و "والإيضاح" في المناسك،و "الإيجاز" في المناسك،وله أربع مناسك أخر ،وكتال "التبيان في آداب حمله القرآن"،وفتاوى له،و "الروضة" في أربع مجلدات،و "المنهاج" في المذهب،و "المجموع" في شرح المذهب،بلغ فيه باب المصراة إلى أربع مجلدات كبار . وشرح قطعة من البخاري وقطعة جيدة من أول "الوسيط"،وقطعة في "الأحكام" وقطعة كبيرة في "تهذيب الأسماء واللغات"،وقطعة مسودة في طبقات الفقهاء،وقطعة في التحقيق في الفقه،إلى باب صلاة المسافر .
قال ابن العطار : وله مسودات كثيرة،ولقد أمرني مرة ببيع كراريس نحو ألف كراس بخطه،وأمرني بأن أقف على غسلها في الوراقة،فلم أخالف أمره،وفي قلبي منها حسرات .
وقد وقف الشيخ رشيد الدين الفارقي على "المنهاج" فقال :
اغتنى بالفضل يحي فاغتنى وتحلى بتقاه وفضله
ناصباً أعلام علم جازماً وكأن ابن صلاح حاضراًَ
... ... عن بسيط بوجيز نافع فتجلى بلطيف جامع
__________
(1) - رياض الصالحين - (ج 1 / ص 10)
(2) - والحديث الحسن أيضاً ، لأنه داخل ضمنه ، وكثير من الأئمة السابقين جمعوا بينهما كابن حبان والحاكم وابن خزيمة وغيرهم .
(3) - ما زالت مخطوطة يسَّر الله نشرها ، وهي عشرة مجلدات ضخمة .
(4) - ففي تقريب التهذيب ( 1824 ) درَّاج بن سمعان أبو السَّمْح قيل اسمه عبد الرحمن ودراج لقب السهمي مولاهم المصري القاص صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف من الرابعة مات سنة ست وعشرين بخ 4.
(5) - تاريخ الإسلام للذهبي - (ج 12 / ص 345)( 330) فما بعدها
(6) - صحيح مسلم(5038 )(1/1)
بمقال رافعاً للرافعي وكأن ما غاب عنا للشافعي
وكان لا يقبل من أحد شيئا إلا في النادر ممن لا له به علقة من إقراء . أهدى له فقير مرة إبريقا فقبله . وعزم عليه الشيخ برهان الدين الإسكندراني أن يفطر عنده في رمضان فقال : أحضر الطعام إلى هنا ونفطر جملة . قال أبو الحسن : فأفطرنا ثلاثتنا على لونين من طعام أو أكثر .
وكان الشيخ يجمع إدامين ببعض الأوقات . وكان أمَّارا بالمعروف نهَّاءً عن المنكر،لا تأخذه في الله لومة لائم . يواجه الملوك والجبابرة بالإنكار،وإذا عجز عن المواجهة كتب الرسائل . فمما كتبه وأرسلني في السعي فيه، ورقة إلى الظاهر تتضمن العدل في الرعية، وإزالة المكوس عنهم، وكتب معه في ذلك غير واحد من الشيوخ وغيرهم، منهم من مشائخي: أبو محمد عبد الرحمن بن أبي عمر شيخ الحنابلة، وأبو محمد عبد السلام بن علي بن عمر الزواوي، شيخ المالكية، وأبو بكر محمد بن أحمد الشريشي المالكي، وأبو إسحاق إبراهيم بن وليّ الله عبد الله المعروف بابن الأرميني، وأبو حامد محمد بن العلامة أبي الفضائل عبد الكريم بن الحرستاني خطيب دمشق واب خطيبها.
ووضع ورقة الظاهر في ورقة لبَيْليك الخازندار بدر الدين نصها: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله يحيى النووي، سلام الله ورحمته وبركاته على المولى الحسن، ملك الأمراء: بدر الدين، أدام الله الكريم له الخيرات، وتولاه بالحسنات، وبلّغه من خيرات الآخرة والأولى كلَّ آماله، وبارك له في جميع أعماله، آمين.
وينهي إلى العلوم الشريفة أن أهل الشام هذه السنة في ضيق عيش وضعف حال، بسبب قلة الأمطار وغلاء الأسعار، وقلّة الغلات والنبات، وهلاك المواشي، وغير ذلك، وأنتم تعلمون أنه تجب الشفقة على الراعي والرعية، ونصيحته في مصلحته ومصلحتهم، فإن الدين النصيحة.
وقد كتب خَدَمَة الشرع الناصحون للسلطان، المحبون له: كتاباً بتذكرة النظر في أحوال رعيته والرفق بهم، وليس فيه ضرر، بل هو نصيحة محضة وشفقة تامة، وذكرى لأولي الألباب.
والمسؤول من الأمير " أيده الله تعالى " تقديمه إلى السلطان " أدام الله له الخيرات " ويتكلم عليه من الإشارة بالرفق بالرعية بما يجده مدّخراً له عند الله تعالى {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ} (30) سورة آل عمران.
وهذا الكتاب الذي أرسله العلماء إلى الأمير، أمانة ونصيحة للسلطان " أعزّ الله أنصاره والمسلمين كلّهم في الدنيا والآخرة " فيجب عليكم إيصاله للسلطان، أعزّ الله أنصاره، وأنتم مسؤولون عن هذه الأمانة، ولا عذر لكم في التأخر عنها ولا حجة لكم في التقصير فيها عند الله تعالى، تُسألون عنها: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ} (88) سورة الشعراء ،( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) [عبس/34-38])، وأنتم بحمد الله تحبون الخير وتحرصون عليه، وتسارعون إليه، وهذا من أهم الخيرات وأفضل الطاعات، وقد أهَّلتم له وساقه الله إليكم، وهو فضل من الله.
ونحن خائفون أن يزداد الأمر شدة، إن لم يحصل النظر في الرفق بهم، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (201) سورة الأعراف ، وقال تعالى: { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (215) سورة البقرة
والجماعة الكاتبون منتظرون ثمرة هذا، فما فعلتموه وجدتموه عند الله، {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (128) سورة النحل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فلما وصلت الورقتان إليه أوقف عليهما السلطان، فلما وقف عليهما ردّ جوابهما ردّاً عنيفاً، مؤلماً، فتنكدت خواطر الجماعة الكاتبين وغيرهم.(1)
وله غير رسالة إلى الملك الظاهر في الأمر بالمعروف .قال ابن العطار : وقال لي المحدث أبو العباس بن فرح،وكان له ميعادان في الجمعة على الشيخ يشرح عليه في الصحيحين،قال : كان الشيخ محيي الدين قد صار إليه ثلاث مراتب،كل مرتبة منها لو كانت لشخص شدت إليه الرحال . المرتبة الأولى : العلم . والثانية : الزهد . والثالثة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
سافر الشيخ إلى نوى وزار القدس والخليل وعاد إلى نوى،وتمرض عند أبيه. قال ابن العطار : فذهبت لعيادته ففرح ثم قال لي : ارجع إلى أهلك . وودعته وقد أشرف على العافية،وذلك يوم السبت . ثم توفي ليلة الأربعاء .
قال : فبينا أنا نائم تلك الليلة إذ مناد ينادي على سدة جامع دمشق في يوم جمعة : الصلاة على الشيخ ركن الدين الموقع . فصاح الناس لذلك . فاستيقظت فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون . فلما كان آخر يوم الخميس جاءنا وفاته . فنودي يوم الجمعة بعد الصلاة بموته،وصلي عليه صلاة الغائب .
قال الشيخ قطب الدين : وفي ليلة الأربعاء رابع وعشرين رجب توفي الشيخ محي الدين النووي صاحب التصانيف بنوى ودفن بها . وكان أوحد زمانه في الورع والعبادة والتقلل وخشونة العيش والأمر بالمعروف .
واقف الملك الظاهر بدار العدل غير مرة ؛ وحكي عن الملك الظاهر أنه قال : أنا أفزع منه ،وكانت مقاصده جميلة . ولي مشيخة دار الحديث .
قلت : وليها بعد موت أبي شامة سنة خمس وستين وإلى أن مات .
وقال شمس الدين ابن الفخر : كان إماماً،بارعاً،حافظاً . مفتياً،أتقن علوماً شتى،وصنف التصانيف الجمة،وكان شديد الورع والزهد، إنه قد ترك جميع ملاذ الدنيا من المأكول، إلا ما يأتيه من أبوه من كعك يابس وتين حوراني، والملبس إلا الثياب الرثة المرقعة، ولم يدخل الحمام، وترك الفواكه جميعها .(2)
وكان أماراً بالمعروف ناهياً عن المنكر على الأمراء والملوك والناس عامة،فنسأل الله أن يرضى عنه وأن يرضى عنا به .
وذكر مناقبه يطول . وترك جميع الجهات الدنياوية ولم يكن يتناول من جهة من الجهات درهماً فرداً .
وحكى لنا الشيخ أبا الحسن بن العطار أن الشيخ قلع ثوبه ففلاه بعض الطلبة،وكان فيه قمل فنهاه وقال : دعه .
قلت : وكان في ملبسه مثل آحاد الفقهاء من الحوارنة لا يؤبه به . عليه شبختانية صغيرة،ولحيته سوداء فيها شعرات بيض،وعليه هيبة وسكينة . كان لا يتعانى لغط الفقهاء وعياطهم في البحث، بل يتكلم بتؤدة ووقار، ولذلك كان قلمه أبسط من عباراته(3).
وقد رثاه غير واحد يبلغون عشرين نفساً بأكثر من ستمائة بيت،منهم مجد الدين ابن الظهير،وقاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى،ومجد الدين ابن المهتار،وعلاء الدين الكندي الكاتب،والعفيف التلمساني الصوفي الشاعر .
وأراد أقاربه أن يبنوا عليه قبة فرأته عمته،أو قرابة له،في النوم فقال لها : قولي لهم لا يفعلوا هذا الذي قد عزموا عليه،فإنهم كلما بنوا شيئاً تهدم عليهم . فانتبهت منزعجة وحدثتهم،وحوطوا على قبره حجارة تردُّ الدواب .
قال أبو الحسن : وقال لي جماعة بنوى: انه سألوه يوماً أن لا ينساهم في عرصات القيامة فقال لهم: إن كان لي ثمَّ جاه والله لأدخلت الجنة واحداً ممن أعرفه ورائي(4).
قلتُ : ولا يحتمل كتابنا أكثر مما ذكرنا من سيرة هذا السيد رحمه الله عليه . وكان مذهبه في الصفات السمعية السكوت وإمرارها كما جاءت . وربما تأول قليلاً في شرح مسلم،رحمه الله تعالى اهـ(5)
وقال السخاوي :" وأحواله كثيرة لا يسعها هذا المحلُّ فرحمه الله، لقد كان من الدين بمكان الرأس من الجسد، ظهر له العلم فشمَّر إليه، ونظر إلى الخيرات فأفرغت عليه، إذا تكلم افتتح كلامه بالحمد لله والثناء عليه، وإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رفع صوته بالصلاة عليه، انتهى."(6)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر تذكرة الحفاظ - (ج 4 / ص 1473) والمنهل العذب الروي - (ج 1 / ص 31)
(2) - المنهل العذب الروي - (ج 1 / ص 29)
(3) - المنهل العذب الروي - (ج 1 / ص 27)
(4) - المنهل العذب الروي - (ج 1 / ص 26)
(5) - وقال السخاوي في المنهل العذب الروي - (ج 1 / ص 28) تعقيبا على كلام الذهبي : كذا قال: والتأويل كثير في كلامه، انتهى.
قلت : هذا مثال على ذلك ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ ».صحيح مسلم (1808)
قال النووي رحمه الله : "هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَحَادِيث الصِّفَات ، وَفِيهِ مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ سَبَقَ إِيضَاحهمَا فِي كِتَاب الْإِيمَان وَمُخْتَصَرهمَا ،أَنَّ أَحَدهمَا وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور السَّلَف وَبَعْض الْمُتَكَلِّمِينَ : أَنَّهُ يُؤْمِن بِأَنَّهَا حَقّ عَلَى مَا يَلِيق بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّ ظَاهِرهَا الْمُتَعَارَف فِي حَقّنَا غَيْر مُرَاد ، وَلَا يَتَكَلَّم فِي تَأْوِيلهَا مَعَ اِعْتِقَاد تَنْزِيه اللَّه تَعَالَى عَنْ صِفَات الْمَخْلُوق ، وَعَنِ الِانْتِقَال وَالْحَرَكَات وَسَائِر سِمَات الْخَلْق .
وَالثَّانِي : مَذْهَبُ أَكْثَر الْمُتَكَلِّمِينَ وَجَمَاعَات مِنَ السَّلَف وَهُوَ مَحْكِيّ هُنَا عَنْ مَالِك وَالْأَوْزَاعِيِّ : أَنَّهَا تُتَأَوَّل عَلَى مَا يَلِيق بِهَا بِحَسْب مَوَاطِنهَا . فَعَلَى هَذَا تَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيث تَأْوِيلَيْنِ أَحَدهمَا : تَأْوِيل مَالِك بْن أَنَس وَغَيْره مَعْنَاهُ : تَنْزِل رَحْمَته وَأَمْره وَمَلَائِكَته كَمَا يُقَال : فَعَلَ السُّلْطَان كَذَا إِذَا فَعَلَهُ أَتْبَاعه بِأَمْرِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَلَى الِاسْتِعَارَة ، وَمَعْنَاهُ : الْإِقْبَال عَلَى الدَّاعِينَ بِالْإِجَابَةِ وَاللُّطْف . وَاللَّهُ أَعْلَم .شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 96) وانظر قوله في حديث أين الله شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 298)
(6) - المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي - (ج 1 / ص 26)(1/2)
تمهيد
قواعد هامة للحكم على الأحاديث صحة وضعفاً
1. القرآن الكريم قد تكفَّل الله تعالى بحفظه ،بقوله تعالى :" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " [الحجر/9] ، وأمَّا السنَّة النبوية فقد أناط الله حفظها لهذه الأمة الخاتمة ، الشاهدة على الناس ، قال تعالى :" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا " [البقرة/143] ، ولا نكون شهداء على الناس إلا إذا كنا عدولا مؤتمنين على هذه الرسالة ، محافظين عليها أشد المحافظة ، ناشرين لها في الخافقين ، ذابين عنها في كل حين .
2. لا يجوز الحكم على أحاديث الصحيحين من جديد لإجماع الأمة عليهما ، ولتلقي كتابيهما بالقبول ، وكل ما خالف ذلك فهو انحراف عن سواء السبيل .
3. الجرح والتعديل قائم على غلبة الظنِّ ، ومن ثم فالاختلاف فيه كثير ، وهذا الاختلاف يؤدي بدوره إلى الاختلاف في الحكم على الراوي وعلى روايته.
4. كلَّ إمام من أئمة الجرح والتعديل يعتبرُ أمةً وحده في أحكامه على الرواة ، وفي مصطلحاته، فيجب فهم قوله ضمن القواعد والضوابط التي وضعت في هذا الفن .
5. علماء الجرح والتعديل ما بين متشدد ومتساهل ومعتدل ، والواجب علينا الأخذ بمنهج المعتدلين ، وهو الذي جرى عليه العمل خلال القرون المتطاولة .
6. لا يجوز الحكم على الرواة المختلف فيهم إلا بالرجوع لأقوال علماء الجرح والتعديل السابقين، ومن كتبهم مباشرة ، حتى نستطيع الوصول إلى القول الراجح فيهم ، وليس بالرجوع إلى الكتب المختصرة كالتقريب ونحوه .
7. كلُّ راو اختلف فيه العلماء جرحاً وتعديلاً فالراجح أن حديثه حسن ، ما لم يثبت أنه أخطأ في حديث بعينه ولم نجد له عاضداً .
8. الرواة المسكوت عنهم عند السلف من أئمة الجرح والتعديل ، وحسَّن لهم الترمذي أو صحح لهم ابن حبان أو ابن خزيمة أو الحاكم أو المنذري في الترغيب أو الصياء المقدسي في المختارة أوالحافظ العراقي أو الهيثمي أو ابن الملقن أو ابن كثير أو الذهبي أو البوصيري أو ابن حجر أو السخاوي فحديثهم حسن على الراجح ، إذا لم يخالفوا الثقات ، أو ينكر عليهم هذا الحديث بعينه .
9. لا يجوز الحكم على حديث بحكم جديد مغاير لما حكم عليه الأقدمون من أئمة الجرح والتعديل ، إلا ببرهان يقيني أنهم قد أخطؤوا فيه ، دون تسفيه لهم أو انتقاصه منهم .
10. علماء الجرح والتعديل ليسوا بمعصومين ، ومن ثم يمكن أن يخطئوا ، ولو نادراً ، ومنهم الإمام النووي ورحمه الله .
11. الإمام النووي - رحمه الله - من أئمة الجرح والتعديل والحفاظ المعتبرين ، وقد جمع بين الفقه والحديث ، بعكس كثير من الحفاظ .
12. إذا لم يكن الحديث محكوما عليه سابقا بحكم دقيق ، لا بد من جمع طرقه ، ثم النظر في أسانيده ، وفي طبقاته إذا لزم الأمر ،ثم في متنه ، ثم في طرقه وشواهده لفظاً ومعنى ، ثم الحكم عليه ضمن المنهج الوسط في الجرح والتعديل .
13. لا يجوز رد الحديث الصحيح إذا لم نفهمه يعقولنا القاصرة ، ولا بد من الرجوع لأهل العلم وشروح الحديث المعتبرة ، لتزيل ما وقع أنفسنا من إشكال حوله .
14. كل من ردَّ حديثاً ثابتاً ، لأنه خالف رأيه أو مذهبه ، لا يقبل قوله كائنا من كان ، فالحق أحق أن يتبع .
15. لا يجوز التسرع بتضعيف الأحاديث التي صححها أو حسنها من قبلنا من الأئمة المعتبرين ، فإنه سيؤدي إلى التشكيك بالسنَّة النبوية .
16. لا يجوز تصيد أخطاء السابقين ، بحجة التحقيق العلمي المزعوم ،أو الدفاع عن السنَّة وما شابه ذلك ، من أغراض .
17. إذا تبين لدينا -بشكل مؤكد- خطأ عالم في الحكم على حديث ما ، فينبغي أن نلتمس له العذر في ذلك ، وفي الزهد لهناد بن السري(1218 ) عن حميد الطويل قال : قال أبو قلابة : « إذا بلغك عن أخيك ، شيء تجد عليه فيه فاطلب له العذر جهدك فإن أعياك فقل لعل عذره أمر لم يبلغه علمي »(1)
وفي شعب الإيمان للبيهقي (8111 ) عن محمد بن سيرين ، قال : « إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا ، فإن لم تجد له عذرا ، فقل : له عذر »( إسناده حسن)
18. طالب العلم الحقيقي يكمل البناء لا يهدمه ، من أجل عطب صغير فيه ، ففي صحيح البخارى(3535 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إِنَّ مَثَلِى وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ ، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ ، وَيَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ »(2).
- - - - - - - - - - - - - - -
الأحاديث التي انتقدت على رياض الصالحين ومناقشتها
5/ بابُ المراقبة
1- ( 66 ) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ». " رواه الترمذي وقال حديث حسن .
( ضعيف ) [ فيه : أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني،وهو ضعيف مختلط ] .
----------------
قلت : أخرجه الترمذي برقم(2647 ) وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ: وَمَعْنى دَان نَفسه أَي حَاسَبَهَا فِي الدُّنْيَا قبل يَوْم الْقِيَامَة .
أمَّا معنى الحسن عند الإمام الترمذي فهو كما قال ": وَمَا ذَكَرْنَا فِى هَذَا الْكِتَابِ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَإِنَّمَا أَرَدْنَا بِهِ حُسْنَ إِسْنَادِهِ عِنْدَنَا. كُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَى لاَ يَكُونُ فِى إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ وَلاَ يَكُونُ الْحَدِيثُ شَاذًّا وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوَ ذَلِكَ فَهُوَ عِنْدَنَا حَدِيثٌ حَسَنٌ."(3)أي الحديث الضعيف الذي روي من أكثر من طريق فيقوى لغيره (حسن لغيره )(4)
وله متابعتان ولكن فيهما ضعفاً شديداً.
وله شاهد في اعتلال القلوب للخرائطي(59 ) حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ : حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ،وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ : حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ،أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ النُّكْرِيَّ،أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ : " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ " وَزَادَ سَعْدَانُ : " وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ " وهو حديث صحيح
وعلى هذا فالحديث يحسن لغيره لسببين الأول رواية عبد الله بن المبارك عن أبي بكر بن أبي مريم أقوى من غيرها وهذا الشاهد الذي بمعناه . والله أعلم
------------------
( الْكَيِّسُ ) أَيْ الْعَاقِلُ الْمُتَبَصِّرُ فِي الْأُمُورِ النَّاظِرُ فِي الْعَوَاقِبِ
( مَنْ دَانَ نَفْسَهُ ) أَيْ حَاسَبَهَا وَأَذَلَّهَا وَاسْتَعْبَدَهَا وَقَهَرَهَا حَتَّى صَارَتْ مُطِيعَةً مُنْقَادَةً
( وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ) قَبْلَ نُزُولِهِ لِيَصِيرَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَالْمَوْتُ عَاقِبَةُ أَمْرِ الدُّنْيَا ، فَالْكَيِّسُ مَنْ أَبْصَرَ الْعَاقِبَةَ
( وَالْعَاجِزُ ) الْمُقَصِّرُ فِي الْأُمُورِ ،( مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ) مِنَ الْإِتْبَاعِ أَيْ جَعَلَهَا تَابِعَةً لِهَوَاهَا فَلَمْ يَكُفَّهَا عَنِ الشَّهَوَاتِ وَلَمْ يَمْنَعْهَا عَنْ مُقَارَنَةِ الْمُحَرَّمَاتِ
( وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ) فَهُوَ مَعَ تَفْرِيطِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَاتِّبَاعِ شَهَوَاتِهِ لَا يَعْتَذِرُ بَلْ يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ . قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالْعَاجِزُ الَّذِي غَلَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ وَعَمِلَ مَا أَمَرَتْهُ بِهِ نَفْسُهُ فَصَارَ عَاجِزًا لِنَفْسِهِ فَأَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَأَعْطَاهَا مَا اِشْتَهَتْهُ ، قُوبِلَ الْكَيِّسُ بِالْعَاجِزِ ،وَالْمُقَابِلُ الْحَقِيقِيُّ لِلْكَيِّسِ السَّفِيهُ الرَّأْيِ وَلِلْعَاجِزِ الْقَادِرُ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّ الْكَيِّسَ هُوَ الْقَادِرُ ، وَالْعَاجِزَ هُوَ السَّفِيهُ وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ أَيْ يُذْنِبُ وَيَتَمَنَّى الْجَنَّةَ مِنْ غَيْرِ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ .(5)
قلت : وهو مصداق قوله تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) } [الشمس/7-10]
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - إسناده حسن ، الجُهْد والجَهْد : بالضم هو الوُسْع والطَّاقة، وبالفَتْح : المَشَقَّة. وقيل المُبَالَغة والْغَايَة. وقيل هُمَا لُغتَان في الوُسْع والطَّاقَة، فأمَّا في المشَقَّة والْغَاية فالفتح لا غير - أعيا : أتعب وأعجز
(2) - كثير من هذه القواعد قد تكلمت عليها بالتفصيل في كتابي ( الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب)، وبعضها في هذا الكتاب أثناء تخريج الأحاديث والحكم عليها .
(3) - سنن الترمذى(4410) وانظر نزهة النظر - (ج 1 / ص 211) وتوضيح الأفكار - (ج 1 / ص 166) ومنهج النقد في علوم الحديث - (ج 1 / ص 272) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 1 / ص 359) ولسان المحدثين (معجم مصطلحات المحدثين) - (ج 3 / ص 136)
(4) - وأخرجه الحاكم (191 و7639) من طريقه وصححه ورده الذهبي في الموضع الأول ووافقه في الموضع الثاني !! ، وسكت عليه الحافظ ابن حجر في الفتح 9/ 342،وذكره الحافظ العراقي في تخريج الإحياء (2247 ) ونقل تحسين الترمذي وسكت عليه،وحسنه البغوي في شرح السنة (3940 )
(5) - تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 251)(1/3)
2- ( 69 ) عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ ضِفْتُ عُمَرَ فَتَنَاوَلَ امْرَأَتَهُ فَضَرَبَهَا وَقَالَ يَا أَشْعَثُ احْفَظْ عَنِّى ثَلاَثاً حَفِظْتُهُنَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ تَسْأَلِ الرَّجُلَ فِيمَ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ وَلاَ تَنَمْ إِلاَّ عَلَى وِتْرٍ ». وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ أخرجه أحمد. ( ضعيف ) .
[ فيه : داود بن يزيد الأودي وهو ضعيف،وعبد الرحمن المسلي وهو مجهول ]
-----------------
قلت : أخرجه أحمد (124) 1/20 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوَُد - يَعْنِى أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِىَّ - قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ دَاوُدَ الأَوْدِىِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُسْلِىِّ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ ...
أما داود فهو دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَوْدِىِّ كما هو مصرح به عند ابن ماجة (2062) وغيره وهو ثقة باتفاق .
وأما عبد الرحمن المسلي فلم يرو عنه سوى داود بن عبد الله الأودي وفي التقريب مقبول .
وأخرجه الحاكم (7342 ) وصححه ووافقه الذهبي ، وعنده من طريق عبد الرحمن بن عبد الله المكي وهو ثقة !!
وسكت عنه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1722)
وقال عنه في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب - (ج 3 / ص 446): وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ .وصححه الحافظ ابن حجر في تنبيه الأخبار .. الأذكار (977)
والراجح عندي أنه حديث حسنٌ .
--------------
جواز ضرب الزوجة ضرباً غير مبرِّحٍ
قال النووي رحمه الله :" فِيهِ أَنَّ ضَرْبَ الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالدَّابَّة وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لِلْأَدَبِ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ"(1).
ويَجِبُ فِي ضَرْبِ الزَّوْجَةِ لِلنُّشُوزِ أَوْ لِغَيْرِهِ : أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ،وَلاَ مُدْمٍ،وَأَنْ يَتَوَقَّى الْوَجْهَ،وَالأَْمَاكِنَ الْمُخِيفَةَ،وَلاَ يَضْرِبَهَا إِلاَّ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِ كَالنُّشُوزِ،فَلاَ يَضْرِبُهَا لِحَقِّ اللَّهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ،كَتَرْكِ الصَّلاَةِ .(2)
وقال تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } (19) سورة النساء .
قال ابن كثير : " أي: طيِّبُوا أقوالكم لهن،وحَسّنُوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم،كما تحب ذلك منها،فافعل أنت بها مثله،كما قال تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [البقرة:228] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ،وأنا خَيْرُكُم لأهْلي"(3)وكان من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - أنه جَمِيل العِشْرَة دائم البِشْرِ،يُداعِبُ أهلَه،ويَتَلَطَّفُ بهم،ويُوسِّعُهُم نَفَقَته،ويُضاحِك نساءَه،حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يَتَوَدَّدُ إليها بذلك. قالت: سَابَقَنِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَسَبَقْتُهُ،وذلك قبل أن أحملَ اللحم،ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني،فقال: "هذِهِ بتلْك"(4)ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان،ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها. وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد،يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار،وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام،يُؤانسهم بذلك - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب: 21]."(5)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةً لَهُ قَطُّ،وَلَا جَلَدَ خَادِمًا لَهُ قَطُّ،وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ،أَوْ تُنْتَهَكُ مَحَارِمُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ ِعَزَّ وَجَلَّ. "(6)
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ : مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَادِمًا لَهُ،وَلا امْرَأَةً،وَلا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ،إِلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهُ،وَلا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ،إِلا كَانَ أُحِبُّهُمَا إِلَيْهِ أَيْسَرَهُمَا،حَتَّى يَكُونَ إِثْمًا،فَإِذَا كَانَ إِثْمًا،كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الإِثْمِ،وَلا انْتَقَمَ لِنَفْسِهَ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ،حَتَّى يُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهُ فَيَكُونَ هُوَ يَنْتَقِمُ لِلَّهُ"(7)
وعَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ " فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ ، فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ " .(8)
وفِيهِ الضَّمَانُ فِيمَا يَنْشَأُ مِنْهُ مِنْ تَلَفٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ،وَلاَ ضَمَانَ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إِنْ ظَنَّ السَّلاَمَةَ .(9)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 39)
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 28 / ص 177)
(3) - سنن الترمذى(4269) صحيح
(4) - سنن أبى داود(2580) صحيح
(5) - تفسير ابن كثير - (ج 2 / ص 242) والوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 896)
(6) - صحيح مسلم(6195)
(7) - مصنف عبد الرزاق(17943) وعشرة النساء للنسائي (367) بتحقيقي وهو صحيح
(8) - سنن أبى داود (2148 ) صحيح -ذئر : اجترأ
(9) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 2 / ص 388) وابن عابدين 5 / 375 ، والهداية 2 / 117 ، والمغني 8 / 327 ، والتبصرة 2 / 349 ، ومنح الجليل 4 / 556 ، ونهاية المحتاج 8 / 28(1/4)
10- باب في المبادرة إلى الخيرات
وحثِّ من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد
3- ( 93 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ». رواه الترمذي َوقالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وذكره في 61 / باب ذكر الموت وقصر الأمل ( 578 )
( ضعيف جدّاً ) .[ فيه : محرر بن هارون،وهو متروك الحديث ] .
----------------
قلت: أخرجه الترمذى (2476 ) حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الْمَدَنِىُّ عَنْ مُحَرَّرِ بْنِ هَارُونَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا(1)أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ». قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ مُحَرَّرِ بْنِ هَارُونَ وَقَدْ رَوَى بِشْرُ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَرَّرِ بْنِ هَارُونَ هَذَا. وَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَمَّنْ سَمِعَ سَعِيدًا الْمَقْبُرِىَّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ. وَقَالَ تَنْتَظِرُونَ.(2)
قلت : أمَّا محرز بن هارون فمتروك(3)
ولكنه لم ينفرد به،فله متابعات وشواهد :
ففي المستدرك للحاكم (7906) أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَكِيمٍ الْمَرْوَزِيُّ،أَنْبَأَنَا أَبُو الْمُوَجَّهِ،أَنْبَأَنَا عَبْدَانُ،أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ،عَنْ مَعْمَرٍ،عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : مَا يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ إِلاَّ غِنًى مُطْغِيًا،أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا،أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا،أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا،أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا،أَوِ الدَّجَّالَ،وَالدَّجَّالُ شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ،أَوِ السَّاعَةَ،وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ قَالَ الْحَاكِمُ : إِنْ كَانَ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ سَمِعَ مِنَ الْمَقْبُرِيِّ " فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ،ووافقه الذهبي .
قلت : ولكنه ورد في الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ (7)أَخْبَرَكُمْ أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيَوَيْهِ،وَأَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ قَالَا : أَخْبَرَنَا يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ،عَنْ مَنْ سَمِعَ الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " مَا يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ إِلَّا غِنًى مُطْغِيًا،أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا،أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا،أَوْ هَرَمًا مُفْنِدًا،أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا،أَوِ الدَّجَّالَ،فَالدَّجَّالُ شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ،أَوِ السَّاعَةَ،وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ "(4)
فظهر أن فيه انقطاعاً بين معمر والمقبري ليس إلا .
وفي غريب الحديث لإبراهيم الحربي(718 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْمٍ , حَدَّثَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ , أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ , عَنْ سَعِيدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ : " مَا تَنْتَظِرُونَ إِلَّا غِنًى مُطْغِيًا , أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا "
قلت : لا شكَّ أن معمر أدرك سعيد بن أبى سعيد: كيسان المقبرى ولا يبعد أن يكون قد سمعه منه . ولكنه لم يذكر في شيوخه .
وله طريق أخر في المعجم الكبير للطبراني- (ج 19 / ص 318)(774 ) والمعجم الأوسط للطبراني(4092) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن سَعِيدٍ الرَّازِيُّ , قَالَ: نا مُحَمَّدُ بن حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ , قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُخْتَارِ،قَالَ: نا إِسْرَائِيلُ،عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن أَعْيَنَ،عَنْ مَعْمَرٍ،عَنْ مُحَمَّدِ بن عَجْلانَ،عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَا يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ إِلا غِنًى مُطْغِيًا،أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا،أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا،أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا،أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا،أَوِ الدَّجَّالُ , وَالدَّجَّالُ شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ،أَوِ السَّاعَةُ،وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ". لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بن عَجْلانَ إِلا مَعْمَرٌ , وَلا عَنْ مَعْمَرٍ إِلا إِبْرَاهِيمُ بن أَعْيَنَ،وَلا عَنْ إِبْرَاهِيمَ إِلا إِسْرَائِيلُ،وَلا عَنْ إِسْرَائِيلَ إِلا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُخْتَارِ،تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بن حُمَيْدٍ" وفي سنده ضعف .
وفي مسند الشهاب القضاعي (769 ) وأنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَرَكَاتِ الْعَرَبِيُّ،بِمِصْرَ،أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ،أنا أَبُو عُثْمَانَ،سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحَلَبِيُّ،نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي سَكِينَةَ،نا ابْنُ الْمُبَارَكِ،عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ إِلَّا غِنًى مُطْغِيًا،أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا،أَوْ هَرَمًا مُفْلِجًا،أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا،أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا،أَوِ الدَّجَّالَ،فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ،فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ".قلت : يحيى بن عبيد الله التيمى واهٍ فلا يحتجُّ به.
وقال العقيلي- بعد أن ذكر حديث محرر- :"وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ،بِغَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ طَرِيقٍ أَصْلَحَ مِنْ هَذَا"(5)
قلت : فالصوابُ أنه حسنٌ لغيره كما قال الترمذي .
------------------
المبادرة إلى الطاعات قبل فوات الأوان
قَوْلُهُ : ( قَالَ بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا ) أَيْ سَابِقُوا وُقُوعَ الْفِتَنِ بِالِاشْتِغَالِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَاهْتَمُّوا بِهَا قَبْلَ حُلُولِهَا ( هَلْ تَنْظُرُونَ إِلَّا إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ ) قَالَ الْقَارِي : خَرَجَ مَخْرَجَ التَّوْبِيخِ عَلَى تَقْصِيرِ الْمُكَلَّفِينَ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ ، أَيْ مَتَى تَعْبُدُونَ رَبَّكُمْ فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَعْبُدُوهُ مَعَ قِلَّةِ الشَّوَاغِلِ وَقُوَّةِ الْبَدَنِ فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَعَ كَثْرَةِ الشَّوَاغِلِ وَضَعْفِ الْقُوَى ؟ لَعَلَّ أَحَدَكُمْ مَا يَنْتَظِرُ إِلَّا غِنًى مُطْغِيًا اِنْتَهَى . وَقَوْلُهُ مُنْسٍ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِمُشَاكَلَةِ الْأَوْلَى ، أَيْ جَاعِلٌ صَاحِبَهُ مَدْهُوشًا يُنْسِيهِ الطَّاعَةَ مِنْ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ ، وَالتَّرَدُّدِ فِي طَلَبِ الْقُوتِ.
( أَوْ غِنًى مُطْغٍ )أَيْ مُوقِعٍ فِي الطُّغْيَانِ ( أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ )أَيْ لِلْبَدَنِ لِشِدَّتِهِ أَوْ لِلدِّينِ لِأَجْلِ الْكَسَلِ الْحَاصِلِ بِهِ .( أَوْ هَرَمٍ مُفْنِدٍ ) أَيْ مَوْقِعٍ فِي الْكَلَامِ الْمُحَرَّفِ عَنْ سُنَنِ الصِّحَّةِ مِنَ الْخَرِفِ وَالْهَذَيَانِ .
( أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ ) أَيْ قَاتِلٍ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَوْبَةٍ وَوَصِيَّةٍ .
( فَالسَّاعَةُ أَدْهَى ) أَيْ أَشَدُّ الدَّوَاهِي وَأَقْطَعُهَا وَأَصْعَبُهَا ( وَأَمَرُّ ) أَيْ أَكْثَرُ مَرَارَةً مِنْ جَمِيعِ مَا يُكَابِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّدَائِدِ لِمَنْ غَفَلَ عَنْ أَمْرِهَا ، وَلَمْ يَعُدَّ لَهَا قَبْلَ حُلُولِهَا . وَالْقَصْدُ الْحَثُّ عَلَى الْبِدَارِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ حُلُولِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَأُخِذَ مِنْهُ نَدْبُ تَعْجِيلِ الْحَجِّ .(6)
قلت : ومثله قوله تعالى : {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) }سورة آل عمران
ومثله حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ : "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ"(7)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - المفند : أى موقع فى الكلام المحرف عن سنن الصحة من الخرف والهذيان
(2) - وشعب الإيمان للبيهقي (10176) وقصر الأمل (107 ) من طريق محرر ، وفي تخريج أحاديث الإحياء (4336) نقل قول الترمذي وسكت عليه ، وفي خلاصة الأحكام للنووي (3153 ) بعد أن ذكره عن الترمذي وَقَالَ : " حسن " وسكت عليه وشرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 1 / ص 401) وسكت عليه والترغيب 4/250 و ابن عدي في الكامل 6/2434 و بنحوه عند الحاكم 4/321 وإتحاف السادة المتقين 10/252 وشعب الإيمان للبيهقي(10572 و10573)
(3) - الكاشف [ ج 2 - ص244 ] (5307 ) وتهذيب التهذيب[ ج 10 - ص50 ](89) وتهذيب الكمال[ ج 27 - ص272 ] (5800)
(4) - شعب الإيمان للبيهقي (10177 ) وشرح السنة للبغوي (3836)وقِصَرُ الْأَمَلِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(108 ) كلهم عن مَعْمَرَ عَنْ مَنْ سَمِعَ الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ
(5) - الضعفاء الكبير للعقيلي (2012 )
(6) - تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 91)
(7) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 223) (35460) مرسلاً والمستدرك للحاكم (7846) موصولاً وهو صحيح(1/5)
25 / باب الأمر بأداء الأمانة
4- ( 200 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهِ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ». ثُمَّ قَالَ : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) [المائدة/78-82]) ثُمَّ قَالَ : « كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَىِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا ». " رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن .
هذا لفظ أبي داود ولفظ الترمذي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِى الْمَعَاصِى نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَجَالَسُوهُمْ فِى مَجَالِسِهِمْ وَوَاكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ». قَالَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ « لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا »(1). قوله " تأطروهم " : أي تعطفوهم . " ولتقصرونه " : أي لتحبسنه .
( ضعيف ) .[ مداره على أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ولم يسمع من أبيه ] .
-----------------
قلت : أخرجه داود (4338 ) من طريق عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ بن عبد الله عن أبيه والترمذي (3322 ) وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ،وأحمد في مسنده (3785) كلهم من طريقه.
وهو من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ولم يسمع مِن أبيه،ولكنه كَانَ أعلم بحديث أبيه مِن حنيف بن مالك ونظرائه كما قال الدارقطني،وأخذ أحاديث أبيه عن أمه زينب الثقفية خاصة ومسروق وكلاهما ثقة .(2)
وقال ابن المديني فِي حديث يرويه أبي عبيدة عن أبيه : هو منقطع،وهو حديث ثبت،وقال يعقوب بن شيبة :" إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه فِي المسند - يعني فِي الحديث المتصل - لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحتها،وأنه لَمْ يأت فيها بحديث منكر "(3).
وأنكر الألبانى فِي الضعيفة(4)على الترمذي تحسينه لهذا الحديث،وزعم أنه من تساهله الذي عُرف به !!
والحقُّ مع الترمذي كما ترى،هذا على فرض أنه لم يرو إلا عن أبيه،وقد روي من طريق أبي عبيدة عن أبي موسى الأشعري وقد سمع منه،كما في مشكل الآثار للطحاوي(984) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ جَنَّادٍ الْبَغْدَادِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ،عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ،عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ،عَنْ أَبِي مُوسَى،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كَانَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إِذَا عَمِلَ الْعَامِلُ مِنْهُمْ بِالْخَطِيئَةِ نَهَاهُمُ النَّاهِي تَعْزِيرًا , فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَالَسَهُ وَآكَلَهُ وَشَارَبَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ عَلَى خَطِيئَةٍ بِالْأَمْسِ،فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ , ثُمَّ لَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا،ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ،وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلْتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ السَّفِيهِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَيَلْعَنَكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ ".
وهذا إسناده صحيح ، فتسقط الشبهةُ من أصلها ويصحُّ الحديث .
----------------
من عناصر خيرية هذه الأمة
إنَّ الخيرية للأمة الإسلامية منوطة بتحقيق أصلين أساسيين :
أولهما : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنهما سياج الدين،ولا يمكن أن يتحقق بنيان أمة على الخير والفضيلة إلا بالقيام بهما،فهما من الأسباب التي استحق بنو إسرائيل اللعنة من أجل تركهما .
وثانيهما : الإيمان بالله - تعالى - وبجميع ما أمر الله - تعالى - بالإيمان به .
هذان هما الأمران الذان يجب أن يتحققا لتكون هذه الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس لأن الأمة التي تهمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تؤمن بالله لا يمكن أن تكون خير أمة بل لا توصف بالخيرية قط،لأنه لا خير إلا في الفضائل والحق والعدل،ولا تقوم هذه الأمور إلا مع وجود الإيمان بالله وكثرة الدعاة إلى الخير والناهين عن الشر،ويكون لدعوتهم آثارها القوية التي تحيا معها الفضائل وتزول بها الرذائل .(5)
ومعنى الآيات القرآنية : لَعَنَ اللهُ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الزَّبُورِ وَالإِنْجِيلِ،فَقَدْ لَعَنَ دَاوُدُ،عَلَيْهِ السَّلاَمُ،مِنْ اعْتَدَى مِنْهُمْ فِي السَّبْتِ،أَوْ لَعَنَ العَاصِينَ المُعْتَدِينَ مِنْهُمْ عَامَّةً،وَكَذَلِكَ لَعَنَهُمْ عِيسَى بِنِ مَرْيَمَ،وَسَبَبُ ذَلِكَ اللَّعْنِ هُوَ تَمَادِيهِمْ فِي العِصْيَانِ،وَتَمَرُّدُهُمْ عَنْ طَاعَةِ اللهِ،وَتَمَادِيهِمْ فِي الظُّلْمِ وَالفَسَادِ ( بِمَا كَانُوا يَعْتَدُونَ ) .
فَقَدْ كَانُوا لاَ يَنْهَى أَحَدٌ مِنْهُمْ أَحَداً عَنِ مُنْكَرٍ يَقْتَرِفُهُ مَهْمَا بَلَغَ مِنَ القُبْحِ وَالضَّرَرِ . وَالنَّهِيُ عَنِ المُنْكَرِ هُوَ حِفَاظُ الدِّينِ،وَسِيَاجُ الفَضَائِلِ وَالآدَابِ،فَإذَا تَجَرّأ المُسْتَهْتِرُونَ عَلى إِظْهَارِ فِسْقِهِمْ وَفُجُورِهِمْ،وَرَآهُمُ الغَوْغَاءَ مِنَ النَّاسِ قَلَّدُوهُمْ فِيهِ،وَزَالَ قُبْحُهُ مِنْ نُفُوسِهِمْ،وَصَارَ عَادَةً لَهُمْ،وَزَالَ سُلْطَانُ الدِّينِ مِنْ قُلُوبِهِمْ،وَتُرِكَتْ أَحْكَامُهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ،وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إلى فَشْوِ المُنْكَرَاتِ فِيهِمْ . وَيُقَبِّحُ اللهُ تَعَالَى سُوءَ فِعْلِهِمْ،وَيَذُمُّهُمْ عَلَى اقْتِرَافِ المُنْكَرَاتِ،وَإِصْرَارِهِمْ عَلَيْهَا وَسُكُوتِ الآخَرِينَ عَنْهَا،وَرِضَاهُمْ بِهَا .
وَتَرَى يَا مُحَمَّدُ كَثِيراً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ،يَتَوَلَّوْنَ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ مُشْرِكِي العَرَبِ وَيُحَالِفُونَهُمْ عَلَيْكَ،وَيُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى قِتَالِكَ،وَأَنْتَ تُؤْمِنُ بِاللهِ،وَبِمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ،وَتَشْهَدُ لَهُمْ بِصِدْقِ الرِّسَالَةِ،وَأُولَئِكَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِكِتَابٍ وَلاَ رَسُولٍ،وَلاَ يَعْبُدُونَ اللهَ وَحْدَهُ،وَلَولا اتِّبَاعُ الهَوَى،وَتَزْيينُ الشَّيْطَانِ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ،مَا فَعَلُوا ذَلِكَ،فَبِئْسَ مَا قَدَّمُوهُ لأَنْفُسِهِمْ فِي آخِرَتِهِمْ مِنَ الأَعْمَالِ التِي اسْتَوْجَبَتْ سَخَطَ اللهِ،وَعَظِيمَ غَضَبِهِ عَلَيْهِمْ،وَسَيُجْزَوْنَ عَلَى ذَلِكَ شَرَّ الجَزَاءِ،وَسَيُحِيطَ بِهُمُ العَذَابُ،وَلا يَجِدُونَ عَنْهُ مَصْرِفاً،وَيَخْلُدُونَ فِي النَّارِ أَبَداً .
وَلَوْ كَانَ هَؤُلاَءِ اليَهُودُ،الذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الكَافِرِينَ مِنْ مُشْرِكِي العَرَبِ،يُؤْمِنُونَ بِالنَّبِيِّ الذِي يَدَّعُونَ اتِّبَاعَهُ ( وَهُوَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ )،وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنَ الهُدَى وَالبَيِّنَاتِ،لَمَا اتَّخَذُوا أُولَئِكَ الكَافِرِينَ مِنْ عَابِدِي الأَوْثَانِ،أَوْلِياءً وَأَنْصَاراً،وَلَكَانَتْ عَقِيدَتُهُمْ الدِّينِيَّةُ صَدَّتْهُمْ عَنْ ذَلِكَ،وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مُتَمَرِّدُونَ فِي النِّفَاقِ،خَارِجُونَ عَنْ حَظِيرَةِ الدِّينِ،وَلاَ يُرِيدُونَ إلاَّ الجَاهَ وَالرِّيَاسَةَ،وَيَسْعَوْنَ إلى تَحْصِيلِهِمَا بِأيَّةِ طَرِيقَةٍ كَانَتْ،وَبِأيَّةِ وَسِيلَةٍ قَدَرُوا عَلَيْها .(6)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - قَالَ فِي الْمَجْمَعِ : أَيْ لَا تَنْجُونَ مِنْ الْعَذَابِ حَتَّى تَمْنَعُوهُمْ مِنَ الظُّلْمِ وَتُمِيلُوهُمْ عَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ . وَقَالَ الطِّيبِيُّ : حَتَّى مُتَعَلِّقَةٌ بِلَا كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ عِنْدَ ذِكْرِ مَظَالِمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَلْ يُعْذَرُ فِي تَخْلِيَةِ الظَّالِمِينَ وَشَأْنَهُمْ ، فَقَالَ :لَا حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ وَتَأْخُذُوا عَلَى أَيْدِيهمْ . وَالْمَعْنَى لَا تُعْذَرُونَ حَتَّى تُجْبِرُوا الظَّالِمَ عَلَى الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ وَإِعْطَاءِ النَّصَفَةِ لِلْمَظْلُومِ . تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 369)
(2) - تهذيب الكمال للمزي - (ج 14 / ص 61)(3051 ) وتهذيب التهذيب[ج 5 -ص65 ]( 121)
(3) - شرح علل الترمذي لابن رجب - (ج 1 / ص 198)
(4) - رقم (1105)
(5) - الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 700)
(6) - انظر تفسير الطبري - (ج 10 / ص 489) وتفسير ابن كثير - (ج 3 / ص 160) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 1766) وتفسير الألوسي - (ج 5 / ص 95) وتفسير الرازي - (ج 6 / ص 129) و أيسر التفاسير لأسعد حومد - (ج 1 / ص 748) فما بعدها(1/6)
31 / باب حق الزوج على المرأة
5- ( 286 ) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ ». رواه الترمذي وقال : حديث حَسَنٌ غَرِيبٌ..
( ضعيف ) .[ وفي سنده مجهولان : مساور الحميري وأمه ] .
--------------
قلت :أخرجه الترمذي (1194 ) وابن ماجه (1927) والمستدرك للحاكم (7328) كلهم من طريق مُسَاوِرٍ الْحِمْيَرِيِّ،عَنْ أُمِّهِ،عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وقال : صَحِيحُ الإِسْنَادِ ووافقه الذهبي !!(1)
قلتُ: ومساورُ وأمه مجهولان(2).
ويشهد له من حيث المعنى حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ:"إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا،وَصَامَتْ شَهْرَهَا،وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا،وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا،دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ"(3)وهو صحيح
وبنحوه عند أحمد (19519) عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَاجَةٍ فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ ». قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ « كَيْفَ أَنْتِ لَهُ ». قَالَتْ مَا آلُوهُ إِلاَّ مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ :« فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ » وهو حديث حسن.
فيحسن الحديث لغيره،والله أعلم
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - ونقل الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (1550) تحسين الترمذي وسكت عليه.
(2) - تقريب التهذيب [ ج 1 - ص527 ] (6587)
(3) - المعجم الكبير للطبراني(991 ) وصحيح ابن حبان - (ج 9 / ص 471)(4163 ) وهو صحيح(1/7)
40 / باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل
6- ( 356 ) عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِى شَبِيبٍ أَنَّ عَائِشَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ مَرَّ بِهَا سَائِلٌ فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَهَيْئَةٌ فَأَقْعَدَتْهُ فَأَكَلَ فَقِيلَ لَهَا فِى ذَلِكَ فَقَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ مَيْمُونٌ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ..
وقد ذكره مسلم في أول صحيح تعليقا فقالت : وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله تعالى عنها - أَنَّهَا قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ.(1)،وذكر الحاكم أبو عبد الله في كتابه " معرفة علوم الحديث " وقال : هو حديث صحيح(2).
[ فيه علتان : الانقطاع،وتدليس حبيب بن أبي ثابت ] .
-------------
قلت : هو في سنن أبى داود (4844 ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَابْنُ أَبِى خَلَفٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ الْيَمَانِ أَخْبَرَهُمْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِى شَبِيبٍ أَنَّ عَائِشَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ مَرَّ بِهَا سَائِلٌ فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَهَيْئَةٌ فَأَقْعَدَتْهُ فَأَكَلَ فَقِيلَ لَهَا فِى ذَلِكَ فَقَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدِيثُ يَحْيَى مُخْتَصَرٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ مَيْمُونٌ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ.(3)
وهو حديث حسن لغيره .
أمَّا تدليس حبيب فقد صرح بالتحديث في الزهد لابن أبي عاصم (88 ) أَخْبَرَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ،أَخْبَرَنَا ابْنُ يَمَانٍ،أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ،أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ،حَدَّثَنِي مَيْمُونُ بْنُ أَبِي شَبِيبٍ،عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ : " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ " فزالت شبهة تدليسه.
وأمَّا عن العلَّة الثانية فقد قَالَ النَّوَوِيّ فِي مُقَدِّمَة شَرْح صَحِيح مُسْلِم فِي فَصْل التَّعْلِيق : وَأَمَّا قَوْل مُسْلِم فِي خُطْبَة كِتَابه وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ " أَمَرَنَا رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُنْزِل النَّاس مَنَازِلهمْ " فَهَذَا بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ لَفْظه لَيْسَ جَازِمًا لَا يَقْتَضِي حُكْمه بِصِحَّتِهِ وَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّهُ اِحْتَجَّ بِهِ وَأَوْرَدَهُ إِيرَاد الْأُصُول لَا إِيرَاد الشَّوَاهِد يَقْتَضِي حُكْمه بِصِحَّتِهِ،وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ حَكَمَ الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ فِي كِتَابه كِتَاب مَعْرِفَة عُلُوم الْحَدِيث بِصِحَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنه بِإِسْنَادِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ،وَذُكِرَ أَنَّ الرَّاوِي لَهُ عَنْ عَائِشَة مَيْمُون بْن أَبِي شُبَيْب وَلَمْ يُدْرِكهَا . قَالَ الشَّيْخ اِبْن الصَّلَاح وَفِيمَا قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ نَظَر،فَإِنَّهُ كُوفِيّ مُتَقَدِّم قَدْ أَدْرَكَ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة،وَمَاتَ الْمُغِيرَة قَبْل عَائِشَة،وَعِنْد مُسْلِم التَّعَاصُر مَعَ إِمْكَان التَّلَاقِي كَافٍ فِي ثُبُوت الْإِدْرَاك،فَلَوْ وَرَدَ عَنْ مَيْمُون أَنَّهُ قَالَ لَمْ أَلْقَ عَائِشَة اِسْتَقَامَ لِأَبِي دَاوُدَ الْجَزْم بِعَدَمِ إِدْرَاكه وَهَيْهَاتَ ذَلِكَ اِنْتَهَى(4).
قَالَ النَّوَوِيّ : وَحَدِيث عَائِشَة هَذَا قَدْ رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنَده وَقَالَ :هَذَا الْحَدِيث لَا يُعْلَم عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه،وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَة مِنْ غَيْر هَذَا الْوَجْه مَوْقُوفًا"(5).
قلت: وقد روي موصولا عن معاذ كما في مكارم الأخلاق للخرائطي(41 ) حَدَّثَنَا التَّرْقُفِيُّ،حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَالِبٍ،حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو مُعَاذٍ،عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْفِلَسْطِينِيِّ،عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ،عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنْزِلِ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ،وَأَحْسِنْ أَدَبَهُمْ عَلَى الْأَخْلَاقِ الصَّالِحَةِ" .
وهناك متابع لميمون في الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ(804)أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ،نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ،نا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ الْعَطَّارُ،نا أَحْمَدُ بْنُ أَسَدٍ،كُوفِيُّ قَرَابَةُ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ نا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ،عَنْ سُفْيَانَ،عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،عَنْ عُمَرَ بْنِ مِخْرَاقٍ،عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ : " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ "(6)
وقال القرطبي : "استدلالُ مسلمٍ بهذا الحديث يدُلُّ - ظاهرًا - على أَنَّه لا بأسَ به،وأنّه ممّا يحتجُّ به عنده،وإنما لم يُسْنِده في كتابه ؛ لأنَّه ليس على شَرْطِ كتابه"(7).
فالحديث حسن لغيره على الأقل،ولا حجَّة لمن ضعفه سوى قلَّة بحثه وعدم واطلاعه على طرقه وأسانيده .
--------------
إنزالُ الناس منازلهم
أي عَامِلُوا كُلّ أَحَد بِمَا يُلَائِم مَنْصِبه فِي الدِّين وَالْعِلْم وَالشَّرَف،قَالَ الْعَزِيزِيُّ : وَالْمُرَاد بِالْحَدِيثِ الْحَضّ عَلَى مُرَاعَاة مَقَادِير النَّاس وَمَرَاتِبهمْ وَمَنَاصِبهمْ وَتَفْضِيل بَعْضهمْ عَلَى بَعْض فِي الْمَجَالِس وَفِي الْقِيَام وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوق .(8)
وقال القرطبي : " وفيه الحَضُّ على مراعاةِ مقادير الناس،ومراتبهم،ومناصبهم،فيعامل كلُّ واحد منهم بما يليقُ بحاله،وبما يلائمُ منصبه في الدينِ والعلمِ والشَّرَفِ والمرتبة ؛ فإنَّ الله تعالى قد رتَّبَ عبيده وخَلْقَه،وأعطى كلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه،وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « خِيَارُهُمْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِى الإِسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا »"(9).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم - (ج 1 / ص 2)
(2) - معرفة علوم الحديث للحاكم - (ج 1 / ص 88)-ذكر النوع السادس عشر من علم الحديث هذ النوع منه معرفة الأكابر من الأصاغر
(3) - والإتحاف 6/265 وأخبار قزوين 3/354 علي والبيهقي في الشعب (10999) وأبو يعلى في مسنده (4826) والزهد لأحمد (91) وحلية الأولياء 4/379 ومعجم الصحابة (972) معاذ وموضح أوهام التفريق 2/396 معاذ ،وذكره مسلم في مقدمة صحيحه دون سند المقدمة
(4) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 2 / ص 537) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 62)
(5) - عون المعبود - (ج 10 / ص 364)
(6) - شعب الإيمان للبيهقي(10561 ) و قال الإمام أحمد : وعمر بن مخراق ، عن عائشة مرسل ، ورواه يحيى بن يمان أيضا ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن عائشة ، وهو أيضا مرسل
(7) - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (ج 1 / ص 45) وعاد فقال : "قال الشيخ ـ رضى الله عنه ـ وعلى هذا : فالحديثُ منقطعٌ ؛ فقد ظهر لأبي داود من هذا الحديث ما لم يظهَرْ لمسلم ، ولو ظهَرَ له ذلك ، لما جاز له أن يستَدِلَّ به ، إلا أن يكونَ يعملُ بالمراسيل ، والله أعلم،على أنَّ مسلمًا إنَّما قال : وذُكِرَ عن عائشة ، وهو مشعرٌ بضعفه ، وأنَّهُ لم يكنْ عنده ممَّا يعتمده."
قلت : وفاته ماذكرناه في التعليق على الحديث من متابعات .
(8) - عون المعبود - (ج 10 / ص 364)
(9) - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (ج 1 / ص 45)(1/8)
7- ( 359 ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلاَّ قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ ». " رواه الترمذي وقال : حَدِيثٌ غَرِيبٌ. ( ضعيف ) .
[ فيه ضعيفان : يزيد بن بيان العقيلي،وأبو الرحال الأنصاري ] .
-----------------
قلت :أخرجه الترمذى (2154 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ بَيَانٍ الْعُقَيْلِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو الرَّحَّالِ الأَنْصَارِىُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ به.
ويزيدُ بن بيان وشيخه فيهما ضعف،والإمام الترمذي لم يحسن هذا الحديث،ولا الإمام النووي. فالحديث ضعيف،ويجوزُ العمل به في فضائل الأعمال .
ومما يشهد له من حيث المعنى ففي الزهد لأحمد بن حنبل (773 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ،حَدَّثَنِي أَبِي،حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ،عَنْ أَيُّوبَ،عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ : قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : الْبِرُّ لَا يُبْلَى وَالْإِثْمُ لَا يُنْسَى وَالدَّيَّانُ لَا يَنَامُ فَكُنْ كَمَا شِئْتَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ"
وفي الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ لِلْبَيْهَقِيِّ (132 )أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ , بِبَغْدَادَ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا مَعْمَرٌ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْبِرُّ لَا يَبْلَى وَالْإِثْمُ لَا يُنْسَى وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ , فَكُنْ كَمَا شِئْتَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ " هَذَا مُرْسَلٌ.(صحيح مرسل)
وفي مَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (6129 )حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ،ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ،ثنا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ،ثنا الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِيسَى بْنِ بَشِيرٍ الْحِمْصِيِّ،حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ،عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْبِرُّ لَا يَبْلَى،وَالْإِثْمُ لَا يُنْسَى،وَالذَّنْبُ لَا يَفْنَى "( صحيح لغيره)
وحديث مسلم (7028 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ ».
===================
الحثُّ على توقير واحترام العلماء وكبار السنِّ
حَثَّ الإِْسْلاَمُ عَلَى تَوْقِيرِ الْعُلَمَاءِ وَكِبَارِ السِّنِّ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ،وَأَهْل الْفَضْل،قَال تَعَالَى : { قُل هَل يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } ( سورة الزمر / 93).
وَعَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِى الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِى فِيهِ وَالْجَافِى عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِى السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ »(1).،وَقَال - صلى الله عليه وسلم - : مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلاَّ قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ"(2).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - سنن أبى داود(4845 ) حسن
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 34 / ص 218) والحديث مرَّ تخريجه(1/9)
45 / باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم
8- ( 373 ) عَنْ عُمَرَ - رضى الله عنه - قَالَ اسْتَأْذَنْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ لِى وَقَالَ :« لاَ تَنْسَنَا يَا أُخَىَّ مِنْ دُعَائِكَ ». فَقَالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّنِى أَنَّ لِى بِهَا الدُّنْيَا قَالَ شُعْبَةُ ثُمَّ لَقِيتُ عَاصِمًا بَعْدُ بِالْمَدِينَةِ فَحَدَّثَنِيهِ وَقَالَ: « أَشْرِكْنَا يَا أُخَىَّ فِى دُعَائِكَ ». " . حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح.
وذكره أيضاً في 92 / باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب الدعاء منه رقم ( 714)
( ضعيف ) .[ فيه عاصم بن عبيد الله بن عاصم العدوي،وهو ضعيف ] .
---------------
قال ابن عثيمين رحمه الله(1):" فهذا حديث ضعيف- وإن صحَّحه المؤلفُ- فإن المؤلف رحمه الله له منهجه الذي منه أنه إذا كان الحديث في فضائل الأعمال فإنه يتساهل في الحكم عليه والعمل به،وهذا وإن كان يصدر عن حسن نية،لكن الواجب اتباع الحق،فالصحيح صحيح والضعيف ضعيف،وفضائل الأعمال تدرك بغير تصحيح الأحاديث الضعيفة ".
---------------
قلتُ : أخرجه أبو داود(1500 ) وابن ماجة (1006) وأحمد (200و5351 )
عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ به.
وأخرجه الترمذى(3910 ) من طريق سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْعُمْرَةِ فَقَالَ: « أَىْ أُخَىَّ أَشْرِكْنَا فِى دُعَائِكَ وَلاَ تَنْسَنَا ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقال الإمام النووي في " الأذكار " 1 / 187 : قال الترمذى : حديث حسن صحيح .
ورواه البزار(119) وقال عقبه :وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إِلاَّ عَنْ عُمَرَ بِهَذَا الإِسْنَادِ،وَرَوَاهُ شُعْبَةُ،وَالثَّوْرِيُّ،عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ.(2)
وله شاهد في الطبقات الكبرى لابن سعد - (ج 3 / ص 273) 3514 قَالَ : أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ،عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ الْمَوْصِلِيِّ،عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هِشَامٍ قَالَ : اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْعُمْرَةِ وَقَالَ : " إِنِّي أُرِيدُ الْمَشْيَ "،فَأَذِنَ لَهُ،قَالَ : فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ : " يَا أَخِي،شُبْنَا بِشَيْءٍ مِنْ دُعَائِكَ،وَلَا تَنْسَنَا ". ولكن هذه الرواية فيها انقطاعٌ .
فعاصمُ بن عبيد الله العمري فيه ضعف(3)،ولكن الذي روى عنه هذه الرواية إماما الجرح والتعديل سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج - وهما من هما - فلو كانت روايته هنا واهية لما روياها عنه،فالراجحُ عندي أنها حسنَةٌ، ولا سيما الشاهد المذكور، ولكن لا تبلغ درجة الصحَّةِ ،والله أعلم.
وأما قول ابن عثيمين :" فإنَّ المؤلف رحمه الله له منهجُه الذي منه أنه إذا كان الحديث في فضائل الأعمال فإنه يتساهلُ في الحكم عليه والعمل به".
قلت : فهذا الكلام بحق الإمام النووي رحمه الله غير سائغ،فمذهبه في الأحاديث الضعيفة هو مذهب كافة العلماء من السلف والخلف(4)،وأين هذا التساهل المزعوم،فقد حسَّن و صحح هذا الحديث عددٌّ من علماء الحديث قبله،فهل اخترع شيئاً جديداً في هذا الباب ؟!!.
أم أنَّ المسألة هي عدم فهم منهج القوم الذي سار عليه علماء الجرح والتعديل؟!.
------------------
مشروعيةُ طلب الدعاء من الغير
قال ابن تيمية- رحمه الله-:" وَيُشْرَعُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ وَمِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فَقَدْ رُوِيَ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَدَّعَ عُمَرَ إلَى الْعُمْرَةِ وَقَالَ : « يَا أَخِى لاَ تَنْسَنَا مِنْ دُعَائِكَ »"(5).
وقال أيضاً:" بَلْ طَلَبُ الدُّعَاءِ مَشْرُوعٌ مِنْ كُلِّ مُؤْمِنٍ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرِ لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ فِي الْعُمْرَةِ : « يَا أَخِى لاَ تَنْسَنَا مِنْ دُعَائِكَ » - إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ - وَحَتَّى أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَطْلُبَ مَنْ أُوَيْسٍ القرني أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلطَّالِبِ(6)،وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ أَفْضَلَ مِنْ أُوَيْسٍ بِكَثِيرِ"(7)
وقال أيضاً:" وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِي وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَاجَه عَنْ عُمَرَ - رضى الله عنه - قَالَ اسْتَأْذَنْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ لِى وَقَالَ: « لاَ تَنْسَنَا يَا أُخَىَّ مِنْ دُعَائِكَ ».فَطَلَبُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عُمَرَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ كَطَلَبِهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ لَهُ الْوَسِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ،وَهُوَ كَطَلَبِهِ أَنْ يَعْمَلَ سَائِرَ الصَّالِحَاتِ فَمَقْصُودُهُ نَفْعُ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِ . وَهُوَ - صلى الله عليه وسلم - أَيْضًا يَنْتَفِعُ بِتَعْلِيمِهِمْ الْخَيْرَ وَأَمْرِهِمْ بِهِ،وَيَنْتَفِعُ أَيْضًا بِالْخَيْرِ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَمِنْ دُعَائِهِمْ لَهُ"(8).
قلتُ:لو كان هذا الخبرُ منكراً - حسب زعم البعض -ما استدلَّ به ابن تيمية في عدة مواضع،وبعضها نقل تصحيح الترمذي وسكت عليه .
وجاء في الموسوعة الفقهية(9):" الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ : اسْتِغَاثَةٌ فِي سُؤَال اللَّهِ : وَهِيَ أَنْ يَسْتَغِيثَ الإِْنْسَانُ بِغَيْرِهِ فِي سُؤَال اللَّهِ لَهُ تَفْرِيجَ الْكَرْبِ،وَلاَ يَسْأَل اللَّهَ هُوَ لِنَفْسِهِ . وَهَذَا جَائِزٌ لاَ يُعْلَمُ فِيهِ خِلاَفٌ .
وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : « هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ »(10)أَيْ بِدُعَائِهِمْ،وَصَلاَتِهِمْ،وَاسْتِغْفَارِهِمْ،وَمِنْ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ(11). أَيْ يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ . فَالاِسْتِنْصَارُ وَالاِسْتِرْزَاقُ يَكُونُ بِالْمُؤْمِنِينَ بِدُعَائِهِمْ،مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَفْضَل مِنْهُمْ . لَكِنَّ دُعَاءَهُمْ وَصَلاَتَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الأَْسْبَابِ،وَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَنْصِرِ بِهِ وَالْمُسْتَرْزِقِ بِهِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِى طِمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ »(12).
وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيثِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ : فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يُسْتَغْفَرَ لَكَ فَافْعَل(13)،وَقَوْل الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ لَمَّا وَدَّعَهُ لِلْعُمْرَةِ : لاَ تَنْسَنَا مِنْ دُعَائِكَ "(14).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - في شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 3 / ص 4)
(2) - انظر ألفاظه وتخريجه في المسند الجامع - (ج 13 / ص 1258)(10595) وهوفي المختارة للضياء - (ج 1 / ص 123) برقم(181 و182) وضعف سنده ، والطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ (3512 و3513 و3514) وإتحاف السادة المتقين للزبيدي 4 / 325 و 406 و 407
(3) - تقريب التهذيب[ ج 1 - ص285 ](3065) وتهذيب التهذيب [ ج 5 - ص42 ] (79)
(4) - انظر كتابي الخلاصة في أحكام العمل بالحديث الضعيف
(5) - مجموع الفتاوى - (ج 1 / ص 79) ومجموع الفتاوى - (ج 27 / ص 69)
(6) - عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ ، قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ ، سَأَلَهُمْ : أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ : أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : لَكَ وَالِدَةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ ، مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ " فَاسْتَغْفِرْ لِي ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : الْكُوفَةَ ، قَالَ : أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا ؟ قَالَ : أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ . قَالَ : فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ، فَوَافَقَ عُمَرَ ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ ، قَالَ : تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ ، قَلِيلَ الْمَتَاعِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ ، إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ " فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ : اسْتَغْفِرْ لِي ، قَالَ : أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ ، فَاسْتَغْفِرْ لِي ، قَالَ : اسْتَغْفِرْ لِي ، قَالَ : أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ ، فَاسْتَغْفِرْ لِي ، قَالَ : لَقِيتَ عُمَرَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ ، قَالَ أُسَيْرٌ : وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً ، فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ : مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ "صحيح مسلم(6656)
(7) - مجموع الفتاوى - (ج 1 / ص 326)
(8) - مجموع الفتاوى - (ج 1 / ص 192)
(9) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 4 / ص 27) وانظر (ج 42 / ص 372)- طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنَ الْمُسَافِرِ وَالدُّعَاءُ لَهُ
(10) - أخرجه البخارى برقم (2896 )
(11) -المعجم الكبير للطبراني - (ج 1 / ص 367) برقم (854- 857) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني - (ج 3 / ص 154) وشرح السنة للبغوي - (ج 6 / ص 394) برقم (3886) وهو صحيح
(12) - الترمذى برقم(4227 ) وهو حديث صحيح ،لا يؤبه : لا يهتم به لحقارته = الطمر : الثوب البالى
(13) - أخرجه مسلم برقم (6656 ) وقد مرَّ بطوله
(14) - مرَّ تخريجه(1/10)
46 / باب الخوف
9- ( 408 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} (4) سورة الزلزلة،قَالَ :« أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.: قَالَ « فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا أَنْ تَقُولَ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا ». " رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
( ضعيف ) .[ فيه : يحيى بن أبي سليمان المدني،وهو ضعيف ] .
-----------------
قلت :أخرجه الترمذى (2616 ) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} (4) سورة الزلزلة،قَالَ :« أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ :« فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا أَنْ تَقُولَ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا ».قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وفي التفسير برقم(3677 ) وقال عقبه : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.(1)
قلتُ : أمَّا يَحْيَى بْنُ أَبِى سُلَيْمَانَ المدني فقال عنه الحافظ ابن حجر : "ليِّنُ الحديث"(2)
وذكر ابن عدي في ترجمته له عددا من الأحاديث ليس هذا منها ثم قال:"وليحيى بن أبى سليمان غير ما ذكرت وهو ممن تكتب أحاديثه وإن كان بعضها غير محفوظة ".(3)
وقد أخرج له البخاري في الأدب المفرد حديثان :
الأول برقم (137) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ،قَالَ : أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ،عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ،عَنِ ابْنِ أَبِي عَتَّابٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ،وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ،أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ " يُشِيرُ بِإِصْبَعَيْهِ "
والآخر برقم (1321 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ،عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ رَمَانَا بِاللَّيْلِ فَلَيْسَ مِنَّا " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ "(4)
قلتُ : فلعل كلام البخاري - الذي نقل عنه -على هذا الحديث فقط،وهو الراجح عندي،لأنه لم يذكره في التاريخ الكبير بجرحٍ .
وقد قوَّى حديثه الترمذي وابن حبان والحاكم،ولذلك حكم عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله في التقريب بأنه ليِّنُ الحديث فقط وهو الصواب عندي .
قلتُ : وأخرجه البزار(8549) حَدَّثنا عَمْرو بن علي،قال :حَدَّثنا عَبد الله بن سنان،قال: حَدَّثنا ابن المبارك،قال : حَدَّثنا سَعِيد بن أبي أيوب قال : حدثني عمران بن سليمان عن سَعِيد المقبري،عَن أبي هُرَيرة،عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ هذه الآية : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) [الزلزلة/4،5] } قال : « أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا أَنْ تَقُولَ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا »..
وفيه عمران بن سليمان،فقد روى عنه جماعة وسكت عليه أئمة الجرح والتعديل،فحديثه حسن(5)
فإن صحَّ هذا فهو متابع له،فيحسنُ الحديث به،لكني أخشى أن يكون هناك تحريف في السند،وذلك لأن الراوي عن يحيى بن أبي سليمان هو سعيد بن أبي أيوب وهو الراوي عن عمران أيضاً،فلعل يحيى حرفت إلى عمران،والله أعلم .
وله شواهد منها:
عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " اسْتَقِيمُوا وَنِعِمَّا إِنِ اسْتَقَمْتُمْ،وَحَافِظُوا عَلَى الْوُضُوءِ ; فَإِنَّ خَيْرَ عَمَلِكُمُ الصَّلَاةُ،وَتَحَفَّظُّوا مِنَ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا أُمُّكُمْ،وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ عَامِلٍ عَلَيْهَا خَيْرًا أَوْ شَرًّا إِلَّا وَهِي مُخْبِرَةٌ " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ(6)،قال الهيثمي عقبه : "وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ،وَهُوَ ضَعِيفٌ "(7).
قلت : هذه ليست بعلة لأن الراوي عنه سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم،المعروف بابن أبي مريم،الجمحي،أبو محمد المصري وهو الثقة الثبت المولود عام 144 هجرية وقد اختلط ابن لهيعة سنة 170 هجرية(8)
ولكن العلة في ربيعة الجرشي وهو مختلف في صحبته(9)
ويشهد له ما في تفسير الطبري حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو،قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِمٍ،قَالَ : ثنا عِيسَى،وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ،قَالَ : ثنا الْحَسَنُ،قَالَ : ثنا وَرْقَاءُ،جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،عَنْ مُجَاهِدٍ،قَوْلُهُ : يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا قَالَ : " تُخْبِرُ النَّاسَ بِمَا عَمِلُوا عَلَيْهَا،وَقِيلَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : أَوْحَى لَهَا أَوْحَى إِلَيْهَا "(10)
قلت : هذا إسناد صحيح إليه ومثله لا يقال بالرأي .
ويشهد له أيضاً حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِىِّ ثُمَّ الْمَازِنِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ قَالَ لَهُ :« إِنِّى أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ،فَإِذَا كُنْتَ فِى غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ،فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "(11).
قلت : فالحديث حسن لغيره على الأقل،وقد جرى عليه العمل حيث احتجَّ به جميع المفسرين دون نكير .
وأما وجود حكمين للترمذي رحمه الله فيه،فالراجحُ أن سببه اختلافُ النسَخ عنه،والأرجح أن قوله حسن غريب هو الوارد عنه،والله أعلم.
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وهو في مسند أحمد (9102) والسنن الكبرى للإمام النسائي (11629) وسكت عليه والمستدرك للحاكم(3012و3965) وصححه ووفقه الذهبي في الموضع الأول ورده في الموضع الثاني وقال : يحيى هذا منكر الحديث قاله البخاري، وفي شعب الإيمان للبيهقي (7046و7047 ) وقال عقبها : قال أحمد : « فهذا أصح من رواية رشدين بن سعد ، ورشدين ضعيف،قلت : وهو في كليهما من طريق يحيى بن أبي سليمان .
وفي صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 360)(7360) ومسند عبد الله بن المبارك (95 ) وتفسير ابن كثير - (ج 8 / ص 461) وفتح القدير - (ج 8 / ص 43) وتفسير البغوي - (ج 8 / ص 502) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 6039) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 6196) ونقل تصحيح الترمذي ،وفي تفسير الألوسي - (ج 23 / ص 84) وتفسير البحر المحيط - (ج 11 / ص 11) وفتح القدير للشوكاني - (ج 8 / ص 43) وشرح السنة للإمام البغوى (ج 15 / ص 117)(4308 ) وقال عقبه :هذا حديث حسن غريب. و كلهم رووه من طريق يحيى بن أبي سليمان ،وتخريج أحاديث الكشاف - (ج 4 / ص 261)من طريق يحيى ونقل تصحيح الحاكم وتحسين الترمذي وتصحيح ابن حبان وسكت عليه ،وذكر تصحيح الترمذي والحاكم السيوطي في الدر المنثور - (ج 10 / ص 322) سكت عليه .
(2) - تقريب التهذيب (7565 ) ، وانظر الكلام عليه في تاريخ البخاري (ج 4 / ص 1)[ 3000 ] وفي الثقات لابن حبان (11676 و11710 ) وفي الكاشف (6182 ) وتاريخ بغداد [ ج 14 - ص108 ](7448 ) وفي الجرح والتعديل [ ج 9 - ص154 ] (640 ) والكامل في الضعفاء [ ج 7 - ص230 ] (2129) وفي ضعفاء العقيلي [ ج 4 - ص407 ](2031 ) قال سمعت البخاري قال: يحيى بن أبي سليمان عن المقبري منكر الحديث .
(3) - المصدر السابق
(4) - قلت : وهذا الذي ذكره العقيلي في ترجمته (2215 ) وقال في آخر الحديث: فَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ بِإِسْنَادٍ صَالِحٍ ".
(5) - انظر لسان الميزان [ ج 4 - ص346 ](1006 ) والتاريخ الكبير [ ج 6 - ص426 ](2870 ) والجرح والتعديل [ ج 6 - ص299 ] (1660) والثقات لابن حبان [ ج 7 - ص241 ] (9878 )
(6) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 4 / ص 455)(4462) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (2434) من طريقه
(7) - مجمع الزوائد ( 1242 )
(8) - انظر تهذيب الكمال[ ج 10 - ص391 ] (2253)
(9) - الجرح والتعديل [ ج 3 - ص472 ] (2116) والكاشف[ ج 1 - ص394 ](1554 ) والإصابة في تمييز الصحابة [ ج 2 - ص471 ](2620)
(10) - تفسير الطبري - (ج 24 / ص 548) (35034 )
(11) - صحيح البخارى (609 )(1/11)
51 / باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر
10- ( 482 ) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لَيْسَ لاِبْنِ آدَمَ حَقٌّ فِى سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ بَيْتٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يُوَارِى عَوْرَتَهُ وَجِلْفُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح ".
( منكر ) .[ فيه حريث بن السائب،ضعيف يروي الإسرائيليات،وهذا منها ] .
وذكره الألبانى فى الضعيفة(1063) وضعيف الجامع (4914) .
-----------------
قلتُ : رواه الترمذى (2512 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حُرَيْثُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنِى حُمْرَانُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لَيْسَ لاِبْنِ آدَمَ حَقٌّ فِى سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ بَيْتٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يُوَارِى عَوْرَتَهُ وَجِلْفُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ حَدِيثُ الْحُرَيْثِ بْنِ السَّائِبِ.(1)
وقد صحح الحديث المرفوع الترمذي والحاكم والذهبي والمنذري والعراقي والمناوي والزبيدي وصاحب تحفة الأحوذي ودليل الفالحين لطرق رياض الصالحين(2)
قلت : وهذه أسانيد رجالها ثقات كلهم رجال الصحيحين،خلا حريث بن السائب وهو ثقة على الصحيح.(3)
وقد كان يكفى فى توثيقه وتعديله اتفاق الإمامين : يحيى بن معين وأبى حاتم الرازى . ولا يذهبن عنك قول الحافظ الذهبى : " لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف،ولا على تضعيف ثقة "(4)،فكيف وقد وثَّق حريثاً هذا الجمع ؟! .
فإذا بان ذلك وتقررت دلالته،عُلم أن قول الحافظ ابن حجر في التقريب " حريث بن السائب التميمي البصري . صدوق يخطئ "(5)فيه نظر وتفصيل،وإلا فليس لحريث بن السائب فى الكتب الستة إلا هذا الحديث !!،وقد تفرد به الترمذى وصحَّحه .
فأما التفصيل،ففي قوله صدوق،فإنه لم يجتزئ بتوثيق الإمامين ابن معين وأبى حاتم،وأراد التوفيق بين ذلك وما قيل فى حقِّ حريث من التضعيف،فقد ذكره أبو زكريا الساجى فى كتابه فى الضعفاء وضعَّفه،وفى سؤالات الآجرى : " سألت أبا داود عن حريث بن السائب فقال : ليس بشيء "(6). بينما ذكره أبو جعفر العقيلى فى الضعفاء،فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً،وإنما قال : "لا يتابع على حديثه "(7)،وهذا مجمل قد يقال عن الثقة إذا تفرد،كما يقال عن غيره .
ومما لا يرتاب فيه أهل المعرفة بمراتب الحفاظ،أن أحكام الحافظ ابن حجر فى الجرح والتعديل أعدل وأنصف وأحكم من أحكام الحافظ أبي الفرج بن الجوزي ؛ الذي يجرِّح الراوي بأدنى كلمة تشير إلى توهينه . ألم تر كيف اقتصر في ترجمة حريث في الضعفاء والمتروكين على تضعيفه فقال :" حريث بن السائب المؤذن بصري ضعَّفه الساجي،وقال أحمد بن حنبل : روى عن الحسن حديثاً منكراً "(8)،ولم يذكر قول واحدٍ ممن وثَّقه،سيما وموثقوه من المتشددين في توثيق الرواة : يحيى بن معين،وأبو حاتم الرازى !! .
وأما النظر،ففي قوله يخطئ،فإن حريثاً ليس له كثير حديث،وما يقع في حديثه من الخطأ فليس منه ولا يتعمده بحالٍ(9)
والخلاصة،فإن حريث بن السائب ثقة صدوق مستقيم الحديث،وحديثه صحيح .
فإن قيل : قد أنكر الإمامان أحمد والدارقطني حديثه،ونسبا حريثاً إلى الوهم،وقالا : قتادة يخالفه،فقد رواه روح ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حمران عن بعض أهل الكتاب ؟(10).
قلت : لا يوجب ذلك نكارة حديث حريث بن السائب المسند الموصول،ولو ثبت سماع قتادة من الحسن،وابن أبى عروبة من قتادة،فكيف وهما مدلسان،ولم يصرح واحد منهما بالسماع ؟!.
وأمَّا قول الساجي : قال أحمد : روى عن الحسن , عن حمران , عن عثمان حديثًا منكرًا (يعني الذي أخرجه الترمذي) وقد ذكر الأثرم عن أحمد علته . فقال : سُئل أحمد , عن حريث . فقال : هذا شيخ بصري روى حديثًا منكرًا , عن الحسن , عن حمران , عن عثمان , كل شيء فضل , عن ظل بيت , وجلف الخبز،وثوب يواري عورة ابن آدم فلا حق لابن آدم فيه . قال : قلت : قتادة يخالفه . قال : نعم , سعيد , عن قتادة عن الحسن , عن حمران , عن رجل من أهل الكتاب . قال أحمد : حدثناه روح , حدثنا سعيد , يعني عن قتادة , به".(11)
قلتُ : أمَّا قول الإمام أحمد رحمه الله ومن تابعه فعجيبٌ،فإذا كان منكراً فلم رواه في مسنده وفي الزهد ولم ينبه عليه فيهما ؟
ففي مسند أحمد (448) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا حُرَيْثُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنِى حُمْرَانُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« كُلُّ شَىْءٍ سِوَى ظِلِّ بَيْتٍ وَجِلْفِ الْخُبْزِ وَثَوْبٍ يُوَارِى عَوْرَتَهُ وَالْمَاءِ فَمَا فَضَلَ عَنْ هَذَا فَلَيْسَ لاِبْنِ آدَمَ فِيهِنَّ حَقٌّ ».
وفي الزهد لأحمد بن حنبل (116) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ،حَدَّثَنَا أَبِي،حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ،حَدَّثَنَا حُرَيْثُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ : حَدَّثَنِي حُمْرَانُ بْنُ أَبَانَ،عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " كُلُّ شَيْءٍ سِوَى ظِلِّ بَيْتٍ،وَجِلْفِ الْخُبْزِ،وَثَوْبٍ يُوَارِي عَوْرَتَهُ". حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ،حَدَّثَنَا أَبِي،حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ،حَدَّثَنَا حُرَيْثُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ : حَدَّثَنِي حُمْرَانُ بْنُ أَبَانَ،عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " كُلُّ شَيْءٍ سِوَى ظِلِّ بَيْتٍ،وَجِلْفِ الْخُبْزِ،وَثَوْبٍ يُوَارِي عَوْرَتَهُ،وَالْمَاءِ،فَمَا فَضَلَ عَنْ هَذَا فَلَيْسَ لِابْنِ آدَمَ فِيهِ حَقٌّ".
فهذا القولُ عنه إمَّا أنه غيرُ صحيح،أو أنه يقصدُ التفرد كما ورد في حالات كثيرة عنه .
وممن رواهُ عن حريث بالرفع عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ومُسْلِمُ بن إِبْرَاهِيمَ وأبو داود الطيالسي و النضر بن شميل،وكلهم ثقات أثبات ،فالرفع زيادة ثقة على الصحيح فتقبل .
وأمَّا الادعاء بأنه روي عن الحسن , عن حمران , عن رجل من أهل الكتاب فلم نر هذه الرواية أصلاً،وما لفظها،لأن الذين رووه من المشاهير لم يذكروها أصلاً .
وقد ذكره العقيلي ولم يعله بذلك،قال : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ،حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،حَدَّثَنَا حُرَيْثُ بْنُ السَّائِبِ،حَدَّثَنَا الْحَسَنُ،حَدَّثَنَا حُمْرَانُ بْنُ أَبَانَ،مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " كُلُّ شَيْءٍ فَضَلَ عَنْ ظِلِّ الْبَيْتِ،وَجِلْفِ الْخُبْزِ،وَثَوْبٍ يُوَارِي عَوْرَةَ ابْنَ آدَمَ فَلَا حَقَّ لِابْنِ آدَمَ فِيهِ " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا،حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ : سَأَلْتُ النَّضْرَ بْنَ شُمَيْلٍ عَنْ حُرَيْثِ بْنِ السَّائِبِ فَقَالَ : بَيْنَ الْمُطِيعِ وَبَيْنَ الْمُدْبِرِ الْعَاصِي وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ،وَالرِّوَايَةُ فِيهِ أَيْضًا لَيِّنَةٌ(12).
ومما يشهد له ما ورد في شعب الإيمان للبيهقي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيُّ , أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ , ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ , ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ , أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , ثَنَا هِشَامٌ , عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ثَلَاثٌ لَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ بِهِنَّ : كِسْرَةٌ يَشُدُّ بِهَا صُلْبَهُ , وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ , وَظِلُّ خَصٍّ يَسْتَظِلُّ بِهِ " هَكَذَا جَاءَ مُرْسَلًا , وَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ .."َ(13).
وفي الزهد لأحمد بن حنبل ( 65 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ،حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ الْحَكَمِ،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ،حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ،حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ،عَنْ هِشَامٍ،عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ثَلَاثٌ لَا يُحَاسَبُ بِهِنَّ الْعَبْدُ : ظِلُّ خُصٍّ يَسْتَظِلُّ بِهِ،وَكِسْرَةٌ يَشُدُّ بِهَا صُلْبَهُ،وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ "(14).وإسناده صحيح مرسل
قلت : وروايته مرسلاً لا تعلُّ روايته موصولاً،لأن الذين رووه موصولاً ثقاتٌ أثباتٌ .
وله شاهد في القناعة لابن السني (63 ) أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ،حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ،حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ،أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ،حَدَّثَنِي ابْنُ زَحْرٍ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ،عَنِ الْقَاسِمِ،عَنْ أَبِي أُمَامَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَا فَوْقَ الْخُبْزِ،وَجَرَّةِ الْمَاءِ،أَوْ ظِلِّ الْحَائِطِ،أَوْ ظِلِّ شَجَرَةٍ فَضْلٌ يُحَاسَبُ بِهِ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وهو ضعيف،علي بن يزيد ضعيف(15)
وله شاهد آخر في حلية الأولياء ( 5001) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ،ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْبُخَارِيُّ،ثنا ابْنُ أَبِي رِزْمَةَ،ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ،ثنا أَبُو حَمْزَةَ،عَنْ لَيْثٍ،عَنْ أَبِي فَزَارَةَ،عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَا فَوْقَ الْإِزَارِ،وَجِلْفُ الْخُبْزِ،وَظِلُّ الْحَائِطِ،وَجَرَّةُ الْمَاءِ،فَضْلٌ يُحَاسَبُ بِهِ،أَوْ يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ . لَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ لَيْثٍ،وَأَبُو حَمْزَةَ هُوَ السُّكَّرِيُّ الْمَرْوَزِيُّ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ".(16)
قلت : وهو ثقة(17)،وليث بن أبي سليم فيه لين،لكن حديثه في المتابعات لا بأس به.
وثمَّة مرجِّح لحديث حريث المسند الموصول،فإنه يشبه فى بعض معانيه ودلالته ما أخرجه مسلم عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقْرَأُ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ « يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِى مَالِى - قَالَ - وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ».(18).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِى مَالِى إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ »(19)..
والخلاصة : أنه قد روي هذا الحديثُ موصولاً،وروي نحوه مرسلاً،وله شاهدان فيهما ضعف،فالصواب أنه حديثٌ صحيحٌ مرفوعٌ،وليس فيه شيء يخالف الشرع،فمسألة أنه عن أهل الكتاب مما لا دليل صحيح عليه فتردُّ .
ومن ثم لا يجوز التسرع بالتضعيف،ولا توهيم العلماء الأفذاذ الذين بلغوا القنطرة كالإمام الترمذي رحمه الله وغيره .
وعلى الذين ضعَّفوا هذا الحديث وأمثاله إعادة النظر فيما ذهبوا إليه والرجوع للصواب.
=================
حُكْمُِ خَبَرِ الْعَدْلِ إِذَا انْفَرَدَ بِرِوَايَةِ زِيَادَةٍ فِيهِ لَمْ يَرْوِهَا غَيْرُهُ
قال الخطيب البغدادي في الكفاية : " بَابُ الْقَوْلِ فِي حُكْمِ خَبَرِ الْعَدْلِ إِذَا انْفَرَدَ بِرِوَايَةِ زِيَادَةٍ فِيهِ لَمْ يَرْوِهَا غَيْرُهُ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ : زِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ , إِذَا انْفَرَدَ بِهَا وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ زِيَادَةٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ شَرْعِيُّ أَوْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ , وَبَيْنَ زِيَادَةٍ تُوجِبُ نُقْصَانًا مِنْ أَحْكَامٍ تَثْبُتُ بِخَبَرٍ لَيْسَتْ فِيهِ تِلْكَ الزِّيَادَةُ , وَبَيْنَ زِيَادَةٍ تُوجِبُ تَغْيِيرَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ , أَوْ زِيَادَةٍ لَا تُوجِبُ ذَلِكَ , وَسَوَاءٌ كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي خَبَرٍ رَوَاهُ رَاوِيهِ مَرَّةً نَاقِصًا , ثُمَّ رَوَاهُ بَعْدُ وَفِيهِ تِلْكَ الزِّيَادَةُ , أَوْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ قَدْ رَوَاهَا غَيْرُهُ وَلَمْ يَرْوِهَا هُوَ .
وَقَالَ فَرِيقٌ مِمَّنْ قَبِلَ زِيَادَةَ الْعَدْلِ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِهَا : إِنَّمَا يَجِبُ قَبُولُهَا إِذَا أَفَادَتْ حُكْمًا يَتَعَلَّقُ بِهَا , فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حُكْمٌ فَلَا .
وَقَالَ آخَرُونَ : يَجِبُ قَبُولُ الزِّيَادَةِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى , وَحُكِيَ عَنْ فِرْقَةٍ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا قَالَتْ : تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ إِذَا كَانَتْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الرَّاوِي , فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي رَوَى النَّاقِصَ , ثُمَّ رَوَى الزِّيَادَةَ بَعْدُ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ .
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ : زِيَادَةُ الثِّقَةِ إِذَا انْفَرَدَ بِهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ , مَا لَمْ يَرْوِهَا مَعَهُ الْحُفَّاظُ , وَتَرْكُ الْحُفَّاظِ لِنَقْلِهَا وَذَهَابُهُمْ عَنْ مَعْرِفَتِهَا يُوهِنُهَا وَيُضْعِفُ أَمْرَهَا وَيَكُونُ مُعَارِضًا لَهَا .
وَالَّذِي نَخْتَارُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْوَارِدَةَ مَقْبُولَةٌ عَلَى كُلِّ الْوُجُوهِ , وَمَعْمُولٌ بِهَا إِذَا كَانَ رَاوِيهَا عَدْلًا حَافِظًا وَمُتْقِنًا ضَابِطًا،وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أُمُورٌ : أَحَدُهَا :اتِّفَاقُ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَوِ انْفَرَدَ الثِّقَةُ بِنَقْلِ حَدِيثٍ لَمْ يَنْقُلْهُ غَيْرُهُ , لَوَجَبَ قَبُولُهُ , وَلَمْ يَكُنْ تَرْكُ الرُّوَاةِ لِنَقْلِهِ إِنْ كَانُوا عَرَفُوهُ وَذَهَابُهُمْ عَنِ الْعِلْمِ بِهِ مُعَارِضًا لَهُ , وَلَا قَادِحًا فِي عَدَالَةِ رَاوِيهِ , وَلَا مُبْطِلًا لَهُ , فَكَذَلِكَ سَبِيلُ الِانْفِرَادِ بِالزِّيَادَةِ "(20).
===============
اختلافُ الوصل والإرسال
إذا اختلفَ الثقاتُ في حديثٍ ، فرواهُ بعضُهم متّصلاً ، وبعضُهم مرسلاً . فاختلفَ أهلُ الحديثِ فيهِ هلِ الحكمُ لمَنْ وصلَ ، أو لمَنْ أرسلَ ، أو للأكثرِ ، أو للأحفظِ ؟ على أربعةِ أقوالٍ:
أحدُها : أنَّ الحكمَ لَمنْ وصلَ ، وهو الأظهرُ الصحيحُ . كما صحّحَهُ الخطيبُ. وقال ابنُ الصلاحِ : إنّهُ الصحيحُ في الفقِهِ وأصولِهِ .
والقولُ الثاني : أنَّ الحكمَ لمَنْ أرسلَ . وحكاهُ الخطيبُ عن أكثرِ أصحابِ الحديثِ .
والقولُ الثالثُ : أنَّ الحكمَ للأكثرِ ، فإنْ كان مَنْ أرسلَهُ أكثرَ ممَّن وصلَهُ ، فالحكمُ للإرسالِ ، وإنْ كانَ من وَصَلَهُ أكثرَ ، فالحكمُ للوصلِ .
والقولُ الرابعُ : أنَّ الحكمَ للأحفظِ ، فإنْ كانَ مَنْ أرسلَ أحفظَ ، فالحكمُ له ، وإن كان مَنْ وصلَ أحفظَ فالحكمُ له ،وينبني على هذا القولِ الرابعِ - وهو أنَّ الحكمَ للأحفظِ - ما إذا أرسلَ الأحفظُ ، فهلْ يقدحُ ذلكَ في عدالةِ مَنْ وصَلَهُ ، وأهليَّتِهِ ، أوْ لاَ ؟ فيهِ قولانِ : أصحُّهُما ، وبه صَدَّرَ ابنُ الصلاحِ كلامَهُ أنَّهُ : لا يَقدَحُ . قالَ : ومنهم مَنْ قالَ : يَقدَحُ في مسندِهِ ، وفي عدالتِهِ ، وفي أهليتِهِ ".(21)
ولَوْ أَرْسَلَهُ هُوَ مَرَّةً ، وَأَسْنَدَهُ أُخْرَى ، فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ ، فَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهِ ، وَإِلَّا فَاخْتَلَفُوا ، فَجَزَمَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ بِأَنَّ الْحُكْمَ لِوَصْلِهِ .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ لِإِرْسَالِهِ ، وَقِيلَ : الِاعْتِبَارُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ أَكْثَرُ ، وَإِنْ وَقَعَ وَصْلُهُ أَكْثَرُ مِنْ إرْسَالِهِ ، فَالْحُكْمُ لِلْوَصْلِ ، وَإِلَّا فَلَا "(22).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرجه كذلك أحمد (1/62) و(( الزهد ))(ص21) ، وعبد بن حميد (( المنتخب ))(46) والسهمى (( تاريخ جرجان ))(ص221) ، وأبو الشيخ (( طبقات المحدثين بأصبهان )) (3/20) ، والحاكم (4/347) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(5/157/6180) ، والخطيب (( تاريخ بغداد ))(6/183) ، وابن الجوزى (( العلل المتناهية ))(2/798/1334) ، والمقدسى (( الأحاديث المختارة ))(1/455/331،329) وغيرهم من طرق عن عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حُرَيْثُ بْنُ السَّائِبِ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنِي حُمْرَانُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ به .
(2) - - (ج 1 / ص 18) و- (ج 4 / ص 286)
(3) - قال العباس بن محمد الدورى في تاريخ ابن معين (4/133/3555) : " سمعت يحيى يقول : حريث بن السائب البصري . يروي عنه : عبد الرحمن ، ووكيع . وهو ثقة " ،ونقله بنصه أبو حفص بن شاهين في تاريخ معرفة الثقات (1/74/302) فقال : " حريث ابن السائب البصري . يروى عنه : عبد الرحمن بن مهدي ، ووكيع . وهو ثقة ، قاله يحيى" . وذكره ابن حبان في الثقات (6/234/7507) و مشاهير علماء الأمصار (ص154) وقال : "من متقنى أهل البصرة " . وقال العجلى في معرفة الثقات (1/290/282) :" حريث بن السائب التميمي لا بأس به " ،وقال الحافظ الذهبي في المغني في الضعفاء (1/154/1355) و الكاشف (1/318) : " حريث بن السائب البصري عن الحسن . ثقة . ضعَّفه زكريا الساجي . ووثقه ابن معين وأبو حاتم " .
(4) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 241) ونزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 45) والرفع والتكميل في الجرح والتعديل - (ج 1 / ص 13) وتوجيه النظر إلى أصول الأثر - (ج 1 / ص 61) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 101)
(5) - تقريب التهذيب[ ج 1 - ص156 ] (1180)
(6) - 1/364(598)
(7) - ضعفاء العقيلي[ ج 1 - ص287 ] ( 351)
(8) - 1/196(792)
(9) -فقد ذكر له أبو أحمد بن عدى الكامل (2/200) أربعة أحاديث فقط : اثنان مرسلان ، واثنان موصولان ،فأما المرسلان ، فقد صدق فيهما ولم يخطئ ، بل رواهما على ما سمعهما ، ولم يرفعهما ،وأما الموصولان ، فأولهما توبع عليه ، والحمل فى ثانيهما على غيره.
(10) - علل الدارقطنى (3/29/265) "وسئل عن حديث حمران عن عثمان عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم :" كُلُّ شَيْءٍ يَفْضُلُ عَنْ ابْنِ آدَمَ من جِلْفِ الخُبْزِ.... " فذكره . قال : كذا رواه حريث بن السائب عن الحسن عن حمران عن عثمان عن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ووهم فيه . والصواب عن الحسن عن حمران عن بعض أهل الكتاب ".:
(11) - موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل - (ج 2 / ص 71) وتهذيب التهذيب[ ج 2 -ص204 ](431)
(12) - ضعفاء العقيلي [ج 1 - ص 287 ](351)
(13) - شعب الإيمان للبيهقي(9981 )
(14) - وهو في مسند ابن الجعد (2695 ) وتفسير عبد الرزاق (3594) وهناد (564)
(15) - انظر ترجمته في تقريب التهذيب [ ج 1 - ص406 ] (4817) والكاشف [ ج 2 - ص49 ](3983)
(16) - (ج 2 / ص 119) وهو في شعب الإيمان للبيهقي (9973) من الطريق نفسه
(17) - تقريب التهذيب [ ج 1 - ص510 ](6348 )
(18) - صحيح مسلم(7609 )
(19) - صحيح مسلم(7611 )
(20) - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ج 3 / ص 461) وانظر شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 82)
(21) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 76)
(22) - البحر المحيط - (ج 5 / ص 405)(1/12)
52 / باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات
11- ( 519 ) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: كَانَ كُمُّ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الرُّسْغِ. رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن .
( ضعيف ) [ فيه : شهر بن حوشب،وهو ضعيف ] .
------------------
قلت : أخرحه الترمذى في سننه (1871 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافُ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِىُّ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ الْعُقَيْلِىِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ :كَانَ كُمُّ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الرُّسْغِ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.(1)
قلت : وهو من رواية شهر بن حوشب عن أسماء بنت السكن وكان مولى لها
قال الحافظ ابن حجر في التقريب :" شهر بن حوشب الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير الإرسال والأوهام من الثالثة مات سنة اثنتي عشرة بخ م 4".(2)
قلت : في كلامه نظر(3)،أمَّا حديثه عن أسماء بنت السكن فمستقيم كما ذكر الإمام أحمد(4).
وقال الذهبي عقب قول يَعْقُوْبَ بنِ سُفْيَانَ: "شَهْرٌ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيْهِ ابْنُ عَوْنٍ،فَهُوَ ثِقَةٌ" قُلْتُ: الرَّجُلُ غَيْرُ مَدْفُوْعٍ عَنْ صِدْقٍ وَعِلْمٍ،وَالاحْتِجَاجُ بِهِ مُتَرَجِّحٌ.اهـ(5)
فالصواب أنه حسن الحديث كما قال الذهبي رحمه الله .
وأمَّا عن الإرسال : فقد قال أبو زرعة : لا بأس به ولم يلق عمرو بن عبسة،ولم يسمع من معاذ(6)
وهذا الحديثُ عن مولاته فهو قويٌّ وليس ضعيفاً !!
وقد ورد الحديث مرسلا،فعَنْ بُدَيْلٍ الْعُقَيْلِيِّ،قَالَ : كَانَ كُمُّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الرَّصْغِ. "(7)وهو صحيح مرسل.
وله شاهد في مسند البزار(7214) حَدَّثنا محمد بن ثعلبة،حَدَّثنا محمد بن سواء،حَدَّثنا همام،عَن قَتادة،عَن أَنَسٍ،قال : كان يد كم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرصغ،وهذا الحديث لا نعلم رواه عَن أَنَس إلاَّ قتادة،ولا،عَن قَتادة إلاَّ همام،ولا عن همام إلاَّ ابن السواء،ولا عن ابن سواء إلاَّ محمد بن ثعلبة." وقال الهيثمي :رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ .(8)
قلت :محمد بن ثعلبة صدوق(9)
فالحديث صحيح لغيره على الراجح
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وفي الشمائل المحمدية للترمذي (59 ) و سنن أبي داود (3509 ) والآداب للبيهقي (492 ) وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 1 / ص 137) و شرح السنة للبغوي (2864) و تاريخ دمشق - (ج 4 / ص 196) كلهم من طريق شهر، عن أسماء بنت يزيد ،وسكت عليه ابن حجر في فتح الباري - (ج 16 / ص 344) وشرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 3 / ص 459)
(2) - تقريب التهذيب[ ج 1 - ص269 ] (2830 )
(3) - انظر الكاشف (2336) وديوان الضعفاء (1903) والجامع في الجرح والتعديل (1838) والميزان : 2/284 [ شهر ] 3756 - [ صح ] ... قال ابن معين ثقة ، قلت: قد ذهب إلى الإحتجاج به جماعة ، وقال حرب الكرماني عن أحمد : ما أحسن حديثه ، ووثقه ، وهو حمصي ، وروى حنبل عن أحمد : ليس به بأس ، وقال الفسوي : شهر وإن تكلم فيه ابن عون فهو ثقة - اهـ
(4) - انظر تهذيب الكمال[ ج 12 - ص578 ] (2781) وتهذيب التهذيب [ ج 4 - ص324 ] (635)
(5) - سير أعلام النبلاء (4/378)
(6) - راجع تهذيب التهذيب لابن حجر 4/369 - 372(635)
(7) - الزهد لأحمد بن حنبل (24) وأخرجه النسائي في "الكبرى" 9588 "و مصنف ابن أبي شيبة (235) - (ج 8 / ص 211)(25348)
(8) - مجمع الزوائد ( 8509 ) وفي اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (5430) قُلْتُ : رِجَالُ الْبَزَّارِ ثِقَاتٌ ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ السَّكَنِ ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ ، وَحَسَّنَهُ .
(9) - انظر تقريب التهذيب (5773 ) والجرح والتعديل[ ج 7 - ص218 ] (1210 ) وتهذيب الكمال (5106)(1/13)
64 / باب الورع وترك الشبهات
12- ( 596 ) عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِىِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لاَ بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ». رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
( ضعيف ) .[ فيه عبد الله بن يزيد الدمشقي،وهو ضعيف ] .
-------------
قلت : هو في سنن الترمذى(2639) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى النَّضْرِ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ الثَّقَفِىُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَقِيلٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِى رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ وَعَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِىِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لاَ بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.(1)
قلت : فيه عبد الله بن يزيد الدمشقي فمختلف فيه(2)
والصواب أنه حسن الحديث،وصححه الحاكم في المستدرك (7899) ووافقه الذهبي.
ويؤيده حديث عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ،وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ،فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ،وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى،يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ . أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى،أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِى أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ،أَلاَ وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ،وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ »(3).
( مِنَ الْمُتَّقِينَ ) الْمُتَّقِي فِي اللُّغَةِ اِسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَوْلِهِمْ وَقَاهُ فَاتَّقَى وَالْوِقَايَةُ فَرْطُ الصِّيَانَةِ وَفِي الشَّرِيعَةِ الَّذِي يَقِي نَفْسَهُ تَعَاطِيَ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعُقُوبَةَ مِنْ فِعْلٍ وَتَرْكٍ ، وَقِيلَ التَّقْوَى عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاتِبَ :
[ الْأُولَى ] : التَّقْوَى عَنِ الْعَذَابِ الْمُخَلِّدِ بِالتَّبَرِّي مِنَ الشِّرْكِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (26) سورة الفتح .
[ وَالثَّانِيَةُ ] : التَّجَنُّبُ عَنْ كُلِّ مَا يُؤَثِّمُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ حَتَّى الصَّغَائِرِ عِنْدَ قَوْمٍ ، وَهُوَ التَّعَارُفُ بِالتَّقْوَى فِي الشَّرْعِ ،وَالْمَعْنَى بِقَوْلِهِ تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (96) سورة الأعراف .
[ وَالثَّالِثَةُ ] : أَنْ يَتَنَزَّهَ عَمَّا يَشْغَلُ سِرَّهُ عَنِ الْحَقِّ وَيُقْبِلَ بِشَرَاشِرِهِ إِلَى اللَّهِ وَهِيَ التَّقْوَى الْحَقِيقِيَّةُ الْمَطْلُوبَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران ، وَالْحَدِيثُ وَإِنْ اُسْتُشْهِدَ بِهِ لِلْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ
( حَتَّى يَدَعَ ) أَيْ يَتْرُكَ ( حَذَرًا لِمَا بِهِ بَأْسٌ ) مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَقَعَ قِيَمًا فِيهِ بَأْسٌ . قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفُ يَبْلُغُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ دَرَجَةَ الْمُتَّقِينَ . قَالَ الْمُنَاوِيُّ : أَيْ يَتْرُكَ فُضُولَ الْحَلَالِ حَذَرًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ "(4).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وهو في تفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 163) وسنن ابن ماجه (4355) والمعجم الكبير للطبراني(13884) وتفسير ابن أبي حاتم (58 و3767 و8871 و10096) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 5 / ص 335)(11135) ومسند الشهاب القضاعي ( 845 و846 و847) ومسند عبد بن حميد(486) والإصابة في معرفة الصحابة - (ج 2 / ص 413) وسكت عليه وتاريخ دمشق - (ج 40 / ص 464) والمسند الجامع (9807) والإتحاف 1 / 159 و 6 / 22 والترغيب والترهيب 2 / 559، وقال الحافظ فى " الفتح " 1 / 48 : حسنه الترمذي ، وسكت عليه هنا فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 354)" وقال الحافظ العراقى فى تخريج " الإحياء " 1 / 33 : الترمذى و حسنه ، و ابن ماجه و الحاكم و صححه .
(2) - انظر تقريب التهذيب (3714 ) والكاشف (3063 ) التاريخ الكبير [ ج 5 - ص229 ](751 ) والثقات لابن حبان[ ج 7 - ص57 ] (8999 ) والجرح والتعديل[ ج 5 - ص200 ] (933 )
(3) - صحيح البخارى (52) ومسلم (4178 )
(4) - تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 243)(1/14)
كتاب الطعام
96 / باب التسمية في أوله والحمد في آخره
13- ( 732 ) عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ مَخْشِىٍّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا وَرَجُلٌ يَأْكُلُ فَلَمْ يُسَمِّ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ طَعَامِهِ إِلاَّ لُقْمَةٌ فَلَمَّا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ فَضَحِكَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ :« مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ فَلَمَّا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَقَاءَ مَا فِى بَطْنِهِ ». " . رواه أبو داود والنسائي .
( ضعيف ) [ فيه : المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي،وهو مجهول ] .
وذكره الشيخ الألبانى في الإرواء (7/26) : وقال الحاكم : صحيح الإسناد،ووافقه الذهبي . وليس كما قالا،فإن فى إسناده المثنى بن عبد الرحمن،أورده الحافظ الذهبي فى الميزان وقال : " لا يعرف،تفرد عنه جابر بن صبح . وقال ابن المدينى : مجهول " .
--------------
قلت : هو في سنن أبى داود (3770 ) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِىُّ حَدَّثَنَا عِيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ - حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ صُبْحٍ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُزَاعِىُّ عَنْ عَمِّهِ أُمَيَّةَ بْنِ مَخْشِىٍّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا وَرَجُلٌ يَأْكُلُ فَلَمْ يُسَمِّ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ طَعَامِهِ إِلاَّ لُقْمَةٌ فَلَمَّا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ فَضَحِكَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ « مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ فَلَمَّا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَقَاءَ مَا فِى بَطْنِهِ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ جَابِرُ بْنُ صُبْحٍ جَدُّ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ."(1)
وقال الحاكم : "هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه "،وأقرَّه الذهبي،وهو كما قالا،إسناد رجاله ثقات كلهم،والمثنَّى بن عبد الرحمن ؛ وإن تفرَّد بالرواية عنه جابر بن صبح،فقد وثَّقه ابن حبان(2)،ورواية النسائي توثيق له،وذكره المنذري بصيغة الجزم ونقل تصحيح الحاكم وسكت عليه(3)،وقال الضياء المقدسي : "إسناده لا بأس به "(4)،واحتجَّ به الحافظ ابن حجر في الفتح مرتين،وسكت عليه(5)،وجزم بصحبة أمية،وليس له إلا هذا الحديث الفرد سائر علماء الحديث(6)،وهذا تصحيح منهم لحديثه،لأنه لم تثبت وصحبته إلا من خلال هذا السند السابق،وقد ذكره ابن أبى حاتم الجرح والتعديل(7)فلم يذكره بجرح ولا تعديل،وكذا البخاري أيضاً وسكت على حديثه(8). وذكر الحافظ المزى في تهذيب الكمال قال : "قال أبو الحسن بن البراء : سئل عنه علي بن المديني،فقال : مجهول لم يرو عنه غير جابر بن صبح " .
ثم تعقبه بقوله : " وروى سيف بن عمر التميمي عن المثنى بن عبد الرحمن عن ميمون بن مهران عن ابن عباس في ذكر وفاة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - . فلا أدري هو هذا أو غيره "(9)
ورجَّح الحافظ ابن حجر ثبوت رواية سيف عنه،فقال عنه في التقريب: " مستور من الثالثة "(10).
وأمَّا قول الحافظ ابن حجر عنه بأنه مستور،فلا يعني بالضرورة أن حديثه ضعيف،وقد فرَّق الحافظ ابن حجر بين المجهول والمستور.
--------------
أنواعُ المجهول
قال الحافظ العراقي رحمه الله:
"اختلفَ العلماءُ في قَبولِ روايةِ المجهولِ،وهو على ثلاثةِ أقسامٍ : مجهولِ العينِ،ومجهولِ الحالِ ظاهراً وباطناً،ومجهولِ الحال باطناً .
القسمُ الأولُ : مجهولُ العَيْنِ،وهو مَنْ لم يروِ عنه إلا راوٍ واحدٌ . وفيه أقوالٌ :
الصحيحُ الذي عليه أكثرُ العلماءِ من أهلِ الحديثِ،وغيرِهم،أنّهُ لا يقبلُ .
والثاني: يقبلُ مطلقاً.وهذا قولُ مَنْ لم يشترطْ في الراوي مزيداً على الإسلامِ.
والثالثُ : إن كان المنفردُ بالروايةِ عنه لا يروي إلا عَنْ عَدْلٍ،كابنِ مهديٍّ،ويحيى بنِ سعيدٍ،ومَنْ ذُكرَ معهُما،واكتفينا في التعديلِ بواحدٍ قُبلَ،وإلاّ فلا .
والرابعُ : إنْ كان مشهوراً في غيرِ العلمِ بالزُّهْدِ،أو النَّجْدةِ قُبلَ،وإلاّ فلا . وهو قولُ ابنِ عبدِ البرِّ،وسيأتي نقلهُ عنه .
والخامسُ : إنْ زَكَّاه أحدٌ من أئمةِ الجرحِ والتعديلِ مع روايةِ واحدٍ عنهُ قُبل،وإلاّ فلا . وهو اختيارُ أبي الحسنِ بنِ القطّانِ في كتابِ " بيان الوهمِ والإيهامِ " .
قال الخطيبُ في " الكفاية " : المجهولُ عند أصحابِ الحديثِ : كُلُّ مَنْ لم يشتهرْ بطلبِ العلمِ في نفسِهِ،ولا عرفَهُ العلماءُ به . ومَنْ لم يُعرفْ حديثُهُ إلاّ من جهةِ راوٍ واحدٍ،مثلُ : عَمْرٍو ذِي مرٍّ،وجَبَّارٍ الطَّائيِّ،وعبدِ اللهِ بنِ أَعَزَّ الهَمْدانيِّ،والهَيْثَمِ بنِ حَنَشٍ،ومالكِ بنِ أَعزَّ،وسعيدِ بنِ ذي حُدَّانَ،وقَيْسِ بنِ كُرْكُمٍ،وخَمْرِ بنِ مالكٍ . قال : وهؤلاءِ كلُّهم لم يَرْوِ عنهم غيرُ أبي إسحاقَ السَّبِيعيِّ . ومثلُ : سَمْعانَ بنِ مُشَنَّجٍ،والهَزْهازِ بنِ مَيْزنٍ،لا يُعرفُ عنهما راوٍ إلاّ الشَّعبيُّ . ومثلُ : بَكْرِ بنِ قِرْواشٍ،وحَلاَّمِ بنِ جَزْلٍ،لم يروِ عنهما إلا أبو الطُّفَيلِ عامرُ بنُ واثلةَ . ومثلُ : يزيدَ بنِ سُحَيْمٍ،لم يروِ عنه إلا خِلاَسُ بنُ عَمْرٍو . ومثلُ : جُرَي بنِ كُلَيبٍ،لم يروِ عنه إلا قتادةُ بن دِعَامةَ . ومثلُ : عُمَيرِ بنِ إسحاقَ،لم يروِ عنه سوى عبدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ . وغيرُ من ذَكرنا . وروينا عن محمدِ بنِ يحيى الذُّهْلِيِّ،قال : إذا رَوَى عن المحدِّثِ رجلانِ ارتفعَ عنه اسمُ الجهالةِ .
وقال الخطيبُ : أقلُّ ما تُرفعُ به الجهالةُ أن يرويَ عنه اثنانِ فصاعداً،من المشهورينَ بالعلمِ،إلا أنّه لا يثبتُ له حكمُ العدالةِ بروايتهِما عنه . واعترضَ عليه ابنُ الصلاحِ بأنَّ الهَزْهازَ رَوَى عنه الثوريُّ أيضاً .
قلت : وروى عنه أيضاً الجرَّاحُ بنُ مَلِيحٍ،فيما ذكرَهُ ابنُ أبي حاتمٍ،وسمَّى أباهُ مازناً،بالألفِ لا بالياءِ . ولعلَّ بعضَهُم أمالَهُ فكتبَهُ بالياءِ . وخَمْرُ بنُ مالكٍ روى عنه أيضاً عبدُ اللهِ بنُ قَيْسٍ،وذكرَهُ ابنُ حبّانَ في " الثقاتِ "،وسمَّاهُ خُمَيْرَ بنَ مالكٍ،وذكرَ الخلافَ فيه في التَّصْغيرِ والتّكبيرِ ابنُ أبي حاتِمٍ . وكذلِكَ الهَيْثمُ ابنُ حَنَشٍ رَوَى عنه أيضاً سَلَمةُ بنُ كُهَيْل،قالَهُ أبو حاتمٍ الرازيُّ . وأما عبدُ اللهِ بنُ أَعزّ،ومالكُ بن أعزَّ،فقد جعلَهُما ابنُ ماكولا واحداً،اختُلفَ على أبي إسحاقَ في اسمِهِ . وبَكْرُ بنُ قِرْواشٍ روى عنه أيضاً قتادةُ فيما ذكرَهُ البخاريُّ،وابنُ حبّانَ في " الثقاتِ " . وسمَّى ابن أبي حاتم أباهُ قُرَيشاً . وحَلاَّمُ بنُ جَزْلٍ ذكرَهُ البخاريُّ في " تاريخه " فقالَ : حِلاَبٌ،أي : بباء موحّدةٍ،وخطَّأهُ ابنُ أبي حاتمٍ في كتابٍ جمعَ فيهِ أوهامَهُ في " التاريخ "،وقال : " إنّما هو حَلاَّمٌ "،أي : بالميمِ . ثم تعقّبَ ابنُ الصلاحِ بعضَ كلامِ الخطيبِ المتقدّم بأنْ قال : قد خَرَّجَ البخاريُّ حديث جماعةٍ ليس لهم غيرُ راوٍ واحدٍ منهم : مِرْدَاسٌ الأسلميُّ،لم يروِ عنه غيرُ قَيْسٍ بنِ أبي حازمٍ . وخَرَّجَ مسلمٌ حديثَ قومٍ ليس لهم غيرُ راوٍ واحدٍ منهم : ربيعةُ بنُ كعبٍ الأسلميُّ،لم يروِ عنه غيرُ أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ . وذلك منهما مَصِيرٌ إلى أنَّ الراوي قد يَخْرُجُ عن كونِهِ مجهولاً مردوداً،بروايةِ واحدٍ عنه . والخلافُ في ذلك مُتَّجِهٌ،نحوَ اتجاهِ الخلافِ المعروفِ في الاكتفاءِ بواحدٍ في التعديلِ .
قلتُ : لم ينفردْ عن مِرْداسٍ قَيْسٌ،بل روى عنه أيضاً زيادُ بنُ عِلاَقةَ فيما ذكرَهُ المزّيُّ في " التهذيبِ "،وفيه نظرٌ . ولم ينفردْ عن ربيعةَ أبو سَلَمةَ،بل رَوَى عنه أيضاً نُعَيْمٌ المُجْمِرُ وحَنْظلةُ بنُ عليٍّ.وأيضاً فمِرْداسٌ وربيعةُ من مشاهيرِ الصحابةِ،فمِرداسٌ من أهلِ الشَّجَرَةِ،وربيعةُ من أهل الصُّفَّةِ.وقد ذكرَ أبو مسعودٍ إبراهيمُ بنُ محمدٍ الدِّمَشْقيُّ في (( جُزْءٍ له أجابَ فيه عن اعتراضاتِ الدارقطنيِّ على كتابِ مسلمٍ ))،فقال : لا أعلمُ رَوَى عن أبي عليٍّ عمرِو بنِ مالكٍ الجَنْبيِّ أحدٌ غيرُ أبي هانيءٍ،قال : وبروايةِ أبي هانيءٍ وَحْدَهُ لا يرتفعُ عنه اسمُ الجهالةِ،إلا أنْ يكونَ معروفاً في قبيلتهِ،أو يروي عنه أحدٌ معروفٌ مع أبي هانئٍ،فيرتفعُ عنه اسمُ الجهالةِ . وقد ذكرَ ابنُ الصلاحِ في النوعِ السابعِ والأربعينَ عن ابنِ عبدِ البرِّ،قال : كُلُّ مَنْ لم يروِ عنه إلا رجلٌ واحدٌ،فهو عندَهم مجهولٌ إلا أنْ يكونَ رجلاً مشهوراً في غيرِ حملِ العلمِ كاشتهارِ مالكِ بنِ دينارٍ بالزُّهْدِ،وعَمْرِو بن مَعْديْ كَرِبَ بالنَّجْدةِ . فشهرةُ هذينِ بالصُّحبةِ عند أهلِ الحديثِ آكدُ في الثقةِ به من مالكٍ وعمرٍو،والله أعلمُ .
والقسمُ الثاني : مجهولُ الحالِ في العدالةِ في الظاهرِ والباطنِ،مع كونِهِ معروفَ العَيْنِ بروايةِ عدلينِ عنه . وفيه أقوالٌ :
أحدُها : وهو قولُ الجماهيرِ،كما حكاهُ ابنُ الصلاحِ أنَّ روايتَهُ غيرُ مقبولةٍ.
والثاني : تقبلُ مطلقاً،وإنْ لم تقبلْ روايةُ القسمِ الأولِ . قال ابنُ الصلاحِ : وقد يَقبلُ روايةَ المجهولِ العدالةِ مَنْ لا يَقبلُ روايةَ المجهولِ العينِ .
والثالثُ : إنْ كانَ الراويانِ،أو الرواةُ عنه فيهم مَنْ لا يَروِي عن غيرِ عَدْلٍ قُبِلَ،وإلاَّ فلاَ .
والقسمُ الثالثُ : مجهولُ العدالةِ الباطنةِ،وهو عدلٌ في الظاهرِ،فهذا يحتَجُّ به بعضُ مَنْ رَدَّ القسمَينِ الأولَينِ،وبهِ قطعَ الإمامُ سُلَيمُ بنُ أيوبَ الرازيُّ،قال : لأنَّ الإخبارَ مَبنيٌّ على حُسْنِ الظَّنِّ بالراوي ؛ لأنَّ روايةَ الأخبارِ تكونُ عندَ مَنْ تَتَعذَّرُ عليه معرفةُ العدالةِ في الباطنِ،فاقتُصِرَ فيها على معرفةِ ذلك في الظاهرِ . وتُفَارِقُ الشهادَةَ،فإنَّها تكونُ عند الحُكَّامِ،ولا يتعذّرُ عليهم ذلكَ،فاعتُبِرَ فيها العدالةُ في الظاهرِ والباطنِ.
قالَ ابنُ الصّلاحِ : ويشبهُ أنْ يكونَ العملُ على هذا الرأي في كثيرٍ من كتبِ الحديثِ المشهورةِ في غيرِ واحدٍ من الرُّواةِ الذين تقادَمَ العهدُ بهم،وتعذَّرَتِ الخِبْرةُ الباطنةُ بهم،واللهُ أعلمُ .
وأطلقَ الشافعيُّ كلامَهُ في اختلافِ الحديثِ أنَّهُ لا يحتجُّ بالمجهولِ،وحكى البيهقيُّ في " المدخلِ " : أنَّ الشافعيَّ لا يحتجُّ بأحاديثِ المجهولينَ . ولما ذكرَ ابنُ الصلاحِ هذا القسمَ الأخيرَ،قال : وهو المستورُ،فقد قال بعضُ أئمتِنا : المَسْتُورُ مَنْ يكونُ عَدْلاً في الظَّاهرِ،ولا تُعْرَفُ عدالتُهُ باطناً . انتهى كلامُه . وهذا الذي نَقَلَ كلامَهُ آخراً،ولم يسمِّهِ،هو البغويُّ،فهذا لفظُهُ بحروفِهِ في " التهذيبِ "،وتَبِعهُ عليه الرافعيُّ. وحكى الرافعيُّ في الصومِ وجهين في قبولِ روايةِ المستورِ من غيرِ ترجيحٍ. وقالَ النوويُّ في " شرحِ المهذّبِ " : (( إنَّ الأصحَّ قبولُ روايتِهِ )) .
وفي كلامِ الرافعيِّ في الصومِ أنَّ العدالةَ الباطنةَ هي التي يُرْجَعُ فيها إلى أقوالِ المُزَكِّينَ . ونقلَ الرُّوْيَانيُّ في " البَحر " عن نصِّ الشافعيِّ في " الأمِّ ": أنَّهُ لو حضَرَ العقدَ رجلانِ مسلمانِ،ولا يُعرفُ حالُهما من الفِسْقِ والعَدالةِ انعقدَ النكاحُ بهما في الظاهرِ . قال: لأنَّ الظّاهرَ من المسلمينَ العدالةُ . والله أعلم . "(11)
قلت : وقد يكون المستور عند الحافظ ابن حجر حسن الحديث،كهذا الحديث الذي احتجَّ به في الحكم وفي إثبات الصحبة،وهو كذلك عند جماعة من الأئمة،بل صحَّحه من لا يفرد الحسن عن الصحيح،ويدرجهما معاً فى الصحاح كابن خزيمة،وابن حبان،والضياء المقدسى . وأما أبو عيسى الترمذى،فيحسِّنُه مطلقاً ويصحِّحُه أحياناً بالنظر إلى ما يحتفُّ بأصل الحديث من قرائن تصحَّحه .
قال الحافظ ابن حجر في نزهة النظر فى تعريف الحسن لغيره : " وهو الذي يكون حُسْنُه بسببِ الاعتضاد،نحو حديثُ المستُور إذا تعددت طُرُقُه "(12).
وقال ابنُ الصلاحِ : "وقد أمعنْتُ النَظَرَ في ذلك،والبحثَ،جامعاً بين أطرافِ كلامِهِم،ملاحظاً مواقعَ استعمالِهِم،فتنقحَ لي واتضَحَ أنَّ الحديثَ الحسنَ قسمانِ :
أحدُهما : الحديثُ الذي لا يخلو رجالُ إسنادهِ من مستورٍ لم تتحققْ أهليتُهُ،غيرَ أنَّهُ ليس مغفلاً،كثيرَ الخطأ فيما يرويه،ولا هو متهمٌ بالكذبِ في الحديثِ،أي: لم يظهرْ منه تعمُّدُ الكذبِ في الحديثِ،ولا سببٌ آخرُ مفسِّقٌ ويكونُ متنُ الحديثِ مع ذلك قد عُرِفَ،بأنْ رُوِي مثلُهُ أو نحوُهُ من وجهٍ آخرَ،أو أكثر،حتى اعتضدَ بمتابعةِ مَنْ تابعَ راويهِ على مثلِهِ،أو بما لَهُ مِنْ شاهدٍ،وهو ورودُ حديثٍ آخرَ نحوه،فيخرجُ بذلك عن أنْ يكونَ شاذاً،أو منكراً . وكلامُ الترمذيِّ على هذا القسمِ يتنزلُ . ثم ذكر القسم الثانى(13).
ولخَّصه النووى بقوله : " الحديث الحسن قسمان أحدهما ما لا يخلُو إسْنَاده من مستور لم تتحقَّق أهليته, وليسَ مُغفَّلا, كثير الخطأ, ولا ظهر منه سبب مُفْسق, ويَكُون متن الحَدِيث معروفًا برواية مثله, أو نحوه من وجهٍ آخر. "(14).
وقال ابن جماعة: " ولو قيل الحسن : كلُّ حديث خالٍ من العلل،وفي سنده المتصل مستور له به شاهد،أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان،لكان أجمع لما حددوه،وقريبا مما حاولوه . وأخصر منه : ما اتصل سنده وانتفت علله،وفي سنده مستور،وله شاهد أو متابعٍ"(15).
وقال السخاوي: " المستور حين يروي يحتمل أن يكون ضبط المروي،ويحتمل أن لا يكون ضبطه،فإذا ورد مثل ما رواه أو معناه من وجهٍ آخر،غلب على الظن أنه ضبط،وكلما كثر المتابع قوي الظنُّ "(16).
وهذا كله في معنى الحديث الحسن عند الترمذى،كما حدَّه هو بقوله : " وَمَا ذَكَرْنَا فِى هَذَا الْكِتَابِ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَإِنَّمَا أَرَدْنَا بِهِ حُسْنَ إِسْنَادِهِ عِنْدَنَا. كُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَى لاَ يَكُونُ فِى إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ وَلاَ يَكُونُ الْحَدِيثُ شَاذًّا وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوَ ذَلِكَ فَهُوَ عِنْدَنَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. "(17).
ويمكن التمثيل لتصحيح حديث المستور،بما أخرجه الترمذى (3798) قال :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : جَاءَ عَمَّارٌ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ : " ائْذَنُوا لَهُ،مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ " . قَالَ أبو عيسى : "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " .(18)
قلت : وهذا الحديث صحيح ثابت من أوجهٍ عن أبي إسحاق السبيعي،وقد صحَّحه الأئمة : الترمذي،وابن حبان،والحاكم،والضياء المقدسي . على أنه فى إسناده هانئ بن هانئ الهمدانى،قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب(19): "مستور من الثالثة " . وقد ذكره ابن حبان في الثقات(20).وقال العجلي في معرفة الثقات(21): " كوفي تابعي ثقة ".
ومن نوافل الإفادة،أن تعلم أن جملة من وصفهم الحافظ ابن حجر في التقريب بقوله " مستور من الثالثة " :21 واحد وعشرون راوياً،نذكر منهم عشرة تبصرةً وتذكرةً :
(1) الأخنس بن خليفة الضبي (292 )
(2) عبد الله بن علي بن السائب بن عبيدٍ بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب القرشي (3485).
(3) عبد الرحمن بن الأخنس الكوفي (3795).
(3) عبد الرحمن بن كيسان مولى خالد بن أسيد ( 3992).
(4) عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري العدوي .
(5) المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي (6472 ) .
(6) محمد بن عقبة بن أبي مالك القرظي،ابن أخي ثعلبة بن أبي مالك (6142).
(7) منصور بن سعيد ـ ويقال ابن زيد ـ بن الأصبغ الكلبي المصري ( 6900).
(8) نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري ( 7082 ) .
(9) نافع مولى عامر بن سعد مستور من الثالثة (7087)
(10) هانىء بن هانىء الهمداني الكوفي (7264).
فقد علمت أن من بينهم : المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي.
وقال الذهبي في السير(22):"عَدِيّ بن عميرَة الكِنْدِيّ خَرَّجَ لَهُ مُسْلِم،مَا رَوَى عَنْهُ غَيْر قيس بن أَبِي حَازِمٍ.
وَخَرجَ مُسْلِم لقطبَة بن مَالِك،وَمَا حَدَّثَ عَنْهُ سِوَى زِيَاد بن عِلاَقَةَ.
وَخَرَجَ مُسْلِم لطَارِق بن أَشيم،وَمَا رَوَى عَنْهُ سِوَى وَلده أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ.
وَخَرَّجَ لنبيشَة الخَيْر،وَمَا رَوَى عَنْهُ إِلاَّ أَبُو المَلِيْحِ الهُذَلِيّ.
ذكرنَا هَؤُلاَءِ نقضاً عَلَى مَا ادَعَاهُ الحَاكِم مِنْ أَنَّ الشَيْخين مَا خرجَا إِلاَّ لِمَنْ رَوَى عَنْهُ اثْنَانِ فصَاعِدَا. "
قلت : ومن كان من هذا القبيل،وتعذرت معرفته فالصواب من القول قبول حديثه،وتحسينه،لأن الكذب كان عند هؤلاء نادرا جدّا،والنادر لا حكم له، وهذا ما أكده ابن الصلاح بقوله : " ويشبهُ أنْ يكونَ العملُ على هذا الرأي في كثيرٍ من كتبِ الحديثِ المشهورةِ في غيرِ واحدٍ من الرُّواةِ الذين تقادَمَ العهدُ بهم،وتعذَّرَتِ الخِبْرةُ الباطنةُ بهم،واللهُ أعلمُ"(23).
__________
(1) - وأخرجه كذلك أحمد (4/336) ، والبخارى التاريخ الكبير (2/6/1514) ، والنسائى السنن الكبرى (4/174) و عمل اليوم والليلة (282) ، وابن السنى (463) ، وابن أبى عاصم الآحاد والمثانى (4/281/2301) ، والطحاوى مشكل الآثار (2/16) ، والطبرانى (1/291/854،855) ، والحاكم في المستدرك(4/108،109) ، والضياء المقدسي الأحاديث المختارة (4/341/1512:1509) ، والمزي تهذيب الكمال (27/208) جميعا من طريق جابر بن صبح عن المثنَّى بن عبد الرحمن عن أمية بن مخشي مرفوعاً به . وانظر طرقه في المسند الجامع - (ج 1 / ص 337)(203)
(2) - الثقات لابن حبان [ ج 5 - ص443 ] (5631)
(3) - الترغيب والترهيب للمنذري (3202 )
(4) - الأحاديث المختارة للضياء - (ج 2 / ص 295)(1510-1512)
(5) - فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 79) و(ج 15 / ص 246)
(6) - الإصابة في معرفة الصحابة - (ج 1 / ص 40) وابن حبان في الثقات ثقات ابن حبان - (ج 3 / ص 15) و (ج 5 / ص 443) وابن أبي حاتم أيضاً الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 301)(1111) والمزي تهذيب الكمال للمزي - (ج 3 / ص 340)(561) والكاشف (471) وتهذيب التهذيب - (ج 1 / ص 326) (683) وتقريب التهذيب (559)
(7) - (8/326/1502)
(8) - التاريخ الكبير [ ج 7 - ص419 ]( 1843 )
(9) - تهذيب الكمال (27/208) (5774)
(10) - تقريب التهذيب[ ج 1 - ص519 ] (6472)
(11) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 114)
(12) - نزهة النظر - (ج 1 / ص 78)
(13) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 48) ومقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 19) والباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث - (ج 1 / ص 4) ونظرات جديدة في علوم الحديث للمليباري - (ج 1 / ص 7) وعلوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد - (ج 1 / ص 86)
(14) - كما في تدريب الراوى (1/158) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 103) الشاملة 2
(15) - المنهل الروي (ص36)
(16) - فتح المغيث (1/66)
(17) - سنن الترمذى(4410 ) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 108) وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر - (ج 1 / ص 307) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 81) ونزهة النظر - (ج 1 / ص 81) وتوضيح الأفكار - (ج 1 / ص 245) ومنهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - الرقمية - (ج 1 / ص 268)
(18) - وأخرجه كذلك ابن أبي شيبة (6/385/32243) ، وأحمد في المسند (1/130،125،99) وفضائل الصحابة (1599) ، والبخاري في الأدب المفرد (1031) والتاريخ الكبير(8/229/2821) ، وابن ماجه (146) ، وأبو يعلى (1/324/403) ، وابن حبان (7075) ، والحاكم (3/437) ، وأبو نعيم في الحلية (1/140) ، والخطيب في تاريخ بغداد (1/151) ، والضياء المقدسي في المختارة (2/389/775) من طرق عن الثورى عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَلِيٍّ به، ورواه عن أبى إسحاق بنحو رواية الثورى : الأعمش ، وشعبة ، وإسرائيل ، وشريك ، وزهير ، ولكنه مشهور مستفيض من حديث الثورى .
(19) - (1/570/7264)
(20) - (5/509/5979)
(21) - (2/324/1883)
(22) - سير أعلام النبلاء (12/578) وفي بعض ما قاله الذهبي نظر ، فقد روى عن بعضهم أكثر من واحد .
(23) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 21) والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير (ج 1 / ص 7) وتدريب الراوي (ج 1 / ص 248) وشرح شرح نخبة الفكر (ج 1 / ص 519) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 1 / ص 247) وشرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 114) وتوضيح الأفكار (ج 2 / ص 192)(1/15)
ولحديثه شواهد،منها ما أخرجه الترمذى (1858) قال : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا،فَلْيَقُلْ : بِسْمِ اللهِ،فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ : بِسْمِ اللهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ ". وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ طَعَامًا فِي سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ،فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :" أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ " .(1)
قَالَ أَبو عِيسَى : "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ،وَأُمُّ كُلْثُومٍ هِيَ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصديق" .
قلت : لم يرد فى روايةٍ من روايات الحديث ذكر نسبها هكذا كما توهمه الترمذى،بل وردت عنده من رواية وكيع غير منسوبة "عن أم كلثوم عن عائشة "،وأما رواية الجماعة : إسماعيل بن علية ومعاذ بن هشام وروح بن عبادة وعبد الوهاب بن عطاء والطيالسى،فهكذا " عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن امرأة منهم يقال لها أم كلثوم "فتعين كونها ليثية أو مكية،وليس كما توهمها أبو عيسى . وتظهر أهمية تعيينها فى توثيق إسناد الحديث،ومعرفة رتبته،إذ هى إحدى رواته .
وإسناد الحديث رجاله كلهم ثقات،خلا أم كلثوم الليثية أو المكية وقد وثقت،وإن تفرد عنها عبد الله بن عبيد بن عمير الليثى .
وقال الحافظ الذهبي في الميزان : " فصل فى النسوة المجهولات . قال : وما علمت فى النساء من اتهمت،ولا من تركوها "(2)،وذكر منهن أم كلثوم الليثية،فقال :" أم كلثوم عن عائشة . تفرد عنها عبد الله بن عبيد بن عمير في التسمية على الأكل"(3).
ولا يختلف حال أم كلثوم الليثية عن مثيلاتها من النساء المجهولات اللاتى ذكرهن ابن حجر في التقريب وقال عنهن :" مقبولة من الثالثة" ؛ يعني الطبقة الوسطى من التابعيات،أمثال :
(1) مرجانة أم علقمة،تفرد عنها ابنها علقمة،واحتج بها مالك في الموطأ .
(3،2) دحيبة وصفية بنتا عليبة بن حرملة العنبريتان،تفرد عنهما عبد الله بن حسان العنبرى
(4) دقرة ـ بكسر الدال و سكون القاف ـ بنت غالب الراسبية البصرية ؛ أم عبد الرحمن بن أذينة قاضى البصرة،تفرد عنها محمد بن سيرين .
(5) سائبة ؛ مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومى،تفرد عنها نافع مولى ابن عمر.
(6) عديسة بنت أهبان بن صيفى،تفرد عنها عبد اللّه بن عبيد الحميرى المؤذن .
فى عشرات أمثالهن ؛ ممن وثقن،واحتجَّ بأحاديثهن أكابر الأئمة : كمالك،وأبو داود،والترمذى،وابن خزيمة،وابن حبان،والحاكم،والضياء المقدسي،ومن لا يُحصى كثرة من الحفاظ المتأخرين عن هؤلاء،وفي مقدمتهم النووي،والذهبي .
وله شاهد آخر أخرجه ابن حبان في صحيحه (5213) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى،قَالَ : حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ مُوسَى الْجُهَنِيَّ،يَقُولُ : أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ فِي أَوَّلِ طَعَامِهِ فَلْيَقُلْ حِينَ يَذْكُرُ : بِسْمِ اللهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ،فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ طَعَامَهُ جَدِيدًا،وَيَمْنَعُ الْخَبِيثَ مَا كَانَ يُصِيبُ مِنْه.(4)
قلت : هذا إسناد متصل رجاله ثقات كلهم،وموسى الجهنى هو ابن عبد الله أبو سلمة الكوفي ثقة حجة من متقني الكوفيين(5).
وأما ذكر قيء الشيطان في غير هذا الحديث،فلا أعلمه يروى إلا بإسناد لا تنتهض الحجة بمثله(6).
والخلاصة أن حديثه حسن وصححه عدة،والله أعلم.
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرجه كذلك الطيالسى (1566) ، وأحمد (6/265،207) ، وإسحاق بن راهويه (1289،1288) ، والدارمى (2021) ، وأبو داود (3767) ، والنسائى (( اليوم والليلة )) (281) و(( الكبرى ))(6/78/10112) ، والطبرانى (( مسند الشاميين ))(407) ، والحاكم (4/121) ، والبيهقى (( الكبرى ))(7/276) و(( شعب الإيمان ))(5/75/5832) ، والمزى (( تهذيب الكمال )) (35/382) من طرق عن هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ امرأةٍ منهم يُقَالَ لَهَا أُمُّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ بنحوه ،هكذا رواه : إسماعيل بن علية ، ومعاذ بن هشام ، وعفان ، وروح بن عبادة ، ووكيع ، وأبو داود الطيالسى ، وعبد الوهاب بن عطاء ، وبرد بن سنان ثمانيتهم عن الدستوائى بذكر (( أم كلثوم )) فى إسناده ، ومنهم من لا يذكر قصة الأعرابى ، وقوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم " أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ ".
(2) - ميزان الاعتدال - (ج 4 / ص 604) وتدريب الراوي (ج 1 / ص 251) وتحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع - (ج 1 / ص 322)
(3) - ميزان الاعتدال - (ج 4 / ص 613)(11030)
(4) - وأخرجه كذلك الطبراني في الكبير (10/170/10354) والأوسط (5/25/4576) من طريق خليفة بن خياط بإسناده ومتنه سواء .
(5) - الجرح والتعديل (8/149/676) وذكره ابن حبان في الثقات (10867) ، والعجلى في معرفة الثقات (1825) وقد أخرج له مسلم في صحيحه ثلاثة أحاديث برقم(3447 و7023 و7027 ) والكاشف (5711) وتهذيب التهذيب[ج 10 -ص 316](632 )
(6) - أخرجه ابن عدي الكامل (1/307)(1/16)
107 / باب أدب الشرب واستحباب التنفس ثلاثاً خارج الإناء وكراهية التنفس في الإناء
14- ( 758 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاَثَ وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ » " . رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
( ضعيف ) [ فيه : يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي،وهو ضعيف،وشيخه مجهول ] .
--------------
قلت : هو في سنن الترمذى (2006 ) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الْجَزَرِىِّ عَنِ ابْنٍ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاَثَ وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.وَيَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ الْجَزَرِىُّ هُوَ أَبُو فَرْوَةَ الرُّهَاوِىُّ(1).
قلتُ :هناك اختلافٌ في النسخ عن الترمذي،والذي عليه الأكثر أنه قال:غريب أي ضعيف،وهو الصواب إن شاء الله .
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَشْرَبُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ إِذَا أَدْنَى الْإِنَاءَ إِلَى فِيهِ،يُسَمِّي اللَّهَ فَإِذَا أَخَّرَهُ حَمِدَ اللَّهَ يِفِعْلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا(2). وَأَصْلُهُ فِي اِبْنِ مَاجَهْ(3)وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ(4).
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ :« لاَ تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاَثَ وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ »(5).
وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ،وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ".(6)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وانظر تخريجه وطرقه في والمسند الجامع (6635) والشعب ( 6015) وفتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 112) وضعفه ،وعمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 3 / ص 268) وذكر تحسين الترمذي وسكت عليه ، ورده هنا (ج 22 / ص 518)
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 140)(332) والمعجم الأوسط للطبراني(852 ) وشكر الله على نعمه للخرائطي(24) وهو حديث صحيح لغيره
(3) - عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِى الإِنَاءِ ثَلاَثًا وَزَعَمَ أَنَسٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَتَنَفَّسُ فِى الإِنَاءِ ثَلاَثًا.سنن ابن ماجه(3542 ) وهو صحيح
(4) - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ ثَلاثَةَ أَنْفَاسٍ، يُسَمِّي عِنْدَ كُلِّ نَفَسٍ، وَيَشْكُرُ فِي آخِرِهِنَّ.المعجم الكبير للطبراني - (ج 9 / ص 54)(10324 ) ومجمع الزوائد(8258 ) وقال : َوَفِيهِ الْمُعَلَّى بْنُ عِرْفَانَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ،وله شاهد عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدَّيْلِيِّ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْرَبُ بِثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ ، يُسَمِّي اللَّهَ فِي أَوَّلِهَا ، وَيَحْمَدُهُ فِي آخِرِهَا .قال الهيثمي في المجمع (8260) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِيهِ شِبْلُ بْنُ الْعَلَاءِ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
(5) - سنن الترمذى (2006) وهو حديثنا هذا ونلاظ هنا أنه سكت عليه
(6) - فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 112) وتحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 102)(1/17)
115 / باب صفة طول القميص والكم والإزار وطرف العمامة
15- ( 790 ) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ كَانَ كُمُّ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الرُّسْغِ.. رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن .
( ضعيف ) .[ فيه : شهر بن حوشب،وهو ضعيف ] .
----------------
قلت : هو في سنن أبي داود (3509 ) حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ كَانَتْ يَدُ كُمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الرُّسْغِ،والترمذى (1871 ) به وقاللَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
الصواب أنه حديث حسن،كما مرَّ قبل قليل في ترجمة شهر بن حوشب
---------------
( إِلَى الرُّسْغ ) : بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة وَفِي بَعْض النُّسَخ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة،وَفِي الْقَامُوس الرُّسْغ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ : الرُّصْغ بِالضَّمِّ الرُّسْغ . وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ السُّنَّة فِي الْأَكْمَام أَنْ لَا تُجَاوِز الرُّسْغ .
قَالَ الْحَافِظ اِبْن الْقَيِّم فِي الْهَدْيِ : وَأَمَّا الْأَكْمَامُ الْوَاسِعَةُ الطِّوَال الَّتِي هِيَ كَالْأَخْرَاجِ فَلَمْ يَلْبَسهَا هُوَ وَلَا أَحَد مِنْ أَصْحَابه الْبَتَّة وَهِيَ مُخَالِفَة لِسُنَّتِهِ وَفِي جَوَازهَا نَظَر فَإِنَّهَا مِنْ جِنْس الْخُيَلَاء اِنْتَهَى .
وَقَالَ الْجَزَرِيُّ : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ السُّنَّة أَنْ لَا يَتَجَاوَز كُمّ الْقَمِيص الرُّسْغ وَأَمَّا غَيْر الْقَمِيص فَقَالُوا : السُّنَّة فِيهِ أَنْ لَا يَتَجَاوَز رُءُوس الْأَصَابِع مِنْ جُبَّة وَغَيْرهَا وَنُقِلَ فِي شَرْح السُّنَّة عَنْ أَسْمَاءَ،قَالَتْ : " كَانَ يَدُ قَمِيصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَسْفَلَ مِنَ الرُّسْغِ ".(1)،وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ قَمِيصًا وَكَانَ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ وَكَانَ كُمُّهُ مَعَ الْأَصَابِعِ "(2)
قُلْت : وَيُجْمَع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات وَبَيْن حَدِيث الْكِتَاب إِمَّا بِالْحَمْلِ عَلَى تَعَدُّد الْقَمِيص أَوْ بِحَمْلِ رِوَايَة الْكِتَاب عَلَى رِوَايَة التَّخْمِين،أَوْ بِحَمْلِ الرُّسْغ عَلَى بَيَان الْأَفْضَل وَحَمْل الرُّءُوس عَلَى بَيَان الْجَوَاز،وَقِيلَ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الِاخْتِلَاف بِاخْتِلَافِ أَحْوَال الْكُمّ فَعَقِيب غَسْل الْكُمّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَثَنٍّ فَيَكُون أَطْوَل،وَإِذَا بَعُدَ عَنْ الْغَسْل وَوَقَعَ فِيهِ التَّثَنِّي كَانَ أَقْصَر وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم(3).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - أَخْلَاقُ النَّبِيِّ لِأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ (234) والتَّوَاضُعُ وَالْخُمُولُ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (156 ) حديث حسن
(2) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ (7526 ) صحيح
(3) - عون المعبود - (ج 9 / ص 50)(1/18)
16- ( 797 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يُصَلِّى مُسْبِلاً إِزَارَهُ إِذْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ ». فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ ثُمَّ قَالَ « اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ ». فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ أَمَرْتَهُ أَنَّ يَتَوَضَّأَ فَقَالَ « إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّى وَهُوَ مُسْبِلٌ إِزَارَهُ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَقْبَلُ صَلاَةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إِزَارَهُ ». " . رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم .
( ضعيف ) .[ فيه : أبو جعفر،وهو مجهول ] . وذكره الشيخ الألبانى في ضعيف الجامع
---------------
قلت : هو في سنن أبى داود (638 )(4088)ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِى جَعْفَرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يُصَلِّى مُسْبِلاً إِزَارَهُ إِذْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فذكره.(1)
قلت : وهذا إسناد حسن،رجاله كلهم ثقات،وأبو جعفر هو الأنصارى المدني المؤذن مشهور بكنيته ولا يعرف اسمه .(2)
ولست أعلم أحداً ذكر أبا جعفر الأنصاري بجرحٍ،بل حسَّن الترمذى أحاديثه،ورواية النسائي توثيق له .
ويشهد لصحة حديثه فى المسبل،ما رواه أبو داود (637) من حديث أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ أَسْبَلَ إِزَارَهُ فِى صَلاَتِهِ خُيَلاَءَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِى حِلٍّ وَلاَ حَرَامٍ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى هَذَا جَمَاعَةٌ عَنْ عَاصِمٍ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو الأَحْوَصِ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ..( وصححه الألباني)
وإذا صحَّ الموقوف،فإنه شاهد حسن للحديث،إذ لا يقال من جهة الرأى ولا القياس . وقد قوَّى الحافظ ابن القيم هذا الحديث،ووجَّه معناه،فقال(3): " وَوَجْه هَذَا الْحَدِيث - وَاَللَّه أَعْلَم - أَنَّ إِسْبَال الْإِزَار مَعْصِيَة . وَكُلّ مَنْ وَاقَعَ مَعْصِيَة فَإِنَّهُ يُؤْمَر بِالْوُضُوءِ وَالصَّلَاة . فَإِنَّ الْوُضُوء يُطْفِئ حَرِيق الْمَعْصِيَة .
وَأَحْسَن مَا حُمِلَ عَلَيْهِ حَدِيث الْأَمْر بِالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاة هَذَا الْوَجْه فَإِنَّ الْقَهْقَهَة فِي الصَّلَاة مَعْصِيَة فَأَمَرَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ فَعَلَهَا بِأَنْ يُحْدِث وُضُوءًا يَمْحُو بِهِ أَثَرهَا .
وَمَعَهُ حَدِيث عَلِيّ عَنْ أَبِي بَكْر قَالَ عَلِىٌّ كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئاً نَفَعَنِى اللَّهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِى مِنْهُ وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُذْنِبُ ذَنْباً ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسَْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى لِذَلِكَ الذَّنْبِ إِلاَّ غَفَرَ لَهُ »(4).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وانظر المسند الجامع - (ج 16 / ص 1181)(12923) و(ج 18 / ص 1160)( 15576) ومسند البزار( 8762) وقال :وهذا الحديث لا نعلَمُ أحَدًا رواه فأسنده إلاَّ أَبَان بن يزيد ولا عن أَبَان إلاَّ موسى بن إسماعيل.وقد رَواه غير من سمينا موقوفا ولا نعلم روى أبو جعفر عن عطاء بن يسار ، عَن أبي هُرَيرة إلاَّ هذا الحديث ، وَإنَّما يحدث أبو جعفر عن أبي هُرَيرة، واتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ( 5530- 5532) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 2 / ص 241) ( 3431) وأخرجه البيهقى في شعب الإيمان (5/145/6126) وأخرجه النسائي في الكبرى )(5/488/9703)
(2) - انظر تهذيب الكمال (33/191/7283) وتهذيب التهذيب (12/58/218) و وتقريب التهذيب التقريب (2/406) وقال : مقبول ، ومن زعم أنه محمد بن على بن الحسين فقد وهم .
(3) - عون المعبود - (ج 9 / ص 119) وحاشية ابن القيم على سنن أبي داود - (ج 2 / ص 94)
(4) - مسند أحمد (48) مطولا وهو صحيح(1/19)
17- ( 798 ) عَنْ قَيْسِ بْنِ بِشْرٍ التَّغْلِبِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبِى - وَكَانَ جَلِيسًا لأَبِى الدَّرْدَاءِ - قَالَ كَانَ بِدِمَشْقَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ وَكَانَ رَجُلاً مُتَوَحِّدًا قَلَّمَا يُجَالِسُ النَّاسَ إِنَّمَا هُوَ صَلاَةٌ فَإِذَا فَرَغَ فَإِنَّمَا هُوَ تَسْبِيحٌ وَتَكْبِيرٌ حَتَّى يَأْتِىَ أَهْلَهُ فَمَرَّ بِنَا وَنَحْنُ عِنْدَ أَبِى الدَّرْدَاءِ فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً فَقَدِمَتْ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَلَسَ فِى الْمَجْلِسِ الَّذِى يَجْلِسُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ لَوْ رَأَيْتَنَا حِينَ الْتَقَيْنَا نَحْنُ وَالْعَدُوُّ فَحَمَلَ فُلاَنٌ فَطَعَنَ فَقَالَ خُذْهَا مِنِّى وَأَنَا الْغُلاَمُ الْغِفَارِىُّ كَيْفَ تَرَى فِى قَوْلِهِ قَالَ مَا أُرَاهُ إِلاَّ قَدْ بَطَلَ أَجْرُهُ فَسَمِعَ بِذَلِكَ آخَرُ فَقَالَ مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا فَتَنَازَعَا حَتَّى سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « سُبْحَانَ اللَّهِ لاَ بَأْسَ أَنْ يُؤْجَرَ وَيُحْمَدَ ». فَرَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ سُرَّ بِذَلِكَ وَجَعَلَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ أَنْتَ سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ نَعَمْ. فَمَا زَالَ يُعِيدُ عَلَيْهِ حَتَّى إِنِّى لأَقُولُ لَيَبْرُكَنَّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ. قَالَ فَمَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْمُنْفِقُ عَلَى الْخَيْلِ كَالْبَاسِطِ يَدَهُ بِالصَّدَقَةِ لاَ يَقْبِضُهَا ». ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ. قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيْمٌ الأَسَدِىُّ لَوْلاَ طُولُ جُمَّتِهِ وَإِسْبَالُ إِزَارِهِ ». فَبَلَغَ ذَلِكَ خُرَيْمًا فَعَجِلَ فَأَخَذَ شَفْرَةً فَقَطَعَ بِهَا جُمَّتَهُ إِلَى أُذُنَيْهِ وَرَفَعَ إِزَارَهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ. ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِى النَّاسِ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُّشَ ». " رواه أبو داود بإسناد حسن إلا قيس بن بشر فاختلفوا في توثيقه وتضعيفه وقد روى له مسلم .
( ضعيف ) .[ فيه : قيس التغلبي،وهو مجهول ] .
وذكره الشيخ الألبانى في الإرواء (7/208) وقال : " وقال الحاكم : صحيح الإسناد،ووافقه الذهبى . وقيس بن بشر عن أبيه،قال الذهبى نفسه في الميزان : لا يعرفان . فأنى للحديث الصحة ؟ " .
-------------
قلت :هو في سنن أبى داود (4091 ) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ - يَعْنِى عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَمْرٍو - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ بِشْرٍ التَّغْلِبِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبِى - وَكَانَ جَلِيسًا لأَبِى الدَّرْدَاءِ - به...(1)
فأما الإسناد،فرجاله كلهم موثقون،هشام بن سعدٍ فمن فوقه . هشام بن سعدٍ أبو عباد المدني،مولاهم المخزومى،صدوق حسن الحديث كما قال الإمام الذهبي،روى له مسلم أصولاً ومتابعات .(2)
وأما قيس بن بشر التغلبي الشامي فصدوق حسن الحديث(3)
وأبوه بشر بن قيس التغلبي القنسريني حسن الحديث أيضاً(4)
فإذا بان ذلك وتقررت دلالته،علم أن قول الحافظ الذهبي في الميزان(5): " قيس بن بشر عن أبيه لا يعرفان " إما حكاية عمن زعم جهالة عينهما،وإما غفلة عما قرره هو نفسه في الكاشف(6): " قيس بن بشر التغلبي القنسريني عن أبيه . وعنه : هشام بن سعدٍ . قال أبو حاتم : ما أرى بحديثه بأساً " .
وبالجملة،فهذا الإسناد رجاله موثقون كلهم،لم يثبت في حق أحدٍ منهم جرحاً يوجب ترك حديثه،سيما وكل فقرةٍ من فقراته مؤيدة بشواهد الصحة،وأمارات الصدق لائحة عليها .
[ الفقرة الأولى ] " لا بَأْسَ بِالعَبْدِ أَنْ يُؤْجَرَ وَيُحْمَد " روى مسلم عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ « تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ ».(7)
[ الفقرة الثانية ] "الْمُنْفِقُ عَلَى الْخَيْلِ كَالْبَاسِطِ يَدَهُ بِالصَّدَقَةِ لا يَقْبِضُهَا " روى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ،فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِى مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(8).
وروى الطبراني في الشاميين عَنْ نُعَيْمِ بْنِ زِيَادٍ،أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا كَبْشَةَ،صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ وَأَهْلُهَا مُعَانُونَ عَلَيْهَا،وَالْمُنَفِقُ عَلَيْهَا كَالْبَاسِطِ يَدَيْهِ بِالصَّدَقَةِ"(9)
[ الفقرة الثالثة ] " نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيْمٌ الأَسَدِيُّ،لَوْلا طُولُ جُمَّتِهِ،وَإِسْبَالُ إِزَارِه " عَنْ خُرَيْمٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَوْلَا أَنْ فِيكَ اثْنَتَيْنِ كُنْتَ أَنْتَ " قَالَ : إِنْ وَاحِدَةً تَكْفِينِي قَالَ : " تُسْبِلُ إِزَارَكَ،وَتُوَفِّرُ شَعْرَكَ " قَالَ : لَا جَرَمَ وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ "(10)
[ الفقرة الرابعة ] " إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ " روى أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُشَ وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا »(11).
والخلاصة أنه حديثٌ حسنٌ على الأقلِّ
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرجه كذلك ابن أبي شيبة (4/227) ، وأحمد (4/180،179) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/286/1045) و الجهاد (244) ، والطبراني في الكبير(6/95:94/5618،5617،5616) ، والحاكم (4/183) ، والبيهقى في شعب الإيمان (5/164/6205،6204) ، والمزي في تهذيب الكمال (4/142) من طرق عن هشام بن سعدٍ قال حدثنى قيس بن بشر التغلبى حدثنى أبى عن ابن الحنظلية به ،وأخرجه كذلك متفرقاً البخاري التاريخ الكبير (3/224/757) و(4/98/2093) عن أبى نعيم عن هشام بن سعدٍ قال حدثنى قيس بن بشر حدثنى أبى عن ابن الحنظلية
(2) - الجرح والتعديل (9/61/241) والضعفاء والمتروكين للنسائي(1/104/611 ) والعجلي معرفة الثقات (2/328/1900) والكامل (7/109) والتقريب(1/572/7294) والكاشف [ ج2 -ص 336 ] (5964 ) وتهذيب الكمال[ج 30 -ص 204 ]( 6577) وتهذيب التهذيب [ج11 -ص37 ] (80)
(3) - الجرح والتعديل (7/94/537) والثقات (7/330/10309) وتهذيب الكمال(4/141/703) والثقات (4/67/1850) والإصابة (1/345/777)والتقريب(1/124) والميزان (5/476) والكاشف (2/138)
(4) - تهذيب الكمال (4/141/703) وابن حبان في الثقات (4/67/1850) والإصابة (1/345/777) والتقريب (1/124) وتهذيب التهذيب[ ج1 - ص399 ] (839 )
(5) - (5/476)
(6) - (2/138)
(7) - صحيح مسلم(6891 )
(8) - صحيح البخارى(2853)
(9) - مسند الشاميين(2064) وأبو يعلى (10/408/1014) وابن حبان (4636) والبيهقى في الكبرى(6/329) و شرح معاني الآثار (3/274) والحاكم (2/91) وغيرهم من طرقو هو صحيح
(10) - الآحاد والمثانى (2/285/1044) وأحمد (4/322،321) ، وابن سعد (( الطبقات ))(6/38) ، والطبرانى (( الكبير )) (4/208:207/4158،4157،4156) ، وأبو نعيم (( الحلية ))(1/363) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(5/228/6472) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(24/12) من طرق عن أبى إسحاق عن شمر بن عطية عن خريم الأسدى .
وتابعه عن شمر بن عطية : الأعمش،فقد أخرجه الطبراني في الكبير(4/208/4160) عن الأعمش عن شمر بن عطية عن خريم بن فاتك به نحوه ،وقد تابعه عبد الملك بن عمير عن أيمن بن فاتك عن أبيه .أخرجه الطبراني في الكبير (4/208/4161) و الأوسط(4/19/3506) و الصغير (1/254/415)عن عبد الملك بن عمير عن أيمن بن خريم بن فاتك عن أ بيه قال : قال النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( نِعْمَ الْفَتَى خُرَيمٌ لَو قَصَّرَ مِنْ شَعْرِه وَرَفَعَ مِنْ إزَارِه )) فقال خريم : لا يجاوز شعري أذني ، ولا إزاري عقبي . فالحديث صحيح لغيره
(11) - مسند أحمد (6643) صحيح(1/20)
125 / باب في آداب المجلس والجليس
18- ( 830 ) عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَعَنَ مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ.. رواه أبو داود بإسناد حسن .
وروى الترمذي عَنْ أَبِى مِجْلَزٍ أَنَّ رَجُلاً قَعَدَ وَسْطَ حَلْقَةٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ أَوْ لَعَنَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - - مَنْ قَعَدَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ.. قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
( ضعيف ) .[ فيه انقطاع،أبو مجلز واسمه لاحق بن حميد لم يسمع من حذيفة ]
------------------
قلت :هو في سنن أبى داود (4828 ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو مِجْلَزٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَعَنَ مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ.
وفي سنن الترمذى (2977 ) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِى مِجْلَزٍ أَنَّ رَجُلاً قَعَدَ وَسْطَ حَلْقَةٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ أَوْ لَعَنَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - - مَنْ قَعَدَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَبُو مِجْلَزٍ اسْمُهُ لاَحِقُ بْنُ حُمَيْدٍ.(1)
قلت : وفي جلِّ النسخ الواردة عن الترمذي أنه قال: حسن صحيح
وجلُّ علماء الجرح والتعديل على أن لاحق بن حميد لم يدرك حذيفة،ولم أجد فيما بين يديَّ من مصادر شاهدا له إلا حديثا في مسند الشاميين(180) لا يعوَّلُ عليه .
ولكن مما يقوي أمر هذا الحديث أمور :
الأول-أن لاحق بن حميد قد روى عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه كما في سنن النسائي (1739) ومسند أحمد (20291) ولم يذكر من كتب في التدليس أو الإرسال أنه أرسل عن أبي موسى وقد مات في الأربعينات،فيكون أبو مجلز كبيرا،يعني فليس بينه وبين حذيفة سوى راو واحدٍ،وهو تابعي أو صحابي،والتابعون من هذه الطبقة كلهم ثقات إلا من نصوا على ضعفه.
ثانيا- تصحيح أولئك العلماء للحديث أو سكوتهم عليه يقوي أمره،وربما يرون أنه سمع من حذيفة رضي الله عنه،فقد ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة،أو يكون له شواهد أخرى لم تصلنا بعد .
ثالثا- عمل سائر العلماء بموجبه دون نكير،وهو النهي عن الجلوس وسط الحلقة،ببن الكراهة والتحريم،مما يقوي أمره . والله أعلم
--------------
النهيُ عن الجلوس وسط الحلقة
"لقد صَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِي وَسْطِ الْحَلْقَةِ كَحَلْقَةِ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاسْتَدَلُّوا بالحديث السابق،وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِذَا كَانَ فِي الْحَلْقَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَعَدَ خَلْفَهُ يَتَأَخَّرُ،قَال ابْنُ مُفْلِحٍ : يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي وَسْطِ الْحَلْقَةِ وَيَتَوَجَّهَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ ،وَالْجُلُوسُ فِي وَسْطِ الْحَلْقَةِ مَعْنَاهُ : أَنْ يَأْتِيَ حَلْقَةً فَيَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَيَقْعُدَ وَسْطَ الْقَوْمِ،وَلاَ يَقْعُدُ حَيْثُ يَنْتَهِي الْمَجْلِسُ،أَوْ أَنْ يَقْعُدَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ مُقَابِلاً بَيْنَ وُجُوهِ الْمُتَحَلِّقِينَ فَيَحْجُبَ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ،فَيَتَضَرَّرُونَ بِمَكَانِهِ وَبِمَقْعَدِهِ هُنَاكَ،وَإِنَّمَا لُعِنَ لأَِنَّهُمْ يَلْعَنُونَهُ وَيَذُمُّونَهُ لِتَأَذِّيهِمْ،وَقِيل : اللَّعْنُ مُخْتَصٌّ بِمَنْ يَجْلِسُ اسْتِهْزَاءً كَالْمُضْحِكِ وَبِمَنْ يَجْلِسُ لأَِخْذِ الْعِلْمِ نِفَاقًا "(2).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - والسنن الكبرى للبيهقي (ج 3 / ص 234)(6118) والمقاصد الحسنة للسخاوي (363) وذكر تصحيح الترمذي والحاكم وسكت عليه وعون المعبود - (ج 10 / ص 348) ونقل تصحيح الترمذي وسكت عليه ،والبزار(2957) وقال عقبه :وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُ يُرْوَى إِلاَّ عَنْ حُذَيْفَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ.والمستدرك للحاكم (7754) وصححه ووافقه الذهبي،ومسند أحمد (24085) وتاريخ بغداد - (ج 5 / ص 237) ومسند الطيالسي(436و437) والتيسير بشرح الجامع الصغير ـ للمناوى - (ج 2 / ص 571) وصحح إسناده ، والمنذري في الترغيب والترهيب(4641) ونقل تصحيح الترمذي والحاكم وسكت عليهما، ودليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6820) وسكت على قول النووي وميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 16) (20) ونقل تصحيح الترمذي له وسكت عليه .
(2) - انظر عون المعبود - (ج 10 / ص 348) والموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 36 / ص 135) وبريقة محمودية وهامشها 4 / 166 ، 167 ، والقوانين الفقهية / 433 - ط . دار الكتاب العربي ، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 457 ، والآداب للبيهقي / 103 والسُّنَنُ الْكُبْرَى لِلْبَيْهقِيِّ (5521 ) وشرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد - (ج 27 / ص 490)
وانظر تفاصيل حكمه أيضاً في الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 43 / ص 143) وبِرِيقَة مَحْمُودِيَّة 2 / 166 - 167 ، وَالزَّوَاجِر لاِبْنِ حَجَر الهيتمي 1 / 152 ، وَكَشَّاف الْقِنَاع 2 / 159 ، وعذاء الأَْلْبَاب 1 / 319 ، وَتُحْفَة الأَْحْوَذِيّ 8 / 28 - 29(1/21)
139 / باب استحباب المصافحة عند اللقاء،وتقبيل ولده،وبشاشة الوجه
19- ( 889 ) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ قَالَ يَهُودِىٌّ لِصَاحِبِهِ اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِىِّ. فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلاَهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ. فذكر الحديث إلى قوله فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ فَقَالاَ نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِىٌّ.. رواه الترمذي وغيره بأسانيد صحيحة .
( ضعيف ) .
[ فيه : عبد الله بن سلمة - بكسر اللام -،قال الشيخ الألباني : وهو المرادي وهو مختلف فيه وهو راوي حديث علي في " النهي عن قراءة القرآن جنبا "،وقد ضعفه الحفاظ المحققون كما قال المصنف نفسه ومنهم أحمد والشافعي والبخاري وغيرهم ] .
-----------------
قلتُ : هو في سنن الترمذى (2952 ) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ قَالَ يَهُودِىٌّ لِصَاحِبِهِ اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِىِّ. فَقَالَ صَاحِبُهُ لاَ تَقُلْ نَبِىٌّ إِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ. فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلاَهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ. فَقَالَ لَهُمْ « لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَزْنُوا وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ تَمْشُوا بِبَرِىءٍ إِلَى ذِى سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ وَلاَ تَسْحَرُوا وَلاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا وَلاَ تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً وَلاَ تُوَلُّوا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً الْيَهُودَ أَنْ لاَ تَعْتَدُوا فِى السَّبْتِ ». قَالَ فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ فَقَالاَ نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِىٌّ. قَالَ « فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِى ». قَالُوا إِنَّ دَاوُدَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لاَ يَزَالَ فِى ذُرِّيَّتِهِ نَبِىٌّ وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ. وَفِى الْبَابِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ وَابْنِ عُمَرَ وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.(1)
قال أبو عبد الرحمن النسائي : وهذا حديث منكر،قال أبو عبد الرحمن : حكي عن شُعْبَة،قال : سألت عمرو بن مرة،عن عبد الله بن سلمة،فقال : تعرف وتنكر. قال أبو عبد الرحمن : وعبد الله بن سلمة الأفطس متروك الحديث.(2)
وقال ابن كثير في تفسيره :فهذا الحديث رواه هكذا الترمذي،والنسائي،وابن ماجه،وابن جرير في تفسيره من طرق عن شعبة بن الحجاج،به وقال الترمذي: حسن صحيح،وهو حديث مشكل،وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء،وقد تكلموا فيه،ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات،فإنها،وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون،والله أعلم.(3)
وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص "رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ "(4)
وفي تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي: "والْحَدِيث فِيهِ إشْكَالَانِ :
أَحدهمَا أَنهم سَأَلُوا عَن تِسْعَة وَأجَاب فِي الحَدِيث بِعشْرَة وَهَذَا لَا يرد عَلَى رِوَايَة أبي نعيم وَالطَّبَرَانِيّ لِأَنَّهُمَا لم يذكرَا فِيهِ السحر وَلَا عَلَى رِوَايَة أَحْمد أَيْضا لِأَنَّهُ لم يذكر الْقَذْف مرّة وَشك فِي أُخْرَى فَيَبْقَى الْمَعْنى فِي رِوَايَة غَيرهم أَي خُذُوا مَا سَأَلْتُمُونِي عَنهُ وَأَزِيدكُمْ مَا يخْتَص بكم لِتَعْلَمُوا وُقُوفِي عَلَى مَا يشْتَمل عَلَيْهِ كتابكُمْ.
الْإِشْكَال الثَّانِي أَن هَذِه وَصَايَا فِي التَّوْرَاة لَيْسَ فِيهَا حجج عَلَى فِرْعَوْن وَقَومه فَأَي مُنَاسبَة بَين هَذَا وَبَين إِقَامَة الْبَرَاهِين عَلَى فِرْعَوْن وَمَا جَاءَ هَذَا إِلَّا من عبد الله ابْن سَلمَة فَإِن فِي حفظه شَيْئا وَتَكَلَّمُوا فِيهِ وَأَن لَهُ مَنَاكِير وَلَعَلَّ ذَيْنك الْيَهُودِيين إِنَّمَا سَأَلَا عَن الْعشْر كَلِمَات فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِالتسْعِ آيَات فَوَهم فِي ذَلِك وَالله أعلم"(5)
وقال ابن الملقن عقبه : "رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه بأسانيد صَحِيحَة"(6).
وسكت عليه ابن عثمين(7)،وصححه ابن مفلح(8)ومثله السفاريني(9)
قلت : أمَّا عبد الله بن سلمة فقد اختلفوا فيه فقد وثقه قوم وضعفه بعضهم،والراجح عندي أنه حديث حسن , والله أعلم .(10)
وقول النسائي رحمه الله يعني التفرد في الأغلب،وليست بعلة ما لم يكن فيها مخالفة،وقول شعبة لا يعلُّه لأنه مع تشدده رواه عنه،والصواب مع من قوَّى الحديث.
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - والمستدرك للحاكم (20) وصححه ووافقه الذهبي على تصحيحه ،وسنن النسائى (4095) ومسند أحمد (18580) والأحاديث المختارة للضياء - (ج 3 / ص 344) وصححه ومصنف ابن أبي شيبة (ج 14 / ص 289)(37698) والآحاد والمثاني لابن أبي عاصم(2180) ودلائل النبوة للبيهقي (2527) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 166)(17117) والمسند الجامع (5397) والنافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة - (ج 1 / ص 57)(132) كلهم من الطريق نفسه
(2) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة (3527)
(3) - تفسير ابن كثير (ج 5 / ص 125)
(4) - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 5 / ص 240)
(5) - تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي - (ج 2 / ص 293)
(6) - البدر المنير - (ج 9 / ص 48)
(7) - وشرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 4 / ص 51) و وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 3355) وذكروا تصحيح الترمذي وسكتوا عليه و تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (ج 1 / ص 370) وسكت عليه
(8) - الآداب الشرعية - (ج 2 / ص 368)
(9) - غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب - (ج 2 / ص 23)
(10) - انظر تقريب التهذيب (3364 ) والكاشف (2760) والتاريخ الكبير [ ج 5 - ص99 ](285) والثقات لابن حبان (3587 ) والثقات للعجلي898) والجرح والتعديل[ ج 5 - ص73 ](345 ) وقال ابن عدي في نهاية ترجمته في الكامل في الضعفاء [ ج 4 - ص170 ]: "وقد روى عبد الله بن سلمة عن علي وعن حذيفة وعن غيرهما غير هذا الحديث وأرجو انه لا بأس به"(1/22)
20- (890 ) عن ابن عمر رضي الله عنه قصة قال فيها : فَدَنَوْنَا فَقَبَّلْنَا يَدَهُ فَقَالَ « أَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ ». . رواه أبو داود .
( ضعيف ) [ إسناده يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم،وهو ضعيف ] .
------------------
قلت : هذا هو في سنن أبى داود (2649 و 5225 )حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِى زِيَادٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى لَيْلَى حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ فِى سَرِيَّةٍ مِنْ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً فَكُنْتُ فِيمَنْ حَاصَ - قَالَ - فَلَمَّا بَرَزْنَا قُلْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ وَقَدْ فَرَرْنَا مِنَ الزَّحْفِ وَبُؤْنَا بِالْغَضَبِ فَقُلْنَا نَدْخُلُ الْمَدِينَةَ فَنَتَثَبَّتُ فِيهَا وَنَذْهَبُ وَلاَ يَرَانَا أَحَدٌ - قَالَ - فَدَخَلْنَا فَقُلْنَا لَوْ عَرَضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنْ كَانَتْ لَنَا تَوْبَةٌ أَقَمْنَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ ذَهَبْنَا - قَالَ - فَجَلَسْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا نَحْنُ الْفَرَّارُونَ فَأَقْبَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ: « لاَ بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ ». قَالَ فَدَنَوْنَا فَقَبَّلْنَا يَدَهُ فَقَالَ : « أَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ »(1).
قلت : فيه يزيد بن زياد الكوفِي مختلف فيه والراجح فيه أنه صدوق ساء حفظه بآخره ورواية الكبار عنه موثوقة،وهذا من رواية (سفيان بن عُيينة،ومحمد بن فُضَيل،وعلي بن صالح،وزُهير بن معاوية،وشعبة،وخالد الطحان،وشريك،وأبو عوانة،وعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ وجرير بن عبد الحميد)(2)
ولم يتفرد بالتقبيل بل له شاهد أقوى منه،فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ : " أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ كَأَنَّ عَلَى رُءوُسِهِمُ الطَّيْرُ , فَجَاءَ الْأَعْرَابُ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يُقَبِّلُونَ يَدَهُ , فَأَخَذْتُهَا وَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي , فَإِذَا هِيَ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ , وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ "(3)وهو حديث صحيح.
فالحديث الذي اقتصر عليه النووي رحمه الله صحيح لغيره
وفي الموسوعة الفقهية(4):
التَّقْبِيل الْمُبَاحُ
يَجُوزُ تَقْبِيل يَدِ الْعَالِمِ الْوَرِعِ وَالسُّلْطَانِ الْعَادِل،وَتَقْبِيل يَدِ الْوَالِدَيْنِ،وَالأُْسْتَاذِ،وَكُل مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ وَالإِْكْرَامَ،كَمَا يَجُوزُ تَقْبِيل الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَبَيْنَ الْعَيْنَيْنِ،وَلَكِنْ كُل ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَبَرَّةِ وَالإِْكْرَامِ،أَوِ الشَّفَقَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَالْوَدَاعِ،وَتَدَيُّنًا وَاحْتِرَامًا مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ .
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَانَقَ جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ وَقَبَّل بَيْنَ عَيْنَيْهِ(5)
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ مِنْ سَرَايَا رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ قِصَّةً قَال : فَدَنَوْنَا مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَبَّلْنَا يَدَهُ(6).
قَال ابْنُ بَطَّالٍ : أَنْكَرَ مَالِكٌ تَقْبِيل الْيَدِ وَأَنْكَرَ مَا رُوِيَ فِيهِ . قَال الأَْبْهَرِيُّ : وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالتَّكَبُّرِ . وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ إِلَى اللَّهِ لِدِينِهِ أَوْ لِعِلْمِهِ أَوْ لِشَرَفِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ .(7)
كَذَلِكَ يَجُوزُ بَل يُسَنُّ تَقْبِيل الْوَلَدِ لِلْمَوَدَّةِ عَلَى الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَالْخَدِّ،لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِىُّ جَالِسًا . فَقَالَ الأَقْرَعُ إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا . فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ :« مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ »(8).
وَعَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ »(9).
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا بِرَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فَاطِمَةَ ابْنَتِهِ،وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا يُقَبِّلُهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ،وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَل عَلَيْهَا قَامَتْ لَهُ فَتُقَبِّلُهُ وَتُجْلِسُهُ فِي مَجْلِسِهَا" .(10)
وقال النووي رحمه الله في شرح المهذب:"يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ يَدِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَالزَّاهِدِ وَالْعَالِمِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ يَدِهِ لِغِنَاهُ وَدُنْيَاهُ وَشَوْكَتِهِ وَوَجَاهَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالدُّنْيَا وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَكْرُوهٌ شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ،وَقَالَ الْمُتَوَلِّي : لَا يَجُوزُ فَأَشَارَ إلَى تَحْرِيمِهِ وَتَقْبِيلُ رَأْسِهِ وَرِجْلِهِ كَيَدِهِ .
وَأَمَّا تَقْبِيلُ خَدِّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَوَلَدِ قَرِيبِهِ وَصَدِيقِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ صِغَارِ الْأَطْفَالِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ فَسُنَّةٌ , وَأَمَّا التَّقْبِيلُ بِالشَّهْوَةِ فَحَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ , بَلْ النَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ حَرَامٌ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيمِ الْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ إلَّا زَوْجَتُهُ وَجَارِيَتُهُ وَأَمَّا تَقْبِيلُ الرَّجُلِ الْمَيِّتِ وَالْقَادِمِ مِنْ سَفَرِهِ وَنَحْوِهِ فَسُنَّةٌ , وَكَذَا مُعَانَقَةُ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ .
وَأَمَّا الْمُعَانَقَةُ وَتَقْبِيلُ وَجْهِ غَيْرِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ غَيْرِ الطِّفْلِ فَمَكْرُوهَانِ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي التَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ وَمَكْرُوهٌ فِي غَيْرِهِ هُوَ فِي غَيْرِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ فَأَمَّا الْأَمْرَدُ الْحَسَنُ فَيَحْرُمُ بِكُلِّ حَالٍ تَقْبِيلُهُ سَوَاءٌ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُعَانَقَتَهُ قَرِيبَةٌ مِنْ تَقْبِيلِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُقَبِّلُ وَالْمُقَبَّلُ صَالِحَيْنِ أَوْ غَيْرَهُمَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا تَقْبِيلُ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ , وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وذكرها ...(11)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - ومصنف ابن أبي شيبة (235) - (ج 12 / ص 536)(34374) والسنن الكبرى للبيهقي(ج 7 / ص 101)(13968) وشرح السنة للبغوي (2612) والآداب للبيهقي (226 ) ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 12 / ص 64) وذكر تحسين الترمذي وسكت عليه، وفي التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 5 / ص 240) وسكت عليه، وتخريج أحاديث الكشاف - (ج 2 / ص 17) ونقل تحسين الترمذي وسكت عليه.، الحيصة : الفرار =العكارون : العائدون إلى القتال
(2) - راجع التهذيب 11/329-331 والكاشف (6417) والديوان (4723)
(3) - أمالي المحاملي (241 ) والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (314 ) والرخصة في تقبيل اليد لمحمد بن إبراهيم المقرئ (2 ) و الْقُبَلُ وَالْمُعَانَقَةُ وَالْمُصَافَحَةُ لِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ(3 ) وشُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ ( 1494-1496) كلهم من طريق سعيد بن عامر قال : ثنا شعبة ، عن زياد بن علاقة ، عن أسامة بن شريك ، وفي فتح الباري 57/11 :إسناده قوي
(4) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 13 / ص 131) ومثله في فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 4 / ص 9317) رقم الفتوى 28906 لا مانع من تقبيل المرأة يد زوجها و(ج 3 / ص 2149) رقم الفتوى 13930 تقبيل رجل الوالدين.. وأهل الفضل... رؤية شرعية =تاريخ الفتوى : 14 ذو الحجة 1422
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (235) - (ج 12 / ص 106)(32870) وهو صحيح مرسل
ووصله في المستدرك للحاكم (4249و4941 ) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وورد من طرق أخرى المعجم الكبير للطبراني( 1451و1452) ( فالحديث صحيح )
(6) - سنن أبى داود (2649 ) مطولا (( وموطن الشاهد صحيح ))
(7) - تحفة الأحوذي 7 / 527 . وانظر في هذه المسائل : ابن عابدين 5 / 245 ، 246 ، والبناية 9 / 317 ، 318 ، 326 ، 327 ، وجواهر الإكليل 1 / 20 ، والقليوبي 3 / 213 ، وحاشية الجمل 4 / 126 ، وكشاف القناع 5 / 16 ، والآداب الشرعية لابن مفلح2 / 270 ، 271 ، 277 ، 279 .
(8) - صحيح البخارى (5997 )
(9) - صحيح البخارى (5998 ) ، قال ابن حجر : ويحتمل أن يكون الأعرابي الأقرع بن حابس ، ويحتمل أن يكون قيس بن عاصم ، وهو الأرحج ( فتح الباري 10 / 430ـ ط السلفية )
(10) - أخرجه البخاري في الأدب وأبو داوو والنسائي انظر الحديث وتخريجه في المسند الجامع (17266) وهو حديث صحيح
(11) - المجموع شرح المهذب - (ج 4 / ص 636)(1/23)
21- ( 891 ) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَيْتِى فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ عُرْيَانًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ. رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
( ضعيف ) .[ فيه : محمد بن إسحاق وهو مدلس،ولم يصرح بالتحديث ] .
---------------
قلت :هو في سنن الترمذى(2951 )حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَدَنِىُّ حَدَّثَنِى أَبُو يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى بَيْتِى فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ عُرْيَانًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِىِّ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.(1)
قلت : محمد بن إسحاق بن يسار،قال عنه في التقريب : صدوق يدلس ..(2)
أقول : بعد الرجوع لترجمته وتدقيقها تبين لنا أنه غير مدلس،لأن الطبقة التي عاصرته ومن أخذ عنها لم ترمه بأيِّ تدليس،ورماه من لم يعاصره فيرفض قوله(3)
وقال الذهبي في ديوان الضعفاء: "ثقة إن شاء الله صدوق"،وبنحوه في الكاشف ولم يذكر تدليساً(4).
وقال ابن عدي في نهاية ترجمته المطولة في الكامل "وقد فتشت أحاديثه الكثيرة فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف ،وربما أخطأ أو وهم في الشيء بعد الشيء كما يخطئ غيره ولم يتخلف عنه في الرواية عنه الثقات والأئمة، وهو لا بأس به"(5)
وفي مشاهير علماء الأمصار لابن حبان "محمد بن إسحاق بن يسار مولى عبد الله بن قيس بن مخرمة كان جده من سبى عين التمر وهو أول سبي دخل المدينة من العراق كنيته أبو بكر ممن عنى بعلم السنن وواظب على تعاهد العلم وكثرت عنايته فيه وجمعه له على الصدق والإتقان،يروي عن مشايخ قد رآهم ويروي عن مشايخ عن أولائك وربما روى عن أقوام رووا عن مشايخ يروون عن مشايخه يدل ما وصفت من توقيه على صدقه،مات ببغداد سنة خمسين ومائة وكان من أحسن الناس سياقا للأخبار وأحفظهم لمتونها" .(6)
قلت : وعلى هذا فالأحاديث التي رواها بصيغة العنعنة فهي موصولة وصحيحة ولا سيما عن شيوخه الكبار ومنهم الزهري وهي كثيرة .إلا إذا كان في رواتها من كان ضعيفا فالعلة به،وليست بابن إسحاق(7)
فالصواب أنه حديث حسن،والله أعلم .
وقال المباركفوري:" ( عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ )أَيْ رِدَاءَهُ مِنْ كَمَالِ فَرَحِهِ بِقُدُومِهِ وَمَأْتَاهُ . قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ : تُرِيدُ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ سَاتِرًا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَلَكِنْ سَقَطَ رِدَاءَهُ عَنْ عَاتِقِهِ فَكَانَ مَا فَوْقَ سُرَّتِهِ عُرْيَانًا اِنْتَهَى.
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَحْلِفُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ عُرْيَانًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مَعَ طُولِ الصُّحْبَةِ وَكَثْرَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ ؟ قِيلَ لَعَلَّهَا أَرَادَتْ عُرْيَانًا اِسْتَقْبَلَ رَجُلًا وَاعْتَنَقَهُ فَاخْتَصَرَتْ الْكَلَامَ لِدَلَالَةِ الْحَالِ أَوْ عُرْيَانًا مِثْلَ ذَلِكَ الْعُرْيِ،وَاخْتَارَ الْقَاضِي الْأَوَّلَ . وَقَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ لِمَا يُشَمُّ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهَا رَائِحَةُ الْفَرَحِ وَالِاسْتِبْشَارِ بِقُدُومِهِ وَتَعْجِيلِهِ لِلِقَائِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَمَامِ التَّرَدِّي بِالرِّدَاءِ حَتَّى جَرَّهُ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ مِثْلُ هَذَا اِنْتَهَى . كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ .
وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الْمُعَانَقَةِ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ .."(8)
--------------
استحبابُ القيام للقادم ونحوه
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلاًّ وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ فِى قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَتْ وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِى مَجْلِسِهِ وَكَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِى مَجْلِسِهَا.." أخرجه الترمذي(9)
وعَنْ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - يَقُولُ نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَأَرْسَلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى سَعْدٍ ، فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ لِلأَنْصَارِ « قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ - أَوْ - خَيْرِكُمْ » ....(10)
قَال النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مُعَلِّقًا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ : فِيهِ إِكْرَامُ أَهْل الْفَضْل ، وَتَلَقِّيهِمْ بِالْقِيَامِ لَهُمْ ، إِذَا أَقْبَلُوا ، وَاحْتَجَّ بِهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لاِسْتِحْبَابِ الْقِيَامِ ، قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْقِيَامِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَنْ يَقُومُونَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ جَالِسٌ ، وَيَمْثُلُونَ قِيَامًا طِوَال جُلُوسِهِ ، وَأَضَافَ النَّوَوِيُّ : قُلْتُ : الْقِيَامُ لِلْقَادِمِ مِنْ أَهْل الْفَضْل مُسْتَحَبٌّ ، وَقَدْ جَاءَ فِيهِ أَحَادِيثُ ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْهُ شَيْءٌ صَرِيحٌ .
وَيُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لأَِهْل الْفَضْل كَالْوَالِدِ وَالْحَاكِمِ ؛ لأَِنَّ احْتِرَامَ هَؤُلاَءِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا وَأَدَبًا(11).
وَقَال الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ أَبُو الْمَعَالِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ : وَإِكْرَامُ الْعُلَمَاءِ وَأَشْرَافِ الْقَوْمِ بِالْقِيَامِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ ".(12)
وَنَقَل ابْنُ الْحَاجِّ عَنِ ابْنِ رُشْدٍ - فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيل - أَنَّ الْقِيَامَ يَكُونُ عَلَى أَوْجُهٍ :
الأَْوَّل : يَكُونُ الْقِيَامُ مَحْظُورًا ، وَهُوَ أَنْ يَقُومَ إِكْبَارًا وَتَعْظِيمًا لِمَنْ يُحِبُّ أَنْ يُقَامَ إِلَيْهِ تَكَبُّرًا وَتَجَبُّرًا .
الثَّانِي : يَكُونُ مَكْرُوهًا ، وَهُوَ قِيَامُهُ إِكْبَارًا وَتَعْظِيمًا وَإِجْلاَلاً لِمَنْ لاَ يُحِبُّ أَنْ يُقَامَ إِلَيْهِ ، وَلاَ يَتَكَبَّرُ عَلَى الْقَائِمِينَ إِلَيْهِ .
الثَّالِثِ : يَكُونُ جَائِزًا ، وَهُوَ أَنْ يَقُومَ تَجِلَّةً وَإِكْبَارًا لِمَنْ لاَ يُرِيدُ ذَلِكَ ، وَلاَ يُشْبِهُ حَالُهُ حَال الْجَبَابِرَةِ ، وَيُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ نَفْسُ الْمَقُومِ إِلَيْهِ .
الرَّابِعِ : يَكُونُ حَسَنًا ، وَهُوَ أَنْ يَقُومَ لِمَنْ أَتَى مِنْ سَفَرٍ فَرَحًا بِقُدُومِهِ ، أَوْ لِلْقَادِمِ عَلَيْهِ سُرُورًا بِهِ لِتَهْنِئَتِهِ بِنِعْمَةٍ ، أَوْ يَكُونَ قَادِمًا لِيُعَزِّيَهُ بِمُصَابٍ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ(13).
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ : وَقَدْ قَال الْعُلَمَاءُ : يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالإِْمَامِ الْعَادِل وَفُضَلاَءِ النَّاسِ ، وَقَدْ صَارَ هَذَا كَالشِّعَارِ بَيْنَ الأَْفَاضِل . فَإِذَا تَرَكَهُ الإِْنْسَانُ فِي حَقِّ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يَفْعَل فِي حَقِّهِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَنْسُبَهُ إِلَى الإِْهَانَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّهِ ، فَيُوجِبُ ذَلِكَ حِقْدًا ، وَاسْتِحْبَابُ هَذَا فِي حَقِّ الْقَائِمِ لاَ يَمْنَعُ الَّذِي يُقَامَ لَهُ أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ ، وَيَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ "(14).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وفي شرح معاني الآثار - (ج 5 / ص 413) وشرح السنة للبغوي (3116) ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 12 / ص 62) وذكر تحسين الترمذي له وسكت عليه والدراية في تخريج أحأديث الهداية - (ج 2 / ص 230) وذكر تحسين الترمذي وسكت عليه والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 5 / ص 246) والمسند الجامع (17207) وفي تخريج أحاديث الإحياء - (ج 4 / ص 434) (1934) ذكر تحسين الترمذي وسكت عليه والمدخل - (ج 1 / ص 260) والآداب الشرعية - (ج 2 / ص 11) والآداب الشرعية - (ج 2 / ص 369) وذكر تحسين الترمذي ومثله في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب - (ج 2 / ص 3) والرخصة في تقبيل اليد لمحمد بن إبراهيم المقرئ - (ج 1 / ص 24)(22) وفتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 3) وذكر تحسين الترمذي وسكت عليه ومثله في عون المعبود - (ج 11 / ص 252) وكذلك في تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 37) وسكت عليه في زاد المعاد - (ج 2 / ص 407)
(2) - التقريب (5725)
(3) - راجع التهذيب 9/38-46 والكامل 6/102-112
(4) - ديوان الضعفاء (3589) والكاشف (4789)
(5) - الكامل في الضعفاء[ ج 6 - ص112 ]
(6) - مشاهير علماء الأمصار لابن حبان [ ج 1 - ص139 ](1105 )
(7) - وانظر ترجمته المطولة في سير أعلام النبلاء (7/35) فما بعد (15 ) وفي تاريخ الإسلام للذهبي - (ج 3 / ص 160) وفي تذكرة الحفاظ [ ج 1 - ص172 ] 167
(8) - تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 37)
(9) - سنن الترمذى (4246 ) والأدب المفرد( 947 ) وهو صحيح لغيره
(10) - صحيح البخارى (4121 )
(11) - شرح مسلم 12 / 93 .
(12) - الآداب الشرعية لابن مفلح 2 / 260 .
(13) - المدخل لابن الحاج 1 / 139 طبع . الإسكندرية سنة 1291هـ .
(14) - مختصر منهاج القاصدين ص249 والقليوبي 3 / 213 .(1/24)
143 / باب ما يقوله من أيس من حياته
22- ( 912 ) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالْمَوْتِ وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ وَهُوَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِى الْقَدَحِ ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَقُولُ :« اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ». أَوْ « سَكَرَاتِ الْمَوْتِ ». " . رواه الترمذي .
( ضعيف ) .[ فيه : موسى بن سرجس،وهو مجهول ] .
ذكره الألبانى في ضعيف الجامع (1176) .
---------------
قلت: هو في سنن الترمذى (994 )حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ سَرْجِسَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالْمَوْتِ وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ وَهُوَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِى الْقَدَحِ ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَقُولُ « اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ». أَوْ « سَكَرَاتِ الْمَوْتِ »(1).قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ(2).
وهذا حديث حسن،وإسناد رجاله كلهم ثقات،وموسى بن سرجس لا يضره تفرد يزيد بن الهاد بالرواية عنه،إذ لم يذكره أحد بجرحٍ،ورواية النسائي توثيق له .(3)
قلت : ولكنه لم يتفرد به،ففي المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 341)(18613 ) حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيُّ،ثنا عَبْدُ اللَّهِ بن صَالِحٍ،حَدَّثَنِي اللَّيْثُ،ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بن الْفَرَجِ،وَمُحَمَّدُ بن الْحُسَيْنِ بن بنتِ رِشْدِينَ بن سَعْدٍ،قَالا: ثنا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ،ثنا اللَّيْثُ،حَدَّثَنِي يَزِيدُ بن عَبْدِ اللَّهِ بن الْهَادِ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الْقَاسِمِ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ حَافِنَتِي وَدَافِنَتِي،فَلا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأَحَدٍ أَبَدًا،بَعْدَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَمُوتُ وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ،يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ،ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ،ثُمَّ يَقُولُ:اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ." وهذا إسناد صحيح،وهو اللفظ الصحيح والتردد ربما كان من موسى بن سرجس نفسه لعدم ضبطه.
وأصل الحديث في صحيح البخارى(4449 ) عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَىَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّىَ فِى بَيْتِى وَفِى يَوْمِى،وَبَيْنَ سَحْرِى وَنَحْرِى،وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِى وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ،دَخَلَ عَلَىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ،وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلْتُ آخُذُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ،فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَقُلْتُ أُلَيِّنُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ،فَلَيَّنْتُهُ،وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ - أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عُمَرُ - فِيهَا مَاءٌ،فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِى الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ » . ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ « فِى الرَّفِيقِ الأَعْلَى» حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ .
----------------
( اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ) أَيْ شَدَائِدِهِ أَيْ أَعِنِّي عَلَى دَفْعِهَا . قَالَ فِي الْقَامُوسِ : غَمْرَةُ الشَّيْءِ شِدَّتُهُ وَمُزْدَحَمُهُ ج غَمَرَاتٌ وَغِمَارٌ اِنْتَهَى . وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ : غَمَرَاتُ الْمَوْتِ شَدَائِدُهُ اِنْتَهَى .
( أَوَسَكَرَاتِ الْمَوْتِ ) أَيْ شَدَائِدِهِ جَمْعُ سَكْرَةٍ بِسُكُونِ الْكَافِ وَهِيَ شِدَّةُ الْمَوْتِ . قَالَ سِرَاجُ أَحْمَدَ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : هُوَ عَطْفُ بَيَانٍ لِمَا قَبْلَهُ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَوَّلِ الشِّدَّةُ وَبِالْأُخْرَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الدَّهْشَةِ وَالْحَيْرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغَفْلَةِ . وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (19) سورة ق،إِنَّ سَكْرَتَهُ شِدَّتُهُ الذَّاهِبَةُ بِالْعَقْلِ اِنْتَهَى .(4)
"أي أعني عليها حتى أتحمل وأصبر وأتروى ولا يزيغ عقلي وحتى يختم لي بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لأن المقام مقام عظيم مقام هول وشده إذا لم يعنك الله عز وجل ويصبرك فأنت على خطر"(5)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرجه كذلك ابن أبي شيبة في المصنف(6/42/29333) ، وأحمد في المسند (6/64،70،77،151) ، وابن سعد في الطبقات الكبرى (2/257) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة (1101) وفي كتاب الوفاة (25) ، وابن ماجه (1623) ، وأبو يعلى (8/9/4510) ، والطبراني في الأوسط (3/307/3244) ، والحاكم (3/56) ، والبيهقى في السنن الكبرى (4/259 و 6/269) ، والخطيب في التاريخ (7/208) ، والمزى في تهذيب الكمال (29/67) جميعا من طريق يزيد بن الهاد عن موسى بن سرجس عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت : فذكرته .
(2) - اختلفت نسخ (( جامع الترمذى )) فى الحكم على هذا الحديث ، وما أثبتُه هو الصحيح ، فقد ذكره هكذا المزى فى (( تهذيب الكمال ))(29/67) ، وابن حجر (( تهذيب التهذيب ))( 10/307) ، والمباركفورى (( تحفة الأحوذى ))(4/47) وأما النسخة التى إليها العزو بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقى ، ففيها (( حسن غريب )) !! .
(3) - قال الحافظ في التقريب ( 2/283) : " مدني مستور " . وقال في فتح الباري (11/362) : قوله " إن للموت سكرات " وقع في رواية القاسم عن عائشة عند أصحاب السنن سوى أبي داود بسند حسن بلفظ " اللهم أعني على سكرات الموت "اهـ
(4) - تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 36) وشرح رياض الصالحين - (ج 1 / ص 1033)
(5) - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 4 / ص 78)(1/25)
155 / باب تعجيل قضاء الدَّيْن عن الميت والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن يموت فجأة فيترك حتى يُتيقن موته
23- ( 944 ) عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحٍ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ الْبَرَاءِ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ فَقَالَ: « إِنِّى لاَ أَرَى طَلْحَةَ إِلاَّ قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ فَآذِنُونِى بِهِ وَعَجِّلُوا فَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِى لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَىْ أَهْلِهِ » " . رواه أبو داود .
( ضعيف ) .[ فيه : مجهولان : عروة بن سعيد الأنصاري،وأبوه ] .
------------------
قلت : هو في سنن أبى داود(3161 ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ الرُّؤَاسِىُّ أَبُو سُفْيَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ قَالاَ حَدَّثَنَا عِيسَى - قَالَ أَبُو دَاوُدَ هُوَ ابْنُ يُونُسَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ الْبَلَوِىِّ عَنْ عَزْرَةَ - وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ عُرْوَةُ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِىُّ - عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحٍ به...(1)
وفي بعض رواته جهالة،ولكن لا بأس به في فضائل الأعمال،كما أنَّ الإمام النووي رحمه الله لم يحكم على هذا الحديث بشي،وإنما سكت عليه فقط،وهو أقوى حديث في هذا الباب .
-----------------
توضيحٌ حولَ شرط أبي داود في السنن
قال ابن حجر- رحمه الله- في النكت على مقدمة ابن الصلاح حول شرط أبي داود(2):
وفي قول أبي داود: (وما كان فيه وهن شديد بينته)،ما يفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد؛ أنه لا يبينه،ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي،بل هو على أقسام:
1- منه ما هو على شرط الصحيحين أو على شرط الصحة.
2- ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته.
3- ومنه ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد.
وهذان القسمان كثير في كتابه جدًّا.
4- ومنه ما هو ضعيف،لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالباً.
وكلُّ هذه الأقسام عنده تصلح للاحتجاج بها.
كما نقل ابن منده عنه: أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره،وأنه أقوى عنده من رأي الرجال.
وكذلك قال ابن عبد البر: كلُّ ما سكت عليه أبو داود؛ فهو صحيح عنده،لا سيما إن كان لم يذكر في الباب غيره.
ونحو هذا ما روينا عن الإمام أحمد بن حنبل فيما نقله ابن المنذر عنه: أنه كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره.
وأصرح من هذا ما روينا عنه فيما حكاه أبو العز بن كادش(3)أنه قال لابنه: لو أردت أن أقتصر على ما صح عندي؛ لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء،ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث: أني لا أخالف ما يُضَعَّف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه.(4)
ومن هذا ما روينا من طريق عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل بالإسناد الصحيح إليه؛ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يقول: لَا تَكَادُ تَرَى أَحَدًا نَظَرَ فِي الرَّأْيِ إلَّا وَفِي قَلْبِهِ دَغَلٌ ..(5)
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لَا يَجِدُ فِيهِ إلَّا صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِنْ سَقِيمِهِ وَأَصْحَابَ رَأْيٍ،فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ،فَقَالَ أَبِي: يَسْأَلُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ،وَلَا يَسْأَلُ أَصْحَابَ الرَّأْيِ،ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ الرَّأْيِ(6).
فهذا نحو مما حكي عن أبي داود،ولا عجبَ؛ فإنه كان من تلامذة الإمام أحمد،فغير مستنكر أن يقول: قوله"(7).
قلتُ: بل إن ابن تيمية يرى أن شرط أحمد في مسنده أجود من شرط أبي داود قال في التوسل والوسيلة(8):"وَلِهَذَا نَزَّهَ أَحْمَدُ مُسْنَدَهُ عَنْ أَحَادِيثِ جَمَاعَةٍ يَرْوِي عَنْهُمْ أَهْلُ السُّنَنِ كَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِثْلِ مَشْيَخَةِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المزني عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَإِنْ كَانَ أَبُو دَاوُد يَرْوِي فِي سُنَنِهِ مِنْهَا فَشَرْطُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ أَجْوَدُ مِنْ شَرْطِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ".(9)
وقال ابن حجر متابعاً كلامه(10):"ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتجُّ بكل ما سكت عليه أبو داود،فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها؛ مثل: ابن لهيعة،وصالح مولى التوأمة،وعبد الله بن محمد بن عقيل،وموسى بن وردان،وسلمة بن الفضل،ودلهم بن صالح،وغيرهم.
فلا ينبغي للناقد أن يقلِّده في السكوت على أحاديثهم،ويتابعه في الاحتجاج بهم،بل طريقه أن ينظر: هل لذلك الحديث متابع،فيعتضد به؟ أو هو غريب،فيتوقف فيه؟ لا سيما إن كان مخالفاً لرواية من هو أوثق منه؛ فإنه ينحطًّ إلى قبيل المنكر.
وقد يخرج لمن هو أضعفُ من هؤلاء بكثير؛ كالحارث بن وجيه،وصدقة الدقيقي،وعثمان بن واقد العمري،ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني،وأبي جناب الكلبي،وسليمان بن أرقم،وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة،وأمثالهم من المتروكين.
وكذلك مافيه من الأسانيد المنقطعة،وأحاديث المدلِّسين بالعنعنة،والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم.
فلا يتجهُ الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود؛ لأن سكوته: تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه،وتارة يكون لذهول منه،وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته كأبي الحويرث ويحيى بن العلاء وغيرهما،وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه -وهو الأكثر-؛ فإن في رواية أبي الحسن بن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي وإن كانت روايته أشهر.
ومن أمثلة ذلك: ما رواه من طريق الْحَارِثِ بْنِ وَجِيهٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ ». فإنه تكلم عليه في بعض الروايات،فقال: « الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ.؛ »،(11)وفي بعضها اقتصر على بعض هذا،وفي بعضها لم يتكلم فيه.
وقد يتكلم على الحديث بالتضعيف البالغ خارج «السنن»،ويسكت عنه فيها،ومن أمثلته ما رواه في «السنن» من طريق مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِىِّ أَخْبَرَنَا نَافِعٌ قَالَ:انْطَلَقْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِى حَاجَةٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَضَى ابْنُ عُمَرَ حَاجَتَهُ فَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ يَوْمَئِذٍ أَنْ قَالَ:مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى سِكَّةٍ مِنَ السِّكَكِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا كَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَوَارَى فِى السِّكَّةِ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلاَمَ وَقَالَ:« إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِى أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلاَمَ إِلاَّ أَنِّى لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ ».(12)؛ لم يتكلم عليه في «السنن»،ولما ذكره في«كتاب التفرد»؛ قال: «لم يتابع أحد محمد بن ثابت على هذا»،ثم حكى عن أحمد بن حنبل أنه قال: «هو حديث منكر».
وأما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام؛ ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة؛ منها-وهو ثالث حديث في كتابه-: سنن أبى داود(3 ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، أَخْبَرَنَا أَبُو التَّيَّاحِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي شَيْخٌ ، قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْبَصْرَةَ ، فَكَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى ، فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَبِي مُوسَى يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى : إِنِّي كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ ، فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ ، ثُمَّ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا "(13).
لم يتكلم عليه في جميع الروايات،وفيه هذا الشيخ المبهم.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي يمنع من الاحتجاج بها ما فيها من العلل.
فالصوابُ: عدمُ الاعتماد على مجرد سكوته،لما وصفنا أنه يحتجُّ بالأحاديث الضعيفة،ويقدِّمها على القياس،إن ثبت ذلك عنه.
والمعتمد على مجرد سكوته لا يرى الاحتجاج بذلك،فكيف يقلِّده فيه؟ !
وهذا جميعه إن حملنا قوله: « وما لم أقل فيه شيئاً؛ فهو صالح» على أن مراده: أنه صالح للحجة،وهو الظاهر،وإن حملناه على ما هو أعم من ذلك -وهو الصلاحية: للحجة،أو للاستشهاد،أو للمتابعة-؛ فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف،ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي يسكت عليها وهي ضعيفة؛ هل فيها أفراد أم لا؟ إن وجد فيها أفراد؛ تعين الحمل على الأول،وإلا حمل على الثاني،وعلى كل تقدير؛ فلا يصلح ما سكت عليه للاحتجاج مطلقاً،وقد نبه على ذلك الشيخ محيي الدين النووي فقال: في «سنن أبي داود» أحاديث ظاهرة الضعف لم يبيِّنها،مع أنّه متفق على ضعفها؛ فلا بدّ من تأويل كلامه،ثم قال: والحق أن ما وجدناه في «سننه» مما لم يبينه ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد؛ فهو حسن،وإن نص على ضعفه من يعتمد،أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف ولا جابر له؛ حكم بضعفه،ولم يلتفت إلى سكوت أبي داود.(14)
قلت: وهذا هو التحقيق،لكنه خالف في مواضع من «شرح المهذب» وغيره من تصانيفه،فاحتجَّ بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها،فلا يغتر بذلك،والله أعلم» ا.هـ. كلام الحافظ ابن حجر بطوله(15).
قلتُ: وهذا مثال لتصرف الإمام النووي،قال في شرح المهذب:"وَدَلِيلُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ حَدِيثُ عَنِ الْمُسَوَّرِ بْنِ يَزِيدَ الْأَسَدِيِّ الْمَالِكِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَحْيَى وَرُبَّمَا قَالَ : شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَتَرَكَ شَيْئًا لَمْ يَقْرَأْهُ،فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،تَرَكْتَ آيَةَ كَذَا وَكَذَا،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هَلَّا أَذْكَرْتَنِيهَا "،قَالَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِهِ : قَالَ : " كُنْتُ أُرَاهَا نُسِخَتْ "(16)،رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ , وَلَمْ يُضَعِّفْهُ , وَمَذْهَبُهُ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ "(17).
----------------
التَّعْجِيلُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ(18)
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ الإِِْسْرَاعُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ إِِذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ،لِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَادَ طَلْحَةُ بْنُ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَال : إِنِّي لاَ أَرَى طَلْحَةَ إِلاَّ قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ،فَآذِنُونِي بِهِ،وَعَجِّلُوا،فَإِِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ(19).
وَالصَّارِفُ عَنْ وُجُوبِ التَّعْجِيل : الاِحْتِيَاطُ لِلرُّوحِ ؛ لاِحْتِمَالِهِ الإِِْغْمَاءَ وَنَحْوَهُ . فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ،فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ،وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ »(20)
وَيُنْدَبُ تَأْخِيرُ مَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ غَرَقًا .(21)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وفي الإبانة الكبرى لابن بطة (2497) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 3 / ص 386)(6859و18290) والمسند الجامع (3441) والآحاد والمثاني لابن أبي عاصم(1882) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 4 / ص 21)(3473) والمعجم الأوسط للطبراني (8402) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (3479 ) وفي مجمع الزوائد( 4194) وقال عقبه : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وبرقم( 15969 ) قال : فَهُوَ حَسَنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . والسنة لابن أبي عاصم(453) وسكت عليه في فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 371) وفي الإصابة في معرفة الصحابة - (ج 1 / ص 96) كلهم من الطريق نفسه
(2) - انظر : النكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 435) وتوضيح الأفكار[ ج1 - ص205 -210] وفتح المغيث[ج1 - ص80 ] وتوجيه النظر إلى أصول الأثر[ ج1 - ص368 ]
(3) - هو أحمد بن عبيد الله بن كادش (أبو العز) محدث من شيوخ ابن عساكر خرج وألّف توفي سنة 556. لسان الميزان (1/218)، معجم المؤلفين (1/308)
(4) - حكى أبو موسى المديني المتوفى سنة 581 هذه الرواية في خصائص المسند (ص27) من الجزء الأول من مسند أحمد تحقيق أحمد محمد شاكر ثم ردها ثم قال: "فلعله كان أولا ثم أخرج منه ما ضعف".
(5) - انظر جامع بيان العلم (2/170).
(6) - الأحكام لابن حزم (ج 6 / ص 792) وإعلام الموقعين (ج 1 / ص 76) وإيقاظ همم أولي الأبصار (ج 1 / ص 119)
(7) - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث (ج 1 / ص 13) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 76) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 437)
(8) ص82) طبعة دار العروبة ومجموع الفتاوى (ج 1 / ص 250)
(9) - هذا وقد نقل الصنعاني هذه الأقوال قول ابن منده وابن عبد البر وأبي العز ابن كادش والنجم الطوفي. انظر توضيح الأفكار (1/197- 198). وتحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع (ج 3 / ص 145)
(10) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 146)
(11) - سنن أبى داود(248 )
(12) - قلت : بل تكلم عليه فقال : قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ حَدِيثًا مُنْكَرًا فِى التَّيَمُّمِ، قَالَ ابْنُ دَاسَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَمْ يُتَابَعْ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ فِى هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَوَوْهُ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ.سنن أبى داود(330 )
(13) - الدمث : الأرض السهلة الرخوة = يرتاد : يطلب مكانا لينا لئلا يرجع عليه رشاش بوله
(14) - ا فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ج 1 / ص 72) والنكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 444) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 199)
(15) - النكت على ابن الصلاح (ج 1 / ص 445) وتوضيح الأفكار (ج 1 / ص 199) وقواعد في علوم الحديث للتهانوي - تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحمه الله ص 85
(16) - سنن أبى داود(907 ) حسن
(17) - المجموع 4/138، والحديث في د 2- كتاب الصلاة 163- باب الفتح على الإمام في الصلاة حديث 907 وسكت عنه أبو داود، وفي إسناده يحيى بن كثير الكاهلي، قال الحافظ فيه لين الحديث. تقريب 2/356.
وانظر الأماكن التالية المجموع شرح المهذب (ج 2 / ص 77) و(ج 4 / ص 99) و(ج 5 / ص 8) و(ج 6 / ص 48) و(ج 8 / ص 56) لم يضعف أبو داود هذا الحديث فهو حسن عنده
(18) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 12 / ص 222)
(19) - مر تحريجه
(20) - صحيح البخارى (1315 ) ومسلم (2229)
(21) - حاشية ابن عابدين 1 / 572 ، والفواكه الدواني 1 / 330 ، ومغني المحتاج 1 / 332 ، وشرح روض الطالب 1 / 298 ، 299 ، وكشاف القناع 2 / 84 .(1/26)
157 / باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له والاستغفار والقراءة
24- ( 947 ) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : فَإِذَا دَفَنْتُمُونِى فَشُنُّوا عَلَىَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِى قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّى.. رواه مسلم .
قال الشافعي رحمه الله : ويستحبُّ أن يقرأ عنده شيء من القرآن وإن ختموا القرآن عنده كان حسنا
[ قال الشيخ الألباني رحمه الله(1): "لا أدري أين قال ذلك الشافعي رحمه الله تعالى،وفي ثبوته عنه شك كبير عندي كيف لا ومذهبه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى كما نقله عنه الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى : {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (39) سورة النجم ,وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى عدم ثبوت ذلك عن الإمام الشافعي بقوله في " الاقتضاء " : ( لا يحفظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام وذلك لأن ذلك كان عنده بدعة وقال مالك : ما علمنا أحدا فعل ذلك فعلم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يفعلون ذلك ) .
قلت : وذلك هو مذهب أحمد أيضا : أن لا قراءة على القبر كما أثبته في كتابي " أحكام الجنائز "،وهو ما انتهى إليه رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما حققته في كتابي المذكور ] .
----------------------
قلتُ : وفي هذا الكلام أمور :
الأول- أخرجه مسلم (336 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِىُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِى عَاصِمٍ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنَّى - حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ - يَعْنِى أَبَا عَاصِمٍ - قَالَ أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ ، قَالَ : حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ ، يَبَكِي طَوِيلًا ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ : يَا أَبَتَاهُ ، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِكَذَا ؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِكَذَا ؟ قَالَ : فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ ، فَقَالَ : إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنِّي ، وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ ، فَقَتَلْتُهُ ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْتُ : ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ ، قَالَ : فَقَبَضْتُ يَدِي ، قَالَ : " مَا لَكَ يَا عَمْرُو ؟ " قَالَ : قُلْتُ : أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ ، قَالَ : " تَشْتَرِطُ بِمَاذَا ؟ " قُلْتُ : أَنْ يُغْفَرَ لِي ، قَالَ : " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا ؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ؟ " وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ ، وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا ، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ ، وَلَا نَارٌ ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا ، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ ، وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي.(2)
وفي مسند أبي عوانة (156 ) عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ،به وفي آخره قال :" فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فِي قَبْرِي فَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا،فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ دَفْنِي فَأَقِيمُوا عِنْدَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَعْلَمَ مَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي فَإِنِّي أَسْتَأْنِسُ بِكُمْ،مَعْنَى حَدِيثِهِمْ وَاحِدٌ "(3).
وقد حكم عليه الشيخ ناصر رحمه الله بالضعف وهو في صحيح مسلم،بما لم يسبق إليه. وهو من أصحِّ أحاديث المصريين .
ثانيا- قوله عن كلام الإمام الشافعي رحمه الله ": ويستحبُّ أن يقرأ عنده شيء من القرآن وإن ختموا القرآن عنده كان حسنا ." (لا أدري أين قال ذلك الشافعي رحمه الله تعالى،وفي ثبوته عنه شك كبير...)
قلت : الإمامُ النووي رحمه الله كان من أعلم الناس بمذهب الإمام الشافعي رحمه الله،وهو رأسٌ من رؤوسه،فإذا كنتَ لا تدري مصدر هذا الكلام،فالإمام النووي رحمه الله يدري،ولا يمكن أن يقوِّلَ الإمامَ الشافعي رحمه الله ما لم يقل .
قال العلامةُ ابن علان رحمه الله:"(قال الشافعي رحمه اللّه: ويستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن) ليصيبه من الرحمة النازلة على القراء للقرآن نصيب (وإن ختموا القرآن) أي قرءوه (كله كان حسناً) لعظيم فضله."(4)
ولم يعقِّبْ على الإمام النووي بأنه يقوِّلُ الإمام الشافعي ما لم يقل،بل بين المقصود من كلام الشافعي
وفي المجموع شرح المهذب للنووي رحمه الله(5):
" ( الثَّامِنَةُ ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ سَاعَةً يَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ , قَالُوا : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنْ خَتَمُوا الْقُرْآنَ كَانَ أَفْضَلَ , ... وَيُسْتَدَلُّ لِهَذَا الْمُكْثِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ , وَبِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ : " فَإِذَا دَفَنْتُمُونِى فَشُنُّوا عَلَىَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِى قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّى. " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى جُمَلٍ مِنْ الْفَوَائِدِ وَالْقَوَاعِدِ ( قَوْلُهُ ) سُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ رُوِيَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْعُجْمَةِ , وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ , وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما اسْتَحَبَّ قِرَاءَةَ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ وَآخِرِهَا عِنْدَ الْقَبْرِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ."
وفي أسنى المطالب(6): " قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ , وَإِنْ خَتَمُوا الْقُرْآنَ كَانَ أَفْضَلَ ... "
وفي تحفة الحبيب على الخطيب(7):" وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ , وَإِنْ خَتَمُوا الْقُرْآنَ كَانَ أَفْضَلَ ; شَرْحُ الرَّوْضِ اهـ "
قلت : فهؤلاء الأئمة أدرى بأقوال الإمام الشافعي منا بيقين . فالاعتراضُ عليهم في غير محلِّه . وسوف يمرُّ معنا صحة هذا القول إن شاء الله.
ثالثا- وأما قوله : " وفي ثبوته عنه شك كبير عندي كيف لا ومذهبه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى كما نقله عنه الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى : {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (39) سورة النجم "(8)
قلت : قد بين ابن علان معنى كلام الإمام الشافعي رحمه الله .
وقد بين الإمام النووي رحمه الله في المجموع ذلك بقوله : " يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ سَاعَةً يَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ , قَالُوا : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنْ خَتَمُوا الْقُرْآنَ كَانَ أَفْضَلَ "(9)
فأمَّا وصول ثواب القراءة للميت وانتفاعه بها بعد ذلك فهذا أمرٌ آخر،لا علاقة له بالموضوع نفسه،لأن حديث عمرو رضي الله عنه صريح في مكوثهم بعد الدفن قدر نحر الجزور وتقطيعها .
وأمَّا قول ابن تيمية رحمه الله فهذا هو بتمامه(10):
" لكن اختلفوا في القراءة عند القبور : هل تكره،أم لا تكره؟
والمسألة مشهورة،وفيها ثلاث روايات عن أحمد :
إحداها أن ذلك لا بأس به . وهي اختيار الخلال وصاحبه،وأكثر المتأخرين من أصحابه . وقالوا : هي الرواية المتأخرة عن أحمد،وقول جماعة من أصحاب أبي حنيفة،واعتمدوا على ما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما،أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتيح البقرة،وخواتيمها(11).
ونقل أيضا عن بعض المهاجرين قراءة سورة البقرة .
والثانية : أن ذلك مكروه . حتى اختلف هؤلاء : هل تقرأ الفاتحة في صلاة الجنازة إذا صُلِّيَ عليها في المقبرة ؟ وفيه عن أحمد روايتان،وهذه الرواية هي التي رواها أكثر أصحابه عنه،وعليها قدماء أصحابه الذين صحبوه،كعبد الوهاب الوراق(12)،وأبي بكر المروزي،ونحوهما،وهي مذهب جمهور السلف،كأبي حنيفة ومالك وهشيم بن بشير وغيرهم،ولا يحفظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام،وذلك لأن ذلك كان عنده بدعة .
وقال مالك : " ما علمت أحدًا يفعل ذلك "،فعلم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يفعلونه .
والثالثة : أن القراءة عنده وقت الدفن لا بأس بها،كما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما،وبعض المهاجرين،وأما القراءة بعد ذلك - مثل الذين ينتابون(13)القبر للقراءة عنده - فهذا مكروه،فإنه لم ينقل عن أحد من السلف مثل ذلك أصلا
وهذه الرواية لعلها أقوى من غيرها،لما فيها من التوفيق بين الدلائل .
والذين كرهوا القراءة عند القبر،كرهها بعضهم،وإن لم يقصد القراءة هناك،كما تكره الصلاة،فإن أحمد نهى عن القراءة في صلاة الجنازة هناك .
ومعلوم أن القراءة في الصلاة ليس المقصود بها القراءة عند القبر،ومع هذا فالفرق بين ما يفعل ضمنا وتبعا،وما يفعل لأجل القبر،بُيِّنَ كما تقدم .
والوقوف(14)التي وقفها الناس على القراءة عند قبورهم،فيها من الفائدة أنها تعين على حفظ القرآن،وأنها رزق لحفاظ القرآن،وباعثة لهم على حفظه ودرسه وملازمته،وإن قدر أن القارئ لا يثاب على قراءته فهو مما يحفظ به الدين،كما يحفظ بقراءة الفاجر وجهاد الفاجر،وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ »(15)" .
قلت : وهو يؤيد القراءة على القبر ولم يمنعها،كما أنه بين جواز الوقف بقراءة القرآن عند القبر،وبين منافعها،بعكس ما ذهب إليه الشيخ ناصر رحمه الله ،الذي لم يذكر نص كلام ابن تيمية،وإنما أشار إليه إشارة فقط !!
قلت : وهناك آراء متناقضة لابن تيمية في هذه المسألة،قال في مجموع الفتاوى :"تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ فَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَد فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَرَخَّصَ فِيهَا فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَوْصَى أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ دَفْنِهِ بِفَوَاتِحِ الْبَقَرَةِ وَخَوَاتِمِهَا .
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ أَوْصَى عِنْدَ قَبْرِهِ بِالْبَقَرَةِ،وَهَذَا إنَّمَا كَانَ عِنْدَ الدَّفْنِ فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ،وَلِهَذَا فُرِّقَ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ حِينَ الدَّفْنِ وَالْقِرَاءَةِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الدَّفْنِ،فَإِنَّ هَذَا بِدْعَةٌ لَا يُعْرَفُ لَهَا أَصْلٌ .(16)
وَمَنْ قَالَ : إنَّ الْمَيِّتَ يَنْتَفِعُ بِسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَيُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ غَلِطَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ : إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ".(17). فَالْمَيِّتُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُثَابُ عَلَى سَمَاعٍ وَلَا غَيْرِهِ،وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ وَيَسْمَعُ سَلَامَ الَّذِي يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَيَسْمَعُ غَيْرَ ذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ عَمَلٌ غَيْرُ مَا اسْتَثْنَي "(18)
قلتُ : الاستدلالُ بالحديث على ما ذهب إليه فيه نظر كبير،لأن الحديث يتكلم عن عمل المرء نفسه،ولا يتكلم عن عمل غيره أصلاً،ولو صحَّ هذا التعيم المزعوم،لما انتفع الميت بدعاء غيره وقضاء دينه والحج عنه وغير ذلك،وهذا لا يقول به مسلم .(19)
وكلامه هذا يناقض كلامه في اقتضاء الصراط المستقيم ، والراجح ما ورد في اقتضاء الصراط المستقيم .
-----------------
حكمُ قراءة القرآن على المقبرة عند عامة الأئمة
أمَّا قول الألباني الأخير :" قلت : وذلك هو مذهب أحمد أيضا : أن لا قراءة على القبر كما أثبته في كتابي " أحكام الجنائز "،وهو ما انتهى إليه رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما حققته في كتابي المذكور ] ."
قلت : هذا رأيه فهو حرٌّ بهِ،ومثله رأيُ الشيخ صالح بن عثيمين رحمه الله،قال في شرحه لرياض الصالحين :" وأما القراءة عند القبر فالأصحُّ أنها مكروهة وأنه يكره للإنسان أن يذهب إلى القبر ثم يقف أو يجلس عنده ويقرأ لأن هذا من البدع،وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة"ٌ(20)،وأقلُّ أحوالها أن تكون مكروهة والله الموفق "(21).
وقال في تعليقه على شرح زاد المستقنع:
"قال المصنف رحمه الله: [ولا تكره القراءة على القبر].
المراد بالقراءة: قراءة القرآن،وجمهور العلماء من السلف رحمة الله عليهم كالحنفية والمالكية والشافعية وطائفة من أصحاب الإمام أحمد -وهي الرواية الثانية عنه- على أنه لا تشرع القراءة على القبور؛ وأنها من الحدث؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقرأ على قبور أصحابه،ولا قرأ أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا من بعدهم من السلف الصالح من الأئمة ومن أُمرنا بالائتساء بهم،فحينئذٍ فإن هذا الفعل يعتبر من البدعة والحدث.
وجاءت رواية عند الإمام أحمد أنه رخَّص في ذلك،وفي ذلك ما يحكَى عن ابن عمر رضي الله عنهما.
والصحيح مذهب الجمهور: أنه لا تشرعُ القراءة على القبر؛ فإن وقعت إجارةً كأن يستأجر مقرئاً يقرأ على القبر،فالإجماعُ قائم على المنع والتحريم،وإنما الخلاف في المحتسب،وهو الذي يقرأ على القبر تبرعاً،أمَّا من استؤجر للقراءة فإن الإجماعَ منعقدٌ على أنها إجارة باطلة،وفي ذلك حديث (يس)،أنه إذا قرئ على القبور (يس) أنه يخفف عنه ذلك اليوم،ويكون له من الحسنات والأجور على عدد الموتى،وهو حديثٌ ضعيف.
والصحيح الذي هو من هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن السنَّة إذا قُبِر الميت أن يقام على قبره،وأن يدعى له؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح لما انتهى من دفن الميت : « اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ »(22). فدلَّ على أن المشروع هو الدعاء،وهذا هو ظاهر التنزيل في قول الحق تبارك وتعالى: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ } [الحشر:10] فدلَّ على أن المشروع هو الدعاء،والدعاءُ أنفع وأصلح للميت والحي: أمَّا للميت فلأنه رحمة جعلها الله للأموات عند الأحياء؛ ولما يكون بسبب هذا الدعاء من الخير له؛ فيفسح له في القبر وينوَّر له فيه،خاصةًَ إذا كان الداعي مخلصاً لله عز وجل.
وفيه مصلحةٌ للحيِّ؛ لأن الحيَّ يكتب الله أجره بإحسانه لأخيه المسلم ودعائه وترحمه واستغفاره له؛ ولذلك وصف الله الأخيار بأنهم يترحمون على إخوانهم الأموات الذين سبقوهم بالإيمان،ومن حقِّ المسلم على المسلم بعد موته أن يترحم عليه وأن يدعو له وأن يستغفر له.
أمَّا بالنسبة للقراءة فقلنا: إن الصحيح أنها لا تشرعُ،لا تخصيصاً بسورةٍ معينة ولا تشرعُ عموماً،وهذا هو هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،والمتأمِّل لفعله صلوات الله وسلامه عليه وهديه يعلم علماً واضحاً بيناً أنه لا يشرعُ أن يقرأ على القبر؛ لأنه لو كان مشروعاً لفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،ولفعله من بعده من الخلفاء الذين أمرنا بالاستنان بسنتهم،فحيثُ لم يفعل ذلك لا من رسول - صلى الله عليه وسلم - ولا من الخلفاء الراشدين،فإنه يبقى على الحظر؛ لأنَّ أمورَ العبادة توقيفيةٌ،ولا يجوزُ لأحدٍ أن يجتهد فيها ولو كان الأمر مستحسناً. "(23).
قلت : وهذا الكلامُ الذي قاله مليء بالأخطاء ،ولا سيما قوله أن جمهور السلف على منع قراءة القرآن على القبر،وقوله أنها من المحدثات،وزعمه أنها لم تحدث في عهد الصحابة والتابعين،وقوله أن الإجماع قائم على منع الاستئجار للقراءة على القبر،وقوله أن القراءة لا تشرعُ،لا تخصيصاً بسورةٍ معينة ولا تشرعُ عموماً،وقوله أن هذا هو هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وقوله أنه لا يشرعُ أن يقرأ على القبر؛ لأنه لو كان مشروعاً لفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ...
فكل ذلك فيه نظر ، وعمل السلف الصالح لا يستطيع أحد أن يستأثر به دون الناس ...
وقد خالف الشيخ مذهب الإمام أحمد الذي ينتسب إليه !!! .
__________
(1) - في تعليقه على رياض الصالحين - (ج 1 / ص 370)( 954) وحكم على الحديث بالضعف
(2) - السياقة : حال حضور الموت = الأطباق : أحوال واحدها طبق
(3) - المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم - (ج 1 / ص 190)(315 ) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 56)(7318) ومعرفة السنن والآثار للبيهقي(2333 ) ومختصر صحيح المسلم للمنذري - (ج 1 / ص 12)(64)
(4) -دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - (ج 6 / ص 251)
(5) - المجموع شرح المهذب - (ج 5 / ص 294)
(6) - أسنى المطالب - (ج 4 / ص 342) و المجموع شرح المهذب - (ج 5 / ص 294)
(7) - حاشية البجيرمي على الخطيب - (ج 6 / ص 196)
(8) - انظر تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 465)
(9) - المجموع شرح المهذب - (ج 5 / ص 294)
(10) - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم - (ج 2 / ص 236)
(11) - أشار البيهقي بإسناده عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج ، عن أبيه أن ابن عمر يستحب ذلك . انظر : السنن الكبرى ( 4 / 56 ، 57 ) ، باب ما ورد في قراءة القرآن عند القبر ، وقال النووي في الأذكار : « وروينا في سنن البيهقي بإسناد حسن أن ابن عمر استحب أن يقرأ على القبر بعد الدفن أول سورة البقرة وخاتمتها » . انظر : الفتوحات الربانية ( 4 / 194 ) .
(12) - هو : عبد الوهاب بن الحكم بن نافع الوراق ، أبو الحسن ، صحب الإمام أحمد وسمع عنه ، وكان صالحا ورعا ثقة ، توفي سنة ( 251هـ ) ، انظر : طبقات الحنابلة ( 1 / 209 - 212 ) ، ( ت 281 ) ؛ وتقريب التقريب ( 1 / 528 ) ، ( ت 1403 ) .
(13) - أي يترددون .
(14) - أي الأوقاف ، جمع وقف ، قال في الروض المربع : « يقال : وقف الشيء وحبسه وأحبسه وسبله ، بمعنى واحد » ، ثم قال : « وهو : تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة على بر أو قربة » . انظر : الروض المربع بحاشية العنقري ( 2 / 452 ) .
(15) - صحيح البخارى(3062 ، 4203 ، 4204 ، 6606 ) وصحيح مسلم (319) وفيه قصة.
(16) - قلت : هذا نفي لا دليل عليه ، بل لها أصل أصيل ، والمثبت مقدَّمُ على النافي.
(17) - صحيح مسلم(4310)
وَقَالَ الْحَافِظ اِبْن الْقَيِّم : اُخْتُلِفَ فِي الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَالذِّكْر ، فَمَذْهَبُ أَحْمَد وَجُمْهُور السَّلَف وُصُولهَا ، وَهُوَ قَوْل بَعْض أَصْحَاب أَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه . وَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَالِك أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِل اِنْتَهَى مُخْتَصَرًا كَذَا فِي ضَالَّة النَّاشِد الْكَئِيب .عون المعبود - (ج 6 / ص 343)
(18) - مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 5 / ص 469)
(19) - مختصر الفتاوي المصرية لابن تيمية - (ج 1 / ص 183و 230و365)
(20) - صحيح مسلم (2042 )
(21) - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 4 / ص 114) وانظر مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (ج 9 / ص 447) و(ج 17 / ص 42) و(ج 17 / ص 132) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 1399) سؤال رقم 14285- حكم قراءة القرآن عند القبر ووضع الورود والريحان وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 1555) رقم الفتوى 12862 الأمر واسع في شأن وصول ثواب القراءة للميت وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 2664) رقم الفتوى 14865 أقوال العلماء في القراءة عند القبر وفتاوى إسلامية - (ج 2 / ص 96) حكم قراءة القرآن على القبر بعد الدفن والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 5 / ص 147) وفتاوى اللجنة الدائمة - 2 - (ج 2 / ص 176) قراءة الفاتحة عند القبر
(22) - سنن أبى داود (3223 ) صحيح
(23) - شرح زاد المستقنع لابن عثيمين - (ج 86 / ص 10)(1/27)
فهذا الكلام الذي يقوله لا يمثِّلُ سوى نفسه،ولكنه ليس مذهبَ الإمام أحمد رحمه الله الذي يشرح كتاباً من كتب مذهبه،فمذهبُ الإمام أحمد يؤخذُ من كتب الحنابلةِ السابقين فقطْ .
وأعدل من كلامه ما قاله ابن تيمية:"وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ فَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ . وَلَمْ يَكُنْ يَكْرَهُهَا فِي الْأُخْرَى . وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِيهَا لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَوْصَى أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ بِفَوَاتِحِ الْبَقَرَةِ وَخَوَاتِيمِهَا،وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ،فَالْقِرَاءَةُ عِنْدَ الدَّفْنِ مَأْثُورَةٌ فِي الْجُمْلَةِ،وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يُنْقَلْ فِيهِ أَثَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ "(1).
قلتُ : وهذه كتب المذهب الحنبلي قبل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبعده تثبت عكس ما رجَّح :
قال ابن قدامة رحمه الله(2): " قَالَ : وَلَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ،وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ : إذَا دَخَلْتُمُ الْمَقَابِرَ اقْرَءُوا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ إنَّ فَضْلَهُ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ،وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ هُشَيْمٍ،قَالَ أَبُو بَكْرٍ : نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ،ثُمَّ رَجَعَ رُجُوعًا أَبَانَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ،فَرَوَى جَمَاعَةٌ أَنَّ أَحْمَدَ نَهَى ضَرِيرًا أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ الْقَبْرِ،وَقَالَ لَهُ : إنَّ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ،فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ،مَا تَقُولُ فِي مُبَشِّرٍ الْحَلَبِيِّ ؟ قَالَ : ثِقَةٌ،قَالَ : كَتَبْتَ عَنْهُ شَيْئًا ؟ قَالَ : نَعَمْ،قَالَ : فَأَخْبَرَنِي مُبَشِّرٌ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ اللَّجْلَاجِ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّهُ أَوْصَى إِذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا،وَقَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُوصِي بِذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ : فَارْجِعْ،فَقُلْ لِلرَّجُلِ يَقْرَأْ " .(3)
وَقَالَ الْخَلَّالُ : حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَزَّارُ،شَيْخُنَا الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ،قَالَ : قَالَ: " رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُصَلِّي خَلْفَ رَجُلٍ ضَرِيرٍ يَقْرَأُ عَلَى الْقُبُورِ(4).
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خُفِّفَ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ،وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَاتٌ " .
وَرُوِيَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - "مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقَرَأَ عِنْدَهُمَا،أَوْ عِنْدَهُ يس،غُفِرَ لَهُ بِعَدَدِ كُلِّ آيَةٍ أَوْ حَرْفٍ "(5)....
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ عِنْدَ الْمَيِّتِ،أَوْ أُهْدِيَ إلَيْهِ ثَوَابُهُ،كَانَ الثَّوَابُ لِقَارِئِهِ،وَيَكُونُ الْمَيِّتُ كَأَنَّهُ حَاضِرُهَا،فَتُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ .
وَلَنَا،مَا ذَكَرْنَاهُ،وَأَنَّهُ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّهُمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ يَجْتَمِعُونَ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ،وَيُهْدُونَ ثَوَابَهُ إلَى مَوْتَاهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ .. ".(6)
ومثله في الشرح الكبير تماما(7)
وفي الإنصاف(8):" قَوْلُهُ ( وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ )،وَهَذَا الْمَذْهَبُ،قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الشَّارِحُ : هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الْخَلَّالُ،وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ : رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تُكْرَهُ،وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ،وَالْمُغْنِي،وَالشَّرْحِ،وَابْنُ تَمِيمٍ،وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : تُكْرَهُ اخْتَارَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ،وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ،قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهَا أَيْضًا أَبُو حَفْصٍ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ،وَهِيَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ،وَعَلَيْهَا قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ،وَسَمَّى الْمَرُّوذِيُّ،انْتَهَى،قُلْت : قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَصْحَابِ : رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ : أَنَّهُ مَرَّ بِضَرِيرٍ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرٍ فَنَهَاهُ،وَقَالَ : فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ : يَا هَذَا،" إِنَّ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْمَقَابِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ،مَا تَقُولُ فِي مُبَشِّرٍ الْحَلَبِيِّ ؟ قَالَ : ثِقَةٌ،قَالَ : كَتَبْتَ عَنْهُ شَيْئًا ؟ قَالَ : نَعَمْ،قَالَ : فَأَخْبَرَنِي مُبَشِّرٌ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ اللَّجْلَاجِ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّهُ أَوْصَى إِذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا،وَقَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُوصِي بِذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ : فَارْجِعْ،فَقُلْ لِلرَّجُلِ يَقْرَأْ "(9)
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ،وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ وَقْتَ دَفْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ،قَالَ فِي الْفَائِقِ : وَعَنْهُ يُسَنُّ وَقْتَ الدَّفْنِ اخْتَارَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ وَشَيْخُنَا،وَعَنْهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ بِدْعَةٌ،لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَا فِعْلِ أَصْحَابِهِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ : فَيُسْتَحَبُّ،عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي الْفَائِقِ : يُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ نَصَّ عَلَيْهِ أَخِيرًا،قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ،بَلْ تُسْتَحَبُّ نَصَّ عَلَيْهِ،وَقِيلَ : تُبَاحُ،قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَتُبَاحُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ،نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى،وَالْحَاوِيَيْنِ،قَالَ فِي الْمُغْنِي،وَالشَّرْحِ،وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ : لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ،وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ ."
وفي المبدع شرح المقنع :
" (ولا تكره القراءة على القبر) وفي المقبرة (في أصح الروايتين) هذا المذهب،... (وأي قربة فعلها) من دعاء واستغفار،وصلاة،وصوم،وحج وقراءة،وغير ذلك (وجعل ثواب ذلك للميت المسلم،نفعه ذلك) قال أحمد : الميت يصل إليه كل شيء من الخير،للنصوص الواردة فيه،ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرؤون،ويهدون لموتاهم من غير نكير،فكان إجماعاً،وكالدعاء والاستغفار،وحتى لو أهداها للنبي - صلى الله عليه وسلم - جاز ووصل إليه الثواب..."(10)
----------------
وهذا مذهبُ الحنفية :
قال في ردِّ المحتار(11): "وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَنِ الْغَيْرِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ لَا الِاسْتِئْجَارِ،وَلِهَذَا لَوْ فَضَلَ مَعَ النَّائِبِ شَيْءٌ مِنَ النَّفَقَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِلْأَصِيلِ أَوْ وَرَثَتِهِ،وَلَوْ كَانَ أُجْرَةً لَمَا وَجَبَ رَدُّهُ،فَظَهَرَ لَكَ بِهَذَا عَدَمُ صِحَّةِ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُدَّةً مَعْلُومَةً،قَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَجُوزُ : وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَجُوزُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ .
وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ،فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ كَمَا عَلِمْتَ لَا فِي الْقِرَاءَةِ الْمُجَرَّدَةِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهَا،فَإِنْ كَانَ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ سَبْقَ قَلَمٍ فَلَا كَلَامَ،وَإِنْ كَانَ عَنْ عَمْدٍ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ قَاطِبَةً فَلَا يُقْبَلُ .
وَقَدْ أَطْنَبَ فِي رَدِّهِ صَاحِبُ تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ مُسْتَنِدًا إلَى النُّقُولِ الصَّرِيحَةِ،فَمِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ : إنَّ الْقُرْآنَ بِالْأُجْرَةِ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ لَا لِلْمَيِّتِ وَلَا لِلْقَارِئِ " .
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ :" وَيُمْنَعُ الْقَارِئُ لِلدُّنْيَا،وَالْآخِذُ وَالْمُعْطِي آثِمَانِ "
فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا شَاعَ فِي زَمَانِنَا مِنْ قِرَاءَةِ الْأَجْزَاءِ بِالْأُجْرَةِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ بِالْقِرَاءَةِ وَإِعْطَاءَ الثَّوَابِ لِلْآمِرِ وَالْقِرَاءَةَ لِأَجْلِ الْمَالِ ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَارِئِ ثَوَابٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ فَأَيْنَ يَصِلُ الثَّوَابُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ،وَلَوْلَا الْأُجْرَةُ مَا قَرَأَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَلْ جَعَلُوا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ مَكْسَبًا وَوَسِيلَةً إلَى جَمْعِ الدُّنْيَا - إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ - اهـ .
وَقَدْ اغْتَرَّ بِمَا فِي الْجَوْهَرَةِ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا حَيْثُ يُشْعِرُ كَلَامُهُما بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى كُلِّ الطَّاعَاتِ وَمِنْهَا الْقِرَاءَةُ .
وَقَدْ رَدَّهُ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ حَيْثُ قَالَ : أَقُولُ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْأَخْذِ اسْتِحْسَانًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمُجَرَّدَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التتارخانية حَيْثُ قَالَ : لَا مَعْنَى لِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَلِصِلَةِ الْقَارِئِ بِقِرَاءَتِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ وَالْإِجَارَةُ فِي ذَلِكَ بَاطِلَةٌ،وَهِيَ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ،وَقَدْ ذَكَرْنَا مَسْأَلَةَ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ عَلَى اسْتِحْسَانٍ اهـ يَعْنِي الضَّرُورَةَ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ .
وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الْكُتُبِ : لَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِهِ وَرَأَوْهُ حَسَنًا فَتَنَبَّهْ اهـ كَلَامُ الرَّمْلِيِّ .
وَمَا فِي التتارخانية فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ :" لَوْ أَوْصَى لِقَارِئٍ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ بِكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ دُونَ الْأَجْرِ،وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ صَاحِبُ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْمُحِيطِ وَالْبَزَّازِيَّةِ،وَفِيهِ رَدٌّ أَيْضًا عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ عَلَّلَ الْبُطْلَانَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ،بَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ شِبْهِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْقِرَاءَةِ كَمَا عَلِمْتَ،وَصَرَّحَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ،وَلِذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا نَصُّهُ : وَلَوْ زَارَ قَبْرَ صَدِيقٍ أَوْ قَرِيبٍ لَهُ وَقَرَأَ عِنْدَهُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَسَنٌ،أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لَهَا وَلَا مَعْنَى أَيْضًا لِصِلَةِ الْقَارِئِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ اسْتِئْجَارَهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ،وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ اهـ إذْ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا قَالَهُ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ هُنَا فَهُوَ حَسَنٌ،وَمِمَّنْ أَفْتَى بِبُطْلَانِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي وَصَايَا فَتَاوَاهُ فَرَاجِعْهَا.
وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْخَلْوَتِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى الْحَنْبَلِيُّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّينِ مَا نَصُّهُ : وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَإِهْدَائِهَا إلَى الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ،وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ : إنَّ الْقَارِئَ إذَا قَرَأَ لِأَجْلِ الْمَالِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ فَأَيُّ شَيْءٍ يُهْدِيهِ إلَى الْمَيِّتِ،وَإِنَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ الْعَمَلُ الصَّالِحِ،وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى مُجَرَّدِ التِّلَاوَةِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ،وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ اهـ بِحُرُوفِهِ .
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا الْإِمَامُ الْبِرْكَوِيُّ قَدَّسَ- اللهُ- سِرَّهُ فِي آخِرِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَقَالَ : الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أُمُورٍ مُبْتَدَعَةٍ بَاطِلَةٍ أَكَبَّ النَّاسُ عَلَيْهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا قُرَبٌ مَقْصُودَةٌ إلَى أَنْ قَالَ : وَمِنْهَا الْوَصِيَّةُ مِنَ الْمَيِّتِ بِاِتِّخَاذِ الطَّعَامِ وَالضِّيَافَةِ يَوْمَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَبِإِعْطَاءِ دَرَاهِمَ لِمَنْ يَتْلُو الْقُرْآنَ لِرُوحِهِ أَوْ يُسَبِّحُ أَوْ يُهَلِّلُ لَهُ وَكُلُّهَا بِدَعٌ مُنْكَرَاتٌ بَاطِلَةٌ،وَالْمَأْخُوذُ مِنْهَا حَرَامٌ لِلْآخِذِ،وَهُوَ عَاصٍ بِالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ لِأَجْلِ الدُّنْيَا اهـ مُلَخَّصًا .وَذَكَرَ أَنَّ لَهُ فِيهَا أَرْبَعَ رَسَائِلَ .
فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ ظَهَرَ لَكَ حَقِيقَةُ مَا قُلْنَاهُ وَأَنَّ خِلَافَهُ خَارِجٌ عَنِ الْمَذْهَبِ وَعَمَّا أَفْتَى بِهِ الْبَلْخِيُّونَ وَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى،وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا غَمْرٌ مُكَابِرٌ أَوْ جَاهِلٌ لَا يَفْهَمُ كَلَامَ الْأَكَابِرِ،وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَلَى الْجَوَازِ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي اللَّدِيغِ فَهُوَ خَطَأٌ(12)؛ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمَانِعِينَ الِاسْتِئْجَارَ مُطْلَقًا جَوَّزُوا الرُّقْيَةَ بِالْأُجْرَةِ وَلَوْ بِالْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِبَادَةً مَحْضَةً بَلْ مِنَ التَّدَاوِي،وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْهَوَامِشِ وَعَزَى إلَى الْحَاوِي الزَّاهِدِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْخَتْمِ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَخَارِجٌ عَمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ قَاطِبَةً،وَحِينَئِذٍ فَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بُطْلَانُ مَا أَكَبَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعَصْرِ مِنِ الْوَصِيَّةِ بِالْخَتَمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَحْصُلُ فِيهَا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي لَا يُنْكِرُهَا إلَّا مَنْ طُمِسَتْ بَصِيرَتُهُ،وَقَدْ جَمَعْتُ فِيهَا رِسَالَةً سَمَّيْتُهَا شِفَاءُ الْعَلِيلِ وَبَلُّ الْغَلِيلِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ بِالْخَتْمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ وَأَتَيْتُ فِيهَا بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ لِذَوِي الْأَلْبَابِ،وَمَا ذَكَرْتُهُ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَقَطْرَةٍ مِنْ بَحْرٍ أَوْ شَذْرَةٍ مِنْ عُقِدَ نَحْرٍ،وَأَطْلَعْتُ عَلَيْهَا مُحَشِّيَ هَذَا الْكِتَابِ فَقِيهَ عَصْرِهِ وَوَحِيدَ دَهْرِهِ السَّيِّدَ أَحْمَدَ الطَّحَاوِيَّ مُفْتِيَ مِصْرَ سَابِقًا فَكَتَبَ عَلَيْهَا وَأَثْنَى الثَّنَاءَ الْجَمِيلَ،فَاَللَّهُ يَجْزِيهِ الْخَيْرَ الْجَزِيلَ،وَكَتَبَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ".
وفي البحر الرائق(13): " وَلَا ضَرُورَةَ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الْكُتُبِ لَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِهِ لِذَلِكَ وَرَأَوْهُ حَسَنًا فَتَنَبَّهْ " .
قُلْتُ : وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِتَعْلِيلِ الِاخْتِيَارِ فَقَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْأَخْذِ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ،لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُهُ عَلَى التَّعْلِيمِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمُجَرَّدَةِ كَمَا مَرَّ،وَبِهَذَا تَعْلَمُ حُكْمَ مَا اُعْتِيدَ فِي زَمَانِنَا مِمَّا يَأْخُذُونَهُ عَلَى الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ فِي التَّهَالِيلِ وَالْخُتُومَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ فِي بَيْتِ الْيَتَامَى وَمِنْ مَالِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصِيَّةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ،وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ فِي وَصَايَا فَتَاوَاهُ الْمَشْهُورَةِ حَيْثُ أَفْتَى بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَقْرَأُ وَيُهْدِي ثَوَابَ ذَلِكَ إلَى رُوحِ الْمُوصِي وَكَذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْكَوِيُّ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ فِي آخِرِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ ."
وفي رد المحتار(14):" الرَّابِعَةُ : لَوْ شَرَطَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ فَالتَّعْيِينُ بَاطِلٌ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ ."
وفي حاشية الطحطاوي(15):" وأخذ من ذلك جواز القراءة على القبر والمسألة ذات خلاف،قال الإمام : تكره لأن أهلها جيفة،ولم يصح فيها شيء عنده عنه - صلى الله عليه وسلم - ،وقال محمد: تستحب لورود الآثار،وهو المذهب المختار كما صرَّحوا به في كتاب الاستحسان ".
وفي تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق(16)،قال بعد ذكر أدلة كثيرة على وصول الثواب للميت : " وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَهُ مَا سَعَى أَخُوهُ،وَقِيلَ : لَيْسَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَدْلِ،وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ،وَقِيلَ اللَّامُ فِي لِلْإِنْسَانِ بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } أَيْ فَعَلَيْهَا،وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (52) سورة غافر،أَيْ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ إلَّا سَعْيُهُ لَكِنَّ سَعْيَهُ قَدْ يَكُونُ بِمُبَاشَرَةِ أَسْبَابِهِ بِتَكْثِيرِ الْإِخْوَانِ وَتَحْصِيلِ الْإِيمَانِ حَتَّى صَارَ مِمَّنْ تَنْفَعُهُ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ »(17). لَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ عَمَلِ غَيْرِهِ وَالْكَلَامِ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُسْتَبْعَدُ عَقْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا جَعْلُ مَالِهِ مِنْ الْأَجْرِ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - هُوَ الْمُوَصِّلُ إلَيْهِ،وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ،وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِعَمَلٍ دُونَ عَمَلٍ ثُمَّ الْعِبَادَةُ أَنْوَاعٌ مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالزَّكَاةِ وَالْعُشُورِ وَالْكَفَّارَةِ وَبَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ،وَمُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ مَالِيٌّ مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ الِاسْتِطَاعَةِ وَوُجُوبُ الْأَجْزِيَةِ بِارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِهِ وَبَدَنِيٌّ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ" .
وقال ابن الهمام بعد ذكره أدلة كثيرة على الجواز(18):" فَهَذِهِ الْآثَارُ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا فِي السُّنَّةِ أَيْضًا مِنْ نَحْوِهَا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ تَرَكْنَاهُ لِحَالِ الطُّولِ يَبْلُغُ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْكُلِّ،وَهُوَ أَنَّ مَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنَ الصَّالِحَاتِ لِغَيْرِهِ نَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ.." .
-------------------
وفي مذهب مالك :
__________
(1) - مجموع الفتاوى - (ج 24 / ص 298)
(2) - في المغني - (ج 5 / ص 78) رقم ( 1686 )
(3) - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأبي بكر بن الخلال (246 ) والقراءة عند القبور لأبي بكر بن الخلال (3) وهو صحيح عنه
(4) - الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الْقُبُورِ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلَّالِ ( 5) صحيح
(5) - أخبار أصبهان(918 و2026) وطبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني (823) وهو واه
(6) - قلت : فانظر يارعاك الله بين هذا الإجماع الذي نقله ابن قدامة رحمه الله - وهو أهل لذلك- وبين الإجماع المزعوم الذي نقله ابن عثيمين !!!
(7) - الشرح الكبير لابن قدامة - (ج 2 / ص 424)
(8) - الإنصاف - (ج 4 / ص 369) وانظر الفروع لابن مفلح - (ج 3 / ص 352) وكشاف القناع عن متن الإقناع - (ج 4 / ص 431) والمبدع شرح المقنع - (ج 2 / ص 487) وزاد المستقنع في إختصار المقنع - (ج 1 / ص 13) والروض المربع - (ج 1 / ص 187) كفلهم نصوا على استحباب القراءة على القبر
(9) - الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الْقُبُورِ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلَّال(3 ) حسن
(10) - المبدع شرح المقنع - (ج 2 / ص 487)
(11) - رد المحتار - (ج 24 / ص 294) وحاشية رد المحتار - (ج 6 / ص 340)
(12) - انظر في صحيح البخارى(2276 )
(13) - البحر الرائق شرح كنز الدقائق - (ج 14 / ص 423)
(14) - رد المحتار - (ج 17 / ص 338)
(15) - حاشية الطحاوي على المراقي - (ج 2 / ص 619)
(16) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق - (ج 5 / ص 131)
(17) - صحيح مسلم (4310)
(18) - فتح القدير - (ج 6 / ص 134) ورد المحتار - (ج 9 / ص 67) وبريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية - (ج 2 / ص 460)(1/28)
قال في التاج والإكليل(1): " ( وَعَلَى قَبْرِهِ ) لَمْ يَنْقُلْ ابْنُ عَرَفَةَ إلَّا مَا نَصُّهُ قِبَلَ عِيَاضٍ : اسْتِدْلَالُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ لِحَدِيثِ الْجَرِيدَتَيْنِ(2)وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ،وَفِي الْإِحْيَاءِ : لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْقُبُورِ .."
وفي مواهب الجليل(3): " وَكَذَلِكَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . "
وفي منح الجليل(4):" مَذْهَبُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَرَاهَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَنَقَلَهَا سَيِّدِي ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ قَائِلًا ؛ لِأَنَّا مُكَلَّفُونَ بِالتَّفَكُّرِ فِيمَا قِيلَ لَهُمْ وَمَاذَا لَقُوا وَنَحْنُ مُكَلَّفُونَ بِالتَّدَبُّرِ فِي الْقُرْآنِ فَآلَ الْأَمْرُ إلَى إسْقَاطِ أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ .اهـ
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا اهـ .
ابْنُ عَرَفَةَ قَبِلَ عِيَاضٌ اسْتِدْلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ بِحَدِيثِ الْجَرِيدَتَيْنِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ ضَابِطُهُ : إنْ قَرَأَ الرَّجُلُ وَوَهَبَ ثَوَابَ قِرَاءَتِهِ لِمَيِّتٍ جَازَ ذَلِكَ وَحَصَلَ لِلْمَيِّتِ أَجْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
الْقَرَافِيُّ : الْقُرُبَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ حَجَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ فِي ثَوَابِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ نَقْلَهُ إلَى غَيْرِهِ كَالْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ،وَقِسْمٌ اُتُّفِقَ عَلَى جَوَازِ نَقْلِهِ وَهُوَ الْقُرُبَاتُ الْمَالِيَّةُ،وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ،وَهُوَ الصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْقِرَاءَةُ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهَا بَدَنِيَّةٌ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } (39) سورة النجم.
وَلِحَدِيثِ :« إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ »(5).
وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قِيَاسًا عَلَى الدُّعَاءِ،وَلِحَدِيثِ { صَلِّ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِك وَصُمْ لَهُمَا مَعَ صَوْمِك }(6)يَعْنِي أَبَوَيْهِ،وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ أَمْرُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهِ نَحْوُ الْمَغْفِرَةِ فَهَذَا الَّذِي يَحْصُلُ لِلْمَيِّتِ وَثَوَابِهِ،وَهَذَا خَاصٌّ بِالدَّاعِي وَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي قَصْرَ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَارِئِ،وَمِنِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِذَلِكَ الشَّخْصِ أَوْ نُعَارِضُهُمَا بِمَا تَقَدَّمَ .
وَيُرَجَّحُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ بِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَحْصُلُ لِلْمَيِّتِ ثَوَابُ الِاسْتِمَاعِ وَلَا يَصِحُّ لِانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ .
وَالظَّاهِرُ حُصُولُ بَرَكَةِ الْقِرَاءَةِ لِحُصُولِهَا بِمُجَاوَرَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ،وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّكْلِيفِ فَقَدْ حَصَلَتْ بَرَكَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهِمَا كَمَا ثَبَتَ بِالْجُمْلَةِ،فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُهْمَلُ أَمْرُ الْمَوْتَى مِنَ الْقِرَاءَةِ،فَلَعَلَّ الْوَاقِعَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْوُصُولُ لَهُمْ،وَلَيْسَ هَذَا حُكْمًا شَرْعِيًّا،وَكَذَا التَّهْلِيلُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ وَيَعْتَمِدَ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ ".
وقال القرطبي رحمه الله(7):
" باب ما جاء في قراءة القرآن عند القبر حالة الدفن وبعده وأنه يصل إلى الميت ثواب ما يقرأ و يدعَى ويستغفر له ويتصدَّقُ عليه،ذكره أبو حامد في كتاب الأحياء وأبو محمد عبد الحق في كتاب العاقبة له .
ثم ذكر قصة أحمد بن حنبل مع الأعمى ..،ثم قال :قلت: وقد استدل بعض علمائنا على قراءة القرآن على القبر بحديث العسيب،ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً،فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ،فَغَرَزَ فِى كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ،لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ: « لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا » أخرجه البخاري و مسلم(8).
وفي مسند أبي داود الطيالسي عَنْ أَبِي بَكْرَةَ،قَالَ : بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعِي رَجُلٌ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي بَيْنَنَا إِذْ أَتَى عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ صَاحِبَيْ هَذَيْنِ الْقَبْرَيْنِ لَيُعَذَّبَانِ الآنَ فِي قُبُورِهِمَا فَأَيُّكُمَا يَأْتِينِي مِنْ هَذَا النَّخْلِ بِعَسِيبٍ ؟ فَاسْتَبَقْتُ أَنَا وَصَاحِبِي فَسَبَقْتُهُ وَكَسَرْتُ مِنَ النَّخْلِ عَسِيبًا فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ مِنْ أَعْلاَهُ فَوَضَعَ عَلَى أَحَدِهِمَا نِصْفًا وَعَلَى الآخَرِ نِصْفًا وَقَالَ : إِنَّهُ يُهَوَّنُ عَلَيْهِمَا مَا دَامَ فِيهِمَا مِنْ بُلُولَتِهِمَا شَيْءٌ إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ فِي الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ.(9)
قالوا : ويستفاد من هذا غرس الأشجار وقراءة القرآن على القبور،وإذا خفف عنهم بالأشجار،فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرآن ؟ .
ثم قال بعد ذكره بعض الأدلة :" أصل هذا الباب الصدقة التي لا اختلاف فيها فكما يصل للميت ثوابها،فكذلك تصل قراءة القرآن والدعاء والاستغفار،إذ كلُّ ذلك صدقة،فإن الصدقة لا تختصُّ المال،فعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا} (101) سورة النساء،فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ « صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ »"(10).
( وَسُئِلَ ) ابن حجر المكي رحمه الله عَمَّنْ قَالَ أَرْضِي الْفُلَانِيَّةُ صَدَقَةٌ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي كُلَّ جُمُعَةٍ يَس فَهَلْ هُوَ وَقْفٌ أَوْ وَصِيَّةٌ وَهَلْ تُجْزِئُ الْقِرَاءَةُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَتَتَعَيَّنُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ جَهِلَ فَمَا يَفْعَلُ فِيهِ ؟ .
( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ : لَفْظُ التَّصَدُّقِ صَرِيحٌ فِي التَّمْلِيكِ إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَإِلَّا فَهُوَ كِنَايَةٌ فِي الْوَقْفِ فَإِنْ أَرَادَهُ بِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ،لِأَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّل نَعَمْ إنْ قَالَ :هِيَ صَدَقَةٌ بَعْد مَوْتِي إلَخْ صَحَّ وَكَانَ وَصِيَّةٌ وَحَيْثُ صَحَّ الْوَقْفُ أَوْ الْوَصِيَّةُ أَجْزَأَتْ الْقِرَاءَةُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَتَتَعَيَّنُ عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ،وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ إذَا جَهِلَ الْقَبْرَ بَطَلَ الْوَقْفُ،قَالَ: لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ لَغَا أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ جِهَةً،وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْبَحِيِّ أَخْذًا مَنْ كَلَامِ النِّهَايَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لِلْقِرَاءَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا يَصِحّ الْوَقْفُ وَلَا الْوَصِيَّةُ وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَكَفَى بِقَوْلِهِ كُلُّ جُمُعَةٍ تَعْيِينًا فِي الْجُمْلَةِ،بَلْ يَنْبَغِي فِي وَقَفْتُ هَذَا بَعْد مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ عَلَى قَبْرِهِ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ اسْتَحَقَّ الْمُوصَى بِهِ وَلَمْ يُلْزِمُهُ بِذَلِكَ قِرَاءَةً عَلَى ذَلِكَ الْقَبْرِ عَمَلًا بِمَدْلُولِ ذَلِكَ اللَّفْظِ،نَعَمْ إنْ اطَّرَدَ عُرْفٌ ثُمَّ بَانَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ وَقَدْرٌ مَعْلُومٌ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْوَقْفِ الْحَقِيقِيِّ؛ لِأَنَّ عُرْفَ الْوَاقِفِ الْمُطَّرِدِ فِي زَمَنِهِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ "(11).
وقال الرملي: " فَالْحَاصِلُ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ : الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ،وَالْقِرَاءَةِ لَا عِنْدَهُ لَكِنْ مَعَ الدُّعَاءِ عَقِبَهَا،وَالْقِرَاءَةِ بِحَضْرَةِ الْمُسْتَأْجِرِ،وَالْقِرَاءَةِ مَعَ ذِكْرِهِ فِي الْقَلْبِ"(12).
===============
قلتُ : وأعلَّ الشيخ ناصر رحمه الله حديث القراءة على القبر بأنه منكر ... وأن القصة لا تثبت عن الإمام أحمد رحمه الله ... وهذا هو الرد عليه :
ففي كتاب "الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الْقُبُورِ" لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلَّالِ(13):
(1 )أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِيسَى قَالَ : أَخْبَرَنَا الْوَالِدُ الْإِمَامُ مُحْيي الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ أَبِي صَالِحٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصَّيْرَفِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَقِيهُ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا مُبَشِّرٌ الْحَلَبِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ اللَّجْلَاجِ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ : " إِنِّي إِذَا أَنَا مُتُّ،فَضَعْنِي فِي اللَّحْدِ،وَقُلْ : بِسْمِ اللَّهِ،وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ،وَسُنَّ عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا،وَاقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِي بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَوَّلِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا،فَإِنِّي سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ ذَلِكَ قَالَ الدُّورِيُّ : سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قُلْتُ : تَحْفَظُ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقُبُورِ شَيْئًا،فَقَالَ : لَا . وَسَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ،فَحَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ (( وهذا إسناد حسن))
( 2 ) وَأَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ،قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو شُعَيْبٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الضَّحَّاكُ الْبَابُلُتِّيُّ،حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ نَهِيكٍ الْحَلَبِيُّ الزُّهْرِيُّ،مَوْلَى آلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ الْمَكِّيَّ،قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ،قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَجْلِسُوا،وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ،وَلْيُقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ،وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ بِخَاتِمَتِهَا فِي قَبْرِهِ " (( وهو حديث حسن))
( 3 ) وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَرَّاقُ،قَالَ : حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْحَدَّادُ،وَكَانَ صَدُوقًا،وَكَانَ ابْنُ حَمَّادٍ الْمُقْرِئُ يُرْشِدُ إِلَيْهِ،فَأَخْبَرَنِي قَالَ : " كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،وَمُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيِّ فِي جِنَازَةٍ،فَلَمَّا دُفِنَ الْمَيِّتُ جَلَسَ رَجُلٌ ضَرِيرٌ يَقْرَأُ عِنْدَ الْقَبْرِ،فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ : يَا هَذَا،" إِنَّ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْمَقَابِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ،مَا تَقُولُ فِي مُبَشِّرٍ الْحَلَبِيِّ ؟ قَالَ : ثِقَةٌ،قَالَ : كَتَبْتَ عَنْهُ شَيْئًا ؟ قَالَ : نَعَمْ،قَالَ : فَأَخْبَرَنِي مُبَشِّرٌ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ اللَّجْلَاجِ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّهُ أَوْصَى إِذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا،وَقَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُوصِي بِذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ : فَارْجِعْ،فَقُلْ لِلرَّجُلِ يَقْرَأْ " وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ صَدَقَةَ،قَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيَّ،قَالَ : كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي جِنَازَةٍ وَمَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ،قَالَ : فَلَمَّا قُبِرَ الْمَيِّتُ،جَعَلَ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ عِنْدَهُ،فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِرَجُلٍ : تَمُرُّ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَقْرَأُ،فَقُلْ لَهُ : لَا يَفْعَلْ،فَلَمَّا مَضَى،قَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ : مُبَشِّرٌ الْحَلَبِيُّ،كَيْفَ هُوَ ؟ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِعَيْنِهَا "(( وهو حديث حسن))
(4 ) أَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ،قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ الْحُسَيْنِ النَّيْسَابُورِيُّ،عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ،قَالَ : " أَتَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي رَأَيْتُ عَفَّانَ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرٍ فِي الْمُصْحَفِ،فَقَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : خُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ " (( صحيح))
(5 ) أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَزَّازُ،قَالَ : " رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُصَلِّي خَلْفَ رَجُلٍ ضَرِيرٍ يَقْرَأُ عَلَى الْقُبُورِ " (( صحيح))
(6 ) أَخْبَرَنِي رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ،قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيَّ،يَقُولُ : " سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ" (( حديث حسن))
( 7 ) أَخْبَرَنِي أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ،قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا حَفْصٌ،عَنْ مُجَالِدٍ،عَنِ الشَّعْبِيِّ،قَالَ : " كَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا مَاتَ لَهُمُ الْمَيِّتُ اخْتَلَفُوا إِلَى قَبْرِهِ يَقْرَءُونَ عِنْدَهُ الْقُرْآنَ " (( حديث حسن))
( 8 ) أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِنَانٍ الْمَرْوَزِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّينَانِيُّ،عَنْ شَرِيكٍ،عَنْ مَنْصُورٍ،عَنْ إِبْرَاهِيمَ،قَالَ : " لَا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْمَقَابِرِ " (( صحيح))
( 9) أَخْبَرَنِي أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ،قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الْحُرِّ،وَهُوَ يَقُولُ : " مَرَرْتُ عَلَى قَبْرِ أُخْتٍ لِي،فَقَرَأْتُ عِنْدَهَا تَبَارَكَ لِمَا يُذْكَرُ فِيهَا،فَجَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ أُخْتَكَ فِي الْمَنَامِ تَقُولُ : جَزَى اللَّهُ أَبَا عَلِيٍّ خَيْرًا،فَقَدِ انْتَفَعْتُ بِمَا قَرَأَ " ((صحيح))
(10 ) أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ الْهَيْثَمِ،قَالَ : " كَانَ خَطَّابٌ يَجِيئُنِي وَيَدُهُ مَعْقُودَةٌ فَيَقُولُ : إِذَا وَرَدْتَ الْمَقَابِرَ فَاقْرَأْ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،وَاجْعَلْ ثَوَابَهَا لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ "
(11 ) أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ الْهَيْثَمِ،قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ الْأَطْرُوشِ ابْنَ بِنْتِ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ،يَقُولُ : " كَانَ رَجُلٌ يَجِيءُ إِلَى قَبْرِ أُمِّهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،فَيَقْرَأُ سُورَةَ يس،فَجَاءَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ فَقَرَأَ سُورَةَ يس،ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ قَسَمْتَ لِهَذِهِ السُّورَةِ ثَوَابًا فَاجْعَلْهَا فِي أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَابِرِ،فَلَمَّا كَانَ فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا،جَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : أَنْتَ فُلَانُ بْنُ فُلَانَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ،قَالَتْ : إِنَّ بِنْتًا لِي مَاتَتْ،فَرَأَيْتُهَا فِي النَّوْمِ جَالِسَةً عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهَا،فَقُلْتُ : مَا أَجْلَسَكِ هَاهُنَا ؟ فَقَالَتْ : إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ جَاءَ إِلَى قَبْرِ أُمِّهِ فَقَرَأَ سُورَةَ يس،وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ،فَأَصَابَنَا مِنْ رَوْحِ ذَلِكَ،أَوْ غُفِرَ لَنَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ " (( قوي))
(12) وعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ،أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عِنْدَ الْمَيِّتِ سُورَةَ الرَّعْد"(14). ((حديث حسن))
وفي الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع - العسقلاني(15):
"وقد وردت عن السلف آثارٌ قليلةٌ في القراءة عند القبر ثم استمرَّ عملُ الناس عليه من عهد أئمة الأمصار إلى زماننا هذا.
ثم ذكر بعض الأخبار السابقة ثم قال: وروى أيضا عن الزعفراني قال سألت الشافعي رضي الله عنه القراءة عند القبر فقال لا بأس بها،وهذا نص غريب عن الشافعي والزعفراني من رواة القديم وهو ثقة وإذا لم يرد في الجديد ما يخالف منصوص القديم فهو معمول به،ولكن يلزم من ذلك أن يكون الشافعي قائلا بوصول ثواب القرآن،لأن القرآن أشرفُ الذكر،والذكرُ يحتمل به بركة للمكان الذي يقع فيه وتعمُّ تلك البركة سكان المكان،وأصلُ ذلك وضع الجريدتين في القبر بناء على أن فائدتهما أنهما ما دامتا رطبتين تسبِّحان فتحصل البركة بتسبيحهما لصاحب القبر،ولهذا جعل غاية التخفيف جفافهما،وهذا على بعض التأويلات في ذلك وإذا حصلت البركة بتسبيح الجمادات فبالقرآن الذي هو أشرفُ الذكر من الآدمي الذي هو أشرف الحيوان أولى بحصول البركة بقراءته ولا سيما إن كان القارئ رجلا صالحا والله أعلم ."
قلت : والقصتان عن الشافعي وأحمد كلاهما صحيحة،فمن أنكرهما فهو كمن ينكر ضوء الشمس في رابعة النهار .
--------------
استحبابُ قراءة القرآن على القبر
جاء في الموسوعة الفقهية(16): "قَال الطَّحْطَاوِيُّ : إِذَا فَرَغُوا مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ يُسْتَحَبُّ الْجُلُوسُ ( الْمُكْثُ ) عِنْدَ قَبْرِهِ بِقَدْرِ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهُ،( فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَال : إِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا،ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْل قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ،وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُل رَبِّي )(17)يَتْلُونَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُونَ لِلْمَيِّتِ . فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ :« اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ ».(18)
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوَّل سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتَهَا.(19)
================
وأما الْقِرَاءَةُ فِي الْمَقَابِرِ(20):
"فقد ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْمَقَابِرِ بَل تُسْتَحَبُّ(21).
وَنَصَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْمَقَابِرِ إِذَا أَخْفَى وَلَمْ يَجْهَرْ وَإِنْ خَتَمَ،وَإِنَّمَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهَا جَهْرًا(22).
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا،وَقَيَّدَهَا بَعْضُهُمْ بِمَا إِذَا كَانَتْ بِالأَْصْوَاتِ الْمُرْتَفِعَةِ وَاتِّخَاذِ ذَلِكَ عَادَةً(23).
--------------
__________
(1) - التاج والإكليل لمختصر خليل - (ج 2 / ص 374)
(2) - انظره في صحيح البخارى(218)
(3) - مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل - (ج 7 / ص 227)
(4) - منح الجليل شرح مختصر خليل - (ج 3 / ص 176)
(5) - صحيح مسلم(4310 )
(6) - ذكره مسلم في مقدمة صحيحه ورده (34 ) لأنه معضل ،وعَنْ هَمَّامٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِكَعْبٍ : احْتَسِبْ عِنْدَ اللَّهِ مَا فَاتَنِي مِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ ؟ قَالَ : " لَمْ يَفُتْكَ بِرُّهُمَا ، اسْتَغْفِرْ لَهُمَا وَاجْعَلْ لَهُمَا حَظًّا مِنْ صَلَاتِكَ وَصِيَامِكَ وَصَدَقَتِكَ تَكُنْ مِنَ الْأَبْرَارِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ "الْبِرُّ وَالصِّلَةِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ حَرْبٍ (92 ) وفيه ضعف
(7) - التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 1 / ص 91)
(8) - صحيح البخارى( 218 ) ومسلم (703 )
(9) - مسند الطيالسي(908) صحيح
(10) - صحيح مسلم(1605 )
(11) - الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 7 / ص 83) انظر كذلك الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 7 / ص 162) ففي تفصيل
(12) - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج - (ج 17 / ص 357)
(13) - ومثله في الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهِيُ عَنِ الْمُنْكَرِ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلَّالِ رقم(243- 253)
(14) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 237)(10957)
(15) -(ج 1 / ص 85)
(16) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 16 / ص 42)
(17) - أخرجه مسلم ( 336) .
(18) - سنن أبى داود(3223 )صحيح
(19) - انظر المعجم الكبير للطبراني - (ج 14 / ص 108)(15833 ) والقراءة على القبور(1) وهو حسن موقوف ، ورفعه الطبراني
(20) -الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 38 / ص 347)
(21) - حاشية ابن عابدين 1 / 605 - 607 ، والقليوبي وعميرة 1 / 351 ، وكشاف القناع 2 / 147 .
(22) - الفتاوى الهندية 5 / 350 .
(23) - الشرح الصغير 1 / 564 .(1/29)
حكمُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْمُحْتَضَرِ وَالْقَبْرِ(1)
َ"ذهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى نَدْبِ قِرَاءَةِ سُورَةِ يس عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ،لِقَوْل النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : « اقْرَءُوا (يس) عَلَى مَوْتَاكُمْ »(2).أَيْ مَنْ حَضَرَهُ مُقَدِّمَاتُ الْمَوْتِ(3).
كَمَا ذَهَبُوا إِلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ(4)،لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا : مَنْ دَخَل الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ دُفِنَ فِيهَا حَسَنَاتٌ(5)،وَلِمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَوْصَى إِذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ وَعَلَى الْقَبْرِ(6)
وفيها أيضاً(7): " اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ،فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ لاَ تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ بَل تُسْتَحَبُّ،لِمَا رَوَى أَنَسٌ مَرْفُوعًا قَال : مَنْ دَخَل الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ فِيهَا يس خَفَّفَ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ،وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِهِمْ حَسَنَاتٌ(8)،وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَوْصَى إذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا .
قَال الشَّافِعِيَّةُ : يَقْرَأُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ . لَكِنْ رَجَّحَ الدُّسُوقِيُّ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا(9).
وقَال الْقَلْيُوبِيُّ : وَمِمَّا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الإِْخْلاَصِ إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً وَأَهْدَى ثَوَابَهَا إلَى الْجَبَّانَةِ غُفِرَ لَهُ ذُنُوبٌ بِعَدَدِ الْمَوْتَى فِيهَا .
وَرَوَى السَّلَفُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْطَى لَهُ مِنَ الأَْجْرِ بِعَدَدِ الأَْمْوَاتِ .
قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ : وَيَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَأَوَّل الْبَقَرَةِ إلَى الْمُفْلِحُونَ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ،وَآمَنَ الرَّسُول،وَسُورَةِ يس،وَتَبَارَكَ الْمُلْكِ،وَسُورَةِ التَّكَاثُرِ وَالإِْخْلاَصِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ سَبْعًا أَوْ ثَلاَثًا .
وَقَال الْبُهُوتِيُّ : قَال السَّامِرِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ بِخَاتِمَتِهَا .
وَصَرَّحَ الْحَصْكَفِيُّ بِأَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ إجْلاَسُ الْقَارِئِينَ عِنْدَ الْقَبْرِ،قَال : وَهُوَ الْمُخْتَارُ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ : إلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ،لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَل السَّلَفِ،قَال الدَّرْدِيرُ : الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَجَعْل ثَوَابِهِ لِلْمَيِّتِ وَيَحْصُل لَهُ الأَْجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ."
" وقد ذكر عن جماعة من السلف أنهم أوصوا أن يقرأ عند قبورهم وقت الدفن،قال عبد الحق يروَى أن عبد الله بن عمر أمر أن يقرأ عند قبره سورة البقرة،وقال: ويدلُّ على هذا أيضاً ما جرى عليه عمل الناس قديماً،وإلى الآن من تلقين الميت في قبره ولولا أنه يسمعُ ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة،وكان عبثاً. وقد سئل عنه الإمام أحمد رحمه الله فاستحسنه واحتجَّ عليه بالعمل."(10)
وقال القرافي:" وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَالْقُرْطُبِيِّ فِي التَّذْكِرَةِ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يَنْتَفِعُ بِالْقِرَاءَةِ قُرِئَتْ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي بِلَادٍ إلَى بِلَادٍ وَوُهِبَ الثَّوَابُ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ .
وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ مَنْ أَرَادَ وُصُولَ قِرَاءَتِهِ بِلَا خِلَافٍ فَلْيَجْعَلْ ذَلِكَ دُعَاءً بِأَنْ يَقُولَ :اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا أَقْرَأُ إلَى فُلَانٍ اهـ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ وَكَنُونٍ،قَالَ الرَّهُونِيُّ :وَالتَّهْلِيلُ الَّذِي قَالَ فِيهِ الْقَرَافِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ هُوَ فِدْيَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ سَبْعِينَ أَلْفِ مَرَّةٍ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ السَّنُوسِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الَّذِي فَهِمَهُ مِنْهُ الْأَئِمَّةُ اُنْظُرِ الْحَطَّابَ هُنَا أَيْ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ وَمُصْطَفَى الرَّمَاصِيَّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ"(11).
قلتُ : فثبت بهذه الأدلة والأقوال الناصعة أن الراجح الجواز وليس العكس،كما زعم الشيخ ناصر رحمه الله ومن وافقه من المعاصرين !!.
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 33 / ص 59)
(2) - سنن أبى داود (3123 ) وأحمد (3123و20837و20850) والسنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 6 / ص 424)( 10846و10847) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 151)(16904 و16905 و16931 ) وصحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 269)(3002) وفيه جهالة ،وانظر التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 2 / ص 319)(735 ) وانظر البدر المنير - (ج 5 / ص 193) فقد تكلم عليه مطولا و روضة المحدثين - (ج 10 / ص 266)
(3) - الفتاوى الهندية 1 / 157 ، ونهاية المحتاج 2 / 427 ، 428 ، والمغني 2 / 450 .
(4) - حاشية ابن عابدين 1 / 605 ، 607 ، والقليوبي وعميرة 1 / 351 ، وكشاف القناع 2 / 147 .
(5) - إتحاف السادة ( 10 / 173 ) والسلسلة الضعيفة (1246) وهو موضوع ، فلا حجة فيه
(6) - حاشية الدسوقي 1 / 423 ، والشرح الصغير 1 / 228 .
(7) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 32 / ص 255)
(8) - مر تخريجه
(9) - حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 605، 607، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 423، والقليوبي وعميرة على شرح المحلي 1 / 351، وكشاف القناع 2 / 147 .
(10) - تاوى الشبكة الإسلامية (ج 4 / ص 4734) وانظر الفتوى رقم: 24019 ، والفتوى رقم: 15281 ، والفتوى رقم: 8268.
(11) - وفي تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية - (ج 3 / ص 343) وأنوار البروق في أنواع الفروق - (ج 6 / ص 105)(1/30)
كتاب الفضائل
176 / باب فضل قراءة القرآن
25- ( 1000 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ الَّذِى لَيْسَ فِى جَوْفِهِ شَىْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ ». . رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
( ضعيف ) [ فيه : قابوس بن أبي ظبيان،وهو ضعيف ] .
-------------------
قلت : هو في سنن الترمذى (3161 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِى ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ الَّذِى لَيْسَ فِى جَوْفِهِ شَىْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ » قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.(1)
واحتجَّ به ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى(2)
أما قابوس بن أبي ظبيان فمختلف فيه كما واضح من كلام أئمة الجرح التعديل ولكن وثقه الترمذي والحاكم والضياء المقدسي(3).
وأما أبوه فثقة،وهو حصين بن جندب بن الحارث(4)
ومع ذلك فلم ينفرد به فله شاهد بنحوه:
ففي مصنف ابن أبي شيبة(5)(30645) حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ،عَنِ الأَعْمَشِ،عَنْ أَبِي صَالِحٍ،عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ،عَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ : الْبَيْتُ الَّذِي لاَ يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ كَمَثَلِ الْبَيْتِ الْخَرِبِ الَّذِي لاَ عَامِرَ لَهُ.( وهذا إسناد صحيح)
(30646) حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ،عَنْ عَبَّادٍ،عَنِ ابْنِ سِيرِينَ،قَالَ : الْبَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ تَحْضُرُهُ الْمَلائِكَةُ وَتَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ وَيَتَّسِعُ بِأَهْلِهِ وَيَكْثُرُ خَيْرُهُ،وَالْبَيْتُ الَّذِي لاَ يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ تَحْضُرُهُ الشَّيَاطِينُ،وَتَخْرُجُ مِنْهُ الْمَلائِكَةُ،وَيَضِيقُ بِأَهْلِهِ وَيَقِلُّ خَيْرُهُ.( وهذا إسناده صحيح مقطوع )
وفي فَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِلْفِرْيَابِيِّ (38) حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُتْبَةَ،نا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ،عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ،عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ،فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَلْيَفْعَلْ،فَإِنَّ أَصْغَرَ الْبُيُوتِ بَيْتٌ لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْءٌ،كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ الَّذِي لَا عَامِرَ لَهُ،وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ أَنْ يَسْمَعَ فِيهِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تُقْرَأُ فِيهِ " ( وهو صحيح موقوف )
قلتُ : فيحسن الحديث لغيره . والله أعلم
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد (1975) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 256)(12453) وشعب الإيمان للبيهقي (1889) وسنن الدارمي (3369 ) والأحاديث المختارة للضياء - (ج 4 / ص 273)(526) ونقل تصحيح الترمذي وسكت عليه وشرح السنة للبغوي - (ج 2 / ص 370)(1156) كذلك والمستدرك للحاكم(2037) وصححه وكلهم من طريق قَابُوسِ بْنِ أَبِى ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ.
(2) - مجموع الفتاوى - (ج 12 / ص 236) ومجموع الفتاوى - (ج 12 / ص 292) ومجموع الفتاوى - (ج 12 / ص 389) ومجموع الفتاوى - (ج 12 / ص 564) وذكر تصحيح الترمذي وسكت عليه
(3) - انظر تقريب التهذيب [ ج 1 -ص 449 ] (5445) والكاشف[ ج 2 -ص 126 ](4498 ) والتاريخ الكبير [ ج 7 -ص 193 ] (861 ) والثقات للعجلي[ ج 2 -ص 209 ] (1493 ) والجرح والتعديل[ ج 7 -ص 145 ](808) والكامل في الضعفاء[ ج 6 -ص 49 ] وقال في نهاية ترجمته :ولقابوس غير ما ذكرت من الحديث وأحاديثه متقاربة وأرجو أنه لا بأس به"
(4) - تقريب التهذيب[ ج 1 -ص 169 ](1366 )
(5) - (ج 10 / ص 486)(1/31)
179 / باب في الحث على سور وآيات مخصوصة
26- ( 1021 ) عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ ».. وفي رواية : " من آخر سورة الكهف " رواهما مسلم .
[ قال الشيخ الألباني :قلت : الرواية الأخرى شاذة والمحفوظ الرواية الأولى كما حققته في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " رقم ( 2651 ) ويشهد له حديث النواس بن سمعان الآتي عند المصنف برقم ( 1808 ) فإن فيه " فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف " ] .
------------------
قلت : هو في صحيح مسلم (1919 ) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ الْغَطَفَانِىِّ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ الْيَعْمَرِىِّ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ ».
(1920 ) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالاَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ شُعْبَةُ مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ. وَقَالَ هَمَّامٌ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ كَمَا قَالَ هِشَامٌ.(1)
وفي صحيح ابن حبان (786)أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زُهَيْرٍ بِتُسْتَرَ،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ،حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،عَنْ قَتَادَةَ،عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ،عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ. ( وهو صحيح)
وفي فَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ (382 )حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ،عَنْ شُعْبَةَ،عَنْ قَتَادَةَ،قَالَ : سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ،يُحَدِّثُ عَنْ مَعْدَانَ،عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنَ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ " ( وهو صحيح)
وفي السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي (10718 )أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ،قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،قَالَ : أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ،عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ،عَنْ مَعْدَانَ،عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ فَإِنَّهُ عِصْمَةٌ لَهُ مِنَ الدَّجَّالِ " ( وهذا إسناد صحيح)
وفي مُسْنَدُ الرُّويَانِيِّ (597) نا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ،نا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ،عَنْ شُعْبَةَ،عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ يُحَدِّثُ،عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،عَنْ ثَوْبَانَ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ كَانَتْ لَهُ عِصْمَةً مِنَ الدَّجَّالِ "( وهذا إسناد صحيح)
وفي البدر المنير: " قال عقب رواية الحديث من طريق الحاكم مرفوعاً :وَرَأَيْت فِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» أَن وقف هَذَا الحَدِيث هُوَ الصَّوَاب .وَعَن (النَّسَائِيّ) أَن رَفعه خطأ وَأَن الصَّوَاب وَقفه،وَلَك أَن تَقول : أَي دَلِيل عَلَى صَوَاب رِوَايَة الْوَقْف وَخطأ رِوَايَة الرّفْع،ورواة هَذِه هم رُوَاة هَذِه ؟ وَالْحق - إِن شَاءَ الله - الَّذِي لَا يَتَّضِح غَيره أَن رِوَايَة الرّفْع (صَرِيحَة) صَحِيحَة كَمَا قَرَّرْنَاهُ "(2).
قلت : الصواب صحَّةُ الروايتين،وذلك لأن المسألة لا تعرفُ بمجرد الرأي،لأن بعض الأحاديث ذكرت سورة الكهف دون تحديد،وبعضها العشر الأوائل،وبعضها العشر الأواخر . والذين نقلوا الحديث بالرواية الأخرى لم بعلُّوه بالوهم(3)،كما أنَّ الذين رووه عن شعبة برواية الأواخر كلهم ثقات أثبات،والصوابُ صحة الجميع(4)،ولذلك قال الإمام النووي رحمه الله :" وَفِي رِوَايَة : ( مِنْ آخِر الْكَهْف ) . قِيلَ : سَبَب ذَلِكَ مَا فِي أَوَّلهَا مِنْ الْعَجَائِب وَالْآيَات،فَمَنْ تَدَبَّرَهَا لَمْ يُفْتَتَن بِالدَّجَّالِ،وَكَذَا فِي آخِرهَا قَوْله تَعَالَى : {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} (102) سورة الكهف."(5)
وقال الشوكاني : "وأما اختلاف الروايات بين أن تكون العشر من أولها أو من آخرها فينبغي الجمع بينها بقراءة العشر الأوائل والعشر الأواخر،ومن أراد أن يحصل على الكمال ويتمَّ له ما تضمنته هذه الأحاديث كلها فليقرأ سورة الكهف كلها يوم الجمعة ويقرأها كلها ليلة الجمعة "(6).
----------------
أهمُّ موضوعات سورة الكهف
تعرضت السورة الكريمة لثلاث قصص من روائع قصص القرآن،في سبيل تقرير أهدافها الأساسية لتثبيت العقيدة،والإيمان بعظمة ذي الجلال . . أما الأولى فهي قصة (أصحاب الكهف وهي قصة التضحية بالنفس في سبيل العقيدة،وهم الفتية المؤمنون الذين خرجوا من بلادهم فرارا بدينهم،ولجئوا إلى غار في الجبل،ثم مكثوا فيه نياما ثلاثمائة وتسع سنين،ثم بعثهم الله بعد تلك المدة الطويلة . والقصة الثانية : قصة موسى مع الخضر عليهما السلام،وهي قصة التواضع في سبيل طلب العلم،وما جرى من الأخبار الغيبية التي اطلع الله عليها ذلك العبد الصالح " الخضر " ولم يعرفها موسى عليه السلام حتى آْعلمه بها الخضر كقصة السفينة،وحادثة قتل الغلام،وبناء الجدار . والقصة الثالثة : قصة ذي القرنين وهو ملك مكَّن الله تعالى له بالتقوى والعدل أن يبسط سلطانه على المعمورة،وأن يملك مشارق الأرض ومغاربها،وما كان من أمره في بناء السد العظيم .
وكما استخدمت السورة - في سبيل هدفها - هذه القصص الثلاث،استخدمت أمثلة واقعية ثلاثة،لبيان أن الحقً لا يرتبط بكثرة المال والسلطان،وإنما هو مرتبط بالعقيدة،المثل الأول : للغني المزهو بماله،والفقير المعتز بعقيدته وإيمانه،في قصة أصحاب الجنتين . والثاني : للحياة الدنيا وما يلحقها من فناء وزوال،والثالث : مثل التكبر والغرور مصورا في حادثة امتناع إبليس عن السجود لآدم،وما ناله من الطرد والحرمان،وكل هذه القصص والأمثال بقصد العظة والاعتبار .(7)
أما المحور الموضوعي للسورة الذي ترتبط به موضوعاتها،ويدور حوله سياقها،فهو تصحيح منهج النظر والفكر . وتصحيح القيم بميزان هذه العقيدة .
فأما تصحيح العقيدة فيقرره بدؤها وختامها .
،وهكذا يتساوق البدء والختام في إعلان الوحدانية وإنكار الشرك،وإثبات الوحي،والتمييز المطلق بين الذات الإلهية وذوات الحوادث .
أما تصحيح منهج الفكر والنظر فيتجلَّى في استنكار دعاوى المشركين الذين يقولون ما ليس لهم به علم،والذين لا يأتون على ما يقولون ببرهان . وفي توجيه الإنسان إلى أن يحكم بما يعلم ولا يتعداه،وما لا علم له به فليدع أمره إلى الله .
فأما تصحيح القيم بميزان العقيدة،فيرد في مواضع متفرقة،حيث يرد القيم الحقيقية إلى الإيمان والعمل الصالح،ويصغر ما عداها من القيم الأرضية الدنيوية التي تبهر الأنظار .
فكل ما على الأرض من زينة إنما جعل للابتلاء والاختبار،ونهايته إلى فناء وزوال،وحمى الله أوسع وأرحب،ولو أوى الإنسان إلى كهف خشن ضيق . والفتية المؤمنون أصحاب الكهف يقولون بعد اعتزالهم لقومهم،والخطاب يوجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليصبر نفسه مع أهل الإيمان؛ غير مبال بزينة الحياة الدنيا وأهلها الغافلين عن الله،وقصة الجنتين تصور كيف يعتز المؤمن بإيمانه في وجه المال والجاه والزينة . وكيف يجبه صاحبها المنتفش المنتفخ بالحق،ويؤنبه على نسيان الله،وهكذا نجد محور السورة هو تصحيح العقيدة . وتصحيح منهج الفكر والنظر . وتصحيح القيم بميزان العقيدة .(8)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وانظر سنن أبى داود (4325 ) ومختصر صحيح المسلم (2107) و وفي مسند أحمد(22344 و28305) والسنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 6 / ص 390)(10721) وصحح الروايتين الشيخ شعيب في تعليقه على المسند
(2) - البدر المنير لابن الملقن- (ج 2 / ص 292)
(3) - وتناقض الألباني فصححه وعاد فضعفه انظر السلسلة الضعيفة - (ج 3 / ص 335) والسلسلة الصحيحة - (ج 6 / ص 150)(2651 )
(4) - انظر الروايات في المسند الجامع (11046)
(5) - شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 163)
(6) - تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين للشوكاني - (ج 1 / ص 402)
(7) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (ج 2 / ص 144)
(8) - في ظلال القرآن - (ج 5 / ص 50)(1/32)
باب فضل الوضوء
27- (1024) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « إِنَّ أُمَّتِى يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ،فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ » متفق عليه .
[ قال الشيخ الألباني : وقوله " فمن استطاع . . . " مدرج في الحديث كما قال الحافظ وغيره فراجع له " الإرواء " رقم ( 94 ) و" الضعيفة " رقم ( 1030 ) ] .
----------------
قلت :هو في صحيح البخارى (136 ) قال : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ رَقِيتُ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ،فَتَوَضَّأَ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « إِنَّ أُمَّتِى يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ،فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ » .
وفي صحيح مسلم(603 ) قال : وَحَدَّثَنِى هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ،ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إِلَى السَّاقَيْنِ،ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « إِنَّ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ،فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ ».(1)
وفي علل الحديث لابن أبي حاتم وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ مُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ،عَنْ لَيْثٍ،عَنْ طَاوُسٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّهُ قَالَ: أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الطُّهُورِ،فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ،قَالَ أَبِي إِنَّمَا هُوَ لَيْثٌ،عَنْ كَعْبٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "(2)
قلتُ : فلم يعلَّه بالإدراج،وكذلك رواه في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام(3)ولم يذكر الإدراج .
وفي علل الدارقطني - وسئل عن حديث أَبِي صَالِحٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَعَنْ أَبِي التَّيَّاحِ،عَنْ أَبِي زُرْعَةَ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،جَمِيعًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ , فَأَعْرِفُكُمْ بِذَلِكَ " , فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ(4),،فقال يرويه شعبة واختلف عنه فرواه عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ الْمُتُونِيُّ،ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ،ثنا شُعْبَةُ،عَنِ الْأَعْمَشِ،عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَعَنْ أَبِي التَّيَّاحِ،عَنْ أَبِي زُرْعَةَ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،جَمِيعًا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :..وخالفه أصحاب شعبة فرووه عن شعبة بهذين الاسنادين موقوفا وهو صحيح عن شعبة ورواه مطرف بن واصل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا وخالفه يحيى بن يمان رواه عن الاعمش عن أبي صالح عن جابر والصحيح عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوف(5).
وفي فتح الباري لابن حجر " قَالَ نُعَيْم لَا أَدْرِي قَوْله مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَخْ مِنْ قَوْل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ مِنْ قَوْل أَبِي هُرَيْرَة،وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْجُمْلَة فِي رِوَايَة أَحَد مِمَّنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيث مِنْ الصَّحَابَة وَهُمْ عَشَرَة وَلَا مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة غَيْر رِوَايَة نُعَيْمٍ هَذِهِ وَاَللَّه أَعْلَم"(6).
قلت : قد تابعه أبو صالح وأبو زرعة أيضاً،ففي حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (10423 )حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمِصِّيصِيُّ،ثنا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْقَطَّانُ،بِالْمِصِّيصَةِ ثنا عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ الْمُتُونِيُّ،ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ،ثنا شُعْبَةُ،عَنِ الْأَعْمَشِ،عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَعَنْ أَبِي التَّيَّاحِ،عَنْ أَبِي زُرْعَةَ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،جَمِيعًا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ , فَأَعْرِفُكُمْ بِذَلِكَ " , فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ , فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ فَيَبْلُغُ بِالْمَاءِ خَلْفَ الْمِرْفَقَيْنِ وَخَلَفَ الْكَعْبَيْنِ , وَيَقُولُ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَطَولَ غُرَّتِي بِالْحِلْيَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْغُرَّةَ تَبْلُغُ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ " غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ،لَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْر "
ويحيى بن أبي بكير ثقة باتفاق أخرج له الجماعة،والصواب عندي أنها مرفوعة غيرُ مدرجة.
ولقد أساء الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله إلى نفسه عندما أورد هذا الحديث الصحيح - المتفق على صحته- في ضعيف الجامع ( 1816) والضعيفة ( 1030) بسبب هذا الإدراج - إذا افترضنا صحته- وكان ينبغي عليه التنبيه على ذلك بهامش الصحيحة وكفَى،لا أن يذكره في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ على الأمة !!.
-------------
بم بشَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته يوم القيامة ؟
:" يبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته بأن الله سبحانه وتعالى يخصهم بعلامة فضل وشرف : يومَ القيامة،من بين الأمم،حيث ينادون فيأتون على رؤوس الخلائق تتلألأ وجوههم وأيديهم وأرجلهم بالنور،وذلك أثر من آثار هذه العبادة العظيمة،وهي الوضوء الذي كرروه على هذه الأعضاء الشريفة ابتغاء مرضاة الله،وطلبا لثوابه،فكان جزاؤهم هذه المحمدة العظيمة الخاصة."(7)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - ومسند أحمد(8637) وصحيح ابن حبان - (ج 3 / ص 325)[1049] وفتح الباري 1/236 و الترغيب والترهيب"1/149، وزاد المعاد 1/196، و تلخيص الحبير1/58(57) واظر الروايات في المسند الجامع - (ج 16 / ص 959)(12755-12757)
وفي البدر المنير - (ج 1 / ص 673) قَوْله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - : «فَمَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» .هَذَا الحَدِيث صَحِيح . رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ، ولم يعله بالإدراج، ومثله الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (306 )
(2) -علل الحديث لابن أبي حاتم ( 181)
(3) - - (ج 1 / ص 66)
(4) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (10423 ) صحيح
(5) - علل الدارقطني - (ج 8 / ص 170)س (1488)
(6) - فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 218)
(7) - تيسير العلام شرح عمدة الحكام- للبسام - (ج 1 / ص 17)(1/33)
185 / باب فضل المشي إلى المساجد
28- ( 1060 ) عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) [التوبة/18] ». رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
( ضعيف ) [ فيه : دراج أبو السمح وهو ضعيف في حديثه عن أبي الهيثم،وهذه منها ]
-------------------
قلت : هو في سنن الترمذى(2826 )حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ أَبِى السَّمْحِ عَنْ أَبِى الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) [التوبة/18] ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ.
(3375 ) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِى الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) [التوبة/18]».
(3376 ) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عُمَرَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِى الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ « يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو الْهَيْثَمِ اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدٍ الْعُتْوَارِىُّ وَكَانَ يَتِيمًا فِى حَجْرِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ.(1)
وهو عندهم من طريق دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري وقد اختلف في هذا السند قال في التقريب : صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف(2)
قلت : وقد احتجَّ به في الفتح من خلال هذا السند،بل بالأحاديث التي قيل إنها أنكرت على دراج!! ففي فتح الباري:"قَوْله : ( وَيْل )جَازَ الِابْتِدَاء بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّهُ دُعَاء وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَال : أَظْهَرهَا مَا رَوَاهُ اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد مَرْفُوعًا " وَيْل وَادٍ فِي جَهَنَّم "(3).
وهو في مسند أحمد (12031) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا حَسَنٌ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي بِهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهَا "(4).
قلت : وقد أخرج له الإمام أحمد جميع أحاديثه عن أبي الهيثم بما فيها التي قيل فيها إنكرت عليه،وسكت عليها،وهذه أرقامها في مسند أحمد طبعة المكنز (11347 و11353 و11532 و11536 و11647 و11968 و11979 و11990 و11992 و12030 و12031 و12032 و12033 و12034 و12035 و 12036 و12048 و12086 و12106 و12158) فعددها عشرون حديثاً.
وقال ابن معين : أحاديثه عن أبي الهيثم لا بأس بها وكذا قال ابن شاهين(5)
وقد صححَ حديثه عن أبي الهيثم الترمذي وابن حبان وابن خزيمة والحاكم وحسنه المنذري والهيثمي والعراقي .
وبعد أن أفاض ابن عدي في ترجمته وبين أنه انفرد بخمسة أحاديث لا غير وذكرها ثم قال : "وأرجو إذا أخرجت دراج وبرأته من هذه الأحاديث التي أنكرت عليه أن سائر أحاديثه لا بأس بها ويقرب صورته مما قال فيه يحيى بن معين"(6)
فالراجح قول يحيى بن معين ومن وافقه فحديثه عن أبي الهيثم لا بأس به .
وهذا الحديث حسن.
-----------------
الشهادة بالإيمان لمن اعتاد المساجد
. قَالَ الطِّيبِيُّ : التَّعَهُّدُ وَالتَّعَاهُدُ الْحِفْظُ بِالشَّيْءِ،وَوَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَهِيَ رِوَايَةٌ لِلتِّرْمِذِيِّ : يَعْتَادُ بَدَلَ يَتَعَاهَدُ وَهُوَ أَقْوَى سَنَدًا وَأَوْفَقُ مَعْنًى لِشُمُولِهِ جَمِيعَ مَا يُنَاطُ بِهِ الْمَسْجِدُ مِنَ الْعِمَارَةِ وَاعْتِيَادِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا أَلَا تَرَى إِلَى مَا أَشْهَدَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَوْلِهِ فَاشْهَدُوا لَهُ،أَيْ اِقْطَعُوا لَهُ الْقَوْلَ بِالْإِيمَانِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَوْلٌ صَدَرَ عَنْ مُوَاطَأَةِ الْقَلْبِ عَلَى الْقَطْعِ . وَقَالَ اِبْنُ حَجَرٍ : بَلِ التَّعَهُّدُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَعَ شُمُولِهِ لِذَلِكَ يَشْمَلُ تَعَهُّدَهَا بِالْحِفْظِ وَالْعِمَارَةِ وَالْكَنْسِ وَالتَّطْيِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اِسْتِشْهَادُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْآيَةِ الْآتِيَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ(7)
وأما الآية فتعني :" إِنَّ الذِينَ يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللهِ هُمُ الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَحْدَهُ،وَبُكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ،وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ،وَيُؤَدُّونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ،وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً غَيْرَ اللهِ،فَهُمْ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ،وَيَقُولونَ كَلِمَةَ الحَقِّ،وَيَعْبُدُونَ اللهَ وَحْدَهُ؛ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ هُوَ مِمَّنْ يَعْمُرُونَ مَسَاجِدَ اللهِ،لِتَوافُقِ فِعْلِهِ مَعَ إِيمَانِهِ،وَكَانَ مِنَ المُهْتَدِينَ إِلَى طَرِيقِ الحَقِّ وَالصَّوَابِ "(8).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - سنن ابن ماجه (851 ) و تفسير ابن أبي حاتم (10193) وشعب الإيمان للبيهقي(2810) وسنن الدارمى(1270) ومسند أحمد ( 11969 و12044) والمستدرك للحاكم (770 و3280) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 3 / ص 66)(5187) وصحيح ابن حبان (1721 و1749 ) وصحيح ابن خزيمة (1422)
(2) - تقريب التهذيب (1824) وانظر الكاشف (1486) وديوان الضعفاء (1346)
(3) - فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 264)
(4) - والإحسان (7467) والمستدرك للحاكم (764) وصححه ووافقه الذهبي
(5) - راجع التهذيب 3/208 - 209 وتهذيب الكمال (1797) ووثقه ابن حبان (4111) وسكت تخ 2/256(882) والثقات لابن شاهين (453)
(6) - الكامل 3/112 - 115 و3/112
(7) - تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 416)
(8) - انظر أيسر التفاسير لأسعد حومد - (ج 1 / ص 1254) والتفسير الميسر - (ج 3 / ص 260) وتفسير السعدي - (ج 1 / ص 331)(1/34)
190 / باب فضل الصف الأول،والأمر بإتمام الصفوف الأُوَل،وتسويتها،والتراص فيها
29- ( 1094 ) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ ». " رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم وفيه رجل مختلف في توثيقه . ( شاذ )
[ قال الشيخ الألباني : والمحفوظ - كما قال البيهقي - إنما هو بلفظ : " . . . على الذي يصلون الصفوف " كما ذكرته في تعليقي على " المشكاة "،وبينته في كتابي ضعيف أبي داود و صحيح أبي داود ] .
قلت : هو في سنن أبى داود(676 ) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ ».(1)
قلت : والصواب أنه حديث حسن وليس شاذا . والله أعلم.
َالصَّلَاة مِنَ اللَّه رَحْمَته وَرِضْوَانه , وَمِنَ الْمَلَائِكَة الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار , وَمِنَ الْأُمَّة الدُّعَاء وَالتَّعْظِيم لِأَمْرِهِ .(2)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وسنن ابن ماجه(1058) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 3 / ص 103)(5404) وصحيح ابن حبان - (ج 5 / ص 534)(2160) وقال شيخنا الشيخ شعيب حفظه الله في تعليقه على صحيح ابن حبان : إسناده حسن كما قال الحافظ في "الفتح" 2/213. والترغيب والترهيب للمنذري(712 ) وحسن إسناده
(2) - الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 3447)(1/35)
30- ( 1096 ) عَنْ يَحْيَى بْنِ بَشِيرِ بْنِ خَلاَّدٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىِّ فَسَمِعَتْهُ يَقُولُ حَدَّثَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« وَسِّطُوا الإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ ». " رواه أبو داود .
( أوله ضعيف ) [ فيه : مجهولان،لكن الشطر الثاني منه له شواهد ] .
-------------
قلت : هو في سنن أبى داود (681 ) حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ بَشِيرِ بْنِ خَلاَّدٍ عَنْ أُمِّهِ ..به.(1)
ويَحْيَى بْنِ بَشِيرِ بْنِ خَلاَّدٍ عَنْ أُمِّهِ كلاهما مجهول فالحديث ضعيف،ولكن يعمل به في فضائل الأعمال،بل هو أقوى حديث في الباب . فيعمل به في الأحكام أيضاً .
---------------
أين يقف الإمام في الصلاة ؟
" يَنْبَغِي لِلإِْمَامِ أَنْ يَقِفَ بِإِزَاءِ الْوَسَطِ(2)لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَسِّطُو الإِْمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَل(3)."أي: اِجْعَلُوا إِمَامكُمْ مُتَوَسِّطًا بِأَنْ تَقِفُوا فِي الصُّفُوف خَلْفه وَعَنْ يَمِينه وَعَنْ شِمَاله"
وَقَال فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ نَقْلاً عَنِ التَّبْيِينِ : فَإِنْ وَقَفَ الإِْمَامُ فِي مَيْمَنَةِ الْوَسَطِ أَوْ فِي مَيْسَرَتِهِ فَقَدْ أَسَاءَ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ(4).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - والمعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 9)(30 )
(2) - الدَّرّ الْمُخْتَار 1 / 382 ، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 1 / 89 ، وَالْمَجْمُوع 4 / 192 ط الْمُطِيعِي ، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَةَ 2 / 219 .
(3) - مرَّ تخريجه
(4) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 43 / ص 141) والْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 1 / 89 .(1/36)
196 / باب سنَّةُ العصر
31- ( 1121 ) عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَام،" أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ " رواه أبو داود بإسناد صحيح .
( شاذ بهذا اللفظ ) [ والمحفوظ بلفظ : " أربع ركعات " ] .
---------------
قلتُ :هو في سنن أبى داود (1274 ) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِىٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّى قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ. وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود.(1)
قلت : وهو حديث صحيح لغيره،وليس شاذًّا كما ادَّعى،وقد ورد نحوه أحاديث عديدة،منها :
ما ورد في المعجم الكبير للطبراني - (ج 17 / ص 275)(19565 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْفَضْلِ السِّقْطِيُّ،ثنا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ،عَنْ عَبَّادِ بن الْعَوَّامِ،ح وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بن مُحَمَّدٍ،ثنا زَكَرِيَّا بن يَحْيَى زَحْمَوَيْهِ،ثنا صَالِحُ بن عُمَيْرٍ،عَنْ حَنْظَلَةَ السَّدُوسِيِّ،أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بن الْحَارِثِ،يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ.(2)(وفيه ضعف)
وفي مصنف عبد الرزاق (4831) عَبْدُ الرَّزَّاقِ،عَنِ الثَّوْرِيِّ،عَنْ مَنْصُورٍ،عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : " كَانُوا يَعُدُّونَ مِنَ السُّنَّةِ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا " قَالَ : وَكَانُوا يَرْكَعُونَ قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَعُدُّونَهَا مِنَ السُّنَّةِ،وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ،وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ،وَقَبْلَ الْفَجْرِ رَكْعَتَيْنِ " ( وهو صحيح)
وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 2 / ص 473)(4662) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ح قَالَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ الْهَمَدَانِىِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِىِّ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ أُخْتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« مَنْ صَلَّى ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِى يَوْمٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ : أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ،وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ،وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ،وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ،وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ ».( وهو حديث حسن)
وفي مسند أبي يعلى الموصلي (6864 ) حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ،حَدَّثَنَا بُهْلُولُ بْنُ مُوَرِّقٍ الشَّامِيُّ،حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ،قَالَ : أَخْبَرَنِي ثَابِتٌ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ،عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ،وَصَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ،فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاعِيًا إِلَى قَوْمٍ،فَلَمَّا بَلَغَهُمْ أَرَادَ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَنْ يُعِينُوهُ وَتَهَيَّئُوا لِذَلِكَ،فَلَمَّا بَلَغَ السَّاعِي فَرَأَى الْقَوْمَ،ظَنَّ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونَهُ فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ : إِنَّهُمْ مَنَعُونِي صَدَقَتَهُمْ،وَاحْتَبَسَ السَّاعِي عَلَى الْقَوْمِ،فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ،وَقَدْ قَضَى صَلاةَ الظُّهْرِ،فَجَعَلُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ،وَنَسِيَ الرَّكْعَتَيْنِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهُمَا قَبْلَ الْعَصْرِ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَا أُخَيَّهْ،مَا الرَّكْعَتَانِ الَّتِي صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حُجْرَتِكِ بَعْدَ الْعَصْرِ ؟ فَأَخْبَرَتْهَا،وَقَالَتْ : مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى قَبْلَهَا وَلا بَعْدَهَا".( وفيه و ضعف)
فهذه الأحاديث تشهدُ لحديث علي رضي الله عنه،وتبين أنه ليس شاذا كما زعم الشيخ ناصر رحمه الله !!!
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - والأحاديث المختارة للضياء - (ج 1 / ص 317)(529) وصحح إسناده وصححه النووي في خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام للإمام النووي - (ج 1 / ص 539)(1821)
(2) - ومثله في مسند أحمد (27596) مطولا(1/37)
206 / باب فضل يوم الجمعة ووجوبها والاغتسال لها،والطيب،والتكبير إليها
32- ( 1157 ) عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ قَالَ لِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « هِىَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلاَةُ » رواه مسلم.
( ضعيف مرفوعاً،صحيح موقوفاً ) [ صحح الأئمة وقفه على أبي موسى الأشعري،ومنهم الإمام الدارقطني ] .
-------------
قلت : هو في صحيح مسلم(2012 ) وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَعَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالاَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالاَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ به.(1)
وقد أعلَّ هذا الحديثُ بعلل واهيةٍ منها : أن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه والثانية الوقف والإرسال .
أقول : أمَّا الأولى : فقد اختلف في سماعه من أبيه فبعضهم أثبتها وبعضهم نفاها(2). والراجح عندي أنه سمع من أبيه لأنه يروي عن عامر بن عبد الله بن الزبير وهو متوفى سنة 121 هـ وأبوه متوفى بعد سنة 120 هـ . فكيف يسمع من عامر ولا يسمع من أبيه ؟!
وأمَّا الثانية فقد قال النووي رحمه الله: "هَذَا الْحَدِيث مِمَّا اِسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِم وَقَالَ : لَمْ يُسْنِدهُ غَيْر مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَة،وَرَوَاهُ جَمَاعَة عَنْ أَبِي بُرْدَة مِنْ قَوْله،وَمِنْهُمْ مَنْ بَلَغَ بِهِ أَبَاهُ مُوسَى وَلَمْ يَرْفَعهُ قَالَ : وَالصَّوَاب أَنَّهُ مِنْ قَوْل أَبِي بُرْدَة،كَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّان عَنِ الثَّوْرِيّ عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَبِي بُرْدَة،وَتَابَعَهُ وَاصِل الْأَحْدَب وَمُجَالِد رَوَيَاهُ عَنْ أَبِي بُرْدَة مِنْ قَوْله،وَقَالَ النُّعْمَان بْن عَبْد السَّلَام عَنْ الثَّوْرِيّ عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَبِي بُرْدَة عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوف،وَلَا يَثْبُت قَوْله عَنْ أَبِيهِ،وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل عَنْ حَمَّاد بْن خَالِد قُلْت لِمَخْرَمَةَ : سَمِعْت مِنْ أَبِيك شَيْئًا ؟ قَالَ : لَا(3).
هَذَا كَلَام الدَّارَقُطْنِيِّ،وَهَذَا الَّذِي اِسْتَدْرَكَهُ بَنَاهُ عَلَى الْقَاعِدَة الْمَعْرُوفَة لَهُ وَِأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ فِي رِوَايَة الْحَدِيث وَقْفٌ وَرَفْعٌ أَوْ إِرْسَالٌ وَاتِّصَالٌ حَكَمُوا بِالْوَقْفِ وَالْإِرْسَال،وَهِيَ قَاعِدَة ضَعِيفَة مَمْنُوعَةٌ،وَالصَّحِيحُ طَرِيقَةُ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء وَالْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَمُحَقِّقِي الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ يُحْكَم بِالرَّفْعِ وَالِاتِّصَال لِأَنَّهَا ؛ زِيَادَةُ ثِقَة . وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَاضِحًا فِي الْفُصُول السَّابِقَة فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب،وَسَبَقَ التَّنْبِيه عَلَى مِثْل هَذَا فِي مَوَاضِع أُخَر بَعْدهَا،وَقَدْ رُوِّيْنَا فِي سُنَن الْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَحْمَد بْن سَلَمَة قَالَ : ذَاكَرْت مُسْلِم بْن الْحَجَّاج حَدِيث مَخْرَمَةَ هَذَا فَقَالَ مُسْلِم : هُوَ أَجْوَد حَدِيث وَأَصَحّه فِي بَيَان سَاعَة الْجُمُعَة ."(4)
وقد وهم الألباني عندما أدرج هذا الحديث في ضعيف الجامع (6103) !!
================
وقت ساعة الإجابة يوم الجمعة(5)
قال القرطبي(6):" وقوله : " إن في الجمعة ساعة " : اختلف في تعيينها،فذهبت طائفة من السلف : إلى أنها من بعد العصر إلى الغروب،وقالوا : إن معنى قوله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ : "وهو قائم يصلي "،أنه بمعنى : ملازم ومواظب على الدعاء . وذهب آخرون : إلى أنها ما بين خروج الإمام إلى أن تُقضى الصلاة ؛ كما في حديث أبي موسى . وذهب آخرون : إلى أنها وقت الصلاة نفسها . وقيل : من وقت الزوال إلى نحو الذراع،وقيل : من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس،وقيل : [هي] مخفيّة في اليوم كله ؛ كليلة القدر . قلت : وحديث أبي موسى نصٌ في موضع الخلاف،فلا يلتفت إلى غيره،والله أعلم"
وقال العلامة ابن رجب رحمه الله بعد ذكره لعامة الآراء:" وهذا القول -أعني : أنها بعد زوال الشمس إلى انقضاء الصلاة،أو أنها ما بين أن تقام الصلاة إلى أن يفرغ منها -أشبه بظاهر قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم - : « فِى الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّى،فَسَأَلَ اللَّهَ خَيْرًا،إِلاَّ أَعْطَاهُ »(7)،فإنه أن أريد به صلاة الجمعة كانت من حين إقامتها إلى الفراغ منها،وإن أريد به صلاة التطوع كانت من زوال الشمس إلى خروج الإمام ؛ فإن هذا وقت صلاة تطوعٍ،وإن أريد بها أعم من ذلك -وهو الأظهر - دخل فيه صلاة التطوع بعد زوال الشمس،وصلاة الجمعة إلى انقضائها "(8).
ورجح ابن القيم رحمه الله أنها بعد العصر(9)
وقول ابن رجب رحمه الله هو الراجحُ،وهو الموافق لرواية مسلم رحمه الله .
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 3 / ص 250)(6212) وفي مسند أبي عوانة(2058 )
وفي مختصر صحيح المسلم(405) وسنن أبى داود (1051) وصحيح ابن خزيمة (1643) فلم يعلوه بشيء
(2) - التهذيب 10/120 - 121
(3) - انظر علل الدارقطني(1297)
(4) - شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 221) وانظر الإتحاف 3/283
(5) - وانظر الأقوال في تحديدها سلاح المؤمن في الدعاء والذكر - (ج 1 / ص 150) وفتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 348)
(6) - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (ج 7 / ص 127) وهذا الذي رجحه النووي على مسلم - (ج 3 / ص 221)
(7) - صحيح البخارى(5294 ) وسنن النسائى (1443)
(8) - فتح الباري لابن رجب - (ج 6 / ص 239)
(9) - زاد المعاد - (ج 1 / ص 373)(1/38)
207 / باب استحباب سجود الشكر عند حصول نعمة ظاهرة أو اندفاع بلية ظاهرة
33- ( 1159 ) عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا كُنَّا قَرِيبًا مِنْ عَزْوَرَا نَزَلَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ سَاعَةً ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلاً ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ سَاعَةً ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلاً ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ ثَلاَثًا قَالَ « إِنِّى سَأَلْتُ رَبِّى وَشَفَعْتُ لأُمَّتِى فَأَعْطَانِى ثُلُثَ أُمَّتِى فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّى ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِى فَسَأَلْتُ رَبِّى لأُمَّتِى فَأَعْطَانِى ثُلُثَ أُمَّتِى فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّى شُكْرًا ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِى فَسَأَلْتُ رَبِّى لأُمَّتِى فَأَعْطَانِى الثُّلُثَ الآخَرَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّى ». " رواه أبو داود
( ضعيف ) .
[ فيه : موسى بن يعقوب الزمعي،وهو سيء الحفظ،وشيخه يحيى بن الحسن بن عثمان،وهو مجهول ] .
وسجود الشكر ثابت في غير ما حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه .
-------------
قلت :هو في سنن أبى داود (2777 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنِ ابْنِ عُثْمَانَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ،فَلَمَّا كُنَّا قَرِيبًا مِنْ عَزْوَرَا نَزَلَ،ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ سَاعَةً،ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا،ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ سَاعَةً،ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا،ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ سَاعَةً،ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا - ذَكَرَهُ أَحْمَدُ ثَلَاثًا - قَالَ : " إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لِأُمَّتِي،فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي،ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي شُكْرًا،ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي،فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخِرَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي " قَالَ أَبُو دَاوُدَ : " أَشْعَثُ بْنُ إِسْحَاقَ أَسْقَطَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حِينَ حَدَّثَنَا بِهِ،فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْهُ مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ ".(1)
قلت : ليس مجردُ سكوت أبي داود رحمه الله على حديث دليلاً على صحته أو حسنه كما بيَّنا سابقا في شرح شرط أبي داود .
فيَحْيَى بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عُثْمَانَ فيه جهالة(2)،ولكن سكت عليه البخاري وأبي حاتم ووثقه ابن حبان،وقال الذهبي: وثِّقَ(3)
ويشهد له من حيث المعنى ما ورد في الصحيحين عن مَعْبََُ بْنِ هِلاَلٍ الْعَنَزِىِّ قَالَ: اجْتَمَعْنَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ،فَإِذَا هُوَ فِى قَصْرِهِ فَوَافَقْنَاهُ يُصَلِّى الضُّحَى،فَاسْتَأْذَنَّا،فَأَذِنَ لَنَا وَهْوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَقُلْنَا لِثَابِتٍ لاَ تَسْأَلْهُ عَنْ شَىْءٍ أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ فَقَالَ يَا أَبَا حَمْزَةَ هَؤُلاَءِ إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ جَاءُوكَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ . فَقَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِى بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ . فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ . فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ . فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ . فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْتُونِى فَأَقُولُ أَنَا لَهَا . فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فَيُؤْذَنُ لِى وَيُلْهِمُنِى مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لاَ تَحْضُرُنِى الآنَ،فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ،وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ،وَسَلْ تُعْطَ،وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى . فَيُقَالُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ،ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ،وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ،وَسَلْ تُعْطَ،وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ،فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى . فَيُقَالُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ،ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ،وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ،وَسَلْ تُعْطَ،وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى . فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ،فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ » . فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهْوَ مُتَوَارٍ فِى مَنْزِلِ أَبِى خَلِيفَةَ فَحَدَّثَنَا بِمَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ،فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَنَا فَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِى الشَّفَاعَةِ،فَقَالَ هِيهِ،فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ فَانْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ هِيهِ،فَقُلْنَا لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا . فَقَالَ لَقَدْ حَدَّثَنِى وَهْوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلاَ أَدْرِى أَنَسِىَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا . قُلْنَا يَا أَبَا سَعِيدٍ فَحَدِّثْنَا،فَضَحِكَ وَقَالَ خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولاً مَا ذَكَرْتُهُ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدَّثَنِى كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ قَالَ « ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ،ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ،وَسَلْ تُعْطَهْ،وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِى فِيمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . فَيَقُولُ وَعِزَّتِى وَجَلاَلِى وَكِبْرِيَائِى وَعَظَمَتِى لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ »(4).
فقد يحسن لغيره لهذا الشاهد.
=================
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ : أَيْ فَأَعْطَانِيهِمْ فَلَا يَجِب عَلَيْهِمْ الْخُلُود وَتَنَالهُمْ شَفَاعَتِي فَلَا يَكُونُونَ كَالْأُمَمِ السَّالِفَة ، فَإِنَّ مَنْ عُذِّبَ مِنْهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْخُلُود ، وَكَثِير مِنْهُمْ لُعِنُوا لِعِصْيَانِهِمْ أَنْبِيَائَهُمْ فَلَمْ تَنَلْهُمُ الشَّفَاعَة ، وَالْعُصَاةُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة مَنْ عُوقِبَ مِنْهُمْ نُقِّيَ وَهُذِّبَ ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ يُخْرَج مِنَ النَّار وَإِنْ عُذِّبَ بِهَا وَتَنَالهُ الشَّفَاعَة وَإِنِ اِجْتَرَحَ الْكَبَائِر ، وَيَتَجَاوَزُ عَنْهُمْ مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورهمْ مَا لَمْ يَعْمَلُوا أَوْ يَتَكَلَّمُوا إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنَ الْخَصَائِص الَّتِي خَصَّ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّة كَرَامَة لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْتَهَى . كَذَا فِي الْمِرْقَاة . وَفِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب رَفْع الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاء إِلَّا فِيمَا وَرَدَ الْأَثَر بِخِلَافِهِ .(5)
==================
حكم سجود الشكر(6)
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ السُّجُودِ لِلشُّكْرِ ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَعَزَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ إِلَى مَالِكٍ وَصَحَّحَهُ الْبُنَانِيُّ إِلَى أَنَّهُ مَشْرُوعٌ . لِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَاهُ أَمْرُ سُرُورٍ - أَوْ : بُشِّرَ بِهِ - خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ(7). وغيره أدلة كثيرة
وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ سُجُودَ الشُّكْرِ مَكْرُوهٌ ، وَهُوَ نَصُّ مَالِكٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عِنْدَهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ ،وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ الْكَرَاهَةُ ، إِلاَّ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِمَا يَدُل عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ ، فَعِبَارَةُ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ : سَجْدَةُ الشُّكْرِ لاَ عِبْرَةَ بِهَا ، وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ يُثَابُ عَلَيْهَا ، وَتَرْكُهَا أَوْلَى .(8).
يُشْرَعُ سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ مَنْ قَال بِهِ لِطُرُوءِ نِعْمَةٍ ظَاهِرَةٍ ، كَأَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ وَلَدًا بَعْدَ الْيَأْسِ ، أَوْ لاِنْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كَأَنْ شُفِيَ لَهُ مَرِيضٌ ، أَوْ وَجَدَ ضَالَّةً ، أَوْ نَجَا هُوَ أَوْ مَالُهُ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرِيقٍ . أَوْ لِرُؤْيَةِ مُبْتَلًى أَوْ عَاصٍ أَيْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى سَلاَمَتِهِ هُوَ مِنْ مِثْل ذَلِكَ الْبَلاَءِ وَتِلْكَ الْمَعْصِيَةِ .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُسَنُّ السُّجُودُ سَوَاءٌ كَانَتِ النِّعْمَةُ الْحَاصِلَةُ أَوِ النِّقْمَةُ الْمُنْدَفِعَةُ خَاصَّةً بِهِ أَوْ بِنَحْوِ وَلَدِهِ ، أَوْ عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ ، كَالنَّصْرِ عَلَى الأَْعْدَاءِ ، أَوْ زَوَال طَاعُونٍ وَنَحْوِهِ .
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ : يَسْجُدُ لِنِعْمَةٍ عَامَّةٍ وَلاَ يَسْجُدُ لِنِعْمَةٍ خَاصَّةٍ ، قَدَّمَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى .(9)
ثُمَّ إِنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ : لاَ يُشْرَعُ السُّجُودُ لاِسْتِمْرَارِ النِّعَمِ لأَِنَّهَا لاَ تَنْقَطِعُ(10)
وَلأَِنَّ الْعُقَلاَءَ يُهَنِّئُونَ بِالسَّلاَمَةِ مِنَ الأَْمْرِ الْعَارِضِ وَلاَ يَفْعَلُونَهُ كُل سَاعَةٍ(11).
وصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ سُجُودَ الشُّكْرِ يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلاَةِ ، أَيْ مِنَ الطَّهَارَةِ ، وَاسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ ، وَسِتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ(12).
ويُصَرِّحُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ سُجُودَ الشُّكْرِ تُعْتَبَرُ فِي صِفَاتِهِ صِفَاتُ سُجُودِ التِّلاَوَةِ خَارِجَ الصَّلاَةِ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ لِلشُّكْرِ لِلَّهِ تَعَالَى يَسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ وَيُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ سَجْدَةً يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا وَيُسَبِّحُهُ ،ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً أُخْرَى وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ(13).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 2 / ص 370) 4105) والأحاديث المختارة للضياء - (ج 2 / ص 33)(972) وضعفه وسكت عليه في زاد المعاد - (ج 1 / ص 348) وتعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (210 ) وذكره البخاري في الأحاديث المرفوعة من التاريخ الكبير للبخاري - (ج 1 / ص 318)318 وسكت عليه وفي المسند الجامع (4114 )، وقال النووي في خلاصة الأحكام عقبه - (ج 2 / ص 626)(2157 ): رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، بِإِسْنَاد جيد ، وَلم يُضعفهُ
(2) - انظر تقريب التهذيب[ ج 1 -ص 589 ]( 7531 ) ولسان الميزان[ ج 7 -ص 430 ](5197 )
(3) - انظر تهذيب الكمال[ ج 31 -ص 270 ] (6811) وسكت عليه في الجرح والتعديل [ ج 9 -ص 136 ] (578) والبخاري في التاريخ الكبير[ ج 8 -ص 269 ](2962) وذكره ابن حبان في الثقات [ ج 9 -ص 249 ](16260) وفي الكاشف [ ج 2 -ص 364 ](6154 ) وثق حب د
(4) - صحيح البخارى (7510 ) ومسلم (500)
(5) - عون المعبود - (ج 6 / ص 226)
(6) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 24 / ص 246)
(7) - سنن أبى داود (2776 ) صحيح ، وانظر روضة الطالبين 1 / 324 ، دمشق ، المكتب الإسلامي ، والمغني لابن قدامة 1 / 627 ط 3 القاهرة ، دار المنار ، 1367 هـ ، والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 308 ط عيسى الحلبي ، والزرقاني على خليل والبناني بهامشه 1 / 274 ، والفتاوى الهندية 1 / 135 ط بولاق ، وكشاف القناع 1 / 449 ، 450 الرياض مكتبة النصر الحديثة .
(8) - البناني على الزرقاني 1 / 274 و روضة الطالبين للنووي 1 / 324 ، والمغني 1 / 628 ، كشاف القناع 1 / 449 ، والمطالب 1 / 589 ، الفتاوى الهندية 1 / 135 .
(9) - السراج الوهاج شرح المنهاج ص 63 ، والفروع لابن مفلح 1 / 504 ط 3 ، والفتاوى الهندية 1 / 136 .
(10) - المجموع شرح المهذب 4 / 68 ، وكشاف القناع 1 / 449 ، 450 .
(11) - مطالب أولي النهى 1 / 950 .
(12) - الزرقاني 1 / 274 ، وروضة الطالبين 1 / 324 ، والشرقاوي على التحرير 1 / 85 القاهرة ، مصطفى الحلبي ، ومطالب أولي النهى 153 و 585 ، والاختيارات للبعلي 60 ، والفروع 1 / 505 .
(13) - المجموع للنووي 4 / 68 ، وكشاف القناع 1 / 450 .(1/39)
208 / باب فضل قيام الليل
34- ( 1179 ) ٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلاَتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ». رواه مسلم .
( شاذ بهذا اللفظ ) [ قال الشيخ الألباني :وهو عند غير مسلم عن أبي هريرة مرفوعا من فعله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصواب وأما من قوله فشاذ كما حققته في " ضعيف أبي داود " ] .
---------------
قلت : هو في صحيح مسلم(1843 ) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلاَتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ».(1)
وهو حديث صحيحٌ مرفوعاً بلا ريب .
وزعم الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- أنه ضعيف وأورده في ضعيف الجامع (619) وضعيف أبي داود (240) وحجَّته ورود الحديث من طريق آخر من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وموقوفاً .
قلتُ : لكنَّ الذين رووه مرفوعا هم الأكثر كما ذكرتهم قبل قليل في التخريج،ووروده موقوفاً لا يعلُّ رواية الرفع؛ لأن الذين رووه مرفوعاً ثقات أثبات أكثر من الذين رووه موقوفاً،والكلُّ ممكنٌ،ولا تعارض بين الجميع،لذلك لم يتكلم عليه الشوكاني رحمه الله بشيء في النيل،لذا ينبغي أن يُعلم أن أحاديث الصحيحين قد بلغت القنطرة،فلا يحقُّ لأحدٍ منَّا أن يتسوَّرَ حماها أبداً.
-----------------
تعارضُ الرفع والوقف
قال العلامة الزركشي(2):
" أَمَّا تَعَارُضُ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ،فَالْحُكْمُ عَلَى الْأَصَحِّ - كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ - لِمَا رَوَاهُ الثِّقَةُ مِنْ الرَّفْعِ ؛ لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ،وَغَيْرُهُ سَاكِتٌ،هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى رَاوِيَيْنِ،وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى رَاوٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ رَفَعَ حَدِيثًا فِي وَقْتٍ،ثُمَّ وَقَفَهُ مَرَّةً أُخْرَى،فَالْحُكْمُ لِرَفْعِهِ،وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ مِنَ " الْحَاوِي " : مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْخَبَرَ إِذَا رُوِيَ مَوْقُوفًا،وَمُسْنَدًا حُمِلَ الْمَوْقُوفُ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبُ الرَّاوِي،وَالْمُسْنَدُ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (3)."
وقال الحافظ العراقي رحمه الله(4):
"إذا اختلفَ الثقاتُ في حديثٍ،فرواهُ بعضُهم متّصلاً،وبعضُهم مرسلاً . فاختلفَ أهلُ الحديثِ فيهِ هلِ الحكمُ لمَنْ وصلَ،أو لمَنْ أرسلَ،أو للأكثرِ،أو للأحفظِ ؟ على أربعةِ أقوالٍ :
أحدُها : أنَّ الحكمَ لَمنْ وصلَ،وهو الأظهرُ الصحيحُ . كما صحّحَهُ الخطيبُ. وقال ابنُ الصلاحِ : إنّهُ الصحيحُ في الفقِهِ وأصولِهِ . وسُئلَ البخاريُّ عن حديثِ : " لا نكاحَ إلا بولي " وهو حديث اختلِفَ فيه على أبي إسحاق السَّبِيعيِّ فرواهُ شُعبةُ والثوريُّ عنه،عن أبي بُردةَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً،ورواه إسرائيلُ بنُ يونُسَ في آخرينَ،عن جدِّهِ أبي إسحاقَ،عن أبي بُرْدَةَ عن أبي موسى الأشعريِّ،عن النبيِّ ? متصلاً،فحَكَمَ البخاريُّ لمَنْ وصلَهُ،وقال : الزيادةُ من الثقةِ مقبولةٌ . هذا مع أنَّ مَنْ أرسلَهُ شعبةُ وسفيانُ،وهما جبلانِ في الحفظِ والإتقانِ .
والقولُ الثاني : أنَّ الحكمَ لمَنْ أرسلَ . وحكاهُ الخطيبُ عن أكثرِ أصحابِ الحديثِ.
والقولُ الثالثُ : أنَّ الحكمَ للأكثرِ،فإنْ كان مَنْ أرسلَهُ أكثرَ ممَّن وصلَهُ،فالحكمُ للإرسالِ،وإنْ كانَ من وَصَلَهُ أكثرَ،فالحكمُ للوصلِ .
والقولُ الرابعُ : أنَّ الحكمَ للأحفظِ،فإنْ كانَ مَنْ أرسلَ أحفظَ،فالحكمُ له،وإن كان مَنْ وصلَ أحفظَ فالحكمُ له،وهذا معنى قولِهِ : وقيلَ : الأكثرُ،وقيلَ : الأحفظُ . وكلاهُما خبرُ مبتدأ محذوفٍ تقديرُه : وقيلَ : المعتبرُ الأكثرُ،وقيلَ : الأحفظُ .وينبني على هذا القولِ الرابعِ - وهو أنَّ الحكمَ للأحفظِ - ما إذا أرسلَ الأحفظُ،فهلْ يقدحُ ذلكَ في عدالةِ مَنْ وصَلَهُ،وأهليَّتِهِ،أوْ لاَ ؟ فيهِ قولانِ : أصحُّهُما،وبه صَدَّرَ ابنُ الصلاحِ كلامَهُ أنَّهُ : لا يَقدَحُ . قالَ : ومنهم مَنْ قالَ : يَقدَحُ في مسندِهِ،وفي عدالتِهِ،وفي أهليتِهِ،وما أسندَهُ من الحديثِ غَيْر هَذَا الَّذِي أرْسَلَهُ مَنْ هُوَ أحفظُ ؛ لأنَّ هذا بناءٌ على أنَّ الحكمَ للأحفظِ،وقد أرسل،فلا شكَّ في قدحِهِ في هذا المسنَدِ على هذا القولِ . وإذا رفعَ بعضُ الثقاتِ حديثاً،ووقفَهُ بعضُ الثقاتِ،فالحكمُ على الأصَحِّ،كما قالَ ابنُ الصلاحِ،لما زادَهُ الثقةُ من الرفعِ ؛ لأنَّهُ مثبتٌ،وغيرُهُ ساكتٌ،ولو كان نافياً فالمثبِتُ مقدّمٌ عليه ؛ لأنَّهُ عَلِمَ ما خَفِيَ عليهِ .
وإذا وقعَ الاختلافُ مِن راوٍ واحدٍ ثقةٍ في المسألتينِ معاً فوصَلَهُ في وقتٍ وأرسَلَهُ في وقتٍ،أو رَفَعهُ في وقتٍ،ووقَفَهُ في وقتٍ،فالحكمُ على الأصَحِّ لوصلِهِ ورْفعِهِ،لا لإرْسالِهِ ووقْفِهِ . هكذا صحّحَهُ ابنُ الصلاحِ . وأما الأصوليون فصححوا أنَّ الاعتبارَ بما وقع منه أكثرُ . فإنْ وقعَ وصلُه،أو رفعُه أكثرَ من إرسالِهِ،أو وقفهِ ؛ فالحكمُ للوصلِ،والرفعِ . وإنْ كان الإرسالُ،أو الوقفُ أكثرَ،فالحكمُ له ."
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - سنن أبى داود(1325) وصححه الشيخ ناصر، ومسند أحمد (7964 ) وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين و(9420) وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين، وفي مصنف عبد الرزاق ( 2561) وفي الشمائل المحمدية للترمذي (263 ) وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 3 / ص 6)(4856) وفي صحيح ابن حبان (2658 ) وفي صحيح ابن خزيمة(1088 ) وفي الأوسط لابن المنذر (2517 ) وفي الفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي (405 ) كلهم من طريق محمد بن سيرين ، عن أبي هريرةبه مرفوعاً ، مصنف ابن أبي شيبة (ج 2 / ص 272)(6683)عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ ، فَلْيَفْتَتِحْ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.(6685)عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْتَتِحُ صَلاَتَهُ مِنَ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. وفي المسند الجامع - (ج 40 / ص 311)(13173) (عبد الرزاق ، وأيوب ، وسليمان بن حيان ، أبو خالد ، ومحمد بن سلمة ، وزائدة ، وأبو أسامة ، وعبد الأعلى) عن هشام بن حسان ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:( إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلاَتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.)". وصحح الألباني المرفوع في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - (ج 2 / ص 202)( 453 ) ثم رجح الوقف في الصحيحة (3199)!!!، وذكره العلامة ابن القيم في زاد المعاد - (ج 1 / ص 311) وسكت عليه
(2) - البحر المحيط - (ج 5 / ص 407)
(3) - الحاوي في فقه الشافعي - الماوردي - (ج 2 / ص 359)
(4) - شرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 76)(1/40)
218 / باب فضل تعجيل الفطر،وما يفطر عليه،وما يقوله بعد الإفطار
35- ( 1235 ) عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَبُّ عِبَادِى إِلَىَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا ».رواه الترمذي وقال : حديث حسن
( ضعيف ) .[ فيه : قرة بن عبد الرحمن وهو : ضعيف لسوء حفظه ] .
------------------
قلت :هو في سنن الترمذى (704 و705) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِىُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ به...قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.(1)
وفي تحفة المحتاج لابن الملقن(2):وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - َ يَقُول الله عَزَّ وَجَلَّ إِن أحب عبَادي إِلَى أعجلهم فطرا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن غَرِيب وَصَححهُ ابْن حبَان.
وقال في حديث فيه قرة :" وأعلَّه ابْن القطَّان بقُرَّةَ،وَقَالَ : لَا يَصح مَوْقُوفا وَلَا مَرْفُوعا،وقرَّة هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن حَيْوِيل بن نَاشِرَة الْمعَافِرِي الْمصْرِيّ . قَالَ الأوزاعيُّ : مَا أحد أعلم بالزهري من قُرَّة،وَقَالَ أَحْمد : مُنكر الحَدِيث جدًّا . وَقَالَ ابْن معِين فِي رِوَايَة : (ضَعِيف) وَأُخْرَى : ثِقَة . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَيْسَ بِالْقَوِيّ،وَقَالَ ابْن عدي : لم (أرَ لَهُ حَدِيثا) مُنْكرا،وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ .
وَذكره مُسلم فِي «صَحِيحه» مَقْرُونا بِعَمْرو بن الْحَارِث،وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» . وَأخرج لَهُ فِي «صَحِيحه» حَدِيث: «أحب عبَادي إِلَيّ أعجلهم فطرًا» ثمَّ قَالَ : هُوَ من ثِقَات مصر" .
وفي علل الدارقطني - (ج 9 / ص 256)(1744) وسئل عن حديث أبي سلمة عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِى إِلَىَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْراً ». فقال يرويه الأوزاعي واختلف عنه فرواه محمد بن كثير المصيصي عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة،وخالفه أبو عاصم فرواه عن الأوزاعي عن قرة عن الزهري،وتابعه على ذلك أبو المغيرة عن الأوزاعي وقول أبي عاصم أشبه بالصواب"(3)
قلت :أمَّا قرة بن عبد الرحمن فمختلف فيه(4)،وقال ابن عدي في آخر ترجمته :""ولقرة أحاديث صالحة يرويها عنه رشدين وسويد بن عبد العزيز وابن وهب والأوزاعي وغيرهم وجملة حديثه عند هؤلاء ولم أر في حديثه حديثا منكرا جدا فأذكره وأرجو أنه لا بأس به "(5)
والراجح أنه لا بأس به كما قال ابن عدي رحمه الله .
وأمَّا ما ورد عن الإمام أحمد رحمه الله أنه منكر الحديث جداً يردّه أن الإمام أحمد رحمه الله قد أخرج له هذا الحديث وغيره عن الزهري انظر المسند الأحاديث التالية (7442 و8582و8946 و11174 و12079 و13935 )
فالحديث حسنٌ كما قال الترمذي رحمه الله .
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر طرقه في المسند الجامع (13469) وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 237)(8378) ومسند البزار (7899) وفي مسند أبي يعلى الموصلي (5839 ) وفي الضعفاء الكبير للعقيلي(1697 ) وقال :ولا يتابع عليه ، وهذا يروى من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا، وسكت عليه في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 3 / ص 40)(899 )
(2) - تحفة المحتاج لابن الملقن - (ج 2 / ص 90)(982) ومثله في البدر المنير - (ج 3 / ص 517)
(3) - وذكره في زاد المعاد - (ج 2 / ص 31) وسكت عليه .
(4) - انظر تقريب التهذيب[ ج 1 -ص 455 ] (5541) و لسان الميزان [ ج 7 -ص 342 ] (4447) والكاشف [ ج 2 -ص 136 ] (4572) والتاريخ الكبير[ ج 7 -ص 183 ] (817 ) و الثقات لابن حبان[ ج 7 -ص 342 ](10365) والثقات للعجلي ( 1518 ) والجرح والتعديل [ ج 7 -ص 131 ] (751 )
(5) - الكامل في الضعفاء( جزء 6 -ص 5)(1/41)
221 / باب فضل صوم المحرَّم وشعبان والأشهر الحرُم
36- ( 1248 ) عَنْ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ انْطَلَقَ فَأَتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالَتُهُ وَهَيْئَتُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِى قَالَ « وَمَنْ أَنْتَ ». قَالَ أَنَا الْبَاهِلِىُّ الَّذِى جِئْتُكَ عَامَ الأَوَّلِ. قَالَ « فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ ». قَالَ مَا أَكَلْتُ طَعَامًا إِلاَّ بِلَيْلٍ مُنْذُ فَارَقْتُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ ». ثُمَّ قَالَ « صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ». قَالَ زِدْنِى فَإِنَّ بِى قُوَّةً. قَالَ « صُمْ يَوْمَيْنِ ». قَالَ زِدْنِى. قَالَ « صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ». قَالَ زِدْنِى. قَالَ « صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ ». وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلاَثَةِ فَضَمَّهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا.. رواه أبو داود . وشهر الصبر رمضان .
( ضعيف ) .[ فيه مجيبة الباهلية،وهي مجهولة ] .
---------------
قلت : هو في سنن أبى داود (2430 ) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ أَبِى السَّلِيلِ عَنْ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا به...(1)
ومُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ مختلف فيها هل هي امرأة أو رجل،صحابية أم تابعية(2)
وفيه أو فيها جهالة،ولكن لم تتفرد به،فقد ورد من طريق آخر:
ففي تَهْذِيبُ الْآثَارِ لِلطَّبَرِيِّ (833 ) حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ،عَنْ حَمَّادِ بْنِ يَزِيدَ،حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ،عَنْ كَهْمَسٍ الْهِلَالِيِّ،قَالَ : أَسْلَمْتُ،فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ بِإِسْلَامِي،ثُمَّ غِبْتُ عَنْهُ حَوْلًا،ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِ وَقَدْ ضَمَرَ بَطْنِي وَنَحَلَ جِسْمِي،فَخَفَّضَ فِيَّ الطَّرْفَ ثُمَّ رَفَعَهُ . قَالَ : قُلْتُ : وَمَا تَعْرِفُنِي ؟ قَالَ : " وَمَنْ أَنْتَ " ؟ قُلْتُ : أَنَا كَهْمَسٌ الْهِلَالِيُّ الَّذِي أَتَيْتُكَ عَامَ أَوَّلَ . قَالَ : " مَا بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى " ؟ قُلْتُ : مَا أَفْطَرْتُ بَعْدَكَ نَهَارًا،وَلَا نِمْتُ لَيْلًا . قَالَ : " وَمَنْ أَمَرَكَ أَنْ تُعَذِّبَ نَفْسَكَ ؟ صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ،وَمِنْ كُلِّ شَهْرٍ يَوْمًا " . قُلْتُ : زِدْنِي . قَالَ : " صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ،وَمِنْ كُلِّ شَهْرٍ يَوْمَيْنِ " . قَالَ : قُلْتُ : زِدْنِي فَإِنِّي أَجِدُ قُوَّةً . قَالَ : " صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ،وَمِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ "(3)
فالحديث حسن لغيره . والله أعلم
------------------
صَوْمُ الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ(4)
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - إِلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ أَفْضَل الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ : الْمُحَرَّمُ ، ثُمَّ رَجَبٌ ، ثُمَّ بَاقِيهَا : ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ . وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ ما روي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَرْفَعُهُ قَالَ: سُئِلَ أَىُّ الصَّلاَةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ وَأَىُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ « أَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلاَةُ فِى جَوْفِ اللَّيْلِ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ ».(5).
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ : أَنَّهُ مِنَ الْمُسْتَحَبِّ أَنْ يَصُومَ الْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ مِنْ كُل شَهْرٍ مِنْ الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ صَوْمُ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ فَقَطْ مِنَ الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ .
وَذَكَرَ بَعْضُهُمُ اسْتِحْبَابَ صَوْمِ الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ ، لَكِنَّ الأَْكْثَرَ لَمْ يَذْكُرُوا اسْتِحْبَابَهُ ، بَل نَصُّوا عَلَى كَرَاهَةِ إِفْرَادِ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ(6). وَلأَِنَّ فِيهِ إِحْيَاءً لِشِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ بِتَعْظِيمِهِ . وَتَزُول الْكَرَاهَةُ بِفِطْرِهِ فِيهِ وَلَوْ يَوْمًا ، أَوْ بِصَوْمِهِ شَهْرًا آخَرَ مِنَ السَّنَةِ وَإِنْ لَمْ يَل رَجَبًا(7).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأحمد 5/28 (20859 ) والبيهقي 4/291 (8687 ) و سعد 7 و ابن ماجة (1813 ) و الشعب (3738) و 3739) و تخ 7/239 و الاصابة 3/308 والآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (1133) والسنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 2 / ص 315)(2756) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 216)(18336) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (6470 ) والأحاديث المختارة للضياء - (ج 4 / ص 142)( 211 ) وفضائل الأوقات للبيهقي(6)
(2) - انظر تقريب التهذيب [ ج 1 -ص 521 ](6491 ) والكاشف[ ج 2 -ص 243 ](5299 ) وتهذيب الكمال[ ج 27 -ص 252 ](5792) وتهذيب التهذيب [ ج 10 -ص 45 ]( 79 )
(3) - وفي المخزون في علم الحديث لأبي الفتح الأزدي (64 ) والأحاديث المرفوعة من التاريخ الكبير للبخاري (812) والإصابة في معرفة الصحابة - (ج 3 / ص 12) وفي المخزون في علم الحديث لأبي الفتح الأزدي (64 ) والأحاديث المرفوعة من التاريخ الكبير للبخاري (812) والإصابة في معرفة الصحابة - (ج 3 / ص 12) والْآحَادُ وَالْمَثَانِي لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ(1301 ) والْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ(15162 ) و مُعْجَمُ الصِّحَابِةِ لِابْنِ قَانِعٍ (1473) و الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ (8223) و الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (1159 ) كلهم من طريق حَمَّادَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ ، عَنْ كَهْمَسٍ الْهِلَالِيِّ ، قَالَ : قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به وهو حديث حسن
(4) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 28 / ص 95)
(5) - صحيح مسلم(2813 )
(6) - سنن ابن ماجه (1815 ) وهو منكر
(7) - الفتاوى الهندية ( 1 / 201 ط الأميرية 1310 هـ )وحاشية الدسوقي 1 / 516 ، ومغني المحتاج 1 / 449 ، كشاف القناع 2 / 338 ، 340 ، الفروع 3 / 119 .(1/42)
227 / باب فضل من فطَّر صائماً،وفضل الصائم الذي يؤكل عنده،ودعاء الآكل للمأكول عنده
37- ( 1266 ) عَنْ حَبِيبِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ مَوْلاَةً لَنَا يُقَالُ لَهَا لَيْلَى تُحَدِّثُ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عُمَارَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا فَقَالَ « كُلِى ». فَقَالَتْ إِنِّى صَائِمَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ الصَّائِمَ تُصَلِّى عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ حَتَّى يَفْرُغُوا ». وَرُبَّمَا قَالَ :« حَتَّى يَشْبَعُوا ». " رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
( ضعيف ) .[ فيه ليلى،وهي مجهولة ] .وذكره الشيخ الألباني في ضعيف الترمذى.
----------------
قلت : هو في سنن الترمذى (790 ) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ مَوْلاَةً لَنَا يُقَالُ لَهَا لَيْلَى تُحَدِّثُ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عُمَارَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا فَقَالَ « كُلِى ». فَقَالَتْ إِنِّى صَائِمَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ الصَّائِمَ تُصَلِّى عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ حَتَّى يَفْرُغُوا ». وَرُبَّمَا قَالَ « حَتَّى يَشْبَعُوا ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ.(1)
قلت : هذا إسناد رجاله ثقات كلهم،غير ليلى الأنصارية،تفرد بالرواية عنها حبيب بن زيدٍ البصرى،وقد ذكرها ابن حبان في الثقات(2)،وقال الحافظ ابن حجر في التقريب : " مقبولة من الثالثة "(3).
قلت : فهي في عداد أوساط التابعيات أمثال :
(1) أسماء بنت عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق .
(2) أمينة بنت أنس بن مالك الأنصارية .
(3) جسرة بنت دجاجة العامرية الكوفية .
(4) و(5) دحيبة وصفية بنتا عليبة العنبريتان .
(6) دقرة بنت غالب الراسبية،أم عبد الرحمن بن أذينة قاضى البصرة .
(7) الرباب بنت صليع أم الرائح الضبية البصرية .
(8) سائبة،مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومى .
(9) مرجانة أم علقمة بن أبى علقمة،مولاة عائشة .
(10) مريم بنت إياس بن البكير الليثية .
(11) أم حبيبة بنت العرباض بن سارية السلمية .
(12) أم ذرة المدنية،مولاة عائشة .
(13) أم سالم بنت مالك الراسبية البصرية .
(14) أم محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان .
(15) أم مسكين بنت عاصم بن عمر بن الخطاب القرشية العدوية،خالة عمر بن عبد العزيز.
في غيرهن ممن بلغ عددهن (39) تسعاً وثلاثين امرأةً،وصفهن الحافظ ابن حجر في التقريب بقوله : " مقبولة من الثالثة " . وقد وثقت الكثيرات منهن،قال الحافظ الذهبي في الميزان: "فصل في النسوة المجهولات . وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها "(4).
قلت : وبنحوه مصنف عبد الرزاق (7910) عَبْدُ الرَّزَّاقِ،عَنْ مَعْمَرٍ،عَنْ قَتَادَةَ،عَنْ رَجُلٍ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : " الصَّائِمُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ الطَّعَامُ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ " (7911)عَبْدُ الرَّزَّاقِ،عَنِ الثَّوْرِيِّ،عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ،عَنْ ذَرٍّ الْهَمْدَانِيِّ،عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَلِيلٍ النَّخَعيِّ قَالَ : " إِذَا أُكِلَ عِنْدَ الصَّائِمِ سَبَّحَتْ مَفَاصِلُهُ،قَالَ الثَّوْرِيُّ : وَأَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ الْأَسَدِيُّ،عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : " إِذَا أُكِلَ عِنْدَ الصَّائِمِ سَبَّحَتِ الْمَلَائِكَةُ "
وفي مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 86)(9709) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،عَنْ سُفْيَانَ،عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ،عَنْ مُجَاهِدٍ،قَالَ : الصَّائِمُ إذَا أُكِلَ عِنْدَهُ سَجَتْ مَفَاصِلُهُ.
( 9710) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،عَنْ شُعْبَةَ،عَنْ قَتَادَةَ،عَنْ أَبِي أَيُّوبَ،عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : الصَّائِمُ إذَا أُكِلَ عِنْدَهُ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ.
وفي مسند البزار(2501) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ،قَالَ : أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ قُرَّةَ،قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ،عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ،عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى طَعَامٍ وَشَرَابٍ مِنْ حَلالٍ،صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ فِي سَاعَاتِ شَهْرِ رَمَضَانَ،وَصَافَحَهُ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ،وَمَنْ صَافَحَهُ جِبْرِيلُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ،رُزِقَ دُمُوعًا وَرِقَّةً،قَالَ سَلْمَانُ : إِنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى قُوتِهِ،قَالَ : عَلَى كِسْرَةِ خُبْزٍ،أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ،أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ،كَانَ لَهُ هَذَا.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ ، وَمَنْ جَهَّزَ حَاجًّا أَوْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ ..(5)
فالحديث حسنٌ بلا ريب . والله أعلم
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرجه كذلك ابن المبارك في الزهد (1424) ، والطيالسي (1666) ، وابن أبى شيبة (2/333/9616) ، وعلي بن الجعد المسند (1/136/872) ، وأحمد (6/439) ، وإسحاق بن راهويه في المسند (1/98/2) ، وعبد بن حميد في المسند (1568) ، والدارمي (1738) ، وابن ماجه (1748) ، والنسائي في الكبرى (2/242/3267) ، وابن أبى عاصم في الآحاد والمثاني (6/142/3370) ، وأبو يعلى (13/69/7148) ، وابن حبان (3421) ، وأبو نعيم في الحلية (2/65) ، والبيهقي في السنن الكبرى (4/305) وشعب الإيمان (3/297/3585) ، والمزي في تهذيب الكمال (35/301) جميعا من طريق حبيب بن زيد سمعت مولاة لنا يقال لها ليلى تحدِّث عن جدتى أم عمارة بنت كعبٍ الأنصارية : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا ، فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا ، فذكرته .
(2) - (5/346/5155) .
(3) - تقريب التهذيب(1/753/8679)
(4) - الميزان (7/465)
(5) - المعجم الكبير للطبراني(5130) حسن(1/43)
كتاب الجهاد
38- ( 1335 ) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاَثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ : صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِى صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالرَّامِىَ بِهِ وَمُنْبِلَهُ وَارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ إِلاَّ ثَلاَثٌ : تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ وَمُلاَعَبَتُهُ أَهْلَهُ وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْىَ بَعْدَ مَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ تَرَكَهَا ». أَوْ قَالَ : « كَفَرَهَا ». " رواه أبو داود .
( ضعيف،وآخره - " من ترك الرمي ... " صحيح ) .
[ فيه : جهالة،واضطراب،كما قال الشيخ الألباني " ضعيف الترغيب " ( 821)] .
--------------
قلت : هو في سنن أبى داود (2515 ) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِى أَبُو سَلاَّمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ به ...
وفي سنن الترمذى (1737 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى حُسَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاَثَةً الْجَنَّةَ صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِى صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالرَّامِىَ بِهِ وَالْمُمِدَّ بِهِ ». وَقَالَ « ارْمُوا وَارْكَبُوا وَلأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ إِلاَّ رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلاَعَبَتَهُ أَهْلَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ ».
( 1738 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِىُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلاَّمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَزْرَقِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ،قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.(1)
وله شواهد منها :
ما أخرجه الكبير للطبراني - (ج 20 / ص 44) (1309 و1310) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ،قَالَ: نَا الْحَكَمُ بن مُوسَى،قَالَ: نَا سُوَيْدُ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ،عَنْ مُحَمَّدِ بن عَجْلانَ،عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"كُلُّ شَيْءٍ مِنْ لَهُوِ الدُّنْيَا بَاطِلٌ إِلا ثَلاثٌ: انْتِضَالُكَ بِقَوْسِكَ،أَوْ تَأْدِيبُكِ فَرَسَكَ،وَمُلاعَبَتُكَ أَهْلَكَ،فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ،وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"انْتَضَلُوا وَارْكَبُوا،وَأَنْ تَنْتَضِلُوا أَحَبُّ إِلَيَّ،وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةً الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ مُحْتَسِبًا فِيهِ،وَالْمُمِدَّ بِهِ،وَالرَّامِيَ بِهِ. وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيُدْخِلُ بِلُقْمَةِ الْخُبْزِ،وَقَبْضَةِ التَّمْرِ،وَمِثْلِهِ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمِسْكِينُ ثَلاثَةً الْجَنَّةَ: رَبَّ الْبَيْتِ الآمِرَ بِهِ،وَالزَّوْجَةَ تُصْلِحُهُ،وَالْخَادِمَ الَّذِي يُنَاوِلُ الْمِسْكِينَ"،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَنْسَ خَدَمَنَا" .( وفيه ضعف)
وفي علل الحديث لابن أبي حاتم (997) وَسَمِعْتُ مِنْ أَبِي زُرْعَةَ،وَذَكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،عَنِ ابْنِ عَجْلانَ،عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : كُلُّ شَيْءٍ مِنْ لَهْوِ الدُّنْيَا بَاطِلٌ إِلا ثَلاثًا : انْتِضَالَكَ بِقَوْسِكَ،وَتَأْدِيبَكَ فَرَسَكَ،وَمُلاعَبَتَكَ أَهْلَكَ،فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ،وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : انْتَضِلُوا،وَارْكَبُوا،وَإِنْ تَنْتَضِلُوا أَحَبُّ إِلَيَّ،فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةً الْجَنَّةَ : صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِيهِ الْخَيْرَ،وَالْمُمِدَّ بِهِ،وَالرَّامِيَ بِهِ
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : هَذَا خَطَأٌ،وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ حَاتِمٌ،وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ،عَنِ ابْنِ عَجْلانَ،عَنِ ابْنِ أَبِي حُنَيْنٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "( قلت : ابن أبي حنين تابعي )
وفي رياضة الأبدان لأبي نعيم الأصبهاني (16) وفضائل الرمي لإسحاق القراب (1) حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَافِظُ،أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ،وأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ قَالَا : أنا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاسَةَ،ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ،ثنا مَالِكُ بْنُ سُلَيْمَانَ،عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةً الْجَنَّةَ : صَانِعَهُ مُحْتَسِبًا،وَالْمُعِينَ بِهِ،وَالرَّامِيَ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
(2 ) وأنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ،أنبأ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ الشَّعِيرِيُّ،ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَبَلَةَ،أنا مَرْدَوَيْهِ بْنُ يَزِيدَ،ثنا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ،عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةً الْجَنَّةَ : الرَّامِيَ بِهِ،وَالْمُمِدَّ بِهِ،وَالْمُحْتَسِبَ لَهُ "
(3 ) أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْزَةَ،أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ،ثنا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ التَّنُوخِيُّ الْحِمْصِيُّ،ثنا مُصْعَبُ بْنُ سَعِيدٍ،ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِحْصَنٍ،عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ،عَنْ حُذَيْفَةَ،قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَهْلِ الطَّائِفِ : " أَيُّهَا النَّاسُ ارْمُوا وَارْكَبُوا،وَالرَّمْيُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الرُّكُوبِ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ الْجَنَّةَ مَنْ عَمِلَهُ فِي سَبِيلِهِ،وَمَنْ قَوَّى بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَاقْطَعُوا الرَّكْبَ،وَارْكَبُوهَا عُرَاةً "
(4 ) وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ،قَالَ : " رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَجَابِرَ بْنَ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ،يَرْمِيَانِ فَمَلَّ أَحَدُهُمَا فَجَلَسَ،فَقَالَ الْآخَرُ : كَسِلَتْ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ لَغْوٌ وَسَهْوٌ إِلَّا أَرْبَعَ خِصَالٍ : مَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ،وَتَأْدِيبُ فَرَسَهُ،وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ،وَتَعْلِيمُ السِّبَاحَةِ "
(5 ) وَحَدَّثَنِي جَدِّي،ثنا أَبُو الْفَضْلِ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ إِمْلَاءً،ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْعَبْدِيُّ،ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ،عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ،عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ،قَالَ : " رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَجَابِرَ بْنَ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ يَرْمِيَانِ فَمَلَّ أَحَدُهُمَا فَجَلَسَ،فَقَالَ الْآخَرُ : كَسِلَتْ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ،فَهُوَ لَهْوٌ أَوْ سَهْوٌ غَيْرَ أَرْبَعِ خِصَالٍ : تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ،وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ،وَرَمْيٌ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ،وَتَعْلِيمُ السِّبَاحَةِ "
(12) أنبأ أَبُو ذَرٍّ عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ،أنا أَبُو يَعْلَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَفِ بْنِ طُفَيْلٍ،أنا جَدِّي طُفَيْلُ بْنُ زَيْدٍ،ثنا نَصْرُ بنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ،عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى،عَنْ عُمَرَ بْنِ الصُّبْحِ،عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ،عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ كُلَّ لَهْو لَهَى بِهِ الْمُؤْمِنُ بَاطِلٌ،إِلَّا فِي ثَلَاثٍ : رَمْيُهُ الصَّيْدَ بِقَوْسِهِ،وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ،وَمُلَاعَبَتُهُ امْرَأَتَهُ،فَإِنَّهُ مِنَ الْحَقِّ،وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةً الْجَنَّةَ : صَانِعَهُ مُحْتَسِبًا،وَالْمُمِدَّ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالرَّامِيَ بِهِ مُجَاهِدًا "
قلتُ : ويكفي هذا الحديث شرفا أن يودع في مسند أبي عوانة (6034 ) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ،قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ،قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ،قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلامٍ،قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ،قَالَ: كُنْتُ رَجُلا رَامِيًا،وَكَانَ يَمُرُّ بِي عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ،فَيَقُولُ: يَا خَالِدُ،اخْرُجْ إِلَيْنَا نَرْمِي،فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْطَأْتُ عَلَيْهِ،فَقَالَ لِي: يَا خَالِدُ،تَعَالَ أَقُولُ لَكَ مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،أَوْ أُحَدِّثُكَ مَا حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ: فَأَتَيْتُهُ،فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: يَدْخُلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةٌ نَفَرٍ الْجَنَّةَ: صَانِعُهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنَعْتِهِ الْخَيْرَ،وَالرَّامِي بِهِ،وَمُنْبِلُهُ،وَارْمُوا وَارْكَبُوا،وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا،وَلَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ إِلا ثَلاثَةٌ: تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ،وَمُلاعَبَتُهُ امْرَأَتَهُ،وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ،وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ،فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ كَفَرَهَا،حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجْزِيُّ،قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ،قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ،قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ،قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلامٍ،عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ،عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ مِثْلَهُ: نِعْمَةُ تَرَكَهَا أَوْ كَفَرَهَا،أَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ،قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي،قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ،قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلامٍ،قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ،قَالَ: كُنْتُ رَجُلا رَامِيًا،فَكَانَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ يَدْعُونِي،فَيَقُولُ: اخْرُجْ بِنَا يَا خَالِدُ نَرْمِي،فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْطَأْتُ عَنْهُ،فَقَالَ لِي تَعَالَ أُحَدِّثُكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ أَقُولُ لَكَ مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ،فَذَكَرَ مِثْلَهُ.فالصواب أنه حديثٌ صحيحٌ،ولا عبرة بقولِ من ضعَّفه .
====================
أهميةُ الرمي
روى مسلم عَنْ أَبِى عَلِىٍّ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَىٍّ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ « وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْىُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْىُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْىُ »(2)
وفي الحديث الشريف حثٌّ للأمة الإسلامية أن تكون مستغنية عن الأمم الأخرى،ولا سيما في تصنيع السلاح،الذي يحمي ذمام الأمة،حتى لا تكون تحت رحمة أعدائها كحالها اليوم،فعَنْ عَلِىٍّ رضي الله عنه قَالَ :كَانَتْ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَوْسٌ عَرَبِيَّةٌ فَرَأَى رَجُلاً بِيَدِهِ قَوْسٌ فَارِسِيَّةٌ فَقَالَ: « مَا هَذِهِ أَلْقِهَا،عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ وَأَشْبَاهِهَا وَرِمَاحِ الْقَنَا،فَإِنَّهُمَا يَزِيدُ اللَّهُ بِهِمَا فِى الدِّينِ وَيُمَكِّنُ لَكُمْ فِى الْبِلاَدِ »(3).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وسنن النسائى (3593 ) ومصنف عبد الرزاق(21012) ومصنف ابن أبي شيبة (ج 5 / ص 320)(19779و19898) والمستدرك للحاكم(2467) وقال :هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ووافقه الذهبي ، وفي مسند الشاميين (616) ومشكل الآثار للطحاوي (257) وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 11) وسكت عليه ومسند الروياني(247) وسكت عليه في فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 183) و(ج 9 / ص 50) ومسند أحمد (17784 و17801) وقال الشيخ شعيب حفظه الله : حديث حسن بمجموع طرقه وشواهده
(2) - صحيح مسلم (5055)
(3) - سنن ابن ماجه (2917) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 10 / ص 14)(20226-20228) ومسند الطيالسي (149) ومعجم الصحابة لابن قانع (1285) من طريق وهو حسن لغيره ،القنا : جمع القناة وهى الرمح(1/44)
كتابُ العلم
39- ( 1386 ) عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لَنْ يَشْبَعَ الْمُؤْمِنُ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةُ ». " رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
( ضعيف ) [ فيه : دراج أبو السمح وهو ضعيف في حديثه عن أبي الهيثم،وهذه منها ]
----------------
قلت : هو في سنن الترمذى (2902 ) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الشَّيْبَانِىُّ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِى الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ به وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.(1)
قلت : وهو حديثٌ حسنٌ،رددنا الكلام على تضعيف دارج ،وبيَّنا أن أحاديثه حسانٌ على الراجح .
-------------------
(لن يشبع المؤمن من خير) أي علم وقد جاء تسميته خيراً في عدة أخبار (يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة) أي حتى يموت فيدخل الجنة قال الطيبي: شبه استلذاذه بالمسموع بالتذاذه بالمطعوم لأنه أرغب وأشهى وأكثر اتباعاً لتحصيله وحتى للتدريج في استماع الخير والترقي في استلذاذه والعمل به إلى أن يوصله الجنة ويبلغه إياها لأن سماع الخير سبب العمل،والعمل سبب دخول الجنة ظاهراً ولما كان قوله يشبع فعلاً مضارعاً يكون فيه دلالة على الاستمرار تعلق به حتى اهـ. وقال ابن الملقن: فيه أن من شبع فليس بمؤمن وناهيك به منفراً من القناعة في العلم وسره {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (114) سورة طه.(2)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وفي المستدرك للحاكم (7175 ) وقال :هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ووافقه الذهبي ، وشعب الإيمان للبيهقي(1227 ) وصحيح ابن حبان (905) ومسند الشهاب القضاعي (836) وأصفهان 1/236 والشعب (1231) وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (454) والمسند الجامع (4598)
(2) - فيض القدير، شرح الجامع الصغير،(7390 )(1/45)
كتاب حمد الله تعالى وشكره
40- ( 1394 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كُلُّ كَلاَمٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ ». " حديث حسن رواه أبو داود وغيره.
( ضعيف ) .[ فيه : قرة بن عبد الرحمن المعافري،وهو منكر الحديث جدّاً ] .
-----------------
قلت : هو في سنن أبى داود (4842) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ قَالَ زَعَمَ الْوَلِيدُ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« كُلُّ كَلاَمٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِ لْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ يُونُسُ وَعُقَيْلٌ وَشُعَيْبٌ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً.(1)
وقال ابن الملقن:"هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَبُو دَاوُد،وَالنَّسَائِيّ فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة،وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» وَأَبُو عوَانَة الإِسْفِرَايِينِيّ فِي أول «صَحِيحه» الْمخْرج عَلَى «مُسلم» وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صحيحيه» وَرُوِيَ مُرْسلا وموصولاً،وَرِوَايَة الْمَوْصُول إسنادها جيد عَلَى شَرط مُسلم،وَادَّعَى النَّسَائِيّ أَن رِوَايَة الْإِرْسَال أولَى بِالصَّوَابِ،وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ،فَقَالَ : يرويهِ الْأَوْزَاعِيّ،وَاخْتلف عَنهُ ؛ فَرَوَاهُ عبيد الله بن مُوسَى وَابْن أبي الْعشْرين والوليد بن مُسلم،وَابْن الْمُبَارك،وَأَبُو الْمُغيرَة،عَن الْأَوْزَاعِيّ،عَن قُرَّة،عَن الزُّهْرِيّ،عَن أبي سَلمَة (عَن) أَبَى هُرَيْرَة،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن كثير،عَن الْأَوْزَاعِيّ،عَن الزُّهْرِيّ كَذَلِك لم يذكر قُرَّة،وَرَوَاهُ وَكِيع عَن الْأَوْزَاعِيّ،عَن قُرَّة،عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا،وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن سعيد فَقَالَ لَهُ الوصيف،عَن الزُّهْرِيّ،عَن ابْن كَعْب بن مَالك،عَن أَبِيه . قَالَ : وَالصَّحِيح عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا .
قلت : وَلمن رجح الْوَصْل أَن يَقُول : هِيَ زِيَادَة من ثِقَة قبلت،وقرة من رجال مُسلم وَإِن تكلم فِيهِ،وَقد توبع عَلَيْهِ،فَأخْرجهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث الْوَلِيد،عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز،عَن الزُّهْرِيّ مَوْصُولا كَرِوَايَة قُرَّة،وَهِي مُتَابعَة جَيِّدَة،وَله شَاهد أَيْضا من حَدِيث كَعْب مَرْفُوعا : «كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد أقطع» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» لَا جرم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح : رجال هَذَا الحَدِيث رجال «الصَّحِيحَيْنِ» جَمِيعًا سُوَى قُرَّة ؛ فَإِنَّهُ مِمَّن انْفَرد مُسلم عَن البُخَارِيّ بالتخريج لَهُ،ثمَّ حكم عَلَى الحَدِيث بالحُسن وَلَا يلْتَفت إِلَى تَضْعِيف صَاحب «الشَّامِل» لَهُ حَيْثُ قَالَ : رَوَاهُ الْوَلِيد،عَن الْأَوْزَاعِيّ،عَن قُرَّة،عَن الزُّهْرِيّ،عَن أبي سَلمَة،عَن أبي هُرَيْرَة،عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ ضَعِيف . وَقد قيل : أَنه مَوْقُوف عَلَى أبيِ هُرَيْرَة،هَذَا كَلَامه وَلم (يبد علته،وَلَعَلَّه) أعله بِتَضْعِيف قُرَّةَ أَو بِاْلَوقْفِ،وقَد عَلمت أَن الصَّوَاب حسنه،وَأَن أَبَا عوَانَة وَابْن حبَان صَحَّحَاهُ ".(2)
قلتُ : وخلاصةُ الأمر،فإنَّ الحديث يدور بين الموصول الحسن،وبين المرسل الصحيح السند و كلاهما معمولٌ به عند سائر أهل العلم .
===================
تفسير معنى الحمد
قوله فهو (أجذم) أي: أنه كاليد الجذماء،أي: المقطوعة أو التي أصابها جذام،فلا فائدة فيها،ولا يستفيد صاحبها منها،وهذا يتعلق بالهدي في الكلام،أي: أنه يبدأ فيه بحمد الله عز وجل،ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبدأ خطبه بالحمد لله عز وجل،والفاتحة بدأت بالحمد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]،وبعض سور القرآن بدأت بالحمد لله.(3)
ومعنى الحمد : الثَّنَاءُ الجَمِيلُ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ،وَعَلَى كُلِّ حَالٍ للهِ وَحْدَهُ،وَنُثْنِي عَلَيْهِ الثَّنَاءَ لأَنَّهُ مُنْشِيءُ المَخْلُوقَاتِ،والقَائمُ عَلَيْهَا .(4)
والحمد لله هو الشعورُ الذي يفيضُ به قلب المؤمن بمجرد ذكره لله،فإن وجوده ابتداء ليس إلا فيضاً من فيوضات النعمة الإلهية التي تستجيشُ الحمد والثناء . وفي كل لمحةٍ وفي كل لحظةٍ وفي كل خطوة تتوالى آلاءُ الله وتتواكبُ وتتجمعُ،وتغمر خلائقه كلها وبخاصة هذا الإنسان . .
ومن ثم كان الحمدُ لله ابتداء،وكان الحمد لله ختاماً قاعدةٌ من قواعد التصوُّر الإسلاميِّ المباشر : {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (70) سورة القصص،ومع هذا يبلغ من فضل الله - سبحانه - وفيضه على عبده المؤمن،أنه إذا قال : الحمدُ لله . كتبها له حسنة ترجح كل الموازين . فعَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا »(5).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَهُمْ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ قَالَ : " يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ شَأْنِكَ فَأَعْضَلَتْ بِالْمَلَكَيْنِ فَلَمْ يَدْرِيَا كَيْفَ يَكْتُبَانِهَا،فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ اللَّهُ لَهُمَا : اكْتُبَاهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي حَتَّى يَلْقَانِي فَأَجْزِيَهُ بِهَا "(6)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - والمسند الجامع (14153) كلاهما (قُرة بن عبد الرحمان ، وسعيد بن عبد العزيز) عن الزهري ، عن أبي سَلَمة ، فذكره.،- قال أبو داود : رواه يُونُس ، وعُقَيْل وشُعَيْب ، وسَعِيد بن عَبْد العزيز ، عن الزُّهْري ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلاً. وصحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 173)(1) وفي الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (1219 ) ، والمعجم الكبير للطبراني - (ج 13 / ص 416) (15491) عَنْ مُحَمَّدِ بن الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به ، وفي التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 4 / ص 270)( 1597 ) ورجح المرسل ، وذكره الحافظ العرافق في تخريج أحاديث الإحياء - (ج 2 / ص 145)45 وقال : أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة .وقال الحافظ في "الفتح" 8/220 وَفِي إِسْنَاده مَقَال ، و فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 1) وأعله ، وقال أستاذنا الشعيب حفظه الله في التعليق على الحديث بعد تضعيفه :ومع ذلك فقد حسنه ابن الصلاح والنووي، وصححه السبكي في "طبقات الشافعية" 1/5-20!! بما لا ينتهض حجة.صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 173)
(2) - البدر المنير - (ج 7 / ص 528) فما بعدها
(3) - شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد - (ج 28 / ص 23)
(4) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (ج 1 / ص 2)
(5) - صحيح مسلم (556 ) - الموبق : المُهْلَك
(6) - ابن ماجة (3933) وشُكْرُ اللَّهِ عَلَى نِعَمِهِ لِلْخَرَائِطِيِّ (10 ) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 479)(13118) وهو حديث حسن ،قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي مَعْنَى أَعْضَلَتْ قَالَ : قَالَ الْأُمَوِيُّ : هُوَ مِنَ الْعُضَالِ ، وَهُوَ الْأَمْرُ الشَّدِيدُ الَّذِي لَا يَقُومُ لَهُ صَاحِبُهُ ، يُقَالُ : قَدْ أَعْضَلَ الْأَمْرُ فَهُوَ مُعْضِلٌ(1/46)
233 / باب فضل الذكر والحث عليه
41- ( 1442 ) عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ قَالَ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ: « أَلاَ أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِى السَّمَاءِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِى الأَرْضِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ ». " رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
( ضعيف ) .[ فيه : خزيمة،وهو مجهول ] .
------------------
قلت : هو في سنن الترمذى (3916 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ عَنْ خُزَيْمَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهَا به ... قَالَ َهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ.(1)
قلت : وخزيمة لا يعرف(2)،وله شواهد تحسنه،منها عن كِنَانَةَ،قَالَ : حَدَّثَتْنِي صَفِيَّةُ،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا،وَأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا،وَبِيَدِهَا أَرْبَعَةُ آلافِ نَوَاةٍ تُسَبِّحُ بِهَا،فَقَالَ : لَقَدْ سَبَّحْتُ مُنْذُ قُمْتُ عَلَيْكِ أَكْثَرَ مِمَّا سَبَّحْتِ،قَالَتْ : قُلْتُ : عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَالَ : قَوْلِي : سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ "(3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ : كَانَ اسْمُ جُوَيْرِيَةَ بَرَّةَ قَالَ : فَكَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَرِهَ ذَلِكَ فَسَمَّاهَا جُوَيْرِيَةَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُقَالَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرَّةَ . فَخَرَجَ مِنْ عِنْدَهَا وَهِيَ فِي مُصَلَّاهَا بَعْدَ مَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ : " وَأَنْتِ فِي مَجْلِسِكَ هَذَا مُذْ خَرَجْتُ ؟ "،فَقَالَتْ : مَا زِلْتُ بَعْدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَائِمَةً . فَقَالَ : " لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ كَلِمَاتٍ لَوْ وُزِنَّ لَرَجَحْنَ بِمَا قُلْتِ : سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ،سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ،سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ،سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ "(4)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ،فَقَالَ : " مَاذَا تَقُولُ يَا أَبَا أُمَامَةَ ؟ "،قَالَ : أَذْكُرُ رَبِّي،قَالَ : " أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَكْثَرَ أَوْ أَفْضَلَ مِنْ ذِكْرِكَ اللَّيْلَ مَعَ النَّهَارِ وَالنَّهَارَ مَعَ اللَّيْلِ ؟ أَنْ تَقُولَ : سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ،وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ،وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ،وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ مَا فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ،وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ،وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ،وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ،وَتَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ "(5)
فالحديث حسنٌ لغيره .
--------------
مَا يَجُوزُ بِهِ التَّسْبِيحُ(6)
" أَجَازَ الْفُقَهَاءُ التَّسْبِيحَ بِالْيَدِ وَالْحَصَى وَالْمَسَابِحِ خَارِجَ الصَّلاَةِ،كَعَدِّهِ بِقَلْبِهِ أَوْ بِغَمْزِهِ أَنَامِلَهُ . أَمَّا فِي الصَّلاَةِ،فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهَا . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ : أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِل جَمِيعًا مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَالْعَمَل بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ،واستدلوا بحديث سعد رضي الله عنه الماروقالوا: فَلَمْ يَنْهَهَا عَنْ ذَلِكَ،وَإِنَّمَا أَرْشَدَهَا إِلَى مَا هُوَ أَيْسَرُ وَأَفْضَل،وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَبَيَّنَ لَهَا ذَلِكَ
وَعَنْ يُسَيْرَةَ الصَّحَابِيَّةِ الْمُهَاجِرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُنَّ أَنْ يُرَاعِينَ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّهْلِيل،وَأَنْ يَعْقِدْنَ بِالأَْنَامِل فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولاَتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ .(7)
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ - بِيَمِينِهِ.(8)
وَنَقَل الطَّحْطَاوِيُّ عَنِ ابْنِ حَجَرٍ قَوْلَهُ : الرِّوَايَاتُ بِالتَّسْبِيحِ بِالنَّوَى وَالْحَصَى كَثِيرَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ،بَل رَأَى ذَلِكَ - صلى الله عليه وسلم - وَأَقَرَّ عَلَيْهِ،وَعَقْدُ التَّسْبِيحِ بِالأَْنَامِل أَفْضَل مِنَ السُّبْحَةِ،وَقِيل : إِنْ أَمِنَ الْغَلَطَ فَهُوَ أَوْلَى،وَإِلاَّ فَهِيَ أَوْلَى .(9)
---------------
اسْتِخْدَامُ السُّبْحَةِ فِي عَدَدِ الأَْذْكَارِ(10)
" السُّبْحَةُ كَمَا قَال ابْنُ مَنْظُورٍ هِيَ الْخَرَزَاتُ الَّتِي يَعُدُّ بِهَا الْمُسَبِّحُ تَسْبِيحَهُ قَال : وَهِيَ كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ،وَقَدْ قَال : الْمِسْبَحَةُ .
قَال الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ شَمْسُ الْحَقِّ شَارِحُ السُّنَنِ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ حَدِيثَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ السَّابِقِ ذِكْرُهُ : الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ عَدِّ التَّسْبِيحِ بِالنَّوَى وَالْحَصَى،وَكَذَا بِالسُّبْحَةِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ،لِتَقْرِيرِهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْمَرْأَةِ عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمِ إِنْكَارِهِ،وَالإِْرْشَادُ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَل مِنْهُ لاَ يُنَافِي الْجَوَازَ . قَال : وَقَدْ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ،وَلَمْ يُصِبْ مَنْ قَال إِنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ(11). وَجَرَى صَاحِبُ الْحِرْزِ عَلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ إِلاَّ أَنَّهُ قَال : إِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ،وَنَقَل ابْنُ عَلاَّنَ عَنْ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ لاِبْنِ حَجَرٍ قَوْلَهُ : فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ نَدْبُ اتِّخَاذِ السُّبْحَةِ،وَزَعْمُ أَنَّهَا بِدْعَةٌ غَيْرُ صَحِيحٍ،إِلاَّ أَنْ يُحْمَل عَلَى تِلْكَ الْكَيْفِيَّاتِ الَّتِي اخْتَرَعَهَا بَعْضُ السُّفَهَاءِ،مِمَّا يُمَحِّضُهَا لِلزِّينَةِ أَوِ الرِّيَاءِ أَوِ اللَّعِبِ(12). اهـ .
وَرَدَّ ابْنُ عَلاَّنَ الْقَوْل بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ بِأَنَّ إِقْرَارَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الْمَرْأَةَ عَلَى الْعَدِّ بِالْحَصَى أَوِ النَّوَى يَنْفِي أَنَّهَا بِدْعَةٌ فَإِنَّ الإِْقْرَارَ هُوَ مِنَ السُّنَّةِ،وَالسُّبْحَةُ فِي مَعْنَى الْعَدِّ بِالْحَصَى،إِذْ لاَ يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ مِنْ كَوْنِهَا مَنْظُومَةً - أَيْ مَنْظُومَةً بِخَيْطٍ - أَوْ مَنْثُورَةً . قَال : وَقَدْ أَفْرَدْتُ السُّبْحَةَ بِجُزْءٍ لَطِيفٍ سَمَّيْتُهُ " إِيقَادُ الْمَصَابِيحِ لِمَشْرُوعِيَّةِ اتِّخَاذِ الْمَسَابِيحِ " أَوْرَدْتُ فِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الأَْخْبَارِ وَالآْثَارِ وَالاِخْتِلاَفِ فِي تَفَاضُل الاِشْتِغَال بِهَا أَوْ بِعَقْدِ الأَْصَابِعِ . وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعَقْدَ بِالأَْنَامِل أَفْضَل لاَ سِيَّمَا مَعَ الأَْذْكَارِ بَعْدَ الصَّلاَةِ،أَمَّا فِي الأَْعْدَادِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي يُلْهِي الاِشْتِغَال بِعَدِّهَا عَنِ التَّوَجُّهِ لِلذِّكْرِ فَالأَْفْضَل اسْتِعْمَال السُّبْحَةِ "(13)
وقال ابن تيمية رحمه الله(14): "وَعَدُّ التَّسْبِيحِ بِالْأَصَابِعِ سُنَّةٌ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلنِّسَاءِ : « يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَيْكُنَّ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّسبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَلاَ تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ وَاعْقِدْنَ بِالأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولاَتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ ».(15).
وَأَمَّا عَدُّهُ بِالنَّوَى وَالْحَصَى وَنَحْوُ ذَلِكَ فَحَسَنٌ،وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُسَبِّحُ بِالْحَصَى وَأَقَرَّهَا عَلَى ذَلِكَ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُسَبِّحُ بِهِ،وَأَمَّا التَّسْبِيحُ بِمَا يُجْعَلُ فِي نِظَامٍ مِنَ الْخَرَزِ وَنَحْوِهِ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ كَرِهَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكْرَهْهُ وَإِذَا أُحْسِنَتْ فِيهِ النِّيَّةُ فَهُوَ حَسَنٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ...."
وقال الشوكاني رحمه الله : "وَالْحَدِيثَانِ الْآخَرَانِ يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِ عَدِّ التَّسْبِيحِ بِالنَّوَى وَالْحَصَى وَكَذَا بِالسُّبْحَةِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ لِتَقْرِيرِهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْمَرْأَتَيْنِ عَلَى ذَلِكَ،وَعَدَمُ إنْكَارِهِ وَالْإِرْشَادُ إلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ،وَقَدْ سَاقَ السُّيُوطِيّ آثَارًا فِي الْجُزْءِ الَّذِي سَمَّاهُ " الْمِنْحَةُ فِي السُّبْحَةِ " وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ كِتَابِهِ الْمَجْمُوعِ فِي الْفَتَاوَى وَقَالَ فِي آخِرِهِ : وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ وَلَا مِنَ الْخَلَفِ الْمَنْعُ مِنْ جَوَازِ عَدِّ الذِّكْرِ بِالسُّبْحَةِ،بَلْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ يَعُدُّونَهُ بِهَا وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا "(16)
وفي فتاوى الشبكة الإسلامية : "والراجحُ - والله أعلم - جواز التسبيح بالمسبحة لمن كان محتاجاً إليها لما تقدم من الأحاديث،حيث أقرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - التسبيح بالحصى،فتحملُ المسبحة على ذلك... مع أن التسبيح باليد أفضل كما تقرر.والله أعلم."(17)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وسنن أبى داود (1502 ) و مسند البزار (1201) والمستدرك للحاكم(2009) وشعب الإيمان للبيهقي (624) ومسند أبي يعلى الموصلي(683) وصحيح ابن حبان (838) والأحاديث المختارة للضياء - (ج 2 / ص 51)( 1010و1011) وحسنه وفي شرح السنة للبغوي (1244) وحسنه وانظر المسند الجامع (4095) وقال الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " 1 / 79 : و رجاله رجال الصحيح إلا خزيمة فلا يعرف نسبه و لاحاله ولا روى عنه إلا سعيد ذكره ابن حبان فى الثقات كعادته في من لم يجرح و لم يأت بمنكر . وصححه الحاكم قال الحافظ في " النتائج " 1 / 81 : و لأصل حديث سعد شاهد من حديث أبى أمامة .
(2) - تقريب التهذيب [ ج 1 -ص 193 ](1712)
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي(7118) والمستدرك للحاكم(2008 ) وفيه جهالة
(4) - الدَّعَوَاتُ الْكَبِيرُ (256 ) وهو قوي
(5) - صحيح ابن حبان(830) وصَحِيحُ ابْنِ خُزَيْمَةَ (731) حديث حسن
(6) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 11 / ص 283)
(7) - سنن أبى داود (1503 ) وهو حديث حسن
(8) - سنن أبى داود(1504 ) والترمذي (3740 ) وهو صحيح
(9) - رد المحتار على الدر المختار 1 / 437 ، والهداية 1 / 65 ط الحلبي ، والفتاوى الهندية 1 / 105 - 106 ، ومراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه 172 ، والمهذب في فقه الإمام الشافعي 1 / 96 ، وقليوبي وعميرة 1 / 190 ، والأذكار للنووي 19 ، وشرح الزرقاني على مختصر خليل 1 / 220 ، ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل 1 / 552 ، والتاج والإكليل بهامشه ، وكشاف القناع عن متن الإقناع 1 / 366 ، 376 ط النصر الحديثة ، وحاشية الطحطاوي ص 172 ط : الثالثة الأميرية ببولاق .
(10) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 21 / ص 259)
(11) - عون المعبود 4 / 367 نشر دار الفكر بالتصوير عن طبعة السلفية بالمدينة .
(12) - في جعله اتخاذ السبحة للزينة أو اللعب بدعة نظر ، لأن البدعة في الدين واتخاذها للزينة أو للعب أمر دنيوي لا حرج فيه لقوله تعالى : ( قُل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ) الآية .
(13) - الفتوحات الربانية 1 / 251 ، 252 وانظر لقاءات الباب المفتوح - (ج 158 / ص 27) حكم استعمال السبحة لضبط العد في الأوراد و دروس وفتاوى الحرم المدني - (ج 1 / ص 32) حكم التسبيح بالسبحة وقارن بفتاوى الأزهر - (ج 9 / ص 11 المسبحة وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 3034) سؤال رقم 3009- حكم استخدام المسبحة ، وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 3192) رقم الفتوى 7051 حكم التسبيح بالمسبحة =وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 1 / ص 243) رقم الفتوى 609 يجوز استخدام المسبحة للذكر واستعمال اليدين أولى
(14) - مجموع الفتاوى - (ج 22 / ص 506)
(15) - مسند أحمد (27848){6/371} وهو حسن لغيره
(16) - نيل الأوطار - (ج 4 / ص 115)
(17) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 3192) رقم الفتوى 7051 حكم التسبيح بالمسبحة =وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 1 / ص 243) رقم الفتوى 609 يجوز استخدام المسبحة للذكر واستعمال اليدين أولى(1/47)
كتاب الدعوات
42- ( 1487 ) عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أباه حصينا كلمتين يدعو بهما : " اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِى رُشْدِي وَأَعِذْنِى مِنْ شَرِّ نَفْسِى » " رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
( ضعيف ) .
[ قال الشيخ الألباني :كذا قال - أي : الترمذي - : ولعله في بعض نسخ الترمذي وإلا ففي نسخ " بولاق " : ( حديث غريب ) يعني : ضعيف،وهو اللائق بحال إسناده ؛ فإن فيه انقطاعا وضعفا،لا سيما وقد رواه ابن حبان وأحمد من طريق أخرى : « اللَّهُمَّ قِنِى شَرَّ نَفْسِى وَاعْزِمْ لِى عَلَى أَرْشْدِ أَمْرِى ».. وسنده صحيح على شرط الشيخين .
وروى أحمد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى خَطَئِى وَعَمْدِى اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْتَهْدِيكَ لأَرْشَدِ أَمْرِى وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِى ». وسنده جيد ]
---------------
قلت : هو سنن الترمذى (3820 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِىِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِى « يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا ». قَالَ أَبِى سَبْعَةً سِتًّا فِى الأَرْضِ وَوَاحِدًا فِى السَّمَاءِ. قَالَ « فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ ». قَالَ الَّذِى فِى السَّمَاءِ(1). قَالَ :« يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ ». قَالَ فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِى الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِى. فَقَالَ « قُلِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِى رُشْدِى وَأَعِذْنِى مِنْ شَرِّ نَفْسِى ». قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
وفي علل الترمذي الكبير (448 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ , حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ , عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ , قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَبِي : " يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا ؟ قَالَ : سَبْعَةً : سِتًّا فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ , قَالَ : فَأَيُّهُمْ تُعِدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ ؟ قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاءِ , قَالَ : " يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ " , قَالَ : فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي فَقَالَ : قُلِ : " اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي " سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ . قَالَ مُحَمَّدٌ : وَرَوَى مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ بَشِيرٍ , عَنِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلًا . قَالَ أَبُو عِيسَى : وَحَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي هَذَا أَشْبَهُ عِنْدِي وَأَصَحُّ . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ . رَوَى إِسْرَائِيلُ , عَنْ مَنْصُورٍ , عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ , عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا مِنْ هَذَا"
وفي مسند البزار (3579) حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ،وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ،قَالا : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ،قَالَ : حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ،عَنِ الْحَسَنِ،عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.(3580) وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ،عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ،وَاللَّفْظُ،لشبيب بن شيبة،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي : يَا حُصَيْنٍ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا ؟ قَالَ : سَبْعَةً سِتَّةٌ فِي الأَرْضِ،وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ،قَالَ : فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ ؟ قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاءِ،فَقَالَ : يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ،عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ،فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ،عَلِّمْنِي الَّذِي وَعَدْتَنِي،قَالَ : قُلِ : اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي،وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَبَاهُ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي إِسْنَادِهِ،فَقَالَ رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ : عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ،عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : عَنْ عِمْرَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ لِحُصَيْنٍ : وَأَحْسَبُ أَنَّ حَدِيثَ عِمْرَانَ،أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ لأَبِيهِ أَصَوْبُ.(2)
قلتُ : وقول الترمذي بتحسينه هو الصواب،لأنه ورد من طرق أخرى،بل هو صحيح لغيره أعني الجملة التي وردت فقط،فتخطئة الترمذي رحمه الله غير صحيح.
--------------
" ( اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَبِفَتْحَتَيْنِ أَيْ وَفِّقْنِي إِلَى الرُّشْدِ وَهُوَ الِاهْتِدَاءُ إِلَى الصَّلَاحِ.
( وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي ) أَيْ أَجِرْنِي وَاحْفَظْنِي مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا مَنْبَعُ الْفَسَادِ،وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ النَّبَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ إِلْهَامِ الرُّشْدِ يَكُونُ بِهِ السَّلَامَةُ مِنْ كُلِّ ضَلَالٍ وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ النَّفْسِ يَكُونُ بِهَا السَّلَامَةُ مِنْ غَالِبِ مَعَاصِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ،فَإِنَّ أَكْثَرَهَا مِنْ جِهَةِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ " "(3).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ : " مَنْ فِي السَّمَاءِ " . أَيْ : فَوْقَ السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، ثُمَّ مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ : مَعْنَاهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ ؟ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. الأسماء والصفات للبيهقي (854)
(2) - وهو في الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (2083) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 13 / ص 65)14810 ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (2008) وفي مجموع الفتاوى - (ج 1 / ص 91) و(ج 8 / ص 330) و (ج 14 / ص 33) و- (ج 16 / ص 145) و خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لِلْبُخَارِيِّ(14 ) بصيغة الجزم واحتج به
(3) - تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين للشوكاني (ج 1 / ص 426) , وتحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 383)(1/48)
43- ( 1490 ) عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِى يُبَلِّغُنِى حُبَّكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى وَأَهْلِى وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ » " رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
( ضعيف ) [ فيه : عبد الله بن ربيعة الدمشقي،وهو مجهول ] .
------------
قلت :هو في سنن الترمذى (3828 ) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ الدِّمَشْقِىِّ حَدَّثَنَا عَائِذُ اللَّهِ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : رَبِّ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ،رَبِّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ " وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ذَكَرَ دَاوُدَ وَحَدَّثَ عَنْهُ قَالَ : كَانَ أَعْبَدَ الْبَشَرِ " قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.(1)
وفي شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ(443) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ،حدثنا الْخَضِرُ بْنُ أَبَانَ،حدثنا سَيَّارٌ،حدثنا جَعْفَرٌ،حدثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ : " بَلَغَنَا أَنَّ دَاوُدَ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : " اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي،وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ "(2)
ويشهد له ما روي عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : قِيلَ لِي : يَا مُحَمَّدُ،قُلْ تُسْمَعْ،وَسَلْ تُعْطَ،قَالَ : فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ،وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ،وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ،وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي،وَإِذَا أَرَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً فَتَوَفَّنِي إِلَيْكَ،وَأَنَا غَيْرُ مَفْتُونٍ،اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ،وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ،وَحُبًّا يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ "(3)
قلتُ : ربما حسَّنه الترمذي لشواهده،ولكن كون النبي داود عليه السلام كان يقوله لم يثبت من وجه،،وليس بعيدا أن يقوله،والعبارة الأخيرة أنه كان أعبد الناس صحيحة،وكان الأفضل بالإمام النووي رحمه الله لو ساق حديث ثوبان لأنه صحيح،بدلاً من حديث أبي الدرداء خروجاً من هذا الخلاف.
===============
وهذا الحديث من الأدعية المهمة،إذا أحبك الله وأحببت من أحبَّه الله كنت من أوليائه وكذلك إذا أحببتَ العمل الذي يحبُّه الله عز وجل فهذا أيضا منَّ الدعاء الذي ينبغي للإنسان أن يلزمه دائما فإنَّ حبَّ الله عز وجل هو الغايةُ كما قال الله تعالى :{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (31) سورة آل عمران(4)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وهو في المستدرك للحاكم(3621) وقَالَ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ و مسند البزار(4089) وشعب الإيمان للبيهقي (443 ) والاتحاف 5/ 78 و 9/ 549والحلية 1/226 (804 ) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ ، وقال الإمام النووي في " الأذكار " 1 / 337 : قال الترمذي : حديث حسن .
(2) - والزُهْدُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (370 ) وهو صحيح إلى مالك
(3) - الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (3793 ) والمستدرك للحاكم (1932) وقال :هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وهو صحيح
(4) - انظر شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 5 / ص 99)(1/49)
44- ( 1493 ) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ : كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ،وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ،وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ،وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بَرٍّ،وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ،وَالنَّجَاةَ بِعَوْنِكَ مِنَ النَّارِ " رواه الحاكم أبو عبد الله وقال :حديث صحيح على شرط مسلم.
( ضعيف جدّاً ) .[ فيه : حميد الأعرج،وهو متروك الحديث ] .
------------------
قلت :هو في المستدرك للحاكم (1925) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحِيرِيُّ،حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ الْقُرَشِيُّ،حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ،حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ،حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الأَعْرَجُ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ،عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ : كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ،وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ،وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ،وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بَرٍّ،وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ،وَالنَّجَاةَ بِعَوْنِكَ مِنَ النَّارِ " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ،وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
(1957) أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ أَيُّوبَ،حَدَّثَنَا حَاتِمٌ الرَّازِيُّ،حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ،حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ،عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ : كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ،وَقَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ،وَدُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ،وَنَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ،وَمِنَ الْجُوعِ،فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ،وَمِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ،وَمِنَ الْكَسَلِ،وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ،وَمِنَ الْهَرَمِ،وَمِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ،وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ،وَعَذَابِ الْقَبْرِ،وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ،اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ قُلُوبًا أَوَّاهَةً مُخْبِتَةً مُنِيبَةً فِي سَبِيلِكَ،اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ،وَمُنْجِيَاتِ أَمْرِكَ،وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ،وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ،وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ،وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ ".(1)
قلت : وحميد الأَعْرَجِ هو حميد الأعرج الكوفي القاص الملائي ضعيف(2)
وله شواهد منها :
عَنْ فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى الأَسْلَمِىِّ قَالَ:خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى اللَّهِ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لْيَقُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ أَسْأَلُكَ أَلاَّ تَدَعَ لِى ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ وَلاَ حَاجَةً هِىَ لَكَ رِضًا إِلاَّ قَضَيْتَهَا لِى ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مَا شَاءَ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ".(3)
قلت : فائد بن عبد الرحمن الكوفي،أبو الورقاء العطار متروك(4)،فلا يصلح للمتابعة
وله شاهد آخر في المعجم الصغير للطبراني (341) حَدَّثَنَا جَبْرُونُ بْنُ عِيسَى الْمَغْرِبِيُّ،بِمِصْرَ،حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجَفْرِيُّ،حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ أَبُو مَعْمَرٍ،عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : إِذَا طَلَبْتَ حَاجَةً فَأَحْبَبْتَ أَنْ تَنْجَحَ،فَقُلْ : لا إِلَهَ إِلَّااللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ،لا إِلَهَ إِلَّااللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْحَكِيمُ الْكَرِيمُ،بِسْمِ اللهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّاهُوَ الْحَيُّ الْحَلِيمُ،سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ،الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّاسَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّاالْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ،كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّاعَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ،وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ،وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ،وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ،اللَّهُمَّ لا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلَّاغَفَرْتَهُ،وَلاَ هَمًّا إِلَّافَرَّجْتَهُ،وَلاَ دَيْنًا إِلَّاقَضَيْتَهُ،وَلاَ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلَّاقَضَيْتَهَا بِرَحْمَتِكَ،يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ"لا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ،إِلَّابِهَذَا الإِسْنَادِ،تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ"
قلت : لكن عباد بن عبد الصمد متهم(5)،فلا يصلح للحجية أيضاً
وله شاهد آخر في مصنف ابن أبي شيبة(29971) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ،عَنِ الأَوْزَاعِيِّ،عَن حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ،عَن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ،أَنَّهُ قَالَ : احْفَظُوا عَني مَا أَقُولُ لَكُمْ،سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : إذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاكْنِزُوا هَذِهِ الْكَلِمَاتِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ،وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ،وَأَسْأَلُك شُكْرَ نِعْمَتِكَ،وَأَسْأَلُك حُسْنَ عِبَادَتِكَ،وَأَسْأَلُك قَلْبًا سَلِيمًا وَلِسَانًا صَادِقًا،وَأَسْأَلُك مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ،وَأَسْتَغْفِرُك لِمَا تَعْلَمُ،إنَّك أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. "(6)( وهو حديث صحيح)
وقد ورد الحديث موقوفاُ ففي مصنف ابن أبي شيبة (3115و30147) حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ،قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ،عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ،عَنْ حُصَيْنِ بْنِ يَزِيدَ الثَّعْلَبِيِّ،عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ،وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ،وَأَسْأَلُك الْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ،وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمَ،اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالْجَوَازَ مِنَ النَّارِ،اللَّهُمَّ لاَ تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ،وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ،وَلاَ حَاجَةً إِلاَّ قَضَيْتَهَا. ( وفي سنده كلام)
والراجح عندي أنه حسن لغيره كما الترمذي والله أعلم .
---------------------
هل يجوز سؤال العصمة من الذنوب ؟
قَالَ الْعِرَاقِيُّ : "فِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الْعِصْمَةِ مِنْ كُلِّ الذُّنُوبِ،وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ ذَلِكَ إِذِ الْعِصْمَةُ إِنَّمَا هِيَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ،قَالَ : وَالْجَوَابُ أَنَّهَا فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَاجِبَةٌ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ جَائِزَةٌ،وَسُؤَالُ الْجَائِزِ جَائِزٌ إِلَّا أَنَّ الْأَدَبَ سُؤَالُ الْحِفْظِ فِي حَقِّنَا لَا الْعِصْمَةِ،وَقَدْ يَكُونُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا "(7).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء(1076)أخرجه الحاكم من حديث ابن مسعود وقال صحيح الإسناد وليس كما قال إلا أنه ورد مفرقا في أحاديث جيدة الأسانيد .
(2) - الكاشف [ ج 1 -ص 356 ] (1264 ) وتقريب التهذيب[ ج 1 -ص 182 ](1566) وتهذيب الكمال[ ج 7 -ص 409 ] (1545) وتهذيب التهذيب [ ج 3 -ص 46 ]( 90 )
(3) - سنن الترمذى(481) و مسند البزار(3374) وانظر المسند الجامع (5658) وهو متروك
"وقد اختلف أهل العلم في العمل بهذا الحديث بسبب اختلافهم في ثبوته فمنهم من يرى عدم جواز العمل به لعدم ثبوته عنده لأن في سنده فائد بن عبد الرحمن الكوفي الراوي عن عبد الله بن أبي أوفى وهو متروك عندهم. ومنهم من يرى جواز العمل به لأمرين. 1. أن له طرقا وشواهد يتقوى بها. وفائد عندهم يكتب حديثه، 2. أنه في فضائل الأعمال وفضائل الأعمال يعمل فيها بالحديث الضعيف إذا اندرج تحت أصل ثابت ولم يعارض بما هو أصح. وهذا الحاصل هنا . وهذا الرأي أصوب إن شاء الله تعالى وعليه جماعة من العلماء . وأما كيفية أدائها فهي هذه الكيفية المذكورة في الحديث. والله أعلم." فتاوى الشبكة الإسلامية (ج 2 / ص 182) رقم الفتوى 1390 صلاة الحاجة ركعتان غير الفريضة مع الدعاء-تاريخ الفتوى : 25 جمادي الأولى 1422 و (ج 2 / ص 1536) رقم الفتوى 3749 خلاف العلماء في ثبوت صلاة الحاجة والصحيح ثبوتها-تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420
قلت : اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ صَلاَةَ الْحَاجَةِ مُسْتَحَبَّةٌ ،واختلفوا في عَدَدِ رَكَعَاتِ صَلاَةِ الْحَاجَةِ، انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 27 / ص 211) وأسنى المطالب 1 / 205 ، وكشاف القناع 1 / 443 ، وابن عابدين 1 / 462 ، والترغيب والترهيب 1 / 476 ، والدسوقي 1 / 314 .
(4) - تقريب التهذيب[ ج1 -ص444 ] (5373)
(5) - لسان الميزان[ ج 3 -ص 232 ](1032)
(6) - المعجم الكبير للطبراني(6989 ) وهو في حلية الأولياء - (ج 1 / ص 142) من طريقه
(7) - تحفة الأحوذي - (ج 2 / ص 15)(1/50)
كتاب الأمور المنهي عنها
242 / باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان
45- ( 1518 ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي ». " رواه الترمذي .
( ضعيف ) .[ فيه : إبراهيم بن عبد الله بن حاطب،وهو مجهول ] .
وذكره الألبانى في الضعيفة (920) .
----------------
قلت :هو في سنن الترمذى (2593 ) حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى ثَلْجٍ الْبَغْدَادِىُّ صَاحِبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ ،وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِى ».
(2594 ) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى النَّضْرِ حَدَّثَنِى أَبُو النَّضْرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاطِبٍ.(1)
وهذا إسناد حسن،رجاله كلهم ثقات مشاهير غير إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب الجمحى . وقد ذكره ابن حبان في الثقات،وقال : " روى عنه : عبد الله بن مسلمة القعنبي،وعلي بن حفص المدائني "(2).
وزاد الحافظ المزي في الرواة عنه : عنبسة بن سعيد الرازي،وأبو النضر هاشم بن القاسم(3). وسكت عليه ابن أبي حاتم(4)،وأورده الحافظ الذهبي في الميزان،وذكر له هذا الحديث،وقال : " مدني مقلٌّ . ما علمت فيه جرحاً "(5).
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب : "صدوق . روى مراسيل "(6).
قلت : من يروي عنه جماعة لا يكون مجهولاً،ومثله يحسَّن حديثه كما فعل الترمذي رحمه الله،وكونه روي عن عيسى عليه السلام،لكنه لم يصح ولو صحَّ لا يعارض المرفوع،لأن كلا النبيين لا ينطق عن الهوى .
فإن قيل : قد عارض الشيخ الألباني هذا الحديث بما رواه الإمام مالك في الموطأ(7)حَدَّثَنِى مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ :لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ , فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللهِ وَلَكِنْ لاَ تَعْلَمُونَ , لاَ تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ الْعِبَادِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ , وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيد , فَإِنَّمَا النَّاسُ رَجُلاَنِ : مُبْتَلًى وَمُعَافًى , فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلاَءِ،وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ..
وقال الشيخ ـ رحمه الله ـ : "هذا هو اللائق بمثل هذا الكلام ؛ أن يكون مما يرويه أهل الكتاب عن عيسى عليه السلام،وليس من حديث نبينا محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - "اهـ.
قلنا : أليس من مقال الشيخ الألباني دائما معترضاً على مخالفيه : اثبت العرش أولاً ثم انقش !!،فنحن كذلك نقولها : هل يصحُّ هذا البلاغ حتى يُعارضَ به هذا الحديث المسند الموصول ؟! .
والجواب : إنه لا يصحُّ بحالٍ،وقد جزم الشيخ الألباني نفسه بذلك،فقد ذكره في الضعيفة (908) وعقَّب عليه بقوله : " لا أصل له مرفوعاً " .
ونزيدك إيضاحاً وتبصيراً،بذكر بعض طرق هذا البلاغ،لبيان ضعفه،والدلالة على أنَّه ليس حجةً معتمدةً لدى المحققين في نفي صحة حديث ابن عمر،فكلُّها مراسيل ومعضلات :
[ الطريق الأولى ] أخرجها هناد بن السري في الزهد (2/542/1122) حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ،عَنْ سُفْيَانَ قَالَ : قَالَ : عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : " لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ،وَإِنْ كَانَتْ لَيِّنَةً فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِي بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ،وَلَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَهَيْئَةِ الْأَرْبَابِ وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَهَيْئَةِ الْعَبِيدِ . النَّاسُ رَجُلَانِ مُبْتَلًى وَمُعَافًى فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ "
وأخرجها خيثمة الأطرابلسي حديث خيثمة (105) حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ , حَدَّثَنَا شَاذَانُ , حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ , حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ قَالَ : قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - : لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ ؛ فَتَقْسُوَ الْقُلُوبُ وَإِنْ كَانَتْ لَيِّنَةً ؛ فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَلَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَهَيْئَةِ الْأَرْبَابِ , وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِ أَنْفُسِكُمْ كَهَيْئَةِ الْعَبِيدِ , فَإِنَّمَا النَّاسُ اثْنَانِ : مُبْتَلًى وَمُعَافًى , فَاحْمَدُوهُ عَلَى الْعَافِيَةِ , وَارْحَمُوا الْمُبْتَلَى .
قلت : أين سفيان الثورى،وأين عمرو بن قيس الملائي رضى الله عنهما من نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام ؟!،أليس بينهما وبينه قروناً كثيرة !!،فكيف يصححه بعض تلامذة الشيخ الألباني !! .
[ الطريق الثانية ] أخرجها أحمد في الزهد (317) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ،حَدَّثَنَا أبِي،حَدَّثَنَا هَاشِمٌ،أَخْبَرَنَا صَالِحٌ،عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ،عَنْ أَبِي الْجَلْدِ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْصَى الْحَوَارِيِّينَ : " لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ،وَإِنَّ الْقَاسِيَ قَلْبُهُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَلَكِنَّكُمُ انْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ،وَالنَّاسُ رَجُلَانِ : مُعَافًى وَمُبْتَلًى،فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ فِي بَلِيَّتِهِمْ،وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ ".
قلت : وأين أبو الجلد،واسمه جيلان بن فروة البصري الجوني من نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام ؟! .
وهذا إسناد واهٍ بمرةٍ،صالح وهو ابن بشير المري البصري . قال البخاري : منكر الحديث ذاهب الحديث(8)
[ الطريق الثالثة ] أخرجها ابن أبى عاصم في الزهد (1/38/53) أَخْبَرَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ،أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ،عَنْ أَبِي سِنَانٍ،عَنِ الْأَعْمَشِ،عَنْ إِبْرَاهِيمَ،قَالَ : " قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَقِلُّوا الْكَلَامَ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ،فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ يُقَسِّي الْقَلْبَ ".
قلت : وأين كذلك إبراهيم النخعي من نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام ؟!
[ الطريق الرابعة ] أخرجها ابن أبى شيبة مصنف ابن أبي شيبة (32540) حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ،قَالَ : قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ : لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ , فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنَ اللهِ وَلَكِنْ لاَ تَعْلَمُونَ , لاَ تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ الْعِبَادِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ , وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيد , فَإِنَّمَا النَّاسُ رَجُلاَنِ : مُبْتَلًى وَمُعَافًى , فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلاَءِ،وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ..،قلت : فمن محمد بن يعقوب ؟،ولو عرفناه وتوثقنا من عدالته،فأين هو من نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام ؟! .
وبالجملة،فهذه كلها مقاطيع ومعضلات،لا تنتهض بواحدٍ منها حجة . فأعجب لمن يصحح هذا البلاغ،ويجعله أصلاً معتمداً في معارضة حديث ابن عمر المسند الموصول،ولهذا قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ نفسه عن هذا البلاغ : " لا أصل له مرفوعاً " !! .
------------------
كثرة الكلام بغير ذكر الله تسببُ قسوة للقلب(9)
" إذا كان الكلام يتضمن المحرمات مثل: الغيبة أو النميمة أو ذكر الفواحش أو غير ذلك مما يتطرق إليه من أكثر الكلام،فالمواظبة على الصلاة في الجماعة أمر عظيم لا بد أن يكون له تأثير على المسلم،وذلك التأثير يتمثل في الوقار والسكينة والاقتصار على الحاجة من الكلام قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ(العنكبوت: من الآية45) قال القرطبي: وفي الآية تأويل ثالث،وهو الذي ارتضاه المحققون وقال به المشيخة الصوفية وذكره المفسرون؛ فقيل المراد ب { أَقِمِ الصَّلاَةَ } إدامتها والقيام بحدودها،ثم أخبر حكماً منه بأن الصلاة تنهى صاحبها وممتثلها عن الفحشاء والمنكر؛ وذلك لما فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة . والصلاة تشغل كل بدن المصلّي،فإذا دخل المصلّي في محرابه وخشع وأخبت لربه وادكر أنه واقف بين يديه،وأنه مطلع عليه ويراه،صلحت لذلك نفسه وتذللت،وخامرها ارتقاب الله تعالى،وظهرت على جوارحه هيبتها،ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة . فهذا معنى هذه الأخبار،لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون .
قلت : لا سيما وإن أشعر نفسه أن هذا ربما يكون آخر عمله،وهذا أبلغ في المقصود وأتم في المراد؛ فإن الموت ليس له سنّ محدود،ولا زمن مخصوص،ولا مرض معلوم،وهذا مما لا خلاف فيه . "(10)
أسباب قسوة القلب(11)
" الذي ثبت أنه يقسي القلب أمور منها:
1-كثرة الكلام بغير ذكر الله،ففي سنن الترمذي من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله،فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب.... الحديث.
2-كثرة المزاح،قال النووي : اعلم أن المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه،فإنه يورث الضحك وقسوة القلب...(12)
3-المعاصي بمخلتف أنواعها ... "
4- ومن أسباب قسوة القلب أيضاً: الانكباب على الدنيا وتفضيلها على الآخرة،وألا يكون هم الإنسان إلا جمع المال،(13)
وقال ابن القيم رحمه الله :" فالقبائح تسود القلب وتطفىء نوره والإيمان هو نور فى القلب والقبائح تذهب به أو تقلله قطعا فالحسنات تزيد نور القلب والسيئات تطفىء نور القلب وقد أخبر الله عز وجل أن كسب القلوب سبب للران الذي يعلوها وأخبر أنه أركس المنافقين بما كسبوا فقال: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [ النساء: 88 ] وأخبر أن نقض الميثاق الذي أخذه على عباده سبب لتقسية القلب فقال فيما نقضهم ميثقاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به [ المائده: 13 ] فجعل ذنب النقض موجبا لهذه الآثار: من تقسية القلب واللعنة وتحريف الكلم ونسيان العلم فالمعاصي للإيمان كالمرض والحمى للقوة سواء بسواء ولذلك قال السلف: المعاصي بريد الكفر كما أن الحمى بريد الموت . "(14)
-----------------
علاجُ قسوة القلب
"ومن لين القلوب وصفائها وطمأنينتها طاعة الله جل وعلا وصحبة الأخيار،وحفظ الوقت بالذكر وقراءة القرآن والاستغفار،ومن حفظ وقته بذكر الله وقراءة القرآن وصحبة الأخيار والبعد عن صحبة الغافلين والأشرار يطيب قلبه ويلين قال تعالى : أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ".(15)
" وأما علاج قسوة القلب،فقد ذكر ابن القيم في إغاثة اللهفان(16)أنها تكون بأربعة أمور:
الأول: بالقرآن الكريم،فإنه شفاء لما في الصدور من الشك،ويزيل ما فيها من الشرك،ودنس الكفر،وأمراض الشبهات والشهوات،وهو هدىً لمن علم بالحق وعمل به،ورحمة لما يحصل به للمؤمنين من الثواب العاجل والآجل،{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (122) سورة الأنعام].
الثاني: ما يحفظ عليه قوته ومادته،وذلك يكون بالإيمان،والعمل بالصالح،وعمل أوراد الطاعات.
الثالث: الحمية عن المضار،وذلك باجتناب جميع المعاصي والمخالفات.
الرابع: الاستفراغ من كل مادة مؤذية،وذلك بالتوبة والاستغفار. "
"ومما يعين على علاج قسوة القلب الإحسان إلى اليتيم كما أرشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك حيث قال(17): " أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ وَتُدْرَكَ حَاجَتُكَ ؟ ارْحَمِ الْيَتِيمَ،وَامْسَحْ رَأْسَهُ،وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ،يَلِنْ قَلْبُكَ وَتُدْرِكْ حَاجَتَكَ "(18).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرجه كذلك الواحدي في الوسيط ( 1/ 27/2) ، والطبراني في الدعاء (1874) ، والبيهقي في شعب الإيمان (4/245/4951) جميعاً من طريق إبراهيم بن عبد الله بن الحارث ابن حاطب الجُمحى عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعاً به .
(2) - الثقات لابن حبان[ ج 6 -ص 14 ](6524)
(3) - تهذيب الكمال (2/123)(191)
(4) - الجرح والتعديل (2/110/321)
(5) - الميزان (1/161/125)
(6) - تقريب التهذيب [ ج 1 -ص 90 ] (194)
(7) - (1821)987/2
(8) - انظر تهذيب التهذيب[ ج 4 -ص 334 ] (651)
(9) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 7 / ص 505) رقم الفتوى 47644 كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب
(10) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 4281)
(11) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 7 / ص 384) رقم الفتوى 47474 أسباب قسوة القلب و وراجع فيها الفتوى رقم: 5679 .
(12) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 14 / ص 153)
(13) - انظر لقاءات الباب المفتوح - (ج 76 / ص 21) بعض أسباب قسوة القلب
(14) - مدارج السالكين - (ج 2 / ص 24) وفتاوى الشبكة الإسلامية (ج 2 / ص 4098) رقم الفتوى 8523 الرياء وقسوة القلب... خطرهما وعلاجهما
(15) - مجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 5 / ص 238)
(16) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 6459)رقم الفتوى 26309 أربعة أدوية نافعة لعلاج قسوة القلب
(17) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ ( 733 ) والصحيحة (854) وصحيح الجامع (80) ومجمع الزوائد (13509 ) وهو صحيح لغيره
(18) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 7682) رقم الفتوى 59270 البكاء عند الدعاء أو الاستغفار(1/51)
246 / باب النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إلى ولاة الأمور إذا لم تدع حاجة إليه كخوف مفسدة ونحوها
46- ( 1539 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ يُبَلِّغْنِى أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِى عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَإِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ ». رواه أبو داود والترمذي .
( ضعيف ) .[ فيه الوليد بن أبي هشام،وهو مجهول ] .
---------------
قلت : هو في سنن أبى داود(4862 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِىُّ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ الْوَلِيدِ - قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَنَسَبَهُ لَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ فِى هَذَا الْحَدِيثِ - قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِى هِشَامٍ - عَنْ زَيْدِ بْنِ زَائِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ يُبَلِّغْنِى أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِى عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَإِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ ».
وفي سنن الترمذى (4270 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ الْوَلِيدِ عَنْ زَيْدِ بْنِ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ يُبَلِّغُنِى أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِى شَيْئًا فَإِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَالٍ فَقَسَمَهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَجُلَيْنِ جَالِسَيْنِ وَهُمَا يَقُولاَنِ وَاللَّهِ مَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِقِسْمَتِهِ الَّتِى قَسَمَهَا وَجْهَ اللَّهِ وَلاَ الدَّارَ الآخِرَةَ. فَتَثَبَّتُّ حِينَ سَمِعْتُهُمَا فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَخْبَرْتُهُ فَاحْمَرَّ وَجْهُهُ وَقَالَ « دَعْنِى عَنْكَ فَقَدْ أُوذِىَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ زِيدَ فِى هَذَا الإِسْنَادِ رَجُلٌ.(1)
وفي شعب الإيمان للبيهقي(10668 ) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ،أَنَا بِشْرٌ،أَنَا أَحْمَدُ،أَنَا عَلِيٌّ،ثَنَا سُفْيَانُ،عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ،قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَصْحَابِهِ،فَقَالَ : " لَا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا ؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَقَلْبِي لَكُمْ سَالِمٌ " هَذَا مُرْسَلٌ"
قلت : الوليد بن هشام فيه جهالة(2)،والترمذي لم يحسِّنْه بل استغربه،والصواب أنه صحيحٌ مرسلٌ .
====================
منَ السَّعادةِ القلبية ترك النميمة(3)
" إنّ سعادةَ القلب وسرور النفس وطيبَ العيش وصفاء الحياة غايةٌ يسعى إليها الناس جميعًا،وهدفٌ ينشده الخلق كافة،وأملٌ يرجو بلوغَه العقلاء عامّة،فتراهم يعملون كلَّ وسيلة ويتَّخذون كلَّ سبب ويركبون كلَّ مركب يبلغون به هذه الغايةَ ويصلون به إلى هذا المراد. غيرَ أنّ من أنار الله بصيرتَه وألهمه رشده يعلم أن سلامةَ الصدر مِن الأحقاد وبراءَته من الضغائن وصيانته من الشحناء هو من أعظم ما يدرك به المرء حظَّه من السعادة،وينال به نصيبه من النجاح.
إنها سلامة الصدر التي تبدو واضحةً في حبه الخير للناس جميعًا وسروره بما يسوق الله إلى عباده من نِعم،وفي براءة نفسه من حمل الحقدِ على إخوانه وإضمار الضغينة لهم،وفي طهارة قلبه من الفرح بآلامهم والسرور بما ينزل بهم من مصائب. ولِمَ لا يكون هذا شأنَه وهو يتلو قول ربه الأعلى سبحانه في كتابه حكايةً عن دعاء المؤمنين الصادقين المخبتين في دعائهم الصادق المخبت: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]،ويقرأ قولَ النبي حين سأله عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَىُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ « كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ». قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ « هُوَ التَّقِىُّ النَّقِىُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْىَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ »(4)."
" كما أنه سبحانه أتمَّ النعمة على أهل الجنة بأن نزعَ ما في قلوبهم من الغلّ وجعلهم إخوانًا،ذلك أن الغلَّ يُشقي صاحبه ويتعذَّب به،يقول سبحانه عن أهل الجنة: وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر:47]. وبيَّن سبحانه أنّ من مقتضيات التقوى حصولَ ذلك الصلاح في ذات البين وطهارة القلوب وسلامتها،فقال سبحانه: فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ [الأنفال:1]."(5)
-----------------
مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النَّمِيمَةَ
يَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النَّمِيمَةَ أُمُورٌ(6):
الأُْولَى : أَنْ لاَ يُصَدِّقَهُ،لأَِنَّ النَّمَّامَ فَاسِقٌ وَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ قَال اللَّهُ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات.
الثَّانِي : أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَنْصَحَ لَهُ وَيُقَبِّحَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ،قَال اللَّهُ تَعَالَى : {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (17) سورة لقمان،وَيَذْكُرَ لَهُ قَوْل الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - : « أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ،هِىَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ ». وَإِنَّ مُحَمَّدًا -ص - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الرَّجُلَ يَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا وَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا ».(7)
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ دَخَل عَلَيْهِ رَجُلٌ فَذَكَرَ لَهُ عَنْ رَجُلٍ شَيْئًا فَقَال لَهُ عُمَرُ : إِنْ شِئْتَ نَظَرْنَا فِي أَمْرِكَ،فَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَأَنْتَ مِنْ أَهْل هَذِهِ الآْيَةِ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات. وَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَأَنْتَ مِنْ أَهْل الآْيَةِ : {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ} (11) سورة القلم. وَإِنْ شِئْتَ عَفْوَنَا عَنْكَ،فَقَال الرَّجُل : الْعَفْوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ أَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدًا(8).
وَقَال مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ : نَحْنُ نَرَى أَنَّ قَبُول السِّعَايَةِ شَرٌّ مِنَ السِّعَايَةِ،لأَِنَّ السِّعَايَةَ دَلاَلَةٌ وَالْقَبُول إِجَازَةٌ وَلَيْسَ مَنْ دَل عَلَى شَيْءٍ فَأَخْبَرَ بِهِ كَمَنْ قَبِلَهُ وَأَجَازَهُ،فَاتَّقُوا السَّاعِيَ فَلَوْ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ لَكَانَ لَئِيمًا فِي صِدْقِهِ حَيْثُ لَمْ يَحْفَظِ الْحُرْمَةَ وَلَمْ يَسْتُرِ الْعَوْرَةَ .(9)
وَقَال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :" لاَ يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا،فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ"(10)
وَقَال رَجُلٌ لِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ : إِنَّ الأَْسْوَارِيَّ مَا يَزَال يَذْكُرُكَ فِي قَصَصِهِ بِشَرٍّ،فَقَال لَهُ عَمْرٌو : يَا هَذَا مَا رَعَيْتَ حَقَّ مُجَالَسَةِ الرَّجُل حَيْثُ نَقَلْتَ إِلَيْنَا حَدِيثَهُ،وَلاَ أَدَّيْتَ حَقِّي حِينَ أَعْلَمْتَنِي عَنْ أَخِي مَا أَكْرَهُ،وَلَكِنْ أَعْلِمْهُ أَنَّ الْمَوْتَ يَعُمُّنَا وَالْقَبْرَ يَضُمُّنَا وَالْقِيَامَةَ تَجْمَعُنَا وَاللَّهَ تَعَالَى يَحْكُمُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ(11).
الثَّالِثُ : أَنْ يَبْغَضَهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ بَغِيضٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجِبُ بُغْضُ مَنْ يُبْغِضُهُ اللَّهُ تَعَالَى .
الرَّابِعُ : أَنْ لاَ تَظُنَّ بِالْمَنْقُول عَنْهُ السُّوءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (12) سورة الحجرات
الْخَامِسُ : أَنْ لاَ يَحْمِلَكَ مَا حُكِيَ لَكَ عَلَى التَّجَسُّسِ وَالْبَحْثِ لِتَتَحَقَّقَ اتِّبَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلاَ تَجَسَّسُوا }(12) سورة الحجرات .
السَّادِسُ : أَنْ لاَ تَرْضَى لِنَفْسِكَ مَا نَهَيْتَ النَّمَّامَ عَنْهُ وَلاَ تَحْكِي نَمِيمَتَهُ فَتَقُول : فُلاَنٌ حَكَى لِي كَذَا وَكَذَا فَتَكُونَ نَمَّامًا وَمُغْتَابًا،وَتَكُونَ قَدْ أَتَيْتَ مَا عَنْهُ نَهَيْتَ(12).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر تخريجه وطرقه في المسند الجامع (9209) والسنن الكبرى للبيهقي(ج 8 / ص 166)(17119) ومسند البزار (2038)
(2) - تهذيب الكمال[ ج 31 -ص 104 ] (6743) وتهذيب التهذيب[ ج 11 -ص 137 ](260)
(3) - انظر موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 5003) سلامة الصدر
(4) - سنن ابن ماجه(4356) ومسند الشاميين (1218) وهو صحيح
(5) - انظر موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 2892) طهارة القلب وسلامته
(6) - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 41 / ص 374)
(7) صحيح مسلم(6802) -العضه : البهتان والكذب
(8) - فتاوى الأزهر - (ج 10 / ص 317) والكبائر - (ج 1 / ص 60) وإحياء علوم الدين - (ج 2 / ص 349) والأذكار للنووي - (ج 1 / ص 348) والزواجر عن اقتراف الكبائر - (ج 2 / ص 276) وتنبيه الغافلين، الإصدار 2 - (ج 1 / ص 26)
(9) - إحياء علوم الدين - (ج 2 / ص 350)
(10) - مرَّ تخريجه
(11) - إحياء علوم الدين - (ج 2 / ص 350) وآفات على الطريق كامل - (ج 1 / ص 327) وموسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 920)
(12) - فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3 / 133 وإحياء علوم الدين 3 / 152 - 153 ، والأذكار النووية ص 539 وما بعدها(1/52)
259 / باب النهي عن التجسس والتسمع لكلام من يكره استماعه
47- ( 1569 ) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ ». أَوْ قَالَ « الْعُشْبَ ». رواه أبو داود .
( ضعيف ) [ فيه : جد إبراهيم بن أبي أسيد،وهو مجهول ] .
-------------
قلت : هو في سنن أبى داود(4905 ) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ الْبَغْدَادِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ - يَعْنِى عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَمْرٍو - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِى أَسِيدٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ ». أَوْ قَالَ « الْعُشْبَ »(1).
محمد بن سليم أبو هلال الراسبي البصري وهو صدوق فيه لين(2)
قلت: وله شواهد وطرق :
فقد روي عن عِيسَى بن أَبي عِيسَى،مَيْسَرَة الحَنَّاط،عن أَبي الزِّنَاد،عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ،كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ،وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ،كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ،وَالصَّلاَةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ،وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ.(3)قلت : وعيسى متروك(4)
وفي الْأَمْوَالُ لِابْنِ زَنْجُوَيْهِ ( 1032) أَنَا حُمَيْدٌ أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ،حَدَّثَنِي اللَّيْثُ،حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ،عَنْ وَاقِدِ بْنِ سَلَامَةَ،عَنْ يَزِيدَ،عَنْ أَنَسٍ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ،وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ،وَالصَّلَاةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ،وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ " ( واقد فيه كلام ، ويزيد الرقاشي)
وفي الزُّهْدُ لِهَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ( 1384 ) حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ،عَنِ الْأَعْمَشِ،عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ،عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الْغِلَّ وَالْحَسَدَ يَأْكُلَانِ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ "( وفيه ضعف)
وفي مسند الشهاب القضاعي (976 ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ التُّسْتَرِيُّ،أبنا أَبُو سَهْلٍ،مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَعْفَرٍ الْعُكْبُرِيُّ،ثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصَةَ أَبُو حَفْصٍ الْخَطِيبُ،ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ الْمُسْتَهِلِّ،بِحَلَبَ،ثَنِي الْقَعْنَبِيُّ،عَنْ مَالِكٍ،عَنْ نَافِعٍ،عَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ " ( وسنده ساقط )
وفي تاريخ بغداد(5):أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي قال نبأنا محمد بن الحسن بن حريقا البزار قال نبأنا الحسن بن موسى الأشيب قال أنبأنا أبو هلال عن قتادة عن أنس. قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " .
قلت : فبهذه الشواهد يحسن الحديث لغيره . والله أعلم
=====================
حكمُ الحسَدِ(6)
" الْحَسَدُ إِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا،أَيْ بِمَعْنَى تَمَنِّي زَوَال النِّعْمَةِ عَنِ الْغَيْرِ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِِجْمَاعِ الأُْمَّةِ،لأَِنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْحَقِّ،وَمُعَانَدَةٌ لَهُ،وَمُحَاوَلَةٌ لِنَقْضِ مَا فَعَلَهُ،وَإِِزَالَةُ فَضْل اللَّهِ عَمَّنْ أَهَّلَهُ لَهُ،وَالأَْصْل فِي تَحْرِيمِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْمَعْقُول .
أَمَّا الْكِتَابُ : فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } (سورة الفلق / 5) فَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالاِسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ الْحَاسِدِ،وَشَرُّهُ كَثِيرٌ،فَمِنْهُ مَا هُوَ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ وَهُوَ إِصَابَةُ الْعَيْنِ،وَمِنْهُ مَا هُوَ مُكْتَسَبٌ كَسَعْيِهِ فِي تَعْطِيل الْخَيْرِ عَنْهُ وَتَنْقِيصِهِ عِنْدَ النَّاسِ،وَرُبَّمَا دَعَا عَلَيْهِ أَوْ بَطَشَ بِهِ إِِلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحَاسِدِ الَّذِي وَرَدَ الأَْمْرُ بِالاِسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّهِ : فَقَال قَتَادَةَ : الْمُرَادُ شَرُّ عَيْنِهِ وَنَفْسِهِ . وَقَال آخَرُونَ : بَل أُمِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذِهِ الآْيَةِ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ شَرِّ الْيَهُودِ الَّذِينَ حَسَدُوهُ،وَالأَْوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَال الطَّبَرِيُّ : إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُمِرَ بِأَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ شَرِّ كُل حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ . وَإِِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ،لأَِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل لَمْ يَخْصُصْ مِنْ قَوْلِهِ : { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } حَاسِدًا دُونَ حَاسِدٍ بَل عَمَّ أَمْرُهُ إِيَّاهُ بِالاِسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ كُل حَاسِدٍ فَذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ(7).
وَالْحَاسِدُ كَمَا قَال الْقُرْطُبِيُّ عَدُوُّ نِعْمَةِ اللَّهِ،قَال بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : بَارَزَ الْحَاسِدُ رَبَّهُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ أَبْغَضَ كُل نِعْمَةٍ ظَهَرَتْ عَلَى غَيْرِهِ . ثَانِيهَا : أَنَّهُ سَاخِطٌ لِقِسْمَةِ رَبِّهِ كَأَنَّهُ يَقُول : لِمَ قَسَمْتَ هَذِهِ الْقِسْمَةَ ؟
ثَالِثُهَا : أَنَّهُ ضَادَّ فِعْل اللَّهِ،أَيْ إِنَّ فَضْل اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ،وَهُوَ يَبْخَل بِفَضْل اللَّهِ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّهُ خَذَل أَوْلِيَاءَ اللَّهِ،أَوْ يُرِيدُ خِذْلاَنَهُمْ وَزَوَال النِّعْمَةِ عَنْهُمْ .
وَخَامِسُهَا : أَنَّهُ أَعَانَ عَدُوَّهُ إِبْلِيسَ(8).
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُل الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُل النَّارُ الْحَطَبَ أَوِ الْعُشْبَ "(9)
وَأَمَّا الْمَعْقُول فَإِِنَّ الْحَاسِدَ مَذْمُومٌ،فَقَدْ قِيل : إِنَّ الْحَاسِدَ لاَ يَنَال فِي الْمَجَالِسِ إِلاَّ نَدَامَةً،وَلاَ يَنَال عِنْدَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ لَعْنَةً وَبَغْضَاءَ،وَلاَ يَنَال فِي الْخَلْوَةِ إِلاَّ جَزَعًا وَغَمًّا،وَلاَ يَنَال فِي الآْخِرَةِ إِلاَّ حُزْنًا وَاحْتِرَاقًا،وَلاَ يَنَال مِنَ اللَّهِ إِلاَّ بُعْدًا وَمَقْتًا(10).
وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيمِ الْحَسَدِ مَا إِذَا كَانَتِ النِّعْمَةُ الَّتِي يَتَمَنَّى الْحَاسِدُ زَوَالَهَا عِنْدَ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى(11).
أَمَّا إِذَا كَانَ الْحَسَدُ مَجَازِيًّا،أَيْ بِمَعْنَى الْغِبْطَةِ فَإِِنَّهُ مَحْمُودٌ فِي الطَّاعَةِ،وَمَذْمُومٌ فِي الْمَعْصِيَةِ،وَمُبَاحٌ فِي الْجَائِزَاتِ،وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ،وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ،فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا » .(12)أَيْ كَأَنَّهُ قَال : لاَ غِبْطَةَ أَعْظَمُ أَوْ أَفْضَل مِنَ الْغِبْطَةِ فِي هَذَيْنِ الأَْمْرَيْنِ(13).
---------------
عِلاَجُ الْحَسَدِ
ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الإِِْحْيَاءِ أَنَّ الْحَسَدَ مِنَ الأَْمْرَاضِ الْعَظِيمَةِ لِلْقُلُوبِ،وَلاَ تُدَاوَى أَمْرَاضُ الْقُلُوبِ إِلاَّ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَل،وَالْعِلْمُ النَّافِعُ لِمَرَضِ الْحَسَدِ هُوَ أَنْ تَعْرِفَ تَحْقِيقًا أَنَّ الْحَسَدَ ضَرَرٌ عَلَى الْحَاسِدِ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ،وَأَنَّهُ لاَ ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَحْسُودِ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ .
أَمَّا كَوْنُهُ ضَرَرًا عَلَى الْحَاسِدِ فِي الدِّينِ،فَهُوَ أَنَّ الْحَاسِدَ بِالْحَسَدِ سَخِطَ قَضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى،وَكَرِهَ نِعْمَتَهُ الَّتِي قَسَمَهَا بَيْنَ عِبَادِهِ،وَعَدْلَهُ الَّذِي أَقَامَهُ فِي مُلْكِهِ بِخَفِيِّ حِكْمَتِهِ،فَاسْتَنْكَرَ ذَلِكَ وَاسْتَبْشَعَهُ وَهَذِهِ جِنَايَةٌ عَلَى حَدَقَةِ التَّوْحِيدِ،وَقَذًى فِي عَيْنِ الإِِْيمَانِ،وَكَفَى بِهِمَا جِنَايَةً عَلَى الدِّينِ .
وَأَمَّا كَوْنُ الْحَسَدِ ضَرَرًا عَلَى الْحَاسِدِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ أَنَّهُ يَتَأَلَّمُ بِحَسَدِهِ فِي الدُّنْيَا،أَوْ يَتَعَذَّبُ بِهِ وَلاَ يَزَال فِي كَمَدٍ وَغَمٍّ،إِذْ أَعْدَاؤُهُ لاَ يُخَلِّيهِمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نِعَمٍ يُفِيضُهَا عَلَيْهِمْ،فَلاَ يَزَال يَتَعَذَّبُ بِكُل نِعْمَةٍ يَرَاهَا،وَيَتَأَلَّمُ بِكُل بَلِيَّةٍ تَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيَبْقَى مَغْمُومًا مَحْرُومًا مُتَشَعِّبَ الْقَلْبِ ضَيِّقَ الصَّدْرِ قَدْ نَزَل بِهِ مَا يَشْتَهِيهِ الأَْعْدَاءُ لَهُ وَيَشْتَهِيهِ لأَِعْدَائِهِ،فَقَدْ كَانَ يُرِيدُ الْمِحْنَةَ لِعَدُوِّهِ فَتَنَجَّزَتْ فِي الْحَال مِحْنَتُهُ وَغَمُّهُ نَقْدًا،وَمَعَ هَذَا فَلاَ تَزُول النِّعْمَةُ عَنِ الْمَحْسُودِ بِحَسَدِهِ .
وَأَمَّا أَنَّهُ لاَ ضَرَرَ عَلَى الْمَحْسُودِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَوَاضِحٌ،لأَِنَّ النِّعْمَةَ لاَ تُزَال عَنْهُ بِالْحَسَدِ،بَل مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إِقْبَالٍ وَنِعْمَةٍ،فَلاَ بُدَّ أَنْ يَدُومَ إِِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَلاَ حِيلَةَ فِي دَفْعِهِ،بَل كُل شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ،وَلِكُل أَجَلٍ كِتَابٌ،وَمَهْمَا لَمْ تَزُل النِّعْمَةُ بِالْحَسَدِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَحْسُودِ ضَرَرٌ فِي الدُّنْيَا وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ إِثْمٌ فِي الآْخِرَةِ،وَأَمَّا أَنَّ الْمَحْسُودَ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَوَاضِحٌ(14).
---------------
الْقَدْرُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مِنَ الْحَسَدِ وَعَكْسُهُ وَمَا فِيهِ خِلاَفٌ :
ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْمَرْءَ لاَ يُمْكِنُهُ نَفْيُ الْحَسَدِ عَنْ قَلْبِهِ بِالْكُلِّيَّةِ،بَل يَبْقَى دَائِمًا فِي نِزَاعٍ مَعَ قَلْبِهِ،لأَِنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْحَسَدِ لأَِعْدَائِهِ،وَذَكَرَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ لِلشَّخْصِ فِي أَعْدَائِهِ ثَلاَثَةَ أَحْوَالٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يُحِبَّ مَسَاءَتَهُمْ بِطَبْعِهِ،وَيَكْرَهَ حُبَّهُ لِذَلِكَ وَمَيْل قَلْبِهِ إِلَيْهِ بِعَقْلِهِ،وَيَمْقُتَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ،وَيَوَدَّ لَوْ كَانَتْ لَهُ حِيلَةٌ فِي إِزَالَةِ ذَلِكَ الْمَيْل مِنْهُ،وَهَذَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ قَطْعًا،لأَِنَّهُ لاَ يَدْخُل تَحْتَ الاِخْتِيَارِ أَكْثَرُ مِنْهُ .
الثَّانِي : أَنْ يُحِبَّ ذَلِكَ وَيُظْهِرَ الْفَرَحَ بِمَسَاءَتِهِ إِمَّا بِلِسَانِهِ أَوْ بِجَوَارِحِهِ فَهَذَا هُوَ الْحَسَدُ الْمَحْظُورُ قَطْعًا
الثَّالِثُ : وَهُوَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ أَنْ يَحْسُدَ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ مَقْتٍ لِنَفْسِهِ عَلَى حَسَدِهِ،وَمِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ مِنْهُ عَلَى قَلْبِهِ،وَلَكِنْ يَحْفَظُ جَوَارِحَهُ عَنْ طَاعَةِ الْحَسَدِ فِي مُقْتَضَاهُ،وَهَذَا فِي مَحَل الْخِلاَفِ،وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لاَ يَخْلُو عَنْ إِثْمٍ بِقَدْرِ قُوَّةِ ذَلِكَ الْحُبِّ وَضَعْفِهِ(15).
---------------
عِلاَجُ الْمَحْسُودِ مِمَّا لَحِقَ بِهِ مِنْ أَذًى بِسَبَبِ الْحَسَدِ :
الْمَقْصُودُ بِالْعِلاَجِ هُنَا الْعِلاَجُ النَّبَوِيُّ لِتِلْكَ الْعِلَّةِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ :
أَحَدُهَا : الإِِْكْثَارُ مِنَ التَّعَوُّذِ،وَمِنْ ذَلِكَ قِرَاءَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ،وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ،وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ،وَالتَّعَوُّذَاتِ النَّبَوِيَّةِ،نَحْوِ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ .
الثَّانِي : الرُّقَى : وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا رُقْيَةُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ « نَعَمْ ». قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ"(16).
هَذَا وَمِمَّا يُدْفَعُ بِهِ ضَرَرُ الْحَاسِدِ عَنْ غَيْرِهِ دُعَاؤُهُ لِغَيْرِهِ بِالْبَرَكَةِ وَقَوْلَةُ : مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ . فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ انْطَلَقَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يُرِيدَانِ الْغُسْلَ - قَالَ - فَانْطَلَقَا يَلْتَمِسَانِ الْخَمْرَ - قَالَ - فَوَضَعَ عَامِرٌ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ صُوفٍ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَأَصَبْتُهُ بِعَيْنِى فَنَزَلَ الْمَاءَ يَغْتَسِلُ - قَالَ - فَسَمِعْتُ لَهُ فِى الْمَاءِ قَرْقَعَةً فَأَتَيْتُهُ فَنَادَيْتُهُ ثَلاَثاً فَلَمْ يُجِبْنِى فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ - قَالَ - فَجَاءَ يَمْشِى فَخَاضَ الْمَاءَ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ - قَالَ - فَضَرَبَ صَدْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ « اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا ». قَالَ فَقَامَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيُبَرِّكْهُ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ »(17).
وَكَمَا فِي قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ : مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ فَقَال : مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ،لَمْ يَضُرَّهُ .(18)، وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ،أَوْ دَخَل حَائِطًا مِنْ حِيطَانِهِ قَال : مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ "(19)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر طرقه في المسند الجامع - (ج 17 / ص 1327)(14228) وفي تخريج أحاديث الإحياء (115 ) أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة ، وقال البخاري : لا يصح . وهو عند ابن ماجه من حديث أنس بإسناد ضعيف ، وفي تاريخ بغداد بإسناد حسن ، والإتحاف 1/294 و 8/55 و تخ 1/272 و تمهيد 6/1244 و ترغيب 3/546 و 548
(2) - تقريب التهذيب[ ج 1 -ص 481 ] (5923 ) ولسان الميزان[ ج 7 -ص 360 ] (4615 )
(3) - المسند الجامع (1007) ومسند البزار(6212 )
(4) - تقريب التهذيب[ ج 1 -ص 440 ](5317 )
(5) - تاريخ بغداد[ ج 2 -ص 227 ] (677)
(6) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 17 / ص 273) وانظر التفاصيل في لقاءات الباب المفتوح - (ج 165 / ص 1) ومجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 3 / ص 233) ونور على الدرب - (ج 1 / ص 97) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 331) رقم الفتوى 1641 الأدلة الشرعية التي تنهى عن الحسد وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 10 / ص 1172) رقم الفتوى 71353 أضرار الحسد على النفس والآخرين وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 10 / ص 3441) رقم الفتوى 73932 خطر الحسد وعلاجه وبريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية - (ج 3 / ص 347) وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب - (ج 3 / ص 252) ولواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية - (ج 2 / ص 494) وموسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 358) سلامة الصدور وموسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 361)الحسد وموسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 2595) الحسد وموسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 2826) منهاج الإصلاح النبوي في حديث: ((لا تحاسدوا...)) وموسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 3749) صفاء القلوب وموسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 3816) رسالة إلى حاسد
(7) - تفسير الطبري 30 / 228 ط الثانية - الأميرية وأحكام القرآن للجصاص 3 / 588 ط البهية .
(8) - صحيح مسلم بشرح النووي 6 / 97 ط المصرية ، فيض القدير للمناوي 3 / 125 ط التجارية ، تحفة المريد على جوهرة التوحيد / 126 ط الأزهرية .
(9) - مر تخريجه
(10) - تفسير القرطبي 20 / 260 ط المصرية ، تحفة المريد على جوهر التوحيد / 126 ط الأزهرية .
(11) - فتح الباري 1 / 167 ط الرياض .
(12) - صحيح البخارى (73 )
(13) - فتح الباري 1 / 167 ط الرياض ، صحيح مسلم بشرح النووي 6 / 97 ط المصرية .
(14) - إحياء علوم الدين 3 / 193 - 195 طبعة الحلبي .
(15) - إحياء علوم الدين 3 / 196 ط الحلبي .
(16) - صحيح مسلم(5829 )
(17) - مسند أحمد (16110) وصحيح الجامع (4020) وهـ (3509) صحيح
(18) - مجمع الزوائد ( 8432 ) بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ وسنده واه جدا
(19) - زاد المعاد 3 / 119 ط الحلبي ، وتبيين الحقائق مع حاشية الشلبي 6 / 16 - 17 ط بولاق ، وابن عابدين 5 / 232 - 233 .(1/53)
262 / باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم
48- ( 1577 ) عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ ». " رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
( ضعيف )[ فيه القاسم بن أمية،يروي المناكير عن حفص بن غياث،وهذا منها] .
-----------------
قلت : هو في سنن الترمذى (2694 ) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِىُّ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ح قَالَ وَأَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ الْقَاسِمِ الْحَذَّاءُ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ بُرْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ ». قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَمَكْحُولٌ قَدْ سَمِعَ مِنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِى هِنْدٍ الدَّارِىِّ وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ مِنْ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ.(1)
قلت : وقال الشيخ ناصر رحمه الله :"فالصواب أنه حسنه لذاته ؛ لثقة رجاله،واتصال إسناده عنده . أما الثقة ؛ فلا مجال للنظر فيها لما سبق،وإنما النظر في الاتصال المذكور ؛ فإن تصريحه بسماع مكحول من واثلة قد خالفه فيه شيخه البخاري ؛ فقال : إنه لم يسمع منه .
ولا يشكُّ عارفٌ بهذا الفن أنه أعلم منه بعلل الحديث ورجاله،ولا سيما أنه وافقه على ذلك أبو حاتم الرازي،فأخشى أن يكون الترمذي اعتمد في ذلك على رواية لا تثبت ؛ فقد جاء في "التهذيب" ما نصه :"قال أبو حاتم : قلت لأبي مسهر : هل سمع مكحول من أحد من الصحابة ؟! قال : من أنس . قلت : قيل : سمع من أبي هند ؟ قال : من رواه ؟ قلت : حيوة عن أبي صخرة عن مكحول : أنه سمع أبا هند . فكأنه لم يلتفت إلى ذلك . فقلت له : فواثلة بن الأسقع ؟ فقال : من يرويه ؟ قلت : حدثنا أبو صالح : حدثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول قال : دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة ! فكأنه أومى برأسه"(2).
قلت : فهذا لو صحَّ عن مكحول ؛ ثبت سماعه منه،ولكن في الطريق إليه ما يدفعه ؛ فأبو صالح - وهو عبدالله بن صالح المصري - كثير الغلط ؛ كما قال الحافظ في "التقريب" .(3)
والعلاء بن الحارث كان اختلط،ولهذا لم يعتد به أبو حاتم،وهو الراوي له،فنفى سماعه منه ؛ كما تقدم
وأيضاً ؛ لو ثبت سماعه منه في الجملة ؛ لم يلزم ثبوت سماعه لهذا الحديث منه ؛ لأن ابن حبان رماه بالتدليس .
نعم ؛ إن صحَّ ما في رواية الشهاب القضاعي من طريق أبي يعلى الساجي : أخبرنا القاسم بن أمية الحذاء قال : سمعت حفص بن غياث يقول : سمعت برداً يقول : سمعت مكحولاً يقول : سمعت واثلة يقول ... ففي هذا الإسناد التصريح بسماع مكحول،والساجي - واسمه زكريا بن يحيى - أحد الأثبات ؛ كما قال الذهبي،لكن لا أدري ما حال الذين دون الساجي ؛ فإن الكناشة التي عندي لم أكتبهم فيها يوم نسخت الأحاديث فيها من أصولها المحفوظة في المكتبة الظاهرية،ولا سبيل الآن إلى الرجوع إلى الأصل ؛ لأني أكتب هذا التحقيق وأنا في عمان ، وعلى كل حالٍ ؛ فأنا في شكٍّ كبير في ثبوت سماعه في هذه الطريق ؛ لمخالفتها لسائر طرق الحديث عند كلِّ من ذكرنا من المخرجين،والخلاصةُ : أنَّ علَّةَ الحديث عندي : الانقطاعُ بين مكحول وواثلة . والله أعلم ."(4)
قلت : وهذا إسناد صحيح يبين فيه السماع لهذا الحديث ففي معجم ابن الأعرابي (1567) نا أَبُو يَعْلَى،نا الْقَاسِمُ بْنُ أُمَيَّةَ الْحَذَّاءُ قَالَ : سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ يَقُولُ سَمِعْتُ بُرْدًا يَقُولُ : سَمِعْتُ مَكْحُولًا يَقُولُ : سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ فَيُعَافِيَهِ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ " .
فصحَّ الحديثُ والحمدُ للهِ .
وما يشهد له من حيث المعنى ما ورد عَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ : صَعِدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا الْمِنْبَرَ،فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ وَقَالَ :" يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ،لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ،وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ،وَلاَ تَطْلُبُوا عَثَرَاتِهِمْ،فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْ عَوْرَةَ الْمُسْلِمِ يَطْلُبِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ،وَمَنْ يَطْلُبِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ،وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ فَقَالَ : مَا أَعْظَمَكَ،وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكَ،وَلَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ حُرْمَةً مِنْكَ"(5).
--------------------
النهيُ عن الشَّماتة
الشَّمَاتَةُ فِي اللُّغَةِ الْفَرَحُ بِمَا يَنْزِل بِالْغَيْرِ مِنَ الْمَصَائِبِ،وَالشَّمَاتَةُ وَالْحَسَدُ يَتَلاَزَمَانِ،لأَِنَّ الْحَسُودَ يَفْرَحُ بِمَصَائِبِ الْغَيْرِ(6)
فهي: التعيير بالذنب أو بالعمل أو حادثة تقع على الإنسان أو ما أشبه ذلك،فيشيعها الإنسان ويبينها ويظهرها،وهذا محرمٌ لأنه ينافي قول الله تعالى: إنما المؤمنون إخوة فإن الأخ لا يحبُّ أن تظهر الشماتة في أخيه،وكذلك ينافي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (58) سورة الأحزاب
وربما يرحمُ اللهُ هذا المعيَّرُ ويشفى من هذا الشيء ويزولُ عنه ثم يبتلَى به هذا الذي عيره،وهذا يقع كثيراً بين الناس .(7)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني (175 ) والمقاصد الحسنة للسخاوي (1293) وفي روضة المحدثين - (ج 10 / ص 399) قال الإمام النووى فى " الأذكار " 1 / 300 : قال الترمذى : حديث حسن ، قال عبد القادر الأرناؤوط 1 / 300 : قال الترمذى : حسن غريب و هو حسن لغيره أخرجه من طريق مكحول عن واثلة بن الأسقع وقال : حديث حسن غريب و قد أخرج له شاهدا يؤدى معناه من طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله " . وقال أيضا : حديث حسن غريب قال الحافظ فى أجوبة عن أحاديث وقعت في مصابيح السنة ووصفت بالوضع : هكذا وصف يعني - الترمذي - كلا منها بالحسن والغرابة فأما الغرابة فلتفرد بعض رواة كل منهما عن شيخه فهي غرابة نسبية و أمَّا الحسن فلاعتضاد كل منهما بالآخر ، وتنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 2 / ص 369)(20) رد على من زعم أنه موضوع
(2) - تهذيب التهذيب [ ج 10 -ص 258 ](511 )
(3) - قلت : ففي تقريب التهذيب (3388 ) عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني أبو صالح المصري كاتب الليث صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة من العاشرة مات سنة اثنتين وعشرين وله خمس وثمانون سنة خت د ت ق
(4) - السلسلة الضعيفة - (11 / ص 707)(5426 )
(5) - صحيح ابن حبان (5763) وهو صحيح
(6) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 17 / ص 270) و المصباح مادة : " شمت " وإحياء علوم الدين 3 / 186 ط الحلبي .
(7) - انظر شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 5 / ص 267-268) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 2468) رقم الفتوى 53043 تعيير الناس وفضحهم وإيذاؤهم من أخلاق الجاهلية تاريخ الفتوى : 21 رجب 1425 وفيض القدير، شرح الجامع الصغير(9827 ) و تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 298)(1/54)
278 / باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية
49- ( 1626 ) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« احْتَجِبَا مِنْهُ ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا وَلاَ يَعْرِفُنَا فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - : « أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ ». " رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
( ضعيف ) [ فيه : نبهان مولى أم سلمة،وهو مجهول ] .
----------------
قلت : هو في سنن أبى داود(4114 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ حَدَّثَنِى نَبْهَانُ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « احْتَجِبَا مِنْهُ ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا وَلاَ يَعْرِفُنَا فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا لأَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً أَلاَ تَرَى إِلَى اعْتِدَادِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ قَدْ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ « اعْتَدِّى عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ ».
وفي سنن الترمذى (3005 ) حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَيْمُونَةُ قَالَتْ فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « احْتَجِبَا مِنْهُ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا وَلاَ يَعْرِفُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.(1)
وقال النووي :" وَهَذَا الْحَدِيث حَدِيث حَسَن رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ هُوَ حَدِيث حَسَن وَلَا يُلْتَفَت إِلَى قَدَح مِنْ قَدَح فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّة مُعْتَمَدَة"(2).
قلت : أما نبهان فالصواب أنه صدوق(3)
ورجال إسناده ثقات مشاهير كلهم ؛ غير نبهان مولى أم سلمة وقد وثق،وكفاه في توثيقه وعدالته أمران :
( أولهما ) تابعيته وكونه مولىً لأم المؤمنين أم سلمة زوج النَّبىِّ - صلى الله عليه وسلم - ،ولهذا ذكره ابن حبان في الثقات قال : " نبهان أبو يحيى مولى أم سلمة . يروى عن أم سلمة . روى عنه الزهرى . وكانت أم سلمة قد كاتبته،وأدى كتابته فعتق"(4). وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: " مقبول من الثالثة "(5)،يعنى من أوساط التابعين الذين يتلقَّى حديثهم بالقبول تبعاً لقاعدة الحافظ الذهبي - رحمه الله- حيث قال في ديوان الضعفاء : " وأما المجهولون من الرواة،فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتمل حديثه وتلقي بحسن الظنِّ ؛ إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ " .
ولهذا صرَّح الذهبي بتوثيقه من غير تورية،فقال في الكاشف:" نبهان . عن مولاته أم سلمة . وعنه : الزهري،ومحمد بن عبد الرحمن . ثقة "(6).
وفى هذا التصريح بتوثيقه وتعديله ؛ ردٌّ على من زعم أن ذكر الذهبي في ذيل الضعفاء تجهيل ابن حزم إيَّاه إقرار منه بأنَّه مجهول !! .
وهاهنا ينبغي تنبيه الناظر في بعض كتب الحافظ الذهبي،وبخاصةٍ ميزان الاعتدال،أنَّه ربما ذكر كلَّ ما يقال عن الراوي من تضعيف أو تجهيل،وينسبه لقائله من غير تعقيب أو نفيٍ لجهالةٍ،فيظنُّ من لا يعلمُ خطَّة الذهبي وشرطه في المذكورين أن ذلك إقرارٌ منه بالضعف أو التجهيل،وهذا بخلاف مقصد الذهبي وغايته من صنيعه هذا ! .
قال أبو الحسنات اللكنوي في الرفع والتكميل فى الجرح والتعديل : " قد أكثر علماء عصرنا من نقل جروح الرواة من ميزان الاعتدال ؛ مع عدم اطلاعهم على أنَّه ملخَّص من الكامل لابن عدي،وعدم وقوفهم على شرطهما فيه في ذكر أحوال الرجال،فوقعوا به في الزلل،وأوقعوا النَّاس في الجدل،فإنَّ كثيراً ممن ذكر فيه ألفاظ الجرح : معدود في الثقات ؛ سالم من الجرح،فليتبصر العاقل،وليتنبه الغافل،وليجتنب المبادرة إلى جرح الرواة بمجرد وجود أالفاظ الجرح في حقِّه في الميزان،فإنه خسران أيُّ خسران . قال الذهبي في ديباجة ميزانه: "وفيه من تُكلم فيه مع ثقته وجلالته بأدنَى لينٍ،وبأقلِّ جرحٍ،فلولا أن ابن عدي وغيره من مؤلفي كتب الجرح ذكروه لما ذكرته لثقته،ولم أر أن أحذف اسم واحدٍ ممن له ذكرٌ بتليينٍ في كتب الأئمة المذكورين،خوفاً من أن يُتعقب عليَّ،لا أني ذكرته لضعفٍ فيه عندي "(7)بتمامه .
( ثانيهما ) رواية الزهري عنه،ولا يضرُّه تفرده،فقد تفرَّد الزهري عن جماعة من تابعي المدنيين ؛ لم يرو عنهم غيره،ووثقهم أئمة التزكية والتعديل .
ولهذا قال الحافظ ابن حجر: "وَهُوَ حَدِيث أَخْرَجَهُ أَصْحَاب السُّنَن مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ نَبْهَان مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْهَا وَإِسْنَاده قَوِيّ،وَأَكْثَر مَا عَلَّلَ بِهِ اِنْفِرَاد الزُّهْرِيِّ بِالرِّوَايَةِ عَنْ نَبْهَان وَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ قَادِحَة،فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفهُ الزُّهْرِيُّ وَيَصِفهُ بِأَنَّهُ مُكَاتَب أُمّ سَلَمَة وَلَمْ يُجَرِّحهُ أَحَد لَا تُرَدّ رِوَايَته"(8)
قلت : وهذا أحد المواضع التي تبين معنى قول ابن حجر عن الراوي : " مقبول" بأنَّه- ثقةٌ أو صدوقٌ-عنده ؛ خلافاً للمفهوم الخاطئ لدى المتأخرين،فليتنبه لمثله !! .
وأعجب شئٍ في تضعيفهم لحديث نبهان،تقليدُ من ضعَّفه لأبي محمد بن حزمٍ،الذي زعم جهالة نبهان لتفرد الزهري بالرواية عنه !! .
فإن كنت لا تعلم ما في هذا التقليد من الخطأ والجفاء لمذاهب الأئمة الفحول،فاعلم أنَّه : قد تفرد أبو بكرٍ محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهابٍ الزهرىُّ المدني عن جماعةٍ من المدنيين وغيرهم،ممن لم يرو عنهم غيرُه . ولست أعلم أحداً أحصى ما للزهرى من أفرادٍ على وجه التحديد،وسأذكر في هذه العجالة عشرين راوياً ممن هم في عداد المجاهيل،على طريقة أهل الإصطلاح،تفرد أبو بكرٍ الزهرى بالرواية عنهم،وتلقَّى الأئمة أحاديثهم بالقبول واحتجُّوا بها(9)
(1) إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس .
(2) ثابت بن قيس الأنصارى الزرقي المدنى .
(3) حسين بن السائب بن أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري .
(4) حصين بن محمد الأنصارى السالمى المدنى .
(5) حفص بن عمر بن سعد القرظ المدني المؤذن .
(6) سحيم ـ بمهملتين مصغراً ـ مولى بنى زهرة .
(7) صالح بن بشير بن فديك أبو الفديك .
(8) عبد الرحمن بن مالك بن مالك بن جعشم،ابن أخي سراقة بن مالك المدلجي
(9) عبيد الله بن خليفة الخزاعي الكوفى .
(10) عثمان بن إسحاق بن خرشة القرشى العامرى المدنى .
(11) عقبة ويقال عتبة بن سويد الأنصاري .
(12) عكرمة بن محمد الدؤلى .
(13) عمر بن محمد بن جبير بن مطعم القرشى النوفلى .
(14) عمرو بن أبان بن عثمان بن عفان القرشى الأموى .
(15) عمرو بن عبد الله بن أنيس بن أسعد بن حرام الجهنى .
(16) محمد بن سويد بن كلثوم بن قيس القرشى الفهرى،ابن ابن أخى الضحاك بن قيس
(17) محمد بن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمى النوفلى .
(18) محمد بن النعمان بن بشير الأنصاري .
(19) أبو عثمان بن سنة الخزاعي الكعبي الدمشقي .
(20) أبو الأحوص مولى بنى ليث أو غفار .
ونزيدك إيضاحاً وتبصيراً،ليزداد يقينك فى توثيق وتعديل أمثال من روى عنه الزهرى،فنذكر أنموذجين من هؤلاء المذكورين :
[ الأول ] ثابت بن قيس الأنصارى الزرقى .
أخرج حديثه أحمد (2/267)(7846) قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : أَخَذَتِ النَّاسَ رِيحٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ،وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَاجٌّ،فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ،فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ : مَنْ يُحَدِّثُنَا عَنِ الرِّيحِ ؟،فَلَمْ يُرْجِعُوا إِلَيْهِ شَيْئًا،فَبَلَغَنِي الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ،فَاسْتَحْثَثْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُ،فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ سَأَلْتَ عَنِ الرِّيحِ،وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ،تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ،وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ،فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلا تَسُبُّوهَا،وَسَلُوا اللهَ خَيْرَهَا،وَاسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهَا " .(10)
قلت : هذا حديث صحيح،رجاله ثقات كلهم رجال الصحيحين،خلا ثابت بن قيس الأنصارى الزرقى،وهو ثقة ممن تفرد عنهم الزهرى .
وذكره ابن حبان في الثقات(11). وقال الحافظ المزي في تهذيب الكمال: " ثابت بن قيس الأنصاري الزرقي المدني . روى عن أبي هريرة حديث ( الريح من روح الله) . روى عنه : الزهري . قال النسائي : ثقة . وقال أبو عبد الله ابن منده : مشهور من أهل المدينة"(12).
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب : " ثابت بن قيس الأنصاري الزرقي المدني . ثقة من الثالثة "(13).
[ الثانى ] عمر بن محمد بن جبير بن مطعم القرشى النوفلى .
أخرج حديثه البخارى في كتاب الجهاد والسير (2821 ) قال : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ : أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَمَعَهُ النَّاسُ،مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ،فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ،حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ،فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ،فَوَقَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،فَقَالَ : " أَعْطُونِي رِدَائِي،لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ،ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلاً،وَلا كَذُوبًا،وَلا جَبَانًا " .(14)
قال الحافظ المزى في تهذيب الكمال: "عمر بن محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي المدني،أخو سعيد وجبير وإبراهيم بني محمد بن جبير ابن مطعم . روى عن أبيه محمد بن جبير بن مطعم . روى عنه الزهري . قال النسائي : ثقة . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات . روى له البخاري حديثاً واحداً "(15).
وفى تقريب التهذيب : " ثقة . ما روى عنه غير الزهرى . من السادسة"(16).
والخلاصة أنه ليس مع من ضعَّف هذا الحديث حجة سوى :
( أولاً ) التأويل الخاطئ لقول الحافظ عن نبهان مكاتب أم سلمة : مقبول،وقد علمت أنه ثقة عند الترمذي وابن حبان والنووي والذهبي وابن حجر،وهو اللائق بحال التابعي الموصوف بأنه مكاتب أم سلمة .
( ثانياً ) تقليد ابن حزم على زعمه جهالة نبهان،وقد علمت أن الأئمة الفحول على توثيق من تفرد الزهري بالرواية عنهم،ومنهم نبهان مولى أم سلمة رضي الله عنهم أجمعين .
فالصوابُ من القول أنه حديثٌ صحيحٌ .
--------------
حكم نظر المرأة للرجل الأجنبي
قال المباركفوري رحمه الله: " فِيهِ تَحْرِيمُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا،وَبَعْضٌ خَصَّهُ بِحَالِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ عَلَيْهَا جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ عَائِشَةَ : كَانَ الْحَبَشُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ،فَسَتَرَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَنْظُرُ،فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَنْصَرِفُ .."(17)،وَمَنْ أَطْلَقَ التَّحْرِيمَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ آيَةِ الْحِجَابِ،وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ بِلَا شَهْوَةٍ،وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى . قَالَ السُّيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : كَانَ النَّظَرُ إِلَى الْحَبَشَةِ عَامَ قُدُومِهِمْ سَنَةَ سَبْعٍ وَلِعَائِشَةَ يَوْمئِذٍ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً،وَذَلِكَ بَعْدَ الْحِجَابِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ اِنْتَهَى .
وَبِدَلِيلِ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَحْضُرْنَ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ نَظَرُهُنَّ إِلَى الرِّجَالِ،فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَمْ يُؤْمَرْنَ بِحُضُورِ الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى،وَلِأَنَّهُ أُمِرَتِ النِّسَاءُ بِالْحِجَابِ عَنِ الرِّجَالِ،وَلَمْ يُؤْمَرْ الرِّجَالُ بِالْحِجَابِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا مَا لَفْظُهُ : هَذَا لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً،أَلَا تَرَى إِلَى اِعْتِدَادِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عِنْدَ اِبْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ . قَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ:" اعْتَدِّى عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ "(18).
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ : هَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ،وَبِهِ جَمَعَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ وَاسْتَحْسَنَهُ شَيْخُنَا اِنْتَهَى . وَقَالَ فِي الْفَتْحِ : الْأَمْرُ بِالِاحْتِجَابِ مِنِ اِبْنِ أمِّ مَكْتُومٍ،لِعِلْمِهِ لِكَوْنِ الْأَعْمَى مَظِنَّةَ أَنْ يَنْكَشِفَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ،فَلَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمُ جَوَازِ النَّظَرِ مُطْلَقًا،قَالَ : وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ اِسْتِمْرَارُ الْعَمَلِ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْأَسْفَارِ،مُنْتَقِبَاتٍ لِئَلَّا يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ،وَلَمْ يُؤْمَرِ الرِّجَالُ قَطُّ بِالِانْتِقَابِ لِئَلَّا يَرَاهُمُ النِّسَاءُ . فَدَلَّ عَلَى مُغَايَرَةِ الْحُكْمِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ"(19).
وقد ذكر ابن قدامة نحو ذلك عن الإمام أحمد،فقال في المغني:" يحتمل أن حديث نبهان خاص لأزواج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،كذلك قال أحمد وأبو داود .
قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : كأن حديث نبهان لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة،وحديث فاطمة لسائر الناس ؟،قال : نعم "(20).
قلت : وهذا الجمعُ يدفع التعارض بين الأحاديث الصحيحة،وتزول معه شبهة التضعيف لحديث نبهان،والله أعلم .(21)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وانظر طريقه في المسند الجامع - (ج 20 / ص 1061) (17622) وسنن البيهقي 7/92 والفتح 1/550 و12/37 وشرح السنة 9/24 والإتحاف 6/491 والخطيب في التاريخ 3/16 و8/339 وموارد الظمآن (1968) والإحسان(5575) والنسائي في الكبرى(9241) وإسحاق في مسنده(34) وأبو يعلى (6922) والتمهيد لابن عبد البر 19/154و156وابن سعد 8/175و178 وعشرة النساء للنسائي(341-7997 بتحقيقي) والتلخيص الحبير في تخروقال ابن الملقن في البدر المنير - (ج 7 / ص 512)هَذَا الحَدِيث صَحِيح.
(2) - شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 240) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 10 / ص 2426) رقم الفتوى 72743 تعليل اعتداد فاطمة بنت قيس في بيت ابن أم مكتوم
(3) - انظر تقريب التهذيب[ ج 1 -ص 559 ](7092 ) وقال : مكاتب أم سلمة مقبول من الثالثة وفي الكاشف[ ج 2 -ص 316 ](5795 ) ثقة، وسكت عليه البخاري في التاريخ الكبير [ ج 8 -ص 135 ] (2466 ) والثقات لابن حبان [ ج 5 -ص 486 ](5854) وسكت عليه في الجرح والتعديل [ ج 8 -ص 502 ] ( 2300 )
(4) - الثقات (5/486/
(5) - التقريب (1/559/ 7092 )
(6) - الكاشف (2/316/5759)
(7) - الرفع والتكميل فى الجرح والتعديل ( ص142)
(8) - فتح الباري - (ج 15 / ص 48)
(9) - انظر الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل لأبي محمد الألفي
(10) - وأخرجه كذلك الشافعي المسند (ص81) ، وعبد الرزاق في جامع معمر(11/89) والبخاري في الأدب المفرد (906،720) ، وأبو داود (5097) ، والنسائي في الكبرى (6/231/10768،10767) وعمل اليوم والليلة (932،931) ، وابن ماجه (3717) ، وأبو يعلى (10/527/6142) ، وابن حبان (5732،1007) ، وأبو الشيخ في العظمة(4/1314،1313) ، والحاكم (4/318) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/361) من طرق عن الزهرى عن ثابت بن قيس الزرقى عن أبى هريرة بنحوه .
(11) - الثقات (4/90/1962)
(12) - تهذيب الكمال (4/372/828)
(13) - التقريب (1/133/827)
(14) - وأخرجه كذلك عبد الرزاق (5/243/9497) ، وأحمد (4/82) ، وابن حبان (4820) ، والطبراني في الكبير (2/131:130/1555:1552) ، وابن عبد البر في التمهيد (20/52) ، والمزي في تهذيب الكمال(21/496) من طرق عن الزهرى أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ به .
(15) - تهذيب الكمال (21/495/4301)
(16) - تقريب التهذيب (1/416)
(17) - صحيح البخارى(5190 )
(18) - صحيح مسلم (3770 )
(19) - تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 87) وانظر تأويل مختلف الحديث - (ج 1 / ص 67) وعون المعبود - (ج 9 / ص 146)
(20) - المغنى (7/81) و تأويل مختلف الحديث ( ص225)
(21) - انظر المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول لأبي محمد الألفي(1/55)
283 / باب النهي عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض وإباحة حلقه جواز حلق الرأس كله للرجل دون المرأة
50- ( 1641 ) عَنْ عَلِىٍّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا. رواه النسائي .
( ضعيف ) [ فيه : اضطراب في إسناده ] .
-------------------
قلت : هو في سنن الترمذى (925 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْجُرَشِىُّ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِىُّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِىٍّ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا.(1)
(926 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ خِلاَسٍ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَلِىٍّ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَلِىٍّ فِيهِ اضْطِرَابٌ. وَرُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ يَرَوْنَ عَلَى الْمَرْأَةِ حَلْقًا وَيَرَوْنَ أَنَّ عَلَيْهَا التَّقْصِيرَ.(2)
وفي تحفة الأحوذي : قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ عَلِيٍّ فِيهِ اِضْطِرَابٌ ) فَإِنَّهُ رَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو مَرَّةً مُسْنَدًا بِذِكْرِ عَلِيٍّ وَمَرَّةً مُرْسَلًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عَلِيٍّ،وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَائِشَةَ . وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ : هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيه هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيٍّ،وَخَالَفَهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فَرَوَيَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلًا اِنْتَهَى . وَفِي الْبَابِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا : " لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ الْحَلْقُ إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ " . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والدّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ،وَقَدْ قَوَّى إِسْنَادَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَأَبُو حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ وَأَعَلَّهُ اِبْنُ الْقَطَّانِ وَرَدَّ عَلَيْهِ اِبْنُ الْمُوَفَّقِ فَأَصَابَ كَذَا فِي النَّيْلِ . وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَهُوَ ضَعِيفٌ،وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ،قَوْلُهُ : ( وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ عَلَى الْمَرْأَةَ حَلْقًا وَيَرَوْنَ أَنَّ عَلَيْهَا التَّقْصِيرَ ) وَحَكَى الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ"(3).
وبنحوه في مسند البزار(447)حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ،قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي،عَنْ وَهْبِ بْنِ عُمَيْرٍ،قَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ،يَقُولُ : نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا.،وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ لاَ نَعْلَمُ رَوَى إِلاَّ هَذَا الْحَدِيثَ،وَلاَ نَعْلَمُ حَدَّثَ عَنْهُ إِلاَّ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ وَرَوْحٌ فَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ.(4)
وقال الحافظ ابن حجر :وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق أُمّ عُثْمَان بِنْت سُفْيَان عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : " نَهَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَحْلِق الْمَرْأَة رَأْسهَا " وَهُوَ عِنْد أَبِي دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْه بِلَفْظِ " لَيْسَ عَلَى النِّسَاء حَلْق،إِنَّمَا عَلَى النِّسَاء التَّقْصِير " وَاَللَّه أَعْلَم "(5)
قلت : فالحديث له طرق وشواهد تقويه وترفعه لدرجة الحسن .
================
حكم حلق المرأة شعرها
" أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلاَ يَجُوزُ لَهَا حَلْقُ رَأْسِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لِقَوْل أَبِي مُوسَى : بَرِئَ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الصَّالِقَةِ(6)،وَالْحَالِقَةِ(7)،وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا(8)،قَال الْحَسَنُ : هِيَ مُثْلَةٌ .
وَأَمَّا إِذَا كَانَ حَلْقُ الْمَرْأَةِ شَعْرَ رَأْسِهَا لِعُذْرٍ أَوْ وَجَعٍ فَلاَ بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ . وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْكَرَاهَةَ(9). قَال الأَْثْرَمُ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَل عَنِ الْمَرْأَةِ تَعْجِزُ عَنْ شَعْرِهَا وَعَنْ مُعَالَجَتِهِ،وَتَقَعُ فِيهِ الدَّوَابُّ،قَال : إِذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ فَأَرْجُو أَنْ لاَ يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ(10).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - أَيْ فِي التَّحَلُّلِ أَوْ مُطْلَقًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَلْقُ لِلنِّسَاءِ فِي التَّحَلُّلِ ، بَلِ الْمَشْرُوعُ لَهُنَّ التَّقْصِيرُ . تحفة الأحوذي - (ج 2 / ص 463)
(2) - وانظر طرقه في المسند الجامع - (ج 13 / ص 464)(10119)
(3) - - (ج 2 / ص 463)
(4) - وانظر تخريجه وشواهده في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 5 / ص 236) والدراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 2 / ص 32) (483) وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 416) سكت عليه
(5) - فتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 35)
(6) - الصالقة : من صلقت المرآة إذا صاحت مولولة ( المعجم الوسيط ) .
(7) - صحيح البخارى(1296 ) ومسلم (298 )
(8) - مر تخريجه
(9) - ابن عابدين 2 / 182 و 5 / 261 ، والأشباه والنظائر لابن نجيم / 384 ط دار الفكر بدمشق ، والقوانين الفقهية / 435 ، والفواكه الدواني 2 / 401 ، والجمل 5 / 266 ، والمغني 1 / 90 .
(10) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 18 / ص 96) والفتاوى الخانية بهامش الهندية 3 / 409 ، والمغني 1 / 90 ، وكشاف القناع 1 / 78 .(1/56)
291 / باب النهي عن إتيان الكهان والمنجمين والعراف وأصحاب الرمل والطوارق بالحصي وبالشعير ونحو ذلك
51- ( 1670 ) عن قبيصة بن المخارق رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « الْعِيَافَةُ وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ ». الطَّرْقُ الزَّجْرُ وَالْعِيَافَةُ الْخَطُّ. " رواه أبو داود بإسناد حسن .
( ضعيف ) [ فيه : حيان بن علاء،وهو مجهول ] .
-----------------
قلت : هو في سنن أبى داود(3909 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَوْفٌ حَدَّثَنَا حَيَّانُ - قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ حَيَّانُ بْنُ الْعَلاَءِ - حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ قَبِيصَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« الْعِيَافَةُ وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ ». الطَّرْقُ الزَّجْرُ وَالْعِيَافَةُ الْخَطُّ.(1)
وقال ابن تيمية : " وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مخارق عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « الْعِيَافَةُ وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ ».(2).
وفي غريب الحديث لإبراهيم الحربي(1366 ) حَدَّثَنَا هَوْذَةُ،حَدَّثَنَا عَوْفٌ،عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ،عَنْ قَطَنِ بْنِ قَبِيصَةَ،عَنْ أَبِيهِ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ : " الْعِيَافَةُ وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ " قَوْلُهُ : " مِنَ الْجِبْتِ " الْجِبْتُ : السِّحْرُ،وَهُوَ - أَيْضًا - الْكَاهِنُ،وَهُوَ الصَّنَمُ،وَهُوَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ "
وحيان بن عمير القيسى الجريرى،أبو العلاء البصرى فهو ثقة،فإن لم يكن وهما فهي متابعة تامة فالحديث صحيح ومع هذا لا أستطيع الجزم بذلك.
وله متابعة شرح معاني الآثار - (ج 5 / ص 468)(4698) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ،قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيُّ،قَالَ : ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَارِثِ،قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ،عَنْ عَوْفٍ،عَنْ حِبَّانَ بْنِ قَطَنٍ،عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ،قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ " الْعِيَافَةُ , وَالطِّيَرَةُ , وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ " وحبان بن قطن لم أجد له ترجمة
فالحديث حسن لغيره والله أعلم .
===============
معنى الحديث
وأما معناه،فالعيافةُ ُطْلَقُ الْعِيَافَةُ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَعَانٍ : مِنْهَا : الْكَرَاهِيَةُ لِلطَّعَامِ أَوِ الشَّرَابِ،يُقَال : عَافَ الطَّعَامَ أَوِ الشَّرَابَ يَعَافُهُ عَيْفًا وَعِيَافَةً : كَرِهَهُ فَلَمْ يَأْكُلْهُ وَالْعَائِفُ لِلشَّيْءِ : الْكَارِهُ الْمُتَقَذِّرُ لَهُ،وَتُطْلَقُ الْعِيَافَةُ عَلَى زَجْرِ الطَّيْرِ لِلتَّشَاؤُمِ أَوِ التَّفَاؤُل بِأَسْمَائِهَا وَأَصْوَاتِهَا وَمَمَرِّهَا . وَمِنْهَا الْعَائِفُ الَّذِي يَعِيفُ الطَّيْرَ فَيَزْجُرُهُ(3).
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْعِيَافَةُ بِمَعْنَى زَجْرِ الطَّيْرِ وَالتَّفَاؤُل أَوِ التَّشَاؤُمِ بِأَسْمَائِهَا وَبِأَصْوَاتِهَا وَمَمَرَّاتِهَا كَانَتْ عَادَةً لِلْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،فَأَبْطَل الإِْسْلاَمُ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ،وَأَرْجَعَ الأَْمْرَ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ الْمُطْلَقَةِ،وَسُنَنِهِ الثَّابِتَةِ فِي الْكَوْنِ .
أَمَّا الْعِيَافَةُ بِمَعْنَى كَرَاهَةِ الطَّعَامِ وَالاِمْتِنَاعِ عَنْ تَنَاوُلِهِ،فعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِىُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ الَّذِى يُقَالُ لَهُ سَيْفُ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَيْمُونَةَ - وَهْىَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ - فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا،قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ،فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ،فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ،فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ،هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ،فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « لاَ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِى فَأَجِدُنِى أَعَافُهُ » . قَالَ خَالِدٌ فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ إِلَىَّ .(4)
فَقَدْ أُكِل الضَّبُّ بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ فَتَبَيَّنَ حِلُّهُ وَأَنَّ تَرْكَهُ لَهُ لِعَدَمِ إِلْفِهِ(5).
وأماالطِّيَرَةُ :هِيَ التَّشَاؤُمُ،وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَرَبِيَّ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْمُضِيَّ لِمُهِمٍّ مَرَّ بِمَجَاثِمِ الطَّيْرِ وَأَثَارِهَا،فَإِنْ تَيَامَنَتْ مَضَى،وَإِنْ تَشَاءَمَتْ تَطَيَّرَ وَعَدَل . فَنَهَى الشَّارِعُ عَنْ ذَلِكَ(6)فَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا فِي عَضُدِهِ حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ،فَقَالَ : مَا هَذِهِ ؟ قَالَ : نُعِتَتْ لِي مِنَ الْوَاهِنَةِ،قَالَ : أَمَا إِنْ مُتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ وُكِلْتَ إِلَيْهَا . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ وَلَا تُطُيِّرَ لَهُ،أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ " أَظُنُّهُ قَالَ : " أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ "(7). وَهِيَ بِهَذَا تُشْبِهُ الاِسْتِقْسَامَ فِي أَنَّهَا طَلَبُ مَعْرِفَةِ قَسْمِهِ مِنَ الْغَيْبِ .(8)
وأما الطَّرْقُ : مِنْ مَعَانِي الطَّرْقِ : الضَّرْبُ بِالْحَصَى،وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّكَهُّنِ،وَشَبِيهُ الْخَطِّ فِي الرَّمْل،(9).
وَمِنْ ذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الطَّرْقَ بِالْحَصَى وَالاِسْتِقْسَامَ كِلاَهُمَا لِطَلَبِ مَعْرِفَةِ الْحُظُوظِ(10).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر طرقه في المسند الجامع - (ج 14 / ص 874)(11168) وصحيح ابن حبان - (ج 13 / ص 502)(6131)
الطرق : الضرب بالحصى الذى يفعله النساء وقيل هو الخط فى الرمل =الطيرة : التشاؤم بالشىء =العيافة : زجر الطير والتفاؤل والاعتبار فى ذلك بأسمائها
(2) - مجموع الفتاوى - (ج 35 / ص 192)
(3) - لسان العرب ، متن اللغة ، فتح الباري 10 / 212 - 216 . .
(4) - صحيح البخارى(5391 ) ومسلم (5146 ) -المحنوذ : المشوى -أعاف : أكره
(5) - نهاية المحتاج / 144 والموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 31 / ص 80)
(6) - ابن عابدين 1 / 579 ط بولاق ثالثة ، وإعلام الموقعين 4 / 397 ط دار الجيل بيروت ، والآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 376 ط المنار ، والزواجر 2 / 109 ، 110 .
(7) - المعجم الكبير للطبراني(14770) والبزار (3578) وصحيح الجامع (5435) وهو حديث صحيح لغيره
(8) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 4 / ص 80)
(9) - لسان العرب ، والزواجر 2 / 109 ، 110 ط دار المعرفة بيروت وابن عابدين 3 / 306 ط بولاق ، ومنتهى الإرادات 3 / 395 ط دار الفكر .
(10) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 4 / ص 80)(1/57)
292 / باب النهي عن التطير
52- ( 1677 ) عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ - قَالَ أَحْمَدُ الْقُرَشِىُّ - قَالَ ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: « أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ لاَ يَأْتِى بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ ». " حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح .
( ضعيف ) فيه : عروة بن عامر،وهو مختلف في صحبته،وفيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت،وهو مدلس ]
------------------
قلت :هو في سنن أبى داود (3921 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ الْمَعْنَى قَالاَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ - قَالَ أَحْمَدُ الْقُرَشِىُّ - به(1)
وفي عمل اليوم والليلة لابن السني(292) حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ ، ثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الطِّيَرَةِ ، قَالَ : " أَصْدَقُهَا الْفَالُ ، وَلَا يَرُدُّ مُسْلِمًا ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنَ الطَّيْرِ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَقُولُوا : اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ " (ورجالها ثقات )
وأعل بعلتين الأولى عنعنة حبيب،والثانية الاختلاف في صحبة عروة بن عامر(2)
قلت : قال عنه في التقريب: ثقة فقيه كثير الإرسال والتدليس (1084) وفي الكاشف : كان ثقة مجتهدا فقيها (912)(3)
أقول : أمَّا التدليس فغير صحيح فالقدماء لم يتهمه أحد منهم بهذا كابن معين والعجلي والنسائي وأبي حاتم والأزدي وإنما اتهمه بذلك ابن حبان وابن خزيمة،ولكن هذه التهمة مردودة فمن هو أعلم منهما لم يذكر ذلك .
وأمَّا الإرسال : فقد أرسل عن أم سلمة وحكيم بن حزام وعروة بن الزبير على قول،لاغير وسمع من غيرهم وأنكر عليه ابن معين حديثين حديث المستحاضة تصلي وإن قطر الدم على الحصير وحديث القبلة للصائم(4)وقال ابن عدي عنه : "وهو ثقة حجة كما قاله ابن معين،ولعله ليس في الكوفيين كبير أحد مثله لشهرته وصحة حديثه،وهو في أئمتهم يجمع حديثه "(5).
فما قاله الذهبي في الكاشف (ثقة مجتهد فقيه) هو الصواب كما ترى
وأمَّا عروة بن عامر : فمختلف في صحبته فقدأثبتها البعض ونفاها آخرون ولايمنع أن يكون صحابيا،وأما ماذكره الحافظ في التهذيب من أن رواية حبيب عنه منقطعة فليس له من دليل،إذ الذين أرسل عنهم محصورون وليس عروة بن عامر منهم(6)
قلت : لكن رواية ابن السني عن عقبة بن عامر الصحابي الجليل .
فالحديث صحيح،ولا حجَّة لمن ضعَّفه،وسكت عليه الحافظ ابن حجر في الفتح(7)
===================
حكمُ الفأل(8)
التَّفَاؤُل : أَنْ تَسْمَعَ كَلاَمًا حَسَنًا فَتَتَيَمَّنَ بِهِ،وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا فَهُوَ الطِّيَرَةُ،يُقَال : فَأَل بِهِ تَفْئِيلاً جَعَلَهُ يَتَفَاءَل بِهِ،وَتَفَأَّل بِهِ بِالتَّشْدِيدِ تَفَؤُّلاً . وَتَفَاءَل تَفَاؤُلاً،وَيُسْتَعْمَل غَالِبًا فِي الْخَيْرِ،وَفِي الأَْثَرِ : لاَ عَدْوَى،وَلاَ طِيَرَةَ،وَيُعْجِبُنِي الْفَأْل الصَّالِحُ(9). وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي الشَّرِّ أَيْضًا،يُقَال : لاَ فَأْل عَلَيْكَ أَيْ لاَ ضَيْرَ عَلَيْكَ،وَجَاءَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « لاَ طِيَرَةَ،وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ » . قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ :« الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ »(10).
وعَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ،وَيُعْجِبُنِى الْفَأْلُ الصَّالِحُ،الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ »(11). .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لَهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ . وَقَدْ عَرَّفَهُ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّهُ : مَا يُظَنُّ عِنْدَهُ الْخَيْرُ . عَكْسُ الطِّيَرَةِ وَالتَّطَيُّرِ . غَيْرَ أَنَّهُ تَارَةً يَتَعَيَّنُ لِلْخَيْرِ،وَتَارَةً لِلشَّرِّ،وَتَارَةً يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا،فَالْمُتَعَيَّنُ لِلْخَيْرِ مِثْل الْكَلِمَةِ الْحَسَنَةِ يَسْمَعُهَا الرَّجُل مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ . نَحْوُ : يَا فَلاَحُ،يَا مَسْعُودُ .(12)
التَّفَاؤُل مُبَاحٌ بَل حَسَنٌ إِذَا كَانَ مُتَعَيِّنًا لِلْخَيْرِ،كَأَنْ يَسْمَعَ الْمَرِيضُ يَا سَالِمُ فَيَنْشَرِحُ لِذَلِكَ صَدْرُهُ .
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ التَّفَاؤُل بِالْكَلِمَةِ الْحَسَنَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ،كَأَنْ يَسْمَعَ الْمَرِيضُ يَا سَالِمُ،أَوْ يَسْمَعُ طَالِبُ الضَّالَّةِ يَا وَاجِدُ فَتَسْتَرِيحُ نَفْسُهُ لِذَلِكَ .(13)لِخَبَرِ أَنَسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ،وَيُعْجِبُنِى الْفَأْلُ الصَّالِحُ،الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ »(14).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَنْ يَسْمَعَ يَا رَاشِدُ يَا نَجِيحُ.(15)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لاَ يَتَطَيَّرُ مِنْ شَىْءٍ وَكَانَ إِذَا بَعَثَ عَامِلاً سَأَلَ عَنِ اسْمِهِ فَإِذَا أَعْجَبَهُ اسْمُهُ فَرِحَ بِهِ وَرُئِىَ بِشْرُ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهُ رُئِىَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُهَا فَرِحَ بِهَا وَرُئِىَ بِشْرُ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا رُئِىَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ.(16)
وَإِنَّمَا كَانَ يُعْجِبُهُ الْفَأْل ؛ لأَِنَّهُ تَنْشَرِحُ لَهُ النَّفْسُ وَتَسْتَبْشِرُ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَيُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ .(17)وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى إِنْ ظَنَّ بِى خَيْراً فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ »(18).
بِخِلاَفِ الطِّيَرَةِ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْمَال أَهْل الشِّرْكِ حَيْثُ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ حُصُول الضَّرَرِ بِمَا يُتَطَيَّرُ بِهِ .
التَّفَاؤُل الْمُبَاحُ : أَنْ يَسْمَعَ الرَّجُل الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ،أَوْ يُسَمِّي وَلَدَهُ اسْمًا حَسَنًا فَيَفْرَحُ عِنْدَ سَمَاعِهِ .
أَمَّا أَخْذُ الْفَأْل مِنَ الْمُصْحَفِ،كَأَنْ يَفْتَحَهُ فَيَتَفَاءَل بِبَعْضِ الآْيَاتِ فِي أَوَّل الصَّفْحَةِ،أَوْ يَتَفَاءَل بِضَرْبِ الرَّمْل،فَيَتَفَاءَل بِبَعْضِ رُمُوزِهِ فَحَرَامٌ(19).
وقد ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى كَرَاهَةِ التَّشَاؤُمِ وَالطِّيَرَةِ دُونَ الْفَأْل،وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لاَ يَتَطَيَّرُ مِنْ شَىْءٍ وَكَانَ إِذَا بَعَثَ عَامِلاً سَأَلَ عَنِ اسْمِهِ فَإِذَا أَعْجَبَهُ اسْمُهُ فَرِحَ بِهِ وَرُئِىَ بِشْرُ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهُ رُئِىَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُهَا فَرِحَ بِهَا وَرُئِىَ بِشْرُ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا رُئِىَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ.(20)
وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِى ثَلاَثَةٍ فِى الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ »(21).
وَقَال ابْنُ مُفْلِحٍ : إِنَّهُ قَوْل غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الأَْصْحَابِ . وَقَال : الأَْوْلَى الْقَطْعُ بِتَحْرِيمِهَا،وَلَعَل مُرَادَهُمْ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ . وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ التَّشَاؤُمَ وَالطِّيَرَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ،وَأَنَّهُ يَحْرُمَ اعْتِقَادُهَا وَالْعَمَل بِهَا . وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ وَلاَ مَنْ تُطُيِّرَ لَهُ"(22). وَلِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : « الطِّيَرَةُ شِرْكٌ وَمَا مِنَّا إِلاَّ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ ».(23)
قَال النَّوَوِيُّ : كَانَتْ تَصُدُّهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَْوْقَاتِ عَنْ مَصَالِحِهِمْ،فَنَفَى الشَّرْعُ ذَلِكَ وَأَبْطَلَهُ وَنَهَى عَنْهُ،وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ بِنَفْعٍ وَلاَ بِضُرٍّ،فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ طِيَرَةَ . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : الطِّيَرَةُ شِرْكٌ أَيْ : اعْتِقَادُ أَنَّهَا تَنْفَعُ أَوْ تَضُرُّ إِذَا عَمِلُوا بِمُقْتَضَاهَا مُعْتَقِدِينَ تَأْثِيرَهَا فَهُوَ شِرْكٌ لأَِنَّهُمْ جَعَلُوا لَهَا أَثَرًا فِي الْفِعْل وَالإِْيجَادِ،وَأَمَّا الْفَأْل،وَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْكَلِمَةِ الصَّالِحَةِ وَالْحَسَنَةِ وَالطَّيِّبَةِ .
قَال الْعُلَمَاءُ : يَكُونُ الْفَأْل فِيمَا يَسُرُّ وَفِيمَا يَسُوءُ،وَالْغَالِبُ فِي السُّرُورِ،وَالطِّيَرَةُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِيمَا يَسُوءُ . قَالُوا : وَقَدْ يُسْتَعْمَل مَجَازًا فِي السُّرُورِ يُقَال : تَفَاءَلْتُ بِكَذَا،بِالتَّخْفِيفِ،وَتَفَأَّلْت بِالتَّشْدِيدِ،وَهُوَ الأَْصْل،قَال الْعُلَمَاءُ : وَإِنَّمَا أُحِبُّ الْفَأْل لأَِنَّ الإِْنْسَانَ إِذَا أَمَّل فَائِدَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلَهُ عِنْدَ سَبَبٍ قَوِيٍّ أَوْ ضَعِيفٍ،فَهُوَ عَلَى خَيْرٍ فِي الْحَال وَإِنْ غَلَطَ فِي جِهَةِ الرَّجَاءِ،فَالرَّجَاءُ لَهُ خَيْرٌ،وَأَمَّا إِذَا قَطَعَ رَجَاءَهُ وَأَمَلَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى،فَإِنَّ ذَلِكَ شَرٌّ لَهُ،وَالطِّيَرَةُ فِيهَا سُوءُ الظَّنِّ،وَتَوَقُّعُ الْبَلاَءِ(24).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وفي شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 388) وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُرْوَة بْن عَامِر الصَّحَابِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ وذكره ثم قال : رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيح ،وصححه الشيخ صالح بن عثيمين رحمه الله في مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (ج 9 / ص 571) و مصنف ابن أبي شيبة(ج 9 / ص 39)(26920) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 139)(16962) والمسند الجامع - (ج 12 / ص 848)(9801) وتخريج أحاديث الإحياء (1109) والفتح 10/214
(2) - انظر الإصابة في معرفة الصحابة - (ج 2 / ص 248) وتقريب التهذيب [ ج 1 -ص 389 ] (4564)عروة بن عامر المكي مختلف في صحبته له حديث في الطيرة وذكره بن حبان في ثقات التابعين وفي الكاشف [ ج 2 -ص 19 ] (3777) قال : وثِّقَ، والجرح والتعديل [ ج 6 -ص 396 ] (2210)
(3) - انظر تهذيب الكمال[ ج 5 -ص 358 ] (1079) وتهذيب التهذيب [ ج 2 -ص 156 ](323) وطبقات المدلسين [ ج 1 -ص 37 ] (69) وتقريب التهذيب [ ج 1 -ص 150 ](1084)
(4) - راجع التهذيب 2/178 - 180
(5) - الكامل 2/408
(6) - راجع التهذيب 7/185 والإصابة 1/476
(7) - في الفتح 10/214
(8) - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 13 / ص 76)
(9) - تاج العروس ، ولسان العرب ، والمصباح ، مادة : " فأل " وحديث : " لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح " . أخرجه البخاري ( فتح الباري 10 / 214 ط السلفية ) ، ومسلم ( 4 / 1746 ط عيسى الحلبي ) من حديث أنس بن مالك
(10) - صحيح البخارى(5754 )
(11) - صحيح البخارى(5756 ) -الطيرة : التشاؤم بالشىء، وانظر الآداب الشرعية ص
(12) - الفروق 4 / 240 .
(13) - فتح الباري 10 / 214ـ 215 ، والآداب الشرعية 3 / 376 ، 377 ، 378 ، والفروق 4 / 240 ، وتفسير القرطبي 6 / 59 ـ 60 ، وابن عابدين 1 / 555 .
(14) - صحيح البخارى(5756) -الطيرة : التشاؤم بالشىء
(15) - سنن الترمذى(1714) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وهو كما قال
(16) - سنن أبى داود(3922 ) صحيح
(17) - ابن عابدين 1 / 555 ، وفتح الباري 10 / 215 ، وتفسير القرطبي 6 / 59ـ 60 ، والفروق 4 / 241 ، والآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 376 ، 377 ، 378
(18) - مسند أحمد(9314) حسن
(19) - الفروق 4 / 240 - 241 ، وحاشية القليوبي 4 / 256 ، والأذكار للنووي 256 .
(20) - سنن أبى داود(3922) صحيح
(21) - صحيح البخارى(2858 )
(22) - لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ
(23) - سنن ابن ماجه(3667 ) صحيح
(24) - شرح النووي على صحيح مسلم 14 / 219، 220 والموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 25 / ص 329)(1/58)
307 / باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه اللَّه عز وجل غير الجنة وكراهة منع من سأل بالله تعالى وتشفع به
53- ( 1722 ) عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ». " رواه أبو داود .
( ضعيف )[ فيه : سليمان بن معاذ التميمي،ضعفه ابن معين،وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان،والنسائي ]
------------------
قلت : هو في سنن أبى داود(1673 ) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقِلَّوْرِىُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِىُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ التَّيْمِىِّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ »(1).
قلت : الحديث معلول بسليمان وفيه ضعف.
--------------
كَرَاهَةُ أَنْ يَسْأَل بِوَجْهِ اللَّهِ غَيْرَ الْجَنَّةِ(2)
قال ابن مند":"وَفِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ مِنْهَا:مَنْ سَأَلَكُمْ بِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْطُوهُ . وَمِنْهَا حَدِيثُ،مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ،وَلَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الرُّوَاةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ،وَاسْتَعَاذَ بِوَجْهِ اللَّهِ وَأَمَرَ مَنْ يَسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ أَنْ يُعْطَى،مِنْ وُجُوهٍ مَشْهُورَةٍ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ،وَرَوَاهَا الْأَئِمَّةُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ،وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،وَأَبِي أُسَامَةَ،وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِمْ "(3)
اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ سُؤَالَ اللَّهِ بِوَجْهِهِ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا مَنْهِيٌّ فَإِنَّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا بَلْ يُسْأَلُ بِهِ الْجَنَّةُ نَحْوُ نَسْأَلُك الْجَنَّةَ بِوَجْهِك الْكَرِيمِ وَنَسْأَلُك بِوَجْهِك الْكَرِيمِ أَنْ تُدْخِلَنَا الْجَنَّةَ رُوِيَ نَفْيًا وَنَهْيًا،وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَسْأَلُوا مِنَ النَّاسِ شَيْئًا بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ أَعْطِنِي شَيْئًا بِوَجْهِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْحُطَامِ،وَذِكْرُ الْجَنَّةِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّنْبِيهِ بِهِ عَلَى الْأُمُورِ الْعِظَامِ،لَا لِلتَّخْصِيصِ فَلَا يُسْأَلُ اللَّهُ بِوَجْهِهِ فِي الْأُمُورِ الدَّنِيَّةِ،بِخِلَافِ الْأُمُورِ الْعِظَامِ تَحْصِيلًا أَوْ دَفْعًا "(4).
وقد ورد الحثُّ على إجابة من سألنا بوجه الله،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ،فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ ".(5)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:" مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ،وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْطُوهُ "(6).
قَالَ الطِّيبِيُّ:أَيْ مَنِ اِسْتَعَاذَ بِكُمْ وَطَلَبَ مِنْكُمْ دَفْع شَرّكُمْ أَوْ شَرّ غَيْركُمْ قَائِلًا:بِاَللَّهِ عَلَيْك أَنْ تَدْفَع عَنِّي شَرّك فَأَجِيبُوهُ،وَادْفَعُوا عَنْهُ الشَّرّ تَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّه تَعَالَى،فَالتَّقْدِيرُ مَنِ اِسْتَعَاذَ مِنْكُمْ مُتَوَسِّلًا بِاَللَّهِ مُسْتَعْطِفًا بِهِ،وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْبَاء صِلَة اِسْتَعَاذَ،أَيْ مَنْ اِسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ فَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهُ بَلْ أَعِيذُوهُ،وَادْفَعُوا عَنْهُ الشَّرّ فَوَضَعَ أَعِيذُوا مَوْضِع اِدْفَعُوا،وَلَا تَتَعَرَّضُوا مُبَالَغَة"(7).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر الرد على الجهمية لابن منده (95 ) والمقاصد الحسنة للسخاوي (1323)
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 14 / ص 152)
(3) -كتاب الرد على الجهمية لابن منده برقم (95 ).
(4) - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية (ج 5 / ص 14) ،كتاب لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية (ج 2 / ص 325)
(5) - سنن أبى داود(1674 ) صحيح
(6) - سنن أبى داود(5110 ) صحيح
(7) - عون المعبود (ج 4 / ص 79)(1/59)
329 / باب كراهة الالتفات في الصلاة لغير عذر
54- ( 1755 ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « يَا بُنَىَّ إِيَّاكَ وَالاِلْتِفَاتَ فِى الصَّلاَةِ فَإِنَّ الاِلْتِفَاتَ فِى الصَّلاَةِ هَلَكَةٌ فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَفِى التَّطَوُّعِ لاَ فِى الْفَرِيضَةِ ». " رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح
( ضعيف ) [ فيه : علي بن زيد بن جدعان،وهو ضعيف ] .
---------------
قلت : هو في سنن الترمذى (592 ) حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُسْلِمُ بْنُ حَاتِمٍ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِىِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« يَا بُنَىَّ إِيَّاكَ وَالاِلْتِفَاتَ فِى الصَّلاَةِ فَإِنَّ الاِلْتِفَاتَ فِى الصَّلاَةِ هَلَكَةٌ فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَفِى التَّطَوُّعِ لاَ فِى الْفَرِيضَةِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.(1)
قلت : الراجح عدم صحة هذا الحديث،وقد اختلفت الروايات عن الإمام الترمذي فيه ما بين حسن صحيح إلى حسن فقط .
[ الِالْتِفَاتُ فِي الصّلَاةِ ](2)
" أَمَّا الاِلْتِفَاتُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ،فَمِنْهُ : الاِلْتِفَاتُ فِي الصَّلاَةِ،وَهُوَ إِمَّا بِالْوَجْهِ أَوْ بِغَيْرِهِ،فَعِنْدَ الأَْئِمَّةِ الأَْرْبَعَةِ يُكْرَهُ الاِلْتِفَاتُ بِالْوَجْهِ فِي الصَّلاَةِ(3)،عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال لِي رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالاِلْتِفَاتَ فِي الصَّلاَةِ،فَإِنَّ الاِلْتِفَاتَ فِي الصَّلاَةِ هَلَكَةٌ،فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ لاَ فِي الْفَرِيضَةِ(4).
أَمَّا الاِلْتِفَاتُ بِالصَّدْرِ أَوْ بِالْبَدَنِ كُلِّهِ فَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ،وَمِنْهُمْ مَنْ قَال : تَبْطُل بِهِ الصَّلاَةُ إِنْ حَوَّل قَدَمَيْهِ،وَتَفْصِيل ذَلِكَ كُلِّهِ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي ( اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ ) .(5)
وَفِي الْخُطْبَةِ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الْتِفَاتِ الْخَطِيبِ،وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ كَرَاهِيَةَ الْتِفَاتِ الْمُسْتَمِعِ،وَتَفْصِيل ذَلِكَ بَيَّنَهُ الْفُقَهَاءُ فِي ( خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ) .(6)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وفي فتح الباري لابن رجب - (ج 5 / ص 215) قال الدار قطني : إسناده مضطرب ، لا يثبت . والله أعلم .
(2) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 6 / ص 174) وانظر زاد المعاد - (ج 1 / ص 240)
(3) - فتح القدير 1 / 357 ط دار إحياء التراث ، وشرح الروض 1 / 183 ، والزرقاني على خليل 1 / 219 ط دار الفكر ، وكشاف القناع 1 / 369 ، والمغني 2 / 9 .
(4) - مر تخريجه
(5) - ابن عابدين 1 / 421 ط بولاق الأولى ، وشرح الروض 1 / 183 ، والزرقاني على خليل 1 / 219 ، وكشاف القناع 1 / 369 ، 370 .
(6) - الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 282 نشر دار الإيمان ، والقليوبي 1 / 282 ط الحلبي ، والمغني 2 / 308 .(1/60)
361 / باب الاستغفار
55- ( 1873 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ». رواه أبو داود .
( ضعيف ) [ فيه : الحكم بن مصعب،وهو مجهول ] .
----------------
قلت : هو في سنن أبى داود (1520 )حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُصْعَبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ».(1)
وأما الحكم بن مصعب،فقد اختلفوا فيه،فقال الذهبي : صويلح(2)،وسكت عليه البخاري(3)وابن أبي حاتم(4)وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ(5)،وقال ابن حجر : مجهول(6)
قلت : الراجح عندي أنه حسن حديثه لسكوت هؤلاء الأعلام عنه ولقول الذهبي فيه أنه صويلح وكذا المنذري في آخر الترغيب
------------------
أهمية الاستغفار وفوائده
معنى الاستغفار
الاستغفار هو طلب المغفرة والصفح،وهو دليل حساسية القلب وانتفاض شعوره بالإثم ورغبته في التوبة والإقالة من الذنب وعدم المؤاخذة عليه لنيل الرحمة الربانية في الدنيا والآخرة.
إن الاستغفار اسم واقع على خمسة معان: أولها الندم على ما مضى،والثاني العزم على ترك العودة إليه أبدا،والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله وليس عليك تبعة،والرابع أن تعمِد إلى اللحم الذي نبت من السحت فتذيبه بالأحزان حتى تُلصِق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد،والخامس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية،فعند ذلك تقول: أستغفر الله.
والاستغفار ينبغي أن يكون بتذلل وتضرع وانكسار وخضوع وافتقار،وبعيون دامعة وقلوب خاشعة ونفوس إلى رحمة ربها وصفحه وفضله طامعة, وينبغي أن يكون معه حرارة الابتهال والصدق في السؤال والتضرع في الحال والشعور بالفقر إلى المغفرة في الاستقبال. ويستحب أن يكون متواصلا بالليل والنهار،وبالأخص في الأسحار،حينما ينزل الله جل جلاله بعظمته وعزته ورحمته إلى السماء الدنيا،وينادي عباده بنداء لطيف لنيل مصالحهم وغفران زلاتهم وقضاء حاجاتهم،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ »(7).
أفضل صيغه:
على المؤمن أن يستغفر بالصيغ الواردة في القرآن والمأثورة عن خير الأنبياء؛ فهي أنصح بيانًا وأرجح ميزانًا وأجمعُ للمعاني وأروع في المباني وأعظم تأثيرًا في القلوب. على أن في الاستغفار والدعاء بالمأثور أجرين: أجر الدعاء والاستغفار،وأجر الاتباع والاقتداء. ولا حرج عليه فيما يلهمه الله ويفتح له من صيغ وابتهالات،وعليه بسيد الاستغفار فعَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ الْعَدَوِىِّ قَالَ حَدَّثَنِى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - « سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى،لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ،خَلَقْتَنِى وَأَنَا عَبْدُكَ،وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ،أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ،أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِى،اغْفِرْ لِى،فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ » . قَالَ « وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا،فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِىَ،فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ،وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا،فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ،فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ »(8)..
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ « رَبِّ اغْفِرْ لِى وَتُبْ عَلَىَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ».(9)
وعَنْ زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ »(10).
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَالَ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ،وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاثًا،غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ،وَإِنْ كَانَ فَارًّا مِنَ الزَّحْفِ"(11)
ومن أفضلها استغفار آدم وحواء عليهما السلام قال تعالى : {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (23) سورة الأعراف
وكذلك دعاء ذي النون عليه السلام،قال تعالى : {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (87) سورة الأنبياء.
وعَنْ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « دَعْوَةُ ذِى النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِى بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِى شَىْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ »(12).
وعَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضى الله عنه - . أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِّمْنِى دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِى صَلاَتِى . قَالَ: « قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ،فَاغْفِرْ لِى مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ،وَارْحَمْنِى إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ »(13).
وفي حديث التوجه " اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ. أَنْتَ رَبِّى وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِى وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِى فَاغْفِرْ لِى ذُنُوبِى جَمِيعًا إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ"(14)
وقَالَ أبو هُرَيْرَةَ : "إِنَّ أَوْفَقَ الدُّعَاءِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِى وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِى يَا رَبِّ فَاغْفِرْ لِى ذَنْبِى إِنَّكَ أَنْتَ رَبِّى إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ".(15)
وعَنْ عَلِيٍّ،قَالَ : ما مِنْ كَلِمَاتٍ أَحَبُّ إِلَى اللهِ أَنْ يَقُولَهُنَّ الْعَبْدُ : اللَّهُمَّ لاَ إلَهَ إِلاَّ أَنْتَ اللَّهُمَّ لاَ أَعْبُدُ إِلاَّ إيَّاكَ،اللَّهُمَّ لاَ أُشْرِكُ بِكَ شَيْئًا،اللَّهُمَّ إنِّي قَدْ ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي،إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ(16).
أوقاتُ الاستغفار :
والاستغفار مشروعٌ في كل وقت،وهناك أوقات وأحوال مخصوصة يكون للاستغفار فيها مزيد فضل،فيستحبُّ الاستغفار بعد الفراغ من أداء العبادات؛ ليكون كفارة لما يقع فيها من خلل أو تقصير،كما شرع بعد الفراغ من الصلوات الخمس،فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من الصلاة المفروضة يستغفر الله ثلاثا؛ فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ « اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ». قَالَ الْوَلِيدُ فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِىِّ كَيْفَ الاِسْتِغْفَارُ قَالَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ(17). لأن العبد عرضة لأن يقع منه نقصٌ في صلاته بسبب غفلة أو سهو.
كما شرع الاستغفار في ختام صلاة الليل،قال تعالى عن المتقين:{ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} [الذاريات/17-18]. وقال تعالى: { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)} [آل عمران/16،17] .
وشرع الاستغفار بعد الإفاضة من عرفة والفراغ من الوقوف بها قال تعالى:{ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)} [البقرة/199].
وشرع الاستغفار في ختم المجالس فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ كَلِمَاتٌ لاَ يَتَكَلَّمُ بِهِنَّ أَحَدٌ فِى مَجْلِسِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ إِلاَّ كُفِّرَ بِهِنَّ عَنْهُ وَلاَ يَقُولُهُنَّ فِى مَجْلِسِ خَيْرٍ وَمَجْلِسِ ذِكْرٍ إِلاَّ خُتِمَ لَهُ بِهِنَّ عَلَيْهِ كَمَا يُخْتَمُ بِالْخَاتَمِ عَلَى الصَّحِيفَةِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.(18)
فإن كان مجلس خير كان كالطابع عليه،وإن كان غير ذلك كان كفارة له.
وشرع الاستغفار بعد كل ذنب،فعَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا - رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ كُنْتُ رَجُلاً إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا نَفَعَنِى اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِى وَإِذَا حَدَّثَنِى أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ لِى صَدَّقْتُهُ قَالَ وَحَدَّثَنِى أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ». ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ :{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (135) سورة آل عمران.(19)
وشرع الاستغفار في ختام العمر،وفي حالة الكبر،فقد قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - عند اقتراب أجله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) [سورة النصر].
فقد جعل الله فتح مكة،ودخول الناس في دين الله أفواجا،علامة على قرب نهاية أجل النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وأمره عند ذلك بالاستغفار،فينبغي ملازمة الاستغفار في كل وقت،والإكثار منه في هذه الأوقات والأحوال المذكورة،لتحوزوا هذه الفضائل،وتنالوا هذه الخيرات،فقد كان نبينا يكثر من الاستغفار،وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ « رَبِّ اغْفِرْ لِى وَتُبْ عَلَىَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ »(20).
وعند النوم،فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِى إِلَى فِرَاشِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ وَرَقِ الشَّجَرِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا »(21).
بعد الفجر وبعد العصر،فعن قيس بن أبي حازم،حدثني معاذ،رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « مَنْ قَالَ بَعدَ الفَجرِ ثَلاثَ مَراتٍ،وبَعدَ العَصرِ ثَلاثَ مَراتٍ : أَستغفرُ اللهَ العَظيمَ الذي لا إلهَ إلاَّ هوَ الحَيَّ القَيومَ و أَتوبُ إليهِ،كُفّرتْ عنهُ ذُنوبهُ وإنْ كانتْ مِثلَ زَبدِ البَحرِ»(22).
الأستغفار سنة الأنبياء والمرسلين:
إن الاستغفار سنة الأنبياء والمرسلين،وطريق ووسيلة الأولياء والصالحين،يلجؤون إليه في كل وقت وحين،في السراء والضراء،به يتضرعون وبه يتقربون،وبه يرتقون في مدارج القرب عند الله،به ينوِّرون قلوبهم وينيرون قبورهم،وبه يصححون سيرهم إلى الله،وبه يُنصرون ويُمطرون ويرزقون ويغاثون ويرحمون،فأبونا آدم وأمنا حواء عليما السلام لما أذنبا وعاتبهما ربهما أحسَّا بخطئهما التجآ إلى ربهما متضرعين مستغفرين نادمين مسترحمين،فكان مما قالا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]. وقال سيدنا نوح عليه السلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [نوح:28]،وقال: وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ [هود:47]. وقال موسى عليه السلام لما قتل رجلا من الأقباط: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [القصص:16]. وقال شعيب لقومه: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود:90]. وقال سيدنا صالح لقومه بعد أن أمرهم بعبادة الله: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود:61]. وحكى الله عن سيدنا داود لما تسَرَّع في الحكم بين الخصمين ولم يتريث في ذلك،فأحس بخطئه: فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص:24]. وهذا ابنه سليمان قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص:35]. وهذا إبراهيم عليه السلام كان يستغفر لنفسه ولأبيه رغم ضلاله،وبقي كذلك حتى تيقن أنه عدو الله فتبرأ منه،وكان يستغفر لكل مؤمن سابق ولاحق،رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم:41]. وهذا خيرتهم وخاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - قال له ربه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]،وقال له: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3].
وحاجتنا نحن اليوم للتوبة والاستغفار أكثر من أي وقت مضى؛ لأن وقتنا هذا امتلأ بالمغريات والذنوب،وكثرت أسباب المعاصي في البيت والشارع والعمل،وقست بسبب ذلك القلوب وعلاها الران،وانطمست البصائر والأبصار،فأصبح لزاما على المؤمنين لزوم هذه العبادة العظيمة وتجديدها حينا بعد حين،واللوذ بهذا الركن الركين،اقتداء بالرسل الكرام صفوةِ خلق الله،وبرسولنا الأواه وأصحابه والتابعين الذين وصفهم الله بقوله: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:16-18].
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِى صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا »(23)
أهم فوائد الاستغفار:
*-الاستغفارُ أفضل العبادات وأنفعها للعباد،وقد أمر الله عز وجل به في آيات كثيرة،فقال تعالى: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم (المزمل:20) وقال تعالى: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ (هود:90)،وقد أمر عز وجل به نبيه - صلى الله عليه وسلم - وفي ضمن ذلك أمر لأمته- فقال عز وجل: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (النصر:3)،
*-مغفرة الذنوب لقوله تعالى :{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) } [آل عمران/135-137]
وقوله تعالى :{ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106)} [النساء/106]
*-المتاع الحسن،لقد أمر الله هذه الأمة بالاستغفار والتوبة, ووعدهم بأن يمتِّعهم متاعًا حسنًا من إغداق في النعم والطيبات وسَعة في العيش وتمتع بالأموال وصلاح في البنين والأهل إن سمعوا وأطاعوا, وتوعدهم بعذاب كبير في الدنيا والآخرة إن خالفوا وعصوا،فقال الله جل شأنه:{ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)} [هود/3]
*-إنزال المطر وزيادة القوة لقوله تعالى : {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} (52) سورة هود،فالاستغفارُ مع الإقلاع عن الذنب سببٌ للخصب والنماء وكثرة الرزق وزيادة العزّة والمنعة.
*-إجابة الدعاء لقوله تعالى {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } (61) سورة هود
*الرحمة والودُّ،فهذا النبي شعيبٌ عليه السلام يرى قومَه على أسوأ الأخلاق مع الشرك والإلحاد،فيلحُّ في نُصحهم للإقلاع عمّا هم فيه من ضلال،ويبشّرهم بأنّ ربَّهم رحيمٌ بعباده ودود،يرضَى عن عباده الصالحين،ويكفِّر عنهم ما مضى من سيِّئاتهم إذا أخلصوا النيةَ والتوجهَ إليه لقوله تعالى : {وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} (90) سورة هود
*-الاستغفار زاد الداعية إلى الله،لقوله تعالى : {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} (55) سورة غافر
*-الاستغفارُ سببٌ في جلب النعم ودفع النقم. فهو سبب لنزول الغيث والإمداد بالأموال والبنين ونبات الأشجار وتوفر المياه،لقوله تعالى على لسان النبي نوح عليه السلام : {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} [نوح/9،12]
فإن نبي الله نوحا عليه السلام أمر قومه بالاستغفار ليحرك عواطفهم،وليهز مشاعرهم،وليجدد الإيمان في قلوبهم،وليُظهر لهم أن ما أصابهم من انحباس الأمطار وضيق الأرزاق وحرمان الذرية وفقد سبل العيش الكريم مردُّه أولا إلى جفاف القلوب من الإيمان وخلو الأفئدة من الخوف والتفكر والاعتبار؛ لأن جفاف القلوب والعقول أضر من جفاف الحقول،بل هو سبب كل ذلك.
__________
(1) - المسند الجامع - (ج 9 / ص 721)(6788) والمستدرك للحاكم (7677) وسكت عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى - (ج 8 / ص 163و240و527) و (ج 10 / ص 255) و (ج 16 / ص 53) و(ج 35 / ص 83)
(2) - الكاشف [ ج 1 -ص 345 ] (1190 )
(3) - في التاريخ الكبير [ ج 2 -ص 338 ](2670 )
(4) - في الجرح والتعديل[ ج 3 -ص 128 ](581 )
(5) - الثقات لابن حبان [ ج 6 -ص 187 ](7295)
(6) - وفي تقريب التهذيب[ ج 1 -ص 176 ](1461) مجهول
(7) - صحيح البخارى(1145 )
(8) - صحيح البخارى(6306 )-أبوء : أعترف وأقر
(9) سنن أبى داود(1518 ) صحيح
(10) - سنن أبى داود(1519 ) صحيح
(11) - المستدرك للحاكم(1884) صحيح لغيره
(12) - سنن الترمذى(3845) صحيح لغيره - النون : الحوت
(13) - صحيح البخارى(834 ) و صحيح مسلم(7044)
(14) - صحيح مسلم(1848) مطولا عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ رضي الله عنه
(15) - مسند أحمد(10966) صحيح
(16) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 10 / ص 328)(30136) صحيح
(17) - صحيح مسلم (1362 )
(18) - سنن أبى داود (4859 ) صحيح
(19) - سنن أبى داود(1523 ) صحيح
(20) - سنن أبى داود (1518 ) صحيح
(21) - سنن الترمذى(3725 ) حسن لغيره -الزبد : الرغوة
(22) - عمل اليوم والليلة لابن السني (126) وفوائد تمام (1001 ) والدعاء للطبراني (1783 و 1784 و 1785) والإتحاف 5/127 و 131 صحيح لغيره
(23) - مسند البزار (3508) وسنن ابن ماجه (3950) صحيح(1/61)
وبيَّنت الآياتُ أيضاً أنَّ الاستغفارَ من الذنب سببٌ لنزول الغيث والإمداد بالأموال والبنين ونباتِ الأشجار وتوفُّر المياه،ذلك أنّ الذنوبَ والمعاصي إذا انتشرت في أمّة سبَّبت الشقاء والهلاك والقحطَ والجدْب،ولهذا أمر الله الناسَ عبر الأجيال بواسطةِ أنبيائه أن يُقلِعوا عن المعاصي،ويطلبوا الغفرانَ من الله على ما اقترفوه،حتى ينالوا رحمتَه ويجتنبوا غضبه.
*-يدفع العقوبة عن صاحبه ويمنع نزول المصائب به, ويحول دون حلول الكوارث والأزمات والنكبات،ويرفع العقوبات النازلة بالإنسان،كالقحط والطوفان والجوع والأوبئة المهلكة،ويحقق الأمن النفسي والاجتماعي،فعَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىَّ أَمَانَيْنِ لأُمَّتِى ({وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (33) سورة الأنفال،إِذَا مَضَيْتُ تَرَكْتُ فِيهِمْ الاِسْتِغْفَارَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ »(1).
*-الاستغفار دواء وعلاج،وملاذ المضطر وباب الفوز برضا الله،وأساس الوقاية من غضبه،وهو سبب فرح العبد وحبوره يوم لقاء الله،يوم يجد صحيفته مملوءة بالاستغفار،فعَنِ الزُّبَيْرِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرَّهُ صَحِيفَتُهُ ; فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ "(2). فالمكثر من الاستغفار يُبعث طاهرًا نقيًا فرحًا مسرورًا لا ذنب يؤاخذ عليه،ويزداد فرحًا وحبورًا عندما يقبض صحيفته بيمينه ويجدها ممتلئة بالاستغفار.
*-إذا أعتيك المسائل ففر إلى الاستغفار،يقول ابن القيم رحمه الله: "وشهدتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيميه رحمه الله إذا أعيَته المسائل واستعصَت عليه فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار والاستعانة بالله واللجوء إليه واستنزال الصوابِ من عنده والاستفتاح من خزائن رحمته،فقلَّما يلبثُ المددُ الإلهي أن يتتابَع عليه مدًّا،وتزدلِف الفتوحات الإلهية إليه،بأيّتهنّ يبدأ".(3)
*-سبب لانشراح الصدر،وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِى حَتَّى أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ ». رواه أحمد(4)
*-سبب لحسن الخلق والسهولة مع الخلق،فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ فِى لِسَانِى ذَرَبٌ عَلَى أَهْلِى لَمْ أَعْدُهُ إِلَى غَيْرِهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ يَا حُذَيْفَةُ إِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ »(5).
*-سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات،فأوجبُ ما يكون الاستغفار عند الوقوع في مهاوي المعاصي وأرجاسِ الذنوب،وهنا يجدُ المسلم الاستغفارَ أداةً يتعلَّق بها لتقِيمه من عثرته،ومغسلةً يتطهَّر بها من أدران ذنبه،قال تعالى :{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (135) سورة آل عمران
وكما في الحديث القدسي: " يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ "(6)،وكقوله تعالى {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (110) سورة النساء
وعَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَرْوِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ « يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى فَإِنِّى سَأَغْفِرُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَوْ لَقِيتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا لَلَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً وَلَو عَمِلْتَ مِنَ الْخَطَايَا حَتَّى تَبْلُغَ عَنَانَ السَّمَاءِ مَا لَمْ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى لَغَفَرْتُ لَكَ ثُمَّ لاَ أُبَالِى »(7).
*-الاستغفارُ يدفع عن النفس الشعورَ بالكبر،والزهوَّ بالنفس والعُجبَ بالأعمال،يورثها الإحساسَ بالتقصير،وهذا الإحساسُ بالتقصير يدفع المسلمَ للمزيد من العمل في طاعة الله،فتزداد حسناتُه ويثقل ميزانه.
وتدبّر أيضًا حكمةَ الاستغفار دُبُر كلّ صلاة كما علّمنا عليه الصلاة والسلام،حتى لا يُعجَب المسلم بصلاتِه وعبادته ويتألّى بها على الله كما تألّى بعض الأعرابِ على الله ومَنّوا على الرسول بإسلامهم،يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِنُ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17].
فَإِنَّ الْعِبَادَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ :« يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنِّى أَتُوبُ إِلَيْهِ فِى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ »(8). وفي رواية:« وَاللَّهِ إِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِى الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً »(9)وفي رواية : « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى خَطِيئَتِى وَجَهْلِى وَإِسْرَافِى فِى أَمْرِى،وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى،اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى هَزْلِى وَجِدِّى وَخَطَاىَ وَعَمْدِى،وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِى »(10).
*-المستغفر يُقر بصفة الله تعالى الغفار،ويردد اسمه تعالى ويلهج به،ويتعبد له بهذه العبادة العظيمة التي يجب توفرها في عباد الله المستحقين للاستخلاف في الأرض, ويحقق ـ أي: الاستغفار ـ للمؤمن الثقة بالله وبلطفه بعباده الضعفاء،فإذا كان الدعاء مخّ العبادة فالاستغفار جوهرها, وهو دعاء واستمداد،وهو استجابة لله وتنفيذ لأمره وذكر له وصلح معه وتقرب إليه وخضوع تام له واعتراف بعجز العبد وقدرة مولاه.
*- الاستغفارُ سببٌ لمحو الذنوب ورفع العقوبة،قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (النساء:110).
وأوجبُ ما يكون الاستغفار عند الوقوع في مهاوي المعاصي وأرجاسِ الذنوب،ومن ذا الذي يسلم من ذلك؟! وهنا يجِد المسلم في الاستغفار أداةً يتعلّق بها لتقيمَه من عثرتِه،ومغسلةً يتطهَّر بها من أدران الذّنوب،فقد ذكر تعالى من أوصاف المتّقين في كتابه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
وعَنْ زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ »(11).
*-رفع البلايا عن الناس،قال الله سبحانه في شأن نبيّه يونس عليه السلام:" فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ "[الصافات:143،144].
*-الاستغفارُ سببٌ لصفاءِ القلب ونقائه،فالذنوب تترك أثرًا سيّئًا وسوادًا على القلب،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِى قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِى ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى الْقُرْآنِ {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (14) سورة المطففين»(12).
*-زوال الهم والغم وتفريج الكرب،وبه تمحى السيئات وتبدّل إلى حسنات،وتنزل الرحمات،وتُدفع الآفات،وتفتح أبواب السموات،وبه تفرَّج الكروب،وتتطهر القلوب،وترتبط بعلام الغيوب،وتُكشف الهموم،وتزول الغموم, وتحصل البركة في المال،وتُحقَّق الآمال،وبه تكثر الأرزاق وتزداد النعم حتى لا يدري المستغفر مصدرها،ولا الوجهة التي أتت منها. كما في حديث ابن عباس: « مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ».،قال الحكيم : وأشار بالإكثار إلى أن الآدمي لا يخلو من ذنبٍ أو عيب ساعةً فساعة والعذابُ عذابان أدنى وأكبر فالأدنى عذابُ الذنوبِ والعيوبِ،فإذا كان العبد مستيقظاً على نفسه فكلَّما أذنبَ أو أعتبَ أتبعهما استغفاراً فلم يبق في وبالها وعذابها،وإذا لها عن الاستغفار تراكمت ذنوبه،فجاءت الهمومُ والضيقُ والعسرُ والعناءُ والتعبُ،فهذا عذابُه الأدنى وفي الآخرة عذابُ النار،وإذا استغفر تنصَّلَ من الهمِّ فصار له من الهمومِ فرجاً ومن الضيقِ مخرجاً ورزقَه من حيثُ لا يحتسبُ(13).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى(3362 ) صحيح لغيره
(2) - المعجم الأوسط للطبراني(851) وشعب الإيمان للبيهقي(668) وهو حديث حسن
(3) - إعلام الموقعين (4/172).
(4) - مسند أحمد(18326) صحيح - يغان : يغطى
(5) - مسند أحمد(24045) صحيح لغيره -الذرب : الفحش ، و انظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 5 / ص 8203) رقم الفتوى 39154 منزلة الاستغفار والآثار المترتبة عليه
(6) - صحيح مسلم(6737 ) مطولا
(7) - مسند أحمد(22125) صحيح لغيره -القُراب : قراب الأرض أى بما يقارب ملأها
(8) - مسند أحمد (18324) صحيح
(9) - صحيح البخارى(6307 )
(10) - صحيح البخارى(6399 )
(11) - سنن أبى داود(1519 ) صحيح
(12) - مسند أحمد (8172) صحيح -الران : الغطاء = صقل : جلى = النكتة : الأثر القليل كالنقطة
(13) - انظر فيض القدير - (ج 6 / ص 107)(8508 ) و انظر موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 485) وموسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 3725) وموسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 4824) وشرح ابن بطال - (ج 19 / ص 105)(1/62)
الأحاديث الزائدة التي ضعفها الدكتور ماهر الفحل
تابع باب المراقبة
56- (67) الثامن : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ». حديث حسن رواه الترمذي وغيرُه .
أخرجه: ابن ماجه ( 3976 )،والترمذي ( 2317 ) . وقال : (( حديث غريب ))
----------------
قلت :هو في سنن الترمذى (2487 ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ النَّيْسَابُورِىُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ». قَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
(2488 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكَهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِىِّ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ مُرْسَلاً وَهَذَا عِنْدَنَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَعَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ لَمْ يُدْرِكْ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ.(1)
قلت : لكن الذين وصلوه ثقاتٌ،فهو موصول من غير هذين الطريقين،فيصحُّ الحديثُ الموصول،فالحديث صحيحٌ بلا ريب
النهي عن التدخل فيما لا يعنينا
" من حُسْنِ الإسلام أَنْ يَتْرُكَ الْإِنْسَانُ مَا لَا يَعْنِيهِ فَيَشْتَغِلُ بِهِ وَرُبَّمَا شَغَلَهُ عَمَّا يَعْنِيهِ أَوْ أَدَّاهُ إِلَى مَا يَلْزَمُهُ اجْتِنَابُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ،وَقَدْ قَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ ثُلُثُ الْإِسْلَامِ،وَالثُّلُثُ الْآخَرُ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَالثُّلُثُ الثَّالِثُ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ فَمَنْ تَرَكَ مَا تَشَابَهَ كَانَ أَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ. "(2)
قال ابن تيمية رحمه الله(3): " وَأَيْضًا فَهُوَ مَأْمُورٌ إمَّا بِقَوْلِ الْخَيْرِ وَإِمَّا بِالصُّمَاتِ . فَإِذَا عَدَلَ عَمَّا أُمِرَ بِهِ مِنَ الصُّمَاتِ إلَى فُضُولِ الْقَوْلِ الَّذِي لَيْسَ بِخَيْرِ ؛ كَانَ هَذَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَالْمَكْرُوهُ يَنْقُصُهُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - « مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ » . فَإِذَا خَاضَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ ؛ نَقَصَ مِنْ حُسْنِ إسْلَامِهِ فَكَانَ هَذَا عَلَيْهِ . إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ مَا هُوَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِعَذَابِ جَهَنَّمَ وَغَضَبِ اللَّهِ بَلْ نَقْصُ قَدْرِهِ وَدَرَجَتِهِ عَلَيْهِ . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة/286] . فَمَا يَعْمَلُ أَحَدٌ إلَّا عَلَيْهِ أَوْ لَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ كَانَ لَهُ . وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ يُنْقِصُ قَدْرَهُ . "
" (فينبغي ) إقْبَالُ الْمَرْءِ عَلَى مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَإِعْرَاضُهُ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ،وَلَا سِيَّمَا كَثْرَةُ الْفُضُولِ فِيمَا لَيْسَ بِالْمَرْءِ إلَيْهِ حَاجَةٌ مِنْ أَمْرِ دِينِ غَيْرِهِ وَدُنْيَاهُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ التَّكَلُّمُ لِحَسَدِ أَوْ رِئَاسَةٍ ."(4)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر طرقه في المسند الجامع - (ج 17 / ص 1304)(14207) وفي تعليق سيخنا الشيخ شعيب الأرنؤوط على المسند: حسن بشواهده ،والمعجم الأوسط للطبراني(2991 ) والمعجم الصغير للطبراني(884) عن زيد و صحيح ابن حبان(229) قال الشيخ شعيب :حديث حسن لغيره ،ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (3534) عن ابي بكر الصديق، وهوعند ابن عدي في الكامل 3/907 و4/1588 و6/2341 والمجمع 8/18 وصحيح الجامع (5911) وصححه اللباني لغيره في تعليقه على سنن الترمذي و مسندالشهاب ( 192) وعبد الرزاق ( 20617) وشرح سنة 14/320 والحلية 10/171 من طرق عديدة، وفوائد تمام(441-446 ) من طرق كثيرة موصولة و علل الدارقطني (310) ورجح المرسل .
(2) - المنتقى - شرح الموطأ - (ج 4 / ص 287)
(3) - مجموع الفتاوى - (ج 7 / ص 49)
(4) - مجموع الفتاوى - (ج 14 / ص 482) وانظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 3043) رقم الفتوى 63644 شرح "من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه"(1/63)
باب فضل بر أصدقاء الأب
57- (343) عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِىِّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِىَ مِنْ بِرِّ أَبَوَىَّ شَىْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا قَالَ :« نَعَمِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِى لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا ».رواه أَبُو داود .(1)
أخرجه : أبو داود ( 5142 )،وابن ماجه ( 3664 )،وإسناده ضعيف لجهالة أحد رواته،وذكره الشيخ الألبانى في سلسلة الأحاديث الضعيفة (597)،وقال : " هذا إسناد ضعيف،رجاله ثقات كلهم ؛ غير على بن عبيد مولى أبى أسيد الساعدى،لم يوثقه غير ابن حبان،ولم يرو عنه غير ابنه أسيد . وقال الذهبى : (لا يعرف) . وأشار إليه الحافظ بقوله (مقبول)" .
------------------
قلت : هو في سنن أبى داود (5144 ) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِىٍّ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ - الْمَعْنَى - قَالُوا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَسِيدِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ عُبَيْدٍ مَوْلَى بَنِى سَاعِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِىِّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِىَ مِنْ بِرِّ أَبَوَىَّ شَىْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا قَالَ: « نَعَمِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِى لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا ».(2)
قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات كلهم ؛ غير علي بن عبيد مولى أبي أسيد الساعدي،تفرد بالرواية عنه ابنه أسيد .
وقد ذكره ابن حبان في الثقات(3)،وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل،فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً(4).
وقد قال الحافظ الذهبي في ديوان الضعفاء : " وأما المجهولون من الرواة،فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتمل حديثه وتلقي بحسن الظنِّ ؛إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ " .
وعلي بن عبيد مولى أبي أسيد الساعدي ؛ تابعي مدني من أوساط التابعين،وبناءً على قاعدة الذهبى الذهبية فهو ثقة محتجٌّ به،على أن أرجح المذاهب في التابعي المجهول الذي لم يذكر أحد من أهل الجرح والتعديل فيه جرحا ولا تعديلا قبول روايته والاحتجاج بها .
ولهذا قال في الكاشف(5): "علي بن عبيد عن مولاه أبي أسيد الساعدي وعنه ابنه أسيد . وثق " . هذا مع ما سبق تقريره من تناقض القائلين بتضعيف أحاديث المجاهيل الذين لم يُعلم فيهم جرح،وتوَّحد ابن حبان بتوثيقهم،فتارة يحتجون بأحاديثهم مناقضين أنفسهم ومخالفين مذهبهم،وتارة يردون حديثهم !!.
وأما قول ابن حجر عنه في التقريب(6): " مقبول "،فعلى خلاف ما توهَّمه المتأخرون أنه من ألفاظ التجريح،ومنهم الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ،وقد قاله الحافظ ابن حجر عن جماعة من الثقات الذين احتجَّ بهم الشيخان في الصحيحين،وعدَّتهم مائة وخمسة من الرواة .
وهذه نماذج من الطبقة الثالثة ممن روى له الشيخان أو البخاري أو مسلم،ليكونوا أنموذجاً لمعنى هذا المصطلح عند ابن حجر :
(1)- رافع مولى مروان بن الحكم وبوابه مقبول من الثالثة خ م ت س (1871 )
(2) - عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق التيمي مقبول من الثالثة مات بعد السبعين خ م خد س ق(3425 ) وفي الكاشف (2816) ثقة
(3)- عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري المدني مقبول من الثالثة خ م د س(4927)
(4) - معبد بن كعب بن مالك الأنصاري السلمي بفتحين المدني مقبول من الثالثة خ م خد س ق(6781)
وهؤلاء الأربعة اتفق الشيخان على التخريج لهم جميعا .
(5)- أبو بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة التيمي المكي أخو عبد الله مقبول من الثالثة خ(7980 ) وفي الكاشف (6530 ) ثقة
(6) - إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي مقبول من الثالثة خ س ق(205)
(7)- عبيد بن أبي مريم المكي مقبول من الثالثة خ د ت س(4391 )
(8) - عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة بفتح المهملة وسكون المعجمة بعدها موحدة مفتوحة الأزدي مقبول من الثالثة خ د س ق(5216)
(9)- نبهان الجمحي مولاهم والد صالح مولى التوءمة مقبول من الثالثة خ (7091 )
(10) - يزيد بن أبي كبشة السكسكي الدمشقي مقبول من الثالثة خ(7765)
وهؤلاء الستة تفرد البخاري بالتخريج لهم في الصحيح .
(11) - أبو بكر بن عمارة بن رويبة براء وموحدة مصغر الثقفي الكوفي مقبول من الثالثة م د س (7983 ) وفي الكاشف( 6533 ) ثقة
(12)- أبو سعيد مولى المهري مقبول من الثالثة م د ت س(8133) وفي الكاشف ثقة
(13) - أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي مقبول من الثالثة م د س ق (8230) وفي الكاشف ثقة
(14)- أبو عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري يقال اسمه مرة مقبول من الثالثة مات سنة سبع ومائة م س(8233 ) وفي الكاشف ثقة
(15)- جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي مقبول من الثالثة م د تم س ق(947 ) وفي الكاشف( 795 ) ثقة
(16)- جعفر ابن أبي ثور واسم أبيه عكرمة وقيل غير ذلك يكنى أبا ثور مقبول من الثالثة م ق (933)
(17) - حبيب الأعور المدني مولى عروة ابن الزبير مقبول من الثالثة مات في حدود الثلاثين ومائة م د س(1112)
(18) - حفص ابن عمر ابن سعد القرظ المدني المؤذن مقبول من الثالثة م د(1413)
(19) - خالد بن غلاق بالغين المعجمة على الصحيح القيسي بالقاف والمهملة أو بالعين المهملة والشين المعجمة مقبول من الثالثة بخ م(1664)
(20) - عامر بن سعد البجلي مقبول من الثالثة م د ت س(3090 ) وفي الكاشف (2530 ) وثق
(21) - عبد الله بن شهاب الخولاني أبو الجزل بفتح الجيم وسكون الزاي كوفي مقبول من الثالثة م (3386)
(22) - عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري أبو المسور المدني مقبول من الثالثة مات سنة تسعين م (4005 ) وفي الكاشف( 3311 ) ثقة
(23)- مسلم بن قرظة بفتحات والظاء معجمة الأشجعي ابن أخي عوف ابن مالك مقبول من الثالثة م (6640)
(24) - المنذر بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي مقبول من الثالثة م د س ق(6886) وفي الكاشف( 5629 ) ثقة
(25)- وهب ابن ربيعة الكوفي مقبول من الثالثة م ت (7476)
(26)- يعقوب ابن عاصم ابن عروة ابن مسعود الثقفي أخو نافع مقبول من الثالثة م د س (7820)
(27) - أبو بكر ابن عمارة ابن رويبة براء وموحدة مصغر الثقفي الكوفي مقبول من الثالثة م د س (7983)
وهؤلاء السبعة عشر تفرد مسلم بالتخريج لهم في الصحيح .
ولعلَّ بعض من يخطئ في تأويل هذا المصطلح "مقبول " يقول : إنما احتجَّ الشيخان بأحاديث هؤلاء المذكورين وغيرهم ممن ذكرت عدتهم في الصحيحين فى المتابعات لا فى الأصول ؟! .
وأقول : تلك شكاية بادٍ عن العارف المدقق عارُها،ومردود على المتشكي الخليِّ وزرُها،فإن أحاديث الكثيرين من هؤلاء ذكرها الشيخان :
( أولاً ) أصولاً فى أبوابها .( ثانياً ) أفراداً لم يُتابع عليها رواتها .
فهل بلغك حديث خالد بن عمير العدوى عن عتبة بن غزوان البصرى ؛ فى خطبته عند فتح البصرة،وهو غريب وفرد فى بابه،لم يروه عن عتبة بن غزوان غير خالد بن عمير العدوى،أو أتاك نبأ معبد بن كعب بن مالك الأنصارى ؛ في " مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ " فهو غريب تفرد به معبد بن كعب بن مالك الأنصارى عن أبى قتادة،ولم يتابع عليه . ألم يبلغ مسمعك حديث جعفر بن عمرو بن حريث المخزومى عن أبيه،فى " لبس النَّبىِّ - صلى الله عليه وسلم - عمامةً سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه "،فهو غريب لم يروه عن عمرو بن حريث المخزومي غير ابنه جعفر بن عمرو،ولم يُتابع عليه عن أبيه .
وهذه كلها أحاديث صحاح لا مطعن لأحد فيها،ومخرجة في الصحيحين،على أن رواتها من الموصوفين عند الحافظ ابن حجر بقوله " مقبول "،فهل يعني ذلك أنهم ضعفاء عنده،وأن أحاديثهم فى جملة الأحاديث الضعيفة ؟! .
فكيف إذا علمت أن (1535) ألفاً وخمسمائة وخمسة وثلاثين راوياً قد وصفهم الحافظ ابن حجر في التقريب بقوله (مقبول)،فهل يعني هذا أنهم ضعفاء غير محتجٍّ بأحاديثهم بناءاً على هذا التأويل الخاطئ لهذا المصطلح ؟َ! .
وكيف إذا علمت أن الحافظ الذهبي قد وثق من هؤلاء الرواة (450) أربعمائة وخمسين راوياً تصريحاً بقوله (ثقة)،أو تلميحاً بقوله (وثق ) ؟! .
ونزيدك إيضاحاً وتبصيراً،لنصرفك عن تقليد المذاهب الخاطئة ؛ بذكر بعض هذه الأحاديث على وجه التفصيل والبيان :
ففي كتاب الرقاق من صحيح البخاري،قال أبو عبد الله البخارى : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ : " مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ"،قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟،قَالَ : الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ،وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ "(7).
قلت : وهذا حديث صحيح غريب ؛ لم يروه عن أبى قتادة غير معبد بن كعب بن مالك الأنصارى السلمي،وقد خرَّجاه في الصحيحين.
ومعبد بن كعب بن مالك الأنصاري ؛ ذكره ابن أبى حاتم الجرح والتعديل(8)،فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وقال ابن حجر التقريب(9): " مقبول من الثالثة "
فقد بان أن معبد بن كعب بن مالك المحتجَّ به في الصحيحين،لم يعرف أبو حاتم الرازى حاله،ووصفه ابن حجر بقوله : مقبول،وتفرد بالرواية عن أبي قتادة،ولم يُتابع . فعلى مذهب من يرى أن المقبول حيث لم يتابع فحديثه ضعيف غير محتج به،فهو ضعيف غير محتج بحديثه . أفلا يعدُّ هذا القول هاهنا شذوذا وخلافاً لأئمة الصحاح والسُّنن الذين تلقَّوا حديثه هذا بالقبول،وأودعوه صحاحهم،وخلافاً لابن حجر نفسه واضع هذا المصطلح !! .
ومن عجب أن الألباني ـ رحمه الله ـ قد خالف أصله هذا في تضعيف حديث المجهول والمقبول الذي لم يتابع،فقد ذكر في صحيحته (401) حديث :" إِذَا قُمْتَ فِي صَلاتِكَ،فَصَلِّ صَلاةَ مُوَدِّعٍ،وَلا تَكَلَّمْ بِكَلامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ ،وَأَجْمِعِ الْيَأْسَ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ "(10).
قلت : هذا إسناد رجاله ثقات كلهم ؛ خلا عثمان بن جبير مولى أبى أيوب الأنصارى،فإنه مجهول،لم يرو عنه غير عبد الله بن عثمان بن خثيم،وليس يعرف إلا بهذا الحديث الواحد الفرد،وقال ابن حجر في التقريب: (مقبول)(11).
وقد أقرَّ الشيخ الألبانيى بذلك كله،فقال : "هذا سند ضعيف لجهالة عثمان بن حبير " .
ثم نقض صنيعه هذا،وخالف مذهبه المتشدد في المجاهيل،فصحح حديث عثمان بن جبير المجهول الحال،فقال : " لكن كون الحديث من أوجز الكلمات وأجمعها للحكمة يدلُّ على ثبوته " ؟ .
إذن فعدالة الرواة أو جهالتهم ـ عند الألباني ـ ليست كافيةً وحدها للحكم على الأحاديث بالصحَّة أو الضعف ؛ حتى ينضاف إليها اعتباراتٌ تتعلق بالنظر في متونها وموافقتها أو مخالفتها للأصول،فهلا فعل كذلك في سائر المجاهيل- الذين قال عنهم الحافظ ابن حجر مقبولون-،وإلا فهو مناقض لمذهبه،وطريقته في التضعيف،ولا ينضبط له أصل في هذا الباب !! .
ثم أليس هذا بعض معنى قول الحافظ الذهبي : " وأما المجهولون من الرواة،فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتملَ حديثهُ وتلقِّيَ بحسنِ الظنِّ ؛ إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ" .
فإذا تقرر هذا،وبانت دلالتُه،ووضحت حجَّتُه،فقد وجب على الكثيرين ممن يقلدون هذا المذهب الخاطئ في تأويل معنى قول ابن حجر عن الراوي " مقبول " ؛ أن يراجعوا أنفسهم عن القول بتضعيف الكثير من الأحاديث - والتي حسنها أو صححها أكثر أهل العلم السابقين -؛ حيث لا حجَّة على تضعيفها إلا وصف الراوي بكونه مقبول ؛ ولم يتابع !! .
ولو نظرنا إلى واقع هؤلاء من خلال عمل الحافظ ابن حجر نفسه لرأينا أنه قد صحح أو حسَّن لهم في التلخيص الحبير وفتح الباري والنكت على ابن الصلاح.
هذا وقد قمت بمقارنة كلامه عن هؤلاء الرواة الذين قال عنهم مقبول فوجدت أن أكثر من (95) خمسة وتسعين بالمائة يدور حديثهم بين الصحة والحسن ومن النادر جدا الضعف اليسير .(12)
----------------
وجوبُ برِّ الوالدين(13)
مِنْ مَعَانِي الْبِرِّ فِي اللُّغَةِ : الْخَيْرُ وَالْفَضْل وَالصِّدْقُ وَالطَّاعَةُ وَالصَّلاَحُ(14)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ : يُطْلَقُ فِي الأَْغْلَبِ عَلَى الإِْحْسَانِ بِالْقَوْل اللَّيِّنِ اللَّطِيفِ الدَّال عَلَى الرِّفْقِ وَالْمَحَبَّةِ،وَتَجَنُّبِ غَلِيظِ الْقَوْل الْمُوجِبِ لِلنُّفْرَةِ،وَاقْتِرَانِ ذَلِكَ بِالشَّفَقَةِ وَالْعَطْفِ وَالتَّوَدُّدِ وَالإِْحْسَانِ بِالْمَال وَغَيْرِهِ مِنَ الأَْفْعَال الصَّالِحَاتِ .(15)وَالأَْبَوَانِ : هُمَا الأَْبُ وَالأُْمُّ .(16)
وَيَشْمَل لَفْظُ ( الأَْبَوَيْنِ ) الأَْجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ .(17)قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَالأَْجْدَادُ آبَاءٌ،وَالْجَدَّاتُ أُمَّهَاتٌ،فَلاَ يَغْزُو الْمَرْءُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ،وَلاَ أَعْلَمُ دَلاَلَةً تُوجِبُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الإِْخْوَةِ وَسَائِرِ الْقَرَابَاتِ .(18)
وقد اهْتَمَّ الإِْسْلاَمُ بِالْوَالِدَيْنِ اهْتِمَامًا بَالِغًا . وَجَعَل طَاعَتَهُمَا وَالْبِرَّ بِهِمَا مِنْ أَفْضَل الْقُرُبَاتِ . وَنَهَى عَنْ عُقُوقِهِمَا وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ غَايَةَ التَّشْدِيدِ . كَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) [الإسراء/23،24] }،فَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَجَعَل بِرَّ الْوَالِدَيْنِ مَقْرُونًا بِذَلِكَ،وَالْقَضَاءُ هُنَا : بِمَعْنَى الأَْمْرِ وَالإِْلْزَامِ وَالْوُجُوبِ .
كَمَا قَرَنَ شُكْرَهُمَا بِشُكْرِهِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (14) سورة لقمان. فَالشُّكْرُ لِلَّهِ عَلَى نِعْمَةِ الإِْيمَانِ،وَلِلْوَالِدَيْنِ عَلَى نِعْمَةِ التَّرْبِيَةِ . وَقَال سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَقَدْ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى،وَمَنْ دَعَا لِوَالِدَيْهِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ فَقَدْ شَكَرَهُمَا .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَال : سَأَلْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَىُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ « الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا » . قَالَ ثُمَّ أَىُّ قَالَ « ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ » . قَالَ ثُمَّ أَىُّ قَالَ « الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » . قَالَ حَدَّثَنِى بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِى(19). فَأَخْبَرَ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ أَفْضَل الأَْعْمَال بَعْدَ الصَّلاَةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ دَعَائِمِ الإِْسْلاَمِ .(20)
وَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْجِهَادِ ؛ لأَِنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ،وَلاَ يَنُوبُ عَنْهُ فِيهِ غَيْرُهُ . فعَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى،قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ،فَقَالَ : إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ،وَإِنَّ أَبَوِيَّ يَمْنَعَانِي ؟ قَالَ : أَطِعْ أَبَوَيْك وَاجْلِسْ،فَإِنَّ الرُّومَ سَتَجِدُ مَنْ يَغْزُوهَا غَيْرُك.(21).
__________
(1) - قَالَ الطِّيبِيُّ : الْمَوْصُول لَيْسَ بِصِفَةٍ لِلْمُضَافِ إِلَيْهِ بَلْ لِلْمُضَافِ أَيْ الصِّلَة الْمَوْصُوفَة فَإِنَّهَا خَالِصَة بِحَقِّهِمَا وَرِضَاهُمَا لَا لِأَمْرٍ آخَر وَنَحْوه . قُلْت : يَرْجِع الْمَعْنَى إِلَى الْأَوَّل فَتَدَبَّرْ اِنْتَهَى . قَالَ فِي مِرْقَاة الصُّعُود : وَلَفْظ الْبَيْهَقِيِّ وَصِلَة رَحِمهمَا الَّتِي لَا رَحِم لَك إِلَّا مِنْ قِبَلهمَا فَقَالَ مَا أَكْثَر هَذَا وَأَطْيَبه يَا رَسُول اللَّه قَالَ فَاعْمَلْ بِهِ فَإِنَّهُ يَصِل إِلَيْهِمَا .عون المعبود - (ج 11 / ص 182)
(2) - المستدرك للحاكم (7260) وقال :هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ،تعليق الحافظ الذهبي في التلخيص : صحيح،وقال الذهبي في تاريخ الإسلام - (ج 3 / ص 313) وهذا حديث صالح الإسناد،وأخرجه أحمد (3/497) ، والبخاري في الأدب المفرد (35) ، وابن ماجه (3664) ، والروياني في المسند (1460) ، وابن حبان (419) في صحيحه، والطبراني في الكبير (19/267/592) ، والخطيب في موضح الأوهام (1/76،77) جميعا من طريق أسيد بن علي بن عبيد عن أبيه علي بن عبيد مولى أبي أسيد عن أبي أسيد الساعدى مرفوعاً .
(3) - الثقات (5/166/4396)
(4) - الجرح والتعديل (6/195/1072)
(5) - الكاشف: (2/44/3943)
(6) - تقريب التهذيب [ ج 1 -ص 403 ](4767 )
(7) - وأخرجه كذلك مالك الموطأ (1/239. تنوير الحوالك ) ، وعبد الرزاق المصنف (3/443/6254) ، وأحمد (5/304،302،296) ، وعبد بن حميد (193) ، ومسلم (7/20. نووي ) ، والنسائي الكبرى (1/628/2057) والمجتبى (4/48) ، وابن حبان (3001) ، وأبو نعيم المسند المستخرج (3/33/2128،2127) و حلية الأولياء ( 6/336) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/279) و شعب الإيمان (7/9/9264) ، وابن عبد البر في التمهيد (13/62) ، والمزي في تهذيب الكمال (28/237) من طرق عن معبد بن كعب بن مالك الأنصارى عن أبي قتادة الأنصاري به .
(8) - الجرح والتعديل (8/279/1279)
(9) - التقريب (1/539/6781)
(10) - أخرجه أحمد (5/412) ، وابن ماجه (4117) ، والطبراني في الكبير (4/154/3987) ، وأبو نعيم في الحلية (1/462) ، والبيهقي في الزهد الكبير(2/87/102) ، والمزي في تهذيب الكمال(19/346) من طرق عن عبد الله بن عثمان بن خثيم حدثني عثمان بن جبير مولى أبي أيوب عن أبي أيوب الأنصارى قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني وأوجز؟ ، فقال : فذكره .
(11) - تقريب التهذيب [ ج 1 -ص 382 ](4453 )
(12) - انظر كتابي الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب - المرتبة السادسة ( المقبول) ، والمنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول لأبي محمد الألفي ، وانظر كتاب منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها للعاني ص 52-84
(13) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 8 / ص 63- 73) و انظر فتاوى الأزهر - (ج 8 / ص 307) وضع الطعام مع الميت وفتاوى الأزهر - (ج 8 / ص 315) صلة الأحياء بالأموات ومجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 8 / ص 305) إهداء بعض أعمال الخير للميت،فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 331) رقم الفتوى 10602 ما ينبغي فعله للوالدين بعد وفاتهما وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 5249) رقم الفتوى 18806 كيف يبر الأبناء آباءهم بعد موتهم؟ وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 2788) رقم الفتوى 22777 كيف تبرُّ أبويك بعد وفاتهما،وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 5308) رقم الفتوى 25252 كيف يبر أبويه من كان عاقاً لهما في حياتهما وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 6097) رقم الفتوى 25972 الهدي النبوي في بر الأبوين بعد موتهما وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 3195) رقم الفتوى 44341 من بر الوالدين بعد موتهما الدعاء لهما وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 1095) رقم الفتوى 51370 سبل بر الآباء بعد موتهم،فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 4855) رقم الفتوى 65825 تنفذ الوصية مالم تكن بإثم أو قطيعة رحم وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 5706) رقم الفتوى 66807 صور من بر الأبوين بعد موتهما وموسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 176) بر الوالدين وموسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 661) البر بالوالدين والعقوق
(14) - لسان العرب ، والمصباح المنير ، الصحاح مادة " برر " ، والكليات لأبي البقاء 1 / 398 ط دمشق ، وزارة الثقافة 1974
(15) - الفواكه الدواني على رسالة القيرواني 2 / 382 ـ 383 ، والزواجر عن اقتراف الكبائر للهيثمي 2 / 66 ط دار المعرفة ببيروت
(16) - لسان العرب ، والصحاح 1 / 5
(17) - حاشية ابن عابدين 3 / 220 ( التعليق على قول الشارح له أبوان ) ، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 3 / 242 ، والمهذب في فقه الإمام الشافعي 2 / 230 ، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج 9 / 232ـ 233 ومطالب أولي النهى 2 / 513
(18) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 241 .
(19) - صحيح البخارى(527 )
(20) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 237ـ 238 .
(21) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 12 / ص 474)(34144) صحيح ، وانظر المهذب في فقه الإمام الشافعي 2 / 230 .(1/64)
وَالْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ،وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ،وَفَرْضُ الْعَيْنِ أَقْوَى مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ . وَفِي خُصُوصِ ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنَهُ فِى الْجِهَادِ فَقَالَ « أَحَىٌّ وَالِدَاكَ » . قَالَ نَعَمْ . قَالَ « فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ »(1).
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوَىَّ يَبْكِيَانِ. فَقَالَ : « ارْجِعْ عَلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا ».(2)
وَفِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ : أَنَّ رَجُلاً هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ : « هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ ». قَالَ : أَبَوَاىَ. قَالَ : « أَذِنَا لَكَ ». قَالَ : لاَ. قَالَ : « ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ وَإِلاَّ فَبِرَّهُمَا »(3).
هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ النَّفِيرُ عَامًّا . وَإِلاَّ أَصْبَحَ خُرُوجُهُ فَرْضَ عَيْنٍ ؛ إِذْ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْجَمِيعِ الدَّفْعُ وَالْخُرُوجُ لِلْعَدُوِّ .(4)وَإِذَا كَانَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضَ عَيْنٍ،فَإِنَّ خِلاَفَهُ يَكُونُ حَرَامًا،مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْرٍ بِشِرْكٍ أَوِ ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ،حَيْثُ لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ .(5)
- يَكُونُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِالإِْحْسَانِ إِلَيْهِمَا بِالْقَوْل اللَّيِّنِ الدَّال عَلَى الرِّفْقِ بِهِمَا وَالْمَحَبَّةِ لَهُمَا،وَتَجَنُّبِ غَلِيظِ الْقَوْل الْمُوجِبِ لِنُفْرَتِهِمَا،وَبِمُنَادَاتِهِمَا بِأَحَبِّ الأَْلْفَاظِ إِلَيْهِمَا،كَيَا أُمِّي وَيَا أَبِي،وَلْيَقُل لَهُمَا مَا يَنْفَعُهُمَا فِي أَمْرِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا،وَيُعَلِّمْهُمَا مَا يَحْتَاجَانِ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ دِينِهِمَا،وَلْيُعَاشِرْهُمَا بِالْمَعْرُوفِ . أَيْ بِكُل مَا عُرِفَ مِنَ الشَّرْعِ جَوَازُهُ،فَيُطِيعُهُمَا فِي فِعْل جَمِيعِ مَا يَأْمُرَانِهِ بِهِ،مِنْ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ،وَفِي تَرْكِ مَا لاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ،وَلاَ يُحَاذِيهِمَا فِي الْمَشْيِ،فَضْلاً عَنِ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِمَا،إِلاَّ لِضَرُورَةٍ نَحْوِ ظَلاَمٍ،وَإِذَا دَخَل عَلَيْهِمَا لاَ يَجْلِسُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمَا،وَإِذَا قَعَدَ لاَ يَقُومُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمَا،وَلاَ يَسْتَقْبِحُ مِنْهُمَا نَحْوَ الْبَوْل عِنْدَ كِبَرِهِمَا أَوْ مَرَضِهِمَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَذِيَّتِهِمَا،قَال تَعَالَى : {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} (36) سورة النساء.
قَال ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ الْبِرَّ بِهِمَا مَعَ اللُّطْفِ وَلِينِ الْجَانِبِ،فَلاَ يُغْلِظُ لَهُمَا فِي الْجَوَابِ،وَلاَ يُحِدُّ النَّظَرَ إِلَيْهِمَا،وَلاَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا(6).
وَمِنَ الْبِرِّ بِهِمَا وَالإِْحْسَانِ إِلَيْهَا : أَلاَّ يُسِيءَ إِلَيْهِمَا بِسَبٍّ أَوْ شَتْمٍ أَوْ إِيذَاءٍ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ،فَإِنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ بِلاَ خِلاَفٍ . فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ « نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ »(7).
وفي صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ » . قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ « يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ،فَيَسُبُّ أَبَاهُ،وَيَسُبُّ أَمَّهُ »(8).
وَمِنْ بِرِّهِمَا صِلَةُ أَهْل وُدِّهِمَا،فَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ أَلَسْتَ ابْنَ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ قَالَ بَلَى. فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ وَقَالَ ارْكَبْ هَذَا وَالْعِمَامَةَ - قَالَ - اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الأَعْرَابِىَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ. فَقَالَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّىَ ». وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ.(9)
فَإِنْ غَابَ أَوْ مَاتَ يَحْفَظُ أَهْل وُدِّهِ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ،فَإِنَّهُ مِنْ تَمَامِ الإِْحْسَانِ إِلَيْهِ .
وَعَنْ أَبِى أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِىِّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِىَ مِنْ بِرِّ أَبَوَىَّ شَىْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا قَالَ: « نَعَمِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِى لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا »(10).
وعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ،وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِى بِثَلاَثِ سِنِينَ،لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا،وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِى الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ،وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِى فِى خُلَّتِهَا مِنْهَا(11).
وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةٌ،فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِطَعَامٍ،فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنَ الطَّعَامِ وَيَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهَا،فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،لا تَغْمُرْ يَدَيْكَ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّ هَذِهِ كَانَتْ تَأْتِينَا أَيَّامَ خَدِيجَةَ،وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ،أَوْ حَفِظَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ،وَلَمَّا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ النِّسَاءَ مِنَ الْغَيْرَةِ،فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِكَبِيرَةِ السِّنِّ حَدِيثَةَ السِّنِّ،فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،ثُمَّ قَالَ:مَا ذَنْبِي أَنْ رَزَقَهَا اللَّهُ مِنِّي الْوَلَدَ،وَلَمْ يَرْزُقْكِ؟ قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذَا إِلا بِخَيْرٍ.(12)
فَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُهْدِي لِصَدَائِقِ خَدِيجَةَ بِرًّا بِهَا وَوَفَاءً لَهَا،وَهِيَ زَوْجَتُهُ،فَمَا ظَنُّكَ بِالْوَالِدَيْنِ(13).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى (3004 )
(2) - سنن أبى داود (2530 ) صحيح
(3) - سنن أبى داود(2532 ) صحيح لغيره
(4) - فتح القدير على الهداية 5 / 149 ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 240 .
(5) - ابن عابدين 3 / 220 ، والشرح الصغير 4 / 739 ـ 741 ، والفروق للقرافي 1 / 145 .
(6) - الفواكه الدواني 2 / 382 - 383 ، الزواجر عن اقترف الكبائر 2 / 66 .
(7) صحيح مسلم(273 )
(8) - صحيح البخارى(5973 ) وانظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 2 / 66 ، والفواكه الدواني 2 / 383 ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 238
(9) - صحيح مسلم (6679 )
(10) - سنن أبى داود (5144 ) حسن
(11) - صحيح البخارى(6004 ) -القصب : لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف
(12) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 320) (18557 ) صحيح
(13) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 241 ( المسألة العاشرة ) ، إحياء علوم الدين 6 / 316 ، والفواكه الدواني 2 / 383(1/65)
باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر
58- (583) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ :« السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالأَثَرِ». رواه الترمذي،وقال : (( حديث حسن ))
أخرجه : الترمذي ( 1053 ) وقال : (( حديث غريب ))،وسنده ضعيف
وقال الشيخ ناصر رحمه الله (589) قلت : بل إسناده ضعيف : وبيانه في ( أحكام الجنائز ص 197 )
----------------
قلت : هو في سنن الترمذى (1073) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ أَبِى كُدَيْنَةَ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِى ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: « السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالأَثَرِ ». قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ وَعَائِشَةَ،قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو كُدَيْنَةَ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ وَأَبُو ظَبْيَانَ اسْمُهُ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبٍ.(1)
وبنحوه عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُهُمْ إذَا خَرَجُوا إلَى الْمَقَابِرِ،فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ , وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ , أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ , وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ , وَنَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمَ الْعَافِيَةَ.(2)،قلت : فقابوس مختلف فيه كما هو واضح من كلام أئمة الجرح التعديل(انظر الحديث رقم 20) ولكن وثقه الترمذي والحاكم والضياء المقدسي،وأما أبوه فثقة.
فالحديث حسن لغيره .
--------------
هل يسقبلُ القبلة أم القبر أثناء الدعاء ؟
" قَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاةِ : فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي حَالِ السَّلَامِ عَلَى الْمَيِّتِ أَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ لِوَجْهِ الْمَيِّتِ،وَأَنْ يَسْتَمِرَّ كَذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ أَيْضًا،وَعَلَيْهِ عَمَلُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ اِبْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَنَا أَنَّهُ حَالَةَ الدُّعَاءِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ،كَمَا عُلِمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي مُطْلَقِ الدُّعَاءِ اِنْتَهَى .
وَفِيهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَوَاضِعِ الدُّعَاءِ مَا وَقَعَ اِسْتِقْبَالُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْقِبْلَةِ مِنْهَا مَا نَحْنُ فِيهِ،وَمِنْهَا حَالَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَدُخُولِ الْمَيِّتِ وَخُرُوجِهِ،وَحَالَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ،وَأَمْثَالِ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَقْتَصِرَ الِاسْتِقْبَالُ وَعَدَمُهُ عَلَى الْمَوْرِدِ إِنْ وُجِدَ،وَإِلَّا فَخَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اِسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ اِنْتَهَى كَلَامُ الْقَارِي ."(3)
وقال الإمام الذهبي في السير في آخر ترجمة السيدة نفيسة بنت الحسن:
" وَقِيْلَ: كَانَتْ مِنَ الصَّالِحَاتِ العَوَابِدِ،وَالدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ عِنْدَ قَبْرِهَا،بَلْ وَعِنْدَ قُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ،وَفِي المَسَاجِدِ،وَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ،وَفِي السَّفَرِ المُبَاحِ،وَفِي الصَّلاَةِ،وَفِي السَّحَرِ،وَمِنَ الأَبَوَيْنِ،وَمِنَ الغَائِبِ لأَخِيْهِ،وَمِنَ المُضْطَّرِ،وَعِنْدَ قُبُوْرِ المُعَذَّبِيْنَ،وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِيْنٍ،لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60) سورة غافر.
وَلاَ يُنْهَى الدَّاعِي عَنِ الدُّعَاءِ فِي وَقْتٍ إِلاَّ وَقْتَ الحَاجَةِ،وَفِي الجِمَاعِ،وَشِبْهِ ذَلِكَ.وَيَتَأَكَّدُ الدُّعَاءُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ،وَدُبُرَ المَكْتُوْبَاتِ،وَبَعْدَ الأَذَانِ "(4).
===================
آدَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ(5)
" - قَال الْحَنَفِيَّةُ : السُّنَّةُ زِيَارَتُهَا قَائِمًا،وَالدُّعَاءُ عِنْدَهَا قَائِمًا،كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْبَقِيعِ،وَيَقُول : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْل الْقُبُورِ،يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ،أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالأَْثَرِ(6). - أَوْ يَقُول : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْل الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ،وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ،نَسْأَل اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ(7)ثُمَّ يَدْعُو قَائِمًا،طَوِيلاً .
وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ : يَدْعُو قَائِمًا مُسْتَقْبِل الْقِبْلَةِ،وَقِيل : يَسْتَقْبِل وَجْهَ الْمَيِّتِ .(8)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ : يُنْدَبُ أَنْ يَقُول الزَّائِرُ : سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ،اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ،وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ،وَأَنْ يَقْرَأَ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ وَيَدْعُوَ لَهُمْ،وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمَزُورِ مِنْ قِبَل وَجْهِهِ،وَأَنْ يَتَوَجَّهَ فِي الدُّعَاءِ إِلَى الْقِبْلَةِ،وَعَنِ الْخُرَاسَانِيِّينَ إِلَى وَجْهِهِ،وَعَلَيْهِ الْعَمَل .(9)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ : سُنَّ وُقُوفُ زَائِرٍ أَمَامَهُ قَرِيبًا مِنْهُ،وَقَوْل : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ،أَوْ أَهْل الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ،وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ،وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ،نَسْأَل اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ،اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ،وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ،وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ .(10)
وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ : قَال أَبُو اللَّيْثِ : لاَ نَعْرِفُ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْقَبْرِ سُنَّةً وَلاَ مُسْتَحَبًّا وَلاَ نَرَى بَأْسًا،وَعَنْ جَارِ اللَّهِ الْعَلاَّمَةِ : إِنَّ مَشَايِخَ مَكَّةَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ،وَيَقُولُونَ : إِنَّهُ عَادَةُ أَهْل الْكِتَابِ،وَفِي إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ : إِنَّهُ مِنْ عَادَةِ النَّصَارَى .
قَال شَارِحُ الْمُنْيَةِ : لاَ شَكَّ أَنَّهُ بِدْعَةٌ،لاَ سُنَّةَ فِيهِ وَلاَ أَثَرَ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلاَ عَنْ إِمَامٍ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيُكْرَهُ،وَلَمْ يُعْهَدِ الاِسْتِلاَمُ فِي السُّنَّةِ إِلاَّ لِلْحَجَرِ الأَْسْوَدِ،وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ خَاصَّةً .(11)
وقال ابن تيمية : " فَالرُّكْنُ الْأَسْوَدُ يُسْتَلَمُ وَيُقَبَّلُ وَالْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ وَالْآخَرَانِ لَا يُسْتَلَمَانِ وَلَا يُقَبَّلَانِ وَالِاسْتِلَامُ هُوَ مَسْحُهُ بِالْيَدِ . وَأَمَّا سَائِرُ جَوَانِبِ الْبَيْتِ وَمَقَامُ إبْرَاهِيمَ وَسَائِرُ مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَحِيطَانِهَا وَمَقَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَحُجْرَةِ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - وَمَغَارَةِ إبْرَاهِيمَ وَمَقَامِ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَصَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَا تُسْتَلَمُ وَلَا تُقَبَّلُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ" .(12)
قلت : وفي قوله هذا نظر،قلت : فقد صحَّ عن عدد من الصحابة والتابعين استلام جميع الأركان(13)،وقال ابن قدامة : " وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ،وَجَابِرٍ،وَابْنِ الزُّبَيْر،وَالْحَسَنِ،وَالْحُسَيْنِ،وَأَنَسٍ،وَعُرْوَةَ،اسْتِلَامُهُمَا،وَقَالَ مُعَاوِيَةُ : لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا . "(14)
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح : " اِسْتَنْبَطَ بَعْضهمْ مِنْ مَشْرُوعِيَّة تَقْبِيل الْأَرْكَان جَوَاز تَقْبِيل كُلّ مَنْ يَسْتَحِقّ التَّعْظِيم مِنْ آدَمِيّ وَغَيْره،فَأَمَّا تَقْبِيل يَد الْآدَمِيّ فَيَأْتِي فِي كِتَاب الْأَدَب،وَأَمَّا غَيْره فَنُقِلَ عَنِ الْإِمَام أَحْمَد أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَقْبِيل مِنْبَر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقْبِيل قَبْره فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا،وَاسْتَبْعَدَ بَعْض اِتِّبَاعه صِحَّة ذَلِكَ،وَنُقِلَ عَنْ اِبْن أَبِي الصَّيْف الْيَمَانِيّ أَحَد عُلَمَاء مَكَّة مِنَ الشَّافِعِيَّة جَوَاز تَقْبِيل الْمُصْحَف وَأَجْزَاء الْحَدِيث وَقُبُور الصَّالِحِينَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق "(15).
وَقَال الْحَنَابِلَةُ : لاَ بَأْسَ بِلَمْسِ قَبْرٍ بِيَدٍ لاَ سِيَّمَا مَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ"(16).
وفي كشاف القناع عن متن الإقناع:" قَالَ - ابن تيمية -فِي الِاخْتِيَارَاتِ(17):" اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِالْقَبْرِ وَلَا يُقَبِّلُهُ،بَلِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ،وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ. قُلْت : بَلْ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ حُجْرَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "(18).
وفي مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى(19): " ( وَلَا بَأْسَ بِلَمْسِ قَبْرٍ بِيَدٍ لَا سِيَّمَا مَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ )،وَ ( لَا ) يُشْرَعُ ( تَمَسُّحٌ بِهِ،وَصَلَاةٌ عِنْدَهُ أَوْ قَصْدُهُ لِأَجْلِ دُعَاءٍ مُعْتَقِدًا أَنَّ الدُّعَاءَ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ فِي غَيْرِهِ،أَوْ النَّذْرُ لَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ،بَلْ قَالَ الشَّيْخُ ) تَقِيُّ الدِّينِ : ( لَيْسَ هَذَا مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ ) هُوَ ( مِمَّا أُحْدِثَ مِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ شُعَبِ الشِّرْكِ )،وَقَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " : اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِالْقَبْرِ،وَلَا يُقَبِّلُهُ بَلِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ،وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ،وَلَا يُقَبَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ .
( وَيَسْمَعُ الْمَيِّتُ الْكَلَامَ مُطْلَقًا ) سَلَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ،لِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ يَأْمُرُ بِالسَّلَامِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْ،( وَيَعْرِفُ ) الْمَيِّتُ ( زَائِرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ )،قَالَهُ أَحْمَدُ،( وَفِي " الْغُنْيَةِ " : يَعْرِفُهُ كُلَّ وَقْتٍ،وَهَذَا الْوَقْتُ آكِدٌ .انْتَهَى،وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ )،قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ البربهاري،وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّائِرَ مَتَى جَاءَ عَلِمَ بِهِ الْمَزُورُ،وَسَمِعَ سَلَامَهُ،وَأَنِسَ بِهِ،وَرَدَّ عَلَيْهِ،وَهَذَا عَامٌّ فِي حَقِّ الشُّهَدَاءِ وَغَيْرِهِمْ،وَإِنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِي ذَلِكَ،وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ أَثَرِ الضَّحَّاكِ ؛ الدَّالِّ عَلَى التَّوْقِيتِ .انْتَهَى .
يُشِيرُ إلَى مَا رُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَالَ : " مِنْ زَارَ قَبْرًا يَوْمَ السَّبْتِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلِمَ الْمَيِّتُ بِزِيَارَتِهِ . قِيلَ لَهُ : وَكَيْفَ ذَاكَ ؟ قَالَ : لِمَكَانِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ "(20).
وَنَحْوُهُ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عن جُبَيْرَ الْقَصَّابِ قَالَ : " كُنْتُ أَغْدُو إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ فِي كُلِّ غَدَاةِ سَبْتٍ حَتَّى نَأْتِيَ الْجَبَّانَ فَنَقِفَ عَلَى الْقُبُورِ فَنُسَلِّمَ وَنَدْعُوَ لَهُم ثُمَّ نَنْصَرِفُ فَقُلْتُ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ وَلَوْ صِرْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ . فَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ بِزُّوَارِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ "(21). وَيَتَأَذَّى بِالْمُنْكَرِ عِنْدَهُ،وَيَنْتَفِعُ بِالْخَيْرِ ) عِنْدَهُ لِمَجِيءِ الْآثَارِ بِذَلِكَ ( قَالَ الشَّيْخُ ) تَقِيُّ الدِّينِ : ( اسْتَفَاضَتْ الْآثَارُ بِمَعْرِفَتِهِ ) أَيْ : الْمَيِّتِ - ( بِأَحْوَالِ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا،وَأَنَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ،وَجَاءَتْ الْآثَارُ بِأَنَّهُ يَرَى وَيَدْرِي بِمَا فُعِلَ عِنْدَهُ،وَيُسَرُّ بِمَا كَانَ ) مَا يُفْعَلُ عِنْدَهُ ( حَسَنًا،وَيَتَأَلَّمُ بِمَا كَانَ قَبِيحًا ) .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، كَانَ يَقُولُ : " إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى مَوْتَاكُمْ فَيُسَرُّونَ وَيُسَاءُونَ " وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ ، يَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا يُخْزَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ "(22)،وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ،وَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ عِنْدَ عَائِشَةَ كَانَتْ تَسْتَتِرُ مِنْهُ،وَتَقُولُ : كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِي الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبِي فَأَضَعُ ثَوْبِي ، وَأَقُولُ إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِي ، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ فَوَاللَّهِ مَا دَخَلْتُهُ إِلَّا وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَيَّ ثِيَابِي ، حَيَاءً مِنْ عُمَرَ "(23). ،تَعْنِي : أَنَّهُ يَرَاهَا ".
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - والطبراني في الكبير (12447) والإتحاف 10/364والأحاديث المختارة للضياء - (ج 4 / ص 275)(532 ) ونقل تحسين الترمذي وسكت عليه
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 340)(11909) صحيح
(3) - تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 115)
(4) -سير أعلام النبلاء (10/108)
(5) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 24 / ص 89)
(6) - مر تخريجه
(7) - صحيح مسلم (2301) عن عائشة قَالَتْ قُلْتُ كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « قُولِى السَّلاَمُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ ».
(8) - شرح المنية ص 511 .
(9) - شرح البهجة 2 / 121 .
(10) - غاية المنتهى 1 / 258 .
(11) - شرح المنية ص 511 .
(12) - مجموع الفتاوى - (ج 26 / ص 121)
(13) - انظر صحيح البخارى(1608 ) ومصنف عبد الرزاق(8949و8953) ومصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 840)( 15220-15227)
(14) - المغني لابن قدامة - (ج 7 / ص 92)
(15) - فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 273)
(16) - غاية المنتهى وحاشيته 1 / 259 .
(17) - انظر الفتاوى الكبرى - (ج 8 / ص 89) قلت : ونقله هذا عن إبراهيم الحربي ينقض ما ذكره من الاتفاق على المنع
(18) - (ج 4 / ص 439)
(19) - (ج 5 / ص 5)
(20) - شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (8995 ) وفيه ضعف
(21) - المصدر السابق(8994)
(22) - الزهد لابن المبارك (1777 ) والمنامات لابن أبي الدنيا (4و5) وفيه انقطاع
(23) - المستدرك للحاكم (4402) وأحمد (26408) صحيح ، وقد أصلحت نص الحديثين في الكتاب .(1/66)
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
59- (604) وعنه،قَالَ : كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ . رواه البخاري .
رواه البخاري 8/24 ( 6072 ) معلّقاً
---------------
قلت : هو في صحيح البخارى (6072 ) وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ .
قلت : فكان ينبغي عليه أن يذكر أن البخاري رواه معلقاً بصيغة الجزم،وما رواه بصيغة الجزم فهو صحيح.
وقد وصله ابن ماجه (4317 ) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَسَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالاَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلِىِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ فِى حَاجَتِهَا. ( وهذا إسناد حسن)
وفي مسند أحمد (12264) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنْبَأَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَنْطَلِقُ بِهِ فِى حَاجَتِهَا. ( وهذا إسناد صحيح على شرطهما )
-----------------
حكم معلقات البخاري(1)
قال الإمام السيوطي رحمه الله(2):
"ما رَوَياه أي: الشَّيخان بالإسْنَاد المُتَّصل فهو المحكوم بصحَّته،وأمَّا ما حذف من مُبتدأ إسناده واحد أو أكثر وهو المُعلَّق, وهو في البُخَاري كثير جدًّا كما تقدَّم عدده, وفي مُسلم(150/1) في موضع واحد في التَّيمم (848 ) حيث قَالَ مُسْلِمٌ وَرَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِى الْجَهْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِىِّ فَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ)(3)
وفيه أيضًا موضعان في الحُدُود والبُيوع, رَوَاهُمَا بالتَّعليق عن اللَّيث, بعد روايتهما بالاتِّصال, وفيه بعد ذلك أرْبَعة عَشَرَ موضعًا, كل حديث منها رواهُ مُتَّصلاً, ثمَّ عقبه بقوله: ورواه فُلان.
وأكثر ما في البُخَاري من ذلك مَوْصُول في موضع آخر من كِتَابه, وإنَّما أوردهُ معلقًا اختصارًا, ومُجَانبة للتكرَارِ, والَّذي لم يُوصله في موضع آخر, مئة وسُتون حديثًا, وصلها شيخ الإسْلام ( الحافظ ابن حجر ) في تأليف لَطِيف سمَّاه «التَّوفيق» وله في جميع التعليق والمُتَابعات والموقوفات كتاب جليل بالأسانيد سمَّاه «تغليق التعليق» واختصرهُ بلا أسانيد في آخر سمَّاه «التَّشْويق إلى وصل المُهم من التَّعليق».
فمَا كان منه بصيغة الجَزْم, كقال, وفعلَ, وأمرَ, وروى, وذَكرَ فُلان, فهو حكم بصحته عن المضاف إليه لأنَّه لا يستجيز أن يجزم بذلك عنه, إلاَّ وقد صحَّ عنده عنه, لكن لا يُحكم بصحة الحديث مُطْلقًا, بل يتوقف على النَّظر فيمن أبرزَ من رجاله, وذلك أقْسَام:
أحدها: ما يلتحق بِشَرطهِ, والسَّببُ في عدم إيصَاله, إمَّا الاستغناء بغيره عنه مع إفَادة الإشَارة إليه, وعدم إهْمَاله بإيراده مُعَلَّقا اختصارًا, وإمَّا كونه لم يسمعه من شيخه, أو سمعهُ مُذَاكرة, أو شكَّ في سَمَاعه, فما رأى أنَّه يَسُوقه مَسَاق الأصُول, ومن أمثلة ذلك قوله في الوكالة:(4)وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو عَمْرٍو حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ : وَكَّلَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ،فَأَتَانِى آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ،فَأَخَذْتُهُ،وَقُلْتُ وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ إِنِّى مُحْتَاجٌ،وَعَلَىَّ عِيَالٌ،وَلِى حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ . قَالَ فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - : « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ » . قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ،فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ » . فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّهُ سَيَعُودُ . فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ دَعْنِى فَإِنِّى مُحْتَاجٌ،وَعَلَىَّ عِيَالٌ لاَ أَعُودُ،فَرَحِمْتُهُ،فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ،فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ،مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً،فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ » . فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ،فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ . قَالَ دَعْنِى أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا . قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ،فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ،فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِى كَلِمَاتٍ،يَنْفَعُنِى اللَّهُ بِهَا،فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « مَا هِىَ » . قُلْتُ قَالَ لِى إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) وَقَالَ لِى لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ،وَكَانُوا أَحْرَصَ شَىْءٍ عَلَى الْخَيْرِ . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ،تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ » . قَالَ لاَ . قَالَ « ذَاكَ شَيْطَانٌ » وأورده في فضائل القرآن(3275 ), وذكر إبليس(5010), ولم يقل في موضع منها: حدَّثنا عثمان, فالظَّاهر عدم سَمَاعه له منه.
وقال الحافظ بن حجر: وقد استعمل هذه الصِّيغة فيما لم يَسْمعهُ من مشايخه في عِدَّة أحاديث, فيُوردهَا عنهم بصيغة: قال فُلان, ثمَّ يُوردها في موضع آخر بواسطة بينهُ وبينهم, كمَا قال في « التاريخ» : قال إبراهيم بن موسى: حدَّثنا هشام بن يوسف, فذكر حديثًا, ثمَّ يقول: حدَّثوني بهذا عن إبراهيم.(5)
قال: ولكن ليسَ ذلكَ مُطردا في كلِّ ما أورده بهذه الصِّيغة, لكن مع هذا الاحتمال, لا يُحمل حمل ما أورده بهذه الصِّيغة على أنَّه سَمعهُ من شُيوخه.
وبهذا القول, يندفع اعتراض ( الحافظ) العِرَاقي على ابن الصَّلاح في تمثيله بقوله: قال عفَّان, وقال القعنبي, كونهما من شُيوخه, وأنَّ الرِّواية عنهم, ولو بصيغة لا تصرح بالسَّماع محمولة على الاتِّصال, كما سيأتي في فروع عقب المُعضل.(6)
ثمَّ قولنا في هذا التَّقسيم: ما يَلْتحق بشرطه, ولم يَقُل إنَّه على شرطه, لأنَّهُ وإن صحَّ, فليسَ من نمط الصَّحيح المُسْند فيه, نبَّه عليه ابن كثير.
القِسْم الثَّاني: ما لا يلتحق بِشَرْطه ولكنَّه صحيحٌ على شرطِ غيره, كقوله في الطَّهارة : وقالت عائشة كانَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُر الله على كلِّ أحيانه,.(7)
الثَّالث: ما هو حسن صالح للحُجَّة, كقوله فيه : وقال بَهْز بن حكيم, عن أبيه عن جَدِّه عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - : «الله أحقُّ أن يُسْتَحيى منهُ». وهو حديث حسن مشهور, أخرجه أصحاب السُّنن(8)
الرَّابع: ما هو ضعيف, لا من جهة قدح في رجاله, بل من جهة انقطاع يسير في إسناده.
قال الإسْمَاعيلي: قد يصنع البُخَاري ذلك, إمَّا لأنَّه سمعهُ من ذلك الشَّيخ بواسطة من يثق به عنه, وهو معروفٌ مشهور عن ذلك الشَّيخ, أو لأنَّه سمعهُ مِمَّن ليسَ من شرط الكِتَاب, فنبَّه على ذلك الحديث بتسمية من حدَّث به, لا على التحديث به عنه, كقوله في الزَّكاة(9)وقال طاووس: قال مُعاذ بن جبل لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب... الحديث, فإسْنَاده إلى طاووس صحيح, إلاَّ أن طاووسًا لم يسمع من معاذ.
قلت : وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله(10): "هَذَا التَّعْلِيق صَحِيحُ الْإِسْنَادِ إِلَى طَاوُس،لَكِنَّ طَاوُسًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذ فَهُوَ مُنْقَطِع،فَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ بِالتَّعْلِيقِ الْجَازِمِ فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ ،لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ إِلَّا الصِّحَّة إِلَى مَنْ عُلِّقَ عَنْهُ،وَأَمَّا بَاقِي الْإِسْنَادِ فَلَا،إِلَّا أَنَّ إِيرَادَهُ لَهُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ يَقْتَضِي قُوَّتَهُ عِنْدَهُ،وَكَأَنَّهُ عَضَّدَهُ عِنْدَهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْبَابِ " اهـ
قال السيوطي رحمه الله : " وأمَّا ما اعترض به بعض المتأخرين من نقض هذا الحُكم, بكونه جزم في معلق وليسَ بصحيح, وذلكَ قولهُ في التَّوحيد(11): وَقَالَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ » .
فإنَّ أبا مَسْعود الدِّمشقي جزمَ بأنَّ هذا ليسَ بصحيحٍ, لأنَّ عبد الله بن الفضل, إنَّما رَوَاهُ عن الأعرج عن أبي هُرَيْرة, لا عن أبي سلمة, وقوَّى ذلك بأنَّه أخرجهُ في موضع آخر(12)كذلك فهو اعتراض مردُود, ولا ينقض القَاعدة, ولا مانع من أن يَكُون لعبد الله بن الفَضْل شَيْخان, وكذلك أوردهُ عن أبي سَلَمة الطَّيالسي في «مسنده»(13)وفي دلائل النبوة للبيهقي(14)فبَطلَ ما ادَّعاهُ.
وما ليسَ فيه جَزْمٌ, كيُروى, ويُذكر, ويُحْكى, ويُقَال, ورُوي, وحُكي عن فُلان كذا قال ابن الصَّلاح : أو في البَاب عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فليسَ فيه حكم بصحته عن المُضَاف إليه.
قال ابن الصَّلاح(15): لأنَّ مثل هذه العِبَارات تُستعمل في الحديث الضَّعيف أيضًا, فأشَار بقوله أيضًا إلى أنَّه رُبَّما يُورد ذلك فيما هو صحيح, إمَّا لكونه رواه بالمعنى, كقوله في الطب(16)ويُذكر عن ابن عبَّاس عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في الرقى بفاتحة الكِتَاب, فإنَّه أسندهُ في موضع آخر بلفظ: أنَّ نفرا من الصَّحابة مّرُّوا بحي فيه لديغ... فذكر الحديث في رُقيتهم للرَّجُل بفاتحة الكتاب, وفيه: «إنَّ أحقَّ ما أخَذْتُم عليهِ أجْرًا كِتَابُ الله»(17).
قلتُ : قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:هَكَذَا ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيض،وَهُوَ يُعَكِّر عَلَى مَا تَقَرَّرَ بَيْن أَهْل الْحَدِيث أَنَّ الَّذِي يُورِدهُ الْبُخَارِيّ بِصِيغَةِ التَّمْرِيض لَا يَكُون عَلَى شَرْطه،مَعَ أَنَّهُ أَخْرَجَ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي الرُّقْيَة بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب عَقِب هَذَا الْبَاب . وَأَجَابَ شَيْخنَا فِي كَلَامه عَلَى عُلُوم الْحَدِيث بِأَنَّهُ قَدْ يَصْنَع ذَلِكَ إِذَا ذَكَرَ الْخَبَر بِالْمَعْنَى،وَلَا شَكَّ أَنَّ خَبَر اِبْن عَبَّاس لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِالرُّقْيَة بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب وَإِنَّمَا فِيهِ تَقْرِيره عَلَى ذَلِكَ،فَنِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَيْهِ صَرِيحًا تَكُون نِسْبَة مَعْنَوِيَّة،وَقَدْ عَلَّقَ الْبُخَارِيّ بَعْض هَذَا الْحَدِيث بِلَفْظِهِ فَأَتَى بِهِ مَجْزُومًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَة فِي " بَاب مَا يُعْطَى فِي الرُّقْيَة بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب " وَقَالَ اِبْن عَبَّاس " إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَاب اللَّه " ثُمَّ قَالَ شَيْخنَا : لَعَلَّ لِابْنِ عَبَّاس حَدِيثًا آخَر صَرِيحًا فِي الرُّقْيَة بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب لَيْسَ عَلَى شَرْطه فَلِذَلِكَ أَتَى بِهِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيض . قُلْت : وَلَمْ يَقَع لِي ذَلِكَ بَعْد التَّتَبُّع "(18).
قال السيوطي رحمه الله : " أوليس على شَرْطهِ, كقولهِ في الصَّلاة(19): ويُذكر عن عبد الله بن السَّائب قال: قَرَأ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - المُؤمنون في صلاةِ الصُّبح, حتى إذا جَاء ذكر مُوسى وهارون أخذتهُ سعلة فركع, وهو صحيح أخرجه مُسلم موصولا(20), إلاَّ أنَّ البُخَاري لم يُخرِّج لبعض رُواته. "
أوْ لكونهِ ضَمَّ إليه ما لم يصح, فأتَى بصيغة تُستعمل فيهما, كقوله في الطَّلاق , ويُذكر عن علي بن أبي طالب وابن المُسيب, وذكر نحوا من ثلاثة وعشرين تابعيًا.( كذا قال: وفيها ما هو صحيح عنده وفيها ما هو ضعيف.)(21)
وقد يُورده أيضًا في الحسن, كقوله في البُيوع(22): ... وَيُذْكَرُ عَنْ عُثْمَانَ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ : « إِذَا بِعْتَ فَكِلْ،وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ ».
هذا الحديث رواه الدَّارقُطْني(23)والبيهقي في السنن(24)من طريق عُبيد الله بن المغيرة - وهو صدوق - عن مُنقذ مولى عُثمان, وقد وثِّق, عن عُثمان, وتابعه سعيد بن المُسيب, ومن طريقه أخرجه أحمد في «المسند»(25)إلاَّ أنَّ في إسْنَاده ابن لهيعة،(26)ورواه ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه» من حديث عَطَاء عن عُثمان, وفيه انقطاع, والحديث حسن لما عضده من ذلك.(27)
ومن أمثلة ما أورده من ذلك وهو ضعيف, قوله في الوَصَايا(28): وَيُذْكَرُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّة،وقد رواه التِّرمذي موصُولاً(29)من طريق الحارث عن علي, والحارث ضعيف.ِ(30)
وقوله في الصَّلاة(31): وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لاَ يَتَطَوَّعُ الإِمَامُ فِى مَكَانِهِ . وقال عقبه : وَلَمْ يَصِحَّ،وهذه عادتهُ في ضعيف لا عاضد له, من موافقة إجماع أو نحوه, على أنَّه فيه قليل جدًّا, والحديث أخرجه أبو داود والبغوي في شرح السنة من طريقه(32)من طريق اللَّيث بن أبي سُليم, عن الحجَّاج بن عُبيد, عن إبراهيم بن إسْمَاعيل, عن أبي هُريرة, وليث ضعيف, وإبراهيم لا يُعرف, وقد اختلف عليه فيه.(33)
ومَا أوردهُ البُخَاري في الصَّحيح مِمَّا عبَّر عنهُ بصيغة التَّمريض, وقلنا لا يحكم بصحته ليسَ بواهٍ أي: ساقط جدًّا لإدخاله إياه في الكتاب المَوسُوم بالصحيح
وعِبَارة ابن الصَّلاح : ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصَّحيح مُشعرٌ بصحة أصلهِ, إشعارًا يُؤنس به, ويُركن إليهِ.
قلتُ: ولهذَا رددتُ على ابن الجَوْزي حيث أورد في «الموضُوعات»(34)حديث ابن عبَّاس مرفوعًا: «إذَا أُتي أحدكُم بِهَديةٍ, فجُلسَاؤه شُركاؤه فيها».(35)
فإنَّه أورده من طريقين عنه, ومن طريق عن عائشة, ولم يُصب, فإنَّ البُخَاري أوردهُ في «الصَّحيح» فقال: ويُذكر عن ابن عبَّاس, وله شاهد آخر من حديث الحسن بن علي, رَوَيناهُ في «فوائد أبي بكر الشَّافعي» وقد بينتُ ذلك في «مختصر الموضوعات» ثمَّ في كتابي «القول الحسن في الذَّب عن السُّنن».(36)
__________
(1) - في تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 70) وجـ1 ص 115 ـ 116فما بعد
(2) - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 70) فما بعد
(3) - وصله أبو عوانة في مستخرجه برقم (683 ).
(4) - صحيح البخارى برقم (2311 )
(5) - قلت : قد ذكر ذلك في سبعة عشر موضعاً انظر تاريخ البخاري (ج 1 / ص 400)[ 2588 ] (ج 1 / ص 425)[ 2819 ] و (ج 1 / ص 437)[ 26 ]
(6) - قال الحافظ العراقي : فقولُهُ : قالَ عفانُ كذا قال القعنبيُّ كذا في أمثلةِ ما سقطَ من أولِ إسنادِهِ واحدٌ مخالفٌ لكلامِهِ الذي قدّمْنَاهُ عنه ؛ لأنَّ عفانَ والقعنبيَّ كلاهما شيخُ البخاريِّ حَدَّثَ عنه في مواضعَ من صحيحِهِ متصلاً بالتصريحِ . فيكونُ قولُهُ : قال عفانُ ، قال القعنبيُّ ، محمولاً على الاتّصال ، كالحديث المعنعنِ . وعلى هذا عملُ غيرِ واحدٍ من المتأخّرينَ ، كابنِ دقيقِ العيدِ ، والمزّيِّ . فجعلا حديثَ أبي مالكٍ الأشعَرِيِّ - الآتي ذِكْرُهُ - مثالاً لهذهِ المسألةِ تعليقاً . وفي كلامِ أبي عبدِ الله بنِ منده أيضاً ما يقتضي ذلكَ ، فقالَ في جزءٍ له في اختلافِ الأئمةِ في القراءة ، والسماعِ ، والمناولةِ ، والإجازةِ : أخرجَ البخاريُّ في كتبهِ الصحيحةِ وغيرِها ، قال لنا فلانٌ ، وهي إجازةٌ . وقال فلانٌ ، وهو تدليسٌ . قال : وكذلك مسلمٌ أخرجَهُ على هذا . انتهى كلام ابنِ منده ولم يوافق عليهِ .
انظر: مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 3) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 94) وشرح التبصرة والتذكرة - (ج 1 / ص 45)
(7) - أخرجهُ مسلم في «صحيحه»برقم ( 852)
(8) - الترمذي برقم (3024 ) وابن ماجة برقم (1995) وصححه قوم
(9) - ( 33 - باب الْعَرْضِ فِى الزَّكَاةِ)
(10) - فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 57)
(11) - صحيح البخارى برقم (7428 ، 2411 ، 3408 ، 3414 ، 6517 ، 6518 ، 7472 )
(12) - برقم (3414 ),
(13) - برقم (2487 )
(14) - رقم (2247 )
(15) - مقدمة ابن الصلاح - (ج 1 / ص 3) والنكت على ابن الصلاح - (ج 1 / ص 357) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي - (ج 1 / ص 5)
(16) - (33 - باب الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ )
(17) - صحيح البخارى (5737)
(18) - فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 260)
(19) - ( 106 - باب الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِى الرَّكْعَةِ . ( 257 )
(20) - برقم (1050)
(21) - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - (ج 1 / ص 101) والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي (ج 1 / ص 6)
(22) - (51 - باب الْكَيْلِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُعْطِى)
(23) - برقم (2855 )
(24) - برقم (11012 ) وقال عقبه وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْكِبَارِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَه
(25) - برقم (452 ) والبزار برقم (379 )
(26) - قلت : ورواه عبد بن حميد برقم (53 ) من طريق ابن المبارك عن ابن لهيعة وروايته عنه قوية قبل الاختلاط
(27) - قلت: بل صحيح لغيره
(28) -باب تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ( 9 ) وَيُذْكَرُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ
(29) - برقم (2238 و2268 )
(30) - قلت : وله شاهد تام في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 13 / ص 288) قال :وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ : رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي " مُسْنَدِهِ " ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى بْنِ نَجِيحٍ الطَّبَّاعُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ ، وَأَنْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } انْتَهَى ، وفي إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - (ج 6 / ص 107) برقم (1667) وحسنه ، وهو كما قال فالحديث حسن لغيره
(31) - رقم ( 848 )
(32) - برقم (701 )
(33) - قلت : وذكر له شواهد وطرق بنحوه انظرها في فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 253)
(34) - الموضوعات - (ج 3 / ص 92)
(35) - قلت : رد عليه في اللآلي المصنوعة - (ج 2 / ص 254) وفي تنزيه الشريعة المرفوعة - (ج 2 / ص 298) (تعقب) بأن حديث ابن عباس علقه البخاري في صحيحه وهو مشعر بأن له أصلا إشعارا يؤنس به ويركن إليه كما قاله ابن الصلاح في تعاليق البخاري التي بصيغة التمريض، وليحيى الحماني متابع عند أبي نعيم في الحلية وآخر عند البيهقي في سننه ولمندل وعبد السلام متابع عند ابن عساكر في تاريخه ومندل لم يتهم بكذب، بل قال أبو زرعة لين وقال أبو حاتم شيخ وقال العجلي جائز الحديث يتشيع وهذا من صيغ التعديل فهذا الحديث شاهد لحديث عائشة ،وله شاهد آخر من حديث الحسن بن علي أخرجه أبو بكر الشافعي في فوائده والطبراني (قلت) قال الهيثمي في المجمع فيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف والله تعالى أعلم
وانظر كشف الخفاء برقم (2397 ) والمقاصد الحسنة برقم (1075 ) والنافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة - (ج 1 / ص 74) برقم ( 169)
(36) - قلت : وفي النهاية فالحديث ضعيف(1/67)
قال ابن الصَّلاح : إذا تقرَّر حُكم التعاليق المَذْكورة, فقول البُخَاري : ما أدخلتُ في كِتَابي إلاَّ ما صحَّ, وقول الحافظ أبي نصر السِّجْزي: أجمعَ الفُقهاء وغيرهم أنَّ رَجُلا لو حلف بالطَّلاق: أنَّ جميع البُخَاري صحيح, قاله رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لا شكَّ فيه, لم يحنث, محمولٌ على مقاصد الكتاب وموضوعه, ومُتون الأبواب المُسْندة, دُون التَّراجم ونحوها.(1)
-----------------
تواضعُ النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله(2):
"وَالْمَقْصُود مِنَ الْأَخْذ بِالْيَدِ لَازِمُهُ وَهُوَ الرِّفْق وَالِانْقِيَاد . وَقَدْ اِشْتَمَلَ عَلَى أَنْوَاع مِنَ الْمُبَالَغَة فِي التَّوَاضُع لِذِكْرِهِ الْمَرْأَة دُون الرَّجُل،وَالْأَمَة دُون الْحُرَّة،وَحَيْثُ عَمَّمَ بِلَفْظِ الْإِمَاء أَيّ أَمَة كَانَتْ،وَبِقَوْلِهِ " حَيْثُ شَاءَتْ " أَيْ مِنَ الْأَمْكِنَة . وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَخْذِ بِالْيَدِ إِشَارَة إِلَى غَايَة التَّصَرُّف حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَاجَتهَا خَارِج الْمَدِينَة وَالْتَمَسَتْ مِنْهُ مُسَاعَدَتهَا فِي تِلْكَ الْحَاجَة عَلَى ذَلِكَ،وَهَذَا دَالّ عَلَى مَزِيد تَوَاضُعه وَبَرَاءَته مِنْ جَمِيع أَنْوَاع الْكِبْر - صلى الله عليه وسلم - . وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَمّ الْكِبْر وَمَدْح التَّوَاضُع أَحَادِيث،مِنْ أَصَحّهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ».(3)وَالْغَمْطُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم بَعْدهَا مُهْمَلَة هُوَ الِازْدِرَاء وَالِاحْتِقَار،وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِم بِلَفْظِ " وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ "(4)وَالسَّائِلُ الْمَذْكُور يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون ثَابِت بْن قَيْس فَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَن عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ(5)،وَكَذَا أَخْرَجَ مِنْ حَدِيث سَوَاد بْن عَمْرو أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ(6)،وَأَخْرَجَ عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس رَفَعَهُ " الْكِبْر السَّفَه عَنْ الْحَقّ،وَغَمْص النَّاس . فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : السَّفَه أَنْ يَكُون لَك عَلَى رَجُل مَال فَيُنْكِرهُ فَيَأْمُرهُ رَجُل بِتَقْوَى اللَّه فَيَأْبَى،وَالْغَمْص أَنْ يَجِيء شَامِخًا بِأَنْفِهِ،وَإِذَا رَأَى ضُعَفَاء النَّاس وَفُقَرَاءَهُمْ لَمْ يُسَلِّم عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَجْلِس إِلَيْهِمْ مَحْقَرَة لَهُمْ "(7)
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم مِنْ حَدِيث عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِىءٌ مِنْ ثَلاَثٍ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ »(8).
وَأَخْرَجَ أَحْمَد وَابْن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد رَفَعَهُ « مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ دَرَجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِى عِلِّيِّينَ وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ دَرَجَةً وَضَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ ».(9)
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَط " عَنْ اِبْن عُمَر رَفَعَهُ " إِيَّاكُمْ وَالْكِبَرَ ; فَإِنَّ الْكِبَرَ يَكُونُ فِي الرَّجُلِ،وَإِنَّ عَلَيْهِ الْعَبَاءَةَ "(10)وَرُوَاته ثِقَات،وَحَكَى اِبْن بَطَّال عَنِ الطَّبَرِيِّ أَنَّ الْمُرَاد بِالْكِبْرِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث الْكُفْر،بِدَلِيلِ قَوْله فِي الْأَحَادِيث " عَلَى اللَّه " ثُمَّ قَالَ : وَلَا يُنْكِر أَنْ يَكُون مِنَ الْكِبْر مَا هُوَ اِسْتِكْبَار عَلَى غَيْر اللَّه تَعَالَى وَلَكِنَّهُ غَيْر خَارِج عَنْ مَعْنَى مَا قُلْنَاهُ ؛ لِأَنَّ مُعْتَقِد الْكِبْر عَلَى رَبّه يَكُون لِخَلْقِ اللَّه أَشَدّ اِسْتِحْقَارًا اِنْتَهَى(11).
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَخِى بَنِى مُجَاشِعٍ قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ خَطِيبًا فَقَالَ :« َإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ »(12).،وَالْأَمْر بِالتَّوَاضُعِ نَهْيٌ عَنِ الْكِبْر فَإِنَّهُ ضِدّه،وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْكُفْر وَغَيْره،وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ فِي حَقّ الْمُسْلِم فَقِيلَ : لَا يَدْخُل الْجَنَّةَ مَعَ أَوَّل الدَّاخِلِينَ،وَقِيلَ لَا يَدْخُلهَا بِدُونِ مُجَازَاة،وَقِيلَ جَزَاؤُهُ أَنْ لَا يَدْخُلهَا وَلَكِنْ قَدْ يُعْفَى عَنْهُ،وَقِيلَ وَرَدَ مَوْرِد الزَّجْر وَالتَّغْلِيظ،وَظَاهِره غَيْرُ مُرَاد . وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة حَال دُخُولهَا وَفِي قَلْبه كِبْرٌ،حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ،وَاسْتَضْعَفَهُ النَّوَوِيّ فَأَجَادَ لِأَنَّ الْحَدِيث سِيقَ لِذَمِّ الْكِبْر وَصَاحِبه لَا لِلْإِخْبَارِ عَنْ صِفَة دُخُول أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة،قَالَ الطِّيبِيُّ : الْمَقَامُ يَقْتَضِي حَمْل الْكِبْر عَلَى مَنْ يَرْتَكِبُ الْبَاطِل ؛ لِأَنَّ تَحْرِير الْجَوَاب إِنْ كَانَ اِسْتِعْمَال الزِّينَة لِإِظْهَارِ نِعْمَة اللَّه فَهُوَ جَائِز أَوْ مُسْتَحَبّ،وَإِنْ كَانَ لِلْبَطَرِ الْمُؤَدِّي إِلَى تَسْفِيه الْحَقّ وَتَحْقِيرِ النَّاس وَالصَّدّ عَنْ سَبِيل اللَّه فَهُوَ الْمَذْمُوم ."
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث - (ج 1 / ص 49) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - (ج 1 / ص 75)
(2) - فتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 241)
(3) - صحيح مسلم(275 ) -البطر : التكبر على الحق فلا يقبله =الغمط : الاحتقار والاستهانة
(4) - المستدرك للحاكم(69) ومسند أحمد (3862) صحيح لغيره
(5) - عَنْ ثَابِتِ بن قَيْسٍ ، قَالَ : ذُكِرَ الْكِبْرُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَشَدَّدَ فِيهِ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لأَغْسِلُ ثِيَابِي ، فَيُعْجِبُنِي بَيَاضُها ، وَيُعْجِبُنِي شِرَاكُ نَعْلِي ، وعَلاقَةُ سَوْطِي ، فَقَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ الْكِبْرَ ، إِنَّمَا الْكِبْرُ أَنْ تُسَفِّهَ الْحَقَّ ، وتَغْمِصَ النَّاسَ.المعجم الكبير للطبراني(1302و1303 )
(6) - عَنْ سَوَادِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ حُبِّبَ إِلَيَّ الْجَمَالُ وَأُعْطِيتُ مِنْهُ مَا تَرَى فَمَا أُحِبُّ أَنْ يَفُوقَنِي أَحَدٌ فِي شِسْعِ نَعْلِي أَوْ قَالَ : شِرَاكُ نَعْلِي - أَفَمِنَ الْكِبْرِ ذَاكَ ؟ قَالَ : " لَا " . قُلْتُ : فَمَا الْكِبْرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " مَنْ سَفَّهَ الْحَقَّ ، وَغَمَصَ النَّاسَ " . المعجم الكبير للطبراني ( 6359 و6361) وهو صحيح
(7) - مسند عبد بن حميد(675) والمسند الجامع(6773) وهو حديث قوي
(8) - سنن الترمذى(1667) والمستدرك للحاكم (2218) السنن الكبرى للبيهقي (ج 9 / ص 101)(18672) المسند الجامع - (ج 3 / ص 677)(2051) ه صحيح - الغلول : السرقة من الغنيمة قبل أن تقسم
(9) - مسند أحمد(12043) ومسند أبي يعلى الموصلي(1109) والمسند الجامع - (ج 6 / ص 758)(4543) وهو حديث حسن
(10) - المعجم الكبير للطبراني (865) والمعجم الأوسط للطبراني( 554 )
(11) - شرح ابن بطال - (ج 17 / ص 325)
(12) - صحيح مسلم (7389 )(1/68)
باب تحريم الكبر والإعجاب
60-( 619) وعن سَلَمةَ بنِ الأكْوَعِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ فِى الْجَبَّارِينَ فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُمْ ». رواه الترمذي،وقال: (حديث حسن)
أخرجه : الترمذي ( 2000 ) وقال : (حديث حسن غريب) على أنَّ في إسناده عمر بن راشد اليمامي ضعيف
-----------------
قلت : هو في سنن الترمذى(2131 ) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ فِى الْجَبَّارِينَ فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُمْ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ(1)
قلت : وفيه عمر بن راشد الأكثر على تضعيفه،وقال ابن عدي في نهاية ترجمته : " ولعمر بن راشد غير ما ذكرت من الحديث وعامة حديثه وخاصة عن يحيى بن أبي كثير لا يوافقه الثقات عليه،وينفرد عن يحيى بأحاديث عداد وهو إلى الضعف أقرب منه الى الصدق "(2).
قلت : وهذا الحديث ليس عن يحيى بن أبي كثير،فينبغي قبوله واعتماد قول الترمذي فيه .
ويشهد له من حيث المعنى ما وريَ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلاَءِ خُسِفَ بِهِ،فَهْوَ يَتَجَلْجَلُ فِى الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ »(3)
------------------
التحذير من التكبر
" في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حذر الإنسان من أن يعجب بنفسه،فلا يزال في نفسه يترفع ويتعاظم حتى يكتب من الجبارين،فيصيبه ما أصابهم والجباورن - والعياذ بالله - لو لم يكن من عقوبتهم إلا قول الله تبارك وتعالى {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} (35) سورة غافر .
فالجبارُ - والعياذ بالله - يُطبع على قلبه حتى لا يصل إليه الخير،ولا ينتهي عن الشر .(4)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وفي تخريج أحاديث الإحياء (3431) ،والزواجر عن اقتراف الكبائر - (ج 1 / ص 170 و172) ونقل تحسين الترمذي وفي الترغيب والترهيب للمنذري ( 4430 ) ون دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - (ج 5 / ص 82) ونقلوا التحسين وسكتوا عليه
(2) - الكامل في الضعفاء[ ج5 - ص16 ]
(3) - صحيح البخارى (3485 )
(4) - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 3 / ص 210)(1/69)
باب وجوب طاعة أولياء الأمر
61-( 672) وعن أَبي بكرة قالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِى الأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ ». رواه الترمذي،وقال : (حديث حسن) .
أخرجه : الترمذي ( 2224 ) . وقال : (حديث حسن غريب) على أنَّ الحديث ضعيف
------------------
قلت : كان في النص تحريف فأصلحته والحديث في سنن الترمذى(2388 ) حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ كُسَيْبٍ الْعَدَوِىِّ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَبِى بَكْرَةَ تَحْتَ مِنْبَرِ ابْنِ عَامِرٍ وَهُوَ يَخْطُبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَقَالَ أَبُو بِلاَلٍ انْظُرُوا إِلَى أَمِيرِنَا يَلْبَسُ ثِيَابَ الْفُسَّاقِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِى الأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.(1)
وله شواهد هذه بعضها،كما في مسند البزار (2848) وَأَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ،قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ،قَالَ : أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ،عَنْ رِبْعِيٍّ،عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : مَا مِنْ قَوْمٍ مَشَوْا إِلَى سُلْطَانِ اللهِ لِيَذِلُّوهُ إِلاَّ أَذَلَّهُمُ اللَّهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وهَذَا الْكَلامُ لاَ نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا اللَّفْظِ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْهُ بِهَذَا الإِسْنَادِ.(2)( وهو حديث حسن)(3)
فالحديثُ صحيحٌ بيقين لهذه الطرق والشواهد الكثيرة
ولعله قلد شيخنا الشيخ شعيب في تعليقه على المسند حيث ضعفه !!!
وفي تحفة الأحوذي: " أَيْ مَنْ أَهَانَ مَنْ أَعَزَّهُ اللَّهُ وَأَلْبَسَهُ خِلْعَةَ السَّلْطَنَةِ أَهَانَهُ اللَّهُ - قال الطيبي(4): والظاهر هذا الاحتمال لأن أبا بكرة ردَّه بقوله: من أهان الخ يعني تفسيقك إياه بسبب لبسه هذه الثياب التي يصون بها عزته ليس بحقٍّ،-. وَفِي الْأَرْضِ مُتَعَلِّقٌ بِسُلْطَانِ اللَّهِ تَعَلُّقَهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (26) سورة ص،وَالْإِضَافَةُ فِي سُلْطَانِ اللَّهِ،إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ،كَبَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ وَيُحْكَى عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ مَعَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعَلَى جَعْفَرٍ جُبَّةُ خَزٍّ دَكْنَاءُ فَقَالَ لَهُ : يَا اِبْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ هَذَا مِنْ لِبَاسِك،فَحَسَرَ عَنْ رَدْنِ جُبَّتِهِ فَإِذَا تَحْتَهَا جُبَّةُ صُوفٍ بَيْضَاءُ يَقْصُرُ الذَّيْلُ عَنِ الذَّيْلِ وَالرَّدْنُ عَنِ الرَّدْنِ . فَقَالَ : يَا ثَوْرِيُّ لَبِسْنَا هَذَا لِلَّهِ وَهَذِي لَكُمْ،فَمَا كَانَ لِلَّهِ أَخْفَيْنَاهُ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَبْدَيْنَاهُ . ذَكَرَهُ صَاحِبُ جَامِعِ الْأُصُولِ فِي كِتَابِ مَنَاقِبِ الْأَوْلِيَاءِ،وَالدَّكْنَاءُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ تَأْنِيثُ الْأَدْكَنِ وَهُوَ ثَوْبٌ مُغَبَّرُ اللَّوْنِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ . "(5)
قلت : هذا لا يمنع نصيحة الحاكم،فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ »(6).
قال النووي رحمه الله:" وَأَمَّا النَّصِيحَة لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَمُعَاوَنَتهمْ عَلَى الْحَقّ،وَطَاعَتُهُمْ فِيهِ،وَأَمْرُهُمْ بِهِ،وَتَنْبِيههمْ وَتَذْكِيرهمْ بِرِفْقٍ وَلُطْفٍ،وَإِعْلَامهمْ بِمَا غَفَلُوا عَنْهُ وَلَمْ يَبْلُغهُمْ مِنْ حُقُوق الْمُسْلِمِينَ،وَتَرْك الْخُرُوج عَلَيْهِمْ،وَتَأَلُّف قُلُوب النَّاس لِطَاعَتِهِمْ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : وَمِنَ النَّصِيحَة لَهُمْ الصَّلَاة خَلْفهمْ،وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ،وَأَدَاءُ الصَّدَقَات إِلَيْهِمْ،وَتَرْكُ الْخُرُوج بِالسَّيْفِ عَلَيْهِمْ إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ حَيْفٌ أَوْ سُوءُ عِشْرَة،وَأَنْ لَا يُغَرُّوا بِالثَّنَاءِ الْكَاذِب عَلَيْهِمْ،وَأَنْ يُدْعَى لَهُمْ بِالصَّلَاحِ . وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْخُلَفَاء وَغَيْرهمْ مِمَّنْ يَقُوم بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَاب الْوِلَايَاتِ . وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور . وَحَكَاهُ أَيْضًا الْخَطَّابِيُّ . ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ يُتَأَوَّل ذَلِكَ عَلَى الْأَئِمَّة الَّذِينَ هُمْ عُلَمَاء الدِّين،وَأَنَّ مِنْ نَصِيحَتهمْ قَبُول مَا رَوَوْهُ،وَتَقْلِيدُهمْ فِي الْأَحْكَام،وَإِحْسَانُ الظَّنِّ بِهِمْ "(7).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - والمسند الجامع - (ج 15 / ص 904)(11967) والبيهقي في السنن الكبرى8/163 والطيالسي (887) والشهاب(419) وشرح السنة 10/54 ومجمع الزوائد 5/265 والسنة لابن أبي عاصم (1018) والسير للذهبي 3/20 وصحيح الجامع (6111) وتاريخ دمشق - (ج 29 / ص 255)(6014 ) من طرق وقال البزار (3670) عقبه :وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ نَحْوُ كَلامِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وجُوهٍ ، وَلاَ نَعْلَمُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَحُمَيْدِ بْنِ مِهْرَانَ وَسَعِيدِ بْنِ أَوْسٍ وَزِيَادِ بْنِ كُسَيْبٍ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّ.
(2) - مجمع الزوائد( 9089 ) وقال :رَوَاهُ الْبَزَّارُ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ خَلَا كَثِيرَ بْنَ أَبِي كَثِيرٍ التَّيْمِيَّ ، وَهُوَ ثِقَةٌ ، ومصنف عبد الرزاق (20716) عن حذيفة موقوفا ( وهو صحيح موقوف ولا يقال بالرأي)
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 9 / ص 414) (11369 ) عن ابن عباس وبنحوه من طرق في مجمع الزوائد( 785 و9071 و9085 و9089 ) وتخريج أحاديث الإحياء(2246) والصحيحة برقم ( 2297 ) وصححه في رياض الصالحين (678)
السنة لابن أبي عاصم(856)
(4) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 11 / ص 331)
(5) - تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 6) وانظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (ج 11 / ص 331)
(6) - صحيح مسلم(205)
(7) - شرح صحيح مسلم (2/38) و شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 144) الشاملة 2(1/70)
باب استحباب طلب الرفقة وتأميرهم عَلَى أنفسهم واحداً يطيعونه
62-( 961) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ ».رواه أَبُو داود والترمذي،وقال : (حديث حسن).أخرجه : أبو داود ( 2611 )،والترمذي ( 1555 ) وقال : (حديث حسن غريب)،وهو حديث معلول بيانه في كتابي " الجامع في العلل "
--------------
قلت : هو في سنن أبى داود (2613) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِى قَالَ سَمِعْتُ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ.
وفي سنن الترمذى (1643 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الأَزْدِىُّ الْبَصْرِىُّ وَأَبُو عَمَّارٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَلاَ يُغْلَبُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ يُسْنِدُهُ كَبِيرُ أَحَدٍ غَيْرُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَإِنَّمَا رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً. وَقَدْ رَوَاهُ حِبَّانُ بْنُ عَلِىٍّ الْعَنَزِىُّ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - . وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً.(1)
وفي مَرَاسِيلُ أَبِي دَاوُدَ (292 ) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ حَيْوَةَ ، عَنْ عَقِيلٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِئَةٍ ، وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ " . حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ ، عَنْ عَقِيلٍ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ : قَدْ أُسْنِدَ هَذَا وَلَا يَصِحُّ أَسْنَدَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَهُوَ خَطَأٌ " .
وفي مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ(9400 )عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِائَةٍ ، وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ ، وَلَنْ يُهْزَمَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ " .
وفي جُزْءٌ لُوَيْنٍ(10 ) حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ عَقِيلٍ الْأَيْلِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به .
وفي مُسْنَدُ الشِّهَابِ الْقُضَاعِيِّ (1143) أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ ، عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الشَّافِعِيُّ ، أبنا هِشَامُ بْنُ أَبِي خَلِيفَةَ الرُّعَيْنِيُّ ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ ، ثنا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ ، ثنا مِنْدَلٌ ، وَحِبَّانُ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به .
وقال الشيخ شعيب إسناده صحيح على شرط الشيخين(2).
قلت : فالصوابُ أنه حديثٌ صحيحٌ موصولٌ ، ولولم يكن له سوى الطريقان المرسلان المختلفان المخرج لكان صحيحاً لغيره ، فكيف وقد وصله عدة من الثقات؟! .
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وانظر طرقه في المسند الجامع (6911) والمستدرك للحاكم (1621و2489) وقال :هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، وَالْخِلافُ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ قَدْ شَرَحْتُهَا فِي كِتَابِ التَّلْخِيصِ ومسند أبي يعلى الموصلي (2587) قال حسين سليم أسد : إسناده صحيح وصحيح ابن خزيمة (2336) وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (2611 ) وفي صحيح وضعيف سنن الترمذي (1555) وقال البيهقي: وَرَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ يُونُسَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- مُنْقَطِعًا قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَسْنَدَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَهُوَ خَطَأٌ.، وتعقبه ابن التركماني بقوله: هذا ممنوع لأن جريراَ ثقة، وقد زاد الإسناد فيقبل قوله، كيف وقد تابعه عليه غيره. وقال المناوي في "فيض"القدير 3/474: ولم يصححه الترمذي، لأنه يروى مسنداً ومرسلاً ومعضلا، قال ابن القطان: لكن هذا ليس بعلة،فالأقرب صحته، قلت: وصححه أيضاً الضياء المقدسي في "المختارة" 62/ 292/2.
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 11 / ص 17)(4717 )(1/71)
باب استحباب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر عَلَى جنبه الأيمن
63- (1112) وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ ». رواه أبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ بأسانيد صحيحة،قال الترمذي : (حديث حسن صحيح) .
أخرجه : أبو داود ( 1261 )،والترمذي ( 420 ) وقال : " حديث حسن صحيح غريب "،وقد أخطأ المصنف حينما قال : بأسانيد صحيحة،ومن قبله الترمذي،وابن خزيمة،وابن حبان،وابن حزم ؛ إذ إنَّ هذا اللفظ معلول أخطأ فيه عبد الواحد بن زياد،وغيره من الثقات جعلوه من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو المحفوظ،وقد بينت ذلك بإسهاب في تعليقي على مختصر المختصر ( 1120 )
------------------
قلت : هو في سنن أبى داود (1263 ) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو كَامِلٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالُوا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ " . فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ : أَمَا يُجْزِئُ أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إِلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ ؟ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فِي حَدِيثِهِ : قَالَ : لَا ، قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ ، فَقَالَ : أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ ، قَالَ : فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ : هَلْ تُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ وَجَبُنَّا ، قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : فَمَا ذَنْبِي إِنْ كُنْتُ حَفِظْتُ وَنَسَوْا "(1)
وقال أبو إسحاق الحويني :" قلت: وهذا إسنادٌ ظاهرهُ الصحةُ،ولكن أعلّه البيهقي،ونقل ابن عبد البر في "التمهيد" عن الأثرم قال: "سمعتُ أحمد بن حنبل يُسألُ عن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر،فقال: ما أفعلُه أنا. قيل له: لِمَ لم تأخذ به؟ قال: ليس فيه حديث يثبُتُ. قلتُ له: حديث الأعمش،عن أبي صالح،عن أبي هريرة؟ قال: رواه بعضهم مرسلاً". انتهى(2).
وقال الذهبي في "الميزان" في ترجمة "عبد الواحد": "احتجا به في "الصحيحين"،وتجنبا تلك المناكير التي نقمت عليه،فيحدث عن الأعمش بصيغة السماع عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا،وذكر هذا الحديث وعزاه إلى أبي داود.(3)
وهذا التصريح بالتحديث- الذي ذكره الذهبي- لم أقف عليه عند أحدٍ من المخرجين،وقد ذكر العقيليُّ في "الضعفاء" عن أبي داود الطيالسي، وَذُكِرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ فَقَالَ : عَمِدَ إِلَيَّ أَحَادِيثَ كَانَ يُرْسِلُهَا الْأَعْمَشُ فَوَصَلَهَا كُلَّهَا ، يَقُولُ : حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ : حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ فِي كَذَا وَكَذَا ..(4)
فهذا يدلُّ على أن عبد الواحد وهم في حديث الأعمش عن مجاهد خاصة،وكان الأعمش إذا روى عن صغار شيوخه مثل مجاهد أكثر من التدليس،بخلاف روايته عن أبي صالح،فإنه من جلَّة شيوخه،ثم هو مكثرٌ عنه.حتى استثناه الذهبي مع غيره ممن يروي عنهم الأعمش،أن يقبل حديثه إذا رواه الأعمش عنه بالعنعنة،كما تراه في ترجمة "الأعمش" من "الميزان"،أما ما رواه العقيلي عن يحيى بن سعيد القطان قال: ما رأيتُ عبد الواحد بن زياد يطلبُ حديثًا قطُّ بالبصرة ولا بالكوفة،وكنا نجلس على بابه يوم الجمعة بعد الصلاة أذاكره حديث الأعمش،لا يعرفُ منه حرفًا"(5). فهذا مقابلٌ بقول ابن معين وسئل عن أثبت أصحاب الأعمش بعد سفيان وشعبة؟ فقال: أبو معاية الضرير وبعده عبد الواحد بن زياد. وقد احتجَّ به الشيخان في حديث عن الأعمش،ولم يقم دليلٌ على أن أحدًا من أصحاب الأعمش الكبار خالفه في هذا الحديث،فإن وجدنا عملنا بمقتضاه،فلو رواه من هو أثبتُ من عبد الواحد بن زيادٍ عن الأعمش فأرسله كما وقع في كلام أحمد،حكمنا لهذا الثبت عليه،إلاَّ أن يقوم مانعٌ. وقول أحمد: رواه بعضهم مرسلاً،فلا ندري من هذا "البعض"،وهل يقدَّم على عبد الواحد أم لا.
وأما قولُ المنذري في "تهذيب سنن أبي داود": "قيل: إن أبا صالح لم يسمع هذا الحديث من أبي هريرة،فيكون منقطعًا"(6). وقد سبقه إلى ذلك أبو بكر بن العربي،فقال في "عارضة الأحوذي": "وحديثُ أبي هريرة معلولٌ،لم يسمعه أبو صالح من أبي هريرة،وبين الأعمش وأبي صالحٍ كلام".(7)
فأما القول بأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة فلم أقف على قائله من أئمة الحديث الكبار،ولا على دليله. وابنُ العربي رحمه الله،فليس من أحلاس هذا العلم،وله أوهامٌ في تواليفه في التصحيح والتضعيف،والكلام على علل الحديث.
وقد صحَّحه الترمذي وابنُ حزمٍ في "المحلى"(8)لكنه اشتطَّ في الاستدلال به على فرضية الضجعة بعد ركعتي الفجر. وصحَّحه أيضًا من المتأخرين النووي في "شرح مسلم"(9)،وفي "المجموع" على شرط الشيخين.(10)
وقال في "رياض الصالحين"(11)،وفي "الخلاصة": "رواه أبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة"(12)كذا قال! وهي عبارة يكثر منها النووي ولا معنى لها،وليس للحديث عندهما إلا هذا الإسنادُ الواحدُ. وصححه أيضًا الشيخ المحقق أبو الأشبال أحمد شاكر وشيخنا الألباني في "صحيح الجامع"(13). وقد أعلَّه البيهقي بما رواه عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْهِ مِنَ الْفَجْرِ وَبَيْنَ الصُّبْحِ بِضَجْعَةٍ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ. {ق} قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا لِمُوَافَقَتِهِ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ اهـ.(14)
والأعمش أثبت منهما في أبي صالح. فإن قلت: نعم،ولكن الشأن في الراوي عنه وهو ابن زيادٍ. قلنا: نعم،وقد قدمنا لك أنه أحدُ الأثبات في الأعمش كما قال ابن معين. فالصوابُ الحكمُ له حتى يظهر لنا أنه قد خالفه من هو أمكنُ منه. فالراجح عندي: صحةُ الحديث بالشرط المذكور. والله أعلم"(15).
قلتُ : الصوابُ صحةُ الحديث الموصول .
---------------
الاضطجاع على الشق الأيمن بعد سنَّة الفجر(16)
" قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الِاضْطِجَاع بَعْد صَلَاة اللَّيْل وَقَبْل رَكْعَتَيْ الْفَجْر،وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنْ عَائِشَة ( أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَضْطَجِع بَعْد رَكْعَتَيْ الْفَجْر ) وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس ( أَنَّ الِاضْطِجَاع كَانَ بَعْد صَلَاة اللَّيْل قَبْل رَكْعَتَيْ الْفَجْر ) . قَالَ : وَهَذَا فِيهِ رَدّ عَلَى الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه فِي قَوْلهمْ : إِنَّ الِاضْطِجَاع بَعْد رَكْعَتَيْ الْفَجْر سُنَّة . قَالَ : وَذَهَبَ مَالِك وَجُمْهُور الْعُلَمَاء وَجَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة إِلَى أَنَّهُ بِدْعَة،وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ رِوَايَة الِاضْطِجَاع بَعْد رَكْعَتَيْ الْفَجْر مَرْجُوحَة . قَالَ : فَتُقَدَّم رِوَايَة الِاضْطِجَاع قَبْلهمَا . قَالَ : وَلَمْ يَقُلْ أَحَد فِي الِاضْطِجَاع قَبْلهمَا أَنَّهُ سُنَّة فَكَذَا بَعْدهَا . قَالَ : وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم عَنْ عَائِشَة : ( فَإِنْ كُنْت مُسْتَيْقِظَة حَدَّثَنِي وَإِلَّا اِضْطَجَعَ ) فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ،وَأَنَّهُ تَارَة كَانَ يَضْطَجِع قَبْلُ وَتَارَة بَعْدُ وَتَارَة لَا يَضْطَجِع،هَذَا كَلَام الْقَاضِي،وَالصَّحِيح أَوِالصَّوَاب : أَنَّ الِاضْطِجَاع بَعْدَ سُنَّة الْفَجْر لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : ( إِذَا صَلَّى أَحَدكُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْر فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينه ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَلَى شَرْط الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم . قَالَ التِّرْمِذِيّ : هُوَ حَدِيث حَسَن صَحِيح . فَهَذَا حَدِيث صَحِيح صَرِيح فِي الْأَمْر بِالِاضْطِجَاعِ . وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة بِالِاضْطِجَاعِ بَعْدهَا وَقَبْلهَا وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس قَبْلهَا فَلَا يُخَالِف هَذَا ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَم مِنَ الِاضْطِجَاع قَبْلهَا أَلَّا يَضْطَجِع بَعْد،وَلَعَلَّهُ - صلى الله عليه وسلم - تَرَكَ الِاضْطِجَاع بَعْدهَا فِي بَعْض الْأَوْقَات بَيَانًا لِلْجَوَازِ لَوْ ثَبَتَ التَّرْك وَلَمْ يَثْبُت،فَلَعَلَّهُ كَانَ يَضْطَجِع قَبْلُ وَبَعْدُ،وَإِذَا صَحَّ الْحَدِيث فِي الْأَمْر بِالِاضْطِجَاعِ بَعْدهَا مَعَ رِوَايَات الْفِعْل الْمُوَافَقَة لِلْأَمْرِ بِهِ تَعَيَّنَ الْمَصِير إِلَيْهِ،وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْع بَيْن الْأَحَادِيث لَمْ يَجُزْ رَدّ بَعْضهَا،وَقَدْ أَمْكَنَ بِطَرِيقَيْنِ أَشَرْنَا إِلَيْهِمَا . أَحَدهمَا : أَنَّهُ اِضْطَجَعَ قَبْلُ وَبَعْدُ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَرَكَهُ بَعْد فِي بَعْض الْأَوْقَات لِبَيَانِ الْجَوَاز . وَاللَّهُ أَعْلَم . "
وقال ابن القيم رحمه الله: " وَفِي اضْطِجَاعِهِ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ سِرّ وَهُوَ أَنّ الْقَلْبَ مُعَلّقٌ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَإِذَا نَامَ الرّجُلُ عَلَى الْجَنْبِ الْأَيْسَرِ اسْتَثْقَلَ نَوْمًا لِأَنّهُ يَكُونُ فِي دَعَةٍ وَاسْتِرَاحَةٍ فَيَثْقُلُ نَوْمُهُ فَإِذَا نَامَ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ فَإِنّهُ يَقْلَقُ وَلَا يَسْتَغْرِقُ فِي النّوْمِ لِقَلَقِ الْقَلْبِ وَطَلَبِهِ مُسْتَقَرّهُ وَمَيْلِهِ إلَيْهِ،وَلِهَذَا اسْتَحَبّ الْأَطِبّاءُ النّوْمَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ لِكَمَالِ الرّاحَةِ وَطِيبِ الْمَنَامِ وَصَاحِبِ الشّرْعِ يَسْتَحِبّ النّوْمَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ لِئَلّا يَثْقُلَ نَوْمُهُ فَيَنَامُ عَنْ قِيَامِ اللّيْلِ،فَالنّوْمُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَنْفَعُ لِلْقَلْبِ وَعَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ أَنْفَعُ لِلْبَدَنِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ "(17).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر ألفاظه وطرقه في في المسند الجامع - (ج 16 / ص 1554)(13159) وصحيح ابن حبان (2512) وصحيح ابن خزيمة (1057) وشرح السنة للبغوي - (ج 2 / ص 146)887 وعمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 6 / ص 176) وتعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين
اجترأ وجَبنّا : الاجتراء الإقدام على الشيء من غير خوف ولا فزع ، والجبن خلافه.
(2) - التمهيد" (8-126)
(3) - "الميزان" (2-672)
(4) - "الضعفاء" (3-55)
(5) - ضعفاء العقيلي[ ج 3 -ص 55 ](1015)
(6) - تهذيب سنن أبي داود" (2-76)
(7) - عارضة الأحوذي" (2-217)
(8) - "المحلى" (3-196)
(9) - شرح مسلم" (6-19)
(10) - المجموع" (4-28)
(11) - (ص343)
(12) - الخلاصة" (1-536)
(13) 1-171) وفي تعليقه على سنن أبي داود
(14) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 3 / ص 45)(5085)
(15) - الفتاوى الحديثية للحويني - (ج 2 / ص 26)
(16) - شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 71) وقارن بعمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 8 / ص 467)
(17) - زاد المعاد - (ج 1 / ص 308)(1/72)
باب النهي عن تقدم رمضان بصوم
64-( 1226) وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا ». رواه الترمذي،وقال :( حديث حسن صحيح)
أخرجه : أبو داود (2337)،وابن ماجه (1651)،والترمذي (738)،وهذا الحديث باطل لا يصح ومن صححه فقد جانب الصواب،وقد بينت ذلك مفصلاً في كتابي " أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء " : 107-110 .
-----------------
قلت : هو في سنن أبى داود (2339 )حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَدِمَ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ الْمَدِينَةَ فَمَالَ إِلَى مَجْلِسِ الْعَلاَءِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا ». فَقَالَ الْعَلاَءُ اللَّهُمَّ إِنَّ أَبِى حَدَّثَنِى عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ الثَّوْرِىُّ وَشِبْلُ بْنُ الْعَلاَءِ وَأَبُو عُمَيْسٍ وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَلاَءِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ يُحَدِّثُ بِهِ قُلْتُ لأَحْمَدَ لِمَ قَالَ لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ وَقَالَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - خِلاَفَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِى خِلاَفَهُ وَلَمْ يَجِئْ بِهِ غَيْرُ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِيهِ.
وفي سنن الترمذى (743 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِذَا بَقِىَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلاَ تَصُومُوا ». قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ. وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُفْطِرًا فَإِذَا بَقِىَ مِنْ شَعْبَانَ شَىْءٌ أَخَذَ فِى الصَّوْمِ لِحَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ.
وَقَدْ رُوِىَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا يُشْبِهُ قَوْلَهُمْ حَيْثُ قَالَ - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ تَقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِصِيَامٍ إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ ». وَقَدْ دَلَّ فِى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّمَا الْكَرَاهِيَةُ عَلَى مَنْ يَتَعَمَّدُ الصِّيَامَ لِحَالِ رَمَضَانَ.(1)
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمه اللَّه :
الَّذِينَ رَدُّوا هَذَا الْحَدِيث لَهُمْ مَأْخَذَانِ :
أَحَدهمَا : أَنَّهُ لَمْ يُتَابِع الْعَلَاء عَلَيْهِ أَحَد بَلِ اِنْفَرَدَ بِهِ عَنِ النَّاس وَكَيْف لَا يَكُون هَذَا مَعْرُوفًا عِنْد أَصْحَاب أَبِي هُرَيْرَة،مَعَ أَنَّهُ أَمْرٌ تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَتَّصِلُ بِهِ الْعَمَلُ ؟
وَالْمَأْخَذ الثَّانِي : أَنَّهُمْ ظَنُّوهُ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ عَائِشَة وَأُمّ سَلَمَة فِي صِيَام النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - شَعْبَان كُلّه،أَوْ قَلِيلًا مِنْهُ،وَقَوْله " إِلَّا أَنْ يَكُون لِأَحَدِكُمْ صَوْم فَلْيَصُمْهُ "،وَسُؤَاله لِلرَّجُلِ عَنْ صَوْمه سَرَر شَعْبَان .
قَالُوا : وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَصَحّ مِنْهُ،وَرُبَّمَا ظَنَّ بَعْضهمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث لَمْ يَسْمَعهُ الْعَلَاء مِنْ أَبِيهِ .
وَأَمَّا الْمُصَحِّحُونَ لَهُ فَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْدَح فِي صِحَّته،وَهُوَ حَدِيث عَلَى شَرْط مُسْلِم،فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرُج فِي صَحِيحه عِدَّة أَحَادِيث عَنِ الْعَلَاء عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة،وَتَفَرُّده بِهِ تَفَرُّد ثِقَة بِحَدِيثٍ مُسْتَقِلٍّ،وَلَهُ عِدَّةُ نَظَائِر فِي الصَّحِيح .
قَالُوا : وَالتَّفَرُّد الَّذِي يُعَلَّل بِهِ هُوَ تَفَرُّد الرَّجُل عَنِ النَّاس بِوَصْلِ مَا أَرْسَلُوهُ،أَوْ رَفْع مَا وَقَفُوهُ،أَوْ زِيَادَة لَفْظَةٍ لَمْ يَذْكُرُوهَا . وَأَمَّا الثِّقَة الْعَدْلُ إِذَا رَوَى حَدِيثًا وَتَفَرَّدَ بِهِ لَمْ يَكُنْ تَفَرُّده عِلَّة،فَكَمْ قَدْ تَفَرَّدَ الثِّقَاتُ بِسُنَنٍ عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَمِلَتْ بِهَا الْأُمَّة ؟.
قَالُوا : وَأَمَّا ظَنُّ مُعَارَضَته بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى صِيَام شَعْبَان،فَلَا مُعَارَضَة بَيْنهمَا،وَإِنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى صَوْم نِصْفه مَعَ مَا قَبْله،وَعَلَى الصَّوْم الْمُعْتَاد فِي النِّصْف الثَّانِي،وَحَدِيث الْعَلَاء يَدُلّ عَلَى الْمَنْع مِنْ تَعَمُّد الصَّوْم بَعْد النِّصْف،لَا لِعَادَةٍ،وَلَا مُضَافًا إِلَى مَا قَبْله،وَيَشْهَد لَهُ حَدِيث التَّقَدُّم .
وَأَمَّا كَوْنُ الْعَلَاء لَمْ يَسْمَعهُ مِنْ أَبِيهِ،فَهَذَا لَمْ نَعْلَم أَنَّ أَحَدًا عَلَّلَ بِهِ الْحَدِيث،فَإِنَّ الْعَلَاء قَدْ ثَبَتَ سَمَاعه مِنْ أَبِيهِ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ الْعَلَاء عَنْ أَبِيهِ بِالْعَنْعَنَةِ غَيْر حَدِيث . وَقَدْ قَالَ " لَقِيت الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن وَهُوَ يَطُوف،فَقُلْت لَهُ : بِرَبِّ هَذَا الْبَيْت،حَدَّثَك أَبُوك عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : إِذَا اِنْتَصَفَ شَعْبَان فَلَا تَصُومُوا ؟ فَقَالَ : وَرَبِّ هَذَا الْبَيْت سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - " فَذَكَره .اهـ(2)
وقال ابن عدي في نهاية ترجمته :" وللعلاء بن عبد الرحمن نسخ عن أبيه عن أبي هريرة يرويها عن العلاء الثقات وما أرى بحديثه بأسا،وقد روى عنه شعبة ومالك وابن جريج ونظرائهم "(3).
قلتُ : الصوابُ صحَّةُ الحديثِ،ويكفيه أن أبا عوانة أورده في صحيحه برواياتٍ عدة،أمَّا أن يكون باطلاً كما ذهب إليه الدكتور ماهر فأمره عجيب جدا !!!
وأمَّا قول الإمام أحمد فيه فلا أدري أين قال ذلك ؟
وقد أخرج حديثه في المسند (9958) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عُتْبَةُ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنِ الصَّوْمِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ ».تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم
ولم يستنكره،فإذا كان منكراً لم ذكره في المسند وسكت عليه ؟!!
والصوابُ من القول إذا صحَّ هذا الكلام عنه أنه يعني التفرد ليس إلا،لأن الإمام أحمد قد وثَّق العلاء،وليس مجردُ التفرد علةً قادحةً أصلاً،ما لم يكن فيها مخالفة للثقات
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَأَلْتُ أَبِى عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ فَقَدَّمَ الْعَلاَءَ عَلَى سُهَيْلٍ وَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ أَحَداً ذَكَرَ الْعَلاَءَ بِسُوءٍ،وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو صَالِحٍ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ الْعَلاَءِ(4).
وقال عبد الله: قال أبي: العلاء بن عبد الرحمن ثقة. ((العلل)) (3171).
وقال ابن هانئ: وسئل (يعني أبا عبد الله): أيما أحب إليك العلاء بن عبد الرحمن،أو محمد بن عمرو ؟ قال: العلاء أحب إلي،محمد بن عمرو،مضطرب الحديث. ((سؤالاته)) (2330).
وقال المروذي: وسئل (يعني أبا عبد الله) عن محمد بن عمرو،والعلاء،فقال: العلاء أحب إلي. ((سؤالاته)) 116.
وقال أبو داود: سمعت أحمد،قيل له: العلاء بن عبد الرحمن،أليس ثقة ؟ قال: بلى هو ثقة. ((سؤالاته)) (187).
وقال حرب بن إسماعيل: قال أحمد بن حنبل: العلاء بن عبد الرحمن عندي فوق سهيل،وفوق محمد بن عمرو. ((الجرح والتعديل)) 6/(1974).(5)
--------------
حكم الصوم بعد منتصف شعبان
قلت : وقد صحَّ جواز الصوم بعد انتصاف شعبان،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ،إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ »(6)
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مُمْكِنٌ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى مَنْ لَيْسَتْ لَهُ عَادَةٌ بِذَلِكَ،وَحَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى مَنْ لَهُ عَادَةٌ،وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ،وَقَدْ اسْتَثْنَى مَنْ لَهُ عَادَةٌ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ بِقَوْلِهِ : " إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ " فَلَا يَجُوزُ صَوْمُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ الَّذِي لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ،وَكَذَلِكَ يُحْمَلُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ عَلَى مَنْ كَانَ مُعْتَادًا لِلصَّوْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ .
وَقَدْ جَمَعَ الطَّحَاوِيُّ بَيْنَ حَدِيثِ النَّهْيِ وَحَدِيثِ الْعَلَاءِ بِأَنَّ حَدِيثَ الْعَلَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ وَحَدِيثُ الْبَابِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ يَحْتَاطَ بِزَعْمِهِ لِرَمَضَانَ .
قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ،فَقِيلَ هِيَ التَّقَوِّي بِالْفِطْرِ لِرَمَضَانَ لِيَدْخُلَ فِيهِ بِقُوَّةٍ وَنَشَاطٍ،وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَهُ بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ جَازَ .
وَقِيلَ : الْحِكْمَةُ خَشْيَةُ اخْتِلَاطِ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ وَفِيهِ نَظَرٌ،لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ عَادَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقِيلَ : لِأَنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ،فَمَنْ تَقَدَّمَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَدْ حَاوَلَ الطَّعْنَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ،قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ،وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ صَوْمُ مَنِ اعْتَادَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ،وَلَيْسَ مِنَ الِاسْتِقْبَالِ فِي شَيْءٍ،وَيَلْحَقُ بِهِ الْقَضَاءُ وَالنَّذْرُ لِوُجُوبِهِمَا،قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : يُسْتَثْنَى الْقَضَاءُ وَالنَّذْرُ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِمَا فَلَا يَبْطُلُ الْقَطْعِيُّ بِالظَّنِّيِّ ".(7)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر المسند الجامع - (ج 17 / ص 392)(13489) (أبو العميس عتبة بن عبد الله ، وعبد الرحمان بن إبراهيم ، وعبد العزيز بن محمد ، ومسلم بن خالد) عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، فذكره.وأبو داود (2337) والبيهقي في السنن الكبرى 4/209 والإتحاف 4/256 و ابن عدي في الكامل 2/476 و4/1617 والإحسان (3589) وعبد الرزاق (7325) والدارمي 2/17 والترمذي (738) وابن ماجة (1651) والنسائي(2911) وصحيح الجامع (397) وأبو عوانة في مسنده (2182 -2186) من طريق أَبِي عُمَيْسٍ و رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، و عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ والزُّبَيْدِيِّ،وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عن العلاء به ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية - (ج 4 / ص 385) وفي عون المعبود - (ج 5 / ص 214) وَقَدْ جَوَّزَ الْعُلَمَاء صِيَام جَمِيع شَعْبَان . وَالْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَال فَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الْإِمَام مَالِك مَعَ شِدَّة اِنْتِقَاده الرِّجَال وَتَحَرِّيه فِي ذَلِكَ . وَقَدْ اِحْتَجَّ بِهِ مُسْلِم فِي صَحِيحه وَذَكَرَ لَهُ أَحَادِيث اِنْفَرَدَ بِهَا رُوَاتهَا وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْبُخَارِيّ أَيْضًا . وَلِلْحُفَّاظِ فِي الرِّجَال مَذَاهِب فَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اِجْتِهَاده مِنْ الْقَبُول وَالرَّدّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَم .
(2) - عون المعبود - (ج 5 / ص 214) وانظر فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 158)
(3) - الكامل في الضعفاء[ ج5 - ص218 ]
(4) - مسند أحمد (21691){5/115}
(5) - موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل - (ج 6 / ص 327)
(6) - صحيح البخارى(1914)
(7) - فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 260) ونيل الأوطار - (ج 7 / ص 181)(1/73)
كتَاب الدَعَوات
250-باب الأمر بالدعاء وفضله وبيان جمل من أدعيته
65-( 1492)- وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعَوْتَ بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا. فَقَال :« أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ تَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ بِكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ».. رواه الترمذي،وقال : حديث حسن.
أخرجه : الترمذي (3521)،وقال : (حديث حسن غريب) على أنَّ الحديث ضعيف
----------------
قلت : هو في سنن الترمذى (3863 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمُؤَدِّبُ حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ ابْنُ أُخْتِ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ أَبِى سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعَوْتَ بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا. فَقَالَ: « أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ تَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ بِكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وبنحوه في مصنف ابن أبي شيبة (3042و29868) حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ،عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَ : كَانَ عَبْدُ اللهِ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ فِي الصَّلاَةِ ، ثُمَّ يَقُولُ : إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَقُلَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ ، مَا عَلِمْت مِنْهُ ، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ ، مَا عَلِمْت مِنْهُ ، وَمَا لَمْ أَعْلَمَ ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَك مِنْهُ عِبَادُك الصَّالِحُونَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ مِنْهُ عِبَادُك الصَّالِحُونَ ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ، رَبَّنَا إنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ، وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا ، وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى رُسُلِكَ ، وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إنَّك لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ".(صحيح)
وفي مسند أحمد (25761) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ أَخْبَرَنَا جَبْرُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهَا هَذَا الدُّعَاءَ :« اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ تَقْضِيهِ لِى خَيْراً »(1). تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح
قلتُ : الصوابُ أنه حسنٌ لغيره على الأقلِّ .
قال الصنعاني : " هذا الْحَدِيثُ تَضَمَّنَ الدُّعَاءَ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،وَالِاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرِّهِمَا وَسُؤَالَ الْجَنَّةِ وَأَعْمَالِهَا وَسُؤَالَ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ كُلَّ قَضَاءٍ خَيْرًا،وَكَأَنَّ الْمُرَادَ سُؤَالُ اعْتِقَادِ الْعَبْدِ أَنَّ كُلَّ مَا أَصَابَهُ خَيْرٌ،وَإِلَّا فَإِنَّ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَى اللَّهُ بِهِ خَيْرٌ وَإِنْ رَآهُ الْعَبْدُ شَرًّا فِي الصُّورَةِ .
وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ تَعْلِيمُ أَهْلِهِ أَحْسَنَ الْأَدْعِيَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ خَيْرٍ يَنَالُونَهُ فَهُوَ لَهُ،وَكُلَّ شَرٍّ يُصِيبُهُمْ فَهُوَ مَضَرَّةٌ عَلَيْهِ ."(2)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 10 / ص 263)(29957) و سنن ابن ماجه (3978 ) و المستدرك للحاكم (1914) وصححه وفتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 239) و(ج 18 / ص 137) وتاريخ دمشق - (ج 54 / ص 111) و صحيح وضعيف سنن ابن ماجة (3846) والصحيحة ( 1542 ) صحيح
(2) - سبل السلام - (ج 7 / ص 296)(1/74)
كتَاب المنثُورَات وَالمُلَحِ
66- ( 1832) وعَنْ أَبِى ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا ». حديث حسن . رواه الدارقطني وغيره .
أخرجه : الدارقطني 4/183،والحاكم 4/115،والبيهقي 10/12،وهو حديث ضعيف
--------------
قلت : هو في سنن الدارقطنى4/185 (4445 ) حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِىُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الأَزْرَقُ قَالاَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِى هِنْدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِى ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا ». لَفْظُ يَعْقُوبَ.
أخرجه : الدارقطني 4/183،والحاكم 4/115،والبيهقي 10/12،وهو حديث ضعيف
------------------
قلت : وله طرق وشواهد كثيرة(1)
وفي مسند أبي يعلى الموصلي (2458)حَدَّثَنَا وَهْبٌ،حَدَّثَنَا خَالِدٌ،عَنْ حُسَيْنٍ،عَنْ عِكْرِمَةَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ،وَإِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ وَسَنَّ سُنَنًا،وَحَّدَ حُدُودًا،وَأَحَلَّ حَلالا،وَحَرَّمَ حَرَامًا،وَشَرَعَ الإِسْلامَ،وَجَعَلَهُ سَهْلا سَمْحًا وَاسِعًا،وَلَمْ يَجْعَلْهُ ضَيِّقًا يَا أَيُّهَا النَّاسُ "(2)
وفي الزهد لأحمد بن حنبل(1264) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، يَعْنِي التَّيْمِيَّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ حَرْبٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : كَانَ لِعَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَجْلِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فَتَرَكَهُ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ ضَارَعَ أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ قَالَ : فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ : كَانَ لَكَ مَجْلِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فَتَرَكْتَهُ قَالَ : أَجَلْ إِنَّهُ مَجْلِسٌ كَثِيرُ اللَّغَطِ وَالتَّخْلِيطِ قَالَ : فَأَيْقَنَّا أَنَّهُ قَدْ ضَارَعَ أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ فَقُلْنَا : مَا تَقُولُ فِيهِمْ ؟ قَالَ : وَمَا عَسَى أَنْ أَقُولَ فِيهِمْ ، رَأَيْتُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَصَحِبْتُهُمْ فَحَدَّثُونَا أَنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِيمَانًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ مُحَاسَبَةً لِنَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ أَشَدَّهُمْ فَرْحَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشَدُّهُمْ حُزْنًا فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ أَكْثَرَهُمْ ضَحِكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ بُكَاءً فِي الدُّنْيَا ، وَحَدَّثُونَا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ وَسَنَّ سُنَنًا وَحَّدَ حُدُودًا ، فَمَنْ عَمِلَ بِفَرَائِضِ اللَّهِ وَسُنَنِهِ وَاجْتَنَبَ حُدُودَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وَمَنْ عَمِلَ بِفَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ ثُمَّ رَكِبَ حُدُودَهُ ثُمَّ تَابَ ثُمَّ رَكِبَ ثُمَّ تَابَ اسْتَقْبَلَ الزَّلَازِلَ وَالشَّدَائِدَ وَالْأَهْوَالَ ثُمَّ يُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِفَرَائِضِ اللَّهِ وَسُنَنِهِ وَرَكِبَ حُدُودَهُ ثُمَّ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ ، لَقِيَ اللَّهَ مُسْلِمًا إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ " ( وهو حديث حسن)
وقال الحافظ ابن حجر : "وَيَدْخُل فِي مَعْنَى حَدِيث سَعْد مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّار وَقَالَ : سَنَده صَالِح وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم مِنْ حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء رَفَعَهُ " مَا أَحَلَّ اللَّه فِي كِتَابه فَهُوَ حَلَال،وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَام،وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْو،فَاقْبَلُوا مِنْ اللَّه عَافِيَته،فَإِنَّ اللَّه لَمْ يَكُنْ يَنْسَى شَيْئًا " ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة ( وَمَا كَانَ رَبُّك نَسِيًّا ) وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيث أَبِي ثَعْلَبَة رَفَعَهُ " إِنَّ اللَّه فَرَضَ فَرَائِض فَلَا تُضَيِّعُوهَا،وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا،وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاء رَحْمَة لَكُمْ غَيْر نِسْيَان فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا " وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث سَلْمَان أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ،وَآخَر مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ" .(3)
قلت : الصواب أنه صحيحٌ لغيره
أحكام الله أربعة أقسام(4)
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم:(5)
" "حديثُ أبي ثعلبة قسم فيه أحكام الله أربعة أقسام: فرائض،ومحارم،وحدود،ومسكوت عنه،وذلك يجمع أحكام الدِّين كلَّها،قال أبو بكر ابن السمعاني: هذا الحديث أصل كبير من أصول الدِّين،قال: وحُكي عن بعضهم أنَّه قال ليس في أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثٌ واحد أجمعَ بانفراده لأصول العلم وفروعِه من حديث أبي ثعلبة،قال: وحُكي عن واثلة المزني أنَّه قال: جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدِّين في أربع كلمات،ثم ذكر حديث أبي ثعلبة،قال ابن السمعاني: فمَن عمل بهذا الحديث فقد حاز الثواب،وأمن العقاب؛ لأنَّ مَن أدَّى الفرائضَ،واجتنب المحارمَ،ووقف عند الحدود،وترك البحث عما غاب عنه،فقد استوفى أقسامَ الفضل،وأوفى حقوق الدِّين؛ لأنَّ الشرائعَ لا تخرج عن هذه الأنواع المذكورة في هذا الحديث،انتهى".
قوله: "إنَّ الله فرض فرائض فلا تضيِّعوها"،أي: أوجب أشياء وجعل فرضها حتماً لازماً،كالصلاة والزكاة والصيام والحجِّ،فيجب على كلِّ مسلم الإتيان بها كما أمر الله،دون ترك لها أو حصول إخلال في فعلها.
قوله: "وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها"،أي: شرع أموراً هي واجبة أو مستحبَّة أو مباحة،فلا يتجاوز تلك الحدود إلى غيرها،فيقع في أمر حرام،وذلك كالمواريث التي بيَّنها الله عزَّ وجلَّ في كتابه،فلا يجوز لأحد أن يتعدَّاها وأن يأتي بقسمة تخالفها،وتأتي الحدود مراداً بها ما حرَّم الله،فيكون الواجب على المسلم أن لا يقرَبها،كما قال الله عزَّ وجلَّ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا}
قوله: "وحرَّم أشياء فلا تنتهكوها"،أي: أنَّ ما حرَّمه الله لا يجوز للمسلمين أن يقعوا فيه،بل يتعيَّن عليهم تركه،كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه".
قوله "وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان،فلا تبحثوا عنها"،أي: هناك أمور لم يأت النصُّ عليها في الكتاب والسنَّة،فلا يُشتغل في البحث عنها والسؤال عنها،وذلك مثل السؤال عن الحجِّ في كلِّ عام الذي أنكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - على السائل،وقال: "ذروني ما تركتكم؛ فإنَّما أهلك مَن كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم"،وكالسؤال عن تحريم شيء لم يحرم،فيترتَّب عليه التحريم بسبب السؤال،كما ثبت بيان خطورته في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وبعد زمنه - صلى الله عليه وسلم - لا يسأل الأسئلة التي فيها تنطُّع وتكلُّف،والمعنى سكت عن أشياء فلم يفرضها ولم يوجبها ولم يحرمها،فلا يُسأل عنها،وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) } سورة المائدة
قال ابن رجب(6): "وأمَّا المسكوتُ عنه،فهو ما لم يُذكر حكمُه بتحليل ولا إيجاب ولا تحريم،فيكون معفوًّا عنه لا حرج على فاعله،وعلى هذا دلَّت هذه الأحاديث المذكورة ههنا،كحديث أبي ثعلبة وغيره"(7).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - ففي السنن الكبرى للبيهقي (ج 10 / ص 12) برقم(20214و20215) عَنْ سَلْمَانَ و(20216)عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ و(20217و20218)عَنْ أَبِى ثَعْلَبَةَ موقوفاً ومرفوعاً ومسند الشاميين (3492) وقال الهيثمي عن رواية أبي ثعلبة في مجمع الزوائد ( 796) وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وفي اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ([778] هذا إسناد صحيح.، والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي(622 ) وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1202) وقال النووي في ( الأذكار 353/1 ) إسناده حسن، تعقيب : قال عبد القادر الأرناؤوط 1 / 353 : وهو حديث حسن ، وانظر الفتاوى الحديثية للحويني - (ج 1 / ص 460)
(2) - والمعجم الكبير للطبراني(11367) ووَفِيهِ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ الْمُلَقَّبُ بِحَنَشٍ ضعيف
(3) - فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 340)
(4) - فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين - (ج 1 / ص 108)
(5) - (2/152 153)
(6) - جامع العلوم والحكم (2/163)
(7) - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 1 / ص 128) و (ج 10 / ص 211) و- (ج 18 / ص 74)(1/75)
الأحاديث التي ضعفها الألباني زيادة عما سبق،وبعضها تراجع عنه
باب فضل الزهد في الدنيا والحث عَلَى التقلل منها
وفضل الفقر
67- ( 488 )- ( ضعيف ) -عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ. فَقَالَ: « انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ ». قَالَ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ. فَقَالَ « انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ ». قَالَ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ :« إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِى فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا فَإِنَّ الْفَقْرَ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِى مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ »." رواه الترمذي وقال حديث حسن
وقد رجع الشيخ عن تضعيفه وأخرجه في ( الصحيحة ) تحت رقم ( 2827 ) وقد أشار إلى رجوعه عن التضعيف في كتاب النصيحة،وذكره الشيخ أبو إسحاق في النافلة فى الأحاديث الضعيفة والباطلة (13)،وضعَّفه بروح بن أسلم وأبي الوازع .
-----------------
قلت : هو في سنن الترمذى (2523 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَبْهَانَ بْنِ صَفْوَانَ الثَّقَفِىُّ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ حَدَّثَنَا شَدَّادٌ أَبُو طَلْحَةَ الرَّاسِبِىُّ عَنْ أَبِى الْوَازِعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ. فَقَالَ « انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ ». قَالَ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ. فَقَالَ « انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ ». قَالَ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ: « إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِى فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا فَإِنَّ الْفَقْرَ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِى مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ».
(2524 ) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ شَدَّادٍ أَبِى طَلْحَةَ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو الْوَازِعِ الرَّاسِبِىُّ اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ بَصْرِىٌّ.(1)
قلت : والحديث بهذا الإسناد رجاله ثقات كلهم،نصر بن علي الجهضمي فما فوقه . وأبو الوازع الراسبي اسمه جابر بن عمرو،قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: "جابر بن عمرو أبو الوازع الراسبي . روى عن : أبى برزة،وعبد الله ابن مغفل،وأبى أمين . روى عنه : أبان بن صمعة،وشداد بن سعيد الراسبي،وأبو هلال . أخبرنا محمد بن حمويه بن الحسن سمعت أبا طالب قال : سألت أحمد بن حنبل عن أبى الوازع جابر بن عمرو فقال : بصرى ثقة . وذكره أبى عن إسحاق بن منصور الكوسج عن يحيى بن معين قال : أبو الوازع ثقة "(2). وذكره ابن حبان في الثقات(3).
قلت : قد كان يكفي فى توثيق أبي الوازع الراسبي شهادة الإمامين أحمد ويحيى،فكيف وقد احتجَّ به مسلم في صحيحه،فقد أخرج له ثلاثة أحاديث،كلها عن أبي برزة الأسلمي(4)
فإذا بان لك صحة الحديث بهذا الإسناد،علمت أن تعصيب الجناية بروح بن أسلم أبي حاتم الباهلي،الذي ضعَّفه ابن معين والبخاري وأبو حاتم والدارقطني،غفلة عن الطريق الصحيحة الثانية للترمذي،إذ لم يتفرد روح بن أسلم،بل تابعه عن أبي طلحة الراسبي جماعة : رأسهم وأثبتهم علي بن نصر الجهضمي البصري،وهو ثقة ثبت اتفاقاً(5).
وللحديث ـ وإن استغنى بذاته عما يشهد له ـ شواهد عن أبي ذر،وأبي سعيد الخدري،وأبى هريرة،وأنس،وابن عباس،وكعب بن عجرة .(6)
قلت :الصواب أنه حديث صحيحٌ لغيره .
وردَّه ابن عثيمين رحمه الله من حيث المعنى فقال:" ولكن هذا الحديث لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا ارتباط بين الغنى ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكم من إنسان غني يحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكم من إنسان فقير أبغض ما يكون إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهذا الحديث لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فعلامة محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يكون الإنسان أشد اتباعا له،وأشد تمسكا بسنته كما قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (31) سورة آل عمران ،فالميزان هو اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن كان للرسول أتبع فهو له أحب وأما الفقر والغنى فإنه بيد الله عز وجل وكذلك أيضا من الزهد في الدنيا ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من شظف العيش وقلة ذات اليد،حيث كان ينام على الحصير حتى يؤثر في جنبه فيقال له: ألا تجعل لك وطاء يعني فراشا تطؤه وتنام عليه ؟ فقال: ما لي وللدنيا ؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة راح وتركها فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس له تطلع إلى الدنيا،بل كان ينفق ماله كله في سبيل الله ويعيش عيشة الفقراء "(7).
قلت : ويردُّ على كلامه أن الحديث له طرقا تقويه،وأنه يمكن الجمع بينه وبين النصوص الأخرى .
================
معنى أعدَّ للفقر تجفافا
( فَأَعِدَّ )أَمْرٌ مُخَاطَبٌ مِنَ الْإِعْدَادِ،أَيْ فَهَيِّءْ( لِلْفَقْرِ )أَيْ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ بَلْ بِالشُّكْرِ وَالْمَيْلِ إِلَيْهِ ( تِجْفَافًا ) وَفِي الْقَامُوسِ : التِّجْفَافُ بِالْكَسْرِ آلَةٌ لِلْحَرْبِ يَلْبَسُهُ الْفَرَسُ وَالْإِنْسَانُ لِيَقِيَهُ فِي الْحَرْبِ . فَمَعْنَى الْحَدِيثِ : إِنْ كُنْت صَادِقًا فِي الدَّعْوَى وَمُحِقًّا فِي الْمَعْنَى فَهَيِّءْ آلَةً تَنْفَعُك حَالَ الْبَلْوَى،فَإِنَّ الْبَلَاءَ وَالْوَلَاءَ مُتَلَازِمَانِ فِي الْخَلَا وَالْمَلَا . وَمُجْمَلُهُ أَنَّهُ تَهَيَّأْ لِلصَّبْرِ خُصُوصًا عَلَى الْفَقْرِ لِتَدْفَعَ بِهِ عَنْ دِينِك بِقُوَّةِ يَقِينِك مَا يُنَافِيهِ مِنَ الْجَزَعِ وَالْفَزَعِ،وَقِلَّةِ الْقَنَاعَةِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِالْقِسْمَةِ . وَكُنِيَ بِالتِّجْفَافِ عَنْ الصَّبْرِ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْفَقْرَ كَمَا يَسْتُرُ التِّجْفَافُ الْبَدَنَ عَنْ الضُّرِّ . قَالَهُ الْقَارِي .
( مِنَ السَّيْلِ ) أَيْ إِذَا اِنْحَدَرَ مِنْ عُلُوٍّ ( إِلَى مُنْتَهَاهُ ) أَيْ مُسْتَقَرِّهِ فِي سُرْعَةِ وُصُولِهِ . وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِ الْفَقْرِ بِسُرْعَةٍ إِلَيْهِ،وَمِنْ نُزُولِ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا بِكَثْرَةٍ عَلَيْهِ،فَإِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ،خُصُوصًا سَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ،فَيَكُونُ بَلَاؤُهُ أَشَدَّ بَلَائِهِمْ،وَيَكُونُ لِأَتْبَاعِهِ نَصِيبٌ عَلَى قَدْرِ وَلَائِهِمْ .(8)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرجه كذلك الروياني (2/88/872) ، والمزي في تهذيب الكمال (12/398)
(2) - قلت : والحديث بهذا الإسناد رجاله ثقات كلهم ، نصر بن علي الجهضمي فما فوقه . وأبو الوازع الراسبي اسمه جابر بن عمرو ، قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/495/2033) : "جابر بن عمرو أبو الوازع الراسبي . روى عن : أبى برزة ، وعبد الله ابن مغفل ، وأبى أمين . روى عنه : أبان بن صمعة ، وشداد بن سعيد الراسبي ، وأبو هلال . أخبرنا محمد بن حمويه بن الحسن سمعت أبا طالب قال : سألت أحمد بن حنبل عن أبى الوازع جابر بن عمرو فقال : بصرى ثقة . وذكره أبى عن إسحاق بن منصور الكوسج عن يحيى بن معين قال : أبو الوازع ثقة " . وذكره ابن حبان في الثقات (4/103/2013) .
(3) - الثقات (4/103/2013)
(4) - انظر الأحاديث رقم (6659و6839 و6840 )
(5) - انظر تقريب التهذيب[ ج 1 -ص 406 ](4808)
(6) - جامع الأصول 4/678 والشعب (1475) والإتحاف 9/548 وشرح السنة 14/268 والحاكم 4/331 أبي ذر وصححه على شرط مسلم وأحمد 3/43 أبي سعيد وفيه انقطاع والترغيب 4/191 والترمذي (2350) ابن مغفل والمجمع 10/274و313والبيهقي في السنن 6/119 ابن عباس والطبراني في الأوسط (7157) كعب بن عجرة وشعب الإيمان (1473-1475)أبو سعيد وأبو ذر وأبو هريرة و(10442) أبو سعيد وسير أعلام النبلاء 3/54 كعب بن عجرة والصحيحة برقم(2828 ) أخرجه ابن ماجه (2448) ، والبيهقى في شعب الإيمان (2/173) واللفظ له ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/116) أبى هريرة وسنده واهٍ وأخرجه ابن ماجه (2446) ، والبيهقي في السنن الكبرى (6/119) ، وابن عساكر (6/385و42/374)عن ابن عباس وهو واه بمرة ٍوأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (2/173/1470) وأخرجه كذلك الخطيب في تالي تلخيص المتشابه (2/474) عن أنس بن مالك وهذا إسناد لا بأس به فى المتابعات ، وأخرجه الطبراني في الأوسط (7/160/7157) عن كعب بن عجرة وأخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (3/58)عن مرة بن عباد وهو واهٍ
(7) - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 3 / ص 87)
(8) - انظر تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 137) وبحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي - (ج 1 / ص 107) وفيض القدير، شرح الجامع الصغير(2674 )(1/76)
174 : باب ما يقول إذا نزل منزلاً
68 - ( 990)- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَافَرَ فَأَقْبَلَ اللَّيْلُ قَالَ :« يَا أَرْضُ رَبِّى وَرَبُّكِ اللَّهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا فِيكِ وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ وَمِنَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ». " . رواه أبو داود
وَ الأَسْوَدُ: الشَّخْصُ،قَالَ الخَطَّابِيُّ : وَ سَاكِنُ البَلَدِ : هُمُ الجِنُّ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الأرْضِ . قَالَ : وَالبَلَد مِنَ الأرْضِ : مَا كَانَ مَأْوَى الحَيَوانِ،وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بِنَاءٌ وَمَنَازلُ . قَالَ : وَيَحْتَمِلُ أنَّ المُرَادَ : بِالوَالِدِ إبليسُ : وَمَا وَلَدَ : الشَّيَاطِينُ .
-----------
قال الألباني : قلت : الحديث في إسناده جهالة وإن صححه الحاكم والذهبي وحسنه العسقلاني فانظر ( الضعيفة ) رقم ( 4837 ) [ 382 ]
----------------
قلت : هو في سنن أبى داود(2605 ) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنِى صَفْوَانُ حَدَّثَنِى شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَافَرَ فَأَقْبَلَ اللَّيْلُ قَالَ :« يَا أَرْضُ رَبِّى وَرَبُّكِ اللَّهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا فِيكِ وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ وَمِنَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ».(1)
وقال أبو عبد الله الحاكم : "صحيح الإسناد ولم يخرجاه "،وأقرَّه الذهبى .
وهو كما قالا،فهذا إسناد رجاله كلهم ثقات،بقية بن الوليد فمن فوقه،وقد صرَّح بقية بالسماع من صفوان بن عمرو أبى عمرو السكسكي الحمصى الثبت الحجة المتقن،وتابعه : أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الحمصي . والزبير بن الوليد شامي ؛ تفرد بالرواية عنه شريح بن عبيد الحمصي الشامي .
وقد ذكره ابن حبان في الثقات (4/261) . وقال الذهبي في الكاشف (1/402/1628) : " ثقة " . وأما قول الحافظ ابن حجر في التقريب (1/214/2006) عنه : " مقبول من الرابعة "،فهو كقوله عن ثلاثة ممن أخرج لهم نجم الأئمة مالك بن أنس في موطئه :
(1) عمران الأنصاري،والد محمد بن عمران (5176) .
(2) عمرو بن رافع القرشي العدوى،مولى عمر بن الخطاب (5029).
(3) المسور بن رفاعة بن أبى مالك القرظى المدنى،ابن أخى ثعلبة بن أبى مالك (6670)
وعن ثلاثةٍ ممن أخرج لهم البخاري في صحيحه:
(1) عطاء أبو الحسن السوائي الكوفي (4608) .
(2) القاسم بن عاصم التميمي البصري (5465).
(3) أبو يزيد المدني،نزيل البصرة (8452).
وعن أربعة عشر ممن أخرج لهم مسلم في صحيحه :
(1) سالم بن أبي سالم سفيان بن هانىء الجيشاني المصري (2173).
(2) صهيب أبو الصهباء البكري البصري،مولى ابن عباس (2956).
(3) عبد الله بن عمرو بن عبدٍ القارى،ابن أخى عبد الرحمن بن عبدٍ(3500) .
(4) عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب،القرشى العدوي العمري(3685)
(5) عبد الرحمن بن عبد الله كيسان المازني أبو حمزة البصري،جار شعبة،( 3930)
(6) مسلم بن هيصم العبدي (6650) .
(7) مسلم بن يسار المصري،أبو عثمان الطنبذي (6653) .
(8) موسى بن سعد بن زيد بن ثابت الأنصاري المدني (6965) .
(9) أبو سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كريز الخزاعى(8132) .
(10) أبو الحسن مولى بني نوفل(8049)
(11) أبو شمر الضبعي البصري(8162) .
(12) أبو عيسى الأسواري البصري(8294) .
(13) أبو الوليد المكي عن جابر هو سعيد ابن مينا وقيل يسار ابن عبدالرحمن(8438)
(14) أبو يحيى مولى آل جعدة بن هبيرة المخزومى(8447) .
فهؤلاء عشرون نفساً من الثقات الذين احتج بهم مالك والشيخان،وصفهم جميعاً الحافظ ابن حجر في التقريب بقوله " مقبول من الرابعة " .
وإنما أوردتهم هاهنا كأمثلة لرجالات هذه الطبقة(2)- يعني صغار أوساط التابعين - عند الحافظ ابن حجر،للدلالة على أن المقبول من مراتب التوثيق والتعديل،وليس كما يفهم كثير من المتأخرين،فليتنبه ! .
ولا يذهبن عنك ما ذكرناه آنفاً بقولنا : فكيف إذا علمت أن (1535) ألفاً وخمسمائة وخمسة وثلاثين راوياً قد وصفهم ابن حجر في التقريب بقوله (مقبول)،فهل يعنى هذا أنهم ضعفاء غير محتج بأحاديثهم بناءاً على التأويل الخاطئ لهذا المصطلح ؟َ!
وكيف إذا علمت أن الحافظ الذهبي قد وثق من هؤلاء الرواة (450) أربعمائة وخمسين راوياً تصريحاً بقوله (ثقة)،أو تلميحاً بقوله (وثق) ؟! .
وقد حسَّن البخارى،بل وصحَّح الكثير من الأحاديث لجماعة من الرواة الذين يترجم لهم الحافظ ابن حجر بقوله عنهم (مقبول)،بل هذا مذهب كثير من أئمة النقد والتحقيق.
والخلاصة فإن قول الحافظ ابن حجر : (مقبول) على خلاف ما توهمه المتأخرون أنه من ألفاظ التجريح،لا سيما وقد قاله عن جماعة من الثقات الذين احتجَّ بهم الشيخان في (الصحيحين)،وعدَّتهم مائة وخمس من الرواة.
===================
القول الفصل
في الرواة المسكوت عنهم
أقول : لقد تبين لديَّ بالاستقراء أنَّ كلَّ راوٍ سكتَ عليه الإمامُ البخاري في التاريخ وآبو حاتم الرازي في الجرح والتعديل،وقال عنه الإمام الذهبي وُثِّقَ أو الحافظ ابن حجر (مقبول ) أو كانوا من الطبقة الثالثة حتى السادسة ممن قيل فيه مجهول الحال أو مستور ، فحديثه حسنٌ إن شاءَ اللهُ تعالى إذا لم يخالف أو ينكر عليه.
وهو الذي يحِّسنُ له عادة الإمام الترمذي أو يصحح له ابن حبان أو ابن خزيمة أو الحاكم في المستدرك،ويحسِّنُ له الإمام المنذري في الترغيب والترهيب أو الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد أو الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء،وهو عادة يكون من الرواة المقلين،فليس له سوى حديث أو حديثين،وغالب هؤلاء في التابعين .
وقد غفل عن هذه القاعدة أكثر الباحثين اليوم،فتراهم من كان بهذه الشاكلة يضعفون حديثه،فكم من حديث حسنه أو صححه الأقدمون بناء على هذه القاعدة فجاء المعاصرون فضعَّفوه،وذلك لعدم فهمهم هذه القاعدة،التي جرى عليها العمل في الجرح والتعديل .
قال الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله في تعليقه على كتاب الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي رحمه الله :
"وعلى هذا، فيكون اعتبار السكوت من باب التعديل أولى من اعتباره من باب التجهيل،وهو الذي مشى عليه جمهور كبار الجهابذة المتأخرين .
وفي كتاب الجرح والتعديل ":باب في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنها تقويه،وعن المطعون عليه أنها لا تقويه حدثنا عبد الرحمن قال سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة مما يقويه ؟ قال إذا كان معروفاً بالضعف لم تقوه روايته عنه وإذا كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه.
حدثنا عبد الرحمن قال سألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن رجل مما يقوي حديثه ؟ قال أي لعمري،قلت: الكلبي روى عنه الثوري،قال إنما ذلك إذا لم يتكلم فيه العلماء،وكان الكلبي يُتكلَّمُ فيه،والتعجب فتعلقوا عنه روايته(3).
فهذا نصٌّ في أن الثقة إذا روى عن رجلٍ لم يضعَّف،نفعه ذلك،فسكوت البخاري ِّ وابن أبي حاتم وغيرهما يدلُّ على تقوية الرجل إذا روى عنه الثقة،ولذلك يقول ابن حجر مراراً : إنَّ البخاريَّ أو ابن أبي حاتمَ ذكره وسكت عليه،أو لم يذكر فيه جرحاً .
وخالف الجمهور في ذلك : الحافظُ ابن القطان أبو الحسن علي بن محمد الفاسي المغربي،المشهور بابن القطان المتوفى سنة 628 هـ رحمه الله،فاعتبر سكوت أحد هؤلاء الحفاظ النقاد عن الراوي تجهيلاً لهُ !!
وابن القطان هذا معروف بتعنته وتشدده في الرجال،كما ذكر ذلك الإمام الذهبي في مواضع من كتبه،منها في ترجمته في تذكرة الحفاظ 4/1407،ومنها في ترجمته في تاريخ الإسلام كما نقله الدكتور عواد بشار معروف في كتابه الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام ص 173،ومنها في الميزان 4/301 في ترجمة (هشام بن عروة ) ونكَّتَ عليه فيه،وعاب تشدده وخلْطهُ الأئمة الأثبات بالضعفاء والمخلِّطين
وفي نصب الراية : "حَدِيثٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْجِلْدِ : أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ الأَنْصَارِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأَنْصَارِ أَخْبَرَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ أَحَدٌ بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ أَوْ جِلْدٍ..اهـ(4)
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : لَا يَصِحُّ ذِكْرُ الْجِلْدِ انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي " كِتَابِهِ " وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ بِحَالِ مُوسَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ،قَالَ : وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ،وَلَمْ يُعَرِّفْ مِنْ أَمْرِهِ بِشَيْءٍ،فَهُوَ عِنْدَهُ مَجْهُولٌ،وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيْضًا مَجْهُولٌ،قَالَ : وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ ؛ لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّ مِمَّنْ يَذْكُرُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ رَأَى أَوْ سَمِعَ،وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِأَحَدِهِمْ التَّابِعِيُّ الرَّاوِي عَنْهُ بِالصُّحْبَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ(5).
وفي نصب الراية : "قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي " كِتَابِهِ " : كُلُّ مَنْ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَعْرُوفٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ الْحُصَيْنِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ،وَمَجْهُولُ الْحَالِ،وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ .
والدراوردي يَقُولَانِ : عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَقَالَ عثمان ابن عُمَرَ أَنْبَأَ قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ،وَذَكَرَ هَذَا الِاخْتِلَافَ الْبُخَارِيُّ،وَلَمْ يُعْرَفْ هُوَ،وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَالِهِ بِشَيْءٍ،فَهُوَ عِنْدَهُمَا مَجْهُولٌ انْتَهَى كَلَامُهُ(6).
وقد حمَّل ابنُ القطان البخاريُّ وابن أبي حاتم ما لم يقولاه،أما البخاري فإنه ما نصَّ على شيء في حكم سكوته عن الراوي،فمن أين أضاف إليه :( فهو عنده مجهول )؟
والعلماء الحفاظُ الجهابذة مثلُ المجد ابن تيمية والمنذري والذهبي وابن القيم وابن عبد الهادي والزيلعي وابن كثير والزركشي والهيثمي وابن حجر وغيرهم ... فهموا من تتبع صنيع البخاري وعادته ودراسة أحكامه في الرجال : أن من سكت عنه لا يعدُّ مجروحاً،ولا مجهولاً،فقول ابن القطان بأنَّ من سكت عنه البخاري (فهو مجهول ) تقويلٌ وتحميلٌ غير سائغٍ .
وأما ابن أبي حاتم فإنه قال : على أنا قد ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل كتبناها ليشتمل الكتابُ على كلِّ من رويَ عنه العلمُ،رجاءَ وجودِ الجرحِ والتعديل فيهم،فنحن ملحقوها بهم إن شاءَ اللهُ تعالى) اهـ(7)
والجهالة جرحٌ بلا ريبٍ،فلا يصحُّ لابن القطان رحمه الله أن يضيفه إلى ابن أبي حاتم فيقول : ( فهو عنده مجهول )،فإن ابن أبي حاتم قال : ( رجاء وجود الجرح فيهم ) فابن أبي حاتم لم يجعل توقفه فيمن توقف فيه ( جرحاً) له،فجعل ابن القطان هذا التوقف ( جرحاً ) عند ابن أبي حاتم : تقويلٌ له ما لم يقلْه.
يضافُ إلى ذلك أن ابن أبي حاتم أو والده،حين يصرح أحدهما في حكمه على الراوي بقوله ( مجهول) فقد جزمَ بجهالته عنده،وأما حين يسكت عن الراوي فإنه لم يجزم بجهالته،فكيف يجعلُ ابنُ القطان سكوتَ أحدهما عن الراوي مثل تصريحه،ولا نصَّ عنهما في ذلك ؟ فهذا منه رحمه الله تعالى تقويلٌ لهما ما لم يقولاهُ .واضطرب فيها مسلك الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله في هذه المسألة،فمشى مرةً على نحو مسلك ابن القطان،ومرةَ على مسلك الجمهور :
قال الزيلعي رحمه الله :" أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي " الْكَامِلِ " عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُدْخِلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ،وَقَالَ : إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك،وَأَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ كَانَ مَثْنَى مَثْنَى،وَإِقَامَتَهُ مُفْرَدَةٌ،قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّةً وَاحِدَةً }(8)،قَالَ ( يعني ابن دقيق العيد) فِي " الْإِمَامِ " : وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَدِيٍّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ هَذَا بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ،فَهُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ،وَأَمَّا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَذَكَرَ تَضْعِيفَهُ،وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ كُلُّهُمْ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ حَالٌ،انْتَهَى .(9)
ويقال في الردِّ عليه ما قيل على ابن القطان .
وقال أيضا كما في نصب الراية : "قَالَ الشَّيْخُ فِي " الْإِمَامِ " : وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ حَدَّثَ عَنْهُ أَحْمَدُ وَقَالَ : كَانَ ثِقَةً،وَوَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ أَيْضًا،وَذَكَرَهُ ابْنُ حبان فِي " الثِّقَاتِ " أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ،وَرَوَى لَهُ فِي " صَحِيحِهِ "،وَيُوسُفُ بْنُ الزُّبَيْرِ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ،وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ."(10)
وهذا الحديث نفسه أورده الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 3/282 وقال : رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات اهـ
وهذا يدلُّ على أن سكوت ابن أبي حاتم ليس جرحاً ولا جهالة عند الحافظ الهيمثي،فلذا قال في هذا الحديث (ورجاله ثقات) فمن سكت عليه ابنُ أبي حاتم - ومثله البخاري ...- يعدُّ ثقةً عند الحافظ الهيثمي رحمه الله .
ولكن ابن دقيق العيد رحمه الله له أقوال تدلُّ على أخذه بمذهب الجمهور،فقد ذهب إلى أن خلوَّ كتب الضعفاء - ومنها الكامل لابن عديٍّ -عن ذكر الراوي المذكور بالرواية : يقتضي توثيقه،فقد جاء في نصب الراية :"{ حَدِيثٌ آخَرُ } : أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " عَنْ تَلِيدٍ الرُّعَيْنِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا ، وَلْيَمْسَحْ عَلَيْهَا ، ثُمَّ لاَ يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ".
قَالَ الْحَاكِمُ : هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَعَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ ثِقَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ حَمَّادٍ انْتَهَى(11).
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " سُنَنِهِ " سنن الدارقطنى(793 ) حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ زُيَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رضى الله عنه يَقُولُ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَلاَ يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ. ،قَالَ صَاحِبُ " التَّنْقِيحِ " : إسْنَادُهُ قَوِيٌّ،وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى صَدُوقٌ،وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى .
وَلَمْ يُعِلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " التَّحْقِيقِ " بِشَيْءٍ،وَإِنَّمَا قَالَ : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ الثَّلَاثِ،قَالَ الشَّيْخُ فِي" الْإِمَامِ " قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : هَذَا مِمَّنْ انْفَرَدَ بِهِ أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ،وَأَسَدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ،قَالَ الشَّيْخُ : وَهَذَا مَدْخُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : عَدَمُ تَفَرُّدِ أَسَدٍ بِهِ،كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ ثَنَا حَمَّادٌ .
الثَّانِي : أَنَّ أَسَدًا ثِقَةٌ،وَلَمْ يُرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الضُّعَفَاءِ لَهُ ذِكْرٌ،وَقَدْ شَرَطَ ابْنُ عَدِيٍّ أَنْ يَذْكُرَ فِي " كِتَابِهِ "كُلَّ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ،وَذَكَرَ فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ الْأَكَابِرِ وَالْحُفَّاظِ،وَلَمْ يَذْكُرْ أَسَدًا،وَهَذَا يَقْتَضِي تَوْثِيقَهُ،وَنَقَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ تَوْثِيقَهُ عَنْ الْبَزَّارِ،وَعَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكُوفِيِّ "(12)
ومثل ذلك قول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره حيث قال عقب روايته لقصة هاروت وماروت - والتي لا يصح رفعها بحال- قال: " وَهَذَا حَدِيث غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْه وَرِجَاله كُلّهمْ ثِقَات مِنْ رِجَال الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا مُوسَى بْن جُبَيْر هَذَا وَهُوَ الْأَنْصَارِيّ السُّلَمِيّ مَوْلَاهُمْ الْمَدِينِيّ الْحَذَّاء وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي أُمَامَة بْن سَهْل بْن حُنَيْف وَنَافِع وَعَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك وَرَوَى عَنْهُ اِبْنه عَبْد السَّلَام وَبَكْر بْن مُضَر وَزُهَيْر بْن مُحَمَّد وَسَعِيد بْن سَلَمَة وَعَبْد اللَّه بْن لَهِيعَة وَعَمْرو بْن الْحَرْث وَيَحْيَى بْن أَيُّوب وَرَوَى لَهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ وَذَكَرَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم فِي كِتَاب الْجَرْح وَالتَّعْدِيل وَلَمْ يَحْكِ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَلَا هَذَا فَهُوَ مَسْتُور الْحَال "(13)
وتابعه على هذا المسلك - وهو اعتبار المسكوت عليه مستور الحال- تلميذه الإمام بدر الدين الزركشي في كتابه الدرر المنثورة في الأحاديث المشهورة - مخطوط- فقال في الباب السابع في القصص والأخبار في كلامه على هذا الحديث : أخرجه أحمد في مسنده من جهة موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً،وموسى بن جبير ذكره ابن أبي حاتم في كتابه ( الجرح والتعديل ) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً،فهو مستور الحال "
والشاهد من هذا النصِّ عن الإمام ابن كثير خصوصُ حكمه في قوله ( ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل،ولم يحكِ فيه شيئاً،فهو مستور الحال) بصرف النظر عما حول الحديث وراويه مما أشرت إليه آنفاً .
ورواية مستور الحال يحتجُّ بها لدى طائفةٍ معتبرةٍ من العلماء،قال الحافظ العراقي(14): " مجهولُ العدالةِ الباطنةِ،وهو عدلٌ في الظاهرِ،فهذا يحتَجُّ به بعضُ مَنْ رَدَّ القسمَينِ الأولَينِ،وبهِ قطعَ الإمامُ سُلَيمُ بنُ أيوبَ الرازيُّ،قال : لأنَّ الإخبارَ مَبنيٌّ على حُسْنِ الظَّنِّ بالراوي ؛ لأنَّ روايةَ الأخبارِ تكونُ عندَ مَنْ تَتَعذَّرُ عليه معرفةُ العدالةِ في الباطنِ،فاقتُصِرَ فيها على معرفةِ ذلك في الظاهرِ . وتُفَارِقُ الشهادَةَ،فإنَّها تكونُ عند الحُكَّامِ،ولا يتعذّرُ عليهم ذلكَ،فاعتُبِرَ فيها العدالةُ في الظاهرِ والباطنِ. قالَ ابنُ الصّلاحِ(15): ويشبهُ أنْ يكونَ العملُ على هذا الرأي في كثيرٍ من كتبِ الحديثِ المشهورةِ في غيرِ واحدٍ من الرُّواةِ الذين تقادَمَ العهدُ بهم،وتعذَّرَتِ الخِبْرةُ الباطنةُ بهم،واللهُ أعلمُ . وأطلقَ الشافعيُّ كلامَهُ في اختلافِ الحديثِ أنَّهُ لا يحتجُّ بالمجهولِ،وحكى البيهقيُّ في " المدخلِ " : أنَّ الشافعيَّ لا يحتجُّ بأحاديثِ المجهولينَ . ولما ذكرَ ابنُ الصلاحِ هذا القسمَ الأخيرَ،قال : وهو المستورُ،فقد قال بعضُ أئمتِنا : المَسْتُورُ مَنْ يكونُ عَدْلاً في الظَّاهرِ،ولا تُعْرَفُ عدالتُهُ باطناً . انتهى كلامُه . وهذا الذي نَقَلَ كلامَهُ آخراً،ولم يسمِّهِ،هو البغويُّ،فهذا لفظُهُ بحروفِهِ في " التهذيبِ "،وتَبِعهُ عليه الرافعيُّ. وحكى الرافعيُّ في الصومِ وجهين في قبولِ روايةِ المستورِ من غيرِ ترجيحٍ. وقالَ النوويُّ في " شرحِ المهذّبِ " : (إنَّ الأصحَّ قبولُ روايتِهِ)"
قلتُ : قال الإمام النووي رحمه الله: " وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالْمُغَفَّلُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ , وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ فِيمَنْ نَقْبَلُهُ .
__________
(1) - وأخرجه كذلك أحمد في المسند(3/124) ، والنسائي في السنن الكبرى(4/443/7862 و 6/144/10398) وعمل اليوم والليلة (563) ، وابن خزيمة (4/152/2572) ، والطبراني في مسند الشاميين (2/58/962) ، والحاكم (2/110) ، والبيهقى فس السنن الكبرى (5/253) ، والمزي في تهذيب الكمال (9/331) ، والذهبي في سير الأعلام (12/327) من طريقى بقية بن الوليد وأبي المغيرة ، كلاهما قال ثنا صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد عن الزبير بن الوليد عن عبد الله بن عمر به .
(2) - جملة من وصفهم الحافظ ابن حجر في التقريب بقوله ((مقبول من الرابعة)):190راوٍ ، وقد وثق منهم الحافظ الذهبى :83 راوياً ، إما تصريحاً بقوله (( ثقة )) أو تلميحاً بقوله (( وثق )) ، والمحتج به منهم عند الشيخان : 17 راوياً ، على البيان المذكور عاليه .
(3) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ج 2 / ص 36)
(4) - سنن الدارقطني (155)
(5) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 1 / ص 491)
(6) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 2 / ص 65)
(7) - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ج 1 / ص 13) والجرح و (ج 2 / ص 38)
(8) - سنن ابن ماجه (759 )
(9) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 2 / ص 102)
(10) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 5 / ص 441)
(11) - المستدرك(643) وسنن الدارقطنى( 795 ) ، تعليق الحافظ الذهبي في التلخيص : على شرط مسلم تفرد به عبدالغفار وهو ثقة والحديث شاذ
(12) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 1 / ص 376)
(13) - تفسير ابن كثير (ج 1 / ص 353)
(14) - شرح التبصرة والتذكرة (ج 1 / ص 114) وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (ج 1 / ص 247)
(15) - مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 21) والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (ج 1 / ص 247)(1/77)
وَأَمَّا الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ , فَإِنْ قُلْنَا : يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ اُشْتُرِطَتْ , وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ , قَالُوا : وَهُمَا جَارِيَانِ فِي رِوَايَةِ الْمَسْتُورِ , الْحَدِيثَ ( وَالْأَصَحُّ ) قَبُولُ رِوَايَةِ الْمَسْتُورِ , وَكَذَا الْأَصَحُّ قَبُولُ قَوْلِهِ هُنَا وَالصِّيَامُ بِهِ , وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْأبانةِ وَالْعُدَّةِ وَالْمُتَوَلِّي "(1).
وأقدم من تكلم بهذا الأمر وهو اعتبار سكوت النقاد عن الراوي يعدُّ من باب التعديل،هو الإمام مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن تيمية الجدُّ المتوفى سنة 656 هجرية رحمه الله تعالى،وهذا نصُّ عبارته كما في زاد المعاد: " التّأْوِيلُ السّادِسُ أَنّهُ كَانَ قَدْ تَأَهّلَ بِمِنًى وَالْمُسَافِرُ إذَا أَقَامَ فِي مَوْضِعٍ وَتَزَوّجَ فِيهِ أَوْ كَانَ لَهُ بِهِ زَوْجَةٌ أَتَمّ وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنْ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - . فَرَوَى عِكْرِمَةُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلّى عثمان بِأَهْلِ مِنًى أَرْبَعًا وَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ لَمّا قَدِمْتُ تَأَهّلْت بِهَا وَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ إذَا تَأَهّلَ الرّجُلُ بِبَلْدَةٍ فَإِنّهُ يُصَلّي بِهَا صَلَاةَ مُقِيم رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ فِي " مُسْنَدِهِ " وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ الْحُمَيْدِيّ فِي " مُسْنَدِهِ " أَيْضًا وَقَدْ أَعَلّهُ الْبَيْهَقِيّ بِانْقِطَاعِهِ وَتَضْعِيفِهِ عِكْرِمَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ . قَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ تَيْمِيّةَ : وَيُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ بِسَبَبِ الضّعْفِ فَإِنّ الْبُخَارِيّ ذَكَرَهُ فِي " تَارِيخِهِ " وَلَمْ يَطْعَنْ فِيهِ وَعَادَتُهُ ذِكْرُ الْجَرْحِ وَالْمَجْرُوحِينَ "(2).
وقد أقرَّا كلام أبي البركات بن تيمية كما رأيت،ومشى على هذا المسلك أيضاً : الحافظ المنذريُّ المتوفَّى سنة 656هجرية رحمه الله تعالى،فقال في كتابه الترغيب والترهيب في كتاب الصوم باب الترغيب في صيام رمضان احتساباً فقال عند الحديث رقم(32) الحديث رقمه العام(1502 ) وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : لَمَّا أَقْبَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَاذَا تَسْتَقْبِلُونَ ؟ مَاذَا يَسْتَقْبِلُكُمْ ؟ " فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَحْيٌ نَزَلَ أَوْ عَدُوٌّ حَضَرَ ؟ قَالَ : " لَا وَلَكِنْ شَهْرُ رَمَضَانَ ، يَغْفِرُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ لِكُلِّ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ " قَالَ : وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يَهُزُّ رَأْسَهُ فَيَقُولُ : بَخٍ بَخٍ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " كَأَنَّهُ ضَاقَ صَدْرُكَ بِمَا سَمِعْتَ ؟ " قَالَ : لَا وَاللَّهِ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ ذَكَرْتُ الْمُنَافِقَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " الْمُنَافِقُ كَافِرٌ وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ فِي ذَا شَيْءٌ " "(3)
قلت : وهو في صحيح ابن خزيمة باب ذكر تفضل الله عز وجل على عبادة المؤمنين في أول ليلة من شهر رمضان بمغفرته إياهم كرما وجودا (1778) ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ،ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ،حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ حَمْزَةَ الْقَيْسِيُّ،ثنا خَلَفٌ أَبُو الرَّبِيعِ،إِمَامُ مَسْجِدِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ،ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَسْتَقْبِلُكُمْ وَتَسْتَقْبِلُونَ " - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَحْيٌ نَزَلَ ؟ قَالَ : " لَا " قَالَ : عَدُوٌّ حَضَرَ ؟ قَالَ : " لَا " قَالَ : فَمَاذَا ؟ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِكُلِّ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ "،وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَيْهَا،فَجَعَلَ رَجُلٌ يَهُزُّ رَأْسَهُ وَيَقُولُ : بَخٍ بَخٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا فُلَانُ،ضَاقَ بِهِ صَدْرُكَ ؟ " قَالَ : لَا،وَلَكِنْ ذَكَرْتُ الْمُنَافِقَ،فَقَالَ : " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْكَافِرُونَ،وَلَيْسَ لِكَافِرٍ مِنْ ذَلِكِ شَيْءٌ "
وهذا الحديث عند المنذري صحيح أو حسن أو قريب منه،لأنه أورده بلفظة (عن أنس) ولم يورده بلفظة (رويَ عن أنس) كما هو مصطلحه في الأحاديث الصحاح والحسان،والأحاديث الضعاف،كما ذكر ذلك في مقدمة الترغيب والترهيب حيث قال : " فإذا كان إسناد الحديث صحيحاً أو حسناً أو ما قاربهما صدَّرتُهُ بلفظة (عن) وكذلك أصدِّرهُ بلفظة( عن) وإذا كان ... ثم أشيرُ إلى إرساله وانقطاعه ... وإذا كان في الإسناد من قيل فيه كذاب أو وضاع أو متهم أو مجمع على تركه أو ضعفه أو ذاهب الحديث أو هالك أو ساقطٌ أو ليس بشيء أو ضعيف جدا أو ضعيفٌ فقط،أو لم أر فيه توثيقاً بحيث لا يتطرق إليه احتمال التحسين،صدَّرتهُ بلفظة (رويَ ) ولا أذكر ذلك الراوي،ولا ما قيل فيه البتة،فيكون للإسناد الضعيف دلالتانِ : تصديره بلفظة (رُويَ) وإهمالُ الكلام عليه في آخره " اهـ باختصار.
وهذه أمثلة من كتابه المذكور :
(2049 ) وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " حَجَّةٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ غَزْوَةٍ وَغَزْوَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ حَجَّةٍ " . يَقُولُ : إِذَا حَجَّ الرَّجُلُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَغَزْوَةٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعِينَ حَجَّةً،وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ غَزْوَةٍ . "
رواه البزار ورواته ثقات معروفون،وعنبسة بن هبيرة وثقه ابن حبان ولم أقف فيه على جرح.
(2086 ) عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : صَعِدَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - الْمِنْبَر فَقَالَ " لَا أُقْسِم لَا أُقْسِم " ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ : " أَبْشِرُوا أَبْشِرُوا مَنْ صَلَّى الصَّلَوَات الْخَمْس وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِر السَّبْع نُودِيَ مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة اُدْخُلْ " قَالَ عَبْد الْعَزِيز : لَا أَعْلَمهُ قَالَ إِلَّا " بِسَلَامٍ " وَقَالَ الْمُطَّلِب : سَمِعْت مَنْ سَأَلَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر سَمِعْت رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرهُنَّ ؟ قَالَ : نَعَمْ " عُقُوق الْوَالِدَيْنِ وَإِشْرَاك بِاَللَّهِ وَقَتْل النَّفْس وَقَذْف الْمُحْصَنَات وَأَكْل مَال الْيَتِيم وَالْفِرَار مِنْ الزَّحْف وَأَكْل الرِّبَا " . "رواه الطبراني وفي إسناده مسلم بن الوليد بن العباس لا يحضرني فيه جرح ولا عدالة.
(163 ) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ ؟ قَالَ : " مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ،وَزَادَ فِي عَمَلِكُمْ مَنْطِقُهُ،وَذَكَّرَكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ "
رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح إلا مبارك بن حسان.
وقال في آخر كتابه 6/357 في باب ذكر الرواة المختلف فيهم : مبارك بن حسان قال الأزدي : يرمَى بالكذب،وقال أبو داود : منكر الحديث،وذكره البخاري ولم يجرحه،و قال النسائي : ليس بقوي،وقال ابن معين : ثقةٌ اهـ
وكل ذلك يدلُّ على التعديل وليس على الجرح .
وقد تلاه على هذا المسلك الحافظ ابن عبد الهادي في التنقيح في كلامه على ( عثمان ابن محمد الأنماطي)(4):
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ،فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " أَيْضًا،وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي " السُّنَنِ " مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْمَاطِىِّ حَدَّثَنَا حَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ». قَالَ الْحَاكِمُ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ،وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ انْتَهَى(5).
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " التَّحْقِيقِ " : وَعثمان بن مُحَمَّدٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ،وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ " التَّنْقِيحِ " تَابِعًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي " الْإِمَامِ " وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ : إنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ،لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ،وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد ،وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ .وَغَيْرُهُمَا،ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " كِتَابِهِ " وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ جَرْحًا .وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ومشى على هذا المسلك أيضاً شيخ الزيلعيِّ الحافظُ الذهبيُّ في ميزان الاعتدال في ترجمة مبارك بن حسان [ ت ].عن عطاء.قال الأازدي: يرمى بالكذب. وقال ابن معين: ثقة،وذكره البخاري فما ذكر فيه جرحا. وقال أبو داود: منكر الحديث.وقال النسائي: ليس بالقوى."(6)
وقال الحافظ الذهبي أيضاً في رسالته (الموقظة) في المصطلح ما يمكن اعتباره نصًّا صريحاً في الموضوع،حيث قال رحمه الله تعالى:"وقد اشتَهَر عند طوائف من المتأخرين،إطلاقُ اسم ( الثقة ) على من لم يُجْرَح،مع ارتفاع الجهالةِ عنه . وهذا يُسمَّى : مستوراً،ويُسمىَّ :محلهُّ الصدق،ويقال فيه : شيخ "(7).
ومشى على هذا المسلك أيضاً الحافظ ابن حجر رحمه الله في مواضع كثيرة من كتبه،مثل (هدي الساري ) حيث قال في ترجمة أحد رجال صحيح البخاري :خ س ق -الحسن بن مدرك السدوسي أبو علي الطحان قال النسائي في أسماء شيوخه لا بأس به وقال ابن عدي كان من حفاظ أهل البصرة وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود كان كذابا يأخذ أحاديث فهد بن عوف فيقلبها على يحيى بن حماد " قلت : إن كان مستند أبي داود في تكذيبه هذا الفعل فهو لا يوجب كذبا لأن يحيى بن حماد وفهد بن عوف جميعا من أصحاب أبي عوانة،فإذا سأل الطالب شيخه عن حديث رفيقه ليعرف إن كان من جملة مسموعه فحدثه به أولا فيكف يكون بذلك كذابا ؟ وقد كتب عنه أبو زرعة وأبو حاتم ولم يذكرا فيه جرحا وهما ما هما في النقد،وقد أخرج عنه البخاري أحاديث يسيرة من روايته عن يحيى بن حماد مع أنه شاركه في الحمل عن يحيى بن حماد وفي غيره من شيوخه وروى عنه النسائي وابن ماجة " اهـ(8).
وفي (88) موضعاً من كتابه ( تعجيل المنفعة برجال الأئمة الأربعة ) ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحاً،قرن بينهما في أكثر المواضع،وأفرد أحدهما في بعضها،ولكنه في أغلب تلك المواطن ذكر سكوتهما عن الجرح من باب التوثيق والتعديل،وردَّ به على من زعم جهالة ذلك الراوي،أو ضعفه،بل توسَّع في الاستدلال بالسكوت على وثاقة الراوي،فاستدل بسكوت ابن يونس المصري،وأبي أحمد الحاكم النيسابوري،وابن حبان البستي،وابن النجار البغدادي،وغيرهم .
وسأورد جملة ملتقطة من كتابه المذكور لصلتها بكلامه في الكتاب،ثم أورد بعدها طائفة من عبارته في الكتاب،كنماذج في الموضع لما قدمته،وأشير إلى باقي المواضع فيه بأرقام الترجمات التي تضمنت عبارته المشار إليها،قال رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه تعجيل المنفعة(9):
"(أما بعد) فقد وقفت على مصنف للحافظ أبى عبد الله محمد بن على بن حمزة الحسينى الدمشقي سماه (التذكرة برجال العشرة) ضم إلى من في (تهذيب الكمال) لشيخه المزى من في الكتب الأربعة وهى (الموطأ) و (مسند الشافعي) و (مسند أحمد) و(المسند الذى خرجه الحسين بن محمد بن خسرو) من حديث الإمام أبى حنيفة،وحذا حذو الذهبي في الكاشف في الاقتصار على من في الكتب الستة دون من أخرج لهم في تصانيف لمصنفيها خارجة عن ذلك كالأدب المفرد) للبخاري و (المراسيل) لأبي داود و (الشمائل) للترمذي،فلزم من ذلك أن ينسب ما خرج له الترمذي أو النسائي مثلا إلى من أخرج له في بعض المسانيد المذكورة وهو صنيع سواه أولى منه،فإنَّ النفوس تركنُ إلى من أخرج له بعض الأئمة الستة أكثر من غيرهم،لجلالتهم في النفوس،وشهرتهم،ولأن أصل وضع التصنيف للحديث على الأبواب أن يقتصر فيه على ما يصلح للاحتجاج أو الاستشهاد،بخلاف من رتب على المسانيد فإن أصل وضعه مطلق الجمع،..ثم عثرت في أثناء كلامه على أوهام صعبة فتعقبتها * ثم وقفت على تصنيف له أفرد فيه رجال أحمد سماه (الإكمال عن من في مسند أحمد من الرجال) ممن ليس في (تهذيب الكمال) فتتبعت ما فيه من فائدة زائدة على التذكرة *
ثم وقفت على جزء لشيخنا الحافظ نور الدين الهيثمى استدرك فيه ما فات الحسينى من رجال أحمد لقطه من المسند لما كان يكتب زوائد أحاديثه على الكتب الستة وهو جزء لطيف جدا وعثرت فيه مع ذلك على أوهام وقد جعلت على من تفرد به (هب)
ثم وقفت على تصنيف للإمام أبى زرعة ابن شيخنا حافظ العصر أبى الفضل ابن الحسين العراقى سماه (ذيل الكاشف) تتبع الأسماء التى في (تهذيب الكمال) ممن أهمله الكاشف،وضم إليه من ذكره الحسينى من رجال أحمد وبعض من استدركه الهيثمى وصير ذلك كتابا واحدا واختصر التراجم فيه على طريقة الذهبي فاختبرته فوجدته قلد الحسينى والهيثمي في أوهامهما وأضاف إلى أوهامهما من قبِله أوهاماً أخرى * وقد تعقبت جميع ذلك مبينا محررا مع أني لا أدعي العصمة من الخطأ والسهو،بل أوضحت ما ظهر لى فليوضح من يقف على كلامي ما ظهر له فما القصد إلا بيان الصواب طلبا للثواب "
وقال أيضاً :"فأقول عقب كل ترجمة عثرت فيها على شئ من ذلك (قلت) فما بعد قلت فهو كلامي وكذا أصنع فيما أزيده من الفوائد من جرح أو تعديل أو ما يتعلق بترجمة ذلك الشخص غالبا وبالله أستعين فيما قصدت وعليه أتوكل فيما اعتمدت .."(10)
إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب ..وقد ذكره ابن أبى حاتم فلم يذكر فيه جرحا،وذكره الذهبي في المغني في الضعفاء ولم يذكر لذكره فيه مستندا.
((فع ا) إبراهيم بن أبي خداش.عن عتبة بن أبي لهب.وعنه ابن عيينة مجهول كذا قرأت بخط الحسينى . وصحح اسمه وقال :والدليل على صحة ما قلته أن ابن أبي حاتم قال إبراهيم بن أبى خداش بن عتبة بن أبي لهب الهاشمي اللهبى روى عن ابن عباس روى عنه ابن جريح وابن عيينة ولم يذكر فيه جرحا،وقال : وإذا عرف ذلك كيف يسوغ لمن يروي عنه ابن جريح وابن عيينة ونسبه بهذه الشهرة أن يقال في حقه مجهول ؟!!(11)
[ 15 ] ا إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع الحضرمي عن أبيه وعنه فرج بن فضالة مجهول قلت لم يذكره ابن أبي حاتم وحديثه بهذا السند في تحريم الخمر والميسر والمزر الحديث عن عبد الله بن عمرو وقد ذكره ابن يونس فقال أحسبه إبراهيم بن عبد الرحمن بن فروخ التنوخي ولم يذكر له راويا غير فرج ولم يذكر فيه جرحا
[ 30 ] ا أخشن السدوسي عن أنس وعنه أبو عبيدة عبد المؤمن بن عبيد الله السدوسي ذكره ابن حبان في الثقات زاد في الإكمال وهو مجهول قلت لم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه جرحا وصرح في روايته سماعه من أنس
[ 33 ] ا أسامة بن سلمان النخعي شامي روى عن أبي ذر وابن مسعود وعنه عمر بن نعيم العنسي وغيره ذكره ابن حبان في الثقات قلت لم يذكر البخاري ولا بن أبي حاتم فيه جرحا ولم يذكروا له راويا غير عمر
[ 41 ] ا إسحاق بن أبي الكهلة ويقال ابن أبي الكهتلة كوفي روى عن ابن مسعود وأبي هريرة وعنه الوليد بن قيس وسعد بن إسحاق قال البخاري حديثه في الكوفيين ولم يذكر فيه جرحا وتبعه بن أبي حاتم وذكره ابن حبان في الثقات
[ 63 ] ا أمية بن شبل يماني روى عن عثمان ابن بوذويه وعروة بن محمد بن عطية والحكم بن أبان وعنه إبراهيم بن خالد وهشام بن يوسف وغيرهما قال ابن المديني ما بحديثه بأس قلت لم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه جرحا وذكره ابن حبان في الثقات
[ 75 ] ا أيمن بن مالك الأشعري عن أبي أمامة وأبي هريرة وعنه قتادة وثقه ابن حبان قلت وأخرج حديثه في صحيحه وذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه جرحا
[ 87 ] ا بسطام بن النضر أبو النضر الكوفي عن أعرابي لأبيه صحبة وعنه عمر بن فروخ ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات
[ 95 ] ا بشير بن أبي صالح عن أبي هريرة ..وفي تاريخ البخاري جبير أبو صالح عن أبي هريرة روى عنه يزيد بن أبي زياد ولم يذكر فيه جرحا
[ 106 ] فه بلال بن أبي بلال عن أبيه وعنه أبو حنيفة لا يعرف قلت كذا أفرده ...وقد ذكر البخاري في التاريخ أن بلال بن مرداس فزاري يروى عن خيثمة البصري وشهر بن حوشب ويروى عنه عبد الأعلى الثعلبي وليث بن أبي سليم والسدي ولم يذكر فيه جرحا وتبعه بن أبي حاتم
[ 200 ] ا حزام بكسر أوله وبالزاى المعجمة المنقوطة بن إسماعيل العامري كوفي روى عن أبي إسحاق الشيباني والأعمش ومغيرة وعاصم الأحول روى عنه أبو معاوية والحسن بن ثابت وأبو النضر بن هاشم بن القاسم وعطاء بن مسلم قاله الدارقطني وضبطه بالزاي المنقوطة وقال وكذا ذكره البخاري وابن أبي حاتم فيمن اسمه حزام بالزاي ولم يذكرا فيه جرحا
[ 207 ] ا الحسن بن يحيى المروزي عن ابن المبارك والنضر بن شميل وغيرهما وعنه أحمد وغيره فيه نظر قلت روايته عند أحمد مقرونة بعلي بن إسحاق كلاهما عن ابن المبارك وعلاها عبد الله بن أحمد عن أحمد بن جميل عن ابن المبارك وذكره ابن النجار في تاريخ بغداد وذكر أنه يروي عنه أيضا يزيد بن يحيى الزهري ولم يذكر فيه جرحا ووقع في الطبقة الثالثة من الثقات لابن حبان الحسن بن يحيى المروزي عن كثير بن زياد وعنه بن المبارك فما أدري أهو هو انقلب أو هو آخر غيره
[ 210 ] هب حصين بن حرملة المهري عن أبي مصبح عن جابر في فضل الخيل وعنه عتبة بن أبي حكيم استدركه شيخنا الهيثمي على الحسيني وقال ذكره ابن حبان في الثقات وله في المسند حديثان من طريق عبد الله بن المبارك أحدهما عن حصين غير منسوب والآخر نسب فيه حصينا فقال عن عتبة عن حصين بن حرملة وقد ذكره البخاري فقال يعد في الشاميين ولم يذكر فيه جرحا وتبعه ابن أبي حاتم
[ 237 ] ا حميد بن علي أبو عكرشه العقيلي عن الضحاك بن مزاحم يقال مرسلا وعنه مروأن ابن معاوية قال الدارقطني لا يستقيم حديثه ولا يحتج به وقال أبو زرعه كوفي لا باس به قلت لم يذكر البخاري فيه جرحا وذكره ابن حبان في الطبقة الرابعة من الثقات
وذكر ذلك في الأرقام التالية (242 و303 و327 و330 و332 و338 و394 و434 و470 و491 و497 و499 و503 و531 و534 و 537 و544 و553 و555 و562 و602 و604 و608 و640 و667 و675 و723 و755 و762 و772 و782 و787 و789 و800 و805 و816 و835 و838 و 846 و857 و862 و867 و874 و879 و886 و910 و939 و940 و963 و973 و975 و984 و1046 و 1049 و1084 و 1113 و 1116 و 1137 و1152 و1153 و 1155 و 1170 و 1193 و 1210 و1259 و1263 و 1343 و 1380 و1381 و 1382 و 1418 )
وقد أعقب الحافظ ابن حجر في بعض التراجم قوله : لم يذكر ....فيه جرحا،بقوله وذكره ابن حبان في الثقات،وهذا منه ليس للتعقب على ما قبله،بل هو من باب استيفاء ما ذكرَ في الراوي،لأن الحافظ قد نقد طريقة ابن حبان في كتابه ( الثقات) في مقدمة كتابه ( لسان الميزان )(12)
وسلك الحافظ ابن حجر أيضاً هذا المسلك في كتابه (لسان الميزان ) وأكتفي بالإشارة إلى بعض ما جاء من ذلك في الجزء الأول منه فقط،انظر التراجم ذوات الأرقام التالية : (50و71 و 106 و107 و137 و145 و189 و351و381 و390 و461و563و674 و756 و770 و1005و1044 و1057و1095و1208و1233و1244و1267و1310و1384 و1398و1399و1415و1438و1452و1456 و1466و1495و1505و1516)
وأما قول الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب(13)721 - عس (مسند علي).إياس بن نذير الضبي الكوفي والد رفاعة،روى حديثه حسين بن حسن الأشقر عن رفاعة بن إياس بن نذير الضبي عن أبيه عن جده قال كنت مع علي يوم الجمل فبعث إلي طلحة أن القني الحديث هكذا رواه النسائي وقال ابن أبي حاتم إياس بن نذير روى عن شبرمة بن الطفيل عن علي روى عنه أبو حيان التيمي. يعد في الكوفيين.
قلت:وذكره ابن حبان في الثقات وذكره ابن أبي حاتم وبيض فهو مجهول.
ففيه أولاً : أن المزي قد نقل ترجمة ( إياس ) هذا عن ابن أبي حاتم،وهي في كتابه الجرح والتعديل(14)،ولم ينتبه الحافظ إلى هذا،فقال : (قلت : وذكره ابن أبي حاتم ...)
وثانياً : قال الحافظ ابن حجر: ( وبيَّضَ فهو مجهول ) والذي في الجرح والتعديل ليس فيه تبييض،وقد ذكره الحافظ تبعاً للذهبي في الميزان(15)،لكن عبارة الذهبي في الميزان هكذا : وذكره ابن أبي حاتم،وبيَّضَ،مجهول )اهـ وليس فيها تفريع الجهالة على التبييض كما هي عبارة ابن حجر،فانتفى أن يكون هذا النص شاهداً على اعتبار ابن حجر ما سكت عنه ابن أبي حاتم مجهولاً .
وثالثاً :أن لفظ ( مجهول ) في كلام الذهبي،إنما هو من حكمه وإنشائه،إذ لم يذكر ذلك أبو حاتم ولا ابنه في كتابه .
وقال الحافظ السخاوي في كتابه الغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية - وهو شرح له على منظومة ( الهداية في علم الرواية ) لابن الجزري المقرئ -(16):
(
__________
(1) - المجموع شرح المهذب (ج 6 / ص 277)
(2) - زاد المعاد (ج 1 / ص 444) ونيل الأوطار (ج 5 / ص 237)
(3) - الترغيب والترهيب للمنري (ج 2 / ص 64) وهو في فَضَائِلُ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ (50 ) والْكُنَى وَالْأَسْمَاءُ لِلدُّولَابِيِّ(100036 )
(4) - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (ج 1 / ص 151)
(5) - سنن الدارقطنى(704) 1/182
(6) - ميزان الاعتدال3/430 [ 7038] وانظر تاريخ الإسلام للإمام الذهبي (ج 9 / ص 584)
(7) - الموقظة في علم مصطلح الحديث (ج 1 / ص 18)
(8) - 2/123
(9) - ص 2-4
(10) - في ص 8
(11) - تعجيل المنفعة لابن حجر (ج 1 / ص 5)
(12) - 1/14-15
(13) ج 1 / ص 342)
(14) - الجرح والتعديل[ ج2 - ص282 ] 1019
(15) - 1/283
(16) ج 1 / ص 60)(1/78)
ثالثها ) مجهول الحال فى العدالة باطنا لا ظاهرا لكونه علم عدم الفسق فيه ولم تعلم عدالته لفقدان التصريح بتزكيته،فهذا معنى إثبات العدالة الظاهرة ونفي العدالة الباطنة،لأن المراد بالباطنة ما في نفس الأمر،وهذا هو المستور والمختار قبولُه وبه قطع سليمُ الرازيُّ،قال ابنُ الصلاح :ويشبه أن يكون عليه العمل في كثير من كتب الحديث المشهورة فيمن تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة انتهى.
قلتُ : وعلى هذا يترجح العمل بالرأي القائل بقبول (رواية ) المستور على مقابله،لأنه قد تعذرت الخبرة في كثير من رجال القرن الأول والثاني والثالث،ولم يعلم عنهم مفسِّقٌ،ولا تعرف في روايتهم نكارة،فلو رددنا أحاديثهم أبطلنا سنناً كثيرة،وقد أخذت الأمة بأحاديثهم،كما أشار إليه الحافظ ابن الصلاح في كلمته الآنفة الذكر .
وعليه جرى عملُ الإمامين البخاريُّ ومسلمٌ في كتابيهما ( الصحيحين ) كما قال ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله في الميزان في ترجمة حفص بن بُغيل [ د ].عن زائدة وجماعة.وعنه أبو كريب،وأحمد بن بديل.قال ابن القطان: لا يعرف له حال ولا يعرف.
قلتُ: لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا،فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذاك الرجل أو أخذ عمن عاصره ما يدلُّ على عدالته.
وهذا شئ كثير،ففي الصحيحين من هذا النمط خلق كثير مستورون،ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل.".(1)
وقال في ميزان الاعتدال -مالك بن الخير الزبادى .مصرى.محله الصدق،يروى عن أبي قبيل،عن عبادة - مرفوعا: ليس منا من لم يبجل كبيرنا،روى عنه حيوة بن شريح،وهو من طبقته،وابن وهب،وزيد بن الحباب،ورشدين،قال ابن القطان:هو ممن لم تثبت عدالته - يريدُ أنه ما نصَّ أحدٌ على أنه ثقة،وفي رواة الصحيحين عددٌ كثيرٌ ما علمنا أن أحدا نصَّ على توثيقهم،والجمهور على أنَّ منْ كان منَ المشايخ قد روى عنه جماعةٌ ولم يأت بما ينكر ُعليه أنَّ حديثَهُ صحيحٌ ."(2)
وهذا الذي ذكره الحافظ الذهبي رحمه الله من مسلك الشيخين قد مشَى عليه الإمامُ أبو حنيفة ومن وافقه من أتباعه وغيرهم،قال المحقق الآمديُّ الشافعيُّ في كتابه الإحكام في أصول الأحكام(3):
المسألة الأولى- مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأكثر أهل العلم أن مجهول الحال غير مقبول الرواية،بل لا بد من خبرة باطنة بحاله ومعرفة سيرته وكشف سريرته أو تزكية من عرفت عدالته وتعديله له.
وقال أبو حنيفة وأتباعه: يكتفَى في قبول الرواية بظهور الإسلام والسلامة عن الفسق ظاهراً. اهـ
وقال به لفيف من أهل العلم ومنهم العلامة عبد الغني البحراني الشافعي في كتابه قرة العين:" لا يقبل مجهول الحال،وهو على ثلاثة أقسامٍ :
أحدها : مجهول العدالة ظاهرا وباطناً،فلا يقبل عند الجمهور .
ثانيها: مجهول العادلة باطناً لا ظاهراً،وهو المستور،والمختار قبوله،وقطع به سليم الرازي- أحد أئمة الشافعية وشيخ الحافظ الخطيب البغدادي- وعليه العملُ في أكثر كتب الحديث المشهورة،فيمن تقادم عهدهم وتعذَرتْ معرفتهم ) اهـ(4)
وقال العلامة المحقق البارع محمد حسن السنبهلي الهندي في مقدمة كتابه النفيس ( تنسيق النظام في مسند الإمام )- أي الإمام أبي حنيفة -ص 68: ( قال القسطلاني في إرشاد الساري: وقبلَ المستورُ قومٌ ورجحه ابن الصلاح )(5)وقال ابن حجر في شرح النخبة : وقبلَ روايتهَ جماعةٌ بغير قيدٍ )اهـ كلام السنبهلي .
وقال العلامة علي القاري في شرح شرح النخبة(6):"(وقد قبل روايته) أي المستور،(جماعة) منهم أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه،(بغير قيد) يعني بعصر دون عصر ذكره السخاوي. وقيل: أي بغير قيد التوثيق وعدمه،وفيه أنه إذا وثق خرج عن كونه مستورا،فلا يتجه قوله: بغير قيد. واختار هذا القول،ابن حبان تبعا للإمام الأعظم ؛ إذ العدل عنده: من لا يعرف فيه الجرح،قال: والناس في أحوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح،ولم يكلف الناس ما غاب عنهم،وإنما كلفوا الحكم للظاهر،قال تعالى: : {{ولا تجسسوا}} ولأن أمر الأخبار مبني على الظن،و(إن بعض الظن إثم)،ولأنه يكون غالبا عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن،فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظاهر،وتفارق الشهادة،فإنها تكون عند الحكام ولا يتعذر عليهم ذلك فاعتبر فيها العدالة في الظاهر والباطن. قال ابن الصلاح: يشبه أن يكون العمل على هذا الرأي،في كثير من كتب الحديث المشهورة،في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم،وتعذرت الخبرة الباطنة بهم،فاكتفي بظاهرهم،وقيل: إنما قبل أبو حنيفة رحمه الله في صدر الإسلام حيث كان الغالب على الناس العدالة،فأما اليوم فلا بد من التركيز لغلبة الفسق،وبه قال صاحباه أبو يوسف،ومحمد.وحاصل الخلاف:أن المستور من الصحابة،والتابعين وأتباعهم،يقبل بشهادته صلى الله تعالى عليه وسلم لهم بقوله: " خير القرون قرني،ثم الذين يلونهم " وغيرهم لا يقبل إلا بتوثيق،وهو تفصيل حسن." ..اهـ
والأخذ بهذا المذهب فيمن سكتوا عنه وجيهٌ للغاية جدًّا،وأما من كان بعد خير القرون الثلاثة بعد فشوِّ الكذب وقيام الحفاظ بالرحلة وتأليف الكتب في الرجال والرواة،فينبغي أن لا يقبلَ إلا من ثبتتْ عدالتهُ وتحققت فيه شروطُ قبول الرواية التي رسمها المتأخرون .
فإذا علمَ هذا كله،اتضحت وجاهةُ ما أثبتُّه من أنَّ مثلَ البخاري،أو أبي حاتم،أو ابن أبي حاتم،أو أبي زرعة،أو ابن يونس المصري،أو ابن حبان،أو ابن عديٍّ،أو الحاكم الكبير أبي أحمدَ،أو ابن النجار البغدادي،أو غيرهم ممن تكلم في الرجال،إذا سكتوا عن الراوي الذي لم يجرح،ولم يأتِ بمتنٍ منكرٍ : يعدُّ سكوتهُم عنه من باب التوثيق والتعديل،ولا يعدُّ من باب التجريحِ والتجهيل ِ،ويكون حديثه لا ينزلُ عن مرتبة الحسَنِ،إذا سلِمَ من المغامز،والله تعالى أعلم .
وقد سار على هذا المسلك العلامة أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على مسند الإمام أحمد(7)وفي تعليقه على مختصره لتفسير ابن كثير الذي سماه عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير(8)،وكذلك الشيخ العلامة ظفر أحمد التهانوي في كتابه قواعد في علوم الحديث(9)وحبيب الرحمن الأعظمي في كتبه وتعليقاته الكثيرة .(10)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - الميزان1/556 (2109 )
(2) - ميزان الاعتدال (ج 3 / ص 426)(7015 )
(3) ج 1 / ص 324)
(4) - قرة العين في ضبط رجال الصحيحين ص 8
(5) - إرشاد الساري 1/16
(6) - شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (ج 1 / ص 518)
(7) - انظر الجزء السابع الحديث رقم(5544)
(8) - انظر منه 1/60 و88 و165 و168
(9) - ص 358 و404
(10) - انظر الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي بتعليق العلامة الشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحمه الله من ص 230 فما بعدها الهامش بحث (( سكوت المتكلمين في الرجال عن الراوي الذي لم يجرح ، ولم يأت بمتنٍ منكر : يعدُّ تعديلاً ) وقد اقتبست منه كثيرا وزدت عليه زيادات كثيرة .(1/79)
كتاب العلم
69-( 1393) ( ضعيف ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ خَرَجَ فِى طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ ».. رواه الترمذي وقال : حديث حسن
كذا قال وإسناده ضعيف كما هو مبين في تخريج المشكاة ( 220 ) والضعيفة رقم (2037)
---------------
قلت : هو في سنن الترمذى(2859 ) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْعَتَكِىُّ عَنْ أَبِى جَعْفَرٍ الرَّازِىِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ خَرَجَ فِى طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَرْفَعْهُ(1).
وفي سنده خالد بن يزيد الأزدى العتكي،ويقال الهدادي،أبو يزيد ويقال أبو حمزة،و يقال أبو سلمة،البصري اللؤلؤى فيه كلام(2)
قلتُ : والصوابُ من القول أن حديثه حسنٌ ولا يخلو من بعض الأوهام فهذه نتوقف فيها حتى نتأكد هل تابعه أحد أم لا وهل له شواهد تقويه أم لا ؟
ومع هذا فلم يتفرد به فقد تابعه محمد بن مصعب
ففي أمالي ابن سمعون (45) والْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ (279) أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ , أبنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، ثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ، ثنا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ صَاحِبُ اللُّؤْلُؤِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ »(3).
قلت : فهذا السند الثاني حسن،فالحديث حسنٌ بلا ريب .،وقد خفيت عليه هذه المتابعة،فضعَّف الحديث وردَّ كلام الإمام الترمذي،والصواب هو قول الترمذي رحمه الله .
بقيت علة أخرى أثارها الشيخ ناصر رحمه الله حول رواية أبي جعفر الرازي عن شيخه الربيع بن أنس .
قلت :أما أبو جعفر الرازى : فقد وثقه أكثر أهل العلم : كأحمد وابن معين وابن المدينى وابن عمار وأبو حاتم وابن سعد والحاكم وابن عبد البر وابن عدى ولينه بعضهم فى بعض رواياته(4)،وقال ابن عدي : "ولأبي جعفر الرازى أحاديث صالحة مستقيمة يرويها وقد روى عنه الناس وأحاديثه عامتها مستقيمة وأرجو أنه لا بأس به"(5). فالصحيح أنه حسن الحديث .
وقد روى له أحمد في مسند عن أبي العالية (17262و20140 و21820 و21826 و21827 و21829 )
وشيخه الربيع بن أنس صدوق(6)
----------------
طَالِبُ الْعِلْمِ(7)
الطَّالِبُ : اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الطَّلَبِ،وَالطَّلَبُ لُغَةً : مُحَاوَلَةُ وُجْدَانِ الشَّيْءِ وَأَخْذِهِ(8)
وَالْعِلْمُ لُغَةً : نَقِيضُ الْجَهْل،وَالْمَعْرِفَةُ،وَالْيَقِينُ .
وَاصْطِلاَحًا : هُوَ مَعْرِفَةُ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ .
وَقَال صَاحِبُ التَّعْرِيفَاتِ : هُوَ الاِعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ .
وَقَال الْحُكَمَاءُ : هُوَ حُصُول صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْعَقْل(9).
فَضْل طَالِبِ الْعِلْمِ :
لِطَالِبِ الْعِلْمِ فَضْلٌ كَبِيرٌ وَمِيزَةٌ خَاصَّةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْخَلاَئِقِ،وَقَدْ وَرَدَتِ الأَْدِلَّةُ الْمُسْتَفِيضَةُ بِذَلِكَ .
فَعَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ قَدِمَ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَبِى الدَّرْدَاءِ وَهُوَ بِدِمَشْقَ فَقَالَ مَا أَقْدَمَكَ يَا أَخِى فَقَالَ حَدِيثٌ بَلَغَنِى أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ قَالَ لاَ. قَالَ أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ قَالَ لاَ. قَالَ مَا جِئْتَ إِلاَّ فِى طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِى فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِى الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ».(10).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال : سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول : الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالاَهُ أَوْ عَالِمًا وَمُتَعَلِّمًا(11).
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال : قَال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيل اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ "(12).(13)
آدَابُ طَالِبِ الْعِلْمِ :
لِطَالِبِ الْعِلْمِ آدَابٌ كَثِيرَةٌ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَلِي :
أ - يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يُطَهِّرَ قَلْبَهُ مِنَ الأَْدْنَاسِ،لِيَصْلُحَ لِقَبُول الْعِلْمِ وَحِفْظِهِ وَاسْتِثْمَارِهِ . قَال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ،وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ "(14).
ب - يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَقْطَعَ الْعَلاَئِقَ الشَّاغِلَةَ عَنْ كَمَال الاِجْتِهَادِ فِي التَّحْصِيل وَيَرْضَى بِالْيَسِيرِ مِنَ الْقُوتِ،وَيَصْبِرَ عَلَى ضِيقِ الْعَيْشِ،وَأَنْ يَتَوَاضَعَ لِلْعِلْمِ وَالْمُعَلِّمِ،فَبِتَوَاضُعِهِ يَنَال الْعِلْمَ،قَال الشَّافِعِيُّ : لاَ يَطْلُبُ أَحَدٌ هَذَا الْعِلْمَ بِالْمُلْكِ وَعِزِّ النَّفْسِ فَيُفْلِحُ،وَلَكِنْ مَنْ طَلَبَهُ بِذُل النَّفْسِ وَضِيقِ الْعَيْشِ وَخِدْمَةِ الْعُلَمَاءِ أَفْلَحَ .
ج - أَنْ يَنْقَادَ لِمُعَلِّمِهِ وَيُشَاوِرَهُ فِي أُمُورِهِ وَيَأْتَمِرَ بِأَمْرِهِ،وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ لِمُعَلِّمِهِ بِعَيْنِ الاِحْتِرَامِ،وَيَعْتَقِدَ كَمَال أَهْلِيَّتِهِ وَرُجْحَانَهِ عَلَى أَكْثَرِ طَبَقَتِهِ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى انْتِفَاعِهِ بِهِ وَرُسُوخِ مَا سَمِعَهُ مِنْهُ فِي ذِهْنِهِ .
د - أَنْ يَتَحَرَّى رِضَا الْمُعَلِّمِ وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَ نَفْسِهِ،وَلاَ يَغْتَابَ عِنْدَهُ،وَلاَ يُفْشِيَ لَهُ سِرًّا،وَأَنْ يَرُدَّ غَيْبَتَهُ إِذَا سَمِعَهَا،فَإِنْ عَجَزَ فَارَقَ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ،وَأَلاَّ يَدْخُل عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ،وَأَنْ يَدْخُل كَامِل الأَْهْلِيَّةِ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنَ الشَّوَاغِل مُتَطَهِّرًا مُتَنَظِّفًا،وَيُسَلِّمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ كُلِّهِمْ،يَخُصُّ الْمُعَلِّمَ بِزِيَادَةِ إِكْرَامٍ .
هـ - أَنْ يَجْلِسَ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ إِذَا حَضَرَ إِلَى الدَّرْسِ،وَلاَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلاَّ أَنْ يُصَرِّحَ لَهُ الشَّيْخُ أَوِ الْحَاضِرُونَ بِالتَّقَدُّمِ،وَلاَ يَجْلِسَ وَسَطَ الْحَلْقَةِ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ،وَلاَ بَيْنَ صَاحِبَيْنِ إِلاَّ بِرِضَاهُمَا،وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى الْقُرْبِ مِنَ الشَّيْخِ لِيَفْهَمَ كَلاَمَهُ فَهْمًا كَامِلاً بِلاَ مَشَقَّةٍ .
و- أَنْ يَتَأَدَّبَ مَعَ رُفْقَتِهِ وَحَاضِرِي الدَّرْسِ،وَلاَ يَرْفَعَ صَوْتَهُ رَفْعًا بَلِيغًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ،وَلاَ يَضْحَكَ وَلاَ يُكْثِرَ الْكَلاَمَ بِلاَ حَاجَةٍ،وَلاَ يَعْبَثَ بِيَدِهِ وَلاَ غَيْرِهَا،وَلاَ يَلْتَفِتَ بِلاَ حَاجَةٍ،وَلاَ يَسْبِقَ الشَّيْخَ إِلَى شَرْحِ مَسْأَلَةٍ أَوْ جَوَابِ سُؤَالٍ إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ حَال الشَّيْخِ إِيثَارَ ذَلِكَ .
ز - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَى التَّعَلُّمِ مُوَاظِبًا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ،وَلاَ يُضَيِّعَ مِنْ أَوْقَاتِهِ شَيْئًا فِي غَيْرِ الْعِلْمِ إِلاَّ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ،وَأَنْ تَكُونَ هِمَّتُهُ عَالِيَةً فَلاَ يَرْضَى بِالْيَسِيرِ مَعَ إِمْكَانِ الْكَثِيرِ،وَأَنْ لاَ يُسَوِّفَ فِي اشْتِغَالِهِ،وَلاَ يُؤَخِّرَ تَحْصِيل فَائِدَةٍ،لَكِنْ لاَ يُحَمِّل نَفْسَهُ مَا لاَ تُطِيقُ مَخَافَةَ الْمَلَل،وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ النَّاسِ .
ح - أَنْ يَعْتَنِيَ بِتَصْحِيحِ دَرْسِهِ الَّذِي يَتَعَلَّمُهُ تَصْحِيحًا مُتْقَنًا عَلَى الشَّيْخِ،ثُمَّ يَحْفَظَ حِفْظًا مُحْكَمًا،وَيَبْدَأَ دَرْسَهُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالصَّلاَةِ عَلَى رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالدُّعَاءِ لِلْعُلَمَاءِ وَمَشَايِخِهِ،وَيُدَاوِمَ عَلَى تَكْرَارِ مَحْفُوظَاتِهِ(15).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - والمعجم الصغير للطبراني(380) ومسند البزار (6520) وقال :وهذا الحديث لا نعلمه يروي بهذا اللفظ ، عَن النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم إلاَّ من هذا الوجه.والأحاديث المختارة للضياء - (ج 3 / ص 54)(2119-2121) وحسنه والترغيب والترهيب للمنري (148) ونقل تحسن الترمذي وأخلاق العلماء للآجري (28 ) والترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين (213) والضعفاء الكبير للعقيلي(528) وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (222) و السلسلة الضعيفة (2037 ) كلهم من هذا الطريق
(2) - انظر ترجمته في تقريب التهذيب (1692) والثقات لابن حبان (13121 ) والكاشف ( 1368) والتاريخ الكبير [ ج 3 -ص 182 ] (616 ) والجرح والتعديل [ ج 3 -ص 361 ] (1635 ) وقال سئل أبو زرعة عنه فقال ليس به بأس،وميزان الاعتدال - (ج 1 / ص 648)(2484 )
(3) - انظر تراجم رجاله تقريب التهذيب[ ج 1 -ص 507 ] (6302) صدوق كثير الغلط ،أبو على أحمد بن محمد بن يزيد بن أبى الخناجر الأطرابلسى ثقة الجرح والتعديل[ ج 2 -ص 73 ] (144 ) وتاريخ دمشق [ ج 5 -ص 468 ] ( 230 ) وذكر توثيقه و[ ج 55 -ص 193 ] (6957 ) و سير أعلام النبلاء 15 / 331(168)
(4) - انظر التهذيب 12/56و57 والديوان ( 3291) وتهذيب الكمال[ ج 33 -ص 192 ](7284) و وانظر الطبقات الكبرى [ ج 7 -ص 380 ] والتاريخ الكبير[ ج 6 -ص 403 ] (2790) وتقريب التهذيب (8019 ) والكاشف ( 6563 ) والجرح والتعدي[ ج 6 -ص 280 ]( 1556 ) وميزان الاعتدال - (ج 3 / ص 319) (6595 ) عيسى بن أبي عيسى [ عو ] ماهان، أبو جعفر الرازي.صالح الحديث.
(5) - الكامل لابن عدي 5/255
(6) - الكاشف [ ج 1 -ص 391 ] (1524) وسير أعلام النبلاء (6/170)(79 )
(7) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 28 / ص 334)
(8) - لسان العرب ، مادة ( طلب ) ، والكليات 3 / 153 .
(9) - لسان العرب والمصباح المنير ، مادة ( علم ) ، والتعريفات 199 ، والكليات 3 / 207 .
(10) - سنن الترمذى (2898 ) ومسند أحمد(22347) وهو حديث حسن لغيره
(11) - سنن الترمذى (2492 ) وسنن ابن ماجه (4251 ) وصحيح الجامع (1609) صحيح لغيره
(12) - مر تخريجه
(13) - المجموع 1 / 81 ( ط . المكتبة السلفية المدينة المنورة ) ، إحياء علوم الدين 1 / 11 ، 15 ، ( ط . مصطفى الحلبي 1939 )، جامع بيان العلم وفضله 1 / 55 ( ط . المنيرية ) ، الآداب الشرعية 2 / 39 ( ط . مكتبة الرياض )
(14) - صحيح البخارى (52 ) ومسلم (4178 ) عن النعمان بن بشير مطولا ..
(15) - المجموع للنووي 1 / 35 وما بعدها ( ط . المكتبة السلفية المدينة المنورة ) تذكرة السامع والمتكلم 67 وما بعدها ( ط . جمعية دائرة المعارف العثمانية 1353 هـ ) ، إحياء علوم الدين 1 / 55 ( ط . مصطفى الحلبي 1939 م )(1/80)
بابِ النهيِ عنَ الحلف بمخلوق
70 -(1720 )- ( ضعيف ) عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ لاَ وَالْكَعْبَةِ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ ». " رواه الترمذي وقال : حديث حسن
وفسر بعض العلماء قوله : " كفر أو أشرك " على التغليظ كما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الرياء شرك
_________
قلت : أشار المصنِّف - رحمه الله - بقوله : ( روي ) إلى أن الحديث المذكور ضعيف الإسناد وهو كما قال وقد خرجته وبينت علته في الضعيفة رقم ( 1850 )
------------------
قلت : هو في سنن الترمذى (1620 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَنْ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ : لَا وَالكَعْبَةِ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَا يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللَّهِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " " مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ " " : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفُسِّرَ هَذَا الحَدِيثُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ : أَنَّ قَوْلَهُ " " فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ " " عَلَى التَّغْلِيظِ ، وَالحُجَّةُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ : وَأَبِي وَأَبِي ، فَقَالَ : " " أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ " " ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " " مَنْ قَالَ فِي حَلِفِهِ وَاللَّاتِ ، وَالعُزَّى فَلْيَقُلْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " " : هَذَا مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " " إِنَّ الرِّيَاءَ شِرْكٌ " " وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ هَذِهِ الآيَةَ : فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا الآيَةَ ، قَالَ : لَا يُرَائِي "..(1)
قلت :فالحديث صحيح بلا ريب،وتناقض الألباني رحمه الله فذكره في السلسلة الصحيحة وصححه(2)
------------------
الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ(3)
" - تَنْحَصِرُ شَرْعًا صِيغَةُ الْيَمِينِ بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى . فَالْحَلِفُ بِغَيْرِهِ بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ لاَ يُعْتَبَرُ يَمِينًا شَرْعِيَّةً،وَلاَ يَجِبُ بِالْحِنْثِ فِيهِ كَفَّارَةٌ .
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ : أَنْ يَحْلِفَ الإِْنْسَانُ بِأَبِيهِ أَوْ بِابْنِهِ أَوْ بِالأَْنْبِيَاءِ أَوْ بِالْمَلاَئِكَةِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ أَوْ بِالْعِبَادَاتِ : كَالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ،أَوْ بِالْكَعْبَةِ أَوْ بِالْحَرَمِ أَوْ بِزَمْزَمَ أَوْ بِالْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ . سَوَاءٌ أَتَى الْحَالِفُ بِهَذِهِ الأَْلْفَاظِ عَقِبَ حَرْفِ الْقَسَمِ أَمْ أَضَافَ إِلَيْهَا كَلِمَةَ : " حَقٍّ " أَوْ " حُرْمَةٍ " أَوْ " حَيَاةٍ " أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ . وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْحَلِفُ بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ أَمْ بِصِيغَةٍ مُلْحَقَةٍ بِمَا فِيهِ هَذِهِ الْحُرُوفُ،مِثْل لَعَمْرُكَ وَلِعَمْرِي وَعَمْرُكَ اللَّهُ(4)وَعَلَيَّ عَهْدُ رَسُول اللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا .
وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ ( مِنْهَا ) قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاللَّهِ(5). ( وَمِنْهَا ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ . وَفِي رِوَايَةٍ " فَقَدْ كَفَرَ "(6)( وَمِنْهَا ) قَوْلُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَنْ حَلَفَ بِالأَْمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا(7).
( وَمِنْهَا ) مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : حَلَفْتُ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى،فَأَتَيْتُ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ،فَقَال : قُل لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ،وَانْفُثْ عَنْ شِمَالِك ثَلاَثًا،وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ،ثُمَّ لاَ تُعَدْ .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى رَوَاهَا النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَدَّثَنِى مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَلَفْتُ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى فَقَالَ لِى أَصْحَابِى بِئْسَ مَا قُلْتَ قُلْتَ هُجْرًا.
فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ « قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ وَانْفُثْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلاَثًا وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثُمَّ لاَ تَعُدْ ».(8).
( وَمِنْهَا ) مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِى حَلِفِهِ وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى . فَلْيَقُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ . فَلْيَتَصَدَّقْ »(9)..
- وَوَرَدَ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اسْتِنْكَارُ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَال بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال : لأََنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا وَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ عَنْ وَبَرَةَ قَال : قَال ابْنُ مَسْعُودٍ أَوِ ابْنُ عُمَرَ : لأََنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا،وَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ عُمَرَ قَال لَهُ - وَقَدْ سَمِعَهُ يَحْلِفُ بِالْكَعْبَةِ - : لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ فَكَّرْتَ فِيهَا قَبْل أَنْ تَحْلِفَ لَعَاقَبْتُكَ،احْلِفْ بِاللَّهِ فَأْثَمْ أَوِ ابْرِرْ(10).
==================
أَثَرُ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ
- لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَجِبُ بِالْحِنْثِ فِيهِ كَفَّارَةٌ،إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ أَكْثَرِ الْحَنَابِلَةِ مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ حَنِثَ فِي الْحَلِفِ بِرَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأَِنَّهُ أَحَدُ شَطْرَيِ الشَّهَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَصِيرُ بِهِمَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا،وَعَنْ بَعْضِهِمْ : أَنَّ الْحَلِفَ بِسَائِرِ الأَْنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَجِبُ بِالْحِنْثِ فِيهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا،لَكِنِ الأَْشْهَرُ فِي مَذْهَبِهِمْ أَنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ بِالْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ بِنَبِيِّنَا وَسَائِرِ الأَْنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا فِي أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ،لَكِنْ فِي مَرْتَبَةِ هَذَا النَّهْيِ اخْتِلاَفٌ،وَالْحَنَابِلَةُ قَالُوا : إِنَّهُ حَرَامٌ إِلاَّ الْحَلِفَ بِالأَْمَانَةِ،فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَال بِالْكَرَاهَةِ،وَالْحَنَفِيَّةُ قَالُوا مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا،وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ تَنْزِيهًا .(11)
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ بِسَبْقِ اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلاَ كَرَاهَةَ،وَعَلَيْهِ يُحْمَل حديث مسلم(12)عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا الْحَدِيثِ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ ». أَوْ « دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ ».(13).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - المستدرك للحاكم (45و46و167 و168و169 و7814) وصححه ووافقه الذهبي ، ومسند أحمد(6215) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 10 / ص 29)( 20324و20325) ومسند أبي عوانة (4827-4831) والترغيب والترهيب للمنذري (4478) وذكر تحسين الترمذي وتصحيح ابن حبان والحاكم، وفتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 1) والكبائر - (ج 1 / ص 36) والزواجر عن اقتراف الكبائر - (ج 3 / ص 205) وسنن أبى داود (3253 ) وصحيح الجامع (6204) وصححه الشيخ ناصر رحمه الله
والمسند الجامع10 / ص 840)(7813)
(2) - السلسلة الصحيحة - (ج 5 / ص 41)(2042 )
(3) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 7 / ص 263)
(4) - العمر في هذا المثال معناه اعتقاد بقاء الله ، فقول القائل : عمرك الله ، معناه أحلف باعتقادك أن الله عز وجل باق ، ولا شك أن الاعتقاد صفة للمخاطب وليس صفة لله تعالى .
(5) - صحيح البخارى (3836) ومسلم (4348 )
(6) - مر تخريجه
(7) - أبو داود (3255 ) وهو صحيح.
(8) - سنن النسائى(3793 ) ومسند أحمد (1644) صحيح
(9) - صحيح البخارى(4860 ) وصحيح مسلم (4349 )
(10) - مصنف عبد الرزاق (15928) وهو صحيح و ذكر هذه الآثار الثلاثة ابن حزم في المحلى مستدلا بها على تحريم الحلف بغير الله في ضمن ما استدل من الأحاديث . ر : ( المحلى 8 / 39 . ) .
(11) - ابن عابدين 3 / 46 ، والبدائع 3 / 8 ، وفتح القدير 4 / 8 ، والشرح الصغير 1 / 330 ، وأسنى المطالب 4 / 242 ، ومطالب أولي النهى 6 / 364 .
(12) - صحيح مسلم (110 )
(13) - أسنى المطالب 4 / 242 .(1/81)
40 : باب بر الوالدين وصلة الأرحام
71- (330) عن سلمان بن عامر رضى الله عنه عن النَّبىِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : " إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ،فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ،فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا،فَالْمَاءُ،فَإِنَّهُ طَهُورٌ " . رواه الترمذى وقال : حديث حسن .
وذكره الشيخ الألباني في ضعيف الجامع (389)،وفي الإرواء (4/50) .
-----------------------
قلت : هو في سنن الترمذى(660 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالْمَاءُ فَإِنَّهُ طَهُورٌ ». وَقَالَ :« الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِىَ عَلَى ذِى الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ». قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالرَّبَابُ هِىَ أُمُّ الرَّائِحِ بِنْتُ صُلَيْعٍ. وَهَكَذَا رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ.
وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنِ الرَّبَابِ. وَحَدِيثُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ أَصَحُّ. وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ عَوْنٍ وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ.(1)
وصحَّح الموصول بذكر الرباب بنت صليع البصرية : أبو حاتم الرازى،وابن خزيمة،وابن حبان،والحاكم . ووافقهم عليه أكابر الحفاظ : النووي،وابن القيم،والذهبي،وابن حجر،والصنعاني،والشوكاني،وجماعة .
وهو كما قالوا،فهذا إسناد رجاله كلهم ثقات،غير الرباب بنت صليع أم الرائح الضبيَّة البصرية ؛ وقد وثقت وصحَّح الأئمة الفحول حديثها كما سلف . وقال الحافظ أبو الحجاج المزي: " استشهد بها البخارى ـ يعني ذكر حديثها في صحيحه تعليقاً ـ وروى لها الباقون سوى مسلم اهـ(2).
ويعني الحافظ باستشهاد البخاري بها ؛ تقوية أمرها والاعتبار بمتابعتها،فقد علَّق البخاري حديثها في كتاب العقيقة (3/304 . سندى) عقب حديث سلمان بن عامر " مع الغلام عقيقة "،فقال ( 5472 ) وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَاصِمٍ وَهِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - "
وقد ترجم الحافظ الذهبي في الميزان: " فصل ف"،وذكر منهن الرباب بنت صليع أم الرائح البصريَّة .
ولا يختلف حال الرباب بنت صليع عن مثيلاتها من النساء المجهولات اللاتى ذكرهن ابن حجر في التقريب وقال عنهن : " مقبولة من الثالثة " ؛ يعني الطبقة الوسطى من التابعيات،أمثال :
(1) مرجانة أم علقمة،تفرد عنها ابنها علقمة،واحتج بها مالك في الموطأ
(3،2) دحيبة وصفية بنتا عليبة بن حرملة العنبريتان،تفرد عنهما عبد الله بن حسان .
(4) دقرة ـ بكسر الدال وسكون القاف ـ بنت غالب الراسبية البصرية ؛ أم عبد الرحمن بن أذينة قاضى البصرة،تفرد عنها محمد بن سيرين .
(5) سائبة ؛ مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومى،تفرد عنها نافع مولى ابن عمر.
(6) عديسة بنت أهبان بن صيفى،تفرد عنها عبد الله بن عبيد الحميرى المؤذن .
فى عشرات أمثالهن ؛ ممن وثقن،واحتج بأحاديثهن أكابر الأئمة : كمالك،وأبو داود،والترمذي،وابن خزيمة،وابن حبان،والحاكم،والضياء المقدسي،ومن لا يُحصى كثرة من الحفاظ المتأخرين عن هؤلاء الأئمة الفحول،وفي مقدمتهم شيخ الإسلام الحافظ أبو زكريا النووي،والحافظ الذهبي(3)
ومن أعجب طرق الاستدلال لدى من يضعِّف أحاديث المجهولات من النساء كالرباب،ورائطة بنت مسلم،وصفية بنت عصمة،وضباعة بنت المقداد وغيرهن،كالألباني ومن يقلِّده فى ذلك،أنهم يحتجُّون بتجهيل الحافظ الذهبي إياهن،ويتغاضون عما قرَّره من أن الجهالة عنده لا تعني الضعف ولا ترك الاحتجاج بحديث المجهولة .
وأما الشيخ الألباني في الإرواء (4/50)،فقد قال عقب تحسين الترمذى الحديث،وقول الحاكم : صحيح على شرط البخارى بنصه : " وليس كذلك،فإن الرباب هذه إنما أخرج لها البخاري تعليقاً،ثم هي لا تعرف إلا برواية حفصة بنت سيرين عنها،كما قال الذهبي في الميزان،وقد وثقها ابن حبان وصحَّح حديثها هذا،وهو في ذلك تابع لشيخه ابن خزيمة،فقد صحَّح الحديث أيضاً كما في بلوغ المرام،وكذا صحَّحه أبو حاتم الرازي كما في تلخيص الحبير (192) .
وأقول : ولا أدري ما وجه هذا التصحيح،لا سيما من مثل أبي حاتم،فإنه معروف بالتشدد في التصحيح،والقواعد الحديثية تأبى مثل هذا التصحيح،لتفرد حفصة عن الرباب كما تقدم ومعنى ذلك أنها مجهولة،فكيف يصحَّح حديثها ؟! مع عدم وجود شاهد له،اللهم إلا حديث أنس،وهو معلول بمخالفة سعيد بن عامر للثقات،كما سبق بيانه " انتهى بنصه .
وأقول : لولا قوة الحُجَُّة لدى خصماء الشيخ الألباني فى هذا الحديث ؛ لم يكثر من هذه التساؤلات،ولمَا تحيَّر قائلاً : لا أدري ما وجه هذا التصحيح ؟!،سيما وهو مخالف لمن يكثر الاحتجاج بتصحيحهم وأحكامهم !! .
وقد لا يخفاك أن القائلين بتصحيح هذا الحديث من أصحاب التأصيل لهذه القواعد الحديثية التي زعم الألباني ـ رحمه الله ـ أنها تأبى تصحيحه .
وأقول : وليس مع الشيخ الألباني من موجبات تضعيف الحديث إلا أمرين :
( أولهما ) أن الرباب بنت صليع البصرية مجهولة،لم يرو عنها غير حفصة بنت سيرين .
( ثانيهما ) أنها لم تتابع على حديثها .
فإن كان ذلك كذلك،فلماذا صحَّح نظائر وأشباه له كثيرة ؟! .
ففي ثنايا تقريره بطلان حديث " نعم المذكر السبحة " في سلسلته الضعيفة (1/112)،ذكر ما نصه : " أنه مخالف لأمره - صلى الله عليه وسلم - ،حيث قال لبعض النسوة (عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ،وَلا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ التَّوحِيدَ،وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ،فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ) . وهو حديث حسن،أخرجه أبو داود وغيره،وصحَّحه الحاكم والذهبي،وحسَّنه النووي والعسقلاني " اهـ .
فالألبانى هاهنا يعتمد تصحيح الحاكم والنووي والذهبي والعسقلاني لهذا الحديث،والراوية له : حميضة بنت ياسر مجهولة،لم يرو عنها غير ابنها هانئ بن عثمان الجهني،وهانئ هذا لم يوثقه غير ابن حبان ؟!،وحديثها فرد غريب لم يتابعها عليه أحد ؟!
وقال ابن حجر في تقريب التهذيب(4): " حميضة بنت ياسر. مقبولة من الرابعة " .
فلماذا يخالف الألباني هاهنا مذهبه في المجهولات والمقبولات ؟! .(5)
وقد رووه جميعا من طريق هانئ بن عثمان عن أمه حميضة بنت ياسر عن جدتها يسيرة وكانت من المهاجرات قالت : قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا نِسَاءَ المُؤمِنَاتِ عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ،وَلا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ،وَاعْقِدْنَ بِالأَنَامِلِ،فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ ".
ففى إسناد الحديث حميضة بنت ياسر،إحدى المجهولات اللاتي لم يروعنهن إلا راوٍ واحد،ممن تفرد ابن حبان بتوثيقهن،وقال ابن حجر عن كلٍّ منهن : " مقبولة "،فسبيلها في قبول حديثها كسبيل الرباب بنت صليع البصرية لا يفترقان فى شئٍ البتة،كلتاهما تابعية مجهولة لم يوثقها غير ابن حبان،وقال عنهما ابن حجر : "مقبولة "،فكيف فرَّق بينهما الألباني،فحسَّن حديث حميضة وضعَّف حديث الرباب ؟! .
أليس هذا من الاعتداد بقواعد وأصول علم الجرح والتعديل في موضع،ونقضه فى موضع آخر ؟!
على أن ثمَّة أمرٍ آخر زائدٍ في حديث حميضة،الذي تلقاه الألباني بالقبول وحسَّنه،أن في إسناده هانئ بن عثمان الجهني وقد تفرد عن أمِّه حميضة،ولم يوثقه إلا الإمام العلم الجهبذ ابن حبان،ولهذا قال ابن حجر في التقريب عنه: "مقبول "(6)! .
فلماذا تغافل عنه الألباني،وتناسى ما يكثر أن يعلل به تضعيف أحاديث المجاهيل بقوله : " توثيق ابن حبان لا يعُتمد،لأنه متساهل في التوثيق" ؟!(7)
وعندي أن الحكم على الحديثين ـ حديث الرباب وحديث حُميضة ـ واحد،كلاهما صحيح،ولا يضرُّ راويتهما تفرد راوٍ عنهما وعدم اشتهارهما،وسبيلهما سبيل أمثالهن وأشباههن ممن احتج بهن مالك في موطئه : كزينب بنت كعب بن عجرة،وسائبة مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومي،ومرجانة أم علقمة مولاة عائشة،وأم محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وغيرهن ..
قلت : يظهر لي أن سبب هذا التناقض عند الألباني رحمه الله عدة احتمالات :
الأول- عدم ضبطه لعلم الجرح والتعديل بشكل دقيق،ذلك لأنه بحرٌ خِضمٌّ لا ساحل له
الثاني- فيه شيء من اتباع الهوى،فالحديث الذي يروق له يقويه بأية وسيلة كحديث المستنطقات مثلا،والذي لا يروق له كأحاديث التوسل فهو يردُّها مهما كانت قوية ويخالف جمهور الأمة بحجَّة التحقيق العلمي .
الثالث -عدم اطلاعه على شواهد الحديث ومتابعاته،وقد كثر تناقضه إلى حدٍّ كبير في سائر كتبه ، نسأل الله تعالى العافية ، والتجاوز عن ذنوبنا وذنوبه ، وتقصيرنا وتقصيره .
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرجه كذلك الطيالسي(1181) ، وعبد الرزاق (4/224/7587) ، والحميدي (823/2) ، وأحمد (4/214،18،17) ، والدارمي(1701) ، وعلي بن الجعد في المسند (2/826/2244) ، والنسائي في السنن الكبرى (2/254/3323:3319) ، أبو داود (2355) ، وابن ماجه (1699) ، وابن خزيمة (2067) ، وابن حبان (3506) ، والطبراني في الكبير (6/334:333/6197:6192) ، والحاكم (1/431) ، والبيهقى في السنن الكبرى (4/238) وشعب الإيمان (7/479/3615) ، والبغوي في شرح السنة (1743) ، والمزي في تهذيب الكمال (35/171) من طرق عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب بنت صليع عن عمها سلمان بن عامر مرفوعاً .
(2) - تهذيب الكمال (35/171/7836)
(3) - انظر الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل لأبي محمد الألفي
(4) - تقريب التهذيب (1/746/8570)
(5) - وقد أخرج حديثها ابن أبى شيبة(2/160/7656 و6/53/29414 و7/168/35038) ، وأحمد (6/370) ، وإسحاق بن راهويه (1/199:198) ، وابن سعد (( الطبقات الكبرى )) (8/310) ، والدورى (( تاريخ يحيى بن معين ))(3/51) ، وعبد بن حميد (( المنتخب )) (1570) ، وأبو داود (1501) ، والترمذى (3583) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى )) (6/73/3285) ، وابن حبان كما فى (( موارد الظمآن ))(2333) ، والطبرانى (( الكبير )) (25/74/180) و(( الأوسط ))(5/182/5016) ، والحاكم(1/547) ، وأبو نعيم(( الحلية )) (2/68) ، والرافعى (( التدوين فى أخبار قزوين ))(3/52) ، والمزي (( تهذيب الكمال )) (30/141)
(6) - تقريب التهذيب[ ج 1 -ص 570 ] (7261 ) وفي الكاشف(5935 ) وثِّقَ
(7) - انظر على سبيل المثال : سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (ج 1 / ص 80) و ص 157) وص 211) و(ج 2 / ص 356) و- (ج 3 / ص 93-94) و - (ج 6 / ص 240) و ص 263) و- (ج 11 / ص 529) والسلسلة الصحيحة (526 و1471 و2496 و2817 )(1/82)
114: باب بيان جواز الشرب قائما وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعداً
72 -(770) عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "لا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا،فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ " . رواه مسلم .
وقال الشيخ الألبانى : " منكر بهذا اللفظ . وقد صحَّ النهي عن الشرب قائماً في غير ما حديث عن غير واحدٍ من الصحابة،ومنهم أبو هريرة،لكن بغير هذا اللفظ،وفيه الأمر بالاستقاء،لكن ليس فيه ذكر النسيان،وهذا هو المستنكر من الحديث،وإلا فسائره محفوظ،ولذلك أوردته في الصحيحة " .
-----------------------
قلت : أخرجه مسلم في كتاب الأشربة (13/5398) قال : حَدَّثَنِى عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى الْفَزَارِىَّ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ أَخْبَرَنِى أَبُو غَطَفَانَ الْمُرِّىُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا فَمَنْ نَسِىَ فَلْيَسْتَقِئْ ». .
ورجال هذا الإسناد ثقات كلهم إلا عمر بن بن حمزة بن عبد الله بن عمر العمري،فإنه متكلم فيه بما لا يوجب ترك حديثه بمرة . قال أحمد بن حنبل : أحاديثه مناكير . وقال يحيى بن معين : عمر بن حمزة أضعف من عمر بن محمد بن زيد العمري . وقال النسائي : ضعيف . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات،وقال : كان ممن يخطىء،وقال أبو أحمد بن عدي : وهو ممن يكتب حديثه . وقال الحاكم : أحاديثه مستقيمة(1).
وأما ما لا يوجب ترك حديثه،فإن البخاري استشهد به في موضعين من صحيحه(2)،وروى له في الأدب المفرد حديثين(3)،وأخرج له مسلم في صحيحه ستة أحاديث(4):
وأما حديثه فى الاستقاء لمن شرب قائماً،فليس مما ينكر من جهتين :
( الأولى ) جهة الرواية،فقد صحت فى معناه أحاديث أمثلها :
ما أخرجه أحمد (2/301) (8224) قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي زِيَادٍ الطَّحَّانِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً يَشْرَبُ قَائِمًا،فَقَالَ لَهُ : (( قِه ))،قَالَ : لِمَهْ ؟،قَالَ : (( أَيَسُرُّكَ أَنْ يَشْرَبَ مَعَكَ الْهِرُّ ))،قَالَ : لا،قَالَ : (( فَإِنَّهُ قَدْ شَرِبَ مَعَكَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ : الشَّيْطَانُ )) .
وقال : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ : فَذَكَرَهُ .
قلت : هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات،وأبو زياد الطحان،وإن تفرد عنه شعبة فقد وثق . قال ابن أبى حاتم الجرح والتعديل: " أبو زياد الطحان كوفى سمع أبا هريرة . روى عنه شعبة . وذكر أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال : أبو زياد الطحان ثقة . وسألت أبى عن أبى زياد الطحان فقال : شيخ صالح الحديث "(5).
ومع صحة الأمر بالاستقاء فى هذا الحديث،بيان للعلة التى من أجلها نهى عن الفعل،وهي شرب الشيطان معه . فإذا بانت علة الأمر بالاستقاء،فلا فرق حينئذ بين العامد والناسي فى ندبهما إلى فعله،إرغاماً للشيطان وإغاظةً له .
( الثانية ) جهة الدراية والنظر فى معناه فسيمر بعد قليل .
----------------------
حكمُ الشرب قائماً(6)
كَانَ مِنْ هَدْيِهِ - صلى الله عليه وسلم - الشُّرْبُ قَاعِدًا،هَذَا كَانَ هَدْيُهُ الْمُعْتَادُ،وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا(7)،وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ الَّذِي شَرِبَ قَائِمًا أَنْ يَسْتَقِيءَ(8)،وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ شَرِبَ قَائِمًا(9)
قَال النَّوَوِيُّ :" الصَّوَابُ أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ . أَمَّا شُرْبُهُ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمًا فَبَيَانٌ لِلْجَوَازِ،فَلاَ إِشْكَال وَلاَ تَعَارُضَ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ .
ثُمَّ قَال : فَإِنْ قِيل : كَيْفَ يَكُونُ الشُّرْبُ قَائِمًا مَكْرُوهًا وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ فِعْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لاَ يَكُونُ مَكْرُوهًا بَل الْبَيَانُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - .
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً،وَطَافَ عَلَى بَعِيرٍ،مَعَ أَنَّ الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا وَالطَّوَافَ مَاشِيًا أَكْمَل . وَنَظَائِرُ هَذَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ،فَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُنَبِّهُ عَلَى جَوَازِ الشَّيْءِ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ وَيُوَاظِبُ عَلَى الأَْفْضَل مِنْهُ . وَهَكَذَا كَانَ أَكْثَرُ وُضُوئِهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثًا ثَلاَثًا وَالطَّوَافُ مَاشِيًا وَأَكْثَرُ شُرْبِهِ جَالِسًا،وَقَال النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ : لاَ يُكْرَهُ الشُّرْبُ قَائِمًا . وَأَضَافَ : وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الشُّرْبَ قَائِمًا بِلاَ عُذْرٍ خِلاَفُ الأَْوْلَى لِلأَْحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ . وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَحَادِيثَ النَّهْيِ،وَقِيل : إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ.(10)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر تهذيب الكمال[ ج 21 -ص 311 ](4221)
(2) - رقم(1009 و7412)
(3) - رقم (1287 و1305)
(4) - رقم (3615 و3616 و4111 و5398 و7228 و7521)
(5) - الجرح والتعديل(9/373/1723)
(6) - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 25 / ص 364)
(7) - أخرجه مسلم ( 5397 )
(8) - مر تخريجه
(9) - أخرجه البخاري ( الفتح 10 / 81 - ط السلفية ) ومسلم ( 3 / 1601 - ط الحلبي ) من حديث ابن عباس
(10) - صحيح مسلم بشرح النووي 13 / 195، روضة الطالبين 7 / 340، وعمدة القاري 21 / 193، وزاد المعاد 4 / 229 .(1/83)
234 : باب فضل الجهاد
73- (1291) عن عثمان رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ " رواه الترمذى وقال : حديث حسن صحيح .وذكره الشيخ الألبانى في ضعيف الجامع (3084) .
-----------------
قلت : هو في سنن الترمذى(1768 ) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ الْخَلاَّلُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِى أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ إِنِّى كَتَمْتُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَرَاهِيَةَ تَفَرُّقِكُمْ عَنِّى ثُمَّ بَدَا لِى أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ لِيَخْتَارَ امْرُؤٌ لِنَفْسِهِ مَا بَدَا لَهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « رِبَاطُ يَوْمٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو صَالِحٍ مَوْلَى عُثْمَانَ اسْمُهُ تُرْكَانُ..(1)
قلت : وهذا إسناد رواته ثقات كلهم،وأبو صالح مولى عثمان اسمه الحارث،قاله ابن أبي حاتم وابن حبان والدارقطني . وقيل : اسمه بركان،قاله البخاري . وهو ثقة . وثَّقه العجلي في معرفة الثقات(2)،وابن حبان في الثقات(3).
قلت : قوله في اسمه (تركان) بالتاء المثناة تصحيف،وإنما هو بركان ـ بالباء الموحدة التحتية ـ . هكذا سمَّاه البخارى في (تاريخه)
----------------
فضل الرباط وأهميته(4)
الرِّبَاطُ وَالْمُرَابَطَةُ مُلاَزَمَةُ ثَغْرِ الْعَدُوِّ،وَأَصْلُهُ أَنْ يَرْبِطَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ خَيْلَهُ،ثُمَّ صَارَ لُزُومُ الثَّغْرِ رِبَاطًا،وَرُبَّمَا سُمِّيَتِ الْخَيْل أَنْفُسُهَا رِبَاطًا،وَيُقَال : الرِّبَاطُ مِنَ الْخَيْل : الْخَمْسُ فَمَا فَوْقَهَا . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (200) سورة آل عمران،أَيْ : أَقِيمُوا عَلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ . وَيُطْلَقُ الرِّبَاطُ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ،أَوْ مُدَاوَمَةِ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ،كَمَا جَاءَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ».(5).
وَالأَْرْبِطَةُ : الْبُيُوتُ الْمُسَبَّلَةُ لإِِيوَاءِ الْفُقَرَاءِ وَالْغُرَبَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي يُرَابِطُ فِيهِ الْمُجَاهِدُونَ(6).
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ :
أَوَّلاً : الرِّبَاطُ بِمَعْنَى مُلاَزَمَةِ الثُّغُورِ : الرِّبَاطُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ؛ لأَِنَّهُ حِفْظُ ثُغُورِ الإِْسْلاَمِ وَصِيَانَتُهَا،وَدَفْعٌ عَنِ الْمُسْلِمِينَ،وَعَنْ َرِيمِهِمْ،وَقُوَّةٌ لأَِهْل الثَّغْرِ وَلأَِهْل الْغَزْوِ،قَال أَحْمَدُ : هُوَ أَصْل الْجِهَادِ وَفَرْعُهُ(7).
وَجَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الأَْمْرُ بِهِ،قَال اللَّهُ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (200) سورة آل عمران.
وَقَال الْقُرْطُبِيُّ : قَال جُمْهُورُ الأُْمَّةِ فِي تَفْسِيرِ الآْيَةِ : رَابِطُوا أَعْدَاءَكُمْ بِالْخَيْل،وَعَزَا إِلَى ابْنِ عَطِيَّةَ قَوْلَهُ : الْقَوْل الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى رَابِطُوا : أَنَّ الرِّبَاطَ هُوَ الْمُلاَزَمَةُ فِي سَبِيل اللَّهِ،أَصْلُهَا مِنْ رَبْطِ الْخَيْل،ثُمَّ سُمِّيَ كُل مُلاَزِمٍ لِثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ مُرَابِطًا،فَارِسًا كَانَ أَمْ رَاجِلاً(8).
فَضْل الرِّبَاطِ : وَرَدَ فِي فَضْل الرِّبَاطِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا : عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« رِبَاطُ يَوْمٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا،وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا،وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا »(9). .
وعَنْ سَلْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِى كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِىَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ »(10).
وعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « كُلُّ الْمَيِّتِ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلاَّ الْمُرَابِطَ فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ ».(11)
أَفْضَل الرِّبَاطِ : أَفْضَل الرِّبَاطِ : أَشَدُّ الثُّغُورِ خَوْفًا ؛ لأَِنَّ مُقَامَهُ بِهِ أَنْفَعُ،وَأَهْلَهُ أَحْوَجُ(12)
الْمَحَل الَّذِي يَتَحَقَّقُ فِيهِ الرِّبَاطُ : اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَحَل الَّذِي يَتَحَقَّقُ فِيهِ الرِّبَاطُ،فَإِنَّهُ لاَ يَتَحَقَّقُ فِي كُل مَحَلٍّ،فَقَال الْحَنَفِيَّةُ : الْمُخْتَارُ : أَنَّهُ لاَ يَكُونُ الرِّبَاطُ،إِلاَّ فِي مَوْضِعٍ لاَ يَكُونُ وَرَاءَهُ إِسْلاَمٌ ؛ لأَِنَّ مَا دُونَهُ لَوْ كَانَ رِبَاطًا فَكُل الْمُسْلِمِينَ فِي بِلاَدِهِمْ مُرَابِطُونَ،وَقَال بَعْضُهُمْ : إِذَا أَغَارَ الْعَدُوُّ عَلَى مَوْضِعٍ مَرَّةً سُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ رِبَاطًا،أَرْبَعِينَ سَنَةً(13).
وَالأَْصْل فِي هَذَا : حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: « مَنْ حَرَسَ مِنْ وَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُتَطَوِّعاً لاَ يَأْخُذُهُ سُلْطَانٌ لَمْ يَرَ النَّارَ بِعَيْنَيْهِ إِلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) »(14).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ،إِنْ أُعْطِىَ رَضِىَ،وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ،تَعِسَ وَانْتَكَسَ،وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ،طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ،أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ،إِنْ كَانَ فِى الْحِرَاسَةِ كَانَ فِى الْحِرَاسَةِ،وَإِنْ كَانَ فِى السَّاقَةِ كَانَ فِى السَّاقَةِ،إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ،وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ »(15).
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي : إِذَا نَوَى بِالإِْقَامَةِ فِي أَيِّ مَكَانٍ وَإِنْ كَانَ وَطَنَهُ دَفْعَ الْعَدُوِّ،فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرَابِطًا،قَال : وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ سُكْنَى الثُّغُورِ . وَعَزَا إِلَى ابْنِ التِّينِ أَنَّهُ قَال : الرِّبَاطُ مُلاَزَمَةُ الْمَكَانِ الَّذِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لِحِرَاسَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ،بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْوَطَنِ،وَعَزَا ذَلِكَ إِلَى ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ(16).
وَقَال الْقُرْطُبِيُّ : الْمُرَابِطُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ الَّذِي يَشْخَصُ إِلَى ثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ لِيُرَابِطَ فِيهِ مُدَّةً مَا . أَمَّا سُكَّانُ الثُّغُورِ دَائِمًا بِأَهْلِيهِمُ الَّذِينَ يَعْمُرُونَ وَيَكْتَسِبُونَ هُنَالِكَ فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا حُمَاةً فَلَيْسُوا بِمُرَابِطِينَ"(17).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرجه كذلك الطيالسي (87) ، وابن أبي شيبة (4/218/19455) ، وأحمد (1/65،75) ، والدارمي (2424) ، والبخاري (( التاريخ الكبير ))(2/148/2005) ، والنسائى (( الكبرى ))(3/27/4377) ، والبزار (2/63/406) ، وابن أبي عاصم (( كتاب الجهاد ))(2/685/299) ، وابن حبان (4590) ، والحاكم (2/143) ، والمقدسي (( الأحاديث المختارة ))(1/451/325،326) ، والمزي (( تهذيب الكمال ))(33/421) جميعا من طريق أبى عقيل زهرة بن معبد عن أبى صالح مولى عثمان سمعت عثمان وهو على المنبر يقول : إنِّى كتمتكم حديثاً سمعته من رسول الله صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم كراهية تفرقكم عنِّى ... فذكره . وقال أبو عبد الله الحاكم : (( هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه )) ، وأقره الذهبى .
(2) - معرفة الثقات (2/408/2177) والبخارى في التاريخ الكبير (2/148/2005) وتهذيب التهذيب(12/146/619)
(3) - الثقات (4/84/1936)
(4) - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 22 / ص 76)
(5) - صحيح مسلم (610 )
(6) - تاج العروس، ولسان العرب، والمصباح المنير، والقرطبي تفسير آية : آل عمران الأخيرة، وحاشية ابن عابدين 3 / 217 .
(7) - المغني 8 / 354، ومطالب أولي النهى 2 / 509، وفتح القدير 4 / 278 .
(8) - تفسير القرطبي 4 / 323 .
(9) - صحيح البخارى(2892 )
(10) - صحيح مسلم (5047 )
(11) - سنن أبى داود(2502 ) صحيح
(12) - مطالب أولي النهى 2 / 509، والمغني 8 / 355 .
(13) - فتح القدير 4 / 278، وحاشية الطحطاوي 2 / 437 .
(14) - مسند أحمد( 16017) حسن لغيره
(15) - صحيح البخارى(2887 ) -شيك : أصابته الشوكة =انتقش : لم يجد من يخرجها بالملقاط
(16) - فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 39)
(17) - تفسير القرطبي 4 / 323 .(1/84)
157 : باب ما يقرأ فى صلاة الجنازة
74-(936) عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النَّبىِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فى الصلاة على الجنازة : (اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّهَا،وَأَنْتَ خَلَقْتَهَا،وَأَنْتَ هَدَيْتَهَا لِلإِسْلامِ،وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَهَا،وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهَا وَعَلانِيَتِهَا،جِئْنَاكَ شُفَعَاءَ فَاغْفِرْ لَهُ) . رواه أبو داود . وذكره الشيخ الألبانى في ضعيف أبي داود .
---------------------
قلت : هو في سنن أبى داود(3202 ) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَبُو الْجُلاَسِ عُقْبَةُ بْنُ سَيَّارٍ حَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ شَمَّاخٍ قَالَ شَهِدْتُ مَرْوَانَ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى عَلَى الْجَنَازَةِ قَالَ أَمَعَ الَّذِى قُلْتَ قَالَ نَعَمْ. قَالَ كَلاَمٌ كَانَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : « اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّهَا وَأَنْتَ خَلَقْتَهَا وَأَنْتَ هَدَيْتَهَا لِلإِسْلاَمِ وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَهَا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهَا وَعَلاَنِيَتِهَا جِئْنَاكَ شُفَعَاءَ فَاغْفِرْ لَهُ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَخْطَأَ شُعْبَةُ فِى اسْمِ عَلِىِّ بْنِ شَمَّاخٍ قَالَ فِيهِ عُثْمَانُ بْنُ شَمَّاسٍ وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِىَّ يُحَدِّثُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ مَا أَعْلَمُ أَنِّى جَلَسْتُ مِنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مَجْلِسًا إِلاَّ نَهَى فِيهِ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ وَجَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ.(1)
وهذا إسناد رجاله ثقات كلهم ؛ غير علي بن شماخ السلمي،وقد ذكره ابن حبان في الثقات(2)،وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل(3)،فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
وقال ابن حجر في التقريب(4): " مقبول من الثالثة "،يعني من أوساط التابعين أمثال : الحسن البصري،وابن سيرين،وأي الشعثاء جابر بن زيد،وسليمان بن يسار،ومجاهد بن جبر،ونافع بن جبير بن مطعم،وأضرابهم .
وبناءً على قاعدة الحافظ الذهبي " وأما المجهولون من الرواة،فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم ؛ احتمل حديثه وتلقي بحسن الظن ؛ إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ " ؛ فهو ثقة محتج به،على أن أرجح المذاهب فى التابعي المجهول الذى لم يذكر أحد من أهل الجرح والتعديل فيه جرحاً ولا تعديلا قبول روايته والاحتجاج بها .
إن الحافظ ابن حجر أطلق هذا القول (مقبول من الثالثة) على جماعة ممن احتجا بهم في الصحيحين،وتمام عدتهم فى (تقريبه) : ثلاثون نفساً .
فإذا بان ذلك ووضحت دلالته،عُلم أن قول ابن حجر عن على بن شمَّاخ: "مقبول من الثالثة " يعني توثيقه خلافاً لمن زعم أنَّه تضعيف له .
وثمة أمرٍ آخر يعضد حديثه ويقوي أمره لدى من لا يستيقن توثيقه،فقد تابعه عليه : إبراهيم بن أبى عبلة،ويحيى بن عباد المخزومى .
فقد أخرج الطبراني في مسند الشاميين (1/41/31) والأوسط (3/272/3122) قال : حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ،حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ صُبَيْحٍ،عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ،أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ،سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ،رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ شَيْئًا ؟ فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَهُ وَهَدَيْتَهُ إِلَى الْإِسْلاَمِ وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَهُ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسَرِّهِ وَعَلاَنِيَتِهِ جِئْنَاكَ شُفَعَاءَ لَهُ فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ..
وفي مسند الشاميين(32) و الدُّعَاءُ لِلطَّبَرَانِيِّ (1083 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ الأَصْبَهَانِيُّ،حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَامِرٍ الدِّمَشْقِيُّ،حَدَّثَنَا عِرَاكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ،عَنِ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ،عَنْ أَبِي الْجُلاَسِ السُّلَمِيِّ،عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْجَنَائِزِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَهُ وَأَنْتَ هَدَيْتَهُ لِلْإِسْلاَمِ وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَهُ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسَرِّهِ وَعَلاَنِيَتِهِ جِئْنَاكَ شُفَعَاءَ لَهُ فَاغْفِرْ لَهُ".
وأخرج في الأوسط (4/258/4285) قال : حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ : نا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ : نا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ،عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ،عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْوَاسِطِيِّ،عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ قَالَ : " اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَهُ وَأَنْتَ هَدَيْتَهُ لِلْإِسْلَامِ وَأَنْتَ قَبَضْتِ رُوحَهُ،وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ،جِئْنَا نَشْفَعُ لَهُ فَشَفِّعْنَا فِيهِ " " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ،تَفَرَّدَ بِهِ : الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ وَيَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ هُوَ أَبُو هُبَيْرَةَ الْمَخْزُومِيُّ ".
وفي مصنف ابن أبي شيبة(ج 3 / ص 294)(11483) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ،عَنْ يُونُسَ،قَالَ : سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى الْمَيِّتِ،فَقَالَ مُجَاهِدٌ : إنَّا نَحْنُ فَنَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْته وَأَنْتَ هَدَيْته لِلإِسْلاَمِ وَأَنْتَ قَبَضْت رُوحَهُ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسَرِيرَتِهِ وَعَلاَنِيَتِهِ جِئْنَا نَشْفَعُ لَهُ , فَاغْفِرْ لَهُ.( صحيح مقطوع ومثله لا يقال بالرأي )
قلت : وهذه الطرق تشهد لصحة الحديث،ورجالها موثقون . يحيى بن عباد أبو هبيرة المخزومى،وإبراهيم بن أبى عبلة ثقتان ثبتان،وروايتهما عن أنس وواثلة مسندة موصولة،وروايتهما عن أبى هريرة مرسلة.
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرجه كذلك أحمد (2/363،345) ، والنسائي (( الكبرى ))(6/266/10917) و(( عمل اليوم والليلة ))(1078) ، والبيهقي (( الكبرى ))(4/42) ، والمزي (( تهذيب الكمال )) (20/462) من طرق عن أبي الجلاس عقبة بن سيار عن علي شماخ قال : شهدت مروان سأل أبا هريرة فذكره .
(2) - الثقات (5/163/4380)
(3) - الجرح والتعديل(6/190/1044)
(4) - التقريب (1/402/4746)(1/85)
243: باب فضل الصلاة على النَّبىِّ - صلى الله عليه وسلم -
75- (1396) عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً) . رواه الترمذى وقال : حديث حسن .
وذكره الشيخ الألبانى في ضعيف الترمذي .
--------------------
قلت : هو في سنن الترمذى(486 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ ابْنُ عَثْمَةَ حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِىُّ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَيْسَانَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَوْلَى النَّاسِ بِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَىَّ صَلاَةً ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : « مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا وَكَتَبَ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ ».(1)
قلت : والحديث محتمل من كلا طريقيه،فإنَّ عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي تابعي مخضرم ولد في عهد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وأمه سلمى بنت عميس،فهو أخو أولاد حمزة بن عبد المطلب لأمهم،وابن خالة أولاد جعفر،وكذا محمد بن أبي بكر،وبعض ولد علي أمهم أسماء بنت عميس . وروى عن : أبويه،وخالاته ميمونة أم المؤمنين وأم الفضل زوج العباس وأسماء بنت عميس،وعمر،وعلي،وابن مسعود،ومعاذ،وطلحة،والعباس بن عبد المطلب وغيرهم . روى عنه جماعة من كبار التابعين : كربعي بن حراش،ومن أوساطهم : كطاوس،ومن صغار التابعين : كسعد بن إبراهيم،وأبي إسحاق الشيباني،والحكم بن عتيبة وغيرهم . قال الميموني : سئل أحمد : أسمع عبد الله بن شداد من النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا ؟،قال : لا وقال العجلي : من كبار التابعين وثقاتهم . ووثقه الجماعة،وحديثه في الصحيحين(2)
ورجال إسناديه موثقون . وموسى بن يعقوب الزمعي صالح الحديث لا بأس به،وإنما أنكروا عليه روايته عن مشايخ مجاهيل(3).
وأما عبد الله بن كيسان،فهو مولى طلحة بن عبد الله بن عوف الزهرى . ذكره ابن حبان في الثقات (7/49/8954) وقال الحافظ الذهبي في الكاشف (1/590) : وثق،وقال الحافظ ابن حجر في التقريب (1/319/3559):" مقبول من الخامسة "
وقد وصف الحافظ ابن حجر بهذا القول أربعةً ممن احتجَّ بهم مسلم في صحيحه ،وهذه أسماؤهم :
- عمر بن عبدالرحمن بن محيصن بمهملتين مصغر آخره نون السهمي قارىء أهل مكة ويقال اسمه محمد مقبول من الخامسة مات سنة ثلاث وعشرين م ت س (4938) وحديثه في مسلم (6734)
- يحيى بن يزيد الهنائي بضم الهاء ثم نون خفيفة ومد مقبول من الخامسة ويقال هو بن أبي إسحاق المتقدم م د (7673) وحديثه في مسلم (1615)
- يزيد بن نعيم بن هزال الأسلمي مقبول من الخامسة وروايته عن جده مرسلة م د س(7787 ) وحديثه في مسلم (4014)
- أبو عصام البصري قيل اسمه ثمامة مقبول من الخامسة م د ت س( 8252) وحديثه في مسلم (5406 )
فهؤلاء أربعة من رواة الصحيح،ممن نعتهم الحافظ بقوله " مقبول من الخامسة "،أفليس يُحمل قوله ذا على توثيقه إيَّاهم،مع علمه بأن مسلماً أخرج أحاديثهم محتجاً بها في صحيحه ؟! .
وهؤلاء ستةٌ من رواة السنن الأربعة ؛ ممن وصفهم الحافظ بقوله "مقبول من الخامسة"،وصحَّح الأئمة أحاديثهم،وأطلق الحافظ الذهبي القول بتوثيقهم في مقابلة قول ابن حجر عنهم مقبول :
[ الأول ] عبد الله بن على بن حسين بن علي بن أبى طالب الهاشمى .
أخرج حديثه الترمذى (3546) قال : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى وَزِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالا حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ " قَالَ أَبو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.(4)
وقد صحَّحه كذلك ابن حبان والحاكم والمقدسي،على أنه في إسناده عبد الله بن علي بن حسين الهاشمى،قال عنه ابن حجر التقريب:" مقبول "(5)
وقال الحافظ الذهبي في الكاشف: (ثقة)(6).
[ الثاني ] مروان بن رؤبة التغلبي .
أخرج حديثه أبو داود (3806 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى الْحِمْصِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزُّبَيْدِىِّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ رُؤْبَةَ التَّغْلِبِىِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى عَوْفٍ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَلاَ لاَ يَحِلُّ ذُو نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَلاَ الْحِمَارُ الأَهْلِىُّ وَلاَ اللُّقَطَةُ مِنْ مَالِ مُعَاهِدٍ إِلاَّ أَنْ يَسْتَغْنِىَ عَنْهَا وَأَيُّمَا رَجُلٍ ضَافَ قَوْمًا فَلَمْ يَقْرُوهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ »(7).
فقد صحًّحه ابن حبان،وذكر مروان بن رؤبة في ثقاته (5/425)،وقال عنه ابن حجر في التقريب (1/526/6568) : (مقبول)،وقال الحافظ الذهبي في الكاشف (2/253) : (ثقة) وصححه الألباني أيضاً في صحيح أبي داود.
[ الثالث ] المغيرة بن سعد بن الأخرم الطائى .
أخرج حديثه الترمذى (2498 ) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الأَخْرَمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا فِى الدُّنْيَا »(8). قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ..(9)
وقد صححه الحاكم وابن حبان،وذكر المغيرة بن سعد في ثقاته (7/463) . وقال ابن حجر في التقريب (1/543/6836) : (مقبول) ،وقال الحافظ الذهبي في الكاشف (2/285/5588) : (ثقة) .
[ الرابع ] توبة أبو صدقة مولى أنس .
أخرج حديثه أحمد (3/169) (12645) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى صَدَقَةَ مَوْلَى أَنَسٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَساً عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ كَانَ يُصَلِّى الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ بَيْنَ صَلاَتَيْكُمْ هَاتَيْنِ وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَالصُّبْحَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ إِلَى أَنْ يَنْفَسِحَ الْبَصَرُ.(10)
وهذا حديث صحيح غاية،وأبو صدقة مولى أنس وثَّقه شعبة،وناهيك به،وقال عنه ابن حجر في التقريب (1/131) : (مقبول) . وقال الحافظ الذهبي في الميزان (2/79/1351) : "قال الأزدي : لا يحتج به . قلت : ثقة،روى عنه شعبة "
[ الخامس ] أبو عون الأنصارى الأعور الشامي .
أخرج حديثه النسائي في الكبرى (2/284/3446) والمجتبى (7/81) (4001 ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ ثَوْرٍ عَنْ أَبِى عَوْنٍ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَخْطُبُ - وَكَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ سَمِعْتُهُ يَخْطُبُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلاَّ الرَّجُلُ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ مُتَعَمِّدًا أَوِ الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا »..(11)
وفيه أبو عون الأعور الشامي،قال عنه ابن حجر في التقريب (1/662/8287) : ( مقبول ) . وقال الحافظ الذهبي في الكاشف (2/448/6767) : ( ثقة) .
[ السادس ] أبو المختار الأسدى الكوفى .
أخرج حديثه أبو داود(3727 ) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى الْمُخْتَارِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « سَاقِىَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا »..(12)
وأبو المختار الأسدى الكوفى،قال عنه ابن حجر في التقريب (1/671/8347) : (مقبول) . وقال الحافظ الذهبي في الكاشف (2/458/6819) : (ثقة) .
فهؤلاء ستة أنفسٍ من الثقات من رواة السنن الأربعة،إذا انضموا إلى الثقات الأربعة السالف ذكرهم،ممن خرَّج لهم مسلم في صحيحه؛ صاروا عشرةً،أطلق الحافظ الذهبي القول بتوثيقهم،في مقابلة قول الحافظ ابن حجر عنهم جميعاً (مقبول من الخامسة) .
فإذا بانت الحجة لما قصدناه،فاعلم أن الحافظين الذهبي وابن حجر قد وثَّقا عبد الله بن كيسان الزهرى،الذى ضعَّف به الشيخ الألبانى حديث ابن مسعود بحمل كلام الحافظ ابن حجر على غير مراده !! .
ولا يغيبنَّ عنك قول الحافظ ابن حجر في الفتح (11/167) : (حديث ابن مسعود رفعه «إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَىَّ صَلاَةً ». حسَّنه الترمذي،وصحَّحه ابن حبان،وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ (إِنَّ صَلاَةَ أُمَّتِى تُعْرَضُ عَلَىَّ فِى كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ ، فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَهُمْ عَلَىَّ صَلاَةً كَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنِّى مَنْزِلَةً)،ولا بأس بسنده"(13)
والخلاصة،فإن حديث ابن مسعود صحيح لغيره
وربما احتجَّ معارض بأن ابن كيسان مجهول لم يروعنه غير موسى بن يعقوب الزمعى،بخلاف هؤلاء العشرة فإن أكثرهم مشاهير روى عنهم غير واحد ؟! . قلنا : نعم،هؤلاء العشرة الآنف ذكرهم قد ارتفعت جهالتهم برواية غير واحدٍ عنهم.
وأما ابن كيسان الزهري فلا يعرف له راوٍ غير الزمعي،ولكنه وثق وحديثه محتج به .
فإن لم يكن ذلك مقنعاً للمعارض،فلنذكر أنموذجاً لتُقاس عليه نظائره،لبيان تناقض المضعِّفين لأحاديث المجاهيل :
فقد أخرج أبو داود (3630) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ وَبْرِ بْنِ أَبِى دُلَيْلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« لَىُّ الْوَاجِدِ(14)يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ ». قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يُحِلُّ عِرْضَهُ يُغَلَّظُ لَهُ وَعُقُوبَتَهُ يُحْبَسُ لَهُ.(15)
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات،خلا محمد بن ميمون بن مسيكة الطائفي،فإنه مجهول لم يرو عنه غير بلديه وبر بن أبى دليلة . وذكره ابن حبان في الثقات (7/370) وترجمه الحافظ ابن حجر في التقريب (2/180/417) بقوله : (مقبول من السادسة) .
وعليه،فلا يتوجه ولا يصحُّ القول بتصحيح هذا الإسناد ولا تحسينه ؛ على مذهب من يضعِّف أحاديث المجهولين والمقبولين مطلقاً،ولا يعتدُّ بتوثيق ابن حبان منفرداً ! .
ومع هذا،فقد حسَّنه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (5/259/1434) .
قال ـ رحمه الله ـ تعقيباً على تصحيح الحاكم له : (قلت : بحسبه أن يكون حسناً،فإن ابن مسيكة هذا،قال عنه الذهبي في الميزان (6/206) :" روى عنه وبر بن أبى دليلة فقط " . وقد قال عنه أبو حاتم : روى عنه الطائفيون . وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ في التقريب: (مقبول)،قلت : وقد أثنى عليه خيراً الراوي عنه : وبر بن أبى دليلة،فهو حسن إن شاء الله تعالى . وقد علَّق حديثه البخاري في صحيحه. وقال الحافظ في الفتح (5/46) : "وصله أحمد وإسحاق في مسنديهما،وأبو داود،والنسائى،وإسناده حسن".
أقول : وتحسينُ الشيخ الألباني لهذا الحديث مخالفة صريحة لمذهبه في السلسلة الضعيفة المبنى على تضعيف أحاديث :
(1) المجاهيل مطلقاً،الأكابر والأصاغر،متقدميهم ومتأخريهم .
(2) المقبولين على اختلاف مراتبهم عند ابن حجر،حيث لم يتابعوا .
(3) من تفرد الإمام الجهبذ ابن حبان بتوثيقه،ولو خرَّج حديثه في صحيحه.
فأعجب له هاهنا،كيف يحتجُّ بمحمد بن ميمون بن مسيكة،المجهول،المقبول من الطبقة السادسة عند ابن حجر،الذي تفرَّد ابن حبان بتوثيقه !! .
فإن قيل : قد ذكر توثيق وبر بن أبي دليلة إيَّاه محتجاً بذلك التوثيق،قلنا : هذا أعجب،إذ كيف يُقبل توثيق وبر بن أبي دليلة،وليس هو من المعدودين في المزكين كشعبة ومالك وابن مهدي،بينما لا يُقبل توثيق ابن حبان إذا تفرد،وهو من أكابر أئمة التعديل والتزكية !! .
وهاهنا تنبيه،أن توثيق ابن أبي دليلة لشيخه ابن مسيكة ؛ لا يَعتدُّ به إلا من يأخذ بمذهب القائلين " نقبل حديث المجهول إذا وثَّقه الراوي عنه،وكان ثقة "،وهو مذهب من يقبل أحاديث شعبة والزهري وأمثالهم عن شيوخهم المجاهيل،ويحتجُّ بها . وصنيع الشيخ الألباني فى مباحثه ومطارحاته على خلاف هذا المذهب !! .
ولنذكر أنموذجاً آخر لتُقاس عليه نظائره،لبيان تناقض المضعِّفين لأحاديث المجاهيل :
ما أخرجه الإمام أحمد ( 4959) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. وَإِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ هَادِيَةَ قَالَ لَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ - قَالَ إِسْحَاقُ - فَقَالَ لِى مِمَّنْ أَنْتَ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ عُمَانَ. قَالَ مِنْ أَهْلِ عُمَانَ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ أَفَلاَ أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ بَلَى. فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « إِنِّى لأَعْلَمُ أَرْضاً يُقَالُ لَهَا عُمَانُ يَنْضَحُ بِجَانِبِهَا - وَقَالَ إِسْحَاقُ بِنَاحِيَتِهَا - الْبَحْرُ الْحَجَّةُ مِنْهَا أَفْضَلُ مِنْ حَجَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِهَا ».(16).
أورده الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في السلسلة الضعيفة ( رقم213) معللاً تضعيفه إيَّاه بقوله : (ورجاله كلهم ثقات معروفون،غير ابن هادية هذا،فقد ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/40/173)،ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
وأمَّا ابن حبان،فقد ذكره في الثقات (4/123/2105)،على عادته في توثيق المجهولين،كما سبق التنبيه عليه مرارا .
وتوثيق ابن حبان هذا ؛ هو عمدة الهيثمي في قوله في مجمع الزوائد (3/217) : (رواه أحمد،ورجاله ثقات)،وحجَّة الشيخ الفاضل أحمد شاكر فى قوله في تعليقه على المسند : إسناده صحيح . وهذا غير صحيح لما سبق،وكم له فى هذا التعليق وغيره من مثل هذه التصحيحات،المبنية على مثل هذه التوثيقات التي لا يُعتمد عليها لضعف مستندها " اهـ .
أقول : فإذا كان الحسن بن هادية العماني وهو من كبار التابعين،لا يُعتمد توثيق ابن حبان له،فلماذا اُعتمد توثيقه لمحمد بن ميمون بن مسيكة الطائفي مع نزول مرتبته عن سالفه العماني ؟!،ولا يقال هاهنا : لأنه انضاف إلى توثيق ابن حبان للطائفي توثيق راويه له،فقد علمت ما في هذا الجواب من التناقض !!
وحديث ابن عمر صحيح،وليس ضعيفاً كما زعم الشيخ ـ رحمه الله ـ،وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب بإسنادٍ صحيح غاية .
أخرجه الإمام أحمد (1/44) (315) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ أَنْبَأَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ عَنْ أَبِى لَبِيدٍ قَالَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ طَاحِيَةَ مُهَاجِراً يُقَالُ لَهُ بَيْرَحُ بْنُ أَسَدٍ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَيَّامٍ فَرَآهُ عُمَرُ فَعَلِمَ أَنَّهُ غَرِيبٌ فَقَالَ لَهُ مَنْ أَنْتَ قَالَ مِنْ أَهْلِ عُمَانَ. قَالَ مِنْ أَهْلِ عُمَانَ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ هَذَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ الَّتِى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنِّى لأَعْلَمُ أَرْضاً يُقَالُ لَهَا عُمَانُ يَنْضَحُ بِنَاحِيَتِهَا الْبَحْرُ بِهَا حَىٌّ مِنَ الْعَرَبِ لَوْ أَتَاهُمْ رَسُولِى مَا رَمَوْهُ بِسَهْمٍ وَلاَ حَجَرٍ »..(17)
__________
(1) - وأخرجه كذلك البخاري في التاريخ الكبير (5/177/559) ، والبزار (5/190/1789) كلاهما عن محمد بن المثنى العنزى ، وأبو يعلى (9/13/5080) عن محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري ، كلاهما قال ثنا محمد بن خالد بن عثمة بإسناده مثله .
وخالفه خالد بن مخلد القطواني عن موسى بن يعقوب ، فجعله عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه عن ابن مسعود ، فزاد فى إسناده أباه شداد .
أخرجه هكذا ابن أبي شيبة (6/325/31787) ، والبزار (4/278/1446) ، وأبو يعلى (8/427/5011) ، والهيثم بن كليب الشاشي في المسند (414،413) ، وابن حبان (911) وابن عدي في الكامل(6/342) ، والطبراني في الكبير(10/17/9800) ، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (4/223) ، والبيهقي في شعب الإيمان (2/213/1564) ، والخطيب في الفصل للوصل المدرج (2/772) ، والمزي في تهذيب الكمال (15/482) جميعاً من طريق خالد بن مخلد القطواني ثنا موسى بن يعقوب الزمعي أخبرني عبد الله بن كيسان أخبرني عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه عن ابن مسعود به ، وقال أبو بكر البزار : ولا نعلم روى شداد بن الهاد عن ابن مسعود عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هذا الحديث ، وذكره في فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 138) ونقل تحسين الترمذي وتصحيح ابن حبان.
(2) - قاله الحافظ ابن حجر في الإصابة (5/13) .
(3) - قال أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/342) : " لا بأس به ، وبرواياته " ووثقه ابن معين الجرح والتعديل (8/168/745) وذكره ابن حبان في الثقات (7/458/10919) وذكره ابن شاهين في تاريخ معرفة الثقات (1/221) ووثقه
(4) - وأخرجه أحمد (1/201) ، والبخاري في التاريخ الكبير (5/148) ، والنسائي في الكبرى (6/19/9884،9883) ، والبزار (4/185/1342) ، وأبو يعلى (12/147/6776) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثانى (1/311/432) ، والدولابي في الذرية الطاهرة (153) ، وابن حبان (909) ، والطبراني في الكبير (3/127/2885) ، والحاكم (1/743) ، والبيهقيفي شعب الإيمان (2/214/1569،1568) ، والضياء في المختارة(2/46/424) جميعا من طريق سليمان بن بلال عن عمارة عن عبد الله بن على بن حسين به .
(5) - التقريب (1/314/3484) التقريب (1/314/3484)
(6) - الكاشف (1/576/2866)
(7) - وأخرجه كذلك ابن نصر المروزي في السنة (404) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/242) ، وابن حبان في صحيحه (12) ، والطبراني في الكبير (20/283/669) ، والدارقطني في السنن (4/287/59) ، والبيهقي في السنن الكبرى (9/332) من طرق عن الزبيدى عن مروان بن رؤبة عن عبد الرحمن ابن أبى عوف عن المقدام به
القرى : ما يصنع للضيف من مأكول أو مشروب
(8) - الضيعة : الضيعة فى الحاضرة مال الرجل من النخل والكرم والأرض
(9) - وأخرجه الحميدي (122) ، وابن أبي شيبة في مصنفه(7/84/35520) ، وأحمد في الزهد (ص37)(159) والمسند (1/443،426،377)(3645و4128 و4321) ، والبخاري في التاريخ (4/54/1935) ، وأبو يعلى (9/126/5200) ، والحارث بن أبي أسامة (1088) ، والهيثم بن كليب (817) ، وابن حبان (710) ، والحاكم (4/358)(7910) ، والبيهقي في شعب الإيمان (7/304/10391) ، والخطيب في تاريخ بغداد (1/18) ، والرافعي في التدوين في أخبار قزوين (1/109) والمسند الجامع - (ج 12 / ص 338)(9404) والصحيحة (12) وغيرهم من طرق عن الأعمش عن شمر بن عطية عن المغيرة بن سعد عن أبيه عن ابن مسعود به ،ولم يتفرد الأعمش عن شمر ، بل تابعه : قيس بن الربيع .
(10) - وأخرجه الطيالسي (2136) , والنسائي في الكبرى (1/479/1532) والمجتبى (1/273)(557 ) ، والطحاوي في شرح المعاني (1/191) ، والضياء في المختارة (6/167/2172،2171) والمسند الجامع - (ج 1 / ص 525)(360 ) من طرق عن شعبة عن أبى صدقة عن أنس بنحوه .
(11) - وأخرجه أحمد (4/99) ، والحاكم (4/391) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
(12) - وأخرجه ابن أبي شيبة (5/111/24226) ، وأحمد (3/382،354) ، وعبد بن حميد (528) ، والبزار (8/284/3352) ، وبحشل (( تاريخ واسط ))(ص44) ، والبيهقي (( الكبرى ))(7/286) و(( شعب الإيمان ))(5/121/6036) ، والمزي (( تهذيب الكمال )) (34/265) من طرق عن شعبة عن أبى المختار عن ابن أبى أوفى به .
(13) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 3 / ص 249) (6208)
(14) - اللي: المنع -الواجد : الغَني
(15) - وأخرجه كذلك ابن أبي شيبة (4/489/22402) ، وأحمد (4/389،388،222) ، والبخاري في التاريخ الكبير (4/259/2731) ، والنسائي في الكبرى (4/59/6243) والمجتبى (7/316) ، وابن ماجه (3627) ، والطحاوي في مشكل الآثار (1/413) ، وابن حبان (5089) ، والطبراني في الكبير (7/318/7250،7249) وفي الأوسط (3/46/2428) ، وتمام الدمشقي في مسند المقلين(14،13،12) ، والحاكم (4/102)(7065) ، والبيهقي في السنن الكبرى (6/51) ، وابن عبد البر في التمهيد (18/288) ، والمزي في تهذيب الكمال (25/563) جميعا من طريق وبر بن أبى دليلة الطائفى عن محمد بن ميمون بن مسيكة عن عمرو بن الشريد عن أبيه به .
(16) - وأخرجه كذلك البخاري في التاريخ الكبير (2/307) ، والحارث بن أبي أسامة (361) ، والبيهقي في السنن الكبرى (4/335) جميعا من طريق يزيد بن هارون ثنا جرير بن حازم به ،وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/271/2293) قال : نا هدبة بن خالد ثنا جرير بن حازم بإسناده نحوه .
(17) - وأخرجه كذلك الحارث بن أبي أسامة (1038. زوائد) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/272/2294) ، وأبو يعلى (1/101/106) ، والضياء في المختارة (1/77/5،4) من طرق عن جرير بن حازم نا الزبير بن الخريت به .(1/86)
قلت : وهذا إسناد صحيح،رجاله ثقات كلهم من غير استثناء . وأبو لبيد هو لمازة بن زبار،كان ناصبياً ولكنه وثق . قال ابن أبى حاتم في الجرح والتعديل (7/182/1033) : " لمازة بن زبار أبو لبيد الجهضمي . روى عن : عمر بن الخطاب،وعلي بن أبى طالب،وأبي موسى الأشعري،وعبد الرحمن بن سمرة . روى عنه : الزبير بن خريت،والربيع بن سليم،ورآه حماد بن زيد . سمعت أبي يقول ذلك . وأخبرنا حرب بن إسماعيل الكرماني فيما كتب إلىَّ قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : كان أبو لبيد صالح الحديث،وأثنى عليه ثناء حسنا ". وذكره ابن حبان في الثقات (5/345/5151)،وزاد في تهذيب الكمال (24/250) : (روى عن : أنس،وعروة بن الجعد البارقى . وروى عنه : طالب بن السميدع،ومحمد بن ذكوان،ومطر بن حمران،ويعلى بن حكيم،وذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة،وقال : سمع من علي وكان ثقة وله أحاديث . وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين حدثنا وهب بن جرير عن أبيه عن أبي لبيد وكان شتاما . روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه) اهـ بتصرف .
وللحديث أصل في صحيح مسلم. قال الإمام مسلم في كتاب الفضائل (6659 ) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِى الْوَازِعِ جَابِرِ بْنِ عَمْرٍو الرَّاسِبِىِّ سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ يَقُولُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً إِلَى حَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَسَبُّوهُ وَضَرَبُوهُ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلاَ ضَرَبُوكَ »..
ـــــــــــــــــ(1/87)
277 : باب تحريم الغدر
76- (1585) عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " قَالَ اللهُ : ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ،وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ،وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ،وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ " .
رواه البخارى .
وذكره الشيخ الألبانى في ضعيف الجامع (4054) وقال : " هذا أول حديث للبخارى اضطررت لذكره هنا،لأن فيه يحيى بن سليم . قال الحافظ : صدوق سيئ الحفظ " .
------------------
قلت : هو في صحيح البخارى (2227, 2270) حَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « قَالَ اللَّهُ ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،رَجُلٌ أَعْطَى بِى ثُمَّ غَدَرَ،وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ،وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ،وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ » .(1)
وفى رواية أكثرهم زيادة (وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ) .
قلت : ما أروع هذا الحديث القدسي وما أبهاه !،وما أصدق راويه وأزكاه ! . فكل فقرةٍ من فقراته تشهد له بأنَّه خرج من مشكاة النبوِّة،التي لا ينطق حامل نبراسها عن هوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (4) سورة النجم. وقد أحسن إمام المحدثين صنعاً إذ أودعه في صحيحه،وزيَّنه به .
ولم يصب الشيخ الألباني ـ عفا الله عنه ـ إذ ضعَّف هذا الحديث،ولم يُسبق لمثل هذا الصنيع بواحدٍ من أئمة التحقيق الراسخين في هذا العلم،ولو أنَّه سكت ولم يعلِّق عليه بشئٍ،لكان خيراً له،وأجمل به !! .
والحديث بإسناد الجماعة،وبرواية إمام المحدثين وأستاذ أهل المعرفة بعلل الحديث أبي عبد الله البخاري،صحيح غريب،ووجه غرابته ؛ أنه لم يرويه عن سعيد عن أبي هريرة غير إسماعيل بن أمية،تفرد به عنه يحيى بن سليم الطائفي،أبو محمد القرشي الحذاء .
وقد اختلفت أئمة الجرح والتعديل فى تعديله على أربعة أقوال :
( الأول ) توثيقه مطلقاً . فقد عدَّه الإمام الشافعى من ثقات شيوخه وصالحيهم،فقال : كان يحيى بن سليم فاضلا،كنا نعده من الأبدال .
وقال ابن سعد في الطبقات (5/500) : (ثقة كثير الحديث) .
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/156) : (قرئ على العباس بن محمد الدوري قال : سألت يحيى بن معين عن يحيى بن سليم الطائفي فقال : ثقة) . وقال ابن عدي في الكامل (7/219) : "ثنا ابن حماد حدثني عبد الله بن أحمد عن أبيه قال : كان يحيى بن سليم قد أتقن حديث ابن خثيم،وكانت عنده في كتاب،فقلنا له : أعطنا كتابك،فقال : أعطوني مصحفا رهنا،فقلنا : نحن غرباء من أين لنا مصحف !! . ثنا ابن أبى عصمة ثنا ابن أبى بكر ثنا يحيى سمعت أحمد بن حنبل يقول : يحيى بن سليم ثقة،وسمعت يحيى يقول : يحيى بن سليم الطائفي ليس به بأس . ثنا علان ثنا ابن أبى مريم سمعت يحيى بن معين يقول : يحيى بن سليم ليس به بأس يكتب حديثه . ثنا محمد بن علي ثنا عثمان بن سعيد سألت يحيى بن معين عن يحيى بن سليم فقال : ليس به بأس يكتب حديثه . ثنا محمد بن علي ثنا عثمان بن سعيد سألت يحيى بن معين عن يحيى بن سليم الطائفي فقال : ثقة . ثنا ابن أبي بكر ثنا عباس سألت يحيى بن معين عن يحيى بن سليم الطائفي فقال : ثقة " .
وقال ابن عدى : "وليحيى بن سليم عن : إسماعيل بن أمية،وعبيد الله بن عمر،وعبد الله ابن عثمان بن خثيم،وسائر مشايخه أحاديث صالحة وأفراد وغرائب،يتفرد بها عنهم،وأحاديثه متقاربة،وهو صدوق لا بأس به " .
وقال أبو أحمد العجلي في معرفة الثقات (2/353/1980) : " يحيى بن سليم القرشي ثقة " . وقال أبو حفص بن شاهين في تاريخ أسماء الثقات (1/259/1591) : " ثقة . قاله يحيى " .
والخلاصة،فهؤلاء جماعة من كبراء أئمة التزكية والتعديل قد وثقوا يحيى بن سليم بإطلاقٍ : الشافعي،والزعفراني،وأحمد بن حنبل في روايتين عنه،وابن معين،وابن سعد والعجلي،وابن حبان،وابن عدي،وابن شاهين .
ولا يذهبنَّ عنك توثيق أحمد بن حنبل له في رواية ابنه عبد الله عنه،وقوله : " كان قد أتقن حديث ابن خثيم "،إذ يفيدك هذا المقال لإمام الأئمة ثلاث فوائد عزيزة :
( الأولى ) وصفه بالإتقان والضبط لأحاديث عبد الله بن خثيمٍ المكي،وفيه دلالة على إتقانه لأحاديث أهل بلده .
( الثانية ) تبرئته من الوصف بسوء الحفظ بإطلاقٍ،وفيه ردٌّ على قول الدارقطني والحاكم : كان سيئ الحفظ،ولا يشكُّ العارف المدقق أن الإمام أحمد أعرف منهما وممن أتى بعدهم بحاله،سيما وقد التقى به وحمل عنه حديثاً واحداً
( الثالثة ) توثيق الإمام أحمد له في روايتين عنه،خلافاً لمن زعم أن الإمام أحمد لم يوثقه .
وهذه الفوائد قد كانت تكفى لبيان حال يحيى بن سليم،والرد على من ضعَّفه،ولهذا قال الحافظ ابن حجر في الفتح (4/418) : " والتحقيق أن الكلام فيه ـ يعنى ابن سليم ـ إنما وقع في روايته عن عبيد الله بن عمر خاصة ".
وهذا الذى اختاره الحافظ غاية فى الإنصاف والإحاطة بحال يحيى بن سليم الطائفى .
وأما قول الشيخ الألباني في إرواء الغليل (5/1489) : " إن التحقيق الذى حكاه إنما هو بالنسبة لرأي بعض الأئمة،وهو الساجي،وأما الأخرون من المضعفين فقد أطلقوا التضعيف ولم يقيدوه كما فعل الساجي،وهو الذى ينبغي الاعتماد عليه،لأن تضعيفه مفسَّر بسوء الحفظ عند جماعة منهم : الدارقطني،فهو جرح مفسر يجب تقديمه على التوثيق باتفاق علماء الحديث . ثم هو مطلق يشمل روايته عن عبيد الله وغيره،وهو ظاهر كلام البخارى،هذا هو التحقيق الذي ينتهي إليه الباحث في أقوال العلماء في الرجل،وقد لخصه الحافظ أحسن تلخيص كما عادته في التقريب فقال : صدوق سيئ الحفظ،فأطلق تجريحه كما فعل الجماعة،ولم يقيد كما فعل الساجى " اهـ .
ثم قوله : " وأما القول بأن من روى له البخاري فقد جاوز القنطرة،فهو مما لا يلتفت إليه أهل التحقيق كأمثال الحافظ ابن حجر العسقلاني،ومن له إطلاع على كتابه التقريب يعلم صدق ما نقول " اهـ بلفظه .
أقول : فى ثنايا كلام الألبانى ـ رحمه الله ـ الذي زعم أنه التحقيق المنصف مغالطات كثيرة،أوقعه فيها اكتفاؤه بترجمة مقتضبة نقلها من تهذيب التهذيب ومقدمة الفتح:
( أولها ) - قوله (أطلق الحافظ في التقريب تجريحه كما فعل الجماعة) أبعد شئٍ عن التحقيق !،فمَنِ الجماعة بعد : الشافعي،والزعفراني،وأحمد بن حنبل،وابن معين،والبخاري،وابن سعد،والعجلي،وابن عدي،وابن شاهين أهم الساجي،والدارقطني،والحاكم أبو أحمد وحدهم ؟! .
بل الجماعة هم موثقوه كما بيَّناه بياناً شافياً قاطعا للعذر.
ثمَّ أليس ينبغي أن يحمل قول الحافظ ابن حجر (صدوق سيئ الحفظ) على ما فصَّله في معرض الاحتجاج للبخاري فى روايته لحديث يحيى بن سليم بقوله (والتحقيق : أن الكلام فيه إنما وقع في روايته عن عبيد الله ابن عمر خاصة،وهذا الحديث من غير روايته)،من باب حمل المطلق على المقيد !! .
كما أن لفظ صدوق سيء الحفظ لا تعني عند الحافظ ابن حجر - على التحقيق- أنه ضعيف،بل أحاديثه حسان إذا تفرد بها ولم يخالف الثقات،ولكن وقع في حديثه بعض الخطأ ليس إلا .(2)
( ثانيها )- قوله إن الساجي وحده هو الذي قيَّد ضعفه بعبيد الله بن عمر خطأ،وأخطئ منه ما بُني عليه من حكمٍ في حقِّ الرجل،فقد علمت أن مقيدي ضعفه بعبيد الله أربعة من الأئمة : رأسهم أحمد بن حنبل،ثم الساجي،والنسائي،وابن حبان .
ولا تنسى ما ذكرناه آنفاً بقولنا : ولا يشك العارف المدقق أن الإمام أحمد أعرف الأئمة بحاله،سيما وقد التقى به وحمل عنه حديثاً واحداً،وأسند عن جماعة من شيوخه أحاديثهم عنه في مسنده،ومنها حديثه الذي في صحيح البخاري .
( ثالثها )- قوله (ظاهر كلام البخاري تجريحه بإطلاق) لا يحتاج إلى دليل لبيان خطئه،إذ يكفي تخريج البخاري حديثاً واحداً له في صحيحه للدلالة على توثيقه إياه،وهو القائل : (ما أدخلت في كتابي الجامع الا ما صحَّ) .
( رابعها )- قوله (قولهم أن من روى له البخاري فقد جاز القنطرة مما لا يلتفت إليه أهل التحقيق كالحافظ) من أعجب الأغلاط في حق الحافظ ابن حجر .
فهو المقرر والمؤكد لهذا الذي زعم الألباني أنه لم يلتفت إليه،وذلك قوله في مقدمة الفتح (1/384) : (ينبغي لكل مصنف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راوٍ كان مقتضٍ لعدالته عنده،وصحة ضبطه،وعدم غفلته،ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بـ(الصحيحين) . وهذا معنى لم يحصل لغير من خرَّجا عنه في الصحيحين،فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما . هذا إذا خرج له في الأصول،فإما إن خرَّج له في المتابعات والشواهد والتعاليق،فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره،مع حصول اسم الصدق لهم،وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعنا،فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام فلا يقبل إلا مبين السبب مفسَّرا بقادح يقدحُ في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقا،أو في ضبطه لخبر بعينه لأن الأسبابُ الحاملةُ للأئمة على الجرح متفاوتةٌ،منها ما يقدحُ ومنها ما لا يقدحُ وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج له في الصحيح: هذا جاز القنطرة،يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه . قال الشيخ أبو الفتح القشيري في مختصره : وهكذا نعتقد وبه نقول،ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة،وبيان شافٍ،يزيد في غلبة الظنِّ على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بـ(الصحيحين)،ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما) " .
وفى كلام الحافظ ابن حجر هذا الموفي لشيخي المحدثين حقَّهما من التقدير والإكبار،أبلغ ردٍّ على غلط الشيخ الألباني- ومن سار بركابه- في حقِّ رواة (الصحيح)،لا سيما قوله "إن إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بـ(الصحيحين)،هو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما "
وهل استهان المتهوكون بالصحيحين وتجرأوا على الطعن فيهما إلا بمثل هذا الغلط والتجني على إمام المحدثين !! .
وما مثل إمام المحدثين وجامعه الصحيح إلا كما قال القائل ـ ولله دره ـ(3):
حَسدُوا الفتَى إذ لمْ يَنالُوا سعيَهُ ... فالقومُ أعداءٌ لهُ وخُصومُ
كضرائِرِ الحَسناءِ قُلْنَ لِوجهِها ... حَسَداً وبغياً: إنَّه ُ لَدمِيمُ
والوجه يشرق في الظلام كأنه ... بدرٌ منيرٌ والنساء نجوم
وترى اللبيب محسداً لم يجترم ... شتم الرجال وعرضه مشتوم
وكذاك من عظمت عليه نعمةٌ ... حساده سيفٌ عليه صروم
فاترك محاورة السفيه فإنها ... ندمٌ وغبٌّ بعد ذاك وخيم
ولله در القائل :
صحيح البخاري لو أنصفوه لما خُطَّ إلا بماء الذهبْ
هو الفرقُ بين الهدى والعمى هو السَّدُّ بين الفتى والعطبْ
أسانيد مثل نجوم السماء أمام متون كمثل الشهبْ
به قام ميزان دين الرسول ودان به العجمُ بعد العربْ
وأقول : بل الحق الذى لا مرية فيه،أن من لا يجزم بأن رواة الصحيح قد جازوا القنطرة فليس من أهل التحقيق،فلله در شيخ الإسلام ابن دقيق العيد حيث أسلم قياده لهذا المقال،وقال : " هكذا نعتقد،وبه نقول "،وكذلك نقول وبه ندين .
( القول الثالث )- وصفه بالضعف وسوء الحفظ . قال أبو أحمد الحاكم : ليس بالحافظ عندهم . وقال الدارقطني : سيء الحفظ،ذكره عنهما الحافظ في تهذيب التهذيب (11/198) .
قلت : وفي البيان السالف ردٌّ على قوليهما،وكن على ذكر بما قلناه آنفاً : أن قول إمام الأئمة أحمد بن حنبل " كان قد أتقن حديث ابن خثيم " يفيدك ثلاث فوائد عزيزة :
( الأولى ) وصفه بالإتقان والضبط لأحاديث عبد الله بن خثيمٍ المكى،وفيه دلالة على إتقانه لأحاديث أهل بلده .
( الثانية ) تبرئته من الوصف بسوء الحفظ بإطلاقٍ،وفيه ردٌّ على قول الدارقطني والحاكم أبي أحمد : كان سيئ الحفظ . ولا يشكُّ العارف المدقق أن الإمام أحمد أعرف منهما،وممن أتى بعدهم بحاله،سيما وقد التقى به وحمل عنه حديثاً واحداً .
( الثالثة ) توثيق الإمام أحمد له في روايتين عنه،خلافاً لمن زعم أن الإمام أحمد لم يوثقه .
ولعل قائلا يقول : فلماذا لم تذكر مقال أبي حاتم الرازى عن يحيى بن سليم الطائفى،فقد عده الألبانى فى جملة من ضعَّفه ؟ .
فأقول : إنما أرجأت ذكر مقال أبي حاتم عن الطائفي،وهو عندي من موثقيه بالقيد المذكور في القول الثاني،لأمرين :
( أولهما ) خفاء معنى كلام أبي حاتم الرازي على الكثيرين ممن لم يمعن النظر والتدقيق في أحكامه .
( ثانيهما ) ما وقع فيه بعض الشيوخ من حمل كلامه عنه على تضعيفه إيَّاه،فقد قال بعد تضعيفه حديث الطائفي تقليداً للشيخ الألبانى : " شهد على ضعفه جمع،وأعدل ما قيل فيه قول أبي حاتم : شيخ صالح محلُّه الصدق ولم يكن بالحافظ،يكتب حديثه ولا يحتج به " .
فاعلم أن أبا حاتم الرازي قد يذكر هذه العبارة (يكتب حديثه ولا يحتج به) إمَّا مطلقة،وإما مقيدة،وعندئذ يتنزل كلامه على التوثيق أو التضعيف باعتبار القرينة المصاحبة لهذه العبارة . فمن قال عنه (يكتب حديثه ولا يحتج به) ولم يقيده بشئٍ،ينظر في حاله عند غيره،فإن وثقه من في طبقته ورتبته ؛ كابن معين وأبي زرعة،فهو ثقة . ومن قال عنه (صالح الحديث أو صدوق أو محلُّه الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به) فهو ثقة عنده،ومن قال عنه (ضعيف يكتب حديثه ولا يحتج به) فهو ضعيف .
ولا يذهبنَّ عنك ما قاله ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/263/1176) : " سمعت أبي وقيل له : إن البخاري أدخل حريث بن أبي حريث في كتاب الضعفاء ،فقال : يحوَّلُ اسمه من هناك،يكتب حديثه ولا يحتج به " . وما قاله في الجرح والتعديل (7/141/792) : " قطبة بن العلاء بن المنهال الغنوي الكوفيى أبو سفيان . قلت لأبي : إن البخاري أدخله في كتاب الضعفاء،قال : ذلك مما تفرد به،قلت : ما حاله ؟،قال : شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به " .
ونزيدك إيضاحا وتبصيراً،بذكر خمسة عشر راوياً ممن ترجم لهم ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل،وقال عنهم أبو حاتم (يكتب حديثه ولا يحتج به)،وهم ثقات عند يحيى بن معين،وأحاديثهم مخرَّجة في الصحيحين أو أحدهما :
(1) أسامة بن زيد الليثي،أبو زيد المدني (2/284/1031) صحيح مسلم( 4047 و4293 ).
(2) بشير بن المهاجر الغنوي (2/378/1472) و صحيح مسلم (4528)
(3) خالد بن مهران الحذاء،أبو المنازل البصري (3/352/1593) صحيح البخارى(447 و568 و603 و606 و630 و..) ومسلم (146 و318 و864 و.)
(4) سعير بن الخمس التميمي،أبو مالك الكوفي (4/323/1411) صحيح مسلم (359)
(5) شيبان بن عبد الرحمن النحوي،أبو معاوية البصري (4/356/1561) صحيح مسلم(437 و2420 و7161 و7348و7395 )
(6) شبابة بن سوار الفزاري،أبو عمرو المدائني (4/392/1715)،صحيح البخارى(2808 و4162 ) ومسلم (390 و1287 و1660 و...)
(7) الضحاك بن عثمان الحزامي،أبو عثمان المدني (4/460/2029) , صحيح مسلم( 794 و795 و849 و1108 و...)
(8) عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث القرشي المديني (5/212/1000)،صحيح البخارى(2214 و3356 ) ومسلم (5942)
(9) عبد الرزاق بن همام الصنعاني صاحب معمر (6/38/204)،صحيح البخارى (42و135 و278 و416 و..) ومسلم (559 و584 و2356 و...)
(10) محمد بن حمير بن أنيس السليحي الحمصي (7/239/1315)،صحيح البخارى(3919 و5532 )
(11) منصور بن عبد الرحمن الغداني الأشل (8/174/772)،صحيح مسلم (237)
(12) الوليد بن شجاع السكوني،أبو همام الكوفي (9/7/28)،صحيح مسلم (412 و4494 و5054 و5090 و6142 )
(13) يحيى بن أيوب الغافقي،أبو العباس المصري (9/127/542)،صحيح البخارى(241 و402 و572 و...) ومسلم (840 و841 و1112 و..)
(14) يحيى بن عبد الله بن بكير المصري (9/165/682)،صحيح مسلم(4900)
(15) يحيى بن سليم الطائفى،أبو زكريا القرشي (9/156/647)،صحيح البخارى(2227و2270) ومسلم (6113 )
فإذا اتضح لك ما أردناه بهذا البيان،فاعلم أن مقال أبي حاتم عن يحيى بن سليم،محمول على توثيقه إيَّاه،كنحو :
(1) مقاله عن إبراهيم بن الزبرقان التميمي،قال ابن أبي حاتم : " سألت أبي عنه،فقال: محلُّه الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به . وأخبرنا العباس بن محمد الدوري قال سألت يحيى بن معين عن إبراهيم بن الزبرقان فقال : ثقة ثقة،روى عنه وكيع وغيره "(4).
(2) ومقاله عن إبراهيم بن ميمون الصائغ المروزي،قال ابن أبي حاتم: " ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال : إبراهيم الصائغ ثقة . وسمعت أبي يقول : يكتب حديثه ولا يحتج به "(5).
(3) ومقاله عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري،قال ابن أبي حاتم: "ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال : بهز بن حكيم ثقة . وأخبرنا محمد بن أحمد بن البراء قال : قال علي بن المديني : بهز بن حكيم ثقة . وسمعت أبي يقول : هو شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به "(6).
في عشرات بل مئات من الثقات والصدوقين أمثال من ذكرنا .
قلت : وفي النهاية فالحديث صحيح بلا ريب،ولا يجوز الطعن به،كما أنه لا يجوز الحكم على الحديث قبل فهم مصطلحات القوم فهما دقيقاً،ولا يجوز الطعن بأحاديث الصحيحين بحجة التحقيق العلمي المزعوم !!!
كما أن البخاري ومسلم ينتقون ممن هذه مرتبتهم ماصحَّ لهم دون ما أخطئوا فيه وفي الرواة كثير من هذا القبيبل .
ولا أعلم أحدا سبق الألباني إلى تضعيف هذا الحديث،وهذا يدلُّ على تسرُّعِ هذا الرجل في ردِّ أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - من غير برهان ثابت،مع مخالفته لكافة أهل العلم،فكن على حذر من ذلك .
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرجه أحمد (2/358) عن إسحق بن عيسى بن الطباع ، وابن ماجه (2442) ، وأبو يعلى (11/444/6571) كلاهما عن سويد بن سعيد الحدثاني ، وابن الجارود (579) عن محمود بن آدم ، والطحاوي في مشكل الآثار (4/98/3273) عن نعيم بن حماد ، وابن حبان (7339) عن محمد بن أبي عمر العدني ، والطبراني في الصغير (2/119/885) عن محمد ابن حاتم الجرجرائي ، وابن حزم في الإحكام فى أصول الأحكام (5/13) عن بشر بن مرحوم والبيهقي في السنن الكبرى (6/121،14) عن هشام بن عمار ومحمد بن يوسف بن سابق والهيثم بن جناد ، عشرتهم عن يحيى بن سليم الطائفي قال ثنا إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد المقبرى عن أبي هريرة به .
(2) - انظر كتابي الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب - معنى قوله صدوق يخطئ أو يهم أو سيء الحفظ ونحوها من عبارات .
(3) - خزانة الأدب - (ج 3 / ص 276)
(4) - الجرح والتعديل (2/100/275)
(5) - الجرح والتعديل (2/134/425)
(6) - الجرح والتعديل (2/430/1714)(1/88)
الدفاعُ عن صحيحي البخاري ومسلم(1)
إن الله عز وجل حفظ دينه من عبث العابثين،وكيد الكائدين،وتمثل هذا الحفظ في صور عديدة وأشكال مختلفة،ولا يخفى هذا الأمر على منصف خلع العصبية المقيتة،وتحلَّى بالعدل الذي هو ميزة العقلاء،فإن كتاب الله قال الله عنه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9].
فهذا المصحف الذي نسخ منه مئات الملايين من النسخ،وعبر الأزمان المتفاوتة،منذ نزل على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - وإلى يومنا هذا وهو مع كل هذا محروس من الزيادة والنقصان،فلو أخذ إنسان نسخاً من القرآن من مكتبات الدنيا كلها لوجدها متفقة لا اختلاف بينها.
أما السنة النبوية التي هي بمثابة الشرح للقرآن،فقد هيأ الله من يحفظها من جهابذة الرجال،الذين بذلوا أنفسهم لهذا الشأن العظيم من أمثال الإمام البخاري الذي قال عنه أَبو الطَّيِّبُ حَاتِمُ بنُ مَنْصُوْرٍ الكِسِّيُّ : مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي بصرِهِ وَنفَاذِهِ مِنَ العِلْمِ .(2)
وقال رجاء الحافظ: فَضْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى العُلَمَاءِ كفضلِ الرِّجَالِ عَلى النِّسَاءِ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ،كُلُّ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ؟!
فَقَالَ: هُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ يَمْشِي عَلَى ظَهرِ الأَرْضِ..(3)
ويقول محمد بن إسحاق بن خزيمة: مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَديمِ السَّمَاءِ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَحْفَظَ لَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ(4).
ولقد كثرت السهام التي توجه للإسلام وللقضايا المسلَّمة عند جماهير علماء الأمة في هذا الزمان،وهذه الهجمات ليست جديدة ولا يستبعد أن تكون هنالك أيدٍ خفيةً تحرك مثل هذه الدعوات المغرضة لتشكيك المسلمين عامة وطلبة العلم الشرعي خاصة في قضايا صارت من القطعيات في دين الإسلام كقول بعض من ينسب للعلم الشرعي إن السنة ليست مصدراً للتشريع ويجب الاكتفاء بما في القرآن الكريم،وكقول بعضهم إنه لا يوجد حديث واحد قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - - بلفظه،بل كل ما ورد إنما هو بالمعنى،وكقول بعضهم: إن أصول الفقه بدعة وإنه لا قياس في الشرع ونحو ذلك من الترهات والخزعبلات .
وقد تصدى العلماء للرد على هذه القضايا وأمثالها قديماً وحديثاً ولا يتسع المقام لكل ذلك فلعلي أذكر شيئاً يسيراً في إبطال الفرية المذكورة :
لقد اتفق علماء الأمة قديماً وحديثاً على أن صحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم هما أصحُّ كتابين بعد كتاب الله عز وجل،وأن الأحاديث المسندة المتصلة المذكورة فيهما أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال الإمام النووي رحمه الله :[ اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصحَّ الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول . وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة . وقد صحَّ أن مسلماً كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث ](5).
وقال الإمام النسائي:[ ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب البخاري ] المصدر السابق .
وقال ابن الصلاح:[ أول من صنف في الصحيح،البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه فإنه يشارك البخاري في كثير من شيوخه وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز ](6).
ويقول الشهرزوري: جميع ما حكم مسلم بصحته من هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته،والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر،وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه،وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول،سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع،والذي نختاره أن تلقي الأمة للخبر المنحط عن درجة التواتر بالقبول يوجب العلم النظري بصدقة.(7)
ويقول أبو المعالي الجويني: لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لإجماع علماء المسلمين على صحتهما.(8)
وقال الذهبي :[ وأما جامع البخاري الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى ](9).
وقال ولي الله الدهلوي :[ أما الصحيحان فقد اتفق المحدثون على أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع وأنهما متواتران إلى مصنفيهما،وأن كل من يهون أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين ](10).
وقال العلامة أحمد محمد شاكر :[ الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين وممن اهتدى بهديهم وتبعهم على بصيرة من الأمر : أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها . ليس في واحد منها مطعن أو ضعف . وإنما انتقد الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث . على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ في الصحة الدرجة العليا التي التزمها كل واحد منهما في كتابه . وأما صحة الحديث في نفسه فلم يخالف أحد فيها . فلا يهولنك إرجاف المرجفين . وزعم الزاعمين أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة وتتبع الأحاديث التي تكلموا فيها وانقدها على القواعد الدقيقة التي سار عليها أئمة أهل العلم واحكم عن بينة . والله الهادي إلى سواء السبيل](11).
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله :[ كيف والصحيحان هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى باتفاق علماء المسلمين من المحدثين وغيرهم فقد امتازا على غيرهما من كتب السنة بتفردهما بجمع أصح الأحاديث الصحيحة وطرح الأحاديث الضعيفة والمتون المنكرة على قواعد متينة وشروط دقيقة وقد وفقوا في ذلك توفيقاً بالغاً لم يوفق إليه من بعدهم ممن نحا نحوهم في جمع الصحيح؛ كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم،حتى صار عرفاً عاماً أن الحديث إذا أخرجه الشيخان أو أحدهما فقد جاوز القنطرة ودخل في طريق الصحة والسلامة . ولا ريب في ذلك وأنه هو الأصل عندنا ](12).
وبعد أن ذكرت هذه الباقة العطرة من أقوال أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين في الثناء على الصحيحين فيجب أن يعلم أن هؤلاء العلماء وغيرهم لم يطلقوا هذه الأحكام على الصحيحين جزافاً،وإنما جاءت هذه الأحكام بعد أن درسوا الصحيحين دراسة واعية على بصيرة وهدى . فقد درس آلاف العلماء من الحفاظ وغيرهم أسانيد البخاري ومسلم دراسة مستفيضة فوصلوا إلى ما وصلوا إليه وهو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال ؟.
فالأحاديث المرفوعة في الصحيحين أو أحدهما صحيحة بدون أدنى شك،وأما الحديث المتفق عليه فهو ما اتفق البخاري ومسلم على روايته في صحيحيهما والحديث المتفق عليه هو أعلى درجة من درجات الحديث الصحيح .
قال الإمام النووي :[ الصحيح أقسام أعلاها ما اتفق عليه البخاري ومسلم ثم ما انفرد به البخاري ثم مسلم ثم على شرطهما ثم على شرط البخاري ثم مسلم ثم صحيح عند غيرهما ](13).
وقال الشوكاني :[ واعلم أن ما كان من الأحاديث في الصحيحين أو أحدهما جاز الاحتجاج به من دون بحث،لأنهما التزما الصحة وتلقت ما فيهما الأمة بالقبول ](14).
وينبغي أن يعلمَ أن من أهل العلم من انتقد على الصحيحين أو أحدهما أحاديث كالدارقطني وقد فصلَّ الحافظُ ابن حجر الكلام على الأحاديث المنتقدة على صحيح البخاري في الفصل الثامن من مقدمته لفتح الباري،والمسماة هدي الساري،فذكر الأحاديث المنتقدة،وأجاب عليها جواباً إجمالياً وجواباً مفصلاً فقال في الأول منهما :[ والجواب عنه على سبيل الإجمال أن نقول لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل . فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضاً لتصحيحهما،ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما فيندفع الاعتراض من حيث الجملة ](15). ثم ذكر الجواب التفصيلي عن كل حديث انتقد على البخاري .
وخلاصة الأمر أنَّ مَنْ طعن في أحاديث البخاري ومسلم فكلامه مردود عليه،حيث إنَّ أهل هذا الشأن من الحفاظ وأهل الحديث أجابوا عن ذلك أجوبة قاطعة واضحة . وإنَّ الطعن في البخاري ومسلم ما هو إلا طعنٌ في السنَّة النبوية،ومن يطعن في السنة النبوية يخشى عليه من الزندقة .اهـ
وبعض المبتدعة يرد نصوص السنة بحجة أنها آحاد لا يلزمه اتباعها،أو ظنية الدلالة فلا يلزمه قبولها،وهو بذلك يحرم نفسه نور الوحي،وهدي الله،فإن القرآن وإن كان قطعي الثبوت،فأكثره ظني الدلالة،والسنة أكثرها ظني الدلالة ظني الثبوت،فمن اشترط للاحتجاج بالأدلة أن تكون قطعية الثبوت والدلالة،فقد رد معظم الشريعة،وناقض إجماع الأمة.
يقول الإمام ابن عبد البر في التمهيد(16): "وأجمع أهل العلم من أهل الفقة والأثر في جميع الأمصار فيما علمت على قبول خبر الواحد العدل،وإيجاب العلم به إذا ثبت ولم ينسخه غيره من أثر أو إجماع،على هذا جميع الفقهاء في كل عصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا،إلا الخوارج،وطوائف من أهل البدع شرذمة لا تعد خلافاً،وقد أجمع المسلمون على جواز قبول الواحد السائل المستفتي لما يخبره به العالم الواحد إذا استفتاه فيما يعلمه".
وقال أيضاً:" الذي نقول به أنه يوجب العمل دون العلم،كشهادة الشاهدين والأربعة سواء،وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والأثر وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات،ويعادي ويوالي عليها،ويجعلها شرعاً وديناً في معتقده. على ذلك جماعة أهل السنة".
وقال الإمام القرطبي في تفسيره(17): "وهو مجمع عليه (أي قبول خبر الآحاد) من السلف معلوم بالتواتر من عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - في توجيهه ولاته ورسله آحاداً للأفاق ليعلموا الناس دينهم،فيبلغوهم سنة رسولهم - صلى الله عليه وسلم - من الأوامر والنواهي. والله أعلم.
================
الشَّكُّ في أحاديث الصحيحين(18)
إن التعامل مع الصحيحين الذي ورد طرف منه في السؤال يجب التفريق فيه بين من له دراية بعلم الحديث وأهليته،وبين عامة الناس،بل ربما يقال حتى من طلبة العلم الذين ليس لديهم الأهلية في علم الحديث.
فأما المشتغلون بعلم الحديث فهؤلاء لهم أن يناقشوا قبول أي حديث حتى وإن كان في الصحيحين،ولكن ليس ببدعٍ من القول،وإنما على ضوء القواعد الحديثية المعروفة،ومن خلال كلام من تقدم من أهل العلم،وقد أشار الحافظ ابن حجر -رحمه الله- إلى ذلك في (مقدمة فتح الباري) وذكر أمثلة من الأحاديث المنتقدة على الصحيح،والإجابة عنها.
ومن أوائل من انتقد بعض أحاديث الصحيحين الإمام الدار قطني -رحمه الله- في (الإلزامات والتتبع).
ومع هذا الذي ذكرت فإنني أنبه إلى أمور:
1- أن طالب العلم لا ينبغي له التعجل في هذا الباب والاستقلال بالحكم،فإن للصحيحين من المنزلة وتلقي الأمة لهما بالقبول ما ليس لغيرهما،ولذا فإنك تجد من علماء الحديث من لم يسلّم بهذه الانتقادات كلها سوى مواضع يسيرة منها كابن الصلاح،والنووي،وابن حجر وآخرين.2- أن الانتقاد الوارد على الصحيحين إنما هو في أحاديث معدودة نسبتها ضئيلة إلى جانب مجموع ما فيهما،ومع ذلك فكثير منها قد أجيب عنه كما تقدم.
3-أن ما يمكن انتقاده على الصحيحين يكاد أن يكون قد فرغ منه،فقد مضى على تأليف الصحيحين أكثر من ألف عام،وما من حديث قد يتطرق إليه الانتقاد إلا ذُكر خلال هذه المدة،وستجد في المقابل من يجيب عن الانتقاد سواء كان ذلك من جهة السند أو المتن.
4- -وهو أمر مهم- أن الغالب في الانتقادات الواردة كانتقادات الدارقطني -رحمه الله- إنما هو من جهة السند الذي ساقه صاحب الصحيح،مع أن متن الحديث ثابت من طرق أخرى،وكثير منها يسلّم به المنتقِد كالدارقطني. فإذاً لا يلزم من توجيه الانتقاد إلى حديث ما في أحد الصحيحين عدم ثبوته من وجه آخر.
5- أن النظر العقلي المحض وردّ الروايات الصحيحة بدعوى مخالفتها للعقل -فحسب- ليس من منهج أهل السنة،فإنهم -وإن كانوا قد يناقشون المتن منفرداً عن السند- بيد أنهم لا يطلقون العنان للعقل المجرد كي يردّ ما شاء من صحيح المنقول،وإنما تَرِدُ المناقشة عندهم في المتن -حين يقتضي الحال ذلك- على ضوء النصوص الأخرى والقواعد الحديثية والأصولية والفقهية.
ولئن كان هذا في شأن أهل العلم،فهو في حق العامة أولى،إذ ليس لهم أن يردوا الأحاديث بدعوى عدم موافقتها للعقل،وأي عقل هذا الذي يتحاكم إليه؟ فإن عقول الناس وفهومهم مختلفة متفاوتة!
هذا ما يتعلق بالمتخصصين في هذا العلم.
أما غيرهم -لا سيما عامة الناس- فلا يجوز لهم الخوض في قضية القبول والرفض لما في الصحيحين،بل عليهم أن يأخذوا بالأصل،وهو: قبول ما في الصحيحين،لتلقي الأمة لهما بالقبول والتسليم بصحة ما فيهما في الجملة. والله -تعالى- أعلم.
=================
هل في البخاري أحاديث ضعفها الألباني رحمه الله ؟(19)
"نعم.. لقد ضعَّف الشيخ الألباني أحاديث قليلة جداً في صحيح البخاري،ولكن لا يلزم من تضعيف الشيخ لها أن تكون ضعيفة بالفعل،بل قد تكون صحيحة كما ذهب إلى ذلك البخاري من قبل،وقد تكون ضعيفة فعلاً. فتضعيف الشيخ الألباني - عليه رحمة الله- اجتهاد منه،قابل للقبول والرد.
لكن العلماء قد نصوا أن أحاديث الصحيحين (صحيح البخاري وصحيح مسلم) كلها مقبولة،إلا أحاديث يسيرة انتقدها بعض النقاد الكبار،الذين بلغوا رتبة الاجتهاد المطلق في علم الحديث. وأن ما سوى تلك الأحاديث اليسيرة،فهي متلقاة بالقبول عند الأمة جميعها.
وبناء على ذلك: فإن الحديث الذي يضعفه الشيخ الألباني في صحيح البخاري له حالتان: الأولى: أن يكون ذلك الحديث الذي ضعفه الألباني قد سبقه إلى تضعيفه إمام مجتهد متقدم،فهذا قد يكون حكم الشيخ الألباني فيه صواباً،وقد يكون خطأ،وأن الصواب مع البخاري.
الثانية: أن يكون الحديث الذي ضعفه الألباني لم يسبق إلى تضعيفه،فهذا ما لا يقبل من الشيخ -رحمه الله-؛ لأنه عارض اتفاق الأمة على قبول ذلك الحديث (كما سبق). والله أعلم."
قلت : هذا هو الصواب .
================
تضعيفُ الأحاديث الصحيحة شذوذ عن العلماء
قال العلامة ابن باز رحمه الله(20):
"إنَّ هذا شذوذ عن العلماء لا يعول عليه إلا في أشياء يسيرة عند مسلم - رحمه الله - نبه عليها الدارقطني وغيره،والذي عليه أهل العلم هو تلقي أحاديث الصحيحين بالقبول والاحتجاج بها كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر والحافظ ابن الصلاح وغيرهما،وإذا كان في بعض الرجال المخرج لهم في الصحيحين ضعفٌ،فإن صاحبي الصحيح قد انتقيا من أحاديثهم ما لا بأس به،مثل : إسماعيل بن أبي أويس،ومثل عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب،وجماعات فيهم ضعف لكن صاحبي الصحيح انتقيا من أحاديثهم ما لا علة فيه ؛ لأنَّ الرجل قد يكون عنده أحاديث كثيرة فيكون غلط في بعضها أو رواها بعد الاختلاط إن كان ممن اختلط،فتنبه صاحبا الصحيحين لذلك فلم يرويا عنه إلا ما صحَّ عندهما سلامته .
والخلاصة: أن ما رواه الشيخان قد تلقته الأمة بالقبول،فلا يسمع كلام أحد في الطعن عليهما رحمة الله عليهما سوى ما أوضحه أهل العلم كما تقدم.. والله ولي التوفيق ".
===============
معنى حديث خصماء الله تعالى
قَوْلُهُ : ( ثَلَاثَةٌ : أَنَا خَصْمُهُمْ ) قَالَ اِبْنُ التِّينِ : هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَصْمٌ لِجَمِيعِ الظَّالِمِينَ إِلَّا أَنَّهُ أَرَادَ التَّشْدِيدَ عَلَى هَؤُلَاءِ بِالتَّصْرِيحِ،وَالْخَصْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الِاثْنَيْنِ وَعَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ .
قال المهلب: قوله: « أعطى بى ثم غدر » يريد نقض عهدًا عاهده عليه،وقوله: « استأجر أجيرا فلم يعطه أجره »،هو داخل فى معنى من باع حرًا؛ لأنه استخدمه بغير عوض،وهذا عين الظلم،وإنما عظم الإثم فيمن باع حرا؛ لأن المسلمين أكفاء فى الحرمة والذمة،وللمسلم على المسلم أن ينصره ولا يظلمه،وأن ينصحه ولا يسلمه،وليس فى الظلم أعظم من أن يستعبده أو يعرضه لذلك،ومن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له،وألزمه حال الذلة والصغار،فهو ذنب عظيم،ينازع الله به فى عبادة.(21)
وفي الحديث أيضا التنبيه على مسألة يفعلها كثير من الناس اليوم،وهي أنهم يستأجرون الأجراء ولا يعطون لهم أجرا،هذا الذي يفعل يستأجر الأجير ولا يعطيه أجره يكون الله عز وجل خصمه يوم القيامة،هذا الرجل الذي استأجر أجيرا فاستوفى منه وقام الأجير بالعمل كاملا ثم لم يعطه أجرته ومن ذلك ما يفعله بعض الناس اليوم في العمال الذي يأتون بهم من الخارج،تجده يستأجره بأجرة معينة مثلا ستمائة ريال في الشهر،ثم إذا جاء به إلى هنا ماطل به وآذاه ولم يؤت له حقه،وربما يقول له تريد أن تبقى هنا بأربعمائة ريال وإلا سافرت،هذا والعياذ بالله يكون الله خصمه يوم القيامة،ويأخذ من حسناته ويعطيها هذا العامل،لأن قوله إما أن تعمل بأربعمائة وإلا سفرتك،هذا استأجره بستمائة ولم يعطه أجره،فيدخل في هذا الوعيد الشديد،
وهؤلاء الذين يأتون بالعمال ولا يعطونهم أجورهم أو يأتون بهم وليس عندهم شغل،ولكن يتركونهم في الأسواق،ويقول :اذهب وما حصلته فلي نصفه،أو مثلا يقول اذهب وعليك في الشهر ثلاثمائة ريال أو أربعمائة ريال،كل هذا حرام والعياذ بالله،ولا يحل لهم،وما أكلوه فإنه سحت،و" كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ "(22)،وهؤلاء الذين يأكلون أموال هؤلاء العمال المساكين،هؤلاء لا تقبل لهم دعوة والعياذ بالله،يدعون الله فلا يستجيب لهم(23)
قلت : فأمَّا عدم استجابة دعائهم لحديث مسلم (2393 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (51) سورة المؤمنون، وَقَالَ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (172) سورة البقرة ،ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟ " .
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - انظر فتاوى يسألونك - (ج 7 / ص 247) فما بعدها = دفاع عن صحيحي البخاري ومسلم و وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 2014) =رقم الفتوى 13678 دفاع عن صحيحي البخاري ومسلم =تاريخ الفتوى : 29 ذو القعدة 1424
(2) - سير أعلام النبلاء (12/428)
(3) - سير أعلام النبلاء (12/428)
(4) - تاريخ دمشق - (ج 52 / ص 65) وسير أعلام النبلاء (12/432) و تاريخ الإسلام للذهبي - (ج 5 / ص 14) وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 5 / ص 17)
(5) - شرح النووي على صحيح مسلم 1/24
(6) - هدي الساري ص12
(7) - انظر صيانة صحيح مسلم: 1/85.
(8) - صيانة صحيح مسلم: 1/86.
(9) - الحطة في ذكر الصحاح الستة ص312
(10) - حجة الله البالغة 1/249
(11) - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ص35
(12) - مقدمة الألباني لشرح العقيدة الطحاوية ص14-15
(13) - تدريب الراوي شرح التقريب 1/122-123
(14) - نيل الأوطار 1/22
(15) - هدي الساري ص 506
(16) - (1/2)
(17) - (2/152)
(18) - انظر : فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 1 / ص 488)= الشك في أحاديث الصحيحين =المجيب د. فهد بن عبدالرحمن اليحيى
(19) - انظر فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 1 / ص 484) = هل في البخاري أحاديث ضعيفة =المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 2452)= رقم الفتوى 43428 المراد ليس الطعن في بعض أحاديث البخاري بل أمور أخطر بكثير
(20) - مجموع فتاوى ابن باز - (ج 25 / ص 69) =13=س : ما موقفنا ممن يضعف أحاديث في صحيح مسلم أو صحيح البخاري ؟
(21) - شرح ابن بطال - (ج 11 / ص 364) وفتح الباري لابن حجر - (ج 7 / ص 64)
(22) - شعب الإيمان للبيهقي(5518) وهو حديث صحيح لغيره
(23) - انظر شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 5 / ص 276)(1/89)
أحاديث أخرى ضعفها بعض طلاب الألباني
183 : باب الحث على سور وآيات مخصوصة
77- (1018) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ وَكَّلَنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ،فَأَتَانِى آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ،فَأَخَذْتُهُ،وَقُلْتُ وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ إِنِّى مُحْتَاجٌ،وَعَلَىَّ عِيَالٌ،وَلِى حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ . قَالَ فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ » . قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ،فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ » . فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّهُ سَيَعُودُ . فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ دَعْنِى فَإِنِّى مُحْتَاجٌ،وَعَلَىَّ عِيَالٌ لاَ أَعُودُ،فَرَحِمْتُهُ،فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ،فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ،مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً،فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ » . فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ،فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ . قَالَ دَعْنِى أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا . قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ،فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ،فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِى كَلِمَاتٍ،يَنْفَعُنِى اللَّهُ بِهَا،فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « مَا هِىَ » . قُلْتُ قَالَ لِى إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) وَقَالَ لِى لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ،وَكَانُوا أَحْرَصَ شَىْءٍ عَلَى الْخَيْرِ . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ،تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» . قَالَ لاَ . قَالَ « ذَاكَ شَيْطَانٌ ». رواه البخارى .
ذكره حسان عبد المنان في ذيل (تهذيب رياض الصالحين) له،وقال :" ولعل تعليق البخاري له بسبب ضعف عثمان بن الهيثم" . وزعم أن : البخارى يتساهل أحياناً في صحيحه في ذكر أشياء في الترغيب والترهيب فيها كلام .
---------------------
قلت : أخرجه البخارى في كتاب الوكالة وفضائل القرآن،و بدء الخلق صحيح البخارى (2311 ,3275،5010 ) .
وهذا إسناد معلَّق صحيح،وعثمان بن الهيثم العبدي أبو عمرو المؤذن البصري من قدامى شيوخ البخاري،ومن طريقه وصله ابن خزيمة في صحيحه (2229) قال : حدثنا هلال بن بشر البصري بخبر غريب غريب حدثنا عثمان بن الهيثم مؤذن مسجد الجامع حدثنا عوف به مثله .(1)
وهذا الحديث أحد تعاليق البخارى عن مشايخه،ولم يوصله لإحدى ثلاثة أسباب :
( أولها ) إما أنه لم يسمعه من شيخه،وإنما حمله عن أحد شيوخه الثقات عنه .
( ثانيها ) وإما أنه سمعه منه في المذاكرة،ولم يرى أن يسوقه مساق الأصول .
( ثالثها ) وإما أنه سمعه منه وشكَّ وتردد في سماعه،فعلَّقه عنه ولم يسنده .
فإن يكن الأول،فأقرب من رواه منهم بالبخارى : هلال بن بشر البصري،وهو ثقة متقن،ولم يرو عنه في الصحيح،وإنما روى عنه في التاريخ الكبير .
قال الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق:"هذا الحديث قد ذكره ـ يعني البخارى ـ في مواضع من كتابه مطولا ومختصرا،ولم يصرح في موضع منها بسماعه إياه من عثمان بن الهيثم . وقد وصله أبو ذر الهروي فقال : حدثنا أبو إسحاق المستملي ثنا محمد بن عقيل ثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب قال ثنا عثمان بن الهيثم بهذا الحديث بتمامه.
وأخبرني به أبو بكر بن إبراهيم بن محمد بن أبي عمر بقراءتي عليه أخبركم أبو نصر بن جميل في كتابه عن أبي القاسم بن أبي الفرج أن يحيى بن ثابت بن بندار أخبره أنا أبي أنا الحافظ أبو بكر بن غالب أنا الحافظ أبو بكر الإسماعيلي ثنا عبيد الله بن محمد بن النضر اللؤلؤي ثنا الحارث بن محمد ثنا عثمان بن الهيثم المؤذن ح قال الإسماعيلي وأخبرني الحسن بن سفيان حدثني عبد العزيز بن سلام سمعت عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : وكلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وأخبرنا به عاليا عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله عن زينب بنت الكمال أن يوسف بن خليل الحافظ كتب إليهم أنا أبو جعفر محمد بن إسماعيل الطرسوسي عن أبي علي الحداد أنا أبو نعيم ثنا محمد بن الحسن ثنا محمد بن غالب بن حرب ثنا عثمان بن الهيثم فذكره بطوله.
ورواه ابن خزيمة عن هلال بن بشر الصواف،والنسائي عن إبراهيم بن يعقوب كلاهما عن عثمان بن الهيثم به،فوقع لنا بدلا عاليا " اهـ(2).
قلت : فهؤلاء ثمانية من الأثبات الرفعاء أسندوه عن عثمان : هلال بن بشر البصري،وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني،وإسحاق بن الحسن الحربي،والسري بن خزيمة،وعبد العزيز بن المنيب،وعبد العزيز بن سلام،والحارث بن محمد بن أبي أسامة،ومحمد بن غالب تمتام .
ورجال هذا الإسناد ثقات مشاهير،خلا عثمان بن الهيثم بن جهم بن عيسى بن حسان بن المنذر بن عائذ العبدى العصرى،أبو عمرو البصرى المؤذن،فإنه ثقة يخطئ وربما خالف،قال أبو حاتم : كان بأخرة يُلَقَّن . وقال الدارقطني : صدوق كثير الخطأ .
وذكره ابن حبان في ثقاته (8/453/14393)،واحتج به هو وشيخه أبو بكر بن خزيمة في صحيحهما،وسبقهما إلى ذلك إمام المحدثين أبي عبد الله البخارى .
فقد أخرج له البخاري في صحيحه ستة أحاديث مسندة موصولة،هاك بيانها :
( الأول ) (1770 ) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِى الْجَاهِلِيَّةِ،فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) فِى مَوَاسِمِ الْحَجِّ
( الثاني ) (4425 ) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ لَقَدْ نَفَعَنِى اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَيَّامَ الْجَمَلِ،بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ قَالَ لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ « لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً » .
( الثالث) (5198و6546) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ أَبِى رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « اطَّلَعْتُ فِى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ،وَاطَّلَعْتُ فِى النَّارِ،فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ » . تَابَعَهُ أَيُّوبُ وَسَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ .
( الرابع) (5930) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ يُخْبِرَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَىَّ بِذَرِيرَةٍ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ،لِلْحِلِّ وَالإِحْرَامِ .(3)
(الخامس) (6665)حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ حَدَّثَنِى عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ كُنْتُ أَحْسِبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا وَكَذَا . ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا لِهَؤُلاَءِ الثَّلاَثِ . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ » لَهُنَّ كُلِّهِنَّ يَوْمَئِذٍ،فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ قَالَ « افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ » .
(السادس) (7099) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ لَقَدْ نَفَعَنِى اللَّهُ بِكَلِمَةٍ أَيَّامَ الْجَمَلِ لَمَّا بَلَغَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى قَالَ « لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً » .
فهذه جملة أحاديث عثمان بن الهيثم البصري المسندة الموصولة في الجامع الصحيح وكلها قد توبع عليها ولم يتفرد،مما يدلُّ على :
( أولاً ) ضبطه وحفظه وموافقته في الأغلب للحفاظ من أصحاب : ابن جريج،وعوف الأعرابى .
( ثانياً ) انتقاء إمام المحدثين لأحاديثه التي أتقنها وضبطها ولم يُخالفْ عليها،ومجانبته أوهامه وما أخطأ فيه،وخالف سائر الحفاظ الأثبات .
وبهذين الاعتبارين،جزم إمام المحدثين بصحة تعليق حديثه عن أبي هريرة السالف،سيما وقد توبع عليه،كما سيأتى بيانه .
وأمَّا قول أبي حاتم عنه : صدوق كان يتلقن بآخرة،وقول الدارقطني : كان صدوقا كثير الخطأ،فأعدل وأحكم دلالة لمعناهما أنه ينبغي تمييز صحيح حديثه من سقيمه،وأعرف الناس بذلك البخاري،فهو من قدماء شيوخه،وقد سبر أحوالهم،وعرف أقدارهم،وميز أحاديثهم،فحمل منها أصحها،وجانب ضعافها وما يُنكر منها .
ومما يليق ذكره بهذا المقام،ما قاله الحافظ ابن حجر عن عبد الله بن صالح كاتب الليث في مقدمة الفتح (1/414) : " ما يجئ من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين،والبخاري،وأبي زرعة،وأبي حاتم فهو من صحيح حديثه،وما يجئ من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه " اهـ .
وهذا التعليل الفائق الصحة مستغنٍ بوضوحه عن بيان دلالته عند من له إلمام ولو يسير بمعارف أهل الجرح والتعديل،ومن خالف وجه دلالته فليس له معرفة بأصول هذا العلم الدقيق من علوم الشريعة .
والخلاصة،فإن حديث عثمان بن الهيثم الذي علَّقه إمام المحدثين،واحتج به في صحيحه،هو من الصحيح المنتقى من أحاديث عثمان بن الهيثم،وعليه علامة تصحيح إمام المحدثين وأستاذ العارفين أبي عبد الله البخارى .(4)
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرجه كذلك النسائي في الكبرى (6/238/10795) وعمل اليوم والليلة (959) عن إبراهيم بن يعقوب ، والدارقطني في مجلس إملاء في رؤية الله تبارك وتعالى (548) عن إسحاق بن الحسن الحربي ، والبيهقي في شعب الإيمان(2/456/2388) ودلائل النبوة عن السري بن خزيمة ، جميعاً عن عثمان بن الهيثم به .
(2) - تغليق التعليق (3/295)
(3) - الذريرة : نوع من الطيب مجموع من أخلاط أو هو فتات قصب طيب يجاء به من الهند
(4) - انظر حكم معلقات البخاري عند الحديث رقم (61)(1/90)
191 : باب فضل صلاة الجماعة
78- (1068) عن أبى الدرداء رضى الله عنه قال : سَمعتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ،وَلا بَدْوٍ،لا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاةُ،إِلا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ،فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ،فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الغَنَمِ الْقَاصِيَةَ " . رواه أبو داود بإسنادٍ حسن .
ذكره حسان عبد المنان في ذيل تهذيب رياض الصالحين له،وقال : " فيه السائب بن حبيش فيه جهالة . قال الدارقطني : لا أعلم حدث عنه غير زائدة . وزاد المزي : وحفص بن عمر بن رواحة وسئل أحمد عن توثيقه،فقال : لا أدري ".
-------------------
قلت : هو في سنن أبى داود(547) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ حَدَّثَنَا السَّائِبُ بْنُ حُبَيْشٍ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ الْيَعْمُرِىِّ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَا مِنْ ثَلاَثَةٍ فِى قَرْيَةٍ وَلاَ بَدْوٍ لاَ تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إِلاَّ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ ». قَالَ زَائِدَةُ قَالَ السَّائِبُ يَعْنِى بِالْجَمَاعَةِ الصَّلاَةَ فِى الْجَمَاعَةِ.(1)
وتابع زائدة عن السائب : حفص بن عمر بن رواحة الأنصارى،فقد أخرجه ابن عساكر (20/98) من طريق أبي سعيد بن حفص بن رواحة عن أبيه ثنا السائب بن حبيش بإسناده ومتنه سواء .
وقال أبو عبد الله الحاكم (900و(3796): هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ،ووفقه الذهبي،وقال أيضاً " هَذَا حَدِيثٌ صَدُوقٌ رُوَاتُهُ،شَاهِدٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ،مُتَّفَقٌ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِرُوَاتِهِ إِلاَّ السَّائِبَ بْنَ حُبَيْشٍ،وَقَدْ عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِ زَائِدَةَ أَنَّهُ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ عَنِ الثِّقَاتِ ".
قلت : هو كما قال،رجاله ثقات كلهم مشاهير غير السائب بن حبيش الكلاعى الشامي،وهو صدوق صالح الحديث،ليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث .
وذكره العجلى في معرفة الثقات (1/384/547)،وابن حبان في الثقات (6/413/8347) . وفي تاريخ دمشق لابن عساكر(20/98) عن أبى بكر البرقاني قال : وسألت الدارقطني عن السائب بن حبيش،فقال : من أهل الشام صالح الحديث،حدث عنه زائدة،لا أعلم حدث عنه غيره . وفي الكاشف (1/424) : " صدوق " .
ومن لم يعرف حاله سكت عنه ولم يذكره بجرحة،كما فعل البخاري في التاريخ الكبير (4/153/2296) . ولهذا لما سأل عبد الله بن أحمد أباه عنه : أثقة هو ؟،قال : لا أدري
وأمَّا وصفه بالجهالة،فقد علمت أنه لم يتفرد بالرواية عنه زائدة كما انتهى إليه علم أبي الحسن الدارقطني،بل روى عنه كذلك حفص بن عمر بن رواحة الأنصاري،وقد قال ابن حبان : روى عنه زائدة بن قدامة وأهل الكوفة . وبذلك انتفت جهالة عينه،كما انتفت من قبل جهالة حاله بتوثيق هؤلاء المزكين إيَّاه،وفيهم الدارقطني،مع أنه لم يعلم له راوياً غير زائدة بن قدامة .
وأما قول الحاكم عن زائدة : "وَقَدْ عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِ زَائِدَةَ أَنَّهُ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ عَنِ الثِّقَاتِ"،فما أشبهه بما قال،فقد كان زائدة ذا بصر بالرجال والرواية عنهم لا يأخذ إلا ممن هو ثقة عنده،كما كان لا يحدث إلا من شهد له عدلان أنه من أهل السنَّة .
فقد قال أحمد بن صالح العجلي في معرفة الثقات (1/367) : " زائدة بن قدامة ثقفي،كنيته أبو الصلت . كوفي ثقة،لا يحدِّث أحداً حتى يسأل عنه،فإن كان صاحب سنَّة حدثه،وإلا لم يحدثه،وكان قد عرض حديثه على سفيان الثوري،وروى عنه الثوري " .
وقال ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار (1/171) : " كان من الحفاظ المتقنين،وكان لا يعدُّ السماع حتى يسمعه ثلاث مرات،وكان لا يحدَّث أحدا حتى يشهد له عدلان أنه من أهل السنَّة " .
فإذا ثبتت عدالة السائب بن حبيش،فقد وجب قبول روايته والاحتجاج بحديثه،ولهذا صحَّح حديثه ابن خزيمة،وابن حبان،والحاكم وغيرهم(2)
================
حكم صلاة الجماعة(3)
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي الأَْصَحِّ - وَأَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ،وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ،إِلَى أَنَّ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَرَائِضِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلرِّجَال،وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْوَاجِبِ فِي الْقُوَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .
وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ - حَسَبَ اصْطِلاَحِهِمْ - وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَال : صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُل عَلَى صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً(4)وَفِي رِوَايَةٍ : بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً(5)،فَقَدْ جَعَل النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْجَمَاعَةَ لإِِحْرَازِ الْفَضِيلَةِ،وَذَا آيَةُ السُّنَنِ،وَقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ(6): لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلاَةِ إِلاَّ مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِى بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِىَ الصَّلاَةَ - وَقَالَ - إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلاَةَ فِى الْمَسْجِدِ الَّذِى يُؤَذَّنُ فِيهِ"(7).وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ -،إِلَى أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ،وَهُوَ قَوْل بَعْضِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ،كَالْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ،وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ(8). وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مِنْ ثَلاَثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلاَ بَدْوٍ لاَ تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إِلاَّ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ،فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُل الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ(9).
وَقَدْ فَصَّل بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالُوا : إِنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَيْ بِالْبَلَدِ ؛ فَيُقَاتَل أَهْلُهَا عَلَيْهَا إِذَا تَرَكُوهَا،وَسُنَّةٌ فِي كُل مَسْجِدٍ وَفَضِيلَةٌ لِلرَّجُل فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ(10).
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ،وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وُجُوبَ عَيْنٍ وَلَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلاَةِ،خِلاَفًا لاِبْنِ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ،الَّذِي ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ وَاجِبَاتِ الصَّلاَةِ .
وَاسْتَدَل الْحَنَابِلَةُ بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى : {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} (102) سورة النساء،فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْجَمَاعَةِ حَال الْخَوْفِ،فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى . وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال : « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ،ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا،ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ،ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ،وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ »(11).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِى قَائِدٌ يَقُودُنِى إِلَى الْمَسْجِدِ. فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّىَ فِى بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ « هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ ». فَقَالَ نَعَمْ. قَالَ « فَأَجِبْ »(12)..
وَلِذَلِكَ قَالُوا : إِنَّ تَارِكَ الْجَمَاعَةِ يُقَاتَل وَإِنْ أَقَامَهَا غَيْرُهُ ؛ لأَِنَّ وُجُوبَهَا عَلَى الأَْعْيَانِ(13).
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرجه كذلك ابن المبارك في الزهد (1306) ، وأحمد في مسنده(5/196 و6/446) ، والنسائي في الكبرى (1/296/920) والمجتبى (2/106) ، وابن خزيمة (1486) ، وابن حبان (2101) ، والحاكم (1/330 و2/524) ، والبيهقى في السنن الكبرى (3/54) و شعب الإيمان (3/57/2859) ، وابن عبد البر في التمهيد (13/281 و18/337) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق(20/98،97) ، والمزي في تهذيب الكمال (10/183) والمسند الجامع - (ج 14 / ص 623)(10986 ) من طرق عن زائدة بن قدامة حدثنا السائب بن حبيش الكلاعى عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال : قال لي أبو الدرداء :...
ورواه عن زائدة جماعة من الرفعاء الكبراء : عبد الله بن المبارك ، وحماد بن أسامة ، ومروان ابن معاوية الفزارى ، وعبد الصمد بن عبد الوارث ، وعبد الرحمن بن مهدى ، ووكيع بن الجراح ، ومعاوية بن عمرو الأزدى ، وأبو سعيد عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد مولى بنى هاشم ، وأحمد ابن عبد الله بن يونس اليربوعى ، ويحيى بن أبى بكير .
(2) - وحسنه الشيخ شعيب في التعليق على مسند أحمد (ج 36 / ص 42)(21710 ) و (ج 45 / ص 507)(27514 ) وكذلك في التعليق على صحيح ابن حبان (2101 )،وسكت المنذري على تصحيح ابن حبان والحاكم في الترغيب (618) وحسنه الألباني في صحيح الجامع ( 5701) وفي صحيح الترغيب والترهيب ( 427 ) قال :( حسن صحيح ) وحسنه في صحيح وضعيف سنن أبي داود (547) وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 6 / ص 236) قال عنه لا بأس به وفي خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام للإمام النووي - (ج 1 / ص 277)(784 ) صحح إسناده
(3) - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 25 / ص 240) والموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 27 / ص 165)
(4) - صحيح البخارى(645)
(5) - صحيح البخارى(646)
(6) - صحيح مسلم (1519 )
(7) - البدائع 1 / 155 ، وابن عابدين 1 / 371 ، وفتح القدير 1 / 300 نشر دار إحياء التراث ، ومراقى الفلاح وحاشية الطحطاوي ( 156 ) والدسوقي 1 / 319 ، 320 ، والحطاب 2 / 81 ، 82 ، والقوانين الفقهية ص : 69 نشر دار الكتاب العربي ، والمهذب 1 / 100 ، وشرح المحلى على المنهاج 1 / 221 .
(8) - مغني المحتاج 1 / 229 ، والمهذب 1 / 100 ، وفتح القدير 1 / 300 ، وابن عابدين 1 / 371 ، والطحطاوي على مراقى الفلاح 156 ، والدسوقي 1 / 319 ، 320 ، والشرح الصغير 1 / 152 ، ومواهب الجليل 1 / 81 .
(9) - قلت: وصححه النووي في المجموع ( 4 / 183 - ط . المنيرية ) .
(10) - الدسوقى 1 / 319 - 320 والشرح الصغير 1 / 152 .
(11) - صحيح البخارى (644 ) -المرماتان : ما بين ظلفى الشاة من اللحم
(12) - صحيح مسلم (1518 )
(13) - البدائع 1 / 155 ، وابن عابدين 1 / 371 ، وفتح القدير وكشاف القناع 1 / 454 - 455 .(1/91)
3 : باب الصبر
79-(43) عن أنس رضى الله عنه قال قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :" إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا،وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . وقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ،وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ،فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا،وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ".رواه الترمذى وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .
ذكره حسان عبد المنان في ذيل تهذيب رياض الصالحين له،وضعفه براويه عن أنس : سعد بن سنان الكندي،وذكر من ضعَّفه من الأئمة،وقال : فلا عبرة بتوثيق ابن معين وحده،لا سيما وأن فيه جهالة أو بعض جهالة " كذا قال .
------------------
قلت : هو في سنن الترمذى(2575 ) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِى الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
(2576 ) وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.(1)
وهذا إسناد مصري حسن،رجاله موثقون كلهم،غير أنهم اختلفوا في اسم التابعي راويه عن أنس،كما اختلف عليه غيرُهم على ثلاثة أقوال :
( الأول ) سنان بن سعد،هكذا يقوله عن يزيد بن أبى حبيب : عمرو بن الحارث،وابن لهيعة،ومحمد بن إسحاق،وابن أبي ذئب،وسعيد بن أبى أيوب،والليث من رواية عبد الله بن صالح عنه .
( الثانى ) سعد بن سنان،هكذا يقوله عن يزيد بن أبى حبيب : الليث بن سعد من رواية معظم أصحابه عنه،ولا يتابع عليه .
( الثالث ) سعيد بن سنان،هكذا روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عنه عدة أحاديث سمَّاه في بعضها سعيد بن سنان،وفي بعضها سعد بن سنان،وفي بعضها سنان بن سعد،قاله أبو بكر الخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق(2/168) .
وأصحُّ ما في هذه الأسماء وأصوبه أولها سنان بن سعد ،كما صوَّبه البخاري وابن حبان وابن يونس وابن شاهين وجماعة .
قال أبو عيسى الترمذى :" وسَمِعْت مُحَمَّدًا ـ يعني البخاري ـ يَقُولُ : وَالصَّحِيحُ سِنَانُ بْنُ سَعْدٍ " .
وقال ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار (ص122) : " سنان بن سعد . من جلة المصريين،وهو الذي يخطىء الرواة فيه،منهم من قال سعد بن سنان،وقال بعضهم سعيد بن سنان . والصحيح سنان بن سعد والله أعلم " .
وقال في الثقات (4/336/3210) : " سنان بن سعد . يروي عن أنس بن مالك . حدَّث عنه المصريون،وهم مختلفون فيه،يقولون سعد بن سنان،وسعيد بن سنان،وسنان بن سعيد . وأرجو أن يكون الصحيح سنان بن سعد. وقد اعتبرت حديثه،فرأيت ما روي عن سنان بن سعد يشبه أحاديث الثقات،وما روي عن سعد بن سنان وسعيد بن سنان فيه المناكير كأنهما اثنان فالله أعلم " .
وقال أبو حفص بن شاهين في تاريخ أسماء الثقات(ص104) : " قال أحمد بن صالح : سنان بن سعد ثقة،ليس في قلبي من حديثه شيء،هو من أهل البصرة ".
ولهذا الاختلاف والاضطراب في اسمه،تكلم فيه من ضعَّفه من الأئمة . قال أحمد بن أبي يحيى سمعت أحمد بن حنبل يقول : لم أكتب أحاديثه،لأنهم اضطربوا فيها،فقال بعضهم سعد بن سنان،وبعضهم سنان بن سعد . وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه : تركت حديثه،لأنه حديث مضطرب،وسمعته يقول : يشبه حديثه حديث الحسن،ولا يشبه أحاديث أنس(2). وقال السعدي : أحاديثه واهية لا تشبه أحاديث الناس عن أنس . وقال النسائي : منكر الحديث .
وأمَّا من رجَّح الوجه الأول من أسمائه،فلم يتردد في توثيقه وقبوله . فقال أبو بكر بن أبي خيثمة : سئل يحيى بن معين عن سنان بن سعد الذي روى عنه يزيد بن أبي حبيب،فقال : ثقة،وقال العجلي في معرفة الثقات (1/390/564) : " بصرى تابعي ثقة " . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات (4/336/3210)،وقال في مشاهير علماء الأمصار (ص122) : "من جلة المصريين " . وقال أبو حفص بن شاهين في تاريخ أسماء الثقات (ص104) : " قال أحمد بن صالح : سنان بن سعد ثقة،ليس في قلبي من حديثه شيء،هو من أهل البصرة " .
وقال ابن حجر في التقريب : (1/231/2238) : " صدوق له أفراد " .
وأما الحافظ الذهبى،فقد أسند في سير الأعلام (8/138) حديثه عن أنس أنَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " تَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ،يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا،وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا،يَبِيعُ أَقْوَامٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا " ثم قال : " هذا الحديث حسنٌ عالٍ،أخرجه الترمذي عن قتيبة،فوافقناه بعلوٍ " .
وفيما ذكرناه من النقول عمن وثقه واعتمده،ردٌّ على قوله الخاطئ : " فلا عبرة بتوثيق ابن معين وحده " . وفيما قاله الأمير ابن ماكولا فى ترجمته(سنان بن سعد الكندي،عن أنس وعن أبيه،روى عنه يزيد بن أبي حبيب ومحمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي - وقيل فيه سعد بن سنان،قال ابن يونس: وسنان بن سعد أصح)(3)،ردٌّ على الخطأ الثاني : " لا سيما وأن فيه جهالة أو بعض جهالة " !!
فالصواب أن حديثه حسن كما قال الترمذي،وحسنه الألباني في صحيح الجامع (308) والصحيحة (1220) وأشار ابن تيمية إلى صحته أثناء الاحتجاج به -مجموع الفتاوى - (ج 14 / ص 112)
قلت: وللحديث الأول شاهد بنحوه ففي المعجم الكبير للطبراني(11676) حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ،وَجَعْفَرُ بن مُحَمَّدِ بن مَالِكٍ الْفَزَارِيُّ الْكُوفِيُّ،قالا: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بن يَعْقُوبَ الأَسَدِيُّ،حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ،عَنْ شَيْبَانَ،عَنْ قَتَادَةَ،عَنْ عِكْرِمَةَ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيلُ وَجْهُهُ دَمًا،فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي اتَّبَعْتُ امْرَأَةً،فَلَقِيَنِي رَجُلٌ فَصَنَعَ بِي مَا تَرَى،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ فِي الدُّنْيَا،وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنَبِهِ حَتَّى يُوافِيَهُ"
وفي صحيح ابن حبان (2911) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى،قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،قَالَ : حَدَّثَنَا عَفَّانُ،قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ،عَنِ الْحَسَنِ،عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ،أَنَّ رَجُلاً لَقِيَ امْرَأَةَ كَانَتْ بَغِيًّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ،فَجَعَلَ يُلاَعِبُهَا حَتَّى بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا،فَقَالَتْ : مَهْ،فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ بِالشِّرْكِ وَجَاءَ بِالإِسْلاَمِ،فَتَرَكَهَا وَوَلَّى فَجَعَلَ يَلْتَفِتُ خَلْفَهُ وَيَنْظُرُ إِلَيْهَا حَتَّى أَصَابَ وَجْهُهُ حَائِطًا،ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَالدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ،فَأَخْبَرَهُ بِالأَمْرِ،فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا،عَجَّلَ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ،وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَلَيْهِ ذَنْبَهُ،حَتَّى يُوَافِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ عَائِرٌ.
والحديث الثاني كما في مسند أحمد (24340)حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَحْمِى عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ تَخَافُونَهُ عَلَيْهِ ». (24341) وَبِهَذَا الإِسْنَادِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزًّ وَجَلًّ إِذَا أَحَبًّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ وَمَنْ جَزِعَ فَلَهُ الْجَزَعُ ». وهو في الصحيحة ( 146) وصحيح الجامع ( 1706)
فالحديث يصبح صحيحاً لغيره بهذه الشواهد .
---------------------
الإنسانُ بين تعجيل العقوبة وتأجيلها
إنَّ الإنسان لا يخلو من خطأ ومعصية وتقصير في الواجب،فإذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا إما بماله أو بأهله أو بنفسه أو بأحد ممن يتصل به .
المهم أن تعجل له العقوبة،لأن العقوبات تكفر السيئات فإذا تعجلت العقوبة وكفر الله بها عن العبد فإن يوافي الله وليس عليه ذنب قد طهرته المصائب والبلايا حتى إنه ليشدد على الإنسان موته لبقاء سيئة أو سيئتين عليه،حتى يخرج من الدنيا نقيا من الذنوب،وهذه نعمة لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة .
لكن إذا أراد الله بعبده الشر أمهل له واستدرجه وأدرَّ عليه النعم ودفع عنه النقم حتى يبطر ويفرح فرحاً مذموما بما أنعم الله به عليه .
وحينئذ يلاقي ربه وهو مغمور بسيئاته فيعاقب بها في الآخرة نسأل الله العافية، فإذا رأيت شخصاً يبارز الله بالعصيان وقد وقاه الله البلاء وأدرَّ عليه النعم، فاعلم أنَّ الله إنما أراد به شراً لأنَّ الله أخَّرَ عنه العقوبة حتى يوافي بها يوم القيامة .
ثم ذكر في هذا الحديث أن عظم الجزاء من عظم البلاء ،يعني أنه كلما عظم البلاء عظم الجزاء فالبلاء السهل له أجر يسير والبلاء الشديد له أجر كبير ؛لأن الله عز وجل ذو فضل على الناس إذا ابتلاهم بالشدائد أعطاهم عليها من الأجر الكبير، وإذا هانت المصائب هان الأجر .
وإن الله إذا أحب قوم ابتلاهم فمن رضى فله الرضى ومن سخط فله السخط ،وهذه بشرى للمؤمن إذا ابتلي بالمصيبة فلا يظن أن الله سبحانه يبغضه؛ بل قد يكون هذا من علامة محبة الله للعبد يبتليه سبحانه بالمصائب ،فإذا رضي الإنسان وصبر واحتسب فله الرضى ،وإن سخط فله السخط .
وفي هذا حث على أن الإنسان يصبر على المصائب، حتى يكتب له الرضى من الله عز وجل ،والله الموفق(4).
- - - - - - - - - - - - -
الخلاصة في هذا الموضوع
? الإمام النووي رحمه الله إمام جليل،أجمعت الأمة عليه،وقد بلغ الذروة العليا من التقى والورع والعلم .
? كتاب رياض الصالحين من الكتب النافعة والقيمة للإمام النووي رحمه الله،وقد تلقَّته الأمة بالقبول،وأكبَّ عليه العلماء حفظاً ودرساً وشرحاً .
? ليس أحدٌ من البشر معصوماً غير الأنبياء والمرسلين،فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ »(5).
? يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال بالإجماع،وفي الأحكام عند أكثر أهل العلم إذا لم يوجد في الباب ما هو أقوى منه،ولذا فإن القول بمنع العمل بالحديث - ضعفاً يسيراً - وتحذير الأمة منه قول مبتدع لا أصل له عند السلف والخلف .
? الأخطاء التي وقع فيها الإمام النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين،ما هي إلا قطرة من بحر،فلا يجوز الوقوف عندها ولا التشنيع عليه،حيث لا يخلو إنسان من أوهام يقع فيها،وهو مأجور على كلا الحالتين،فعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ،وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ »(6).
وهؤلاء الذين يشنِّعون عليه من المعاصرين ولا سيما الذين أفردوا هذه الأحاديث التي زعموا ضعفها وأخذوا يضعونها في مواقع النت محذرين الأمة منها على حدِّ زعمهم،لا يقبل كلامهم،لأنهم مخالفون للسَّلف والخلف بتصرفهم هذا،وليسوا أكثر من حُطَّاب ليل ليس إلا .
? والذين ينكرون على الإمام النووي رحمه الله تصحيحه أو تحسينه لبعض الأحاديث في كتابه هذا ولا تستحق ذلك،قد حسَّنوا وصححوا ما هو دونها بكثير.
? يحرم على طالب العلم ازدراء أهل العلم الأولين،لأننا حسنة من حسناتهم،ونتطفَّلُ على موائدهم،ولقوله - صلى الله عليه وسلم - :« لَيْسَ مِنْ أُمَّتِى مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرَفْ لِعَالِمِنَا »(7)،ولقوله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) [الحشر/10] }،وفي هذه الآية دلالة على أنه ينبغي للمسلم أن يذكر سلفه بخير،ويدعو لهم،وأن يحبَّ صحابة رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - ،ويذكرهم بخير،ويترضَّى عنهم.
? منهج السلف الصالح في فهم أمور الدين ليس حكراً على جماعة معينة ، بل كلُّ المسلمين في الأرض يقتدون بالسَّلف الصالح ، ويترضون عليهم ، ومن ثم فإن تخويف الناس بأنه مخالفون لمنهج السلف ، ما هو إلا تهويل ليس له دليل صحيح ، فلن يستأثر أحد بهم دون سائر الناس ، وليس منهجهم محصوراً في كتاب واحد ، ولكن بمثات الكتب الموجودة في جميع أصقاع المعمورة .
? لا يجوز اتهام المخالفين لنا بالرأي - المعتبر- بأنهم خارجون عن السنَّة ،مبتدعون في الدِّين ، وهذا سلاح البطالين ، وذوي الأهواء .
? كثيرٌ ممن يدَّعي نصرة السنَّة النبوية يخالفُ صريح القرآن والسنَّة وإجماع المسلمين الصريح .
? لا يجوز فهم السنَّة النبوية فهما يخالف ما كان عليه جمهور أهل العلم السابقين.
? يحرمُ علينا التسرُّع بالحكم على الحديثِ،ولا سيما الأحاديث التي حكم عليها جهابذة المحدِّثين بحجة التحقيق العلمي المزعوم،فهم أعلم وأتقى منا بكثير .
? يحرمُ الحكمُ على الحديث قبلَ البحث عن سائر طرقه وشواهده،سواء أكانت لفظية أو معنوية،وما قاله أهل الفنِّ السابقين.
? يقوَى الحديثُ الضعيفُ إنْ كان له متابعٌ مثلُه فأكثرُ،أو كان لهُ شاهدٌ بلفظهِ أو معناهُ،أو آيةٌ قرآنيةٌ،أو عمِلَ بهِ كثيرٌ منَ العلماء السابقينَ،أو تلقَّوهُ بالقبولِ ونحو ذلك .."(8).
? لا يجوز ردُّ الحديثَ بحجة أنه يخالفُ عقولنا القاصرة،وما ألفناهُ من عادات وتقاليد مخالفة للإسلام .
? لا يجوزُ ردُّ حديثٍ من أحاديث الصحيحين بحجَّة أن صاحبي الصحيح من البشر يمكن أن يقعا في الخطأ والوهم...،وذلك لأن الأمة قد تلقتهما بالقبول،وبحثَ علماء الحديث جميع أحاديثهما سندا ومتناً،فردُّ أحاديثهما أو بعضها هو خرق للإجماع بلا ريب،وكبيرة من الكبائر يخشى على صاحبها الهلاك،واتباع غير سبيل المؤمنين .
? الجرح والتعديل قائم على غلبة الظنِّ،وليس على القطع واليقين،ومن ثمَّ فقد يخطئ العالم في حكمه على الراوي،قال أبو حاتم الرازي(9): مَثَلُ معرفة الحديث كمثل فصٍّ ثمنه مئة دينار،وآخر مثله على لونه،ثمنُه عشرة دراهم،قال : وكما لا يتهيأ للناقدِ أنْ يُخبر بسبب نقده،فكذلك نحن رُزقنا علماً لا يتهيأُ لنا أنْ نُخبِر كيف علمنا بأنَّ هذا حديثٌ كذِبٌ،وأنَّ هذا حديثٌ مُنكرٌ إلا بما نعرفه،قال : وتُعرَفُ جودةُ الدينارِ بالقياسِ إلى غيره،فإنْ تخلف عنه في الحمرة والصَّفاء علم أنَّه مغشوش،ويُعلم جنسُ الجوهر بالقياس إلى غيره،فإنْ خالفه في المائيَّة والصَّلابة،علم أنَّه زجاج،ويُعلَمُ صحةُ الحديث بعدالة ناقليه وأنْ يكون كلاماً يصلح مثلُه أنْ يكون كلامَ النبوّة،ويُعرف سُقمه وإنكاره بتفرُّد من لم تصحَّ عدالته بروايته،والله أعلم.
? الجهابذةُ النقادُ العارفون بعلل الحديث أفرادٌ قليلٌ من أهل الحديث جداً،وأوَّل من اشتهر بالكلام في نقد الحديث ابنُ سيرين،ثم خلفه أيوبُ السَّختياني،وأخذ ذلك عنه شعبةُ،وأخذ عن شعبة يحيى القطّان وابنُ مهدي،وأخذ عنهما أحمد،وعليُّ بن المديني،وابن معين،وأخذ عنهم مثلُ البخاري وأبي داود وأبي زُرعة وأبي حاتم(10)،ولما مات أبو زرعة،قال أبو حاتم : ذهب الذي كان يُحسن هذا - يعني : أبا زرعة - ما بقي بمصر ولا بالعراق واحد يحسن هذا(11). وقيل له بعدَ موت أبي زُرعة : تعرف اليوم أحداً يعرف هذا ؟ قالَ : لا(12)،وجاء بعد هؤلاء جماعة،منهم : النَّسائي والعقيلي وابنُ عدي والدارقطني،وقلَّ من جاء بعدهم ممَّن هوَ بارع في معرفة ذَلِكَ حتَّى قالَ أبو الفرج بن الجوزي في أوَّل كتابه " الموضوعات "(13): قد قلَّ من يفهم هذا بل عُدِمَ،والله أعلم .اهـ
? لا يجوز الحكم على راو معيَّنٍ إلا بعد استيعاب أقوال أهل الجرح والتعديل فيه،ووضع كل قول في مكانه،والموازنة بينها،وفهم مقاصدهم،ثم الحكم عليه،هذا إذا لم يحكم عليه سابقاً بحكم واضحًٍ .
? لا يجوز الاعتماد على الكتب المختصرة في الجرح والتعديل ولا سيما في الحكم على الرواة المختلف فيهم .
? لا يجوز اتباع نهج المتشددين في الجرح والتعديل،ولا نهج المتساهلين كذلك . وخير الأمور الوسط .
? من الأخطاء الفاحشة التي وقع فيها كثير من طلاب العلم المعاصرين،المشتغلين بالسنَّة النبوية،عدم فهمهم لقوانين الرواية والدراية بشكل دقيق،فضعَّفوا كثيرا من الأحاديث التي لا تستحق التضعيف،أو التي صححها أو حسَّنها جهابذة هذا الفنِّ من قبلُ .
? على طالب العلم التحرر من إسار التقليد الأعمى،وضيق الأفق،وليكن رائده قول الله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة/100،101] }
? يجب أن يعلم أي واحد منا أن الله تعالى سوف يسأله عن كل قول يقوله أو فعل يفعله،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ،حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ،حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ"(14)
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
ـــــــــــــــــ
__________
(1) - وأخرج الأول كذلك أبو يعلى (7/247/4254،4255) ، وابن عدي في الكامل (3/355) ، والدارقطني في مجلس إملاء في رؤية الله تبارك وتعالى (180) من طرق عن ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان به ،وأخرجه الحاكم (4/651) من طريق ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث وابن لهيعة عن سنان بن سعد به
وأخرج الثانى ابن ماجه (4031) ، وأبو يعلى (7/247/4253) ، وابن عدي في الكامل (3/356) ، والدارقطني في مجلس إملاء في رؤية الله تبارك وتعالى (244) ، والقضاعي في مسند الشهاب (1121) ، والبيهقي في شعب الإيمان(7/144/9783) من طرق عن ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان به
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (7/144/9782) من طريق ابن وهب أخبرني ابن لهيعة وعمرو بن الحارث والليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد به
(2) - موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل - (ج 3 / ص 44)
(3) - الإكمال لابن ماكولا - (ج 3 / ص 116)
(4) - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 1 / ص 131)
(5) - سنن الترمذى (2687 ) والحاكم (7617 ) وصحيح الجامع (4515) وهو صحيح لغيره
(6) - صحيح البخارى(7352 )
(7) - مسند أحمد (23425) والمستدرك للحاكم (421) والأحاديث المختارة للضياء - (ج 4 / ص 34)(445) وهو صحيح لغيره
(8) - قواعد التحديث للقاسمي-(ج 1 / ص 69) وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث-(ج 1 / ص 66) وأصول الحديث 349-350 وتدريب الراوي ص 104 والرسالة للشافعي 461-462 وشرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر-(ج 1 / ص 408)
(9) - في " الجرح والتعديل " 1/84 ، و" العلل " 1/196 .
(10) - انظر : الجرح والتعديل 1/314 .
(11) - ذكره : ابن أبي حاتم في" الجرح والتعديل " 1/287 - 288 .
(12) - ذكره : ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 1/314 .
(13) - الموضوعات 1/31 .
(14) - مسند أبي عوانة (5660 ) صحيح(1/92)
المصادر والمراجع الهامة
1. تفسير الطبري الشاملة 2 + موقع التفاسير
2. تفسير ابن كثير الشاملة 2 + موقع التفاسير
3. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي الشاملة 2 + موقع التفاسير
4. تفسير الألوسي الشاملة 2 + موقع التفاسير
5. الوسيط للواحدي الشاملة 2 + موقع التفاسير
6. أيسر التفاسير لأسعد حومد الشاملة 2 + موقع التفاسير
7. التفسير الميسر الشاملة 2 + موقع التفاسير
8. تفسير السعدي الشاملة 2 + موقع التفاسير
9. تفسير ابن أبي حاتم الشاملة 2 + موقع التفاسير
10. في ظلال القرآن الشاملة 2 + موقع التفاسير
11. الوسيط لسيد طنطاوي الشاملة 2 + موقع التفاسير
12. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ابن تيمية الشاملة 2 = دار عالم الكتب
13. تحفة المريد على جوهرة التوحيد
14. شرح الطحاوية في العقيدة السلفية= الشاملة 2
15. الصارم المسلول ابن تيمية= الشاملة 2= دار ابن حزم - بيروت
16. منهاج السنة النبوية ابن تيمية= الشاملة 2 = محمد رشاد سالم
17. درء التعارض بين العقل والنقل ابن تيمية= الشاملة 2= دار الكنوز الأدبية الرياض
18. المنتقى - شرح الموطأ للباجي الشاملة 2+ موقع الإسلام
19. موطأ مالك المكنز
20. صحيح البخارى المكنز
21. صحيح مسلم المكنز
22. مختصر صحيح المسلم للمنذري الشاملة 3 + ت الألباني
23. سنن أبى داود المطنز
24. سنن الترمذى المكنز
25. سنن النسائى المكنز
26. سنن ابن ماجه الكننز
27. مصنف عبد الرزاق المكتب الإسلامي + الشاملة 2
28. مصنف ابن أبي شيبة عوامة + الشاملة 2
29. مسند أحمد الكنز
30. مسند الشاشي جامع الحديث النبوي
31. مسند أحمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط) دار صادر
32. أخبار مكة للأزرقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
33. الإبانة الكبرى لابن بطة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
34. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
35. الجهاد في سبيل الله له الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
36. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
37. المستدرك للحاكم دار المعرفة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
38. المعجم الكبير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
39. المعجم الأوسط للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
40. المعجم الصغير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
41. تفسير ابن أبي حاتم الشمالة 2 + موقع التفاسير + جامع الحديث النبوي
42. تهذيب الآثار للطبري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
43. دلائل النبوة للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
44. السنن الكبرى للبيهقي المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
45. شعب الإيمان للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
46. سنن الدارمى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
47. مسند أبي عوانة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
48. مسند إسحاق بن راهويه الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
49. مسند البزار 1-14كاملا الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
50. مسند أبي يعلى الموصلي ت حسين الأسد دار المأمون + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
51. مسند الحميدى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
52. مسند الروياني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
53. مسند السراج الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
54. سنن الدارقطنى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
55. صحيح ابن حبان مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
56. صحيح ابن خزيمة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
57. مسند الشاميين للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
58. مسند الشهاب القضاعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
59. مسند الطيالسي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
60. مسند عبد الله بن المبارك الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
61. مسند عبد بن حميد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
62. مسند الشافعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
63. شرح معاني الآثار الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي+ موقع الإسلام
64. مشكل الآثار للطحاوي ، مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
65. معرفة السنن والآثار للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
66. السنن الصغرى للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
67. المنتقى من السنن المسندة لابن الجارود الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
68. معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
69. موسوعة السنة النبوية - للمؤلف مخطوط
70. الأحاديث المختارة للضياء +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
71. شرح السنة ـ للإمام البغوى متنا وشرحا مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
72. مجمع الزوائد + دار المعرفة + الشاملة 2
73. اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
74. المسند الجامع مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
75. جامع الأصول لابن الأثير ت - عبد القادر الأرناؤوط + الشاملة 2
76. عمل اليوم والليلة للنسائي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
77. عمل اليوم والليلة لابن السني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
78. عشرة النساء للنسائي بتحقيقي
79. المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
80. الترغيب والترهيب للمنري+ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
81. حديث خيثمة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
82. أخبار أصبهان الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
83. أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
84. أمالي ابن بشران الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
85. أمالي المحاملي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
86. أمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
87. اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
88. الآداب للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
89. الأدب المفرد للبخاري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
90. الأسماء والصفات للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
91. الأمثال للرامهرمزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
92. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأبي بكر بن الخلال الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
93. الأموال للقاسم بن سلام الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
94. الأموال لابن زنجويه الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
95. الاعتقاد للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
96. الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
97. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
98. الدعاء للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
99. الدعاء للمحاملي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
100. الدعاء لمحمد بن فضيل الضبي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
101. الدعوات الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
102. الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
103. الرخصة في تقبيل اليد لمحمد بن إبراهيم المقرئ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
104. الزهد الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
105. الزهد لأبي حاتم الرازي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
106. الزهد لأحمد بن حنبل الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
107. الزهد لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
108. الزهد لهناد بن السري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
109. الزهد والرقائق لابن المبارك الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
110. الزهد وصفة الزاهدين لأحمد بن بشر الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
111. السنة لأبي بكر بن الخلال الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
112. السنة لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
113. السنة لعبد الله بن أحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
114. السنة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
115. السنن الواردة في الفتن للداني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
116. الفصل للوصل المدرج للخطيب الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
117. الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
118. الفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
119. القبل والمعانقة والمصافحة لابن الأعرابي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
120. القراءة عند القبور لأبي بكر بن الخلال الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
121. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
122. الكنى والأسماء للدولابي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
123. المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
124. المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
125. تالي تلخيص المتشابه للخطيب الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
126. بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي الشاملة2
127. تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
128. جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
129. خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لِلْبُخَارِيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
130. طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
131. طبقات الحنابلة لأبي يعلى+ الشاملة 2
132. فضائل الأوقات للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
133. فضائل الصحابة لأحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
134. فضائل القرآن للفريابي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
135. فضائل القرآن للقاسم بن سلام الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
136. فضائل القرآن لمحمد بن الضريس الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
137. فوائد تمام الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
138. قرة العين في ضبط رجال الصحيحين + الشاملة 2
139. مجلس إملاء في رؤية الله تبارك وتعالى للدارقطني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
140. مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
141. مسند المقلين لتمام الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
142. الإكمال لابن ماكولا الشاملة 2
143. معجم الصحابة لابن قانع الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
144. قصر الأمل لابن أبي الدنيا الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
145. القول المسدد الشاملة 2
146. المقاصد الحسنة للسخاوي الشاملة 2
147. كشف الخفاء للعجلوني الشاملة 2
148. نظم المتناثر للكتاني الشاملة 2
149. نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي الشاملة 2 + موقع الإسلام
150. الدراية في تخريج أحأديث الهداية لابن حجر الشاملة 2
151. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر الشاملة 2 + موقع الإسلام
152. روضة المحدثين الشاملة 2
153. تخريج أحاديث الإحياء للعراقي الشاملة 2
154. صيانة صحيح مسلم الشاملة 2
155. هدي الساري لابن حجر الشاملة 2
156. تغليق التعليق لابن حجر الشاملة 2
157. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني الشاملة 2
158. الفتاوى الحديثية للحويني الشاملة 2
159. اللآلي المصنوعة للسيوطي الشاملة 2
160. تنزيه الشريعة المرفوعة لابن عراق الشاملة 2
161. الموضوعات لابن الجوزي الشاملة 2
162. إتحاف السادة المتقين للزبيدي دار الفكر
163. الحطة في ذكر الصحاح الستة الشاملة 2
164. تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لابن عبد الهادي الشاملة 2
165. تراجعات العلامة الألباني في التصحيح والتضعيف الشاملة 2
166. تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر فى كتب الأماجد الشاملة 2
167. علل الحديث لابن أبي حاتم الشاملة 2
168. التحقيق في أحاديث الخلاف الشاملة 2
169. الضعفاء والمتروكين للنسائي الشاملة 2
170. العلل المتناهية لابن الجوزي الشاملة 2
171. تاريخ ابن معين رواية الدوري الشاملة 2
172. تاريخ معرفة الثقات لابن شاهين الشاملة 2
173. مشاهير علماء الأمصار ابن حبان الشاملة 2
174. تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي الشاملة 2
175. تحفة الطالب دار حراء - مكة المكرمة
176. تحفة المحتاج في تخريج أحاديث المنهاج لابن الملقن + الشاملة 2
177. البدر المنير لابن الملقن + الشاملة 2
178. خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام للإمام النووي + الشاملة 2
179. تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج + الشاملة 2
180. السلسلة الضعيفة للألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
181. السلسلة الصحيحة للألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
182. رياض الصالحين ت الألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
183. مشكاة المصابيح ت الألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
184. صحيح الترغيب والترهيب + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
185. صحيح وضعيف سنن أبي داود الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
186. صحيح وضعيف سنن الترمذي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
187. صحيح وضعيف سنن النسائي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
188. صحيح وضعيف سنن ابن ماجة الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
189. صحيح وضعيف الجامع الصغير الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
190. الجامع الصغير وزيادته الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
191. علل الحديث لابن أبي حاتم الشاملة 2
192. علل الدارقطني الشاملة 2
193. تاريخ جرجان للسهمي الشاملة 2
194. النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة للحويني الشاملة 2
195. التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي الشاملة 2
196. تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر فى كتب الأماجد الشاملة 2
197. موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل الشاملة 2
198. موسوعة أقوال الدارقطني الشاملة 2
199. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر الشاملة 2
200. فتح الباري لابن حجر الشاملة 2 + موقع الإسلام
201. فتح الباري لابن رجب الشاملة 2
202. عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني الشاملة 2
203. شرح البخاري ابن بطال الشاملة 2
204. شرح النووي على مسلم الشاملة 2 + موقع الإسلام
205. عون المعبود للآبادي الشاملة 2 + موقع الإسلام
206. تحفة الأحوذي المباركفوي الشاملة 2 + موقع الإسلام
207. تأويل مختلف الحديث ابن قتيبة الشاملة 2
208. شُكْرُ اللَّهِ عَلَى نِعَمِهِ لِلْخَرَائِطِيِّ الشاملة 2
209. إرشاد الساري للقسطلاني
210. شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية الشاملة 2
211. فيض القدير،شرح الجامع الصغير الشاملة 2
212. التيسير بشرح الجامع الصغير ـ للمناوى الشاملة 2
213. جامع العلوم والحكم الشاملة 2 + تحقيق الفحل
214. نتائج الأفكار لابن حجر
215. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود الشاملة 2+ موقع الإسلام
216. تيسير العلام شرح عمدة الحكام- للبسام الشاملة 2
217. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح الشاملة 2
218. فيض الباري شرح صحيح البخاري الشاملة 2 + موقع الإسلام
219. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين الشاملة 2
220. بلوغ المرام من أدلة الأحكام الشاملة 2
221. شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم الشاملة 2
222. كشف المشكل من حديث الصحيحين الشاملة 2
223. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام الشاملة 2
224. التحفة الربانية شرح الأربعين النووية الشاملة 2
225. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين الشاملة 2
226. فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري الشاملة 2
227. فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين الشاملة 2
228. مجموع فتاوى ابن تيمية الشاملة 2 + دار الباز
229. الفتاوى الكبرى لابن تيمية الشاملة 2 + موقع الإسلام
230. جواهر الإكليل شرح مختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
231. حاشية الجمل الشاملة 2 + موقع الإسلام
232. القوانين الفقهية لابن جزي الشاملة 2
233. فتاوى الأزهر الشاملة 2
234. الموسوعة الفقهية الكويتية الشاملة 2 + موقع الإسلام + دار السلاسل
235. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشاملة 2
236. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين الشاملة 2
237. فتاوى السبكي الشاملة 2
238. فتاوى الرملي الشاملة 2
239. الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي الشاملة 2 + موقع الإسلام
240. شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد الشاملة 2
241. لقاءات الباب المفتوح الشاملة 2
242. دروس وفتاوى الحرم المدني الشاملة 2
243. فتاوى من موقع الإسلام اليوم الشاملة 2
244. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
245. فتاوى يسألونك الشاملة 2
246. مجموع فتاوى ومقالات ابن باز الشاملة 2
247. مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية الشاملة 2
248. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
249. فتاوى واستشارات الإسلام اليوم الشاملة 2
250. فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة الشاملة 2
251. الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي الشاملة 2
252. الفقه الإسلامي وأدلته الزحيلي الشاملة 2 + دار الفكر
253. الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية الشاملة 2
254. مجلة مجمع الفقه الإسلامي الشاملة 2
255. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام الشاملة 2
256. طرح التثريب الشاملة 2 + موقع الإسلام
257. فتاوى الرملي الشاملة 2
258. الفتوحات الربانية على الأذكار النووية لابن علان دار الفكر
259. نيل الأوطار الشاملة 2 + موقع افسلام
260. البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار - زيدية الشاملة 2
261. الروضة الندية الشاملة 2
262. السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - الرقمية الشاملة 2
263. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام الشاملة 2
264. طرح التثريب الشاملة 2 + موقع الإسلام
265. فتاوى الرملي الشاملة 2
266. نيل الأوطار الشاملة 2 + موقع الإسلام
267. البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار - زيدية الشاملة 2 + موقع الإسلام
268. الروضة الندية الشاملة 2
269. السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - الرقمية الشاملة 2
270. المحلى لابن حزم الشاملة 2
271. شرح النيل وشفاء العليل - إباضية الشاملة 2
272. حاشية رد المحتار الشاملة 2 + موقع الإسلام
273. تكملة حاشية رد المحتار الشاملة 2 + موقع الإسلام
274. المبسوط للسخسي الشاملة 2 + موقع الإسلام
275. الهداية للمرغياني الشاملة 2
276. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع الشاملة 2 + موقع الإسلام
277. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق الشاملة 2 + موقع الإسلام
278. فتح القدير لابن الهمام الشاملة 2 + موقع الإسلام
279. البحر الرائق شرح كنز الدقائق الشاملة 2 + موقع الإسلام
280. مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه الشاملة 2
281. رد المحتار على الدر المختار الشاملة 2
282. المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة الشاملة 2
283. حاشية الطحاوي على المراقي الشاملة 2
284. الشرح الكبير للشيخ الدردير الشاملة 2 + موقع الإسلام
285. الشرح الصغير الشاملة 2
286. التاج والإكليل لمختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
287. مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
288. شرح الزرقاني على مختصر خليل الشاملة 2
289. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني الشاملة 2 + موقع الإسلام
290. منح الجليل شرح مختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
291. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة القرطبي الشاملة 2
292. بداية المجتهد ونهاية المقتصد الشاملة 2
293. روضة الطالبين وعمدة المفتين الشاملة 2
294. المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي الشاملة 2
295. المجموع شرح المهذب للنووي الشاملة 2 + موقع الإسلام
296. أسنى المطالب بشرح روض الطالب الشاملة 2 + موقع الإسلام
297. شرح البهجة الوردية الشاملة 2 + موقع الإسلام
298. حاشيتا قليوبي - وعميرة الشاملة 2 + موقع الإسلام
299. تحفة المحتاج في شرح المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
300. مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
301. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
302. حاشية البجيرمي على الخطيب الشاملة 2 + موقع الإسلام
303. حاشية البجيرمي على المنهج الشاملة 2 + موقع الإسلام
304. الأم للشافعي الشاملة 2 + موقع الإسلام
305. الرسالة للشافعي الشاملة 2
306. الحاوي في فقه الشافعي - الماوردي الشاملة 2
307. دليل المحتاج شرح المنهاج للإمام النووي الشاملة 2
308. الشرح الكبير لابن قدامة الشاملة 2
309. الفروع لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام
310. الإنصاف الشاملة 2 + موقع الإسلام
311. شرح منتهى الإرادات الشاملة 2 + موقع الإسلام
312. كشاف القناع عن متن الإقناع الشاملة 2 + موقع الإسلام
313. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى الشاملة 2 + موقع الإسلام
314. المغني لابن قدامة الشاملة 2 + موقع الإسلام
315. المبدع شرح المقنع الشاملة 2
316. الروض المربع بحاشية العنقري على زاد المستنقع الشاملة 2
317. زاد المستقنع في اختصار المقنع الشاملة 2
318. منار السبيل شرح الدليل الشاملة 2
319. شرح زاد المستقنع لابن عثيمين الشاملة 2
320. الشرح الممتع على زاد المستقنع الشاملة 2
321. أصول السرخسي الشاملة 2
322. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الشاملة 2
323. الإحكام في أصول الأحكام للآمدي الشاملة 2
324. المحصول للرازي الشاملة 2
325. المستصفى للغزالي الشاملة 2 + موقع الإسلام
326. تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية الشاملة 2
327. أنوار البروق في أنواع الفروق الشاملة 2 + موقع الإسلام
328. كشف الأسرار للبزدوي الشاملة 2
329. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الشاملة 2 + موقع الإسلام
330. البحر المحيط للزركشي الشاملة 2 + موقع الإسلام
331. التقرير والتحبير لابن أمير الحاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
332. شرح الكوكب المنير للفتوحي الشاملة 2 + موقع الإسلام
333. إيقاظ همم أولي الأبصار الشاملة 2
334. حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع الشاملة 2 + موقع الإسلام
335. الفصول في الأصول للرازي الشاملة 2 + موقع الإسلام
336. قواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى الشاملة 2
337. التلخيص فى أصول الفقه / لإمام الحرمين الشاملة 2
338. مذكرة أصول الفقه الشاملة 2
339. من أصول الفقه على منهج أهل الحديث - الرقمية الشاملة 2
340. الأصول من علم الأصول - الرقمية الشاملة 2
341. البرهان في أصول الفقه - الرقمية الشاملة 2(1/93)
342. تلقيح الافهام العلية بشرح القواعد الفقهية الشاملة 2
343. حجة الله البالغة للدهلوي الشاملة 2
344. بحوث في علم أصول الفقه الشاملة 2 الكردي
345. القول المفيد في الاجتهاد والتقليد للشوكاني الشاملة 2
346. الموافقات للشاطبي الشاملة 2
347. إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول الشاملة 2
348. الإبهاج في شرح المنهاج الشاملة 2
349. الأصول من علم الأصول الشاملة 2 + موقع الإسلام
350. التقرير والتحبير الشاملة 2 + موقع الإسلام
351. المسودة في أصول الفقه الشاملة 2
352. معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة الشاملة 2
353. نهاية السول شرح منهاج الوصول الشاملة 2
354. إحياء علوم الدين دار الفكر + الشاملة 2
355. حلية الأولياء لأبي نعيم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
356. الأذكار للنووي الشاملة 2
357. أدب الدنيا والدين الماوردي الشاملة 2 + موقع الإسلام
358. المدخل لابن الحاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
359. الآداب الشرعية لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام
360. الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر المكي الشاملة 2 + موقع الإسلام
361. بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية الشاملة 2 + موقع الإسلام
362. غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب السفاريني الشاملة 2 + موقع الإسلام
363. رياض الصالحين للنووي -ت الألباني - الفحل
364. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية للشعراني الشاملة 2
365. موسوعة خطب المنبر الشاملة 2
366. موسوعة فقه القلوب صيد الفوائد
367. منهاج الإصلاح النبوي في حديث: ((لا تحاسدوا...))
368. تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين للشوكاني الشاملة 2
369. الروح لابن القيم الشاملة 2
370. مدارج السالكين لابن القيم الشاملة 2
371. مقدمة ابن الصلاح الشاملة 2
372. الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث الشاملة 2
373. المختصر في أصول الحديث الشاملة 2
374. قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث الشاملة 2
375. الكفاية في علم الرواية الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
376. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث السخاوي + الشاملة 2
377. توضيح الأفكار للصنعاني + الشاملة 2
378. المخزون في علم الحديث لأبي الفتح الأزدي + الشاملة 2
379. قواعد في علوم الحديث للتهانوي ت أبو غدة + الشاملة 2
380. منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - العتر + الشاملة 2
381. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي + الشاملة 2
382. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
383. تيسير مصطلح الحديث الطحان + الشاملة 2
384. تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع + الشاملة 2
385. شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
386. النكت على ابن الصلاح لابن حجر + الشاملة 2
387. الموقظة في علم مصطلح الحديث الذهبي + الشاملة 2
388. الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح العراقي + الشاملة 2
389. شرح التبصرة والتذكرة العراقي + الشاملة 2 ت الفحل
390. بحوث في المصطلح للفحل + الشاملة 2
391. توجيه النظر إلى أصول الأثر الجزائري+ الشاملة 2
392. محاضرات في علوم الحديث + الشاملة 2
393. نظرات جديدة في علوم الحديث حمزة الميباري + الشاملة 2
394. علوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد + الشاملة 2
395. المنهل الروي في ترجمة النووي للسخاوي + الشاملة 2
396. التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النووي + الشاملة 2
397. الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي + الشاملة 2 أبو غدة
398. النذير في أصول الحديث + الشاملة 2
399. الغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية + الشاملة 2
400. زاد المعاد لابن القيم + الشاملة 2+ موقع الإسلام
401. تذكرة السامع والمتكلم + الشاملة 2
402. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي+ الشاملة 2
403. الإستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر + الشاملة 2
404. الإصابة في معرفة الصحابة للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
405. ثقات ابن حبان + الشاملة 2
406. المجروحين ابن حبان + الشاملة 2
407. التاريخ الكبير البخاري + الشاملة 2
408. الطبقات الكبرى لابن سعد + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
409. تذكرة الحفاظ للذهبي + الشاملة 2
410. من له رواية في الكتب الستة للذهبي + الشاملة 2
411. ميزان الاعتدال للذهبي + الشاملة 2 دار المعرفة
412. تاريخ دمشق لابن عساكر + الشاملة 2 دار الفكر
413. طبقات الشافعية للسبكي + الشاملة 2
414. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم + الشاملة 2
415. الكامل لابن عدي + الشاملة 2
416. معرفة الثقات للعجلي + الشاملة 2
417. ضعفاء العقيلي + الشاملة 2
418. ديوان الضعفاء للذهبي + الشاملة 2
419. الجامع في الجرح والتعديل + الشاملة 2
420. تهذيب الكمال للمزي+ الشاملة 2 ت عواد بشار مؤسسة الرسالة
421. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة + الشاملة 2 ت عوامة
422. تقريب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
423. تهذيب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
424. تعجيل المنفعة لابن حجر + الشاملة 2
425. لسان الميزان للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
426. خلاصة تهذيب تهذيب الكمال ـ للكمال الخزرجى + الشاملة 2
427. سير أعلام النبلاء مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
428. المغني في الضعفاء للذهبي + الشاملة 2
429. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي + الشاملة 2
430. البداية والنهاية لابن كثير + الشاملة 2
431. تاريخ الإسلام للذهبي + الشاملة 2 ت التدمري
432. النهاية في غريب الأثر + الشاملة 2
433. تاج العروس للزبيدي + الشاملة 2
434. لسان العرب لابن منظور + الشاملة 2
435. المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية + الشاملة 2
436. المصباح المنير الفيومي + الشاملة 2
437. التعقب المتواني على الألباني للسكندري + الشاملة 2
438. معجم المؤلفين كحالة + الشاملة 2
439. خصائص المسند ت أحمد شاكر + الشاملة 2
440. تيسير العلام شرح عمدة الحكام لابن بسام + الشاملة 2
441. سلاح المؤمن في الدعاء والذكر + الشاملة 2
442. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي + الشاملة 2
443. الأحاديث المرفوعة من التاريخ الكبير للبخاري + الشاملة 2
444. الرد على الجهمية لابن منده + الشاملة 2
445. الحافظ ابن حجر ومنهجه في التقريب - للمؤلف
446. المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول لأبي محمد الألفي
447. الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل لأبي محمد الألفي
448. منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها للعاني - الأردن
الفهرس العام
مقدمة هامة ... 2
ترجمة الإمام النووي رحمه الله ... 8
الأحاديث التي انتقدت على رياض الصالحين ومناقشتها ... 16
5/ بابُ المراقبة ... 16
جواز ضرب الزوجة ضرباً غير مبرِّحٍ ... 18
10- باب في المبادرة إلى الخيرات ... 20
وحثِّ من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد ... 20
المبادرة إلى الطاعات قبل فوات الأوان ... 22
من عناصر خيرية هذه الأمة ... 24
إنزالُ الناس منازلهم ... 28
الحثُّ على توقير واحترام العلماء وكبار السنِّ ... 30
مشروعيةُ طلب الدعاء من الغير ... 33
46 / باب الخوف ... 35
51 / باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر ... 38
حُكْمُِ خَبَرِ الْعَدْلِ إِذَا انْفَرَدَ بِرِوَايَةِ زِيَادَةٍ فِيهِ لَمْ يَرْوِهَا غَيْرُهُ ... 42
اختلافُ الوصل والإرسال ... 43
52 / باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات ... 45
64 / باب الورع وترك الشبهات ... 47
كتاب الطعام ... 49
96 / باب التسمية في أوله والحمد في آخره ... 49
أنواعُ المجهول ... 50
107 / باب أدب الشرب واستحباب التنفس ثلاثاً خارج الإناء وكراهية التنفس في الإناء ... 58
115 / باب صفة طول القميص والكم والإزار وطرف العمامة ... 60
125 / باب في آداب المجلس والجليس ... 66
النهيُ عن الجلوس وسط الحلقة ... 67
139 / باب استحباب المصافحة عند اللقاء،وتقبيل ولده،وبشاشة الوجه ... 68
التَّقْبِيل الْمُبَاحُ ... 71
استحبابُ القيام للقادم ونحوه ... 74
143 / باب ما يقوله من أيس من حياته ... 76
155 / باب تعجيل قضاء الدَّيْن عن الميت والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن يموت فجأة فيترك حتى يُتيقن موته ... 78
توضيحٌ حولَ شرط أبي داود في السنن ... 78
قال ابن حجر- رحمه الله- في النكت على مقدمة ابن الصلاح حول شرط أبي داود : ... 78
التَّعْجِيلُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ ... 82
حكمُ قراءة القرآن على المقبرة عند عامة الأئمة ... 88
استحبابُ قراءة القرآن على القبر ... 101
وأما الْقِرَاءَةُ فِي الْمَقَابِرِ : ... 102
حكمُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْمُحْتَضَرِ وَالْقَبْرِ ... 102
176 / باب فضل قراءة القرآن ... 105
179 / باب في الحث على سور وآيات مخصوصة ... 107
أهمُّ موضوعات سورة الكهف ... 108
باب فضل الوضوء ... 110
بم بشَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته يوم القيامة ؟ ... 111
185 / باب فضل المشي إلى المساجد ... 113
الشهادة بالإيمان لمن اعتاد المساجد ... 114
190 / باب فضل الصف الأول،والأمر بإتمام الصفوف الأُوَل،وتسويتها،والتراص فيها ... 116
أين يقف الإمام في الصلاة ؟ ... 117
196 / باب سنَّةُ العصر ... 118
206 / باب فضل يوم الجمعة ووجوبها والاغتسال لها،والطيب،والتكبير إليها ... 120
وقت ساعة الإجابة يوم الجمعة ... 121
207 / باب استحباب سجود الشكر عند حصول نعمة ظاهرة أو اندفاع بلية ظاهرة ... 122
حكم سجود الشكر ... 124
208 / باب فضل قيام الليل ... 126
تعارضُ الرفع والوقف ... 126
218 / باب فضل تعجيل الفطر،وما يفطر عليه،وما يقوله بعد الإفطار ... 129
221 / باب فضل صوم المحرَّم وشعبان والأشهر الحرُم ... 131
كتاب الجهاد ... 136
أهميةُ الرمي ... 139
كتابُ العلم ... 140
كتاب حمد الله تعالى وشكره ... 141
تفسير معنى الحمد ... 142
233 / باب فضل الذكر والحث عليه ... 144
مَا يَجُوزُ بِهِ التَّسْبِيحُ ... 145
اسْتِخْدَامُ السُّبْحَةِ فِي عَدَدِ الأَْذْكَارِ ... 145
كتاب الدعوات ... 148
هل يجوز سؤال العصمة من الذنوب ؟ ... 154
كتاب الأمور المنهي عنها ... 155
242 / باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان ... 155
كثرة الكلام بغير ذكر الله تسببُ قسوة للقلب ... 157
أسباب قسوة القلب ... 158
علاجُ قسوة القلب ... 159
246 / باب النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إلى ولاة الأمور إذا لم تدع حاجة إليه كخوف مفسدة ونحوها ... 160
منَ السَّعادةِ القلبية ترك النميمة ... 161
مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النَّمِيمَةَ ... 161
259 / باب النهي عن التجسس والتسمع لكلام من يكره استماعه ... 164
حكمُ الحسَدِ ... 165
عِلاَجُ الْحَسَدِ ... 166
الْقَدْرُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مِنَ الْحَسَدِ وَعَكْسُهُ وَمَا فِيهِ خِلاَفٌ : ... 167
عِلاَجُ الْمَحْسُودِ مِمَّا لَحِقَ بِهِ مِنْ أَذًى بِسَبَبِ الْحَسَدِ : ... 168
262 / باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم ... 169
النهيُ عن الشَّماتة ... 171
278 / باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية ... 172
حكم نظر المرأة للرجل الأجنبي ... 176
283 / باب النهي عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض وإباحة حلقه جواز حلق الرأس كله للرجل دون المرأة ... 178
حكم حلق المرأة شعرها ... 179
291 / باب النهي عن إتيان الكهان والمنجمين والعراف وأصحاب الرمل والطوارق بالحصي وبالشعير ونحو ذلك ... 180
حكمُ الفأل ... 184
307 / باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه اللَّه عز وجل غير الجنة وكراهة منع من سأل بالله تعالى وتشفع به ... 187
كَرَاهَةُ أَنْ يَسْأَل بِوَجْهِ اللَّهِ غَيْرَ الْجَنَّةِ ... 187
329 / باب كراهة الالتفات في الصلاة لغير عذر ... 189
[ الِالْتِفَاتُ فِي الصّلَاةِ ] ... 189
361 / باب الاستغفار ... 190
أهمية الاستغفار وفوائده ... 190
معنى الاستغفار ... 190
أفضل صيغه: ... 191
أوقاتُ الاستغفار : ... 192
الأستغفار سنة الأنبياء والمرسلين: ... 194
أهم فوائد الاستغفار: ... 195
الأحاديث الزائدة التي ضعفها الدكتور ماهر الفحل ... 200
تابع باب المراقبة ... 200
النهي عن التدخل فيما لا يعنينا ... 200
باب فضل بر أصدقاء الأب ... 202
وجوبُ برِّ الوالدين ... 207
باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر ... 212
هل يسقبلُ القبلة أم القبر أثناء الدعاء ؟ ... 212
آدَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ ... 213
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين ... 217
حكم معلقات البخاري ... 217
تواضعُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 223
باب تحريم الكبر والإعجاب ... 226
التحذير من التكبر ... 226
باب وجوب طاعة أولياء الأمر ... 227
باب استحباب طلب الرفقة وتأميرهم عَلَى أنفسهم واحداً يطيعونه ... 229
باب استحباب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر عَلَى جنبه الأيمن ... 231
الاضطجاع على الشق الأيمن بعد سنَّة الفجر ... 233
باب النهي عن تقدم رمضان بصوم ... 235
حكم الصوم بعد منتصف شعبان ... 237
كتَاب الدَعَوات ... 239
250-باب الأمر بالدعاء وفضله وبيان جمل من أدعيته ... 239
كتَاب المنثُورَات وَالمُلَحِ ... 241
أحكام الله أربعة أقسام ... 242
الأحاديث التي ضعفها الألباني زيادة عما سبق،وبعضها تراجع عنه ... 244
باب فضل الزهد في الدنيا والحث عَلَى التقلل منها ... 244
وفضل الفقر ... 244
معنى أعدَّ للفقر تجفافا ... 246
174 : باب ما يقول إذا نزل منزلاً ... 247
القول الفصل في الرواة المسكوت عنهم ... 250
كتاب العلم ... 265
طَالِبُ الْعِلْمِ ... 266
فَضْل طَالِبِ الْعِلْمِ : ... 266
آدَابُ طَالِبِ الْعِلْمِ : ... 267
بابِ النهيِ عنَ الحلف بمخلوق ... 269
الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ ... 269
أَثَرُ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ ... 271
40 : باب بر الوالدين وصلة الأرحام ... 272
114: باب بيان جواز الشرب قائما وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعداً ... 276
حكمُ الشرب قائماً ... 277
234 : باب فضل الجهاد ... 278
فضل الرباط وأهميته ... 278
157 : باب ما يقرأ فى صلاة الجنازة ... 281
243: باب فضل الصلاة على النَّبىِّ - صلى الله عليه وسلم - ... 283
277 : باب تحريم الغدر ... 291
الدفاعُ عن صحيحي البخاري ومسلم ... 299
الشَّكُّ في أحاديث الصحيحين ... 303
هل في البخاري أحاديث ضعفها الألباني رحمه الله ؟ ... 305
تضعيفُ الأحاديث الصحيحة شذوذ عن العلماء ... 306
معنى حديث خصماء الله تعالى ... 307
أحاديث أخرى ضعفها بعض طلاب الألباني ... 309
183 : باب الحث على سور وآيات مخصوصة ... 309
191 : باب فضل صلاة الجماعة ... 313
حكم صلاة الجماعة ... 315
3 : باب الصبر ... 317
الإنسانُ بين تعجيل العقوبة وتأجيلها ... 320
الخلاصة في هذا الموضوع ... 321
المصادر والمراجع الهامة ... 325(1/94)