الدفاع عن حديث الجارية
تصنيف
عبدالله بن فهد الخليفي
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله،وخير الهدي هدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة
أما بعد :
فقد قال تعالى (( ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ))
ومن أعظم المنكرات البدع في الدين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( وشر الأمور محدثاتها )) رواه البخاري
وأعظم البدع بدع الإعتقاد إجماعاً
فعامتها مفضية إلى الكفر والعياذ بالله ، فانطلاقاً من هذه القواعد الراسخة المأخوذة من هذه النصوص العظيمة وغيرها كان لزاماً على أهل السنة أن يردوا على أهل البدع ويكشفوا عوارهم لئلا يغتر بهم أحد
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((من رَدَّ عن عرضِ أخيهِ ردَّ اللهُ عن وجهِهِ النَّارَ يومَ القيامةِ)) رواه الترمذي (1996 ) وحسنه وله شواهد ليس هذا مقام بسطها
فإذا كان هذا الأجر العظيم مترتب على الذب عن عرض مسلمٍ واحد فما بالك بالذب عن فرقةٍ كاملة يفتري عليها الأفاكون الكذب فيغتر الجهلة بكلامهم فيستبيحوا النيل من أعراض الأخيار
لهذه الإعتبارات وغيرها جاء كتاب (( الدفاع عن حديث الجارية ))
أسأل الله عز وجل أن ينفع به ، وإنه لآمل ألا يحرمني الأخ المستفيد من هذا الكتاب من دعوةٍ بظهر الغيب أن يغفر الله عز وجل لي ولوالدي
وقد يرى القاريء في هذا الكتاب شيئاً من الشدة وقد وقعت على سبيل المقابلة فالمردود عليه طويل اللسان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه عبدالله بن فهد بن خليفة المنتفجي(1/1)
26رجب 1429
الكويت _ الجهراء
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
أما بعد :
فقد اطلعت على رسالة (( تنقيح الفهوم العالية فيما صح ومالم يصح من حديث الجارية )) للمدعو حسن بن علي السقاف فوجدتها مليئة بالجهالات والسخافات ولولا اغترار ثلة من الجهلة بهذا الجاهل لما وضعت سوداء على بيضاء في الرد عليه
شبهات السقاف على حديث الجارية من جهة الرواية
الشبهة الأولى
قال معاوية بن الحكم السلمي قال: "كانت لي غنم بين أُحُد والجَوَّانِيَّةِ، فيها جارية لي، فأطلعتها ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة فصككتهافأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فعظم ذلك عليّ فقلت: "يا رسول الله أفلا أعتقها؟"، قال: "ادعها"، فدعوتها، فقال لها: "أين الله؟" قالت: "في السماء". قال: "من أنا؟"، قالت: "رسول الله". قال: "أعتقها فإنها مؤمنة".
رواه مسلم (1/382) من طريق يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية به
ابتدأ السقاف طعوناته في حديث الجارية بالطعن في هلال بن أبي ميمونة ناقلاً ما جاء في ترجمته في تهذيب الكمال فقط !!! _ مع زيادة قولين فقط _ انظر تنقيح الفهوم ص9_
وهي قول النسائي (( لا بأس به ))
وقول أبوحاتم الرازي (( شيخ))
قلت : ولا يخفى على أحد له معرفة بالفن أنهما متشددان
ثم تفضل علينا بنقل توثيق ابن حبان الراوي
ثم اعتبر ما نقله ذريعة له للطعن في هذا الحديث والحكم على هلال بأنه (( صدوق )) فقط !! فأقول رداً على هذا الهراء :
لقد أخفى هذا الجهول كون هلال بن أبي ميمونة ممن احتج بهم البخاري في صحيحه في غير ما موضع فهو ثقة عنده ، وكذلك احتج به مسلم لهذا قال الحاكم في شأن هلال في مستدركه (1/208) (( فقد اتفقا على الحجة بروايات هلال بن أبي هلال ويقال ابن أبي ميمونة ويقال ابن علي ويقال ابن أسامة وكله واحد ))(1/2)
وقال عنه الدارقطني (( ثقة )) وكذلك قال عنه مسلمة بن القاسم
ولهذا قال عنه الذهبي في الميزان (( ثقة ))
وتابعه الحافظ في التقريب
ولا يفوتني أن أذكر تصحيح ابن خزيمة في صحيحه (859) وأبوعوانة في مستخرجه (1727) وابن الجارود في المنتقى (212) لأحاديث هلال
وقد تجاهل هذا الجهول هذه الحقائق العلمية المبددة لظلمات جهله وقد رأيناه هو وأشياخه يمشون أحاديث جمع من الضعفاء ظاهري الضعف فكيف يقدم على الطعن في أحد رجال الشيخين!!!!
وبإمكاننا أن نضيف إلى قائمة موثقي هلال بن علي الإمام مالك
قال الحافظ الذهبي في: ( سير أعلام النبلاء ) ( 8 / 71 - 72 ) :
( وقد كان مالكٌ إماماً في نقد الرجال ، حافظا ، مجوداً ، متقناً .
قال بشر بن عمر الزهراني : سألتُ مالكاً عن رجل ، فقال: هل رأيته في كتبي ؟ قلت: لا ، قال: لو كان ثقة لرأيته في كُتُبي .
قلت قد روى مالك عن هلال في الموطأ فهو ثقة عنده ولا شك _ انظر ترجمته من تهذيب الكمال _
قال يحيى بن معين: كل من روى عنه مالك بن أنس فهو ثقة إلا عبد الكريم البصري أبو أمية
قلت هذا يشمل هلال فيقال أن ابن معين وثقه أيضاً وخصوصاً وأن رواية مالك عن هلال في أشهر كتبه ( الموطأ)
وقال الإمام أحمد ( كما نقل عنه ابن هانيء في مسائله ) (( كل من روى عنه مالك فهو ثقة ))
و البيهقي أيضاً ممن وثق هلال فقد صحح إسناد حديث الجارية في كتابه الأسماء والصفات ص 422 كما نقل السقاف نفسه وهذا يقتضي توثيق هلال
وهذه الحقائق العلمية مجتمعة تدل على أن إقدام السقاف على الحكم على هلال بأنه (( صدوق )) مجازفة أوقعته بتناقضات عديدة لاحقاً
وبقي أن نقول أن هلال بن أبي ميمونة مدني وانتقاء مالك لشيوخه من المدنيين أمر مسلم عند أهل الفن.
وقال أحمد: ((لا تبالِ أن لا تسأل عن رجل روى عنه مالك، ولا سيما مدني".
نقله ابن رجب في شرح العلل (2/876)(1/3)
وقال ابن حبان في (الثقات): كان مالك أول من انتقى الرجال من الفقهاء بالمدينة، وأعرض عمن ليس بثقة في الحديث، ولم يكن يروي إلا ما صح، ولا يحدث إلا عن ثقة مع الفقه والدين والفضل والنسك، وبه تخرج الشافعي؛ وروى ابن خزيمة في (صحيحه) عن ابن عيينة قال: إنما كنا نتبع آثار مالك، وننظر إلى الشيخ إن كتب عنه، وإلا تركناه، وما مثلي ومثل مالك إلا كما قال الشاعر:
وابنُ اللّبُون إِذَا مَا لز في قرن **** لَمْ يَسْتَطِع صَولة البزل القناعيس)
وقال ابن حبان في (الثقات) (7/459) وابن منجويه في (رجال صحيح مسلم) (2/220) : ((كان مالك أول من انتقى الرجال من الفقهاء بالمدينة، وأعرض عمن ليس بثقة في الحديث، ولم يكن يروي إلا ما صح ولا يحدث إلا عن ثقة، مع الفقه والدين والفضل والنسك))
وقد روى يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة
قال أبو حاتم الرازي (( يحيى إمام لا يحدث إلا عن ثقة ))
انظر ترجمة يحيى في تهذيب الكمال وفروعه ولا أعزو لمجلد وصفحة لأنها مرتبة على أحرف الهجاء.
وأما قول الفسوي في المعرفة والتاريخ (2 / 466) (( ثقة حسن الحديث ))
فالعبارة عند الجهلة بالفن ظاهرها التعارض فالثقة حديثه صحيح وليس حسناً
غير أنه لا تعارض فالمقصود هنا الحسن المعنوي وهذا يستخدمه المتقدمون كثيراً
قال الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح (1/425) ((وأما أحمد : فإنه سئل فيما حكاه الخلال عن أحاديث نقض الوضوء بمس الذكر فقال : أصح ما فيها
حديث أم حبيبة ـ رضي الله تعالى عنها .
قال : وسئل عن حديث بسرة ـ رضي الله عنها ـ فقال : صحيح .
قال الخلال : حدثنا أحمد بن أصرم أنه سأل أحمد عن حديث أم حبيبة ـ رضي الله عنها ـ في مس الذكر فقال : هو حديث حسن . فظاهر هذا أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي ، لأن الحسن لا يكون أصح من الصحيح ))(1/4)
ومثله قول ابن عبد البر في الإستيعاب (3 / 403) - في ترجمة معاوية بن الحكم السلمي : " له عن النبي (ص) حديث واحد حسن في الكهانة والطيرة والخط وتشميت العاطس في الصلاة جاهلا وفي عتق الجارية "
فالمقصود حسن المعنى
وهذا كثير في كلام ابن عبد البر فقد قال في كتابه (( جامع بيان العلم وفضله )) (1/65) وهو يتكلم على حديث (( تعلموا العلم .....)) (( وهو حديثٌ حسنٌ جداً ، ولكن ليس له إسنادٌ قوي ))
قال العراقي في تخريج (1/12) (( قوله حسن أراد به الحسن المعنوي فإن موسى بن محمد البلقاوي كذبه أبو زرعة وأبو حاتم ))
بين أبي جعفر الرازي وهلال بن أبي ميمونة
ذكر السقاف في ص 102 حديث أُبيِّ بنِ كَعبٍ أنَّ المشركينَ قَالَوا لرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم انسُب لنا ربَّكَ فأنزلَ اللَّهُ تعَالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ} . والصَّمدُ الَّذِي لم يلدْ ولم يولد لأنَّهُ ليس شيءٌ يُولدُ إلاّ سيموتُ وليس شيءٌ يموتُ إلاّ سيورثُ وإنَّ اللَّهَ لا يموتُ ولا يُورَثُ ولمْ يكُن لهُ كفواً أحدٌ. قَالَ لمْ يكنْ لهُ شبيهٌ ولا عِدلٌ وليسَ كمثلهِ شيءٌ". وصححه !!!!!!
وهذا الحديث و بهذا التمام) رواه الترمذي في السنن (5 / 451) والحاكم في المستدرك (2 / 540) وهو من أفراد أبي جعفر الرازي _ واسمه عيسى بن ماهان _ الذي حكم عليه السقاف بأنه ثقة
ودونك أقوال أئمة الجرح والتعديل في هذا الراوي لتعلم في أي هوة وقع السقاف
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه ليس بقوي
وقال عمرو بن علي فيه ضعف وهو من أهل الصدق سيء الحفظ
وقال أبو زرعة شيخ يهم كثيرا
قلت هذا عام في جميع روايته فتنبه وهو جرح مفسر
وقال زكريا الساجي صدوق ليس بمتقن
وقال النسائي ليس بالقوي
وقال بن خراش صدوق سيء الحفظ
وقال بن حبان كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير لا يعجبني الاحتجاج بحديثه إلا فيما وافق الثقات
وقال العجلي ليس بالقوي(1/5)
وقال ابن حبان في ترجمة الربيع بن أنس في الثقات (( الناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه لأن في أحاديثه عنه اضطراباً كثيراً ))
وهذا الحديث من أحاديث أبي جعفر الرازي عن الربيع فتأمل
وقال الدوري عن بن معين ثقة وهو يغلط فيما يروي عن مغيرة
وقال بن عمار الموصلي ثقة
وقال الحاكم ثقة
وقال بن عبد البر هو عندهم ثقة عالم بتفسير القرآن
وقال بن سعد كان ثقة
وقال أبو حاتم ثقة صدوق صالح الحديث
انظر هذه الأقوال في تهذيب التهذيب
فهل يقال فيمن جرحه ثمانية من أئمة الجرح والتعديل أنه ثقة بهذا الإطلاق ثم بعد ذلك يحكم السقاف على هلال بن علي بن أسامة بأنه صدوق فقط رغم أنه لم يضعفه معتبر !!!!!
فما هذا التناقض الفاحش يا صاحب تناقضات الألباني الواضحات ؟!!
وليت عندك من الإنصاف ما عند الألباني
والحديث السابق من أفراد الربيع بن أنس الذي حكم عليه السقاف بأنه ثقة ودونك أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه قال العجلي بصري صدوق وقال أبو حاتم صدوق وهو أحب إلي في أبي العالية من أبي خلدة وقال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات ( انظر تهذيب التهذيب ).
قلت كان ينبغي على السقاف أن ينزله إلى مرتبة الصدوق من أجل قول العجلي والنسائي فيه كما فعل في هلا بن أبي ميمونة مع العلم أن الذين أطلقوا القول في توثيق هلال أكثر وأعدل ممن جعله في مرتبة الصدوق بخلاف الربيع ولكن السقاف مضطرب في منهجه في الحكم على الرواة لأنه لا يتبع الحق بل يتبع هواه.
الشبهة الثانية(1/6)
احتج هذا الخساف برواية عبدالرزاق في المصنف (9 / 175) عن ابن جريج عن عطاء أن رجلا كانت له جارية في غنم ترعاها وكانت له شاة صفي يعني عزيزة في غنمه تلك فأراد أن يعطيها نبي الله صلى الله عليه و سلم فجاء السبع فانتزع ضرعها فغضب الرجل فصك وجه جاريته فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فذكر أنها كانت عليه رقبة مؤمنة وأنه قد هم أن يجعلها اياها حين صكها فقال الني صلى الله عليه وسلم (( ائتني بها)) فسألها النبي صلى الله عليه وسلم (( أتشهدين أن لا اله الا الله )) قالت نعم (( وأن محمدا عبده ورسوله )) قالت نعم (( وأن الموت والبعث حق))قالت نعم (( وأن الجنة والنار حق )) قالت نعم فلما فرغت قال (( اعتقها أو أمسك)).
ثم قال الخساف هذا اسناد صحيح عال ، بل وادعى أن صحابي هذا الحديث هو معاوية بن الحكم السلمي راوي حديث الجارية في صحيح مسلم ليتسنى له الحكم على الحديث بالاضطراب.
فأقول ردا على هذه السفسطة
حكم السقاف على الحديث دليل على جهله بهذا العلم رواية ودراية :
أما من حيث الرواية فصحابي هذا الحديث ليس معاوية السلمي لأن عطاء ((وهو الراوي عن معاوية)) في رواية عبدالرزاق غير عطاء في رواية مسلم فعطاء في رواية مسلم هو عطاء بن يسار كما جاء مصرحا به وابن جريج لا يروي عن عطاء بن يسار اذن من هو عطاء في رواية عبدا لرزاق.
انه عطاء بن ابي رباح على الراجح عندي وكل من اسمه عطاء _ وهم ابن أبي رباح والخراساني وابن السائب _ ويروي عنه ابن جريج لا يعرف له سماع من معاوية السلمي ومطعون بسماعه من جمع الصحابة ولم يسم عطاء الصحابي في الحديث
ولم يصرح بالسماع منه فالرواية مرسلة لا صحيحة كما زعم هذا الغر.
أما من ناحية الدراية فالحادثة في صحيح مسلم غير الحادثة في مصنف عبدالرزاق واليك الفروق بينها:
الفرق الأول:
هو أن الرجل صاحب الجارية عند عبدا لرزاق أراد أن يهدي الشاة الى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يوجد في رواية مسلم(1/7)
الفرق الثاني :
هو أن الرجل صاحب الجارية في مصنف عبدالرزاق يعرف الحكم الشرعي في المسألة على عكس معاوية بن الحكم السلمي عند مسلم فانه جاء مستفتياً
الفرق الثالث
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية بن الحكم السلمي باعتاق الجارية على عكس صاحب الجارية عند عبدالرزاق فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد خيره بين الاعتاق والامساك
الشبهة الثالثة
احتج هذا المنفوخ برواية سعيد بن زيد عن توبة العنبري عن عطاء بن يسار به _ وقد ذكر سندها المزي في تحفة الأشراف (8/427) _ والتي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم مد يده اليها (أي الجارية) مستفهما من في السماء ؟ قالت الله قال فمن أنا ؟ فقالت رسول الله قال اعتقها فانها مسلمة )) ليزعم أن حديث الجارية من رواية معاوية السلمي مضطربة وهنا اتهم الشيخ الألباني بالتناقض في شأن سعيد بن زيد اذ أعل به هذه الرواية في مختصر العلو وحسن روايته في ارواء الغليل فأقول ردا على هذا الهراء : أنه حتى لو كانت رواية سعيد بن زيد حسنة وهو صدوق فان روايته هنا معلولة بمخالفته لمن هو أوثق منه عند مسلم ولا يعزب عن ذهنك أن اسناد مسلم على شرط الشيخين فرجاله ثقات متفق عليهم عند أهل الفن هذا ان كانت روايته حسنة والصواب أنها دون ذلك فإن سعيد بن زيد بن درهم على ما جاء في تهذيب التهذيب ( 2/308)
ثقة عند ابن معين في رواية وقال أحمد لا بأس به ووثقه ابن سعد والعجلي وسليمان بن حرب وقال البخاري والدارمي (( صدوق حافظ ))
وأما من جرحه فأولهم يحي بن سعيد القطان
قال ابن المديني سمعت يحي بن سعيد القطان يضعف سعيد بن زيد في الحديث جدا ثم قال قد حدثني وكلمته
قلت إذن القطان أعلم بحال سعيد بن زيد من غيره لالتقائه به وجرحه هنا مفسر فلا أقل من أن يعتبر عند اصدار الحكم النهائي على سعيد
وقال أبو حاتم الرازي ((ليس بالقوي)) وقاله النسائي أيضا(1/8)
وهذان اعتدهما السقاف في إنزال هلال من درجة الثقة إلى الصدوق وحكمها على هلال أعلى من حكمهما على سعيد والحمد لله
وقال عنه البزار (( لين ))
وقال الجوزجاني (( يضعفون حديثه وليس بحجة ))
وقال ابن حبان (( كان صدوقا حافظا ممن يخطيء في الأخبار ويهم في الآثار حتى لا يحتج به اذا انفرد))
وقد أورد الذهبي في ميزان الإعتدال حديثين منكرين لسعيد بن زيد (2/138_139)وذكره ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين (1395) كما أفاد الشيخ حمدي السلفي في تحقيقه للضعفاء والمجروحين لابن حبان
وقال العقيلي في الضعفاء (2/467) حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال سألت يحيى بن معين عن سعيد بن زيد فقال ضعيف
قلت و محمد بن عثمان بن أبي شيبة له تواريخ معتمدة عند جمع من أهل العلم ولم أرَ من يردها
وأما ما ورد في بعض تراجمه من نعت بعض الأئمة له بالكذاب ، فهذا كله مروي من طريق أبو العباس بن عقدة ( انظر تاريخ بغداد (3/257) ط دار الكتب العلمية )
وقد صرح أبو بكر عبدان ، بأن ابن عقدة لا يقبل منه ما ينقله عن الشيوخ في الجرح ( انظر سؤالات السهمي (166) )
وقد ذكر ابن حبان محمد بن عثمان بن أبي شيبة في الثقات ( انظر لسان الميزان 6/343)
وأما السقاف فقد قال في ص 13 ((فإن سعيدا ثقة من رجال مسلم كما بينته لك في التناقضات (2 / 65) ))
قلت قد تبين لك ما في هذا القول من الجهل والتناقض ولا أدري لماذا لا ينزله إلى درجة صدوق كما فعل مع ذلك هلال _ وهلال أعلى منه شأناً _ وقد فعل ذلك السقاف في نفس الصفحة فحكم عليه بأنه صدوق فكيف ثقةً وصدوقاً في نفس الوقت(1/9)
ثم قال السقاف بعدها ((ولقد وقعت أيها الالمعي ! ! الان في تناقض بين ! ! وذلك لانك وثقت سعيدا هذا في مواضع أخرى من كتبك فحسنت حديثه ! ! منها أنك قلت في " إرواء غليلك " (5 / 338) عن إسناد فيه سعيد هذا ما نصه : " قلت : وهذا إسناد حسن ، رجاله كلهم ثقات ، وفي سعيد بن زيد - وهو أخو حماد - كلام لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن إن شاء الله تعالى ؟ وقال ابن القيم في الفروسية 20 وهو حديث جيد الاسناد " اه! ! فانظروا يا قوم كيف يتلاعب بالرجال فيرد أحاديثهم متى خالفت هواه ! ! ويقبلها متى وافقته ! ! والله المستعان ! ! ))
قلت لا تناقض في موقف الشيخ فرواية سعيد حيث حسنها في الإرواء لم يخالفها أحد
وأما هنا فهي تخالف رواية مسلم
ويكفيك أن في طبقة سعيد بن زيد يحيى بن أبي كثير الثقة الثبت ومالك بن أنس الإمام
أفنحكم على روايتهما بالإضطراب من أجل سعيد الذي ضعفه جماعة من الأئمة النقاد
ومعلومٌ أن الثقة فضلاً عن الصدوق تطرح روايته عند مخالفة الأوثق
الشبهة الرابعة
احتج هذا الموتور بما بما رواه أحمد (4 / 222 و 388 و 389) وأبو داود(3 / 230) وغيرهما من من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن الشريد بن السويد الثقفي قال قلت يا رسول الله ان أمي أوصت أن أعتق رقبة وان عندي جارية سوداء نوبية فقال رسول (( من ربك )) قالت الله قال (( فمن أنا )) قالت رسول الله قال اعتقها فانها مؤمنة
قلت هذا مرسل حسن أما الارسال فلأن أبا سلمة مطعون بسماعه من جمع من الصحابة ولا نعرف تاريخ وفاة الشريد بن سويد حتى نعرف أكان معاصراً له أم لا(1/10)
أما الحسن فمن أجل محمد بن عمرو بن علقمة فهو صدوق مختلفٌ فيه وهذه الجارية غير جارية معاوية بن الحكم السلمي فاالإسناد غير الإسناد والصحابي غير الصحابي والمتن غير المتن فمعاوية أراد اعتاق جاريته لأنه صكها على وجهها أما الشريد فأراد اعتاقها لأن أمه أوصت بذلك وعلى فرض أنهما رواية واحدة فرواية مسلم الصحيحة المتصلة أرجح
وقد خولف حماد في الاسناد و المتن فرواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد (ص 122) من طريق محمد بن يحي القطعي حدثنا زياد بن الربيع ثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن محمد بن الشريد جاء بخادمة سوداء عتماء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان أمي جعلت عليها عتق رقبة فهل تجزي أن أعتق هذه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للخادمة (( أين )) فرفعت برأسها فقالت في السماء ثم ذكر بقية الحديث
قلت هذا إسناد حسن متصل وأميل الى ترجيح هذه الرواية على سابقتها لأن حماد بن سلمة في روايته عن غير ثابت شيء مع كونه ثقة ولم يرو له مسلم ما رواه عن محمد بن عمرو بن علقمة على خلاف زياد بن الربيع فهو من رجال البخاري ولم يطعن في شيء من مروياته وروايته شاهد قوي لرواية معاوية بن الحكم السلمي عند مسلم
ثم تبين لي أنها معلولة لما جاء في ترجمة محمد بن عمرو في تهذيب التهذيب
حيث قال الحافظ ((وقال بن خيثمة سئل بن معين عن محمد بن عمرو فقال ما زال الناس يتقون حديثه قيل له وما علة ذلك قال كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء من روايته ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة ))
قلت هذا يقتضي ضعف روايته عن أبي سلمة عن أبي هريرة خاصة وهذه منها غير أنها صالحة للإعتبار فتعضد معى حديث الجارية في صحيح مسلم
وقد نبه السقاف على هذه الرواية موهماً أنها تشهد لرواية حماد بن سلمة _ انظر تنقحيه ص19_
الشبهة الخامسة(1/11)
روى أحمد في المسند (2/291).وأبو داود في سننه (3/588) كتاب الأيمان والنذور وغيرهما من طريق يزيد بن هارون عن المسعودي عن عون بن عبدالله عن أخيه عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء أعجمية فقال يا رسول الله ان علي عتق رقبة مؤمنة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم (( أين الله؟ )) فأشارت باصبعها الى السماء فقال لها (( من أنا؟ )) فأشارت باصبعها الى رسول الله والى السماء أي أنت رسول الله فقال اعتقها فانها مؤمنة
وقبل الشروع بالكلام على هذا الحديث لا بد من التنبيه على أن الجارية هنا غير جارية معاوية فجارية معاوية تفصح جيدا وهذه لا تفصح ومعاوية جاء مستفتي على خلاف صاحب الجارية هنا فإنه يعرف الحكم الشرعي في المسألة
وهي غير جارية محمد بن الشريد أيضا فمحمد بن الشريد ذكر أن أمه هي التي عليها عتق رقبة على خلاف صاحب الجارية هنا ثم ان جارية محمد بن الشريد كانت تفصح جيداً
أما إسناد الحديث فهو ضعيف لأن سماع يزيد بن هارون من المسعودي بعد الاختلاط كمافي الكاشف للذهبي ولكن يزيداً لم يتفرد فقد تابعه أسد بن موسى وأبو داود الطيالسي عند ابن خزيمة(182) ورواية الطيالسي عن المسعودي قبل الاختلاط لأنه بصري ورواية أهل البصرة عن المسعودي قبل الاختلاط _ كما في تهذيب التهذيب _ مع العلم أنه جاء في رواية الطيالسي (( من ربك )) بدلا من (( أين الله )) ولكن عوناً خالفه الزهري فروى الحديث بلفظ (( أتشهدين أن لا الا الله ))(1/12)
قلت وراية الزهري أرجح لأنه ثقة امام حافظ متقن ولكنه اختلف عليه فرواه معمر عنه موصولا _ كما عند عبدالرزاق في المصنف (9 / 175)_ فقال وخالفه كلاً من مالك ( كما في الموطأ ص 777) ويونس بن يزيد فرووه مرسلا والقول قولهم فالحديث مرسل كما قال البيهقي وذلك لأن عبيدالله مطعون بسماعه من جمع من الصحابة ولم يسم الصحابي الذي روى عنه كما في رواية الزهري الراجحة فقد يكون من الذين لم يدركهم
ورواية مالك عن الزهري قال عنها البيهقي في سننه الكبرى (7/638) (( هذا مرسل وقد مضى موصولاً ببعض معناه ))
السقاف والجهل بمصطلحات أهل العلم
قال السقاف في ص 16((روى مالك في الموطأ (ص 777) بسند عال جدا عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن رجلا من الانصار))
قلت انظر كيف سنداً للإمام مالك بينه ربين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من الأسانيد العالية _ وجداً!!!!!!_ علماً بأن الإمام مالك يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطتين فقط في أحاديث كثيرة وما تخفى سلسلة مالك عن نافع عن ابن عمر على أحد
فمثل الإمام مالك لا يوصف السند الثلاثي في حقه بأنه عالي لأن عنده أعلى منه
تناقضات السقاف الواضحات
الشبهة السادسة
زعم هذا المأفون تبعا لشيخه الغماري _ كما ص 22_ تواتر الامتحان بشهادة أن لا اله الا الله ولكن الغماري عاد لينقض هذا التواتر المزعوم ببذكره لرواية (( من ربك )) فهذه من تناقضات الغماري الواضحات بل ومن تناقضات غلامه السقاف(1/13)
وأقول أيضا رداً على هذه المهاترة أن الامتحان بقولنا (( من ربك؟ )) سؤال عن الربوبية ويجوز أن يكون عن الألوهية والامتحان بالشهادة سؤال عن الألوهية والامتحان ((بأين الله؟)) سؤال عن الأسماء والصفات وهذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم بين التوحيد كله لا كما يزعم الأشاعرة أن من آمن بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم دون الرجوع الى تأويلاتهم أو على الأقل عاملها معاملة المجهولات التي لم يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبينها وهذا مايسمونه بالتفويض لم يكن موحداً
وهنا ألزم السقاف بتضعيف حديث (( أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد )) لأنه تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاستعاذة بالله وحده _ وقد احتج السقاف بهذا الحديث في رسالته الإغاثة ص23 _
ومع صحة حديث الجارية و كونه درجته من أعلى درجات الصحة فان لا يجوز الاعتراض عليه بهذه الاعتراضات السمجة(1/14)
وقد أجاب الخطابي في معالم السنن عن هذه الشبهة _ كما في عون المعبود (3/143) _بقوله (( قوله أعتقها فإنها مؤمنة ولم يكن ظهر له من إيمانها أكثر من قولها حين سألها أين الله قالت في السماء، وسألها من أنا فقالت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا سؤال عن أمارة الإيمان وسمة أهله وليس بسؤال عن أصل الإيمان وحقيقته. ولو أن كافراً جاءنا يريد الانتقال من الكفر إلى دين الإسلام فوصف من الإيمان هذا القدر الذي تكلمت الجارية لم يصر به مسلماً حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويتبرأ من دينه الذي كان يعتقده، وإنما هذا كرجل وإمرأة يوجدان في بيت فيقال للرجل من هذه المرأة فيقول زوجتي فتصدقه المرأة فإنا نصدقهما ولا نكشف عن أمرهما ولا نطالبهما بشرائط عقد الزوجية حتى إذا جاءانا وهما أجنبيان يريدان ابتداء عقد النكاح بينهما فانا نطالبهما حينئذ بشرائط عقد الزوجية من إحضار الولي والشهود وتسمية المهر، كذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على أن يقول إني مسلم حتى يصف الإيمان بكماله وشرائطه، فإذا جاءنا من نجهل حاله في الكفر والإيمان فقال إني مسلم قبلناه وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا خلاف ذلك ))
وقد حمل الشافعي هذا الحديث على الأعجمية التي لا تفصح فيجزئها وصف الإسلام(1/15)
قال الشافعي في الأم (2/298) ((إلى أن لا يعتق إلا بالغة مؤمنة فإن كانت أعجمية فوصفت الاسلام أجزأته، أخبرنا مالك عن هلال ابن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم أنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن جارية لي كانت ترعى غنما لى فجئتها وفقدت شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت أكلها الذئب فأسفت عليها وكنت من بنى آدم فلطمت وجهها وعلى رقبة أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين الله؟) فقالت في المساء فقال (من أنا؟) فقالت أنت رسول الله ))
فهذا إمام مذهب الإثنين المذكورين لم يستشكل الحديث وهو أول من صنف في مختلف الحديث
وهذا مثالٌ واضحٌ جليٌ على الفرق بين الفقهاء وأدعياء الفقه
وخلاصة الجوابين أن امتحان مجهول الحال ليس كمثل امتحان معروف الحال
وامتحان الأعجمي ليس كمثل امتحان العربي
فالإثنان يجزيء منهما التعريف ببعض شرائع الإسلام
السؤال بأين الله ليس بدعةً
من الأدلة الصحيحة على جواز السؤال بأين الله ما رواه الطبراني في المعجم الكبير (13054) من طريق محمد بن نصر الصائغ ثنا أبو مصعب الزهري ثنا عبدالله بن الحارث الجمحي ثنا زيد بن أسلم قال مر ابن عمر براع فقال :هل من جزرة ؟ فقال ليس ها هنا ربها قال ابن عمر تقول له أكلها الذئب قال فرفع رأسه الى السماء وقال فأين الله ؟ فقال أنا والله أحق أن أقول أين الله ؟ واشترى الراعي والغنم فأعتقه وأعطاه الغنم
قال الألباني في مختصر العلو (( رجاله ثقات مترجمون في التهذيب إلا شيخ الطبراني وهو ثقة مترجم في تاريخ بغداد ))
قلت تأمل معي رفع رأسه الى السماء حينما قال فأين الله مما يدل أن المتقرر عندهم هو أن الله في السماء
الدليل الثاني(1/16)
ما رواه أحمد مسنده (4/11-12) الترمذي (3109) وحسنه وابن ماجة في سننه، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية (1/64) من حديث وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول أين كان ربنا قبل أن يخلق ؟ قال (( كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء ))
قلت هذا حديث حسن أعله جمع من الأفاضل بجهالة وكيع بن عدس ويقال حدس والصواب أنه معروف ذكره ابن حبان في كتاب مشاهير علماء الأمصار( ص124) وقال انه من الأثبات وقال عنه الجورقاني في كتابه الأباطيل و المناكير والصحاح المشاهير (1/232) صدوق صالح الحديث وصحح له الترمذي وابن خزيمة _ كما في التذييل على كتب الجرح والتعديل ص125 _
والجوزقاني هذا صنفه التهانوي مع المتشددين في كتابه (( قواعد في علم الحديث )) ص191 وأقره المحقق عبدالفتاح أبو غدة
وقد صحح هذا الحديث ابن جرير الطبري في تاريخه (1/19)
ولعل السقاف سيعله بحماد بن سلمة وقد تقدم قولي أن في رواية حماد عن غير ثابت شيء ولا أعني بذلك تضعيفه وانما قصدت أنه عند الترجيح تترجح رواية غيره وان كان المختلف عليه ثابت فالقول ما قال حماد والا فان حديث حماد على أسوأ أحواله حسن
وأما مطاعن السقاف في حماد فقد نقضها الأخ عمرو عبد المنعم في كتابه (( دفاعا عن السلفيه ))
قال عمرو بن عبد المنعم سليم في "لا دفاعا عن الألباني فحسب بل دفاعا عن السلفية" : طعن السقاف وشيخه عبدالله الغماري في حماد بن سلمة للطعن في أحاديث الصفات : وقد سلك السقاف وشيخه عبدالله بن الصديق الغماري مسلك أهل البدع قبلهم في الطعن في أحاديث الصفات بالطعن في حماد بن سلمة – رحمه الله – الثقة الرضي لأنه روى جملة كبيرة من أحاديث الصفات ، حتى قالوا : أن شيطاناً ألقاها إليه ليضل بها أهل الحق ، ونسبوا هذا القول إلى إبراهيم بن عبد الرحمن ابن مهدي .(1/17)
وأصل هذه القصة : وما أخرجه ابن عدي في (( الكامل ))(2/676) : عن الدولابي قال : حدثنا أبو عبدالله محمد بن شجاع بن الثلجي ، أخبرني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ، قال : كان حماد بن سلمة لا يُعرف بهذه الأحاديث حتى خرج خرجة إلى عبادان ، فجاء وهو يرويها ، فلا أحسب إلا شيطاناً خرج إليه في البحر فألقاها إليه . وهذه قصة موضوعة ملفقة ، وضعها أبن الثلجي الكذاب ، فهو جهمي ضال خرب القلب ، كان يضع الحديث .
قال ابن عدي : (( كذاب ، وكان يضع الحديث ويدسه في كتب أصحاب الحديث بأحاديث كفريات )) .
وكان يفعل ذلك ليثلبهم ، ويلحق بهم في النقص .
والعدل والقسط في الحكم على أحاديثه التي رواها في الصفات ما ذكره شيخنا الجديع – حفظه الله - ، قال (23) :
(( ما صح سنده إليه وجب قبوله والإيمان به إن أسنده بالسند الصحيح ، وأهل البدع يجهلون طرق الحديث والمعرفة برواته ، ويتبعون الشبهات ، ولو أنهم علموا وتثبتوا وأخلصوا في النية لبان لهم أن ما ورد به الخبر الصحيح موافق لما ورد به القرآن ، ويحتذي فيه حذوه ، ولكن القوم عموا وصمّوا ، وتمكنت منهم الأهواء )) .
قلت : وقد صرح عبدالله الغماري بالطعن في في حماد بن سلمة في كتابه (( فتح المعين ))(ص:20) حيث قال :
(حماد بن سلمة وإن كان ثقة ، فله أوهام ، كما قال الذهبي ، ولم يخرج له البخاري ، ومن أوهامه ما رواه عن عكرمة ، عن ابن عباس : (( رأيت ربي جعداً أمرداً عليه حلة خضراء )) وروى عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد دونه ستر في لؤلؤ ، قدميه أو رجليه في خضرة ، قال الذهبي في الميزان ، فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة وهذه الرؤية منام إن صحت ) .
وقد علق السقاف على كلام شيخه هذا في الحاشية بقوله :
((1/18)
وأقول : حماد بن سلمة إمام ثقة ، لكن لا ينبغي أن تقبل أخباره في الصفات البتة ، لأن ربيبيه كانا يدسان في كتبه ما شاءا ، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/452) : إلا أنه طعن في السن ساء حفظه ... فالاحتياط أن لا يحتج به فيما يخالف الثقات أ . هـ كلام الذهبي.
قلت : فما بالك برواياته التي يخالف بها نصوص التنزيه في الكتاب والسنة !! فتدبر ) .
قلت : أما كون البخاري لم يخرج لحماد بن سلمة فقد أخذ عليه ذلك ، فقد أخرج عن قوم دونه في الضبط والإتقان .
قال الحافظ الذهبي في (( الميزان ))(1/594) :
(( نكت ابن حبان على البخاري ، ولم يسمه حيث يحتج عبد الرحمن بن عبدالله بن دينار ، وبابن أخي الزهرى ، وبابن عياش ، ويدع حماداً)) .
قلت : والأصح أن يُقال : إن البخاري لم يمتنع عن إخراج حديثه مطلقاً ، بل له حديث عند البخاري في (( الصحيح )) .
قال الحافظ الذهبي في ترجمة حماد بن سلمة من (( السير ))(7/446) : (( تحايد البخاري إخراج حديثه ، إلا حديثاً خرجه في الرقاق ، فقال : قال أبو الوليد : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس عن أبُي )) .
وعدم إخراج البخاري له كما زعم شيخ السقاف فليس بقادح فيه ، فالبخاري لم يشترط أن يخرج حديث الثقات جميعاً كما يعلم المبتدئ من طلاب العلم ، فإقحام مثل هذا القول عند الكلام على حماد بن سلمة دون ذكر الجواب عنه إنقاص من قيمته ، وإنزال من رتبته ، وهو من هو من الحفظ والضبط والإتقان ، وأقوال أهل العلم شاهدة على ذلك .
وأما قول السقاف : (حماد بن سلمة إمام ثقة ، لكن لا ينبغي أن تقبل أخباره في الصفات ألبتة ، لأن ربيبيه كانا يدسان في كتبه ماشاءا ) .
فمتناقض ... فكيف تقبل أحاديثه في غير الصفات ، وترد أحاديثه في الصفات مستدلاً على نحو ذلك بخبر موضوع وحكاية ملفقة .
إنما مستندك في ذلك :(1/19)
ما رواه ابن عدي في (( الكامل ))(2/676) بالسند السابق ذكره إلى ابن الثلجي ، قال : سمعت عباد بن صهيب ، يقول : إن حماد بن سلمة كان لا يحفظ ، فكانوا يقولون ، إنها دست في كتبه ، وقد قيل : إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه ، فكان يدس في كتبه هذه الأحاديث .
وابن الثلجي كذاب كما مر ذكره .
وأما الأحاديث التي أوردها الغماري من رواية حماد بن سلمة في الرؤية ، ليطعن بها فيه ، فليس فيها ما يدل على أن الحمل عليه فيها ، فهو لم يتفرد برواية هذه الأحاديث من جهة :
قال الحافظ أبو أحمد بن عدي في (( الكامل ))(2/678) عقب روايته أحاديث الرؤية من طريق حماد :
(( هذه الأحاديث التي رويت عن حماد بن سلمة في الرؤية ، وفي رؤية أهل الجنة خالقهم ، قد رواها غير حماد بن سلمة ، وليس حماد بمخصوص به فينكر عليه )) .
ومن جهة أخرى فهي غير محفوظة عنه باللفظ المذكور .
وأما قول الذهبي : (( فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة )) .
فالجواب عنه من وجوه :
الأول : أن الحديث بهذا التمام الذي ذكره الذهبي منكر ، غير محفوظ عن حماد بن سلمة ، فالآفة فيه من غيره .
تفصيل ذلك :
أن الحديث صحيح من حديث حماد ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ : (( بلفظ ربي عز وجل )) .
فقد أخرجه بهذا اللفظ :
الإمام أحمد ( 1/285) : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، بإسناده ومتنه .
وأخرجه من طريقه : أبو القاسم الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة ))(1/509) . وقد اختلف في متنه على أسود بن عامر .
فرواه ابن عدي في (( الكامل ))(2/677) من طريق : النضر بن سلمة شاذان ، حدثنا الأسود بن عامر ، بسنده ، بلفظ : (( أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد من دونه ستر من لؤلؤ ، قدميه ، أو قال : رجليه في خضرة )) .
وهذا سند واه بمرة ، آفته النضر بن سلمة – شاذان – قال أبو حاتم : (( كان يفتعل الحديث )) .(1/20)
وقال عبدان : سألنا عباس العنبري عن النضر بن سلمة ، فأشار إلى فمه ، قال ابن عدي : (( أراد أنه يكذب )) .
ولكن رواه ابن عدي في (( الكامل ))(2/677) ، والدار قطنى في (( الرؤية ))(300) كلاهما عن الحسن بن علي بن عاصم ، حدثنا إبراهيم بن أبي سويد الذراع ، حدثنا حماد بن سلمة بإسناده .
ولفظه عند ابن عدي : (( رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء )) .
ولفظه عند الدار قطنى : (( رأيت ربي في أحسن صورة )) .
قلت : وهذا إسناد تالف ، آفته الحسن بن علي بن زكريا بن صالح بن عاصم ، وله ترجمة في (( تاريخ بغداد ))(7/382) .
قال ابن عدي : (( أبو سعيد الحسن بن علي العدوي يضع الحديث ، ويسرق الحديث ، ويلزقه على قوم آخرين ، ويحدث عن قوم آخرين ، ويحدث عن قوم لا يعرفون ، وهو متهم فيهم ، وإن الله لم يخلقهم ، وعامة ما حدث به – إلا القليل – موضوعات ، وكنا نتهمه بل نتيقنه أنه هو الذي وضعها )) ، وقال الدار قطنى : (( متروك )) ، وقال ابن حبان : (( لعله قد حدث عن الثقات بالأشياء الموضوعات ما يزيد على ألف حديث )) .
ورواه ابن عدي من طريق : محمد بن رزق الله موسى ، حدثنا السود ابن عامر ... .. بسنده وبلفظ :
(( رأيت ربي في صورة شاب أمرد جعد عليه حلة خضراء )) .
قلت : ومحمد بن رزق الله بن موسى هذا قد أطلت البحث عنه فلم أعرفه ، ولا أظنه الذي ترجمه الخطيب في (( تاريخ بغداد ))(5/27) باسم محمد بن رزق الله الكلوذاني .
ورواه ابن عدي من طريق محمد بن رافع ، حدثنا الأسود بن عامر بسنده وبلفظه حديث الحسن بن علي بن عاصم .
ومن طريقه البيهقي في (( الأسماء والصفات ))(ص:444) .
ومن طريق الذهبي في (( السير ))(10/113) ، وقال :
(( وهو خبر منكر )) .(1/21)
قلت : لاشك في ذلك ، والحمل فيه على محمد بن رافع ، فهذه الزيادة في هذا الحديث قد تفرد بها عن الأسود ، وخالفه الإمام أحمد فرواه عن الأسود من غير زيادة ، ومحمد بن رافع وإن كان ثقة إلا أنه دون الإمام أحمد في الحفظ والضبط والإتقان ، فهذه الزيادة منكرة كما ترى.
فإن قيل : ولكن رواه غيره عن الأسود بهذه الزيادة ؟
فالجواب : إن الطرق ضعيفة إلى الأسود كما سبق أن ذكرنا بل بعضها تالفة واهية .
وقد رواه غير الأسود عن حماد ، فلم يذكر هذه الزيادة ، مما يدل على أن حماداً لم يحدث بهذا الحديث على هذا الوجه المنكر .
فالحديث قد أخرجه الآجرى في (( الشريعة ))(ص :494) حدثنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : حدثنا الحسين بن كثير العنبري ، قال : حدثنا أبي ، قال :حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مرفوعاً :
(( رأيت ربي عز وجل )) .
وسنده صحيح .
رواه الإمام أحمد (1/290) ، وابن أبي عاصم في (( السنة )) (433) وابن عدي (2/677) من طريق : عفان ، حدثنا عبد الصمد بن كيسان ، حدثنا حماد بن سلمة بالسند والمتن السابق.
ولكن رواه الخطيب في (( تاريخه ))(11/214) من طريق : عمر ابن موسى ابن فيروز ، حدثنا عفان ، فذكره بإسناده ولكن زاد :
(( صورة شاب أمرد عليه حلة حمراء )) .
قلت : وهذه زيادة منكرة ، تفرد بها عمر بن موسى بن فيروز التوزى ، وهو مستور ، ذكره الخطيب في ((تاريخه ))(11/214) ولم يورد فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وقد خالف كلاً من الإمام أحمد بن حنبل ، وحنبل بن إسحاق ، وفضل ابن سهل ، فرووه من غير هذه الزيادة .
ولكن في هذا الإسناد عبد الصمد بن كيسان ، قال الحافظ في ((تعجيل المنفعة))(ص:26): (( عبد الصمد بن كيسان : عن حماد بن سلمة ، وعنه عفان ، فيه نظر ، قلت : أظنه الأول ، تصحف اسمه )) .(1/22)
يقصد بذلك عبد الصمد بن حسان ، وهو صدوق حسن الحديث كما يظهر من ترجمته في (( التعجيل )) ، فقد وثقه ابن سعد ، وقال أبو حاتم : ((صالح الحديث ، صدوق)) ، وقال الذهبي : (( صدوق إن شاء الله )) .
فهذا يدلك على أن ما ورد في المتن من نكارة إنما هو من قلة ضبط من روى الحديث عن الأسود بن عامر ، وليس هو بمحفوظ بهذا المتن المنكر عن حماد بن سلمة ، وإنما المحفوظ عنه من حديثه لفظ :
(( رأيت ربي عز وجل )) .
وهذا الحديث قد صححه جماعة من الحفاظ منهم الإمام أحمد بن حنبل ، وأبو زرعة الرازي ، وغيرهما .
ففي (( رسالة عبدوس بن مالك العطار عن الإمام أحمد )) رحمه الله (ص:58) ، قال :
(( أصول السنة عندنا : ... ... والإيمان بالرؤية يوم القيامة كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحاح ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه ، فإنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صحيح ، رواه قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، ورواه الحكم ابن أبان ، عن عكرمة عن ابن عباس ، ورواه علي بن الزيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس )) .
وقال عبدالله بن الإمام أحمد في (( السنة ))(584) :
(( رأيت أبي رحمه الله يصحح هذه الأحاديث أحاديث الرؤية ويذهب إليها وجمعها في كتاب وحدثنا بها )) .
وروى الضياء في (( المختارة )) عن أبي زرعة الرازي ، قال (24) :
(( وحديث قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس صحيح ، ولا ينكره إلا معتزلي )) . يعتني باللفظ المختصر .
ولا يتوهم – كما يحاول أن يبث السقاف في روع القراء – أن أهل السنة والجماعة يثبتون الحديث بهذه الزيادة المنكرة الواردة فيه ، والتي سبق أن بينا أن الحمل فيها على من هو دون حماد بن سلمة وليست الآفة منه .(1/23)
والوجه الثاني : أن قول الذهبي هذا مجمل ، وليس بحجة على أن الحمل في هذا الخبر عند الذهبي على حماد بن سلمة لأنه لما روي هذا الحديث في ((السير))(10/113)، قال : (( خبر منكر نسأل الله السلامة في الدين فلا هو على شرط البخاري ، ولا مسلم ، ورواته وإن كانوا غير مهتمين ، فما هم بمعصومين من الخطأ والنسيان )) .
والوجه الثالث : أننا لو سلمنا بصحة أسانيد هذا الخبر – بهذه الزيادة – إلى حماد بن سلمة ، فكيف تغاضى السقاف عن عنعنة قتادة بن دعامة السدوسي وهو عنده وعند شيوخه مدلس ، ولو تغاضى عن هذه العلة فاين من أعل هذه الرواية بعكرمة ؟!
قال البيهقي في (( الأسماء والصفات )) : (( وقد حمل غيره من أهل النظر في هذه الرواية على عكرمة مولى ابن عباس )) .
قلت : ونحن لا نحاول دفع التهمة عن حماد ، لنصيب بها غيره ، وإنما غايتنا أن السقاف إنما تغاضى عن بيان هذه العلل كلها حتى يسلم له اتهام حماد بن سلمة ، كما هو الحال عند أسلافه من المعتزلة .
والسقاف متناقض ..
فتارة يوثق حماد بن سلمة في غير أحاديث الصفات ، فيقول – كما مر ذكره - : ( حماد بن سلمة إمام ثقة ، لكن لا ينبغي أن تقبل أخباره في الصفات ألبتة ) .
ثم يأتي في موضع آخر من قراطيسه – وهو تعليقه على (( دفع شبه التشبيه ))(ص :19) – فتدفعه عقيدته الاعتزالية إلى الطعن فيه بشدة فيقول : ( نحن نغمز حماد بن سلمة أشد الغمز ، خصوصاً في أحاديثه في الصفات ).
وتراه يتعالم بخبث طوية ، فيقول (ص : 178-179) : ( حماد بن سلمة ضعفه مشهور ، وإن كان من رجال مسلم ، وقد تحايده البخاري ، كما في (( الميزان ))(1/594) في ترجمته ) .
فلا أدري كيف يقول في موضع : (( إمام ثقة )) ، ثم يتناقض نفسه في موضع آخر فيقول : (( ضعفه مشهور )) .(1/24)
والأغرب من ذلك أن يعل حديث أبي رزين العقيلي مرفوعاً : (( كان في عماء ما تحته هواء ، وما فوقه هواء ، ثم خلق عرشه على الماء )) بحماد بن سلمة وفيه من هو أوهي منه .
قال (ص : 189) : (وهذا حديث ضعيف لأجل حماد بن سلمة ، ولا تقبل أخباره في الصفات ألبتة ، وكذلك يضعف هذا الحديث بوكيع بن عدس ، لأنه مجهول لم يرو عنه إلا يعلى بن عطاء) .
قلت : فقدم إعلال الحديث بحماد مع أن فيه من هو أضعف منه – وهو وكيع – ووكيع هذا قد حدث بالحديث قبل حماد ، فالآفة فيه منه ، وليست من حماد ، ولكن دفعه إلى ذلك مادفع المعتزلة من قبله إلى الطعن في حماد .
ولن أكلف نفسي الجهد في جمع أقوال أهل العلم في تعديل وتوثيق حماد ابن سلمة فهي كثيرة جداً ، ومبسوطة في ترجمته في كتب الرجال و((السير)) للذهبي ، حتى عُد حبه من علامة اتباع السنة ، وبغضه والوقيعة فيه من علامة البدعة ))
قلت فإن قيل أن الحافظ في التهذيب نقل أن البيهقي أن حماد بن سلمة ساء حفظه لما كبر
قلنا لأن هذا غير مسقط لحديثه عن درجة الإحتجاج وقد تقدم قول من صحح هذا الحديث من أهل العلم وخصومنا يحتجون بروايته لحديث الأعمى إذا تكلموا في مسألة التوسل
وأقول أيضاً
وقد روي من طرق عن حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن أبي رزين به
قد روى هذا الحديث جمعٌ غفير عن حماد منهم
1- أبو داود الطيالسي كما في مسنده برقم 1176
2_ يزيد بن هارون كما رواه أحمد في المسند برقم15931و يزيد شيخ أحمد تابع أحمد كل من أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن الصباح عند ابن ماجة (وهما شيخان لابن ماجة ) برقم 181 وتابعه أيضا أحمد بن منيع ( وهو شيخ الترمذي) عند الترمذي برقم 3181
3-بهز بن أسد العمي وهو ثقة ثبت عند أحمد في المسند برقم 15945
4_ حجاج بن منهال عند ابن أبي عاصم في السنة برقم 497من طريق محمد بن المثنى عن الحجاج به(1/25)
وأكتفي بهذا القدر ولا يعقل أن يكون هؤلاء وإخوانهم جميعاً قد رووا هذا الخبر عن حماد بعد التغير
السقاف وتزوير مواقف الحفاظ
لقد زور السقاف موقف ثلاثة من الحفاظ حول حديث الجارية
أولهم
الحافظ البزار حيث نقل في ص 21 عنه قوله (كما في كشف الاستار (1 / 14) (( وهذا قد روي نحوه بألفاظ مختلفة )) زاعما أن البزار يرى اضطراب الحديث من أجل هذه العبارة
فأقول ردا على هذا الهراءالبزار قال هذه العبارة بعد حديث ابن عباس لا حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنهما وحديث ابن عباس معلول بمحمد بن عبدالرحمن بن ابي ليلى وهو ضعيف وهي بلفظ (( أتشهدين أن لا اله الا الله )) _ انظر كشف الأستار (1 / 14)
ثم ان عبارة البزار لا تدل على الاعلال بوجه من الوجوه وذلك أن الاختلاف لا يعني اضطرابا بالضرورة وذلك لأنه قد يكون ناتج مخالفة الضعيف للثقة أو الثقة لمن هو أوثق منه وفي مثل هذه الحالات يحكم الحفاظ على رواية الأوثق بالصحة وعلى الأخرى بالشذوذ أو النكارة وقد السقاف بجهله المنعدم النظير هذه القواعد النيرة فحكم على حديث معاوية بن الحكم السلمي بالاضطراب من أجل مخالفة سعيد بن زيد ليحي بن أبي كثير الثقة الثبت وقد قدمت لك ذكر حال سعيد بن زيد الذي خالف فيه السقاف الأمانة العلمية فلم يذكر الا أقوال الموثقين
أما الحافظ الثاني فهو الامام البيهقي الذي نقل السقاف قوله (( وهذا صحيح قد أخرجه مسلم مقطعا من حديث الأوزاعي وحجاج الصواف عن يحي بن أبي كثير دون قصة الجارية وأظنه انما تركها لاختلاف الرواة في لفظه))(1/26)
والجواب عن هذا أن قد تقدم أن مجرد الاختلاف لا يعني اضطرابا والبيهقي هنا صحح الحديث فقوله (( دون قصة الجارية )) عائد على الحديث الذي صححه للتو برمته وأما نفيه كون الحديث في صحيح مسلم فالجواب لأن يقال انما نفى البيقهي وجوده في صحيح مسلم من رواية حجاج و الاوزاعي معا وعلى فرض أنه نفى وجوده في صحيح مسلم فالمثبت مقدم على النافي وقد أثبت وجوده في صحيح مسلم الامام البغوي في شرح السنة (3/239) وهو قريب من طبقة البيهقي وأبوعوانة صاحب المستخرج
أما الحافظ الثالث فهو ابن حجر العسقلاني فقد نقل قول الحافظ قوله (( وفي اللفظ مخالفة كبيرة)) وهذا اللفظ لا يدل على الإضطراب كما قدمنا
وقد ارتكب السقاف خيانةً حيث جعل كلمة الحافظ في حديث معاوية بن الحكم وهذا من التلبيس
فإنه قالها في حديث أبي هريرة
قال الحافظ ((وروى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الله عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمة له سوداء فقال يا رسول الله إن علي عتق رقبة مؤمنة فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقها فقال لها أتشهدين أن لا إله إلا الله قالت نعم قال أتشهدين أني رسول الله قالت نعم قال أتؤمنين بالبعث بعد الموت قالت نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتقها وهذه الرواية تدل على استحباب امتحان الكافر عند إسلامه بالإقرار بالبعث كما قال الشافعي ورواه أبو داود من حديث عون بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء فقال يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة فقال لها أين الله فأشار إلى السماء بإصبعها فقال لها فمن أنا فأشارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى السماء يعني أنت رسول الله فقال اعتقها فإنها مؤمنة ورواه الحاكم في المستدرك من حديث عون بن عبد الله بن عتبة حدثني أبي عن جدي فذكره وفي اللفظ مخالفة كثيرة وسياق أبي داود أقرب إلى ما ذكره المصنف إلا أنه ليس في شيء من طرقه أنها خرساء ))(1/27)
قلت فظاهر كلامه أنه يعني مخالفة رواية عون في مستدرك الحاكم لروايته في سنن أبي داود
وهذا كله خارج محل البحث
وقد سكت على حديث معاوية وقد قال التهانوي في قواعد في علم الحديث ص90 (( سكوت الحافظ عن حديث في التلخيص الحبير دليل صحته أو حسنه ))
السقاف الكوثري !!!
لقد أشاد السقاف في غير ما مناسبة في كتابه المذكور ببحث الكوثري حول حديث الجارية وفي الحقيقة بحث الكوثري مليء بالتلبيسات والجهالات فقد أعل حديث الجارية _ كما في تعليقه " السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل " ص (94) _ من رواية مسلم بعنعنة يحي بن أبي كثير وهذا اعلال سمج فقد صرح بالتحديث عند ابن أبي عاصم في السنة (1/215) من طريق هدبة وهو ثقة من رجال الصحيح لم يطعن فيه بحجة حدثنا ابان بن يزيد العطار وهو كسابقه حدثنا يحي بن ابي كثير حدثنا هلال بن ابي ميمونة فذكر الحديث
ثم ان يحي بن ابي كثير صرح أبوحاتم الرازي أنه لا يحدث الا عن ثقة ، وقد صرح يحيى بن أبي كثير بالتحديث عند النسائي في السنن الكبرى ( 7359)
قال النسائي أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا حجاج حدثنا يحي بن أبي كثير حدثنا هلال بن أبي ميمونة فذكر الحديث
قلت وسندهُ صحيحٌ غاية
وصرح يحيى بالتحديث عند الطحاوي في مشكل الآثار ( 4368)
قال الطحاوي أخبرنا يونس أخبرنا بشر بن بكر عن الأوزاعي قال حدثني يحي بن ابي كثير حدثنا هلال بن ابي ميمونة فذكر الحديث
وأما التدليس الذي نقم عليه انما هو مراسيله عن الصحابة يسميها بعض السلف تدليسا
ويحي بن أبي كثير هذا ثقة ثبت فضله شعبة وغيره على الزهري فمثل هذا اذا خالفه مثل سعيد بن زيد تكون رواية سعيد شاذة وروايته محفوظة لا مضطربة كما يزعم السقاف الغارق في أوحال جهله.(1/28)
ومما يزيد رواية سعيد وهناً متابعة الامام مالك ليحي بن أبي كثير ومع أن الامام مالك أخطأ في اسم الصحابي فسماه عمر بن الحكم إلا أن روايته متابعة قوية لرواية يحي فالمتن هو المتن والسند هو السند
وقد احتج الامام الشافعي بحديث الجارية من رواية الامام مالك في كتاب الأم( 5/298 )مما يدل على الامام الشافعي يصحح حديث الجارية اذ أنه رحمه الله لا يستسيغ الاحتجاج بالضعيف فعلى هذا الامام الشافعي يجيز السؤال بأين الله والاجابة عنه باثبات العلو لرب العالمين فكان الأولى بالسقاف وشيخه الغماري الرقاص التقيد بمذهبهما الشافعي ممتثلين بذلك لنصيحة الكوثري الذي يرى أن اللامذهبية قنطرة اللادينية ولكن الكوثري هو نفسه سائر في هذا الطريق فقد روى أبو حنيفة كما في جامع المسانيد (2/162_163) عن عطاء بن ابي رباح أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثوه أن عبدالله بن رواحة كانت له راعية تتعاهد غنمه وامرها أن تتهاهد شاة من بين الغنم فتعاهدتها حتى سمنت الشاة و اشتغلت الراعية عن الغنم فجاء الذئب واختلس الشة وقتلها فجاء عبدالله بن رواحة وفقد الشاة فأخبرته الراعية بأمرها فلطمها ثم ندم على ذلك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فعظم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال ضربت وجه مؤمنة فقال أنها سوداء لا علم لها فأرسل اليها رسول وسألها أين الله؟ قالت في السماء قال فمن أنا ؟ قالت رسول الله قال انها مؤمنة فاعتقها أخرجه أبو محمد البخاري عن أحمد بن سعيد النيسابوري عن محمد بن حميد عن هارون بن المغيرة عن أبي حنيفة
وأخرجه الحافظ طلحة بن محمد في مسنده عن ابن عقدة عن عبدالله بن محمد بن عبدالله عن ابن منيع عن محمد بن الحسن عن ابي حنيفة(1/29)
وأخرجه أبو عبدالله الحسين بن محمد في مسنده عن أبي الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون عن أبي علي الحسن بن أحمد بن شاذان عن القاضي أبي نصر أحمد بن نصر بن اشكاب البخاري عن عبدالله بن طاهر القزويني عن اسماعيل بن توبة القزويني عن محمد بن الحسن عن أبي حنيفة
وتذكر معي أن أباحنيفة ثقة عند الكوثري بل صرح صاحب (( تنسيق النظام)) من الحنفية أن أحاديث مسند أبي حنيفة كلها صحاح !!!!!
ولم أنشط للبحث عن رجال هذه الاسانيد وانما ذكرتها للإلزام
أحاديث أوردها السقاف ملزماً الشيخ الألباني بتضعيف حديث الجارية كما ضعفها
الحديث الأول
تحدث السقاف عن حديث ((كل أمر ذي بال لا يبدأ بحمد الله فهو أقطع)) ملزماً الشيخ الألباني بالحكم على حديث الجارية بالاضطراب كما حكم على هذا الحديث بالاضطراب
حيث قال في ص26((: من العجائب الغرائب أن الالباني المتناقض ! ! اعتبر في " إرواء غليله " (1 / 31) أن حديث " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع " وفي رواية " ابتر " وتارة " أجذم " حديثا مضطربا ! ! فقال ما نصه : " ومما يدلك على ضعفه زيادة على ما تقدم اضطرابه في متن الحديث ، فهو تارة يقول : أقطع ، وتارة : أبتر ، وتارة : أجذم ، وتارة يذكر الحمد ، وأخرى يقول : بذكر الله . . " اه. مع أن معنى أجذم وأقطع وأبتر واحد كما يعرف ذلك أدنى من له اشتغال بلغة العرب بله من يدعي الفهم والفصاحة ! ! فإن القطع والبتر بمعنى واحد وكذلك الجذم كما في القاموس ! ! وحمد الله تعالى من ذكره سبحانه ! ! وبه يجمع بين ألفاظ هذا الحديث ، والظاهر أن الالمعي المتناقض ! لم يع ذلك ! ! فالسؤال هنا كيف اعتبر أجذم وأبتر وأقطع اضطرابا ولم يعتبر " أين الله . . " و " أتشهدين أن لا إله إلا الله . . " و " ومن ربك . . " اضطرابا ؟ ! ! ! إنه الهوى نسأل الله تعالى العافية ! ! ويدعي الان بكل فشل وبجاحة بأنه يمكن الجمع بين هذه الالفاظ الثلاثة ))(1/30)
فأقول رداً على الالزام السمج أن حديث(( كل أمر ذي بال )) الحديث رواياته متحدة المخرج فهي مروية من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا وراه جمع مرسلا والشيخ الألباني يرجح رواية الارسال بخلاف روايات حديث الجارية التي ذكرها السقاف فانه لا توجد رواية فيها تتحد مع رواية مسلم في المخرج الا رواية سعيد بن زيد وقد بينت علتها فيما سبق
ثم ان حديث (( كل أمر ذي بال )) الحديث الذي روي مرفوعا عن الزهري جاء من ثلاث طرق
أولها طريق الأوزاعي وهذه يضعفها الألباني جداً
الثانية رواية قرة بن عبدالرحمن وهذه يضعفها الألباني بقرة نفسه من ناحية ضعفه ومن ناحية اضطرابه في اللفظ فقد في رواية (( أقطع )) وفي أخرى (( أبتر )) وفي ثالثة (( أجذم ))
ثم ان الألباني قد بين وجهاً آخراً من وجوه اضطراب قرة وهي قوله في رواية (( بذكر الله )) وفي رواية وفي رواية (( بحمد الله )) ولم يتعرض السقاف لمناقشة هذا الوجه !!! بل اكتفى برد الوجه الأول ثم زعم أن الأضطراب قد زال بذلك
ثم ان هنالك اضطراب في السند أيضا فالرواية الثالثة هي رواية صدقة عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن عبدالله بن كعب بن مالك عن أبيه وصدقة هذا ضعيف وروايته مخالفة للرواية السابقة من حيث الاسناد كما ترى فهذا الحديث ليس له اسناد قائم كما ترى فأين هو من حديث الجارية المروي باسناد على شرط الشيخين مع العلم بأن معاوية السلمي لم يرو له البخاري وهذا لا يضر وأين مخالفة رواية قرة الضعيف لرواية صدقة الضعيف من مخالفة يحي بن ابي كثير الثقة الثبت ومالك الامام لسعيد بن زيد الذي ضعفه ستة من أئمة الجرح والتعديل أعرفهم به ضعفه جداً ؟!!!
انظر الكلام على طرق الحديث في إرواء الغليل (1 / 31)
الحديث الثاني(1/31)
تحدث السقاف في ص41 عن حديث (( يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ...)) رواه مسلم (2148) الحديث ملزما الشيخ الألباني بالحكم على لفظة ((أين الله))بالشذوذ كما حكم على لفظة (( بشماله )) بالشذوذ وهي في صحيح مسلم وأقول رداً _ تضعيف الشيخ الألباني لهذه اللفظة في " تخريج المصطلحات الأربعة الواردة في القرآن " للمودودي رقم (1)
فأقول رداً على هذا الهراء لقد روى مسلم هذا الحديث من طريق أبو بكر بن ابي شيبة وهو ثقة حافظ ثبت _ انظر تقريب التهذيب _ برواية (( بشماله )) _ وخالفه محمد بن العلاء وهو ثقة حافظ _ انظر التقريب_ وأخوه عثمان بن أبي شيبة فرووها بلفظ (( يده الأخرى )) _ وحديثهما عند أبي داود (4732 ) في كتاب الرد على الجهمية من سننه _ ورجحها الشيخ الألباني لموافقتها لحديث (( كلتا يديه يمين )) _ رواه مسلم (1827 )ثم إنها رواية الأكثر
وهذه الرواية متحدة المخرج كما سيظهر لك من النظر في أسانيدها فأين هي من الروايات التي ذكرها السقاف لنصرة باطله وهنا ثقة حافظ يخالف ثقة حافظ فأين هذا من مخالفة الراوي المتكلم للراوي الثقة الثبت أعني مخالفة سعيد بن زيد ليحيى بن أبي كثير
وقد تباكى السقاف على رواة الصحيحين الذين وصف الشيخ الألباني حديثهم بالشذوذ حيث قال في ص41 ((فكم من رجل من رجال الصحيحين البخاري ومسلم طعنت فيه ؟ ! وقلت عن لفظ أتى به إنه شاذ !))
قلت جهل هذا الجهول أن الشيخ الألباني ما وصف روايتهم بالشذوذ الا لمخالتفهم لمن هم أوثق منهم من الرجال الصحيح أيضاً ثم من هو الذي طعن في هلال بن ابي ميمونة ووصف روايته بالاضطراب؟ أليس هو السقاف
ولا يفوتني أن أنبه على أن السقاف ما أورد هذه الروايات الا ليظهر الشيخ الألباني بصورة المتناقض اذ كيف يمنعهم من نقد حديث الجارية ثم هو يضعف أحاديث في الصحيح أيضاً(1/32)
والجواب عن هذا أن يقال الشيخ الألباني لم يمنع من نقد روايات الصحيح ولكن بعلم لا بجهالات كالتي يقعقع بها السقاف الذي لا يفرق بين عطاء بن ابي رباح و عطاء بن يسار ويعل روايات الثقات الأثبات برواية التكلم فيهم ويعل الروايات الصحيحة بروايات تختلف عنها اسنادا ومتنا وهي أقل منها قوة وينتقي من أقوال الحفاظ في الرجال ما يوافق هواه وهذا هو عين التلاعب بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله
الحديث الثالث
ثم ذكر السقاف في ص41 حديث (( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد )) الحديث وهو في صحيح مسلم(1122) وقد حكم الشيخ الألباني لفظة (( في شهر رمضان )) بالشذوذ _ كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1 / 326) فذكرها السقاف ملزماً الشيخ الألباني بإعلال حديث الجارية
والجواب أن يقال
هذه اللفظة قد تفرد بها سعيد بن عبدالعزيز عند مسلم(1122) وقد أعل الشيخ الألباني هذه الرواية بتدليس الوليد بن مسلم الذي يدلس التسوية وقد عنعن في جميع طبقات السند
وقد صرح بالتحديث عند أبي داود ( 1 / 378 ) غير أنه لم يذكر اللفظة التي أعلها الشيخ فتأمل(1/33)
وقد روى عبدالرحمن بن يزيد بن جابر هذا الحديث عند البخاري ( 3 / 147 ) دون ذكر شهر رمضان وعبدالرحمن هذا ثقة ثبت من طبقة سعيد بن عبدالعزيز ورجح الشيخ الألباني رواية عبدالرحمن لأن سعيد كان قد اختلط كما قال ذلك أبو مسهر ولأن سعيداً نفسه قد وافق عبدالرحمن على عدم ذكر شهر رمضان كما في رواية عمرو بن أبي سلمة عنه في سنن الشافعي ( 1 / 269 ) بلفظ (( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر )) الحديث وفي رواية أبي المغيرة واسمه عبدالقوس بن الحجاج الحمصي عند أحمد في المسند ( 5 / 194 ) ورجح الشيخ هاتين الرواتين على رواية الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز لأنهما الأكثر ولأن الوليد بن مسلم نفسه قد وافقهما فرواه بدون ذكر شهر رمضان عند ابي داود من رواية مؤمل بن الفضل عنه بلفظ (( في بعض غزواته )) بدلاً من شهر رمضان وقد رواه مؤمل بن الفضل مسلسلاً بالتحديث فانتفت شبهة تدليس الوليد_ كما في رواية أبي داود المشار إليها سابقاً _
فأين هذا من حديث الجارية الذي لم يتفرد به مدلس يدلس التسوية ولا ثقة اختلط بآخره وقد خولف
وإن كنت أرجح أن سعيد بن عبدالعزيز لم يحدث حال اختلاطه كما شرحته في تسفيه أدعياء التنزيه
الحديث الرابع
قال السقاف في ص42((ثم ألم تقل عن ألفاظ كثيرة أتى بها الثقات إنها شاذة ؟ ! فإن كنت نسيت ذلك فسأذكرك بمثال واحد من كتبك من مئات الامثلة : منها أنك قلت في " إرواء غليلك " (3 / 84) : " قلت : وهذا سند صحيح ، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن منصور وهو إما الخزاعي أو الطوسي وكلاهما ثقة يروي عن سفيان بن عيينة ، وعنهم النسائي ، لكن قوله الجمعة شاذ ))
قلت يجاب عن هذا بأن يقال لماذا لا يذكر السقاف بقية كلام الشيخ الألباني
الجواب واضح لئلا يستبين الفرق بين هذا الحديث وحديث الجارية
فقد ذكر الشيخ سبب إعلاله لهذا الخبر بالشذوذ(1/34)
أن الإمام داود ( 2 / 241 ) قد رواه عن سفيان بلفظ (الصلاة) بدلاً من لفظة الجمعة
بل ذكر الشيخ أن مسلماً ( 2 / 107 ) والترمذي ( 2 / 403 ) والدارمي ( 1 / 277 ) وابن ماجه ( 1122 ) والطحاوي في " المشكل " ( 3 / 105 ) والبيهقي ( 3 / 202 ) من طرق عديدة عن سفيان به بلفظ الصلاة بدلاً من الجمعة
وكذلك أخرجه مسلم والنسائي والدارمي والبيهقي عن الأوزاعي عن الزهري به بهذا اللفظ .
وتابعهما عليه مالك عند البخاري ( 1 / 154 ) ومسلم وأى داود ( 1121 ) والنسائي والبيهقي وكذا الشافعي ( 1 / 51 ) والطحاوي في " مشكل الآثار " ( 3 / 105 ) . ومعمر عند مسلم والبيهقي وأحمد ( 2 / 270 - 271 و 280 ) . وعبيد الله بن عمر عند مسلم والنسائي وأحمد ( 2 / 375 ) . ويونس بن عبيد عند مسلم والبيهقي ، وزاد " مع الإمام ) وابن عبد الله عند الطحاوي . وشعيب عند البيهقي . ورواه عراك بن مالك عن أبي هريرة به . أخرجه أحمد ( 2 / 265 ) ورجاله ثقات
قلت فقل لي بربك ما علاقة هذا بحديث الجارية الشيخ هنا يعل رواية الثقة برواية الأثبت والأكثر
ولو أردنا تطبيق هذا على حديث الجارية لأعللنا حديث سعيد بن زيد الصدوق بحديث يحيى بن أبي كثير الثقة الثبت والإمام مالك
ثم إن هذه الروايات متحدة المخرج لا كتلك الروايات التي جمعها السقاف من هنا وهناك ثم جاء ليعل بها حديث الجارية في صحيح مسلم
الحديث الخامس
قال السقاف في ص 43((! فهذا هو البخاري رحمه الله تعالى يقول في تاريخه الكبير (1 / 413 - 414) عن حديث " خلق الله التربة يوم السبت . . . " الذي رواه مسلم في الصحيح (4 / 2149) بأن الاصح هو أن هذا ليس كلام النبي (ص) إنما هو كلام كعب الاحبار (راوي الاسرائيليات) ! ! أي أنه حديث موضوع ويوافق البخاري على ذلك الشيخ الحراني في " فتاواه " (17 / 236) فهل تقول أيها الألباني بأن البخاري وجدك الحراني يتهمون الثقات ويكذبون رواة الصحيح ؟ !))(1/35)
قلت الجواب عن هذا أن يقال هذا لفظ البخاري في التاريخ ((وقال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب وهو أصح ))
قلت فهذا إعلال للسند لا علاقة له بالمتن ولا يلزم من الحكم على أحد الرواة بأنه في إسناد خبر فجعله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو من كلام غيره أن يكون الخبر موضوعاً
وهذا وهم لا علاقة له بالعدالة فلا وجه لإلزام الألباني بتكذيب رواة الصحيح
ولفظ الكوثري الذي انتقده الألباني هو قوله أن الراوي سبك معنى لفظ الحديث من فهمه
حيث قال (( وسبك الراوي ما فهمه من الإشارة في لفظٍ اختاره )) فتأمل _ انظر تعليق الألباني على كلامه في مختصر العلو الحديث رقم 1_
وعمدته حديث سعيد بن زيد الساقط فاعتبر
وهذا مختلف عن الوهم في السند الذي لم يسلم منه أكابر الحفاظ
ولا علاقة لهذا بحديث الجارية فالبخاري رجح رواية أحدهم على رواية مسلم والإمام رجح الرواية التي عنده
ولم يقف أحد على إسناد الرواية التي ذكرها الإمام البخاري حتى يرجح بينهما
الحديث السادس
ذكر السقاف في ص44 من رسالته عن الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6 / 19) حكمه على رواية (( بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم الى بني عامر )) الحديث بأنها وهم من حفص بن عمر الحوضي الثقة الثبت الذي ذكر الامام أحمد أنه لم يؤخذ عليه حرف _ انظر التهذيب _
ثم قال السقاف في ص45 ((فهل تقول في الحافظ الان كما تقر له وتفتريه على الكوثري ؟ ! ! أم أن التشنيع حرام على رجل جائز على آخر ؟ ! ! فان كان كذلك فما هو دليلك من الكتاب والسنة ؟ ! ! لا سيما وأنت قد تفزدت بتضعيف أحاديث لم تسبق إلى تضعيفها فانتبه واستيقظ من سكرتك ! ! مع ملاحظة أنك تصف الحافظ ابن حجر بالذهول والتناقض كما بينته لك في " تناقضاتك الواضحات " (2 / 54) ))(1/36)
والجواب أن يقال أن هذه الرواية مختلفة عن حديث الجارية وبالتالي فقياس كلام الحافظ عليها على كلام الكوثري في حديث الجارية فاسد فالحافظ لم يعل هذه الرواية في البخاري تشهياً وانما حكم عليها بذلك لمخالفة حفص بن عمر لثقة ثبت آخر وهو موسى بن اسماعيل وروايته في الصحيح أيضاً وقد أخفى السقاف هذه الحقيقة إمعانا منه في التلبيس والتدليس وياليت شعري أين هذه المخالفة من مخالفة يحي بن ابي كثير لسعيد بن زيد
وسبب ترجيح الحافظ لرواية موسى بن اسماعيل أن موافقة لبقية الروايات في الصحيح التي تبين أن بني سليم لم يكونوا مبعوثين وانما المبعوث هم القراء وأذكر من هذه الروايات
قال الحافظ في الفتح ((قوله: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر) قال الدمياطي: هو وهم، فإن بني سليم مبعوث إليهم، والمبعوث هم القراء وهم من الأنصار.
قلت: التحقيق أن المبعوث إليهم بنو عامر، وأما بنو سليم فغدروا بالقراء المذكورين، والوهم في هذا السياق من حفص بن عمر شيخ البخاري، فقد أخرجه هو في المغازي عن موسى بن إسماعيل عن همام فقال " بعث أخا لأم سليم في سبعين راكبا، وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل " الحديث، ويأتي شرحه مستوفى هناك، فلعل الأصل " بعث أقواما معهم أخو أم سليم إلى بني عامر " فصارت من بني سليم، وقد تكلف لتأويله بعض الشراح فقال: يحمل على أن أقواما منصوب بنزع الخافض أي بعث إلى أقوام من بني سليم منضمين إلى بني عامر وحذف مفعول بعث اكتفاء بصفة المفعول عنه، أو " في " زائدة ويكون " سبعين " مفعول بعث، ويحتمل أن تكون " من " لبست بيانية بل ابتدائية، أي بعث أقواما ولم يصفهم من بني سليم أو من جهة بني سليم انتهى))
يشير الحافظ في كلامه إلى رواه البخاري (3865)عن أبي معمر حدثنا عبدالوارث حدثنا عبدالعزيز عن أنس قال (( بعث النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا لحاجة يقال لهم القراء )) الحديث(1/37)
فانظر رحمني الله واياك الى صحة الاسناد واتفاق المخرج والقصة فحديث حفص بن عمر عن أنس أيضا فأين هذا من المراسيل المختلفة المخرج والقصة عن حديث الجارية في مسلم التي احتج بها السقاف هدانا الله واياه
السقاف والجهل بعلم الرجال
زعم السقاف أن الشيخ الألباني لا يعتبر باحتجاج الشيخين بالرواة محتجاً حيث قال في ص45 (( ولا تعتبر توثيق البخاري ومسلم للرجل فتقول كما في " إرواء غليلك " (3 / 207) : " وهو وإن احتج به الشيخان فقد قال الحافظ في التقريب صدوق له خطأ كثير " ! ! ! كما بينته في " تناقضاتك الواضحات " (2 / 46) ))
والمثال الذي ضربه السقاف حجة عليه فهو دليل على اعتبار الشيخ الألباني لرواية الشيخين ففضيل بن سليمان الذي قيل فيه هذا الكلام قال فيه ابن معين (( ليس بثقة )) وقال عنه أيضاً (( ليس هو بشيء ولا يكتب حديثه ))
وهذا تضعيفٌ شديد
وقال أبوزعة (( لين الحديث ))
وقال أبو حاتم (( يكتب حديثه ليس بالقوي ))
وقال النسائي (( ليس بالقوي ))
وقال أبو داود (( كان عبدالرحمن لا يحدث عنه ))
بل وطعن في عدالته حين ذكر قصة استعارته كتابا من موسى بن عقبة وعدم ارجاعه له وقال عن حديثه ليس بشيء
وقال صالح جزرة (( منكر الحديث روى عن موسى بن عقبة مناكير ))
وذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه ابن المديني وضعفه ابن قانع ( انظؤ هذا كله في تؤجمته في تهذيب التهذيب )
قلت فمن كانت هذه حالته فهو ضعيف ولكن الشيخ راعى رواية الشيخين له فتابع الحافظ على قوله
ثم ان السقاف هو الذي لا يعتبر باحتجاج الشيخين بالراوي اذا روى ما يخالف هواه وقد تقدم طعنه في هلال بن أبي ميمونة مع احتجاج الشيخين به !!
ما أورده السقاف على حديث الجارية من جهة المتن
الشبهة الأولى(1/38)
احتج السقاف في ص52 بالإجماع الذي نقله القاضي عياض حيث قال _ كما في شرح النووي على صحيح مسلم (5/24) (( قال القاضي عياض : لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى * (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الارض) * ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم ))
قلت وهذ إجماع مكذوب منقوض فأول ما ينقضه حديث الجارية نفسه فقد صرحت الجارية باثبات العلو أمام النبي صلى الله عليه وسلم وأقرها على ذلك
وثاني ما ينقضه ما رواه أبو داود في في مسائل الإمام أحمد
(ص263) بسند صحيح عن عبدالله بن نافع عن الامام مالك ( إمام مذهب القاضي عياض في الفقه ) أنه قال (( الله في السماء وعلمه في كل مكان ))
وعبدالله بن نافع هذا هو الصائغ وقد عده ابن معين من الأثبات في مالك وقال عنه ابن سعد (( لزم مالك لزوما شديدا )) وقال أحمد (( كان أعلم الناس برأي مالك وحديثه )) وقال أبوداود (( كان عبدالله عالما بمالك )) وقال أحمد بن صالح (( أعلم الناس بمالك وحديثه )) وعلى فرض أنه بن ثابت فهو ثقة أيضاً ( انظر تهذيب التهذيب
وثالث ماينقضه ما قاله أبو الحسن الأشعري امام الأشعرية في كتابه مقالات الاسلاميين ( ص290_ 297) عند كلامه على مقالة أهل الحديث (( وأن الله على عرشه كما قال (( الرحمن على العرش استوى ))
ورابع ما قاله ابن جرير الطبري _ وهو إمام المفسرين _ في تفسير الآية التي ذكرها القاضي (23/513) (( ( أم أمنتم من في السماء ) وهو الله )
وقال البغوي في تفسيره (8/178) (({ أأمنتم من في السماء } قال ابن عباس: أي: عذاب من في السماء إن عصيتموه ))
قلت من هو الذي يتوعد عاصيه بالعقوبة أليس هو الله عز وجل ؟!!
الشبهة الثانية
نقل السقاف في ص29 عن ابن العربي تأويل حديث الجارية(1/39)
قال ابن العربي في عارضة الأحوذي " (11 / 273) ما نصه : " . . . فقال لها " أين الله " والمراد بالسؤال بها عنه تعالى المكانة فإن المكان يستحيل عليه . . "
قلت وهذا مردود من وجوه أولها وثانيها معاً أن العرب لا تسأل بأين عن المكانة إلا اذا اتصلت بمن وكانت في وضع المقارنة فيقولون أين فلان من فلان وهذا لا ينطبق على حديث الجارية ومن ذا الذي يقارن برب العالمين !!!
وثالثها أنه يلزم من هذا اتهام الجارية بتشبيه مكانة الله بمكانة من كانت تقول فيهم العرب فلان في السماء فيكون الأشاعرة قد هربوا من تشبيه المكان الى تشبيه المكانة وقد عقد السقاف فصلاً في ص53 في بيان أن العرب كانت تقول فلان في السماء تعني به قدره وبما قدمت نسف لهذا الفصل برمته
الشبهة الثالثة
نقل السقاف في ص28 عن الإمام النووي قوله في شرحه لصحيح مسلم ((5 / 24) : " هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان تقدم ذكرهما مرات في كتاب الايمان ، أحدهما : الايمان به من غير خوض في معناه (أي تفويض المعنى) مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شئ وتنزيهه عن سمات المخلوقات ، والثاني : تأويله بما يليق به ، فمن قال بهذا قال : كان المراد امتحانها هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو
الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة وليس ذلك لانه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرا في جهة الكعبة ، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين ، أو هي من عبدة الاوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم فلما قالت في السماء علم أنها موحدة وليست عابدة للاوثان ))
قلت أما مسلك التفويض فساقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد للجارية بالإيمان لما قالته فينبغي أن نقول كما قالت ليشهد لنا بالإيمان كما شهد لها لا أن نفوض(1/40)
الجارية تثبت والنبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها وهؤلاء يقولون ( نفوض ) بدلاً من أن يسلكوا مسلك النبي صلى الله عليه وسلم وهذا عين المنابذة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم
وأما التأويل الثاني فجد بعيد لأنه لو أراد هذا المعنى لسألها (( من ربك )) أو (( ما تعبدين )) بدلاً من هذا السؤال الموهم للتشبيه بزعمهم والنبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن الألفاظ الموهمة للباطل
وأما من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم انما سكت على الجارية خوفا عليها من التعطيل فأقول جوابا على هذا الهراء اذا وسع النبي صلى الله عليه وسلم السكوت أفلا يسعكم ما وسعه أم أنكم أحرص على الأمة منه
ثم انه لا يجوز في حق النبي صلى الله عليه وسلم السكوت على الكفر خوفا من كفر آخر ولو فعل ذلك شخص عادي لسخرنا منه لأن كلا من التشبيه والتعطيل طريق الى النار أفيخرجها من هذا ليدخلها في ذاك؟!!
وبقي الكلام على قولهم إن السماء قبلة الدعاء فهذا باطل من وجوه
الأول : أن القبلة أمرٌ يعلم بالدليل والإجتهاد والناس يتجهون إلى السماء عند الدعاء بلا تعلم أو اجتهاد ولا تواطؤ على ذلك وأغلبهم من العوام الذين لا يعرفون هذه التفصيلات الكلامية
الثاني :أنه جاء في الحديث(( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي لهم، فقام فدعا الله قائما، ثم توجه قبل القبلة، وحول رداءه، فسقوا)) رواه البخاري 977 ومسلم (611)
فلو كانت السماء قبلة الدعاء لما احتاج أن يتجه إلى قبلة أخرى عند الدعاء
الثالث: أننا لا نعرف أحداً من السلف قال بهذا القول
الرابع : يلزم من هذا القول تحريم أو على الأقل كراهية عدم التوجه إلى السماء عند الدعاء وهذا لم يقل به أحد بل إننا ندعو الله في الصلاة ولا نتوجه إلى السماء
وقد نقل السقاف كلاماً لغير هؤلاء من المعطلة ولكنه إنشائي لا حجة فيه ولا حتى شبهة
آيات أوردها السقاف معارضاً بها آيات العلو
الآية الأولى(1/41)
احتج السقاف في ص60 بقوله تعالى (( فلما أتاها نودي من شاطيء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )) معارضاً به آيات العلو
حيث قال في 61 ((. فهذه الاية فيها قرائن كثيرة على أن الله تعالى كان في تلك البقعة عندما كلم سيدنا موسى والسياق يفيد ذلك مع أننا نؤوله ولا نقول بظاهره ! ! فأؤلا : نحن ننزه الله تعالى أن يكون نارا ! ! لان سيدنا موسى رأى نارا فذهب إليها فكلمه الحق سبحانه فهو كليم الله باتفاق ! ! وثانيا : ننزه الله تعالى أن يكون بجانب الطور ! ! أي ننزهه أن يكون في منطقة في الارض . وثالثا : ننزهه سبحانه عن أن يكون في شاطئ الواد الايمن ! ! وفي البقعة المباركة وعن أن يكون في الشجرة ! ! ورابعا : قد يقول قائل إن قوله * (أقبل ولا تخف) * قرينة أيضا على أنه سبحانه كان في ذلك المكان أو تلك البقعة أو ذلك الوادي ! !))
وجواب هذا أن يقال لا تعارض فالله عزوجل قادر أن يكلم عبده موسى متى شاء أينما شاء ومعنى من قوله تعالى (( من الشجرة )) أي عند الشجرة وبالتالي يكون معنى قوله تعالى (( من شاطيء الوادي الأيمن )) عند شاطيء الوادي الأيمن لأن الشجرة في الشاطيء كما نبه على ذلك ابن هشام في مغني اللبيب _ وهذا بديهي _
وظاهر القرآن يدل على أن الله عز وجل كلم موسى في الوادي المقدس
قال تعالى ((إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ))
والشجرة في الوادي المقدس بداهةً فيكون قوله (( من شاطيء الوادي الأيمن من الشجرة ))
كقولك (( كلمت فلاناً عند بيته عند الباب ))
فإن النداء لم يحصل إلا عندما جاء موسى للمكان قال تعالى ((فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين))(1/42)
فهذه الآية تفسر قوله تعالى (((( فلما أتاها نودي من شاطيء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين ))
فتأمل قوله في الآيتين (( فلما أتاها ))
وقوله (( فلما جاءها ))
ودلالة الآية الأولى على أن النداء لم يقع إلا عند قدوم موسى للوادي
فلا يكون معنى الآية أن موسى سمع الصوت قبل أن يأتي للوادي
ولا يتأتى الجمع بين الآيتين إلا إذا فسرنا (( من الوادي )) ب (( عند الوادي ))
وهذا ليس تأويلا كتأويلات الأشاعرة المتكلفة التي عند التحقيق حتى اللغة لا تخدمها كما سيأتي بيانه بل هو من تفسير الآيات بعضها ببعض بل هذا من أعظم الأدلة على التمسك بالظاهر واعتباره
وقد شهد امام في التفسير واللغة بجواز ذلك لغة وأنه هو الحق وهو قتادة بن دعامة السدوسي فقد قال ابن جرير الطبري في تفسيره 20885 حدثنا بشر وهو ابن هلال الصواف وهو ثقة حدثنا يزيد وهو ابن زريع وهو ثقة قديم السماع من سعيد حدثنا سعيد هو ابن ابي عروبة من أثبت الناس في قتادة عن قتادة أنه قال نودي من عند الشجرة وظاهر الآية يعضد ما ذهب اليه قتادة اذ أن قوله تعالى (( إني أنا الله رب العلمين )) يمتنع أن يكون صادراً من الشجرة !!
فعلى هذا يكون معنى الآية هو أن موسى سمع نداء ربه عند الشجرة _ وقد دلت الآيات الأخرى على هذا المعنى _ وهذا لا يعارض علوه على خلقه كما ترى
ثم إننا لو قلنا أن الله عز وجل نزل وكلم موسى لم يكن في ذلك نفيٌ لعلوه على خلقه قبل وذلك وبعده
ثم إن الظاهر الذي يزعم السقاف أن السياق يرفده لم يقل به أحدٌ من المسلمين إذ لا يقول أحد أن الله في مكان دون مكان من الأرض فحتى الجهمية يقولون في كل مكان
إذا فهمت هذا أمكنك أن تجيب على سفسطة السقاف
فقوله (( نحن ننزه من أن يكون ناراً ))
يقال له أين تجد في ظاهر أن القرآن أن الله عز وجل نار(1/43)
بل الآيات تدل على خلاف ذلك فإن موسى رأى النار ولم ير رب العالمين وكذلك الشجرة فنعود إلى اعتبار الظاهر
وأما قوله (( ننزه من أن يكون في شاطيء الوادي الأيمن ))
قلت لم يفهم أحدُ من المسلمين هذا بل ظاهر الآيات يدل على خلاف ظاهر فموسى كان يرى كل ما في الوادي الأيمن ولم ير الله عز وجل
ومخاطبة الله عز وجل لعبيده لا تقتضي أن يكون هو سبحانه وهم في مكان واحد وهذا فكما أن أهل الجنة يرون ربهم وهو على العرش وهم في الجنة
فموسى كلم ربه والله في السماء وهو على الأرض
وقوله تعالى (( أقبل ولا تخف ))
فالمقصود منه أقبل على العصا وإلا لو كان المقصود أقبل على الله الذي أمامك _ كما يفهمه السقاف من السياق _ لكان يراه فطلب الرؤية بعد ذلك لا وجه له
ثم نقول للسقاف إذا كان السياق يدل على هذا المعنى فلم لا تقول به
فإن قال : الأدلة العقلية على خلافه
قلنا : قولكم في أن الله لا داخل العالم ولا خارجه أبعد عن بداهة العقول مما فهمت من الآية فرفع النقيضين معلوم البطلان بالضرورة غير أن الأشاعرة ألجأتهم المقدمات الفاسدة إلى هذا القول
ويكفيك من بطلان هذا القول أنك لا تجد أحداً من السلف الصالح تكلم به فهو بدعةٌ منكرة
والأدلة العقلية على خلافه
فالموجودات إما أن تكون متحايثة _ متداخلة _ أو تكون متباينة
وقد ثبت بالنص والعقل أن الله عز وجل غير محايث لمخلوقاته فلم تبق إلا المباينة
فإن قال الجهمي : هذا قياسٌ منكم لله على مخلوقاته
قيل له : ليس كذلك بل إن قولكم أن الله عز وجل إذا كان على العرش لزم من ذلك التحيز والجسمية هو عين قياس الشاهد على الغائب
وبهذا يظهر تناقض القوم وأنه لا أدلة عقلية ولا حتى نقلية على قولهم
فغاية ما يحتجون به من النقليات قوله تعالى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))
وهذه الآية يحتج بها الجهمية الحلولية فيقولون المخلوقات تكون في مكان دون مكان والله عز وجل يخالفها فهو في كل مكان(1/44)
وأما أهل السنة فيحتجون بهذه الآية أيضاً فيقولون الآية تضمنت نفياً و إثباتاً فأثبت لله صفات كمال مع نفي مماثلته للمخلوقات
وهذا ما نفعله فنثبت له العلو المطلق الذي ليس لأحدٍ من مخلوقاته
فإن قال السقاف رددت هذا الفهم لوقوع الإجماع على خلافه
قلنا وبهذا يجيبك منازعك أيضاً وآيات العلو لم ينعقد الإجماع على خلافها بل انعقد الإجماع على القول بها كما سيأتي بيانه
ويقال للسقاف أيضاً ليس كل تأويلٍ صحيح فصحة تأويل أو اثنين لا يدل على صحة بقية التأويلات
ولا توجد فرقةٌ من المسلمين تأخذ بجميع التأويلات
فالأشاعرة يردون تأويلات المعتزلة للسمع والبصر
والمعتزلة يردون تأويلات المرجئة للآيات المدخلة للأعمال في مسمى الإيمان
فإذا كان التأويل الذي يخالف السياق _ على زعم السقاف _ يعد تأويلاً صحيحاً
فما هو التأويل الفاسد إذن ؟!!
وخذ مثالاً على آيات العلو التي يمتنع تأويلها وهو قوله تعالى (( يخافون ربهم من فوقهم )) يمتنع حمل الآية على علو القهر لأن حرف الجر (من ) إذا جاء قبل قوله (فوق ) دل ذلك على الفوقية الحقيقية كقوله تعالى (( فخر عليهم السقف من فوقهم ))
وقوله ((كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ))
وقوله تعالى ((هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ))
وهذا مطرد في جميع القرآن والسنة وكلام العرب
ومنه قول أم المؤمنين زينب بنت جحش (( زوجني الله من فوق سبع سماوات )) رواه البخاري 6985 في كتاب التوحيد باب {وكان عرشه على الماء} /هود: 7/. {وهو ربُّ العرش العظيم} /التوبة: 129/
الآية الثانية(1/45)
احتج السقاف في ص31 بقوله تعالى ((والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب )) معارضاً به آيات العلو
والجواب أن يقال أن هذا يوم القيامة لا في الدنيا كما أوهم السقاف بقوله ((والكلام هنا عن إنسان على وجه الارض ))
كما هو واضح في آخر الآية ثم إن الآية تخبر أن الله عزوجل عند أعمال الكفار فأين مكان أعمال الكفار ؟!! إنما هي معنى لا مكان مادي لها من هذا نعلم أن هذه العندية لا تخالف علو الله عزوجل على خلقه فهنا قرينة واضحة تبين لنا المعنى وهو أن الكلام على معاني لا ذوات قائمة بنفسها ولا يفهم أحد من هذه الآية شيئاً مخالفاً لعلو الله على خلقه ولو أخذ الناس بفهم السقاف لخرجنا بقول لم قل به أحدٌ من المسلمين وهو أن الله في مكانٍ في الأرض دون مكانٍ آخر فلو كان ظاهر الآية يدل على هذل لوجدت من يقوةل بهذا القول من أهل القبلة وقد قالوا هو أشنع منه
بينما يدل قوله تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ )) على علو الله عز وجل فالعندية هنا لو كانت تدل على الملك لما كان لتخصيص الملائكة بالذكر وجه فالله عز وجل له ملك السماوات والأرض
الآية الثالثة والرابعة
احتج السقاف في ص32 بقوله تعالى (( ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ))
معارضاً بها آيات العلو وملزماً بتأويل آيات العلو
والجواب أن يقال أن القرب هنا معناه قربه بملائكته وهذا ليس تأويلاً بل ما دل عليه الدليل قال تعالى ((قُلْ يَتَوَفَّاكُم َّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ))(1/46)
و قال ابن ماجة( 4262 )حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حدّثنا شَبَابَةُ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ (الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلاَئِكَةُ. فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحاً، قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ! كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ. اخْرُجِي حَميدَةً، وَأَبْشِرى بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا، حَتَّى تَخْرُجَ. ثُمَّ يُعرَجُ بَهَا إِلَى السَّمَاءِ. فَيُفْتَحُ لَهَا. فَيُقَالُ. مَنْ هذَا. فَيَقُولُونَ فُلاَنٌ. فَيقَالُ: مَرْحَباً بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ. ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بْرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذلِكَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ قَالَ: اخْرُجِي أَيَتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيَثَةُ! كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ. اخْرُجِي ذَمِيمَةً. وَأَبْشِرِي بِحَميمٍ وَغَسَّاقٍ. وَآخَرَ مَنْ شَكْلِهِ أْزْوَاجٌ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ. ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ. فَلاَ يُفْتَحُ لَهَا. فَيُقَالُ: مَنْ هذَا. فَيُقَالُ: فُلاَنٌ. فَيُقَالُ: لاَ مَرْحَباً بَالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ. ارْجِعِي ذَمِيمَةً. فَإِنَّهَا لاَ تُفْتَحُ لَكِ أَبْوابُ السَّمَاءِ. فَيُرْسَلُ بِهَا مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ).(1/47)
قلت هذا إسناد هو الغاية في الصحة وتأمل معي قوله (( الى السماء التي فيها الله )) تجد شاهدا قويًا لمعنى حديث الجارية ولا يمكن حمل ذلك على المكانة مع ذكر العروج وهو الصعود وذكر فتح الأبواب وإلا لكان المعنى أن النفس المؤمنة تصل الى مكانة الله عزوجل والعياذ بالله
ومثله قوله تعالى (( ونحن أقرب اليه من حبل الوريد )) فهو قرب الملائكة بدليل قوله في الآية التي بعدها (( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد )) والله الموفق
ولو أخذنا بفهم السقاف لخرجنا بقول لا يقول به أحدٌ من المسلمين فحتى الجهمية الذين يقولون بأن الله في كل مكان لا يقولون بهذا الفهم
فالله عز وجل على مذهبهم لا يصح منه قربٌ ولا بعد لأنه في كل مكان
الآية الخامسة
واحتج السقاف في ص32 بقوله تعالى (( إني ذاهب الى ربي سيهدين )) والجواب
أن يقال أن القرآن يفسر بعضه بعضا فالذهاب هنا هو الهجرة قال تعالى ((إني مهاجر إلى ربي )) ومعنى الآية مهاجر الى الأرض التي أمرني ربي بالهجرة إليها أو إلى رضا ربي وهذا له نظيره فقد قال صلى الله عليه وسلم (( فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه )) رواه البخاري
ولو حملنا الآية على فهم السقاف لكان الله في مكانٍ في الأرض دون آخر وهذا لم يقل به أحدٌ من العالمين حتى الجهمية يقولون هو في كل مكان
فهذا الإجماع على عدم الأخذ بهذا الفهم السقيم يجعل لآيات العلو مزيةً فإن ظاهرها أجمع عليه السلف بخلاف فهم السقاف لهذه الآية الذي لم يقل به أحد
ثم إن القرآن يفسر بعضه بعضاً فقد دل القرآن على أن إبراهيم إنما هاجر إلى أرضٍ أمره الله بالهجرة إليها ولم يأت أنه رأى الله عز وجل
وهذه قرينة الحال(1/48)
ولو فرضنا جدلاً أن إبراهيم كان يعني أن سيهاجر إلى أرضٍ يلقى فيها الله فإن هذا لا يعارض علو الله عز وجل على خلقه فإن موسى كلم الله عز وجل
والله في العلو وهو في الأرض
والقرآن يفسر بعضه بعضاً فإن رأى السقاف أننا تركنا الأخذ بظاهر هذه الآية بظواهر آيات أخرى في تفسيرها
وهذه القرائن غير موجودة في قوله تعالى ((إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا )) ( آل عمران :55)
قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية ((قال الله لعيسى: {إني متوفيك ورافعك إلي} فتوفاه ورفعه إليه))
وقال بعدها على لسان بعض أهل التفسير ((قالوا: ومعنى الوفاة: القبض، لما يقال: توفيت من فلان ما لي عليه، بمعنى: قبضته واستوفيته. قالوا: فمعنى قوله: {إني متوفيك ورافعك} أي قابضك من الأرض حيا إلى جواري))
وقال ابن جرير 5623 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: {إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا} قال: فرفعه الله إليه، توفيه إياه، وتطهيره من الذين كفروا
الآية السادسة
وقد احتج السقاف بقوله تعالى(( وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ
وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )) معارضا بها آيات العلو
والجواب أن يقال أن ظاهر الآية ليس في فيه أن ذات الله في السماوات والأرض فإنه لم قل ( وهو في السموات ) فالظرف متعلق باسم الله فيكون بمنزلة قوله تعالى (( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله )) فعلى هذا يكون القرآن يفسر بعضه بعضاً ولا يظن الظان أن هذه الآية دليل على مذهب فإن ما فوق السماوات وما تحت الأرض غير مذكور في الآية وهم يقولون (( الله في كل مكان ))(1/49)
وقد دلت أدلة الكتاب والسنة على أن الله عز وجل ليس في الأرض من أشهرها آيات المجيء والنزول وأحاديث والإحتجاب فالذي في كل مكان لا يكون للحجاب في حقه معنى والآيات التي قبض الله عز وجل للأرض وغيرها من المحكمات وردنا للتأويل فلو أخذنا بفهم السقاف لهذا النص لرددنا ظواهر جميع النصوص الأخرى وللنص معنى متجه
الآية السابعة
كثيرا ما يحتج أهل الأهواء ومنهم السقاف _ كما في ص 86_ بقوله تعالى (( نسوا الله فنسيهم )) على وجوب التأويل
والجواب عن هذا أن صفة النسيان لا تقاس على غيرها من الصفات الثبوتية لرب العالمين كالوجه واليد وغيرها من وجوه ثلاثة
الأول أن صفة النسيان صفة نقص بيد أن بقية الصفات صفات كمال ( على الأقل في حق المخلوق وهذه نقطة متفق عليها )
الثاني أنها سيقت سياق المقابلة بينما فقوله تعالى (( نسوا الله فنسيهم)) فيه مقابلة الله تعالى لنسيانهم بنسيان بينما سيقت بقية الصفات مساق الإخبار
الثالث أن صفة النسيان جاء نفيها تفصيليا فقد قال تعالى (( وما كان ربك نسيا )) فما تركنا ظاهر تلك الآية إلا لظاهر هذه الآية بينما يزعم المعطلة أن بقية الصفات التي ينفونها جاء نفيها إجمالا في قوله تعالى (( ليس كمثله شيء )) وقد بينا بطلان هذا القيل فيما تقدم فيحتاج المعطلة لنفي تفصيلي لصفة اليد مثلا لكي يستقيم لهم قياسها على صفة النسيان
ثم إن من معاني النسيان في اللغة الترك ولا يوجد في السياق ما يدل على بطلان حمل النسيان في هذه الآية على الترك بل إن له نظائره في الكتاب كقوله تعالى (( فنسي آدم ولم نجد له عزما )) والله الموفق
وأبعد من هذا احتجاجهم بحديث (( عبدي مرضت ولم تعدني )) رواه مسلم فالحديث فيه تفسير
حيث يقول العبد (( كيف أعودك وأنت رب العالمين ))
فيأتي الجواب (( عبدي مرض فلو عدته لوجدتني عنده ))
فالحديث فسر نفسه بنفسه فلا تقاس عليه النصوص الأخرى التي تركت دون تأويل(1/50)
والمرض صفة نقص في المحدثات فكيف تقاس على صفات الكمال
آيات المعية
احتج السقاف في ص 32 بآيات المعية كمثل قوله تعالى (( وهو معكم أينما كنتم )) معارضاً بها آيات العلو والجواب
الأجمالي عنها جميعا أن يقال المعية في لغة العرب لا تستلزم الممازجة فالعرب تقول مشينا ومعنا القمر وهو ليس ممتزج معهم فآيات المعية لا تعارض آيات العلو
فمنها قوله تعالى (( إنني معكما أسمع وأرى )) فذكر السمع والرؤية المستلزمان للعلم دليل على أن المعية بالعلم كما أنها أيضاً للتأييد بدليل اختصاص موسى وهارون بهذه المعية ولو كانت معيةً ذاتيةً لما كان لاختصاصهما بها وجه
لذا فتخصيص بعض بالمعية دون بعض يدل على أنها بالتأييد والنصرة فالقائلون بالمعية الذاتية لا يفرقون بين الناس فيها ومما يدل على ذكرها في سياق الدعوة والجهاد والسياق من المقيدات وعلى ضوئه يفهم النص وهذا ليس تأويلاً بل هو عين التمسك بظاهر النص
ومنها قوله تعالى (( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم )) الآية فذكر النجوى دليل على أن المقصود بالمعية معية العلم ويؤيد ذلك قوله تعالى في بداية الآية (( ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض )) وقوله تعالى في آخر الآية (( إن الله بكل شيء عليم ))
ومنها قوله تعالى (( وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير )) فذكر صفة البصر دليل على أن المعية بالعلم ويؤيد ذلك قوله تعالى في نفس الآية (( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها )) الآية
وزعم السقاف أنه لا يمكن حمل قوله تعالى (( والله معكم)) على معية العلم لأن الله علم على الذات لا الصفة فأقول جواباً على هذا الهراء أن العرب قد تطلق الموصوف وتريد إحدى صفاته كقولهم فلان مع فلان دائما ويقصدون بذلك أنه يؤيده دائما ولا يخفى أن التأييد صفة(1/51)
فالمعية بين المخلوقات لا تستلزم المحايثة فضلاً عنها بين الخالق والمخلوق والسلف أعلم باللغة من هذا الجهول وقد أجمعوا على تفسير المعية بمعية العلم
الأحاديث التي أوردها السقاف معارضاً بها أحاديث صفة العلو
الحديث الأول
احتج السقاف في ص33 بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى " .
رواه البخاري ( 1 / 509 فتح ) ومسلم ( 1 / 388 )
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدميه " . رواه البخاري في صحيحه (1 / 508 فتح) معارضاً بهما أحاديث العلو
والجواب أن يقال لا تعارض بين هذا وبين علو الله على خلقه فقد يقابل الإنسان القمر أو الشمس وتكون قبل وجهه وهي فوق وهو في الأرض
ويكلم شخصاً على السطح وهو على الأرض ويدل على ذلك ما رواه ابن خزيمة في التوحيد (253): حدثنا عبد المجيد بن محمد الزهري، قال: ثنا بن أبي عدي، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس، عن أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله: أكلنا نرى الله مخليا به ؟ قال : نعم قال وما آية ذلك في خلق الله
قال: أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر، وإنما هو خلق من خلق الله، فالله أجل وأعظم"
ورواه أيضاً ابن ماجة 180 من طريق حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء به
ورواه أبو داود 4731 من طريق حماد وشعبة معاً
وقد حاول بعض الجهلة إسقاط حديث الجارية بهذين الحديثين وهذه والله من العجائب فمن المعلوم بداهةً أن الجمع بين النصوص أولى من طرح أحدها وإلا فبعض آيات القرآن الكريم توهم بعض أعداء الدين تعارضها فأجابهم العلماء بالجمع بينها(1/52)
ولو جمعنا آيات و أحاديث العلو ووضعناها في كفة وهذا الحديث وأمثاله ووضعناه في كفة لرجحت آيات و أحاديث صفة العلو لكثرتها ووضوحها وقد جمعها كل من ابن قدامة المقدسي والحافظ الذهبي وابن القيم في مصنفات مستقلة
الحديث الثاني
واحتج السقاف في 33 بحديث أبي موسى الاشعري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الذى تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم " . رواه البخاري ( 7 / 470 فتح ) ومسلم ( 4 / 2077 ) معارضاً به أدلة العلو
والجواب أن يقال هذا القرب انما هو بالعلم بدليل قوله في بداية الحديث (( يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فانكم لا تدعون أصما ولا غائبا )) فالأشارة الى صفة السمع المستلزمة لصفة العلم تدل على ما قلنا وتذكر ما قلناه عن دلالة السياق سابقاً
الحديث الثالث
واحتج أيضا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء " . رواه مسلم ( 1 / 350 ) .
والجواب أن يقال القرب هنا قرب الإجابة بدليل تقييده بالسجود وهو مظنة إجابة الدعاء وهذا الحديث لا يدل مذهب الجهمية الأوائل ففي مذهبهم لا مزية للسجود على غيره من أوضاع الجسد ولا يصح من الله قرب ولا بعد لأنه في كل مكان فعلى هذا يكون الظاهر الذي توهمه السقاف لا يقول به أحد
ولدفع التوهم الذي يتوهمه المعطلة أمرنا أن نقول في السجود (( سبحان ربي الأعلى ))
الحديث الرابع
احتج السقاف في ص34 بحديث ((سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون. اللهم ! إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى. ومن العمل ما ترضى. اللهم ! هون علينا سفرنا هذا. واطوعنا بعده اللهم ! أنت الصاحب في السفر. والخليفة في الأهل. اللهم ! إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب، في المال والأهل))
رواه مسلم في الصحيح (2 / 978) من حديث ابن عمر(1/53)
معارضا به أدلة العلو والجواب أن يقال لفظ الصحبة لا يستلزم المعية الذاتية كما زعم السقاف فالعلماء يقولون فلان صاحب الشافعي ويقصدون أنه على مذهبه والعرب تقول (( سافرنا ولا صاحب لنا إلا القمر ))
والعرب لا تفهم من لفظ المصاحبة أكثر مما تفهم من لفظ المعية
فتجد العلماء يقولون في كتب النحو واللغة (( مع للمصاحبة ))
انظر كتاب سيبويه (4/228) ولسان العرب لابن منظور (8/340_341)
وقد تقدم الكلام على المعية
وتخصيص السفر بالذكر يدل على أن المقصود الصحبة بالحفظ والكلاءة وإلا فإن المعية الذاتية على مذهب من يقول بها من الجهمية لا تختص بسفر دون حضر
وكذلك لفظ الاستخلاف فهو يطلق باستعمالات عدة بحسب ما يضاف اليه فقد نقول (( فلان خليفة فلان )) ونقصد أنه خليفته بالعلم والاستخلاف في هذا الحديث معناه الحفظ والكلاءة بدليل قوله في آخر الحديث (( وسوء المنقلب في المال والأهل ))
وقد قدمنا أن السياق معتبر في فهم النص لذا يقول الأصوليون (( السياق من المقيدات ))
ثم وجدت حديثاً صحيحاً صريحاً يدل على أن لفظ الصحبة يستخدم مع عدم وجود المعية الذاتية
وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً بعض أزواجه ((إنكن صواحب يوسف))
رواه البخاري (633) والمعية الذاتية غير موجودة كما لا يخفى
والله الموفق
الحديث الخامس
احتج السقاف في ص35 بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه : " اللهم أنت الاول فليس قبلك شئ وأنت الآخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ اقض عنا الدين واغننا من الفقر " .
رواه مسلم في الصحيح ( 4 / 2084 برقم 61 )
.
معارضا به أحاديث العلو وهذا من جهله بمعنى الباطن فالعرب تقول بطنت الأمر أي عرفت باطنه كما في لسان العرب لابن منظور(13/52) ومقاييس اللغة لابن فارس (1/245) وفي النهاية لابن الأثير (1/355)(1/54)
وعلى هذا فمعنى الباطن من بطن كل شيء علما وعليه يكون معنى ((فليس دونك شيء)) ليس دون علمك شيء أي لا يخفى عليك شيء مهما بعد
الحديث السادس
واحتج السقاف في ص 35 بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أذن لي أن أحدث عن ملك قد مرقت رجلاه في الارض السابعة ، والعرش على منكبه ، وهو يقول سبحانك أين كنت وأين تكون "
رواه أبو يعلى (رقم 6619) زاعماً أن فيه تنزيه الله عز وجل عن السؤال بأين
وقال السقاف حاكماً على الخبر ((وهو صحيح ، وقد صححه الحافظ ابن حجر في " المطالب العالية بزوائد الثمانية " (3 / 267) إذ قال : " لابي يعلى . صحيح " وصححه الحافظ الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 80) و (8 / 135) إذ قال : " رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح " ))
والصواب أنه ضعيف لأنه من رواية معاوية بن اسحاق عن سعيد المقبري والمقبري قد اختلط قبل وفاته بأربع سنوات _ كما في تهذيب التهذيب _ ولا نعرف ان كانت رواية معاوية عن سعيد قبل الاختلاط أو بعده أما تصحيح الحافظ فمستغرب لأنه قال في معاوية بن اسحاق (( صدوق ربما وهم )) _ انظر التقريب _ فمثله حسن الحديث فقط بناءً على قول الحافظ
والأغرب منه موقف السقاف المتناقض فمعاوية بن إسحاق وإن وثقه جمع فقد قال فيه أبو زرعة الرازي (( شيخ واه )) وقال أبو حاتم و الفسوي (( لا بأس به ))
فلماذا لا ينزله السقاف إلى درجة الصدوق كما فعل مع هلال ؟ !!!
وقول الهيثمي (( رجاله رجال الصحيح )) ليس تصحيحاً كما ظن السقاف الجهول فإن رجال الصحيحين فيهم المدلس الذي لم تخرج أحاديثه بالعنعنة في الصحيحين وفيهم المختلط الذي لم يخرجوا أحاديثه حال الإختلاط وفيهم من هو ضعيف في بعض الشيوخ دون بعض والثقات مطلقاً لا يمتنع أن يرووا خبراً شاذاً(1/55)
وأما التعارض الذي زعمه السقاف فعلى فرض وجوده فحديث الجارية أرجح حتى لو كان حديث الملك صحيحاً للشواهد التي أوردتها بل هذا الحديث غايته أن يكون حسناً وإسناد حديث الجارية صحيح ولو فرضنا أنه حسن فقط فله شواهد ولم يوصف أحدٌ من رواته بالوهم
حسن المحاججة ببيان بطلان القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجة
زعم السقاف في أول صفحةٍ من كتابه أن الله لا داخل العالم ولا خارجه وهذا القول باطل من وجوه
أولها أنه بدعة لم يقل به أحدٌ من السلف
وثانيها أنها مجرد سلوب ولا تمدح في السلب فلو قلت (( فلان لا يبخل )) لا يعني هذا أنك تمدحه لأنك قد تقصد أنه لا يوجد عنده ما يبخل به وفي هذا يقول الشاعر ساخراً من إحدى القبائل
قبيلة لا يغدرون بذمة *** ولا يظلمون الناس حبة خردل
يقصد أنهم ضعفاء لا يستطيعون ذلك
وأما في حق الله عزوجل فلا ينفى شيء عنه إلا لإثبات كمال ضده كقوله تعالى (( ولا يظلم ربك أحدا )) ففيه إثبات كمال عدله فأي ضد هذا الذي سيثبت كماله من القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه
وثالثها أنه رفع للنقيضين وهذا ممتنع وحاول السقاف في ص68 أن يرد هذا بضربه مثالاً بصفة الذكورة والأنوثة _ أي أن الله لا يوصف بهما ومع ذلك لم يكن هذا ممتنعاً _
والجواب من وجهين
أولهما أن صفتي الذكورة والأنوثة ليستا نقيضين فبينهما صفة وسطية وهي الخنوثة فلا تقاسان على صفتي الدخول والخروج
وثانيهما أن السلف لم يقولوا الله لا ذكر ولا أنثى والعياذ بالله بل أثنوا على الله عزوجل بما أثنى به على نفسه بدون تكلفات
ثم يقال أن الذكورة والأنوثة من صفات المخلوقات التي تتناكح وتتكاثر بالنكاح والله عز وجل نزه نفسه عن أن يتخذ صاحبةً وهو الأول والآخر
والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان معاً وهذا بديهي فقولك مثلاً (( هذا الرجل مسلمٌ وكافر )) أو (( ليس بمسلم ولا كافر )) فهذا ممتنع ومثله قولكم في الله (( لا داخل العلم ولا خارجه ))(1/56)
وضرب مثالا ثانيا وهو الزواج والعزوبية والجواب أن يقال أن هذا من خصائص المخلوقات المتناكحة لهذا يمكنك أن تقول في الجماد (( غير متزوج ولا أعزب )) غير أن ليس كمالاً
وأن تقول ذلك في الملك ولا يكون كمالاً والسلف لم يثنوا على الله عز وجل بشيء من الله بل لا يوجد لهذا نظير في الكتاب أو السنة
ورابعها أنه تشبيه لله بالعدم وهذا واضح
وقد حاول السقاف نفي هذا الإلزام
فنقل في ص71 عن الغزالي قوله في الإقتصاد ص28((فإن قيل : فنفي الجهة يؤدي إلى المحال وهو إثبات موجود تخلو عنه الجهات الست ويكون لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلا به ولا منفصلا عنه وذلك محال ! ! " قلنا : إذا كان هذا الموجود جسما يأخذ حيزا في الفراغ وله حد أي طول وعرض وارتفاع بأي شكل كان ثم وصفناه بعد ذلك بأنه لا متصل ولا منفصل أي لا داخل العالم ولا خارجه ولا هو في جهة كان ذلك مقتضيا الاخبار عن عدمه ؟ وقولنا ساعتئذ لا هو متصل ولا منفصل محال . وهو كقول القائل يستحيل أن يوجد موجود . لا يكون عاجزا ولا قادرا ولا عالما ولا جاهلا ولا أعزب ولا متزوجا ولا ذكرا ولا أنثى أو خنثى ولا في نور ولا في ظلمة ! ! فإن كان ذلك الشئ قابل للمتضادين فيستحيل خلوه من أحدهما ، وأما إذا كان جمادا مثلا وهو الذي لا يقبل واحدا منهما لانه فاقد لبعض شروط هذه الصفات وهي الحياة فلا يستحيل وجوده حينئذ ، فكذلك شرط الاتصال والانفصال والاختصاص بالجهات والتحيز والقيام بالمتحيز من صفات الاجسام والاعراض ، فإذا كانت هذه صفات الجسم الذي نعرفه فالله تعالى ليس كذلك لاننا عاجزون عن إدراكه ولا يمكننا أن نقيس عليه غيره لانه سبحانه ليس من جنس الاجسام ولا له شكل وهيئة ؟ وكل ما خطر في أذهاننا فالله تعالى ليس كذلك لانه أخبر بذلك فقال * (ليس كمثله شئ) * و * (لم يكن له كفوا أحد) ))
قلت خلاصة جواب الغزالي أن هذا الإلزام إنما يصح في حق الأجسام التي تكون في حيز(1/57)
ويجاب على اعتراضته على صفة العلو بمثل هذا الجواب فيقال إنما تصح إلزامتك في حق المخلوقات التي تحيط بها الأحياز أما الله عز وجل فليس فوقه شيء
ومزية قولنا على قولكم أن قولنا تعضده ظواهر النصوص وإجماع السلف والعقل الصريح والفطرة السليمة
اعترافات أشعرية
نقل السقاف في ص75 عن الغزالي قوله في الإحياء (4 / 434) : " أن الله تعالى مقدس عن المكان ومنزه عن الاقطار والجهات وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا هو متصل به ولا هو منفصل عنه ، قد حير عقول أقوام حتى أنكروه إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته " .
ثم نقل في ص76 عن للعز بن عبد السلام قوله في القواعد ص (201) (( أن من جملة العقائد التي لا تستطيع العامة فهمها هو أنه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه ولا منفصل عن العالم ولا متصل به ))
فنقول للأشاعرة عقيدتكم هذه موجودة في القرآن أم غير موجودة ؟
فإن قالوا غير موجودة قلنا لهم كيف يفرط رب العالمين بعقيدة هامة كهذه ويبين أحكام الحيض والظهار وغيرها هذا ما لا يليق بكتاب رب العالمين؟!!!
فإن قالوا مذكورة قلنا كيف هي مذكورة وقد صرح أئمتكم بأن العوام لا تفهمها وأنها حيرت عقول أقوام بينما يقول رب العالمين عن كتابه (( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ))
فكيف تكون هذه العقيدة المعقدة في هذا الكتاب الميسر ؟!!
قاعدة الرازي الكلية تنقض غزل الأشعرية
للرازي قاعدة معروفة وهي (( إذا تعارض العقل والنقل قدمنا العقل على النقل )) و نحن والعامة بموجب هذه القاعدة ننكر عقيدة أن الله لا داخل العالم و لا خارجة لأن عقولنا لا تفهم هذه العقيدة وبالتالي لا تقبلها إذ كيف يقبل ما لا يفهم وما تحير به العقول كما شهد بذلك الغزالي والعز بن عبد السلام ؟!
وقفة مع نصوص الأشاعرة(1/58)
نقل السقاف نصوصاً لعلماء الأشعرية ومن وافقهم يزعم أنهم يصرحون فيها بأن الله عزوجل لا داخل العالم ولا خارجة ولا متصل ولا منفصل وقد تقدم نقض هذا القول وإثبات أن السلف أجمعوا على خلافه
ولكن السقاف نقل نصوصاً لا يوجد فيها التصريح بما زعم _ وذلك في ص
75_
أولها وثانيها قول النووي والمتولي (( أو أثبت له الإتصال أو الإنفصال كان كافرا ))
قلت وإنكار القول لا يعني إثبات ضده فلو جاءنا شخص وقال أن الله شاعر أو فنان والعياذ بالله لأنكرنا قوله أشد الإنكار ولكن هذا لا يسيغ لنا أن نقول أن الله ليس بشاعر والعياذ بالله
ونظير هذا تكفيرنا لمن يقول بأن الملائكة إناث ومع ذلك فإننا ننكر القول بذكورية الملائكة أيضا
ووقفة أخيرة مع نص الاسفراييني في " التبصير في الدين ص 97 (( وأن تعلم أن الحركة والسكون . . . . والاتصال " والانفصال . . . . كلها لا تجوز عليه تعالى لان جميعها يوجب الحد والنهاية ))
قلت ولا يلزم من هذا نفي العلو لأن هناك من أثبت العلو مع نفي الإتصال والإنفصال
كصاحب بدء الأمالي القائل
ورب العرش فوق العرش *** لكن بلا وصف التمكن واتصال
افتراءات السقاف على أهل السنة
الإفتراء الأول
نقل السقاف في 46 عن " اجتماع الجيوش الاسلامية " ص ( 212 ) تحت عنوان ( أكرموا البقر ) : وذكر شيخ الاسلام الهروي بإسناده عن عبد الله بن وهب قال " أكرموا البقر فإنها لم ترفع رأسها إلى السماء منذ عبد البجل حياء من الله عزوجل " . ثم قال : " والمقصود أن هذه فطرة الله التي فطر عليها الحيوان حتى أبلد الحيوان الذي نضرب ببلادته المثل وهو البقر ، . اه
وبوب السقاف لذلك بقوله (( فصل المتمسلفون يستدلون لعقيدتهم بطبائع البقر والحمير والدجاج من الامور المضحكة جداً))(1/59)
ثم قال (ولقد كرمنا بني آدم) * فعقيدة الانسان الموحد الذي يتوجه بوجهه وجسده ويديه إلى جهة الكعبة أحرى من عقيدة البقر والحمير والدجاج التي يعتقدها هذا المتمسلف وبدندن حولها ! ! لا سيما وأن تلك الدواب غير عاقلة ! ! وقد شبه الله تعالى الكافر في البلادة وعدم الفهم بها كما تقدم في مثل قوله تعالى * (أولئك كالانعام بل هم أضل ))
قلت ابن القيم لو يورد هذا للإستدلال كما زعم السقاف المفتري
قال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (1/212) (( فصل
في جواب من يقول: كيف يحتجّ علينا بأقوال الشعراء والجن وحُمر الوحش؟! ولعل قائلاً يقول: كيف يحتج علينا في هذه المسألة بأقوال مَنْ حَكَيْت قوله ممن ليس قوله حجة، فأجلب بها، ثم لم تقنع بذلك حتى حكيت أقوال الشعراء، ثم لم يكفك ذلك حيت جئت بأقوال الجن، ثم لم تقتصر حتى استشهدت بالنمل وحُمر الوحش، فأين الحجة في ذلك كله
وجواب هذا القائل أن نقول: قد علم أن كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وسائر أنبيائه عليهم السلام والصحابة والتابعين رضي اللّه عنهم ليس عندكم حجة في هذه المسألة، إذ غاية أقوالهم أن تكون ظواهر سمعية، وأدلة لفظية معزولة عن الثقة، متواترها يدفع بالتأويل، وآحادها يقابل بالتكذيب، فنحن لم نحتج عليكم بما حكيناه، وإنما كتبناه لأمور: منها: أن يعلم بعض ما في الوجود وبعلم الحال من هو بها جاهل
ومنها: أن نعلم أن أهل الإثبات أولى بالله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين، وأئمة الإسلام، وطبقات أهل العلم والدين من الجهمية والمعطلة.
ومنها: أن نعرف الجهمي النافي لمن خالف من طوائف المسلمين، وعلى من شهد بالتشبيه والتمثيل، وعلى من استحلّ بالتكفير وعرض يفترق من الأمة))
هذا كاف لبيان إفك السقاف هداه الله(1/60)
وبقي أن نقول أن البهائم أسلم عقيدةً من المعطلة كيف لا وهي داخلة في عموم قوله تعالى ((وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ))
الإفتراء الثاني
قال السقاف في 49((وأما قولهم بأن الانسان والحيوان يعلم بالفطرة بأن الله في السماء فمغالطة واضحة منهم ! ! وذلك لانهم اخترعوا خرافة زعموها دليلا شرعيا ! ! جديدا ! ! فجعلوا يستدلون به على ما يريدون وهو ما يسمونه ب(الفطرة) ))
قلت الفطرة السليمة لا تناقض العقيدة الصحيحة وإليك الدليل المفحم وهو قوله صلى الله عليه وسلم ((ألا أعلمك كلمات تقولها إذا أويت إلى فراشك فإن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبحت وقد أصبت خيرا تقول: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري رغبة ورهبة إليك وألجأت ظهري إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت.)) رواه البخاري و مسلم فقوله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم (( مت على الفطرة )) داخل فيه الاعتقاد السليم الموجود في الدعاء وهذا كاف لاخراص السقاف
غير أننا لا نزعم أنها دليلٌ شرعي كما يفتري علينا
غير أن المعطلة يتضايقون من ذكر الفطرة لأنهم ممن انتكست فطرهم لهذا لا تجد أحداً يقول بقولهم إلا إذا درس كتبهم أو جالسهم
وأما إثبات العلو فتجده عند عموم المسلمين بلا تواطؤ بل وعامة مثبتي وجود الله من الأمم
وقال السقاف في ص50 ((وربما لم يفهموا قول النبي (ص) " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " على وجهه الصحيح ! ! ومعنى الحديث أن المولود يولد على الخلقة الاصلية السليمة وهي المراد بالفطرة ))
قلت لو كان هذا المعنى صحيحاً لما ذكر لقوله (( فأبواه يهودانه ....)) الحديث معنى إذ ما وجه ذكر العقائد مع الكلام عن الخلقة السليمة ؟!!(1/61)
ومن أسخف ما قال السقاف قوله في الصفحة نفسها ((ولا يعني هذا أن المولود عندما يولد تولد معه معلومات دينية في مختلف النواحي من العقيدة والفقه والحديث والتفسير وغيرها))
قلت من توسع هذا التوسع ؟!!
وماذا يعني بالعقيدة إن كان يعني وجود الله وأين هو فنعم هذا يعلمه
وقال في ص 51((فلو كان الناس قد خلقوا وفطروا على الايمان والتوحيد ومعلومات العلو التي يقول بها هؤلاء المتمسلفون لما أستطاعوا أن يغيروها ، أي لم يستطع أحد أن يكفر ويخرج من الاسلام لقوله تعالى في الاية نفسها * (لا تبديل لخلق الله) ))
قلت هذا الكلام في غاية السخف فقوله (( لا تبديل لخلق الله ))
بمعنى لا تبديل لسننه الثابتة في الكون وألا يصبح الحق والباطل حقاً
لا أن الناس الذين فطروا على التوحيد لا يستطيعون تركه
ونسأل السقاف هل الناس مفطورون على معرفة وجود الله؟
إن قال لا
قلنا لا حاجة لنا بمخاطبة من هو في مثل عقلك
وإن قال نعم
قلنا فلم يلحد الناس ويكفرون والفطرة لا تتبدل ؟!!
الإفتراء الثالث
قال السقاف في ص107((وقول الدارمي المجسم المسكين " لان الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء وينزل ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء " ! ! ! فهذه المقولات فضلا عن كونها مبنية على التشبيه والتجسيم فهي مستقاة من لب عقائد الملاحدة والزنادقة الذين يموهون كلامهم بالتظاهر بالمشيئة والاحتجاج بعظيم قدرة الله تعالى ! ! لانهم بنوا هذه المقولات على تصور فاسد قام بأذهانهم ألا وهو أنهم تخيلوا الله تعالى بصورة آدمي يقوم ويجلس ويتحرك بل نزلوا في السفاهة إلى دون ذلك فتصوروا جلوسه كالخيال والفارس على ظهر بعوضة ! ! ولو وصفوا آدميا مخلوقا بذلك لكان ذلك يزري به فكيف بالله تعالى رب العالمين ؟ ! ! ))(1/62)
قلت :هذا محض كذب ، ثم ألسنا مشبهة عندك فلماذا زعمت أننا نشبه الله سبحانه وتعالى ( عن كفر المشبهة والمعطلة) بالآدمي ولم تختر مخلوقاً آخر ، ولماذا تخصيص الخيال والفارس من بين بني آدم ، ووالله حتى لو كانوا مشبهةً حقاً لكنت كاذباً في تعيينك لمرادهم ، وسأنقل لاحقاً نصوص الدارمي وشيخ الإسلام فقارنها مع ما افتراه هذا الكذاب
ونص الدارمي كما نقله السقاف ((ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة ))
فالدارمي يقول (لو) والسقاف يجزم بأنه يعتقد ذلك والدارمي قال هذه الكلمة رداً على من قال أن الله يستحيل أن يكون على العرش لأنه أكبر من العرش فرد الدارمي بما مفاده أن العرش وحملته إنما يستقلون ولا يسقطون بقدرة الله عز وجل
ولو في اللغة تستخدم في الممتنع لامتناع غيره
قال تعالى ((قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً))
وقال تعالى ((قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ))
فهل يزعم السقاف أن القرآن يجوز أن يكون لله ولد أن يكون له شريك
وهل يرى السقاف أن القدرة التي وضعها الله في العرش والحملة يمتنع أن يضعها في بعوضة
والخلاصة أن لا يوجد سلفي واحد يعتقد أن الله مستقر على بعوضة فلم الإرجاف إذن
بل يمعن السقاف في الكذب فيقول في ص109 (( وقد تبين لنا من الكلام السابق أن أمثال ابن تيمية والدارمي وأمثالهم من المشبهة والمجسمة يطلقون على الله تعالى ما لم يرد في الكتاب والسنة كالحركة والجلوس والاستقرار على ظهر البعوضة ويجوزون إثبات هذه الصفات بل يثبتونها ))
قلت وهذا كذب فهما لم يثبتا استقرار الله عز وجل على البعوضة والدارمي أثبت الجلوس بأدلةٍ معتبرةٍ عنده
الإفتراء الرابع(1/63)
تقدم معنا قول السقاف في ص109 (( وقد تبين لنا من الكلام السابق أن أمثال ابن تيمية والدارمي وأمثالهم من المشبهة والمجسمة يطلقون على الله تعالى ما لم يرد في الكتاب والسنة كالحركة والجلوس والاستقرار على ظهر البعوضة ويجوزون إثبات هذه الصفات بل يثبتونها ))
قلت هذا مفاده أنه يزعم شيخ الإسلام يثبت الحركة وهذا كذب
حاول تأكيده بنقله في ص109 قول شيخ الإسلام في درء التعارض " (2 / 4) (( وأمثال ذلك وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم كحرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة وان ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين وذكر حرب الكرماني انه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بين منصور وقال عثمان بن سعيد وغيرة أن الحركة من لوازم الحياة فكل حي متحرك وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم )) زاعماً أن أهل السنة يثبتون ما لم يرد النص بإثباته ولو أكمل كلام شيخ الإسلام لما كان له ذلك
قال شيخ الإسلام (( وطائفة أخرى من السلفيه كنعيم بن حماد الخزاعي والبخاري صاحب الصحيح وابي بكر بن خزيمة وغيرهم كأبي عمر بن عبد البر وأمثاله يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء ويسمون ذلك فعلا ونحوه ومن هؤلاء من يمتنع عن إطلاق لفظ الحركة لكونه غير مأثور وأصحاب احمد منهم من يوافق هؤلاء كأبي بكر عبد العزيز وابي عبد الله بن بطة وأمثالهما ))
فشيخ الإسلام نقل الخلاف في هذا اللفظ والحق مع الفريق الثاني
وقد صرح شيخ الإسلام بأن لفظ الحركة مجمل حيث قال كما في مجموع الفتاوى (5/566) (( وَقَبْلَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ لَفْظَ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ وَالتَّغَيُّرِ وَالتَّحَوُّلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ))(1/64)
وقد بين شيخ الإسلام مذهبه في الألفاظ المجملة حيث قال كما في مجموع الفتاوى(17/306) (( وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ أَئِمَّةَ السُّنَّةِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ كَانُوا إذَا ذَكَرَتْ لَهُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ الْأَلْفَاظَ الْمُجْمَلَةَ : كَلَفْظِ الْجِسْمِ وَالْجَوْهَرِ وَالْحَيِّزِ وَنَحْوِهَا لَمْ يُوَافِقُوهُمْ لَا عَلَى إطْلَاقِ الْإِثْبَاتِ " وَلَا عَلَى إطْلَاقِ النَّفْيِ وَأَهْلُ الْبِدَعِ بِالْعَكْسِ ابْتَدَعُوا أَلْفَاظًا وَمَعَانِيَ إمَّا فِي النَّفْيِ وَإِمَّا فِي الْإِثْبَاتِ وَجَعَلُوهَا هِيَ الْأَصْلُ الْمَعْقُولُ الْمُحْكَمُ الَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَظَرُوا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَمَا أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَتَأَوَّلُوهُ عَلَى قَوْلِهِمْ تَأَوَّلُوهُ وَإِلَّا قَالُوا هَذَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَشَابِهَةِ الْمُشْكَلَةِ الَّتِي لَا نَدْرِي مَا أُرِيدَ بِهَا . فَجَعَلُوا بِدَعَهُمْ أَصْلًا مُحْكَمًا وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَرْعًا لَهُ وَمُشْكِلًا ))
وهذا ينطبق على لفظ الجهة الذي زعم السقاف كذباً أن شيخ الإسلام يثبتها
بل إن نفى شيخ الإسلام عن الإمام أحمد القول بإثبات الحركة في كتابه الإستقامة (1/73) حيث قال (( والمنصوص عن الإمام أحمد إنكار نفي ذلك ولم يثبت عنه إثبات لفظ الحركة))
وأما الجهة التي يزعم السقاف كذباً أن شيخ الإسلام يثبتها(1/65)
فقد قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (3/43) (( فَيُقَالُ لِمَنْ نَفَى الْجِهَةَ : أَتُرِيدُ بِالْجِهَةِ أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مَخْلُوقٌ ؟ فَاَللَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ أَمْ تُرِيدُ بِالْجِهَةِ مَا وَرَاءَ الْعَالَمِ ؟ فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ مُبَايِنٌ لِلْمَخْلُوقَاتِ وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ اللَّهُ فِي جِهَةٍ : أَتُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ ؟ أَوْ تُرِيدُ بِهِ أَنَّ اللَّهَ دَاخِلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ ؟ فَإِنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ فَهُوَ حَقٌّ وَإِنْ أَرَدْت الثَّانِيَ فَهُوَ بَاطِلٌ))
فانظر كيف جعل كلام كل من المثبت والنافي فيه حق وباطل والإستفصال لمعرفة حكم القائل
ولو كان السقاف يستفيد من هذا النص إثبات شيخ الإسلام للجهة فينبغي أن يستفيد نفيها أيضاً فالشيخ لم يفرق بينهما وهذا ممتنع
الإفتراء الخامس
زعم السقاف في ص95 أن الستة ( وهم البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ) قد تحاشوا الرواية عن الدارمي عثمان بن سعيد رغم أنه من طبقة شيوخهم
فيقال له اثبت العرش ثم انقش
فدعوى كون الدارمي من طبقة شيوخ الستة فيها نظر ففي النظر إلى تاريخ ميلاده ووفاته نجد أنه ولد عام مائتين(200) ومات في ذي الحجة سنة ثمانين ومائتين(280) كما ذكر ذلك الذهبي في تاريخ الإسلام
أي أنه ولد بعد البخاري بستة سنوات فالبخاري ولد عام أربع وتسعون(194) ومائة وتوفي بعد البخاري بأربع وعشرين عاماً فالبخاري توفي عام ست وخمسون ومائة (256)
فلا أدري كيف استقام للسقاف أن يزعم أن الدارمي من طبقة شيوخ البخاري !!!!!!
وقد ولد الإمام مسلم بعد الدرامي بأربع سنوات عام (204) وليس ذلك بالفرق الزمني الشاسع الذي يجعل الدرامي من طبقة شيوخ مسلم وقد توفي مسلم قبل الدارمي بتسعة عشر عاماً عام ( 261)(1/66)
وأما أبو داود السجستاني فقد ولد بعد الدارمي بعامين فقط عام (202) وتوفي قبله بخمس سنوات عام (275)
وأما الترمذي فولد بعد الدارمي بتسع سنوات ( 209) وتوفي قبله بعام (279)
وأما ابن ماجة فولد بعد الدارمي بسبع سنوات عام (207) وتوفي قبله بخمس أو سبع سنوات عام (275) أو (273)
فمع هذا التقارب الزمني في المواليد والوفيات يتعذر الزعم بأن الدارمي من شيوخ الستة وخصوصاً البخاري ومسلم وأبو داود
ولم يبق إلا النسائي وهذا يقال فيه أنهما لم يشترط الرواية عن كل الثقات بل لو قال قائل أنه لم يرزق السماع من الدارمي لكان لقوله وجاهة
ولو نظرنا إلى شيوخ الدارمي في كتابه الرد على الجهمية نجدهم من شيوخ الستة مما يؤكد ما قررته من أن الزعم أنه من طبقة شيوخهم زعم باطل إلا في حق النسائي وقد يستقيم في حق الترمذي ولكنه سيكون من صغار شيوخه الذين يتجنب الرواية عنه طلباً لعلو الإسناد ولنضرب على ذلك تسعة أمثلة
الأول القاسم بن محمد ( هو ابن عباد) البغدادي وقد روى عنه ابن ماجة
والثاني سويد بن سعيد الأنباري وقد روى عنه مسلم وابن ماجة
والثالث محمد بن كثير العبدي روى عنه البخاري وأبو داود
و الرابع الحسن بن صباح البزار روى عنه البخاري والترمذي وأبو داود
والخامس سهل بن بكار روى عنه البخاري وأبو داود
والسادس يحيى بن بكير وقد روى عنه البخاري
والسابع علي بن المديني روى عنه البخاري وأبو داود
والثامن أحمد بن منيع روى عنه الجماعة إلا البخاري بواسطة
والتاسع موسى بن إسماعيل روى عنه البخاري وأبو داود
وبقية شيوخه لا يخرجون عن كونهم من شيوخ الستة عدا النسائي أو من طبقتهم ومن المعلوم أن علماء الحديث يتجنبون الرواية عن أقرانهم فيما يجدونه عند شيوخهم طلباً منهم لعلو الإسناد وما يجدونه عند كبار شيوخهم يتنجبون روايته عن صغارهم
انظر تراجم هؤلاء كلهم في تهذيب الكمال وفروعه(1/67)
وقد قال الخليلي في الإرشاد (3/877) (( أبو عمرو عثمان بن سعيد الدارمي كبير المحل عالم بهذا الشأن يقارن بالبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم )) إلى أن قال (( وسمعت أبو عبد الله بن محمد الحافظ يقول كان عثمان بن سعيد ثقة متفقاً عليه ))
قلت كفى بهذه العبارات تزكيةً
الإفتراء السادس
وشنع السقاف على الدارمي بسبب إثباته لصفتي السكوت والجلوس _ في ص95 _ زاعماً أن هذا إثبات بلا دليل فأما السكوت فسيأتي الكلام عليها(1/68)
وأما صفة الجلوس فأقوى ما روي فيها ما رواه الطبراني في الأوسط ( 2165) حدثنا أحمد بن زهير ( وهو احمد بن يحي بن زهير الثقة الحافظ ) ثنا محمد بن عثمان بن كرامة ( وهو ثقة ) ثنا خالد بن مخلد القطواني ( وهو من رجال الشيخين وسيأتي تفصيل حاله ) قال نا عبد السلام بن حفص ( وهو ثقة )عن أبي عمران الجوني ( وهو ثقة ثبت سماعه من أنس ) عن أنس بن مالك (( عرضت الجمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء جبرائيل عليه السلام في كفه كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتةالسوداء ، فقال ما هذه يا جبرائيل ؟ قال هذه الجمعة يعرضها عليك ربك عز وجل لتكون لك عيدا ولقومك من بعدك ولكم فيها خير ، تكون أنت الأول وتكون اليهود والنصارى من بعدك و فيها ساعة لا يدعو أحد ربه بخير هو له قسم إلا أعطاه إياه ، أو يتعوذ من شر إلا دفع عنه ما هو أعظم منه ونحن ندعوه في الآخره يوم المزيد وذلك أن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل من عليين فجلس على كرسيه ، وحف الكرسي بمنابر من ذهب مكللة بالجواهر ،و جاء الصديقون والشهداء فجلسوا عليها ، وجاء أهل الغرف من غرفهم حتى يجلسوا على الكثيب وهو كثيب من مسك أذفر، ثم يتجلى لهم فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي ، وأتممت عليكم نعمتي ، وهذا محل كرامتي فسلوني ، فيسألونه الرضا ، فيقول رضاي أحلكم داري وأنالكم كرامتي فسلوني فيشهد عليهم على الرضاثم يفتح لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر إلى مقدار منصرفهم من الجمعة ، وهي زبرجدة خضراء أو ياقوتة حمراء مطردة فيها أنهارها متدلية ، فيها ثمارها فيها أزواجها وخدمها ، فليسوا هم في الجنة بأشوق منهم إلى يوم الجمعة أحوج منهم إلي يوم الجمعة ليزدادوا نظرا إلي ربهم عز وجل وكرامته ، ولذلك دعى يوم المزيد ))
قلت ولا يمكن الطعن في هذا الحديث إلا بالطعن في خالد بن مخلد القطوني وإليك تفصيل حاله(1/69)
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ((له أحاديث مناكير ))
قلت هذا النص لا يعني الجرح بالضرورة عند محمود سعيد ممدوح فقد قال في كتابه (تنبيه المسلم إلى تعدي الألباني على صحيح مسلم ) (( أما قول أحمد أحاديثه مناكير فلا تعني تضعيفاً له من أحمد (أي عمر بن حمزة ) ذلك أن المشتغل بالحديث يعلم أن للنكارة معنى التفرد عند أحمد وكثير من المتقدمين ))
قلت ولا يخفى على اللبيب أن قوله (( أحاديثه مناكير )) أخف من قوله (( له أحاديث مناكير ))
وقال أبو حاتم(( يكتب حديثه ))
وقال بن عدي ((لم أجد في حديثه أنكر مما ذكرته ولعلها توهم منه أو حملا على حفظه هو من المكثرين وهو عندي إن شاء الله لا بأس به ))
وقال بن سعد((كان متشيعاً منكر الحديث مفرطاً في التشيع وكتبوا عنه للضرورة ))
قال أبو أحمد(( يكتب حديثه ولا يحتج به))
هؤلاء هم من جرحه أما من عدله فاولهم الشيخان فقد أفادني الشيخ الألفي أنهما احتجا به
وقال الآجري عن أبي داود ((صدوق ولكنه يتشيع ))
وقال عثمان الدارمي عن بن معين(( ما به بأس ))
وقال العجلي ((ثقة فيه قليل تشيع وكان كثير الحديث ))
وقال صالح بن محمد جزرة(( ثقة في الحديث إلا أنه كان متهماً بالغلو ))
وقال بن شاهين في الثقات قال عثمان بن أبي شيبة هو(( ثقة صدوق ))
وذكره بن حبان في الثقات
هذا كله في التهذيب
واحتج به ابن خزيمة في صحيحه ( 2617) حيث ارود له أثراً عن سعيد بن جبير
( كنت مع ابن عباس بعرفات ، فقال : ما لي لا أسمع الناس يلبون ؟ قلت : يخافون من معاوية . فخرج ابن عباس من فسطاطه ، فقال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك . . . فإنهم قد تركوا السنة ، من بغض علي ))(1/70)
وهو من افراد خالد بن مخلد وهذه الفائدة لم ترد في التهذيب وهذا الأثر من الآثار التي يطيب للمبتدعة في منتدى السقاف بها للطعن في معاوية فيلزمهم تصحيح هذا الحديث في إثبات صفة الجلوس كما صححوا هذا الأثر وبالتالي الرد على شيخهم السقاف والحمد لله معز الإسلام بنصره
واحتج به الحاكم في مستدركه حيث اورد له الأثر السابق (1659)
ووثقه الدارقطني في سننه (1980) حيث روى حديث أنس بن مالك قال : أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم ، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( أفطر هذان )) ، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم ، وكان أنس يحتجم ، وهو صائم .
ثم قال بعده (( كلهم ثقات ، ولا أعلم له علة ))
قلت ومن هؤلاء الثقات خالد بن مخلد بل إن هذا الحديث من أفراده وتأمل معي كيف أن الدارقطني لم يعل هذا الحديث بتفرد خالد
والآن حان وقت إطلاق الضربة القاضية
قال السقاف في بحثه السيء عن معاوية المنشور في منتدى التنزيه (( ومن تكلم فيه من أئمة المحدثين وأهل العلم والأئمة يشنعون عليه بسلاحهم الإرهابي المعهود فيرمونه بالتشيع والرفض ليخرس ويسقط عند العامة الأغبياء ! وقد شاهدنا هذا ولمسناه ورأيناه بأعيننا ! وهكذا تصبح السنة الصحيحة واتباع الحق والواقع والخضوع لأوامر الله تعالى ورسوله وكشف الحقيقة رفضاً وربما كفراً وزندقة بنظرهم !
ومن أمثلة الأئمة والحفاظ الذين رموهم بالتشيع والغلو :
خالد بن مخلد القطواني وهو من شيوخ البخاري ومسلم وقد رويا له في الصحيح ))
فانظر كيف جعله إماماً حافظاً بل ويفيدنا أن الأئمة يتكلمون فيه لإسقاط السنة الصحيحة فعلى هذا يكون هذا الحديث في إثبات صفة الجلوس على شرط السقاف في الصحة ولا شك
وأرى أن القول الفصل فيه
ما ذكره ابن رجب الحنبلي في شرح العلل ( 2/775 ((ذكر الغلابي في تاريخ(1/71)
القطواني يؤخذ عنه مشيخه المدينة ، وابن بلال فقط يريد سليمان بن بلال
ويعني بهذا أنه لا يؤخذ عنه إلا حديثه عن أهل المدينة ، وسليمان ابن بلال منهم ، لكنه أفرده بالذكر ((
قلت وعلى هذا يحمل جرح أحمد له على حديثه عن أحمد عن أهل الكوفة
وحديثه في صفة الجلوس من حديثه عن أهل المدينة
وأما الحديث الذي يورده المبتدعة للطعن في معاوية من حديثه عن أهل الكوفة والحمد لله معز الإسلام بنصره
وإذا طبقنا منهج السقاف وأشياخه في تقوية أحاديث التوسل فإننا سنقوي هذا الحديث ولا شك
وإليك البرهان
احتج جماعة من المتصوفة منهم عبد الله الغماري والسقاف ومحمود سعيد ممدوح( انظر رفع المنارة ص148) بالحديث الذي رواه الطبراني سليمان بن أحمد في معجمه الكبير (24/352) حدثنا أحمد بن حماد بن رغبة حدثنا روح بن صلاح أخبرنا سفيان، عن عاصم، عن أنس بن مالك، قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال: "يرحمك الله، فإنك كنت أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعينني وتعرين وتكسينني، وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعمينني، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة. ثم أمر أن تغسل ثلاثاً ثلاثاُ فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه وألبسها إياه وكفنها فوقه، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون قبرها، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه، ثم قال: "الحمد لله الذي يحيى ويميت وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها، وأوسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين". وكبر عليها أربعاً وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق))(1/72)
قلت تفرد بهذا الحديث روح بن صلاح و لم يوثقه إلا الحاكم وابن حبان ( انظر ميزان الإعتدال )
وقال الدارقطني (( ضعيف في الحديث )) ((المؤتلف والمختلف))( 3/1377)
وقال الدارقطني كما في لسان الميزان( 4/5820). : سمعت أبا طالب ، يعني أحمد بن نصر الحافظ يقول : قال لي أخو ميمون ، واسمه أحمد بن ميمون بن زكريا البغدادي : اتفقنا على ألا نكتب بمصر حديث ثلاثة وهم : علي بن الحسن الشامي ، وروح بن صلاح ، وعبد المنعم بن بشير
وقال ابن يونس (( رويت عنه مناكير ))
ابن يونس تلميذه وبلديه
وقال ابن ماكولا (( ضعفوه ))
وقال ابن عدي (( ضعيف )) وقال(( له أحاديث كثيرة في بعضها نكرة))
انظر هذا كله في لسان الميزان
وقال الذهبي (( له مناكير )) كما في ترجمته في تاريخ الإسلام
قلت نستفيد من هذا أمور
الأول أن من جرح روح بن صلاح أكثر ممن عدله بخلاف خالد بن مخلد القطواني
الثاني أن روحاً لم يوثقه إلا المتساهلين بخلاف خالد بن مخلد الذي عدله جماعة من المعتدلين
الثالث أن روحاً له مناكير وهذا الحديث منها ولا شك فقد تفرد به عن سفيان الثوري وهو ثقة ثبت فاضل كثير الأصحاب الثقات الأثبات فتفرد مجروح كروح بهذا الحديث يعد من مناكيره وخصوصاً أن روح مصري وسفيان بينما نجد خالد بن مخلد لم يتفرد عن ثقة ثبت كثير الأصحاب الأثبات في حديثنا الذي نتكلم عنه
الرابع روح بن صلاح لم يخرج له أحد من أصحاب الصحاح بخلاف خالد بن مخلد
ومما يدل على أن السقاف يعاني من انفصام في الشخصية العلمية جعله هلال بن أبي ميمونة (الذي احتج به أصحاب الصحاح ووثقه الدارقطني ومسلمة وابن حبان والحاكم) وروح بن صلاح في مرتبة واحدة وهي مرتبة الصدوق!!!!!
ولا يعزب عن ذهنك نفي السقاف لوجود دليل صحيح على صفة الجلوس ولم يفرق بين الآحاد والمتواتر
وهناك أحاديث أخرى في صفة الجلوس تنازع أهل السنة في ثبوتها فمن صححها قال بمعناها
الإفتراء السابع(1/73)
زعم السقاف في ص 95 أن أهل السنة أثبتوا لله السكوت بلا دليل وهذا من جهله بالسنة فقد ثبت عن ابن عباس
فقد قال أبو داود في سننه 3800 حدثنا محمد بن داود بن صبيح، قال: ثنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا محمد -يعني: ابن شريك المكي- عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس قال:
كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذراً، فبعث الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأنزل كتابه وأحلَّ حلاله، وحرم حرامه، فما أحل فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] إلى آخر الآية
قلت هذا سند صحيح وأبو الشعثاء هو جابر بن زيد
فإن قال قائل ما وجه الكمال في هذه الصفة ؟
قلنا سكوت الله عزوجل عما فيه مشقة على عباده من كمال رحمته ورأفته بهم
فإن قال قائل من أثبت هذه الصفة من السلف ؟
قلنا قد قدمنا لك الأثر عن هذا الصحابي في قاعدة السلف الكلية (( أمروها كما جاءت بلا كيف )) وقد أثبت هذه الصفة ابن خزيمة وأبو إسماعيل الهروي كما نقل ذلك شيخ الإسلام في الفتاوى أما المعطله فلا يثبتون سكوتا لأنهم لا يثبتون كلاماً أصلاً والله الموفق
الإفتراء الثامن
زعم السقاف في ص89 أن ابن القيم يثبت لله صفة الجنب وهذا كذب بل وافتئات لا يجرؤ عليه إلا فاجر كحسن السقاف وإليك نص ابن القيم الذي أحال عليه السقاف !!!!!!!! وهو في الصواعق المرسلة(1/74)
قال ابن القيم في الصواعق المرسلة (1 / 250) (( فعلى تقدير أن الساق والجنب من الصفات فليس من ظاهر القرآن ما يوجب أنه لا يكون له إلا ساق واحدة وجنب واحد فلو دل على ما ذكرت لم يدل على نفي ما زاد على ذلك لا بمنطوقه ولا بمفهومه حتى عند القائلين بمفهوم اللقب لا يدل ذلك على نفي ما عدا المذكور لأنه متى كان للتخصيص بالذكر سبب غير الإختصاص بالحكم لم يكن المفهوم مرادا بالإتفاق وليس المراد بالآيتين إثبات الصفة حتى تخصيص أحد الأمرين باذكر مرادا بل المقصود حكم آخر وهو بيان تفريط العبد في حق الله وبيان سجود العباد إذا كشف عن ساق وهذا حكم قد يختص بالمذكور دون غيره فلا يكون له مفهوم )) انتهى النقل
قلت تأمل معي قوله في أول الكلام (( فعلى تقدير )) وهي بمعنى افرض فالكلام مجرد افتراض فكيف يعده السقاف اعتقادا؟!! وإليك بقية كلام ابن القيم الذي يبين إفك السقاف
ثم قال ابن القيم (( السادس أن يقال من أين في ظاهر القرآن إثبات أن لله جنب واحد هو صفة الله ؟ ومن المعلوم أن هذا لا يثبته أحد من بني آدم وأعظم الناس إثباتا للصفات هم أهل السنة والحديث الذين يثبتون لله الصفات الخبرية ولا يقولون لله إن لله جنبا واحدا ولا ساقا واحدة
قال عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على المريسي وادعى المعارض زورا على قوم أنهم يقولون في تفسير قول الله تعالى (( يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله )) إنهم يعنون بذلك الجنب الذي هو العضو وليس ذلك على ما يتوهمونه
قال الدارمي فيقال لهذا المعارض ما أرخص الكذب عندك وأخفه على لسانك فإن كنت صادقا في دعواك فأشربها إلى أحد من بني آدم قاله وإلا فلم تشنع بالكذب على قوم هم أعلم منك بالتفسير وأبصر بتأويل كتاب الله منك ومن إمامك ؟ وإنما تفسيرها عندهم تحسر الكفار على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعوا إلى ذات الله )) انتهى النقل
قلت فإن قال قائل ابن القيم جعل صفة الجنب كصفة الساق !!!!!!(1/75)
فأقول إنما أثبت ابن القيم صفة الساق بالأحاديث التي تدل عليها كما هو مبين في الصواعق المرسلة أما صفة الجنب المزعومة فلا دليل عليها إلا قوله تعالى (( يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله )) وقد نفى ابن القيم دلالته على الصفة تبعا للدارمي وهو الحق
وتأمل معي كلام الدارمي في المريسي فهو منطبق على السقاف أيضا
وقال ابن القيم أيضا في الصواعق ((فهذا إخبار عما تقوله هذه النفس الموصوفة بما وصفت به ، وعامة هذه النفوس لا تعلم أنَّ لله جنباً ، ولا تقر بذلك ؛ كما هو الموجود منها في الدنيا ؛ فكيف يكون ظاهر القرآن أنَّ الله أخبر عنهم بذلك ، وقد قال عنهم : (يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ( (الزمر : 56) ، والتفريط فعل أو ترك فعل، وهذا لا يكون قائماً بذات الله ؛ لا في جنب ولا في غيره ، بل يكون منفصلاً عن الله ، وهذا معلوم بالحس والمشاهدة ، وظاهر القرآن يدل على أنَّ قول القائل : (يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ( ؛ ليس أنه جعل فعله أو تركه في جنب يكون من صفات الله وأبعاضه))
وقال أيضاً (( السابع : أن يقال هب أن القرآن دل ظاهره على إثبات جنب هو صفة فمن أين يدل ظاهره أو باطنه على أنه جنب واحد وشق واحد ومعلوم أن إطلاق مثل هذا لا يدل على أنه شق واحد )) وهذا صريح في بيان إفك الخساف فابن القيم يفترض افتراضاً
الإفتراء التاسع
زعم السقاف أن السلفيين متناقضون لأنهم يقولون للمؤولة لا تعملوا عقولكم في نصوص الصفات ثم يقولون للمفوضة لا يمكن أن يخاطبنا الله عزوجل بما لا نعقل
والحقيقة أنه ليس هنالك تناقض في موقفنا لأننا عندما نقول للمؤولة لا تعملوا عقولكم في نصوص الصفات فإننا نعني بذلك ألا تقيسوه على أنفسكم فتجعلوا نزوله كنزولنا يلزم منه ما يلزم من نزولنا من الحلول والمماسة وغيرها وإذا كان العلماء يفسدون كثير من القياسات بفروقات بسيطة فما بالك بقياس الشاهد على الغائب !!!(1/76)
وهذا لا يتناقض مع ما نقوله للمفوضة فإن الله عزوجل لم يخاطبنا بقياسه سبحانه وتعالى على أنفسنا بل قرر أحسن تقرير أن الإشتراك باللفظ لا يلزم منه التشبيه فقال تعالى عن نبيه (( بالمؤمنين رؤوف رحيم )) ووصف نفسه سبحانه وتعالى بأنه (( الرؤوف الرحيم ))
الإفتراء العاشر
قال السقاف في ص 87((بل يطلقون عليه سبحانه وتعالى وصف الحد والجهة والحركة والسكوت والاستقرار والجلوس والجسمية وغيرها مع أن هذه الالفاظ لم ترد في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ! ! ))
قلت هذا كذب أهل السنة لا يصفون الله عز وجل بالجسمية
والإستقرار فمن معاني الإستواء في اللغة ولا يمنع أحدٌ من العلماء تفسير القرآن بلسان العرب وخصوصاً أن هذا قول جماعة من السلف
وكل ما يتوهمه المعطلة من لوازم فاسدة لا نلتزمها كما لا يلتزمون إعدام الإله بقولهم (( إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ))
الإفتراء الحادي عشر
نقل السقاف في ص 102 قول الترمذي في سننه (4 / 692) (( والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه)) باتراً أوله و آخره ليوهم التفويض
وأول الكلام الذي بتره السقاف فقوله (( وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة مثل هذا ما يذكر فيه أمر الرؤية أن الناس يرون ربهم وذكر القدم وما أشبه هذه الأشياء )) فكلامه يدل على الإثبات إذ لم يفرق بين الرؤية والقدم
وقوله (( ولا يقال كيف )) دليل على إثبات المعنى ومثال ذلك لو قلت لك أفي بيتكم حديقة ؟ فإذا قلتَ لا لم يجز لي أن أسألك عن الكيفية ولم يجز لك نهيي عن ذلك(1/77)
ولكن لو قلت لي نعم في بيتنا حديقة ولكن لا تسألني عن الكيفية لاستقام كلامك فما لم يثبت أصله لم يحتاج المتكلم إلى نفي العلم بكيفيته أو النهي عن السؤال عن كيفيته
وأما آخر الكلام الذي بتره السقاف (( ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم ))
فهذا نص صريح في إثبات صفة التجلي وهي صفة فعليه فأين التفويض ؟!!!
وللترمذي كلام آخر في الصفات صريح في الإثبات
قال الترمذي (9/185) (( وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في كتابه ))
وهذا صريح في إثبات العلو الحسي وليس معناه العلو المعنوي لأن الترمذي كان في صدد نفي كون الله في الأرض كما هو ظاهر الحديث المنكر الذي كان الترمذي يتكلم عنه (( لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ))(1/78)
وله كلام آخر صريح في إثبات الصفات وهو قوله في سننه (3/50_51) (( وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد هاهنا القوة و قال إسحق بن إبراهيم إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) ))
وهذا كلام صريح في الإثبات لوجوه
الأول عدم تفريقه بين اليد والسمع والبصر بل أثبتها جميعاً
الثاني قوله (( وفسروها على غير ما فسرها أهل العلم )) مما يدل أن لأهل العلم تفسير لهذه الآيات والأحاديث وقد تقدم ذكر الكثير منها ومنها تفسير الترمذي الذي ذكرناه للتو
الثالث نفي السؤال عن الكيفية وقد تقدم شرحه
الرابع إثبات الترمذي لصفة العلو
الخامس نفيه للتوهم وإنما يحصل توهم التشبيه والتجسيم لمن يثبت الصفات أما المعطلة فذلك منتفي في حقهم
وما نقله الترمذي عن إسحاق حق لا مرية فيه فلو كان الإتفاق باللفظ يقتضي الإتفاق في المعنى أو التشابه لكانت يد الجمل كيد الباب ويد النملة كيد الفيل وساق النبات كساق الإنسان والأمثلة على ذلك كثيرة
الإفتراء الثاني عشر(1/79)
نقل السقاف في ص81 قول شيخ الإسلام في النقض (2 / 184) (( فلو قال قائل بل ذلك جائز فلم تذكر على إبطاله حجة لا سيما وعندك أن النقص على الله لم يعلم امتناعه بالعقل وإنما علمته بالاجماع لا سيما إن احتج بظاهر قوله تعالى يأتيهم الله في ظلل من الغمام وبقوله كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء لا سيما وهذا لا ينافي الفوقية والعلو بالقدرة والقهر والتدبير وعندك لا يستحق الله الفوقية إلا بهذا وهذا المعنى ثابت سواء خلق فوقه شيئا آخر أو لم يخلقه فإذا لم يكن هذا مستحيلاً على أصلك لم يصح احتجاجك باستحالته عن المنازع الذي ينازعك في المسألة بل قد يقول لك إذا لم يكن ما يمنع جواز ذلك إلا هذا فعليك أن تقول به لأن هذا ليس بمانع عندك ))
وقال قبله ((ومن الادلة أيضا المؤكدة على أنها منطقة حقيقية وأنهم يتخيلون أن الله تعالى فيها وله تحت وفوق وغير ذلك من الجهات أن ابن تيمية الحراني ! ! في رده على الامام الرازي يقول : إن الامام الرازي لم يستطع أن ينفي أن الله لا يستطيع أن يخلق جسما فوقه
زاعما أن شيخ الإسلام هو القائل وهذا كذب على الشيخ إذ أنه أورد هذا الكلام للإلزام بدليل قوله (( لم يكن هذا مستحيلا على أصلك ))
قلت كلام شيخ الإسلام للإلزام بدليل قوله (( لم يكن هذا مسحيلاً على أصلك )) فهو يلزم الفخر الرازي ليظهر تناقضه
وبدليل قوله في نفس الصفحة (( وأما خلق جسم هناك فلم يذكر على امتناعه حجة إلا أن الخصم لا يقول به والخصم يقول ذلك ممتنع لامتناع أن يكون شيء موجود فوق الله فإن سلمت له هذه العلة كان ذلك جوابا لك وإن لم تسلمها لم يكن مذهبه صحيحا فلا تحتج به وقد تقدم كلامك على إبطال مثل هذه الحجة وهي الالزامات المختلفة المآخذ ))(1/80)
فالشيخ كما ترى يجري محاكمة بين أهل البدع يبين بها تناقضهم وعدم اتساق أصولهم وهذه كتلك المحاكمة التي أجراها بين الروافض والنواصب ملزما الروافض برد فضائل علي لأنها جاءت من نفس الطريق التي جاءت به فضائل الصديق والفاروق رضي الله عنهما وإلا لما استطاعوا الرد على النواصب الذين يتبعون نفس منهجهم الانتقائي آخذين بفضائل الصديق والفاروق رضي الله عنهما ورادين لفضائل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه .
وقد ثرب السقاف على شيخ الإسلام خوضه في هذه المسائل التي لم يتكلم بها الصحابة رضوان الله عليهم فأقول جواباً على هذا الهراء :
أن خوضَ شيخ الإسلام في هذه المسائل من قبيل إلزام المتكلمين بقواعدهم وهذا منهجٌ متفقٌ على صحته بين أهل العلم ومن هذا احتجاجهم على النصارى بآيات الإنجيل لإثبات عبودية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وليس لمدعٍ أن يدعِ أنَّ علماء المسلمين يؤمنون بالإنجيل ( المحرف ) لاحتجاجهم بآياته!!
الإفتراء الثالث عشر
زعم السقاف أن السلف كانوا يفوضون معاني الصفات وقد تقدم نقض هذا بالبرهان الدامغ وأضيف هنا أن قول مالك وغيره من السلف في نصوص الصفات(( أمروها كما جاءت بلا كيف )) دليل على الإثبات لوجهين أولها أنه لا يقال (( بلا كيف )) إلا بعد الإثبات إذ ما لا يثبت أصلا لا يحتاج الى نفي الكيف عنه أو نفي العلم بكيفيته
والثاني أن الإمام مالك ثبت عنه إثبات العلو فهذا دليل على أنه كان يعني الإثبات
وما يهمني هنا تبرئة الإمام أحمد من تهمة التفويض التي ألصقها به السقاف محتجاً بقوله في أحاديث الصفات (( نمرها كما جاءت بلا كيف ولا معنى )) أو كما قال رحمه(1/81)
وهذا الأثر لا يثبت عن الإمام أحمد لتفرد إسحاق بن حنبل به عنه وقد قال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في السير (13/51) : (( له مسائل كثيرة عن أحمد ، ويتفرد ، ويغرب )) . ونقل العليمى في (( المنهج الأحمد )) (1/245) عن أبي بكر الخلال قوله : (( قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية ، وأغرب بشيء يسير ، وإذا نظرت في مسائله شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم ))
ونقل الحافظ ابن رجب في فتح الباري (9/279) عن ابن حامد قوله : رأيت بعض أصحابنا حكى عن أبي عبدالله الإتيان ، أنه قال : تأتي قدرته ، قال : وهذا على حدَّ التوهم من قائله ، وخطأ في إضافته إليه
قلت وقد تفرد حنبل بن إسحاق بالرواية المشار إليها وقد أنكرها إسحاق بن شاقلا أيضاً كمل نقل شيخ الإسلام في الفتاوى فهذه الرواية مردودة لتفرد إسحاق بن حنبل بها
وعلى فرض صحتها فإن المعنى المنفي هو المعنى الذي يتوهمه الجهمية بدليل أن السائل سأله عن أحاديث الرؤية أيضاً
وقد ثبت عن الإمام أحمد ثبوتاً يقرب التواتر إثباته للرؤية
قال الخلال في السنة أخبرني موسى بن محمد الوراق قال عبيد الله بن أحمد الحلبي سمعت أبا عبد الله وحدثني بحديث جرير بن عبد الله في الرؤية فلما فرغ قال على الجهمية لعنة الله
وفي (( مسائل إسحاق بن إبراهيم النيسابوري )) (2/152/1850) قال : (( سمعت أبا عبدالله يقول : من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي ، والجهمي كافر ))
وقد ثبتت عن الإمام أحمد آثار عديدة تدل على أنه كان من مثبتة الصفات
أذكر منها ما جاء في رواية الميموني للمسائل ( 27 ) (( من زعم أن يديه نعمتاه فكيف يصنع بقوله : { خلقت بيدي } مشددة )) وما جاء في رواية أبي طالب للمسائل (( قلب العبد بين أصبعين ، وخلق أدم بيده ، وكل ما جاء الحديث مثل هذا قلنا به ))(1/82)
عن يوسف بن موسى البغدادي أنه قيل لأبي عبدالله أحمد بن حنبل : الله عز وجل فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه ، وقدرته وعمله في كل مكان ؟ قال : نعم على العرش ، وعلمه لا يخلو منه مكان
قلت رواه الخلال كما أفاد بذلك الذهبي في العلو ( ص130) وابن القيم في اجتماع الجيوش ( ص200) وإسناده قوي
وقد روى النجاد في (( الرد على من يقول القرآن مخلوق )) ( ق : 87 / ب ) (( مسفاد من كتاب دفاعاً عن السلفية )) عن عبد الله بن أحمد قوله سألت أبي – رحمة الله – عن قوم يقولون : لما كلم الله عز وجل موسى لم يتكلم بصوت ، فقال أبي : ، بلى ، إن ربك عز وجل تكلم بصوت ، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت ))
وهذ الأثر يدل على أن معنى قول السلف (( أمروها كما جاءت )) هو أثبتوها كما جاءت
وقال الخلال في السنة 991 أخبرني محمد بن علي ثنا أبو بكر الأثرم إنه قال لأبي عبد الله في الحديث الذي يروى (( اعتقها فإنها مؤمنة )) قال ليس كل أحد يقول فيه إنها مؤمنة يقولن اعتقها قال ومالك سمعه من هذا الشيخ هلال بن علي لا يقول فإنها مؤمنة قال وقد قال بعضهم (( فإنها مؤمنة )) فهي حين تقر بذلك فحكمها حكم المؤمنة ))
وفي هذا الأثر فوائد
الأولى أن الإمام أحمد يأخذ بأخبار الآحاد في العقيدة فلم ينكر على المرجئة احتجاجهم بهذا الخبر الآحادي بل وجهه توجيها ينقض شبهتهم
الثانية تصحيح الإمام أحمد لحديث الجارية وذلك لأنه تأوله والتأويل فرع عن القبول
الثالثة اعتماده لرواية الإمام مالك وهي بلفظ(( أين الله )) كمافي الموطأ ورواها عنه الشافعي في كتاب الأم بلفظ ((أين الله)) ورواها النسائي في الكبرى من طريق قتيبة بن سعيد عن مالك والحارث بن مسكين قراءة عليه عن ابن القاسم عن الإمام مالك به
ومن الآثار الثابتة عن أحمد في إثبات الصفات(1/83)
ومنها ما نقله القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات ورقة 85 من المخطوط ( مستفاد من تحقيق بيان تلبيس الجهمية ) (( وقد قال أحمد في رواية أبي طالب وقول الله عز وجل (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة )) (( وجاء ربك والملك صفاً صفاً )) فمن قال أن الله لا يرى فقد كفر ))
قلت فاحتج على إثبات الرؤية بإثبات المجيء وهذا يدل على نكارة رواية تأويل المجيء عن أحمد فهذه أقوى
لذا أنكر رواية التأويل على حنبل وغلطوه جماعة من الحنابلة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في الإستقامة (1/74)
الإفتراء الرابع عشر
نقل السقاف في ص79 عن شيخ الإسلام قوله في درء التعارض (2 / 29) (( والله تعالى له حد لا يعلمه احد غيره ولا يجوز لأحد ))
وزعم أن شيخ الإسلام نقل هذا عن الدارمي مكفراً من خالفه !!
وياليت شعري لماذا لم ينقل قول الإمام أحمد الذي نقله شيخ الإسلام في نفس الكتاب (2/30) وهو قوله ((نؤمن بأن الله على العرش بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحدها أحد)) على أنه مذهب شيخ الإسلام
أم لماذا لم ينقل ما نقله شيخ الإسلام عن السجزي في نقض التأسيس (1/466) وهو قوله ((وليس من قولنا إن الله فوق العرش تحديد له وإنما التحديد يقع للمحدثات فمن العرش إلى ما تحت الثرى محدود والله سبحانه وتعالى فوق ذلك بحيث لا مكان ولا حد لاتفاقنا أن الله تعالى كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان قال وإنما يقول بالتحديد من يزعم أنه سبحانه وتعالى على مكان وقد علم أن الأمكنة محدودة فإن كان فيها بزعمهم كان محدودا وعندنا أنه مباين للأمكنة ومن حلها وفوق كل محدث فلا تحديد لذاته في قولنا)) ولم يعلق عليه بشيء سوى قوله هذا لفظه لماذا لم ينقله السقاف على أنه مذهب شيخ الإسلام أم إنها الإنتقائية والحقد الذي في قلب السقاف المسود
وغاية ما في كلام شيخ الإسلام عن مسألة الحد في درء التعارض نفي التعارض بين قولي أحمد بن حنبل(1/84)
وشيخ الإسلام لا يثبت صفة لله تسمى الحد بدليل قوله في نقض التأسيس (1/442) (( إنّ الكلام الذي ذكره إنما يتوجه لو قالوا: إن له صفةً هي الحدُّ ، كما توهمه هذا الرادُّ عليهم ، وهذا لم يقله أحدٌ ، ولا يقوله عاقل ، فإن هذا الكلام لا حقيقة له ، إذ ليس في الصفات التي يوصف بها شيء من الموصوفات كما وُصِفَ باليد والعلم ِ صفةٌ معينة يقال لها : الحدُّ ))
ووجه شيخ الإسلام كلام ابن المبارك في إثبات الحد على أنه رد على الجهمية الذين لا يثبتون التمايز بين الله تعالى وخلقه فقال في النقض (1/442) (( ولما كان الجهمية يقولون مامضمونه : إن الخالقَ لا يتميّز عن الخلقِ ، فيجحدون صفاته التي يتميّز بها ، ويجحدونَ صفاتِه التي يتميّز بها ، ويجحدون قدره حتى يقول المعتزلة غذا عرفوا أنه حي عالم قدير : فقد عرفنا حقيقته وماهيته ، ويقولون : إنه لا يباين غيره ، بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم ، فيقولوا: لاداخل العالم ولا خارجه ولا كذا ولا كذا ، أو يجعلوه حالا في المخلوقات أو وجودِ المخلوقات ، فبيّن ابن المبارك أنّ الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه ، منفصلٌ عنه ، وذكر الحدّ لأن الجهمية كانوا يقولون : ليس له حدٌّ ، وما لا حدّ له لا يباينُ المخلوقاتِ ، ولا يكون فوق العالم ، لأن ذلك مستلزم للحدِّ ، فلما سألوا أمير المؤمنين عبدالله بن المبارك : بماذا نعرفه ؟ قال : بأنه فوق سماواته ، على عرشه ، بائن من خلقه ، فذكروا لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية ، وبنفيهم له ينفون ملزومه الذي هو موجود فوق العرشِ – سبحانه – مباينته للمخلوقات ، فقالوا له بحدٍّ ؟ قال: بحدّ.))ولهذا لم يتكلم شيخ الإسلام عن مسألة الحد في كتبه التقريرية كالعقيدة الواسطية ولاميته في العقيدة
وقد قال شيخ الإسلام (1/397) (( إن كثيراً من أئمة السنة والحديث أو أكثرهم يقولون إنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه بحد))
قلت وقوله (( كثيرا )) ينفي وجود إجماع(1/85)
أما قوله في نفس الكتاب وهو النقض (3/163) (( المحفوظ عن السلف والأئمة إثبات حد لله في نفسه، وقد بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه، ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس، فإنهم نفوا أن يَحُد أحدٌ الله))
فقوله (( السلف )) الألف واللام فيها للعهد لا للعموم لما تقدم وإطلاق لفظ الحد عند من أطلقه من باب الإخبار لا من باب الصفات وقد تقدم نفي كون الحد صفة لرب العالمين عن شيخ الإسلام
وهذه الألفاظ أطلقها بعض السلف لتقرير ما أثبته الله لنفسه ولم يبتدعوا ألفاظامعارضين بها ما أثبته الشارع لنفسه كقولهم عن رب العالمين ليس بجهة ولا متحيز ويريدون بذلك نفي العلو
والمقصود أن السلف استخدموا لفظة الحد لما ظهر الجهمية الذين ينكرون التباين بين الخالق والمخلوق
فلو قال الجهمي تقيةً (( الله على العرش )) لم يكن ناقضاً لاعتقاده فالله على العرش وتحته بحسب اعتقادهم لذا استخدم السلف لفظة (( بائن من خلقه )) و(( الحد )) لفضح الجهمية
وإلا فهم لا يثبتون صفةً زائدة على العلو الثابت في النصوص بهذه الألفاظ
الإفتراء الخامس عشر
زعم السقاف في ص95 أن البخاري قد أول الضحك بالرحمة
ثم أحال على مقدمته لدفع شبه التشبيه
وفيها قول البيهقي روى الفربري عن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (( معنى الضحك في الحديث الرحمة ))
قلت هذا منقطع بين البيهقي والفربري
وقد تقدم أن الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص أثبت لله صفة الضحك فلو ثبت التأويل عن البخاري لم يكن حجة علينا
وتأويل الضحك بالرحمة تأويل باللازم و لازم الشيء غيره وهذا أمر أوضح من أن يشرح
ومن الأحاديث التي لا يمكن معها تأويل الضحك بالرحمة
ما رواه أحمد 16232 رواه ابن ماجة 181 منطريق حماد بن سلمة أَنْبَأَنَا حماد بْنُ سلمة، عَنْ يعَلِيّ بْنُ عطاء، عَنْ وَكِيْع، عَنْ وَكِيْع بْنُ حدس، عَنْ عمه أَبِي رزين؛ قَالَ:(1/86)
قَالَ رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمْ: (ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره) قَالَ، قلت: يا رَسُول اللَّه! أَوْ يضحك ربنا؟ قَالَ (نعم) قلت: لن نعدم من رب يضحك خيراً.
هذا حديث حسن وقد تقدم الكلام على هذا الإسناد وننبه هنا على أمر وهو أن حماد بن سلمة لم يختلط وإما تغير وبينهما فرق والتغير لا يطعن في صحة روايته وفيه إثبات أبي رزين لصفة الضحك إذ يستحيل أن يسأل أويرحم ربنا ؟!!
ولم يتفرد يزيد بن هارون بل تابعه هدبة بن خالد عند الطبراني في الكبير حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة فذكره
وممن أثبت لله صفة الضحك من السلف معمر بن راشد حيث قال في جامعه باب من يضحك الله إليه
وهو أعلى طبقة من البخاري كما لا يخفى
ومن الأحاديث الصحيحة الثابتة في إثبات صفة الضحك لرب العالمين ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة: يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل، فيستشهد).
ومن طريقه البخاري 2671 ومسلم 1890 في صحيحهما وغيرهما كثير
وقدم تشبث السقاف بما رواه النسائي 3165 عن محمد بن منصور حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
-إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه وقال مرة أخرى ليضحك من رجلين يقتل أحدهما ثم يدخلان الجنة)) للطعن في هذه الرواية وليس في رواية النسائي كما ترى نفي للضحك وقد حذف السقاف الجزء المتعلق بالضحك _ وذلك في تعليقه على دفع شبه التشبيه وهذه من تدليساته الكثيرة فهو ( مدالس موالس )
فهي محض زيادة تردد فيها الراوي والجازم مقدم على المتردد
وشيخ النسائي وإن كان ثقة إلا أنه قد انفرد التردد(1/87)
فقد روى هذا الخبر الإمام أحمد 7322 عن سفيان عن أبي الزناد به
وكذا رواه الحميدي في المسند برقم 1071 عن سفيان به
وقال مسلم في صحيحه حدثنا محمد بن أبي عمر المكي حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة ) فقالوا كيف ؟ يا رسول الله قال ( يقاتل هذا في سبيل الله عز و جل فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله عز و جل فيستشهد )
( 1890 ) - وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب قالوا حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي الزناد بهذا الإسناد مثله
129 - ( 1890 ) حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر أحاديث منها
وبهذا يبطل إرجاف السقاف
واعلم رحمني الله وإياك أن حمل الضحك في هذا الحديث على الرحمة متعذر وذلك لأن الرحمة سبب في دخول الجنة أما الضحك في هذا الحديث فهو حاصل لدخولهما الجنة فهو نتيجة وليس سبباً في ذلك وفرق بين السبب والنتيجة
تنبيه
ومما يبطل هذا التأويل ما قررناه آنفاً من أن الرحمة لازم الضحك ولازم الشيء غيره
الإفتراء السادس عشر
قال السقاف في ص 110 ((ونقول لهم مجيبين : ما لم يرد في الكتاب ولا في السنة لا يصح وصف الله تعالى به فمن قال مثلا : هل يقال بأن الله يشبه الفأر ؟ ! فيقول له المتمسلف : هذا اللفظ لا ينبغي إثباته ولا نفيه .
ونقول له : * ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون * بل يجب نفيه ويكفر مثبته ويكفي في نفيه قوله سبحانه * ( ليس كمثله شئ )ونقول لهم مجيبين : ما لم يرد في الكتاب ولا في السنة لا يصح وصف الله تعالى به ) * فقول من قال إثباته بدعة ونفيه بدعة هو في الحقيقة باطل وبدعة !! ))
قلت كذبت يا حسن فنحن نرى أن هذه العبارة كفر وننكرها ونؤمن أن نقيضها هو الصواب(1/88)
ولكن لو قال قائل كما دعا السقاف (( الله عز وجل لا يشبه الفأر )) لم يكن ذلك مدحاً فلو قلت لملك وأنت تمدحه (( أنت لا تشبه الفأر ولا الكلب ولا القطة )) لأضحك العقلاء عليه وأغضب ذلك الملك منه فما بالك برب العالمين
أما قوله تعالى (( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير )) ففيه الجمع بين نفي النقص وإثبات الكمال أما مجرد نفي النقص فلا يعد كمالاً كأن تقول (( الجدار لا يظلم )) فهذا ليس فيه إثبات العدل له
الوجه الثاني من وجوه نكارة هذه العبارة أن تخصيص بعض الأفراد بالذكر موهم لعدم وجود العموم
ومعناه أنك لو قلت في ملك (( أنت لا تشبه الفأر )) قد يفهم السامع أنه يشبه حيواناً آخر لهذا فقد جاء نفي المثليه والشبه عاماً في النصوص
الوجه الثالث أن هذا المثال حجة على المعطلة فلو قائل في قولكم في ملك من الملوك (( لا يشبه الفأر )) تشبيه له بالفيل فهو أيضاً لا يشبه الفأر ومن هذا نعرف أن الطريقة السلفية في نفي النقص وإثبات كمال ضده هي أسلم وأعلم وأحكم من طريقة المعطلة البدعية والتي لا تسلم من الإعتراضات
الإفتراء السابع عشر
زعم السقاف في ص 110 أن الذهبي قد رجع في كتابه ( سير أعلام النبلاء ) عن عقيدة شيخه ابن تيمية وعاد إلى عقيدة الإسلام الحقة ( التعطيل )
وغاية ما عند السقاف احتجاجه بما قاله الذهبي في ترجمة الإمام مالك في السير (8/105) (( فقولنا في ذلك وبابه الإقرار والإمرار وتفويض معناه إلى قائله الصادق المعصوم ))
والجواب أن الذهبي إنما فوض الكيف بدليل تصريحه في جمع من التراجم التي تلت هذه الترجمة بالإثبات وإليك بعضاً من هذه الكلمات النيرات
قال علي بن الحسن بن شقيق يقول: قلت لابن المبارك: كيف تعرف ربنا عز وجل؟ قال: في السماء على العرش، ولا نقول كما قالت الجهمية: هو معنا ههنا(1/89)
فعلق الذهبي (8/402) (( قلت: الجهمية يقولون: إن الباري تعالى في كل مكان والسلف يقولون: إن علم الباري في كل مكان ويحتجون بقوله تعالى: "وهو معكم أينما كنتم" الحديد: 4 يعني: بالعلم ويقولون: إنه على عرشه استوى كما نطق به القرآن والسنة ))
قلت انظر كيف أقر عبارة ابن المبارك المصرحة بالإثبات بل وثنى عليها بشرح مذهب السلف في المسألة
ونقل في (11/370) قول حرب الكرماني قلت لإسحاق "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم" المجادلة: 7، كيف تقول فيه؟ قال حيثما كنت فهو أقرب إليك من حبل الوريد وهو بائن من خلقه وأبين شيء في ذلك قوله "الرحمن على العرش استوى" وأقره
وقال في ترجمة الدارمي (13/325) (( ومن كلام عثمان رحمه الله في كتاب النقض له: اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه فوق سماواته))
فعلق عليه بقوله
قلت: أوضح شيء في هذا الباب قوله عز وجل:" الرحمن على العرش استوى"- فليمر كما جاء كما هو معلوم من مذهب السلف وينهى الشخص عن المراقبة والجدال وتأويلات المعتزلة" ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول"-
فانظر كيف أقر هذا الإجماع واحتج له بالآية الكريمة
وقال الذهبي في ترجمة الطبري (14/279) ((أخبرنا أحمد بن هبة الله: أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد أخبرنا أبو القاسم الأسدي أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء أخبرنا عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي أخبرنا أبو سعيد الدينوري مستملي ابن جرير أخبرنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بعقيدته فمن ذلك وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر
وهذا تفسير هذا الإمام مشحون في آيات الصفات بأقوال السلف على الإثبات لها لا على النفي والتأويل وأنها لا تشبه صفات المخلوقين أبداً ))
قلت ما تحته خط من كلام الذهبي وهو من أصرح ألفاظه في الإثبات بل ونسبة ذلك الإثبات للسلف(1/90)
وأكتفي بهذا القدر وعلى فرض أن الذهبي فوض فقد رجع إلى عقيدة الإسلام الحقة ( الإثبات )
تأويلات السقاف لنصوص الصفات
أول السقاف الاستواء في قوله تعالى ((الرحمن على العرش استوى )) بالاستيلاء والقهر حيث قال ص54 ((ومعنى الاستواء هنا القهر لا علو الاجسام والارتفاع لقوله تعالى (وهو القاهر فوق عباده) ))
قلت وهذا التأويل باطل من وجوه
الأول أنه بدعة مخالف لما كان عليه السلف قال اللالكائي في السنة 662 قال أخبرنا أحمد حدثنا عبد الله حدثنا ابن شيرويه ثنا إسحاق [ابن راهويه] حدثنا بشر بن عمر قال: «سمعت غير واحد من المفسرين يقولون "الرحمن على العرش استوى" ؛ على العرش ارتفع»
قلت إسناده صحيح
وفي هذ الرد على من زعم أن السلف كانوا مفوضة ، والاستيلاء يستلزم المغالبة
كما قال ابن الأعرابي أحد علماء اللغة أتاه رجل فقال له: ما معنى قول الله عز وجل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؟ فقال: "هو كما أخبر عز وجل"، فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى، قال: "اسكت ما أنت وهذا، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاداً فإذا غلب أحدهما قيل استولى، أما سمعت النابغة:
إلا لمثلك أو من أنت سابقة *** سبق الجواد إذا استولى على الأمد ))
رواه اللالكائي( 666 ) في السنة وإسناده صحيح ونقله عنه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (1/119)(1/91)
و قدحاول السقاف أن يرد هذا محتجاً بقوله تعالى ((وهو القاهر فوق عباده)) وهذ مغالطة مكشوفة فالاستيلاء شيء والقهر شيء آخر فالاستيلاء لا يوجد الا بعد ان لم يكن كما شهد بذلك ابن الأعرابي بخلاف القهر الذي هو صفة لازمة لله عزوجل ثم ان الاستواء مخصوص بالعرش والقهر متعدي الى جميع المخلوقات وهذا أيضاً يقال في الغلبة الموجودة في قوله تعالى (( والله غالب على أمره )) وهي غير المغالبة ولكن السقاف غارق في العجمة من أعلى عمامته المزركشة الى أخمص قدميه فهو لا يفرق بين الغلبة والمغالبة
فالمغالبة تقع بين اثنين قد وقع بينهما جنس المكافأة كمثل القتل والمقاتلة فيقال (( قتلت ذبابة )) ولا يقال (( قاتلت ذبابة ))
ومن الفروق الجوهرية بين الغلبة أو القهر والاستيلاء أن فعل الاستيلاء يتعدى بعلى وعادة ما يكون على شيء له قيمة سواء كان مادياً أو معنوياً بخلاف فعل الغلبة فانه لا يتعدى إلا إلى المفعول
ثم إن القهر والغلبة صفتان ذاتيتان لا تنفكان عن الله عز وجل بخلاف الإستواء فإنه صفة فعلية وهذا يظهر من قوله تعالى (( ثم استوى على العرش )) فالفعل وقع بعد إن لم يكن واقعاً
واحتج السقاف في ص55 بقوله تعالى (( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار )) ملزماً السلفيين بأن يقولوا في الملك ما قالوا في الاستيلاء
وجواب هذا أن يقال معنى الآية انتفاء الملك المقيد عن المخلوقات يوم القيامة فلا ملك ولا محاسب إلا الله وهذا غير متحقق الا في يوم القيامة وهذا يبطل الالزام
ومن مبطلات تأويل الاستواء بالاستيلاء أن لفظ الاستواء تكرر سبع مرات في الكتاب وفي مواطن عديدة في السنة وتكرار اللفظ على ماهو عليه دليل على إرادة المتكلم للمعنى الأقرب الى ذهن السامع وهو العلو وقد اعترف علماء الأشعرية أن نصوص الصفات موهمة _ زعموا _ للأثبات الذي يسمونه تشبيها حتى قال قائلهم
وكل نص اوهم التشبيها *** فأوله أو فوضه ورم تنزيها(1/92)
ونقول لهم أيضا كما أثبتم لله استيلاء لا كاستيلاء المخلوقات ولم تكونوا مشبهة باثباتكم هذا مع اتفاق اللفظ فنحن ايضا نثبت لله استواء ومجيئا ونزولاً لا كاستواء ومجيء ونزول المخلوقات مع اتفاق اللفظ ولا نكون مشبهة
ومن مبطلات تأويل الاستواء بالاستيلاء أن الاستواء مخصوص بالعرش فلا يوجد في أدلة الكتاب والسنة أنه سبحانه وتعالى مستو على الأرض مثلاً ، واذا خص الاستواء بالعرش وكان وجود العرش حقيقيا فلا معنى له إلا العلو لأن العرش عادة ما يكون عالياً وتقول العرب عرشت اللحم أي رفعته ومن أول العرش بالملك فقد أبعد النجعة لقوله تعالى (( وكان عرشه على الماء )) ويستحيل أن يكون معناه وكان ملكه على الماء !!
وقوله تعالى ((وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)) ويستحيل أن يكون معناه ويحمل ملك ربك !!!!
النص الثاني
وتأول السقاف قوله تعالى (( أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ
تَمُورُ )) على المكانة حيث قال في ص57((. فيكون معنى الاية ءأمنتم من العظيم الجليل صاحب الرفعة والربوبية والبطش أن يخسف بكم الارض (وتقدم استعمال العرب للفظ السماء على العلو المعنوي لا الحسي) . أو يكون المراد بقوله تعالى : * (من في السماء) * سيدنا جبريل أو أي ملك يرسله الله ليخسف أي قرية أو أي موضع من الارض ، كما أرسل الملك الذي خسف الارض بقوم سيدنا لوط عليه السلام ، والملائكة مسكنها السماء ))
قلت وهذا مردود لأنه هروب من تشبيه المكان الى تشبيه المكانة كما تقدم ثم إن العرب اذا قالت فلان في السماء نعرف من واقع الممدوح أن المادح يقصد المكانة لأن هذا الممدوح معنا في الأرض وهذه القرينة لا تنطبق على رب العالمين فتنبه
ثم إن هذا مخالف لتفسير السلف كما قدمنا
وأما تأويله بجبريل فضعيف لأن الله عز وجل إنما يحذرنا نفسه قال تعالى (( ويحذركم الله نفسه ))(1/93)
ولم تأت لفظة (( أمنتم )) في سياق تحذير في القرآن إلا والمقصود بها رب العالمين
قال تعالى ((أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً ))
ثم إذا كان جبريل _ عليه السلام _ قد خسف الأرض بقوم لوط فهل هو من يرسل الحاصب على أيضاً ؟
النص الثالث
تأول السقاف نصوص تنزيل القرآن بأن المقصود بها تنزل الملائكة حيث قال في ص 57_ 58 ((، وأما الايات التي فيها ذكر النزول كقوله تعالى : * (نزل به الروح الامين) * الشعراء : 192 وقوله تعالى : * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * فلا دلالة فيها لما تريده المجسمة البتة ، وانما فيه أن الملائكة تنزل من السماء مسكنهم الاصلي إلى الارض ، وأن القرآن نقله سيدنا جبريل عليه السلام من السماء أو من اللوح المحفوظ الذي هو فوق السماء السابعة إلى الارض بأمر الله تعالى . وكل ما أنعم الله به علينا من نعم ورزق أمدنا به يقال : أتانا من عند الله أو أنزله الله تعالى إلينا ، ومنه قوله تعالى : * (وأنزلنا الحديد) * مع أن الحديد يستخرج من باطن الارض ، ويقال : نزل الامر بهم ، ومنه قوله تعالى : * (فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين) ومنه قوله تعالى : (وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج) الزمر 6 ، وهذه الانعام لم تمطر السماء بها قط ))
قلت جواب هذا من وجوه
أولها أن تأويله لنزول القرآن بنزول جبريل ينقضه قوله تعالى (( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ))
ولم يقل من اللوح المحفوظ
الثاني قوله تعالى (( وأنزلنا الحديد )) ليس فيه ذكر المنزل منه فلم يقل (( وأنزلنا الحديد من السماء )) مثلاً
علماً بأنه قد روي أن الحديد قد نزل مع آدم(1/94)
قال ابن جرير 26075- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن علباء بن أحمر، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم صلوات الله عليه: السندان والكلبتان، والميقعة، والمطرقة
قلت والثلاثة المذكورة من أدوات الحدادين وإسناد هذا الخبر ضعيف فيه محمد بن الرازي
وعليه يكون ظاهر الآية سالماً من التأويل
ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الحديد منزل من الجبال وهذا لا يمتنع
الوجه الثالث وقوله تعالى (( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج )) الإنزال فيه حقيقي
قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (6/11) (( فإنه ينزل الماء من أصلاب الذكور إلى بطون الإناث ثم ينزل الأجنة من يطون الإناث إلى الأرض فأنزل منها ثمانية أزواج
ومن المشهور في اللغة أنه يقال عن ابن آدم : أنزل الماء ))
قلت وليس في الآية أن الأزواج الثمانية نزلت من السماء فالسقاف يظن أن كل منزل لابد وأن يكون منزلاً من السماء وهذا من جهله باللغة
النص الرابع
وتأول السقاف قوله تعالى (( إليه يصعد الكلم الطيب )) على أنه كناية عن القبول حيث قال قال ص55 ((قوله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) . ومعنى الاية أن هذا كناية عن القبول والرضى ))
وهذا باطل اذ لو كان هذا المعنى لقال عنده يصعد الكلم الطيب لا إليه فنحن نقول هذا عمل مقبول عند رب العالمين ولا نقول مقبول إلى رب العالمين !!!
النص الخامس
زعم السقاف في ص60_63 أن ليس في قصة الاسراء والمعراج وتكلم في ذلك كلاماً طويلاً لا حاجة لنا في ذكره غير أن أقام الحجة على نفسه بنفسه(1/95)
حيث قال في ص62((وفي صحيح مسلم (1 / 161) عن أبي ذر قال : سألت رسول الله (ص) هل رأيت ربك ، قال : " نور أنى أراه " . وفي البخاري (8 / 606) ومسلم (1 / 159) عن مسروق قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : يا أمتاه هل رأى محمد (ص) ربه ؟ فقالمت : لقد قف شعري مما قلت ! ! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب . ثم قرأت * (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير) * . * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب))
ومن هنا تأتي حجتنا فلم يسأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم (( هل رأيت ربك )) بعدما علموا أنه عرج به إلى السماء ؟
الجواب : أنهم يعتقدون أن الله في السماء فلما علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به إلى السماء فكروا في احتمال رؤيته لربه فتأمل
ثم ذكر في ص62 حديث (( لا تفضلوني على يونس بن متى )) ثم أوله تأويلاً بعيداً زاعماً أن معناه لم أكن أقرب الى الله من يونس بن متى في بطن الحوت!!!!
قال السقاف في ص62_63 ((قال المحدث الزبيدي " في اتحاف السادة المتقين " (2 / 105) : ذكر الامام قاضي القضاة ناصر الدين بن المنير الاسكندري المالكي في كتابه " المنتقى في شرف المصطفى " لما تكلم على الجهة وقرر نفيها ، قال : ولهذا أشار الامام مالك رحمه الله تعالى في قوله (ص) " لا تفضلوني على يونس بن متى " فقال مالك إنما خص يونس بالتنبيه على التنزيه لانه (ص) رفع إلى العرش ويونس عليه السلام هبط إلى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة ، ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام أقرب من يونس بن متى وأفضل ولما نهى عن ذلك ))
قلت هذا كذبٌ على الإمام مالك لم ينقله هذا المبتدع بسندٍ متصل إلى الإمام(1/96)
وأما التأويل فالرد على هذا التأويل أن الحديث عام وتخصيصه بهذا الأمر تحكم مكشوف والمعنى الصحيح أن منع التفضيل من حيث النبوة والرسالة قال تعالى (( لا نفرق بين أحد من رسله )) ويدخل في ذلك غير الأنبياء من باب أولى
النص السادس
وزعم السقاف أن قوله تعالى (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) سيق مساق الإنكار على اليهود الذين يعتقدون إمكان ذلك
حيث قال في ص81((فيقول الله موبخا لهم : هل تتخيلون أن يأتيكم الله في غمامة أو سحابة هو والملائكة حتى تؤمنوا ؟ ! أي على تصوركم الفاسد أيها المشبهة المجسمة ! ! وهم الذين يقولون بأن الله تعالى لما فرغ من خلق السموات والارض تعب فأراد أن يستريح فاستلقى على العرش ! ! فابن تيمية يريد أن يعتمد عقيدتهم تلك التي وبخهم عليها رب العزة وذمهم باعتقادها ! ! ))
قلت هذا التأويل بطل لأن قوله تعالى (( هل ينظرون )) لم يأت في القرآن إلا والذي بعده أمر سيتحقق كقوله تعالى (( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ )) وقوله (( هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )) وهو صريح جداً وهذا ما فهمه السلف
قال ابن أبي حاتم الرازي في تفسيره برقم 1995 حدثنا أبو زرعة عن ثقة) حدثنا الحسن بن عون البصري حدثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة في قوله تعالى (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) وذلك يوم القيامة
وفي هذا الأثر إثبات أن السلف كانوا مثبتة ولم يكونوا مفوضة ولم يؤخذ على قتادة إلا القول بالقدر(1/97)
وروى أيضا برقم 1997 عن حجاج بن حمزة ثنا شبابة ثناورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (( قوله (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) كان يقول هو غير السحاب ولم يكن لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا وهو الذي يأتي الله فيه الله يوم القيامة
وقد احتج السقاف براويةورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لإثبات التأويل عن مجاهد في مقدمة تحقيقه لدفع الشبه وقال ابن جرير في تفسيره برقم 3672 من طريق محمد بن عمرو ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح فذكره
وروى أيضا برقم 1998 عن أبيه ثنا محمد بن الوزير الدمشقي ثنا الوليد ( هو بن مسلم وهو ثقة ) سألت زهير بن محمد عن قول الله (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) قال ظلل من الغمام منظوم بالياقوت مكلل بالجواهر والزبرجد ))
وقلت وهذا سندٌ صحيح وهذا الأثر برهان آخر على كذب من زعم أن السلف كانوا مفوضة
النص السابع
وقد ذكر السقاف في ص 98 مجموعة من الأسئلة الإلحادية الساقطة لإبطال احتجاج أهل السنة بالمشيئة على الصفات الفعلية
ومن أمثلة هذه الأسئلة الساقطة (( هل يستطيع الله أن يفني نفسه ؟)) نعوذ بالله من الضلال
ومن أظلم الظلم ما وقع من حسن السقاف من قياس هذه الأسئلة الساقطة على إثبات أهل السنة للصفات الواردة في النصوص الصحيحة الصريحة وهذا القياس فاسد من وجوه اذكر منها إثنين
الأول
أن هذه الأسئلة تتعارض مع الصفات الثابتة لله عز وجل فالسؤال الذي ذكرته آنفاً ( مكرهاً) يتعارض مع صفة البقاء لله عز وجل والسؤال الذي فيه الإستفسار عن إمكانية وجود إله آخر يتعارض مع صفة الأحدية لله عز وجل والسؤال الذي فيه الإستفسار عن إمكانية وجود صخرة لا يمكن لله عز وجل حملها ( تعالى الله عما يقوله الجاحدون علواً كبيراً ) يتنافى مع صفة القدرة لله عز وجل
وأما السقاف فقد رأى في تعطيل الصفات الفعلية جواباً على هذه الهرطقات
الثاني(1/98)
أن الصفات التي يثبتها السلفيون قد جاءت بها الأدلة الصحيحة الصريحة بخلاف تلك الترهات الإلحادية المتعارضة مع النصوص
والقدرة لا تتعلق بالممتنعات لأنها ليست بشيء وهذه الإيرادات التي أوردها السقاف كلها ممتنعات كقول من يقول (( أريد بحراً من الماء لا ماء فيه )) فهذا ينقض أوله آخره فهو ممتنع
وأما المستحيلات كمثل معجزات الأنبياء وأن يخلق الله فيلاً بأجنحة مثلاً
كلها تتعلق بها القدرة
لذا فقوله تعالى (( وهو على كل شيءٍ قدير )) عام لا استثناء فيه
وقد تأول السقاف في ص111 هذه الآية بقوله ((إن الله على كل مخلوق قدير))
ويريد بذلك أن الله عز وجل ليس بقادرٍ على نفسه وبالتالي ينفي الصفات الفعلية المتعلقة بالمشيئة لذا أورد تلك الأسئلة الإلحادية زاعماً أن جوابه خير جواب
ويكفي لنقض هذا الهراء قوله تعالى في الحديث القدسي (( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً )) رواه مسلم( 2577)
فتحريمه الظلم على نفسه دليل على أنه قادر على نفسه وهذا الفعل غير متعدي
واعلم أن أفعال الله عز وجل متعدية كالخلق والرزق والإماته ومعنى متعدية أي أنها تقع على مفعول وهي داخلة في المشيئة وبالتالي داخلة في القدرة
وغير متعدية كالمجيء والنزول وهي كسابقتها ومن تناقضات ثلة من المعطلة أنهم لا يدخلون هذا النوع في القدرة مع إدخالهم للنوع الأول حتى قال قائلهم أن الله على نفسه ليس بقادر
مع العلم أن الأفعال المتعدية ناتجة عن قدرة الله عز وجل على نفسه بإدخالها في القدرة يدخل النوع الثاني
قال تعالى في وصف نفسه (( فعال لما يريد )) وهذا عام في المتعدي وغير المتعدي
النص الثامن
احتج السقاف في ص91 بقوله تعالى(( وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) على تأويل صفة الوجه(1/99)
قلت وهذا مردود منقوض لأن إضافة الوجه للجمادات والظروف غير إضافته للأحياء والوجه في لغة العرب لا يضاف إلى حي موجود وإلا وكان المقصود به الوجه الحقيقي
وقد دلت العديد من الآيات والأحاديث على إثبات صفة الوجه لرب العالمين
قال تعالى (( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )) وقد احتج أهل السنة بهذه الآية على إبطال تأويل الوجه بالذات لأنه لو كان الوجه والذات شيئا واحدا لقال (( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)) ولما كان الوجه غير الذات عوملت صفة الوجه غير معاملة الذات فرفعت صفتها بينما كلمة الرب مجرورو
وقد قال تعالى في نفس السورة (( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام )) فجاءت الصفة مجرورة
و قد احتج أهل السنة بهذه الآية أيضا على إبطال تأويل الوجه بالثواب إذ لا يقال عن الثواب أنه ذو جلال وإكرام
ومما احتج به أهل السنة على إبطال تأويل الوجه بالذات أو بالثواب حديث ابن عمرو (( كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم)) رواه أبو داود 466 بسند قوي
ففرق بين الإستعاذة بالذات والإستعاذة بالوجه هذا من جهة
ومن جهة أخرى الإستعاذة بالمخلوق لا تجوز والثواب مخلوق
ومن الأحاديث التي تدل على إثبات هذه الصفة ما رواه مسلم من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن))
وهذا الحديث يدل على بطلان تأويل الوجه بالثواب
وقد تأول بعض المبتدعة الوجه بالجاه وهذا باطل لأن الجاه يأتي منه الوجاهة وليس الوجه والأحاديث السابقة تدل على بطلان هذا التأويل(1/100)
ومما يدل على بطلان هذا التأويل ما رواه مسلم 296 من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (( إن الله تعالى لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل. حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) ولا يقال في اللغة سبحات جاهه !!!!وهذا الحديث يبطل جميع التأويلات
وقد أثبت السلف صفة الوجه لرب العالمين
قال ابن جرير الطبري في تفسيره 13667 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} بلغنا أن المؤمنين لما دخلوا الجنة ناداهم مناد: إن الله وعدكم الحسنى وهي الجنة! وأما الزيادة: فالنظر إلى وجه الرحمن.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله
قلت السند الأول يقوي الثاني
واحتج السقاف بقوله تعالى (( كل شيء هالك إلا وجهه )) على تأويل الوجه بالذات باعتبار أننا لو حملنا الآية على حقيقتها للزم المجسمة (الموحدون) إثبات الفناء لبقية الصفات.
قلت : وهذا إلزام ساقط ذكر الوجه في الآية من باب إطلاق الخاص وإرادة العام ؛ كقوله تعالى (( اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ))
فهل معنى هذا أن أخوة يوسف لا يريدون إلا وجه يعقوب صلى الله عليه وسلم ؟!! أو أن يعقوب صلى الله عليه وسلم لا وجه له ؟!!
الآثار الثابتة عن الصحابة في إثبات الصفات
أولها ما صح عن عبدالله بن سلام قوله (( مسح الله ظهر آدم بيديه فأخرج فيهما من خالق من ذريته )) رواه الآجري في الشريعة (ص322) بسند حسن فيه محمد بن عجلان وهو صدوق وصححه الذهبي في الأربعين في صفات رب العالمين (ص106)
ولا يليق بالصحابة الكرام، أن يحدثوا عن بني إسرائيل بما ينافي تنزيه العليم العلام(1/101)
وثانيها ما صح عن سلمان الفارسي عن ابن مسعود قوله (( خمر الله طينة آدم أربعين ليلة ثم جمعه بيده فخرج طيبه بيمينه وخبيثه بشماله ))
أخرجه ابن سعد (1/27) في الطبقات وسنده صحيح
ثالثها ما ثبت عن ابن عمر قوله (( خلق الله بيده أربعة أشياء آدم والقلم والعرش وجنات عدن )) رواه الآجري في الشريعة (ص303) والحاكم (2/319) وصححه والبيهقي (ص403) وقال السيوطي في اللآليء (1/16) ((وهذا الاسنادصحيح رجاله اخرج لهم الشيخان سوى عبيد فاخرج له مسلم والنسائي فقط))
رابعها ما صح عن أبي هريرة قوله قال الله لآدم ويداه مفتوحتان اختر أيها شئت فقال اخترت يمين ربي الحديث )) أخرجه الترمذي (3368) وحسنه وابن حبان في صحيحه (2082)
قلت وإسناده حسن فالحارث بن عبد الرحمن قال عنه أبو حاتم ليس بالقوي وقال أبوزرعة ليس به بأس وقال ابن معين مشهور وصحح له وابن حبان وأطلق القول بتوثيقه في الميزان فمثله حسن الحديث ( انظر أقوالهم في تهذيب التهذيب
رابعها عن حكيم بن جابر أنه قال أخبرت أن ربك لم يمس بيده إلا ثلاثة أشياء غرس الجنة بيده وخلق آدم بيده وكتب التوراة بيده )) أخرجه هناد في الزهد (46) وابن أبي شيبة في المصنف (13/96) والآجري في الشريعة (ص303) بسند صحيح وصححه الذهبي في الأربعين (ص109)
وقد حاول بعض المعطلة تأويل صفة اليد
محتجاً بقوله تعالى (( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )) فقال اليد تأتي بلفظ التثنية ولا يقصد بها اليد الحقيقية والدليل هذه الآية والرد عليهم من وجهين
الأول ما قدمناه من أن إضافة اليد لله عزوجل غير إضافة لكتابه العزيز وهو كلام الله أي أنه معنى والمعاني لا تتصف بالحياة والقدرو والإرادة فقياسها على من يتصف بهذه الصفات باطل(1/102)
الثاني أن لفظ اليدين هنا جاء قبله قوله ( من بين ) مما يدل أن المعنى هو لا يأتيه البطل من أمامه ومن خلفه ولكن مع فقدان (من بين ) يصبح من المستحيل حمل اليدين على المقصود بهما الأمام
كما هو الحال في قوله تعالى (( بل يداه مبسوطتان )) ولا يمكن حملها على النعمة لأن نعم الله لا تحصى وليس نعمتان فقط
ولا يمكن حملها على القدرة فالقدرة واحدة وليست قدرتان
ثم إن اختصاص بعض الأمور بالخلق باليد كما عن جماعة من السلف يمنع حمل اليدين على التأويلين السابقين
وكذلك اقتران فعل اليدين بالباء كأن تقول كتبت بيدي و حرثت بيدي فلا يمكن حمل اليد هنا إلا على الحقيقة
كما هو الحال في قوله تعالى (( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ )) ومن نعلم بطلان قول المعطلة أن آيات الصفات من المتشابهات لأنها تحتمل معان عديدة
خامسها ما صح عن ابن عباس من قوله (( الكرسي موضع القدمين )) أخرجه الدارقطني في " الصفات " ( 36 ) ، و " النزول " ( ص 49 ) ، والخطيب في " تاريخ بغداد " ( 5 / 251 ) .
عن أحمد بن منصور الرمادي ، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، به .
وهذا الإسناد صحيح ؛ مسلم البطين احتج به مسلم ، ووثقه أحمد وابن معين وأبوحاتم والنسائي وابن حبان ( تهذيب التهذيب 5 / 431 ) .
وعمار الدهني وثقه أحمد وابن معين وأبوحاتم والنسائي وابن حبان ( تهذيب التهذيب 4 / 255 ) .
وبقية رجاله ثقات .
وقد توبع أحمد بن منصور الرمادي ، فتابعه محمد بن معاذ ، عن أبي عاصم ، به .
أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 2 / 282 ) ، وقال : " صحيح على شرط الشيخين " ، ووافقه الذهبي .
وتابعهما محمد بن بشار ، عن أبي عاصم ، به .
أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " ( ص 107 )
وتابعهم الحسن بن علي ، عن أبي عاصم ، به .(1/103)
أخرجه أبوجعفر بن أبي شيبة في " كتاب العرش " ( 61 )
وتابعهم أبومسلم الكجي ، عن أبي عاصم ، به .
أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 5 / 251 ) ، والهروي في " الأربعين في دلائل التوحيد " ( 14 ) ، والطبراني في " كتاب السنة " ، ومن طريقه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 10 / 311 / 332 ) .
أبومسلم الكجي وثقه الدارقطني ( سير أعلام النبلاء 13 / 424 ) ، وقال الذهبي ( 13 / 423 ) : " الشيخ الإمام الحافظ المعمر شيخ العصر "
وقد اضطرب فيه أبومسلم فرواه مرة أخرى عن أبي عاصم ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، به .
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 12 / 39 / 12404 ) ، ومن طريقه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 10 / 310 / 331 ) .
وقال الهيثمي في " المجمع " ( 6 / 323 ) : " رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح " .
قلت : هذا الإسناد منقطع ؛ عمار الدهني لم يسمع من سعيد بن جبير كما قال أبوبكر بن عياش ( تهذيب التهذيب 4 / 255 ) .
وقد توبع عليه أبا عاصم نفسه فتابعه عليه من هذا الوجه ، عبدالرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، به .
أخرجه عبدالله بن أحمد في " السنة " ( 2 / 454 / 1020 ) عن أبيه ، وأبوالشيخ في " العظمة " ( 2 / 584 / 28 ) عن محمد بن المثنى ، كلاهما عن ابن مهدي ، به .
وهذا الإسناد منقطع ، كما سبق .
وخالفهم أحمد بن حنبل ومحمد بن المثنى ، يعقوب بن إبراهيم فرواه عن ابن مهدي ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، به .
أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 5 / 251 ) .
ويعقوب بن إبراهيم هو ابن كثير مولى عبدالقيس ، احتج به الشيخان ، ووثقه النسائي وابن حبان ، وقال أبوحاتم : " صدوق " .(1/104)
وتابع أبا عاصم عليه من الوجه الأول ، وكيع فرواه في " تفسيره " – كما في " تفسير ابن كثير " ( 1 / 457 ) – ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، به .
وأخرجه عنه عبدالله بن أحمد في " السنة " ( 1 / 301 / 586 ) و ( 2 / 454 / 1021 ) ، و ابن خزيمة في " التوحيد " ( ص 108 ) ، وعثمان بن سعيد الدارمي في " نقض بشر المريسي " ( 1 / 400 و 412 و 423 ) ، والدارقطني في " الصفات " ( 37 ) ، والهروي في " الأربعين في دلائل التوحيد " ( 14 )، والخطيب في " تاريخ بغداد " ( 5 / 251 ) .
وهذا الإسناد صحيح .
وتابع سفيان ، قيس فرواه عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، به .
أخرجه الفريابي – كما في " الدر المنثور " ( 2 / 17 ) – ، ومن طريقه أبوالشيخ في " العظمة " ( 2 / 582 ) .
وإسناده صحيح .
وخالف أبا عاصم الضحاك بن مخلد وعبدالرحمن بن مهدي ووكيع ، أبوأحمد الزبيري فرواه عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، موقوفاً عليه من قوله .
أخرجه ابن جرير الطبري في " تفسيره " ( 3 / 16 ) .
وهذا الإسناد منكر ؛ أبوأحمد الزبير هو عبدالله بن الزبير ثقة ثبت إلا أنه قد يُخطئ في حديث الثوري كما في " التقريب " ( 2 / 95 ) ، وقد أخطأ في هذا الأثر .(1/105)
وخالف أحمد بن منصور الرمادي ومحمد بن معاذ ومحمد بن بشار والحسن بن علي وأبومسلم الكجي ، شجاع بن مخلد فرواه في " تفسيره " – كما في " الرد على الجهمية " لابن منده ( ص 45 ) ، و " تاريخ بغداد " ( 5 / 251 ) ، و " تفسير ابن كثير " ( 1 / 457 ) ، و " البداية والنهاية " ( 1 / 13 ) – عن أبي عاصم ، عن سفيان ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم – صلى الله عليه وسلم – عن قول الله – تعالى – { وسع كرسيه السموات والأرض } ، قال : " كرسيه : موضع قدمه ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله – عز وجل – " .
وأخرجه عنه العقيلي في " الضعفاء " – كما في " تهذيب التهذيب " ( 2 / 482 ) ، و " تغليق التعليق " ( 4 / 186 ) ، و " فتح الباري " ( 8 / 47 ) – ، والطبراني في " كتاب السنة " – كما في " فتح الباري " ( 8 / 47 ) – ، وابن منده في " الرد على الجهمية " ( ص 44 ) ، وابن مردويه في " تفسيره " – كما في " تفسير ابن كثير " ( 1 / 457 ) – ، والخطيب في " تاريخ بغداد " ( 5 / 251 ) – ومن طريقه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " ( 1 / 22 / 4 ) ، وأبوالحسن علي بن عمر الحربي في " فوائده " – كما في " فتح الباري " ( 8 / 47 ) – ، والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 10 / 311 – 310 / 333 ) ، وابن الجوزي في " العلل المتناهية " ( 1 / 22 / 4 ) .
قال ابن الجوزي : " هذا الحديث وهم شجاع بن مخلد في رفعه ، فقد رواه أبومسلم الكجي وأحمد بن منصور الرمادي كلاهما عن أبي عاصم فلم يرفعاه ، ورواه عبدالرحمن بن مهدي ووكيع كلاهما عن سفيان فلم يرفعاه بل وقفاه على ابن عباس ، وهو الصحيح .
وكان ابن عباس يفسر معنى الكرسي وأنه موضع قدمي الجالس ؛ ليخرجه عن قول من يقول : أن الكرسي بمعنى العلم " .
وقال العقيلي : " إن رفعه خطأ " .
وقال ابن كثير في " تفسيره " ( 1 / 457 ) : " وهو غلط " .(1/106)
وقال في " البداية والنهاية " ( 1 / 13 ) : " والصواب أنه موقوف على ابن عباس " .
تخريج أثر ابن عباس السابق مستفاد من الأخ الفاضل أبي النهال الآبيضي
سادسها ما رواه الدارمي في الرد على الجهمية( 137 ) عن موسى بن إسماعيل وعلي بن عثمان اللاحقي قالا ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن عاصم بن أبي نجود قال قالت أم سلمة رضي الله عنها (( نعم اليوم يوم عرفة ينزل فيه رب العزة إلى السماء الدنيا ))
قلت إسناده صالح
وله شاهد عند اللالكائي من طريق محمد بن أحمد بن علي بن حامد الطبري أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ثنا أبو سعيد الأشج حدثني عقبة ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أم سلمة
ورواه الصابوني في عقيدة أصحاب الحديث بسند آخر حسن
سابعها ما رواه أسد بن موسى في الزهد (( وثقه النسائي وابن يونس ولا يلتفت إلى قول ابن حزم فيه )) ثنا غسان بن برزين الطهوي (( وثقه ابن معين و ابن حبان والعجلي )) عن سيار بن سلامة الرياحي (( وهو ثقة )) عن أبي العالية الرياحي عن ابن عباس (( إذا كان يوم القيامة اجتمعت الجن والإنس في صعيد واحد ثم ذكر حديثاً طويلاً قال في آخره (( حتى يجيء ربك في ظلل من الغمام والملائكة صفوفاً ))
وله شواهد لبسطها مقام آخر
وثامنها ما رواه أحمد في فضائل الصحابة عبدالرزاق عن معمر وابن خثيم عن ابن أبي مليكة عن ذكوان مولى عائشة أن ابن عباس قال لعائشة (( وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات ))
قلت هذا سند صحيح وله شواهد لبسطها مقام آخر ولا يشك من شم رائحة اللغة أن قول ابن عباس صريح في إثبات العلو(1/107)
و تاسعها ما رواه ابن خزيمة في التوحيد حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا ابن وهب حدثنا ابن لهيعة و عبد الرحمن بن شريح ويحي بن أيوب عن عبيد الله بن مغيرة السبائي عن أبي فراس ( واسمه يزيد ين رباح ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال (( يضحك الله إلى صاحب صاحب البحر ثلاث مرات حين يركبه ويتخلى من أهله و ماله وحين يميد وحين يراه شاكراً وإما كفوراً ))
قلت سنده صحيح على قول من قال أن رواية العبادلة عن ابن لهيعة صحيحة
العاشر ما رواه ابن أبي الدنيا في الأهوال (حديث رقم 27 ) حدثني المثنى بن معاذ بن معاذ العنبري ثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت أبي قال ثنا أبو نضرة عن ابن عباس قال:((ينادي مناد بين يدي الصيحة: يا أيها الناس، أتتكم الساعة، قال فيسمعها الأحياء والأموات، قال وينزل الله إلى السماء الدنيا، فينادي مناد: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار}
قلت إسناده صحيح وهو صريح في إثبات ابن عباس لصفة النزول
الحادي عشر رواه حنبل بن إسحاق في الفتن حديث رقم 44 حدثنا قبيصة ومحمد بن كثير واللفظ لقبيصة حدثنا سفيان بن سعيد الثوري عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء قال: تذاكرنا الدجال عند عبد الله ( يعني ابن مسعود ) فقال ((تفترقون أيها الناس لخروجه على ثلاث فرق: فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح، وفرقة تأخذ شط الفرات، يقاتلهم ويقاتلونه، حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام، فيبعثون إليهم طليعة، فيهم فارس على فرس أشقر وأبلق.
قال: فيقتتلون، فلا يرجع منهم بشر.
قال سلمة:
فحدثني أبو صادق، عن ربيعة بن ناجذ:
أن عبد الله بن مسعود قال: فرس أشقر.
قال عبد الله: ويزعم أهل الكتاب أن المسيح ينزل إليه.
قال: سمعته يذكر عن أهل الكتاب حديثا غير هذا.
ثم يخرج يأجوج ومأجوج، فيمرحون في الأرض، فيفسدون فيها.
ثم قرأ عبد الله: {وهم من كل حدب ينسلون} [الأنبياء: 96].(1/108)
قال: ثم يبعث الله عليهم دابة مثل هذا النغف، فتلج في أسماعهم ومناخرهم، فيموتون منها، فتنتن الأرض منهم، فيجأر إلى الله، فيرسل ماء يطهر الأرض منهم.
قال: ثم يبعث الله ريحا، فيها زمهرير باردة، فلم تدع على وجه الأرض مؤمنا إلا كفته تلك الريح.
قال: ثم تقوم الساعة على شرار الناس، ثم يقوم الملك بالصور بين السماء والأرض، فينفخ فيه.
والصور: قرن، فلا يبقى خلق في السماوات والأرض إلا مات، إلا من شاء ربك.
ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، فليس من بني آدم خلق إلا منه شيء.
قال: فيرسل الله ماء من تحت العرش، كمني الرجال، فتنبت لحمانهم وجثمانهم من ذلك الماء، كما ينبت الأرض من الثرى.
ثم قرأ عبد الله: {والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا، فسقناه إلى بلد ميت، فأحيينا به الأرض بعد موتها، كذلك النشور} [فاطر: 9].
قال: ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض، فينفخ فيه، فينطلق كل نفس إلى جسدها حتى يدخل فيه، ثم يقومون، فيحيون حياة رجل واحد، قياما لرب العالمين.
قال: ثم يتمثل الله -تعالى- إلى الخلق، فيلقاهم، فليس أحد يعبد من دون الله شيئا إلا وهو مرفوع له يتبعه.
قال: فيلقى اليهود، فيقول: من تعبدون؟
قال: فيقولون: نعبد عزيرا.
قال: هل يسركم الماء؟
فيقولون: نعم، إذ يريهم جهنم كهيئة السراب.
قال:
ثم قرأ عبد الله: {وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا} [الكهف: 100].
قال: ثم يلقى النصارى، فيقول: من تعبدون؟
فيقولون: المسيح.
قال: فيقول: هل يسركم الماء؟
قال: فيقولون: نعم.
قال: فيريهم جهنم كهيئة السراب.
ثم كذلك لمن كان يعبد من دون الله شيئا.
قال:
ثم قرأ عبد الله: {وقفوهم إنهم مسؤولون} [الصافات: 24].
قال: ثم يتمثل الله -تعالى- للخلق، حتى يمر على المسلمين.
قال: فيقول: من تعبدون؟
فيقولون: نعبد الله، ولا نشرك به شيئا.
فينتهرهم مرتين أو ثلاثا، فيقول: من تعبدون؟
فيقولون: نعبد الله، ولا نشرك به شيئا.(1/109)
قال: فيقولون: هل تعرفون ربكم؟
قال: فيقولون: سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه.
قال: فعند ذلك يكشف عن ساق، فلا يبقى مؤمن إلا خر لله ساجدا، ويبقى المنافقون ظهورهم طبقا واحدا، كأنما فيها السفافيد.
قال: فيقولون: ربنا.
فيقول: قد كنتم تدعون إلى السجود وأنتم سالمون.
قال: ثم يأمر بالصراط فيضرب على جهنم، فيمر الناس كقدر أعمالهم زمرا كلمح البرق، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، ثم كأسرع البهائم، ثم كذلك، حتى يمر الرجل سعيا، ثم مشيا، ثم يكون آخرهم رجلا يتلبط على بطنه.
قال: فيقول: أي رب، لماذا أبطأت بي؟
فيقول: لم أبطأ بك، إنما أبطأ بك عملك.
قال: ثم يأذن الله -تعالى- في الشفاعة.
فيكون أول شافع: روح القدس جبريل - عليه الصلاة والسلام -، ثم إبراهيم خليل الله، ثم موسى، ثم عيسى -عليهما الصلاة والسلام-.
قال: ثم يقوم نبيكم رابعا، لا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه، وهو المقام المحمود الذي ذكره الله -تبارك وتعالى-: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء: 79].
قال: فليس من نفس، إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة، أو بيت في النار.
قال: وهو يوم الحسرة.
قال: فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة.
ثم يقال: لو عملتم.
قال: فتأخذهم الحسرة.
قال: ويرى أهل الجنة البيت في النار.
فيقال: لولا أن منَّ الله عليكم.
قال: ثم يشفع الملائكة، والنبي صلى الله عليه وسلمون، والشهداء، والصالحون، والمؤمنون، فيشفعهم الله.
قال: ثم يقول الله: أنا أرحم الراحمين، فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق برحمته.
قال: ثم يقول: أنا أرحم الراحمين.
قال:
ثم قرأ عبد الله: {ما سلككم في سقر، قالوا: لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين، وكنا نكذب بيوم الدين} [المدثر: 42- 45].
قال: فعقد عبد الله بيده أربعا، ثم قال:
هل ترون في هؤلاء من خير؟ ما ينزل فيها أحد فيه خير.
فإذا أراد الله -عز وجل- أن لا يخرج منها أحد، غير وجوههم وألوانهم.(1/110)
قال: فيجيء الرجل فينظر، ولا يعرف أحدا.
فيناديه الرجل، فيقول: يا فلان، أنا فلان.
فيقول: ما أعرفك.
فعند ذلك يقول: {ربنا أخرجنا منها، فإن عدنا فإنا ظالمون}.
فيقول عند ذلك: {اخسئوا فيها، ولا تكلمون} [المؤمنون: 107- 108].
فإذا قال ذلك، أطبقت عليهم، فلا يخرج منهم بشر
قلت قبيصة في روايته عن الثوري كلام ولكنه توبع في هذا الإسناد ، وتوبع عند الحاكم حيث قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني،حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء فذكره
وأبو الزعراء هذا وثقه ابن حبان والعجلي وابن سعد وصحح له الحاكم وقال البخاري لا يتابع على حديثه فعلى هذا يكون حسن الحديث ( انظر تهذيب التهذيب )
وبهذا يثبت هذا الأثر وفيه إثبات ابن مسعود لصفة الساق إذ أن الأثر صريح في أن الكشف عن الساق خاص بالمؤمنين وأدعياء الإيمان أما شدة الخطب فتقع على جميع الناس فتأمل
والأثر صريح في أن الكشف عن الساق هي العلامة التي يعرف بها المؤمنون ربهم وهذا لا يمكن أن ينطبق على شدة الخطب ومن هذا يعلم أن سواء كان اللفظ الراجح في الحديث المرفوع ساق أو ساقه فصفة الساق ثابتة
ومن المعلوم أن المعطلة قد شرقوا وغربوا بتفسير ابن عباس وغيره من السلف للكشف عن الساق بشدة الخطب زاعمين ان هذا تأويل والصواب ان هذا التفسير ليس تأويلاً لأن التأويل اللفظ عن ظاهره وظاهر الآية لا يدل على أن الساق صفة لله عز وجل إذ أن الساق لم تأت مضافة لرب العالمين
ومثله قوله تعالى (( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )) فمن حملها على القوة بناءً على أن الأيد مصدر آد يئيد أيداً ليس مؤلاً إذ أن الأيد لم تأت مضافة لرب العالمين(1/111)
فإن قال قائل ما تصنعون بقوله تعالى (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ )) وظاهره يخالف ما تزعمونه من اختصاص و غيره بالخلف باليد واليد هنا مضافة لله جل وعلا
فالجواب أن هذا من باب إطلاق الخاص وإرادة العام كقوله تعالى (( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ )) وقد يكون هذا المحاسب _ بفتح السين _ قد عصى الله بلسانه أو عينه
وإطلاق الخاص مع إرادة العام لا ينفي وجود الخاص بل يؤكده كما هو الحال في الآية السابقة وفي قوله تعالى (( اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ )) فهم لا يريدون وجه يعقوب فقط وهذا لا يعني أنه ليس عنده وجه !!!!
وقد وجدت أثراً عن ابن عباس في إثبات صفة اليد على شرط السقاف في الصحة
عند ابن جرير في التفسير (21/324)
قال حدثنا ابن بشار ( هو بندار ) ثنا معاذ بن هشام ( وهو صدوق ربما وهم ) ثني أبي ( وهو سنبر وهو ثقة ثبت ) عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس (( ما السموات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم ))
قلت والسقاف يقوي رواية عمرو بن مالك النكري كما في كتابه الإغاثة بأدلة الإستغاثة ويصحح رواية أبي الجوزاء عن عائشة فضلاً عن ابن عباس ولا يمكن حمل هذا الأثر على تأويل المتأولين فكما أن للإنسان يد حقيقية يضع فيها الخردلة فلله عزوجل يد حقيقية فيها السموات السبع والأرضون السبع كالخردلة مع العلم أن الله (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))
وهذا الأثر ضعيف عندي ولكني ذكرته للإلزام
ومن أعجب التأويلات التي رأيتها لصفة اليد قول بعض المعطلة في قوله تعالى (( بل يداه مبسوطتان )) قالوا قدرته ونعمته وهذا تلفيق بين تأويلين وهو تلفيق ساقط وذلك لوجوه(1/112)
أولها أن اليدين من جنس واحد بدليل اتفاقهما باللفظ والفعل والصفة والقدرة والنعمة ليستا كذلك فالقدرة غير مخلوقة وعامة نعم الله مخلوقة
الثاني أن القدرة لا توصف بالبسط قال في لسان العرب (( في أَسماء اللّه تعالى: الباسطُ، هو الذي يَبْسُطُ الرزق لعباده ويوسّعه عليهم بجُوده ورحمته ويبسُط الأَرواح في الأَجساد عند الحياة.
والبَسْطُ: نقيض القَبْضِ، بسَطَه يبسُطه بَسْطاً فانبسَط وبَسَّطَه فتبَسَّط؛ قال بعض الأَغفال: إِذا الصَّحيحُ غَلَّ كَفّاً غَلاّ، بَسَّطَ كَفَّيْهِ مَعاً وبَلاّ
وبسَط الشيءَ: نشره، وبالصاد أَيضاً. وبَسْطُ العُذْرِ: قَبوله. وانبسَط الشيءُ على الأَرض، والبَسِيطُ من الأَرض: كالبِساطِ من الثياب، والجمع البُسُطُ. والبِساطُ: ما بُسِط. وأَرض بَساطٌ وبَسِيطةٌ: مُنْبَسطة مستويَة؛ قال ذو الرمة: ودَوٍّ ككَفِّ المُشْتَرِي، غيرَ أَنه بَساطٌ لأَخْفافِ المَراسِيل واسِعُ
وقال آخر: ولو كان في الأَرضِ البَسيطةِ منهمُ لِمُخْتَبِطٍ عافٍ، لَما عُرِفَ الفَقْرُ
وقيل: البَسِيطةُ الأَرض اسم لها. أَبو عبيد وغيره: البَساطُ والبَسيطة الأَرض العَريضة الواسعة. وتبَسَّط في البلاد أَي سار فيها طولاً وعَرْضاً. ويقال: مكان بَساط وبسِيط؛ قال العُدَيْلُ بن الفَرْخِ: ودُونَ يَدِ الحَجّاجِ من أَنْ تَنالَني بَساطٌ لأَيْدِي الناعجات عَرِيضُ(1/113)
قال وقال غير واحد من العرب: بيننا وبين الماء مِيلٌ بَساطٌ أَي مِيلٌ مَتَّاحٌ. وقال الفرّاء: أَرض بَساطٌ وبِساط مستوية لا نَبَل فيها. ابن الأَعرابي: التبسُّطُ التنزُّه. يقال: خرج يتبسَّطُ مأْخوذ من البَساط، وهي الأَرضُ ذاتُ الرَّياحين. ابن السكيت: فرَشَ لي فلان فِراشاً لا يَبْسُطُني إذا ضاقَ عنك، وهذا فِراشٌ يبسُطني إذا كان سابِغاً، وهذا فراش يبسُطك إذا كان واسعاً، وهذا بِساطٌ يبسُطك أَي يَسَعُك. والبِساطُ: ورقُ السَّمُرِ يُبْسَطُ له ثوب ثم يضرب فيَنْحَتُّ عليه. ورجل بَسِيطٌ: مُنْبَسِطٌ بلسانه، وقد بسُط بساطةً. الليث: البَسِيطُ الرجل المُنْبَسِط اللسان، والمرأَة بَسِيطٌ. ورجل بَسِيطُ اليدين: مُنْبَسِطٌ بالمعروف، وبَسِيطُ الوجهِ: مُتَهَلِّلٌ وجمعها بُسُطٌ؛ قال الشاعر: في فِتْيةٍ بُسُطِ الأَكُفِّ مَسامِحٍ، عند الفِصالِ، قدِيمُهم لم يَدْثُرِ ويد بِسْطٌ أَي مُطْلَقةٌ))
قلت ولم يذكر بسط القدرة فلا تجد عربياً يقول فلان مبسوط القدرة!!!!!
وأما قوله (( ورجل بَسِيطُ اليدين: مُنْبَسِطٌ بالمعروف)) فهو غير مبسوط اليدين ثم لا تقول العرب في الرجل بسيط اليدين إلا إذا كان له يدان حقيقيتان
الثالث أن القدرة لا توصف باليمين فيقال فلان يمين القدرة !!!!!! وقد جاء في الحديث الصحيح عند مسلم (( إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين: الذين يعدلون في حكمهم، وأهليهم، وما ولوا))
هذا والله الموفق
انقضاض الشهاب البازي على المدافع بالباطل عن الرازي
أثنى السقاف في 96 على ترجمة السبكي الصغير للفخر الرازي في طبقات الشافعية الكبرى (8 / 81) زاعماً أنه أنصف الرازي على خلاف شيخه الذهبي الذي لم ينصف الرازي !! وقد ترجمه في السير (21 / 500)(1/114)
قلت : وترجمة السبكي للرازي كساها بثوب التعصب فأنكر مثالباً قد ثبتت عن الرازي فقد أنكر ثبوت كتاب السر المكتوم في علم النجوم عن الرازي وهذا الكتاب قال عنه الذهبي في الميزان (( سحر صريح )) وأما السبكي فقد زعم أنه موضوع عليه ولم يقدم على دعواه برهاناً بل أقوى أدلته قوله (( وأما كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم فلم يصح أنه له بل قيل إنه مختلق عليه ))
قلت هذه مكابرة و(قيل) هذه لا تقدم ولا تؤخر وقد أثبت العلماء نسبة هذا الكتاب للرازي قبل أن يولد السبكي ويولد معه هذا الإنكار(1/115)
وأولهم الموفق أحمد بن القاسم بن أبي أصيبعة حيث في كتابه القيم (عيون الأنباء في طبقات الأطباء ) وهو يسرد كتب الرازي (( ودوبيت، ولفخر الدين بن الخطيب من الكتب كتاب التيسير الكبير المسمى مفاتيح الغيب، اثنتا عشرة مجلدة بخطه الدقيق سوى الفاتحة، فإنه أفرد لها كتاب تفسير الفاتحة مجلدة، تفسير سورة البقرة على الوجه العقلي لا النقلي مجلد، شرح وجيز الغزالي، لم يتم حصل منه العبادات والنكاح في ثلاث مجلدات، كتاب الطريقة العلائية في الخلاف أربع مجلدات، كتاب لوامع البينات في شرح أسماء اللّه تعالى والصفات، كتاب المحصول في علم أصول الفقه، كتاب في إبطال القياس، شرح كتاب المفصل للزمخشري في النحو لم يتم، شرح نهج البلاغة، لم يتم، كتاب فضائل الصحابة، كتاب مناقب الشافعي، كتاب نهاية العقول في دراية الأصول، مجلدان، كتاب المحصل، مجلد، كتاب المطالب العالية، ثلاث مجلدات، لم يتم، وهو آخر ما ألف، كتاب الأربعين في أصول الدين، كتاب المعالم، وهو آخر مصنفاته من الصغار، كتاب تأسيس التقديس، مجلد، ألفه للسلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب، فبعث له عنه ألف دينار، كتاب القضاء والقدر، رسالة الحدوث، كتاب تعجيز الفلاسفة، بالفارسية، كتاب البراهين البهائية، بالفارسية، كتاب اللطائف الغيائة، كتاب شفاء العيى والخلاف، كتاب الخلق والبعث، كتاب الخمسين في أصول الدين، كتاب عمدة الأنظار وزينة الأفكار، كتاب الأخلاق، كتاب الرسالة الصاحبية، كتاب الرسالة المحمدية، كتاب عصمة الأنبياء، كتاب الملخص، كتاب المباحث المشرقية، كتاب الأنارات في شرح الإشارات، كتاب لباب الإشارات، شرح كتاب عيون الحكمة،، الرسالة الكمالية في الحقائق الإلهية، ألفها بالفارسية لكمال الدين محمد بن ميكائيل، ووجدت شيخنا الإمام العالم تاج الدين محمد الأرموي قد نقلها إلى العربية في سنة خمس وعشرين وستمائة بدمشق، رسالة الجواهر الفرد، كتاب الرعاية، كتاب في الرمل، كتاب(1/116)
مصادرات إقليدس، كتاب في الهندسة، كتاب نفثة المصدور، كتاب في ذم الدنيا، كتاب الاختبارات العلائية، كتاب الاختبارات السماوية، كتاب إحكام الأحكام، كتاب الموسوم في السر المكتوم )) إلخ كلامه
وابن أبي أصيبعة توفي عام 668 للهجرة كما ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون
وكذلك ذكره ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان( 4/249 )حيث قال وهو يعدد مصنفات الرازي (( وفي الطلسمات السر المكتوم ))
وتوفي ابن خلكان عام 681 كما ذكر
ومن البراهين على ثبوت نسبة هذا الكتاب للرازي أن الكتاب الذكور عليه رد للشيخ زين الدين سريجا بن محمد الملطي المتوفى سنة 788 ثمان وثمانين وسبعمائة وسماه انقضاض البازي في انفضاض الرازي كما في الأعلام للزركلي( 6/313)
وهذا الكتاب في الطلمسات ولا يخفى على العاقل أن الطلمسات فيها من الكفر ما الله به عليم فمن وضع للناس كتاباًَ في تعليم الطلمسات فقد وضع لهم كتاباً في تعليم الكفر
وتصريح العلماء بأنه في الطلمسات يدل على أنه كتاب سحر كما جزم به الذهبي فدع عنك مكابرات السبكي والزم الحق
استنكر السبكي الصغير _ رحمه الله _ على شيخه الذهبي إيراده للرازي في الميزان حيث قال
(( واعلم أن شيخنا الذهبي ذكر الإمام في كتاب الميزان في الضعفاء وكتبت أنا على كتابه حاشية مضمونها أنه ليس لذكرِه في هذا المكان معنى ولا يجوز من وجوه عدة أعلاها أنه ثقة حبر من أحبار الأمة وأدناها أنه لا رواية له ))
قلت هذا كلام ينقض آخره أوله فكيف حكم عليه بأنه ثقة وهو لا رواية له ؟!!
ثم إن ذكر الذهبي للرازي سائغٌ من وجهين(1/117)
الأول أن الرازي مبتدع وقد صنف كتاباً في الطلاسم _ وإن كان السبكي قد أنكره بالمكابرة _ وقد كان السلف يذكرون في كتب الضعفاء المبتدعة وإن كانوا من الثقات ولهذا فقد أسمى العقيلي كتابه في الضعفاء ب(كتاب الضعفاء ، ومن نُسب الى الكذب ووضع الحديث ، ومن غلب على حديثه الوهم ، ومن يُتهم في بعض حديثه ، ومجهول روى ما لايتابع عليه ، وصاحب بدعة يغلو فيها ويدعو اليها ، وإن كانت حاله في الحديث مستقيمة مؤلف على حروف المعجم )
فالثقة يذكر في كتب الضعفاء لبدعته وهذا من النصح للمسلمين فعلم الجرح والتعديل إنما وضع لحماية المسلمين من أهل الكذب والزيغ والبدع ولهذا نجد الأئمة النقاد قد يجرحون الراوي ببدعته فقط
فالثقة يجرح ببدعته مع وثاقته فما بالك بمن لا رواية له !!
الوجه الثاني أن الرازي قد جعل نفسه من الأئمة النقاد يصحح ويضعف
وإليك مثالاً على تجرأه على سنة النبي صلى الله عليه وسلم قال الرازي في تفسير "مفاتيح الغيب" للفخر الرازي في أثناء تفسيره لسورة يوسف قوله: "واعلم أن بعض الحشوية !!!روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما كذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذباتٍ". فقلتُ: الأولى أن لا نقبل مثل هذه الأخبار))
فانظر كيف أنكر هذا الحديث الثابت في الصحيحين
فإذا كان من تجرأ على الرواية وليس من أهلها يستحق الجرح فمن تجرأ على الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف وهو ليس من أهله أولى بالجرح منه
وفي ذكر الذهبي لمصنف الرازي في الطلسمات إشارة ضمنية إلى سقوط كلامه في هذا العلم الشريف
وبقيت مغالطة وهي زعم الشبكي أن كتاب السر المكتوم ليس فيه سحر حيث قال
(( وبتقدير صحة نسبته إليه ليس بسحر فليتأمله من يحسن السحر ))
قلت يكفي أنه كتاب في الطلسمات
وماذا تكون الطلاسم إن لم تكن طريقاً للسحر ؟!!
ثم هل السبكي يعرف السحر حتى يجزم بأنه ليس بسحر ؟!!(1/118)
قال السبكي (( ويكفيك شاهدا على تعصب شيخنا (أي الذهبي ) عليه ذكره إياه في حرف الفاء حيث قال الفخر الرازي ولا يخفى أنه لا يعرف بهذا ولا هو اسمه ))
قلت بل الذهبي يعرف اسمه فقد ذكره في تاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء وسماه في كلا المصدرين باسمه وهو (محمد بن عمر بن الحسين) وجرحه في السير بنحو ما جرحه به في الميزان ومن هذا نعرف أن ذكر الذهبي للرازي بحرف الفاء لا يعد قادحاً في جرحه وخصوصاً أنه فسره
وقد أعرض السبكي عن جمع من مثالب الفخر الرازي وهذا يدل أنه لم يكن موضوعياً في ترجمته له بخلاف الذهبي الذي ذكر القدح والمدح ( وذلك في تاريخ الإسلام أما الميزان فهو مخصص للمجروحين )
انظر هذه المثالب في لسان الميزان
ويبقى هنا التنبيه على أمر
قال السبكي (( والذي أفتى به، أنه لا يجوز الاعتماد على كلام شيخنا الذهبي في ذم أشعري، ولا شكر حنبلي ))
قلت وهذا الكلام ينطبق على السبكي فلا ينبغي أن يعتمد كلامه في الثناء على أشعري أو الحط على حنبلي وذلك أن العلة في النهي عن الإعتماد على كلام الذهبي في الثناء على الحنابلة والحط على الأشاعرة هو مخالفته للأشاعرة وموافقته للحنابلة في مسائل الإعتقاد وهذا ينطبق على السبكي
والسبب الثاني هو أن الذهبي متعصب _ على زعم السبكي _ والسبكي أولى بالوصم بالعصبية من الذهبي وترجمة الرازي التي بين أيدينا خير برهان
الخاتمة
أرجو أن أكون قد قمت بجزءٍ من الواجب المنوط بأهل السنة تجاه السقاف وأمثاله الذين نسأل الله عز وجل أن يهديهم لما فيه طاعته ورضاه وأن يتوفانا على التوحيد والسنة
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك(1/119)