الدعوة والدعاء
شرع من الله لجميع عباده
مقالات
سعد الحصين
(المجموعة الثالثة)
جمعها
رداد بن عبد الله الرداد
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي َ له ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد × ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة » (من صحيح مسلم) .
وهذه هي المجموعة الثالثة من المقالات في الدعوة إلى الله على منهاج النبوة ؛ لم يُرِدْ بها كاتبها ولا جامعها (ومُعدّها للطباعة) ـ فيما يعلم ويقدر كلّ منهما ـ إلاّ أن تكون مقيّدة بشرع الله وهدي رسوله في الفرائض والنوافل ، وفي المحرمات و المكروهات ، وفي المباحات ، فإن أصابا فمن توفيق الله لهما وإن أخطآ فمن نفسيهما ، سائلين الله العفو والمغفرة .
وقد رأى بعض الإخوة ممن صبر واحتسب الأجر من الله بالنظر في المجموعة الأولى والثانية أن تكون المجموعات السابقة واللاحقة بعنوان واحد وفقاً لوحدة مضمونها ومصدرها وغايتها ؛ ولهذا الرأي وجهٌ صالحٌ ، ولكن تغيّر العنوان مع كل مجموعة بُني على ما يلي :
1) العنوان مهمّ جداً في رأي ناشر المقالات ؛ لأنه لا تكاد تخطئه عين القارئ إذا لم تغطّه الألوان والزخارف ، فهو أوّل وأهمّ وأبرز ما يُقْرأ ، وقد يكون دافعاً لقراءة ما بعده أو مانعاً عنها ؛ فالأَوْلى أن يكون دليلاً صادقاً لما يحتويه الكتاب حتى لا يُحرم قُرّاء العناوين من النصيحة الشرعية ، وربما تغيّرت كلمات العنوان لكل مجموعة ولو كانت الغاية واحدة .
2) ولا يليق بالكاتب أو الناشر أن يجعل صياغة العنوان مجرد تقليد للشكل، أو باباً لاستعراض الموهبة في جمع المحسِّنات اللفظيّة (السَّجْع بخاصة) كما عوّدنا كثيرٌ من الكُتّاب في عصور التخلّف ، ولم يكن ذلك من منهاج السلف القدوة .(1/1)
3) وقد تجنّب القائمون على نشر هذه المجموعات بدع التقليد والسجع والتكلّف ، وحاولوا أن يكون العنوان (والمقال عامة) ناطقاً بالمعنى الشرعي الذي رغبوا في تذكير أنفسهم وتذكير القارئ الكريم به استجابة لأمر الله تعالى.
4) وعلى هذا كان عنوان المجموعة الأولى : (الحكم بما أنزل الله فرض عين على كل مسلم) تذكيراً للأمة بأن الحكم بما أنزل الله معنيٌّ به المكلّفون جميعاً لا الحكّام وحدهم كما تعوّد دعاة الحزبية والحركية والفكر أن يؤكدوه بلسان حالهم أو مقالهم .
5) وكان عنوان المجموعة الثانية : (إنما اليقين في الوحي والفقه لا الفكر الإسلامي) تصحيحاً للخطأ الحركي والحزبي والفكري الذي رجّح كفة الفكر الموصوف ـ زوراً ـ بالإسلامي على الوحي والفقه فيه ـ جهلاً بشرع الله ـ .
6) وكان عنوان هذه المجموعة الثالثة : (الدعوة والدعاء من شرع الله لجميع عباده) تصحيحاً للخطأ الحركي والحزبي والفكري الذي خصّ (بالدعوة والدعاء) شباب المسلمين ونساء المسلمين والأقليات المسلمة مخالفة لشرع الله، وإن كان مقترفو هذا الخطأ يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، تجاوز الله عنهم .
ونرجو الله لكاتب هذه المقالات ، والعاملين على نشرها ، وقارئيها أن يهديهم الله لأقرب من هذا رشدا ، وألاّ يَكِلَهم إلى أنفسهم وجهدهم ، ولا إلى غيره ؛ فرحمته تعالى وفضله وكرمه وإحسانه أوسع لهم .
الدّعوة والدّعاء من شرع الله لجميع عباده
أ- زارني عربي مسلم أثناء إجازته الصيفية من دراسته في الخارج وعرفت منه أنّه يَجْتنب زيارة أهله لأنّهم ـ وإن انتموا إلى الإسلام ـ لا يدينون دين الحقّ، فرأيت له زيارته والإحسان إليهم ، والدّعاء لهم بالهداية ، ودَعْوتَهم لما هداه الله إليه من الحقّ بنصوص الكتاب والسنة ، فأظهر يأسه من هدايتهم لأنهم من طائفةٍ خارجةٍ عن السُّنّة والجماعة ، تأخذ دينها من إحدى طوائف الضلال في بلاد العجم .(1/2)
وفارقني مُصرّاً على رأيه وعَزْمه طالباً مني عرض قضيّته على الشيخ ابن باز (رحمه الله) ، فوعدته خيراً ، واستودعت الله دينه وأمانته وخواتم عمله .
وثبَتُّ على ما ظهر لي من نصوص الوحي وفقه أئمة القرون المفضّلة في هذه النصوص ولو خالفها أكثر (أو كلّ) دعاة الحزبية والفكر اليوم :
1- جميع المرسلين بذلوا الدّعوة والدّعاء والإحسان لكلّ من أُرسِلُوا إليهم ـ بأمر الله ـ مهما بلغت معاصيهم وشرُّها (القاسم المشترك بين أهل الضّلال منذ قوم نوح) : عبادة غير الله بدعاء أصحاب القبور (من الأنبياء والصّالحين) ، وتعظيم أضرحتهم ومقاماتهم ومزاراتهم ومشاهدهم ، وطلب المدد منهم والذبح والنذر لهم ، فما دون ذلك ، قال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] ، وقال تعالى عن الوالدَين: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: 15] ، وقال تعالى عن الجميع : {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] ، وقال تعالى عن أولي العزم من الرّسل ومكذّبيهم {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} [الأحقاف: 35] أي العقوبة (ابن كثير) .
ولكنّ الدّعاة المحدَثين ـ بحماسهم وقلّة علمهم وفقههم في الدين يخالفون شريعة الله ؛ فيصرفون الدّعوة والدّعاء عن مخالفيهم ، وكان النبي × يحكي نبيّاً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه ، وهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول : «اللهم اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون » متفق عليه .(1/3)
وعَلِم الشيخ ابن باز رحمه الله أن أحد دعاة إدارته ترك الخطبة يوم الجمعة خشية أن يؤمر بالدّعاء لرئيس ضالّ ، فأمره أن يخطب وأن يدعو للرئيس ـ قبل أن يُؤمر ـ لعل الله أن يردّه إلى الهدى بدعائه له .
2- أن الدعاة إلى الله من الرسل فمن دونهم مسئولون عن البلاغ لا عن نتائجه فأمرها لله وحده ، قال الله تعالى : {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} [الشورى: 48] ، {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [القصص: 56].
3- أنه ليس للرّسول أن يدعو على قومه حتى يُوحى إليه : {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} [هود: 36] ، وروى أحمد والبخاري وغيرهما أن النبي × قَنَتَ مرّة يلعن فلاناً وفلاناً وفلاناً ، فنزل قول الله تعالى : {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] ، وقد تاب الله عليهم ، وفي رواية لأحمد وغيره : أنها نزلت يوم كُسرت رباعيّة النبي × وشُجّ وجهه يوم أُحُد فقال : « كيف يُفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى بّهم عزّ وجلّ » ؟ فكيف بالدّعاة بعد انقطاع الوحي ؟ ولكنّ الدّعوة على غير منهاج النبوة أنْسَت الدّعاة شرع الله ، فدعوا على أعدائهم ولم يدعوا لهم ولم يدعوهم .
4- أن العبرة بما يظهر على جوارح العبد من قول أوعمل سواء ورث عنوان السنة أو البدعة ، أمّا القلوب وما تنطوي عليه من نيّة أو أعتقاد فأمرها إلى الله وحده ، ولا يجوز لعباده منازعته فيها ولا في غيرها ، بدليل إنكار النبي × على أسامة قتل من قال : لا إله إلا الله من جيش المشركين في الحديث الصحيح الصّريح : « فهلاّ شققت عن قلبه » ؟ .(1/4)
ب- واستجابة لطلب الأخ المذكور من جهة ، ورغبة في معرفة حقيقة الأمر من جهة أخرى زرت الشيخ ابن باز رحمه الله ووجدت في مكتب بيته مجموعتين من الأوراق عن الطائفة المعنيّة ، تضمّ ما ورد إليه من معلومات عن الطائفة ، وما رآه في أمرها :
1- يأخذ أهل المنطقة المنتمين إلى السنة على الطائفة الجمع الدائم بين صلاة الظهر و العصر ، والجمع بين صلاة المغرب والعشاء ، وهو في الظاهر جمع صوريّ تصحّ الصلاة به ولكنّه مخالف للسنة التي عاش ومات عليها رسول الله × وأصحابه ومتّبعو سنته في القرون المفضّلة ، والأفضل الصلاة في أول وقتها إلا لحاجة أو ضرورة .
2- يأخذون عليهم صيام شهر رمضان كاملاً أبداً (بصرف النظر عن رؤية الهلال) محتجّين بقول الله تعالى : {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ} [البقرة: 185] ، وإنما تكمل العدّة برؤية هلال شوال أو بصيام يوم الثلاثين إن تعذّرت الرؤية عملاً بأمر النبي × واتباعاً لسنته وسنة خلفائه وفقه الأئمة في الدين ، وفي هذا السياق تُكمَل العدة بقضاء ما لم يُصَمْ لمرض أو سفر (ابن كثير) .
3) يأخذون عليهم الإصرار على ترك صلاة الجمعة وخطبتها بحجة شرط (المِصْر الجامع) الذي قال به بعض المنتمين للسّنّة ، ولم يَرِدْ به نص في الكتاب ولا في السنة وقد قال الله تعالى : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59].(1/5)
4) يأخذون عليهم استقلالهم بمساجد خاصة بهم ، وفي هذا كما فيما تقدّمه خروج عن جماعة المسلمين وولاة أمرهم ، وقد قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59] ، وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159] وبخاصة في بلد ودولة ميّزهما الله بالوحدة على التَّوحيد والسنة من أول يوم .
5) وأهون مما تقدّم : يأخذون عليهم التميّز بعدم الجهر بآمين في الصلاة الجهرية وإرسال اليدين بدل قبضهما أثناء القيام في الصلاة ، وقد قال بمثل ذلك بعض مقلّدي المذاهب من أهل السنة وغيرهم وهو خلاف ما ثبت من السنة .
ج- استفتى أهلُ السنة ممن يجمعهم بهذه الطائفة القبيلة والمنطقة : هل يجوز لهم معاشرة أهل هذه الطائفة ومؤاكلتهم ومصاهرتهم مع ثبوت المخالفات المذكورة وإضافةً إليها : اتّهامهم بسبّ بعض الصحابة سرّاً ، ونيتهم الانفراد عند صلاتهم جماعةً مع أهل السنة ، وفساد معتقدهم الباطني الذي لا يستطيعون إظهاره لتميُّز الدولة بمنع الشرك والبدعة ؟
فأجابهم الشيخ ابن باز بجواز معاشرتهم وأكل ذبيحتهم ومصاهرتهم والصلاة خلف إمامهم ما لم يظهر منهم شرك صريح مثل تأليهِ أو دعاءِ مخلوق .
د- واستأذنتُ الشيخ رحمه الله في زيارتهم وما قد يتبع ذلك من الصلاة معهم ومؤاكلتهم فأذِنَ لي مؤكّداً فتواه السابقة ؛ فاخترت لي صاحبين من خير من عرفت من الدعاة جمعاً بين العلم والعمل والخُلُق : إسماعيل بن عتيق ويوسف الملاحي جزاهما الله خير الجزاء .(1/6)
هـ- فور وصولنا المنطقة بدأنا بزيارة رئيس المحاكم وأحد كبار موظفي الإمارة لما عُرف عنهما من فضل ورغبة في الخير ، وحسن معاملة للجميع ، وإحاطة بأحوال الطائفة ، وكان الاثنان عند حسن الظن بهما ، فيسّرا لنا سُبُل الاتصال بمختلف الجهات المعنية ورافقانا في زياراتنا لزعماء الطائفة .
و- زرنا مؤسسات الدعوة المسئولة عن إبلاغ دين الله لجميع عباده : مكتب الدعوة وهيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لنعرف وجهة نظر الدعاة المحليّين وسابق جهدهم في بيان الحقّ لأفراد وقادة الطائفة .
ز- وزرنا المؤسسات التعليمية : إدارتي تعليم البنين والبنات ، ولأن موظفيهما من الطائفتين ؛ صلينا معهم وذكّرنا أنفسنا وذكّرناهم بشرع الله وآلائه وأيامه ، وبيَّنا أن الخلاف الديني لا يمنع التواصي بالحق والتواصي بالصبر بل يدفع إليه ، ولا يمنع الموعظة الحسنة والمجادلة بالحسنى بل يدفع إليها ، وأن بعض الخلاف (في مثل سُنن الهيئات) أمرُه واسع فلا يجوز أن يكون سبباً للفُرقة والعداوة بين من ينتمون إلى الإسلام .
ح- وفق نصيحة رئيس المحاكم كان رئيس الطائفة الديني أول من زرناه منهم ثم زرنا من كان حاضراً من الرؤساء القبليّين ولقينا من الجمع حسن الاستقبال والاحترام والإكرام ، وكان ملخص الحديث معهم : تأكيد الالتزام بأحكام الاعتقاد وأحكام الشريعة الأهمّ فالأهم : الاعتقاد ثم العبادات ثم المعاملات والالتزام بالفرائض والواجبات ، واجتناب كبائر الإثم والفواحش ، والتذكير بالاستزادة من نوافل العبادة والابتعاد عن المكروهات ، مع مراعاة شرع الله فيما يتطلبه الالتزام من حزمٍ وسدٍّ للذرائع ، وما يتطلبه التذكير من يُسر وسعة.(1/7)
ط- وكنا نكِل السرائر للمطّلع عليها وحده سبحانه ، ونقبل تأكيد الجميع موافقتهم جماعة المسلمين في الاعتقاد القائم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وزيادة في التوكيد : يلعنون من يخالف شرع الله تعالى وسنة رسوله × ، ولكنهم يثبتون مخالفتهم المنتمين للسنة من أهلهم بالجمع أحياناً بين الصلاتين ، والتقيد بصوم ثلاثين يوماً ، وبترك صلاة الجمعة وما دون ذلك تقليداً لمذهبهم .
ي- صلينا مع أفراد الطائفة في أحد مساجدهم صلاة المغرب ، ولاحظنا نظافة المسجد وعدم الإسراف في بنائه وتأثيثه ، وعدم وضع شيء على جدرانه من القرآن أو أسماء الله أو رسوله أو الصالحين مما ابتدعه المنتمون للسنة والبدعة في أكثر بلاد المسلمين ، وقد أُذّن للصلاة فوق المئذنة دون مكبِّر للصوت ، وكذلك أقيمت الصلاة بصوت منخفض ، ولم نسمع أي زيادة ( في النداء أو الصلاة) عن شرع الله ، ولا اختلاف في التوقيت ، ولم تُجمَع العشاء مع المغرب ، وكانت الصلاة خفيفة جداً ، وبعد التسليم قام الجميع لصلاة النافلة بما لا يقل عن عشر ركعات (ولعلّ ذلك موافقة لما كان يأخذ به أكثر العبّاد من أهل السنة من حديث ضعيف) . وعدم تبليغ الإقامة والصلاة خارج المسجد أقرب للشرع والقصد ولكن مخالفي الطائفة يظنون أن السبب : إخفاء الإضافات المبتدعة على الأذان والإقامة التي لا تُجيز الدولة السُّنيَّة إظهارها ، والله أعلم .
ك- ولأننا على سَفر فقد صلى بعضنا معهم يوم الجمعة صلاة الظهر في المسجد الجامع ، ويفد إليه المصلون من القرى والبوادي والمزارع من أول الضحى، ويشتغل بعضهم بالتلاوة والنوافل في المسجد ، وبعضهم يتبادل الأحاديث خارجه حتى يؤذّن للصلاة بعد الزوال ، وبعد صلاة الفريضة أربع ركعات بلا خُطبة وصلاة النافلة يعودون لما كانوا فيه من قبل حتى يؤذّن لصلاة العصر .(1/8)
وكانوا ـ مثل المبتدعة في بلاد العجم ـ يسجدون سجدة واحدة بعد التسليم من كل نافلة يُسمّيها بعضهم : (سجدة الدعاء) ، وكل السجود للدعاء : «فأكثروا فيه من الدعاء فقَمِنٌ أن يُستجاب لكم » .
ل- من كل ما سمعناه منهم وعنهم ، ومن كل ما تعلّمناه أثناء وجودنا بينهم، يتأكد لنا أنّهم طائفة خارجة عن السنة والجماعة ، ولكنهم :
1) أكثرهم ـ في هذا العصر ـ يجهلون أنهم على ضلال ، ويحسبون أنهم على الهدى ، وقد تنحصر معرفة ما هم عليه في رؤسائهم ومن يحيط بهم .
2) يخفون من الضلال أكثر مما يُظهرون ؛ لأن الدولة التي تحكمهم لا تجيز مظاهر الشرك والابتداع الظاهرة في أكثر بلاد المسلمين من أوثان الأضرحة والمقامات والمزارات والمشاهد ، وزوايا وحضرات التصوف وموالد الغلوّ ، وغير ذلك من الخرافات والإضافات على الدين .
3- يجمعهم التعصّب الطائفي والقبيلي على مذهبهم الباطني دون إحاطة بتأويلاته الضالة ولا معرفة بانحرافه عن منهاج النبوة ، ويغذيه التقليد الجاهل الذي كان من أقدم أسباب الضلال : {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف: 22] ، ولا يزال كذلك .
4- يشارك العلماء وطلاب العلم الدعاة إلى الله من أهل السنة في إثم بقاء هذه الطائفة على ضلالهم باجتنابهم دعوتهم والدّعاء لهم بالهداية ، وهذه مخالفة عامّة لشريعة الله ومنهاج النبوة كما تقدم يقترفها الأئمة في دعاء القنوت والخطاء في خطبهم يوم الجمعة فهم يخصُّون أهل السنة بالدعاء (بالنصر والهداية وهي وحدها طريقُه) ويخصون أهل الفِرَق والمِلَل الأخرى بالدعاء عليهم بما لا يخلو من الاعتداء الذي نهى الله عنه ، وكأنما يتمنّون لهم دوام الضلال وهي أمنية إبليس لذريّة آدم ، أعاذ الله الجميع من شر الشيطان وشركه .(1/9)
م- ودَّعْنا الجميع بالدعاء لهم أن يجزيهم الله عنا بهدايته وتوفيقه وأن يدلهم الله على صراطه المستقيم ويثبِّتهم عليه ، وقدّمنا للشيخ ابن باز رحمه الله تقريراً تضمّن :
1- أبرز ما شهدناه أثناء زيارتنا من قول وعمل .
2- أن على الدّعاة الحكوميّين والمتطوعين التنبه إلى خطأ قصر الدعوة على طائفة من المنتمين إلى الإسلام أو غيره دون غيرها ؛ فالله أرسل رسوله (قدوة الدعاة) إلى الناس جميعاً ، قال الله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} [سبأ: 28] فجميع البشر منذ بُعِث حتى قيام الساعة أمَّته التي أُرسل يدعوها إلى الإسلام .
3- تألُّف هذه الطائفة وأمثالها بالمعاملة بالحسنى والتعاون على الخير والصلاة في مساجدهم (ما لم يظهر منهم شرك بواح مثلهم مثل المنتمين إلى السنة) والتذكير فيها بالحكمة والموعظة الحسنة وبيان أحكام الاعتقاد والعبادات والمعاملات بأدلّتها من الكتاب والسنة بفهم فقهاء الأمة في القرون المفضلة .
4- تكاتُف الدّعاة من المتطوعين ودعاة الدّولة من وزارة الشؤون الإسلامية ورئاسة الهيئات وغيرهم بإشراف الإمارة أو رئاسة المحاكم لجبر النّقص في الدّعوة والدعاة وسدّ ثغرات التفرّق في الدين : {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [ الروم: 32].
هدى الله الجميع وشرح صدورهم للدين الحق ، وصلى الله وسلم وبارك على محمد عبدالله ورسوله وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته إلى يوم الدين .
* * *
تجديد الدين في القرن الثاني عشر
استجابة لطلب من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة كتبت بحثاً عن دعوة الشيخ المجدّد محمد عبد الوهاب رحمه الله ومن أعانه وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، وهذا موجزه :
* حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله :
أ) منهاجه :(1/10)
الدعوة التي جدّد بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب دين الإسلام (بمؤازرة الأئمة من آل سعود ) هي عين الدعوة إلى الله على بصيرة التي بعث الله بها جميع رسله وأنزل بها جميع كتبه وخلق لأجلها الجن والإنس : إفراد الله بالعبادة ونفيها عمّن سواه . قال الله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] وقال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وقال تعالى : {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].(1/11)
فلقد تتبع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بتوفيق من الله خُطا رسول × التي خطاها ( بوحي من الله ) لتبليغ رسالة الله وإخراج الناس بإذن ربهم من ظلمات الشرك والجهل والابتداع إلى نور الإيمان والعلم والاتباع فقد بذل أكبر جهده وألّف أكثر كتبه ورسائله لبيان حقيقة التوحيد والشرك ، ووحدة الرسالات والرّسل في الدّعوة ( أولاً وقبل كل شيء ) إلى إخلاص العبادة ( ومنها الدّعاء والركوع والاستغاثة والاستعانة والذّبح والنّذر ) لله وحده ، وألا يُصْرَف منها شيء لغيره ولو كان مَلَكاً مقرّباً أو نبيّاً مرسلاً قال الله تعالى : {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 213] ، وأن الشرك الذي أرسل الله أول رسله نوحاً عليه السلام لتحذير قومه منه ؛ هو عينه ما أرسل الله آخر رسله محمداً × لمحاربته والقضاء عليه وتحذير أمته من العودة إليه ، وأن أهم أسبابه وأبوابه وذرائعه في كلِّ عصر : الغلّو في محبة الصالحين والتقرب إلى الله بدعائهم والنّذر لهم والذّبح على أنصاب قبورهم ومقاماتهم ومزاراتهم ، فقد أورد البخاري في صحيحه وابن جرير في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى عن قوم نوح : {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح: 23] قال : (أسماء رجال الصالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسمّوها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عُبِدَت) . وقال رسول الله × عن غلّو النّصارى في الصّالحين : « أولئك إذا كان فيهم الرجل الصّالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوّروا تلك الصّور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة » متفق عليه .(1/12)
وقال الرسول × عن غلّو اليهود والنصارى في أنبيائهم : « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» متفق عليه . وقال الله عن غلّو المشركين الأوائل في الأولياء تقرباً إليه : {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] . وقال النبي × « الدّعاء هو العبادة » رواه أحمد وغيره .
وبيّن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن المشركين الأوائل كانوا يؤمنون بوحدانية الله في الخلق والرّزق والملك والإحياء والإماتة والتدبير ، ويخلضون لله الدّين في الشدّة ، ولكنهم في الرخاء يشركون مع الله أولياء من الصَّالحين ليشفعوا لهم عند الله . قال الله تعالى : {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ} [يونس: 31] ، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] ، {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ} [يونس: 18] هذا الأمر العظيم هو خلاصة كتبه الأولى : كتاب التوحيد ، وكشف الشبهات ، والقواعد الأربع ، ومسائل الجاهلية ، والأصول الثلاثة وأمثالها ؛ مؤلفات قليلة الأوراق كثيرة الفائدة ؛ كنوز من كنوز التوحيد .
ب) اعتقاده :(1/13)
عرّف محمد بن عبد الوهاب بمعتقده في رسالته لأهل القصيم ، وفيها : ( أُشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأُشهدكم أني اعتقد ما أعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من الأيمان بالله وملائكة وكتبه ورسله والبعث بعد الموت ، والإيمان بالقدر خيره وشرّه ، والإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله × ، من غير تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل ، بل أعتقد أن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ، ولا أحرّف الكَلِم عن مواضعه ، ولا أُلحِد في أسمائه وآياته ، ولا أكيِّف ولا أُمَثِّل صفاته تعالى بصفات خلقه ، لأنه تعالى لا كفؤ له ولا ندّ ، ولا يقاس بخلقه ، وهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً وأحسن حديثا .
وأعتقد أن القرآن كلام الله منزّل غيرمخلوق منه بدأ وإليه يعود ، وأنه تكلّم به حقيقة ، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه نبيّنا محمد × .
وأومن بشفاعة النبي × ، وأنه أوّل شافع وأوّل مشفَّع ، ولا ينكر شفاعة النبي × إلا أهل الضّلال والبدع ، ولكنها لا تكون إلا من بعد إذن الله ورضاه ؛ قال الله تعالى : {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] .
وأومن بأنَّ الجنة والنار مخلوقتان ، وأنهما اليوم موجودتان ، وأنهما لا تفنيان ، وأنّ المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته .(1/14)
وأومن بأن نبينا محمداً × خاتم النبيين والمرسلين ، وأن أفضل أمته أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ ، ثم بقية العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان ، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم . وأتولى أصحاب رسول الله × وأذكر محاسنهم وأترضّى عنهم وأستغفر لهم وأكفّ عن مساويهم وأسكت عمّا شجر بينهم ، وأترضّى عن أمّهات المؤمنين المطهّرات من كلّ سوء ، وأقرّ بكرامات الأولياء ، لكنهم لا يستحقون من حقّ الله تعالى شيئاً .
وأشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله × ، ولكنّي أرجوا للمحسن ,أخاف على المسيئ . ولا ألفّر أحداً من المسلمين بذنب ، ولا أخرجه عن دائرة الإسلام . وأرى الجهاد ماضياً مع كلّ إمام برّاً كان أو فاجراً . وأرى وجوب السّمع والطاعة لأئمة المسلمين بَرَّهم وفاجرهم ما لم تأمروا بمعصية . ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به ، أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه .
وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا ، وأحكم عليهم بالدّين وأَكِلُ سرائرهم إلى الله ، وأعتقد أن كلّ محدثه بدعة .
وأعتقد أن الأيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية . وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة .
جـ ـ مذهبه :
مذهب محمد بن الوهاب في أحكام الشريعة هو مجملُ مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، وهو المذهب السائد في المنطقة من قبله ومِنْ بعده ، وقد زاده انتشاراً ظهور الدّعوة التجديدية وتوحيد معظم جزيرة العرب عيه عقيده وعبادة ومعاملة.
يقول رحمه الله : (ونحن على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ولا ننكر على من قلّد أحد الأربعة دون الغير لعدم ضبط مذاهب الغير) . صيانة الإنسان للسّهسواني ص 474 عن رسالة لعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله .(1/15)
ويقول رحمه الله : ( ولا نستحق الاجتهاد المطلق ولا أحَدَ لدينا يدّعيه ، إلا أننا في بعض المسائل إذا صحّ لنا نصَ جليّ من كتاب أو سُنة غير منسوخ ولا معارض بأقوى منه وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذناه وتركنا المذهب المصدر نفسه ص474 .
وقوله عن ابتاعه مذهب الإمام أحمد عامة ، ومفارقته إذا ظهر دليل مخالف هو واقع دعوة التوحيد ودولة التوحيد في جزيرة العرب منذ أظهرهما الله على أعدائهما ووحدّ بهما أمة الإسلام في جزيرة العرب حتى اليوم في مناهج التعليم في المدارس والمعاهد وفي الأحكام الشرعية في المحاكم . وبهذا تميّزت الدّعوة والدّولة منذ أكثر من قرنين على العالم المسلم بأمرين ( من بين ما ميّزهما الله به في الدين والدّنيا ) :
1 ـ الجمع بين العقيدة بين أحكام الشريعة فيكل العبادات وكل المعاملات على مذهب واحد فيما عاضده الدليل من كتاب الله والثابت من سنة رسول الله × .
وقد ابتدع الناس منذ ابتلوا بالحكم الفاطمي الفصل بين العقيدة والشريعة . وكثير من المؤلفين في العهود المظلمة ينسبون أنفسهم في العقيدة إلى الأشاعرة والماتوريديه ـ مثلاً ـ بينما هم ينسبون أنفسهم في العبادات والمعاملات إلى الأحناف ، ويزيدون الأمر سوءاً بالانتساب في الطريقة إلى إحدى طرق التصوف المنحرف .
2 ـ الثبات على الحكم بشريعة الله في العبادات وجلّ المعاملات على ( ما لم يخالف الدّليل من ) مذهب إمام السنة .
د ـ مؤلفاته :
يَعُدُّ المؤرخون (28) مؤلَّفاً إضافة إلى (51) رسالة خاصة أو عامة في بيان منهاج دعوته ، وقد اهتمت جامعة الإمام محمد ن سعود في الرياض بجمعها وإعادة طبعها .. وأكثر مؤلفاته قليلة الأوراق وأكثرها يُفَلِّتُ الاهتمام بالدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك وذرائعه ، والأمر بالسّنة والنّهي عن البدعة . ولمؤلفاته ميزات لا تكاد تجتمع في المؤلفات الدينية والفقه في الدّين بعد القرون المفضّلة :(1/16)
1 ـ الجمع بين بيان التوحيد وما يضاده من الشرك والكفر .
2 ـ البيان بأسهل الأساليب وأقرب الكلمات والجُمَل لفهم عامة المسلمين .
3 ـ تأييد كل قول يورده بالأدلة من الكتاب والسنة .
4 ـ تجنَّب الجدل الفكري البشري والاكتفاء بالمجادلة بالقرآن وبالسنة من قول النبي × وفعله وتقريره .
وأهم مؤلفاته :
1 ـ كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد : بيّن فيه بالدليل من الكتاب وصحيح السنة حقيقة توحيد الرّبوبيّة والعبودية والأسماء والصفات ، وأن توحيد العبودية هو الفاصل بين الإسلام والكفر وأنه أصل رسالة الله إلى خلقه في كلّ زمان ومكان ، وأن التوحيد لا يتحقق إلا بنبذ الشرك وذرائعه ، وبين فيه الشرك بأنواعه : الأكبر الذي يخرج من الملّة ، مثل إشراك غير الله ( من الملائكة أو النبيّين أو الصالحين أو الأشجار أو الأحجار ) مع الله فيما لا يصلح إلا لله من العبادة ، ومنها الدّعاء والذبح والنّذر ، والاستعانة والاستغاثة بغير الأحياء أو بالأحياء فيما لا يقدر عليه إلا الله . والأصغر ( اللفظي غالباً ) : مثل الحلف بغي الله ، وقول : ما شاء الله وشئت . والخفي : هو الرّياء . وبين ذرائعه الشرك : مثل التّوسّل إلى الله بأصحاب القبور ، والتبرك بمقاماتهم وأنصابهم ، وشدّ الرّحال إلى أضرحتهم ومزاراتهم ، وتحري الصّلاة والدّعاء عندها . وبين متعلقات الشرك من السحر ، والرّقى غير المشروعة ، التّمائم ، والطّيرة ، ولبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه ، والتنجيم ، والاستسقاء بالأنواء . ويختم كل باب من أبواب كتاب التوحيد بعشرات المسائل المستنبطة من أدلة الوحيين الواردة فيه.
2 ـ القواعد الأربع ، وهي :
ـ أن كفار قريش ومن قبلهم كانوا مقرّين لله وحده بربوبيته على عباده فلم يُدخلهم ذلك في الإسلام .
ـ وأن أكبر شرك الأوّلين وأوسعه انتشاراً : دعاء الأموات ممن يُظَنّ بهم الولاية لله تقرّباً بهم إليه واستشفاعاً بهم عنده .(1/17)
ـ أن رسول الله × قاتل المشركين الذين يدعون الملائكة والنبيين والصاحلين والأشجار والأحجار والشمس والقمر ولم يفرّق بينهم .
ـ أن شرك المتأخرين أغلظ من شرك الأوّلين ، فإن الأوّلين يخلصون لله الدّين في الشدّة ويشركون أولياءهم معه في الرّخاء ، أما المتأخرين فمشركوهم مقيمون على شركهم في الرّخاء والشدّة .
3 ـ الأصول الثلاثة : وهي :
ـ معرفة الله سبحانه وتعالى بآياته ومخلوقاته واستحقاقه لجميع أنواع العبادة .
ـ معرفة دين الإسلام بالأدلة من الكتاب والسنة ، ومراقبة وهي : الإسلام والإيمان والاحسان .
ـ معرفة النبي × ؛ حياته وبعثته وهجرته ومماته ، وبقاء دينه إلى يوم القيامة ، ولا خير إلا دلّ الأمة عليه ؛ وأعظمه التوحيد ، ولا شر إلا حذّرها منه ؛ وأعظم الشرك . وختم الله به رسالاته إلى خلقه .
4 ـ كشف الشبهات :
بَيّن فيه وجوب ردّ ما اختُلف فيه من الدّين إلى الله ورسوله ، واعتماد الوحي في الكتاب والسنة سلاحاً لردّ شبهات الضّلال . وَرَدٌّ على من زعم أنّ الدعاء ليس هو العباده ، وبين الفرق بين طلب الشفاعة الشرعي والشركي ، وأثبت إن الالتجاء إلى قبور الصالحين شرك . وكشف شبهة من زعم أنّ من أدّى بعض واجبات الدّين لا يكون كافراً ولو قال أو فعل ما يكفر ولو أقيمت عليه الحجة ، وبيّن الفرق بين الاستعانة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه ، وبين الاستعانة بالميت أو الغائب ، أو الاستعانة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الخالق . كلّ ذلك بالآيات من كتاب الله والأحاديث الصحيحة من سنة رسوله × .(1/18)
5 ـ مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله × أهل الجاهلية : ذكر فيها المعتقدات والعبادات والعادات التي أرسل الله رسوله × لبيان فسادها ، ليتبين المسلم حبائل الشيطان حتى لا يقع في معصية الله وهو يَحْسَبُها قُربة إليه ، كما ورد عن عمر رضي الله عنه : ( إنما تنقص عرى الإسلام عروة عروة حين ينشأة في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ) . وقد ألف علامة العراق محمود شكري الألوسي شرحاً لمائة مسألة منها .
6 ـ فضل الإسلام : عن شروط الإسلام ومفاسد الشرك والبدع .
7 ـ الكبائر : عن أنواع الكبائر وأن أعظمها الشرك بالله في عبادته .
8 ـ ستة مواضع من السّيرة : يركز على ما صحّ من سيرة النبي × عن نزول الوحي ونشر التوحيد ومحاربة الشرك وأهله والهجرة وردّة من ارتدّ بعد وفاة النبي × ومحاربة الصحابة للمرتدين وبخاصة مانعي الزكاة ، ومختصر لسيرة النبي × .
9 ـ وفي التفسير : تفسير الفاتحة ، وتفسير لبعض سور القرآن الكريم .
10 ـ وفي فقه العبادات والمعاملات : آداب المشي إلى الصلاة ، وشروط الصلاة وأركانها ، ومختصر الانصاف، ومختصر الشرح الكبير، ومختصر زاد المعاد .
11 ـ وفي الحديث : مجموع الحديث على أبواب الفقه ، ومختصر فتح الباري ، ومختصر صحيح البخاري ، وأحاديث الفتن .
12 ـ وفي الإيمان عامة : مختصر الإيمان ، ومختصر الصواعق المرسلة ، ومختصر العقل والنقل ، ومختصر المنهاج ، وغيرها . ( عن كتاب محمد بن عبد الوهاب لمسعود الندوي ، ترجمة عبد العليم البستوي ص135-144) .
هـ ـ مشايخه : أخذ العلم عن عدد من علماء عصره يصعب حصرهم ، وأبرزهم اثنان من علماء المسجد النبوي ؛ استفاد منهما همّة الاصلاح ( بالدعوة إلى التوحيد الخالص والتزام عمود الكتاب والسنة ، ورفض التفرّق في العقيدة ، وإبطال البدع والمحدثات التي تلصق بالاستلام فتُشوِّه محاسنه وتبطل قوته ، والاسلام منها بريء ولها مُنْكِر .(1/19)
1 ـ عبد الله بن إبراهيم بن سيف الذي أرشده إلى مؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من علماء الشام ، وبذلك فتح له الطريق إلى عباب المعارف ، وقاده إلى النّهل والعّل من أصفى ينابيع العلوم الشرعية بعد الكتاب والسنة وفقه أئمة الدين في القرون الثلاثة المفضلة ، ووصل أفقه بأفق الاصلاح الذي ينشده وسدّده على النهج المستقيم الذي رضيه الله لرسله .
2 ـ محمد حياة السّندي الذي بصّره بالاستقلال في الفهم عن منهاج التّقليد والتعصّب لمذهب أو مدرسة فقهيّة معيّنة ، وأرشده إلى الدوران مع الحق حيث كان ، استدلالاً بالأدلة القواطع من صحيح النقل واستئناساً بفقه الأئمة الأُول في العلم والدين. (داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث للأثري) ص26-28 .
و ـ مؤلفات وآراء أهل السنة المعاصرين فيه :
1 ـ أحمد بن حجر آل بوطامى قاضي المحكمة الشرعية بقطر في كتابه ( الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ، عقيدته السّلفية ودعوته الاصلاحية وثناء العلماء عليه) . تميّز بالشمول في عرضه لحياة محمد بن عبد الوهاب ودعوته وعقيدته ومنهاجه وافتراء المبتدعة عليه وردّه هذا الإفتراء في كتبه ورسائله ، وأوجه التّشابه بين دعوته ودعوة النبي × وهي قدوته ومرجعه ، وذكر معارضيه وشبههم ،وذكر مؤيديه من مختلف الأقطار والاتجاهات الدّينية والتّاريخية والأدبية والتراثيّة ، عرباً وعجماً .
2 ـ علامة العراق محمد شكري الآلوسي ( تـ 1342) ؛ يقول في مقدمة شرحه لمسائل الجاهلية : ( وقفت على رسالة صغيرة الحجم كثيرة الفوائد تَشتمل على نحو مائة مسألة من المسائل التي خالف فيها رسول الله × أهل الجاهلية من الأميين والكتابيين ، وهي أمور ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان ولا أخذت عن نبيٍّ من النبيين ، ألّفها الإمام محي السُّنة ومجدد الشريعة النبوية ، أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب النّجدي الحنبلي ، تغمّده الله في رحمته ) ص7 .(1/20)
3 ـ علامة العراق محمد بهجت الأثري في كتابه ، ( محمد بن عبد الوهاب داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث ) : ( واقع التاريخ يقرّر في صراحةٍ ووضوح بيان أنه الرجل الذي أيقظ العملاق العربي المسلم من سباتٍ في جزيرة العرب دام دهراً داهراً ، وأشعره وجوده الحيّ الفاعل ، وأعادَ إليه دينه الصحيح ودولته العزيزة المؤمنة ، ودفعه إلى الحياة الفاعلية ليعيد سيرة الصّدر الأوّل عزائم وعظائم وفتوحاً ، ويقرّر غير مُنازَع أنّه رجل التوحيد والوحدة والثائر الأكبر الذي رفض التفرَّق في الدّين رفضاً حاسماً فلم يكن من جنس من يأتون بالدّعوات ليضيفوا إلى أرقام المذاهب والطرائق المزَق رقماً جديداً يزيد العدد ويكثرة ، ولكنه أوجب إلغاء هذه الأرقام ، ودعا لتحقيق الرّقم الفرد وحده ؛ الرقم الذي لا يقبل التجزئة كالجوهر الفرد ، ألا وهو الإسلام ) ص12 . وهو أوجز وأجمل ما كتب عنه .
4 ـ علامة الشام ومصر محمد رشيد رضا ( تـ 1354) في تعريفه بكتاب صيانة الإنسان للسّهسواني : ( لم يخل قرن من القرون التي كثرت فيها البدع من علماء ربّانيين يجدّدون لهذه الأمة أمر دينها بالدّعوة والتعليم وحسن القدوة ، وعدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المتطلين وتأويل الجاهلين ، كما ورد في الأحاديث . ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء الدول المجدّدين ، قام يدعوا إلى تجريد التّوحيد وإخلاص العبادة لله وحده بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسول خاتم النبيين × ، وترك البدع والمعاصي وإقامة شعائر الإسلام المتروكة وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة ، فنهدت لمناهضته القوى الثلاث : قوة الدّولة والحكام ، وقوة أنصارها من علماء الضّلال ، وقوة العوام الطّغام ) ص 6 و7 .(1/21)
5 ـ الدكتور محمد خليل هرّاس في كتابه ( الحركة الوهابية ) : ( هدف الدعوة الأول القضاء على ما ينافي التّوحيد من مظاهر الشرك والوثنية التي استشرت في العالم المسلم كلّه ، كعبادة الموتى والأضرحة [ بالدعاء ] والاستعانة ، وتقديم النّذور والقرابين ، والتّبرك بالأحجار والأشجار والمغارات ، والسّحر والتّنجيم والعِرَافة وأنواع الشّعوذة . فجدّت الدّعوة في القضاء على ذلك كلّه بإزالة ما فُتِن الناس به من [ المقامات والبدع ] ، وبيان حقيقة التّوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه ، وبيان الأمور النافية له ) ص15 . ( وكانت كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ورسائله مطمورة تحت ركام الإهمال والنّسيان ، لا يسمح لها أهل البدع والإلحاد أن ترى النور . فلما قامت هذه الحركة المباركة أخذت تنقب عن تلك الثروة الهائلة التي خلفها ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله ، وجدّ المسؤولية عن الدعوة في إبراز هذه الكنوز بالطبع والنشر ) ص 39 .
6 ـ الشيخ علي الطنطاوي في كتابه ( محمد بن عبد الوهاب ) : ( كان العلماء قلّة ، والحكام عتاة ظلمة ، والناس فوضى يغزو بعضهم بعضاً ويعدو قويهم على ضعيفهم . في تلك البيئة نشأ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأراد الله له الخير فقدر له أن يكون من الذين أخبر رسول الله × أنهم يُبْعثون ليُجَدِّدوا لهذه الأمة دينها ، بل هو أحق بهذا الوصف من كل من وصف به في تاريخنا ، فقد حقق الله على يديه عودة [ جزيرة العرب ] إلى التوحيد الصحيح والدّين الحق ، والألفة بعد الاختلاف والوحدة بعد الانقسام ) . ( عن كتاب أحمد بن حجر ص113) .
7 ـ علامة اليمن محمد بن إسماعيل الصّنعاني ( ت 1182) في قصيدته التي حيَّا فيها ابن عبد الوهاب ودعوته :
سلامي على نجد ومن حلّ في نجد ... وإن كان تسليمي على البعد لا يجدجي
وقد صدرت من سفح صَنْعا سقى الحيا ... رُباها وحيّاها بقهقهة الرعد(1/22)
قفي واسألي عن عَالِمٍ حلّ سوحها ... به نهتدي من ضلّ عن منهج الرشد
محمد الهادي لِسُنّةِ أحمد ... فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
لقد أنكرت كُلُّ الطوائف قَوله ... بلا صَدر في الحق منهم ولا ورد
فيرميه أهل الرّفض بالنّصب فرية ... ويرمه أهل النصب بالرفض والجحد
وليس له ذَنْبٌ سوى أنّه أنى ... بتحكم قول الله في الحلّ والعقد
ويتبع أقوال النّبيّ محمد ... وهل غيره بالله للشّرع من يهدي
ويعمر أركان الشّريعة هادماً ... مَشاهد ضلّ الناس فيها عن الرّشد
أعادوا بها معنى سواع ومثله ... بغوث وودّ ، بئس ذلك من وردّ
8 ـ علاّمة اليمن محمد بن علي الشّوكاني (ت 1250) في رثائه الشيخ محمد ابن عبد الوهاب :
إلى الله في كشف الشدائد نفزع ... وليس إلى غير المهمين مفزع
إمام أصيب الناس طُرّاً بفقده ... وطاف بهم خطب من البين موجع
لقد رفع المولى به رتبة الهدى ... بوقت به يُعلى الضّلال ويُرفع
فأحيا به التّوحيدَ بعد اندراسه ... وأقوى به من مظلم الشرك مَهْيع
وشمّر في منهاج سنة أحمد ... يُشيْد ويُحْيي ما تعضّ ويرفع
يناظر بالآيات والسّنة التي ... أُمرنا إليها في التنازع نرجع
فأضْحَت السّماء يبسم ثغرها ... وأمسى محيّاها يضيء ويلمع
سقى قبره من هاطل العفو ديمة ... وباكَرَهُ سُحْب من البرّ همّع
وأسكنه بحبوحة الفوز والرضا ... ولا زال بالرّضوان فيها يمتّع
9 ـ علامة بتنة في الهند مسعود عالم النّدوي في كتابه ( محمد بن عبد الوهاب ، مصلح مظلوم ومفترى عليه ، باللغة الأورديّة ، ترجمه للعربية : الشيخ عبد العليم البستوي ) :
((1/23)
ترك المسلمون كتاب الله وسنة رسوله واتخذوا مئات من الآلهة دون الله الواحد الأحد ، وصاروا يدعون البدوي والرفاعي في مصر ، والجيلاني في العراق والهند ، وابن عباس في الطائف ، وابن علوان في اليمن ، ويخضعون ويتذللون أمام الأحجار والأشجار . ثم طلعت شمس الهدى والرشد من وادٍ غير ذي زرع، ورمال الأرض العربية التي اشتهرت بطيب العرار والخزامى فاح فيها طِيْبُ التوحيد، وأُعْلِيَتْ فيها كلمة الحق حتى عطّرت العالم بأسره، ذلك هو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ونوّر ضريحه ) ص26 .
10 ـ علامة المغرب د . محمد تقيّ الدين الهلالي في مقدمته لكتاب النّدوي ، ص5 : ( الإمام الرباني الأوّاب محمد بن عبد الوهاب ، قام بدعوة حنيفية جدّدت عهد الرسول الكريم والأصحاب ، وأسس دولة ذكرت الناس بدولة الخلفاء الراشدين ، وقهرت الشياطين ، وأحيت ما ندثر من علوم كتاب الله وسنة رسوله × [ بمؤازرة ] ملوك آل سعود من أولهم إلى يومنا هذا ) .
11 ـ علامة آكره في الهند محمد بشير الشّهسواني في كتابه ( صيانة الإنسان عن وساوس الشيخ دحلان ) دحص فيه شُبَهَ دحلان الذي تولى كِبْرَه في الافتراء على دعوة التجديد والتوحيد والسنة وشيخها محمد بن عبد الوهاب رحمه الله . ويتميّز كتاب صيانة الإنسان بأنه دراسة علمية شرعية لقضايا التوحيد والشرك والسنة والبدعة ، لا دخل لها في القضايا الشخصية والتاريخية لقادة الدعوة التجديدية من العلماء والأمراء . وكما قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله ( وهو الذي قام على طبعه للمرة الثانية عام 1352هـ : ( إنه ليس ردّاً على الشيخ دحلان وحده ، ولا على من احتج بما نقله عنهم من الفقهاء مما لا حجة فيه .. بل هو ردّ على جميع العتوريين والمبتدعين قبله وبعده ) ص12 .(1/24)
12 ـ د . عبد الحليم عويس مستشار رئيس الجامعة الأزهرية ، في رسالته عن أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الجزائر : ( ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جزيرة العرب ، فكان أول مصلح خلال هذا العصر يضع يده على مواطن الداء الحقيقي الذي يتمثل في طبيعة ما آل إليه بناء الأمة الداخلي فكرياً وعقدياً ونفسياً ، فبينما كان العالم المسلم مستغرقاً في همه ومدلجاً في ظلمته على النحو الذي صوّره ( ستودارد ) ، إذ بصرت ابن عبد الوهاب يدوي موقظاً النائمين ، داعياً المسلمين إلى الرجوع إلى سواء السبيل .. وقد بلغ من عناية الشيخ ابن عبد الوهاب بالعقيدة حدّاً كبيراً لدرجة أنه قام تتبّع مجالات تصحيحها ومقامة صور الإشراك في كلّ كتبه وخطبه ورسائله ، وكانت العقيدة هي المحور الذي تدور حوله كل اهتماماتها ص108- 110 في مجموع دار البشير ـ عمّان 1417هـ : لا لدّعوة على منهاج النبوة ) .(1/25)
13 ـ د . وهبة الزحيلي أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة في جامعة دمشق ، في كتابه عن الدّعوة التجديدية ضمن أسبوع جامعة الإمام محمد بن سعود عام 1405هـ : ( كان من أجزأ أصواب الحق ، وأكبر دعاة الاصلاح والبناء والجهاد لإعادة تماسك الشخصية المسلمة وإعادتها لمنهج السّلف الصّالح :دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري لتجديد الحياة المسلمة بعدما شابها في أوساط العامة من خلافات وأوهام وبدع وانحرافات . فكان ابن عبد الوهاب بحق زعيم النهضة الدينية الاصلاحيّة المعاصرة الذي أظهر وجه العقيدة الشرعية الناصع ، وأبان حقيقة التّوحيد الخالص لله عزّ وجل ، وأن العبادة هي التوحيد ، وحوّل الشراع راساً على عقب للعمل الكامل بالقرآن والسنة ، ونَبْذِ مظاهر الترف والبدع ، وتحطيم ما علق بالحياة المسلمة من أوهام ، والعودة إلى الحياة الصالحة الأولى والتزام أحكام الاسلام فكانت وثبة جبارة وقفزة رائعة في وَسَط شُوِّهت فيه مبادئ الإسلام ومناهجه ) . ص58 مجموعة دار البشير( الدعوة على منهاج النبوة ) وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومتبعي سنته والدعاة إلى منهاجه . عمّان 1410هـ .
* * *
دولة الدعوة بعد القرون المفضّلة
عرّف الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله ( تَبَالَه ) بأنها : موضع باليمن وليست ( تباله ) التي يُضرب بها المثل : ( أهون على الحَجَّاج من تباله ) فتلك بالطّائف ، في مختصره لصحيح مسلم عند الحديث 2012 : « لا تقوم الساعة حتى تضطرب أَلَيَات نساء دوس على ذي الخلصة» ط6 عام 1407هـ ص533 .(1/26)
وببحث هذا الأمر تبين أن الشيخ ناصر اقتبس رأيه مما ذكره ياقوت في المعجم ، وكان ياقوت أقرب إلى لُفَة التحقيق إذ بيّن أنَّه إنّما يَظنْ ظنّاً ، بينما جزم الشيخ بذلك على غير عادة المحققين في النقل ، ولم يَعْزُ النفس إلى المنقول عنه على عادة المؤلفين في القرون المتأخرة ( والشيخ ممّن يطالب النّاقلين عنه بالعَزْو إليه ) ، ولا حَرَجَ في ذلك شرعاً ؛ فالعلوم الشرعية مشاعة بين النّاس ( كالماء والهواء والنار من الأمور الدنيوية ) ، وكان فقهاء السّلف ينقلون الكتاب كاملاً عمّن سبقهم أو نصفه أو جزءه دون العَزْو إلى مؤلِّفه ، وربما بدأ الاهتمام بالعَزو عند بعض المؤلفين في القرن التاسع الهجري ، ثم اشتدّ الاهتمام به في هذا العصر تقليداً للغرب وتغليباً للشّح وحظ النفس . وأشهد أن الشيخ ناصر الدين من خير من دعا الناس إلى معرفة الدليل من السنة فيما يتعبدون لله به ، بل لا أعرف أحداً سبقه إلى نشر ذلك في السنين الأخيرة غير الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، ويجمع الشيخين(1) ببقية علماء الدّعوة التجديدية في جزيرة العرب رحمهم الله : نشر توحيد الله بأفراده بالعبادة ونفيها عما سواه وتحذير الناس مما ابْتُلِي به أكثرهم من البدع الشركية فيما دونها .
__________
(1) جمعت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بين الشيخ ابن باز رئيساً والشيخ الألباني معلّماً في خدمة دولة الدّعوة إلى التوحيد والسنة ( السعودية ) ، وأمرَ الملك أثابه الله باستمرار صرف راتب الألباني له مدى الحياة ، ومثله نسيب الرفاعي وعبد القادر بن حوفل الأرناؤوط ، ومثلهما كثير ، حفظ الله دولة الدعوة ذُخراً للإسلام وقدوة للمسلمين .(1/27)
وفي زَمَن مايُسَمَّى بالصّحوة الدينية التي يغلب عليها الحماس وتحكيم العاطفة كان الشباب أكثر التفافاً حول الألباني لأنهم يجدون في صلابة خُلُقه ما يجذبهم إليه أكثر مما يجدون في لِيْن خُلُق ابن باز وتعدّد اهتماماته وارتباطه بفقه الأئمة القُدْوه . و( تباله ) موضع بين الطّائف وأبها ( قُرْب بيشه ) ، وليست في اليمن ولا في الطائف بحدودها الحاضرة ، وإنما كان الناس يَعُدُّون يَمَناً كل ما وقع جنوباً عن مكة المباركة كما يعدون شاماً كل ما وقع شمالاً ( أو غرباً ) عنها ؛ فيقولون اليوم كما بالأمس : الرّكن الجنوبي والرّكن الشامي من الكعبة .
ويظهر أن ( تباله ) موضع آخر لوثن ذي الخلصة لخثعم أو رد خبره الإمام البخاري ( في صحيحه في كتاب المغازي باب عزوة ذي الخلصة ) هدمه جرير بن عبد الله وقومه رضي الله عنهم بأمر النبي × ، أما موضع وثن ذي الخلصة الذي تضطرب عليه أليات نساء دوس في حديث الصحيحين فهو لِدَوْس في منطقة تسمى اليوم زهران ، وبين زهران وبيشه مسافة .
وقد حقق الشيخ حمد الجاسر هذا الأمر ، ووصل إلى هذه النتيجة بعد وقوفه على الموضعين ومقارنته بين الأحاديث وأقوال العلماء ، وقبله رجّح ابن حجر ذلك في فتح الباري ج8 ص71 ( في سراة غامد وزهران ص336 – 340 لحمد الجاسر ، وأشراط الساعة ص124 ليوسف الوابل ) .(1/28)
وقد أعيد بناء الوثن بعد تولي الفاطميين الفساد في الأرض كما بُنِيَتْ أوثان كثيرة بأسماء الأنبياء والصّالحين ( ومن لم يُعْرَفْ بنبّوة ولا صلاح ) واتّخذت القبور مساجد بحجة إحياء الآثار الدينية التي وسوس بها الشيطان لقوم نوح ومَنْ بَعْدهم من اليهود والنّصارى وغيرهم مشاقّة لله ، ولرسوله ؛ وكانت آخر وصاياه لأمّته التّحذير من ذلك : « لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » متفق عليه . ولم تَعْمْ دولة من دَول المسلمين ـ بعد الفاطميين ـ لهدْم هذه الأوثان أو للتحذير منها ومما دونها من البدع حتى تعاهد الإمامان محمد بن عبد الوهاب ومحمد ابن سعود رحمهما الله على ذلك فقامت دولة الدّعوة السعودية إلى التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدعة لأوّل مرّة بعد القرون المفضلة . وهي نعمة من أكبر نعم الله على عباده ومفخرةٌ وميزةٌ تَقْصر عنها كلّ مفخرة وميزة ، بفضل الله على الحكم السعودي في مراحلة الثلاث :
أ ـ مرحلة التّجديد والتأسيس والامتداد والاستقرار في ولاية محمد بن سعود وولي عهد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود التي بدأت في القرن الثاني عشر من الهجرة مصداقاً لقول النبي × : « إن الله يَبْعَثُ لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد لها دينها » .
وكان وليّ الأمور الشرعية ( في البداية ) محمد بن عبد الوهاب ووليّ الأمور الإدارية والتّنفيذية محمد بن سعود ، ولما ولي الأمر بعده ابنه عبد العزيز كان قد بلغ من العلم والحكمة ما جعل شيخه محمد بن عبد الوهاب يراه أهلاً لولاية الأمرين معاً .
واستكمل الإمامان عبد العزيز وولي عهده ابنه سعود ( وكان لا يقل عن أبيه علْماً وحكمة ) نشر التوحيد والسنة ومَحْو الشرك والبدعة وهَدم أوثان الأضرحة والمقامات والمزارات والمشاهد من الفراق إلى بحر العرب ومن الخليج العربي الفارسي إلى البحر الأحمر ، أجزل الله ثوابه لهم جميعاً .(1/29)
ومن الأوثان التي هُدِمت في ولاية الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمهم الله وثن ذي الخلصة في موضعيه المذكورين : ( تباله ) لخثعم ، و( زهران ) لدوس . وقُتل الإمام عبد العزيز رحمه الله وهو ساجد في صلاة العصر كما قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيد علج من العراق انتقاماً لأوثانها المهدومة ، وولِيَ الأمر بعده وليّ عهده الإمام سعود الذي قال عنه المؤرخ العلامة عثمان بن بشر رحمهما الله : ( لم يتخلّف عن غزوة ، ولم تُهْزَم له راية ) [ في الجهاد في سبيل الله لتكون كملة اله هي العليا ] ( عنوان المجد ص226 ج1 ط . وزارة المعارف عام 1394هـ بتحقيق عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ ) .
وفي بضع سنوات من ولاية عبد الله بن سعود بن عبد العزيز أرسلت السّلطنة العثمانية كِلابَها من ولاة مصر الألبانيين بجيش من مرتزقة العجم لهدم الدعوة والدَّولة السعودية التي جدّد الله بها الدين ( بالعودة به إلى ما كان عليه النبي × وأصحابه ) مما شبّهه د . صالح العبود ( رئيساً قسم السنة ثم رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ) بالحروب الصليبية ( في مقدّمته لكتاب حقيقة الدّعوة إلى الله تعالى ص14 ) وما وصفه بالحروب الصّليبيّة أيضاً د . زكريا بيّومي أستاذ التاريخ الحديث في جامعة المنصورة بمصر ( مجلة المنار الجديد ص90 عدد 18 محرم 1423هـ الصّادرة عن دار المنار الجديد للنشر والتوزيع بالقاهرة ) ، وظنّ المُجْرمون المُعْتدون وغيرهم أنهم ( بهدم الدّرعية وقتل ونفي أكثر ولاة الأمر من الأمراء والعلماء القائمين على دولة الدّعوة ) قضوا على الدولة والدعوة ، ولكن الله تعالى لطيف بعباده ، يقضي ما يشاء ويحكم ما يريد ، ولا يصلح عمل المفسدين .(1/30)
ب ـ مرحلة إعادة نهر الدّعوة ودولتها إلى مجراه في كثير من نواحي جزيرة العرب في ولاية الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود ( رحمهم الله جميعاً ) التي بدأت تعد بضع سنوات من هدم الدرعيّة عاصمة دولة الدّعوة إلى التوحيد ولسنة وإن لم يكتب الله لها الوصول إلى كل نواحي الدولة الأولى ، ميّزها الله بتجديد الدعوة والدولة في القرن الثالث عشرة . وعاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعادت دروس العلم الشرعي إلى المساجد ، وعادت رسائل الرّاعي لرعيّته تحثهم على طاعة الله وتحذرهم من معصيته وتذكرهم بآلاء الله وأيامه ، وترغبهم في ثوابه وترهبهم من عقابه .
وانتقلت عاصمة الدّعوة والدولة من الدرعية إلى الرياض وانتقلت الولاية من ذرية عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى ذرية أخيه عبد الله بن محمد ابن سعود ، ولا تزال فيهم إلى هذا اليوم حفظهم الله قدوة صالحة وذخراً .
ج ـ مرحلة التجديد الثالثة في القرن الرابع عشرة من الهجرة وتوحيد معظم الناس في جزيرة العرب على المنهاج النبوي في الدين والدعوة في ولاية الملك عبد العزيز وولاة عهده من أبنائه بعده جزاهم الله خير ما يَجْزي به الدّعاة إلى دينه الحق.
وقد يُظَنّ أن الأوَّلَ لم يُبْقِ للآخر ما يضيفه في الدّعوة إلىمنهاج النبوة بعد أن عرفنا ما قدمه الأئمة الأول من ولاة آل سعود وعلماء الدعوة المباركة من إحياء المنهاج النبوي بعد قرون من ضلال الفاطميين والعثمانيين ومَنْ بينهما عنه ؛ ولكن إشارة عاجلةً إلى أهم ما أنجزه الملك عبد العزيز وولي عهده ابنه سعود والملوك بعده قد تنير الطريق لمن يريد معرفة الحق إجمالاً أو تفصيلاً .(1/31)
1 ـ بعد عشر سنوات من مغادرة الإمام عبد الرحمن وابنه عبد العزيز عاصمة الدولة السعودية الرياض ، عاد إليها عبد العزيز فاتحاً ومُجَدِّداً مجد آل سعود في الدين والدعوة والدولة بعد أن عادت جزيرة العرب إلى ما كانت عليه قبلهم من ضعف الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن الخوف والجوع ، ومن الاقتتال والنهب وقطع الطريق ، وأسوأ من ذلك كلّه عادت بعض مناطقها إلى عبادة الأوثان من المقامات والمزارات والأنصاب ومنها وثن ذي الخلصة في موضعيه جنوب مكة المباركة .
2 ـ أسس عبد العزيز ـ بفضل الله ـ ملكاً عريضاً قائماً على الدعوة إلى الله على بصيرة وعلى أحكام شرع الله في الاعتقاد والعبادة والمعاملة ونَشْر السنة ومحاربة البدعة ، وهَدَم جيشه وثن ذي الخلصة ( فاصطفاه الله لما اصطفى له جرير بن عبد الله وقومه رضي الله عنهم ثم لما اصطفى له الإمام عبد العزيز بن محمد ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) ، وهَدَم جيشه جميع الأوثان التي أعادها الشيطان وأعوانه إلى بلاد كثيرة من جزيرة العرب بعد عدوان العثمانيين ومرتزقتهم على دولة التوحيد والسنة .(1/32)
3 ـ فتح الله خزائن الأرض في ولاية الملك عبد العزيز وأبنائه فأطعم الله بها أهل جزيرة العرب من جوع بعد أن آمنهم من خوف ، ومكّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم يعبدونه لا يشركون به شيئاً ، وفاض خير الدين والدنيا من دولة الدعوة إلى منهاج النبوة على المسلمين والعرب والمقيمين في بلادها وخارجها ومناصرة المظلومين وإنقاذ المكروبين ، وفي هذا السبيل أوقف الملك سعود بيع البترول للأوربيين الذي اعتدوا على مصر عام 1956م ثم أوقف الملك فيصل بيعه إلى الذين اعتدوا على مصر عام 1973م مع أن البترول يكاد يكون السلعة الوحيدة القابلة للتصدير وهو المورد الأكبر للخزينة العامّة ، وفي نهاية العقد الأول من القرن الخامس عشرة ذكرت التقارير الاقتصادية الدولية أن المملكة العربية السعودية أنقذت الأردن إثر انهيار سعر صرف الدينار الأردني استجابة لنداء الملك حسين رحمه الله بإيداع ألف مليون دولار في البنك المركزي الأردني وإهداء مائتي مليون دولار للخزينة الأردنية ، وأكد الملك حسين هذا الخبر بابراقه من الطائرة إلى الملك فهد : ( فرج الله كربكم ) ، وأعلنت وزارة المالية السعودية رداً على بعض الجاحدين أنها سلّمت السلطة الفلسطينية في فترة معيّنة مبلغ ألفي مليون ، وهذه أمثلة قليلة لكثير من أمثالها والمنّة لله وحده والفضل .(1/33)
4 ـ لتوفر وسائل الطباعة والنشر في ولاية الملك عبد العزيز أمر بطباعة كثير من المراجع الشرعية لأوّل مرة في تاريخ المسلمين منها : المغني والشرح الكبير في الفقه وجامع الأصول في الحديث وتفسير ابن كثير ، وفي ولاية الملك سعود أمَرَ بجَمْع وطبع فتاوى ابن تيمية لأوّل مرَّة في التاريخ وفيها فُتحت أوّل جامعة في جزيرة العرب ، وفيها أُنْشئت الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية وخُصِّص 85 % من مقاعد الدراسة فيها للوافدين من بلاد المسلمين ؛ لنشر التوحيد والسنة في الخارج مع الداخل ، وآثرها الملك سعود بقصره في المدينة كما آثر التعليم في مكة بقصره ، وبعد وفاته بعشرات السنين فُتحت جامعة الطائف في قصره بالحويّة . وفي ولايته نُفِّذ مشروع التوسعة الأولى للمسجد الحرام والمسجد النبوي إضافة إلى عدد يصعب إحصاؤه من مشروعات المياه والاسكان والطرق والصحة والتعليم والنقل والاغاثة حتى عَجِزَ الدّخل العام من البترول وغيره عن إرضاء أدنى مستوياتها ، كما تقول التقارير الاقتصادية العالمية ( لا الاذاعة ولا الاشاعه ) .
5 ـ وفي ولاية الملك فيصل والملك خالد ( رحمهما الله ) والملك فهد ( حفظه الله قدوة صالحة ) ، زاد إنتاج النفط وزادت أسعاره أضعافاً مضاعفة ، وزاد الإنفاق على مؤسسات العلم والدعوة في الدّاخل والخارج إضافة إلى الخدمات العامّة .(1/34)
وتُعدُّ دروس إذاعة القرآن السعودية وبخاصة برامج الفتاوى ( نور على الدرب أولاً ، وغيره ثانياً ) أكبر وأصحّ مصدر لمعرفة شرع الله وتبليغه والدعوة إليه وأوسعها انتشاراً بين المسلمين في كل مكان . وقبل عام أسَّس بعض أفراد الأسرة السعودية وعلى رأسهم خادم الحرمين مؤسسةً للدعوة الخيرية تتيح لأيّ مسلم أو غير مسلم ( بطريق الأقمار الصناعية ) حضور دروس كبار العلماء ومناقشتهم وسؤالهم ـ وجهاً لوجه ـ لاقتناع المؤسِّسين والمستفيدين بأن علماء المملكة المباركة هم أوثق المصادر والمراجع الدينية ( على منهاج النبوة ) منذ تعاهد الإمامان محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود رحمهما الله على الرجوع بالإسلام والمسلمين إلى ما كان عليه النبي وأصحابه . وبفضل الله على دولة الدعوة إلى التوحيد والسنة وبفضله بها على المسلمين كافة جعلها خير دولة أخرجت للناس منذ القرون المفضلة ، وأهلها لخدمة المسجد الحرام والمسجد النبوي وتطهيرهما من الشرك والبدع ولرفع راية التوحيد والسنة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) قولاً وعملاً من أول يوم .
6 ـ ومع كثرة ما ميّز الله به دولة التّوحيد والسنة في مراحلها الثلاث فلن توجد ميزة ـ حتى قيام الساعة ـ أكبر من نشر التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدعة وبخاصة : هدم أوثان المقامات والمزارات ، ومنع مظاهر التّصوّف والتّخريف ، ومنع التحزّب والتّعصّب لبشر غير محمد × أو لمنهاج غير منهاجه من وحي الله بفهم السّلف الصالح .
جزى الله ولاة دولة الدعوة وعلماءها عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأجزل لهم الثواب وأعزّهم بخدمة دينه وأهله وحفظهم قدوة صالحة .
الرياض 1425هـ .
تزيين الشرك والبدعة في بلاد التوحيد والسنة(1/35)
على افتراض أن ( مركز المعلومات لجريدة عكاظ ) لا يتعمد شهادة الزّور ولا التّدليس ولا التّضليل وإنما أُتِيَ من جهله بالحق والعدل فإنني أبين له ولقرّائه ما لم يظهر في مقاله عن د . محمد بن علوي المالكي ( تجاوز الله عن كل من لقي ربه لا يشرك به شيئاً ) لسدَّ النقص الفاضح في معلوماته لعلّ الله أن يردّ الجميع إلى دينه ليكونوا أهلاً للمواطنة في بلاد الدّعوة إلى الله على بصيرة هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين .
أ ـ ذكر مركز المعلومات العكاظية أنّ د . المالكي عُيِّن مدرساً بكلية الشريعة وبالمسجد الحرام ، ولعله جَهِل ولم يتجاهل أنّه طُرِد من الوظيفتين بعد ما ظهر باسمه عدد من الكتب قال عنها الشيخ سمير ابن خليل المالكي في كتابه ( جلاء البصائر ) يرد ضلال ابن عمّه :
( من أشنع كتبه الجامعة لكلّ بليّة في الدّين : [ الذّخائر المحمدية ] و [ شفاء الفؤاد بزيارة خير العباد ] ؛ فقد شحنهما وسوّد صحائفهما بجملة من المخالفات والدّواهي العظام التي تهدم قواعد الدين بالكليّة وتنقص عُرَاة عُرْوة عُرْوه ) .
وقال مثل هذا عن فكر د . المالكي عدد من كبار العلماء والواعظين وطلاب العلم الشرعي في بلاد التوحيد والسنة .
ب ـ رسم مركز المعلومات العكاظي هالة خاطئة خادعة حول د . المالكي ودعوى علمه وتعليمه وكتبه ودعوته ، وقَصُرَ كالعادة عن وزن علمه وعمله بميزان علماء السّنة في بلاد ودولة تميّزت بالتّأسيس من أوّل يوم على نشر التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدعة . وإلى مركز المعلومات نتيجة الوزن الشرعي لمن عرفت منهم :
1 ـ حَكَم الشيخ عبد الله بن منيع ( عضو هيئة التمييز بمكة المباركة حتى تقاعد وعضو هيئة كبار العلماء عشرات السنين ) بضلال فكر د . المالكي في كتابه الذخائر .(1/36)
2 ـ حَكَم الشيخ عبد الله البسّام رئيس هيئة التمييز بمكة المباركة وعضو هيئة كبار العلماء والمدرس بالمسجد الحرام حتى توفّاه الله بضلال فكر د . المالكي في كتابه الذخائر .
3 ـ حكم الشيخ صالح آل الشيخ ( وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وأحد أكبر ورثة علماء الدعوة في المملكة المباركة ) بضلال فكر د . المالكي وبخاصة في كتابه ( مفاهيم يجب أن تصحّح ) .
4 ـ حَكَم الشيخ أبو بكر الجزائري ( المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة حتى تقاعد والمدرس بالمسجد النبوي منذ عشرات السنين) بضلال فكر د . المالكي في كتابه الذّخائر .
وبعد تصدّي عدد من المخرفين من خارج المملكة المباركة للردّ عليه والانتصار لمذهبهم الضّال ؛ كتب الشيخ الجزائري رسالة في الرَّدّ على المخرفين بعنوان (وجاءوا يركضون ، مهلاً يا دعاة الضّلالة) تصلح اليوم ردّاً على محاولة بعض الصحف والصحفيين الجهلة بشرع الله تزيين الضلال وتلميعه وتأييد أهله دون أثارة من علم ولا هدى ولا بينة .
5 ـ حَكم الشيخ د . سفر الحوالي بضلال فكر زميله د . المالكي وأصدر عدّة أشرطة صوتية بعنوان : ( الرد على المخرّفين ) مبيّناً جذور المنهج الصّوفي الذي ينتمي إليه مؤلِّف الذّخائر ، وتم طبع هذا البيان في رسالة بعنوان : ( مُجَدِّد ملّة عمرو بن لحيّ ) تشبيهاً لفتنة المالكي ومحاولته إحياء الشرك والبدعة في بلاد ودولة التوحيد والسنة من مكة المباركة بما فعله ( عمرو بن لحيّ ) في الجاهلية حينما نقل آلهة قوم نوع الوثنية إلى بيت الله الحرام الذي أوصى الله خليله إبراهيم عليه السلام بتطهيره من الشرك والخرافة والبدعة : {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26].(1/37)
6 ـ حَكم الشيخ سمير المالكي بضلال فكر ابن عمّه د . المالكي فقد ألف كتاباً ينضح بحماية جناب التوحيد أسماه ( جلاء البصائر ) يردّ فيه على عدد من رسائل د. المالكي وبخاصة (الذّخائر) و( الشفاء ) وقال عن د. المالكي بأنه: (عمد إلى أصل هذا الدين ورأسه وهو توحيد الله بنوعية الخبر والطّلب ؛ فنقضه ودكّ بنيانه من أساسه ، وافترى على الله عزّ وجل وعلى رسوله × وعلى الملائكة الكرام الكاتبين ، واجترأ على الكتاب العزيز فحرّف الكَلِمَ عن مواضعه واعترض على أحكامه ) .
ثم يقول صحفي جاهل بشرع الله في جريدة الوطن عدد 1494 في 18/9/1425هـ : إنّ د . المالكي ( صبر على ذلك واحتسبه عند الله ) ، ولعلّ هذه أوّل مرّة يُصْرَف الصّبر والاحتساب إلى الشرك والخرافة والابتداع في الدين ومخالفة منهاج النبوة في البلاد والدولة الوحيدة ـ منذ القرون المفضلة ـ التي يختصها الله بتجديد دينه والعمل بشريعته والدعوة إليها في الداخل والخارج ، ومن يصبر على اللغو الصحفي ـ أسكت الله صوت الباطل ـ يرى العجب .
وإذا لم يُرْدَع الصّحفيون الجاهلون بشرع الله عن القول على الله ودينه وشرعه بغير علم فانتظر الساعة ؛ فهم رؤوس في لهو الحديث ، جهّال يُفْتُون بالجهل وهم آخر من يحقّ له أن يفتي أو يقوِّم .(1/38)
7 ـ أكثر ـ أو كل ـ من يَحْكُم على فكر د . المالكي بالضلال لا يَحْكُم على شخصه بالكفر ، فالله وحده يعلم بخاتمة العبد فلعله تاب إلى الله ورجع عن ضلاله قبل الموت فتاب الله عليه ، وإن تناقلت بعض وسائل الإعلام ( وهي مصدر مركز المعلومات العكاظي الأول أو الوحيد في جمع المعلومات ) تناقلت رفض أئمة المسجد الحرام الصّلاة على جنازة د. المالكي (وجميعهم مؤهّلون للقضاء والتدريس في الجامعات وفي المسجد الحرام ) ، ثم قبل أحدهم الصلاة على جنازة د. المالكي إذا أُدْخِلَتْ بين عدد من الجنائز ، فأُخِّرت الصّلاة عليها عدّة ساعات لتحقيق هذا الشرط ، وربما كان سنده في هذا الحُكم استغفار النبي × لأهل الكتاب لأن قصده في الاستغفار محصور بالمؤمنين منهم والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، وربما كان سند بقية الأئمة في رفض الصَّلاة على جنازة د . المالكي : ظاهر إصراره سنوات طويلة على الفكر الضال ولحرص على نشره على نفقة الموالين له في الداخل والخارج ، وترك احتمال توبته قبل الغرغرة لعالِم الغيب وحده سبحانه وبحمده .
هدى الله الجميع للتي هي أقوم ، وجَعَلهم أهلاً لحماية قواعد بلاد ودولة التوحيد والسنة هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين ، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومتبِّعي سنّته إلى يوم الدّين 21/9/1425هـ مكة المباركة.
مناصرة المبتدع للمبتدع
في العدد 1234 من جريدة عكاظ في 19/9/1425هـ مقال بتوقيع (عبدالوهاب أبو سليمان) ، وقد عَرَفْتُ واحداً بهذا الاسم في مكة المباركة ، وعرفه أهل التوحيد والسنة بمحافظة على إرثه القديم من النّسك الأعجمي المبتدع في القارّة الهندية رغم نشأته ودراسته في بلاد ودولةٍ مباركة مَيّزها الله من أوّل يوم بتأسيسها على الدعوة إلى منهاج النُّبُوَّة ومحاربة الابتداع في الدين من الشرك وآثاره ومقاماته ومزاراته فما دون ذلك .(1/39)
ولم يكن أبو سليمان يوم سمعت بوجوده متميزاً إلا بعناده واصراره على الباطل الذي يخالف منهاج كلية الشريعة وكل مؤسسةٍ علميةٍ في السعودية بفضل الله ومنِّه وكرمه ، وتميّز على غيره من المعاندين الرافضين للحقّ بعدما تبين بنَبْزه المدافعين عن التوحيد والسنة بلقب (الوهابية) اقتداءً بأمثاله المناهضين للدعوة التي قامت عليها السعودية في القرون الثلاثة الأخيرة رغم حقد الحاقدين وحسد الحاسدين . وبعد حصوله على حرف ( د ) الذي تبدأ به كلمة ( دكتور ) الأعجمية وكلمة ( دجّال ) الشرعية الفصحى خَدَعَ أحد علماء السنة فرشحه لسد الفراغ في هيئة علميّة صار مقامه منها سُبّة لها ونشازاً فيها منذ تدنّست بانضمامه إليها ( عَجَّل الله تطهّرها منه أو هدايته للدين الحنيف) .
وقد أراد الله كشف غطاء الصّمت الذي تَسَتَّر به فكتب هذا المقال ( وهو به حريّ وله أهل ) في الثناء على أكبر رموز الابتداع والخرافة في بلد السنة ؛ وإلى القارئ بعض إفكه :
أ ـ وصف المبتدع قَرِيْنَه ( محمد بن علوي المالكي ) بالمجاهد في الله حق جهاده ، واسأل القارئ الموحِّد المتبع شهادة الحق :
1 ـ هل من الجهاد في الله حق جهاده : دعاء غير الله والتعبد له والإعراض عن دعاء الله بترديد ونشر والترغيب فيما يلي :
مناداته الرّسول × بهذا الشرك الصّريح :
هذا نزيلك أضحى لا ملاذ له ... إلا جنابك يا سؤلي ويا أملي
يا سيّدي يا رسول الله خُذْ بيدي ... ما لي سواك ولا ألوي على أحد
واعطِفْ عليّ بعفوٍ منك يشملني ... فإنني عَنْك يا مولاي لَمْ أَحِدِ
يا صاحب القبر المنير بيثرب ... يا منتهى أملي وغاية مطلبي
يا من يجود على الوجود بأنْعُم ... خضر تعمّ عموم صوب الصيب
يا سيدي إني رجوتك ناصراً ... مِنْ جَوْر دهر خائن متقلب
فأقل عثار عبدك الدّاعي الذي ... يرجوك إذ راجيك غي مخيب
واكتُب له ولوالديه براءة ... من حرِّ نار جهنم المتلهّب
واقمع بِحَولك باغضبْه وكل من ... يؤذيه من متمرد متعصّب(1/40)
فلأنت في الدنيا وفي الأخرى وفي ... كل المواطن عُدّتي وندائي
فالآن ليس سوى قبر حَلَلْتَ به ... منجي الطّريد وملجا كلّ معتصم
قد مسّني الكرب وكَمْ مَرَّةً ... فرّجْتَ كَرْباً بعضه يذهل
عجّل بإذهاب الذي اشتكي ... فإن توقفت فمن ذا أسأل؟
وخصّ البيت الأخير بأنه ( مجرب لمن ردّده 73 مرة ) وميزته أنه أشد شركاً والله تعالى يقول : {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن: 18] ويقول : {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً * قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الجن: 20- 22] ويقول: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} [يونس: 106] ويقول عن الشرك من عباده : {يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} [الحج: 12] ؛ فهل تكون محادّة الله ومشاقته ومخالفته جهاداً فيه حق جهاده ؟ .
2 ـ وهل من الجهاد في الله حقَّ جهاده : الكذب على الله وعلى رسوله وعلى ملائكته بترديد ونشر دعوى سجود الملائكة كلّما لاح لهم النبي × ؟.
كلّما لحْتَ للملائك خَرُّوا ... في السّموات سُجَّداً وبُكيَّا
ـ وترديد ونَشْر دعوى أن المَدَدَ الكلّي للأكوان من النبي × ؟
ومَدَدْت الأكوان شرقاً وغرباً ... مَدَداً في كيانها كُلِّيَّاً
والله تعالى يقول عن عباده المهديّين المجيبين : {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم: 58] ويقول عن مَدَده للجميع: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} [النحل: 53] وترديد ونشر دعوىتَسْمِيَة النبي × ووصفه بأسماء الله وصفاته ؟ وإليك المثال في السلام على النبي × :
ـ ( السلام عليك يا أول ، السلام عليك يا آخر ، السلام عليك يا ظاهر ، السلام عليك يا باطن ) شفاء الفؤاد ص120 .(1/41)
ـ والله تعالى يقول : {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3].
ـ وينادي النبي × بقول المبْتَدِع : ( لك وجهي وجَهت يا أبيض الوجه ) الذخائر ص166 ، والله تعالى يقول :{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79].
ـ ويقول بأن للنبي × كلّ أسماء الله الحسنى ـ الشفاء ص126 . والله تعالى يقول : {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].
ـ ويدّعي أنَّ محمداً × : (أُوْتِيَ عِلْم الخَمْس) الذخائر ص25. وهي (مفاتح الغيب) فيما رواه أحمد وما رواه البخاري رحمهما الله ، والله تعالى يقول: + " ، والخمس : هي التي ذكرها الله في آخر سورة لقمان : {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] فالله وحده مختص بعلمها .
ـ ولم يكف المبتدع إشراك محمد مع الله في الدّعاء والعبادة والأسماء والصّفات ، بل أبرز وَثَناً باسم نعل النبي × (رَسَمَه مخرّف آخر) ليلوذ به في الدنيا والآخرة، وسبَّ الدهر ـ رغم النهي عن ذلك ـ فالله هو الذي يُصرِّف الدهر :
ولما رأيت الدهر قد حارب الورى ... جعلت لنفسي نَعْل سيّده حصنا
تحصنت منه في بديع مثالها ... بسورٍ منيع نلت في ظله الأمْنا
إني خدمت مثال نعل المصطفى ... لأعيش في الدّارين تحت ظلالها
الذخائر المحمدية 266 .
وما تَقَدَّم : أمثلةٌ قليلةٌ لما أورده الشيخ سمير المالكي أثابه اله في ردّ ضلال الفكر من اثنين من مؤلفات ابن عمه محمد بن علوي المالكي .(1/42)
ب ـ أكد أبو سليمان ( ردّه الله إلى دينه الحق قبل موته ) أنه ( يعرف محمد بن علوي بعد أيام وأعوام عاشها معه في مجال العلم والتعليم والدّرس والتحصيل ) فهل يوجد ظنٌّ ولو قليل أنه لم يقرأ مؤلفاته التي اثنى عليها ، أو أنه لم يعرف شيئاً عن ضلال فكره ؟ أم هو اليقين بأنه يوافقه على ضلاله ويدعوا إلى مثله ؟ أم أنّه يُعِدّ نفسه أو يُعِدَّه غيره ليرث فكْرَه وسعْيَه لنشره ؟
ج ـ لا يحتمل أن أبا سليمان ( هداه الله أو كفّ شرّه ) لم يعلم أنّ الشيخ ابن باز رحمه الله ( وهو من هو في عِلْمه وحلمه وصبره وحسن خلقه ) سعى جاهداً للتحذير من ضلال فكر ابن علوي وأثمر سعْيُه في فصله من الجامعة ، وإيقاف دروسه في المسجد الحرام وإذاعة نداء الإسلام وكل منبر عام للدَّعوة في بلاد التوحيد والسنة جزاه الله وأمثاله خير الجزاء .
د ـ ولا يحتمل أن أبا سليمان هداه الله لم يقرأ ردود كبار العلماء على ابن علوي مثل عبد الله بن منيع حفظه الله عضو هيئة كبار العلماء وعضو الإفتاء منذ بداية تنظيم الإفتاء ، وعضو هيئة التمييز بمكة المباركة ، وعبد الله البسام رحمه الله رئيس هيئة التمييز بمكة المباركة والمدرس بالمسجد الحرام وحتى مات ، وصالح آل الشيخ بقية علماء الدعوة المباركة ؛ وكلهم شهدوا بضلال فكر ابن علوي .
هـ ـ ولا يحتمل أنّ أبا سليمان هداه الله لم يعرف عن ردّ أبي بكر الجزائري المدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية والمدرس بالمسجد النبوي منذ عشرات السنين ، وعَنْوَنَ لردّه الثاني : : ( وجاءوا يركضون ، مهلاً يا دعاة الضّلال ) .(1/43)
و ـ ولا يحتمل أبداً أنّ أبا سليمان هداه الله لم يعرف عن ردّ زميله وزميل ابن علوي سفر الحوالي وتضليله فكر ابن علوي بل سمّى أوّل ردوده بعد طبعه أخيراً : ( مَجَدِّد ملّة عمر بن لحيّ ) ، فشبّه سفر الحوالي زميله ابن علوي بعمرو بن لحي إذا دنّس كلاهما مكة المباركة بالدعوة إلى عبادة غير الله بعد أن ظهّرها الله منها بملّة إبراهيم ثم ببعثة محمد × ثم بتجديد الدعوة على منهاج النبوة في القرون الثلاثة الأخيرة ، وكان رد سفر الأول على ابن علوي بعنوان : ( الرّدّ على المخرّفين ) .
ز ـ ولا يحتمل أن أبا سليمان هداه الله لم يقرأ ردّ سمير المالكي على ابن عمّه محمد بن علوي المالكي ، وهو آخر الرّدود حتى الآن فيما أعلم كما أن ردّ ابن منيع أوّلها ، ولكنّ أهل التوحيد والسنة ومحاربي الشرك والبدعة في البلاد التي عاث فيها فكر ابن علوي ( وكتبه ومدارسه ) فساداً يُتَرجِمُون ويَطْبَعُون وينشرون الردود عليه في بلادهم أداءً لفريضة البلاغ والدعوة ، ودَرْءاً للشرك والابتداع عن أهلهم وإخوانهم .
ح ـ وأرجو الله أن يلهم أبا سليمان وغيره من يناصرون الفكر الضّال ( عن منهاج النبوة في الدّين والدعوة ) بالفكر والمال أن يتقوا الله وأن يحاسبُوا أنفسهم قبل أن يحاسَبُوا ، وألا تحملهم عصبيَّة وحميّة الجاهلية على نصر الباطل ومحاربة الحق من عند الله .
ط ـ ولا أشك في ظنّهم أنهم على الحق ، ولكن الهداية من الله وحده وفي شرعه وحده ، وقد قال اله عن شرِّ خلقه : {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف: 30] ، والله وحده الموفق .
الرياض شوال 1425هـ
خطبة الجمعة الصوفيّة
استمعت إلى شريط للأستاذ عبد الحميد طهماز من حماة في سوريا ، ويعمل في معهد لتدريب الخطباء والدعاة في خير بلاد المسلمين وهو يقول في إحدى خُطَبه يوم الجمعة :
((1/44)
إن أحد علماء هذه البلاد [ يقصد المحدّث الألباني ] يحمل على الصّوفيّة حملات شديدة ويراهما بدعاً في الدّين ، وأخالفه في ذلك ، فقد ألحقني سيّدي [محمد الحامد] رحمه الله بأذيالهم فأنا رجل متصوف وأفاخر إن قبلوا أن يُلْحقوني بأذيالهم ، وأُشهد الله على ذلك ) .
ويقول عن المحدّث الألباني في الخطبة نفسها : (مذهبي يخالف مذهبه ومشربي يخالف مشربه [ مذهبه ومشربه الحديث الصحيح ] وليس بيني وبينه شيء ، لكلٍّ وجهة هو مولّيها ) .
وقال عن شيخه محمد الحامد : ( إنه كتب إلى شيخه أبي النصر ، وهو ولي من أولياء اله الكبار ، بأنه لولا أمْرَان لترك التّصوّف :
أولهما : أن بعض العلماء من أمثال الغزالي والقشيري عرضوا التّصوف بثوب علمي رائع مقبول . وثانيهما : تعلّقه بشيخه ومحبته له يشهد لذلك قوله : فوجهكم الكريم الذي يميتني ويحييني به تعلّقي الطريق ) ، ولَمَزَ الألباني ( ومن معه ) بالعجمة لإنكارهم هذه الكلمة ، وأنكر عليه تخريج ( شرح الطّحاويّة ) الذي وصفه بقوله : ( وفيه أضاليل كثيرة ) ، أنكر عليه تخريج كتاب ( الهلال ) ( الحلال والحرام ) للقرضاوي حيث وصفه بأنه ( يدعو إلى فتح باب الاجتهاد وسكت على الضّلالات التي فيه ) .
وهاهم السّلفيين في سوريا لما سمّاه تخرّصاتهم وأكاذيبهم على من وصفه بأنه وليّ من أولياء الله ( الرّواس الحموي) وقال عنه : ( إنه كان يزور قبور الصالحين في كل بلد يمر به ، كان يحب الأموات ويتعلق بهم أكثر من الأحياء فيما ذنبه ؟ وكان يستنطق أرواحهم ، وكثير من الأدباء استنطقوا حميرهم وعصيّهم فلماذا ننكر على هذا الرجل ؟ ودليله حقيقة محادثة الأرواح أنّ النبي × اتّصل بأرواح الأنبياء ليلة الإسراء وصلى بهم في بيت المقدس ) .
والرّواس قال أسوأ من ذلك ، مثل قوله في ( بوارق الحقائق ) ص193 في مدح النبي × :
وهو نورٌ أزليٌّ طرزه ... صار في وجه وجود الكون شامه
طُوي العالم في جبّته ... وعلى العرس علت منه العمامه(1/45)
وقال في كتاب : ( سماع وشراب عند أشرف الأقطاب ) ص6 عن شيخه الرّفاعي :
لو ندبناه على مَيْت عفا ... قام بالسرّ كظبي ربرب
وقال في ( بارق الحمى ) ص47 وفي ( المجموعة النادرة ) ص181 : (أن العارف بالبجلي رأى رسول الله × في المنام فقال له : وقوفك بين يدي ولي الله كحلب شاة أو كشيّ بيضة خيرٌ لك من أن تعبد الله حتى تتقطع إرباً إرباً ، قال حياً أو ميتاً يا رسول الله ؟ قال : حيّاً أو ميتاً ) .
وطهماز هدانا الله وإياه قبل الممات يدعو الناس في خطبة الجمعة إلى قراءة كتب هذا الرجل ويثني عليه ، ويقرّع سلفيي سوريا بقوله : (ما ذنب الرّواس إذا لم تدركوا وقصرت مدارككم ؟ آن أن أدفع عن وليٍّ من أولياء الله تخرّصاتكم وأكاذيبكم ، وأخشى والله أن يؤاخذنا الله إن نسكتْ على ذلك) .
وردّ على سلفيي سوريا إنكارهم قول الرّواس في (بوارق الحقائق) ص191 : ( يا محمد الحقائق الذّاتية ، يا أحمد الدّقائق الصّفاتيّة ، يا آدم يا أبا العالم ، يا عين الكل ولولاك لما كان ، يا روح الكل ولأجلك كان ، وكذا الظرف والمظروف والكون والمكان ) .
وقال طهماز : ( إنّ هذا هو رأي جماهير العلماء بل هو مذهب عمر بن الخطاب الذي توسّل بالعباس عام الرمادة ، وأنا أقول مثل هذا القول وأتوسل بمثله ) مستدلاً بقول الله تعالى : {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً} [النساء: 64].
وفي كتاب لبعد الحميد الطهماز عنوانه : (المجاهد الأكبر محمد الحامد) ص193 نقل عن الشعراني في تمجيد الطريقة النقشبندية قوله : ( رأس هذه الطريقة العليّة والسّلسلة السّنية : الصّديق الأكبر ) .(1/46)
وإذا كان طهماز يرى هنا أن رئيس الطريقة النقشبندية هو أبو بكر رضي الله عنه ، ففي مكان آخر توسَّل ( بحرمة رجال السلسلة النقشبندية : النبي × وأبو بكر وبقية الشيوخ وبحرمة محمد الحامد قدّس الله أسرارهم العليّة ) ، وفي ص188 يقول : (إن الطّريقة سميّت بالنّقشبندية نسبة للشيخ محمد بهاء الدّين النّقشبند قُدِّس سرّه وهو من أعظم شيوخ الطريقة) ونسي أن يذكر من كرامات شيخ الطريقة ما ذكره غيره من أنه دخل المسجد الحرام ونذر أن يقف على رِجْل واحدة أربعين يوماً ، وفي اليوم التاسع والثلاثين رأى كلباً أجرب يدخل المسجد ويتمسّح بثوب الكعبة فيذهب عنه الجرب ، فيضع البهاء رجله الثانية ويقول : ( يا رب وقفت 39 يوماً على رِجل واحدة فلم أجد من قبولك ما وجد هذا الكلب ) فجاءه صوت من السماء : لو أكملت الأربعين لكن تردّ القضاء ، أمّا الآن فسترد البلاء ) وهجومه على السّلفيين في سوريا على منبر الجمعة جاء نتيجة لمناظرة مع الألباني وتلاميذه ، وجاء في معرض ردّه على إنكارهم الغلوّ في مدح الرسول × قوله : ( لماذا تريدون أن تزيحوا رسول الله عن هذا المقام الرفيع الذي تفضل الله به عليه ) ؟ وذلك إثر إنكارهم على الرّواس وصفه النبي × بأنه نورٌ أزليُّ الطراز طُوي العالم في جبّته ، وعلت عمامته على العرش .
وإذا كان مِثْل الأستاذ طهماز يدرب الخطباء والدعاة فلا عجب من ضياع الدعوة والخطبة والسنة ، ردّ الله الجميع إلى دينه ردّاً جميلاً .
عمان 14/8/1414هـ
الدعوة بالفكر
وصلني كتاب : ( قالوا عن الإسلام ) لعماد الدين خليل من منشورات الندوة العالمية للشباب الإسلامي ، فوجدت مجمله فوضى فكرية .
وكان من أمثلة ما وقع عليه نظري من هذه الفوضى ص189 قول ( يوجبنا ستشيجفسكا ) إن القرآن والنبي × أمر بالعمل والاجتهاد في كل شيء ؛ قال تعالى : {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105].(1/47)
وبدا لي من الواجب أن أنبّه الندوة وأنبه من استكتبته الندوة هذه الفوضى الفكرية إلى أنّ توجيه الشباب المسلم في بلاد التوحيد والسنة لا يجوز أن يترك لأي مؤلِّف عربي أو أعجمي تحوّل إلى الإسلام وقد منَّ الله على جزيرة العرب وميّزها بخيرة علماء الشريعة وبمنهاجها الصحيح الذي لا يقبل الله غيره .
والله ورسوله لم يأمرا إلا بعمل الخير والاجتهاد في سبيل دين الله ، ولا بدّ للعمل الذي يوافق أمر الله وسنة رسوله أن يكون خالصاً لله وأن يكون على منهج رسول الله × ، والآية لا تدل على الأمر بالعمل المطلق ، ولا على مشروعيته ، ولكن الفكر السّاذج الذي زيّنه الشيطان بوصفه بالإسلامي يقود إلى التِّيه والضّلال عن تدبّر كتاب اله وسنّة رسوله وفق الأئمة الأعلام الأُوَل .
ولن تتخلص الندوة من إثم القيادة الفكرية بديلاً عن الهدي المعصوم باشارتها إلى أنها ( قد لا تتفق بالضّرورة مع جزئية وردت في هذه الشهادة أو تلك ، ذلك لأن لهؤلاء الشهود ظروفهم النّفسية والاجتماعية التي قد تحجب عنهم جوانب من الحق ) ، فقد كان في وسعها الطلب من أحد علماء الشرع (لا الفكر) أن ينتقي من أقوال أهل العلم الشرعي ( لا الفكري ) أو من أقوال هؤلاء ما يفي بالغرض ، ولو أخطأ لما لامه أحد ، فالعالم المجتهد مأجور ولو أخطأ .
ولكن النّدوة من أساسها مبنيّة على المنهج الفكري للحزبية الإسلامية المبتدعة ، ولذلك تتكرّر أخطاؤها ولا تُعْذَر بالجهل .
ولا يَغُرّن القائمين عليها ما ادّعوه من أن إحدى نشراتها تحت هذا العنوان (لاقت استحساناً كثيراً وأصبحت مادّة الدّعوة للإسلام داخل المملكة وخارجها) فكل هذا باطل :(1/48)
1 ـ لأن كثيرة الاستحسان لو تحقّقت تدل على الضّلال أكثر مما تدلّ على الهدى .. قال الله تعالى : {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ} [الأنعام: 116] ، و {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 6] ، {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً} [يونس: 36] ، {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] ، {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} [ص: 24].
2 ـ لأن مادّة الدعوة للإسلام لو صح التعبير يجب أن تبقى داخل المملكة ـ خاصة ـ وخارجها ـ عامة ـ تصحيح المعتقد ونشر السنة ومحاربة الشرك والبدعة كما هو شرع الله وسنّة رسول الله × . أما إذا صارت ( مادّة الدعوة ) أقوال عدد من الرجال والنساء عرباً أو عجماً مَنّ الله عليهم بالإسلام بعد الضلال ولكنهم كالأعراب : ( أجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) ؛ فإنما ذلك نتيجة توسيد الأمر إلى غير أهله من المؤسسات والأفراد تحت سيطرة الحزبية الإسلامية هداها الله أو أزالها قبل أن تدمّر شرعه .
وفي الختام أذكركم بقول الله تعالى : {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61].
هدانا الله وإياكم لأقرب من هذا رشدا ، وصلى الله وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته .
عمان 20/1/1413 هـ
* * *
عن العراق والجهاد(1/49)
كتب عدد من المفكرين في بلاد الدعوة إلى التوحيد والسنة ( خطاباً مفتوحاً إلى الشعب العراقي ) الذي وصفوه بالمجاهد ؛ وصِفَة المجاهدة منذ أفغانستان تُصْرف بغير حساب لكلّ من حمل السلاح في وجه أمريكا تصديقاً لدعوى الخميني أنها الشيطان الأكبر ، ولو كان هذا صحيحاً لكان الفيتناميّون الشيوعيون الوثنيَّون أولى بهذا الوصف وأسبق إليه ، وقدّر الله لهم النّصر الكاسح بعد عشرات السنين من المقاومة المستمّرة لأمريكا وقبلها فرنسا : {كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ} [الإسراء: 20] ، {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140].
وقد بدا لي في هذا الخطاب المفتوح (على مختلف الأوصاف والاحتمالات) ما يلي :
1 ـ حُسْن نيّة الموقّعين عليه ، فلا يجوز اتهام النّية ومحلّها القلب فالله وحده يعلم ما تكنه الصدور مهما ظهر من صلاح العمل أو فساده وقد قال عن شر خلقه : {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف: 104].
2 ـ من غرائب الفكريين وعجائبهم وتناقضهم أنّ خطابهم لم ( ينفتح ) للشعب العراقي طيلة ( احتلال ) البعث العراقي الملحد للعراق وتحكم طاغوته ( الأخير بخاصّة ) في رقاب العباد ( وألسنتهم وعيونهم وآذاتهم ) ، وكان الناس يموتون بالرّصاص والمواد الكيمائية وأدوات التعذيب المختلفة ، وكانت السجون داخل السّجن الكبير تقول : هل من مزيد ؟ وعلى حدود العراق البائس ( رغم أنهار الماء وأنهار النفظ ) مع الكويت يرى القادم ( قبل كل شيء) لوحة كبيرة لم أر مثلها في بلد شيوعي تعلن : ( أنت بعثي ولو لم تسجّل في الحزب ) ، وكانت أوثان صدّام في كلّ مكان .(1/50)
ولم ( ينفتح ) خطاب الفكريين لشعب الكويت الذي أُخْرِج من أرضه ودياره ، وسُرِقَت أمواله ومتاعه ( حتى تحولت أرصفة بعض البلاد المؤيدة للباطل متاجر لبيع المسروقات ) ، وهُدِّد مستقبل دينه ودنياه ، وتوقفت أعانته للمحتاجين إليه في كل أرض ومنهم الذي اعلنوا الفرح بنكبته أو أَسَرُّوه .
3 ـ طالب الخطاب العراقيين بالإخلاص لله وإرادة وجهه ، وهذا مطلب عظيم لا يتكرر في الخطاب ولكن يُفهم من السّياق حَصْرُه بالمقاومة وهي مثل كلّ مقاومةٍ أُلْبِستْ زُوراً ثوب الجهاد لا يظهر منها إلا الأهداف المعلنة للمقاومين ، إسلاميين أو علمانيين : الأرض والسّلطة والهوية والقوميّة ، أما الدين فهو لله والوطن للجميع كما فهمت من تحذير الخطاب ( عين إقحام الناس في الانتماءات الخاصّة والمواقف الضَّيقة والخلافات المذهبية ) .
4 ـ كانت أفغانستان تَغْرق ـ مثل العراق وفلسطين ـ في وثنية المقامات والمزارات والمشاهد ، وكانت الشيشان تَغْرق في التّصوف الضّال ، وكانت البوسنا تَغْرق في الإلحاد ، ولم أر خطاباً مفتوحاً ولا مُغْلقاً كتبه الفكريّون بل ولا طلاب العلم ، ولا ظهرتْ حركة للجهاد وأوّل مراحله الدّعوة إلى التوحيد والسنة بالحكمة والموعظة الحسنة ( قبل أن قلب الفكريّون سلّم الأوّليّات ) ، ولا نَشِط الأئمة للقنوت ، ولا الخطباء لتعليم الدّين وهو المقصد من فريضة خطبة الجمعة ، لأن قلوبنا تتحرك للدّنيا ( الأرض والسّلطة ) لا للدين ، نستغفر الله ونستعيذ به .(1/51)
ولقد ذَكَّرْت كثيراً من الأئمة والخطباء بأوّليّة الدّعوة إلى الدين ( وأساسه التوحيد والسنة ) والدّعاء لإخوانهم في فلسطين والعراق والشيشان وغيرها بالرّجوع إلى الدين الحق الذي كان عليه محمد × وأصحابه رضي الله عنهم ، ولكنهم يصرّون ـ غالباً ـ علها الانشغال والإشغال بالذي هو أدنى وبالمبالغات والتّهريج والتَهييج بل وبالإفتراء على الله كمثل : ( اللهم إنهم عراة فاكسهم ، اللهم إنهم حفاة فاحملهم)، وتجنّب الدعاء لهم بالهداية (مسلمين أو غير مسلمين)، وقد أرسل الله كل رسله للدعوة والدعاء للمسلم والمشرك واليهودي والنصارى بالهداية ، وقد ورد أن النبي × كان يحكى نبيّاً ضربه قومه حتى أدموه ، فكان يمسح الدم عن وجهه ويقول : ( اللهم اهد قومي فإنّهم لا يعلمون ) .
5 ـ ذكر المفكرون أنّ ( من شرط النجاح فَهْم الظّرف والمرحلة والواقع ) فهماً جيداً ) ، ولا بدّ أن هذا من وحي ( معلم الفكر الأول سيد قطب ) الذي هوّن من فقه الأوراق وحث على فقة الواقع والحركة ؛ لأن المفكرين لم يذكروا من شروط النجاح : تصحيح المعتقد بإفراد الله بالعبادة والالتزام بالسنة ، ولا تَرْك الشرك والبدعة ، ومعلوم أن أغلبية المنتمين إلى السنة ـ فضلاً عن غيرها ـ في العراق يتقرّبون إلى الله بالشرك الأكبر وما دونه من البدع ، وقبل شهر أكّد لي أحد كبار طلاب العلم في الأردن ما كنت أعرفه من قبل : أنه زار العراق أخيراً لتعرف على الجهاد فيه والمجاهدين فوجد أوثان المنتمين إلى السنة تفوق عدد أوثان الشيعة والنصارى والآشوريين واليزيديين وغيرهم ، ويؤسفني أن أقول : إن الحال في فلسطين ليست خيراً منها في العراق حسب متابعتي لحال الدعوة في بلاد الشام قريباً من ربع قرن ، ثم نطلب من الله النصر ! .(1/52)
6 ـ اكتشف المفكرون اليوم أن (جهاد المحتلين واجب وأنه من باب دفع الصيال) وغفلوا أو تغافلوا عنه عند احتلال العراق الكويت أسوأ احتلال عرفته الكويت وأفجره وأشرسه وأخطره على الدين والدنيا ، بل إن أحد الموقعين على الخطاب المفتوح (وكان خيرهم وأقربهم للمنهاج الشرعي قبل تحوله عن اليقين إلى الظن وعن الوحي إلى الفكر) اختارت إذاعة صدّام الدين تكرار بث دروسه المخالفة للحقّ وللعدل والعاصية لولاة الأمر في بلاد التوحيد والسنة أمراء وعلماء ومنهم أكبر العلماء ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله وبقية كبار العلماء في الأمّة ؛ فصار بوقاً للاحتلال والضلال يردّد ما يوحون به للغوغاء من أن الأمريكان إنّما جاءوا للتنصير واحتلال جزيرة العرب بدليل تصريح لوكيل وزارة الدّفاع الأمريكية وخبر (متواتر) نقلته جريدة المدينة عن مجلة القدس! .
7 ـ أوصى المفكرون ( المسلمين بالوقوف إلى جنب إخوانهم [ الإرهابيين ] في العراق ) ، ومرّة أخرى : أن كانت أقلامهم وألسنتهم ووصاياهم يوم أباد صدّام الدين وحزبه الملحد آلاف المسلمين في حلبجه ، وأيام ( وشهور وسنين ) عاث البعثيون الاشتراكيون العفلقيَّون في العراق فساداً وأَخْرَج طاغوتهم الكويتيين من ديارهم وسَرَق أموالهم وأخيراً أحْرَقَ مئات آبار النفط ( عليّ وعلى أعدائي)، وهدّد مستقبل الدين والدنيا في دول مجلس التعاون الخليجي؟ .
وقد يعلم أو يجهل المفكرون أن كتب التوحيد والسنة دخلت العراق وأن دعاة السنة الصحيحة جلسوا في مساجدها لتعليم الدين الحق بعد سقوط الطاغية وحزبه ، حتى زعزع جهاديوا الوهم أَمْن البلاد وأفسدوا حالها في الدين والدنيا .(1/53)
8 ـ أوصى المفكرون المسلمين بمن سمّوهم (رجال المقاومة) خيراً ، وأعرف عن أبرز ( رجال المقاومة ) المنتسبين إلى السنة أنه كان موظفاً في بلدية الزّرقاء لم يُعْرَف بِعِلْم ولا دعوة ولا اصلاح ، ثم جاءت موجة الجهاد الوهمي فركبها مع من ركبها ، وحصل على الشهرة .
9 ـ نحمد الله ونشكره أن جعل لدول التحالف مصالح تجارية مشتركة في بلادنا فأنقذنا الله بهم ودفع بهم ( الصّائل ) المنتمي للعروبة أو الإسلام ، مرّة في الكويت ومرّة في العراق ، بعد أن عجز العرب والمسلمون عن مجرّد التفكير أو الدّعاء لإزالته ، بل أعانوا الصّائل وأعوانه من مختلف طوائف الضّلال بالقنوت والخطب والدّروس والبيانات والخطابات ( المفتوحة والمغلقة ) ، وأظهر بعضهم الفرح أو أسرّه بحسب موقف حكومته من الظلم والاعتداء والطغيان .
هدى الله المسلمين وغيرهم بهداه وردّهم من الفكر إلى الوحي والفقه فيه ومن الظن إلى اليقين وكفانا شرّ كل ذي شر مهما كان انتماؤه .
الرياض ـ ذو الحجة 1425هـ .
{فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}
لما أصابت المسلمين مصيبةٌ يوم أُحد قالوا : {أَنَّى هَذَا} [آل عمران: 165] فأمر الله تعالى رسوله أن يجيبهم : {هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165] ، وقال الله تعالى لسيّد ولد آدم يوم القيامة × : {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [النساء: 79] ولن يجادل كثير من المسلمين في هذه الحقيقة البيّنة ، ولكنهم مع ذلك في معظم وأهمَّ أحوالهم يعدلون بهذه الحقيقة إلى الخيال فيبحثون عن أسباب مصائبهم في نيات وأعمال غيرهم لا في نيّاتهم وأعمالهم أنفسهم . وإلى القارئ هذه الأمثلة القليلة من كثير :(1/54)
1 ـ هبّ المسلمون (علماؤهم وعوامَّهم ، ذكورهم وإناثهم ، أفرادهم وجماعاتهم ) يستنكرون قرار الإدارة العلمانية الفرنسية بمنع الطالبات المسلمات من تغطية رؤوسهنّ في المدارس الفرنسية كما يُمْنَع الطّلاب اليهود والنّصارى وغيرهم من استعمال المميّزات الدينية .
ولم أسمع صوتاً وأحداً استنكر مفارقة الصّبايا المسلمات قرار بيوتهن إلى المدارس العلمانية عدّة ساعات في اليوم للاختلاط بالمراهقين من كل ملّة بلا رقابة شرعيَّة غير رقابة النّظام العلماني الذي لا يُنْكر بل قد يُحَبِّذ العلاقات الجنسيَّة في حدودٍ لا يقرّها شرع الله ، بل ولا تقرّها تقاليد أكثر العرب في الإسلام ولا في الجاهلية ، وفي هذا مخالفة صريحة لحدود الله تعالى للمرأة المسلمة تفوق كشف الرأس : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] .
2 ـ وهبّ المسلمون جميعاً يستنكرون استيلاء غير المسلمين على المسجد البابري في الهند بعد أن مَهّد المسلمون أنْفُسُهم لذلك بترك الصلاة فيه . ولم أسمع أن فرداً من المسلمين (أو مؤسسة من مؤسّساتهم) استنكر المصيبة الأكبر: هَجْر المسلمين هذا المسجد خمس عشرة سنة لا يُرْكَع فيه لله ركعة واحدة ، وأنهم لا يطالبون بعودته للصلاة فيه بل ( لقيمة أثرية ) تقليداً للثقافة العلمانية ومجانبةً لشرع الله تعالى في كتابه : {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} [النور: 36ـ 37] وفي سنة رسوله × « إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن » رواه مسلم .(1/55)
3 ـ وهب المسلمون جميعاً يستنكرون اعتداء انتحاري يهودي على المصلين في ما يسمى ( المسجد أو الحرم الإبراهيمي الشريف ) وقتله عدداً من المصلين قبل أن يتمكن بعضهم من قتله ، وكان هذا الأمر أهم ما اهتمّ به خطباء الجمعة ، والأئمة في القنوت ، والمفكرون الإسلاميون والعلمانيّون في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئيّة بضعة أسابيع .
ولم أسمع أحداً من المسلمين يتساءل : لماذا يُقدِم يهودي على قتل المسلمين في هذا المكان ولأجله ( وهم يعلم أنه مقتول لا محاله وقد ترك خَلْفَه وصيّته واعتذاره لأهله ) ؟ ولم أسمع أحداً منهم يبين أنّ السّبب : التّنافس على معصية الله تعالى ومخالفة آخر وصايا النبي × لأمته ألا يتخذوا القبور مساجد ، فيما اتفق عليه الشيخان وغيرهما : « لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » قال عائشة رضي الله عنها : ( تحذّر مثل الذي صنعوا ) .(1/56)
فهذا المكان بدأ الشرك بالله فيه منذ اتخذه اليهود مزاراً بدعوى أّنه مَدْفَن إبراهيم وزوجته واسحق وزوجته ، وفي القرن الخامس الهجري بنى فيه الصّليبيون كنيسة ، فاتّبع النّصارى اليهود في اتّخاذ قبور الأنبياء ( بزعمهم ) مسجداً ، تصديقاً لخبر النبي × مما أُوحِى إليه ، وفي القرن السادس الهجري أخذه صلاح الدين الأيوبي فحوّله المسلمون مسجداً وبنوا فيه سبعة أوثان باسم إبراهيم وزوجته واسحق وزوجته ويعقوب وزوجته ويوسف عليهم السلام ( طهرهم الله من الشرك وأهله ) . وبهذا اقتدى المنتمون إلى الإسلام والسنة باليهود والنصارى في التقرب إلى الله بمعصيته تصديقاً لخبر النبي × مما أوحى الله إليه : « لتتّبعنّ سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه»، قلنا : يا رسول الله ؛ اليهود والنصارى؟ قال «فمن» ؟ أي : من غيرهم ؟ متفق عليه ، بل زادوا عليهم ثلاثة أوثان . والحقيقة التي يجهلها ولا يُحِب أن يُذَكر بها أكثر المنتمين إلى الإسلام أنّ ما سموه ـ خطأ ـ الحرم الإبراهيمي الشريف ليس حَرَماً ولا إبراهيمياً ولا شريفاً ، وهو مِثْلُ مسجد الضّرار لم يُبن على التقوى من أوَّل يوم ، بل على الإثم والابتداع والشرك في عهده اليهودي والنصراني والمشترك بين المسلمين واليهود ، ولا تجوز الصلاة فيه فرضاً ولا نَفْلاً ، وعندما وقَفْتُ عليه منذ ثلاثين سنة تقرَّبت إلى الله بعدم الصلاة فيه ، إذ لا تجتمع لعنة الله وعبادته في مكان واحد .
وقد حاول بعض أهل السنة الصحيحة إبعاد المسلمين عنه ببناء مسجد على التقوى قريباً منه ولكن الشيطان والنَّفس الأمارة بالسوء يزيّنان الشرَّ لصاحبهما ويُكَرِّهَان الخير .(1/57)
ومسجد الضّرار لم يصل إلى ما وصل إليه مسجد (مدينة الخليل) من محادّةالله فلم يُبْن فيه سبعة أوثان ولا بُني على أربعة قبور للمنتمين إلى موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين ، ولكن مجرد فساد بنية مؤسّسيه جعله أهلاً لتحريم الله على رسوله الصلاة فيه : {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} [التوبة: 108] ، وأمْرِ رسول الله × بعض أصحابه بهدمه مع صلاحنبيته ونيّتهم بسبب فساد نية المؤسس .
4 ـ وأكثر المسلمين يَعُدُّ نكبة فلسطين أكبر مصيبة في حياة المسلمين منذ أُعْلِن قيامَ الدّولة اليهودية في فلسطين وأن السَّبب في حدوثها ينحصر في ظلم اليهود للعرب ، وفي وَعْد بلفور ، وفي إمداد كلٍّ من أوروبا وأمريكا للدَّولة اليهودية بالمال والسلاح والعون السياسي ولا شك أن هذا سبب ( مادي ) ساعد على حدوث النّكبة ولكنّه سبب ثانوي ، أما السبب الأول والأهم فيتبين من قول الله تعالى : {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30].(1/58)
لا شك أن بلفور وفرنسا وعدد من دول أوروبا ثم أمريكا ساهموا جميعاً في حدوث النكبة أو استمرارها أو تعقيدها ، وأنّ الحركة الصهيونية بسعيها لإنشاء الدولة اليهودية في فلسطين وجَلْبِها اليهود من أوروبا وغيرها ليحكموا الأكثرية من العرب الذين كانوا فلسطينيين قبل أن يُسْلِمَ أكثرهم ، ويصيروا عَرَباً ، بل قبل أن يستوطنها العبرانيون ويُطْرَدُوا منها ( كما يقول ليوبولذفايس اليهودي النّمساوي قَبْل أن يُسْلِم ببضع سنين ) ؛ لا شكّ أنها عالجت الظُّلم الألماني لليهود بِظُلم العَرَب وثأرث لنفسها من غير المعتدي عليها . ولكنّ الله الذي يدبّر الأمر كلّه ويصرّفه بعلمه وحكمته وعدله قال وقوله الحق : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44] ، وقال تعالى : {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129]:
ـ سبقت فلسطين البلاد العربية إلى الثروة والتّرف ثم إلى الاسراف والفساد ، ولذلك نُكِبتَ العرب فيها قبل غيرها ، وكما أن الله تعالى {لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64] فهو تعالى {لاَيُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] والإسراف مثل الشرك في أنّه لا تدعو إليه الغريزة ( مثلما تدعو إلى النكاح وطلب المال ) ، وربما أشار ذلك إلى الحكمة في قول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48] .(1/59)
ـ ولم يكن الشرك غائباً عن فلسطين الأرض المباركة المقدسة التي كتبها الله لبني إسرائيل ، وللرّوم قبل الإسلام العرب بعده ، بل إن أوثان الشرك الأكبر بالمقامات والمزارات والأضرحة والأنصاب تشوّه الأرض المباركة حول المسجد الأقصى ، وقد ظهر لي من بحثٍ لحصر هذه الأوثان ( حصلتُ عليه من بعض موظفي مديرية الأوقاف الفلسطينية في القدس ) أنّ نصيب المنتمين إلى الإسلام السنة من هذه الأوثان أكبر من نصيب فِرَق الضّلال في فلسطين مجتمعة . وهذه المعصية هي أوّل الموبقات وأشنعها : {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} [الأنعام: 151] ، « الموبقات سبع : الشرك بالله .. » متفق عليه ، ولا حاجة للمخلوق مطلقاً ـ أن يدعو المخلوق الميّت وينسى خالقه الحي الذي لا يموت ، والمشرك ـ مهما كان انتماؤه ـ يتقرّب بِشِرْكه إلى الله فلا يستغفره كما قد يفعل الزاني والسارق وشارب الخمر .
ـ وكان الإخوة في فلسطين (قادة ومفكرين وشعراء وصحفيين) يُلْقُون اللوم على بقية العرب لِتَفَرُّقهم وتثبتت الحدود وإصدار الجوازات لِتُميِّز بعضهم عن بعض ، ولكن أول خطوة خطوها في سعيهم للتحرير : مطالبتهم بالاستقلال عن الأردن في بُقْعة صغيرة لا تتّسع لأكثر من دَوْله .
ـ وكانوا يدّعون أن الحدود بين الدّولة العربيّة رُسِمَتْ في لندن ؛ فَرُسِمَتْ حدودهم في أوسلو بسعي حثيثٍ منهم .
ـ وكانوا يُلْقُون اللوم في مصيبتهم على دعوى الفساد المالي والإداري في الدّولة العربية ؛ فظهرت روائح الفساد المالي والإداري في السّلطة الفلسطينية من أوّل يوم .(1/60)
ـ ومما لا يقبله الشرع ولا العقل أن تمتنع الدّولة اليهودية عن إنشاء مؤسسة للقمار وما يتبعه من الموبقات منذ احتلالها فلسطين قبل نصف قرن ، ويكون أوّل مشروع تجاري وسياحي يُذكر للسّلطة الفلسطينية : مؤسسة للقمار وما يتبعه من الموبقات في أوّل مدينة فلسطينية ( تُحرّرها معاهدة أوسلو ) .
ـ ومما لا يقبله الشرع ولا يصدقه العقل أن تتميّز الأرض المباركة المقدسة على بقية البلاد العربية بل على بقية بلاد الشام بتفشي لعن الرّب ولعن الدين ، وفي تاريخ النكبة الفلسطينية اتّهمت فتاة يهودية بسب النبي × ، ولكن لم يتهم يهودي أو يهودية ـ مجرد تهمة ـ بسب الرب ، فهو امتياز خاص للمنتمين إلى الإسلام والسنة الدّاعين والمدعو لهم بالنصر ، والمدّعين بالجهاد والشهادة ، ولقد قرأت لأحد كبار الدعاة في المنطقة أن كلمة الشّر في إحدى الليالي لإحدى فصائل الفدائيين كانت ( لعن الرّب ) لأنه لا يُتَوَقَّع أن يقترف ذلك غيرهم هداهم الله جميعاً .
ـ وبعد هذا ليس من الغريب ألا نسمع من قادة المقاومة والانتفاضة على اختلاف انتماءاتهم كلمة واحدة تحذّر المقاومين والمنتفضين ومؤيديهم ـ فضلاً عن مخالفيهم ـ من الشرك الأكبر بالمقامات والمزارات ، أو تدعوهم لإفراد الله بالعبادة ، أو تحذّرهم من البدعة أو تدعوهم لالتزام السنة بل إنهم لَيَتَّهمون الدّعاة إلى ذلك بالتثبيط عن الجهاد ، وإنما الجهاد الحقيقي مرحلة أخيرة من مراحل الدّعوة لحمايتها من الصادين عنها {حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} [البقرة: 193] ، ولهدف أسمى من القومية العربية أو الهوية الفلسطينية : {وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: 40] ، وهذه أشرطة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري ، وهذه تصريحات أحمد ياسين والرّنتيسي لا يوجد فيها ما يخرق القاعدة الفاسدة : الانشغال والإشغال بالمهم عن الأهم وبالنافلة عن الفريضة وبالمكروه عن الحرام .(1/61)
هدى الله الجميع لأقرب من هذا رشداً وتجاوز عمّن مات لا يشرك به شيئاً .
الرياض ـ ذو القعدة 1425هـ .
من مكايد الشيطان الانشغال بالمهم عن الأهم في الدين
في عصر ما سُمِّي بالصحوة الدينية التي أراد الله لها أن تعمّ جميع البلدان والأديان منذ العقد قبل الأخير من القرن الرابع عشر الهجري ـ ليعلم الله مَنْ يختار دينَه الحقَّ الواحدَ ، ومن يختار ديناً من أديان الباطل المتعدده ، مَنْ يختار دين الاتّباع لشرع الخالق ، ومن يختار ديناً من أديان الابتداع والهوى مِنْ شرع المخلوق بغير إذن خالقه ؛ في هذا العصر عرف الشيطان مَنْ تجربته أن ليس من السهل ثني الناس عن محاولة الرجوع إلى أديانهم التي وجدوا عليها آباءهم مهما كان ارتباطها بالأصل الذي أنزل عند الله أو انحرافها عن هذا الأصل وهو الإسلام ، قال الله تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19] ، وقال النبي × : «الأنبياء أولاد علات ، دينهم واحد وأمّهاتهم شتى » متفق عليه ؛ فلجأ إلى مَكِيدته القديمة المتجّددة : توجيه متِّبعيه ـ وهم الأكثرون من المنتسبين إلى الدِّين الحقِّ أو الأديان الباطلة ـ توجيههم إلى الانشغال والإشغال بالمهمِّ فما دونه عن الأهم في الدين ، بل بالإنشغال والإشغال بفكر أشياخهم ومبتدعي طُرُقهم وفِرقهم وطوائفهم وجماعاتهم وأحزابهم عمّا أنزله الله على رسله من الهدى في الدين أو في الدعوة إليه أو الجهاد في سبيله .(1/62)
وكما بدأ الشيطان أعظم فتنه ومكايده بتوجيه متبعية قبل بعثة نوح عليه السلام ـ إلى التقرب إلى الله بتقديس آثار الصالحين وتعظيم المقامات والمشاهد والمزارات والأنصاب التي بَنَوْها عليها طلباً لرضا الله عنهم وشفاعة أوليائهم لهم عند الله كما قال الله تعالى عنهم : {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] ، وقال تعالى : {وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ} [يونس: 18] وكما روى البخاري وابن جرير رحمهما الله في تفسير قول الله تعالى : {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح: 23] ، وكان أعظم عبادتهم إياهم : دعاءهم والاستغاثة بهم وطلب المدد منهم ؛ قال النبي × : « الدّعاء هو العبادة » ، وقال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف: 194] .. وكما طوّر الشيطان أعظم فتنة ومَكايِده قبل بعثة محمد × بتوجيه متبعيه من مشركي قريش إلى الانشغال بالعبادات القولية والفعلية الصالحة مثل الحج، والاستغفار ، وإخلاص الدين والدعاء لله وحده في الرّخاء ، وعمارة المسجد الحرام ، وسقاية الحاج ، والعبادات الفاسدة ـ مثل الصلاة مكاءً وتصدية ، والطواف بالبيت عراة، والتلبية بالشرك : ( لبيك لا شريك لك ، إلا شريكاً هو لك ، تملكه وما ملك) ـ ؛ الانشغال بذلك عن إفراد الله بالدعاء ، وتطهير العبادة من الشرك والابتداع ، وتطهير بيت الله من الأوثان وأوّلها آلهة قوم نوح التي نَقَلَها إلى مكة المباركة أحد أعوان الشيطان : (عمرو بن لَحيَّ) وهو يحسب أنه على الهدى كما قال الله عن أمثاله : {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف: 30].(1/63)
كما فَتَنَ الشيطان أكثر الناس بذلك في الماضي ؛ فَتنَ أكثر الناس بمثل ذلك بعد بِعْثة خاتم النبيين رسول الله إلى الناس كافة ؛ فأعاد الفاطميون أوثانَ الجاهلية الأولى وغُلُوَّها وبِدَعَها ، وأَمَرَّها مَنْ جاء بَعْدهم من ولاة أمْر المسلمين وبخاصة العثمانيين في خرافتهم غير الراشدة وغير المهدية ، لا أستثني من الدول المنتسبة إلى الإسلام غير دولة الدّعوة إلى التوحيد والسُّنَّة في القرون الثلاثة الأخيرة ، حتى الأيوبيين الذين ورثوا الحكم من دولة الفاطميين أبْقَوا جميع أوثانهم وبدعهم ، بل ذكر السّيوطي رحمه الله في تاريخ الخلفاء أن صلاح الدين الأيوبي تجاوز الله عنه هو الذي بَنَى تُرْبَة الشافعي [ مِنْ أشهر أوثان المنتسبين إلى السنة اليوم ] ، ولم يظهر بين الأيوبيين والفاطميين تنازع في الدين ولا الدنيا فإن العاضد ـ آخر مُخَرِّفِي وولاة الفاطميين هو الذي عيَّن صلاح الدين [الأشعري اعتقاداً] تجاوز الله عنه وزيراً وقائداً للجيش ولقّبه بالملك الناصر ، ولم يَقْطع صلاح الدين الخطبة للعاضد إلا في مرض موت الأخير عام 567 (أعلام الزّركلي) .(1/64)
ولقد صدق إبليس ظَنَّه على أكثر المنتسبين اليوم للإسلام فضلاً عن غيرهم ـ فاتّبعوه إلا فريقاً ـ واحداً ـ من المؤمنين ؛ فإن أكبر الجماعات والأحزاب والفِرَق والطوائف الموصوفة بالإسلامية تنشغل وتشغل الناس عن أعظم وأهم وأوّل ما أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله : إفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه والتّقيّد بمنهاج النبوة قولاً وفِقْهاً وعملاً وتقريراً ودعوةً ؛ بما دون ذلك من الدين أو ما زاده الهوى عيه ، وقد قال الله تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] ، وقال تعالى : {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] ، وقال كل رسولٍ لقومه قبل كل قول وعمل : {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] . أما الفِرَق المنتمية لأهل السنة فضلاً عن غيرهم ـ فتجنّبتْ باصرارٍ وإلحاح غريب هذه الأولية العظيمة ـ مُخَاِلفَةً شرعَ الله تعالى وسُنَّةَ رسوله × ـ وحافظتْ ـ منذ نشأتْ حتى اليوم ـ على الإنشغال والإشغال بما ليس من الدين أوليس من أوليائه :
1 ـ المتصوّفه ؛ بالذكر على طرائق عدّة ليس بينها طريق محمد × : لفظ اسم الله مفرداً ، الرّقص والغناء الدّيني ـ زعموا ـ ، الشطح على منوال : ما في الجبّة إلا الله ، سبحاني ما أعظم شاني ، وحدة الوجود ، اللهم انتشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في بحار الوحدة ، صلاة الفاتح ، الصَّلاة النّارية ، ونحو ذلك من الضلال عن الاتباع إلى الابتداع .(1/65)
2 ـ الإخوان المسلمون ؛ بمحاولة الاستيلاء على السلطة بالسّياسة إن لم تتحقق بالعنف ، ( ولم يرسل الله رسولاً لتحقيق هذه الغاية وإنما السلطة والولاية وسيلة قد تتحقق أولاً تتحقق نتيجة للالتزام بالتوحيد والسنة ، وعندما خُيِّر رسول الله × بين أن يكون عبداً رسولاً وبين أن يكون مَلِكاً رسولاً اختار العبودية والرّسالة ) ، وبما دون الاعتقاد من أمور الدين وبخاصة المعاملات .(1/66)
3 ـ حزب التحرير ؛ بمحاولة تغيير نظام الحكم واختيار تسمية الخلافة [ أو الخرافة ] على المُلْك والسّلطنة والرّئاسة ؛ مُصَادَمَةً صريحةً لاختيار الله تعالى : {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً} [البقرة: 247] وقال الله تعالى لبني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام : {اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً} [المائدة: 20] ، وسمّى الله تعالى ولاية آل إبراهيم وسليمان وداود ويوسف عليهم السلام مُلْكاً فقال تعالى عن آل إبراهيم: {وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً} [النساء: 54] ، وعن سليمان : {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102] ، وعن داود : {وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 251] ، وعلى لسان يوسف : {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} [يوسف: 101] ، ولا مشاحة في هذا الاصطلاح فالألفاظ مترادفة وأَقْرَبُها إلى نصوص الوحي : المُلك ، وقد وصف الله نبيّه داود عليه السلام بكلمة {خَلِيفَة}ً في قول الله تعالى : {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [ص: 26] ، ووصف النبيُّ × خيرَ الولاة بعده بالخلفاء الراشدين المهديين ، وهم الأربعة حسب ترتيب ولايتهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم ، ووصف الثمانية بعدهم بالخلفاء من قريش ، وحزب التحرير ومثله حرب الإخوان ـ إلا ما رحم الله ـ غير راضين عنهم ، بل أكثرهم يقدح في عثمان المشهود له بالجنة والذي مات رسول الله × وهو عنه راض .(1/67)
وأكثر وَصْفِ الله عباده بالخلافة يعني : يَخْلُف بعضهم بعضاً صالحين أو طالحين كقول الله تعالى عن ذريّة آدم صالحهم وطالحهم : {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] بدليل قوله تعالى عن لسان الملائكة : {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} [البقرة: 30] ، ولو كان المقصود آدم عليه السلام لم يوصف بالإفساد وسفك الدماء ، وقال تعالى عن أمة محمد × على اختلافهم : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 165] ، وقال تعالى عن قوم هود عليه السلام : {وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: 69] وقال الله تعالى عن قوم صالح عليه السلام : {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ} [الأعراف: 74] ، وقال تعالى تقريعاً للمشركين : {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
4 ـ حزب الجهاد ؛ بالتّكفير والتّفجير والاغتيال ، لتعود الأرض للمسلمين أولاً لا ليعود المسلمون إلى الدين الحق أولاً ، مخالفةً صريحة لسُنة الله التي قد خلت في عباده وفي رسالاته جميعاً بما أنزل من كتبه وما أرسل من رسله ومخالفةً صريحةً لسُنَّة جميع رسل الله في إبلاغ دينه والدّعوة والجهاد في سبيله . ولم تُحرِّك أوثان المقامات والمزارات والأضرحة والأنصاب في أكثر بلاد المسلمين العربية والأعجمية من قلوبهم ما حرّكه الخلاف على الأرض والسلطة في أفغانستان والبوسنا والشيشان وفلسطين والعراق .(1/68)
وكان الجهاد الحق ( لا الوهمي ولا الإجرامي ولا العدواني ) في شرع الله وسُننِ رسله يبدأ بالدعوة إلى التوحيد والسنة والتحذير من الشرك والبدعة (الأمر الذي لا وجود له في المنهاج العملي للحلاّج والبسطامي ، ولا للبنّا وقطب ، ولا للظواهري وابن لادن وعمر عبد الرحمن ، ولا للنّبهاني وزلّوم والمسعري) تجاوز الله عنهم أجمعين ، وينتهي بالقتال في سبيل الله مع ولي الأمر لتكون كلمة الله هي العليا وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ، وليس العكس كما يفعل المنحرفون عن منهاج النبوة .
5 ـ جماعة التبليغ ، بالخروج في سبيل الله ـ زعموا ـ على منهاج محمد إلياس عفا الله عنّا وعنهم جميعاً لا على منهاج النبوة ، وبالاشتغال والانشغال بسُنن العادات من الأكل والشرب واللباس والنوم عن تعلم وتعليم أحكام الشريعة وفرائضها وأركانها في الاعتقاد والعبادات والمعاملات الشرعية .(1/69)
6 ـ وحتى إخواننا الموصوفون بالسّلفيين أو الأثريين أو أهل الحديث ( وهم وحدهم المنتمون إلى السَّلف الصالح لا إلى الخَلَف ، والمكتفون بمنهاج النبوة عن المناهج المحدثة في الدين) لا يُعْرَف أكثرهم إلا بالإلتزام بِسُنَن الهيئات على مذهب المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله ، أو بالخلاف في الصفات من جانب الاعتقاد ، أو بتزكية أنفسهم رداً ـ لهجمة أهل الباطل عليهم ، ويشغلهم ذلك عن التركيز على إفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه ، الأمر الذي يجهله أو يتقرب إلى الله بمخالفته أكثر المسلمين اليوم ، وممن انتسب إلى السّلفية زوراً من انشغل عن الدين والدعوة بالتكفير والتفجير والعدوان . ويتفق معظم المنتسبين إلى الإسلام المنتمين إلى السنة أو إلى الانحراف عنها في تعلّمهم وتعليمهم ودعوتهم للدين على تصرف اهتمامهم واهتمام أتباعهم عن تدبر كتاب الله المُبيَّن المُيَسَّر وحفظ حدوده (وهو فريضة على كل مسلم ومسلمة) والعمل به وتبليغ أحكامه ، إلى حِفْظه عن ظهر قلب (وهو نافلة)، وحِفْظ قواعد تجويده المُحْدَثة (وما زاد منها على الضروري لصحّة المعنى من قواعد اللغة فتكلُّف لا سند له من الآيات ولا الأحاديث ولا الآثار ولا فقة الأئمة الأربعة كالقلقلة الكبرى ، والإشمام ، وتجديد حركات المدّ بين أربع وستّ حركات ، والتزام عدم الوقوف على رؤوس بعض الآي ، أو الوقوف على رأس الآية ثم العودة إلى ربط قراءة الآية السّابقة بقراءة الآية اللاحقة حتى يَسْتَبين المعنى ، ( وهذا أستدراك على الله وعلى رسوله واتباع لغير سبيل المؤمنين القدوة ) .(1/70)
ويتجاوز الابتداع حدوده فيتفاخر المسلمون بزخرفة المصاحف وبوضع برامج لحفظ القرآن في شهرين أو 27 يوماً ، وبرامج لحفظ الكتب الستة في الحديث ، وليس لهذا الالتزام والإلزام قدوة إلا النسك الأعجمي ( في لفظ ابن حزم رحمه الله ) وهو ما ضلّ به أكثر الأعاجم المنتسبين للإسلام عن التدبر والعمل والتبليغ على منهاج النبوة ، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وأتباعه .
عمان 1425هـ
{ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ }
في جريدة الاقتصادية العدد 3186 بتاريخ 20/4/1423هـ مقال في زاوية ( رأي وقضيّه ) بعنوان : ( لن نأكل ) يحمل كلمة حقّ على استحياء يتخللها الاعتذار والتحفظ لمخالفتها رأي الأكثرين في مقاطعة العلاقات التجارية الأمريكية المستثمرة محلياً بأموال سعودية .
وإني لأشارك الكاتب في نتيجة مقاله ـ دون اعتذار ولا تحفظ ـ وإن خالفْتُه في بعض مقدمة المقال ، وأذَكِّره بأن الأكثرين غالباً هم الأقلون عَقلاً وعلماً وفِقهاً وإيماناً وشكراً كما وصفهم خالقهم ، وهو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير ، وعلى هذا فلا يليق بالمسلم اتباع أهوائهم في الانتخابات ولا في وسائل الإعلام ولا في الإشاعات ولا في المظاهرات والإضرابات ولا غيرها ، فإن فَعَل فقد خالفَ الشرع والعقل ، قال الله تعالى : {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116] :
1 ـ أوافق صاحب المقال في قوله : ( إننا اليوم نجبكم عواطفنا وأهواءنا [على اختلاف انتماءاتنا] أكثر مما نحكم عقولنا ) فضلاً عما يجب أن نتعبد لله به من تحكيم شرعه .(1/71)
2 ـ ولا أوافقه على مقدّمته الاسترضائية التي تدخل تحت وصفه ( ظاهرة المبالغة في الحماسة) من دعوى أن أمريكا (تقف ضدّنا على طول الخط ، وتنتزع من لحمنا وتعطيه اليهود .. هادناها ولم تهادنا .. حالفناها ولم تحالفنا) إلخ . قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] ؛ فالله تعالى يجب العدل ويأمر به الجميع مع الجميع : الصديق والعدو ، المسلم وغير المسلم.
3 ـ وأمريكا حليفة للسعودية منذ أكثر من نصف قرن ، ومهادنة لها منذ بدء العلاقات بينهما ، بل لم تكن بينهما حرب تستدعي الهدنة ، وإذا كانت بعض الدول العربية والمسلمة قد احْتُلَّتْ بالجيوش الأوربية مثل فرنسا في سوريا ولبنان والغرب العربي ، وانكلترا في العراق والأردن وفلسطين ومصر والسودان والخليج .. إلخ ؛ فإن الله قد حمى السعودية من الاحتلال ، وأمريكا لم تكن من دول الاحتلال في المنطقة عندما كان الاحتلال العسكري عملة دارجة على أي حال .
4 ـ ولا أعلم أنها ( انتزعت شيئاً من لحمنا لتعطيه لليهود ) ، فأهم ما تحتاجه أمريكا مما نملك : النفط وتأخذه بثمنه الذي نحتاج إليه ، وهي تساعد حليفتها إسرائيل ونحن نساعد ( حليفتنا ) فلسطين ، وأمريكا تحالف وتعين عدداً من الدول العربية والمسلمة للمصلحة المتبادلة ، وليس من العدل أن نطالب مَنْ يَعُدّه أكثر العرب والمسلمين اتباعاً لفكر الخميني العدو الأول والشيطان الأكبر بأن يختصهم بمحالفته وإعانته .(1/72)
5 ـ وأمريكا تبحث عن مصالحها المادية أو المعنوية ، ولا يجوز لنا أن نلومها على ذلك وكلنا يبحث عن مصلحة ويدافع عنها البعيد والقريب . وللمصلحة أعانت أمريكا صدّام حسين على جارته إيران يوم كان الخطر قادماً منها ، وللمصلحة أعانت الكويت لتحريرها من احتلال صدام الغاشم ، وللمصلحة دمّرت يوغسلافيا الصّربية النصرانية لوقف عدوانها الظالم على كوسوفا المسلمة، وقبل ذلك كله دمّرت ألمانيا النصرانية النازية انتصاراً لبقية أوروبا النصرانية ، وحاربت الشيوعية بكل سلاح . ونحمد الله أن مصلحة أمريكا وافقت مصلحتنا في ذلك كله ، وأن الله لم يكلنا إلى أنفسنا ، ولا إلى أشقائنا العرب والمسلمين الذي كان عجزهم وفكرهم وسوء تصرفاتهم وسوء اختيارهم وقلة فقههم في الدين ؛ كل ذلك ومثله معه يضعهم دائمً في الصف الخاسر ويجعلهم في موقف العدو لأنفسهم ولأهليهم وللعرب والمسلمين ، وفي موقف المؤيد للباطل غالباً .(1/73)
6 ـ والتعاون مع المسلم وغير المسلم على غير الإثم والعدوان أمرٌ شرَعَه الله تعالى وسنة رسوله × بإذن ربه ؛ فكان يعامل الجميع بالحسنى في الدعوة إلى الله وفي البيع والشراء والاجارة والاعارة ، ودخل بعد البعثة في جوار المطعم بن عدي وهو مشرك مات على شركه ، وأمِنَ عبد الله بن أريقط وهو مشرك على أسرار هجرته إلى المدينة ، وأمِنَ عيينه الخزاعي وهو مشرك على ما يجيئه به من أخبار المشركين ، وحالف خزاعة وكانوا عَيْبَه نُصح له باتفاق الفقهاء ، وكانوا في جيشه يوم فتح مكة مسلمهم ومشركهم ، وزارع يهود خيبر على أن لهم الشطر من كل ما يخرج منها من زرع وثمر بعد أن تكرر نقضهم للعهود والعقود معه ، وكان يلبس البُرْد من نسيج مشركي اليمن والحُلّة من نسيج نصارى الروم ، وكان يزور الجميع ويقبل زيارتهم ويُهْديهم ويقبل هديتهم حتى لحق بالرّفيق الأعلى ، ولم يكن يوالي من البشر إلا المؤمنين ، لا يوالي الوثني ولا الكتابي ، ولا يوالي المشرك ممن ينتمي إلى الإسلام ، فلا بدّ من مراعاة الفرق بين الموالاة والتعاون .
7 ـ والظن بأن أمريكا تملك القرار في بقاء نكبة المسلمين ـ جميعاً ـ في فلسطين أو زوالها ، إنما هو نتيجة لما سماه الكاتب ( هوائيتنا المشهورة ) ، وأسمّيه خيالنا الطاغي المخالف وقلة الفقه في الدين ، وقلة تدبر القرآن ، وقلة العمل بالآية والحديث ؛ حتى ظن أكثرنا ـ على اختلاف فِرَقِهم ـ أن كل ما يحدث في الكون إنما هو من تخطيط أمريكا وأنه بيدها ـ وحدها ـ مقاليد الأمور في الأرض ، ونسوا أن ذلك بيد الله وحده وأن عليهم التوكل عليه والخوف والرجاء منه وحده على الإطلاق ؛ وأن هذا وحده طريق نجاتهم وخروجهم مما هم فيه . وقد فشلت أمريكا في تحقيق ما رغبَتْ فيه وحرِصَتْ على تحقيقه وعملت طويلاً بالتخطيط والتنفيذ من أجله في فيتنام وكُوبا الأضعف ناصراً والأقل عدداً والأبعد عن الدين .(1/74)
8 ـ والظن بأن السبب الأول في نكبتنا في فلسطين هو تخطيط أو تنفيذ أمريكا والصهيونية ، إنما هو مجرد تفسير مادي دنيوي للحَدَث وتسويل من النفس الأمارة بالسوء ووسوسة من الشيطان لنبتعد عن السبب الأساس والأهم الذي بينه الله في بضع عشرة آية من كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه : أن الأمر من الله وبإذنه جزاءً لما كَسَبَتْ أيدينا ( بل لبعض ما قدَّمَتْ أيدينا) في مثل قول الله تعالى : {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [الحديد: 22] ، {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [التغابن: 11]، {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [النساء: 62] ، {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} [الزمر: 51] ، {قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً * مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} النساء: 78ـ79] ، والصهيونية (ونحوها) مجرد أداة ظالمة لمعاقبة ظالم ، قال الله تعالى : {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129] .. وإذا بلغ بالمسلمين السَّفه حد اختيار الشيوعية لدنياهم في الماضي القريب ، واختيار المناهج البشرية المبتدعة لدينهم اليوم ؛ والتقرب إلى الله بالموبقة الكبرى من معاصيته : الاشراك به في العبودية بدعاء الأموات وطلب مَدَدِهم ، وبناء المساجد على القبور ، والاجتماع مع أعداء الدين الحق على المشاهد والمزارات ( أوثان البشر منذ قوم نوح إلى قيام الساعة ) أهَّلنا أنفسنا لأي نكبة بأي أداة يختارها الله تعالى ، نعوذ بالله من غضبه وعقابه ومما يغضبه .(1/75)
9 ـ وإذا كنا نظن ـ مع الشيوعيين والقوميين والبوذيين والقبوريين المنتسبين للإسلام والسنة أو الشيعة أوالدروز ـ أن مشكلتنا الكبرى وجود أمريكا ( وهو ما لا يخطر ببالي لحظة واحدة ولله الحمد والمنة ) ؛ فليس من الشرع ولا من العقل التركيز على مقاطعة المؤسسات السعودية التي تحمل العلامات التجارية الأمريكية لأن النبي × ـ كما قدمت ـ استعمل منتجات المشركين والنصارى في أبرز حالات حربهم للإسلام الحق وأهله الصالحين .
واجب المسلم مقاطعة المنتجات الخارجية والداخلية التي لا يحتاج إليها ؛ استجابة لأمر الله بمقاطعة الاسراف {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] ، في أمر الدين (مثل زخرفة المصاحف والمساجد بالألوان والفنون وكل مواد وأدوات الزينة) ، وفي أمور الدنيا ( مثل وسائل الإعلام والاتصالات ولو نُسبَتْ زوراً للإسلام ) .
ولما كان الله تعالى يؤيد الدين بالرجل الفاجر، فمن باب أولى تحقق فضله بتأييد الدنيا بغير المسلم . وفي القرن الأخير وحده أزال الله طغيان سلاطين آل عثمان وفسادهم وإفسادهم ديناً ودنيا في بلاد المسلمين بمساعدة إنكلترا ، وأزال الله آثار العدوان الأوروبي على مصر عام 1956م بمساعدة أمريكا ، وأزال الله طغيان صدام حسين وحزبه على الكويت والخليج ، ثم أنقذ العراق منه بعد ربع قرن من الفساد الديني والدنيوي بمساعدة الدول المتحالفة بعد أن عجز أو قعد المسلمون عن ذلك .(1/76)
10 ـ وأذكّر الكاتب السعودي الذي أثار هذا المقال ـ خاصة ـ بأنه عندما كان يَدْرُس في أمريكا كانت الإدارة الأمريكية تميّزه بتأشيرة دخول وإقامة في أمريكا ( دبلوماسية A-2 ) تحميه من القوانين الأمريكية لسبب واحد : (أنه سعودي ) حتى أساء بعض الطلاب السعوديين استعمالها فطالب عضو في الكونكرس بعد عشرات السنين بإلغائها . ولم ( يُنْتزع لحم أحد منهم ) ولا لاقى حرباً ولا عداوة ظاهرة ( رسمية ولا إعلامية ) حتى اعتدى 15 سعودي على أمن أمريكا وأرواحها وممتلكاتها في حادث 11 سبتمبر الإجرامي الذي لا يقره دين ولا عقل ولا خُلُق .
11 ـ وأذكر الغوغائيين الخياليين أن الله أيد دولة الدعوة على بصيرة ( ومن ورائها من تحسن إليهم ممن يستحق ومن لا يَسْتحق ) بأمريكا في أمر له بالغ الأثر في حياتها الدينية والدنيوية منذ سبعين سنة : البحث عن النفظ واكتشافه وإنتاجه بعد فشل شركة أوربية ويأسها من احتمال وجوده ، ومثل سنة الله في فضله على هذه البلاد والدولة المباركة ؛ أراد الله لفضله هذه المرة أيضاً أن يتحقق بحكمة عالم وحاكم: الشيخ فوزان السّابق والملك عبد العزيز رحمهما الله.(1/77)
12 ـ تميّز ( كرَين ) عن ( روكفلر وفورد ) وأمثالهم من أثرياء أمريكا بحب البلاد العربية ، وفي إحدى زياراته لها اشترى 50 ألف نخلة عراقية من مختلف أنواع النخيل ونَقَلَها مع عمّالها إلى مزرعته في كَلِفُورنيا ، وفي زيارة أخرى رغب في شراء حصان وفرس يبدأ بهما تربية الخيول العربية هناك فَدُل على الشيخ فوزان السابق ، وكان إضافة إلى اهتمامه بالتجارة من أوائل وخير ، وأعلم ممثلي الملك عبد العزيز ودولة التوحيد والسنة في الخارج ، وعندما اختار (كرَيْن) بضاعته سأل عن ثمنها فردّ فوزان ( وكان قد عرف عنه ما تميّز به ) : نحن اليوم لا نبيع الخيل وإنما نُهْديها لمستحقها ؛ فأكبر ( كرَيْن ) هذا الخُلُق ورغب في مكافأته ، فعرض على فوزان خدمة جيولوجي للبحث عن الماء (أكثر ما تحتاجه المملكة من متاع الحياة الدنيا) ، وبعد موافقة الملك عبد العزيز على العَرْض جاء ( توِتْشِل ) وبَحَث عن الماء ولا يزال تقريره محفوظاً لدى جهة الاختصاص ، وأثناء بحثه عن الماء تعرّف على خزائن الأرض المباركة من الثروات الأخرى وأهمّها النفظ ، وتضمن تقريره الذي قدّمه إلى ( كرَيْن ) توصيةً بالمساهمة في البحث عنه واستخراجه ، وفاز ( كرَيْن ) وشركاؤه في المسابقة التي أقيمت لهذا الغَرَض، وبدأ التنقيب وحُفِرَت عدة آبار استكشافيّة كان البئر السابع منها أحد أغزر الآبار البترولية في العالم ، وظهر أن أرض صحراء الجزيرة العربية التي تحكمها دولة الدعوة على منهاج النبوة تغطي نحو 25% من احتياطي النفظ في العالم فضلاً من الله ونعمة ، ولا يزال هذا التقرير ثابتاً حتى اليوم بعد أن تحولت ملكيّة شركة أرامكو 100 % للدّولة المباركة .(1/78)
والأولى بالمسلم بعد أن عرف نعمة ربه أن يقول : {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19] ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته إلى يوم الدين .
الطائف ـ ربيع الثاني 1423هـ
قدوة المواطن للمواطن
عشت زمناً لا أرى لأخي المواطن غير صورة رديئة لا أحبها لنفسي ولا أحبها لأخي المسلم في أي موطن : الانتماء إلى الإسلام والبعد عن العمل بأحكامه والتحلّي بأخلاقه ، التهالك على المصلحة الخاصة وإهمال المصلحة العامة ، والكسل الذهني والبدني عن الطموح إلى الخير في كل ذلك وبخاصة عند المقارنة بالأمثال الجيدة : في أمريكا ـ مثلاً ـ ودول الغرب عامة : الدفاع المدني التطوعي ، وجيش الانقاذ ، بيوت الشباب المسيحي ، بيوت الشابات المسيحيات ، المأوى والمطعم الخيري في الحدائق العامة داخل البلاد ، والإرساليات التبشيرية أو الإنسانية خارج البلاد .
فإن كان ذلك لخدمة الدين فلماذا لا يخدم المسلم دينه ؟ وإذا كان خدمة للإنسانية فلماذا لا يخدم المسلم إنسانيته ؟
وبعد أن ميّز الله هذه البلاد المباركة بِنِعَم الدنيا بعد أن ميّزها بِنعَم الدين ، وأذِن بظهور التوجه العالمي للتدين في الغرب ثم الشرق بدأت الصورة تتحسن في بلاد المسلمين بظهور مؤسسات خاصة للدعوة والإغاثة ، وإن شابها الاهتمام بالأدنى عن الأعلى وبالمهم عن الأهم وبالدنيا عن الدين تقليداً للغربيين ،وتبقى القيادة أبداً في يد المقلَّد ، والتبعيه للمقلِّد أبداً إلا أن يشاء الله غير ذلك .
ولقد كتبتُ من قبل للإشادة العابرة ببعض النماذج القدوة في أمريكا وفرنسا وآيرلندا وعُمَان دنيوياً ، وفي بلاد الدعوة إلى التوحيد والسنة من أفراد وشركات ومؤسسات دينية ودنيوية .(1/79)
وبين يدي مَثَلٌ صالحٌ للقدوة في هذه البلاد المباركة حثني على التنويه به ما قرأته في جريدتي الجزيرة والاقتصادية ـ متأخراً كعادتي لإصراري منذ ثلاثين سنة على مقاطعة الجرايد ـ عن مراكز وأجهزة غسيل الكلى التي يتعاون المواطنون مع وزارة الصحة على نشرها في أرجاء هذا الوطن الكبير المبارك .
وكما سبق آل الجميح في شقراء وآل سليمان في عنيزة وحسن الشربتلي في جدة إلى التعاون مع دولة التوحيد والسنة في خدمة مواطنيها بالسّقيا والإطعام ؛ سبق المواطن المثالي الأستاذ / عبد الرحمن بن صالح الشثري ( من حوطة بني تميم ) إلى قيادة المحسنين من الموطنين للتعاون مع الدولة لتوفير مراكز وأجهزة غسيل الكلى في كل مكان يحتاج إليها من المدن الكبيرة والصغيرة ؛ فقد منّ الله عليه بتوقف كليتيه عن العمل ، وفي كل أقدار الله لعبده المؤمن مِنَنٌ ونِعَمٌ لا يدركها ولا يجني ثمرتها خيراً من الدارين إلا من رضي بقسمة الله له : « فمن رضي فله الرضا ومن جزع فله الجزع » ، « إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه » ، « إن الله إذا أحب عبداً عجل له العقوبة في الدنيا » ، « لا يزال البلاء بالعبد المؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة » ، « إن من أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » .(1/80)
ومع توفر أسباب العلاج له ـ ومنه غسيل الكلى ـ فقد تبين له بحسّه الاجتماعي وخُلُقه الكريم وهمّته العالية ما يعانيه من ابتلوا بهذا المرض في الحواضر فكيف بالمناطق النائية والأطراف . وقد أذن الله له بالشفاء ، ولكنه لم ينس غيره من المرضى الذين لم يهبهم الله ما وهبه من المنصب والجاه والغنى وكثرة المحبين فسطر نداءً مؤثراً في جريدة الجزيرة يستثير هِمَمَ أولي الهمم وعزائم أولي العزائم من الموطنين ؛ فوجدوا استجابة تفوق كل التوقعات بفضل الله وتوفيقه ، وتسابق الموطنون يقدمهم ـ كالعادة ـ ولاة أمرهم لتوفير مئات المراكز والأجهزة باشراف وزارة الصحة وإدارتها وتشغيلها وصيانتها .
ولا يزال العطاء مستمراً ، ولا يزال رائد هذا المشروع العظيم الأستاذ/عبدالرحمن الشثري يصرف أكثر اهتمامه ووقته وجهده في سبيل خدمة هذا المشروع إرضاء للخالق وعوناً للمخلوق . ومع استمرار هذا التعاون القدوة المميّز بين الدولة ومواطنيها يتبين من تقرير موجز قدّمه لقرائه الصحفي القدوة الأستاذ عبد الوهاب الفايز رئيس تحرير جريدة الاقتصادية ـ وهو من نوادر الصحفيين في تسخيره صحيفته لخدمة الدين ودولة الدعوة إليه ـ يتبين من هذا التقرير : أن ( جمعيّة الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي ) تعتزم الوصول بهذا العمل العظيم إلى آفاق جديدة بالتعاون مع وزارتي الصحة والعمل تشمل ما يلي :
1 ـ دعوة المحسنين من المواطنين إلى التطوع ببذل القوت والجهد ـ بعد التطوع ببذل المال ـ لخدمة المريض وذويه ابتداء من التوجيه والتّثقيف والتوعية فيما يتعلق بهذا المرض ، وانتهاء إلى الإعانة المالية التي قد تحتاجها أسرة المريض لانقطاعه عن عمله .
2 ـ دراسة واقع هذا المرض في البلاد المباركة : أسبابه وعدد مرضاه وطرق الوقاية منه وطرق علاجه ؛ ليكون المواطن أكثر قدرة على تجنب المرض وتخفيف ضرره .(1/81)
وإذا كان لأخي الأستاذ عبد الرحمن الشثري الفضل الأول ـ بعد فضل الله عليه ومنه ـ في السبق إلى تنبيه المواطنين إلى حاجة مرضى الكلى إلى مزيد من المراكز والأجهزة العلاجية في شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها ـ من جهة ـ وتيسير تركيب الأجهزة وتشغيلها وصيانتها وإدارتها من قبل وزارة الصحة ـ من جهة أخرى ـ فإن اهتمام جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية بالعمل المؤسسي لضمان استمرار هذا المشروع الخيري العظيم وحسن أدائه وتعدد خدماته ؛ لهو فضل من الله على الجمعية والقائمين عليها وعلى المشروع والقائمين عليه من أول يوم ، وفضل من الله بها وبهم على خير أمّة أخرجت للناس بعد القرون المفضلة ، وكان لآل سعود في القرون الثلاثة الأخيرة الصّدارة والأسوة الحسنة في أمور الدين وأمور الدنيا في جزيرة العرب خاصة وغيرها عامة ، أعزهم الله وأعز بهم دينه ، وحفظهم ذخراً للإسلام وقدوة صالحة لأهله . وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه .
الطائف 1425هـ
العدوان بالقول على الله بغير علم
في العدد (545) من مجلة العربي مقال بعنوان : (جدليّة الاستبداد والاستضعاف) بقلم د . يحيى الرّخاوي تأخر اطلاعي عليه لعدم المتابعة . ولم أكن لأهتم بالمقال ـ مقدماته ونتائجه ـ لأسباب منها :
1 ـ جهلي بالطب النفسي البشري رغم دراستي الالزامية المحدودة في ما يوصف بعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم التربية ، وخبرتي العملية في التعليم العصري والشرعي أكثر سني حياتي .
2 ـ عدم ثقتي بمقدمات ونتائج هذه الفنون الحديثة ؛ لأنها مبنية على الظن وقد قال الله تعالى : {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [النجم: 28].(1/82)
3 ـ ولأن الأمر ظنّي غير يقيني فلا داعي للمشاحة ولا الجدل فيه إذ هو أهون من ذلك ، ولا حرج في أن يكون لكلٍ فيه رأي فإن أعلى درجة يصلها مختص أو غير مختص في هذا الشأن لا يتجاوز الفراسة الجبلية أو المكتسبة ، ولا نعلم حقيقة ما في النفس والقلب وما يخفي الصدر إلا الله : {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} [الإسراء: 25] ، {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 10] ، « فهلا شققت عن قلبه » ، « قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن » .
ولكن الكاتب هدانا الله وإياه لم يلتزم أدب البحث ولا هو التزم شرع الله بالتثبت قبل الحكم ؛ بل تجاوز حدود اختصاصه النظري والعملي الظني إلى القول على الله بغير علم بتأويل ما جاء في كتاب لله من علم اليقين بما يلائم ظنّه وهواه مخالفاً تأويل الراسخين في العلم من المفسرين الأُوَل المعتد بهم وهم وحدهم من يجوز له تأويل كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وخيره بيان النبي × للناس ما نُزِّل إليهم ، وفَهْم الصحابة رضوان الله عنهم للتنزيل وأشهرهم ابن عباس وابن مسعود ، وما نقله المفسرون من التابعين عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وأوثقهم سعيد بن جبير ، وما جمعه المفسرون بالمأثور وأكملهم ابن جرير في القرن الثالث ثم ابن كثير في القرن الثامن الهجري . أما المفسرون بالرأي وقدوتهم : عبد الجبار بن أحمد الهمداني شيخ المعتزلة في القرن الرابع ، والشريف المرتضى الشيعي في القرن الرابع والخامس ، والزّمخشري المعتزلي في القرن الخامس والسادس ، وخلفُهم في هذا العصر : طنطاوي جوهري ومحمد متولي شعراوي وسيّد قطب تجاوز الله عنا وعنهم فلا تبرأ ذمة المسلم بتذليل الوحي اليقيني لأفهامهم الخطاءة « وكل ابن آدم خطاء » ، ولا تبرأ ذمّة المسلم ببناء فهمه لشرع الله وعبادته على ظنهم وأهوائهم .(1/83)
ولئلا أقع فيما وقع فيه الكاتب من القول بلا علم ـ ولو على غير الله ـ فسأضرب صفحاً عن إشارته إلى ما يسميه (مجالات ومظاهر الاستبداد من تربية الأطفال حتى ممارسات شركات الدواء) وإلى ما يصفه ( بالاستبداد في الحب وفحولة الرجل وأنوثة وذكورة المرأة ) وإن بدا لي ذلك مجرد لَعِبٍ بالمصطلحات لا ثقة فيه ولا فائدة منه .
ولكن لا يسعني إلا إنكار المنكر من خوضه في العلوم الشرعية على جهلٍ تامٍ بها ، مثله ـ في ذلك ـ كمثل أكثر المهنيين الجاهلين بشرع الله من الكتّاب والصحفيين والأطباء والمهندسين والجيولوجيين . وليت مجلة العربي تلتزم الأمانة الفنية والخُلُقية فيما تنشر تميّزاً عن أكثر المجلات والجرايد العربية فلا تعطي القوس إلا لباريها :
أ ـ خالف الكاتب أئمة المفسرين بالتّفريق بين وصف الضعفاء والمستضعفين. والوصفان مترادفان لغةً واصطلاحاً ، وذمُّ الله المستضعفين في الآية 97 وعذرُه المستضعفين في الآية 98 من سورة النساء لا يدل على صحّة ظنّ الكاتب بل على قلة فقهه وتدبّره ؛ فإنما ذمّ الله من اعتذر كذباً بالضعف أو الاستضعاف عن الهجرة من مكة ( حيث لا يتمكن من إظهار دينه ) إلى المدينة ( حيث يتمكن من ذلك ) وقد أوجب الله عليه الهجرة قبل الفتح . وروى البخاري عن ابن عباس أن الآية 97 نزلت في أناس من المسلمين كانوا مع المشركين [ يوم بدر ] يكثرون سوادهم على رسول الله × ، فيُرْمَى أحدهم بالسهم أو يُضْرَب عنقه فيُقْتَل ؛ فأنزل الله : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] ، ذكره ابن كثير وذكر مثله الطبري عن الضحاك ، وليس الأمرَ كما ظن الكاتب مجرد استبداد واستضعاف .(1/84)
ب ـ لا يظهر أن الكاتب يفرق في حكمه الفاسد بين جور الحاكم المسلم المقيم الصلاة ( وكل الحكام يقيمون الصلاة بفتح المساجد وإضاءتها ومدّها بالماء ، والأذان كل فرض ، ونظافتها وتعيين أئمتها ) وبين جور الحاكم الكافر الذي يحول بين المسلم وبين الاعتقاد الصحيح والعبادة الصحيحة ( ولا وجود لهذا الحاكم اليوم على وجه الأرض بفضل الله ) ؛ فهو من مفهوم ظنّه يوجب على المسلم ما حرّمه الله عليه من الخروج على ما يسميه ( الاستبداد والاستضعاف ) وإلا كان مأواه جهنم وساءت مصيراً بحسب استدلاله بالآية 97 من سورة النساء .
وهذه مخالفات صريحة متتالية لشرع الله ، ولكلام الله تعالى كما فهم السلف ( وهم أهل اللغة وأهل العلم ) ، ولما بينه النبي × من وحي الله له إذ كان يبايع أصحابه على ألا ينازعوا الأمر أهله ، وفي الصحيحين قوله × : « إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها » قالوا : كيف تأمر منا من أدرك ذلك ؟ قال « تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم » وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله × قال : « عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك » ، والأثرة : هي ما يعنيه الكاتب بالاستبداد والاستضعاف .
وقال × فيما رواه مسلم في صحيحه : « يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي » قال حذيفة رضي الله عنه : كيف أصنع إن أدركت ذلك ؟ قال × : « تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع » .(1/85)
واستثنى النبي × تنفيذ الأمر بالمعصية « فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ، ولا ينفي ذلك تنفيذ الأمر بالمعروف ولا يجيز ذلك الخروج على ولي الأمر ولو كان ظالماً أو فاسقاً ، سواء وَلِيَ الأمر بالانتخاب وغالبية الأصوات (وهو ما لم يعرف في الإسلام في القرون المفضلة ولا ما بعدها قبل القرن الأخير) أو وَلِيَ الأمر بالعهد إليه ممن قبله ( كما حدث في أكثر ولايات المسلمين منذ أبي بكر رضي الله عنه ) أو اغتصب السلطة فاجتمع عليه شمل البلاد وأهلها ( في رأي كثير من أهل العلم وعلى رأسهم الشافعي رحمه الله ) .
ج ـ وتجاوز تعدَّي الكاتب حدود تخصصه إلى إعطاء نفسه ما ليس له من الحكم بالظن على مراد الله تعالى بقوله : {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5] ، وصرح بأنه إنما يظن ظناً في تأويلها بما يوافق هواه ، ولا تبرأ ذمته بالتصريح باتباعه الظن ، وأخطأ ولو أصاب ( وهو بعيد عن الصواب في فهمه وفي قوله على الله بغير علم ) .
وهذه الآية محكمة يرجع في تأويلها إلى أقوال المفسرين المعتد بهم في القرون الأولى قبل ظهور الفتن والبدع والتعالم وفقد الأمانة العلمية . وما كان للكاتب وأمثاله إلا أن يطيعوا أمر الله تعالى : {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] .
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته .
الرياض 1425هـ .
لا يُنْكر التّكفير في فكر سيّد قطب إلا جاهل أو معاند(1/86)
أطلعني أحد الإخوة في الدين على تعليق في زاوية الرأي من جريدة الرياض العدد 13296 في 5/10/1425هـ ( لمن سمّى نفسه يحيى حسن حسني على مقال للأستاذ سعود بن عبد الله القحطاني يحذر من فكر الأخوين سيّد ومحمد قطب التكفيري ) تجاوز الله عنهم جميعاً لمعرفته بمقاطعتي الجرايد منذ ثلاثين سنة، جزاه الله خير الجزاء . ولأني لم أقرأ مقال القحطاني فلا يجوز لي الحكم عليه ، أما محمد قطب فأكبر ما ظهر لي من أخطائه : إصراره على التجارة بفكر أخيه بعد ما بين كثير من العلماء وطلاب العلم بل ومن المفكرين فساد منهاج سيّد الفكري جملة وتفصيلاً ، وأن كثيراً من آرائه : قولٌ على الله بغير علم وبخاصة في كتابه ( في ظلال القرآن ) ، بل لقد أدرك سيّد بعض أخطاء منهاجه في الظلال ووعد بأن يحاول إصلاحها في الطبعة القادمة ، ولم يتحقق ذلك حتى اليوم :
أ ـ ظن الأستاذ يحيى أن ( ليس في فكر سيّد خطأ ، وإنما الخطأ في القراءة الخاطئة والمتعجلة والمتعسفة ، وأنه لم يكفر أحداً بدليل أنه لم يستخدم لفظ التكفير ) ، وإليه بعض نصوص التكفير في فكر سيد التي استخدم فيها لفظ الردة وهي أشنع من التكفير ( الذي يشتمل على أكثر من نوع : الاعتقادي ، والعملي ، وكفر دون كفر ) ، فضلاً عن اتهام المسلمين منذ القرون الأولى (بتوقف وجود الإسلام والحياة الإسلامية والخروج نهائياً من دائرة وتعاليم الإسلام في سياسة الحكم ) ، وفي القرن الأخير ( بالدخول في إطار المجتمع الجاهلي ، وبالردة ، وبالنكوص عن لا إله إلا الله ، وبالشرك ؛ ولو اعتقدوا بألوهية الله وحده وقدّموا الشعائر التعبدية لله وحده ) :
1 ـ يقول سيد تجاوز الله عنه : ( ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله وإن ظلّ فريق منها يردد على المآذن : ( لا إله إلا الله ) في ظلال القرآن ص2009 ط . دار الشروق الشرعية ( زعموا ) .(1/87)
2 ـ ويؤكد ذلك بقوله : ( البشرية عادت إلى الجاهلية وارتدت عن لا إله إلا الله ، فأعطت لهؤلاء العباد [ الذين شرعوا السياسة والنظام والتقاليد والعادات والأزياء والأعياد ] خصائص الألوهية ، ولم تَعْد تُوحِّد الله وتخلص له الولاء ، البشرية بجملتها بما فيها أولئك الذين يردّدون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها لا إله إلا الله بلا مدلول ولا واقع ، وهؤلاء أثقل إثماً وأشد عذاباً يوم القيامة لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد من بعد ما تبين لهم الهدى ، ومن بعد أن كانوا في دين الله . الظلال ص1057 ط . دار الشروق .
وفي المثالين السابقين بين سيد أنه يخصّ المسلمين من ( البشرية ) فهم وحدهم ( يرددون على المآذن لا إله إلا الله ) ، وهم الذي ( تبين لهم الهدى ، وكانوا في دين الله ) ، وهم الذين اعتقدوا أن ( لا إله إلا الله ) قبل اتهامهم بالرده .
3 ـ ويقول : ( إنه ليست على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي ) الظلال ص2122 ط . دار الشروق [ غير الشرعية لأن أكثر الظلال قول على الله بغير علم ] أما الشيخ محمد أبو زهرة أحد كبار علماء مصر في حياة سيد فيشيد في كتابه عن أحمد بن حنبل ص356 – 357 ( بإقامة الدولة السعودية على شرع الله من فقه ابن حنبل برهاناً على أهلية الشريعة بفهم أئمة القرون المفضلة لبناء الدولة الحديثة عليها ، وأن الله عوض ابن حنبل عن قلة أتباعه في الماضي بتوحيد معظم الجزيرة اليوم على مذهبه ) .(1/88)
وأما الشيخ مشهور آل سلمان من كبار المحدثين في الأردن فيتبنّى ( في كتابه العراق في أحاديث وآثار الفتن ص156 ) ما ردّ به الشيخ عبد الحق التركماني على نفي سيد الإسلام العملي والفقهي عن وجه الأرض : ( وقد كتب [سيد] هذا الكلام وهو يعلم بأن الدولة [ السعودية ] قد قامت على عقيدة التوحيد وتطبيق الشريعة ، لكن لا عجب أن يذهب سيد قطب إلى تكفيرها أيضاً لأنها رفضت المنهج الاشتراكي الذي اعتنقه سيد قطب ) ج1 ص156 .
4ـ ويقول سيد عن رواية غير مسندة لخطبة المنصور العباسي في القرن الثاني: (وبذلك خرجت سياسة الحكم نهائياً من دائرة الإسلام وتعاليمه) العدالة الإجتماعية ص168 ط . دار الشروق [ غير الشرعية لمخالفتها شرع الله ] .
5 ـ ويصف الذين زعم أن عثمان آثرهم بالعطاء من الصحابة والتابعين في القرن الأول : ( وتنحل نفوس الذين لبسوا الإسلام رداءً ولم تخالط بشاشته قلوبهم ) بعد أن وصف الثوار على عثمان رضي الله عنه بقوله : ( تثور نفوس الذين أُشرِبَتْ نفوسهم روح الدين إنكاراً وتأثماً ) العدالة ص161 ط. دار الشروق [ غير الشرعية ] .(1/89)
6 ـ ويقول : ( يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم أنها مسلمة ، لا لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله .. [ بل ] لأنها لا تدين بالعبودية لله في نظام حياتها ) معالم في الطريق ص101 ط . دار الشروق [ غير الشرعية لمخالفتها شرع الله ] . وبمثل هذا التخريف قاد سيّد الخوارج المُحْدثين إلى ( ما لم يصل إليه الخوارج الأُوَل من ) التكفير بالصغيرة أو ما يراه هو مباحاً ويمارسه حتى لحظة وفاته مثل حلق اللحية والالتزام باللباس الأوربي والأمريكي (البنطلون والجاكيت والكرافتة) وهو شرع بشري في نظام الحياة ، فضلاً عن إباحته ( أو إيجابه ) إلغاء الرّق ، والاستيلاء على الممتلكات الفردية الشرعية ، وفرض الضرائب على التركات والدخل وغيرها لمواجهة الحاجات العاجلة والمتوقعة . أمّا تكفير من يعبد الله وحده بشرعه ويعتقد بألوهيته وحده ؛ فذلك ( قمّة ) التكفير أو دَرَكه الأسفل من النار.
7 ـ ويرسم سيّد منهجاً تكفيرياً لما يسميه حركات البعث الإسلامي بوصيّة لها ( أن تتبين أن وجود الإسلام قد توقّف [ منذ فترة طويلة ] ، فتسير بذلك على صراط الله وهداه ) وتحذيرها من : ( أن تظنّ لحظة واحدة أن الإسلام قائم وأن الذي يدعون الإسلام ويتسمّون بأسماء المسلمين هم فعلاً مسلمون ؛ فتسير وراء سراب كاذب تلوح ليها فيه عمائم تحرّف الكَلِم عن مواضعه وترفع راية الإسلام على مساجد الضّرَار ) العدالة ص185 و216 ط . دار الشروق [ غير الشرعية ] .(1/90)
8 ـ وكما رأى أوائل الخوارج ـ بحجة العدالة الإجتماعية ـ أنّ الحلّ الوحيد هو الثورة على وليّ الأمر ، دعا سيد شعب مصر إلى الثورة ـ قبل الثورة ـ : (الآن ينبغي أن تتولى الجماهير الكادحة المحرومة المغبونة [ المصطلحات الشيوعية والاشتراكية والثورية الشيعية نفسها ] قضيتها بيدها .. إن أحداً لن يقدم لهذه الجماهير عوناً إلا نفسها ، فعليها أن تُعْنى بأمرها ) معركة الإسلام والرأسمالية ص113 ط. الشروق [ غير الشرعية ] .
ألا يرى المتعصبون لسيد فيما تقدم تكفيراً ولا إثارة للفتنة ؟
ب ـ ظن الأستاذ يحيى : أن الله أنزل في مثل سيد وأخيه قوله تعالى : {منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23] وبمثل هذا الافتراء على الله وعلى أساب النزول ظن بعض الشيعة أن الله أنزل في علي رضي الله عنه ـ خاصة ـ قوله تعالى : {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55] بحجة أنه كان راكعاً يصلي فطلب منه سائل صدقة فأشار إليه أن يأخذ خاتمه من أصبعه ، وظن بعض المتصوفة المخرفين أن الله أنزل في مشايخهم قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] وليس لنا إلا أن نقرأ على كلٍّ منهم قول الله تعالى : {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] .(1/91)
ج ـ ظن يحيى أن عدد طبعات كتب سيد قطب دليلُ خيرٍ له ، وأذكره بأن كتاب ( ألف ليلة وليلة ) تداوله الناس زمناً أطول وعدد طبعاته أكثر وأفخر وأفخم ، وقبلهما تداول الناس كتب ابن عربي الفيلسوف الصوفي ، وطبعوها ، وتقربوا إلى الله بقراءتها ووقفها على المساجد ، ومع أن دولة الدعوة إلى التوحيد والسنة في جزيرة العرب حرّمت تداولها في الثلاثة قرون الأخيرة لم يُحَرِّم علماء مصر تداولها إلا منذ سنوات قليلة ، وقل مثل ذلك عن الكتاب الأحمر لماوتسي تونك ورأس المال لماركس ، ولا أشك أن سيداً نشر من الفكر الإشتراكي أكثر مما نشر من فقة السنة .
هـ ـ ادّعى يحيى حسني ـ بلا بيّنة ـ أن الشيخ ابن باز والشيخ بكر أبو زيد والشيخ حمود الشعيبي أثنوا على سيّد قطب ، والحقيقة أن ابن باز وبكر أبو زيد وأمثالهما من كبار علماء السنة لم يضيّعوا أوقاتهم في الاطلاع على فكر سيّد (وليتهم فعلوا ليكفوا المسلمين شرّه ) ولا أستطيع الحزم بما قاله الشعيبي أو لم يقل ، ولكنه مثل الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمهما الله لم يُعد من علماء بلاد التوحيد والسنة حتى ظهر له رأي فكري يخالف كبار علماء الأمة ويوافق أهواء الحركيين والحزبيين :(1/92)
1 ـ أما الشيخ ابن باز ( ومثله أبو زيد وكثيرون غيرهما ) فربّما صدّق الفرية التي روّجها المتعصبون لفكره وحزبه من أنه أُعْدم لمطالبته الثورة المصرية بتحكيم ما أنزل الله ، والحقيقة التي يعرفها كل من يقرأ كتب سيد ( الظلال والعدالة والمعركة والمعالم بخاصّة ) بلا تعصّب ولا تحزّب : أن سيّد قطب زيّن للقائمين بالثورة الحكم بغير ما أنزل الله بوضعه في قالب إسلامي في كتابيه : العدالة الإجتماعية ومعركة الإسلام والرأسمالية ( وكلاهما طُبع قبل إعلان الثورة بسنتين أو ثلاث ) وبخاصّة في المعاملات ( غير الشرعية ) فقد سنّ الثورة طريق الاشتراكية بتحليله للدّولة ما حرّم الله من : ( نزع الملكيّات والثروات جميعاً وإعادة توزيعها على أساس جديد ولو أنها قامَتْ ونَمَتْ بطريق شرعي ) معركة الإسلام والرأسمالية ـ ص44 ـ ط . دار الشروق .
وادّعى ـ خلافاً لشرع الله ـ أن ( حقّ المجتمع مطلق في المال وأن حق الملكية الفردية لا يقف في وجه هذا الحق العام ) وافترى على الإسلام أنه ( يعطي هذا الحق للدّولة لمواجهة الحاجات العاجلة ودفع الأضرار المتوقعة ) المصدر نفسه ص43 . وادّعى أن ( في يد الدولة أن تفرض ضرائب خاصة غير الضرائب العامة كما تشاء ) المصدر نفسه ص39 . وأباح للدولة أن ( تأخذ من الأفراد نسبة من الرّبح أو نسبة من رأس المال ) العدالة الإجتماعية ـ ص123 ـ ط . دار الشروق . وافترى على الإسلام أنه ( يَعْدّ العمل هو السبب الوحيد للملكية ) المعركة ص40 ـ دار الشروق ، ولم يَعْده من الشرع أو القوانين الوضعية إلا الشيوعية والإشتراكية . وحلّل للدّولة ما حرّمه الله من اغتصاب ما ملكه الفرد بغير العمل ( المصدر نفسه ص52 ) .(1/93)
وادّعى أن المجتمع المسلم ـ إذا وُجد ـ ( قد يحتاج إلى البنوك وشركات التأمين وتحديد النسل ) في ظلال القرآن ـ ص2010 ـ دار الشروق . ولذلك ( قربه قادة الثورة ، وعمل معهم 12 ساعة يومياً مع بداية الثورة ، وجعلوه موضع ثقتهم ، ورشحوه لمناصب هامّة ، وتشاوروا معه في مثل مسائل العمال والحركات الشيوعية التخريبية بينهم وفترة الانتقال والدستور ، واستفرق في العمل معهم حتى فبراير عام 1953م ، ثم بدأ الاختلاف معهم [ إدارياً لا شرعياً ] حول هيئة التحرير ، ثم انضم إلى حزب الإخوان ، وانتهى الأمر بسجنه ومحاكمته وشنقه لاعترافه بالتآمر لقتل رئيس الجمهورية ، ورئيس الوزراء ، ومدير مكتب عبد الحكيم عامر ، واثنان من قادة الأمن ، وتفجير محطة الكهرباء في القناطر ، ونسف عدد من الجسور في القاهرة دفاعاً عن الحزب وأعضائه ) كما كتبه بخط يده في مذكرة الدفاع عن نفسه التي نشرها أنصاره في جريدة ( المسلمون ) منذ العدد الثاني ، وطبعها أنصاره ضمن سلسلة كتاب الشرق الأوسط بعنوان : ( لماذا أعدموني ) ص50-60 . وقال فؤاد علام في فصل إعدام سيد قطب ص165 من : ( الإخوان وأنا ) : ( وقطع سيّد لحظات الصمت القصيرة الرهيبة بقوله : للأسف الشديد لم ينجحوا في تنفيذ عملية نصف القناطر الخيرية .. لم أشعر في كلماته بنبرة ندم أو أسى. (البراءة للسّناني) .
2 ـ لما قرئ على الشيخ ابن باز سب سيد لمعاوية وعمرو بن العاص في كتابه ( كتب وشخصيات ) ص242-243 قال الشيخ : ( كل هذا كلام قبيح وكلام منكر ) براءة علماء الأمة من تزكية أهل البدعة والمذمة د . عصام السّناني الأستاذ في جامعة القصيم ص31 .(1/94)
ولما سئل رحمه الله : هل يُعَدّ اتّهام سيّد لهما بالنّفاق تكفيراً ؟ أجاب بأن سبّه لبعض الصحابة أو واحد منهم مُنْكر وفِسْق يستحق أن يؤدب عليه ، ولكن إذا سب الأكثر وفسّقهم يَرْتَد لأنهم حملة الشرع ، فإذا سبّهم قَدَح في الشرع ) ، وقال عن كتب سيّد التي سبّ فيها الصحابة رضي الله عنهم : (يجب أن تُمزّق) المصدر نفسه ص32 .
ولكن إيران عوّضته بإصدار طابع بريد باسمه وصورته ، وهو شرف لم ينله بعد (الآيات) إلا إرهابي معاصر اسمه (نوّاب صفوي ) رئيس حزب ( فدائيان إسلام ) ، وكافأته إيران بعدد كبير من التذكارات عرفتُ منها رَفْع اسم سيّد قطب على الطرق الشريعة والشوارع المهمة في سَبْع مُدُن إيرانية اعترافاً بتميزه في الجهر بالسوء على الجميع .
3 ـ ولما قُرِئ على الشيخ ابن باز قول سيد (في الظلال ص2328 و3408) عن الاستواء على العرش : (كناية عن الهيمنة) قال : (هذا كلّه كلام فاسد باطل يدل على أنه مسكين ضايع في التّفسير) ، وقال عمّن يوصي بقراءة الظلال : (لا .. لا .. غلط ، سنكتب عليه إن شاء الله ) البراءة للسناني ص28 . ولما عَلِمَ أن الشيخ ربيع المدخلي ردّ على كثير من أخطائه اكتفى بذلك وقال : (وهذا زين ، الشيخ ربيع إذا ردّ عليه طيّب ، جزاه الله خيراً) البراءة للسناني ص17 .
14 ـ ولما قرئ على الشيخ ابن باز رحمه الله وصف سيّد لموسى عليه السلام بأنه ( الزعيم المندفع العصبي المزاج ) ووصفه له ( بالتّعصّب القومي والانفعال العصبي ) التّصوير الفني في القرآن ص200-203 ط . دار الشروق [ غير الشرعية ] قال : ( الاستهزاء بالأنبياء رِدَّة مستقلة ) البراءة للسناني ص29 .
وهل يجوز بعد هذا أن يقول يحيى أو غيره عن ابن باز أنه يثني على سيد ؟(1/95)
5 ـ وأما لشيخ بكر أبو زيد شفاه الله فلم ينف عن سيّد حقيقة التكفير ( في فكره ) لجميع المسلمين ( وهو موضع البحث في مقال سعود القحطاني وتعقيب يحيى حسني ) ، هو ينكر ما دون التكفير من سبّ وتنابز بالألقاب في كتابه ( التّصنيف ) ،وأنكر تكفير سيد بقوله متشابه يوهم [ في لفظ محمد قطب نفسه عنه أخيه ] وحدة الوجود وخلق القرآن أو إجازة تشريع لم يأذن به الله ) رسالته المفترى عليه نشرها ، وفي هذه الرسالة نفسها ذكر ( أنه لم تكن له عناية بقراءة كتب سيد وإن تداولها الناس ) ، وطلب من الله المغفرة لسيد ( كلامه المتشابه الذي جنح فيه بأسلوب وسّع فيه العباره لوصفه كلام الله بأنه من صُنْع الله لا من صنع الناس ) وأشار إلى ( عثرات في سياقات سيد واسترسال بعبارات ليته لم يتفوّه بها ) .
وقد ردّ الشيخ بكر على سيد وأمثاله ـ دون ذكر الأسماء ـ سب الصحابة فقال : ( أطبق أهل الملة الإسلامية على أن الطعن في واحد من الصحابة رضي الله عنهم زندقة مكشوفه ) التصنيف ص26 . [ وقد طعن سيد في أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وجعل عهده فجوة بين عُمَر وعلي رضي الله عنهما ( العدالة ص159-168 ط . دار الشروق ) . وسبّ اثنين من كبار الصحابة رواه الحديث ( العدالة ص164 ، وكُتُب وشخصيات 242-243 ـ ط . دار الشروق ) .
ولمز عدداً من الصحابة منهم خمسة من المبشرين بالجنة ( العدالة 175) ] . وأنكر بكر على سيد وأمثاله ـ دون ذكر الأسماء ، في كتابيه : معجم المناهي اللفظية وفقه النوازل ، ـ المواضعة في الاصطلاح ـ أنكر المصطلحات الحديثة التي أشاعها سيد وأتباعه في الأمة مثل : (الفكر الإسلامي ، التصور الإسلامي ، روح الاسلام ، موقف الإسلام من الربا ، رأي الشرع ورأي الدين ورأي الإسلام ، تقنين الأحكام ) إلخ .(1/96)
فهل يجوز ليحيى أو لغيرها أن يدّعي ثناء بكر أبو زيد على سيد بإطلاق ؟ وإذا كان يحيى يبحث عن الحق فليتعرَّف على رأي عدد من كبار العلماء والدعاة في فكر سيد قطب :
1 ـ قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تفسير سيّد سورة الإخلاص : (قد قال قولاً عظيماً فيها مخالفاً لما عليه أهل السنة والجماعة يدل على أنه يقول بوجدة الوجود) مجلة الدعوة عدد 1591عام 1418هـ ، (البراءة للسّناني ص41) .
2 ـ وقال الشيخ صالح اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء عن كتاب سيد في ظلال القرآن : ( هو مليء بما يخالف العقيدة فالرجل رحمه الله ليس من أهل العلم ) وقال عن كُتُبه عامة : ( لا تُعَلم العقيدة ولا تُقرِّر الأحكام ولا يُعْتَمد عليها في ذلك ) درس مسجل في المسجد النبوي في 23/10/1418هـ (البراءة للسّناني ص52-53 ) .
3 ـ وقال الشيخ د . صالح الفوزان عن تفسير سيّد قطب لقول الله تعالى : + " : ( هذا كلام باطل وإلحاد ، [ وهو وأمثاله ] نعذرهم بالجهل فلا نقول إنهم كفار لأنهم جهال أو مقلّدون ، وإلا الكلام خطير لو قاله إنسان متعمداً [عالماً ] ارتد عن الإسلام ) ، ( البراءة ص48 ) .
4 ـ وقال المحدث الألباني رحمه الله معلّقاً بخط يده على كتاب ( العواصم مما في كتب سيد قطب م القواصم ) للشيخ ربيع المدخلي : ( كلُّ ما رَدَدْتَه على سيد قطب حق وصواب ، ومنه يتبين لكل قارئ على شيء من الثقافة الإسلامية أن سيد قطب لم يكن على معرفة بالإسلام ) ، وقال عن سيد : ( نقل كلام الصوفية ولا يمكن أن يفهم منه إلا أنه يقول بوحدة الوجود ) البراءة ص33 و35 .
5 ـ ونصح الشيخ عبد الله الغديان ( عضو هيئة كبار العلماء ) الشباب بعدم قراءة كتب سيد قطب ( البراءة للسّناني ص54 ) .(1/97)
6 ـ وقال الشيخ عبد المحسن العباد عالم المدينة ورئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً : ( سيد قطب ـ كما يتضح من مؤلفاته ـ كاتب من الكتاب وليس من العلماء الذي يعوَّل على كلامهم في المسائل العلمية ، وهو عندما يكتب بانفعال وحماس ينفلت منه القلم وتزل به القدم فيقع في أخطاء فادحة كانتقاص موسى عليه السلام والطَّعن في عثمان رضي الله عنه ومَدْح الثورة عليه : (كانت أقرب إلى روح الإسلام من موقف عثمان أو بالأدق من موقف مروان ومن ورائه بنو أميّة) التصوير الفني في القرآن ص162-189 ط. دار الشروق ، وطَعْنِه في معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما ) 1421هـ ، البراءة للسّناني ص55-57 .
7 ـ وقال الشيخ حمّاد الأنصاري الأستاذ بالجامعة الإسلامية رحمه الله عن وصف سيّد الإسلام في المعركة ص61 بأنه ( العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معاً مزيجاً كاملاً يضمن أهدافهما جميعاً ويزيد عليهما التّوازن والتناسق والاعتدال ) قال : ( لو كان حيّاً فيجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً ولو مات فيجب أن يبين أن هذا الكلام باطل، ولا نكفره لأننا لا نُقِمْ عليه الحجّة ) البراءة للسّناني ص60 عن العواصم للمدخلي ص24 .
8 ـ وحذَّر الشيخ صالح آل الشيخ ( بقيّة علماء الدعوة ) إضافة إلى ما سبق ـ من تقسيم سيّد قطب الفقه ( في تفسير سورة يوسف من الظلال ) إلى : ( فقه الواقع والحركة ، أما فقة الأوراق ـ من فقه علماء المسلمين السّابقين فإنه لا بدّ له من مجتمع يطبّقه ، فإذا لم نوجد هذا المجتمع فإننا لا نحتاج إلى العناية به ) . فعلى طالب العلم أن يحرص على دراسة كتب السلف الصالح ، أما الكتب المشتملة على الباطل ـ وذكر أمثلة منه في كتب سيّد قطب ـ فإن قراءة طالب العلم المبتدئ فيها قد تُوقِع قَلْبَه ونفسه في شبهه ) شرح كتاب مسائل الجاهلية شريط 7 وجه2 ( البراءة للسّناني ص75-76 ) .(1/98)
9 ـ وكان الشيخ عبد الله الدّويش ـ حسب ظني ـ أوّل من دَرس كتاب سيد قطب ( في ظلال القرآن ) دراسة دقيقة وردّ عليه أهم مخالفاته شرع الله في كتابه العزيز : ( المورد العذب الزّلال في التّنبيه على أخطاء الظلال ) .
10 ـ وكان الشيخ د . ربيع بن هادي المدخلي ـ حسب ظني ـ أوّل من درس فكر سيد قطب ـ بعامّة ـ دراسة شرعية وردّ عليه أخطر مخالفاته كتاب الله وسُنة رسوله وفقه الأئمة المعتد بهم في الدين ، وخصص كتب من مؤلفاته لبيان ذلك وأشملها كتابه الفريد ( العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم ) ، هدى الله سعود ويحيى ومحمد وهدانا جميعاً لأقرب من هذا رشدا .
الرياض ـ شوال 1425هـ .
التقريب بين أهل الفرق والأديان أم ردّهم جميعاً إلى الوحي ؟
أثار مَنْ يوصفون بالإسلاميين في القرن الماضي : فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة ، وفي العقود الأخيرة : فكرة الحوار بين المسلمين والمسيحيين ، وذلك بسبب جهل أكثرهم بشرع الله ، ولو فقهوا شرع الله لِدينه ولِخَلْقه لما انحرف اهتمامهم إلى التقريب بين الفِرَق والطوائف والأديان على مثل منهاج حسن البنا تجاوز الله عنا وعنه : ( نتعاون فيما اتَّفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ) ـ ، عن العمل بأمر الله تعالى : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].
ومحاولة التقريب والحوار بين الفرق والملل والنِّحَل على غير منهاج الوحي مقضي عليها بالفشل على أي حال إلا أن يشاء الله لأن {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] كما وصفهم خالقهم في آيات نهيه عن التّفرق والتحزب في الدين .(1/99)
وهذا حسن البنا نفسه ينقض حكمه الفاسد ـ بالتعاون والعُذْر المطلق عند الاختلاف ـ بحكم فاسد ـ بالتعصب المطلق لمنهاجه المبتدع في الدين والدعوة إليه ـ ؛ يقول تجاوز الله عنا وعنه : (نزنها [ الفرق والجماعات والأحزاب الدينية الحاضرة ] بميزان دعوتنا ؛ فما وافقها فمرحباً به ، وما خالفها فنحن منه براء ) مجموع رسائله ص17 ط . المؤسسة الإسلامية ، ويؤكد هذا التعصب لمنهاجه بوصيته لأتباعه : ( فدعوتكم أحق أن يأتيها الناس ولا تأتي أحداً .. إذ هي جماع كل خير وغيرها لا يَسْلَم من النّقص ) مذكرات الدعوة والداعية ص232 ط . دار الشهاب ، ( وقال قادة التبليغ والتحرير مثل ذلك ، وعليه عمل غيرهم ) . وإذا كان هذا رأي أحد مؤيدي التقريب بين أهل السنة والشيعة فكيف بمن هو أشد منه تعصّباً للباطل أو للحق ؟ إذن ، فمحاولة التقريب بين الطوائف والفِرَق والأحزاب والأديان عبث لا يقرّه الشرع ولا العقل ، ومن جانب آخر فهو ـ كما يقولون ـ تحصيل حاصل ؛ فقد قال رسول الله × : « لتتّبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبّ لسلكتموه » متفق عليه .(1/100)
ومصداقاً لنص الوحي في السنة المعصومة اقترب المنتسبون للإسلام ـ على اختلاف عناوينهم وشعاراتهم وانتماءاتهم ـ من أهل الضلال قَبْلهم فغلوا في حب أوليائهم إلى درجة التّقديس والتعظيم والعبادة كما غلا الهندوس في براهما والبوذيون في بوذا واليهود في عزير والنصارى في المسيح ، وغلا الشيعة في الأئمة الإنثي عشر أو غيرهم ، وغلا الدّروز في الحدود الخمسة ، وادّعى بعض سادة المنتسبين للإسلام والسنة : أن الله خلق نبيه من نور وجهه وخلق الرّفاعي من فَضْلة هذا النور ( الصّيادي ) ، وأن مِنْ جُود النبي محمد الدنيا والآخرة ومن علومه علم اللوح والقلم ، ولو أعطاه الله من الآيات ما يستحقّه لأحيى اسمه ـ حين يُدْعى ـ دارس الرِّمَم ( البوصيري ) ، وأن العالَمَ مطويٌّ في جبة محمد ، وأن عمامة محمد تعلو على العرش ( الرّواس ) . وأن نعمل محمد على رأس هذا الكون ( محمد علوي مالكي ) .(1/101)
وأخذ المتصوفة المنتسبون للإسلام والسنة من وثنيي الهند : دعوى الفناء في ذات الله ، ومن النصارى الرّهبانية ، ومن اليهود : هزّ الجسم عند الذكر ، ومن الشيعة : فكرة الظاهر والباطن من معاني كلام الله ، ومن كل الفِرَق الضالة قَبْلهم : التعلق بالمخلوق الميت وضعف التعلق بالخالق الحي الذي لا يموت ، وإنما هذه أمثال للضلال المبتدع في الماضي والحاضر ،ومثلها كثير يصعب حَصْرُه . كانت آخر وأهمّ وصايا النبي × لأمته : « لعنة الله على اليهود والنصارى اتّخذوا قبرو أنبيائهم مساجد » قالت عائشة رضي الله عنها : يحذر مثل الذي صنعوا ، متفق عليه ، وقال عن النصارى : « أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوّروا تلك الصُّور .. أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة » متفق عليه . هذا ما كان يردّده النبي × ( قبل أن يموت بخمس ) في رواية جندب ، و( حين حضرته الوفاة ) في رواية عائشة ، و( آخر ما تكلم به ) في رواية أبي عبيدة رضي الله عنهم أجمعين . وتقرب أكثر المنتمين للإسلام ـ منذ القرن السادس الهجري ـ إلى الله بمخالفة أهم وصايا رسول في أهم أمور الدين وهو الإعتقاد الذي لا يغفر الله المخالفة فيه وإن غفر المخالفة فيما دونه لمن يشاء : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} [النساء: 116].(1/102)
ولولا أن الله طهر معظم جزيرة العرب مرّتين في القرون الثلاثة الأخيرة بالتعاون بين ولاة آل سعود وبين علماء التوحيد والسنة لم تخلُ بقعة واحدة في بلاد المنتسبين للإسلام من مسجد بُنِيَ على قبر بل عشرات ومئات الأوثان من المقامات والمشاهد والمزارات ، وإنما كان أصل الأوثان والأصنام : البناء على قبور وآثار الأنبياء والصالحين منذ قوم نوح كما ذكره البخاري ( في صحيحه ) وابن جرير في تفسيره عن قول الله تعالى عن قوم نوح : {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح: 23] ولا يجد أهل السنة من المُنْكر أن يجتمعوا على تقديس قبر أو مقام إبراهيم وآله مع اليهود ، أو الخضر مع النصارى ، أو الحسين مع الشيعة ، أو شعيب مع الدروز، ولا يجد المسلمون ( المشركون ) من يُنكر عليهم من أكثر دعاة الجماعات والفِرَق والأحزاب المنتمية للإسلام والسنة ، أو يهتم بهذا الأمر الأعظم من أمور الدين مثلما يهتمون ( مع الشيعة والصوفية ) بأمر الحجاب ، أو تحفيظ القرآن ، أو الجهاد للقومية والتراب والهوية والسلطة ، أو استغلال المسجد وخطبة الجمعة والدعوة لغير التعليم والعمل لأحكام شرع الله الأَوْلى فالأَوْلى ، بل للتّسييس والتهيج والفتنة ونشر تعاليم الحزب .
وإذا كان الأمر كذلك ـ وهو كذلك بكل تأكيد ـ فما الهدف من الحوار مع النصارى وهم مثل اليهود والدّروز وعامة المسلمين يصفون أنفسهم بالموحدين وأكثرهم كما وصفهم الله تعالى : {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106] .
وأين الحاجة إلى التقارب بين المنتمين للسنة والشيعة وأكثرهم متقاربون بل متماثلون في مخالفة شرع الله وسنة رسوله في أحكام التوحيد والشرك وما دونهما :(1/103)
1 ـ يقدس المنتسبون للتشيع أئمتهم ونقباءهم ويرفعونهم عن مستوى البشر، وقد قال الله تعالى لسيد ولد آدم يوم القيامة : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] ، ويقدس كثير من المنتسبين للسنة أقطابهم وأوتادهم وأبدالهم وأولياءهم ويدّعون أنهم يَعْلَمون الغيب وأن لهم التصرف في الكون .
2 ـ يدّعي بعض المنتسبين للتشيع أن لأئمتهم علوماً ليست لغيرهم من المسلمين ويدعى كثير من المنتسبين للسنة أن لهم علم الحقيقة ولمن دونهم علم الشريعة وأن الله خص أقطابهم بالعلم اللّدني : (حدثني قلبي عن ربي) ، ويأخذ مَنْ دمونهم العلم من رواية ميت عن ميت .
3 ـ يتفق كثير من المنتسبين للسنة والشعية على أن للدين من كتاب الله وسنة رسوله ـ ظاهراً وباطناً ؛ الظاهر لعامة الناس والظاهر لخاصتهم من الأئمة والأولياء والمشايخ ، وهذا من أكبر أبواب انحرافهم عن الهدى .
4 ـ يقدس المنتسبون إلى السنة والشيعة قبور أوليائهم وأئمتهم وأقطابهم فلا يكاد المسلم في بلاد المسلمين اليوم يمر ( إلا على صنم قد هام في صنم ) منذ شيّد الفاطميون الوثن المنسوب للحسين رضي الله عنه في القاهرة حتى بني الشيعة الوثن على قبر الخميني في إيران وتجتمع معظم الطوائف المنتسبة للإسلام على بعض هذه الأوثان مثل المنسوبة إلى علي أبو الحسين أو زينب رضي الله عنهم والمنسوبة للأنبياء ويختصّ بعضهم بأوثانٍ غيرها كالمنسوبة إلى ابن عربي والشافعي والبدوي ومئات غيرهم .
5 ـ حوّلت الشيعة ثم السنة خطبة الجمعة من الدين إلى السياسة ، والدعوة من الوحي إلى الفكر .(1/104)
6 ـ التكفير والاغتيال والتفجير والعدوان والإرهاب أمور مشتركة بين كثير من دعاة السنة والشيعة منذ قتل الخوارج عثمان ثم علي رضي الله عنهما بحجة المطالبة المساواة في العطاء وتحكيم ما أنزل الله في سياسة الحكم وسياسة المال ، ولم يكن غريباً أن أتعرّف على سبع مناطق في إيران المنتسبة للشيعة ترفع اسم سيد قطب المنتسب للسنة عرفاناً بفضله في انتقاص عثمان وإخراج عهده من الخلافة الراشدة المهدية وسبّ معاوية وعمرو بن العاص ولمز غيرهما من كبار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم .
وبالأمس في القرن الخامس الهجري قام حسن الصّباح المنتمي إلى التشيّع من قاعدة ( ألا موت ) بدوره القيادي في الإرهاب وتبعه في القرن الأخير أفراد أبرزهم (وأشهرهم عند المنتمين إلى السنة) نواب صفوي رئيس فدائيان إسلام . والتقط شعلة الأرهاب عدد من المنتمين إلى السنة شوهوا سمعة الإسلام والمسلمين في العقد الأخير باسم الإسلام والجهاد في سبيله .
والحق أن معظم الخلاف والاقتتال بين الطوائف والفرق والأديان بعيد عن الدين ( أي دين ) ، وأكثر دوافعه وأهمّها الدنيا ( اكتساب المال أو الجاه أو السلطة أو الوظيفة أو الحمية أو الحقد والحسد ) ، وإن ركب الجميع الدين مطيّة لهم ، وفي الحرب الاهلية في أحد بلاد الشام بدأ القتال ( على الهوية ) بين الطوائف ثم تناحرت الطوائف ذاتها ، وفي حرب الأحزاب الأفغانية مع الشيوعين الأفغال والرّوس بدأت الحرب باسم الإسلام ثم تحاربت الأحزاب والقبائل على الغنيمه ، بل إن ما سمي بالحروب الصليبية بدأ باسم استرجاع فلسطين من المسلمين ثم ظهر لكل طائفة هدف دنيوي : الأرض والنّهب للنبلاء ، والتجارة للمدن الإيطالية ، وظهر طغيان الكنيسة الكاثوليكية على الأرثوذوكسية ، بل بيع في أسواق الرقيق (فمن لم يمت بالجوع أو المرض) آلاف من أطفال حَمْلَة الأطفال الصّليبية . والله الموفق .
عمان ـ 1425هـ
المتاجرة باسم الإسلام(1/105)
أجْرَت مجلة الشريعة الأردنية في عددها 406 لشهر رجب عام 1420هـ حواراً مع أحد القائمين في البحرين على ما سُمِّي بالبنك الإسلامي ، ومن هذا الحوار ظهرت لي الملحوظات التالية :
1 ـ لم يوصف قول ولا عمل ولا علم بالإسلامي في الكتاب ولا السنة ولا فقه علماء الأمة في القرون المفضلة ، وإنما ورد ( في القرون الوسطى ) استعمال هذا الوصف ( قليلاً جداً ) لما هو من الإسلام . ثم انتشر الوصف بين المستشرقين في القرون المتأخرة ، ثم قلّده المفكرون ( لا العلماء ) في هذا العصر دون تمحيص كما هي عادتهم .
2 ـ حكم ( البنكي الإسلامي ) على بنك إسلامي بأنه أُسِّس على التقوى وعلى بنك إسامي آخر بأنه لم يُؤسس على التقوى ؛ والتقوى مما يُخفِى الصدور وعلمه لله وحده ، ولا يؤخذ بالقرائن في هذا الأمر ؛ بدليل قول النبي × : « فهلا شققت عن قلبه » متفق عليه .
3 ـ أرسل البنكي الإسلامي للسانة العنان في اقول على شرع الله فِقْهاً وتفسيراً ، فتجاوز حدود خبرته الاقتصادية إلى حمى العلم الشرعي .
4 ـ قرّر نجاح تجربة البنوك الإسلامية بمجرد ( زيادة عددها وزيادة رأس مالها وأرباحها، وبتقليد البنوك التقليدية لها مُنْجرة وراء الارباح الكبيرة التي حققتها)، وما يتعلق بشرع الله ( إذا كان للبنوك الإسلامية علاقة حقيقيّة به ) لا يوزن بكثرة العدد أو المال أو الربح أو الغلبة ، بل إن الكثرة قد تُؤْخذ دليلاً على الشر أكثر مما تُؤخذ دليلاً على الخير ، وقد أنز الله وَحْيَه في آيات وأحاديث كثيرة في ذَمِّ الأكثرين ومَدْح الأقلين لا العكس .(1/106)
5 ـ أحسن البنكي الإسلامي في إرشارته إلى جادة البنوك الإسلامية إلى ( الاهتمام بأكثر من زيادة الأرباح ) ، ولكنه ـ للأسف ـ قَصَر الاهتمام المطلوب على ( الادارة والتدريب والمظهر والمساهمة في التنمية ) وهذا يبين عدم إدراكه ـ مثل غيره من القائمين على البنوك الإسلامية ـ أهم نقص في البنوك والمصارف الإسلامية المشهورة اليوم : الحاجة إلى تصحيح منهاجها لتوافق شرع الله لا أن تمتطيه بالتحايل عليه استغلالاً للعاطفة الإسلامية من جهة وتحقيقاً للربح الدنيوي من جهة . والحقُّ أن العاطفة الدينية التي قَدَّر الله أن تبرز في هذا العصر منذ بضعة عقود في كل مكان وفي كل دين قد استغلها كل ذي مصلحة خاصة : التاجر والحزبي والسياسي ، وظهر هذا الاستغلال أسوأ ما ظهر في بلاد المسلمين وتولى كِبْرَهُ الحزبيون والحركيون الإسلاميون .
6 ـ ولا بدّ لما سُمِّي بالبنك الإسلامي أن تزيد أرباحه عن أرباح البنك التقليدي ( إذا توفر قدر معقول من حسن الإدارة ) لأن الأول يتميز عن الثاني ( إضافة إلى استغلال اسم الدين ) بأنه يأخذ أكثر مما يأخذ المرابي الصريح ، ولا يعطي إلا صكّ الغفران في قروضه .
7 ـ عَجِبْتُ لاستنكار البنكي الإسلامي افتتاح فروع إسلامية في البنوك التقليدية ، وكان الأولى به أن يحمد الله على ذلك إذا كان حقاً يسعى إلى إيجاد بديل للبنك الربوي لا إلى احتكار التجارة باسم الدين .
8 ـ ولكن التعرف إلى نشأة البنوك الإسلامية في أحسن أحوالها يشير إلى أسوأ الاحتمالات ، وإلى القارئ المثال :
أرادت واحدة من أكبر شركات الصّرافة في بلاد المسلمين تطوير تجارتها المصرفية فأوحى إليها بعض العاملين فيها ( من قادة أحد الأحزاب الإسلامية المبتدعة والمستفيدين مما تجنيه من فوائد البنوك العالمية ) :
1 ـ إن يضاف إلى اسم الشركة وصف ( الإسلامية ) .
2 ـ وأن يكون على رأس المساهمين فيها بعض العلماء أو أولادهم حتى تجتذب أكثر الناس إليها .(1/107)
أما الخدعة الأولى : فلم تكن مستساغة لأن دولة المنشأ ترفض السّماح بالمتاجرة الدنيوية باسم الدين ، وتَعُدُّ ذلك مخالفة شرعية وغِشاً تجارياً ، ومن جهة أخرى فهذه الدولة ـ خاصة ـ لا تُقِر تقسيم المواطنين وهم جميعاً مسلمون ـ بين وصف الإسلامي ووصف العلماني ، لأنها الدولة الوحيدة ـ منذ القرون المفضلة ـ التي تُنْشأ من أول يوم على الدعوة إلى التوحيد والسنة وتحكيم شرع الله ( اعتقاداً وعبادة ومعاملة ) ولا تزال على ذلك بعد ما يقرب من ثلاثة قرون ، وإن دخل من النقص في المعاملات ما نرجوا الله أن يجبره وأن يردّنا جميعاً إلى دينه ردّاً جميلاً .
وقد وُفِّقَت الدولة في الأمرين ؛ فلا يجوز أن يُنْسب إلى الإسلام إلا ما أنزل الله به وَحْيَه ( على فهم فقهاء الأُمة الأُول ) ، ولا يجوز لدولة الدعوة أن تُقِرَّ وصف شركةٍ أو مستشفى أو مدرسةٍ أو بنكٍ أو نادٍ بالإسلامي أو الإسلامية لما في ذلك من استغلال الدين للأغراض الدنيوية .
وإذا أُجيز للجماعة المسلمة أن يَخْتار أفرادها بين ما يوافق الدين وما يخالفه هُدِّدت ميزة أخرى للدولة المسلمة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاولة إصلاح الفساد وتصحيح الخطأ .
وفيما يتعلق بالمصارف والبنوك فليس طريق الإصلاح مجرّد تغيير العنوان أو الاسم ، بل في وزن معاملاتها بميزان الشريعة ؛ فما وافقها ـ وهو الأكثر ـ أُبقي عليه ، وما خالفها ـ وهو الأقل ـ وجب السّعي لتغييره حثيثا .(1/108)
وأما الخدعة الثانية : فقد احتاجت إلى خدعةٍ أخرى يكثر استعمالها مِنْ قِبَل الحزبيين والحركيين : ادّعاء المنتفعين من الفوائد الربوية التي يأخذها المصرف من البنوك الدولية أن هذه الفوائد ستذهب إلى مجلس الكنائس العالمي إن تركها المسلمون ، ( وهي أكبر عقبة قد تحول بين العلماء والمصرف والحزبيين من استمتاع بعضهم ببعض ) ، وهذه الخدعة بيّنة البطلان لمن يريد أن يتثبت ، ولكن العلماء المعنيين استساغوها لجهلهم بواقع المعاملات المالية في الخارج ، وإلا لرَفَضَ أكثرهم أن يكونوا أو يكون أبناؤهم مؤسسين أو مساهمين أو قائمين على الباطل فضلاً عن تزيينه لبقية المسلمين الذين يتخذونهم قدوه ، هذا ظني بهم والله حسيبهم .
وفي مجلة ( بِزْنِسْ وِيْك ) الصادرة في 29/11/2004م تقرير يحصي نفقات خمسين من أكبر المتبرعين في أمريكا بعشرات ألوف الملايين من الدولارات ليس منها دولار واحد لمجلس الكنائس العالمي ، فالقائمون على المؤسسات التجارية والمساهمون فيها أكبر همّهم الدنيا لا الدين ؛ فيتبين من هذا التقرير أن أكثر التبرعات صُرِفَتْ للتعليم والصحة ، وبحوث مكافحة : التلوث وأمراض السرطان والسكر وأسلحة الدمار الشامل ، والمتاحف والفنون ونحوها مما يُوَافق اهتمامهم أو يَنْشُر ذِكرهم .
وما يُترك من الفوائد يدخل في رأس مال البنك بمجرد تركه ، وفكرة صرفه لمجلس الكنائس العالمي خيالٌ لا يُقرُّه إلا عقل جاهل أو مخادع .(1/109)
ولقد شهدتُ من المصرف على قنص الأسماء اللامعة من العلماء المعروفين بالتسامح في المعاملات أو أبنائهم ولو لم يُعْرفوا بالثروة أو الخبرة المصرفية أو التجارية ، وفي حالة نادرة فشل القناصون في إقناع أحد العلماء ، لأنه ـ وإن أحْسَنَ الظن بستقبل البنوك الإسلامية ـ لا يرغب في الإستثمار ولا في جمع مال يستثمره ، فسافر رئيس المصرف تسعمائة كيلومتر ومعه من إنتاج مزارعه ومن كلمات الاستجداء ما يكفي لاحراجه بقبول وضع اسمه بين المساهمين بالحد الأدني للمساهمة ( 350.000 ) ريال من وديعة عنده بعد استئذان المودع .
وفي غياب الحافز المالي الذي يُغشي الأبصار عن تمييز الحق من الباطل ، أدْرَك منذ البداية أن إحسانه الظن كان في غير محله فأخذ ينسحب تدريجياً من الشركة حتى تركها غير آسف إلا على استغلال اسمه ، وأعلن رأيه في فساد البنوك الإسلامية . ومع أن الشركة أسفت لفقد بريق اسمه فإنها لم تفقد كثيراً من هدفها بعد أن بلغ سِعر سهمها أعلى درجة بين مثيلاتها .
وحققت الشركة أهدافها المالية وحقق الحزب الإسلامي المنتفع الأول من فائض الفوائد الربوية ( الإسلامية ) هدفه وإن اضطر ممثل قيادته الدولية في الشركة المصرفية إلى نقل مكتبته إلى نيويورك لتتوفر له الحرية الديمقراطية في العمل الحزبي وفي استقبال الأموال وصرفها دون رقابة من دولة الدعوة إلى الله على بصيره . وفق الله الجميع لأقرب من هذا رشدا ، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته إلى يوم الدين .
عمان ـ 1420هـ .
حق المؤلف الشرعي أخرويٌّ لا دنيوي(1/110)
الدعوة إلى الله على بصيرة بنشر علوم الشريعة عبادة ، والعبادة لا تُقبل من العبد إلا أن تكون خالصة لله وحده لا شريك له ، فإن قُصد بها معه شيءٌ أو أحدٌ من مخلوقاته ـ بشراً أو مالاً أو سمعةً ـ فذلكم الشرك الأكبر أو الأصغر ، قال الله تعالى : {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ} [الزمر: 11] وقال النبي ×: « قال الله تعالى : أنا أغني الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه » رواه مسلم . وذكر × من أول الناس يقضي يوم القيامة عليه : « رجلٌ تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن ، فأتي به فعرّفه نِعَمَه فَعَرَفَها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلّمت العلم وعلّمتُه وقرأت فيك القرآن ، قال : كنت ولكنك تعلّمت ليقال عالم ، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ، ثم أمر به فسُحِب على وجهه حتى أُلقي في النار » رواه مسلم .
وفي القرن الأخير وقع كثير من المؤلفين الصالحين ومن هم دون ذلك في مصيدة من مصائد الشيطان باستساغتهم تحجير العلم الشرعي واحتكاره والتكسب به تحت مظلة قوانين الثورة الفرنسية المخالفة لما أنزل الله . ونظراً لقصر باعي في العلوم الشرعية وجهلي بالقوانين الوضعية فإني أُحِيْل هؤلاء ومن يريد اقتفاء آثارهم إلى بحث فريد أعدّه أخي صالح الحصين وهو من خير من أعرف في الجمع بين دراسة الشريعة وبين دراسة القوانين الوضعية التي لا تتقيد بشرع الله ، ويتضمن ما يلي :
أ ـ لم يُعرف ما يسمى (حق المؤلف) قبل بدء المتاجرة بالمؤلفات الموسيقية والمسرحية ونحوها ، ولعلّ أوّل قانون صدر بحماية هذا الحق هو القانون الفرنسي عام 1791م خاصاً بالمؤلفات المسرحية، ثم صدر قانون فرنسي آخر عام 1792م يمدّ الحماية إلى جميع المؤلفات الفنية والأدبية ، ( الوسيط 8/282) .(1/111)
ب ـ القانون الفرنسي وما نحا نحوه من قوانين ونُظُم تتفق على عدم إطلاق الحماية لحق المؤلف ، وعلى تصنيف المؤلفات إلى محمية وغير محمية . ومثل الصنف الأول ما تشمله الموادّ ( 3و4و5) من نظام الحماية السعودي ومثل الصنف الثاني ما تشمله المادة (6) من النظام نفسه .
وفي حماية الصنف الأول استثناءات يمثلها في النظام السعودي الفقرات ( من1 إلى 9) من المادة ( 6 ) .
ج ـ الحماية التي ابتدعها القانون لحق المؤلفين ليست مؤبّدة بل هي مؤقتة بسنوات معدودة تسقط بنهايتها الحماية .
د ـ وبما أن هذا القانون شرع لم ينزل به الوحي فإنه يمكن أن يُعدَّل أو يُحدّد أو يُلغَى بقانون آخر وطني أو دولي ـ في حدود سيادة كل دولة . وهذا يبين الفرق الكبير بين الحق القانوني للحماية وبين الحق الشرعي للتملك لمن يريد أن يتبين الفرق وَرَعاً واحتساباً وطاعة لله ورغبة فيما عنده .
هـ ـ جميع القوانين المنظِّمة لحقوق التأليف في بلاد المسلمين منقولة من القوانين الغربية الموجهة والمحكومة بالنظام الرأسمالي القائم على المنفعة المادية العاجلة ، ولم يخطر ببال مخترع القانون بدل الجهد في التأليف ابتغاء وجه الله وثوابه ورضاه ، وأداء واجب الجهاد الشرعي بالقلم ، والدعوة إلى الله على بصيرة ، وأن السلم النافع صدقة جارية يحرص المتصدق على انتفاع خلق الله منه بأي طريق ، وأن ما عند الله خير وأبقى وإنما ينال باخلاص النية لله لا يشاركه شيء من حظوظ النفس الفانية ، وأن توفيق الله للمؤلف وتأثيره في نفوس المتلقين إنما يكون بما يضع الله فيه من بركة بسبب إخلاصه له : « إنما الأعمال بالنية ، وإنما لكل امرئ ما نوى » متفق عليه .(1/112)
و ـ إذا كان مخترع القانون مدفوعاً بالعدل في قارة إشراك الموسيقى والرّوائي ومؤلف الأغاني والكاتب مع الناشر ومنظم الحفلات الموسيقية والغنائية والمسرحية ـ مثلاً ـ في القيمة المالية والمنفعة الدنيوية ؛ فقد حاول رعاية المصلحة العامة ، كما يقول كبير القانونيين العرب : ( الإنسانية إلا بانتشار الفكر [ والاحتكار يحد الانتشار ] ، ووجه آخر يرجع إلى أن صاحب الفكر [ المؤلف ] مَدِيْن للإنسانية إذ أن فكره ليس إلا حلقة في سلسلة حلقات .. وإذا أعان من لحقه فقد استعان بمن سبقه ، ومقتضى ذلك ألا يكون [ حق التأليف ] حقاً مؤبداً ) الوسيط للسّهنوري 8/281 .
ز ـ ينخدع بعض المتفقهين [ المستفيدين بخاصة ] في هذا العصر باصطلاح (الملكية الأدبية والفنية ) واصطلاح ( حق المؤلف ) فيحاولون تخريج هذا الحق القانوني على أحد الحقوق المقررة في الفقه الشرعي [ كما يفعل المتحايلون على الربا بالبيع والشراء الصوري ، وعلى الطلاق البائن التيس المستعار ] دون اعتبار للفرق بين الفكر المجرد وبين المادة المحسوسة ( فالمادة تؤتي ثمارها بالاستحواذ عليها والاستئثار بها ، أما الفكر فيؤتي ثماره بالانتشار لا بالاستئثار ) الوسيط 8/278 .
ح ـ لعلّ هذا يفسر عدم تقيّد التقنين المصري [ القدوة للقوانين العربية ] بأحكام الشريعة ؛ يقول مؤلِّف هذا التقنين وشارحه : ( والسّبب في أن المشرِّع قرر هذا الحكم دون أن يتقيد فيه بأحكام الشرع الإسلامي أن حق المؤلف في الاستغلال المالي لمصنفاته هو حق معنوي يقع على شيء غير مادي ، فهو إذن ليس من قبيل [الحقوق ] التي تقع على الأشياء المادية والتي يَنْظُر إليها الشرع وحدها في تقرير أحكام الميراث والوصية ) الوسيط 8/297 .
ط ـ وبعد هذا: هل يسري نظام حق المؤلِّف المالي على المؤلفات الشرعية عامة؟ .(1/113)
لقد أشرنا من قبل إلى أن القانون العربي هو الذي ابتدع الحق المالي للمؤلف ، وهو الذي يبقيه أو يلغيه أو يعدله أو يبدله ، وهو الذي يحدد نطاقه سواء في الزمان أو المكان أو نوع المؤلَّف أو نوع الانتفاع به ، وأن غاية هذا الحق الممنوح بالقانون [ لا بالشرع ] : منح المؤلِّف سلطة احتكار استغلال مؤلَّفه مدة محدودة [ لا ملكية مؤبدة ] . ونضيف الآن ما يلي :
1 ـ أن النظام السعودي ـ مثلاً ـ حينما عدد في المادة (3) المصنفات المشمولة بالحماية أَسْقَطَ ـ عَمْداً ـ بعض المصنفات التي نصت عليها القوانين التي نقل منها مثل المسرحيات والمصنفات الموسيقية والغنائية ومصنفات تصميم الرقص والتمثيل الإيمائي ونحوهما مراعاة للبيئة التي ينفذ فيها ، وهذا يعني أنه عند تفسير أو تنفيذ هذا النظام لا بدّ أن يؤخذ في الاعتبار ملاءمة ذلك [ للبلاد والدولة التي أسِّسَتْ من أول يوم على منهاج النبوة في الدين والدعوه ] .
2 ـ عندما ذَكر هذا النظام ـ ضمن المصنفات المحمية ـ المواعظ ؛ أَسْقَط ـ عَمْداً ـ وَصْفها بالدنية كما هي في النص المقتبس منه إذ لم يستسغ شمول المواعظ الدينية بالحماية [ في البلد الوحيد الذي أُسِّس من أول يوم على تحكيم شرع الله والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ] .
3 ـ وبما أن شريعة الله حاكمة على النظم التي تصدر في المملكة العربية السعودية ؛ فإنه يجب تفسير النظم الصاردة فيها بما يتفق مع الشريعة ( نصوصها وقواعدها ومقاصدها ) لا بما يتفق مع قوانين البشر الأجنبية عنها .
4 ـ أن من المؤلفات ما ليس له حق أصلاً ولا يحميها النظام بل تثنيها من الحماية بالنص مثل ما نصّت عليه المادة (6) ك ( لا تشمل الحماية المقررة بمقتضى هذا النظام : الأنظمة والأحكام القضائية ، وقرارات الهيئات الإدارية والاتفاقات الدولية وسائر الوثائق الرسمية ) الخ .(1/114)
وبموجب هذا النص ليس للمؤلِّف حقٌّ ماليٌّ في مؤلفات الأحكام الشرعية ، ولا قرارات هيئة كبار العلماء ، ولا فتاوى اللجنة الدائمة ،ولا فتاوى المفتين الرسميين ، ولا تشملها الحماية وليس لأحد حق احتكارها . بل إن القوانين الدولية تتفق مع هذا النص : ( هناك مصنفات يقوم بها موظفوا الدولة بحكم وظائفهم كمشروعات القانون .. وكالأحكام القضائية وكالتقارير الاقتصادية والمالية والعلمية والتعليمية والإحصاءات .. فهذه كلها تقع في الملك العام ولا يكون للدولة ولا لمن وضعوها ولا لأي أحدٍ آخر حق المؤلِّف عليها ) الوسيط 8/330 ( فهذه الوثائق هي حق شائع للجميع ، إذ يراد بها أن تكون في متناول كل فرد ) الوسيط 8/303 .
ي ـ وهل يحمي هذا النظام المؤلفات الشرعية غير المنصوص عليها في المادة (6) باستثنائها من الحماية ؟ .
للإجابة على هذا السؤال لا بدّ من اصطحاب المعاني التالية :
1 ـ أن التعبد لله ببيان حرامه وحلاله ، والدعوة إلى توحيده واتباع سنة رسوله والتحذير من الإشراك به والابتداع في دينه ، والبحث في أصول الدين وفروعه ، والوسائل المشروعة التي توصل إلى ذلك هو ما نقصده بمصطلح ( المؤلفات الشرعية ) ، وهو من أفضل ما يتقرب به العبد لمعبوده ، وأساس العبادة إخلاصها لله وتنزيهها عن شوائب الشرك بحظوظ النفس وإرادة العاجلة .
2 ـ واجب المسلم : الغيرة على الأخلاق الشرعية التي تميز من يرجو لقاء الله وثوابه الأبدي من أن تطفى عليها أخلاق غير شرعية تسلّلت من الحضارة العلمانية وتكررت بين المسلمين حتى صارت عادات مألوفة وهي تخالف شرع الله وسنة رسوله وسبيل المؤمنين القدوة . ولا شك أن إشراف المؤلِّف المسلم وسُؤَاله ثمن مؤلَّفه في العلوم الشرعية وابتداع قاعدة عامة وعُرْف سائد بين جماعة المسلمين تقضي بأن يقبض ثمرة علمه وعبادته ثمناً بخساً دراهم معدودة ؛ إنما ذلك هدم للأخلاق الشرعية العظيمية التي رضيها الله وأتم بها النعمة .(1/115)
3 ـ ذكرنا فيما سبق أن القوانين المنظمة لحق المؤلِّف المالي هي من ابتداع حكومة الثورة الفرنسية الغاشمة التي قامت على فكرة العلمانية وعزل الدين عن النظام ومع ذلك راعت حقوق الناس جميعاً في المؤلَّف لأنهم شركاء في انتاجه ، بل إن مشاركتهم فيه هي العنصر الغالب والأهم [ من حيث الحافز للمؤلِّف ، وإعداده ليكون أهلاً للتأليف ، وتوفير أدوات التأليف ووسائله : اللغة والفكر وطرق البحث ومراجعه .. الخ ] ، وإنما قام بالتعبير واللغة ليست من عنده ، ونوسل بالكتابة وهي ليست من ابتكاره ولا شيء من أدواتها ، وأغلب عناصر التفكير ـ إن لم تكن كلّها ـ حصل عليها المؤلِّف من مؤلِّفين سابقين لم يَطْلُب خَيرُهُم حقوقاً مالية لمؤلفاتهم ؛ لهذا لم تجعل القوانين حق المؤلِّف مطلقاً .
4 ـ في البيئة المسلمة توجد أسباب أخرى سبقت الإشارة إلى بعضها تمنع أن يُقَدَّر حقُّ المؤلِّف فوق قدره ، وفي المؤلفات الشرعية بخاصة حقوق لله تعالى فوق حقوق خلقه لا بدّ من حمايتها .
5 ـ ما لم يفصح المؤلِّف الشرعي عن إرادته : العاجلة من عمله أو إشراك حظ النفس مع الله فيه ؛ فإن مؤلَّفه يقع في الملكيّة العامة كالصدقة الجارية والوقف ، وإذا كانت القوانين لا تحمي المؤلِّف الواقع في الملكية العامة حتى لا تعوق الحمايةُ التَّقَدُّم الدنيوي ؛ فالأولى ألا يُحْمَى المؤلَّف الواقع في الملكية العامة مما يُقْصد منه ـ شرعاً ـ هداية الخلق وإظهار العلم المحرّم كتمانه ورضا الله وثوابه في الآخرة الباقية .
وبما أنه لا يجوز للمتصدق العَود في صدقته ولا يجوز للواقف الرُّجوع عن وقفه؛ فإن المؤلَّف الذي تقرّب به مؤلِّه له لا يجوز لمؤلِّفه الرجوع فيه [ ولا تحجيره ولا احتكاره ] فضلاً عن أنه يجوز ذلك لورثته .(1/116)
6 ـ أما لو أفصح المؤلِّف الشرعي صراحة عن إرادته أن يتمتع مؤلَّفه بالحماية القانونية ، وأن يتمتع هو بالحق المالي القانوني للتأليف ؛ فقد تجاب رغبته من الناحية القانونية [ في البلاد التي تحكمها قوانين البشر ، أما عن جواز هذا القصد من الناحية الشرعية وسريان الحماية [ والتحجير والاحتكار ] على المؤلَّف فقد سبقت الإشارة إلى الجواب [ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ] .
ك ـ يتردد في حجج المؤلِّفين من طلاب العلم الشرعي الرّاغبين في الاستفادة من قانون حفظ حقوق المؤلِّف ما يلي :
1 ـ حفظ حقوق التأليف يشجع البحث ويشحذ الهمم للتأليف .
2 ـ الناشر يَكْسَب المال والدّعاية من نشره المؤلَّف فكيف يُحْرَم المؤلِّف ؟ والجواب : أنَّ هذه بعض الحجج نفسها الدافعة لاصدار قوانين الحفظ والحماية . أمّا المسلم فين يكون مغبوناً أو محروماً إذا اختار ما وعد الله المخلصين له على دراهم معدودة يستعجلها ثمناً لما يُبْتغي به وجه الله وحده . وإذا كانت الثكلى ليست كالنائحة المأجورة ، وإذا كان انبعاث الهمّة للبحث والتأليف الشرعي بقصد نفع الخلق وثواب الخالق أحرى بحصول البركة والقبول والنّفع والانتشار للمؤلَّف، وإذا وضع المؤلِّف ذلك في حسابه ووزنه وقياسه فوق كل اعتبار ؛ [ ألا يكفيه شرع الله وثوابه عما ابتدعته القوانين العلمانية ؟ ] .
3 ـ يدّعي بعض المؤلفين في العلوم الشرعية أنهم يختارون تمتّع مؤلَّفاتهم بالحماية القانونية بقصد صرف حقوق التأليف المالية في سبيل الله . وهذه المصلحة لو تحققت لا يمكن أن ترجح بمصلحة المحافظة على الأخلاق الشرعية [ ومصلحة العدول عن اتباع القوانين والتقاليد العلمانية إلى اتباع سبيل المؤمنين من فقهاء الأمة المعتد بهم ، ومصلحة إخلاص العمل الشرعي لله وحده ،ومصلحة اختيار ثواب الآخرة على ثواب الدنيا ] .(1/117)
ل ـ كان السلف يَعُون الفرن بين جزاء المؤلِّف [ الأخروي] والجزاء [الدنيوي ] لمن يتكسب باستنساخ مؤلَّفه من الوراقين والنساخ ، ولم ينقل التاريخ حادثة واحدة من المشاحة والشحناء بين المؤلِّف والوَرَّاق على انتفاع الثاني وارتفاقه بعمل الأول الذي يحتسب الأجر بنفع أخيه ويستفيد من ذلك بنشر مؤلَّفه ، ونستطيع أن نجزم بأنه لم يخطر ببال مؤلِّف شرعي أن يأخذ ثمناً مقابل استنساخ الوَرَّاق مؤلَّفه قبل صدور القانون الفرنسي .
م ـ يغلو المؤلِّفون والمعنيون بتنفيذ نظام المطبوعات في التنفيذ بما يتجاوز حدود النظام ؛ إذ لا يفرق التنفيذيون بين ما يحميه النظام وبين ما يَرْفع عنه الحماية ولا بين ما تجاوز مدّة الحماية القانونية ، وترى المؤلِّف يسجِّل على الصفحة الأولى من مؤلَّفه أنه لا يجيز لأحدٍ طبعه ولا الاقتباس منه ولا ترجمته ، ولا .. ولا .. ولا .. إلا بإذن خطي منه مخالفةً للنظام الذي أجاز في فقراتٍ عَشْر من المادة (8) أنواعاً من وجوه الاستخدام للمؤلِّف دون إذن المؤلِّف .
ومن أمثلة الغلوّ في التنفيذ إلزام الناشرين بالحصول على إذن من أئمة المساجد قبل نشر تسجيل لقراءة أيٍ منهم في صلاة التراويح [ وهذا مخالف لشرع الله لأن حق الصلاة وتلاوة القرآن لله وحده ، ومخالف للنظام والقانون لأن الإمام موظف للدولة والأمة وإنتاجه واقع في الملكية العامة ] .
ن ـ أُنَاشِدُ علماء الأمة أن يَعُوا مسؤليتهم ـ طاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر منهم ـ فيعملوا على مكافحة الخطر الأخلاقي المحدق بالأمة في ظل الغزو الحضاري الدّاهم ) . انتهى النقل من البحث المنشور كاملاً في مجلة العدل .(1/118)
قُلْتُ : ومن أسوأ أمثلة الغلوّ والإسراف في التنفيذ أن يحرص التنفيذيون على وضع خاتم القانون الوضعي العلماني بحفظ الحقوق على كل مصحف وكل تفسير وكل شريط تسجيل أنتجته أكبر مؤسسة في العالم لنشر كتاب الله وقفاً لله تعالى على المسلمين أسسها ولي الأمر في دولة الدعوة إلى الكتاب والسنة خدمة للإسلام والمسلمين فقطع التنفيذيون هذا الطريق العظيم ـ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ـ بمنع الناشرين الآخرين حق نشر كتاب الله ، والمستفيد الوحيد : الخطاط الذي باع حقوقه القانونية على المؤسسه ، وبسبب تحجيرها واحتكارها استمر في بيع حقوقه القانونية على الآخرين ؛ فَحُرِم المؤسِّس والمؤسَّسة زيادة الأجر وحُرِم كتاب الله زيادة الانتشار ، هدى الله الجميع لأقرب من هذا رشدا ، حتى تتحرّر رقابهم من نَيْر التقليد الغربي والرُوتين الإداري والعادة والعاطفة والمنفعة الخاصة العاجلة .
وكان فقهاء الأمة الأوَل يَعُدُّون العلم الشرعي مشاعاً بين الأمة ولربما نقل المؤلِّف منهم نصف مؤلَّفه أو أكثره أوكلّه ممن سبقه دون عَزوه إلى من نقله منه ، فلا يُعَد ذلك سَرقةً بل تعاوناً على نشر دين الله الذي لا يملكه البشر ولا يجوز لهم تحجيره ولا احتكاره . وبالمناسبة ؛ لم يعتادوا طلب ( تقديم ) الكتاب تزكية للنفس غير مباشرة ، ولا تسويد الصفحات بتخريج الآيات ليعلم القارئ أنَّ {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هي الآية الأولى من سورة الفاتحة . والله الموفق .
الطائف ـ 1425هـ
عصبية الجاهلية الحديثة(1/119)
أ ـ يرى الشيخ د . بكر أبو زيد ( عضو هيئة كبار العلماء ورئيس المجمع الفقهي حتى لزم بيته شفاه الله ) في كتابه الفريد ( حكم الانتماء إلى الفِرَق والجماعات والأحزاب الإسلامية ط1410) تحت عنوان : ( الحزبية في العرب قبل الإسلام ) : ( أن عصبية الجاهلية القائمة على الاعتداد بالنسب ووحدة القبيلة والشعب قبل الإسلام تشابه إلى حدٍ بعيد تلكم الصيحات المعاصرة في وسط ديار المسلمين [ الداعية ] إلى الوطنية والقومية من حيث النتيجة : التهارش والهَرْج ؛ إلا أن عصبيات ما قبل البعثة فيها من الشرف والأنَفَة ومكارم الأخلاق ما لم يطمح إليه [ فضلاً عن أن يحصل على شيء منه ] أولئك الأوباش المجتمعين باسم القومية والوطنية ) في هذا العصر .
ب ـ ولعلّ الشيخ بكر لم يرغب النزول إلى حضيض العصبية المعاصرة وإلا لذكر من أكثرها سخفاً وسماجة وانحطاطاً : وباء المباريات الرياضية وبخاصة كرة القدم التي وصل شرّها إلى أكثر بيوت المسلمين فزادت الفُرْقة بينهم ، بل ربما بين الأب وابنه والأخ وأخته ، ووسَعت هوّة الإسراف في تبذير الوقت والجهد والخُلُق والمال ، وكان الأولى شرعاً وعقلاً أن يتحمل اللاهون العابثون نفقة لهوهم وعبثهم لعلّ الباقين يسلمون من خسارة في الدنيا أو في الآخرة .
ج ـ ولكن أسوأ عصبية جاهلية معاصرة ـ في رأيي ـ ما نُسب زوراً إلى الإسلام من عقائد ومناهج الفرَق الباطنية والطُّرق الصوفية والجماعات والأحزاب ( الاسلاميّة ) المخالفة شرع الله وهي تدعي القيام عليه والدعوة إليه والجهاد في سبيله ، وإن كنتُ أحسب أن جميع مؤسسيها وأمرائها وأفرادها {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف: 104] ، {َيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف: 30] كما قال الله تعالى عن أكثر أهل الضلال .(1/120)
د ـ وقد انتهى البحث الشرعي العميق بالشيخ بكر في المرجع السابق تحت عنوان ( السؤال ) وعنوان ( الجواب ) إلى الحكم على جميع الفِرَق والجماعات والأحزاب الإسلامية ( بالانشقاق على المسلمين والتفريق لجماعتهم ، وهذا في طبيعة حاله انخزال عن كل الإسلام على منهاج النبوة ) ؛ لأنه : ( عُلِم بالضرورة من دين الإسلام أن الأصل : أنه لا دين إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمامه ، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة ) وهذه الثلاثة متلازمة آخذ بعضها ببعض ) ؛ فمن انشق على المسلمين باسم أو منهج أو أمير خاص فقد خرج عن الجماعة ( لأن جماعة المسلمين واحدة لا تتعدد .. ولأن الإسلام كلٌّ لا يقبل التّشطير ولا التجزئة .. فلا يجوز الدعوة إلى بعض الإسلام دون بعض كما أنه لا يجوز الإيمان ببعض الكتاب دون بعض ) ، وقال رسول الله × : « وإنّ هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة : ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة » السلسلة الصحيحة ( 204 ) و ( 1492) .(1/121)
هـ ـ وقال الشيخ بكر في كتابه المذكور تحت عنوان ( تساقط الفِرَق أمام جماعة المسلمين ) بأن هذه الفِرَق العَقَدية والسلوكية والسياسية تساقطت أمام جماعة المسلمين أهل السنة والجماعة الذي درجوا على منهاج النبوة ولم ينفصلوا عنها ولا لحظة زمنية واحدة لا باسم ولا برسم ، فليس لهم شخص ينتمون إليه سوى النبي × ، وليس لهم رسم ومنهاج يسيرون عليه غير الكتاب والسنة [ بفهم أئمة السلف في القرون المفضلة ] ، وليس لهم جماعة من المسلمين بل جماعتهم المسلمون [ كما سمَّاهم الله تعالى ] .. وإنما يحتاج إلى اسم جديد من خرج عنهم ، وفي الحديث الصحيح : « من دعا بدعوة الجاهلية فهو من جثاء جهنم وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ، فادُعوا بدعوة الله التي سمّاكم بها : المسلمين ، عباد الله » ، وروى ابن البر في الانتقاء ص35 ، عن الإمام مالك أنه قال : ( أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به ) ، وإنما وصفوا بالفرقة الناجية والطائفة المنصورة والسَّلف ، وأهل الأثر ، وأهل الحديث ؛ لأنه أوصاف شرعية لا تفصلهم عن الأمة المسلمة ( الجماعة ) ولا تفصلهم عن منهاج النبوة ( الكتاب والسنة ) ؛ فهذه الألقاب لا تدعوهم لشخص دون رسول الله × ولا لمنهاج غير سُنّتِه ، وعقد الولاء والبراء والموالاة والمعاداة لديهم هو على الإسلام وحده ، لا على اسم مُحْدَث ولا على رَسْم مُحْدَث ، وهم متآخون على منهاج النبوة ينتظمهم إمام ذو شوكة ومَنَعَةً .
و ـ ولقد تبلغ عصبية الجاهلية الحديثة باسم الإسلام من البعد عن الشرع والعقل ما لا تبلغه أخواتها ، وإليك المثال من الواقع الحزبي المظلم :(1/122)
1 ـ في بداية فتنة احتلال البعث العراقي الكويت وتهديد السعودية وبقية دول الخليج ( لا أعاد الله مقترفيها ولا مؤيديها من القوميين والإسلاميين ) كتب أحد علماء السعودية السّلفيين ( وهو أكثرهم تحملاً لضلال فكر الحزبيين الإسلاميين وصبراً على استغلالهم اسمه وعلمه وجاهه وقبول الرّعاة والرَّعية له ) ، كتب مقالاً موضوعياً يدعو فيه العرب ( من استخفى منهم وراء وَصْف الإسلاميين بخاصة ) إلى الرجوع إلى الشرع والعقل بعد أن ظهر تجنبهم لكلٍّ منهما في كل مواقفهم من الفتنة ؛ حرصاً على زيادة اشتعالها ، ونصراً للظالم واعتداء على المظلوم ، وفرحاً بمصيبة إخوانهم في الإسلام أو العروبة أو الوطن ، وتعاوناً مع الطاغوت على الإثم والعدوان .(1/123)
2 ـ ذكر صاحب المقال الوالغين في الفتنة ( وهم الأكثرون الأقلون ) بخروج بعضهم من ديارهم ثلاث مرات خلال نصف قرن : من فلسطين ، ومن سيناء والجولان ، وأخيراً من الكويت ، وأن احتلال الكويت ( ويتميز عما سبقه بوحشيته وخيانته ونقضه للعهود وتدميره وتخريبه ) يتميّز عما سبقه من احتلال نصراني أو يهودي بأمرٍ لا يكاد يصدّقه العقل لولا حدّة ظهوره ، وصدع المجرمين العلمانيين والإسلاميين به ، وإصرارهم عليه ، ألا هو : فَرَحهم بالفتنة وولوعهم فيها ومناصرتهم الطائفة الباغية ، وتمنيهم بقاء الفتنة ودوامها ، وتأييدها بالكذب والبهتان ، والدعاء والقنوت العدواني ، والخطب الضالة المضلة ؛ [ فمن مشاهير الإسلاميين وبخاصة قادة حزب الإخوان من أقسم ( فاجراً ) يميناً غموساً في خطبة الجمعة ( الفريضة المفروضة لتعليم أحكام الدين من يقين الوحي ) : أن مفتاح الكعبة في يد مجنّده أمريكية ( د . الكيلاني ) ، ومنهم من بكت مستمعي درس في مسجد الدولة الأكبر لتصديقهم ما عرفه الجميع منذ أسبوع عن هزيمة المعتدي وطرده من الكويت وتحرير البلد الطيب وعودة أهله إليه ، بحجة أن الإذاعة العراقية التي يجوز تصديقها وحدها لم تعترف بصحة الخبر ، وبحجة قول الله تعالى : {لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37] وقوله تعالى : {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} [ الحج: 40] ( د . نوفل ) ، ومنهم من دعا الله في خطبة الجمعة أن يكون جيش الفتنة اليوم في الخفجي وغداً في الرياض ( د . التميمي ) ، ومنهم من بدأ عمرته بسؤال أعرابي ( من بدو قرى مكة ) من حراس البيت الحرام : هل هو مسلم ، أم أمريكي كما ادّعت الإذاعة العراقية ( د . عباسي مدني ) ، ولكن الله أخزى منشئ الفتنة ومؤيديها من الدّكاترة وغيرهم من حاملي ألقاب الدّجل ومن اتبعهم ممن عقله في أذنيه ] .(1/124)
3 ـ وردّ صاحب المقال ما امتطاه مؤيدوا الباطل من حجج وفتاوى ساذجة خادعة حول الاستعانة بغير المسلم في رد العدوان والدفاع عن النفس والمال والعرض والدين ؛ ردّ حججهم وفتاواهم المنسوجة لباساً للباطل يستر عورته وعوراتهم : باستعانة النبي × في هجرته ( على أهميتها وخطرها ) بدليل مشرك ، واستعانته في الحرب بعينٍ ( جاسوس ) مشرك ، واستعانته في الحرب بعدة حربية استعارها من مشرك ، وبدخول مشركي خزاعة مع مسلميهم في جيش المسلمين يوم الفتح الأكبر ، فضلاً عن تعامله × مع كثير من المشركين بعد هجرته بالبيع والشراء والهدية والزيارة وأهم كل ذلك عقده × الصلح مع المشركين في الحديبية وتأجير أرض خيبر للعدو المحارب من اليهود لزراعتها ولهم يصف ما يخرج منها ( بعد هزيمتهم وبعد كل ما أظهروه من خيانة ونقض للعهود ) .
4 ـ وبين صاحب المقال أن تفسير مؤيدي الفتنة الشاذّ لآيات الولاء والبراء يخالف ما فقهه العلماء المعتد بهم جميعاً ، وساق ما ختم به الإمام النووي بحثه في شرح صحيح مسلم باب كراهية استعانة المسلم بغير المسلم إلا لحاجة بعد توفيقه بين النصوص المختلفة : ( وإذا حضر الكافر [ القتال ] بالإذن رُضِخَ له [ أي أعْطيَ أجره من الغنيمة ] ولا يُسْهَم له ، وهذا هو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والجمهور ، وقال الزهري والأوزاعي : يُسْهَمُ له [ كالمسلم ] ) .
فالخلاف بين علماء الأمة القدوه محصور في الرضخ أو الاسهام للكافر المشترك مع المسلمين في الحرب وهي مسألة فرعية لا تقوم إلا بعد الإقرار بمشروعية الاستعانة بغير المسلم عند الحاجة على الإطلاق الذي يشمل حالة الهجوم فكيف بالأمر في حالة الدفاع عن النفس وعند الضرورة .(1/125)
5 ـ وتساءل صاحب المقال : هل يرى مؤيدوا البغي والعدوان أن جميع قادة الاحتلال والغزو وأفراده [ أو أكثرهم ] منتسبون إلى الإسلام الحق فضلاً عن التحقق به ؟ أم يرون أن الباغي قام بعدوانه لتكون كلمة الله هي العليا ؟ أم يرون أن حريّة الإسلام ـ ممارسةً ودعوةً ـ تحت حكم المعتدي تُماثِل أو تُقارب حريّة الإسلام ـ ممارسةً ودعوةً ـ تحت حكم الدولة المحتلة ، أو الدول المهدَّدة على الخليج، بل تحت حكم أي دولة من دول التحالف المسلمة أو النصرانية ؟ وإن كانوا لا يعلمون فليسألوا عشرات أو مئات الألوف من الهاربين العراقيين من جحيم حكم البعث العراقي إلى أي دولة غربية .
6 ـ وتساءل صاحب المقال : هل كلّف مؤيدوا الفتنة أنفسهم الموازنة بين المعتدي والمعتدَى عليه في نشر الدعوة إلى التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدعة ؟ أيهما يحتض أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والزوايا الصوفية وما دون ذلك من المعاصي والموبقات وأيهما يمنعها ؟ أيهما يعلن خضوعه لمنهاج الإسلام وأيهما يعن اتباعه منهاج ميشيل عفلق النصراني القومي الإشتراكي ؟ .
7 ـ وتساءل صاحب المقال : هل يجهل مؤيدوا الاحتلال حزب البعث العربي الإشتراكي للكويت أن المسلم مُحَرَّم العرض والدم والمال ؟ وهل يجهلون أن الكويتي مسلم اسْتُحِلَّ عرضه ودمه وماله ؟ وهل من شرع الله تأييد الطائفة الباغية والإنسياق وراء عاطفة الحقد والحسد [ كُرْهاً لقدر الله بإنعامه على عبدٍ أو شعبٍ بنعمة من نعمه ؟ وقد أنعم الله مِنْ قَبْل على العراق وبلاد الشام ومصر بالأنهار والثمار وبالنفط من قبل ومِنْ بَعد ولم يظهر لها من جزيرة العرب حاسد بفضل الله، والفَرْق اليوم لا يتجاوز عدالة الحُكم وحرية التجارة ، ووجود مظاهر الشرك والبدع والمعاصي أو عدمها ] .(1/126)
8 ـ وأخيراً ناشد صاحب المقال قادة وعلماء الدول العربية التي أيدت البغي والعدوان أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن تفاجئهم ساعة الحساب في الدنيا أو في الآخرة: هل يغني عنهم اعتذارهم بعدم قدرتهم على مواجهة أصوات الغوغاء وأهواء المخدوعين من رعاياهم ؟ .
9 ـ ثم واجه صاحب المقال أغرب وأشنع ما يتصوره من عصبية الجاهلية الحديثة ؛ فقد رأى أن ينشر نداءه على ورق هيئة للإغاثة في الكويت استُغِلّ اسمه في تأسيسها طمعاً في تبرعات السعوديين خاصة وغيرهم عامة ، وقامت على خدعة مكرره تدعي أن مجلس الكنائس العالمي يسعى لجمع ألف مليون دولار لتنصير المسلمين ( لتهييج العواطف إلى التبرع لهذه الهيئة التي يستغلّها ويسيطر عليها حزب الإخوان المسلمين في الكويت ) .
فَرفَض ممثل الحزب في مجلس إدارة الهيئة تضامناً مع موقف الحزب المؤيِّد للفتنة، ولا تعجب كيف يبلغ التعصب الحزبي بمواطن كويتي أن يقدِّم قضية حزبه الضالة الخاسرة على قضية وطنه وأهله العادلة ، وينسى ما قدّمه الكويت له من مال وجاه ومنصب ، بل ينسى ما شرعه الله من العدل ولاحق لكل مخلوق فكيف بمواطنين وأهل المعتدى عليهم ؛ فالتعصب الحزبي يتعدى حدود الشرع والعقل . ثم وافق أحد القائمين الكويتيين على الهيئة، ولكن المقال حجب عن النشر فلم يظهر له أثر.
10 ـ ولو أمهل الله للباطل ومؤيديه ابتلاءً وتمحيصاً لصارت الكويت وبقية دولة الخليج كما صارت العراق تحت حكم حزب البعث العراقي ولملئت البلاد أوثاناً وبدعاً وفقراً وظلماً ، فإن حكم هذا الحزب وطاغوته وأعوانه أسوأ ما مرّ بالعراق منذ هولاكو .
وكأن شوقي يرسم صورة للطاغوت ومؤيديه عندما قال :
إن الغرور سقى الرئيس بَراحِه ... كيف احتيالك في صريع الراح
تركته كالشبح المؤلّه أُمّة ... لم تَسْلُ بَعْدُ عبادة الأشباح
هم أطلقوا يده كقيصر فيهمو ... حتى تناول كل غير مباح
بالأمس أوهى المسلمين جراحةٍ ... واليوم مدّ لهم يد الجرّاح(1/127)
فلتسمعن بكلّ أرض داعياً ... يدعو إلى الكذّاب أو لسجاح
ولتشهدنّ بكل أرض فتنة ... فيها يباع الدين بَيْع سماح
يُفْتَى على ذهب المعزّ وسيفه ... وهوى النفوس وحقدها الملحاح
وقوله عن تأثر الغوغاء بالدعاية الكاذبة :
انظر الشعب [ المُعَنّى ] ... كيف يُوْحُون إليهِ
يا له من ببغاءٍ ... عقله في أُذُنيْه
ولكن الله تعالى أتم نعمته على جزيرة العرب كما أتمها عليها من قبل ؛ فأحقّ الحق الذي آمن ( د . نوفل ) وحزبه أنه الباطل وأبطل الباطل الذي آمنوا أنه الحق ، وصارت أمّ المعارك أمّ المهالك، ودحر الله الطاغوت ومؤيديه، وعاد أهل الكويت إلى الكويت وأمِنَت دول مجلس التعاون الخليجي أدام الله أمنها وعزّها على طاعته .
ورسم شاعر عراقي هارب إلى أوروبا من جحيم الحزب الطاغوتي صورة جديدة لنهاية الطاغوت وخسارة آمال مؤيديه فيه : إذن .. هذا هو [ النذل ] الذي جادت به صَبْحَه ، [ أم الطاغوت ] وألقت من مظالمه على [ أوطاننا ] ليلاً [ ] نرى صُبْحَه . إذن . هذا أخو القعقاع يستخفي بقاع القاع خوفاً من صدى الصيحة ، وخوف الموت [ يستخفي بأدنى ] خُفْرةٍ كالقبر مذعوراً ، وقد كانت جماجم أهلنا صَرْحه .
ومن أعماق [ حُفْرَته ] يُجَرُّ بزيف لحيته ، ليدخل معجم التاريخ نصّاباً ، علامة جَرِّه الفَتْحة . [ فتحة حفرته وفتحة الإعراب ] .
إذن .. هذا الذي صبّ الرّدى من فوقنا صباً ، وسمّى نفسه ربّاً ، يبول بثوبه رُعْباً ، ويمسح نعل آسره ويركع طالباً صفحه . ثم يلفت الشاعر إلى مؤيدي الطاغوت ـ مِنْ قبل ومِنْ بعد ـ ومنهم 600 مهرّج ادّعوا تطوّعهم للدّفاع عنه ، ومثلهم معهم أو هؤلاء الأفاكين الذين يُفتنون في كلّ عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هُمْ يذكرون ، ومهما ظهر الحق أبلج فهم في طغيانهم يعمهون :
أيا أوغاد ، هل نبي علينا مَأْتماً في ساعة الميلاد ؟
وهل نأسى [ لجلاد ] لأن غريمه [ الجلاد ] ؟
وهل نبكي [ على الخنزير ] إن أودى به الصياد ؟(1/128)
خذوا [ النَّذْل ] الذي هِمْتُمْ به منّا لكم مِنْحَه ،
خذوه [ استخرجوا فَتْحَه ] ،
أعدّوا منه أدويةً لقطع النسل أو [ قُفُلاً ] لِكَتم القول ،
أو [ مَصْلاً ] يقوّي حدّة الذّبحه .
شرحنا من مزايا [ النّذل ] ما يكفي فإن لم تفهموا منا خذوه لتفهموا شرحه ، وخلّونا [ نفوز ببُعْده عنا ونختم من حياتنا ] صفحه . ونترك بعدها الصفحات [ ناصعة لترسمنا وترسم ] نفسها الفَرْحَة .
اللهم اهدِ الجميع لأقرب من هذا رشدا .
الرياض ـ ذو الحجة 1425هـ
التحول عن الفقه إلى الحجامة
قد يُضطر فقيهٌ ـ في الماضي ـ إلى صرف قليل أو كثير من وقته للحجامة ، كما يشير المثل الذي عَنْونْتُ به هذا المقال ، لأن الفقه لم يُتّخَذْ قبل قرن عَرَضاً من عروض التجارة الدنيوية ، والحجامة سبب صالح مشروع ومهنة قديمة مفيدة للحاجم والمحجوم لا يُعْرف لها من الآثار الضارة ما لا يكاد يَسْلم منه علاج حديث .
ولكن المصيبة الحقيقية أن يتحول أكثر طلاب العلم اليوم ( الذين هيّأ الله لهم التّفقه في الدين وكفاهم أمر المعيشة ) عن التفقه في نصوص الوحي إلى الفكر المنسوب ـ زوراً ـ إلى الإسلام سعياً لكسب ألقاب الدراسة الأعجمية ومن ورائها لمال أو الجاه أو السلطة .(1/129)
وإلى القارئ ما عرفته عن واحدٍ أظنه من خير هؤلاء ، ردّهم الله لدينه : عرفت أخي في الدين ( وفي وطن الدعوة إلى منهاج النبوة المتميز في القرون الثلاثة الأخيرة بمحاربة الشرك والابتداع ) سفر الحوالي من زياراتي له في مكتبه الذي تبّوأه في خدمة الدولة المباركة ، واستماعي لدروسه التي فَتَحت لها الدولة المباركة المساجد في مكة وجدة بخاصة ومكتبة المسجد الحرام ، وخير أشرطته ( في الرد على فتنة محمد بن علوي المالكي خاصة وعلى المخرفين عامة ) ، وقرأت له خير ما كَتَبَ ( في الرد على محمد بن علي الصابوني خاصة والأشاعرة عامة ) ، فلم أجده متميزاً في أشرطته ، ولا دروسه ، ولا كُتُبه ( وهي الأقل عدداً ) بقدرة على الاستنباط أو بَسْطَةٍ في العلم ، ولكني وجدته متميزاً بما هو أحب إليّ من ذلك في هذا لعصر : محاولته السباحة ضد تيار الفكر الإسلامي ( ومن ورائه الحزبية والحركية الإسلامية ) ـ زعموا ـ الذي كاد طوفانه أن يُغرِق الجامعات في بلاد التوحيد والسنة ، ومنها : جامعة أم القرى التي مَوَّلَت الدولة المباركة تعلّمه ثم تعليمه فيها . وشكَرْتُ الله على نعمته بذلك عليه وعليّ . وفي الأمة اليوم من الفقهاء والمحدثين ـ على قلتهم ـ ما تقوم به الكفاية والجماعات اليوم لا تُخَرِّج الفقهاء والمحدثين ، والقليل ممن بلغوا هذه الدرجة مثل الشيخ صالح الفوزان بَلَغَها رغم انشغاله بتحصيل لقب ( الدكتوراه ) وليس بسببه ،وإنما بِصَرْف وقته بعد الجامعة في البحث والتعلم والتعليم والدعوة على منهاج النبوة . وأكثرُ مِنْ هؤلاء : مَنْ بلغ درجة العالِم والمحدِّث دون عونٍ من الدَارسة الجامعيّة في هذا العصر وخيرُ مَثَلٍ لهذه الفئة المباركة : علي بن حسن بن عبد الحميد ( الحلبي ) ، فضلاً عن ابن باز والألباني رحمهما الله .(1/130)
ودرجة الدكتوراه الحقيقية ـ لا المزيفة ـ تأتي نتيجة لدراسة مسألةٍ واحدة أو تحقيق مخطوطة ( عَدَمُها خير من وجودها ) لا تُضيف شيئاً إلى العلم الشرعي ـ لو أمكن ذلك ـ ولكنها تُوفي بشرطٍ من شروط الدراسة العصرية وكان نصيب سفر الحوالي رسالة عن الإرجاء تحت إشراف كاتب حركي غير متخصص في الشريعة : ( محمد قطب ) . ومهما أضمر ( سفر ) أو أظهر عن سبب اختياره هذه الجزئية من جزئيات علم الاعتقاد ـ والحكم على الظاهر ـ ، ومهما ظن غَيْرُه به ؛ فقد حَسِبْتُها من فضائله في المرحلة الأولى من حياته : الاهتمام بالأهم وهو الاعتقاد ، ولو في أدنى مسائله . وتفتيت العلم أو تجزئته نصيبة أوْرَثَناها تقليدُنا للجامعات الأوربية والأمريكية التي تحوَّلَتْ ( قبل قرن ) من الشمول تحت عنوان : كلية العلوم ( أو الفنون ) والآداب ، أو كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، إلى التفتيت في عشرات أو مئات الكليات التي لم تَعُدْ كليات بل جُزئيات ، وكانت مصيبتها أهون لهَوان غاياتها الدنيوية ، أما علم الدين الذي يُبْتغى به وجه الله ودرجاته العلى في الآخرة فلا يليق به إلا ما كان عليه أمثال ابن باز ومن سبقه رحمهم الله .(1/131)
وما كان من المألوف أن يختار مِثْل سفر (أو مِثْل أستاذه والمشرف عليه محمد قطب) مسألة الإرجاء للتركيز عليها ؛ لأن الكتّاب والمفكرين والحركيين والحزبيين (الموصوفين ـ زوراً ـ بالإسلاميين) يدعون أن من عيوب السلفيين الانشغال ( بالمسائل القديمة ) عن ( القضايا المصيرية الحادثة ) ، وفي لفظ المودودي رحمه الله ( برواية إسماعيل بن عتيق حفظه الله ) : ( الانشغال بفقه الأوراق عن فقه الواقع أو الحركة ) في ظلاله ص 2006 ؛ ولذلك ظن بعض طلاب العلم الشرعي ( وبعض الظن إثم ) أن الأستاذ المشرف وجّه تلميذه إلى هذا الاختيار : مظلةً أكاديمية للتشكيك في بقية علماء السنة الصحيحة ( تصديقاً لوصف الحركيين إياهم بأنهم علماء السلطان الذي يَسْتُرون كُفْرَه بحجة عدم الاستحلال والجحود ) وفي الوقت نفسه تزيين الخروج على السلطان بحجة كُفْره بالكبيرة ( أقرأ إن شئت : مدارك النظر في السياسة لمؤلِّفه عبد المالك بن أحمد رمضاني الجزائري فهو خير مَرْجع عرفته في بابه ) . أمّا أنا فلا أملك إلا حُسْن الظن بنية أخي مهما تبين لي من خطئه في اختيار مسألة رسالته وخطئه في منهج ونتيجة دراستها ، و « كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون » ، وقد بدا لي خطؤه :(1/132)
1 ـ في اختيار هذه الجزئية من الاعتقاد والانشغال بها ( لا عن القضايا الحادثة بل ) عن أهم أمرٍ في الاعتقاد أرسل الله به كلّ رسله : إفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه ، قال الله تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] ، وقال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وأكثر المنتمين إلى الإسلام اليوم يتقربون إلى الله بصرف شيءٍ من العبادة لغيره وبخاصة الدعاء وطلب المدد والاستغاثة والذبح والنذر ونحوها. أما الإرجاء فهو ـ لو تحقق ـ لا يتجاوز الخلاف بين العلماء أو طلاب العلم الكبار ، وهم الأقلون في الأمة ، وقد لا يتجاوز الخلاف اللفظي إذا اتُّهِمَ به الدعاة إلى التوحيد والسنة ( كما فهمت من رد ابن تيمية التهمة عن الإمام أبي حنيفة وأمثاله رحمهم الله جميعاً ) ، وهو في هذا لعصر سلاح يُهَوِّس به أهل الفكر والتكفير ويُخَوِّفون به من يخالفهم من دعاة الأمة الوسط . هذا ما ظهر لي من متابعة الأمر ، والله أعلم .
2 ـ أما منهاج ( الدراسة ) ونتيجتها فأحيل القارئ إلى من أهله الله لتقويمهما : محمد العصر ناصر الدين الألباني ، وتلميذه علي الحلبي ( ابن تيمية عصره ، ولكلٍ منهما نحو مائتي مؤلف ، وأهم من العدد : التزام كلٍّ منهما بالوحي والفقه فيه إذ أعاذهما الله من الظن ومَصَادره من الجرايد والمجلات والإذاعات والإشاعات ، ووفقهما للأخذ من نصوص الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة في القرون المفضلة ) في مؤلَّفهما ( الدرر المتلألئة ) من تعليقات الألباني ( وتقديم وتحقيق الحلبي ) على رسالة سفر : ( ظاهرة الإرجاء ) ، وهما من بلاد الشام المباركة .
ـ ومآخذ منهجية على سفر الحوالي تأليف ربيع المدخلي من مكة المباركة.(1/133)
ـ وتنبيهات على كتاب ( ظاهرة الإرجاء ) تأليف أنيس الصعبي من الإمارات .
ـ وحوار مع الحوالي في كتابه ( ظاهرة الإرجاء ) تأليف عبد العزيز الريّس من الرياض ، وهو من أجود ما قرأت من حيث الإيجاز والشمول .
ـ وردٌّ على سفر لكلٍّ من ياسر برهامي من مصر وهشام كصاص من الجزائر .
ـ وعدد من التعقيبات يمكن أخذها من شبكة المعلومات العالمية .
3 ـ وفي الشبكة نفسها بضعة كتب لسفر الحوالي أكبرها رسالته في الإرجاء ( مجلدان ) والعلمانية ( مجلد ) إضافة إلى قصيدة وخطاب وبيان ونداء وردّ وحوار .. الخ . يغلب عليها جميعاً الفكر ومرجعها الظن ، عدا رسالته الموجزة عن عقيدة الأشاعرة ـ كما أشرت ـ فهي وحدها ( متميزة عن كل ما كتب ) الأقرب إلى الفقه والعدل والسنة ، ولكنه يبدو غير راض عنها ولا آبه بها ولا موفقٍ على نشرها .(1/134)
وله درسٌ مسجل بعنوان ( الرد على الخرافيين ) وطُبِعَ أخيراً بعنوان : ( مجدد ملة عمرو بن لحيّ ) يرد فيه ضلال زميله محمد بن علوي المالكي والمتصوفة عامة ، وعنوانه وموضوعه ـ مثل عقيدة الأشاعرة ـ نادر بين كُتُبه ودروسه بُعْداً عن الفكر والظن وقُرْباً من السنة واليقين ، ولكنه مُرْتجل وركيك ، وقد فشلت في محاولتي إعداده للطبع ، فطلبت من إحسان عايَس إعانتي لمعرفتي بميله إلى سفر ، وحاول ففشل . وكما قلت من قبل : كفاني من سفر تميزه بين الفكريين باتخاذ كتاب ( شرح الطحاوية ) لابن أبي العز الحنفي إطاراً أو وعاءً أو على الأقل عنواناً لدرسه الثابت في جدة كما كان (حافظ برهان بخاري) يتخذ كتاب ( فتح المجيد ) إطاراً ووعاءً وسياجاً لدرسه الثابت في المسجد الحرام حتى أقعده الكِبرَ عنه غير مبدِّل ولا مغيِّر ، قدوة صالحة نادرة لدعاة السنة . وفي بداية العقد الثاني من القرن الخامس عشر سمعت أول أشرطة سفر في التحليلات السياسية مدفقه ( بل فِكْر ) الواقع المبني على الخَرْص ومنافسة وسائل الإعلام في محاولة السبق بالخبر دون كبير اهتمام بصدقة أو كذبه ، خيره أو شرّه في مخالفة صريحة للآية المحكمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] ، وأدْنى أولي الأمر ( بل الصحفيون ) أولى بمعرفة حقيقة الخبر من طلاب العلم الشرعي ؛لتخصّصهم فيه وممارستهم له .(1/135)
ظنّ وأخطأ سفر في أولى محاولاته التحليلية الإعلامية ـ أن القادة الشيوعيين تظاهروا بتفتت الاتحاد السوفيتي ليستطيعوا نشر الشيوعية خارج حدودها ( وراء الستار الحديدي ) ، وغفل عن أن الاتحاد السوفيتي هو الذي بني جدار برلين رمز الستار الحديدي ( الاصطلاح الدّعائي الذي أطلقه تشرشل أو غيره بعد بناء الجدار ) .(1/136)
كان المتابعون لدروس سفر في عهده الأقرب إلى الفقه لا يتجاوزون عدد الأصابع ؛ فالفقه في الدين لا يجذب الأكثرين ( الباحثين عن دروس التسلية من الشعر والقصص والفكاهة والتهريج والتهيج أو من الرقائق ) ، أما في عهده الأقرب إلى الفكر فقد بدأ الشباب يتسابقون لسماع درسه ، وكأنما كان لسان حالهم يقول : {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} [الأنعام: 128]. وجاءت فتنة احتلال العراق الكويت ، واحتل الفكر والظن والعاطفة دروس سفر احتلالاً كاملاً بما في ذلك شرح الطحاوية ، وبدأ ينقض غزله ؛ صار التحزب باسم الإسلام مقبولاً بعد أن كان مرذولاً ، وصارت ( المعتزلة والخوارج والرافضة مأمونة على الدعوة على الإسلام ؛لأن ميزتها أنها نبعت من داخل الأمة ) ، وصار محمد عمارة وفهمي هويدي وأمثالهما أهلاً لخدمة الحق والعدل ( مع سفر ) في ( الحملة العالمية لمقاومة العدوان ) بعد أن كان يَحْكُمُ عليهم بالعدوان على الإسلام ( بإنكار السنة ، وتحريف وتأويل وتطويع الإسلام للفكر الغربي ، والتقريب بين الأديان ، وتبديل أصول الفقه في الدين ، وإخضاع المعاملات الشرعية للتطور العصري ، وتبع الرّخص والآراء الشاذة ، وأن هدفهم الهدم أكثر من البناء ) ، ثم تغير رأيه فيهم بعد تحوله من الفقه إلى الفكر . ولم يردعه خطؤه في فهم ( واقع ) التفتت السوفيتي بعد أن فَضَحَتْه محاولة القادة الشيوعيين الثورة على ( كور باتشوف) ودعاة الديمقراطية فوقع مرة أخرى ( بل مرات ) في خطأ فهم ( واقع ) اشتراك القوات الدولية في تحرير الكويت فظن أنها ( جاءت لتنفيذ خطة مبيتة لاحتلال وتنصير جزيرة العرب) ، وأن هذه القوات ( لن تضرب العراق ) ، وأنها ( لن تخرج من الجزيرة ) مستدلاً بما نقلته جريدة أمريكية عن تصريح لأحد موظفي وزارة الدفاع الأمريكية بأن تحرير الكويت يحتاج إلى استمرار الحرب بضع سنين . وغفل عن تعاون أمريكا مع المنطقة منذ عقود بلا احتلال ولا تنصير .(1/137)
صارت الجرايد العربية والغربية من أهم مصادره ومراجعه للفكر الواقع بعد أن كان يصف العربية منها بأنها ذيل للإعلام الغربي الضال المضل ؛ فتكلم ـ مثلاً ـ عن تقرير سرّي عسكري بَلغة بطريقٍ متواتر : ( عن جريدة المدينة عن جريدة القدس ) ، ولا أعرف أكذب من جريدة القدس المرتزقة . قلت لسفر أثناء الفتنة : ألا تعلم أن أمريكا تحرّم تعليم الإنجيل في مدارسها العامة منذ عشرات السنين وتمنع إعانة مدارسها الخاصة التي تُعلّمه ؟ وكأنه فوجئ بهذا الخبر الذي لم يتضمنه فكره الواقع ، ولكنه جادل بأن ( كارتر ) كان متديناً ، وهذه إشارة أخرى إلى ضعفه في الفكر الواقع فإن أمريكا وأوروبا تديرها المؤسسات لا الأفراد فلا تأثير يُذْكر لتدين الرئيس أو عدمه ؛إذ أن العلمانية هي المسيطرة وهي تنفي الدين عن الحكم . وضرب ( عبد المالك رمضاني ) مثلاً لجهل مدعي ( فقه الواقع ) بالواقع بحكم سَفَر على أحداث الجزائر ، مع اعترافه بأنه ( لا يَعْرف الكثير عن جهة الإنقاذ ولا يَعْرف ولم يقابل ولم يَرَ قائِدَيها ) ، وثبت من كلامه أنه لا يفقه واقع جبهة التحرير الحاكمة أيضاً فقد وصفها بالاشتراكية بعد أن تخلّت عنها ببضع سنين واستعاضت عنها بالديمقراطية العربية ، ثم ذكر أن الدستور ينص على أن الجهة جزب علماني، ولا نص في الدستور بذلك ( مدارك النظر في السياسة ) ص403-404 .
وبانصرافه عن الفقه إلى الفكر خَلَط بين التعاون مع غير المسلم والولاء له؛ وقد شرع الله التعاون والمعاملة بالحسنى مع غير المسلم وحرّم الولاء إلا لله ولرسوله وللمؤمنين ، ودخل النبي × في جوار المطعم بن عدي وهو مشرك ، وعامل المشركين واليهود ( الأشد عداوة ) بالبيع والهدية والعارية والرهن والإجارة ، وأشهرها وأوثقها مزارعته اليهود في خيبر ( وهم الحربيون الذي نقضوا عهدهم له في كل مرة ) ، ولكنه لم يوال أحداً منهم ، وحاشاه أن يفعل ذلك .(1/138)
وبسبب الخلط بين الولاء والمعاملة ، وبسبب دعوى فقه أو فكر الواقع وقع سَفَر ( ومثله من دونه من مفكري الواقع الخيالي ) في عِرْض ولاء أمر المسلمين من الأمراء والعلماء ؛ فاتَّهَمَ دولة التوحيد والسنة ( بأنه لم يبق لها من الحكم بشرع الله إلا ما يسمى ( الأحوال الشخصية ) وبعض الحدود للأغراض الأمنية ) ، وغفل عن التزام المملكة المباركة بأهم الأحكام الشرعية : إفراد اله بالعبادة ونفيها عما سواه فليس فيها مسجد واحد بُنِي على بر نبي أو ولي منذ هَدَمَتْ مرتين ( في المرحلة الأولى والثالثة ) كل ما حَمَته دُوَل المسلمين منذ الفاطميين حتى نهاية العثمانيين من أوثان الأضرحة والمقامات والمزارات والمشاهد ، وغفل عن نشرها السنة ومحاربتها للبدع والمعاصي فلا يوجد فيها زاوية صوفية ، ولا تقوم في مساجدها بدعة واحدة ، ولا يُجَاهر في أسواقها بخمر ولا خنزير ولا مخدّر ولا فاحشة وجميع أحكامها في الاعتقاد والعبادات وأكثر المعاملات قائم على شرع الله ولكنه إنساق وراء الحزبيين والحركيين الذين لا يقيمون للاعتقاد والعبادات وزنا. واتَّهم كبار أئمة الدين وفقهاء الأمَّة بأنهم ( يجاملون في الدين وأنهم بلغو في السن إلى مرحلة ... ) وأتمها أحد الخارجين على الجماعة ( اللاجئين من بلاد الحرمين ودولة تجديد الدين إلى إنكلترا ) بكلمة ( الخَرَفْ ) ، هداهم الله وكفى الإسلام والمسلمين شرّ فكرهم الواقع.(1/139)
وكتَبْتُ لِسَفَر بتاريخ 24/11/1411 ثم بتاريخ 13/12/1414هـ ثم بتاريخ 13/5/1420هـ ، وزُرْته مرّتين في بيته وحاولت مرة ثالثة ( فلم ألقه في أيٍّ منها ) لتذكيره بفرحتي لما كان عليه ، وأساي لما وصل إليه ، وأملي في رجوعه إلى الحق بعدما تبين من خطئه وخطأ كثير من الناس بسببه حتى فَرَّرَتْ ( بالإجماع ) هيئة كبار العلماء بعد اطلاعها على رسالته : ( وعد كيسنجر ) ودروسه ( ودروس مُخَالِفِه مِنْ قَبْل ، مُوَافِقَة مِن بعد سلمان العودة ) في الثلاثة أشهر الأولى من عام 1414هـ إلى الطلب من ولاة الأمر : ( مواجهتهما بأخطائهما مِنْ قِبَل لجنة حكومية تضم اثنين من أهل العلم ، فإن اعتذرا والتزماً بعدم العودة إلى مثلها فالحمد لله ، وإن أصرّ مُنِعا من الخطب والدروس العامة والتسجيلات حماية للجميع من أخطائهما ) (الدورة 41) .
هدى الله الجميع للثبات على اليقين من الوحي والفقه وجنّبهم ظنّ الفكر وإثمه وردّهم إلى دينه رداً جميلاً .
الرياض ـ 12/12/1425هـ .
خلط اليقين بالظن
استبشرت بصدور العدد الأول من مجلة البيان ( التابعة للمنتدى الإسلامي بلندن) ، فقد أعلنت افتتاحية العدد عن انتماء المجلة للمنهاج النبوي في الدعوة وغبتها في نشر الاعتقاد الصحيح والسنة والتحذير من الشرك والبدعة دون أي انتماء آخر ودون تحزّب ولا تعصّب ، ولكني بعد قراءتي أكثر من عدد رأيت في واقعها ما يخالف دعواها ؛ فهي إلى الفكر أقرب منها إلى الفقه ، وإلى اتباع الظن والهوى أقرب منها إلى اتباع الوحي ، وإلى العاطفة أقرب منها إلى التثبت .
رأيتها تحاول الجمع بين الزبد وبين ما ينفع الناس ، وتختار حيناً طريق الحكمة وهي الشريعة وتختار أحياناً طريق الفتنة .(1/140)
وبعد سنوات من قطع اشتراكي فيها وصلني العدد 89 ـ محرّم 1416 دون محاولة للحصول عليه ( وكُنْتُ معه مثل أحد الزملاء لم يشتر سيجارة واحدة ولم يمتنع من تدخين سيجارة أُهْدِيَتْ إليه ) ؛ فقرأت العدد ( مع سابق ظني أنه لا يساوي ثمنه وأن ضرره أكبر من نفعه ) ووجدته عند سوء ظني به ؛ فليس فيه مقال واحد عن أهم ما أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه ، لا عن أركان الإسلام ولا عن أركان الإيمان ، ولا عن إحياء سنة أُمْيتت ولا عن مكافحة بدعة إحدثت في دين الله .
وكتبت لأخي في الدين ( وفي وطن الدعوة إليه ) رئيس تحرير المجلة :
أ ـ لم يكن أكبرهم كتبة مجلتكم ـ فيما قرأت من أعدادها ـ تعريف المسلمين بما يجهله أكثرهم من معنى لا إله إلا الله : إفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه ، وأكثرهم يتقرب إلى الله بأول وأسوأ مظاهر الشرك الأكبر منذ قوم نوح حتى تقوم الساعة (تعظيم ودعاء أصحاب القبور وأضرحتهم ومقاماتهم ومشاهدهم ومزاراتهم) ، وهو أعظم المعاصي وأكبر الكبائر لا يغفره الله وإن غفر ما دونه لمن يشاء .
ب ـ ولم يكن أكبر همهم النهي عن التصوف وخرافاته ، ولا الذبح للحق ولا الحلف بغير الله ولا التسمّي بعبد النبي ولا مختلف البدع المنتشرة في كل بلدٍ ( خارج حدود دولة التوحيد والسنة ) إلا النادر( والنادر لا حكم له ) .
ج ـ أكثر مقالات المجلة تعقيدات فكرية وتحليلات سياسية ، وتتبع كل ناعق ( وبخاصة معلم المنتدى والمجلة الأول ( محمد سرور ) المهاجر من أرض الشام المباركة إلى أوروبا النصرانية ) .
د ـ في هذا العدد ـ على سبيل المثال ـ ينصح بعض كتّابكم ( ببيان الحق وتعرية الباطل ) ، وبعضهم ينهى عن ( تصنيف الناس ) وبعضهم يوصي ( بانشغال طالب العلم الداعي إلى الله بعيب نفسه عن عيب غيره ) ويوجب بعضهم ( إبانة سبيل المؤمنين وإسقاط اللافتات الزائفة عن سبيل المجرمين وتعرية باطلهم وخداعهم ) .(1/141)
كيف يمكن للمسلم الداعي إلى الله أن (يبين سبيل المؤمنين) وهو الحق (وسقط اللافتات عن سبيل المجرمين ) وهو الباطل ( ويعرى باطلهم وخداعهم ) دون ( انشغال بعيوب الغير) ودون ( تصنيف ) ؟ وهاهم كتّاب المجلة الدائمون يصنفون المسلمين بين ( منافقين وعلمانيين ) بما في ذلك من تكفيرٍ وحكمٍ على القلوب وتجاوزٍ لحدود علام الغيوب .
هـ ـ وفي هذا العدد (قصيدة) باسم ( سعودي ) ص104 تَنَاقِص ادّعاءكم في افتتاحية العدد نفسه ( المنهجية العلمية الرزينة ) :
1 ـ مَن الذي : ( جاء في كفه خيط وإبرة يكمم أفواه الناس وعيونهم ) ؟ .
2 ـ ومَنْ هم : ( الرّجال الجُوف حوله يعينونه على الغدر ) ؟
3 ـ ومتى : ( رُشّت الأرض بالدماء ) غير دماء المجرمين ؟
4 ـ وللشريعة أم المصلحة (يستعذب [المالكي] الدّماء ويتعطش للثورة) ؟
5 ـ ومن أي يتمنى أن : ( تجيء جرثومة ) المرض الذي اختلط في علقه (بالخصب) ؟ ومن الثوريين الإسلاميين الأعَاجم أم العرب وهم جميعاً يبنون أو يحمون الأوثان ( الاسلامية ) ؟
6 ـ ومن يعني ( بالعميان والسحر والغبار والكاهين ) ؟ غير العلم وكبار العلماء ؟
7 ـ ( النجمان ) الآفلان قبل ( تكبيلهما ) ألم تُصْرَف لهما الرواتب وتُفْتَح لهما المعاهد والمساجد للتعلم والتعليم والدعوة قبل أن ينحرف أحدهما عن العلم إلى الفكر ويزداد الآخر انحرافاً على انحراف ، ويتعاونا على فتح أبواب الفتنة بين المسلمين وولاة أمرهم بالتحليلات السياسية القاصرة والتهييج العاطفي التائه ، فأوصى كبار العلماء بعزلهما حتى يرجعا ؟
8 ـ هذه بعض الملحوظات حسب فَهْم من تجاوز الستين وتخرّج من كلية الشريعة قبل نحو أربعين سنة ( وكان من مشايخه عبد الرزاق العفيفي في التوحيد ومحمد متولي شعراوي في اللغة ومحمد حسين الذهبي في التفسير وعلي الهندي في الفقه ) ، فكيف يفهمها شباب الصَّحوة ولا سلاح لهم ولا زاد غير العاطفة والحماس الأهوج ؟(1/142)
9 ـ ولم تصلني إجابة محدّدة عن ملحوظة واحدة بما يخالف فهمي لها .
و ـ وبعد بضعة أشهر وصلني ـ بلا طلب ـ العدد 94 ، ولم يكن خيراً من سابقه ، بل كان محافظاً على النهج الفكري السّروري ( غير المحمدي ) ، يا حسرة على العباد ( مواطني بلد ودولة الدعوة إلى الله على بصيرة بخاصة ) يتنكبون عن منهاج النبوة ومنهاج تجديدها الذي نشأوا عليه وميزهم الله به ويلتزمون الفكر المنحرف عنه .
وكتب لأخي في الدين ( وفي وطن الدعوة إليه ) رئيس التحرير :
1 ـ في هذا العدد ص59 عاد شاعر ( أو ناثر ) المجلة ( الإسلامية ) يستوري زناد الفتنة في أرض التوحيد والسنة ( خاب مسعاه ) .
2 ـ عاد عدو نفسه ( وعدو الإسلام والمسلمين وهو يحسب أنه يُحْسن صُنعاً ) يلهث وراء دعوة الشر والفساد في الأرض ، يُنْكر فضل الله عليه بالانتماء لهذه البلاد والدولة المباركة المميزة بنعم الله بالدين والدنيا ، ويَرُدّ المعروف نكراً والنعمة كفراً . ( وإذا مات قبل أن تَقَرَّ عَيْنُه بالفتنة ) حقق الله ذلك ، فإنه ( يأمل أن تأتي الفتنة بعده بسببه ) خيّب الله أمله وكفى الإسلام والمسلمين شرّه وشرّ كلّ ذي شر .
3 ـ جمع عدو نفسه وغيره كل ما لقنته شياطين الإنس والجن ( في منظومته أو منثورته ) من مترادفات ألفاظ الشر والفساد والحقد والغل :
(المخاص، النّطع ، الاشتعال ، الطّوفان ، الدم ، الجمر ، المواجع والتكبيل) والمُكّبَّل ـ في الحقيقة هو عقل الشاعر بقيود التقليد الفكري المخالف لشرع الله.
4 ـ أعود للسّؤال (ولا جواب) : من (سلب حقّ) هذا المنكر نعمة الله ؟(1/143)
كان أهله فقراء فأغناهم وأغناه الله بدولة الدعوة إلى الحق ، وكانوا خائفين فآمنهم الله وآمنه بها ، وكانوا جائعين فأطعمهم الله وأطعمه بها ، وأهم من كل ذلك كانوا ضالين فهداهم الله وهداه بها فلا يَرَى فيها قبراً مشرفاً ولا تمثالاً ولا مسجداً بني على قبر ، ولا يرى بدعة ظاهرة ، ولا طعاماً أو شراباً أو مُحَرَّماً ، ولا يرى فاحشة ظاهرة ، بل يرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله على منهاج النبوة بلا تحزب ولا تعصب لبشر غير معصوم ، ويرى الحكم بشرع الله وحده في الاعتقاد والعبادات وأكثر المعاملات .
5 ـ وأسأل رئيس التحرير : مَنْ ذهب إلى النطع والمقصلة ( التي جلبها شاعر المجلة من تاريخ الثورة الفرنسية الظالمة ) لأنه قال أو فعل خيراً أو صمت عن شر ؟ أما دعاة الفتنة والخارجين على الجماعة والسنة وولاة أمرهما فقد قال الله تعالى : {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]. وقال رسول الله × : «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرَّق جماعتكم فاقتلوه» رواه مسلم برقم 1852.(1/144)
ولكن ولاة الأمر يكتفون ـ عُذْراً بجهل هؤلاء المفسدين أو تأوّلاتهم الباطلة ـ يكتفون بعزلهم عن جماعة المسلمين ـ كما يُعْزَل المريض عن المُصِح ـ ما لم يكن في رقابهم حقٌّ لغيرهم فيؤخذون به ، بل إن بعضهم يعزل نفسه بالهجرة من أرض التوحيد والسنة إلى بلاد الشرك والبدعة ، وذلك خير للإسلام والمسلمين ، وكذلك ترجف الأرض المقدسة فيزمن الدّجال الفتان ليخرج منها كل من ينطوي قلبه على حب الفتن والشقاق والغل والحقد على ولاة المسلمين وعلمائهم ودعاتهم على منهاج النبوة .
ز ـ وبعد بضع سنين وصلني كتاب المنتدى ( دمعة على التوحيد ) ، وبدا لي أن مجلة البيان تحاول إصلاح ما فسد منها في الماضي بإعطاء الأحكام الشرعية ( وبيان توحيد الله بالعبادة والتحذير من وثنية الأضرحة والمزارات ) نصيباً من اهتمامها وإن كان أقل مما يجب على مؤسسة تُمَوَّل من بلاد الدعوة إلى التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدعة . فكتبت لأخي رئيس التحرير شاكراً ومنوّها بهذه الخطوات الصالحة :
1 ـ أهم معيار لصحَّة العبادة والدعوة : مراعاة أول وأهم ما أمر الله به وهو إفراد الله بالعبادة على منهاج النبوة وأول وأهم ما نهى الله عنه وهو الشرك به في عبادته وما دون ذلك من الابتداع في دينه ، وهو ما بَدَأْتُمْ تتجهون إليه اليوم ثَبَتَكم الله عليه .(1/145)
2 ـ جزاكم الله خيراً على ِإشارتكم إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وتقديمها مثالاً صالحاً للدعوة إلى الله على بصيره ، ولكن الكاتب قصّر في الإشارة إلى ما قدمته الدولة السعودية الأولى ثم الثانية وأهمل الإشارة إلى ما قدمته الدولة السعودية الثالثة في سبيل تجديد الدين والدعوة بالعودة بهما إلى ما كانا عليه في عصر النبوة والخلافة الراشدة إذ أسّست الدول الثلاث على ذلك من أول يوم وهو ما لم يَحْدُث منذ القرون المفضلة ، مع أن عنوان مقاله : ( سيف السياسة بين نصرة الحق ومظاهرة الباطل ) وجميع دول المسلمين منذ بداية الفاطميين حتى نهاية العثمانيين بين مُظَاهر للباطل وساكتٍ عليه باستثناءٍ واحد : دولة آل سعود في مرحلها الثلاث .
3 ـ لم يشر الكاتب إلى بعض أسوأ مظاهر الشرك الأكبر في بلاد المسلمين مثل مقامات الخضر التي يجتمع على تقديسها بعض المنتمين إلى الإسلام والسنة وإلى الدرزية وإلى النصرانية ، ومثل ما يسمّى ـ زوراً ـ بالحَرَم الإبراهيمي الشريف ، وهو منذ القدم معبد أوثان ، ويجتمع على تقديسه اليهود والنصارى وأكثر المنتمين إلى الإسلام والسنة .
4 ـ جناية دولة آل عثمان على الإسلام والمسلمين تتجاوز تعصّبها العنصري وظلمها وطغيانها على حماية الأوثان والبدع والخرافات ومحاولة القضاء على تجديد الدين والدعوة في جزيرة العرب بغزوها وهدم عاصمتها الدرعية وقتل أو نفي أئمتها وعلمائها ودعاتها مما شبّهه الدكتور صالح العبود وَوَصَفه الدكتور سليمان بيومي بالحرب الصليبية .
5 ـ ضمَّ الكاتب كل ولاة أمر المسلمين إلى رَكْب الفساد والابتداع في الدين، وهذا ظلمٌ لا يُقِرُّه إلا الفكريون والحركيون والحزبيون الموصوفون بالإسلاميين ، وقد ذكرْتُ في المقال ـ قبل سطرين ـ مثالاً لدولة تجديد الدين والدعوة ( السعودية ) ومثالاً لدولة الظلم ومحاربة تجديد الدين والدعوة ( الخرافة العثمانية ) .(1/146)
والغالب أن الفساد الديني في هذا العصر يبدأ وينتهي بعامّة الناس ، وإذا وافقهم الحاكم أو العالم ـ كما هي الحال في أكثر بلاد المسلمين اليوم ـ فإنما ذلك لكسب رضاهم ، والحاكم بَشَرٌ من طينة المحكومين ( لا من الجن ولا من الملائكة ) ، وتجب طاعته فيما يأمر به من معروف ، ومعصيته فيما يأمر به من منكر ، ولا أعلم أحداً من ولاة المسلمين ولا الكفار أمر بعبادة أوثان المقامات والمشاهد وهي أكبر ما عُصِي الله به منذ قوم نوح .
6 ـ الكلام عن ( العوامل النفسية والاقتصادية والسياسية ) في هذا الأمر من الظن والتعقيد والتكلف ، ولا داعي لتكلف أسباب تعبيدة ظنية للضلال وقد بين الوحي اليقيني أهم سببين للضلال : النفس والشيطان ، ويلحق بهما القدوة الفاسدة : {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرفك 23] ، « فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه » وكلها أسباب قريبة ، ولا عُذر في الشرك لأي (عامل) .
ج ـ وبعد سنوات قرأت مقالاً لرئيس التحرير ( د . عادل السليم ) عن أوليات الدعوة إلى الله ، فشكرت الله الذي هداه له وكتبت إليه :
1 ـ أحمد الله ثم أشكركم على أن أَرَيْتُم قرّاء المجلة وجهاً آخر للدعوة هو الحق: (بيان أن أول أوليات الدعوة الأمر بإفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه) .
2 ـ وإذا كان الراعي في المجلة ( وهو مسؤول عن رعيته ) يقرر هذا المنهاج الشرعي المتفق عليه والثابت بأدلة الكتاب والسنة فلماذا لا يركز كتّاب المجلة عليه عوضاً عن التركيز على التحليلات الفكرية السياسية الساذجة ( مثل آثار حادثة 11سبتمبر ، وقد استنكر التركيز عليها ( بضع سنين ) الأستاذ عبد الرحمن العبد الكريم في بريد قرّاء المجلة جزاه الله خيراً ) ؟ .
وفق الله الجميع لأقرب من هذا رشداً .
الرياض ـ 1425هـ .
الظن الآثم(1/147)
في العدد 12984 في 1/1/1423هـ من جريدة عكاظ كتب صحفي جاهل بشرع الله تحت عنوان : تلميح وتصريح ( أي : هَمز ولَمز ، وجَهْر بالسّوء من القول ) ؛ كتب مقالاً رديئاً بكل المقاييس ، غير المقياس المتدني للصحافة المعاصرة التي قد تصلح في أغلب أحوالها لأي غرض دنيوي كالتسلية وتضييع الوقت ، ولم تكن صالحة أبداً للتوجيه الديني والتربوي .
وكان الموضوع الوضيع : اتهام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتسبب في إعاقة الدفاع المدني عن أداء عمله بإطفاء حريق في مكة المباركة .
وكان دليله الوحيد على حقيقة دعواه : ( استحالة أن يَكذب كل الناس وكل الصحف ) ، ولو تحرى شيئاً من التثبت والصدق لما ادّعى أن كل الناس وكل الصحف أيد دعواه الكاذبة ، فقد نشرت جريدة الاقتصادية وهي خير الصحف في عددها 3077 بتاريخ 30/12/1423هـ ما يدحض هذه الدعوى من أساسها بتأكيد مدير عام الدفاع المدني : أن فِرَق الدفاع المدني لم تتعرض لأي إعاقة لعملها .
ولم يكن له وازع امن شرع الله ولا من الشجاعة الأدبية لتكذيب نفسه ولا الاعتذار ( مجرد الاعتذار ) ممن تحمّلوا ظلمه وعدوانه . وطلب الصحفي ولاة الأمر ( حفظهم الله قدوة صالحة ) بمعاقبة كل متسبب في الحدث بعقاب أشد من الإحالة إلى التقاعد ( في مقال لاحق تحت العنوان نفسه ) ، ولم يخطر بباله أنه أحق بالعقاب لنشره إشاعة كاذبة ( عن مؤسسة شرعية عامة ) بعد نشر تكذيبها رسمياً بأربع وعشرين ساعة .
ولقد خالف الصحفي أمر الله تعالى للمؤمنين بعدم الأخ بالشائعات قبل الثبت : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] وفي : {فَتَبَيَّنُوا} ، ونزلت في خبر صحابي ، فكيف بشائعات السوقة وصحف ملء الفراغ بما هب ودب ، إلا أحسن القول: الدعوة إلى منهاج النبوة .(1/148)
وخالف الصحفي أمر الله تعالى بعدم إذاعة الأخبار قبل ردها إلى أولي الأمر من الأمراء والعلماء المؤهلين لتمييز الكذب من الصدق والخيال من الحقيقة : {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].
وخالف الصحفي اختيار الله تعالى لشرعه واختيار ولاة الأمر لبلادهم ودولتهم المباركة تسمية ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ، فاخيار تسمية : الأمر بالموت والنهي عن الحياة ، وعنون بها مقامة الآمر بالمنكر ، الناهي عن المعروف .
والكثرة التي تنسج الإشاعة وتنشرها أسوأ مصدر للأخبار وإن كان أكثر الصحفيين يعتمدون عليها لملء فراغ صحفهم ، وقد قال الله تعالى عن الكثرة عموماً : {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116] ، وقال الله تعالى : {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187] ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} [هود: 17] ، {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106] ، وهي على أحسن أحوالها تقوم على الظن و « الظن أكذب الحديث » .
ونتيجة لاتباع هذا الصحفي الكثرة الغوغائية اتهم ( كذباً وعدواناً وظلماً ) ثلاث مؤسسات عامة من أهم مؤسسات دولة الدعوة إلى التوحيد والسنة وألْصَقِها بشرع الله ، دون تثبت ولا خوف من العقاب في الدنيا والآخرة .(1/149)
ورقص قلمة الأهوج على مصائب المصابين وأكثرها من نسج خياله المريض كأنما يتلذذ بوصف : ( الأجساد التي تشوى ، والعيون التي تسيل ، والشفاه التي يتصاعد منها الدخان ، والشَّعر الذي يتآكل ، والخدود التي تنزف بالدماء ) كالنائحة المستأجره ، وكأنما يستعدي الغوغاء على المؤسسات والولاة والسياسة الشرعية التي ميز الله بها دولة الإسلام الصحيح وأسسها عليها من أول يوم .
وبفضل الله على بلاد ودولة الدعوة إلى الله على بصيرة ، وبفضله بهما على عباده ؛ كانتا قدوة صالحة في القرون الثلاثة الأخيرة لم تعرف لهما بلاد المسلمين مثلاً منذ القرون المفضلة الأولى ، وتميز فيهما رجال وفق الله ولاة الأمر لحسن اختيارهم وكانوا عند حسن الظن بهم ، لنشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى رأسهم الشيخ / عمر بن حسن آل الشيخ رحمه الله ، ونشر تعليم البنات وعلى رأسهم الشيخ/ ناصر بن حمد الراشد رحمه الله .
ختاماً أذكر الصحفي بأن عليه مخافة الله وتقواه في تلميحاته وتصريحاته ، وأذكر المسؤولين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي كل المؤسسات الشرعية في هذه البلاد والدولة المباركة بقول الله تعالى لنبيه × وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته إلى يوم الدين ) : {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60] ، وقوله تعالى : {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 18-19] وعسى الله أن يهدي الجميع لأقرب من هذا رشدا .
الطائف ـ 1423هـ
الفتنة تعْمِي البصائر(1/150)
فوجئت أثناء فتنة احتلال العراق للكويت ( كفى الله الإسلام والمسلمين شرَّها ، وشرَّ مَنْ آثارها من الملحدين والقوميين ، وشرَّ من أيَّدها من الاسلاميين والشيوعيين والعلمانيين ) بعدَّة أشرطةٍ للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ( تنتشر في بلاد المسلمين وغيرهم انتشار النار في الهشيم ) عن هذه الفتنة ؛ لا تنصر للحق المضيع للمسلمين في الكويت ، بل تؤيد حزب البعث العراقي الظالم ( دون قصد من الشيخ لتأييده ) ، فكتبتُ له أربع رسائل بعد كل شريط سمعته له ضمنتها ما يلي :
أ ـ أدعو الله مخلصاً ألا يطول أمد هذه الفتنة وأن لا يتكرر الابتلاء بها وأمثالها ، وألا يتسابق علماء المسلمين ( فضلاً عن سفهائهم من الفكريين ) إلى الحكم عليها اعتماداً على ظنهم ( فهم الواقع ) ؛ فيبنون أحكامهم على الظن وقد هيأ الله لهم علم اليقين من نصوص الوحي بفهم أئمة الفقه في الدين في القرون المفضّله .
الإسلام والمسلمون في حاجة إلى الشيخ الألباني ( وأمثاله ) محدّثاً مُمَيّزاً مؤتَمَناً على خزائن السنة وداعياً إلى الله على بصيرة ، أما التحليل السياسي الفكري فله فرسانه أو بغاله أو حميره ، ولا ينفع الإسلام ولا المسلمين كثرتهم ولا يضرهم قلتهم ، ولا وجودهم ولا عدمهم . ولأنه خرج عن سبيل المؤمنين الذي اصطفاه الله له تعثرت خطاه .
ب ـ ظن أن خطر الغزو العراقي [ البعثي الاشتراكي ] أخفّ من خطر القوات الدولية التي استُؤْجِرَت لطرده ، بحجة كراهية الشعب العراقي قادته وتأييد الأوروبيين والأمريكيين قادتهم ؛ لأنه نسي ( أو لم يعلم ) أن حرية التدين والدعوة والمعارضة مكفولة في أوروبا وأمريكا بقدر ما هي مقيّدة أو معدومة في العراق ، ونسي ( أو لم يعلم ) أن الشعب الأمريكي اضطر حكومته للجلاء المهين من فيتنام ، ونسي ( أو لم يعلم ) أن المعارضة مستمرة في الشوارع والمجالس النيابية الأمريكية والإنكليزية احتجاجاً على الاشتراك في حرب الخليج.(1/151)
ج ـ وظن عفا اله عنا وعنه : ( أن الأمريكيين والبريطانيين إذا دخلوا بلداً فإنه لن يخرجون منه لقوتهم ونصرانيتهم واستعمارهم ) ، ونسى ( أو لم يعلم ) أن الإنكليز دخلوا الكويت والأردن قبل ثلاثين سنة بطلب من الدولتين لمقابلة تهديد بالاحتلال من العراق ثم خرجوا منهما فور زوال التهديد ، ونسي ( أو لم يعلم ) بأن الإنكليز خرجوا من مصر وفلسطين والعراق والسودان والأردن والخليج بعد احتلال دام عشراتٍ السنين بمقاومةٍ وبدونها .
د ـ وظن عفا الله عنا وعنه : ( أن القوات الدولية صليبية جاءت لنصرة الصليب ) ثم ظن في الشريط نفسه : ( أنهم يهود جاءوا لاحتلال خيبر ) . ونسي ( أو لم يعلم ) أن قادة أوروبا وأمريكا ( عدا الفاتيكان لو كانت دولة ) علمانيون وأن قوانينهم تمنع أكثرهم من تعليم النصرانية وأن الدولة العبرية ذيل لهم .
هـ ـ وظن عفا الله عنا وعنه أن أمريكا وأوروبا غائبة عن العالم المسلم وأن هذه الفتنة ( ومحاولة ولاة أمرهم إطفاءها ) هي الداعي الأول لحضورهم ، ونسي ( أو لم يعلم ) أنها حاضرة منذ عشرات السنين في صناعة النفط والسلاح والزراعة والغذاء والكساء والتجارة والصناعة بمختلف أشكالها ، بل في التدريب والتنظيم الإدراي ، بل في مختلف أنماط الثقافة والحضارة الدنيوية في المنزل والمكتب والشارع .
و ـ واتهم كبار علماء المملكة المباركة وهم ( بل أكثرهم ) بقية علماء السلف ـ كما يعرفهم ـ اتهمهم ـ رجماً بالغيب ـ بأنهم أفتوا بجواز الاستعانة بالقوات الدولية ـ بعد الله ـ خلافاً لما يعتقدون ( عندما وُضعوا أمام الأمر الواقع ، ولو استشيروا مِنْ قبل لما وافقوا ) ؛ فوقع عفا الله عنا وعنه في عدد من المخالفات للشريعة لا يليق به أيٌّ منها :
1 ـ الحكم على ما في الصدور ، وهو تعدٍّ على وحدانية الله به .(1/152)
2 ـ الحكم على خير علماء الأمة ـ في رأيه وأي جميع العالمِين من أهل الحديث ـ باختيار موافقة الأمر الواقع على الحكم بما أنزل الله .
3 ـ الحُكْم على الدولة الوحيدة التي تقوم على شرع الله في الاعتقاد والعبادات وأكثر المعاملات منذ القرون المفضلة ـ في أريه ورأي من يُعتدّ برأيهم من أهل الحديث ـ الحُكْم عليها بمخالفة شرع الله في معاملة غير المسلمين ، ونسي ( أو لم يعلم ) أن شرع الله هو ما وَفَق الله له دولة الدعوة إلى التوحيد والسنة ـ في رأي جمهور فقهاء الأمة منذ القرون المفضّلة ـ كما بيّنه النووي في شرحه لصحيح مسلم (باب كراهية الاستعانة في الغزو بالكافر إلا لحاجة) ، وأطلق الحكم بالجواز ليشمل حال الهجوم فكيف بضرورة الدفاع عن الإسلام وأهله ، عن دينهم من أوثان (العتبات المقدسة) بل المدنسة ، وعن دنياهم من هتك الأعراض وسلب الأموال وسفك الدماء ، وعن دينهم ودنياهم من أوثان صدّام الدين وحزبه وظلمه وجوره .(1/153)
ز- وظن الألباني أن ابن باز (عفا الله عنها وعنهما) نقض فتواه: تحريم الانتماء للقومية العربية (حمية الجاهلية المنتنة) بفتواه في الاستعانة بالقوات الدولية (للضرورة) ؛ لأن الألباني اعتمد هذه المرة على عاطفته ولم يعتمد على فقهه في الدين ، فلم يتبيّن الفرق بين الانتماء للمنهج الجاهلي وبين الدفاع عن النفس والدين ، ولم يتبيّن الفرق بين الولاء وبين المعاملة ، ولم يبيتن الفرق بين الاختيار وبين الاضطرار . وكان رسول الله × يعامل المشركين واليهود والنصارى ولا يوالي إلا الله ورسوله × والمؤمنين ، وكان يستعين بمشركٍ في الغزو ولا يستعين بآخر حسب الحاجة والمصلحة وانتفائها ، وقد ورد عنه أنه دخل في جوار المطعم بن عديّ (وهو مشرك) ليدفع عن نفسه ودينه أذى قريش، وائتمن عبدالله بن أريقط على أسرار هجرته من مكة إلى المدينة ليدفع عن نفسه ودينه مكر الكافرين به ليُثبتوه أو يقتلوه أو يُخرجوه ، وزارع اليهود في خيبر وهم المحاربون الناقضون لكل عهودهم معه ، وكان حلفاؤه من خزاعة ضمن جيش الفتح الأكبر وانتقم معهم من هوازن لما نقضوا العهد (ولم يكن كل الخزاعيّين ـ يومها ـ مسلمين) .
ح- يظهر لي من قوله : (إما أن يكون المستعينون بالكفار من غير المسلمين أو أن يكون المستعان بهم من المسلمين) أنه وقع في تكفير من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، بل من يتميّز برفعهما راية لدولته في القرون الثلاثة الأخيرة ، ومن يحكم بشر الله على المذهب الحنبلي ـ كما ذكر ـ ومن يتميز على جميع دول المسلمين (منذ الفاطميّين) بمنع البناء على القبور ومنع زوايا التصوّف وما دونهما من البدع ، ومن يقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الاعتقاد والعبادات وجُلّ المعاملات ـ كما اعترف هو له بذلك كله ـ ؛ استثناء من نأيه عن التكفير لدرجة أن بعض الجهلة اتّهمه بالإرجاء ، وما كان التكفير ولا الإرجاء من خُلُقه .(1/154)
واستعانة المسلم بغير المسلم للحاجة لا تتجاوز الصغيرة عند من عدّها معصية خلافاً للجمهور ، وهي للضرورة طاعة ومتابعةٌ للسنة ، ولا يليق بالألباني أن يلتقط عدوى المرض الفكري والحركي فيصل به الحماس إلى قولٍ يُفهم منه التكفير فيستغله الخوارج المارقون .
ط- أيد الألباني عفا الله عنه دعواه بتحريم الاستعانة بغير المسلمين في فتنة العراق : بأن الحرب ستقتل كثيراً من المسلمين ، وليت هناك طريقة للحرب لا تقتل إلا الظالم وحده ، ولكن هيهات ، وهو أولى من يَعرف بأن الجيش الذي يغزو الكعبة في أيام المهدي يُخسف بأوّلهم وآخرهم وفيهم النساء والذر ية ومن ليس منهم ثم يُبعثون على نيّاتهم .
وهنا سؤال : مَنْ هم المسلمون ؟ عصاة الموحدين أم القبوريين (سنة أو شيعة) أم النصارى أم الصابئة أم اليزيدية (وأكثرية جيش البعث العراقي الباغي منهم)؟
ي- انتقد الألباني ابنَ باز عفا الله عنها وعنهما باختلاف فتواه في مسألتين مختلفتين (ظنّها واحدة) ؛ فوقع الألباني في تناقض فتواه في مسالة واحدة : أمره النسا بأن يكون أحلاس بيوتهم في هذه الفتنة ـ مثل غيرها ـ ثم مخالفة هذا الأمر الشرعي بالقول في الفتنة بغير علم بل الظن وما تهوى الأنفس .
ك- تشبّث عفا الله عنا وعنه : بمطالبة خمسين امرأة متحجبة بقيادة السيارة حتى لا تحتاج إلى سائق أجنبي عنها (لا يُؤمن غدره) دليلاً على صحة فهمه الواقع وتنبّؤه للمستقبل ، وهذا الدليل متهافت كبقية دعواه ، فالمطالبة بقيادة المرأة سيارتها سبقت الفتنة ببضع سنين وبعض المطالبين بها من خريجي كليات الشريعة ، وإذا كان الألباني يرى جواز كشف المرأة وجهها وكفّيها ـ مثل سلفه في هذا الحكم ـ فكأنه سبق الفتنة إلى تزيين قيادة السيارة للمرأة ، ولذلك رأى ولاة الأمر من الأمراء والعلماء :
1) إصدار قرار يمنع المرأة من قيادة السيارة ، ولم يكن يمنعها إلا العُرف .(1/155)
2) إصدار قرار يمنع تداول رسالة الألباني عن حجاب المرأة المسلمة .
وكما قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (المفتي العام الأسبق) للشيخ عبدالله بن سلميان بن منيع عضو الإفتاء (منذ اللجنة الأولى للإفتاء) عن سبب حدّة إنكاره فتواه بجواز نحر الهدي في أي من أيام العشر : (ليس السبب تكذيب نقله أو دليله ، بل إعلان مخالفته ما اتفق عليه علماء الأمة منذ قرون والبلبلة الناتجة عنها) .
وأشهد أن رسالة الألباني أفسدت في أمر الحجاب الذي تميزت به المرأة السعودية ما لم يُفسده دخول وخروج القوات الدولية ؛ فالمرأة المسلمة قد تتقرّب إلى الله بقبول رأي الألباني ولا يُعقل أن تتقرّب على الله بتقليد القوات الدولية (غير المسلمة غالباً) ، وقد فتحتْ دعوة (قاسم أمين) المرأة للتخلي عن الحجاب في حدود الرخصة الشرعية (عند بعض الفقهاء والمحدثين) ؛ فتحَتْ باباً من الشر والفتنة نرجو الله أن يغلقه ؛ ولذلك رأى ولاة الأمر في دولة التوحيد والسنة الأخذ بالأحوط من آراء الفقهاء والمحدثين في هذا الأمر سدّاً للذريعة .
وقد يسأل عن سبب النشر الآن أحدٌ من أهل الحديث (وهم من يهمّني أمرُهم لما اصطفاهم الله له من منهاج النبوة في الدين والدعوة ، دون الانتماء إلى فرد أو منهاج غير معصوم) وإليك الجواب مني ، أما التوفيق فمطلوب من الله وحده :
ا) أ، كثيراً من الموافقين والمخالفين لمنهاجه ودعوته اتّكأ على رأي الشيخ الظني لغرض خاص به : حركيّو الجزائر وعلى رأسهم عباس مدني وعلي بن حاج للوصول إلى الحكم ، متحزّبو الإخوان والجهاد للمزيد من التمويل ، فكريّو دول الخليج (السعودية بخاصة) لشغل الفراغ الذي ظنوا أن الألباني مهّد له بإسقاط العدالة عن الأمراء والعلماء في خير دولة وخير بلد ، بل المجرمون قادة وإعلاميّو حزب البعث العراقي للدّعاية لباطل احتلالهم .(1/156)
2) أن بعض مقلّدي الألباني من تلاميذه لا يزالون يرون رأيه دون الرجوع إلى راي من هو أفقَه منه من السابقين والمعاصرين مما لا يليق بهم .
3) ومع احترامي للألباني ودفاعي عنه ودعائي له وشكري لله على نعمته به وعليه فلا يجوز للسلفي معاملته كالمريد للشيخ الصوفي ؛ فالحُجّة في روايته لا في رأيه ، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويردّ غير محمد × فيُؤخذ أمره وتُتّبع سنته ولا يُردّ عليه لأنه الوحي من الله .
والحمد لله والثناء عليه أولاً وآخراً ، نَصَر الله دول الخليج ومن والاهم وأيّدهم ، وخذل أعداءهم ومن والاهم وأيّدهم ، وحفظ الكويت وأهله وانتقم لهم من ظالميهم اللصوص سفّاكي الدماء ، وحفظ ولاة المسلمين الموحّدين قدوة صالحة .
الرياض 1426
من أسباب الردة عن الدين
من أهم أسباب الردة عن الدين وأخطرها وأكثرها وقوعاً اليوم :
1) الشرك بالله في عبادته كالتقرّب إلى الله بدعاء أصحاب القبور والمقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة، أو الذبح أو النذر لهم ، أو طلب المددر أو الغوث منهم أو اللجوء إلى أعتابهم عند الشدائد ، أو الطواف بقبورهم ، أو الخوف منهم أو رجائهم ، أو اعتقاد إحاطتهم بالكون أو تصرّفهم فيه قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] ، و قال تعالى : {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72].
2) التكذيب بشيء من آيات الله أو جحد ركن من أركان الإسلام أو الإيمان أو جحد حجيّة السنة ، قال تعالى : {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان: 32] ، وقال تعالى : {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3ـ4].(1/157)
3) بُغْضِ العبد شيئاً مما أنزل اله تعالى في الكتاب أو السنة ولو عَمِلَ به قال الله تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9].
4) اعتقاد أن أحداً من أمة محمد × يسعه الخروج عما أوحى الله إليه في الكتاب أو السنة ، أو تسقُط عنه الفرائض أو تحِلُّ له المحرّمات ؛ بحجة أنه صار من العارفين أو الواصلين أو بأيّ حجة أخرى قال الله تعالى : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
5) الاستهزاء بالله أو برسوله × أو بشيء من شرعه أو ثوابه أو عقابه ، قال الله تعالى : {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} [التوبة: 65ـ 66] .
6) طاعة العالِم أو العابد فيما يخالف شرع الله تعالى ، قال الله تعالى : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ} [التوبة:31] لما فسّرها النبي × لعديّ بن حاتم رضي الله عنه عند الترمذي .
7) العدول عن حكم الله ورسوله × إلى حكم غيرهما باعتقاد أنه أحسن أو مساوٍ لحكمهما ، قال الله تعالى : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] .(1/158)
8) إقرار مذاهب المشركين في الدين وموالاتهم وموادّتهم ومظاهرتهم على الإسلام والمسلمين محبّةً لهم ولدينهم ، قال الله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء: 51ـ 52] ، وقال تعالى : {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22] وهذا لا ينفي حسن المعاملة فقد قال الهل تعالى عن الوالدين : {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: 15] ، وقال تعالى : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة:8] .
9) السحر ، ومنه ما يسمّى الصرف والربط والكشف والعطف والعمل ، قال الله تعالى : {وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} [البقرة: 102] .(1/159)
وقد أخذتُ هذه من رسالةٍ للإمام المجدّد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله خَرَجَت ( بصورتها المنشورة ) عن منهاجه الذي تميّز به رحمه الله من الاستدلال على كل حكم بدليله من الكتاب ومن السنة الصحيحة الصريحة . والله أعلم .
مكة المباركة – 1424هـ
السعوديّون والحلّ الإسلامي
عنوان هذا المقال هو عنوان مؤ لَّف للصحفي المصري (جلال كشك) قرأت أول جزء نُشِر منه في مجلّة (الحوادث) اللبنانية وأعجبني منه أن يُدرك صحفيٌّ معاصر (أو أي كاتبٍ أو مفكر معاصر) تفرُّد الدولة المباركة ـ فضلاً من الله ونعمة ـ بتأسيسها من أوّل يوم على منهاج النبوة في الدين والدعوة ، وإدراك ذلك ميزةٌ خص الله بها عباده المنصفين الشاكرين ، وبعد سنوات عديدة تبينت من حديث مع أحد القوميين المواطنين (الحاقدين على دولة الدعوة إلى التوحيد والسنة الجاحدين نعمة الله عليهم بها في الدين والدنيا) أن جلال كشك (هداه الله وهداهم جميعاً للحق والعدل) خالف جميع المؤرّخين قبله في أمر فتنة فيصل الدويش وابن بجاد ومن شايعهم .
لم يهتم القومي بمئات الصفحات في هذا الكتاب التي يُذكّره إن نسيَ وتذكره إن جهل نعم الله علهي وعلى أهل بما حققته هذه الدولة المباركة من إنجازات (دينية أولاً ودنيوية ثانياً) أنقذتهم من الجهل والضلال والجوع والخوف ، وفرح بخطأ صحفي يحاول قراءة التاريخ {بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} [الحج: 8] ، {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116] بل اتّكأ الصحفي على مكتبه وحك رأسه ، فرأى في فتنة الدويش ما لم يره من شهدوها من كبار علماء الأمة والساسة ثم المؤرخين الذي استقى هو من أخبارهم ما عدى ذلك من كتابه .(1/160)
ولن أُحيل القوميَّ ولا الصحفيَّ إلى العلماء ولا إلى الساسة من شهود الواقعة ، فلن يكون لرأيهم وزنٌ عند أحدهما ، فلو وُجدتْ الثقة في رأيهم لرجع المقلِّد أو المقلَّد إليه ؛ ولكنِّي أقيم عليهما الحجة بما يليق بهما تصديق : رأي صحفيّ من أكبر صفحي أوروبا في زمنه ، هداه الله إلى الإسلام ، وأقام في المملكة المباركة بعض الوقت ، وكان (مثل الدويش وابن بجاد رحمهما الله) يرى أنّ وفرة المال في أيدي السعوديّين واستيراد الحضارة الغربية سيضعف استقلالهم المعنوي واعتمادهم على أنفسهم ويجعلهم عالة على غيرهم في الداخل والخارج، وهذا صحيح ؛ ولكن هكذا الحياة إذا زادات من جانب نقصتْ من جانب آخر ، وهل يرى القوميّ أو الصحفيّ أن يُلغَى اكتشاف النفط (وكان هذا أحد مطالب الدويش وابن بجاد بمعارضتهما التنقيب عنه برجال الحضارة الغربية، فضلاً عن معارضتهما وجود الهاتف واللاّ سلكي والرّاديو) .
ومن آثار نعمة الله باكتشاف النفط انتشر التعليم ، وتوفرت الوظائف ، واتسعت آفاق العمل والكسب التي كان القومي حريصاً أن يأخذ من جانبها الدنيوي ما يزيد عن حاجته ، وربما قاده حرصه عليها إلى الموالاة فيها والمعاداة فيها وبالتالي : الحقد على من ساق الله إليه التعلم والعمل والمال على أيديهم .
خيرُ من تقصّى الحقيقة في فتنة الدويش ومن معه (رحمهم الله) محمد أسد (ليوبولد فايس) الذي ضرب كبد ناقته بحثاً عن الحقيقة (مع شمّري موالٍ لآل الرشيد هجَر (حايل) بعد زوال إمارتهم وعمل مهرّباً للسلاح ثم جندياً في جيش العراق ، ثم دليلاً لمحمد أسد) ، وتتّبعا آثار الدويش في المملكة المباركة وفي الكويت حتى وقفا على مصدر تمويل الفتنة مِنْ قِبَل انكلترا لضرب الدولة الناشئة بالعصاة الخوارج من رعيّتها (كما تفعل الآن بالمسعري والفقيه وأمثالهما من المهاجرين إليها من أرض القداسة والبركة والدعوة) .(1/161)
وكان من أهداف انكلترا (كما يرى محمد أسد في كتابه : الطريق إلى مكة) :
1- تأمين الحدود العراقية من غزو عصابة البادية السعودية .
2- إنشاء قاعدة بحرية في ميناء رابغ .
3- السيطرة على الخط الحديدي بين الشام و المدينة .
4- إنشاء خط حديدي جديد بين حيفا والبصرة .
(مشروعات بُذلت جهود وأموال للتخطيط لها وبدء العمل على تنفيذها أحبطها الله بوقوف الملك عبدالعزيز في وجه الثلاثة الأخيرة منها وتصميمه على رفضها ومحاربتها ، وربكا كان لنشر تحقق محمد أسد في الصحف الأوروبية ثم المصرية بالغ الأثر في إهمالهما ) الطريق إلى مكة .
ومن تحقيق محمد أسد يتبين أن الإنكليز بنوا مراكز على الحدود لإثارة البادية فدمّرها (الإخوان) كما كان متوقعاً ، فعاقبهم الإنكليز كما كان مخطّطاً ـ لكي يثور الإخوان بقيادة فيصل الدويش على الملك عبدالعزيز رحمهما الله ، وصدّق الإنكليز ظنّهم على الإخوان فاتبعوهم إلا فريقاً من الثابتين على شرع الله بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم وعلمائهم .
ويؤيد وقوع الإخوان في فخ الفتنة الذي نصبه لهم الإنكليز مخططوط لتاريخ تلك الحقبة من تأليف أحد شهوده (محمد العلي العبيد) ، يقول رحمه الله : (إنه قضى نيّفاً وثلاثين سنة يتجوّل بين بوادي حرب وشمّر ومطير وعتيبة وسبيع والبقوم والدّواسر وهيتم وغيرهم) وقال : (لم أضع في هذا الكتاب إلا ما شاهدته بعيني أو نقلته عن ثقات أعرف صدقهم وحفظهم لما شهدوه) ، وهو يوافق (محمد أسد) على تآمر العصاة واتفاقهم على اقتسام أرض الدولة السعودية بينهم : للدويش المحمل والوشم وسدير والعارض والخرج والحوطة والحريق وما والاها ، ولابن بجاد القصيم والحجاز وما بينهما ، ولفرحان بن مشهور ـ تجاوز الله عنا وعنهم جميعاً ـ الجوف وحايل وتيماء والعلا وخيبر وما والاها) .(1/162)
ولم تكن فتنة الدويش في النصف الأول من القرن الهجري الماضي ولا فتنة الخوارج ـ في العقدين الثاني والثالث من هذا القرن هي كل محاولات الشيطان وأعوانه هزيمة دولة ودعوة التوحيد والتجديد على منهاج النبوة الوحيدة منذ الفاطميّين ، بل سبقها ولحقها محاولات تنافسها في الشر كانت نهايتها الفشل بفضل الله ورحمته ونصره وتأييده :
1) فتنة الخرافة العثمانية (لا أعادها الله على الإسلام ولا على المسلمين) وكانت نهايتها : هَدْم عاصمة الدولة والدعوة وقتل أو نفي ولاة أمرها من العلماء والأمراء ، وزوال الدولة والدعوة بضع سنين عادت بعدها تُجدِّد الدين بالعودة به إلى ما كان عليه في عصر النبوة والصحبة ، وباءت دولة الخرافة والبدعة والشرك بالفشل والخسران المبين .
2) فتنة الاشتراكية والقومية العربية (لا أعادها الله على الإسلام ولا على المسلمين) وركَضَ أكثرُ العرب وراءها ، وقاومها الملك سعود ثم الملك فيصل رحمهما الله ، وأطفأ الله نار الفتنة ، وسقطت الاشتراكية والقومية العربية ، بل سقطت الاشتراكية والشيوعية الأعجمية وهي القدوة للاشتراكيين والشيوعيين العرب وبئس القدوة ، وبقيت دعوة الملك فيصل إلى التضام الإسلامي ممثلة في رابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، وكأنما كانت بدايةً أو مقدمةً لما سُمّي بالصحوة الإسلامية ، ردّ الله الثلاث إلى منهاج النبوة ردّاً جميلاً ، وحقق لها وبها الدعوة إلى شرعه على بصيرة من الوحي والفقه فيه .(1/163)
3) فتنة جهيمان وأتباعه عسى الله أن يُعاملهم بنيّاتهم ويعذرهم بجهلهم ، ولا شك أنهما كانوا يحسبون أنهم على طريق الهدى والإصلاح كما قال الله عن شر خلقه : {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف: 30] وكانت نتيجة ما ظنوه إصلاحاً (يملأ الأرض عدلاً) احتلال المسجد الحرام وترويع الطائفين والعاكفين والركّع السجود ، وقتل الأنفس التي حرم الله قتلها بغير حق ، وبقيت الدولة والدعوة في عهد الملك خالد رحمه الله ، ولمي بق من جهيمان والخارجين معه على جماعة المسلمين وإمامهم إلا ذكرى شرهم .
4) فتنة احتلال البعث الاشتراكي (القومي) العربي في العراق الكويت وتهديد السعودية وبقية دول الخليج العربية ، وركض أكثر العرب وراء الفتنة ؛ إسلاميّهم ونصرانيّهم ، سنيّهم وشيعيّهم ، متعلمهم وجاهلهم ، وظنوا (كما في فتنة الخرافة العثمانية وفتنة الاشتراكية القومية العربية) أنه قُضي على (دولة الدعوة إلى التوحيد والسنة) ، وخيّب الله ظنهم في هذه الفتنة (لا أعادها الله على لاإسلام ولا على المسلمين) كما خيّب ظنّهم مِنْ قبل ، وبقيت الدولة والدعوة ولو كره الكافرون بنعمة الله والجاحدون لها والحاقدون على الذين أنعم الله عليهم ، وشتّت الله شمل حزب الظلم والطغيان وحميّة الجاهلية وقادته، ودَحَر مويّديه . وهدى اللهُ خادمَ الحرمين (تؤيّده فتوى كبار العلماء) إلى قيادة الدولة والدعوة نحو النصر المبين ، رغم الزوابع والغوغائية التي أثارها العوامّ وأنصاف العوامّ من المفكرين والحركيين والحزبيّين متبعي الهوى التائهين عن شرع الله .(1/164)
لقد بذل (جلال كشك) جُهْداً ملحوظاً في جمع ملخصاتٍ لآراء المؤرخين قبله (ممن شهد الأحداث وردّد أقوال غيره عنها ـ مثله ـ) ، وكان كتابه صالحاً للتّسلية (وربما للعبرة) لولا محاولته فرض رأيه على الواقع الذي لم يحضُره وعلى من حضروه ، وعلى غيره وغيرهم من العالمين ، ليسبق غيره إلى وَهْم (التفسير الإسلامي للتاريخ) كما وصفه ناشر الكتاب على غلافه الأخير ، والتفسير (الإسلامي) وللتاريخ ـ حقيقةً ـ يملكه علماء الإسلام (ممن شهد الحدَثَ بخاصة) ، ولو تُرك الأمر للصحفيين والمفكرين ـ بعد الحدث بعشرات السنين ـ لتعددت وتنوعت التفاسير (الإسلامية) للتاريخ بعدد الراغبين في الخوض في وَحْلِه ، وهم (أكثر من الهم على القلب) كما يقول المثل ، جعل الله همَّ الآخرة أكبرَ همِّنا وهمِّهم .
ونصيحتي لطلاب العلم أو الفكر أن يتعلموا قبل أن يقفزوا إلى وظيفة التعليم بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير ؛ مستيقنين الغاية الدنيوية من الشهرة أو الجاه أو المال أو الشرف أو العلوّ في الأرض ونصيحتي لجلال كشك ـ بخاصة ـ أن يقرأ ـ على الأقل ـ بعض ما كتبه علماء بلده وعصره مثل محمد أبو زهرة في خاتمة كتابه عن الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله ، ومحمد رشيد في مقدمة الطبعة الأولى للمفتي والشرح الكبير ومحمد حامد الفقي في مقدّمة الطبعة الأولى لجامع الأصول رحمهم الله جميعاً ، بل يقرأ للأدباء والكتاب في بلده وعصره مثل طه حسين والعقّاد رحمهما الله ليتعرّف على آثار نعمة الله بدولة الدعوة على منهاج النبوّة على جزيرة العرب وعلى الإسلام والمسلمين جميعاً ، ثم يقوم ـ هو وغيره ـ لله مثنى وفرادى ثم يتفكروا : ما هي احتمالات انتصار البدائل (العنصرية العثمانية ، الدويش ومن معه ، الاشتراكية والقومية العربية ، جهيمان ومن معه ، صدّام الدّين والعقل والخُلُق وحزبه ، خوارج الفكر الواقع والجهاد الخيالي والإجرامي) على الإسلام وعلى المسلمين .(1/165)
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته .
الطائف - 1424
الحركات الإسلامية والفشل السياسي
أ- عنوان هذا المقال هو عنوان مقال للأستاذ سليمان الضحيّان في جريدة الوطن بتاريخ 10/9/1422 وفقه الله فيه لوضع يد القارئ على أهم مصادر الفتن والجراح التي تعاقبت على المسلمين منذ عشرات السنين : وهي الحركات والجماعات والأحزاب الموصوفة ـ زوراً ـ بالإسلامية ، قال :
1) بأنّ (هذه الحركات والأحزاب ـ بدءاً بالإخوان المسلمين وانتهاءً بتنظيم القاعدة ـ جعلتْ من هذه الأمة حقل تجارب للوصول إلى السلطة باسم الإسلام) .
2) أنها (تبدأ ضعيفة متسترة حتى إذا التفّ حولها عدد من الشباب المندفع تسوقه العاطفة والحماس سَعَتْ بتهوّر إلى تغيير المجمتع ، سلاحها : فهمها للحاكمية والجاهلية والجهاد [والولاء والبراء] ، ثم ما تلبث أن تخرج من المعركة مثخنة من الجراح ، مخلفة وراءها أعداداً من الشباب بين قتيل وأسير وطريد) .
3) أنها تقترف هذه الآثام (في سبيل أحلام وشعارات يلوّح بها قادة التنظيم).
4) أن هذه المآسي (تستمر [وتتكرّر] ، وهذه التجارب الكارثية تنتقل من بلد مسلم إلى آخر) .
5) وهو يعزو (هذه الحالة المرَضِية المستعصية للفقر المدقع في الفقه السياسي)
ب) انتُدب أحد ممثلي هذه الأحزاب (المنعزلة عن جماعة المسلمين باسمها ومنهاجها وأميرها) : منير الغضبان من (الإخوان المسلمين) في سوريا (ومقيم بالمملكة المباركة منذ بضعة عقود) للدفاع عن حزبه ، فكتب في جريدة الوطن بتاريخ 2/11/1422يقول :
1) بأن (الحركات الإسلامية المعتدلة لم تكفّر أحداً) .
2) أنه (لم يسمع حتى هذه اللحظة عن عالم أو مسؤول في الحركات الإسلامية المعتدلة قام بتكفير فردٍ أو مجموعة من أبناء هذه الأمة ينتمون للإسلام) .(1/166)
3) ذكر من أئمة الحركات والأحزاب المعتدلة (المودودي وسيد قطب ومحمد قطب) ، فتبيّن أنه إنما يدافع عن حزب (الإخوان المسلمين) الذي ينتمي إليه .
ومنير الغضبان (هداني الله وإياه لأقرب مما نحن عليه رشداً) معروف بتعصبه لحزبه الإخواني إلى درجة تأليفه كتاب التحالف السياسي في الإسلام (أثناء فتنة حماة) يَرُدُّ به إنكار علماء السنة على حزبه تحالفه مع حزب البعث العراقي ، والاشتراكيين العرب ، والوحدويّين الاشتراكيّين ، والقوميين ، واستدل بحديث بَتَرَ منه ما ينقض غزله : « ألا إنه لا حلف في الإسلام » ، وأقنع (إخوانيٌّ عالميٌّ) الإدارة العامة للدعوة في الخارج (السعودية) بتعيين (منير) داعياً في الأردن (وكان لا يُردُّ له طلب) ، وأصرَّ منير على الارتباط بمؤسسة إخوانية ، وعلى منهاج الحزب ، وبعد بضعة أشهر خيَّرتُه بين منهاج النبوة وترك العمل في الأردن ؛ فاختار الثانية ، و(اقتنعَتْ) إدارة الدعوة برأي القيادة نقله إلى العراق للعمل في مراكز الإخوان (التدريبية) للذين ألقوا بأفرادهم وقياداتهم في أحضان البعث العراقي الذي كان أذكى من كثير من المسلمين فمنعهم من الخطابة والدروس في المساجد والمدارس ؛ فاستمتع صدّام بكل الحزب الإخواني ، واستمتع الحزب ببعض ما عند صدّام .
ج- أوافق سليمان الضحيّان في كل مقدّمته ؛ فالأحزاب مرضٌ مؤكّد العدوى مثل الجرب والجذام ، والتحزّب باسم الإسلام (انخزال عن جماعة المسلمين) في لفظ الشيخ بكر أبوزيد ، واقرأ إن شئت كتابه الفريد : (حكم الانتماء إلى الفرق والجماعات والأحزاب الإسلامية) فهو خير ما كُتب في بابه (وأنصح وزارات التربية والتعليم في العالَمين العربي والإسلامي بنشره في مؤسساتها) ، شفى الله الشيخَ بكرٍ وعافاه وسلّطه على هلكة الباطل .(1/167)
والتفرّق (باسم التجمع الإسلامي) معصية كبيرة بنصوص الوحي ، وأكثر الفتن التي ابتُلي بها المسلمون منذ عهد عثمان رضي الله عنه نبتت منها : (الخوارج ، الرافضة ، القرامطة .. إلخ) وفي القرن الأخير كان حزب (الإخوان) بمختلف أسمائه ومظلاته حاضنَ كل الحركات السياسية التي عناها الكاتب بمقاله : التحرير ، التكفير والهجرة ، الجهاد ، القاعدة ... إلخ .
ولكني أخالفه في تشخيص المرض وفي علاجه .
فأساس المرض : (الفقر المدقع في الفقه) الشرعي اليقيني ، (أما السياسة غير الشرعية التي تلهث وراءها الحركات والفِرَق والأحزاب الموصوفة بالإسلامية فأمر ظنيٌّ هيِّن ، لكلٍّ فيه رأيه) .
وعلاجه : (أن يكون الفقهاء في الدين ـ كبار العلماء بخاصة ـ على مستوى المسئولية فتنطلق أصواتهم عاليةً أمام الملأ) لبيان شرع الله ودينه الحق ؛ فلا يظنّ الحركيون أو يظن الناس بهم أنهم على الهدى ، وأن يكون القائمون على وسائل ومؤسسات الإعلام والتربية والدّعوة والأمن (على مستوى المسئولية) فيوقفوا عملية اغتصاب الحركيّين لمنابر الإعلام والتربية والدعوة .
د- هذا رأي سليمان الضحيّان ورأيي في فساد مناهج الحركيّين والحزبيّين ، ونحن ـ بفضل الله ـ أحرارٌ من عبودية مناهجهم وقيود انتمائهم وبيعتهم المبتدعة، ولكن بعض قادتهم يشاطرنا الرأي :
1) يقول الأستاذ فتحي يكن أحد قادة الحركة الأمّ (أمّ المهالك) : (منذ رُبع قرن [الآن نصف قرن] والحركة الإسلامية الحديثة [جماعة الإخوان] تعيش مِحَناً ضارية تقدِّم فيها [منها ومن غيرها] الشهيد تلو الشهيد) ، والقطع بالشهادة لمن لم يشهد له الوحي بدعةٌ منكرة ، ودليل جهل وانحراف (... دون أن يكون لها من ذلك مردود ... بالرغم من كل هذا لا يزال أسلوبها [وغيرها] نفس الأسلوب) ويراه : (ضرباً من الانتحار جريمة من الانتحار لا يجوز السكوت عليها) ، (مشكلات الدعوة والداعية ، مقدمة الطبعة الثانية) .(1/168)
2) ويقول إخوانيٌّ آخر انفصل عن الحركة الأم [أم المهالك] بحركة سُمِّي أفرادها بالسروريين نسبة إلى المؤسس (محمد سرور زين العابدين المهاجر من أرض الشام المباركة إلى أوروبا النصرانية بل العلمانية) في كتابه (قل هو من عند أنفسكم) شهادةً على فتنة الإخوان في حماة : (لقد وزّعوا المناصب على [قادتهم] ؛ فهذا وزير للداخلية ، وذاك للدفاع ، والثالث للتربية والتعليم ، والرابع للخارجية ، والخامس لقيادة الجيش ... وأصبح الجميع يتصرفون مع غيرهم على أساس المناصب الجديدة ... انقشع الغبار عن هزيمة محزنة ألَمَّت بهذه الحكومة [الوهميّة] وبغيرها من الدعاة والجماعات ... وأعقبت الهزيمة خلافات واتهامات وانشقاقات ، وهذه عاقبة كل من يخالف سنن الله الثابتة ... ومن يتابع الأمور لا يد حرصاً من أي طرفٍ على وضع الحق في نصابه وتقويم الاعوجاج ، وإنما التنافس على الزعامة وحطام الدنيا هو سبب هذه الخلافات الجديدة منها والقديمة) ؛ بل نشرتْ إحدى المجلات العالمية خارطة الحزب لسوريا (بعد النصر الخيالي) باسمها الجديد : (دولة الإخوان المسلمين) خيانةً للإسلام الذي امتطاه الحزب لأغراضه في العقود الماضية كلها ، وخيانةً للحلف الشيطاني (بلغة تشرشل عند تحالفه مع روسيا الشيوعية ضد ألمانيا) بين البعث والاشتراكية والقومية والإخوان .
3) ويقول أيمن الظواهري الذي رَضَع من ثدي حزب الإخوان ، وبعد الفطام اختار شق المواجهة في الحزب (ويُعرف الآن باسم القطبيين نسبة إلى سيّد قطب) على شقِّ المسايرة (ويُعرف الآن باسم البنّائين نسبة إلى حسن البنا(1/169)
ـ رحمهما الله ـ ) وهو ما يُسميه منير الغضبان بالمعتدلين ؛ ولكن الظواهري يبين أنهما وجهان لعملة واحدة : (القيادة الظاهرة في تركيبة الإخوان كان يمثلها المرشد العام أمام الناس والنظام ، وأما القيادة الحقيقية فقد كانت في يد مجموعة النظام الخاص) جريدة الشرق الأوسط العدد 8405 في 2/12/2001م عن مذكرات الظواهري . أي أنهم يتلونون حسب مصلحة الحزب .
4) ويؤكد ذلك ابنٌ آخر للحزب من الرضاعة (محمد سرور زين العابدين في كتابه: قل هو من عند أنفسكم ، عن فتنة الإخوان في حماة) : (كانوا [القادة] ينتقدون الشباب الذين فجّروا هذه المعركة ويصفونهم بالطيش والتهور [فلما] أصبحوا يظنون أن النصر قد اقترب غيروا لهجتهم وادّعوا بأنهم أصحاب الحق وأهل الجهاد وجميع الشهداء منهم) .
وفي فتنة احتلال العراق للكويت كان المرشد العام في مصر يشجب ، والقادة المتخفّون في السعودية وسوريا يسكتون ، والقادة المعلنون في الأردن وفلسطين خاصة وغيرها عامة يُؤيّدون الاحتلال بالخطب والقنوت والكذب .
هـ - أوافق منير الغضبان ـ مرة واحدة ـ في أنه (لم يسمع عن عالم في الحركامت الإسلامية قام بتكفير فرد أو مجموعة من أبناء هذه الأمة ...) ؛ لأسباب :
1- أني لا أحسبه يكذب ويتحرّى الكذب ، وإنما أغشي بصره وختم على سمعه وقلبه التعصب لحزبه ، (فعين الرضا [وأذن الرضا] عن كل عيب كليلة).
2- أنه لا يوجد عالم واحد بشرع الله في جميع الحركات والجماعات والأحزاب والفِرَق ، وإلا لما قبل أن يتحزب ويتفرق عن الجماعة الواحدة التي لا تتعدّد ، وسماها الله : (المسلمين) ، وألزمها منهاجاً واحداً (الكتاب والسنة)، وأمرها بالتأسّي بواحدٍ من البشر يُوحى إليه (×) ، ونهاها عن التفرق شيعاً {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:53] .
3) ظني أنه لا يعرف أحكام التكفير ولا حدوده ولا ألفاظه .(1/170)
و- اختلف العلماء منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم في تقسيم الكفر والتكفير إلى اعتقادي وعملي ، وأكبر وأصغر ، ولكنهم اتفقوا على أن (الردة) تعني أمراً واحداً ، واختار (سيّد قطب) تجاوز الله عنا وعنه تكفير المسلمين جميعاً أفرادهم وجماعاتهم ، حكامهم ومحكوميهم ، بلفظ واحد لا يحيد عنه أبداً : وهو (الردة) أي : الخروج من الملة و(النكوص عن دين الله بعد أن كانوا فيه) ، (ولو توجهوا إلى الله في ألوهيته وحده ودانوا لشرع الله في الوضوء والصلاة والصوم وسائر الشعائر) ، ولو (تسمّوا بأسماء المسلمين وزعموا أنهم مسلمون) ، ولو (ردّدوا على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله) ، وجعل من أسباب حكمه الجائر المخالف لشرع الله وفِقه جميع أئمة المسلمين : (اتباع البشر في نظام الحياة والتقاليد والعادات والأعياد والأزياء والأخلاق) ، ولعل منير الغضبان قد قرأ وأقرأ الشباب هذه النصوص مراراً لا تُحصى (بعين الرضا، و بعين التعصّب) فلَمْ يرَ فيها (تكفيراً لفرد ولا لمجموعة تنتمي إلى الإسلام) .
1- ولكني أطلب منه (ومن كل قارئ) أن يعيد قراءتها (بعين العدل) في (معالم في الطريق) ص101-103، و في (العدالة الاجتماعية) بعد محاولة تعديلها ص185 و216 ، وفي (ظلال القرآن) ص1057 و1492 و2009 و2033 و2114و2122 ، وهذه ثلة وغيرها كثير .
2- ومحمد قطب يقوم بنشر هذا التكفير (والحكم بالخروج من الملة لكل بشر) منذ موت أخيه سيد قبل أربعين سنة مُصرّاً على رفض تغيير كلمة منه ، مع أن سيّداً عندما أدرك قليلاً من أخطائه (دعوى التخييل في كلمات الله) وَعَدَ بإعادة (النظر فيها في الطبعة القادمة) ولم يفعل .
3) والمودودي يختار (هدم القصور) على (هدم القبور) ردّاً على من طلب منه التحذير من أوثان المزارات والمشاهد والمقامات في الباكستان وما جاورها (من أتباعه في القارة الهندية) .(1/171)
4) وهل يجوز لمنير (أنار الله قلوبهم جميعاً بنور منهاج النبوة وأعاذهم من ظلمات المناهج المحدَثة المبتدعة) هل يجوز له وأمثاله من الحزبيّين أن يتعصبوا لرموزهم فيصفوهم بالاعتدال والبراءة من التكفير بعد كل هذا ؟
ز- يتساءل منير ـ في دفاعه عن حزبه ـ : (ما هي الأحزاب الفكرية والعقائدية التي وصلت إلى السلطة في وطننا العربي والإسلامي لنرى بها البديل عن الحركات الإسلامية) ؟ ويخطئ مرّتين أو ثلاث :
1) من قال له بأنّ ما يسمّيه الحزب العقائدي أو الحزب الإسلامي أو الحركة الإسلامية يجب أو يجوز أن يكون هدف أيّ منها (الوصول إلى السلطة) ؟ نعم ، هذا هو واقع حزب الإخوان (أو الجماعة الإسلامية أو حماس أو جمعية المركز الإسلامي) وواقع حزب التحرير وحزب الجهاد ... إلخ ، ولكنه انحراف عن شرع الله ، فليس في الكتاب ولا في السنة أن الله خلق عباده أو أرسل رسله للوصول إلى السلطة ، بل ليُعبد الله وحدَه ولا يُعبَد غيره ، ولتكون كلمة الله هي العليا ، وليكون الدّين كله لله ، ثم تكون الولاية ويكون التمكين تبعاً لذلك. وسليمان الضحيّان لم يصف نفسه بالإسلامي ولا يطالب الإسلاميين بالنجاح في الوصول إلى السلطة ولكنه ينهاهم عن المحاولة وتكرارها مع الفشل، كما أنّ الله نهى شارب الخمر أن يقرب الصلاة ، وفي الحديث الصحيح نهى آكل الثوم والبصل أن يقرب المسجد ، والمقصود بالنهي في الحالتين ليس الصلاة، بل ما يفسدها أو يؤذي المصلين .
2) الأحزاب والجماعات والحركات والطريق والطوائف والفِرق التي تحاول ركوب الإسلام لأغراضها الدنيوية : سلطةً أو جاهاً أو مالاً ، لا تكون (بتعدُّدها وخروجها عن الجماعة وخروجها عن منهاج النبوة إلى منهاج مؤسس الحزب أو مُفكّره) لا تكون أهلاً (شرعاً) للوصول إلى السلطة ولو وصلت إليها (قدراً وفتنةً) .(1/172)
3) لو ألقى ألقى منيرٌ سمعه وهو شهيد ، ولو أعتق نفسه مما أوجب الله عليه الانعتاق من قيوده وحدوده الحزبية ومن عصبيّته الجاهلية ، ولو استردّ قلبه من عبودية الفكر الحزبي وبيعته المبتدعة ؛ لوَجَد جواب سؤاله أمامه في البلد والدولة المباركة التي عوّدها الله الإحسان وتعوّدت من غيرها الجحود ؛ منذ عشرات السنين وهو يعيش في ظل حزب التوحيد والسنة الواحد الذي أظهره الله ثلاث مرّات في ثلاثة قرون يجدّد الله به الدين في كلّ مرة ويصحّح به المعتقد وينشر به السنة ويمحو به الشرك وما دونه من البدع في الدين ، وهو وحده (بفضل الله) الذي أُسِّس من أول يوم ـ بعد القرون المفضلة ـ على منهاج النبوة في الدين والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه ، مع الدفاع عنه والجهاد في سبيله باللسان ثم بالسنان ، ولم يُسَمِّ نفسه حزباً ولا حركة ، ولا اتخذ منهاجاً غر الكتاب والسنة ، ولا انتمى إلى بشرٍ غير محمد × المعصوم من ربه ، ولا وصف نفسه بالإسلامي ولا الإسلامية (إذ الأصل لا يحتاج إلى سِمَة خاصة تميِّزه ، إنما الذي يحتاج إلى اسم [أو وَصْف] معيّن هو الخارج عن هذا الأصل من تلكم الجماعات [والفِرَق والأحزاب] التي انشقّت من الأصل : جماعة المسلمين) (المبحث السادس من حكم الانتماء إلى الفرق والجماعات والأحزاب للشيخ د. بكر أبوزيد شفاه الله ونصر به منهاج النبوة) ، وميّزه الله وحده في هذا العصر بالولاية على أكثر أرض الله قداسة وبركة ، حيث فشلت الفِرَق والأحزاب الإسلامية المبتدعة بكل المعايير والموازين رغم دعاياتها ، وتلوّنها ، وتبدّل مبادئها وولائها ، وتنازلاتها وتفانيها في محاولات الوصول إلى السلطة والجاه والمال .(1/173)
ح- فشل حزب الإخوان المسلمين الأشنع والأسوأ هو فشلٌ في الدين بتجنّب قادته ومنهاجه اتباع سيد المرسلين (مثَلُه في ذلك مثلُ الأحزاب والفِرَق التي انبثقت عنه) وهو ما لم يذكره سليمان ولا منير ، وكان الأَوْلَى بالاهتمام ، ولكنّ حزب الإخوان (وما نسل عنه) فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافه الدنيوية (الغايات لا الوسائل) حيث نجح من خالفوه :
1) ركبوا شعار جلاء الإنكليز عن مصر ، فنجح جمال عبدالناصر وفشلوا .
2) ركبوا شعار استعادة قناة السويس من استغلال الأوربي ؛ فنجح جمال عبدالناصر وفشلوا .
3) ركبوا شعار تحرير فلسطين ؛ فنجح أنور السادات في تحرير سيناء بالسلاح ثم بالمفاوضات وفشلوا .
4) ركبوا شعار جهاد قوات التحالف الغربي (نصراً لظلم وأوثان البعث العراقي) متسلحين بخرافات (هرمكدون) و(نوسترادامُس) و(الجَفْر) والتحليلات والإشاعات الخيالية ، فنجح الخليجيون ، وأزال الله طغيان البعث العراقي وقادته ومؤيّديه عن الخليج عن العراق وفشلوا .
5) ركبوا شعار تحرير سوريا من البعث السوري (مستعينين بالبعث العراقي (بزعيمه الفكري النصراني ميشيل عفلق وزعيمه الفعلي ـ وهو الأشر ـ صدام حسين ) واختاروا اسم الدولة الحزبية القادمة وأسسوا الإذاعة في العراق ومراكز التدريب وصدرت البلاغات وسُمّي وزراء الحكومة الحزبية القادمة ؛ فنجح حافظ الأسد وفشلوا .
اللهم اهدهم صراط المستقيم وجميع المسلمين والضالين عن شرعك .
الطائف – 25/10/1423
« إن الله قسم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم »(1/174)
1- (الخُلُق) يعني : أكثر من أسلوب المعاملة بين البشر ـ خلافاً لما يظن أكثرهم ـ ، يبين ذلك قول الله تعالى عن لسان الكافرين : {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] أي دينهم ، ويؤكده قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تصف حال النبي × : « كان خُلُقه القرآن » أي كان القرآن منهاجه في حياته ؛ اعتقاداً وعبادة ومعاملة (لا في المعاملة وحدها)، وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] أي : دين .
وإذا قُصد بالخُلُق أسلوب المعاملة فإنما ذلك من باب تخصيص العام ، ولو أصلح العبد خُلُقَه فيما يتعلق بحق الله عليه وفيما يتعلق بحقوق الخلق عليه لرضي الله عنه وأرضاه وأرضى عنه الناس :
وحق الله على عبده محكوم بأقدار الله الشرعية ، وأولها وأهمها أن يعبد الله وحده لا شريك له فيُخلص لله نيّته وقوله وعمله ، صلاته ونسكه ، محياه ومماته، وحياة العبد فيما دون ذلك محكومةٌ بأقدار الله الكونية ، فلا بد له من الرضا بقسمة الله له منها « فإن رضي فله الرضا ، وإن جزع فله الجزع » .
والرضا بالقسمة (من قدر الله الكوني) ضمان للسعادة الدنيوية وباب من أبواب السعادة الأخروية ، والرضا بالقسمة (من قدر الله الشرعي) ضمان للسعادة الأخروية وباب من أبواب السعادة الدنيوية فضلاً من الله ونعمة .(1/175)
قال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 30ـ 36] .
ونعمة الله على عبده (بالخُلُق العظيم) أعظم من نعمته على عبده بالمال والمتاع، فالأُولى خيرٌ محضٌ ، ولا يمنحها الله إلا من يحبّ ، والثانية قد تكون خيراً وقد تكون شرّاً ، قال الله تعالى : {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر:15ـ 16] ، {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام: 44] فهذه يمنحها الله من يحب ومن لا يحب .(1/176)
ومنذ أدركتُ هذه الحقيقة لم أجدْ في أقدار الله الشرعية والكونية إلا الخير وحسن العاقبة ، وكثيراً ما ذكرتُ نفسي ومن ابتلاهم الله بتذكيري (مع كثرة خطئي ونقصي) أنّ الحياة مثل قطعة النقد المعدنية لا تخلو من وجهين ، وجهٌ قد يريده العبد ووجه قد لا يريده ، فإن وجه نظره وفكره إلى الوجه المرغوب فيه لم يرَ في الحياة إلا ما يسعده ، وإن وجّه نظره وفكره إلى الوجه المرغوب عنه لم يَرَ في الحياة إلا ما يشقيه وكان حريَّاً أن لا يشكر نِعَم الله عليه {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ النحل: 18] ، وأكثر شقاء العبد بدنياه مصدره : التطلع إلى ما لم يقدّره الله له والانشغال بذلك عن ذكر وشكر ما أسبغ الله عليه من نعمة .
ب- تذاكرنا مرة هذا الأمر العظيم الفارق بين السعادة والشقاء ؛ فعَرَض أحدنا صورة شعرية صغيرة لواقع هذا الأمر في الحياة اليوم والأمس :
هبَّت الريحُ فملاّح شكا ... طول مسراه وملاَّح شكر
ليس في الريح سرورٌ وأسى ... إنما في النفس ما ساء وسرّ
قدرُ الله واحد على الملاّحَيْن ؛ كلاهما منَّ الله عليه بإرسال الريح تسوق السفينة ولو شاء لأسكن الريح فظلت راكدة على ظهر البحر ، ومع جريان السفينة يطول المسرى والسهر والتعب ، فأحدهما وجه نظره وفكره إلى السّهر والتعب فشكا ، ووجّه الآخر نظره وفكره إلى مِنّة الله بإرسال الريح والانتفاع بالسفينة التي أجراها الله بها فشكر .
ج- وقرأت مرّة مقابلة مع شيخ تجاوز الثمانين وشابٍّ في الثلاثين يرويان ذكرى اشتراكهما في رحلة عبر صحراء جزيرة العرب بين مكة والرياض ، وكان الشيخ المثقف المترف لا يذكر إلا الهواء النقي وسماء الليل الصافية ونجومها المتلألئة والحياة الفطرية العزيزة المنال ، وكان الشاب المثقف المترف لا يذكر إلا التعب والغبار والتخلف الحضاري للبدو .(1/177)
د- وقبل سنوات انتشر في أمريكا كتيّبٌ صغير كأنما كتيب للأطفال (ولكنّه صالح للجميع) ، يروي قصة فأرين كانا يرتادان مكاناً تحت الأرض وجدا فيه قطعة كبيرة من الجبن ظلاّ يأكلان حاجتهما منها ، وفي أحد الأيام لم يجدا بقية طعامهما ؛ أما أحدهما فظل في مكانه يتميّز غيظاً وهمَّاً وأسفاً على ما فات (ولا سبيل لعودته) حتى هلك جوعاً ، وأما الآخر فانشغل عن الغيظ والهمّ والأسف (للماضي) بالبحث عن طعام آخر (للمستقبل) حتى وجده في مكان آخر .
هـ- بين يدي مثال أقرب إلى الحقيقة والواقع ، ربما كنت أولى بحكايته : أقامت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ندوة عن دعوةالإمام محمد بن عبدالوهاب (رحمها لله ) دعت للاشتراك فيها قليلاً من العلماء وكثيراً من المفكرين والحركيين والحزبيين الموصوفين بالإسلاميين ، وكان خير ما أنتجتْ جمع وطبع مؤلفات المجدد رحمه الله ، واختار أكثر العلماء وطلاب العلم الدعاة إلى الله زيادة التعرّف والتعريف بهذه الدعوة المباركة ، واختار أكثر الحركيين ما يختاره أكثر المشاركين في الندوات والمؤتمرات : مجرد الحضور .
وكان من خير الفئة الأولى :(1/178)
1) الأستاذ محمد بهجت الأثري من العراق ، عضو المجمع العلمي العراقي والمصري والسوري والمغربي ، ورِثَ من شيخه الآلوسي تصحيح الاعتقاد ، ولم يفرّط فيه ـ فيما أعلم ـ حتى لقي ربه وقد بلغ من العمر تسعين عاماً ، شارك في الندوة عارفاً بقيمة ما شارك فيه ، وساهم فيها ببحث نادر عن دعوة ودولة التوحيد والسنة الأولى في الأرض وفي خير بقاعها (جزيرة العرب) منذ ألف سنة ، بحث نادر في لغته الجميلة الرصينة ، ونادر في دراسته العمية الموجزة للدعوة التجديدية منذ نشأتها حتى استوت على ساقها دعوةً ودولة تعجب الدعاة على منهاج النبوة ليغيظط الله بهم المنحرفين عنه (وهو اليقين من الوحي) إلى مناهج الظن من الفكر البشري . قال رحمه الله : (وجَدَ محمد بن عبدالوهاب القدوة الحسنة في سيرة رسول الله × وعمله وجهاده وصبره ، فالتزمها بكل [قواه] مثابراً ستين عاماً إلى أن لقي وجه ربه ، وقد أطبق جفنيه وراية [الإسلام] ترفرف على جزيرة العرب ، ودولة التوحيد قائمة تنتظم البلاد] ص37 مجموع دار البشير 1417- الأردن .
وقال رحمه الله : (واقع التاريخ يقرّر أنه رجل التوحيد والوحدة [الرجل] الذ رفض التفرق في الدين رفضاً حاسماً ، فلم يكن من جنس مَنْ [ينشئون الجماعات والأحزاب ليضيفوا إلى أرقام المذاهب والطرائق المزق رقما جديداً ، ولكنه دعا لتحقيق الرقم الفرد الذي لا يقبل التجزئة ألا وهو الإسلام ، وا لإسلام طريقة واحدة لا تتفرّع ولا تتعدّد) ص14 .(1/179)
وقال رحمه الله : (وكأنّ الله ادّخر الخير كله لمن هو أهله من أمراء الجزيرة ... الأمير محمد بن سعود فبايعه على أن ينصره ويُعِزّ الإسلام ويحميه ، وأنشأ الله على يده الدولة المسلمة التوحيدية في جزيرة العرب بعد غياب عنها دام أكثر من ألف عام ، لتعود جزيرة العرب كما بدأت مركز إشعاع على العالم ، وليبقى الملك في عقب هذا القائد إماماً بعد إمام ما لزموا نهج الإسلام الصحيح ... لقد كان التقاء [المحمَّدَين] توفيق قدرٍ لقدر لينفذ أمر الله على يديهما معاً) ص47-48 ، مجموع البشير (الدعوة إلى الله على منهاج النبوة – ط. عمان .
2) الأستاذ د. وهبة الزحيلي من سوريا ، أستاذ الفقه وأصوله في كلية الشريعة من جامعة دمشق ؛ شارك في الندوة عارفاً بقيمتها وأهلاً للمشاركة فيها، وساهم فيها ببحث شامل عن تجديد الدين في القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية منذ بدء التجديد حتى أذن الله بقيام دولته في عهد محمد بن سعود وخلفائه في المرحلة الأولى ، وحتى أذن الله بتجديدها في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله وأبنائه من بعده نصر الله بهم دينه .(1/180)
قال أثابه الله : (كان ابن عبدالوهاب ـ بحقّ ـ زعيم النهضة الدينية الإصلاحية المنتظر ، الذي أظهر موازين العقيدة لاشرعية الناصعة ، وأبان حقيقة التوحيد الخاصل لله عز وجل ، وأن العبادة هي التوحيد ، وحوّل الشراع للعمل الكامل بالقرآن والسنة ونبذ [الشرك] والبدع ، والعودة إلى الحياة الصالحة الأولى ... فكانت أعمال ابن عبدالوهاب وثبة جبارة وقفزة رائعة لتصحيح خطأ الناس في العقيدة والعبادة) ... وتلقى ابن عبدالوهاب دورسه الأوىل على فقهاء الحنابلة في العيينة ، ثم في مكة والمدينة ، ثم في البصرة ، وكان المعلم الذي أثر في تكوين شخصيته ـ بعد ذلك ـ الفقيه الشامي الجرئ أحمد بن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ... وقامت نواة الدولة السعودية بالتعاون بين ابن عبدالوهاب وابن سعود في الدرعية ، وفيها التحقيق العملي لفقه ابن حنبل وابن تيمية حتى عادوا بالإسلام إلى سيرته الأولى ... وكان توفيقاً إلهيّاً عجيباً لابن عبدالوهاب ذلك التلازم بين الدعوة الجديدة وقيام الدولة السعودية ... وقد أضاف ابن عبدالوهاب إلى مبادئ [دعوة] ابن تيمية مجهوداً خاصاً تجلّى في [إعلانه] الحرب ضدّ [الشرك و] البدع والخرافات [بسيف] الزعيم محمد بن سعود ... ولقد حوصرت هذه [الدعوة] حصاراً شديداً واستخدمت الدولة العثمانية والي مصر محمد علي أداة للقضاء على دولتهم ؛ من أجل مصالح اقتصادية ، ولتحقيق نوفذ وسيطرة العثمانيين ، ودفاعاً عن مصالح سياسية ومادية ، لا غيرة على الدين ولا نصرة للدين . (مجموع دار البشير ـ الدعوة على منهاج النبوة – 1417هـ ص57-67 ط. عمان ـ الأردن) .(1/181)
3) الأستاذ د. عبدالحليم عويس من مصر ، المستشار بالجامعة الأزهرية ، قدّم بحثاً فريداً عن أثر تجديد الدين والدعوة في جزيرة العرب على الجزائر بعد دراسة دقيقة للعلاقة بين دعوة ابن عبدالوهاب السابقة في القرن الثاني عشر ودعوة (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) اللاحقة في القرن الرابع عشر من الهجرة (وعلى رأسها: ابن باديس والإبراهيمي) رحمهم الله جميعاً وأجزل ثوابهم.(1/182)
قال أثابه الله : (لم تكن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب إلا دعوة إلى العودة الصادقة الواعية إلى الحقيقة الشرعية في مصدريها الثابتين الخالدين : الكتاب والسنة ، ودعوة إلى التخلص مما خلّفته قرون التخلف من شوائب أصابت بناء المسلم الداخلي ... فأصبح مسلماً [مشركاً ؛ يقرأ القرآن ويؤمن بالخرافات ويصلي لله ويتقرّب لعبيده] ... ركّز ابن عبدالوهاب على تصحيح العقيدة الإيمانية وتطهيرها من مظاهر الشرك التي علقت بها وإعادة المسلمين إلى عقيدة [التوحيد] كما وردت في الكتاب والسنة فلا خالق ولا رازق إلا الله ، ولا يُدعى إلا الله ، ولا ينذر إلا لله ، ولا يُستعان ولا يُستغاث إلا بالله [فيما لا يقدر عليه إلا الله ولا يُستعان ، ولا يُستغاث بالميت ولا الغائب حداً كبيراً لدرجة أنه قام بتتبع مجالات تصحيحها ومقاومة صور الشرك في كل كتبه وخُطبه ورسائله وكانت المحور الذي تدور عليه اهتماماته ... وقاوم الخرافات والبدع بكل أشكالها من تعظيم القبور ولابناء عليها واللجوء إلى الموتى [وطلب المدد منهم] لأن هذا وثنية تدخل في باب الشرك إلى ما دون ذلك من بدعة المولد وبدعة المحمل التي روّجها الصوفية والرافضة ... وفتح باب الاجتهاد ـ عند توافر وسائله ـ وعدم التعصب للمذهب ... وأحيا [واجب] الحسبة أي : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأحيى واجب الجهاد [في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله] . مجموع دار البشير (الدعوة إلى الله على منهاج النبوة) 1417 ص108-112 .(1/183)
وقال : (والحقيقة أن كثيراً من تلامذة جمعية العلماء الجزائريين يسجلون انتماء الشيخ ابن باديس إلى مدرسة محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله بشيء م التلقائية وكأنه أمر مقرّر لا جدال فيه والأمر نفسه بالنسبة للمؤرخين ... وقد اجتمع ابن باديس بعدد كبير من أهل العلم والإصلاح أثناء رحلته إلى المشرق العربي وأدائه فريضة الحج ومنهم الشيخ البشير الإبراهيمي الذي تعرّف عليه ابن باديس لأول مرة في حياته في المدينة النبوية حيث كان قد هاجر إليها عام 1910 تقريباً ، ومنذ ذلك الحين ارتبطا بصداقة متينة كان من آثارها عقد النية والاتفاق ـ في المدينة قاعدة السلفية ـ الأولى على إقامة الحركة الإصلاحية السلفية في الجزائر .. والتشابه بل الاتفقاق في الأسس والمبادئ بين حركتين من حركات البعث [والتجديد الديني] دليل قوي على تأثر اللاحقة بالسابقة ... [فهما متطابقتان في التركيز على إصلاح المعتقد ، ومقاومة الخرافات والبدع التي شوّهت عقيدة المسلمين] ومقاومة الصوفية المبتدعة ؛ فما نكب الأمة في عقديتها إلا هؤلاء المتصوفة وإخوانهم [من أهل الضلال] ، [وهما متطابقتان في دعوة المسلمين] للرجوع للقرآن والسنة ، وتحذير الناس من الأحاديث الموضوعة ، وإنكار التوسل والاستغاثة [بالأموات من الأنبياء والأولياء] والاعتماد على الله ثم على العمل الصالح في التقرب إلى الله ... وهما متطابقتان في المنهاج والموضوع والأسلوب ، ولدعوتهما الخصائص والسمات نفسها : القوة والجرأة والروح الإيمانية الواثقة ، والاستناد إلى الدليل القوي المباشر الواضح المستَقَى من كتاب الله وسنة رسوله وفقه الأئمة الأول في الدّين . المصدر نفسه ص115-133 .(1/184)
ز- وكان مَنْ عرفت من الفئة الثانية : ثلاثة آخرون معروفون بانتمائهم أو ميولهم الحزبية، ومن مساوئ الحزبية المبتدعة الموصوفة زوراً بالإسلامية أنها تُغشي أبصار الحزبيين عن رؤية الحق خارج حدود أحزابهم وتحتم على أسماعهم فلا يصل إليها إلا ما تهوى أنفسهم سماعه ولو كان غير الحق :
ا) الأستاذ د. عبدالعزيز خياط ، وكان يُنْمى إلى حزب التحرير ، وسمعت منه إطراء هذا الحزب وانتقاص حزب الإخوان بحجة أن التحريّين يتّبعون فكرة والإخوان يتّبعون رجلاً [وفهمت منه أنّه يقصد بالفكرة : الخلافة ، ويقصد بالرجل : حسن البنّا] ، وأرى أن الفكرة مثل الرجل قد تضلّ ـ ولو أعجبت المتعقلين بها ولو أعجبهم اللفظ وشرعيّة أصل الاصطلاح ـ ولكن الذي لا يضل هو النص من كتاب الله وبيانه من السنة بفهم أئمة الفقه في القرون المفضلة . ولم أجد أثراً وتأثراً بحضوره الندوة إلا بافترائه على أهلها بأنهم (يمنعون مولد النبي × ويقيمون مولداً لمحمد بن عبدالوهاب) ، تجاوز الله عنا وعنه .
2) الأستاذ د. إبراهيم الكيلاني من قادة حزب الإخوان المسلمين في الأردن ولم يكن مؤهلاً للتأثير أو التأثر لضعف مستواه العلمي وأهمّ من ذلك لحزبيته ، وردَّد ـ هداه الله ـ فرية زميليه ، بل تولَّى كِبْر هذه الفرية بادّعائه في مجموع للأستاذ نظام سكهجا (هداهما الله لأقرب من هذا رشداً) عنوانه : (أنّ الجامعات العلمية المرموقة والمؤسسات المعروفة أقامت مولداً بمناسبة مرور مائة عام على ولادة محمد بن عبدالوهاب) .
ولا شك أنه يعلم أنّه غير صادق في دعواه (تجاوز الله عنا وعنه) فمل تُعْقَد الندوة غير مرة واحدة في تاريخ الدعوة والدولة المباركة ، ولم يَعقِد الندوة غير جامعة واحدة (لا جامعات ولا مؤسسات مرموقة ولا غير مرموقة) فهل كان قصده تضخيم الفِرية ؟ لا أجد محملاً آخر .(1/185)
وعُقدت الندوة بعد مائتين وثمانية وتسعين عاماً من تاريخ ميلاده تقريباً وليس بمناسة مرور مائة عام على مولده ـ كما افترى ـ ، ولم تذكر كلمة المولد مرة واحدة (لا مكتوبة ولا منطوقة إلا من قِبَل مفتريها) لا في الندوة ولا قبلها ولا بعدها في تاريخ الدعوة والدولة المباركة إلا مقرونة بالنهي عنها ؛ لأنها لم تَرِدْ في كتاب الله ولا سنة رسوله × أمراً ولا فعلاً ولا تقريراً ، وليست من سُنن الخلفاء الراشدين المهديّين ولا أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم حتى ابتدعها بعضُ ولاة الفاطميين تقليداً لمولد عيسى عند مبتدعة النصارى ، ولم تَنْه عنها دولةٌ قبل دولة التوحيد والسنة .
أما لمزهم علماء الدعوة التجديدية على منهاج النبوة بالعنف والتكفير فتكذّبه جميع كتبهم وأعمالهم وإنما هي فرية أخرى يردّدها أعداء السنة (بواقع ابتداعهم وتصوّفهم وانحرافهم عن منهاج النبوة إلى مناهج مشايخهم) . وإنما تولَّى التكفير والهجرة والتفجير والاغتيال بالأحزمة الناسفة والدعوة إلى المظاهرات والإضرابات بعض الأحزاب الموصوفة زوراً بالإسلامية ، وكلها أجنبية عن دولة الدعوة الأولى بعد القرون المفضلة بفضل الله ومَنِّه ورحمته .
وقد كتبتُ إلى الأستاذ يوسف هدانا الله وإياه بتاريخ 29/3/1420 وتاريخ 16/4/1420 لعله أن يتبين خطأه فيرجع عنه ، ولم يظهر لي من ردّه على رسالتي الأولى له إلا أنه لا يعي ما أُريد بيانه من الحق لأن قناعاته السابقة تحول بينه وبين ما أقول كما حالت بينهم وبين ما قيل وما كتُتب في الندوة .
هدى الله الجميع لاتباع هداه ومخالفة الهوى ؛ حتى لا يمنعهم التركيز على الوجه الحزبي لعُملة الحياة عن إدراك الحق والاعتراف بالفضل ، و شكر الهل على نعمته بالهدى بعد العمى .
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومتّبعي سنته إلى يوم الدين .
الرياض –1426
تحريف الكلم عن مواضعه(1/186)
قد يُحرَّف الكَلِم عن مواضعه عمداًَ أو خطأً أو جهلاً ، بنية صالحة أو فاسدة، ومنذ انقطاع علم الغيب عن مدارك البشر بموت آخر الرسل صلوات الهل وسلامه عليهم أجمعين انقطع الحُكم على القلوب وبقي الحكم على ظاهر القول والعمل ، مع أن صلاح النية لا يُغني عن صلاح القول والعمل على أي حال .
ووسائل الإعلام الحديثة مباءة خَطِرة لتحريف الكلم عن مواضعه لأننا لا نصنع الآلة (ولا أهمية لذلك فبعض النسا مُسَخّر لبعض) ولا نُحسِن استعمالها (مع قدرتنا على ذلك) وانظر إن كنت في شك إلى بيوت الله (التي يُفترض أن تكون قدوة صالحة) كيف تتحول مكبِّرات الصوت وأجهزة التهوية إلى أدوات تعذيب تُصِمّ آذان المصلين ، وتصكّ رؤوسهم وصدورهم ، فالإسراف هو القاعدة اليوم . وشرّ سوء استعمال وسائل الإعلام يتعدى منطقة الشهوات إلى منطقة لاشبهات عندما يتجاوز الإعلاميّون اختصاصهم الظني إلى اختصاص الموقّعين عن رب العالمين (في لفظ ابن القيم رحمه الله) وهم العلماء بشرع الله ؛ فتتحول الحريّة الصحفيّة (التي ابتُلِينا بها) إلى إباحيّة فكرية فلا يتورّع الإعلاميّ (ولا يُردع) عن القول على الله بغير علم ، فيحكم ويقضي ويفتي بالجهل ، ويجلد علماء الشريعةن من أي طبقة (منذ عصر الخلفاء الراشدين المهديين) يجلدهم بلسان جهله المركب آمناً من العقوبة البشرية تحت مظلة حرية التعبير .
وحرية التعبير (اليونانية الوثنية الأصل) تُعطينا مثلاً مِنْ تحريف الكلم عن مواضعه ومِنْ سوء استعمال المستوردات (اللفظية هذه المرة) ؛ فكالعادة (استوردنا تقديس اصطلاح (حقوق الإنسان) مطلقاً ومن بينها حرية الفكر ، وحرية التعبير، وحرية العمل ، وحرية الدين ، وكالعادة ركضنا ندّعي (زوراً) أن الإسلام سبق إليها ، وليس في الإسلام حرية مطلقة في أي من الحريات الأربع (وبخاصةٍ الدين) فكلها مقيدة بأحكام الشريعة .
.....(1/187)
متعددة من تاريخها ؛ فمن تكفير المرتدين إلى تكفير مرتكب الكبيرة إلى تكفير بعض الفِرَق من الباطنية والطرق الصوفية وأصحاب البدع ، حيث تدرجت فكرة التكفير وتنامت وجربت تمرين نفسها) فوصل إلى مرحلة التكفير والإرهاب الحاضرة ، ثم قال : (والواقع أن عناصر الشبه والتقارب بين أفكار التكفير القديمة وأفكار التكفير الحديثة قائمة ومتكررة وثابتة على نحوٍ لا لبيس فيه حتى وإنْ تباينت في الشكل والإخراج والعبارة ، والسبب في ذلك أن التكفير واحد في النوع وإن اختلفا في التفاصيل) .
وأفهم من التقرير ـ مع ما فيه من ركاكة وتعقيد وتخبّط وخلط ـ أن الصحفي يرى أنه لا فرق بين تكفير الخليفة الأول (ومعه بقية الخلفاء والأصحاب رضي الله عنهم أجمعين) المرتدين وبين تكفير الخوارج « حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية » في هذا العصر غير (الشكل والإخراج والعبارة) .(1/188)
4) ومع أنه ـ تجاوز الله عنا وعنه ـ قدح في أول وأهم حُكم بدأت به الخلافة الراشدة المهدية التي أمر الرسول × باتباع سنتها ، وهو الحكم الذي أجمع المسلمون على صحته ، وعدّوة مع إنفاذ جيش أسامة من دلائل توفيق الله أبابكر للحق والثبات عليه( رغم مخالفي من خالفه في أوّل الأمر ) ورغم أنه عَدَّه فاتحة التكفير والإرهاب الذي نألم منه الآن ؛ فإنه لما لم يُشِرْ ـ فيما فهمت منه ـ ولو إشارة إلى أسوأ أمثلة الإرهاب والتكفيرين المنتمين إلى الإسلام ـ أفراد أو فرق أو دول ـ مثل الفاطميين الذين بَنَوْا أول أوثان المقامات والمزارات والمشاهد ونشروا ما دون ذلك من الفاسد في الأرض واغتصبوا ولاية المسلمين في المغرب ثم في المشرق ، ومثل : القرامطة الذين اعتدوا على الإسلام والمسلمين واعتدوا على بيت الله الحرام وأرهبوا الطائفين والعاكفين والركّع السجود ، ومثل : العثمانيين الذين جمعوا بين ظلم المسلمين في دينهم وظلمهم في دنياهم ، واغتصبوا الولاية عليهم ، ونشروا الشرك والبدع في كلّ .....
يوجد خلل في بقية المقال
آفة الفهم السقيم
في العدد (940) بتاريخ 25/2/1424 من جريدة الوطن خالف صحفيٌّ الشرع والعقل والخُلُق بتطاوله على (أحد كبار العلماء ) بغير أثارة من علم ولا هدى ولا طريق مستقيم ، ظناً منه أن الواجب تقدير الكفارات بالريال لا بالذهب .
وفي الغالب ـ كالعادة ـ لن يُطالبَ عالِمُ الشريعة بحقِّه ولا بحق الشريعة اكتفاء بالمثل : (لا يضر السحاب نبح الكلاب) ، أو القول بلسان الحال أو المقال:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنتَ تعلم ما تقول عذلتكا
لكن جهلتَ مقالتي فعذلتني ... وعلمتُ أنك جاهل فعذرتكا(1/189)
ولكنّ الذّمّة ـ في رأيي ـ لا تبرأ بذلك ، فلا يجوز شرعاً أن يُترك الحبلُ على الغارب ـ في بلاد ودولة التوحيد والسنة بخاصة وفي كل بلد مسلم بعامة للجاهلين بشرع الله أن يقولوا على الله بغير علم ، وأكثر مستهلكي الإنتاج اليوم من عامة الناس وللكلمة المطبوعة والمسموعة قبلو في أذهان عرب العصر يجعلهم سبقة للإعلاميّين الذي يُبتلون بهم كلّ يوم ويقدّمون لهم ما تهوى أنفسهم من الإشاعات وأخبار السّوء والمهليّات وأخبار أبطالهم من الرياضين والمغنّين والممثلين .
ولا تبرأ الذّمة بعدما مساءلتهم ومحاسبتهم عن مبلغهم من العلم أو العدل أو الصّدق أو العمل .
أرى أن الذمّة لا تبرأ بأقلّ من عقوبة علنيّة لأي إعلامي ينشر قوله على الله أو على شرعه بغير علم بالجلد أو السجن ، أو على الأقل : كفّ قلمُه ولسانه الأهوج عن منابر الإعلام العامة و الوسائل الإعلامية .
لقد رأينا في أيّامنا الحاضرة من الإعلاميين من يطالب بإحياء الآثار الدينية ـ باب الشرك الأكبر من قوم نوح ـ بل عن إحياء الآثار الوثنية التي قامت دولة التوحيد والسنة على هدمها أكثر من مرة ، ومن ينهى عن تغسيل الميّت وتكفينه ، ومن يشجّع المرأة على مخالفة شرع الله وفطرته تبرك مسئولياتها عن ريعتها في بيتها ومزاحمة الرجال خارجه ، ومن يشجع الشباب على لبس الجينز مجرّد تقليد شكل أعمى يظنه طريقاً إلى التطور والتقدم .
وليعلم هذا الصحفيّ وأمثاله أنهم يُؤتَون من جهلهم ، ؛ فالعملة الورقية ـ مثلاً بديل رمز للعملة شبه الثابتة : الذهب والفضة ، ولا يزال فقهاء الأمة يجعلونهما المرجع في تقدير الكفّارات وأنصبة الزكاة ونحو ذلك منذ القرن الأول وحتى قيام الساعة إلى أن يشاء الله ، وقيمتها تتغيّر بين يوم وآخر بل بين ساعة وأخرى ، وآفته من الفهم السقيم لدينه .(1/190)
وعلماء الشريعة ـ وخيرهم في القرون الثلاثة الأخيرة : علماء هذه البلاد وهذه الدولة المباركة بفضل الله ـ هلم حملة الشريعة ، والقدح فيهم والتطاول عليهم قدحٌ في الشريعة وتطاولٌ عليها لأنهم أهلها وحملتُها إلى الناس .
فاتقوا الله وتوبوا إليه ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته .
الطائف 26/2/1424
مِنْ غربة الدين إنكار المنكر
زاوية عبدالله با جبير في العدد (8400) في 27/11/2001 من جريدة الشرق الأوسط :
1) ادَّعى الكاتب أن المرأة الأفغانية بعد هزيمة طالبان خرجت إلى الشارع الذي لم تره ستين شهراً كاملة ، وهذه مبالغة .
2) وصف الحجاب بأنه سجن وظنّه مخالف لشرع الله ، وقد قال الله تعالى : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] .
3) وصف الحجاب الشرعي بأنه عودة بالمرأة إلى زمن كانت تشترى فيه وتُباع ن والعكس هو الصحيح .
4) وصف قوامة الرجل على المرأة بتحكم من هو أقل منها عقلاً في مصيرها، وقد قال الله تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34] .
5) أظهر الفرح بعودة محلات الحلاقة للنساء ومجلاّت الأزياء .
6) قرّر أنه لا توجد شريعة ولا عقيدة تجعل المرأة مخلوقاً أدنى ، ظانّاً أن قرارها في بيتها وحصر عملها برعاية أولادها وزوجها وشؤون بيتها يجعلها معلوقة أدنى ، وقد قال الله تعالى : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] ، وقال النبي × : «والمرأة راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيتها » .
7) وفي رأيي أنه بهذا هاجم شرع الله في كتابه وسنة رسوله × أكثر مما نال من طالبان ، وأكثر مما فعلت طالبان في هذا الأمر .
8) الحجاب أقرب ما فعلته طالبان إلى شرع الله .(1/191)
9) وأكبر أخطائها (مثل بقية الطوائف والجماعات والأحزاب المبتدعة) اهتمامها بالصغائر وإهمالها أكبر الكبائر : الشرك بالله في أوثان المقامات والمزارات والمشاهد التي وصفتها الجريدة (ص13) بالعتبات المقدّسة ، ولم تهدم طالبان غير وثني بوذا النائية ، وربما أغلقت مزاراً للشيعة وأبقت مزارات المنتمين للسنة .
10) ومن أكبر أخطائها بعد ذلك : تحويل أفغانستان قاعدة للمفسدين في الأرض .
11) ومن أكبر أخطائها الإساءة إلى سمعة الإسلام والمسلمين بسوء فهمها لشرع الله و الجهاد في سبيله ، ونشرها هذه الإساءة في العالم .
12) ولكن الكاتب وقع في هذا الخطأ نفسه فأساء فهم الإسلام ونشر سوء فمهم للإسلام في العالم .
13) وشرع الله يأخذه من كل خلف عدوله ينفون عنه فهم الغالين والمنحرفين ، لا يجوز تركه للإعلاميّين والممثلين وغيرهم من الفكريّين وإن ابتلي الإسلام والمسلمون اليوم بذلك .
14) وكان للكاتب مندوحة عن الخوض فيما لا علم له به بقصر تحليلاته (وتحريماته) على الجانب السياسي الذي يقرب من فهمه .
15) أخطاء طالبان كثيرة وفادحة وأسوأ منها أن يظنها بعض شباب بلاد التوحيد والسنة ماءً وليست غير السراب المهلك .
16) ولكن تقليد غير المسلمين في مهاجمة خير أعمالهم مدحٌ لهم بما يشبه الذمّ يمكن أن يزيد فتنة الشباب المسلم (الضالّ) بهم .
17) وهذه نيصحة لله ولرسوله ولكتاب ولعامة المسلمين ، وبخاصة الجريدة وكاتبها استجابة لدعوتكم (ص10) .
18) ولعل صدور الجريدة من لندن (ولو شكلاً) يصفها بالحرية في نشر الرأي المخالف دفاعاً عن الإسلام الذي ينتمي إليه القائمون على المجلة .
هداني الله وإياهم لأقرب من هذا رشدا .
مكة المباركة –1422
« المرأة راعية في بيتها ومسئولة عن رعيتها »(1/192)
في العدد 1295 بتاريخ 26/2/1425 من جريدة الوطن روى الأستاذ منصور الحاتم عن الشيخ عبدالله المطلق (تشجيعه خروج المرأة المسلمة بالحجاب في الفضائيات الجادة للدعوة وإيقاظ الضمير والاعتزاز بالإسلام) .
وسواءً صحّت الرواية أو حُرّفت فهي مخالفة لشرع الله في كتابه وسنة رسوله وخلفائه وأئمة الفقه في الدين ، وعلى هذا فهي مخالفة للمنهاج الشرعي الذي أُسِّست عليه من أول يوم هذه الدولة المباركة وميّزها الله منذ تعاقد عليه الإمام محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب قبل 267 سنة ، ومنذ جدَّد الدين الملك عبدالعزيز رحمه الله بالعودة به إلى أصله ؛ (وقد أنشئت الإذاعة في عهده) ، فلم يرَ هو ولا أبناؤه الملوك من بعده ولا المُفتُون في عهودهم : الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله (جزاهم الله خير ما يجزي به مجدّدي دينه والدعاة إ ليه على بصيرة) ؛ لم يرَ أحدٌ منهم ولا غيرهعم من فقهاء دولة التوحيد والسنة ما رآه الصحفي أو الشيخ أو الندوة العالمية للشباب :
1) أمر الله تعالى نساء نبيه × قدوة النساء إلى يوم القيامة بالقرار في البيوت (حيث يوجد عمل المرأة الذي خُلِقت له بعيداً عن الفتنة) قال الله تعالى : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب:33] فانتدابها للدعوة إثم .
2) بعث الله جميع رسله (الذين قصّ الله خبرهم في كتابه) من الرجال ، وبعث النبي × دعاته من الرجال للرجال والنساء . والظن بأن تبعث النساء بالدعوة للنساء أولى وأدعى للقبول إنما هو نزغ من الشيطان ، وقد يصل إلى الاستدراك على الله ورسوله .(1/193)
3) حث النبي × المراة على الصلاة في قرار بيتها وبيَّن أن صلاتها في بيتها خير من صلاتها في مسجد الجماعة (ولو كان مسجد الجماعة مسجده × ولو كان هو إمام المصلين فيه كما كان واقع الحال حين البيان) ؛ وعلى هذا فإن (تشجيع خروج المرأة المسلمة بالحجاب في الفضائيات للدعوة وإيقاظ الضمير والاعتزاز بالإسلام مخالفة لأمر رسول الله × وقد قال الله تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الممتحنة: 6]. وما لم يكن عليه أمر الرسول وأصحابه وأتباعه في القرون المفضّلة فلن يكون ديناً مقبولاً عند الله إلى يوم القيامة .
4) يروي الصحفي عن الشيخ : أن (دعوة المرأة للمرأة [في الفضائيات وإذاعة القرآن والسجون] واجب) ، وأن الأمة ما لم تستدرك ما فات فإنه (ما زال يشعر أن العدّة لم تكتمل ، وأننا لم نأخذ بقول الله تعالى : {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] ) ، وأرى في هذه الرواية صحّت أو لم تصح ـ انتقاص للعهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة بقية القرون الثلاثة وفقهاء القرون بعدها ممن اتبعهم بإحسان ، وعهد هذه الدولة المباركة في القرن الأخير بخاصة بعد أن ظهرت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ؛ فمنذ نزلت هذه الآية الكريمة لم يرَ أحدٌ من ولاة الأمر (أمراء وعلماء) أن العمل بها يقتضي خروج المرأة من أمن ومسئولية بيتها ورعيتها .(1/194)
5) واهتمام هذه الرواية ومرجعها : الأدنى دون الأعلى ؛ فهي لا (تشجع المرأة على الخروج من بيتها للدعوة) إلى التوحيد بإفراد الله بالعبادة ، ولا التحذير من الشكر بالمزرات والمشاهد والأضحرة والمقامات أشنع معصية (وأشهرها) يقع فيها معظم النساء والرجال ، والرواية لا تذكر شيئاً من أركان الإسلام العملية ، لا الصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج ، ولا تذكر شيئاً من أركان الإيمان ، ولا شيئاً من وصايا الله للمؤمنين في سورة الأنعام وسورة الإسراء ، ولا التحذير من الموبقات السبع وبقية الكبائر ؛ بل (يقظة الضمير والاعتزار بالإسلام) .
و(يقظة الضمير) من الألفاظ الصحفية المولّدة ، وليس لها ذكر في كتاب الله ولا سنة رسوله × ولا فقه الأئمة في الدين ، وهي ـ مثل لفظ الصحوة ـ لا يحوطها سياج الدين الحق ولا تحدها حدوده الشرعية .
و(الاعتزاز بالإسلام) ـ مثل لفظ (يقظة الضمير) ـ اصطلاح عام يفهمه كلٌّ حسب هواه ؛ فقد يرى الصحفي أو الشيخ أو الندوة أنه يتحقق (بخروج المرأة المسلمة [من قرار بيتها] بالحجاب للدعوة في الفضائيات والإذاعة والسجون] أما الفقهاء فيرون التقيّد بالوحي .
6) استدلّ الراوي أو الشيخ أو الندوة على جواز (بل وجوب خروج المرأة المسلمة للدعوة) (بالظن أن تسعين بالمائة من المسلمين لا يشمل عندهم الحجاب تغطية الوجه وهو دين يدينون الله به) ونسي قول الله تعالى : {َإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [النجم: 28] ، وقول الله تعالى : {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116] ، والخلاف بين العلماء في تغطية الوجه والكفّين لم يسوّل لأحد منهم الدعوة إلى (خروج المرأة للدعوة لأننا بحاجة ماسة إلى أن تسمع المرأةُ من المرأة) كما ذُكِر في هذه الرواية .(1/195)
7) وكان مَثَل الكاتب أو الشيخ أو الندوة ومرجعه في هذا محطة (اقرأ) بميولها الصوفية وبُعدها عن منهاج النبوة ، ويمكن إضافة الفضائيات الشيعية في البلاد العربية والأعجمية فهي القائدة إلى (خروج المرأة بالحجاب للدعوة في الفضائيات) وهي القدوة في الانشغال (بيقظة الضمير والاعتزار بالإسلام ) عن منهاج النبوة في الدعوة إلى التوحيد والسنة والتحذير من الشرك والبدعة .
8) استدل الصحفي أو الشيخ أو الندوة بقول الله تعالى : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] على أن صوت المرأة ليس بعورة ، ولم يتنبه إلى مخالفته ههذ الآية بالدعوة لخروج المرأة سافرة الوجه أمام أنظار مئات الملايين من زبائن الفضائيات لأمر لم يشرعه الله ولا سنة رسوله × ولا فقهه علماء الأمة الأعلام .
9) الخلاف في كشف الركبة ـ مثلاً ـ بمن فيهم الصحفي وشيخه وندوته ، ولن يختلف أحدٌ حول أوّلية الوجه على الركبة في إثارة الفتنة ، ولهذا رأى علماؤنا الأعلام ـ قبل أن يتحول العلم إلى ألقاب غريبة وتلقّي نتف من المعارف ينتهي بالحصول على اللقب والوظيفة ـ رأى علماؤنا وأمراؤنا الأخذ بالأحوط حتى منعوا بيع مؤلّف المحدّث الألباني في الحجاب علماً بأنّه رحمه الله يشترط في الأخذ بالقول الثاني : انتفاء الفتنة ، ويحجب زوجاته وبناته .
10) روى الصحفي عن الأمين العام للندوة العالمية للشباب افتخاره بأن الندوة (تقوم بجهود كبيرة في سبيل تفعل دور المرأة في مجال الدعوة لخدمة شريحة النساء والتي تمثّل نصف المجتمع) ، وتركيز الندوة على دعوة النساء إلى ما لم يدعهن الله ولا رسوله ولا علماؤنا الأعلام إليه إن صحّ ـ إضافة جديدة إلى انحراف الندوة عن منهاج النبوة في عزل الشباب عن بقية الأمة (في عنوان الندوة وكل نشاطها) ، وفي إهمالها الدعوة إلى التوحيد والسنة والتحذير من البدعة .(1/196)
وكانت الدعوة القدوة على منهاج النبوة منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة المهدية يتولاها الرجال ويستفيد منها الجميع . والله الموفق .
الرياض – ربيع الأول 1425
السياحة المشروعة والمحرمة
كتبت إلى سمو الأمين العام للهيئة العليا للسياحة بتاريخ 3/4/1421 :
أما بعد : فالحمد لله الذي ميّزكم خاصة (على المسلمين والعرب) بالسبق على ريادة الفضاء ، والحمد لله ـ فوق ذلك ـ على ما ميّز به دولة آل سعود عامة (منذ القرون المفضلة ، على دول المسلمين والعرب ) بتأسيسها من أول يوم على الدعوة إلى الهل على منهاج النبوة لا المناهج الفكرية بالتعاون بين الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب ، ثم بتجديدها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن (رحمهم الله وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء) ، والحمد لله الذي ميّزنا بالمواطنة والخدمة في بلاد ودولة الدعوة إلى التوحيد و السنة ومحاربة الشرك والبدعة .
وقد بدا لي بعد أن عرفت بتحمّلكم أمانة السياحة في هذه البلاد وهذه الدولة المباركة (إضافة إلى أمانات أخرى ميّزكم الله بتحملها ليسمن أدناها رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة من الأطفال ) أن أقدم لسموكم ملحوظات خاصة عن السياحة هنا في هذا البلد المجاور وهي حديث من بعض الوجوه مثلها في بلادنا :(1/197)
1- كان في هذا البلد منذ بداية القرن الماضي سياحة محدودة قائمة على المناطق الأثرية النبطية والرومانية والصليبية (وأكثر من يهتمّ بها غير العرب) وما يوصف زوراً بالإسلامية ، ويظهر لي أن هذا الأمر لم يرد إلى الله ورسوله كما أمر الله تعالى : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] ؛ فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن نبي الله × نهى أصحابه عن دول آثار المشركين ومساكن الحِجْر إلا باكين حشية أن يصيبهم ما أصابهم » . وصح عنه × (من صحيح البخاري) أنه أمرهم أن يهريقوا الماء الذي استقوه من آبار الحجر (عدا بئر الناقة) ، وأمرهم أن يُعلِفوا الإبل (أو يلقوا) العجين الذي عجن من مائها .
وثبت في صحيح البخاري ومسلم أن من آخر وصاياه لأمته (بل ثبت أنها آخر وصاياه وأنه كرّرها مرات قبيل موته) : « لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » قالت عائشة رضي الله عنها : يحذّر مثل الذي صنعوا .
وورد عن عمر رضي الله عنه أنه نهى عن تتبُّع آثار النبي × فمن دونه ـ مما لم يشرعه الله ـ وقال : « إنما أهلك من كان قبلكم تتبعهم آثار أنبيائهم » .
والواقع أن الله ميّز مملكتنا المباركة في القرون الثلاثة الأخيرة بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله والرّدّ إلى الله ورسوله (بين أمم الأرض منذ القرون المفضّلة) ؛ فأزالت مرتين أوثان المقامات والمشاهد والمزارات من كربلاء إلى بحر العرب ، ومن الخليج إلى البحر الأحرم عندما مكّن الله لها في الأرض في القرن الثاني عشر ثم في القرن الرابع عشر للهجرة ، ومنعت البناء على ما يسمى الآثار الإسلامية ، ومنعت الإقامة في مساكن المغضوب عليهم في الحِجْر ، وهجّرت وعوّضت من سبق له السكنى من أهل البادية بإشراف هيئة كبار العلماء قبل ثلاثين سنة استجابة لأمر الله ورسوله × .(1/198)
2) وُفّقت هذه البلاد المجاورة إلى استغلال أمرين مشروعين لجلب السيّاح (من العرب خاصة) : التعليم الجامعي والمراكز العلاجية ، وفي هذه البلاد الآن عدد من الجامعات الحكوومية التجارية وأكثر منها جامعات أهلية تجارية، يؤمّها جميعاً عدد كبير من أبناء المملكة المباركة والخليج وبقية بلاد المسلمين من آسيا (جنوب شرقيّها خاصة) وأفريقيا وأوروبا (المستقلة عن الشيوعية خاصة) والمغرب .
وفي هذه البلاد الآن عشرات المستشفيات والمراكز الطبية (إضافة إلى ينابيع المياه الحارّة خارجها ، وكثير من روّادها من أبناء مجلس التعاون (لأن تكلمة العلاج والعمليات الجراحية خاصة تعادل هنا ثلثها في الخليج بسبب اختلاف مستوى الدخل في مثيلاتها عندنا في الخليج واليمن والعراق والعراق وسوريا وفسلطين ، وبعض هذه المستشفيات والمراكز الطبية المتخصّصة تموّل (جزئياً على الأقل) بأموال من دول مجلس التعاون .
وهذان الأمران إضافة إلى ما ميّزنا الله به من المناسك الدينية والمناطق السياحية الفريدة (في الجنوب والشرق والغرب والشمال) التي خلقها الله وشرع لنا استغلالها في خدمة الإسلام والمسلمين ؛ مما يليق بالمسلم المواطن الذي خلقه الله وميّزه ليكون في مركز القيادة والقدوة لا التبعيّة والتقليد .
وفقكم الله لطاعته ، ونصر بكم دينه، وجعلكم (مثل سلفكم) هداةً مهتدين.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه ومتبعي سنته .
الطائف 3/4/1421
المنتقى من ميمية ابن القيم
إذا طلعت شمس النهار فإنها ... أمارة تسليمي عليكم فسلّموا
ويا محسناً بلّغ سلامي وقل لهم ... مُحبّكم يدعو لكم ويسلم
ويا لائمي في حبهم وولائهم ... تأمّل هداك الله من هو ألوم
أما والذي شق القلوب وأودع ال ... محبة فيها حيث لا يتصرم
وذلّلها حتى استكانت لصولة الـ ... محبة لا تلوي لا تتعلثم
لأنننن على قرب الديار وبُعدها ... أحبتنا إن غبتم أو حضرتمُ
أعلّل نفسي بالتلاقي وقربه ... وأُوهميها لكنها لا توهم(1/199)
وأتبع طريف وجهة أنتم بها ... ولي بحماها مرتع ومخيّم
(أسائل عنكم كل غادٍ ورائحٍ ... وأومي إلى أوطانكم وأسلّم)
ولما يصبر المشتاق عمن يحبه ... وفي قلبه نار الأسى تتضرم
رحلتُ وأشواقي إليكم مقيمة ... وخوف النوى مني يُشب ويُضرم
أودّعكم والشوق يثني أعنتي ... ولقبي باقٍ في حماكم مخيّم
فما منكم وبدٌّ ولا عنكم غنى ... ومالي من صبر فاسلوَ عنكم
وحسبي انتسابي من بعيد إليكم ... ألا إنه خط عظيم مُقدّم
إذا قيل هذا [منهم] ومحبهم ... تهلّل بشراً وجهه يتبسّم
أحبيته عطفا عليه فإنه ... لمظمِ وإن المورد العذب أنتمًُ
فيا أسفى تفنى الحياة وتنقضي ... وذا العتب باقٍ ما بقيتم وعشتم
ويا ساهياً في غمرة اللهو والهوى ... صريع الأماني عن قريب ستندم
أفِق قد دنا الوقت الذي ليس بعده ... سوى جنة أو حرّ نار تضرّم
وبالسنة الغراء كن متمسكاً ... هي العروة الوثقى التي لا تفصّم
تمسك بها مسك البخيل بماله ... وعضّ عليها بالنواجد تسلم
ودع عنك ما قد أحدث الناس بعده ... [ضلالاً وغياً بالشرع يُحكم]
وهيئ جواباً عندما تسمع الندا ... من الله يوم العرض ماذا أجبتم
به رسلي لما أتوكم فمن يكن ... أجاب سواهم سوف يخزى ويندم
فيا ليت شعري كيف حالك عندما ... تطاير كُتْب العالمين وتُقسَم
أتأخذ باليمنى كتابك أم تكن ... بالأخرى وراء الظهر منك وتسلّم
وتقرأ فيها كل شيء عملته ... فيُشرق منك الوجه أو هو يًُظلم
تقول : كتابي فاقرأوه فإنه ... يبشر بالفوز العظيم ويُعلِم
وإن تكن الأخرى فإنك قائل: ... ألا ليتين لم أوته فهو مفرَم
فبادر إذاً ما دام في العمر فسحة ... وعدلُك مقبول وصرفُك قيّم
وسر مسرعاً فالموت خلفك مسرع ... وهيهات ما منه مفر ومهزم
فهنّ المنايا أي واد نزلنه ... عليها القدوم أو عليك ستقدُم
ونل من تقى الرحمن أعظم جُنّة ... ليوم به تبدو عياناً جهنّم
فحيّ على جنّات عدنٍ فإنها ... منازلنا الأولى وفيها التنعُّم
ولكننا سًبيُ العدوّ فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونسَلَّم
فبالله ما عُذر امرئ هو مؤمن ... بهذا ولا يسعى له ويقدِّم(1/200)
ولكنما التوفيق بالله إنه ... يخصّ به من شاء فضلاً ويُنعِم
ويا بائع الجنّات نجساً معجّلاً ... كأنك لا تدري بلى سوف تعلم
فقدّم فدتك النفس نفسَك إنها ... هي الثمن المبذول كيما تُسلَّم
فما ظفرت بالوصل نفس مهينة ... ولا فاز عبدٌ بالبطالة ينعَم
وإن تك قد عاقتك سعدى عن العلا ... فقلبك رهن في يديها مسلَّم
وقد ساعدت بالوصل غيرك والهوى ... لها منك والواشي بها يتنعّم
فدعا وسلّ النفس عنها بجنّة ... من العلم في روضاتها الشرع يحكُم
وقد ذلّلت منها القطوف فمن يًُرِد ... جناها ينله كيف شاء ويطعم
وقد فتحت أبوابها وتزيّنت ... لخطّابها فالحسن فيها مقسّم
وقد طاب منها نزلها ونزيلها ... فطوبى لمن حلّوا بها وتنعّموا
أقام على أبوابها داعي الهدى : ... هلمّوا إلى دار السعادة تغنموا
وقد غرس الرحمن فيها غراسه ... من الناس والخلاّق بالخلق أعلم
ومن يغرس الرحمن فيها فإنه ... سعيد وإلا فالشقاء محتّم
كما أني أرى أن كتاب ابن القيم رحمه الله (زاد المعاد في هدي خير العباد) خير ما كُتب في تاريخ المسلمين من حيث الوجازة والشمول في بابه فإني أرى أن ميميته من أجود شعر العلماء .
ويظهر لي أنها جاءت من أجود شعره لأن ابن القيم رحمه الله كان حديث عهد بالتصوّف والابتداع فكان شيطان شِعره أقوى ، ويدل على ذلك أفتتاحها بما يشبه الغزل الصوفي (المؤلّه) وذكره الأصل بعض ألفاظ المتصوفة .
جمعنا الله به في دار كرامته وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير جزائه .
الطائف –1423
أُشيقر تضرب مثلاً
كتبتُ أكثر من مرة عن أفرادٍ من مواطني هذه البلاد وهذه الدولة المباركة أهّلهم الله ليكونوا قدوة صالحة لبقية المواطنين في أمر من أمور الدين أو أمور الدنيا ، بل كتبتُ عن بلاد غربية وعربية ، رأيت فيها من العمل الصالح للدنيا ما يُقتدى به في بلاد الدين .
وشجّعني عدد من أبناء شقراء (الأم والشقيقة الكبرى) على اختياري (اليوم) مدينة (أشيقر) قدوة صالحة في بلاد صالحة (ينعم الله عليها ديناً ودنيا) :(1/201)
1) دعاني أحدهم لزيارة مشروع جديدة ابتكره (وموّله ونفّذه ويقوم على صيانته والمحافظة عليه وتطيويره) أبناء مدينة أشيقر : منتزله الجبل) أو : (المطل) ، وهو يقوم على مرتفع من الأرض لا تخطئه عين المتجه إلى أشيقر لبروزه ، وخضرة الأشجار والنباات المحيطة به ، ونظافته ، وجمال موقعه والطريق المؤدية إليه ، ويضم عشرات المظلات البيضاء الجميلة من الألياف الزجاجية ، وتتكون كل وحدة من مظلتين تسترهما أشجار الزينة ليسهل عزل الرجال عن النساء في الجماعة الواحدة وعزل الوحد عن بقية الوحدات واستيعاب الجماة الكبير ، ولك وحدة خزان ماء مُحكم الغطاء ، ووعاء للقمامة ، ويضم المشروع مسجداً ودورات للمياه ، كما يضم قاعة كبيرة للاجتماعات متعددة الأغراض .
وأهم ما يميزه عن المتنزهات السياحية في أكثر مناطق المملكة المباركة أن (أشيقر) لم تُلق مسؤولية اقتراحه وتنفيذه على الإدارة الحكومية كما هي العادة، بل كان استجابةً لتشجيع ولاة الأمر المواطنين على التعاون والمساهمة في المحافظة على تميز السعودية في القرون الثلاثة الأخيرة بالدين ، ثم بالدنيا (مع الدين) في القرن الأخير ، ويفوق هذه الميزة عندي : حِرصُ (أشيقر) على صيانة هذه المنشأة الجميلة واستمرار رعايتها من أموال المواطنين وبإدارتهم حتى لا تضيع بين إفساد المستفيدين وتضييع الروتين الإداري ، كما رأيته في كثير من المنشآت الحكومية (للضرورة أو الترفيه) .(1/202)
2) ودعاني آخر لزيارة قرية (أشيقر) الطينية القديمة ، حيث تميّز أبناؤها بمحاولة جادة ومستمرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بويتها ومساجدها ليتبيّن الأولاد والأحفاد الفرق بين ما هم فيه من رغد العيش وما كان عليه أسلافهم من شظف (بالمشاهدة المباشرة لا من الكتب ولا من المتاحف) ، وحتى لا تنقطع الصلة الحيّة بالماضي استمر استعمال المسجد الطيني القديم للصلاة مع أن مباني القرية القديمة لا يسكنها أحد ، ورغم وجود مسجد حديث (أو مستحدث) بالقرب منه .
إضافة إلى ذلك بنتْ (أشيقر) متحفاً للأدوات والآلات والأواني القديمة التي انقطع استعمالها بل انقطع استعمال أسمائها (على طرف القرية القديمة) ، ورأى الأولاد والأحفاد ما لا يعرفون اسمه ولا رسمه ولا فائدته مثل : (الحصّة) وهي مخزن التمر ، وكانت أهم مصادر الغذاء قروناً عديدة ، ورمبا جسّم الفرق بين ملئها وفراغها الفرق بين الحياة والموت ، ومثل : (القفّان) وهو ميزان الأشياء الثقيلة (الأطعمة بخاصة) ، ومثل : (المحماس) وهي التي يُحمَس (أو يحمّص ) فيها حب البن ، ومع حداثة اسمها ورسمها واستعمالها فقد استعصى فهمها على جيلين جديدين من السعوديّين ، ولا يزال القائمون على المتحف من الأهالي يجمعون المعروضات في مخزن المتحف حتى يبدأ تنظيم عرضها .(1/203)
3) وصلّينا في جامع أشيقر الجديد ، وهو مشروع ضخم آخر بُني على نفقة الأهالي كبقية المشروعات الجديدة (والقديمة) لا نقص فيه إلا ما زيد فيه عن الحاجة (مثل المئذنة الثانية) والزيادة عن الحاجة في أمور الدين والدنيا إسراف ، وقا لالله تعالى عن نفسه : {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] ، وكثير من عمّار المساجد يقع في مثل ذلك اليوم : {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}[الكهف: 104] وصلاح النية لا يغني عن صلاح العمل باتباع السنة (لا الهوى ولا التقليد) ، ويقال مثل ذلك عن مسجد العيد (مشروع أهلي آخر في أشيقر) لم تكن في حاجة إلى تسويره ولا إضاءته ولا محرابه .
4) وجمعية أشيقر الخيرية مشروع أهلي آخر ، يوقم بجمع الإعانات وتوزيعها على المستحقين فيما يتعلق بالضرورات الثلاث : الطعام والكساء والمسكن ، وأضاف إليها القائمون عليها : الإعانة على نفقات الزواج ، وجمعُ بضعة آلاف من المخطوطات الخاصة بأشيقر (وبخاصة العقود والأوقاف والوصايا) ، وأشهر وصايا أشيقر (وربما جزيرة العرب كلها) بعد القرون المفضلة (وصية صبيح) ويقول التاريخ : (إن صبيحاً بعد أن أعتقه مالكه : عُقبة بن راجح ، ملك عقاراً في أشيقر ، فوقف جزءاً منه على أبناء زوجة مالكه الحسنة الخُلُق ويسمّيها (الحبيبة) ، ولم يُوص لأخيهما لأبيهما من زوجته السيئة الخُلُق ويسميها (النزرة)، وتُعدّ الوصية تحفة أثرية فريدة يوجد نصّها ودراسة عنها في مجلة العرب ـ جمادى الأولى عام 1387 ص51-59 ، وقد كُتبت عام 747 من الهجرة ، وصيغثت بدقة وعناية أشيقرية .(1/204)
وتقوم الجمعية أيضاً على تحفيظ القرآن للبنين في الجامع الكبير وللبنات في مبنى الجمعية ، وأرجو الله ألاّ يطغى حفظ القرآن (النافلة) والتجويد (مثله) على تدبّر القرآن والعمل به (وهو فريضة أُنزل الكتاب من أجله) قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص: 29] ، أما الانشغال بالحفظ والتجويد عن التدبّر والعمل ؛ فمن مكايد الشيطان ومصايده ، ومن (النسك الأعجمي) الذي يُغلِّب العدد والشكل والابتداع ، وقد جلب جمعيات تحفيظ القرآن إلى بلاد التوحيد والسنة باكستاني لا أشك في حسن نيته ولا يُعرف شيء عن اعتقاده وقدوته ، ولا يليق بالمملكة المباركة إلا الاهتمام أولاً بالتوحيد ثم بُحسن التلاوة حسب قواعد اللغة العربية ، ثم بالتدبر والعمل ، ثم بالحفظ وما صح من التجويد بالسند المتصل ، وهذا ما كان عليه فقهاء الأمة في عصر النبوة والصحبة: (تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً ) ، (ما كنا نتجاوز عشر آيات حتى نعلم معانيهنّ والعمل بهن) ، وكان هو أكبر همّ علماء الدعوة التجديدية ، فلما وصلنا التنظيم العصري للتعليم أحدثت وزارة المعارف (مدارس تحفيظ القرآن) ، وكان الحفظ والتجويد جزءاً من اهتمامها ، أما أكثر اهتمامها فكان مصروفاً للعلوم الشرعية : التوحيد والفقه والتفسير والحديث واللغة العربية والسيرة توفيقاً من الله للتي هي أقوم .
5) ويختص بعض تجار (أشيقر) بعلم من أعمال الخير ، وأبرزها ما قام به (أبا حسين) من إيصال الماء إلى جميع أحياء مدينة أشيقر ومساجدها ، ولا أعرف له سلفاً غير (الجميح) في شقراء (وابن سليمان) في عنيزة (منذ عشرات السنين) ، وقد لا يكون له خلف في هذا العمل العظيم (قبل وجود الإدارات البلدية) .(1/205)
6) وأهل أشيقر متميّزون بميزة خُلُقية كريمة يندر وجودها بين أهالي القرى : التعاون على الخير والتكاتف والتعاضد كأنما هم عائلة واحدة ، ويظهر هذا في استقلالهم بسوق خاص بهم يُسمى باسم في الرياض لم يستطع منافستهم فيه حتى الوافدون من حضرموت ، مع سمعتهم المتميزة في التعاون بينهم والتعامل التجاري والرضا بالربح القليل ، وهي ميزة طيبة شرعاً وعقلاً وعاقبة ، ويؤيد زميلي الكريم (رئيس شركة الكهرباء شقراء السابق) انطباعي بأن أهل أشيقر تجمعهم رابطة عائلية أكبر من الرابطة القبلية أو الجغرافية بقوله : (إن الأشيقري القادم من السفر لا ينتظر دعوةً لزيارة مواطنيه ، بل يسأل : من الجماعة اليوم عنده ؟ ثم يذهب إليهم دون دعوة) ولا تخلو أشيقر يومياً من (دوريّة) تجمع أهل كل اتجاه في الحياة بأمثالهم ، بل يوجد بيت أو أكثر مفتوح صباح كل يومن من أيام العام ينتظر الراغبين في الزيارة والقِرَى من كل اتجاه .
7) ولأشيقر ماضٍ زاهر في أعظم أمر : العلم الشرعي ، في زمن كان النادر من النسا من يعرف القراءة والكتابة ، ولم تكن أدوات الكتابة والقراءة سهلة المنال ، ولكنّ همة أهل أشيقر ونشاطهم ومثابرتهم تتخطى العقبات ، حتى رُوي أن أحد طلاب العلم كان يكتب العلم في الليل على ضوء سعف من النخيل تتعاقب ابنتاه على إيقاده .
وتدل وثائق الأوقاف والوصايا المعروفة اليوم على اهتمام الأشيقريين بالمساهمة في حفظ العلم ونشره (وفي وجوه الخير الأخرى) ومن كثرة ما أُوقف من النخيل والعقار على العلم وطلابه ، على المدرسة وعلى المسجد ، ووقف الكتب والمصاحف والأوقاف والوصايا على الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا .(1/206)
يقول الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع رحمه الله في (تاريخ بعض الحوادث في نجد) : (وكان مركز العلماء في نجد تلك الأيام [قبل القرن الثاني عشر] في أشيقر وسدير والعارض) ، ويقول الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام في مؤلفه (علماء نجد خلال ستة قرون 1/14-15) : (فهذه المدينة [أشيقر] زخرت بالفقهاء حتى كان يجتمع في الوقت الوحد منهم أربعون عالماً كلهم يصلحون للقضاء) ، ويقول الأستاذ حمد الجاسر : (في القرن العاشر كانت مدينة أشيقر من أبرز مدن نجد و أشهرها من حيث كثرة العلماء الذين تولّوا مناصب القضاء في مختلف أقاليم نجد) (العلماء و الكتّاب في أشيقر لابن بسّام البسيمي ص19) .
وبعدُ : فإن أشيقر مدينة صغيرة في وسط صحراء جزيرة العرب على مسافة مائتي كيل شمال غرب الرياض ، كانت ـ مثل بقية الجزيرة مُرُوجاً وأنهاراً ـ كما يُفهم من الحديث الصحيح ـ وستعود يوماً كذلك ، أما اليوم فأهم ما تملكه أشيقر : أهلها (بصالح أعمالهم وبنشاطهم للخير) .
يقول أحد كبار علماء أشيقر الشيخ أحمد القصيّر (ت1124) في خاتمة رسالة علمية منه لعلماء مكة المباركة : (ومَنْ أشكل عليه وطننا فإننا في القرية المسمّاة بأشيقرة يمنة الرّستاق المعروف بالوشم) (علماء نجد خلال ستة قرون لابن بسام 1-167 . فهي قرية قد يجهل موقعها كثير من الناس ، ولكنها من أمهات القرى في جزيرة العرب المباركة يعرفها العلماء والمؤرّخون والباحثون بعلم رجالها وعملهم وهجراتهم القريبة والبعيدة ضرباً في الأرض وابتغاءً من فضل الله بالدين والدنيا ؛ ولذلك اصطفاها اله قدوةً صالحة ، زادها الله من فضله واختصها برحمته فإنه {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ} [البقرة: 105].
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومتبعي هداه إلى يوم الدين .
الرياض – 1425
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ... 3
الدعوة والدعاء من شرع الله لعباده ... 5(1/207)
تجديد الدين في القرن الثاني عشر ... 14
دولة الدعوة بالوحي بعد القرون المفضلة ... 31
تزيين الشرك والبدعة ... 40
مناصرة المبتدع للمبتدع ... 44
خطبة الجمعة الصوفية ... 51
الدعوة بالفكر ... 55
عن العراق والجهاد ... 58
{فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} ... 63
من مكائد الشيطان الانشغال بالمهم عن الأهم ... 70
{وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} ... 77
قدوة المواطن للمواطن ... 84
العدوان بالقول على الله بغير علم ... 88
لا ينكر التكفير في فكر سيّد قطب إلا جاهل أو معاند ... 93
التقريب بين أهل الفرق والأديان أم ردّهم جميعاً إلى الوحي ... 106
المتاجرة باسم الإسلام ... 112
حقّ المؤلف الشرعي أخروي لا دنيوي ... 117
عصبية الجاهلية الحديثة ... 127
التحول من الفقه إلى الحجامة ... 137
خلط اليقين بالظن ... 147
الظن الآثم ... 155
الفتنة تُعمِي البصائر ... 159
أسباب الردّة عن الدين ... 166
السعوديون والحلّ الإسلامي ... 169
الحركات الإسلامية والفشل السياسي ... 176
« إن الله قسم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم » ... 186
تحريف الكلم عن مواضعه ... 197
آفة الفهم السقيم ... 199
من غربة الدين إنكار المعروف ... 202
« المرأة راعية في بيتها ومسئولة عن رعيتها » ... 205
السياحة المشروعة والمحرّمة ... 210
المنتقى من ميمية ابن القيم ... 213
أشيقر تضرب مثلاً ... 216
نبذة عن المؤلف
الاسم : سعد بن عبدالرحمن الحصيّن ـ من النواصر ـ بني تميم .
الولادة : عام 1353هـ في شقراء من الوشم ، بالمملكة العربية السعودية .
الدراسة : مدرسة القرآن بشقراء من 1359 – 1361هـ
الابتدائية : بشقراء 62-1367
دار التوحيد بالطائف 68-1372
كلية الشريعة بمكة المباركة 73-1376
الدبلوم العالي من معهد الدراسات العربية العليا بالقاهرة (الأدب العربي) 77-1379
الماجستير من جامعة جنوبي كلفورنيا ـ لوس أنجلس ـ أمريكا في التربية – أُسسها الفلسفية والاجتماعية والنفسية ، 88-1391 تلتها سنة في الدراسة الحرة .
العمل : مدرساً بالثانوية دون مباشرته للسفر للدراسة .(1/208)
خبيراً في وزارة المعارف ـ التعليم الابتدائي 79-1380
مديراً لإدارة البعثات الخارجية بوزارة المعارف 80-1384
مديراً عاماً الإدارة العامة للثقافة بوزارة المعارف 1384-1388
مديراً عاماً للإدارة العامة للتعليم الثانوي بوزارة المعارف 92-1401
مستشاراً دينياً بالأردن (مشرفاً على الدعوة في بلاد الشام 1401-1422
بعد بلوغ سن التقاعد 1414 تم التعاقد حتى عام 1422هـ .
ترك الارتباط الرسمي من عام 1422 واستمرار العمل التعاوني مع القائمين على الدعوة في دولة الدعوة إلى منهاج النبوة ، إذ لا يليق بمن وظّفه الله في الدعوة إليه دون تحزب ولا تعصّب إلا أن يحافظ على أداء وظيفته حتى يلقى ربّه .
محاولات الإصلاح الفردي :
1- تأسيس والإشراف على محاولة إصلاح التعليم العام بالمملكة المباركة فيما سُمّي بالمدارس الشاملة ومدرسة الفهد 95-1401 عندم قرّرت وزارة المعارف تطوير المحاولة وتعميمها .
2) بحث عن التعليم الثانوي للطالب المسلم بطلب من جامعة الملك عبدالعزيز (شطر مكة) في مؤتمر التعليم الأول عام 1397 .
3) بحث عن التوجيه والإرشاد بطلب من جامعة الملك سعود .
4) بحث عن الدعوة إلى الله في جزيرة العرب (بين الوحي والفكر) عام 1409.
5) بحث عن مسيرة التعليم في المملكة المباركة بطلب من وزارة المعارف .
6) بحث عن مجدّد القرن الثاني عشر الهجري بطلب من وزارة الشؤون الإسلامية.
7) مجموع مقالات بعنوان : الحكم بما أنزل الله فرض عين على كل مسلم – 1424هـ .
8) مجموع مقالات بعنوان : إنما اليقين في الوحي والفقه لا في الفكر الإسلامي – 1425 .
9) أكثر من ستين رسالة وكتاب (تهذيباً وتصحيحاً وطبعاً) عفا الله عن النقص والتقصير .
* * *(1/209)