الدرر النافعة في نصح شباب الجامعة
تأليف فضيلة الشيخ
مهنا نعيم نجم " أبو الحارث "
عضو هيئة العلماء والدعاة - فلسطين
قدم له
سماحة الشيخ الدكتور عكرمة صبري
المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية
جميع حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الثانية
1426 هـ / 2005 م
أخي الكريم إذا أردت أن يكون لك الأجر في حياتك وبعد موتك ، وكانت لديك الرغبة في طباعة هذا الكتاب ، اتصل بالمؤلف ليساعدك على الطبع بأرخص سعر ممكن ويرسل لكَ نسخة مزيدة ومنقحة
الموقع الإلكتروني www.islamdyaa.net
جوال – فلسطين 00970 – 599307230
شكر وتقدير
قال صلى الله عليه وسلم ( من لا يشكر الله لا يشكر الناس )
فإني أرى لزاماً عليّ أن أتوجه بالشكر والتقدير لسماحة الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري – حفظه الله ونفع به – المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية ، ورئيس هيئة العلماء والدعاة في فلسطين ، الذي رغم مشاغله الكثيرة ومواعيده المتعددة أعطانى من وقته الثمين زمنا قرأ فيه رسالتي هذه .
وأشكر لكل من ساهم معي في إنجاز هذه الطبعة المحققة والمزيدة ، سائلا المولى أن يرزقني الإخلاص في السر والعلن والقول والعمل . وأشكر كل من يساهم في توزيعه للناس وعلى المساجد والمؤسسات العامة منها والخاصة .
والحمد لله رب العالمين
تقديم سماحة الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري
المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فقد اطلعت على كتاب الاخ الفاضل الشيخ مهنا نعيم نجم والذي أسماه ( الدرر النافعة في نصح شباب الجامعة ) فألفيته كتابا نافعا وسهلا ميسرا حافلا بالدرر .
وقد استخدم الباحث فيه اسلوب الداعية الناجح ، فبالرغم من متانة مادته وأهميتها بشكل عام وللشباب بخاصة . فقد طرحها بأسلوب سهل وميسر ، وإني لأنصح الشباب عامة بإقتناء هذا الكتاب والانتفاع به .(1/1)
والله أسأل أن يوفق الأخ الفاضل الشيخ مهنا نعيم نجم – لمواصلة طلب العلم وخدمة السنة النبوية المطهرة
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
كتبه الراجي رحمة ربه
الدكتور عكرمة سعيد صبري
إلهي
ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله
وما أوضح الحق عند من هديته سبيله
فعلى الله وحده اعتمادي ، وإليه وجهتي واستنادي ، الصواب منه ، والخطأ من نفسي وتقصيري ، والخير أردت والى الله أنبت ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنبت ، فاللهم ارحم عبدك الذليل ، ذا اللسان الكليل والعمل القليل ، وامنن عليه في عمله بالتأثير والقبول ، واكنفه تحت ظلك الظليل هو ووالديه المساكين ، يا كريم يا جليل ، فالطريق شاق طويل والزاد قليل ، والامل والرجاء فيك يا كريم ...
وما أبرئ نفسي إنني بشر ... أسهو وأخطئُ ما لم يحمني قدر
وما نرى عذراً أولى وذاك كذا ... من أن يقول مقصّر إنني بشر
المقدمة
الحمد لله الواحد القهار ، العزيز الغفار ، مصرف الامور ، مكور الليل على النهار ، مقدر الأقدار ، تبصرة لأولي القلوب والأبصار سبحانه جل جلاله ، أيقظ من خلقه من شاء فأدخله في جملة الأخيار ، ووفق من أجتباه من عبيده فجعله من المقربين الأبرار وبصّر من أحبه فزهده في هذه الدار ، فاجتهد في مرضاته والتأهيل لدار القرار ، فأخذ نفسه بالجد في الطاعة وملازمة الذكر بالعشي والأبكار ، فاستنار قلبه بلوامع الأنوار ، اللهم اجعلنا منهم يا عزيز يا غفار . الحمد لله جعل السعادة والنصر والعزة والتمكين والتأييد لمن أطاعه واتقاه ، وجعل الذلة والشقاوة على من خالف أمره وعصاه ...
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، خَلَقه ثم اصطفاه ، وبالقرآن خصّه واجتباه، وبالمعراج قرّبهُ وحاكاه … فتضرع له نبيّنا وناجاه، فالصلاة والسلام عليه وعلى آله ومن والاه صلاة تدوم بدوام مُلك الله أما بعد :(1/2)
إلهي وجّهتُ وجهي إليك ... فحقّق مُناي وأحلامي
وهب لي من العزم ما أرتجي ... وحقّق بفضلك آمالي
وثبت فؤادي في حاضري ... وتمّمْ قوابل أيامي
فما دفعني لكتابة هذه الكلمات والورقات ، سوى أنني رأيت من الناس عامة والشباب خاصةً عجباً عُجاب ، فلقد اشتغلوا بدنياهم عن آخرتهم فأضاعوا أوامر ربهم جل وعلا ، واتبعوا الشهوات والمهلكات ، ولم يخافوا سطوة جبروته تعالى ولا سوء عقابه ، في ذلك يقول تعالى ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان )(1) فاستباح بعضهم تضييع أوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد عافاهم الله في أبدانهم ووسع عليهم في أرزاقهم فبدلوا نعمة الله كفراً وعصياناً - نسأل الله العفو والعافية .
فهذه الرسالة أخي الشاب مهداة اليكَ في زمان قلّ فيه التناصح ، وقد قيل إن أخاك من نصحك في دينك وبصرك بعيوبك ، وعدوك من عزك ومناك !
لذا كان هذا الكتاب بين يديكَ فيه عبارات لطيفة ، وإشارات منيفة ، تسيء حاسداً ، وتسر خليلاً ، في الكلام عن ( الدرر النافعة في نصح شباب الجامعة ) أسأله تعالى أن يكون خالصاً لوجهه . وأن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره ، وكل من ساهم بتوزيعه أو طبعه ... ...
المؤلف
1 / ذو الحجة / 1425 هـ
هذا نداء ... فأين الغرباء
أخي الحبيب ، قد نطقت العبر فأين سامعها ؟! وتجلت الحقائق فأين مطالعها ؟! واستنار الطريق فأين تابعها ؟! إلى أين تسير وأين تذهب إلى الجنة أم إلى السعير ؟!! أما علمت أن لحظاتك تكتب ، وأنفاسك تجمع ، وحركاتك تحسب ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى )(2) .
__________
(1) سورة المجادلة
(2) سورة القيامة(1/3)
اخواني في الله "بالامس الاول رأيت فيكم صورة الشباب المتلألئ ، صورة الامل المتطلع ، رأيت أنفساً تحمل همّ هذا الدين وتسعى لزيادة رقعته المباركة ، رأيت قلوباً تحمل بين جنباتها آمال الامة وتطلعاتها ، رأيت قلوباً تذرف من عينيها الدموع على آلام الامة ونكباتها ، رأيت بأم عيني هذه الجديّة التي وصفت ... واليوم بالذات أفل ذلك الطيف المتكرر ، وخبت تلك الكلمات المدوية "(1) وفترت تلك الجهود المبذولة لنشر هذا الدين المجيد ، لذا كان هذا الكتاب ، أوجهه الى الشباب عامة وطلاب الجامعات والكليات خاصة ... فهم في مركز مهم لخدمة هذا الدين ونشره وبثه . فكونوا اخوتي على قدر المسؤولية ، وعذرا منكم فلقد " جاء حديثي متزامناً مع الدعة والراحة حتى غابت فيها الغيرة على الدين فعاد كل انسان يلهو بنفسه ويعمل من أجلها ، غابت تلك الجهود الجادة ، فأصبحت تطلق جماح الشهوة بلا رابط ، وتفك اسر الشبهة بلا قيد ، أفلا يكون هذا الفتور داعياً الى الحديث معكم ؟! "(2)
بربك لماذا أصابك هذا الفتور عن قيامك بحق الله في الأرض ؟! لماذا هذا الفتور القاتل ؟! أين الجدية في الإلتزام ، والغيرة على دين الله .. أين الغيرة على الأعراض والشرف والفعة .. أين الغيرة على بلاد الاسلام ومقدساتها .. وكأني لا أرى تلك الجدية إلا في المسارعة الى الدنيا الفانية !
إني والله " أتعجب من لاعبي الكرة وهم يبذلون جهدهم وطاقتهم إخلاصاً للكرة ! وهؤلاء الممثلون أنظر إليهم وهم يعيدون المشهد مرة تلو الأخرى قد تصل الى العشرات إخلاصاً للتمثيل ! وكذلك عند المطربون والمغنيون إخلاصاً للموسيقى . وللأسف لا نجد الملتزمين بشريعة الله يملكون هذا الإخلاص !!"(3)
يا أخوتي يا شباب الحق همتكم ... تسمو بكم عن دروب الطيش والصخب
__________
(1) رسائل محب – مشعل بن عبد العزيز الفلاجي
(2) رسائل محب
(3) الجدية في الالتزام – لفضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب ، بتصرف(1/4)
أحبكم يا شباب الحق محتسباً ... ولن يضيع ربي أجر محتسب
أدعو لكم بصلاح الأمر في زمن ... سواد ظلمته يطغى على الشهب
ما زال في الأرض ميدان ومتسع ... للخير ،يدركه من جد في الطلب(1)
لذا " ليس كل من تزّيا بزي المستقيمين المهتدين، ولبس لباسهم، وردّد ألفاظهم، يعتبر مستقيماً مهتدياً حقاً، حتى يكون في شعوره وولائه وحبه وبغضه وهمته وجديته وخُلقه وتعامله وكبح جماح نفسه على الخير كالمستقيمين المهتدين حقاً… فليس العبرة بالمظاهر فحسب، بل المظاهر مع الحقائق :
لا يخلبنّكَ بارقٌ متلمع ... إن ( الباروكة ) تخون في تلماعها
فالهداية نور وسرور، والنور لا يحلّ إلا في قلب صحيح سليم .. خالٍ من الحسد والحقد والغلّ والهوى .. أما القلب المريض فإنه محجوب عن ذلك النور ولو كان الفكر في غاية الذكاء والفهم والعلم، فهو حينها ( أحير من ضَبّ ... إذا بَعُدَ عن جُحْرِهِ خبل )
نعم ؛ فحقيقة الهداية ليست بمجرد الانتساب لدين مع الارتكاب لكل ما يناقض له ، وإن الحق لا يثبت بالدعوى ، ولكن بالدليل ، فما وقر في القلب ، ظهر على الجوارح ، وصدّقه العمل "(2) .
القصد وجه الله بالاقوال ... والاعمال والطاعات والشكران
وبذاك ينجو العبد من اشراكه ... ويصير حقاً عابد الرحمن
أخي الحبيب ، كم من تساؤل يطرحه شبابنا .. حين يقول: أن مُتعتي أجدها في السيجارة فَلِمَ أتركها ؟! وآخر يقول: أهوى مشاهدة الأفلام فَلِمَ أدعها ؟! وآخر لا يحب الارتباط والتقيد، فلِمَ الصلاة ؟! وأخرهم يقول: أليس على المرء أن يفعل ما يسعده ؟ فالذي يسعدني هو ما تسمّونه معصية .. وأنا غير مقتنع بهذه التسمية ... فالعالم تقدم وتحضر و... فلِمَ أتوب ؟!
__________
(1) ديوان د. عبد الرحمن العشماوي
(2) رسائل محب(1/5)
أخي المسلم .. يا عبد الله .. تتوب لجهلك في الدين، وبالمعاصي التي تقترفها ! تتوب لكي تعرف من عصيتْ ! فمثل العاصي كمثل الرجل في مكان دبغ الجلود، فإنه لا يشم الرائحة الكريهة إلا عندما يخرج منه ، فاخرج من المعاصي، وتُب إلى الله ستعرف سوء ما كنت عليه وقبح ما كنت تفعل ، كم كنت خاسراً لاهياً غافلاًَ…
نعم لو أنكَ علمت من عصيت ، وقدره لما عصيته !! كما قال الإمام الزاهد الحسن البصري - رحمه الله – لا تنظر الى صغر المعصية ،بل انظر الى عظمة من عصيت .
أخي التائب - إن الله يفرح لك إذا تُبت ، فيجازيك بأن يفرحك ويُسعدك ، ولك في هذا دليل ، قال صلى الله عليه وسلم " لله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرضٍ دويةٍ مهلكةٍ معه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فنام فاستيقظ ، وقد ذهبت ، فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال : أرجع الى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت . فوض رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه ، فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده " (1) .
انظر إلى هذه الفرحة التي يجدها التائب توبة نصوحاً صادقة ، والسرور واللذة التي تحصل له فإنه لمّا تاب إلى الله ، فرح الله بتوبته فأعقبه فرحا عظيماً . لذا تجد التائب في منتهى السعادة وقمة الراحة ، وفي أعظم النشوة .
بالله عليك ، أيهما أسعد شاب ليس في قلبه سوى فتاة تسومُه سوء العذاب ، أو مال يُرغم أنفه في التراب ، أو منصب فذاق بسببه أشد الصعاب، ليس في فكره سوى السيارة والعمارة والصديقة والعشيقة ؟! أم من ليس في قلبه سوى رب الوجود ، لا يتلفظ بكلمة إلا ومزجها مع (( إلهي ، ربي، سيدي، مولاي.. )) ليستشعر بدفء الجواب يناديه : (( لبيك عبدي … سل تعطى ... )) بالله عليك من السعيد حينئذ ؟! ومن أحق بالسعادة والطمأنينة وقتها ؟!
__________
(1) رواه مسلم(1/6)
لذا إخواني في الله- إليكم هذه الكلمات التي خرجت من قلبي لعلها تصل إلى قلوبكم ، وامتزجت بروحي فلعلها تمتزج بروحكم، كتبتها بمداد الحب والصفاء والنصح والوفاء، لعلها لا تجد عن نفوسكم الصافية مصرفاً .
يا شباب الإسلام أين دوركم ؟!
يا شباب الإسلام هل تعرفون من أنتم ؟!
هل تعرفون تاريخكم ؟!
ومن هم أجدادكم ؟!
انتم من أتباع خيرالأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، أنتم من سلالة الاماجد الاخيار من الصحابة الابرار – رضي الله عنهم جميعاً - الذين رسموا لنا الطريق ، وحملوا لواء الاسلام ، وأخذوا الدين والعلم من منبعه الصافي من المبعوث رحمة للعالمين ، من سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
أخي الشاب المسلم ، أنت من غيرت وجه التاريخ ونشرت التوحيد الخالص والعقيدة الصافيّة ، فلقد كنت جندياً مخلصاً من جنود الدعوة ، ونجماً لامعاً في سمائها ، وعَلماً خفاقاً في أرضها ،،، وحال لسانك :
رسولكم قدوة فاسترشدوا وخذوا ... من نهجه مسلكاً يحمي من العطب
في ديننا روح سلم لو أقيم لها ... صرح لما بلغتها نظرة السحب(1)
أنتم من لقنتم طواغيت الدنيا دروساً في العلم والادب والشجاعة ... دروساً في مكارم الاخلاق وحسن المعاملة ... دروساً في العفة والشرف والطهارة !!
أخاطبكم يا ركائز الدعوة ، ويا ثمار الأمة ، لتكونوا على حذر وأعلموا أن دهاة العالم من الصهيونية والماركسية والإمبريالية - والساهرين على إفسادكم - قد بذلوا ما بوسعهم لتعطيل تلك الآلة الصانعة للأجيال والمصنّعة للأبطال أمثالكم ، قد حشدوا جميع قواهم ليهدموا ذلك الصرح الذي علوتم باتباعكم إياه ، وفتحتم البلاد بسيركم معه ، وسُدتُّم العالم أجمع بتطبيق ما حواه .
__________
(1) ديوان د. عبد الرحمن العشماوي(1/7)
أخي المسلم - إني لا أعرفك ، ولا شك أنك لا تعرفني ، لكن الذي جعلني أكتب لك ما فهمته من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الدين النصيحة ، قيل لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم ) نعم ما دفعني أن أكتب لكَ إلا الأخوة في الله ، فهمك همي وسعادتك سعادتي ، والله يشهد إني أتألم لألم المسلمين وأبكي لما يبكيهم .
أخاطبك أخي الحبيب يا من لعبة به الدنيا ، واخذته الشهوات ، أعرف أنك لن تقرأ كلماتي هذه ، وكيف لك أن تقرأها وأنت ما عرفت لها طريقا أو كنت لها يوما صديقا . أعرف أنك تجري ، وأنت لا تفكر إلا بالموعد الكاذب التي قطعته على نفسك لتلك الفتاة الغافلة عن الحقيقة ! أعرف أنك تلهثُ وراء الشهوات والموبقات التي توجب غضب الرب جلّ وعلا وأنت لا تعرف ذلك !
أعرف أنك تنتظر تلك الساعة اللعينة التي أبطأت في السير لتخرج مع تلك العصبة من الشباب المُضل، لتعصوا الله في الذهاب إلى الملاهي والمقاهي وأماكن المعاصي .
أخي الحبيب " لا تستصعب مخالفة الناس ، والتحيز الى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كنت وحدك ، فإن الله معك ، وأنت بعينه وكلاءته وحفظه لك ، وإنما أمتحن يقينك وصبرك – فكان عليك أن تعلم وتتيقن – أن الأمر كله لله ، ليس لأحد مع الله شيء "(1)
وقفة محاسبة ومصارحة
أخي الشاب انظر الى نفسك وتفقد أعمالك وتذكر وقفاتك ، وأَعِد شريط زمانك ! ثم احكم على نفسك !!ألا يعتبر المقيم منكم بمن رحل ؟ ألا يندم من يعلم عواقب الكسل ؟ آهٍ ، لغافلٍ جدّ الموت هزل ! ولعاقل كما صعد العمر نزل !
أعد على فكرك أسلاف الامم ... وقف على ما في القبور من أمم
ونادهم أين القويّ منكم القاهر أم أين الضعيف المهتضم
تفاضلت أوصالهم فوق الثرى ... ثم ساوت تحته كل قدم
__________
(1) كتاب الفوائد لشيخ الاسلام إبن القيم الجوزية ص 130(1/8)
أخي الحبيب هل تأملت هذا الرجل الذي احدودب ظهره، وابيض شعره، وتثاقلت خطاه، وخارت قواه، وسقط حاجباه، وتناثرت أسنانه ؟! فهو يقوم بصعوبة، ويقعد بصعوبة، يصلي ويصوم بصعوبة، ويقضي جميع حوائجه بصعوبة !!
هل تأملت هذا الرجل؟ ألم يكن شاباً مثلك ؟! يعيش حياة الشباب، ويلعب لعبهم، ويظن أن أيام الشباب طويلة ، وأن قوة الشباب قاهرة، وأن نُضرة الشباب تزهو على الليالي والأيام!
بكيت على الشباب بدمع عيني ... فلم يُغنِ البكاء ولا النحيبُ
فيا أسفا أسفت على الشباب ... نعاه الشيب والرأس الخضيبُ
عُريتُ من الشباب وكنتُ غصناً ... كما يُعرى من الورق القضيبُ
فيا ليت الشباب يعود يوماً ... فأخبره بما فعل المشيبُ
أخي الشاب – إلى متى ستبقى أسيراً للمعاصي والذنوب ؟ لقد خلقك الله حُرّا بعبوديتك له ، ذليلا ً بعبودية غيره ، فلماذا ترضى أن تكون مخالفاً لحكمته وأمره .
أخي الحبيب يخطئ من يظن أن طريق الاستقامة والالتزام يمنع المتعة ويحرم البسمة، وينهى عن المزحة، ويحظر الشهوات على الإطلاق ، بل إنه ضبط هذه الأمور وفق حدود شرعية حتى لا يكون الانسان عبداً لشهوته، فكان الإسلام بالنسبة للملتزم نظاماً شاملاً لجميع حياته .
والذي خلق الورى وشق النوى، إني أحبُك في الله ، لا لشيء إلا لأفوز وإياك بما وعد الله ) المتحابون بجلالي على منابر من نور يوم القيامة يغبطهم النبيون والشهداء( فالدين النصيحة ، لذا أنصحك بالله، وأدعوك أن تقف وقفةً مع نفسك، وتسألها، أما تستحين من الله ؟ كيف تعصينه وهو ينظر إليك؟ إذا كنت عاصيه لا محالة، فاعصِهِ في مكان لا يراك فيه، وفي أرض لا يملكها !!
أخي الحبيب لا تقنع نفسك أنك في بحبوحة من العمر والمال، فكله زائل لا محالة ، فكم من طفل أمسى ميتاً ، وشيخاً كبيراً عاش حيناً من الدهر ...
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا ... واعصي الهوى فالهوى مازال فتّانا
يا نفس مالي وللأموال أتركها ... وأخرج من دنياي عُريانا(1/9)
أيها المشغول بالشهوات الفانيات حتى متى ستبقى في المتاهات، أتطمع الالتحاق بالشرفاء وأنت رهين الشهوات، هيهات هيهات يا منشغلاً في الملهيات ، أحذر هجوم هادم اللذات، حين يزورك فتقول : من في الباب؟
فيقال لك : (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) ولسان حالك ( رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت ) فتسمعه يوبخك ( ألم تكن آياتي تُتلى عليكم فكنتم بها تكذبون ) .
رُفعت لنا في السير أعلام ... السعادة والهدى يا ذلة الحيران
فتسابق الابطال وابتدروا لها ... كتسابق الفرسان يوم رهان
وأخو الهوينى في الديار مخلف ... مع شكله يا خيبة الكسلان
ما موقفك عندما ينادى عليكّ ! وقد قام الأشهاد وحشرت الخلائق، فتسير دون إرادتك إلى حسابك لتقف بين يدي ملك السماوات والأرض، وقد ارتعدت فرائسك، ورجفت قدماك، وجفت عيناك، وتقطعت أوصالك، ومُلئ قلبك رعباً، اضطربتْ جوارحك خوفاً، قد تغير لونك، وحل بك من الهم والغمّ ما لا يعلمه إلا الله .
قال الحسن البصريّ – رحمه الله : يومان وليلتان لم تسمع الخلائق بمثلهن قط ، ليلة تبيت مع أهل القبور ولم تبت ليلة قبلها ، وليلة صبيحتها يوم القيامة . ويوم يأتيك البشير من الله تعالى اما الجنة أو النار ، ويوم تعطى كتابك اما بيمينك واما بشمالك .
أخي المسلم - يخطئ كل الخطأ من يظن أن الموت فناء محض وليس بعده حياة ولا حساب ولا حشر ونشر، ولا جنّة وعقاب ، إذ لو كان الأمر كذلك لانتفت الحكمة من الخلق والوجود ، ولكن هناك حساب وعقاب ... جزاء وعطاء ( فمن زُحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز )
فيا من صحيفته بالذنوب قد حُفت، وموازينهُ بكثرة الذنوب قد رجحتْ، أما رأيت الأجسام بالأكفان قد لفت، وإلى المقابر قد زُفت ، طويت صفحات الغرور، وبدا للعبد البعث والنشور، مضت الملهيات والمغريات وبقيت التبعات - فلا إله إلا الله من ساعة تطوى فيها صحيفة المرء إما على الحسنات أو على السيئات .(1/10)
ولو أنا متنا وتُركنا ... لكان الموت غاية كل حي
ولكنا إذا متنا بُعثنا ... ونُسأل بعده عن كل شيء
هذه رسالتي ... فسامحني
أخي الحبيب … لا تنزعج من رسالتي فهذا شجن من شجون الاخوة والمحبة اهاتف به قلبك الطيب بنصح المحب، وإن في إيمانك ونقاء أعماقك ما يطمع فيك كل من يريد الخير لك … أخي الغالي ، ليست الخطايا عذراً للتحلل من الولاء للدين ، والعمل له أو نصرته أو الغيرة عليه .
نعم إن الولاء للدين والغيرة عليه مسؤولية المسلم ، حيث هو مسلم مهما كان فيه تقصير أو أثم … ما دام له بهذا الدين سبب واصل . فبمجرد حملك اسم الإسلام ( مسلم ) فأنت جزء من هذه الأمة التي يجب أن تكون في المقدمة في وقت تتسابق فيه الأمم في صنع المستقبل .
أخي الحبيب " ان الحاجة الى الدعوة ماسّة ، لأن العقول لا تستطيع وحدها ادراك مصالحها ، التي تكفل لها الدنيا والاخرة . لأنها لا تُهدى وحدها الى تمييز الخير من الشر . فهل بذلت جهدًا في الدعوة ولو كان قليلاً ؟ هل أهديت لزميل لكَ أو صديق شريطاً فيه الإفادة في الدنيا والآخرة أو كتيباً بعد أن قرأته ؟! هل استشعرت وجوب مشاركتك في إزالة المنكر ؟! وان تكون منافحاً ومدافعاً عن الإسلام ؟ أخي ، لا تكتف بالتعاطف مع الأبرار الذين اخلصوا لهذا الدين ، بل ، لم لا تكون على رأسهم فهذا واجبك نحو دينك وعقيدتك ؟(1/11)
واعلم أن الذين لا تغلي دماؤهم ، ولا تلتهب نفوسهم ، ولا تهتز مشاعرهم لخدمة هذا الدين : لا يعقد عليهم أمل ، ولا يناط بهم رجاء ، فهم أموات غير أحياء ، وانما تنفع الموعظة من أقبَلَ عليها بقلبه ( وما يتذكر إلا من ينيب )(1) فتذكر رعاك الله أن إيمانك ذو نسب عريق ، فنبيك محمد صلى الله عليه وسلم ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ( فكن معتزا بإيمانك ، واثقاً من نفسك باذلا قصارى جهدك ، لنشر دين الحق والعدالة "(2) كن متميزاً عن غيرك ممن يعبدون الخرافة أو الصليب ، أما ترى انهم لا يعقلون !! بعد شق الأنفس وطول عناء ينال أحدهم الدكتوراه ثم يسجد لبقرة !
نعم ، لا تنزعج من رسالتي ،فهل فتحت لي أبواب قلبك الطيب ونوافذ ذهنك النير ؟ لأحدثك حديثا أخصك به ، فوالله الذي لا اله إلا هو إني أحبك حباً يجعلني أشعر بالعلو والافتخار كلما رأيتك تمشي خطوة إلى الأمام . أخي الحبيب - عرني من سمعك دقيقة ، لتحكم عليّ بما استشعره إيمانك وضميرك نحو الغاية التي تعيش لها ، فأنت تعيش لقضية خطيرة وكبيرة لا تقف عند :
شريط غنائيّ ماجن لفاجر يعصي الله ليلا ونهارا
مصاحبة تلك الفتاة الفاجرة العاهرة .
دخولك على غرفة الدردشة .
انتظارك الساعات الطوال لتشاهد فلماً أو مسلسلاً
اشباع رغبتك في المأكل والمشرب وشرب الدخان
لون شعرك أو حسن منظر هندامك وقميصك
امتلاكك هاتفا تعاكس به بنات الإسلام أو غيرهن ممن يسعيّن لتدمير دنياك وآخرتك !!
فمن كان منزله من زجاج ، لا يرمي الناس بالحجارة ، فكما أنك تغار على عرضك فالناس يحافظون على أعراضهم ، نعم أنت تعيش لهذا الدين الذي تعبد الله به ( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ) .
__________
(1) سورة غافر آية (13 )
(2) اشارات على الطريق – فضيلة الشيخ علي القرني(1/12)
يا طالب الجامعة ، أحدثك حديثا اسكب روحي في كلماته .. وأمزق قلبي في عباراته .. لعلك تقف إلى جانبي في اصلاح نفسي ونفسك والآخرين !! أخي الحبيب هل سألت نفسك يوماً كم تبلغ مساحة الاسلام من خارطة اهتمامك؟ كم تبذل للدين وتهتم به ؟ كم تسعى لنشره وإصلاح أنفسنا ؟ هل سألت نفسك ، كم يعيش الدين في حياتنا ؟!
أخي الغالي – بكل صيغ الترجي أرجوك أن تقرأ هذه الرسالة بكل هدوء وسكينة القلب الذي كتبها لك .. اقرأها بعيداً عن الانفعالات واتخاذ المواقف ، وضع نصب عينيّك أن تجعل آخر كلمة فيها بداية توبتك ورجوعك إلى الله .
يا أخي اركب معنا
... أخي الحبيب قبل البدء ، أكتب لكَ موقفاً يظهر لك كم هي القلوب المتعطشة للتوبة ، كم هي الأنفس التواقة للإنابة والرجوع الى الله ، نعم تدرك من خلاله كم هم الذين ينتظروا منك خطوة باتجاههم لتهمس في آذانهم بصوت هادئ مطمئِن للنفس ... لتبصر بأم عينيك الدموع المنهمرة من العيون المشتاقة للبكاء من خشية الله ... لتدرك كم أنا – وأنتَ - مقصرين في جنب الله !!(1/13)
( قال : شعرنا بالفرح والسرور ونحن نسمع ذلك الرجل الفلبيني ينطق الشهادتين ويعلن اسلامه متخليّاً عن دينه الباطل ، وعقيدته المحرفة ... ولكن فرحتنا به لم تتم !! إذ بدلاً من اظهار السرور والبهجة بدخول الدين الحق ، رايناه تتغير ملامح وجهه من الفرح الى الحزن والأسى ، ثم ما لبثنا قليلاً حتى رأينا الدموع تنهمر من عينيّه ... تركناه فترة من الزمن يعبر فيها عما جاش في نفسه ، وبعضنا ينظر الى بعض متعجباً مما يرى ، فلمّا خفت حدّة الحزن ، طلبنا من المترجم بلهفة أن يسأله عن سبب هذا البكاء المفاجئ .. أتدري ماذا قال ؟! لقد تحدث بحرقة قائلاً : إنني أحمد الله كثيراً أن مَنّ عليّ بنعمة الدخول بالإسلام وأنقذني من النار ، ولم يمتني على الكفر . ولكني أتساءل الآن عن حال أبي وأمي اللذين ماتا على الكفر ، ألستم مسؤولين عن هدايتهم ؟! أين أنتم من دعوتهم ودعوة غيرهم من الناس الضالين الى الإسلام ؟! أين أداؤكم لواجبكم نحو هذا الدين الحق ونشره للمتعطشين إليه أكثر من تعطشهم الى الطعام والشراب !!
أين ... أين ؟! أخذت الجميع قشعرية ، وغطتهم سحابة من الصمت والحزن وهم يسمعون هذه الحقائق ... )(1) وكأني حينها ولسان حالي وحالُكَ يقول : أين المتقاعصين والمقصرين عن أداء واجبهم نحو هذه الدعوة حتى يسمعوا مثل هذا الكلام ؟! اين هم ليدركوا عظمة الرسالة وثقل الأمانة المنوط بكل واحد منهم ؟!
__________
(1) لكَ رسالة - الشيخ عبد الله العيدان(1/14)
أخي الحبيب ، اعلم – حفظك الله - اننا في دار ابتلاء ، وأن أعمالنا ستوزن يوم العرض على الله ، أمام الأشهاد والخلائق !! فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره . لذا كان أجدر بي وبك أن نكثر من الأعمال الصالحات وتقديم القربات والطاعات . ومهما بحثت وجاهدت لن تجد شيئاً في أعمالك أثقل في الميزان يوم القيامة مما دلّ عليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه – حيث قال ( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق ، وإن الله يبغض الفاحش البذيء )(1). فالخلق الحسن ، عنوان الصدق والطهارة والعفة ، وهو رمز للإخلاص في العبودية لله تعالى جل وعلا ، لأن المؤمن الصادق مع الله في سره لا يمكن إلا أن يكون صالحاً مع الناس .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه ( إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً ) فحاجة المرء الى الخلق الحسن أكبر من حاجته الى الملبس والمشرب والمأكل . فهي تصونه وتشرفه وتلبسه حلية العز والكرامة ، وشرف القبول والاحترام ، وثواب الله يوم القيامة ، لذلك فهي شاقة المنال ، صعبة الاكتمال ، لا يحصلها إلا من جاهد النفس والهوى ، واقتفى سبيل الهدى وسلك طريق التقى ، ونهج السلف الصالح .
ففي هذه الرسالة سأبحر معك أخي القارئ في أعماق الأخوة والمحبة عسى أن تنال خلالها درةً تزين بها قلبك الطيب ، وناظرك الثاقب ، فأبدأ معك في الدرة الأولى :
الدرة الأولى
الصلاة … الصلاة … الصلاة
أخي الحبيب ، من الاعماق أهديك حديث الحب ، ومن الأخوة أهديك سلام الوّد ، ووالله إني أحمل لك كل معاني الاخوة الصادقة ، كيف لا ، والله يقول ( إنما المؤمنون أخوة ) فاذا ضاق الصدر ، وصعب الامر ، وكثر المكر ، واذا أظلمت في وجهك الايام ، واختلفت الليالي ، وتغير الاصحاب ، فعليك بالصلاة ....
__________
(1) رواه الترمذي (2003) وقال : حديث حسن صحيح .(1/15)
أخي الحبيب ، لعل من الاصوات الجميلة التي تخرق أسماع آذاننا ذلك الصوت الهادئ العذب، وهو ينادي " حيّ على الصلاة ، حي ّعلى الفلاح " صوت يحمل في رياحه عبق الذكريات ، فكأنما بلال يحلق على استار الكعبة لينادي المسلمين الى الصلاة ...
أخي الحبيب ، هداك الله ، أليس لك في رسول الله أسوةً حسنة ؟ ألا تراه اذا صابه همّ أو ألمّ به تعب قال " أرحنا بها يا بلال " نعم فهو القائل صلى الله عليه وسلم " جعلت قرّة عيني في الصلاة " .
من أعظم النعم على المسلمين هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة ، فهي كفارة لذنوبنا ، ورفع لدرجتنا عند ربنا ، ثم انها علاج عظيم لمآسينا ودواء ناجع لأمراضنا ، ألا ترى هؤلاء الذين تركوا الصلاة كيف تسير حياتهم ؟! فهي من نكد الى نكد ، ومن همّ الى غمّ ، ومن شقاء الى شقاء ...( فتعساً لهم وأضل أعمالهم ) .
اعلم هداني الله واياك ، بقدر ايمانك قوةً وضعفاً ، حرارة وبرودةً ، تكون سعادتك وراحتك وطمأنينتك ... ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ولا تكون الحياة الطيبة ، الى باستقرار النفوس بحسن موعود الله ، وثبات القلوب على حب الله ، وطهارة الضمائر من الانحراف والضلال ، والصبر امام الحوادث والكوارث ، ابتغاءً لوجه الله ، والرضى بالقضاء والقدر خيره وشره ، وبداية هذا كله الشهادتين ثم الصلاة ثم الزكاة ثم الصوم ثم الحج ....
فكانت الصلاة بحق عمود الدين " فمن أقامها أقام الدين " فحافظ عليها في وقتها فانها احب الاعمال الى الله تعالى ، وأول ما يسأل العبد عنها فان صلحت صلح سائر عمله وإلا فلا !! ومن حافظ عليها حفظه الله ، ومن ضيعها ضيعه الله ... وكما جاء في الحديث الصحيح أن أفضل الأعمال ( الصلاة على وقتها ، قيل ثم أي ؟ قال : بر الوالدين ، قيل ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ) .(1/16)
فالصلاة من اكبر وسائل العون على تحصيل مصالح الدينا والآخرة ، ودفع مفاسدهما ،، فهي دافعة للظلم ، وناصرة للمظلوم ، وقامعتُ للشهوات ، وحافظة للنعمة ، ودافعة للنقمة ، ومنزلة للرحمة ، وكاشفة للغمة ... فلعمر الله هذا هو الحل لأزمات الناس ومشاكلهم وهو الشفاء لأمراضهم وعللهم ، لكن ( الناس سكارى وما هم بسكارى ) ولم يوفق اليه الا القليل ، نسأله تعالى ان نكون ممن وفق اليه .
اخي الحبيب ، لِمَ ترضَ لنفسك أن تكون في مواطن الشبهات ونقاط اختلاف العلماء ... فهذا يقول عنك ( كافر ) ودليله في ذلك " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " وآخر يفصل بالمسأله فإن تركها جحوداً ،،، أو تكاسلاً ... والكلام يطول !! (1)
فاحذر كل الحذر من التهاون فيها او تأخيرها عن وقتها أو تأديتها مجاملة أو خوفاً من أحد فهذا استهزاء بالله ، وخداعاً للنفس ، وقد قال تعالى ( فويل للمصلين ، الذين هم عن صلاتهم ساهون ) . هذا لمن أخرها ، فكيف بمن تركها ؟! فاتق الله ، عسى أن تتدارك منه رحمه ، وتنال منه مغفرة .
فهيا بنا سوياً الى رياض النعيم ، الى رب غفار رحيم ، هيا بنا الى مناجاة رب العرش العظيم ، فقم وتوضأ واذهب الى مصليك لتقف بين يديّ ( العزيز الغفار ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ، ذي الطول لا اله الا هو اليه المصير ) سورة غافر .
الدرة الثانية
يا ولدي ،،، هذا يومك
__________
(1) وفي هذا تفصيل يطول ذكره ، ولكن المقصود أنك مسلم ، لهذا كان أولى بك ان تلتزم اركان دينك من الشهادة والصلاة والصيام والزكاة والحج اذا استطعت اليه سبيلا ... فان لم تلتزم هذه الاركان فماذا يعني كونك مسلماً ؟ وان لم تحتكم الى ما انزل الله وتسير على نهج نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم . فيا أخي الحبيب ، لقد عرفت فالزم . يرحمني الله واياك .(1/17)
لا أعتقد أنك منكراً لحق أبيك عليك ! فبالرغم من العقوق الذي يصدر منك إلا انه لك في قلبي محبة ، وبلساني لك دعوة ، ومن عيني لك دمعة ، ومن جوارحي لك حركة ،،، ما زلت أنشدك عساك تعود !!
فلقد أعددت فيك الرجولة والشهامة والوفاء ، أعددت فيك العزة والكرامة والإباء ، أعددت فيك الأخلاق الطيبة ، أعددت فيك المعاني النبيلة والقيم الفاضلة . أقول هذا لك يا ولدي والألم يعصر قلبي والحزن يقطع اوصالي ، لما أشاهده منك !
فبالأمس القريب كنت حريصاً على صلاة الجماعة ! كنت مواظباً على صلة الأرحام ! كنت غيوراً على دين الله ! فماذا جرى لك يا ولدي ؟
ألا تذكر تلك الدموع التي أذرفتها فرحاً لما سمعت بقدومك ، قطرات دمي بذلتها لسعادتك ! لا أذكر أني أرتحت في نومي وأنت مستيقظ ! وشبعت يوماً وأنت جائع !!
يا ولدي ،،، أليس من الظلم أن تقتل القلب الذي أحبك ، وتشيب الرأس وتدمي العين التي لم تنم باستيقاظك ، أليس من الظلم أن أراك بين ثلة من العصاة التائهين ، أليس من العار عليك تلويث سمعة عائلتك ؟ أليس من المحزن أن أناديك فلا تجيبني ؟ فوالله لم أعق والدي يوماً حتى تعقني ؟!
هذا يومك يا ولدي ،،، فقد طعن والدك ووالدتك في السن ! ألا تذكر يا ولدي تلك الليالي التي لم تنمها أمك لأنك لم تلعق ثديها بعد !! هل تخيلت يوماً أن تحمل أمك أو أبيك كالرجل اليماني ! الذي حمل أمه على ظهره ليطوف بها البيت العتيق ... فقال : يا ابن عمر هل تراني أديت لها حقها ؟ قال له ابن عمر : ولا بطلقة من طلقاتها !!!
أين أنت من ذلك ؟! يا بني ، لم أطلب منك يوماً شيئاً لا تستطيع القيام به ، أم أنك لا تستطيع أداء الصلاة وصوم رمضان ودخول الجنة !!! نعم ( تعس من أدرك والديه ولم يدخل الجنة )(1).
__________
(1) حديث صحيح(1/18)
هذا يومك يا ولدي ، فالدمعة التي غرغرت بها عيني لتقتلني باليوم ألف مرة ، حين اتذكرك وأنت تلعب في حجري ، فيوماً ظهري لك مطية تركبها ! ومرة كتفي لك منارة تعلوها ، ومرة ألتزم الصمت أمام الجلوس لأدعك تتكلم بإسم الجميع ! ألا تذكر يا ولدي ،كم كنت مسروراً منك حين أتيتني تركض خائفاً من أخيك ( يابا ، يابا عندك أخوي ... ) ألا تذكر يا ولدي كم أرسلت الدموع عليك لما علمت أنك ستغيب عن ناظري لتنال شهادة التفوق في الجامعة ... ولكن ياليتك لم تذهب !! ذهبت مطيعاً ورجعت عاقاً ! فارقتنا والدموع تسيل منك على الخد حزناً وألماً على شدة البعد ! ورجعت يا ولدي ودموع الفرحة تغمرنا !! ويا للأسف رجعت لا تعرف أمك ولا أبيك ! لم يا ولدي ، ألم تذهب لتتعلم حسن المعالمة وخدمة الانسانية ... ألم تذهب لتتعلم كيف تساهم بنهضة وطنك !
ياولدي ، ألا تذكر كم معركة ومشادت جرت بيني وبين أمك حول مائدة الطعام ، وأنا أنتظرك لتأكل معي ، وهي تقول لي تناول طعامك فلقد أكل قبل قليل !! وأنا أصر على الانتظار !!
ألم تذكر اسعد لحظات أمك معك ؟! نعم كانت أسعد لحظات أمك معك عندما كنت صغيراً تمسك شعرها بشدة !! لأنها أدركت أنك كبرت ، فكانت تحلم بك باراً وفياً لها ولأبيك .
والكلام يطول يا ولدي ، فهذا يومك ، فمدد يدك لليد التي أعانتك ، وللعين التي سهرت عليك ، وللقلب الذي تفطر لأجلك ، وللسان الذي يملك تدمير حياتك بأقل ما تتصور !! ولكنها حنية الأب ومحبة الأم .
الدرة الثالثة
ذروة سنام الإسلام
إن حمل الدعوة إلى الناس ، وجعلهم يؤمنون بها ، ويثقون ويتأثرون : عملية صعبة وشاقة ، تحتاج الى صبر وثبات ، والمضي في طريق الدعوة ليس بأمر هين لين ، ولاطريق ميسور ، ولا بد من عزم وقوة ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )( آل عمران 142)(1/19)
وهنا لا بد من تربية النفوس على البلاء والصبر ، لتصبح على قدر من المسؤولية لخدمة دين الإسلام ، فإن لم أقم أنا وأنت بواجب الدعوة فمن يقوم ؟!
ولقد تعمدت أن اجعل الدر الثالثة ( الجهاد في سبيل الله ) مشيراً في ذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أفضل الأعمال قال : ( الصلاة على وقتها ، قيل ثم أي ؟ قال : بر الوالدين ، قيل ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله )
فواعجباً للجنة كيف نام طالبها ؟! وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها ، وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها ، وكيف قرّ المشتاق القرار دون معانقة أبكارها ؟! وكيف قرّت دونها أعين المشتاقين ؟! وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين ؟!!(1)
نعم أخي الحبيب ، لقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس ويقاتل أمام الناس ، يحمل المصحف في الليل : قارئاً ، تالياً، عابداً ، ناسكاً .. وبالنهار يحمل السيف : مجاهداً ، مقاتلاً ، متقدماً للصفوف .. نعم هي الشجاعة والثقة بنصر الله للإسلام والمسلمين ، فمن أعظم الشجاعة : الخوف من الله عز وجل ، فالخائفين من الله هم أشجع الناس ، وهم الذي يؤدون أوامر الله ، ويجتنبون نواهيه ، كما قيل :
ليس الشجاع الذي يحمي فريسته ... عند القتال ونار الحرب تشتعل
لكن من ردّ طرفاً أو ثنى وطراً ... عن الحرام فذاك الفارس البطل
فاشجع الناس : من راعى ما بينه وبين الله ، ورد نفسه عن الحرام ، وكسرها وقت الغضب ، ووقت الشهوة ، ووقف عند حدود الله ، فهذا هو الشجاع المحفوظ بحفظ الله عز وجل ، وهو الذي ينتصر .
وقال بعضهم : لا ينتصر العبد في المعركة حتى ينتصر على نفسه ، وعلى الشهوات ، والمعاصي ، والمخالفات ... واعلم – أخي الحبيب أنه لا حياة للأمة الإسلامية إلا بالجهاد ، وبتربية النفوس والأبناء على خوض الصعاب ، والمنايا لتعود الأمة عزيزة كما كانت .
__________
(1) حادي الأرواح الى بلاد الافراح – العلامة ابن القيم الجوزية(1/20)
متى نخوض المعركة ؟!!
بالله عليك – هل يعقل أن نعدّ الجيوش ونحمل السيوف والأسلحة ، وأنتَ مازلت تسمع – حيّ على الصلاة ،حيّ على الفلاح – ولا تجيب !! فإذا الأمة خانت حيّ على الصلاة وحيّ على الفلاح ، وخانت صلاة الفجر والجمع والجماعات ، خانت الجهاد ، ولم تستطع أن تصمد ، أو أن تحقق الأمل المنشود منها ...
بنو يهود يموتوا تحت الدبابات في سيناء ، فداءً لعقيدة فاسدة !! وأنتم أبناء الأمة المحمدية خير الامم تموتون فداءً للقاء محرم !! أو في سبيل غاية دنيوية ومتاع زائل وشهوة منقطعة وهموم كاذبة !!
أما لكَ في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدرة حسنة ! أوليس لكَ من الصحابة والسلف الصالح أمثلة ونماذج !! فهذا عبد الله بن رواحة يقول :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وطعنة ذات فرغ تقذف الزبدا
حتى يقال إذا مرّوا على جثتي ... يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
فما مرّ به أحد من الصحابة ، حتى قالوا : يا أرشد الله من غاز وقد رشدا .
وما أبو سليمان رضي الله عنه ليس ببعيد !! صلى الفجر بالمسلمين ، في اليرموك ، وكان جيشه أقل من ثلاثين ألفاً ، وجيش الروم : ما يقارب ثلاثمائة ألف !! ولكنّها العقيدة التي حملوها في صدورهم والثقة بنصر الله ...
تسعون معركة مرت محجلة ... من بعد عشر بنان الفتح يحصيها
وخالد في سبيل الله مشعلها ... وخالد في سبيل الله مذكيها
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه يتحول إلى أسد ضرغام ، وسيف قاسم على أعداء الإسلام ، وفاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه والزبير رضي الله عنه يغضب كالنمر ويثب كالأسد . والبراء رضي الله عنه يفتح الحصن وقد قُذِفَ من أعلى المنجنيق . وعليّ رضي الله عنه يقتل رأس الكفر عمرو بن ودّ في غزوة الخندق ، ويبارز مرحب قائد جند يهود !! ويصرخ فيه :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة ... كليث غاباتٍ كريهه المنظرَ(1/21)
إذا الحروب أنشبت أظفارها ... أكيلهم بالسيف كيل السندرَ
وأبطال كثير في صحيفة الإسلام يقف التاريخ عاجزاً عن ذكر مواقفهم الجهادية ، بل تخجل الأقلام ان تكتب تقصيرنا وتخلفنا عن الجهاد في سبيل الله !!
أخي الحبيب ، ماذا فعلت لخدمة وحماية هذا الدين ؟! مالي لا أراك بين جند الدعوة ؟! أين دوركَ في نشر الدعوة ؟! أين أنتَ من حياة المجاهدين وسيرهم ؟! لقد مللنا التعاطف والكلام ، ماذا ينقصكَ ؟! ومهما بلغ فيك المطاف من سرد الأعذار فلن تبلغ ( أبو أيوب الأنصاري ) وقد بلغ التسعين وقال لبنيه احملوني للمعركة !! فكان يحمل بيده السيف وبالإخرى يرفع حاجبه ليرى أمامه !!
أنتم يا شباب الجامعات أخاطبكم ! ماذا عليّكم لو أجلتم سنة من دراستكم لتنالوا شرف الجهاد وتسهموا في اقامة دين الله في الأرض ؟! ماذا عليكَ لو أنكَ دخلت مصنع الرجال والأبطال ؟! على ماذا تخاف فالرزق مقسوم والموت محتوم والأجل مختوم ! فأقبل ولا تدبر ، وسطر في صحيفة أعمالكَ أياماً من الرباط وساعات من الجهاد " فرباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه " و" ساعة في سبيل الله خير من قيامة ليلة القدر عند الحجر الاسود " فماذا تريد أكثر ؟! بل لك أكثر ( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ) ( التوبة 52)
واعلم أخي الشاب " أن هذه الأمة تمرض لكنها لا تموت ، وتغفو لكنها لا تنام ، وتخبو لكنها لا تطفأ أبداً .وكن على علم أن الوصول الى القمة ليس الأهم ، لكن الأهم البقاء فيها ، وأن السقوط في القاع ليس هو الكارثة ، بل الكارثة هو الاعتقاد أنه لا سبيل الى الخروج من القاع ... وليس الدواء في بكاء الأطلال ، وندب الحظوظ ، إنه في الترفع عن الواقع ، بلا تجاهل له .(1/22)
وإن المستقبل لهذا الدين بلا منازع ، ولكنه لا يتحقق بالمعجزات السحرية ، بل بالإخلاص والعمل والبذل ، والدعوة الى الله من منطلقات صحيحة ،علىمنهج أهل السنة والجماعة ..."(1)
الدرة الرابعة
إياك وكثرة المزاح
ما اجمل المسلم وهو يشارك إخوانه في فرحتهم ومرحهم ومناسباتهم ، تحت الضوابط الشرعية التي أقرتها الشريعة الغراء . ولكن من قبح القول والفعل الذي يمارسه شبابنا اليوم ما يسمى ( المزاح ) أو بلغة أخرى ( المسخرة / الإستهزاء ) فالفرق بينهما شاسع وكبير ، فهذا فيه من الحلال ما هو حلال ، والثاني فيه من التحقير والتنقيص ما فيه .
فالمزاح يعني " الأنبساط مع الغير من غير تنقيص أو تحقير له بأي لون من الألوان "(2).
فبالحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قالوا يا رسول الله : إنك تداعبنا ، قال " نعم ، غير أني لا أقول إلا حقاً "(3)، فهذه هي المداعبة التي حافظ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم طوال حياته .
فالمزاح المحمود " هو الذي لا يشوبه ما كره الله عزوجل ، ولا يكون بإثم ولا قطيعة رحم ،وعكسه المذموم الذي يثير العداوة ، ويذهب البهاء ، ويقطع الصداقة ويجرئ الدنيء عليه ، ويحقد الشريف به "(4) .
ولما سئل بعض السلف عن مزاحه صلى الله عليه وسلم قال : " كانت له المهابة العظمى ، فلو لم يمازح الناس لما أطاقوا الاجتماع به والتلقي عنه ، وكان يمزح ولا يقول إلا حقاً "(5).
يقول الامام الشافعي – رحمه الله :
أفد طبعك المكدود بالجد راحة ... بجده وعلله بشيء من المزح
__________
(1) اشارات على الطريق- الشيخ علي القرني – بتصرف . وأشير أنني أفردت موضوع الجهاد في سبيل الله برسالة خاصّة لأهميّته ومكانته في دين الله ، أسميّتها ( لِمَ الجهاد ؟ وهل ثمّ خيار ؟! )
(2) أفات اللسان ص 142
(3) رواه الامام الترمذي في البر- رقم 1991
(4) روضة العقلاء لأبي حاتم البستي .
(5) آفات اللسان ص 143(1/23)
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن ... على قدر ما يعطي الطعام من الملح
ولك من رسول الله قدوة حسنة ، ومن بعده عليك بالسلف الصالح فهم أصحابه وأتباعه ، وهم أفهم وأعلم هذه الأمة بدينها وأحكامها ... فنعم السلف الصالح الذي كان وما زال حريصاً على تطبيق شريعة الله في الأرض .
فلما كان المزاح نوع من أنواع المرح والترويح عن النفس ، كان الاجدر بنا أن نضبطه بالضوابط الشرعية ومنها :
أن لا يكون إلا صدقاً .فإن عكس ذلك يكون كذب !!
أن لا تؤذي به أحداً ، ولا تحزن به قلباً أو تدمع به عيناً ، لأنه يصبح حينئذ تحقير وليس مزح !!
أن لا تفرط فيه ، لأن الإفراط به يورث كثرة الضحك وكثرة الضحك تميت القلب .
أن لا تأخذه ديدناً تداوم عليه لأنك ستسأل عن وقتك فيم أفنيته .
وفي الأثر عن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال " من أذنب ذنباً وهو يضحك دخل النار وهو يبكي ". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أتدرون لم سميّ المزاح مزاحاً ؟ قال : لأنه أزاح صاحبه عن الحق "(1). والمزاح من الدين لمن عرف كيف يضعه في مكانه ، سئل الامام سفيان بن عيينة : ( المزاح هجنة ؟ فقال : بل هو سنة ، لكن لمن يحسنه ويضعه في مواضعه )(2).
__________
(1) 5/14 آفات اللسان ص 148
(2) المرجع السابق(1/24)
أما الوجه الثاني للمزاح ( الاستهزاء أو المسخرة ...) فهو حرام شرعاً لما فيه من التنقيص والتحقير والسخرية بالآخرين ، فكما جاء بالحديث الصحيح من حديث أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها الدرجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم ) . فإياك أيها الشاب الفطن أن تخوض بما ليس لك به علم ، فكثير من الشباب اليوم في سكرتهم يعمهون ، و في غيهم يمرحون ، مما ينبئك بسوء مجالسهم ، وسواد قلوبهم ، وقلة دينهم ، قال تعالى ( ياأيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ... )(1).
وقد تجد الكثير من الشباب الضال – الذي نسأل الله أن يهديه – يتفنن في أنواع السخرية والاستهزاء ، فهناك من يهزأ بالحجاب ، وآخر يسخر بتفيذ الاحكام الشرعية ، ولمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر نصيب من ذلك ... كما وصل بهم الأمد الى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لها نصيب من مرضى القلوب ، فظهر منهم الاستهزاء باللحية والثوب القصير والسواك وغيرها .
ففي جواب اصحاب الفضيلة العلماء في اللجنة الدائمة للإفتاء على من قال لآخر : ( يا لحية ) مستهزئاً بها فهو منكر عظيم فإن قصد القائل بقوله ( يالحية ) السخرية فذلك كفر ، وإن قصد التعريف بالشخص فليس كفر ، ولا ينبغي أن يدعوه بذلك . انتهى .
ولنعلم خطورة الاستهزاء على دين الرجل ، فلنستمع الى ما يتلى في سورة التوبة ، قال تعالى ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ، قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ،إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين )(2) .
__________
(1) الحجرات 11
(2) سورة التوبة آية 65(1/25)
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن رجلا من المنافقين قال : ما أرى قراءنا إلا أرغبنا بطوناً ، وأكذبنا ألسنةً ، وأجبننا عند اللقاء . فرفع ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله : إنما كنا نخوض ونلعب ، فقال ( أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون ... )الآية. وإن رجليه لتنسفان الحجارة ، وما يلتفت إليه رسول الله وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وثابت من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه أرحم الناس بالناس ، وأقبل الناس عذراً للناس ، ومع ذلك كله لم يقبل عذراً لمستهزيء .
وفي هذا يقول ابن الجوزي - رحمه الله - في زاد المسير : هذا يدل على أن الجد واللعب في اظهار كلمة الكفر سواء .
قال فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي – رحمه الله : إن الإستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج من الدين ، لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله ، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة .
قال فضيلة الشيخ العلامة محمد بن ابراهيم – رحمه الله : ومن الناس ديدنه تتبع أهل العلم لقيَهم أو لم يلقَهم ، مثل قوله : المطاوعة – المشايخ والدعاة -كذا وكذا – مستهزء بهم - فهذا يخشى أن يكون مرتداً ولا ينقم عليهم إلا أنهم أهل الطاعة .
هنا ننوه أن البعض يقول : لا أقصد الدين ، ولكن أقصد الرجل ، فأقول لك أخي الحبيب : هل شققت على قلبه ونظرت ما فيه ؟ فالحذرالحذر يا شباب الأمة ، فالأمر جد خطير ، وأنتم على مفترق حساس و دقيق .
الدرة الخامسة
يا صاحب العفة والشرف
أخي الحبيب - أعرني أذنك لتصغي إلي، وأطلق بصرك لتقرأ ما كتبت يدي، واجعل قلبك حَكَماً عليّ، أنصحتُك كما ينبغي أم ما زلتَ مُصراً على أن تكون ممن: ( وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً )(1) .
__________
(1) سورة نوح آية 7(1/26)
أخي سنواجه أقوى الذنوب وأشد المعاصي فتكا بالشباب، إن لم تكن بالشعوب كافة، هذا الذنب الذي تفشى في الشباب الذين انتسبوا للإسلام فلا يحملون إلا اسمَه، ولا يعرفون منه إلا رسمه !! وذلك ليس بقصد منهم، لأن بذرة الخير والإصلاح فيهم موجودة، وفكرة التوحيد عندهم محفوظة، بل لأنهم يتبعون السراب الذي أوجده مُحاربو هذه الفئة المنشودة ،،، فأوهموهم بأن الشاب في الجامعة أو الكلية لا تكمن رجولته إلا بملاحقة الفتيات! والتلاعب بعواطفهن، ونهب أعز ما يملكن، ثم تركهن يعانين الفضيحة والعار وحدهنّ، ظانّين أن الله يغفل عما يعمل الظالمون .
إياكَ ثم إياكَ
إذا كنت مؤمناً حقاً ومسلماً ملتزماً أحكام دينك ، إسأل نفسك سؤالاً ، هل أرضى هذا لفتاة يتعلق شرفها بشرفي ؟! إذناً لِمَ ترضاه لبنات المسلمين؟!
جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إئذن لي في الزنا !! فقال صلى الله عليه وسلم ( أتحبه لأمك ،لأبنتك ، لزوجتك ، لعمتك ، لخالتك ، وكان يقول – الشاب – لا والله يارسول الله جعلني الله فداك . فقال صلى الله عليه وسلم : ولا الناس يحبونه لبناتهم وأخواتهم وعماتهم وخالاتهم ...)(1)
أخي المسلم ، كن رجلاً حقيقياً، تأبى بأن تكون ذَكراً فقط! يا من يغار على محارمه وشرفه، يا من يخاف الله عز وجل، اعلم أن الفتاة التي انصاعت لما تقوله لها، ورقّ قلبها لكلماتك الملسونة؛ التي تحمل في طيّاتها الحسرة لك ولها في الدنيا والآخرة؛ لدليل واضح على ضعف إيمانكم بالله سبحانه وتعالى، فيا من تبني تلك العلاقات لتهدم بها عائلات، أقول لك كما قال أحدهم :
وما من يدٍ إلا يدُ الله فوقها ... وما من ظالم إلا سيُبلى بأظلمِ
__________
(1) رواه الامام أحمد عن أبي أمامة(1/27)
أخي الحبيب - دعنا من الخجل ولنتناصح بصراحة ! فالصراحة راحة ، وما أروعها من لحظة عندما نتذاكر بالله وفي الله ، ومن اجل الله ، وما أجملها من وقفة تلك التي نقف بها لنفتح أبواب المحبة والأخوة في الله .
أخي في الله - كما أحببتك في الله، وأحببت لك الخير والنجاة، وأحببتُ لك الطمأنينة في النفس والقلب والوجدان، أليس مصداق الحب أن يريد المحب الخير لحبيبه، وأن يظفر بما ظفر به، من أجل ذلك لنفتح قلوبنا ونتحدث بصراحة والله إني أحرصُ عليك كما أحرص على نفسي مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم ( والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب نفسه ) فاسمح لي أن أتحدث معك بصراحة بالدرة الخامسة ،،،
الدرة الخامسة
أبحث عن زميلة أحبها ؟!
أخي الشاب الفطن - في ذهني أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات ، ترافقني كلما دخلت الجامعة أو الكلية !! هل لي ان أجد فتاة تبيع نفسها بثمن بخس ؟ هل يمكن أن اكون محطة نظر الفتيات في الجامعة ؟ هل .. هل ..
أخي المسلم - تأكد وكن على يقين أن سيرك مع تلك الفتاة التي رضيت أن بيع نفسها بثمن بخس لهي أبعدُ من أن تكون شريفة عفيفة ، طاهرة كريمة ! نعم، فهي رضيت ببيع نفسها وشرفها في سوق التفاهة والخسران الذي يترأس مجلس إدارته عدو الفضيلة إبليس !! فهل ترضى لنفسك أن ترافقها في ذلك ؟ بالله عليك، ما الغاية والهدف النبيل الذي تجنيه من ملاحقة الفتيات؟ أخبرنا به لكي نسير خلفك !!(1/28)
أعرف أنك تصمت خجلاً من الإجابة !! فاجابتك لا تقنع طفلاً ، فكيف لها أن تقنع رجلاً ؟! فيا أخي لو رأيت شاباً يلاحق أختك، أو يهاتفها ليلاً ماذا كنت فاعلاً ؟! لن تصمت خجلاً من الإجابة الآن، لأنك ستظهر رجلاً عفيفاً شريفاً، ذو كرامة ونخوة ! فستقتل وتذبح وتسجن …الخ، وقد تناسيت أن تلك الفتاة التي تلاحقها لها أهل يغارون على أعراضهم كما تغار! بالتأكيد أنهم سيفعلون كما كنت تريد أن تفعل لو وجدوا شاباً –أو وجدوك – مع ابنتهم ! فلا مجال حينئذ لطرح الاعذار أو تصحيح الأفهام ! بل في تلك اللحظة لن تتمكن من عدّ العصيّ التي انهمرت عليك ضرباً جراء فعلتك !!
الدرة السادسة
الجزاء من جنس العمل
تذكر دائماً ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ولا تنسى ( من يعمل سوء يجزى به ) والجزاء من جنس العمل، وأن الله يمهل لا يهمل، فاحذر أشد الحذر من عقاب الله، وإياكَ من محقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على المرء حتى يُهلكّنه .
أخي المسلم – إن كنت صاحب غيرة وشرف، إياكَ إذاً أن تتلاعب في مشاعر الفتيات، فإنها من المعاصي والذنوب والأمور المحرمة في الاسلام، ولتكن على حذر، فالأمر جد خطير، وأسوق لك قصة تبكي العين الخاشعة، وينفطر لها القلب المؤمن .(1)
__________
(1) أختي الغالية أنصحك بقراءة كتاب حراس الفضيلة للشيخ بكر أبوزيد ، وكتاب اقرئي يا فتاة الاسلام حتى لا تخدعي للشيخ صالح البليهي ، ولقد خصصتك أختي في رسالة أسميتها ( الدرر اللامعة في نصح فتاة الجامعة )(1/29)
قصة من الواقع ... عساك تعتبر (هذا الشاب لعب بعواطف ومشاعر فتاة ، تكررت المشاعر الكاذبة والعواطف الخدّاعة لتصبح المتغافلة سجينة سهلة للهدايا المتبادلة وللهواتف المتأخرة من الليل والرسائل الغرامية والمعاكسات المسجلة ، لتصبح وسيلة ضغط جيدة !! ليسلب بها أعز ما تملكه ! وما هي إلاّ لحظات حتى تركها وحدها تعاني العار والفضيحة، وقد انهمرت دموعها التي انهمرت من قبل فرحة بمعرفته !! ومرت الأيام وإنقضت، وكلٌ ذهب في طريقه، وبعد أعوام ليست طويلة عاد ذلك الذئب البشري إلى بيته في منتصف الليل منهكاً من العمل؛ ليُفاجئ بما لم يتوقعه ! إنها الفضيحة والعار الذي ألحقه بتلك الفتاة، يسري إلى بيته إلى أعز أحبائه . نعم ، فلقد وجد ابنته تعاني ما عانته تلك الفتاة !! ) فكما تدين تُدان ! فهذا ليس بالأمر الغريب !!
إن الزنا ديّن إن استقرضته ... كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم
من يزن في قوم بألفيّ درهم ... في أهله يُزنى بربع درهم
قل لي بربك ماذا تجني من سيرك مع تلك الفتاة التي خانت عهدها مع الله وثقة أهلها بها ؟! وخانت نفسها وظنت أنها شريفة !! فكن على حذر منها، فمن خان الله لا تؤمن عهوده ولا تقرب حدوده ، فإن كيدهن عظيم، من هانت عليها أن تدنس شرفها يهون عليها خيانة زوجها! فهل ترتجي أن تنكحها وأن تكون لك زوجة ؟!
أخي الحبيب – إن الفتاة التي تخون الله عز وجل ولا تخشاه توقّع منها أي شيء ، خاصة إذا اكتشفت أنك تتلاعب بعواطفها لتقضي وقت فراغك كما تزعمون ! فهي الآن تعيش ظروفاً صعبة ، وجئت أنت لتكون في نظرها فارس أحلامها !! فإنها لن تتوانى في عمل المصائد والمكائد لك، إذا علمت أنك أوهمتها وجعلتها مجرد تسلية لقضاء الوقت ، كن على حذر، أم تحسب أصابع اليد واحدة ؟ لا ورب الكعبة، فإن لم تنتقم هي فسيأتي من ينتقم !!(1/30)
إياكَ ثم إياكَ ، أن تقول ( إنما الأعمال بالنيات )(1) وأنا قلبي ابيض من الحليب … ونيّتي أنقى من الكثير ممن يدعون الالتزام … وأنوي الزواج فعلا ممّن أمشي معها! ولكن أنتظر الفرصة الجيدة حتى أؤسس نفسي ؟!! فلماذا لم تُؤسس نفسك قبل خداع تلك الفتاة ؟
مَلَّ السلامة فاغتدتْ لحظاته ... وقفاً على طلل يظن جميلاً
مازال يُتبع إثره لحظاته ... حتى تشحط بينهم قتيلا
الدرة السابعة
المعاكسات الهاتفية
كثير من الشباب بل العامة من الناس يتسامحون في أمور يظنونها صغيرة وهي تقدح في الاصول ... أوليس الجبال من الحصى !!
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن من الذنوب صغيرةً
ان الجبال من الحصى
نعم ، قد كان للشباب في صدر الاسلام دور كبير في حمل لواء الدعوة لأنحاء المعمورة ، والتاريخ خير شاهد على ذلك ، فلماذا أيها الشباب أراكم اليوم تقهقرتم عما كنتم عليه ؟!
في هذه الازمنة المتأخرة نلاحظ كثيراً من الشباب تقاعصوا في أداء واجبهم نحو هذا الدين ، وأصبح تعلقهم بالشهوات والمغريات الزائفة ، بل صاروا عبئاً على أهلهم ومجتمعهم !!!
ولا أعمم قولي على الشباب كافة ، فإن فيهم من أصبح قدوةً وقائد في الخير والعطاء في سبيل الله وابتغاء مرضاته ، واعلاء كلمته ، وحمل دعوة نبيه - صلى الله عليه وسلم - .
أخي الحبيب ،،، لا بدّ لك من جلسةٍ بسيطةٍ قصيرةٍ ، تقرأ فيها ما تحمله الآن بين يديّك في هذه الوريّقات المعدودة ، لتستحضر قلبك الطيب ، وعقلك الرشيد ، وتفكر فيما ستقرأه لتحكم على نفسك مع من أنت !!
__________
(1) الكثير من العوام يتلفظون بهذا الحديث ، وهم لا يعلمون ماذا يعني الحديث ، والمقصود من الحديث أن النية يجب أن تكون مطابقةً للعمل ، لأن ( الباء ) هنا تفيد المصاحبة . فما وقر بالقلب ظهر على الجوارح ، وصدقه العمل .(1/31)
أخي الجبيب ،،، لا أحد ينكر عليك أن ما تحمله في باطن كفك ، أو تضعه داخل جيبك ، أو تسكنه في بيتك ، حراماً شرعاً ، بل هو حلال مسموحٌ به . ولكن ضمن شروط الحلال والتزام أوامر الله فهو نعمةٌ منه على خلقه . أقصد في ذلك { الهاتف النقال ، أو الهاتف الثابت في البيت } . فمن فوائد هذه النعمة :
بر الوالدين : فالانسان يستطيع من خلاله أن يسأل عن والديه ويكلمهما ، ويطمئنّ عليهما ، ويطلب منهما الدعاء ... وفيه صلة الرحم ، والسؤال عن الاقارب ، ومّد جسور المحبة والمودّة بينه وبينهم(1) .
السؤال عن الاصدقاء وتفقد أحوالهم ، وادخال السرور الى قلوبهم .
التهنئة والتعزية لمن تعذر عليه الذهاب .
انجاز بعض الاعمال التجارية والمعاملات المختلفة .
وفيه طلب المساعدة والنجدة في الاوقات المفاجئة أو الطارئة ، وغيرها .
كيف نشكر النعمة
وبإتفاقنا على أن الهاتف نعمة ، إذناً فالنعمة تحتاج الى شكر ،و الشكر يكون بخضوع الشاكر للمشكور وحبّه له ، وأما إعترافك بنعمة الله عليك وجب منك ألا تستعمل نعمته في معصيته ، فذلك من أبشع صور العقوق والعصيان وكفران النعمة !
فأنت يا من تستخدم الهاتف في المعاكسات واصطياد الغافلات ، كيف تكون شاكراً ، وأنت أشد الناس إفساداً في الامة !! نعم فأنت تحاول تدنيس أعراض المسلمات . كيف تترجم أعمالك التي تهدف الى هدم البيوت وتشريد الابناء ، وزرع العداوة والبغضاء بين المسلمين ؟! كيف تكون شاكراً للنعمة ، وأنت تبارز ربك بالمعصية وتستخدم نعمه عليك لهتك أعراض المسلمات ؟!!
أيها المعاكس الغافل
__________
(1) لا أقصد هنا عدم زيارة الوالدين ، أو عدم السكن معهم ، والاكتفاء بالاتصال بهم ، وقد يكون هذا المسلك يناسب الابناء الذين يدرسون أو يعملون في خارج حدود المنطقة .(1/32)
أفق من سباتك قبل أن تدركك عقوبة رب الارض والسماء ، فتصبح من الخاسرين ، بادر أخي ، والبس درع الحرب وجرد السيف من الغمد ، وأخرج سهامك من كنانتك ، واتخذ موقعك في صف جند الله ، وابدأ المعركة مع الشيطان وحزبه ، واستعن بالرحمن، يعينك رب العالمين .
أخي الحبيب ،،، أعلم يهديني واياك الله ، أن ما تمارسه من اتصالاتٍ ليّليَةٍ أو جهرِيّةٍ ، إنماهي بريد الزنا ، ووسيلة للوقوع بالفاحشة ، وهي علامة على النقص الذي تعانيه في نفسك أو إشارة على مدى تقصيرك بجانب الله عزوجل { فالمعاكس نال بعمله ما يليق به من الوصف ، فكان من السفلة الذين يستغلون غيبةَ الراعي عن أهله ليتخذها فرصةً علَّه يجد من يستدرجه الى سفالته ،،، وهذا نوعٌ من الخلوة أو سبيل اليّها ، فهذا وأيّم الله حرام حرام ، وإثمٌ وجناح ، وفاعله حريٌّ بالعقوبة ، فيخشى عليه أن تنزل به عقوبة تلوّث وجه كرامته ...}(1)
أيها المعاكس لحظه من فضلك
أيها المعاكس ، لماذا خلقت ؟ وما هو هدفك في الحياة ؟ هل يقف عند رفع سماعة هاتفك لتسمع صوت رجل لتغلق الهاتف أو تسمع صوت إمرأة لا تعجبك ، فتفاجأ ببصقة في وجهك ! أم هدفك سماع صوت فتاة فتدمر بيتها ؟!
إنك لم تخلق للمعاكسات الهاتفية ، أو السير وراء الفتيات مدعياً أنه الحب ، وإنها الزمالة والصداقة والقرابة(2) !! لم تخلق للهو واللعب ، ولم تخلق لسماع الغناء والموسيقى وشرب الدخان ولبس السلسال !!!
بل خلقت لأمر عظيم ، خلقت لإقامة الدين وعبادة رب العالمين ( وما خلقت الجنّ والانس إلا ليعبدون ) (3) . وهذا قد مرّ ذكره .
__________
(1) جزء من فتوى الشيخ العلامة بكر أبو زيد – نشرة صادرة عن دار الوطن بعنوان ( المعاكسات الهاتفية حسرات واعترافات )
(2) هذا لايكون مبرراً لمعصيتك التي تفعلها ، لأن الاصل أن لا تسير معها من أي باب كان ، مالم تكن محرماً أو زوجاً .
(3) الذاريات الآية 56(1/33)
قال الحسن البصري " ما ضربت ببصري ، ولا نطقت بلساني ، ولا بطشت بيدي ، ولا نهضت على قدمي حتى أنظر أعلى طاعة أم على معصيّة ؟! فإن كانت طاعة تقدمت ، وإن كانت معصيّة تأخرت وتركت "
أيها المعاكس أغلق هاتفك
أخي الحبيب ،،، أغلق هاتفك وبادر الى التوبة ، فحذار حذار إن بقيت فإنك الى ما صاروا اليه سائر ، وعلى ما فعلت من الاعمال قادم ، وعلى ما فرطت في زمن الامهال نادم ... فعجل أخي وتب ، واعلم أن التوبة تجب ما قبلها وسيئاتك يبدلك الله بها حسنات ( إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ...) فاقلع عن الذنب واعزم على عدم العودة اليه ، واندم على مافات وياحبذا مع الندم البكاء ،،، فالبكاء من سمات الصدق في التوبة .
وخير ما يغسل العاصي مدامعه ... والدمع من تائبٍ أنقى من السحبِ
واياك والتردد أو التأخر ، فلك في قول الامام حسن البصري – رحمه الله – لحكمة حيث قال : ان قوماً ألهتهم أمانيّ المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة ، ويقول أحدهم : إني أحسن الظنّ بربي وكذب ... لو أحسن الظنّ لأحسن العمل .
خذ من شبابك قبل الموت والهرم ... وبادر التوب قبل الفوت والندم
واعلم بأنك مجزيٌّ ومرتهنٌ ... وراقب الله واحذر زلَّة القدمِ
أيها المعاكس ألم تعلم أن الفتاة التي تعاكسها هي من أفراد مجتمعك ! ويعني ذلك أنك تساهم في افساده ! نزولاً عند شهوتك !! بعكس وظيفتك التي كان يجب عليك أن تقوم بها وهي : الدعوة إلى الله واصلاح نفسك وأهلك ومجتمعك .
أيها المعاكس الغادر ، ما ذنب أهل الفتاة التي رضيت أن تكون حثالة مثلك ، بتدنيس عرضهم وشرفهم وسمعتهم !!
ايها المعاكس لو خيرت بين الموت أو أن ينتهك عرضك ، ماذا كنت تختار ؟! إذاً كيف ترضى لنفسك الوقوع في محارم الله ومحارم الناس ؟!!
ما هو شعورك الذي ينتابك وأنت تعيش في مجتمع خنته وهتكت محارمه وأفسدت نساءه وفتياته ؟!(1/34)
لم يردعك ضميرك وأن تقوم بتلك المعصية مرّة – مرتين – ثلاث... أم أنك مصر على الهلاك ؟ ليت الأمر يتوقف هنا ، بل هو سقوط يتلو سقوط في دنياك وآخرتك ، قال تعالى ( إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير )( فاطر: 6)
عليك بالعلاج ، قبل استفحال المرض
لا يختلف علاج المعاكسات عن علاج المعاصي المتعلقة بالشهوة ، لأن المعاكس إنما اتصل وعاكس ليظنّ بنفسه ظنّ السوء بأنه أشبع غريزته الشهوانية أو الحيوانية ، لذا فعلاج المعاكسات يمكن ان نذكره باختصار
تقوى الله وملازمة أمره واستشعار رقابته في السّر والعلن ، فالتقوى هي السلاح الاقوى في التخلص من أي معصية ، ومراقبة الله تدعوك الى تعظيمه ومخافته ، وأن لا يراك حيث نهاك
اذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل عليّ رقيبُ
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعةً ... ولا إن ما تخفي عليه يغيبُ
ألم ترَ أن اليوم أسرع ذاهبٌ ... وأن غداً لناظره قريبُ
عجل بالتوبة ، فالتوبة بابٌ مفتوح ، قد غفل عنه الكثير ، فبادر وكنّ من السباقين لاقتحامه .
لا تهدر وقتك بشيءٍ لا يفيد . فمثلاً احفظ من كتاب الله ما استطعت . أقرأ كتاباً مفيداً ، اسمع شريطاً تأخذ منه علماً أو فائدة ، اشغل وقت فراغك بزيارة المكتبة ،،، إلتزم حلقات العلم وحافظ على دروس العلماء ، والدعاة ...
حافظ على أداء الصلاة جماعة ، وأكثر من صيام النوافل ، وقيام الليل قدر استطاعتك فلا يكلف الله نفساً الا وسعها .
تجنب مجالسة أصحاب السوء من الزملاء والشباب .
لا تلتفت الى ما يقال عنك بعد توبتك ، واعلم أن من صدق التوبة انزعاج أصحاب السوء الذين كنت لهم خليلاً ، لأنهم علموا أنك على حق وهم على باطل .
تذكر دائماً أنك لا ترضى ذلك لأختك او ابنتك أو ...(1/35)
التفكر في عوقب هذه المعصية ، فكم من شهوة كسرت جاهاً ، ونكست رأساً ، وقبحت ذكراً ، وكم أورثت ذماً ، وأعقبت ذلاً ، وألزمت عاراً ،،، غير أن عين الهوى عمياء .
الدرة الثامنة
جاسوس القلوب ، وسارق المروءة
‘‘ الموسيقى والغناء ‘‘
إن " من مكايد عدو الله ومصايده، التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والدين والعقل، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين ، سماع الغناء والموسيقى المحرمة ، الذي يصد القلوب عن القرآن ، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان .
فالغناء كتاب الشيطان، والحجاب عن الرحمن، ورسول اللواط والزنا، وبه ينال الفاسق من معشوقة غاية المُنى، وأسوق لك – أخي - كلامٌ يجلي الصدور ويكشف ما وراء الستائر، ويحقّ به الحق على من ادعى لشيخ الإسلام ابن القيم الجوزية – رحمه الله - إذ يقول ( الغناء جاسوس القلوب، وسارق المروءة، وسوسُ العقل، يتغلغل في مكامن القلوب، ويدبّ الى محل التخييل فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والحماقة، فبينما ترى الرجل وعليه سِمة الوقار وبها العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة القرآن، فإذا سمع الغناء ومال إليه نقص عقله، وقلّ حياؤه وذهبت مروءته وفارقه بهاؤه وتخلى عنه وقاره وفرح به شيطانه ، وشكا الى الله إيمانه، وثقُل عليه قرآنه ... ثم قال:
تُليَ الكتاب فأطرقوا لا خيفةً ... لكنّه إطراقُ ساهٍ لاهي
وأتى الغناءُ فكالحمير تناهقوا ... والله ما رقصوا لأجل الله(1)
ودعْ عنك أدلة التحريم ؛ فهي كثيرة لا مجال لتعدادها ولك منها :
__________
(1) اغاثة اللهفان من مكايد الشيطان – العلامة ابن القيم الجوزيه – رحمه الله .(1/36)
يقول تعالى: ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ به عن سبيل الله بغير علم )(1). يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود في تفسير قوله تعالى ( والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء، وأقسم على ذلك ثلاث مرات، وأيّده في ذلك ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم جميعاً، وكذلك اتفق العلماء..
يقول تعالى مخاطباً الشيطان : ( واستفززْ من استطع منهم بصوتك )(2)قال علماؤنا الأفاضل ـ ومنهم ابن كثير والقرطبي وغيرهم ـ أن المراد بصوت الشيطان الغناء والمزامير.
يقول تعالى: ( أفَمِن هذا الحديث تضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون )(3) فالمعروف أن القرآن الكريم نزل بلُغات العرب، ولغات العرب متعددة، ومن ذلك ( السمود ) بلغة حِمْيَر ... قال الإمام القرطبي والشوكاني وابن الأعرابي، وكذلك أخرج الإمام البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( وأنتم سامدون ) أنه الغناء بالحِمْيَرِيّة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من جلس الى قِينةٍ صُبَّ في أُذنيه الآنِك يوم القيامة ) والآنِك هو الرصاص المُذاب.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة ؛ مزمار عند نغمة (وفي لفظ عند نعمة) ورنّة عند مصيبة ). رواه البيهقي والبزار وأشار لصحته في الجامع الصغير.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الغناء يُنبت النفاق في القلب كما يُنبت الماء البقل ). رواه البيهقي وابن أبي الدنيا وأبو داود.
هذا جزءٌ من كل وقلّةٌ من كثرة ، وحاشا لقول الله ورسوله أن يُريدا شاهداً يصدق قولهما، ولمعرفتي أن بعض شبابنا هاجراً لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، سائلاً المولى أن يهديهم ، سأسرد لهم أقوال الأئمة الأربعة – رضي الله عنهم - في الغناء :
__________
(1) سورة لقمان آية 6
(2) سورة الاسراء آية 64
(3) سورة النجم آية 61(1/37)
مذهب الحنفيّة : سماع الغناء فسق، والتلذذ به كفر، وهو حرام في جميع الأديان، وكيف يبيح الله ما يُقوّي النفاق ويدعو الى الرذيلة والفاحشة.
مذهب المالكية : سُئل الإمام مالك عن الغناء فقال : إذا جِيء بالحق والباطل يوم القيامة ففي أيهما يكون الغناء ؟! فقال السائل: في الباطل. قال الإمام مالك: والباطل في الجنة أم في النار ؟! قال السائل: في النار! قال الإمام: إذهب فقد أفتيتَ نفسك .
مذهب الشافعية : من استمع الى الغناء فهو سفيهٌ تُردّ شهادته !!
المذهب الحنبلي: يقول الإمام أحمد أنه يُنبت النفاق في القلب.. والغناء باطل؛ والباطل في النار.(1)
فيا مَن تسمعون الحرام ... أما تكفيكم هذه الأدلة الموجزة في تحريم الغناء ، والتفصيل يطول ؟! فلماذا هذا العناد والإصرار .. إن الله خلق لكم السمع لتسمعوا ما ينفعكم وما يرضاه ... وليس ما يضركم ويغضبه ...
أكثر الناس سكارى بالطرب ... وحيارى في متاهات اللعب
ليلهم سهوٌ ونوم جاثمٌ ... ونهارٌ في حطام ونشب
فهم أكسل شيء في التقى ... وعلى اللذات كالليث الهرب
ما كان الوحي يتلى بينهم ... ولهم منه حياة وأدب
فيا من استهوته الأغاني حيرانا ، ألا تشعر بالحرج والخذلان حينما تقول: أحفظُ جميع الأغاني الهابطة .. ولا أملكُ المقدرة والوقت الكافي لحفظ بعض أجزاء من القرآن الكريم .. بئس الشاب أنت حينئذٍ ..
أيها اللاهي عن عز وجل ... اتقِِ الله الذي عز وجل
واستمع قولاً به ضُرب المثل ... اعتزل ذكر الأغاني والغزل
وقل الفصل وجانب من هزل ... ذهب المتاع والإثم حل
__________
(1) المراجع في هذا الباب كثيرة ، راجع كتاب كيف نربي اولادنا – محمد جميل زينو ، أو فتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية ، أو المجموع الثمين في فتاوى ابن عثيمين(1/38)
فلعمرُك " كم من حُرةٍ صارت بالغناء من البغايا . وكم من حُرٍّ أصبح به عبداً للصبايا . وكم من غيورٍ تبدل به اسماً قبيحاً بين البرايا . وكم من ذي غنىً أصبح بسببه على الأرض بعد الحشايا . وكم من معافىً تعرض له فأمسى وقد حلّت به أنواع البلايا . وكم خبّأ لأهله من الرزايا - فافهم رحمك الله وهداك - واعلمْ أن أمامك يوماً عظيماً ، فيه نعيم مقيم ، أو عذاب أليم ، وأمور هائلات لن تنفعك معها الأفلام والشهوات وصوت الأوتار والأغنيات .
الدرة التاسعة
الطبق المشؤوم ، ماذا فعل ؟
أما أنت يا من تدعي الهداية وترجو إدراك الغاية فهل يليق بكونك مسلماً أن تحارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن تهدم عقيدتك وتقضي على أدبك وتفسد أخلاقك باسم الحضارة والتقدم الزائف ؟!
هل فكرت ببصرك عندما يأتي يوم القيامة ليشهد عليك ما رأيت به من المنكرات والمحرمات ؟ أم أنك ستبقى فاقداً للوعي في غرفة العناية المركزة تنتظر الوفاة ؟! ظاناً أنه لا يوجد حساب ولا عقاب !! أم انك تتجاهل وتحاول إخفاء ما تبديه من علمك الأكيد عن تلك القنوات الهابطة التي تدار بأيدٍ ماكرة هدفها نسف العقيدة والتوحيد من نفوسنا ، والقضاء على أخلاقنا ، وجعلنا شعوبا شهوانية هدفها المتعة الجنسية الساقطة ومعشوقها الصور المحرمة وكل تافه ورخيص - ولكن خابوا وخسروا .
وبالرغم من معرفتنا التامة لهذا مازال بعضا منا يشاهدون تلك المناظر القذرة المنحطة ، وكأن الأمر لا يعنيهم !! فكيف ترضى لنفسك ولأهلك ذلك أيها المسلم ؟ كيف ترضى لزوجتك وابنتك واختك أن تنظر إلى صور الممثلين الساقطين والراقصين ؟! كيف ترضى لهنّ أن ينظرن إلى عورات من يظهر في ذلك الدش؟! دون أن يتحرك لك ساكن ولا تثور لك مشاعر ، فإني لأبرئ منك أن أن تكون ديوث لا تغار على عرضك !! وبالمقابل كيف ترضين يا أختي ذلك لزوجك أو ابنك ؟! ينظر إلى عارية أو متبرجة أو سافرة … أين غيرتك وحياؤك وإيمانك ؟(1/39)
اسمع وأعقل ( شاب يشاهد أحد الأفلام الجنسية على الجهاز اللعين الدش، فيلتفت فلا يرى سوى أخته بجواره ، فيمارس معها الجنس عنوة ، ويدنس عرضها ...
وأخرى انحرفت تقول وهي تبكي بعد ما قبض عليها في قسم الشرطة : اذهبوا فأنظروا الى الأفلام التي عند أخي لكي تعذروني ....
وأما هذا الأب يروي قصته بلسان صدق ودمعة أسى وتقطع قلب . يقول : ( في ليلة من الليالي عدت الى المنزل متأخرا جدا ، وذلك بحكم طبيعة عملي ، وكالعادة استلقيت في غرفتي دون ان يعلم بقدومي احد ، لكن الغريب بالأمر هذه الوهلة أني سمعت أشبه ما يكون بالأصوات المتداخلة .
أخذت اتمعن هذه الأصوات فإذا بها (تمتمة) لا تكاد تبين حروفها ، فارتفعت دقات قلبي ولمّ بي همّ عجيب ، وداخلتني الشكوك لأول وهلة في حياتي ، فانطلقت الى غرفة زوجتي ففتحت الباب فإذا بها تنام ملء جفنها ، تنهدت وزالت الشكوك التي تعتصرني وحمدت الله وعدت لغرفتي ولكن كأنما الصوت داخل بيتي .(1/40)
قمت هذه المرة وقلت لعل الأبناء نسو ساعات الليل في ظل ما يشاهدون(1) كنت امشي برفق حتى أعرف ما الخبر ، وصلت الى الباب فاتضح لي أن الأصوات من داخل الغرفة ، والغرفة محكمة الإغلاق ... يوشك أن ينطق صوت مؤذن الفجر وأبنائي لا زالوا يسمرون ... تذكرت بابا للغرفة من الجانب الآخر فاتجهت اليه ، وصلت ، وضعت يدي على مقبضه ، انفرج بسهولة ، أنظر ، أتأمل ، أضرب في رأسي علني في حلم عابر ، لا ، بل المصيبة فعلا ، المأساة ، الجروح الدامية ، العار والفضيحة ، النهاية المرّة ، الولد يقع على أخته فيفضّ بكارتها ويهين كرامتها ، لم أتمالك نفسي أطلقت صوتا مذهلا ، سقطت مغشيا عليّ ، قامت الزوجة فزعة ، وقفت بنفسها على المأساة ، رأت ما لم يكن في الحسبان . ذلك ( الطبق المشؤوم ) يهتك ستر البيت ويشوه حاله ، يقضي على العفة النقية فيبدلها بآثار العار المخزي ، بنت في سن العشرين تنتظر المولود القادم من فعل أخيها التائه ... )(2)
وأخيراً ، أسألك ما الواقع العلمي الذي استفدته في حياتك من الدش ؟ وهل زاد إيمانك أم نقص ؟ وهل اقتربت من الله أم ابتعدت ؟! ألم تنظر إلى نفسك والى التغيير الذي حدث لها منذ أقبلت على مشاهدة قنوات العهر والفساد والضلالة ؟!
__________
(1) أي انهم أطالوا السهر وهم يشاهدون تلك القنوات ألاأخلاقية التي غابت عن الأب .
(2) اسمع لشريط ( حصاد الأفلام ) للشيخ د.إبراهيم الدويش ، وشريط ( أضرار التلفاز ) للشيخ د.سعد البريك. وشريط ( قصص وعبر ) للشيخ نبيل العوضي . وشريط ( عندما ينتحر العفاف ) للشيخ د. سعيد بن مسفر(1/41)
ماذا حدث ؟ لم يحدث شيء سوى كل رذيلة أضيفت إلى رصيدك وكل ضلالة أحيطت بك ! وكل صفة سيئة أصبحت من خصائصك !! فتب من معصيتك ، وستجد الله غفاراً رحيما . فيا الله كم حرفت هذه القنوات من مستقيم ؟ وكم نكست من ملتزم طائع ؟ وهدمت من منزل سعيد ؟ فإلى الله المشتكى . أخي الحبيب - طوق النجاة بجانبك ، فامدد إليه يدك لتنجو فهذه فرصتك ...
الدرة العاشرة
التقليد الأعمى.. والتعصب المُضلّ
إن ظاهرة التعصب " تمثل انحرافاً مَرَضيّاً، حينما لا تكون ذات مضمون ديني وأخلاقي كريم.. كالانتصار للحق ، وحينئذٍ يصبح الانتصار للحق بالحق ولا يُسمى تعصباً.. والتعصب أحد فروع الأنانية الفردية أو الجماعية، مثل الانسان الظالم لنفسه ينصره هواه وشهوته وظلمه وجماعته وزعيمه وإمامه بالباطل ويقاتل من أجلها أصحاب الحق. ومع الأسف قد نجد هذا التعصب موجوداً عند معظم الفرق والطوائف والأحزاب والجماعات بشكل عام والإسلامية منها بشكل خاص، حتى عند بعض العلماء منهم ـ سامحهم الله وهداهم "(1).
لذا أخاطب فيكم ضمائركم الطاهرة يا شباب الجامعات، فأنتم في مركز رفيع، وأصبحتم تملكون من العلم ما لم يملكه غيركم . أخاطبكم لأني أعلم أنكم على قدر المسؤولية، كيف لا .. وأنتم جيل المستقبل وحملة العلم والمعرفة، أخاطبكم بلسانٍ صادق وقلب مُحب.. لنبدأ العمل كلٌّ من مكانه ( ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ).
من أنت يا هذا أمالك في الورى ... عقل يفكر في الامور فيحسمُ
إني لأرجو أن أراك مزمجراً ... أنا مؤمن بمبادئي أنا مسلمُ
قد قمت أرقى في مدارج عزتي ... علمي دليلي والعزيمة سلمُ
لغة البطولة من خصائص أمتي ... عنا رواها الآخرون وترجموا
ذهب الرقاد فحدثي يا همتي ... ان العقيدة قوةٌ لا تهزمُ
__________
(1) بصائر المسلم المعاصر – الشيخ د. عبد الرحمن حنبكة الميداني(1/42)
كونوا على حذر قبل الإقدام على التقليد والتعصب لفرد أو فريق أو حزب.. ضعوهم في ميزان الحق ، فإن كانوا مع الحق فكونوا معهم وسدّد الله خطاكم وبارك فيكم. فنِعمَ الصحبة هم حينها ، وأي قدوة أفضل لكَ من سيد البشرية وخاتم المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم والسلف الصالح ، بئس الرجل أنتَ حينئذٍ إن لم تكن على نهجه وسنته وارشاداته النبوية المضيئة في ظلام هذا الزمن الدابس ، وحيرة هذه الجموع الكاسدة التائهة ، التي تبحث عن السعادة في المهلكات والمحرمات ، بئس القدوة التي تحيد عن كتاب الله ونهج وتعاليم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ونهج السلف الصالح ..(1) ، ويقول أسد السنة الهُمام أن ( أصول الدعوة السلفية قائمة على ثلاث دعائم : القرآن الكريم والسنة الصحيحة ، وفهمهما على منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم . وسبب ضلال الفرق كلّها – قديماً وحديثاً – هو عدم التمسّك بالداعمة الثالثة )(2) وأما شيخ الإسلام وفقيه زمانه يقول ( ومن أراد صلاح المجتمع الإسلامي أو الجتمعات الأخرى في هذه الدنيا بغير الطريق والوسائل والعوامل التي صلح بها الأولون ، فقد غلط ، وقال غير الحق )(3)
__________
(1) فائدة : شروط العمل المتقبل عند الله عزوجل هي ( ان يكون خالصاً لله تعالى ، وأن يوافق نهج وسنة رسول الله ) وكثيراً منا اليوم يظن أنه يسير على منهاج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهم بعيدين عنه كبعد الثرى والثريا – والله المستعان .
(2) الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الالباني - رحمه الله .
(3) الشيخ العلامة الفقيه عبد العزيز بن باز - رحمه الله .(1/43)
فيا أخي الحبيب.. كُن مع الله يكن الله معك . فلا تعتبر كل من يخالفك الرأي خصماً لك. وكل من يوافقك الرأي صديقاً لك. فقد يكون المخالف لك من أكثر الناس حرصاً وحفاظاً على مصلحتك. وفي المقابل قد يكون الموافق لك من أكثر الناس عداوةً وحرصاً على توريطك ... ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام )(1).. واعلم أخي في الله أن من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه...
الدرة الحادية عشر
إياك أن تكون مرسال سفاه
ما أكثر أخبار العالم اليوم فذاك يقول كلمة ، وهذا ينظمها شعرا ، واخر يجعلها مقالا وهكذا ... حتى يصبح كلام الناس دون ثبوت أو تأكد من صحة الرواية أو صدق الراوي فكم من رجل أصبح بين الناس كذابا وذلك لأمر يظنه الناس هيّناً وليس من الامر في شئ !
ولكن كفى أن يعلم أن الله أنزل فيه قراناً ونبي الله صلى الله عليه وسلم قال فيه حديثا، وعالما حذر منه قومًا فقال سبحانه تعالى ( يا ايها الذين امنو ان جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)(2) من العاقبة الوخيمة في حالة عدم التروي والتثبت . أما في السنة فكثيرة منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع )(3) قال المناوي رحمه الله ( أي اذا لم يتثبت لانه يسمع عادة الصدق والكذب ، فاذا حدث بكل ما سمع لا محالة يكذب ، والكذب الإخبار عن الشئ على غير ما هو عليه ، وان لم يتعمد لكن التعمد شرط الاثم )(4) .
__________
(1) سورة البقرة الآية 204
(2) الحجرات آية 6
(3) رواه مسلم
(4) فيض القدير 5/2(1/44)
فاحذر اخي الحبيب ، من الاشاعات ونقل الاخبار الكاذبة التي تجعل صاحبها منبوذاً مطروحاً خارج دائرة المحترمين والصادقين ، والاشاعة {هي عبارة عن أخبار مشكوك في صحتها ، ويتعذر التحقق من أصلها ، وتتعلق بموضوعات لها أهمية لدى الموجهة اليهم ، ويؤدي تصديقهم أو نشرهم لها الى اضعاف روحهم المعنوية .
لذا على ناقل الخبر ان يتروى ويتثبت في كل ما يقال ، وليحذر ان يبادر بالتصديق الفوري، فان الاصل البراءة التامة ، وتلك الاشاعة ناشئة طارئة، والاصل بقاء ما كان على ما كان حتى تقوم الادلة الواضحة على صدق ذلك الخبر وناقله ، لأن الاشاعة ليست كسائر الأخبار ، فلا تنقل إلا بعد التثبت والتأكد من صحة الخبر )(1) . بخلاف العلم المتعلق بالأمة كلها، قال العلامة ابن حجر العسقلاني ( وفيه الحث على تبليغ العلم ممن حفظه وفهمه ، وحث من لا يفهم على عدم التبليغ إلا إن كان يورده بلفظه ولا يتصرف فيه ) (2) .
فكم أفسد الراوي كلاماً بنقله ... وكم حرّف المنقوم قومُ وصحفوا
لذا وجب عليك التروي واستشارة أهل العلم لأنهم أدرى بمصلحة الأمة والفرد والمجتمع ، بحكم خبرتهم وعلمهم . بل قد بين الله تعالى أن مشورة أهل العلم والأمر في مثل هذه الامور هي الافضل والمسلك السليم ، حيث قال ( واذا جاءهم أمرٌ من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه الى الرسول والى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان الا قليلاً )(3) .
الدرة الثانية عشر
أيُها الشاب ، لماذا تُدَخِن ؟!!
__________
(1) الاشاعة / عبد العزيز السدحان
(2) الفتح 12/155
(3) النساء ( 83 )(1/45)
أما هذا السؤال فيُحيّرني عندما أرى شاباً يحمل مرضه بيده . ويحرق ماله دون تردد . وإذا قلتَ له : اتقِ الله أخذته العزة بالإثم . وأخذ يظهر براعته في معصية الله ويقول: ( مالي وصحتي وأنا حر بحالي.. ) قد أقنع نفسه بهذه المعصية والمقولة الخاطئة . والتي تدل على مدى الإصرار على المعاصي والمكابرة والتجرؤ على الله .
أيها المسكين : ألم تسأل نفسك وتجبها بصراحة : لماذا أبدو كالمُسنّ الهرم ؟! وما الذي يصيبني في كل صباح من نباح وصياح.. ألم تسألها: لماذا أسناني هكذا ؟! أم أن هذا اللون يعجبك لأنه أصفر كلون الشمس؟!
وبه الثنايا اللؤلؤية أفسدت ... بقبيح لونٍ سواده وصفاره
كانت كمثل الدّر حسناً شأنها ... من نفخها الشدقين في مزماره
وترى الصفار على شواربه بدا ... من جذبه الدخان من منخاره(1)
أخي الشاب .. كم من بنطال وقميص حرقتَ بسيجارتك. وكم من مسلم برائحة مُنكَركَ آذيت. وكم لعنة من الملائكة لنفسك جلبت ؟!
كم في الدخان معائب ومكاره ... دلت رذائله على انكاره
سأريك بعضاً من معائب شربه ... يا صاحبي أحببتني أما كاره
يؤذي الكرام الكاتبين بنتنه ... وأمام وجهك شعلةٌ من ناره
كم من نقود يا فتى وملابس ... أتلفتها بشرائه وشراره (2)
أخي الشاب أسألك فأجب : أين بدأت التدخين؟! لماذا تخجل بأن تقول في دورة المياه ! هذا ما قاله لي أحد زملائك ! أو أنك كنت تمشي أكثر من كيلو متر حتى تصل إلى مكان لا يراك فيه أبيك! وقد تناسيت أن الله يعلم ما تسرون وما تعلنون .
تستحي وتدعي مكارم الأخلاق وحسن العادات من الامتناع عن التدخين أمام ناظر أبيك، ومن هم أكبر منك سناً ، ونسيت قوله تعالى ( والله أحق أن تخشوه ) يا لك من متغافل تستحي من الخلق ولا تستحي من الخالق !!
__________
(1) رسالة الى مدخن مع التحية
(2) المرجع السابق(1/46)
أم أنك ما زلت مُصراً على أن ( زينة الشاب سيجارته ) تباً للذي أقنعك بهذا، فوالله لقد عقرك وخانك! ولكن أفلح من قال ( أولها دلع ، وآخرها ولع ) .
أزينتُكَ باصفرار أسنانك؟أم بتجاعيد وجهك ؟ أم باسوداد عينيك ؟ أم رائحة فمك النتنة ؟ أم هي بذلك المنظر المقزز وركام الدُخان قد خرج من فيك ؟! والله لا أعرف أين الزينة في ذلك ؟
يا عبد الله - يامن تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، إن هذا العمل الذي تقوم به لا يحبه من تحبهم، بل إن الله عز وجل يقول:
( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً )(1) فكيف تريد من الله أن يحبك، وأنت ما زلت للشيطان أخاً ومعيناً !!
ورضيت فيه بأن تكون مبذراً ... وأخو المبذر لم يكن يخفاكا
تمهل سأقول لك كيف، إذا كنت عاقلاً لا يخفى عليك أن من يدخن علبة واحدة يومياً أي ما قيمته (30 دينارشهريا ) أي ما يعادل (360 دينارسنوياُ ) وباعتبار أن المدخن يدخن لمدة أربعين سنة ، على وجه التقريب، فإن ما ينفقه على تدخين علبة واحدة يومياً في عمره يساوي (14400 دينار )!
ولو اعتبرنا أن المدخن يدخن علبتين يومياً، فالمبلغ يصبح (28800 دينار ) في عمره !! وقس عليها إذا كان أكثر! فهل أنفقت أيها المدخن في عمرك قدر ما تدخن صدقة لله؟! فكم ضيع التدخين عليك من خير ؟! ولو كان فيك عقل لدخرتها لأبنائك عساهم يذكرونك بخير وبدعوة صالحة . أرأيتَ كيف هو حال المبذرين أمثالك ؟!
( ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث )(2) والدخان لا شك أنه من الخبائث .
( وإثمهما أكبر من نفعهما )(3) والدخان كله ضرر"كما سيأتي"
( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )(4) والدخان يوقع الأمراض المهلكة كالسرطان.
( ولا تقتلوا أنفسكم )(5) والدخان قتل بطيء .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار ) .
__________
(1) سورة الاسراء آية 27
(2) سورة الأعراف آية 157
(3) سورة البقرة آية 219
(4) سورة البقرة آية 195
(5) سورة النساء آية 29(1/47)
قال صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ) ورائحة المدخن نتنه ورائحة الدخان تؤذي الزوجة والولد والجار في المجلس والمسجد .
وقال صلى الله عليه وسلم (كل أمّتي معافى إلا المجاهرين ) والمدخن يتبجح بمعصيته ويجاهر بها ويشجع الآخرين عليها!
أخي الحبيب - إن هذا الوباء الذي تتعاطاه هو سمّ يسري في جسدك وسيفتك بك لا محالة طال الزمان أو قصر . فخذ هذه الحقائق وقنع، ولعلك تعقل أو تسمع، ويرجع لك صوابك و تخشع .
أيها المدخن – اني والله لك ناصح ، وعليك حريص - وأحببت أن أضيف الى معلوماتك أموراً يجب أن تعلمها لتعرف مدى فداحة هذا البلاء وعظم المصيبة التي وقعت فيها ، لقد أشار الفريق العلمي البريطاني التابع لجامعة بريستول أن كل سيجارة تقتطع في المتوسط (11) دقيقة من عمر المدخن !!
بالله عليك، ماذا ستقول لله عز وجل عندما يسألك عن تلك الدقائق فيما أمضيتها ؟! بأي لسان ستقول له في شرب الهوى وإسراف المال!وفي هذا الكتاب لست بصدد ذكر أمراض التدخين، فكتب العلم والصحة بهذا الموضوع كثيرة ! ولكني أرغب في الحديث عن بعض مكونات السيجارة التي تحرق قلبك بها ظاناً أنها تُريح الأعصاب، يا لك من متجاهل خداعاً لنفسك !!
لا داعي لتدخل مجلس الأمن الدولي
أيها المدخن: تمسك بيدك سيجارة لو علم مجلس الأمن الدولي أنك تستطيع الاستفادة من مكوناتها، لكوّن فِرق تفتيش عن مصانع ومحلات السجائر في الوطن العربي ليجعلها ضمن مصانع أسلحة الدمار الشامل !! اسمع إلى مكونات سيجارتك الملعونة، التي لا تبقي ولا تذر من روح الشباب إلا المنظر:
الآسيتين والآموينا: اللتان تدخلان في تكوين منظفات الحمامات والبلاط (1)
البوتان: نوع من الوقود الخفيف يستخدم لطائرات غالباً .
الميثالول: يدخل في صناعة وقود الصواريخ .
__________
(1) - الفريق العلمي البريطاني الآنف الذكر ، نقلتها لك من كتاب ( رسالة الى مدخن مع التحية – الشيخ سليمان المفرج )(1/48)
سيانيد الهيدروجين: الغاز المستخدم لتنفيذ أحكام الإعدام .
أول أكسيد الكربون: الذي يلوث الجو فهو من عادمات المركبات فوجودك يعتبر ملوثاً للبيئة .
القار: المادة المسؤولة عن جعلك عبداً ذليلاً لسيجارتك وهي مادة مسرطنة .
الأمونياك : غاز يؤثر على العينين ، واليه يعزى احمرار عيني المدخن .
سيان هيدريك : غاز شديد السميّة ، يؤدي هذا الغاز الى العقم عند الرجال لتعطيله انتاج الحيوانات المنوية ، وعند النساء لتعطيله عملية التبويض .
فهنيئاً لك على هذه الأطعمة اللذيذة التي لا تغبطُ عليها! فمتى يا أخي تصحو إن لم تصحو الآن؟! فحتى متى تبقى مُصِراً على ذنبك ومعصيتك؟!
يا شارب التنباك ما أجراكا ... من ذا الذي في شربه أفتاكا
أتظن أن شرابه مستعذبٌ ... أم هل تظن بأن فيه غذاكا
هل فيه نفع ظاهرٌ لكَ يا فتى (1) ... كلا فلا فيه سوى أيذاكا
ومضرّه تبدو وخبثُ زوائحُ ... مكروهة تؤذي بها جلساكا
وفتور جسم واتخاذ مفاصل ... مع ضيق أنفاس وضعف قواكا
واتلاف مالٍ لا تجد عوضاً له ... إلا دخاناً قد حش أحشاكا
وإذا حضرت بمجلس واستنشقوا ... من فيك ريحاً يكرهون لقاكا
يكفيك ذماً فيه أن جميع من ... كان يشربه يود فكاكا
فارق بنفسك واتبع آثار من ... أهداك لا من فيه قد أغواكا
إني نصحتك لإاستمع لنصحتي ... ونهيت فاتبع قول من نهاكا(2)
وبذلت قولي ناصحا لك يا فتى ... فعساك تقبل ما أقول عساكا
الدرة الثالثة عشر
كن رجلاً كما عرفناك
__________
(1) التدخين والدخان لا يقتصر ضرره على صغار السننّ بل ضرره على كبار السن أكثر وأشد فتكاً بهم .
(2) رسالة إلى مدخن مع التحية(1/49)
أنا خجول بأن أحدثك بهذا الموضوع ! كيف ترضى بأن تكون فتاة ! وتتخلى عن رجولتك! كيف تسمح لنفسك أن تخذل أباك؟ كيف ترضى أن تجعله محرجاً أمام الناس، إذا سُئلَ عن طريق التقادير كم ولداً لك ؟! كن على يقين أن أباك سيكون في مأزق كبير إذا ذكرك معهم ! لأنك ستخذله حتماً بلبسك تلك (الإسوارة) أو ذلك (الجنزير) أو ( الرسن) في عنقك!! ويكفيك هذا الإحراج إذا كنت من العقلاء .. وإذا كنت تملك أخلاقاً، لما خالفت دينك وعاداتك الأصيلة !
وكما تعاهدنا من قبل على التحدث بصراحة، قلي: هل رأيت يوما شيحا كبيرا بالسن يلبس عقدا أو سلسالا ؟! بماذا تشعر وأنت تلبس ذلك "الجنزير" أو "السلسال" أو "العُقد" بغضّ النظر عن اسمه؟! ما هي اللذة التي تحصل عليها من لبسك إياه؟ أتقبل اقتراحي ،ما رأيك لو ترتدي فستاناً كاملاً وتنظر إلى منظرك كم يبدو جميلاً! وكأن الكلام لم يعجبك، أيضاً لا تحب الإحتشام ، مازلت مُصراً على أن تبقى فتاة سافرة متبرجة !!
أخي يرعاك الله - أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء ..) وهكذا ترضى لنفسك مرة أخرى أن ترضي شيطانك وتعصي ربك ! أوتدري ماذا تعني اللعنة ؟! إنها ليست بالأمر البسيط، إنها تعني الخروج والطرد من رحمة الله، فإن غضب الله عليك فمن يرحمك؟ وإذا طردك من كنفه من يعيدك؟!
فوالله جعلتني في حيرة من أمري ، هل أخاطبك بصيغة التذكير أم التأنيث ؟! فلتعد إلى رشدك وتسترد عقلك، وتبقى على رجولتك!
الدرة الرابعة عشر
لا أستطيع التمييز ، من أنتْ ؟!
أما أنت ، كيف لي أن أعرفك لولا انني سمعتك تنادي عليّ بصوت رجل !! عذراً فإنني لا انظر اليك حياءً وغضاً للبصر !! فلقد أمر الله تعالى بغض البصر ، أم تنكر هذا ؟ عجباً يميل بوجهه عني لكي لا اشعر بالحرج !صدقت لقد نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن مخالطة ألأمرض خوفاً من الفتنة !!(1/50)
استبيحك عذراً ، هل لي أن أسألك سؤالاً واحد ؟ لِمَ تخالف سنة نبيك وتقتفي أثر الكافرين من أعداء ملتك ؟!
أم أن منظرك كالنساء يعجبك كثيراً ! أو ليس الله عندما خلق كِلا الجنسين جعل لكل منهم وظيفته التي تلائمه ؟! أم أنك لست راض عن خلق الله بأنك ذكر !! وتتمنى لو أنك أنثى !! قد وافقك الرأي فبعض النساء خيرُ منك ومن أمثالك !! لأنها تلتزم ما أوجب الله ورسوله الكريم عليها .
أما أنت تخالف أمرهما جهاراً نهاراً دون حياءِ !! قلي بالله عليك ، أترى نفسك جميلاً وأنت في زمرة المخنثين !! أم تعد نفسك لبقاً حين تبارز الله بمعصيتك في كل صباح !! ناهيك عن المعارك الضارية مع الزوجة والأبناء ، أو الأم والأخت التي تسبق صلاة الجمعة وأنت تبحث عن ادوات الحلاقة ، لتنصر شيطانك ، وتبوء بغضب من الله ! فلا يكفيك أنك عاصِ لله ، ثم بعد ذلك تجاهر في معصيتك ! أو ما علمت أن حلق اللحية من الأمور المحرمة شرعاً كما دلت على ذلك النصوص الشرعية(1) . اسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول ( اعفوا اللحى وحفوا الشوارب .. ) ( أرخوا اللحى .. ) ( وفروا اللحى .. ) ( أوفوا اللحى .. ) هذا ما يدل على وجوب الالتزام بإعفاء اللحى ، لأن الأمر يفيد الوجوب والنهي يفيد التحريم . أم أنك رضيت لنفسك أن تكون مع الخوالف والمجاهرين بالمعاصي .
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً ... ورافلاً في ثياب الغيّ نشوانا
مضى الزمان وولى العمر في لعب ... يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
الدرة الخامسة عشر
هل قبلت أن تكون ماعزاً أو مرنزاً
__________
(1) ولست بصدد ذكر الأدلة التي توجب اطلاق اللحية وتحريم حلقها وهي كثيرة، وكيفيك أن تقرأ رسالة ( حكم الدين باللحية والتدخين ) لفضيلة الشيخ علي الحلبي . أو وفتاوى العلماء بحق حالق اللحية .(1/51)
عندما أراك ترتسم على شفتاي ابتسامة تملؤها الأسى !! فمنظرك يبدو مضحكاً جداً ! من فعل بك هذا ؟ اذهب وانظر إلى نفسك ، لتتيقن كم منظرك مضحك !!
وما الذي يضحكك من منظري ؟ هذا مود يل العصر ! أم تريدني أن أعيش في القرن الاول الهجري ، يا لك من متخلف ، وصل الناس إلى القمر ومازلت تقول لي لماذا تحلق شعرك كالماعز . يقول لي هذا مود يل العصر وحضارة اليوم ، هكذا يحلِقُ الأمريكان ، أم أن الغرب وحضارتهم لا تعجبك !!
حقاً أنهم غرقى فمن ينقذهم ! أقول له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول لي قال الامريكان وحضارة العصر المدمرة ! أقول له ما ينبغي أن يكون عليه كونه مسلما يعتز بإسلامه ، ويأبى إلا أن يكون ماعزاً غربياً !!
بالله عليك ، يا من تحلق رأسكَ متشبهاً بالحيوانات ألا تشعر بالحرج عند مرورك بالقرب من سربٍ من الماشية ؟! ألم تسأل نفسك يوماً سؤالاً صريحاً ، ماذا أجني من حلقِ رأسي هكذا ؟! ألا تستحي من نفسك وأنت تسير إلى جانب أبيك ؟ أو وأنت تسير بالقرب من الرجال المعروفين بإحترامهم ومكانتهم ؟!
لماذا تجبر الجميع أن ينتقدك ؟! فلعمرك ، ماذا أقول لك ؟! لماذا تسخر من نفسك ليسخر منك الآخرين ؟! لماذا مازلت مصِراً على التخلي عن شريعتك الغراء وأصلك العريق … لماذا أنت مصمم على الانحلال من أخلاقك ؟!
نعم ، بئس الشاب أنت حينئِذٍ . أم أن تشبهك وتقليدك للكافرين من الامريكان والغرب يرضيك ؟! ألم تعلم أن رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم قال ( من تشبه بقومٍ فهو منهم ) وقال صلى الله عليه وسلم ( من أحب قومٍ حشِرَ معهم ) فحلق رأسك هكذا ينافي مما ينبغي أن تكون عليه من الاحترام والتقدير !! فنصيحتي لك ولمن يحلق ( المار ينز ) أن تتوبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يرحمكم ويتوب عليكم ، فتنبهوا لما يراد بكم فالقضية اخطر من مجرد قصّةِ شعر !!!
الدرة السادسة عشر
ماذا يعني تقليب الاوراق(1/52)
تراه ممعن البصر ، ساكن الحركة ، قد ركز جميع حواسه وأعصابه في ما يحمل بين أصابعه ، خائف على المستقبل الغائب ، يفكر مليّاً يهدر وقته ويعبث في شبابه ، قد أضاع زهرة عمره فيما يغضب الله عز وجل !!
وكم حاولت أن أوجهه ، لكنه يأبى إلا الضلالة والهلاك ، ثم يقول لك دون مبالاه ( مالك ومالي ، كل واحد حر بحاله ) فأنت تسعى جاداً في هدايته ونصحه وإخراجه من الظلومات إلى النور ، لكن دون جدوى … بينما هو يسعى جاداً ومجتهداً على أن يبقى في ضلالته وعناده وفسوقه … يرفض النصيحة والمحبة المهداة إليه ، ويصر على أن يبقى في صف الغاوين والبعيدين عن محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
أسألك : لماذا تهدر وقتك الثمين في لعب ورق الشدّة ؟! وبالحال سيردّ علي : وهل هي حرام ؟!
نعم ، هي حرام . فهي مضيعة للوقت ، مهلكة للمال . فبالله عليك بأي لسان ستجيب الله عز وجل عندما يسألك عن تلك الساعات ، بل قُل : الأيام الطوال !!
ماذا ستقول لمولاك عندما يسألك عن مالك فيما أنفقته ؟! أما تستحي من نفسك أو من أصغر أطفالك عندما يطلب منك ثمن حقيبته المدرسيّه ، فلا يجد في جيبك ما يصبو إليه !! أما تخجل من طولِكَ وعرضِكَ ، وأنت أصبحت شاباً قوياً في ريعان شبابه وهيجان عمره ، أن تقضي جميع أو أغلب وقتك داخل حجرة قد ملئة بدخان السجائر وقبح الشتائم !! ما أتفه عقلكَ وما أقلَ شأنك وما أسفهه فكرك إذا ما بقيت تجلس معهم لتحرق وقتك ، وتهدر عمرك وتضيع عملك !!
أيها الأخ الحبيب ،،، نصحتك بالله ومن اجل الله ، فهل ستكون على قدر من الرجولة والمروءة ؟! أم أنك تريد أن يبقى كلامي هذا حجة عليك يوم القيامة ؟!
الدرة السابعة عشر
الإعلام بين خيانة النقل واحباط الأمل(1/53)
ومن آثار خيانة النقل ظهور أنواع الانحرافات في صفوف الشباب بسبب مشاهدة فيلم أو تمثيلية ؛ حيث أن المادة المقدمة لا تميز بين جرائم القتل و الاغتصاب و السرقة و المخدرات ،وبين المواد القليلة المتصلة بالنواحي العلمية . كما أن الصلة مفقودة بين أجهزة الإعلام و التربية .
وبالطبع ستكون أحلام الشباب متناسبة مع أفكارهم الجديدة وأقصى ما يتمنوه الآن أن يكونوا مثل من يقتدون بهم ، فلو سألت شاباً عن أحلامه وطموحاته لن يكون غريباً أن تكون اجابته : أتمنى أن يصبح مثل ( ذلك المغني الساقط ، أو الممثل الفاجر ، أو ...) بل ، حتى الشخصيات التاريخية الواجب الاقتداء بها في نظره أصبحت شخصيات كافرة أو فاسقة ، أمثال : بونابرت ، تشرشل ، هتلر ... وغيرهم ممن كانوا ألدّ أعداء الاسلام والمسلمين .
واختفت الصور المشرقة والمضيئة للصحابة والتابعين والصالحين من أسلاف الأمة المحمدية الخالدة عند هؤلاء المساكين من شباب هذا العصر المتأخر المدعي الحضارة . تشوهت صورة هارون الرشيد ، وطارق بن زياد ، وخالد بن الوليد ، وعمر بن عبد العزيز .
فأصبح الاعلام الضال المعاصر يكاد لا يخلو من الكذب والتأويل على العلماء والمجاهدين وأمراء المسلمين ، فالإمام ( فلان ) لا بد أن يعشق في الفلم أو المسلسل وإلا فما الفائدة من الجنس الناعم في الفلم أو ما يسمى البطلة ؟!(1/54)
أما عن الغرائز والمشاعر فحدث ولا حرج ، فلقد ساهمت وسائل الاعلام مساهمة خطيرة في استثارة غريزة الجنس والغرائز الشهوانية لدى الشباب عامة والمراهق منهم خاصة . ولم تدع وسيلة شيطانية إلا وأتت بها لتصب الزيت على موقد الغريزة الغائرة عند الشباب عن طريق الأفلام الساقطة والمشاهد المتلهبة والقصص الغرامية الكاذبة ، التي لا تكاد تخلو منها البرامج التي تعرض عبر تلك الشاشة الهدامة والآلة المفسدة ، حتى نشرة الاخبار الاقتصادية ( أصبحت المذيعة شبه عارية لأنها تتكلم عن سعر ارتفاع برميل النفط فالجو حار والحرارة بإرتفاع / أما بالنسبة لمذيعة الاخبار الرياضية فهي أشد عُرِيًّا فهي لا تكاد ترتدي شيئاً لأنها تتكلم عن السباحة والبليه ... ) وكذلك أصبحن النساء اللواتي يواظبنَ على مشاهدة المفسديون يتمنيّنَ أن يشاهدن مذيع !!
ومما يحيرني ويشغلني كثيراً ، هل حرية المرأة تتمثل بظهورها شبه عارية في دعاية الرجال ؟! فما شأن المرأة بالدعاية التي تسوق ملابس الرجال ، بل ما شأنها بالدعاية التي تتعلق بأحذية الرجال !! أليس هذا دليل على إهانتها وعدم احترامها وقلة شأنها لدى أدعياء الحرية المقيدة بالانحطاط !!
ولا تقف مشاكل المفسديون الى هذا الحد ، بل تمتد الى أن الفتاة لن تقبل بأي شاب يتقدم لخطبتها ! لأنها ترسم في مخيلتها الفقيرة للعفة فارس أحلامها التي رأته في ذلك المفسديون المضل ، وإن بدى لك أنها تزوجت من ذلك الشاب ، لا تلبث حتى تسمع أنها طالق بالثلاث ! لأن زوجها المسكين لمّا عاد إلى منزله رأى ( القبلّة ) على شاشة المفسديون !(1/55)
ومما زاد الطين بِلة ، والجرح إيلاماً أن تجد الأب يوافق أبنائه الرأي والمشورة !! فيصور له شيطانه أن ذلك من باب الحضارة والتقدم والتماشي مع العصر ! فلم يلبث طويلاً ذلك الأب المخدوع حتى رأى ما لم يكن يتوخاه " الولد يعاشر أخته ... " (1) هذا ( بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ) (2) . وأنهي هذا الموضوع أن الاعلام من أخطر الوسائل وأكثرها اسهاماً في تضليل الشباب وتدمير حياتهم الدينية والدنيوية ، اذا لم يخضع للرقابة والمتابعة والحذر ممن يقوم به ويعده ويخرجه ... والعكس صحيح (3).
الدرة الثامنة عشر
الإنترنت بين الحلال والحرام
كان لا ينام عن صلاة الفجر ، وكان يصلي كل فرض في وقته ويخصص يوماً في الاسبوع على الأقل يتفقد أحوال المساكين أو يصل أرحامه أو يساعد فيه محتاجاً أو ... لم يتوانا يوماً في تفقد المساجد وأحوالها .
فجأة ، ودون سابق انذار ، لم يلبث حتى انقلب رأساً على عقب ، وبطناً على ظهر ، ابتليّ بابتلاء عظيم ! عندما رأى تلك الصور الخليعة للفاجرات ، أصبح لا يعرف الصلاة وكأنها محيت من قاموسه !! قال تعالى ( ومن يتبع غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه ) آل عمران :85
__________
(1) إقرأ الدرة العاشرة (الطبق المشؤوم ماذا فعل )
(2) سورة الحج ، آية (10)
(3) حبذا لو تقرأ كتاب ( المتهم الأول ) للشيخ وحيد عبد السلام بالي(1/56)
هل انتبهت لذلك الطالب عندما يدخل بوابة الجامعة لا يلبث حتى يتوجه الى ما يسمونه ( كوفي شوب ) وبلغة العوام العقلاء ( خراب البيوت ) (1)، وهناك جميعكم يعرف ما يجري !! فهذا منهمك في البحث عن فتاة تجيد لغة العيون والألغاز القصيرة ... وذلك يبحث عن ذات الصوت الرفيع والمسمع العميق ... وآخر يترقب الفرص ليصطاد فريسته الجميلة !! ولكن الدليل والبرهان على تفاهة ذلك الشاب تكمن عندما يكتشف أنه أمضى يومه وهو يحكي مع شاب منغمر في الشهوات مثله ( قل كلٌ يعمل على شاكلته ) (2) .
ومع غياب التوجيه و الإرشاد أو قلته في خضم اللهو و الفساد المتراكم لابد أن ينزلق الشباب و يقع في الفخ الذي نصبه أعداء الأمه ، بل و سعروا نيران الغريزة الجنسية عن طريق ما تبثه شبكة الإنترنت من إباحية بصورة لا تكاد تتخيل ، تدع المرء حيران، و صاحب الهم يزداد هما ،ماذا نفعل أمام هذا الإعصار الهائج الذي لا يبقي في طريقه و لايذر خلية حية إلا أصابها - إلا ما رحم ربي .
و في دراسة أجريت على 252فتاة منحرفة بين سن 14-18 سنة تبين أن 25 % منهن مارسن الجنس نتيجة مشاهدتهن لقطات جنسية مثيرة بالسينما و 41 % قادتهن المشاهدإلىالحفلات الصاخبة و الملاهي الليلية و 4 % هربن من المدرسة لمشاهدة الأفلام و17 % تركن المنزل لخلاف مع الأهل حول ذهابهن إلى السينما .. كما جاء في تقرير الهيئة الصحية العالمية عن انحراف الأحداث على لسان أحد القضاة الفرنسيين العاملين فيها يقول : ( لا يخالجني أي تردد أن أعلن بأن الأفلام و خاصة البوليسية المثيرة لها معظم الأثر الضار على غالبية حالات الانحراف لدى الأحداث )(3) .
__________
(1) لا تؤخذ الأحكام الشرعية الا من القرآن الكريم والسنة المطهرة بداية ثم تأتي المصادر الثانوية من اجماع وقياس واجتهاد ...
(2) سورة الاسراء (85)
(3) الاحداث : الاطفال والصبية والشباب الذين لم يتجاوزوا سن العشرين تقريباً(1/57)
أما عن مخاطر شبكة الإنترنت على الشباب فيكفي أنهم اكثر مرتاديها بعد أن تعددت وسائل الإغواء والإغراء أصبح لديهم خصوصية الاتصال بالفتيات إن لم يكن مسموحا في المنزل ففي النادي أو المقهى أو غيرها . وأصبح التعارف المشبوه هو شعار مزيف يردده الكثيرون واعجب ما يقال وينادى به تحت ستار الحرية البراق دع الشباب يتعرف ويتصفح ويغوض فنحن في زمن الإنترنت وما نتيجة هذه المعادلة ( مراهقة + حرية + غياب الرقابة الإسلامية = زنا + لواط + مخدرات + خيانة ... )
أخي مستخدم الانترنت
ألا تعلم أن داء الشهوة والغرام يؤدي بالانسان اذا تعلق به ودخل في قلبه الى الوصول أحياناً الى الكفر بالله سبحانه !! والقصص على هذا الشيء كثيرة جداً ومعروفة .
أخي الحبيب - أين نحن من أسلاف الأمة ، كان الربيع بن خثيم من شدة غضه لبصره واطراقه برأسه تظن النساء أنه أعمى ! أما الإمام محمد بن سيرين يقول : والله ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا في منام غير أم عبد الله – أي زوجته – وإني لأرى المرأة في المنام فأذكر أنها لا تحل لي فأصرف ببصري عنها ! نعم أين نحن من السلف الصالح .
اخي مستخدم الانترنت - اذا ضغطت بأناملك على لوحة المفاتيح للإتصال على أحد المواقع وقبل أن تضغط على مفتاح الادخال (ENTER ) تذكر أن الله سبحانه وتعالى أقرب اليك من حبل الوريد .
وختاماً لهذا الموضوع الطويل الذي لم نوفيه حقه في التحذير منه ، أذكرك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : ( بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مسلماً ويمسي كافراً ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ... ) فانتبه يرحمك الله .
صندوق الدرر النافعة
ستنال ما لم ينلْه غيرُكَ من الخير(1/58)
يا بائعاً نفسه بهوى من حبه ضنى ، ووصله أذى ، وحسنه الى فناء ، لقد بعت أنفس الاشياء بثمن بخس ، كأنك لم تعرف قدر السلعة ولا خسة الثمن ، حتى إذا قدمت يوم التغابن تبين لك الغبن في عقد التبايع !! فسلعة الله ليست رخيصة ، وسلعة الله هي الجنة ، وثمنها الايمان والعمل الصالح ، فكيف ترضى ببيعها بجزء لا يساوي كله جناح البعوضة .
هذا ما أودّ أن اختم به كتابي، أريد أن أختمه بحديث لطيف، تنشرح له الصدور المؤمنة التائبة، فعسى الله أن يجعل لك ولنا فيه نصيب - أخي في الله - ها نحن قد أخذنا الحديث ، وتكلمنا كثيراً ، فلماذا لا نبدأ الآن ؟ فمن لم يتب الآن متى يتوب ؟ ومتى يعود إلى الرحمن من لم يعود حتى الآن ؟ متى يراجع حسابه مع الواحد الأحد، من لم يراجع حسابه الآن ؟
تنسلخ الثانية بعد الثانية ، والدقيقة بعد الدقيقة … وأنت لم تتب بعد ؟! وإننا نذنب الذنب تلو الذنب ( أحصاه الله ونسوه ) أليس من الحسرة والندامة أن يعفو الله عن الملايين ثم بعد ذلك لا نكون منهم
تصل الذنوب إلى الذنوب وترجى ... درج الجنان بها وفوز العابدِ
ونسيت أن الله أخرج آدم ... منها إلى الدنيا بذنب واحدِ
قد آن لنا أخي في الله أن نقلع من المعاصي والذنوب، ونتوب ونلتزم بطاعة الله التي يُعزك الله بها والتي فيها سعادتنا في الدنيا والآخرة ( ألم يئن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق )(1) بلى والله قد آن … نعم قد آن …
أعترف لك أن كل بداية صعبة، ولكن ( عند الصباح يحمد القوم السُرى ) فوجب عليك أن تصبر ابتغاءً لوجه الله لما ستلقاه في سبيل توبتك ورجوعك إليه ، ويجب عليك أخي التائب أن تعلم أنك ما وقعت في مخالب عدوك ولا أسيراً في قبضته ، إلا بسبب جهلك بربك، وجرأتك عليه فلا بد لك أن تعرف كيف جهلت، ومتى جهلت ؟!
__________
(1) سورة الحديد آية 16(1/59)
لا بد للتائب أن يعلم كيف وقع أسيراً ومتى وقع؟ لا بد لكَ أن تؤمن أن التوبة إنما هي عملية شاقة، تحتاج إلى مجهود كبير، ويقظة تامة ، لتخلص من العدو الذي أطغاك ، وترجع إلى الرب الرحمن، لابد أن تعرف مقدار الخطوات التي قطعتها بعيداً عن الله، لكي لا تُفاجأ بالعقبات التي لابد من الحرص على اقتحامها للعودة إلى الصراط المستقيم ! لابد أن تعرف أنك أحسنت الظن بنفسك وأسأت الظن بالله ! وأنك أتيت من غفلتك عن الله ، وعدم اعتصامك بحبله …
أخي التائب ،،،
إذا تبين لك ذلك ، وعرفت أن في طاعة نفسك هلاكك يوم ميعادك ، وأن في عصيان نفسك نجاتك في آخرتك ، فاعلم انك من التائبين الناجين إن استمررت بذلك بعد مشيئة الله ، واعلم أن التوبة ليست كلاماً يقال، بل إن :
التائب منكسر القلب، غزير الدمعة، حي الوجدان ،،
التائب في أحشائه قلق ، ووجهه أسى ، وعينيه دمعة ،،
التائب صادق العبارة ، جياش الفؤاد ، صاح الضمير ،،
التائب في قلبه حرقة، وفي وجدانه لوعة ، وفي دمعه أسرار ،،
التائب يعرف معنى الهجر والوصال، يعرف اللقاء والفراق ،،
التائب له في كل واقعة عبرة ، إذا رأى جمعاً تذكر القيامة ، وإذا رأى مذنباً بكى عليه خوفاً من ذنوبه، وإذا رأى نعيماً خاف أن يحرم الجنة ، وإذا رأى ناراً ظن أنه من أهلها ،،
أخي الحبيب - إن التائب تحصل له كسرةً خاصة لا تكون لغير التائب ،، كسرة تامة قد أحاطت بالقلب من جميع الجهات، ألقته بين يدي سيده طريحاً ذليلاً خاشعاً، منكسراً سريع الدمعة، قريب الذكر لله ، مُخبتاً منيباً، رطب القلب بذكر الله، لا غرور ولا عجب ولا حب للمدح ولا معايرة ولا احتقار للآخرين بذنوبهم ، وإنما دائم الفكر في الله سبحانه وتعالى .
الخاتمة
نسأل الله حسنها(1/60)
أخي الحبيب ،لا أملك في الختام إلا أن أودعك وداع المحب ولي أمل أن تقرأ رسالتي ، وتتفهم معانيها ، فوالله ما كتبت هذه الأحرف، ولا نطقت بهذه الكلمات إلا لخوفي على وجهك المنير، أن يصبح مظلماً يوم القيامة ، وعلى جسدك الطري، أن تُلهبه النيران ، فعسى قلبك الطاهر أن يلتقطها ولعل نفسك الصافية أن تستقبلها ، فسارع يا أخي حيّاك الله وهداك ، فالوقت قصير، والعمل قليل ولسان الحال يقول:
لا تأسَ على الدنيا وما فيها ،، فالموت سيفنيك ويفنيها ،،،
وستعرف قيمتها عندما تخرج منها مرغماً ،، لتدفن فيها ،،،
فيا لها من ليلة! ويا لها من ساعة! ويا له من مضطجع!
أي خوفٍ وفزع! وأي وحشة وهلع!
أخي الحبيب – قد عرفتَ شرور اتباع الهوى، فارحل طالباً طهارة التقوى، فحث مطايا الجد، وامضِ حيث تؤمر، وتوكل على رب العالمين000 أقبل ولا تلتفت، امضِ إلى ربكَ، والله يعفو عنا وعنكَ ، ويرحمنا وإياك، ولا تنسانا من خالص دعاءك ...
فمن يصدق مع الرحمن يُهدى ... إلى الجنات مأوى الصادقينا
ومن يعصي الإله يلقى ... بنار يلتقي بالفاسقينا
صلاة الله في كل حينٍ ... على المختار خاتم المرسلينا
اللهم هذا الجهد وعليك التكلان .. وهذا العمل ومنك التوفيق سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك إني كنت من الظالمين . وبهذا أكون قد قلت كل ما أطيقه 000 والله الموفق، وإن أريد الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وأليه أنيب000
كتبه أخوكم المحب
مهنا بن نعيم النجم
فرغ منه في الأول من صفر لعام 1425
من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
في قلعة الصمود جنين - فلسطين
أهم المراجع والمصادر
اشارات على الطريق ... الشيخ الداعية علي بن عبد الخالق القرني
الجديّة في الإلتزام ... الشيخ العلامة محمد بن حسين يعقوب
كيف أتوب ؟! ... الشيخ العلامة محمد بن حسين يعقوب
بصائر المسلم المعاصر ... الشيخ الداعية د.عبد الرحمن حنبكة الميداني(1/61)
رسالة الى مدخن مع التحية ! ... الشيخ سليمان الفرج
الإشاعة ... الشيخ عبد العزيز السدحان
رسائل محب ... الشيخ مشعل بن عبد العزيز بن الفلاجي
كتاب الفوائد ... الشيخ الاسلام العلامة ابن القيم الجوزية
المعاكسات الهاتفية ... دار الوطن – الرياض - السعودية
الفهرس
المقدمة
هذا نداء .. فأين الغرباء ؟!
يا شباب الإسلام أين دوركم ؟!
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
هذه رسالتي .. فسامحني
قبل البدء ، هل أنت مستعد ؟!
الدرة الأولى : الصلاة .. الصلاة
الدرة الثانية : يا ولدي هذا يومك
الدرة الثالثة : ذروة سنام الإسلام
الدرة الرابعة : اياك وكثرة المزاح
الدرة الخامسة : يا صاحب العفة والشرف
الدرة السادسة : هل ترضاها لأختك
الدرة السابعة : الجزاء من جنس العمل
الدرة الثامنة : المعاكسات الهاتفية
الدرة التاسعة : جاسوس القلب وسارق المروءة " الغناء "
الدرة العاشرة : الطبق المشؤوم ، ماذا فعل ؟!
الدرة الحادي عشر : التقليد الأعمى ، والتعصب المُضل
الدرة الثانية عشر : إياك أن تكون مرسال سفاه
الدرة الثالثة عشر : أيها الشاب ، لماذا تُدخِن ؟!
الدرة الرابعة عشر : كن رجلاً كما عرفناك
الدرة الخامسة عشر : لا أستطيع التمييز ، من أنت ؟!
الدرة السادسة عشر : واحسرتاه على الشباب
الدرة السابعة عشر : ماذا يعني تقليب الأوراق
الدرة الثامنة عشر : الإعلام بين خيانة النقل وإحباط الأمل
الدرة التاسعة عشر : الانترنت بين الحلال والحرام
الدرة العشرون : صندوق الدرر النافعة
الخاتمة نسأل الله حسنها
قائمة المراجع(1/62)