الدرر المباحة
في
الحظر والإباحة
تاليف
خليل بن عبد القادر
الشيباني الشهير بالنحلاوي
مقدمة المؤلف
مقدمة المؤلف (1) رحمه اللَّه تعالى.
بسم اللَّه الرحمن الرحيم.
-الحمد للَّه الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأنعم عليه بجلائل النعم، وأباح له الطيبات، وحظّره عن المحرّمات، وعلّمه ما لم يكن يعلم.
والصلاةُ والسلام على خَاتم أنبيائه، ونخبةِ أصفيائه سيدنا ومولانا محمد، المبعوث رحمةً للأمم، وعلى آله السادة الأطهار، وأصحابه القادة الأخيار، أولي الفضائلِ والهمم.
وبعد فيقول العبد المفتقر إلى مولاه، الواثقُ بعفوه وكرمه ورضاه:
خليل بن عبد القادر الشيبانيُ الشهير بالنحلاوي، غفر اللَّه له، ولوالديه، ولمن له حقُُ عليه: لما كانت مسائلُ الحظرٍ والإباحة - المسطورة في كتب أئمتنا العلماء الأعلام - هي من أهم المسائل، لتعلقها بالحلال والحرام، فاستخرتُ اللَّه تعالى باقتناص شواردها، وجمعِ ما تبدَّدَ منها في مُؤلف على حِدة، ليسهل مطالعتُه. وسمّيته (الدرر المباحة في الحظر والإباحة)، ورتّبته على مقدمة وخمسة أبواب، وخاتمة. أسأله سبحانه أن ينفع به المطالعين، وهو الكريم المعين.
-------------------
(1) خليل بن عبد القادر الشيباني، الشهير بالنحلاوي، فقيه حنفي، ولد في دمشق، في حي القنوات، وتتلمذ على كبار مشايخ عصره، أمثال الشيخ أمين سويد، والشيخ سليم سمارة، والشيخ عبد الحميد الطرابيشي. كان أحد وجهاء دمشق، عمل أولاً بالتجارة، ثم عُيّن موظفاً في المعارف. وكان من أعضاء مجلس الأوقاف، فكانت له سمعة جيدة، واشتهر بالنزاهة.
توفي ليلة الخامس عشر من شعبان سنة (1350 هـ) الموافقة لسنة (1931 م). اهـ. معجم المؤلفين، ومنتخبات تواريخ دمشق، وتراجم أعيان دمشق.(1/1)
نبذة عن المعلق: محمد سعيد بن عبد الرحمن بن محمد سعيد بن مصطفى بن محمد بن علي بن ولي، ابن محمد بن بني جان، البرهاني، الداغستاني. علامة، فقيه، أصولي، صوفي، مشارك في العلوم. ولد في دمشق، بسويقة ساروجان بمنزل والده، الكائنة في زقاق النوفرة عام (1311 هـ - 1892 م)، لأبوين صالحين، فقيرين، نشأ في حجرهما، وورث عنهما الفضائل. عرفت أسرته في الشام سابقاً بأسرة الداغستاني، نسبة إلى - داغستان - ولاية روسية، في جهة بحر قزوين، قدم جد الأسرة الأول علي الداغستاني، إلى دمشق عام (1150 هـ) فاستوطنها، وأعقب ذرية، سميت فيما بعد بأسرة البرهاني، لقوة حجة أحد أفرادها، وبرهانه الساطع، فنسب الأسرة إليه.
قرأ القرآن في المكاتب، ثم ألحقه والده بمدرسة "عبد اللَّه باشا العظم" وبالمكتب الإعدادي الملكي في دمشق. وفي أواخر الحرب العالمية الأولى، التحق بالجيش العثماني (في 15 كانون الأول 1918 م) برتبة ملازم ثان، ثم سرح بناء على طلبه لإكمال تحصيله العلمي، ثم التحق بالجيش العربي، بعد قيام الدولة العربية بالشام، برتية ضابط احتياط (في 4 كانون الثاني 1919 م)، ثم سرح بعد خمسة وعشرين يوماً، ثم شارك في معركة ميسلون 1920 م، وسرح بعد أيام في 27 تموز. ثم التحق بسلك التعليم، فتنقل بين عدد من المدارس في القرى، حتى استقر في دمشق.
لازم علماء عصره، أمثال الشيخ عبد القادر الإسكندراني، والمحدث الشيخ بدر الدين الحسني، والشيخ عطاء اللَّه الكسم، والشيخ محمد القطب، والشيخ محمود العطار، والشيخ صالح الحمصي، والشيخ أبي الخير الميداني، الذي أخذ عنه الطريقة النقشبندية، والشيخ محمود ياسين.(1/2)
خَلَفَ والده، بعد وفاته، على الخطابة، والإمامة، في مسجد التوبة، ولما أحيل على التقاعد سنة (1945 م) تفرغ للتدريس في المسجد نفسه، حيث أخذ عن الشيخ محمد الهاشمي التلمساني، الطريقة الشاذلية، فأجازه فيها، وجعله خليفة بعده فيها. أُجيز من كثير من العلماء كالشيخ بدر الدين الحسني، والشيخ محمد صالح الآمدي الديار بكر لي، والشيخ محمد الهاشمي، والشيخ محمود العطار.
كان آية في التواضع، وصفاء السريرة، وحسن الظن، كثير الذكر، باراً بوالديه، لطيف المعاملة، زاهداً، محباً للأولياء. اخذ عنه العلم كثير من أفاضل دمشق، وغيرها، وأخذ عنه الطريق علماء أفاضل، حيث اجازهم فيه، كالشيخ القاضي أحمد عبد الدائم من حمص، والشيخ أحمد الشامي مفتي دوما، والشيخ عبد الغني عيون السود من حمص، والشيخ سعد الدين مراد من حماة، والشيخ إسماعيل الصباغ من دمشق، وغيرهم.
وأسس، بمشاركة الشيخ عارف عثمان، مجالس الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، في مختلف المدن السورية.
من آثاره: التعليقات المرضية على الهداية العلائية، وتعليقاته على الدرر المباحة، في الحظر والإباحة، وهو هذا الكتاب، ورسائل صغيرة في مختلف العلوم، وكتب مخطوطة لم تطبع.
توفي مساء الأربعاء، الخامس عشر من شوال 1386 هـ، الموافق للخامس والعشرين من كانون الثاني م.اه. تاريخ علماء دمشق، الهداية العلائية ط /4/.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
المقدمة في تعريف الحظر والإباحة
الحظر: هو المنع والحبس، وهو هنا: عبارة عما منِع من استعماله والمحظور: ضد المباح.
والمباح: ما خيّر المكلفُ بين فعله، وتركه، من غير استحقاق ثواب ولا عقاب.
والإباحة: الإطلاق (1).
كلُّ مكروه - كراهة تحريم - كالحرام عند مُحَمّدٍ (2) في باب الحظر والإباحة، وعندهما (أبي (3) حنيفة، وأبي يوسف)(4): إلى الحرام أقرب.
-------------------
(1) ع - 5 - 214.(1/3)
(2) محمد بن الحسن بن فرقد، من موالي بني شيبان، ابو عبد اللَّه، إمام في الفقه، والأصول. وهو الذي نشر علم أبي حنيفة رحمهما اللَّه تعالى. أصل أبيه من الشام، من قرية - حرستة - في غوطة دمشق، قدم أبوه إلى العراق، ولد - رحمه اللَّه - بواسط (عام 131 هـ - 748 م)، ونشأ بالكوفة، وطلب الحديث، وسمع عن مسعر، ومالك، والأوزاعي، والثوري، وصحب أبا حنيفة، وأخذ عنه الفقه، وسمع عليه مذهبه، وعرف به. وانتقل إلى بغداد، فولاه الرشيد القضاء بالرقة، ثم عزله. ولما خرج الرشيد إلى خراسان، صحبه، فمات في الري سنة (189 هـ - 804 م).
قال الشافعي: لو أشاء أن أقول: نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن، لقلت، لفصاحته اه. واكن أعلم الناس بكتاب اللَّه، ماهراً في العربية، والنحو، والحساب. وقال الشافعي أيضاً: أخذتُ من محمد وقر بعير من علم. قيل: إنه صنف تسعمائة وتسعين كتاباً، كلها في العلوم الدينية.
من أشهر كتبه في الفقه، والأصول: المبسوط في فروع الفقه، والزيادات، والجامعان الكبير والصغير، والسيران الكبير، والصغير، وهي المسامة ظاهرة الرواية، والآثار، والموطأ، والأمالي. اهـ الأعلام، والفوائد البهية.
(3) النعمان بن ثابت، التيمي بالولاء، الكوفي، إمام الحنفية، الفقيه المجتهد، المحقق، أحد الأئمة الأربعة، ولد عام (80 هـ - 699 م) في الكوفة، ونشأ بها. وكان يبيع الخز، ويطلب العلم في صباه، ثم للتدريس، والإفتاء. امتنع من القضاء، ورعاً، وكان قوي الحجة، من احسن الناس منطقاً. قال الإمام مالك يصفه: رأيت رجلاً، لو كلمتُه في هذه السارية أن يجعلها ذهباً، لقام بحجته. كان كريماً في أخلاقه، جواداً، حسن المنطق، والصورة، جهوري الصوت، إذا حدّث انطلق في القول، وان لكلامه دوي. ويروي عن الشافعي: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة. له مسندٌ في الحديث، والمخارج في الفقه. توفي ببغداد سنة (150 هـ - 767 م)، وأخباره كثيرة. الأعلام بتصرف.(1/4)
(4) يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، الكوفي، البغدادي، صاحب الإمام أبي حنيفة، وتلميذه، وأول من نشر مذهبه. فقيه، علامة، من حفاظ الحديث، ولد في الكوفة عام (113 هـ - 731 م)، وتفقه بالحديث، والرواية، ثم لزم أبا حنيفة، فغلب عليه الرأي. ولي القضاء ببغداد أيام المهدي، والهادي، والرشيد، ومات في خلافته ببغداد سنة (182 هـ - 798 م)، وهو على القضاء. وهو أول من دعي القضاة، ويقال له: قاضي قضاة الدنيا، وأول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة. كان واسع العلم بالتفسير، والمغازي، و أيام العرب. من كتبه: الآثار، وهو مسند أبي حنيفة، والخراج، والنوادر، واختلاف الأمصار، وأدب القاضي اهـ، أعلام بتصرف.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
المقدمة في تعريف الحظر والإباحة.
مطلب في المكروه:.
مطلب في المكروه:
فالمكروه تحريماً، نسبتُه إلى الحرام، كنسبة الواجب إلى الفرض، والمكروه كراهة تنزيه، (نسبته) إلى الحل أقرب، فلا يعاقب فاعلَه أصلاً، ولكن يثاب تاركه أدنى ثواب (1).
-------------------
(1) هـ - 173.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
المقدمة في تعريف الحظر والإباحة.
مطلب في المباح:.
مطلب في المباح:
حكمة مشروعية المباح: ترويحُ النفوس المكلفة، من مشقة القيام بتلك الأحكام الأربعة الباقية، التي هي: الفرض، والمندوبُ فعلاً، والحرامُ والمكروه تركاً.
والمباح قابلٌ أن يصير طاعة، بالنية الحسنة - كالأكل مقدار الشبع، ليتقوى به على طاعة اللَّه تعالى - ، وأن يصير معصية، بالنية القبيحة - كلبس الثياب الفاخرة، لأجل التكبر على الغير - (1).
-------------------
(1) ص - 5.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب في تقسيم الأكل، (وبيان حكم كل قسم).
الأكل، منه :(1/5)
فرض، يثاب عليه وهو: بقدرْ ما يندفع به الهلاك، ويُمكنُ معه الصلاة قائماً، فإنْ ترك الأكل، والشرب حتى هلك، فقد عصى، لأن فيه إلقاءَ النفس إلى التهلكة، وإنه منهي عنه في محكم التنزيل (1)، بخلاف مَن امتنع من التداوي، حتى مات، إذ لا يتقين أنه يشفيه.
ومندوب، وهو: ما يُعينه على تحصيل النوافل، وتعليم العلم، وتعلمه.
ومباح، وهو: ما كان منتهياً إلى الشبع، لتزيد قوته.
ومكروه، وهو: ما زاد على الشبع قليلاً، ولم يتضرر به.
وحرام، وهو: ما فوق الشبع، إلا أن يقصد قوةَ صوم الغد، أو لئلا يستحي ضيفه، أو نحو ذلك(2).
-------------------
(1) بقوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} (البقرة: 196).
(2) ع - 5 - 215.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب في سنن الكل، وآدابه:.
مطلب في سنن الكل، وآدابه:
وينوي بالأكل التقويَ على العبادة، فيكون مطيعاً، ولا يقصد به التلذذ والتنعم، فإنْ قلت : لا بد من أن يتلذذ بالأكل عند الجوع، فاعلم أن ذلك لا يَضر، إذا لم يكن يقصد التلذذ، بل الضررُ يكون: إذا قصد بالأكل التلذذَ، والتنعمَ، وامتلاء بطنه(1).
ويستحب الأكل على السُّفرة الموضوعة على الأرض، فإنه أقرب إلى التواضع، لا على الخُوان (2) وهو: ما يجعل من خشب ونحوه، مرتفعاً عن الأرض، بأرجل ثلاث أو أربع(3). ويتقدم الأكل على الطعام، ولا يأمر بتقديمه إليه، فإنه استهانة وترفُّع، ويجلس على الطعام جلسة المتواضعين: لا يتكئ، ولا يضطجع، ولا يعتمد على شيء، بل السُّنة فيه: أن يقعد عند الأكل، مائلاً إلى الطعام، منحنياً نحوه، ويجلس على رِجْله اليسرى، وينصب اليمنى.(1/6)
ويجتهد في تكثير الأيدي على الطعام - ولو من أهله، وولده - فإنّ خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي. وينبغي أن لا يمد اليد إلى الطعام إلا وهو جائع، فيكون الجوع أحد ما لا بَّد من تقديمه على الأكل. ثم ينبغي أن يرفع اليد قبل الشَّبع، ومن فعل ذلك استغنى عن الطبيب(5)، ولا يقومَ عن الطعام إلا ان يقضيَ حاجته، ولا يقومَ لأحدٍ على المائدة، ولا يعيب ما قدّم إليه من طعام وشراب، ولكنْ إن اشتهاه أكل، وإلا تركه (6).
ومن سنة الأكل: غسل اليدين قبله، وبعده، ولا يمسح يده بالمنديل قبله، ليبقى أثر الغَسل، ويمسحها بعده، ليزول أثر الطعام، وجاء: أنه بركةُ الطعام، ولا بأس به بدقيق. وهل غسلُ فمه للأكل سنة، كغسل يده؟ الجواب: لا، لكنْ يكره للجنب (عدم غسل فمه) قبلهُ، بخلاف الحائض (والنفساء).
والبسملة أوله، والحمد آخره، فإنْ نسي البسملةَ، فليقل: باسم اللَّه على أوله وآخره، وإذا قلتَ: باسم اللَّه، فارفع صوتك، حتى تُلقنَ منْ معك.
ولا يرفع (صوته) بالحمد، إلا أنْ يكونوا فرغوا من الأكل. وإنما يسمي إذا كان الطعام حلالاً، ويحمد في آخره، كيفما كان(7).
ومن السنة: البداءة بالملح، والختم به، بل فيه شفاءٌ من سبعين داء، ولعق القصعة، وكذا الأصابع قبل مسحها بالمنديل.
ومن السنة: أن لا يأكل من وسط القصعة، فإنّ البركة تنزل في وسطها، وأن يأكل من موضعٍ واحد، لأنه طعام واحد، بخلاف طبقٍ فيه ألوان الثمار، فإنه يأكل من حيث شاء، لأنه ألوان، وأن يأكل بيمينه إلاّ من عذر، ولا بأس بأن يستعين بيساره. ويأكلُ بثلاث أصابع: الإبهامِ، والمُسَبّحة، والوسطى. والأكل بإصبع واحدة من المقت، وبإصبعين من التكبر، وبثلاث من السنة، وبأربع، وخمس من الشَّرَه، والأولى أن يأكل باليد، لا بالملعقة، مراعاة للسنة.(1/7)
حكي أنه أحضرت الأطعمة لهارون الرشيد (8)، فدعا بالملاعق، وعنده أبو يوسف(9)، فقال له: جاء في تفسير قوله تعالى {ولقد كَرمْنَا بني آدم}(2): جعلنا لهم أصابع يأكلون بها، فأحضرت الملاعق، وله ملعقة مخصوصة، من العاج - وهو عظم الفيل - ، فرماها هارون، وأكل بأصابعه(10).
ومن سنة الأنبياء عليهم السلام: أكل خبز الشعير، فذلك أكثر طعامهم، فلا يأكل المؤمن إلا منه، أو يخلط البُر بالشعير للبيت، لا للبيع، ويكرم الخبز بأقصى ما يمكن، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم "أكرموا الخبزَ، فإن اللَّه تعالى أنزله من بركات السماء، فإنه يعمل في كل لقمة يأكلها الإنسان ثلاثمائة وستون صانعاً، أولهم: ميكائيل عليه السلام - الذي يكيل الماء من خزانة الرحمة - وآخرهم: الخبازُ".
ومن إكرام الخبز: أن لا ينتظر الإدام إذا حضر، ومن إكرامه: أن يلتقط الكِسرة من الأرض، وإنْ قلّت، ويأكلها تعظيماً لنعمة اللَّه تعالى، وفي الحديث "من أكل ما يَسْقط من المائدة، عاش في سَعةٍ، وعُوفي في ولده" ويقال: إن التقاط الفُتات مهورُ الحور العِين. ولا يضع كسيراتِ الخبز في الطريق، إلا لأجل النمل. وينبغي للإنسان إذا وجد خبزاً، أو غيره مما له حرمة: أن يرفعه عن موضع المهنة، إلى محل طاهر يصونُه، لكن لا يُقَبّله، ولا يضعه على رأسه، كما تفعله العامة، فإنه بدعة، وهذا الباب مجرب، كلُّ من عَظّم اللَّه تعالى، بتعظيم نعمه، لَطف به، وأكرمه، وإن وقع بالناس شدة، جعل له فرجاً ومخرجاً.
التوسعة على العيال - يومَ عاشوراء(11) - مندوبةٌ في المأكل، والملابس، وغير ذلك(12)، ومما يصدق عليه التوسعة: استعمال أنواع من الحبوب.(1/8)
يجوز أكل الطعامين، والتوسيع في الأطعمة، ولا خلاف بين العلماء في جوازه. وما نقل عن بعض السلف من خلافِ هذا، محمول على كراهية اعتياد التوسيع والترفيه، والإكثارِ منه، بغير مصلحة دينية، فإنّ الأعضاء كلّها تنطق بالشكر اختياراً عند تناول ما تستلذه من الأطعمة المباحة اللذيذة(13).
-------------------
(1) ت - 121.
(2) وهو الطاولة.
(3) ط - 2 - 476.
(4) ش - 243.
(5) غ - 2 - 4.
(6) هـ - 278.
(7) ع - 5 - 216.
(8) هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور، العباسي، أبو جعفر، خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق، وأشهرهم. ولد بالري عام (149 هـ - 766 م)، ونشأ ببغداد، وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي عام /170 هـ/، فقام بأعبائها، وازدهرت الدولة في أيامه. كان عالماً بالحديث، والفقه، والأدب، وأخبار العرب، فصيحاً، شجاعاً، كثير الغزوات، حازماً، كريماً، متواضعاً، يحج سنة، ويجاهد سنة. وكان يطوف أكثر الليالي متنكراً. توفي في (سناباذ) من قرى طوس سنة (193 هـ - 809 م)، وبها قبره.اهـ. أعلام بتصرف.
(9) انظر ترجمته في صفحة - 8 - .
(10) سورة الإسراء - 70 - .
(11) ع - 5 - 216، هـ - 175 - ش 249 - غ - 2 - 4.(1/9)
(12) العاشر من المحرم، وهو اليوم الذي نجّى اللَّه تعالى فيه سيدنا موسى عليه السلام من الغرق، وأغرق فرعون، وقومه، وروى مسلم عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة، فوجد اليهود، يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك؟ فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر اللَّه فيه موسى، وبني إسرائيل، على فرعون، فنحن نصومه تعظيماً له. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: "نحن أولى بموسى منكم، فأمر بصيامه". وحذراً من التشبه باليهود قال صلى اللَّه عليه وسلم:" لئن بقيت إلى قابل، لأصومنّ التاسع". وقال صلى اللَّه عليه وسلم:"صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على اللَّه، أن يكفر السنة التي بعدها" رواه ابن ماجه - صحيح مسلم - الترغيب والترهيب.
(13) لما رواه أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه، قال صلى اللَّه عليه وسلم "من أوسع على عياله، وأهله، يوم عاشوراء، أوسع اللَّه عليه سائر سنته". رواه البيهقي، وغيره. ترغيب.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب في مكروهات الأكل.
مطلب في مكروهات الأكل.(1/10)
يكره السكوت حالة الأكل، لأنه تشبهٌ بالمجوس، ويتكلم بالمعروف، ولا يذكر على الطعام ما يقذّر الطبع: من ذكر الموت، والمرض، ولا يأكل الطعام حاراً، ولا يشمه. ولا بأس(1) بالأكل متكئاً، او مكشوف الرأس. والأكل في الظلمة منهي عنه. يكره وضع المملحة، والقصعة على الخبز، ومسحُ اليد، والسكين به، إذا لم يأكل ما يمسح به، وبعض المشايخ أفتى بالمنع مطلقاً. ومن الإسراف أن يأكل وسط الخبز، ويدعَ حواشيه، أو يأكل ما انتفخ منه، إلا أن يكون غيرُه يأكل ما تركه، أو اختار ما كان منه ليناً لعدم أسنانه، فلا بأس به، كما لو اختار رغيفاً دون رغيف. ويكره إلقاء الخبز على الأرض. واتخاذ الأطعمة سرف، إلا إذا قصد الطاعة: بأن مَلّ من لون، فاستكثر من الألوان، ليستوفي من كل نوع شيئاً. فيحصل له قدْر ما يتقوى به على طاعة اللَّه عز وجل، أو قصد دعوة الأضياف قوماً بعد قوم.
ومن السرف: وضع الخبز فوق الحاجة، وأن لا يترك لقمة سقطت من يده، فإنه إسراف، بل أن يبتدئ بها. لا يكره قطع الخبز بالسكين، إذا كان لحاجة، ولا يأكل الصحيح من الرغفان، إن وجد مكسوراً. يكره الأكل في السوق بمرأى الناس، بخلاف ما (إذا) توارى عنهم خلفَ ستر، أو غلقٍ، أو جدار، فإنه لا يكره.(1/11)
ويكره الأكل في الطريق، لأنه مما يخل بالمروءة، خصوصاً بأصحاب الهيئات. ويكره الأكل في المقابر، لما فيه من التهاون باحترام قبور المؤمنين، والإخلالِ بالعِبرة التي إنما تزار القبور لأجلها. ويكره الضحك أيضاً عندها، وعند الجنازة، ولا يصدر ذلك إلا من كل مَطْمُوس البصيرة، أعمى القلب. ويكره أكل طعام الميت (أي المتخذ من مال التركة، قبل القسمة) خصوصاً إذا كان على الميت دين، أو كان في الورثة أيتام. واتخاذ الضيافة من أهل الميت مكروهة، لأنه شرع في السرور، لا في الشرور، وهي بدعة مستقبحة، فيستحب لجيران أهل الميت، والأقرباء الأباعد، تهيئة طعام لهم، يُشبعهم يَومهم وليلتهم، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم "اصنعوا لآل جعفرٍ(2) طعاماً، فقد جاءهم ما يَشغلهم"، ولأنه بِرٌّ معروف. ويُلح عليهم في الأكل، لأن الحزن يمنعهم ن ذلك، فيضعفون.
لا يأكل كلَّ ما يشتهيه، لأنه من السرف، ولا يأكل شيئاً بشهوة نفسه، فيُحْرَمَ الحكمة، ومهما كان أجوعَ، فليكن أدبه في الأكل أحسنَ، فيكون على التأني والوقار، لا على الحرص والعجلة(3).
-------------------
(1) كلمة - لا بأس - تفيد خلاف الأولى.
(2) جعفر بن أبي طالب، صحابي، هاشمي، لُقب بالطيار، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم "دخلتُ الجنة، فرأيت جعفراً، يطير مع الملائكة، وجناحاه مضرجان بالدم". أخو علي، وأسنّ منه، بعشر سنين، من السابقين للإسلام، هاجر إلى الحبشة، الهجرة الثانية، وبقي فيها حتى هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، فقدم عليه سنة 7 هـ وهو بخيبر. حضر موقعة "مؤتة" بالبلقاء، فنزل عن فرسه، وقاتل حتى وقع شهيداً، وفي جسمه نحو تسعين طعنة، ورمية فعوضه اللَّه عن يديه جناحين في الجنة. أعلام بتصرف.
(3) ع 5 - 216، ع 1 - 603، هـ - 173 - 174 - 175 - 178.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب في إجابة الدعوة.
مطلب في إجابة الدعوة.(1/12)
اختلف في إجابة الدعوة، قال بعضهم: واجبة لا يسع تركها، وقال العامة: هي سنة، والأفضل: أن يجيب إذا كانت وليمة، وإلاّ فهو مخير، والإجابة أفضل، لأن فيها إدخالَ السرور في قلب المؤمن، وإذا أجاب فَعَلَ ما عليه، (سواء) أكل أو لا، والأفضل: أن يأكل لو غيرَ صائم، (و) لا يقصد بالإجابة قضاءَ شهوة البطن، فيكونَ عاملاً في أبواب الدنيا، بل يحسّن نيته، ليصير بالإجابة عاملاً للآخرة، وذلك بأن تكون نيته الاقتداءَ بسنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وينوي إكرام أخيه المؤمن، وإدخالَ السرور عليه. ولا ينبغي أن يمتنع عن الإجابة لبعد المسافة، كما لا يمتنع لفقْر الداعي، وعدم جاهه، بل كلُّ مسافة يمكن احتمالها في العادة، لا ينبغي أن يمتنع لأجل ذلك.
و(ينبغي) أن لا يميز الغنيَّ عن الفقير، فذلك هو الكِبْر المنهي عنه. وينبغي أن لا يدعوَ مَنْ يعلم أنه يشق عليه الإجابة، وإذا حضر تأذى بالحاضرين، بسبب من الأسباب.
ولا يدعو مِن دارٍ واحدة الأبَ دون الابن، والأخَ دون أخيه، إذا كانا كبيريْن، فإن ذلك جفاء. وإذا دعاه اثنان، فليجب أقرَبهما باباً، إن استوت مراتبهم، وإلاّ فأقرَبهم مودة ورحمةً.
دُعي إلى وليمة - وفي المنزل، (لا على المائدة)، لعب، او غناءُُ، لا يحل(1) - ، قَعَدَ، وأكل، فإنْ قَدَر على المنع فَعَل، وإلا يقدرْ، صبر إن لم يكن ممن يقتدى به، فإن كان مقتدى (به)، ولم يقدر على المنع، خرج، ولم يقعد.
أما لو كان اللعب، أو الغِيْبة على المائدة، فإنه لا يقعد، وهذا كلّه إن لم يعلم أولاً، فلو علم أولاً، (فإنه) لا يحضر أصلاً، سواء كان ممن يقتدى به، أو لا.
يكره الأكل اتُخذ للرياء، والسُّمعة، والمباهاة، إذا علم ذلك، أو غلب على ظنه بالقرائن، قال ابن مسعود(2) رضي اللَّه عنه (نُهينا أن نجيبَ من يرائي بطعامه). وهذا كلُّه إذا علم بالقرائن الواضحة، لا مطلق القرينة، لأنها من سوء الظن المحرم(3).
-------------------(1/13)
(1) أي لعب، أو غناء محرمان.
(2) عبد اللَّه بن مسعود، بن غافل، بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، صحابي، من أكابرهم فضلاً، وعقلاً، وقرباً من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، مكي، ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة، خادم النبي الأمين، وصاحب سره، ورفيقه في حِله، وترحاله، وغزواته، ولي بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، بيت مال الكوفة. كان قصيراً جداً، يحب الطيب، يعرف به من طيب رائحته. له في الصحيحين (848) حديثاً. أعلام.
(3) ع 5 - 221، غ 2، 11 - 12، هـ - 176 - 186، ط 2 - 476 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب في الضيافة وآدابها:.
مطلب في الضيافة وآدابها:
تعجيل الطعام من إكرام الضيف، فإذا حضروا، وتأخر واحد، أو اثنان، عن الوقت الموعود، فإكرام الحاضرين أولى، إلا أن يكون المتأخر فقيراً، أو ينكسر قلبه بذلك، فلا بأس بالتأخير، يقال: ثلاث تورث السّل: رسول بطيء، وسراج لا يضيء، وطعامُُ يُنْتَظر عليه مَنْ يجيء.
ومن الأدب: أن لا يأخذ الضيفُ أحسن المواضع، ولا يتصدَر، بل يتواضع، ولا يطيلُ الانتظار عليهم (بتأخره)، ولا يعجلُ بحيث يفاجئهم، قبل تمام الاستعداد، ولا يضيقُ المكان على الحاضرين، بالزحمة، بل إنْ أشار إليه صاحب الدار بموضعٍ، لا يخالفه البتة، وإن أشار إليه بعضُ الضيفان بالارتفاع إكراماً، فليتواضع إلى الدون من المجلس.(1/14)
ولا يخرج الضيف إلاّ برضى صاحب المنزل، وإذنه، ويراعي قلبه في هذه الإقامة، ولا يستأنس للحديث، إلا أنْ يُجلسَه ربُّ البيت. ويأكل الضيف بمثل ما يأكل في بيته، فإنّه الإنصاف، أو فوق ما يأكل في بيته، فإنّه تفضّل، فإنْ نقص فذلك نفاق. وليس للضيف أن يسأل صاحب الطعام: أمِن حلٍّ، أم حرام؟ ولا يبتدئ الطعامَ، ومعه مَنْ يستحق التقديم، بكبر سنٍ، أو زيادةِ فضل، إلا أن يكون هو المتبوعَ، والمقتدى به، فحينئذ ينبغي أن لا يطيل عليهم الانتظار إذا اشرأبوا للأكل واجتمعوا له(1). ولا ينبغي للضيف أن يشتهي على صاحب البيت إلا الماءَ، والملح، ولا يَعيبُ طعامه، فما وجد أكل، وحمِد، ولا ينظر إلى أصحابه، ولا يراقب أكلهم، فيستحوا، بل يغضُّ بصره عنهم، ويشتغل بنفسه، ولا يُمسك قبل إخوانه، إذا كانوا يحتشمون الأكل بعده، بل يَمدّ اليد، ويقبضها، ويتناول قليلاً قليلاً، إلى أن يستوفوا، فإن امتنع لسببٍ، فليعتذر إليهم، دفعاً للخَجْلة عنهم، ولا ينبغي أن يَجلس في مقابلة باب الحجرة التي للنساء، ولا يكثر النظر إلى الموضع الذي يخرج منه الطعام، فإنه دليل على الشَره. ولا ينبغي أن يدعَ شيئاً مما يشتهيه، لأجل نظر الغير إليه، فإن ذلك تَصَنّع، بل يجري على المعتاد، ولا ينقص من عادته شيئاً، ولكن يعوّد نفسه حسنَ الأدب في الوحدة، حتى لا يحتاجَ إلى التصنع عند الاجتماع. ولا يفعل ما يستقذره غيره، فلا ينفض يده في القصعة، ولا يقدّم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فِيْه، وإذا أخرج شيئاً من فِيْه، صرف وجهه عن الطعام، وأخذ بيساره. ولا يغمس اللقمة الدسمة في الخل، ولا الخلَّ في الدسومة، واللقمةُ التي قطعها بسنه، لا يغمس بقيتها في المرقة، والخل. وما بقي من الأطعمة ليس للضيفان أخذُه، وهو الذي تسميه الصوفية الزَّلةَ، إلا إذا صرح صاحب الطعام بالإذن فيه. وليكن بصرُه إلى ما يأكل بين يديه، ولا يلتفت يميناً وشمالاً، ويُصغّر اللقمة، ويُجيد مضغها، ولا يرفع(1/15)
رأسه، ولا يفتح فاه فتحاً بليغاً، ولا يمسّ شيئاً من جسده، ولا من ثيابه، وإذا عطس، أو سعل، حوّل وجهه، أو جعل يده على فمه. وللضيف أن يطعم الهرة، لا الكلب - ولو كلبَ صاحب البيت - ولا يعطي سائلاً، ولا لمن أتى لحاجة، ولا يذهبْ بأحد إلى الضيافة، إلا بإذن المضيف، وإذا كان ضيفاً عند إنسان، فناول لقمةً من طعام مائدته، لمن كان عليها، يحل للمتناوِل الأخذ، ولو أعطى لمن على مائدة أخرى: إنْ أعطاه من جنس ما على المائدة الثانية، يحل، وإلاّ لا .(1/16)
وكرّه جماعة من السلف التكليفَ للضيف بما يَشق على صاحب البيت مشقةً ظاهرة، لأن ذلك يمنع من الإخلاص، وكمالِ السرور بالضيف. ويستحب لصاحب الضيافة أن يقول للضيف: كُلْ، من غَير إلحاح(2)، وأن يُلَقَم الضيف بيده، وأن لا يهمل أقاربه في ضيافته، ولا يُجلس مع الأضياف من يُثَقّل، فإن الثقيل ينغص الطعام، ولا يغضب على خادمه عند الأضياف، فيدخلَ عليهم الوحشة، ولا يُقتّر على عياله لأجل الضيف. ويخدم الضيف بنفسه، ولا يقصد بدعوته المباهاةَ، والتفاخرَ، بل يقصد السنةَ. وأن يقدم من الطعام قدْر الكفاية، فإن التقليل عن الكفاية نقص في المروءة، والزيادة عليه تصنعٌ ومرآة، إلا أن يقدم الكثير، ونوى بذلك التبرك بفضلة طعامهم، إذ جاء: أنه لا يحاسب عليه، وأن لا يبادر إلى رفع الألوان، قبل تمكنكم من الاستيفاء، حتى يرفعوا الأيديَ عنها، وأن لا يرفع صاحب المائدة يده قبل القوم، بل ينبغي أن يكون آخرَهم أكلاً، وإذا فرغوا من الطعام، واستأذنوا، ينبغي أن لا يمنعهم، فإن ذلك ربما يُثَقّل عليهم، وأن يخرج مع الضيف إلى باب الدار، وهو سنة، وذلك من إكرام الضيف. وتمام الإكرام: طلاقةُ الوجه، وطيبُ الحديث، ولا يواكل الأشرار، ولا يشاربهم، ويواكل مع أهل التقوى، وأهل العلم، فإنه يورث الحكمة، قال عليه الصلاة والسلام "لا تصاحبْ إلا مؤمناً، ولا يأكلْ طعامَك إلاّ تقي"، فإن في إطعام الفاجر إعانةً له على فجوره. ويستحب إطعام مَنْ في إطعامه إعانة على الطاعة، وإذا لم يعلم، فلا حرج عليه في الإحسان، وليس الشك بمعتَبَر، ولا الظن، والحِساب، ولا سيما إذا استند إلى قول فاسق، أو جاهل(3).
-------------------
(1) قال الشاعر الجاهلي (الشنفري)، (من الطويل):
وإن مُدّت الأيدي إلى الزاد، لم أكن * بأعجلهم، إذ أجشع القوم أعجلُ
(2) ولا يحلف على الطعام، لقول الحسن بن علي رضي اللَّه تعالى عنه: الطعام أهون من أن يحلف عليه.(1/17)
(3) ط - 2 - 438 - 565 - 635 - ، غ - 2 - 6 - 7 - 13 - 15 - 16 - ،هـ - 176 - 177 - 178 - 179.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب في ترتيب الأطعمة:.
مطلب في ترتيب الأطعمة:
وترتيب الأطعمة: بتقديم الفاكهة أولاً، إن كانت، فذلك أوفق في الطِّب، فإنها أسرع استحالةً، فينبغي أن تقع في أسفل المعدة، وفي قوله تعالى {وفاكهةٍ مَمّا يَتَخَيّرون، ولَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهون}(1) تنبيهٌ على تقديم الفاكهة. ثم أفضل ما يُقدم بعد الفاكهة: اللحم، والثريد، فإنْ جَمعَ إليه حلاوةً بعده، فقد جمع الطيبات.
قال أبو سليمان الداراني(2)، قُدّس سره: (أكل الطيبات يُورث الرضى عن اللَّه سبحانه)، وتتم هذه الطيبات بشُرب الماء البارد، وصبِّ الماء الفاتر، على اليد عند الغسل. ويقدّم من الألوان ألطفَها، حتى يستوفي منها مَنْ يريد، ولا يكثر الأكل بعده. وعادة المترفين تقديم الغليظ، ليستأنف حركة الشهوة، بمصادفة اللطيف بعده، وهو خلاف السنة، فإنه حيلة في استكثار الأكل. وكان مِنْ سنة المتقدمين: أن يقدّموا الألوان دفعة، ليأكل كلُّ واحد مما يشتهي، وإن لم يكن عنده إلاّ لون واحدٌ ذَكَرَه ليستوفوا منه. ويحكى عن بعض أصحاب المروآت، أنه كان يكتب نسخة بما يستحضر من الألوان، ويعرضها على الضيفان. ويُحضر البقول على المائدة، فإنها مطردة للشيطان. وعن إبراهيم النخعي(3) رحمه اللَّه تعالى (المائدة بلا بقل، كشيخ بلا عقل).
ومن آداب التقديم: ترك التكلف، وتقديمُ ما حضر، ولا يقول لزائره: هل أُقَدّم لك طعاماً؟ بل ينبغي أن يقدّم إنْ كان، فإنْ أكل، وإلا فيرفعه، وأنْ لا يقترح الزائر، ولا يتحكم بشيء بعينه، فربما يشق على المزور إحضارُه، فإن خيّره بين طعامين، فليختر أيسرهما عليه، فإن علم أنه يُسر باقتراحه، ويتيسر عليه ذلك، فلا يكره له الاقتراح.(1/18)
ليس من السنة أن يقصد قوماً، متربصاً لوقت طعامهم، فيدخلَ عليهم وقتَ الأكل، فإن ذلك من المفاجأة، وقد نُهي عنه، أما إذا كان جائعاً، فقصد بعض إخوانه ليطعمه، ولم يتربص به وقتَ أكله، فلا بأس به، وفيه إعانة لأخيه على حيازة ثواب الإطعام، (وهي عادة السلف)، فإن دخل، ولم يجد صاحب الدار - ، وكان واثقاً بصداقته، عالماً بفرحه، إذا أكل من طعامه - فله أن يأكل بغير إذنه، ويَرفق برفيقه في القصعة، فلا يقصد أن يأكل زيادة على ما يأكله، فإن ذلك حرام، إن لم يكن موافقاً لرضى رفيقه، مهما كان الطعام مشتركاً، بل ينبغي أن يقصد الإيثار. ولا يأكل تمرتين في دفعة، إلا إذا فعلوا ذلك، أو استأذنهم، فإن قلّل رفيقه، نشّطه، ورغّبه في الأكل، وقال: كُلْ، ولا يزيد في قوله - كُلْ - على ثلاث مرات، فإن ذلك إلحاح وإفراط.(1/19)
تقديم الطعام إلى الإخوان فيه فضل كثير، قال علي(4) رضي اللَّه (تعالى) عنه:(لأَنَ أَجمعَ إخواني على صاعٍ من طعام، أحبُّ إلىّ من عتق رقبة). وكان ابن عمر(5) رضي اللَّه تعالى عنهما يقول: (مِنْ كرم المرء طيبُ زاده في سفره، وبذله لأصحابه). وكان الصحابة رضي اللَّه عنهم يقولون: (الاجتماع على الطعام من مكارم الأخلاق)، وكانوا رضي اللَّه تعالى عنهم يجتمعون على قراءة القرآن، ولا يتفرقون إلا عن ذَواق، وفي الحديث:"إنّ في الجنة غرفاً، يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها، هي لمنْ أَلاْنَ الكلامَ، وأطعمَ الطعام، وصلّى بالليل والناسُ نيام". قيل لبعض الأطباء: صف لي صِفةً آخذ بها، ولا أَعْدُها، قال (لا تنكِح من النساء إلا فتاة، ولا تأكل من اللحم إلاّ فتياً، ولا تأكل من المطبوخَ حتى ينعم نضجه، ولا تشربن دواء إلا من عِلة، ولا تأكل من الفاكهة إلا نضيجَها، ولا تأكل طعاماً إلا أجدت مضغه، وكُلْ ما أحببت، ولا تشربن عليه، فإذا شربت، فلا تأكلن عليه شيئاً، ولا تحبس الغائط، والبول، وإذا أكلت بالنهار فنم، وإذا أكلت بالليل فامش قبل أن تنام، ولو مائة خطوة). وليقل بعد أكل طعام الغير: اللَّهم أكثر خيره، وبارك له فيما رزقته، ويسّر له أن يفعل فيه خيراً، وقنّعه بما أعطيته، واجعلنا وإياه من الشاكرين. وإن أفطر عند قوم فليقل: أفطر عندكم الصائمون، وأكلَ طعامَكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة. وليقل إذا أكل لبناً(6): اللَّهم بارك لنا فيما رزقتنا، وزدنا منه. فإن أكل غيرَه قال: اللَّهم بارك لنا فيما رزقتنا، وارقنا خيراً منه(7).
-------------------
(1) الواقعة - آية /20 - 21/.
(2) عبد الرحمن بن احمد بن عطية، العنسي، المذحجي، زاهد مشهور، من أهل داريا، (بغوطة دمشق) رحل إلى بغداد، وأقام بها مدة، ثم عاد إلى الشام، وتوفي في بلده. من كبار المتصوفين، وله أخبار في الزهد. والأرجح أن وفاته سنة (215 هـ). أعلام.(1/20)
(3) إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود، أبو عمران النخعي، من مذحج، من أكابر التابعين صلاحً، وصدق رواية، وحفظاً للحديث، ولد عام (46 هـ - 666 م)، من أهل الكوفة، مات متخفياً من الحجاج، فقيه العراق، إمام مجتهد، له مذهب. قال الشعبي لما بلغه موته: واللَّه ما ترك بعده مثله. توفي سنة (96 هـ - 815 م). أعلام.
(4) علي بن أبي طالب الهاشمي، القرشي، أبو الحسن، أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وابن عم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وصهره، وأحد الشجعان الأبطال، وأول الناس إسلاماً بعد السيدة خديجة، ولد عام (23 هـ - 600 م) وربي في حجر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وكان اللواء في يده في أكثر المشاهد، ولي الخلافة بعد مقتل عثمان عام (35 هـ)، وأقام في الكوفة، قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي الخارجي، غيلة في مؤامرة رمضان في السابع عشر منه المشهورة سنة (40 هـ - 661 م). أعلام بتصرف.
(5) عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، العدوي، أبو عبد الرحمن، صحابي، من اعز بيتوتات قريش في الجاهلية، كان جريئاً، جهيراً، نشأ في الإسلام، وهاجر مع أبيه إلى المدينة، وشهد فتح مكة، ومولده في مكة عام (10 ق.هـ - 613 م) ووفاته فيها كذلك سنة (73 هـ - 692 م)، أفتى الناس في الإسلام ستين سنة، أبي الخلافة بعد مقتل عثمان، وهو آخر من توفي بمكة من الصاحبة. له في الصحيحين (2630) حديثاً. أعلام.
(6) يعني: حليباً.
(7)غ - 2، 6، 7، 8، 10، 14، 15، 17.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب في حكم أكلِ الثمار الساقطة.
مطلب في حكم أكلِ الثمار الساقطة.
إذا مرّ الرجل بالثمار في أيام الصيف، وأراد ان يتناول منها - والثمارُ ساقطة تحت الأشجار - :
فإن كان ذلك في المصر (فإنه) لا يسعه التناول، إلا إذا علم أن صاحبها أباح إمّا نصاً، وإما دلالة.(1/21)
وإن كان في البستان: فإن كان من الثمار التي تبقى - مثل الجوز وغيره - (فإنه) لا يسعه الأخذ، إلاّ إذا علم الأذن. وإن كان من الثمار التي لا تبقى، فلا بأس بالتناول، ما لم يعلم النهي إما صريحاً، أو دلالة.
وإن كان في القرى، فإن كان من الثمار التي تبقى (فإنه) لا يسعه الأكل، إلا إذا علم الإذن - وإن كان من الثمار التي لا تبقى، فالمختار أنه لا بأس بالتناول، ما لم يتبين النَّهي، أما إذا كانت الثمار على الأشجار، فالأفضل أن لا يأخذ، إلاّ أن يكون في موضع كثير الثمار، ويعلمَ أنه لا يشق عليهم أكلُ ذلك، وَسِعَه الأكلُ، ولا يسعه الحمل(1).
رفع الكُمّثري، ورفعُ التفاح من نَهَرٍ جارٍ، وأكلُها يجوز. ولو وجد جوزةً، ثم أخرى، حتى بلغت عشراً، أو صار لها قيمة: إن وجدها في موضع واحد، فهي كاللقطة، وإن وجدها في مواضعَ متفرقة يحلّ له ذلك، كمن جمع نواةً، أو بزراً، من أماكن متفرقة حتى صار لها قيمة، فإنه يطيب له، وكذا الجوز بعد فرطه، ووجدَ بقيته متفرقةً في الأرض، يلتقطها، كالسنابل إذا بقيت في الأرض.
دخل كرم صديقه، وتناول منه شيئاً بغير أمره - وهو يعلم أن صاحبه لو علم به لا يبالي - لا بأس به(2).
-------------------
(1) قلت: هذا التفصيل كان ينطبق على زمانهم، عند عدم وسائط النقل من القرى، إلى المصر، أما اليوم فقد صار لهذه الثمار ثمن غالٍ، بسبب الوسائط التي توفرت، لدرجة أنها لم تُبق شيئاً بدون ثمن، سواء من الثمر الذي يبقى، أم من الثمر الذي لا يبقى، فلذا لا يحل التناول مطلقاً، إذا لم يتحقق الإذن والسماح بذلك، سواء في القرى، أو في المصر، أو في غيرهما. اه.
(2) هـ182 - 183.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب في شراء المكيل، أو الموزون، قبل كيله، أو وزنه:.
مطلب في شراء المكيل، أو الموزون، قبل كيله، أو وزنه:(1/22)
اشترى مكيلاً بشرط الكيل، أو موزوناً، أو معدوداً كذلك(1)، يكره تحريماً بيعه، أو أكله، حتى يكيله، أو يزنه، ويعدّه بعد البيع، وكفى كيلُه بحضرته - وإن لم يره، أو لم يعرف الأواقي - . لا يحرمُ التصرف في المذروع قبل ذرعه، وإن اشتره بشرطٍ، إلاّ إذا أفرد لكل ذراع ثمناً(2). (فلا يجوز عندئذ التصرف فيه قبل ذَرْعه).
-------------------
(1) أي اشترى الموزون، أو المعدود، وشرط أثناء الشراء الوزن، أو العدد.
(2) هـ183.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب فيما يؤكل من الحيوان، وما لا يؤكل: لا يؤكل من حيوان الماء إلاّ السمكُ خاصة، فإنه يحلّ أكله بسائر أنواعه، إلا ما طفا منه، وهو: الذي يموت حتف أنفه بلا سبب، ثم يعلو فوق الماء، وبطنُه من فوقُ، لم يؤكل، فلو ظَهْرُه من فوق، فإنه يؤكل، لأنه ليس بطافٍ....
مطلب فيما يؤكل من الحيوان، وما لا يؤكل: لا يؤكل من حيوان الماء إلاّ السمكُ خاصة، فإنه يحلّ أكله بسائر أنواعه، إلا ما طفا منه، وهو: الذي يموت حتف أنفه بلا سبب، ثم يعلو فوق الماء، وبطنُه من فوقُ، لم يؤكل، فلو ظَهْرُه من فوق، فإنه يؤكل، لأنه ليس بطافٍ. وأما طير الماء فيؤكل كلَه.
والحيوان الذي يعيش في البر ثلاثة أنواع:
ما ليس له دم أصلاً - مثلُ الجرادِ، والزُّنْبور، والُّباب، والعنكبوت، والخُنْفَساء(1)، والعقرب - لا يحل أكله، إلا الجرادَ خاصة.
وما ليس له دم سائل - مثل الحيةِ، والوَزَع، وسام أبرص(2)، وجميع الحشرات، وهوامّ الأرض: من الفأر، والقُرَاد(3)، والقنافذ(4)، والضًّب(5)، واليربوع(6)، وابن عرس(7) ونحوها - ولا خلاف في حرمة هذه الأشياء، إلاّ في الضب، فإنه حلال عند الشافعي(8) رحمه اللَّه تعالى.
وما له دم سائل، وهو نوعان: مستأنس، ومتوحش.
أما المستأنس من البهائم - نحو الإبل، والبقر، والغنم - فيحل بالإجماع، ولا تحل البغالُ والحمر الأهلية، وفي الخيل اختلاف.(1/23)
وأما المتوحش - نحو الظباء، وبقر الوحش، وحُمُر الوحش، وإبل الوحش - فحلال بإجماع المسلمين.
وأما المستأنس من السباع - وهو الكلبُ، والسّنور(9) الأهلي - فلا يحل، وكذلك المتوحشُ منها المسمى بسباع الوحش والطير، وهو: كلُّ ذي ناب من السباع، وكلُّ ذي مِخْلَب من الطير، والمراد من (ذي نابٍ): الذي يصيد بنابه، ومن (ذي مخلب): الذي يصيد بمخلبه، لا كلُّ ذي ناب ومخلب، فإن الحمامة لها مخلب، والبعير له ناب.
فذو الناب من سباع الوحش: مثلُ الأسد، والذئب، والضبع، والنَّمر، والفهد، والثعلب، والسنور البري، والسُّنجاب(10)، والفَنَك(11)، والسَّمُّور(12)، والدلق(13)، والدب، والقرد، والفيل ونحوها، فلا خلاف في هذه الجملة أنها محرمة، إلا الضبع، فإنه حلال عند الشافعي(14) رحمه اللَّه تعالى. ولا بأس بأكل الأرانب.
وذو المخلب من الطير - كالبازي(15)، والباشق(16)، والشاهين(17)، والحدأة(18)، والبغاث(19)، وما أشبه ذلك - فيدخل تحت نهي النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن كل ذي مخلب من الطير.
وما لا مِخْلَب له من الطير: فالمستأنس منه - كالدجاج، والبط - والمتوحش - كالحمام، والفاختة(20)، والعصافير، والقَبَج(21)، والكُرْكِي(22)، والغراب يأكل الحب والزرع، والعقْعق(23) ونحوها - حلالٌ بالإجماع، كذا في البدائع(24) قال في غرر الأفكار(25): عندنا يؤكل الخُطّاف(26)، والبوم، ويكره الصُّرَد(27)، والهدهد(28)، وفي الخُفّاش(29) اختلاف، وأما الدُّبْسِي(30)، والصلصل، والعقعق(31)، واللَّقْلَق(32)، واللحام، فلا يستحب أكلها - ولإن كانت في الأصل حلالاً - لتعارف الناس بإصابة آفة لآكلها، فينبغي أن يتحرز عنه(33).
وحرّم الإمام الشافعي(34) الخطّاف، والبَبّغاء(35) والطاووس(36) والهدهد(37).(1/24)
ويكره أكل لحك الإبل، والبقر، وغيرها من الجلاّلة(38) (التي لا تأكل إلا النجاسات والجلة)، إلا بعد حبسها إلى أن تزول عنها الرائحة الكريهة، أمّا إذا كانت تُخلِّط، ولا يظهر في لحمها، فلا بأس بأكلها - كالدجاج - .
وحل أكل جَدْي غذي بلبن خنزير، لأن لحمه لا يتغير. ولو سُقي ما يؤل لحمه خمراً، فذبح من ساعته، حلّ أكله، ويكره.
ويحرم من أجزاء الحيوان المأكول: الدّم المسفوح، والَّكرُ والانثيان، والقُبل، والغُدّة، والمثانة، والمرارة.
لا يجوز أكل ذبيحة ذبحت لقدوم الأمير، تعظيماً له، ولو(39) ذُكر اسمُ اللَّه تعالى عليها. وإن قصد الإكرام تحل. ولا يجوز أكل ذبيحةِ مرتدٍ، وتارك تسمية عمداً. لا يجوز أكل جَنينٍ ميت، خرج من بطن ذبيح. ولو خرج حياً، يذبح ويؤكل. لا يجوز أكل دود الجبنِ، والفاكهة إذا أفردت، لأنها كالذباب والخنفساء(40)، أما ما لا يفرد من دود الجبنِ والفاكهة - كما إذا أكلها مع الطعام، أو لم يكسرها، أي الفاكهة، فإن الاحتراز عنها غيرُ ممكن - فلا بأس، أما إذا طبخ دود اللحم في المرق، وتفسخ فيه فلا يؤكل - كَضِفْدِع(41) تفتت في الماء - فإنه لا يشرب، ولو يتفسخ يؤكل. ودودُ الزُّنْبور(42) والقَزّ(43)، قبل أن ينخ فيه الروح لا بأس به، وكره أكل بيوت الزنابير. يحرم أكل لحم انتن(44). وتحلُّ ذبيحة كتابي ذمي، أو حربي، لقوله تعالى {وطعامُ الذين أوتوا الكتابَ حِلٌّ لكم}(45). والمراد به: مذكاتهم، لأن مطلق الطعام، غير المذكى، يحل من أي كافر(46).وذكاة ما لا يؤكل تُطهر لَحمه، وشحمه، وجلده، حتى ولو وقع في الماء القليل لا يفسده، إلا الخنزير، فإنه لا يطهر، لأن كل أجزائه نجسة، وهل يجوز الانتفاع به في غير الأكل(47)؟ قيل: لا يجوز اعتباراً بالأكل، وقيل: يجوز، كالزيت إذا خالطه ودَاك الميتة(48)، والزيتُ(49) غالب لا يؤكل، ويُنتفع به في غير الأكل.(1/25)
وبالاصطياد يطهر لحمُ غيرِ نجسِ العين، وجلده، وقيل: يطهر جلده لا لحمه، وهذا أصح ما يفتى به. وحل اصطياد ما يؤكل لحمه، وما لا يؤكل، لمنفعة جلده، أو شعره، او ريشه، أو لدفع شره. وكلُّه مشروع لإطلاق النص(50).
-------------------
(1) الخُنْفَس، والخُنْفَساء، والخُنْفَساءة، جمع خنافس: دويبّة سوداء، أصغر من الجعل، كريهة الرائحة.اه منجد.
(2) هو - أبو بريص - بلغة العامة. والوزع: جمعوَزَغَة - مُحَركة - سام أبرص، سميت كذلك لخفتها. قاموس.
(3) القُرَاد: جمع قُرْدَة، وقَرادة: دويبّة تتعلق بالبعير، ونحوه، وهي كالقمل للإنسان. منجد.
(4) القُنفذ: جمع قنافذ، والأنثى: قُنفذة: دويبّة من فصيلة القنفذيات، أعلاها مغطى بريش حاد، تقي به نفسها، إذ تجتمع مستديرة، تحته، وتسدد رؤوسه عندما تكون مهددة، تختبئ في النهار، وتكثر الذهاب، والإياب في الليل، توجد منها أنواع عديدة اهـ منجد.
(5) الضب: ج أضُبّ، وضُبّان، وضِباب، ومضبة: حيوان من الزحّافات، شبيه بالحرذون، ذنبه كثير العقد. منجد.
(6) اليربوع: جمع يرابيع - نوع من الفأر، قصير اليدين، طويل الرجلين. منجد.
(7) ابن عِرس: (بالكسر) دُوَيبّة معروفة، دون السِّنّور، تشبه الفأر بعض الشبه، لها ناب، أشتر، أصلم، أسكّ، مستطيل الجسم، تفتك ببيوت الدجاج، والحمام. والشتر: انقلاب في جفن العين، من أعلى، وأسفل، وانشقاقه، أو استرخاء أسفله. والصلم، قطع الأذن، والأنف من أصله، والسكك: محركة - :الصمم، وصغر الأذن، ولزوقها بالرأس، وقلة إشارفها اهـ التاج، والقاموس، ومختار الصحاح، والمنجد.(1/26)
(8) محمد بن إدريس بن العباس، بن عثمان شافع الهاشمي، القرشي، المطلبي، أبو عبد اللَّه، أحد الأئمة الأربعة، ولد في غزة عام (150 ه - 767 م) بفلسطين، وحمل منها إلى مكة، وهو ابن سنتين، وتوفي في مصر سنة (204 هـ - 820 م) وقبره معروف في القاهرة، كان أشعر الناس، وآدبهم، وأفقههم، وأقرأهم، وأحذقهم بالرمي، أفتى وهو ابن عشرين سنة، وكان ذكياً مفرطاً. له تصانيف كثيرة، أشهرها: الأم، والمسند في الحديث، وأحكام القرآن، والسنن، والرسالة في الأصول. اهـ أعلام بتصرف.
(9) السنور: الهِرّ، جمع سنانير. اهـ منجد.
(10) السُّنجاب: (بالكسر، والضم): حيوان أكبر ن الجُرذ، له ذنب طويل، كثيف الشعر، يرفعه صعداً، يتسلق الشجر بسرعة، ويضرب به المثل في خفة الصعود، تتخذ منه الفِراء، لونه أزرق رمادي. اهـ منجد.
(11) الفَنَك: حيوان صغير من فصيلة الكلبيات، شبيه بالثعلب، لكنّ أذنيه كبيرتان، لا يتجاوز طوله أربعين سنتيمتراً، مع الذنب، فروته من اعظم الفراء، معروف في مصر. اهـ منجد.
(12) السَّمُّور: جمع سمامير: حيوان بري، يشبه ابن عِرس، وأكبر منه، لونه أحمر، مائل إلى السواد، تتخذ من جلده فراء ثمينة. اهـ منجد.
(13) الدَّلق: في حجم السِّنور، أصفر اللون، بطنه، وعنقه مائلان إلى البياض. اهـ منجد.
(14) انظر حاشية رقم 8 من صفحة رقم - 26 - .
البازي: طير من الجوارح، له أنواع كثيرة، منجد.
(15) الباشق: طائر من أصغر الجوارح، منجد.
(16) الشاهين: طائر من جنس الصقر، طويل الجناحين، منجد.
(17) الحِدأة: طائر من الجوارح، تسميه العامة الشوحة، منجد.
(18) البغاث: مثلث الباء: شرار الطير، وما لا يصيد منها، وهو اسم للذكر، والأنثى. مختار الصحاح.
(19) الفاختة: نوع من الحمام البري، المطوق، والفاختة من الفخت، وهو ظل القمر، ولونها كذلك. منجد.
(20) القَبج: طائر يشبه الحجل (مُعرّب كبك بالفارسية) والقبجة: تطلق على الذكر والأنثى. منجد.(1/27)
(21) الكُرْكي: جمع كراكي: طائر كبير، من فصيلة الكركيّات، ورتبة طوال الساق، أغبر اللون، طويل العنق، والرجلين، أبتر الذنب، قليل اللحم، يأوي أحياناً إلى الماء. منجد.
(22) العقعق: طائر على شكل الغراب، أو هو الغراب: والعامة تسميه العقق، و كانت العرب تتشاءم به. منجد.
(23) كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لأبي بكر بن مسعود بن أحمد، علاء الدين، ملك العلماء، شرح بكتابه البدائع تحفة الفقهاء للسمرقندي، علاء الدين محمد السمرقندي، الذي أخذ عنه العلم، وعن أبي اليسر البزودي، وعن أبي المعين ميمون المكحولي، وعن مجد الأئمة السرخكي وله كتاب: السلطان المبين في أصول الدين، تفقه عليه ابنه محمود، وأحمد بن محمود الغزنوي، صاحب المقدمة الغزنوية، توفي في عاشر رجب سنة (578 هـ)، ودفن بظاهر حلب عند قبر زوجته فاطمة، ابنة صاحب التحفة، الفقيهة، العالمة، والدعاء عند قبريهما مستجاب، وفاطمة هذه كانت من حسان النساء، تحفظ التحفة، لأبيها، وقد طلبها جماعة وزوجه ابنته، وجعل مهرها منه ذلك. وكاسان ويقال قاسان: بلد كبير بتركستان، خلف سيحون، وأهلها يقولون: كاسان. كانت من محاسن الدنيا، خرجت باستيلاء الترك عليها. الفوائد البهية. وهـ - 35 - .
(24) غرر الأفكار، شرح جواهر البحار، لأبي عبد اللَّه، شمس الدين، محمد بن يوسف بن إلياس القونوي، المتوفي سنة (788 هـ - 1386 م)، عالم فاضل، كامل، جامع للفروع، والأصول، مبرز في المعقول، والمنقول، إمام أهل زمانه علماً، وعملاً مصنفاته تدل على غزارة علمه، ودقيق فهمه، منها: شرح تلخيص المفتاح، وشرح مجمع البحرين، واختصر المفصل للزمخشري، ودرر البحار، جمع فيه بين: - مجمع البحرين في الفقه الحنفي، وبين مذهب ابن حنبل، والشافعي، ومالك، وله كذلك شرح عمدة النسفي، في أصول الدين، وغير ذلك. اهـ الفوائد البهية، وفهرس مخطوطات الفقه الحنفي، وكشف الظنون.(1/28)
(25) الخُطاف: طائر يشبه السنون، طويل الجناحين، قصير الرجلين، أسود اللون. منجد.
(26) الصُّرد: طائر ضخم الرأس، أبيض البطن، أخضر الظهر، يصطاد صغار الطير. منجد.
(27) الهدهد: طائر ذو خطوط، وألوان كثيرة، يقولون: أبصر من هدهد، لأنه يرى الماء تحت الأرض. منجد.
(28) الخُفّاش: الوطواط. منجد.
(29) الدُّبس: طائر صغير، أدكن (مائل إلى السواد) يقرقر، ويقال: إنه ذكر الحمام، منسوب إلى طيردبس الرطب. تاج العروس.
(30) انظر صفحة - 28 - حاشية رقم - 9 - .
(31) اللقلق: طائر طويل العنق، والرجلين، يأكل الحيات، ويوصف بالذكاء، والفطنة. منجد.
(32) ولمزيد البيان، ارجع إلى رسالة: فتوى الخواص، في حل ما صيد بالرصاص، لمفتي دمشق في زمانه، المرحوم أفندي حمزة، فقد بين فيها ما يحل من الحيوان، وما لا يحل، وكذلك الهدية العلائية، وتعليقاتها.
(33) مرت ترجمته في صفحة - 26 - .
(34) الببغاء: طائر اخضر، يسمع كلام الناس، فيعيده، وهو اسم للذكر والأنثى، وهو بسكون الباء الثانية، وقد تشدد. قاموس - منجد.
(35) الطاووس: طائر حسن الشكل، حاد الصوت، له عنق طويل، ورأس صغير، تزينه قنبرة. منجد.
(36) ع 5 - 194 - .
(37) الجَلاّلة: البقرة التي تتبع النجاسات. والجلة (مثلثة): البَعَر، أو البَعَرَة، أو الذي لم ينكسر. وجَلّ البَعَر: جمعه بيده. قاموس.
(38) لو - هنا - وصلية.
(39) انظر حاشية رقم - 1 - صفحة - 26 - .
(40) الضفدع: الواحدة: ضِفدِعة، وهي دابة مائية، معروفة، تتغذى بالحشرات، والسمك الصغيرة. منجد.
(41) حشرة، لونها أصفر، وأسود، يستدق جسمها بين الصدر والبطن، منها الأجناس الكبيرة، فلسعتها مؤلمة، والأجناس الصغيرة، كالزرقطة، تبني أعشاشها على الجدران، وعلى أغصان الأشجار. منجد.
(42) دود القز: دود الحرير.
(43) هـ - 180 - 182 - .
(44) المائدة - 5 - .
(45) م 2 - 489. والمقصود من الطعام غير المذكى: مطلق الطعام غير اللحم المذبوح.(1/29)
(46) انظر صفحة (88) من هذا الكتاب.
(48) الوَدَك: الدسم من اللحم، ولعله الدهن. مختار الصحاح.
(49) الواو: حالية، أي والحال أن الزيت أكثر من وَدَك الميتة.
(50) وهو قوله تعالى:{أحل لكم صيد البحر، وطعامه متاعاً لكم، وللسيارة...} (المائدة: 96) - وانظر 5 - 195 - 305 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب في أكل الميتة، وما يضرُّ البدن:.
مطلب في أكل الميتة، وما يضرُّ البدن:
متى اضطر إلى أكل الميتة - أي دعته الضرورة إلى أكلها: بأن لا يجد غيرها في حالة المخمصة، والمجاعة - ، ولم يأكل حتى مات، دخل النار، وبالجملة: كل شيء حرام، أو نجس، لا يجوز أكله، إلا عند الاضطرار. وإن كان ما أكَله، عند الاضطرار، حقَّ العباد، يجب عليه ضمانه. وكما لا يجوز أكلُ النجس والانتفاع به، كذلك لا يجوز أن يُمْسكه في بيته. وذبيحةُ المجوس، والمرتدِ، والصبيِّ الذي لا يعقل، والمُحْرِمِ في ذبح الصيد، ومتروكِ التسمية عمداً، ملحقة بالميتة.
خاف الموتَ جوعاً، ومع رفيقه طعامٌ، أخذ - بالقيمة منه - قدْرَ ما يسد جَوعته، وكذا يأخذ قَدْرَ ما يدفع العطش، فإن امتنع قاتله بلا سلاح، فإن خاف الرفيق الموتَ جوعاً، أو عطشاً، ترك له البعضَ. وإن قال له آخرُ: اقطع يدي وكُلْها، لا يحل، لأن لحم الإنسان لا يُباح في الاضطرار، لكرامته(1).
يكره أكلُ ما يَضر البدن - كالتراب والطين ونحوهما - وشربُه.
اعلم أن المضرات للبدن من المأكولات، والمشروبات ثلاثةُ أقسام:
قسم ضرره ظاهر مُهْلك - كالسُّم، والزجاج، والحديد، والزيبق، والجص، وما أشبه ذلك - فيحرم أكله جامداً، وشربُه مائعاً.
وقسم ضرره ظاهر، ولكنه غير مُهْلك - كالتراب، والحجر، ونحوهما - فيكره أكلها جامدة، وشربها مائعة، إلا قليلَ تراب في ماء.(1/30)
وقسم ضرره غير ظاهر وهو: ما يضر الأمزجة المستعدة لضرره، دون غيرهما - كالمبردين يضرهم أكل السمك، وشربُ اللبن، والمحرورين يضرهم شربُ العسل، والزيت، وأكلُ الفلفل ونحو ذلك - فلا يحرم ولا يكره، غير أن من عَرف تغيرَ مزاجه به، ينبغي أن يتركه، لئلا يؤدي إلى المرض الشديد(2)، وأما السُّم إذا خرج عن كونه سُمّاً - بقتله وتعجينه - فلا يحرم(3).
-------------------
(1) ت - 17 - 2 - ع - 5 - 215 - .
(2) ط - 4 - 463 - .
(3) هـ - 181 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب في شرب القهوة، والدخان:.
مطلب في شرب القهوة، والدخان:
قال النّجْم الغَزَّي(1) في تاريخه، في ترجمة أبي بكر بن عبد اللَّه الشاذلي، المعروف بالعيدروس(2): إنه أول من اتخذ للقهوة، لمّا مرّ في سياحته بشجر البُن، فاقتات من ثمره، فوجد فيه تجفيفاً للدماغ، واجتلاباً للسهر، وتنشيطاً للعبادة، فاتخذه قوتاً، وطعاماً، وأرشد أتباعه إليه، ثم انتشرت في البلاد.
واختلف العلماء في أول القرن العاشر (في حكمها): فحرمها جماعةٌ، ترجّج عندهم أنها مُضرة، و الأكثرون إلى أنها مباحة، وانعقد الإجماع بعدهم على ذلك.
وأما التتن الذي حدث بدمشق، في سنة خمس عشرة بعد الألف، فقد اضطربت آراء العلماء فيه، فبعضهم قال بكراهته، وبعضهم قال بحرمته، وبعضهم بإباحته، وأفردوه بالتآليف، والذي اعتمده سيدي عبد الغني النابلسي(3) - في رسالته التي سماها: (الصلحَ بين الإخوان في إباحة الدخان) - انه مباح(4).
-------------------(1/31)
(1) نجم الدين الغزي، محمد بن محمد الغزي العامري، القرشي، الدمشقي، أبو المكارم، مؤرخ، باحث، أديب، ولد في دمشق عام (977 ه - 1570 م)، وتوفي في دمشق سنة (1061 ه - 1651 م). من كتبه: - الكواكب السائرة في تراجم أعيان المائة العاشرة، لطف السمر، من تراجم أعيان الطبقة الأولى، من القرن الحادي عشر، والتنبه في التشبه - سبع مجلدات. اهـ أعلام.
(2) أبو بكر بن عبد اللَّه الشاذلي العيدروس، مبتكر القهوة، المتخذة من البن المجلوب من اليمن، كان صالحاً، زاهداً، ولد في (تريم) بحضرموت عام (851 ه - 1447 م)، وقام بسياحة طويلة، ورأى البن في اليمن، فاقتات به، فأعجبه، فاتخذه قوتاً، وشراباً، وأرشد أتباعه إليه، فانتشر في اليمن، ثم في الحجاز، والشام، ومصر، ثم في العالم كله. أقام بعدن (25) عاماً، وتوفي بها سنة (914 ه - 1509 م). له كتاب تصوف سماه الجزء اللطيف، في علم التحكيم الشريف - على الطريقة الشاذلية. أعلام بتصرف.
(3) عبد الغني النابلسي بن إسماعيل بن عبد الغني، شاعر، عالم بالدين، والأدب، مكثر من التصنيف، متصوف. ولد في دمشق (1050 ه - 1641 م) ونشأ فيها، ورحل إلى بغداد، وعاد إلى سوريا، فتنتقل في فلسطين، ولبنان، وسافر إلى مصر، والحجاز، واستقر في دمشق، وتوفي سنة (1143 ه - 1731 م)، ودفن في الصالحية في مسجد سمي باسمه، ومقامه ظاهر هناك يزار. له مصنفات كثيرة. منها الرسالة المذكورة، مخطوطة. اه. أعلام.(1/32)
(4) ع 5 - 295 - 297 - . أقول" يجب القول بالمنع مطلقاً من شرب الدخان، بعد الجزم بأضراره، وكونه يستهدف القضاء على النفس، والما، وهما من الضروريات الخمس التي قرر الفقهاء أن المقصد العام من تشريع الأحكام هو تحقيق مصالح الناس، بجلب النفع لهم، ودفع الضرر عنهم، ومصالحهم تشمل الضروريات الخمس التي ترجع إلى حفظ:(الدين، والنفس، والعقل، والعِرض، والمال)، والحاجيات، والتحسينات وفي المنع من الدخان جلب نفع للناس، ودفع ضرر عنهم. قال تعالى:{يحل لهم الطيبات، ويحرّم عليهم الخبائث} - أعراف - 157 - ولا أحد يقول: إن الدخان من الطيبات، فهو لا بدّ إذاً من الخبائث.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب في حكم استعمال أواني الذهب، والفضة: كره الأكل، والشرب، والادّهان، والتطيب، من إناء ذهب، وفضة، للرجل والمرأة، وكذا الأكل بملعقة الفضة، والذهب، والاكتحال بميلها، وما أشبَه ذلك من الاستعمال كمُكحُلة، ودواة، وقلم، ومرآة، ومجمرةٍ، وظرفِ فنجان قهوة، ...
مطلب في حكم استعمال أواني الذهب، والفضة: كره الأكل، والشرب، والادّهان، والتطيب، من إناء ذهب، وفضة، للرجل والمرأة، وكذا الأكل بملعقة الفضة، والذهب، والاكتحال بميلها، وما أشبَه ذلك من الاستعمال كمُكحُلة، ودواة، وقلم، ومرآة، ومجمرةٍ، وظرفِ فنجان قهوة، وساعة، وأركيلة، وصحنها التي توضع عليه، ومنصبها. وإن كا لا يمس الفضةَ بيده، ولا بفمه، ولا بشيء من جسده - لأنه استعمال فيما صنعت له، بخلاف شنبر القصبة، أو الذهب، والقصب من الفضة، الذي يُلف عليها، فإنه تزويق، لأنه من المفضض، فتعتبر حرمته بمَسّه باليد، والفم، لأنه لو رفع الشنبر، أو القصب لا يبطل الاستعمال.(1/33)
ولو وضع ماء الزهر، والورد في قمقمة الفضة، أو الذهب، حرم على الواضع، فلو صبّ منه: إن أخذه على وجه الاستعمال ابتداءً حَرُمَ، وإن صبه بيده على وجه النقل، ثم أخذه ليده الأخرى لأجل التطيب فلا بأس به، وكذا لو قُدّم إليه بآنية محرمة: إنْ أخذه على وجه الاستعمال حرم، وإن نقله إلى الخبز، أو إلى إناء آخر لا يحرم(1).
-------------------
(1) هـ184 - 185 - قال عليه الصلاة والسلام من حديث:" ومن شرب في آنية الذهب، والفضة، لم يشرب بها في الآخرة - " الحديث. رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد. وروى البخاري عن حذيفة رضي اللَّه عنه، قال:" نهى رسول صلى اللَّه عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب، والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير، والديباج، وأن نجلس عليه".
(2) ترغيب وترهيب.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب في الأكل في أواني النُّحاس، والخزف:.
مطلب في الأكل في أواني النُّحاس، والخزف:
يكره الأكل في النحاس قبل طليه بالقزدير (القصدير) والشَّب(1)، لأنه يدخل الصدأ في الطعام فيورث ضرراً عظيماً، وأما بعد طليه فلا كراهة فيه. واتخاذها (أي الأواني) من الخزف أفضل، إذ لا سرف فيه، ولا مخيلة، وفي الحديث "مَنِ اتخذ أواني بيته خَزفاً، زارته الملائكة". وفي الجوهر(2): وأما الآنية من غير الفضة، والذهب فلا بأس بالأكل والشرب فيها، والانتفاع بها - كالحديد، والصُّفر، والنحاس، والرصاص، والخشب، والطين، والخزف، وهو ما عُمل من طينِ وشُويَ بالنار حتى يكون فخاراً - (3).
-------------------
(1) حجارة الزاج، وهو ملح معدني، قابض، لونه أبيض، ومنه أزرق. قاموس ومنجد.(1/34)
(2) الجوهرة النيرة، أو المنيرة، وهو مختصر كتاب: السراج الوهاج، الموضح لكل طالب محتاج، وهو شرح لمختصر القدوري، والجوهرة، والسراج كلاهما تأليف أبي بكر بن محمد بن علي المعروف بالحدادي العبادي المتوفى في حدود سنة (800 ه - 1398 م) ومختصر القدوري تأليف أبي الحسن، أحمد بن محمد القدوري البغدادي، المتوفى سنة (428 ه - 1037 م). فهرس مخطوطات الفقه الحنفي.
(3) ع 5 - 218 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الأول في الأكل والشرب.
مطلب في أحكام الشرب، وآدابه:.
مطلب في أحكام الشرب، وآدابه:
ومن آداب الشرب، ان يأخذ الكوز بيمينه، ويسمى اللَّه (تعالى)، ويشرَبه مَصاً لاعبّاً، فإن الكُبادَ من العَبّ، والكُبَاد: وجع الكبد.
ويشرب في ثلاثة أنفاس، ويراعي أسفل الكوز، حتى لا يقطر عليه، وينظر في الكوز قبل الشرب، ولا يتنفس في الكوز، بل ينحيه عن فمه بالحمد، ويرده بالتسمية. والكوزُ، وكلُّ ما يدار على القوم يُدار يَمنْة(1).
لا بأس بالشرب قائماً، فلو شرب قاعداً فهو أحسن، ويشرب من فَضْل وَضوئه قائماً مستقلَ القِبلة، كماء زمزم. لا يشرب ماشياً، فإنه مكروه، إلا للمسافر. لا يجوز نقل الماء عن السِّقاء ليشربه في بيته، أو حانوته.
يَحْرم شرب الماء على صفة الخمر، ويكره شرب الماء المستعمل. الزروع المسقية بالنجاسات لا تحرم، ولا تكره عند أكثر الفقهاء. كان ابنُ عباس(2) رضي اللَّه تعالى عنهما يحب الشربَ من الزجاج، لأنه يبصر ما فيه.(1/35)
ولا يشربْ أحد من النهر، أو الحوض كَرْعاً، ولا من فم السِّقاء، ولا من ثلمة الإناء، ولا من عُروته. ويُخَمّر الإناء، ويوكي(3) السقاء بالليل، ويجيف(4) الأبواب، ويطفئ المصابيح، ويكفِت(5) الصبيان إلى البيوت ليلاً. ومن لم يجد إناء يشرب فيه، فليشرب بيده، فإنها أفضل آنية، ويختار أبرد الشراب، فإنه أنفع للغُلّة(6)، وأبعثُ على الشكر. ولا يشرب ماءً على الريق، فإنه يوهن البدن. ويتبرك بسؤر أخيه المسلم، لا سيما بسؤر الكبار، ولا يردّ ماءَ زمزم إذا عُرض عليه، كما لا يرد الطّيب. وإذا استسقاه قوم، بدا بالشيوخ فسقاهم، ويشرب هو في آخر القوم، وفي الحديث "مَنْ كَثُرتْ ذنوبُه فليسقِ الماء".
يكره للمرأة سؤر الرجل، و(يكره) سؤرها له، والعلة فيها: ان الرجل يصير مستعملاً لجزءٍ من أجزاء الأجنبية، وهو ريقها المختلط بالماء، وبالعكس فيما لو شربت سؤرَه، وهو لا يجوز. قال الرملي(7): يجب تقييده بغير الزوجة والأقارب(8).
-------------------
(1) غ 2 - 5 - .
(2) عبد اللَّه بن العباس بن عبد المطلب، القرشي، الهاشمي، أبو العباس، حبر الأمة، وترجمان القرآن، والعالم في كل فنّ، الصحابي الجليل، ولد بمكة عام (3 ق.ه)، ونشأ في بدء عصر النبوة، فلازم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وروى عنه الأحاديث الصحيحة، وشهد مع علي الجمل وصفين. سكن الطائف، وتوفي بها سنة (68 ه) له في الصحيحين (1660) حديثاً. الأعلام.
(3) أوكيت السقاء: شددت فمه بالوكاء، والوكاء: حبل يشد به رأس القربة. مصباح.
(4) أجاف الباب: رده. اه - منجد.
(5) الكفت: الصم، وكَفَتَه: ضمه إليه، وفي الحديث "اكْفِتُوا صبيانكم بالليل، فإن للشيطان خطفةٌ"، والكفات: الموضع الذي يكفت فيه شيء، أو يضم، ومنه: قوله تعالى{ألم نجعل الأرض كفاتاً} المرسلات - 25 - اه - مختار الصحاح.
(6) الغلة: شدة العطش. مختار الصحاح.(1/36)
(7) خير الدين بن أحمد بن علي، الأيوبي، العليمي، الفاروقي، فقيه حنفي، باحث، له نظم، من أهل الرملة بفلسطين، ولد ومات فيها (993 - 1081 ه - 1585 - 1671 م)، رحل إلى مصر عام (1007)ه، فمكث في الأزهر ست سنين، وعاد إلى بلده، فأفتى، ودرس، إلى أن توفي. من كتبه: الفتاوى الخيرية، ومظهر الحقائق، وحاشية على البحر الرائق في فقه الحنفية. أعلام.
(8) هـ181 - ش - 278 - ع 5 - 274 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة
الكسوة (لها أحكام مختلفة)، منها:
فرض، وهو: ما يستر العورة، ويدفع الحَرّ والبرد. والأوْلى: كونُه من القطن، أو الكتان، أو الصوف، على وفاق السنة، بأن يكون ذيله لنصف ساقه، وكُّمه لرؤوس أصابعه، وفمه قدرَ شبرٍ، بين النفيس والخسيس، إذ خير الأمور: أوساطها، وللنهي عن الشهرتين وهو: ما كان في نهاية النفاسة أو الخساسة.
ومستحب، وهو: الزائد لأخذ الزينة، وإظهار نعمة اللَّه تعالى، قال عليه الصلاة والسلام:"إنّ اللَّه يحبُ أن يرى أثر نعمته على عبده".
ومباح، وهو: الثوب الجميل للتزين في الأعياد، والجُمَع، ومجامع الناس، لا في جميع الأوقات، لأنه صلف(1)، وخيَلاء، وربما يغيظ المحتاجين، فالتحرز أولى.
ومكروه: وهو: اللبس للتكبر(2).
يستحب لبس الأبيض، وكذا الأسودَ، لنه شعار بني العباس، وكان له، صلى اللَّه عليه وسلم، عِمامة سوداءُ، يلبسها في العيدين، ويرخيها خلفه، قال شمس الأئمة السرخي(3) :(ينبغي أن يلبس عامة الأوقات الغَسيل من الثياب، ويلبس أحسن ثوبٍ يجده في بعض الأوقات، إظهاراً لنعم اللَّه تعالى عليه، فإن ذلك مندوب إليه، ولا يلبس أحسن ما يجد في جميع الأوقات، لأن ذلك يؤذي المحتاجين)(4).(1/37)
لا يجوز إسبال الثوب تحت الكعبين، إنْ كان للخيَلاء، والتكبر، وإلاّ جاز، إلا أنّ الأفضل أن يكون فوق الكعبين، ويكره لبس ثيابٍ كثياب الفَسقة وزيِّهم، فإن اعتاد الناس لبسها، وصارت شعارَهم، (ف) لا يكره.
لا يجوز للمرأة أن تصبغ ثوبها أسود، لموت أقاربها، إلا لزوجها ثلاثة أيام، أما ما فوقها فتأثم(4).
وكره لبس المعصفر، والمزعفر الأحمر، والأصفر، للرجال، ولا بأس بسائر الألوان(5)، لبس السراويل سنةُ الأنبياء عليهم السلام، وهو من أستر الثياب للرجال والنساء، وكذا لبسُ الصوف، والشعرِ، وإنه آية التواضع، ولبس العباءة أيضاً مستحب، وأول من لبسها (سيّدنا) سليمان عليه السلام، وينوي بلبس الثياب سترَ العورة، والتزينَ بها، تودداً إلى أهل الإسلام، ويبدأ بالأيمن في لبس اللباس، وبالأيسر في خلعه، ويحمد اللَّه تعالى قائلاً:" الحمد للَّه الذي كساني هذا، ورزقنيه من غيرِ حولٍ مني ولا قوة(6)، اللَّهم إني أسألك من خيره، وخيرِ ما صُنع له، وأعوذ بك من شره، وشرِّ ما صنع له"(7). وكان النبي، صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، إذا استجدّ ثوباً يومَ الجمعة.
ومن سنة الأنبياء عليهم السلام، لبسُ القميص، قبل السراويل. ويلبس السراويل قاعداً، ولا ينزع ثوباً، حتى يرقعه، ويكسو المنزوعَ فقيراً، ليكون في حرز اللَّه، ويطوي ثوبَه كلما نزعه، لئلا يلبسه الشيطان.
ولا تلبس المرأة رقيقَ اللباس، الذي يصف ما تحته، فإنه يوجب اللفتة، وترخي إزارها أسفل، من أزرّة الرجل شبراً، ليستر ظهر قدمها(8).
-------------------
(1) الصَّلف: مجاوزة قدر الظَرْف، والادعاء فوق ذلك تكبراً، والخيلاء: الكبر، من الفعل اختال. مختار.
(2) ع 5 - 223 -(1/38)
(3) محمد بن احمد بن أبي سهل، أبو بكر السرخسي، من أهل سَرَخس (في خراسان) المتوفى سنة (483 ه - 1090 م) شمس الأئمة، فاض، مجتهد، من كبار علماء الحنفية، لازم شمس الأئمة الحلواني. أشهر كتبه: المبسوط في الفقه والتشريع (ثلاثون جزءاً) أملاه من خاطره، من غير مطالعة كتاب، وهو محبوس في الجب. قال عند فراغه من شرح العبادات: هذا آخر شرح العبادات، بأوضح المعاني، وأوجز العبارات، إملاء المحبوس عن الجمع والجماعات. وبعد خروجه من سجنه سكن - فرغانة - وكان قد أملى نصف كتابه في السجن، حيث وصل إليه الطلبة، فأكمل الإملاء. وسرخس: اسم رجل سكن هذا الموضع، وعمّر، ثم أتم بناءه ذو القرنين. اه. الفوائد البهية، والأعلام.
(3) هـ - 229.
(4) لقوله صلى اللَّه عليه وسلم:" لا يحل لامرأة، تؤمن باللَّه واليوم الآخر، أن تُحِدّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج، أربعة أشهر وعشراً" رواه الشيخان وغيرهما. والإحداد: الحزن، ولبس ثياب الحزن ما عدا الأسود، وترك الزينة. والأسود لا يجوز أن تلبسه على أحد في الأحزان، إلا على موت زوجها، ولمدة ثلاثة أيام فقط. يقال: أحدت، تحد، فهي محد. تغريب وترهيب وانظر هـ - 230.
(5) ع 5 - 228.
(6) رواه أبو داود، والحاكم. ترغيب وترهيب.
(7) انظر الأذكار صفحة - 16 لكن ورد بدل - ما صنع له - ما هو له.
روى أبو داود، عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن أسماء بنة أبي بكر رضي اللَّه عنهما، دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق (تظهر ما تحتها وتشفه)، فأعرض عنها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال:" يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا"، وأشار إلى وجهه وكفيه. ترغيب. وانظر ش 282 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.(1/39)
مطلب في لبس الحرير: يحرم لبس الحرير - ولو بحائل بينه وبين بدنه، او في الحرب - على الرجال، إلاّ قدرَ أربع أصابع من أصابع (سيّدنا) عمر(1) رضي اللَّه عنه، على أطراف الثوب، والأكمام، وذلك قِيْسُ شبرنا(2)، ولا يُجمع المتفرق إلا إذا كان خَطٌّ منه قزاً، وخطٌّ...
مطلب في لبس الحرير: يحرم لبس الحرير - ولو بحائل بينه وبين بدنه، او في الحرب - على الرجال، إلاّ قدرَ أربع أصابع من أصابع (سيّدنا) عمر(1) رضي اللَّه عنه، على أطراف الثوب، والأكمام، وذلك قِيْسُ شبرنا(2)، ولا يُجمع المتفرق إلا إذا كان خَطٌّ منه قزاً، وخطٌّ منه غيرَه، بحيث يرى كله قزاص، فلو لبس ثوباً مطرزاَ بالحرير تطريزاً أو نسجاً، ولم تبلغ كل واحدة من نقوشه أربع أصابع - وإن زادت بالجمع - فإنه يحل، ما لم يُرَ كلُّه حريراً. وكذا المنسوجُ بالذهب، يحل إذا كان هذا المقدارَ، وإلاّ لا يحل للرجل.
أما المرأة فيحل لها التحلي بالذهب، والفضة، ولبسُ الحرير، كيفما كان(3).
وأما استعمال الحرير - لوسادة، او فراش أو نحو ذلك - فحلال، وكذا إسجاف القنباز، واللّاطة، والبِنش، وبيتُ تِكةِ السروايل، وقيطانها، والعروة، والزر، وقيطان الكبود، وما على أكتاف العباءة، ورقعةُ ثوبٍ، وحاشيته، وخَرْجه، وسجفه، إذا كان كلُّ ذلك عرضَ أربع أصابع. ولو كان على أطراف الثوب كلَّها لا يحرم، سواء كان من الحرير، أو فضة، أو ذهب، كَتيْل الفضة للعمامة، إذا خيط بها.(1/40)
ولو جعل الحرير حشواً لا يكره، بخلاف ما إذا جعله ظهارة، أو بطانة، وزاد على أربع أصابع فلا يحل. وكيس الحمايلي، والمصحفِ، إذا كان حريراً، يكره إن حمله في عنقه، لا إن علقه في البيت، وكيس الدراهم من الحرير لا يحرم، إذا جعله في جيبه بدون تعليق بعنقه. ولا تكره الصلاة على سَجادة من الحرير، لأن الحرام منه على الرجال: اللبسُ - ولو حكماً، كاللحاف - أما الانتفاع بسائر الوجوه فليس بحرام(4)، فلا يحرم قيطان السُّبحة، من الحرير، ولا بندُ المفاتيح، والميزانِ، وبقجةُ الثياب، وشرشف الفرشة، وبرداية الباب، والشباكِ، ومنديل الوضوء. واختلف في لبس التكة من الحرير، وكذا في عصابة المفتصِد بالحرير، قيل: يكره بالاتفاق، وإن كانت أقل من أربع أصابع، لأنها أصل بنفسه(5).
ولا بأس بالنوم في ناموسية الحرير للرجال، وتكره القلنسوة منه، وإن كانت تحت العمامة. فإذا كانت منقشة بالحرير، وكان أحد نقوشها اكثرَ من أربع أصابع (ف) لا تحل، وإن كان أقلّ تحل، وإنْ زاد مجموع نقوشها على أربع أصابع، بناءً على ما مرَّ: من أن ظاهر المذهب عدمُ جمع المتفرق(6).
-------------------
(1) عمر بن الخطاب بن نفيل، القرشي، العدوي، أبو حفص، ثاني الخلفاء الراشدين، الصحابي الجليل. الشجاع الحازم، صاحب الفتوحات، يضرب بعدله المثل. أحد العمرين اللذين أعز اللَّه الإسلام بأحدهما، ولد عام (40 ق.ه)، أسلم قبل الهجرة بخمس سنين. فتح الشام والعراق في خلافته، والقدس، والمدائن، ومصر، والجزيرة، حتى انتصب اثنا عشر ألف منبر في الإسلام، أول من وضع التاريخ الهجري، وأمر ببناء البصرة، والكوفة، لقبه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالفاروق، وكناه بأبي حفص، كان أبيض عاجي اللون، طوالاً، مشرفاً على الناس، كث اللحية، قتله أبو لؤلؤة، فيروز الفارسي المجوسي غيلة، بخنجر في خاصرته، وهو في صلاة الفجر سنة (23 ه)، عاش بعدها ثلاث ليال. أعلام بتصرف.(1/41)
لما روى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: (نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن لبس الحرير، إلا في موضع إصبع، أو إصبعين، أو ثلاث، أو أربع). تعليقات الترغيب والترهيب لمصطفى عمارة.
(2) روى أبو داود، والنسائي، عن علي رضي اللَّه عنه قال: (رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، اخذ حريراً، فجعله في يمينه، وذهباً في شماله، ثم قال: "إن هذين حرام على ذكور أمتي". ترغيب.
(3) لما روي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، جلس على مرفقة حرير. وكان على بساك ابن عباس، رضي اللَّه عنهما، مرفقة حرير. وروي أن أنساً، رضي اللَّه عنه، حضر وليمة، فجلس على وسادة حرير. ولأن الجلوس على الحرير استخفاف، وليس بتعظيم، فجرى مجرى الجلوس على بساط فيه تصاوير. مح.
(4) ه - 188 - .
(5) ع - 5 - 225 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب في حل لبس ما سَداه حرير:.
مطلب في حل لبس ما سَداه حرير:
ويحلّ لبس ما سَداه حرير، ولُحمته غيرُه(1)، - ككتان وقطن - سواء كان مغلوباً، أو غالباً، أو مساوياً للحرير، ولو خُلطت اللحمة بحرير اعتبر الغالب، وما كان لحمته حريراً، وسَداه غيرَ حرير، يباح لبسه في الحرب فقط، لو صفيقاً، (ضد الرقيق) للضرورة، وهي شيئان: التهيّب بصورته - وهو بريقه، ولمعانه - والثاني: دفع مَعَرّة السلاح، أي مضرتِه، فإذا كان رقيقاً لم تتم الضرورة، فحرم إجماعاً بين الإمام وصاحبيه(2).
-------------------
(1) لأن الثوب إنما يصير ثوباً بالنسج، والنسج باللحمة، فكانت هي المعتبرة، دون السدى. در.
(2) ع 5 - 227 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب: ويبسط في بيته ما شاء:.
مطلب: ويبسط في بيته ما شاء:(1/42)
ويبسط في أرض بيته ما شاء، من الثياب المتخذة من الصوف، والقطن، والكتان، والحرير، المصبوغة، وغير المصبوغة، والمنقشة، وغير المنقشة، وله أن يستر الجدران باللِّبد وغيره، للحر و البرد، ويجوز أن يبسط أيضاً ما فيه صورة، لأنه إهانة لها، ولا يجوز أن يعلق على موضع شيئاً فيه صورةُ ذاتِ روح(1).
-------------------
(1) (1) ه - 230 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب في سنة البناء:.
مطلب في سنة البناء:
والسنة في البناء: مقدارُ الكفاية، وينوي لدفع الحر والبرد، وإيوائه، وإيواء عياله، ليكون من النفقة التي يُثاب عليها. وما ورد من الذم: من أنه لا خيرَ في مال ينفق في الماء والطين، ففيما زاد عن الحاجة، وفيما لا يقصد به الخير والثواب(1).
ومن سنة البناء: أن يبني فيه مرحاضاً للغائط، والبول، وموضعاً للغُسل والوضوء، وبيتاً للضيافة(2).
-------------------
(1) ه - 230 -
(2) ش - 307 - ه - 230 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب في حكم الفرو، وجلودِ السباع:.
مطلب في حكم الفرو، وجلودِ السباع:
ومن اللباس المعتاد، لبسُ الفرو، ولا بأس به من السباع كلها، وغير ذلك من الميتة المدبوغة، والمذكاة، ودباغها: ذكاتها. ولا بأس - بجلود النَّمر والسباع كلها إذا دبغت - أن تجعلَ مصلَّى، أو منبراً لسرج(1).
-------------------
(1) ع - 5 - 224 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب في لبس الخاتم من الفضة:.
مطلب في لبس الخاتم من الفضة:
ولا يتزين الرجل بذهب وفضةٍ: إلاّ بخاتم فضة قدْر درهم، ومنطقة لشدّ وسطه، وحليةِ سيف، وحمائله من الفضة، لا من الذهب، بشرط أن لا يضع يده على موضع الفضة. ولا بأس بأن يجعل في أطراف سيور اللجام الفضةَ، ويكره أن يجعل جميعه أو عامته.(1/43)
ولا يتختم بذهب، وحديدٍ، وصُفر، ولا برصاص، وزجاج، وغيرها(1)، والعبرةُ: للحلْقة، لا للفص، فيجوز الفَصّ من حَجرِ، وعقيق، وياقوت، وغيرها، ويحرم إذا كان على غير هيئة خاتم الرجال، بأن كان له فَصان، أو عقيق.
وترك التختم لغير ذي حاجة(2) إليه أفضل.
-------------------
(1) لما روى الطحاوي، بإسناده إلى عمران بن حصين، وأبي هريرة قالا: (نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن خاتم الذهب). وروى صاحب السنن بإسناده إلى عبد اللَّه بن بريرة، عن أبيه، أن رجلاً جاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعليه خاتم من شَبه (نحاس أصفر)، فقال له: "ما لي أجد منك ريح الأصنام"؟! فطرحه. ثم جاء، وعليه خاتم من حديد، فقال: "ما لي أجد عليك حلية أهل النار"؟! فطرحه. فقال: يا رسول اللَّه، من أي شيء أتخذه؟ قال: "اتخذه من وَرِق، ولا تتمه مثقالاً".
(2) كالسلطان، والقاضي، والمباشر، ومتولي الأوقاف، وغيرهم ممن يحتاج إلى الختم، لضبط المال. وقوله "أفضل" يفيد أن التختم للزينة جائز. لما روي عن يونس بن أبي إسحاق، قال: رأيت قيس بن أبي حازم، وعبد الرحمن بن الأسود، والشعبي، وغيرهم يتختمون في يسارهم، وليس لهم سلطان، ولأن السلطان يلبس للزينة، وحاجة الختم، وغيره في حاجة الزينة، والختم سواء، فجاز لغيره، وبه نأخذ - در - ومح - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب في كراهة إلباس الصبيذهباً، أو حريراً:.
مطلب في كراهة إلباس الصبيذهباً، أو حريراً:(1/44)
وكره إلباس الصبي ذهباً، أو حريراً، فإن ما حرم لبسه وشربه، حرم إلباسه، وإشرابه، لأن النص حرّمَ الذهب والحرير على ذكور الأمة، بلا قيدِ البلوغ، والحرية، والإثمُ على من ألبسهم، لأننا أُمرنا بحفظهم. وكذا يكره للولي إلباس الخلخال، أو السوارِ للصبي، لأنه من زينة النساء. ولا بأس بثقب أُذن البنت لتعليق القُرط، وهو من زينة النساء. ولا يشد سِنّه بذهب، بل بفضة، وجوّزهما محمد(1) (أي جَوَّز الشدَّ بهما)، ويتخذ أنفاً منه (أي من الذهب) لأن الفضة تنتن(2).
-------------------
(1) انظر ترجمته في صفحة - 7 - .
(2) ع - 5 - 231 - 27 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب في خرقة الوضوء، والرتيمة:.
مطلب في خرقة الوضوء، والرتيمة:
لا يكره خِرقةٌ لوضوء، أو مخاط، او عرق. ولا تكره الرّتيمة، وهي: خيط يربط بإصبع، أو خاتم، لِتَذَكُّرِ الشيء.
بساط، أو مصلى، كتب عليه في النَّسج: المُلك للَّه، يكره استعماله، وبَسطه، والقعودُ عليه. ولو قُطِع الحرف من الحرف، أو خِيط على بعض الحروف، حتى لم تبق الكلمة متصلةً، لا تزول الكراهة، لأن للحروف المفردة حرمة(1).
-------------------
(1) ع - 5 - 232 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب: لا يَتخذ فراشاً زائداً عن حاجته:.
مطلب: لا يَتخذ فراشاً زائداً عن حاجته:(1/45)
ولا يتخذ من الفرش فوق ثلاثة: فراش له، وفراش لها، وفراش للضيف، ذكر في الحديث أن الرابع للشيطان. ولا يخفى عليك أنّ المراد أنه لا يتخذ فراشاً زائداً على حاجته، لأنه إسراف، وهو من فعل الشيطان، فليس فيه منعٌ عن الزائد من الواحد للضيف، إذا احتاج إليه المضيف، لكثرة الضيفان. وليكن الفراش متوسطاً بين اللين والخشونة، فإنه أقرب إلى السنة، لقد كان فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الذي ينام عليه أدماً، حَشْوُه ليف، وكذا كانت وسادته(1).
-------------------
(1) ش - 290 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب في لبس النعال:.
مطلب في لبس النعال:
ويستكثر الرجل من النعال، فإنها مراكب الرجال، وفي الحديث "مَنْ لبس نعلاً صفراءَ، لم يزل في سرورٍ، ما دام لابسَها". ويبدأ في لبس النعلِ، والخف بالجانب الأيمن، ويبدأ في نزعهما بالأيسر، ويلبسهما قاعداً، ولا يمشي في نعل واحد، أو خفّ واحد، وينفض الخفين حين يلبسهما، لئلا يكون فيهما شيء يؤذيه، (وينبغي) أن يحتفي أحياناً، تواضعاً للَّه تعالى، وأن يحمل أخاه المسلم على نعلٍ، أو خفّ، فإن ثوابه كمن حمله على فرس في سبيل اللَّه، وأن يخلع نعليه حين يجلس، ويضعهما بجنبه، (وإن كان في المسجد)، ليكون في أمن وحضور(1).
وللإنسان أن يلبس النعل الأسود، والمخصوفَ بمسامير الحديد - كالكندرة، والكالوش، والبوتين - من غير كراهة، لأن صورة المشابهة فيما يتعلق به صلاحُ العباد، لا يضر، فلا يكون ذلك تشبهاً بالكفار، ولأن التشبهَ بهم لا يكره في كلِّ شيء، إلا في المذموم، وفيما يقصد به التشبه(2).
-------------------
(1) ش - 290 - .
(2) ه - 230 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب في تنظيف البدن:.
مطلب في تنظيف البدن:(1/46)
ويستحب حلق عانته، وتنظيفُ بدنه بالاغتسال، في كل أسبوع مرة، والأفضل يومَ الجمعة، وإزالةُ الشعر من إبطيه، والحلقُ أو النتف، وجاز في كل خمسةَ عشر (يوماً)، وكره تحريماً تركُ ذلك وراءَ الأربعين(1). وينقّي البراجن(2)، واللثاث، والأسنان، والصماخين ما استطاع، فإن ما يعلوها من الوسخ ينفر الملائكة. ويبتدئ بحلق العانة من تحت السرة. ولو عالج بالنُّورة(3) يجوز، والسُّنة في عانة المرأة: النتف(4).
ويستحب قلم أظافيره يومَ الجمعة، إلا إذا أخره إليه تأخيراً فاحشاً فيكره، لأن مَنْ كان ظفره طويلاً، كان رزقه ضيقاً. وينبغي الابتداءُ باليد اليمنى، والانتهاءُ بها، فيبدأ بسبابتها، ويختُم بإبهامها، وفي الرِّجل: بخنصر اليمنى، ويختم بخت\نصر اليسرى. إلقاء قُلامة الظفر، أو الشعر في الكنيف، أو المغتَسل مكروه، يورث داءً، فإذا قلَّم أظفاره، أو جَزّ شعره، ينبغي أن يدفنه، فإن رمى به فلا بأس(5).
-------------------
(1) لما روى مسلم عن أنس بن مالك قال: (وُقت لنا في تقليم الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبط: ألا نترك أكثر من أربعين ليلة). وهو من المقدرات، التي ليس للرأي فيها مدخل، فيكون كالمرفوع. مح.
(2) لعل الصحيح البراجم، قال في القاموس: البُرجمة: بالضم، المَفْصل الظاهر، او الباطن من الأصابع، أو مفاصل الأصابع كلها، او رؤوس السلاميات، إذا قبضت كفّك، نشزت وارتفعت. قاموس.
(3) النورة: حجر الكلس، ثم غلب على أخلاط تضاف إلى الكلس، من زرنيخ وغيره، يستعمل لإزالة الشعر. منجد.
(4) ع 5 - 261 - ش - 300 - .
(5) ع - 5 - 260 - ط - 2 - 447 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب في دخول الحمام:.
مطلب في دخول الحمام:(1/47)
ولا بأس بدخول الحمام، ولا يدخل إلا متستراً، ويغضُّ بصره، ويستر عورته، وينهى غيرَه عن كشف العورة، ولا يدخل لأجل الدنيا، بل يقصد به التنظيف للصلاة، وأن يعطيَ الحمامي الأجرة قبل الدخول، ويتعوذُ باللَّه عند دخوله، ويقدّم رِجله اليسرى، ويدخلُ وقت الخلوة، ولا يُسلم، ولا يكثر الكلام، ولا يقرأ القرآن فيه إلا سراً، ولا يعجل بدخول البيت الحار، ولا يمكثُ فيه، إلا مكثاً متعارفاً، ولا يُكثر صَبّ الماء لأنه إسراف، بل يقتصر على قدْر الحاجة. ودخوله فيما بين العشائين، وقريباً من المغرب مكروه، لأن ذلك وقت انتشار الشياطين، ودخوله في الغُدوة ليس من المروءة، لأن فيه إظهاراً لما يجب إخفاؤه.
ويمنع النساء من دخول الحمام، فإنه فتنة، إلا بعذر - كحيض أو نفاس - . وغسل الرِّجلين بالماء البارد، بعد الخروج من الحمام أمان من الصداع، ومن النِّقْرس(1).
ويكره صب الماء البارد على الرأس عند الخروج منه، وكذا شربه. وقيل: نومته في الصيف بعد الحمام دواءٌ يعدل شربة، كذا في الإحياء(2).
-------------------
(1) داء معروف، يصيب الرّجل، وهو ورم يحدث في مفاصل القدم، وفي إبهامها أكثر. منجد.
(2) إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، انظر ترجمته في صفحة - 103 - وانظر - (3) ش 304 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب في التطيب، والاكتحال، والترجيل:.
مطلب في التطيب، والاكتحال، والترجيل:(1/48)
ومن السنة: التطيب، والتعطر بالمسك ونحوه، ويتطيب الرجل بما يَظهر ريحه، ويخفى لونه، والمرأة بضدّ ذلك، والاكتحال سنة، وفي الحديث "اكْتَحِلوا بالإثمد، فإنه يَجلو البصرَ، وينبت الشعر". ويكتحل في كلّ عين ثلاثاً ثلاثاً. والادّهان والترجيل سنة، والترجيل: تسريح الشعر بالمشط، وفي الحديث "مَنْ كان له شعرٌ فليكرمه" أي بالتدهين، والترجيل، والتنظيف بالغسل، ولا يتركه متفرقاً متوسخاً. ويختضب بالصفرة والحمرة. ويوقر الشيب، ولا يركه، ولا ينتفه، فإنه نور المؤمن، ووقاره.
والسّنة في شعر الرأس: إما الفرق، أو الحلق. والنظرُ في المرآة، أو في الماء الصافي - ليصلح من هيئته شيئاً - سنةٌ، ويقول إذا نظر فيها (الحمد للَّه الذي سوّى خلقي فعدّله، وكرّم صورة وجهي وحسّنها، وجعلني من المسلمين، اللَّهم كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي)(1).
-------------------
(1) ش - 294 - و - 304 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب في قصّ الشارب:.
مطلب في قصّ الشارب:
والقص من الشارب - حتى يوازيَ الحرف الأعلى من الشفة العليا - سنة بالإجماع، وأما نتف شعر الشفة السفلى فبدعة، ولا بأس بنتف الشيب، وأخذ أطراف اللحية، والسنة فيها القبضة، وما زاد يقطعه. ولا بأس بأخذ الحاجبين، وشعرِ وجهه ما لم يُشبه المُخنث. وفي حلق شعر الصدر، والظهر تركُ الأدب. ولا ينتف أنفه لنه يورث الآكلة(1).
ويكره القَزَع، وهو: أن يحلق بعضَ الرأس، ويترك البعض، قطعاً مقدار ثلاث أصابع.
ولو قطعت المرأة شعر رأسها أثمت، ولعنت ولو بإذن الزوج، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والعلة في إثمها: التشبهُ بالرجال، فإنه لا يجوز بالتشبه بالنساء(2).
-------------------
(1) داء في العضو يأتكل منه. منجد.
(2) ع - 5 - 239 - 161 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب في الختان:.(1/49)
مطلب في الختان:
والختان سنة، وهو من شعائر الإسلام، فلو اجتمع أهل بلدة على تركه حاربهم الإمام، فلا يترك إلا لعذر، ووقته: غير معلوم، قيل: سبع، وقيل: عشر، وقيل: أقصاه اثنتا عشرة سنة، وقيل: العبرة بطاقته. وختان المرأة ليس سنة، بل مكرمة للرجال، وقيل: سنة(1).
-------------------
(1) ع - 5 - 478 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثاني في اللُّبس، والكسوة.
مطلب في التَّميمة:.
مطلب في التَّميمة:
وتكره التميمة، وهي: خرزاتٌ كانت العرب تُعَلّقها على أولادهم، يتّقون بها العينَ في زعمهم، فأبطلها الإسلام، وفي الخانية(1): امرأةٌ أرادت أن تضع تعويذاً ليحبّها زوجها، ذكر في الجامع الصغير(2) أن ذلك حرام لا يحل. ولا بأس بالمعاذات إذا كُتب فيها القرآن، أو أسماء اللَّه تعالى، وإنما تكره العوذة إذا كانت بغير لسان العرب، ولا يدرى ما هو، ولعله يُدخلُه سِحراً أو كفراً وغيرَ ذلك(3).
واختلف في الاستشفاء بالقرآن: بأن يقرأ على المريض أو الملدوغ الفاتحة، أو يكتب في رَقّ ويعلق عليه، أو في طست، ويغسل ويسقى، وعلى الجواز عمل الناس اليوم، وبه وردت الآثار. ولا بأس بأن يَشد الجنبُ والحائض التعاويذ على العُضد، إذا كانت ملفوفة(4).
-------------------
(1) أي الفتاوى الخانية، المعروفة بفتاوى قاضيخان، للإمام فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندي، الفرغاني الحنفي، المتوفى سنة (592)ه. من أهل الترجيح، وكتابه هذا من أصح الكتب التي يعتمد عليها في الإفتاء والعمل. الفوائد.(1/50)
الجامع الصغير للإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، انظر ترجمته في صفحة - 7 - وهو أحد الكتب الستة له المسماة بكتب ظاهر الرواية، وهي المبسوط، والجامع الصغير، والجامع الكبير، والسير الكبير، والسير الصغير، والزيادات، والجامع الصغير: كتاب جامع لأمهات المسائل، وأصولها، وفيه زيادات في مسائل، لم تذكر في المبسوط، وفيه فائدة النص عن أبي حنيفة، في كل مسألة، وقد جمع فيه أربعين كتاباً من كتب الفقه. وقد شرحه قاضيخان المتوفى سنة (592) صاحب الفتاوى الخانية اه. الفوائد - وفهرس مخطوطات الفقه الحنفي.
قال عليه الصلاة والسلام، "مَنْ عَلّق تميمة، فلا أتّم اللَّه له". لأنهم كانوا يعتقدون أنها من تمام الدواء، والشفاء، بل جعلوها شركاء، لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم، وطلبوا دفع الأذى من غير اللَّه تعالى، الذي هو دافعه - مح - .
(2) ع 5 - 232 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
الباب الثالث في النظر والمسِّ
إن مسائل النظر أربع:
نظر الرجل إلى المرأة،. ونظرها إليه. ونظر الرجل إلى الرجل. ونظر المرأة إلى المرأة.
والأولى على أربعة أقسام:
نظره إلى الأجنبية الحرّة. ونظره إلى من تحلّ له من الزوجة والأمة.
ونظره إلى ذوات محارمه. ونظره إلى أمة الغير.
(المسألة الأولى: نظر الرجل إلى المرأة).
(القسم الأول) فينظر الرجل من الأجنبية الحرّة - ولو كافرةً - إلى وجهها وكفيها، فقط للضرورة، قيل: والقدم، والذراع، والمِرفقِ إذا آجرت نفسها للخَبْزِ ونحوه من الطبخ، وغسل الثياب، لأنه يبدو منها عادة، وتمنع الشابة من كشف وجهها، لا لنه عورة، بل لخوف الفتنة، وعبدُها كالأجنبي معها، إلا انه يدخل عليها بلا إذنها إجماعاً. ولا يسافر بها إجماعاً.(1/51)
فإن خاف الشهوة، امتنع نظره إلى وجهها، إلا لحاجة - كقاضٍ، وشاهدٍ، يحكم ويشهد عليها، وكذا مريدُ نكاحها ولو عن شهوةٍ، بنية السُّنة، لإقضاء الشهوة - والخَصُّي(1)، والمجبوب(2)، - في النظر إلى الأجنبية - كالفحل. ويباح للطبيب النظرُ إلى موضع مرضها بقَدْر الضرورة، وكذا نظرُ قابلةٍ، وخَتّان، وحقّان، إذا لم يمكن الحصول على امرأة تحقنها.
(القسم الثاني): وينظر الرجل من زوجته، وأَمته، إلى جميع البدن، من الفرق إلى القدم، ولو عن شهوة، وكذا هي منه، والأولى: أن لا ينظر كلُّ واحد منهما إلى عورة صاحبه، لأن ذلك يُورث النسيان، ويُضعف البصر.
(القسم الثالث): وينظر من محرمه إلى الرأس، والوجه، والصدر، والساق، والعَضدُ، إن أَمِنَ شهوته، وشهوتها. لا ينظر إلى الظهر، والبطن، والفَخِذ مع ما يتبعها، من نحو الجنبين، والفرجين، والأَليتين، والركبتين.
(القسم الرابع): وينظر من أمة غيره - ولو مُدَبّرة(3)، أو أمّ ولدٍ(4)، أو مكاتبة(5)، أو معتقةَ البعض - كمحرمة، لأنها تخرج لحوائجِ مولاها، وتخدم أضيافه، وهي في ثياب مهنتها، فصار حالُها خارج البيت كحال المرأة داخله، في حق محارم الأقارب.
(المسألة الثانية: نظر المرأة إلى الرجل):
وتنظر المرأة من الرجل الأجنبي: كنظر الرجل للرجل، إنْ أَمِنَت شهوتها، فأما إذا علمت أنْ يقع في قلبها شهوة، أو شكّت، - ومعنى الشك: استواء الظَّنَّين - فيستحب أن تغض بصرها.
(المسألة الثالثة: نظر الرجل إلى الرجل):
وينظر الرجل من الرجل، ومن غلام بلغَ حدّ الشهوة: سوى ما بين سرته، إلى ما تحت ركبته، فالركبة عورة لا السرة.
-------------------
(1) الخصي: مقطوع الخصية، أو الخصيتين. مصباح.
(2) المجبوب: من استؤصل ذكره وخصيتاه، مصباح.
(3) المدبرة: أَمةٌ قال لها سيدها، أنت حرة بعد موتي.
(4) أم الولد: أَمة، وطئها سيدها، وولدت له، وأقر بالمولود منه، تعتق بموته، وفيها قال عليه الصلاة والسلام: "أعتقها ولدها".(1/52)
(5) المكاتبة: أمة، كاتبها سيدها على أدائها إليه مبلغاً من المال، ليعتقها، فإن أدته، عتقت.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في النظر إلى الأمرد:.
مطلب في النظر إلى الأمرد:
لا يجوز النظر إلى الأَمرد - الصبيحِ الوجه، إذا بلغ حدّ الشهوة - بشهوة، ولا يجوز أن يكون الحلاق أمردَ صبيحاً مشتهى، إذا وجد المحلوقُ له لذةً، وعلى الأخص تغميزُ الأعضاء(1) وتكبيسها بالحمّام.
والغلام إذا بلغ مبلغ الرجال، ولم يكن صبيحاً، فحكمه حكم الرجال، وإن كان صبيحاً فحكمه حكم النساء، وهو عورة من قَرْنه إلى قدمه، لا يحل النظر إليه عن شهوة. فأما الخلوة والنظرُ إليه - لا عن شهوة - فلا بأس به، ولذا لم يؤمر بالنقاب.
(المسألة الرابعة: نظر المرأة إلى المرأة):
وتنظر المرأة المسلمة من المرأة، كالرجل من الرجل. لا يحل لمسلمة أن تَنْكشف بين يدي مشركة، أو كتابية، إلا أن تكون أَمةً لها. ولا ينبغي للمرأة الصالحة أن تنظر إليها المرأةُ الفاجرة، لأنها تصفها عند الرجال، فلا تضعْ جلبابها ولا خمارها.
وما حَلّ نظره، حل لمسه، إذا أمن الشهوة على نفسه وعليها(1)، إلا من أجنبية، فلا يحل مَسُّ وجهها وكفّها، وإنْ أمن الشهوة، لأنه أغلط، وله مسُّ ما حلّ نظرهُ إليه من الأمة، إذا أراد الشراء، وإن خاف شهوته. ويجوز للشيخ الفاني أن يصافح العجوز، إذا أمنا الشهوة، وكلُّ عضو لا يجوز النظر إليه قبل الانفصال، لا يجوز النظر إليه بعده، ولو بعد الموت - كشعر عانة، وشعر رأسها، وعظم ذراع حرة ميتة، وساقها، وقُلامة ظُفُرِ رِجلها، دون يدها، - ولا ينظر إلى عورة غيره، فوق ثوب ملتصق بها، يصف حجمها، ولا يجوز رؤية الثوب، بحيث يصف حجم عضوها - ولو كثيفاً لا تُرى البشرة منه، ولو بلا شهوة - والنظرُ إلى ملاءة الأجنبية بشهوة حرام، أما بدونها فلا بأس به.
-------------------
(1) تغميز الأعضاء: جسها، وكبسها باليد. منجد.(1/53)
(2) لأنه، عليه الصلاة والسلام، كان يقبل رأس فاطمة، رضي اللَّه عنها. وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "من قبّل رِجْل أمه، فكأنما قبل عتبة الجنة". در.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في حدّ الشهوة:.
مطلب في حدّ الشهوة:
وحدُّ الشهوة - التي هي مناط الحرمة - أن يتحرك قلب الإنسان، ويميل بطبعه إلى اللذة، وربما انتشرت آلتُه إن كَثُر ذلك الميلان. وعدم الشهوة: أن لا يتحرك قلبه إلى شيء من ذلك، بمنزلة من نظر إلى ابنه الصبيح الوجه، وابنته الحسناء.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في الخلوة بالأجنبية:.
مطلب في الخلوة بالأجنبية:
والخلوة بالأجنبية الحرة - في بيت واحد - مكروه تحريماً، غلا إذا كانت المختلى بها عجوزاً شوهاء، أو لملازمة مديونة هربت، ودخلت خَربة. والخلوة بالمَحْرَم مباحة، إلا الأخت رضاعاً، والصهرَ الشابةَ (أمَّ الزوجة) ونحوها.
وأصهار الرجل: كلُّ ذي محرم من زوجته(1).
-------------------
(1) فيجيب ألا يخلو، لأن الغالب هناك، الوقوع في الجماع - ع - 272 - و - 5 - 233 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في عورة الرجل:.
مطلب في عورة الرجل:
وعورة الرجل: ما بين سرته إلى ما تحتَ ركبته، وحكمُ العورة في الركبة، أخفُّ منه في الفخذ، وفي الفخذ أخفُّ منه في السوأة، حتى إن كاشف الركبة ينكر عليه برفق، وكاشف الفخذ يُعنف عليه، وكاشف السوأة يؤدب عليه إن لجَّ. ولا عورة للصغير جداً، ثم ما دام لم يُشْتَه فقُبُل، ودُبُر، ثم تتغلظ إلى عشر سنين، ثم كالبالغ، ويدخل على النساء إلى خمس عشرة سنة(1).
-------------------
(1) ع 5 - 233 - 234 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في كشف العورة:.
مطلب في كشف العورة:(1/54)
وكشف العورة - في الخلوة، لغير ضرورة - خلاف الأدب، إلا بعذر حلق العانة، والغُسلِ من الجنابة، في زمن يسير، والتغوط، والبول، والاستنجاء، والتداوي بقدْر الحاجة. ولا يجوز الكشف عند أحد أصلاً، لأنه حرام، يُعْذر به في ترك طهارة النجاسة، إن لم يمكنه إزالتها من غير كشف، وأما الاغتسال من الجنابة فلا يدعه وإن رأوه، والمرأة بين الرجال تُؤَخّرُ، وبين النساء لا(1).
-------------------
(1) ط - 2 - 528 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في استحباب غض البصر:.
مطلب في استحباب غض البصر:
يستحب للرجل - إذا خرج من المنزل - أن يَغُضَّ بصره، فلا ينظر يميناً، وشمالاً من غير حاجة، أما المحتسب، فإنه محتاج لإزالة التعدي عن الطريق، فيجوز أن ينظر إلى ما يحتاج إليه للاحتساب(1).
-------------------
(1) ه - 240 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في المسّ بشهوة، (ما يترتب عليه من أحكام):.
مطلب في المسّ بشهوة، (ما يترتب عليه من أحكام):
وإذا مسّ الرجل امرأة مشتهاةً، حيّة، تم لها تسعُ سنين، بشهوةٍ من أحدهما، او منهما، - ولو لشعرٍ على الرأس، ولو بحائل لا يمنع الحرارة، وكانت الشهوةُ حالة اللمس، ولم يُنزل معه، - حرم عليه أُصولها، وفروعها، وحرم عليها أُصوله، وفروعه.
ومثله لو نظر إلى فَرْجها الداخل، بشهوة منه عند النظر، ولم يُنزل معه، أو نظرت إلى ذكره بشهوة منها، ولو كان النظر من زجاجٍ، او ماءٍ هي، أو هو فيه(1). لا يُحرّمُ أصلَ، وفرعَ المنظور، النظرُ بشهوة - إلى فرجها الداخل وذَكَره، - من مرآة، أو ماءٍ كان أحدهما فوقه، فرآه الآخر منه بالانطباع والانعكاس.
فلو(2) قبّل الرجل بنت امرأته المشتهاةَ، أو مسّها بشهوةٍ من أحدهما، حرمت عليه أمّها حرمة مؤبدة.(1/55)
وكذا لو مسّته أمُّ زوجته، أو قبّلته، بشهوة من أحدهما، حرمت عليه بنتها، وأصولها، وفروها، ولو رضاعاً، حرمةً مؤبدة.
وكذا لو قبّلت ابنَ زوجها المشتهى، الذي تمّ له من السّن اثنتا عشرة سنة فأكثر، أو مسّته بشهوة، حرمت على أبيه حرمة مؤبدة. وكذا لو قبّل زوجةَ ابنه المشتهاة، أو لمسها بشهوة، حرمت على ابنه حرمةً مؤبدة. فلو تزوج صغيرة لا تُشتهى، فدخل بها، فطلقها، وانقضت عدتها، وتزوجت بآخر، جاز للأول التزوج ببنتها، لعدم الاشتهاء. أما أُمُّها فحرمت عليه بمجرد العقد(3).
وكذا تشترط الشهوة في الذَّكر، فلو جامع ابنُ أربع سنين زوجةَ أبيه، لا تثبت الحرمة. ولا فرق في ثبوت الحرمة - بالجِماع، أو اللمس، أو النظر بشهوة، - بين كونه عامداً، أو ناسياً، أو مكرهاً، أو مخطئاً.
فلو أيقظ زوجته، أو أيقظته هي لجماعها، فمسّت يدُه بنتها المشتهاة بشهوة، أو مسّت يدُها ابنه المراهق بشهوة، حرمت الأم أبداً.
-------------------
(1) وسبب التحريم أن المسّ، والنظر داعيان إلى الوطء، فيُقامان مُقامه، احتياطاً للحرمة. فلو أنزل من اللمس، أو النظر، لا تثبت الحرمة، لأن اللمس، والنظر، عندئذٍ، يتبين أنهما ليسا بمفضيين إلى الوطء. قال عليه الصلاة والسلام: "مَن نظر إلى فرج امرأةٍ بشهوة، أو لمسها بشهوة، حرمت عليه أمها، وابنتها، وحرمت على ابنه، وأبيه". وحكى الطحاوي إجماع السلف على أن التقبيل، واللمس عن شهوة، يوجب حرمة المصاهرة. والأصل فيه قوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} الآية (النساء:22). ومعنى الآية: لا تطؤوا من وطئ آباؤكم مطلقاً، فيدخل في النهي، النكاح، والسفاح. وإنما حملنا النكاح على الوطء، لأن حقيقة النكاح هي الوطء. وإذا ثبت هذا الحكم في موطوءة الأب، ثبت في موطوءة الابن، وفي وطء أم امرأته، وسائر ما يثبت بحرمة المصاهرة بالنكاح، لأن أحداً لم يفصل بينهما. اهـ اختيار.
(2) تفريغ على ما سبق.(1/56)
(3) لأن العقد على البنات يحرم الأمهات، ووطء الأمهات يحرّم البنات، لقوله تعالى {وربائبكم اللاتي في حُجوركم، من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} (نساء:23).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في حدّ الشهوة لأجل حرمة المصاهرة:.
مطلب في حدّ الشهوة لأجل حرمة المصاهرة:
وحدّ الشهوة - في المسِّ، والنظر، لأجل حرمة المصاهرة - تحركُ آلته، أو زيادتُه إن كان موجوداً قبلهما، وفي امرأة وشيخ كبير، وعِنِّيْن(): تحركُ قلبه على وجهٍ يُشوش الخاطر، فلا يضرُّ مجرد ميلان النفس، أما لأجل حرمة النظر إلى نحو وجه أمرد صبيح الوجه، أو امرأةٍ ونحوهما، فهي مجرد ميل اللذة، ولو بلا تحرك آلته كما تقدم(2).
-------------------
(1) العِنّين: مَنْ لا يقدر على ايتان النساء، أو لا يشتهيهنّ اهـ مصباح.
(2) في صفحة - 53 - وانظر ه 244 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب فيمن يَحْرمُ التزوجُ به(1):.
مطلب فيمن يَحْرمُ التزوجُ به(1):
(النوع الأول: القرابة): يحرم على الرجل - على التأبيد - التزوجُ بأحد محارمه، كفروعه(2) وإن سَفَلن، وأصوله(3) وإن عَلَوْن، وفروعِ أبويه(4) وإن نزلن، وفروعِ أجداده وجداته ببطن واحد، فتحرم العمات(5) والخالات، وتحلُّ بناتُهن، وبناتُ الأعمام، والأخوال.
(النوع الثاني: المصاهر): ويحرم التزويج بمن بينه، وبينها، حرمةُ المصاهرة - على التأبيد - ، كفروع نسائه المدخول بهن، وإنْ نزلن، وأمهاتِ الزوجات، وجداتهن، بعقد صحيح، وإنْ علون، وإن لم يدخل بالزوجات.
وتحرم موطوآت آبائه، وأجداده، وإن عَلَوْا، ولو بزنى(6)، والمعقوداتُ لهم عليهن بعقد صحيح، و موطوآت أبنائه، وأبناء أولاده، وإن سَفَلوا ولو بزنى، والمعقودات لهم عليهن بعقد صحيح. وكذا المقبّلات، أو الملموسات بشهوة، لأصوله، أو فروعه، أو مَنْ قَبّل أو لَمَس أصولَهن، أو فروعهن.(1/57)
(النوع الثالث: الرضاع): ويحرم التزوج - على التأبيد - أيضاً بَمنْ بينه، وبينها رضاع، فيحرم به، ما يحرم من النسب، إلا ما استُثني في كتاب الرّضاع من الصور(7).
(النوع الرابع، والخامس: الجمع، وإدخال أمة على حرة): ويحرم الجمع بين المحارم، كأختين ونحوهما، مما لا يحلّ لأحدهما تزوجُ الأخرى، لو كانت إحداهما ذكراً(8)، أو بين الأجنبيات، زيادة على الأربع، وحرمة الجمع بين الحرة، والأَمة، و(الحال أن) الحرةَ غير متأخرة(9).
(النوع السادس: الملك): ويحرم تزوج مملوكته، والمرأة مملوكَها، ولو الملك لجزءٍ منها، أو منه(10).
(النوع السابع: الشّرك): ويحرم تزوج مَنْ لا دين لها سماوياً، كمجوسية، ومُشركة، ودرزية، ونصيرية، وإسماعيلية، ومرتدةٍ، ونافية الصانع تعالى(11).
ويحرم(12) تزوج مطلقةٍ ثلاثاً، قبل زوج آخر، يَدخل بها، ويطؤها، وإن لم ينزل. ويحرم تزوج زوجةِ الغير، أو معتدته، والْخُنْثَى المشكلِ، والْجِنّية، وإنسان الماء، والْمُلاعنة(13)، فكما يحرم على الرجل التزوج بمن ذكر، يحرم على الأنثى التزوج أيضاً بنظير مَنْ ذكر(14).
-------------------
(1) أسباب التحريم سبعة أنواع: - قرابة، - ومصاهرة، - ورضاع، - وجمع، - وملك، - وشرك، - وإدخال على حرة. وأضيف لهذه السبعة ستة أخرى: - الخنثى المشكل، لجواز ذكورته، - والجنيه، - وإنسان الماء، لاختلاف الجنس، - والملاعنة، - والمطلقة ثلاثاً، - والتي تعلق بها حق الغير، بنكاح، أو بعده.
وقد نظمها ابن عابدين رحمه اللَّه بقوله: (رجز)
أنواع تحريم النكاح سبع * قرابةٌ، ملك، رضاع، جمع
كذاك شِركٌ، نسبة المصاهرة * وأَمةٌ عن حرة مؤخرة
-وزيد خمسةٌ أتتك بالبيان * تطليقه لها ثلاثاً، واللعان
-تعلقٌ بحقِ غيرٍ من نكاح * أو عدة، خنوثة - بلا اتضاح
-وآخر الكل: اختلاف الجنس * كالجن، والمائي لنوع الإنس.
اه در، مح.
(2) وهم بناته، وبنات أولاده - مح -
(3) وهم أمهاته، وأمهات أمهاته، وآبائه، - مح -(1/58)
(4) فتحرم بنات الأخوة، والأخوات، وبنات أولاد الأخوة، والأخوات - مح -
(5) تفريع على قوله: وفروع أجداده، وجداته ببطن واحد.
(6) لأن الزنى، يوجب حرمة المصاهرة، لأن الوطء سبب الجزئية، بواسطة الولد، والولد جزء مَنْ هو من مائة، والاستمتاع بالجزء حرام. قال عليه الصلاة والسلام: " مَنْ زنى بامرأة، حرمت عليه أنها، وبنتها" أي أصولها، وفروعها. اختيار.
(7) كأم أخيه، وأخته، وأخت ابنه، وبنته، وجدة ابنه، وبنته، وأم عمه، وأم خاله، وخالته، وعمة ولده، وبنت عمته، وبنت أخت ولده، وأم أولاد أولاده. فهؤلاء - من الرضاع - حلال للرجل. ولمزيد البيان راجع - مح - .
(8) كالعمةـ والخالة.
(9) فلو تزوجهما بعقد واحد، صح نكاح الحرة، وبطل نكاح الأمة. ويجوز نكاح الحرة، والأمة على الأمة، ومعها، وفي عدتها، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "لا تنكح الأمة على الحرة، وتنكح الحرة عليها". اختيار.
(10) للتنافي، وذلك لأن المالكية تنافي المملوكية - مح -
(11) لقوله تعالى: {وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} ولقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "سنُّوا بهم سنة أهل الكتاب، غير ناكحي نسائهم، ولا آكلي ذبائحهم". اختيار.
(12) شروع في ذكر ستة الأنواع الأخرى المسببة للتحريم.
(13) التي قذفها زوجها، والملاعنة: مفاعلة من اللعن، ولا يكون هذا الوزن إلا بين اثنين، إلا ما شَذّ. واللعان: يجب بقذف الزوجة بالزنى، أو بنفي الولد، فيشد الزوج أربع مرات باللَّه إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنى، وفي المرة الخامسة يقول: لعنة اللَّه عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنى، أو من نفي الولد، أو بهما معاً. ثم تشهد الزوجة أربع مرات باللَّه إنه لمن الكاذبين، فيما رماها به من الزنى، وفي الخامسة تقول: غضب اللَّه عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به، من الزنى، أو نفى الولد.(1/59)
فإذا التعنا فرّق الحاكم بينهما، ولا بدّ من تفريق الحاكم، فلا فرقة قبل حكمه، واعتبرت تطليقة بائنة عند الطرفين، وتحريماً مؤبداً عند أبي يوسف. اهـ اختيار.
(14) ه - 246 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في العدل بين النساء:.
مطلب في العدل بين النساء:
لو خاف الرجل أن لا يعدل بين النساء، يَحْرم عليه أن يتزوجَ أكثرَ من واحدة. ويجب عليه أن يعدل بين نسائه، بالتسوية: في الملبوس، والمأكول،والمشروب، والسكن، إن استوى حالُهُن غنىً، أو فقراً، وفي البيتوتة، والصحبة، مطلقاً، لا المجامعة، كالمحبة، بل تستحب التسوية في جميع الاستمتاعات من الوطء، والْقُبلة، وكذا بين الجواري، وأمهات الأولاد، لُيحَصنهن عن الاشتهاء للزنى، والميل إلى الفاحشة، ولا يجب عليه شيء من ذلك.
ويسقط حَقُّ الزوجة بمرةٍ في القضاء(1)، أما في الدّيانة، فيجب في حقه أن لا يتركها أحياناً، وقدّره في الفتح(2) - بحثاً - أن لا يبلغ أربعة أشهر، إلا برضاها، وطيب نفسها به(3). ويحرم عليه وطء زوجته، أو أمته، إذا كانت لا تطيق الوطء، ولا تتحمله، وتتضرر به، لصغرها، أو لهزالها، او ضَعْفها، أو لكبر آلته.
ويكره للزوج أن يأخذ من الزّوجة مهرَها في الْخُلع برضاها، إذا لم يكن النشوز منها، بل منه(4)، أما إذا كان منها، فيجوز أن يأخذ منها بقدْر ما أعطاها(5)، ولا يجوز له إمساكُها، إضراراً، وتضييقاً، ليقطع مالها، في مقابلة خلاصها من الشّدة، التي هي فيها معه، إلا أنه لو أخذ، جاز في الحكم، لا في الديانة.
ويحرم الترهيب، وهو: الاعتزال عن النساء، وتحريم غشيانهن(6).
-------------------
(1) لأنه إذا أصابها مرة واحدة، علم أنه غير عِنّين، وقت العقد.(1/60)
(2) فتح القدير، وهو شرح الهداية، والهداية شرح البداية، فالهداية: تأليف برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني، المتوفى سنة (593 ه - 1197 م)، وفتح القدير: تأليف كمال الدين، محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد السيواسي، الشهير بابن الهمام المتوفى سنة (861 ه - 1457 م). شرع في تأليفه عام (829 ه)، ووصل فيه إلى أثناء كتاب الوكالة، ثم أكملها أحمد بن قودر، المعروف بقاضي زاده، المتوفى سنة (988 ه) وسماها: نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار. فهرس مخطوطات الفقه الحنفي.
(3) حيث قال: واعلم أن ترك جماعها - مطلقاً - لا يحلّ له. صرح أصحابنا بأن جماعها أحياناً، واجب ديانة، لكنه لا يدخل تحت القضاء، والإلزام، إلا الوطأة الأولى. ولم يقدروا فيه مدة. ويجب أن لا يبلغ به مدة الإيلاء، إلا برضاها، وطيب نفسها به، اهـ - فتح - . قلت: ومدة الإيلاء أربعة أشهر بقوله تعالى {لِلَّذيِنَ يُؤلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ...} الآية {البقرة: 266}.
(4) قال تعالى {وَ إنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ، وَ آتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً، فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيئاً...} الآية {النساء: 20} فحملناه على الكراهية عملاً بقوله تعالى {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً...} الآية {البقرة:299}. اختيار.(1/61)
(5) لما روي أن جميلة بنة عبد اللَّه بن أبي بن سلول، وقيل: حبيبة بنة سهل، كانت تحت ثابت بن قيس، فأتت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقالت: يا رسول اللَّه، لا أنا، ولا هو. فأرسل عليه الصلاة والسلام إلى ثابت، فقال: قد أعطيتها حديقة، فقال لها: "أتردين عليه حديقته، وتملكين أمرك؟" فقالت: نعم، وزيادة. قال أما الزيادة، فلا. فقال عليه الصلاة والسلام: "يا ثابت خذ منها ما أعطيتها، ولا تزدد، وخلِّ سبيلها"، ففعل، وأخذ الحديقة، فنزل قوله تعالى" {وَ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا...} الآية {البقرة: 229}. اه. اختيار.
(6) ه - 228 - و - 247 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في كِتْمان الحيض، والحبل:.
مطلب في كِتْمان الحيض، والحبل:
يحرم على المرأة كتمانُ الحيض، إذا كانت مُطَلقةً، وكذا كتمانُ الحبل، كما يحرم عليها ادعاؤها بقاءَ العدة، والحالُ أنها انقضت، ويحرم عليها أن تقول لزوجها: إني حائض، إذا دعاها لفراشه، والحال أنها في الحيض ولم تَطْهُر منه(1).
-------------------
(1) ه - 244 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في إيتان الحائض، والنفساء:.
مطلب في إيتان الحائض، والنفساء:
ويحرم على الرجل إيتانُ الحائض، والنفساء، والاستمتاع بهما تحتَ الإزار، أي ما بين السرة والركبة بلا حائل، وهو المراد بما تحت الإزار، ولو بلا شهوة(1)، وحَلّ ما عداه مطلقاً، بشهوة وبدون شهوة. فيجوز الاستمتاع بالسُّرة، وما فوقها، وما تحت الركبة، ولو بلا حائل، وكذا بما بينهما، بحائل بغير الوطء، ولو تلطخ دماً(2). ولا يكره طبخُها، ولا استعمال ما مسته من عجينٍ، أو ماءٍ، أو نحوهما، إلا إذا توضأت بقصد القربة، كما هو المستحب، فإنه يصير مستعملاً. ولا ينبغي أن ينعزل عن فراشها، لأن ذلك يشبه فعلَ اليهود(3).(1/62)
فإن وطئها في الفرج، عالماً بالحرمة، عامداً، مختاراً، كان كبيرة، لا جاهلاً، ولا ناسياً، ولا مكرَهاً، فليس عليه إلا التوبةُ والاستغفار. ويستحب أن يتصدق بدينار، أو نِصفه، وقيل: بدينار إن كان أول الحيض وبنصفه إن وطئ في آخره(4)، ومصرفُه: مصرف الزكاة(5).
-------------------
(1) قال تعالى {وَ لاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ...} الآية {البقرة: 222} والنهي للتحريم.
(2) لقول ابن عمر رضي اللَّه عنهما: "سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما يحل للرجل من امرأته الحائض؟ قال: ما فوق الإزار". وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يأمرني، فأتزر، فيباشرني، وأنا حائض. ولقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "له ما فوق الإزار، وليس له ما دونه".
(3) ع - 1 - 194 -
(4) لقوله صلى اللَّه عليه وسلم، فيما رواه أبو داود، وصححه الحاكم: "إذا واقع الرجل أهله، وهي حائض، إن كان دماً أحمر، فليتصدق بدينار، وإن كان أصفر، فبنصف دينار". اختيار.
(5) ط 2 - 488 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب حرمة وطء الأمة، قبل الاستبراء:.
مطلب حرمة وطء الأمة، قبل الاستبراء:
ومَنْ مَلك أمةً - ولو بكراً - رحم عليه وطؤها، ودواعيه، حتى يستبرئها بحيضة، فيمن تحيض، وبشهرٍ في ذات أشهر، وبوضع الحمل في الحامل، ولا يُعْتَدُّ بحيضةٍ، مَلَكَها فيها، ولا التي قبل قبضها. ولا بأس بحيلة إسقاط الاستبراء، إذا علم أن البائع لم يَقْرَبْها في طهرها ذلك، وإلا لا يفعلها. قيل: إنّ الرشيد(1) أحضر أبا يوسف(2) ليلاً، وعنده عيسى بنُ جعفر(3)، فقال: طلبتُ من هذا جاريتَه، فأخبر أنه حلف أن لا يبيعَها، ولا يهبَها، فقال أبو يوسف(4): بِعْه النصف، وَهَبْه النصف، ففعل، فأراد الرشيد سقوطَ الاستبراء، فقال: أعتقها وأُزَوّجُكَها، ففعل وأمر له بمائة ألف درهم، وعشرين دستِ ثياب(5).(1/63)
-------------------
(1) مرت ترجمته في صفحة - 13 -
(2) مرت ترجمته في صفحة - 8 -
(3) عيسى بن جعفر بن المنصور العباسي، قائد من أمراء بني العباس، أخو زبيدة، وابن عم هارون الرشيد، بعثه الرشيد عاملاً على عُمان، في ستة آلاف مقاتل، فلم يكد يستقر فيها، حتى سيّر إليه إمام الأزد - الوارث الخروصي - جيشاً قاتله، فانهزم عيسى، فأسر، وسجن في صحار. ثم تسوّر عليه بعضهم السجن فقتلوه فيه. أعلام.
(4) العم أن أبا يوسف رحمه اللَّه قال: لا بأس بحيلة إسقاط الاستبراء مطلقاً، سواء علم أو لم يعلم، لأنه يمتنع من التزام حكمها، خوفاً من ألا يتمكن من الوفاء به لو لزمه. وكرهه محمد مطلقاً، لأنه فرار من الأحكام الشرعية، وليس من أخلاق المؤمنين. ويفتى بقول أبي يوسف، إن علم أن البائع لم يقر بها، وبقول محمد إذا أقر بها، لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يحل لرجلين يؤمنان باللَّه، واليوم الآخر، أن يجتمعا على امرأة واحدة، في طهر واحد". فإذا لم يقربها البائع في هذا الطهر، لم يتحقق النهي، وإذا لم يعلم شيئاً، فالظاهر الإفتاء، بقول محمد، لتوهم الشغل. انظر - مح -
(5) الدست: لغة في الدشت، ثم عرب بالإهمال. وله ثلاثة معانٍ: - الثياب، والورق، وصدر البيت، واستعمله المتأخرون بمعنى الديوان، ومجلس الوزارة، والرآسة. تاج - وانظر ع 5 24 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في العزل عن الأَمة، والزوجة:.
مطلب في العزل عن الأَمة، والزوجة:
وجاز عزله(1) عن أَمته بغير إذنها، وعن زوجته بإذنها، وجاز لهما سدُّ فم رحمهما لئلا تحبل إنْ بإذنه، وإلا لا يجوز. ويكره لها أن تشرب دواءً لإسقاط حملها، قبلَ التصور وبعده، إلا لعذر - كالمرضعة إذا ظهر بها الحمل، وانقطع لبنها، وليس لأبي الصبي ما يستأجر به المرضعة، ويخافُ هلاكَ الولد، ما دام الحمل مضغةً، أو علقةً، ولم يخلق له عضو(2).
-------------------(1/64)
(1) العزل: أن يجامع، فإذا جاء وقت الإنزال، نزع، فأنزل خارج الفرج. ثم هذا في الزوجة البالغة، أما الصغيرة، فله العزل عنها بلا إذن.
(2) ه - 194 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في الطلاق:.
مطلب في الطلاق:
ولا يجب على الزوج تطليق الفاجرة، ولا عليها تسريحُ الفاجر، إلا إذا خافا أن لا يقيما حدودَ اللَّه، فلا بأس أن يتفرقا. والفجور: يعم الزنى، وغيرَه(1).
ولا يطلق امرأة ثلاثاً في دّفعة واحدة، فإنه بدعة، فإذا فعل ذلك، وقع الطلاق، وبانت منه، وكان عاصياً(2).
وأحسن الطلاق: أن يطلق امرأته تطليقةً واحدة، في طهرٍ لم يجامعها فيه، ويتركَها حتى تنقضيَ عدتها(3).
-------------------
(1) ع 5 - 274 - قال صلى اللَّه عليه وسلم، لمن لا تردُّ يد لامس، وقد قال: إني أحبها: "استمتع بها" - مح -
(2) لما روي عن إبراهيم النخعي، أن أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانوا يستحبون ألا يطلقوا للسنة إلا واحدة، ثم لا يطلقوا غيرها، حتى تنقضي عدتها. وفي رواية: وكان أحسن عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثاً، في ثلاثة أطهار، وهو الطلاق الحسن، ولأنه إذا جامعها، لا يؤمن الحبل، وهو لا يعلم به، فإذا ظهر ندم، فكان ما ذكرناه أبعد من الندم، فكان أولى. أما كونه بدعة، فلأنه خلاف السنة. وأما كونه عاصياً فلمخالفته السنة أيضاً، وإجماع الصحابة، لما روي أن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، قال للنبي صلى اللَّه عليه وسلم، وقد سأله عن طلاق زوجه ثلاثاً دفعة واحدة: "أرأيت لو طلقتها ثلاثاً، أكانت تحلُّ لي؟ قال: لا، ويكون معصية". وأما وقوع الطلاق الثلاث دفعة واحدة، فللحديث السابق، ولقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "كل طلاق واقع" الحديث. اختيار.
(3) ج 2 - 100 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في التقبيل، والمصافحة:.
مطلب في التقبيل، والمصافحة:(1/65)
ويكره - تحريماً - تقبيلُ الرجل فَم الرجل، أو يدَه، أو شيئاً منه، وكذا تقبيل المرأة المرأةَ عند لقاءٍ، أو وداع، لو عن شهوة(1)، أما لو كان على وجه البر فجائز(2).
قبلته للولد الصغير مأجورٌ عليها، لأن فيها شفقةً على ولده، وكذا قبلةُ ولد صديقه، وغيرِه من الصغار، والأطفال على هذا الوجه. وتسمى قُبلةُ الوالدين للولد قبلةَ المودة، وقبلة الولد للوالدين قبلةَ الرحمة، وقُبلةُ الشهوة تكون بين الزوجين، أو الأمة على الفم، وقبلة التحية قبلةَ المؤمنين فيما بينهم على اليدِ، وقُبلةُ الشفقة - وهي قُبلةُ أخيه - على الجبهة، وقُبلة الدَيانة للحجر الأسود، وعتبةِ الكعبة، والمصحفِ.
ولا بأس بتقبيل يدِ العالم، والسلطان العادل، وقيل: سنة، وتقبيلُ رأس العالم أجود.
طلب من عالمٍ، أو زاهد أن يمكّنه من قدمه ليقبله، أجابه(3)، وقيل: لا يرخص فيه.
وتقبيل يد نفسه - إذا لقيَ غيرَه - مكروه تحريماً، وتقبيلُ الأرض بين يدي العلماء والعظماءِ، إنْ على وجه العبادة والتعظيم يُكْفَر(4)، وإن على وجه التحية لا يُكْفر، بل يأثم.
وتكره المصافحة بعد أداء الصلاة بكل حَال(5)، أما عند لقاء المسلم لأخيه - بعد السلام بكلتا يديه، مع أخذ الإبهام، وبغير حائل من ثوب أو غيره، - فسنة.
-------------------
(1) لما روي أنه عليه الصلاة والسلام، نهى عن المكامعة، وهي المعانقة، ونهى عن المكاعمة، وهي التقبيل - مح - .
(2) لما روي أنه عليه الصلاة والسلام، عانق جعفراً حين قدم من الحبشة، وقبّله بين عينيه - مح - .
(3) لما أخرجه الحاكم، ان رجلاً أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، أرني شيئاً أزداد به يقيناً، فقال: "أذهب إلى تلك الشجرة فادعها" فذهب إليها، فقال، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدعوك. فجاءت حتى سلمت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال لها: "ارجعي"، فرجعت. قال: ثم أذن له، فقبّل رأسه، ورجليه...الحديث .مح.(1/66)
(4) بالبناء للمجهول، أي ينسب إلى الكفر، من أكفره: إذا دعاه كافراً، وأما يكفر (بالبناء للمعلوم) من التكفير، فغير ثابت هنا، وإن كان جائزاً لغة، كما في المُغرب. والأصل: حتى يكفر الشارع جاحده مح.
(5) قال الإمام الشيخ عبد الغني النابلسي، رحمه اللَّه تعالى، عند ذكر (الفتنة)، وهي الخلق الثامن والأربعون، من الأخلاق المذمومة، في كتابه: الحديقة الندية، شرح الطريقة المحمدية، بعد أن ذكر أمثلة لها، قال: ومن هذا القبيل: نهي العوام عن المصافحة، بعد صلاة الصبح، والعصر، فإن بعض المتأخرين من الحنفية، صرح بالكراهة في ذلك، ادعاء بأنه بدعة، مع انه داخل في عموم سنة المصافحة مطلقاً، فلا يبقى إلا مجرد التخصيص بالوقتين المذكورين، فيقتضي ابتداع ذلك. وصرح في كتابه - الأذكار - وغيره من الشافعية، بأنها في هذين الوقتين بدعة مباحة، فلا ينبغي للواعظ، أو المدرس، ان ينهى العوام عما أفتى بجوازه بعض أئمة الإسلام، ولو كان في مذهب الغير، خصوصاً، وأن العوام لا مذهب لهم، والتقليد للمذاهب الأربعة جائز لكل أحد .شط.
والنووي يحيى بن شرف بن مِرّي، بن حسن الحِزامي، الحوراني، النووي، الشافعي، أبو زكريا، محي الدين، علامة بالفقه، والحديث، مولده في نوا (من قرى حوران) عام (631 ه - 1233 م) - ووفاته فيها عام (676 ه - 1277 م)، وإليها نسبته، تعلم في دمشق، وأقام بها زمناً طويلاً، اهـ أعلام. وانظر ترجمة النابلسي في صفحة - 33 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الثالث في النظر والمسِّ.
مطلب في معانقة الرجلين:.
مطلب في معانقة الرجلين:(1/67)
وكره معانقة الرجلين في إزار واحد. ولو كان على كل واحد منهما قميصٌ، او جبة، جاز، إن عُدمت الشهوة. ولا يجوز للرجل مضاجعةُ الرجل في ثوب واحد، لا حاجز بينهما، وكذا المرأتان. وإذا بلغ الصبي، أو الصبية، عشرَ سنين، يجب التفريق بينهما عند النوم، ويُحال بين ذكور الصبيان، والنسوان، وبين الصبيان، والرجال. ولا ينام في فراش أمه، وأبيه إذا ناما معاً، وكذا البنت. بخلاف ما إذا كان نائماً وحده، أو مع أبيه وحده، أو البنت مع أمها وحدها.
ولا يُتركُ الصبيُّ ينام مع رجل أو امرأة أجنبيين.
الصبي - إذا بلغ حَدّ الشهوةِ - كالبالغ في النظر إلى العورة، والمضاجعة.
ما يفعلونه من تقبيل الأرض بين يدي العلماءِ، والعظماءِ، فحرام، والفاعلُ والراضي به آثمان، ولا يُكْفَر بهذا السجود، لأنه يريد التحية.
التواضع لغير اللَّه تعالى - بإذلال النفس، لنيل الدنيا - حرام(1). أما خفض الجناح، لَمن دونه، فمأمورٌ به (سيد الأنام عليه الصلاة والسلام)(2).
-------------------
(1) لما روى البيهقي، عن ابن مسعود، رضي اللَّه عنه: "من خضع لغني، ووضع له نفسه، إعظاماً له، وطمعاً فيما قبله، ذهب ثلثا مروءته، وشطر دينه". مح.
(2) قال اللَّه تعالى: {واخفضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين} الشعراء - 215 - . وانظر ع - 5 - 244 - ، ه - 194 - 195 - 196 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
الباب الرابع في الكسب والحرفة
الكسب (تعتريه الأحكام الأربعة)، منه:
-فرض، وهو: قدْر الكفاية، لنفسه، وعياله، وقضاء ديونه، لأنه لا يتمكن من أداء العبادات إلا بقوة بدنه، وقوةُ بدنه بالقوت عادةً، وخِلقة، وتحصيلُ القوت بالكسب، وما يحتاج إليه لإقامة الفرض فرضٌ.
-ومستحب، وهو: الزائد على قدر الكفاية، ليواسي به فقيراً، أو يصلَ به قريباً، فإنه أفضل من التخلي لنفل العبادة، لأن النفع المتعديَ أفضل من القاصر.(1/68)
-ومباح، وهو: الزيادة للتجمّل، والتنعم.
-وحرام، وهو: الجمع للتفاخر، والبَطر، وإن كان من حِلٍّ(1).
-------------------
(1) م - 507 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في الاعتدال بالإنفاق:.
مطلب في الاعتدال بالإنفاق:
وحلَّ السّؤال عند العجز، ويُنْفق على نفسه، وعياله، بلا إسراف ولا تقتير، ولا يتكلف لتحصيل جميع شهواتهم، ولا يمنعهم جميعَها، بل يكون وسطاً، قال اللَّه تعالى {والَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا، لَمْ يُسْرِفوا، ولَمْ يَقْتُروا، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}(1). ومن قدَر على الكسب لزمه، وإن عجز عنه، لزمه السؤال، لأنه نوع اكتساب، لكن لا يحل إلاّ عند العجز، فإن تركه، حتى مات من جوعه أثن، لنه ألقى نفسه إلى التهلكة. وإن عجز عن السؤال، يفرض على مَنْ علم به، أن يُطعمه، أو يدل عليه مَن يطعمه، ويكره إعطاء سؤّالِ المسجد، وقيل: إن كان السائل لا يتخطّى رقابَ الناس، ولا يمّر بين يدي مصلٍ، (ف) يكره إعطاؤه(2).
-------------------
(1) (الفرقان: 67).
(2) م - 2 - 508 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في أفضل الكسب:.
مطلب في أفضل الكسب:
وأفضل الكسب: الجهاد، لأن فيه الجمعَ بين حصول الكسب، وإعزازِ الدين، ثم التجارة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام حَثّ عليها فقال "التاجر الصدوق مع الكرام البررة"، ثم الحراثة، وأول من فعله (سيدنا) آدمُ عليه السلام، ثم الصناعة، لأنه عليه الصلاة والسلام حَرَّض عليها، فقال "الحرفة أمانٌ من الفقر".
لكن في الخلاصة(1) ثم المذهب عند جمهور العلماء والفقهاء، أن جميع أنواع الكسب - في الإباحة على السواء - ، هو الصحيح(2).
-------------------(1/69)
(1) خلاصة الفتاوى، لافتخار الدين، طاهر بن أحمد بن عبد الرشيد الحسين، البخاري، المتوفى سنة (542 ه - 1147 م). قال: إنه جمع في فنّ الواقعات كتابين، أحدهما: خزانة الواقعات، والثاني: كتاب النصاب. فسأله بعض أحبابه كتاباً مختصراً، يضبط الواقعات، ويتيسر به حفظها، فكتب هذا الكتاب، جامعاً للروايات، مع بيان مواضع المسائل، وكتب فهرست الفصول، والأبواب، عند رأس كل كتاب، ليكون عوناً لمن ابتلي بالفتوى. فهرس مخطوطات الفقه الحنفي.
(2) م 2 - 508 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في فوائد الكسب:.
مطلب في فوائد الكسب:
طلب الكفاف، من الحلال الطيب - تَعَفُّفاً لا تكثراً - فرض، بعد الفرائض، وطلبُ ذلك - بالكسب المشروع - سنَّةُ الأنبياء عليهم السلام، والسلفِ الصالحين، وأيضاً: في الكسب فوائدُ كثيرة منها: الزيادة على رأس المال، ومنها: اشتغال المكتسب بالكسب عن البطالة واللَّهو، ومنها: كسر النفس، وصيرورتها قليلةَ الطغيان، ومنها: أن الكسب واسطة الأمان من الفقر.
ولكن ما يجب أن يعتقد: أن الكسب غيرُ مؤثر في الرزق، فإن اللَّه هو الرزاق، كما أن الشّبِع لا يحصل بالطعام، بل بخلق اللَّه تعالى، وفي الحديث "مَنْ بات تَعِبَاً من كسب الحلال، وجبت له الجنة، وبات واللَّه راض عنه"، وكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، يحترفون، ويكتسبون.
وينوي بالاكتساب التعففَ عن السؤال، والاستغناءَ عن الخلق، والسعي على العيال.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب فيما يلزم المكتسب فعله:.
مطلب فيما يلزم المكتسب فعله:
والمباكرة في طلب الرزق سنةٌ، فإن في الغدوِ بركةً ونجاحاً، لكن لا يكون أولَ الناس دخولاً إلى السوق، وآخرَهم خروجاً منها.(1/70)
ويكون جسوراً في التجارة، فإذا رزق في شيء فيلزمه، وإن اتّجر في شيء، ثلاثَ مرات، فلم يُرزق منه، فليتركه، ولا يذم ما يشتري، ولا يمدح ما يبيع، ولا يكتم شيئاً من عيوب المبيع، ولا يغشّ مسلماً، ولا يغبنه في بيع، ولا شراء، ولا ينجش عليه، فينزعَ اللَّه بركة رزقه، والنجش: هو أن يتقدمَ إلى البائع، بين يدي المشتري، ويطلب السلعة بزيادة، وهو لا يريدها، وإنما يريد تحريك رغبة المشتري فيها، فهذا إن لم يجرّ مواطأة مع البائع، فهو فعل حرام، والبيع منعقد. وإن جَرَّ مواطأة، ففي ثبوت الخيار خلافٌ.
ولا يستامُ على سوم أخيه، والسوم: هو إذا تراضيا - يعني البائعَ، والمشتري - وقَرُب الانعقاد بينهما، فجاء آخر يريد شراءها، بزيادة على الثمن المقرر بينهما، وهذا الفعل مكروه، والبيع صحيح.
ويقيل البيع(1) إن استقاله، ولا يماطل بالثمن مع الغِنى، ويقبل الحوالة بالمال، ويؤجل غريمه إلى أجل، ولا يأخذه على عُسرته، ولا يروّج سلعته بالحلف، لا صادقاً، ولا كاذباً، إذ الدنيا أخسُّ من أن يقصِد ترويجها بذكر اللَّه تعالى، من غير ضرورة.
ويكره أن يصلي على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في عَرْض السلعة، ولا يبيع في السوق، إلا مَنْ تفقه في العلم، فإن السوق موضعُ الغفلة عن ذكر اللَّه تعالى، وعن الصلاة، بفرط الاشتغال بالمعاملات، وجريانِ الهذيان، والفحشِ في الكلام، فمن لم يتفقه في العلم، قلّما يَخْلُص في مبايعاته عن هذه الأمور.
ويعجّل أجرة الأجير قبل أن يجف عرقه، ويحسن قضاء الدين، فيقضي أحسنَ مما عليه.(1/71)
ومن الإحسان فيه: أن يمشي إلى صاحب الحق، ولا يكلفَه أن يمشي إليه، ويَزِن، ويُرجح ما كان عليه من الموزون، ويستدين عند الحاجة على نية القضاء، ويُدين المحتاج، لأنه من حقوق الدِّيْن، ويتجاوز عن المعسر، او يضع له، ولا يستكثر من الدِّين، فإنه يوجب الضجرة. ويتوقى في التجارة الرّبا، أو ما يشبهه: من قرضٍ يجرُّ نفعاً، ولا يُقرض شيئاً على شرط المنفعة، ولا يقبل شيئاً من مستقرضه وإن قلَّ، ولا يشتري شيئاً من ظالم، أو سارق، أو غالٍّ(2).
-------------------
(1) الإقالة: مصدر أقاله، وهي: لغة - الرفع، وشرعاً: رفع العقد، وهي جائزة، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "من أقال نادماً بيعته، أقال اللَّه عثرته يوم القيامة"، وهي مندوبة للحديث. وتجب في عقد مكروه، وفاسد، وفيما إذا غرّه البائع يسيراً. اختيار.
(2) الغالّ الخائن، وغل غلولاً: خان. أو أنه خاص بالخيانة في الغنائم، بأن يأخذ منها قبل القسمة سرقة. قاموس.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في الحِرَف المكروهة:.
مطلب في الحِرَف المكروهة:
كرّه النبي صلى اللَّه عليه وسلم لرجب أن يكون سياً، وهو الذي يبيع الأكفان، لأنه يوجب انتظار موتِ الناس، أو حناطاً، وهو الذي يبيع الحنطة، لما فيه من انتظار الغلاء، أو جزاراً وهو القصّاب، لما فيه من قساوة القلب، أو صائغاً، لما من تزيين الدنيا، أو نخاساً، وهو الذي يبيع الجواريَ، أو حجاماً، أو كناساً، أو دباغاً، وما في معناه، لما فيه من مخالطة النجاسة. وقد كان غالب أعمال الأخيار من السلف عشرَ صنائع: التجارة، والغرز(1)، والحمل، والخياطة، والحذو(2)، والوراقة، والقصارة، وعمل الخفاف، وعمل الحديد، وعمل المغازل.(1/72)
ومن أفضل المال: الحراثة إذا قام عليها الرجل بسنن الدين، وهو أن لا يشغله تعاهدُها، ويشح على دينه، وقد كان للصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم محارثُ من الفيء، يأكلون منها. ويكون صحيحَ التوكل على ربه، فيما يرزقه اللَّه من غرس يده، أو حراثته، فإن لم يصحَّ توكله، لم يسلم من الشرك الخفي، فإذا صحّ توكله، كان الحرث من أفضل المكاسب، لأنه معاش بني آدم، ويقول عند إلقاء البذر على الأرض: (إلهي أنا عبدك الضعيف، إلهي إليك سلَمت هذا، فبارك لي فيه) ويصلي على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فإنه تعالى يحفظ هذا الزرعَ عن الآفات. وينوي بالغرس والحرث منفعةَ العامة، من الناس، والطيرِ، والدواب، ويتصدق بشيء من الرّيع على المساكين عند رفعها، ويتعاهد المزرعة، بالزبل، والبعر، ويتعاهد الأشجار بالتلقيح، وبما اعتاد الناس به من المباح الجائز. ولا يمنع فضلَ الماء عن جاره، فيُمنعَ عنه فضلُ اللَّه تعالى في الدارين.
-------------------
(1) الغرز: صنع الركائب من الجلد للفرس وغيرها. قاموس.
(2) الحذو: قطع النعل، وتقديرها. يقال: حذا الرجل نعلاً، ألبسه إياها. قاموس.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في اتخاذ الغنم والدّجاج:.
مطلب في اتخاذ الغنم والدّجاج:
ومن المكاسب الطيبة: اتخاذ الغنم للدّر، والنّسل، واتخاذ الدجاج للنّسل والنفع، والسَُنة فيه: أن يتخذ صنفاً مختلطاً من السُّود والبيض، ولا يتخذ إبلاً للنسل، لأنها على أخلاق الشيطان، فإنها تركب، وتحلب من جانبها الأشأم.
ومن سنة الراعي: أن يرعاها في الظَّلف(1)، وهو المكان الصلب كيلا يتبين أثرها، ولا يُرَمّض، أي لا يرعاها عند اشتداد الحر(2).(1/73)
ويكره الاستقصاء في حلب البهيمة، إذا كان ذلك يضرُّ بها، لقلة العلف، ويكره ترك الحلب أيضاً، لأنه يضر بالبهيمة، ويستحب أن يقص الحالبُ، أظفاره، لئلا يؤذيها، وأن لا يأخذ من لبنها إلا ما فضل عن ولدها، ما دام لا يأكل غيره.
إذا كان له نحل، يستحب أن يبقى لها في كُوَارَتها شيئاً من العسل، وأن يكون ذلك في الشتاء أكثَر، لأنه يتعذر عليها الخروج في أيام الشتاء، وإن قام شيء لغذائها مقام العسل، لم يتعين عليه إبقاء العسل.
ومَنْ ملك بهيمة، لزمه علفها وسقيها، فإن امتنع من ذلك، لم يجبر عليه، ولا يجبر على بيعها، إلا أنه يؤمر به ديانة، ولو كانت الدابة بين شريكين، فامتنع أحدهما من الإنفاق عليها، أُجبر على ذلك. يكره تكليف الدابة مالا تطيقه من ثقيل الحمل، وإدامةِ السير، وغيره(3).
-------------------
(1) الظَّلف: الأرض الغليظة الحجرة. منجد.
(2) ش 223 - 238 -
(3) ج 2 - 176 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في يقال عند رؤية الأزهار:.
مطلب في يقال عند رؤية الأزهار:
ومن السنة: - أن يذكر النُّشور في الربيع - ، إذا نظر في زينة الأرض، وزخرفها، واهتزازها بعد همودها، ففيها عبرة ظاهرة، وآية شاهدة على قدرة الباري تعالى، على إحياء الموتى لليوم الموعود، ويقول عند رؤية الأزهار والرياحين: (سبحان مَنْ تعزّز بالقدرة والبقاء، وقهرَ العباد بالموت والفناء)(1).
-------------------
(1) ش - 239 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب فيما يجوز بين المسلم، والحربي(1):.
مطلب فيما يجوز بين المسلم، والحربي(1):(1/74)
أخذُ مالِ الحربي - بطريق القمار - لا بأس به(2)، يعني إذا دخل المسلم دارَ الحرب بأمان، فلا بأس بأن يأخذ منهم أموالهم بطيب أنفسهم، بأي وجه كان، لأن أموالهم لا تصير معصومةً، بدخوله إليهم بأمان، ولكنه ضمن، بعقد الأمان، أن لا يخونَهم، فعليه التحرز عن الخيانة، وبأي سبب طَيّب أنفسهم، حين أخذ المال، فإنما أخذ المباح، على وجهٍ متَعرٍّ عَن الغدر، فيكون ذلك طيباً له، الأسيرُ والمستأمَن في ذلك على سواء، حتى لو باعهم درهماً بدرهمين، أو باعهم ميتة بدراهم، او أخذ منهم مالاً بطريق القمار، فذلك كلَُه طيَبٌ له، وبه يُعلم انه يجوز بين المسلم والحربي مالا يجوز بين المسلمين.
-------------------
(1) قسّم جمهور فقهاء المسلمين الدنيا إلى دارين: - دار إسلام، ودار حرب. فدار الإسلام: هي كل ما دخل من البلاد في محيط سلطان الإسلام، ونفذت فيها أحكامه، وأقيمت شعائره. ودار الحرب: هي الدار التي لا تطبق فيها أحكام الإسلام الدينية، والسياسية، لوجودها خارج نطاق السيادة الإسلامية. والساكنون فيها هم الحربيون. اهـ آثار الحرب.
(2) والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "لا ربا بين المسلم، والحربي، في دار الحرب". وهو حديث مرسل، مروي عن مكحول، وهو ثقة، مقبول الإرسال، ولأن أبا بكر رضي اللَّه تعالى عنه، قبل الهجرة، لما نزل قوله تعالى: {غلبت الروم...} الروم 2 - قالت له قريش: ترون أن الروم تغلب؟ قال: نعم. فقالوا: هل لك أن تخاطرنا، أي تراهننا، فخاطرهم، وأخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له: اذهب إليهم، فزد في الخطر، ففعل، وغلبت الروم فارساً، فأخذ أبو بكر خطره، فأجازه عليه الصلاة والسلام - وهو القمار - وكانت مكة يومئذ دار شرك. اهـ فتح وس - 215 - ع 4 - 188.(1/75)
وقال في در المختار، تعليقاً على قول صاحب الدر: ولا ربا بين حربي، ومسلم مستأمن، ولو (كان الربا بسبب) عقد فاسد (من غير الأموال الربوية، كبيع بشرط) - أو قمار، ثمة (أي في دار الحرب، لأنه لو دخل الحربي دارنا بأمان، فباع منه مسلم درهماً بدرهمين، لا يجوز اتفاقاً) - لأن ماله ثمة مباح - قال: قال في فتح القدير: لا يخفى أن هذا التعليل (أي تعليل صاحب الدر بقوله في جواز الربا: لأن ماله مباح) إنما يقتضي حِلّ مباشرة العقد، إذا كانت الزيادة ينالها المسلم، والربا أعم من ذلك، إذ يشمل ما إذا كان الدرهمان - أي في بيع درهم بدرهمين - من جهة المسلم، ومن جهة الكافر. وجواب المسألة بالحل، عام في الوجهين. وكذا القمار، قد يفضي إلى أن يكون مال الخطر (المراهنة) للكافر، بأن يكون الغلب له. فالظاهر أن الإباحة (مقيّدة) بقيد نيل المسلم الزيادة، وقد ألزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم من حِلّ الربا، والقمار، ما إذا حصلت الزيادة للمسلم، نظراً إلى العلة، وإن كان إطلاق الجواب خلافه، واللَّه، سبحانه، أعلم بالصواب اهـ كلام الفتح.
قال ابن عابدين - في التعقيب على كلام الفتح - : ويدل على ذلك ما في السير الكبير، وشرحه، حيث قال: وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان، فلا بأس بأن يأخذ منهم أموالهم، بطيب أنفسهم، بأي وجه كان، لأنه إنما أخذ المباح، على وجهٍ عري عن العذر، فيكون ذلك طيباً له. والأسير، والمستأمن سواء، حتى لو باعهم درهماً بدرهمين، أو باعهم ميتة بدراهم، أو أخذ مالاً منهم، بطريق القمار، فذلك كله طيب له اهـ ملخصاً، فانظر كيف جعل موضوع المسألة الأخذ من أموالهم برضاهم، فعلم أم المراد من الربا، والقمار، في كلامهم، ما كان على هذا الوجه، وإن كان اللفظ عاماً، لأن الحكم يدور مع علته غالباً. اهـ كلام ابن عابدين، اهـ مح - .
قلت: ويتلخص مما سبق أنّ الجواز أخذ المسلم مال الحربي، في دار الحرب شروطاً، لا يحلُّ بدونها وهي:(1/76)
أن يكون المسلم في دار الحرب، مستأمناً، أو أسيراً، بدليل قوله: دخل المسلم دار الحرب بأمان.
أن تكون الدار دار الحرب، لا دار الإسلام، فلا يصح أبداً ذلك في دار الإسلام.
أن يكون أخذ المسلم المال من الحربي في داره، بطيب نفس الأخير، بعيداً عن أي وجه من وجوه الغدر، والخيانة، والظلم، وما إلى ذلك...
أن يتحقق المسلم حصول الزيادة له من المراباة، والقمار، وغير ذلك من وجوه التعامل عند الحربيين، بدليل أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، لم يجز أبا بكر رضي اللَّه عنه، هذا الرهان، إلا استناداً على تحقق ربح أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنه، المبني على إخبار الحق سبحانه في صريح كتابه بأن الروم ستَغْلِب بعد أن غُلِبت، وخبر الحق سبحانه، الوارد على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام، واقع لا محالة، وهذا ما نص عليه في الفتح، والسير الكبير، كما رأينا.
وبناء على ذلك نقول: إن المقيمين اليوم من المسلمين، في بلاد الحرب (وفقاً للتعريف السابق لبلاد الحرب) لا يحلُّ لهم التعامل مع الحربيين، بأي شكل من الأشكال السابقة، إلا إذا تحقق الشرط الرابع. والملاحظ أن تحققه متعذر، لأن أموالنا، وإن حصل لنا منها زيادة، لكنها في الحقيقة، قوة نقوي بها أعداءنا، بحيث يرجح نفعهم منها، على نفعنا منها. هذا ما ظهر لي، قليحرر، واللَّه تعالى أعلم.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب إذا اشترى شيئاً بدرهم حرام:.
مطلب إذا اشترى شيئاً بدرهم حرام:
الدرهم الحرامُ، إذا اشترى به شيئاً، وعيّنَه للبائع، بأن قال: بعني بهذا الدرهم الرغيفَ، ودفعه إليه، يحرم أكلُ هذا الرغيف. وأمّا إذا اشترى رغيفاً بدرهم، واستلمه، ثم سلّمه الدرهم، فلا يحرم أكلُه(1).
-------------------(1/77)
(1) لأن الثمن إذا كان حراماً، ولم يُعَيِّنْه، بالإشارة إليه، في وقت الشراء به، وقع الشراء، بثمنٍ موصوف بالذمة، ثم إذا دفع بعد تمام البيع، من الدراهم المغصوبة، حلّ الأكل منه، فيما كان يفتي به الإمام أبو الليث، كما ذكره في شرح الدرر، من كتاب الغصب، واقتصر عليه في متن التنوير. اهـ شط. وانظر - ه - 182 - ، وصفحة - 105 - من هذا الكتاب في ترجمة أبي الليث.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب فيمن ورث مالاً حراماً:.
مطلب فيمن ورث مالاً حراماً:
ورث مالاً (حراماً): لأن علم أربابَ الموال، وجب ردُّه عليهم، وإلاّ يعلْمهم - فإن علم عينَ الحرام، لا يحل له، ويتصدق به، بنية صاحبه - وإن كان مالاً مختلطاً، مجتمعاً من الحرام، ولا يعلم أربابَه، ولا شيئاً منه بعينه، حلّ حكماً، والأحسنُ - ديانةً - التنزهُ عنه(1).
-------------------
(1) ه - 184 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في الصَّرْف(1):.
مطلب في الصَّرْف(1):
ويشترط في الصّرف: التقابضُ قبل الافتراق، والتساوي إن اتحد الجنس، وإن كان أجودَ من الآخر(2). أما لو اختلف الجنس - كفضة بذهب - فلا يشترط التماثلُ، بل التقابض فقط، قبل الافتراق بالأبدان.
ولا يتصرفُ في بدل الصرف قبل قبضه(3)، والدراهمُ، والدنانير إذا صرفت بجنسها، لا يجوز - إلاّ وزناً، ولو تعورف قبضها عدداً - إلا عند أبي يوسف رحمه اللَّه تعالى(4)، إذا تعورف كذلك، وهو الأرفق بالناس.
وما غلب فِضّتُه فضةٌ، وما غلب ذهبه ذهبٌ، وأما ما كان الغالب الغشَّ منهما، فهو في حكم الْعُروض، فيصح بيعه بالخالص، إن كان الخالص أكثرَ مما في المغشوش، وبجنسه متفاضلاً، وزناً، وعدداً، بشرط التقابض في المجلس.
واعلم بأن البيوع الفاسدة بمعنى الربا(5).
-------------------(1/78)
(1) الصرف: - لغة - : الدفع، والرّد، ومنه: الدعاء، اصرف عنا كيد الكائدين. - وشرعاً - : بيع الأثمان، بعضها ببعض. سمي به لوجوب دفع ما في كل واحد من المتعاقدين إلى صاحبه، في المجلس. اختيار.
(2) لقوله عليه الصلاة والسلام: "الذهبَ بالذهب، مثلاً بمثل، يداً بيد، والفضل ربا، والفضة بالفضة، مثلاً بمثل، يداً بيد، والفضل ربا"، ولقول عمر، رضي اللَّه عنه: وإن استنظرك إلى وراء السارية، فلا تنظره، وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "جيدها ورديئها سواء"، لأن علة الربا - عند الحنفية - القدر، وهو الكيل، أو الوزن، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم، في آخر حديث الربا: "وكذا كل ما يكال، ويوزن". فإن اجتمع القدر، والجنس، حرم الفضل، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "إذا اختلف النوعان، فبيعوا كيف شئتم" اه. اختيار.
(3) لأنه يفوت القبض المستحق بالعقد. اختيار.
(4) مرت ترجمته في صفحة - 8 - .
(5) البيع الفاسد: ما كان مشروعاً بأصله، لا بوصفه. ومعنى مشروعية أصله: كونه مالاً متقوّماً، لا جوازه، وصحته، لأن فساده يمنع صحته. وأطلقوا المشروعية عليه، نظراً إلى أنه لو خلا عن وصفه غير المشروع، لكان مشروعاً، وذلك مثل بيع السمك في الماء، والطير في الهواء، الذي لا يرجع بعد إرساله من يده، قبل صيدهما، واللحم في الشاة، قبل ذبحهما. اه. اختيار. ه - 184 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في السَّفَاتِج:.
مطلب في السَّفَاتِج:
وتكره السُّفتجة(1)، وهي: إقراض لسقوط خطر الطريق، وصورته: أن يقرض مالاً، إذا خاف عليه الفواتَ، لردّه عليه في موضع الأمن.
وفي الفتاوى الصغرى(2): السُّفْتج إذا كان مشروطاً في القرض، فهو حرام، والقرضُ بهذا الشرط فاسد، وإن لم يكن مشروطاً جاز.(1/79)
و في الواقعات(3): رجلٌ أقرض رجلاً مالاً، على أن يكتب له بها إلى بلدِ كذا، فإنّه لا يجوز، وإن أقرضه بغير شرطٍ، وكَتْبٍ، كان جائزاً. وإنما كُره لأن فيه نفعاً له، وقد نهى النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن قرض جرَّ نفعاً(4).
-------------------
(1) السفتجة: كقرطفة، (فارسي)، أصله: سفته، وهو الشيء المحكم، سمي به لإحكام أمره، (البولسة)، وهي أن يدفع إنسان إلى تاجر قرضاً، ليدفعه إلى صديق المقرض، في بلد آخر. وسبب الكراهة: أن المقرض، دفعه قرضاً، ليستفيد به سقوط خطر الطريق. وأما لو دفعه أمانةً، ليوصله، فلا بأس به، فلو هلك بيده، بلا تعدِّ، فلا ضمان. قاموس - وفتح.
(2) لعبد العزيز بن احمد بن نصر بن صالح الْحَلْواني، البخاري، أبو محمد، الملقب بشمس الأئمة، فقيه حنفي، نسبته إلى عمل الحلواء، وربما قيل له: الحلوائي، كان إمام أهل الرأي في وقته ببخارى. من كتبه: المبسوط، والنوادر في الفروع، والفتاوى الصغرى. وشرح أدب القاضي لأبي يوسف، وكتاب النوادر نقل منها في الفتاوى الصغرى. مات في كَش (بفتح الكاف، وتشديد الشين): قرية من قرى جرجان على ثلاثة فراسخ منها، ودفن في بخارى. توفي سنة (448 ه - 1056 م). أعلام - وفوائد.
والفتاوى الصغرى أيضاً كتاب لنجم الدين يوسف بن احمد بن أبي بكر الخاصي، نسبة إلى - الخاص - قرية من قرى خوارزم. إمام فاضل، أخذ عن أبي بكر محمد بن عبد اللَّه، وعن الصدر الشهيد حسام الدين عمر، وعن الحسن قاضجيان. من كتبه الفتاوى، ومختصر الفصول في الأصول. توفي سنة (634 ه). وقد لخصه يوسف بن أبي سعيد بن أحمد السجستاني، كما لخص نوادر الواقعات، وضمّ شيئاً من فتاوى الأوشي في كتاب سماه منية المفتي. الفوائد - وفهرس المخطوطات. ولعله هو المراد هنا.(1/80)
(3) واقعات المفتين: تأليف عبد القادر بن يوسف النقيب الحلبي، ويقال له: نقيب زاده. فقيه حنفي، ولد، ونشأ بحلب، سكن المدينة (1060 ه)، وتوفي فيها سنة (1107). من كتبه: لسان الحكام، في الفقه - ومعرفة الرمي بالسهام. أعلام - وفهرس المخطوطات.
(4) ط 2 - 640 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في النّوائب السلطانية:.
مطلب في النّوائب السلطانية:
والأفضل: مشاركة أهل محلته في إعطاء النائبة، لكن إذا كانت في زمن، كان أكثرها ظلماً، فَمن تمكن من دفعها عن نفسه فحسنٌ، وإن أعطى فليعطِ من عجزٍ. القائمُ بتوزيع هذه النوائب السلطانية، والجبايات - بالعدل بين المسلمين - مأجورٌ، وإن كان أصله ظلماً.
معلّمٌ من الصبيان أثمان الحصر، فَجمعها، فشرى ببعضها، وأخذ بعضها، له ذلك، لأنه تمليك له من الآباء(1).
-------------------
(1) والدليل عليه: أنهم لا يتأملون منه أن يردّ الزائد على ما يشتري به، مع علمهم - غالباً - بأن ما يأخذه يزيد. والحاصل: أن العادة محكمة، فافهم. اهـ - مح - وه - 209 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في هدية المستقرض:.
مطلب في هدية المستقرض:
هدية المستقرض: إن كانت مشروطةً في الاستقراض، فهي حرام، وإذا لم تكن مشروطة، وعَلم أن المستقرض أهداه، لا لأجل القرض، فيجوز قبولها.
لو أخذ شعرَ النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم ممن عنده، وأعطاه هديةً عظيمة - لا على وجه البيع، والشراء - لا بأس به(1).
-------------------
(1) ه - 209 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب: الحرمة تتعدد مع العلم بها:.
مطلب: الحرمة تتعدد مع العلم بها:(1/81)
الحرمة تتعدد مع العلم بها، فلو رأى المكّاس مثلاً، يأخذ من أحد شيئاً من الْمَكْس(1)، ثم يعطيه أخرَ، ثم يأخذ من ذلك الآخرِ فهو حرام. أمّا لو خلطه بماله، ولم يكن تمييزه، فإنه يملكه، وتتعلق الحرمة بذمته، لا بعين المال، لأنه ملكه بالخلط، ووجب في ذمته قيمتُه إن قِيْمِيّاً، ومثلُه إن كان مثلياً(2).
امرأةٌ زوجها في أرض الْجَوْز، إذا أكلت من طعامه - ولم يكن عينُه غصباً، أو اشترى طعاماً، أو كسوةً من مالٍ، أصله ليس بطيب - ، فهي في سَعة من ذلك، والإثمُ على الزوج(3).
وجد ما لا قيمةَ له، لا بأس بالانتفاع به. ولو له قيمة - وهو غني - تصدق به، أي بعد التعريف، إن احتاج إليه(4).
-------------------
(1) المكس: النقص، والظلم، والمكاس: الذي يأخذ المكس. قاموس - مختار.
(2) المال، إذا كان النوع، أو الصنف منه، تتفاوت آحاده، بحيث يكون لكل فرد منها اعتبار خاص، وقيمة له، تختلف عما للفرد الآخر، يسمى قيمياً، (بكسر القاف، وسكون الياء) نسبة إلى القيمة، التي يتفاوت بها كل فرد عن سواه. وذلك كأفراد الحيوان، ولو من نوع واحد، والأراضي، والشجر، والدور. وإذا لم تتفاوت آحاده، وأفراده، بحيث إن كل كمية منه، إذا ساوت سواها قدراً، في الصنف الواحد المتميز المعين، تساوتا أيضاً قيمةً، بحيث لا يكون هناك بين الكميات من فرق في القيمة يعتدّ به عادة إلا من حيث تفاوت مقاديرها، يسمى مثلياً، نسبة إلى المثل، لأن كل نوع منه، بعضه مثل بعض. كالسمن، والزيت، والقمح، والشعير، والملح، والتمر،... إذا كان كل هذا من صنف واحد، وصفة متماثلة. الفقه الإسلامي للزرقاء ج 3.
(3) ع 5 - 247 -
(4) ع 5 - 271 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في ترك الوصية لمن له أطفال ومال قليل:.
مطلب في ترك الوصية لمن له أطفال ومال قليل:(1/82)
مَنْ له أطفال، ومالٌ قليل، لا يوصي بنفل، وكذا لو كانوا بالغين فقراء، ولا يستغنون بالثُّلثين. وإن كانوا أغنياء، أو يستغنون بالثلثين، فالوصية أولى(1). وقُدِّر الاستغناء - عن الإمام(2) - إذا ترك لكل واحد أربعةَ آلاف درهم، دون الوصية، وعن الإمام الْفَضْلي(3) عشرة آلاف(4).
-------------------
(1) والأصل في هذا: ما روي أن سعد بن أبي وقاص، رضي اللَّه عنه، مرض بمكة، فعاده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بعد ثلاث. فقال: يا رسول اللَّه، إني لا أخلف إلا بنتاً، أفأوصي بجميع مالي؟ قال: "لا". قال أفأوصي بثلثي مالي؟ قال: لا، قال: فبنصفه؟ قال: لا، قال: فبثلثه؟ قال: الثلث، والثلث كثير، لأن تدع ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس". ولقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "أفضل الصدقة: الصدقة على ذي الرحم الكاشح".
والكاشح: الذي يخفي عداوته، وذلك لما فيه من مخالفة النفس، وقهرها، ولقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "لا صدقة، وذو رحم محتاج". اختيار.
(2) أبي حنيفة رحمه اللَّه - انظر ترجمته في صفحة - 8 - .
(3) محمد بن الفضل، أبو بكر الفضلي، الْكُماري، البخاري، إمام كبير، معتمد في الرواية، مقلد في الدراية. مشاهير كتب الفتاوى، مشحونة بفتاواه، ورواياته. أخذ الفقه عن الأستاذ عبد اللَّه السبذموني (نسبة إلى سُبذمون، من قرى بخارى، على نصف فرسخ)، عن أبي حفص الصغير، عن أبيه، محمد، توفي سنة 381 ه. الفوائد البهية.
(4) ع 5 - 273 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب فيما إذا قضى الدين، قبل حلول وقته:.
مطلب فيما إذا قضى الدين، قبل حلول وقته:(1/83)
قضى المديون الدينَ المؤجل قبل الحلول، أو مات، فحلّ بموته، فأُخذ من تركته، لا يأخذ من المرابحة التي جرت بينهما، إلا بقدْر ما مضى من الأيام، وهو جواب المتأخرين. صورته: اشترى شيئاً بعشرةٍ نقداً، وباعه لآخر بعشرين إلى اجل، هو: عشرة أشهر، فإذا قضاه بعد تمام خمسة أشهر، أو مات بعدها، يأخذ خمسةً، ويترك خمسة(1).
-------------------
(1) ع 5 - 482 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في جواز أخذ دين على كافر، من ثمن خمر:.
مطلب في جواز أخذ دين على كافر، من ثمن خمر:
وجاز اخذُ دين على كافر، من ثمن خمر(1)، بصحة بيعه(2)، لأنها مال مُتَقَوَّم في حقه، فَملك الثمن، فيحل الأخذ منه(3)، بخلاف المسلم، لعدم تقوّمِها في حقه، فبقي الثمن على مِلك المشتري، إلاّ إذا وكّل ذميّاً ببيعه، فيجوز عنده، خلافاً لهما(4).
-------------------
(2) بأن باع الكافر خمراً، وأخذ ثمنها، وقضى به الدين - مح - .
(3) أي بصحة بيع الكافر الخمر.
(4) لخصوص فيه، من قول عمر رضي اللَّه عنه، مما أخرجه أبو يوسف في الخراج، قال: حضر عمر، واجتمع إليه عماله، فقال: يا هؤلاء، إنه بلغني أنكم تأخذون في الجزية: الميتة، والخنزير، والخمر! فقال بلال: أجل، إنهم يفعلون ذلك، فقال عمر: فلا تفعلوا، ولكن وَلُّوا أربابها بيعها، ثم خذوا الثمن منهم، ولا نجيز فيما بينهم بيع الميتة، والدم. اهـ فتح.
(5) ع 5 - 247 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب: الحرمة تنتقل مع العلم:.
مطلب: الحرمة تنتقل مع العلم:(1/84)
الحرمة تنتقل مع العلم، أما بدونه (ففيه خلاف): ففي التاترخانية(1): اشترى جارية، أو ثوباً - وهو لغير البائع - فوطئ، أو لبس، ثم علم، روي عن محمد(2) أن الجماع، واللبس حرام، إلا انه وضع عنه الإثم، وقال أبو يوسف(2): الوطء حلالٌ، مأجور عليه، وعلى الخلاف: لو تزوج، ووطئها، فَبَانَ أنها منكوحة الغير(3).
-------------------
(1) كتاب في الفتاوى، يسمى (زاد المسافر في الفروع)، تأليف الفقيه عالم بن علاء الحنفي المتوفى سنة (286 ه 899 م)، بإشارة ن الخان الأعظم: تاتارخان، ولخصه إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي، الحنَفي، من حلب، المتوفى سنة (956 ه)، في مجلد، وانتخب منه ما هو غريب، أو كثير الوقوع، وليس في الكتب المتداولة، والتزم بتصريح أسامي الكتب، وقال: متى أطلق الخلاصة، فالمراد بها شرح التهذيب، وأما المشهورة فتقيد بالفتاوى. تفقه في حلب، ومصر، ثم استقر في القسطنطينية، وتوفي بها عن نيف، وتسعين عاماً.
والفتاوى التاترخانية مجموعة من مسائل أربعة كتب أمهات في الفقه الحنفي، هي:
المحيط البرهاني، لمحمود الصدر السعيد، تاج الدين أحمد ابن الصدر الكبير برهان الدين عبد العزيز بن عمر، بن مازه، برهان الدين، من كبار الأئمة، وأعيان الفقهاء، إمام، ورع، مجتهد. وكتابه نحو من أربعين مجلداً، جمع فيه جلّ الحوادث الحكمية، والنوازل الشرعية، مستمداً من المبسوط، والجامعين، والسيرين، والزيادات، مع مسائل النوادر، والفتاوى، والواقعات، وفوائد استفادها من والده، رحمهما اللَّه.
الذخيرة، له أيضاً، وهو مجموع نفيس من فتاواه على مسائل الواقعات. وقد ضم إليها أجناساً من الحوادث، ثم ضمّ إليها جواب ظاهر الرواية، وروايات النادر.
الفتاوى الظهيرية: لظهير الدين محمد بن أحمد بن عمر البخاري المتوفى سنة (619 ه - 1222 م)،(1/85)
الفتاوى الخانية: المعروفة بفتاوى قاضيخان، للإمام فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندي، الفرغاني، الحنفي، المتوفى سنة (592 ه - 1196 م)، من أهل الترجيح، وكتابه هذا من أصح الكتب التي يعتمد عليها في الإفتاء والعمل، انظر صفحة - 49 - ن هذا الكتاب. اه - أعلام - منجد - الفوائد - كشف الظنون.
(2) مرت ترجمتها في صفحة - 7 - 8 -
(3) ع 5 - 247 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب: وجد دنانيرَ مديونة، وله عليه دراهم:.
مطلب: وجد دنانيرَ مديونة، وله عليه دراهم:
ليس لذي الحق أن يأخذ غيرَ جنس حقه(1)، وجوَزه الشافعي(2)، وهو الأوسع، لتعيّنه طريقاً لاستيفاء حقه، فينتقل حقُّه من الصورة، إلى المالية، كما في الغصب، و الإتلاف(3).
وفيه(4): وجد دنانير مديونة، وله عليه دراهم، فله أن يأخذه، لاتحادهما جنساً في الثمنية(5).
-------------------
(1) قال ابن عابدين رحمه اللَّه تعالى: عدم الجواز، كان في زمانهم، أما اليوم، فالتقوى على الجواز، وذلك أن يجد من مال مديونه ما يأخذ منه قدر حقه، فله الأخذ - مح - .
(2) انظر ترجمته في صفحة - 26 - .
(3) مجتبى، وهو المعروف بالمجتبى في شرح مختصر القدوري.
(4) أي: في المجتبى.
(5) ع 5 - 271 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب: آجر نفسه ليرعى له الخنازير:.
مطلب: آجر نفسه ليرعى له الخنازير:
لو آجر نفسه ليعمل في الكنيسة، ويعمرها، لا بأس به، لأنه لا معصية في عين العمل، ولو آجر نفسه ليرعى له الخنازير، يطيب له الأجر عند الإمام(1)، وعندهما يكره(2).
-------------------
(1) أبي حنيفة رحمه اللَّه تعالى - انظر ترجمته في صفحة - 8 -
(2) لأنه إعانة على المعصية، وبه قالت الأئمة الثلاثة - مح - وانظر ترجمتها في صفحة - 7 - 8 - . وانظر ع 5 - 246 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].(1/86)
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في كَيّ البهائم:.
مطلب في كَيّ البهائم:
لا بأس بكي البهائم للعلامَة، وثَقْبِ أُذن الطفل من البنات، لأنهم كانوا يفعلونه في زمن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، من غير إنكار، ولاَ بأس بكي الصبيان لداءٍ(1).
-------------------
(1) ع 5 - 249 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في الكراب على الحمير:.
مطلب في الكراب على الحمير:
وجاز ركوب الثور وتحميله، والكرابُ على الحمير، لا جهد، وضرب(1)، أي لا يحملها فوق طاقتها، ولا يضرب وجهها ولا رأسها(2)، إذ ظلم الدابة أشدُّ من (ظلم) الذمي، و(ظلم) الذميِّ أشدُّ من (ظلم) المسلم. وقيل: لا يفعل، لأن كل نوع - =0 من الأنعام خلق لعمل، فلا يغير أمر اللَّه تعالى.
-------------------
(1) كرب الحمار: شدّه للحراثة، والكراب على الحمير: شدّها للحراثة.
(2) ولا تضرب أصلاً عند أبي حنيفة، رحمه اللَّه، وإن كانت ملكه. قال عليه الصلاة والسلام: "تضرب الدواب على النفار، ولا تضرب على العثار" لأن العثار من سوء إمساك الراكب اللجام، والنفار من سوء خلق الدابة، فتؤدب على ذلك. مح.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في كراهة إجارة بيوت مكة، في أيام الْمَوْسم:.
مطلب في كراهة إجارة بيوت مكة، في أيام الْمَوْسم:
وكره إجارة بيوتِ مكة في أيام الْمَوْسم(1)، ورُخّص فيها، في غير أيام الموسم، وجاز بيع بناء بيوت مكة، وأرضها بلا كراهة، لأنها مملوكة لأهلها(2).
-------------------(1/87)
(1) لأن عمر رضي اللَّه تعالى عنه، كان ينادي أيام الموسم، ويقول: يا أهل مكة، لا تتخذوا لبيوتكم أبواباً، لينزل البادي حيث شاء، ثم يتلو الآية: {وَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَ الْبَادِ} (الحج: 25). وقال أبو حنيفة رحمه اللَّه: أكره إجارة بيوت مكة في أيام الموسم. وكان يفتي لهم أن ينزلوا عليهم في دورهم للآية، إذا كان فيها فضل، وإن لم يكن فلا. مح - در.
(2) ع 5 - 251 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في جواز أخذ مالِ الغير بإذنه:.
مطلب في جواز أخذ مالِ الغير بإذنه:
التورع والتوقي - من أكلِ طعام أهل الوظائف من الأوقاف، أو من بيت المال، مع اختلاط الجهلة (بالعلماء)، والعوام (بالخواص، في التناول من الوظائف) - ناشئٌ من الجهل (بالأحكام الشرعية، وقصد الرياء، بإظهار التورع في غير مواضعه، والتهاون في موضع التورع)، فكما ان الكسب (للأموال) بالبيع، والإجارةِ ونحوهما - إذا رُوعي فيها شرائطُ الشرع - حلالٌ طيب، كذلك الوقفُ إذا صحّ(1)، وروعي فيه شرائطُ الواقف(2)، فلا شبهة فيه أصلاً، إذ الصحابة رضي اللَّه عنهم وقفوا، وأكلوا منه(3). وكذا بيتُ المال، يحلُّ لمن كان مصرِفاً له، إذا اخذ بقدْر الكفاية(4).(1/88)
وقد أخذ الخلفاء الأربعة - سوى عثمان(5) رضي اللَّه عنهم - منه، فلا فرق بين الوقف، وبيت المال، وغيرهما من المكاسب في الْحِلّ، والطِّيب، إذا رُوعي فيها شرائط الشرع، وفي الْحُرمة، والْخُبث إذا لم يراعَ، بل الأولان(6) أشبهُ وأمثلُ في زماننا، إذ أكثرُ بيوع أسواقنا، وإجاراتهم، باطلة، أو فاسدة، أو مكروهة، نعم الورعُ من (تناول) الشبهات، في الحلال والحرام، ليس كالورع في أمر الطهارة، والنجاسة، بل هو(7) أهمُّ في الدين، و(هو) سيرةِ السلف الصالحين، ولكن في زماننا هذا لا يمكن (ذلك الورعُ من الشبهات، في الحلال والحرام)، بل لا يمكن الأخذ بالقول الأحوط في الفتوى(8).(1/89)
فتعين الأخذ - لا محالةَ في هذا الزمان - بما قال محمد(9)، ومَنْ تبِعَه من المشايخ، وهو قول أئمتنا الثلاثة(10): من جواز أخذ مالِ الغير بإذنه، ورضائه، بعوض، وبلا عوض، ما لم يعلم انه بعينه حرام، تمسكاً بأصولٍ مقررةٍ في الشرع: من أن اليدَ دليلُ الملك، وأن الأصل في الأشياء الإباحةُ، وأن اليقين لا يزول إلا بيقينٍ مثْله، وأن الأثمانَ النقودَ، لا تتعين في العقود، والفسوخ، لا سيما الصحيحين(11)، بل الثمن يثبت في الذّمة، ولو حالاً ومنجّزاً، بخلاف المبيع. وبما قال الكرخي(12): وقد صرحوا بكون الفتوى عليه في زماننا، وأن المشترى بحرام بعينه، حلالٌ طيّب، إلاّ أن يشار إليه حين العقد، ويُسَلّم، فيكون مِلكاً خبيثاً، وبما ذهب إليه أبو حنيفة(10): من أن الخلط، الرافع للتمييز، استهلاكٌ، موجب للتملك، والضمان(13)، وبما روي عنه: أن سبب الطيب في الشيء المغصوب، وجوبُ الضمان على الغاصب، لا أداؤه. نعم مالا يُدْرك كلُّه لا يترك كلُّه، فالأَوْلى، والأَحْوَط الاحتراز عن بعض الشبهات، مما فيه أمارة ظاهرة للحرمة، وممن له شهرة تامّة بالظلم، أو الغصب، أو السرقة، أو الخيانة، أو التزوير، أو نحوهما، مما يمكن الاحتراز عنه، من غير ترك ما فعله أولى منه بدء، أو فعل ما تركه كذلك.
فإذا لم يمكنِ الورعُ عن الشبهات المالية في زماننا، فالمرجو من فضل اللَّه تعالى أنّ مَن اتَقى، وتورع في غيرها، يحصُل له ثواب المتقي، والمتورِّع في الكلّ، لأن الطاعة بحسب الطاقة(14).
-------------------
(1) من أصله، بأن ثبت لمالكه الحوز، والملك، على مقتضى الوجه الشرعي، وكان وقفاً نافذاً شرعاً، وقد تناول منه صاحب الوظيفة وظيفته. شط.(1/90)
(2) من غير إخلال بشيء، بأن باشر الإمامة، والخطابة، والتدريس، ونحو ذلك، بقصد وجه اللَّه تعالى، لا بقصد العمل من أجل الوظيفة، فإن كان بقصد الوظيفة، فإنه لا يستحقها، لأن ذلك معصية، والواقف لم يجعل وقفه على أهل المعاصي، فلينتبه له، فإنه مهم جداً - شط - .
(3) أي أكلوا من محصل ذلك بلا نكير منكِر منهم. روى أن عمر رضي اللَّه عنه، كانت له أرض تدعى (تمغ)، فقال عمر رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، إني استفدت مالاً، وهو عندي نفيس، أفأتصدق به؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "تصدق بأصلها، لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، ولكن لتنفق ثمرته"، وكذا وقف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حوائط.شط.
(4) والمصارف: هم المقاتلة، وأمراؤهم، والولاة، والقضاة، والمحتسبون، والمفتون، والمعلمون، وقراء القرآن، والمؤذن، وكل من قُلّد شيئاً من أمور المسلمين، وذراريهم.
(5) عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، أمير المؤمنين، ذو النورين، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ولد بمكة (47 ق.ه)، وأسلم بعد البعثة بقليل، جهز جيش العسرة، تولى الخلافة عام (23 ه)، فأتم الفتوحات: وأتمّ جمع القرآن، وهو أول من زاد في المسجد الحرام، ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام. وقدّم الخطبة في العيد على الصلاة، وأمر بالأذان الأول يوم الجمعة، واتخذ الشرطة، وداراً للقضاء. روى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم (146) حديثاً. لقب بذي النورين، لتزوجه بنتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم على التتابع، السيدتين: رقية، ثم أم كلثوم بعد وفاة السيدة رقية. قتله بعض الثوار المجرمين، صبيحة عيد الأضحى وهو يقرأ القرآن في بيته بالمدينة سنة (35 ه). أعلام. قلت: ولعله لم يأخذ لاستغنائه عن ذلك. شط.
(6) أي البيع، والإجارة.
(7) أي الورع من الشبهات.(1/91)
(8) وهذا ما اختاره الفقيه أبو الليث السمرقندي، رحمه اللَّه تعالى، من انه إن كان - في غالب الظن - أكثرُ مال الرجل حلالاً، جاز لك قبول هديته، ومعاملته، بالبيع له، والشراء منه، وإجارته، والاستئجار منه، ونحوِ ذلك، وإلاّ فلا، لأنّ الحرمة تتعدى في الأموال، مع العلم بها، إلاّ في حق الوارث، فإن مال مورثه حلال له، وإنْ علم بحرمته، إذا كان لا يعلم أرباب الأموال، انظر صفحة - 74 - .
وقال قاضجيان، في فتاواه المشهورة: قالوا: ليس زماننا زمانَ اجتناب الشبهات، لعدم إمكان ذلك، وغنما الواجب على المسلم أن يتقي الحرام الْمُعَايَن، وكذا صاحب الهداية. وزمانهما قبل ستمائة سنة من الهجرة النبوية. ولا خفاء أنّ الفساد، والتغيّر، يزيدان بزيادة الزمن، لبعده عن عهد النبوة. فالورع، والتقوى في زماننا: في حفظ القلب، واللسان، وسائر الأعضاء، والتحرز عن الظلم، وإيذاء الغير، بغير حق... انظر شط. وانظر صفحة - 105 - من هذا الكتاب في ترجمة أبي الليث، وصفحة - 49 - 80 - في ترجمة قاضجيان. وصاحب الهداية: برهان الدين على بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، الرشتاني، المتوفى سنة (593 - ه - 1197 م). ألفها في /13/ سنة، وكان مدة تأليفه صائماً، مجتهداً، لا يطلع عليه أحد، فكان يأتيه الخادم بالطعام، فيضعه بين يديه، ويمضي، وهو مشغول بالمطالعة، فإذا مضى، دفع الطعام إلى سائل، فكان كتابه، بسبب ذلك الزهد، والورع، مقبولاً في الآفاق، وهو شرح على متن له سماه بداية المبتدي، ولكنه، في الحقيقة، كالشرح لمختصر القدوري، والجامع الصغير لمحمد. فهرس المخطوطات للفقه الحنفي.
(9) مرت ترجمته في صفحة - 7 - .
(10) وهم أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد انظر صفحة - 7 - 8 -
(11) أي العقد، والفسخ الصحيحين.(1/92)
(12) عبيد اللَّه الكرخي، أبو الحسن، أخذ الفقه عن أبي سعيد البردعي، عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، عن أبيه، عن جده، انتهت إليه رياسة الحنفية، عدّوه من المجتهدين في المسائل، له: شرح الجامعين: الصغير، والكبير، ولد في الكرخ عام (874 م - 260 ه)، وهي من قرى العراق. كان كثير الصوم، والصلاة، قانعاً، متعففاً، عابداً، كبير القدر.
توفي ببغداد سنة (340 ه - 952 م). أعلام، وفوائد.
(13) فيضمن مثلها أربابها، و تصير تلك الدراهم المختلطة في ملكه، يتصرف بها كيف يشاء. شط.
(14) ط 2 - 716 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في عدم جواز بيع المجهول:.
مطلب في عدم جواز بيع المجهول:
لا يجوز بيع طيرٍ في الهواء(1)، وسمكٍ لم يُصَد(2)، وما في البطن من الجنين(3)، وأمَة إلاّ حملها(4)، ولبنٍ في ضَرع(5)، ولؤلؤ في صَدف(6)، وصوف في ظهر غنم(7)، وجذْعٍ في شقف، وذراع من ثوب يضره التبعيض(8)، وضربة القانص(9) والغائص(10)، وثوب من ثوبين(11)، أو عبد من عبدين، لجهالة المبيع، فول شرط أخذَ أيَهما شاء، جاز(12).
-------------------
(1) لا يرجع بعد إرساله من يده، وهو بيع فاسد، أما قبل صيده، فباطل أصلاً، لعدم الملك - مح - .
(2) وفيه تفصيل: إذا باعه بدراهم، أو دنانير، فهو بيع باطل، وإن باعه بعرض، فهو بيع فاسد، لأنه مال غير متقوم، لأن التقوم بالإحراز، والإحراز منتف - مح - .
(3) لنهيه صلى اللَّه عليه وسلم عن المضامين، والملاقيح، وحَبل الْحَلبة، ولما فيه من الغرر، وهي بيوع باطلة. والمضامين: جمع مضمونة: ما في أصلاب الإبل من المني. والملاقيح جمع ملقوح: ما في البطن من الجنين. وحَبل الْحَلبة (بفتحتين): بيع ما سوف يحمله الجنين، إن كان أنثى - مح - .
(4) لأن من لا يصح إفراده بالعقد، لا يصح استثناؤه منه، فصار شرطاً فاسداً، وفيه منفعة للبائع، فيفسد البيع - مح - .(1/93)
(5) والأرجح انه بيع باطل لسببين: - الأول: أنه لا يعلم أنه لبن، او دم، او ريح، لأنه مشكوك الوجود، فلا يكون مالاً. - والثاني: أن اللبن يوجد شيئاً، فشيئاً، فيختلط ملك المشتري بملك البائع - مح - .
(6) وهو بيع باطل للغرر، لأنه لا يعلم وجوده - مح - .
(7) للنهي عنه، لأنه قبل الجزّ، ليس بمال متقوم في نفسه، فهو بمنزلة وصف الحيوان، لقيامه به، كسائر أطرافه، ولأنه يزيد من أسفل، فيختلط المبيع بغيره، كاللبن - مح - .
(8) كالثوب المهيأ للبس، فلو لم يضره القطع، كالكتان، جاز. مح -
(9) أي الصائد، بأن يقول: بعتك ما يخرج من إلقاء هذه الشبكة، مرة، بكذا, وهو بيع باطل - مح -
(10) أي الغوّاص، بأن يقول: أغوص غوصة، فما أخرجته من الآليء، فهو بكذا، وهو بيع باطل - مح - . قلت: والبيع الباطل هو البيع غير المشروع بأصله، وبوصفه. أما البيع الفاسد: فهو البيع المشروع بأصله، لأن فساده يمنع صحته، أو أطلقوا المشروعية غليه، نظراً إلى أنه لو خلا في يده، يهلك بغير شيء، عند أبي حنيفة، وبالقيمة عندهما. وحكم البيع الفاسد: أنه يفيد الملك بالقبض، إلا في مسائل (راجعهما في در المحتار)، فله أن يتصرف به، إلا الانتفاع، لأنه ملكه ملكاً خبيثاً، فلا يحل له أكله، ولا لبسه، ولا وطؤها إن كانت أمة، ولا أن يتزوجها منه البائع، لأنها بصدد أن تعود للبائع، نظراً لوجوب الفسخ، فيصير ناكحاً أمته. مح - والاختيار - .
(11) لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر، سواء كان معنياً، أم غير معين، وللجهالة أيضاً - مح - .
(12) ع 4 - 107 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في المراعي، ودود الْقَزّ:.
مطلب في المراعي، ودود الْقَزّ:(1/94)
ولا يجوز بيع المراعي(1)، وإجارتُها(2)، والمراد بالمراعي: الكلأ النابتُ، في أرض غيرِ مملوكة، ويجوزُ بيع دود القز، وبيضِه(3)، والنحل الْمُحْرَز، والعلق(4)، ودود القرمز(5)، بخلاف غيرها من الهوّام، كالحية، والفأرة، والوزغة(6)، والسلحفاة، والقنفذ، وكلّ ما لا ينتفع به، ولا بجلده، والحاصل: أن جواز البيع، يدور مع حِلّ الانتفاع(7).
-------------------
(1) أي الكلأ، وهو ما لا ساق له، والكمأة كالكلأ, ومعنى (لا يجوز): أي يبطل، لحديث: "الناس شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار" - مح - .
(2) ومعنى لا يجوز إجارتها: أي تفسد، لأن إجارتها واردة على استهلاك عين - مح - .
(3) المسمى اليوم بالشرانق - مح - .
(4) شيء أسود، شبيه الدود، يكون في الماء، يعلق بأفواه الإبل عند الشرب. مصباح.
(5) هو جنس حشرات، من رتبة نصفيات الأجنحة، منه نوع يعيش على السنديان، كان يستعمل قديماً في الصباغ. منجد. قال ابن عابدين في رد المحتار: ولعلها هي المرادة بالعلق، في عبارة الذخيرة. اه - مح - انظر صفحة - 80 - وابن عابدين هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين، الدمشقي، فقيه الديار الشامية، وإمام الحنفية في عصره، ولد المحتار في دمشق عام (1198 ه - 1784 م) وتوفي فيها سنة (1252 ه - 1836 م)، له: رد المحتار على الدر المختار، المعروف بحاشية ابن عابدين. أعلام.
(6) انظر معناها في صفحة - 26 - .
(7) ع 4 - 110 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب في بيع دواب البحر، غيرَ السمك:.
مطلب في بيع دواب البحر، غيرَ السمك:
وبيعُ غيرِ السمك - من دوابّ البحر - إن كان له ثمنٌ - كالسَّقَنْقُور(1)، وجلود الْخَزِّ، ونحوها - يجوز، وإلا فلا.
ويجوز بيع البازي، والشاهين، والصَقر، لا بيع الحِدأة(2)، والرَّخمة(3) وأمثالها، ويجوز بيع ريشها. وبيعُ الكلب الْمُعَلّم عندنا جائز.(1/95)
ونقل السائحاني(4) عن الهندية(5): ويجوز بيع سائر الحيوانات، سوى الخنزير، وهو المختار(6).
-------------------
(1) السقنقور، والإسقنقور: حيوان أكبر من العظاءة (الحرباءة)، وأضخم، قصير الذنب، يعرف بالتمساح البحري، وهو نوع من الزحافات، يكون في البلاد الحارة. - منجد - .
(2) انظر صفحة - 26 - من هذا الكتاب، تجد ترجمة لهذه الطيور.
(3) الرَّخمة: طائر من فصيلة النسريات، ورتبة الجوارح، ريشه أبيض، ممزوج بسواد، وشقرة، يكثر في بلدان عديدة من المتوسط، ويتغذى باللحوم. منجد.
(4) إبراهيم السائحاني، من فقهاء الحنفية.
(5) الفتاوى الهندية، المعروفة باسم: الفتاوى العالمكيرية، من أشهر الكتب المطولات في الفقه الحنفي، وهي منسوبة إلى الملك: محمد أورنك زيب، من السلالة المغولية، التي حكمت الهند دهراً طويلاً. ويلقب باسم - عالمكير - أي فاتح العالم. كان ملكاً صالحاً، ذا همة عالية، وزهد، قضى على عناصر الفساد في أسرته، وأخضع الهند كلها تقريباً، إلى حكمه، فبسط سلطانه عليها من سنة (1069 - 1119 ه - 1658 - 1707 م) وكان يعيش من ثمن المصاحف التي كان يكتبها بخط يده.
ولتأليف - الفتاوى الهندية - جمع هذا الملك فقهاء الحنفية في عصره، برئاسة الشيخ نظام الدين، وأجرى عليهم النفقات، ووضع تحت تصرفهم مكتبة عظيمة، فانتخبوا من جميع كتب المذهب الحنفي، أصح ما فيها من الأحكام، وصاغوها في هذا المؤلف الجليل، مع عزو كل حكم إلى مصدره، فاحتوى على ما لا يوجد في سواه. المدخل الفقهي.
(6) ع 5 - 111 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب: فيما لا يجوز بيعه:.
مطلب: فيما لا يجوز بيعه:
ولا يجوز بيع شعرِ الخنزير لنجاسته، ولكنْ يُباح الانتفاعُ به للخرز للضرورة(1). ولا بيعُ شعر الآدمي، ولا الانتفاع به(2)، ولا بشيء من أجزائه، لأن الآدمي مكرّم غيرُ مبتذل، فلا يجوز ان يكون شيء من أجزائه مهاناً.(1/96)
ولا يجوز بيع جلود الميتة، قبل الدباغ، ويجوز بعده(3). ولا يجوز بيع عُلو سقط، إذ بعد انهدامه لا يبقى له إلاّ حقُّ التعلي، وهو ليس بمال، لأن المال: ما يمكن إحرازه، فالبيع لم يصادف محلّه، فيكون لغواً.
ولا يجوز بيع المسيل، ولا هبتُه(4). ولا بيع شخص على أنه أمَة، فإذا هو عبد. ولا يجوز شراء ما باع، بأقلَّ مما باع، قبل نقد الثمن(5)، ولا شراء زيت على أن يزنه بظرفه، وأن يُطرح عنه لكل ظرف مقدارٌ معين(6). وإن شرط طرح مثل وزن الظرف يصح. ولا يجوز البيع إلى النيروز(7)، والْمِهْرَجان(8)، وصوم النصارى، وفطر اليهود، إن لم يعلم العاقدان ذلك(9)، ولا إلى الحصاد(10)، والديَاس، والقطاف، والجزاز، وقدوم الحاج، لعدم تيقن أوقاتها(11).
-------------------
(1) حتى لو لم يوجد بلا ثمن، جاز الشراء، للضرورة، ويُفسد الماء على الصحيح، ولكن هذا لا يفيد صحة البيع، كما لو اضطر إلى دفع الرشوة، لإحياء حقه، جاز له الدفع، وحرم على القابض. وقد عللوا جواز شرائه، بأن في مبدأ شعره صلابة قدر أصبع، وبعده ليّن، يصلح لوصل الخيط به. اه - در - مح - .
(2) لحديث: "لعن اللَّه الواصلة، والمستوصلة" مح.
(3) إلا جلد الإنسان والخنزير، فلا يباع وإن دُبغ، لكرامة الأول، وإهانة الثاني، ولعدم عمل الدباغة فيه - مح - .
(4) لجهالته، إذ لا يدري قدر ما يشغله من الماء. أما إذا بيّن حدّ ما يسيل فيه الماء، أو باع أرض المسيل، من نهر، أو غيره، من غير اعتبار حق التسييل، فهو جائز، بعد أن يبين حدوده. مح -(1/97)
(5) وهو ما يسمى فقهاً - بيعَ العينة، أو بيوع الآجال - ، وهو بيعٌ يراد منه أن يكون حيلةً للقرض بالربا، والأصل في ذلك: حديث عائشة رضي اللَّه عنها، فيما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، عن أبي إسحاق السبيعي، عن امرأته، أنها دخلت على عائشة في نسوة، فسألتها امرأة فقالت: يا أمَّ المؤمنين، كانت لي جارية، فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة إلى العطاء، ثم ابتعتها منه بستمائة، فنقدته الستمائة، وكتبت عليه ثمانمائة، فقالت عائشة: بئس ما اشتريت، وبئس ما اشترى، اخبرني زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، إلا أن يتوب، فقالت المرأة لعائشة، أرأيت إنْ أخذتُ رأس مالي، ورددت عليه الفضل؟ فقالت: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (البقرة: 275) اه، وما رواه أحمد عن ابن عمر، قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "إذا ضنّ الناس بالدينار، والدرهم، وتبايعوا بالْعِينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل اللَّه، أنزل اللَّه بهم ذلاً، فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم"، اهـ الجزء - 2 - ص 71 - 73 - من تحفة الفقهاء للسمرقندي، تحقيق الأستاذين: الكتاني والزحيلي.
(6) لأن فيه نفعاً لأحد المتعاقدين، لأنه قد يكون أكثر مما شرط، أو أقل. والحيلة في جوازه: ألا يعقد العقد، إلا بعد وزنه، تحرياً للصحة، فيقول، بعد الوزن: بعتك ما في هذا الظرف بكذا، ويقول الآخر: قبلتُ، فيكون هذا من بيع الجزاف، وهو صحيح - مح - .
(7) أي لا يجوز البيع بثمن مؤجل إلى النيروز. وإنما لم يجز، لأن هناك سبعة نيروزات، فإذا لم يبين العاقدان واحداً من السبعة، فسد. أما إذا بيناه، فإنه يعتبر معرفةً وقته، فإن عّرفَاه صح، إلا فسد. مح -(1/98)
(8) المهرجان: بكسر، فسكون - وإنما فسد، لأنه نوعان: عامة، وهو أول يوم من الخريف، أعني اليوم السادس عشر من مهرماه، وخاصّة: وهو اليوم السادس والعشرون منه. مح -
(9) وذلك، لأن صوم النصارى غير معلوم، وفطرهم معلوم، واليهود بعكسه. والحاصل أن المدار على العلم وعدمه. مح -
(10) بفتح الحاء، وكسرها. ومثله: الدِّياس، والقطاف. والحصاد للزرع، والدِّياس: للحب، والقطاف: للعنب، والجزاز: للصوف، لأنها تتقدم وتتأخر. مح - .
(11) م 2 - 53 - 57 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب فيما يستجرُّه الإنسان على وجه الخرج:.
مطلب فيما يستجرُّه الإنسان على وجه الخرج:
ما يستجره الإنسان، من البياع، على وجه الخرج - كما هو العادة من غير بيع، كالعدس، والملح، والزيت، ونحوها - إذا حاسبه على أثمانها، بعد استهلاكها، حاز استحساناً(1).
-------------------
(1) ع 4 - 12 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الرابع في الكسب والحرفة.
مطلب: ويقبل، في المعاملات، قول الفرد:.
مطلب: ويقبل، في المعاملات، قول الفرد:
ويقبل في المعاملات قولُ الفرد، ولو أنثى، أو عبداً، أو فاسقاً، أو كافراً(1)، كقوله: شريتُ اللحم من مسلم، أو كتابي، فيحلّ، أو مجوسيٍّ فيحرم. ويقبل قولُ العبد، والأمة والصبيِّ في الهدية، بأن قال: هذه هدية أهداها سيدي، أو أبي، يجوز أن يأخذها، لأن الهدايا تُبعث عادةً على أيدي هؤلاء، ويقبل قولهم في الأذن، بأن قال العبد، أو الأمة أو الصبيِّ المميز: أَذنَ لي مولايَ في البيع والشراء. ولا بأس بقبول هدية العبد التاجر، وإجابة دعوته، واستعارة دابته، والقياس: ان لا يجوز، لأنه تبرع، والعبدُ ليس من أهله، لكن جُوّز في الشيء اليسير، للضرورة، استحساناً، وكره قبولُ كسوته ثوباً، وإهدائه أحدَ النقدين، لأنه لا ضرورة في الشيء الكثير(2).
-------------------(1/99)
(1) كما إذا أرسل أجيراً له، مجوسياً، أو خادماً، فاشترى لحماً، فقال: اشتريته من يهودي، أو نصراني، أو مسلم، وَسِعَه الأكل، لأن قول الكافر، مقبول في المعاملات، لأنه خبر صحيح، لصدوره عن عقل، ودين، يعتقد فيه حرمة الكذب. والحاجةُ ماسة إلى قبوله، لكثرة وقوع المعاملات. وإن كان غير ذلك، لم يسعه أن يأكل منه، لأنه لَما قَبِل قوله في الْحِلّ، فأولى أن يقبل في الحرمة. ملتقى الأبحر.
(2) كالدراهم، والثياب، فيبقى على الأصل، وهو عدم الجواز. م 2 - 510 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها
1 - الأول: الكفر باللَّه - والعياذ باللَّه تعالى منه - وهو أعظم المهلكات على الإطلاق، وهو: عدم الإيمان، عَمّن مِنْ شانه أن يكون مؤمناً، والإيمان: هو: التصديق بالقلب، بجميع ما جاء به محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، من عند اللَّه تعالى، ولإقرار به باللسان، عند عدم المانع(1).
والكفر ثلاثة أنواع:
-الأول: جَهْليٌَ: وسببه عدم الإصغاء (لتقرير الدين، من أئمة الإسلام) و (عدم) الالتفات والتأمل في الآيات (المنصوبة في الآفاق، وفي الأنفس على الحق)، والدلائلِ، ككفر الكافرين من العوام، (المشتغلين بالدنيا، المعرضين عن الاشتغال بالدين، فلا يعرفون شيئاً من العلوم العقلية، ولا النقلية).
الثاني: جُحُودي، وعناديٌّ، وسببه: الاستكبار، ككفر فرعون وملئه(2).(1/100)
الثالث: حُكمِيٌّ(3)، وهو: ما جعله الشارع إمارةَ التكذيب، كاستخفاف ما يجب تعظيمه من اللَّه تعالى، وكتبِه، (وملائكته)، ورسله، واليوم الآخر، وما فيه (من الحشر، والصراط، والميزان، والجنة، والنار، وغيرها)، والشريعة، وعلومها، وسبِّ يدن الإسلام، أو الحقِّ تعالى، أو النبي صلى اللَّه عليه وسلم، او إنكار شيء من الأشياء المعلومة من الدين بالضرورة، مما ثبت بالقرآن الكريم، وكان قطعيِّ الدلالة، أو بالنسبة المشهورة، المتواترة كذلك، وليس فيه شبهة، أو بإجماع جميع الصحابة المتواتر، إجماعاً قطعياً، قولياً غيرَ سكوتي، أو أنكر وجودَ اللَّه تعالى، أو اعتقد بتأثير الأشياء بنفسها، وطبعها، بدون إرادة اللَّه تعالى، أو أنكر وجود الملائكة، أو الجنِّ، أو السماوات، أو اعتقد حِل الحرام لعينه، وكانت حرمته بدليل قطعي - كشرب الخمر - أو استخفَّ بحكم من الأحكام الشرعية، أو تكلم بمكفِّر، اختياراً - ولو هازلاً - وإن لم يعتقده، للاستخفاف، أو طعنَ في حق نبي من الأنبياء، أو قال: إن النبوة مكتسبة، أو افترى على أم المؤمنين (السيدة) عائشة الصديقة رضي اللَّه تعالى عنها. فيصير مرتداً بسبب ذلك، فيُعرض عليه الإسلام(4)، فإن أسلم، وإلا قتل(5). والمرأة (إذا ارتدت) تُحبس ولا تقتل(6).
-------------------
(1) حقيقة، كالخرس، وحكماً، كخوف القتل، أو إتلاف عضو منه، فيما إذا أكره على الكفر، وقلبه مطمئن بالإيمان. شط.
(2) لقوله تعالى في حقهم: {فاستكبروا، وكانوا قوماً عالين، فقالوا: أنؤمن لبشرين مثلنا، وقوموهما لنا عابدون} (المؤمنون - 47 - ).
(3) أي منسوب إلى الحكم، لأنه إنما كان كفراً، بحكم الظاهر فقط، لدلالته عليه.شط.
(4) أي يعرض الحاكم عليه الإسلام، وتكشف شبهته، ويحبس ثلاثة أيام، يعرض عليه الإسلام في كل منها. در -(1/101)
(5) لحديث: "مَنْ بدّل يدنه، فاقتلوه". وإسلامه: هو ان يتبرأ عن الأديان، سوى الإسلام، أو عما انتقل إليه، بعد نطقه بالشهادتين - مح - .
(6) وتعزر، وتضرب، في كل يوم، خمسة وسبعين سوطاً، وفي رواية: تضرب، في كل يوم، تسعة وثلاثين سوطاً، مبالغة في الحمل على الإسلام، إلا أن تموت، وهذا قتلٌ معنى، لأن موالاة الضرب، تفضي إليه. فتح.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أحكام المرتد:.
مطلب في أحكام المرتد:
فإن قُتل المرتد، قُسم ماله بين ورثته، وزوجته، إذا لم تَنْقَضِ عدتها، وإذا أسلم، وتاب، يقبل إسلامه، ولو كانت ردته بسبِّ النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، وتقع الفُرقة بينه، وبين زوجته، من غير تنقيص عدد الطلاق(1)، وليس له أن يردها إلى عصمته إلا بعقد شرعي برضاها. ويبطل حَجّته، فيلزمه إعادته، وإعادة الصلاة التي صلاّها في وقتها الذي ارتد فيه، وأسلم، والوقت باقٍ، أما الصلوات التي فاتته في حال ردته، فلا يجب عليه قضاؤها. ولا تؤكل ذبيحته. وإن جرى على لسانه الكفر خَطأ، فيؤمر بالتوبة، والاستغفار فقط، وأما إذا تكلم بما فيه خوفُ الكفر، فيؤمر بالتوبة منه، والرجوع عنه، وتجديد النكاح احتياطاً. وألفاظه تعرف في كتب الفقه(2).
وغائلةُ الكفر العظمى: حرمانُ دخول الجنان، والعذابُ المؤبّد في النيران(3).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أحكام المرتد:.
وجدت الكلمات في الفص
2 - الثاني: الجهل، وهو، عدم العلم عمن مِن شأنه أن يكون عالماً، فلا يقال للجماد، والحيوان: جاهل، لأنه لا يقال له: عالم. وحدُّ الجهل: معرفة المعلوم على خلاف ما هو به، وحدّ العلم: معرفة المعلوم على ما هو به. وورد في بعض الأخبار: (إن الجهل أقربُ إلى الكفر، من بياض العين إلى سوادها).
وهو نوعان:(1/102)
الأول بسيط، لأن صاحبه يجهل فقط، ويعلم أنه يجهل، وهذا النوع أصحابه كالأنعام، لفقدهم ما به يمتاز الإنسان عنها، بل هم أصل، لتوجهها نحو كمالاتها(4).
والثاني: مركب، وهو: اعتقادٌ غيرُ مطابق لما هو عليه، بأن يجهل الأمر، ويجهل أنه يجهل ذلك الأمر، وهو شرٌّ من الأول، لكونه جهلين، والأول جهل واحد، وهو مرض مُزمِن، قلّ ما يقبل العلاج(5)، لأن صاحبه يعتقد أنه عِلْم، وكمال، لا جهل، ومرض.
-------------------
(1) عند أبي حنيفة وأبي يوسف رمحهما اللَّه تعالى. وعند محمد رحمه اللَّه: ردة الزوج طلاق، قياساً على إباء الزوج عن الإسلام. شط.
(2) كالبزازية، لمحمد بن محمد بن شهاب بن يوسف الكردي البريقيني، الخوارزمي، الشهير بالبزازي، وتسمى الوجيز، أو الفتاوى البزازية. المتوفى سنة (827 ه)، وكالخلاصة، خلاصة الفتاوى، لافتخار الدين طاهر بن أحمد بن عبد الرشيد، البخاري، المتوفى سنة (542 ه - 1147 م) وقاضجيان، والتاترخانية (انظر صفحة - 49 - 80 - ) وجامع الفتاوى، لأبي الوجاهة، عبد الرحمن بن عيسى بن مرشد، العمري، المعروف، بالمرشدي، المتوفى سنة (1037 ه - 1628 م) وغير ذلك، فإن فيها أمثلتها، وأعيان مسائلها. الفوائد، وفهرس المخطوطات، وشط.
(3) ط 1 - 435 - ه - ط 2 - 198 - .
(4) لأنها تنقاد إلى ما هي مأمورة بأن تنقاد له.
(5) روي أن سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام قال: (داويت الأكمه، والأبرص، وأحييت الموتى، وأما الجهل المركب، فقد أعياني دواؤه).شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في فضل العلم:.
مطلب في فضل العلم:
وضدّه: العلم، قال تعالى {قُلْ هَل يستوي الذين يَعْلمون، والذين لا يعلمون(1)؟}.
وفي البزازية(2): طلبُ العلم والفقه - إذا صحت النية - أفضلُ من جميع أفعال البِّر، وكذا الاشتغالُ بزيادة العلم إذا صحت النية.(1/103)
وهو أقسام: فرضٌ، وهو مقدارُ ما يحتاج إليه لإقامة الفرائض، ومعرفة الحق، والباطل، والحلال، والحرام، ومستحبٌّ، كتعلّم ما لا يحتاج إليه، لتعليم من يحتاج إليه، ومباحٌ، وهو الزيادة على ذلك للزينة، والكمال. ومكروهٌ، وهو: التعلّم ليباهي به العلماء، ويماريَ به السفهاء، ولذلك كَرّه الإمام (الأعظم أبو حنيفة النعمان رضي اللَّه تعالى(3) عنه) تَعَلّم الكلام، والمناظرةَ فيه، وراء قّدْر الحاجة(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في فضل العلم:.
وجدت الكلمات في الفص
3 - الثالث: حبُّ الرياسة الدنيوية، وهي مَلِك القلوب، وتسمى جاهاً، وشرفاً، وصيتاً، قال صلى اللَّه عليه وسلم "ما ذئبان جائعان، أُرسلا في غَنَم، بأفسدَ لها، من حرص المرءِ على المال والشرف، لدينه(5)".
وسببه ثلاثة:
أحدها: التوسل بالجاه، إلى ما حُرّم من مشتبهات النفس، ومراداتها(6)، وهذا حرام.
وثانيها: التوسل به إلى أخذ الحق، وتحصيل المرام المستحب، أو المباح، ورفعِ الظلم، والشواغل، والتفرغ للعبادة، أو التوسلِ إلى تنفيذ الحق، وإعزاز الدين، وإصلاح الخلق، بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فهذا: إن خلا عن المحظور، - كالرياء، والتلبيس_، وعن ترك الواجب، والسنة، فجائزٌ، بل مستحبٌّ(7)، وإلا فلا يجوز، لأنه يكون حينئذ لغرض محظور، والقصدُ الحسن مع ذلك لا تأثيرَ له، لأن النية الحسنة لا تؤثر في الْمُحَرّمات، والمكروهات.
وثالثهما: التلذذ به نفسِه، وظنُّه كمالاً، - كحبّ المال للتنعم - فإن خلا عن المحظور، فليس بحرام، ولكنه مذموم، لكون صاحبه مقصورَ الهم على مراعاة الخلق.(1/104)
وعلاجه: ان يعلم أنه ليس بكمال حقيقي، لفنائه، وكدورته، وأقوى الطرق في قطع الجاه: الاعتزالُ عن الناس إلى موضع الخمول. وأما الجاه بلا حُبٍ له، ولا حرصٍ عليه، للذة عاجلة، فليس بمذمومٍ، فأيُّ جاه أعظمُ من جاه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدين رضوان اللَّه عليهم!؟ فإنّ جاههم كان أعظَ جاه، ورفعتَهم أكملُ رفعة، ومقامَهم في الناس أعلى مقام، ولكنْ من غير حُبّ لذلك، ولا حرصٍ على حصوله، لأجل اللذة الدنيوية، ولا فرح به، وإنما كان ذلك لهم معونةً في نشر الدعوة إلى اللَّه تعالى، ونصرةِ الدين، وحماية الإسلام(8).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في فضل العلم:.
وجدت الكلمات في الفص
4 - الرابع: خوفُ الذمّ والتعيير، وسببه: التألم بشعور النقصان في النفس (وعدم ملك قلوب الناس).
وعلاجه: أن تُحضر في قلبك أن الذامّ: إن كان صادقاً، فقد عرّفني بنقصان نفسي، وذكّرني مقابحها، ونَبّهَنِي على عيبي لأحذرَ منه، فإن كان ممكن الزوال، فاجتهد في إزالته عنك، فهو نعمة توجب الفرحَ، والحبَّ، والثناء، والمكافأة لمعطيها، ولو(9) أراد قدحي وطعني، إذ نيّتُه لا تؤثّر فيها، ولا تخرجها من ان تنفع لي في الدنيا، والآخرة، بل تزيد تلك النعمةُ على نفعي، لصيرورة ذمّه لي حينئذ، لمزاً، أو غِيْبَة، فيكون مُهدياً إليّ بعض حسناته، أو منقذاً لي من بعض ذنوبي، فتضاعف النعمة، فأين الألم؟
وإن كان كاذباً في ذمّه لي، فقد بهتني، وأضرَّ نفسه، وحصل لي من الذم النعمةُ الثانية، بإهداء حسناته أكثر، وأعظم من الأول الذي كان فيه صادقاً، فالألم الحاصل للإنسان، من الذم الذي ناله من غيره، إنما يحصل لمن قَصَر نظره على طلب الدنيا، وأما طالب الآخرة، فالحاصل له الفرح والنشاط(10).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في فضل العلم:.
وجدت الكلمات في الفص(1/105)
5 - الخامس: حبُّ المدح، والثناء، وسببه: التلذذ بشعور النفس الكمالَ، فإن كان الكمال الذي شعرت به النفس دنيوياً - كالجاه، أو الرِّفعة، وكثرةِ الأموال، والخدم - فعلاجُه: بالأخبار الواردة في ذمّ الجاه، ومدحِ الخمول، وينظر في أحوال السلف، وإيثارهم ثواب الآخرة على زخرف الدنيا، وإنْ كان أخروياً، فعلاجُه: العلم، والعمل فقط، مع الإخلاص، والورع، فإنه بذلك يكشف عن عيوب نفسه، فلا يشعر بكمالٍ فيها أصلاً.
فينبغي أن لا يغتر الإنسان بمدح المادحين، ويقول إذا مدحوه: اللَّهم اجعلني خيراً مما يظنون، ولا توآخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون.
ثم اعلم أن المدح نفسه، جائز، بشروط خمسة:
الأول: أن لا يكون لنفسه.
والثاني: الاحتراز عن الإفراط، المؤدي إلى الكذب، والرياء.
والثالث: أن لا يكون الممدوح فاسقاً.
والرابع: أنْ يعلم انه لا يُحدث في الممدوح كِبْراً، أو عجباً، وغروراً.
والخامس: أن لا يكون المدح لغرض حرام، أو يكون مفضياً إلى فساد، مثلُ مدح حُسن شخص معين من المُرد، ومثل مدح الأمراء، والقضاة، ليتوسل به إلى المال الحرام، أو التسلط على الناس وظلمهم، ونحو ذلك من القصد السوء(11).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في فضل العلم:.
وجدت الكلمات في الفص
6 - السادس: اعتقاد البدعة، وهو: اعتقاد ما ليس بحقّ، انه حقّ(12) (إذا لم يكن موجباً للكفر، وإلا كان كفراً، فيدخل في الكفر) - كاعتقاد الفِرَق الضالة(13) - . وسببه: 1 - اتباعُ الهوى، 2 - والاعتماد على العقل(14)، 3 - والإعجاب بالرأي، 4 - والتقليدُ لغيره، من غير نظر، ولا بصير. وهي: أربعةُ أسباب موصلةٍ إلى اعتقاد البدعة. وقد أوصلت المبتدعةَ إلى اعتقاداتهم الفاسدة، فخالفوا بها أهل السنة، والجماعة.(1/106)
فإن قيل: كيف التطبيق بين قوله، عليه الصلاة والسلام "كلُّ بدعة ضلالة"، وبين قول الفقهاء: إن البدعة قد تكون مباحة (لا يثاب فاعلها، ولا يعاقب على تركها) - كاستعمال المُنْخل(15)، والمواظبة على أكل لُبّ الحنطة، والشِّبع منه(16) - ، وقد تكون مستحبة (يثاب فاعلها، ولا يعاقب على تركها)، - كبناء المنارة(17)، والمدارس(18)، وتصنيف الكتب - ، بل قد تكونُ واجبة (يثاب بفعلها، ويأثم على تركها، للقادر عليها)، - كَنَظْم الدلائل لردِّ شُبهه(19) الملاحدة ونحوهم، - ؟ قلنا: للبدعة معنيان: معنىً لغويٌّ عام، هو المُحْدَث مطلقاً، عادةً كان، أو عبادةً، لأنها اسم من الابتداع، بمعنى الإحداث، كالرفعة من الارتفاع، وهذه هي المقصود في عبارة الفقهاء، يعنون بها ما أُحدث بعد الصدّر الأول(20) مطلقاً(21)، ومعنى شرعيٌّ خاص (بالعبادة، والدين)، هو الزيادة في الدين، أو نقصانٌ منه، الحادثان بعد الصحابة (والتابعين، وتابعيهم رضي اللَّه عنهم)، بغير إذن من الشارع، لا قولاً، ولا فعلاً، ولا صريحاً، ولا إشارة، فلا تتناول العادات أصلاً، وهو: كلُّ أمر يُقصد به حصولُ غرض دنيوي - كالملابس المخترعة في هذا الزمان، والمساكن، والمآكل، والمشارب، مما اتخذه الناس أنواعاً منوعة - فلا يُسمى في الشرع بدعةً، لأنه ليس في الدين، وشرط البدعة في الشرع: أن تكون في الدين، بأن يتخذها فاعلُها طاعةً، يعبد اللَّه تعالى بها، فهذه - أي البدعة في الدين - هي: مراده صلى اللَّه عليه وسلم في الحديث المتقدم(22).
والبدعةُ (الشرعية) في الاعتقاد(23) هي المتبادرة من إطلاق البدعة، والمبتدع، فبعضُها كفر(24)، وبعضها ليست بكفر(25)، ولكنها أكبرُ من كل كبيرة في العمل، حتى القتل، والزنى، وليس فوقها إلا الكفرُ.
-------------------
(1) الزمر - 9 - .
(2) انظر حاشية رقم - 2 - صفحة - 93 - .
(3) انظر ترجمته في صفحة - 8 - .(1/107)
(4) ط 1 - 321 - 436 - م 2 - 507 - ق - 72 - و - 299 - .
(5) رواه الترمذي، والنسائي عن كعب بن مالك.
(6) كالاستطالة على مَنْ دونه، والترفع على ضعفاء الدنيا، ونيل الأموال الكثيرة من غير حلها، وإيقاع الهيبة، والخوف، في قلوب الناس، ونحو ذلك.شط.
(7) قال اللَّه تعالى، حكاية عن العباد الصالحين: {واجعلنا للمتقين إماماً}، الفرقان - 74 - أي يقتدون بنا فيما فيه التقوى، فإن منصب الإمامة رياسة، وجاه، ورفعة. وحيث خلا من صد فاسد، كان طاعة، فصحَّ طلبه، وساغ لهم دعاء اللَّه تعالى في تحصيله - شط - .
(8) ط 1 - 441 - .
(9) (ولو) وصلية أي ولو أراد ذلك الذام قدحي.
(10) ط 1 - 445 - .
(11) ط 1 - 447 - 2 - 270 - 4 - 67 - .
(12) وقد عرّفها بعض الشعراء بقوله: (من الرجز).
يُثْبتُ حُكماً - ليس فيه - فيه * وحكَم آيٍ أُحْكِمَتْ يَنْفِيه
(13) انظر - في الحديث عن الفرق الضالة - صفحة - 348 - .
(14) ولهذا صنف الحديث الفلاسفة علم المنطق، ليضبطوا قواعد المعقولات، لأن اعتمادهم على العقل. ولم يجنح الشرعيون إلى تلك القواعد المنطقية، لاتباعهم للشرع، دون العقل.شط.
(15) لأن السلف، رضي اللَّه عنهم، كانوا لا يكثرون نخل الدقيق، بل يأكلون الخبز غير منخول. وإنما كثر النخل بعد ذلك، في الخلف.شط.
(16) قال في شرعة الإسلام: أول بدعة حدثت في الإسلام: الشبع، وهذه المناخل، ولم ير نبينا صلى اللَّه عليه وسلم، نقياً، ولا منخلاً. أي لم ير دقيقاً منقى من النخالة. (والشرعة: لركن الإسلام محمد بن أبي بكر الجوفي، البخاري، المعروف بإمام زاده، المتوفى سنة (573 ه - 1177 م).
وهو عقود من سنن سيد المرسلين صلى اللَّه عليه وسلم، مرتب على (61) فصلاً، وهو أول ما يلقن به أطفال أهل الإيمان.شط - وفهرس مخطوطات الفقه الحنفي.(1/108)
(17) الأصل: منورة: موضع النور. والمراد: المئذنة، موضع الآذان - بالكسر - روى أبو داود، من حديث عروة بن الزبير، عن امرأة من بني النجار (أم زيد بن ثابت، في رواية ابن سعد)، قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يأتي بسحر، فيجلس عليه، ينظر إلى الفجر، فإذا رآه أذّن. وفي رواية ابن سعد: فكان بلال يؤذن فوقه، من أول ما أذن، إلى أن بنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسجده، فكان يؤذن، بعد ذلك، على ظهر المسجد، وقد رُفع له شيء فوق ظهره. وفي وسائل الاسيوطي، إن أول من رقي منارة مصر للأذان، شرحبيل بن عامر المرادي، الصحابي (هاجر إلى الحبشة، وغزا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأوفده رسولاً إلى مصر، توفي بطاعون عِمواس، وهي بلدة في سهل فلسطين، حدث فيها الطاعون المذكور، ومات فيه نحو (25) ألفاً، منهم: أبو عبيدة، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان). شط - أعلام - إصابة - منجد.
(18) جمع مدرسة، وهي موضع الدراسة، وهي القراءة، والمراد: الموضع الذي بُني لدراسة العلم مع الطلبة، أو دراسة القرآن.شط.
(19) جمع شبهة، وهي ما يشبه الدليل في العقائد، وليس بدليل.
(20) وهم السلف المتقدمون في زمن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، والصحابة، رضي اللَّه عنهم أجمعين، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين، من بعدي"، وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي اللَّه عنهم، فما حدث في زمانهم فليس بدعة. والبدعة: ما حدث بعد زمان التابعين، وتابعيهم.شط.
(21) سواء كان في العبادة، والدين، أو غير ذلك.شط.(1/109)
(22) وهو "كلُّ مَحدث بدعة، وكل بدعة ضلالة" يعني: كل مُحدث - في الشرع - بدعة، وكل بدعة - في الشرع - ضلالة. المراد: كلُّ بدعة - في الشرع - ليس فيها إعانة على الطاعة الشرعية، بأن كانت بدعة سيئة. وأما البدعة - في الشرع - إذا كان فيها إعانة على طاعة شرعية، فإنها تكون بإذن من الشارع، ولو بطريق الإشارة، كما تقدم، فهي بدعة حسنة، فلا تدخل تحت: كلُّ بدعة - في الشرع - ضلالة. فعُلم - بذلك - أن البدعة - في الشرع - غير شاملة للبدع في العادات، بدليل قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "أنتم اعلم بأمر دنياكم".شط.
(23) كاعتقادات القدرية، والجبرية، وبقية الفرق الضالة، وأتباعهم.شط. وانظر صفحة - 348 - من هذا الكتاب.
(24) كجحود حشر الأجساد، ونفي الصفات الإلهية، والقول بقدِم العالم.شط.
(25) كجحود سؤال القبر، وخبر المعراج.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في اعتقاد أهل السُّنة، والجماعة:.
مطلب في اعتقاد أهل السُّنة، والجماعة:
وضدُّ هذه البدعة: اعتقادُ أهل السنة، والجماعة، وهو: ما كان عليه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - وأصحابُه الكرام، وهو: ما عليه السواد الأعظم، من المسلمين في كل زمان، وهم الجماعة، والطائفة الظاهرون على الحق، والفرقة الناجية، من ثلاث وسبعين فرقة.
والبدعة في العبادة: وإنْ كانت دون البدعة في الاعتقاد، ولكنها منكر، وضلالة، لا سيما إذا صادمت سنةً مؤكدة. ومقابلُ هذه البدعة (التي في العبادة): سنُّة الهدى(1)، وهي ما واظب عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم، من جنس العبادة(2) مع الترك أحياناً، وعدم الإنكار على تاركه - كالاعتكاف - .(1/110)
وأما البدعة في العادة - كالمُنْخل للدقيق، والملعقة للأكل، ونحو ذلك - فليس فعلها ضلالةً، بل تركها أولى، وضدّها: السنة الزائدة(3)، وهي: ما واظب عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم من جنس العادة(4)، كالابتداء باليمين في الأفعال الشريفة(5)، وباليسار في الأفعال الخسيسة، فهي مستحبة، فظهر أن البدعة بالمعنى الأعم(6): ثلاثة أصناف مرتبة في القُبح، فأعظمها قبحاً: البدعة في الاعتقاد، ثم البدعة في العبادة، ثم البدعة في العادة، فإذا علمت هذا، فالمنارة عونٌ لإعلام وقت الصلاة، المراد من الأذان، والمدارسُ، وتصنيفُ الكتب عونٌ للتعليم، والتبليغ، وردِّ المبتدعة، بنظم الدلائل، ونهي عن المنكر، وذبٌّ عن الدين، فكلٌّ مأذون فيه، بل مأمور به(7). وعدمُ وقوعه في الصدر الأول: إما لعدم الاحتياج(8)، أو لعدم التفرغ له، بالاشتغال بالأهمِّ(9)، ونحو ذلك. ولو تتبعت كل ما قيل فيه بدعةٌ حسنة من جنس العبادة، وجدته مأذوناً فيه من الشارع، إشارةً، أو دلالةً(10).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في اعتقاد أهل السُّنة، والجماعة:.
وجدت الكلمات في الفص
7 - السابع: اتباع الهوى، وهو الميل النفساني، قال اللَّه تعالى {ولا تتبعِ الهوى، فيُضلَّك عن سبيل اللَّه(11)}، والنفس - بالطبع - ميّالة إلى الشر، أمّارة بالسوء، فاتباع هواها يُردي، ويُهلك لا محالة، أمّا في غير المباحات (كالمحرّمات والمكروهات) فظاهر، وأمّا فيها، فبعد كونه صفة بهيمية، وركوناً إلى الدنيا الدّنية، وشغلاً شاغلاً عن الطاعة، وعن زاد الآخرة (فهو) مفض إلى المحظور، وجارٌّ إلى الشرور، ومؤدٍ إلى الفجور، وحمى للحرام، ومأوى للآلام، والآثام، وصاحبُه خسيس دنيء، لئيم، رذيل، بل هو لخنزير الشهوة خادم مطيع، وعبد ذليل(12).
-------------------
(1) وهي لتكميل الدين - شط - .(1/111)
(2) ليخرج ما واظب عليه من العبادات، من غير أن يقصد عبادة اللَّه تعالى به، فإنه ليس بسنة هدى، بل هو من الزوائد، كالمشي، والقعود. - شط - .
(3) ومعنى زيادتها: كونها ليست لتكميل الدين. - شط - .
(4) حيث لم يقصد به العبادة، ليكون تكميلاً للدين. - شط - .
(5) لما روي أنه عليه الصلاة والسلام، كان يحب التيامن في تنعله، وترجُّله، وطهوره، وفي شأنه كله. قال القرطبي في شرح مسلم: كان ذلك منه تبركاً باسم اليمن، لإضافة الخير إليها، كما قال تعالى: {وأصحاب اليمين، ما أصحاب اليمين} (الواقعة:27) و {وناديناه من جانب الطور الأيمن} مريم: 52 ولما فيه من اليمن، والبركة، وهو من باب التفاؤل - شط - . والقرطبي محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح، الأنصاري، الخزرجي الأندلسي، أبو عبد اللَّه، من كبار المفسرين، صالح، متعبد، من أهل قرطبة، رحل إلى الشرق، واستقر بمنية ابن خصيب (في شمال أسيوط، بمصر) وتوفي سنة (671 ه - 1273 م). من كتبه: الجامع لأحكام القرآن في عشرين جزءاً، المعروف بتفسير القرطبي. أعلام.
(6) وهو ما تقدم من المعنى اللغوي العام، الذي هو مطلق الابتداع، والاختراع، سواء كان في العادة، أو في العبادة - شط - .
(7) من الشارع، ولو على طريق العموم، كما قال تعالى: {حافظوا على الصلوات} البقرة: 238 و {لا تقولوا على اللَّه إلا الحق} النساء:171 - ، فبناء المدرسة، والمنارة، من جملة المحافظة على الصلوات. وتصنيف الكتب، ونظم الدلائل من جملة قول الحق على اللَّه تعالى. شط.
(8) لاستغنائهم (بكثرة الاجتهاد، والمجتهدين) عن تدوين العلوم، (وبسهولة مراجعة الثقات من أئمة الدين) عن تصنيف الكتب، (وبقلة المخالفين) عن نظم الدلائل.شط.(1/112)
(9) من قتال الكفار، وفتح البلاد، وتمهيد القواعد الإسلامية، والقوانين الإيمانية بين العباد، والمحافظة على فعل السنة النبوية، والسيرة المحمدية، والقيام بها، في الأحوال كلها، صوناً لها من الضياع، والابتذال.شط.
(10) ط 1 - 127 - و - 452 - و 2 - 1 - 3 - .
(11) سورة - ص 26.
(12) قال الشاعر (من الكامل):
نون الهوان من الهوى مسروقةٌ * فصريع كل هوى، صريع هوان
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المجاهدة:.
مطلب في المجاهدة:
وضده: المجاهدة، وهي: فطمُ النفس(1)، وحملها على خلاف هواها، فهي بضاعة العُبّاد، ورأس مال الزُّهاد، ومدارُ صلاح النفوس، وتذليلها، وملاك تقوية الأرواح وتصفيتها، ووصولها.
فعليك - أيها السالك - بالتشمير في منع النفس عن الهوى، وحملها على المجاهدة، إن شئت من اللَّه الهدى، قال اللَّه تعالى، {والذين جاهدُوا فِيْنَا لَنَهْدِيَنّهم سُبُلَنَا(2)}.
ثم اعلم أن المذموم، في اتباع الهوى في المباحات: الإصرارُ عليه (بالدوام، والاستمرار) إذ طبع البشر لا يتحمل المخالفة (لحظوظ نفسه) الكلية، ولأنه يؤدي إلى الغلو، والإفراط، ويورث الملالة، والسآمة، المؤدية إلى عدم المداومة على الطاعة، ولهذا قال صلى اللَّه عليه وسلم: "يا أيُّها الناس، خذوا من الأعمال ما تُطيقون، فإن اللَّه لا يملُّ حتى تَمَلّوا، وإن أحبَّ الأعمال إلى اللَّه ما دامَ وإن قلَّ"(3).
فحينئذٍ لا بدّ أحياناً أن يتناول البعدُ من المشتهيات المباحات، استراحةً من التعب، وتحرزاً عن السآمة، وتحريكاً للنشاط على العبادة، خصوصاً من ابتُلي بالوسواس، فإن علاجه الشهواتُ المباحة(4).(1/113)
قال الإمام الغزالي (رحمه اللَّه تعالى)(5): لو سكن نشاطُه، وضعفت رغبته، وعلم أن الترفّه بالنوم، أو الحديث، أو المزاح في ساعة، يردُّ نشاطَه، فذلك أفضل له، من أداء الصلاة مع الملال. ففي الحقيقة هذا هو الاتباعُ للشرع، لا للَّهوى المحض(6).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المجاهدة:.
وجدت الكلمات في الفص
8 - الثامن: التقليد، وهو: الاقتداء في العمل، أو القول، أو الاعتقاد، وبمجرد حسن الظن من غير حجةٍ وتحقيق(7). وذا لا يجوز في العقائد، بل لا بدّ من نظر واستدلال، ولو على طريق الإجمال، قال اللَّه تعالى {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ}(8).
والآياتُ فيه - أي في التقليد، وفي ذمّ المقلدين في الاعتقاد - كثيرةٌ جداً، والإجماعُ منعقد عليه، فالمقلّد في الاعتقاد آثم، وإن كان إيمانه صحيحاً عندنا، وأما التقليدُ في الأعمال، فجائز، لمن كان عدلاً مجتهداً. ولكن لّما انقطع الاجتهاد منذ زمن طويل، لعدم توفر شروطه، انحصر طريق معرفة مذهب المجتهد في نقل كتاب معتبر، متداوّل بين العلماء الثقات، لمن قدر على مطالعته واستخراجه، وفي إخبار عدل موثوقٍ به، في علمه، وعمله، فلا يجوز العملُ بكل كتاب، ولا بقول كلّ من تزيى بزي العلماء، فلا بدّ مع العلم من التقوى. ولا يلزمه أن يُقلد مجتهداً مخصوصاً، بل يجوز له تقليد مَنْ شاء من الأئمة الأربعة، في كل حادثة تقع له، من غير تلفيق، لتواتر مذاهبهم الآن.
-------------------
(1) أي قطعها عن جميع المألوفات، مما اعتادت عليه، فاستلذت به، من كل أمر دنيوي.شط.
(2) العنكبوت - 69 - .
(3) رواه البخاري ومسلم، عن عائشة.(1/114)
(4) قال العارف باللَّه الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، رضي اللَّه عنه، في شجون المسجون: الشهوة تطفئ نار الفكرة الردية، كما تطفئ نور الفكرة الصالحة، فاجتنبها داءً، واستعملها دواءً.شط. وابن عربي: محمد بن علي بن محمد، أبو بكر الحاتمي، الطائي، الأندلس، فيلسوف، من أئمة المتكلمين في كل علم. ولد بمرسية (في الأندلس) عام: (560 ه - 1165 م)، وانتقل لإشبيلية، وقام برحلة، فزار الشام، وبلاد الروم، والعراق، والحجاز، واستقر في دمشق، توفي فيها سنة (638 ه - 124 - م). له نحو أربعمائة كتاب، ورسالة. أعلام.
(5) محمد بن محمد بن محمد الغزالي، الطوسي، أبو حامد، حجة الإسلام، فيلسوف، متصوف، له نحو مائتي مصنف. ولد عام (450 ه - 1058 م) في الطابران (قصبة طوس بخراسان)، رحل إلى نيسابور، ثم إلى بغداد، فالحجاز، فبلاد الشام، فمصر، ثم عاد إلى بلدته، توفي سنة (505 ه - 1111 م). نسبته إلى صناعة الغزل، أو إلى غزالة (من قرى طوس).أعلام.
(6) ط 1 - 453 -
(7) في نفسه، أي بصيرة كاشفة عن صدق ذلك الغير، فيما قلده فيه. ومتى وجد - في العبد - دليل، أو كشف قلبي على صحة ما فيه الغير من المعاملة، فتبعه فيها، فهو على بصيرة من أمره، لا مقلد لغيره، بل مرافق لذلك الغير في السير في طريق اللَّه تعالى.شط.
(8) يونس: 101.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المجاهدة:.
وجدت الكلمات في الفص
8 - الثامن: التقليد، وهو: الاقتداء في العمل، أو القول، أو الاعتقاد، وبمجرد حسن الظن من غير حجةٍ وتحقيق(7). وذا لا يجوز في العقائد، بل لا بدّ من نظر واستدلال، ولو على طريق الإجمال، قال اللَّه تعالى {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ}(8).(1/115)
والآياتُ فيه - أي في التقليد، وفي ذمّ المقلدين في الاعتقاد - كثيرةٌ جداً، والإجماعُ منعقد عليه، فالمقلّد في الاعتقاد آثم، وإن كان إيمانه صحيحاً عندنا، وأما التقليدُ في الأعمال، فجائز، لمن كان عدلاً مجتهداً. ولكن لّما انقطع الاجتهاد منذ زمن طويل، لعدم توفر شروطه، انحصر طريق معرفة مذهب المجتهد في نقل كتاب معتبر، متداوّل بين العلماء الثقات، لمن قدر على مطالعته واستخراجه، وفي إخبار عدل موثوقٍ به، في علمه، وعمله، فلا يجوز العملُ بكل كتاب، ولا بقول كلّ من تزيى بزي العلماء، فلا بدّ مع العلم من التقوى. ولا يلزمه أن يُقلد مجتهداً مخصوصاً، بل يجوز له تقليد مَنْ شاء من الأئمة الأربعة، في كل حادثة تقع له، من غير تلفيق، لتواتر مذاهبهم الآن.
-------------------
(1) أي قطعها عن جميع المألوفات، مما اعتادت عليه، فاستلذت به، من كل أمر دنيوي.شط.
(2) العنكبوت - 69 - .
(3) رواه البخاري ومسلم، عن عائشة.
(4) قال العارف باللَّه الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، رضي اللَّه عنه، في شجون المسجون: الشهوة تطفئ نار الفكرة الردية، كما تطفئ نور الفكرة الصالحة، فاجتنبها داءً، واستعملها دواءً.شط. وابن عربي: محمد بن علي بن محمد، أبو بكر الحاتمي، الطائي، الأندلس، فيلسوف، من أئمة المتكلمين في كل علم. ولد بمرسية (في الأندلس) عام: (560 ه - 1165 م)، وانتقل لإشبيلية، وقام برحلة، فزار الشام، وبلاد الروم، والعراق، والحجاز، واستقر في دمشق، توفي فيها سنة (638 ه - 124 - م). له نحو أربعمائة كتاب، ورسالة. أعلام.
(5) محمد بن محمد بن محمد الغزالي، الطوسي، أبو حامد، حجة الإسلام، فيلسوف، متصوف، له نحو مائتي مصنف. ولد عام (450 ه - 1058 م) في الطابران (قصبة طوس بخراسان)، رحل إلى نيسابور، ثم إلى بغداد، فالحجاز، فبلاد الشام، فمصر، ثم عاد إلى بلدته، توفي سنة (505 ه - 1111 م). نسبته إلى صناعة الغزل، أو إلى غزالة (من قرى طوس).أعلام.(1/116)
(6) ط 1 - 453 -
(7) في نفسه، أي بصيرة كاشفة عن صدق ذلك الغير، فيما قلده فيه. ومتى وجد - في العبد - دليل، أو كشف قلبي على صحة ما فيه الغير من المعاملة، فتبعه فيها، فهو على بصيرة من أمره، لا مقلد لغيره، بل مرافق لذلك الغير في السير في طريق اللَّه تعالى.شط.
(8) يونس: 101.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: الحكمُ الملفق:.
وجدت الكلمات في الفص
9 - التاسع: الرياء، وهو: إرادةُ نفع الدنيا، بعمل الآخرة، وضدّه: الإخلاص، وهو: تجريد قصد التقرب - إلى اللَّه تعالى، بالطاعة - عن نفع الدنيا، قال اللَّه تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّه، مُخْلِصِين لَهُ الدِّينَ}(3).
وقد يطلق الرياء على حُبّ المنزلة، وقصدِها في قلوب الناس بأعمال الدنيا، فيرائي العبدُ ببدنه، وبِزِيِّه، وبقوله، وبعمله، وبغيره (من الصحب، والقرابة)، وهذا رياءُ أهل الدنيا(4). والأول - وهو إرادة نفع الدنيا، بعمل الآخرة - رياء أهل الدّين. وإنْ كان إعلامُ الغير، باعثاً على مجرد على الإظهار للاقتداء، ونحوِه من النية الصالحة، لا على نفس العمل، فليس برياء. ومهما لم يكن وجودُ العبادة كعدمها - فيما يتعلق بالخلق - لم يكن خالياً عن شوبٍ خفيٍّ من الرياء، ومهما أدركتِ النفس تفرقةً بين أن يطلّع على عبادته إنسان أو بهيمة، ففيه شعبة من الرياء، فليكن العبد على حذَر من التلبيس عليه، في أحواله، وأعماله، فإن الناقد بصيرٌ، لا يخفى عليه قليل، ولا كثير.
-------------------
(1) ومعلوم أن نزول الدم ناقض للوضوء عند السادة الحنفية، على التفصيل في ذلك، ومس المرأة مفسد للوضوء عند السادة الشافعية.
(2) ع 1 - 51، ط 1 - 459 - .
(3) البينة:5.(1/117)
(4) وهو مذموم أيضاً، لأنه يجرّ إلى الرياء بالدين. فلا يزال العبد يلبس الثياب الفاخرة، ليظهر لغيره أنه غني، ونحو ذلك، مما لا دخل فيه للدين، وإنما هو رياء بالدنيا، للدنيا، شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
(مطلب في بيان أحكام الرياء، وما هو مذموم شرعاً، وما هو غير مذموم):.
(مطلب في بيان أحكام الرياء، وما هو مذموم شرعاً، وما هو غير مذموم):
واعلم أن الرياء بعمل الدنيا لا يحرم، إنْ خلا عن التلبيس، والتزوير، ولم يتوسل به إلى المنهي عنه، ولكن: إنْ كان للحظ العاجل، فمذموم(1)، وإلاّ فمستحب.
وأما الرياء بالعبادة، فحرام كلُّه إجماعاً، بل إن كان في أصل العبادة(2) - كمن يصلي الفرضَ، عند الناس، ولا يصلي في الخلوة - فَكُفْر عند البعض(3)، وأما لو عرض له ذلك في أثنائها، فهو لغو، لأنه لم يصلِّ لأجلهم، بل صلاته خالصة للَّه تعالى، والجزءُ الذي عرض له فيه الرياء: بعضُ تلك الصلاة الخالصة. نعم إن زاد في تحسينها بعد ذلك، فيسقط ثواب التحسين، وهذا في أصل الفرض، لأن الرياء لا يدخل في شئ من الفرائض في حق سقوط الفرض، ولكنه يأثم به، لأنه حرام من الكبائر، ولا يستحق ثوابَ المضاعفة، ولا يُعاقب على تلك الصلاةِ عقابَ تارك الفرض، لأنها صحيحة، مسقطة للفرض، وأما في النفل، فإنه يُحبط ثوابَها أصلاً، كأنه لم يصلِّها، فإذا صلّى سنة الظهر - مثلاً - رياءً، ولولا الناس لا يصليها، فبكونُ في حكم تاركها، بخلاف الفرض كما علمت.
ولا يدخل الرّياءُ في الصوم، لأنه لا يُرى، إذ هو إمساكٌ خاصٌّ، لا فعل فيه، نعم قد يدخل الرياء بإخباره وتحدُّثهِ به.
-------------------
(1) كقوله تعالى، في حق الكافرين: {وَقَالُوا: رَبَّنَا لَنَّا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} ص:16 أي عجل لنا قسطنا، وما قسم لنا من العذاب عاجلاً.
(2) أي وجودها، لا في تحسينها.شط.(1/118)
(3) كما ذهب إليه الفقيه أبو الليث السمرقندي، حيث جعله منافقاً تاماً، في الدرك الأسفل من النار. (وأبو الليث نصر بن محمد، بن أحمد بن إبراهيم الفقيه، المشهور بإمام الهدى. أخذ عن أبي جعفر الهنداوي، عن أبي القاسم الصفّار، عن نصير بن يحيى، عن محمد بن سماعة، عن أبي يوسف. له تفسير القرآن، والنوازل، والعيون، والفتاوى، وخزانة الفقه، وبستان العارفين، وشرح الجامع الصغير، وتنبيه الغافلين. توفي سنة (393 ه). الفوائد البهية.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب فيمن نوى الحج، والتجارة:.
مطلب فيمن نوى الحج، والتجارة:
مَنْ نوى الحج، والتجارة، لا ثواب له، إن كانت نية التجارة غالبةً، أو مساويةً. إذا سعى لإقامة الجمعة، وحوائجَ له في المصر: فإن معظمُ مقصوده الأولَ، فله ثواب السعي إلى الجمعة، وإنِ الثانيَ فلا. وإن تساويا تساقطا(1).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب فيمن نوى الحج، والتجارة:.
وجدت الكلمات في الفص
10 - العاشر: الأمل، وهو: إرادةُ الحياة للوقت المتراخي بالحكم، (وهو القضاء السابق، بمقدار العمر في الدنيا)، أعني بلا استثناء(2)، ولا شرطِصلاح.
وغوائله: الكسل في الطاعة، وتأخيرُها، وتسويف التوبة، وتركها، وقسوةُ القلب، بعدم ذكر الموت، وما بعده، والحرصُ على جمع الدنيا، والاشتغالُ بها عن الآخرة، فلا يزال الآمل يشتغل بجمع الدنيا، وتكثيرها خوفاً من الشيخوخة، والمرض ونحوهما. فمنهم من يُهيئ كفايةَ عشر سنين، ومنهم خمسين سنة، ومنهم أكثر، ومنهم أقل.
-------------------
(1) ط 1 - 461 - ه - 211 -
(2) أي بلا قول إن شاء اللَّه تعالى، فإنه يصير دعاء حينئذٍ. وقوله: ولا شرط صلاح - أي نية فعل خير في المستقبل. ولهذا قالوا: الأمل مذموم، إلا للعلماء، فلولاه ما صنفوا.شط.
-------------------
*** : ***(1/119)
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: مَنْ أعَدّ كفاية سنةٍ لعياله لا يُلام:.
مطلب: مَنْ أعَدّ كفاية سنةٍ لعياله لا يُلام:
قال مشايخ الصوفية (رضوان اللَّه تعالى عليهم): من اعَدّ كفايةَ سنة (لنفسه، و) لعياله، لا يُلام، ولا يَخرج عن التوكل، لما روي أن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، "ادّخر لأزواجه قوتَ سنة"، فلذا قال بعض الفقهاء: إنّه من الحوائج الأصلية(1). وأما مَنْ لا عيال له، فله أنْ يدّخر قوتَ أربعين يوماً. وأما إرادة طول الحياة بالاستثناء، وشرط الصلاح لزيادة العبادة، فليس بأملٍ مذموم، بل هو مندوب إليه(2).
وسببُ الأمل: 1 - حبُّ الدنيا، 2 - والغفلةُ عن قرب الموت، 3 - والاغترارُ بالصحة والشباب. ومن أقوى علاجه: المداومةُ على ذكرِ الموت، واستماعُ ما ورد في ذلك. ثم اعلم أن الأمل: إن كان للتلذذ بالمحرمات فحرام، وإلاّ فليس بحرام، ولكنه مذموم جداً للآفات المذكورة(3).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: مَنْ أعَدّ كفاية سنةٍ لعياله لا يُلام:.
وجدت الكلمات في الفص
11 - الحادي عشر: الطمع، وهو: إرادة الحرام الْمُلذ، أو الشئ المخاطِر، أعني (النوافلَ من العبادات، إذا كانت موصلة إلى العجب، والتكبر، فيمن لم يوفق، و) المباحاتِ من أمور الدنيا، لإيصالها إلى نسيان الآخرة، فطمعُ الحرام حرام، وطمعُ المخاطِر ليس بحرام، ولكنه مذموم جداً، لأنه ربما أوصل إلى الحرام. وأقبح الطمع: الطمعُ (في تحصيلٍ) من الناس، وهو ذل ينشأ من الْحِرْص والْبَطالة(4)، والجهلِ بحكمةِ اللَّه تعالى في الحاجة إلى التعاون.
-------------------
(1) وذلك لا يعتبر من الغنى المانع من اخذ الزكاة، ونحوه. وإن كان الأصح ان ما زاد على قوت شهر من المال المدخر، يعتبر في حصول الغنى، فلا يجوز له أخذ الزكاة، ونحوها.شط.(1/120)
(2) لما روى الترمذي، عن أبي بكرة، رضي اللَّه عنه، أن رجلاً قال: يا رسول اللَّه، أي الناس خير؟ قال: "من طال عمره، وحسن عمله". قال: فأي الناس شر؟ قال: "من طال عمره، وساء عمله".شط.
(3) ط 1 - 483 -
(4) أي عدم اشتغال القلب، بخدمة المولى سبحانه.شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في التفويض:.
مطلب في التفويض:
وضدُّه الطمع: التفويض، وهو: إرادةُ أن يحفظَ اللَّه عليك مصالحك (كلها الدنيوية، والأخروية) فيما لا تأمن فيه الخطر، فإنْ كان فيه(1) صلاحُك، يَسّرك اللَّه، وإلاّ منعك، قال اللَّه تعالى حكايةً عن مؤمن آل فرعون(2): {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّه، إنَّ اللَّه بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ. فَوَقَاهُ اللَّه سَيئاتِ مَا مَكَرُوا}(3)، انظر كيف عَقّب اللَّه سبحانه التفويضَ بالوقاية. وهو(1) مقام شريف، يدل على حُسْنه النقلُ، والعقل، أيضاً، فإن العبد العاجز لا يليق به إلاّ التسليم، وإيكال الأمور كلها إلى مولاه القادر تبارك وتعالى.
واعلم أنّ الطمع المذموم في الشرع: هو الطمع في الدنيا، وشهواتها، لإيصالها إلى نسيان الآخرة، عن سعد بن أبي وقاص(4) رضي اللَّه عنه، أنه جاء رجلٌ إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، أوصني، قال: "عليك بالإياسِ مما في أيْدي النّاس، وإيّاكَ والطمعَ، فإنّه الفقرُ الحاضرُ، وصَلِّ صلاةَ مُوَدِّع، وإياك وما يُعْتَذَرُ منه"(5).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في التفويض:.
وجدت الكلمات في الفص
12 - الثاني عشر: الْكِبْر، وهو الاسترواح(6)، والركونُ إلى رؤية النفس، فوق المتكَبَّر عليه، فلا بدّ منه(7)، بخلاف الْعُجب، فإنه لا يحتاج إلى مَنْ يَعْجب عليه، حتى يُسمى عجباً.(1/121)
والْكِبْر حرام، ورذيلة عظيمة من العباد(8)، وهو سُنّة إبليس اللعين، ومن أشرّ الأخلاق المذمومة، وصاحبهُ منازع للَّه تعالى في كبريائه، وعظمته، وهو:
-إنْ كان في الظاهر يسمى تكبراً - وفي الباطن يُسمى كِبْراً. عن ابن مسعود(9) رضي اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "لا يدخلُ الجنّة مَنْ كان في قلبه مثقالُ ذَرّةٍ من كِبْر"(10)، فقال رجلٌ: إنّ الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسناً(11) قال: "إنّ اللَّه جميلٌ يحب الجمال"(12).
الْكِبْر: بطرُ الحق، وغَمْط الناس(13)، وسبب الْكِبر - في الحقيقة - : الجهل، فعلاجه: إزالة سببه، والاستكبارُ يختص بالباطل، فلذا لا يوصف اللَّه تعالى به، وإنما يُوصف به المخلوق، لأن تكبره تعالى بحقٍّ، دون ما عداه(14). والتكبر حرام، إلاّ على المتكبِّر، فإنه قد ورد فيه أنه صدقة(15)، وعند القتال، وعند الصدقة، لما جاء: "فأمّا الخيلاء التي يحب اللَّه تعالى: فاختيال الرجل نفسَه، عند القتال، واختيالهُ عند الصدقة(16)". ولعل المراد بالاختيال عند الصدقة: إظهارُ الغنى، ليقصده الفقراء بنشاطٍ، وأمنٍ، من المنّ والأذى.
واعلم أن الكبر قد يخفى على صاحبه حتى يَظُنُّ انه بريء منه، فلا بدّ من بيان أخلاق المتكبرين، حتى يَعْرض كلُّ إنسان نفسه عليها، فيميّزَ الخبيثَ من الطيب.
-------------------
(1) أي التفويض.
(2) وهو إسرائيلي، ابن عم فرعون، قبطي، يخفي إيمانه عن فرعون، أو غريب موحّد. وقيل: موسى، كما أشار إليه البيضاوي. والفراعنة ثلاثة: فرعون الخليل، واسمه: سنان، وفرعون يوسف، واسمه: الريان، وفرعون موسى: واسمه: الوليد بن مصعب.شط. انظر صفحة - 186 -
(3) (سورة غافر: 44 - 45).(1/122)
(4) ابن مالك بن أهيب بن عبد مناف القرشي، الزهري، أبو إسحاق، الصحابي الأمير، فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، والذين عينهم عمر، حين اغتيل للخلافة. يقال له: فارس الإسلام، أسلم وهو ابن سبع عشرة سنة، وشهد بدراً، افتتح القادسية. نزل الكوفة، وابتنى فيها داراً، فكثرت الدور فيها، وظل والياً عليها مدة خلافة عمر، وطرفاً من خلافة عثمان. قصير (دحداح)، ذو هامة، شثن الأصابع (ممتلئة لحماً)، جعد الشعر. ولد عام (23 ق.ه - 603 م) توفي في قصره بالعقيق (على عشرة أميال من المدينة) سنة (55 - ه - 675 م)، وحمل إليها، له في الصحيحين - 271 - حديثاً.أعلام.
(5) رواه البيهقي، والحاكم - ط 1 - 494 -
(6) أي طلب الراحة، وتحصيل النشاط.شط.
(7) أي لا بدّ في الكبر من وجود المتكبَّر عليه.شط.
(8) وأما الكبر من اللَّه تعالى، الخالق، فهو صفة كمال، فهو الخالق البارئ، المتكبر.شط.
(9) انظر ترجمته في صفحة - 18 -
(10) وفي معنى الحديث قالوا: إن كان كبره عن قبول الحق، الواجب قبوله، فهو وعيد للكافر، لعدم قبوله الإيمان، بأن جحد شيئاً مما يجب الإيمان به. وإن تكبّر على أبناء جنسه، فالمراد بعدم دخوله الجنة: عدم دخولها مع السابقين الأولين، بدون العذاب في النار.شط.
(11) أي فهل يعتبر هذا من الكبر؟ شط.
(12) رواه مسلم، والترمذي.شط.
(13) غمط كضرب، وسمع: استحقر الناس.شط.
(14) قال النجم الغزي في - حسن التنبّه - : المتكبر هو الذي يرى الكل حقيراً، بالإضافة إلى ذاته، ولا يرى الكبرياء إلاّ لنفسه. فإذا كانت الرؤية صادقة، كان التكبر حقاً، ولا يتصور ذلك - على الإطلاق - لغير اللَّه تعالى. وإن كانت الرؤية كاذبة، كان التكبر باطلاً، وهو التكبر المذموم - شط. وانظر ترجمة النجم في صفحة - 32 - .
(15) قال العارف محمد مهدي الصيادي، الشهير بالرواس، رضي اللَّه عنه (من الطويل):(1/123)
تواضعْ إذا ألفيت ربّ تواضعٍ * وقابلْ بكبر القلب للمتكبر.
والرواس: محمد مهدي بن علي الرفاعي، الحسيني، الصيادي، بهاء الدين، متصوف عراقي، ولد في سوق الشيوخ، من أعمال البصرة عام (1220 ه - 1805 م)، وانتقل إلى الحجاز في صباه، فجاور بمكة سنة، وبالمدينة سنتين، ورحل إلى مصر سنة (1238 ه) وقام برحلة إلى إيران، والسند، والهند، والصين، وكردستان، والأناضول، وسورية. توفي ببغداد سنة (1287 ه - 1870 م). من آثاره: الحكم المهدوية - ورفرف العناية - وديوان مشكاة اليقين - ومعراج القلوب.أعلام.
(16) رواه أبو داود، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في بيان أخلاق المتكبرين:.
مطلب في بيان أخلاق المتكبرين:
فمنها - أنْ يُحِبّ قيام الناس له، أو بين يديه تعظيماً لنفسه، ومنها: أن لا يمشيَ إلا ومعه غيرُه يمشي خلفه(1)، ومنها: أن لا يزورَ غيره تكبراً، ومنها: أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب منه، ومنها: أن يتوقى مجالسةَ المرضى، والمعلولين استكباراً، واستعظاماً، وكذلك التباعدُ عن مجالسة الفقراء، والمساكين، ومنها: ان يستنكف عن دعوة الفقير، لا عن دعوة الغني، والشريف، ومنها: أن يستنكف عن لُبس الدون من الثياب(2)، ومنها: أن لا يتعاطى بيده شُغلاً في بيته، ومنها: أن لا يحمل متاعه إلى بيته، ومنها: أن يستنكف عن قضاء حاجة الأقرباء، والرفقاء، خصوصاً شراءَ الأشياء الخسيسة، ومنها: أن يثقل عليه تقدُّم الأقران في المشي، والجلوس، ومنها: عدمُ قبول الحق عند مناظرة الأقران، وعدمُ الاعتراف بخطئه، وعدم الشكر له، وعدم التأمل في كلامه، احتقاراً له، أو عناداً، ومكابرةً. فكلُّ هذه الأخلاق: إن كان في الملأ فرياءٌ (حيث يحب أن يُظهر للناس الكمال، ويغطي عنهم النقصان، فيتحلى بما ليس فيه)، وإن كان فيه، وفي الخلوة فَكِبْرٌ.(1/124)
-------------------
(1) روى الديلمي، وأحمد، وابن ماجه، عن أبي أمامة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خرج يمشي إلى القيع، فتبعه أصحابه، فوقف، وأمرهم أن يتقدّموا، ومشى خلفهم. فسئل عن ذلك؟ فقال: "إني سمعتُ خفق نعالكم، فأشفقت أن يقع في نفسي شيء من الكبر".شط.
(2) مخافة أن تنقص عظمته من قلوب الناس، وتقلّ هيبته عندهم، وقد قال صلى اللَّه عليه وسلم: "البذاذة من الإيمان باللَّه تعالى". رواه أبو داود، عن أبي إمامة - شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الضَّعة:.
مطلب في الضَّعة:
وضدُّه: الضَّعة، وهي: الركونُ إلى رؤية النفس، دون غيره، وهي فضيلةٌ عظيمة من المخلوق. وإظهارُ الضَّعة، بما دون مرتبته - قليلاً - تواضعٌ محمود، وإنْ كثيراً(1) فتملقٌ مذموم، إلاّ في طلب العلم(2). وإن كَثُرَ، فتذللٌ حرامٌ(3).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الضَّعة:.
وجدت الكلمات في الفص
13 - الثالث عشر: التّذَلل، وهو مذموم، إلاّ في طلب العلم، فإنه ينبغي أن يتملق لأستاذه، وشركائه، ليستفيد منهم. وإنْ كَثُر ذلك التملق، فتذللٌ حرام، إلاّ لضرورة دعته إلى ذلك، بأنْ خاف من ظالم ونحوه، فتملقَ له،وتذلَّل بين يديه، لكف أذاه عنه، فهو جائز.(1/125)
ومن التذلل المذموم: السؤال، لمن له قوتُ يومه، ومنه: إهداءُ قليل، لأخذ كثير، كما يُفعل في دعوة العرس، والخِتان، قيل: فيه نزل قولُه تعالى: {ولا تَمْنُنْ تَسْتَكثِرُ}(4)، ومنه: الذهابُ إلى الضيافة، ووصية الميت بلا دعوة(5)، ومنه: الاختلاف إلى القضاةِ، والأمراء، والعمّال، والأغنياء، طمعاً لما في أيديهم بلا ضرورة، ومنه: الركوعُ، والسجود، والانحناءُ للكبراء عند الملاقاة، والسلامِ(6)، والقيامُ بين يدي الظلمة، وتقبيل أيديهم، وثيابهم، فإنه من جملة التذلل الحرام، إلا لضرورة دعت إلى ذلك - كخوفه منهم - فيجوز حينئذ كما تقدَّم.
-------------------
(1) بأن ترك الاحتشام أصلاً، وهو من أهل الاحتشام. لأن فيه إذلال النفس، وإهانتها بلا فائدة دينية.شط.
(2) إذا تملّق لشيخه الذي يتعلم منه العلم النافع، للعمل به، مع الإخلاص فيه. لما روى ابن عدي، يإسناده، عن معاذ بن جبيل، وأبي أمامة، رضي اللَّه عنهما مرفوعاً: "ليس من أخلاق المؤمن التملق، إلا طلب العلم".شط.
(3) ط 1 - 543 - .
(4) سورة المدثر: 6.
(5) وهو التطفل بلا استئذان، روى أبو داود بإسناده، عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، انه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ دُعي فلم يجب، فقد عصى اللَّه، ورسوله، ومَنْ دخل على غير دعوة، دخل سارقاً، وخرج مغيراً" أي غاصباً.شط.(1/126)
(6) قال سيدي عبد الغني النابلسي رضي اللَّه عنه: ومعلوم أن مَنْ لقي أحداً من الأكابر، فحنى له رأسه، أو ظهره، ولو بالغ في ذلك، فمراده: التحية، والتعظيم، دون العبادة له، فلا يكفر بهذا الصنيع. وحال المسلم مشعر بذلك، على كل حال... إلى أن قال: وإذا كان الأكابر يتضررون بترك ذلك لهم، ممن يلقاهم، على وجه التحية، والتعظيم، فربما يصلون إلى مضرة من تركه لهم عند لقائهم، ويتأذى التارك من قبلهم، بنوعٍ من الأذى، جاز فعله، كما قال ابن حجر الهيتمي في فتاواه: والانحناء البالغ حدّ الركوع، لا يفعل لأحد، كالسجود، ولا بأس بما نقص من حدّ الركوع، لمن يُكرم من أهل الإسلام. وإذا تأذى مسلم بترك القيام، فالأولى أن يقام له، فإن تأذيه بذلك، مؤدٍ إلى العداوة، والبغضاء...، والأصل في ندب القيام لأهل الفضل: قوله، صلى اللَّه عليه وسلم، حين قدم سيد الأنصار، سعد بن معاذ: "قوموا إلى سيدكم"... وقد صنف النووي رحمه اللَّه تعالى جزءاً فيه، وذكر الأحاديث الواردة فيه، وأحكامها، وما يتعلق بها. قال ابن عبد السلام، وغيره: وقد صار تركه، في هذه الأزمنة، مؤدياً إلى التباغض، والتقاطع، والتحاسد، فينبغي أن يفعل، لهذا المحذور، وقد قال صلى اللَّه عليه وسلم: "لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا". فالقيام لا يؤمر به لعينه، بل يكون تركه صار وسيلة إلى هذه المفاسد في هذا الوقت، ولو قيل بوجوبه، لم يكن بعيداً، لأن تركه صار إهانة، واحتقاراً لمن اعتيد له القيام. وللَّه تعالى أحكام تحدث عند حدوث أسباب لم تكن موجودة في الصدر الأول. وعلى القيام، ومحبته، للتعاظم، والكبر، حُمل قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ أحب أن يتمثل له الناس قياماً، فليتبوأ مقعده من النار" اهـ شط.(1/127)
وابن حجر: أحمد بن محمج بن علي بن حجر، الهيتمي، السعدي، الأنصاري، شهاب الدين، شيخ الإسلام، أبو العباس، فقيه، باحث، مصري، ولد في محلة أبي الهيتم (من إقليم الغريبة بمصر) عام (909 ه - 1504 م)، وإليها نسبته. تلقى العلم في الأزهر، مات بمكة سنة (974 ه - 1567 م)، والسعدي نسبة إلى بني سعد من عرب الشرقية (بمصر)، وله تصانيف كثيرة، منها: الفتاوى الهيتمية، ختمها بمجموعة فتاوى، سماها: الفتاوى الحديثية، في مسائل منثورة، لا تعلق لها بباب من الأبواب التي تحدث عنها اهـ - أعلام - والفتاوى الحديثية.
وعز الدين بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن بن محمد بن مهذب السلمي، أبو محمد، شيخ الإسلام، سلطان العلماء، تفقه على الفخر ابن عساكر، وأخذ الأصول عن السيف الأموي، وسمع الحديث من عمر بن طبرزد، وغيره، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية. انتهت إليه معرفة المذهب (مذهب الشافعي) مع الزهد، والورع، وبلغ رتبة الاجتهاد. توفي بمصر سنة (660 ه). اهـ زبد خلاصة التصوف.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: ليس منه مباشرةُ أعمال البيت:.
وليس منه - أي من التذلل المذموم - مباشرةُ الإنسان أعمالَ البيت، وحاجاتِه، ككَنْسِ البيت، وطبخِ الطعام، وحمل المتاع من السوق، ولبس الخشن من الثياب، والخَلَق، والمرقَع، والمشي حافياً، ولعقِ الأصابع، والقصعة، وأكلِ ما سقط على الأرض، ومن الطعام، ومجالسة المساكين، ومخالطتهم، ومعاطاة أنواع الكسب - من البيع والشراء - ، وإجارةِ نفسه للأعمال المباحة - كرعي الغنم، وسقي البستان، وعمل الطين، والبناء، وحمل الحطب على ظهره - فإن كل ذلك، وأمثاله، تواضعٌ محمود في الشرع، والتجنب منه، والتأفف عنه، كِبْرٌ من أخلاق الجبارين، ولكنّ كثيراً من الناس - بجهلهم - يعكسون الأمر، فيرون مباشرتها هي الحالَ المذموم(1).
*** : ***
[متن الكتاب].(1/128)
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: ليس منه مباشرةُ أعمال البيت:.
وجدت الكلمات في الفص
14 - الرابع عشر: العُجب، وهو: استعظام النعمة، والرُّكون إليها، مع نسيان إضافتها إلى المنعم الحقيقي، وهو: اللَّه تعالى، فإن الاشتغال بالنعمة عن المنعم عُجْب مذموم(2).
-------------------
(1) ط 1 - 545 - .
(2) ومن ذلك يوم حنين، أن قائلاً منهم، قال: لن نغلب اليوم من قلّة، فلما أعجبوا بكثرتهم، واتكلوا على قوتهم، ونسوا اللَّه تعالى في ذلك، رفع - في ذلك الوقت - النصر عنهم، ليعلمهم أن كثرتهم، لن تغني عنهم شيئاً، وأن اللَّه عز وجل هو الناصر، الغالب لهم عدوهم، ثم عطف اللَّه عز وجل، بالنصر، إكراماً لنبيه صلى اللَّه عليه وسلم، ولهم، ونصراً لدينه، فأنزل بذلك قرآناً، يعرفهم به، ما كان منهم، وما قال من قال منهم.شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: في ذكر المِنّة:.
مطلب: في ذكر المِنّة:
وضده: ذكرُ المنة، وهو: أن يذكر أنه قائم بتوفيق اللَّه تعالى، وأنه (هو) الذي شرّفه، وعظم ثوابه، وقدْرَه. وهذا الذكر فرض عند دواعي العجب.
وسبب العجب - في الحقيقة - : الجهلُ المحض، أو الغفلة، والذهول، فعلاجُه - بطريق الإجمال - : معرفة أن كل شيء بخلق اللَّه تعالى، وإرادته، وأن كل نعمة - من عقل، وعلم، وعمل، وجاه، ومالٍ، وغيرها - من اله تعالى وحده، والتنبه، والتيقظ بذكره، وإحضاره بالبال، من حيث إنه تعالى هو الخالقُ لذلك العبد، ولجميع أعماله ظاهراً، وباطناً، فعليه الشكر على ما وجد فيه من النعم، من علمٍ، وعمل، وغيرهما على توفيق اللَّه تعالى وعونه.(1/129)
ومن أقوى العلاج: معرفة آفاته، وهي كثيرة، ويكفيك أنه سبب الكبرِ، ونسيان الذنوب، ونسيان نعم اللَّه تعالى، والأمن من مكر اللَّه تعالى، وعذابه، أن يرى أن له عند اللَّه تعالى منةً، وحقاً بأعماله، التي هي نعمة من نعمه، وعطية من عطاياه، ويدعو إلى أن يزكي نفسه، ويمنعه من الاستفادة، والاستشارة، عن أنس(1) رضي اللَّه عنه، عن النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، انه قال: "ثلاثٌ مهلكات: شُحٌّ مطاع(2)، وهوىً متبع(3)، وإعجابُ المرء بنفسه(4)".
وأقبح العجب، العجبُ بالرأي الخطأ، فيفرح به، ويُصرّ عليه، ولا يسمع نصحَ ناصح، بل ينظر إلى غيره بعين الاستجهال، قال تعالى: {أَفَمَن زُيَن له سوءُ عمله، فرآه حسناً}(5). وجميعُ أهل البدع، والضلال إنما أصروا عليها، لعجبهم بآرائهم.
وعلاجُ هذا العجب، أعسر، وأصعب، إذ صاحبه يظنه علماً، لا جهلاً، ونعمةً لا نقمة، وصحةً لا مرضاً، فلا يطلب العلاج، ولا يُصغي إلى الأطباء الروحانيين، الذين يَعْلمون أمراض القلوب، ويداوونها، وهو علماءُ أهل السنة والجماعة، نصرَ اللَّه تعالى كلمتهم، إلى قيام الساعة(6).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: في ذكر المِنّة:.
وجدت الكلمات في الفص(1/130)
15 - الخامس عشر: الحسد، وهو: إرادةُ زوالِ نعمة اللَّه تعالى، عن أحد، مما له فيه صلاح ديني أو دنيوي، من غير ضرر (في ذلك الأمر، يلحق ذلك الأحد) في الآخرة(7)، أو عدم (إرادة) وصولها إليه، وحبُّه من غير إنكار له(8)، ولوقوع في قلبك - من غير اختيار، ووجدت الإنكارَ لوقوعه فيه - فلا بأس به بالاتفاق. فإن لم تجد الإنكار لوقوعه، أو وقع باختيار منك، وإرادة، فإنْ عملت بمقتضاه، او ظهر أثره في بعض الجوارح(9)، فحسدٌ حرامٌ بالاتفاق، وإن لم تعمل بمقتضاه، ولم يظهر أثره أصلاً، وكان الموجود في القلب نفسَه فقط، (فقد) اختلفوا في حرمته (وكون صاحبه آثماً)، ومختارُ الإمام الغزالي(10) (رحمه اللَّه تعالى) الحرمةُ. وإن لم تُردْ زوال النعمة، ولكن أردت لنفسك نعمة أخرى مثلها، فهو حسدُ غبطةٍ(11)، ومنافسة، ليس بحرام، بل مندوب إليه في الأمر الديني، وحرصٌ مذموم في الدنيوي، وإن لم يكن في النعمة (التي حسدته عليها) صلاحٌ لصاحبها، بل فساد، ومعصية، فأردت زوالها عنه، أو عدم وصولها إليه، فذلك من غَيْرة المؤمن للَّه تعالى، مندوبٌ إليه شرعاً.
-------------------
(1) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم، البخاري، الخزرجي، الأنصاري، أبو ثمامة، أو أبو حمزة، له في البخاري (2286) حديثاً، ولد بالمدينة عام (10 ق ه - 612 م)، وأسلم صغيراً، وخدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى أن قبض، ثم رحل إلى دمشق، ومنها إلى البصرة، فمات فيها سنة (93 ه - 712 م)، وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة، أعلام.
(2) أي بخل بالواجب عليه، وهو الزكاة، أو الفطرة، أو الأضحية، أو نفقة الزوجة، والقريب، والرقيق، وذي الحاجة المضطر.شط.
(3) أي ميل نفساني إلى الحظوظ العاجلة، من الفضلات والشهوات، في حل، او حرمة - شط - .
(4) رواه البيهقي، والبزار.
(5) سورة فاطر: 8.
(6) ط 1 - 595 - .(1/131)
(7) ليخرج من الحسد، ما لو رأى أحداً في معصية، يراها صاحبها نعمة عليه، فأراد زوالها عنه، لضررها في الآخرة.شط.
(8) أي حب الحسد بالقلب، كمن رأى أحداً يحسد أحداً على شيء، فأحب ذلك الحسد، ولم ينكره، فإنه حاسد أيضاً.شط.
(9) من لسانك، او غمز عينيك، أو إشارة يدك، أو نحو ذلك.شط.
(10) انظر ترجمته في صفحة - 103 - .
(11) الغبطة: اسم من غبطته غبطاً، من باب ضرب: إذا تمنيت مثل ما ناله من غير أن تريد زواله عنه، لما أعجبك منه، وعظم عندك.شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النُّصح، والنصيحة:.
مطلب في النُّصح، والنصيحة:
وضدُّ الحسد: النصح، والنّصيحة، وهي: إرادةُ بقاء نعمة اللَّه تعالى، على (كل) أحد، مما له فيها صلاح، وإن شئتَ قلت: إرادةُ الخير للغير، وهي - أي النصيحة - واجبة على العبد(1).
وغوائل الحسد كثيرة: منها: 1 - إفساد الطاعات(2)، 2 - والإفضاءُ إلى فعل المعاصي، إذ لا يخلو الحاسد عن الغِيبة، أو الكذب، والسبّ، والشماتة عادةً، 3 - وحرمان الشفاعة، 4 - ودخول النار من غير حساب(3)، 5 - والإفضاء إلى إضرار الغير، فلذا أمر اللَّه تعالى بالاستعاذة من شرّ الحاسد، كما أمر بالاستعاذة من شرّ الشيطان، 6 - والتعب، والهمّ من غير فائدة، بل مع وزر، ومعصية، 7 - وعمى القلب حتى لا يكادُ يَفهمُ حكماً من أحكام اللَّه تعالى، 8 - والحرمان، والخذلان، فلا يكادُ يظفر بمرادٍ، ولا ينصر على عدو، فلذا قيل: الحسود لا يسود.
وعلاجه العلمي: أن تعلم أن الحسد ضرر عليك في الدنيا، والدين، وأنه لا ضرر فيه على المحسود فيهما، بل ينتفع به فيهما، أما ضرره لك في الدين، فلأنك بالحسد، سخطتَ قضاءَ اللَّه تعالى، وكرهت نعمته، التي قسمها لعباده، وعدلَه، واستنكرت ذلك، وغششت رجلاً من المؤمنين، وتركتَ نصحه - والغِشُّ حرامٌ، والنصيحةُ واجبة - .(1/132)
وأما ضرره لك في الدنيا، فغمٌّ، وحزن، وضيق نَفْس.
وأما أنه لا ضرر على المحسود فيهما، فلأن النعمة لا تزول عنه بحسدك له، ولا يأثُم هو به.
وأما انتفاعه في الآخرة، فإنه مظلوم من جهتك، فينتفع بها في الآخرة.
وأما انتفاعه في الدنيا، فلأن أهم أغراض الخلق مساءةُ الأعداء، وهو لا يشعر.
وعلاجه العملي: أن يكلف نفسه نقيضَ مقتضاه، فإنْ بعثه الحسد على القدح فيه، كلّف لسانه المدح له، وإنْ على كفّ الإنعام عليه، ألزم نفسه الزيادة في الإنعام، وإنْ على الدعاء عليه، دعا له بزيادة النعمة التي حسده فيها.
والعلاج القلعي للحسد: هو معرفة أسبابه، ثم إزالتها(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النُّصح، والنصيحة:.
وجدت الكلمات في الفص
16 - السادس عشر: الحقد وهو: الانطواء على العداوة، والبغضاء، وهو أن يلزم نفسه استثقال أحد، والنَّفار عنه، والبغضَ له، وإرادةَ الشر، والسوء، كلما رآه، وخطر في باله. وحكمه: إنْ لم يكن بظلم أصابه(5) منه(6)، بل بحقٍّ، وعدل(7) - كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر(8) - فحرام. وإن كان بسبب ظلم، فليس بحرام، فإن لم يقدر على أخذ الحق، فله التأخيرُ إلى يوم القيامة، و(له) العفُو، وهو أفضل، قال اللَّه تعالى {وأنْ تَعْفُوا أقْرَبُ للتَقْوى}(9).
-------------------
(1) روى مسلم عن تميم الداري، رضي اللَّه عنه، ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: "إن الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول اللَّه؟ قال: للَّه، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم".شط.(1/133)
(2) بأكل الحسنات، لإفساد الأعمال، فتبقى العبادات صحيحة، موجبة لسقوط الفرض، خلافاً للمعتزلة، حيث حكموا بالكفر بالمعاصي، فأوجبوا بذلك إحباط العمل. روى أبو داود، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قال: "إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب، أو قال: العشب".شط.
(3) مع أول داخل إليها، زيادة على عقوبتهم، لفظاعة جرمهم، وقبح معصيتهم. روى الديلمي عن ابن عمر، وأنس رضي اللَّه عنهما، قالا: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "ستة يدخلون النار، قبل الحساب بسنة، قيل: يا رسول اللَّه، من هم؟ قال: "الأمراء بالجور، والعرب بالعصبية، والدهاقين (الأغنياء) بالكبر، والتجار بالخيانة، وأهل الرستاق (القرى) بالجهل، والعلماء بالحسد".شط.
(4) ط 1 - 600 - .
(5) أي الحاقد.
(6) من المحقود عليه.
(7) من المحقود عليه للحاقد.
(8) الصادر من المحقود عليه للحاقد، في حق الحاقد، على الوجه المشروع، بطريق العموم، على جهة السترة له، دون الفضيحة، وقصد التحكم.
(9) البقرة: 237.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في العفو:.
مطلب في العفو:
وإن قَدَر، فله العفو أيضاً، وهذا أفضل من العفو الأول، وله الانتصار - أي استيفاء حقَه منه - من غير زيادة، وهو العدل المفضول، قال اللَّه تعالى {ولَمَنِ انتصر بعد ظُلْمِه، فأُولئك ما عَلَيْهم مِنْ سبيل}(1)، لكن قد يكون الانتصار أفضلَ من العفو، بعارض، مثل كونِ العفو سبباً لتكثير ظلمه(2)، وكونِ الانتصار سبباً لتقليله. وإنْ زاد المظلوم على استيفاء حقه، فجورٌ، وظلم(3).(1/134)
وغوائل الحقد: - أي مفاسده وشروره - كثيرٌ، منها: الحسد، والشماتة، وهجره، واستصغاره، وإفضاؤه إلى الكذب عليه، وإلى غِيبته، وإفشاء سره، وإلى الاستهزاء به، وإيذائه بغير حق، ومنع حقه: من صلة رحم، وقضاء دَين، وردّ مظلمة. وقد يكون الغضب سبباً للحقد عليه، فإنه إذا لزم كظمُه - بعجزه عن التفشي، ممن غضب عليه في الحال - رجع ذلك الغضب إلى الباطن، واحتقن فيه، فصار حقداً(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في العفو:.
وجدت الكلمات في الفص
17 - السابع عشر: الشماتة، وهي: الفرح، والسرور بما أصاب الغير من البلاء، والضحك به، عن واثلة بن الأسقع(5)، رضي اللَّه تعالى عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "لا تظهرِ الشماتةَ بأخيك، فيعافيَه اللَّه، ويبتليَك"(6)، فالفرح بمصيبة العدو، مذموم جداً، خصوصاً إذا حملها على كرامة نفسه، وإجابة دعائه، بل عليه أن يخاف أن تكون مكراً له، ويحزن، ويدعو بإزالة بلائه، وأن يُخْلفَه اللَّه تعالى خيراً مما فات، إلاّ أن يكون (ذلك العدو) ظالماً، فأصابه بلاء يمنعه من الظلم، ويكون لغيره من الظَّلمة، عبرة ونكالاً، ففرحه حينئذ بزوال الظلم، (لا بذلك البلاء النازل بذلك العدو)، فيجوز(7).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في العفو:.
وجدت الكلمات في الفص(1/135)
18 - الثامن عشر: هجر المؤمن، وعداوته، عن أبي هريرة(8) رضي اللَّه تعالى عنه، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمناً فوق ثلاث، فإذا مرّت ثلاث، فليَلْقه، وليسلّم عليه، فإن ردَّ عليه، فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يردّ عليه فقد باء بالإثم" وزاد في رواية "فمن هجر فوق ثلاث دخل النار"(9) هذا محمول على الهجر لأجل الدنيا، وأما لأجل الآخرة، والمعصية، والتأديب، فجائز، بل مستحب من غير تقدير، لوروده عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، والصحابة، رضوان اللَّه عليهم أجمعين(10).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في العفو:.
وجدت الكلمات في الفص
19 - التاسع عشر: الجُبن، وهو: هيئة راسخة في النفس، بها يُحجم عن مباشرة ما ينبغي. وذلك مذموم جداً، لأنه يُثمر عدم الغَيْرة، وقلة الحميّة على الزوجة، والمحارمِ، وخسةَ النفس، واحتمالَ الذم، والضيم، والخوَر، والسكوتَ عند مشاهدة المنكرات. فينبغي للجبان أن يعالج نفسه، بإسماعها غوائلَ الجبن، وفوائدَ الشجاعة، وتذكيرِها كِراراً، ومراراً، حتى يزول عنه(11).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في العفو:.
وجدت الكلمات في الفص
20 - العشرون: التهور، وهو: الوقوع في الشيء، بقلة مبالاة، ويُثمر: الحِدّة، والعنف.
-------------------
(1) الشورى: 41.
(2) أي الظالم، بحيث يتجرأ على ظلم الناس، والتعدي عليهم، خصوصاً إذا سمع الظالم أن المظلوم رجل صالح، يسامح مَنْ ظلمه، فيتقوى الظالم بذلك على ظلم ذلك الرجل الصالح.شط.
(3) قال تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس، ويبغون في الأرض بغير الحق} الشورى: 42.
(4) ط 1 - 629 - .(1/136)
(5) واثلة بن الأسفع بن عبد العزى، بن عبد ياليل، الليثي، الكناني، صحابي، من أهل الصفة، بايع النبي صلى اللَّه عليه وسلم على ما أحب وكره، فيما يطيق، وشهد تبوك، وخدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث سنين، ثم نزل البصرة، وكانت له بها دار، وشهد فتح دمشق، وسكن قرية "البلاط" على (3) فراسخ منها. وهو آخر الصحابة موتاً، له (76) حديثاً، ووفاته سنة (83 ه - 702 م) في القدس أو دمشق. أعلام.
(6) رواه أبو داود والترمذي.
(7) ط - 631 - .
(9) عبد الرحمن بن صخر الدوسي، ولد عام (21 ق.ه - 602 م) صحابي، أكثرهم حفظاً، ورواية للحديث، نشأ يتيماً، ضعيفاً في الجاهلية، وقدم المدينة، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بخيبر، فأسلم عام سبع للَّهجرة، ولازم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فروى عنه (5374) حديثاً، ولي إمرة المدينة مدة، واستعمله عمر على البحرين. للسبكي - فتاوى أبي هريرة - توفي في المدينة سنة (59 ه - 679 م). أعلام.
(10) رواه أبو داود.
(11) ط 1 - 632 - .
(12) وأن يعالجها أيضاً بإيقاعها عمداً فيما يخاف، ويفرّ منه، كالحروب، ومخاصمة الأقران، والعبور وحده في مواضع الوحشة، بشرط أمنه على هلاك نفسه، أو ذهاب عقله، وإلا فهو إلقاء بنفسه إلى التهلكة، وهو حرام.شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الحلم:.
مطلب في الحلم:
وضده: الحلِم، وهو: 1 - ملكةُ(1) الطمأنينة عند محرّكات الغضب، 2 - وعدم هيجانه، إلا بسبب قوي، 3 - وتمكن دفعه عنده(2)، بلا تعب. ويُثمر اللينَ، والرفق. والتهورُ مرض عظيم الضرر، صعب العلاج، فلا بدّ من شدة المجاهدة، والتشميرِ، والسعي فيه. وعلاجه بأربعة أشياء: بالعلم، والعمل، وإزالة السبب، وتحصيل الضد (وهو الحلم)، فالعلاج العلمي: معرفة آفاته، وفوائدِ كظم الغيظ.(1/137)
أما آفاته فأربعة: الأول: إفساد رأس الطاعات، وهو الإيمان، لأنه كثيراً ما يصدر عن شدة الغضب قولٌ، أو فعل يوجب الكفر(3)، والثاني: خوف المكافآت من اللَّه تعالى(4)، فإن قدرة اللَّه عليك، أعظم من قدرتك على هذا الإنسان، فلو أمضيتَ غضبك عليه، لم تأمن أن يُمضي اللَّه تعالى غضبه عليك. والثالث: حصولُ العداوة، فيشمر العدو لمقابلتك، والسعي في هدم أغراضك، والشماتة بمصائبك، فيشوش عليك معادك، ومعاشك، فلا تتفرغ للعلم، والعمل. والرابع: قُبْح صورتك عند الغضب، ومشابهتُك للكلب الضاري، والسَّبُعِ العادي.
-------------------
(1) الملكة: قوّة راسخة في النفس - شط - .
(2) أي السبب القوي إذا هاج.
(3) قال عليه الصلاة والسلام: "الغضب يفسد الإيمان، كما يفسد الصبر العسل". رواه البيهقي والطبراني في الأوسط عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده.شط.
(4) أي يُخاف عليك يا صاحب الغضب أن يكافئك اللَّه بمثل عملك مع غيرك.شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في فوائد كظم الغيظ:.
مطلب في فوائد كظم الغيظ:
وأما فوائد كظم الغيظ، فسبعة: 1 - الفوز بالجنة(1)، 2 - والتخيير في الحُور العين(2)، 3 - ودفع العذاب عنه(3)، 4 - وعِظَم الأجر(4)، 5 - وحفظ اللَّه تعالى، 6 - ورحمتُه، 7 - ومحبتُه(5)، كما ورد في الأحاديث، والأخبار الصحيحة.
وأما العلاج العملي: فأربعة أشياء، الأول: التوضؤ(6)، والثاني: الجلوس، فإذا ذهب عنه، وإلاّ فليضطجع(7)، والثالث: الاستعاذة باللَّه من الشيطان الرجيم(8)، والرابع: الدعاء الواردُ فيه، وهو: "اللَّهم اغفر لي ذنبي، وأَذْهب غيظ قلبي، وأَجِرْني من الشيطان"(9).
وأما إزالة السبب، (وهو العلاج القلعي): فهو بالسعي بإزالة الحرص على الجاه، والتكبر، والعجب، وصاحب هذه الثلاثة، يَغضب بأدنى شيء يوهم نقصاً فيه.(1/138)
وأما الحِلم: فهو أفضل من كظم الغيظ، وطريق تحصيله: التحلّم، أعني حَمل النفس على كظم الغيظ، مرةً بعد أخرى، بالتكلف، حتى يكون مَلكة وطبعاً. وعن بعض السلف أنه قال: (إني حصّلت الحِلم بمساكنة متهوَر، بذيء اللسان، مدةً مديدةً، وكنتُ أصبر على أذاه، وأكظِمُ غيظي، حتى صارَ ملكة). وهكذا تحصيل كلّ خلق حسن، كالتواضع، والسخاء، والشجاعة(10).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في فوائد كظم الغيظ:.
وجدت الكلمات في الفص
21 - الحادي والعشرون: الغدر، وهو نقض العهد والميثاق، بلا إيذان، أي بلا إعلام، وهو: حرام، وضدّه واجب، وهو: حفظ العهد، وعند الحاجة إلى نقضه، وجب إيذانه. عن أبي سعيد الخدري(11) رضي اللَّه تعالى عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "لكل غادرٍ لواءٌ عند أُسْتِه، يرفع به بقدْر غدره"(12).
وفائدة الرفع: كثرة الفضيحة له بين الخلائق، يومَ القيامة(13).
-------------------
(1) قال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم، وجنة عرضها السماوات والأرض، أعدت للمتقين: الذين ينفقون في السراء والضراء، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، واللَّه يحب المحسنين} آل عمران:133 والكاظمون الغيظ: الممسكون عليه. الكافّون عن إمضائه مع القدرة.شط - .
(2) جمع حوراء، وجمع البيضاء. والعين (بالكسر) جمع عيناء، وهي المرأة الحسنة العينين، مع سعتهما، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "من كظم غيظاً، وهو يستطيع أن ينفذه، دعاه اللَّه تعالى يوم القيامة، على رؤوس الأشهاد، حتى يخيّره في أي الحور شاء". رواه أبو داود، والترمذي، عن سهل بن سعد.
(3) لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "من دفع غضبه، دفع اللَّه عنه عذابه" رواه الطبراني في الأوسط، عن أنس. شط.(1/139)
(4) لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "ما من جرعة، أعظم أجراً، عند اللَّه تعالى، من جرعة غيظ، كظمها عبد، ابتغاء وجه اللَّه تعالى" رواه ابن ماجه. عن ابن عمر.شط.
(5) قال صلى اللَّه عليه وسلم: "ثلاث من كنّ فيه، آواه اللَّه تعالى في كنفه، وستر عليه برحمته، وأدخله في محبته: مِنْ إذا أَعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر". رواه الحاكم، عن ابن عباس.شط.
(6) قال صلى اللَّه عليه وسلم: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم، فليتوضأ". رواه أبو داود عن عطية.
(7) لما رواه أبو ذر، قال" قال لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "إذا غضب أحدكم، وهو قائم، فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع" رواه أبو داود.شط.
(8) روى البخاري ومسلم عن سليمان بن صرد، أنه قال: استبّ رجلان، عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ونحن عنده، فبينما يسبُّ أحدهما صاحبه مغضباً، قد احمرّ وجهه، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة، لو قالها، لذهب عنه الذي يجد، لو قال: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم، ذهب عنه ما يجد".شط.
(9) رواه ابن السُّني، عن عائشة، قالت: دخل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأنا غضبى، فأخذ بطرف المَفْصِل، من أنفي الأنف، ففركه، ثم قال: "يا عويش قولي"، فذكره. وإنما فعل هذا ليريها أن الغضب مما لا ينبغي لها، فإنه لا يكون إلا بعروض الشمم، والشموخ بالأنف، تكبراً، واعتزازاً.شط.
(10) ط 1 - 427 - 638 - .
(11) سعد بن مالك بن سنان الخدري، الأنصاري، الخزرجي، صحابي، ولد عام (10 ق.ه - 613 م)، وكان من ملازمي النبي صلى اللَّه عليه وسلم، غزا اثنتي عشرة غزوة. له في الصحيحين (1170) حديثاً. توفي في المدينة سنة (74 ه - 693 م) اه - أعلام.
(12) رواه مسلم.
(13) ط 1 - 651 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].(1/140)
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الأمانة:.
مطلب في الأمانة:
22 - الثاني والعشرون: الخيانة، وهي: حرام، وضدّها: الأمانة، وهي واجبة على المكلف، عن أنس(1) رضي اللَّه عنه، أنه قال: قَلّما خطبنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا قال: "لا إيمان لمن لا أمانةَ له، ولا دين لمن لا عهدَ له"(2). وتجري الأمانة، والخيانة في القول أيضاً(3)، عن أبي هريرة(4) رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم "المستشارُ مؤتمن، ومَنْ أفتى بغير علم، كان إثمهُ على من أفتاه، ومَنْ أشار على أخيه، يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه"(5).
وفي كتاب - مكارم الأخلاق - للخرائطي(6)، عن ابن مسعود(7) رضي اللَّه عنه قال: (القتل في سبيل اللَّه كفارة كلِّ ذنب، إلا الأمانة، وإنّ الأمانة: الصلاةُ، والزكاةُ، والغُسل من الجنابة، والكيل، والميزان، والحديث، وأعظمُ من ذلك: الودائع)(8).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الأمانة:.
وجدت الكلمات في الفص
23 - الثالث والعشرون: خُلف الوعد، فالوعد بنية الخُلف حرام، وأما بنية الوفاء به، فجائز، قال في المصباح: والخلف في الوعد - عند العرب - :كذب، وفي الوعيد: كَرَم(9). وكان ابن مسعود(10) رضي اللَّه عنه لا يَعِد وعداً إلا ويقول: إنْ شاء اللَّه، وهو الأولى. ثم إذا فُهم مع ذلك، الجزمُ في الوعد، فلا بدَّ من الوفاء، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم "آيةُ المنافق، وإنْ صام وصلّى وزعم انه مسلم: إذا حَدث كذب، وإذا وعد اخلف، وإذا أؤتمن خان"(11).(1/141)
وضده: إنجاز الوعد، والوفاءُ به، قال اللَّه تعالى {يا أيُّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلونَ؟! كَبُرَ مقتاً عند اللَّه أن تقُولوا ما لا تفعلون}(12) وهذا واردٌ من قولٍ يخالف العمل، مِن وعدٍ بالخير قاله بلسانه، ولم يف به، ومن علمٍ شرعي، قرّره بلسانه، ولم يعمل بمقتضاه، ومن نصيحة ذكرها لغيره، وخالفها هو، ونحو ذلك.
ثم الوفاء بالوعد لا يجب عند أكثر العلماء، بل يستحب(13)، فيكون خُلْفه مكروهاً تنزيهاً، بدليل قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "إذا وعدَ الرجل، ونوى أن يفي، فلم يف به(14)، فلا جُناح عليه"، وفي رواية: "فلا إثم عليه"(15)، وعند الإمام احمد(16) (رحمه اللَّه تعالى)، ومَنْ تبعه: الوفاء واجب، والخلف حرام مطلقاً(17).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الأمانة:.
وجدت الكلمات في الفص(1/142)
24 - الرابع والعشرون: سوء الظن(18) باللَّه تعالى، وبالمؤمنين، لمجرد الوهم أو الشك، فإنه حرام، قال اللَّه تعالى: {يا أيها الذين آمنوا، اجتنبوا كثيراً من الظّن، إن بعض الظن إثم(19)}، عن أبي هريرة(20) رضي اللَّه تعالى عنه، أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "إياكم والظَّن، فإنّ الظَّن أكذب الحديث(21)". وأما أهل المعصية والفسوق المجاهرون(22)، فعلينا أن نُبغضهم في اللَّه تعالى(23)، فليس هذا من سوء الظن المذموم في شيء، وإنما سوء الظن، تهمةٌ تقع في القلب بلا دليل، قال الإمام الغزالي(24) (رحمه اللَّه تعالى): وهو حرام، كسوء القول، لكنْ لست أعني به إلا عقد القلب، وتحكمه على غيره بالسوء. وأما الخواطر، وحديث النفس فعفوٌ، بل الشكُّ عفو أيضاً(25). فالمنهي عنه: أن تظنّ، والظنُّ: عبارة عمّا تَرْكَن إليه النفس، ويميل إليه القلب. وسبب تحريمه: أن أسرار القلوب، لا يعلمها إلا علاّم الغيوب، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءاً، إلا إذا انكشف لك بعيانٍ، لا يحتمل التأويل، فعند ذلك، لا تعتقد إلا ما علمته، وشاهدته، فما لم تشاهده، او لم تسمعه، ثم وقع في قلبك، فإن الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تكذبه، فإنه أفسق الفسّاق.
-------------------
(1) انظر ترجمته في صفحة - 114 - .
(2) رواه أحمد، والبزار، والطبراني في الأوسط وابن حبان.
(3) فقد يحفظ الأمانة في قوله، وقد يخون فيه، كما يجري ذلك في الفعل.شط.
(4) انظر ترجمته في صفحة - 12 - .
(5) رواه أبو داود.
(6) محمد بن جعفر بن سهل ولد عام (240 ه - 854 م) أبو بكر الخرائطي، السامري، فاضل من حفاظ الحديث، من أهل السامرة بفلسطين، توفي في يافا سنة (327 ه - 939 م) أعلام.
(7) انظر ترجمته في صفحة - 18 - .
(8) ط 1 - 652 - .
(9) قال بعض الأعراب، في كرم خُلُقه (من الطويل):
وإني إذا وعدتُه أو وعَدته * لمخْلِفٌ إيعادي، وَ مُنْجِزٌ مَوْعدي (الوصايا)(1/143)
(10) انظر ترجمته في صفحة - 18 - .
(11) رواه مسلم، عن أبي هريرة.
(12) سورة الصف - آية - 2،3 - .
(13) في عمدة القاري، شرح البخاري، للعيني الحنفي: وقال العلماء: يستحب الوفاء بالوعد، بالهبة، وغيرها استحباباً مؤكداً، ويكره إخلافه، كراهة تنزيه، لا تحريم، ويستحب أن يعقب الوعد بالمشيئة، ليخرج عن صورة الكذب.شط. والعيني: محمود بن أحمد بن موسى بن احمد، أبو محمد بدر الدين العيني الحنفي، مؤرخ، علامة، من كبار المحدثين، أصله من حلب، ومولده عينتاب، (وإليها نسبته) عام (762 ه - 1361 م)، أقام مدة في حلب، ومصر، ودمشق، والقدس، وولي في القاهرة الحبسة، وقضاء الحنفية، ونظر السجون، وتقرب من الملك المؤيد، حتى عدّ من أخصائه. ولما ولي الأشراف، سامره، ولزمه، وكان يكرمه، ويقدمه، ثم صُرف عن وظائفه، وعكف على التدريس، والتصنيف، إلى ان توفي في القاهرة سنة (855 ه - 1451 م). أعلام.
(14) لتعذر ذلك عليه، أو تعسره، أو لم تسمح به نفسه - شط - .
(15) رواه أبو داود و الترمذي عن زيد بن أرقم.
(16) أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد اللَّه، الشيباني، الوائلي، إمام المذهب الحنبلي، وأحد الأئمة الأربعة، أصله من مرو، ولد ببغداد عام (164 ه - 780 م)، وكان أبوه والي سرخس، نشأ منكباً على طلب العلم، وسافر في سبيله أسفاراً كبيرة. كان أسمر اللون، حسن الوجه، طويل القامة، يلبس الأبيض، ويخضب رأسه، ولحيته بالحناء، وفي أيامه: دعا المأمون إلى القول بخلق القرآن، ومات قبل أن يناظر ابن حنبل، ولم تولى المعتصم، سجن ابن حنبل (28) شهراً، لامتناعه عن القول بخلق القرآن، وأطلق سنة (220 ه). وفي زمن الواثق باللَّه - بعد المعتصم - لم يصبه شر، ولما تولى المتوكل أخوه، أكرم الإمام أحمد، وقدّمه، ومكث مدة لا يولي أحداً إلا بمشورته. أعلام.(1/144)
(17) سواء كان في أمر الدين، أو الدنيا، نوى الخلف، أم لم ينوِ، ففي خلف الوعد شبهة الخلاف بين الأئمة، وفيه علامة النفاق، وشأنُ المؤمن الوّرِع، الاجتناب من الخلاف، والأخذ بالوفاق. ط 1 - 654 - .
(18) يقال: أسأت الظن، وسؤت به ظناً، يكون مَعْرفة مع الرباعي، ونكرة مع الثلاثي، ومنهم من يجيره نكرة فيهما. وهو خلاف: أحسنت به الظن. مصباح وشط. وسوء الظن باللَّه تعالى: أن يظن أن اللَّه تعالى لا يرزقه، أو لا يحفظه، أو لا ينصره، ونحو ذلك.شط.
(19) الحجرات - 12 - .
(20) انظر ترجمته في صفحة - 12 - .
(21) رواه مسلم.
(22) أي الذين يتجاهرون بفعل المعاصي، ولا يستترون منها بين الناس، تجاهراً، لا يمكن أن يجد له الإنسان، غير المعادي لهم، تأويلاً حسناً، أصلاً، أو دل على فعلهم المعاصي، والفسوق، قرائنُ تفيد غلبة الظن.شط.
(23) أي نتقرب إلى اللَّه تعالى، مخلصين فيه لوجه اللَّه تعالى، لا في طريق هوى نفوسنا، وتشفّي غيظنا منهم، وذلك بالبغض بالقلب، لا التقبيح عليهم باللسان، وانتقاصهم بين الناس. - شط - .
(24) انظر ترجمته في صفحة - 103 - .
(25) وذلك لأن مراتب القصد خمس، كلها عفو سوى العزم، وقد نظمها بعضهم فقال:
مراتب القصد: خمس، هاجساً ذكروا، * فخاطراً، فحديثَ النفس، فاستمعا
يليه همٌّ، فعزمٌ، كلُّها رُفِعَت، * سوى الأخيرِ، ففيه الأخذُ قد وقعا
-بسيط -
فالهاجس: هو الذي يمرُّ على القلب، ولا يمكث، والخاطر: هو الذي يتردّد تردداً ما.
وحديث النفس: ما تتكلم به. والهم: الإرادة. والعزم: التصميم. والذي يكتب - في العزم على السيئة: هو إثم العزم، لا فعل المعصية. والعلامة للملائكة - على العزم على الحسنة - : رائحة طيبة، وعلى السيئة: رائحة خبيثة. أفاده بعض المشايخ - اه - الطحطاوي على راقي الفلاح، بتصرف بسيط. وانظر الهدية العلائية - ص - 316 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].(1/145)
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في حسن الظن:.
مطلب في حسن الظن:
وضدُّه: حُسن الظن باللَّه تعالى، وبالمؤمنين، أما الأول: فواجب(1)، إذ وردَ: "أنا عند ظنّ عبدي بي(2)"، وأما الثاني - وهو حُسن الظنّ بالمؤمنين - فمندوب إليه فيما يُشَكُّ من أمرهم، ويحتمل الصلاحَ، والفساد، خصوصاً في المسلم الظاهر العدالة، فحمله على الفساد حرام، وعلى الصلاح مستحب، وتركه متى لم يمكن (بلا حسن ظن، ولا سوء ظن) واجب(3).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في حسن الظن:.
وجدت الكلمات في الفص
25 - الخامس والعشرون: التَّطَيُّر(4)، وهو التشاؤم، وهو حرام. اختلفوا في تطبيق قوله عليه الصلاة والسلام: "وَفِرَّ من المجذوم، كما تَفِرَُ من الأسد"(5) وقوله: "لا يُوْرَد مُمْرِضٌ على مِصِحّ" (6) لِعموم قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "لا عَدْوى، ولا طيرة، ولا هامةَ، ولا صَفَر"(7): أكثرهم حملوا الأوَّليْن على صيانة الاعتقاد(8)، كما في الطاعون(9). وبعضهم على أن المنفي: التعديةُ بالطبع، كما يعتقده أصحاب الطبيعة.
-------------------
(1) إذا كان المكلف تائباً من معاصيه، قائماً بطاعته، وعباداته، وأما إذا كان مقيماً على المعاصي، منهمكاً في فعل المنكرات، فحسن ظنه باللَّه تعالى، وترك الخوف منه سبحانه حرام، لأنه غرور باللَّه تعالى.شط.
(2) رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة، مرفوعاً، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: قال اللَّه عز و جل. وروى مسلم عن جابر، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم، إلا وهو يحسن الظن باللَّه تعالى".شط.
(3) ط 2 - 7 - .(1/146)
(4) أصل التطير: ان العرب كانت إذا أرادت المضي لأمر، مرّت بمجاثم الطير، وأثارتها، لتستفيد، هل تمضي، أو ترجع. فنهاهم عليه الصلاة والسلام عن ذلك. وقال: "أقروا الطير في وكُنَاتِها" أي مجاثمها - شط - مصباح.
(5) رواه البخاري، عن أبي هريرة. وزاد في رواية: "وفرِّ من المجذوم، كما تفرُّ من الأسد". شط.
(6) رواه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة. والممرض: صاحب الإبل المراض، والمصح: صاحب الإبل الصحاح. والمعنى: لا يورد صاحب الإبل المراض، إبله، على إبل صاحب الإبل الصحاح.شط.
(7) رواه البخاري، عن أبي هريرة. ومعنى: "لا عدوى" أي لا يعدي شيء شيئاً. قال النووي: المراد به نفي ما كانت الجاهلية تعتقد، وتزعمه أن المرض، والعاهات تعدي بطبعها، لا بفعل اللَّه تعالى، و "الهامة": من طير الليل، وهو الصدا، وتزعم الأعراب أن روح القتيل، تخرج، فتصير هامة، إذا لم يدرك ثأره، فتصيح على قبره: اسقوني، اسقوني، حتى يثأر به، وهو مَثَلٌ يراد به تحريض ولي القتيل، على طلب دمه، فجعله جهلة الأعراب حقيقة، وقيل: إن العرب كانت تتشاءم بالهامة، وهي الطائر المعروف من طير الليل. وقيل: هي البومة. قالوا: كانت إذا سقطت على دار أحدهم، يراها ناعية له نفسه، أو بعض أهله. و"الصَّفر": له تأويلان: - أحدهما: تأخيرهم المحرم، إلى صفر، وهو النسيء - والثاني: أنه دود في البطن، يهيج عند الجوع، وربما قتل صاحبه، وكانت العرب تراها أعدى من الجرب.شط. انظر صفحة - 64 - في ترجمة النووي.
(8) لأنه ربّما أصاب إبله المرض، بفعل اللَّه تعالى، وقدره، الذي أجرى به العادة، لا بطبعها، فيحصل لصاحبها ضرر بمرضها، وربما حصل له ضرر أعظم من ذلك، باعتقاده العدوى بطبعها، فيُكْفر.شط.(1/147)
(9) فقد بيّن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن الطاعون رجز أُرسل على بني إسرائيل، أو على من كان قبلنا، وقال: "فإذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض، وأنتم فيها، فلا تخرجوا فراراً منه". وذلك خوف الفتنة على الناس، لئلا يظنوا أن هلاك القادم، إنما حصل بقدومه، وسلامة الفار، إنما كانت بفراره. وهو من نحو النهي عن الطيرة، والقرب من المجذوم.شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في العلل التي تتعدى:.
مطلب في العلل التي تتعدى:
وأما التعدية بإذن اللَّه تعالى، وخَلْقِه، فجائز، وارتضاه الإمام التُّوربشتي(1)، (رحمه اللَّه تعالى) لما فيه من التوفيق بين الأحاديث(2)، وبينها، وبين قول الأطباء، حيث ذهبوا إلى أنّ العلل السبع تتعدى، وهي: الجذام(3)، والجَرَب، والجُدَري(4)، والحَصْبة(5)، والبَخر(6)، والرَّمد، والأمراض الوبائية(7).
-------------------
(1) التوربشتي: فضل اللَّه بن حسين، الحنفي، المتوفى سنة (600 ه). له شرح المصابيح، للبغوي. معجم المؤلفين، وكشف الظنون.
(2) التي ظاهرها التناقض.
(3) من الجَذْم، وهو القطع، لأنه يقطع اللحم، ويسقطه.شط.
(4) خلط غليظ، يحدث تحت الجلد، من مخالطة البلغم المالح، للدم، ويكون معه بثور، وربما حصل معه هزال، لكثرته.شط.
(5) قروح تنفط عن الجلد، ممتلئة ماء، ثم تنفتح. وأول مَنْ عُذَب به قوم فرعون، ثم بقي بعدهم.شط.
(6) مرض مُعْدٍ، يُخرج بثوراً في الجلد، ويسبب حمّى، وبحّة في الصوت غالباً، وأكثره سليم معافى.منجد.
(7) نتن ريح الفم.
(8) المنسوبة إلى الوباء، كالطاعون، والحمى الوبائية، والنزلات الدموية.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الفأل:.
مطلب في الفأل:(1/148)
وضدُّه الفأل، وهو مستحب، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "لا عَدْوى ولا طيرة، ويُعْجبني الفألُ" قالوا: وما الفأل؟ قال: "كلمة طيبة"(1)، وكان صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع: يا راشدُ، يا نجيح(2).
-------------------
(1) رواه البخاري ومسلم، عن أنس.
(2) رواه الترمذي، عن أنس.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الدعاء عند رؤية ما يتطير به:.
مطلب في الدعاء عند رؤية ما يتطير به:
واعلم أنّ التطير إنما يَضرّ من أشفق منه، وخاف، وأما مَنْ لم يبالِ به، ولم يعانه، فلا يضره البتة، لا سيما إنْ قال - عند رؤية ما يتطير به أو سماعه - : "اللَّهم لا طير إلا طيرُك، ولا خير إلا خيرُك، ولا إله غيرك(1)"، "اللَّهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يذهب بالسيئات إلا أنت، ولا حولَ، ولا قوة إلا بك(2)".
والمراد بالفأل: الفأل المحمود، ليس الفألَ الذي يفعله بعض العوام، مما يسمونه فألَ القرآن، أو فألَ دانيال، أو نحوهما، بل هي من قبيل الاستقسام بالأزلام(3)، فلا يجوز استعمالها ولا اعتقادها. وإنما (الفأل) التّيّمن والتبرك بالكلمة الموافقة للمراد كما تقدّم، ويلحق بها رؤية الصالحين، والأيامُ الشريفة، والأوقات المباركة، والأماكن الميمونة، إذا ساقه اللَّه تعالى إلى شيء من ذلك، وهو في طلب حاجته، فليس فيه الحكم على الغائب، بل مجرد طلب الخير، ورجاء حصول المراد، والبشارة من اللَّه تعالى، وكان صلى اللَّه عليه وسلم كتب إلى أمرائه، "إذا أبردتم إليّ بريداً، فأبردوه حَسَنَ الوجه، حَسَن الاسم"(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الدعاء عند رؤية ما يتطير به:.
وجدت الكلمات في الفص(1/149)
26 - السادس والعشرون: البخل، والتقتير، وهو: ملكةٌ في النفس، تدعو إلى إمساك المال، حيث يجب بذلُه بحكم الشرع أو المروءة. وأشدُّ البخل: الإمساك عن نفسه، بأن لا يسمح أن يأكل (من ماله)، أو يلبس، أو يتداوى، ويسمى هذا شحّاً، قال اللَّه تعالى: {ومَنْ يوقَ شُّح نفسه، فأولئك هم المفلحون(5)} وقال اللَّه تعالى: {ولا يحسبن الذين يبخلونَ بما آتاهم اللَّه من فضله، هو خيراً لهم، بل هو شرٌ لهم، سيُطوقون ما بخلوا به يومَ القيامة(6)} عن أبي بكر الصديق(7) رضي اللَّه عنه، أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "لا يدخلُ الجنةَ خِبٌّ، ولا بخيل، ولا مَنّانٌّ(8)".
وقد ورد في ذمّ البخل، والبخلاء، آياتٌّ، وأحاديثُ كثيرة، وهو - في مخالفة الشرع - حرام، وفي مخالفة المروءة، مكروه تنزيهاً، فمن أدّى واجب الشرع، وواجب المروءة اللائقةِ به، فقد تبرّأ من البخل.
-------------------
(1) رواه ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "من رجعته الطيرة عن حاجته، فقد أشرك"، قالوا: وما كفارة ذلك يا رسول صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال أن يقول...فذكره.شط.
(2) رواه أبو داود عن عروة بن عامر أنه ذكرت الطيرة، عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: "أحسنها الفأل، ولا ترد مسلماً، وإذا رأى أحدكم ما يكره، فيقل: اللَّهم... الحديث".
(3) أي بالقدح، كان أحدهم إذا أراد سفراً، أو غزواً، أو تجارة، أو نكاحاً، أو أمراً من معاظم الأمور، ضرب بالقداح، وهي مكتوب على بعضها: نهاني ربي، وعلى بعضها: أمرني ربي، وبعضها غفلٌ، فإنْ خرج الآمر مضى، وإن خرج الناهي أمسك، وإن خرج الغُفْل أجالها عَوْداً. فمعنى الاستقسام بالأزلام: طلب معرفة ما قسم له مما يقسم له. اه - تفسير الكشاف.
(4) ط 2 - 17 - .
(5) (الحشر:9).
(6) آل عمران: 180).(1/150)
(7) عبد اللَّه بن أبي قحافة، عثمان بن عامر بن كعب التيمي، أبو بكر، أول الخلفاء الراشدين، وأول من آمن برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، من الرجال، وأحد أعاظم العرب، ولد بمكة عام (51 ق.ه - 573 م)، ونشأ سيداً من سادات قريش، وغنياً، وعالماً بالأنساب، حتى لقب بعالم قريش، حرم عل نفسه الخمر في الجاهلية، كانت له، في عصر النبوة، مواقف كبيرة، شهد الحروب، واحتمل الشدائد، وبذل الأموال، وبويع بالخلافة يوم وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم سنة (11 ه)، فحارب المرتدين، ومانعي الزكاة. توفي في المدينة سنة (13 ه - 634 م) أعلام.
(8) الخب - بالفتح، والكسر - : الرجل الخداع. اهـ مختار الصحاح. والمراد به: الكثير الخداع، الذي يحتال على الناس في أخذ أموالهم، وإفساد أعراضهم، وأديانهم.شط.
(9) رواه الترمذي.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في السَّخاء، والجود:.
مطلب في السَّخاء، والجود:
وضدُّه: السخاء، والجود، وهو: ملكةٌ في النفس، تدعو إلى بذل المال، زائداً على الواجب، لنيل الثواب، أو فضيلةِ الجود، وتطهير النفس عن رذالة البخل، لا لغرض آخر، مع الاحتراز عن الإسراف.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الإيثار:.
مطلب في الإيثار:
وأعلى مراتب السخاء: الإيثار، وهو: بذل المال مع الحاجة إليه، قال اللَّه تعالى: {وَيؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خَصَاصةٌ(1)}. عن عائشة(2) رضي اللَّه تعالى عنها، أنها قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "ما جبُل وليُّ اللَّه إلا على السخاء، وحسن الخلق(3)".
وعلاج البخل: كثرة التأملِ في الأخبار الواردة في ذمّ البخل، ومدحِ السخاء، وما توعّد اللَّه به على البخل من العقاب العظيم.(1/151)
ومن الأدوية النافعة: كثرةُ التأمل في أحوال البخلاء، ونفرةُ الطبع عنهم، واستقباحهم له، فإنه ما من بخيل، إلا ويستقبح البخل من غيره، ويستثقل البخيلَ من أصحابه(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الإيثار:.
وجدت الكلمات في الفص
27 - السابع والعشرون: الإسراف، والتبذير، وهو: ملكةٌ في النفس، مضافةٌ إلى بذل المال، حيث يجب إمساكه بحكم الشرع، او المروءة، وهو - في مخالفة الشرع - حرام، وفي - مخالفة المروءة - مكروه تنزيهاً.
-------------------
(1) سورة الحشر - 9 - .
(2) عائشة بنة أبي بكر رضي اللَّه عنهما، ولدت عام (9 ق.ه - 613) أفقه نساء المسلمين، وأعلمهن بالدين، والأدب، كانت تكنى بأم عبد اللَّه. تزوجها النبي صلى اللَّه عليه وسلم، في السنة الثانية من الهجرة، فكانت أحب نسائه إليه، وأكثرهن رواية للحديث عنه، وكان أكابر الصحابة يسألونها عن الفرائض فتجيبهم، توفيت في المدينة سنة (58 ه - 678 م) روي عنها (2210) أحاديث.أعلام.
(3) رواه أبو الشيخ.
(4) ط 2 - 27، 33 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الاعتدال، والإنفاق:.
مطلب في الاعتدال، والإنفاق:
وضده: الاعتدال: وهو: الوسط بين ذينك الطرفين: التفريط، (أي التقصير) والإفراط، (الإكثار) مع الميل إلى البذل، والسخاء، قال اللَّه تعالى: {والذين إذا أنْفَقُوا، لم يُسْرفُوا، ولم يَقْتُروا، وكَانَ بَيْنَ ذلك قواماً(1)}.
اعلم أن الإسراف حرام قطعي، ومرض قلبي، وخلق رديء، ولا تظنّن أنه أدنى كثيراً من البخل، بسبب كثرة ما ورد في ذمه، بخلاف الإسراف، لأنّ ذلك بسبب كون أكثر الطباع مائلة إلى الإمساك، فاحتاج إلى كثرة الروادع، وحسبك في الإسراف قولُه سبحانه وتعالى: {ولا تُبَذِّر تبذيراً، إنَّ المبذرين كانوا إخوانَ الشياطين(2)}.
-------------------(1/152)
(1) (الفرقان: 67).
(2) (الإسراء: 26/27).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في نعمة المال:.
مطلب في نعمة المال:
والسبب الأصلي في مذموميته، هو: أنّ المال نعمةُ اللَّه تعالى، ومزرعة الآخرة، إذ به ينتظم المعاش، والمعاد، وبه صلاح الدارين، وسعادة الحياتين، به يُحَجّ، وبه يُجاهَد، وبه قوام البدن، وقيامُه الذي هو مطيَة الفضائل، وآلة الطاعات، والعبادات، إذ به يَحصُل الغذاء، واللباس، والمسكن، وبه يُصان عن ذل السؤال، وبه يُنال درجات المتصدقين، وبه يُوصل الرحم، وبه تُدفع حاجات الفقراء، وتُقضى ديونهم، وبه يَحصل نفع الناس: ببناء المساجد، والمدارس، والرّباطات، والقناطر، وسدّ الثغور. وخيرُ الناس من ينفع الناس.
وقد سبق(1): أنّ الكسب لأجل التصدق، أفضل من التخلي للعبادة(2).
وما ورد في ذمّ المال، فهو راجع إلى صفته الضارة، وهي: الإطفاء، والإنساء، والإلهاء عن ذكر اللَّه تعالى، وعن الموت، والآخرة، وهذه الصفات غالبة عليه، فلذلك كَثُر الذم، فللمال جهتان متضادتان: خيرٌ، وشر، فالمدح، والذم حَقّان، فإذا ثبت كونه نعمةً عظيمة، فإسرافه استحقار لنعمة اللَّه تعالى، و إهانة لها، وكفرانٌ بها، وتركٌ لشكرها، فيستوجب المقتَ، والبغضَ، والعتاب، والعذاب من مطيعها، وسلبها، لعدم معرفة قدرها، ورعايته حقها، كما أن شكرها، وحفظها عما ذُكر، متوجب ثباتَها، وزيادتها، قال اللَّه تعالى: {لَئِن شكرتُم لأزيدنّكم(3)}.
-------------------
(1) في صفحة - 45 - .(1/153)
(2) قال صلى اللَّه عليه وسلم، في حديث صحيح: "وأحدثكم حديثاً، فاحفظوه، إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه اللَّه تعالى مالاً، وعلماً، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم أن للَّه فيه حقاً، فذها بأفضل المنازل. - وعبد رزقه اللَّه علماً، ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً، لعملت بعمل فلان، فهو نيته، فأجرهما سواء، - وعبد رزقه اللَّه مالاً، ولم يرزقه علماً، فهو يخبط فيه بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم أن للَّه فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل. - وعبد لم يرزقه اللَّه مالاً، ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي مالاً، لعملت فيه بعمل فلان، فهو نيته، فوزنهما سواء". رواه الترمذي، عن أبي كبشة الأنماري. وقال صلى اللَّه عليه وسلم، لعمرو بن العاص، رضي اللَّه عنهما: "نعمم المال الصالح للرجل الصالح". وقد سمى اللَّه تعالى المال خيراً، بقوله: {إن ترك خيراً} (البقرة: 181) وامتنّ على حبيبه سيدنا محمد صلى اللَّه عليه وسلم، حيث قال: {ووجدك عائلاً فأغنى} الزمان، ويصون عرضه، فإن مات تركه ميراثاً لمن بعده.شط.
(3) إبراهيم - 7 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في معنى الإسراف:.
مطلب في معنى الإسراف:(1/154)
والإسراف: معناه: إهلاك المال، وإضاعته، وإنفاقه من غير فائدة معتدٍ بها، دينية، أو دنيوية مباحة، فمنه: - مشهور - كإلقاء المال في البحر، والبئر، والنار، ونحوها، مما لا يوصل إليه، ولا يُنْتَفَعُ به، وكعدم اجتناء الثمار، والزروع، حتى تهلك، وتفسد، وعدم إيواء المواشي، ونحوها، وعدم الإطعام - . ومنه: ما فيه نوع خفاء، ويحتاج إلى تنبيه، وتذكير - كعدم تعهده بعد جمعه، وعدم حفظه حتى يتعفن، أو يأكله السوس، أو الفأرة، أو النمل، أو نحوها. وأكثر وقوع هذا: في الخبز، واللحم، والفواكه الرطبة، واليابسة، وقد يكون في الحبوب - كالحنطة، والشعير، ونحوها - وقد يكون في الثياب، والكتب، وغسل القصعة، والملعقة، واليد قبل المسح، واللعق، وكعدم التقاط ما سقط من كسرات الخبز وغيره، ومنه: الأكل فوق الشبع.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أكل النفائس، ولبس اللباس الفاخر:.
مطلب في أكل النفائس، ولبس اللباس الفاخر:
وأما أكل النفائس من الأطعمة، ولبسُ اللباس الفاخر، والرقيق، وبناءُ الأبنية الرفيعة، ونحوها (مما لم يمنع عنه الشارع تحريماً)، فالصحيح: أنه ليس بإسراف، إذا كان من حلال، ولم يقصد به الكِبر، والفخر، وإن كان شبيهاً به، ويعدّ منه مجازاً، ومكروهاً تنزيهاً (كالأكل في آنية الصفر، والنحاس، لأمر طبي، لا شرعي)، إذ اللائق بطالب الآخرة أن يقنع بأدنى الكفاية، ويتصدق بما فَضَل، لأن الآخرة خيرٌ وأبقى.(1/155)
ومن الإسراف: كلُّ ما صرف إلى المعاصي، والمناهي: وعلاجه: ثلاثة، الأول: علمي، وهو معرفة غوائله، وآفاته (السابقة). والثاني: عملي، وهو التكلف في الإمساك، ونصبُ رقيب عليه يعاتبه، ويذكّره آفات الإسراف، والثالث: قلعي، وهو معرفة أسبابه، ثم إزالتها، وهي ستة: الأول: السَّفَه، وهو الغالب، والثاني: الجهل، بمعنى الإسراف، (أو الجهل ببعض أصنافه، فلا يظنه سرفاً، بل سخاء. أو الجهل بحرمته، وضرره)، والثالث: الرياء، والسمعة، والرابع: الكسل، والبطالة، والخامس: ضعف النفس، وهو الذي يسميه الناس حياءً، فتراهم يُكثرون من الإسراف المذموم، حياءً من الناس.
والسادس: ضعف الدين فلا يهتم له، فيسرف، وهو عالم بحرمة الإسراف. فعليك بالتشمير، والسعي البليغ، في إزالة صفة الإسراف، فإنه خلق ذميم، قبيح جداً، ومرض مُزمِن، عسير العلاج، إلا أن يتدارك اللَّه تعالى العبد بتوفيقه وعنايته، فيريه إياه مذموماً، ويُخلّصه منه، بمحض فضله سبحانه(1).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أكل النفائس، ولبس اللباس الفاخر:.
وجدت الكلمات في الفص
28 - الثامن والعشرون: حُبّ المال، لا لأجل التصدق، وقوامِ البدن، وإقامة الواجب، وهو للمال الحرام، حرام، وللمال الحلال، ليس بحرام، ولكنه مذموماً شرعاً، قال تعالى: {إنما أموالكم و أولادكم قتنةٌ، واللَّه عنده أجر عظيم}(2). عن عبد الرحمن بن عوف(3) رضي اللَّه عنه، انه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم "قال الشيطانُ: لن يسلمَ مني صاحبُ المال، من إحدى ثلاث، أغدو عليه بهن، وأروح: أخذُه من غير حلّه، وإنفاقُه في غير حَقّه، وأُحبّبه إليه، فيمنعُه من حقه"(4).(1/156)
وسببه: ثلاثة، الأول: حبُّ الأولاد، والأقارب، وعلاجه: أن يتذكر أنّ الذي خلقها، خلق معها رزقها، وكم من ولدٍ لم يرث عن أبيه مالاً، وحالهُ أحسن ممن ورث، وأنهم إن كانوا أتقياء، فيكفيهم اللَّه تعالى، وإن كانوا فسقة، فيستعينون بماله على المعصية، وترجع مظلمته عليه، إن علم، أو ظَنّ. والثاني: التلذذ بوجود المال، ورؤيته، وتقلبه بيده، فلا تسمح نفسه بأن يأكل، أو يتصدق منه، وهذا مرضٌ - للقلب - عسير العلاج، لا سيما في كبير السن، فإن قبل (هذا المرض) العلاج، فبكثرة التأمل فيما ورد، من ذمّ البخل، والبخلاء، ونفور الطبع عنهم، وذمّ المال، وآفاته، ومدح السخاء، والزهد، والبذل تكلفاً حتى يصير طبعاً. والثالث: حبُّ الشهوات، واللذات العاجلة قبل الموت، التي لا وصول لها إلا بالمال، وهو المسمى بحب الدنيا، كما يأتي بيان ذلك، ومفاسده.
واعلم أنّ حب المال يورث الحرص المذموم، وقال أبو الفرج بن الجوزي(5) (رحمه اللَّه تعالى): (متى صَحّ القصد، فَجَمْعُ المال أفضلُ من تركه، بلا خلاف عند العلماء، وما ورد في ذم المال، والدنيا، راجعٌ إلى صفته الضارة، وهي الإطغاء، والإلهاء عن ذكر اللَّه، وعن الموت والآخرة). وهذه الصفات غالبةٌ عليه، قلّما ينفك صاحبه عنها، كما سبق بيانه في بحث الإسراف، والتبذير(6)، فلذلك كَثُر الذم في الشرع للمال، وورد في التنفير عنه ما ورد(7).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أكل النفائس، ولبس اللباس الفاخر:.
وجدت الكلمات في الفص(1/157)
29 - التاسع والعشرون: حبُّ الدنيا، وهو: إنْ كان من الدنيا الحرام، فحرام، وإن كان من الدنيا الحلال، فليس بحرام، ولكنه مذموم جداً، قال اللَّه (تعالى: ) {اعلموا أنما الحياةُ الدنيا لَعِبٌ، ولهوٌ، وزينة، وتفاخرٌ بينكم، وتكاثُر في الأموال والأولاد}(8)، عن عائشة(9) رضي اللَّه عنها، أنها قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم "الدنيا دارُ مَنْ لا دارَ له، ولها يجمع من لا عقلَ له"(10)، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ كانت الآخرةُ هَمّه، جعل اللَّه غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومَنْ كانت الدنيا هَمّه، جعل اللَّه فقرَه بين عينيه، وفرّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدّر له"(11)، وزاد في رواية "فلا يمسي إلا فقيراً، وما يصبح إلا فقيراً"(11). وقد ورد في ذمّ الدنيا آياتٌ، وأحاديثُ كثيرة، وسبب ذمها: لكونها صادةً عن عبادة اللَّه تعالى، ومفضية إلى المعاصي، و المناهي، إلا من وَفّقه اللَّه تعالى. قال الحسن البصري(12) رحمه اللَّه: حبُّ الدنيا رأس كلِّ خطيئة.
-------------------
(1) ط 2 - 28، 54، 63،81 - .
(2) (التغابن: 15).(1/158)
(3) عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف، بن عبد الحارث، أبو محمد، الزهري، القرشي، صحابي، من أكابرهم، وأحد العشرة المبشرة بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، الذين جعل عمر الخلافة فيهم، وأحد السابقين إلى الإسلام. كان من الأجواد الشجعان، العقلاء، اسمه في الجاهلية، عبد الكعبة، أو عبد عمرو، سماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: عبد الرحمن. ولد عام (44 ق.ه - 580 م) بعد الفيل بعشر سنين، وأسلم، وشهد بدراً، وأحداً، والمشاهد، وجرح يوم أحد (21) جراحة، وأعتق في يوم واحد ثلاثين عبداً، وكان يحترف التجارة، والبيع، والشراء، فاجتمعت له ثروة كبيرة. وتصدق يوماً بقافلة، فيها سبعمائة راحلة، تحمل الحنطة، والدقيق، والطعام، ولما حضرته الوفاة أوصى بألف فرس، وبخمسين ألف دينار - في سبيل اللَّه. له في الصحيحين (65) حديثاً. توفي سنة (32 ه - 652 م) في المدينة. اهـ أعلام.
(4) رواه الطبراني في الكبير.
(5) عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، القرشي، البغدادي، أبو الفرح، علاّمة عصره في التاريخ، والحديث، كثير التصانيف مولده عام (508 ه - 1114 م) ببغداد، ووفاته كذلك سنة (597 ه - 1201 م) ونسبته إلى شرعة الجوز، من محالها. له نحو ثلاثمائة مصنف.أعلام.
(6) صحيفة - 133 - .
(7) ط 2 - 35، 62 - .
(8) سورة الحديد: 20.
(9) انظر ترجمتها في صفحة - 132 - .
(10) رواه الإمام أحمد.
(11) رواه الترمذي عن أنس.
(12) الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد، تابعي، إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمنه. فقيه، فصيح، شجاع، ناسك. ولد بالمدينة سنة (21 ه - 642 م)، وشب في كنف سيدنا علي، واستكتبه الربيع بن زياد، وولي خراسان زمن معاوية، وسكن البصرة، وعظمت هيبته في القلوب. قال الغزالي: كان أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء، وأقربهم هدياً من الصحابة، وكان غابة في الفصاحة. توفي في البصرة سنة (110 ه - 728 م). أعلام.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].(1/159)
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في حقيقة الدنيا:.
مطلب في حقيقة الدنيا:
واعلم أن في حقيقة الدنيا قولين للمتكلمين: أحدهما: ما على الأرض، مع الهواء، والجو. والثاني: كل المخلوقات من الجواهر، والأعراض(1)، قبل الدار الآخرة، قال النووي(2) (رحمه اللَّه تعالى): هو الأظهر.
-------------------
(1) انظر صفحة - 292 - في معنى الجوهر، والعرض.
(2) مرت ترجمته في صفحة - 64 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الزهد في الدنيا:.
مطلب في الزهد في الدنيا:(1/160)
وضده: الزهد فيها، بحيث لا يَجِدُ في قلبه حرارةً في طلبها، وتحصيلها، فالزهد: فراغ القلب من الدنيا، لا فراغ اليد منها. ويجمع ما على الأرض ثلاثة أقسام: المعادن، والنبات، والحيوان، وقد جمعها اللَّه تعالى في قوله سبحانه: {زُيّنَ للناس حُبُّ الشهواتِ: من النّساء، والبنينَ، والقناطيرِ المقنطرة، من الذهب، والفضة، والخيل المُسَوّمة، والأنعام، والحرث، ذلك متاعُ الحياة الدنيا}(1)، وهذه الأعيان لها مع العبد علاقتان: علاقةٌ مع القلب، وهو حبُّه لها، ويدخل في هذه العلاقة: جميعُ صفات القلب المعلقة بالدنيا - كالكِبر، والغِلّ، والحسد، والرياء، ونحوها - وعلاقته مع البدن، وهو: اشتغاله بإصلاح هذه الأعيان لتصلح لحظوظه، وحظوظ غيره، وهي: جملة الصناعات، والحِرف التي الخلقُ مشغولون بها، والخلق إنما نَسُوا أنفسهم ومآبهم، ومنقلبهم بالدنيا لهاتين العلاقتين: علاقة القلب بالحب، وعلاقة البدن بالشغل، ولو عرف الإنسان نفسَه، وعرف ربه، وعرف حِكمة الدنيا، وسِرّها، علم أن هذه الأعيان التي سميناها دنيا، لم تخلق إلا لِقوامة، ليتقوى بها على إصلاح دينه، حتى إذا فرغ القلب من شغل البدن، أقبل على اللَّه تعالى بكُنه همته، وبقي ملازماً لسياسة الشهوات، ومراقباً لها، حتى لا يجاوز حدودَ الورع، والتقوى. ولا يُعلُم تفصيل ذلك إلا بالاقتداء بالفِرقة الناجية، وهم الصحابة رضي اللَّه عنهم، فقد كانوا على المنهج القَصْد، والسبيل الواضح، فإنهم ما كانوا يأخذون الدنيا للدنيا، بل للدّين، وما كانوا يترهبون، ويهجرون الدنيا بالكلية، وما كان لهم في الأمور تفريط، ولا إفراط، بل كان أمرهم بين ذلك قَوماً، وذلك هو العدل، والوسط بين الطرفين، وهو احب الأمور إلى اللَّه تعالى(2).
-------------------
(1) سورة آل عمرا: 14.
(2) ط 1 - 534 - ط 2 - 38، 46 - 2 - غ 3 - 208 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].(1/161)
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الحرص:.
مطلب في الحرص:
30 - الثلاثون: الحرص، وهو: الرغبة المذمومة، فإنه يورث التشمير، واستغراق الأوقات كلِّها للصناعات، والتجارات، أو الطمع فيما في أيدي الناس.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في القناعة:.
مطلب في القناعة:
وضدُّه: القناعة، وهو: الاكتفاءُ باليسير من الدنيا، بلا طلبِ الزيادة، وذلك لا يكون إلا بأمور: الأول: الاقتصاد في المعيشة، والرفقُ في الإنفاق، وهو الأصل في القانعة، فإنّ من كثر خَرْجه، واتّسع إنفاقه، لم تمكنه القناعة، قال عليه الصلاة والسلام: "ما عَالَ مَن اقتصد". الثاني: أن يتحقق بأن الرزق الذي قُدّر له، لا بدّ وأن يأتيه، وإن لم يشتد حرصه. الثالث: أن يعرف ما في القناعة من عِزِّ الاستغناء، وما في الحرص من الذل والمداهنة. الرابع: أن ينظر إلى أحوال الأنبياء عليهم السلام، ويستمعَ أحاديثهم، فيهون عليه الصبر على القليل، والقناعةُ باليسير. الخامس: أن ينظر إلى مَنْ دونه في الدنيا، لا إلى مَنْ فوقه. فبهذه الأمور يَقْدر على اكتساب خُلُق القناعة.
وعمادُ الأمر: الصبرُ، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ أصبح منكم آمناً في سِرْبِه، معافىً في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حيْزت له الدنيا بحذافيرها"، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "إنّ روحَ القدس، نفثَ في رُوعي: أَنّ نفساً لن تموتَ، حتى تستكمل رزقَها، فاتّقوا اللَّه، وأجملوا في الطلب"(1).
-------------------
(1) ط 2 - 43 - غ 3 - 224 - ر - 81 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الرشد:.
مطلب في الرشد:(1/162)
31 - الحادي والثلاثون: السّفَه، وهو: ضعف العقل، وسخافته، وركاكته، وضدّه: الرُّشد، وهو: قوة العقل، وبلوغُه كمالَه، قال اللَّه تعالى: {ولا تُؤْتوا السفهاء أموالَكم}(1)، ثم قال سبحانه تعالى: {فإنْ آنَسْتُم منهم رشداً، فادْفعوا إليهم أموالَهم}(2). وأكثر السفه: طبيعي، وقد يَنْضَم إليه ما يُقوّيه على الإقدام على كثرة الإسراف، وهو: تملك المال بغير كسب، وتعب، كما في أولاد الكبراء، والقضاة ونحوهم، من أعوان السلطان، وأرباب الوجاهة، فإنّ مَنْ لم يتعب في تحصيل الدرهم، يهونُ عليه إنفاقُه. ومما يقويه أيضاً: حثُّ جلسائه (له) على الإنفاق، وتنفيرهم عن الإمساك، ليأكلوا مالَه، ويأخذوه، فلذا نهى الشارع عن جليس السَّوء. وقد يحصل السفه أو يزيد برعاية الناس، وتعظيمهم، وتغريرهم، وثنائهم.
والسّفَه الطبيعي زواله عَسِر جداً، فلذا نهى الشارع عن إيتاء المال له، وأمرهم بحجره، فإن أكثر الفقهاء ذهبوا إلى وجوب حَجْر السفيه المُسْرف، مع أنه إهدار للآدمية، وإلحاق بالحيوانات العُجْم، والجمادات، فإنْ قبِل (السّفه الطبيعي) العلاج، فبالمنع عن جلساء السوء، وإلزامه مجالسةَ العقلاء، والحكماء، وحمله على تكلف الإمساك(3).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الرشد:.
وجدت الكلمات في الفص
32 - الثاني والثلاثون: الكسل، والبطالة، وهو: عدم النشاط في الخير، والتقاعد عن تحصيل مراتب الكمال، مع القدرة على ذلك. وهو مذموم جداً، وحسبُك فيه قولُه تعالى: {وأنْ ليسَ للإنسان إلاّ ما سعى}(4)، واستعاذةُ النبي صلى اللَّه عليه وسلم منه(5)، وكونُ مقتضاه هلاكَ النفس والبدن، وكونُه تشبهاً بالجماد، وإبطالاً للحكمة. وعلاجه (العملي): مجالسة أرباب الجِد، والسعي، و مجانبة الكُسالى، والبطالين، فالكسل، والبَطالة يفيدان الحِرمان، والحسرة، والندامة في الآخرة، حيث يرى أعمال الغير الصالحة، ولا عمل له(6).(1/163)
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الرشد:.
وجدت الكلمات في الفص
33 - الثالث والثلاثون: العَجلة، وهي: 1 - المعنى الراتب في القلب، الباعثُ على حصول المرام بسرعة، 2 - أو على الإقدام على شيء من الأشياء النافعة، أو المُضرة بأول خاطر، دون تأملٍ واستطلاع، ونظرٍ بالغ، 3 - أو (الباعث) على الإتمامِ بدون توفية كلِّ جزء حقَّه، وهذه أمور ثلاثة، ينطبق عليها معنى العجلة. وضدُّ العجلة مطلقاً: الأناة.
-------------------
(1) سورة النساء: 5.
(2) سورة النساء: 6.
(3) ط 2 - 78 - .
(4) سورة النجم: 39.
(5) بقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "اللَّهم إني أعوذ بك من الكسل، والهرم، والمأثم، والمغرم..." الحديث. رواه الشيخان، عن عائشة.
(6) ط 2 - 80 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الأناة والتؤدة:.
مطلب في الأناة والتؤدة:
وضدُّ الأول - وهو إرادةُ حصولِ المرام، بسرعة: - حسنُ الانتظار، وضدُّ الثاني - وهو الإقدام على الشيء، بأول خاطر: - التوقتُ والتثبتُ، حتى يستبين له رشده. وضد الثالث - وهو إتمام الشيء الذي شرع فيه، من غير توفيته حقه: - التأني والتؤدة، حتى يؤديَ لكل جزءٍ حقه، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "السّمتُ الحسن، والتؤدةُ، والاقتصادُ: جزء من أربعةٍ وعشرين جزءاً من النبوة"(1).
وآفة العجلة الأولى: الفتورُ، والانقطاع عن عمل الخير، وعدمُ حصول المرام: بأن يقصد - مثلاً - منزلةً في الخير، ويعجّلَ في حصولها، فإذا لم تحصل: فإما أن يفتر، وييأس، أو يغلوَ في الجهد، وإتعابِ النفس، فينقطع، فإنّ المُنْبتّ: لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى.(1/164)
وآفته(2) الثانية: فوت التقوى، والورع، بأن يعجّل في شروع أمر، فيه ضرر، بلا تأمل، أو كان في بلية فلا يتحملها، فيدعو على نفسه فيستجابُ، أو أصابه مكروه لغيره، بأن يظلمه - مثلاً - إنسان، فيعجّل في الانتقام، والانتصار، أو يدعوَ عليه، فيستجاب، وربما يتجاوز عن الحدّ، فيقع في معصية.
وآفته(3) الثالثة: نقصان العمل المشروع فيه، بل بطلانه، بفوات آدابه، وسننه، بل واجباته، وفرائضه - مثلاً - ، من عجلٍ في إتمام الصلاة، فربّما يفوّت منه تثليث تسبيحات الركوع، والسجود، أو يغيّر الأذكار، وينقلها عن محالّها، فتحصل في غيرها، وربما يخالف الإمام في الأفعال، والأقوال، بالسبق والتقديم، وربما يفوّت تعديل الأركان، والتجويد، وربما تقعُ زّلة في قراءته، مفسدةٌ للصلاة.
ولا تظنن أن الأناة بمعنى التأخير، والتسويف، فإنه جاء في الحديث "التؤدةُ في كلّ شيء خيرٌ، إلاّ في عمل الآخرة"(3)، وقال حاتمٌ الأصم(4) (رحمه اللَّه تعالى): العجلةُ من الشيطان، إلا في خمس، فإنها من سنّة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إطعامِ الضيف، وتجهيز الميت، وتزويج البكر، وقضاءِ الدين، والتوبة من الذنوب(5).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الأناة والتؤدة:.
وجدت الكلمات في الفص
34 - الرابع والثلاثون: التّسويف، وهو المَطْل، والتأخير، فإنه مذموم جداً في عمل الخير.
-------------------
(1) رواه الترمذي، عن عبد اللَّه بن سرجس.
(2) الصواب: وآفتها.
(3) رواه أبو داود، وغيره، وصححه الحاكم، عن سعد بن أبي وقاص.
(4) حاتم بن عنوان، أبو عبد الرحمن، المعروف بالأصم، زاهد، اشتهر بالورع، والتقشف، له كلام مدون في الزهد، والحِكَم، من أهل بلخ، زار بغداد، واجتمع بأحمد بن حنبل، وشهد بعض معارك الفتوح. توفي في (بواشجرد) سنة (237 ه - 851 م)، كان يقال عنه: لقمان هذه الأمة.أعلام.(1/165)
(5) وجعلها بعضهم سبعاً بقوله (من الرجز):
بادر بتوبةٍ، قرىً، والدفن * بكرٍ، صلاةٍ، مع جهادٍ، دين
بزيادة: الصلاة، والجهاد.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المسارعة في الخيرات:.
مطلب في المسارعة في الخيرات:
وضدُّه: المسارعةُ، والمبادرة، والمسابقة في أعمال الهدى، والصلاح، قال اللَّه تعالى: {يُسارعُون في الخيرات}(1)، {وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم}(2)، عن جابر رضي اللَّه عنه، أنه قال: خَطبنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: "يا أيّها الناس، توبوا إلى اللَّه قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تُشْغَلوا، وصِلُوا الذي بينكم وبين ربكم، بكثرة ذكركم له، وأكثروا الصدقة في السرّ والعلانية، ترزقوا، وتُنصروا، وتجبروا"(3)، وقال صلى اللَّه عليه وسلم لرجل، وهو يعظه: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابَك قبل هرمك، وصحتك قبل سَقَمك، وغِنَاك قبل فقرك، وفراغَك قبل شُغْلك، وحياتَك قبل موتك"(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المسارعة في الخيرات:.
وجدت الكلمات في الفص
35 - الخامس والثلاثون: الفظاظة، وغلظُ القلب، قال اللَّه تعالى: {ولو كنت فَظَاً غليظَ القلب، لانْفَضّوا مِنْ حَوْلك}(5).
-------------------
(1) الأنبياء: 90 والمؤمنون: 61.
(2) آل عمران:133.
(3) جابر بن عبد اللَّه، بن عمرو، بن حرام الخزرجي، الأنصاري، السلمي، صحابي، مكثر من الرواية عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، غزا (19) غزوة، كانت له آخر أيامه حلقة، في المسجد النبوي، يؤخذ عنه العلم، له في البخاري (1540) حديثاً. أعلام.
(4) رواه ابن أبي الدنيا، والحاكم عن ابن عباس. وانظر ط 2 - 92 - .
(5) سورة آل عمران: 159.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.(1/166)
مطلب في اللين، والرِّقة:.
مطلب في اللين، والرِّقة:
وضدُّها: اللين، والرقة، والرحمة، والشفقة، وهي: صرف الهمة إلى إزالة المكروه عن الناس. عن أبي هريرة(1) رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ لا يَرحم لا يُرحم"(2)، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تُنْزَع الرحمةُ إلاّ مِنْ شقي"(3). قال النجم الغزي(4) - في حسنِ التّنبُّه - : (من أخلاق الشيطان: قسوةُ القلب، على خلق اللَّه تعالى، وعدمُ الرحمة، والشفقة)، ثم قال: (وكل هذه أخلاق شيطانية، وقد نهى اللَّه تعالى عنها، وأرشد إلى أضدادها) اه.
فينبغي للإنسان أن يتخلق بالرحمة على جميع أصناف المخلوقات. رؤي الإمام الغزالي(5) رحمه اللَّه تعالى في النوم، فقيل له: ما فعلَ اللَّه بك؟ فقال: أوقفني بين يديه، وقال: بم جئتني؟ فذكرتُ أنواعاً من الطاعات، فقال: ما قبلتُ منها شيئاً، لكنك جلستَ تكتب، فوقعت ذبابةٌ على القلم، فتركتها تشرب من الحِبر، رحمةً لها، فكما رحمتَها رحمتُك، اذهب فقد غفرتُ لك(6).
-------------------
(1) انظر ترجمته في صفحة - 120 - .
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه الترمذي، عن أبي هريرة.
(4) انظر ترجمته في صفحة - 32 - .
(5) انظر ترجمته في صفحة - 103 - .
(6) ط 2 - 92 - وفي الحديث "الخلق كلُّهم عيال اللَّه، وأحبّ الخلق إلى اللَّه: أنفعهم لعياله".
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الحياء:.
مطلب في الحياء:(1/167)
36 - السادس والثلاثون: الوَقاحة، وهي: قلَة الحياء، وهو (أي الحياء): انحصار النفس، خوف ارتكاب القبائح. عن ابن مسعود(1) رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "استَحيوا من اللَّه حَقّ الحياء، قلنا: إنّا لنستحي من اللَّه يا رسولَ اللَّه - والحمدُ للَّه - قَال: ليس ذلك، ولكن الاستحياء مِنْ اللَّه حَقّ الحياء: أن تحفظَ الرأس، وما وعى، والبطنَ، وما حوى، وتذكرَ الموت والبِلى، ومن أراد الآخرةَ ترك زينةَ الدنيا، وآثر الآخرة على الأولى، فَمنْ فعل ذلك، فقد استحى مِنَ اللَّه تعالى حَقّ الحياء"(2). وأفضلُ الحياء: الحياءُ من اللَّه تعالى، ثم من الناس، فيما لا معصية، ولا كراهة فيه، وأما ما فيه أحدهما - كالحياء في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتركِ السنن - كالسواك، والطَيْلسان(3)، وتقصير الثياب، وترقيعها، والمشي حافياً، وركوب الحمار، والأُكاف(4)، ولعق الأصابع، والقصعةِ، والحياءِ من أكلّ ما سَقط على السفرة، وعلى الأرض من الطعام، والجهر بالسلام، وردّه، والأذان، والإمامة، ونحو ذلك - فمذموم جداً، لأنه - في الحقيقة - جبنٌ، وضعف في الدين، أو رياء، وكِبْر، ولو سُلّم أنه حياء، فحياءٌ من الناس، ووقاحة للَّه تعالى، ولرسوله صلى اللَّه عليه وسلم له، وجراءة عليهما، واللَّه ورسوله أحقُّ بالحياء من الناس، فما حال مَنْ لا يستحي من خالقه، ورازقه، وهاديه، ومنجيه، بترك الأوامر، والسنن، ويستحي من المخلوق، لطلب ثنائهم، ورضائهم، وحطامهم، ويَفرُّ من تعييرهم، ولا يَفرُّ من العذاب الأليم، ولا من حرمان الشفاعة؟ فنعوذ باللَّه تعالى من ذلك(5).
-------------------
(1) انظر ترجمته في صفحة - 18 - .
(2) رواه الترمذي.
(3) كساء أخضر.
(4) جمع أكف: البرذعة (كساء يلقى على ظهر الدابة) منجد.
(5) ط 2 - 94 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.(1/168)
مطلب في الصبر:.
مطلب في الصبر:
37 - السابع والثلاثون: الجزَع، والشكوى، وهو: عدمُ تحمّل المِحَن، والمصائب، وإظهارهما قولاً، أو فعلاً، تضجراً. وضدّه: الصبر، وهو: حبس النفْس عن الجزع، قال اللَّه تعالى {إنّما يُوفى الصابرون أجْرَهم بغير حساب}(1). عن ابن عباس(2)، رضي اللَّه تعالى عنهما، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "من أُصيب بمصيبةٍ في ماله، أو في نفسه، فكتمها، ولم يشكُها لأحد، كان حقّاً على اللَّه تعالى أن يغفر له"(3).
وأفضل الصبر: ما كان عند الصدمة الأولى، أي في ابتداء المصيبة، وأما بعد ذلك، فإن الصبر كائن لا محالة، لأن العبد عاجز، لا يقدر على شيء، فلا يملك لنفسه ضراً، ولا نفعاً، ولا موتاً، ولا حياةً، ولا نشوراً. والصبرُ أصلُ كلِّ عبادة، و (أصل كلّ) كفٍّ عن معصية، فإنّ من طبْعِ النفس ميلَها إلى ما يَضرها، والمعصيةُ ديدنُها، فلا تكاد تُبغض المعصية، وتُحب الطاعة، إلا بقصد رياء وعُجب، أو تكبّر، فتنتقل من معصية إلى معصية، وهي لا تشعر، فإذا كفّت عن المعصية أصلاً، (فإنها) تحتاج إلى صبر عظيم، حتى تُخلص للَّه تعالى في ذلك، فتترك المعصية لوجه اللَّه تعالى، لا لغرض دنيوي، ولا أُخروي، وهو أصعب أمرٍ عليها، إلاّ لمن وفّقه اللَّه، لتخليص عمله الصالح، فعلاً وكفّاً من دسائس النفوس، وأغراضها الفاسدة(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الصبر:.
وجدت الكلمات في الفص(1/169)
38 - الثامن والثلاثون: كفرانُ النعمة، بحيث لا يراها العبد، ويغفُل عنها، فلا يشكر اللَّه تعالى، بسبب إسادئها إليه. والنعمةُ أنواع كثيرة، لا تُعدّ، ولا تُحصى، كما قال تعالى: {وإن تعدّوا نِعْمَة اللَّه لا تُحصوها}(5) وقال تبارك، وتعالى: {وضربَ اللَّه مثلاً: قريةً كانت آمنةً مطمئنةً، يأتيها رزقُها رغّداً من كل مكان، فكفرت بأنْعُم اللَّه، فأذاقها اللَّه لباسَ الجوع، والخوف، بما كانوا يصنعون}(6).
-------------------
(1) سورة الزمر: 10.
(2) انظر ترجمته في صفحة - 35 - .
(3) رواه الطبراني في الكبير.
(4) ط 2 - 98 - .
(5) سورة إبراهيم: 34.
(6) سورة النحل: 112 - 113.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب الشُّكر:.
مطلب الشُّكر:
وضدُّه: الشكر، وهو: تعظيمُ المُنْعِم في مقابلة نِعَمِه، على حدٍّ يمنعه عن جفاء المنعم، وقيل: الشكر هو معرفة النعم، قال تعالى: {لئِن شكرتم لأزيْدَنّكم}(1)، عن النعمان بن بشير(2) رضي اللَّه عنه، انه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ لم يشكرِ القليلَ، لم يكشرِ الكثيرَ، ومن لم يشكرِ الناسَ، لم يَشكر اللَّه، والتحدثُ بنعم اللَّه تعالى شكرٌ، وتركها كفرٌ، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب"(3).
وربما يقال: إنّ شكر الناس: أن تراهم أسباباً، لا تأثيرَ لهم في إيصال ما قدّر اللَّه تعالى لك من النعم، والإحسان، فمن رآهم كذلك، وسلَب عنهم التأثير في الإعطاء، فقد شكرهم، لوصفه لهم بأحسنِ أوصافهم، عند اللَّه تعالى، التي هم يتكلمون بها، وبشكرهم قد شكر اللَّه المنعم الحقيقي. ومَنْ رأى لهم تأثيراً في الإعطاء، والإنعام، لم يشكرهم، فلم يشكرِ اللَّه تعالى(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب الشُّكر:.
وجدت الكلمات في الفص(1/170)
39 - التاسع والثلاثون: السخط بعدم حصول المراد، وهو: ذكرُ غير ما قضاه اللَّه تعالى، بأنه أولى به، وأصلح له، فيما لا يستيقن صلاحه، وفساده، والتضجرُ بما قضاه اللَّه تعالى(5).
-------------------
(1) سورة إبراهيم:7.
(2) النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة، الخزرجي، الأنصاري، أبو عبد اللَّه، أمير، خطيب، شاعر، من أجلاء الصحابة، من أهل المدينة، له (124) حديثاً. ولد عام (2 ه - 623 م)، شهد صفين مع معاوية، وولي القضاء بدمشق، واليمن، والكوفة، وحمص، واستمر بها حتى وفاة يزيد بن معاوية. وهو أول مولود ولد في الأنصار، بعد الهجرة. وتنسب إليه معرة النعمان، لأنه دفن ابناً له، مات فيها. توفي سنة (65 ه - 684 م). وكانت له ذرية في المدينة، وبغداد.أعلام.
(3) رواه أحمد.
(4) ط 2 - 100 - .
(5) قال بعض العارفين: ما ترك من الجهل شيئاً مَنْ ظن أنه يحدث في الكون غير ما أراد اللَّه.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الرضا، والتسليم:.
مطلب في الرضا، والتسليم:(1/171)
وضدُّه: الرضا، وهو: طِيب النفس فيما يصيبه، ويَفُوته، مع عدم التغير، والتسليمُ، وهو: الانقياد لأمر اللَّه تعالى، وترك الاعتراض فيما لا يلائم طبعه، وجاء في الحديث القدسي، قال اللَّه تعالى: "من لم يَرضَ بقضائي، ولم يصبرْ على بلائي، فليلتمسْ رباً سواي"(1). أي يعبده، ولم يجد ذلك، فلا محيص له عن الرضا، والصبرِ على كل حال، قال الْمُناوي(2) (رحمه اللَّه تعالى): وكم يترتب على الضّراء من عواقبَ حميدة، ومواهبَ كريمة، يستحق اللَّه تعالى الحمدَ عليها، قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}(3). قال الإمام الغزالي(4) (رحمه اللَّه تعالى): لا شدة إلاّ وفي جنبها نعم اللَّه تعالى، فليلزم الحمد، والشكر على تلك النعم المقترنة بها، وقال عمر(5) رضي اللَّه عنه: (ما ابتليتُ ببليةٍ إلاّ للَّه عليَّ فيها أربعُ نعم: إذ لم تكن في ديني، وإذ لم أحرم الرضا، وإذ لم تكن اعظم، وإذ رجوت الثواب عليها)، وقال إمام الحرمين(6): شدائد الدنيا، مما يلزم الشكر عليها، لأنها نِعَمٌ في الحقيقة، بدليل أنها تُعَرّض العبد لمنافع عظيمة، و مثوبات جزيلة، وأغراضٍ كريمة، تتلاشى في جنبها مشقات الشدائد. وذُكر أيضاً عن العارف الجيلاني(7) قُدّس سره: أنّ التلذذ بالبلاء من مقامات العارفين، لكن لا يعطيه اللَّه سبحانه لعبد إلاّ بعد بذله الجهد في مرضاته، فإنّ البلاء تارةً يكون مقابلةً بجريمة، وتارة تكفيراً، وتارة رفعاً للدرجات، وتبليغاً للمنازل العالية، ولكلٍّ منها علامة، فعلامة الأول: عدم الصبر عند البلاء، وكثرة الجزع والشكوى للخلق، وعلامة الثاني: الصبر، وعدمُ الشكوى، والجزع، وخفةُ الطاعة على بدنه، وعلامة الثالث: الرضا والطمأنينة، وخفة العمل على البدن والقلب. قال صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ أَحبَّ أن يعلم منزلته عند اللَّه تعالى، فلينظر منزلةَ اللَّه تعالى عنده، فإنّ اللَّه تعالى يُنزل العبدَ منه، حيث أنزله(1/172)
العبدُ من نفسه"(8)، لأنه الملك الديان، يَدين كما يدان. وقال صاحب الْحِكم(9) (رحمه اللَّه تعالى): (من ظنَّ انفكاك لطفه عن قَدَره، فذاك لقصور نظره).
-------------------
(1) رواه الطبراني في الكبير، وابن حيان، عن أبي هند الداري، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: قال اللَّه تعالى...الحديث.
(2) محمد عبد الرؤوف ابن تاج العارفين، ابن علي بن زين العابدين، الحدادي، ثم المناوي، القاهري، زين الدين، من كبار العلماء بالدين، والفنون. انزوى للبحث، والتصنيف. كان قليل الطعام، كثير السهر، فمرض، وضعفت أطرافه، فاستملى منه ولده تاج الدين محمد تآليفه، له نحو (80) مصنفاً، مولده عام (952 ه - 1545 م)، عاش في القاهرة، وتوفي بها سنة (1031 ه - 1622 م). من كتبه: التيسير في شرح الجامع الصغير، ومنه أخذ كلامه. أعلام، بتصرف.
(3) (البقرة: 216).
(4) انظر ترجمته في صفحة - 103 -
(5) انظر ترجمته في صفحة - 39 -
(6) عبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين. أعلم المتأخرين، من أصحاب الشافعي. ولد في جوين (من نواحي نيسابور) عام (419 ه - 1028 م)، ورحل إلى بغداد، فمكة، إذ جاور فيها أربع سنين، وذهب إلى المدينة، فأفتى، ودرّس، جامعاً طرق المذهب، ثم عاد إلى نيسابور، فبنى له الوزير نظام الملك "المدرسة النظامية" فيها. وكان يحضر دروسه أكابر العلماء. توفي في نيسابور سنة (478 ه - 1085 م).أعلام.(1/173)
(7) عبد القادر بن موسى بن عبد اللَّه بن جنكي دوست، الحسني، أبو محمد، محي الدين الجيلاني، أو الكيلاني، أو الجيلي، مؤسسة الطريقة القادرية، من كبار الزهاد، والمتصوفين، ولد في جيلان (وراء طبرستان) عام (471 ه - 1078 م)، وانتقل إلى بغداد شاباً سنة /488 ه/ فاتصل بشيوخ العلم، والتصوف، وبرع بأساليب الوعظ، وتفقه، وسمع الحديث، قرأ الأدب، وكان يأكل من عمل يده، وتصدر للتدريس والإفتاء في بغداد عام 528 ه - وتوفي بها سنة (561 ه - 1166 م).أعلام.
(8) رواه الحاكم عن جابر رضي اللَّه عنه.
(9) ابن عطاء اللَّه الإسكندري، أحمد بن محمد عبد الكريم، أبو الفضل، تاج الدين، متصوف، شاذلي، من العلماء. توفي سنة (709 ه - 1309 م). من تصانيفه: الحكم العطائية.أعلام.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: لا يلزم الرضى بالقضاء، الرضى بالمقضِي:.
مطلب: لا يلزم الرضى بالقضاء، الرضى بالمقضِي:
واعلم: أنّ الشرور، والمعاصيَ، مقتضياتٌ(1)، لا قضاء(2)، فلا يَرِد(3) أن الرضاء بالكفر كفر، وبالمعصية معصية، فكيف يكون الرضا بالقضاء طاعةً للَّه تعالى؟ قال الشيخ الأكبر(4) قدّس سره: (لا يلزم الرضى بالقضاء، الرضا بالمقضِي، فالقضاء: حكُم اللَّه تعالى، وهو الذي أمرنا بالرضاء به، والمقضِي: المحكوم به، فلا يلزم الرضاء به)(5).
-------------------
(1) أي أمور قضاها اللَّه تعالى، وقدّرها على عباده من الأزل.شط.
(2) أي ليست حكماً للَّه تعالى، بمعنى فعله سبحانه، الصادر أزلاً من حضرته، على طبق إرادته، وعلمه.شط.
(3) أي فلا يرد على قوله تعالى في الحديث القدسي السابق: "من لم يرض بقضائي..." أن... الخ.
(4) مرت ترجمته في صفحة 103 -
(5) ط 2 - 104 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في التوكل:.
مطلب في التوكل:(1/174)
40 - الأربعون: التعليق(1)، وهو: ذكر قِوام بنيتك من شيء، دون اللَّه تعالى، وهو: الاعتماد بالقلب على الأسباب الظاهرة، والافتنان بها، وضدُّه: التوكل (على اللَّه تعالى)، وهو ذكر قِوام بدنك من اللَّه تعالى، لا من شيء سواه أصلاً، يعني من قيوميته سبحانه عليك، وتعلق صفاته، وأسمائه، بإيجادك على ما أنت فيه من أحوالك، وقيل - في معنى التوكل - : إنه كِلةُ الأمر كلّه إلى مالكه، والتعويلُ على وكالته، وقيل: ترك السعي فيما لا يسعه قدرةُ البشر، أعني المسببات - كالشِّبع بدون الأكل، والحرق بدون النار، ونحو ذلك - فلا يضره السعي في الأسباب، للتوصل بها إلى ما قصد من المسببات، قال اللَّه تعالى: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّه الرِّزْقَ}(2).
-------------------
(1) أي تعليق الخاطر، بما عدا اللَّه تعالى، من الأشياء، وربط النفس بذلك.
(2) (العنكبوت: 17)، فتقييدُ الطلب بالعندية: إرشاد إلى ان ذلك لا يقدر عليه إلا اللَّه تعالى، لا ما سواه.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في معاطاة الأسباب:.
مطلب في معاطاة الأسباب:
والمراد بالطلب: معاطاة الأسباب، المترتبةِ عليها مسبباتُها في العادة، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "اعقلها وتوكل"(1)، فمباشرة الأسباب الظاهرة، المظنونة الوصول إلى المسببات، لا تنافي التوكل أصلاً، فلذا فُرض الكسبُ للمحتاج - ولو سؤالاً - والأكل لدفع الهلاك، وأُمر بأخذ الْحِذر، والسلاح في الحرب، وغيره، كما قال تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمُ وَأَسْلِحَتَهُمْ}(2) الآيةَ، ومع ذلك أَمَرَه بالتوكل عليه، فقال سبحانه: {وَعَلَى اللَّه فَتَوَكَّلُوا، إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(3).
-------------------
(1) رواه الترمذي، عن أنس، أنه قال رجل للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: أعقلها، وأَتوكل، أو أطلقها، وأتوكل؟ فذكره.
(2) (سورة النساء:102).(1/175)
(3) (سورة المائدة: 23) ط 2 - 106 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في البغض في اللَّه:.
مطلب في البغض في اللَّه:
41 - الحادي والأربعون: حبُّ الفسقة، والركون إلى الظَّلَمة، قال اللَّه تعالى: {وَ لاَ تَرْكَنْوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}(1)، وضدُّه: البغض في اللَّه تعالى لكل عاصٍ، لعصيانه، لا سيما المبتدعين، والظلمة، فإنّ بغضهم، والنفرة منهم، أمرٌ متعين على المؤمن، إلاّ مقدار الضرورة، لكون معصيتهم متعديةً، فلا بدّ من إظهار البغض لهم، إن لم يخف منهم أن يضروه، إن أظهر لهم البغض، فيضمرُه في قلبه، بخلاف غيرهم من العصاة، فإن معصيتهم قاصرة عليهم، غيرُ متعدية، فضررها دون ضررهم، فلا يتعين عليه إظهار البغض لهم.
وكما أنّ حب الفسقة منهيٌّ عنه، كذلك بغضُ العلماء والصالحين من أمة (سيدنا) محمد صلى اللَّه عليه وسلم، - وهم الموفقون للعمل الصالح، من غير زيادة علم - منهي عنه، ولا عبرة بالظن السوء، والتهمة، والوساوس الشيطانية في قلوب الغافلين.
-------------------
(1) (سورة هود: 113).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الحب باللَّه:.
مطلب في الحب باللَّه:(1/176)
وضده: الحب في اللَّه تعالى، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "الشِّرْك أخفى من دبيب النمل، على الصفا، في الليلة المظلمة، وأدناه: أن تُحبّ على شيء من الجور، وتُبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلاّ الحبُّ والبغض؟"(1)، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "لا يجد العبدُ صريحَ الإيمان، حتى يحبَّ للَّه، ويُبغض للَّه، فإذا أحبّ للَّه، وأبغض للَّه، فقد استحق الولاية للَّه"(2)، وعن ابن مسعود(3) رضي اللَّه عنه، أنه جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، كيف ترى في رجلٍ، أحب قوماً لم يلحق بهم(4)! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "المرءُ مع مَنْ أحب"(5).
قال النووي(6) (رحمه اللَّه تعالى): فيه فضلُ حبِّ اللَّه تعالى، ورسوله صلى اللَّه عليه وسلم، والصالحين، وأهل الخير الأحياء، والأموات. ومن أفضل محبة اللَّه تعالى ورسوله: امتثالُ أمرهما، واجتنابُ نهيهما، والتأدب بالآداب الشرعية. ولا يشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يعمل عملهم، إذ لو عَمِله لكان منهم، ثم إنه لا يلزم من كونه معهم، أن تكون منزلته، وجزاؤه مثلَهم من كلّ وجه، قال: النجم الغزي(7) - في حسن التنبه في التشبه - بعد أن ساق الأحاديث الواردةَ في ذلك: فهذه الأحاديث قاضيةٌ بأن المحبةَ تُلحق الْمُقصر في الأعمال، عن درجات المجتهدين، لمحبته إياهم، بهم، فما ظنُّك بمن بلغ من محبته لهم أنْ تَشَبَّه بهم في الأعمال الصالحات، والاجتهاد في تحصيل الكمالات(8)؟
-------------------
(1) رواه الحاكم عن عائشة.
(2) رواه أحمد، والطبراني، عن عمرو بن الجموح.
(3) انظر ترجمته في صفحة - 18 -
(4) أي ثم لم يعمل بعملهم، حتى يلتحق بجملتهم.شط.
(5) رواه الشيخان.
(6) انظر ترجمته في صفحة - 64 -
(7) انظر ترجمته في صفحة - 32 -
(8) ط 2 - 110 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.(1/177)
مطلب في الخوف، والخشية:.
مطلب في الخوف، والخشية:
42 - الثاني والأربعون: الجرأة على اللَّه تعالى، والأمن من عذابه، وسخطه، وضده: الخوف، فإذا كان مع الاستعظام(1)، والمهابة، يسمى خشيةً. وحقيقته: رِعدة تحدث في القلب، على ظنِّ مكروه يناله، وسببه: ذكر الذنوب، وشدةِ عقوبة اللَّه تعالى عليها، وضعفِ النفس عن احتمالها، وقدرةِ اللَّه تعالى عليك متى شاء، وكيف شاء، وأنت عبدٌ، ذليل، عاجز، محتاج إليه من كل وجه، وقد خلقك، ورزقك، وهداك، وأنت تخالفه وتعصيه.
-------------------
(1) أي وجد أن المعصية قبيحة، لا يليق أن تصدر منه في حق ربه تعالى، المنعم عليه.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الحزن، والخشوع:.
مطلب في الحزن، والخشوع:
ويُثمر الحزنَ، وهو: حصرُ النفْس عن النهوض في الطرب، والتوجعُ على الذنب الماضي، والتأسفُ على العمر، والطاعةِ الفائِتَيْن. ويُثمر الخشوعَ، وهو: قيام القلب بين يدي الحق، بِهمٍّ مجموع، وقيل: تذلل القلوب لعلام الغيوب.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في اليقين:.
مطلب في اليقين:
ويثمر اليقينَ، وهو: استيلاء العلم على القلب، واستغراقه بحيث لا يبقى فيه فضيلة لغيره.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في العبودية:.
مطلب في العبودية:
ويُثمر العبوديةَ، وهي: أن تكون عبدَه في كل حال، كما أنه ربُّك، على كل حال، وهي أتمُّ من العبادة.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الحرية:.
مطلب في الحرية:
ويلزمها الحريةُ، وهي أن لا يكون العبد تحت رقِّ المخلوقات، ولا يجري عليه سلطانُ المكونات.
-------------------
*** : ***(1/178)
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الإرادة:.
مطلب في الإرادة:
ويلزمها الإرادةُ أيضاً، وهي: نهوضُ القلب في طلب الحق(1)، بالخروج عن العبادة(2). عن أبي هريرة(3) رضي اللَّه تعالى عنه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه عزّ وجلّ، قال: "وعِزّتي، وجلالي، وكبريائي، لا أجمعُ على عبدي خوفين، وأمنين، إذا خافني في الدنيا، أمّنْتُه يومَ القيامة، وإذا أمِنَني في الدنيا، أخَفْتُه يومَ القيامة"(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الإرادة:.
وجدت الكلمات في الفص
43 - الثالث والأربعون: اليأس من رحمة اللَّه تعالى، وهو: تذكر فوات رحمته، وفضله تعالى، وقطع القلب عن ذلك بالكلية، من غير شوْبِ رجاء، وهو: كفر، كالأمن من مكر اللَّه تعالى، أي طمأنينة القلب، والقطعُ بعدم المؤاخذة على المخالفة، لإنكار صفة الانتقام.
-------------------
(1) أي المعرفة الذوقية، الوجدانية، المستندة إلى الكشف، لا المعرفة العقلية، المستندة إلى الأدلة، والبراهين.شط.
(2) وذلك بتعليم النفس الإخلاص، والورع، والزهد، والتوكل، والصبر، والقناعة، والتقوى، وإلزامها بالتخلق بذلك كله، وبعد ذلك يحصل التحقق بحقائق الوجدان، وينتقل القلب من العلم، والعيان.شط.
(3) انظر ترجمته في صفحة - 12 -
(4) رواه ابن حبان. ط 2 - 116 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب الرجاء:.
مطلب الرجاء:(1/179)
وضدُّه: الرجاء، وهو: ابتهاج القلب، بمعرفة فضل اللَّه تعالى، واسترواحه(1) إلى سَعة رحمته سبحانه، وسببه: ذكر سوابق فضله إلينا، من غير عمل، وشفيع، وما وعد من جزيل ثوابه، دون استحقاقنا إياه، وسَعة رحمته، وسبقها غضبه، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّه إِنَّ اللَّه يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}(2). عن ابن مسعود(3) رضي اللَّه تعالى عنه، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "ليَغْفرَنّ اللَّه يومَ القيامة مغفرةً، ما خطرتْ قَطُّ على قلب أحد، حتى إنّ إبليس ليتطاول، رجاءَ أن تصيبه"(4). عن أبي هريرة(5) رضي اللَّه تعالى عنه، أنه قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يقول: "جَعَلَ اللَّه الرحمةَ مائةَ جزءٍ، فأمسك عنده تسعةً وتسعين، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمِنْ ذلك الجزءِ يتراحمُ الخلائق، حتى ترفعُ الدابةُ حافرَها عن ولدها، خشيةَ أن تصيبه"(6). وفي رواية لمسلم(7): "وأخّر تسعة وتسعين رحمةً، يرحمُ اللَّه بها عبادَه يوم القيامة"(8).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب الرجاء:.
وجدت الكلمات في الفص
44 - الرابع والأربعون: الحزن في (فوات) أمر الدنيا، وهو: التوجع، والتأسف على ما فات من النعم الدنيوية، ويلزمه: الفرح بإيتانها، وإقبالها، وكثرتها. ومنشؤه: حبُّ الدنيا، وتوقع حصول جميع المطالب، وبقائها، وهو جهل(9)، فليتوجه إلى الباقيات الصالحات، قال اللَّه تعالى: {لكيلا تَأسَوْا على ما فاتَكم، ولا تَفْرحوا بما آتاكم}(10).(1/180)
اعلم أنّ الحزن إذا أخرج صاحبَه من الصبر، إلى الجزَع، والفرَح (إذا أخرج صاحبه) من الشكر إلى الطغيان، والبطر، فحرامان، و إلاّ فلا، ولكنّ الكمال: استواء إيتان الدنيا، وفواتها، وهو مقام التسليم، والتفويض، وذلك عزيز جداً(11).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب الرجاء:.
وجدت الكلمات في الفص
45 - الخامس والأربعون: الخوفُ في (فوات) أمر الدنيا، وهو: انقباض القلب، كراهةَ أن يُصيبه مكروه دنيوي، وهو غيرُ الحزن، لأنه لِمَا مضى، والخوفُ للمستقبل، وهو إمّا من الفقر، أو المرض، أو إصابة مكروه من مخلوق، أما الأول - وهو الخوف من الفقر - فمذموم جداً، لأن الفقر شعار الصالحين، فهو نعمة، وعلامة سعادة، فالخوف منه، وعَدُّه محنةً وبلية، في غير محله، وعلى التسليم (بأنه محنة، وبلية)، ففيه سوء الظن باللَّه تعالى. وأما الثاني - وهو الخوف من المرض - فإما لفوت التنعم، فعلاجه: أن تعلم أنه فائت على كل حال، وإما لفوت الطاعة المعتادة، ونقص الثواب، فجهل.
-------------------
(1) أي اعتماده، وركونه.
(2) (الزمر: 53).
(3) انظر ترجمته في صفحة - 18 -
(4) رواه ابن أبي الدنيا.
(5) انظر ترجمته في صفحة - 120 - .
(6) رواه البخاري، ومسلم.
(7) مسلم بن الحجاج، بن مسلم القشيري، النيسابوري، أبو الحسين، حافظ، من أئمة المحدثين، ولد بنيسابور عام (204 ه - 875 م)، ورحل إلى الحجاز، ومصر، والشام، والعراق، وتوفي بظاهر نيسابور سنة (261 ه - 875 م). أشهر كتبه: الجامع الصحيح له - جمع فيه اثني عشر ألف حديث، كتبها في خمس عشرة سنة، وهو أحد الصحيحين المعول عليهما عند أهل السنة في الحديث، وقد شرحه كثيرون.أعلام.
(8) ط 2 - 127 -
(9) لأن الدنيا لا بقاء لها، وتوقعُ بقائها توقع أمر محال، ولولا كمال الجهل منه، لما توقع ذلك.
(10) الحديد - 23 - .
(11) ط 2 - 132 - .
-------------------
*** : ***(1/181)
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: في أن المريض يُكتب له ثوابُ ما اعتاده في الصحة:.
مطلب: في أن المريض يُكتب له ثوابُ ما اعتاده في الصحة:
إذ ورد في الخبر: "إن المريض يُكتب له ثوابُ جميع ما اعتاد في الصحة" بل يزيد ثوابه إنْ صبر، لما جاء: "إن أهل العافية يَتَمَنّونَ - يومَ القيامة حين يُعطى أهلُ البلاء الثوابَ - لو أنّ جلودهم قُرِضَت بالمقاريض، لِمَا رأوا من كثرة ثواب المرضى"، وأما الثالث - وهو الخوف من إصابة مكروه من مخلوق - فعلاجه: ترك السبب الداعي إلى إصابة المكروه، إنْ أمكن، بلا ضرر ديني، وإلا فالتوطين(1)، إذ المقدّر كائن، والأجل واحد، وجميع نِعَم الدنيا ظل زائل، ونومُ نائم(2).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: في أن المريض يُكتب له ثوابُ ما اعتاده في الصحة:.
وجدت الكلمات في الفص(1/182)
46 - السادس والأربعون: الغِش، والغِلّ، وهو: عدم تمحيض النصح، بأن لا يجتنب من إصابة الشر للغير، وإن لم يرده ابتداءً، وقصداً، - كمن يريد بيعَ متاع معِيب له، فيكتم عيبه، فيبيعه من غير إعلام بالعيب - وهذا غيرُ الحسد، لأن الحسد: تمني زوال النعمة عن الغير، بعد وجودها في الغير، والغش: إصابة الغير بالشرّ، سواء كان الغير في نعمة، أو لا. وهذا - أيضاً - حرام، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "مِنْ غَشّنَا فليس منا"(3)، قاله حين مرًّ على صُبْرة، فأدخل يده فيها، فنال أُصبعُه بللاً، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟" قال: أصابته السماء يا رسول اللَّه، فقال: "أفلا جَعَلْتَه فوق الطعام حتى يراه الناس؟!" فيجب على كل بائع إظهارُ عيب متاعه، أو يخبر به إن كان خفياً، وكذا يجب على كل مَن علم - مَن يريد بيعاً. أو إجارة، أو نكاحاً - ، أن يخبر بعيب المبِيْع، والمستأجَر، والمنكوحة، إن علم به، وبعدم علم الآخذ، إلا أن يخاف على نفسه - يعني خاف من البائع - فلا يخبر حينئذ.
-------------------
(1) أي تطمين النفس على كل ما قدر اللَّه تعالى، وقضاه في الأزل.شط.
(2) ط 2 - 134 - .
(3) رواه مسلم عن ابن عمر، وأبي هريرة.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب الغَبْن:.
مطلب الغَبْن:
ومن الغش: الغبن، إذا وُجد منه(1) التغرير، تصريحاً، أو تعريضاً، مثلُ أن يكذب في قيمته، أو يمدحه، بحيث يشعر أنه بيع بقيمته، أو أقل، فهذا غش حرام، حتى يُخّيّرُ المشتري إذا علم بذلك، فإن شاء فسخ البيع، وإن شاء رضي به. وإن لم يوجد تغرير أصلاً، فليس بحرام، فلذا لا يخير المشتري في الصحيح، ولكنه مذموم، لعدم مراعاة حقوق الأخوّة الإيمانية، لأنه لا يَكُمل إيمان المرء حتى يُحِبّ لأخيه ما يحب لنفسه.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.(1/183)
مطلب في الخديعة، والمكر:.
مطلب في الخديعة، والمكر:
وأما الخديعةُ، والمكر، وهو: إرادة إصابة المكروه لغيره، من حيث لا يعلم، فإن كان مستحقاً له - بأن كان يريد ظلمه، أو غصب ماله، أو مع أهل الحرب، او البغاة - فمندوب إليه، لورود (أنّ الحرب خَدعة)، وإلاّ فحرام، لأنه غش، وترك نصحٍ واجب(1).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الخديعة، والمكر:.
وجدت الكلمات في الفص
47 - السابع والأربعون: الفتنة، وهي: إيقاع الناس في الاضطراب، والاختلال، والاختلاف، والمحنة، والبلاء، بلا فائدة دينية، كأن يغريَ الناس على البغي، والخروج على السلطان، وكتطويل الإمام الصلاة بالمقتدين، وكأن يقول لهم ما لا يفهمون مرامه، ويحملونه على غيره، فلهذا ورد: (كَلّمِ الناس على قَدْر عقولهم)، أو لا يحتاط في التأمل، والمطالعة، (في كتب العلوم الشرعية) فيخطئ في فهم مسألة، أو نحوها، فيذكر ذلك للناس، فيفتنهم به، أو يذكِّرُ، ويفتي قولاً مهجوراً، أو (يرجح، ويقوي) قولاً يعلم أن الناس لا يعلمون به (للحرج عليهم فيه)، بل ينكرونه، أو يتركونه، بسبب طاعة أخرى، كمن يقول لأهل القرى، والعجائز، والإماء: لا تجوز الصلاة بدون تجويد، وهم ممن يعلم أنهم لا يقدرون على التجويد، أو لا يتعلمونه، فيتركون الصلاة رأساً، وهي جائزة عند البعض (وإن كان ضعيفاً)، فالعمل به أولى من الترك أصلاً.
-------------------
(1) ط 2 - 142 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الوعظ والإفتاء:.
مطلب في الوعظ والإفتاء:
فعلى الوعّاظ والمفتين: معرفةُ أحوال الناس، وعاداتهم في القبول، والردّ، والسعي (في العمل بموجب المسألة)، والكسل (أي التقاعد عن العمل بها)، ونحوها، فيتكلمون بالأصلح، والأوفق لهم، حتى لا يكون كلامهم فتنةً للناس.(1/184)
ولا ينبغي أن ينهى الواعظُ عمّا قال به إمامٌ من أئمة المسلمين، بل ينبغي أن يقع النّهي عمّا أجمعَ الأئمةُ كلَُهم على تحريمه، (والنّهي عنه) - كحرمة الزنى، والربا، وشرب الخمر، والظلم، وغير ذلك، مما هو معلوم بالضرورة من الدين - . والذي يعظ، أو يفتي، يحتاج أن يكون كالطبيب للأمراض. فيداوي كلَّ مريض بما يليق به، وإلا أفسد على الناس أديانهم، كما أن الطبيب الجاهلَ، يفسد على الناس أبدانهم، وليس هذا الوصف من التكميل، إلاّ لأهل الكمال في عِلْمَي الظاهر والباطن، فإنهم أطباء القلوب. وأما أهلُ الكمال في علم الظاهر فقط، فإن عندهم نصفَ الطب، وهم مَرضى القلوب، ما يُفسدونه من أحوال الناس: أكثرُ مما يصلحونه، ولا يعرف هذا إلاّ أهل الإنصاف من المسلمين(1).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الوعظ والإفتاء:.
وجدت الكلمات في الفص
48 - الثامن والأربعون: المداهنة، وهي: الفتورُ، والضعف في أمر الدين - كالسكوت عند مشاهدة المعاصي، والمناهي، مع القدرة على التغيير بلا ضرر - فهذا السكوت حرام، فقد ورد: "أن الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس".
-------------------
(1) ط 2 - 146 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الصلابة في الدين:.
مطلب في الصلابة في الدين:
وضدُّه: الصّلابة في الدّين، قال اللَّه تعالى: {يُجَاهِدُون في سبيل اللَّه، ولا يَخَافُون لومةَ لائم}(1)، وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: "قُلِ الحقّ وإنْ كانَ مُرّاً"، فإن كان سكوته لدرء ضرر عن نفسه، أو غيره، فهو مداراة جائزة، بل مستحَبة في بعض المواضع، إذا توصل بها إلى إنقاذ أحدٍ من ظلم، أو إيصالٍ إلى استيفاء حقٍّ شرعي.
-------------------
(1) سورة المائدة:54.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].(1/185)
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الفَرْق بين المداراة، والمداهنة:.
مطلب في الفَرْق بين المداراة، والمداهنة:
والفرق بين المداراة، والمداهنة: أن المداراةَ: بذلُ الدنيا، لصلاح الدنيا، أو الدّين، أو هما معاً، وهي مباحة، والمداهنة: بذل الدين لصلاح الدنيا(1).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الفَرْق بين المداراة، والمداهنة:.
وجدت الكلمات في الفص
49 - التاسع والأربعون: الأُنس بالناس، والوحشة لفراقهم، وهذا مذموم في الشّرع، فلذا قيل: من علامات الإفلاس: الاستئناس بالناس، وكذا الأُنس بسائر متاع الدنيا، فإنه مذموم أيضاً، لأنه أنْسٌ بغير اللَّه تعالى، وهو مفارَق على كلّ حال، ولا بدّ أن ينقلب الأنس به وحشة - كالكَرْم، والبستان، والرّحى، والضيعة، ونحوها - .
بل اللائق - في طريق اللَّه تعالى - : الأُنْسُ دائماً بذكر اللَّه تعالى، وطاعته، والوحشة عند ملاقاة العوام من الناس، لا للكبر، والعجب، بل لمنعهم عن الذكر للَّه تعالى، والفكْرُ في آياته الباهرة في الآفاق، وفي الأنفس، والطاعةُ له سبحانه، فإن الاجتماع بهم مُشْغل عن ذلك(2).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الفَرْق بين المداراة، والمداهنة:.
وجدت الكلمات في الفص(1/186)
50 - الخمسون: الطيش، والخِفّة، ويظهر ذلك في الأعضاء، والرأس، والعين، والأذن، فتراه يلتفت، وينظر إلى كل جاءٍ، وذاهب، ومتحرك، ويريد أن يسمع كلَّ قول، وفي اللسان: بأن يكثر الكلام، والاستفسار عمّا لا يهم، والاستعجال في السؤال، والجواب، وفي اليد بالتحريك الكثير، وحكّ العضو، وتسوية العِمامة، واللحية، والثوب، بلا حاجة، وعبثها بشيء من بدنه، أو ثوبه، وفي القدم: بالمشي فيما لا حاجةَ فيه، وتحريكُها، وفي سائر الأعضاء: بالتّمدّد، وتحريك الكتفين، ونحو ذلك. وذلك ناشئ من السّفه، وخفة العقل.
-------------------
(1) ط 2 - 154 - .
(2) ط 2 - 159 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الوقار والسكون:.
مطلب في الوقار والسكون:
وضدُّه: الوقار، والسكون، وهو: الاحتراز عن فضول النظر، والكلام، والحركة، فهو: علامة قوة العلم، والحلم، وسِيْمَا الصالحين، لكنْ لا بدّ من أن لا يكون للرياء، والتكبر.
وعلامةُ الإخلاص: استواءُ الخلوة والخلطة، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "سرعة المشي تُذْهِبُ بهاءَ الوجه"(1). والمراد: الإسراع الحثيث، لأنه يُخل بالوقار، قال تعالى حكايةً عن لقمان: {واقْصِد في مشيك}(2)، أي اقتصد فيه، لا مشيَ المتماوتين، ولا مشي الجبارين، فالأدب في المشي: الاقتصاد، والتوسط بين الإسراع الحثيث، وبين التماوت، والاختيال. وقد يحْسن أحدُ الطرفين - كالاختيال في الحرب، وكالإسراع إلى حضور جنائز الصالحين، خشية الفوات - (3).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الوقار والسكون:.
وجدت الكلمات في الفص
51 - الحادي والخمسون: العناد، ومكابرة الحق، وإنكاره بعد العلم به، وهو ناشيء من الرّياء، أو الحقد، أو الحسد، أو الطمع، فيدعوه ذلك إلى العناد، والمكابرة في الحق، وعدم الانقياد إليه.(1/187)
قال النجم الغزي(4) - في حسن التّنبه - : ومن أعمال عادٍ(5)، وأخلاقهم: مكابرتُهم، وتصميمهم على ما كانوا عليه، من مشاهدة الآيات، وعدم اتعاظهم بها، كما ورد (إنّ الريح لما جاءتهم، أخذ بعضهم بيد بعض، وجعلوا يشتدون وأركزوا أقدامهم في الأرض، وقالوا لهود: مَنْ يزيل أقدامنا؟ فاقتلعتهم الريح)، قال تعالى: {وأمًّا عادٌ فأُهْلِكُوا بريحٍ صرصرٍ عاتيةٍ(6)، سَخّرها عليهم سَبْعَ ليالٍ وثمانيةَ أيام حسوماً}(7).
-------------------
(1) رواه أبو نعيم في الحلية، عن أبي هريرة، رضي اللَّه عنه، والخطيب في جامعه، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما.شط.
(2) سورة لقمان:19.
(3) ط 2 - 160 - .
(4) انظر ترجمته في صفحة - 32 - .
(5) قوم نبي اللَّه سيدنا هود عليه السلام، سمّوا باسم جدهم عاد بن عوص، بن إرم، بن سام، بن نوح. يقال: إنه كان في بابل، ورحل بولده، وأهله إلى اليمن، فاستقر في الأحقاف (بين عُمان، وحضر موت)، وكانت له، ولنبيه من بعده حضارة، وعناية بالعمران. وقد ذكر اللَّه تعالى له جانباً منها بقوله: {ألم تر كيف فعل ربك بعادٍ، إرم ذات العمد، التي لم يخلق مثلها في البلاد} - الفجر - 6 - 8 - . من آثارهم: أبنية حجرية لا تزال أنقاضها في حضرموت، جلّها في "وادي عدم"، وشرقيه، وفي نواحي "وداي سونة". وقد بادت هذه القبيلة، وأصبح اسمها رمزاً للقدم، حتى قيل: مجد عادي، أي قديم. أعلام، بتصرف وزيادة.(1/188)
(6) أي الريح العاصفة، ذات الصوت الشديد، وهي الدبور. وفي الحديث: "نُصرت بالصَّبا، وأهلكت عاد بالدبور". أخرجه البخاري ومسلم. والعاتية: التي تجاوزت الحدّ في الهبوب، والبرودة، كأنها عتت على خُزّانِها فلم يتمكنوا من ضبطها. قال ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما: ما أرسل اللَّه من ريح قط، إلا بمكيال، ولا أنزل قطرة قط، إلا بمكيال، إلا يوم نوح، ويوم عاد، فإن الماء يوم نوح، طغى على الخزّان، فلم يكن لهم عليه سبيل، ثم قرأ: {إنّا لما طغى الماء، حملناكم في الجارية} - الحاقة:11، وإن الريح، عتت على خزانها، فلم يكن لهم عليها سبيل، ثم قرأ: {بريحٍ صرصرٍ عاتية}. وقد سلطها اللَّه عليهم سبع ليال، وثمانية أيام متتابعة، لا تفتر، ولا تنقطع، فترى القوم، في منازلهم، موتى لا حراك بهم، كأنهم أصول نخل، متآكلة الأجواف. كانت الريح تقطع رؤوسهم، كما تقطع رؤوس النخل، وتدخل من أفواههم، وتخرج من أدبارهم، حتى تصرعهم، فيصبحوا كالنخلة الخاوية الجوف. صفوة التفاسير.
(7) الحاقة: 6.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب أيام الحسوم:.
مطلب أيام الحسوم:
وهي الأيام النّحِسَات(1)، وأيام العجوز، لأنها جاءت في عَجُزِ الشتاء، أو لأن عجوزاً من عادٍ، اختبأت من الريح، في سردابٍ لها، فاقتلعتها الريح، ودقّت عنقها، وبقيت آثار عذابهم ظاهرةً في نظير هذه الأيام، في كل عام، فيرى فيها من شدة البرد، ويُبْس الريح، كلّ سنة، ما هو عبرةٌ لذوي الاعتبار، وتبصرةٌ لأولي الاستبصار.
فينبغي للإنسان - إذا شاهد شيئاً من آيات اللَّه تعالى العظيمة، كالرّعد، والبرق ، والزلازل، واشتداد الرياح، والكسوف، والخسوف، وغير ذلك - أن يلزم الخوف، والوجل، ويسأل اللَّه تعالى أن يعيذه، ويعافيه، فإن هذا هو المقصود بإرسال الآيات، كما قال تعالى: {وما نُرْسِلُ بالآيات إلاّ تخويفاً}(2).(1/189)
وأما التمرد والإباء - وهو عدم قبول العظة، والإطاعة لَمنْ هو فوقه - فسببه: الكبر، والعجب، والرياء، والحقد، والحسد، والطمع، واتباع الهوى. فيحمله أحدُ هذه الأمور أيضاً، على ترك القبول للحق، وعدم الإذعان إليه، فيتمرّد، يأبى، ويعتو، ويطغى(3).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب أيام الحسوم:.
وجدت الكلمات في الفص
52 - الثاني والخمسون: الصَّلفَ، وهو: تزكية النفس، أي مدحها، والثناء عليها بالخير، وبغضُ من يكشفُ له عن عيوبها، ويذكّره بمساويها، وإظهارُ القدرة على الأمور الشاقة، والإخبار عن الأمور الغريبة، مع عدم المبالاة من الكذب.وهو ناشيء عن الكذب، والعجب، وينشأ منه النفاق.
قال النجم الغَزّي(4) - في حسن التنبه - : ومن أخلاق الشيطان: رؤية النفس، وتزكيتها، والإعجاب بها، والغضب لها، فإن إبليس لّما أُمر بالسجود، لمن هو دونه في اعتقاده، غضِب، وحنِق، وحمله الغضب على الإباء، والكبر، والكفر، ولم ينشأ غضبه إلاّ من رؤيته لفضل نفسه، ومفضولية آدم، ألا ترى كيف قال: {أنا خَيْرٌ منه، خَلَقْتَني من نار، وخلقته من طين}(5)، ولم يكاشَف بحقيقة: {إنّ أَكْرَمَكم عند اللَّه أتقاكم}(6)، ولم ينتبه لمعنى المثل السائر (يا ويح النار، ما تُخَلّف إلا الرّماد}، فلما نظر إلى نفسه بالتعظيم، أنِفَ من السجود، لمن رآه بعين التحقير، فغضب، فطارت شرارة غضبه، حتى أحرقته(7).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب أيام الحسوم:.
وجدت الكلمات في الفص
53 - الثالث والخمسون: النِّفاق، وهو: عدم موافقة الظاهر للباطن، والقولِ للفعل. وهو على قسمين:
أ - الأول: اعتقادي، وهو عبارة عن إبطان الكفر، وإظهار الإسلام، وهو أشد أنواع الكفر، ولذلك قال اللَّه عز وجل: {إنّ المنافقين في الدَّرك الأسفلِ من النار}(8)، وهذا: يُخَلّد صاحبه في النّار.(1/190)
-------------------
(1) قال تعالى: {فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً، في أيامٍ نحسات}: 16 - أي مشؤمات، غير مباركات. صفوة التفاسير.
(2) الإسراء:59.
(3) ط 2 - 161 - 163 - .
(4) انظر ترجمته في صفحة 32 - .
(5) سورة الأعراف:12.
(6) سورة الحجرات: 13.
(7) ط 2 - 163 - .
(8) (النساء: 145).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أول من عُرف بالنفاق من بني آدم:.
مطلب في أول من عُرف بالنفاق من بني آدم:
وأول من عُرف بالنفاق من بني آدم: كنعان ابن سيدنا نوح عليه السلام، وأول من عُرف بالنفاق من هذه الأمة: عبد اللَّه بن أُبَي بن سلول(1)، ولم يكن قبل الهجرة نفاق، ولا بعدها، حتى كانت، وقعة بدر العظمى، وأظهر اللَّه تعالى كلمتّه، وأعلى الإسلام، وأعَزّ أهله.
وعبدُ اللَّه بن أبي كان رأساً في المدينة، وهو من الخزرج، وكان سيدَ الطائفتين: الأوسِ، والحزرج، في الجاهلية، وكانوا قد عزموا على أن يملكوه عليهم، فجاءهم الخبر، فأسلموا، واشتغلوا عنه، فبقي في نفسه من الإسلام، وأهله، فلمّا كانت وقعة بدر، وأعَزَّ اللَّه دينه، قال: هذا أمرٌ قد تَوَجّه، فأظهرَ الدخول في الإسلام، ودخل معه طوائفُ ممن هو على طريقته، وآخرون من اليهود، ومن سببه، وجُد النفاق في أهل المدينة، ومَنَ حولها من الأعراب، ولذلك لم تكن صفات المنافقين إلاّ في السورة المدنية، وكلُّ آية نزلت في المنافقين، فهي بعد غزوة بدر.
ب - الثاني: عملي، وهو: ما لا يكون في الاعتقاد، ويقال له: النفاق القولي، وهو: مخالفةُ القول الباطنَ، وهو من أكبر الذنوب، قيل لابن عمر(2) رضي اللَّه عنهما: (إنّا ندخل على أمرائنا، فنقول القولَ، فإذا خرجنا، قلنا غيره، قال: كنا نعدُّ ذلك نفاقاً على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم)(3).
------------------(1/191)
(1) عبد اللَّه بن أُبي مالك بن الحارث بن عبيد الخزرجي، أبو الحباب، المشهور بابن سلول، وسلول: جدته لأبيه، من خزاعة، رأس المنافقين في الإسلام. من أهل المدينة، أظهر الإسلام بعد وقعة بدر تقيةً، ولما تهيأ النبي صلى اللَّه عليه وسلم، لوقعة أُحد، انخزل أُبي، وكان معه ثلاثمائة رجل، فعاد بهم إلى المدينة. وفعل ذلك يوم التهيؤ لغزوة تبوك. وكان كلما حلت بالمسلمين نازلة، شمت بهم، وكلما سمع بسيئة نشرها، وكان عملاقاً، يركب الفرس، فتخط إبهاماه في الأرض.أعلام.
(2) انظر ترجمته في صفحة 23.
(3) رواه الطبراني.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في كلام ذي اللسانين:.
مطلب في كلام ذي اللسانين:
ومنه: كلام ذي اللسانين: وهو: الذي يتكلم بين الْمُتَعَادِيَيْن، عند كل واحد منهما، بكلام يوافقه، أو ينقل كلامَ كلَّ واحد إلى الآخر، أو كان يُحّن لكل واحد منهما، ما هو عليه من المعاداة، ويُثني عليه، أو يَعِدُ كلَّ واحد منهما أن ينصره، وهو يتضمن النفاق، ويزيد عليه، عن عمار بن ياسر(1)، رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ كان له وَجْهان في الدنيا، كان له لسانان من نارٍ، يومَ القيامة"(2). وهذا كلُّه، إذا كان على وجه الإفساد، وأما إذا كان على وجه الإصلاح، فمحمود، وقلّما يخلو عن هذا النفاقِ القولي المذكورِ مَنْ يَدْخل على الأمراء، والكبراء.
-------------------(1/192)
(1) عمار بن ياسر، بن عامر، الكناني، المذحجي، العنسي، القحطاني، أبو اليقظان، صحابي، من الولاة الشجعان، ذوي الرأي، وهو أحد السابقين إلى الإسلام، والجهر به. هاجر إلى المدينة، وشهد بدراً، وأحداً، والخندق، وبيعة الرضوان، كان صلى اللَّه عليه وسلم يلقبه "الطيب، المطيب" ولد عام (57 ه - 567 م)، وهو أول من بنى مسجداً في الإسلام، (مسجد قباء)، ولاه عمر الكوفة، وشهد الجمل، وصفين مع علي، وقتل في صفين سنة (37 ه - 657 م) وعمره (93) سنة، له (62) حديثاً.أعلام.
(2) رواه البخاري ومسلم.
------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المداراة:.
مطلب في المداراة:
نعم: تجوز المداراة، وهي: ما يكون لدرءِ الضرر، والشر، المتوقع من بعض الناس، حاكماً كان أو غيره، ممن يخاف منه، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "إنّ من شَرّ الناس: الذين يُكْرَمون اتقاء ألسنتهم" الحديثَ(1).
-------------------
(1) رواه الشيخان عن عائشة، أن رجلاً استأذن على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلما رآه قال: "بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة"، فلما جلس، تطلّق في وجهه، وانبسط إليه، فلما انطلق، قلت: يا رسول اللَّه، حين رأين الرجل، قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه! فقال: "يا عائشة متى عهدتني فحاشاً؟!، إن من شر الناس، عند اللَّه منزلة، يوم القيامة، من تركه الناس اتقاء شره". وفي رواية: "إن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم".شط. وانظر ط 2 - 265 - 282 - 286.
-------------------
الدرر المباحة، الإصدار 1.02
للنحلاوي
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: الذكاء والفطنة:.
مطلب: الذكاء والفطنة:(1/193)
54 - الرابع والخمسون: البلادة، والغباوة، وهي مَلكة يَقْصُر بها صاحبُها عن إدراك الخير والشر، وضدُّهما: الذكاء، والفطنة، وعلاج هذا الخُلق: السعي، والجِد، والمواظبة في التعلم، والدراسة، فإن البلادة تزول بذلك، وتضمحل شيئاً فشيئاً، حتى يصير ذكاءً وفطنة، قال: الإمام أبو حنيفة رضي اللَّه عنه لأب يوسف(1): (كُنْتَ بليداً، أخْرجتك مواظبتك(2)).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: الذكاء والفطنة:.
وجدت الكلمات في الفص
54 - الرابع والخمسون: البلادة، والغباوة، وهي مَلكة يَقْصُر بها صاحبُها عن إدراك الخير والشر، وضدُّهما: الذكاء، والفطنة، وعلاج هذا الخُلق: السعي، والجِد، والمواظبة في التعلم، والدراسة، فإن البلادة تزول بذلك، وتضمحل شيئاً فشيئاً، حتى يصير ذكاءً وفطنة، قال: الإمام أبو حنيفة رضي اللَّه عنه لأب يوسف(1): (كُنْتَ بليداً، أخْرجتك مواظبتك(2)).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: الذكاء والفطنة:.
وجدت الكلمات في الفص
55 - الخامس والخمسون: الخمول، وهو: ملكة بها يقْصُر الإنسان، عن استيفاء ما ينبغي من المشتهيات، المباحة في الشرع، بسبب انطفاء نار القوة الشهوانية، فإن كان متأهلاً، أوْله مرضٌ في المعدة، فعلاجه: بالطب، وإلا (بأن لم يكن متأهلاً، ولم يكن في معدته مرض) فلا يحتاج إلى العلاج، فقد كفي مؤنتهما، ونجا عن غوائلها، فإن المؤمن القليل المؤنة، خيرٌ من المؤمن الكثير المؤنة، لوجود السلامة وقوة الحال(3).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: الذكاء والفطنة:.
وجدت الكلمات في الفص(1/194)
56 - السادس والخمسون: الشَّره على الطعام، والجِماع، فإن كثرة الحرص على ذلك أمر مذموم(4)، حتى كره بعضهم ذكرَ ذلك. قال المناوي(5) (رحمه اللَّه تعالى) في شرحه على الجامع الصغير(6): (ويكره مجردُ ذكر الجماع بلا فائدة، لأنه خلاف المروءة)، ولهذا قال الأحنف(7): (جنبوا مجالسكم ذكر النساء) والطعام، فكفى بالرجل ذماً، أن يكونَ وصّافاً لفرجه، وبطنه)، وقال بعضهم: دواء الحرص على الدنيا: دوام التفكر في مدة فقدها، وسرعة زوالها، وما في أبوابها من الأخطار، والهموم، والتفكر في خساسة المطلب.
-------------------
مرت ترجمتها في صفحة 8.
ط 2 - 167.
ط 2 صفحة 149.
قال بعضهم:
ثلاثٌ مهلكاتٌ للأنامِ * وداعيةُ الصحيح إلى السِّقام:
دوامُ مُدامةٍ، ودوام وطءٍ * وإدخالُ الطعامِ على الطعام
من الوافر
انظر ترجمته في صفحة 103.
للجلال السيوطي عبد الرحمن، بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين، الخضيري، السيوطي، ولد عام (849 ه - 1445 م) إمام، حافظ، مؤرخ، أديب، له نحو (600) مصنف، نشأ في القاهرة يتيماً، مات والده وعمره خمس سنوات، ولما بلغ أربعين سنة، اعتزل الناس، وخلا بنفسه في روضة المقياس، على النيل، منزوياً عن أصحابه، فألف أكثر كتبه، وردّ أموال الأغنياء، والأمراء، الذين كانوا يزورونه، وبقي على ذلك، إلى أن توفي سنة (911 ه - 1505 م). طلبه السلطان مراراً، فلم يحضر إليه، وأرسل إليه هدايا، فردها. أعلام.
الأحنف بن قيس، بن معاوية، بن حصين، المري، السعدي، المنقري، التميمي، أبو بحر، سيد تميم، وأحد العظماء، الدهاة، الفصحاء، الشجعان، الفاتحين. يضرب به المثل في الحلم، ولد في البصرة عام (3 ق.ه - 619 م)، وأدرك النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يره، قال أبو تمام، في مدح المعتصم:
إقدامُ عمروٍ، في سماحة حاتمٍ * في حلم أحنف، في ذكاء إياسِ
(الكامل)(1/195)
فقد مدحه بشجاعة عمرو بن معد يكرب، وكرم حاتم الطائي، وحلم أحنف بن قيس، وذكاء إياس بن معاوية قاضي البصرة.
وفد الأحنف على عمر، لما آلت إليه الخلافة، في المدينة، فاستبقاه عاماً، ثم أذن له، فعاد إلى لبصرة، وكتب عمر إلى أبي موسى: أما بعد: فدنِ الأحنف، وشاوره، واسمع من...، شهد الفتوح في خراسان، واعتزل الفتنة يوم الجمل، فسئل معاوية عن صبره عليه؟! فقال: هذا الذي إذا غضب، غضب له مائة ألف، لا يدرون فيم غضب. توفي سنة (72 - 691 م) في الكوفة.أعلام، مع زيادة من غيره.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أفضل المأكولات، والمشروبات:.
مطلب في أفضل المأكولات، والمشروبات:
إن أفضل المأكولات: العسلَ، وهو: فَضْلةُ حيوان، وأفضل المشروبات: الماء، وهو أهون شيء، وأيسره، وألذُّ الاستمتاعات: المجامعة، وهي تلاقي مَبَالَيْن، وأشرف الملابس: الديباج، وهو من دودة(1).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أفضل المأكولات، والمشروبات:.
وجدت الكلمات في الفص
57 - السابع والخمسون: الإصرار على المعاصي، والمناهي، وهو: دوام قصد المعاصي (بحيث يبقى قلبه طالباً لها، راغباً فيها)، ولو رصدت أحياناً، أو مرةً. ولو تخلل بين ذلك الندامةُ، والرجوع، فليس بإصرار، ولو صدرت في يومٍ واحد سبعين مرة. وضرر الإصرار لا يحتاج إلى بيان، ويكفيك جعله الصغيرةَ كبيرة، لورود: "أنْ لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرةَ مع الاستغفار"(2).
-------------------
(1) ط 2 - 167.
(2) رواه السيوطي، في الصغير، وابن ماجه، عن ابن عباس، بلفظ: "لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار".
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الإنابة، والتوبة:.
مطلب في الإنابة، والتوبة:(1/196)
وضده: الإنابة، والتوبة، وهي: الرجوع عن قصد المعصية، والعزم على ان لا يعود (مِنْ فعل المعصية)، قال اللَّه تعالى {وتوبوا إلى اللَّه جميعاً أيها المؤمنون، لعلكم تفلحون}(1)، عن ابن عباس(2) رضي اللَّه عنهما، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "التائب من الذنب، كمن لا ذنب له، والمستغفر من الذنب - وهو مقيم عليه - كالمستهزئ بربه"(3)، وقال النووي(4) (رحمه اللَّه تعالى) في رياض الصالحين: قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد، وبين اللَّه تعالى، لا تتعلق بآدمي، فشروطها ثلاثة: أحدها: أن يُقلع عن المعصية، والثاني: أن يندم على فعلها، والثالث: أن يعزم على أن لا يعود إليها، فإنْ فَقَد أحد الثلاثة، لم تصح توبته, وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي، فشروطها أربعة، هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالاً، أو نحوه، ردَّه إليه، وإن كان حدَّ قذفٍ، أو نحوه، مكّنه منه، أو طلب عفوه، وإن كانت غِيبةً استحله منها.
وفي شرح مسلم(5): وإذا تاب من ذنب، ثم ذكَره، هل يجب تجديد الندم؟ فيه خلاف، قال الإمام الباقلاني(6): يجب، وقال إمام الحرمين(7): لا يجب، وتصح التوبة من الذنب، وإن كان مصراً على ذنب آخر. وإذا تاب توبة صحيحة بشروطها، هذا مذهب أهل السنة في المسألتين، وخالفت المعتزلة فيهما(8). ثم توبة الكافر من كفره مقطوع بقبولها، وما سواها من أنواع التوبة، هل قبولها مقطوع به، أم مظنون؟ فيه خلاف لأهل السنة، واختار إمام الحرمين(7) أنه مظنون، وهو الأصح(9).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الإنابة، والتوبة:.
وجدت الكلمات في الفص
58 - الثامن والخمسون: الكذب، وهو: الإخبار عن الشيء، على خلاف ما هو عليه، فإنْ لم يكن عن عمد، فمعفو عنه، بدليل يمين اللغو(10)، وإن عن عمدٍ فحرام قطعي(11)، إلا في مواضع عند البعض، وسيجيء(12).(1/197)
وأشد الكذب: البهتان، وهو: القذف بالباطل، وافتراء الكذب، وهو من أعظم المعاصي، وأقبحها.
-------------------
(النور:31).
انظر ترجمته في صفحة 35.
رواه البيهقي.
انظر ترجمته في صفحة 64.
شرح النووي على صحيح مسلم - انظر صفحة 64 - في ترجمة النووي - والإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، أبو الحسين، حافظ، من أئمة المحدّثين، ولد في نيسابور عام (204 ه - 820 م)، ورحل إلى الحجاز، ومصر، والشام، والعراق، وتوفي بنيسابور سنة (261 ه - 875 م). أشهر كتبه: صحيح مسلم، جمع فيه اثني عشر ألف حديث، كتبها في خمس عشرة سنة، وهو أحد الصحيحين، المعول عليهما عند أهل السنة في الحديث. وقد شرحه كثيرون منهم النووي - أعلام - بتصرف. وانظر صفحة - 156 - .
محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر، قاض، من كبار علماء الكلام، انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة، ولد في البصرة عام (338 ه - 950 م)، وسكن في بغداد، فتوفي فيها. كان جيد الاستنباط، سريع الجواب. اهـ أعلام.
انظر ترجمته في صفحة 149.(1/198)
وهو أحد أصول الخمسة، وهي: 1 - القول بالتوحيد 2 - والقول بالعدل 3 - والقول بالوعد والوعيد 4 - والقول بالمنزلة بين المنزلتين 5 - والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وليس يستحق أحد منهم اسم الاعتزال حتى يجمع القول بهذه الأصول. ومعنى الأصل الرابع: أن المعاصي قسمان: - صغائر، وكبائر. والكبير: ما اقترنت بالوعيد، والصغيرة: ما لم يأت فيها الوعيد. وجعلوا الكبائر أنواعاً، بعضها مكفر، كمن شبه اللَّه بخلقه، وبعضها مفسق. والفسق عندهم ليس إيماناً، ولا كفراً، بل الفاسق: في منزلة بين الإيمان والكفر. وأوجبوا على اللَّه تعالى إثابة الطائع، ومعاقبة مرتكب الكبيرة، إذا مات، ولم يتب، فلا يجوز أن يعفو اللَّه عنه، لأنه أوعده بالعقاب، فلو لم يعاقبه، لزم الخلف في وعيده بزعمهم. وقالوا: إن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، ولو صدق بوحدانية اللَّه، وآمن برسله. وقالوا: إن الكبائر تحبط الأعمال. ضحى الإسلام /3/.
ط 2 - 168.
قال اللَّه تعالى: {لا يؤاخذكم اللَّه باللغو في أيمانكم} (المائدة:89) وسميت لغواً، لأنها لا يعتبر بها، فإن اللغو اسم لما لا يفيد، وهي حلفه كذباً، يظنه صادقاً - شط.
قال تعالى: {ولهم عذاب أليم، بما كانوا يكذبون} (البقرة:10)، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "لا يطبع المؤمن على الخلال كلها، إلا الخيانة، والكذب". ورواه أحمد عن أبي إمامة. وقال أيضاً: "لا يبلغ العبد صريح الإيمان، حتى يدع الْمُزاح، والكذب، ويدع المراء، وإن كان محقاً". رواه أبو يعلى عن عمر. وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "إذا كذب العبد، يتباعد عنه الملك ميلاً، من نتن ما جاء به". رواه الترمذي عن ابن عمر.
في صفحة 172.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في شهادة الزُّور:.
مطلب في شهادة الزُّور:(1/199)
وأشده: شهادة الزور، وهي: أنْ يشهد بما لم ير، ولم يُعاين، وإن كان حقاً في نفسه. وإن حلف له صاحب الحق على ذلك، وغلب على صدقه، فإنه زور، وهي من أكبر الكبائر، قال اللَّه تعالى: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان، واجتنبوا قول الزور}(1)، عن أبي بكرة(2) رضي اللَّه عنه، أنه قال: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: "ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ - ثلاثاً - : الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، وقول الزور"، وكان متكئا، فجلس، فما زال يكررها، حتى قلنا: ليته سكت(3).
وأعظمُ من ذلك: الافتراء على اللَّه تعالى، وعلى رسوله صلى اللَّه عليه وسلم، قال تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على اللَّه كذباً؟}(4)، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "إن كذباً علىّ، ليس ككذب على أحد، فمن كذب علىَّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار"(5).
ومن الكذب: الادعاء إلى غير أبيه، والعبدِ إلى غير مواليه، وهو يعلم، ومنه: التحَلُّم، وهو: ادعاء الرؤيا كاذباً، ومنه: خلف الوعد، إذا كان في نية الخلف، ومنه: التحديث بكل ما سمع، والجدُّ والهزل فيه سواء.
-------------------
(الحج: 30).
أبو بكرة الثقفي، نفيع بن الحارث، بن كلدة، الثقفي، صحابي، من أهل الطائف، له (132) حديثاً، توفي بالبصرة سنة (52 ه - 672 م)، وإنما قيل له " أبو بكر" لأنه تدلى ببكرة من حصن الطائف، إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهو ممن اعتزل الفتنة يوم الجمل، وأيام صفين. أعلام.
رواه البخاري، ومسلم. ط 2 - 205، ز 2 - 161.
(الأنعام: 21 - 93). ومن جملة الكذب، والافتراء على اللَّه تعالى: - أن يفتي بغير علم - ومن جملة الكذب: التواجد، وهو ادعاء الولاية، والكرامة، - وأن يحدث عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، بغير علم.
وتوبة البهتان بثلاث: - عزمه على تركه، - والاستحلال من صاحب الحق، إن أمكن، - وتكذيب نفسه، عند السامعين.شط.
(5) رواه الشيخان عن المغيرة بن شعبة.(1/200)
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المواضع التي يباح فيها الكذب:.
مطلب في المواضع التي يباح فيها الكذب:
وأما المواضع التي يُباح فيها الكذب (فهي الأمور التالية): فيباحُ الكذب لإحياء حقه - كالشّفيع(1) يَعلم بالبيع بالليل، فإذا أصبح، يُشهد، ويقول: علمتُ الآن، وكذا (البكر) الصغيرة(2)، تبلغ في الليل، وتختارُ نفسها نهاراً، وتقول رأيت الدَّمَ الآن(3).
والحاصل: إنْ كان له مقصودٌ محمود، يمكن التوصلُ إليه بالصدق، والكذب جميعاً، فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكَذب وحده، فمباح، إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب، إن وجب تحصيله - كما لو رأى معصوماً، اختفى من ظالم، يريد قتله، أو إيذاءه - فالكذب هنا واجب، ومهما كان لا يتم مقصود حرب، أو إصلاح ذات البين، واستمالة قلب المجني عليه، أو إرضاء أهله، إلا بالكذب، فيباح.
ولو سأله القاضي عن فاحشة وقعت من سراً - كزنى، أو شرب خمر - فله أن يقول: ما فعلتُه، لأن إظهارها فاحشةٌ أخرى، وله أن ينكر سر أخيه. وينبغي أن يقابل مفسدة الكذب، بالمفسدة المترتبة على الصدق، فإن كانت مفسدة الصدق، أشدَّ، فله الكذب، وإن بالعكس، أو شكَّ، حرم، وإن تعلق بنفسه، استُحب أن لا يكذب، وإن تعلق بغيره، لم تجز المسامحة لحقِّ غيره، والحزمُ تركه حيث أبيح.
-------------------
الشفعة: الضم، وهي في العقار: ضم ملك البائع، إلى ملك الشفيع. وفي الشرع: حق التملك، في العقار، لدفع ضرر الجوار. قال صلى اللَّه عليه وسلم: "الجار أحق بشفاعته" وقال أيضاً: "جار الدار بالدار، والأرض، ينتظر له، وإن كان غائباً، إذا كان طريقهما واحداً". فجعله عليه الصلاة والسلام أحق على الإطلاق.اختيار.
التي زوجها غير أبيها، أو جدها، بغير رضاها، فهي ما دامت صغيرة، لا تملك أن ترفض زواجها، فإذا بلغت، في الليل...الخ ما ذكر.(1/201)
وفسخت النكاح، ويسمى هذا خيار البلوغ.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في التعريض:.
مطلب في التعريض:
والمراد من الإباحة: التعريضُ، لأن عَيْن الكذب حرام(1)، والتعريض: هو إرادة غير الظاهر، المتبادَر من الكلام، ولا بدّ من احتماله لمراده بحسب اللغة، ولا يكفي مجرد النية (إذا كان اللفظ لا يدل عليه)، وهو جائز عند الحاجة، ويكره بدونها. والمخرج من الكذب: أربع - إن شاء اللَّه(2)، وما شاء اللَّه(3)، ولعلّ(4)، وعسى(5)، كما ورد في الحديث.
-------------------
لقول عمر رضي اللَّه عنه: "إن في المعاريض لمندوحةً"، أي سعة، وفسحة. وعن علي، وعمران بن حصين، وغيرهما: "إن في المعاريض لمندحة عن الكذب". وهو حديث حسن، له حكم الرفع. مح - تع.
كقولك: قدم زيد إن شاء اللَّه تعالى، وأنت تعلم أنه لم يقدم.شط.
كقولك: جلست عند فلان شهراً، ما شاء اللَّه، وأنت تعلم أنك جلست، أقل من ذلك.شط.
كقولك: لعل زيداً في الدار، وأنت تعلم أنه ليس في الدار.شط.
كقولك: عسى زيد أن يكون جاء، وأنت تعلم عدم مجيئه.شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الصدق:.
مطلب في الصدق:
وضدُّ الكذب: الصدق، وهو الإخبار عن الشيء على ما عليه، عن ابن عباس(1) رضي اللَّه عنهما، انه قال: قال رسول صلى اللَّه عليه وسلم: "إنّ الصدق يهدي إلى البر، وإن البرّ يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق، حتى يكتب صديقاً، وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب، حتى يكتب عند اللَّه كذاباً"(2).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الصدق:.
وجدت الكلمات في الفص(1/202)
59 - التاسع والخمسون: الغِيبة، وهي: ذكر مساوئ أخيك(3)، المُعَيّن(4) المعلوم عند المخاطَب (والسامع لذلك)، أو محاكاتها، وتفهيمها باليد، أو غيرها من الجوارح، على وجه السبّ، والبغض، وهو حرام قطعي، وكما تكون باللسان، والجوارح، تكون بالكتابة أيضاً، وفي حديث مسلم(5): أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "هل تدرون ما الغيبة؟ قالوا: اللَّه ورسوله اعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكرهه، قيل: أرأيتَ إن كان في أخي ما أقول، قال: إنْ كان فيه ما تقول، فقد اغْتَبْتَه، وإن لم يكن فقد بهتّه"(6).
-------------------
مرت ترجمته في صفحة 35.
رواه الشيخان. ط 2 - 200 - و - 213 - .
في الخلقة الآدمية، ولو كافراً.
بلفظ، أو كتابة، أو رمز، أو إشارة، أو محاكاة.شط.
انظر ترجمته في صفحة - 156 - 170 - .
عن أبي هريرة، رضي اللَّه عنه.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في معنى البهتان:.
مطلب في معنى البهتان:
والبهتان: هو افتراء الكذب، ومن الغيِبة: أن يقول: بعضُ مَنْ مرّ بنا اليوم، أو بعضُ مَنْ رأيناه، إذا كان المخاطب يفهم شخصاً معيناً، لأن المحذور: تفهيمه دون ما به التفهم، وأما إذا لم يفهم عينه فيجوز، وقد تكون كفراً، بأن قيل له: لا تَغْتَب، فيقول: ليس هذا غيبة، لأني صادقٌ فيه.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: في أنّ الغيبة، تباح لغرض صحيح شرعي:.
مطلب: في أنّ الغيبة، تباح لغرض صحيح شرعي:(1/203)
واعلم أن الغيبة تباح لغرضٍ صحيح شرعي، ولا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان، والقاضي، وغيرهما، ممن له ولايةٌ، أو قدرةٌ على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلانٌ لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلانٌ يعمل كذا، فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكونُ مقصوده التوصلَ إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراماً، والاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني فلان بكذا، فهل له ذلك، وما طريقي في الخلاص منه؟، والتحذير، وذلك من وجوه - منها: جَرْحُ المجروحين من الرواة، والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة، ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركة، أو إيداعه أمانةً، أو معاملته، أو مجاورته ونحوها، ويجب - على المشاور - أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه، بنية النصيحة، ومنها: إذا رأى متفقهاً، يتردد على مبتدع، أو فاسق، يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته: ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلط فيه، وقد يحمل المتكلمَ بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه، ويخيل إليه أنه نصيحة، فليتفطن لذلك، ومنها: أن يكون له ولاية، لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقاً، أو مغفلاً، ونحو ذلك، فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله، ويولي من يصلح، ومنها: بيانُ العيب لمن أراد أن يشتري عبداً - وهو سارقٌ، أو زانٍ - فيذكره للمشتري، وكذا لو رأى المشتري يعطي البائع دراهم مغشوشة، فيقول: احترز منه بكذا، وأن يكون مجاهراً بفسقه، أو بدعته - كالمجاهر بشرب الخمر، وأخذ المَكْس، ومصادرة الناس، وجباية الأموال ظلماً، وتولي الأمور الباطلة - فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سببٌ آخر مما ذكرناه، والتعريف، يعني إذا كان الإنسان معروفاً بلقبٍ - كالأعمش، والأعرج، والأعمى، والأحول، وغيرهم - جاز(1/204)
تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص، ولو أمكنتعريفه بغير ذلك، كان أولى، وذكره على وجه الاهتمام، فإنه جائز أيضاً، ولا يكون غِيْبْة، بشرط أن يكون صادقاً في اهتمامه، وإلا فيكون مغتاباً، منافقاً، مرائياً، مزكياً لنفسه، والجهالة، فلو اغتاب أهل القرية، فليس بغيبة، لأنه لا يريد به كلَّهم، بل بعضَهم، وهو مجهول، فتباح غيبة مجهول.
وإذا لم تبلغ الغيبة المغتاب، يكفيه الندم، مع الاستغفار(1)، والتوبة(2)، وإلا (ف) لا بدّ من بيان كلّ ما اغتابه به، مع الاستغفار، والتوبة، والاعتذار إليه، ليسمح عنه(3)، وإنْ علم أن إعلامه يثير فتنة، لا يُعلمه، بل يستغفر اللَّه تعالى، ويدعو، ويندم: كما إذا مات المغتاب، لا يلزم المستغيبَ الاستحلال من الورثة، بل الندم، والاستغفار، والتوبة.
والمستمع لا يخرج عن إثم الغيبة، إلا بأن ينكر بلسانه، فإن خاف، فبقلبه، وإن كان قادراً على القيام، أو قطع الكلام - بكلام آخر - لزمه، وقد ورد: "أن المستمع أحد المغتابِيْن". وينبغي لكلِّ مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام، وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجزُّ الكلام المباح إلى حرام، أو مكروه، وذلك كثيرٌ في العادة، والسلامة لا يَعْدِلها شئ(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: في أنّ الغيبة، تباح لغرض صحيح شرعي:.
وجدت الكلمات في الفص
60 - الستون: النميمة(5)، وهي: كشفُ ما يكره كشفه(6)، سواء كرهه المنقول إليه، أو المنقول عنه، أو كرهه ثالث، وسواءٌ كانت بالقول، أو الإشارة، أو بالكتابة، وسواءٌ كان المنقول من الأقوال، أو الأعمال، وسواءٌ كان ذلك عيباً، أو نقصاً في المنقول عنه، أو لم يكن، بل حقيقة النميمة: إفشاء السر، وهتك الستر عما يكره كشفه.(1/205)
وينبغي أن يسكت عن كلّ ما يراه من أحوال الناس، إلا ما في حكايته فائدة لمسلم، أو دفع لمعصية، أو ضرر، فيختار أخف الضررين، أهون الشرين، وقال النووي(7) (رحمه اللَّه تعالى) في شرح مسلم(8): (النميمة: هي نقل كلام الناس، بعضهم إلى بعض، على جهة الإفساد) وهي حرام، قال اللَّه تعالى: {ولا تطع كلّ حلافٍ مهين، همّاز، مشّاءٍ بنميم}(9)، عن حذيفة(10) رضي اللَّه عنه، انه قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة قتات"(11) وفي رواية "نَّمام"، فإن كان ما ينمّ به نقصاً، وعيباً في المحكي عنه، كان قد جمع بين الغِيبة، والنميمة، وقال الحسن(12): (من نمّ إليك، نمّ عليك).
وهذا إشارةٌ إلى أن النمام ينبغي أن يُبغض، ولا يوثَق بقوله، ولا بصداقته(13).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: في أنّ الغيبة، تباح لغرض صحيح شرعي:.
وجدت الكلمات في الفص(1/206)
61 - الحادي والستون: السخرية، وهي: تتضمن الاستصغار، والاستخفاف بالغير، والاستهانة به، على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في القول، والفعل، وقد يكون بالإشارة، والإيماء، وهي حرام، قال اللَّه تعالى: {يا أيها الذين آمنوا، لا يَسْخَر قومٌ من قومٍ، عسى أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساءٌ من نساء، عسى أن يَكنّ خيراً منهن}(14)، عن الحسن(15) رضي اللَّه عنه، أنّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "إن المستهزئين بالناس، يُفْتَح لأحدهم باب من الجنة، فيقال: هَلُمّ، هلم، فيجيء بكربه، وغمه، فإذا جاء أُغلق دونه، فما يزال كذلك، حتى إن الرجل ليفتح له الباب، فيقال: هلم هلم، فما يأتيه"(16)، لعلمه أنه يغلق دونه. وهذا إنما يحرم في حق مَنْ يتأذى به، فأما مَنْ جعل نفسه مَسْخَرةً، فربما فَرِح بأن يسخر منه، كانت السخرية في حقه من جملة المزاح، وإنما المُحَرّم: استصغارٌ به المستهزَئ به، لما فيه من التحقير، والتهاون، وذلك بأن يضحك على كلامه، أو على صنعته، أو على صورته، وخلقته، لعيب فيه، فالضحك من جميع ذلك داخلٌ في السخرية المنهي عنها.
-------------------
له، ولمن اغتابه.
روى ابن أبي الدنيا، عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "كفارة من اغتبته أن تستغفر له".شط.
روى ابن أبي الدنيا، والطبراني، في الأوسط، عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "الغيبة أشد من الزنى". قيل: وكيف؟ قال: "الرجل يزني، ثم يتوب، فيتوب اللَّه عليه، وإن صاحب الغيبة، لا يُغْفَرَ، حتى يغفر له صاحبه".شط.
ط 2 - 218، ع 5 - 263، ه - 201 -
نمّ الرجل الحديث نمّاً، من بابي: قتل، وضرب: سعى به ليوقع فتنة، او وحشة.شط.
وإفشاء السرّ، وفي الأكثر: تطلق على نقل القول، إلى المقول فيه، على وجه الإفساد.شط.
مرت ترجمته في صفحة - 64 -
مرت ترجمته في صفحة - 156 - 170 -
القلم - 10 - .(1/207)
حذيفة بن حسل، بن جابر العبسي، واليمان: لقب حسل. أبو عبد اللَّه، صحابي، من الولاة الشجعان، الفاتحين، كان صاحب سر النبي صلى اللَّه عليه وسلم في المنافقين، لم يعلمهم أحد غيره. ولاه عمر على المدائن، فأصلح البلاد، وهاجم نهاوند سنة (22 ه)، فصالحه صاحبها على مال يؤديه كل سنة. وغزا الدينور، وماه سندان، فافتتحها عنوة، ثم غزا همذان، والري، فافتتحهما عنوة، توفي في المدائن سنة (36 ه 656 م). له في الصحيحين - 225 - حديثاً .أعلام.
رواه الشيخان.
مرت ترجمته في صفحة - 138 - .
ط 2 - 227 - ه - 242 - غ 3 - 144 - .
سورة الحجرات :11.
انظر ترجمته في صفحة - 138 - .
رواه ابن أبي الدنيا.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المِزاح:.
مطلب في المِزاح:
وأما المزاح، فشرط جوازه: أن لا يكون فيه كذب، ولا روع مسلم، أو مسلمة، ومثله الذمي، والمستأمَن، لأنه أذية، وقد نهينا عنها، وإكثاره مذموم، منهي عنه، ووجهه: أن كثرته تسقط المهابة، والوقار، وتورث الضغينة في بعض الأحوال، والأشخاص، وتورث أيضاً كثرة الضحك، المميت للقلب، روى الترمذي(1)، عن أبي هريرة(2) رضي اللَّه عنه، انه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأصحابه: "من يأخذ هؤلاء الكلمات، فيعمل بهن، أو يُعَلّم مَنْ يعمل بهن؟" قال أبو هريرة(2): أنا يا رسول اللَّه، فأخذ بيدي، فعدّ خمساً، فقال: "اتقِ المحارم تكنْ أعبدَ الناس، وارضَ بما قسم اللَّه لك، تكنْ أغنى الناس، وأحسنْ إلى جارك، تكن مؤمناً، وأحِبَّ للناس ما تحب لنفسك، تكنْ مسلماً، ولا تكثرِ الضحك، فإن كثرة الضحك تميتُ القلب"، ولهذا لما قيل لابن عيينة(3): المزاح سبّة، فقال: بل سنّة، ولكن مَن يحسنه(4)؟.
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المِزاح:.
وجدت الكلمات في الفص(1/208)
62 - الثاني والستون: اللعن، وهو: الطرد، والإبعاد من رحمة اللَّه تعالى، فلا يجوز لشخص معيّن بطريق الجزم، إلا أن يثبت موته على الكفر، كأبي جهل(5). ولا يجوز اللعن - أيضاً - لحيوان، وجماد، وقد ورد التصريح عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، بالنهي عن لعن الريح، والبرغوث(6). وإنما يجوز اللعن بالوصف العام المذموم، إذ ثبت عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أنه لعن مَن ذبح لغير اللَّه، ومَنْ لعن والديه، ومن آوى محدثاً، ومن غيّر منار الأرض(7)، وآكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهده، والمحَلِّل(8)، والمُحلَّل له، والواشمة، والمستوشمة(9)، والواصلة والمستوصلة(10)، ومانع الصدقة(11)، والمختفي، وهو الذي يسرق الأكفان من القبور، ومَنْ أمّ قوماً وهم له كارهون(12)، وامرأةً زوجُها عليها ساخط(13)، ورجلاً سمع الأذان ولم يُجب، والراشي، والمرتشي، وعاصر الخمر، ومعتصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وواهبها، وآكل ثمنها.
والأولى: أن لا تصدر اللعنة عن المؤمن، لشيء من المخلوقات مطلقاً، ألم تر أنّ اللَّه تعالى لم يوجب علينا لعنَ أحد، ولو إبليس، ففيه عبرة لمن اعتبر، عن أبي الدرداء(14) رضي اللَّه عنه، أنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يقول: "إذا لعن العبدُ شيئاً، صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلَق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلَق أبوابها دونها، فتأخذ يميناً، وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً، رجعت إلى الذي لُعن: إن كان لذلك أهلاً، وإلا رجعت إلى قائلها"(15).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المِزاح:.
وجدت الكلمات في الفص(1/209)
63 - الثالث والستون: السّبّث والخصومة، فالسبُّ هو الشتم، عن أبي مسعود(16) رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "سبابُ المسلم: فسوق، وقتاله: كفر"(17)، عن أبي هريرة(18) رضي اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "المُسْتبّان ما قالا، فعلى الأول"(19) و في: "فعلى البادي منهما، حتى يعتديَ المظلوم"(20)، وهذا في نحو: يا جاهل، ويا أحمق، مما يجوز فيه المقابلة، وأما نحو يا زاني، ويا لوطي، مما لا يجوز فيه المقابلة، فكلاهما آثمان، وإن كان إثمُ المبتدي أكثرَ، قال النووي(21) (رحمه اللَّه تعالى): (وإذا انتصرَ المسبوبُ، استوفى ظُلامته، وبرئ الأول من حقّه، وبقي عليه إثم الابتداء، والإثمُ المستحق للَّه تعالى)، وقيل: يرتفع عنه جميع الإثم بالانتصار منه، ويكون معنى - على البادي - أي عليه اللومُ، والّذم، لا الإثم.
-------------------
محمد بن عيسى بن سورة، السلمي، البوغي، الترمذي، أبو عيسى، من أئمة علماء الحديث، وحفاظه، من أهل ترمذ (على نهر جيحون) ولادته عام (209 ه - 824 م)، تتلمذ للبخاري، وشاركه في بعض شيوخه، وقام برحلة إلى خراسان، والعراق، والحجاز، وعمي في آخر عمره. وكان يضرب به المثل في الحفظ. مات بترمذ سنة (279 ه - 892 م). أعلام.
انظر ترجمته في صفحة - 120 - .
سفيان بن عيينة، بن ميمون الهلالي، الكوفي، أبو محمد - ولادته عام (107 ه - 725 م) في الكوفة، محدث الحرم المكي، من الموالي، سكن مكة، وتوفي بها سنة (198 ه - 814 م)، حافظ، ثقة، واسع العلم، كبير القدر. قال الشافعي: لولا مالك، وسفيان، لذهب علم الحجاز. كان اعور، وحج سبعين سنة.أعلام.
ط 2 - 229 - 366 - غ 3 - 124 - .(1/210)
أبو جهل، عمرو بن هشام بن المغيرة، المخزومي، القرشي، أشد الناس عداوة للنبي صلى اللَّه عليه وسلم في صدر الإسلام، وأحد سادات قريش، وأبطالها، ودهاتها، في الجاهلية. سوّدته قريش، ولم يطرّ شاربه، فأدخلته دار الندوة مع الكهول. كان يكنى بأبي الحكم، فكناه المسلمون أبا جهل، قتل يوم بدر سنة (2 ه - 624 م).أعلام.
بضم الباء، روى أحمد، والبخاري في الأدب المفرد، والبزار، والطبراني في الدعاء، و البيهقي في شعب الإيمان، عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، سمع رجلاً يسبُّ برغوثاً، فقال: "لا تسبه، فإنه أيقظ نبياً من الأنبياء لصلاة الفجر".شط.
أي حدودها، كمن غيّر حدود أرض، ليتملكها بغير حق.شط.
الزوج الثاني، في المطلقة ثلاثاً، إذا تزوج بشرط التحليل. وكذا الْمُحلَّل له، وهو الزوج الأول، إذا رضي بذلك.شط.
الواشمة: هي التي تشم الوجه، والذراع، وهو أن يغرز الجلد بإبرة، ثم يُحْشى بكحلٍ، أو نيل فيزرق، والموشومة: التي يفعل بها ذلك بطلبها.شط.
الواصلة: هي التي تصل الشعر بشعر الغير، أو التي توصل شعرها، بشعر آخر.شط.
الزكاة.
لفساد فيه، أو لكون أحدهم أولى بالإمامة منه، أو لكونه يطيل الصلاة فيهم، زيادة على القدر المسنون.شط.
لعدم إجابتها إلى فراشه، بلا مانع شرعي، أو لارتكابها ما يكدّر عليه معيشته، من غير حق.
عويمر بن مالك بن قيس بن أمية، الأنصَاري، الخزرجي، صحابي، من الحكماء الفرسان، القضاة، كان - قبل البعثة - تاجراً في المدينة، ثم انقطع للعبادة. ولما ظهر الإسلام، اشتهر بالشجاعة والنسك. ولاَّه معاوية قضاء دمشق، بأمر عمر. وفي الحديث: "عويمر حكيم أمتي". وهو أول قاض بدمشق، وأحد الذين جمعوا القرآن، حفظاً، على عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، بلا خلاف. مات بالشام سنة (32 ه - 652 م) وروي عنه (179) حديثاً.أعلام.
رواه أبو داود. ط 2 - 230 - .
انظر ترجمته في صفحة - 18 - .
رواه البخاري ومسلم.
انظر ترجمته في صفحة - 120 - .(1/211)
رواه مسلم.
قال النووي، في شرح مسلم: معناه: أن إثم السباب الواقع بين اثنين، مختص بالبادي منهما كله، إلا إن تجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادي أكثر مما قال له.شط.
انظر ترجمته في صفحة - 64 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في جواز الانتصار، والعفوُ أفضل:.
مطلب في جواز الانتصار، والعفوُ أفضل:
ولا خلاف في جواز الانتصار، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب، والسنة، قال اللَّه تعالى: {ولَمَن انتصرَ بعد ظُلْمه، فأولئك ما عليهم مِنْ سبيل}(1)، ومع هذا فالصبرُ، والعفو، أفضل، قال اللَّه تعالى: {ولَمَنْ صَبَر وغَفَرَ، إنّ ذلك لمن عزم الأمور}(2)، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "ما زاد اللَّه عبداً بعفوٍ إلا عزّاً".
-------------------
سورة الشورى: 41.
سورة الشورى: 43.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن سَبّ الدهر:.
مطلب في النهي عن سَبّ الدهر:
وقد ورد التصريحُ - في الأحاديث الصحيحة - بالنهي سبّ الدهر(1)، والديك(2)، والأموات(3)، والريح، والسلطان(4)، والشيطان(5)، والحُمى(6)، وأهل الشام(7).
وأما الخصومة: فهي لجاجٌ في الكلام، ليستوفي به مالٌ، أو حقٌّ مقصود، فإن كان مبطلاً، أو خاصم بغير علم، أو مزج بالخصومة كلماتٍ مؤذية، لا يحتاج إليها في نصرة الحجة، وإظهار الحق، أو كانت الخصومة لقهرِ الخصم، وكسره فقط، فحرام. وإنْ خلا عن هذه الأمور - وهو نادر - فجائز، ولكن تركه أولى، ما وجد إليه سبيلاً، عن عائشة(8) اللَّه عنها، أنها قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "إن أبغضَ الرجالِ إلى اللَّه: الألدُّ الخصم"(9) أي الشديد المخاصمة(10).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن سَبّ الدهر:.(1/212)
وجدت الكلمات في الفص
64 - الرابع والستون: الطعنُ، والتعيير. الطعن، معناه: القدحُ، والتنقيص في حق الغير، والاحتقار له. والتعيير: التقبيح، والتوبيخ، قال اللَّه تعالى {ولا تَلمِزوا أنْفُسكم}(11) أي لا يَعِب بعضُكم بعضاً، فإن المؤمنين كنفس واحدة، واللمز: الطعنُ باللسان، عن معاذِ بن جبل(12) رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ عَيّر أخاه بذنب، لم يَمُت حتى يَعْمَله"(13).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن سَبّ الدهر:.
وجدت الكلمات في الفص
65 - الخامس والستون: الفحش، وهو: التعبير عن الأمور المستقبحة، بالعبارة الصريحة، ويجري ذلك في ألفاظ الوقاع، وقضاء الحاجة، وهذا: مكروهٌ (تحريماً)، ومخلٌّ بالمروءة، والدِّيانة، وموجبٌ للوقاحة، ولأذى الغير. والأدب: أن تذكر ذلك بالكناية، دون التصريح، كما كَنّى اللَّه تعالى عن الخُرء، بالمجيء من الغائط، وعن الجماع، باللمس في قوله تعالى: {أو جاء أحدٌ منكم من الغائط، أو لامَسْتُم النساء}(14)، وذكرُ ذلك - بطريق الكناية - هو دأب الصالحين، عن عبد اللَّه بن عمر(15)، رضي اللَّه عنهما، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "الجنة حرامٌ على كل فاحش أن يَدْخُلَها"(16)، فإنّ الفحش ليس من أخلاق الصالحين. ولأهل الفساد عباراتٌ صريحة فاحشة، يستعملونها فيه، وأهل الصلاح يتحاشون عنها، بل يَدلّون عليها بالرموز، والكناية(17).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن سَبّ الدهر:.
وجدت الكلمات في الفص(1/213)
66 - السادس والستون: المِراء، والجدال. المِراء: هو طعن في كلام الغير، بإظهارِ خلل فيه، إمّا باللفظ، من جهة العربية، أو في المعنى، أو في قصد المتكلم بأن يقول: هذا الكلام حقٌّ، ولكن ليس قصدُك منه الحقَّ، من غير أن يرتبط به غرض، سوى تحقيرِ الغير، وإظهارِ مزية الكياسة، وهذا حرام، عن أبي أُمامة(18) رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ تَرك المِراء - وهو مُبْطِل - بُني له بيتٌ في رَبض الجنة، ومَنْ تركه - وهو مُحِقٌّ - بُني له في وسطها، ومَنْ حَسّن خلقه، بني له في أعلاها"(19).
والذي ينبغي للمؤمن: إذا سمع كلاماً، إن كان حقاً أن يصدقه، وإن كان باطلاً، ولم يكن متعلقاً بأمور الدين، أن يسكت عنه، وإن كان متعلقاً بها، يجب إظهار البطلان، والإنكارُ إن رجا القبول، لأنه نهي عن المنكر.
وذكر النووي(20) - رمحه اللَّه تعالى في أدب العالم، والمتعلم (مِنْ مُقدمة شَرْح المُهَذّب)(21) -
-------------------
(1) روى البخاري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر، فإن اللَّه هو الدهر". أي إن اللَّه مدبر الأمور، أو صاحب الدهر، أو يقلب الدهر، بدليل رواية البخاري: "بيدي الليل، والنهار".شط.
(2) روى أبو داود، عن زيد بن خالد، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة".شط.
روى أحمد، والبخاري، والنسائي، عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها، قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا".شط.
أخرج البيهقي في الشعب، عن أبي عبيدة، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لا تسبوا السلطان، فإنه فيء اللَّه في أرضه".شط. انظر صفحة - 330 -
قال صلى اللَّه عليه وسلم: "لا تسبوا الشيطان، وتعوذوا باللَّه من شرّه".شط.(1/214)
روى الحاكم، عن جابر رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لا تسبوا الحمّى، فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد".شط.
روى الطبراني، في الأوسط، عن علي، كرم اللَّه وجهه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لا تسبوا أهل الشام، فإن فيهم الأبدال".شط.
مرت ترجمتها في صفحة - 132 - .
رواه الشيخان.
ط 2 - 236 - 247 - .
الحجرات - 11 - .
معاذ بن جبل، بن عمر، بن أوس، الأنصاري، الخزرجي، أبو عبد الرحمن، صحابي جليل، أعلم الأمة بالحلال والحرام، وأحد الستة الذين جمعوا القرآن، على عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم. أسلم، وهو فتى، وآخى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بينه، وبين جعفر بن أبي طالب، وشهد العقبة، مع الأنصار السبعين، وبدراً، وأحداً، والخندق. بعثه صلى اللَّه عليه وسلم، قاضياً إلى اليمن. وكان من أحسن الناس وجهاً، وأسمحهم كفاً. ولد عام (20 ق.ه - 603 م)، وتوفي سنة (18 ه - 639 م) بناحية الأردن، ودُفن بالقصير المعيني (بالغور). قال عمر: لولا معاذ، لهلك عمر" ينوه بعلمه.أعلام.
رواه الترمذي. ط 2 - 24 - .
النساء - 43 - .
انظر ترجمته في صفحة - 23 - .
رواه ابن أبي الدنيا، وأبو نُعيم.
ط 2 - 239 - .
صُدَيّ بن عجلان، بن وهب، الباهلي، صحابي، كان مع علي في صفين، سكن الشام، وتوفي في حمص سنة (81 ه - 700 م)، وهو آخر من مات من الصحابة بالشام، له في الصحيحين (259) حديثاً.أعلام.
رواه الترمذي.
انظر ترجمته في صفحة - 64 - .(1/215)
المهذب: كتاب في فقه الشافعية للإمام الجليل أبي إسحق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، العلامة المناظر، ولد في فيروز أباد (بفارس) عام (393 ه - 1003 م). كان مرجع الطلاب، ومفتي الأمة في عصره، واشتهر بقوة الحجة في الجدل، والمناظرة. عاش فقيراً صابراً، كان حسن المجالسة، طلق الوجه، مناظراً، ينظم الشعر. توفي ببغداد سنة (476 ه - 1083 م).أعلام. وقد بدأ النووي رحمه اللَّه بشرحه في كتاب سماه المجموع، فكان موسوعة فقهية، شرح - من خلاله - مذهب الشافعية كله، وقارن به المذاهب الأخرى، وخرج الأحاديث، وشرح اللغة، والتاريخ، والأسماء، فجاء بما لم يأت غيره بمثله.
لكنه - رحمه اللَّه - لم يقدر له اللَّه تعالى إكماله، حيث اختاره اللَّه تعالى لجواره، بعدما أكمل باب الربا، وهو نهاية الجزء التاسع من شرحه. ثم جاء الإمام تقي الدين، أبو الحسن، علي بن عبد الكافي السبكي، الأنصاري، الخزرجي، شيخ الإسلام في عصره، وأحد الحفاظ المفسرين، المناظرين، فأكمل الشرح بدءاً من باب الرهن، أول الجزء العاشر، وحتى نهاية بحث البيع، وهو نهاية الجزء الثاني عشر، حيث وافته المنية سنة (756 ه - 1355 م) بعدما اعتل، ودفن في القاهرة. والسبكي نسبة إلى (سبك) من أعمال المنوفية بمصر، حيث مولده عام (683 ه - 1284 م). وهو والد التاج السبكي، صاحب الطبقات. ثم أكمله أحد علماء الأزهر، حيث وصل به إلى الجزء العشرين. أه - أعلام - و المجموع.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: ينبغي أن يحمل إخوانه على المحامل الحسنة:.
مطلب: ينبغي أن يحمل إخوانه على المحامل الحسنة:(1/216)
أنه يجب على الطالب أن يحمل إخوانه على المحامل الحسنة، في كلِّ كلام يُفْهم منه نقص، إلى سَبْعين محملاً، ثم قال: ولا يَعْجِز عن ذلك إلا كلُّ قليل التوفيق(1)، وقال الشيخ الأكبر(2) - قَدّس اللَّه سره - في رسالته التي صنفها في تحقيق مَقام الفناء في الشهود: (فينبغي لمن وقع في يده كتابٌ، في علم لا يَعْرفه، ولا سلك طريقه، أن لا يُبْديَ، ولا يُعيد، وأن يردّه على أهله، ولا يُؤْمِن به، ولا يَكفر، ولا يخوض فيه البتة) اه(3).
والجدال: هو ما يتعلق بإظهار المذاهب، وتقريرها، فإنْ قصد تخجيلَ الخصم، وإظهارَ فضله، فحرام، بل كفر عند بعض العلماء، عن أبي أَمامة(4) رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "مَا ضلّ قَوْمٌ بعد هُدَى كانوا عليه، إلاّ وسببُ ضلالهم ذلك: أنهم أُوتوا الجدال" ثم تلا: {مَا ضَرَبُوا لك إلاّ جَدلاً، بل هم قَوْمٌ، خَصِمُون}(5).
وإن قصد إظهار الحق - وهو نادر - فجائزٌ، بل مندوب إليه، قال اللَّه تعالى: {وجادِلْهُم بالتي هي أحْسَن}(6) أي بالطريقة التي هي أحسنُ طرق المجادلة، مِن الرِّفق، واللين، وإيثار الوجه الأيسر، والمقدمات التي هي أَشهر، فإن ذلك أنفع في تسكين لهبهم، وتبيين شغبهم، ذكره البَيْضاوي(7).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: ينبغي أن يحمل إخوانه على المحامل الحسنة:.
وجدت الكلمات في الفص
67 - السابع والستون: النّياحة، وهي: ما كانت الجاهلية تفعله، من تعديد خصال الميت، والثناء عليه، والصراخ الذي يخرجه الجزعُ المفضي إلى السخط، والعبثِ، من ضربِ الخدود، وشَقّ الجيوب. وكلُّ ذلك مُحَرّم من أعمال الجاهلية، عن أبي مالك الأشعري(8) رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "النائحةُ إذا لم تتب قبل موتها، تُقامُ يومَ القيامة، وعليها سربالٌ من قَطِرانٍ، ودرعٌ من جرب"(9).(1/217)
وأما البكاءُ من غير رفع صوت، فلا بأس به، لما رُوِي عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه بكى على ابنه إبراهيم(10)، وقال: "العبنُ تدمع، والقلبُ يخشع، ولا نقول ما يُسخط الرب، و إنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون"، و في رواية: "إنها رحمةٌ، يضعها اللَّه تعالى في قلوب مَنْ يشاء، وإنما يرحمُ اللَّه من عباده الرحماء".
فإن كان مع الجنازة نائحةٌ، أو صائحة، زُجرت، فإن لم تنزجر، فلا بأس بالمشي معها، لأن اتباع الجنازة سنةٌ، فلا تتركُ ببدعة من غيره، ويَكْره ذلك بقلبه.
-------------------
قلت: عبارة النووي: وينبغي أن يصبر على جفوة شيخه، وسوء خلقه، ولا يصده ذلك عن ملازمته، واعتقاد كماله، ويتأول لأفعاله التي ظاهرها الفساد، تأويلات صحيحة، فما يعجز عن ذلك، إلا قليل التوفيق. اهـ المجموع /1/.
انظر ترجمته في صفحة - 103 - .
ه - تع - 301 - وشط - 243 - .
انظر ترجمته في صفحة - 184 - .
رواه الترمذي. سورة الظخرف - 58 - .
النحل 125 - .
البَيْضَاوي: عبد اللَّه بن عمر بم محمد بم علي الشيرازي، أبو سعيد، أو أبو الخير، ناصر الدين، قاض مفسر، علاّمة، ولد في المدينة البيضاء (بفارس - قرب شيراز)، وولي قضاء شيراز مدة، وصرف عن القضاء، فرحل إلى تبريز، وتوفي فيها سنة (685 ه - 1286 م). اهـ أعلام - ط 2 - 242، 246 - .
قيل: اسمه عبيد، وقيل: عبد اللَّه، وقيل: عمرو، وقيل: كعب بن كعب، وقيل: عامر بن الحارث، صحابي. مات في طاعون عمواس سنة /18/ه. تقريب التهذيب وانظر صفحة - 98 - ن هذا الكتاب.
رواه مسلم.(1/218)
من السيدة مارية القبطية، التي أهداها له المقوقس، عظيم القبط، سنة سبع من الهجرة، بعد عودته - صلى اللَّه عليه وسلم - من الحديبية، مع أختها سيرين، التي وهبها صلى اللَّه عليه وسلم لحسان بن ثابت. وهي الوحيدة التي لم تزوجها النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يعتقها، بل تسرى بها، فولدت له إبراهيم عليه السلام ذات ليلة من ذي الحجة سنة (8)ه، وقد بشرته به أم رافع قابلتها. وقد هنأ النبي صلى اللَّه عليه وسلم السيدة مارية بولدها الذي أعتقها من الرق، وسماه إبراهيم تيمناً بأبي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وأصاب إبراهيم المرض، ولم يبلغ عامين، فجاء عليه الصلاة والسلام، معتمداً على يد عبد الرحمن بن عوف، لشدة ألمه، فحمله من حجر أمه، وهو يجود بنفسه، ووضعه في حجره، وقال: "إنا يا إبراهيم لا نغني عنك من اللَّه شيئاً". وذرفت عيناه صلى اللَّه عليه وسلم. ثم انحنى على جثمانه فقال: "يا إبراهيم، لولا أنه أمرٌ حق، وأن آخرنا سيلحق بأولنا، لحزّنا عليك حزناً هو أشد من هذا، وإنا بك يا إيراهيم لمحزونون" اه. تراجم سيدات بيت النبوة.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الجلوس للتعزية:.
مطلب في الجلوس للتعزية:(1/219)
ولا بأس بالجلوس للتعزية - في غير مسجد - إلى ثلاثة أيام، من غير ارتكاب محظور: من فرش البسط، والأطعمة من أهل الميت، وتكره بعدها، إلاّ لغائب. وتكره التعزيةُ ثانياً، وعند القبر، وعند باب الدار. وتُستحب التعزية للرجال والنساء، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ عَزّى أخاه بمصيبة، كَسَاه اللَّه مِنْ حُلَلِ الكرامة يومَ القيامة"، وهل تنتفي الكراهة بالجلوس في المسجد، وقراءة القرآن، حتى إذا فرغوا قام وليُّ الميت، وعَزّاه الناس - كما يفعل في زماننا؟ الظاهرُ: لا، لكون الجلوس مقصوداً للتعزية، إلاّ للقراءة، ولا سيما إذا كان هذا الاجتماعُ، والجلوس في المقبرة، فوق القبور المدثورة. والسُّنة للمصاب: أن يستكثر من قول: لا حَوْلَ ولا قوَّة إلاّ باللَّه، العلي العظيم.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في زيارة القبور:.
مطلب في زيارة القبور:
وتندب زيارةُ القبور، والأفضل يومَ الجمعة، ويقول: السلامُ عليكم دارَ قوم مؤمنين، وإنّا - إنْ شاءَ اللَّه - بكم لاحقون. ويقرأ من القرآن ما تيسر، ولا يُوطأ القبرُ إلا لضرورة، ويُزار من بعيد، ولا يقعد، وإن فعل يكره، وقال بعضهم: لا بأس بأن يطأ القبور، وهو يقرأ، أو يُسَبّح، أو يدعو لهم، وقال في الحِلية(1): وتكره الصلاة عليه - أي على القبر - أو إليه، لورود النهي عن ذلك، ويكره النوم عند القبر، وقضاءُ الحاجة، وإذا بَلي الميت، وصار تراباً، يجوز زَرْعُه، والبناءُ عليه، ومقتضاه: جواز المشي فوقه. اه(2).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في زيارة القبور:.
وجدت الكلمات في الفص(1/220)
68 - الثامن والستون: إفشاء السرّ، وهو: نشرُ، وإظهارُ القول(3)، أو الفعل، أو الحال الذي يعلمه الإنسان من غيره، عند الناس، حيث لا يريد ذلك الغيرُ اطلاع أحد عليه، من خير، أو شر، فإنّ فيه إيذاءَ ذلك الغير، والإيذاءُ حرام، عن جابر(4) رضي اللَّه عنه، أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال:" المجالسُ بالأمانة، إلاّ ثلاثة: سفكَ دمٍ حرامٍ، وفرجٍ حرام، واقتطاعَ مالٍ بغير حق"(5)، فإنه يجب الإفشاء فيها، لإظهار الحق، وإبطال الباطل، لمن يقدر على ذلك، من غير إضرار أحد، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "إنما يَتجالس المتجالسان بالأمانة، لا يحّل لأحدهما أن يفشيَ على صاحبه ما يكره"(6)، أي إفشاءه من القول، والفعل، والحال.اعلم أنّ كل ما وقع من العمال، أو قيل: من الكلام، أو اتصف به متصفٌ من الأحوال، في مجلس من المجالس، مما يكره إفشاؤه: إنْ لم يخالف الشرع، يلزم كتمانه، وإن خالف الشرع: فإن كان حَقَّ اللَّه تعالى، ولم يتعلق به حكم شرعي - كالحّد(7)، والتعزير - فكذلك، وإنْ تعلق به حكم شرعي فَلَكَ الخيار، والستر أفضل - كالزنى، وشرب الخمر - ، وإن كان حَقّ العبد: فإن تعلق به ضررٌ لأحد، أو (تعلق به) حكمٌ شرعي - كالقصاص، والتضمين - فعليك الإعلامُ إن جهل ذلك الأمر، والشهادة إن طُلب منك، وإلاّ - بأن كان لم يتعلق به ضررٌ لأحد، ولا تعلّق به حكمٌ شرعي، أو تعلق به ذلك، ولكنه عُلِم من غيرك، ولم يجهل، ولم تطلب منك الشهادة به - فالكتم واجب عليك حينئذ(8).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في زيارة القبور:.
وجدت الكلمات في الفص(1/221)
69 - التاسع والستون: الخوض في الباطل، وهو: الكلام في المعاصي - كحكايات مجالس الخمر، والزناة، و الزواني - من غير أن يتعلق بها غرض صحيح(9)، وهذا حرام، لأنه إظهار لمعصية نفسه، أو غيره، من غير حاجة داعية إلى ذلك، عن ابن مسعود(10) رضي اللَّه عنه، موقوفاً أنه قال: "أعظمُ النّاس خطايا يوم القيامة: أكثرُهم خوضاً في الباطل"(11).
-------------------
(1) حلية المجلي، وبغية المهتدي، شرح منية المصلي. المنية تأليف: سديد الدين محمد بن محمد الكاشغري المتوفى سنة (705 ه). وهي مختصر في الصلاة وأحكامها، أخذها من الهداية، المحيط، وشرح الإسبيجابي، والغنية، والملتقط، والذخيرة، وفتاوى قاضي خان، وجامعيه، وأما الحلية، فتسمى مختصر غنية المتملي، في شرح منية المصلي، أو شرح الحلبي، أو حلبي صغير، تأليف إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي، المتوفى سنة (956 ه) اهـ فهرس مخطوطات الفقه الحنفي.
(2) ط 2 - 240، 505 - ع 1 - 603 - ش 571 - .
(3) الأفصح أن يقول: نشر القول، وإظهاره، حتى لا يفصل بين المتضايفين.
(4) انظر ترجمته في صفحة - 144 - .
(5) رواه أبو داود.
(6) رواه الحاكم عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه.
(7) الحد: هو العقوبات المقدرة من الشارع الحكيم، كحد القذف، والزنى، والسرقة. والتعزير: هو العقوبات المفوّضة للحاكم، مما عدا العقوبات المقدرة، بما يراه رادعاً وزاجراً.
(8) ط 2 - 261 - .
(9) كقصد التنفير من ذلك، والتحذير منه، وتقبيحه في أذن السّامع.شط.
(10) انظر ترجمته في صفحة - 18 - .
(11) رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني في الكبير.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن قراءة كتب الأعاجم.
مطلب في النهي عن قراءة كتب الأعاجم.(1/222)
قال الحلبي(1) - في منهاجه - في باب حفظ اللسان: (ومما يُناسب هذا الباب، ويلتحق بجملته: شغل أهل الزمان بقراءة كتب الأعاجم، و الركون إليها، والتّكثر بحفظها، والتحدث بما فيها، والمذاكرةُ، عند الاجتماع، بها) قال تعالى: {ومنَ الناسِ مَنْ يَشْتَري لهوَ الحديثِ، ليُضِلّ عن سبيل اللَّه، بغير علم، ويَتّخذَها خزواً، أؤلئك لهم عذابٌ مهين}(2)، قال الكلبي(3) ومقاتل(4):
نزلت في النّضْر بن الحارث بن كلدة(5)، كان يتَجر، فيأتي الحِيْرة(6)، ويشتري بها أخبار العجم، ويحدّث بها قريشاً(7)، ويقول: إنّ محمدً يُحدثكم بحديث عاد(8)، وثمود(9)، وأنا أُحدثكم بحديث رستم(10)، واسفنديار، وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثَه، ويتركون استماعَ القرآن، فأنزل اللَّه هذه الآية.
-------------------
الحلبي: نجم الدين، عمر بن محمد، بن العديم، الحلبي، القاضي، المتوفى سنة 734 ه وكتابه المنهاج، كتاب في فقه الحنفية، جمع فيه بين: - الجامع الصغير للإمام محمد، وتصنيف الطحاوي، والقدوري، بأوجز لفظ.اه. إيضاح المكنون.
لقمان - 6 - .
ابن جزي، محمد بن احمد بن محمد بن عبد اللَّه بن جزي الكلبي، أبو القاسم، ولد عام (693 ه - 1294 م). فقيه، أصولي، لغوي، من أهل غرناطة. وهو من شيوخ لسان الدين بن الخطيب. قال المقري: فُقد وهو يحرض الناس، يوم معركة طريف. توفي سنة (741 ه - 1340 م)، وطريف: قائد نزل في الأندلس، فغزا البلاد، وعاد إلى إفريقية (710 ه)، وعقبه طارق بن زياد، فتوغل في إسبانيا، وفتحها للعرب. أعلام - منج.
مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي بالولاء، البلخي، أبو الحسن، من أعلام المفسرين، أصله من بلخ، انتقل إلى البصرة، ودخل بغداد، فحدث بها، وتوفي بالبصرة سنة (150 ه - 767 م). كان متروك الحديث. له: التفسير الكبير.أعلام. وانظر صفحة - 293 - .(1/223)
النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف، من بني عبد الدار، من قريش صاحب لواء المشركين ببدر، من شجعان قريش، ووجوهها، وشياطينها. له اطلاع على كتب الفرس، وغيرهم، قرأ تاريخهم في الحيرة. وهو ابن خالة النبي صلى اللَّه عليه وسلم. بقي على كفره لما ظهر الإسلام، وآذى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كثيراً. أسره المسلمون في بدر، وقتلوه بالأثيل (قرب المدينة)، بعد انصرافهم من بدر. استعطفت ابنته ليلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهو يطوف، وجذبت رداءه، حتى انكشف منكبه، وقالت من أبيات:
أَمُحَمّدٌ، ولأنت صِنْوُ نجيبه * في قومها، والفحل فحل مُعْرِقُ
ما كان ضرك لو مننتَ، وربّما * مَنّ الفتى، وهو المغيظ المحنَقُ
(كامل)
فرقّ لها صلى اللَّه عليه وسلم، حتى دمعت عيناه، وقال: "لو بلغني شعرها قبل أن أقتله، لوهبته لها". أعلام بتصرف، وزيادة.
قصبة الملوك اللخميين في العراق، (و القصبة: المدينة)، على بعد - 5 - كم جنوبي الكوفة، وعلى مسيرة ساعة إلى الجنوب الشرقي من النجف. كان أهلها من النصارى، فتحها خالد صلحاً (633 م)، باد أثرها مع الزمن.منجد.
قريش بن بدر بن يخلد، بن النضر، بن كنانة، من عدنان. جاهلي، من أهل مكة، كان دليل بني كنانة في تجارتهم، فإذا أقبل في القافلة، يقال: قدمت عير قريش، فغلب لفظ "قريش" على من كان في عهذه من بني النضر بن كنانة. والقرشيون قسمان: - قريش البطاح، وهو ولد قصي بن كلاب، وبنو كعب بن لؤي - وقريش الظواهر، وهو من سواهم. وقد تفرّع عنهما بطون كثيرة. أعلام بتصرف.
انظر - في ترجمتهم - صفحة - 162 - .
ثمود بن عابر بن إرم، من بني سام بن نوح عليه السلام، رأس قبيلة من العرب العاربة في الجاهلية الأولى. أقام في بابل، ثم رحل عنها بعشيرته إلى الحِجْر (بين الشام، والمدينة)، ثم انتشروا بين الشام والحجاز، وبقيت آثارهم في الحجر، المعروفة بمدائن صالح، إلى اليوم. أعلام بتصرف.(1/224)
رستم دستان، من أبطال الفرس، شخصية أسطورية، يقال: إنه عاش حوالي (300) ق.م، وقام بأعمال عجيبة.منجد.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الكلام الذي لا يَعْني:.
مطلب في الكلام الذي لا يَعْني:
وأما الكلام فيما لا يعني - مثلُ حكاية أسفارك، وما رأيت فيها من جبال، وأنهار، وأطعمة، وثياب - فهذا - إذا خلا عن الكذب، والغِيْبة، والرياء، ونحوها من المحرمات، - لا يحرم، بل قد يُستحب إذا قارنه نية صالحة، مثلُ دفع التهمة بالكِبر، والعجب بعدم التكلم، أو دفع المهابة، والحياء حتى يتكلم صاحبه تمامَ مراده من الاستفتاء، وغيره، أو دفع الحزن عن المحزون، والمصاب، وتسلية النساء، وحسن المعاشرة معهن، أو التلطف بالصبيان، أو لعدم إدراك ألم السفر، أو العمل، أو نحو ذلك. وبهذه النيات يخرج عن حدّ ما لا يعني، فكل ما لا يعني، يُستحب تركه، لتضييع العمر فيه بالعبث واللَّهو، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "من حسن إسلامِ المرء: تركُه ما لا يَعْنِيه"(1).
ومنه: فضولُ الكلام، وهو: الزيادة فيما يعني، على قدْر الحاجة، ومنه: السؤالُ عما لا يَهُم. وليس منه: التفصيلُ في المسائل المشكلة، خصوصاً للأفهام القاصرة، والتكرار في العِظة، والتذكير، والتعليم، ونحوها، لأنه للحاجة.
وفيما لا حاجة فيه يستحبُ الإيجاز، والاختصار، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "طوبى لمن أمسك الفضلَ من كلامه، وأنفقَ الفضْلَ من ماله"(2)، وقيل: أحسن الكلام ما أعرب عن الضمير، واستغنى عن التفسير. وقال علي(3) كرم اللَّه وجهه: (خيرُ الكلام ما دلّ وجَلّ، وقَلّ ولم يُملّ)(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الكلام الذي لا يَعْني:.
وجدت الكلمات في الفص(1/225)
70 - السبعون: الغناء، وهو السّماع، قال العلامة ابن عابدين(5) (رحمه اللَّه تعالى) في حاشيته على الدر: (قال في التاترخانية(6)، نقلاً عن العيون(7): إن كان السماعُ سماعَ القرآن، والموعظة، يجوز، وإنْ سماعَ غناء، فهو حرام، بإجماع العلماء. ومن أباحه من السادة الصوفية، فلمن تخلّى عن الهوى، وتحلّى بالتقوى، واحتاج إلى ذلك احتياجَ المريض)(8).
وقال في الفتاوى الخيرية(9) - بعد نقل أقوال العلماء، واختلافهم في مسألة السماع - :(وأما سماع السادة الصوفية - رضي اللَّه عنهم - فَبِمَعْزِلٍ عن هذا الخلاف، بل، ومرتفعٌ عن درجة الإباحة، إلى رتبة المستحب، كما صرح به غيرُ واحد من المحققين)(10).
وقال سيدي عبد الغني النابلسي(11) (رحمه اللَّه تعالى)، في شرحه على الطريقة المحمدية(12)، عند قول المصنف: الغناءُ ينبت النفاق(13): (وهذا إذا صادف الغناءُ 1 - نَفْساً أمّارة بالسوء، وهي طريقة الغافلين، المحجوبين. 2 - فإن صادف نفساً لوّامة، أوجب الخشوعَ في القلب، والبكاءَ، والندمَ على التقصير في العمل، والجرَّ إلى التوبة، وهي طريقة السالكين. 3 - وإن صادف نفساً مطمئنةً، أنتج المعارفَ الإلهية، والحقائق الربانية، وهي طريقة المحققين من أهل اللَّه تعالى، الواصلين إلى عين اليقين. والأقسامُ الثلاثة: موجودةٌ في زماننا هذا، ولكنّ الاطلاع عليها متعسر، خصوصاً في حق المتفقهة، الجاهدين على الظواهر، الجاحدين للأسرار الباطنة الملكوتية(14)، فإنهم حَصَروا جميعَ الخلق في القسم الأول، فخاضوا في الكاملين، بالقياس على القاصرين، وزاغوا عن حقيقة الحقّ المبين)(15).
--------------------
رواه الترمذي، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهم.
رواه البزار عن أنس رضي اللَّه عنه.
مرت ترجمته في صفحة - 22 - .
ط 2 - 263، 383، 386 - .
مرت ترجمته في صفحة - 87 - .
انظر تفصيلاً عنها في صفحة - 80 - .(1/226)
عيون المذاهب الكاملي، المظفري، لقوام الدين، محمد بن محمد بن أحمد الخجندي، المعروف بالكاكي، المتوفي سنة (749 ه). وهو مختصر في المذاهب الأربعة، جمعه المؤلف ترغيباً للطلبة في الحفظ. فهرس مخطوطات الفقه الحنفي.
ع 5 - 231 - .
انظر صفحة - 36 - .
الفتاوى الخيرية - 2 - 167 - .
مرت ترجمته في صفحة - 33 - .
للإمام محمد بير علي، الرومي، البْركلي، محي الدين، عالم بالعربية، نحواً، وصرفاً له اشتغال بالفرائض، ومعرفة بالتجويد. تركي الأصل، والمنشأ، من أهل قصبة "بالي كسرى". كان مدرساً في قصبة "بركي" فنسب إليها. مولده (929 ه - 1523 م) ووفاته (981 ه - 1573 م).أعلام.
قلت: ليست هذا قول المصنف البركلي، بل حديث رواه أبو داود، والبيهقي، عن ابن مسعود، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "الغناء ينبت النفاق، كما ينبت الماء البقل".شط.
سيأتي معنى الملكوت في صفحة - 292 - .
ط 2 - 249 - .
--------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في سماع الآلات:.
مطلب في سماع الآلات:
وقال في تنقيح الفتاوى الحامدية(1):
سُئل العلامة الجد عبد الرحمن أفندي العمادي(2) عن السماع، بما صورته: فيما إذا سمع من الآلات المطربة - كاليراع(3)، وغيره - وما لذلك سبيهٌ - ، هل ذلك حلالٌ، أو حرام، بالنسبة إلى الشريعة، والحقيقة؟، وهل لذلك سبيلٌ، وإلى سماعه طريقةٌ، أم لا؟ فأجاب المولى المذكور، عليه رحمةُ الرحيم الغفور: (قد حرَّمه من لا يُعْترض عليه، لصدق مقاله، وأباحه من لا يُنْكر عليه، لقوة حاله، فِمنْ وجد في قلبه شيئاً من نور المعرفة فليتقدم، وإلاّ فرجوعه عما نهاه الشرعُ الشريف أحكمُ وأسلم، واللَّه سبحانه أعلم).(1/227)
قال العلامة ابن عابدين(4) (رحمه اللَّه تعالى)، عند قولِ صاحب الدر(5): (ومن اللَّهو: ضربُ النوبة للتفاخر، فلو للتنبيه فلا بأس به)(6): وهذا يفيد أن آلة اللَّهو، ليست محرمةً لعينها، بل لقصد اللَّهو منها، إمّا من سامعها، أو من المشتغل بها، وبه تُشْعِرُ الإضافة، ألا ترى أن ضرب تلك الآلة بعينها، حَلَّ تارةَ، وحَرُمَ أخرى، باختلاف النية، والأمورُ بمقاصدها، وفيه دليلٌ لسادتنا الصوفية، الذين يقصدون بسماعها أموراً، هم أعلمُ بها. فلا يبادرِ المعترضُ بالإنكار، كي لا يحرم بركتّهم، فإنهم السادةُ الأخيار، أمدّنا اللَّه تعالى بإمداداتهم، وأعاد علينا من صالح دعواتهم وبركاتهم(7).
وقال صاحب الطريقة(8): استماعُ الملاهي(9) - بلا اضطرار لذلك(10) - منهيٌ عنه، وإن سمع بغتةً فلا إثم عليه، ويجب أن يجتهد كلّ الجهد حتى لا يسمع(11).
-------------------
(1) المسمى العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، في جزأين، للعلامة محمد أمين عابدين المار ذكره وترجمته في صفحة - 87 - .
(2) عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عماد الدين، مفتي دمشق، ومن أجلاء شيوخها، مولده في دمشق (978 ه - 1570 م) ووفاته فيها سنة (1051 ه - 1641 م). من كتبه: الفتاوى.أعلام.
(3) اليراع: هو القصب الذي يزمّر به الراعي، وهو الناي.
(4) انظر ترجمته في صفحة - 87 - .
(5) محمد ين علي بن محمد، الحصني، المعروف بعلاء الدين الحصكفي، مفتي الحنفية في دمشق، مولده ووفاته فيها (1025 - 1088 ه - 1616 - 1677 م). فاضل، عالي الهمة. عكف على التدريس، والإفادة. كتابه المذكور: الدر المختار، في شرح تنوير الأبصار، في فقه الحنفية.أعلام.(1/228)
(6) كما إذا ضرب في ثلاثة أوقات، لتذكير ثلاث نفخات الصور، لمناسبةٍ بينها. فبعد العصر للإشارة إلى نفخة الفزع، فإن الناس، بعد العصر، يفزعون من أسواقهم، إلى منازلهم. وبعد العشاء إشارة إلى نفخة الموت، لأنه وقت نومهم، وهو الموت الأصغر. وبعد نصف الليل، إشارة إلى نفخة البعث، لأنهم يخرجون من بيوتهم، التي هي كقبورهم، إلى أعمالهم.در - مح - .
(7) ع 5 - 223 - .
(8) انظر ترجمته في صفحة - 193 - .
(9) وهي الترنم بأشعار الفسقة، وأصوات الدفوف، والمزامير في مجالس الخمور، ورقص القينات الداعي إلى الزنى، أو اللواط. لا مطلق استعمال الترنم بآلات اللَّهو، مجرداً عن جميع ذلك، في الظاهر، والباطن، فإنه مباح. انظر رسالة: إيضاح الدلالات في سماع الآلات، للعارف النابلسي.شط.
(10) كالتجارة في سوق، وفيه شيء من الملاهي، وكالغزو في قتال أهل الحرب، وهناك شيء من ذلك المنكر، وكالحج، وفي الطريق شيء من الملاهي، إذا لم يمكن إلا مع استماع الملاهي، فإنه لا يضر في أمر الدين، إذا كان ممتنعاً من ذلك بقلبه، وظاهره.شط.
(11) لما روي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لمّا سمع زمارة الراعي، وكان معه ابن عمر رشي اللَّه تعالى عنهما، أدخل إصبعيه في أذنيه، فقال له: "أتسمع"؟ حتى قال: "لا أسمع"، فأخرج عليه الصلاة والسلام إصبعيه من أذنيه. وتمامه في شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن إمساك آلات الملاهي في البيت:.
مطلب في النهي عن إمساك آلات الملاهي في البيت:
ومثله: إمساكُ المعازف - أي آلاتِ الملاهي - في البيت، وإن كان لا يستعملها، فإنه آثم، لأن إمساك هذه الأشياء، لا يكون إلاّ للَّهو عادةً(1).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن إمساك آلات الملاهي في البيت:.
وجدت الكلمات في الفص(1/229)
71 - الحادي والسبعون: الرّقص، وهو: الحركة الموزونة، على ميزانِ نغمة مخصوصة، قال الإمام أبو الوفاء بنُ عقيل(2) (رحمه اللَّه تعالى): قد نَصّ القرآن العظيم على النّهي عن الرقص، فقال تعالى: {ولا تمشِ في الأرض مَرَحاً}(3)، وذمّ المختال بقوله سبحانه: {إنّ اللَّه لا يُحِبُّ كلَّ مختالٍ فخور}(4)، والرقص: أشدُّ من المرح والبطر. وأول مَنْ أحدثه: أصحاب السامري(5)، لمّا اتخذ لهم عجلاً، جَسداً، له خوار، وقاموا يرقصون عليه، ويتواجدون، فهو دين الكفار وعبّادِ العجل. وقال في التاترخانية(6): الرَّقص (على الوصف المذكور)، في السماع (للآلات المحرمة) لا يجوز. وفي الذخيرة(7): إنه كبيرة، (لاشتماله على الحرام القطعي). وقال الإمام البزّازي(8) في فتاواه: قال القرطبي(9) (رحمه اللَّه تعالى): إن هذا الغناءَ، وضربَ القضيب - وهو المسمى بالسنطير(10) - والرقصَ، حرام بالإجماع(11).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن إمساك آلات الملاهي في البيت:.
وجدت الكلمات في الفص
72 - الثاني والسبعون: سؤال المالِ، والمنفعةِ الدنيوية، عمّن لا حَقّ له فيه، وهو حرام، إلاّ عند الضرورة الداعية إليه، عن ابن عمر(12) رضي اللَّه عنهما، أنّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "لا تزال المسألة بأحدكم، حتى يلقى اللَّه تعالى، وليس في وجهه مَزْعةُ لحم"(13). وهذا محمولٌ على كل مَنْ سأل سؤالاً لا يجوز له، وخُصّ الوجهُ بهذا النوع، لأنّ الجنايةَ به وقعت، إذ قد بذل من وجهه، ما أُمر بصونه عنه.
-------------------
(1) ط 2 - 404، 634 - .(1/230)
(2) علي بن عقيل بن محمد بن عقيل، البغدادي، الظفري، عالم العراق، شيخ الحنابلة ببغداد في وقته، ولد عام (431 ه - 1040 م)، كان قوي الحجة، اشتغل بمذهب المعتزلة في حداثته، وكان يعظم الحلاج، فأراد الحنابلة قتله، فاستجار بباب المراتب، عدة سنين، ثم أظهر التوبة، حتى تمكن من الظهور. توفي سنة (513 ه - 1119 م). أعظم تصانيفه: كتاب الفنون في - 400 - جزء، لم يصنف أكبر منه.أعلام.
(3) الإسراء - 37 - ، والرقص: بمعنى المشي في الأرض، مع إظهار الفرح، والحركة الزائدة الموزونة.
(4) لقمان - 18 - .
(5) السامري: ساحر منافق زمن سيدنا موسى عليه السلام، من قوم يعبدون البقر. قال المفسرون: استخلف موسى عليه السلام على بني إسرائيل، لما جاء لمناجاة ربه، أخاه هارون عليه السلام، وأمره أن يتعهدهم بالإقامة على طاعة اللَّه. وأثناء ذلك، جمع السامري الأثقال، والأحمال من حلي آل فرعون، التي كانوا قد استعاروها من القبط، قبل خروجهم من مصر. فلما أبطأ موسى عليه السلام، في العودة إليهم، قال لهم السامري: إنما احتبس موسى عليكم، لأجل ما عندكم من الحلي، فجمعوه، ودفعوه إلى السامري، فرمى به في النار، وصاغ لهم منه عجلاً. ثم ألقى عليه قبضة من أثر فرس جبريل عليه السلام، فجعل يخور (وذلك أنه كان ابن زنى، وقد قيض اللَّه تعالى له، وهو صغير، جبريل، إذ كان يأتيه بفرسه ليرضعه منها، فلاحظ أن كل ما تطؤه فرس الرسول جبريل تدب فيه الحياة، فلما صاغ العجل، ألقي في نفسه أن يقبض قبضة من أثر الرسول جبريل، فيلقيها على العجل الذي صاغه، ففعل، فدبت فيه الحياة بإذن اللَّه تعالى، وجعل يخور)، فقالوا: هذا العجل إلهكم، وإله موسى، فنسي موسى أن إلهه هنا، وذهب يطلبه في الطور. صفوة التفاسير بتصرف وزيادة.(1/231)
وبهذا لم ينتفع السامري (المسمى بموسى أيضاً) من تربية الرسول جبريل، فنشأ كافراً، كما أن النبي موسى عليه السلام، لم تؤثر عليه تربية فرعون الكافر، فنشأ نبياً، رسولاً، من أولي العزم، قال الشاعر (من الطويل):
إذا المرءُ لم يُخلق سعيداً من الأزل * فقد خاب مَنْ ربّى، وخاب المُؤمّل
فموسى الذي ربّاه جبريل كافرٌ * وموسى الذي ربّاه فرعون مرسل
(6) انظر صفحة - 80 - .
(7) انظر صفحة - 80 - .
(8) محمد بن محمد بن شهاب بن يوسف، الكردري، البريقيني، الشهير بالبزازي، فقيه حنفي، أصله من كردر، بجهات خوارزم، تنقل في بلاد القرم، والبلغار، وحجّ، واشتهر، كان يفتي بكفر تيمورلنك (المعروف بتيمور الأعرج (1336 - 1405 م)، ولد في كش، بفتح الكاف وتشديد الشين، قرية من قرى جرجان على (3) فراسخ منها، بالقرب من سمرقند، اعتلى العرش بدهائه، وبطشه، خرّب بغداد، واتخذ سمرقند عاصمة له، اشتهر بقساوته) من كتبه: الجامع الوجيز، المعروف بالفتاوى البزازية. كان من أفراد الدهر، في الفروع، والأصول. ألف كتابه الجامع قبل دخوله في بلاد الروم. قيل للمولى أبي السعود المفتي: لِمَ لا تجمع المسائل المهمة، ولم تؤلف فيها كتاباً؟! قال: أستحي من صاحب البزازية، مع وجود كتابه. اه - أعلام - منجد - الفوائد - وصفحة - 93 - من هذا الكتاب.
(9) انظر ترجمته في صفحة - 101 - .
(10) آلة الطرب، كالقانون، أوتارها من نحاس (يونانية).منجد.
(11) ط 2 - 518 - ذكر هذا القرطبي، في مواضع من كتابه، ولعله كتاب المفهم، شرح صحيح مسلم.شط.
(12) انظر ترجمته في صفحة - 23 - .
(13) رواه الشيخان.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الضرورة التي تبيح السؤال:.
مطلب في الضرورة التي تبيح السؤال:(1/232)
والضّرورة التي تبيح السؤال: أن لا يَقْدر على الكسب، للمرض، أو الضعف، وأن لا يكون عنده قوت يومٍ. وسؤالُ الصدقة، والزكاة سواءٌ في الحِلّ، والحرمة، بخلاف سؤالِ حقه من الدَّين، أو من بيت المال، إذا كان مصرِفاً(1).
وأقبح السؤال: ما كان بوجه اللَّه تعالى، عن أبي موسى الأشعري(2) رضي اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "ملعونٌ من سأل بوجه اللَّه تعالى"(3)، وعن جابر(4) رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لا يُسْأَل بوجه اللَّه تعالى إلاّ الجنة"(5).
-------------------
(1) وبخلاف استخدام مملوكه، وأجيره، وزوجته في مصالح البيت، وتلميذه بإذنه، لا بالإكراه، إن كان بالغاً، أو بإذن وليه، إن كان صبياً.
(2) عبد اللَّه بن قيس بن سليم بن حضار، بن حرب، من بني الأشعر، من قحطان، صحابي، من الشجعان، الولاة، الفاتحين، أحد الحكمين من قبل علي، بعد حرب صفين، ولد في زبيد عام (21 ق.ه - 602 م) باليمن، وقدم مكة عند ظهور الإسلام، فأسلم، وهاجر إلى الحبشة، ثم استعمله النبي صلى اللَّه عليه وسلم على: زبيد، وعدن. وولاه عمر البصرة سنة (17 ه)، فافتتح أصبهان، والأهواز. ولاه عثمان الكوفة، وأقره علي عليها، بعد مقتل عثمان، حتى وقعة الجمل، إذا أمر موسى أهل الكوفة بالقعود في الفتنة، بعد طلب علي نصرتهم، فعزله. توفي في الكوفة سنة (44 ه - 665 م). كان أحسن الصحابة صوتاً في التلاوة، خفيف الجسم، قصيراً. له في الصحيحين (355) حديثاً.أعلام بتصرف.
(3) وتتمة الحديث: "ومَنْ سُئل بوجه اللَّه، ثم منع سائلاً، ما لم يسأل هجراً" رواه الطبراني في الكبير.
(4) انظر ترجمته في صفحة - 144 - .
(5) رواه أبو داود.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن سؤال المرأة الطلاق، من غير بأس:.(1/233)
مطلب في النّهي عن سؤال المرأة الطلاق، من غير بأس:
ومن السؤال المذموم: سؤال المرأة الطلاقَ، أو الخلع(1) من زوجها، من غير بأس(2)، ومنه: سؤال العبد، أو الأمة البيعَ من المولى، من غير بأس، وقد ذكر في فتاوى قاضي خان(3): أنه (أي العبد، والأمة) يستحق به التعزيز، والتأديب من المولى، بمقدار ما يليق بحاله من الزّجر، أو الضرب، حتى يَترك طَلب ذلك(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن سؤال المرأة الطلاق، من غير بأس:.
وجدت الكلمات في الفص
73 - الثالث والسبعون: السؤال عن المشكلات، و مواضع الغلط(5)، للتغليط، والتخجيل، وهو حرام، لأنه يترتب عليه إيذاءُ الغير، واحتقارُه بين الناس، عن معاوية(6) رضي اللَّه عنه، أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: " نهى عن الأغلوطات"(7). بخلاف السؤال عنها للتعلم، أو التعليم، واختبار أذهان الطلبة، أو تشحيذها، أو حثّهم على التأمل، فإنه مستحبٌ، لما فيه من إعانة على فهم العلم، وقد فعله النبي صلى اللَّه عليه وسلم بقوله: "أيُّ شجرة، إذا قطع رأسها ماتت"؟ فوقع القوم في شجر البادية، ثم قال: "هي النخلة"(8).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن سؤال المرأة الطلاق، من غير بأس:.
وجدت الكلمات في الفص(1/234)
74 - الرابع والسبعون: سؤال العوام عن كُنْه ذات اللَّه تعالى، وصفاته، وكلامه(9)، وعن الحروف(10): أهي قديمة، أم محدثة، وعن قضاء اللَّه تعالى(11)، وقدره، مما لا يبلغه فهمهم، عن أبي هريرة(12) رضي اللَّه عنه، انه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لا يزال الناس يتساءلون(13)، حتى يقال: هذا خَلْقُ اللَّه، فمن خلق اللَّه؟ فَمنْ وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت باللَّه ورسله"، وفي رواية: "فليستعذ باللَّه، وليَنْتَهِ"(14)، وزاد أبو داود(15) "فإذا قالوا ذلك، فقولوا: اللَّه أحد(16)، اللَّه الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ثم ليتفلُ عن يساره، وليستعذ من الشيطان". عن المغيرة بن شعبة(17) رضي اللَّه عنه، أنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن قيل، وقَال، وكثرةِ السؤال، وإضاعة المال"(18).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن سؤال المرأة الطلاق، من غير بأس:.
وجدت الكلمات في الفص
75 - الخامس والسبعون: الخطأ في التعبير، ودقائق الخطأ، قال في الخلاصة(19): قال محمد(20) (رحمه اللَّه تعالى): أكره للإنسان أن يقول: إيماني كإيمان جبريل(21)، ولكن يقول: آمنت بما آمن به جبريل، عليه السلام(22).
-------------------
(1) وهو أن تفتدي نفسها منه مقابل مال، إن كانت هي الكارهة، ويكون الخلع طلاقاً بائناً بينونة صغرى.
(2) لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "أيما امرأة، سألت زوجها طلاقها، من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة"، أي مع السابقين الأولين، رواه أبو داود، والترمذي، عن ثوبان. وفي الأثر أن النساء المختلعات هنّ المنافقات.شط.(1/235)
(3) حسن بن منصور بن أبي القاسم، محمود بن عبد العزيز، فخر الدين، المعروف بقاضي خان الأوزجندي (نسبة إلى أوزجند، بنواحي أصبهان، قرب فرغانة)، الفرغاني، فقيه حنفي، من كبارهم، له الفتاوى - 4 - توفي سنة (592 ه - 1196 م). انظر صفحة - 49 - 80 - .
ط 2 - 264 - .
والخطأ في الأحكام. وغيرها من سائر العلوم، وهي الألغاز الفقهية، والنحوية، وغير ذلك.
معاوية بن أبي سفيان، صخر بن حرب بن أمية، بن عبد شمس، بن عبد مناف، القرشي، الأموي، مؤسس الدولة الأموية، وأحد الدهاة العرب الكبار، فصيح، حليم، وقور. ولد بمكة عام (20 ق.ه - 603 م)، أسلم يوم فتحها، (8 ه)، وتعلم الكتابة، والحساب، فكان من كتاب الوحي. انتهى الأمر بخلافته سنة (41 ه) حتى شاخ. فعهد بها لابنه يزيد. توفي في دمشق سنة (60 ه - 680 م). له (130) حديثاً. أحد عظماء الفاتحين في الإسلام، وأول مسلم ركب بحر الروم للغزو، وأول من جعل دمشق مقر خلافة، وأول من اتخذ المقاصير(الدور الواسعة المحصنة)، وأول من اتخذ الحرس، والحُجاب في الإسلام، وأول من نصب المحراب في المسجد. كان يخطب قاعداً. طويل، جسيم، أبيض.أعلام.
رواه أبو داود.
حسب ما جاء في الحديث الصحيح. ط 2 - 274 - .
فإنه سؤال يستحيل إدراكه، والوصول إلى جوابه. قال بعضهم: إذا فكرت في ذات اللَّه تعالى، فإمّا أن يصل فكرك إلى شيء، فتكون مشبهاً (ربك بمخلوقاته) والتشبيه كفر، وإما ألا يصل إلى شيء، فتكون معطلاً (أي نافياً ما أثبت الحق له من وجه، ويد، وغير ذلك)، والتعطيل كفر، حتى يصل فكرك إلى موجود، تعجز عن معرفته، فيقال لك حينئذ: العجز عن الإدراك إدراك.شط. بتصرف. انظر صفحة - 293 -
الهجائية، التي يتألف منها القرآن الكريم، وغيره.شط.
أي حكمه تعالى الأزلي على خلقه بما أراد، أم القدر فهو: وقوع ما قضى به اللَّه تعالى في الأزل، وفق ما قضى.شط بتصرف وزيادة. انظر صفحة - 324 -
مرت ترجمته في صفحة - 120 - .(1/236)
عن دقائق المسائل الإلهية، وحقائق الأقضية الربانية.شط.
رواه الشيخان.
سليمان بن الأشعث بن إسحاق، بن بشير الأزدي، السجستاني، إمام أهل الحديث في زمانه، أصله من سجستان، ولد عام (202 ه - 817 م)، رحل رحلة طويلة، وتوفي بالبصرة سنة (275 ه - 889 م). له السنن، وهو أحد الكتب الستة جمع فيه (4800) حديث انتخبها من (500.000) حديث، وله: المراسيل في الحديث، والبعث، وتسمية الإخوة.أعلام.
أي متصف بالأحدية، التي هي الوحدة في الذات، والصفات، والأسماء، والأفعال، والأحكام، فهي - الأحدية - أخصُّ من الواحدية، التي هي الوحدة في الذات فقط. فالواحد: من توحدت ذاته عن المشابهة، لا صفاته، وأسماؤه، وأفعاله، وأحكامه. والأحد: ما توحد في الكل.شط.
المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، أبو عبد اللَّه، أحد الدهاة العرب، وقادتهم، وولاتهم، صحابي، ولد في الطائف عام (20 ق.ه - 603 م)، أسلم سنة (5)ه. شهد الحديبية، واليمامة، و فتوح الشام. ذهبت عينه باليرموك، وشهد القادسية، ونهاوند، و همدان، وغيرها. اعتزل الفتنة بين علي، ومعاوية. ولاه معاوية الكوفة، وبقي فيها حتى مات سنة (50 ه - 670 م) وهو أول من وضع ديوان البصرة، وأول من سلم عليه بالإمرة في الإسلام.أعلام.
رواه البخاري ومسلم.
انظر في ترجمتها صفحة - 67 - .
مرّت ترجمته في صفحة - 7 - .
وإن كان الإيمان عندنا لا يزيد، ولا ينقص كماً. وإيمان أهل السماء، والأرض سواء. لأن في هذا القول سوء أدب مع خاصّ خواص الملائكة، عليهم السلام، فإن إيمانهم زيادة كشف وعيان، وإيمان عوام أهل الأرض إيمان تصديق، وإيقان، ودليل، وبرهان.شط. وسيأتي لهذا البحث مزيد بيان في صفحة - 326 -(1/237)
ومن الخطأ في التعبير: تسمية العنب بالكرم، لأن الكرم: الرجل المسلم، بل عليه أن يسمي الكرم العنب، الحَبلة، و إنما سمي العنب - في الأصل - كرماً، لأن الخمر الحاصل منه، يحث صاحبه على الكرم، والسخاء، حين تخامر عقله، قال عنترة (من الكامل):
فإذا شربتُ، فإنني مستهلك * مالي، وعرضي وافرٌ لم يُكْلَم
فكره النبي، صلى اللَّه عليه وسلم، تسمية أصل الخمر، بهذا الاسم، إهانة لها، وتأكيداً لحرمتها، وجعل نفس المؤمن أولى به. ومن الخطأ في التعبير - أيضاً - قول الرجل لغيره، على سبيل الكبر: هلك الناس. وكذلك قول الناس: ما شاء اللَّه، وشاء فلان، ولكن يقول: ما شاء اللَّه، ثم ما شاء فلان، بصيغة التراخي، عن مشيئة اللَّه تعالى، إن كان، ولا بد، من ذكر مشيئة فلان.شط بتصرف وزيادة.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن أن يدعو الرجل أباه، والمرأةُ زوجَها باسمه:.
مطلب في النهي عن أن يدعو الرجل أباه، والمرأةُ زوجَها باسمه:(1/238)
وفي السِّراجية(1): يكره أن يدعو الرجل أباه، والمرأة زوجها باسمه(2)، لما في ذلك من سوء الأدب، المنافي للاحترام الواجب، عن أبي هريرة(3) رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم: عبدي، وأمتي، كلُّكم عبيد اللَّه، وكلُّ نسائكم إماء اللَّه، ولكنْ ليقل: غلامي، وجاريتي، وفتاويَ، وفتاتي، ولا يقول المملوك: ربي وربتي، ولكنْ سيدي، وسيدتي، فكلُّكم عبيد، والرب واحد"(4). وغيَّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "اسم عاصية(5) إلى جميلة، وحَزْن(6) إلى سهل، وحرب إلى سِلْم، ومُرّة إلى جويرية(7)، وسمّي المضطجع المنبعث، وسمّي أرضاً تسمى عفرة، خضرة، وسمي شِعْب الضلالة، شعبَ الهدى، ومنع عن التكنية بأبي الحَكَم(8)، وفي حديث مسلم(9): "إن أخنع اسم عند اللَّه: رجل تسمى ملكَ الأملاك، لا مَلِكَ إلا اللَّه" :قال سفيان(10): مثل شاهان شاه(11)، وأخنعُ بمعنى أخبثُ(12).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن أن يدعو الرجل أباه، والمرأةُ زوجَها باسمه:.
وجدت الكلمات في الفص
76 - السادس والسبعون: الشفاعة السيئة: قال اللَّه تعالى: {ومَنْ يشفعْ شفاعةً سيئة، يكن له كفل منها}(13). عن ابن عمر(14) رضي اللَّه عنهما، قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "مَنْ حالت شفاعته دون حدٍ من حدود اللَّه، فقد ضادَّ اللَّه تعالى"(15).
وهي كثيرة، منها: الشفاعة لتقليد القضاء، والإمارة، والتولية مطلقاً، (على وقف، أو مال يتيم، ونحو ذلك،) أي سواء كان المشفوع له مأموناً على ذلك، أو لا، لورود النهي عن طلبها، والشفاعة فيها(16). ومنها: الشفاعة للإمامة، لمن ليس أهلاً لها، أو وُجد مَنْ هو أولى بها منه، وكذا الأذان، والتعلم، والتدريس، ونحوها.(1/239)
وسببها: الجهل بما يترتب عليها من الإثم، والطمعُ في الدنيا، والجاه، وحبُّ الأقرباء، والأحباء. وحبُّ اللَّه تعالى، وحبُّ نفسه أولى، وأحقُّ. وسببها أيضاً: - الحياء من الناس. والحياءُ من الخالق - المنعم، الضار، النافع - أقدمُ وألزم.
-------------------
مجموعة فتاوى على المذهب الحنفي، لسراج الدين، الأوشي الفرغاني، محمد بن محمد بن عبد الرشيد، بن طيفور، أبو طاهر السجاوندي، له الفرائض السراجية، على المذاهب الأربعة، ترجم إلى التركية، والفارسية، وهو حجة في الفقه.اه منجد - هدية العارفين.
وكذلك أمه باسمها، والجد، والجدة كذلك.
مرت ترجمته في صفحة - 120 - .
رواه الشيخان.
ابنة عمر رضي اللَّه تعالى عنهما، وقال: أنتِ جميلة. الأدب المفرد.
حَزْن بن أبي وهب المخزومي، جد سعيد بن المسيب. روى البخاري، وأبو داود، عن سعيد بن المسيب عن أبيه، عن جده حزن أنه أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: أنت سهل. قال لا أُغيّر اسماً سمّانيه أبي، وفي رواية: ما أنا بمغيّر اسماً سمّانيه أبي. قال سعيد: فما زالت فينا الحزونة. الإصابة - الأدب المفرد. وقال ابن حبان: كان اسم سهل بن سعد الساعدي حزناً، فسماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سهلاً. الإصابة.
تصغير جارية. وأصلها: السفينة، سميت بذلك لجريانها في البحر. ومنه قيل للأمة: جارية، على التشبيه، لجريها مستسخَرة في أشغال مواليها، ولأصل الشابة: لخفتها، ثم توسعوا حتى سموا كل أمة جارية، وإن كانت عجوزاً، لا تقدر على السعي، تسمية بما كانت عليه. والجمع الجواري.شط.
لأن الحكم من أسمائه تعالى، فالتكنية بذلك توهم البُنوّة للَّه، تعالى اللَّه عن ذلك علواً كبيراً. وهو مستحيل شرعاً، وعقلاً، وقد كفر قوم بذلك.شط.
انظر ترجمته في صفحة - 156 - .(1/240)
سفيان الثوري: سفيان بن سعيد بن مسورق الثوري، من بني ثور بن عبد مناة، من مضر، أبو عبد اللَّه، أمير المؤمنين في الحديث، سيد أهل زمانه في علوم الدين، والتقوى. ولد في الكوفة عام (97 ه - 716 م) ونشأ بها، راوده المنصور العباسي على أن يلي الحكم، فأبى، وخرج من الكوفة (سنة 144 ه)، فسكن مكة، والمدينة، ثم توارى لما طلبه المهدي، ومات بالبصرة، مستخفياً سنة (161 ه - 778 م). كان آية في الحفظ.أعلام.
أي ملك الملوك.
ط 2 - 275 - .
سورة النساء:85.
انظر ترجمته في صفحة - 23 - .
رواه الطبراني في الكبير، والحاكم، وأبو داود.
عن أبي موسى الأشعري، رضي اللَّه عنه، قال: دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحدهما: يا رسول اللَّه، أَمّرْنا على بعض ما ولاك اللَّه عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: "إنّا واللَّه لا نولّي هذا العمل أحداً سأله، أو أحداً حرص عليه". رواه الشيخان.شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الشفاعة الحسنة:.
مطلب في الشفاعة الحسنة:
وضدها: الشفاعة الحسنة، قال اللَّه تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شفاعةً حسنةً، يكنْ له نصيبٌ منها}(1)، كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم، إذا أتاه طالبُ حاجة، أقبل على جلسائه، فقال: "اشفعوا تؤجروا، أو يقضيَ اللَّه تعالى على لسانِ رسوله ما شاء"(2).(1/241)
قال الشيخ النووي(3) (رحمه اللَّه تعالى): وفيه(4): استحبابُ الشفاعة، لأصحاب الحوائج المباحة، سواءٌ كانت الشفاعة إلى سلطان، ووالٍ، ونحوهما،أم إلى واحدٍ من الناس، وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان، في كفٍّ ظلم، أو في إسقاط حقٍّ، أو في تخليص عطاءٍ لمحتاج، ونحو ذلك. وفي هذا الحديث إشارة إلى أنّ الشفاعة، ليست مقبولةً دائماً، وإنما تُقْبَل مرة، ولا تقبل مرة أخرى، والثوابُ - لمن يشفع فيها - حاصلٌ على كل حال، حيث سعى في حاجة أخيه(5).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الشفاعة الحسنة:.
وجدت الكلمات في الفص
77 - السابع والسبعون: الأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، وهو صفة المنافقين، قال اللَّه تعالى: {المنافِقُون والمنافقاتُ: بعضُهم من بعض، يأمُرون بالمنكر، وَيَنْهَوْن عن المعروف}(6)، ويدخل فيه: الأمرُ بالظلم، وإعانةُ الظَّلمة على ظلمهم بالقول.(1/242)
وضدُّه: الأمر بالمعروف، والنهيُ عن المنكر، وهو فرضٌ على وجه الكفاية، عند القدرة، بلا ضررٍ يلحقه في ذلك، قال اللَّه تعالى: {وَلْتَكُن منكم أُمةٌ، يَدْعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، ويَنْهَوْن عن المنكرِ، وأولئك هم المفلحون}(7)، عن أبي سعيد(8) رضي اللَّه عنه، أنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "مَنْ رأَى منكم مُنْكراً، فليُغَيّره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أَضعفُ الإيمان"(9). وهذا الحديث نصٌّ في كون الوجوب على هذا الترتيب، على كلّ شخص، مكلف، قادر. وقال بعض العلماء: التغيير باليد: على الأمراء، والحكّام، وباللسان: على العلماء، وبالقلب: على العوام، وهو المروي عن الإمام أبي حنيفة(10) رضي اللَّه عنه، ولا يشترط في وجوبه: كونُه عاملاً بما أمر به، ومنتهياً عما نَهى عنه(11)، ومجردُ النهي، لا يكفي في الخروج عن الإثم، بل لا بدّ من البُغض، والغَضَب، والهَجْر للَّه تعالى، وعدم الاختلاط بهم، إن لم يَنْتَهوا.
-------------------
(1) النساء: 85.
(2) رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري، وقوله: أو يقضي اللَّه...أي من سرعة قضاء لتلك الحاجة، أو تأخير لها، أو تحويلها إلى ما هو الأنفع، أو في زمان آخر، أو غير ذلك.شط.
(3) انظر ترجمته في صفحة - 64 - .
(4) أي في الحديث السابق.
(5) ط 2 - 287 - .
(6) سورة التوبة: 67.
(7) سورة آل عمران: 104.
(8) انظر ترجمته في صفحة - 123 - .
(9) رواه مسلم.
(10) انظر ترجمته في صفحة - 8 - .(1/243)
(11) روى الطبراني في الوسط، والصغير، عن انس رضي اله عنه، أنه قال: قلنا: يا رسول اللَّه، ألا نأمر بالمعروف، حتى نعمل به، ولا ننهى عن المنكر حتى نجتنبه؟! فقال صلى اللَّه عليه وسلم: لا بل مروا بالمعروف، وإن لم تعملوا به كله، وانهوا عن المنكر، وإن لم تجتنبوه كله". وروى البزار، والطبراني، عن ابن عباس، رضي اللَّه عنهما انه قيل: يا رسول اللَّه، أتهلك القرية، وفيها الصالحون؟ قال: نعم، قيل: بم يا رسول اللَّه؟ قال: بتهاونهم، وسكوتهم عن معاصي اللَّه تعالى". وروى الأصبهاني، عن أنس رضي اللَّه عنه أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لا تزالُ كلمة - لا إله إلا اللَّه - تنفع من قالها، وتردّ عنهم العذاب، والنقمة، ما لم يستخفوا بحقها". قالوا: يا رسول اللَّه: وما الاستخفاف بحقها؟ قال: "نظر العبد معاصي اللَّه، فلا ينكر، ولا يغيّر".شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في شروط الأمر بالمعروف:.
مطلب في شروط الأمر بالمعروف:(1/244)
وشرطُ الأمر بالمعروف: ثلاثة، 1 - النية فيه، وهي: أن يريد إعلاءَ كلمة اللَّه تعالى، 2 - ومعرفةُ الحجة، أي: أن يعرف دليلَ المأمور به، والمنهي عنه، 3 - والصبر على ما يُصيبه من مكروه. ويجب بعد ذلك أن يكون فيه ثلاثُ خصال: 1 - رفقٌ فيما يَأمر به، وينهى عنه، 2 - وحلمٌ في ذلك، أي بأن يكون حليماً في نفسه، لا يتضيق، ولا يتضجر عما يُقال له فيه، 3 - وفقه، أي بصيرةٌ كاملةٌ في دقائقِ الحِجج، كي لا يَصيرَ أمره بالمعروف، ونهيُه عن المنكر، منكراً، لوقوعه في الغلط لجهله. و ها هنا آفةٌ عظيمة، ينبغي أن يتوقاها، وهي: أنّ العالِم يرى عند التعريف عِزَّ نفسه بالعلم، وذُلَّ غيره بالجهل، فإذا كان الباعثُ هذا، فهذا المنكر، أقبحُ في نفسه من المنكر الذي يَعترض عليه، ولا يَسلم من مكايد الشيطان إلاّ مَنْ عرّفه اللَّه تعالى عيوبَ نفسه، وفتح بصيرتَه بنور هدايته.
والحاصل: كلُّ مَن يقوم بهذا الواجب، يشترط فيه: أن يكون عالِماً بالمذاهب، حتى يكونَ أمره، ونهيُه في منكرٍ، مجمعاً عليه، وأن لا يتجاوزَ الحدَّ المشروع في القول والفعل، فإن كثيراً من المحتسبين يخطئون، فيفرطون في الحُسبة، فلا يفي خيرُهم بشرّهم(1).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في شروط الأمر بالمعروف:.
وجدت الكلمات في الفص(1/245)
78 - الثامن والسبعون: غِلظة الكلام(2)، والعنف، وهتك العِرض، لا سيما في الملأ. وهذا إذا كان في غير محله، ومحلُّه: النهي عن المنكر، إذا لم ينجع الرِّفقُ، واللِّين، ومحلُّه أيضاً: إقامة الحدود، والتعزيرُ، والتأديبُ لمن يستوجب ذلك، قال اللَّه تعالى: {واغْلُظْ عليهم}(3)، {وَلْيَجدْوا فيكم غِلْظَة}(4)، {ولا تَأْخُذْكُم بهما رأفةٌ في دين اللَّه}(5)، وفيما عداها يُستحب للإنسان طيبُ الكلام، وطلاقةُ الوجه، والتبسم، عن عبد اللَّه بن عمر(6)، رضي اللَّه عنهما، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "في الجنةِ غرفةٌ، يُرى ظاهرها من باطنها"، فقال أبو مالك الأشعري(7): لمن هي يا رسول اللَّه؟ قال: "لمن أطابَ الكلام، وأطعمَ الطعام، وباتَ قائماً، والناسُ نيام"(8).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في شروط الأمر بالمعروف:.
وجدت الكلمات في الفص
79 - التاسع والسبعون: السؤال، والتفتيش عن عيوب الناس، وهو: التَّجَسُّسُ الذي نهى اللَّه تعالى عنه، بقوله سبحانه: {وَلا تَجَسّسُوا}(9)، ومعناه: تتبعُ عورات المسلمين. وجاء في الحديث الصحيح: "إنّك إن تتبعتَ عوراتِ الناس، أفسدتهم(10)، أو كِدت تُفسدهم"(11)، عن أبي برزة(12)، رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "يا معشرَ مَنْ أسلمَ بلسانه، ولم يدخلِ الإيمانُ في قلبه، لا تَغْتَابوا الناس، ولا تَتّتبعوا عوراتهم، فإنه مَنْ تَتَبَّع عورةَ أخيه، تتبّع اللَّه عورتَه، ومَنْ تتبّع اللَّه عورتَه يفضَحْهُ، ولو كان في جوف بيته"(13)، ومن هنا استحب العلماء تركَ الشهادة في الحدود، ستراً على العاصي(14).
-------------------
ط 2 - 290 - .
مع الناس في النصح، وغيره.
سورة التوبة، والتحريم: 73،9
سورة التوبة: 123.
سورة النور: 2.
انظر ترجمته في صفحة - 23 - .
مرت ترجمته في صفحة - 187 - .(1/246)
رواه الطبراني في الكبير، والحاكم - ط 2 - 299 - .
سورة الحجرات: 12.
أي حكمت بفسادهم عندك، فلا تكاد تجد الصالح فيهم.شط.
رواه أبو داود، عن معاوية مرفوعاً.
أبو برزة الأسلمي، نضلة بن عبيد بن الحارث، صحابي، غلبت عليه كنيته، واختلف في اسمه، كان من سكان المدينة، ثم البصرة، وشهد النهروان مع علي، وقتال الأزراقة من الخوارج مع الهلب بن أبي صفرة. مات بخراسان سنة (65 ه - 685 م)، له (46) حديثاً.أعلام.
رواه أبو داود.
ط 2 - 300 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في كلام الدُّنيا في المساجد:.
مطلب في كلام الدُّنيا في المساجد:
80 - الثمانون: في المواضع التي يكره فيها الكلام: - منها: كلام الدنيا في المساجد، أي الكلامُ المباح، بلا عذر، فإنّه مكروه(1)، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "سيكونُ في آخر الزمان قومٌ، يكون حديثهم في مساجدهم، ليس للَّه فيهم حاجة"(2).
-------------------
ويدخل فيه البيع، والشراء، لغير المعتكف، وإنشاد الضالة.
رواه ابن حبّان، عن ابن مسعود. أي لا يريد بهم خيراً، ولا يصلحون لمقام قربه، ومشهد أُنسه، في حضرة قدسه، وإنما هم أهل الخيبة، والحرمان، والإهانة، والخسران.شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الكلام، عند القراءة:.
مطلب في الكلام، عند القراءة:
ومنها: الكلام عند قراءة القرآن. و (هذا، لأن) الإنصاتَ عند قراءته، واستماعَه واجبٌ مطلقاً، سواء كان في الصلاة، أو خارجَها، فاهماً للمعاني، أو غيرَ فاهم، قال تعالى: {وإذا قُرِئ القرآنُ، فاسْتَمِعُوا له، وأنصتوا}(1).
-------------------(1/247)
(1) سورة الأعراف: 204، قال العلماء: مَنْ قرأ القرآن، عند اشتغال الناس بأعمالهم، فالإثم على القارئ فقط، حيث قرأ جهراً. ومن ابتدأ العمل، بعد شروع القارئ في القراءة، فلم يتيسر له الاستماع، والإنصات بعمله، فالإثم على العامل. وكرّهوا السلام على قارئ القرآن جهراً، وعند مذاكرة العلم، وعند الأذان، والإقامة. والصحيح: أنه لو سلم لا يجب الردُّ لعدم مشروعية السلام، في هذه المواضع، كما في التتارخانية. واختار في الخلاصة، ومحيط السرخسي وجوب الرد.شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الكلام، حالة الخطبة:.
مطلب في الكلام، حالة الخطبة:
ومنها: الكلامُ في حال الخطبة(1) - ولو تسبيحاً، أو تصلية(2)، أو أمراً بالمعروف، ونهياً عن المنكر - . وأصله: أن استماع الخُطبة - في الجمعة - فرضٌ، لتنزيلها منزلةَ ركعتي الظهر، فيكره لمستمع الخطبة ما يُكره في الصلاة، - كالأكل، والشرب، والعبث، والالتفات - قال صلى اللَّه عليه وسلم: "إذا قلتَ لصاحبك يومَ الجمعة: أَنصت - والإمامُ يخطب - فقد لَغَوْت"(3).
-------------------
سواء كان من الخطيب، أو المستمع، وسواء خطبة الجمعة، والعيدين، وخطب الحج، وعقد النكاح، وخطبة الكسوف، والاستسقاء، وختم القرآن.شط.
إلا إذا تلا آية: {صلوا عليه وسلموا تسليماً} - الأحزاب:56، فإن على السامعين، أن يصلوا، ويسلموا تسليماً على النبي صلى اللَّه عليه وسلم بأنفسهم، امتثالاً لأمر اللَّه تعالى.شط.
رواه الشيخان عن أبي هريرة.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الكلام في الصلاة:.
مطلب في الكلام في الصلاة:(1/248)
ومنها: الكلام في الصلاة - سوى القرآنِ، والأدعيةِ المأثورة - . والمراد بالكلام في الصلاة: الذي لا يُفسد الصلاة، من دعاءٍ أو ذكر، أو تسبيح، أو تهليلٍ غيرِ مأثور فيها، خصوصاً إذا كانت الصلاة فرضاً، ولهذا قالوا في ثناء المصلي: إلاّ قولَه: وجَلّ ثناؤك - فلا يأتي به في الفرائض، لأنه لم يأتِ في المشاهير، وأما إذا كان الكلام مفسدَ الصلاة، فهو حرام بلا خلاف، لاقتضائه إبطال العمل، وإبطالُ العمل - بقصد الإعراض عنه - حرامٌ، إلاّ إذا دخله نقصان، فأبطله، بقصد إعادته أكملَ من الأول، فيجوز(1).
-------------------
كمن سبقه الحدث، وساغ له البناء، فإن استئنافه أفضل.شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الكلام عند الأذان:.
مطلب في الكلام عند الأذان:
ومنها: الكلامُ عند الأذان الشرعي، والإقامةِ، بغير الإجابة، قالوا: يقطع كلَّ عمل باليد، والرِّجل، واللسان، حتى التلاوةَ إن كان في غير المسجد، (لا إن كان في المسجد)، ويشتغلُ بالإجابة، بأن يقولَ كما يقول المؤذن، ويقولَ عند الحيعلتين: لا حول ولا قوةَ إلاّ باللَّه، وعند: - الصلاةُ خير من النوم: صَدَقت، وبَرَرتَ، واختلفوا في الوجوب(1)، والاستحباب، والظاهر أنّ الوجوب للإجابة بالقَدَم(2)، والاستحبابَ باللسان، ولا تجب الإجابة على حائضٍ، ونفساءَ، وسامعِ خطبة، وفي صلاة جنازة، وفي جِمَاع، ومستراح، وأكلٍ، وتعليمِ علم، وتعلّمه.
-------------------
أي وجوب الإجابة على السامع.
بأن يمشي إلى المسجد، للصلاة.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب: الكلام مع الأجنبية:.
مطلب: الكلام مع الأجنبية:(1/249)
ومنها: الكلام مع الشابة الأجنبية، بلا حاجة، حتى لا يُشَمّتُها إذا عطست، ولا يُسلم عليها، ولا يَردُّ سلامَها جهراً، بل في نفسه، وكذا العكس، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "اللسانُ زناه: الكلامُ"(1).
-------------------
رواه الشيخان، عن أبي هريرة.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الكلام، بعد طلوع الفجر:.
مطلب في الكلام، بعد طلوع الفجر:
ومنها: كلامُ الدنيا، بعد طلوع الفجر إلى الصلاة، وقيل: إلى طلوع الشمس، وبعد العشاء: أباحه قومٌ، وحظّره قوم، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم: (يَكره النومَ قبلَها، والحديثَ بعدها)، والمراد به: الحديثُ المباح، أما الحديث في الخير - كمذاكرةِ العلم، وحكايات الصالحين، ومكارمِ الأخلاق، والحديثِ مع الضيف، ومع طالبِ حاجة، ونحو ذلك - فلا كراهةَ فيه، وأما الحديث المُحرَّم، أو المكروه، - في غير هذا الوقت - فهو في هذا الوقت أشدُّ تحريماً، و كراهةً.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن الكلام في بيت الخلاء، وعند قضاء الحاجة، والجِماع:.
مطلب في النهي عن الكلام في بيت الخلاء، وعند قضاء الحاجة، والجِماع:
ومنها: الكلام في الخلاء(1)، وعند قضاء الحاجة(2)، ومنها: الكلام عند الجِماع(3)، وكذا يُكره الضحك في المواضع(4) التي يكره فيها الكلام، لأن الضحك مُلحق بالكلام في الصلاة، فإنه يبطلها كالكلام، فأخذ حكَمه في غيرها.
-------------------
المكان المعد للبول، والغائط، وللاستنجاء منهما.
فإنه مكروه تحريماً، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "إذا تغوّط الرجلان، فليتوارَ كلٌّ منهما عن صاحبه، ولا يتحدثا على طوفهما (أي غائطهما)، فإن اللَّه يمقت على ذلك". رواه جابر، فيما أخرجه الحافظ أبو علي بن السكن، وصححه الحافظ أبو الحسن بن القطان.(1/250)
لأن منه خرس الولد. وورد أنه يورث النسيان. وينبغي أيضاً ألا ينظر إبى فرجها، لأنه منه عمى الولد.شط.
وهي وقت الأذان، والإقامة، وفي الصلاة، وحال الخطبة، وبعد طلوع الفجر، حتى طلوع الشمس، وبعد صلاة العشاء، وفي الخلاء، وعند قضاء الحاجة، وعند الجماع.شط.
------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن افتتاح الكلام، عند العالِم:.
مطلب في النهي عن افتتاح الكلام، عند العالِم:
ومنها: افتتاحُ الجاهل الكلامَ عند العالِم، وكذا التلميذُ عند الأُستاذ، أو (عند) أعلمَ، أو أفضلَ منه، وهو من قلة الأدب.
ومن توقير المعلم: أن لا يمشي أمامه، ولا يجلسَ مكانه، وإن غاب عنه، ولا يفتتحَ الكلام قبله، ولا يُكثر الكلام عنده، ولا يسألَ شيئاً عند ملالته(1). وقد صرح العلماءُ بكراهة أن يقول رجلٌ لمن فوقه في العلم: حان وقتُ الصلاة، أو نحوَها، لأنه تركُ أدب، وتوقير.
-------------------
ومنها: ألا يدق الباب على معلمه، بل يصبر حتى يخرج، روى السيوطي في الصغير: كان صلى اللَّه عليه وسلم بابُه يُقرع بالأظافير، قال المناوي، في شرحه على الجامع الصغير: أي يطرق بأطراف أظافير الأصابع، طرقاً خفيفاً، بحيث لا يزعج، تأدباً معه، ومهابة له.شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في ردّ التابع كلامَ متبوعه:.
مطلب في ردّ التابع كلامَ متبوعه:(1/251)
ومنها: ردُّ التابع كلامَ متبوعه، ومقابلتُه، ومخالفتُه(1)، وعدم قبوله، وعدمُ إطاعته في أمر مشروع - كالرعية للأمير، والولدِ لوالديه، والمملوكِ لسيده، والتلميذ لأُستاذه، والمرأة لزوجها، والجاهلِ للعالم - . وهذا قبيح جداً، يَستحق به التعزير، لأن طاعة هؤلاء واجبةٌ عليهم(2)، فمتى أمر السلطان، أو الأمير أو القاضي بشيء، أو نهى عن شيء من الأشياء، فإن ترتب على ذلك الأمر، والنهي، مصلحةٌ للرعية، في دينهم، أو دنياهم، يجب عليهم الطاعة، ولا جوزُ لهم المخالفة. وأنْ لم تترتب المصلحة، وكان ذلك الأمرُ، والنهي، مجردَ هوىً نفسانيٍ، لا باعث له من قِبَل الشرع، كان معصيةً، ولا طاعةَ في معصية، لأنه لا طاعةَ لمخلوق في معصية الخالق.
-------------------
بالتكلم ضده.
في كل ما فيه طاعة اللَّه تعالى، لا في المعصية.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في قولهم: تَصَرّفُ الإمام على الرعية، منوطٌ بالمصلحة:.
مطلب في قولهم: تَصَرّفُ الإمام على الرعية، منوطٌ بالمصلحة:
ولهذا قال في الأشباه(1): تصرّف الإمام على الرعية، منوطٌ بالمصلحة، فمتى خلا عنها لا يَنْفُذ.
-------------------
(1) كتاب الأشباه، والنظائر، في الأصول، لابن نُجيم، زين الدين بن إبراهيم، بن محمد، الشهير بإبن نجيم، فقيه حنفي، مصري. توفي سنة (970 ه - 1563 م). من تصانيفه: البحر الرائق، في شرح كنز الدقائق (8) أجزاء، أكمله الطوري، في الجزء الثامن، والرسائل الزينية، بلغت (41) رسالة، في مسائل فقهية، والفتاوى الزينية.أعلام.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن قطع كلام الغير:.
مطلب في النّهي عن قطع كلام الغير:(1/252)
ومنها: قطعُ كلام الغير، وحديثِه، بكلامه من غير ضرورة، خصوصاً إذا كان في مذاكرة العلم، وقد قالوا: إنّ السلام على الجالس لمذاكرة العلم إثم، وكذا قطعُ كلام نفسه، بخلاف جنسه - كمن يقرأ، أو يدعو، أو يفسر، أو يحدّث، أو يخطب للناس، ويلتفت في أثنائه إلى شخص، فيأمره ببعض حوائج بيته، أو نحوه، وكذا تكلُّمُ مَن هو في مجلس عِظة، أو تدريس، أو في مجلس مَنْ هو فوقه، وكذا مجردُ التفاته، وتحرّكه من غير حاجة - . وكلُّ هذا سوء أدب، وخِفةٌ، وعجلةٌ، وسَفَهٌ. بل على المتكلم أن يسرد كلامه إلى أن ينتهي(1)، من غير تخللِ كلام أجنبي، وعلى المخاطَب التوجَُه إليه، والإنصات، والاستماعُ، إلى أن ينتهي كلامُه، بلا التفات، ولا تحرّك، ولا تكلمٍ، خصوصاً إذا كان المتكلمُ في تفسير كلام اللَّه تعالى، او كلام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، إلاّ أن تبدوَ حاجة داعية، طبعاً أو شرعاً، فلا يجدُ بُدّاً من بعض ما ذُكر(2)، فإنّ الضرورة مستثناة من الأحكام المطلقة. وفي الجامع الصّغير للسيوطي(3): أخرج ابن عساكر(4)، عن محمد بن كعب القُرَظي(5)، مرسلاً: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "ما تَجَالَس قومٌ مجلساً، فلم يُنْصت بعضُهم لبعض، إلاّ نُزِعَ من ذلك المجلس البركةُ".
-------------------
قالت عائشة رضي اللَّه عنها: "كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يحدّث حديثاً، بحيث لو عدّه العادُّ لأحصاه".شط.
كالتكلم مع الغير، والالتفات، والحركة.
انظر ترجمته في صفحة - 168 - .
علي بن الحسن بن هبة اللَّه، أبو القاسم، ثقة الدين، الدمشقي، مؤرخ، حافظ، رحّالة، محدث الديار الشامية، رفيق السمعاني (صاحب الأنساب) في رحلاته، مولده ووفاته في دمشق (499 - 571 ه - 1105 - 1176 م).أعلام.(1/253)
محمد بن كعب بن سليم بن أسد، أبو حمزة، القُرظي، المدني، نزل الكوفة مدة، ثقة، عالم، ولد سنة (40 ه) على الصحيح، ووهم من قال: إنه ولد في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم. تقريب التهذيب.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن التّشدق في الكلام:.
مطلب في النهي عن التّشدق في الكلام:
ومنها: التّشدق في الكلام، وهو: تعويج جانب الفم في وقت التكلم(1)، فإنه مذموم، عن عمرو بن العاص(2) رضي اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "إنّ اللَّه يُبغض البليغَ من الرّجال، الذي يَتَخَلّل بلسانه، كما تتخلل البقرة"(3)، عن جابر(4) رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: "إنّ من أحبّكم إليّ، وأَقربِكم مني مجلساً يومَ القيامة: أحاسنَكم أخلاقاً، وإنّ أبْغَضكم إليّ، وأبعدَكم مني مجلساً يومَ القيامة: الثرثارون(5)، المتفيقهون(6)، المتشدقون في الكلام"(7)، أما السجع(8)، والفصاحة في الكلام - إنْ كان بلا تكلف، ولا تصنّع - فممدوحان.
-------------------
قال في الصحاح: الشدق: جانب الفم، والمتشدق: الذي يلوي شدقه للتفصيح.شط.
عمرو بن العاص بن وائل السهمي، أبو عبد اللَّه، فاتح مصر، أحد عظماء العرب، ودهاتهم، و أولي الرأي، والحزم، والمكيدة فيهم، أسلم في هدنة الحديبية. ولاه النبي صلى اللَّه عليه وسلم إمرة جيش "ذات السلاسل"، وأمده بأبي بكر وعمر، ثم استعمله على عُمان. افتتح قنسرين. كان مع معاوية في الفتنة بينه، وبين علي، ولاه على مصر عام (38 ه). ولد عام (50 ق.ه - 574 م) - توفي بالقاهرة سنة (43 ه - 664 م). له في كتب الحديث (39) حديثاً.أعلام.
رواه الترمذي. وتخلل البقرة: إدارة لسانها في فمها ساعة الأكل.
انظر ترجمته في صفحة - 144 - .
الثرثار: كثير الكلام تكلفاً.(1/254)
قال الفراء: فلان تفيهق في كلامه، إذا توسع فيه، وتنطق. وأصله: الفهق، وهو الامتلاء، كأنه ملأ به فمه. شط.
رواه الترمذي.
السجع: اتفاق الجملتين في الحرف الأخير، وأجمله ما تساوت جمله وفقراته، قال أعرابي: الحر: إذا وعد وفى، وإذا ملك عفا، وإذا أعان كفى.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الشِّعر:.
مطلب في الشِّعر:
والشعر - أيضاً وهو: النظمُ الموزون - فإنه مباحٌ، إذا خلا عن الكذب والرّياء(1)، وهجوِ ما لا يجوز هجوه(2)، وعن ذكر الفسق، والتغني(3)، وآفاتِ المدح(4)، والاستكثار منه، والتجرد له حتى يشغله عن الواجبات، والسنن، وقلّما يخلو عن هذه الآفات، وهو كلام، حسنُه حسن، وقبيحه قبيح(5).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الشِّعر:.
وجدت الكلمات في الفص(1/255)
81 - الحادي والثمانون: في المواضع التي يكره فيها السلام، ومنها: السلام على مصلٍّ، وقارئٍ، ومحدِّث، وخطيبٍ، ومن يُصغي إليهم، ومكرّرِ فقه، ومن يَفْصِل الأحكامَ بين الناس، ومَنْ هو في حالة مذاكرة العلم الشرعي، ومؤذنٍ، ومقيم، ومُدَرّس، ومَنْ جلس للصلاة، والتسبيح، ومن يَلي، والمشغول بالأكل، والفاسق - لو معلناً (إهانة له، وتحقيراً على فجوره) - ، والأجنبيات الفتيات، وعلى مَنْ يَلعب لعباً غير مباح، ومَنْ يغتابُ الناس، وعلى من يُغَنِّي، أو يُطيّر الحَمام، وعلى الشيخ الممازح، والكذّابِ، واللاغي، وعلى مَن يَسُبُّ الناس، أو ينظرُ الأجنبيات، ما لم تُعرِف توبتهم، وعلى من يَتَمَتّع مع أهله، ومكشوفِ عورة، ومِنْ هو في حال التغوّط، أو البول، أو ناعسٍ، أو نائمٍ، أو في الحَمّام، فلا يجب الردُّ في كل محلٍّ لا يُشرع فيه السلام، إلا في الفاسق، فينبغي وجوبُ الردِّ عليه، ولا يجب ردّ سلام الطفل، أو السكران، أو المجنون، ولا مضنْ يقول: سلامْ عليكم (بسكون الميم)، وقولُه: سلامُ اللَّه عليكم، دعاءٌ، لا تحية، ومنها: السلام على الذمي بلا حاجة، عنده، (أي الذمي)، وعندها لا بأس به. وقال النووي(6) (رحمه اللَّه تعالى) في شرح مسلم(7): واختلف العلماء في ردّ السلام على الكفار، وابتدائهم به، فمذهبنا: تحريم ابتدائه(8)، ووجوبُ ردّه عليهم، بأن يقول: وعليكم، أو عليكم، فقط(9)، وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام(10).
-------------------
أي قصد رؤية الناس أنه يمدح فلاناً، ويذكر محاسن أوصافه في نظمه، وهو - في الحقيقة - ليس كذلك.شط.
من أعراض الناس، وأديانهم، وعقولهم، وأحوالهم، وصورهم، وأبدانهم، وأمتعتهم، وأموالهم، وكل ما ينسب إليهم.شط.
أي الترنم بالشعر على قصد الفسق، وتهييج الفاحشة.شط.(1/256)
وهي خمسة: - الأول: أن لا يكون لنفسه، لأن تزكيتها لا يجوز، وكذا مدح الأولاد، والآباء، والتلامذة، والتصانيف، ونحوها، إلا إذا نوى التحدث بنعم اللَّه، أو ليكون قدوة، - الثاني: الاحتراز عن الإفراط المؤدي إلى الكذب، والرياء، وأن يقول ما يتحققه، دون الجزم، بل يقول: أحسب، أو أظن. - الثالث: ألا يكون الممدوح فاسقاً، لأن اللَّه يغضب إذا مدح الفاسق. - الرابع: أن يعلم أن مدحه لا يحدث في الممدوح كبراً، أو عجباً، أو غروراً. - الخامس: ألا يكون المدح لغرض حرام، أو مفضياً إلى فساد، كمدح المرد، والنساء من الأجانب، لتحريك الشهوة فيهم.شط. وانظر صفحة - 97 - .
ط 2 - 302 - 382 - .
انظر ترجمته في صفحة - 64 - .
انظر ترجمته في صفحة - 156 - 17 - .
لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "لا تبدؤوا اليهود، ولا النصارى بالسلام".شط.
لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم".شط. قال النووي: وبمذهبنا قال أكثر العلماء، وعامة السلف.شط.
كابن عباس، وأبي أمامة، وابن محيريز، محتجين بعموم الأحاديث بإفشاء السلام. وهو مردود بأن هذه الأحاديث مخصوصة بما روينا.شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن الانحناء في السلام:.
مطلب في النّهي عن الانحناء في السلام:
وأما الانحناء في السّلام - وهو إمالة الرأس، والظهرِ، تواضعاً وحرمة - فلا خلاف في كراهته، عن أنس(1) رضي اللَّه عنه، قال: سمعتُ رجلاً يقول لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه: الرَّجلُ مِنّا يلقى أخاه، وصديقَه، أينْحني له؟ قال: "لا"، قال: أفيلتزمه؟ قال: "لا" قال: أيأخذه بيده، ويصافحه؟ قال: "نعم"(2).
-------------------
انظر ترجمته في صفحة - 114 - .
رواه الترمذي. انظر تفصيلاً لهذا الموضوع فيصفحة - 112 - من هذا الكتاب.
-------------------
*** : ***(1/257)
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المصافحة، عند اللقاء:.
مطلب في المصافحة، عند اللقاء:
المصافحة - عند لقاء المسلم لأخيه، بعد السّلام، بكلتا يديه، مع اخذ الإبهام، وبغير حائل من ثوب، أو غيره - سنةٌ، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "ما مِنْ مسلِمَيْن يلتقيان، فيتصافحان، إلاّ غُفِرَ لهما، قبل أن يتفرقا".
ويستأذنُ في دخول دار الغير، فإن الإذن واجب، قال اللَّه تعالى: {يا أيها الذين آمنوا: لا تدخُلوا بيوتاً غيرَ بيوتكم، حتى تستأْنِسوا، وتُسلموا على أهلها، ذلكم خيرٌ لكم، لعلكم، تَذَكّرون، فإنْ لم تجدوا فيها أحداً، فلا تدخلوها حتى يُؤْذنَ لكم، وإنْ قيل لكم: ارجعوا، فارجعوا، هو أزكى لكم، واللَّه بما تعملون عليم}(1).
ولا يدخل على أهله بغتة، عند القدوم من السفر، لئلا يكونَ أهله على حالة لا تُرضي بدخوله عليها في ذلك(2).
واعلم: أنّ السلام سُنّة، وإسماعه مستحب، وردَّه فرضُ كفاية، وإسماعَ ردِّه واجب، بحيث لو لم يُسمعه، لا يسقط هذا الفرض عن السامع، حتى قيل: لو كان المُسَلِّم أصمَّ، يجب على الرادّ أن يحرك شفتيه، ويُريه، بحيث لو لم يكن أصمَّ لسمعه، والأفضل للمُسَلِّم أن يقول: السلام عليكم، ورحمةُ اللَّه وبركاته، والمجيب كذلك، أن يرد.
وردُّ السلام، وتشميت العاطس، يجب على الفور، فإنْ أخّره - لغير عذر - كره تحريماً، ولا يرتفع الإثم بالردّ بعد ذلك، بل بالتوبة.(1/258)
ولا يجب ردُّ سلام السائل، لأنه ليس للتحية، ويجبُ ردُّ جواب كتاب التحية - ردّ السلام - . ولو أتاه إنسان بسلام من شخص، وجب الرد فوراً، ويستحب الردُّ على المُبَلّغ أيضاً، فيقول: وعليك، وعليه السلام، وقيل: يجبُ. ولو قال: أقرئ فلاناً السلام، يجب عليه ذلك، إذا رضي بتحمَله، فكان أَمانةً، وإنْ لم يلتزمه فوديعة، فلا يجب عليه الذهاب لتبليغه، وهكذا عليه تبليغُ السلام إلى حضرة الرسول الأعظم، صلى اللَّه عليه وسلم، عن الذي أمره به.
ويسلم الماشي على القاعد، والراكبُ على الماشي، والصغيرُ على الكبير، وإن التقيا، فأفضلُهما الذي يسبق، فإنْ سلّما معاً، يردُّ كلُّ واحد. وأما تشميت العاطس، ففي تبيين المحارم(3): أنه فرضٌ على الكفاية عند الأكثرين، وعند الشافعي(4) (رحمه اللَّه تعالى): سنةٌ، وعند بعض الظاهرية فرضُ عين، قال: صلى اللَّه عليه وسلم: "إنّ اللَّه يُحب العطاسَ، ويكره التثاؤب، وإذا عَطَس أحدكم فحمِد اللَّه، فحق على كل مسلم يسمعه أنء يقول: يرحمك اللَّه"(5). التشميت: هو الدعاء بالخير، والبركة. وإنما يستحق العاطسُ التشميتَ، إذا حَمِد اللَّه تعالى، لأن العطاس نعمة من اللَّه تعالى، فَمنْ لم يحمد بعدَ عُطاسه، لم يشكر اللَّه تعالى، وكفرانُ النعمة، لا يستحق الدعاء، ويقول المشمِّتُ: يرحمُك اللَّه.
وأما التثاؤب فقد روى مسلم(6)، عن أبي سعيد(7) مرفوعاً: "إذا تثاءب أحدكم، فليُمسك بيده على وجهه"، وفي رواية "فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل"، قال الزاهدي(8) (رحمه اللَّه تعالى): الطريق في دفع التثاؤب، أن يُخطر بباله، أن الأنبياء، عليهم السلام، ما تثاءبوا قط(9).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المصافحة، عند اللقاء:.
وجدت الكلمات في الفص(1/259)
82 - الثاني والثمانون: الدعاء بالشرِّ، والسوء على الغير(10)، خصوصاً الدعاء بالموت على الكفر(11)، فإنه كفر عند بعض العلماء مطلقاً(12)، وعند آخرين، إن كان لاستحسان الكفر.
وأما الدعاء عليه بغيره، فإنْ لم يكن ظالماً، فلا يجوز، وإن كان ظالماً، فيجوز الدعاء عليه بقدرْ ظلمه، ولا يجوز التعدي. والأوْلى: أن لا يدعوَ عليه أصلاً، ويفوّض الأمر إلى اللَّه تعالى، عن عائشة(13) رضي اللَّه عنها، قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ دعا على مَن ظلمه، فقد انتصر"(14)، قيل: إن بعض السلف ذُكر عنده الحجاجُ بن يوسف(15)، والوقيعةُ فيه بالمذمة، فقال: إن اللَّه تعالى يَنْتَقِم للحجاج، كما يَنْتَقم منه.
وكما أنّ الدعاء بالشر، والسوء على الغير، لا يجوز، كذلك الدعاء للكافر، والظالم، بالبقاء على العافية والصحة في الدنيا، وحصول المراد بلا شرط الإيمان في حقّ الكافر، والعدل، والصلاح: في حق الظالم، فإنه لا يجوز، لأنه رضاء بالمعصية. بل يقتصر في الدعاء على التوبة، والصلاح، ورفع الظلم منه، بالتصريح له بذلك، ما لم يكن خائفاً منه، فينوي ذلك له بقلبه، ويدعو له في الظاهر بما يناسبه.
ولا يدعو الإنسان على نفسه بالموت، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "لا يَتمنَّين أحدكم الموت، إمّا مُحْسناً، فلعله يزداد، وإمّا مُسيئاً فلعله يَسْتَعْتِب"(16)، وفي رواية "لا يَتَمنَ أحدكم الموت بضرٍ نزل به، فإنْ كان لا بدّ فاعلاً، فليقل: اللَّهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتَوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي"(17)، وهذا النهي لمن تمنّى الموت، لضُرّ دنيوي نزل به، وأما إنْ خاف على دينه، من الفساد، فجائز(18).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المصافحة، عند اللقاء:.
وجدت الكلمات في الفص(1/260)
83 - الثالث والثمانون: وضع لقب سوءٍ لمسلمٍ، وذكرُه به، من غير ضرورةِ التعريف، قال اللَّه تعالى: {ولا تَنَابزُوا بالألقاب}(19)، وسبب نزول هذه الآية: ما ذكره البَيْضاوي(20)، قال: رُوي أن الآية نزلت في صَفيةَ بنت حيي(21)، أمِّ المؤمنين، رضي اللَّه عنها، أتت النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقالت: إنَّ النساء يَقْلن لي: يا يهوديةُ بنت يهوديّيْن، فقال لها: "هلا قلت: إن أبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد؟!!" صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين. وفي الآية: دليل على أن التنابز فسق، والجمع بينه وبين الإيمان مستقبَح.
وأما اللقب الحسن - مثل شمس الدين، وفخر الأئمة، وتاج العارفين - فجائز في حق مَنْ هو أهل (ل) ذلك من العلماء المحققين، والأولياء، والصالحين(22).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المصافحة، عند اللقاء:.
وجدت الكلمات في الفص
84 - الرابع والثمانون: اليمين الغموس(23)، وهو: الحلف على الكذب عمداً، عن أبي أمامة(24) رضي اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "من اقتطع حق امرئ مُسْلِم بيمينه، فقد أوجب اللَّه له النار، وحرم عليه الجنة"، قالوا: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول اللَّه؟ فقال: "وإنْ كان قضيباً من أراك"(25). ولا كفارة فيها، بخلاف اليمين الْمُنْعَقِدَة - بأن يحلف على شئ مستقبل، أن لا يفعله، فيفعله مثلاً - فإذا حنِث، وجبت عليه الكفارة، واليمين اللغو لا إثم، ولا كفارة، وذلك: أنْ يحلف على شئ يظنه كما حلف، فيظهر بخلافه. ولا يكون لغواً إلا في اليمين باللَّه تعالى، وإما إذا كان بالطلاق، أو العتاق، فهو واقع لا محالة(26).
ثم اليمين بغير اللَّه تعالى على قسمين:(1/261)
الأول: ما كان بطريق التعليق، فإن كان المعلَّق غيرَ الكفر - كالطلاق، والعَتَاق، والنذر(27) - فعند بعضهم: يكره له هذا اليمين، لأنه ألزم نفسه بالحَجْر عليه، فربما يقدِر على الخروج من عُهْدَة ذلك، أو يجد فيه حرجاً، ومشقة، فلا يكون وفّى العبادة حقّها من الرضاء، والإقبال. وعند عامتهم: لا يكره، لأن له أن يحصر نفسه، ويمنعها مما لا يراه حسناً، فيما له خلاص فيه.
وإن كان المعلق كفراً - بأن قال: إن كلمت فلاناً، فأنا كافر - فحرام. ثم إنْ كان صادقاً لا يُكْفْر، وإن كان كاذباً، فهذا من أكبر الكبائر، حتى ذهب بعضهم إلى أنه كفر مطلقاً(28)، عن ثابت بن الضحاك(29) رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ حلف بِملةٍ غيرِ الإسلام، كاذباً، فهو كما قال"(30).
-------------------
النور - 27 - 28 - ط 2 - 395 - .
ط 2 - 510 - . روى الشيخان، عن جابر، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "إذا جئت من سفر، فلا تدخل على أهلك، حتى تستحدّ المغيبة، وتمشط الشعثة، وعليك بالكيس". والاستحداد: حلق العانة.شط.
كتاب في أبواب كثيرة، رتبه المؤلف على ترتيب ما وقع في القرآن، من الآيات التي تدل على حرمة شيء في فتوى الفقهاء: باب الكفر، النفاق، الكبر، مخالفة قول المرء عمله - الخ. تأليف سنان الدين يوسف بن عبد اللَّه الأماسي الرومي، المتوفى في حدود سنة (1000 ه - 1592 م). فهرس المخطوطات.
انظر ترجمته في صفحة - 26 - .
رواه البخاري عن أبي هريرة.
انظر ترجمته في صفحة - 156 - 170 - .
انظر ترجمته في صفحة - 123 - .(1/262)
مختار بن محمود بن محمد، أبو الرجاء، نجم الدين الزاهدي، الغزميني (نسبة إلى غزمين)، قصبة من قصبات خوارزم، من أكابر الحنفية، رحل إلى بغداد، والروم. من كتبه: الحاوي في الفتاوى، والمجتبى، شرح مختصر القدوري، والرسالة الناصرية في النبوة، والمعجزات، وزاد الأئمة، وقنية، أو تحفة المنية، لتتميم الغنية، استصفاها من البحر المحيط، للبديع القزويني، توفي سنة (658 ه). وصرح ابن وهبان وغيره، أنه معتزلي الاعتقاد، حنفي الفروع.أعلام، وفوائد بتصرف.
ع 1 - 322 - 414 - ع 5 - 264 - 266 - ه 195 - ط 2 - 357 - 556 - 581 - 565 - .
رجلاً كان أو امرأة، صغيراً كان أو كبيراً، لا سيما الدعاء على نفسه، أو أهله، أو أولاده، كي لا يوافقه وقت إجابة، فيقع ذلك الدعاء، فيندم، ولا ينفعه الندم. لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من اللَّه ساعة، يُسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم"شط.
في حق أحدٍ من الناس.
إن استحسن الكفر، أو لم يستحسنه.
انظر ترجمتها في صفحة 132.
رواه الترمذي.
الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي، أبو محمد، قائد داهية، سفاك، خطيب، ولد عام (40 ه - 660 م) ونشأ في الطائف (بالحجاز)، وانتقل إلى الشام، فلحق بروح بن زنباع، نائب عبد الملك بن مروان، فكان في عديد شرطته، حتى قلّده عبد الملك أمر عسكره، وأمره بقتال عبد اللَّه بن الزبير، ثم ولاه مكة، والمدينة، والطائف، ثم أضاف إليه العراق، فقمع الثورة فيه، وبقي أميراً عشرين سنة. بني "واسط" بين الكوفة، والبصرةِ، فصيح، أول من ضرب درهماً عليه "لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه". مات بواسط سنة (95 ه - 714 م) وأجري على قبره الماء فاندرس. أعلام بتصرف.
رواه البخاري عن أبي هريرة. ومعنى يستعتب: يرجع عن موجب العتب عليه، فيتوب منه قبل موته. قال في الصحاح: استعتبه، فأعتبني: استرضيته، فأرضاني.شط.(1/263)
أخرجه الشيخان، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، عن أنس.
لما ورد في مثل هذا أن بطن الأرض خير من ظهرها. ه - تع - ط 2 - 313 - 314 - 334.
(الحجرات: 11).
انظر ترجمته في صفحة 186.
صفية بنت حيي بن أخطب، من الخزرج، من أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم، كانت من ذوات الشرف، تدين باليهودية، من أهل المدينة، تزوجها سلام بن مشكم القرظي، ثم فارقها، فتزوجها كنانة بن الربيع النضري، وقتل عنها يوم خيبر، وأسلمت، فتزوجها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. لها في الصحيحين (10) أحاديث. توفيت في المدينة سنة (50 ه - 670 م).
ط 2 - 319.
سميت بذلك، لأنها تغمس صاحبها في الإثم في الدنيا، وفي النار يوم القيامة، لأنه حلف كاذباً على علم منه. شط، وغيره.
انظر ترجمته في صفحة 184.
رواه مسلم، والأراك: شجر من الحمض، يستاك بقضبانه، الواحدة: أراكة، ويقال: هي شجرة طويلة، ناعمة، كثيرة الورق، والأغصان، خوارة العود، ولها ثمر في عناقيد، يسمى البربر، يملأ العنقود الكف، وهي شجرة السواك.شط.
لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "كل طلاق واقع، إلا طلاق الصبي، والمعتوه". وفي رواية: "إلا طلاق الصبي، والجنون". ولقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، والعتاق"، ولقوله صلى اللَّه عليه وسلم: " مَنْ طلّق لاعباً، جاز ذلك عليه". وعن أبي الدرداء أنه قال: من لعب بطلاق، أو عتاق، لزمه. قال: وفيه نزل: {ولا تتخذوا آيات اللَّه هزواً} (البقرة: 231). وكذلك إذا أراد غير الطلاق، فسبق لسانه بالطلاق، وقع، لأنه عدم القصد، وهو معتبر في الطلاق. ويعم هذه الفصول كلها قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "كل طلاق واقع..." الحديث. اختيار.
كمن قال: إن كلمت فلاناً، فامرأتي طالق، أو قال: عبدي حر، أو قال: عليّ التصدق بمائة درهم، أو صلاة مائة ركعة، أو الحج إلى بيت اللَّه تعالى.شط.
سواء علم بأنه كفر، أو لا.(1/264)
ثابت بن الضحاك بن خليفة، الأشهلي، الأوسي، المدني، أبو زيد، صحابي، ممن بايع تحت الشجرة، كان رديف النبي صلى اللَّه عليه وسلم، يوم الخندق، ودليله إلى حمراء الأسد. توفي سنة (45 ه - 665 م) له في البخاري، ومسلم (14) حديثاً.أعلام.
رواه الشيخان.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن الحلف بمخلوق:.
مطلب في النهي عن الحلف بمخلوق:
والثاني ما كان بحرف القسم(1)، فهذا كبيرة، يخاف منه الكفر، وذلك هو الحلف بمخلوق - كالنبي، والكعبة، والملائكة، والسماء، والآباء، والحياة، والروح، والرأس، وحياة السلطان، وحق الخبز، والملح، وتربة فلان، والأَمانة، وهي من أشدها نهياً - وعن ابن مسعود(2) رضي اللَّه عنه موقوفاً: "لأَن أحْلِفَ باللَّه كاذباً، أحبُّ إليّ من أنْ أَحلفَ بغير اللَّه تعالى صادقاً". ويجتنب عن كثرة الحلف - ولو كان صادقاً في حلفه - قال اللَّه تعالى: {ولا تجعلوا اللَّه عرضةً لأيمانكم}(3) وقال تعالى: {ولا تطع كلّ حلاف مهين}(4)، عن ابن عمر(5) رضي اللَّه عنهما، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "إنّما الحلف حنْث، أو ندم"(6)، أي: مآله إلى الحنث، أو الندم، واعلم أن الحلف باللَّه تعالى - صادقاً - جائز بلا خلاف، وقد صدر عن نبينا صلى اللَّه عليه وسلم، وعن الصحابة، والتابعين، ولكن إكثاره مكروه(7).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن الحلف بمخلوق:.
وجدت الكلمات في الفص(1/265)
85 - الخامس والثمانون: سؤال الإمارة، والقضاء، فإنه لا يحلّ، كسؤال المال، عن عبد الرحمن بن سمرة(8) رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "يا عبدَ الرحمن بنَ سمر، لا تسأل الإمارة، فإنك إنْ أُعطيتها من غير مسألة، أُعنت عليها، وإنْ أنت أُعطيتها عن مسألة، وُكلت إليها"(9)، عن أنس(10) رضي اللَّه عنه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أنه قال: "مَن ابتغى القضاء، وسأل فيه شفعاء، وُكِلَ إلى نفسه، ومَنْ أُكره عليه، أَنزل اللَّه عليه ملكاً يُسَدّده"(11)، فمن هنا قال بعضهم: لا يجوز قبول القضاء باختيار. والمختار: جوازه رخصةً إن كان بلا سؤال، ولا طلبٍ، ولا شفاعة. والعزيمة: تركه، وكذا الإمارة. وجهه: أنهما ثقيلان جداً، قلّما يقدر الإنسان على رعاية حقوقهما. وكونُ تركهما عزيمة: إذا وجد مَنْ يصلح لهما غيره، وإلا فعليه القبول، لأنهما فرضا كفايةً. كذلك سؤال تولية الأوقاف - أي النظر، والتكلم على أوقاف الجوامع، والمدارس ونحو ذلك - فهو كسؤال تولية القضاء، قال ابن الهمام(12): (قالوا: لا يُوَلّى مَنْ طلب الولاية على الأوقاف، كمن طلب القضاء لا يُقَلّد)(13)، وهذا إذا لم يكن مشروطاً له، وهو متعين فيها. ومثله طلب الوِصاية، عن أبي ذر(14) رضي اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال له: "يا أبا ذر، إنّي أراك ضعيفاً، وإني أُحب لك ما أحب لنفسي: لا تتأمرن على اثنين، ولا تَلِيَنّ مال يتيم"(15)، وقال قاضجيان في فتاواه(16): لا ينبغي للرجل أن يقبل الوصية، لأنها أمر على خطر. وقال الإمام الشافعي(17) (رحمه اللَّه تعالى): لا يدخل في الوصية إلا أحمقُ، أو لصٌ، فلذا قيل: اتقوا الواوات: (الوصاية، والوكالة، والولاية، والوزارة)(18).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن الحلف بمخلوق:.
وجدت الكلمات في الفص(1/266)
86 - السادس والثمانون: ردُّ عذر أخيه، وعدمُ قبوله، عن جدوان(19) رضي اللَّه عنه، أنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "من اعتذر إلى أخيه المسلم، فلم يَقبل منه، كان عليه مثلُ خطيئة مَكْس"(20).
-------------------
وهو: الواو، والباء، والتاء.
انظر ترجمته في صفحة 18
(البقرة: 224).
(القلم: 10).
انظر ترجمته في صفحة 23.
رواه ابن حبان.
ط 2 - 320 - 321 - 326. وإنما كره، لما سبق من الآية، والحديث.
عبد الرحمن بن سمرة، بن حبيب، بن عبد شمس، القرشي، أبو سعيد، صحابي، من القادة، الولاة. أسلم يوم فتح مكة، وشهد مؤتة، وسكن البصرة. وافتتح سجستان، وكابُل، وغيرهما (سجستان: بين إيران، وأفغانستان، عاصمتهما: نصرتاباد - وكابُل: عاصمة أفغانستان، على نهر كابُل)، وولي سجستان، وغزا خراسان، ففتح بها فتوحاً، ثم عاد إلى البصرة، فتوفي بها سنة (50 ه - 670 م). اسمه في الجاهلية عبد كلال، سماه النبي صلى اللَّه عليه وسلم: عبد الرحمن له في الصحيحين (14) حديثاً. أعلام، منجد.
رواه الشيخان.
انظر ترجمته في صفحة 114.
رواه أبو داود، والترمذي.(1/267)
محمد بن عبد الواحد، بن عبد الحميد، كمال الدين، الشهير بابن الهمام السمندري، السيواسي، كان والده قاضياً بسيواس، (من بلاد الروم، مدينة في الأناضول، ويقال لها: سبْطيّة)، ثم قدم القاهرة، وولي خلافة الحكم بها عن القاضي الحنفي، ثم ولي القضاء بالإسكندرية، وتزوج بها بنت القاضي المالكي، فولدت له الكمال محمداً عام (788). أخذ عن علماء بلده، وقرأ الهداية على سراج الدين عمر بن علي، الشهير بقارئ الهداية. كان إماماً، نظاراً، فارساً في البحث، فروعياً، أصولياً، محدثاً، مفسراً، حافظاً، نحوياً، كلامياً، منطقياً، جدلياً. من تصانيفه: شرح الهداية، المسمى بفتح القدير، شرع فيه عام (829 ه)، وانتهى إلى كتاب الوكالة. ثم أكمله المولى شمس الدين أحمد بن قودر، المعروف بقاضي زاده، توفي سنة (861). الفوائد البهية. انظر صفحة - 59 - .
من كتابه: فتح القدير، شرح الهداية.
جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد، من غِفار (فرع من معدّ، سكنوا الحجاز، أسلموا عام (629 م)، من كنانة بن خزيمة. صحابي، من كبارهم، أسلم بعد أربعة، يضرب به المثل في صدقه. أول من حيى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بتحية الإسلام، هاجر، بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، إلى بادية الشام، فأقام بها حتى خلافة عثمان، فسكن دمشق. أمره عثمان بالرحلة إلى الربذة (من قرى المدينة) لما أراد أن يحمل الناس على مذهبه الخاص في الزهد. توفي فيها سنة (32 ه - 652 م). له في الصحيحين (281)، حديثاً. أعلام. منجد - بتصرف.
رواه أبو داود، والحاكم.
انظر صفحة 49 - 80.
انظر ترجمته في صفحة 26.
ط 2 - 327 - 333.(1/268)
هكذا في شرح الطريقة، وهو تصحيف، إذ لم نعثر على هذا الإسم في التراجم. والصحيح: جودان، لا جدوان. قال في الإصابة: جودان العبدي غير منسوب. وروى ابن حبان، في روضة العقلاء، من طريق وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج عن العباس بن عبد الرحمن بن مينا، عن جودان، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وذكر الحديث، قال ابن حبان: إن كان ابن جريج سمعه، فهو حسن غريب. وأخرجه ابن ماجه، والطبراني من هذا الوجه. وأخرجه أبو داود في المراسيل، عن سهل بن صالح، عن وكيع قال: عن ابن جودان، عن أبيه. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: جودان مجهول، وليست له صحبة. ويحتمل أن يكون جودان العبدي غير هذا الراوي، الذي اتفق أبو داود، وأبو حاتم على أن حديثه مرسل. واللَّه أعلم. اهـ الإصابة.
رواه ابن ماجه.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في تعريف المكس:.
مطلب في تعريف المكس:
المكس: هو ما يأخذه أعوان السلطان ظلماً، عند البيع والشراء. والظاهر أن هذا الوعيدَ، فيمن لم يتيقن بذنب أخيه، واحتمل عذرُه الصدق، وإلاّ يكون قبوله عفواً، وهو(1) ليس بواجب(2).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في تعريف المكس:.
وجدت الكلمات في الفص
87 - السابع والثمانون: إخافة المؤمن من غير ذنب، وإكراهه على ما لا يريده - كالهبة، والنكاح، والبيع - فإن ذلك إيذاءٌ له، وإيذاء المؤمن حرام، عن عمر رضي اللَّه عنهما(3)، أنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "مَنْ أخاف مؤمناً، كان حقاً على اللَّه تعالى أن لا يؤمنه من إفزاع يوم القيامة"(4) جزاءً وفاقاً.
وفي - حسن التنبه - للنجم الغزي(5): ومن أعمال الشيطان: تخويفُ المؤمن، وإزعاجه، وترويعه. وكلُّ ذلك حرام(6).
الدرر المباحة، الإصدار 1.02
للنحلاوي
*** : ***
[متن الكتاب].(1/269)
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن تعليم المسائل للمُبْطِل:.
مطلب في النهي عن تعليم المسائل للمُبْطِل:
ومنها: تعليم المسائل(1) للمبطل(2)، وتعليمُ الأقوال المهجورة، والضعيفة، ونحو ذلك، من كل ما فيه دلالةٌ على معصية من معاصي اللَّه تعالى، ومنها: الإذن، والإجازة فيما هو معصية، فإن الرضاء بالمعصية معصية، كإذن الرجل لامرأته أن تخرج من بيته إلى غير مواضعَ مخصوصة، لترتب الفساد في خروجها.
-------------------
من العلوم الباطلة، كالسحر، والكهانة، والتنجيم، أو من العلوم الصحيحة.
في دعواه، ليحتج بها على باطله.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن تعليم المسائل للمُبْطِل:.
ومنها: تعليم المسائل(1) للمبطل(2)، وتعليمُ الأقوال المهجورة، والضعيفة، ونحو ذلك، من كل ما فيه دلالةٌ على معصية من معاصي اللَّه تعالى، ومنها: الإذن، والإجازة فيما هو معصية، فإن الرضاء بالمعصية معصية، كإذن الرجل لامرأته أن تخرج من بيته إلى غير مواضعَ مخصوصة، لترتب الفساد في خروجها.
-------------------
من العلوم الباطلة، كالسحر، والكهانة، والتنجيم، أو من العلوم الصحيحة.
في دعواه، ليحتج بها على باطله.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المواضع، التي يجوز للرجل، أن يأذن لامرأته، بالخروج إليها:.
مطلب في المواضع، التي يجوز للرجل، أن يأذن لامرأته، بالخروج إليها:(1/270)
وفي الخلاصة(1): يجوز للزوج أن يأذن لها بالخروج إلى سبعة مواضع: 1 - زيارة الأبوين، 2 - وعيادتهما، 3 - وتعزيتهما، أو أحدِهما، 4 - وزيارةُ المحارم(2)، 5 - فإن كانت قابلة، أو غاسلة، 6 - أو كان لها على آخر حقٌّ، أو لآخر عليها حقٌّ، تخرج بالإذنـ وبغير الإذن، 7 - وعلى هذا الحج(3). وفيما عدا ذلك - من زيارة الأجانب، وعيادتهم، والوليمة - لا يأذن لها، ولو أَذِن، وخرجت كانا عاصِييْن(4)، فإن أرادت أن تخرج إلى مجلس العلم، بغير رضا الزوج، ليس لها ذلك، فإن وقعت نازلة: إن سألها الزوجُ من العالِم بها، وأخبرها بذلك، لا يسعها الخروج، وإن امتنع من السؤال، يسعها الخروج من غير رضاء الزوج(5). وقال ابن الهمام(6) (رحمه اللَّه تعالى): وحيث أبحنا لها الخروج، فإنما يباح بشرط عدم الزينة، وتغيير الهيئة، إلى ما لا يكون داعيةً لنظر الرجال، والاستمالة، قال تعالى: {ولا تَبرّجْنَ تبرجَ الجاهلية الأولى}(7).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المواضع، التي يجوز للرجل، أن يأذن لامرأته، بالخروج إليها:.
وجدت الكلمات في الفص
91 - الحادي والتسعون: مشاهدة المعاصي، والمنكرات، من غير ضرورة، ومن جملة ذلك: الحضور لرؤية من قُدّم ليقتل ظلماً، أو يضربَ كذلك، روى الطبراني في الكبير، والبيهقي مرفوعاً: "لا يقفَنّ أحدكم موقفاً، يُقتل فيه رجل ظلماً، فإن اللعنة تنزل على مَنْ حضره، حين لم يدفعوا عنه". وخرج بقوله - ظلماً - مَنْ قتل بسيف الشرع، أو جُلد في زنى، لقوله تعالى: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}(8).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المواضع، التي يجوز للرجل، أن يأذن لامرأته، بالخروج إليها:.
وجدت الكلمات في الفص(1/271)
92 - الثاني والتسعون: قتل النفس بغير حق، وهو من أكبر الكبائر، بعد الكفر باللَّه تعالى، قال اللَّه عز وجل: {ومَنْ يقتلْ مؤمناً متعمداً، فجزاؤه: جهنمُ، خالداً فيها، وغضب اللَّه عليه، ولعنه، وأعدّ له عذاباً عظيماً}(9).
والمراد بالخلود: المكثُ الطويل، فإن الدلائل متظاهرة على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم.
واعلم أن توبة القاتل، لا تكون بالاستغفار، والندامة فقط، بل يتوقف على إرضاء أولياء المقتول، فإن كان القتل عمداً، (ف) لا بدّ أن يمكِّنهم من القصاص منه، فإن شاؤوا قتلوه، وإن شاؤوا عَفْوا عنه مجاناً، فإن عفوا عنه، كفته التوبة.
قال في مختار الفتاوى(10): القِصاص مخلّص من حقّ الأولياء، وأما المقتولُ فيخاصمه يوم القيامة، فإنّ بالقصاص ما حصل فائدةٌ للمقتول، وحقه باقٍ عليه.
وأول مَنْ سنّ القتل قابيل ابن سيدنا آدم عليه السلام.
ويجوز قتلُ النملة إذا ابتدأت بالأذى(11)، وبدونه يكره. وقتلُ القملة يجوز بكل حال، وكذا الجرادُ، إذا كان فيه ضررٌ عام، كالفواسق، روى البخاري(12) من حديث عائشة(13) رضي اللَّه عنها، قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "خمسٌ فواسقُ يُقْتَلن من الحِلّ، والحرم: الغراب، والحِدأة(14)، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور"(15). وفي لفظ مسلم(16): "الحيةُ، والغرابُ الأبقع(17)، والفأرةُ، والكلب العقور، والحديا"(14). أما الكلب الأهلي - إذا لم يكن مؤذياً - فلا يحل قتله، لأن المر بقتل الكلاب نسخَ، فيقيدُ بوجود الإيذاء، ذكره في فتح القدير(18)، والهرة إذا كانت مؤذية(19)، تذبح بسكين(20)، ولا تُضرب، ولا تعرك أذنها.
-------------------
انظر صفحة - 67 - .
وهم من لا تحل مناكحتهم على التأييد، بنسب، أو سبب، كرضاع، أو مصاهرة.شط.
بشرط المحرم، حيث وجبت عليهما حجة الإسلام.(1/272)
ولعل هذا إذا كان بيت الوليمة، والضيافة غير مأمون فيه على المرأة، من فساد الزمان، واختلاف أحوال الناس، وإلا فيحث جرت العادة بذهاب النساء إلى بيوت الصالحين، والصالحات، من الأباعد، والجيران، في أوقات الأفراح، والولائم، ومساعدتهن، عن طيب نفسٍ منهن، فلا بأس.شط.
وإن لم يقع لها نازلة، وأرادت الخروج إلى مجلس العلم، لتعلم مسائل الوضوء، والصلاة، والعقيدة، ونحو ذلك: - إن كان الخروج يحفظ المسائل، ويذكرها عندها، فله منعها، وإلا فالأولى أن يأذن لها أحياناً. وإن لم يأذن، فلا شيء عليه.شط.
انظر ترجمته في صفحة - 224 - .
الأحزاب: 23. وط 2 - 359 - 360 - .
النور: 2 - ط 2 - 424 - .
سورة النساء: 93.
مختار الفتاوى هو المختار للفتوى المعروف باسم الاختيار لتعليل المختار، لأبي محمد، مجد الدين عبد اللَّه بن محمود مودود البلدجي، الموصلي، المتوفى سنة (683 ه). من كبار فقهاء الحنفية. ولد بالموصل، ورحل إلى دمشق، وولي قضاء الكوفة مدة، ثم استقر ببغداد مدرساً، وتوفي فيها. ذكر أنه جمع - في شبابه - مختصراً، سماه المختار للفتوى، واختار فيه قول الإمام أبي حنيفة، فتداولته الأيدي، فطلبوا منه شرحاً، فشرحه شرحاً، سماه الاختيار لتعليل المختار، أشار فيه إلى علل المسائل، ومعانيها، وذكر فروعاً، يحتاج إليها ويعتمد في النقل عليها. أعلام - فهرس المخطوطات.
بغير الإلقاء في الماء، أو النار، لأن في ذلك تعذيبها.شط.(1/273)
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، البخاري، أبو عبد اللَّه، حبر الإسلام، الحافظ، صاحب الجامع الصحيح، المعروف بصحيح البخاري. ولد عام (194 ه - 810 م) في بخارى، ونشأ يتيماً، وقام برحلة طويلة في طلب الحديث عام (210 ه)، فزار خراسان، والعراق، ومصر، والشام، وسمع من نحو ألف شيخ، وجمع نحو (600) ألف حديث، اختار منها في صحيحه ما وثق برواته. وهو أول من وضع في الإسلام كتاباً على هذا النحو. مات في خرتنك - من قرى بخارى سنة (256 ه - 870 م).أعلام.
انظر ترجمتها في صفحة - 132 - .
الشوحة.
الجارح.
انظر ترجمته في صفحة - 156 - 170 - .
الذي فيه بياض، وسواد.منجد.
للكمال بن الهمام، انظر ترجمته في صفحة - 59 - 224 - .
بخطف اللحم، وأكل فراخ الحمام الأهلي، والدجاج، وتخميش أيدي الصغار.
حادة، وترمى.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن إحراق شيء من الحيوان، بالنار:.
مطلب في النهي عن إحراق شيء من الحيوان، بالنار:
ويكره إحراقُ كلِّ شيء حَيٍّ بالنار: قملةٍ، أو نملةٍ، أو عقربٍ، أو نحوها. وفي شرح المنهاج لابن حجر(1) (رحمه اللَّه تعالى): يُدفع الجراد عن نحو زرعٍ بالأخف، فإن لم يندفع إلاّ بالحرق جاز. والغَيْلَق(2) - والعامة تسميه شرانقَ الحرير - لو أُلقي في الشمس، ليموت الديدان، لا بأس له. وفي السراجية(3): لا بأس بإحراق حطب فيه نمل.
-------------------
انظر ترجمته في صفحة - 113 - .
على وزن: زينب. ما يتخذ منه القزّ. وبعضهم يورده بالجيم، على التعريب اه.شط.
مَرّ التعريف بها في صفحة - 202 - .
لعدم قصد إحراق النمل، وإخراجه من الحطب أمر متعسر. وترك الحطب، فيه حرج على صاحبه.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المُثْلة:.
مطلب في المُثْلة:(1/274)
المُثْلة: (التعذيب) - بقطع الأطراف، وجَدْع الأنف، ونحو ذلك، وكذا اتخاذُ ذي الروح من الطيور، والبهائم، غرضاً، أي هدفاً يُرمى إليه بالسهام - فإنه لا يجوز، لِمَا فيه من تعذيب الحيوان بلا فائدة، وكذلك قتلُه صبراً - بأن يُحبس، بلا قوت، وماء، حتى يموت، عن ابن عمر(1) رضي اللَّه عنهما، أَنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "عُذّبت امرأةٌ في هرّة، سجنَتْها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتْها، وسقتْها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خِشاش الأرض"(2). وعنه(3): أنه مَرَّ بفتيان من قريش، قد نصبوا طيراً، وهم يرمونه، وجعلوا لصاحب الطير، كلَّ خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابنَ عمر(3) رضي اللَّه عنهما، تفرّقوا، فقال ابن عمر(3): مَنْ فعل هذا؟ لعن اللَّه مَنْ فعل هذا، إنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لعن مَنِ اتخذ شيئاً - فيه الروحُ - غرَضاً.
-------------------
انظر ترجمته في صفحة - 23 - .
رواه البخاري، ومسلم - والخِشاش - بالكسر - : الحشرات، وقد يفتح - اه مختار الصحاح.
انظر ترجمته في صفحة - 23 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن ضرب الوجه:.
مطلب في النهي عن ضرب الوجه:
وضربُ الوجه منهيٌّ عنه في كل الحيوان المحترم: الآدمي، والخيل، والحمير، والإبل، والبغال، والغنم، وغيرها، لكنه في الآدمي أشَدُّ. وأما الوَسْم في الوجه(1)، فمنهيٌّ عنه بالإجماع، روى مسلم(2): نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم "عن الضرب في الوجه، وعَن الوسم في الوجه"، ذكره النووي(3) (رحمه اللَّه تعالى) في رياض الصالحين، لأن الوجه معدنِ المحاسن، وأعضاؤه: وقد ينقصها(4)، والشْينُ فيه فاحش، لأنه بادٍ ظاهر، لا يمكن ستره(5).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن ضرب الوجه:.(1/275)
وجدت الكلمات في الفص
93 - الثالث والتسعون: قطع الطريق(6)، وهو: أخذُ المال خفيةً عن عين الإمام، الملتزم حفظَ طرق المسلمين، وبلادهم. جزاؤه: كما قال تعالى :{إنما جزاءُ الذين يُحاربن اللَّه ورسوله، ويَسْعَوْن في الأرض فساداً: أن يُقَتّلوا، أوْ يُصَلّبوا، او تقطَّع أيديهم، وأَرجلهم من خلاف، أوْ يُنْفَوْوا من الأرض، ذلك لهم خزيٌ في الدنيا، ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم، إلاّ الذين تابوا مِنْ قبل أنْ تقدروا عليهم، فاعلموا أنّ اللَّه غفور رحيم}(7).
فكلُّ مَنْ شهر السلاح على المسلمين، كان محارباً للَّه سبحانه. وقطّاع الطريق: هم الخارجون عن طاعة الإمام، يأخذون أموال المسلمين، ويقتلونهم. - فَمنْ قصد قطعَ الطريق، فأُخِذَ قبل قطع الطريق، حُبس بعد التعزير، حتى يتوب، أو يموت.
وإن أخذ مالاً، وحَصَل لكل واحد نصابٌ، قطع يده اليمنى، ورجله اليسرى.
وإن قتل فقط - ولو بعصا، أو حجر - قُتل حدّاً، فلا يعتبر عفُو الأولياء. وإن قتل وأخذ المال، فالإمام مخيّر: 1 - إنْ شاء قطع من خلاف، ثم قَتَل، 2 - أو قطع، ثم صَلّب، 3 - أو فعل الثلاثة، 4 - أو قتل، وصَلّب، 5 - أو قتل فقط، 6 - أو صلّب فقط. ويُصْلَب حياً، ويُبْعَج بطنه برمح، حتى يموت، ويترك ثلاثة أيام من موته، ثم يُخلى بينه، وبين أهله، ليدفنوه.
وتجري الأحكام المذكورة على الكل، بمباشرة بعضهم، لأنه جزاءُ المحاربة، وهي تتحقق بأن يكون البعضُ رداءاً للبعض. والعبدُ - في حكم قطع الطريق - كغيره، وكذا المرأةُ في ظاهر الرواية، لكنها لا تُصلَّب. ويجوز أن يقاتِل دون ماله، وإن لم يبلغ نصاباً(8)، ويقتلَ من يقاتله عليه، لإطلاق الحديث: "مَنْ قُتِل دون ماله، فهو شهيد".(1/276)
واعلم أنّ من شروط قطع الطريق: كونَه ممن له قوة، ومَنَعه، وكونَه في دار العدل - ولو في المصر، ولو نهاراً، إنْ كان بسلاح - وكونَ كلٍّ من القاطع، والمقطوعِ عليه، معصوماً، وكونَ القُطّاعِ كلّهم أجانبَ لأصحاب الأموال، وكونَهم، عقلاءَ، بالغين ناطقين، وأن يصيب كلاً منهم نصابٌ تام، من المال المأخوذ، وأن يؤخذوا قبل التوبة.
-------------------
الوسم في الوجه: الكي والعلامة.
انظر ترجمته في صفحة - 156 - 170 - .
انظر ترجمته في صفحة - 64 - .
وقد يشوّه الوجه.
ع 5 - 352 - ج - 204، ط 2 - 426،427،428،442 - .
أي قطع المارة عن الطريق.
سورة المائدة: 33.
وهو عشرة دراهم، لما روى أبو حنيفة مرفوعاً: "لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم". ورجح الإمام هذه الرواية على رواية: "ربع دينار"، ورواية: "ثلاثة دراهم"، لأن الأخذ بالأكثر أحوط، احتيالاً لدرء.مح.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في معنى النفي:.
مطلب في معنى النفي:
والمراد بالنفي: في الآية: الحبسُ، عند الإمام الأعظم (أبي حنيفة(1)، رحمه اللَّه تعالى)، لأن النفيَ من جميع الأرض محالٌ، وإلى بلد أُخرى، فيه إيذاء أهلها، فلم يبق إلاّ الحبسُ، والمحبوسُ يسمى منفياً من الأرض، لأنه لا ينتفع بطيبات الدنيا، ولذاتها، ولا يجتمع بأقاربه وأحبابه، قال بعضهم(2):
خَرَجْنا من الدنيا، وَنَحْنُ مِن أهْلِها * فلَسْنا من الأموات فيها، ولا الأحيا
إذا جاءنا السجَّان يوماً لحاجةٍ * عَجِبْنا، وقلنا: جاءَ هذا من الدّنيا(3)
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في معنى النفي:.
وجدت الكلمات في الفص(1/277)
94 - الرابع والتسعون: السَرقة، وهي: أخذُ المال، خفيةً عن عين المالك(4). وجزاؤه: هو كما قال تعالى {والسارق والسارقة، فاقطعوا أيدَيهما، جزاءً بما كَسَبا، نكالاً من اللَّه، واللَّه عزيز حكيم، فَمَن تاب بعد ظُلمه، وأصلح، فإن اللَّه يتوب عليه، إن اللَّه غفورٌ رحيم}(5) أي: فَمنْ تاب من السُّراق بعد سرقته، وأصلح أمره بالنقص من التبعات، والعزم على أن لا يعود إليها، فإن اللَّه تعالى يقبل توبته، فلا يُعَذّبه في الآخرة. أما القطع فلا يَسقط بها عند الأكثرين، لأن فيه حقَّ المسروق منه، ذكره البَيْضاوي(6) في تفسيره.
وتقطعُ يمينُ السارق من مَفْصِل الزَّند(7)، فإن عاد تقطع رِجْله اليسرى من الكعب، وإن عاد ثالثاً، حُبِس حتى يتوب.
وفي حاشية السيد أبي السعود(8): رأيت بخط الحموي(9)، عن السراجية(10) ما نصه: إذا سرق ثالثاً ورابعاً، للإمام أن يقتله سياسةً، لسعيه في الأرض بالفساد، قال الحموي(11): فما يقعُ ن حكام زماننا من قتله أولَ مرة، زاعمين أن ذلك سياسةٌ: حورٌ وظلمٌ، وجهلٌ. والسياسةُ الشرعية، عبارةٌ عن شرعٍ مُغَلّظ(12).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في معنى النفي:.
وجدت الكلمات في الفص
95 - الخامس والتسعون: شربُ الخمر، وهي(13) النيئُ من ماء العنب، إذا إلى(14)، واشتدّ، وقذف بالزّبد(15)، فيحرم قليلها، وكثيرُها بالإجماع، لذاتها، لا لعلة الإسكار، وهي نجسة نجاسةً مغلظة، كالبول، ويُكْفَر مستحلُّها، وحَرُمَ الانتفاع بها، ولا يجوز بيعُها(16)، ويُحدّ شاربها، وإن لم يسكرْ منها. وَ يُحدُّ شارب غيرها إنْ سكر، ولا يجوز بها التداوي على المعتمد، ولو باحتقان، أو إقطارٍ في إحليل. ويجوز تخليلُها - ولو بطرح شيء فيها(17) - .(1/278)
وفي وقوله تعالى: {إنما الخمر والميسر}(18) الآيةَ، عشرُ دلائل على حرمتها: 1 - نَظْمُها في سِلك الميْسِر، وما عطف عليه - ، 2 - وتسميتها رجساً - ، 3 - وعدُّها من عمل الشيطان، 4 - والأمرُ بالاجتناب، 5 - وتعليقُ الفلاح باجتنابها، 6 - وإرادة الشيطان إيقاعَ العداوة بها، 7 - وإيقاع البغضاء، 8 - والصدُّ عن ذكر اللَّه تعالى، 9 - وعن الصلاة، 10 - والنهي البليغ بصيغة الاستفهام، المُؤذن بالتهديد.
-------------------
انظر ترجمته في صفحة - 8 - .
وهو صالح بن عبد القدوس بن عبد اللَّه بن عبد القدوس الأزدي، الجذامي، مولاهم، أبو الفضل، شاعر حكيم، متكلم، كان يعظ الناس في البصرة، له مناظرات مع أبي الهذيل العلاف المعتزلي. شعره كله حكم، وأمثال، وآداب. اتهم عند المهدي العباسي بالزندقة، فقتله في بغداد سنة (حوالي 160 ه - 777 م). عمي في آخر عمره.
ع 3 - 212 - والبيتان من الطويل.
عرّفها في الدر بقوله: هي أخذ مكلف ناطق، بصير، عشرة دراهم جياد، أو مقدارها، مقصودة بالأخذ، ظاهرة الإخراج، خفية، من صاحب يدٍ صحيحة، مما يتسارع إليه الفساد، في دار العدل، من حرزٍ، لا شبهة فيه، ولا تأويل. فيقطع بها إن أقر بها مرة، طائعاً، أو شهد رجلان.رد.
المائدة: 38.
انظر ترجمته في صفحة - 168 - .
وهو السرغ. قال الجوهري: الزند: موصل طرف الذراع، وهما زندان: الكوع، والكرسوع، فالكوع: طرف الزند الذي يلي الإبهام، والكرسوع: طرف الزند الذي يلي الخنصر. وبعد القطع تحسم، وجوباً، عندنا، بأن تكوى بزيت مغلي، ونحوه، وندباً عند الشافعي.مح.(1/279)
أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي، مفسر، شاعر، انتهت إليه، في حياته، رئاسة المذهب الحنفي، في عهد السلطان سليم، وسليمان، وكان المفتي العام للدولة العثمانية، وقاضي القسطنطينية، وبروسه، والروم إيلي. ولد عام (898 ه - 1493 م) في قرية (أسكليب)، قرب القسطنطينية، ودرس، ودرّس في بلاد متعددة، كان حاضر الذهن، سريع البديهة، يتقن اللغة العربية، والفارسية، والتركية. عاش محترماً معظماً مدة حياته، يعول على فتاويه، وترجيحاته، وكان يجتهد في بعض المسائل، وله آراء انفرد بها، وتبعه فيها فقهاء عصره، فمن بعدهم. له شعر جيد، وتفسير القرآن يسمى "إرشاد العقل السليم، إلى مزايا الكتاب الكريم"، وتحفة الطلاب في المناظرة، ورسالة في المسح على الخفين، ورسالة في تسجيل الأوقاف، ورسالة في مسائل الوقوف، وفتاوى منسوبة إليه، وعروضات أبي السعود، وهي تتضمن ما أفتى به من آراء فقهية حديثة، مما فيه تقييد لنص مطلق، أو تعديل لحكم فقهي، بناء على اختلاف الزمان. وسميت كذلك لأنه عرضها على السلطان سليمان، فأصدر السلطان أمراً إلى القضاة أن يعملوا بها، فصارت لها قوة القانون. وظهر أمره بها، وهي باللغة التركية. توفي سنة (982 ه - 1574 م)، و دفن إلى جوار مرقد أبي أيوب الأنصاري. اهـ أعلام - فوائد - فهرس المخطوطات - المدخل الفقهي.
إبراهيم بن سليمان الحموي القونوي الرومي، المتوفى سنة (732 ه) وكانت ولادته عام (652 ه). له شرح الجامع الكبير في فروع الفقه الحنفي. اهـ معجم المؤلفين.
انظر صفحة - 202 - .
انظر صفحة - 236 -
ع 3 - 192 - .
أَنّث الضمير بقوله (وهي)، لأن الخمر مؤنثة سماعاً. وقد تُذكر نظراً للفظ كما في القاموس.مح.
أي ارتفع أسفله، وقوله: اشتدّ: أي قوي، بحيث يصير مسكراً.مح.(1/280)
أي رمى بالرغوة، بحيث لا يبقى فيه شيء من الزَّبَد، فيصفو، ويرق. ولم يشترط الصاحبان، والأئمة الثلاثة قذفه بالزبد، وهو الأظهر، لتجاسر العوام، لأنهم إذا علموا أن ذلك يحلّ، قبل قذف الزبد، يقعون في الفساد. اهـ مح.
لحديث مسلم: "إن الذي حرم شربها، حرّم بيعها".
كالملح، والماء، والسمك، وإيقاد نارٍ عندها، ونقلها إلى الشمس.مح.
المائدة: 90 - 91 - والآية هي: {يا أيها الذين آمنوا، إنما الخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام، رجسٌ، من عمل الشيطان، فاجتنبوه، لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة، والبغضاء، في الخمر والميسر، ويصدكم عن ذكر اللَّه، وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون؟}.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في تحريم أكل البنْج، والحشيشة، والأفيون:.
مطلب في تحريم أكل البنْج، والحشيشة، والأفيون:
ويحرم أكل البنج(1)، والحشيشة(2)، والأفيون(3)، لأنه مفسدٌ للعقل، ويَصُدُّ عن ذكر اللَّه، وعن الصلاة، لكن دون حرمة الخمر. فإنْ أكل شيئاً من ذلك، (ف) لا حَدَّ عليه، وإن سكر منه، بل يُعَزّر، بما دون الحَدّ، لأن الشرع أوجب الحدّ بالسُّكر من المشروب، لا المأكول. ومثلُ الحشيشة - في الحرمة - جوزةُ الطِّيب، وكذا العنبر، والزّعفران، ومثله: زهر القطن، فإنه قويُّ التفريح، يبلغ الإسكار، فهذا كلُّه، ونظائرُه، يَحْرم استعمالُ القدر المسكر منه، دون القليل، بخلاف الخمر(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في تحريم أكل البنْج، والحشيشة، والأفيون:.
وجدت الكلمات في الفص(1/281)
96 - السادس والتسعون: الزِّنى(5)، وهو حرام في جميع الأديان، والمِلل، والزنى الموجب للحدّ: وطء(6) عاقل، بالغ، ناطق(7)، طائع، في قُبل(8) مشتهاة(9)، خالٍ عن مِلكه(10)، وشُبْهتِه(11)، في دار الإسلام. ويثبت بشهادة أربعة رجال، في مجلس واحد، بلفظ الزنى. فإن بيّنوه، وقالوا: رأيناه وطئها في فرجها، كالميل في المُكْحُلة، وعُدِّلوا سراً، وعلناً، حُكم به. ويثبت أيضاً بإقراره أربعاً، في مجالسه الأربعة. فإن كان الزاني مُحصناً(12)، يُرجم في فضاءٍ(13) حتى يموت، وغيرُ المحصن، يُجلد مائةً إنْ حراً، ونصفُها للعبد(14).
-------------------
بالفتح: نبات، يسمى - في العربية - شيكران - : يصدع، ويسبت، ويخلط العقل. وأخبثه: الأحمر، ثم الأسود، وأسلمه: الأبيض. وهو أحد نوعي شجر القنب. اهـ مح.
وهي ورق القِنب الهندي، يسكر جداً، إذا تناول منه قدر درهم، حتى إن من أكثر منه، أخرجه إلى حدّ الرعونة وربما اختل العقل بها، أو قتلت .مح.
وهو عصارة الخَشخاش (نبات عشبي)، يكرب، ويسقط الشهوتين، إذا تمودي عليه، ويقتل إلى درهمين (7 غ)، وإذا أدام أكله أربعة أيام ولاء، اعتاده، بحيث يفضي تركه إلى موته، لأنه يخرق الأغشية خروقاً، لا يسدها غيره. اهـ مح.
ع 5 - 288، 294 - .
بالقصر، في لغة أهل الحجاز، فيكتب بالياء. وبالمدّ، في لغة أهل نجد، فيكتب بالألف. اهـ مح.
إدخال قدر حشفة من ذكر مكلف. اهـ مح.
خرج وطء الأخرس، فلا حدّ أقرّ، أو شُهد عليه للشبهة. مح - در.
خرج به الدبر. وخرج بقوله: طائع - المكره.مح.
حالاً، أو ماضياً، فدخل به العجوز الشوهاء، فإنها، وإن لم تكن مشتهاة في الحال، لكنها كانت مشتهاة فيما مضى.مح.
أي ملك يمينه، وملك نكاحه.مح.(1/282)
أي شبهة ملك اليمين، وملك النكاح. فالأولى: كوطء جارية مكاتبة، أو عبده المأذون، المديون، أو جارية المغنم، بعد الإحراز، في دارنا، في حق الغازي. والثانية: كتزوج امرأة بلا شهود، أو أمة بلا إذن مولاها، أو العبد بغير إذن مولاه.مح.
أي متزوجاً.
لأنه أمكنُ في رجمه، ولئلا يصيب بعضهم بعضاً، ويصطفون كصفوف الصلاة لرجمه، كلما رجم قوم، تنحوا، ورجم آخرون. والشرط: بداءة الشهود، ثم الإمام، ثم الناس، ويغسل، ويكفن، ويصلى عليه، لما أخرجه الستة إلا البخاري، أنه صلى اللَّه عليه وسلم، صلى على الغامدية. در ومح.
لقوله تعالى: {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} - النساء: 25، وهو وإن نزل في الإماء، للرق، فإنه ثبت في الذكور الأرقاء دلالة.مح.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في شرائط إحصان الرّجم:.
مطلب في شرائط إحصان الرّجم:
وشرائط إحصان الرجم (سبعة): 1 - بلوغ، 2 - وعقل، 3 - وحرية، 4 - وإسلام(1)، 5 - وكونهما بصفة الإحصان وقت الوطء(2)، 6 - وبعقد صحيح، 7 - وعدمُ الارتداد.
والحدُّ ليس مطهراً عندنا، بل المطهر: التوبةُ، فإذا حُدّ، ولم يتب، يبقى عليه اسمُ المعصية، وذهب كثير من العلماء، إلى أنه مُطهر، والتوبةُ لا تُسقط الحدَّ الثابت عند الحاكم، بعد الرفع إليه، أما قبله فيسقط الحدُّ بالتوبة. وفي البحر(3)، عن الظهيرية(4): رجلٌ أتى بفاحشة، ثم تاب، وأناب إلى اللَّه تعالى، فإنه لا يُعْلِم القاضيَ بفاحشته، لإقامة الحدّ عليه، لأن الستر مندوب إليه. وجاء في السُّنة تغليظٌ عظيم في الزاني، لا سيما بحليلة الجار، والتي غاب عنها زوجُها.
ومساحقةُ النساء - أيضاً - حرامٌ، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "السِّحاق: زنى النساء بَيْنَهن".
-------------------
لحديث: "مَنْ أشرك باللَّه، فليس بمحصن"، وخالف في هذا الشرط، وأبو يوسف.مح.(1/283)
فلو نكح أَمة، أو الحرُّة عبداً، فلا إحصان، إلا أن يطأها بعد العتق، فيحصل الإحصان به، لا بما قبله. اه.در.
البحر الرائق، في شرح كنز الحقائق، لزين الدين بن إبراهيم، بن محمد، المتوفى سنة (970 ه)، الشهير بابن نجيم، فقيه حنفي، مصري. وكنز الحقائق: لأبي البركات عبد اللَّه بن أحمد النسفي، المتوفى (سنة 710 ه). أعلام - وفهرس المخطوطات.
الفتاوى الظهيرية: لظهير الدين محمد بن أحمد بن عمر، البخاري، أبو بكر، فقيه حنفي، كان المحتسب في بخاري. توفي سنة (619 ه). أعلام.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الاستِمْناء باليد:.
مطلب في الاستِمْناء باليد:
كذلك في الاستمناء(1) باليد حرام، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "ناكح اليد ملعون"(2)، إلاّ عند شروط ثلاثة: 1 - أن يكون عَزَباً، 2 - وبه شَبَقٌ(3)، وفرطُ شهوة، 3 - وأن يريدَ تسكين الشهوة، لإقضاءها(4).
-------------------
قال في المصباح: استمنى الرجل: استدعى مَنِيّه بأمر غير الجماع، أبو بكر، حتى دفق.
قال ابن جريج: سألت عنه عطاء؟ فقال: مكروه، سمعت قوماً يحشرون، وأيديهم حٌبالى، فأظنهم هؤلاء. وقال سعيد بن جبير: عذب اللَّه أمة، كانوا يعبثون بمذاكيرهم. وورد (سبعة لا ينظر اللَّه إليهم، منهم: الناكح يده).طح.
ه - 130، 323 - والشبق: اشتداد الشهوة الفاسدة. اه، منجد.
ه - 130 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في اتيان البهيمة:.
مطلب في اتيان البهيمة:
وإيتان البهيمة أيضاً حرام، قال النجم الغزي(1) - في حسن التّنبّه - : ومن التشبه بالبهائم: إيتان البهيمة، وفي حديث أبي هريرة(2) رضي اللَّه عنه: "ملعون مَنْ أتى شيئاً من البهائم".
-------------------
انظر ترجمته في صفحة - 32 - .
انظر ترجمته في صفحة - 120 - .
-------------------(1/284)
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في اللواطة:.
مطلب في اللواطة:
كذلك اللواطةُ، ولو بزوجته، أو أمته، أو مملوكته، فإنها حرام، وهي أشدُّ حرمةً من الزنى، لاستقباحها طبعاً، وعقلاً، وشرعاً، ولذا لا تكون في الجنة.
وفي حسن التنبه(1): عمل الفاحشة - وهي إيتان الذُّكْرَان - من أكبر الكبائر. وحدُّ فاعلها - عند الإمام الشافعي(2) (رحمه اللَّه تعالى) - كحد الزنى، وعلى المفعول به: الجلدُ، وقال الإمام مالك(3) والإمام أحمد(4) (رحمهما اللَّه تعالى): يرجم اللوطي، أُحْصِن أم لا. وقال ابن عباس(5) رضي اللَّه عنهما: يُنظر أعْلى شاهق بالقرية، فيُلقى منه، مُنَكّساً، ثم يُتْبع بالحجارة، وبه قال الإمام أبو حنيفة(6) (رحمه اللَّه تعالى). ومهما أطلق عملُ قوم لوط، فالمراد به ذلك، كما في قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "ملعون من عَمِل عملَ قَومِ لوط" رواه الإمام أحمد(7) وغيره، عن ابن عباس(8) رضي اللَّه عنهما(9).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في اللواطة:.
وجدت الكلمات في الفص
97 - السابع والتسعون: القذف، وهو: نسبة المحْصَن إلى الزنى، صريحاً، أو دلالة، على سبيل التعيير والشتم، وهو من الكبائر بالإجماع، ويُجْلَد القاذف ثمانين سوطاً، إنْ كان حرّاً، ونصفها إن كان عبداً، بطلب المقذوف. ويثبت بشهادة رجلين، أو بإقرار القاذف مرة.
-------------------
انظر ترجمته في صفحة - 32 - .
انظر ترجمته في صفحة - 26 - .
انظر ترجمته في صفحة - 228 - .(1/285)
أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد اللَّه، الشيباني، الوائلي، إمام المذهب الحنبلي، أحد الأئمة الأربعة، أصله من (مرو)، كان أبوه والي (سرخس). ولد ببغداد (164 ه - 780 م). فنشأ منكباً على طلب العلم، وسافر في سبيله أسفاراً كثيرة، صنف المسند، فيه (30) ألف حديث. أسمر اللون، حسن الوجه، طويل القامة، يلبس الأبيض، في أيامه دعا المأمون إلى القول بخلق القرآن، ومات قبل أن يناظر ابن حنبل. ولما توفي المعتصم، سجن ابن حنبل (28) شهراً، لامتناعه عن القول بخلق القرآن، وأطلق سنة (220 ه). وفي زمن الواثق، بعد المعتصم، لم يصبه شر، ولما توفي الواثق، ولي أخوه المتوكل بن المعتصم، أكرم ابن حنبل، وقدمه، وبقي مدة لا يولي أحداً إلا بمشورته.أعلام.
انظر ترجمته في صفحة - 35 - .
انظر ترجمته في صفحة - 8 - .
انظر ترجمته في صفحة - 241 - .
انظر ترجمته في صفحة 35 - .
ه - 191، ع 3 - 140 - ط 2 - 485، 487، 491 - ز 2 - 119 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في شروط إحصان القذف:.
مطلب في شروط إحصان القذف:
وشروط الإحصان: 1 - أن يكون المقذوف مسلماً، 2 - حراً، 3 - بالغاً، 4 - عاقلاً، 5 - عفيفاً عن فعل الزنى، هذه خمس شرائط، لا بدّ منها في إحصان القذف، والعفيف: هو الذي لم يكن وطئ امرأةً بالزنى، ولا بالشُّبهة، ولا بنكاحٍ فاسد، في عمره، فإن وُجد ذلك منه في عمره مرةَ واحدة، لا يكون محصناً، ولا يُحَدُّ قاذفه(1).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في شروط إحصان القذف:.
وجدت الكلمات في الفص(1/286)
98 - الثامن والتسعون: الدِّياثة، والقيادة. والديوث: الذي لا غَيْرَةَ له على أهله، والقَوَّادَ: منْ يجمع بين الرجال والنساء في الحرام. قال الجلال البُلْقيْني(2): فهذه كبيرةٌ بلا نزاع، ومَفْسَدتها عظيمة، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنةَ أبداً: الدّيوث، والرَّجُلة من النساء، ومُدْمن الخمر"، قالوا يا رسول اللَّه: أما مدمنُ الخمر، فقد عرفناه، فما الديوث؟ قال: "الذي لا يُبالي مَنْ دخل على أهله" قيل: فما الرَّجُلة من النساء؟ قال: "التي تتشبّه بالرجال"(3).
-------------------
ع 3 - 166 - ج 2 - 250 -
البُلْقِيني: عمر بن رسلان بن نصير بن صالح، الكناني، العسقلاني الأصل، ثم البلقيني المصري الشافعي، أبو حفص، سراج الدين، مجتهد، حافظ للحديث، من العلماء بالدين، ولد في بلقينة (من غربية مصر)، وتعلم بالقاهرة، وولي قضاء الشام سنة (769 ه). مولده عام (724 ه - 1324 م) توفي في القاهرة سنة (805 ه - 1403 م). من كتبه: التدريب في فقه الشافعية. وابنه صالح بن عمر، مولده (791 ه - 1389 م) - ووفاته (868 ه 1464 م). شيخ الإسلام، قاض، من العلماء بالحديث، والفقه. أعلام.
أخرجه الطبراني بسند، قال المنذري: لا أعلم فيه مجروحاً، وله شواهد كثيرة. ز 2 - 42.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في غَيْرة المؤمن:.
مطلب في غَيْرة المؤمن:(1/287)
واعلم أنّ الغَيْرة في الأصل: كراهية مشاركة الغير، في حقٍّ من الحقوق. وغَيْرةُ اللَّه تعالى: مَنْعه عبيدَه من الإقدام على الفواحش، لأن فيه(1) مشاركة اللَّه تعالى: بأن يفعلَ ما يريد، من غير تعبّدٍ، وتقيدٍ بأمر، ونهي، وغَيْرَةُ المؤمن لنفسه: هيجانٌ، وانزعاجٌ من قلبه، يحمله على منع الحريم، من الفواحش ومقدِّماته، لأن فيه كراهيةَ الاشتراك، وهذه واجبة(2)، عن أبي هريرة(3) رضي اللَّه عنه، أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: "إن اللَّه تعالى يغار، وإنَّ المؤمن يغار، وإنّ غَيْرَة اللَّه: أنْ يأتي المؤمنُ ما حرّم اللَّه تعالى"(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في غَيْرة المؤمن:.
وجدت الكلمات في الفص
99 - التاسع والتسعون: الفرار من الزَّحف، أي الحرب، وهو من الكبائر، إذا لم يَزدِ الكفار على ضِعْف المسلمين، وهذا كان بهم قوةُ القتال، بأن كان معهم الأسلحة، فأمّا مَنْ لا سلاح معه، فلا بأس بأن يفرّ ممن معه السلاح، وعلى هذا: فلا بأس بأنْ يَفِرَّ الواحدُ من الثلاثة، إلاّ أن يكون المسلمون اثني عشرَ ألفاً، كلمتهم واحدة، فحينئذ لا يجوز لهم أن يفرّوا وإن كَثُر العدو، لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "لن تُغْلَب اثنا عشرَ ألفاً عَنْ قِلَّة".
واعلم أنّ الجهاد فرضُ عين، إذا كان النّفير عاماً، وإلا ففرضُ كفاية. وجه كونه فرضَ كفاية: أنه لم يُشرع لعينه، لأنه قتلٌ، وإفساد في نفسه، بل شُرع لإعلاء كلمة اللَّه تعالى، وإعزاز دينه، ودفعِ الفساد عن العباد، فحينئذ إذا قام به البعض في كلّ زمان، سقط عن الكلّ، لحصول المقصود بذلك - كصلاة الجنازة، ودفنها، وردّ السلام - فإنّ واحداً منها، إذا حصل من بعض الجماعة، سقط الفرض عن باقيها، وإن لم يَقُم به البعض - بل خلا، عن الجهاد، الزمانُ في ديار الإسلام، أثِمَ المسلمون كلُّهم، لتركهم فرضاً عليهم.(1/288)
-------------------
أي الإقدام المذكور.
وقد تطلق الغيرة على كراهية المرأة اشتراك الغير، من زوجة أخرى، أو أمة، في بعلها. وهذه الغيرة مذمومة، روى مسلم من حديث عائشة، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، خرج من عندها ليلاً، فغرتُ عليه، فجاء، فرأى ما أصنع، فقال: "مالكِ يا عائشة، أغرت"؟! فقالت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك. فقال صلى اللَّه عليه وسلم: "لقد جاءكِ شيطانك" قالت: يا رسول اللَّه، أو معي شيطان؟ قال: نعم. قلت: ومعك؟ قال: نعم، ولكن أعانني اللَّه تعالى عليه، حتى أسلم".شط.
انظر ترجمته في صفحة - 120 - .
رواه البخاري - ط 1 - 612 - ز 2 - 42 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن الفرار من الطاعون:.
مطلب في النّهي عن الفرار من الطاعون:
وأما الفرار من الطاعون، فقد روى البخاري(1) ومسلم(2)، عن عبد الرحمن بن عوف(3)، رضي اللَّه عنه، مرفوعاً: "إذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض، - وأنتم بها - ، فلا تخرجوا فراراً منه"، وبعضُهم حمل هذا النهيَ على صيانة الاعتقاد، فجوّز الدخولَ، والفرارَ، لمن علم عدمَ تغير اعتقاده. ويَرَدُّه أنّ عمر(4) رضي اللَّه عنه، لم يدخلِ الشام، لَّما قدم عليهما، فعلَم أن الطاعون فيها، بعد المشورة من الصحابة رضي اللَّه عنهم، فالصحيح: أنّ النهي وارداً على ظاهره مطلقاً. وقال النووي(5) (رحمه اللَّه تعالى): وفي هذه الأحاديث: منع القدوم على بلد الطاعون، ومنع الخروج منه، فراراً من ذلك، وأما الخروج لعارض، فلا بأس به.
أخذته الزّلْزَلة في بيته، ففرّ إلى الفضاء، لا يكره، بل يُستحب(6).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن الفرار من الطاعون:.
وجدت الكلمات في الفص(1/289)
100 - المائة - عقوق الوالدين، وهو من أكبر الكبائر، قال اللَّه تعالى: {وَقَضى رَبُّك أنْ لا تعبدوا إلاّ إياه، وبالوالدين إحساناً، إمّا يَبْلُغَنّ عندك، الكبرَ: أحدُهما، أو كلاهما، فلا تَقُل لهما أفٍ، ولا تَنْهَرْهما، وقل لهما قولاً كريماً، واخْفِضْ لهما جناحَ الذُّل من الرحمة، وقلْ: ربِّ ارحمهما كما ربّياني صغيراً}(7).
والعقوقُ: إنما يكون بالمخالفة في غير معصية، إذ لا طاعةَ لمخلوق في معصية الخالق، وإليه أشار بقوله سبحانه: {وإنْ جاهداك على أنْ على أنْ تُشْركَ بي ما لَيْسَ لك به علم، فلا تُطِعْهما، وصاحِبْهما في الدنيا معروفاً}(8)، وإنّ الكفر لا يحلّ العقوق، حتى يجبُ على المسلم نفقةُ الوالدين الكافرين، إذا عجزا عن الكسب، وخدمتُهما، وبرُّهما، وزيارتُهما، إلاّ أن يخاف أن يجلباه إلى الكفر، فيجوز أن لا يزور حينئذ، وفي الحديث: "كلُّ الذنوبُ يؤخّر اللَّه ما يشاء إلى يوم القيامة ما يريد، إلاّ عقوقَ الوالدين، فإنّ اللَّه تعالى يُعَجّله لصاحبه، في الحياة، قبل الممات"(9) وهو مُشاهد في الناس، معلوم فيما بينهم.(1/290)
ومن حقهما: أن يتملق لهما، ولا يرفعَ صوته فوق صوتهما، ولا يجهرَ لهما بالكلام، ويطيعَهما فيما أباح الدين، فإن رضاءَ اللَّه في رضاهما، وسخطَه في سخطهما، ولا ينتمي إلى غير والديه، استنكافاً منهما، فإنه يستوجب اللعنة. ويُنفق عليهما من ماله، فإنه لا يحاسبُ على نفقة أبويه، وينظر إليهما بالوُدّ، والرأفة، والرحمة، وله بكل نظرةٍ حَجَّةٌ مبرورة، ولا يَتْركهما لغزو، أو حجٍّ، أو طلبِ علم، فإنّ خدمتَهما أفضلُ من كل ذلك، ولا يَتَصدّر عليهما في المجلس، ولا يدعوهما باسمهما، بل يقول: يا أماه، ويا أبتاه، ولا يَسبق عليهما في شيء، أي: في الأكلِ، والشرب، والجلوس، والكلام، وغيرِ ذلك، ولا يُحدُّ النظرَ إليهما، وأن يصلي عليهما، بعد موتهما، صلاةَ الجنازة، ويستغفرَ لهما، وينفذ عهودَهما، ووصاياهما، ويكرمَ أصدقاءهما، ويصلَ أرحامهما، ويتصدق عنهما، ويصليَ لهما، ويرى تقصيره في إيفاء حقهما. ومن زار قبرَ أبويه في كل جمعة كُتب بارّاً(10).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن الفرار من الطاعون:.
وجدت الكلمات في الفص(1/291)
101 - الحادي بعد المائة: قطع الرحم(11)، وهو حرام، ووصلها واجب، ومعناه: أن لا ينساها، ويتفقّدَها بالزيارة، والإهداء، والإعانة باليد، او القول. وأقلّه: التسليم(12)، وإرسالُ السلام، أو المكتوب، ولا توقيتَ فيه. وتجب لكل ذي رحم محرم(13)، واختلف في غير المحرم منه(14)، قال النووي(15) (رحمه اللَّه تعالى): وقيل: هو عام في كل قريب، محرماً كان أو غيرَه، وهذا هو الصواب. نعم تتفاوت درجاتها، ففي الوالدين أشدُّ من بقية الأرحام. وليس المرادُ بصلة الرحم: أن تَصِلُهم إذا وصلوك، لأن هذا مكافأة، بل أن تصلهم، وإن قطعوك، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "إنَّ اللَّه تعالى خَلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم، قامتِ الرَّحِم، فأخذت بِحَقْو الرحمن(16)، فقال لها اللَّه تعالى: مَهْ(17)، قالت: هذا مقامُ العائذِ بك من القطيعة، قال: نعم، أما تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَنْ وَصلك، وأقْطَعَ مَنْ قَطَعَك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لكِ"(18). ويُنَزّلِ العَمّ، والأخُ الأكبر، والخال، منزلةَ الوالد، وتُنَزّل الأخت الكبيرة، والخالةُ والعمّة، منزلةَ الأم، وذلك في التوقير، والاحترام، والخدمة، والطاعة، وقد جاء: "أنّ صلة الرحم تزيد في العمر والرزق"(19).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن الفرار من الطاعون:.
وجدت الكلمات في الفص
102 - الثاني بعد المائة: إيذاءُ الزوجة زوجَها، ومخالفتُها إياه، وعدم رعاية حقوقه، عن أبي هريرة(20) رضي اللَّه عنه، مرفوعاً: "إذا دعا الرجلُ امرأتَه إلى فراشه، فأبت أن تجيء، فبات غضبانَ، لعنتها الملائكةُ حتى تُصبح"(21).اعلم أنّ الواجب على المرأة: أن تطيع زوجها في الاستمتاع متى شاء، إلا أن تكون حائضاً، أو نفساءَ، فلا تمكنِّه من الاستمتاع تحتَ الإزار، وعليها خدمتُه داخل البيت ديانةً، من الطبخ، والغَسل، والخَبْزِ، ولو لم تفعل أثمت، ولكن لا تُجبر عليها قضاءً.(1/292)
وفي شرح مُنية الْمُصلي(22): له أن يَضْرب زوجته على تركِ الصلاة، والغُسل في الأصح، كما أنّ له أن يضربَها على ترك الزينة، إذا أرادها، والإجابة إلى فراشه، إذا دعاها، والخروج بغير إذنه. وإن لم تَنتهِ عن تركها بالضرب، يُطَلِّقها، ولو لم يكن قادراً على مهرها. وَ لأَن يلقى اللَّه تعالى، ومَهْرُها في ذمَّته، خَيْرٌ له من أن يَطأ امرأةً لا تُصلي، قال تعالى: {وأمُرْ أهْلَك بالصلاة}. الآية(23).
ويجب على الزوج أيضاً: رعايةُ حقوق زوجته، قال الفقيه أبو الليث(24): حَقُّ المرأة على الزوج خمسة: 1 - أن يخدمها(25)، ولا يدعها أن تخرج من السَّتر، فإنها عورة، وخروُجها إثم، 2 - وأن يُعَلّمها ما تحتاج إليه من الأحكام الشرعية، ولا يُحوجها إلى السؤال من غيره، هذا إذا كان عالماً، فإن كان جاهلاً يَسْأل هو العلماء، ويفيْدها، فإن لم يُحسن ذلك، تخرج هي للسؤال بمقدار الضرورة. 3 - وأن يُطْعِمها من الحلال، ويكسوَها كذلك، فإنه كما لا يجوز أكلُ الحرام، لا يجوز إطعامه للغير، 4 - وأن لا يَظْلمها بمنعها من حقوقها الواجبة عليه شرعاً، 5 - وأن يتحمل تطاولها عليه بالكلام، فإنه لا يحسن بالرجل أن يتخاصم مع امرأة(26).(1/293)
ويجب على الأب أيضاً: نفقةُ أولاده الصغار، وكسوتُهم، وتعليمهم، وتأديبهم بالآداب الشرعية، قال اللَّه تعالى: {قُوا أنْفُسكم، وأهليكم ناراً}(27)، وأن لا يُلبس أولاده الحرير، ولا يَخْضِب أيديَ الذكور، وأرجُلَهم بالحِنّاء. ولا يُفيد(28) قولُه لأمهم: فعلتِ، وأنا غيرُ راضٍ، لأن الرجال قوّامون على النساء. والنّهي عن المنكر فرضٌ. ونفقةُ(29) ما يجب عليه نفقته من الأقارب، والأرِقَّاء، والدواب، فإنه راعٍ، وهذه رعاياه يُسأل عنهم يوم القيامة. ويجب على المولى تعليمُ مملوكه القرآن، بقدرْ ما تصح به الصلاة، وأحكامَ الطهارَةِ والصلاة، والصوم، ويربِّيه كما يربي ولدَه، في نهيه عن الأخلاق الذميمة، وتعليمه محاسنَ الأخلاق، وحثِّه عَليها بقدْر الإمكان، ولا يستخدمُه زمان أدائها، أي العبادة، ولا يُكلفه ما لا يُطيق من الخدمة، وغيرها، ولا يُفرّق بين مملوكين صغيرين، أو صغير، وكبير، بينهما قرابة محرّمية، عن أبي موسى(30) رضي اللَّه عنه، قال: "لَعَن رسولُ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - مَنْ فَرّق بين الوالد، وولده، وبين الأخ وأخيه"(31).
ويجب على المملوك إطاعةُ مولاه أيضاً، عن جرير(32) رضي اللَّه عنه، مرفوعاً: "أيما عبد أبقَ، فقد بَرِئت منه الذمة"(33) وفي رواية: "إذا أبقَ العبدُ، لم تقبل له صلاة".
والحاصل: قعود المملوك عن خدمة المالك، والزوجةِ عن خدمة (الزوج) داخلَ البيت، والولدِ عن خدمة الوالدين، والأجير عن خدمة المستأجِر، والرعيةِ عما أمرهم به الوالي، مما ليس بمعصية، (و) لا بعذر: إثْمٌ، وأما مع العذر، فلا إثم في التأخر عن شيء من ذلك(34).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن الفرار من الطاعون:.
وجدت الكلمات في الفص(1/294)
103 - الثالث بعد المائة: أذى الجار، عن عائشة(35) رضي اللَّه عنها، مرفوعاً: "ما زال جبرائيلُ - عليه السلام - يُوصيني بالجار، حتى ظننت أنَّه سَيُوَرّثه"(36)، وروى أبو بكر الخرائطي(37)، عن عمروَ بن شعيب(38)، عن أبيه عن جَدّه مرفوعاً: "أتدري ما حقُّ الجار؟ إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر، عدت عليه بالصدقة، وإذا مرض عدته، وإذا أصابه خيرٌ هنأته، وإذا أصابته مصيبة عزّيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطيل عليه بالبناء، فتحجبَ عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بقُتار(39) ريح قدرك، إلا أَن تغرف له منها، وإنْ اشتريت فاكهة، فأهدِ له، فإنْ لم تفعل، فأدخلها سرّاً، ولا يخرج بها ولدك، ليغيظ بها ولده"، لأن في جميع ذلك إضراراً بالجار، وهو منهي عنه(40).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن الفرار من الطاعون:.
وجدت الكلمات في الفص
104 - الرابع بعد المائة: أذية أولياء اللَّه تعالى، ومعاداتهم، عن أنس(41)، وأبي هريرة(42) رضي اللَّه عنهما، أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "قال اللَّه تبارك وتعالى: مَنْ أهان لي ولياً، فقد بارزني بالمحاربة"(43)، وفي رواية: "من عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب". تأمل هذا الوعيدَ الشديد، إذ محاربة اللَّه تعالى للعبد، لم تذكر إلا في آكل الربا، ومعاداة الأولياء، ومَنْ عاداه اللَّه لا يفلح أبداً(44).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن الفرار من الطاعون:.
وجدت الكلمات في الفص(1/295)
105 - الخامس بعد المائة: القعود عن إنقاذ إنسان، أو مال، بصدد الهلاك، بالسقوط، أو الغرق، أو الحرق، أو نحوها، من غير ضررٍ يلحقه به، ومثله: كلُّ شدة وقع في حاجة المسلم، يجب إنقاذه منها، من جوعٍ ونحوه، وكذلك القعود عن السعي في حاجة العاجز، من تبليغ ظلامته لحاكمٍ، أو شراء ما يحتاج إليه، ونحو ذلك. عن ابن عمر(45) رضي اللَّه عنهما، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يشتمه، مَنْ كان في حاجة أخيه، كان اللَّه في حاجته، ومَنْ فرّج عن مسلم كربةً، فرج اللَّه عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومَنْ ستر مسلماً، ستره اللَّه يوم القيامة"(46).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن الفرار من الطاعون:.
وجدت الكلمات في الفص
106 - السادس بعد المائة: أكل مال اليتيم، قال تعالى: {إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظُلماً، إنما يأكلون في بطونهم ناراً، وسَيَصْلون سعيراً}(47)، قال قتادة(48): نزلت في رجل من غطفان(49)، وليَ مالَ ابن أخيه، وهو صغير، يتيم، فأكله. وقد نبّه تعالى على تأكد حق الأيتام، ومزيد الاعتناء به، بقوله عز قائلاً {وَلْيَخشَ الذين لو تركوا مِنْ خلفهم، ذريةً ضعافاً خافوا عليهم، فليتقوا اللَّه، وليقولوا قولاً سَديداً}(50). إذ المراد: لمن كان في حجره يتيم: أَنْ يُحسن إليه، حتى في الخطاب، فلا يخاطبه إلا بنحو: يا بُنَيّ، مما يخاطب به أولاده، ويفعل معه من البِرَّ والمعروف، والإحسان، والقيام في ماله، ما يحبُّ أن يُفعل بماله، وبذريته، من بعده، فإنّ الجزاء مِن جنس العمل، وجاء: "أن اللَّه تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: يا داود، كنْ لليتيم كالأب الرحيم، وكنْ للأَرملة كالزوج الشفيق، واعلم أنك كما تزرع، كذا تحصد"(51).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.(1/296)
مطلب في النّهي عن الفرار من الطاعون:.
وجدت الكلمات في الفص
107 - السابع بعد المائة: أخذ الرَّشوة وإعطاؤها، إلا لدفع الظلم، فإن سيدنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لعنَ الراشيَ، والمرتشي"(52). الرِّشوة لا تُملك بالقبض، فله الرجوعُ بها. ولو دفع الرِّشوة بغير طلب المرتشي، فليس له أن يرجع قضاءً، ويجب على المرتشي ردُّها. والعالمُ إذا أُهدي إليه ليشفع، أو ليدفع ظلماً، فهو رشوة. سَعى له عند الحاكم، وأتمّ أمره، لا بأس بقبول هديته بعده، وقبله بطلبه سحت، وبدونه مختلف فيه. دفع المال للحاكم الجائر، لدفع الظلم عن نفسه، وماله، أو لاستخراج حقّ له، لا يتوصل إليه إلا به، ليس برشوة في حق الدافع(53).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن الفرار من الطاعون:.
وجدت الكلمات في الفص
108 - الثامن بعد المائة: المَنّ بالصدقة، والمنّ: هو أن يُعَدد نعمته على الآخذ، أو يذكرَها لِمَنْ لا يجب الآخذ إطلاعَه عليه، وقيل: هو أن يرى لنفسه مزيةً على المتصدَّق عليه، بإحسانه إليه، ولذلك لا ينبغي أن يطلب منه دعاءً، ولا يطمع فيه، لأنه ربما كان في مقابلة إحسانه، فيسقطُ أجره، وعنه صلى اللَّه عليه وسلم، أنه قال: "إياكم والمنَّ بالمعروف، فإنه يُبطل الشكر، ويمحق الأجر"، ثم تلا صلى اللَّه عليه وسلم، هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا، لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى}(54).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن الفرار من الطاعون:.
وجدت الكلمات في الفص(1/297)
109 - التاسع بعد المائة: التَّطْفِيْف، وهو: بخسُ الكيل، والوزن، أو الذَّرع، قال تعالى: {ويلٌ للمُطَفّفِين}(55)، الآية، سببُ نزول هذه الآية: أنه صلى اللَّه عليه وسلم، لما قَدِم المدينة، كان بها رجلٌ، يقال له: أبو جهينة، له مِكْيالان، يكيل بأحدهما، ويكتال بالآخر، فأنزل اللَّه تعالى الآية. وعن ابن عباس(56) رضي اللَّه عنهما، قال: لَمّا قَدِم النبي صلى اللَّه عليه وسلم المدينةَ، كانوا من أخبثِ الناس كيلاً، فأنزل اللَّه عز وجل: {ويلٌ للمُطَفّفِين}(55)، فأحسنوا المكيال بعد ذلك، وأيضاً فقد شَدّد اللَّه عقوبة قوم سيدنا شعيب، عليه السلام، على بخسهم المكيال، والميزان(57).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن الفرار من الطاعون:.
وجدت الكلمات في الفص
110 - العاشر بعد المائة: القِمَار، سواء كان مستقلاً، أو مُقْتَرناً بلعبٍ مكروه، أو مُحَرم، قال تعالى: {إنَّما الخمرُ، والمَيْسر، والأنصابُ، والأزْلام، رجْسٌ من عمل الشيطان فاجْتَنِبوه}(58) الآية، والميسر: القِمار بأي نوع كان، وسبب النهي عنه، وتعظيمِ أمره: أنه من أكل أموال الناس بالباطل، الذي نهى اللَّه عنه، بقوله {ولا تأكلوا أمْوالَكم بَيْنَكم بالباطل}(59)، و روى البخاري(60)، أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "مَنْ قال لصاحبه: تعال أقامِرْكَ، فلْيتَصَدَّق، فإذا اقتضى مطلقُ القول طلبَ الكفارة، والصدقةَ المنبئة عن عظيم ما وجبت، أو سُنّت فيه، فما ظَنُّك بالفعل، والمباشرة؟
-------------------
انظر ترجمته في صفحة - 231 - .
انظر ترجمته في صفحة - 156 - 170 - .
انظر ترجمته في صفحة - 136 - .
انظر ترجمته في صفحة - 39 - .
انظر ترجمته في صفحة - 64 - .
ع 3 - 224 - ط 2 - 502، 616 - 618 - .
سورة الإسراء: 23، 24.
سورة لقمان: 15.
رواه الحاكم، وابن حبان، عن أبي بكرة مرفوعاً.
ط 2 - 542 - ش - 479(1/298)
أي هجر الأقارب، وعدم صلتهم. شط
عند الاجتماع.
بحيث لو كان أحدهما ذكراً، والآخر أنثى، حرمت مناكحتها، شط.
كبنات الأعمام، والأخوال.
انظر ترجمته في صفحة 64.
الحقو - بالفتح - : الإزار، أو الخصر، وشد الإزار. مختار الصحاح.
اسم فعل أمر، معناه: اكففي عن هذا الأخذ. شط.
رواه مسلم، عن أبي هريرة، مرفوعاً.
ط 2 - 546 - ع 5 - 264 - ش - 486 - وه - تع - . أخرج الشيخان: "مَنْ أحب أن يبسط له في رزقه، وينسّأ له في أثره، فليصل رحمه". وينسأ - بضم أوله، وتشديد ثالثه المهمل، وبالهمز - : أي يؤخر. والأثر: الأجل.مح.
انظر ترجمته في صفحة 120.
رواه الشيخان.
منية المصلي: كتاب مختصر في الصلاة، وأحكامها. تأليف: سديد الدين، محمد بن محمد، الكاشَغْري، المتوفى سنة (705 ه)، فقيه، أصله من كاشغر (مدينة في تركستان الصينية، تسمى سولو - في الكتب الصينية، القديمة، دخلها الإسلام في القرن 10)، جاور مكة، وتصوف، ودخل اليمن، فأقام بتعز، ومات في ساحل موزع. أما شرح المنية، فهو بغية المتحلي، في شرح منية المصلي، أو مختصر غنية المتملي، أو شرح الحلبي، أو حلبي صغير. تأليف: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي، المتوفى سنة (956 ه)، فقيه حنفي، من حلب، تفقه بها، وبمصر، ثم استقر في القسطنطينية، وتوفي بها، عن نيف وتسعين عاماً. من كتبه: ملتقى الأبحر، وتلخيص الفتاوى التتارخانية.اه. أعلام - منجد - فهرس المخطوطات. وانظر صفحة - 188 -
(طه: 132)، ط 2 - 631.
انظر ترجمته في صفحة 105.
بقضاء حوائجها، خارج البيت.
انظر صفحة - 229 - .
التحريم - 6
أي لا يرفع عن الأب الإثم.
أي ويجب على الأب أيضاً...
انظر ترجمته في صفحة 198.
رواه ابن ماجه. ط 2 - 626(1/299)
جرير بن عبد اللَّه بن جابر، البجلي، صحابي، مشهور، كان جميلاً، قال عمر: هو يوسف هذه الأمة. سكن الكوفة، وأرسله علي رسولاً إلى معاوية، ثم اعتزل الفريقين، وسكن قرقيسيا (مدينة في الجزيرة بسوريا، عند ملتقى الخابور بالفرات). توفي سنة إحدى وخمسين، وقيل: أربع وخمسين. الإصابة، وتقريب التهذيب، والمنجد.
رواه مسلم.
ط 2 - 516، 550، 552، 555، 559، 560.
انظر ترجمتها في صفحة 132.
رواه الشيخان.
انظر ترجمته في صفحة 124.
عمرو بن شعيب بن محمد السهمي، القرشي، أبو إبراهيم، من بني عمرو بن العاص، من رجال الحديث، كان يسكن مكة، وتوفي بالطائف، سنة (118 ه).أعلام.
القتار: الدخان من المطبوخ، أو رائحة البخور واللحم، والشواء، والعظم المحرق، والعود. اهـ منجد.
ط 2 - 561 - .
انظر ترجمته في صفحة 114.
انظر ترجمته في صفحة 120.
رواه البخاري.
ز 1 - 91.
انظر ترجمته في صفحة 23.
رواه البخاري، وأبو داود ط 2 - 515، 516.
(النساء: 10).
قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر الأنصاري، الظفري، الأوسي، صحابي، بدري، من شجعانهم. من الرماة المشهورين. شهد المشاهد كلها مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكانت راية بني ظفر، معه يوم الفتح. توفي بالمدينة سنة (23 ه)، وهو ابن (65) سنة. له سبعة أحاديث، وهو أخو أبي سعيد الخدري، لأمه.أعلام.
بنو غطفان: اسم قبيلتي جُزام، وقيس غيلان، قاتلوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم، في قرقرة القعر، ثم في الخندق. دخلوا الإسلام سنة (629)ه، وارتدوا عنه، بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، فردهم خالد بن الوليد. قاتلوا مع عائشة رضي اللَّه عنها يوم الجمل سنة 656 م منجد.
(النساء: 9).
ز 1 - 203.
رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما.
ط 2 - 455، ه - 210، ز 2 - 158.
سورة البقرة: 264 - ز 1 - 153 - .(1/300)
{الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم - أي: كالوا لهم - أو وزنوهم - أي: وزنوا لهم - يُخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم؟!}. سورة المطففين: 1 - 2.
انظر ترجمته في صفحة - 35 - .
ز 1 - 199 - .
سورة المائدة: 90 - وانظر معنى - الأزلام - في صفحة - 130 - من هذا الكتاب - والأنصاب: - جمع نُصْب، وهي: ما نُصِب، فعُبد من دون اللَّه تعالى - اهـ مختار الصحاح.
سورة البقرة: 188.
انظر ترجمته في صفحة - 231 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن اللعب بالنَّرْد، وكلِّ لَعبٍ مُجْمعٍ على تحريمه:.
مطلب في النهي عن اللعب بالنَّرْد، وكلِّ لَعبٍ مُجْمعٍ على تحريمه:
كذلك اللعبُ بالنّرد(1)، وكلِّ لعبٍ مجمع على تحريمه - كاللعب بالمَنْقَلة(2)، والصينية، والدَّحل، والكَعب، والورق المنقش(3)، ونحو ذلك - وإن لم يُقامِر، فإنه حرام. وأما ملاعبة الزوجة، والأمَةِ، وما هو من جنس الاستعداد للحرب - من رَكْضِ الخيل(4)، ومُناضَلة السِّهام(5) والمسايفة بالسيوف، والدَّرق(6)، والمصارعة بالمغالبة، والمقاواة، والمسابقة بالأقدام، والدواب، ومطارحةِ الرِّماح، والقَنا، والرمي بالرصاص، والقنابر(7)، والمدافع، وعَمَل المنجنيق، وتعلُّمِ ذلك، والمهارة فيه، لأجل إتقان الحروب، والفروسية - فإنه مباحٌ. واللعبُ بالشِّطرنج(8) عند أبي يوسف(9) (رحمه اللَّه تعالى) مباح أيضاً (بشروط أربعة)، 1 - إذا لم يقامِر به، 2 - ولم يُداوم، 3 - ولم يُخِلَّ بواجب، 4 - ولم يُكْثِر الحلف عليه(10).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن اللعب بالنَّرْد، وكلِّ لَعبٍ مُجْمعٍ على تحريمه:.
وجدت الكلمات في الفص(1/301)
111 - الحادي عشر بعد المائة: الرِّبا، قال اللَّه تعالى: {الذين يأكلون الرِّبا، لا يَقُومون إلاّ كما يقوم الذي يَتَخَبَّطُه الشيطان من المَسِّ، ذلك بأنهم قالوا: إنما البيع مثلُ الرّبا، وأحلَّ اللَّه البيعَ، وحَرم الرّبا}(11) الآيةَ، وحرمته: قطعية، وردت في الكتاب، والسنة، وأجمعت عليها الأمة، فيُكْفرُ مستحلّه. وعن ابن مسعود(12) رضي اللَّه عنه، قال "لعنَ رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم آكل الربا، ومُوْكِله"(13)، زاد رواية الترمذي(14) وغيرِه: "وشاهدَيه وكاتبه".
-------------------
النرد: لعبة وضعها أحد الملوك الفرس، وتعرفها العامة بلعب الطاولة. اهـ منجد. وهو معرب نردشير، كما في المصباح، وشط. روى مسلم، عن بريدة، مرفوعاً: "من لعب بالنردشير، فكأنما غمس يده في لحم خنزير، ودمه"، وفي رواية أبي داود: "من لعب بالنردشير، فقد عصى اللَّه، ورسوله".شط.
قال في رد المحتار: هي قطعة من خشب، يحفر فيها ثلاثة أسطر، ويجعل في تلك الحفر، حصى صغار، يلعب بها. قال ابن عابدين: لكنها تحفر سطرين، كل سطر سبع حفر. مح - وقيل: هي لعبة تتخذ من خشبة مستطيلة، نُقِر فيها أربع عشرة نقرة، في صفين متوازيين، فيجعل في كل نقرة سبع حصى، وتدار الحصى بطرق معلومة.منجد.
المعروف بالشدّة.
أي حثه، لكي يعدو. مختار الصحاح.
أي رميها.
جمع درقة، وهي الترس من جلود.منجد.
لعلها القنابل.(1/302)
فارسي معرب، من وضع الهند، معرب شدرنج، وإنما كره، لأن من اشتغل به، ذهب عناؤه الدنيوي، وجاءه العناء الأخروي، فهو حرام، وكبيرة عندنا. وفي إباحته: إعانة الشيطان على الإسلام، والمسلمين، وهو قول مالك. وأباحه الشافعي، وأبو يوسف، بالشروط المذكورة هنا. وهيهات أن تتحقق في لاعبيه اليوم. أخرج أبو بكر الأثرم، عن واثلة بن الأسقع، قال صلى اللَّه عليه وسلم: "إن للَّه تعالى، في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى خلقه، ليس لصاحب الشاه ( - أي لاعب الشطرنج، لأنه يقول: شاه - ) فيها نصيب". زواجر.
انظر ترجمته في صفحة - 8 - .
ط 2 - 438 - . ه 198، 251، ز 2 - 165 - .
سورة البقرة: 275.
انظر ترجمته في صفحة - 18 - .
رواه مسلم.
انظر ترجمته في صفحة - 179 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في السّبع المُوبقات:.
مطلب في السّبع المُوبقات:
وأخرج الشيخان(1)، أبو داود(2)، والنَّسائي(3)، عن أبي هريرة(4) رضي اللَّه عنه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أنه قال: "اجتنبُوا السبعَ الموبقات، قالوا: يا رسولَ اللَّه، ومن هُنَّ؟ قال: الشِّرط باللَّه، والسّحر، وقتلُ النفس التي حَرّم اللَّه، إلاّ بالحق، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، والتولي يومَ الزحف، وقذفُ المحصناتِ، الغافلات"(5).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في السّبع المُوبقات:.
وجدت الكلمات في الفص
112 - الثاني عشر بعد المائة: احتكارُ القوت(6)، فلا يشتري شيئاً، مما يحتاج إليه الناسُ، من قوتهم، وقوتِ بهائمهم، يتربص به الغلاءَ، فإنه احتكار، والمحتكرُ ملعون، ولا يَتّجر في الطعام وحده، فإنه ربما لا يَسلم من الاحتكار.(1/303)
ولا يُسعّر الإمام على الناس(7)، إلاّ إذا تعدّى أرباب الأطعمة، تعدّياً فاحشاً(8)، فيُسعر الحاكم حينئذ، بمشورةٍ من أهل البصير. ولا يبيع الطعامَ من أهل البادية، ويمنعَه عن أهل المصر، طمعاً بالثمن الغالي، ولا يتلقّى القافلة التي جاءت بالطعام، ويشتريَ منها خارج البلد، وهو يُريد حبسه، وهذا إذا لم يُلَبّس الملتقي سعرَ البلد على التجار، فإن لبَّس، فهو مكروه بالوجهين.
ولا يكون محتكراً بحبس غلة أرضه، ومجلوبِه من بلد آخر(9)، وعند محمد(10) (رحمه اللَّه تعالى): إن كان يُجلب منه عادةً، كره. والتقييد بقوت البشر: قول أبي حنيفة(11) ومحمد(10) (رحمهما اللَّه تعالى)، وعليه الفتوى. وعن أبي يوسف(11) (رحمه اللَّه تعالى): كلُّ ما أضرّ بالعامة حبسُه، فهو احتكار. ويجب أن يأمره القاضي ببيع ما فَضل عن قُوْته، وقوتِ أهله، فإن لم يبع، عَزّره(12)، وباع عليه. ولو خاف الإمام على أهل بلدٍ الهلاكَ، أخذ الطعام من المحتكرين(13)، وفَرّق عليهم، فإذا وجدوا سعة، ردوا مثله(14).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في السّبع المُوبقات:.
وجدت الكلمات في الفص(1/304)
113 - الثالث عشر بعد المائة: التصوير، ظاهرُ كلام النووي(15) (رحمه اللَّه تعالى) في شرح مسلم(16): الإجماعُ على تحريم تصوير الحيوان، لأن فيه مضاهاةً لخلق اللَّه تعالى، وسواءٌ صنَعه لما يُمْتَهن، أو لغيره، فصنعته حرام بكلِّ حال، لأنه متواعدَ عليه، وسواء كان في ثوبٍ، أو بساطٍ، أو درهمٍ، ودينارٍ، وفَلْسٍ، وإناءٍ، وحائطٍ، وغيرها. وأما تصويره صورة الشجرة، ورحالَ الإبل، وغيرَ ذلك، مما ليس فيه صورةُ حيوان، فإن كان في بساط يُداس، ومخدّةٍ، ووسادة، ونحوها، مما يُمْتَهن، فليس بحرام. ولا فرق - في هذا كلِّه - بين ما له ظِلٌّ، وما لا ظلّ له، هذا ما كان في فعل التصوير. وكُرِه لبسُ ثوبٍ، فيه تماثيلُ ذي روح، وأن يكون فوق رأسه، أو بين يديه، أو بحذائه تمثالٌ(17). واختلف فيما إذا كان خلفَه، والأظهر: الكراهة. ولو كانت تحتَ قدميه، أو في يده(18)، أو على خاتَمه(19)، أو كانت صغيرة(19)، أو مقطوعة الرأس، والوجه، أو لغير ذي روح، لا يُكره، لأنها لا تُعْبَد، عن ابن مسعود(20) رضي اللَّه عنه، مرفوعاً: "إنّ أشَدّ الناسِ عذاباً، يوم القيامة: المصورون"(21) وفي رواية(22): "يقال لهم: أحيوا ما خَلَقْتُم"(23).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في السّبع المُوبقات:.
وجدت الكلمات في الفص(1/305)
114 - الرابع عشر بعد المائة: جبايةُ المُكُوس، والدخولُ في شيء من توابعها، وهو داخل في قوله تعالى: {إنما السبيلُ على الذين يَظلمون الناس، ويبغون في الأرض بغير الحق، أولئك له عذابٌ أليم}(24)، والمكَّاس - بسائر أنواعه: من جابي المكس، وكاتبه، وشاهدِه، ووازِنه، وكائله - من اكبر أعوان الظلمة، بل هم الظلمة بأنفسهم، فإنهم يأخذون ما لا يستحقونه، ويَدْفعونه لمن لا يستحقه. ولهذا لا يَدخل صاحبُ مَكسٍ الجنَّة، لأنّ لحمه نبت من حرام، قال البغوي(25): يُريد بصاحب المكس: الذي يأخذ من التُّجار - إذا مَرّوا عليه - مَكساً، باسم العُشر، أي الزكاة. قال الحافظ المنذري(26): أما الآن، فإنهم يأخذون مَكْساً باسم العشر، ومكساً آخر، ليس له اسمٌ، بل شيء يأخذونه حراماً، وسُحتاً، ويأكلونه في بطونهم ناراً، حجتهم فيه داحِضة عند ربهم، وعليهم غضبٌ، ولهم عذاب شديد(27).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في السّبع المُوبقات:.
وجدت الكلمات في الفص
115 - الخامس عشر بعد المائة: الإلحاد في حرم مكة، ولو بالإرادة، قال تعالى: {ومَنْ يُردْ فيهِ بإلحادٍ بظلم، نُذِقْه من عذاب أليم}(28) والظلمُ: يَشمل كلّ معصية، وممَّا يُعْلِمُك بشدَّة قُبْح المعصية، ثُمّ، وتعجيلِ عقابها - ولو صغيرة - أنَّ بعض الطائفين، نظر إلى أمردَ، فسالت عينه على خَدّه، وبعضهم وضع يدّه على يد امرأة، فالتصقتا، وعجز الناسُ عن فَكِّهما، حتى دلَّهم بعض العلماء أنهما لا يرجعان إلى معصيَتِهما، ويبتهلان إلى اللَّه، ويَصْدقان في التوبة، ففعلا ذلك، ففُرِّج عنهما.
-------------------
البخاري، ومسلم - انظر ترجمتهما على الترتيب في صفحة - 231 - 156 - 170 - .
انظر ترجمته في صفحة - 201 - .(1/306)
أحمد بن علي بن شعيب، بن علي بن سنان، بن بحر بن دينار، أبو عبد الرحمن، النسائي، نسبة إلى - نسا - من خراسان، ولد عام (215 ه - 830 م)، صاحب السنن، القاضي، الحافظ، شيخ الإسلام، مات عليلاً سنة (303 ه - 915 م). ودفن في بيت المقدس. له السنن الكبرى، والسنن الصغرى (المجتبى)، وله: الضعفاء، والمتروكون في رجال الحديث، وخصائص علي، ومسند علي، ومسند مالك. أعلام.
انظر ترجمته في صفحة - 120 - .
ط 2 - 622 - . ز 1 - 179 - .
الاحتكار: - لغة - احتباس الشيء انتظاراً لغلائه. والاسم: الحُكرة. وشرعاً: اشتراء طعام، ونحوه، وحبسه إلى الغلاء، أربعين يوماً. لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "من احتكر على المسلمين أربعين يوماً، ضربه اللَّه بالجذام، والإفلاس". وفي رواية: "فقد بريء من اللَّه، وبريء منه". وفي أخرى: "فعليه لعنة اللَّه، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل اللَّه منه صرفاً (أي نفلاً)، ولا عدلاً (أي فرضاً)". وهذا التقدير للمعاقبة في الدنيا، بنحو البيع، والتعزير، لا للإثم، لحصوله، وإن قلّت المدة.مح.
روي عن أنس قال: قال الناس: يا رسول اللَّه، غلا السعر، فسعّر لنا، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: "إن اللَّه هو المسعر، القابض، الباسط، الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى اللَّه، وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم، ولا مال". رواه أحمد، والبزار، أبو يعلى، وأبو داود، والترمذي، وصححه، وابن ماجه، وإسناده على شرط مسلم، وصححه ابن حبان.مح.
كأن يبيع بضعف القيمة، كما بينه الزيلعي.
لأن حق العامة بما جلب، وجمع في المصر، أو فنائه، لا بما في بلد آخر، عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: يكره أن يحبس ما جلبه من بلدٍ آخر، لإطلاق ما روينا.شط.
انظر ترجمته في صفحة - 7 - .
انظر ترجمته في صفحة - 8 - .
بما يراه رادعاً.
بعد أن يبقي لهم قوتهم، وقوت عيالهم.مح.
ش - 232 - ع 5 - 255 -
انظر ترجمته في صفحة - 64 - .
انظر ترجمته في صفحة - 156 - 170 - .(1/307)
أي مرسوم في جدار أو غيره، أو موضوع، أو معلق. - مح - . وقد ظهر مما ذكر أن علة الكراهة في المسائل كلها إما التعظيم، أو التشبه. - مح - .
أي في بدنه، لأنها مستورة بثيابه.مح.
بنقش غير مستبين، وكذا إذا كانت صغيرة، لا تتبين تفاصيل أعضائها للناظر قائماً، وهو على الأرض.در.
انظر ترجمته في صفحة - 18 - .
رواه الشيخان.
لابن عمر.
ع - 1 - 435 - ط 2 - 436 - .
سورة الشورى: 42.
البغوي: ثلاثة رجال: - الأول: علي بن عبد العزيز بن المرزبان، أبو الحسن، شيخ الحرم، من حفاظ الحديث، ثقة، مأمون، توفي سنة (286 ه). - الثاني: عبد اللَّه بن محمد بن عبد العزيز، بن المرزبان، أبو القاسم، حافظ للحديث. أصله من (بغشور): بين هراة، ومرو الروذ - والنسبة إليها: بغوي. مولده، ووفاته ببغداد. له معالم التنزيل، في التفسير. - الثالث: الحسين بن مسعود، بن محمد، الفراء، أو ابن الفراء، أبو محمد، محي السنة، فقيه، محدث، مفسر. نسبة إلى (بَغَا) من قرى خراسان، بين هراة، ومرو. توفي بمرو الروذ سنة (510 ه) أعلام.
عبد العظيم بن عبد القوي، بن عبد اللَّه، أبو محمد، زكي الدين المنذري، المتوفي سنة (656 ه). عالم بالحديث، والعربية، من الحفاظ، المؤرخين. له: الترغيب، والترهيب، ومختصر صحيح مسلم، ومختصر سنن أبي داود. أصله من الشام. مولده ووفاته بمصر. أعلام.
ز 1 - 146 - .
الحج - 25 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن قَتْل المُحْرم الصيدَ:.
مطلب في النهي عن قَتْل المُحْرم الصيدَ:(1/308)
كذلك إذا قَتَل المُحْرمُ صيداً(1)، أوْ دَلَّ عليه قاتله، أو أشار إليه، أو أعانه عليه، أو أمره بقتله، يأثم، وعليه الجزاء، قال تعالى: {يا أيها الَّذين آمنوا، لا تَقْتُلوا الصيدَ، وأنتم حُرُم، ومَنْ قَتَله منكم متعمداً، فجزاءٌ مثل ما قتلَ من النَّعَم، يَحْكم به ذوا عَدْلٍ منك، هدياً بالغَ الكعبة، أو كفارةٌ طعامُ مساكين، أو عَدْل ذلك صياماً، ليذوق وبالَ أمره، عفا اللَّه عمّا سلف، ومَنْ عاد، فينتقمُ اللَّه منه، واللَّه عزيزٌ ذو انتقام}(2).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن قَتْل المُحْرم الصيدَ:.
وجدت الكلمات في الفص
116 - السادس عشر بعد المائة: التحريش بين البهائم، عن ابن عباس(3) رضي اللَّه عنهما، قال: "نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، عن التحريش بين البهائم"(4) أي الإغراء بينها، وتسليط بعضِها على بعض، بقصد التلهي، ورؤية الغالب منها على الآخر، لما في ذلك من الإيذاء للضعيفة منها، بلا ضرورة، ولا فائدة.
-------------------(1/309)
أي حيواناً برياً، متوحشاً، بأصل خلقته، ممتنعاً بجناحه، أو قوائمه (احترازاً عن الحية، والعقرب، وسائر الهوام). والبري: ما يكون توالده في البّر، ولا عبرة بالمثوى - المكان - . أما البحري فهو ما يكون توالده في الماء، ولو كان مثواه في البر، لأن التوالد أصل، والكينونة بعده عارض، وعليه، فكلب الماء، والضفدع المائي، والسرطان، والتمساح والسلحفاة: بحري، يحل اصطياده للمحرم، ولو غير مأكول اللحم، بنص الآية. أما البري، فحرام مطلقاً، ولو غير مأكول، إلا ما استثني. كالذئب، والغراب، والحدأة، والسبع الصائل. وأما باقي الفواسق، فليست بصيد. - مح - . قلت: وجزاء قتل المحرم صيداً: هو ما قوّمه عدلان في مقتله، أو في أقرب مكان منه، إم لم يكن في مقتله قيمة. ثم له أن يشتري بهد هدياً، ويذبحه بمكة، أو طعاماً،ويتصدق أين شاء، على كل مسكين نصف صاع من بُرّ، أو صاعاً من تمر، أو شعير، او صام عن طعام كل مسكين يوماً. وإن فضل عن طعام مسكين، أو كان الواجب ابتداء، أقل منه، تصدق به، أو صام يوماً بدله. ولا يجوز أن يفرّق نصف صاع على المساكين، ولا أن يدفع إلى مسكين واحد، كما في الفطرة.در.
المائدة - 95 - ، ع 2 - 212 - ز 1 - 162، 163 - .
انظر ترجمته في صفحة - 33 - .
رواه أبو داود، والترمذي.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن تطيير الحَمام:.
مطلب في النّهي عن تطيير الحَمام:(1/310)
كذلك اللعبُ بالحمام منهيٌّ عنه، عن أبي هريرة(1) رضي اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم "رأى رجلاً يَتْبع حمامةً(2)، فقال: شيطانٌ(3) يتبعُ شَيطانة"(4) والمرادُ باللعب بالحمام: تطييرها فوق السطح(5)، مطَّلعاً على عورات المسلمين، ويَكْسر زجاجاتِ الناس، برميه تلك الحمامات، فإنه لا يجوز، ويُمنع أشَدَّ المنع، فإن لم يمتنع بذلك، ذبحها الحاكمُ، ثم يُلقيها لمالكها. وأما اتخاذ الحمام للاستئناس فمباح. ويجوز حبسُ الطيور المغَرِّدة في القفص للاستئناس بها(6)، إذا لم يكن تعذيبٌ لها في ذلك، بأن أَلفَتْه من صِغرَها، وليس في إعتاقها ثواب. وقيل: يُكره، لأنه تضييعُ مال. ولا يَطرق الطيرَ ليلاً في أوكارها، فإنّ الليل، لها أمان وقرار(7)، ولا شيئاً من الحيوان بقدمه، فإنه يسأل عنها يوم القيامة.
-------------------
انظر ترجمته في صفحة - 120 - .
أي يلحقها حيث طارت، او يقصد التكسب بها، فيطيرها، وينتظر ما يأتيه معها من حمام الناس، فيأخذه. قال مجاهد، في قوله تعالى: {أتبنون بكل ريع آيةً تعبثون؟!}: أبراج الحمام. وتعبثون: تلعبون بالحمام. وقال إبراهيم النخعي: من لعب بالحمام الطيارة، لم يمت حتى يذوق ألم الفقر.شط.
لإصراره على الحرام، وعدم مبالاته به. وكذلك الحمامة، لأنها صارت آلة لاكتساب الحرام ووسيلة إليه.شط.
رواه أبو داود.
لتجلب له من الأفق حمام الغير، فيأخذها، أو تأكل من حبوب الناس، وأموالهم، وهو منهي عنه.شط.
أخرج البخاري في الأدب المفرد، عن هشام بن عروة، قال: كان ابن الزبير بمكة، وأصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحملون الطير في الأقفاص. وأخرج أيضاً عن أنس، قال: دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فرأى ابناً لأبي طلحة، يقال له: أبو عمير، وكان له نُغَيْر، يلعب به، فقال: "يا أبا عمير، ما فعل النغير؟". الأدب المفرد. والنغر: البلبل جمع نِغران. والنغير: تصغير: النُّغَر.(1/311)
قال الشاعر نجيم بن صعب، يشير إلى أن المزعجات (المقلقات) في الليل، تجعل الطير قلقة لا تنام: (من الوافر):
فلولا المزعجات من الليالي * لما ترك القطاطيبَ المنامِ
والقطا: طائر يشبه الحمام.اه. قطر الندى.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن قصِّ ناصية الفرس، وعُرْفها:.
مطلب في النهي عن قصِّ ناصية الفرس، وعُرْفها:
ولا يقصُّ ناصية الفرس،ولا عُرفَها(1)، ولا أذنابها، فإن ذلك مُثْلة، وتغيير لخِلقتها. ولا يعيبُ شيئاً - بدمامة منظره - فإنّ مَنْ عاب شيئاً، فكأنما يعيب على اللَّه خلقَه، وإنه أمرٌ عظيمٌ، واجتراءٌ جَسيم(2).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن قصِّ ناصية الفرس، وعُرْفها:.
وجدت الكلمات في الفص
117 - السابع عشر بعد المائة: كلُّ ما يؤخذ على كلّ مباح، - كملح، وكلأ(3)، وماء، ومعادن - فإنه سُحْت(4)، وكذا ما يأخذه الصهر من الختن(5)، بسبب ابنته، ولو كان بطيب نفسه(6)، وما يأخذه غازٍ لغزوٍ، من أهل البلدة جبراً(7)، وشاعرٌ لشعر، قطعاً للسانه، لمن لا يُؤْمَن شره(8)، أو المضحك للناس، أو يسخر منهم(9)، وأصحاب المعازف (أي الملاهي)، وقوّاد(10)، وكاهنٌ (منجم)(11)، ومقامر، وواشمة(12)، ومغنية على الغناء، والنائحة، والواشرة(13)، والمتوسطة لعقد النكاح، والمصلح بين المتشاحِنَيْن، وثمن الخمر والمسكر، وعسب التيس(14)، وصاحب طبل ومزمار، ومهر البَغِيّ(15)، والقوّال بشرط، دون غيره(16).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن قصِّ ناصية الفرس، وعُرْفها:.
وجدت الكلمات في الفص(1/312)
118 - الثامن عشر بعد المائة: الجلوس في الطريق، إذا لم يُعْطَ حقّه، عن أبي سعيد الخدري(17)، رضي اللَّه عنه، مرفوعاً: "إياكم والجلوس في الطرقات"، فقالوا يا رسول اللَّه: ما لنا من مجالسنا بدٌّ، نتحدث فيها، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه"، قالوا: وما حق الطريق يا رسول اللَّه؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر(18)"، وزاد في بعض الروايات(19): "وإرشاد السبيل"، (وفي رواية أخرى عن عمر رضي اللَّه عنه)، "وتعينوا الملهوف، وتهدوا الضال"، وفي شرح النووي(20) (رحمه اللَّه تعالى) على صحيح مسلم(21)، قال: ويدخل في كف الأذى: اجتناب الغِيبة، وظن السوء، واحتقار بعض المارين، وتضييق الطريق، وكذا إذا كان القاعدون ممن يهابهم المارون، أو يخافون منهم(22).
-------------------
العُرْف: جمع عُرَفٍ، وأعراف: الشعر النابت في محدب رقبة الفرس. والعُرُف: شعر عنق الفرس.منجد.
ط 2 - 441 - 442 - ه - 198 - ش - 498 -
الكلأ: العشب، رطباً كان أو يابساً، اهـ مختار الصحاح.
السحت: بالضم، وبضمتين: الحرام، أو ما خبث من المكاسب، فلزم عنه العار .مح.
الختن - بفتح الخاء والتاء - : كلُّ مَنْ كان من قِبَل المرأة، مثل الأب، والأخ، وهكذا عند العرب. وأما العامة، فختن الرجل عندهم: زوج ابنتيه، كما في مختار الصحاح - وهو المراد هنا - اه
ولذلك يرجع الختن به - مح.
فهو حرام عليه، لا على الدافع - اه مح.
فقد روى الخطابي في الغريب، عن عكرمة مرسلاً، قال: أتى شاعر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: "يا بلال اقطع لسانه عني" فأعطاه أربعين درهماً. اهـ مح.(1/313)
وكذا الحكواتي، قال اللَّه تعالى: {ومن الناس مَنْ يشتري لهو الحديث} (لقمان: 6) أي ما يلهي عما يعني، كالأحاديث التي لا أصل لها، والأساطير التي لا اعتبار لها، والمضاحك، وفضول الكلام.مح. وانظر صفحة - 190 - من هذا الكتاب.
القواد: - بفتح القاف، وتشديد الواو - : مَنْ يجمع بين الرجال والنساء بالحرام. اهـ تع.
ولا يجوز تصديقه، لما روى أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: "من أتى عرافاً، أو كاهناً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد" رواه أحمد والحاكم. وروى أحمد ومسلم عن بعض أمهات المؤمنين: "من أتى عَرّافاً فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً" اهـ تع - .
الوشم: أن يُغْرَز الجلد بإبرة، ثم يحشى بكحل أو نيل، فيزرق أثره، أو يخضر. اهـ ابن الأثير. - تع - وانظر صفحة - 180 - و - 256 - .
الوشر: ان تحدّد المرأة أسنانها، وترققها. وفي الحديث الشريف: "لعن اللَّه الواشرة والموتشرة" اهـ مختار الصحاح. وانظر صحيفة - 265، وما بعدها من هذا الكتاب.
أي إنزاؤه على الأنثى اه. ه - 27 - .
أي الزانية.
ع 5 - 272 - ه - 210 - .
انظر ترجمته في صفحة - 123 - .
رواه الشيخان.
رواية أبي داود، عن أبي هريرة. شط
انظر ترجمته في صفحة - 64 - .
انظر ترجمته في صفحة - 156 - 170 - .
ويمتنعون من المرور في أشغالهم، بسبب كونهم لا يجدون طريقاً إلى الموضع.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في مثل الجليس الصالح، وجليس السوء:.
مطلب في مثل الجليس الصالح، وجليس السوء:
119 - التاسع عشر بعد المائة: مجالسة جليس السوء، وهو الذي يُلقيك في المعاصي، والمحرّمات، ويُلْهيك عن ذكر اللَّه تعالى، وعن الطاعات، ويُنّشطك إلى المخالفات بقاله، وحاله، ويحثك على ارتكاب المفاسد، بقبيح أفعاله.(1/314)
عن أبي موسى(1)، رضي اللَّه تعالى عنه، أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: :إنما مثل الجليس الصالح، وجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك، إما أن يَحْذيك(2)، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير: إما أن يُحرق ثيابك بشرر ناره، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة(3)".
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في مثل الجليس الصالح، وجليس السوء:.
وجدت الكلمات في الفص
120 - العشرون بعد المائة: وصل الشعر بشعر الآدمي، سواء كان شعرها أو شعر غيرها، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "لعن اللَّه الواصلة، والمستوصلة، والواشمة، والمستوشمة، والواشرة، والمستوشرة، والنامصة والمتنمصة(4)".
-------------------
انظر ترجمته في صفحة - 198 - .
أي يعطيك من مسكه.
رواه البخاري ومسلم - ط 2 - 563 - قال تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار، وما لكم من ناصرين} هود - 113 - وورد "لا تجالسوا الموتى فتموتَ قلوبكم: ومن السنة: أن لا يؤاخي إلا مَنْ يثق بدينه وأمانته، ويعرف صلاحه وتقواه، روى أبو داود، والترمذي، عن أبي سعيد الخدري، رضي اللَّه تعالى عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قال: "لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي". وعن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه مرفوعاً "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" رواه أبو داود والترمذي.
وعن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما، قيل: يا رسول اللَّه: أيُّ جلسائنا خير؟ قال صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ ذكّركم اللَّه رؤيته، وزاد في علمكم منطقته، وذكركم بالآخرة عمله" رواه أبو يعلى، ورواته رواة الصحيح إلا مبارك بن حسان، كما في الترغيب والترهيب. وقال صاحب الحكم ابن عطاء اللَّه الإسكندري رحمه اللَّه تعالى: "لا تصحب إلا مَنْ ينهضك حاله، ويذلك على اللَّه مقاله" - اه تع - . وانظر صفحة - 150 - .(1/315)
رواية الشيخين عن ابن مسعود، مرفوعاً: "لعن اللَّه الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات. والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق اللَّه" زاد النسائي: "والواصلة، والمستوصلة، وآكل الربا، وموكله، والمحلل، والمحلل له، والنتف" وفي رواية ابن مسعود: "تغيير الشيب". در - مح - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في معنى الواصلة والمستوصلة الخ:.
مطلب في معنى الواصلة والمستوصلة الخ:(1/316)
الواصلة: التي تصل الشعر بشعر الغير، والتي يوصل شعرها بشعر آخر، زوراً. والمستوصلة: التي لها ذلك، بطلبها. وإنما الرُّخصة في غير شعر بني آدم(1). وفي الخانية(2): ولا بأس للمرأة، أن تجعل في قرونها، وذوائبها، شيئاً من الوبر(3). والواشمة: فاعلة الوشم، قال النووي(4) (رحمه اللَّه تعالى): وهي أن تغرز إبرة، أو مِسَلة، أو نحوها، في ظهر الكف، أو المعصم، أو الشَّفة، أو غير ذلك من بدن المرأة، حتى يسيل الدم، ثم تحشو ذلك الموضع بالكُحْل، أو النُّور، فيخضرّ. والمفعول بها: موشومة، فإن طلبت فعل ذلك بها، فهي مستوشمة. وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها، باختيارها، وقد يُفْعل بالبنت وهي طفلة، فتأثم الفاعلة، ولا تأثم البنت. والوشرة: التي تفلّج أسنانها، أي تحدّدها، وترقق أطرافها، تفعله العجوز، تتشبه بالشوابّ. والمستوشرة: التي يفعل بها بأمرها، والنّامصة: التي تنتف الشعر من الوجه، والمتنمصة: التي يُفْعل بها ذلك. ولعله محمول على ما إذا فعلته لتتزين للأجانب، وإلا فلو كان في وجهها شعر، يَنْفِرُ زوجُها عنها بسببه، ففي تحريم إزالته بُعْد، لأن الزينة للنساء مطلوبة للتحصين، إلا أن يحمل على ما لا ضرورة إليه، لما في نتفه بالمنماص من الإيذاء. وفي تبيين المحارم(5): إزالة الشعر من الوجه حرام، إلا إذا نبت للمرأة لحية، او شوارب، فلا تحرم إزالته، بل تستحب. وفي التاترخانية(6) عن المضمرات(7): ولا بأس بأخذ الحاجبين، وشعر وجهه، ما لم يشبه المُخَنّث(8).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في معنى الواصلة والمستوصلة الخ:.
وجدت الكلمات في الفص(1/317)
121 - الحادي والعشرون بعد المائة: تشبّه الرّجل بالمرأة، وبالعكس، في الهيئة، والكلام، ونحو ذلك. عن ابن عباس(9) رضي اللَّه عنهما، مرفوعاً أنه "لعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المُخَنّثيِن من الرجال، والمُتَرَجّلات من النساء"، وقال: "أخرجوهم من بيوتكم"(10)، فأخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلانة، وأخرج عمر(11) رضي اللَّه عنه فلاناً، وفي رواية: "لعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال".
-------------------
فصّل الشافعية: فقالوا: 1 - إنْ وصلت شعرها بشعر آدمي، فهو حرام، بلا خلاف، سواء كان شعر رجل، أو امرأة، وسواء شعر المحرم، والزوج، وغيرهما، بلا خلاف، لحرمة الانتفاع بشعر الآدمي، وسائر أجزائه، لكرامته، بل يدفن شعره وظفره، وسائر أجزائه. 2 - وإن وصلته بشعر غير آدمي: أ - فإن كان نجساً، فهو حرام، وسواء في هذين النوعين: الزوجة، وغيرها. ب - وإن كان طاهراً، فإن لم يكن لها زوج، ولا سيد، فهو حرام أيضاً. وأصحها عندهم: إن فعلته بإذن الزوج، أو السيد، جاز، وإلا فهو حرام. شط.
انظر ترجمته في صفحة - 149 - 80 - 199 - .
أفاد بهذا، أن النهي مختص بالوصل بالشعر. فلو وصله بصوف، وخرق، وغيرها، فلا بأس. قال القاضي عياض: وأما ربط خيوط الحرير، ونحوها، مما لا يشبه الشعر، فليس بمنهي عنه، لأنه ليس بوصل، ولا هو في معنى مقصود الوصل، وإنما هو للتجمل، والتحسين.شط.
انظر صفحة - 64 - .
تأليف سنان الدين، يوسف بن عبد اللَّه الأماسي، الرومي، المتوفى في حدود سنة (1000 ه). والكتاب في أبواب كثيرة، رتبة المؤلف على ما وقع في القرآن من الآيات، التي تدل على حرمة شيء، في فتوى الفقهاء: باب الكفر، النفاق، الكبر اهـ فهرس مخطوطات الفقه الحنفي. وانظر صفحة - 218 - .
انظر صفحة - 80 - .(1/318)
اسم الكتاب: جامع المضمرات، والمشكلات، في شرح مختصر القدوري، في فروع الحنفية، ليوسف بن عمر بن يوسف الصوفي، الكادوري، البزار، المتوفى سنة (832 ه). شيخ كبير، وعالم نحرير، جمع علمي الشريعة والحقيقة، وهو أستاذ فضل اللَّه، صاحب الفتاوى الصوفية. وهو كتاب جامع للتفاريع الكثيرة، حاوٍ على المسائل الغزيرة. فوائد - وأعلام.
ع 5 - 239 - ط 2 - 578 - .
انظر ترجمته في صفحة - 35 - .
رواه البخاري.
انظر ترجمته في صفحة - 39 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن ركوب النساء على السُّرُج، وسفرِ الحُرّة بلاَ محْرم:.
مطلب في النّهي عن ركوب النساء على السُّرُج، وسفرِ الحُرّة بلاَ محْرم:
وقد ورد النهيُ عن ركوب النساءِ على السُّرج، بغير عذر(1)، وعن سفرِ الحُرَّة(2) بلا زوج، ولا مَحْرم. ففي مُدّة السفر حرام، واختلفوا فيما دونها(3). وسفرُ واحدٍ، أو اثنين وحدهما، من غير ثالث(4)، وعدمُ التأمير في السفر(5)، والركوب عند الوقوف الطويل، وعدمُ النزول عن الدابة(6)، واستصحابُ الكلب، والجرس(7) في السفر، إذا لم يكن عن حاجة(8).
-------------------
هذا لو للتلهي، أما لو لحاجة غزو، أو حج، وكانت متسترة، ومع زوج، أو محرم، أو مقصد ديني، كسفر لصلة رحم، أو دنيوي، لا بدّ لها منه، فلا بأس به. اه - ه 268 - .
ولو مع نساء. شط.(1/319)
روى الشيخان، عن أبي سعيد الخدري، مرفوعاً: "لا يحل لامرأة، تؤمن باللَّه، واليوم الآخر، أن تسافر ثلاثة أيام، فصاعداً، إلا ومعها أبوها، أو زوجها، أو ابنها، أو أخوها، أو ذو رحم محرم منها". وفي رواية: "لا تسافر المرأة، يومين من الدهر، إلاّ ومعها ذو رحم محرم منها، أو زوجها". وفي رواية أخرى أخرى، عن أبي هريرة، مرفوعاً: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه، واليوم الآخر، أن تسافر مسيرة يوم وليلة، إلا مع ذي رحم يقوم عليها". وفي رواية: "مسيرة يوم". وفي أخرى "مسيرة ليلة". شط.
روى الطبراني، عن سعيد بن المسيب، مرفوعاً: "الشيطان يهمُّ بالواحد، وبالاثنين، وإذا كانوا ثلاثة، لم يهم بهم". شط.
روى أبو داود، عن أبي سعيد الخدري، مرفوعاً: "إذا خرج ثلاثة في سفر، فليؤمروا أحدهم". شط.
روى أحمد عن سهل بن معاذ، مرفوعاً: "لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي".
روى الشيخان، عن ابن عمر، مرفوعاً: "من اقتنى كلباً، إلا كلب صيد، او ماشية، ينقص من أجره كل يوم قيراطان". شط.
كالمسافر، فإنه إذا ضل واحد من القافلة، يلتحق بصوت الجرس، ويبعد هوام الليل، وصوته يزيد في نشاط الدواب، فهو نظير الحداء. اه - ه - 308 -
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن استصحاب الكلب والجرس في السفر:.
مطلب في النهي عن استصحاب الكلب والجرس في السفر:(1/320)
واقتناءُ كلب، إلاّ كلبَ صيدٍ، أو ماشيةٍ، وعن عبد اللَّه بن عمر(1) رضي اللَّه عنهما مرفوعاً: "يكون في آخر أمتي نساءٌ يَرْكبن على سُرج، كأشباه الرجال، ورجالٌ يركبون وينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسياتٌ، عارياتٌ، على رؤوسهن كأسنمة البُخت العجاف(2)، الْعَنوهنَّ، فإنهن ملعوناتٌ" قالوا: هذا إذا كانت شابة، قد ركبت للتبرج، والتفرج، فأما إذا كانت عجوزاً، أو كانت شابة، وقد ركبت مع زوجها لعذر، فلا بأس به، إذا كانت مستورة، وفي رواية مسلم(3): "صنفان من أهل النار، لم أرهما: - قوم معهم سياط، كأذناب البقر، يضربون بها الناس - ونساءٌ، كاسياتٌ، عاريات، مائلات، مميلات، رؤوسهن كأسنمة البُخْت المائلة، لا يَدخلن الجنة، ولا يَجْدن ريحها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرةِ كذا وكذا". وكاسيات: أي منِ نعم اللَّه، وعاريات: أي من شكرها، أو المراد: كاسيات صورة، عاريات معنىً، بأن تلبس ثوباً رقيقاً، يصف بشرتها(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النهي عن استصحاب الكلب والجرس في السفر:.
وجدت الكلمات في الفص
122 - الثاني والعشرون بعد المائة: عدم التنزه من البول، عن ابن عباس(5)، رضي اللَّه عنهما، مرفوعاً: "عامةُ عذاب القبر من البول، فاستنزهوا من البول(6)" وهو الاستبراءُ، قبل الاستنجاء(7)، وفي المشكلات(8): إنه فرض، وطباع الناس، وعاداتُهم مختلفة، فَمنْ حصل في قلبه أنه صار طاهراً، جاز له أن يستنجيَ، لأن كلَّ أحد أعلمُ بحاله(9).
-------------------
انظر ترجمته في صفحة - 23 - .
أي كأسنمة الإبل الهزيلة، فوقع التشبيه بذلك، من ارتفاع ما على رؤوسهن، وعظمه. شط.
انظر ترجمته في صفحة - 123 - .
ز 1 - 127 - ط 2 - 557 - 585 - 589 - 590 - 594 - 628 - .
انظر ترجمته في صفحة - 22 - .
رواه البزار، والحاكم.(1/321)
ويكون بالمشي، او التنحنح، أو الاضطجاع على شقه الأيسر، حتى يستقر على الانقطاع.
المشكلات، للإمام القدوري، المعروف بمختصر القدوري، ويطلق عليه اسم "الكتاب"، في المذهب. وهومتن متين، معتبر، متداول بين الأئمة. قال في كشف الظنون: وشرحَ مشكلات القدوري الشيخ الإمام أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم، السمرقندي. كذا قيل، وفيه نظر، لعله شرح أبي بكر، علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي، سنة (552 ه). قلت: والكتاب له شأن كبير، عند الحنفية، حيث كانوا يتبركون بقراءته أيام الوباء، وقد شرحه علماء كثيرون، أوردهم في فهرس مخطوطات الفقه الحنفي. و القدوري: نسبة لقرية "قدورة" من قرى بغداد، أو نسبة إلى بيع القدور. الفوائد - والفهرس.
ه - 10 - 11 - 12 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في استقبال القِبلة، عند قضاء الحاجة:.
مطلب في استقبال القِبلة، عند قضاء الحاجة:(1/322)
ويكره استقبالُ القبلة عند قضاء الحاجة(1)، وكذا استدبارُها، ولو في البنيان(2)، وكذا استقبالُ الشمس، أو القمر(3)، إذا لم يكوناً محجوبَيْن عنه. فلو جلس مستقبلَ القبلة ناسياً، ثم ذكره بعده: إن أمكنه الانحراف انحراف(4)، وإلاّ فلا بأس. وكذا يكره للمرأة أن تُمسك ولدَها للبول، والغائط نحو القِبلة. و(يكره) الاستنجاءُ لما له قيمة، أو (له) وجوبُ تعظيم، من مأكولِ إنسانٍ (كخبز، ولحم)، أو دابةٍ، أو نحوه، كالملبوس، أو (بما فيه) ضررُ المقعدة - كالزجاج - أو (له) نجاسة - كالروث - . ويكره التخلي(5) في الطريق، أو في ظلِّ الناس، أو في مواردهم(6)، وكذا البولُ قائماً بلا عذر(7)، وكذا البولُ في الماء، ولو كان جارياً، والبولُ في الجُحر - أي الثقب - في الأرض، لئلا يؤذيَ حيواناً، أو يؤذيه حيوان(8)، والبولُ في المغتَسل، أي موضع الاغتسال، لأن عامة الوسواس منه(9). ونَقْعُ البول - أي تركه في الإناء، أو في حفرة في الدار - فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه بول منتقع(10). ويكره مَدُّ رجليه أيضاً - في نومٍ، أو غيره - إلى القِبلة، أو إلى مصحف، أو شيء من الكتب الشرعية، إلاَّ أن يكون على موضعٍ مرتفع عن المحاذاة.
-------------------
من بول وغائط.
لأن قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "إذا أتيتم الغائط، فعظموا قبلة اللَّه، لا تستقبلوها، ولا تستدبروها، ولكن شرّقوا، أو غرّبوا"، لم يفّرق بين البنيان، والصحراء. شط.
لأنهما من آيات اللَّه تعالى الباهرة، وقيل لأجل الملائكة، الذين معهما. شط.
فإذا انحرف إجلالاً لها، لم يقم من مجلسه حتى يغفر له. كما أخرجه الطبراني، مرفوعاً. طح.
أي البول، والتغوط، من تخليت، بمعنى تفرغت، فإنه يفرغ ما في بطنه من الفضلات، ويتخلى عنها. شط.
لما روى مسلم عن أبي هريرة، مرفوعاً: "اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان؟ يا رسول اللَّه، قال الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم". شط.(1/323)
أخرج أبو عوانة، في صحيحه، عن عائشة، رضي اللَّه عنها، قالت: ما بال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قائماً، منذ أُنزل عليه القرآن. وفي حديث أبي هريرة، عند البيهقي، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بال قائماً من جرحٍ كان بمأبضه. (باطن الركبة). شط.
لما رُوي أن سعد بن عبادة، سيد الخزرج، بال في جُحْر في أرض حوران، فقتله جنّي، وأنشد الجني في ذلك: (مجزوء الرجز):
نحن قتلنا سيد ال * خزرج: سعد بن عباده
فرميناه بسهمٍ * فلم يخطِ فؤاده. * اه شط.
كما في حديث عبد اللَّه بن مغفل، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: نهى أن يبول الرجل في مستحمه، وقال: "إنّ عامة الوسواس منه"، رواه الترمذي، والنسائي. شط.
روى الطبراني، في الأوسط، والحاكم، عن عبد اللَّه بن يزيد، مرفوعاً: "لا ينقع بول في طست في البيت، فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه بول منتقع في مغتسلك".
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الدخول للمواضع الشريفة باليسرى:.
مطلب في الدخول للمواضع الشريفة باليسرى:
والدخولُ في المواضع الشريفة - كالمسجد، والدار - بالرِّجل اليسرى، والمواضع الخسيسة - كالخلاء، والحمَّام - باليمنى، فإنه مكروه. والسنة: عكسُ هذا، والخروج: عكس الدخول، ولبسُ النَّعل، والخفِّ، وإخراجُها: على هذا، فيبدأ في اللبس بالرِّجل اليمنى، وفي النزع باليسرى. ولا يَضْرب برجله أحداً بغير ذنب، وبغير حق، ولو كان حيواناً. ونفارُه(1) ذنب(2)، لا عثاره(3).
-------------------
أي الحيوان، أي جموحه، واستعصاؤه على صاحبه، وفراره منه. شط.
يقتضي ضربه عليه بالرجل، لراكبه. شط.
أي سقوطه إلى الأرض، أو اضطرابه بسبب حفرة، وقعت رجله فيها، ونحو ذلك فلا يستحق التأديب. شط. وانظر صفحة - 81 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.(1/324)
مطلب في حقِّ الحيوانِ، والذمي:.
مطلب في حقِّ الحيوانِ، والذمي:
ويجتنب كلَّ الجهد من حق الحيوان(1)، فإن العذاب في حق الحيوان متعين، لأنه لا يمكن المسامحة، ولا القصاصُ بالحسنات(2)، وكذا الحكمُ في حق الذمي، إن لم يستحلَّ، أي يَطلب المسامحة منه في الدنيا.
-------------------
فلا يؤذيه، بلا ذنب.
والسيئات، كما يقع بين المسلمين الذين يظلم بعضهم بعضاً.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في توسّد الكتب الشرعية:.
مطلب في توسّد الكتب الشرعية:
وفي الخلاصة(1) ومن توسَّد خريطةً(2)، فيها أخبارُ النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إن قصد الحفظَ(3) لا يُكره، وإن لم يقصد الحفظَ، بل كان قصده التوسَّد، يكره. وإن حُمِل المصحف أو شيء من كتاب الشريعة على دابة في جُوَالق(4)، ورَكب فوق ذلك، لا يكره، لعدم قصد الإهانة(5).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في توسّد الكتب الشرعية:.
وجدت الكلمات في الفص
123 - الثالث والعشرون بعد المائة: في أحكام المسجد: يُكره إغلاق باب المسجد(6)، إلا لخوف على متاعه، وكذا الجِماعُ فوقه، والبولُ والتغوط، لأنه مسجد إلى عنان السماء، وإلى تحت الثَّرى.
-------------------
انظر صفحة - 67 - .
وعاء من جلد.
من السرقة، بأن نام في مسجد، ونحوه.
بكسر الجيم، وضمها، وفتح اللام وكسرها: وعاء معروف. شط.
ط 2 - 493 - 498 - ط 2 - 507 - 509 - 631 - .
لأنه يشبه المنع من صلاة. قال تعالى: {ومَنْ أظلمُ ممن منع مساجد اللَّه ان يذكر فيها اسمه} - الآية (البقرة: 114) مح.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن اتخاذ المسجد طريقاً:.
مطلب في النّهي عن اتخاذ المسجد طريقاً:(1/325)
نعم لو جعل تحته سرداباً لمصلحه جاز. وكُره اتخاذه طريقاً بغير عذر(1)، ولا يُفَسّقِ بمرة أو مرتين، إلاَّ إذا اعتاده، ويخرج عن الفسق بنية الاعتكاف، وإن لم يمكث. ويكره إدخال نجاسة فيه(2)، ولا يدخله مَنْ على بدنه نجاسة، وعليه فلا يجوز الاستصباح(3) بدُهن نجس فيه، ولا بطينٍ قد بُلَّ بماء نَجِس(4)، ولا البولُ فيه - ولو في إناء - وكذا لا يُخرج فيه الريحَ من الدُّبر، فيخرج منه لإخراجه إن احتاج إليه. ويحرم إدخال صبيان، ومجانين، حيث غلب نتجيسهم، وإلاَّ فيكرهُ(5). وينبغي لداخِله تَعَهُّدُ نعلهِ، وخفِّه(6). ويكره الوضوء إلاَّ فيما أُعِدَّ لذلك، لأن ماءه مستقذَرُ طبعاً، فيجب تنزيه المسجد عنه، كما يجب تنزيهه عن المخاط والبَلْغَم(7). ويكره غرس الأشجار في المسجد، إلاّ لنفع - كتقليل نَزّ رطوبة الأرض(8)، أو لنفع الناس بظلّه، ولا يُضَيّق على الناس، ولا يُفَرق الصفوف - وتكون للمسجد. ويكره إعطاءُ المسجد، إلاّ إذا لم يتخطَّ رقابَ الناس، (ويكره) إنشادُ ضالَّة، وأكلٌ، ونومٌ، إلا لمعتكف وغريب.
-------------------
ولو دخل المسجد، فلما توسطه ندم، قيل: يخرج من باب غير الذي قصده. وقيل: يصلي، ثم يتخير في الخروج. وقيل: إن كان محدثاً، يخرج من حيث دخل، إعداماً لما جنى، وإذا كان دخوله بعذر، جاز، ويصلي كل يوم تحية المسجد مرة، إذا تكرر دخوله - مح - .
يخاف منها التلويث. هدية - 284 - .
استصبح بالشيء: إذا أسرجه، وجعله سراجاً. اهـ مختار الصحاح بتصرف.
أي بناء على القول بمنع إدخال النجاسة المسجد - مح - انظر التعليقات المرضية صحيفة - 284 - .(1/326)
لما جاء عن واثلة، عنه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: "جَنّبوا مساجدَكم صبيانكم، ومجانينكم، وشراءكم، وبيعكم، وخصوماتِكم، ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم، وسلّ سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمّروها في الجُمع" رواه ابن ماجه، والمراد بقول المؤلف - رحمه اللَّه تعالى - : ويحرم، كراهةُ التحريم، لظنية الدليل، والمراد بقوله: - وإلا فيكره - كراهة التنزيه. وأما قوله تعالى: {أن طهرا بيتي للطائفين} الآية (الحج: 27)، فيحتمل الطهارة من أعمال أهل الشرك كما في مح - تع - .
وصلاته فيهما: - إذا كانا طاهرين - أفضل مخالفة لليهود. وفي الحديث "صلوا في نعالكم، ولا تشبهوا باليهود" رواه الطبراني. والنبي صلى اللَّه عليه وسلم وصحبه، كانوا يمشون بالنعال في طرق المدينة، ثم يصلون بها، كما في مح - وتع - لكن إذا خشي تلويث فرش المسجد، ينبغي عدمه، وإن كانت طاهرة، لأن المسجد النبوي، كان مفروشاً بالحصى، في زمنه صلى اللَّه عليه وسلم. - مح - وقد نظر أبو حنيفة - رحمه اللَّه تعالى - إلى رجل ينفض نعليه في المسجد، فقال: لو مسحت بهما في لحيتك لكان خيراً لك. اه، لأن كل ما يؤذي العين - كذة غبار - يؤذي المسجد، ه - تع.
يكره إلقاء ما في الفم، والأنف في أرض المسجد، او على حيطانه، لما في ذلك من ترك الاحترما، والإخلال بالتعظيم كما شرح الطريقة. وكفارة البصاق وغيره: دفنه في البالوعة، لما روي عن أبي أمامة، عنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "البزاق في المسجد سيئة، ودفنه حسنة" رواه أحمد والطبراني، وقوله أيضاً صلى اللَّه عليه وسلم عن أنس رضي اللَّه عنه: "البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها: دفنها" رواه البخاري ومسلم وغيرهما. ه - تع.
النز (بفتح النون، وكسرها): ما يتحلب من الأرض من الماء. مح - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النّهي عن قربان آكل نحو الثُّوم المسجدَ:.(1/327)
مطلب في النّهي عن قربان آكل نحو الثُّوم المسجدَ:
و (يكره) أكلُ نحو ثومٍ، مما له رائحة كريهة، للحديث الصحيح في النهي عن قربان آكل الثوم، والبصل، المَسجد(1)، وعِلة النهي: أذى الملائكة والمسلمين. وكذا يُكره الكلامُ المباحُ في المسجد، بأن يَجْلس لأجله، كما سبق(2)، وكذا التشبيكُ بين الأصابع في المسجد، وفي حالة الذهاب إليه، لأنه في صلاة، وسواءٌ في ذلك أصابعُ يده، او أصابع يده ويد غيره(3)، وكذا تخطي رقاب الناس في المسجد، هذا إذا لم يرَ في الصفوف الأولى فُرْجة، وإما إذا كان فيها فرجة، فإنه يجوز أن يتخطى، حتى يسدَّها، ولا حرمَة لمن تخطاهم، لتقصيرهم في سَدِّ الفرجة(4).
-------------------
وألحق بعضهم مَن بفيه بخر، أو به جرح له رائحة. وكذلك القصاب، والسماك، والمجذوم، والأبرص. مح - .
وكذا كل عقد، ما عدا عقد النكاح، لما جاء في الحديث "الحديث - أي الكلام المباح - في المسجد، يأكل الحسنات، كما تأكل البهيمة الحشيش" وأما إذا دخل بقصد العبادة، ثم عرض له، فلا بأس به، كما في مح - .
روى أحمد، عن كعب بن عجرة، مرفوعاً: "إذا توضأ أحدكم، ثم خرج عامداً إلى الصلاة، فلا يشبكن بين يديه، فإنه في صلاة". شط.
لما ورد: "من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة، اتخذ جسراً إلى جهنم". رواه الترمذي، وابن ماجه، عن معاذ بن أنس مرفوعاً.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المرور بين يدي المصلي:.
مطلب في المرور بين يدي المصلي:(1/328)
و (يكره) المرورُ بين يدي المصلي، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "ول يَعْلم المارُّ بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أنْ يقف أربعين، خيراً من أن يمرَّ بين يديه(1)" وهذا إذا مَرَّ بموضع سجوده(2) في الصحراء، أو في مسجد كبير، أو بين يديه (إلى حائط القبلة) في مسجد صغير (أو في بيت، ولو كبيراً، إن لم يكن له سترة)، والصغير هو أقلُّ من ستين ذراعاً، وقيل: من أربعين، وهو المختار. والإثم على المار(3)، إذا لم يكن المصلي هو المتسبب(4).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المرور بين يدي المصلي:.
وجدت الكلمات في الفص
124 - الرابع والعشرون بعد المائة: جَوْر القاسم في قسمه، والمُقوِّمِ في تقويمه، عن أبي سعيد الخدري(5)، رضي اللَّه عنه: قال: قام رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، على بيت، فيه نفرٌ من قريْش، فأخذ بعضادَتَيْ الباب، فقال: "هل في البيت إلا قرشي؟" فقالوا: لا، غلاّ ابن أخت لنا، فقال: "ابنُ أخت القوم منهم" ثم قال: "إن هذا الأمر في قريش، ما إذا استُرحموا رحموا، وإذا حَكموا عَدلوا، وإذا قَسَموا أقسطوا، ومَن لم يفعل ذلك، فعليه لعنة اللَّه، والملائكة، والناس أجمعين(6)".
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في المرور بين يدي المصلي:.
وجدت الكلمات في الفص
125 - الخامس والعشرون بعد المائة: الغلولُ من الغنيمة، قال تعالى: {وما كان لنبي أن يَغُلّ، ومَنْ يغللْ، يأت بما غَلّ يوم القيامة، ثمّ تُوَفّى كلُّ نفس ما كسبت، وهم لا يظلمون(7)}.
-------------------
أخرجه الشيخان وأصحاب السنن، وفي رواية البزار: "أربعين خريفاً". والخريف: السنة.(1/329)
من موضع قدمه إلى موضع سجوده. ويندب للإمام، والمنفرد: أن يغرز سترة بقدر ذراع طولاً، وغلظ إصبع، أمامه، والسُّنة: ألا يزيد ما بينه، وبينها على ثلاثة أذرع، ويجعلها على أحد حاجبيه، لما روى الحاكم، وأحمد: "إذا صلى أحدكم، فليصل إلى سترة، ولا يدع أحداً يمرّ بين يديه"، وله أن يدفع المار بتسبيح، أو جهر بقراءة، أو إشارة. در - مح.
أفاد بعض الفقهاء، أن هنا صوراً أربعاً: - الأولى: أن يكون للمار مندوحة عن المرور بين يدي المصلي، ولم يتعرض المصلي لذلك، فيختص المار بالإثم، إن مرّ. - الثانية: مقابلتها، وهي أن يكون المصلي تعرض للمرور، والمار ليس له مندوحة عن المرور، فيختص المصلي بالإثم، دون المار. - الثالثة: أن يتعرض المصلي للمرور، ويكون للمار مندوحة، فيأثمان، لتعرض المصلي، ولإمكان المار أن لا يمرّ، وقد مرّ. - الرابعة: أن لا يتعرض المصلي، ولا يكون للمار مندوحة، فلا يأثم واحد منهما.
تنبيه: لا يمنع المار داخل الكعبة، وخلف المقام، وحاشية المطاف، لما روى أحمد، وأبو داود، عن المطلب بن أبي وداعة، أنه "رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، يصلي مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه، وليس بينهما سترة"، وهو محمول على الطائفين فيما يظهر، لأن الطواف صلاة، فصار كمن بين يديه صفوف من المصلين. مح.
ع 1 - 426 - و - 441 - ط 2 - 443 - 510 - ه - 220 - .
انظر ترجمته في صفحة - 123 - .
رواه الطبراني في الكبير - ز 2 - 160 - .
سورة آل عمران - آية - 161 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في معنى الغُلول:.
مطلب في معنى الغُلول:
والغلول: هو اختصاصُ أحد الغزاة - سواءٌ الأميرُ، وغيره - بشيء من مالِ الغنيمة، قبل القسمة، من غير أن يُحضره إلى أمير الجيش، ليخمّسه، وإن قَلَّ(1).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.(1/330)
مطلب في معنى الغُلول:.
وجدت الكلمات في الفص
126 - السادس والعشرون بعد المائة: مَطْل الغني، فإنه ظلم، عن أبي هريرة (2) رضي اللَّه عنه، مرفوعاً: "مَطْلُ الغنيّ: ظُلم(3)" أي تسويفُ القادرِ المتمكّن من أداء الحالِّ، ظلمٌ منه لربِّ الدين، فهو حرام، بل كبيرة.
-------------------
ز 2 - 147 - .
انظر ترجمته في صفحة - 120 - .
رواه الشيخان.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في انتزاع غريم إنسان من يده:.
مطلب في انتزاع غريم إنسان من يده:
انتزاعُ غريمِ إنسانٍ(1) من يده، فإنه ظلم أيضاً، يستحق به التعزيرَ، لا الضمان، إذ ليس بغاصب لما عليه، ولا كافلٍ له.
-------------------
له على ذلك الإنسان دين، أو قصاص، أو إقامة حد، أو تعزير.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في السكن، والمسكنِ المغصوب:.
مطلب في السكن، والمسكنِ المغصوب:
كذلك السُّكنى في المسكن المغصوب(1)، أي المأخوذ، أو المستولى عليه، بلا حقّ شرعي، بعلمه - بيتاً كان، او حُجْرةً، أو حانوتاً، او بستاناً، او حماماً، أو أرضاً(2).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في السكن، والمسكنِ المغصوب:.
وجدت الكلمات في الفص
127 - السابع والعشرون بعد المائة: اتباع البصر إلى انقضاض كوكب، فإنه منهيٌ عنه شرعاً، لما أنّه يضُرُّ البصر، وربما أذهب نورَ البصر، كما قال تعالى: {يكادُ سنَا بَرْقه، يذهبُ بالأبصار(3)}.
-------------------(1/331)
والمريض: إذا كان في دار مغصوبة، لا يعاد فيها، وإن غصب داراً، فجعلها مسجداً، لا يسع أحداً أن يصلي فيه، ولا أن يدخله، وإن جعلها مسجداً جامعاً، لا يُجمّع فيه، وإن الدار المغصوبة، قيل: لا يجزيه، لأن القبيح، لا يكون فرضاً. وقيل: يصح مع الكراهة، وقيل: إذا وجبت في غير الأرض المغصوبة، فأداها في الأرض المغصوبة، لا تصح. شط. وانظر صفحة - 224 - .
ط 2 - 438 - 541 - 626 - .
النور - 43 - والسنا: ضوء البرق. مختار الصحاح.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النظر إلى بيت الغير:.
مطلب في النظر إلى بيت الغير:
والنظر إلى بيت الغير(1)، من شَق الباب، أو ثَقْب، أو كشف ستر(2)، فإنه منهيٌ عنه أيضاً، عن أبي هريرة(3) رضي اللَّه عنه، مرفوعاً: "من اطّلع في بيت قومٍ، بغير إذنهم، فقد حَلَّ لهم أن يفقؤوا عينه(4)".
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النظر إلى بيت الغير:.
وجدت الكلمات في الفص(1/332)
128 - الثامن والعشرون بعد المائة: ركوب البحر، لمن لا يقدر على دفع الغرق، بلا ضرورة، وفي الذخيرة(5): إذا أراد أن يركبَ السفينة، في البحر، للتجارة أو غيرها، فإنْ كان بحالٍ إذا غرقت السفينة، أمكنه دفعُ الغرق عن نفسه - بكل سببٍ يدفع الغرقَ به - حَلّ له الركوب، وإنْ كان لا يُمكنه، لا يحلّ، لتمحض الهلاك به، فهو إلقاءٌ بنفسه إلى التّهْلُكة. ولا عبرة بمتانةِ السفينة، وصلابتها، لأنّ الرياح الشديدة، والأمواجَ العظيمة - في بعض الأوقات - تكسِر الصخور الثوابت، والجبالَ الصوامت، فضلاً عن غيرها من الأخشاب اه. وينبغي أن يكون هذا، في ركوب البحر، من تجارةٍ، ونحوها من حظوظ النفس. وأمّا ركوبُه للجهاد في سبيل اللَّه تعالى، فجائز مطلقاً، فإذا ثبت جوازه للجهاد، ثبت جوازه للحج، بطريق الأولى، لأن فريضة الحج أقوى، وكذلك لا بأس بركوبها للتجارة، إذا كان الغالبُ السلامة، وهو لا يمنع حَقَّ اللَّه تعالى، الذي يلزمه فيما يستفيد من المال. كذا في شرح السّير(6).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النظر إلى بيت الغير:.
وجدت الكلمات في الفص
129 - التاسع والعشرون بعد المائة: الانبطاح(7) على الوجه بلا عذر، وهو مكروه، كما يُكره الاستلقاء للمرأة، في غير وقتِ الوقاع(8).
-------------------
ولو كان أحد محارمه، أو زوجته، لكراهتهم الاطلاع عليهم، فيؤذيهم بذلك، والأذى حرام. شط.
على باب، أو صندوق، أو استخبار من خادم، أو صديق.
انظر ترجمته في صفحة - 120 - .
رواه الشيخان. ط 2 - 424 - .
انظر صفحة - 80 - .
ط 2 - 637 - والسِّير الصغير، والسير الكبير، للإمام محمد أبي عبد اللَّه محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة (189 ه). انظر صفحة - 8 - . وشرح السير الكبير لأبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي المتوفى سنة (495 ه) انظر صفحة - 38 - .
جعل صدره على الأرض. شط.(1/333)
روى ابن ماجه، عن أبي ذر، رضي اللَّه عنه، أنه قال: مرّ بي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأنا مضطجع على بطني، فركضني برجله، وقال: "يا جنيدب، إنما هذه ضجعة أهل النار". قال تعالى: {يوم يسحبون في النار على وجوههم، ذوقوا مسّ سقر} (القمر: 48).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النوم على سطحٍ، ليس له حاجز:.
مطلب في النوم على سطحٍ، ليس له حاجز:
وكذا يُكره النوم على سطحٍ ليس له حاجز(1) حوله(2).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في النوم على سطحٍ، ليس له حاجز:.
وجدت الكلمات في الفص
130 - الثلاثون بعد المائة: إيقاد الشموع، والسُّرج في القبور، فإنه إسراف، وبدعةٌ ضلالة، لما يترتب عليها من إتلاف الأموال عبثاً، واتخاذ المساجد فيها(3)، عن ابن عباس(4) رضي اللَّه عنها، أنّ رسولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم "لَعَن زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجدَ والسُّرج(5)"، وفي الشِرّعْة(6): ولا يتخذ مشاهد الأنبياء، والصلحاء مساجدَ، فإنه من فعل اليهود.
-------------------
روى الترمذي، عن جابر: "نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن ينام الرجل على سطح، ليس بمحجور عليه". وفي رواية أبي داود عن علي بن شيبان، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ بات على ظهر بيت، ليس له حجار، أو حجاب، فقد برئت منه الذمة". وفي رواية: "من نام على سطح، لا جدار له، فمات، فدمه هدر". شط.
ط 2 - 588 - 589 - .
وهو أن يجعل بين القبور، مواضع الصلاة، فيصلي فيها الفرض، والنفل. شط.
انظر ترجمته في صفحة - 35 - .
رواه أبو داود، والترمذي.(1/334)
تأليف: ركن الإسلام، محمد بن أبي بكر، المعروف بإمام زاده الجُوغي (نسبة إلى جوغ، من سمرقند) إمام فاضل، أديب، كامل، أفتى ببخاري، صوفي. والشرعة: شرعة الإسلام: كتاب نفيس، مشتمل على المسائل الفقهية، والآداب الصوفية. رتبه على أحد وستين فصلاً، لكنه مشتمل على كثير من الأحاديث المختلفة، والأخبار الواهية المنكرة. توفي سنة (573 ه) ولها شرح يسمى مفاتيح الجنان، ومصابيح الجنان، شرح شرعة الإسلام إلى دار السلام ليعقوب بن علي، البرسوي، المتوفى سنة (931 ه). فارس ميدانه، وسابق أقرانه، درّس ببروسا، وأدرنة، وقسطنطينة، وكتابه مشتمل على الفوائد الغربية، واللطائف العجيبة، والمسائل الفقهية، والدلائل الحديثية. اه - الفوائد - والفهرس.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في قلع الحشيش مِنْ على القبر:.
مطلب في قلع الحشيش مِنْ على القبر:
وقلع الشوكة، والحشيشِ، الرطبتين، النابتتين على القبر، فإنه مكروه، لما فيه من إزالة بركة التسبيح الصادر من نبات، الحيّ بكونه رطباً، وفي ذلك تخفيف عن الميت، كما ورد في الحديث(1)، بخلاف اليابس(2).
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في قلع الحشيش مِنْ على القبر:.
وجدت الكلمات في الفص(1/335)
131 - الحادي والثلاثون بعد المائة: السؤال عن حلِّ شيء، وحرمتِه، وطهارتِه، ونجاسته، صاحبه(3)، ومالكه، بلا ريبة، وأمارة ظاهرة على الحرمة، وعلى النجاسة. كمن يريد أن يشتري شيئاً، فيسأل مالكه - وهو مستور - هل هو حلال، أو حرام؟ أو يهديه رجلٌ مستور، او يدعوه إلى ضيافته، فيسأل عن حِل الهدية، والطعام، او يأتيه بماءٍ في كوز ليشرب، أو يتوضأ، أو يفرش له ثوباً، وسجادة، ليصلي، وليس فيه علامةُ نجاسة، فيسأل عن طهارته، فهذا أذى له(4)، وسوء ظن به(5)، أو رياء(6)، أو عُجب، أو جَهْل(7)، وتَجَسُّسٌ(8)، وبدْعة(9)، فعليك الاعتمادَ على الظاهر(10)، كما اعتمد عليه الصحابة، و التابعون، رضي اللَّه عنهم أجمعين(11).
-------------------
حديث القبرين، اللذين وضع النبي صلى اللَّه عليه وسلم عليهما جريدتين رطبتين من النخل، وقال: "إنهما لا يعذبان ما داما أخضرين". شط.
من الشوكة، والحشيش، لانقطاع تسبيح الحيّ منهما، ورجوع تسبيحهما إلى تسبيح الجماد، كالميت. انظر ط 2 - 448 - 630.
أي سؤال صاحب ذلك الشيء عن حل الشيء.
لذلك الرجل المستور. شط.
حيث نسبه إلى الإصرار على الحرام، والإقرار على النجاسة. شط.
حتى يعلم الناس أنه متقيد بأمر دينه، محتفل، للاحتياط في أحواله. شط.
بأحكام اللَّه تعالى، وبالورع فيه. شط.
عن معاطاة غيره للحرام، واستهانته بأحكام الطهارة. شط.
لأنه أمر، لم يكن في أحد من السلف، ولا ورد عن الشارع فيه شيء، فإن المعهود في الدين: التدقيق في أمر الورع، بالسؤال فيما تظهر عليه علامات من الخارج، تقتضي الحرمة، والنجاسة، لا متابعة مجرد ما يقع في النفس من الوسواس في أحوال الناس. شط.
من أحوال الناس، ظهوراً بيناً، من غير تجسس، ولا استكشاف عما خفي عليك.(1/336)
روى البخاري، عن عتبة بن عبد اللَّه بن مسعود، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: إن ناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً، آمنّاه، وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، اللَّه يحاسبه في سريرته. ومن أظهر لنا سوءاً، لم نأمنه، ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرتي حسنة. شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أن الأصل في الأشياء الحلُّ والطهارة:.
مطلب في أن الأصل في الأشياء الحلُّ والطهارة:
فإن وضعَ اليد دليلُ المالك، والأصلُ في الأشياء: الحِلُّ، والطهارة، واليقينُ، لا يزول بالشك، فكلُّ شيءٍ لم يدلّ الدليلُ على حرمته، فهو مباح، وكل شيء، لا تتحقق النجاسةُ فيه، فهو طاهر(1).
-------------------
ط 2 - 353 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في ترك الصلاة:.
مطلب في ترك الصلاة:
132 - الثاني والثلاثون بعد المائة: تركُ الصلاة المفروضة عمداً، وهو من أكبر الكبائر(1)، وذهب جماعةٌ من الصحابة إلى كونه كفراً(2)، وعند الحنفية: يُكفَر جاحدها(3)، وتاركها - عمداً، كسلاً - فاسقٌ، يُحبس حتى يصلي(4). وعند الشافعي(5) ومالك(6) (رحمهما اللَّه تعالى): يُقْتَلُ حدّاً(7)، وعند أحمد(8) (رحمه اللَّه تعالى) كفراً.
-------------------
لأن الصلاة تالية للإيمان، فتركها تالٍ لترك الإيمان. شط.
منهم عمر، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاذ، وجابر، وأبو الدرداء، رضي اللَّه عنهم. شط.
لثبوتها بدليل قطعي. در.
لأنه يحبس لحق العبد، فحق الحق أحق. ولا يقال: إن حق اللَّه تعالى مبني على المسامحة، لأنه لا تسامح في شيء من أركان الإسلام. وقيل: يضرب حتى يسيل منه الدم. در - مح - .(1/337)
انظر ترجمته في صفحة - 26 - .
انظر ترجمته في صفحة - 228 - .
ولو بترك صلاة واحدة عند الشافعية. در.
انظر ترجمته في صفحة - 241 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في ترك الزكاة:.
مطلب في ترك الزكاة:
وكذلك تركُ الزكاة المفروضة، فإنه من الكبائر، لورود الوعيد الشديد عليه، قال اللَّه تعالى {والذينَ يَكْنُزون الذهب، والفضّة، ولا ينْفِقونها في سبيل اللَّه، فَبَشّرهم بعذاب أليم(1)} الآيةَ، قال في الشِرّعة وشرحها(2): الزكاةُ حِصنُ المال، لقوله عليه الصلاة والسلام: "حَصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكُم بالصدقة، واستقبلوا أنواعَ البلايا بالدعاء".
-------------------
(التوبة: 34) وقال صلى اللَّه عليه وسلم: "ما أدي زكاته، فليس بكنز". شط.
انظر صفحة - 279 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في ترك الصوم:.
مطلب في ترك الصوم:
وكذلك تركُ صومِ رمضان، أو يوم منه، بلا عذرٍ شرعي، فإنه حرام، وعليه الكفارة، فإنْ جحد الوجوب، فهو كافر. وصومُ العيدين(1) وأيام التشريق(2): مكروهٌ تحريماً، لما فيه من الإعراض عن ضيافة اللَّه، عَزّ وجل، لعباده.
-------------------
الأول من عيد الفطر، والأول من عيد الأضحى.
الثاني، والثالث، والرابع من أيام عيد الأضحى المبارك.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في ترك الحج:.
مطلب في ترك الحج:
وكذلك تركُ الحجِ الفرضِ، بأن لا يَحجَّ في عمره، بعد قدرته على ذلك، بملك الزاد والراحلة، ووجود الصحةِ، والأمن، ثم يموت بلا حجٍّ، فإنه يأثم ويفسق(1).
-------------------(1/338)
ويلزمه الوصية به، والتوبة من ذلك عند الموت. قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ ملك زاداً، وراحلة يبلغه إلى بيت اللَّه الحرام، فلم يحج، فلا عليه أن يموت يهودياً، أو نصرانياً". رواه الترمذي، عن علي، مرفوعاً. شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في ترك واجبات الإسلام:.
مطلب في ترك واجبات الإسلام:
وكذلك تركُ واجبات الإيلام - كصدقة الفطر(1)، والأضحية للغني(2)، والمنذور من كل عبادة مقصودة، من جِنسِها فرضٌ(3) - وتركُ الكفارات إنْ وجبت عليه، وهي أربعة: كفارة الإفطار في رمضان عمداً(4)، وكفارة الظهار(5)، وكفارة اليمين(6)، وكفارة القتل خطأ(7). وتركُ الجماعة في الصلوات، فإنها واجبة على القول الأقوى(8)، وترك تعديل أركان الصلاة(9)، وترك تسوية الصفوف(10)، وترك موافقة الإمام، أي ترك متابعته إمامه في شيء من صلاته(11)، فإنه يَأثم.
-------------------
لما ورد في حديث مسلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فرض زكاة الفطر. قال القرطبي في شرحه: جمهور أئمة الفتوى على أنها واجبة. شط.
قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ وجد سعة، فلم يضح، فلا يقربن مصلانا". رواه أحمد، وابن ماجه. ومثل هذا الوعيد، لا يلحق إلا بترك واجب. شط.
كما إذا نذر صلاة، أو صوماً، أو حجاً، أو صدقة. فكل ما كان له أصل في الفروض، لزم الناذر، كما مثّلنا، وما لا أصل له، لا يلزم الناذر، كعيادة المريض، ودخول المسجد. والوفاء بالنذر فرض عملي، لقوله تعالى: {وليوفوا نذورهم} (الحج:29) وهو عام، مخصوص منه، بالاتفاق، المنذور الذي ليس من جنسه واجب شرعاً، كعيادة المرضى، أو ما ليس بمقصود في العبادة، كالنذر بالوضوء لكل صلاة، والنذر بالمعصية. فبقي الباقي حجة ظنية، غير قطعية، فثبت به الفرض العملي، الذي يأثم تاركه، ويفسق منكره، دون الكفر. اهـ شط بتصرف.(1/339)
وهي: 1 - عتق رقبة مطلقاً، وغير مؤمنة. فإن عجز عن العتق - ولم يجد 2 - صام شهرين متتابعين. 3 - فإن لم يستطع، أطعم ستين مسكيناً وقعتين مشبعتين، بقدر الفطرة. ه - تع - .
كفارة الظهار هي: نفس كفارة الفطر في رمضان في رمضان عمداً - والظهار: هو تشبيه المسلم زوجته أو جزءاً شائعاً منها، بمحرّم عليه تأبيداً، كقوله لزوجته: أنت علي كظهر أمي، أو كبطنها، أو كفخذها، أو كظهر أختي، أو عمّتي، أو فرج أمي، أو فرج بنتي، يصير به مظاهراً، فيحرم عليه وطؤها ودواعيه، حتى يُكفَّر. اه - ه - تع.
هي: تحرير رقبة، مؤمنة، أو كافرة، أو إطعام عشرة مساكين وقعتين مشبعتين، بقدر الفطرة، أو كسوتهم، بما يستر أكثر البدن، فإن عجز عنها كلها - وقت الأداء - صام ثلاثة أيام متتابعة. ه - تع - .
وكذا كفارة القتل شبه العمد: هي: عتق رقبة مؤمنة، فإذا عجز، صام شهرين متتابعين، فلا إطعام في كفارة القتل، ولا كسوة، كما في در - ه - . فهذه الكفارات الأربع فروض ثابتة بالكتاب، وتارك واحدة منها، إذا وجبت عليه، فاسق، وإن جحدها، فهو كافر. شط.
وممن قال بفرضيتها جماعة، بحي لا تصح، لو صلاها منفرداً: ابن مسعود، وأبو موسى، الأشعري. وأحمد، وعطاء، وأبو ثور. رضي اللَّه عنهم. شط.
وهو الاطمئنان في الركوع، والسجود، لأنه شرع لتكميل ركن مقصود، وهو الركوع والسجود. شط.
في صحيح ابن خزيمة، عن البراء: كان صلى اللَّه عليه وسلم، يأتي ناحية الصف، فيسوي بين صدور القوم، ومناكبهم، ويقول: "لا تختلفوا، فتختلف قلوبكم، إن اللَّه وملائكته يصلون على الصف الأول".شط.(1/340)
لما في الصحيحين: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه، قبل الإمام، أن يجعل اللَّه رأسه رأس حمار، أو يجعل اللَّه صورته صورة حمار". مراقي الفلاح. وقال الغزالي رحمه اللَّه في الإحياء: وذلك من حيث الصورة لم يكن قط، ولا يكون، ولكن من حيث المعنى، هو كائن، إذ رأس الحمار، لم يكن بحقيقته، وشكله، بل بخاصيّته، وهي البلادة، والحمق. ومَنْ رفع رأسه قبل الإمام، فقد صار رأسه رأس حمار، في معنى البلادة، والحمق، وهو المقصود، دون الشكل، الذي هو قالب المعنى. إذ من غاية الحمق: أن يجمع بين الاقتداء، وبين التقدّم، فإنهما متناقضان. اه.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في نسيان القرآن:.
مطلب في نسيان القرآن:
وكذلك نسيانُ القرآن، بعد تعلّمه، قال في الدُّرةِ المنيفة وشرحها(1): مَنْ تعلَّم القرآن، ثم نسيه، يأثم. والنسيان: أن لا يُمكنه القراءة من المصحف، بأن نسي استخراج الخط، عن أنسٍ(2) رضي اللَّه عنه مرفوعاً: "عُرِضَت علي أجور أُمتي، حتى القَذاةُ يُخرجها الرجل من المسجد، وعُرضت عليّ ذنوب أمتي، فلم أرَ ذنباً أعظم من سورةٍ من القرآن، أو آية أوتِيَها، ثم نَسيها(3)".
-------------------
الدُّرة المنيفة، في فقه الإمام أبي حنيفة، وشرحها: الجواهر النفيسة، في شرح الدرة المنيفة، كلاهما لعمر بن عمر الزهري الدفري، فقيه حنفي، من أهل القاهرة، المتوفى سنة (1079 ه). أعلام.
انظر ترجمته في صفحة - 114 - .
القذى: ما يسقط في العين، والشراب. اهـ مختار الصحاح.
رواه أبو داود، والترمذي. ع 1 - 235 - ع 2 - 84 - ط 2 - 597 - 609 - 612 - 614 - 622 - ز 2 - 160 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في السِّحر:.
مطلب في السِّحر:(1/341)
133 - الثالث والثلاثون بعد المائة: السحر، والكهَانة، والتنجيم، والرَمل، وتوابعها.
السحر: علم يستفاد منه حصولُ مَلكة نفسانية، يقتدر بها على أفعال غريبة، لأسباب خفية. قال الشُّمنيُّ(1): تعلُّمه، وتعليمه حرام. وقال الزعفراني(2): السٍّر حَقٌّ عندنا: وجودُه، وتصرُّفه، أثره. وذَكر في فتح القدير(3): أنه لا تُقبَل توبةُ الساحر، والزنديق، في ظاهر المذهب، فيجب قتل الساحر، ولا يُستتَاب، لسعيه، لا بمجرد عمله، إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره. وذَكر في تبيين المحارم(4)، عن الإمام أبي منصور(5): أن القول بأنّ السحر كفرٌ 0 على الإطلاق - خطأ، ويجب البحث عن حقيقته، فإن كان في ذلكَ ردُّ ما لزم في شرط الإيمان، فهو كفر، وإلاّ فلا. وقال المناوي(6) في شرح الجامع الصغير: السّحِرُ: هو إيتان نفسٍ شريرة، بخارق، عن مزاولة مُحرّم. ثم إن اقترن بكفر، فكُفرٌ، وإلاّ فكبيرة عند الشافعي(7) (رحمه اللَّه تعالى)، وكُفْرٌ عند غيره. وقال النووي(8) (رحمه اللَّه تعالى) في شرح مسلم(9): مذهبُ أهل السنة، وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر، وأنّ له حقيقةً كغيره من الأشياء الثابتة، خلافاً لمن أنكر ذلك(10).
-------------------
أحمد بن محمد بم حسن بن علي الشمني القُسَنْطيني الأصل، الإسكندري، أبو العباس، تقي الدين، محدّث، مفسّر، نحوي، ولد في الإسكندرية عام (801 ه - 1399 م)، وتعلم ومات في القاهرة سنة (872 ه - 1468 م). أعلام.
الزعفراني ثلاثة: أ - الحسن بن أحمد بن مالك، أبو عبد اللَّه، الفقيه، إمام، ثقة، رتب الجامع الصغير للإمام محمد، توفي سنة 610 ه، ولعله هو المقصود هنا. ب - الحسن بن محمد بن الصباح البزار، البغدادي، فقيه، من رجال الحديث، ثقة، من رواة الشافعي، نسبته إلى الزعفرانية قرب بغداد. توفي سنة 259 ه.ج - الحسن بن محمد بن علي، أبو سعيد، عالم بالحديث، والأصول، من أهل أصبهان. اهـ أعلام - والفوائد.(1/342)
انظر صفحة - 59 - 224 - .
انظر صفحة - 267 - .
أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد، بن عبد اللَّه البغدادي، التميمي، الإسفرايني، عالم متفنن، من أئمة الأصول، كان صدر الإسلام في عصره، ولد، ونشأ في بغداد، ورحل إلى خراسان، فاستقر في نيسابور، وفارقها على أثر فتنة التركمان، ومات في اسفرائين. كان يدرس (17) فناً، وكان ذا ثروة. أعلام.
انظر ترجمته في صفحة - 149 - وكتابه شرح الجامع الصغير اسمه: التيسير، وانظر صفحة - 168 - في ترجمة السيوطي صاحب الجامع الصغير.
انظر ترجمته في صفحة - 26 - .
انظر ترجمته في صفحة - 64 - .
انظر ترجمته في صفحة - 156 - 170 - .
ولمزيد من البيان يرجع إلى شرح اللقاني على الجوهرة. والإعلام بقواطع الإسلام للعلامة ابن حجر، ورد المحتار لابن عابدين، وانظر صفحة - 290 - 291 - من هذا الكتاب.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الكهانة:.
مطلب في الكهانة:
والكهانة: هي تعاطي الخبر عن الكائنات في المستقبل، وادعاءُ معرفة الأسرار، قال في نهاية الحديث(1): (وقد كان في العرب كَهَنةٌ، كشِق(2)، وسَطِيح(3)، فمنهم من كان يزعم أن له تابعاً، يُلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدّمات، يستدل بها على مُوَافقتها، من كلامِ من يسأله، أو حاله، او فعله. وهذا، يخصّونه باسم العَرَّاف، كالمُدَّعي معرفةَ المسروق، ونحوه. وحديث "مَنْ أتى كاهناً" يشمل العَرَّاف، والمُنَجِم. والعرب تمسي كلَّ مَنْ يتعاطى علماً دقيقاً: كاهناً، ومنهم من يسمي المنجم والطبيب كاهناً).(1/343)
قوله: وحديث "مَنْ أتى كاهناً"، وهو قوله عليه الصلاة والسلام "ليس منّا منْ تطير(4)، أو تُطيِّرَ له، أو تكَهَّن(5)، أو تُكهن له، أو سَحر أو سُحر له، ومَنْ أتى كاهناً، فصدًّقه بما يقول، فقد كَفَر بما انزل على محمد(6)"، صلى اللَّه عليه وسلم، حيث صَدَّق مَنْ يعتقد التأثير(7).
-------------------
النهاية، في غريب الحديث، الابن الأثير: المبارك بن محمد بن محمد بن محمد، بن عبد الكريم الشيباني، الجزري، أبو السعادات، مجد الدين، المحدث، اللغوي، الأصولي، ولد في جزيرة ابن عُمر (مدينة في سوريا، على نهر دجلة الأوسط، أسسها الحسن بن عمر بن الخطاب الثعلبي نحو عام (961 ه) وانتقل إلى الموصل، ألف كتابه إملاء على طلبته، لإصابته بالنقرس (ورم يحدث في مفاصل القدم، وفي إبهامها أكثر) حيث أصيب بالشلل حتى توفي قرب الموصل. أعلام - منجد.
شق بن صعب بن يشكر بن رهم القسري، البجلي، الأنماري، الأزدي، المتوفى نحو (55 ه)، كاهن جاهلي، من عجائب المخلوقات، معاصر لَسطِيح، وكانا يستدعيان، أحياناً، للاستشارة، أو تفسير بعض الأحلام، عاش إلى ما بعد ولادة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وقد عمر طويلاً. ويذكرون أنه كان نصف إنسان، له يد واحدة، ورجل واحدة، وعين واحدة. أعلام.(1/344)
سطيح هو: ربيع بن ربيعة بن مسعود بن عدي بن الذئب من بني مازن من الأزد، كاهن جاهلي، غساني، من المعمرين، كان العرب يحتكمون إليه، ويرضون بقضائه، حتى إن عبد المطلب بن هاشم، على جلالة قدره في أيامه، رضي به حكماً بينه، وبين جماعة من قيس عيلان، في خلاف على ماء بالطائف. وكان يضرب به المثل بجودة رأيه. وهو كاهن بني ذئب، ما كان فيه عظم، سوى رأسه. لا يقدر على قيام، ولا قعود، كان منبسطاً، منسطحاً، على الأرض، لا يقدر على قيام، ولا قعود، يطوي كما تطوى الحصيرة، ويتكلم بكل أعجوبة، وهو من أهل الجابية (من مشارف الشام، على مسيرة يوم، جنوبي غربي دمشق)، مات فيها سنة (52 ه) بعد مولد النبي صلى اللَّه عليه وسلم بقليل. وكان عند الناس يأتونه، فيقولون: جئناك بأمر، فما هو؟ فيجيبهم على ما أنفسهم. أعلام - ومنجد.
أي تشاؤم بشيء، وتفاءل به تفاؤلاً قبيحاً. شط. انظر صفحة - 128 - من هذا الكتاب.
وهو عمل الكهانة، وهي أن يكون للإنسان وليٌّ من الجن، يخبره بما كان، أو يكون في الأرض، كعمل المندل في زماننا. ومن أن يحرق الطّيب، أو غيره، للجن. شط.
رواه البزار، عن عمران بن الحصين رضي اللَّه عنه. شط.
في عمله لغير اللَّه تعالى، فاعتقد ما يعتقده، أو يعتقد حِلّ ذلك، فوافقه على اعتقاده. شط.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في التَّنْجيم:.
مطلب في التَّنْجيم:(1/345)
والتنجيم: هو علمٌ يُعْرف به الاستدلال بالتشكيلات الفلكية، على الحوادث السُّفلية. وفي مختارات النوازل(1): إنَّ علم النجوم في نفسه حَسَنٌ، غير مذموم، إذ هو قسمان: - حسابي، وإنه حق، وقد نطق به الكتاب، قال اللَّه تعالى: {الشَّمْسُ والقمرُ بحُسبْان(2)} أي سيرُهما بحساب، واستدلالي، بسير النجوم، وحركة الأفلاك على الحوادث، بقضاء اللَّه تعالى وقدره، وهو جائز، كاستدلال الطبيب بالنَّبْض، على الصحة، والمرض. ولو لم يعتقد بقضاء اللَّه تعالى، أو ادَّعى الغيبَ بنفسه، يُكفَر. ثم تعلمُ مقدار ما يعرف به مواقيت الصلاة، والقبلة، لا بأس به(3)، قال عمر(4) رضي اللَّه عنه: (تعلّموا من النجوم ما تهتدوا به في البَرّ، والبحر، ثم أمْسِكوا)(5)، وإنَّما زَجر عنه من ثلاثة أوجه: - أحدُها: انه مُضرٌّ بأكثرِ الخلق، فإنّه إذا أُلقي إليهم أنَّ هذه الآثار، تَحْدُث عقب سير الكواكب، وقع في نفوسهم أنها المُؤثرة. وثانيها: أنّ أحكام النجوم، تَخْمينٌ مَحض، ولقد كان في معجزةً لإدريس عليه السلام، فيما يُحكى، وقد اندرس. - وثالثهما: أنه لا فائدة فيه، فإنَّ ما قٌدِّر كائن، والاحترازُ منه غيرُ ممكن.
-------------------
ويسمى مختارات مجموع النوازل، وهو مختصر في الفقه، لصاحب الهداية، برهان الدين، علي بن أبي بكر، بن عبد الجليل، الفرغاني، المرغيناني، الرشتاني، المتوفى سنة 593 ه.
الرحمن: 5.
والظاهر أن المراد به القسم الثاني، دون الأول.
انظر ترجمته في صفحة - 39 - .
هكذا ورد في حاشية رد المختار بلفظ (ما تهتدوا)، بحذف النون، دون عامل للحذف، وهو خطأ، وبالرجوع للفتح الكبير للنبهاني رأيت اللفظ التالي: "تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر، والبحر، ثم انتهوا"، وهو حديث رواه ابن مردويه، والخطيب في كتاب النجوم عن ابن عمر.
-------------------
الدرر المباحة، الإصدار 1.02
للنحلاوي
*** : ***
[متن الكتاب].(1/346)
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الرَّمْل:.
مطلب في الرَّمْل:
والرمل: هو علم بضروبِ أشكالٍ، من الخطوط والنُّقط، بقواعدَ معلومة، تخرج حروفاً، تُجْمَع، ويُسْتَخرج جملة، دالة على عواقب الأمور(1). وقد علمتَ أنَّه حرام قطعاً، وأصله لإدريس عليه السلام، فهو شريعة منسوخة. وفي فتاوى ابن حجر(2) (رحمه اللَّه تعالى): إنَّ تعلمه، وتعليمه حرام، شديدُ التحريم، لما فيه من إيهام العوام أنَّ فاعلهُ يشارك اللَّه تعالى في غَيْبه.
-------------------
من حديث ابن عباس، رضي اللَّه عنهما، أنه سأل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن الخطّ؟ فقال: "كان نبيٌّ من الأنبياء يخطُّ، فمن وافقَ خطَّه، عَلِمَ". وفي رواية: "فمن وافق، فهو الخطُّ". ويقال: إن ذلك النبي هو إدريس، عليه السلام. والنبي صلى اللَّه عليه وسلم، علّق الحِلّ، بالموافقة، بخط ذلك النبي، وهي غير واقعة في ظن الفاعل، إذ لا دليل عليها، إلا بخبر معصومٍ، وذلك لم يوجد، فبقي النهي على حاله، لأن اللَّه تعالى خص سيدنا إدريس بالخطِّ، وجعله علامة، ومعجزة، لما يأمره به، وينهاه عنه. وهو من خواص الأنبياء عليهم السلام، ومعجزاتهم. اه - الفتاوى الحديثية. وانظر تتمة البحث فيها، فهو نافع.
انظر ترجمته في صفحة - 113 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الرَّمْل:.
والرمل: هو علم بضروبِ أشكالٍ، من الخطوط والنُّقط، بقواعدَ معلومة، تخرج حروفاً، تُجْمَع، ويُسْتَخرج جملة، دالة على عواقب الأمور(1). وقد علمتَ أنَّه حرام قطعاً، وأصله لإدريس عليه السلام، فهو شريعة منسوخة. وفي فتاوى ابن حجر(2) (رحمه اللَّه تعالى): إنَّ تعلمه، وتعليمه حرام، شديدُ التحريم، لما فيه من إيهام العوام أنَّ فاعلهُ يشارك اللَّه تعالى في غَيْبه.
-------------------(1/347)
من حديث ابن عباس، رضي اللَّه عنهما، أنه سأل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن الخطّ؟ فقال: "كان نبيٌّ من الأنبياء يخطُّ، فمن وافقَ خطَّه، عَلِمَ". وفي رواية: "فمن وافق، فهو الخطُّ". ويقال: إن ذلك النبي هو إدريس، عليه السلام. والنبي صلى اللَّه عليه وسلم، علّق الحِلّ، بالموافقة، بخط ذلك النبي، وهي غير واقعة في ظن الفاعل، إذ لا دليل عليها، إلا بخبر معصومٍ، وذلك لم يوجد، فبقي النهي على حاله، لأن اللَّه تعالى خص سيدنا إدريس بالخطِّ، وجعله علامة، ومعجزة، لما يأمره به، وينهاه عنه. وهو من خواص الأنبياء عليهم السلام، ومعجزاتهم. اه - الفتاوى الحديثية. وانظر تتمة البحث فيها، فهو نافع.
انظر ترجمته في صفحة - 113 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الشّعْوَذة:.
مطلب في الشّعْوَذة:
والشعوذة: وهي خفة في اليد، كالسحر، تُرِي الشيء بغير ما عليه أصله، وأفتى العلامة ابن حجر(1) (رحمه اللَّه تعالى) في أهل الحلق في الطرقات، الذين لهم أشياء غريبة - كقطع رأسِ إنسان، وإعادته، وجعل نحو دراهمَ من التراب، وغير ذلك - بأنهم في معنى السّحرة، إن لم يكونوا منهم، فلا يجوز لهم ذلك، ولا لأحد أن يقف عليهم. ثم نقل عن المُدَوَّنة(2) من كتب المالكية: إنّ الذي يقطع يدَ الرجل، أو يُدْخل السكين في جوفه: إن كان سحراً، قتل، وإلا عوقب.
-------------------
انظر ترجمته في صفحة - 113 - .
للإمام مالك بن أنس، المتوفى سنة (197 ه) برواية سحنون. وتسمى المدونة الكبرى. وانظر ترجمته في صفحة - 228 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الفلسفة:.
مطلب في الفلسفة:(1/348)
والفلسفة: هو لفظ يوناني(1)، وتعريبه: الحِكَمُ المُمَوَّهة، أي مزينة الظاهر، فاسدة الباطن. كالقول بِقدَم العالم، وغيره من المكفّرات، والمحرّمات. وذكر في الإحياء(2): أنها ليست عِلْماً برأسها، بل هي أربعة أجزاء، - أحدها: الهندسة، والحساب، وهما مباحان، ولا يُمْنع منهما، إلا مَنْ يُخاف عليه أنْ يتجاوزهما إلى علوم مذمومة، - والثاني: المنطق، وهو بحثٌ عن وجه الدليل، وشروطه، ووجه الحدّ، وشروطه، وهما داخلان في علم الكلام، - والثالث: الإلهيات: وهو بحثٌ عن ذات اللَّه تعالى، وصفاته، انفردوا فيه بمذاهب، بعضها كفر، وبعضها بدعة، - والرابع: الطبيعيات، وبعضها مخالف للشرع، وبعضها بحث عن صفات الأجسام، وخواصّها، وكيفية استحالتها، وتغيُّرها، وهو شبيه بنظر الأطباء، إلا أنَّ الطبيب ينظر في بدن الإنسان على الخصوص، من حيث يمرض، ويصح، وهم ينظرون في جميع الأجسام، من حيث تتغير، وتتحرك، ولكنْ للطب فضل عليه، لأنه محتاج إليه، وأما علومهم في الطبيعيات، فلا حاجة إليها.
-------------------
مركبة من جزأين، الأول: فيليا، أي محبّة - والثاني: صوفيا، وهي الحكمة. وعليه فتأويلها: محبة الحكمة. ومعنى الفلسفة: علم الأشياء بمبادئها، وعللَّها الأولى. اهـ منجد.
للإمام الغزالي، المعروف بإحياء علوم الدين. انظر ترجمته في صفحة - 103 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في علم الحرْف:.
مطلب في علم الحرْف:(1/349)
وعلم الحَرْف، يحتمل أن المراد به الكاف، الذي هو إشارة إلى الكيمياء، ولا شكّ في حرمتها، لما فيها من ضياع المال، والاشتغال بما لا يفيد. ويحتمل أن المراد به: جمعُ حروفٍ، يخرج منا دلالة على حركات، ويحتمل أن المراد: علم أسرار الحروف، بأوفاق الاستخدام، وغير ذلك. ويحتمل أن المراد: الطلسمات، وهي - كما في شرح اللَّقاني(1) - :نقش أسماء خاصة، لها تعلّق بالأفلاك، والكواكب، على زعم أهل هذا العلم، في أجسام من المعادن أو غيرها، تحدث لها خاصّةٌ، ربطت بها في مجاري العادات. هذا وقد ذكر العلامة ابن حجر(2) (رحمه اللَّه تعالى) في باب الأنجاس من التُّحفة، ما حاصله: انه إذا قلنا بإثبات قلب الحقائق، - وهو الحق - جاز العمل به، وتعلُّمه، لأنه ليس بغشٍ، لأن النُّحاس ينقلب ذهباً، أو فضةً حقيقة، وإن قلنا: إنه غير ثابت، لا يجوز، لأنه غش، كما لا يجوز لمن لا يعلمه حقيقةً، لما فيه من إتلاف المال، أو غش المسلمين. قال العلامة ابن عابدين(3) (رحمه اللَّه تعالى) في حاشيته على الدر(4): (والظاهر أن مذهبنا: ثبوت انقلاب الحقائق، بدليل ما ذكروه في انقلاب عين النجاسة، كانقلاب الخمر خلاً، والدم مسكاً، ونحو ذلك، واللَّه أعلم).
-------------------
عبد السلام بن إبراهيم اللقاني، المصري، نسبة إلى "لقانة"، من البحيرة، بمصر، شيخ المالكية، في وقته، بالقاهرة، له: شرح المنظومة الجزائرية، في العقائد، وإتحاف المريد، شرح جوهرة التوحيد، والسراج الوهاج، في الكلام على الإسراء، والمعراج. أعلام.
انظر ترجمته في صفحة - 103، وكتابة التحفة، هو تحفة المحتاج، لشرح المنهاج، في فقه الشافعية. أعلام.
انظر ترجمته في صفحة - 87 - .
انظر ترجمته في صفحة - 195 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الموسيقى(1):.
مطلب في الموسيقى(1):(1/350)
وعلم الموسيقى، وهو علم رياضي، يعرف منه أحوال النغم، والإيقاعات، وكيفية تأليف اللحون، وإيجاد الآلات. وموضوعه: الصوت، من جهة تأثيره في النفوس، باعتبار نظامه في طبقته، وزمانه، وثمرته: بسط الأرواح، وتعديلها، وتقويتها، وقبضها أيضاً(2).
-------------------
بكسر القاف.
ع 1 - 30 - 31 - 32 - ط 1 - 297 - .
-------------------
الخاتمة في العقيدة الإسلامية
(ولنختم هذه الرسالةَ بجملة أشياء، مما كلّف اللَّه تعالى به الإنسان، بحسب الإمكان، من التكليف الباطني الواجبِ التقديم، وبعده التكليف الظاهري، الذي تكفّلت ببيانه الفقهاء، على أسلوب عظيم، رجاءَ حسن الخاتمة، وهو على قسمين:
القسم الأول
في المسائل الإلهيات(1)
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الوجود المُطْلَق:.
مطلب في الوجود المُطْلَق:
اعلم أنه يفترض - فرضاً عينياً - على كل مكلف(2): أن يعتقد - بقلبه، مقراً بلسانه(3) - أنّ اللَّه تعالى موجود(4)، أزلاً، وأبداً، وجوداً مطلقاً، لا كوجود شيء من مخلوقاته، لأنّ وجود المخلوق مقيّد، لا يكون إلا في ضمن زمان، ومكان، وكمية(5)، وكيفية. ووجودُ اللَّه تعالى منزهٌ عن جميع ذلك.
والدليل على وجود اللَّه تعالى - هذا الوجودَ المطلق - هو وجود هذه العوالم العلوية، والسفلية، المقهورة بالتخصيص بالجوهرية، أو العَرَضية(6)، وبغير ذلك من أنواع التخصيصات البديهية. وكلُّ مقهور، لا بد له من قاهر، و{وهو القاهر فوقَ عباده، وهو الحكيم الخبير}(7).
-------------------(1/351)
أي العقائد التوحيدية، المنسوبة إلى اللَّه جل جلاله، وهي: ما يجب في حقّ اللَّه تعالى، وما يستحيل، وما يجوز. وقدّم الإلهيات على غيرها، لتعلقها بالحق تبارك وتعالى، وما يتعلق به سبحانه مقدَّم على غيره - اه باجوري على جوهرة التوحيد - ه - تع - وحاشية الباجوري: هي تحفة المريد، على جوهرة التوحيد، لإبراهيم بن محمد بن أحمد، شيخ الجامع الأزهر، من فقهاء الشافعية، نسبة إلى (الباجور) من قرى المنوفية بمصر، ولد، ونشأ فيها، وتعلم في الأزهر. وكتب حواشي كثيرة، تقلّد مشيخة الأزهر سنة (1263 ه) واستمر إلى أن توفي سنة (1277 ه). وجوهرة التوحيد: نظم العلامة إبراهيم بن إبراهيم بن حسن أبو الإمداد، برهان الدين، فاضل، متصوف، مصري، مالكي، نسبته إلى (لقانه)، من البحيرة بمصر. توفي بقرب العقبة، عائداً من الحج. أعلام.
أي على كل بالغ، عاقل، ذكر، أو أنثى، أو خنثى - ه - .
للدخول في زمرة أهل التصديق - ه.
إنما قدّم الوجود، لأنه كالأصل، وما عداه كالفرع، لأن الحُكم بوجوب الواجبات له تعالى، واستحالة المستحيلات عليه تعالى، وجوازِ ما يجوز في حقه تعالى، لا يتعقل، إلا بعد الحكم بوجوب الوجود له تعالى، كما في الباجوري - . ووجوده تعالى: ذاتي، بمعنى أنه ليس للغير تأثير فيه، بخلاف الوجود غير الذاتي، كوجودنا، فهو بفعله تعالى، اه.ه - تع.
أي عدد.(1/352)
الجوهر - عند أهل السنة والجماعة - : هو الجوهر الفرد، وهو الجزء الذي لا يتجزأ، ولا يقبل الانقسام، لبساطته، وهو الذي يركب منه الجسم، وهو جزء من الجسم، واللَّه تعالى متعالٍ أن يكون جزءاً. وأما العرض: فهو ما لا قيام له بذاته، بل يقوم بغيره، بمعنى أنه يفتقر إلى محل (جسم) يقوم به، فوجود العرض، في نفسه، هو وجوده في الجسم. فلو كان اللَّه تعالى عرضاً، لاحتاج إلى محل يقوم به، وعندئذ يكون ممكناً، لا واجباً، وهو محال، ولأن العرض يمتنع بقاؤه، وإلا لكان البقاء معنى قائماً به، فيلزم قيام المعنى بالمعنى، وهو محال. وكلا الجوهرية، والعرضية، محال على اللَّه تعالى. كما في شط - ه - تع.
(الأنعام 18).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أَنّ ذات اللَّه تعالى، لا تشبه شيئاً، ولا يشبهها شيء:.
مطلب في أَنّ ذات اللَّه تعالى، لا تشبه شيئاً، ولا يشبهها شيء:
إذا عرفت هذا، فاعلم بأنّ اللَّه تعالى الموجود - كما ذكرنا - له ذاتٌ، وله صفات: (الذات): أما ذاته (تعالى) فقد جَلّت عن أن تدركها البصائر النافذة، في عالم الملكوت(1)، فضلاً عن الأبصار، وعظمت عن أن تتوهمها الظُّنون، أو تلتمحها الأفكار، فالحذار، الحذار من التّفكر فيها، لأن ذلك: إما أن ينتهي بك إلا لا شيء فتكون معطلاً(2)، أو إلى شيء فتكون مُشَبِّهاً(3). وكلُّ ما خطر ببالك، فاللَّه بخلاف ذلك، حتى يصل تفكُّرك إلى موجودٍ، تدرك عنده حقيقة عجزك عن معرفته، وهذا صعب المرام عليك.
وذات اللَّه تعالى أزلية(4)، أبدية(5)، لا تُشْبه شيئاً، ولا يشبهها شيء، {ليس كمثله شيء، وهو السميعُ العليم}(6).
-------------------(1/353)
حقيقة الملك: ما يدرك بالحس، الوهم، وحقيقة الملكوت: ما يدرك بالعلم، والذوق، وحقيقة الجبروت: ما يدرك بالكشف، والوجدان، أو تقول: الملك: ما ظهر من حسّ الكائنات، والملكوت: ما بطن فيها من أسرار المعاني، والجبروت: البحر المحيط، الذي تدَفّق منه الحسّ، والمعنى. اه. معراج التشوف.
التعطيل: هو القول بنفي صفات اللَّه تعالى. واشتهر بهذا القول: جَهْم بن صفوان، المتوفى سنة (128 ه)، وهو من أهل خراسان، من موالي بني راسب، رأس الجهمية، ضال، مبتدع، فصيح، خطيب، دعا الناس لمذهبه الذي يتلخص بأنْ} ليس للَّه صفات غير ذاته، وما ورد في القرآن، من مثل: سميع، بصير، فليس على ظاهره، بل مؤول، لأن ظاهره يدل على التشبيه بالمخلوق، وهو مستحيل على اللَّه، فيجب تأويل ذلك. وقد قال بخلق القرآن، وأنكر رؤية اللَّه تعالى، يوم القيامة، وقال بفناء الجنة، والنار، بعد دخول أهلهما فيهما. وقد ظهر مذهبه بترمذ، وقال بالإجبار، والاضطرار إلى الأعمال، وأنكر الاستطاعات كلها، وقال: لا فعل، ولا عمل لأحدٍ غير اللَّه تعالى، وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين مجازاً، كما يقال: زالت الشمس، ودارت الرحى، من غير أن تكونا فاعلتين، أو مستطيعتين لما وصفتا له. اه. فجر الإسلام - الفرق بين الفرق - الأعلام.(1/354)
المشبهة: صنفان: صنف: شبهوا الباري، سبحانه، بذات غيره، - وصنف: شبهوا صفاته، بصفات غيره، وكلُّ صنف منهما مفترقون على أصناف شتى، من غلاة الروافض، واليهود، والكرامية، وجميع المجسمة، ومجسمة الحنابلة، ومن أمثلتهم: داود الجواربي، و مقاتل بن سليمان (صاحب التفسير، والمناكير، مردود الحديث، المتوفى سنة - 150 - ه انظر ترجمته في صفحة - 190 - )، حيث يقولان: إن اللَّه جسم، وإنه جثة على صورة إنسان، من لحم، ودم، وشعر، وعظم، له جوارح، وأعضاء من يد، ورجل، ولسان، ورأس، وعينين، ومع ذلك لا يشبه غيره، ولا يشبهه غيره. ويقول الجواربي: إن اللَّه أجوف، من فيه إلى صدره، ومصمت فيما سوى ذلك، وكثير من الناس يقولون: هو مصمت، ويتأولون قول اللَّه - الصمد - فيقولون: هو المصمت الذي ليس بأجوف. والجواربي: رأس في الرفض، والتجسيم، من قرافة جهنم: اه. ميزان الاعتدال - مقالات الإسلاميين - الأعلام، الفقه الأكبر وشرحه، الفرق بين الفرق.
أي قديمة بلا بداية.(1/355)
أي باقية بلا نهاية. قال في: - زبدة الحقائق - لعين القضاة الهمذاني - قدس اللَّه تعالى سره: مَنْ ظنّ أن الأزلية شيء ماضٍ، فقد أخطأ خطأ فاحشاً، فحيث الأزلية، فلا ماضي، ولا مستقبل، وهي محيطة بالزمن المستقبل، كإحاطتها بالزمن الماضي، من غير فرق. فإذا فهمت هذا، فاعلم أنه لا مغايرة بين الأزلية، والأبدية في المعنى أصلاً، بل إذا اعتبر وجود ذلك المعنى، مع نسبته إلى الماضي من الأزمنة، استعير له لفظة: الأزلية، وإن اعتبر وجوده، مع نسبته إلى المستقبل، من الأزمنة، استعير له لفظة الأبدية.اه. وهذا الكلام في أعلى طبقات التحقيق، ولا يشعر به إلا أهل العناية، والتوفيق.اه شط. وعين القضاة الهمذاني: عبد اللَّه بن محمد بن علي بن الحسن بن علي الميانجي، السهروردي، الهمذاني، ويعرف بعين القضاة، أبو المعالي، حكيم، فقيه، شاعر، صوفي، أخذ عن عمر الخيام، وأحمد الغزالي، وصلب بهمذان، توفي سنة (525 ه). من تصانيفه: زبدة الحقائق. خلط فيه كلام الصوفية بكلام الحكماء. وله مدار العيوب في التصوف. معجم المؤلفين.
(الشورى: 11).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في صفات اللَّه تعالى:.
مطلب في صفات اللَّه تعالى:(1/356)
وأما صفاته سبحانه: فهي أزلية، أبدية أيضاً، لا هي عين ذاته(1)، حتى يلزم من ذلك انتفاؤها، ولا هي غير ذاته(2)، حتى يلزم من ذلك حدوثها، بل هي: عين الذات، إن قطعتَ النظر عن كونها متعلقةً بالحوادث، وغيرُ الذات، إنْ لاحظتَ كونها متعلقةً بالحوداث(3)، ويمكن تقريب ذلك إلى الإفهام، والتمثيل (له) بالواحد من العشرة مثلاً، فالواحد ليس عينَ العشرة، ولا غيرَها، وإيضاح ذلك: أنك إذا نظرتَ إلى الواحد، من حيث كونُه واحداً، وقطعتَ النظر عن تعلُّقه بالعشرة، تعلّقَ تتميم لاسمها، فالواحدُ غيرُ العشرة، وإنْ نظرتَ إليه من حيث كونُه متعلقاً بالعشرة، تعلَّقَ تتميم لاسمها، فالواحد عينُ العشرة، وللَّه المثلُ الأعلى.
و (إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ) صفات اللَّه تعالى، لا حصرَ لها، ولا نهاية، إذ كمالاتُه تعالى، ما لها عَدٌّ، ولا حَدٌّ، ولا غايةٌ، واللَّه سبحانه لا يتصف إلا بما هو كمالٌ في حقه، وأما ما هو نقصٌ، فاللَّه تعالى منزهٌ، ومتعالٍ عنه، علواً كبيراً.
ولمّا حجبَ اللَّه تعالى هذا العَقْلَ التكليفيَّ، عن إدراك ذاته العلية، مَنْ عليه بمعرفة شيءٍ من صفاته الأزلية، الأبدية، ليكون جبراً له مما حُرمَ منه. (وأنا أذكر لك ما يُهمك من ذلك، لتسلك في عقيدتك الصالحة، أحسن المسالك، فأقول مستعيناً باللَّه تعالى الكريم، أن يُلهمني ما هو الأنفع في وجوه التقسيم(4)):
-------------------
خلافاً للفلاسفة.
كما تقوله المعتزلة. وليست حادثة، كما تقوله الكرامية أتباع محمد بن كرام، (المتوفى سنة (255 ه) ابن عراق، بن حزابة، أبو عبد اللَّه السجزي، إمام الكرامية، من فرق الابتداع في الإسلام. يقول بأن اللَّه تعالى مستقر على العرش، وأنه جوهر. ولد في سجستان، وجاور بمكة خمس سنين، وورد نيسابور، ومات في القدس. (والسجزي: نسبة إلى سجستان). اهـ - أعلام - الفرق - الفقه.(1/357)
قال في شرح الفقه الأكبر: لم يزل فاعلاً بفعله، والفعل صفة في الأزل، والفاعل هو اللَّه تعالى، والمفعول مخلوق أي حادث، عند تعلق فعله سبحانه وتعالى به. وفعل اللَّه تعالى غير مخلوق، بل هو قديم، كفاعله، إذ لا يلزم من كون المفعول مخلوقاً، كون الفعل مخلوقاً. وفي هذا إشارة إلى أنه لو كان فعل اللَّه مخلوقاً، للزم تعدد الخالق، وقد ثبت أن اللَّه سبحانه، خالق كل شيء، فله سبحانه التوحيد الذاتي، والصفاتي، والفعلي. وقال في شرح الطريقة: فإذا نظرت عين الذات الواجبة، إلى نفسها،صادفتها متحدة غير متكثرة، بوجه من الوجوه، ولكنْ لكثرة نسب تلك الذات، إلى الموجودات الأخر، التي استحقت الوجود من تلك الذات، احتيج إلى تغيير العبارات عنها، حتى تتأدى حقائق تلك النسب، بواسطتها، إلا الأفهام، ثم قال: واعلم بأن الصفات، التي هي لا عين الذات، ولا غيرها، إنما هي الصفات الذاتية، الثبوتية، وهي (الحياة، والقدرة، والعلم، والكلام، والسمع، والبصر، والإرداة)، والصفات المعنوية، وهي (كونه تعالى حياً، قادراً، عالماً، متكلماً، سميعاً، بصيراً، مريداً)، وصفات الأفعال (كالتخليق، والترزيق، والإنشاء، - أي الإبداء - ، والإبداع، والصنع، والإحياء، والإفناء، والإنبات، والإنماء، وتصوير الأشياء، وغيرها، ما هو داخل تحت صفة التكوين)، وأما الصفات السلبية (وهي الوحدانية، والقدم، والبقاء، والمخالفة للحوادث، وقيامه تعالى بنفسه)، فإنها غير الذات قطعاً. وأما الصفة النفسية، وهي الوجود، فهي عين الذات قطعاً.اه. شط - شرح الفقه.
ه - 234 - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في صفتي: القِدم: والبقاء الأزليتين:.
مطلب في صفتي: القِدم: والبقاء الأزليتين:(1/358)
فمن صفات اللَّه تعالى: القِدم(1)، والبقاء(2)، فهو القديم الأزلي، والباقي السرمدي، تَنَزَّه عن أن يسبقه العدم، وتقدَّس عن أن يلحقه الفناء، الذي لحق غيره، فهُدِم. والمراد بالقديم: أنه تعالى موجودٌ قبل خلق الزمان، وبالباقي: أنه موجود بعد إعدام الزمان، والتغيرُ مستحيل على اللَّه تعالى، فحينئذ تكون الصفتان - في حقيقة الأمر - بمعنىً واحدٍ، بل الأزل، والأبد، بمعنى واحد في حقّ اللَّه تعالى. والدليل على ثبوت هذين الوصفين للَّه تعالى: خلقُ الزمان، فإنّ الخالقَ لا بُدَّ، وأن يتقدم على وجود المخلوق، ويتأخرَ عن إعدامه.
-------------------
القِدم: هو عدم الأولية لوجوده تعالى، أي لا أولَ لوجوده سبحانه، ومحال - في حقه تعالى - الحدوث، وإن شئت قلتَ: عدمُ افتتاح الوجود. والقِدم - إذا نُسب إلى غيره تعالى - يراد به: طولُ المدة: كما في قولهم: هذا بناء قديم.
-فائدة - التحقيق أن القديم والأزلي بمعنى واحد، وهو: ما لا أولَ له - وجودياً كان، أو عدمياً - كما في البيجوري على السنوسية، "لمحمد بن يوسف، بن عمر بن شعيب، السنوسي، الحسني، أبو عبد اللَّه، عالم تلمسان في عصره، وصالحاه. من تصانيفه: عقيدة أهل التوحيد المعروفة بالعقيدة الكبرى، وأم البراهين المعروفة بالعقيدة الصغرى. توفي سنة (895 ه)". والدليل على قِدمه سبحانه من النقل: قوله تعالى: {هو الأول} أي بلا بداية، ومن العقل: هذه المخلوقات، لأن اللَّه تعالى، لو لم يكن قديماً، لكان حديثاً، ولو كان حديثاً، لم يوجد شيئاً من هذه المخلوقات. اه - مف - ه - تع - أعلام. والآية من سورة الحديد: (3). وانظر صفحة - 294 - .(1/359)
البقاء: هو عدم الآخرية لوجوده تعالى، أي لآخر لوجوده سبحانه، ومحال - في حقه سبحانه - الفناء، والدليل على بقائه من النقل: قوله تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}، وقوله عز وجل: {والآخر} أي بلا نهاية، ومن العقل: هذه المخلوقات، لأن اللَّه تعالى، ول لم يكن باقياً، لكان فانياً، ولو كان فانياً، لكان حادثاً، ولو كان حادثاً، لم يوجد شيئاً من هذه المخلوقات. مف، (الرحمن: 27) (الحديد: 3).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في صفة الواحدية، والأحدية الأزلِيّتَيْن:.
مطلب في صفة الواحدية، والأحدية الأزلِيّتَيْن:
ومن صفات اللَّه تعالى أيضاً: الواحدية، والأحدية(1)، أزلاً، وأبداً، في ذاته، وصفاته، وأفعاله، فيستحيل عليه أن يكون له شريكٌ، او نظير، أو شبيه(2)، أو يكونَ مركّباً في ذاته، او متجزئاً، أو يكنَ فيه شيء من ذلك(3)، والمراد بالواحدية: الواحدية المطلقة، التي تكون من جميع الوجوه، لا المقيدةُ التي تكون للمخلوق، فإنها من بعض الوجوه، بحسب الاعتبارات.
والمراد بالأحدية: عدمُ إمكان الشركة، وعدمُ تصورها، ولو بوجهٍ من الوجوه. والدليل على ثبوت هذين الوصفين للَّه تعالى: خلقُ العالَم، لأنه تعالى، لو لم يكن واحداً مطلقاً، لما قَدَر أن يخلق شيئاً من هذا العالم، لعجزه حينئذ بالمساواة، ولو من وجهٍ، والإيجاد: قَهْرٌ، والعاجزُ لا يمكنه القهر، ولو أمكنتْ فيه الشركة، أو تُصُوّرت، لكان الاثنان: إما أن يتحدا في جميع الصفات، الواجبة لكلٍ منهما، فيلزم الاتحاد في الذات، فتنتفي الشركة حينئذ، وإما أن ينفرد أحدهما بصفاتٍ، ليست في الآخر، فَيَكْمُل أحدهما، وينقص الآخر، والكامل: هو الربُّ، والناقص هو المربوب، فعلى كلِّ حالٍ، الشركة منتفية، والوحدة ثابتة.
-------------------(1/360)
الأحدية: هي أول مجالي الذات، فهي مجلى ذاتي، ليس للأسماء، ولا للصفات، ولا لشيء من المُكَوّنات فيها ظهور، فهي ذاتٌ صرف، مجردة، عن الاعتبارات الحقيّة، والخلقيّة، وإن كان الجميع موجوداً فيها، ولكن بحكم البطون، فنسبة الواحد إلى ذاته: نسبة واحدة، هي عينُ أحديته، لا واحديته، ونسبته إلى الاعتبار الثاني، هي واحديته. فالأحدية: هي تجليه عزّ وجل لذاته بذاته، إذ لا غير في هذه المرتبة، فإنّ لفظ - الأحد - ينفي أن يكون هناك اعتبارُ غيرٍ وسوى. و الواحدية: هي التعيّن الثاني، وهي اعتبارات الذات، من حيث انتشار الأسماء، والصفات منها، فالواحد: اسم الذات بهذا الاعتبار اه - المواقف للعارف الأمير عبد القادر الجزائري قدس اللَّه سره ورحمه، المتوفى سنة (1300 ه) ابن محي الدين بن مصطفى، الحسني، أمير، مجاهد، من العلماء، الشعراء، البسلاء، ولد في القيطنة (من قرى إيالة وهران بالجزائر)، وتعلم في الجزائر، وحج مع أبيه عام (1241 ه) جاهد الفرنسيين حتى سنة (1263 ه)، واختار دمشق مستقراً له عام (1271 ه) و توفي فيها. أعلام.
وهو ما يسمى باستحالة الكم المنفصل، وهو تعددها، بحيث يكون هناك إله ثان، فأكثر.
وهو ما يسمى باستحالة الكم المتصل، بأن تتركب ذاته من أجزاء.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في صفة الحياة المطلقة:.
مطلب في صفة الحياة المطلقة:(1/361)
ومن صفات اللَّه تعالى أيضاً:الحياة المطلقة(1)، فهو حَيٌّ، أزلاً، وأبداً، لا كحياة شيءٍ، من مخلوقاته، لأن حياةَ المخلوق مقيدةٌ، بسبب سريان الرُّوح في قالبه الحيواني، وذلك على اللَّه تعالى محالٌ. والدليل على ثبوت هذه الصفة للَّه تعالى: وجوبُ اتصافه تعالى بالعلم، والسّمع، والبصر، والكلام، والقدرة، والإرادة، الآتي ذكرُها، لأنه متى انعدمت منه صفة الحياة، فكيف يُتصور أن يتصف بواحدةٍ من هذه الصفات المذكورة؟ وهو واجب الاتصاف بها.
ومن صفات اللَّه تعالى أيضاً: العلم(2)، المحيطُ بجميع المعلومات، أزلاً، وأبداً، إحاطةً واحدة(3)، بالكليّات، والجزئيات، من غير زيادة إحاطة بمعلوم دون معلوم، أو تفاوتٍ بين موجود، ومعدوم، فيعلم ذاتَه، وصفاته، وأفعاله، ويعلم ما يستحيل من الممتنعات عَقلاً، وأنها لو أمكنت، كيف أمكنت، ويعلم ما كان، وما يكون، وما هو كائنٌ إلى يوم القيامة(4). والدليل على ذلك: أنه تعالى لو لم يكن يَعْلم هذه العوالم، (ف) كيف أوجدها من العدم؟ ولا شك أنّ مرتبةَ إيجاد الشيء، فوقَ مرتبةِ العلم به، بحسب الظاهر المتبادر للأفهام، فإذا امتنع العلمُ به، امتنع إيجادُه بالضرورة، {ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ، وهو اللطيف الخبير؟}(5).
-------------------(1/362)
الحياة: صفة، وجودية، تصحح لمن قامت به أن يتصف، بالعلم، والسمع، والبصر، وغيرها من سائر الصفات، كالقدرة، والإرادة، وهذا التعريف يناسب حياة اللَّه تعالى القديمة، وهناك حياة حادثة للمخلوق. والحياة المختصة بالمخلوق، هي غير الروح، إذ قد توجد حياة في المخلوق، ولا يوجد روح، وقد خلق اللَّه سبحانه الحياةَ في كثير من الجمادات، والنباتات، معجزةً، أو كرامةً، بدون روح، كالشّجر الذي سلم على المصطفى، - صلى اللَّه عليه وسلم - ، والحصى الذي سبّح في كفه - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - اهـ بيجوري على السنوسية. واعلم أن للحياة سبعة مطالب: نشهد، ونعتقد أنّ حياة اللَّه تعالى: موجودة، قديمة، وباقية، ومخالفة لحياتنا الحادثة، وغنيّةٌ عن المخَصّص، وواحدةٌ، ولا تعلق لها بشيء زائد على القيام بمحلها. ومحالٌ - في حقه تعالى - ضدها، وهو: الموت - اه مف - ه - تع - .
العلم: صفة، وجودية، قديمة، قائمة بذاته عزّ وجل، يعلم بها الأشياء، تفصيلاً وإجمالاً، على ما هي عليه، في الواقع أو على ما ستكون عليه في المستقبل، بدون سبق خفاء. ولها سبعة مطالب: نشهد، ونعتقد أنّ علم اللَّه تعالى، موجودٌ، وقديم، وباق، ومخالف لعلمنا الحادث، وغنيٌّ عن المُخَصّص، وواحد، وعام التعلق - تعلقَ انكشاف - بجميع الواجبات، والجائزات، والمستحيلات، ومحال - في حقه تعالى - ضدها، وهو: الجهل، وما في معناه. مف - تع - .
بلا تأمل، ولا استدلال، فليس علم اللَّه تعالى نظرياً، ولا اكتسابياً، ولا استدلالياً، لأنه يلزم عليها سبق الجهل، وكذا لا يوصف علمه بالبداهة، لأن البداهة محيء الشيء بغتة، وهو حادث، يسبقه الجهل، وكذا لا يوصف بأنه ضروري، كعلمك بالجوع، والعطش الحاصلين لك. دسوقي.(1/363)
وهذا التعريف يعني أن هذه الصفة، ليس من شأنها تخصيص الممكنات، أو التأثير عليها بوجهٍ من الوجوه، ولكن شأنها مجرد الكشف، والاطلاع، سواء تعلق بواقعٍ ظهر إلى الوجود، أو بمغيّب، لا يزال في جوف العدم. اه. كبرى اليقينيات.
(الملك: 14).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في صِفَتي السَمع، والبصر الأزليتين:.
مطلب في صِفَتي السَمع، والبصر الأزليتين:
ومن صفات اللَّه تعالى أيضاً: السمع(1)، والبصر(2)، أزلاً، وأبداً، بلا أذنٍ، ولا عينٍ، فهو السميعُ الذي يَسْمَع كلَّ مُبْصَر، وهاتان الصفتان - في الحقيقة - داخلتان في صفة العلم، لأنَّ السمعَ: علمُ اللَّه تعالى بالمسموعات،و البصرَ: علمُ تعالى بالمبصرات. وإنما أُفردا عن العلم، لورود النصوص القطعية بذلك، ودليلها: هو دليل ثبوت العلم، كما تقدّم.
-------------------
السمع: صفة وجودية، قائمة بذاته عزّ وجلّ، ينكشف بها كل موجود، على ما هو عليه، انكشافاً، يباين سواه ضرورة، لا على سبيل التخيّل، الوهم، ولا على تأثير حاسة، ووصول هواء. ولها سبعة مطالب: نشهد ونعتقد: أن سمع اللَّه تعالى: موجود، وقديم، وباقٍ، ومخالف لسمعنا الحادث، وغنيٌ عن المُخَصّص، وواحد، وعامُّ التعلق بجميع الموجودات، سواء كانت قديمة - كذاته تعالى، وصفاته - ، أم حادثة - كذواتنا، وصفاتنا، وأصواتنا - . ومحال - في حقه عز وجل - ضدّه، وهو: الصمم. اهـ مف - وكبرى اليقينيات.(1/364)
البصر: صفة وجودية، قائمة بذاته عزّ وجل، ينكشف بها كل موجود، على ما هو به، انكشافاً يُباين سواه ضرورة، ولها سبعة مطالب: نشهد، ونعتقد، أنّ بصر اللَّه تعالى: موجود، وقديم، وباقٍ، ومخالف لبصرنا الحادث، وغنيّ عن المخصص، وواحد، وعام التعلق بجميع الموجودات، سواء كانت قديمة - كذاته تعالى، وصفاته - أم حادثة - كذواتنا، وصفاتنا - ، ومحالٌ - في حقه عزّ وجل - ضده، وهو: العمى - اه - مف - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في صفة الكلام الأزلي:.
مطلب في صفة الكلام الأزلي:
ومن صفات اللَّه تعالى أيضاً: الكلامُ الأزليُّ الأبديّ، المطلق(1)، غيرُ المقيد بحرفٍ، ولا صوت، إلى غير ذلك من التقييدات الدالةِ على الحدوث، وهو: معنىً قائم بذاته تعالى، متضمنٌ للخطابات الأزلية(2)، المتعلقةِ بالحوادث وغيرها. وليس منه ماضٍ، ولا مستقبل، ولا حالٌ. وأما الذي يُترجمه - وهو هذه الكلماتُ، المنزلةُ على الأنبياء عليهم السلام - فهي المشتملة على الماضي، والمستقبل، والحال، لضرورة ضِيق حوصلة الكلمات المذكورة، عن استيفاء ترجمة المعنى القديم، بل هي ضيّقة عن استيفاء معنى الوجدانيات الحادثة(3)، مثْلَها، كالحلاوة، والمرارة مَثَلاً، فما بالُك بالمعنى القديم؟
وبيان ذلك: أنّ الإنسان، إذا قيل له: ما الحلاوة، وما المرارة؟ لا يُمكنه أن يأتي بعبارة تُفْهم معناهما لِمن لم يدْركهما في عمره. والدليل على ثبوت هذه الصفة للَّه تعالى: أن ضِدَّها - وهو البَكم (الخرس) - نقصٌ ظاهر في المخلوق، وعجزٌ واضح فيه، فكيف لا يكون نقصاً في الخالق، وعجزاً فيه؟ واللَّه تعالى منزهٌ، ومقدّس عن كل نقص وعجز، تعالى اللَّه عن ذلك عُلواً كبيراً.
-------------------(1/365)
الكلام: صفة وجودية، قائمة بذاته عز وجل، تدل على كلّ معلوم، وليس لحرفٍ، ولا صوت. قال الإمام السُّنوسي - رحمه اللَّه تعالى - في المقدّمات: الكلام الأزلي: هو المعنى القائم بالذات، المعَبّر عنه بأنواع العبارات المختلفة، المُنَزه عن البعض، والكل، والتقديم، والتأخير، والسكوت، والتجدد، واللحن، والإعراب، وسائر أنواع التغيّرات، المتعلق بما تعلق به العلم من المتعلقات، إلا أنّ تعلق العلم تعلق انكشاف، وتعلق الكلام تعلق دلالة. ولها سبعة مطالب: نشهد، ونعتقد أنّ كلام اللَّه عز وجل: موجود، وقديم، وباق، ومخالف لكلامنا الحادث، وغنيٌّ عن المخصص، وواحد، وعام التعلق - تعلقَ دلالة - بجميع الواجبات، والجائزات، والمستحيلات. ومحال - في حقه تعالى - ضدها، وهو: البكم. اهـ - مف - وانظر صفحة - 296 - من هذا الكتاب.
المعبر عنها بالنظم المسمى، بالقرآن، المركب من الحروف. شرح الفقه.
وذلك أن كل مَنْ يأمر، وينهى، ويخبر بخبرٍ، يجد من نفسه معنىً، ثم يدل عليه بالعبارة، أو الكتابة، أو الإشارة، وهو غير العلم، إذ قد يخبر الإنسان عمالا يعلمه، ثم يعلم خلافه، وهو غير الإرادة، لأنه قد يأمر بما يريده، كمن أمر عبده قصداً، إلى إظهار عصيانه، وعدم امتثاله لأوامره، ويسمى هذا الكلام نفسياً، كما أخبر اللَّه عز وجل عن هذا المرام بقوله: {ويقولون في أنفسهم: لولا يعذبنا اللَّه بما نقول}(المجادلة: 8) وفي شعر الأخطل: (كامل):
إن الكلام لفي الفؤاد، وإنما * جُعل اللسان على الفؤاد دليلاً
وقال عم رضي اللَّه عنه: إني زوّرت في نفسي مقالة، أي هيأت كلاماً. شرح الفقه - وارجع إلى كبرى اليقينيات.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في القدرة المطلقة، والإرادة الأزلية:.
مطلب في القدرة المطلقة، والإرادة الأزلية:(1/366)
ومن صفات اللَّه تعالى أيضاً: القدرة المطلقة(1)، والإرادة المطلقة(2)، فهو قادرٌ، مُرِيد، أزلاً، وأبداً، يستحيل عليه العجز عن مُمْكنٍ من الممكنات، الجليلة، أو الحقيرة. ويستحيل عليه - أيضاً - أنْ يخلق شيئاً، وهو كارهٌ لخلقه، غيرُ مريدٍ له، أو هو مضطرٌ إليه، أو غافلٌ عنه، أو مؤثّرٌ فيه بالطبع، أو بالتعليل، تعالى اللَّه، وتقدّس، وتنزّه عن ذلك عُلواً كبيراً(3)، والمراد بالقدرة المطلقة: القدرة غيرُ المقيدة بآلة، وعلاج، وكيفية، ونحو ذلك، مما هو لازم لقدرة المخلوق، وذلك لأنّ قدرة المخلوق، مخلوقة مثله(4)، وقدرةُ اللَّه تعالى: قديمة، أزلية، أبدية، تَصدر عنها جميع المخلوقات، والمترتبة في الوجود، المتسببة بعضها لبعض، من غير أن تتغير القدرة القديمة، أو تتأثر بهذه التعلقات الحادثة.
ودليل ذلك: هذه العوالمُ الناطقة، الني تُنادي على رؤوس الجاحدين، بأن موجدَها قادرٌ، لا يُعْجِزُهُ شيء في العالمين(5). والمراد بالإرادة المطلقة: الإرادة غير المقيدة، بغرضٍ عائد للمريد، يَجلب له نفعاً، أو يدفعُ عنه ضراً، وغيرُ المقيدة - أيضاً - بعبثٍ، لا نفعَ فيه، ولا ضرر. وإنما إرادة اللَّه تعالى: صفة له، تُخَصِّص المقدورات، بكيفية دون كيفية، وكمية دون كميّة، ومكان دون مكان، وزمان دون زمان، على مقتضى الحكمة، العائدِ شيء من آثارها على المقدروات(6).(1/367)
والدليل(7) على ثبوت إرادة اللَّه تعالى، المخصصة لسائر مقدراته: أنه تعالى، لو كان مُكرَهاً في شيء من ذلك، أو غافلاً عنه، أو مضطراً إليه، لوُجد كيفما أمكن، وانتفت هذه الصَّنعة البديعة، وهذا الأسلوب الغريب. أرأيت هذا الحيوانَ، الذي يقال له: النَّحلُ (حينَ يصنع هذا الشكل المُسَدّس، الذي لا ينحرف، كأنه استُنبط بقياس هندسي، ويَبْنيه، ويُتقنه على أُسلوب، تَعجز عنه العقلاء)، هل هو متصفٌ بالعقل، حتى تنسب إليه هذا الصنعَ العجيب، وتَغفلَ عن خالقه، وموجِده؟، كما غفلت عنه، في نسبتك الصنائع الغريبة إلى العاقل من بني آدم(8)، وهل هذه الأفعال، المْحكمة، العجيبة، إلاّ صادرةٌ، عن مُريدٍ، حكيمٍ، لا يُعْجِزه شيءٌ، ولا يُكرِهه شيء، ولا يَضْطر إلى شيء؟ {سبحان رَبّك رَبِّ العزة عَمّا يَصِفُون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد للَّه رب العالمين(9)}.
-------------------
القدرة: صفة وجودية، قائمة بذاته تعالى، يُوْجِد بها الممكن، ويُعْدِمه، على وفق الإرادة. أو تقول: يتأتى بها إيجاد الممكن، وإعدامه، على وفق الإرادة. ولها سبعة مطالب: نشهد، ونعتقد: أنّ قدرة اللَّه عز وجل: موجودة، وقديمة، وباقية، ومخالفة، لقدرتنا الحادثة، وغنية عن المخصص، وواحدة، وعامّة التعلق بجميع الممكنات، ومحال - في حقه عز وجل - ضدها، وهو: العجز، وما في معناه - اه - مف - ه - تع.
الإرادة: صفة وجودية، قديمة، قائمة بذاته عز وجل، يتأتى بها تخصيص الممكن، ببعض ما يجوز عليه، من الأمور المجموعة في قول الإمام: أبي عبد اللَّه، محمد بن قاسم بن محمد بن عبد الواحد بن زاكور، الفاسي (أديب فاس في عصره، مولده، ووفاته فيها، توفي سنة 1120 ه) (من الرجز):
الممكنات المتقابلات: * وجودنا، والعدم، الصفات،
أزمنة، أمكنة، جهات، * كذا المقادير، روى الثقات.(1/368)
ومعنى كونها متقابلات: أنها متنافيات، فالوجود يقابل العدم، وبالعكس. فهذا قسم أول. وبعض الصفات يقابل بعضاً، فكونه أبيض، مثلاً، يقابل كونه أسود، وهذا قسم ثانٍ. وبعض الأزمنة يقابل بعضاً، فكونه في زمن الطوفان، مثلاً، يقابل كونه في زمن سيدنا محمد صلى اللَّه عليه وسلم، وهذا قسم ثالث. وبعض الأمكنة يقابل بعضاً، فكونه في مكان كذا، كمصر، يقابل كونه في مكان غيره، كدمشق. وهذا قسم رابع. وبعض الجهات يقابل بعضاً، فكونه في جهة المشرق، يقابل كونه في جهة المغرب. وهذا قسم خامس. وبعض المقادير، يقابل بعضاً، فكونه طويلاً، مثلاً، يقابل كونه قصيراً. وهذا قسم سادس. وفي وقولنا عن الإرادة: إنها قديمة، ردّ على الكرامية، حيث قالوا: بأنها صفة حادثة، قائمة بالذات. اه. تحفة المريد على جوهرة التوحيد. ولها سبعة مطالب: نشهد، ونعتقد أن إرادة اللَّه تعالى موجودة، وقديمة، وباقية، ومخالفة لإرادتنا الحادثة، وغنية عن المخصص، وواحدة، وعامة التعلق بجميع الممكنات. وحال - في حقه تعالى - ضدها، وهو الكراهة العقلية - بأن يكون مكرهاً - اه مف. وانظر صفحة - 294 - .
فلا يكون في الدنيا، ولا في الأخرى، صغير، أو كبير، قليل أو كثير، خير،أو شر، حلو، أو مر، إيمان، أو كفر، عرفان، أو نكر، فوز، أو خسران، زيادة، أو نقصان، طاعة، أو عصيان، إلا بإرادته، ووفق حكمته، وطبق تقديره، وقضائه في خليقته، فما شاء اللَّه كان، وما لم يشأ لم يكن، فهو الفعال لما يريد، كما يريد، لا راد لما أراد، ولا معقب لما حكم في العباد، ولا مهرب عن معصيته، إلا بإرادته، ومعونته، ولا مكسب لعبد في طاعته إلا بتوفيقه، ومشيئته. اهـ فقه.
قال تعالى: {واللَّه خلقكم وما تعلمون} (الصافات: 96).
قال بعضهم في ذلك (من الوافر):
تأملْ في نبات الأرض، وانظر * إلى آثارِ ما صنع المليكُ:
عيونٌ من لُجينٍ، شاخصاتٌ * بأحداقٍ، هي: الذهب السبيكُ،(1/369)
على قُضُب الزّبرجدِ شاهداتٌ * بأنّ اللَّه ليس له شريكُ
واللجين - بالضم - : الفضة، والزبرجد: جوهر معروف. اهـ مختار الصحاح.
وبيان ذلك: أن اللَّه تعالى أمرَ بني آدم بأشياء، ونهاهم عن أشياء، بعد أن أوجدهم من العدم، ثم هو تعالى الذي يَخلق فيهم قدرةً، وإرادة لفعل المأمورات، أو قدرةً، وإرادة لفعل المنهيات، {قل: فللَّه الحجةُ البالغةُ، فلو شاء لهداكم أجمعين} (الأنعام: 149).
فإن عطل الواحد منهم، قدرتَه، وإرادته المخلوقةَ له، و اتكل على القضاء، والقدر، لا يُعذر في ذلك، بل يقال له: يا فاسدَ العقل، صَرّف قدرَتك، وإرادتك إلى فعل الشيء. وعدمُ اتكالك على القضاء، والقدر، هل هو خارجٌ عن القضاء، والقدر؟ فلا محيص أن يقول: غيرُ خارج، فيكون اللَّه تعالى قد حكم له بالثواب، او بالعقاب، بمقتضى خلق القدرة، والإرادة فيه، {لا يُسأل عمّا يفعل، وهُم يسألون} (الأنبياء: 23). فانظر: هل خلت إرادة اللَّه تعالى لذلك، من حكمةٍ، يعود على المخلوق شيء من آثارها؟، وجميعُ إرادات اللَّه - تعالى في مقدوراته - من هذا القبيل.
ولا يذهب على أحدٍ أن ما ذكرناه قولٌ ينفي الجزءَ الاختياري، كما هو مذهب الجبرية أتباع جهم بن صفوان وغيره، القائلين: بأن الإنسان بمنزلة المفتاح، لا يَفتح ما لم تُحركه اليد. لأن هذا القول، لا يخفى فساده، على أقلّ واحد من العقلاء، لأنا نجدُ فرقاً ظاهراً بين حركة المرتعش، وحركة غير المرتعش، فلو كان الحق، كما يقولون، لاستوت الحركتان، وذلك لا يعقل، بل إن اللَّه تعالى، يخلق في الإنسان قدرةً على الفعل، عند الفعل، لا قبله، ولا بعده، بمنزلة خلق اللَّه تعالى جميع الأفعال العادية - كخلق الإحراق، عند اقتران النار بالجِرم، وزوال المانع من ذلك، وخلقِ القطع عند اقتران السكين بالجرم، ونحو ذلك - اه - ه - تع - الفرق - وانظر صفحة - 293 - من هذا الكتاب.
أي العقلي.
قال بعضهم (مجزوء الكامل):(1/370)
-مَنْ علم العصفور أنْ * يبنيَ عُشّاً في الشجر؟
اللَّه قد علّمه * ذاك، وأعطاه الهدى.
مَنْ علّم البلبل أن * يتلوَ أصواتَ الهنا؟
اللَّه قد علّمه * ذاك، وأعطاه الهدى.
مَنْ علّم النملة أن * تجمعَ في الصيف الطعام؟
اللَّه قد علّمها * ذاك، وأعطاه الهدى.
-مَنْ علّم النحلة أنّ الزهرَ أصلٌ للعسل؟
اللَّه قد علّمها * ذاك، وأعطاه الهدى.
(الصافات: 180). تنبيه: 1 - لا يخفى أن المؤلف - رحمه اللَّه تعالى - قد ذكر من الصفات السلبية: صفة القِدم، والبقاء، الوحدانية، وبقي صفتان، هما: المخالفة للحوادث، وقيامه تعالى بنفسه - .
-أما المخالفة للحوادث: فأنّ يعلم - المكلف - أنه يجب له تعالى، المخالفة في ذاته تعالى، وفي صفاته، وفي أفعاله، فذاته تعالى: لا تشبه ذواتِ الحوادث. وضدها: المماثلة في الذات، والصفات، والأفعال. والدليل عليها من النقل: قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} (الشورى: 12)، ومن العقل: هذه المخلوقات، لأن اللَّه تعالى، لو لم يكن مخالفاً للحوادث، لكان مماثلاً لها، ولو كان مماثلاً لها، لم يوجد شيء من هذه المخلوقات.
وأما قيامه تعالى بنفسه: فأن نعتقد أنّ اللَّه تعالى لا يحتاج إلى محل (أي ذاتٍ) يقوم به، لكون ذاتاً، ولا يحتاج إلى مُخَصّص (أي موجِد يوجده)، لوجوب قِدَمه تعالى، وبقائه. ويستحيل عليه ضد هذه الصفة، وهو الافتقار إلى المحل، والمخصص. والدليل على غناه تعالى من النقل، قوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى اللَّه، واللَّه هو الغني الحميد} (فاطر: 16)، ومن العقل: هذه المخلوقات، لأن اللَّه تعالى، لو لم يكن غنياً عن المحل، لكان صفة، والصفة لا تقوم بنفسها، ولو لم يكن غنياً عن المخصص، لكان حادثاً، والحادث مفتقر إلى محدثه، ولو كان فقيراً لم يوجد شيء من هذه المخلوقات - مف - .(1/371)
ولم يتعرض - أيضاً - للصفات المعنوية، وهي: كل صفة ثبوتية (أي ثابتة في القرآن الكريم، كقوله تعالى: {إن اللَّه على كل شيء قدير} (البقرة: 109) لا توصف بالوجود (كصفات المعاني)، ولا بالعدم (كالسلبية)، بل هي ملازمة لصفات المعاني، لا تنفكّ عنها، وهي: كونه تعالى قادراً، مريداً، عالماً، حياً، سميعاً، بصيراً، متكلماً. فكونه تعالى قادراً: هو واسطة بين الموجود والمعدوم، وملازمة للقدرة، وكونه تعالى مريداً: هو واسطة بين الموجود والمعدوم، وملازمة للإرادة - تع - . أي أنها ليست بموجودة في خارج الأعيان، بحيث يمكن رؤيتها، ولا معدومة في خارج الأذهان، بحيث تكون معدومة عدماً صرفاً، يل هي واسطة بين الموجود والمعدوم.
تنبيه: 2 - وينبغي الإشارة كذلك إلى أن هذه الصفات (بأقسامها الأربعة: بالنفسية، والسلبية، وصفات المعاني، والصفات المعنوية)، تنقسم بالنظر إلى متعلقاتها إلى أربعة أقسام.
القسم الأول: (العلم، والكلام) وهو يتعلق بالواجبات، والممكنات، والمستحيلات جميعاً. أما العلم، فهو صفة تكشف عن حقائق الأشياء، على ما هي عليه، دون أي تأثير فيها. وأما الكلام، فهو صفة تتعلق بالأشياء تعلق دلالة، وبيان، أو أمر، أو نهي. ومن المحال ألا يكون ذلك، بالنسبة إليه سبحانه، متناولاً لسائر الواجبات، والممكنات، والمستحيلات، ولأن بيانه، وأمره، ونهيه، احتوى الحديث عن الواجب، والممكن، والمستحيل.
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في القدرة المطلقة، والإرادة الأزلية:.
وجدت الكلمات في الفص(1/372)
2 - القسم الثاني: (الإرادة والقدرة): وهو يتعلق بالممكنات فقط، دون الواجب، والمستحيل، وبيان ذلك: أن هاتين الصفتين تتعلقان بالأشياء على وجه التخصيص، والتأثير، كالإيجاد، والإعدام، والواجب لا يمكن إعدامه، والمستحيل لا يمكن إيجاده. وهذا لا يعني العجز، أو نقصان الإرادة، لأن طبيعة الإرادة الكاملة، التامة، ليس من شأنها أن تتجه للواجب، ما دام واجباً، وإلى المستحيل، ما دام مستحيلاً، وكذلك القدرة.
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في القدرة المطلقة، والإرادة الأزلية:.
وجدت الكلمات في الفص
3 - القسم الثالث: (السمع، والبصر)، وهو يتعلق بالموجودات، الواجبة، أو الممكنة، ولا يتعلق بالمعدومات، إذ لا يعقل تعلق هاتين الصفتين بها، وإلا لكانت من قسم الموجودات، ولا يمكن اجتماع الوجود، والعدم معاً، لأنه تناقض، وهو محال.
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في القدرة المطلقة، والإرادة الأزلية:.
وجدت الكلمات في الفص
4 - القسم الرابع: (الحياة)، وهو لا يتعلق بشيء، فهو بالنسبة للَّه تعالى، صفة قائمة بذاته، لا تعلق لها بشيء سواه، شأنها أن تصحح قيام تلك الصفات السابقة به تعالى. اهـ كبرى اليقينيات.
-------------------
القسم الثاني
في المسائل النَّبَويّات(1/373)
اعلم أيها المكلف - الذي أتى بما يُفترض عليه من معرفة ربِّه، وخالقه، الذي خلق وصوّره - ، أنه بقي عليك شيء آخر، لا تعتبر معرفتك هذه، إلاّ به، بمنزلة عبدٍ تاه عن مولاه، في مفازة قفراء، ثم وجده،، بعد أن أشرف على الهلاك، جوعاً، وعطشاً، فوصل إليه، وعرَفه، وميّزه عَمّن سواه، ولكنه استنكف عن أكل طعامه، وشُرب شرابه، واستكبر عن اتباع ما أمر به، من الخدمة، ونهاه عنه، فهل معرفته هذه لمولاه تُغْنيه شيئاً، أو تنْفعه، أو تدفع عنه جوعه، وعطشه؟! وكذلك معرفتُك - أيها المكلف - لخالقك، ومُصَوّرك، لا تنفعك شيئاً، مع تكذيبك لرسله، و أنبيائه، وإنكارك لما جاؤوا به، من الشرائع، ومخالفتك لشيء من ذلك، أو شكك فيه، أو توهُّمك أنه خلاف الصواب، وظنك ذلك. {آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربه، والمؤمنون، كلٌّ آمن باللَّه، وملائكته، وكتبه، ورسله، لا نُفرِّق بين أحدٍ من رسله، وقالوا: سمعنا، وأطعنا، غفرانَك، ربَّنا وإليك المصير(1)}. و{من يُطع الرسول، فقد أَطاع اللَّه، ومَنْ تولى، فما أرسلناك عليهم حفيظاً(2)}).
-------------------
(البقرة: 285).
(النساء: 79).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في إرسال الرسل:.
مطلب في إرسال الرسل:(1/374)
وأما الإيمانُ بأنبياء اللَّه، ورسله، فاعلم أن إرسال الرُّسل - من اللَّه تعالى إلى الخلق، لتبليغ الأوامر، والنواهي - جائز عقلاً، لا شبهةَ فيه، غيرُ واجبٍ على اللَّه تعالى، ولا مستحيل عليه(1). وذلك لأنّ العقل - وإنْ أمكنه أن يستقل بالاستدلال على معرفة اللَّه تعالى - فإنه لا يُمكنه أن يستقلّ في معرفة المأمورات، والمنهيات الخطابية، المتضمنة للتكليف، الذي هو نتيجة الخلق، قال اللَّه تعالى: {وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليعبُدون(2)}، فكانت معرفة ذلك متوقفةً على إرسال الرسل، قال اللَّه تعالى: {وما كنا مُعَذّبين حتى نَبثَ رسولاً(3)}.
(وأمَّا دليل ثبوته، ووقوعه في الخارج) فكلُّ رسول، أرسله اللَّه تعالى (إلى قوم) - من لدن آدم عليه السلام، إلى عصر نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلم - كان يُرسله اللَّه تعالى من خيار أهل زمانه، فيكونُ أكملَهُم، وأجملهم، فيدّعى الرسالةَ، وتتحدّاه الخصوم، فيخلقُ اللَّه تعالى المعجزة، على يديه، بحسب ما تطلبه منه الخصوم، فتثبت رسالتُه بهذا القدْر من الأمر الخارق (لعادة اللَّه تعالى في خلقه، الذي تعترف به السحرة الماهرون بأنه ليس بسحر(4)).
-------------------
خلافاً للمعتزلة، القائلين: إنها واجبة على اللَّه تعالى، بناءً على أصلهم الفاسد، ومعتقداتهم الكاسد: من انه يجب على اللَّه تعالى فعل الصلاح والأصلح. وخلافاً للبراهمة - وهم طائفة كفّار - نسبة إلى برهام، كبيرهم، القائلين: باستحالة بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام.(1/375)
فالبراهمة، والمعتزلة، كلٌّ منهما يقول بوجوب الصلاح، والأصلح على اللَّه تعالى، إلا أن المعتزلة، قالوا بوجوب البعثة، نظراً لكونها صلاحاً، والبراهمة حكموا باستحالتها، نظراً لكونها فساداً، لما فيها من المشقة، أو نظراً لخلوها عن الفائدة، فلا يصح أن تكون من فعل الحكيم، لأنها عبث. فهم يعتقدون أن التحسين، والتقبيح عقليان، وعقلهم قبّح بعثة الرسل، لما فيها من المشقة، فحكموا باستحالتها. فبعثة الرسل - عليهم الصلاة والسلام - جائزة عقلاً، ثابتة شرعاً، فمن ذلك: قوله تعالى: {وما كنا مُعَذّبين حتى نبعث رسولاً} (إسراء:15)، وقولُه تعالى: {يَسَ والقرآن الحكيم، إنك لمن المرسلين} (يس: 1)، وقولُه عز وجل: {يا حسرة على العباد، ما يأتيهم من رسولٍ، إلا كانوا به يستهزئون} (يس: 30) اهـ مف - تع - حاشية الدسوقي - وانظر صفحة - 170 - .
(الذاريات: 56).
(الإسراء: 15).
الهدية العلائية - 345 - وانظر فيها تتمة هذا البحث، تجد كلاماً حول الأمور الخارقة للعادة، ومعنى المعجزة، وبياناً عن معجزاته - صلى اللَّه عليه وسلم - .
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
ملب في ثبوت نبوته صلى اللَّه عليه وسلم:.
ملب في ثبوت نبوته صلى اللَّه عليه وسلم:(1/376)
وما زال هذه الشيء متكرراً في الأمم الماضية (يؤمن به مَنْ يؤمن، ويكفر به من يكفر)، حتى تهلّلت الأكوان بالبشائر، وآن أوان تلألؤ الأنوار، وانكشاف الستائر، وخمدت النيران، وظهرت ولادةُ سيّد ولد عدنان(1) (صلى اللَّه عليه وسلم)، فرحم اللَّه به أهلَ هذا الوجود، وكثرت الخيراتُ، والجودُ، وكان ذلك في مكة عام الفيل، (بعد هلاك أصحاب الفيل، بخمسين يوماً)، ثم نشأ صلى اللَّه عليه وسلم بين أظْهُر قومه، يدعونه بالأمين، وهو: محمد(2) بن عبد اللَّه(3) بن عبد المطلب(4) بن هاشم(5) بن عبد مناف(6)، (بن قصي(7)، بن كلاب(8)، بن مُرّة(9)، بن كعب(10)، بن لؤي(11)، بن فهر(12)، بن مالك، بن النضر(13)، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس(14)، بن مضر(15)، بن نزار(16)، بن معد(17)، بن عدنان(18).).
ادّعى النبوة والرسالة من اللَّه تعالى، إلى جميع المخلوقات، وتحدّته الخصوم، فظهرت المعجزاتُ على يديه، وهي كثيرةٌ لا تُحصى(19)، وقد اقترنت بدعوى النبوة (فتميّزت عن الكرمات)، وبطهارة النفس، وصالح الأعمال، فتميزت عن السحر، والكهانة.
وكلُّ واحدة منا، نازلةٌ منزلةَ قول اللَّه تعالى: (صدقَ نبيي، ورسولي إليكم، محمَّدٌ صلى اللَّه عليه وسلم، في جميع ما يخبركم به عني، فآمنوا به، وصدقوه)، فأفهم اللَّه تعالى هذا المعنى، (الذي هو أوضح من شمس الظهيرة)، لقومٍ انفتحت بصائرهم، لقبول الأَنوار الإلهية، وتهيأت خواطرهم، للابتهاج بالأسرار الأَقدسية، ففتح اللَّه به أعيناً عُمْياً، وروى به قلوباً عطشى، وآمن به الجمُّ الغفير، وانقادوا إليه، وأعمى اللَّه تعالى عنه أقواماً، وأصمّهم، وختم على قلوبهم فلم يُقبلوا عليه.(1/377)
وبالجملة: فنصوص الكتب السابقة(20) - الدالةُ على ثبوت نبوة سيدنا محمد صلى اللَّه عليه وسلم، وتعظيم شأنه، وإيصاء الأنبياء الماضيين على إتباعه، ونصرته، وتبشير الأحبار به، وَهَتْفِ الكهنة والجانّ به قبل بعثته - لا تكاد تنحصر، وثبوت رسالته، وشرفه - على كل ما خلق اللَّه تعالى - ، أجلى من الشمس المشرقة.
ثم هاجر صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة، بأمر اللَّه تعالى(21)، وسلّمه اللَّه تعالى من جميع المهالك، حتى أعَزَّ اللَّه تعالى الإسلام، وجعل كلمته هي العليا، على رؤوس الأنام، فعند ذلك، عدل صلى اللَّه عليه وسلم، عن التحدي بالمعجزات، إلى المقارعة بالسيوف، والغزوات، فغزا غزواته المشهورة، وأوقع وقعاته المنصورة(22)، حتى تمهدت قواعدُ الدين، واطمأنت قلوبُ الموحدين. وقد انتقل إلينا جملةُ ذلك بالتفصيل، وروته لنا الجموعُ التي لا تُحصى كثرةً، عن الجموع التي لا تحصى كثرةً، جيلاً بعد جيل. وهو باقٍ على هذا التواتر، إن شاء اللَّه تعالى، إلى آخر الزمان.
ولا نسخ لشرعه الشريف، ما بقيت الدنيا، وهو الذي بُعض إلى سائر الأمم(23)، وظهر عليها كلِّها(24)، وخلط بين أجناسها، وجعلها - على اختلاف أديانها، واختلاف لغاتها - جنساً واحداً، على لغة واحدة، (ودين واحد)(24).(1/378)
ومن أعظم معجزاته - صلى اللَّه عليه وسلم - : القرآن، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان أُمياً، لا يقرأ، ولا يكتب، فأنزل اللَّه تعالى عليه أمين وحيه جبريل عليه السلام، بهذا القرآن الكريم، الجامعِ لأنواع البلاغة، المشتمل على أخبار الأمم الماضية، والوعد، والوعيد، وتوحيد اللَّه تعالى، ووصفه بصفات الكمال، وتنزيهه عن صفات النقصان. فتحدّى به مصاقع(25) الخطباء، وفحولَ الشعراء، فلم يقدروا على الاتيان بما يوازيه، ويدانيه(26)، فدّل ذلك على أنه معجزة له - صلى اللَّه عليه وسلم - ، وهو الآن باقٍ دون كل معجزة(27)، فلم يبق عندنا أدنى شبهة، ولا ريب، بثبوت نبوته، ورسالته صلى اللَّه عليه وسلم.
-------------------
يوم الاثنين، الثاني عشر، من شهر ربيع الأول، عام الفيل، حوالي عام (570 م) قبل الهجرة بنحو (53) سنة.
واسمه في الإنجيل: أحمد.
وهو أصغر أولاد عبد المطلب العشرة.
واسمه: شيبة الحمد، لأنه ولد، وله شيبة، وإنما قيل له: عبد المطلب، لأن عمه المطلب، أردفه خلفه، وكان بهيئة رثة، لفقره، فقيل له: مَنْ هذا؟ فقال: عبدي، حياءً ممن سأله.
واسمه: عمرو، وسمّي هاشماً، لأنه هشم الخبز والكعك الذي جاء به من الشام خصيصاً، بسبب مجاعة أصابت قريشاً، ونحر جزوراً، وجعل ذلك ثريداً، وأطعم الناس حتى أشبعهم.
واسمه المغيرة وكان يقال له: قمر البطحاء لحسنه، وجماله. ومناف: اسم صنم.
واسمه: زيد، لقب بقصي، لأنه أُبعد عن أهله، ووطنه، مع أمه، بعد وفاة أبيه. ويقال له مُجَمّع، لأن اللَّه جمع به القبائل من قريش في مكة، بعد تفرّقها.
واسمه: حكيم، وقيل: عروة، ولقب بكلاب، لأنه كان يكثر الصيد بالكلاب.
وهو الجد السادس لأبي بكر.
كان يجمع قومه يوم العَروبة (الرحمة، الجمعة) فيعظهم، ويذكرهم بمبعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وينبئهم بأنه من ولده، ويأمرهم باتباعه.
تصغير لأي، وهو الثور الوحشي.(1/379)
وكان كريماً يفتش عن ذوي الحاجات، فيحسن إليهم. وفهر: اسم للحجز على مقدار ملء الكف.
وهو قريش، فمن كان من ولده، فهو قرشي، ومن لم يكن من ولده، فليس بقرشي. والنضر: الذهب الأحمر.
كان في العرب مثل لقمان الحكيم في قومه.
وكان جميلاً، لم يره أحد إلا أحبه. وله حكم مأثورة. والمضر: الأبيض.
وكان أجمل أهل زمانه، وأرجحهم عقلاً. ونزار، من النزارة، وهي القلة.
وقد كان صاحب حروب، ولم يحارب أحداً، إلا رجع بالنصر، ومعدّ: مأخوذ من تمعدد: إذا اشتد، وقوي.
وعنده يقف ما صحّ من سلسلة نسب الرسول صلى اللَّه عليه وسلم. فقد ورد عن ابن عباس، رضي اللَّه عنهما، أنه صلى اللَّه عليه وسلم، لما بلغ نسبه الكريم إلى عدنان، قال: "من ههنا كذب النسابون". وكل هؤلاء الجدود سادة في قومهم، قادة أطهار. ولا ريب أن نسبه صلى اللَّه عليه وسلم، ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم، عليهما الصلاة والسلام. اهـ العقيدة الإسلامية لحبنكة.
انظر تفصيلاً لها في الهدية، والتعليقات من صفحة - 347 - حتى 536 - .(1/380)
قال تعالى: {الذين يتبعون الرسول، النبي، الأمي، الذي يجدونه مكتوباً عندهم، في التوارة، والإنجيل}، (الأعراف: 157). وقال تعالى حكاية عن السيد المسيح، عليه السلام: {إني رسول اللَّه إليكم، مصدقاً لما بين يديّ من التوارة، ومبشراً برسول يأتي من بعدي، اسمه: احمد} (الصف: 6)، وقال تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} (البقرة: 146) وقال تعالى: {وإذ أخذ اللَّه ميثاق النبيين، لما آتيتكم من كتاب، وحكمة، ثم جاءكم رسول مصدقٌ، لما معكم، لتؤمنن به، ولتنصرنه، قال: أأقررتم، وأخذتم على ذلك إصري؟ قالوا: أقررنا، قال: فاشهدوا، وأما معكم من الشاهدين}. (آل عمران: 81). وفي التوراة، مما ذكره ابنُ ظَفَر، في كتابه: خير البِشر، بخير البَشر، وابن قتيبة، في أعلام النبوة: "تجلى اللَّه من سينا، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران". فسينا: هو الجبل الذي كلم اللَّه فيه موسى، وساعير: هو الجبل الذي ظهرت فيه نبوة عيسى، وجبال فاران: جبال مكة، جبال بني هاشم، التي كان صلى اللَّه عليه وسلم، يتعبد في أحدها، وفيه فاتحة الوحي. وقال ابن سلام، وهو من أخبار اليهود، من حديث: وإني لأجد صفتك في كتاب اللَّه، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً، ومبشراً، ونذيراً، أنت عبدي، ورسولي، سميتك: المتوكل. الحديث اه. انظر الأنوار المحمدية. وابن قتيبة: عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري، من أئمة الأدب، ومن المصنفين المكثرين. توفي ببغداد (276 ه - 889 م). وابن ظفر: محمد بن عبد اللَّه أبو محمد بن ظَفَر الصقلي، المكي، حجة الدين، أديب، رحالة، مفسر، توفي بحماة (565 ه - 1117 م). أعلام.(1/381)
كان خروجه - صلى اللَّه عليه وسلم - من مكة المكرمة، يوم الخميس، أول يوم من ربيع الأول، وقدِم المدينة المنورة، لاثني عشرةَ ليلة خلت من ربيع الأول ظهر الاثنين، سنة ثلاث وخمسين من مولده - عليه الصلاة والسلام - الموافق لسنة ستمائة واثنين وعشرين ميلادية. وكانت مدة مقامه بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة. وبهذه الهجرة تمّت له سُنّة مَنْ قبلَه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إذ ما من نبي، إلا وقد أُوذي من قبل أعدائه، واضطره الأمر إلى الهجرة، حيث النصرُ، وإعلاءُ كلمة اللَّه تعالى، ونشر دينه. اه.ه - تع - .
أُذِن له بالجهاد - صلى اللَّه عليه وسلم - في السنة الثانية من الهجرة، فغزا - عليه الصلاة و السلام - ثلاثاً وعشرين غزوة، ووجّه تسعاً وأربعين سرية، في مدة تسع سنوات. اه - تع - ه.
قال تعالى: {وما أرسلناك إلا كافّة للناس، بشيراً ونذيراً} سبأ - 28 - .
قال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى، ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى باللَّه شهيداً} الآية - سورة الفتح - 28 - .
قال اللَّه تعالى: {واذكروا نعمةَ اللَّه عليكم، إذا كنتم أعداءً، فألّف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخواناً، وكنتم على شفا حفرةٍ من النار، فأنقذكم منها، كذلك يُبَيّن اللَّه لكم آياته، لعلكم تهتدون} (آل عمران: 103) {يا أيها الناس: إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى، وجعلناكم شعوباً، وقبائل، لتعارفوا، إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم، إن اللَّه عليم خبير} (حجرات: 13).
ج مصقع: العالي الصوت، البليغ، مَنْ لا يرتج عليه في كلامه. منجد.(1/382)
وخلاصة القول: إنه كما وصفه اللَّه سبحانه حيث يقول: {ما فرّطنا في الكتاب من شيء} (أنعام: 38) ذلك الكتاب الذي أسكت البلغاء، وحيّر الفلاسفة، ذلك الكتاب الذي عجزت العرب العرباء عن معارضته، والإتيان بأقصر سورة من مثله، رُوي أنّه لما سمع الوليد بن المغيرة، قوله تعالى: {حم، تنزيل الكتاب من اللَّه العزيز العليم} إلى قوله: {إليه المصير}، (غافر: 1 - 3) ذهب إلى قومه، وقال: واللَّه لقد سمعت من محمدٍ آنفاً، كلاماً، ما هو من كلام البشر، ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه. ه - تع - والوليد هو ابن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو، بن مخزوم، أبو عبد شمس، من قضاة العرب في الجاهلية، ومن زعماء قريش، وزنادقتها، لقب بالعدل، لأنه كان يعدل قريشاً كلها، إذ كان يكسو البيت وحده، وقريش تكسو البيت جميعها، وكان ممن حرّم الخمر في الجاهلية، وضرب ابنه هشاماً على شربها. أدرك الإسلام، وهو شيخ هرم، فعاداه، وقاوم دعوته. وهو الذي قال عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لكن أصلح ما قيل فيه: ساحر، لأنه يفرّق بين المرء، وأخيه، والزوج، وزوجته. هلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر، ودفن بالحجون، وهو والد سيف اللَّه خالد رضي اللَّه عنه. أعلام.
وهو كلام اله تعالى، حقيقة لغوية، لا مجازاً عرفياً، مكتوب في المصاحف، مقروء بالألسن، محفوظ بالقلوب، وهو اسم للنظم والمعنى معاص، فلا يجوز قراءة القرآن في الصلاة، بغير العربية للقادر. قال أبو حنيفة: لا يجوز القراءة - في الصلاة - بالفارسية، مع القدرة على العربية، ولو قرأ بغير العربية: فإما أن يكون مجنوناً، فيداوي، أو زنديقاً، فيقتل، لأن اللَّه تعالى، تكلم بهذه اللغة، والإعجاز حصل بنظمه، ومعناه، ومن قال: إنه مخلوق، فهو كافر باللَّه تعالى. اه - ه - تع - شرح الفقه، وانظر تحقيق ذلك في صحيفة - 362 - 363 - من - ه - .(1/383)
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الإيمان بالأنبياء (عليهم الصلاة، والسلام):.
مطلب في الإيمان بالأنبياء (عليهم الصلاة، والسلام):
فيفترض على كلّ مكلف - فرضاً عينياً - أن يُقرَّ، ويَعْتقد أيضاً: أن محمداً رسول اللَّه، وأنه خاتمُ جميع الأنبياء، والمرسلين، لا نبيَّ بعده، ولا رسولَ، وأنه أُرسل إلى كافة المخلوقات، بشيراً، ونذيراً، وأن اللَّه تعالى أسرى به ليلاً، من المسجد الحرام، إلى المسجد الأقصى، وكان ذلك يقظةً، بجسده الشريف، وأكرمه اللَّه تعالى بالكرامات، وبما شاء(1). وأن اللَّه أرسل قبله، إلى الأمم السابقة، أنبياء، ورسلاً(2)، أيّدهم بالمعجزات، والآيات، وهم صادقون في جميع أحوالهم، وأقوالهم، وأنزل عليهم كتباً، هي: كلامه القديم، جمعها اللَّه تعالى في القرآن الكريم، وخاطبهم بشرائعَ، هي الآن منسوخةٌ، بشريعة نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلم.
-------------------(1/384)
راكباً على البراق، وكان ذلك قبل الهجرة بسنة ونصف، وكان ذلك لفوائد لا تحصى، منها: صلاته في المسجد الأقصى، إماماً بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومنها: أنه نُصب له المعراج، فترقى، ومنها: أن اللَّه تعالى، لما شرف بنبيه - صلى اللَّه عليه وسلم - الأرضين ومَنْ فيهن، أراد أن يشرف به السماوات، ومن فيهن، فقد عرج - صلى اللَّه عليه وسلم - بروحه، وجسده، ورأى من الآيات والعجائب، ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وكان إسراؤه ومعراجه - صلى اللَّه عليه وسلم - ليلاً، لمزيد الاحتفاء به. قال ابن الجوزي - رحمه اللَّه تعالى - : إنّ النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - سراج، والسّراج لا يُوقد إلا ليلاً، وهو - صلى اللَّه عليه وسلم - بدر، والبدر لا يظهر نوره إلا بالليل. وفي تلك الليلة، فرض اللَّه تعالى، عليه وعلى أمته، في اليوم والليلة، خمسين صلاة، فما زال يرجع، ويسأل ربّه التخفيف، حتى صارت خمساً في الفعل، وخمسين في الأجر، إذ الحسنة بعشرة أمثالها. ومنها: أن الميت يُنتفع به بعد موته، كيف لا، وقد انتفعنا بسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، وفي تخفيف صلاتنا من الخمسين إلى الخمس؟! - اه - ه - تع - وانظر صفحة - 137 - في ترجمة ابن الجوزي.
قال تعالى: {رسلاً مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على اللَّه حجة بعد الرسل، وكان اللَّه عزيزاً حكيماً} (نساء: 16).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في وصف الملائكة:.
مطلب في وصف الملائكة:(1/385)
وأن اللَّه تعالى خلق ملائكة، هم أرواح مجردة، لا تُوْصَف بذُكورة، ولا أنوثة، لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يراهم البصر، إذا كانوا على هيئتهم الأصلية، لأنهم أجسامٌ، لطيفة، نورانية(1)، ولهم قوّة على التشكّل بأيّ صورةٍ أرادوها، فإذا تشكلوا، تُمْكن رؤيتهم حينئذ(2)، وأقدرهم اللَّه على أشياءَ، يعجز البشر عنها - كقطع المسافة البعيدة، في أسرع من لمح البصر، وحمل الجبال، والمدن(3) - لا يَمَسُّهم التعب، لا يعصون اللَّه ما أمرهم(4)، ويفعلون ما يؤمرون(5)، وفضّل منهم أربعة: جبرائيل(6)، وميكائيل(7)، وإسرافيل(8)، وعزرائيل عليهم السلام(9).
-------------------
قال صلى اللَّه عليه وسلم: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارجٍ من نار، خلق آدم مما وصف لكم". رواه مسلم، عن عائشة مرفوعاً. وكان جبريل عليه السلام، ينزل بالوحي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا يراه جلساؤه.اه. العقيدة.
كما ورد في آخر حديث عمر "فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم"، وقصة نزول جبريل على السيدة مريم، حين تمثل لها بشراً سوياً. قال تعالى: {فأرسلنا إليها روحنا، فتمثل لها بشراً سوياً} (مريم: 17)، وكنزول جبريل عليه السلام، على صورة الصحابي الجميل الصورة: دحية الكلبي. اهـ العقيدة.
كما فعل رسل سيدنا لوط، عليه السلام، وهم من الملائكة، إذ قلبوا أرض قومه عاليها سافلها، دفعة واحدة، اهـ العقيدة.
قال تعالى: {وله مَنْ في السماوات، والأرض، ومَنْ عنده لا يستكبرون عن عبادته، ولا يستحسرون، يسبحون الليل، والنهار، لا يفترون} (الأنبياء: 19 - 20) ويستحسرون: يكلون ويتعبون.
ولا يعلم عددهم إلا اللَّه، قال تعالى: {وما يعلم جنود ربك إلا هو} (المدثر: 31).(1/386)
وخصّه اللَّه تعالى بالوحي، وجعله واسطه بينه، وبين أنبيائه، عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك، لتكون من المنذرين} (الشعراء: 192 - 194) وهو معصوم عن الخطأ، لا كما تعتقد بعض الفرق الضالة. اه - ه - تع - .
وخُص بالرياح، والأمطار، والنبات، وغير ذلك - اه - ه - تع.
وخُصّ بالنفخ في الصور - اه ه - تع.
وخُص بقبض الأرواح، والأمراض، وغير ذلك، وهو مأمور بأن يأتي كل ذي روح، بالمكان الذي أُمر به، والوقت الذي أُمر به، لا ينقص من رزق أحدٍ شيئاً، ولا يقرّب أجل أحد. اه - ه - تع. وفيها: كلام حسن عن المفضلين من الملائكة، وأنواعهم، وخواصّهم، ومزاياهم - فانظره هناك.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الجانّ:.
مطلب في الجانّ:
وأن اللَّه خلق جِنّاً(1)، هم أجسادٌ نارية(2)، قابلة للتشكل(3)، الصّالح منهم: مسلمٌ، مؤمن(4)، يكون معنا في الجنّة، نراه، ولا يرانا، عكس حالة الدنيا(5)، والفاجر الخبيثُ منهم، يقال له: الشيطان، من نسل إبليس اللعين.
وأن اللَّه تعالى خلق قلماً، ولوحاً محفوظاً، تُكتب فيه أعمالُ الخلائق(6)، وقد جَفّ القلم بما كتب، في هذا اللوح، ولكنْ يمحو اللَّه ما يشاء، ويُثبت، وعنده أُمُّ الكتاب، وخلق عرشاً عظيماً(7)، وكرسياً، هو بمنزلة الدرجة للعرش.
وأن الموت حق، وهو: مفارقة الروح للجسد، وأن له سكرات.
-------------------
قال تعالى: {وما خلقت الجن، والإنس إلا ليعبدون}. الذاريات - 56 - .
انظر الحاشية رقم - 2 - في صفحة - 314 - في بيان خلق الجن.(1/387)
بأشكال شريفة، وغير شريفة - انظر الفرق بينهم وبين الملائكة في - تع - روى مالك في الموطأ، عن أبي السائب، أنّ رجلاً من الأنصار، حديث عهدٍ بعرس، رأى امرأته واقفة بين الناس، فهيأ الرمح ليطعنها، بسبب الغيرة، فقالت: ادخل بيتك لترى، فدخل بيته، فإذا هو بحيّةٍ على فراشه، فركز الرمح عليها، فاضطربت الحية في رأس الرمح، فخرّ الفتى صريعاً، فما نرى أيهما كان أسرع موتاً، الفتى أم الحية. قال الراوي: فسألنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: "إن بالمدينة جناً قد أسلموا، فمن بدا لكم منهم، فآذنوه ثلاثة أيام، فإن عاد فاقتلوه، فإنه شيطان". العقيدة الإسلامية.
قال تعالى: {وأنا منا المسلمون، ومنا القاسطون، فمن أسلم، فأولئك تحروا رشداً} (الجن: 14) والقاسطون: الجائرون عن الحق.
قال تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} (أعراف: 27) و الحكمة في عدم رؤيتهم: أنهم خلقوا على صورة قبيحة، فلو رأيناهم، لم نقدر على تناول الطعام، والشراب، فستروا عنا رحمة بنا في هذا الباب. والملائكة خلقوا من النور، فلو رأيناهم، لطارت أرواحنا إليهم، وأعيننا إليهم. اهـ شرح الفقه.
تكتب فيه أعمال الخلائق، بالوصف، لا بالحكم، وتوضيحه: أن وقت الكتابة، لم تكن الأشياء موجودة، فكتب في اللوح المحفوظ، على وجه الوصف أنه ستكون الأشياء، على وفق القضاء، لا على وجه الأمر بأنه ليكن. لأنه لو قال: ليكن، لكانت الأشياء كلها، موجودة حينئذ، لعدم تصور تخلف المخلوق، عن الأمر الإيجادي.
قال أبو حنيفة رحمه اللَّه: نقرُّ بأن اللَّه تعالى، أمر القلم بأن يكتب، فقال القلم: ماذا أكتب يا رب؟ فقال تعالى: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. لقوله تعالى: {وكلُّ شيء فَعلوه في الزُّبُر، وكل صغير، وكبير مستطر} (القمر: 52) اهـ شرح الفقه الأكبر.(1/388)
العرش جسم نوراني، عظيم، قبة، فوق العالم، ذات أربعة أعمدة، تحمله أربعة ملائكة في الدنيا، وثمانية في الآخرة، لزيادة الجلال، والعظمة.
والكرسي: جسم نوراني، عظيم، تحت العرش، ملتصق به، فوق السماء السابعة، بينه وبينها: مسيرة خمسمائة عام. كما روي عن ابن عباس. اهـ تحفة المريد.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في سؤال منكر ونكير:.
مطلب في سؤال منكر ونكير:
وأن سؤال منكَرٍ، ونَكيرٍ حقٌ(1)، لا شبهة فيه، وهما: ملكان، إذا وُضع العبدُ في قبره، تٌعاد روحه إلى جسده، بقدر ما يفهم الخطابَ، ويَرُدُّ الجواب، فيسألانه على حسب ما جاءت به الأخبار. ولو مات في الماء، والنار، او أكله سَبُع، ونحو ذلك، فهو مسؤول أيضاً(2).
-------------------
بفتح كاف الأول، وهما أسودان، أزرقان، جعلهما اللَّه تعالى نكرة للمؤمن، ليبصره، ويثبته، وعذاباً على غيره. اهـ شط.
فيقول المؤمن: ربي اللَّه، وديني الإسلام، ونبييّ محمد، صلى اللَّه عليه وسلم، ويقول الكافر: هاه هاه، لا أدري. رواه أبو داود، وأصله في الصحيحين.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في عذاب القبر، ونعيمه:.
مطلب في عذاب القبر، ونعيمه:
وأن عذاب القبر حقٌ للكفار، ولبعض عصاة المؤمنين(1). وأنّ نعيم القبر حقٌّ لأهل الطاعة، وأن الساعة آتية، لا ريبَ فيها، يعني أن اللَّه تعالى يخلق، في هذا الوجود الحادث، ساعةً، تتزلزل فيها الأكوانُ، وتُطوى فيها السماواتُ، طيَّ السجلللكتاب(2)، وأن اللَّه تعالى يبعث أجساد الموتى، من قبورهم، ومن أجوافِ السباع، وحواصل الطيور(3)، ثم يَحشرهم إليه(4)، في يوم، كان مقداره خمسين ألف سنة، مما تعدون.
-------------------(1/389)
كما هو لفظ رواية الصحيحين: "عذاب القبر حق". وكذا ضغطة القبر حق، حتى للمؤمن الكامل، لحديث: "لو كان أحدٌ نجا منها، لنجا سعد بن معاذ، الذي اهتز عرش الرحمن لموته". وهي أخذ القبر، وضيقه أولاً عليه، ثم اللَّه يفسح، ويوسّع، مدّ نظره إليه. وقيل ضغطته بالنسبة للمؤمن، على هيئة معانقته الأم الشفيقة، إذا قدم عليها ولدها من السفرة العميقة، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم لعائشة: "يا حميراء، إن ضغطة القبر للمؤمن، كغمز الأم رجل ولدها، وسؤال منكر، ونكير للمؤمن، كالإثمد للعين إذا رمدت". شرح الفقه.
قال تعالى: {حتى إذا أخذتِ الأرضُ زخرفها، وازينت، وظن أهلها أنهم قادرون عليها، أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً، فجعلناها حصيداً، كأن لم تَغْنَ بالأمس، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون} (يونس: 34).
بهيئاتهم الدنيوية.
خلافاً للفلاسفة، حيث أنكروا حشر الأجساد، قال تعالى: {وأن اللَّه بعث من في القبور} (الحج: 7) وقال تعالى: {وحشرناهم، فلم نغادر منهم أحداً} (الكهف: 47).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الأشياء التي لا تَفْنى بعد النفخ في الصُّور:.
مطلب في الأشياء التي لا تَفْنى بعد النفخ في الصُّور:
وانَّ إسرافيل عليه السلام، إذا نَفَخَ في الصور النفخةَ الأولى(1)، يفنى بها مَن في السماوات، ومَن في الأرض، إلا سبعةَ أشياء، فإنها لا تفنى: العرش، والكرسيُّ، واللوحُ، والقلم، والجنّة، والنار، والأرواح، قال اللَّه تعالى: {ويومَ يُنْفخُ في الصور، ففزعَ مَنْ في السماوات، ومَنْ في الأرض، إلاَّ من شاء اللَّه(2)}.(1/390)
وأنَّ الصراط حقٌّ(3)، وهو: كالقنطرة على ظهر جهنم، والمارون عليه متفاوتون، منهم: كالبرق، ومنهم: كالريح، ومنهم: كالفرس المسرع، ومنهم: كالماشي، ومنهم: كالنملة، وفيه سبع عقبات: الأولى: يُسأل فيها عن الإيمان باللَّه تعالى، والثانية: عن الصلاة(4)، والثالثة: عن الصوم، والرابعة: عن الزكاة، والخامسة: عن الحج، والسادسة: عن الوضوء، والغُسل(5)، والسابعة: عن ظلم الناس(6): فإن نجا منها، وإلا رُدّ في النار، وهذا الحسابُ: حَقٌّ.
وقراءة الكتب: حَقٌّ(7)، وهي: التي كتبتها الحفظةُ في الحياة الدنيا(8)، فالمؤمنُ يُعطى كتابَه بيمينه، والكافرُ بشماله، أو من وراء ظهره.
والميزان حَقٌّ(9)، وهو ذو كِفّتين، ولسان، كلُّ كِفّة كأطباق الدنيا، كِفَّةُ الحسنات عن يمين العرش، وكِفّة السيئات عن يسار العرش.
وحوضُ النبي - صلى اللَّه عليه وسلم الذي أكرمه اللَّه تعالى به، غياثاً لأمته - حَقٌّ(10). وشفاعته - صلى اللَّه عليه وسلم، لهل الكبائر من أمته - حَقٌّ(11).
ورؤيةُ اللَّه تعالى، لهل الجنة من الجنة، من غير إحاطةٍ، ولا كيفية، حَقٌّ، فيرونه بأعين رؤوسهم، لقوله تعالى: {وجوهٌ يومئذ ناضرة، إلى ربّها ناظرة(12)}.
-------------------
قال صلى اللَّه عليه وسلم: "كيف أنعم؟!، وصاحب الصور، قد التقمه، وأصغى سمعه، وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر بالنفخ". رواه الترمذي، عن أبي سعيد الخدري. اه - العقيدة.
(النمل: 87).
لقوله تعالى: { وإنْ منكم إلاّ واردها} (مريم: 71) قال النووي في شرح مسلم: الصحيح أن المراد في الآية: المرور على الصراط، وهو المروي عن ابن عباس، وجمهور المفسرين. كما روي مرفوعاً أيضاً. وروى مسلم: "إن الصراط جسر، ممدود على ظهر جهنم، أدق من الشعر، وأحد من السيف" خلافاً للمعتزلة، حيث أنكروا الصراط. شرح الفقه.(1/391)
لأنها عماد الدين، عن أنس رضي اللَّه عنه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قال: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة: الصلاة، فإنْ صلحت، صلح له سائر عمله، وإن فسدت، فسد سائر عمله" رواه الطبراني وغيره، وعن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قال: "مَنْ ترك صلاة، لقي اللَّه، وهو عليه غضبان" رواه الطبراني، وعن أنس رضي اللَّه تعالى عنه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "مَنْ ترك الصلاة متعمداً، فقد كفر جهاراً" رواه الطبراني، وعن بُرّيدة رضي اللَّه تعالى عنه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "مَنْ ترك صلاة العصر، حبط عمله" رواه أحمد والبخاري والنَّسائي. ه - تع.
يعني: يُنْظَر في غسله من الجنابة، والحيض، والنفاس، وفي وضوئه، فإن كان مستوفياً فروضه نجا، وإلا رُدّ في النار - تع - ه.
وهي: أشد العقبات، لأن الظلم ظلمات يوم القيامة، وحتى المؤمن مؤاخذته شديدة، وأسدّث منه: حق الكافر، وأشد من حق الكافر: حق الحيوان، لأنه لا تمكن مسامحته، والاستحلال منه. - ه - تع. وانظر صفحة - 81 - 232 - 233 - .
لقوله تعالى: {اقرأ كتاباك، كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}. (الإسراء: 14).
كما قال تعالى: {أم يحسبون أنّا لا نسمع سرهم، ونجواهم، بلى، ورسلنا لديهم يكتبون} (الزخرف: 80).
لقوله تعالى: {والوزن يومئذ الحق} (الأعراف: 8). إظهار لكمال الفضل، وجمال العدل، وقوله تعالى: {ونصنع الموازين القسط ليوم القيامة} (الأنبياء: 47). وقد أنكر المعتزلة الميزان، والحساب، والكتاب، بعقولهم الناقصة، مع وجود الأدلة القاطعة. شرح الفقه.(1/392)
قال السيوطي رحمه اللَّه تعالى: وَرَدَ ذكرُ الحوض، من رواية بضع وخمسين صحابياً، وهم: الخلفاء الأربعة: وَذَكَرهم كلَّهم، ثم ذكر أحاديثهم فيه واحداً واحداً، وقال في شرح الفقه الأكبر: وكاد أن يكون متواتراً. وجاء في حديث مسلم، وأحمد، والترمذي، وابن ماجه، عن ثوبان، قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "حوضي من عَدَن إلى عُمَان، ماؤه: أشدُّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأكاويبه عدد النجوم، مَنْ شرب منه شربة، لم يظمأ بعدها أبداً" اه. وروى البخاري، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "يَرد على الحوض رهطٌ من أصحابي، فيُجْلَوْن عن الحوض - أي يُطْرَدون - ، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم" اهـ تع - ه، وشرح الفقه. وانظر صفحة 168 في ترجمة السيوطي.
لما روى احمد، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم، عن أنس، بلفظ: "شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي". وكذلك شفاعة الرسل، والأخيار من العلماء، والأولياء، والصالحين. روى ابن ماجه، عن عثمان: "يشفع يوم القيامة ثلاث: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء". وللنبي صلى اللَّه عليه وسلم خمس شفاعات: أعظمهن: شفاعة فصل القضاء. والثانية: في إدخال قوم الجنة، بغير حساب. والثالثة: في قوم استوجبوا النار، فيشفع بهم، فلا يدخلونها. والرابعة: فيمن دخل النار من المؤمنين المذنبين. الخامسة: في زيادة الدرجات في الجنة. وزاد السيوطي سادسة: في تخفيف العذاب عمن استحق الخلود في النار، كأبي طالب. اهـ شط - شرح الفقه.(1/393)
روى الشيخان برواية واحد وعشرين من أكابر الصحابة: "إنكم سترون ربكم، كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته". وروى مسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول اللَّه تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم به؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتُنَجِّنَا من النار؟ قال: فيرفع الحجاب.... أي عن وجوه أهل الجنة، فينظرون إلى وجه اللَّه سبحانه، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم؟ ثم تلا: {للذين أحسنوا الحسنى، (أي الجنة العليا)، وزيادة (أي النظر إلى وجه المولى).} (يونس: 26) شرح الفقه. و (القيامة: 22 - 23).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الجنّة والنار:.
مطلب في الجنّة والنار:
والجنة حقٌّ، والنار حق، وهو: أنّ اللَّه تعالى خلق داراً لإنعامه، قبل خلق الخلق، وسماها الجنة، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، وأهلها يدخلونها بفضل اللَّه تعالى(1)، وهم خالدون فيها أبداً، وهي مخلوقة الآن، قال اللَّه تعالى: {عند سِدْرةِ المُنتَهى، عندها جَنَّةُ المأوى(2)}.
وخلق داراً لانتقامه، قبل خلق الخلق، وسماها النارَ، مشتملةً على أنواع العقوبات، والأهوال، التي لا تَخْطر على قلب بَشَر. وأهلُها: - أما الكافرون، والمنافقون، فهم مُخلَّدون فيها أبداً، لا يموتون، ولا يُفَتَّرُ عنهم الألُم والعذاب، - وأما عصاة المؤمنين، - الذين ماتوا قبل التوبة، ولم يعفُ عنهم مولانا، جَلَّتْ عظمته، وَعزَّت قدرتُه، وعاملهم بِعدله - ، فإنهم غير مخلدين، بل يُعذَّبون على قدر ذُنُوبهم، ثم يَخرجون منها، ويدخلون الجنة خالدين أبداً.
-------------------
عن جابر رضي اللَّه تعالى عنه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال : "لا يُدْخِل أحداً منكم عملُه الجنةَ، ولا يجير من النار ولا أنا إلا برحمة اللَّه" رواه مسلم - تع - ه.(1/394)
(سورة النجم: 14 - 15). وقال تعالى، في نعت الجنة: {أُعدت للمتقين} (آل عمران: 133). وقال أيضاً في الحديث القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"، وفي حديث الإسراء: "أُدخلت الجنة، وأريت النار" وهذه الصيغة موضوعة للمضي حقيقة، فلا وجه للعدول عنها إلى المجاز، إلا بصريح آية، أو صريح دلالة. وخالفت المعتزلة في هذه المسألة. وقال اللَّه تعالى: {أعدت للكافرين} (آل عمران: 131) والجنة والنار، لا تفنيان أبداً، وكذا أهلهما، خلافاً للجهمية، و هم الجبرية الخالصة، حيث ذهبوا إلى أنهما تفنيان، ويفنى أهلهما. اهـ شرح الفقه. وانظر صفحة - 293 - في معرفة الجهمية.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في الأعراف:.
مطلب في الأعراف:
وخلق اللَّه تعالى داراً، بين الجنة والنار، اسمها: الأعراف، أهلها: مصيرهم إلى الجنة، وهم: الذين تساوت حسناتهم، وسيئاتهم، فيسجدون سجدة للَّه تعالى، تَرْجَحُ بها حسناتهم، فيدخلون الجنة، بفضل اللَّه تعالى(1). وقد آمنا بجميع ذلك كلّهِ، على حسب التفصيل الوارد فيه، مما هو مشروح في كتب أهل السنة، والجماعة، وعَرَفْناه، وتيقنَّاه، وصدَّقت قلوبنا، وأكبادنا، بجميع ما جاء به نبينا، ورسولُنا محمدٌّ صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يبقَ عندنا شبهة، ولا ظَنٌّ، ولا وهْمٌ، في كون جميعِ ذلك حَقّاً، ومطابقاً لما هو في نفس الأمر.
-------------------
قال اللَّه تعالى: {وعلى الأعراف رجالٌ، يَعْرفون كُلاً بسيماهم، ونادوا أصحاب الجنة أنْ سلام عليكم، لم يدخلوها، وهم يطمعون} (أعراف: 46)، قوله (الأعراف): أي أن هناك سوراً، يمنع من وصول أهلالنار للجنة، وعلى هذا السور رجال، يعرفون....الخ.(1/395)
قال تعالى: {فضُرب بينهم بسورٍ له باب} (الحديد: 13)، وأصحاب الأعراف يحبسون على السور حتى يقضي اللَّه فيهم، فإذا نظروا إلى أهل الجنة، سلموا عليهم، وإذا نظروا إلى أهل النار، قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، وقوله: رجال - أي استوت حسناتهم وسيئاتهم، وقوله: يعرفون كلاً: أي كلاً من أهل الجنة، وأهل النار، وقوله: بسيماهم - أي بعلاماتهم، وهي: بياض الوجوه للمؤمنين، وسوادها للكافرين، لرؤيتهم لهم، إذ موضعهم عالٍ، وقوله: لم يدخلوها، وهم يطمعون، أي والحال أنهم يطمعون في دخولها. قال الحسن: لم يطمعهم اللَّه، إلا لكرامة يريدها بهم، وروى الحاكم عن حذيفة قال: "بينما هم كذلك: إذ طلع عليهم ربك، قوموا، ادخلوا الجنة، فقد غفرت لكم"، وسئل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أصحاب الأعراف؟ فقال: " هم آخر من يفصل بينهم من العباد، فإذا فرغ ربّ العالمين، من الفصل بين العباد، قال: أنتم قومٌ أخرجتكم حسناتكم من النار، ولم تدخلوا الجنة، فأنتم عتقائي، فارعوا من الجنة حيث شئتم". قال ابن كثير: هذا مرسل حسن.اه. تفسير الجلالين - مختصر ابن كثير - صفوة التفاسير.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في كيفية الإيمان بأمور الآخرة:.
مطلب في كيفية الإيمان بأمور الآخرة:(1/396)
ولا نخوضُ في فهم شيءٍ منه، بعقولنا القاصرة، فإنها محجوبة، بعَال التكليف، عن إدراك أمور الآخرة، بمنزلة الأكمه، (الذي وُلد أعمى)، فإنّ الألوان عنده، غيرُ معقولةٍ، ولا محسوسةٍ، باعتبار نقصان إحدى حواسّه الخمس، ومع ذلك (ف) هي موجودة بالخارج، بلا ريب، وأحوال الآخرة من هذا القبيل، فإذا وصل إليها الإنسان، حصلتْ له أطوارٌ فوق العقل، داخلة في العقل، فتتسع بها حوصلتُه، فيُدرك جميعَ ذلك، كهذا الأكمه، إذا فتح عينه، فأدرك الألوان التي كان يتَأوّلها في عقله، وربَّما يعتقدها على خلافِ ما هي والحاصل: ان مَنْ لم يؤمن بأحوال الآخرة - الواردةِ في النصوص، والأخبار، الثابتة، المتواترة، التي لا شبهة فيها، ولا في دلالتها - فليس بمؤمن حقيقة، كإيمان هذا الأكمه، وتصديقه، بأنَّ هناك ألوناً، موجودة، خارجة عن معقوله، ومحسوسه، وأنها لا شبهةَ فيها عنده، مع إقرار باطنه، بالعجز عن فهم معانيها الحقيقية، وإلاَّ فهو يَضْرب في حديدٍ بارد، من الإيمان بأحوال الآخرة، لأنها ربَّما استبعدها عقْلُه، فانتقل يقينُه بها إلى الظن، والظنُّ في اليقينيات كُفرٌ لا محالة.
ومن هذا القبيل: الإيمان بحقائق معاني ما ورد، من الآيات، والأحاديث المتشابهات، كقوله تعالى: {الرحمنُ على العرش استوى(1)} و {يدُ اللَّه فوق أيديهم(2)}، وقوله عليه الصلاة والسلام: "يَنزل رَبُّنا كلَّ ليلة، إلى سماء الدنيا" الحديثَ، مما ظاهرهُ يفهم أنّ اللَّه تعالى، له مكان، أو جارحة.
-------------------
(طه: 5).
(الفتح: 10).
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في إيمان السلف، بالمُتَشَابِه:.
مطلب في إيمان السلف، بالمُتَشَابِه:(1/397)
فإن السلف(1)، كانوا يؤمنون بجميع ذلك، على المعنى الذي أراده اللَّه تعالى، وأراده رسوله، صلى اللَّه عليه وسلم، من غير أن تُطالبهم أنفُسهم بفهم حقيقة شيء من ذلك، حتى يُطْلِعَهم اللَّه تعالى عليه(2).
وأما الخلف(3) - فلما ظهرت البدع، والضلالات - ارتكبوا تأويل ذلك، وصرفَه عن ظاهره، مخافةَ الكفر، فاختاروا بِدْعة التأويل، على كفر الحمل على الظاهر، وقالوا: استوى: بمعنى استولى، أو بمعنى استوى عنده خَلْقُ العرش، وخلق البعوضة، أو استوى علمُه بما في العرش، وغيره. واليد: بمعنى القُدرة، والنزول: بمعنى نزول الرحمة. فمن يجدْ في نفسه قدرة على صنيع السلف، فليمشِ على سَنَنهم، وإلا فليتبع الخلف، ليحترز من المهالك.
واعلم أن مذهب أهل السنة والجماعة: أنّ مرتكب الكبيرة ممنٌ، وليس بكافر(4)، وهو: في مشيئة اللَّه تعالى، إنْ شاء عذّبه، وإن شاء عفا عنه.
والعدولُ - في أحوال الآخرة(5) ونحوها - عن ظواهر النصوص - من غير ضرورة - إلحادٌ، كقول بعضهم: (قيامةُ كلِّ أحد: موتُه، والمرادُ بالحشر: حشر الأرواح، دون الأجساد)، ونحو ذلك: وَرَدُّ النصوصِ القطعيةِ النص، والدلالةِ كفرٌ.
وينبغي أن يكون الإنسان بين اليأس، والأمن، من اللَّه تعالى، بحيث لا يترك من قلبه، واحداً منهما أبداً، كجناحَيْ طائر، متى قُصَّ أحدهما، وقع، إلاَّ أنه يُغلّبُ الخوف من اللَّه تعالى في صحته، لئلا يطغى، ويغلّب الرجاء في مرضه لئلا يقنط(6).
وجميع أحوال المخلوقات: بتقدير اللَّه تعالى، من الأزل، وبقضائه(7)، سواءٌ كانت خيراً، أو شراً. والطاعات بإرادته، ورضاه(8)، والمعاصي بإرادته، لا بأمره، ولا برضاه(9). وكلٌّ ميسرٌ لما خُلِق له، والأعمال بالخواتيم.(1/398)
وأصل القدر: سرُّ اللَّه في خلقه، لم يطّلع على ذلك ملك مقربٌ، ولا نبيٌّ مرسل، فالحذرَ كلَّ الحذرِ، من التفكر، والتعمّق في ذلك، فإنَّ اللَّه تعالى، طوى علْمَ القدَر عن أنامه، ونهاهم عن مَرامه، كما قال تعالى: {لا يُسأل عمّا يفعلُ، وهم يسألون(10)}.
والإيمان لا يزيدُ، ولا يَنْقص، بالنظر إلى كميته(11)، ويزيدُ وينقص بالنظر إلى كيفيته(12).
ومن قال: أنا مؤمن، إن شاء اللَّه تعالى: - فَإنْ أراد الدوام على ذلك(13)، فهو مؤمن(14)، - وإن أراد الشكّ، فهو كافر.
-------------------
وهم مَنْ كانوا قبل الخمسمائة، وقيل: القرون الثلاثة: الصحابة، والتابعون، وأتباع التابعين.
ومن ذلك: جواب الإمام مالك، رحمه اللَّه تعالى، عن معنى الاستواء على العرش، في حقه تعالى، حيث قال للسائل: الاستواء معلوم،والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا عني هذا المبتدع. اهـ صاوي على الجلالين، وانظر صفحة - 159 - وقال أبو حنيفة رمه اللَّه: نقر بأن اللَّه، على العرش استوى، من غير أن تكون له حاجة إليه، واستقر عليه، وهو الحافظ للعرش، وغير العرش. فلو كان محتاجاً، لما قدر على إيجاد العالم، وتدبيره، كالمخلوق، ولو صار محتاجاً إلى الجلوس، والقرار، فقبل خلق العرش، أين كان اللَّه تعالى؟ فهو منزه عن ذلك علواً كبيراً. شرح الفقه. وانظر صفحة - 8 - .
وهم من بعد الخمسمائة، فيؤولون بمعنى صحيح، لائق به سبحانه وتعالى، فيقولون: إن المراد بالاستواء: الاستيلاء، بالتصرف، والقهر، إذ للاستواء معنيان:
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في إيمان السلف، بالمُتَشَابِه:.
وجدت الكلمات في الفص
1 - الركوب والجلوس.
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في إيمان السلف، بالمُتَشَابِه:.
وجدت الكلمات في الفص
2 - والاستيلاء بالقهر والتصرف.(1/399)
وكلا المعنيين وارد في اللغة، يقال: استوى السلطان على الكرسي، بمعنى جلس، واستوى على البلاد، بمعنى ملك وقهر، ومن الثاني: قول الشاعر: (رجز)
قد استوى بشرٌ على العراق * من غير سيفٍ ودمٍ مهراق
وحينئذ فالمعنيين: إطلاقه عليه تعالى بهذا المعنى، وهو الثاني - كما في الصاوي على الجلالين - .تع - .
خلافاً للخوارج، حيث كفروه. وقد قال قوم منهم: إن التكفير، إنما يكون بالذنوب التي ليس فيها وعيد مخصوص. فأما التي فيها حدٌّ، أو وعيد في القرآن، فلا يزاد صاحبه على الاسم الذي ورد فيه، كتسميته زانياً، أو سارقاً، ونحو ذلك. وخلافاً للمعتزلة، حيث أثبتوا له منزلة بين الكفر والإيمان. وقالوا - مع ذلك - : إن مرتكب الكبيرة مخلد في النار. انظر صفحة - 170 - و - 335 - 348 - .
ومنها: ما أخبر اللَّه تعالى، من الحور والقصور، والأنهار، والأشجار، والأثمار، لأهل الجنة، ومن الزقوم، والحميم، والسلاسل، والأغلال، لأهل النار، فهو حق، خلافاً للباطنية. اهـ شرح الفقه.(1/400)
كما هو المختار عند المالكية أيضاً، كالحنفية. والراجح عن الشافعية: استواؤهما في وقت الصحة. والمختار عند الصوفية، وأهل اللَّه سبحانه: حسنُ الظن باللَّه تعالى، على كل حال، دون التفريق بين حال المرض، وحال الصحة، قال الشيخ الأكبر - قدس اللَّه تعالى سره، ورضي عنه - : حَسّن الظنَّ بربك على كل حال، ولا تسيء الظن، فإنك لا تدري هل أنت على آخر أنفاسك، في كلّ نَفَس يخرج منك، فتموت، فتلقى اللَّه على حسن ظن به، لا على سوء ظن، فإنك لا تدري، لعل اللَّه يقبضك في ذلك النَّفس الخارج عنك. ودعْ عنك - ما قال - مَنْ قال: بسوء الظن في حياتك، وحسنِ الظن باللَّه عند موتك - وهذا - عند العلماء باللَّه - مجهول، فإنهم مع اللَّه بأنفاسهم، وفيه من الفائدة والعلم باللَّه: أنك وفيت في ذلك الحق حقّه، فإنّ من حق اللَّه تعالى: الإيمانَ بقوله {وننشئكم فيما لا تعلمون} فلعل اللَّه ينشئك في النَّفس - الذي أنه يأتيك - نشأةَ الموت، والانقلاب إليه، وأنت على سوء ظنّ بربك، فتلقاه على ذلك. فقد ثبت عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فيما رواه عن ربه، أنه عز وجل يقول: "أنا عند عبدي بي، فليظن بي خيراً" وما خص وقتاً من وقت. واجعل ظنك باللَّه: علماً بأنه يعفو، ويغفر، ويتجاوز، وليكن داعيكَ الإلهي إلى هذا الظن: قولُه تعالى: {يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطوا من رحمة اللَّه، إن اللَّه يغفر الذنوب جميعاً} فهناك أن تقنط، وما نهاك عنه، يجب عليك الانتهاء عنه. اهـ - وصايا - والآيتان: (الواقعة: 61) (الزمر: 53).
القضاء: علم اللَّه، عز وجل، في الأزل، بالأشياء كلها، على ما ستكون عليه في المستقبل. والقدر: إيجاد تلك الأشياء، بالفعل، طبقاً لعلمه الأزلي، المتعلق بها.(1/401)
ومعنى وجوب الإيمان بهما: أنه يجب على المكلف أن يؤمن بأن اللَّه تعالى، علم، أولاً، بجميع أفعال العباد، وكل ما يتعلق بالمخلوقات، مما سيتوالى حدوثه، في المستقبل، كما يجب عليه أن يؤمن بأنه سبحانه، إنما أوجدها، حين أوجدها، على القدر المخصوص، والوجه المعين، الذي سبق العلم به. قال النووي، في شرحه على صحيح مسلم: (قال الخطابي: وقد يحسب كثير من الناس، أن معنى القضاء والقدر: إجبار اللَّه العبدَ، وقهره على ما قدّر، وقضاه. وليس الأمر كما يتوهمونه، وإنما معناه: الإخبار عن تقدّم علم اللَّه سبحانه، بما يكون من أكساب العبد، وصدورها عن تقدير منه).
فلا علاقة للقضاء، والقدر، بالجبر مطلقاً، أو بكون أفعال العبد، قد صدرت عن أصحابها، على وجه القسر، والإكراه، لإن العلم، كما سبق (في صفحة - 305 - 315) صفحة كاشفة فقط.
ومن المعلوم أن مخلوقات اللَّه تعالى قسمان:
-الأول: مخلوقات، لا كسب فيها لأحد، بل تقع على وجه القسر، والحتمية (كحركة الأفلاك، والفصول، ونمو الإنسان، والنبات، والنوم، والموت) وهذا لا إشكال فيه، لعدم تكليف العبد به.
-الثاني: مخلوقات اكتسابية، يتصف بها الإنسان بكسبه،وسعيه الاختياري (كإقباله على الطعام، والشراب، والدراسة، وما يختاره من السلوك، والأعمال). وهذا موضع إشكال الناس.
والجواب عن هذا الإشكال: أن أفعال الإنسان الاختيارية، من جملة مخلوقات اللَّه، إذ لو لم يكن من مخلوقاته، لكان بتأثير مستقلٍ عن غيره، وهو محال، غير أن خلق اللَّه لأفعالك، لا يستلزم أن تكون مكرهاً عليها، فليس بينهما أي تلازم، لأن تلبسك بفعل ما، يتوقف على أمرين:
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في إيمان السلف، بالمُتَشَابِه:.
وجدت الكلمات في الفص(1/402)
1 - وجود مقوماته: المادية، والمعنوية، 2 - واكتسابك له، عن طريق انبعاثك نحوه، فأنت مريد، ومختار، بوصفك كاسباً، ومنبعثاً إليه، لا بوصفك خالقاً، وموجداً لمقوماته، وعناصره.
وإيضاح ذلك بالتمثيل الحسي: أن تقول: إن اليد بما فيها من حياة، وشرايين، وأعصاب، ودماء، وما تتصف به بسبب كل ذلك من القدرة على الحركة، كل ذلك بخلق اللَّه سبحانه، والورق من خلق اللَّه سبحانه أيضاً. وقابلية القلم للكتابة، هو أيضاً من خلق اللَّه سبحانه. وتلاقي هذه العناصر كلها، لتولد خطاً مرقوماً على الورق، هو كذلك بقدرة اللَّه، وهو معنى قولنا: إن اللَّه هو الخالق لفعل الإنسان. ولكن السؤال هو: هل ينتسب إليك أنك قد كتبت سطراً على الورق، بمجرد تكامل هذه العناصر؟ الجواب: لا. إن خالقية اللَّه تعالى لهذه العناصر كلها، لا تعني انك كتبت، فلا بد لكي توجد الكتابة منك ان تعزم في نفسك على الكتابة، وأن تنبعث إرادتك إلى التنفيذ، فحينئذ يأذن اللَّه تعالى للقوة التي أودعها في يدك أن تساعدك على قصدك، وللحبر أن ينساب، وللورق أن يتأثر. وعندئذ تسمى كاتباً، وينسب إليك كسب هذا الفعل. فالقصد، والعزيمة، والكسب منك، وهو المسمّى بالجزء الاختياري، وخلق الفعل من اللَّه تعالى. والمحاسبة يوم القيامة: غنما تكون على القصد، والكسب، لا على خلق الوسائل، والأسباب، وخلق الفعل نفسه. اهـ كبرى اليقينيات.
لأنه يستحيل أن يقع - في ملكه - شيء بدون إرادته سبحانه.
لقوله تعالى: {إن اللَّه لا يأمر بالفحشاء} (أعراف: 28) وقوله {ولا يرضى لعباده الكفر} (زمر: 7) بمعنى أنه سيعاقبهم عليه - اه - .
(الأنبياء: 23).
أي من جهة المؤمَن به نفسه، لأن التصديق، إذا لم يكن على وجه التحقيق، فإنه يكون في مرتبة الظن، والترديد. والظن غيرُ مفيد في مقام الاعتقاد، قال تعالى: {إن الظن لا يغني من الحق شيئاً} (يونس: 36). شرح الفقه.(1/403)
أي من جهة اليقين، فإن مراتب الناس مختلفة في ذلك، كما أشار إليه سبحانه بقوله: {ولكن ليطمئن قلبي} (البقرة: 260) فإن مرتبة عين اليقين، فوق مرتبة علم اليقين، ومرتبة حق اليقين فوقهما. فالمراد بالزيادة، والنقصان: القوة، والضعف. ومن هنا قال الإمام محمد بن الحسن، رحمه اللَّه: أكره أن يقول: إيماني كإيمان جبرائيل، عليه السلام، ولكن يقول: آمنت بما آمن به جبرائيل، عليه السلام. اه. وذلك لأن الأول يوهم أن إيمانه كإيمان جبريل عليه السلام، من جميع الوجوه، وليس الأمر كذلك، وقد ورد: "لو وزن إيمان أبي بكرٍ الصديق، رضي اللَّه عنه، بإيمان جميع المؤمنين، لرجح إيمانه"، أي لرجحان يقينه، وثبات إتقانه، وتحقيق عرفانه. اه. شرح الفقه. وانظر صفحة - 7 - .
والإذعان، وقبول العبادة.
فهو حاصل في الحال. وإن أراد ما يترتب عليه النجاة، والثمرات في المآل، فهو في مشيئة اللَّه تعالى، لا قطع بحصوله في الحال، لأن العبرة في الإيمان، والكفر، والسعادة، والشقاوة، بالخاتمة. اهـ شرح الفقه.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في تفضيل خواصّ بني آدم على الملائكة:.
مطلب في تفضيل خواصّ بني آدم على الملائكة:
وخواصُّ بني آدم - وهم الأنبياءُ (والمرسلون)، أفضلُ من جميع الملائكة، وعوامُ بني آدم - وهم الأتقياء الصالحون (غيرُ الأنبياء) - أفضلُ من عوامّ الملائكة (كالحفظة، والموكلين بالأرزاق، والآجال). وخواص الملائكة (كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، عليهم السلام): أفضل من عوامّ بني آدم.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أفضل بني آدم، بعد الأنبياء:.
مطلب في أفضل بني آدم، بعد الأنبياء:(1/404)
وأفضل بني آدم - بعد الأنبياء عليهم السلام - أبو بكر الصديق(1)، رضي اللَّه عنه، لقوله عليه الصلاة والسلام: "واللَّه ما طلعتْ شمسٌ ولا غربت، بعد النبيين، على أحد أفضل من أبي بكر"، ثم عمر بن الخطاب(2)، ثم عثمان بن عفان(3)، ثم علي بن أبي طالب(4)، ثم طلحة الخير(5)، ثم الزبير بن العوام(6)، ثم سعد بن أبي وقاص(7)، ثم سعيد بن زيد(8)، ثم عبد الرحمن بن عوف(9)، ثم أبو عُبَيدة، عامرُ بن الجراح(10)، رضي اللَّه تعالى عنهم. وهؤلاء (هم) العشرة المبشرون بالجنة(11)، ثم أهل بدر(12)، ثم أهل أحد(13)، ثم أهل بيعة الرضوان بالحُدَيْبِيَة(14)، ثم باقي الصحابة رضوان اللَّه عليهم أجمعين.
ولا يجوز لنا أن نذكر أحداً منهم، إلاّ بخير، ونسكتُ عما وقع بينهم من الحروب، لأنها كانت باجتهادٍ منهم.
والمجتهد - في الدين - إذا أخطأ، فله أجر، وإذا أصاب فله أجران، ويجب علينا تعظيمهم، واعتقادُ عدالتهم جميعاً(15).
-------------------
انظر ترجمته في صفحة - 131 - .
انظر ترجمته في صفحة - 39 - .
انظر ترجمته في صفحة - 83 - .
انظر ترجمته في صفحة - 22 - .
طلحة بن عبد اللَّه، بن عثمان، التيمي، القرشي، المدني، أبو محمد، صحابي، شجاع، من الأجواد، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، كان من دهاة قريش، وعلمائهم. لقبه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بطلحة الخير، وطلحة الجود، وطلحة الفياض، في مناسبات مختلفة. قتل يوم الجمل، سنة (36 ه)، ودفن بالصرة. له (38) حديثاً في الصحيحين. اهـ أعلام.(1/405)
ابن خويلد الأسدي، القرشي، أبو عبد اللَّه، أول من سلّ سيفه في الإسلام، ابن عمة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، كان في صدره أمثال العيون من الطعن، كان موسراً، بيعت أملاكه بنحو (40) مليون درهم. طويل. قتله ابن جرموز غيلة يوم الجمل، بوادي السباع، (على بعد - 7 - فراسخ من البصرة)، خفيف اللحية، أسمر، كثير الشعر. له في الصحيحين (38) حديثاً. أعلام.
انظر ترجمته في صفحة - 108 - .
ابن عمر بن نفيل، العدوي، القرشي، مهاجر، شهد المشاهد إلا بدراً، من ذوي الرأي، والبسالة، ولاه أبو بكر دمشق. ولد في مكة عام (22 ق.ه)، و توفي في المدينة سنة (51 ه).
انظر ترجمته في صفحة - 136 - .
ابن هلال الفهري، القرشي، أمير، قائد، فاتح الشام، أحد الهادة، أمين هذه الأمة، ولد بمكة عام (40 ق.ه). من السابقين للإسلام، شهد المشاهد كلها. توفي عام (18 ه) بطاعون عمواس، ودفن في غور بيسان. له في الصحيحين (14) حديثاً. طويل، نحيف. اهـ أعلام.
قال صلى اللَّه عليه وسلم: "عشرة في الجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن، وأبو عبيدة، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد". رضي اللَّه عنهم. رواه أصحاب السنن، وصححه الترمذي، عن أبي سعيد.
غزوة بدر الكبرى، كانت يوم الجمعة، في السابع عشر من شهر رمضان، على رأس تسعة عشرَ شهراً من الهجرة. وكان عددُ الذين خرجوا معه - صلى اللَّه عليه وسلم - ، وقيل: لما عدّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أصحابه، فوجدهم - 313 - فرح، وقال: "عدة أصحاب طالوت، الذين جاوزوا معه النهر" اهـ من كتب السيرة. وبدر: قرية مشهورة، على بعد نحو أربع مراحل، من المدينة. انظر أسماءهم في أول فهارس هذا الكتاب.
غزوة أحد كانت في شوال، سنة ثلاث من الهجرة، وكان عدد من معه - صلى اللَّه عليه وسلم - سبعمائة. كما في كتب السيرة.(1/406)
كان صلح الحديبية في ذي القعدة، من السنة السادسة من الهجرة، وجملة مَنْ خرج معه - صلى اللَّه عليه وسلم - من الصحابة، رضي اللَّه تعالى عنهم من - 1400 - إلى - 1600 - . قال صلى اللَّه عليه وسلم: "لا يدخل النار أحدٌ ممن بايع تحت الشجرة" رواه أبو داود، والترمذي وصححه. والحديبية: (بالتخفيف، والتشديد): قرية على بعد مرحلة من مكة، سميت باسم بئر كانت فيها، وهي من الحرم. اه - شرح الفقه - حاشية الدسوقي.
عن عبد اللَّه بن مغفل، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أنه قال: "اللَّه اللَّه في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فَمْن أحبّهم، فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم، فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني، فقد آذى اللَّه، ومن آذى اللَّه، يوشك أن يأخذه" رواه الترمذي.
-------------------
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أول الخلق إسلاماً:.
مطلب في أول الخلق إسلاماً:
وأول الخلق إسلاماً: سيدتنا خديجة(1)، أمُّ المؤمنين، ومن الرجال: أبو بكر الصديق(2)، ومن الصبيان: علي(3)، وهو ابنُ عشر سنين، ومن الموالي: زيد(4)، ومن العبيد: بلال(5)، رضي اللَّه تعالى عنهم أجمعين.
ويجب علينا اعتقاد براءة أمِّ المؤمنين، السيدة عائشة الصديقة(6)، رضي اللَّه تعالى عنها، من افتراء أهل الإفك(7).
ولا نرى الخروج على أئمتنا، وولاةِ أمورنا، وإنْ جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا نَنْزِعُ يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم - في طاعة اللَّه تعالى - فريضةً، ودعاؤنا لهم - بالخير، والصلاح - يَنْفَعُهم، ويَنْفعُنا(8).
ولا يجوز نصبُ إمامين في عصرٍ واحد(9)، ونقول: بوجوب نصب الإمام، على الأمة، عند فقده(10).
ونصلي خلف كلِّ برٍ وفاجر(11). ولا نخوض في الروح(12)، ولا نقول: إن الذنب لا يضرُّ مع الإيمان(13).(1/407)
ونثبت الخلافة - بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم - لأبي بكر(14)، ثم لعمر(15)، ثم لعثمان(16)، ثم لعلي(17)، وهم الخلفاء الراشدون رضي اللَّه تعالى عنهم(18).
ونفضل الشيخين(19)، ونحب الخَتَنَين(20)، وترى المسح على الخفين سفراً وحضراً(21).
وأن لأهل الذمة(22)، ما لأهل الإسلام، وعليهم ما عليهم. والمقتول ميتٌ بأجله(23)، والقصاصُ للمخالفة.
وإيمانُ اليأس غيرُ مقبول، وأما توبته فمقبولة(24)، ولا نوجب على اللَّه تعالى فعلَ الصلاحِ، ولا الأصلح(25).
وكرامة الولي جائزة(26)، والفارقُ بينها، وبين المعجزة، هو: التحدي(27).
ويجوز أن يَعلم الوليُّ أنه ولي، ويجوز أن لا يعلم، بخلاف النبي.
ويجوز إظهارُ الكراماتِ من الولي، للمسترشد، ترغيباً له عليها، وعوناً على تحمل أعباء المجاهدات في العبادات، لا عجباً، وفخراً.
والسحرُ، والعينُ، حقٌّ(28). وإيمان المقلد صحيح، وهو عاصٍ بترك المعرفة(29).
ولا تقطعُ لأحدٍ بالجنة، إلا الأنبياء، والعشرة المبشرة بها(30)، ومَنْ ثبتت له البشارة أيضاً(31). ولا تقطع لأحد بالنار، إلا لجملةِ الكفار، أو مَنْ ثبت أنه من أهلها(32).
مَنْ له سعادةٌ من الأزل، أو شقاوة، فلا تتبدل، بل لا بدّ أن تنفذ، وتظهر على ذلك الشخص، وكلُّ إنسان ميسرٌ لما خُلِق له(33). ولا يفعل اللَّه تعالى شيئاً عبثاً، ولا لغرضٍ، وغايةٍ، أو لهوٍ، بل كلُّ أفعاله، لحكمةٍ باهرة، خفية، أو ظاهرة(34).وتكليف ما لا يطاق لا يجوزُ عندنا، كما قال تعالى: {لا يُكلّف اللَّه نَفْسَاً إلا وُسْعَهاْ}(35).
وأن جميعَ ما أخبر به - النبي صلى اللَّه عليه وسلم - من خروج الدجال(36)، ودابة الأرض(37)، ويأجوج، ومأجوج(38)، ونزول عيسى 0 عليه السلام(39) - وطلوع الشمس من مغربها(40) - حق، وصدقٌ.(1/408)
ولا نصدق كاهناً، ولا عَرّافاً(41)، ولا مَنْ يدعي شيئاً بخلاف الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة. ونرى الجماعةَ حَقاً، وصواباً، والفُرقةَ زيغاً، وعذاباً(42). ويدن اللَّه - عزّ وجل في السماء والأرض - واحدٌ، وهو دين الإسلام، قال اللَّه تعالى: {إن الدين عن اللَّه: الإسلام}(43).
والإيمان: هو الاعتقاد بالجنان(44)، والتصديق باللسان، بكل ما علم مجيئه من عند اللَّه تعالى، ونحكم به بالإقرار، بأن يقول الإنسان: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله، المبعوثُ بالحق، لكافة الإنس، والجن. وهذا المقدار - من الاعتقاد، والمنطق به - يكفي المؤمنَ في العمر مرةً، لنجاته من الخلود في النار. وتكراره، والدوام عليه، مطلوبٌ لزيادة الدرجات، ويتضمن ذلك الإيمانَ باللَّه تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره، وشره من اللَّه تعالى.
والإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وان تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلاً.
والإحسان: أن تعبد اللَّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك.
وهذا الدين، بين الغُلوّ، والتقصير(45)، والتشبيه، والتعطيل(46)، وبين الجبر(47)، والقَدَر(48)، وبين الأمن واليأس(49). فهذا ديننا، واعتقادنا، ظاهراً، وباطناً، نسأل اللَّه تعالى ان يُثَبتَنا على هذا الإيمان، ويختم لنا به، ويَعْصمنَا من الأهواء المختلفة، والآراء المتفرقة، (والمذاهب الرديئة، مثل: المُشَبّهة(50)، والجهمية(51)، والجبرية، والقدرية، والطبائعيين(52)، وغيرهم من الذين خالفوا الجماعة، وحالفوا الضلالة). إلى أن نلقاه وهو راضٍ عنّا بمنّه وكرمه. و صلى اللَّه تعالى، وسلّم، وشرّف، وعظم، على خاتم أنبيائه، وآله، وصحبه.(1/409)
تحريراً في اليوم الثامنَ عشر من شوال، الذي هو من شهور سنة تسع، وأربعين، وثلاثمائة، وألف، من هجرة من تم به الإلف، وزال به الشِّقاق، والخُلف، صلى اللَّه عليه وسلم، وعلى آله ألفاً بعد ألف(53).
-------------------
خديجة بنة خويلد بن أسد بن عبد العزى، من قريش، زوجة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الأولى، وكانت أسن منه بخمس عشرة سنة، ولدت بمكة سنة (68 ق.ه)، ونشأت في بيت شرف، ويسار. مات أبوها يوم الفجار، تزوجت بأبي هالة بن زرارة التيمي، فمات عنها. كانت ذات مال، وتجارة. تزوجها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولدت له القاسم، وعبد اللَّه (الطيب الطاهر)، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. بين كل ولدين سنة. توفيت بمكة سنة (3 ق.ه). اه. اعلام.
انظر ترجمته في صفحة - 131 - .
انظر ترجمته في صفحة (22).
زيد بن حارثة بن شرحبيل الكعبي، اختطف في الجاهلية صغيراً، واشترته خديجة بنة خويلد، فوهبته إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حين تزوجها، فتبناه، قبل الإسلام، وأعتقه، وزوجه ابنة عمته زينب بنة جحش، ثم دعي باسمه، لما حرّم التبني. كان كلما بعثه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعثة أمَّره عليها، وكان يحبه ويقدمه. استشهد في مؤتة عام (8 ه). أعلام.
بلال بن رباح الحبش، أبو عبد اللَّه، مؤذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وخازنه على بيت ماله، شديد السمرة، نحيف، طويل، شعره كثيف، لم يؤذن بعد وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم. له في البخاري (44) حديثاً، توفي في دمشق سنة 20 ه. أعلام.
انظر ترجمته في صفحة - 132 - .(1/410)
الإفك: أشد الكذب، وأهله: المنافقون. والذي تولى كبره: رأس المنافقين عبد اللَّه بن أبي سلول. وقد برأها القرآن من هذا الافتراء بقوله تعالى: {أولئك مبرؤون مما يقولون، لهم مغفرة، ورزق كريم} (النور: 26) وثبتت براءتها كذلك بالأحاديث الصحيحة، وإجماع الأمة. فمن جحد براءتها، أوشك فيها، كفر. وكان ذلك في غزوة بني المصطلق، وتسمى غزوة المريسيع، حين رجعت تبحث عن عقد لها ضاع (من خرز أظفار - بلدة في اليمن)، فحمل هودجها فارغاً، ظناً أنها فيه، لخفتها، فلما رجعت، لم تجد أحداً، فمكثت مكانها، فأخذها النوم. وكان صفوان بن المعطل، تخلف ليلتقط ما يسقط من المتاع، وكان يعرفها قبل الحجاب، فاسترجع حتى استيقظت، فحملها على الناقة، دون أن ينظر إليها، حتى أدرك النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فرموها به. والقصة مفصلة في كتب السيرة. انظر تحفة المريد.
عن حذيفة بن اليمان، رضي اللَّه تعالى عنه، أنه قال: لا تسبُّوا السلطان، فإنه ظِلُّ اللَّه في الأرض، به يقوم الحق، ويظهر الدين، وبه يَدْفَع اللَّه الظلم، ويهلك الفاسقين اه. وقال الفضيل بن عياض - رحمه اللَّه تعالى - : لو كانت لي دعوة مستجابة، لجعلتها للسلطان. قيل: ولِمَ تُقَدّمه على نفسك؟ قال: إن دعوتي لنفسي، لا تنفع غيري، فإذا كانت له، انتعش البلاد، والعباد، بعدله، وصلاحه اه. تع - انظر ترجمة حذيفة في صفحة - 177 - والفضيل بن عياض بن مسعود التميمي، اليربوعي، أبو علي، شيخ الحرم المكي، من أكابر العبّاد الصلحاء، ثقة في الحديث. أخذ عنه خلق منهم: الشافعي. توفي سنة (187 ه). أعلام.
لأنه يؤدي إلى منازعات، ومخاصمات مفضية إلى اختلاف أمر الدين والدنيا، لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم، عن أبي سعيد الخدري، رضي اللَّه تعالى عنه: "إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما"، وهذا محمول على ما إذا لم يندفع إلا بالقتل.(1/411)
والإمام: مَنْ انعقدت له البيعة من اكثر الخلق، إذا اجتمع عدة من الموصوفين بالصفات المطلوبة للإمام. ولا بد من كون الإمام ظاهراً، ليرجع إليه الأنام في مهماتهم، لا مخفياً خوفاً من الأعداء، ولا منتظراً خروجه، عند صلاح العباد، وانقطاع موارد الشرّ، والفساد، وانحلال نظام أهل الظلم، والعناد. ثم يشترط في الإمام أن يكون قرشياً لقوله صلى اللَّه عليه وسلم :الأئمة من قريش" وهو حديث مشهور. فإن خافوا الفتنة، جاز غيره. ولا يشترط أن يكون هاشمياً، او معصوماً، ولا أفضل أهل زمانه، ولذا جعل عمر رضي اللَّه عنه الإمامة شورى بين ستة، مع القطع بأن بعضهم (كعثمان، وعلي رضي اللَّه تعالى عنهما) أفضل من باقيهم. ويشترط أن يكون مسلماً، حراً، ذكراً، عاقلاً، بالغاً، سائساً بقوة رأيه، ورويته، قادراً بعلمه، وعدالته، وشجاعته. ولا ينعزل الإمام بالفسق، والجور، (خلافاً للشافعي، لأن الفاسق عنده ليس من أهل الولاية)، لأن الفسق، والجور، قد ظهراً على الأُمراء بعد الخلفاء، والسلف كانوا ينقادون لحكمهم، ويقيمون الجمع، والأعياد بإذنهم، ولا يرون الخروج عليهم، فكان إجماعاً منهم على صحة إمامة أهل الجور، والفسق، انتهاء، بل ابتداء. وكان ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - يمنع ابن الزبير رضي اللَّه عنهما، وينهاه عن دعوى الخلافة، مع أنه كان أحق، وأولى بها من أمراء الجور بلا خلاف. وفي الصحيحين: "من كره من أمير شيئاً، فليصبر، فإنّ مَنْ خرج من السلطان شبراً، مات ميتة جاهلية"، وفي رواية مسلم: "من ولي عليه والٍ، فرآه يأتي شيئاً من معصية اللَّه، فلا ينزغن يداً من طاعته". وفي البخاري، والسنن الأربع: "فلا سمع ولا طاعة". شرح الفقه الأكبر.(1/412)
لقوله صلى اللَّه عليه وسلم، فيما رواه مسلم عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: "مَنْ مات بغير إمام، مات ميتة جاهلية". وقد قدم الصحابة، رضي اللَّه عنهم، أمر نصب الإمام على دفنه صلى اللَّه عليه وسلم، ولأن المسلمين لا بد لهم من إمام، يقوم بتنفيذ أحكامهم، وإقامة حدودهم، وسدّ ثغورهم، وتجهيز جيوشهم، وأخذ صدقاتهم. والإمامة عند أهل السنة تثبت: - إما باختيار أهل الحل والعقد، من العلماء، وأصحاب العدل، والرأي (كثبوت خلافة الصديق)، - وإما بتنصيص الإمام وتعيينه، كثبوت خلافة عمر، باستخلاف أبي بكر إياه.
أي صالح، وطالح، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم، فيما رواه الدارقطني، والبيهقي، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه: "صلوا خلف كلّ برٍ وفاجرٍ" وزاد البيهقي "وصلوا على كل برٍ وفاجرٍ، وجاهدوا مع كل برٍ وفاجرٍ". وقد سئل أبو حنيفة رضي اللَّه عنه عن مذهب أهل السنة والجماعة فقال: أن تفضل الشيخين - أبا بكر وعمر - وتحبّ الختنين - عثمان وعليا - وترى المسح على الخفين، وتصلي خلف كلّ برٍ وفاجر. شرح الفقه.
لعدم التوقيف في ذلك، قال اللَّه تعالى: {ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} (إسراء: 85)، لأن الروح شيء، استأثر اللَّه بعلمه، فلم يطًلع عليه أحدٌ من خلقه، فلا يجوز لعباده البحثُ عنها بأكثر من أنها موجودة. وفي ذلك إظهار لعجز المرء، حيث لم يعلم حقيقة نفسه التي بين جنبيه، مع القطع بوجودها.
وأصح ما قيل في الروح: إنها جسم لطيف، شفّاف، مشتبك بالجسم، كاشتباك الماء بالعود الأخضر، فتكون سارية في جميع البدن.(1/413)
وصرح العز بن عبد السلام (انظر ترجمته في صفحة - 113 - من هذا الكتاب) بأن في كل جسدٍ روحين، إحداهما: روح اليقظة التي أجرى اللَّه العادة، بأنها إذا كانت في الجسد، كان الإنسان مستيقظاً، فإذا نام خرجت منه. والأخرى: روح الحياة التي أجرى اللَّه العادة بأنها إذا كانت في الجسد، كان حياً، فإذا فارقته مات. وهاتان الروحان، في باطن الإنسان، لا يعلم مقرهما إلا مَنْ أطلعه اللَّه على ذلك اهـ تحفة المريد على الجوهرة.
كما تقوله المرجئة، والملاحدة، والإباحية، لأنهم قالوا: إن الإيمان، إذا كان عبارة عن التصديق، والإقرار، فينبغي ألا يصير المقر باللسان، المصدق بالجنان، كافراً بشيء من أفعال الكفر، وألفاظه، ما لم يتحقق منه التكذيب أو الشك. شرح الفقه الأكبر.
انظر ترجمته في صفحة - 133 - .
انظر ترجمته في صفحة - 39 - .
انظر ترجمته في صفحة - 83 - .
انظر ترجمته في صفحة - 22 - .
أي وأفضل الصحابة النفر الذين وُلّوا الخلافة العظمى، وهي النيابة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، في عموم مصالح المسلمين. وقد قدّر، صلى اللَّه عليه وسلم، مدتها بقوله "الخلافة بعدي ثلاثون" أي سنة "ثم تصير ملكاً عضوضاً" أي ذا عض وتضييق، لأن الملوك يضرون بالرعية، حتى كأنهم يعضون عضاً. والخلفاء هم: أبو بكر، تولاها سنتين وثلاثة أشهر، وعشرة أيام، وتولاها عمر عشر سنين، وستة أشهر وثمانية أيما، وتولاها عثمان إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهراً، وتسعة أيام، وتولاها علي أربع سنين، وتسعة أشهر، وسبعة أيام. فالمجموع تسع وعشرون سنة، وستة أشهر، وأربعة أيام، أكمل ثلاثين السنة الحسن بن علي رضي اللَّه تعالى عنهم أجمعين. وشأنهم في الفضل، كترتيبهم في الخلافة، يدلّ على ذلك حديث ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما: "كنا نقول، ورسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسمع: خير هذه الأمة، بعد نبيها، أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، فلم ينهنا" تحفة المريد.(1/414)
أي نفضل أبا بكر، وعمر رضي اللَّه تعالى عنهما، على مَنْ عداهما. أما أبو بكر، فكان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، فسماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه. واسم أبيه: أبو قحافة، عثمان بن عامر بن كعب، بن سعد بن تيم، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، القرشي، الصديق، التيمي، وهو الصديق، لكثرة صدقه، وتحقيقه، وقوة تصديقه، وسبق توفيقه، فهو أفضل الأولين من الأولين، والآخرين، وقد حكي الإجماع على ذلك. وقد استخلفه عليه الصلاة والسلام في الصلاة، فكان هو الخليفة حقاً، وصدقاً. وفي الصحيحين عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها أنها قالت: "دخل عليّ رسول اللَّه، صلى اللَّه عليه وسلم، في اليوم الذي بدئ فيه، فقال: ادعي إليّ أباك، وأخاك، حتى أكتب لأبي بكر كتاباً، ثم قال: يأبى اللَّه، والمسمون إلا أبا بكر" فكان قوله عليه الصلاة والسلام "يأبى اللَّه..." أبلغ من مجرد العهد، فإنه دل على استخلاف أبي بكر بالفعل، والقول، واختاره لخلافته اختيار راض بذلك، ولم يقل أحد من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم، من علي، وعباس وغيرهما: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نص على غير أبي بكر، ولو كان أظهرا. وانظر صفحة - 131 - .
وأما عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح، بن عبد اللَّه بن قرط بن ذراح بن عدي، بن كعب القرشي، العدوي، الفرق بين الحق والباطل لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "إن الحقّ يجري على لسان عمر" فقد أجمعوا على فضيلته، وحقية خلافته. اهـ شرح الفقه. وانظر صفحة - 39 - .(1/415)
أي الصهرين: عثمان بن عفان بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، بن قصي القرشي الأموي، لقب بذي النورين لأنه تزوج ابنتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رقية قبل النبوة، ولدت له عبد اللَّه، وأم كلثوم ولم تلد له، وقال عليه الصلاة والسلام: "لو كانت لي أخرى، لزوجتها إياه". وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي، المرتضى، زوج السيدة فاطمة الزهراء، وابن عم المصطفى، والعالم. والمعضلاتُ التي سأله عنها كبار الصحابة، ورجعوا إلى فتواه فيها، كثيرة شهيرة، تحقق قوله عليه الصلاة والسلام "أنا مدينة العلم، وعليٌّ بابها". شرح الفقه. وانظر صفحة - 22 - 83 - .
لثبوته بالسنة ثبوتاً يشبه التواتر. قال الحسن البصري (انظر ترجمته في صفحة - 138 - ) رضي اللَّه عنه: حدثني سبعون رجلاً من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنّهم رأوه يمسح على الخفين. وقال أبو حنيفة رحمه اللَّه تعالى: مَنْ أنكر المسح على الخفين، يخاف عليه الكفر، فإنه ورد فيه من الأخبار ما يشبه التواتر. وقال أبو يوسف: يجوز نسخ القرآن بمثله. اهـ الاختيار. وقال الروافض، والشيعة: لا يجوز المسح على الخفين، وإنما يمسحون على أرجلهم. شط.
أهل الذمة: هم أهل الكتاب، من اليهود، والنصارى. والذمة: هي العقد الذي يحصل بين السلطة المسلمة، وبين أهل الكتاب، مقابل دفع ضريبة شخصية، تسمى الجزية، قال تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يدٍ، وهم صاغرون} (التوبة: 29) للتمتع بالحماية، والإعفاء من بعض الواجبات في دار الإسلام. وبذا يأمنهم المسلمون بخضوعهم للسلطة المسلمة الحاكمة. فما داموا ملتزمين بكل شروط عقد الذمة، فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، فإذا امتنعوا من إجراء أحكام الإسلام عليهم، فقد خرجوا عن طاعة الحاكم، وأخلّوا بالأمن، فكان لزاماً القول بنقض عهدهم، والنبذ إليهم.(1/416)
جاء في كتاب علي، كرم اللَّه وجهه، للأشتر النخعي، "وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة، أو ألبسته منك ذمة، فحُط عهدك بالوفاء، وارعَ ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جُنّة ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض اللَّه شيء، الناس أشدُّ عليه اجتماعاً، مع تفرّق أهوائهم، وتشتت آرائهم، من تعظيم الوفاء بالعهود".
والأشتر: مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي، أمير، شجاع، أدرك الجاهلية، ذهبت عينه في اليرموك. شهد مع علي الجمل. وولاه مصر، فقصدها، ومات في الطريق. أعلام - آثار الحرب.
الذي قدره اللَّه تعالى له، لأن اللَّه تعالى، حكم بآجال العباد، على ما علم من غير تردد، قال تعالى: {فإذا جاء أجلهم، فلا يستأخرون ساعة، ولا يستقدمون} (الأعراف: 34) والأجل: قد يكون قتلاً، أو غيره، بمرضٍ، أو غيره. وكل ذلك بتقدير اللَّه تعالى. ووجوب القصاص، والضمان على القاتل: حكم شرعي، لا مدخل للعقل فيه، وذلك بسبب ارتكابه المنهي عنه، وكسبه الفعل الذي يخلق اللَّه تعالى عقيبه الموت، بطريق جري العادة، خلافاً للمعتزلة، والفلاسفة، حيث زعموا أن للمقتول أجلين: الموت، والقتل اهـ - شط - .
اليأس: وصول الروح إلى الغرغرة، وهي مرحلة اليأس من الحياة. فمن شروط التوبة: أن تصدر قبل الغرغرة، وهي حالة النزع، وقبل طلوع الشمس من مغربها، لأن باب التوبة يغلق عندئذٍ، ويسمع له دويّ، فتمتنع التوبة، على من لم يكن تاب قبل ذلك. ولا فرق عند الأشاعرة، في عدم صحة التوبة، في حال الغرغرة، بين الكافر، والمؤمن العاصي، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "إن اللَّه يقبل توبة العبد، ما لم يغرغر". انظر صفحة - 344 - . وعند الماتريدية، لا تصح من الكافر، في حال الغرغرة، وتصح من المؤمن حينئذ، وهو ما اعتمده المؤلف هنا.
والأشاعرة: نسبة إلى أبي الحسن الأشعري المتوفى سنة (324 ه)، علي بن إسماعيل، بن إسحاق، من نسل أبي موسى الأشعري، مؤسس مذهب الأشاعرة. متكلم، مجتهد، ولد في البصرة عام (260 ه).(1/417)
والماتريدية: نسبة إلى محمد بن محمود، أبي منصور الماتريدي، من أئمة علماء الكلام، نسبته إلى ما تريد، محلة بسمرقند. تحفة المريد - أعلام.
خلافاً للمعتزلة، وهذه المسألة هي فرع الأصل الثاني من أصولهم الخمسة وهو العدل. فنظرية الصلاح، والأصلح عندهم هي: أن اللَّه تعالى، لما كانت أعماله مُعللة، ويقصد منها إلى غاية، وهي نفع العباد، فاللَّه يقصد في أفعاله إلى صلاح العباد، وبعضهم قال: يجب على اللَّه أن يعمل ما فيه صلاح لعباده، وغالى فريق آخر، فقال: يجب رعاية ما هو الأصلح. انظر صفحة - 170 - .
ومذهبنا - معشر أهل السنة - أن أفعاله تعالى ليست معللة بغرض. وفي عالم الدنيا صور تشهد بكذب ما تقوله المعتزلة، فاللَّه تعالى منع الأموال قوماً، وأعطاها آخرين، وأيُّ صلاح في خلق إبليس، والشياطين في تصور المعتزلة، ولِمَ خلق مَنْ يفسد الحرثَ والنسل، ويثير الظلم، ويميت الحق، ولِمَ أنظر إبليس إلى يوم القيامة؟! سبحانه وتعالى {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} (الأنبياء: 23). وليت شعري ما معنى وجوب الشيء على اللَّه تعالى، لأن الألوهية تنافي الوجوب في مقام الربوبية، فالوجوب حكم من الأحكام، والحكم لا يثبت إلا بالشرع، ولا شارع على الشارع سبحانه، حتى يوجب عليه.
وسبب اعتقاد المعتزلة بهذا: قياسهم اللَّه على الإنسان، إذ رأوا أن الإنسان لا يفعل إلا لغاية، وأن الناس متفاوتون في الغايات، وكلما كان الإنسان أعدل، وأحكم، كان أصح غايةً، وتوجيهاً لأعماله إلى هذه الغاية، فكذلك اللَّه لا بد أن تكون له غاية، وأن يوجه أعماله إليها.
وفات المعتزلة أن هذا القياس ليس بصحيح، وليس بلازم. ولو كانت له غاية، كما يقولون، فكيف نجرؤ على القول بأن غايته من أفعاله، هي الغايات التي تخضع لها عقولنا؟ ثم نفسر غاياته من أعماله بهذا التفسير الإنساني، قال الشاعر (كامل):
ومن الدليل على القضاء، وحكمه: * بؤس اللبيب، وطيب عيش الأحمق(1/418)
وهذه المسألة كانت سبباً لافتراق الشيخ أبي الحسن الأشعري (انظر ترجمته في صفحة - 334 تع) عن شيخه أبي هاشم الجبائي، في قصة الأخوة الثلاثة: المطيع، والعاصي، الكبيرين، والثالث الصغير، الذين ماتوا كذلك. قال في جوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم اللقاني (انظر ترجمته - 291 - تع) (من الرجز)
وقولهم: إن الصلاح واجب * عليه، زورٌ، ما عليه واجب
ألم يروا إيلامه الأطفالا * وشبهها، فحاذر المحالا
والجبائي: محمد بن عبد الوهاب بن سلام، أبو علي، من أئمة المعتزلة، ورئيس علماء الكلام في عصره، وإليه نسبة الطائفة الجبائية. له مقالات وآراء انفرد بها في المذهب. نسبته إلى جبى (من قرى البصرة)، اشتهر في البصرة، ودفن بجبى سنة 303 ه. له تفسير مطول، وردّ عليه الأشعري. اهـ شرح الفقه - وضحى الإسلام، وشرح الجوهرة، والأعلام.
أي واقعة له في الحياة، وبعد الموت، كما ذهب إليه جمهور أهل السنة، وليس في مذهبٍ من المذاهب الأربعة قول بنفيها بعد الموت، بل ظهورها حينئذ أولى، لأن النفس حينئذ صافية من الأكدار.(1/419)
واستدلوا على جوازها، بأنه لا يلزم من فرض وقوعها محال، وكل ما كان كذلك فهو جائز، - واستدلوا على وقوقعها بما جاء في القرآن الكريم من قصة السيدة مريم، قال تعالى: {وأنبتها نباتاً حسناً} (آل عمران: 37) بأن سوّى خلقها، وجعلها تنبت في اليوم، كما ينبت المولود في العام، وكان زكريا عليه السلام يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف. وكذلك قصة أصحاب الكهف السبعة، من أشراف الروم، الذين حافوا من ملكهم، فخرجوا، ودخلوا غاراً، فلبثوا فيه بلا طعام، ولا شراب ثلاثمائة وتسع سنين، نياماً، بلا آفة. وكذلك قصة آصف بن برخيا، وزير سيدنا سليمان عليه السلام، الذي كان يعرف اسم اللَّه الأعظم، حين أتى بالعرش قبل أن يرتد طرف سيدنا سليما إليه. وكذلك ما وقع من كرامات الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم إلى يومنا هذا، فقد رُوي أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، رأى من مسافة شهر فقال: يا ساريةُ الجبل، فسمع سارية صوته، وانحاز بالناس إلى الجبل، وقاتلوا العدو، ونصرهم اللَّه تعالى.
والولي: هو العارف باللَّه تعالى، وبصفاته، حسب الإمكان، المواظب على الطاعة، المجتنب للمعاصي، المعرض عن الانهماك في اللذات، والشهوات المباحة. وسمي ولياً، لأن اللَّه تعالى تولى أمره، فلم يكله إلى نفسه ولا إلى غيره لحظة، ولأنه يتولى عبادة اللَّه على الدوام، من غير أن يتخللَّها عصيان.
والكرامة: أمر خارق للعادة، يظهر على يد عبدٍ، ظاهر الصلاح، ملتزمٍ لمتابعة نبيّ، كُلّف بشريعته، مصحوبٍ بصحيح الاعتقاد، والعمل الصالح، علم بها، او لم يعلم. تحفة المريد.
في هذا ردّ على مَنْ نفى الكرامة بدعوى التباس النبيّ بغيره، لأن الفرق بينهما، وبين المعجزة، أن المعجزة ترافق بدعوة النبوة، والتحدي، بخلاف الكرامة، فلا التباس.
قال في الجوهرة (رجز):
وأَثبتن للأوليا الكرامة * ومَنْ نفاها انبذن كلامه
اه تحفة المريد.(1/420)
والسحر: (وهو إتيان نفسٍ شريرة، بخارقٍ، عن مزاولة مُحَرّم) أمرٌ محقق في مذهب أهل السنة والجماعة، له حقيقة، كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة، خلافاً للمعتزلة، التي أنكرته ونفت حقيقته، وأضافت ما يقع منه إلى خيالاتٍ باطلة لا حقيقة لها. وقد ذكره اللَّه في كتابه، بقوله {ومن شرّ النفاثات في العقد} (الفلق: 4) وذكر أنه مما يتعلم بقوله {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} (البقرة: 102) وقوله: {ولكنّ الشياطين كفروا، يعلّمون الناس السحر} (البقرة: 102) وذكر أنه مما يضرّ، ولا ينفع بقوله: {ويتعلمون ما يضرهم، ولا ينفعهم} (البقرة: 102) وأشار إلى انه مما يفكر به بقوله: {ولكنّ الشياطين كفروا} (البقرة: 102) وأنه يفرق بين المرء وزوجه، كما مَرَّ. وهذا كله لا يمكن فيما لا حقيقة له. وحديث سحر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، مصرح بإثباته، وهو ما رواه البخاري عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - سُحِر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن (قال سفيان: وهذا أشدّ ما يكون من السحر إذا كان كذا) فقال: "يا عائشة أعلمت أن اللَّه قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟! أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجليّ، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل، قال مطبوب - مسحور - ، قال: ومَنْ طبّه؟ قال: لبيد بن أعصم - رجل من بني زريق، منافق حليف اليهود - قال: وفيم؟ قال: في مُشط، ومُشَاطة - الشعر الذي يخرج من الرأس إذا سُرّح - قال: وأين؟ قال: في جُفِّ طلعةِ ذكر - وعاء طلْع النخل، وهو الغشاء الذي يكون فوقه، ويطلق على الذكر والأنثى - تحت راعوفة - صخرة تترك في أسفل البئر، إذا حفرت، تكون ناتئة هناك، فإذا أرادوا تنقية البئر، جلس المُنَقِّي عليها - في بئر ذروان - بئر لبني زريق بالمدينة - قالت: فأتى البئر حتى استخرجه. فقال: هذه البئر، التي رأيتها، وكأن ماءها نُقاعة الحنّاء، وكأن نخلها(1/421)
رؤوس الشياطين، قال: فاستخرج، فقلت: أفلا تنشرت؟ - أي استخرجت الدفين ليراه الناس، وقد دَفنه عليه السلام بعدما استخرجه - ؟ فقال: أمّا اللَّه فقد شفاني، وأكره أن أُثير على أحد من الناس شراً". ورواه مسلم وأحمد.
وهذا كله يبطل ما قالوه، فإحالة كونه من الحقائق، محال ولا يستنكر في العقل أن اللَّه سبحانه وتعالى، يخرق العادة، عند النطق بكلامٍ ملفق، أو تركيب أجسام، أو المزج بين قوىً، على تركيب لا يعرفه إلا الساحر.
وأما إصابة العين فهي حق كذلك، حتى رتب فقهاء الشافعية وجوب الضمان على مَنْ أتلف بها، روى احمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجه، عن أبي هريرة: "العين حق" وزيد في رواية: "وإن العين لتدخل الرجل القبر، والجملَ القِدر".(1/422)
ومذهب أهل السنة ان العين إنما تفسد، وتهلك عن نظر العائن، بفعل اللَّه تعالى، حيث أجرى اللَّه تعالى العادة بأن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص، لشخص آخر، وقد ورد الشرع بالوضوء لهذا الأمر، في حديث سهل بن حُنيف بن وهب الأنصاري الأوسي، أبي سعد، (من السابقين، شهد بدراً، وثبت يوم أحد، وشهد المشاهد كلها، وآخى عليه الصلاة والسلام بينه و بين علي كرم اللَّه وجهه، واستخلفه عليّ على البصرة بعد وقعة الجمل، ثم شهد معه صفين، توفي بالكوفة سنة 38 ه، فصلى عليه عليٌّ، له في الصحيحين (40) حديثاً) لما أُصيب بالعين، عند اغتساله، فأمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم عاينه أن يتوضأ. رواه مالك في الموطأ. وصفة وضوء العائن عند العلماء: أن يؤتى بقدح ماء، ولا يوضع القدح في الأرض، فيأخذ منه العائن غرفة، ثم يتمضمض بها، ثم يمجها في القدح، ثم يأخذ منه ماء فيغسل به وجهه، ثم يأخذ بشماله ماء يغسل به كفه اليمنى، ثم بيمينه ماء يغسل به كفه اليسرى، ثم بشماله ماء يغسل به مرفقه الأيمن، ثم يأخذ ماء يغسل به مرفقه الأيسر. ولا يغسل ما بين المرفقين، والكفين. ثم يغسل قدمه اليمنى، ثم اليسرى، ثم رُكبتيه اليمنى، ثم اليسرى على الصفة المتقدمة، وذلك في القدح، ثم داخلة إزاره، وهو الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن، فإذا استكمل هذا، صبه من خلفه على رأسه.
وجمهور العلماء على ما قدمنا، وهو أمر تعبدي لا يُعلل، ولا يمكن معرفة وجهه، وليس في قوة العقل الاطلاع على أسرار جميع المعلومات.
وهل يجبر العائن على الوضوء للمعان أم لا؟ احتج من أوجبه بقوله صلى اللَّه عليه وسلم في رواية مسلم "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر، سبقته العين، وإذا استغسلتم، فاغسلوا"، وبرواية الموطأ، السابقة، لأن الأمر للوجوب. اه.
شرح الفقه، وشرح الطريقة، والأعلام.(1/423)
المقلد اسم فاعل من التقليد، بمعنى المتابعة، وأصله: وضع القلادة في العنق، فكان مَنْ قلد غيره في القول، أو فعل، وضع التبعة في عنق ذلك الغير، فيبقى خطؤه، أو أصابته منسوبة إلى ذلك الغير.
والتقليد المقصود للغير: هو أخذ قول ذلك الغير، أو فعله، مع الجزم به، والمطابقة له، من غير استدلال عليه، فلا تقليد مع الشك، والتردد. ولا مع عدم المطابقة، كمن يزعم أنه مقلد لأئمة المسلمين، وهو يعتقد أن اللَّه تعالى مكاناً، أو جهة، أو جسمية، أو ان معه مؤثراً في الوجود بأمر ما، فهذا ليس بمقلد لأئمة المسلمين، لأنهم لا يعتقدون شيئاً من ذلك حتى يقلدهم.
والتقليد على الشكل السابق صحيح عند المحققين من اهل السنة، (وإن لم يكن عنده استدلال على ما قلد غيره فيه)، من حيث إجراء الأحكام الدنيوية عليه اتفاقاً، والأخروية عند المحققين، يدل عليه قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام: لست مؤمناً} (النساء: 94) الآية، وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنْ صلى صلاتنا، ودخل مسجدنا، واستقبل قبلتنا، فهو مسلم".
والمقلد يعتبره الجمهور عاصياً، لأنه ترك الاستدلال على مسائل اعتقاده، وهذا إن كان فيه أهلية لفهم النظر الصحيح. اهـ شط.
انظر أسماءهم في صفحة - 327 - 328 -
كالسيدة فاطمة، والحسن، والحسين، وخديجة رضي اللَّه تعالى عنهم، لما روى النسائي، عن حذيفة، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "هذا ملك من الملائكة، استأذن ربه ليسلم عليّ، وبشّرني أن حسناً، وحسيناً سيدا شباب الجنة، وأمهما سيدة نساء أهل الجنة". وفي خبر النسائي "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنة خويلد، وفاطمة بنة محمد". وأخرج السيوطي، عن الديلمي عن أنس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "شباب أهل الجنة خمسة: حسنٌ، وحسين، وابنُ عمر، وسعد بن معاذ، وأُبي بن كعب".(1/424)
ولا نشهد لغيرهم بعينه، لأن فيه تحكماً على اللَّه تعالى، وإخباراً بما لا يعلم. اهـ شط.
كأبي لهب، وأبي جهل، وفرعون، وقارون، وهامان، وقدار بن سالف قاتل ناقة سيدنا صالح، وقابيل، قاتل هابيل، وقتلى بدر من المشركين الذين ألقوا في القليب، وغيرهم. أما غير هؤلاء فلا نتهم بالكفر أحداً من أهل القبلة، فقد قال الفقهاء رضي اللَّه تعالى عنهم: ولا يفتى بتكفير مسلم، أمكنَ حمل كلامه على محملٍ حسن، أو كان في كفره خلاف، ولو رواية ضعيفة. وقال النووي رحمه اللَّه تعالى: يجب على الطالب أن يحمل إخوانه على المحامل الحسنة، في كل كلام، يفهم منه نقص، إلى سبعين محملاً، ولا يعجز عن ذلك إلا كلُّ قليل توفيق. (انظر تحقيق النص في صفحة - 186 - وانظر ترجمته في صفحة - 64 - ).
ونقل عن إمام الحرمين (انظر ترجمته صفحة 149 تع) حين يسأل عن كلام غلاة الصوفية، انه كان يقول: (لو قيل لنا: فصّلوا ما يقتضي التكفير من كلامهم، مما لا يقتضيه، لقلنا: هذا طمع في غير مَطْمع، فإن كلامهم بعيد المدرك، وعسير المسلك، يغترف من بحار التوحيد. ومن لم يحط علماً بنهاية الحقائق، لم يحصل من دلائل التكفير على وثائق، كما أنشد بعضهم في معنى ذلك (من الطويل):
تركنا البحار الزاخرات وراءنا * فمن أين يدري الناس أين توجهنا(1/425)
وسئل الشيخ تقي الدين السبكي (علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري الخزرجي، أبو الحسن، شيخ الإسلام في عصره، الحافظ، المفسر، المناظر، والد التاج السبكي، المولد في سبك من أعمال المنوفية بمصر، المتوفى سنة 756 ه في القاهرة) عن حكم تكفير غلاة المبتدعة، وأهل الأهواء، والمتفوهين بالكلام على الذات الإلهية؟ فقال رحمه اللَّه تعالى: (اعلم أيها السائل أن كل مَنْ خاف من اللَّه عز وجل، استعظم القول بالتكفير لمن يقول: لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه. إذ التكفير أمر هائل، صعب، عظيم الخطر، لأن من كفّر شخصاً، فكأنه أخبر أن عاقبته - في الآخرة - الخلود في النار، أبد الآبدين، وأنه في الدنيا مباح الدم، والمال، لا يمكن من نكاح مسلمة، ولا تجري عليه أحكام المسلمين، لا في حياته، ولا بعد مماته. والخطأ في ترك ألف كافر، أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم امرئ مسلم، وفي الحديث: "لأن يخطئ الإمام في العفو، أحب إلى اللَّه من أن يخطئ في العقوبة". ثم إن تلك المسائل التي يفتى فيها بتكفير هؤلاء القوم، في غاية الدقة، والغموض، لكثرة شعبها، واختلاف قرائنها، وتفاوت دواعيها، والاستقصاء في معرفة الخطأ من سائر صنوف وجوهه، والاطلاع على حقائق التأويل، وشرائطه في الأماكن، ومعرفة الألفاظ المحتملة للتأويل، وغير المحتملة. وذلك يستدعي معرفة طرق أهل اللسان من سائر قبائل العرب في حقائقها، ومجازاتها، واستعارتها، ومعرفة دقائق التوحيد، وغوامضه، إلى غير ذلك، مما هو متعذر جداً على أكابر علماء عصرنا، فضلاً عن غيرهم. وإذا كان يعجز عن تحرير معتقده في عبارة، فكيف يحرر اعتقاد غيره من عبارته؟ فما بقي الحكم بالتكفير، إلا لمن صرح بالكفر، واختاره ديناً، وجحد بالشهادتين، وخرج عن دين الإسلام جملة، وهذا نادر وقوعه. فالأدب الوقوف عن تكفير أهل الأهواء، والبدع، والتسليم للقوم في كل شيء قالوه، مما يخالف صريح النصوص. اه) شط.(1/426)
قلت: وبهذا يتبين لك تهور كثير ممن يقعون بالسادة الصوفية، ويسارعون إلى تكفيرهم، كالشيخ محي الدين بن عربي وغيره من الأعلام رضي اللَّه تعالى عنهم، ولو أنهم وعوا كلام الإمام السبكي رحمه اللَّه، لالتزموا جانب الأدب مع اللَّه، فلم يقعوا في صفوة الأمة بعد الصحابة والتابعين، لأن لحومهم مسمومة، وعادة اللَّه فيمن انتهك حرماته معلومة.
الأزل عبارة عن عدم الأولية، او عبارة عن استمرار الوجود في أزمنة مقدرة، غير متناهية، في جانب الماضي. فليس كلٌّ من فوز السعيد، وشقاء الشقي، باعتبار الوصف القائم به في الحال، من الإيمان بالنسبة للسعيد، والكفر للشقي، بل باعتبار ما سبق أزلاً في علمه تعالى، فلا يتغير كلُّ واحد من السعيد، والشقي، عما سبق في علمه تعالى، فالسعيد لا ينقلب شقياً، وبالعكس، وإلا لزم انقلاب العلم جهلاً، وهو بديهي الاستحالة. فالسعادة، والشقاوة مقدرتان في الأزل، لا يتغيران، ولا يتبدلان، لأن السعادة هي الموت على الإيمان، باعتبار تعلق علم اللَّه أزلاً بذلك، والشقاوة هي الموت على الكفر بذلك الاعتبار. فالخاتمة تدل على السابقة، فإن ختم له بالإيمان، دل على أنه في الأزل، كان من السعداء، وإن تقدمه كفر. وإن ختم له بالكفر، دل على أنه في الأزل، كان من الأشقياء، وإن تقدمه إيمان، كما يدل له حديث الصحيحين: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه، وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" وخوف العامة من الخاتمة، وخوف الخاصة من السابقة، وهو أشد، وإن تلازما.(1/427)
وفي حديث عمر رضي اللَّه تعالى عنه حين سئل عن قوله تعالى: {وإذ أخذ ربُّك من بني آدم، من ظهورهم، ذرياتهم، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى} (الأعراف:172) فقال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "إن اللَّه تعالى خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، ويعملون عمل أهل الجنة، ثم مسح ظهره بشماله، فاستخرج من ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، ويعملون عمل أهل النار. فقال الرجل: يا رسول اللَّه، ففيم العمل؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "إن اللَّه تعالى إذا خلق العبد للجنة، استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخله الجنة، وكذلك إذا خلق اللَّه العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عملٍ من أعمال أهل النار، فيدخله به النار"، اهـ شرح الفقه - تحفة المريد.
العلة الغائية: هي الغرض الذي يقوم في ذهن الإنسان، ويتجه إلى تحقيقه، فيدفعه ذلك إلى تنفيذ الوسائل، والأسباب، التي توصله إلى ذلك الغرض. كالشعور بالحاجة إلى الدفء، الذي هو غرض يحملك على ارتداء معطفك الثقيل، فتحقيق الدفء علّة غائية، لأنها الحامل على الفعل، وهي مماثلة في الذهن من قبله، ولكنها تتحقق في الخارج بعده، وعليه نقول:
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أول الخلق إسلاماً:.
وجدت الكلمات في الفص
1 - إن إرادة اللَّه تعالى تامة لا يشوبها جبر، وقسر، بل هي تامة، وبالتالي فأفعاله تعالى خالية عن العلل الغائية. فإذا قلنا: إن اللَّه أنزل المطر من أجل علة استهدفها، هي ظهور النباتات، كانت الحامل له على إنزال المطر، كان معنى ذلك أن الضرورة هي التي حملته على الإمطار. ومثل هذا الاعتقاد في حقه تعالى كفر محض، يتناقض مع مقتضى الألوهية.
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.(1/428)
مطلب في أول الخلق إسلاماً:.
وجدت الكلمات في الفص
2 - ومن صفاته تعالى: القدرة التامة المطلقة، التي تستلزم كون جميع المخلوقات بخلقه، وتكوينه. وقد صرح القرآن الكريم بأن جميع الموجودات من خلقه، قال تعالى: {وخلق كلّ شيء فقدره تقديراً} (الفرقان: 2) وهذا يعني أن قدرته تعالى توجهت إلى خلق كل شيء ابتداءً، بدون اتخاذ أية واسطة، ولا سبب.
فإذا قدرنا العلة الغائية في أفعاله، وخلقه، فمعنى ذلك أن بين قدرته تعالى، وبين تلك العلة وسائل، هي المؤثر المباشر، في اتخاذ الغاية. وهو مناف لصريح النصوص القرآنية، القاطعة بأن اللَّه هو الخالق المباشر لكل شيء.
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أول الخلق إسلاماً:.
وجدت الكلمات في الفص
3 - علمنا من حديثنا عن صفات اللَّه السلبية، وصفات المعاني، والمعنوية، اتصافه تعالى بكل كمال، وتنزيهه عن كل نقص، فلو قلنا بالعلة الغائية، لاستلزم اتصافه تعالى ببعض النقائص، وأنه يستكملها بغيره، تعالى اللَّه عن ذلك علواً كبيراً.
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أول الخلق إسلاماً:.
وجدت الكلمات في الفص(1/429)
4 - ذكر سبحانه أنه خلق كل شيء، وأعطاه السببية لما شاء من المسببات فقال سبحانه: {الذي أعطى كل شيء خلقه، ثم هدى} (طه: 50) فهو نص قاطع بأنه لا سبب إلا بخلقه وجعله، فكيف يتصور أن يوسط اللَّه تعالى بعض مخلوقاته لتحقيق غايات معينة؟! أما الآيات، والأحاديث، الموهمة لثبوت العلل، والأغراض للَّه تعالى، بسبب استعمال لام التعليل كقوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات: 56) فليست على التعليل الحقيقي، وإنما هي تعبير عن العلة الجعلية، لا عن العلة الحقيقية. فقد تعلقت إرادة اللَّه تعالى بإيجاد الإنسان، وبتكليفه بالتعبّد له، وبأن يكون الأول علة للثاني، برابطٍ من محض مشيئته، قدرته. فعلم من ذلك أن من وراء أفعاله تعالى حكماً، ومصالح، تأتي مترتبة عليها، يعلمها اللَّه تعالى، دون أن تكون هذه الحكم والمصالح، عللاً غائية دافعة إلى تلك الأفعال.
واللَّه تعالى قادر أن يوجد الإيمان في قلب الإنسان، بدون التأمل، والتفكر، ولكنه سبحانه، شاء أن يكون إيمانهم بجهدٍ عقلي يبذلونه، ليستأهلوا الأجر، أو الوزر، على كسبهم، وجهدهم الذاتي.
فإذاً فالكون قائم في منهجه، ومظهره، على نظام العليّة، ولا شك، وهو في ذلك يرمي إلى تنبيه الأذهان، إلى وجود الخالق المدبر له، وهذا ينفي العبث عن فعله سبحانه، اهـ كبرى اليقينيات.
(بقرة: 286) ومعنى (وسعها) أي طاقتها. وتكليف ما لا يطاق: هو التكليف بما هو خارج عن مقدور البشر، كتكليف الأعمى بالإبصار، والزَّمِن بالمشي، بحيث لو أتى به يثاب، ول تركه يعاقب. وأما التكليف بما هو ممتنع لغيره، كإيمان مَنْ علم اللَّه أنه لا يؤمن، مثل فرعون، وأبي جهل، وأبي لهب، وسائر الكفار الذين ماتوا على الكفر، فقد اتفق الكل على جوازه، ووقوعه شرعاً.(1/430)
وأما قوله تعالى: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} (البقرة: 286) فاستعاذةٌ عن تحميل ما لا يطاق، لا عن تكليفه، إذ عندنا يجوز أن يحمّله جبلاً لا يطبقه، بأن يلقى عليه فيموت، ولا يجوز أن يكلفه بحمل جبل، بحيث لو فعل يثاب، ولو امتنع يعاقب. فلا جرم صحت الاستعاذة منه بقوله تعالى: {ربنا ولا تحملنا} الآية. وإنما ذكر التّحميل في هذه الآية، والحمل في الآية الأولى {ربنا ولا تحمل علينا إصراً...} لأن الشاق يمكن حمله، بخلاف ما لا يكون مقدوراً. ثم التحقق أن للعبد مقامين: - أحدهما: قيامه بظاهر الشريعة، - الثاني: شروعه في مبدأ المكاشفة، وذلك أن يشتغل بمعرفة اللَّه سبحانه، وطاعته، وشكر نعمته. ففي المقام الأول، طلب ترك التثاقل. وفي المقام الثاني، كأنه قال مخاطباً ربه: لا تطلب مني يا رب حمداً يليق بجلالك، ولا شكراً يليق بكمالك، ولا معرفة تليق بحضرتك، وعظمتك، فإن ذلك لا يليق بذكري، وشكري، وفكري، ولا طاقة لي بذلك في جوامع أمري. ولمّا كانت الشريعة مقدمة على الحقيقة، قدّم الجملة السابقة. اهـ شرح الفقه الأكبر.(1/431)
من دجل، أي كذب، أو من دجلَ البعيرَ: إذا طلاه بالدجيل، (كزبير القطران) وعمَّ جسمه، لأن الدجال المسيح، يعم الأرض. أو من دجل، إذا قطع نواحي الأرض سيراً، أو من دجل تدجيلاً، إذا غطي وطلي بالذهب، لتمويهه بالباطل. والدجال: مهدي اليهود ينتظرونه كما ينتظر المؤمنون المهدي، وهو رجل طويل عريض الصدر، مطموس العينين، يدعي الربوبية، معه جبل من خبز، وجبل من أجناس الفواكه. وأرباب الملاهي جميعاً يضربون بين يديه بالطبول، والعيدان، والمعازف، والنايات، فلا يسمعه أحد إلا تبعه، إلا من عصمه اللَّه تعالى. ومن أمارات خروجه أن تهب ريح، كريح قوم عاد، ويسمعون صيحة عظيمة، وذلك عند ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكثرة الزنى، وسفك الدماء، وركون العلماء إلى الظلمة، والتردد إلى أبواب الملوك. ويخرج من ناحية المشرق من قرية تسمى سرابادين، ومدينة الأهواز، ومدينة أصبهان، على حمار وهو يتناول السحاب بيده، ويخوض البحر إلى كعبيه، ويستظل في أذن حماره خلق كثير، ويمكث في الأرض أربعين يوماً، أول يوم كسنة، والثاني كشهر، والثالث كأسبوع، وبقية المدة كباقي الأيام، ويقدّر الناس في هذه الأيام لها قدرها من حيث الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وما إلى ذلك... ثم تطلع الشمس يوماً حمراء، ويوماً صفراء، ويوماً سوداء. ثم يصل المهدي، وعسكره إلى الدجال، فيلقاه، ويقتل من أصحابه (30) ألفاً، وينهزم الدجال، ثم يهبط سيدنا عيسى عليه السلام إلى الأرض، وهو متعمم بعمامة خضراء، متقلّد بسيف، راكب على فرس، وبيده حربة، فيطعنه بها فيقتله عند باب اللدّ. شط.(1/432)
وتسمى الجسّاية، لتجسسها الأخبار للدجال، وهي دابة غريبة الخلق، تخرج ما بين الركن الأسود، إلى باب بني مخزوم، ثم تسيح في الأرض لا يدركها طالب، ولا يعجزها هارب، تَسِمُ الرجل في وجهه، فيعرف الكافر من المؤمن. وتتكلم بلسان فصيح، تقول: هذا مؤمن، وهذا كافر، قال تعالى: {أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} (النمل: 82) شط.
وهما أمتان، مضرتان، مفسدتان، كافرتان، من نسل يافث بن نوح عليه السلام. وخروجهما بعد عيسى عليه السلام. ويأجوج أمة، ومأجوج امة، كل امة منهم أربعة آلاف أمة، لا يموت منهم رجل إلا وينظر ألف ذكر من صلبه، قد حملوا السلاح. وهم ثلاثة أصناف، منهم مثل الأرز، (شجر معروف) طوله مائة وعشرون ذراعاً، ومنهم: مَنْ طوله وعرضه سواء، مائة وعشرون ذراعاً، ومنهم من يفترش أذنه، ويلتحف بالأخرى، لا يمرون بفيل، ولا شيء من أنواع الوحوش إلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه. أوّلُهم بالشام، وآخرهم بخراسان، يشربون أنهار المشرق، وبحيرة طبرية، ويقال: إن منهم من هو مفرط في الطول، ومنهم من طوله شبر واحد. شط.
من السماء الثانية التي هو فيها الآن، على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيقتل الدجال، ويبطل الجزية. وحواريه يومئذ أصحاب الكهف والرقيم، ثم يقرر عليه أعلام أمور الشريعة المطهرة، ويجدّد للأمة أمر دينها، وتصفو حالة الناس، فلا يموت أحد. ولا يمرض أربعين سنة. ويقول الرجل لغنمه، ودوابه: اذهبوا، فارعوا.. وتمرُّ الماشية بين الزرعين من قبل أن تؤذيه، ويرتفع أذى المؤذيات من الحشرات، والأفاعي، والشباع، ويبذر الزراع مداً من القمح، فيجيء منه سبعمائة مد، من غير حرث. ويتزوج ويولد له، ويمكث في الأرض خمساً وأربعين سنة، ويدفن في روضة المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم - شط.(1/433)
وعندئذ يمتنع قبول التوبة، لأن الناس حينئذ يخلص إلى قلوبهم من الفزع، ما تخمد به كل شهوة، وتفتر به كل قوة، لتيقنهم بالقيامة، كحال مَن حضرته الوفاة، وأخذ في النزع، وانتهت روحه إلى حلقومه. ومَنْ هذا حاله لا تقبل له توبة، لأنه عاين الحق، ورأى مقعده من الجنة، أو النار. شط.
ومن جملة علامات الساعة: رفع القرآن من الصدور والمصاحف، وهدم الكعبة، والدخان، والخسف. وغير ذلك. شط.
انظر صحيفة - 285 - و 286 - من هذا الكتاب.(1/434)
قال اللَّه تعالى: {ومن يشاقق اللَّه والرسول، من بعد ما تبين له الهدى، ويتبع غير سبيل المؤمنين، نوله ما تولى، ونُصْله جهنم، وساءت مصيراً} (نساء - 114) - وعن عمر (انظر صفحة - 39 - ). رضي اللَّه تعالى عنه، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "فساد الناس: إذا جاء العلم من قِبل الصغير، استعصى عليه الكبير، وصلاح الناس: إذا جاء العلم من قِبَل الكبير، تابعه عليه الصغير" مناوي (انظر صفحة - 149 - ). وعن أنس - رضي اللَّه تعالى عنه - (انظر صفحة - 114 - ) عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "إن أمتي لنن تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً، فعليكم بالسواد الأعظم" رواه ابن ماجه. وعن حذبفة بن اليمان - (انظر صفحة - 177 - ) رضي اللَّه تعالى عنه - قال: كان الناس يسألون رسول اللَّه عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر، مخافةَ أن يدركني، فقلت: يا رسول اللَّه، إنّا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا اللَّه بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: "نعم"، قلتُ: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن"، قلتُ وما دَخَنُه؟ قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرفُ منهم وتنكر" قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، مَنْ أجابهم إليها، قذفوه فيها" قلت: يا رسول اللَّه، صفهم لنا، قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا" قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" قلتُ: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلَّها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك" رواه البخاري (انظر صفحة - 231 - ) واللفظ له، ومسلم - (انظر صفحة - 156 - ) - من كتاب زاد المسلم - تع - . وابن ماجه: محمد بن يزيد الربعي، القزويني، أبو عبد اللَّه، أحد أئمة علم الحديث، من قزوين. رحل إلى البصرة، وبغداد، والشام، ومصر، والحجاز، والري، في طلب الحديث. له - سنن ابن ماجه - أحد الكتب الستة(1/435)
المتعمدة. أعلام.
(آل عمران: 19).
أي القلب.
فلا يغالي في حقوق الروح، على حساب حقوق الجسد، أو العقل، ولا عطس، بل يتوسط، فيعطي للروح حقها، من العبادات، والأذكار، والصلاة، والسلام على أفضل الأنام، وقراءة القرآن، وقيام الليل، وصوم النافلة، بعد الفريضة، والاجتهاد في العبادة. ويعطي الجسد حقه من العلوم، والتفكير، وحرية التفكير - مع الموازنة بين كل ذلك، دون أن يطغى جانب على آخر. وتحقيقاً لهذا التوازن، حارب الإسلام المادية الصرفة، والروحية السلبية الداعية إلى الانزواء، واعتزال الحياة، ومتعها المشروعة، وحارب الجهل. قال تعالى: {هل يستوي الذين يعلمون، والذين لا يعلمون؟} الزمر - 9 - وقال تعالى: {قل: من حرّم زينة اللَّه التي أخرج لعباده، والطيبات من الرزق؟!} (الأعراف: 32). وفي حديث الطبري عن عكرمة قال: كان أناس من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، هَموا بالخصاء، وترك اللحم، والنساء، فنزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا، لا تحرموا طيبات ما أحل لكم اللَّه لكم، ولا تعتدوا....} (المائدة: 87) أي لا تمنعوا أنفسكم عن تلك اللذائذ، وتقولوا: حرمناها على أنفسنا، مبالغة في تركها، وتقشفاً وزهداً. وكذلك ما روي عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، فيما رواه الشيخان، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال له: "بلغني أنك تصوم النهار، وتقوم الليل، فلا تفعل، فإن لجسدك عليك حقاً، ولعينيك عليك حظاً، وإن لزوجتك عليك حظاً، صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر"، قلت: يا رسول اللَّه، إن لي قوة، قال: "فصم صوم داود عليه السلام، صم يوماً وأفطر يوماً..." فكان يقول: يا ليتني أخذت بالرخصة. اهـ صفوة التفاسير.
فالإسلام وسط بين ذلك كله. عن جابر رضي اللَّه عنه (انظر صفحة - 144 - )، عن النبي(1/436)
صلى اللَّه عليه وسلم قال: "إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، فإن المنبت، لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى" رواه البزار (أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، أبو بكر، حافظ، من البصرة، حدث آخر عمره بأصبهان، وبغداد، والشام. توفي في الرملة سنة - 292 - ه. له مسندان: البحر الزاجر، وهو الكبير - ومسند صغير - اهـ أعلام.). وعن انس رضي اللَّه عنه (انظر صفحة - 114 - )، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق". رواه أحمد (انظر صفحة - 125 - ).
انظر تفصيل ذلك في صفحة - 293 - .
الجبر: منسوب إلى طائفة الجبرية، بزعامة جهم بن صفوان، إذ تنسب إليه هذه الطائفة - الجهمية - كان يقول: إن الإنسان مجبور، لا اختيار له، ولا قدرة، وإنه لا يستطيع أن يعمل غير ما عمل، وإن اللَّه قدر عليه أعمالاً، لا بدّ أن تصدر منه، وإن اللَّه يخلق فيه الأفعال، كما يخلق في الجماد. والثواب، والعقاب جبر، كما أن الأفعال جبر، واللَّه تعالى قدّر لفلان فعل كذا، وقدّر له أن يُثَاب، وقدر على الآخر المعصية، وقدر أن يعاقب. اه. فجر الإسلام. وانظر صفحة - 303 - 320 - .(1/437)
القدر: منسوب إلى القدرية، وهم فرقة تقول بنفي القدر، وتنكر سبق علمه تعالى بالأشياء قبل وقوعها، وتزعم أن اللَّه تعالى لم يقدر الأمور أزلاً، وأن الأمر أُنُف، أي يستأنفه اللَّه تعالى علماً حال وقوعه. ومن أسبق الناس قولاً بالقدر: معبد الجهني، وغيلان الدمشقي. أما معبد بن عبد اللَّه بن عديم الجهني، البصري، فهو أول من تكلم بالقدر في البصرة. قتله الحجاج صبراً بعد أن عذبه، وقيل: صلبه عبد الملك بن مروان في دمشق، على ذلك، ثم قتله سنة (80 ه). وأما غيلان بم مسلم الدمشقي، فهو ثاني من تكلم في القدر، ودعا إليه، وإليه تنسب فرقة الغيلانية من القدرية. وهو يقول بالقدر خيره وشره من العبد. تاب من مذهبه تقيةً زمن عمر بن عبد العزيز، وفي زمن هشام جاهر به، وبعد مناظرته للأوزاعي، أفتى الأخير بقتله، فصلب على باب كيسان بدمشق، بعد سنة (105 ه)، بعد قطع يديه ورجليه. روي عن نافع قال: جاء رجل إلى ابن عمر، رضي اللَّه عنهما، فقال: إن فلاناً يقرأ عليك السلام، لرجلٍ مناهل الشام، فقال ابن عمر: إنه قد بلغني أنه قد أحدث التكذيب بالقدر، فإن كان قد أحدث، فلا تقرأ مني عليه السلام. وممن تبرأ منهم من الصحابة: جابر، وأبو هريرة، وابن عباس، وأنس، رضي اللَّه عنهم، وأوصوا أخلافهم بألا يسلموا على القدرية، ولا يصلوا على جنائزهم، ولا يعودوا مرضاهم. وإنما سموا قدرية لحديث: "القدرية مجوس هذه الأمة". قلت: وتُسمى المعتزلة قدرية أيضاً، لأنها تقول: إن الإنسان يخلق أفعاله بنفسه، بقوة أودعها اللَّه فيه، وتنفي عن اللَّه تعالى صفاته الأزلية، وتنكر رؤيته بالأبصار، وتقول: إنه تعالى لا يرى نفسه، ولا يراه غيره، وتزعم أن القرآن مخلوق.....اه. فجر الإسلام - تحفة المريد - الأعلام.(1/438)
انظر تحقيق ذلك، وآراء العلماء في هذا، في صفحة - 324 - وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، (انظر صفحة - 120 - )، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة" رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (انظر صفحة - 179 - 201 - 256 - 345 - )، زاد في رواية: "كلها في النار، إلا واحدة"، وفي رواية لأحمد (انظر صفحة - 241 - )، وغيره "والجماعة: أي أهل السنة، والجماعة" وفي رواية:"هي ما أنا عليه اليوم، وأصحابي".
فائدة: أصول الفرق الاثنتين والسبعين، ستة:
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أول الخلق إسلاماً:.
وجدت الكلمات في الفص
1 - حرورية: نسبة إلى - حروراء - قرية قريبة من الكوفة، خرج إليها الذين خرجوا عن علي، بعد التحكيم بينه، وبين معاوية، في صفين، وهم من جنده، وأكثرهم من قبيلة تميم، رأوا أن التحكيم خطأ، وأطلقوا شعار: "لا حكم إلا للَّه"، وطلبوا من علي أن يقر على نفسه بالخطأ، بل بالكفر، لقبوله التحكيم، ويرجع عما أبرم مع معاوية من شروط. وقالوا: إن فعل، عادوا إليه، وقاتلوا معه، فأبى فلما يئسوا من رجوعه لرأيهم، قالوا: اخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها، إلى بعض كور الجبال، أو إلى بعض هذه المدائن، منكرين لهذه البدع المضلة. وهم يكفرون أهل القبلة من المسلمين، غير أتباعهم، ويتقربون إلى اللَّه في قتالهم، قال شاعرهم قطري بن الفجاءة يفتخر بانتصار الخوارج على السنة في يوم دولاب: (من الطويل):
فلو شهدتنا يوم ذاك، وخيلنا * تبيح من الكفار كل حريم
رأت فتية باعوا الإله نفوسهم * بجنات عدنٍ، عنده، ونعيم
وهم فرق كثيرة، أعنفها: الأزارقة أتباع نافع بن الأزرق، ثم الإباضِيّة، ثم النجدات.
*** : ***
[متن الكتاب].(1/439)
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أول الخلق إسلاماً:.
وجدت الكلمات في الفص
2 - قدرية: وهي التي تحدثنا عنه قبل قليل.
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أول الخلق إسلاماً:.
وجدت الكلمات في الفص
3 - جهمية، وقد سبق الحديث عنها قبل قليل.
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أول الخلق إسلاماً:.
وجدت الكلمات في الفص
4 - مرجئة: مشتقة من: أرجأ، بمعنى بعث الرجاء، لأنهم يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. فهم يؤملون كل مؤمنٍٍ عاصٍ. وهذه الفرقة كانت رد فعل للخوارج، والشيعة. وكانوا يقولون: من آمن باللَّه، ورسله، وترك الفرائض، وارتكب شيئاً من الكبائر، فهو مؤمن. وقالوا: الإيمان: هو الاعتقاد بالقلب، وإن أعلن الكفر بلسانه، وعبد الأوثان، أو عزم اليهودية، أو النصرانية، في دار الإسلام.
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أول الخلق إسلاماً:.
وجدت الكلمات في الفص
5 - ورافضة: وهم جماعة من الشيعة، فارقت زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لرأيه في أبي بكر، وعمر، حيث قال عنهما، لما سألوه: "رحمهما اللَّه، وغفر لهما، ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما، ولا يقول فيهما إلا خيراً" ففارقوه، ونكثوا بيعته. وقالوا: جعفر إمامنا اليوم، بعد أبيه (وهو أخو زيد) محمد الباقر، ولا نتبع زيد بن علي، فليس بإمام. فسماهم زيد الرافضة.
*** : ***
[متن الكتاب].
الباب الخامس في الأخلاق، والصفات الذميمة، وغوائلها.
مطلب في أول الخلق إسلاماً:.
وجدت الكلمات في الفص(1/440)
6 - جبرية: وقد تكلمنا عنها قبل قليل. وانقسم كل من هذه الفرق الست إلى اثنتي عشرة فرقة، فصارت اثنتين وسبعين. وإنما سموا فرقاً لأنهم فارقوا الجماعة، وحالفوا الضلالة. اهـ فجر الإسلام، وضحاه - بتصرف وزيادة.
انظر صفحة - 293 -
انظر صفحة - 293 - 347 -
نسبة إلى الطبيعة، الذين ينكرون الخالق سبحانه، والبعث، وهؤلاء هم الوجوديون الماديون.
انتقل جامع هذا الكتاب - المرحوم العلامة خليل بن عبد القادر الشيباني النحلاوي - إلى رحمة ربه تعالى، ليلة الخامس عشر من شعبان المعظم، سنة خمسين وثلاثمائة وألف هجرية، ولم يتسن له طبع هذا المؤلف، فقام أولاده - جزاهم اللَّه تعالى خيراً - بتحقيق هذه الأمنية.
هذا وقد هذّبه، ونقحه، ورتبه، وعلّق عليه، العارف الرباني، العالم العلامة، الحبر الفهامة، مرشد السالكين، ومربي المريدين، أوحدُ أهل زمانه تواضعاً، وأدباً، الدال على اللَّه تعالى، بقاله، وحاله، سيدي ومولاي محمد سعيد البرهاني، قدس اللَّه تعالى سره، و أفاض اللَّه عليه من شآبيب رحمته، وأسكنه فراديس جنته، مع الذين أنعم اللَّه تعالى عليهم، من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
وقد اختاره اللَّه تعالى نزيل رحابه، وضيف جنانه، مساء يوم الأربعاء، ليلة الخامس عشر من شوال، الذي هو من شهور سنة ستٍ وثمانين وثلاثمائة وألف، من هجرة من أمر بالعرف، وتنزه عن الفظاظة والخُلف، صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه، ألفاً بعد ألف، الموافق للخامس والعشرين من كانون الثاني، الذي هو من شهور سنة سبع وستين، وتسعمائة وألف، من ميلاد من أُيّد بروح القدس، وسلم من الصلب، وكل الخبث، عليه الصلاة، وأتم التسليم.
-------------------
*** : ***
[نهاية الكتاب].
[نهاية الكتاب](1/441)