الداني مفسراً من خلال كتابه :
(المكتفى في الوقف والابتدا)
إعداد
د/السالم محمد محمود أحمد الشنقيطي الجكني
الأستاذ المساعد بقسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بالمدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله القائل: { ولا يأتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بالحَقّ ِ وأَحْسَنَ تَفْسِيراً } أحمده وأستعينه وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد ألاَّ إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على سنّته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنَّ علمَ التفسير من أعلى العلومِ قدراً، وأعظمها خطراً؛ لشدة تعلّقه بكتاب الله تبارك وتعالى، ولقد عرف العلماء لهذا العلم قدره، فاعتنوا به أتمّ عنايةٍ، واهتموا به أيَّما اهتمام، جمعوه ووثّقوه، ونافحوا عنه أقلامَ وأغراض المبطلين، وتحريف المحرِّفين، فبيّنوا صحيحَه من سقيمِه، وما يُقبل منه فيُروى، وما يُرفض منه فيُرمى.
فنشأت المدارس التفسيرية مع مرور الزمن وتطاول العصر عن الرعيل الأوَّل، ما بين واقف عند ما رَوَى ورُوِي، لا يقبل رأياً ولا اجتهاداً، وما بين مسلِّمٍ لما روي، وغير معترض على ما رُويَ، مما لا يخالف ثابتاً من الثوابت، فرأينا مدرستي: الرواية، والدراية، أو قل: المأثور والرأي المحمود، وغدا لكل مدرسة نهجها وشيوخها وعلماؤها وكتبها.
وإنَّ ممن جمع - في جُبّة علمه بالتفسير- بين المدرستين، الإمام الحافظ عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد، المشهور بين الأنام بأبي عمرو الداني رحمه الله، إمام القراء، والذي إذا أُطلق ((الحافظ)) عندهم فهو هو.
وهذا الإمام قد غُمِضَ حقُّه لمَّا قَصَرَه الناس - وخاصة أهل هذا العصر- على جانب واحدٍ من جوانب الدراسات القرآنية، ألا وهو جانب القراءات، حتى أصبح المختص وغير المختص - إلا القليل- لا يعرف عنه إلاَّ أنه: المقرئ المحرّر لعلم القراءات.(1/1)
وإيفاءً للدَّين الذي علينا - أهلَ القراءات - لعلمائنا وكبار علمائنا ممن لهم مشاركة في علوم أخرى لا تقلّ في جانبها عن علم القراءات، كتبت هذا البحثَ، غرضي الأساس منه هو بيان مكانة هذا العالم الجليل في جانب لم يشتهر به عندنا مع أنَّه كانت له صولة فيه بين أهل عصره.
هذا الجانب هو ((علم التفسير)) حيث وجدت له رحمه الله ((رواياتٍ)) كثيرة مسندة منه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى الصحابة أو التابعين أو مَن بعدهم، وذلك في كتابه "المكتفى في الوقف والابتدا".
ولما كان أهمّ أقسام التفسير هو ((التفسير بالمأثور)) وهو الذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته باتفاق بين العلماء، وعن التابعين بخلاف ضعيف عندهم، أحببت أن أُظهر ((الداني مفسراً)) من خلال مروياته في كتابه المذكور، مكتفيًا بما رواه مُسنداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة أو التابعين، تاركاً ما ذكره أو نَسَبَه غير مسندٍ له، فلم أدخله في هذا البحث، وسميته:
((الداني في مفسراً من خلال كتابه "المكتفى في الوقف والابتدا)).
هذا وقد قسّمت البحث إلى: مقدمة، وتمهيد، وفصلين، وخاتمة، وفهارس عامة.
أما المقدمة: فذكرت فيها سبب الموضوع.
وأما التمهيد: وهو مدخل للبحث وفيه مطلبان:
المطلب الأوَّل: تعريف التفسير لغةً واصطلاحاً.
المطلب الثاني: أقسام التفسير.
الفصل الأوَّل: التعريف بالداني ومنهجه في التفسير من خلال كتابه "المكتفى" وفيه مبحثان:
المبحث الأوَّل: تعريف الداني بإيجاز وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأوَّل: اسمه وكنيته ولقبه ومولده.
المطلب الثاني: نشأته وطلبه للعلم ووفاته.
المطلب الثالث: شيوخه في التفسير في كتابه "المكتفى".
المطلب الرابع: مكانته في التفسير.
المبحث الثاني: منهجه في التفسير من خلال كتابه "المكتفى": وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأوَّل: اعتماده على يحيى بن سلاَّم.
المطلب الثاني: تنوّع المادة التفسيرية عنده.(1/2)
المطلب الثالث: اختلاف المنهجية عنده.
المطلب الرابع: اختياراته وترجيحاته.
وأما الفصل الثاني: التفسير في كتابه "المكتفى"، فجعلته ثلاثة مطالب:
المطلب الأوَّل: التفسير المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
المطلب الثاني: التفسير المأثور عن الصحابة.
المطلب الثالث: التفسير المأثور عن التابعين.
الخاتمة: أهم نتائج البحث.
الفهارس العامة.
التمهيد
وهو مدخل للبحث، وفيه مطلبان:
المطلب الأوَّل: تعريف التفسير لغة واصطلاحاً:
التفسير: مصدر ((فسَّر)) بتشديد السين الذي هو مضاعف ((فسَر)) بالتخفيف من باب ((نَصَر)) و((ضَرَب)) الذي مصدره ((الفسْر)) وكلاهما فعلٌ متعدّ، فالتضعيف ليس للتعدية(1).
وقد اختُلِف في فعله؛ هل هو ((فسر)) أو أنَّه مقلوب ((سفر))، وأيّاً كان الأمر فالمعنى اللغوي لها يدلّ على: الإبانة والكشف والوضوح والظهور وكشف المغطّى، والأصل اللغوي للكلمة مأخوذ من ((التفْسرة)) وهي القليل من الماء الذي ينظر فيه الأطباء للكشف عن علّة المريض، قالوا: فكذلك المفسر يكشف شأن الآية، وقصصها و معناها والسبب الذي أنزلت فيه(2).
وأما في الاصطلاح فقد تعددت عبارات العلماء واختلفت في تعريفه وتحديده ما بين مطوِّلٍ ومقصِّرٍ ومفصِّلٍ وموجزٍ، أعجبني منها تفسير الشيخ ابن عاشور رحمه الله حيث قال: هو اسمٌ للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن وما يُستفاد منها باختصارٍ أو توسّعٍ. اهـ(3)
__________
(1) - التحرير والتنوير: 1/10.
(2) - انظر: المفردات واللسان والتاج (فسر)، البرهان في علوم القرآن: 2/147، الإتقان في علوم القرآن: 4/166.
(3) - التحرير والتنوير: 1/11. وانظر تعليقه الشيق على مسألة: هل التفسير علمٌ؟ وذهابه إلى أنَّ عدَّه علماً إنما هو تسامح وذلك لواحد في وجوه ستة ذكرها. التحرير والتنوير: 1/12-14. وانظر: البرهان في علوم القرآن: 2/148.(1/3)
وهذا التعريف عندي هو أولى وأشمل من تعريفات السابقين رحمهم الله الذين جاءت عباراتهم موافقةً للعلوم التي وصل إليها عصر كلِّ معرِّفٍ(1)، حيث لا نجد عندهم عبارات تسمح بدخول ما يصل إليه العلم الحديثُ من حقائق - ولا أقول: من نظريات - قد تكون مفسّرة لبعض آيات القرآن مما لم يعرفه السابقون مع عدم تقصيرهم في محاولة ذلك.
أمَّا هذا التعريف المختار فأرى أنَّ فيه الإشارة إلى ما ألمحتُ إليه؛ إذ كلُّ علمٍ يبحث عن بيان القرآن هو من التفسير، وإن كان في الطب وغيره مما يسمّى في عصرنا هذا بالإعجاز العلميِّ. والله أعلم.
المطلب الثاني: أقسام التفسير:
جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: التفسير أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يُعذر أحدٌ بجهالته، وتفسير تعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلاَّ الله تعالى. اهـ(2)
وعلّق عليه الزركشي(3) بقوله: وهذا تقسيمٌ صحيحٌ. اهـ(4) ثمّ أخذ يشرح هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
__________
(1) - ذكر السابقون في تعريفهم للتفسير علم النزول والقصص والقراءات والمحكم والمتشابه وغير ذلك، وقد بيَّن الشيخ د/الذهبي رحمه الله وجوه الاعتراض على بعض ذلك فليراجع في مقدمة كتابه: التفسير والمفسرون.
(2) - انظر: تفسير الطبري: 1/34، الإتقان في علوم القرآن: 4/188، النكت والعيون: 1-37.
(3) - هو: محمد بن بهادر، من مشاهير العلماء الأصوليين والفقهاء، (ت: 794هـ)، انظر مقدمة تحقيق: البرهان في علوم القرآن: 1/5، وفيها ذكرٌ لمصادر ترجمته.
(4) - البرهان في علوم القرآن: 2/64، وانظر: الإتقان: 4/189.(1/4)
ثمّ بعد أن دُوِّنت العلومُ، وأصبح التفسيرُ علماً قائماً بنفسِه، وانفصل عن علمِ الحديثِ، وكثُرت طرائقُه وتعدّدت مدارسه، ارتأى العلماءُ رحمهم الله تقسيمَه تقسيماً آخر من جهة أخرى، وذلك حتى يُضبط المقبول منه فيُقبل، ويُعرف عكسُه فيُرفضُ، وجعلوه ثلاثة أقسامٍ، وهي(1):
1- التفسير بالرواية، ويقال له أيضاً: التفسير بالمأثور.
2- التفسير بالدراية، ويقال له أيضاً: التفسير بالرأي.
3- التفسير بالإشارة، ويقال له أيضاً: التفسير الإشاري.
وسيقوم البحثُ بالحديث عن القسمين الأوَّلين فقط بشكلٍ مختصرٍ مع التنبيه على أنَّ القسم الأوَّل هو الذي يهمُّنا في هذا البحث، فنقول وبالله التوفيق:
أوَّلاً: التفسير بالرواية: ((المأثور)):
والمراد به هو: ما جاء في القرآن أو السنّة أو كلام الصحابة - رضي الله عنهم - صحيحاً بياناً لمراد الله تعالى من كتابه(2)؛ وذلك لأنَّ القرآن الكريم بعضه يُفسّر بعضاً، والسنةُ النبويةُ الصحيحةُ الثابتةُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هي شرحٌ للقرآن الكريم، وعليه فلا شكّ في قبول هذين الأمرين؛ لأنَّ الله تعالى أعلم بمراد نفسه من غيره، ولأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مقطوعٌ بعصمته وتوفيقه، وقد بيَّن الله تعالى أنَّه مبيِّنٌ للقرآن وذلك في قوله تعالى: { وأنزَلْنَا إليْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ للنَّاسِ مانُزِّلَ إليهِم } [النحل:44].
__________
(1) - انظر: مناهل العرفان: 1/479.
(2) - النص ما عدا كلمة ((صحيحاً)) هو للزرقاني رحمه الله في: مناهل العرفان: 1/480.(1/5)
وأمَّا الصحابةُ - رضي الله عنهم - فإذا صحّ عنهم التفسيرُ فهو مأثورٌ مقبولٌ؛ لأنَّ معاينتهم للوحي والتنزيل مع سلامة الفطرة وصفاء النفس وتمكين الله تعالى لهم بالفهم الصحيح لكلامه عزّ وجلّ وكلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - دليلٌ على أولويتهم عن غيرهم، فقصارى تفسيرهم إمّا أنَّه مرفوعٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإمَّا أنَّه موقوفٌ عليهم - رضي الله عنهم - (1)، وهذه مزية ليست لغيرهم من الأمّة.
هذا وقد ألحق بعض العلماء تفسير التابعي بالمأثور؛ لأنَّه تلقّاه من الصحابة غالباً، وهذا الذي تميل إليه النفس تبعاً لروايةٍ عن الإمام أحمد رحمه الله، ولعمل المفسرين حيث قد حكوا في كتبهم أقوالهم خلافاً لابن عقيل(2) رحمه الله الذي اختار المنع(3)، قال الزركشي رحمه الله: ولعل اختلاف الرواية عن أحمد إنَّما هو فيما كان من أقوالهم وآرائهم. اهـ(4)
ثانياً: التفسير بالدراية: ((بالرأي)):
__________
(1) - قال الإمام الحاكم رحمه الله: تفسير الصحابي الذي شهد الوحيَ والتنزيلَ له حكم المرفوع. اهـ كذا عمّم هنا وخالف ما ذكره في كتابه الآخر: "علوم الحديث" حيث قال: ومن الموقوفات تفسير الصحابة، وأمَّا مَن يقول: إنَّ تفسير الصحابة مسندٌ فإنَّما يقوله فيما فيه سبب النزول. اهـ وعلّق عليه السيوطي رحمه الله بقوله: فقد خصّص هنا وعمّم في "المستدرك" فاعتمد الأوَّل. اهـ انظر: المستدرك: 1/27، 123، 542، الإتقان: 4/181.
(2) - علي بن عقيل بن محمد، أبو الوفاء، شيخ الحنابلة، (ت: 513هـ). انظر: طبقات الحنابلة: 2/259.
(3) - ذكر الزركشي رحمه الله: أنه محكي أيضاً عن شعبة ولعله ابن الحجاج. انظر: البرهان في علوم القرآن: 2/158، الإتقان: 4/181.
(4) - البرهان في علوم القرآن: 2/158.(1/6)
والمراد بالرأي هنا: الاجتهاد(1)، وليس قصدهم مطلق الاجتهاد الخالي من الشروط والضوابط، بل مرادهم ((اجتهاد)) مبنيّ في الأساس على أمور كثيرة أهمها أربعة:
الأوَّل: النقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع التحرز عن الضعيف والموضوع.
الثاني: الأخذ بقول الصحابي - رضي الله عنه - .
وقد سبق الحديث عن هذين الأمرين قبل قليل.
الثالث: الأخذ بمطلق اللغة؛ لأنّ القرآن الكريم نزل { بِلِسَانٍ عرَبِيّ ٍ مُبِينٍ } [الشعراء:59]، وهذا مروي جوازه عن الإمامين الجليلين مالك وأحمد رحمهما الله، قال مالك: لا أوتى برجل غير عالم بلغات العرب يُفسّر كلامَ الله إلاَّ جعلته نَكالاً(2).
وقد علّل العلماء إحدى الروايتين عن الإمام أحمد والتي فيها الكراهية باستشهاد الشعر للقرآن فقالوا: الكراهة تحمل على صرف الآية عن ظاهرها إلى معانٍ خارجةٍ محتملةٍ يدلّ عليها القليل من كلام العرب، ولا يوجد غالباً إلا في الشعر ونحوه، ويكون المتبادر خلافها.
الرابع: التفسير بالمقتضى من معنى الشعر، والمقتضَب من قوة الشرع(3)، وهو الذي دعا به النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس رضي الله عنهما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم علّمه التأويل، وفقّهه في الدين) (4).
ومن ههنا اختلف الصحابة - رضي الله عنهم - في معنى الآية، فأخذ كلّ واحد برأيه مقتضى نظره في المقتضى.
قال الزركشي رحمه الله: لا يجوز تفسير القرآن بمجرّد الرأي والاجتهاد من غير أصل(5) لقوله تعالى: { ولا تَقْفُ ما ليسَ لكَ بِه عِلْمٌ } [الإسراء:36].
__________
(1) - مناهل العرفان: 1/517.
(2) - انظر: البرهان: 2/161.
(3) - انظر: البرهان: 2/158-161، الإتقان: 4/181-182.
(4) - المستدرك على الصحيحين: 3/534، وقال فيه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(5) - البرهان: 2/161.(1/7)
وقال الشيخ الزرقاني رحمه الله: فمن فسّر برأيه أي باجتهاده ملتزماً الوقوف عند هذه المآخذ معتمداً عليها فيما يرى من معاني كتاب الله، كان تفسيره سائغاً جائزاً محموداً، ومن حاد عن هذه الأصول وفسّر القرآن غير معتمد عليها، كان تفسيره ساقطاً مرذولاً مذموماً غير جائز. اهـ(1)
وخلاصة الكلام هنا أن يقال: التفسير بالرأي قسمان:
الأول: تفسير محمود، وهو ما التزم فيه صاحبه بالأمور الأربعة.
الثاني: تفسير مذموم، وهو ما لم يلتزم فيه صاحبه بذلك، وكان لهوىً في النفس، وابتغاءً للفتنة، واتباعاً للمتشابه، ولياً للنصوص حتى توافق الرأي وإن كان باطلاً(2).
هذا باختصار الحديث عن هذين النوعين من التفسير، ولم أنظر إلى مسائل أخرى متعلّقة بكلّ واحدٍ منهما من حيث الكتب المؤلَّفة فيهما، ومظاهر كلّ نوع، وشروط المفسّر الذي يحقّ له التفسير، إلى غير ذلك مما يعتبر ذكره هنا خروجاً عن البحث.
الفصل الأوَّل
التعريف بالداني ومنهجه في التفسير من خلال كتابه "المكتفى":
وفيه مبحثان:
المبحث الأوَّل: التعريف بالداني بإيجاز:
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأوَّل: اسمه وكنيته ولقبه ومولده:
هو: عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر، أبو عمرو، الأموي، الداني(3).
مولده: ذكر عن نفسه أنَّ والده أخبره أنه ولد سنة 371هـ.
المطلب الثاني: نشأته وطلبه للعلم ووفاته:
نشأ في مسقط رأسه ((قرطبة)) وتلقّى أوَّل تعليمه فيها على يد شيوخها وعلمائها، حيث ذكر أنَّه ابتدأ في طلب العلم في أوَّل سنة 386هـ، ثمّ رحل عنها إلى البلاد المجاورة لها طلباً للعلم.
__________
(1) - مناهل العرفان: 1/518.
(2) - انظر: تفسير القرطبي: 1/33.
(3) - نسبة إلى دانية بلدة في الأندلس.(1/8)
ولمّا همّ بأداء فريضة الحج وعزم على الرحيل إلى المشرق كان ذلك سنة 397هـ فمكث بالقيروان أربعة أشهر، ومنها توجّه إلى مصر فدخلها في شهر شوال من السنة نفسها، وأقام فيها سنةً كاملةً ثم إلى الحج وأتمّ حجه ونسكه، ثمّ رجع إلى الأندلس سنة 399هـ في شهر ذي القعدة منها.
وقد لخّص رحمه الله سيرة حياته بعد ذلك فقال: وخرجت إلى الثغر في سنة 403هـ فسكنت ((سرقسطة)) سبعة أعوام، ثمّ رجعت إلى قرطبة، قال: وقدمت ((دانية)) سنة 417هـ.
وفاته: مكث الداني في ((دانية)) منذ ذلك الوقت حتى مات في شوال رحمه الله سنة 444هـ(1).
المطلب الثالث: شيوخ الداني في التفسير من كتابه "المكتفى":
__________
(1) - اختصرت التعريف هنا بالداني عن قصد حيث إنَّه قد كُتبَ عنه كثيراً، وتتبّع الباحثون ترجمتَه ومؤلَّفاته وشيوخَه وكلَّ ما يتعلّق به مما يجعل ذكره هنا مسهباً كلاماً معاداً، و لابدّ هنا من التنويه إلى ما كتبه الدكتور: عبد الهادي حميتو - المغرب - حيث إنَّ له تأليفين جمع في أحدهما ((شيوخَ الداني)) وفي الآخر ((مؤلفاتِه)) أمّا الأوَّل فهو عندي، والثاني لم أقف عليه إلى الآن، ولا شكّ أنَّ هذا الباحث - عبد الهادي – ممن اعتنى بالداني أشدّ عناية وأظهر كثيراً من مخبآته، وإني إذ أكتب هذا - والله يعلم – لا أعرفه ولا يعرفني، وإنّما هي كلمة حقٍّ لباحث أجاد وأفاد، وهذا أقلّ شيء نقدّمه له. والله من وراء القصد.
وللتوسع في ترجمة الداني إضافة إلى البحثين السابقين ينظر: جذوة المقتبس: 305، الصلة: 2/405-407، سير أعلام النبلاء: 18/77 وفيها مصادر ترجمته، معرفة القراء: 2/773، (الطبعة التركية)، غاية النهاية:1/503.(1/9)
قام أحد الباحثين المعاصرين(1) بعمل "معجم شيوخ أبي عمرو الداني" تتبّع فيه -حسب رأيه- كلّ ما كُتِبَ مما هو مظنّ لذكر شيخ للداني رحمه الله، سواء في ذلك مؤلفاتِه هو نفسه، أو ما ذكره علماء التراجم والباحثون المعاصرون، وعددُ الشيوخ الذين جمعهم له (87) سبعةٌ وثمانون شيخاً ثبت عنده ((أنَّ الداني قرأ عليهم أو سمع منهم أو أجازوا له))(2) مع احتمال أن يكون بقي عدد يسير منهم، فلعل البحث يغطي ذلك في المستقبل.
أما ما يخص البحث هنا فقد بلغ عدد الشيوخ الذين أسند إليهم الداني رحمه الله مادة تفسيرية في كتابه "المكتفى في الوقف والابتدا" (23) ثلاثة وعشرين شيخاً، ها أنا أذكرهم مرتبين حسب الأكثرية في الرواية عنهم، فأقول وبالله التوفيق:
1- محمد بن عبد الله بن عيسى بن أبي زَمَنِين المرّي (ت:399هـ)، ((يعتبر أهم شيوخ الداني على الإطلاق في الحديث ورواية الآثار من المغاربة))(3).
قال مؤلف "معجم شيوخ الداني": روى -المري- عنه -الداني- في كتاب "المكتفى" في ستة وثلاثين سنداً بكتاب "التفسير" المذكور. اهـ(4)
__________
(1) - هو د/ عبد الهادي حميتو، باحث مغربي، وسمّى بحثه، "معجم شيوخ الحافظ أبي عمرو الداني" جمع ونقد لما وقع في تراجمهم من أخطاء المؤلفين والمحققين. وهو كتاب أجاد فيه وأفاد.
(2) - انظر: معجم شيوخ الداني: 147.
(3) - انظر: الصلة: 2/458، معجم شيوخ الداني: 132، وفيه: المري: نسبة إلى مرة بن كعب في سلسلة النسب النبوي الشريف.
(4) - معجم شيوخ الداني: 133.(1/10)
قوله: "بكتاب التفسير" يقصد به "التفسير" ليحيى بن سلاَّم رحمه الله، وأما قوله: "في ستة وثلاثين سنداً" ففيه نظرٌ عندي، حيث إنَّ مجموع ما رواه الداني عن هذا الشيخ في كتابه "المكتفى" بلغ إحدى وخمسين رواية(1) كلها عن أبيه بسنده إلى يحيى بن سلاَّم ما عدا رواية واحدة ليست عن أبي ولا عن ابن سلاَّم بل هي عن وهب بن ميسرة(2) بسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس فيه ذكر ليحيى بن سلاَّم أصلاً.(3)
وهناك رواية واحدة أخرى لهذا الشيخ ليست عن أبيه بل عن علي بن الحسن(4)، ثم بسنده إلى يحيى بن سلاَّم، والذي يظهر أنَّ هذا خطأ مردّه سقط إما في أصل المخطوط وإما في الكتاب، وصوابه: المرّي عن أبيه عن عليّ، كما هو في خمسين رواية في الكتاب، وكما قال هو نفسه في مقدمة كتابه: وجميع ما نقلته من كتاب يحيى أخبرني به أبي رحمه الله عن أبي الحسن علي بن الحسن. (5) اهـ والله أعلم.
ملحوظة:
لاحظ البحث أنَّ الداني رحمه الله قد تنوعت عبارته في ذكره لهذا الشيخ، فتارة يسميه باسمه واسم أبيه وجده، وتارة يسميه: محمد بن عيسى وهو جدّه،وتارة يقول: محمد بن أبي محمد، وتارة يكتفي بقول: محمد(6).
وهذا كلّه إنما هو تفنن وتنويع، تعددت الأسماء والشخص واحد.
نبذة عن تفسيره:
__________
(1) - انظر: المكتفى: 165، 187، 208، 236، 238، 247، 271، 279، 282، 301، 306، 309، 310، 328، 335، 342، 350، 352، 370، 398(موضعان)، 402، 415، 417 (موضعان)، 423، 427، 428، 460، 463، 466، 470، 474، 496، 497، 509، 511، 518، 520، 522، 532، 536، 539، 557، 568، 570، 577، 581، 595، 602، 612.
(2) - محدث أندلسي، انظر: جذوة المقتبس: 360 (بواسطة المكتفي).
(3) - انظر: المكتفى: 398.
(4) - انظر: المصدر السابق: 402.
(5) - تفسير القرآن العزيز: 1/114.
(6) - انظر: المكتفى: 306، 328، 427، 570.(1/11)
ذكر الإمام الداوودي رحمه الله تبعاً لابن فرحون رحمه الله أنّ لابن أبي زمنين كتابين في التفسير، أحدهما: "تفسير القرآن" و"تفسير مختصر ابن سلام".(1)
لكن محقق "تفسيره" استظهر أنهما كتاب واحد. (2)
والمهم في الأمر أن الذي وصلنا بحمد الله هو تفسيره المختصر من تفسير يحيى بن سلاّم، قال في مقدمته: فإنّي قرأت كتاب يحيى بن سلاّم في تفسير القرآن، فوجدت فيه تكراراً كثيراً وأحاديث ذكرها يقوم علم التفسير دونها، فطال بذلك الكتاب ... فاختصرت فيه مكرّره وبعض أحاديثه وزدت فيه من غير كتاب يحيى تفسير ما لم يفسره يحيى... (3)
وهذا التفسير من أمتع التفاسير وأسهلها حيث جمع التفسير والقراءات والأحاديث واللغات والإعراب.(4)
منهج الداني مع هذا التفسير:
لا يبتعد الباحث عن الحقيقة إذا قال: إن أبا عمرو الداني رحمه الله كان أثناء تأليفه لكتاب ((المكتفى)) كان واضعاً أمامه ((تفسير ابن أبي زمنين)) شيخه، وذلك لما لاحظته من شدّة المطابقة الحرفية في كلّ ما نقله بسنده عنه حتى وإن كان السند هو ليحيى بن سلام، ما خالف ذلك إلا في موضع أو موضعين، فمثلاً:
__________
(1) - انظر: طبقات المفسرين: 2/166، الديباج المذهب: 366.
(2) - انظر: مقدمة تحقيق تفسيره: 29.
(3) - تفسير القرآن العزيز: 1/111.
(4) - وهو مطبوع تحت عنوان: تفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين في خمسة مجلدات، ومحقق تحقيقاً علمياً نافعاً مفيداً.(1/12)
1-روى الداني بسنده عن أبي زمنين إلى يحيى في قوله تعالى: { وَمَقَامٍ كَريم } [الشعراء:58]: منزل حسن ((كذلك)) أي: هكذا كان الخبر، ثم انقطع الكلام، ثم قال: { وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } رجعوا إلى مصر بعد ما أهلك الله فرعون وقومه في تفسير الحسن اهـ(1) هكذا النص بحروفه عند الداني و ابن أبي زمنين وهو تفسير يحيى بن سلاّم نفسه، أعني الذي لم ينسبه لأحد، وهو ما عبّر عنه بقوله: ((قال بعضهم)) واختلف عن الاثنين في كونه ذكر أقوالاً أخرى لقتادة والسدي. (2)
2-روى الداني عن ابن أبي زمنين في قوله تعالى: { وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } [النمل:23]: أي سرير حسن، وقال قتادة: كان من ذهب، وقوائمه من لؤلؤ وجوهر، وكان مستَّراً(3) بالديباج والحرير، وكانت عليه سبعة مغاليق، وكانت دونه سبعة أبيات(4) مغلقة. اهـ(5) هكذا النص بحروفه عند الداني وابن أبي زمنين، أما عند يحيى فجاءت الزيادة مهمة وهي قوله: ... دونه سبعة أبيات بالبيت الذي هو فيه مغلقة مقفلة في تفسير سعيد عن قتادة(6).
__________
(1) - انظر: المكتفى: 423، تفسير القرآن العزيز: 3/276.
(2) - انظر: تفسير يحيى بن سلاّم: 2/505.
(3) - كذا عند ابن أبي زمنين ويحيى بن سلاّم، وتصحفت في "المكتفى" إلى مستتراً.
(4) - كذا عند ابن أبي زمنين ويحيى بن سلاّم، وفي "المكتفى": ((أبواب)) مع أنّ المحقق أشار إلى وجود ((أبيات)) في نسختين من النسخ التي اعتمدها وحكم عليها بالتصحيف.
(5) - انظر: المكتفى: 429، تفسير القرآن العزيز: 3/299.
(6) - انظر: تفسير يحيى: 2/540.(1/13)
3-روى الداني عن ابن أبي زمنين عن يحيى في قوله تعالى: { وَقَالَ الذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا } [الفرقان:21]: أي لا يخشون البعث، { لَوْلاَ أُنزِّلَ عَلَيْنَا الْمَلاَئِكَةُ } فيشهدوا أنك رسول الله(1) وهذا بنصه عندهما، أما عند يحيى فالعبارة هكذا: وهم المشركون لا يقرون بالبعث، { لولا } هلاّ، { أُنزِّلَ عَلَيْنَا الْمَلاَئِكَةُ } فيشهدوا أنك رسول الله يا محمد(2). اهـ
فظهر من هذه الأمثلة أنّ الداني كان معتمداً على رواية ابن أبي زمنين في تفسيره المختصر وليس في روايته لأصل تفسير يحيى بن سلاّم. والعلم عند الله تعالى.
تنبيه:
لم يشر محققا الكتاب إلى رواية الداني هذا التفسير عن مؤلفه، وإن كانا أشارا في توثيق نسبة التفسير إلى مؤلفه رواية الداني عن ابن أبي زمنين في كتابه "السنن الواردة في الفتن".
2- أحمد بن إبراهيم بن فراس المكي (ت:405هـ) له (28) ثمانٍ وعشرون رواية(3).
3- خلف بن إبراهيم بن خاقان (ت:402هـ) له (12) اثنتا عشرة رواية(4).
4- محمد بن أحمد بن علي بن مسلم (ت: 399هـ) له (12) اثنتا عشرة رواية(5).
5- عبد الرحمن بن عثمان بن عفان، أبو مطرف القشيري (ت:395هـ) من كبار شيوخ الداني في الحديث والأثر ممن أخذ عنهم قبل رحلته، بل إنه روى عنه في سنة موته(6) له في "المكتفى" (9) تسع روايات(7).
__________
(1) - المكتفى: 415، تفسير القرآن العزيز: 3/257.
(2) - تفسير يحيى: 1/475.
(3) - انظر: المكتفى: 163، 175، 182، 187، 188، 216 (موضعان)، 224، 226، 228، 256، 263، 268، 276، 302، 314، 324، 325، 336، 343، 345، 359، 360، 373، 377، 453، 548، 622.
(4) - انظر: المكتفى: 196، 229، 254، 288، 405، 406، 458، 544، 598، 606، 640، 641.
(5) - انظر: المكتفى: 174، 210، 254، 384، 427، 435، 475، 507، 548، 618، 638 (موضعان).
(6) - انظر: معجم شيوخ الداني: 87.
(7) - انظر:المكتفى: 185، 207، 261، 322، 362، 363، 431، 486، 611.(1/14)
6- عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الفرائضي له (7) سبع روايات(1).
7- سلمون بن داود بن سلمون القروي المالكي له (4) أربع روايات(2).
8- سعيد بن عثمان بن سعيد النحوي (ت:394هـ)، له (3) ثلاث روايات(3).
9- محمد بن خليفة بن عبد الجبار له (3) ثلاث روايات(4).
10- علي بن الحسين بن يحيى المعدل (ت:436هـ)، له (3) ثلاث روايات(5).
11- أحمد بن محمد بن عمر الجيزي، (ت:399هـ)، له (2) روايتان(6).
12- سلمة بن سعيد الأستجي (ت:406هـ)، له (2) روايتان(7).
13- عبد الرحمن بن عمر التجيبي (ت: 416هـ) له 02) روايتان(8).
14- علي بن محمد بن خلف الربعي (ت:403هـ) له (2) روايتان(9).
15- علي بن محمد بن خلف القابسي (ت:403هـ) له (2) روايتان(10).
16- فارس بن أحمد أبو الفتح (ت:401هـ)، له (2) روايتان(11).
17- أحمد بن محمد بن أحمد الماليني (ت:412هـ) له رواية واحدة(12).
18- أحمد بن محمد بن بدر القاضي له رواية واحدة(13).
19- طاهر بن عبد المنعم بن غلبون (ت:399هـ) له رواية واحدة(14).
20- عبد الله بن عمر القيسي، له رواية واحدة(15).
21- عبد الملك بن الحسين العطار (ت:433هـ) له رواية واحدة(16).
__________
(1) - انظر: المكتفى: 267، 269، 346، 379، 539، 632، 633.
(2) - انظر: المكتفى: 202، 293، 527، 546.
(3) - انظر: المكتفى: 307، 341، 502.
(4) - انظر: المكتفى: 331، 364، 543.
(5) - انظر: المكتفى:321، 467، 584.
(6) - انظر: المكتفى: 300، 530.
(7) - انظر: المكتفى: 195، 297.
(8) - انظر: المكتفى:173، 338.
(9) - انظر: المكتفى: 330، 349.
(10) - انظر: المكتفى:454، 634.
(11) - انظر: المكتفى:258، 624.
(12) - انظر: المكتفى: 302
(13) - انظر: المكتفى: 556.
(14) - انظر: المكتفى:225.
(15) - انظر: المكتفى: 440.
(16) - انظر: المكتفى: 435.(1/15)
22- علي بن موسى بن حزب الله المكتب. له رواية واحدة(1).
23- محمد بن أحمد بن قاسم الفاكهي. له رواية
واحدة(2).
فهؤلاء الشيوخ الذين أسند عنهم الداني رحمه الله في كتابه "المكتفى في الوقف والابتدا" مادة تفسيرية إما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإما إلى الصحابة أو التابعين.
المطلب الرابع: مكانته في التفسير:
يعتبر الإمام الداني رحمه الله من العلماء الذي اهتموا بالدراسات القرآنية واعتنوا بها عناية فائقة، حتى قال عنه بعض الشيوخ: لم يكن في عصره ولا بعد عصره أحدٌ يضاهيه في حفظه وتحقيقه، قال: وكان يُسأل عن المسألة مما يتعلّق بالآثار وكلام السلف، فيوردها بجميع ما فيها مسندةً من شيوخه إلى قائلها. اهـ(3)
ولم يقتصر اهتمامه بالقرآن وعلومه، بل له مشاركات في العلوم الأخرى كالحديث، ودلّني على هذا نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله لبعض آراء الداني في علوم الحديث، ومنها ما نقله عنه في مسالة "تفسير الصحابي"، وهو قوله: قال أبو عمرو الداني: قد يحكي الصحابي ... الخ(4).
أمَّا فيما يتعلّق بهذا البحث وهو الجانب ((التفسيري)) في شخصية الإمام الداني رحمه الله فنلحظها في هذا الكتاب "المكتفى".
ومكانة الداني رحمه الله في ((التفسير)) لم تكن خافية على أهل عصره، بل علمها العلماء وأشاروا إليها، ومن ذلك:
__________
(1) - انظر: المكتفى: 630، ومعجم شيوخ الداني: 117،ففيه تحقيق بديع لخطأ وقع فيه محقق "المكتفى" هنا.
(2) - انظر: المكتفى: 592.
(3) - نقله الذهبي عن فهرست ابن عبيد الله الحجري. انظر: سير أعلام النبلاء: 18/80.
(4) - انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح: 2/531.(1/16)
أ ابن بَشكوال(1): كان أبو عمرو أحد الأئمة في علم القراءات ورواياته وتفسيره ومعانيه وطرقه وإعرابه وجمع في ذلك كله تواليف حساناً مفيدةً. اهـ(2)
ب ابن الجزري: سمع الحديث وبرز فيه وفي القراءات وفي الفقه والتفسير . اهـ(3)
ويظهر لي من عبارة ابن بشكوال - وقد نقلها عنه كلّ من جاء بعده – أنَّ للداني تأليفاً في ((التفسير)) بدلالة قوله: ((في ذلك كله)) لكن لم أجد من صرّح بذلك، إلاّ ما وقفت عليه في "فهرسته" حيث ذكر اسم ثلاثة كتب يفهم من عناوينها أنَّ لها علاقة بالتفسير، وهي:
1- "كتاب التنزيل ومعرفة المكي والمدني، جزء"(4).
2- كتاب فيه مسألة عن "الأيام المعلومات والمعدودات"(5).
3- كتاب فيه تأويل الاستثناء للسعداء والأشقياء، جزء(6).
أما الأوَّل فواضحٌ من عنوانه موضوعُه، وأما الثاني فلعله يقصد الآية الكريمة: { ويَذْكُرُوا اسمَ اللهِ في أيَّام مَّعْلُومَاتٍ } [الحج:28]، والآية الكريمة: { واذْكُرُوا اللهَ في أيَّام مَّعْدودَاتٍ } [البقرة:202] وما فيهما من خلاف بين العلماء في المراد منهما هل هما مختلفان أم أنّهما واحد(7).
__________
(1) - خلف بن عبد الملك بن مسعود، إمام حافظ أندلسي، من تلاميذ ابن العربي (494-578هـ). انظر: سير أعلام النبلاء: 12/139، وأحيانا أسميه "السير" فقط.
(2) - الصلة: 2/406.
(3) - غاية النهاية: 1/504.
(4) - انظر: فهرست تصانيف الداني: 23، وهو الكتاب رقم: (57).
(5) - المصدر السابق: 30، الكتاب رقم: (111).
(6) - المصدر السابق: الكتاب رقم: (114).
(7) - انظر: تفسير الطبري والقرطبي عند هذه الآيات.(1/17)
وأمَّا الثاني فقد يُقصد به الاستثناء في آيتي سورة "هود" وهما: { وأمَّا الذين سُعِدُوا فَفِي الجنَّةِ خَالِدِينَ فيها ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ إلا ما شاء ربُّك ... } [108]، وقوله قبلها: { فأمَّا الذين شَقُوا فَفِي النارِ لهم فيها زَفِيرٌ * وشَهِيقٌ خَالِدِينَ فيها ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ إلا ما شاء ربُّك ... } [هود:106-107]، وما فيها من كلام عريض وبحوث شيقة في نوع هذا الاستثناء في كل آية . والله أعلم.
ثمّ رأيت أيضاً في "الفهرست"(1) له كتاباً بعنوان "كتاب فيه مسألة عن قوله: { ونَادَوْا يا مَالِكُ } " [الزخرف:77]، وهو يُحتمل أن يكون في القراءات من حيث التواتر والشذوذ في قراءة ابن مسعود ((ونادوا يا مال)) بحذف "الكاف"، ويُحتمل أن يكون في التفسير؛ لأنَّ فيها مادةً تفسيريةً من حيث المعنى والأسلوب الذي جاءت به الآية، وما ردّ به ابن عباس على قراءة حذف "الكاف" بقوله: ما كان أشغل أهل النار عن الترخيم(2).
هذا؛ ولا أجزم بأنَّ هذه الكتب في ((التفسير)) حيث لم أقف عليها، ولم أجد من ذكر أنَّه وقف عليها، ولكنها محاولة لعلها تجد في قابل الأيام ما يؤكدها أو ينفيها. والله أعلم.
المبحث الثاني: منهج الداني في مروياته التفسيرية:
إنَّ المطالع في كتاب "المكتفى" يجد الإمام الداني ذا شخصية علمية موسوعية، جرّاء العلوم المتنوعة المبثوثة في الكتاب، ما بين قراءاتٍ وتوجيهها، وتفسير بأنواعه، وإعراب وترجيحٍ بين الأقوال، وردود على الأقوال الضعيفة، إلى آخر ذلك.
__________
(1) - انظر: فهرست الداني: 29، الكتاب رقم: (107).
(2) - انظر: فتح البارئ: 8/568، الكشاف: 3/426، التحرير والتنوير: 25/260.(1/18)
ومما يدل على مكانة التفسير عند الداني رحمه الله أنه يذكر التفسير في سياقٍ لا علاقة له بالوقف والابتداء؛ وهذا كما فعل عند قوله تعالى: { مَقَاماً مَّحْمُوداً } حيث استطرد بذكر الخلاف الواضح بين ابن مجاهد وأئمة التفسير.(1)
وحتى لا يخرج هذا البحث عن غرضه، فإنِّي سأقف وقفاتٍ قصيراتٍ أبيِّن فيها رؤوس أقلامٍ لمسائلَ مهمّةٍ قد تكون باباً لمن يريد الكتابة عن ((الداني مفسِّراً)) بشكل أوسع، ودراسةٍ أعمق. فأقول وبالله التوفيق:
المطلب الأوَّل: اعتماده على يحيى بن سلاَّم:
ظهر بكل جلاء ووضوح المكانة المهمة التي نالها شيخ المفسرين المغاربة الإمام يحيى بن سلاَّم رحمه الله في كتاب الداني "المكتفى" وذلك من خلال المادة العلمية الوافرة التي جاءت عنه، فلا تكاد تجد مسألة تفسيرية اعتنى بها الداني إلا وتجد ذكر ابن سلاَّم معها، فهو رحمه الله مذكور في التفسير المسند سواء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى الصحابة - رضي الله عنه - أو إلى التابعين رحمهم الله تعالى، ثم هو أيضاً مذكور في الأسانيد الموقوفة عليه، وثم هو أيضاً –مرة أخرى- مذكور ضمن الأقوال التي يذكرها الداني رحمه الله غير مسندة، كأن يكتفي باسم قائلها، وقبل الشروع في بيان كل ذلك، يحسن بنا أن أعرِّف القارئ الكريم بيحيى بن سلاَّم وأعطي نبذة مختصرة عنه، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
اسمه وكنيته ولقبه:
هو يحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة(2)، أبو زكريا المغربي، البصري، ولد سنة: 124هـ(3).
__________
(1) - انظر: المكتفى: 362، 403.
(2) - انفرد الداوودي-فيما لدي من مصادر- بقوله: "ابن ثعلب" فلعل في العبارة تصحيفاً من الناسخ. انظر: طبقات المفسرين: 2/371.
(3) - السير: 9/379، ويلاحظ هنا أنَّ المحقّق أشار في الحاشية إلى "غاية النهاية" وهو سهو منه أو من المطبعة؛ حيث ليس في "الغاية" ذكر تاريخ مولد يحيى بن سلاَّم أصلاً، ولعل الحاشية للمعلومة بعدها، وهي تاريخ الوفاة.(1/19)
قال عنه الداني: روى الحروف عن أصحاب الحسن وغيره، وله اختيار في القراءة من طريق الآثار، نزل المغرب وسكن إفريقية(1) دهراً، وسمعوا منه(2) "تفسيره" الذي ليس لأحدٍ من المتقدمين مثله، وكتابه "الجامع" وكان ثقةً ثبتاً، عالماً بالكتاب والسنة، وله معرفة باللغة العربية، (صاحب سنة)(3). اهـ
حدث عن مالك(4) وسعيد بن أبي عروبة(5)، وعنه ابنه وأحمد بن موسى وغيرهما.
وفاته: توفي رحمه الله بمصر بعد أن حجَّ وذلك في صفر سنة: (200هـ)(6).
نبذة عن تفسيره:
يعتبر هذا التفسير أقدم تفسير وصل إلينا على المنهجية التي أُلّف فيها وهي الجامعة بين الأثر والنظر(7) خلافاً لما ذهب إليه الدكتور الذهبي رحمه الله حينما جعل ذلك لتفسير الطبري، وهو معذور لأنه لم يكن لتفسير ابن سلام ذكر ولا وجود في عصره والله أعلم.(8)
ذهب بعض الباحثين الذين درسوا تراث ابن سلاّم رحمه الله إلى أنّ هذا التفسير يُعتبر حلقة وصلٍ بين كتب التفسير في مرحلة التابعين والتفسير في المرحلة التي وصل إليها عند الطبري.
__________
(1) - هي القيروان.
(2) - كذا عند الذهبي في السير: 9/379، وعند ابن الجزري في غاية النهاية: 2/373: "وسمع الناس بها".
(3) - ما بين القوسين ذكره ابن الجزري في غاية النهاية: 2/373.
(4) - ابن أنس أحد أئمة المذاهب الأربعة، عالم المدينة (179هـ). انظر: الديباج المذهب:17.
(5) - مهران العدوي، البصري، أعلم الناس بحديث قتادة (156هـ). انظر: تهذيب التهذيب: 4/63.
(6) - انظر ترجمته في: الجرح والتعديل: 9/155، سير أعلام النبلاء: 9/396، غاية النهاية: 2/373، طبقات المفسرين: 2/371.
(7) - الأقدمية هنا هي في الطريقة والمنهج وليس في الزمن لأنه وصلنا تفسير ابن مجاهد وهو تفسير غير شامل لكل القرآن ، وغير متناول لكثير من أمور التفسير.
(8) - انظر: التفسير والمفسرون: 1/209.(1/20)
قالت الدكتورة هند شلبي(1): بعد أن قارنت بين تفسير الطبري والتفاسير التي سبقته كتفسير ابن مجاهد وسفيان الثوري وغيرهما:
إنّ هذه المقارنة تبرز فجوةً كبرى بينها وبينه، وتجعل التواصل الزمني بينهما أمراً مستبعداً، فلا بد من ظهور مرحلة انتقالية تكون مواصلة لما تقدّمها، ممهدة لظهور تفسير تكامل فيه المنهج وتعمّقت فيه المباحث مثل تفسير الطبري. اهـ(2)
وقالت أيضاً: إنّ المنهج الذي اتبعه ابن سلاّم في تفسيره يبيّن النقلة النوعية التي حصلت في التفسير عموماً لذلك لا يمكن تصنيف كتابه بين التفاسير التي ظهرت قبله، فهو يمثل مرحلة تلك التي توفرت في مثل تفسير ابن مجاهد ومهدت لظهور مرحلة ثالثة تجسمت بتميز في تفسير الطبري. اهـ(3)
وهذا الذي ذهبت إليه الدكتورة هند وقررته سبقها للتنبيه والإشارة إليه الشيخ محمد الفاضل بن عاشور رحمه الله(4).
نسخ هذا التفسير:
رغم المكانة المرموقة والمهمة التي تبوأها هذا التفسير حتى وصل إلى درجة أنّ بعضهم حفظه كما يحفظ القرآن الكريم، إضافة إلى اعتماده عند كثير من العلماء إلاّ أنه -وللأسف الشديد- لم يصلنا منه في عصرنا هذا غير تفسير بعض السور، وهو ما قامت بتحقيقه الدكتورة هند شلبي وطبعته في مجلدين يحتوي الأول منهما من سورة النحل إلى آخر سورة الفرقان، ويحتوي ثانيهما من بداية سورة الشعراء إلى نهاية سورة الصافات.
هذا ما أردت بيانه مختصراً من هذا التفسير، ولمزيد من المعلومات عنه يُرجع إلى المقدمة التي كتبتها محققته فهي نافعة شاملة.
تنبيه:
لم تُشر المحققة الفاضلة لهذا التفسير إلى روايات الداني عنه في "المكتفى" ولعلها لم تقف عليه.
مرويات الداني عنه:
__________
(1) - باحثة تونسية معاصرة اهتمت بيحيى بن سلاّم وحققت ما وجد من تفسيره وكتابه "التصاريف".
(2) - انظر: مقدمة تحقيق تفسير يحيى بن سلاّم: 1/10.
(3) - المصدر السابق: 15.
(4) - المصدر السابق: 15.(1/21)
بلغت مرويات الداني عنه رحمه الله في "التفسير" في كتابه "المكتفى في الوقف والابتدا" أربعة وخمسين (54) مروية ما بين مسندة أو موقوفة، وذلك كالتالي:
1- المرويات المسندة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - :
وهنا يعجب المرء حينما يرى اعتماد الداني على "تفسير" يحيى بن سلاَّم بهذه الصورة التي أوضحتها، ولكنه لم يذكر عنه رواية مسندة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا رواية واحدةً وهي:
قال الداني رحمه الله بعد أن ذكر سنده إلى يحيى بن سلاَّم في قوله تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ الناسُ لِرَبِّ العالَمينَ } [المطففين:6]: بلغني(1) أنَّهم يقومون مقدار ثلاثمائة سنة قبل أن يُفصل بينهم، قال يحيى: وحدثني خداش(2) عن عوف الكوفي(3) عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما طول يوم القيامة على الناس(4) إلا كرجل دخل في صلاة مكتوبة فأتمها وأحسنها وأجملها)(5). اهـ
ويلاحظ هنا أنَّ هذا الأثر ((مرسل)) حيث إنَّ الحسن -هو البصري- رحمه الله لم يلق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسيأتي مزيد تعليق على هذا الأثر(6).
المرويات عن الصحابة - رضي الله عنهم - :
وهنا عجب آخر وهو أنّي لم أقف على رواية مسندة من الداني إلى أحد من الصحابة عن طريق يحيى إلا رواية واحدة أيضاً وهي؛ قال الداني رحمه الله:
__________
(1) - القائل هو يحيى بن سلاَّم.
(2) - ابن عياش العبدي، محمدث. انظر: تهذيب التهذيب: 3/137.
(3) - عند الذهبي: عوف بن أبي جميلة البصري، إمام حافظ (ت:146هـ). انظر: السير: 6/383.
(4) - كذا في المكتفى، وعند ابن سلام وابن أبي زمنين: ((المؤمنين)) بدل ((الناس)) .
(5) - انظر: المكتفى: 613.
(6) - انظر ص: 31.(1/22)
حدثنا محمد بن عيسى المالكي(1) قال: حدثنا أبي(2) قال: حدثنا علي بن الحسن(3) قال: حدثنا أحمد بن موسى قال: حدثنا يحيى بن سلاَّم عن يونس بن إسحاق(4) عن أبيه عن عامر بن سعد قال: قرأ أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - هذه الآية(5) أو قرئت عنده فقال: هل تدرون ما الزيادة؟ الزيادة النظر إلى وجه ربنا. (6)اهـ
أما غير هذه الرواية مما فيها سند ليحيى إلى الصحابة فهي ((مرسلة)) وذلك في ثلاث روايات عن ابن عباس - رضي الله عنه - (7) وواحدة عن علي - رضي الله عنه - (8).
هذا ولما كان تفسير ابن سلاّم لم يصلنا كلَّه فقد قمت بمقابلة جميع المنقولات عند الداني عنه في القدر الموجود وهو من سورة النحل إلى نهاية سورة الصافات فلاحظت الآتي:
1-أنَّ النص المنقولَ في أحايين كثيرة يختلف عما في التفسير إما بزيادة كلمة أو نقصها وإما باستبدال كلمة مكان أخرى.(9)
2- أحياناً يذكر ابن سلاّم صاحب القول أو التفسير فيحذفه الداني وذلك كما في قوله تعالى: { وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً } : روى الداني في تفسيره عن يحيى: موسى يعجب من أثر الحوت في البحر اهـ(10) ولكن يحيى زاد عبارة: وهو تفسير مجاهد.(11)
__________
(1) - هو محمد بن عبد الله بن عيسى بن أبي زمنين.
(2) - عبد الله بن عيسى بن أبي زمنين، محدث، (ت: 359هـ). انظر: الديباج: 270.
(3) - أبو الحسن الهذلي، محدث حافظ (ت: 253هـ)، انظر: تذكرة الحفاظ: 2/529.
(4) - يونس بن عمر بن عبد الله السبيعي، محدث (ت:158هـ). انظر: تهذيب التهذيب: 11/433.
(5) - هي قوله تعالى: { للذينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَة } [يونس:26].
(6) - المكتفى: 307. وانظر: تفسير القرآن العزيز: 2/252.
(7) - المكتفى:187، 279، 595.
(8) - المكتفى: 595.
(9) - انظر: المكتفى: 350-351، تفسير يحيى: 1/61.
(10) - المكتفى: 370.
(11) - تفسير يحيى: 1/197.(1/23)
3-قد يذكر الداني تفسيراً عن يحيى لا يوجد في مظنه من القدر الموجود وهذا مثل ما روى عنه في قوله تعالى: { قُلْ جَاءَ الْحَقُّ } قال: القرآن { وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ } : إبليس اهـ وبالرجوع إلى تفسير يحيى نجد أنه لم يذكر تفسير { الْحَقُّ } ولم يصرّح بالقرآن، وكذلك عند ابن أبي زمنين الذي جاء نصه كنص عبارة يحيى. (1)
المطلب الثاني: تنوّع المادة التفسيرية عند الداني: من حيث تفسير القرآن بالقرآن، أو اللغة أو الغريب أو أسباب النزول ...الخ.
وهذا التنوع ملحوظ في "المكتفى" وأختار مثلاً لكل واحد مما ذكر:
1- تفسير القرآن بالقرآن:
روى الداني بسنده إلى يحيى بن سلاَّم في قوله تعالى: { قَالَ أَنتُمْ شَرٌ مَّكَاناً } [يوسف:77]، قال قتادة: هذه الكلمة { أَنتُمْ شَرٌ مَّكَاناً } هي التي { فأسَرَّهاَ يُوسُفُ في نَفْسِه وَلَمْ يُبْدِهَا } [يوسف:77](2).
2- التفسير باللغة:
روى الداني بسنده إلى ابن عباس في قوله تعالى: { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ ولاَ جِدَالَ... } [البقرة:197]، قال: الرفث: الجماع، والفسوق: المعاصي، والجدال: أن تماري صاحبك حتى تُغضبه. اهـ(3)
3- التفسير ببيان سبب النزول:
روى الداني بسنده إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إيراهيم مصلَّى فأنزل الله تعالى: { واتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إبراهيمَ مُصَلَّى } [البقرة:125](4).
المطلب الثالث: اختلاف المنهجية عنده في التعقيب:
__________
(1) - انظر: المكتفى: 466، تفسير يحيى: 2/771، تفسير القرآن العزيز: 4/21.
(2) - المكتفى: 328، 329، تفسير القرآن العزيز: 2/335.
(3) - المكتفى: 182-183، وعند ابن أبي زمنين: والجدال: أن يماري بعضهم بعضاً حتى يغضبوا. 1/209.
(4) - المكتفى: 174.(1/24)
أ- فأحياناً يذكر التفسير مسنداً، ثمّ يعقّب عليه بذكر قول آخر - غير مسند – مخالف له، وهذا كما في آية: { إلاَّ الموَدّةَ في القُرْبَى } [الشورى:23] نقل بسنده إلى ابن عباس قال: تحفظوا فيَّ قرابتي اهـ ثمّ قال الداني: وقيل: إلاَّ أن تتودَّدوا إلى الله وتتقرّبوا إليه بطاعتي. اهـ(1) وهذا أفهم منه أنَّ التفسير الثاني أقوى من الأول عنه.
ب- وأحياناً يعكس فيذكر قولاً - غير مسند- لتفسير كلمة، ثمّ يعقِّبُ عليه بذكر تفسير آخر مغايرٍ مسندٍ، وهذا كما في آية: { وأنتم سَامِدُون } [النجم:61] قال الداني: لا هون معرضون. اهـ ثم نقل بسنده إلى ابن عباس - رضي الله عنهم - قال: ((سامدون)) الغناء، وهي كلمة يمانية، اسمدي لنا: تغنَّي لنا.(2) اهـ وهذا أفهم منه أن التفسير الثاني تأكيد للأول.
ج- وأحياناً أخرى - على قلّة - يعقّب على الإسناد دون المتن كما عند قوله تعالى: { الذِينَ هُم عن صَلاَتِهِم } [الماعون:5] بسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق عكرمة قال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها، قال الداني: لم يرفع هذا الحديث أحد غير عكرمة بن إبراهيم وإنما يروى موقوفاً على سعد. اهـ(3)
د- أحياناً يذكر نسبة أحد القولين ويسكت عن نسبة الآخر ويكتفي بالإشارة إلى أنّه قولٌ لبعض أهل العلم كما في قوله تعالى: { والرَّاسِخُونَ في العِلْمِ } [آل عمران:7] نسب أحد القولين إلى مجاهد وغيره، وقال في القول الثاني: هو قول أكثر أهل العلم من المفسرين والقراء والنحويين، ولم يصرح باسم أحد منهم(4).
المطلب الرابع: عدم نقده لبعض الروايات:
__________
(1) - المكتفى: 503.
(2) - انظر: المكتفى: 598، فضائل القرآن لأبي عبيد: 342.
(3) - انظر: المكتفى: 631، الدر المنثور: 6/400.
(4) - المكتفى: 196-197(1/25)
ومما يلاحظ أيضاً هو أنَّ الداني رحمه الله لم يتبع ((نقد)) الأقوال الضعيفة في التفسير الذي يرويه، ولا أقصد هنا ((الضعف)) في الإسناد، لا، بل أقصد ((الضعف)) في التفسير نفسه، وهذا كما في قوله تعالى: { ولَقَدْ هَمَّتْ به وهَمَّ بها... } (1).
المطلب الخامس: اختياراته وترجيحاته:
كتاب "المكتفى" هو أساساً في علم ((الوقف والابتدا)) والتفسيرُ إنّما هو علمٌ ثانويٌ فيه؛ فلهذا نجد الاختيارات التفسيرية والترجيحات ليست بتلك الكثرة، وأكتفي هنا بذكر هذه الأمثلة:
1- قال الداني رحمه الله: { وكَأَيِّن مِن نَّبِيٍ قُتِلَ } [آل عمران:146] كافٍ إذا أسند الفعل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتأويل: قُتِل النبيُ ومعه جموع كثيرة، فما وهنوا لقتل نبيهم. وهذا الاختيار؛ لأنَّ الآية لذلك السبب نزلت. اهـ(2)
2- قال الداني رحمه الله بعد أن ذكر قولي المفسرين في قوله تعالى: { هُوَ سَمَّاكُمُ المسْلِمِينَ } [الحج:78]: الضمير ((هو)) قيل: لله تعالى، وقيل: لإبراهيم عليه السلام، قال الداني: والأول هو الاختيار من جهتين: إحداهما: أنَّ قوله عز وجل: { رَبَّنَا واجْعَلْنَا مُسْلَمَيْنِ لَكَ ومِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [البقرة:128]، ما بعده ليس بتسمية وإنَّما هو دعاءٌ، والثانية: ورد الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنَّ اللهَ تعالى سمّانا المسلمين. اهـ ثم ذكر الخبر مسنداً(3).
__________
(1) - هذه مسألة من المسائل العويصة في التفسير، وعبارات العلماء متجاذبة مع اتفاقهم على عصمة الأنبياء من الكبائر، وأحسن ما رأيت فيها رسالة "تحقيق الكلام في براءة يوسف عليه السلاَّم" تأليف الشيخ الفقيه الخطيب الشريف أبي عبد الله محمد بن أحمد الهاشمي الأندلسي، وهي مطبوعة كاملة في كتاب: "المعيار المغرب" للونشريسي: 11/194. والله أعلم.
(2) - المكتفى: 211.
(3) - المكتفى: 398.(1/26)
3- لمّا ذكر رحمه الله القولين في قوله تعالى: { وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } [النمل:23] قال: والوجه الأوَّل جيِّد بالغ، وإن كان التفسير يؤيد الوجه الثاني، ثم ذكره مسنداً(1).
هذا ما أردت بيانه مختصراً من منهج الداني في "التفسير" من كتابه "المكتفى" ليكون لبنة لقيام دراسة أعمق وأشمل. والله الموفق.
الفصل الثاني
التفسير بالمأثور في كتاب "المكتفى في الوقف والابتدا"
المبحث الأوَّل:
التفسير المسند(2) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - :
معلومٌ لدى المختصّين في علوم القرآن الكريم من السلف والخلف أنَّ لتفسير القرآن الكريم عدّةَ طرقٍ، أصّحها وأعلاها تفسير القرآن بالقرآن(3)،
__________
(1) - المكتفى: 428.
(2) - المقصود به هنا المكتفى: 428 هو: ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصةً متصلاً أو منقطعاً. وهذا على رأي الإمام ابن عبد البر. انظر: التمهيد: 1/21، تدريب الراوي: 1/182.
(3) - وهو أبلغ التفاسير؛ لأنَّه قد يرد إجمالٌ في آية مبيَّنٌ في آية أخرى، أو إبهام في آية موضّح في آية أخرى.
وهنا أمرٌ مهم أرى التنبه إليه وهو أنّ هذا النوع خطير يجب عدم المسارعة إلى القول به ممن ليس أهلاً لذلك بمعنى: يجب ألا يُدَّعى أنًّ آيةً ما هي تفسير لآية أخرى إلا بعد بيان صحة وسلامة ذلك، فليس كل ما قيل فيه إنَّه تفسير للقرآن بالقرآن صحيح؛ لأنَّ الآية المفسِّرة - بكسر السين – قد تكون ليست كذلك بل هي بالمطابقة، وإنَّما هي لبيان وجه من الوجوه، أو حالة من الحالات، وذلك مثل قوله تعالى: { وهو الذي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بها ... } [الأنعام:97]، لا يقال إنَّ الآيات الأخرى نحو: { ولَقَدْ زَيَّنَا السماءَ الدُّنيا بِمَصَابِيحَ } [الملك: 5] و: { إنَّا زَيَّنَا السماءَ الدُّنيا بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ وحِفْظاً مِن كُلِّ شيطانٍ مَارِدٍ } [الصافات:6، 7]، هي تفسيرٌ لها؛ وذلك لأنَّ الآيات كلها إنَّما هي في بيان الحكمة من خلق النجوم وليس لتفسير كيفية الاهتداء. انظر: مقالات في علوم القراءات: 128 وما بعدها.(1/27)
ثمّ تفسيره بما صحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنَّ الله تعالى أوْكل إليه - صلى الله عليه وسلم - مهمة البيان؛ ولأنَّه لا أحد أعلم بمراد الله منه - صلى الله عليه وسلم - .
وقد أورد الإمام الداني رحمه الله تعالى في كتابه هذا ((ثلاث عشرة)) روايةً متصلة الإسناد منه رحمه الله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ إحدى عشرة روايةً منها عن طريق عشرة من الصحابة - رضي الله عنهم - وهم: أبو بكر(1)، وثوبان(2)، وابن عباس(3)، وأنس(4)، والحارث الأشعري(5)، وأبو سعيد الخدري(6)، وسعد بن أبي وقاص(7)، وعبد الله بن خبيب(8)، بروايةٍ واحدةٍ عن كلّ واحدٍ منهم، ثمّ عائشة(9) رضي الله عنها رواية واحدة بسندين مختلفين(10)،
__________
(1) - خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ت:13هـ). انظر: غاية النهاية: 1/431، المكتفى: 226، 307.
(2) - ابن بجدد، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ت:45هـ). انظر: الإصابة: 1/539، المكتفى: 202.
(3) - عبد الله بن عباس، حبر الأمة وابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ت:68هـ). انظر:غاية النهاية:1/425، المكتفى:268.
(4) - ابن مالك، خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - (ت:91هـ). انظر: غاية النهاية: 1/172، المكتفى: 346.
(5) - الحارث بن الحارث، صحابي جليل، تأخر في الوفاة حتى سمع منه أبو سلاَّم. انظر: الإصابة : 1/661، المكتفى: 399.
(6) - سعيد بن مالك الصحابي الجليل (ت: 74هـ). انظر: الإصابة: 3/85، المكتفى: 459.
(7) - الصحابي الجليل، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، (ت:51هـ). انظر: الإصابة: 3/61، المكتفى: 631.
(8) - الجهني، حليف الأنصار الصحابي الجليل والد معاذ. انظر: الإصابة: 4/64، المكتفى: 640.
(9) - زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبنت الصديق، أم المؤمنين رضي الله عنها، 0ـ57هـ). انظر: الطبقات: 8/58، المكتفى: 343.
(10) - انظر: المكتفى: 343..(1/28)
ثم ابن عمر - رضي الله عنه - جاءت عنه روايتان.
أما الأثران الآخران فهما ((مرسلان))(1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك عن طريق محمد بن كعب القرظي(2)، والحسن البصري(3)، فكلاهما أرسل الأثر ولم يذكر الواسطة بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - (4).
المبحث الثاني: التفسير المسند إلى الصحابة - رضي الله عنهم - :
__________
(1) - المرسل عند جمهور المحدثين هو: ما أضافه التابعيّ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مما سمعه من غيره، والصواب عدم تقييد التابعيّ بالكبير أو الصغير، وله تعريفات أخرى هذا أحسنها عندي. والله أعلم. انظر: النكت على ابن الصلاح: 2/453-546.
(2) - أبو حمزة تابعي محدث، سكن المدينة، (ت:118هـ). انظر: تهذيب التهذيب: 9/420.
وأما الحديث المذكور فهو في سبب نزول قوله تعالى: { ولا تُسْأَلُ عن أصحابِ الجَحِيم } [البقرة:119]، روى الداني بسنده إلى القرظي: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ليت شعري ما فعل أبواي، فأنزل الله: { إنَّا أرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً ونَذِيراً ... } الآية.
والحديث من حيث الصنعة الحديثية ((مرسَل)) وقد ردّه الإمام الطبري رحمه الله لاستحالة الشك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر أبويه، وتعقّبه الحافِظ ابن كثير رحمه الله باحتمال أنَّ الشك كان في حال استغفاره - صلى الله عليه وسلم - لأبويه قبل أن يعلم أمرهما. انظر: تفسير ابن كثير: 1/234 (ط: الشعب).
(3) - هو: الحسن بن يسار البصري، تابعي محدث واعظ، رأى علياً وعائشة وعمر وغيرهم، (ت: 110هـ). انظر: تهذيب التهذيب: 2/263.
والأثر هو: عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما طول يوم القيامة على الناس إلاَّ كرجُل دخل في صلاة مكتوبة فأتمّها وأحسنها وأجملها. اهـ المكتفى: 613. وانظر: تفسير الصنعاني: 3/355.
(4) - انظر: المكتفى: 173، 613.(1/29)
وهذا النوع هو المصدر الثالث من حيث الصحة لتفسير القرآن الكريم، ولكن بشرط الصحة عنهم - رضي الله عنهم - ، فلا عبرة بالموضوع والمكذوب عليهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية(1) رحمه الله: وحينئذٍ إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعت في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنّهم أدرى بذلك؛ لما شاهدوه من القرآن، والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، لاسيما علماؤهم وكبراؤهم، كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، وعبد الله بن مسعود.اهـ(2)
وقد روى الإمام الداني في كتابه هذا "المكتفى" ((ستاً وعشرين)) مرويةً عن تسعة من الصحابةِ - رضي الله عنهم - وهم كالتالي، مرتبون حسب الأكثرية في المروي عنهم عنده رحمه الله:
1- ابن عباس: ((خمس عشرة رواية))(3).
2- ابن مسعود: ((ثلاث روايات))(4).
3- علي: ((روايتان))(5).
4- أبو بكر، وعمر، وأبو هريرة، وأنس، وعائشة، وأسماء: ((رواية واحدة)) عن كل واحد منهم(6).
ويلاحظ هنا:
1- أنَّ بعض هذه الروايات عن الصحابي نقلها عنه صحابي آخر وليس تابعي كما في رواية عمر - رضي الله عنه - حيث ذكرها الداني بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال عمر: قلت يا رسول الله ... الخ، فهي من رواية الصحابة بعضهم عن بعض(7).
__________
(1) - هو: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، من كبار أئمة العلماء، شهرته تُغني عن تعريفه هنا، (ت: 728هـ). انظر: تذكر الحفاظ: 2/1496.
(2) - مقدمة أصول التفسير: 95.
(3) - انظر: المكتفى: 182، 185، 195، 303، 326، 373، 406، 503، 540، 544، 607، 624، 634، 635.
(4) - انظر الصفحات: 256، 288، 528.
(5) - انظر الصفحات: 188، 530.
(6) - انظر المكتفى على التوالي: 307، 174، 226، 208، 632، 641.
(7) - انظر: المكتفى: 174.(1/30)
2- أنَّ تفسير ابن عباس رضي الله عنهما منه روايتان جاءتا من أعلى وأحسن طرق التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهما: طريق ابن أبي طلحة الهاشمي(1) عنه، وطريق عطاء ابن السائب(2) عن سعيد بن جبير(3) عنه.
قال الإمام السيوطي(4) رحمه الله: وقد ورد عن ابن عباس في التفسير ما لا يُحصى كثرةً، وفيه روايات وطرق مختلفة، فمن جيِّدها طريق علي ابن أبي طلحة الهاشمي، قال أحمد بن حنبل(5): بمصر صحيفة في التفسير رواها علي ابن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصداً ما كان كثيراً. اهـ(6)
وقال أيضاً: ومن جيِّد الطرق عن ابن عباس طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه، وهذه الطريق صحيحة على شرط الشيخين(7).
3- هذا وقد جاءت رواية واحدة منقطعة هي من طريق الضحاك(8) رحمه الله، قال السيوطي رحمه الله: طريق الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس منقطعة، فإن الضحاك لم يلقه. اهـ(9)
4- إنَّ هذه المرويات عن ابن عباس رضي الله عنهما واحدة منها هي في بيان أوَّل ما نزل كما سيأتي.
__________
(1) - علي بن سالم بن المخارق، روى عن ابن عباس، (ت:143هـ). انظر: التهذيب: 5/256، المكتفى: 406.
(2) - أبو السائب، تابعي محدث، روى عن أنس، (ت: 137هـ). انظر: تهذيب التهذيب: 1/449.
(3) - أبو محمد، من كبار مفسري التابعين، روى كثيراً عن ابن عباس، (ت:94هـ). انظر: طبقات المفسرين:1/188، المكتفى: 635.
(4) - عبد الرحمن بن أبي بكر، من كبار العلماء المؤلفين ومشاهير الحفاظ المتأخرين، (ت:911هـ). انظر ترجمته لنفسه في كتابه: حسن المحاضرة.
(5) - الإمام المبجل، قامع البدعة، (ت: 241هـ)، شهرته تغني عن ترجمته هنا. انظر: طبقات الحنابلة: 1/4.
(6) - الإتقان في علوم القرآن: 4/209.
(7) - المصدر السابق.
(8) - بن مزاحم، من كبار التابعين المفسرين، (توفي بعد المائة). انظر: طبقات المفسرين: 1/222.
(9) - الإتقان في علوم القرآن: 4/209، لسان الميزان: 2/325، سير أعلام النبلاء: 4/598.(1/31)
ملحوظات مرويات علي - رضي الله عنه - :
يعتبر سيدنا علي - رضي الله عنه - رابع الخلفاء الراشدين وآخرهم، وهو أكثرهم رواية، وقد بيَّن السيوطي رحمه الله السبب في ذلك بقوله: أما الخلفاء فأكثر من رُويَ عنه منهم عليُّ بن أبي طالب، والرواية عن الثلاثة نزرة جداً، وكأنّ السبب في ذلك تقدم وفاتهم، قال: وأما علي فرُوِيَ عنه الكثير. اهـ(1)
وقد سبق القول إن الداني روى روايتين فقط عن علي - رضي الله عنه - ، وأضيف هنا أنَّ واحدة منها لم يُصرّح الداني رحمه الله أنها عن علي - رضي الله عنه - ، وإنما روى بسنده إلى جعفر بن محمد الهاشمي(2) عن أبيه عن آبائه - رضي الله عنهم - في قول الله تعالى { محمدٌ رسولُ اللهِ والذينَ مَعَهُ } : أبو بكر الصديق - رضي الله عنهم - { أشِدَّاءُ على الكُفَّارِ } عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - { رُحَمَاءُ بَيْنَهُم } عثمان بن عفان، { تَرَاهُم رُكَّعاً سُجَّداً } علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - ، { سِيمَاهُم في وُجُوهِهِم مِنْ أَثَرِ السجود } عبد الرحمن بن عوف(3)، وسعد بن أبي وقاص.(4) اهـ
__________
(1) - انظر: الإتقان: 4/204.
(2) - أبو عبد الله محمد، وثقه الشافعي. انظر: الجرح والتعديل: 2/417.
(3) - الصحابي الجيل، أحد العشرة المبشرين بالجنة، (ت:31هـ). انظر: الإصابة: 4/290.
(4) - انظر: المكتفى: 530(1/32)
وقد جعلت هذا الأثر من مرويات عليّ - رضي الله عنه - مع أنه أيضاً مروي عن ابن عباس(1)، لأنَّ علياً - رضي الله عنه - هو الذي من آباء جعفر بن محمد وليس ابن عباس، وأيضاً لتكون هذه الرواية خاصة للداني رحمه الله لم يذكرها من اطلع على رواية ابن عباس فيما أعلم. والله أعلم.
ملحوظات مرويات ابن مسعود - رضي الله عنه - :
يكفي هذا الصحابي فخراً قول النبي - رضي الله عنه - فيه: ( إنَّك لَغُلّيِّمٌ متعلِّم)(2)، ومع هذا فقد روى عنه أكثر ما رُوي عن علي - رضي الله عنه - .
وابن مسعود - رضي الله عنه - هو القائل: والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله(3) إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحدٍ أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته(4).
وأما ما يلاحظ على المرويات عن هذا الصحابي الجليل عند الداني:
__________
(1) - عزاه له السيوطي نقلاً عن ابن مردويه وأحمد بن محمد الزهري في فضائل الخلفاء الأربعة" والشيرازي في"الألقاب"، وفيه زيادةٌ قليلةٌ وهي بعد قوله تعالى: { يَبْتَغُونَ فَضْلاً منَ اللهِ ورِضْواناً } طلحة والزبير، وأضاف أبا عبيدة إلى عبد الرحمن وسعد، وقوله: { وَمَثَلُهُم في الإنجيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ } بأبي بكر، { فَاسْتَغْلَظَ } بعمر، { فاستوَى على سُوقِه } بعثمان، { يُعْجَبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفَّارَ } بعلي، { وعَدَ اللهُ الذينَ ءَامَنوا وعَمِلوا الصالحات } جميع أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - . اهـ انظر: الدر المنثور: 7/544-545.
(2) - انظر: المسند: 1/379، معرفة القراء الكبار: 1/115.
(3) - لفظ الجلالة سقط من الإتقان.
(4) - انظر: تفسير الطبري: 1/80، فتح الباري: 9/40، معرفة القراء الكبار: 1/117.(1/33)
1- أنَّ روايتين من الثلاثة كلاهما عن عوف بن مالك الجشمي(1) أبي الأحوص قال: قال عبد الله: ... الخ(2)،وأما الثالثة فهي عن تابعي عنه(3).
مرويات أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - :
هو صدِّيق هذه الأمة، وأفضل فرد فيها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - و { ثانيَ اثنينِ إذْ هُما في الغارِ } وفضائله وفضله لا ينكره إلاَّ جاهل أو حاسد أو من طمسَ اللهُ بصيرتَه والعياذ بالله تعالى.
وأما الملحوظات على الرواية الوحيدة المسندة إليه عند الداني هنا في كتابه "المكتفى" فهي عن عامر بن سعد(4) قال: قرأ أبو بكر ... (5)
مرويات عمر - رضي الله عنه - :
هو ثاني خليفة لهذه الأمة، وقد عُرِف بالفاروق، ومن استجاب الله فيه دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يعز الإسلام بأحد العمرين، فكان هو فرضي الله عنه وأرضاه.
وأما الأثر الوحيد الذي رواه الداني فيلاحظ فيه أنه من رواية صحابي عنه وهو أنس بن مالك، وهذا الأثر هو في بيان سبب نزول الآية(6).
وأما الآثار المفردة عن كل من: أنس وأبي هريرة وعائشة وأسماء، فليس فيها ما يلحظ إلا الآتي:
1- أن الأثر عن أنس - رضي الله عنه - إنما هو في سبب النزول(7).
__________
(1) - من أصحاب ابن مسعود - رضي الله عنه - ، والعجب أنَّ محقق "المكتفى" جعله صحابياً، وترجم له بالأشجعي، وهو ليس هو. والله أعلم.
(2) - انظر: المكتفى: 288، 528.
(3) - هو إبراهيم النخعي رحمه الله. انظر: المكتفى: 256.
(4) - صحابي جليل، استشهد هو وأخوه يوم مؤتة. انظر: الإصابة: 2/249، ولابد من وجود شخص بينه وبين السبيعي، لكن لم أعرفه.
(5) - انظر: المكتفى: 307.
(6) - المكتفى: 174.
(7) - المكتفى: 208.(1/34)
2- أنَّ الأثر عن أسماء إنما هو عن عون بن عبد الله(1) وقد(2) قيل: إن روايته عن الصحابة مرسلة(3)، والله أعلم.
المبحث الثالث: التفسير المروي عن التابعين:
ذكرت في بداية البحث أن بعض العلماء ألحق تفسير التابعين بالمأثور؛ لأنهم تلقوه عن الصحابة - رضي الله عنهم - غالباً.
هذا وقت جمعت الآثار التفسيرية المروية عن التابعين رحمهم الله تعالى عند الداني في كتابه "المكتفى"، فوجدتها خمسة وسبعين أثراً، مروية عن ثلاثين تابعياً.
هم كالتالي مرتبون حسب الأكثرية:
1- مجاهد بن جبر: (20) عشرون رواية(4).
2- الحسن البصري: (9) تسع روايات(5).
3- قتادة بن دعامة : (7) روايات(6).
4- عكرمة: (4) أربع روايات(7).
5- الكلبي : (3) ثلاث روايات(8).
__________
(1) - ابن عتبة بن مسعود، أبو عبد الله محدث كوفي، روى عن أمّ الدرداء، ذكره البخاري فيمن توفي بين 110-120، انظر: تهذيب التهذيب: 8/171.
(2) - المكتفى: 641.
(3) - انظر: تهذيب التهذيب: 8/172.
(4) - انظر: المكتفى: 163، 175، 187، موضعان، 196، 217، 228، 268، 336، 346، 359، 360، 363، 365، 377، 453، 486، 569، 577، 622.
(5) - انظر: المكتفى: 208، 217، 280، 301، 480، 537، 556، 581، 613.
(6) - انظر: المكتفى: 164، 247، 283، 328، 335، 352، 474.
(7) - انظر: المكتفى: 211، 216، 224، 549.
(8) - هو: محمد بن السائب، محدث، متروك الحديث (ت:146هـ). انظر: السير: 6/248، المكتفى: 236، 238، 280.(1/35)
ثم روايتان عن كل من: سعيد بن جبير(1)، وطاووس(2)، والنخعي(3)، والسدي(4)، وسفيان بن عيينة(5)، وعبيد بن عمير(6)، وابن الحنفية(7)، ومطر الوراق(8).
__________
(1) - انظر: المكتفى: 225، 293.
(2) - ابن كيسان الفارسي اليمني، محدث (ت:101هـ). انظر: السير: 5/38، المكتفى: 188، 195.
(3) - إبراهيم بن يزيد، من كبار التابعين (ت:96هـ). انظر: السير: 4/520، المكتفى: 431، 618.
(4) - إسماعيل بن عبد الرحمن، من كبار المفسرين، (ت:127هـ). انظر: طبقات المفسرين: 1/110، المكتفى: 431، 618.
(5) - من كبار العلماء، واسع العلم، (ت:198هـ). انظر: تهذيب التهذيب: 4/117، المكتفى: 276، 330.
(6) - الجندي المكي، واعظ ومفسر، (ت:74هـ). انظر: السير: 4/156، المكتفى: 264، 548.
(7) - محمد بن علي بن أبي طالب، (ت: 80هـ). انظر: طبقات ابن سعد: 5/91، المكتفى: 314، 330.
(8) - ابن طهمان، (ت: 129هـ). انظر: السير: 5/452، المكتفى: 322، 546.(1/36)
ثم رواية واحدة عن كل من: أبي عمرو بن العلاء(1)، والضحاك(2)، وأبي العالية(3)، والسبيعي(4)، وزيد بن أسلم(5)، وابن أبي ليلى(6)، وموسى القتبي(7)، ونعيم القارئ(8)، والزهري(9)، وابن أبي نجيح(10)، وخيثمة(11)، وأبي صالح(12)، وعبد العزيز بن رفيع(13)، ومرة(14)، وإبراهيم التيمي(15)، والقاسم(16).
__________
(1) - أحد القراء السبعة (ت:154هـ). انظر: غاية النهاية: 1/288، المكتفى: 210.
(2) - انظر: المكتفى: 598.
(3) - رفيع بن مهران، إمام مفسر (93هـ). انظر: طبقات المفسرين: 1/178، المكتفى: 269.
(4) - عمرو بن عبد الله، محدث، (129هـ).انظر: تهذيب التهذيب: 8/63، المكتفى: 261.
(5) - مولى عمر - رضي الله عنه - ، محدث، (ت: 136هـ). انظر: طبقات الحفاظ: 1/132، المكتفى: 303.
(6) - عبد الرحمن بن يسار، محدث، (ت:82هـ). انظر: تهذيب التهذيب: 6/260، المكتفى: 307.
(7) - أبو العلاء، محدث. انظر: الجرح والتعديل: 8/189، المكتفى: 322.
(8) - نعيم بن يحيى بن سعيد، أبو عبيد السعيدي، مقرئ روى عن عاصم وحمزة. انظر: غاية النهاية: 2/343.
(9) - محمد بن مسلم، من كبار علماء المدينة، (ت:124هـ). انظر: السير: 5/326، المكتفى: 467.
(10) - عبد الله بن يسار الثقفي، محدث، (ت:131هـ)، انظر: تهذيب التهذيب: 6/54، المكتفى: 350.
(11) - أبي خيثمة البغدادي، انظر: تهذيب التهذيب: 3/178، المكتفى: 592.
(12) - ذكوان بن عبد الله مولى أم المؤمنين جويرية الغطفانية رضي الله عنها، (ت:101هـ). انظر: السير: 5/36، المكتفى: 543.
(13) - الأسدي، محدث، (ت:130هـ)، انظر: الجرح والتعديل: 5/381، المكتفى: 585.
(14) - الطيب بن شراحيل، محدث، (ت:76هـ). انظر: تهذيب التهذيب: 10/88، المكتفى: 341.
(15) - إبراهيم بن يزيد، محدث، (ت:94هـ). انظر: تهذيب التهذيب: 10/176، المكتفى: 331.
(16) - ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، (ت:116هـ). انظر: السير: 5/195، المكتفى: 324.(1/37)
فهذه خمس وسبعون رواية تفسيرية مسندة منه رحمه الله إلى هؤلاء الأئمة التابعين، مما يدل على كثرة مرويات هذا الإمام رحمه الله، ومدى اهتمامه بعلم التفسير، وأنه لم يك(1) مقتصراً على ((القراءات)) التي شهر بها حتى أصبح وكأنه لا يعدوها لا رواية ولا تأليفاً.
ونظراً لكثرة هذه المرويات وأصحابها، ولكون هذا البحث ليس "رسالة علمية" وإنما هو محاولة لفتح الباب للباحثين للمضي قدماً في دراسة تراث هذا العالم الجليل والإمام الفاضل في علوم أخرى غير العلوم التي عُرف بها خاصة وأنها علوم رواية لا دراية.
أقول: نظراً لما تقدّم فإني سأكتفي هنا بإيراد نقاط محددة تكون تبياناً وبياناً لما يريده البحث، فأقول وبالله التوفيق:
أوَّلا: إن هذه المرويات عن التابعين متعددة الجوانب التفسيرية، فمنها ما هو تفسير محضٌ بمعنى أنَّه إما بيان لمعنى الكلمة المفردة، وإما بيان للمعنى الإجمالي للآية، فمن الأول: نحو تفسير مجاهد رحمه الله لكلمة: "سرّاً" من قوله تعالى: { لا تُواعِدُوهنَّ سِراً } [البقرة:235]، قال: لا تخطبها في عدّتها.(2)اه.
__________
(1) - عن قصدٍ حُذفت النون هنا من ((يكن)) لبيان جوازها، بل وصحتها لغة، فـ((يك)) فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون في النون المحذوفة للتخفيف، وهذه النون لها حالتان:
إما أن يكون بعدها ساكن أو متحرك كما هنا؛ فإن كان بعدها ساكن فعند الجمهور لا يجوز حذفها إلا في ضرورة الشعر.
وأما إذا كان ما بعد النون متحرك فالحذف والإثبات فصيح مذكور في القرآن الكريم في قوله تعالى: { وَلاَ تَكُ في ضَيْقٍ } [النحل:127]، وقوله تعالى: { ولا تَكُ في ضَيْقٍ } [النمل:70] وكلاهما رضي. والله أعلم.
انظر: الخصائص: 1/90، الخزانة: 4/72.
(2) - المكتفى: 187.(1/38)
ومن الثاني: نحو تفسير عكرمة لقوله تعالى: { واتقوا الله الذي تَسَاءَلُونَ به والأرْحَامَ } [النساء:1]، قال: اتقوا الله واتقوا الأرحام أن تقطعوها، قال الداني : وعن الحسن قال: هو قولك: أُنْشِدُكَ بالله وبالرحم(1).
ثانيا: أنَّ بعض هذه المرويات بيان لسبب نزول الآية، وهذا علاقته واضحة بالتفسير، كما بيّنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله: ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإنَّ العلم بالسبب يورث العلم بالمسبّب. (2) اهـ
وقال ابن دقيق العيد(3): بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن. اهـ(4)
ونحو ذلك ما نقله الداني رحمه الله إلى الحسن رحمه الله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدمي وجهه يوم أحد، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: كيف يُفلح قوم أدموا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: { ليسَ لكَ مِنَ الأمرِ شيءٌ أو يتوبَ عليهم أو يُعذِّبَهم فإنهم ظالمون } [آل عمران:128](5).
ثالثا: يلاحظ على - قلّة - في السند بين الداني والتابعي وجود ((مجهول)) لم يُصرَّح به، وذلك نحو ما وقع في سند مجاهد عند قوله تعالى: { إنِّي أعلمُ ما لا تَعْلَمونَ } [البقرة:30]، سفيان عن رجل(6) عن مجاهد قال: علم من إبليس المعصية قبل أن يعصيه وخلقه لها. اهـ(7)
__________
(1) - المكتفى: 216-217.
(2) - مقدمة أصول التفسير: 47.
(3) - محمد بن علي، إمام في المذهبين (ت:702هـ). انظر: طبقات السبكي: 6/2.
(4) - بواسطة: الإتقان في علوم القرآن: 1/83.
(5) - المكتفى: 208.
(6) - في الطبري: 2/169: عن ابن طاووس عن أبيه والثوري عن علي بن بذيمة عن مجاهد... ثم ساق الخبر بدون قوله: ((قبل أن يعصيه)). اهـ
(7) - المكتفى: 163.(1/39)
رابعاً: يلاحظ أنه في روايته عن مجاهد رحمه الله لم يعقّب على ما فيها من مخالفة للجمهور بل ولما رواه هو نفسه مسنداً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك في قوله تعالى: { مقاماً محموداً } [الإسراء:79]، حيث روى بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: المقام المحمود: ((الشفاعة)) ثم ذكر بسنده إلى مجاهد قال: ((مقاماً محموداً)) قال: يُجلسه على العرش(1).
خامساً:إنَّ كلّ المرويات عن قتادة رحمه الله هي ((مراسيل)) يحيى بن سلاَّم عنه، وكذلك روايتاه عن الحسن البصري رحمه الله(2)، ويغلب على الظنّ أنَّ الواسطة بين يحيى وقتادة هو ابن أبي عروبة رحمه الله.
الخاتمة
الحمد لله الذي يسر لي كتابة هذا البحث الذي حاولت فيه تنبيه الباحثين إلى ما للإمام الداني رحمه الله من اهتمام واعتناء بتفسير كتاب الله تعالى، غير ما عُهد عنه وعُرف به من أنَّه إمام القراءات، حتى أصبح وكأنه لم يعرف من العلم غيرها، أو حتى كأنه لم تكن له من الروايات المتعلقة بالقرآن الكريم إلا رواية الحروف.
وقبل أن أرفع القلم أسجل هنا بعض نقاط:
1) أنَّ الإمام الداني رحمه الله له عناية بالتفسير متمثلة بمروياته التي وصلت إلينا من خلال كتابه "المكتفى في الوقف والابتدا"، وربما له غيرها في الكتب الأخرى لو درست.
2) أنَّ غالب مروياته في التفسير غير المسندة إنما هي من طريق الإمام يحيى بن سلام.
3) أن إظهار الجانب العلمي لعلماء القراءات في غير القراءات دَيْنٌ على أهل القراءات فكم من عالم فيها برز في علوم أخرى كالشاطبي في اللغة والحديث، وأبي شامة في الفقه والتاريخ وابن الجزري في الحديث وعلومه وهكذا ...
4) أن ((دراسة الداني مفسراً)) يصلح لأن يكون بحثاً لرسالة علمية.
__________
(1) - انظر: التمهيد لابن عبد البر: 7/157-158، 19/63-66.
(2) - انظر: المكتفى: 280، 301.(1/40)
5) مكانته في القرآن والحديث يدل على ذلك الروايات الكثيرة التفسيرية في كتابه "المكتفى" حيث بلغت (126) وهو عدد لا بأس به في كتاب ليس من كتب التفسير أصلاً.
6) أن روايات الداني من التفسير في كتابه "المكتفى" قد فات ذكرها على محققي تفسيري يحيى بن سلاّم وابن أبي زمنين، مع أنَّ الإشارة إليها ذات أهمية بالنسبة إليهما.
والله تعالى أعلم
فهرس المصادر والمراجع
1- الإتقان في علوم القرآن: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق/ محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة عيسى الحلبي.
2- الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر العسقلاني، تحقيق/ عادل عبد الموجود و علي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت.
3- البرهان في علوم القرآن: محمد بن بهادر الزركشي، تحقيق/ محمد أبو الفض إبراهيم، مكتبة عيسى الحلبي.
4- تاج العروس: محمد مرتضى الزبيدي، بيروت، دار صادر، 1386هـ.
5- التحرير والتنوير: محمد الطاهر بن عاشور، الدار التونسية، 1984م.
6- تذكرة الحفاظ: محمد بن أحمد الذهبي، تصحيح/ عبد الرحمن المعلمي، 1395هـ حيدر أباد.
7- تفسير القرآن العزيز: محمد بن أبي زمنين، تحقيق: عبد الله حسين عكاشة ومحمد الكنز، الناشر: الفاروق الحديثة، القاهرة.
8- تفسير القرآن العظيم: إسماعيل بن كثير، دار الفكر.
9- التفسير والمفسرون:
10- تفسير يحيى بن سلاّم: تحقيق: د/هند شلبي، دار الكتب العلمية، بيروت.
11- تهذيب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، حيدر أباد.
12- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: ابن عبد البر، وزارة الأوقاف المغربية.
13- جامع البيان في تفسير القرآن: محمد بن جرير الطبري، المطبعة الكبرى الأميرية.
14- جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس: محمد بن أبي بنصر الحميدي، تحقيق/ إدارة إحياء التراث، القارهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1386هـ.
15- الجرح والتعديل: عبد الرحمن بن أبي حاتم، حيدر أباد، دارئرة المعارف العثمانية، ط(1)، 1371هـ.(1/41)
16- سير أعلام النبلاء: محمد بن أحمد الذهبي، شعيب الأرناؤط والمجموعة، مؤسسة الرسالة.
17- الصلة: خلف بن عبد الملك، تحقيق/ إدارة إحياء التراث بالقاهرة، ط(1)، 1386هـ.
18- طبقات الحنابلة: محمد بن الحسن بن أبي يعلى، تحقيق/ محمد حامد الفقي، مطبعة السنة، المحمودية، القاهرة، ط(1)، 1372هـ.
19- طبقات الحفاظ: جلال الدين السيوطي، لحنة من العلماء، دار الكتب العلمية، بيروت.
20- طبقات ابن سعد: تحقيق/ إحسان عباس، دار صادر، بيروت.
21- طبقت الشافعية الكبرى: عبد الوهاب بن علي السبكي، تحقيق/ الطناحي، مطبعة البابي الحلبي.
22- طبقات المفسرين: محمد بن علي الداوودي، لجنة من العلماء، بيروت.
23- غاية النهاية في طبقات القراء: محمد بن محمد بن الجزري، تحقيق/ برجستراسر، دار الكتب، بيروت، 1402هـ.
24- فتح الباري بشرح صحيح البخاري: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق بعضه/ للشيخ عبد العزيز بن باز، المطبعة السلفية، ط(1)، 1379هـ.
25- فضائل القرآن: أبو عبيد القاسم بن سلاَّم، تحقيق/ أحمد الخياطي، المغرب، مطبعة فضالة، 1415هـ.
26- فهرست تصانيف الداني:
27- الكشاف في حقائق التنزيل: محمود بن عمر الزمخشري، مطبعة البابي الحلبي، ط(1)، 1387هـ.
28- لسان العرب: محمد بن مكرَّم بن منظور، دار صادر، بيروت.
29- المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم، طبعة دائرة المعارف العثمانية.
30- المسند: الإمام أحمد لن حنبل، الطبعة التركية.
31- معجم شيوخ الداني: د/ عبد الهادي حميتو، مطبعة الوفاء المغربية، ط(1)، 1421هـ.
32- معجم المصطلحات في علم التجويد والقراءات: د/ إبراهيم بن سعيد الدوسري، مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1425هـ.
33- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق/ د/طيار آلتي قولاج، وقف الديانة التركي.(1/42)
34- المعيار المعرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، أحمد بن يحيى الونشريسي، تحقيق/ مجموعة، دار الغرب.
35- المفردات: الراغب الأصفهاني، تحقيق/ صفوان داودي، دار القلم، بيروت.
36- مقدمة أصول التفسير: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق د/ عدنان زرزور، دار القرآن الكريم.
37- المكتفى في الوقف والابتدا: أبو عمرو الداني، تحقيق د/ موسى بن عبد الرحمن المرعشي، مؤسسة الرسالة، ط(1)، 1404هـ.
38- مناهل العرفان في علوم القرآن: محمد بن عبد العظيم الزرقاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ... 1
خطة البحث ... 2
التمهيد ... 4
تعريف التفسير لغة واصطلاحاً ... 4
أقسام التفسير ... 5
التفسير بالرواية ... 6
التفسير بالدراية ... 7
الفصل الأول: التعريف بالداني ومنهجه في التفسير ... 9
المبحث الأول: التعريف بالداني بإيجاز ... 9
المطلب الأوّل: اسمه وكنيته: ... 9
المطلب الثاني: نشأته وطلبه للعلم ... 9
المطلب الثالث: شيوخ الداني في التفسير ... 10
نبذة عن تفسير ابن أبي زمنين ... 12
منهج الداني مع هذا التفسير ... 12
تنبيه: ... 14
المطلب الرابع: مكانته في التفسير ... 16
المبحث الثاني: منهج الداني في مروياته التفسيرية ... 18
المطلب الأوّل: اعتماده على يحيى بن سلاَّم ... 18
نبذة عن تفسيره ... 19
نسخ هذا التفسير ... 21
مرويات الداني عنه ... 21
المطلب الثاني: تنوع المادة التفسيرية عند الداني ... 23
المطلب الثالث: اختلاف المنهجية عنده في التعقيب ... 24
المطلب الرابع:عدم نقده لبعض الروايات ... 25
المطلب الخامس: اختياراته وترجيحاته ... 25
الفصل الثاني: التفسير المأثور في كتاب "المكتفى في الوقف والابتدا" ... 27
المبحث الأول: التفسير المسند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 27
المبحث الثاني: التفسير المسند إلى الصحابة - رضي الله عنهم - ... 29
ملحوظات عامة: ... 29
ملحوظات مرويات علي - رضي الله عنه - ... 31
ملحوظات مرويات ابن مسعود - رضي الله عنه - ... 31(1/43)
ملحوظات مرويات أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ... 32
ملحوظات مرويات عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ... 32
المبحث الثالث: التفسير المروي عن التابعين ... 33
الخاتمة ... 38
فهرس المصادر والمراجع ... 39
فهرس الموضوعات ... 42(1/44)