الخير المأمول
بتبسيط كتاب جمع المحصول
على شرح رسالة ابن سعدي في الأصول
أبو أنس
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ولا تجعلنا ممن قلت فيهم { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا }( الفرقان / 23 ) , أما بعد .......
فعلم أصول الفقه من العلوم الشرعية الهامة التي لا غنى عنها لطالب العلم ، فأقل ما يتعلمه من هذا العلم هو معرفة معاني المصطلحات الفقهية كالمطلق والعام والظاهر والنسخ إلى أخره من المصطلحات التي لطالما ترد علينا في قراءتنا لكتب الفقه وغيرها , فاستعنت بالله على تبسيط كتاب جمع المحصول للشيخ الفوزان وهو شرح لرسالة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في الأصول , فجعلته على شكل تعارف للمصطلحات وتعداد لأسباب وشروط القواعد والمسائل الفقهية مع الأمثلة التوضيحية , فجاء الكتاب سلس القراءة سريع الحفظ , كما لم أنسى إيراد الأدلة المذكورة في كتاب صاحب الرسالة وشارحها , كما أني صغت بعض العبارات بأسلوب رايته اقرب إلى فهم العوام , ونقلت أسلوب الشيخ في توضيح بعض المسائل كما هو لما فيه من دقة العبارة وتوضيح للمعنى , كما أني استعنت بعد الله عز وجل بكتاب شرح الأصول من علم الأصول للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في توضيح بعض المسائل , لا سيما مسالة الجمع بين الدليلين عند التعارض وفي مسالة أحكام النسخ , وأخيرا وليس أخرا اسأل الله تعالى أن ينفع به إخواني طلبة العلم وان يكون فاتحة خير أمامهم في تحصيله .
أصول الفقه
أصول الفقه : كتعريف اصطلاحي هو العلم بأدلة الفقه الكلية ، أما تعريف كل كلمة على حدا فهو :
أصول : في اللغة : جمع أصل وهو ما يبنى عليه غيره كأصل الجدار، اصطلاحا : له معان عدة :
1 ـ الدليل : كدليل الصيام، الآية ( البقرة / 182 ) .(1/1)
2 ـ القاعدة : مثل إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل .
3 ـ المقيس عليه : حيث أن الأصل احد أركان القياس .
الفقه : هو معرفة المسائل والدلائل للأحكام الشرعية .
( الحكم الشرعي يحتاج إلى دليل تفصيلي أو جزئي والدليل التفصيلي يحتاج إلى دليل كلي أي أصل .
أقسام الفقه
ينقسم الفقه إلى قسمين :
1 ـ المسائل : هي الأحكام الشرعية العملية التي تتعلق بأفعال المكلفين من عبادات و معاملات .
2 ـ الدلائل : وهي ما يستدل بها على المسائل وتنقسم إلى قسمين :
1 ـ الأدلة الكلية : هي القواعد العامة التي يتضمنها أصول الفقه وكل دليل منها ينطبق على جميع مسائل الفقه ولا يختص بمسالة بعينها مثل : الأمر للوجوب حتى تصرفه قرينة ، النهي للتحريم حتى تصرفه قرينة , العام شامل لجميع أفراده حتى يثبت تخصيصه ، يعمل بالمطلق حتى يثبت تقييده .
2 ـ الأدلة الجزئية : هي الأدلة التي تختص بمسائل معينة مثل : دليل الصلاة في قوله تعالى ( وأقيموا الصلاة / البقرة 43 ) , ودليل تحريم الزنا في قوله تعالى ( ولا تقربوا الزنا / الإسراء 32 ) .
الأحكام الشرعية
الأحكام التي يدور عليها الفقه خمسة :
1 ـ الواجب : هو الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه وهو ما طلب الشرع فعله على وجه الإلزام
وينقسم إلى :
فرض عين : هو الذي يطلب فعله من كل مكلف ولا تدخله النيابة مع المقدرة وعدم الحاجة مثل : الطهارة والصلوات الخمس أما مع عدم القدرة ففي المسالة تفصيل حسب نوعية العبادة .
فرض كفاية: وهو ما يسقطه فعل البعض ولو مع القدرة لأن المطلوب حصوله وتحصيله من المكلفين لا من كل واحد بعينه مثل : الأذان و تجهيز الميت والصلاة عليه والقضاة والإفتاء .
2 ـ الحرام : أي الممنوع أو ما يعاقب فاعله ويثاب تاركه وهو ما طلب الشرع تركه على وجه الإلزام
مثل: عقوق الوالدين والغيبة والنميمة .
3 ـ المسنون : أي المندوب أو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه وهو ما طلب الشرع فعله طلبا غير جازم(1/2)
مثل : سنن الرواتب والسواك والطيب يوم الجمعة .
4 ـ المكروه : وهو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله وهو ما طلب الشرع تركه طلبا غير جازم مثل : الأخذ والإعطاء بالشمال ومس الذكر باليمين حال البول .
5 ـ المباح : وهو ما لا يتعلق بفعله مدح ولا بتركه ذم فلا أمر فيه ولا نهي وهو الذي خير الشرع المكلف به بين فعله وتركه مثل : الاغتسال للتبرد و المباشرة ليالي الصيام .
فصل في تفاصيل الأحكام الشرعية
1 ـ عندما تكون المصلحة خالصة : أي لا تشوبها مفسدة مثل التوحيد والإخلاص والعدل والإحسان فهذا يأمر به الشرع أمر إيجاب أو أمر استحباب حسب نوعية المأمور به .
2 ـ عندما تكون المصلحة راجحة: أي مخالطة المفسدة للمصلحة لكن مع تغليب جانب المصلحة مثل الجهاد فان إعلاء كلمة الله ونصرة دينه مع ما فيه من التعرض للقتل فهذا يأمر به الشرع أمر إيجاب أو أمر استحباب
لان العبرة بتغليب جانب المصلحة ولا ينظر إلى ما فيها من مفسدة لضعف أثرها وغلبة المصلحة عليها .
3 ـ عندما تكون المفسدة خالصة : أي عندما لا يخالطها مصلحة مثل الشرك والظلم وعقوق الوالدين وذلك مما لا مصلحة فيه فهذا ينهى الشرع عنه نهي تحريم أو كراهة حسب نوعية المنهي عنه .
4ـ عندما تكون المفسدة راجحة : أي مخالطة المصلحة للمفسدة لكن مع تغليب جانب المفسدة مثل الخمر والميسر والربا فأن فيها كسب للمال ولذة لفاعلها لكن مفاسدها أعظم وهذا ينهي اشرع عنه نهي تحريم أو كراهة لان العبرة بالتغليب ولا ينظر إلى ما فيها من مصلحة لان أثرها ضعيف .
الوسائل لها أحكام المقاصد
المباحات ما أباحها الشارع وأذن فيها وقد توصل إلى الخير فتلحق بالمأمورات وتوصل إلى الشر فتلحق بالمنهيات نستنتج هنا أصل وهو : ( الوسائل لها أحكام المقاصد ) وبه نعلم أن :
1 ـ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب : مثل الصلاة فأنها واجبة والصلاة لا تتم إلا بوضوء فوجوب الصلاة التي لا تتم إلا بالوضوء يفضي إلى وجوب الوضوء .(1/3)
2 ـ ما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون : مثل السواك فانه سنة فإذا توقف تحقيق ذلك على شرائه كان شرائه مسنونا .
3 ـ ما يتوقف الحرام عليه فهو حرام : مثل الشرك الأكبر فكل قول أو فعل يفضي إليه فهو حرام ومثل قيادة المرأة للسيارة فإنها تفضي إلى مفاسد كثيرة فتكون القيادة محرما لذلك .
4 ـ وسائل المكروه مكروهة : كما لو امسك شخص شيئا بيساره ليمسك ذكره بيمينه فإمساك الذكر باليمين مكروه فيكون إمساك ذلك الشيء بيساره مكروا .
أدلة الأحكام الشرعية
الأدلة التي يستمد منها الفقه أو بعبارة أدق مصادر التشريع الإسلامي أربعة :
1 ـ القران ، 2 ـ السنة ، 3 ـ الإجماع , 4 ـ القياس الصحيح.
أكثر الأحكام الشرعية تدل عليها نصوص الكتاب والسنة ويجمع عليها العلماء وقليل من الأحكام يتنازع فيها العلماء وأقربهم إلى الصواب فيها من أحسن ردها إلى هذه الأصول الأربعة .
القران الكريم
قال تعالى : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ) ( فصلت / 42 ) .
القران الكريم : هو أشهر من أن يعرف، فله من الخصائص ما جعلته المصدر الأول للتشريع في كل زمان ومكان، وهو حجة الله على جميع البشر فكل من بلغه فقد انذر به وقامت عليه الحجة، ومن خصائصه :
انه المقروء بالألسنة أي المتعبد بتلاوته في الصلاة وغيرها ، وهو المحفوظ في السطور والصدور، وهو المحفوظ
من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان لقوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ( الحجر / 9 ) .
يشتمل القران الكريم على عدة أحكام :
1 ـ أحكام اعتقاديه : وهي المتعلقة بالعقيدة كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره .
2ـ أحكام أخلاقية وسلوكية :وهي المتعلقة بتهذيب النفس وتزكيتها مثل أعمال القلوب ومكارم الأخلاق.
3 ـ أحكام عملية : وتنقسم إلى قسمين :
1 ـ أحكام العبادات : مثل الصلاة و الصوم و الزكاة والحج .(1/4)
2 ـ أحكام المعاملات : مثل أحكام البيع و الطلاق و والجنايات والحدود و السياسة الشرعية .
السنة النبوية
السنة : هي أقوال النبي (ص) وأفعاله وتقريراته على الاقوال والأفعال، أو ما يقابل الواجب ويرادف المندوب أو مايقابل البدعة .
( السنة تكون مؤكدة لما جاء في القران كوجوب الصلاة وقد تكون مبينة أو مفسرة لما أجمل في القران مثل بيان عدد الصلاة وكيفيتها ومقادير الزكاة وقد تكون سنة استقلالية على ما في القران كأحكام الشفعة وميراث الجدة .
(للسنة حجيتها واستقلالها بتشريع بعض الأحكام وان القران لا يغني عن السنة بل هي مثله في وجوب الطاعة والامتثال .
الإجماع
الإجماع : هو اتفاق العلماء المجتهدين على حكم حادثة .
(عندما يجمع العلماء على حكم ما فيجب :
1 ـ الرجوع إلى حكمهم والأخذ به .
2 ـ لا تحل مخالفتهم .
3 ـ يكفر مخالفه إذا كان مما لا يجهل .
( الإجماع ليس دليلا مستقلا تثبت به الأحكام الشرعية وإنما هو تابع للكتاب والسنة لأنه لا توجد مسالة مجمع عليها إلا وفيها دليل نصا كان أو ظاهرا .
القياس
القياس : هو تعدية حكم مسألة منصوص عليها إلى مسألة غير منصوص عليها مساوية لها في العلة .
أركان القياس : للقياس أركان أربعة :
1 ـ الاصل : وهو الذي ورد النص بحكمه .
2 ـ حكم الاصل : وهو الحكم الشرعي الذي ورد به النص في الاصل ويراد تعديته إلى الفرع .
3 ـ الفرع : وهو الذي لم يرد نص بحكمه ويراد نقل حكم الاصل إليه .
4 ـ العلة : وهي المعنى المشترك بين الاصل والفرع المقتضي إثبات حكم الاصل للفرع .
( الوصف الجامع بين الاصل والفرع نوعان :
1 ـ الوصف المنصوص عليه : مثاله : قول النبي (ص) في الهرة ( إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم )(1/5)
( الترمذي / 92 ) ، فالوصف المنصوص عليه هو كثرة التطواف على الناس الذي يشق معه الاحتراز منها فإذا قسنا هذا الوصف على غير الهرة من الحيوانات مثل الحمير والبغال فهي تشترك مع الهرة في نفس العلة فحكم نجاستها مقاس على حكم نجاسة الهرة .
2 ـ الوصف المستنبط : وهو الذي استنبطه المجتهد ورأى انه علة الحكم ، مثاله : انه ورد نص بنهي البيع وقت النداء الثاني ليوم الجمعة في قوله تعالى ( يا أيها الذين امنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) ( الجمعة / 9 ) علة الحكم لم تأتي منصوصة إنما أتت مستنبطة وهي ما في البيع من تعويق للصلاة وهذه العلة موجودة في غير البيع من العقود الأخرى التي لم يرد نص بالنهي عنها فتأخذ حكم البيع وهو النهي بطريق القياس .
(شرط القياس عدم وجود فارق أو تفاوت بين الاصل والفرع ، فان وجد تفاوت فانه ينظر إن كان عن طريق زيادة علة الفرع على علة الاصل لم يؤثر ، مثال : قياس ضرب الوالدين على التأفف المنصوص عليه في التحريم بجامع الإيذاء فان الإيذاء في الضرب اشد ، وان كان التفاوت عن طريق نقصان علة الفرع عن علة الاصل لم يصح , مثال : قياس وجوب الزكاة في مال الصبي قياسا على مال البالغ بجامع أن كل منهما يملك المال فهذا القياس لا يصح , لان البالغ يملك ماله بالقوة والفعل والصبي يملك ماله بالقوة فقط .
( القياس لا يثبت حكما وإنما هو كشف لحكم كان ثابتا للفرع من وقت ثبوته للأصل وذلك لوجود علة الاصل فيه وغاية ما في الأمر أن ظهور الحكم في الفرع تأخر حتى استنبطه المجتهد بنظره فالقياس مسلك اجتهادي في حدود الكتاب والسنة .
( شرط استعمال القياس هو فقد النص الدال على حكم الفرع فان وجد بطل القياس ويسمى فاسد الاعتبار ، مثال : يصح للمرأة الرشيدة أن تزوج نفسها بغير ولي قياسا على حجة بيعها لمالها بغير ولي ،(1/6)
فهذا قياس فاسد الاعتبار لمصادمته النص وهو قوله ( ص ) ( لا نكاح إلا بولي ) ( الترمذي / 1101 )
دلالات الألفاظ
النص والظاهر
( الأحكام الشرعية تؤخذ تارة من نص الكتاب والسنة وتارة تؤخذ من ظاهرهما.
1 ـ النص: هو اللفظ الواضح الذي لا يحتمل إلا ذلك المعنى مثاله: قوله تعالى ( أما السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ( المائدة / 38 ) ، وحكمه: يجب العمل به ما لم يقم دليل صحيح على تأويله أو
تخصيصه أو تقييده أو نسخه في عهد الرسالة.
2 ـ الظاهر: هو ما دل على ذلك المعنى على وجه العموم اللفظي أو المعنوي والعموم اللفظي ما ثبت عن طريق اللفظ والعموم المعنوي ما ثبت عن طريق القياس وهو الجامع المشترك بين الأصل والفرع وذلك لان الظاهر لا بد له من معنيين فأكثر. مثاله: حديث البراء بن عازب وسؤاله عن الوضوء من لحم الإبل فقال (ص) توضأوا منها ( أبو داوود / 184 ) ، وحكمه: يجب العمل به على ظاهره إلا بدليل يصرفه عن ذلك .
المنطوق والمفهوم
المنطوق : هو ما دل على الحكم في محل النطق ، أي أن دلالته تكون من الحروف التي ينطق بها مثال : قوله تعالى ( فلا تقل لهما أف ) ( الإسراء / 23 ) فاللفظ يدل على تحريم التأفف .
المفهوم : هو ما دل على الحكم لا في محل اللفظ كالآية السابقة فان منطوقها تحريم التأفف ، والمفهوم المستفاد من الاعتماد على اللفظ تحريم الضرب والسب ، والمفهوم نوعان :
1 ـ مفهوم موافقة : وهو ما وافق المسكوت عنه المنطوق في الحكم لاشتراكهما في العلة وله صورتان :
1 ـ أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق : كالآية السابقة ، فإنها دلت بمفهومها على تحريم الضرب والسب .(1/7)
2 ـ أن يكون المسكوت عنه مساويا للمنطوق : كقوله تعالى ( إن اللذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) ( النساء / 10 ) ، دلت الآية بمنطوقها على تحريم أكل أموال اليتامى ، ودلت بمفهومها على تحريم إغراقها وإتلافها وإحراقها فالإغراق والإتلاف والإحراق مساوي لأكل مال اليتيم القاصر العاجز .
2 ـ مفهوم المخالفة : وهو ما خالف المسكوت عنه المنطوق في الحكم ، بسبب كون المنطوق وصف بوصف ، أو شرط بشرط ، ويسمى الأول مفهوم الصفة والثاني مفهوم الشرط .
1 ـ مفهوم الصفة : هو تخصيص الحكم ببعض الأوصاف التي تطرأ أو تزول , مثل : حديث ( في الغنم السائمة الزكاة ) فدل المنطوق على أن الغنم السائمة تجب فيها الزكاة ، ودل المفهوم انه لا زكاة في الغنم المعلوفة لأنه إذا تخلف اللفظ تخلف الحكم ، ولو كان المسكوت عنه مساويا للمذكور في الحكم لما كان للوصف فائدة بل كان تطويلا .
2 ـ مفهوم الشرط : هو تقييد حكم المنطوق بشرط بحيث يثبت نفيه عند انتفاء الشرط , مثال : قوله تعالى ( وان كن اولات حمل فأنفقوا عليهن ) ( الطلاق / 6 ) منطوق الآية يدل على وجوب الإنفاق على المطلقة الحامل ، ومفهوم الآية دل على أن النفقة لا تجب على المعتدة غير الحامل ، لأنه إذا تخلف الشرط تخلف الحكم كما هو الحال في الوصف .
أنواع الدلالة
الدلالة من الكتاب والسنة ثلاثة أقسام والمراد بالدلالة الدلالة اللفظية :
1 ـ دلالة المطابقة : وهي دلالة اللفظ على تمام ما وضع له كدلالة الصلاة على ما وضع لها في الشرع من الأركان والواجبات المعلومة .
2 ـ دلالة تضمن : وهي دلالة اللفظ على جزء ما وضع له كدلالة لفظ الصلاة على الركوع والسجود فإنها بعض الصلاة .
3 ـ دلالة التزام : وهي دلالة اللفظ على لازم المعنى الموضوع له اللفظ كالاستدلال بلفظ وأقيموا الصلاة على ستر العورة أو الطهارة أو استقبال الكعبة وهذه الأمور من شروط صحة الصلاة .(1/8)
( أقسام الدلالة من حيث المنطوق :
1 ـ المنطوق الصريح : وهو دلالة المطابقة ودلالة التضمن .
2 ـ المنطوق الغير صريح : وهو دلالة الالتزام وهو ثلاثة أقسام :
1 ـ دلالة الاقتضاء : وهي دلالة الكلام على معنا لا يستقيم الكلام إلا بتقديره كقوله تعالى ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) ( البقرة / 184 ) أي فافطر فعدة من أيام أخر لان القضاء لا يلزم بمجرد المرض أو السفر بل لا بد من الفطر .
2 ـ دلالة الإيماء والتنبيه : وهو أن يقترن بالحكم وصف لو لم يكن هذا الوصف تعليلا لهذا الحكم لكان ذكره حشوا في الكلام لا فائدة منه كقوله تعالى ( إن الأبرار لفي نعيم ) ( الانفطار / 13 ) أي بمعنى أنهم لبرهم سيجزون النعيم .
3 ـ دلالة الإشارة : وهو أن يدل اللفظ على معنا ليس مقصودا في الاصل ولكنه لازم للمعنى الذي سيق الكلام من اجله كقوله تعالى ( احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) ( البقرة / 187 ) فلفظ الآية يدل على إباحة إتيان الزوجة ليلة الصيام أي في وقت الليل حتى أخر جزء منه ويستفاد من ذلك صحة صوم من أصبح جنبا وهذا المعنى غير مقصود من سياق الآية .
الاصل في الأمر والنهي
( الاصل في أوامر الكتاب والسنة تقتضي الوجوب إلا إذا دل دليل على الاستحباب أو الإباحة .
مثال الوجوب : قوله تعالى : ( ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) ( الأحزاب / 36 ) والمعنى أن الله تعالى نفى خيرة المكلف عند سماع أمره أو أمر رسوله فلزم حمل الأمر على الوجوب .
مثال الاستحباب : قوله ( ص ) : ( صلوا قبل المغرب ، قال في الثالثة لمن شاء ) ( البخاري / 1182 ) فقوله لمن شاء قرينة على أن الأمر ليس للوجوب .
مثال الإباحة : قوله تعالى : ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ) ( الجمعة / 10 ) لان هذا الأمر وقع بعد حظر فإذا زال الحظر رجع إلى حالته قبله وهو الإباحة .(1/9)
( النواهي تقتضي تحريم المنهي عنه إلا إذا دل دليل على أنها مصروفة إلى غيره من الكراهة .
مثال النهي : قوله ( ص ) : ( لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها ) ( مسلم / 972 ) , فهذا نهي يقتضي تحريم الصلاة إلى القبور أو الجلوس عليها , إذ لا صارف له إلى الكراهة .
مثال النهي المصروف إلى الكراهة : قوله ( ص ) : ( لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ) ( البخاري / 153 ) فالنهي عن مس الذكر باليمين محمول على الكراهة والدليل الصارف قوله ( ص ) عن الرجل يمس ذكره أعليه وضوء قال ( لا إنما هو بضعة منك ) ( الترمذي / 85 ) أي أن النهي نهي كراهة لا نهي تحريم .
الحقيقة والمجاز
الحقيقة : هي اللفظ المستعمل في ما وضع له ، مثل كلمة ذئب في الحيوان المفترس .
المجاز : هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له , لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي مثل رأيت أسدا يرمي أي رجلا شجاعا .
( لا يصار إلى المعنى المجازي إذا أمكن المعنى الحقيقي ، لان الاصل في الكلام الحقيقة فلا يعدل به إلى المجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة ، ولان الحقيقة أصل والمجاز فرع عنه ، إلا إذا تعذر حمل الكلام على الحقيقة فانه يصار إلى المجاز ، لان إعمال الكلام خير من إهماله .
مثال 1 : والله لأكلن من هذه الشجرة فان المراد هو ثمرها لا من خشبها لتعذر ذلك .
مثال 2 : قوله تعالى : ( أو جاء احد منكم من الغائط ) ( النساء / 43 ) فالمعنى الحقيقي لكلمة الغائط المكان المنخفض من الأرض تقضى فيه الحاجة رغبة في التستر ، ثم نقل هذا المعنى وصار يطلق على الفضلة الخارجة من الإنسان ، فحمل اللفظ على حقيقته متعذر لان مجرد المجيء من تلك المواضع ليس بحدث ينقض الوضوء ويوجب الطهارة , فتعين حمله على المعنى المجازي وهو الخارج من السبيلين .
أنواع الحقائق :
1 ـ الشرعية : هي التي يعرف حدها بالشرع كلفظ الإسلام والإيمان والكفر والنفاق والصلاة والزكاة .(1/10)
2 ـ اللغوية : هي التي يعرف حدها باللغة كالشمس والسماء والأرض والقمر .
3 ـ العرفية : هي التي يعرف حدها بعرف الناس وعاداتهم كالبيع والنكاح والدرهم والدينار .
( ما حكم به الشرع وبين معناه وجب الرجوع فيه إلى المعنى الشرعي كلفظ الصلاة فان معناها الشرعي الأقوال والأفعال المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم .
( ما حكم به الشرع ولم يحده اكتفاءا بظهور معناه اللغوي وجب الرجوع فيه إلى اللغة كحكم قطع اليد حكم به الشرع لكن لم يبين حد القطع وكذلك اللحية حكم بها ولم يبين حدها فيرجع في ذلك إلى المعنى اللغوي .
( إذا لم نجد للفظ حد في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه إلى عادة الناس وعرفهم مثل السفر والحيض ومقدار الإطعام في كفارة اليمين .
العام والخاص
العام : هو اللفظ الشامل لأجناس أو أنواع أو أفراد كثيرة .
الأجناس : مثل قوله تعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم ) ( النساء / 1 )
الأنواع : مثل قوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء ) ( النساء / 34 )
الأفراد الكثيرة : مثل قوله تعالى ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ) ( الأحزاب / 35 )
الخاص : ما دل على بعض الأجناس كانسان أو بعض الأنواع مثل هذا رجل أو بعض الأفراد مثل حضر علي ( للعام مع الخاص حالتان :
1 _ عند عدم وجود تعارض بين العام والخاص عمل بكل منهما : أي انه إذا ورد الخاص بحكم العام فلا يخصص العام به , مثل قوله ( ص )( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا )( البخاري / 335 ) فهذا حديث في جميع أنواع الأرض من تراب ورمل وحجر , وقوله ( ص )( جعلت تربتها لنا طهورا اذا لم نجد الماء )
(مسلم / 1522 ) فهذا حديث خاص بالتراب فلا يخصص الحديث الثاني الحديث الأول فيقال باشتراط التراب في التيمم بل يبقى الحديث الأول على عمومه , فيجوز التيمم بكل أنواع الأرض والثاني على خصوصه لان التراب فرد من أفراد الأرض والحكم فيها واحد , وفائدة ذكر الخاص مع دخوله في العام(1/11)
إما بيان عدم تخصيصه أو تفخيمه أو إثبات مزيته على غيره حيث افرد في نص مستقل .
2 ـ عند وجود تعارض بين العام والخاص خصص العام بالخاص : وذلك إذا كان للخاص حكم يخالف حكم العام فيخصص العام به .
التخصيص : هو إخراج بعض أفراد العام بدليل متصل أو منفصل .
الدليل المتصل : يخصص العام بالخاص في أية واحدة وله ثلاث حالات , الاستثناء , والشرط , والصفة .
الاستثناء : كقوله تعالى ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبل لهم شهادة أبدا و أولئك هم الفاسقون , إلا الذين تابوا بعد ذلك وأصلحوا فان الله غفور رحيم )( النور / 4 , 5 ) فهذا الاستثناء ( إلا الذين تابوا ) اخرج التائبين من عموم الآية فكل القذفة فاسقون إلا التائبون فيبقى وصف الفسق في غير التائب منهم .
الشرط : كقوله تعالى( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة )( النساء / 101 )
فقصر الصلاة مشروط بالضرب وهو السفر , فمن لم يسافر ليس له أن يقصر الصلاة .
الصفة : كقوله (ص )( من باع نخلا مؤبرا فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ) ( البخاري / 2204 )
فقوله ( مؤبرا ) صفة للنخل وهي مخصصة لعموم النخل ومفهومها أن النخل إن لم تؤبر وقت البيع فثمرتها للمشتري .
الدليل المنفصل : يخصص العام بالخاص في آيتين منفصلتين أو أية وحديث , كقوله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء )( البقرة / 228 ) خص قوله تعالى ( يا أيها الذين امنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها )( الأحزاب / 49 ) , الدال على أن الغير مدخول بها ليس عليها عدة .
المطلق والمقيد
المطلق : هو اللفظ الدال على فرد غير معين مثل طالب أو أفراد غير معينين مثل طلاب .
المقيد : هو اللفظ الدال على فرد غير معين أو أفراد غير معينين , مع اقترانه بصفة تحدد المراد منه , مثل طالب مجتهد , طلاب مجتهدين .(1/12)
حكم المطلق : يعمل به على إطلاقه حتى يثبت تقييده ، كقوله تعالى ( وأمهات نسائكم )( النساء / 23 )
مطلق لم يقيد بالدخول فيعمل به على إطلاقه وتحرم أم الزوجة بمجرد العقد على البنت سواء دخل بها
أم لم يدخل .
حكم المقيد : كقوله تعالى ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا )( المجادلة / 4 )
فجاء الصيام مقيدا بالتتابع وبكونه قبل التماس ، فيعمل به على تقييده بهذين القيدين .
( والمقيد إما بوصف أو بقيد معتبر .
1 ـ المقيد بوصف : كما في المثال السابق .
2 ـ المقيد بقيد معتبر : ( التقيد بالغاية ) كقوله تعالى ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ( البقرة / 187 )
فالصوم مقيد بغاية وهي الليل .
تحميل المطلق على المقيد : أي إذا ورد اللفظ مطلقا في نص ومقيدا في نص أخر , حمل المطلق على المقيد
إذا كان حكمهما واحد , كقوله تعالى ( حرمت عليكم الميتة والدم )( المائدة / 3 ) فجاء الدم مطلقا في
هذه الآية , وقوله تعالى ( إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا )( الأنعام / 145 ) فقيد الدم بالمسفوح في
هذه الآية فيحمل المطلق على المقيد لاتحاد الحكم وهو تحريم الدم فلا يحرم إلا الدم المسفوح وهو الجاري .
المجمل والمبين
المجمل : ما يتوقف فهم المراد منه على غيره إما في تعيينه أو بيان صفته أو مقداره .
أسباب الإجمال :
1 ـ عدم تعيين المراد منه : إما لكون :
1 ـ اللفظ مشترك بين معنيين أو أكثر , مثل لفظ ( القرء ) في قوله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء )( البقرة / 238 ) فان القرء لفظ مشترك بين الحيض والطهر فيحتاج في تعيين احدهما إلى دليل . 2 ـ أو لغرابة اللفظ في قوله تعالى ( القارعة , ما القارعة )( القارعة / 1 , 2 ) بين الله معناه بقوله تعالى
( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث )( القارعة / 4 ) .
2 ـ عدم معرفة الصفة : كقوله تعالى ( وأقيموا الصلاة )( البقرة / 43 ) فان كيفية إقامة الصلاة مجهولة تحتاج إلى بيان .(1/13)
3 ـ عدم معرفة المقدار : كقوله تعالى ( واتوا الزكاة )( البقرة / 43 ) فان مقدار الزكاة مجهول يحتاج إلى بيان .
المبين : هو ما يفهم المراد منه إما بأصل الوضع , مثل : سماء , ارض , باب , أو بعد التبيين , كقوله تعالى
( وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة ) ( البقرة / 43 ) , فان الإقامة والإتيان كل منهما مجمل ولكن الشارع
بينهما فصار لفظهما مبينا بعد التبيين .
المحكم والمتشابه
المحكم : ما اتضح معناه وتبين والذي ليس فيه اختلاف .
المتشابه : ما خفي معناه ويكون في موضع كذا وموضع كذا , وهو نوعان :
1 ـ متشابه نسبي : يخفى على احد دون احد . كقوله تعالى( يضل من يشاء ويهدي من يشاء )
(فاطر / 8 ) فقد تشتبه هذه الآية على من يظن أن هداية الله تعالى وإضلاله ليس لها سبب فنجد أية أخرى تكشف هذا الاشتباه و تجليه في قوله تعالى ( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام )( المائدة / 16 ) وقوله تعالى ( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة أنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون
أنهم مهتدون ) ( الأعراف / 30 ) .
2 ـ متشابه مطلق : يخفى على كل احد , مثل صفات الله فهي من قبيل المتشابه لا يعلمه إلا الله وأما معانيها فهي واضحة لا خفاء فيها وأيضا مثل حقائق ما اخبر الله به من نعيم الجنة وعذاب الآخرة .
النسخ والتعارض بين الأدلة
النسخ : رفع حكم شرعي عملي أو لفظي بدليل شرعي متأخر عنه .
( النسخ ثابت في الكتاب والسنة لقوله تعالى ( ما ننسخ من أية أو ننسها نأت بخير منها )
( البقرة / 106 ) , وللنسخ ثلاث حالات :
1 ـ نسخ الحكم دون اللفظ : مثل آيتا المصابرة في قوله تعالى في الآية الأولى ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) ( الأنفال / 65 ) نسخ حكمها بقوله تعالى ( فان يكن منكم مئة صابرة
يغلبوا مائتين ) ( الأنفال / 66 ) , وفائدة اللفظ الباقي هو ثواب قراءته .(1/14)
2 ـ نسخ اللفظ دون الحكم : مثل أية الرجم المنسوخة لفظا الباقية حكما بالدليل الثابت في السنة من حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : كان فيما انزل الله أية الرجم فقراناها وعقلناها ووعيناها ورجم رسول الله ( ص ) ورجمنا بعده فأخشى أن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة انزلها الله وان الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء وقامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ) ( البخاري / 6441 / مسلم / 1961 ) ,
والحكمة من نسخ اللفظ دون الحكم اختبار الأمة في الأحكام التي لا لفظ لها بالقران .
3 ـ نسخ اللفظ والحكم معا : مثل أية العشر رضعات المنسوخة حكما ولفظا بدليل حديث عائشة رضي الله عنها , قالت ( كان فيما انزل الله من القران عشر رضعات معلومات يحرمن , ثم نسخن بخمس رضعات معلومات ) ( مسلم / 1452 ) والحكمة من نسخ اللفظ والحكم معا هو معرفة التدرج في الأحكام الشرعية
طرق درء التعارض
1 ـ الجمع بين الدليلين : لان الجمع فيه إعمال لكلا الدليلين , والنسخ فيه إلغاء لأحدهما , والجمع هو بيان التوافق والإتلاف بين الأدلة , مثال ذلك قوله تعالى لنبيه (ص )( وانك لتهدي إلى صراط مستقيم )( الشورى / 52 ) , وقوله ( انك لا تهدي من أحببت )( القصص / 56 )
والجمع بينهما أن الآية الأولى يراد بها هداية الدلالة إلى الحق وهذه ثابتة للرسول ( ص ) , والآية الثانية يراد بها هداية التوفيق للعمل وهذه بيد الله تعالى لا يملكها الرسول ( ص ) ولا غيره .
2 ـ العدول إلى النسخ وللنسخ شرطان :
1 ـ وجود نص من الشارع على أن هذا متقدم وهذا متأخر فينسخ المتقدم المتأخر .
2 ـ تعذر الجمع بين الدليلين , ومثال الشرط الأول والثاني :
حديث النبي ( ص )( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها )( مسلم / 977 ) .(1/15)
3 ـ الترجيح عند عدم معرفة المتقدم والمتأخر : وهو تقديم احد الدليلين لوجود ميزة معتبرة تجعل العمل
به أولى , ومثاله قوله ( ص )( من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ )( أبو داوود / 181 ) وحديث أن
النبي ( ص ) سئل عن الرجل يمس ذكره أعليه وضوء ( قال لا إنما هو بضعة منك )( الترمذي / 85 )
فالحديث الأول مرجح لوجوه : أولا : لان العمل به أحوط ، ثانيا : لأنه أكثر طرقا ومصححيه أكثر .
تعارض قول النبي ( ص ) وفعله
( إذا تعارض قول النبي ( ص ) وفعله قدم فعله على قوله لأنه أمر أو نهي للأمة , أما الفعل فيحمل على الخصوصية له . مثال قوله ( ص ) من حديث أبي هريرة ( نهى النبي ( ص ) عن الوصال فقال رجل من المسلمين فانك يا رسول الله تواصل فقال ( ص ) وأيكم مثلي أني أبيت يطعمني ربي ويسقيني )
( البخاري / 1965 )
( إن لم يوجد دليل على الخصوصية للنبي ( ص ) لم يحكم بها لان الاصل التأسي بالنبي ( ص ) ومشاركة الأمة له في الأحكام إلا ما دل الدليل على الخصوصية .
( إذا أمر النبي ( ص ) أمرا وفعل خلافه أو نهى عن شي وفعله فإما :
1 ـ أن يكون الفعل مخصصا للقول . أي أن هنالك دليل على الخصوصية للنبي ( ص ) .
2 ـ أن يكون محمولا على بيان الجواز , مثاله حديث النزال بن سبرة قال ( أتي علي رضي الله عنه على باب الرحبة بماء فشرب قائما فقال إن ناسا يكره احدهم أن يشرب وهو قائما واني رأيت النبي ( ص ) فعل كما رأيتموني فعلت )( البخاري / 5615 ) , لان النهي عن شرب الماء قائما محمول على التنزيه .
3 ـ أو انه ناسخ للقول , مثاله حديث ابن عباس قال ( سقيت النبي ( ص ) من زمزم فشرب وهو قائم
( البخاري / 1637 ) , فالحديث متقدم لان الحادثة حدثت في حجة الوداع وهذا يقوي القول بالنسخ .
الأفعال والتقريرات النبوية(1/16)
( ما فعله النبي ( ص ) على وجه الطاعة والقربة والعبادة فهو مستحب ويشرع التأسي به على قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله , يقول الشيخ ( ما فعله النبي ( ص ) على وجه التعبد فهو عبادة يشرع التأسي
به فيه فإذا خصص زمانا أو مكانا بعبادة كان تخصيص تلك العبادة سنة )( مجموع الفتاوى / 10 / 409 )
مثاله حديث شريح ابن هانئ قال ( سالت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان يبدأ النبي ( ص ) إذا دخل بيته فقالت بالسواك ) ( مسلم / 254 ) .
( ما فعله النبي ( ص ) على وجه العادة مثل أكله ولباسه وكلامه ومشيه فهذا حكمه الإباحة والمشهور عند الأصوليين لا أسوة فيه لكن إذا كان لهذا الفعل هيئة مخصوصة وصفة معروفة كهيئة أكله ونومه فهذا يكون مشروعا ومستحبا .
( تقرير النبي ( ص ) وهو ترك الإنكار على ما علم به من قول أو فعل فحكمه الإباحة وقد يفيد الوجوب والاستحباب من دليل أخر , مثاله حديث انس بن مالك رضي الله عنه قال ( سئل وهو غاد إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله ( ص ) فقال كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه ) ( البخاري / 1659 )
القواعد الفقهية
( القواعد الفقهية منها ما هو نص دليل شرعي كقوله ( ص )( لا ضرر ولا ضرار ) وأكثرها استنباط اجتهادي مثل اليقين لا يزول بالشك .
( الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية :
1 ـ موضوع القاعدة الفقهية هو أفعال المكلفين أما موضوع القاعدة الأصولية فهو أدلة الأحكام .
2 ـ القاعدة الفقهية يستفاد منها الحكم مباشرة أما القاعدة الأصولية فيستفاد منها الحكم بواسطة الدليل .
3 ـ القواعد الفقهية أغلبية أما القواعد الأصولية فهي كلية ليس لها استثناءات .
القاعدة الأولى(1/17)
( اليقين لا يزول بالشك : ومعنى القاعدة أن كل أمر ثبت بدليل قاطع أو بظن ظاهر فانه يحكم ببقائه على ما هو عليه ولا يزيله عن ذلك إلا يقين لا شك معه لان الأمر اليقيني لا يعقل أن يزيله ما هو اضعف منه بل ما كان مثله أو أقوى ودليل القاعدة حديث عبد الله بن زيد انه شكا إلى رسول الله ( ص ) الرجل الذي يخيل إليه انه يجد الشيء في الصلاة فقال ( ص ) ( لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا )
( البخاري / 137 ) .
( هذه القاعدة لها من السعة والشمول لقواعد أخرى تندرج تحتها جزئيات كثيرة ومن هذه القواعد :
1 ـ الاصل الطهارة في كل شيء , مثل الأصل في المياه والأراضي والثياب والأواني الطهارة حتى يتيقن زوال أصله بطروء النجاسة عليها فإذا شك في إناء أصابه نجاسة أم لا فالأصل هو طاهر , والأصل الإباحة
إلا ما دل الدليل على نجاسته أو تحريمه ، مثل الاصل في الأطعمة والاشربة الحل إلا ما دل الشارع على
تحريمه كالميتة والدم ولحم الخنزير .
2 ـ براءة الذمم من الواجبات ومن حقوق الخلق حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك , مثل الاصل براءة الذمة من الواجبات الشرعية مثل الوتر ليس بواجب لعدم الدليل على وجوبه بعد طلبه , والأصل براءة الذمة من حقوق الخلق كالديون فمن ادعى على غيره حقا فلا بد من البينة فان لم يأتي ببينة تشهد له فعلى الأخر اليمين لكي ينفي ما ادعاه المدعي لقوله ( ص )( البينة على المدعي واليمين على من أنكر )
( البيهقي /10 / 252 ) .
3 ـ الاصل بقاء ما اشتغلت به الذمم من حقوق الله وحقوق عباده حتى يتيقن البراءة والأداء , هذه(1/18)
القاعدة مقابلة لما قبلها لان الأولى في استصحاب العدم وهذه في استصحاب الوجود , مثال إذا اشتغلت الذمة بحق الله كالصلاة أو كفارة أو حق لمخلوق كالدين أو ثمن مبيع فالأصل بقاء ذلك في الذمة حتى يحصل اليقين ببراءة الذمة من حق الله أو حق عباده , مثاله إذا سئل شخص أصلى الظهر أم لا فلا بد أن يبرئ ذمته لان الاصل بقاء الصلاة في ذمته وإذا استدان من شخص مالا فالأصل انه باق في ذمته حتى يتيقن الأداء .
القاعدة الثانية
( المشقة تجلب التيسير : دليل هذه القاعدة قوله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )
(البقرة / 185 ) , وقوله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ( الحج / 78 ) .
( المراد بالمشقة في هذه القاعدة هي التي لا يمكن للمكلف أن يستمر على تحملها والمداومة عليها بحيث تؤدي إلى وقوع الضرر أو الأذى في المال والنفس , أما المشقة المعتادة المقدور عليها ويمكن للمكلف المداومة عليها فلا يتعلق بها التخفيف مثل الوضوء بالماء البارد في الشتاء والجوع في رمضان والتعب في مناسك الحج .
( هذه القاعدة تدخل تحتها رخص السفر من الفطر والقصر كما يدخل تحتها التخفيف في العبادات .
القاعدة الثالثة
( لا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة : هذه القاعدة تتكون من جزئين :
الجزء الأول : لا واجب مع العجز : ودليله قوله تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم )( التغابن / 16 )
وقوله تعالى( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )( البقرة / 286 ) .
( من شروط الفعل المكلف به أن يكون ممكنا ومقدورا عليه لان المطلوب شرعا حصول الفعل المأمور به فإذا عجز المكلف عن العبادة سقطت عنه كالصيام للكبير الذي لا يطيقه وللمريض الذي لا يرجئ برؤه .
( من عجز عن بعض العبادة سقط عنه ما عجز عنه وبقي ما يقدر عليه , مثال : إذا عجز عن المصافة
لكونه لم يجد مكانا في الصف صحت صلاته منفردا خلف الصف , مثال أخر : من عجز عن تغيير المنكر(1/19)
بيده لم يسقط عنه التغيير بلسانه .
( ما أمر به العبد أمر إيجاب أو أمر استحباب كله مقيد بالاستطاعة أما ما نهي عنه العبد فليس مقيد بالاستطاعة لان النهي طلب كف النفس وهو مقدور عليه .
الجزء الثاني : لا محرم مع الضرورة : ودليله قوله تعالى ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم )( البقرة / 173 ) , مثال : المنقطع في الصحراء الذي يضطر إلى أكل الميتة أو شرب الماء النجس فلا إثم عليه في ذلك .
( الضرورات تبيح المحظورات : ومعناها أن الاضطرار يبيح المحرم وضابط ذلك أن يطرأ على الإنسان
حالة من الخطر أو المشقة الشديدة التي لا يحتملها جنس بني ادم .
( المحظورات نوعان :
1 ـ راتبة : مثل : الميتة والخمر والماء النجس .
2 ـ عارضة : التي يكون تحريمها عارضا بسبب , مثل : محظورات الإحرام كان يحتاج لحلق الرأس
فله إن يحلق رأسه ويفدي .
( الضرورة تقدر بقدرها : ومعناها أن الاضطرار يبيح المحظور بقدر ما يدفع الخطر ولا يجوز الاسترسال ومتى زال الخطر عاد الحظر ، مثال : جواز كشف الطبيب عورات الأشخاص إذا توقفت مداواتهم على ذلك ويكشف الطبيب عن العورة بقدر ما تحتاج إليه المداواة .
القاعدة الرابعة
( الأمور بمقصدها : ودليلها قوله ( ص )( إنما الأعمال بالنيات )( البخاري / 1 ) , ومعنى القاعدة انه يحكم على فعل العبد من خلال النظر إلى مقصده ونيته لذا ألغى الشارع الألفاظ التي لا يقصدها المتكلم .
مثال : قوله تعالى ( من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار )( النساء / 12 ) فهو نص على أن شرط تنفيذ الوصية وقضاء الدين أن يكون الميت لم يقصد مضارة الوراثة فان قصد ذلك بان أمر بدين وليس عليه دين وإنما حسدا للورثة وبغضا لهم لم تنفذ الوصية ولم يقضى الدين وتقسم التركة كلها على الورثة .
( من فروع هذه القاعدة :
1 ـ طلاق السكران والمجنون لا يقع لعدم علمهما بما يقولان .(1/20)
2 ـ الاغتسال للتبرد مباح لا ثواب فيه لكن مع قصد التقوي به على الصلاة وقراءة القران أثيب عليه .
3 ـ اخذ آلات اللهو بقصد كسرها وإشهارها يختلف عما إذا أخذت للسرقة .
4 ـ اخذ اللقطة بقصد حفظها وتعريفها فهو أمين لا ضمان عليه لكن إذا أخذها بقصد تملكها فهو
غاصب وعليه الضمان إذا تلفت .
( يدخل تحت هذه القاعدة تحريم الحيل : مثال : إذا طلق المرض مرض الموت زوجته تحايلا عليها ورغبة
في حرمانها من الميراث فهو غير نافذ شرعا بناءا على هذه الحيلة المحرمة .
( ويدخل تحت هذه القاعدة انصراف ألفاظ الكنايات إلى الصرائح .
الكنايات : هي الألفاظ التي استتر المعنى المراد به فلا يفهم إلا بقرينة .
الصرائح : هو اللفظ الذي ظهر معناه ظهورا تاما لكثرة استعماله .
(اللفظ الصريح لا يحتاج إلى نية فلو قال لزوجته أنت طالق , حصل الطلاق بمجرد التلفظ به .
أما الكناية كأن يقول لزوجته اذهبي لأهلك فانه يختلف الحكم باختلاف قصد المتكلم ونيته فان قصد
الطلاق وقع وان قال قصدت مجرد الزيارة فانه يصدق بدعواه لان غير الصريح لا يعطى حكمه إلا بالقصد .
القاعدة الخامسة
( اختيار أعلى المصلحتين وارتكاب اقل المفسدتين عند التزاحم وعند التكافؤ درء المفاسد أولى من جلب المصالح ، المصلحة : هي ما فيه جلب منفعة أو دفع مضرة .
المفسدة : هي كل ما يضر بالناس في دينهم ودنياهم أفرادا كانوا أو جماعات .
( عظم هذه القاعدة هو تحصيل المصالح وتكميلها ودفع المفاسد وتقليلها وعلى هذا مبنى الشريعة .
( لهذه القاعدة عدة حالات :
الحالة الأولى : اختيار أعلى المصلحتين عند التزاحم وعند عدم القدرة على الجمع بينهما :
مثال 1 : شخص اجتمع عليه واجب كدين ومستحب كنفقة مستحبة فالمقدم قضاء الدين لأنه واجب وهكذا إذا اجتمع عليه واجبان اختار أوجبهما وإذا اجتمع علية مسنونان اختار أفضلهما .(1/21)
مثال 2 : حديث الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي ( ص )( يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم ( بالكفر ) لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين باب يدخل الناس وباب يخرجون )( البخاري / 126 )
فنقض الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم عليه السلام هذه مصلحة وتأليف قلوب كفار قريش بسبب قرب عهدهم بالكفر مصلحة أيضا فاختار ( ص ) أعلى المصلحتين .
الحالة الثانية : اختيار اخف المفسدتين إذا اجتمعتا :
ودليل ذلك حديث انس رضي الله عنه قال ( جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي
( ص ) فلما قضى بوله أمر النبي ( ص ) بذنوب من الماء فأهريق عليه )( البخاري / 219 ) .
المفسدة الأولى : بول الرجل في المسجد وكذلك الاستمرار عليه .
المفسدة الثانية : قيام الرجل من بوله دون إكماله .
فنهي النبي ( ص ) عن زجر الرجل وحلوله بين الناس وبين الرجل لإكمال بوله هو اختيار للمفسدة
الأولى لأنها الأخف من عدة وجوه :
1 ـ تضرر الرجل بقطع بوله واحتباسه
2 ـ كما انه يؤدي إلى تلوث ثيابه وبدنه
3 ـ وأيضا يؤدي إلى تلوث مكان اكبر من المسجد .
مثال 2 : من اضطر إلى وطئ إحدى زوجتيه الصائمة والحائض اختار الصائمة لأنها اخف ولان الفطر يجوز للغير كفطر الحامل والمرضع .
الحالة الثالثة : تقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة :
مثال : قوله تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم )( الأنعام / 108 )
فسب آلهة المشركين مصلحة لان فيها تصغير لألهتهم واهانتها لكن المفسدة المترتبة عن سب آلهة المشركين هي سبهم لله عدوا وكفرا على وجه المقابلة , فدرة المفسدة المترتبة أولى من جلب المصلحة .
القاعدة السادسة
( لا تتم الأحكام إلا بوجود شروطها وانتفاء موانعها :(1/22)
الشرط : ما يتوقف وجود الشيء على وجوده ولا يكون هو جزءا من ذلك الشيء ولا يلزم من وجوده وجود الشيء ولكن يلزم من عدمه عدمه ، مثل : الوضوء شرط لصحة الصلاة وليس جزء من نفس الصلاة ولا يلزم من وجوده وجود الصلاة فقد يوجد الوضوء ولا توجد الصلاة كأن يكون الوقت وقت نهي .
المانع : وهو الوصف الذي يترتب على وجوده عدم ترتب الحكم على سببه وان تحقق السبب وتوفرت الشروط , مثل : الأبوة : أي أن يكون القاتل أبا للمقتول فهي مانعة من إيقاع حكم القصاص على الوالد
إذا قتل ابنه عمدا وان تحققت شروط القصاص بدليل قوله (ص)( لا يقاد والد بولده )( الترمذي / 1400)
( إذا فقد شرط أو وجد شرط وقام مانع فانه لا يتم الحكم ولا تترتب عليه عبادة كان أو عقدا أو حقا من الحقوق , مثل : من صلى بلا طهارة أو قبل دخول الوقت لم تصح الصلاة لفقد الشرط , ومن باع شيئا لا يملكه أو لا يحق له التصرف فيه لم ينفذ البيع .
( وكذا إذا وجد مانع فان الحكم لا يتم أيضا , مثل : شخص تطوع بنفل في وقت النهي فصلاته لا تصح.
( وشروط الأحكام وموانعها تعرف بالتتبع والاستقراء الشرعي وبالتتبع تحصر العبادات وواجباتها وشروط المعاملات وموانعها .
( والشرط الشرعي هو ما تتوقف عليه صحة العبادة أو المعاملة , والصحة في العبادة براءة الذمة وسقوط الطلب , والصحة في المعاملة ما ترتبت أثاره على وجوده .
القاعدة السابعة
( الحكم يدور مع علته ثبوتا وعدما : هذه القاعدة تتعلق بباب القياس ومعناها أن العلة كلما وجدت وجد الحكم معها وكلما فقدت فقد الحكم معها , كوجوب التحريم عند وجود الاسكار في شرب الخمر وزوال التحريم عند زوال الاسكار كما لو تحول الخمر إلى خل .
( إذا كان للحكم عدة علل لم يلزم انتفاء الحكم إذا انتفى احدها , مثل نقض الوضوء له عدة علل كالبول والغائط والنوم فقد ينقض الوضوء لعلة البول من انتفاء علة النوم والعكس صحيح .
القاعدة الثامنة(1/23)
( 1 ـ الاصل في العبادات الحظر إلا ما ورد عن الشارع تشريعه :
2 ـ الأصل في العادات الإباحة إلا ما ورد عن الشارع تحريمه :
الاصل الأول : ودليله قوله تعالى ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )( الشورى / 21 )
وقوله ( ص )( من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )( البخاري / 2697 ) , لان العبادة ما أمر به الشرع أمر إيجاب أو أمر استحباب فما خرج عن ذلك فليس بعبادة بل هو بدعة والبدعة في العبادة قسمان :
1 ـ ابتداع عبادة لم يشرعها الله ورسوله وليس لها أصل في الدين كأذكار أو صلوات ليس لها أصل في الشرع والنداء لصلاة العيد أو الاستسقاء والتقرب لله عز وجل بسجدة منفردة بعد الصلاة كما تفعله
بعض الطوائف المنحرفة .
2 ـ ابتداع على وجه التغيير لعبادة شرعها الله ورسوله كالذكر الجماعي أو التكبير الجماعي أو الزيادة
على ثلاث في الوضوء أو التلحين في الأذان .
الاصل الثاني : ودليله قوله تعالى ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) ( البقرة / 29 )
وقوله تعالى ( قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق )( الأعراف / 32 ) ,
والعادة : ما استقر في الأنفس السليمة و الطبائع المستقيمة من معاملات سواء كانت مع النفس أو الخلق
مثل عادة الناس في المأكل والملبس والمشرب والمعاملات والصنائع , ويدخل في ذلك المخترعات الحديثة
التي فيها منفعة للناس , وكما يدخل في ذلك ما زاده الناس من الزيادة في لفظ التحية والتهنئة بالعيد .
( ما حرمه الشارع فهو علينا حرام ولو تعارف الناس عليه وضابط ذلك مخالفته للشرع مثل إقامة مجالس العزاء أو الاقتراض من المصارف الربوية أو منكرات الأفراح أو لبس الرجال للذهب . ...
القاعدة التاسعة
( إذا وجدت أسباب العبادات والحقوق ثبتت ووجبت إلا إذا قارنها المانع :
السبب : هو الأمر الذي جعل الشارع وجوده علامة على وجود الحكم وعدمه علامة على عدم الحكم ,(1/24)
مثل : دخول وقت الصلاة سبب لوجود الصلاة .
( هذه القاعدة ليست تكرارا للقاعدة السادسة لان المانع هنا يراد به مانع السبب و في القاعدة السادسة يراد بالمانع مانع الحكم .
( مانع السبب هو الوصف الذي يلزم من وجوده تحقق السبب , مثل : الدين في الزكاة , فالسبب هو ملك النصاب , والحكم هو وجوب الزكاة , والدين مانع من وجوب الزكاة ولو وجد السبب وهو ملك النصاب , لان تخليص ذمة المدين أولى من مواساة الفقراء .
القاعدة العاشرة
( الواجبات تلزم المكلفين :
المكلف : هو الشخص الذي يتعلق به خطاب الشارع ومن شروط التكليف البلوغ و العقل والبلوغ يكون بالاحتلام عند الرجال و الحيض عند النساء ودليل هذا ما قاله ( ص )( رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل ) ( الترمذي / 1423 ) .
( ضمان الأشياء المتلفة تجب على المكلفين وغيرهم كالصبيان والمجانين لان هذا ليس من خطاب التكليف وإنما هو من باب ربط الأحكام بأسبابها وذلك لتحقيق العدل بين الخلق ورعاية مصالح العباد .
( تجب العبادات الخاصة على من اتصف بصفات من وجبت عليه تلك العبادات الخاصة بأسبابها , مثل :
الزكاة فهي لا تجب على كل مكلف ما لم يتصف بسببها وهو ملك النصاب .
( لا يؤاخذ الناسي والجاهل من جهة الإثم أما من جهة الضمان في المتلفات فعليهما الضمان لقوله ( ص )
( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) ( ابن ماجة / 2045 ) .
مثال 1 : لو نسي إنسان صلاته فلا إثم عليه لكن يجب عليه قضاؤها إذا تذكر لقوله ( ص )( من نسي صلاة فليصلي إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) ( البخاري / 572 ) .
مثال 2 : لو أن رجلا استودع أمانة فتركها في موضع فنسيها فذهبت عليه وجب عليه الضمان لقوله تعالى :
( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) ( النساء / 58 ) .
قول الصحابي(1/25)
الصحابي : من اجتمع مع النبي ( ص ) مؤمنا ومات على الإيمان , والصحبة مقيدة بشرطين :
1 ـ حالة الاجتماع مع النبي ( ص ) مؤمنا : ويخرج من اجتمع به أو رآه وهو كافر كأبي جهل ,
وان امن ولم يجتمع به فليس بصحابي كالنجاشي .
2 ـ أن يموت على الإيمان : ومن ارتد ثم عاد وتاب قبل موته فهو صحابي كالأشعث بن قيس ومن
مات على ردته فليس بصحابي كعبد الله بن خطل .
(حجية قول الصحابي لها ثلاث أوجه :
1 ـ إذا اشتهر قوله ولم ينكر فهو إجماع وهو من الإجماع السكوتي وهو موضع خلاف عند علماء الأصول
2 ـ إذا لم يشتهر قوله ولم يخالفه غيره وهذا محل نزاع , وعلى الأظهر انه حجة لكن ليس ملزما كنصوص الكتاب والسنة إنما هو قول يؤخذ به حيث لا دليل من الكتاب و السنة والإجماع لان اخذ أقوال الصحابة أولى من اجتهاد من جاء بعدهم لأنهم اقرب إلى الصواب لبركة الصحبة والتحلي بالهدي النبوي ولأنهم حملة الشرع وأئمة الهدى .
3 ـ إذا خولف قول صحابي بقول صحابي أخر فقوله ليس بحجة عند جميع الفقهاء لأنه لا مرجح
لأحدهم على الأخر وان وجد مرجح كان العمل بالدليل لا بقول الصحابي , مثال : ما ورد عن عمر وعلي وابن عباس والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم يرون قتل الجماعة بواحد , وابن الزبير لا يرى ذلك فيرجح الأول لقوله تعالى ( ولكم في القصاص حياة ) ( البقرة / 179 ) .
( يتبين لنا أن حجية قول الصحابي لها شرطان :
1 ـ أن لا يعارضه ما هو أقوى منه من نص أو ما في معناه .
2 ـ أن لا يخالفه صحابي أخر .
مسائل أصولية من عدة أبواب
من مسائل الأمر والنهي
1 ـ الأمر بالشيء نهي عن ضده .
2 ـ النهي عن شيء أمر بضده .
3 ـ النهي يقتضي الفساد إلا إذا دل الدليل على الصحة .
4 ـ الأمر بعد الحظر يرجع إلى ما كان عليه قبل الحظر .
5 ـ النهي يقتضي الفور وهذا يقتضي بالكف عند سماع النهي .
6 ـ الأمر يقتضي الفور وهو الشروع في الامتثال عند سماع الأمر .(1/26)
7 ـ الأمر لا يقتضي تكرار الفعل المأمور به إلا إذا علق على سبب .
حكم ما خير فيه المكلف
( الأشياء المخير فيها نوعان :
1 ـ أن يكون التخيير مقصودا به التسهيل على المكلف : فيكون التخيير تخيير رغبة واختيار كخصال
الكفارة من إطعام أو كسوة أو عتق .
2 ـ أن يكون المقصود من التخيير مصلحة الغير : فهو تخيير يجب فيه ما ترجحت مصلحته , مثل : تخيير ملتقط الحيوان بين حفظه والإنفاق عليه ليرجع إلى صاحبه إذا وجده وبين بيعه وحفظ ثمنه .
من مسائل العام والخاص
( ألفاظ العموم مثل : ( كل , وجميع , والمفرد المضاف , والنكرة في سياق النهي أو النفي أو الاستفهام
أو الشرط , والمعرف بال الدالة على الجنس أو الاستغراق ) كلها تقتضي العموم .
( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب : ومعناها انه إذا حدثت حادثة فورد في حكمها نص بلفظ عام
فان العبرة بهذا اللفظ العام ولا ينظر إلى السبب الخاص ولتوضيح ذلك له ثلاث حالات :
1 ـ أن يدل دليل على العموم فيعم إجماعا .
2 ـ أن يدل دليل على تخصيص العام بما يشبه حال السبب الذي ورد من اجله العام فيختص بما يشبهها
ولا يعمل به على عمومه .
3 ـ أن لا يدل الدليل على التعميم ولا على التخصيص فالراجح أن العبرة العمل بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
( ويراد بالخاص العام و يراد العكس لكن مع وجود القرائن الدالة على ذلك .
( خطاب الشارع لواحد من الأمة أو كلامه في قضية جزئية يشمل جميع الأمة وجميع الجزئيات إلا
إذا دل الدليل على الخصوص .
حكم ما نفاه الشارع
( حكم ما نفاه الشارع من عبادة أو معاملة إما لفسادها من أصلها مثل : قوله ( ص )( لا صام من صام الدهر )( البخاري / 1977 ) , أو لانتفاء بعض ما يلزم من الواجبات أو غيرها مثل : قوله ( ص )
( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )( البخاري / 756 ) , وذلك لان النفي قد يكون نفيا للوجود وقد يكون نفيا للصحة .(1/27)
( لا تنفى عبادة أو معاملة لنفي بعض مستحباتها ولا يحكم عليها بالفساد , مثل : لو ترك المصلي رفع يديه
أو اقتصر على الذكر مرة واحدة بدلا من ثلاث مما يعده الفقهاء من سنن الأقوال والأفعال .
المرجع في صيغ العقود إلى العرف
( تنعقد العقود وتنفسخ بكل ما دل على ذلك من قول أو فعل متعارف عليه : وهذا معلل بأمرين :
1 ـ أن الشرع ذكر العقود وليس لها حد في اللغة أو الشرع فيرجع إلى العرف .
2 ـ أن العقود ليست عبادات يتقيد الإنسان فيها بما ورد بل هي معاملات يرجع فيها إلى
ما تعارف الناس عليه .
طريقة تقرير الأحكام الشرعية والاجتهاد والتقليد
( مسائل الأحكام الشرعية قسمان :
1 ـ متفق عليها : ولها ثلاث مراتب :
1 ـ تصور المسالة وتصويرها : والتصور هو الإدراك والتصوير هو حصر الضوابط ووصفها للغير وصفا واضحا .
2 ـ إقامة الدليل عليها : وهو الاستدلال عليها بدليل من الكتاب والسنة .
3 ـ الحكم عليها : وهذا ثمرة الاستدلال .
2 ـ مختلف فيها : فهذه تحتاج إلى أربعة مراتب الثلاثة السابقة و الرابعة هي الجواب على دليل المنازع .
المجتهد : هو الفقيه الذي لديه القدرة على استفادة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية .
المستدل : هو من يطلب الدليل على حكم شرعي .
التقليد : قبول قول الغير من غير دليل أو إتباع من ليس قوله حجة .
( الطرق الدالة على معرفة من يصلح للفتوى ثلاث :
1 ـ الاشتهار فمن اشتهر بالعلم والدين فانه يستفتى .
2 ـ إخبار العدل أن فلانا يستفتى .
3 ـ الانتصاب للفتوى .
خاتمة
وفي الختام اسأل الله عز وجل أن يتقبل هذا العمل المتواضع خالصا لوجهه الكريم وراجيا إياه أن يجعله في ميزان حسناتي والله ولي التوفيق وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى اله وأصحابه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله تعالى بركاته .
لا تنسونا من صالح دعائكم
21 / رمضان / 1427
14 / 10 / 2006(1/28)