ثم قال الزركشي : فلو التزم مذهبا معينا كمالك والشافعي ، واعتقد رجحانه من حيث الإجمال ، فهل يجوز أن يخالف إمامه في بعض المسائل، ويأخذ بقول غيره من مجتهد آخر ؟ فيه مذاهب :
أحدهما : المنع، وبه جزم الجيلي في الإعجاز، لأن قول كل إمام مستقل بآحاد الوقائع ، فلا ضرورة إلى الانتقال إلا للتشهي ، ولما فيه من اتباع الترخص والتلاعب بالدين .
الثاني : الجواز ، وهو الأصح ، لأن الصحابة لم يوجبوا على العوام تعيين المجتهدين، لأن السبب، وهو أهلية المقلد للتقليد، عام بالنسبة إلى قوله، وعدم أهلية المقلد مقتض لعموم هذا الجواب، ووجوب الاقتصار على مفت واحد يخالف صيغة الأولين(1).
ثم قال: واعلم أنا حيث قلنا بالجواز، فشرطه أن يعتقد رجحان ذلك المذهب الذي قلد في هذه المسألة . وعلى هذا فليس للعامي ذلك مطلقا، إذ لا طريق له إليه.
الثالث: أنه كالعامي، الذي لم يلتزم مذهبا معينا، فكل مسألة عمل فيها بقول إمامه ليس له تقليد غيره، وكل مسألة لم يعمل فيها بقوله فلا مانع فيها من تقليد غيره.
الرابع: إن كان قبل حدوث الحوادث فلا يجب التخصيص بمذهب. وإن حدث وقلد إماما في حادثة ، وجب عليه تقليده في الحوادث التي يتوقع وقوعها في حقه. وهو اختيار إمام الحرمين ، لأنه قبل تقرير المذاهب ممكن، أما بعده فلا، للخبط وعدم الضبط .
الخامس : إن غلب على ظنه أن بعض المسائل على مذهب غير مقلده أقوى من مقلده جاز ، قاله القدوري الحنفي.
السادس: وهو اختيار ابن عبد السلام في القواعد، التفصيل بين أن يكون المذهب الذي أراد الانتقال عنه بما ينقض الحكم أولا. فإن كان الأول ليس له الانتقال إلى حكم يجب نقضه لبطلانه، وإن كان المأخذان متقاربين جاز التقليد والانتقال، لأن الناس لم يزالوا كذلك في عصر الصحابة إلى أن ظهرت المذاهب الأربعة.
السابع: واختاره ابن دقيق العيد ، وهو الجواز بشروط، وهي نفس الشروط التي ذكرها يحيى الزناتي من قبل.
ويظهر في كل ما تقدم أن الالتزام بمذهب معين ليس بواجب وليس في الشريعة نصوص تدل على هذا الوجوب . لكن العلماء خوفا من التلاعب بالدين وتقويض دعائم الشريعة ، والقضاء على سماحتها وحكمتها، حكموا بمنع التلفيق في التقليد، سدا للذريعة لما رأوا قلة الورع، واتباع الهوى. ومنهم من أجازه بكامل الاحتياط واشترط شروطا من شأنها أن تضمن المحافظة على حكمة الشريعة وسياستها .
وعلى هذا فإن إباحة التلفيق مطلقا خطير جدا ، ولاسيما في هذا العصر الذي تغلب فيه الهوى ، فضعف فيه الوازع الديني، وانحط فيه مستوى الالتزام بمبادئ الشريعة وأحكامها ، وكثر دعاة الإباحية والعلمانية والعقلانية . مع العلم أن غالب المتخرجين من أصحاب الشهادات لا يعتمدون على أصول صحيحة , وليس لهم تطلع بعلم الفروع ولا باع يمكنهم من الإفتاء في الدين .
وجميع هذه الاعتبارات لا يمكن أن تكون مبررا للقول بمنع التلفيق ، ومنع الناس من أن ينالوا من رفق الله تعالى وتيسيره بحظ، ولو لم يكن فيه مشقة . وعلى المستفتي إذا كان من أرباب العزائم، وتحمل المشاق، والمقتنع بأسرار الشريعة ومقاصدها، أن يفتي بالأحوط أخذا بالورع والكمال ما لم تحق به نازلة تقتضي التخفيف فإنه يفتي بالأخف عليه من كل مذهب خشية العجز عن التكليف، فيما إذا شدد عليه بالمنع من التلفيق ومع كونه خاليا من دليل من الكتاب والسُّنَّة، يؤيد القول بهذا المذهب، فهو في الآن نفسه يتنافى مع يسر الإسلام ومرونته، ولا يتلاءم مع حاجيات هذا العصر وتطور الحياة الاجتماعية، لأن القضايا الفقهية المتجددة لا يمكن لها أن تحل إذا تقيدنا بمذهب فقهي واحد. وهذا التقيد يقف حجر عثرة أمام المسلمين لأن تعدد المذاهب الفقهية رحمة لهذه الأمة، فلا مانع من أن نستفيد من آراء مختلف الفقهاء والمجتهدين لدفع الحرج والمشقة.
ثم إن كل طبقة من طبقات العوام تفتى بما يناسبها تشديدا أوتخفيفا وفاقا لمقتضى اتساع الشريعة وحكمتها، مع العلم أن مواطن المحظورات لا يسوغ للعلماء التلفيق بها ، سواء بالنسبة لهم أو لمن يستفتيهم ، إلا في مواطن الضرورة، إذ الضرورات تبيح المحظورات ، لكن ما أبيح للضرورة يتقدر بقدرها . وإنما لم يسغ التلفيق في المحظورات للقاعدة المقررة: إن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، وعلى قاعدة أنه ما اجتمع الحرام والحلال إلا غلب الحرام على الحلال.
أما المحظورات العائدة إلى حقوق العباد فمبناها صيانة الحق، ومنع الإيذاء. لذلك لا محل فيه للتلفيق لأنه ضرب من الاحتيال، والعدوان على الحق، وتطرق إلى إيذاء العباد. وذلك للحديث الوارد « لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ ».(2)وحديث « لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ».(3).
كما لا يجوز للمقلد أو المفتي أن يختار للفتوى أقوالا أو أفعالا من نوادر العلماء وشواذهم الذين لم تبن أقوالهم وآراؤهم على قواعد شرعية واضحة، وإنما حكم عليها من أول يوم بالضعف، وأجمعوا على عدم الاعتماد عليها.
4-الضابط في جواز التلفيق(4):
ونخلص إلى القول بأن ضابط جواز التلفيق وعدم جوازه هو: أن كل ما أفضى إلى تقويض دعائم الشريعة والقضاء على سياساتها وحكمتها فهو محظور.
وأما إذا كان التلفيق يؤيد دعائم الشريعة وما ترمي إليه حكمتها وسياساتها الكفيلتان بسعادة الدارين تيسيرًا عليهم في العبادات وصيانة لمصالحهم في المعاملات فهو مطلوب(5).
قال يحيى الزناتي والروياني : " يجوز تقليد المذاهب في النوازل والانتقال من مذهب إلى مذهب بثلاثة شروط :
1- أن لا يجمع بينهما على وجه يخالف الإجماع . مثاله : من تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود . فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد .
2- أن يعتقد فيمن يقلده الفضل بوصول أخباره إليه ولا يقلد أميًا في عماية .
3- أن لا يتتبع رخص المذاهب .
ثم قال : والمذاهب كلها مسالك إلى الجنة، وطرق إلى الخيرات فمن سلك منها طريقا وصله "(6).
ثم عقب على ذلك بقول غيره (الزناتي) : يجوز تقليد المذاهب في النوازل والانتقال إليها في كل ما لا ينقض فيه حكم الحاكم وهو أربعة :
ما خالف الإجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلي .
فإن أراد - رحمه الله - بالرخص هذه الأربعة فهو حسن متعين ، فإن ما لا نقره مع تأكده بحكم الحاكم فأولى أن لا نقره قبل ذلك...(7).
وإن أراد بالرخص : ما فيه سهولة على المكلف كيفما كان ، يلزمه أن يكون من قلد مالكًا في المياه والأرواث ، وترك الألفاظ في العقود - مخالفًا لتقوى الله تعالى وليس كذلك .
قال الإسنوي :وتعقب الأول : بأن الجمع المذكور ليس بضائر، فإن مالكًا لم يقل: من قلد الشافعي في عدم الصداق أن نكاحه باطل، وإلا لزم أن تكون أنكحة الشافعي عنده باطلة ،ولم يقل الشافعي : إن من قلد مالكًا في عدم الشهود أن نكاحه باطل، وإلا لزم أن تكون أنكحة المالكية بلا شهود باطلة.
قال الإسنوي : لكن في هذا التوجيه نظر غير خاف .
ووافق ابن دقيق العيد الروياني على اشتراط أن لا يجتمع في صورة يقع الإجماع على بطلانها، وأبدل الشرط الثالث، بأن لا يكون ما قلده فيه ممما ينقض فيه الحكم لو وقع.
واقتصر الشيخ عز الدين بن عبد السلام على اشتراطه قال: وإن كان المأخذان متقاربين جاز.
والشرط الثاني: انشراح صدره للتقليد المذكور وعدم اعتقاده لكونه متلاعبًا بالدين متساهلاً فيه .
دليل هذا الشرط : قوله - صلى الله عليه وسلم - « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ »(8). فهذا التصريح بأن ما حاك في النفس ففعله إثم، اهـ.
قال الإسنوي : أما عدم اعتقاد كونه متلاعبًا بالدين متساهلاً فيه فلا بد منه.
وأما انشراح صدره للتقليد فليس على إطلاقه ، وفي مسند أحمد بلفظ « يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِى الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ »(9).
قال الحافظ المتقن ابن رجب في الكلام على هذا الحديث مشيرًا للأول: إنه إشارة إلى أن الإثم ما أثر في الصدر حرجًا وضيقًا وقلقًا واضطرابًا فلم ينشرح له الصدر، ومع هذا فهو عند الناس مستنكر بحيث ينكرونه عند اطلاعهم عليه ، وهذا أعلى مراتب معرفة الإثم عند الاشتباه وهو ما استنكر الناس فاعله وغير فاعله.
ومن هذا قول ابن مسعود (فَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ سَيِّئٌ.)(10). ومشيرًا إليه باللفظ الثاني (ما حاك في صدر الإنسان فهو إثم، وإن أفتاه غيره بأن ليس بإثم فهذه مرتبة ثانية، وهو أن يكون الشيء مستنكرًا عند فاعله دون غيره، وقد جعله أيضا إثمًا ، وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شرح صدره للإيمان. وكان المفتي له يفتي بمجرد الظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي .(11)
فأما ما كان مع المفتي به دليل فالواجب على المستفتي الرجوع إليه وإن لم ينشرح له صدره، وهذا كالرخص الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدر كثير من الجهال فهذا لا عبرة فيه.
فعن عَطَاءَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِى أُنَاسٍ مَعَهُ قَالَ أَهْلَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْحَجِّ خَالِصًا لَيْسَ مَعَهُ عُمْرَةٌ - قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ - فَقَدِمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِى الْحِجَّةِ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَحِلَّ وَقَالَ « أَحِلُّوا وَأَصِيبُوا مِنَ النِّسَاءِ » . قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ فَبَلَغَهُ أَنَّا نَقُولُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلاَّ خَمْسٌ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا فَنَأْتِى عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَذْىَ قَالَ وَيَقُولُ جَابِرٌ بِيَدِهِ هَكَذَا وَحَرَّكَهَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّى أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ وَلَوْلاَ هَدْيِى لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ فَحِلُّوا فَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ » . فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا .(12)
وكما أمرهم بنحر هديهم والتحلل من عمرة الحديبية فكرهوه، وكرهوا مفاوضته لقريش على أن يرجح من عامه وعلى أن من أتاه منهم يرده إليهم.
وبالجملة: فما ورد به النص فليس للمؤمن إلا طاعة الله ورسوله كما قال تعالى { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [الأحزاب: 36] وينبغي أن يتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضى، فإن ما شرعه الله ورسوله يجب الرضى والإيمان به والتسليم له كما قال تعالى { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [النساء: 65].وأما ما ليس فيه نص عن الله ورسوله ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة - فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين شيء وحاك في صدره لشبهة موجودة ولم يجد من يفتي فيه بالرخصة إلا من يخبر عن رأيه وهو ممن لا يوثق بعمله ولا دينه بل هو معروف باتباع الهوى - فهنا يرجع المؤمن إلى ما حاك في صدره وإن أفتاه هؤلاء المفتون، وقد نص الإمام أحمد على مثل هذا اهـ(13)..
والحق في مسألة التلفيق أنها كمسألة إحداث قول ثالث فيما إذا اختلفوا على قولين فقط - فكما أن الحق أن المجتهد لا يجوز أن يحدث قولاً ثالثًا إذا خرق إجماع المجتهدين في عصر، كمسألة الجد مع الإخوة، حيث اختلفوا في أن يشارك الأخوة أو يختص هو بالميراث ويحجب الأخوه، فهذا إجماع منهم على عدم حرمانه.
كذلك الحق هنا أن المقلد إذا قلد لا يجوز أن يلفق بين مذهبين في صورة لا يقول بها أحد من المجتهدين كافة، بأن تكون المسألة واحدة، حقيقة أو حكما ، أي بحيث لو لفق العمل بصورة لا يقول بها أحد منهم ويكون العمل فيها على خلاف إجماعهم .
ولذلك قال في مسلم الثبوت وشرحه بعد أن نقل جواز تتبع رخص المذاهب ما نصه : إنه لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعًا . فأجيب بمنع هذا الإجماع إذ في تفسيق متتبع الرخص عن الإمام أحمد روايتان فلا إجماع، ولعل رواية التفسيق إنما هو فيما إذا قصد التلهي فقط لا غيره(14).
وقال في (التقرير على التحرير): وحمل القاضي أبو يعلى الرواية المفسقة على غير متأول ولا مقلد(15).
وذكر بعض الحنابلة : إن قوي الدليل أو كان عاميا لا يفسق.
وفي روضة النووي : وأصلها عن حكاية الحناطي وغيره عن ابن أبي هريرة أن لا يفسق به .
ثم لعله محمول على نحو ما يجتمع له من ذلك ما لم يقل بمجموع مجتهد . فأين الإجماع بعد هذا ؟ !
وما أورد أنه يلزم على تقدير جواز الأخذ بكل مذهب احتمال الوقوع في خلاف المجمع عليه إذ ربما يكون المجموع الذي عمل به لم يقل به أحد فيكون باطلاً إجماعًا.. كمن تزوج بلا صداق عملاً بقول الإمامين أبي حنيفة والشافعي : ولا شهود، اتباعًا لقول الإمام مالك ولا ولي، على قول الإمام أبي حنيفة - فهذا النكاح باطل اتفاقًا . أما عندنا فلانتفاء الشهود ، وأما عند غيرنا فلانتفاء الولي، فهو مندفع لعدم اتحاد المسألة، وإن الإجماع على نفي القول الثالث إنما يكون إذا اتحدت المسألة حقيقة أو حكمًا.
ولأنه لو تم لزم استفتاء مفت معين وإلا احتمل الوقوع فيما ذكر .
فأنت ترى أن يؤخذ من هذا أن مسألة التلفيق مبنية على مسألة إحداث قول ثالث، فهو إنما يمتنع إذا تحقق أن المجموع الذي عمل به مخالف لإجماع جميع المجتهدين بحيث لو وجد مجتهد لم يجز له أن يقول بهذا المجموع، وهيهات أن يتحقق ذلك.
- - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الرابع
قضايا تتعلق بالتقليد
المبحث الأول - حكم من قال: أنا أتبع الكتاب والسُّنَّة فقط :
َسُئِلَ ابن تيمية رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءَ أَئِمَّةُ الدِّينِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمْ أَجْمَعِينَ - فِي رَجُلٍ سُئِلَ إيش مَذْهَبُك ؟ فَقَالَ : مُحَمَّدِيٌّ أَتَّبِعُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَقِيلَ لَا : يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَتَّبِعَ مَذْهَبًا وَمَن لَا مَذْهَبَ لَهُ فَهُوَ شَيْطَانٌ فَقَالَ : إيش كَانَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمْ - ؟ فَقِيلَ لَهُ : لَا يَنْبَغِي لَك إلَّا أَنْ تَتَّبِعَ مَذْهَبًا مِن هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فَأَيُّهُمَا الْمُصِيبُ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ(16).
فَأَجَابَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ . إنَّمَا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ طَاعَةُ اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَهَؤُلَاءِ أُولُوا الْأَمْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِمْ فِي قَوْلِهِ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ..} (59) سورة النساء ،إنَّمَا تَجِبُ طَاعَتُهُمْ تَبَعًا لِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا اسْتِقْلَالًا ثُمَّ قَالَ : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء .
وَإِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِ نَازِلَةٌ فَإِنَّهُ يَسْتَفْتِي مَن اعْتَقَدَ أَنَّهُ يُفْتِيهِ بِشَرْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِن أَيِّ مَذْهَبٍ كَانَ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِن الْمُسْلِمِينَ تَقْلِيدُ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ مِن الْعُلَمَاءِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِن الْمُسْلِمِينَ الْتِزَامُ مَذْهَبِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - فِي كُلِّ مَا يُوجِبُهُ وَيُخْبِرُ بِهِ ، بَلْ كُلُّ أَحَدٍ مِن النَّاسِ يُؤْخَذُ مِن قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (17). وَاتِّبَاعُ شَخْصٍ لِمَذْهَبِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ لِعَجْزِهِ عَن مَعْرِفَةِ الشَّرْعِ مِن غَيْرِ جِهَتِهِ إنَّمَا هُوَ مِمَّا يَسُوغُ لَهُ لَيْسَ هُوَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إذَا أَمْكَنَهُ مَعْرِفَةُ الشَّرْعِ بِغَيْرِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ، بَلْ كُلُّ أَحَدٍ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ وَيَطْلُبَ عِلْمَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فَيَفْعَلَ الْمَأْمُورَ وَيَتْرُكَ الْمَحْظُورَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " .
قلت : لم يجهز على الجواب كما ترى ، وفي جواب ذاك الرجل عدة مغالطات أهمها :
قوله عن مذهبه (مُحَمَّدِيٌّ أَتَّبِعُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - )
فهذا فيه مغالطة مكشوفة ، فهل للأئمة أو أتباعهم مذهب غير ذلك ؟.
وهل كانوا متبعين غير الكتاب والسُّنَّة ؟!!
وهل وصل لنا القرآن والسُّنَّة إلا من طريقهم ؟
وهل بمقدور أيِّ واحد منا أن يستنبط الأحكام الشرعية من الكتاب والسُّنَّة مباشرة ، أم أنه سيقلد المفسرين، وسيقلد المحدِّثين ،وسيقلد علماء الجرح والتعديل ، وسيقلد... فهل هذا متبع للكتاب والسُّنَّة أم أنه مقلِّد لغيره سواء أكان المقلَّد مصيباً أم مخطئاً ؟
فهذا غير مقدور لسائر الناس ، فكيف بمن يحرِّم التقليد ، ويدعو الناس لاتباع الكتاب والسُّنَّة على حد زعمه ؟!!
وهو لا يعدو إلا أن يكون مقلدا لهذا أو ذاك !!!
وأمَّا قول من قال: ( يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَتَّبِعَ مَذْهَبًا، وَمَن لَا مَذْهَبَ لَهُ فَهُوَ شَيْطَانٌ)
نعم فهو قول صحيح بالنسبة للغالبية العظمى من الأمة ، لأنهم غير قادرين على تمييز الغث من السمين ، والصحيح من الضعيف ، ولا شك أن الشيطان يسوِّلُ لبعض الناس ذلك ، فيقول لهم : أنتم أعلم من الأئمة ، فما وصلكم من كتب التفسير وكتب الحديث وشروحها وكتب الفقه وكتب الأصول وكتب اللغة أكثر مما وصل للأئمة السابقين ، فأنتم أعلم منهم ، فهم رجال وأنتم رجال !!!(18)
فيصدِّقونه بهذا ، ثم يتحللون من المذاهب وأصحابها ، ثم يدَّعون الاجتهاد، ويأمرون الناس بذلك ، ومن لم يوافقهم في هذا الزعم فهو مخالف للكتاب والسُّنَّة، متبع غير سبيل المؤمنين ؟!!
بل ويحفظون عددا من الآيات والأحاديث التي يخيفون بها من خالفهم ، بأنه مبتدع في الدِّين ، والنصوص قد نهت عن التقليد ، والأئمة قد نهوا عنه أيضاً .
وفات هؤلاء الجهال أن أول من شرع التقليد هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ففي سنن أبى داود(2342 )عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنِّى رَأَيْتُ الْهِلاَلَ - يَعْنِى رَمَضَانَ - فَقَالَ :« أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ: « أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ « يَا بِلاَلُ أَذِّنْ فِى النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا ». وهو حديث صحيح ولا حجة لمن ضعفه .(19)
__________
(1) - البحر المحيط للزركشي: 6 /320.
(2) - موطأ مالك(1435 ) صحيح لغيره
(3) - صحيح مسلم(6706 )
(4) - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - (ج 2 / ص 15655)
(5) - الباني: عمدة التحقيق بتصرف (ص111 - 220).
(6) - القرافي: شرح تنقيح الفصول (ص 432).
(7) - أمير بادشاه على التحرير 3 / 352.
(8) - صحيح مسلم(6680 )
(9) - مسند أحمد (18491) وفيه لين
(10) - المعجم الأوسط للطبراني(3740 ) حسن
(11) - الإسنوي: نهاية السول 4 / 627.
(12) - صحيح البخارى(7367)
(13) - الإسنوي: نهاية السول. 3 / (626 - 629). و جامع العلوم والحكم 240 الحديث السابع والعشرون
(14) - فواتح الرحموت بهامش المستصفى 2 / 206.
(15) - التقرير 3 / 351.
(16) - مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 280)
(17) - مجموع الفتاوى - (ج 2 / ص 227) و (ج 13 / ص 259) و (ج 20 / ص 209) و (ج 20 / ص 211) و (ج 20 / ص 232) و (ج 27 / ص 241) و (ج 33 / ص 28) و (ج 1 / ص 210) والفتاوى الكبرى - (ج 4 / ص 300) و (ج 7 / ص 211) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 967) و (ج 4 / ص 9967) و(ج 6 / ص 49) و (ج 6 / ص 49) و (ج 9 / ص 4669) و (ج 10 / ص 1051) ومن أصول الفقه على منهج أهل الحديث - الرقمية - (ج 1 / ص 175)
(18) - قلت : فهم لا يشتركون معهم إلا بالصفات الجِبِليَّة الخلْقية فقط .
(19) - سنن الترمذى ( 695 ) وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِى الصِّيَامِ . وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ. قَالَ إِسْحَاقُ لاَ يُصَامُ إِلاَّ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِى الإِفْطَارِ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ فِيهِ إِلاَّ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ.(1/153)
قال الطبري :" الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَمَّا فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنَ الْفِقْهِ : وَالَّذِي فِيهِ مِنْ ذَلِكَ ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى حَقِيقَةِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِإِيجَابِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبِلَ خَبَرَ الْأَعْرَابِيِّ ؛ إِذْ صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ مِنْهُ أَمْرًا تَسْقُطُ بِهِ عَدَالَتَهُ ، وَكَانَ ظَاهِرُهُ الصِّدْقُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنَ الْخَبَرِ ، وَعَلَى ذَلِكَ مِنْ مِنْهَاجِهِ كَانَ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ الْأَئِمَّةِ الصَّالِحِينَ ".(1)
قلتُ : وقد ورد مثل ذلك عن الصحابة والتابعين ، فقد قلَّدوا رجلا واحدا في إثبات عبادة ، تتعلق بكل المسلمين ، وقد يكون هذا الرجل قد أخطأ في رؤياه تلك ، فليس بمعصوم ، وتقليد الأئمة لا يتعدى هذا بتاتاً ، والعلَّة المشتركة واحدة .
فالشيطانُ يسوِّل للناس مثلما فعل بذاك الرجل .
وأما جواب ذلك الرجل (إيش كَانَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمْ -)
فهذا جواب قائم على مغالطة مكشوفة، فهل كلُّ الصحابة كانوا مجتهدين وهم الذين عاصروا التنزيل ، ولن يبلغ شأوهم أحد ممن جاء بعدهم ؟.
فهذا الرجل كمن أنكر علم النحو بحجة أنه لا يوجد في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية ما يدلُّ عليه صراحة !!!
فراح يقول : إيش هذا سيبويه ؟ من أين جاءنا بهذا العلم المخترع ؟!
والخلاصة أنه من لم يكن عنده بصرٌ بالمذاهب واختلافها والأدلة من طلاب العلم ، فلا يسعه إلا تقليد واحد من هؤلاء الأئمة ( الأربعة ) الأعلام، الذين أجمعت الأمة عليهم ، وقلَّدتهم في مشارق الأرض ومغاربها كابراً عن كابرٍ .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - تهذيب الآثار للطبري(2312) وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 23 / ص 140)(1/154)
المبحث الثاني -إذا وجد المقلِّدُ حديثاً صحيحاُ لا معارض له خالفه إمامه فهل يأخذ بالحديث أم لا ؟
قال ابن تيمية رحمه الله(1):
مَسْأَلَةٌ : فِي رَجُلٍ تَفَقَّهَ فِي مَذْهَبٍ مِن الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَتَبَصَّرَ فِيهِ ، وَاشْتَغَلَ بَعْدَهُ بِالْحَدِيثِ ، فَرَأَى أَحَادِيثَ صَحِيحَةً لَا يَعْلَمُ لَهَا نَاسِخًا وَلَا خَصْمًا وَلَا مُعَارِضًا وَذَلِكَ الْمَذْهَبُ مُخَالِفٌ لَهَا ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الْمَذْهَبِ ، أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى الْعَمَلِ بِالْأَحَادِيثِ وَمُخَالَفَةِ مَذْهَبِهِ ؟
الْجَوَابُ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ ، والسُّنَّة ، وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَرَضَ عَلَى الْخَلْقِ طَاعَتَهُ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ طَاعَةَ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنهُ ، إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى كَانَ صِدِّيقُ الْأُمَّةِ وَأَفْضَلُهَا بَعْدَ نَبِيِّهَا يَقُولُ : أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ(2).
وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مَعْصُومًا فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنهُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؛ وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِن الْأَئِمَّةِ : كُلُّ أَحَدٍ مِن النَّاسِ يُؤْخَذُ مِن قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ ، إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (3).
وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمْ ، قَدْ نَهَوْا النَّاسَ عَن تَقْلِيدِهِمْ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَهُ ، وَذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هَذَا رَأْيِي فَمَن جَاءَ بِرَأْيٍ خَيْرٍ مِنهُ قَبِلْنَاهُ(4)، وَلِهَذَا لَمَّا احْتَجَّ أَفْضَلُ أَصْحَابِهِ أَبُو يُوسُفَ ، أَتَى مَالِكًا فَسَأَلَهُ عَن مَسْأَلَةِ الصَّاعِ وَصَدَقَةِ الْخَضْرَاوَاتِ ، وَمَسْأَلَةِ الْأَجْنَاسِ .
فَأَخْبَرَهُ مَالِكٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : رَجَعْت إلَى قَوْلِك يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، وَلَوْ رَأَى صَاحِبِي مَا رَأَيْت لَرَجَعَ كَمَا رَجَعْت إلَى قَوْلِك يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(5).
وَمَالِكٌ كَانَ يَقُولُ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُصِيبُ وَأُخْطِئُ ، فَاعْرِضُوا قَوْلِي عَلَى الْكِتَابِ والسُّنَّة،أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ(6).
وَالشَّافِعِيُّ كَانَ يَقُولُ : إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَاضْرِبُوا بِقَوْلِي الْحَائِطَ ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْحُجَّةَ مَوْضُوعَةً عَلَى الطَّرِيقِ فَهِيَ قَوْلِي(7).
وَفِي " مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ " لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ اخْتَصَرَهُ مِن مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِمَن أَرَادَ مَعْرِفَةَ مَذْهَبِهِ قَالَ : مَعَ إعْلَامِيَّةِ نَهْيِهِ عَن تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِن الْعُلَمَاءِ(8)،وَالْإِمَامُ أَحْمَدَ كَانَ يَقُولُ : لَا تُقَلِّدْنِي وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا ، وَلَا الشَّافِعِيَّ ، وَلَا الثَّوْرِيَّ ، وَتَعَلَّمْ كَمَا تَعَلَّمْنَا(9)، فَكَانَ يَقُولُ لِمَن قَلَّدَهُ : حَرَامٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ فِي دِينِهِ الرِّجَالَ ، وَقَالَ : لَا تُقَلِّدْ فِي دِينِكَ الرِّجَالَ ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْلَمُوا مِن أَنْ يَغْلَطُوا(10).
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " مَن يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ "(11)وَلَازِمُ ذَلِكَ أَنَّ مَن لَمْ يُفَقِّهْهُ اللَّهُ فِي الدِّينِ لَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْرًا فَيَكُونُ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ فَرْضًا .
وَالْفِقْهُ فِي الدِّينِ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِأَدِلَّتِهَا السَّمْعِيَّةِ ، فَمَن لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَفَقِّهًا فِي الدِّينِ(12)، لَكِنَّ مِن النَّاسِ مَن قَدْ يَعْجِزُ عَن مَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ ، فَيَسْقُطُ عَنهُ مَا يَعْجِزُ عَن مَعْرِفَتِهِ ، لَا كُلُّ مَا يَعْجِزُ عَنهُ مِن التَّفَقُّهِ وَيَلْزَمُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ فَقِيلَ : يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : يَجُوزُ مُطْلَقًا،وَقِيلَ : يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، كَمَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَن الِاسْتِدْلَالِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْدَلُ .
وَالِاجْتِهَادُ لَيْسَ هُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ وَالِانْقِسَامَ ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مُجْتَهِدًا فِي فَنٍّ ، أَوْ بَابٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ دُونَ فَنٍّ ، وَبَابٍ ، وَمَسْأَلَةٍ ، وَكُلُّ أَحَدٍ فَاجْتِهَادُهُ بِحَسَبِ وُسْعِهِ ،فَمَن نَظَرَ فِي مَسْأَلَةٍ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا وَرَأَى مَعَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ نُصُوصًا لَمْ يَعْلَمْ لَهَا مُعَارِضًا بَعْدَ نَظَرِ مِثْلِهِ ، فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ : إمَّا أَنْ يَتَّبِعَ قَوْلَ الْقَائِلِ الْآخَرِ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ الْإِمَامَ الَّذِي اشْتَغَلَ عَلَى مَذْهَبِهِ ، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ ، بَلْ مُجَرَّدُ عَادَةٍ يُعَارِضُهَا عَادَةُ غَيْرِهِ اشْتِغَالَهُ عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ آخَرَ ، وَإِمَّا أَنْ يَتَّبِعَ الْقَوْلَ الَّذِي تَرَجَّحَ فِي نَظَرِهِ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ ،وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ مُوَافَقَتُهُ لِإِمَامٍ يُقَاوِمُ ذَلِكَ الْإِمَامَ وَتَبْقَى النُّصُوصُ سَالِمَةً فِي حَقِّهِ عَن الْمُعَارِضِ بِالْعَمَلِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ .
وَإِنَّمَا تَنَزَّلْنَا هَذَا التَّنَزُّلَ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ : إنَّ نَظَرَ هَذَا قَاصِرٌ وَلَيْسَ اجْتِهَادُهُ قَائِمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِضَعْفِ آلَةٍ الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّهِ ،أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ التَّامِّ الَّذِي يَعْتَقِدُ مَعَهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ النَّصَّ ، فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ النُّصُوصِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُتَّبِعًا لِلظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ، وَكَانَ مِن أَكْبَرِ الْعُصَاةِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِخِلَافِ مَن قَدْ يَقُولُ : قَدْ يَكُونُ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ حُجَّةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى هَذَا النَّصِّ وَأَنَا لَا أَعْلَمُهَا ، فَهَذَا يُقَالُ لَهُ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن/16] } وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ "(13)وَاَلَّذِي تَسْتَطِيعُهُ مِن الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ دَلَّكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الرَّاجِحُ فَعَلَيْكَ أَنْ تَتَّبِعَ ذَلِكَ ، ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ لَك فِيمَا بَعْدُ أَنَّ لِلنَّصِّ مُعَارِضًا رَاجِحًا كَانَ حُكْمُكَ فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ ، إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَانْتِقَالُ الْإِنْسَانِ مِن قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ لِأَجْلِ مَا تَبَيَّنَ مِن الْحَقِّ هُوَ مَحْمُودٌ فِيهِ ، بِخِلَافِ إصْرَارِهِ عَلَى قَوْلٍ لَا حُجَّةَ مَعَهُ عَلَيْهِ ، وَتَرْكُ الْقَوْلِ الَّذِي تَوَضَّحَتْ حُجَّتُهُ ، أَو الِانْتِقَالُ عَن قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ لِمُجَرَّدِ عَادَةٍ وَاتِّبَاعِ هَوًى ، فَهَذَا مَذْمُومٌ .
وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ الْمُقَلَّدُ قَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَتَرَكَهُ ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ قَدْ رَوَاهُ أَيْضًا فَمِثْلُ هَذَا وَحْدَهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي تَرْكِ النَّصِّ ، فَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا كَتَبْنَاهُ فِي " رَفْعِ الْمَلَامِ عَن الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ " نَحْوَ عِشْرِينَ عُذْرًا لِلْأَئِمَّةِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ لِبَعْضِ الْحَدِيثِ ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُمْ يُعْذَرُونَ فِي التَّرْكِ لِتِلْكَ الْأَعْذَارِ ، وَأَمَّا نَحْنُ فَمَعْذُورُونَ فِي تَرْكِنَا لِهَذَا الْقَوْلِ .
فَمَن تَرَكَ الْحَدِيثَ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يُخَالِفُهُ وَأَنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّوَاهِرِ ، وَمُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَالْعَمَلِ ، لَمْ يَكُنْ عُذْرُ ذَلِكَ الرَّجُلِ عُذْرًا فِي حَقِّهِ ، فَإِنَّ ظُهُورَ الْمَدَارِكِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَذْهَانِ وَخَفَاءَهَا عَنهَا أَمْرٌ لَا يَنْضَبِطُ طَرَفَاهُ ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ التَّارِكُ لِلْحَدِيثِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ، مِن أَهْلِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَغَيْرِهَا ، الَّذِينَ يُقَالُ إنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ الْحَدِيثَ إلَّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ مَنسُوخٌ أَوْ مُعَارَضٌ بِرَاجِحٍ ، وَقَدْ بَلَغَ مَن بَعْدَهُ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ لَمْ يَتْرُكُوهُ ، بَلْ عَمِلَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنهُمْ ، أَوْ مَن سَمِعَهُ مِنهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْدَحُ فِي هَذَا الْمُعَارِضِ لِلنَّصِّ .
وَإِذَا قِيلَ لِهَذَا الْمُسْتَهْدِي الْمُسْتَرْشِدِ : أَنْتَ أَعْلَمُ أَمْ الْإِمَامُ الْفُلَانِيُّ ، كَانَتْ هَذِهِ مُعَارَضَةً فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْفُلَانِيَّ قَدْ خَالَفَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَن هُوَ نَظِيرُهُ مِن الْأَئِمَّةِ إلَى نِسْبَةِ أَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، وَعَلِيٍّ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَأُبَيُّ ، وَمُعَاذٍ ، وَنَحْوِهِمْ مِن الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، فَكَمَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءُ فِي مَوَارِدِ النِّزَاعِ ، وَإِذَا تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ رَدُّوا مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ، لقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء.
وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ يَكُونُ أَعْلَمُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ، فَكَذَلِكَ مَوَارِدُ النِّزَاعِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ تَرَكَ النَّاسُ قَوْلَ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي مَسْأَلَةِ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ ، فعَنْ شَقِيقٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِى مُوسَى فَقَالَ أَبُو مُوسَى يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا كَيْفَ يَصْنَعُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ يَتَيَمَّمُ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا. فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَكَيْفَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِى هَذِهِ الآيَةِ - لأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ،فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِى الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ « إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا ». ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَوَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ"(14)
وَأَخَذُوا بِقَوْلِ مَن هُوَ دُونَهُمَا : كَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، وَغَيْرِهِ ، لَمَّا احْتَجَّ بِالْكِتَابِ والسُّنَّة ، وَتَرَكُوا قَوْلَ عُمَرَ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ ، وَأَخَذُوا بِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ لِمَا كَانَ مَعَهُ السُّنَّةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ "(15).
وَقَدْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يُنَاظِرُ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الْمُتْعَةِ( يعني متعة الحج) فقال ابْنُ عَبَّاسٍ(16): تَمَتَّعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - . فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ قَالَ يَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ أَقُولُ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَيَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ،(17)؟
وَكَذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنهَا فَأَمَرَ بِهَا فَعَارَضُوا بِقَوْلِ عُمَرَ ، فَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يُرِدْ مَا يَقُولُونَهُ ، فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ : أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا أَمْ أَمْرُ عُمَرُ(18)؟ مَعَ عِلْمِ النَّاسِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْلَمُهُمْ مِن فَوْقِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ .
وَلَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَوَجَبَ أَنْ يَعْرِضَ عَن أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَيَبْقَى كُلُّ إمَامٍ فِي أَتْبَاعِهِ بِمَنزِلَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أُمَّتِهِ ، وَهَذَا تَبْدِيلٌ لِلدِّينِ يُشْبِهُ مَا عَابَ اللَّهُ بِهِ النَّصَارَى فِي قَوْلِهِ : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (31) سورة التوبة ".
قلت : هذا صحيح فيما إذا كان طالب علم عنده بصرٌ في التمييز بين الحديث الصحيح وبين الضعيف ، وبحث في مذهبه كما في السؤال ،فلم يجد شيئا يقنعه لعدم العمل بالحديث ، فلا حرج عليه من العمل بالحديث ، ولاسيما إذا وجد إماماً معتبراً قد عمل به ، خشية أن يكون منسوخاً أو معلولاً .
وأما إذا لم يكن عنده بصرٌ بذلك ، فلا يخرج عن تقليد إمامه ،إلا إذا وجد حاجة مُلحَّةً في تقليد إمام آخر في هذه المسالة فلا حرج عليه في ذلك على الراجح، ما لم يكن في ذلك تتبع للرخص ونحوها .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - الفتاوى الكبرى - (ج 7 / ص 211) - 1047 - 23
(2) - سيرة ابن هشام - (ج 2 / ص 661) وإسناده صحيح
(3) - مجموع الفتاوى - (ج 2 / ص 227) و (ج 3 / ص 347) و (ج 13 / ص 259) و(ج 20 / ص 209) و (ج 20 / ص 211) و (ج 20 / ص 232) و (ج 27 / ص 241) و (ج 33 / ص 28) و (ج 1 / ص 210) والفتاوى الكبرى - (ج 4 / ص 300) و (ج 7 / ص 211) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 967) و (ج 4 / ص 9967) و (ج 6 / ص 49) و (ج 6 / ص 49) وج 9 / ص 4669) و (ج 10 / ص 1051) ومن أصول الفقه على منهج أهل الحديث - الرقمية - (ج 1 / ص 175)
(4) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 2584)
(5) - التقليد والإفتاء والاستفتاء - (ج 1 / ص 21)
(6) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 2584)
(7) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 2584) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 4 / ص 28) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 421) والتقليد والإفتاء والاستفتاء - (ج 1 / ص 22)
(8) - المجموع شرح المهذب - (ج 1 / ص 43) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 305) وحجة الله البالغة - (ج 1 / ص 303)
(9) - مجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 1 / ص 224) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 3) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 4679) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 5 / ص 297) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 306)
(10) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 2584)
(11) - صحيح البخارى برقم(71 ) ومسلم برقم(2436 )
(12) - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 4 / ص 39)
(13) - صحيح البخارى برقم(7288 )
(14) - صحيح مسلم برقم(844 )
(15) - صحيح البخارى برقم(6895 )عن ابن عباس
(16) - مسند أحمد - (ج 7 / ص 202) برقم(3176) والأحاديث المختارة للضياء - (ج 4 / ص 416) ,الفقيه والمتفقه - (ج 1 / ص 211) وهو حديث حسن
فيه الفضيل بن عمرو الفقيميقال ابن سعد في الطبقات الكبرى [ج 6 -ص334 ] الفضيل بن عمرو الفقيمي توفي في ولاية خالد بن عبد الله القسري وكان ثقة وله أحاديث
وفي الجرح والتعديل [ج 3 -ص124 ] حدثنا عبد الرحمن انا يعقوب بن إسحاق الهروي فيما كتب الي قال نا عثمان بن سعيد الدارمي قال قلت ليحيى بن معين الحكم أحب إليك في إبراهيم أو الفضيل بن عمرو فقال الحكم أعلم به
(17) - لقاءات الباب المفتوح - (ج 4 / ص 55) وفتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 3 / ص 100) و (ج 6 / ص 85) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 10 / ص 3634) ومجموع فتاوى ابن باز - (ج 1 / ص 94) و (ج 21 / ص 288) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 4 / ص 42) والمحلى بالآثار - (ج 1 / ص 6733) والأحكام لابن حزم - (ج 2 / ص 148) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 356) ومن أصول الفقه على منهج أهل الحديث - الرقمية - (ج 1 / ص 41)
(18) - المجموع شرح المهذب - (ج 7 / ص 158) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 4 / ص 42)(1/155)
المبحث الثالث - المذهب الذي يتبعه العامي وطالب العلم(1)
إن الواجب على المسلم طاعة الله تعالى وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما قال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }(النساء:59) ، وقال تعالى:( اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ){الأعراف:3}، وإذا أشكل عليه أمرٌ من دينه سأل من يثقُ بعلمه وورعه من أهل العلم، ومذهبُه مذهبُ من يفتيه إنْ كان عاميًّا فالعاميُّ لا مذهبَ له - على الراجح-.
أما إذا كان منْ طلبة العلم المتبصِّرين الذين حصَّلوا من علوم الدليل وعلوم الآلة ما يجعلهم يستطيعون به الوقوف على الأدلة في المسألة والترجيحَ بينها، فمنْ وصل إلى هذه المرحلة يلزمُه الأخذ بما ترجَّح عنده من الأدلة بغضِّ النظر عن المذهب الذي يتبعه، وهذه المرحلة يسميها بعض أهل العلم بالتبصُّر أو الاتباعِ، وفوقها مرحلةُ الاجتهاد، فمن وصل إليها واستوفى شروطها لا يجوزُ له التقليد- على الراجح- وإنما يعمل بما ترجح عنده بالدليل، وأما كيفية اختيار المذهب، فإنَّ العاميَّ لا مذهب له -كما أشرنا إليه- وإنما مذهبه مذهب من يفتيه، ولكن عليه أن يختار الأعلمَ والأتقَى والأورعَ حسب وسعه، وكيفية الاختيار لما يذهب إليه طالب العلم -الذي درس أصول الفقه، وعلوم الحديث، وعلوم اللغة..- يجب أن تكون بناءً على ما ترجَّح عنده بالدليل دون اتباعٍ للهوى...
وإذا نزلت بالمسلم نازلةٌ فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان، ولا يجب عليه التزام مذهب معين لأنَّ كل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
واتباع الشخص لمذهبٍ معين لعجزه عن معرفة الشرع من جهته هو مما يسوغ، وليس مما يجب على كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق.
قال صاحب الإنصاف(2): وَأَمَّا لُزُومُ التَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبٍ وَامْتِنَاعُ الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ ، وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعَدَمُهُ أَشْهَرُ. اهـ.
و قال في إعلام الموقعين(3): " هَلْ عَلَى الْعَامِّيِّ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ مِن الْأَرْبَعَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ ؟ فِيهِ مَذْهَبَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ ؛ إذْ لَا وَاجِبَ إلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ عَلَى أَحَدٍ مِن النَّاسِ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ رَجُلٍ مِن الْأُمَّةِ فَيُقَلِّدَهُ دِينَهُ دُونَ غَيْرِهِ ، وَقَدْ انْطَوَتْ الْقُرُونُ الْفَاضِلَةُ مُبَرَّأَةً مُبَرَّأَ أَهْلِهَا مِن هَذِهِ النِّسْبَةِ ، بَلْ لَا يَصِحُّ لِلْعَامِّيِّ مَذْهَبٌ وَلَوْ تَمَذْهَبَ بِهِ ؛ فَالْعَامِّيُّ لَا مَذْهَبَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ إنَّمَا يَكُونُ لِمَن لَهُ نَوْعُ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ ، وَيَكُونُ بَصِيرًا بِالْمَذَاهِبِ عَلَى حَسْبِهِ ، أَوْ لِمَن قَرَأَ كِتَابًا فِي فُرُوعِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَعَرَفَ فَتَاوَى إمَامِهِ وَأَقْوَالَهُ ، وَأَمَّا مَن لَمْ يَتَأَهَّلْ لِذَلِكَ أَلْبَتَّةَ بَلْ قَالَ : أَنَا شَافِعِيٌّ ، أَوْ حَنْبَلِيٌّ ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ ؛ لَمْ يَصِرْ كَذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنَا فَقِيهٌ ، أَوْ نَحْوِيٌّ ، أَوْ كَاتِبٌ ، لَمْ يَصِرْ كَذَلِكَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ".
وقال ابن مفلح في أصوله: "عَدَمُ اللُّزُومِ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، فَيُخَيَّرُ ".(4)
وقد رجحه ابن برهان والنووي، واستُدل لذلك بأن الصحابة لم ينكروا على العامة تقليد بعضهم في بعض المسائل وبعضهم في البعض الآخر، وليس معنى ذلك أن ينتقل بين المذاهب أو لا يتقيد بمذهب بغية الترخص والتلاعب فإن هذا مذموم.
قال أحمد رحمه الله " لَوْ أَنَّ رَجُلًا ، عَمِلَ بِكُلِّ رُخْصَةٍ : بِقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي النَّبِيذِ ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ - يَعْنِي الْغِنَاءَ - وَأَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ ، أَوْ كَمَا قَالَ : لَكَانَ بِهِ فَاسِقًا ".(5)
وقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ : " لَوْ أَخَذْتَ بِرُخْصَةِ كُلِّ عَالِمٍ - أَوْ زَلَّةِ كُلِّ عَالِمٍ اجْتَمَعَ فِيكَ الشَّرُّ كُلُّهُ "(6)
وقَالَ مَعْمَرٌ : " لَوْ أَنَّ رَجُلًا ، أَخَذَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ - يَعْنِي الْغِنَاءَ - وَإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ ، وَبُقُولِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ وَالصَّرْفِ ، وَبُقُولِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي السُّكْرِ ، كَانَ شَرَّ عَبَّادِ اللَّهِ "(7).
وقَالَ إ ِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: " مَنْ حَمَلَ شَاذَّ الْعُلَمَاءِ حَمَلَ شَرًّا كَبِيرًا "(8).
وفي السنن للبيهقي عن الأوزاعي أنه قال: مَن أَخَذَ بِنَوَادِرِ الْعُلَمَاءِ خَرَجَ مِنَ الإِسْلاَمِ(9).
وليكن قصده من ذلك تحرِّي الصواب والوصول إلى الحق. والله أعلم(10).
ــــــــــــــــ
__________
(1) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 2345) رقم الفتوى 62828 المذهب الذي يتبعه العامي وطالب العلم تاريخ الفتوى : 05 جمادي الأولى 1426
(2) - الفروع لابن مفلح - (ج 12 / ص 456) والإنصاف - (ج 17 / ص 15)
(3) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 5 / ص 150)
(4) - الفروع لابن مفلح - (ج 12 / ص 457) والإنصاف - (ج 17 / ص 15)
(5) - الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهِيُ عَنِ الْمُنْكَرِ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلَّالِ(171 ) وإرشاد الفحول للشوكاني - (ج 2 / ص 69)
(6) - الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهِيُ عَنِ الْمُنْكَرِ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلَّالِ(172 )
(7) - الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهِيُ عَنِ الْمُنْكَرِ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلَّالِ(174 )
(8) - الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهِيُ عَنِ الْمُنْكَرِ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلَّالِ(175 )
(9) - السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 10 / ص 211) برقم(21446) وإسناده صحيح
وانظر فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت - (ج 1 / ص 47) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 11497) والبحر المحيط - (ج 8 / ص 271) وإرشاد الفحول للشوكاني - (ج 2 / ص 69)
(10) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 2486) رقم الفتوى 5812 حكم عدم التزام بمذهب معين
تاريخ الفتوى : 30 محرم 1422 وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 5 / ص 2903) ورقم الفتوى 32653 هل يجب التقيد بمذهب بعينه؟ تاريخ الفتوى : 26 ربيع الأول 1424(1/156)
المبحث الرابع - التشددُ في الدين مذمومٌ(1)
اعلم بأن التشددَ في الدين مذموم، فعَن أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا ، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا » . رواه البخاري ومسلم(2).
وعَن أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ » أخرجه البخاري(3).
ومعنى التشدد المذموم المنهي عنه في الحديث هو الإفراط ُالمؤدي إلى الملالِ، أو المبالغةِ في التطوُّع المفضي إلى ترك الأفضل، وليس معناه تركَ الأخذ بالرخصة عند الحاجة إليها ولا اتباع الأيسر عملا بالقاعدة " المشقة تجلب التيسير(4)" و " إذا" ضاق الأمر اتسع "(5).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث مبينا له(6): وَلَيْسَ الْمُرَاد مَنع طَلَب الْأَكْمَل فِي الْعِبَادَة فَإِنَّهُ مِن الْأُمُور الْمَحْمُودَة ، بَلْ مَنع الْإِفْرَاط الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَلَال ، أَوْ الْمُبَالَغَة فِي التَّطَوُّع الْمُفْضِي إِلَى تَرْك الْأَفْضَل ، أَوْ إِخْرَاج الْفَرْض عَن وَقْته كَمَن بَاتَ يُصَلِّي اللَّيْل كُلّه وَيُغَالِب النَّوْم إِلَى أَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فِي آخِر اللَّيْل فَنَامَ عَن صَلَاة الصُّبْح فِي الْجَمَاعَة ، أَوْ إِلَى أَنْ خَرَجَ الْوَقْت الْمُخْتَار ، أَوْ إِلَى أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْس فَخَرَجَ وَقْت الْفَرِيضَة ، وَفِي حَدِيث مِحْجَن بْن الْأَدْرَع عِنْد أَحْمَد(7)" قَالَ : كُنْتُ أَحْرُسُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَخَرَجَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ - قَالَ - فَرَآنِى فَأَخَذَ بِيَدِى فَانْطَلَقْنَا فَمَرَرْنَا عَلَى رَجُلٍ يُصَلِّى يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « عَسَى أَنْ يَكُونَ مُرَائِياً ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يُصَلِّى يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ - قَالَ - فَرَفَضَ يَدِى ثُمَّ قَالَ « إِنَّكُمْ لَنْ تَنَالُوا هَذَا الأَمْرَ بِالْمُغَالَبَةِ ». قَالَ ثُمَّ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا أَحْرُسُهُ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَأَخَذَ بِيَدِى فَمَرَرْنَا عَلَى رَجُلٍ يُصَلِّى بِالْقُرْآنِ- قَالَ - فَقُلْتُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُرَائِياً . فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « كَلاَّ إِنَّهُ أَوَّابٌ ». قَالَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ. وَقَدْ يُسْتَفَاد مِن هَذَا الْإِشَارَة إِلَى الْأَخْذ بِالرُّخْصَةِ الشَّرْعِيَّة ، فَإِنَّ الْأَخْذ بِالْعَزِيمَةِ فِي مَوْضِع الرُّخْصَة تَنَطُّع ، كَمَن يَتْرُك التَّيَمُّم عِنْد الْعَجْز عَن اِسْتِعْمَال الْمَاء فَيُفْضِي بِهِ اِسْتِعْمَاله إِلَى حُصُول الضَّرَر .. انتهى.
فعلم بذلك أن التشدد هو: المبالغة في تنفيذ الأمر بما يشق على النفس، ويكون سببا في نفورها ومللها، وعلم كذلك أن التيسير هو: الأخذ بالرخصة عند الحاجة إليها، وتنفيذ الأوامر الشرعية بأسهل الطرق المشروعة، وليس معناه التفريط أو التساهل في أداء التكاليف الشرعية،
وهذه بعض الأمثلة من السنة النبوية ، فعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْتُ عَطَاءً أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - بَلَغَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّى أَسْرُدُ الصَّوْمَ وَأُصَلِّى اللَّيْلَ ، فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَىَّ ، وَإِمَّا لَقِيتُهُ ، فَقَالَ « أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلاَ تُفْطِرُ ، وَتُصَلِّى وَلاَ تَنَامُ ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ ، وَقُمْ وَنَمْ ، فَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّا ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَظًّا » . قَالَ إِنِّى لأَقْوَى لِذَلِكَ . قَالَ « فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - » . قَالَ وَكَيْفَ قَالَ « كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا ، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى » . قَالَ مَن لِى بِهَذِهِ يَا نَبِىَّ اللَّهِ قَالَ عَطَاءٌ لاَ أَدْرِى كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الأَبَدِ ، قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ صَامَ مَن صَامَ الأَبَدَ » . مَرَّتَيْنِ .أخرجه البخاري(8).
وعَن عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ عَن أَبِيهِ قَالَ آخَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ سَلْمَانَ ، وَأَبِى الدَّرْدَاءِ ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً . فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ قَالَتْ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِى الدُّنْيَا . فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا . فَقَالَ كُلْ . قَالَ فَإِنِّى صَائِمٌ . قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ . قَالَ فَأَكَلَ . فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ . قَالَ نَمْ . فَنَامَ ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ . فَقَالَ نَمْ . فَلَمَّا كَانَ مِن آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ قُمِ الآنَ . فَصَلَّيَا ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِى حَقٍّ حَقَّهُ . فَأَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « صَدَقَ سَلْمَانُ »أخرجه البخاري(9).
وعن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه -قالَ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُونَ عَن عِبَادَةِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ . قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّى أُصَلِّى اللَّيْلَ أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا . فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّى لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّى وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَن رَغِبَ عَن سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى » أخرجه البخاري(10).
وعَن عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّى ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ حَتَّى كَثُرُوا فَأَقْبَلَ فَقَالَ : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ» أخرجه البخاري(11).
وعَن عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كَانَتْ عِنْدِى امْرَأَةٌ مِن بَنِى أَسَدٍ فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ « مَن هَذِهِ » . قُلْتُ فُلاَنَةُ لاَ تَنَامُ بِاللَّيْلِ . فَذُكِرَ مِن صَلاَتِهَا فَقَالَ :« مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الأَعْمَالِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا » أخرجه البخاري(12).
ــــــــــــــــ
__________
(1) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 10 / ص 1051)
رقم الفتوى 71228 مسائل فقهية متنوعة تاريخ الفتوى : 26 ذو الحجة 1426 وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 1232) رقم الفتوى 21148 بيان معنى التيسير في حديثه - صلى الله عليه وسلم - تاريخ الفتوى : 05 شوال 1421
(2) - صحيح البخارى برقم (69 ) ومسلم برقم ( 4626)
(3) - أخرحه البخاري برقم(39 )
(4) - راجع إن شئت فتاوى الرملي - (ج 1 / ص 176) والفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 10 / ص 82) وفتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 5 / ص 48) و فتاوى يسألونك - (ج 8 / ص 16) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5084) , الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 2 / ص 116) و(ج 2 / ص 118) و(ج 2 / ص 380) و(ج 4 / ص 241) و(ج 10 / ص 282) و(ج 14 / ص 234) و(ج 17 / ص 170) و(ج 18 / ص 26) و(ج 19 / ص 206) و(ج 22 / ص 290) و(ج 22 / ص 290) و(ج 29 / ص 286) وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 5 / ص 68) والمنثور في القواعد - (ج 3 / ص 238) والأشباه والنظائر - (ج 1 / ص 8) والقواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير - الرقمية - (ج 1 / ص 115) وتلقيح الإفهام العلية بشرح القواعد الفقهية - (ج 1 / ص 113)
(5) انظر فتاوى السبكي - (ج 1 / ص 285) وفتاوى الرملي - (ج 1 / ص 176) والفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 8 / ص 280) و فتاوى الأزهر - (ج 1 / ص 223) والموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 22 / ص 162) و(ج 22 / ص 290) و (ج 28 / ص 206) و(ج 31 / ص 7) و(ج 37 / ص 324) و (ج 38 / ص 222) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 9 / ص 355) والمنثور في القواعد - (ج 1 / ص 58)
(6) - فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 62)
(7) - مسند أحمد برقم( 19486) وهو حديث حسن
(8) - صحيح البخارى برقم(1977 ،1131 ، 1152 ، 1153 ، 1974 ، 1975 ، 1976 ، 1978 ، 1979 ، 1980 ، 3418 ، 3419 ، 3420 ، 5052 ، 5053 ، 5054 ، 5199 ، 6134 ، 6277 )
(9) - البخارى برقم(1968 ) =المتبذلة : التاركة للزينة والهيئة الحسنة
(10) - البخارى برقم(5063 )
(11) - البخارى برقم(5861 ،729 ، 730 ، 924 ، 1129 ، 2011 ، 2012 )
(12) - البخارى برقم(1151 ، طرفه 43 ) موصولا ومعلقا وسنن ابن ماجه برقم(4379)(1/157)
المبحث الخامس -الفرقُ بين التقليد والاتِّباع(1)
أكثر الأصوليين على أن الاتباع هو التقليد وعرفوا التقليد بأنه " العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة "(2).
وقال الإمام ابن حزم الظاهري(3): "أما من اعتقد قولا بغير اجتهاد أصلا لكن اتباعا لمن نشأ بينهم ،فهذا مقلدٌ مذمومٌ بيقين أصاب أو أخطأ ،وهو آثم على كلِّ حالٍ عاصٍ لله عز وجل بذلك، فاسقٌ مجروحُ الشهادةِ ،صادفَ الحقَّ أو لم يصادفه ،لأنه لم يقصده من حيث أمر من اتباع النصوص" .
وقال ابن القيم رحمه الله(4):
" قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ خُوَيْزِ مَندَادٍ الْبَصْرِيُّ الْمَالِكِيُّ : التَّقْلِيدُ مَعْنَاهُ فِي الشَّرْعِ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلٍ لَا حُجَّةَ لِقَائِلَةِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنهُ فِي الشَّرِيعَةِ ، وَالِاتِّبَاعُ : مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ حُجَّةٌ .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِن كِتَابِهِ : كُلُّ مَن اتَّبَعْت قَوْلَهُ مِن غَيْرِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْك قَبُولُهُ بِدَلِيلٍ يُوجِبُ ذَلِكَ فَأَنْتَ مُقَلِّدُهُ ، وَالتَّقْلِيدُ فِي دِينِ اللَّهِ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَكُلُّ مَن أَوْجَبَ الدَّلِيلَ عَلَيْك اتِّبَاعُ قَوْلِهِ فَأَنْتَ مُتَّبِعُهُ ، وَالِاتِّبَاعُ فِي الدِّينِ مُسَوَّغٌ ، وَالتَّقْلِيدُ مَمْنُوعٌ(5).
وَقَالَ ابن عبد البر(6): "عَن سُحْنُونَ ، قَالَ : كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرُهُمْ يَخْتَلِفُونَ إِلَى ابْنِ هُرْمُزَ ، وَكَانَ إِذَا سَأَلَهُ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ أَجَابَهُمَا وَإِذَا سَأَلَهُ ابْنُ دِينَارٍ وَذَوُوهُ لَمْ يُجِبْهُمْ ، فَتَعَرَّضَ لَهُ ابْنُ دِينَارٍ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا بَكْرٍ لِمَ تَسْتَحِلُّ مِنِّي مَا لَا يَحِلُّ لَكَ ؟ قَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : يَسْأَلُكَ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ فَتُجِيبُهُمَا وَأَسْأَلُكَ أَنَا وَذَوِي فَلَا تُجِيبُنَا ؟ فَقَالَ : " أَوَقَعَ ذَلِكَ يَا ابْنَ أَخِي فِي قَلْبِكَ ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : إِنِّي قَدْ كَبُرَ سِنِّي وَرَقَّ عَظْمِي ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ خَالَطَنِي فِي عَقْلِي مِثْلُ الَّذِي خَالَطَنِي فِي بَدَنِي " وَمَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ عَالِمَانِ فَقِيهَانِ إِذَا سَمِعَا مِنِّي حَقًّا قَبِلَاهُ وَإِذَا سَمِعَا مِنِّي خَطَأً تَرَكَاهُ وَأَنْتَ وَذَوُوكَ مَا أَجَبْتُكُمْ بِهِ قَبِلْتُمُوهُ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ : هَذَا وَاللَّهِ هُوَ الدِّينُ الْكَامِلُ وَالْعَقْلُ الرَّاجِحُ لَا كَمَن يَأْتِي بِالْهَذَيَانِ وَيُرِيدُ أَنْ يَنْزِلَ مِنَ الْقُلُوبِ مَنزِلَةَ الْقُرْآنِ .
وعَن مَالِكٍ ، قَالَ(7): " لَيْسَ كُلَّمَا قَالَ رَجُلٌ قَوْلًا وَإِنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ يُتَّبَعُ عَلَيْهِ " " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) سورة الزمر ، فَإِنْ قَالَ : قِصَرِي وَقِلَّةُ عِلْمِي يَحْمِلُنِي عَلَى التَّقْلِيدِ ، قِيلَ لَهُ : أَمَّا مَن قَلَّدَ فِيمَا يَنْزِلُ بِهِ مِن أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ عَالِمًا بِمَا يَتَّفِقُ لَهُ عَلَى عِلْمِهِ فَيُصْدِرُ فِي ذَلِكَ عَمَّا يُخْزِهِ بِهِ فَمَعْذُورٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ وَأَدَّى مَا لَزِمَهُ فِيمَا نَزَلَ بِهِ لِجَهْلِهِ وَلَا بُدُّ لَهُ مِن تَقْلِيدِ عَالِمِهِ فِيمَا جَهِلَ ؛ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْمَكْفُوفَ يُقَلِّدُ مَن يَثِقُ بِخَبَرِهِ فِي الْقِبْلَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ ،وَلَكِنْ مَن كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ هَلْ تَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى فِي شَرَائِعِ دِينِ اللَّهِ ؟ فَيَحْمِلُ غَيْرَهُ عَلَى إِبَاحَةِ الْفُرُوجِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَاسْتِرْقَاقِ الرِّقَابِ وَإِزَالَةِ الْأَمْلَاكِ وَتَصْيِيرِهَا إِلَى غَيْرِ مَن كَانَتْ فِي يَدِهِ بِقَوْلٍ لَا يُعْرَفُ صِحَّتُهُ وَلَا قَامَ لَهُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُقِرٌّ أَنَّ قَائِلَهُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَأَنَّ مُخَالِفَهُ فِي ذَلِكَ رُبَّمَا كَانَ الْمُصِيبَ فِيمَا خَالَفَهُ فِيهِ ، فَإِنْ أَجَازَ الْفَتْوَى لِمَن جَهِلَ الْأَصْلَ وَالْمَعْنَى لِحِفْظِهِ الْفُرُوعَ لَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَهُ لِلْعَامَّةِ وَكَفَى بِهَذَا جَهْلًا وَرَدًّا لِلْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء ،وَقَالَ تعالى : {..أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (28) سورة الأعراف، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يُتَبَيَّنْ وَلَمْ يُسْتَيْقَنْ فَلَيْسَ بِعِلْمٍ ،وَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ، وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا " فِيمَن أَفْتَى بِفُتْيَا وَهُوَ يَعْمَى عَنهَا أَنَّ إِثْمَهَا عَلَيْهِ(8)" وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ(9)" وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ فِي فَسَادِ التَّقْلِيدِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنِ الْإِكْثَارِ(10)"
وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو عُثْمَانَ بْنُ سَنَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :"إِنَّ الْعِلْمَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى يَوْمَئِذٍ لِلْغُرَبَاءِ "(11).
وَعَن كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَن أَبِيهِ ، عَن جَدِّهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ؟ وَمَنِ الْغُرَبَاءُ ؟ قَالَ : " الَّذِينَ يُحْيُونَ سُنَّتِي وَيُعَلِّمُونَهَا عِبَادَ اللَّهِ "(12).
وَكَانَ يُقَالُ : الْعُلَمَاءُ غُرَبَاءُ لِكَثْرَةِ الْجُهَّالِ.
ثُمَّ ذُكِرَ عَن مَالِكٍ ، عَن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَن نَشَاءُ قَالَ : " بِالْعِلْمِ "(13).
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { .. يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة، قَالَ : يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُؤْتَوْا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ(14).
وَرَوَى هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلُهُ : {..وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ ..} (55) سورة الإسراء ،قَالَ : بِالْعِلْمِ(15).
وَإِذَا كَانَ الْمُقَلِّدُ لَيْسَ مِن الْعُلَمَاءِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْءٍ مِن هَذِهِ النُّصُوصِ ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَقَدْ نَهَى الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَن تَقْلِيدِهِمْ ، وَذَمُّوا مَن أَخَذَ أَقْوَالَهُمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ ؛ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : مَثَلُ الَّذِي يَطْلُبُ الْعِلْمَ بِلَا حُجَّةٍ كَمَثَلِ حَاطِبِ لَيْلٍ ، يَحْمِلُ حُزْمَةَ حَطَبٍ وَفِيهِ أَفْعَى تَلْدَغُهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ(16).
وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيّ فِي أَوَّلِ مُخْتَصَرِهِ : اخْتَصَرَتْ هَذَا مِن عِلْمِ الشَّافِعِيِّ ، وَمِن مَعْنَى قَوْلِهِ ، لِأُقَرِّبَهُ عَلَى مَن أَرَادَهُ ، مَعَ إعْلَامِيَّةِ نَهْيِهِ عَن تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ لِيَنْظُرَ فِيهِ لِدِينِهِ وَيَحْتَاطُ فِيهِ لِنَفْسِهِ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد : قُلْت لِأَحْمَدَ : الْأَوْزَاعِيُّ هُوَ أَتْبَعُ مِن مَالِكٍ ؟ قَالَ :لَا تُقَلِّدْ دِينَك أَحَدًا مِن هَؤُلَاءِ ، مَا جَاءَ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ فَخُذْ بِهِ ، ثُمَّ التَّابِعِيُّ بَعْدَ الرَّجُلِ فِيهِ مُخَيَّرٌ(17).
وَقَدْ فَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ التَّقْلِيدِ وَالِاتِّبَاعِ فَقَالَ أَبُو دَاوُد : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ : " الِاتِّبَاعُ أَنْ يَتَّبِعَ الرَّجُلُ , مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , وَعَن أَصْحَابِهِ , ثُمَّ هُوَ بَعْدُ فِي التَّابِعِينَ مُخَيَّرٌ "(18).
وَقَالَ أَيْضًا : لَا تُقَلِّدْنِي وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا وَلَا الثَّوْرِيَّ وَلَا الْأَوْزَاعِيَّ ، وَخُذْ مِن حَيْثُ أَخَذُوا(19).
وَقَالَ : مِن قِلَّةِ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ دِينَهُ الرِّجَالَ(20).
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ : قَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَقَالَتَنَا حَتَّى يَعْلَمَ مِن أَيْنَ قُلْنَا(21).
وَقَدْ صَرَّحَ مَالِكٌ بِأَنَّ مَن تَرَكَ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ ، فَكَيْفَ بِمَن تَرَكَ قَوْلَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِقَوْلِ مَن هُوَ دُونَ إبْرَاهِيمَ أَوْ مِثْلِهِ ؟(22)
وَقَالَ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ : قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنَّ عِنْدَنَا قَوْمًا وَضَعُوا كُتُبًا يَقُولُ أَحَدُهُمْ : ثنا فُلَانٌ عَن فُلَانٍ عَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِكَذَا وَكَذَا وَفُلَانٌ عَن إبْرَاهِيمَ بِكَذَا ، وَيَأْخُذُ بِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ .
قَالَ مَالِكٌ : وَصَحَّ عِنْدَهُمْ قَوْلُ عُمَرَ ؟ قُلْت : إنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ كَمَا صَحَّ عِنْدَهُمْ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ ، فَقَالَ مَالِكٌ : هَؤُلَاءِ يُسْتَتَابُونَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ(23).
قلت : لا شك أن الذي ورد في القرآن الكريم هو مدح الاتباع على بصيرة وهدى ، كقوله تعالى : {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) سورة الزمر ، وقوله تعالى : { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (55) سورة الزمر، وقوله تعالى : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف
وعَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : اتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ.(24)
وهذا لا يستقيم إلا لطالب العلم القادر على تمييز الأدلة ،صحيحها من ضعيفها ، ومن له معرفة دقيقة بالمذاهب واختلاف الفقهاء ، فهذا إذا اتبع مذهباً عليه أن يطَّلع على أدلته ، ليكون اتباعه لذلك الإمام على بصيرة ، ولا يعتمد على المتون المختصرة الخالية من الأدلة إلا في بداية التحصيل العلمي .
وأمَّا العامي - من ليس له القدرة على معرفة الأدلة والتمييز بينها - فيجب عليه اتباع مذهب من المذاهب المدَّونة ،لتكون عبادته لها أصل صحيح معتبر ، ولا يعتمد على كتاب في المذهب فقط ، بل يجب عليه أخذ هذا المذهب عن أهله مشافهة، حتى لا يقع في أخطاء جسيمة في فهمه أو تطبيقه، ولا عليه إذا نزلت به نازلة أو احتاج حكماً شرعيًّا أن يسأل عنه أهل العلم المعتبرين في بلده ، ومذهبه في هذه الحال مذهب مفتيه
ــــــــــــــــ
__________
(1) - موسوعة الفقه الإسلامي - (ج 1 / ص 45) والتقليد والإفتاء والاستفتاء - (ج 1 / ص 4) وقواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى - (ج 3 / ص 430) والقول المفيد في الاجتهاد والتقليد للشوكاني - (ج 1 / ص 28)
(2) - الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (ج 1 / ص 436) والتقليد والإفتاء والاستفتاء (ج 1 / ص 2)
(3) - الأحكام لابن حزم - (ج 8 / ص 1160) و المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 1 ص70مسألة 108 ادارة الطباعة المنيربة مطبعة النهضة بمصر سنة 1347 هجرية. والمحلى بالآثار - (ج 1 / ص 113)
(4) - إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 302)
(5) - القول المفيد في الاجتهاد والتقليد للشوكاني - (ج 1 / ص 14)
(6) - جامع بيان العلم برقم(2250 ) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 4 / ص 61)
(7) - جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر - (ج 3 / ص 235) برقم(15000 )
(8) - في سنن أبى داود برقم(3659 )عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أُفْتِىَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِى غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ » وهو حديث حسن.
(9) - صحيح البخارى برقم(5143 )
(10) - يعني لمن كان قادرا على الاجتهاد أو تمييز الأدلة
(11) - جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر - (ج 3 / ص 236)برقم(15001 ) وهو حديث حسن مرسل
(12) - مسند الشهاب القضاعي برقم(980 ) والزهد الكبير للبيهقي - (ج 1 / ص 219) برقم(215) وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر - (ج 3 / ص 238) برقم(15003 ) وكثير ضعيف
(13) - جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر - (ج 3 / ص 237) برقم(15002) و المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي - (ج 1 / ص 254) برقم(251) وهو صحيح
(14) - المستدرك للحاكم- (ج 3 / ص 217) برقم(3793) وهو صحيح
(15) - تفسير ابن أبي حاتم - (ج 2 / ص 249)برقم(2596) وإسناده حسن
(16) - المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي برقم(198 ) وهو صحيح إليه
(17) - التقليد والإفتاء والاستفتاء - (ج 1 / ص 22)
(18) - الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي برقم(455) والقول المفيد في الاجتهاد والتقليد للشوكاني - (ج 1 / ص 28) وإسناده صحيح
(19) - المستخرج على المستدرك - (ج 1 / ص 16) و مجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 1 / ص 224) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 2584) و الفتاوى الكبرى - (ج 7 / ص 212) والموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 13 / ص 161) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 5 / ص 297)
(20) - التقليد والإفتاء والاستفتاء - (ج 1 / ص 22) والقول المفيد في الاجتهاد والتقليد للشوكاني - (ج 1 / ص 28)
(21) - المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي - (ج 1 / ص 198) برقم(197) وهو حسن
وانظر الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 4679) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 5 / ص 297) والبحر الرائق شرح كنز الدقائق - (ج 13 / ص 300) والتقليد والإفتاء والاستفتاء - (ج 1 / ص 16)
(22) - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 4 / ص 60) والتقليد والإفتاء والاستفتاء - (ج 1 / ص 22)
(23) - فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 7 / ص 114) والدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية - (ج 4 / ص 61) والأحكام لابن حزم - (ج 6 / ص 839) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 306) وهو صحيح
(24) - سنن الدارمى(211) صحيح(1/158)
المبحث السادس - الفرقُ بين من تجب طاعته ومن تجوز طاعته(1)
قال العز بن عبد السلام - رحمه الله- :" لَا طَاعَةَ لِأَحَدِ الْمَخْلُوقَيْنِ إلَّا لِمَن أَذِنَ اللَّهُ فِي طَاعَتِهِ كَالرُّسُلِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالسَّادَاتِ وَالْأَزْوَاجِ وَالْمُسْتَأْجَرِينَ فِي الْإِجَارَاتِ عَلَى الْأَعْمَالِ وَالصِّنَاعَاتِ ، وَلَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَا فِيهِ مِن الْمَفْسَدَةِ الْمُوبِقَةِ فِي الدَّارَيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا ، فَمَن أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ لَهُ ، إلَّا أَنْ يُكْرِهَ إنْسَانًا عَلَى أَمْرٍ يُبِيحُهُ الْإِكْرَاهُ فَلَا إثْمَ عَلَى مُطِيعِهِ ، وَقَدْ تَجِبُ طَاعَتُهُ لَا لِكَوْنِهِ آمِرًا بَلْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ مَا يُهَدِّدُهُ بِهِ مِن قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ جِنَايَةٍ عَلَى بُضْعٍ ، وَلَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ إنْسَانًا بِمَا يَعْتَقِدُ الْآمِرُ حِلَّهُ وَالْمَأْمُورُ تَحْرِيمَهُ فَهَلْ لَهُ فِعْلُهُ نَظَرًا إلَى رَأْيِ الْآمِرِ أَوْ يَمْتَنِعُ نَظَرًا إلَى رَأْيِ الْمَأْمُورِ ، فِيهِ خِلَافٌ ، وَهَذَا مُخْتَصٌّ فِيمَا لَا يَنْقَضِ حُكْمُ الْآمِرِ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَضِ حُكْمُهُ بِهِ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ ، وَكَذَلِكَ لَا طَاعَةَ لِجَهَلَةِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ إلَّا فِيمَا يَعْلَمُ الْمَأْمُورُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي الشَّرْعِ .
وَتَفَرَّدَ الْإِلَهُ بِالطَّاعَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِنِعَمِ الْإِنْشَاءِ وَالْإِبْقَاءِ وَالتَّغْذِيَةِ وَالْإِصْلَاحِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ ، فَمَا مِن خَيْرٍ إلَّا هُوَ جَالِبُهُ ، وَمَا مِن ضَيْرٍ إلَّا هُوَ سَالِبُهُ ، وَلَيْسَ بَعْضُ الْعِبَادِ بِأَنْ يَكُونَ مُطَاعًا بِأَوْلَى مِن الْبَعْضِ ، إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنهُمْ إنْعَامٌ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْته فِي حَقِّ الْإِلَهِ ، وَكَذَلِكَ لَا حُكْمَ إلَّا لَهُ فَأَحْكَامُهُ مُسْتَفَادَةٌ مِن الْكِتَابِ والسُّنَّة وَالْإِجْمَاعِ وَالْأَقْيِسَةِ الصَّحِيحَةِ وَالِاسْتِدْلَالَات الْمُعْتَبَرَةِ ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَحْسِنَ وَلَا أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً ، وَلَا أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا لَمْ يُؤْمَرْ بِتَقْلِيدِهِ : كَالْمُجْتَهِدِ فِي تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ أَوْ فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ، وَيَرُدُّ عَلَى مَن خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (40) سورة يوسف.
وَيُسْتَثْنَى مِن ذَلِكَ الْعَامَّةُ فَإِنَّ وَظِيفَتَهُمْ التَّقْلِيدُ لِعَجْزِهِمْ عَن التَّوَصُّلِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ بِالِاجْتِهَادِ ، بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى الْحُكْمِ ، وَمَن قَلَّدَ إمَامًا مِن الْأَئِمَّةِ ثُمَّ أَرَادَ تَقْلِيدَ غَيْرِهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ ؟ فِيهِ خِلَافٌ ، وَالْمُخْتَارُ التَّفْصِيلُ ، فَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ الَّذِي أَرَادَ الِانْتِقَالَ إلَيْهِ مِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ الْحُكْمُ ؛ فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى حُكْمٍ يَجِبُ نَقْضُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ نَقْضُهُ إلَّا لِبُطْلَانِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَأْخَذَانِ مُتَقَارِبَيْنِ جَازَ التَّقْلِيدُ وَالِانْتِقَالُ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مِن زَمَنِ الصَّحَابَةِ إلَى أَنْ ظَهَرَتْ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ يُقَلِّدُونَ مَن اتَّفَقَ مِن الْعُلَمَاءِ مِن غَيْرِ نَكِيرٍ مِن أَحَدٍ يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا لَأَنْكَرُوهُ وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ تَقْلِيدُ الْأَفْضَلِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَوْلَى ، لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ تَقْلِيدُهُ لَمَا قَلَّدَ النَّاسُ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِن غَيْرِ نَكِيرٍ ، بَلْ كَانُوا مُسْتَرْسِلِينَ فِي تَقْلِيدِ الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ وَلَمْ يَكُنْ الْأَفْضَلُ يَدْعُو الْكُلَّ إلَى تَقْلِيدِ نَفْسِهِ ، وَلَا الْمَفْضُولُ يَمْنَعُ مَن سَأَلَهُ عَن وُجُودِ الْفَاضِلِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَرْتَابُ فِيهِ عَاقِلٌ .
وَمِن الْعَجَبِ الْعَجِيبِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ الْمُقَلِّدِينَ يَقِفُ أَحَدُهُمْ عَلَى ضَعْفِ مَأْخَذِ إمَامِهِ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ لِضَعْفِهِ مَدْفَعًا وَمَعَ هَذَا يُقَلِّدُهُ فِيهِ ، وَيَتْرُكُ مِن الْكِتَابِ والسُّنَّة وَالْأَقْيِسَةِ الصَّحِيحَةِ لِمَذْهَبِهِ جُمُودًا عَلَى تَقْلِيدِ إمَامِهِ ، بَلْ يَتَحَلَّلُ لِدَفْعِ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ والسُّنَّة ، وَيَتَأَوَّلُهُمَا بِالتَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ الْبَاطِلَةِ نِضَالًا عَن مُقَلِّدِهِ ، وَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَجَالِسِ فَإِذَا ذُكِرَ لِأَحَدِهِمْ فِي خِلَافٍ مَا وَظَنَّ نَفْسَهُ عَلَيْهِ تَعَجَّبَ غَايَةَ التَّعَجُّبِ مِن اسْتِرْوَاحٍ إلَى دَلِيلٍ بَلْ لِمَا أَلِفَه مِن تَقْلِيدِ إمَامِهِ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الْحَقَّ مُنْحَصِرٌ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ أَوْلَى مِن تَعَجُّبِهِ مِن مَذْهَبِ غَيْرِهِ ، فَالْبَحْثُ مَعَ هَؤُلَاءِ ضَائِعٌ مُفْضٍ إلَى التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ مِن غَيْرِ فَائِدَةٍ يُجْدِيهَا ، وَمَا رَأَيْت أَحَدًا رَجَعَ عَن مَذْهَبِ إمَامِهِ إذَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ فِي غَيْرِهِ بَلْ يَصِيرُ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِضَعْفِهِ وَبُعْدِهِ ، فَالْأَوْلَى تَرْكُ الْبَحْثِ مَعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إذَا عَجَزَ أَحَدُهُمْ عَن تَمْشِيَةِ مَذْهَبِ إمَامِهِ قَالَ لَعَلَّ إمَامِي وَقَفَ عَلَى دَلِيلٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَلَمْ أَهْتَدِ إلَيْهِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمِسْكِينُ أَنَّ هَذَا مُقَابَلٌ بِمِثْلِهِ وَيَفْضُلُ لِخَصْمِهِ مَا ذَكَرَهُ مِن الدَّلِيلِ الْوَاضِحِ وَالْبُرْهَانِ اللَّائِحِ ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ مَن أَعْمَى التَّقْلِيدُ بَصَرَهُ حَتَّى حَمَلَهُ عَلَى مِثْلِ مَا ذُكِرَ ، وَفَّقَنَا اللَّهُ لِاتِّبَاعِ الْحَقِّ أَيْنَ مَا كَانَ وَعَلَى لِسَانِ مَن ظَهَرَ ، وَأَيْنَ هَذَا مِن مُنَاظَرَةِ السَّلَفِ وَمُشَاوَرَتِهِمْ فِي الْأَحْكَامِ وَمُسَارَعَتِهِمْ إلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ إذَا ظَهَرَ عَلَى لِسَانِ الْخَصْمِ ، وَقَدْ نُقِلَ عَن الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ : مَا نَاظَرْت أَحَدًا إلَّا قُلْت: اللَّهُمَّ أَجْرِ الْحَقَّ عَلَى قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعِي اتَّبَعَنِي وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعَهُ اتَّبَعْته .
واخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَقْلِيدِ الْحَاكِمِ الْمُجْتَهِدِ لِمُجْتَهِدٍ آخَرَ فَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِن الْمُجْتَهِدِينَ أَنَّهُمْ أَصَابُوا الْحَقَّ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُجْتَهِدٍ وَمُجْتَهِدٍ فَإِذَا جَازَ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى ظَنِّهِ الْمُسْتَفَادِ مِن الشَّرْعِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ الْمُعْتَمِدِ عَلَى أَدِلَّةِ الشَّرْعِ ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُقَلِّدُ أَنْبَلَ وَأَفْضَلَ فِي مَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَقَالُوا ثِقَةٌ بِمَا يَجِدُهُ مِن نَفْسِهِ مِن الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ وَمِن أَدِلَّةِ الشَّرْعِ أَقْوَى مِمَّا يَسْتَفِيدُهُ مِن غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ هُوَ أَفْضَلُ الْجَمَاعَةِ ، وَخَيَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَقْلِيدِ مَن شَاءَ مِن الْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُمْ عَلَى حَقٍّ وَصَوَابٍ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ إذَا قُلْنَا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ ".
ــــــــــــــــ
__________
(1) - قواعد الأحكام في مصالح الأنام - (ج 2 / ص 276)(1/159)
المبحث السابع - رجوع الصحابة عن آرائهم التي رأوها إلى أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعوها ووعوها(1)
قال الخطيب البغدادي رحمه الله :
عَن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ : الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ لَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِن دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا , حَتَّى قَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ : " كَتَبَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِن دِيَةِ زَوْجِهَا " فَرَجَعَ عُمَرُ عَن قَوْلِهِ .(صحيح)
وعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ : قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْأَصَابِعِ بِقَضَاءٍ ثُمَّ أُخْبِرَ بِكِتَابٍ كَتَبَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِابْنِ حَزْمٍ : " فِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ " فَأَخَذَ بِهِ , وَتَرَكَ أَمْرَهُ الْأَوَّلَ "(صحيح)
وعَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , أَخْبَرَنِي أَبِي , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ , قَالَ : أَخْبَرَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ , أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ ؟ قَالَ : " يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ " ( صحيح منسوخ)
وعَن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " لَيْسَ عَلَى مَن لَمْ يُنْزِلْ غُسْلٌ ثُمَّ نَزَعَ عَن ذَلِكَ " - أَيْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ"(صحيح)
وقَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَإِنَّمَا بَدَأْتُ بِحَدِيثِ أُبَيٍّ فِي قَوْلِهِ : الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ وَنُزُوعِهِ عَنهُ أَنَّهُ سَمِعَ : الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , وَلَمْ يَسْمَعْ خِلَافَهُ فَقَالَ بِهِ , ثُمَّ لَا أَحْسِبُهُ تَرَكَهُ إِلَّا أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ بَعْدَهُ مَا نَسَخَهُ".
قُلْتُ : هَذَا الَّذِي ظَنَّهُ الشَّافِعِيُّ , قَدْ رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وقَفَهُ عَلَيْهِ تَوْقِيفًا مُبَيَّنًا، فعَن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ , قَالَ : نا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ : " أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي , كَانُوا يُفْتُونَ أَنَّ الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ , كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ: ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ "(صحيح)
وعَن طَاوُسٍ , قَالَ : كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : " أَتُفْتِي أَنْ تَصْدُرَ الْحَائِضُ , قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ ؟ " فَقَالَ : لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : إِمَّا لَا , فَسَلْ فُلَانَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ : هَلْ أَمَرَهَا بِذَلِكَ فَرَجَعَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَضْحَكُ وَيَقُولُ : " مَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ صَدَقْتَ ".(صحيح)
قَالَ الشَّافِعِيُّ : سَمِعَ زَيْدٌ النَّهْيَ أَنْ يَصْدُرَ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ , وَكَانَتِ الْحَائِضُ عِنْدَهُ مِنَ الْحَاجِّ الدَّاخِلِينَ فِي ذَلِكَ النَّهْيِ , فَلَمَّا أَفْتَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالصَّدْرِ , إِذَا كَانَتْ قَدْ زَارَتْ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ أَنْكَرَ عَلَيْهِ زَيْدٌ , فَلَمَّا أَخْبَرَهُ عَنِ الْمَرْأَةِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهَا بِذَلِكَ , فَسَأَلَهَا , فَأَخْبَرَتْهُ , صَدَّقَ الْمَرْأَةَ وَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَن خِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَمَا لِابْنِ عَبَّاسٍ حُجَّةٌ غَيْرُ خَبَرِ امْرَأَةٍ .
وعَن مُحَمَّدٍ , ونَافِعٍ , أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ , كَانَ يُكْرِي أَرْضَ آلِ عُمَرَ , فَسَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ فَأَخْبَرَهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " نَهَى عَن كِرَاءِ الْأَرْضِ " فَتَرَكَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ( صحيح)
و قَالَ أَبُو الْجَوْزَاءِ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّرْفِ , فَقَالَ : " يَدًا بِيَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ " ثُمَّ حَجَجْتُ مَرَّةً أُخْرَى , وَالشَّيْخُ حَيُّ , فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الصَّرْفِ قَالَ : " وَزْنًا بِوَزْنٍ " , قُلْتُ لَهُ : إِنَّكَ كُنْتَ أَفْتَيْتَنِي اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ , فَلَمْ أَزَلْ أُفْتِي بِهِ مُنْذُ أَفْتَيْتَنِي قَالَ : " كَانَ ذَلِكَ عَن رَأْيٍ , وَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , فَتَرَكْتُ رَأْيِي لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " ( صحيح)
وعَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الشَّعْثَاءِ : مَوْلًى لِابْنِ مَعْمَرٍ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ , يَقُولُ : " أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنَ الصَّرْفِ , إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رَأَيًا رَأَيْتُهُ , وَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يُحَدِّثُ عَن رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " (صحيح)
قلت : وهذا لا خلاف فيه ، فمن أفتى بفتيا أو قضى بقضاء خالف فيه سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بغير قصد ، ثم ظهرت له السنَّة ترك قوله وقضى بالسنَّة .
قال الشافعي رحمه الله :أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِى الإِبْهَامِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَفِى الَّتِى تَلِيهَا بِعَشْرٍ وَفِى الْوُسْطَى بِعَشْرٍ وَفِى الَّتِى تَلِى الْخِنْصِرَ بِتِسْعٍ وَفِى الْخِنْصِرِ بِسِتٍّ.(2)
قال " الشافعيُّ " : لما كان معروفاً - واللهُ أعلمُ - عندَ عمر أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قضَى في اليد بخمسينَ وكانت اليدُ خمسةَ أطرافٍ مختلفةِ الجمال والمنافعِ : نزَّلها منازِلَها فحكم لكلِّ واحدٍ من الأطرافِ بقَدْره منْ دية الكفِّ، فهذا قياسٌ على الخبر(3).
فلما وجدنا كتابَ آل عمرو بن حزم فيه : أن رسول الله قال : « وَفِى الْيَدِ خَمْسُونَ وَفِى الرِّجْلِ خَمْسُونَ وَفِى كُلِّ إِصْبَعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ »(4). صاروا إليه ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم - والله أعلم - حتى يثبتَ لهم أنه كتابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وفي الحديث دلالتان : أحدُهما : قبولُ الخبر والآخرُ : أنْ يُقبلَ الخبرُ في الوقت الذي يثبتُ فيه ،وإن لم يمضِ عملٌ من الأئمةِ بمثل الخبر الذي قبلوا ،ودلالةٌ على أنه مضى أيضاً عملٌ من أحد من الأئمة ثم وَجَدَ خبراً عن النبي يخالف عملَه لترك عمله لخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،ودلالةٌ على أن حديثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثبتُ بنفسِه لا بعملِ غيرهِ بعده .
ولم يقلِ المسلمونَ قد عَمِلَ فينا عمرُ بخلافِ هذا بين المهاجرين والأنصار ولم تذكروا أنتم أنَّ عندكم خلافَه ولا غيرُكم، بل صاروا إلى ما وجبَ عليهم من قبولِ الخبرِ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وتركِ كلِّ عملٍ خالفَهُ ،ولو بلغَ عمرَ هذا صار إليه - إن شاءَ اللهُ - كما صار إلى غيرِه فيما بلغَهُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتقواه لله وتأديته الواجبَ عليه في اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلمِه، وبأنْ ليسَ لأحدٍ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرٌ ،وأنَّ طاعةَ الله في اتباعِ أمرِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(5)
فإن قالَ قائلٌ : فادلُلْني على أنَّ عمر عملَ شيئاً ثم صار إلى غيره بخبرٍ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قلتُ : فإنْ أوجدْتُكَهُ ؟ قال : ففي إيجادكَ إياي ذلك دليلٌ على أمرين : أحدُهما : أنه قد يقولُ من جهة الرأيِ إذا لم توجدْ سنَّةٌ والآخرُ : أنَّ السنَّة إذا وُجدتْ وجبْ عليه تركُ عملِ نفسِه، ووجبَ على الناسِ تركُ كلِّ عملٍ وُجدتِ السنَّةُ بخلافِه ،وإبطالُ أنَّ السنَّةَ لا تثبتُ إلا بخبرٍ بعدها، وعُلمَ أنه لا يُوهِنُها شيءٌ إنْ خالفَها.
قلتُ : أخبرنا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ وَلاَ تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا حَتَّى قَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ :كَتَبَ إِلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِىِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا. فَرَجَعَ عُمَرُ.(6)
وقد فَسَّرت هذا الحديث قبل هذا الموضع .(7)
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَابْنِ طَاوُسٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أُذَكِّرُ اللَّهَ امْرَأً سَمِعَ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى الْجَنِينِ شَيْئًا فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ فَقَالَ : كُنْتُ بَيْنَ جَارَتَيْنِ لِى يَعْنِى ضَرَّتَيْنِ فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِمِسْطَحٍ(8)فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِغُرَّةٍ(9)فَقَالَ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا .(10)
وقال غيره : إِنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِي مِثْلِ هَذَا بِرَأْيِنَا.(11)
فقد رجع عمرُ عما كان يقضي به لحديث الضّحّاكِ إلى أن خالف حكمَ نفسهِ وأخبرَ في الجنين أنه لو لم يسمع هذا لَقَضَى فيه بغيرهِ ،وقال : إِنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِي مِثْلِ هَذَا بِرَأْيِنَا .
قال " الشافعيُّ " : يخبرُ - والله أعلمُ - أنَّ السنَّةَ إذا كانتْ موجودةً بأنَّ في النفس مائةً منْ الإبلِ فلا يعدو الجنينُ أن يكون حياً فيكونَ فيه مائةٌ منَ الإبل أو ميتاً فلا شيءَ فيهِ ،فلمَّا أُخبرَ بقضاءِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه سَلَّمَ له ،ولم يجعل لنفسهِ إلا اتِّبَاعَه فيما مضَى بخلافِه وفيما كان رأياً منهُ لم يبلغْه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ر فيه شيءٌ فلمَّا بَلَغَهُ خلافِ فعلهِ صارَ إلى حُكمِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وترك حكمَ نفسِه وكذلكَ كان في كلِّ أمرهِ ،وكذلك يلزمُ الناسَ أن يكونوا.
أخبرنا مالك عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِنَّمَا رَجَعَ بِالنَّاسِ مِنْ سَرْغَ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.(12)
قال " الشافعيُّ " : يعني حين خرج َإلى الشام فبلغَه وقوع الطاعون بها.
أخبرنا مالكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ مَا أَدْرِى كَيْفَ أَصْنَعُ فِى أَمْرِهِمْ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ »(13).
سفيان عن عمرو : أنه سمع بَجَالَةَ يقول : وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرٍ(14)
قال " الشافعيُّ " وكلُّ حديثٍ كتبتُه منقطعاً فقد سمعتُه متصلاً أو مشهوراً عن من رُوي عنه بنقلِ عامةٍ من أهل العلم يعرفونه عن عامةٍ ولكني كرهت وَضع حديثٍ لا أتقنه حفظاً وغاب عني بعض كتبي وتحققت بما يعرفُه أهل العلم مما حفظتُ فاختصرت خوفَ طول الكتابِ فأتيتُ ببعضِ ما فيه الكفايةُ دون تقصِّي العلم في كلِّ أمرهِ فقبل عمرُ خبر عبد الرحمن بن عوف في المجوس فأخذ منهم وهو يتلو القُرَآن : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } (29) سورة التوبة ،ويقرأ القُرَآنَ بقتالِ الكافرين حتى يسلِموا وهو لا يعرفُ فيهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً وهم عندهُ من الكافرينَ غيرِ أهل الكتاب فقبل خبرَ عبد الرحمن في المجوسِ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتبعه" .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ-ذِكْرُ مَا رُوِيَ مِن رُجُوعِ الصَّحَابَةِ عَن آرَائِهِمُ الَّتِي رَأَوْهَا إِلَى أَحَادِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا (353-363)
(2) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 93)(16718) ومسند الشافعي(1114) وهو حديث صحيح
(3) - أي استنباط مبني على التعليل وليس معناه القياس الاصطلاحي
(4) - موطأ مالك (1555 ) والنسائي (4874 ) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 80)( 16610)من طريق الزهري ( وهو صحيح لغيره )
(5) - ففي السنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 93)(16720) عَنْ أَبِى غَطَفَانَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ : فِى الأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَيْهِ فَقَالَ : أَتُفْتِى فِى الأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ وَقَدْ بَلَغَكَ عَنْ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِى الأَصَابِعِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ.
(6) - سنن أبى داود (2929 ) صحيح
(7) - انظرالأم للشافعي (ج 2 / ص 213)
(8) - المسطح : عود من أعواد الخباء والفسطاط الذي يُخبز به
(9) - الغرة العبد أو الأمة
(10) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 114)(16847) والمعجم الكبير للطبراني - (ج 3 / ص 491)(3404)موصولاً وهو حديث صحيح
(11) - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : ذُكِرَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ ، فَأَرْسَلَ إِلَى زَوْجِ الْمَرْأَتَيْنِ ، فَأَخْبَرَهُ ، أنَّمَا ضَرَبَتْ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ الأُخْرَى بِعَمُودِ الْبَيْتِ ، فَقَتَلَتْهَا وَذَا بَطْنِهَا : فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِدِيَتِهَا ، وَغُرَّةٍ فِي جَنِينِهَا ، فَكَبَّرَ عُمَرُ وَقَالَ : إِنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِي مِثْلِ هَذَا بِرَأْيِنَا ،مصنف عبد الرزاق (18343 ) وفيه انقطاع ويقويه ما قبله
(12) - موطأ مالك (1624 ) صحيح لغيره ، وهذا نصه مفصلا ففي موطأ مالك( 1393 ) و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا جَاءَ سَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَأَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ سَرْغَ ( وهو صحيح)
وفي السنن الكبرى للبيهقي (ج 7 / ص 217)(14630) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَدَّثَهُ : أَنَّهُ كَانَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَرَجَعَ بِالنَّاسِ مِنْ سَرْغَ فَلَقِيَهُ أُمَرَاؤُهُ عَلَى الأَجْنَادِ فَلَقِيَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَدْ وَقَعَ الْوَجَعُ بِالشَّامِ فَقَالَ عُمَرُ : اجْمَعْ لِىَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ فَجَمَعْتُهُمْ لَهُ فَاسْتَشَارَهُمْ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمُ : ارْجِعْ بِالنَّاسِ وَلاَ تُقْدِمْهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا هُوَ قَدَرُ اللَّهِ وَقَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ فَلاَ تَرْجِعْ عَنْهُ فَأَمَرَهُمْ فَخَرَجُوا عَنْهُ ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لِىَ الأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ فَأَمَرَهُمْ فَخَرَجُوا عَنْهُ ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لِى مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى : أَنْ يَرْجِعَ بِالنَّاسِ فَأَذَّنَ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِى النَّاسِ إِنِّى مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ فَإِنِّى مَاضٍ لِمَا أَرَى فَانْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَامْضُوا لَهُ فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرٍ قَالَ فَرَكِبَ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ : إِنِّى أَرْجِعُ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَغَضِبَ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ : لَوْ غَيْرُكَ قَالَ هَذَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ : نَعَمْ أَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً هَبَطً وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ وَاحِدَةٌ جَدْبَةٌ وَالأُخْرَى خَصْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَى الْجَدْبَةَ رَعَاهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَى الْخَصْبَةَ رَعَاهَا بِقَدَرِ اللَّهِ. قَالَ : ثُمَّ خَلاَ بِأَبِى عُبَيْدَةَ فَتَرَاجَعَا سَاعَةً فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِى بَعْضِ حَاجَتِهِ فَجَاءَ وَالْقَوْمُ يَخْتَلِفُونَ فَقَالَ : إِنَّ عِنْدِى فِى هَذَا عِلْمًا فَقَالَ عُمَرُ : فَمَا هُوَ؟ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فِى أَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ فِيهَا فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمُ الْفِرَارُ مِنْهُ ». فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَجَعَ وَأَمْرَ النَّاسَ أَنْ يَرْجِعُوا.( وهو صحيح )
(13) - موطأ مالك (619 ) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 9 / ص 189)(19125) وبنحوه (19126 ) وهما مرسلان يقويان بعضهما
وفي الأم للشافعي (ج 11 / ص 377) وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْحِجَازِ حَدِيثَانِ مُنْقَطِعَانِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذُكِرَ لَهُ الْمَجُوسُ فَقَالَ : مَا أَدْرِي كَيْف أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ فَقَالَ : لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ { سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله تعالى إنْ كَانَ ثَابِتًا فَنُفْتِي فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ ; لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ لاَ أَنَّهُ يُقَالُ إذَا قَالَ {سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ} وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي أَنْ تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ وَتُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ قَالَ : وَلَوْ أَرَادَ جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ غَيْرَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَقَالَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ سُنُّوا بِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ : سُنُّوا بِهِمْ , فَقَدْ خَصَّهُمْ , وَإِذَا خَصَّهُمْ فَغَيْرُهُمْ مُخَالِفٌ , وَلاَ يُخَالِفُهُمْ إلَّا غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ } وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله تعالى عنه أَخَذَهَا مِنْ الْبَرْبَرِ .
قالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ عُمَرُ عَنْ الْمَجُوسِ وَيَقُولَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِمْ , وَهُوَ يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ لاَ يَسْأَلُ عَمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ , وَلَكِنَّهُ سَأَلَ عَنْ الْمَجُوسِ إذْ لَمْ يَعْرِفْ مِنْ كِتَابِهِمْ مَا عَرَفَ مِنْ كِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَتَّى أُخْبِرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَخْذِهِ الْجِزْيَةَ وَأَمْرِهِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ فَيَتَّبِعُهُ , وَفِي كُلِّ مَا حَكَيْت مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَسَعُهُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ
قلت : قد روي موصولا بإسناد صحيح وسيمر بعد هذا .
وفي الأموال للقاسم بن سلام 71 وَحَدَّثَنِي أَبُو الْيَمَانِ ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ حَلِيفِ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَقَدْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَدْرًا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا " ، قَالَ : " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالِ الْبَحْرَيْنِ " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنِ الْمِسْوَرِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ ذَلِكَ * وهو صحيح
(14) - صحيح البخارى (3156 و3157 )..(1/160)
المبحث الثامن - هل يجوز ترك التقليد اليوم وأخذ الأحكام الفرعية من القرآن والسُّنَّة مباشرة ؟(1)
سئل ابن عليش رحمه الله :"مَا قَوْلُكُمْ فِيمَن كَانَ مُقَلِّدًا لِأَحَدِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رضي الله تعالى عنهم وَتَرَكَ ذَلِكَ زَاعِمًا أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَحْكَامَ مِن الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَارِكًا لِكُتُبِ الْفِقْهِ مَائِلًا لِقَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ إدْرِيسَ بِذَلِكَ قَائِلًا: إنَّ كُتُبَ الْفِقْهِ لَا تَخْلُو مِن الْخَطَأِ وَفِيهَا أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَكَيْفَ تَتْرُكُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَتُقَلِّدُ الْأَئِمَّةَ فِي اجْتِهَادِهِمْ الْمُحْتَمَلِ لِلْخَطَأِ وَقَائِلًا أَيْضًا لِمَن تَمَسَّكَ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِيهِمْ أَنَا أَقُولُ لَكُمْ: قَالَ اللَّهُ أَوْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ قَالَ مَالِكٌ أَوْ ابْنُ الْقَاسِمِ أَوْ خَلِيلٌ فَتُقَابِلُونَ كَلَامَ الشَّارِعِ الْمَعْصُومِ مِن الْخَطَأِ بِكَلَامِ مَن يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الْخَطَأُ .. أَفِيدُوا الْجَوَابَ .
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ :
"الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لَا يَجُوزُ لِعَامِّيٍّ أَنْ يَتْرُكَ تَقْلِيدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَيَأْخُذَ الْأَحْكَامَ مِن الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ ؛لِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ شُرُوطٌ كَثِيرَةٌ مُبَيَّنَةٌ فِي الْأُصُولِ لَا تُوجَدُ فِي أَغْلِبْ الْعُلَمَاءِ وَلَا سِيَّمَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ الَّذِي عَادَ الْإِسْلَامُ فِيهِ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِن الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ مَا ظَاهِرُهُ صَرِيحُ الْكُفْرِ وَلَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ رضي الله تعالى عنه :الْحَدِيثُ مَضَلَّةٌ إلَّا لِلْفُقَهَاءِ، يُرِيدُ أَنَّ غَيْرَهُمْ قَدْ يَحْمِلُ الشَّيْءَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَهُ تَأْوِيلٌ مِن حَدِيثِ غَيْرِهِ أَوْ دَلِيلٌ يَخْفَى عَلَيْهِ أَوْ مَتْرُوكٌ أَوْجَبَ تَرْكَهُ غَيْرَ شَيْءٍ مِمَّا لَا يَقُومُ بِهِ إلَّا مَن اسْتَبْحَرَ وَتَفَقَّهَ ، قَالَ مَالِكٌ رحمه الله تعالى: إنَّمَا فَسَدَتْ الْأَشْيَاءُ حِينَ تُعُدِّيَ بِهَا مَنَازِلُهَا وَلَيْسَ هَذَا الْجَدَلُ مِن الدِّينِ بِشَيْءٍ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ ،وَفِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله تعالى: الْعِلْمُ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْأَمْرِ الْمَاضِي الْمَعْرُوفِ الْمَعْمُولِ بِهِ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رضي الله تعالى عنه: السُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مِن سُنَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَيْرٌ مِن الْحَدِيثِ.
وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله تعالى: الْعَمَلُ أَثْبَتُ مِن الْأَحَادِيثِ ، قَالَ: مَن يَقْتَدِي بِهِ وَإِنَّهُ لَضَعِيفٌ أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَن فُلَانٍ وَكَانَ رِجَالٌ مِن التَّابِعِينَ تَبْلُغُهُمْ عَن غَيْرِهِمْ الْأَحَادِيثُ فَيَقُولُونَ مَا نَجْهَلُ هَذَا وَلَكِنْ مَضَى الْعَمَلُ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ جَرِيرٍ رُبَّمَا قَالَ لَهُ أَخُوهُ لِمَ لَمْ تَقْضِ بِحَدِيثِ كَذَا فَيَقُولُ لَمْ أَجِدْ النَّاسَ عَلَيْهِ . قَالَ النَّخَعِيُّ : لَوْ رَأَيْت الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم يَتَوَضَّئُونَ إلَى الْكُوعَيْنِ لَتَوَضَّأْت كَذَلِكَ وَأَنَا أَقْرَؤُهَا إلَى الْمَرَافِقِ ؛وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يُتَّهَمُونَ فِي تَرْكِ السُّنَنِ وَهُمْ أَرْبَابُ الْعِلْمِ وَأَحْرَصُ خَلْقِ اللَّهِ عَلَى اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا يَظُنُّ ذَلِكَ بِهِمْ أَحَدٌ إلَّا ذُو رِيبَةٍ فِي دِينِهِ.
وَقَدْ بَنَى مَالِكٌ رضي الله تعالى عنه مَذْهَبَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:الْأَوَّلُ آيَةٌ قُرْآنِيَّةٌ، وَالثَّانِي حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَالِمٌ مِن الْمُعَارَضَةِ، الثَّالِثُ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، الرَّابِعُ اتِّفَاقُ جُمْهُورِهِمْ .
وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى وُجُوبِ التَّقْلِيدِ عَلَى مَن لَيْسَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ حَسْبَمَا فِي الدِّيبَاجِ لِلْإِمَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ رحمه الله تعالى وَعُمْدَةِ الْمُرِيدِ لِلشَّيْخِ اللَّقَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَشَاعَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ مَعْلُومًا مِن الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ .
فَإِنْ قُلْت: إنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ شَيْخَهُمْ فِيهِ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ وَفَاقَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالْإِجْمَاعُ إنَّمَا هُوَ فِيمَن لَيْسَ فِيهِ الشُّرُوطُ .
قُلْت : لَا بِمُشَاهَدَةِ عَدَمِهَا فِيهِ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يُقْصِرُونَ وُجُوبَ الِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ بَلْ يَعْتَقِدُونَ وُجُوبَهُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَعَلَى إرْخَاءِ الْعَنَانِ نَقُولُ لَهُمْ : هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ وَاسْتَخْرِجُوا لَنَا أَحْكَامًا مِن الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ غَيْرَ الْأَحْكَامِ الَّتِي اسْتَخْرَجَتْهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ ،وَهَذَا مَأْخَذُهُ قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (23) سورة البقرة، كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي التَّشْنِيعِ عَلَى مِثْلِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ .
وَذَكَرَ عَن الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ ادِّعَاءُ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ إلَّا لِمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَأَنَّ مَا كَانَ مِن نَحْوِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْمُزَنِيِّ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّمَا كَانَ اجْتِهَادًا مُنْتَسِبًا لِمَذْهَبٍ . وَقَوْلُهُمْ إنَّ كُتُبَ الْفِقْهِ لَا تَخْلُو مِن الْخَطَأِ إنْ أَرَادُوا أَنَّهَا تَتَّفِقُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَرْكِ جَمِيعِهَا فَهُوَ تَكْذِيبٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَهَادَتِهِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْعِصْمَةِ مِن الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْخَطَأِ وَتَضْلِيلٌ لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ هُمْ مِن خَيْرِ الْقُرُونِ بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ،وَإِنْ أَرَادُوا فِي بَعْضِهَا مُعِينًا فَلْيُنْهَ عَنهُ بِخُصُوصِهِ لَا عَن الْجَمِيعِ بَل الْوَاجِبُ بَيَانُهُ وَالتَّنْبِيهُ عَلَيْهِ ،وَإِنْ أَرَادُوا غَيْرَ مُعِينٍ فَمِن أَيْنَ لَهُمْ ذَلِكَ؟.
فَإِنْ قَالُوا مِن الِاخْتِلَافِ وَالْحَقُّ وَاحِدٌ، قُلْنَا: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَفْرُوغٌ مِنهَا فِي الْأُصُولِ وَمَن قَالَ: الْحَقُّ وَاحِدٌ ،لَمْ يُنْهَ عَن شَيْءٍ مِن كُتُبِ الْفِقْهِ إذْ الْخَطَأُ غَيْرُ الْمُعِينِ لَمْ يُكَلِّفْنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِن سَعَةِ فَضْلِهِ .
وَلِلَّهِ دَرُّ الشَّعْرَانِيِّ حَيْثُ جَعَلَ جَمِيعَ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ صَحِيحَةً دَائِرَةً عَلَى التَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَهُوَ كَلَامٌ مُنَوِّرٌ لِلْبَصَائِرِ وَمُزِيلٌ لِرَيْنِ الضَّمَائِرِ جَزَاهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ بِمَنِّهِ .
وَقَوْلُهُمْ فِيهَا أَحْكَامٌ مُخَالِفَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، قُلْنَا : نَعَمْ لَكِنَّ تِلْكَ الْمُخَالَفَةَ لَا تَقْدَحُ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ وَلَا تُوجِبُ تَرْكَهَا لِابْتِنَاءِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ عَلَى أَثْبَتَ مِن تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ ،وَأَشَدُّ النَّاسِ تَمَسُّكًا بِهَا وَوُقُوفًا عِنْدَ حُدُودِهَا، فَعَمَلُهُمْ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى نَسْخِهِ وَرُجُوعُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنهُ ،وَعَمَلُهُمْ بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا عَمِلُوا بِهِ.
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ النَّخَعِيِّ: لَوْ رَأَيْت الصَّحَابَةَ يَتَوَضَّئُونَ إلَى الْكُوعَيْنِ لَتَوَضَّأْت كَذَلِكَ وَأَنَا أَقْرَؤُهَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَهَلْ يَفْهَمُ أَحَدٌ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وَأَحَادِيثِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ فَهْمِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ حَاشَا وَكَلَّا .
قَالَ فِي الْمَدْخَلِ : "وَانْظُرْ إلَى حِكْمَةِ الشَّارِعِ صلوات الله وسلامه عليه فِي هَذِهِ الْقُرُونِ وَكَيْفَ خَصَّهُمْ بِالْفَضِيلَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ مِن الْقُرُونِ فِي كَثِيرٍ مِنهُمْ الْبَرَكَةُ وَالْخَيْرُ لَكِنْ اخْتَصَّتْ تِلْكَ الْقُرُونُ بِمَزِيَّةٍ لَا يُوَازِيهِمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ، وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَصَّهُمْ لِإِقَامَةِ دِينِهِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ، فَالْقَرْنُ الْأَوَّلُ خَصَّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِخُصُوصِيَّةٍ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ أَنْ يَلْحَقَ غُبَارَ أَحَدِهِمْ فَضْلًا عَن عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ خَصَّهُمْ بِرُؤْيَةِ نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام وَمُشَاهَدَتِهِ وَنُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ غَضًّا طَرِيًّا يَتَلَقَّوْنَهُ مِن فِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يَتَلَقَّاهُ مِن جِبْرِيلَ عليه السلام ،وَخَصَّهُمْ بِالْقِتَالِ بَيْنَ يَدَيْ نَبِيِّهِ وَنُصْرَتِهِ وَحِمَايَتِهِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَإِخْمَادِهِ وَرَفْعِ مَنَارِ الْإِسْلَامِ وَأَعْلَامِهِ وَحَفَّظَهُمْ آيَ الْقُرْآنِ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ نُجُومًا فَأَهَّلَهُمْ اللَّهُ لِحِفْظِهِ حَتَّى لَمْ يَضِعْ مِنهُ وَلَا حَرْفٌ وَاحِدٌ فَجَمَعُوهُ وَيَسَّرُوهُ لِمَن بَعْدَهُمْ وَفَتَحُوا الْبِلَادَ وَالْأَقَالِيمَ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَهَّدُوا لَهُمْ وَحَفِظُوا أَحَادِيثَ نَبِيِّهِمْ عليه الصلاة والسلام فِي صُدُورِهِمْ وَأَثْبَتُوهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي مِن عَدَمِ اللَّحْنِ وَالْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ ،وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ رحمه الله تعالى إذَا شَكَّ فِي الْحَدِيثِ تَرَكَهُ أَلْبَتَّةَ، فَلَا يُحَدِّثُ بِهِ وَهُوَ لَيْسَ مِن قَرْنِهِمْ بَلْ مِن الْقَرْنِ الثَّانِي، فَمَا بَالُك بِهِمْ وَهُمْ خَيْرُ الْخِيَارِ، وَوَصْفُهُمْ فِي الْحِفْظِ وَالضَّبْطِ لَا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ وَلَا يَصِلُ إلَيْهِ أَحَدٌ، فَجَزَاهُمْ اللَّهُ عَن أُمَّةِ نَبِيِّهِمْ خَيْرًا، لَقَدْ أَخْلَصُوا لِلَّهِ تَعَالَى الدَّعْوَةَ وَذَبُّوا عَن دِينِهِ بِالْحَمِيَّةِ . قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله تعالى عنه: مَن كَانَ مِنكُمْ مُتَأَسِّيًا فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا وَأَحْسَنَهَا حَالًا اخْتَارَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِقَامَةِ دِينِهِ فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهَدْيِ الْمُسْتَقِيمِ اهـ .
وَقَالَ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ فَصْلٌ فِي بَيَانِ اسْتِحَالَةِ خُرُوجِ شَيْءٍ مِن أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ عَن الشَّرِيعَةِ ... وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ الْمُجْتَهِدِينَ مَا سُمُّوا بِذَلِكَ إلَّا لِبَذْلِ أَحَدِهِمْ وُسْعَهُ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الْكَامِنَةِ فِي الْكِتَابِ والسُّنَّة , فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ مُشْتَقٌّ مِن الْجَهْدِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي إتْعَابِ الْفِكْرِ وَكَثْرَةِ النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْزِي جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ لَوْلَا اسْتَنْبَطُوا لِلْأُمَّةِ الْأَحْكَامَ مِن الْكِتَابِ والسُّنَّة مَا قَدَرَ أَحَدٌ مِن غَيْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ ،وَسَمِعْت شَيْخَنَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا رحمه الله تعالى يَقُولُ لَوْلَا بَيَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُجْتَهِدِينَ لَنَا مَا أُجْمِلَ فِي الْكِتَابِ والسُّنَّة لَمَا قَدَرَ أَحَدٌ مِنَّا عَلَى ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ الشَّارِعَ لَوْلَا بَيَّنَ لَنَا بِسُنَّتِهِ أَحْكَامَ الطَّهَارَةِ مَا اهْتَدَيْنَا لِكَيْفِيَّتِهَا مِن الْقُرْآنِ وَلَا قَدَرْنَا عَلَى اسْتِخْرَاجِهَا مِنهُ ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَيَانِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالصَّلَوَاتِ مِن فَرْضٍ وَنَفْلٍ ،وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَبَيَانِ أَنْصِبَتِهَا وَشُرُوطِهَا وَبَيَانِ فَرْضِهَا مِن سُنَّتِهَا ،وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الَّتِي وَرَدَتْ مُجْمَلَةً فِي الْقُرْآنِ فَلَوْلَا أَنَّ السُّنَّةَ بَيَّنَتْ لَنَا ذَلِكَ مَا عَرَفْنَاهُ وَلِلَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ أَسْرَارٌ وَحِكَمٌ يَعْرِفُهَا الْعَارِفُونَ انْتَهَى .
وَجَمِيعُ مَن ادَّعَى الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا مُرَادُهُ الْمُطْلَقُ الْمَذْهَبِيُّ الَّذِي لَا يَخْرُجُ عَن قَوَاعِدِ إمَامِهِ كَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبُغَ مَعَ مَالِكٍ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعِ مَعَ الشَّافِعِيِّ إذْ لَيْسَ فِي قُوَّةِ أَحَدٍ بَعْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنْ يَبْتَكِرَ الْأَحْكَامَ وَيَسْتَخْرِجَهَا مِن الْكِتَابِ والسُّنَّة فِيمَا نَعْلَمُ أَبَدًا وَمَن ادَّعَى ذَلِكَ قُلْنَا لَهُ اسْتَخْرِجْ لَنَا شَيْئًا لَمْ يَسْبِقْ لِأَحَدٍ مِن الْأَئِمَّةِ اسْتِخْرَاجُهُ فَإِنَّهُ يَعْجِزُ انْتَهَى .
وَكَانَ ابْنُ حَزْمٍ يَقُولُ: جَمِيعُ مَا اسْتَنْبَطَهُ الْمُجْتَهِدُونَ مَعْدُودٌ مِن الشَّرِيعَةِ وَإِنْ خَفِيَ دَلِيلُهُ عَن الْعَوَّام، وَمَن أَنْكَرَ ذَلِكَ فَقَدْ نَسَبَ الْأَئِمَّةَ إلَى الْخَطَأِ وَأَنَّهُمْ يُشَرِّعُونَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَذَلِكَ ضَلَالٌ مِن قَائِلِهِ عَن الطَّرِيقِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهُمْ لَوْلَا رَأَوْا فِي ذَلِكَ دَلِيلًا مَا شَرَعُوهُ انْتَهَى
. وَكَانَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْخَوَّاصُ يَقُولُ: مَا ثَمَّ قَوْلٍ مِن أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ إلَّا وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إلَى أَصْلٍ مِن أُصُولِ الشَّرِيعَةِ لِمَن تَأَمَّلَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ إمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ أَثَرٍ أَوْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ عَلَى أَصْلٍ صَحِيحٍ لَكِنْ مِن أَقْوَالِهِمْ مَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِن صَرِيحِ الْآيَاتِ أَوْ الْأَخْبَارِ أَوْ الْآثَارِ , وَمِنهُ مَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِن الْمَنطُوقِ أَوْ مِن الْمَفْهُومِ، فَمِن أَقْوَالِهِمْ مَا هُوَ قَرِيبٌ وَمِنهَا مَا هُوَ أَقْرَبُ وَمِنهَا مَا هُوَ بَعِيدٌ وَمِنهَا مَا هُوَ أَبْعَدُ ،وَمَرْجِعُهَا كُلُّهَا إلَى الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهَا مُقْتَبَسَةٌ مِن شُعَاعِ نُورِهَا وَمَا ثَمَّ لَنَا فَرْعٌ يَتَفَرَّعُ مِن غَيْرِ أَصْلٍ أَبَدًا , وَإِنَّمَا الْعَالِمُ كُلَّمَا بَعُدَ عَن عَيْنِ الشَّرِيعَةِ ضَعُفَ نُورُ أَقْوَالِهِ بِالنَّظَرِ إلَى نُورِ أَوَّلِ مُقْتَبِسٍ مِن عَيْنِ الشَّرِيعَةِ الْأُولَى مِمَن قَرُبَ مِنهَا",
وَكَانَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْخَوَّاصُ إذَا سَأَلَهُ إنْسَانٌ عَن التَّقَيُّدِ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ الْآنَ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ يَقُولُ: يَجِبُ عَلَيْك التَّقَيُّدُ بِمَذْهَبٍ مَا دُمْتَ لَا تَصِلُ إلَى شُهُودِ عَيْنِ الشَّرِيعَةِ الْأُولَى فَهُنَاكَ لَا يَجِبُ عَلَيْك التَّقَيُّدُ بِمَذْهَبٍ؛ لِأَنَّك تَرَى اتِّصَالَ جَمِيعِ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ بِهَا وَلَيْسَ مَذْهَبٌ أَوْلَى بِهَا مِن مَذْهَبٍ وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ عِنْدَك حِينَئِذٍ إلَى مَرْتَبَتَيْ التَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ بِشَرْطِهِمَا انْتَهَى .
وَسَمِعْت شَيْخَنَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا رحمه الله تعالى يَقُولُ مِرَارًا: عَيْنُ الشَّرِيعَةِ كَالْبَحْرِ فَمِن أَيِّ الْجَوَانِبِ اُغْتُرِفَ مِنهُ فَهُوَ وَاحِدٌ ،وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إيَّاكُمْ أَنْ تُبَادِرُوا إلَى الْإِنْكَارِ عَلَى قَوْلِ مُجْتَهِدٍ أَوْ تَخْطِئَتِهِ إلَّا بَعْدَ إحَاطَتِكُمْ بِأَمْثِلَةِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا وَمَعْرِفَتِكُمْ بِجَمِيعِ لُغَاتِ الْعَرَبِ الَّتِي احْتَوَتْ عَلَيْهَا الشَّرِيعَةُ وَمَعْرِفَتِكُمْ بِمَعَانِيهَا وَطُرُقِهَا فَإِذَا أَحَطْتُمْ بِهَا كَمَا ذَكَرْنَا وَلَمْ تَجِدُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ الَّذِي أَنْكَرْتُمُوهُ فِيهَا فَحِينَئِذٍ لَكُمْ الْإِنْكَارُ , وَأَنَّى لَكُمْ بِذَلِكَ.. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .
ــــــــــــــــ
__________
(1) - فتاوى ابن عليش - (ج 1 / ص 85) باختصار(1/161)
المبحث التاسع - وجودُ المذاهب الأربعة ليس منَ الابتداع في الدين(1)
لقد مر الفقه الإسلامي بعدة مراحل وأدوار، كان منها دور ظهور المذاهب الفقهية وذلك في أوائل القرن الثاني الهجري ، وفي هذا الدور ظهر نوابغ الفقهاء . فالمجتهدون العظام ظهروا في هذا الدور وأسسوا مذاهبهم الفقهية، واشتهر منها المذاهب الأربعة المنسوبة لأئمة عظام كان لهم بالغ الأثر في ازدهار الفقه ونمائه وتقدمه ، وقد أسسوا مدارس فقهية انضوى تحت لوائها فقهاء كبار، وهذه المذاهب الأربعة ليست تجزئة للإسلام ولا إحداث تشريع جديد ، وإنما هي مناهج لفهم الشريعة، وأساليب في تفسير نصوصها، وطرق في استنباط الأحكام من مصادرها : الكتاب والسُّنَّة والإجماع والقياس .
وهذه المذاهب هي: الحنفية نسبة للإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله المولود سنة 80هـ والمتوفى سنة 150هـ ، والمالكية نسبة إلى للإمام مالك بن أنس رحمه الله - المولود سنة 93هـ والمتوفى سنة 179هـ ، والشافعية نسبة للإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله - المولود سنة 150هـ والمتوفى سنة 204هـ ، والمذهب الحنبلي والمنسوب إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله - المولود سنة 164هـ والمتوفى سنة 241هـ(2).
وهؤلاء الأئمة من أعلام أهل السنة والجماعة، ووجودهم امتداد لما كان عليه الصحابة من الاجتهاد في العلم والتدريس له. وقد كان بين الصحابة مجتهدون وعلماء، وكان بينهم من الخلاف في مسائل الاجتهاد كما بين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
والأئمة الأربعة المذكورون لم يلزموا غيرهم بتقليدهم في كل مسألة، وإنما ذكروا اختيارهم وترجيحهم، ودعوا الناس إلى الأخذ بالحق متى وجد في غير أقوالهم. وصدرت عنهم المقولة المشهورة: إذا صح الحديث فهو مذهبي(3). وإذا رأيتم قولاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - يخالف قولي فاضربوا بقولي عرض الحائط.
وقد كان في عصر هؤلاء الأئمة فقهاء ومجتهدون لا يقلِّون منزلة عنهم: كالليث والأوزاعي وسفيان، وغيرهم، ولكن الله تعالى كتب الانتشار والبقاء لمذاهب هؤلاء الأربعة بما هيأه - سبحانه- من وجود التلاميذ الذين دونوا مسائلهم، وسجلوا آراءهم.
وطالب العلم لا يستغني عن الرجوع إلى ما كتبه هؤلاء الأئمة وغيرهم من أهل الاجتهاد والسبق، بل هذا هو الطريق الصحيح لمعرفة الفقه، أن يتعلمه الدارس وفق ما دونه أهل مذهب من هذه المذاهب، دون تعصب لها، ولا اعتقاد أنه ملزم باتباعها في كلِّ مسألة، فإنه لا أحد يتعين على الناس اتباعه في كل ما يقول غير نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - . لقوله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر.
ومن هنا تعلم أن الدعوة إلى إلغاء هذه المذاهب خطأ واضح ، وكذلك التعصب لها بالباطل، وتقديم آرائها على الدليل الصحيح المعتبر.
- - - - - - - - - - - - - - -
الخاتمة
? الاجتهاد في فهم الأحكام الشرعية من الفروض الكفائية، إذا قام به البعض سقط الإثم والحرج عن الباقين ، وإذا لم يقم به أحد أثم الجميع.
? الذين بلغوا الاجتهاد المطلق قلة قليلة من العلماء، ولا يتعدون القرون الثلاث الأولى ، ولا سيما الأئمة الأربعة ، فقد أجمعت عليهم الأمة ، وسارت باجتهاداتهم الركبان .
? للمجتهد المطلق شروط كثيرة ، صعبة المنال .
? القول بوجوب الاجتهاد على كلِّ الناس ، هو تكليف بما لا يطاق ، ومخالف للشرع مخالفة صريحة ، فلا يجوز التعويل عليه .
? الادعاء اليوم بأنه تيسر لنا ما لم يتسر للأئمة السابقين ، ومن ثم نستطيع الاجتهاد بسهولة ، قول لا يدعمه الدليل ، ولا الواقع ، ولا طبيعة الناس .
? باب الاجتهاد المطلق قد انتهى أمره بنهاية القرن الرابع الهجري ، بعد أن قعدت القواعد ووضحت الأصول الشرعية .
? يجب موالاة الأئمة السابقين ومحبتهم والدفاع عنهم ، والطعن فيهم هو طعن في الدين .
? القول عن الأئمة السابقين هم رجال ونحن رجال ، قول باطل ،وعريٌّ عن الدليل ، كالقول عن الأطباء : هم رجال ونحن رجال ، من باب أن الأطباء بشر ليس إلا .
? الذين ادعوا الاجتهاد المطلق بعد الأئمة السابقين وقعوا في أخطاء فاحشة .
? الاجتهاد غير المطلق (المقيد) موجود في كل العصور الإسلامية ، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
? الضروري في أمور الدِّين واجب تعلمه على كل مسلم ومسلمة.
? الاجتهاد لا يكون إلا في الأمور الظنية ، أو المترددة بين معان مختلفة .
? لا اجتهاد في مورد النص .
? الاجتهاد في حق الأنبياء جائز وواقع ، ولكن لا يقرُّون على خطأ.
? الاجتهاد قابل للتجزؤ ، فيكون مجتهد في ناحية دون أخرى
? ليس من شرط المجتهد علمه بكلِّ المسائل.
? يجوز للمجتهد المطلق في حالات التقليد .
? المسائل التي اختلف فيها الفقهاء نوعان، النوع الأول: إما أن يكون بين حديث صحيح وضعيف أو بين دليل قوي ودليل ضعيف ،أو الذي يعتمد على قياس أو الأدلة التبعية ، فإذا كان من هذا القبيل ، فالمصيب فيها واحد ، والمخطئ
ما سواه .
والنوع الثاني إذا كان يعود سبب الاختلاف لاحتمال الأدلة هذا وهذا ، أو الرفق بالمكلفين ، وهو ما يسمَّى باختلاف التنوع ، فالمصيب الجميع .
? المجتهد المصيب له أجران ، والمخطئ له أجر واحد .
? يجب أن يوجد مجتهدين( مقيَّدين) في كل عصر للإجابة على أسئلة الناس في أمور دينهم .
? لا يجوز أن يفتي للناس من لم يكن أهلا لذلك .
? الإفتاء المقيد بمذهب معين جائز ، بشرط معرفة أدلته .
? يجب الحجر على المفتي الجاهل والفاسق .
? الفتوى التي تصادم نصًّا صحيحاً ، تردُّ على صاحبها ، ولا يجوز اعتمادها.
? لا تجوز الفتوى بالآراء الشاذة أوالمنحرفة أو المصادمة لقطعيات الشريعة.
? لا ينكر تغير الأحكام المبنية على المصالح المرسلة ، وليس على النصوص الثابتة ، بتغير الأزمان والأحوال .
? المجتهد والمفتي والقاضي ، ليسوا معصومين من الخطأ.
? لا إنكار على من كان اجتهاده محتملاً
? من كان أهلا للاجتهاد ورأى حديثاً صحيحاً يخالف مذهبه ولم يجد له مدفعاً ، فليعمل بالحديث الصحيح إذا كان قد عمل به إمام مجتهد معتبر .
? على طلاب العلم التعود على ربط الأحكام الشرعية بأدلتها المعتبرة ، ولاسيما أثناء تدريسهم ذلك أو كتابته .
? التقليد في أصول الدين لا يجوز على الراجح
? التقليد في فروع الدين سواء أكانت في العقيدة أو العبادات أو المعاملات جائز لكل من لم يكن أهلا للاجتهاد .
? الغالبية العظمى من الناس ليسوا أهلا للاجتهاد ، من ثم واجب عليهم سؤال أهل العلم .
? لا يجوز تقليد من لم يكن أهلا للاجتهاد .
? يجوز تقليد المذاهب الأربعة لكل عاجز عن الاجتهاد .
? لا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة إلا لمن كان أهلا لذلك من طلاب العلم ، وبصيرا بالأدلة قويها وضعيفها ، راجحها ومرجوحها .
? لا تجوز الفتوى بغير المذاهب الأربعة إلا لطالب علم قادر على التمييز بين الأدلة ، وكان فيها رفقاً بالناس ، وثبتت عن صاحبها ، ولم تنكر عليه .
? العامي مذهبه مذهب مفتيه .
? الأفضل سؤال الأعلم والأورع من المفتين
? إذا اختلفت الفتاوى على العامي يأخذ بالأورع والأحوط .
? لا يجوز التعصب لمذهب من المذاهب الأربعة ، فكلهم على خير .
? الراجح أنه لا يجب التزام مذهب معين لا يجوز الخروج منه.
? يجوز للعامي - وطالب العلم المتبصر من باب أولى - أن ينتقل من مذهبه إلى مذهب آخر كليًّا أو جزيًّا إذا كانت هناك مصلحة شرعية بذلك على الراجح.
? لا يجوز تقليد العالم الذي أخطأ في فتواه أو صادم النصوص الشرعية .
? الذين حرموا التقليد وقعوا في أخطاء جسيمة وتعسفوا في تأويل الآيات والأحاديث .
? ما ورد عن الأئمة من النهي عن تقليدهم هو خاص بطلابهم الذين بلغوا درجة الاجتهاد المطلق ، وليس لكل الناس .
? لا ينبغي تتبع الرخص إلا إذا كانت هناك ضرورة أو حاجة للأخذ بالأيسر.
وألاّ يترتب على الأخذ بالأيسر معارضة مصادر الشريعة القطعية، أو أصولها ومبادئها العامة
? أن يتقيد الأخذ بالأيسر في مسائل الفروع الشرعية الاجتهادية الظنية
? التلفيق جائز بشروط أن يكون هناك ثمة حاجة له ، وأن لا يؤدي إلى تضييع الحقوق أو إسقاط التكليف
? الذين يزعمون أنهم يتبعون الكتاب والسُّنَّة ويتركون أقوال الأئمة ما هم إلا حفنة شاذة من الجهال ، التي لا يجوز تقليدها ولا اتباعها ، لأن دعوتهم الخرقاء تؤدي إلى التعسف في فهم الدين ، والطعن بالأئمة السابقين ، وكأنهم كانوا يستنبطون الأحكام من غير القرآن والسُّنَّة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
- - - - - - - - - - - - - - - -
أهم المصادر والمراجع
1. تفسير الطبري(جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ) الشاملة 2 + موقع التفاسير
2. تفسير ابن كثير الشاملة 2 + موقع التفاسير
3. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي الشاملة 2 + موقع التفاسير
4. تفسير الألوسي الشاملة 2 + موقع التفاسير
5. الوسيط للواحدي الشاملة 2 + موقع التفاسير
6. أيسر التفاسير لأسعد حومد الشاملة 2 + موقع التفاسير
7. أضواء البيان للشنقيطي الشاملة 2
8. التفسير الميسر الشاملة 2 + موقع التفاسير
9. تفسير السعدي الشاملة 2 + موقع التفاسير
10. تفسير ابن أبي حاتم الشاملة 2 + موقع التفاسير
11. في ظلال القرآن الشاملة 2 + موقع التفاسير
12. الوسيط لسيد طنطاوي الشاملة 2 + موقع التفاسير
13. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ابن تيمية الشاملة 2 = دار عالم الكتب
14. اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث الشاملة 2
15. شروح الطحاوية الشاملة 2
16. مجمل اعتقاد أئمة السلف ابن تيمية الشاملة 2
17. الملل والنحل للشهرستاني
18. منهاج السنة النبوية ابن تيمية= الشاملة 2 = محمد رشاد سالم
19. درء التعارض بين العقل والنقل ابن تيمية= الشاملة 2= دار الكنوز الأدبية الرياض
20. المنتقى - شرح الموطأ للباجي الشاملة 2+ موقع الإسلام
21. موطأ مالك المكنز
22. صحيح البخارى المكنز
23. صحيح مسلم المكنز
24. مختصر صحيح المسلم للمنذري الشاملة 3 + ت الألباني
25. سنن أبى داود المطنز
26. سنن الترمذى المكنز
27. سنن النسائى المكنز
28. سنن ابن ماجه الكننز
29. مصنف عبد الرزاق المكتب الإسلامي + الشاملة 2
30. مصنف ابن أبي شيبة عوامة + الشاملة 2
31. مسند أحمد الكنز
32. مسند الشاشي جامع الحديث النبوي
33. مسند أحمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط) دار صادر
34. أخبار مكة للأزرقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
35. الإبانة الكبرى لابن بطة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
36. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
37. الترغيب والترهيب للمنذري الشاملة 2
38. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
39. سنن سعيد بن منصور الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
40. المستدرك للحاكم دار المعرفة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
41. المعجم الكبير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
42. المعجم الأوسط للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
43. المعجم الصغير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
44. تفسير ابن أبي حاتم الشمالة 2 + موقع التفاسير + جامع الحديث النبوي
45. تهذيب الآثار للطبري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
46. مُعْجَمُ الشُّيُوخِ لِابْنِ جُمَيْعٍ الصَّيْدَاوِيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
47. دلائل النبوة للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
48. السنن الكبرى للبيهقي المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
49. شعب الإيمان للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
50. سنن الدارمى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
51. علل الترمذي الشاملة 2
52. شرح علل الترمذي لابن رجب الشاملة 2
53. مسند أبي عوانة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
54. مسند إسحاق بن راهويه الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
55. مسند البزار 1-14كاملا الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
56. مسند أبي يعلى الموصلي ت حسين الأسد دار المأمون + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
57. مسند الحميدى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
58. مسند الروياني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
59. مسند السراج الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
60. سنن الدارقطنى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
61. صحيح ابن حبان مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
62. موارد الظمآن في زوائد ابن حبان الهيثمي الشاملة 2
63. صحيح ابن خزيمة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
64. مسند الشاميين للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
65. مسند الشهاب القضاعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
66. مسند الطيالسي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
67. مسند عبد الله بن المبارك الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
68. مسند عبد بن حميد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
69. مسند الشافعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
70. شرح معاني الآثار الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي+ موقع الإسلام
71. مشكل الآثار للطحاوي ، مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
72. معرفة السنن والآثار للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
73. السنن الصغرى للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
74. المنتقى من السنن المسندة لابن الجارود الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
75. معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
76. موسوعة السنة النبوية - للمؤلف مخطوط
77. الأحاديث المختارة للضياء +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
78. الْأَرْبَعُونَ حَدِيثًا لِلْآجُرِّيّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
79. شرح السنة ـ للإمام البغوى متنا وشرحا مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
80. مجمع الزوائد + دار المعرفة + الشاملة 2
81. اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
82. المسند الجامع مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
83. جامع الأصول لابن الأثير ت - عبد القادر الأرناؤوط + الشاملة 2
84. عمل اليوم والليلة للنسائي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
85. عمل اليوم والليلة لابن السني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
86. مصباح الزجاجة في زائد ابن ماجة البوصيري الشاملة 2
87. المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
88. حديث خيثمة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
89. أخبار أصبهان الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
90. أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
91. أمالي ابن بشران الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
92. أمالي المحاملي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
93. أمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
94. اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
95. الآداب للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
96. الأدب المفرد للبخاري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
97. الأسماء والصفات للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
98. الأمثال للرامهرمزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
99. الأموال للقاسم بن سلام الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
100. الأموال لابن زنجويه الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
101. الاعتقاد للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
102. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
103. الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
104. مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم الشاملة 2
105. حقيقة البدعة وأحكامها للدكتور/ سعيد الغامدي
106. منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد
107. التوحيد لابن خزيمة الشاملة 2
108. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
109. الدعاء للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
110. الدعوات الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
111. الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
112. الزهد الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
113. الزهد لهناد بن السري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
114. الزهد والرقائق لابن المبارك الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
115. السنة لأبي بكر بن الخلال الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
116. السنة لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
117. السنة لعبد الله بن أحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
118. السنة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
119. السنن الواردة في الفتن للداني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
120. الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
121. الفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
122. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
123. المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
124. المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
125. المدخل إلى الصحيح للحاكم + الشاملة 2
126. الناسخ والمنسوخ لابن شاهين الشاملة 2
127. بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي الشاملة2
128. تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
129. جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
130. خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لِلْبُخَارِيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
131. طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
132. طبقات الحنابلة لأبي يعلى+ الشاملة 2
133. فضائل الأوقات للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
134. فضائل الصحابة لأحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
135. فضائل القرآن للقاسم بن سلام الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
136. فضائل القرآن لمحمد بن الضريس الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
137. فوائد تمام الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
138. قرة العين في ضبط رجال الصحيحين + الشاملة 2
139. مسند المقلين لتمام الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
140. معجم الصحابة لابن قانع الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
141. قصر الأمل لابن أبي الدنيا الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
142. القول المسدد في الذب عن مسند أحمد الشاملة 2
143. المقاصد الحسنة للسخاوي الشاملة 2
144. كشف الخفاء للعجلوني الشاملة 2
145. نظم المتناثر للكتاني الشاملة 2
146. نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي الشاملة 2 + موقع الإسلام
147. الدراية في تخريج أحأديث الهداية لابن حجر الشاملة 2
148. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر الشاملة 2 + موقع الإسلام
149. روضة المحدثين الشاملة 2
150. تخريج أحاديث الإحياء للعراقي الشاملة 2
151. صيانة صحيح مسلم الشاملة 2
152. هدي الساري (مقدمة الفتح ) لابن حجر الشاملة 2
153. تغليق التعليق لابن حجر الشاملة 2 + المطبوع
154. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني الشاملة 2
155. إتحاف السادة المتقين للزبيدي دار الفكر
156. الحطة في ذكر الصحاح الستة الشاملة 2
157. تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لابن عبد الهادي الشاملة 2
158. تراجعات العلامة الألباني في التصحيح والتضعيف الشاملة 2
159. علل الحديث لابن أبي حاتم الشاملة 2
160. الضُّعَفَاءُ الْكَبِيرِ لِلْعُقَيْلِيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
161. جرح الرواة وتعديلهم محمود عيدان أحمد الدليمي الشاملة 2
162. تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي الشاملة 2
163. تحفة الطالب دار حراء - مكة المكرمة
164. تحفة المحتاج في تخريج أحاديث المنهاج لابن الملقن + الشاملة 2
165. البدر المنير لابن الملقن + الشاملة 2
166. خلاصة البدر المنير لابن الملقن الشاملة 2 + مكتبة الرشد الرياض
167. خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام للإمام النووي + الشاملة 2
168. تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج + الشاملة 2
169. السلسلة الضعيفة للألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
170. السلسلة الصحيحة للألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
171. صحيح الترغيب والترهيب + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
172. صحيح وضعيف سنن أبي داود الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
173. صحيح وضعيف سنن الترمذي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
174. صحيح وضعيف سنن النسائي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
175. صحيح وضعيف سنن ابن ماجة الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
176. صحيح وضعيف الجامع الصغير الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
177. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر الشاملة 2
178. فتح الباري لابن حجر الشاملة 2 + موقع الإسلام
179. فتح الباري لابن رجب الشاملة 2
180. عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني الشاملة 2
181. شرح البخاري ابن بطال الشاملة 2
182. شرح النووي على مسلم الشاملة 2 + موقع الإسلام
183. عون المعبود للآبادي الشاملة 2 + موقع الإسلام
184. تحفة الأحوذي المباركفوي الشاملة 2 + موقع الإسلام
185. تأويل مختلف الحديث ابن قتيبة الشاملة 2
186. الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
187. إرشاد الساري للقسطلاني
188. شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية الشاملة 2
189. فيض القدير،شرح الجامع الصغير الشاملة 2
__________
(1) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 3630) رقم الفتوى 7763 وجود المذاهب الأربعة ليس من الابتداع في الدين تاريخ الفتوى : 30 محرم 1422
(2) - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 824) رقم الفتوى 2397 المذاهب الفقهية والالتزام بها
تاريخ الفتوى : 29 ذو الحجة 1421
(3) - انظر فتاوى الأزهر - (ج 10 / ص 175) وفتاوى الرملي - (ج 6 / ص 277) والفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 3 / ص 340) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 2002) وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 5 / ص 170) والموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 4443) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 1 / ص 35و56) وفتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 16 / ص 249) وحجة الله البالغة للدهلوي - (ج 1 / ص 100)(1/162)
190. جامع العلوم والحكم الشاملة 2 + تحقيق الفحل
191. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود الشاملة 2+ موقع الإسلام
192. تيسير العلام شرح عمدة الحكام- للبسام الشاملة 2
193. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح الشاملة 2
194. فيض الباري شرح صحيح البخاري الشاملة 2 + موقع الإسلام
195. بلوغ المرام من أدلة الأحكام الشاملة 2
196. مختصر منهاج القاصدين نشر دار البيان
197. كشف المشكل من حديث الصحيحين الشاملة 2
198. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام الشاملة 2
199. التحفة الربانية شرح الأربعين النووية الشاملة 2
200. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين الشاملة 2
201. فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين الشاملة 2
202. مجموع فتاوى ابن تيمية الشاملة 2 + دار الباز
203. الفتاوى الكبرى لابن تيمية الشاملة 2 + موقع الإسلام
204. جواهر الإكليل شرح مختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
205. حاشية الجمل الشاملة 2 + موقع الإسلام
206. القوانين الفقهية لابن جزي الشاملة 2
207. فتاوى الأزهر الشاملة 2
208. الموسوعة الفقهية الكويتية الشاملة 2 + موقع الإسلام + دار السلاسل
209. موسوعة الفقه الإسلامي الشاملة 2 + موقع الأزهر
210. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشاملة 2
211. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين الشاملة 2
212. أبحاث هيئة كبار العلماء الرئاسة العام للبحوث + الشاملة 2
213. فتاوى السبكي الشاملة 2
214. فتاوى الرملي الشاملة 2
215. المنتقى من فتاوى الفوزان الشاملة 2
216. الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي الشاملة 2 + موقع الإسلام
217. لقاءات الباب المفتوح الشاملة 2
218. دروس وفتاوى الحرم المدني الشاملة 2
219. فتاوى من موقع الإسلام اليوم الشاملة 2
220. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
221. فتاوى يسألونك الشاملة 2
222. الفتوى - د. يوسف القرضاوي
223. تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون+ الشاملة 2
224. مجموع فتاوى ومقالات ابن باز الشاملة 2
225. مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية الشاملة 2
226. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
227. فتاوى واستشارات الإسلام اليوم الشاملة 2
228. فتاوى الشبكة الإسلامية الشاملة 2
229. الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي الشاملة 2
230. الفقه الإسلامي وأدلته الزحيلي الشاملة 2 + دار الفكر
231. الدرر السنية في الأجوبة النجدية -الشاملة 2
232. مجلة مجمع الفقه الإسلامي الشاملة 2
233. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام الشاملة 2
234. طرح التثريب الشاملة 2 + موقع الإسلام
235. الفتوحات الربانية على الأذكار النووية لابن علان دار الفكر
236. نيل الأوطار الشاملة 2 + موقع افسلام
237. السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - الرقمية الشاملة 2
238. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام الشاملة 2
239. فتاوى الرملي الشاملة 2
240. فتاوى ابن عليش الشاملة 2 =جامع الفقه الإسلامي
241. البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار - زيدية الشاملة 2 + موقع الإسلام
242. الروضة الندية الشاملة 2
243. المحلى لابن حزم الشاملة 2
244. شرح النيل وشفاء العليل - إباضية الشاملة 2
245. حاشية رد المحتار الشاملة 2 + موقع الإسلام
246. تكملة حاشية رد المحتار الشاملة 2 + موقع الإسلام
247. المبسوط للسخسي الشاملة 2 + موقع الإسلام
248. الهداية للمرغياني الشاملة 2
249. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع الشاملة 2 + موقع الإسلام
250. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق الشاملة 2 + موقع الإسلام
251. فتح القدير لابن الهمام الشاملة 2 + موقع الإسلام
252. البحر الرائق شرح كنز الدقائق الشاملة 2 + موقع الإسلام
253. مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه الشاملة 2
254. رد المحتار على الدر المختار الشاملة 2
255. المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة الشاملة 2
256. حاشية الطحاوي على المراقي الشاملة 2
257. الشرح الكبير للشيخ الدردير الشاملة 2 + موقع الإسلام
258. الشرح الصغير الشاملة 2
259. التاج والإكليل لمختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
260. مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
261. شرح الزرقاني على مختصر خليل الشاملة 2
262. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني الشاملة 2 + موقع الإسلام
263. منح الجليل شرح مختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
264. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة القرطبي الشاملة 2
265. بداية المجتهد ونهاية المقتصد الشاملة 2
266. الإحكام في تمييز الفتاوى من الأحكام للقرافي = حلب مكتبة المطبوعات الإسلامية
267. روضة الطالبين وعمدة المفتين الشاملة 2+ موقع الوراق
268. جزيل المواهب في اختلاف المذاهب للسيوطي الشاملة 2
269. المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي الشاملة 2
270. المجموع شرح المهذب للنووي الشاملة 2 + موقع الإسلام
271. أسنى المطالب بشرح روض الطالب الشاملة 2 + موقع الإسلام
272. شرح البهجة الوردية الشاملة 2 + موقع الإسلام
273. حاشيتا قليوبي - وعميرة الشاملة 2 + موقع الإسلام
274. تحفة المحتاج في شرح المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
275. مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
276. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
277. حاشية البجيرمي على الخطيب الشاملة 2 + موقع الإسلام
278. حاشية البجيرمي على المنهج الشاملة 2 + موقع الإسلام
279. الأم للشافعي الشاملة 2 + موقع الإسلام
280. الرسالة للشافعي الشاملة 2
281. إبطال الاستحسان" للشافعي
282. الحاوي في فقه الشافعي - الماوردي الشاملة 2
283. دليل المحتاج شرح المنهاج للإمام النووي الشاملة 2
284. الشرح الكبير لابن قدامة الشاملة 2
285. الفروع لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام
286. الإنصاف في الراجح من الخلاف الشاملة 2 + موقع الإسلام
287. شرح منتهى الإرادات الشاملة 2 + موقع الإسلام
288. كشاف القناع عن متن الإقناع الشاملة 2 + موقع الإسلام
289. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى الشاملة 2 + موقع الإسلام
290. المغني لابن قدامة الشاملة 2 + موقع الإسلام
291. المغني لابن قدامة الحنبلي مع الشرح الكبير، الطبعة الثالثة بدار المنارة بالقاهرة
292. المبدع شرح المقنع الشاملة 2
293. صفة الفتوى والمستفتى لابن حمدان
294. الروض المربع بحاشية العنقري على زاد المستنقع الشاملة 2
295. زاد المستقنع في اختصار المقنع الشاملة 2
296. منار السبيل شرح الدليل الشاملة 2
297. شرح زاد المستقنع لابن عثيمين الشاملة 2
298. الشرح الممتع على زاد المستقنع الشاملة 2
299. أصول السرخسي الشاملة 2
300. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الشاملة 2
301. الإحكام في أصول الأحكام للآمدي الشاملة 2
302. المحصول للرازي الشاملة 2
303. المستصفى للغزالي الشاملة 2 + موقع الإسلام
304. المنخول للغزالي الشاملة 2
305. شرح العضد على مختصر ابن الحاجب
306. تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية الشاملة 2
307. الفروق للقرافي الشاملة 2
308. أنوار البروق في أنواع الفروق الشاملة 2 + موقع الإسلام
309. كشف الأسرار للبزدوي الشاملة 2
310. غاية الوصول شرح لب الأصول زكريا الأنصاري الشاملة 2
311. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الشاملة 2 + موقع الإسلام
312. البحر المحيط للزركشي الشاملة 2 + موقع الإسلام
313. المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران الشاملة 2 =دار الكتب العلمية
314. التحبير شرح التحرير في أصول الفقه للمرداوي الشاملة 2 + مكتبة الرشد
315. شرح الكوكب المنير للفتوحي الشاملة 2 + موقع الإسلام
316. إيقاظ همم أولي الأبصار الشاملة 2
317. حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع الشاملة 2 + موقع الإسلام
318. شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه التفتنازي =الشاملة 2+ دار الكتب العلمية
319. التقليد والإفتاء والاستفتاء الشاملة 2
320. قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام الشاملة 2+موقع الإسلام
321. مراقي السعود وشرحها ، طبعة المدني
322. شرح الورقات في أصول الفقه الددو الشاملة 2
323. المختصر في أصول الفقه للبعلي = مكة المكرمة + الشاملة 2
324. جمع الجوامع وشرحه لجلال الدين المحلي
325. تيسير التحرير لابن أمير شاه = دار الفكر = الشاملة 2
326. الفصول في الأصول للرازي الشاملة 2 + موقع الإسلام
327. قواطع الأدلة فى الأصول / للسمعانى الشاملة 2
328. التلخيص فى أصول الفقه / لإمام الحرمين الشاملة 2
329. مذكرة أصول الفقه الشاملة 2
330. مسلم الثبوت ط بولاق
331. مذكرة في أصول الفقه الشنقيطي
332. روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة -مؤسسة الريان + الشاملة 2
333. فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت
334. من أصول الفقه على منهج أهل الحديث - الرقمية الشاملة 2
335. الأصول من علم الأصول - الرقمية الشاملة 2
336. البرهان في أصول الفقه الجويني - الرقمية الشاملة 2
337. الرد على من أخلد إلى الأرض للسيوطي + الشاملة 2
338. عقود رسم المفتي لابن عابدين ضمن رسائله
339. الإمام مالك لأبي زهرة
340. أحمد بن حنبل لأبي زهرة
341. الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية
342. صفة الفتوى والمفتي والمستفتي لأحمد بن حمدا
343. تلقيح الافهام العلية بشرح القواعد الفقهية الشاملة 2
344. حجة الله البالغة للدهلوي الشاملة 2
345. الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف للدهلوي = الشاملة + ت عبد الفتاح أبو غدة
346. بحوث في علم أصول الفقه الشاملة 2 الكردي
347. التبصرة في أصول الفقه الشيرازي دار الفكر = الشاملة 2
348. القول المفيد في الاجتهاد والتقليد للشوكاني الشاملة 2
349. القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد المكي دار الدعوة+الشاملة2
350. الموافقات للشاطبي الشاملة 2 + دار عفان
351. إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول الشاملة 2
352. الإبهاج في شرح المنهاج الشاملة 2
353. فتاوى ابن الصلاح الشاملة 2
354. الأصول من علم الأصول الشاملة 2 + موقع الإسلام
355. التقرير والتحبير الشاملة 2 + موقع الإسلام
356. المسودة في أصول الفقه الشاملة 2
357. معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة الشاملة 2
358. نهاية السول شرح منهاج الوصول الشاملة 2
359. إحياء علوم الدين دار الفكر + الشاملة 2
360. حلية الأولياء لأبي نعيم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
361. أدب الدنيا والدين الماوردي الشاملة 2 + موقع الإسلام
362. المدخل لابن الحاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
363. الآداب الشرعية لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام
364. الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر المكي الشاملة 2 + موقع الإسلام
365. بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية الشاملة 2 + موقع الإسلام
366. غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب السفاريني الشاملة 2 + موقع الإسلام
367. رياض الصالحين للنووي -ت الألباني - الفحل
368. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية للشعراني الشاملة 2
369. مدارج السالكين لابن القيم الشاملة 2
370. مقدمة ابن الصلاح الشاملة 2
371. معرفة علوم الحديث للحاكم الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
372. الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث الشاملة 2
373. قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث الشاملة 2
374. الكفاية في علم الرواية الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
375. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث السخاوي + الشاملة 2
376. المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل فاروق حمادة
377. الاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد الشاملة 2
378. توضيح الأفكار للصنعاني + الشاملة 2
379. المخزون في علم الحديث لأبي الفتح الأزدي + الشاملة 2
380. قواعد في علوم الحديث للتهانوي ت أبو غدة
381. منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - العتر + الشاملة 2
382. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي + الشاملة 2
383. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
384. التعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر الشاملة 2
385. تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع + الشاملة 2
386. شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
387. النكت على ابن الصلاح لابن حجر + الشاملة 2
388. شرح الموقطة للذهبي الشاملة 2
389. الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح العراقي + الشاملة 2
390. شرح التبصرة والتذكرة العراقي + الشاملة 2 ت الفحل
391. التذكرة في علوم الحديث لابن الملقن الشاملة 2
392. توجيه النظر إلى أصول الأثر الجزائري+ الشاملة 2 + تحقيق أبو غدة
393. نظرات جديدة في علوم الحديث حمزة الميباري + الشاملة 2
394. المنهج الحديث في علوم الحديث للشيخ السماحي
395. التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النووي + الشاملة 2
396. الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي + الشاملة 2 أبو غدة
397. قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر القنوجي الشاملة 2
398. الغاية فى شرح الهداية فى علم الرواية + الشاملة 2
399. زاد المعاد لابن القيم + الشاملة 2+ موقع الإسلام
400. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي+ الشاملة 2
401. الإصابة في معرفة الصحابة للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
402. التاريخ الكبير البخاري + الشاملة 2
403. الطبقات الكبرى لابن سعد + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
404. ميزان الاعتدال للذهبي + الشاملة 2 دار المعرفة
405. تاريخ دمشق لابن عساكر + الشاملة 2 دار الفكر
406. طبقات الشافعية للسبكي + الشاملة 2
407. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم + الشاملة 2
408. الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي + الشاملة 2
409. غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر الشاملة 2
410. الأشباه والنظائر للسيوطي الشاملة 2 +دار الكتب العلمية
411. قواعد الفقه أصول الكرخي كراتشي+ الشاملة 2
412. ضعفاء العقيلي + الشاملة 2
413. تهذيب الكمال للمزي+ الشاملة 2 ت عواد بشار مؤسسة الرسالة
414. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة + الشاملة 2 ت عوامة
415. تقريب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
416. تهذيب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
417. تعجيل المنفعة لابن حجر + الشاملة 2
418. لسان الميزان للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
419. سير أعلام النبلاء مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
420. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي + الشاملة 2
421. البداية والنهاية لابن كثير + الشاملة 2
422. أبجد العلوم صديق حسن خان القنوحي الشاملة 2
423. الخلاصة في أحكام الحديث الضعيف للمؤلف
424. تاريخ الإسلام للذهبي + الشاملة 2 ت التدمري
425. الفصل في الملل والنحل لابن حزم مكتبة الخانجي - القاهرة
426. النهاية في غريب الأثر + الشاملة 2
427. تاج العروس للزبيدي + الشاملة 2
428. معجم لسان المحدثين خلف الشاملة 2
429. لسان العرب لابن منظور + الشاملة 2
430. المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية + الشاملة 2
431. معجم المؤلفين كحالة + الشاملة 2
432. وفيات الأعيان لابن خلكان الشاملة2 =دار صادر بيروت
433. شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي= برنامج المحدث
434. تيسير العلام شرح عمدة الحكام لابن بسام + الشاملة 2
435. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي + الشاملة 2
436. الحافظ ابن حجر ومنهجه في تقريب التهذيب ، للمؤلف
437. منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها للعاني - الأردن
438. كشاف اصطلاحات الفنون ط كلكتا
439. الْفَوَائِدِ الشَّهِيرُ بِالْغَيْلَانِيَّاتِ لِأَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ الشاملة 2
440. زاد المعاد لابن القيم الشاملة 2 + موقع الإسلام
الفهرس العام
البابُ الأولُ ... 6
الخلاصة في أحكام الاجتهاد ... 6
التمهيد ... 7
المبحث الأول -وُجُوبُ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ : ... 7
المبحث الثاني -الْعِلْمِ الْعَامِّ الَّذِي لَا يَسَعُ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ جَهْلُهُ ... 8
المبحث الثالث -الْعِلْمِ الْخَاصِّ الَّذِي لَمْ تُكَلَّفْهُ الْعَامَّةٌ : ... 12
الفصل الأول ... 14
أحكام الاجتهاد وصفاته وشروطه ... 14
المبحث الأول-تعريف الاجتهاد ... 14
المبحث الثاني-الْقِيَاسُ ... 14
المبحث الثالث- التَّحَرِّي : ... 14
المبحث الرابع- الِاسْتِنْبَاطُ : ... 15
المبحث الخامس- أَهْلِيَّةُ الاِجْتِهَادِ : ... 15
المبحث السادس- دَرَجَاتُ الاِجْتِهَادِ: ... 16
المبحث السابع- هل بلغ مرتبة الاجتهاد المطلق غير الأئمة الأربعة ؟ ... 17
المبحث الثامن- ( حكم الاجتهاد التَّكْلِيفِيّ ) ... 23
المبحث التاسع -صِفَةُ الاِجْتِهَادِ بِالاِسْتِعْمَال الْفِقْهِيِّ ( حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ ) ... 24
المبحث العاشر- شروط الاجتهاد: ... 24
أما الشروط اللازم توفرها في المجتهد فيمكن إجمالها فيما يأتي : ... 24
وأما الشروط اللازم توفرها في المسألة المجتَهد فيها فيمكن إجمالها فيما يأتي: ... 28
المبحث الحادي عشر- سقوط الاجتهاد مع وجود النص ... 33
المبحث الثاني عشر - دليلُ المجتهدين في زيادة الأحكام المستنبطة من الكتاب والسُّنَّة ... 35
المبحث الثالث عشر- اجتهادُ النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) ... 42
المبحث الرابع عشر- اجتهادُ النبي - صلى الله عليه وسلم - الوحيٌ الإقراري: ... 47
أ - حال الإيحاء، بأن يوحي الله إليه بالأمر ابتداء فيمتثل، أو يوحي إليه انتهاء ليعرفه سبحانه ما يتفق وشريعته، وهذا قليل نادر، ومثاله ما حدث في أسرى بدر. ... 47
ب - حال عدم الإيحاء: وذلك بتركه صلى الله عليه وسلم وشأنه فيتصرف صوابا، فيقرُّه الله سبحانه وتعالى على ذلك. ... 53
المبحث الخامس عشر -هل اجتهادُ النبي - - صلى الله عليه وسلم - - ينافي كون السنَّة وحيٌ ؟ ... 61
المبحث السادس عشر - هل باب الاجتهاد مغلق ؟ ... 77
المبحث الثامن عشر- هل يجوز خلو العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه ؟ ... 80
المبحث التاسع عشر- جَوَازُ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ ... 90
المسألة الأولى: هل للمجتهد في نوع من العلم أن يفتي به ؟ ... 90
المذهب الأول: الجواز مطلقًا. ... 90
المذهب الثاني: المنع مطلقًا: ... 90
المذهب الثالث: الفرق بين الفرائض وغيرها، فيتجزأ الاجتهاد في علم الفرائض، وله أن يفتي فيه دون غيره من العلوم. ... 91
المسألة الثانية: من بذل جهده في مسألة أو مسألتين هل له أن يفتي فيهما ؟ ... 91
المبحث العشرون - الْمُجْتَهِدُ مِن الْقُدَمَاءِ وَمَن الَّذِي حَازَ الرُّتْبَةَ مِنهُمْ ... 92
المبحث الواحد والعشرون - هل من شرط المجتهد علمه بكل المسائل ؟ ... 100
المبحث الثاني والعشرون - ما يجب على المجتهد المقيَّد؟ ... 101
التنبيه على ما حصل من خلل في فقه المتأخرين : ... 101
المبحث الثالث والعشرون- الفرق بين المجتهد المطلق ومجتهد المذهب ومجتهد الفتوى والمقلد المحض ... 101
المبحث الرابع والعشرون -رأي الإمام الذهبي بمراتب الاجتهاد: ... 110
الفصل الثاني ... 112
حول الإصابة والخطأ في أقوال المجتهدين ... 112
المبحث الأول -حجَّةُ من يقولُ: كلُّ مجتهدٍ مصيبٌ ... 113
المبحث الثاني- هل المصيبُ واحد في المسائل الخلافية؟ ... 128
المبحث الثالث -هل كل مجتهد مصيب؟ ... 136
الجانب الأول: هل الحقُّ عند الله واحد أو متعدد؟ ... 136
الجانب الثاني: لا خلاف بين أهل العلم في أن المجتهد - الذي توفرت الشروط في اجتهاده - إذا أصاب الحق له أجران، للحديث المتقدم، ... 144
المبحث الرابع -تعقيبٌ على قول المخطِّئة : ... 146
المبحث الخامس -أقوال المجتهدين وهل الحق في واحد أو كل مجتهد مصيب ... 155
الفصل الثالث ... 157
الخلاصة في أحكام الفتوى ... 157
المبحث الأول- تّعْرِيفُ الفَتْوَى: ... 157
المبحث الثاني- الْقَضَاءُ : ... 157
المبحث الثالث- الاِجْتِهَادُ : ... 158
المبحث الرابع -الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ : ... 159
المبحث الخامس -تَعَيُّنُ الْفَتْوَى : ... 159
المبحث السادس - مَنْزِلَةُ الْفَتْوَى : ... 160
المبحث السابع - تَهَيُّبُ الإِْفْتَاءِ وَالْجُرْأَةُ عَلَيْهِ : ... 160
المبحث الثامن-الْفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ : ... 161
المبحث التاسع -أَنْوَاعُ مَا يُفْتَى فِيهِ : ... 165
المبحث العاشر -حَقِيقَةُ عَمَل الْمُفْتِي : ... 165
المبحث الحادي عشر - شُرُوطُ الْمُفْتِي : ... 166
المبحث الثاني عشر -أَمَّا مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُفْتِي فَهُوَ أُمُورٌ : ... 167
المبحث الثالث عشر - د : الْعَدَالَةُ : ... 167
المبحث الرابع عشر - هـ - الاِجْتِهَادُ: ... 167
المبحث الخامس عشر - وَلَيْسَ لِمَنْ يُفْتِي بِمَذْهَبِ إِمَامٍ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ إِلاَّ وَقَدْ عَرَفَ دَلِيلَهُ وَوَجْهَ الاِسْتِنْبَاطِ . ... 169
المبحث السادس عشر -جواز الفتوى بقول الأموات : ... 170
المبحث السابع عشر- لا تجوز الفتوى بالأقوال المرجوع عنها أو المنسوخة: ... 170
المبحث الثامن عشر - و- جَوْدَةُ الْقَرِيحَةِ : ... 170
المبحث التاسع عشر - ز - الْفَطَانَةُ وَالتَّيَقُّظُ : ... 171
المبحث العشرون -الْقَرَابَةُ وَالصَّدَاقَةُ وَالْعَدَاوَةُ لاَ تُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الْفَتْوَى كَمَا تُؤَثِّرُ فِي الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ . ... 171
المبحث الواحد والعشرون - إِفْتَاءُ الْقَاضِي : ... 172
المبحث الثاني والعشرون- مَا تَسْتَنِدُ إِلَيْهِ الْفَتْوَى : ... 173
المبحث المبحث الثالث والعشرون -الإِْفْتَاءُ بِالرَّأْيِ ... 174
المبحث المبحث الرابع والعشرون -الإِْفْتَاءُ بِمَا سَبَقَ لِلْمُفْتِي أَنْ أَفْتَى بِهِ : ... 178
المبحث الخامس والعشرون -التَّخَيُّرُ فِي الْفَتْوَى عِنْدَ التَّعَارُضِ : ... 179
المبحث السادس والعشرون - تَتَبُّعُ الْمُفْتِي لِلرُّخَصِ : ... 179
المبحث السابع والعشرون - إِحَالَةُ الْمُفْتِي عَلَى غَيْرِهِ : ... 180
المبحث الثامن والعشرون - تَشْدِيدُ الْمُفْتِي وَتَسَاهُلُهُ : ... 180
المبحث التاسع والعشرون - آدَابُ الْمُفْتِي : ... 181
المبحث الثلاثون -مُرَاعَاةُ حَال الْمُسْتَفْتِي : ... 183
المبحث الواحد والثلاثون - صِيغَةُ الْفَتْوَى: ... 184
المبحث الثاني والثلاثون - الإِْفْتَاءُ بِالإِْشَارَةِ : ... 187
المبحث الثالث والثلاثون - الإِْفْتَاءُ بِالْكِتَابَةِ : ... 187
المبحث الرابع والثلاثون - أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى الْفُتْيَا : ... 187
المبحث الخامس والثلاثون - أَخْذُ الْمُفْتِي الْهَدِيَّةَ : ... 189
المبحث السادس والثلاثون - الْخَطَأُ فِي الْفُتْيَا : ... 189
المبحث السابع والثلاثون - رُجُوعُ الْمُفْتِي عَنْ فُتْيَاهُ : ... 189(1/163)
المبحث الثامن والثلاثون - إذا رَجَعَ الْمُفْتِي عَنْ فُتْيَاهُ ، أَوْ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ ، فَلَيْسَ لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يَسْتَنِدَ فِي الْمُسْتَقْبَل إِلَيْهَا فِي وَاقِعَةٍ أُخْرَى مُمَاثِلَةٍ . ... 190
المبحث التاسع والثلاثون -ضَمَانُ مَا يَتْلَفُ بِنَاءً عَلَى الْخَطَأِ فِي الْفَتْوَى : ... 190
المبحث الأربعون -الإِْمَامُ وَشُئُونُ الْفَتْوَى : ... 191
المبحث الواحد والأربعون -حُكْمُ الاِسْتِفْتَاءِ ... 192
المبحث الثاني والأربعون - مَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُفْتِيهِ فِي وَاقِعَتِهِ : ... 192
المبحث الثالث والأربعون - مَعْرِفَةُ الْمُسْتَفْتِي حَال مَنْ يَسْتَفْتِيهِ : ... 193
المبحث الرابع والأربعون - تَخَيُّرُ الْمُسْتَفْتِي مَنْ يُفْتِيهِ : ... 193
المبحث الخامس والأربعون - مَا يَلْزَمُ الْمُسْتَفْتِيَ إِنِ اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَجْوِبَةُ الْمُفْتِينَ : ... 194
المبحث السادس والأربعون - أَدَبُ الْمُسْتَفْتِي مَعَ الْمُفْتِي : ... 195
المبحث السابع والأربعون -هَل يَلْزَمُ الْمُسْتَفْتِيَ الْعَمَل بِقَوْل الْمُفْتِي ؟ ... 195
المبحث الثامن والأربعون -حُكْمُ الْمُسْتَفْتِي إِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ إِلَى الْفُتْيَا : ... 196
المبحث التاسع والأربعون -من يجوز له الإفتاء ؟ ... 196
المبحث الخمسون -بطلان الفتوى المخالفة للنصِّ وعدم الإفتاء بها: ... 207
المبحث الواحد والخمسون- حكم الفتاوى الشاذة ... 208
مسائل منوعة حول الاجتهاد ... 210
المبحث الأول - لا إنكار على من كان اجتهاده محتملاً : ... 211
المبحث الثاني -خَطَأِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ ... 212
المبحث الثالث - يَجِبُ اتِّبَاعُ مَا سَنَّهُ أَئِمَّةُ السَّلَفِ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ ... 214
المبحث الرابع - أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ إِذَا تَفَرَّقُوا فِيهَا وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَن بَعْدَهُمْ مِن أَكَابِرِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ... 215
المبحث الخامس -صفاتُ طَالِبِ الْعِلْمِ وآدَابُه ... 223
المبحث السادس -اسْتِحْقَاقُ طَالِبِ الْعِلْمِ لِلزَّكَاةِ: ... 226
المبحث السابع -فيمنْ تفقَّه على مذهبٍ ثم اشتغلَ بالحديث فرأى في مذهبه ما يخالفُ الحديثَ كيفَ يعملُ ؟ ... 226
المبحث الثامن -بيانُ معرفة الحقِّ بالدليل ... 231
المبحث التاسع -بيانُ أنَّ معرفة الشيءِ ببرهانهِ طريقةُ القرآنِ الكريمِ ... 238
المبحث العاشر - الفرق بين العالم والداعية والواعظ ... 240
الباب الثاني ... 243
الخلاصة في أحكام التقليد ... 243
الفصل الأول ... 244
أحكام التقليد ... 244
المبحث الأول -تعريف التقليد : ... 244
المبحث الثاني -تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ : ... 244
المبحث الثالث -حُكْمُ التَّقْلِيدِ : ... 245
أ - حُكْمُ التَّقْلِيدِ فِي الْعَقَائِدِ : ... 245
ب - حُكْمُ التَّقْلِيدِ فِي الْفُرُوعِ : ... 245
ج- الردُّ على أدلة المانعين للتقليد : ... 247
المبحث الرابع - أمثلة من تخبط المانعين من التقليد : ... 257
المبحث الخامس -شُرُوطُ مَن يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ : ... 267
المبحث السادس -مَن يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ : ... 267
المبحث السابع -تَعَدُّدُ الْمُفْتِينَ وَاخْتِلاَفُهُمْ عَلَى الْمُقَلِّدِ : ... 269
المبحث الثامن -تَقْلِيدُ الْمَذَاهِبِ : ... 269
المبحث التاسع -أَثَرُ الْعَمَل بِالتَّقْلِيدِ الصَّحِيحِ : ... 271
المبحث العاشر -إِفْتَاءُ الْمُقَلِّدِ : ... 271
المبحث الحاديس عشر -هَل الْمُقَلِّدُ مِن أَهْل الإِْجْمَاعِ ؟ ... 272
المبحث الثاني عشر -قَضَاءُ الْمُقَلِّدِ : ... 273
المبحث الثالث عشر -مَا يَفْعَلُهُ الْمُقَلِّدُ إِذَا تَغَيَّرَ الاِجْتِهَادُ : ... 273
المبحث الرابع عشر -التَّقْلِيدُ فِي اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ وَمَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : ... 274
المبحث الخامس عشر -أسبابُ تقليد المذاهب الأربعة : ... 275
قال ولي الله الدهلوي رحمه الله : ... 275
(1)- أنَّ هذه المذاهب الأربعة المدونة قد اجتمعتِ الأمةُ أو من يعتدُّ به منها على جواز تقليدها إلى بومنا هذا . ... 275
(2)- ومنها أنَّ تتبعَ الكتابُ والآثارُ لمعرفةِ الأحكامِ الشرعيةِ على مراتبَ: ... 278
(3) كثير من مسائل الخلاف بين الفقهاء ترجع للخلاف بين الصحابة: ... 282
المبحث السادس عشر - هل يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب ؟ ... 286
المبحث السابع عشر - هل يجوز الخروج عن المذهب لمذهب إمام أخر ؟ ... 290
المبحث الثامن عشر -هَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الْتِزَامُ تَقْلِيدِ مُعَيَّنٍ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ ؟ ... 290
المبحث التاسع عشر - هل يجب التزام مذهب معين؟ ... 294
المبحث العشرون -رأي ابن عبد البر في التقليد ومناقشته ... 295
المبحث الواحد والعشرون - التقليدُ وما يسوغ منه وما لا يسوغ ... 305
المبحث الثاني والعشرون - تَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ لِلْعَالِمِ ... 308
المبحث الثالث والعشرون - رأي الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالاجتهاد والتقليد ... 309
المبحث الرابع والعشرون -رأي الشيخ محمد بن عبد الوهاب بتقليد المذاهب الأربعة ... 314
المبحث الخامش والعشرون -هل يعمل المقلد بالدليل عند محمد بن عبد الوهاب ؟ ... 315
المبحث السادس والعشرون - رأي الشيخ صالح الفوزان بالاجتهاد والتقليد ... 316
المبحث السابع والعشرون - هَلْ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ؟ ... 319
المبحث الثامن والعشرون -للمرء اقتفاء آثار أيٍ من مذاهب أهل السنة الأربعة ... 321
المبحث التاسع والعشرون - تقليد المذاهب الأربعة.. رؤية فقهية ... 322
المبحث الثلاثون -التقليد الفقهي بين الجواز وعدمه ... 323
المبحث الواحد والثلاثون - هل يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة ؟ ... 324
الطلاق الثلاث بلفظ واحد : ... 325
وكذلك حكم الطلاق المعلق أو اليمين بالطلاق : ... 326
المبحث الثاني والثلاثون - رأي الحافظ الذهبي بالاجتهاد والتقليد ... 327
الفصل الثاني ... 330
أحكام تتبع الرخص ... 330
المبحث الأول -رخَصُ المذاهب وحكمُ تتبعها ... 330
المبحث الثاني - الاحتياط ُوالورعُ الأخذ بالأثقل ولو كان مرجوحاً ... 333
المبحث الثالث - الضوابط الشرعية للأخذ بأيسر المذاهب ... 334
أنواع الضوابط الشرعية للأخذ بأيسر المذاهب: ... 335
الضابط الأول: أن يتقيد الأخذ بالأيسر في مسائل الفروع الشرعية الاجتهادية الظنية ... 335
الضابط الثاني ـ ألا يترتب على الأخذ بالأيسر معارضة مصادر الشريعة القطعية، أو أصولها ومبادئها العامة. ... 336
الضابط الثالث ـ ألا يؤد ي الأخذ بالأيسر إلى التلفيق الممنوع: ... 338
الضابط الرابع ـ أن تكون هناك ضرورة أو حاجة للأخذ بالأيسر. ... 340
الضابط الخامس ـ أن يتقيد الأخذ بالأيسر بمبدأ الترجيح. ... 341
الفصل الثالث ... 344
الخلاصة في أحكام التلفيق ... 344
المبحث الأول -تعريف التلفيق : ... 344
المبحث الثاني - التَّفْرِيقُ : ... 344
المبحث الثالث - التَّقْدِيرُ : ... 344
المبحث الرابع -التَّلْفِيقُ فِي الْحَيْضِ إِذَا تَقَطَّعَ : ... 345
ِ المبحث الخامس - إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ بِرَكْعَةٍ مُلَفَّقَةٍ : ... 349
المبحث السادس -التَّلْفِيقُ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِمَنْ كَانَ بَعْضُ سَفَرِهِ فِي الْبَحْرِ وَبَعْضُهُ فِي الْبَرِّ : ... 350
المبحث السابع - التَّلْفِيقُ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَمَا شَابَهَهَا : ... 350
المبحث الثامن - التَّلْفِيقُ بَيْنَ شَهَادَتَيْنِ لإِِثْبَاتِ الرِّدَّةِ : ... 351
المبحث التاسع -التَّلْفِيقُ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ : ... 352
المبحث العاشر - التلفيق ورأي الأصوليين والفقهاء فيه ... 354
1- التلفيق في اللغة: ... 354
2- التلفيق في الاجتهاد : ... 356
3- التلفيق في التقليد : ... 359
4-الضابط في جواز التلفيق: ... 365
الفصل الرابع ... 369
قضايا تتعلق بالتقليد ... 369
المبحث الأول - حكم من قال: أنا أتبع الكتاب والسُّنَّة فقط : ... 369
المبحث الثاني -إذا وجد المقلِّدُ حديثاً صحيحاُ لا معارض له خالفه إمامه فهل يأخذ بالحديث أم لا ؟ ... 371
المبحث الثالث - المذهب الذي يتبعه العامي وطالب العلم ... 376
المبحث الرابع - التشددُ في الدين مذمومٌ ... 378
المبحث الخامس -الفرقُ بين التقليد والاتِّباع ... 381
وقال ابن القيم رحمه الله : ... 381
المبحث السادس - الفرقُ بين من تجب طاعته ومن تجوز طاعته ... 385
المبحث السابع - رجوع الصحابة عن آرائهم التي رأوها إلى أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعوها ووعوها ... 387
المبحث الثامن - هل يجوز ترك التقليد اليوم وأخذ الأحكام الفرعية من القرآن والسُّنَّة مباشرة ؟ ... 392
المبحث التاسع - وجودُ المذاهب الأربعة ليس منَ الابتداع في الدين ... 396
الخاتمة ... 398
أهم المصادر والمراجع ... 401(1/164)